خزانة التواریخ النجدیة

اشارة

نام کتاب: خزانة التواریخ النجدیة
نویسنده: آل بسام، عبد الله بن عبد الرحمان
موضوع: جغرافیای عمومی
زبان: عربی
تعداد جلد: 10
سال چاپ: 1419 ه. ق
نوبت چاپ: اول
رده کنگره:
DS۲۴۷/۹/ن۳/ب۵
فرم فیزیکی:گالینگور

[الجزء الأول]

اشارة

بسم اللّه الرّحمن الرّحیم‌

مقدمة خزانة التواریخ النجدیة

اشارة

الحمد للّه الأول الآخر، الظاهر الباطن، المبدی‌ء المعید، الذی بکل شی‌ء علیم. و الصلاة و السلام علی خاتم الأنبیاء و المرسلین، الذی کملت برسالته الرسالات، و تمت بنبوته النبوات، و علی آله و صحبه و أتباعه الذین هم الآخرون زمنّا السابقون إلی دار الخلود.
صلاة و سلاما دائمین ما تعاقب اللیل و النهار، و دارت الأفلاک و الأقمار، و أظلم اللیل و أضاء النهار.
أمّا بعد: فإن التاریخ من العلوم المفیدة الممتعة تتداوله الأمم و الأجیال، و تعشق قراءته و سماعه کل الفئات، فأربابه کثیرون، و عشاقه لا یحصون، لما فیه من المتعة و اللذّة، و لما یعود به علی القاری‌ء من فائدة.
فمن وعی التاریخ فکأنما أضاف أعمارا إلی عمره، و اطلع علی أخبار الأولین و الآخرین. هذا مع سهولة قراءته و یسر فهمه.
و التاریخ فیه عبر و عظات، لما فیه من عرض لأحوال الأمم السالفة و الأجیال الماضیة.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 6
و لذا، فإن اللّه تبارک و تعالی أکثر من ذکر قصص الأمم الماضین فی کتابه العزیز للاعتبار و الاتعاظ قال تعالی: ذلِکَ مِنْ أَنْباءِ الْقُری نَقُصُّهُ عَلَیْکَ مِنْها قائِمٌ وَ حَصِیدٌ [هود: 100]، کما قال جل و علا: کَذلِکَ نَقُصُّ عَلَیْکَ مِنْ أَنْباءِ ما قَدْ سَبَقَ وَ قَدْ آتَیْناکَ مِنْ لَدُنَّا ذِکْراً [طه: 99].
و أنا منذ نعومة أظفاری لی ولع بالتاریخ، و الذی نمّی هذه الرغبة والدی رحمه اللّه تعالی، فقد حفظت القرآن الکریم علی یدیه أنا و شقیقی الشیخ صالح بن عبد الرحمن البسام، و کان کلما مررنا بقصة نبی قصها علینا، و بیّن لنا ما جری له مع قومه و ما انتهی إلیه أمره، ثم صار یروی لنا السیرة النبویة و ما فیها من أحداث و غزوات، و کذلک أخبار الفتوحات الإسلامیة، مما حببنا بالأخبار و السّیر و التاریخ، و کان صاحب اطلاع واسع فی ذلک.
هذا، و نحن فی طور الصبا من أعمارنا.
ثم صرت أجالس کبار السن و الرواة من أسرتی (البسام) و غیرهم، من مثل:
1- الشیخ محمد سرور الصبان.
2- الأفندی الشیخ محمد نصیف.
3- الراویة محمد بن علی آل عبّید.
4- الراویة محمد بن إبراهیم بن معتق، و غیرهم، فاستفدت ما عندهم من أخبار.

تاریخ نجد:

الجزیرة العربیة و لا سیما منطقة نجد فهی منذ قامت الفتوحات
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 7
الإسلامیة و صارت العواصم الإسلامیة فی غیرها، رحل عنها النابهون من أهلها من العلماء و الخطباء و الشعراء و الرواة و القراء و الفرسان و صاروا بجانب الخلفاء فی تلک العواصم الإسلامیة من الشام و العراق و مصر.
و أصبحت البلاد النجدیة مهملة.
فخیّم علیها الجهل و الظلام و أهملت من جانب الخلافة الإسلامیة، فلم یعد لها ذکر. و لم یدون ما جری فیها من أحداث و أخبار بعد انتهاء الفتوحات زمن الخلفاء الأربعة.
ثم من القرن (التاسع) الهجری صرنا نری بعض الترسیمات و التقییدات البسیطة بفقرات موجزة تشیر إلی ما یحدث من فتن بین البلدان و القبائل، أو تشیر إلی وفاة شهیر بعلم أو غیره، أو تذکر خبر قحط أو خصب و نحو ذلک.
و هی مع هذا أخبار مقتضبة لا تعلل و لا تذکر أسباب تلک الأحداث، و أول من أطلعنا علی ترسیماته جدنا الشیخ أحمد بن محمد بن بسام الذی توفی عام (1040 ه) ثم تلاه الشیخ أحمد المنقور، و الشیخ محمد بن ربیعة، ثم الشیخ ابن عباد، و الشیخ ابن یوسف، و الشیخ حمد بن لعبون.
ثم جاء بعد هؤلاء مؤرخان هما أوسع من قیّد أخبار نجد و هما:
الشیخ عثمان بن بشر بکتابه (عنوان- المجد)، و الشیخ إبراهیم بن عیسی بکتابه (عقد الدرر).
ثم جاء بعد هذا کله خالنا الشیخ عبد اللّه بن محمد البسام بکتابه (نزهة المشتاق). و الأستاذ مقبل بن عبد العزیز الذکیر بکتابه (مطالع
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 8
السعود). و لقد حرصت علی جمع هذه التواریخ (النجدیة) المطبوع منها و الذی لا یزال مخطوطا، لإخرجها مجموعة باسم (خزانة التواریخ النجدیة).
ولی أمل إن مدّ اللّه فی العمر أن أعید طباعتها بتحقیق و تعلیق و إلحاق مصادر أخر. و لکنی قدمت هذه المجموعة الآن بحالتها الحاضرة لتکون مساهمة فی مناسبة مرور (مئة عام علی تأسیس المملکة).
أسأل اللّه تعالی أن یحقق الأمل، و أن یعیننا إلی ما قصدنا و أردنا، و لا حول و لا قوة إلّا باللّه العلی العظیم.
و نشر هذه المجموعة التاریخیة تعین من أراد البحث و الکتابة عن ما فی البلاد النجدیة من أخبار، و ما کانت علیه فی أفکارها، و علمها، و حربها، و سلمها، و اقتصادها، و اجتماعها، و آثارها و غیر ذلک من شؤون أهلها.
نسأل اللّه تعالی الإعانة و التوفیق و حسن القصد.
کتبه عبد اللّه بن عبد الرّحمن بن صالح آل بسّام
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 9

تاریخ ابن لعبون‌

اشارة

تألیف المؤرخ العلامة حمد بن محمد بن ناصر بن لعبون (....- بعد 1257)
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 11

ترجمة المؤرخ الشیخ حمد بن محمد بن لعبون‌

اشارة

و هذه ترجمة المؤلف المؤرخ و فقرات عن ابنه الشهیر الشاعر الکبیر محمد بن حمد بن لعبون تعلیقات من کتابنا «علماء نجد» لکمال الفائدة:
الشیخ حمد بن محمد بن ناصر بن عثمان بن ناصر بن حمد بن إبراهیم بن حسین بن مدلج ، الملقّب لعبونّا الوائلی العنزی نسبا من آل.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 12
مدلج. و مدلج هذا قال المترجم فی تاریخه المخطوط: إن سبب تسمیة جده بلعبون أن بندق ابن عمه- حمد بن حسین- ثارت علیه فنظمت شدقیه و بری‌ء، لکنه صار یسیل منه لعابه، فلقّب- بلعبون- و صارت ذریته یسمون- آل لعبون-. و هم من بنی وهب من الحسنة أحد أفخاذ المصالیخ، أحد البطون الکبار للقبیلة الشهیرة عنزة بن أسد بن ربیعة بن نزار بن معد بن عدنان.
ولد فی بلدة حرمة- إحدی بلدان سدیر- و نشأ فیها و تعلّم، و صار اتجاهه إلی الأدب و التاریخ فعد من مؤرّخی نجد المعتبرین. و قد توفی والده محمد ابن ناصر- فی حرمة عام 1181 ه.
ذکر ذلک فی تاریخه المخطوط.
و لمّا استولی الإمام عبد العزیز بن محمد علی بلدة حرمة عام 1193 ه، و أبعد بعض أکابرها، خرج منها المترجم له هو و عمه، و سکنا بلدة القصب إحدی بلدان الوشم، ثم ارتحلا إلی بلدة ثادق و ولد ابنه الشاعر فیها. قال المترجم له فی تاریخه: و فیها- أی سنة 1205 ه- ولد الابن محمد بن حمد فی ربیع الثانی. اه.
ثم إن الإمام عبد العزیز بن محمد جعل المترجم له کاتبا مع جباة الزکاة.
قال ابن بشر فی «عنوان المجد»: و أخبرنی حمد بن محمد
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 13
المدلجی، قال: کنت کاتبا لعمال علوی من مطیر مرة فی زمن عبد العزیز، فکان ما حصل منهم من الزکاة فی سنة واحدة أحد عشر ألف ریال.
و لمّا خرج إبراهیم باشا إلی نجد و استولی علی بلدانها، و هدم الدرعیة عام 1233 ه، انتقل المترجم له إلی حوطة سدیر و أقام فیها إلی عام 1338 ه، ثم انتقل منها إلی بلدة التویم، و صار إماما و خطیبا فی البلدة المذکورة، و استوطنها هو و ذریته.
ألّف تاریخا عن نجد یعد من أحسن التواریخ لا یزال مخطوطا، و أکثر ما فیه لم یذکره مؤرخو نجد، و کأنهم لم یطلعوا علیه کما اطلعوا علی «تاریخ الفاخری»، الذی سلخوه بلا رد شکر له.
و هذا التاریخ ألّفه رغبة لابن عمه التاجر الثری ضاحی بن عون المدلجی، فقد قال فی مقدمة التاریخ: أما بعد فقد سألنی من طاعته علی واجبة، و صلاته إلی واصلة، أن أجمع له نبذة من التاریخ تطلعه علی ما حدث بعد الألف من الهجرة، من الولایات و الوقائع المشتهرة، من الحروب و الملاحم، و الجدب و ملوک الأوطان، و وفیات الأعیان، و غیر ذلک مما حدث فی هذه الأزمان، خصوصا فی الدولة السعودیة الحنفیة، فأجبته إلی ذلک، و رأیت أن أکمل له الفائدة و لغیره بمقدمة تکون کالأساس للبنیان. اه.
قال الشیخ إبراهیم بن عیسی: انتقل حمد بن محمد بن لعبون من بلد حوطة سدیر و سکن بلد التویم و استوطنها هو و ذریته، و توفی فیها- رحمه اللّه تعالی-. و له کتاب فی التاریخ مفید وقفت علیه بخط یده،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 14
و التقطت منه فوائد کثیرة. و له مشارکة فی العلوم و کان حسن الخط.
فطبع من هذا التاریخ فی عام 1357 ه بمطبعة أم القری، و لکن لم یطبع منه إلّا المقدمة التی أشار إلیها: بأنها أساس للتاریخ. أما التاریخ فلا یزال مخطوطا قلیل النسخ.
و قد ذکر فی هذا التاریخ ولادة أبنائه: محمد، و زامل، و ناصر، و حجاته و تنقلاته فی البلدان. و لا داعی لنقلها هنا.

وفاته:

توفی فی بلد التویم، و لم أقف علی السّنة التی توفی فیها. إلّا أنه ذکر وفاة ابنه محمد فی عام 1247 ه.
و له ثلاثة أبناء: محمد، و زامل، و عبد اللّه.
و أما ابنه محمد: فهو الشاعر النبطی الکبیر المشهور. قال والده فی تاریخه المخطوط: و فی سنة خمس و مئتین و ألف ولد الابن محمد بن حمد بن لعبون الشاعر المشهور، و انتقل من بلدة ثادق إلی بلد الزبیر و هو ابن سبعة عشر سنة. و له أشعار مشهورة عند العامة، نرجو اللّه أن یسامحه.
مات فی الکویت فی الطاعون الذی أفنی أهل البصرة، و الزبیر، و الکویت عام 1247 ه. فیکون عمره اثنین و أربعین سنة. اه، من تاریخ أبیه.
***
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 15

تفصیل نسب آل لعبون‌

و هذا نسب آل لعبون نقلناه من کتاب «تحفة المشتاق» تألیف خالنا الشیخ عبد اللّه بن محمد بن عبد العزیز بن حمد البسام و سیأتی طرف منها فی تاریخ المؤلف نفسه و نصه کما یلی:
و إلیک تفصیل نسب آل مدلج، نقلته من تاریخ حمد بن محمد بن لعبون المعروف فی بلد التّویم بقلمه، قال:
أول من سمّی لنا من أجدادنا حسین أبو علی، من بنی وائل، ثم من بنی وهب من الحسنة، و کان لوهب ولدان، و هما منبّه و علیّ، و هو جد ولد علی المعروفین الیوم
و لمنبّه ولدان و هما حسن جدّ الحسنة، و صاعد جدّ المصالیخ.
و لصاعد ولدان و هما: یعیش وقوعی و النسل لهما.
فنزل حسین أبو علی المذکور فی بلد أشیقر، و نزل علیه بعد ذلک فی بلد أشیقر عدّة رجال من بنی وائل، منهم: یعقوب أخو شمیسة جدّ آل أبو ربّاع، أهل حریملاء من آل حسنی من بشر.
و حتایت جدّ آل حتایت المعروفین من وهب من النّویطات.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 16
و سلیم جدّ آل عقیل منهم أیضا.
و توسّعوا فی أشیقر بالفلاحة، و صار لهم شهرة و کثرت أتباعهم.
و نزل عندهم جدّ آل هویمل، و آل عبید المعروفین الآن فی التویم من آل أبو ربّاع.
و اشتهر حسین أبو علی فی أشیقر بالسّخاء و المروءة و إکرام الضیف.
و فی أثناء أمره أقبل غزو من آل مغیرة، و معهم أموال کثیرة، قد أخذوها من قافلة کبیرة بین الشام و العراق، فألقاهم اللیل إلی بلد أشیقر، فنزلوا قریبا من نخل «أبو علی» و کانوا متبّرزین عن ضیافة البلد، فأمر أبو علیّ بجذاذ جملة من نخلة، و وضعه فی الأرض بین أسطر النخل، ثم دعا الغزو المذکورین، و أمیرهم حینئذ مدلج الخیاری، المشهور فی نجد بالشجاعة، و کثرة الغزوان، و هو رئیس عربان آل مغیرة، فدخلوا إلیه، و أجلسهم علی التمر، فأکلوا حتی شبعوا عن آخرهم، و هم نحو مائة رجل.
ثم أمر أبو علی مدلجا المذکور و رؤساء الغزو بالمبیت عنده، و ذبح لهم، و صنع لهم طعاما خصّهم به، فلما کان آخر اللیل و عزموا علی المسیر وضع مدلج تحت الوسادة صرّة کبیرة فیها مال کثیر، مما أخذوه من القافلة و ساروا، فلما کان بعد صلاة الصبح، و طووا الفراش وجدوا الصّرّة تحت الوسادة، فرکب أبو علیّ فرسا له، فلحقهم ظنّا أنهم قد نسوها فأبی مدلج أن یأخذها و قال: إنما وضعتها لک علی سبیل المعاونة لک علی مروءتک، فرجع أبو علیّ بها. و کانت زوجته حاملا فقال لها: إن
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 17
ضیفنا البارحة من أهل المروءة و الکرم، فإن رزقنا اللّه ولدا ذکرا سمّیناه علی اسمه مدلج، و ولدت ذکرا فسماه مدلجا.
و نشأ مدلج فی بلد أشیقر، فی حجر أبیه، ثم صار له بعد أبیه شهرة عظیمة، و اجتمع علیه من قرابته جماعات و من بنی وائل، و تمکنوا فی أشیقر بالمال و الرجال و الحراثة، فخافوا منهم الوهبة أهل أشیقر، أن یضمعوا فی البلد، فتمالأوا الوهبة علی إجلائهم من البلد، بلا تعدّ منهم فی دم و لا مال.
و کان أهل أشیقر قد قسموا البلد قسمین: یوم یخرجون الوهبة بأنعامهم و سوانیهم للمرعی، و معهم سلاحهم، و ذلک أیّام الربیع، و یقعد بنو وائل فی البلد، یسقون زروعهم و نخیلهم، و یوم یخرج فیه بنو وائل بأنعامهم و سوانیهم، و یقعدون الوهبة، یسقون زروعهم و نخیلهم.
فقال الوهبة بعضهم لبعض: إنّ الرأی إذا کان الیوم الذی یخرج فیه بنو وائل للمرعی، و انتصف النهار، أخرجنا نساءهم و أولادهم و أموالهم خارج البلد، و أغلقنا أبواب البلد دونهم، و أخذنا سلاحنا و جعلنا فی البروج بواردیّة، یحفظون البلد ببنادقهم، فإذا رجع بنو وائل منعناهم من الدخول، ففعلوا ذلک. فلما رجع بنو وائل آخر النهار، منعوهم من الدخول، و قالوا لهم: هذه أموالکم و نساؤکم و أولادکم قد أخرجناها لکم، و لیس لنا فی شی‌ء من ذلک طمع، و إنّما نخاف من شرور تقع بیننا و بینکم، فارتحلوا عن بلدنا، ما دام نحن و أنتم أصحابا. و من له زرع فلیوکّل وکیلا علیه منا، و نحن نقوم بسقیه حتی یحصد. و أما بیوتکم و نخیلکم فکل منکم یختار له وکیلا منّا، و یوکّله علی ماله، فإذا سکنتم فی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 18
أی بلد، فمن أراد القدوم إلی بلادنا لبیع عقاره فلیقدم، و لیس علیه بأس، و لیس لنا طمع فی أموالکم، و إنما ذلک خوفا منکم أن تملکوا بلدنا و تغلبونا علیها فنمّ الأمر بینهم علی ذلک.
ثم رحل بنو وائل، مدلج و بنوه و جدّ أهل حریملاء و سلیم، و جد آل هویمل الذین منهم آل عبید المعروفون فی التّویم، و القصاری المعروفون فی الشّقّة من قری القصیم، و آل نصر اللّه المعروفون فی الزّبیر، فاستوطنوا بلد التّویم.
و کان أول من سکنها مدلج و بنوه ثم اجتمع علیه قرابته.
و کانت بلد التّویم قبل ذلک قد استوطنها أناس من عایذ بنی سعید، بادیة و حاضرة، ثم إنهم جلوا عنها و دمرت، و عمرها مدلج و بنوه، و ذلک سنة 700 تقریبا.
و نزل آل حمد و آل «أبو ربّاع» فی حلة، و آل مدلج فی حلة البلد. ثم إنه بدا لآل حمد الارتحال و التفرّد لهم فی وطن، فسار علیّ بن سلیمان بن حمد الذی هو أبو حمد الأدنی، و راشد، و توجه إلی وادی حنیفة، فقدم علی بن معمّر رئیس العیینة، و کان قد صار طریقه علی أرض حریملاء، و فیها حوطة لآل «أبو ریشة» الموالی، قد استوطنوها قبل ذلک، ثم ضعف أمرهم، و ذهبوا، و استولی علیها ابن معمّر، و ذلک بعد دمار ملهم، انتقال شراید أهله إلی بلد العیینة، فساوم علیّ بن سلیمان المذکور ابن معمّر فی حوطة حریملاء، و اشتراها منه بست مائة أحمر، و انتقل إلیها من التّویم، و سکنها هو و بنو عمه سوید و حسن ابنا راشد آل حمد، و جدّ آل عدوان، و جدّ البکور، و آل مبارک و غیرهم من بنی بکر بن وائل و ذلک سنة 1045 ه.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 19
ثم إنّ سلیما جد آل عقیل قدم علی ابن معمّر من بلد التّویم، فنزل عنده فی بلد العیینة فأکرمه، و نشأ ابنه عقیل بن سلیم، و صار أشهر من أبیه و له ذریة کثیرة.
و أما مدلج فإنه تفرّد فی بلد التّویم هو و أتباعه و جیرانه، و عمروه و غرسوه.
ثم نشأ ابنه حسین بن مدلج، و عظم أمره، و صار له شهرة، و له أربعة أولاد: إبراهیم، و إدریس، و مانع، و حسن، و صار لهم صیت.
فأما إدریس فإنه أعقب زامل أبو محمد و الفارس المشهور، الذی قتل فی وقعة القاع سنة 1084 ه، و هی وقعة مشهورة بین أهل التّویم بأهل جلاجل، قتل فیها محمد بن زامل بن إدریس رئیس بلد التّویم، المذکور، و إبراهیم بن سلیمان بن حمّاد بن عامر الدوسریّ رئیس بلد جلاجل.
و محمد المذکور هو أبو فوزان جد عبد اللّه بن حمد بن فوزان، و مفبز جدّ مفیز بن حسین بن مفیز بن حسین و هم من آل زامل.
و أما مانع فهو جد آل حزیم بن مانع المعروفین.
و أما حسن فهو جد آل جطیل و المفارعة.
و أما إبراهیم بن حسین فإنه ارتحل فی حیاة أبیه إلی موضع بلد حرمة المعروفة، و هی میاه و آثار منازل، قد تعطلت، من منازل بنی سعید من عایذ، و نزلها إبراهیم المذکور، و عمرها و غرسها، و نزل علیه کثیر من قرابته و أتباعه، و تفرّد بملکها عن أبیه و إخوته.
و کان نزول إبراهیم بن حسین بن مدلج المذکور بلد حرمة و عمارته
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 20
لها تقریبا سنة 770 ه، و عمارة بلد المجمعة سنة 820 ه.
ثم إنه توفی حسین بن مدلج فی بلد التّویم، و صار أمیرها بعده ابنه إدریس.
فأما إبراهیم بن حسین فإنه استقر فی بلد حرمة و کان لأبیه فداویّ فارس یقال له عبد اللّه الشمریّ من آل ویبار، من عبدة من شمّر، فلما مات حسین المذکور قدم علی ابنه إبراهیم فی حرمة، و طلب منه قطعة من الأرض لینزلها و یغرسها، فأشار أولاد إبراهیم علی أبیهم أن یجعله أعلی الوادی، لئلا یحول بینهم و بین سعة الفلاة و المرعی، فأعطاه موضع المجمعة المعروفة. و صار کلما حضر أحد من بنی وائل و طلب من إبراهیم و أولاده النزول عندهم، أمروه أن ینزل عند عبد اللّه التّمّری طلبا للسعة و خوفا من التّضییق علیهم، فی منزل و حرث و فلاة، و لم یخطر ببالهم النظر فی العواقب، و أن أولاد عبد اللّه الشّمّری و جیرانهم لا بدّ أن ینازعوهم بعد ذلک و یحاربوهم فیکون من ضمّوه إلیهم تقویة لهم علیهم.
فأتاهم جدّ التواجر و هو من جبارة من عنزة.
و وجدت فی بعض التواریخ أن التواجر من بنی وهب من النّویطات من عنزة، و جدّ آل بدر و هو من آل جلاس من عنزة، و جدّ آل سحیم من الحبلان من عنزة.
و جد التّماری من زعب، و غیرهم فنزلوا عند عبد اللّه الشمّری.
و کان أولاد عبد اللّه الشّمّری ثلاثة: سیف، و دهیس، و حمد.
فأما حمد فهو أبو سوید، و ذریّته فی الشّقة المعروفة من قری القصیم.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 21
و أما سیف فهو أبو علی و غانم و إبراهیم.
فأما غانم فهو أبو مجحد، جدّ آل مجحد المعروفین.
و أما إبراهیم بن سیف فهو أبو الشیخ عبد اللّه بن إبراهیم بن سیف، العالم المشهور، فی المدینة علی ساکنها أفضل الصلاة و السلام، و الشیخ عبد اللّه هذا هو أبو الشیخ العالم العلامة إبراهیم بن عبد اللّه بن سیف بن عبد اللّه الشمریّ المتوفی فی المدینة المنورة سنة 1189 ه، رحمه اللّه تعالی، و هو مصنف کتاب «العذب الفائض شرح ألفیة الفرایض» و له عقب فی المدینة المنورة.
و أما سیف فهو أبو علی و غانم و إبراهیم.
فأما غانم فهو أبو مجحد، جدّ آل مجحد المعروفین.
و أما إبراهیم بن سیف فهو أبو الشیخ عبد اللّه بن إبراهیم بن سیف، العالم المشهور فی المدینة، علی ساکنها أفضل الصلاة و السلام، و الشیخ عبد اللّه هذا هو أبو الشیخ العالم العلامة إبراهیم بن عبد اللّه بن سیف بن عبد اللّه الشمّری، المتوفی فی المدینة المنورة سنة 1189 ه، رحمه اللّه تعالی، و هو مصنف کتاب «العذب الفائض شرح ألفیة الفرایض»، و له عقب فی المدینة المنورة.
و أما علیّ بن سیف فهو أبو حمد بن علی المشهور.
و عثمان جد آل فایز و آل فوزان.
و أما حمد بن علی بن سیف فهو أبو عثمان، و منصور، و ناصر الشیوخ المعروفون فی بلد المجمعة.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 22
و عثمان بن حمد بن علی بن سیف بن عبد اللّه الشّمّریّ، هذا هو الذی عناه حمیدان الشّویعر بقوله:
الفیحا دیرة عثمان‌و مقابلتها بلاد الزّیره
و هو جدّ آل عثمان شیوخ المجمعة فی الماضی، الذین من بقیتهم الیوم فی المجمعة آل مزید المعروفین.
و باقی الیوم من آل سیف آل محرج، و آل حمّاد، و آل جبر، و آل فایز، و آل مفیز، و آل مجحد.
و أما دهیش بن عبد اللّه الشّمّری فله عدة أولاد، و صار بینهم و بین بنی عمهم آل سیف ابن عبد اللّه الشّمّری حروب عظیمة، عند ریاسة بلد المجمعة، و صارت الغلبة لآل سیف، فارتحلوا آل دهیش إلی بلد حرمة، و سکنوا عند آل مدلج، و کانوا أصهارا لهم، فقاموا معهم فی حرب آل سیف، و وقع بینهم حروب کثیرة و قتل من الفریقین عدّة قتلی، منهم عثمان بن ناصر بن حمد بن إبراهیم بن حسین بن مدلج الوائلی الشجاع المشهور، و هو الملقب ب لعبون و هو جد آل لعبون.
و قد تقدم ذکر السّبب الذی أوجب تسمیته بهذا الاسم.
و قد انقطعوا آل دهیش ابن عبد اللّه الشّمّریّ، ما نعلم الیوم منهم أحدا.
و أما إبراهیم بن حسین بن مدلج الوائلیّ صاحب بلد حرمة فأولاده أربعة: محمد و عبد اللّه، و إسماعیل، و حمد.
فأما محمد فأولاده: حمد، و إبراهیم، و مانع.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 23
و لحمد بن محمد ولدان: محمد، و ناصر.
و أولاد محمد بن حمد بن محمد خمسة: إبراهیم، و ناصر و محمد، و عثمان، و عبد اللّه. و أما إبراهیم بن محمد بن إبراهیم فهو جد آل مانع.
و المشهور منهم الیوم ذریة مانع بن إبراهیم و هم: إبراهیم أبو عودة، و مانع، و محمد، و عثمان، و محمد. فیکون عودة و أخوه عبد العزیز ابنی إبراهیم بن عودة بن إبراهیم بن مانع بن إبراهیم بن محمد بن إبراهیم بن حسین بن مدلج ابن حسین الوائلی.
و أما محمد فهو جد آل المعیبیّ هؤلاء آل محمد.
و أما آل عبد اللّه بن إبراهیم بن حسین فهم المعروفون الیوم بالحسانا غلب علیهم الاسم و إلّا فهم و قبیلتهم فی النّسبة إلی حسین سواء.
و الموجود منهم: آل حمد بن عبد الوهاب بن حمد، و آل حمد بن جاسر بن محمد بن عبد اللّه بن إبراهیم بن حسین.
و أما إسماعیل بن إبراهیم بن حمد بن حسین فله من الولد: مانع، و إبراهیم، و الباقی من ذریتهم الیوم ذرّیّة محمد بن إبراهیم بن عون بن إبراهیم بن إسماعیل، و حمد بن عبد اللّه بن مانع بن إسماعیل منهم ضاحی بن محمد بن عون بن إبراهیم بن إسماعیل التاجر المشهور المتوفی فی بلد بمبی من بلاد الهند سنة 1260 ه.
و أما حمد بن إبراهیم بن حسین بن مدلج فهو أبو ناصر و إبراهیم و حسین. و ناصر خمسة أولاد: حمد و عثمان و عبد اللّه و عون و إبراهیم.
فأما حمد فمات و لم یعقب.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 24
و أما عون بن ناصر فله: إبراهیم قتل فی مغیرا.
و أما إبراهیم فله عبد اللّه الیابس، الشجاع البواردیّ المشهور، و مبارک. و أما عثمان فله: ناصر و حمد و عبد اللّه.
و لناصر ستّة أولاد: محمد، و علیّ، و عبد اللّه، و عثمان، و فرج، و فوزان.
فخلّف محمد بن ناصر حمد، و خلف عبد اللّه ناصر.
و لناصر ثلاثة أولاد: عبد العزیز، و إبراهیم، و محمد.
و لفراج بن ناصر ثلاثة أولاد: فراج، و ناصر، و زید.
و أما فوزان بن حمد و عثمان بن ناصر فانقطعوا.
و مات محمد بن ناصر أبو کاتب هذه الشجرة سنة 1182 ه.
و أما حمد بن عثمان بن ناصر فله ثلاثة أولاد: عثمان و فوزان و محمد.
و أما حسین بن حمد بن إبراهیم فله: عبد اللّه و عثمان أبو حسین العمیم.
و لمحمد بن ناصر بن عثمان بن ناصر بن حمد بن إبراهیم بن حسین بن مدلج الملقب بابن لعبون ولد: و هو حمد بن محمد کاتب هذه الشجرة.
و لحمد بن محمد کاتب هذه الشجرة ثلاثة أولاد:
محمد الشاعر المشهور، المولود فی بلد ثادق سنة 1205 ه وقت جلوتنا.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 25
و ذلک أن عبد العزیز بن محمد بن سعود لما ملک بلد حرمة أمر بهدم بعض بیوتها، و قطع بعض نخیلها، و جلا بعض أهلها و ذلک سنة 1193 ه.
و کان ممن جلا حمد بن محمد کاتب هذه الشجرة، و عمه فراج و أولاده، و سکنوا فی القصب، ثم ارتحلوا منها إلی ثادق، و ولد الابن محمد بها کما ذکرنا، و حفظ القرآن، و تعلم الحظّ، و کان خطّه فائقا، و تکلم بالشعر فی صغره، و مدح عمر بن سعود بن عبد العزیز بقصائد کثیرة، ثم سافر قاصدا بلد الزّبیر، و هو ابن سبعة عشر سنة، و صار نابغة وقته فی الشعر، و له أشعار مشهورة عند العامة، نرجو اللّه أن یسامحه.
و لم یزل هناک إلی أن توفی فی بلد الکویت سنة 1247 ه فی الطاعون العظیم الذی عمّ العراق و الزّبیر و الکویت، هلکت فیه حمایل و قبایل، و خلت من أهلها منازل، و بقی الناس فی بیوتهم صرعی لم یدفنوا، فلا حول و لا قوة إلّا باللّه العلی العظیم.
فیکون عمره اثنین و أربعین سنة، و لیس له عقب رحمه اللّه.
و إخوته زامل و عبد اللّه ساکنان مع أبیهما فی بلد التّویم، و ذلک أن إبراهیم باشا لما أخذ الدرعیة سنة 1233 ه، ارتحلت أنا و العم فراج من ثادق، و معه أولاده، فسکن العمّ فراج و أولاده فی حرمة، و أما أنا فسکنت فی حوطة سدیر، فلما کان سنة 1238 ه ارتحلت بأولادی إلی بلد التّویم، و سکنت فیه و جعلته وطنا، و الحمد للّه رب العالمین.
***
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 26
صورة من تاریخ ابن لعبون المخطوط
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 27
هذه ورقة من تاریخ ابن لعبون المخطوط
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 28
هذه صحیفة من تاریخ حمد بن لعبون المخطوط فیها ذکر ولادات أبنائه
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 29

[مقدمة]

بسم اللّه الرّحمن الرّحیم الحمد للّه رب العالمین، و صل اللهم علی سیدنا محمد الصادق لأمین، و علی آله و صحبه أجمعین.
أمّا بعد: فقد سألنی من إجابته علیّ واجبة، و منته و صلته إلیّ واصلة واصبة، ابن العم الشفیق الذی بمنزلة الأخ الشقیق، المؤید من اللّه اللطف و العون الشیخ: ضاحی بن محمد بن إبراهیم بن عون، أن أثبت له نسب قبیلته المسمّین بآل مدلج، طلبا منه لحفظ الأنساب، و للمواصلة التی توجب الثواب.
فأجبته إلی ذلک، و کتبت برسمه ما بلغنی و تلقیته من أشیاخ القبیلة مثل: عبد اللّه بن أحمد بن فواز، و حمد بن عبد اللّه بن مانع و غیرهما، و ما رأیته فی الوثائق بخط العلماء.
و أحببت أن أذکر قبل ذلک مقدمة تکون کالأساس فی البنیان؛ ینتفع بها المنتهی فضلا عن المبتدی‌ء فی هذا الشأن.
و أذکر فصولا تتعلق بالمقصود من الأنساب، و تطلع ما غاب عن أکثر الطلاب علی سبیل التلخیص و الاختصار، حاذفا ذکر القائل و الناقل
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 30
فی جمیع الأخبار إلّا النزر القلیل؛ استغناء عن التطویل، ملتقطا له من کتب عدیدة فی هذا الشأن معتمدة عند أهل الأذهان.
فأقول و أنا الفقیر إلی اللّه الغنی، حمد بن محمد بن ناصر بن عثمان بن ناصر بن حمد بن إبراهیم بن حسین بن مدلج الوائلی الحنبلی.
أما المقدمة: فاعلم علمک اللّه البیان، و أصلح لک الشأن، و صانک عن کل ما عاب و شان، و أثبت لأصلک الفرع و الأغصان:
إن اللّه تعالی لما أهبط آدم إلی الأرض، کما ذکر ابن الجوزی و غیره، أنه عاش ألف سنة، و ولدت له حواء أربعین بطنا توأما، فی کل بطن ذکر و أنثی [أولهم قابیل و توأمته] و تزاوجوا.
و لم یمت آدم حتی رأی من ولده و ولد ولده أربعین ألفا، و انقرض نسلهم غیر نسل شیث، و هو خلیفة أبیه.
[و کذا فی تاریخ ابن جریر: أن حواء ولدت أربعین ولدا، و قیل مئة و عشرین].
و کان بین موت آدم و ولادة نوح ألف و ست مئة و اثنان و أربعون سنة، و من الآباء نحو ثمانیة، فهو: نوح بن لامخ بن متوشلح بن أخنوخ بن برد بن مهلایل بن قینان بن أنوش بن شیث.
قال قتادة: و کان بین آدم و نوح عشرة قرون، کلهم علی الهدی.
ثم حدث فیهم الشرک، فأرسل اللّه إلیهم نوحا، فکذبوه و آذوه.
فأهلکهم اللّه بالطوفان. و کان الطوفان عاما علی القول الصحیح، و المجوس تنکره، و بعضهم یخصه ببابل. و أنجی نوحا و أصحاب السفینة،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 31
و کان منهم أولاد نوح الثلاثة، و هم: سام، و حام، و یافث، و غیرهم.
و أکثر ما قیل: أن أهل السفینة ثمانون رجلا، و انقرض نسلهم إلّا بنی نوح. [و الصحیح: أن جمیع أهل الأرض من ولد نوح، لقوله تعالی:
وَ جَعَلْنا ذُرِّیَّتَهُ هُمُ الْباقِینَ [الصافات: 77].
فسام أبو العرب، و فارس، و الروم.
و أما حام، فهو أبو السودان علی اختلاف أجناسهم من: الحبش، و النوبة، و الزیلع، و البجا، و الدمادم، و الإفرنج، و التکرور، و الکانم.
و أدیانهم الکفر، و عقائدهم مختلفة.
قال جالینوس: إنهم یختصون بعشر خصال: تفلفل الشعر، و خفة اللحی، و انتشار المنخرین، و غلظ الشفتین، و تحدید الأسنان، و نتن الجلد، و سواد اللون، و تشقق الیدین و الرجلین، و طول الذکر، و کثرة الطرب. و أجناسهم أکثر أهل الأرض. و أکثر أوطانهم الخصب، و الریف.
و أوطانهم من سواحل النیل الجنوبیة إلی حدود المشرق.
و أما یافث، فهو أبو یأجوج و مأجوج، و أبو الترک علی اختلاف أجناسهم. و قاعدة مملکتهم و سلطتهم إقلیم الصین من بلاد المشرق.
و منهم التتار الذین أهلکوا کثیرا من أهل بلاد الإسلام، حتی وصلوا إلی بغداد و ملکوا العراق، و قتلوا الخلیفة المستعصم العباسی.
و استقرت سلطتهم فیه إلی أن أبادهم اللّه. و انخزل أیضا طائفة من الترک، من المشرق من بلاد ماهان نحو خمسین ألف بیت مختارین للإسلام، قاصدین بلاد الروم، و جهاد الکفار مع سلیمان طغرل، فهلک فی الطریق.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 32
و سار ابنه طغرل، و ابن ابنه عثمان بن طغرل، حتی قدموا علی سلطان بلاد الروم علاء الدین السلجوقی، المنسوب إلی الترک، فأکرمهم و أذن لهم فی جهاد الکفار، ثم توفی طغرل سنة 689 ه.
و کان أجّل أولاده عثمان، فأسند السلطان أموره إلیه لما رأی نجدته و شجاعته وجده فی جهاد الکفار، و أکرمه و بعث إلیه بالرایة السلطانیة، فلم یزل یتداولها بنوه إلی أن وصلت إلی سلطان الوقت محمود بن مصطفی الموجود حال التأریخ سنة 1254 ه. و محمود بن عبد الحمید، تمام ثلاثین سلطانا أولهم عثمان.
و أما سام بن نوح، فهو أبو العرب، و الروم، و بنی إسرائیل، و فارس. و أغلب أوطانهم و منازلهم جزیرة العرب، و هی علی ما ذکر فی القاموس: ما أحاط بحر الهند، و بحر الشام، ثم دجلة و الفرات. أو: ما بین عدن أبین إلی ظاهر الشام طولا، و من جدة إلی ریف العراق عرضا.
و حددها السیوطی فی قلائده، فقال: اعلم أن مساکن العرب فی ابتداء الأمر کانت بجزیرة العرب الواقعة بین أوساط المعمور، و أعدل أماکنه، و أفضل بقاعه حیث الکعبة الحرام، و تربة أشرف الخلق نبیّنا محمد صلی اللّه علیه و سلم.
و هذه الجزیرة متسعة الأرجاء، یحیط بها من الغرب: بعض بادیة الشام حیث البلقاء إلی أیلة، ثم إلی القلزم الآخذ من أیلة حیث العقبة الموجودة بطریق حجاج مصر، إلی الحجاز، إلی أطراف الیمن حیث حلی، و زبید، و ما داناهما.
و من جهة الجنوب: بحر الهند المتصل به بحر القلزم من جهة
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 33
الجنوب إلی عدن، إلی أطراف الیمن حیث بلاد مهرة علی ظفار و ما حولها.
و من جهة المشرق: بحر فارس الخارج من بحر الهند إلی جهة الشمال، إلی بلاد البحرین، ثم إلی البصرة، ثم إلی الکوفة من بلاد العراق.
و من جهة الشمال: الفرات أخذا من الکوفة علی حدود العراق، إلی عانة، إلی بالس من بلاد الجزیرة الفراتیة، إلی البلقاء من بریة الشام حیث وقع الابتداء.
و دور هذه الجزیرة فیما ذکره فی تقویم البلدان: سبعة أشهر، و أحد عشر یوما تقریبا بسیر الأثقال.
قال المدائنی: و جزیرة العرب هذه تشتمل علی خمسة أقسام:
تهامة، و نجد، و حجاز، و عروض، و یمن. اه.

فصل [قال السیوطی: و اعلم أن الیمن کان هو منازل العرب العاربة]

من عاد، و ثمود، و طسم، و جدیس، و أمیم، و جرهم، و حضرموت، و من فی معناهم. ثم انتقلت ثمود منهم إلی الحجر من أرض الشام، و کانوا به حتی هلکوا، کما ورد به القرآن الکریم.
و هلک بقایا العاربة بالیمن من عاد و غیرهم، و خلفهم بنو قحطان بن عابر، فعرفوا بعرب الیمن إلی الآن، و بقوا فیه إلی أن خرج منه عمرو مزیقیا عند توقع سیل العرم. و کانت أرض الحجاز منازل بنی عدنان إلی أن غزاهم بختنصر، و نقل من نقل منهم إلی الأنبار من بلاد العراق.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 34
و لم تزل العرب بعد ذلک کله فی التنقل عن جزیرة العرب، و الانتشار فی الأقطار إلی أن کان الفتح الإسلامی، فوغلوا فی البلاد إلی أن وصلوا إلی بلاد الترک و ما داناها.
و نزل منهم طائفة بالجزیرة الفراتیة، و صاروا إلی أقصی المغرب، و جزیرة الأندلس، و بلاد السودان. و ملأوا الآفاق، و عمروا الأقطار.
و صار بعض عرب الیمن إلی الحجاز، فأقاموا به. و ربما صار بعض عرب الحجاز إلی الیمن، فأقاموا به، و بقی منهم فی الحجاز و الیمن علی ذلک إلی الآن. و تفرقوا بالأقطار، منتشرین فی الآفاق، و قد ملأوا ما بین الخافقین. اه.
ثم إن بنی سام تناسلوا حتی انتهی النسب إلی عابر بن شالح بن أرفخشد بن سام. قیل: إن عابر هو النبی هود علیه السلام. و من ولدی عابر لصلبه: فالغ و قحطان، فافترقت القبائل الإبراهیمیة و القحطانیة.
و کان بین نوح و إبراهیم آباء یأتی ذکرهم فی عمود النسب النبوی.
ثم تفرقت قبائل العرب، و بنی إسرائیل، و الروم، و فارس، من إبراهیم، فإسماعیل أبو العرب سوی بنی قحطان علی قول من یجعله قحطان بن عابر بن شالح بن أزفخشد بن سام بن نوح، و لا خلاف أن عدنان من ولده.
و أما إسحاق بن إبراهیم، فهو أبو یعقوب المسمی إسرائیل، فذریته بنو إسرائیل أنبیاؤهم و أممهم.
و أما العیص بن إسحاق، فذریته الروم، و فی قول بعضهم: و فارس.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 35
و لا خلاف أن عدنان من ولد إسماعیل، و لکن الخلاف فی عدة الآباء الذین بین عدنان و إسماعیل؛ فعد بعضهم بینهم آباء کثیرة، و عد بعضهم سبعة.
و الذی ذکره البیهقی قال: عدنان بن أدد بن المقوم بن ناحور بن تیرح ابن یعرب بن یشجب بن ثابت بن إسماعیل.
و أما الذی ذکره الحلوانی فی شجرة النسب- و هو المختار- فهو:
عدنان ابن أد بن أدد بن الیسع بن الهمیسع بن سلامان بن نبت بن حمل بن قیدار ابن إسماعیل.
و الذی ذکر ابن إسحاق نحو ما ذکر البیهقی، قال البیهقی: کان شیخنا أبو عبد اللّه- یعنی الحاکم- یقول: نسبة رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم صحیحة إلی عدنان. و ما وراء عدنان، فلیس فیه شی‌ء یعتمد علیه.
قال القضاعی فی کتابه «عیون المعارف»: لقد روی أن النبی صلّی اللّه علیه و سلم قال: «لا تجاوزوا معد بن عدنان کذب النسابون»، ثم قرأ: وَ قُرُوناً بَیْنَ ذلِکَ کَثِیراً [الفرقان: 38]. و لو شاء اللّه أن یعلمه علمه.
قال التوزری: الصحیح أنه من قول ابن مسعود، و علی. و الذی علیه البخاری و غیره من العلماء موافقة ابن إسحاق علی رفع النسب، و یسمون بنی إسماعیل العرب المستعربة.
و أما العرب العاربة، فهم بنو قحطان بن عابر بن شالح بن أرفخشد بن سام.
قال السیوطی: و شذ بعضهم، فقال: قحطان بن الهمیسع بن یثمن
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 36
ابن نبت بن إسماعیل. فعلی قولهم تکون العرب کلها من ولد إسماعیل.
قال: و من العرب من ینسب إلی قحطان نفسه إلی الآن.

فصل فی ذکر بنی قحطان‌

اشارة

و کان لقحطان عدة أولاد نحو أربعة عشر، منهم: یعرب، و جرهم، و حضر موت. و ملک الیمن بعده ابنه یشجب. و ولد یشجب سبأ، فملک الیمن بعد أبیه.
و کان لسبأ عدة أولاد، و اشتهر منهم خمسة. و من نسلهم جمیع قبائل الیمن. و هم:
حمیر، و من عقبه کانت ملوک الیمن من التبابعة. و من نسله:
قضاعة بن مالک بن حمیر.
الثانی من أولاد سبأ: کهلان أبو القبائل الکثیرة، منهم: بنو جفنة، و قبائل الأزد من الأوس و الخزرج و غیرهم، و قبائل همدان بن زید، و کندة، و لخم، و جدام، و طیی‌ء، و مذحج، و صدی، و خولان، و أنمار.
الثالث: عمرو بن سبأ، و بعضهم یجعل من عقبه: لخم، و جذام.
فأما حمیر، فالمشهور منهم غیر التبابعة و الأذواء: بنو قضاعة.
و المشهور من قبائل قضاعة ثمان عمائر:
العمارة الأولی: جهینة بن زید بن لیث بن سود بن أسلم بن الحافی ابن قضاعة.
العمارة الثانیة: بلی بن عمرو بن الحافی.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 37
العمارة الثالثة: بنو کلب بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمران بن الحافی. و منازلهم فی الجاهلیة؛ دومة الجندل و تبوک. و جاء الإسلام، و علیهم الأکیدر.
العمارة الرابعة: بهرا بن عمرو بن الحافی.
العمارة الخامسة: تنوخ، قال أبو عبید هم ثلاثة بطون: نزار، و الأحلاف، و فهم.
العمارة السادسة: نهد بن زید بن سود بن أسلم بن الحافی.
العمارة السابعة: بنو مهرة بن حیدان بن عمرو بن الحافی.
العمارة الثامنة: جرم بن زبان بن حلوان بن عمران بن الحافی.
و أما کهلان بن سبأ، قال فی «العبر»: و العدد فیهم أکثر من حمیر، فالمشهور منهم ثمان عمائر:
الأولی: جذام، و جعلهم صاحب حماة من بنی عمرو بن سبأ هو و أخوه لخم، و یتفرع من جذام أحد و عشرون بطنا ما بین صغار و کبار.
العمارة الثانیة: من کهلان لخم، و لخم و جذام عما کندة.
العمارة الثالثة: کندة و بلادهم بالیمن.
العمارة الرابعة: طیی‌ء بن أدد بن زید بن یشجب بن عریب بن زید ابن کهلان.
و یتفرع من طیی‌ء: أفخاذ و عمائر کثیرة.
فمن أفخاذهم: بنو سلسلة بن غنم بن ثوب بن معن بن عتود بن عنین بن ثعل البطن المعروف. و منهم بنو عدی البطن بن أفلت بن
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 38
سلسلة بن عمرو بن سلسلة. و من بن عدی بنو ربیعة بن حازم بن علی بن المفرج بن دغفل بن جراح بن شبیب بن مسعود بن سعید بن حرب بن الربیع بن علفی بن حوط بن عمرو بن خالد بن سعید بن عدی.
قال الحمدانی: کان ربیعة هذا قد نشأ فی أیام الأتابک: زنکی و ابنه العادل نور الدین محمود صاحب الشام، و نبغ من بین العرب، و ولد له أربعة: فضل، و مر، و نابت، و دغفل. و کلهم توارثوا أرض غسان بالشام و ملکهم علی العرب، ثم صارت الریاسة لآل عیسی بن مهنا بن فضل بن ربیعة یتداولونها. و منازلهم من حمص إلی جعبر إلی الرحبة، آخذین علی شفاء الفرات إلی نوحی البصرة. و ینضم إلیهم من سائر العرب: زعب، و آل حرب، و بنو کلب، و کلاب، و آل خالد حمص، و خالد الحجاز الذین منهم آل جناح، و الضبیبات من میاس، و الجبور، و الدعم، و القرشة، و الثبوت، و المعامرة، و العلجان، و فرقة من عائد، و آل یزید و الدواسر.
قال المقر بن فضل اللّه آل عیسی بن مهنا: هم ملوک البر ما بعد و اقترب، و سادات الناس، و لم تصلح علی غیرهم العرب و ذکر فی الثناء علیهم کلاما طویلا.
الفخذ الثانی: آل مرا بن ربیعة قال فی «مسالک الأبصار»: و دیارهم من بلاد الحیدور، إلی الزرقاء، إلی بصری، و شرقا إلی الحرة المعروفة بحرة کشب قرب مکة إلی شعباء، إلی الهضب المعروف بهضب الراقی، و یدخلهم فی إمرتهم من العرب حارثة، و بنو لام، و مدلج، و بنو صخر، و زبید حوران، و یأتیهم من عرب البریة آل ظفیر، و المفارجة، و آل غزی، و آل برجس، و الخرسان، و آل مغیرة، و آل فضل، و بنو حسین الشرفاء،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 39
و البطنان، و مطیر، و عنزة، و خثعم، و عدوان، و غیرهم.
الفخذ الثالث: آل علیّ: و هم بنو علی بن حدیثة بن غضبة بن فضل المقدم.
قال فی «مسالک الأبصار»: و هم و إن کانوا من ضئضی‌ء آل فضل فقد انفردوا منهم حتی صاروا طائفة أخری، و دیارهم مرج دمشق و غوطتها إلی الجوف و الحیانیة إلی الشبکة إلی تیماء، و من أفخاذ طیی‌ء بنو سنبس بن معاویة بن جرول بن ثعل البطن المعروف بن عمرو بن الغوث بن طیی‌ء، و عدّ الحمدانی منهم ثلاثة أحیاء و هم: الخزاعلة، و بنو عبید، و جموح.
قال: و کان لهم شأن أیام بنی عبید القداح، و من بطون طیی‌ء أبیّ ابن غنم بن حارثة الثعلی.
و ولد لأبی سیف و مسعود و حارثة و حضنتهم أمة یقال لها: غزیة، فغلبت علیهم.
قال الحمدانی: و منهم قوم بالشام و العراق و الحجاز و فیما بینها.
قال: و هم بطون و أفخاذ ترجع إلی أصلین هما: البطنان، و أجود، فمن البطنان آل دعیج، و آل روق، و آل مسعود، و آل تمیم.
و من الأجود: آل منیع، و آل سعید، و آل سند، و آل ابن الحرم، و آل علی و ساعدة، و بنی حمید و بنی مالک،- و ذکر ابن فضل اللّه أنهم تارة بعصون و تارة یطیعون.
قال فی «مسالک الأبصار»: و منهم طائفة بطریق الحجیج البغدادی، میاههم الیحموم، و اللغیف و المعینة.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 40
قال: و ذکر لی نصر بن برجس أن دار آل أجود الرخیمیة و الدفینة و لینة، و زرود، و دیار آل عمرو بالجوف، و دیار بقایاهم: اللصیف، و الیحموم، و اللام، و المعیة، و یلیهم دیار ساعدة من الخضراء إلی بریة زرود، ثم آل خالد، و دارهم: التنومة، و حنیذ، و أبو الدیدان، و القربع، و الکوارة إلی الرسوس إلی عنیزة إلی وضاخ إلی جبلة إلی السر إلی العودة إلی العشیریة إلی الأنجل. انتهی کلام صاحب المسالک.
و من بنی ثعل: بنو عدی بن أخزم بن ربیعة بن أبی أخزم، و اسمه هزومة بن ثعل.
فمن بنی عدی: حاتم بن عبد اللّه بن سعد بن الحشرج بن امری‌ء القیس بن عدی الجواد، و ابنه عدی وفد إلی النبی صلّی اللّه علیه و سلم و لم یرتد، و شهد القادسیة، و مهران و قس الناطق، و النخیلة، و معه اللواء، ثم شهد الجمل مع علیّ ففقئت عینه، و شهد صفین و النهروان، و مات فی زمن المختار، و هو ابن عشرین و مئة سنة، و أوصی أن لا یصلّی علیه المختار، و قد ترجم عماد الدین الحافظ ابن کثیر لحاتم فی تاریخه فنسبه.
ثم قال أبو سفانة: کان جوادا ممدوحا فی الجاهلیة، و کذلک کان ابنه فی الإسلام و کانت لحاتم مآثر و أمور عجیبة. و أخبار مستغربة فی کرمه، یطول ذکرها، و لکنه لم یقصد بها وجه اللّه و الدار الآخرة، و إنما کان قصده الریاء و السمعة و الذکر.
قال الحافظ البزار: حدثنا محمد بن معمر: حدثنا عبید بن واقد:
حدثنا أبو نصر الناجی، عن عبد اللّه بن دینار، عن عبد اللّه بن عمر قال:
ذکر حاتم عند النبی صلّی اللّه علیه و سلم فقال: «ذاک أراد أمرا فأدرکه». حدیث غریب.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 41
قال الدارقطنی: تفرد به عبید عن أبی مضر.
و قال الإمام أحمد بالإسناد عن عدی قال: قلت یا رسول اللّه: إن أبی کان یصل الرحم، و یفعل و یفعل.
قال الحافظ أبو بکر البیهقی: أخبرنا أبو عبد اللّه الحافظ- یعنی الحاکم-: حدثنی أبو بکر محمد بن عبد اللّه بن یوسف العمانی: حدثنا أبو سعید عبید بن کثیر بن عبد الواحد الکوفی: حدثنا ضرار بن صرد:
حدثنا عاصم بن حمید عن أبی حمزة الثمالی، عن عبد الرحمن بن جندب، عن کمیل بن زیاد النخعی قال: قال علی بن أبی طالب رضی اللّه عنه: یا سبحان اللّه، ما أزهد کثیرا من الناس فی خیر، و عجبا لرجل یجیئه أخوه المسلم فی الحاجة فلا یری نفسه للخیر أهلا، فلو کان لا یرجو ثوابا، و لا یخشی عذابا، لکان ینبغی له أن یسارع فی مکارم الأخلاق، فإنها تدل علی سبیل النجاح.
و قام إلیه رجل فقال: فداک أبی و أمی یا أمیر المؤمنین، أسمعته من رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم؟ قال: نعم، و ما هو خیر منه: لما أوتی بسبایا طیی‌ء و وقعت جاریة حمراء لعساء ذلفاء هیطاء شماء الأنف معتدلة القامة و الهامة، درماء الکعبین، خدلجة الساقین، لفاء الفخذین، خمصة الخصرین، ضامرة الکشحین، مصقولة المتنین.
فلما رأیتها أعجبت بها و قلت لأطلبن إلی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یجعلها فی فیئی، فلما تکلمت أنسیت جمالها لما رأیت من فصاحتها. فقالت: یا محمد إن رأیت أن تخلّی عنا، و لا تشمت بی أحیاء العرب، فإنی ابنة سید قومی، و إن أبی کان یحمی الذمار، و یفک العانی، و یشبع الجائع،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 42
و یکسی العاری، و یقری الضیف، و یطعم الطعام، و یفشی السلام و لم یرد طالب حاجة قط، أنا ابنة حاتم طیی‌ء. فقال النبی صلّی اللّه علیه و سلم: «یا جاریة، هذه صفة المؤمنین حقا، لو کان أبوک مؤمنا لترحمنا علیه، خلوا عنها فإن أباها کان یحب مکارم الأخلاق، و اللّه یحب مکارم الأخلاق». فقام أبو بردة بن نیار فقال یا رسول اللّه و اللّه یحب مکارم الأخلاق؟ فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم:
«و الذی نفسی بیده لا یدخل الجنة أحد إلّا بحسن الخلق». انتهی ما ذکر ابن کثیر.
و من إخوان ثعل بن عمرو بن الغوث بن طیی‌ء ثعلبة، و هو جرم رهط عامر بن جون و نبهان رهط زید الخیل.
و من طیی‌ء بنو لام بن عمرو بن طریف بن عمرو بن ثمامة بن مالک ابن جدعی، منهم: أوس بن حارثة بن لام، و راس أخوه سعد أیضا.
و من طیی‌ء بحتر بن عتود.
و من طیی‌ء شمر. قال ابن الکلبی: شمر و زریق بطن من ثعل، و هما ابنا عبد جذیمة بن زهیر بن ثعلبة بن سلامان بن ثعل، و لقیس بن شمر هذا یقول امرؤ القیس:
* و هل أنا لاق حیّ قیس بن شمّرا* منهم عبدة بن امری‌ء القیس بن زید بن عبد رضی بن خذیمة بن شمر أبو الحرنفش الشاعر، و هو الذی أسرته الدیلم و له حدیث، انتهی.
و قال امرؤ القیس:
و جاد قسیّا فالطّها فمسطّحاو جوّا و روّی نخل قیس بن شمّرا
قلت: و قد غلبت هذه النسبة إلی شمر علی أهل جبل طیی‌ء من
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 43
البادیة و بعض الحاضرة، و الظاهر أنهم کلهم لیسوا من نسله، و لا یبعد أن ینسب إلیه غیر من یجتمع معه، فی عمود نسبه من سائر طیی‌ء، و کذلک من خالطهم، أو نازلهم من جار، أو حلیف قد ینسب إلیهم مع تطاول الأزمان.
قال فی «العبر»: کانت منازلهم فی الیمن فخرجوا علی إثر خروج الأزد منه، فنزلوا: سمیراء و فیدا فی جوار بنی أسد، ثم غلبوا بنی أسد علی أجا و سلمی، و هما جبلان یعرفان بجبلی طیی‌ء، فاستمروا فیها ثم تفرقوا فی أول الإسلام فی الفتوحات.
قال ابن سعید: و فی بلادهم الآن أمم کثیرة: حجازا، و شاما، و عراقا، و هم أصحاب الریاسة فی العرب إلی الآن.
و من عمائر کهلان: مذحج بن أدد أخو طیی‌ء، و من مذحج سعد العشیرة ولد مذحج المذکور، و إنما سمی سعد العشیرة لأنه بلغ ولده و ولد ولده ثلاث مئة رجل یرکبون معه، و کان إذا سئل عنهم یقول هؤلاء عشیرتی وقایة لهم من العین، و من سعد العشیرة زبید- بضم الزای-.
و منهم بنو منبّه و هو زبید بن صعب بن سعد العشیرة و یعرف بزبید الأکبر، و هو زبید الحجاز.
قال فی «المسالک»: و علیهم درک الحاج المصری من الصفراء إلی الجحفة.
و منهم زبید الأصغر بن ربیعة بن سلمة بن مازن بن ربیعة بن زبید الأکبر، و من هؤلاء عمرو بن معد یکرب فارس العرب.
و ذکر فی «مسالک الأبصار» فی عرب الحجاز حربا و لم یعزهم إلی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 44
قبیلة، قال: و هم ثلاثة بطون: بنو مسروح، و بنو سالم، و بنو عبد اللّه.
و أقول: قد رأیت من عزا حربا هؤلاء إلی عدنان.
قال أبو العباس أحمد بن عبد اللّه فی کتابه «نهایة الأرب»: بنو حرب بطن من هلال بن عامر ذکرهم الحمدانی و قال: منازلهم الحجاز.
و من مذحج بنو مراد بن مذحج و له من الولد ناجیة و زاهرة، منهم بنو قرن الذین منهم أویس الزاهد قتل مع علی یوم صفین، و من مراد ابن ملجم قاتل علیّ.
و من مذحج أیضا النخع، و منهم أیضا جنب و صدی و رهی، فمن جنب: معاویة بن الحارث بن منبّه بن جنب، کان إلیه البیت و الملک و هو الذی تزوج عبیدة بنت مهلهل بن ربیعة الوائلی، و فیها یقول مهلهل:
أنکحها فقدها الأراقم فی‌جنب و کان الحباء من أدم
لو بأبانین جاء یخطبهاخضب ما أنف خاطب بدم
و اسم بنت مهلهل عبیدة و إلیها نسب قبائل من جنب، و تزوجها بعد معاویة روح بن مدرک بن عبد الحمید بن مدرک جد آل ضیغم بن منیف.
و قیل: إنهم من نزار بن عنز بن وائل دخلوا فی نسب جنب لأن أمهم عبیدة.
و من مذحج عنس منهم الأسود الذی تنبأ، و من إخوة مذحج الأشعر و هو نبت بن أدد جدّ الأشعرین.
و من أعظم عمائر کهلان: الأزد بن الغوث بن نبت بن مالک بن زید بن کهلان بن سبأ، و هم من أعظم الأحیاء، فقد قسمهم الجوهری إلی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 45
ثلاثة أقسام: أزد شنوءة، و هم بنو نصر بن الأزد، و شنوءة لقبه، و أزد السراة و هو موضع بالیمن، نزل فیه فرق منهم، و أزد عمان نزلها طائفة منهم، و من ملوکهم عبد و جیفر اللذان کتب إلیهم النبی صلّی اللّه علیه و سلم.
و من أعظم ملوکهم: بنو جفنة بن عمرو بن عامر ماء السماء بن حارثة الغطریف بن امری‌ء القیس البطریق بن ثعلبة البهلول بن مازن الزاد بن الأزد، و هم ملوک الشام، و أخو جفنة محرق أول من عاقب بالنار و ثعلبة العنقاء، و حارثة و إخوتهم و یدعون غسان و جماع غسان إلی مازن الزاد، و إنما غسان ماء شربوا منه بین زبید، و رمع قال حسان:
إما سألت فإنا معشر نجب‌الأزد نسبتنا و الماء غسان
و أول من ملک منهم جفنة قال صاحب حماة: و ذلک قبل الإسلام بما یزید علی أربع مئة سنة، و بقی بأیدیهم إلی أن کان آخرهم جبلة بن الأیهم فی زمن نبینا صلّی اللّه علیه و سلم، و هو الذی أسلم ثم تنصر فی أیام عمر و کان طوله اثنی عشر شبرا، و فیهم یقول حسان:
للّه درّ عصابة نادمتهم‌یوما بجلّق فی الزّمان الأوّل
أولاد جفنة حول قبر أبیهم‌قبر ابن ماریة الکریم المفضل
یسقون من ورد البریض علیهم‌بردی یصفّق بالرّحیق السّلسل
بیض الوجوه کریمة أحسابهم‌شمّ الأنوف من الطّراز الأول
و من قبائل الأزد الأنصار: و هم من غسان، و هما الأوس و الخزرج ابنا حارثة بن ثعلبة بن عمر، و مزیقیا بن عامر ماء السماء المتقدم، و أمهما قیلة بنت الأرقم بن عمرو بن جفنة و ولد للخزرج عدة أولاد تفرعت قبائلهم منهم.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 46
و أما الأوس فلم یکن له إلّا ابن واحد و هو مالک، و من مالک تفرعت قبائل الأوس.
قال الحافظ ابن کثیر فی تاریخه «البدایة و النهایة»:
قال الحافظ أبو بکر الخرائطی: حدثنا عبد اللّه بن أبی سعید: حدثنا حازم بن عقال بن حبیب بن المنذر بن أبی الحصین بن السموءل بن عادیا الغسانی قال: لما حضرت الأوس بن حارثة الوفاة اجتمع إلیه قومه من غسان فقالوا: إنه قد حضر من أمر اللّه ما تری، و قد کنا نأمرک بالتزوج فی شبابک، و هذا أخوک الخزرج له خمسة بنین و لیس لک ولد غیر مالک.
فقال: لیس یهلک هالک ترک مثل مالک، إن الذی یخرج النار من الوشمة قادر علی أن یجعل لمالک نسلا و رجالا بسلا، و کل إلی الموت، ثم أقبل علی مالک فقال: أی بنیّ المنیة و لا الدنیة، العقاب و لا العتاب، التجلّد و لا التبلّد، القبر خیر من الفقر إنه من قل ذل.
و من کرم الکریم الدفع عن الحریم، و الدهر یومان: فیوم لک، و یوم علیک. فإن کان لک فلا تبطر، و إن کان علیک فاصطبر، و کلاهما سیخسر لیس یغلب منهما الملیک المتوّج و لا اللئیم المعلج سلم لیومیک حیاک ربک ثم أنشأ یقول:
شهدت السّبایا یوم آل محرّق‌و أدرک عمری صیحة اللّه فی الحجر
فلم أر ذا ملک فی الناس واحداو لا سوقة إلّا إلی الموت و القبر
فعلّ الذی أردی ثمودا و جرهماسیعقب لی نسلا إلی آخر الدهر
تقرم بهم فی آل عمرو بن عامرعیون لدی الداعی إلی طلب الوتر
فإن تکن الأیام أبلین جدّتی‌و شیّبن رأسی و المشیب مع العمر
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 47 فإنّ لنا ربّا علا فوق عرشه‌علیما بما یأتی من الخیر و الشر
ألم یأت قومی أنّ للّه دعوةیفوز بها أهل العبادة و البر
إذا بعث المبعوث من آل غالب‌بمکّة فیما بین مکة و الحجر
هنالک تبغوا نصره ببلادکم‌بنی عامر إنّ السعادة فی النّصر
قال ثم قضی فی ساعته. انتهی نقل ابن کثیر.
و من بطون کهلان الکبار: خزاعة و هو عمرو بن لحی، و هو ربیعة ابن حارثة بن عمر، و مزیقیا بن عامر، و هو الذی غیر دین إبراهیم، ود العرب إلی عبادة الأوثان، و منه تفرقت خزاعة.
و إنما صارت الحجابة إلیه من قبل أمه فهیرة بنت عامر بن حارث مضاض الجرهمی فحجب عمرو، و بنوه، إلی أن صارت إلی أبی غبشان فسکر یوما، و قد شرب هو و قصی بن کعب بن لؤی، فابتاع قصی، مفاتیح البیت بزق خمر، و دفعها قصیّ إلی ابنه عبد الدار فقام عند البیت و نادی: یا بنی إسماعیل قد رد اللّه علیکم مفاتیح بیت أبیکم، و أف؟؟؟
أبو غبشان فندم، و ضربت العرب المثل بذلک، فقیل: أخسر من؟؟؟
أبی غبشان.
و من بطون کهلان: همدان بن مالک بن زید بن ربیعة بن الخیار زید بن کهلان، منهم: حاشذ و بکیل ابنا جشم بن خیوان بن نوف همدان، و من هذین البطنین تفرقت همدان، منهم: بنو یام بن أصفی رافع بن مالک بن جشم فولد یام جشم و مذکر و ولد مذکر بن یام ه؟؟؟
و مواجدا، و هم الأحلاف و العنز فتحالفا علیه.
و منهم: وادعة البطن بن عمرو بن عامر بن شامخ بن رافع، و منهم
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 48
آل ذی رعین، و منهم: أرحب بن مالک بن بکیل، و منهم: بنو السبیع من حاشد الذین منهم أبو إسحاق السبیعی عمرو بن عبد اللّه الفقیه، و بنو خیوان الذین دفع إلیهم ابن لحی یعوق، و منهم: بنو وادعة.
و من کهلان بنو أنمار بن أراش بن عمرو بن الغوث، و قد ذکر فی «العبر»: أنه لما تکاثر بنو إسماعیل فصارت ریاسة الحرم لمضر مضی أنمار بن نزار إلی الیمن فتناسل بنوه بها فعدّ فی الیمانیة، و علیه ینطبق ما حکاه الجوهری فولد أنمار عبقر و الغوث، و صهیب، و خزیمة، و إخوة لهم و أمهم بجیلة بنت صعب بن سعد العشیرة و بها یعرفون، و کان بلادهم مع إخوتهم خثعم؛ و من بجیلة بنو قسر و اسمه مالک بن عبقر، و من بطونهم عرینة بن نذیر بن قسر.
و أما خثعم أخو بجیلة فاسمه أفیل بن أنمار و بلادهم مع إخوتهم بجیلة بسروات الیمن، و الحجاز إلی تبالة.
و منهم: بنو أکلب بن عفرس بن حلف بن خثعم.
و منهم ناهس و شهران ابنا عفرس إلیهما العدد و الشرف، و کود بن عفرس، و الفزع بن شهران بطن و بنو حرب، و هو أوس بن وهب اللّه بن شهران.
و منهم: بنو عرفجة ابن کعب بن مالک بن قحافة البطن بن عامر بن ربیعة بن عامر بن سعد بن مالک بن نسر بن وهب اللّه بن شهران و عرفجة أم کعب.
و من قحافة: عبد اللّه بن مالک ولی الصوائف أربعین سنة لمعاویة
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 49
و غیره إلی زمن سلیمان بن عبد الملک، و فیه مات و کسر علی قبره أربعون لواء.
و منهم جلیحة و الریث و مبشر، أبناء أکلب بن ربیعة بن عفرس.
و منهم: جشم بن حارثة بن سعد بن عامر بن تیم اللّه البطن، و ولد جلیحة بن أکلب و اهب و شهران.
و من خثعم أیضا: بنو منبّه، و معاویة، و آل مهدی، و نصر، و بنو حاتم، و آل مدرکة، و آل زیاد.
و منازل الجمیع بیشة و ما حولها، و بلادهم بلاد خیر و زرع و فواکه کثیرة، و أکثر میرة مکة من الحنطة و الشعیر، و غیرهما من بلادهم.
و من کهلان قبائل کثیرة لم نذکرهم من الأزد و غیرهم، مثل غامد و زهران و دوس بن عدنان و عک بن عدنان و قبائل کندة، و بنو الحارث بن کعب، ملوک نجران الذین من أشرافهم بنو عبد المدان، و هو عمرو بن الدبان بن قطن بن زیاد البطن و النخع، و بنو جعفی، و أود و زبید ابنا صعب. انتهی ما اختصرناه من أنساب قحطان.

و أما بنو إسماعیل:

فإن الذی بین إسماعیل و عدنان من الآباء مختلف فیه خلافا کثیرا، إذا تقرر ذلک فعدنان هو شعب نسب العرب المستعربة الذی تفرع منه قبائلها و عمائرها و بطونها و أفخاذها و فصائلها.
و قد ذکر فی «العبر»: أن جمیع الموجودین من ولد إسماعیل من نسله، قال و مواطن بنی عدنان مختصة بنجد، و کلها بادیة رحالة إلّا قریشا
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 50
بمکة و نجد. قال السهیلی: و لا یشارک بنی عدنان فی أرض نجد أحد من قحطان إلّا طیی‌ء من کهلان.
ثم افترق بنو عدنان فی تهامة الحجاز، ثم العراق و الجزیرة الفراتیة، و ولد لعدنان معد، و ولد لمعد نزار، و ولد لنزار أربعة: مضر، و ربیعة، و إیاد، و أنمار، و من مضر تفرعت أکثر القبائل العدنانیة و هم: بنو إلیاس ابن مضر، و بنو قیس عیلان بن مضر، و خندق اسم امرأة إلیاس، عرف بنوه بها.
.. و کان لإلیاس من الولد: مدرکة علی عمود النسب، و طابخة، و قمعة، و ولد مدرکة: خزیمة و هذیلا، و ولد خزیمة: کنانة أبا القبائل المشهورة، و أسدا أبا بنی أسد فولد کنانة النضر علی عمود النسب و عبد مناة.
و من کنانة: بنو لیث، و ضمرة ابنا بکر بن عبد مناة بن کنانة، و بنو الهون، و سائر الأحابیش، و بنو مدلج بن مرة بن عبد مناة بن کنانة المعروفون بالقیافة، و بنو فراس بن غنم بن ثعلبة بن الحارث بن مالک بن کنانة.
و فیهم یقول علی بن أبی طالب رضی اللّه عنه لبعض من کان معه:
لوددت أن لی بألف منکم سبعة من بنی فراس، و منهم: بنو الدیل بن بکر، و منهم: بنو غفار بن ملیل بن ضمرة، رهط أبی ذر، و أبی بصرة، و أبی سریحة، و أبی اللحم خلف ابن مالک صاحب رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم.
و من بنی لیث: یعمر الشداخ بطن، و هو الذی شدخ الدماء بین قریش و أسد و خزاعة.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 51
و من کنانة: بنو جذیمة الذین قتلهم خالد بن الولید.
و من کنانة: قریش و هو فهر بن مالک بن النضر بن کنانة، و قریش لقّب علیه لشدته تشبیها بدابّة فی البحر یقال لها: قریش، أو لغیر ذلک، و قیل: قریش النضر بن کنانة و الذین علیه الجمهور الأول.
فمن بطونهم: بنو عدی بن کعب بن لؤی رهط عمر بن الخطاب، و بنو سهم رهط عمرو بن العاص، و بنو تمیم بن مرة رهط أبی بکر و صلحة، و بنو زهرة بن کلاب رهط عبد الرحمن بن عوف، و سعد ابن أبی وقّاص، و بنو أسد بن عبد العزی رهط الزبیر، و بنو عبد الدار الحجبة، و بنو أمیة بن عبد شمس بن مناة و بنو مخزوم بن یقظة، و بنو هشام ابن عبد مناة؛ و المسطفون من قریش بنو هاشم بن عبد مناة.
و بالجملة فقریش قد ملأت الأقطار و انتشرت فی الآفاق، و أنسابهم مشهورة فی السیر و التواریخ یجدها من طلبها هؤلاء المنسوبون إلی مدرکة بن إلیاس بن مصر.
و أما أخوه طابخة بن إلیاس فهو جد بنی تمیم، و الرباب، و ضبة، فإن تمیما هو ابن مر بن أد بن طابخة، و هو أبو القبائل الکثیرة.
قال فی «شرح ذات الفروع»: کان تمیم فی الفترة التی بین سلیمان و عیسی علیهما السلام.
و قد ذکر أنه فی زمن الإسکندر، و أنه یلی شرطته، و کان یطلب الحنیفیة، و ینکر عبادة الأصنام، و کان فی زمن عمرو بن لحی، و ذکر أنه أدرک عیسی بعد أن مضی من عمره دهر طویل، و أن عیسی سأله عن نفسه و دینه، فأخبره فقال: هل تستطیع أن تصحبنی؟ قال: نعم یا رسول اللّه،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 52
قال: أنت وزیری و أخی، و مضیا معا فلم یزل معه حتی رفع، ثم مضی إلی الیمین یسیح و معه ابن أخیه المعافر بن یعفر بن مر فلم یزل بها حتی مات، و کان عمره ستمائة سنة، و هو و کعب بن لؤی فی زمن واحد، و مات فی بلد یقال لها: ریمام.
و أبناء تمیم زید مناة و عمرو و الحارث فولد زید مناة مالکا، و ولد مالک حنظلة أبا القبائل الکثیرة، و أشرفهم بنو ابنه دارم بن مالک بن حنظلة.
و منهم أبو سود و عوف ابنا مالک بن حنظلة، یقال لهم: بنو طهیة، و یتفرع من حنظلة أفخاذ کثیرة و من أعظمهم بنو یربوع بن حنظلة، و کانت الردافة فی الجاهلیة لهم لأنه لم یکن فی العرب أکثر غارة علی ملوک الحیرة منهم، و صالحوهم علی أن جعلوا لهم الردافة و یکفوا عن أهل العراق. قال فی «الصحاح»: الردافة أن یجلس الملک و یجلس الردف عن یمینه فإذا شرب الملک شرب الردف قبل الناس، و إذا غزا الملک قعد فی موضعه، و کان خلیفته و إذا عادت کتیبة أخذ الردف المرباع.
و منهم عتاب بن هرمی بن ریاح بن یربوع ردف النعمان.
و منهم معقل بن قیس من رجال أهل الکوفة و کان مع علیّ فوجهه إلی بنی سامة فقتل منهم و سبی. و ذکر المبرد أن المستورد الخارجی خرج علی المغیرة بن شعبة، و هو والی الکوفة، فوجه إلیهم معقلا فدعاه المستورد إلی المبارزة و قال: علام یقتل الناس بینی و بینک؟ فقال معقل:
النصف سألت. فخرج إلیه فاختلفا بینهما ضربتین فخر کل منهم میتا.
و منهم مالک و متمم ابنا نویرة قتل مالک یوم البطاح، و منهم بنو کلیب بن یربوع الذین منهم جریر الشاعر.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 53
و أما بنو سعد بن زید مناة بن تمیم فلهم بطون کثیرة أیضا، منهم بنو منقر بن عبید بن مقاعس الذین منهم قیس بن عاصم الذی قد رأس وفدا علی النبی صلّی اللّه علیه و سلم، فقال: هذا سید أهل الوبر، و عمرو بن الأهتم وفد أیضا، و من ولده خالد بن صفوان بن عبد اللّه بن عمرو بن الأهتم.
و من بنی مرة بن عبید الأحنف بن قیس و هو الضحاک بن قیس أدرک عهد النبی صلّی اللّه علیه و سلم و لم یصحبه.
قال ابن قتیبة لما دعا النبی صلّی اللّه علیه و سلم بنی تمیم إلی الإسلام کان الأحنف فیهم و لم یجیبوا، فقال الأحنف: إنه لیدعوکم إلی مکارم الأخلاق و ینهاکم عن ملومها، و أسلم و لم یفد علی النبی صلّی اللّه علیه و سلم، فلما کان رمان عمر وفد إلیه و کان من أجل التابعین و أکابرهم، و کان موصوفا بالعقل و الدهاء و العلم و الحلم و شهد صفین مع علی و شهد بعض فتوحات خراسان و لما استقر الأمر لمعاویة دخل علیه یوما فقال: و اللّه یا أحنف ما أذکر یوم صفین إلّا کان حزازة فی قلبی إلی یوم القیامة، فقال الأحنف: و اللّه یا معاویة إن القلوب التی أبغضناک بها لفی صدورنا، و إن السیوف التی قاتلناک بها لفی أغمادها، و إن تدن من الحرب فترا ندن منها شبرا، و إن تمش إلیها نهرول. ثم خرج و کانت أخت معاویة من وراء الحجاب تسمع، فقالت یا أمیر المؤمنین: من هذا الذی یتهدد و یتوعد؟
فقال: هذا الذی إذا غض غضب لغضبه مائة ألف من بنی تمیم لا یدرون فبم غضب.
و روی أن معاویة لما نصب ولده یزید لولایة العهد أقعده فی قبة حمراء، فجعل الناس یسلمون علی معاویة ثم یمیلون إلی یزید حتی جاء
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 54
رجل ففعل ذلک، ثم رجع إلی معاویة و قال: یا أمیر المؤمنین اعلم أنک لو لم تول هذا أمور المسلمین لأضعتها و الأحنف جالس. فقال معاویة: فما لک لا تقول یا أبا بحر؟ فقال: أخاف اللّه إن کذبت، و أخافکم إن صدقت، فقال معاویة: جزاک اللّه عن الطاعة خیرا، و أمر له بألوف. فلما خرج لقیه ذلک الرجل بالباب فقال: یا أبا بحر، إنی لأعلم أن شر ما خلق اللّه هذا و ابنه، و لکنهم قد استوثقوا من هذه الأموال بالأبواب و الأقفال، فلیس نطمع فی استخراجها إلّا بما سمعت. فقال له الأحنف: أمسک علیک، فإن ذا الوجهین لا یکون عند اللّه وجیها.
و من کلامه فی ثلاث خصال ما أقولهن إلّا لیعتبر معتبر: ما دخلت بین اثنین قط حتی یدخلانی بینهما، و لا أتیت باب أحد من هؤلاء ما لم أدع إلیه- یعنی الملوک-، و لا حللت حبوتی إلی ما یقوم الناس إلیه.
و من کلامه: ألا أدلکم علی المحمدة بلا مزریة؟ الخلق السجیح، و الکف عن القبیح، ألا أخبرکم بأدوی الداء؟ الخلق الدنیّ و اللسان البذیّ؟ و من کلامه: ما خان شریف، و لا کذب عاقل، و لا اغتاب مؤمن، و قال: ما ادخرت الآباء للأبناء، و لا أبقت الموتی للأحیاء، أفضل من اصطناع المعروف عند ذوی الأحساب و الآداب. و قال: جنبوا مجلسنا ذکر الطعام و النساء، فإنی أبغض الرجل یکون وصافا لفرجه و بطنه، و إن من المروءة أن یترک الرجل الطعام و هو یشتهیه. و قال الأحنف أیضا: وجدت الحلم أنصر لی من الرجال.
قال الساوردی: و صدق، لأن من حلم کان الناس أنصاره، و قال له رجل: إن قلت لی کلمة لتسمعن عشرا. فقال: لکنک لو قلت عشرا لم
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 55
تسمع منی واحدة؛ و سبّه رجل و هو یماشیه الطریق فلما قرب من المنزل وقف فقال: یا هذا، إن کان بقی معک شی‌ء فقله ها هنا، فإنی أخاف أن یسمعک فتیان الحی فیؤذوک.
و قال الأحنف: تعلمت الحلم من قیس بن عاصم، إنی لجالس معه و هو یحدثنا إذ جاءه جماعة یحملون قتیلا و معهم رجل مأسور، فإذا القتیل ولده، و المأسور أخوه، فقیل: هذا قتل هذا، فو اللّه ما قطع حدیثه و لا حل حبوته حتی فرغ من منطقة ثم أنشد:
أقول للنفس تأساء و تعزیةإحدی یدیّ أضابتنی و لم ترد
کلاهما خلف من فقد صاحبه‌هذا أخی حین أدعوه و ذا ولدی
ثم التفت إلی بعض ولده فقال: قم فأطلق عمک، و وار أخاک، و س؟؟؟ إلی أمه مئة من الإبل فإنها غریبة.
و من بنی سعد: عطارد و بهدلة و قریع أبو جعفر الملقب بأنف الناقة.
و أما عمرو بن تمیم فولده العنبر و الحارث الحبط و ولده الحبطات، منهم: عباد بن الحصین بن یزید بن عمرو بن أوس بن سیف بن عزم بن حلزة بن نیار بن سعد بن الحارث الحبط، کان أحد فرسان تمیم فی الإسلام، و هو صاحب عبادان المرابط، و ابنه المسور الذی قام بأمر تمیم أیام الفتنة حیث قتل الولید بن یزید، و ابن ابنه عباد بن المسور.
و منهم: بنو مازن بن مالک بن عمرو بن تمیم، رهط قطرة بن الفجأة الخارجی، و من بنی العنبر خالد بن ربیعة بن رقیع بن سلمة بن صلاءة بن عبدة بن عدی بن جندب بن العنبر الذی نسب إلیه الرقیعی الماء بطریق
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 56
مکة إلی البصرة، و کان ربیعة بن رقیع أحد المنادین من وراء الحجرات، و ینسب إلی عمرو بطون کثیرة، و إلی تمیم منهم قبائل فی جبل طیی‌ء، و قبائل فی نواحی العراق و البصرة و اختلطوا بأهل السواد و الجزائر و خلطهم غیرهم، فاللّه أعلم هل هم من تمیم هؤلاء أو من تمیم یذکر فی نسب طی‌ء، أو من غیرهم و دخل فیهم من لیس منهم إلّا تمیم نجد و الیمامة، فإنهم محفوظ نسبهم فی أوطانهم. و الصریح منهم المجتمعون علی أحسابهم و أنسابهم فی نجد أهل قفار الذین انخزل منهم المزاریع أهل روضة سدیر، الذین منهم راجح جد آل ماضی، و سعید جد رمیزان، و هلال جد آل أبی هلال.
و منهم آل مفید: قدموا مع مزروع إلی سدیر؛ و القبیلة الثانیة: أهل القارة و بلدانها فی سدیر، و الثالثة: آل عرینة أهل الغاط و أهل رغبة، و الرابعة: آل منعات الذین منهم آل عشیرة أهل عشیرة؛ و الخامسة: العناقر الذین منهم آل ناصر أهل ثرمداء و الجار اللّه أهل مراة و آل فریح المعروفون بالفرحة، و آل علیان من آل بریدی و حجیلان أهل بریدة، و المناقیر فی سدیر و الفقهاء فی ضرما، و السادسة: الوهبة أهل أشیقر و قد تفرقوا فی بلدان نجد، و السابعة: النواصر؛ و الثامنة: أهل الحوطة الذین فی برک و نعام، قیل: إنهم درجوا من قفار إلی قارة سدیر و استوطنوا فیها، ثم درجوا بعد ذلک إلی هذا الذی هم فیه، و هو الملقا و الحلوة و بریک، هؤلاء المضبوطون من حاضرة تمیم، و من تمیم أیضا بطون کثیرة اختصرنا هذا منها.
و من تمیم أیضا: بنو امری‌ء القیس بن زید مناة بن تمیم، منهم:
عدی بن زید الشاعر: و منهم، هشام الذی کان یهجوه ذو الرمة و لذی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 57
الرمة فیهم هجو کثیر، قال الحرماز: مر جریر بذی الرمة فقال: یا غیلان، أنشدنی ما قلت فی المرائی، فأنشده:
نبت عیناک عن طلل بحزوی‌عفته الریح و امتنح القطارا
فقال: ألا أعینک یا غیلان؟ قال: بلی بأبی أنت و أمی، فقال: قل فقال:
یعدّ النّاسبون إلی تمیم‌بیوت المجد أربعة کبارا
یعدّون الرّباب و آل سعدو عمرا ثم حنضلة الخیارا
و هلّک بینها المرئیّ لغواکما ألغیت فی الدیة الحوارا
إذا ما المرء شبّ له بنات‌عصبن برأسه أبة و عارا
و قال أیضا:
فلمّا دخلنا جوف مرأة غلّقت‌دساکر لم یرفع لخیر ظلالها
و قد سمّیت باسم امری‌ء القیس قریةکرام صوادیها لئام رجالها
و مرأة قریة فی الوشم لبنی امری‌ء القیس کان یسکنها هشام.
و أما ثرمداء فقال فی «معجم البلدان»: قال الأزهری: ماء لبنی سعد و قیل: قریة بالوشم من أرض الیمامة، و هو خیر موضع بالوشم؛ و قال أبو القاسم محمود بن عمر، یعنی: الزمخشری: هی قریة ذات نخل لبنی سحیم: و قال السکونی: هی لبنی امری‌ء القیس بن تمیم، و قال فی «القاموس»: ثرمداء قریة، و ماء فی دیار بنی سعد. و شقراء: قریة بناحیة الیمامة من الوشم و أشیقر، کأحیمر بلد عنها شمالا. قال زیاد بن منقذ بن حمل التمیمی صاحب أشی القریة التی فی وادی المجمعة و حرمة لما تغرب عنه إلی الیمن فتشوق إلیه فی قصیدته التی مطلعها:
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 58 لا حبّذا أنت یا صنعاء من بلدو لا شعوب هوی منّی و لا نقم
إذا سقی اللّه أرضا صوب غادیةفلا سقاهنّ إلا النار تضطّرم
و حبّذا حین تمسی الریح باردةوادی أشی و فتیان به هظم
المطعون إذا هبت شآمیةو باکر الحیّ من صرادها صرم
إلی أن قال:
متی أمرّ علی الشقراء معتسفاخلّ النّقا بمروح لحمها زیم
و الوشم قد خرجت منه و قابلهامن الثّنایا التی لم أقلها ثرم
ثرم حبل، قال شارح الحماسة: الوشم بلد ذو نخیل دون الیمامة.
و قال فی «معجم البلدان»: الوشم موضع بنجد و هو لبنی ربیعة بن مالک بن زید مناة بن تمیم؛ قال: و قد تقدم فی رسم ثرمداء، زعم أبو عثمان عن الحرمازی أنه ثمانون قریة انتهی، و هو لتمیم، و الرباب، و عکل، و تتصل میاههم و أماکنهم إلی السر و التسریر، ثم إلی البطاح إلی الزلیفات و جزرة و سمنان و الغاط إلی الدهناء و ما یلیها من المیاه، و هم أکثر العرب حاضرة هم و بنو ربیعة بن نزار، و تتصل إلی مبایض، و رماح، و المجزل، و ما بین ذلک کما ذکر صاحب المعجم المذکور.
و أما عبد مناة بن أد بن طابخة فهو أبو الرباب، و هم: تیم، و عدی، و عوف، و الأشیب، و إنما سمو الرباب لأنهم هم وضبة بن أد غمسوا أیدیهم فی الرب فتحالفوا علی تمیم و یذکرون فی عداد بنی تمیم. و یقال لبنی عوف بن عبد مناة عکل، و هم: الحارث و جشم و سعد و علی بن عوف بن وائل بن قیس بن عبد مناة حضنتهم أمة لأمهم یقال لها: عکل، فنسبوا إلیها.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 59
و من بنی عدی أقیش و هو بیت عکل منهم النمر بن تولب بن أقیش الشاعر، وفد علی النبی صلّی اللّه علیه و سلم و مدحه بشعر أوله:
إنّا أتیناک و قد طال السّفرنقود خیلا ضمرا فیها ضرر
و الشمس و الشّعری و آیات أخرنطعمها اللحم إذا عز الشجر
و فیها یقول:
یا قوم إنی رجل عندی خبراللّه من آیاته هذا القمر
* و الشمس و الشّعری و آیات أخر* و أدرک الإسلام و هو کبیر و لا مدح أحدا و لا هجا، و کان جوادا، و هو الذی یقول:
لا تعضبنّ علی امری‌ء فی ماله‌و علی کرائم صلب مالک فاغضب
و إذا تصبک خصاصة فارج الغنی‌و إلی الذی یهب الرغائب فارغب
و من عدی ذو الرمة غیلان بن عقبة بن بهیس بن مسعود بن حارثة بن عمرو بن ربیعة بن ساعدة بن کعب بن عوف بن ثعلبة بن ربیعة بن ملکان بن عدی، و أخواه أوفی و مسعود جدّ الوهبة، یقال: و هیب بن قاسم ابن مسعود، و من ثور سفیان الثوری المشهور.
و أما عمرو بن أد فولده عثمان، و أوس، و أمهما: مزینة بنت کلب ابن وبرة نسبوا إلیها؛ منهم زهیر بن أبی سلمی.
و أما ضبة بن أد فولده سعد و سعید و باسل، و من بطونهم بنو السید و عائذة و هاجر و کنوز و موهب و صباح، و هم بطن فیهم شرف و عدد منهم عاصم بن خلیفة بن معقل بن صباح الذی قتل بسطام بن قیس، فارس بنی بکر بن وائل هذا ما لخصنا من قبائل إلیاس بن مضر.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 60
و أما أخوه قیس عیلان- بالعین المهملة- بن مضر بن نزار و اسمه الناس بالنون، فهو أبو القبائل الکثیرة.
قال صاحب حماة: و قد جعل اللّه فی قیس من الکثرة أمرا عظیما، و لکثرة بطونهم جعلوا فی مقابلة الیمانیة مدرجا فیهم سائر العدنانیة، فیقال: قیس و یمن، فمنهم: بنو فهم بن عمرو بن قیس عیلان، و منهم عدوان بن عمرو بن قیس عیلان، عدا علی أخیه فهم فقتله فقیل له عدوان، و إلا فاسمه الحارث.
قال فی «العبر»: کانوا بطنا متسعا، و منازلهم الطائف نزلوها بعد إیاد و العمالقة، ثم غلبهم، علیها ثقیف، قال: و بها الآن منهم خلق کثیر، و منهم باهلة و هم بنو مالک بن أعصر و بنوه سعد مناة، و أمه: باهلة، و معن، فولد معن أودا و جعادة، و أمهما: باهلة خلف علیها معن بعد أبیه، و قتیبة و قضا، و وائلا و حربا فحضنتهم باهلة کلهم، فغلبت علیهم و منهم بنو غنی ابن أعصر.
و من قبائل: قیس بنو غطفان بن سعد بن قیس عیلان، و هو أخو أعصر، من أشرافهم بنو مرة بن عوف بن سعد بن ذبیان بن بغیض بن ریث بن غطفان، منهم: هرم بن سنان ممدوح زهیر بن أبی سلمی.
و منهم: بنو عبسی بن بغیض و بنو ذبیان بن بغیض: الذین وقع بینهم الحرب العظیم المعروف بحرب داحس، و من ذبیان بنو فزارة بن ذبیان، منهم بنو بدر بن عمرو بن جویة بن لوذان بن ثعلبة بن عدی بن فزارة و ولد بدر عشرة منهم: حذیفة أبو حصن، و حصن أبو عیینة المشهور، و منهم:
أسماء بن خارجة بن حصن کان سید أهل زمانه و ابنه مالک، و من قیس
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 61
بنو سلیم بن منصور بن عکرمة بن خصفة بن قیس، و لهم بطون کثیرة منهم بنو عمیرة ابن خفاف بن امری‌ء القیس بن بهتة بن سلیم، و بنو عصیة بن خفاف.
و منهم: بنو زعب بطن بن مالک بن خفاف من ولده یزید بن الأخنس ابن حبیب بن جرو بن زعب بن مالک، عقد له رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم لواء یوم الفتح و ابنه معن.
و من قیس بنو محارب بن خصفة، و من قیس بنو أشجع بن ریث، و من قیس هوازن بن منصور أخو سلیم أبو القبائل العدیدة من أعظمهم بنو عامر بن صعصعة بن معاویة بن بکر بن هوازن، و أبناء عامر ربیعة أبو کلاب البطن المعروف إلیهم البیت، و إخوة ربیعة: هلال و نمیر و سواءة، و أخوه کلاب بن ربیعة بن عامر کعب بن ربیعة، و بنوه: عقیل و معاویة، و هو الحریش و قشیر و جعدة، کلهم بطون، فولد ربیعة عقیلا و ولد عقیل ربیعة و عمرا و عامرا و عبادة و معاویة، و عوفا، و العدد فی عقیل فی عمرو، ثم عامر، ثم عبادة و ربیعة، فولد ربیعة بن عقیل ریاحا و عمرا و عامرا و کعبا، و هو أبو الکعوب، و هم الخلعاء کانوا لا یعطون أحدا طاعة، هذا ما ذکر ابن الکلبی، و قد ذکر السید أحمد بن عبد اللّه بن حمزة فی «شرح ذات الفروع» لما أتی علی قوله:
و عائذ الشمّ الذین إلیهم‌من المجد غایات العلی تناوب
قال فی الشرح: هو عائذ بن ربیعة بن عقیل، و کان سعید بن فضل الطائی قد عزاه إلی آخر القصة.
و من عقیل بنو عامر، قال فی «العبر»: و هم بنو عامر بن عوف بن
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 62
مالک بن عوف و لم یزد فی نسبهم. قلت: و عوف هو ابن عامر بن عقیل جد أبی حرب بن خویلد بن عوف بن عامر بن عقیل، کان فارسا جاهلیّا، ثم أسلم، و وفد علی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم، و سأله أن لا یحشر قومه و لا یعشروا، و کانت مساکن بنی عقیل البحرین فی کثیر من قبائل العرب، و أعظمهم عقیل و تغلب و سلیم، ثم غلبت عقیل و تغلب علی سلیم، فأخرجوهم فسارت سلیم إلی مصر و المغرب، ثم اختلف بنو عقیل و بنو تغلب بعد مدة، فغلب بنو تغلب، و طردوا عقیلا، فساروا إلی العراق و ملکوا الکوفة و البلاد الفراتیة و تغلبوا علی الجزیرة و تلک النواحی.
و کان من رؤسائهم المقلد، و قریش، و ابنه مسلم المشهورة وقائعهم فی التاریخ، حتی غلبهم علیها الملوک السلجوقیة فتحولوا عنها إلی البحرین، حیث کانوا أولا فوجدوا تغلبا قد ضعف أمرهم فغلبوهم و صار الأمر لهم.
قال ابن سعید: سألت أهل البحرین فی سنة ست مئة و إحدی و خمسین حین لقیتهم بالمدینة عن البحرین؟ فقالوا: الملک فیها لبنی عقیل و تغلب من جملة رعایاهم، و بنو عصفور من عقیل هم أصحاب الأحساء.
و بنو عامر بن عوف هم إخوة بنی المنتفق، و مسکنهم بجهات البصرة.
قال فی «العبر»: و قد ملکوا البحرین بعد بنی أبی الحسین أحمد بن أبی سنان العیونی غلبوا علیها تغلبا.
قال ابن سعید: و ملکوا أیضا أرض الیمامة من بنی کلاب و کان ملکهم فی نحو الخمسین من المئة السابعة ملکها منهم عصفور و بنون.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 63
قال الحمدانی: و منهم القدیمات و التعلیم و قباث و قیس و دعفل و حرثان: و بنو مطرف، و ذکر أنهم وفدوا صحبة مقدمهم محمد بن أحمد بن شبانة بن عقیلة بن شبانة بن قدیمة بن نباتة من عامر، و عوملوا بأتم الإکرام، و توالت وفادتهم علی الناصر محمد بن قلاوون، و أغرقتهم؟؟؟ الصدقات بدیمها، و برز أمره السلطانی إلی الأفضل بتسهیل الطریق لوفودهم.
و من أولاد عقیلة بن شبانة عمیرة جد العمایر و هو: أبو راشد شیخ عقیل فی إمارة محمد بن أبی الحسین بن أبی سنان محمد بن الفضل بن عبد اللّه بن علی بن عبد اللّه بن محمد بن إبراهیم العیونی، و هو الذی حالف عزیز بن حسن بن شکر بن علی بن عبد اللّه بن علی العیونی، علی انه یقتل الأمیر محمد بن أبی الحسین صاحب القطیف، و یتولی عزیز مکانه و یکون لراشد بن عمیرة ملک السلطنة فی القطیف من أرض و نخل و عدة بساتین، من أوال مسمات، وعدة مراکب للسفر، و الغوص و ألوف دنانیر، و عدد من الثیاب و أشیاء غیرها لراشد منه شی‌ء معلوم، و یفرق الباقی علی عشیرته و أصحابه، و من أراد من أهل البلد، فقتله علی ذلک الشرط، و وفی له عزیز بذلک و لم یبق للسلطان فی بساتین القطیف شی‌ء.
قال فی «مسالک الأبصار»: و دارهم الأحساء، و القطیف، و ملح، و نطاع، و القرعاء، و اللهابة، و جودة، و متالع.
و من عقیل أیضا بنو المنتفق بن عامر بن عقیل، قال ابن سعید و منازلهم الأجام القصب التی بین البصرة و الکوفة، و الإمارة فیهم لبنی معروف، منهم: عمرو بن معاویة بن المنتفق صاحب الصوائف، و کان
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 64
معاویة ولاه: أرمینیة و أذربیجان، ثم ولاه: الأهواز و قتل ابنه زیاد یوم راهط و کان شریفا و منهم لقیط بن عامر بن المنتفق الوافد علی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم.
و أما بنو عبادة بن عقیل فمنازلهم بالجزیرة الفراتیة، و لهم عدد و کثرة غلب منهم علی الموصل و حلب فی أواسط المئة الخامسة: قریش بن بدران ابن مقلد ثم ملکها ابنه مسلم شرف الدولة و توالی الملک لعقبه إلی أن انقرضوا و رجعوا إلی البادیة.
و من عقیل خفاجة بن عمرة بن عقیل، قال فی «العبر»: و کان لهم ببادیة العراق دولة. قال فی «المسالک»: و دیارهم من هیت و الأنبار، إلی الکوفة، إلی قاتم عنقاء، إلی ما دون البصرة.
قال الحمدانی: وفدوا علی السلطان بیبرس بعد کسره الخلیفة المنتصر المجهز من مصر لقتال التتار، و کان کبیرهم حضر بن بدران بن مقلد بن سلیمان بن مهارش العبادی، و شهر بن أحمد الخفاجی، و مقبل و عیاش بن حدیثة، و وشاح و غیرهم فأنعم علیهم و کانوا عونا له علی التتار.
و من بنی عامر بن صعصعة: بنو هلال بن عامر، و أولاده عبد اللّه بن و نهیک، و عبد مناف، و صخر، و عائذ، و رویبة، و ناشرة.
قال ابن سعید: و جبل بنی هلال بالشام مشهور، و قد صار عربّه حراثین.
قال الحمدانی: و لهم بلاد أسوان، و بلاد الصعید إلی عیذاب، و منهم بنو ریاح بن أبی ربیعة بن نهیک بن هلال بن سعید، و مساکنهم فی إفریقیة، قال: و بنواحی المسیلة و الزاب.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 65
قال فی «المسالک» و هم فرقة کثیرة، و کان لهم ملک العرب القدیم ببلاد المغرب، و ذکر أن مشیختهم فی زمانه لیعقوب بن علی بن أحمد، و کان أبوه فی غایة من الکرم، بعث إلیه سلطان أفریقیة ثلاثین حملا من البز الرفیع و التحف، فوهبها لثلاثة من المستعطین، قال: و یجاورهم عموش بن خلف، و نطاح أخوه، و هما أهل إبل، یکون عند الرجل منهم ستون ألف بعیر.
و ذکر ذلک عن الشیخ أبی یحیی المغربی الإمام بالقصر السلطانی ثم قال و علیه العهدة فی ذلک:
[و من ریاح بنو فارغ و منازلهم بالمغرب الأقصی، و من بطونهم بنو عتیبة و منازلهم باجة، و بالمغرب الأقصی منهم خلق کثیر].
و من بنی هلال بنو حرب، قال الإمام أبو العباس أحمد بن عبد اللّه القلقنشدی فی کتابه «نهایة الأرب فی معرفة قبائل العرب»: بنو حرب بطن من هلال بن عامر.
ذکرهم الحمدانی قال: منازلهم الحجاز و لم ینسبهم؛ قال: و هم ثلاثة بطون: بنو مسروح، و بنو سالم، و بنو عبد اللّه، قال: و منهم زبیر الحجاز، و بنو عمرو، و هم أکثر العرب عددا و أجرؤهم رجلا باطشة ویدا، و مساکن جمیعهم الحجاز انتهی.
و قد فصلهم المحشی علی هذا الکتاب فقال: قلت: و قبائل حرب کثیرة من حرب، و هم: زبید، و زبالة: و بنو سلیم، و بنو یزید، و مخلف، و السفر، و مزینة، و بنو سالم، و بنو علی، و عوف.
هذه القبائل العشرة یجمعها الآن: مسروح بن حرب، منازلهم الآن
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 66
بین مکة و المدینة، و قبائل عمرو، و الحمران، و بنو دایر، و بشر، و بنو محمد، و جهم، و البلادی.
هذه السبع یجمعها الآن عمرو بن حرب، و أما صبح فهم حلفاء لبنی سالم، و معبد حلفاء بنی عمرو. انتهی.
و قال أیضا فی «نهایة الأرب»: بنو عتیبة بطن من بنی ریاح بن هلال ابن عامر منازلهم بنواحی باجة من إفریقیة، و بالمغرب الأقصی، منهم خلق کثیر.
و أما بنو عائذ فقال فی «شرح ذات الفروع»: بنو عائذ بن ربیعة بن عقیل.
قال: کان سعید بن فضل الطائی قد غزاهم فی ألف و خمس مئة فارس فوافاهم خلوفا قد غزوا ربیعة الفرس، فأخبروا أن طیا قد استاقت أموالهم فرجعوا و أدرکوهم، فاقتتلوا قتالا شدیدا، فقتل سعید بن فضل، و أسر ولده، و أخذ من خیلهم ألف قلیعة، و قتلوا قتلا ذریعا. انتهی.
و قد ذکر السیوطی بنی عائذ فقال: بنو عائذ بن سعید ذکرهم الحمدانی، و لم یبین من أی عرب هم، غیر أنه عائذ بن سعید، ثم قال:
و دیارهم من حرمه إلی جلاجل، و التویم، و وادی القری، و قال: و لیس بالوادی المقارب للمدینة، و یعرف بالعارض.
قال فی «مسالک الأبصار»: و حدثنی عبد اللّه بن أحمد الواصلی أن بلادهم بلاد خصب و خیرات زرع و ماشیة، بقری عامرة، و عیون جاریة، و نعم سارحة، و أن لأرضهم بذلک الوادی حصانة «و منعة»، و أن المظفر بن بیبرس الجاشنکیر سلطان مصر، همّ بقصد هذا الوادی و اللجأة به،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 67
و المقام فیه، و أن یکون فیه کواحد من أهله، مرتزقا من سوائم الإبل، ثم انثنی عزمه عن ذلک.
و قال السیوطی فی «قلائد الجمان»: بعد أن ذکر آل فضل بن ربیعة الطائبین، الذین منهم آل عیسی، و آل مهنا ملوک عرب زمانهم من العراق، إلی الشام، و أطنب فی تعظیم شأنهم و شرفهم، ثم قال: و ینضم إلیهم من سائر العرب: زعب، و الحریب، و بنو کلب، و بنو کلاب، و آل بشار، و آل خالد حمصی، و طائفة من سنبس، و خالد الحجاز، و السراحین، و یأتیهم من عرب البریة من نذکر فمن غزیّة: غالب، و أجود، و البطان و ساعدة، و من بنی خالد: آل جناح و الضبیبات من میاس و الجبور و الدعم و القرشة، و آل منیخة و آل ثبوت و المعامرة و العلجان، و فرقة من عائذ و آل یزید، و الدواسر. انتهی.
قال بعض العلماء المجیبین علی قوله: و فرقة من عائذ: و هم آل یزید و شیخهم ابن مغامس و المزائدة، و شیخهم ابن أبی محمد و بنو سعید، و شیخهم: محمد العلیسی و الدواسر، و شیخهم: ابن بدران الکل من عائذ الحجار بن ربیعة. انتهی.
قال فی «نهایة الأرب»: الدواسر بطن من العرب بالیمن ذکرهم المقری فی التعریف، قال: و کان یکتب إلی رجال منهم بسبب خیل تسمن للسلطان عندهم. قال: و المعامرة بطن من بنی خالد الحجاز، و لم ینسبهم و الدعم و آل جناح من خالد الحجاز. انتهی.
قلت: الذی استفاض فی منازل العائذیین، أن دارهم ما بین العیینة إلی حدود الدرعیة، المسمی بالوصیل. و أهلکهم آل درع، و الموالفة
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 68
الذین بقایاهم آل سعود، و آل وطبان، و جمیع الدروع، و آل مدیرس، و آل عبد الرحمن شیوخ ضرما، فقتلوا آل یزید قتلا ذریعا، و دمروا منازلهم.
و أما المزائدة فدیارهم الخرج المعروف الیوم، و أما الدواسر فدیارهم و ادیهم الذین هم فیه الیوم، و لم نعلم لعائذ الیوم بادیة مستقلة بنفسها إلّا الدواسر علی رأی من جعلهم منهم، و المعالیم أحلاف آل ظفیر، و حاضرتهم قلیلة.
هذا الذی لخصنا من نسبهم و یتفرع من عامر بطون کثیرة، منهم: خالد الحجاز من عرب بیشة الذین انخزل، منهم: فریق آل حمید و هم آل غریر بن عثمان، و آل حسن بن عثمان، و آل هزاع، و آل شباط، و القرشة، آل کلیب، و المهاشیر، و هم استولوا علی الأحساء و القطیف سنة ثمانین بعد الألف، مقدمهم براک ولد غریر جد أبی غریر، و أجلوا عنه نواب الروم، و قد ذکر تاریخ ولایتهم أحد أدباء القطیف المسمی بالخط فقال:
رأیت البدو آل حمید لمّاتولّوا أحدثوا فی الخطّ ظلما
أتی تاریخهم لمّا تولّواو قانا اللّه شرّهم طغی الما
و لفظة: طغی الماء، هی التاریخ المذکور، و قد أرخ جامع النبذة زوال ملکهم بقباء دولة آل سعود فقال:
و تاریخ الزّوال أتی طباقاو غار إذ انتهی الأجل المسمّی
و لفظة: و غار تمام سبع و مئتین بعد الألف، و من بنی خالد المذکورین: آل جناح و الضبیبات، و الجبور، و الدعم، و میاسة، و الثوابت کل هؤلاء فی عقیل.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 69
و کان للجبور المذکورین دولة و ریاسة بادیة و حاضرة فی الأحساء و القطیف و عمان، و تلک النواحی و معظمها فی القرن التاسع، و أشهرهم فی الریاسة و الملک و السخاء، و الجود: أجود بن زامل الجبیری العقیلی، فإنه کان له صیت عظیم هو و بنوه زامل و سیف، حتی ذکر العصامی أن أجود لما حج فی سنة 912 ه کان فی ثلاثین ألفا، ثم إن بنیه اختلفوا بعد موته، ثم تولی ابنه مقرن، و هو الذی یقول فیه جعیثن الیزیدی فی قصیدته التی بقول فیها:
رخاء العیش ضمن فی اقتحام الشّدائدو نیل المعالی فی لقا کلّ کائد
و یسر اللیالی مستعاد لعسرهاکذا قال فی التنزیل وافی المواعد
و الأعمال منها عائذ کلّ ما مضی‌و الأعمار منها ما مضی غیر عائد
إلی أن قال:
و لاقیت بعد السّیر یاناق مقرناو قابلت وجها فیه للحمد شاهد
نشأ بین سیف و الغریریّ زامل‌فیا لک من عمّ کریم و والد
و بین أجود سلطان قیس و رکنهاعن الضیم أو فی المعضلات الشدائد
حمی بالقنا إلی ضاحی الّلوی إلی العارض المنقاد نابی الفرائد
و نجد رعی ربعیّ زاهی فلاتهاعلی الرغم من سادات لام و خالد
و سادات حجر من یزید و مزیدقد اقتادهم قود الفلا بالقلائد
بنو لام هم الذین منهم آل ظفیر، و آل مغیرة، الذین منهم الملوک الشهیرة، و البطون الکثیرة، و قد انقرضوا إلّا النادر فی الحاضرة، و المندرج فی البادیة.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 70
و منهم: آل کثیر، و الفضول، و هم: خالد المذکورون الذین انخزلوا من ناحیة بیشة و صاروا بادیة الخرج، و ما یلیه فی زمن ولایة الروم علی الأحساء، فإنه لما ضعف أمر الأجود و انقرضت دولتهم استولی الروم علی الأحساء فی آخر القرن العاشر، و ضبطوه و أحصنوه، و بنوا فیه فاتح باشا، ثم علی باشا المشهور. ثم ابنه محمد باشا، أرسله أبوه علیّ فی مکاتبة إلی السلطان فزور علی أبیه رسالة مضمونها أنه یرید من السلطان الإنخلاع عن الإمارة لابنه محمد المذکور، فتم الأمر علی ذلک.
فلما قدم خلع أباه و أراد حبسه، فطلبه أبوه أن یجهزه إلی المدینة فی مجاورة الرسول صلّی اللّه علیه و سلم، فجهزه هو و أهل بیته، و ابنیه، الأمیر فی القطیف یحیی بیک، و أبو بکر الأدیب، و کان ذا شهامة و صرامة، و له دیوان شعر مجلدان، و کان مولده فی حدود الألف، و توفی سنة 1076 و توفی أخوه یحیی الفقیه الأدیب سنة 1095.
و کانت وفاة أبیهما علی باشا سنة 1041 بطیبة، کان یحیی فقیها أدیبا، أخذ عن علماء الأحساء، و أخذ الفقه و الحدیث و العربیة عن الإمام العلامة: إبراهیم بن حسن الأحسائی الحنفی، و أجازه بجمیع مرویاته و مؤلفاته.
و لم تزل ولایة الروم علی الأحساء و القطیف حتی انتزعها منهم آل حمید، علی تمام الثمانین بعد الألف، و کان بادیتهم قبل آل حمید من طوائف المنتفق، آخرهم راشد المغامس الذی قتل آل حمید وقت ولایتهم. انتهی.
و رأیت نسبة لعائذ یقول فیها: عائذ بن سعید بن زید بن جندب بن
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 71
جابر بن زید بن الحارث بن بغیض بن شکیم- بفتح المعجمة و سکون الکاف- المحاربی الجسری له وقادة.
قال البلاذری: و من ولده لقیط بن بکر بن النضر بن سعد بن عائذ ابن سعید بن عائذ بن سعید، و کان راویة عالما صدوقا، و شهد عائذ الجمل و صفّین و قتل بهما.
و من عامر: النابغة الجعدی الشاعر المشهور المعمر الذی أنشد النبی صلّی اللّه علیه و سلم قصیدته التی قال فیها:
و لا خیر فی حلم إذا لم یکن له‌بوادر تحمی صفوه أن یکدّرا
و لا خیر فی جهل إذا لم یکن له‌حلیم إذا ما أورد الأمر أصدرا
فقال له النبی صلّی اللّه علیه و سلم: لا فض اللّه فاک: فعاش عمرا طویلا لم یسقط منه سن حتی مات.
و من عامر: قشیر بن کعب بن ربیعة بن عامر بن صعصعة، منهم:
قرة بن هبیرة وفد علی النبی صلّی اللّه علیه و سلم، فأکرمه، و کساه، و استعمله علی صدقات قومه.
و منهم: زیاد بن عبد الرحمن ساق فی غزوة ألف خصی من الغنم کان یذبحها، و ولاه عمر بن عبد العزیز خراسان.
و منهم: ناشد رجله جیاش بن قیس بن الأعور بن قشیر، شهد الیرموک، فقتل بیده ألف رجل فیما تزعم قیس، و قطعت رجله یومئذ فلم یشعر بها حتی رجع إلی منزله، فرجع ینشد عن رجله فجعل یقول:
أقدم حذام إنّها الأساوره‌و لا تغرّنک رجل نادره
أنا القشیریّ أخو المهاجره‌أضرب بالسیف روؤس الکافره
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 72
و له یقول سوار بن أوفی:
و منّا ابن عتاب و ناشد رجله‌و منّا الذی أدلی إلی الحیّ حاجبا
یعنی مالکا و هو ذو الرقیبة الذی أسر حاجب بن زرارة یوم جبلة سید تمیم.
و من عامر بنو جعدة بن کعب بن ربیعة بن عامر، و من ولده عمرو بن ربیعة الرقاد، و ورد منهم عبد اللّه بن الحشرج الذی غلب علی فارس أیام ابن الزبیر و له یقول زیاد بن الأعجم:
إنّ السماحة و المروءة و النّدی‌فی قبّة ضربت علی ابن الحشرج
و کان لعبد اللّه امرأة یقال لها سریرة تلومه علی الجود فقال:
ألا هبّت تلومک أمّ سکن‌و غیر الّلوم أوفی للرّشاد
و ما دفعی بمالی دون عرضی‌بإسراف سریر و لا فساد
و لا أعطی الخلیل إذا التقینامکاثرتی و أمنعه تلادی
و لکنّی امرؤ عوّدت نفسی‌علی علّاتها جری الجیاد
محافظة علی حسبی و أرعی‌مساعی آل رومة و الرّقاد
و یتفرع من عامر بطون کثیرة و ولد مرة بن صعصعة عدة أبناء، أمهم سلول بها یعرفون، و من بطون هوازن قسیّ، و هو ثقیف بن منبه بن بکر بن هوازن.
و من هوازن: بنو سعد بن بکر بن هوازن الذین وافدهم ضمام بن ثعلبة الذی قدم علی النبی صلّی اللّه علیه و سلم فأسلم، و حسن إسلامه، و قدم علی قومه فدعاهم فأسلموا بسببه.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 73
و منهم: حلیمة بنت أبی ذویب التی أرضعت النبی صلّی اللّه علیه و سلم بلبان ابنتها الشیماء، هذا ما لخصنا من أنساب بنی مضر بن نزار.
و أما ربیعة بن نزار فولده أسد و ضبیعة، و فیهم کان البیت، و قیل و أکلب دخل فی خثعم.
منهم: بنو عنزة بن أسد بن ربیعة و ابنا عنزة یذکر و یقدم.
قال فی «العبر»: و کانت دیارهم عین التمر علی ثلاث مراحل من الأنبار، ثم انتقلوا إلی جهات خیبر؛ و کان أهلها و سکانها بنی جعفر بن أبی طالب الطیار رضی اللّه عنه، و کانت ذات نخیل و زروع و أنهار، فقصدهم عنزة و جری بینهم حروب، و ضیقوا علیهم، فصالحوهم علی شطر الثمار، فصاروا ینزلون عندهم فی القیظ، ثم یرحلون ثم صاروا یتزودون علیهم، ثم قالوا: لا بد أن نبقی عندکم قوما منا یأخذون لنا ما أردنا منکم فلم یروا من ذلک بدّا فأنزلوا عندهم رجلا یقال له: لعیب فی أربع مئة رجل من عنزة فضیقوا علیهم و ساموهم الهوان، و لم یبقوا فی أیدیهم إلّا القلیل فتراجعوا و قالوا: یا قوم الموت أهون مما نحن فیه، فاتفق رأیهم علی القبض علیهم فما طلع الفجر حتی أحاطوا بهم، فلم یفلت منهم أحد، ثم تشاوروا علی قتلهم، ثم قتلوهم أجمع فبلغ ذلک عنزة فأقبلوا و حصروا البلد فتحصنوا عنهم، و کانوا یخربون فی حروثهم، و زروعهم.
فقال أهل البلدان: أردتم أعطیناکم القوس، فاقطعوا النخل، فتراجع عنزة و رأوا أن الصلاح فی الإبقاء، فصالحوهم و رجعوا إلی مشارطتهم الأولی، و ورث بلادهم غزیة من طیی‌ء.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 74
و منهم: بنو هزان البطن، و الدول، و عکابة، و محارب البطن ابنا صباح بن العتیک بن أسلم بن یذکر بن عنزة.
و ذکر فی «الأغانی»: أن الأعشی تزوج امرأة من عنزة من هزان فلم یرضها و لم یستحسن خلقها فطلقها. قال سفیان الثوری: طلاق الجاهلیة طلاق الإسلام، کانت عند الأعشی امرأة من هزان فأتاه قومها فقالوا:
طلقها فقال:
أیا جارتی بینی فإنک طالقه‌کذاک أمور الناس غاد و طارقه
و بینی حصان الفرج غیر ذمیمةو مومقة فبنا کذاک و وامقه
و ذوقی فتی قوم فإنّی ذائق‌فتات أناس مثل ما أنت ذائقه
لقد کان فی فتیان قومک منکح‌و شبان هزان الطوال الغرانقه
فبینی فإنّ البین خیر من العصاو إلّا تزالی فوق رأسک بارقه
و ما ذاک عندی أن تکونی دنیّةو لا أن تکونی جئت عندی ببائقه
و من هزان الحارث بن الدول بن صباح کان إذا مصر مصرت معه عنزة کلها، ثم لا یمصر أحد إلّا نزعوا کتفه، منهم عبد شمس بن مرة بن عمرو بن ضبیعة بن الحارث بن الدول، و هم الذین أسروا حاتم طیی‌ء، و الحارث بن ظالم الرئیس، و کعب بن مامة الجواد.
و أما بنو ضبیعة بن ربیعة فمنهم: بنو حلی بن أحمس بن ضبیعة، الذین منهم بنو یعمر بن مالک بن بهثة بن حرب بن وهب، کانوا فی کلب دهرا ثم رجعوا و لهم یقول امرؤ القیس:
* مجاور غسّان و الحیّ یعمرا* و من أعظم قبائل ربیعة: بنو وائل بن قاسط بن هنب بن أقصی بن
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 75
دعمی بن جدیلة بن أسد بن ربیعة بنو وائل، و کان لوائل من الولد بکر، و فیهم العدد و تغلب و عنز، و أمهم هند أخت تمیم و کان لبکر من الولد علیّ و یشکر، و من أعظم بطونهم بنو شیبان بن ثعلبة الحصن بن عکابة بن صعب بن علی بن بکر، منهم: بنو أبی ربیعة بن ذهل بن شیبان.
قال ابن الکلبی: قال عوانة بن الحکم الکلبی: جهز رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم جیشا فأعجبه ما رأی من حالهم و عدتهم، فقال: «و الذی نفسی بیده لو لقوا حمر الحمالیق من بنی آل ربیعة لهزموهم»: منهم هانی‌ء بن مسعود بن الخصیب بن عمرو بن أبی ربیعة، صاحب یوم ذی قار، و هو الذی قال فیه النبی صلّی اللّه علیه و سلم: «هذا أول یوم انتصفت فیه العرب من العجم بفوارس من ذهل بن شیبان، و بی نصروا».
و ذلک أن النعمان بن المنذر لما بعث إلیه کسری لیقدم علیه و کان قد جعله کسری ملک العرب الذین یلونه، و کان یخافه و لا یدری ما یبدر منه فأودع ذویه و أهل بیته و حلقته و أمواله و حواشیه بن شیبان، و قدم علی کسری فحبسه و بعث إلی بنی شیبان یطلب ودائع النعمان، فقالوا: لا ندفع أمانتنا فبعث إلیهم العساکر العظیمة، من العجم و العرب، من طیی‌ء و غیرهم، فأغاروا علیهم علی ذی قار فاقتتلوا قتالا شدیدا، فوقعت الهزیمة علی جیش کسری، فأمعنوا قتلا و أسرا، و هلک أکثرهم فی البریة.
و کانت هذه الوقعة سنة خمس و أربعین من مولد النبی صلّی اللّه علیه و سلم.
و منهم مرة بن دهل و بنوه عشرة منهم همام و جساس الذی قتل کلیبا، و منهم ذو الجدّین عبد اللّه بن عمرو بن الحارث بن همام، الذی من
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 76
ولده بسطام بن قیس الفارس المشهور، و هو الذی وضعت العرب أعمدة بیوتها جزعا علیه لما قتل.
و من بنی ثعلبة شیبان: الأصغر بن ذهل بن ثعلبة بن عکابة، منهم الحارث بن سدوس بن شیبان، کان من عظماء بکر بن وائل، کان له خمسة و عشرون ولدا یرکبون معه، و لبنی سدوس قریة فی الیمامة ذات نخل تسمی حزوی.
.. و من بنی شیبان هذا الإمام أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد بن إدریس بن عبد اللّه بن حیان بن عبد اللّه بن أنس بن عوف بن قاسط بن مازن بن شیبان، و ذهل هذا بطن کثیر العلماء، و من سدوس عمران بن حطان، و من بنی ذهل عامر أخو شیبان.
و من بکر قیس بن ثعلبة بن عکابة أخو شیبان الأکبر.
منهم الحارث بن عباد بن مرة بن ضبیعة بن قیس بن ثعلبة الحصن، أبو بحیر کان فارس بکر، و هو الذی أسر مهلهلا مرارا یخلی سبیله، و کان یضرب به المثل فی الوفاء، فیقال: أوفی من رب النعامة، و النعامة فرسه.
و منهم: المثنی رضی اللّه عنه و هو ابن حارثة الذی عقر فیل بهرام یوم القادسیة، و قتل الأعاجم و تولی حربهم زمانا فی صدر الإسلام، و نهب و سبی و فتح بلاد کسری.
و منهم: شبیب بن یزید فارس العرب بادیها و حاضرها، و هو الذی خرج علی بنی أمیة علی عهد عبد الملک بن مروان، و أرجف و خطب له علی المنابر بالخلافة، و خوطب بأمیر المؤمنین، و دخل الحجاج الکوفة مرارا و حصره فیها، و کانت زوجته غزالة تسیر معه و تقاتل، و قد نذرت أن
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 77
تصلی بالجامع بالکوفة رکعتین تقرأ فیهما بالبقرة و آل عمران، فحازها شبیب ناحیة فوفت بنذرها، و للحجاج یقول الشاعر:
أسد علیّ و فی الحروب نعامةربداء تنفر من صفیر الصّافر
هلّا کررت علی غزالة فی الوغالکنّ قلبک بین جنبی طائر خزانة التواریخ النجدیة ؛ ج‌1 ؛ ص77
اجتمعت علیه عساکر العراق فهزمها و قتل منها ما لا یحصی و مبلغ عسکره فیها نحو ست مئة، و أرسل الحجاج إلی عبد الملک فأتاه بأمداد کثیرة من عساکر الشام، و آخر الأمر أنه سقط به فرسه من جسر دجلة فی الماء، فغرق و مات بلا سیف و لا سقم.
و منهم بیت الکرم المزیدیون رهط یزید بن مزید بن زائدة بن مطر، و هم بیت الکرم من ربیعة فیهم مزید بن زائد، و منهم یزید بن مزید.
و منهم: خالد بن یزید بن مزید الذی أعطی شاعرا ثواب بیتین قالهما فیه مئة ألف دینار، و البیتان:
قل للبریة إن توفّی خالدإنّ المکارم صادفت آجالها
و الناس إن وافت منیّة خالدکالقوس منتزع ریشها و نصالها
و منهم: معن بن زائدة الجواد الشجاع صاحب یوم الهاشمیة، کان أمیرا شجاعا بطلا یضرب الأمثال بکرمه و جوده، ولاه المنصور الیمن و غیره و مدحته الشعراء فأسرف فی العطاء، و کان المنصور یبخل و یحب الاقتصاد حتی إنه کثیرا ما یتمثل بقوله: أجع کلبک یتبعک، حتی قال له بعض الظرفاء: أخاف أن یعترضه غیرک بلقمة یرمیها له فیتبعه و یترکک، فحجه و سکت، فقال لمعن فی بعض مراجعته: خربت مال بیت مال
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 78
المسلمین، تعطی شاعرا مدحک ببیتین مئة ألف درهم فقال و ما هما فقال:
معن بن زائدة الذی زیدت به‌شرفا علی شرف بنو شیبان
إن عدّ أیام الفخار فدهره‌یومان: یوم ندی و یوم طعان
فقال یا أمیر المؤمنین إنما أعطیته لقوله:
ما زلت یوم القادسیّة حائمابالسیف دون خلیفة الرّحمن
فحمیت حوزته و کنت وقاءه‌من ضرب کلّ مهنّد و سنان
فأعجبه سرعة خاطره و زاد فی إعطائه، و قال: للّه درک قد أبیت إلّا کرما، و أرسله إلی خراسان و ابنه المهدی بها، فقام فی قتال الخوارج قیاما تاما و قتل منهم مقتلة عظیمة حتی أفناهم، ثم إنه بعد ذلک قتله الخوارج ببیت غیلة بداره فتجرّد ابن أخیه یزید بن مزید لقتالهم فقتل منهم مقتلة عظیمة، حتی جرت دماؤهم کالنهر، و من أخبار معن أنه قصده قوم من العراق فرآهم فی هیئة رثة فقال:
إذا نوبة نابت صدیقک فاغتنم‌مرمّتها فالدهر بالنّاس قلّب
فأحسن ثوبیک الذی أنت لابس‌و أفره مهریک الذی أنت ترکب
و بادر بمعروف إذا کنت قادرازوال افتقار أو غنی عنک یعقب
فقال له رجل أنشدک أحسن من هذا لابن عمک هرمة فقال هات فأنشده:
إذا المرء لم ینفعک حیّا فنفعه‌أقلّ إذا ضمّت علیک الصّفائح
لأیّة حال یمنع المرء ماله‌غدا فغدا و الموت غاد و رائح
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 79
فقال: أحسنت، ثم قال: یا غلام أعطهم أربعة آلاف یستعینون بها علی أمورهم إلی أن تهیی‌ء لهم ما نرید. فقال: یا سیدی دنانیر أم دراهم؟
فقال معن: و اللّه لا تکون همتک أرفع من همّتی صغرها لهم، و قد أکثر الشعراء مثل مروان بن أبی حفصة و مسلم بن الولید و غیرهما فیه، و فی أهل بیته من المدائح و المراثی قال بعضهم:
سألت النّدی و الجود حرّان أنتمافقالا جمیعا إنّنا نعبید
فقلت فمن مولاکما فتطاولاعلیّ فقالا خالد و یزید
و قال آخر:
سألت النّدی هل أنت حرّ فقال لاو لکنّنی عبد لمعن و خالد
فقلت: شراء؟ قال: لا بل وراثةأنافا بها عن والد بعد والد
و أما عامر بن ذهل فله عدة أبناء، منهم: رهط عبد الکریم بن أبی العوجاء، الذی صلبه محمد بن سلیمان بن علی بالکوفة فی الزندقة، فقال عبد الکریم: هذا سیّر عن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أربعة آلاف حدیث کذب.
و منهم: بنو حوط الذین حملوا لواء بکر یوم الجمل مع علیّ فقتلوا، کلما قتل رجل أخذه الآخر حتی قتل سبعة ثم تحاموه، و کان ثعلبة أبو شیبان یسمی ثعلبة الحصن لأنه فیما یزعمون عاش حتی رکب لرکوبه من ولد صلبه و بنیهم أربع مئة فارس و کان یسمی حصن ربیعة و یسمی الأغر و لم یذکر من بلغت ذریته هذا العدد غیره أکثر من ذکر و أسعد العشیرة المذحجی، فإنه لم یمت حتی رکب معه من ولده و ولد ولده ثلاث مئة رجل، و کان إذا سئل عنهم یقول هؤلاء عشیرتی دفعا عن العین عنهم، فقیل له سعد العشیرة.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 80
و منهم: طرفة بن العبد الشاعر صاحب القصیدة المشهورة إحدی السبع المعلقات التی یقول فیها:
ستبدی لک الأیام ما کنت جاهلاو یأتیک بالأخبار من لم تزوّد
و ما هذه الأیام إلّا معارةفما اسطعت من معروفها فتزوّد
و هو القائل:
کلّ خلیل کنت خاللته‌لا یترک اللّه له سارحه
کلّهم أروغ من ثعلب‌ما أشبه اللیلة بالبارحة
و منهم: جحدر بن ضبیعة بن قیس بن ثلعبة الحصن فارس یوم التحالق، و هو جدّ المسامعة الذین من أشرافهم: مالک بن مسمع بن شیبان بن شهاب بن قلع بن عمرو بن عباد بن جحدر، ذکروا ذات یوم أشراف العرب عند عبد الملک بن مروان، فقالوا یا أمیر المؤمنین: بالبصرة رجل لو غضب غضب له مئة ألف سیف، کلهم لا یسأل لم غضب فقال عبد الملک: و من هو؟ فقالوا: مالک بن مسمع، فقال: هذا و اللّه هو السید [و منهم: طرفة بن العبد الشاعر].
و منهم: الأعشی میمون بن قیس الشاعر المشهور، و کان منزله فی منفوحة من وادی حنیفة، قال صاحب «الأغانی»: أخبرنی أبو الحسن الأسدی: حدثنا علی بن سلیمان النوفلی قال: حدثنی أنی قال: أتیت الیمامة والیا علیها فمررت بمنفوحة التی یقول فیها:
* بسفح منفوحة فالحاجر* فقلت: هذه قریة الأعشی؟ قالوا: نعم. قلت: فأین منزله؟ قالوا:
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 81
ذاک و أشاروا إلیه قلت: فأین قبره؟ قالوا: بفناء بیته و الشطر المذکور من قصیدته التی أولها:
شاقتک من قتلة أوطانهابالشّطّ فالوتر إلی الحاجر
فرکن مهراس إلی ماردفقاع منفوحة فالحائر
و أسند عن عمرو بن شبة قال: قال هشام بن قاسم العنزی، و کان علامة بأمر الأعشی أنه وفد علی النبی صلّی اللّه علیه و سلم و قد مدحه بقصیدته التی أولها:
* ألم تغتمض عیناک لیلة أرمدا* قلت: قد ذکرها ابن إسحاق و غیره من الأخباریین، فلنذکرها بتمامها لما فیها من مدح خیر البریة، و الحث علی الأعمال الصالحة و مکارم الأخلاق الشرعیة قال:
أ لم تغتمض عیناک لیلة أرمداو بتّ کما بات السّلیم المسهّدا
و ما ذاک من عشق النّساء و إنّماتناسیت قبل الیوم صحبة أحمدا
و لکن أری الدهر الذی هو خائن‌إذا أصلحت کفّای عاد فأفسدا
کهولا و شبّانا فقدت و ثروةفللّه هذا العیش کیف تردّدا
و ما زلت أبغی المال مذ أنا ناشی‌ءولیدا و کهلا حین شبت و أمردا
و أبتذل العیس المراقیل تغتلی‌مسافة ما بین النّحیر فصرخدا
ألا أیّ هذا السائلی أین یمّمت‌فإنّ لها فی أهل یثرب موعدا
فإن تسألن عنّی فیاربّ سائل‌حفی عن الأعشی به حیث أوردا
أجدّت برجلیها النّجاء و جاوزت‌یداها خفافا لینا غیر أحردا
و فیها إذا ما هجّرت عجرفیّةإذا خلت حرباء الظهیرة أصیدا
و أمّا إذا ما أدلجت فتری لهارقیبین حدبا ما یغیب و فرقدا
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 82 فآلیت لا آوی لها من کلالةو لا من حفی حتّی تلاقی محمدا
متی ما تناخی عند باب ابن هاشم‌تراحی و تلقی من فواضله ندا
نبیّ یری ما لا ترون و ذکره‌أغار لعمری فی البلاد و أنجدا
له نافلات ما تغبّ و نائل‌و لیس عطاء الیوم مانعه غدا
أجدّک لم تسمع وصاة محمدنبیّ الإله حین أوصی و أشهدا
إذا أنت لم ترحل بزاد من التّقی‌و لاقیت بعد الموت من قد تزوّدا
ندمت علی أن لا تکون کمثله‌و أنک لم ترصد کما کان أرصدا
و إیّاک و المیتات لا تقربنّهاو لا تأخذن سهما حدیدا لتفصدا
و ذا النصب المعبود لا تنسکنّه‌و لا تحمد الشیطان و اللّه فاحمدا
و لا تقربن من جارة کان سرّهاعلیک حراما فانکحن و تأبدا
و ذا الرحم القربی فلا تقطعنّه‌لفاقته و اصدق و فک المقیّدا
و سبّح علی حین العشیات و الضّحی‌و لا تعبد الأوثان و اللّه فاعبدا
و لا تبتئس من سائل ذی ضرورةو لا تحسبنّ المال للمرء مخلدا
قال هشام: فبلغ خبره قریشا فرصدوه علی الطریق، و قالوا: هذا صناجة العرب ما مدح أحدا إلّا رفع من قدره، فلما ورد علیهم قالوا: أین أردت أبا بصیر؟ قال أردت صاحبکم لأسلم قالوا: إنه ینهاک عن خلال و کلها بک رافق قال و ما هن؟
قال له أبو سفیان: الزنا، قال لقد ترکنی و ترکته و ماذا؟ قال: القمار قال: لعلی إن لقیته أصبت منه عوضا من القمار، و ماذا؟ قال: الربا؟ قال ما دنت قط و لا أدنت، و ماذا؟ قال: الخمر، قال: أوه ارجع إلی صبابة قد بقیت لی مهراس فاشربها.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 83
فقال: أبو سفیان هل لک فی خیر مما هممت به نحن، و هو الآن فی هدنة فتأخذ مئة من الإبل، و ترجع إلی بلدک سنتک هذه و تنظر ما یصیر إلیه أمرنا فإن ظهرنا علیه کنت أخذت خلفا و إن ظهر علینا أتیته. قال: ما أکره ذلک، فقال أبو سفیان: یا معشر قریش هذا الأعشی، و اللّه لئن أتی محمدا و اتبعه لیضر من علیکم نیران العرب بشعره، فأجمعوا له مئة من الإبل، ففعلوا فأخذها و انطلق إلی بلده، فلما کان بقاع منفوحة رمی به بعیره فقتله، و الظاهر أن منفوحة بلد قیس بن ثعلبة بن عکابة.
و منهم: بنو تیم اللّه بن ثعلبة أخو قیس، فمن بطونهم بنو عائذ بن ثعلبة بن الحارث بن تیم اللّه، و من تیم اللّه عبید اللّه بن زیاد الذی قتل مصعب بن الزبیر، و محرز الذی قتل عبید اللّه بن عمر بن الخطاب یوم صفین، و أخذ سیفه ذو الوشاح، هؤلاء بنو عکابة بن صعب بن علی.
و أما بنو حنیفة فهو حنیفة بن لجیم بن صعب بن علی بن بکر بن وائل.
منهم: بنو سحیم بن مرة بن الدول الذین منهم هوذة بن علی بن ثمامة بن عمرو بن عبد اللّه بن عمرو بن عبد العزی بن سحیم، رئیس حنیفة الذی مدحه الأعشی، و کان یجیز البرد لکسری، حتی تصل نجران، و أعطاه کسری قلنسوة قیمتها ثلاثون ألف درهم، و کان من أعظم ملوک العرب و رأس حنیفة، و غیرهم ممن یلیهم من بنی وائل و غیرهم، و هو أول معذی لبس التاج و خوطب بأبیات اللعن، و کتب إلیه النبی صلّی اللّه علیه و سلم یدعوه إلی الإسلام کما کتب إلی کسری و قیصر، و وفدت إلیه الشعراء فی حیاته، و لم یکن لمحکم بن الطفیل ذکر، و لا لمجاعة، و لا ابن أثال، و لا لمسیلمة الکذاب، مع أن مسیلمة أقدمهم ولادة.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 84
قال السیوطی: کان لمسیلمة یوم قتل مئة و خمسون سنة، و کان مولده قبل مولد عبد اللّه والد النبی صلّی اللّه علیه و سلم، و کان منزل هوذة قران، قال فی «المعجم»:: هی رستاق من رساتیق الیمامة، و أهلها أفصح حنیفة.
و منها: هوذة بن علی، و صهبان بن شهر سیدهم، و هی قرب ملهم، و هی التی تسمی الآن القرینة، و للشعراء وفادات علی هوذة و مدائح من أعظمهم الأعشی، و مما قال فیه القصیدة التی مطلعها:
أحیّتک تیا أم ترکت بدائکاو کانت قتولا للرجال کذلکا
و أقصرت عن ذکر البطالة و الصّباو کانت سفاها ضلة من ضلالکا
و ما کان إلّا الحین یوم لقیتهاو قطع جدیدی حبلها عن حبالکا
و کانت ترینی بعد ما نام صحبتی‌بیاض ثنایاها و أسود حالکا
ثم وصف الفقر و الفاقة إلی أن قال:
إلی هوذة الوهاب أهدی مدیحتی‌أرجّی نوالا فاضلا عن عطائکا
تجانف عن جوّ الیمامة ناقتی‌و ما عمدت من أهلها لسوائکا
ألمّت بأقوام فعافت حیاضهم‌قلوصی فکان الشرب فیها بمائکا
فلما أتت آطام و أهله‌أناخت فألقت رحلها بفنائکا
سمعت برحب الباع و الجود و النّدی‌یجودان بالإعطاء قبل سوّالکا
فتی یحمل الأعباء لو کان غیره‌من الناس لم ینهض لها متماسکا
و أنا الذی عودتنی أن تریشنی‌و أنت الذی آویتنی فی ظلالکا
و إنک فی ما نابنی بک مولع‌بخیر و إنی مولع بثنائکا
وجدت علیّا بائنا فورثته‌و طلقا و شیبان الجواد و مالکا
و لم یسع فی العلیاء سعیک ماجدو لا ذو إناء فی الحیّ مثل إنائکا
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 85 و فی کل عام أنت جاشم رحلةتشدّ لأقصاها عزیم عرائکا
مورثة مالا و فی الحیّ رفعةلما ضاع فیها من قروء نسائکا
و قوله: تیّا الظاهر إنه اسم محبوبته، و قد تغزل بها فی أکثر قصائده کقوله:
عرفت الیوم من تیّا مقامابجوّ أو عرفت لها خیاما
و قیل: اسم إشارة بمعنی هذه و تجانف مال و عدل، و جو اسم الیمامة فی الجاهلیة حتی سماها الملک الحمیری لما قتل المرأة التی تسمی باسمها، و قال الملک و قلنا فسموها الیمامة باسمها، و قلنا للمرید إقامة، و قال الأعشی فی مدح هوذة و یذم الحارث:
و إن امرؤ قد زرته قبل هذه‌بجو لخیر منک نفسا و والدا
و اللؤم فی سوائک إلی غیرک و قال ابن لو لا: دسوی و سوی بمعنی غیر مکسور الأول، مقصور یکتب بالیاء و قد یفتح أوله فیمد و معناه معنی المکسور، و طلق و شیبان، و مالک أعمام الممدوح.
و قوله: لما ضاع فیها إلی آخره، یعنی الغزوة التی شغلته عن وطء نسائه فی الطهر، و هذه القصیدة تشبّه أشعار المولدین فی الرقة و الانسجام. انتهی ملخّصا من «شرح شواهد عبد القادر بن عمر».
و منهم: شمر بن عمر الذی قتل الملک المنذور بن ماء السماء یوم عین أباغ.
و منهم: نجدة بن عویمر، و أبو طالوت الخارجیان. و أما عجل أخو
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 86
حنیفة، فیترفع منه بطون کثیرة، و من ولده أبو معدان ثعلبة بن حنظلة، صاحب القبة یوم ذی قار، و کان یسمی مقطع الوظن و البطن، لأنه یوم ذی قار قطع و ظن أبطان بعیر أمه، و أبطان بعیر ابنته، و رمی بهما علی الأرض لئلا یفروا، و هو أول من غیّر سنّة المشرکین فی قسمة الغنائم أمر بقسم الغنائم التی غنموها من العجم، و بعث إلی النبی صلّی اللّه علیه و سلم أی شی‌ء یکون له فقال: إن له الخمس فبعثه إلیه، و لم یکن أحد سبقه إلی ذلک.
و منهم أبو دلف القاسم بن عیسی بن إدریس بن معقل، البطل الشجاع الذی یقول فیه ابن حبلة:
إنّما الدنیا أبو دلف‌بادیه و محتضره
فإذا ولّی أبو دلف‌ولّت الدّنیا علی أثره
و عاقبه المأمون علی هذا البیت فاعتذر بأنه لم یرض بقوله و قال:
أصدق منه الذی یقول فی:
* فما الکرّ فی الدنیا و لا الناس قاسم* ثم إن المأمون أمر بقتل ابن حبلة، و هو المسمی بالعکوک بأن ینزع لسانه من حلقه، فقال: لم أقتله لهذا، و إنما قتلته لقوله فی مخلوق لا یضر و لا ینفع:
أنت الذی تنزل الأیام منزلهاو تنقل الدهر من حال إلی حال
و ما مددت مدی الطرف إلی أمل‌إلّا قضیت بأرزاق و آجال
و کانت تضرب بشجاعة أبی دلف المثل، قال ابن أبی فنن لمن یلومه علی الجبن:
مالی و مالک قد کلّفتنی شططاخوض الحروب و قول الدراعین قف
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 87 أمن رجال المنایا خلتنی رجلاأمسی و أصبح محتاجا إلی التّلف
تغدو المنایا إلی غیری فأسخطهافکیف أسعی إلیها بارز الکتف
أم خلت أنّ ضعیف الرأی حرّکنی‌أو أنّ قلبی فی جنبی أبی دلف
فبلغت أبیاته أبا دلف فأجازه علی ذلک و ولاه المأمون نواحی فی العراق.
و أما یشکر بن بکر بن وائل فمنازلهم ملهم.
قال أبو عبید فی «المعجم»: ملهم حصن بأرض الیمامة لبنی غبراء من یشکر، قال: و هو مذکور فی رسم حرملاء.
قال أبو نخیلة یهجوهم لأنهم لم یقروه و سرقوا بثه و بث عجل صاحبه و یمدح أهل قران لأنهم قروه:
بقران فتیان بساط أکفّهم‌و لکنّ کرسوعا بملهم أجذبا
أ لا تتقون اللّه أن تحرموا القری‌و أن تسرقوا الأضیاف یا أهل ملهما
و قران هی التی تسمی القرینة، و بنو غبر: هم الذین تسمی بهم غبیراء و غبیریة.
قال فی «الجمهرة»: غبر هو ابن غنم بن حبیب بن کعب منهم أسود ابن مالک بن عبد اللّه بن عبد ود بن عبد عوف بن کعب بن مالک بن حرقة بن مالک بن ثعلبة بن غنم، أصحاب التخل بالیمامة، الذی یصرم فی السنة مرتین دعا لهم النبی صلّی اللّه علیه و سلم.
و أما تغلب بن وائل فمن مشاهیرهم: کلیب بن ربیعة الذی کان یضرب به المثل فیقال: أعز من کلیب وائل و هو رأس معدّ کلها، و هو
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 88
صاحب یوم خزاز حین أنف من تولی تبابعة الیمن علیهم و أخذ الضریب منهم انتصب لبنی معدّ و قتل رسول التبابعة، و جمع حطبا کثیرا علی الجبل المسمی خزازا، و واعد قبائل العرب من ربیعة و مضر، أنه إذا أوقد فیه أقبلوا إلیه و حصّنوا به، لأنه عرف أن القحطانیین سائرون إلیه لا محالة فاجتمعت علیه العرب ثم جرت الوقعة المشهورة التی کسر اللّه فیها أهل الیمن، و هلک منهم خلائق قتلا و أسرا، و لم یکن لهم بعدها ید علی بنی معد، ثم أنه تجبّر بعد هذا و عظّم صیته و صار یحمی الحمی من المراعی، فلا یقرّبه أحد، فحمی فی بعض منازله فانفلتت منه ناقة لجارة لجساس یتیمة، و وطئت بیض قنبرة قد باضت فی الحمی، فقام إلیها و رماها بالنشاب فشک ضرعها، فعادت إلی صاحبتها یجری دمها و لبنها، فجزعت المرأة، و صاحت و ندبت جساسا بأبیات تشکو فیها ضیم کلیب، فقال:
غدا یعقر جملا خیرا من ناقتک مضمرا قتل کلیب، فلما برز کلیب للبراز تبعه جساس، و صاحبه عمرو، و طعنه و ثارت الحرب بین تغلب و بکر، و جرت بینهم وقائع عظیمة مدة سنین، و انتدب لبنی تغلب مهلهل أخو کلیب و ترأس فیهم بعد أخیه و لم یزالوا حتی فنی من الطائفتین خلائق، ثم اصطلحوا لما ملّوا من الحرب و فنوا فارتحل مهلهل و جلا إلی الیمن و نزل علی جنب من قحطان إلی أن مات هناک.
و هذه الحرب تسمی حرب البسوس. و البسوس هی المرأة الیتیمة صاحبة الناقة، و سبب ارتحاله خذلان قومه بنی تغلب له لمّا ملّوا الحرب، و غلبتهم بنو بکر، فاضطروا إلی مصالحتهم کرها علیه فنجا بنفسه، و کان معه ابنته عبیدة، فخطبها أحد رؤساء جنب، فامتنع لأنه لم یرهم کفؤا للمصاهرة، فاضطروه إلی تزویجها کرها فعند ذلک یقول:
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 89 أنکحها فقدها الأراقم فی‌جنب و کان الحباء من أدم
لو بأبانین جاء یخطبهاخضب ما أنف خاطب بدم
و الحباء: المهر، و الأدم الجلود، یشیر إلی خساستهم و أبانین منازل بنی وائل و فلواتهم أبان، و متالع، و عبیدة الیوم أهل العرین یتعلقون بالانتماء إلی نسلها.
و هذه الحروب أحد الحروب الثلاثة التی وقعت بین الأخوین، و هذه حرب البسوس المذکورة، و حرب الغبراء و داحس بین عبس و ذبیان، و حرب حاطب بین أوس و الخزرج ابنی حارثة و کان هلاک مهلهل قتلا علی ید عبدین له أتعبهما بالمغازی فملّا و اغتالاه فی الغزو، و ادّعیا موته.
و من تغلب عمرو بن کلثوم الفاتک المشهور صاحب القصیدة إحدی السبع المعلقات، و أعظم الفتکات، قتله الملک الجبار عمرو بن المنذر أخو النعمان الذی یعرف بعمرو بن هند، و هو الذی قتل من تمیم مئة رجل بسبب طفل له استرضع فیهم فهلک، و هو یلعب مع صبیانهم، فحلف أن یقتل منهم مئة ففعل.
و سبب قتل عمرو: أن من طغیانه قال یوما فی مجلس أنه لخواصه: هل تعلمون فی العرب امرأة تأنف من خدمة أمی هند؟ فقالوا:
لا نعلم؟ فقال رجل منهم: أنا أعلم أن لیلی أم عمرو بن کلثوم ما تدین لأحد تخدمة، قال: و لم ذلک؟ قال: لأن أباها مهلهل بن ربیعة و عمها کلیب وائل أعز العرب الذی قتل التبابعة، و أذل القیاصرة و الأکاسرة، و بعلها کلثوم بن مالک أفرس العرب، و إبنها عمرو سید قومه، فکیف
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 90
لا تأنف من خدمة أمک، و کان بنو وائل من جملة العرب المطیعین لابن المنذر.
فقال: و اللّه لأجرّبنها فبعث إلی عمرو بن کلثوم فقال: إنی مشتاق إلی زیارتک و وفادتک، و إن هندا مشتاقة إلی زیارة أمک لیلی علی الحب و الکرامة، فأقبل عمرو بن کلثوم من الجزیرة إلی الحیرة فی جماعة بنی تغلب، و أقبلت لیلی بنت مهلهل فی ظعن من نساء بنی تغلب، و أمر عمرو ابن هند برواقه فضرب بین الحیرة و الفراة و أرسل إلی وجوه مملکته فحضروا فی وجوه بنی تغلب، فلما وصلوا عدل عمرو فأناخ عند خیام الملک، و عدلوا بلیلی إلی خیمة هند اللاصقة لخیمة بنتها، و کانت هند عمة امری‌ء القیس ابن حجر الشاعر المشهور، و کانت أم لیلی بنت مهلهل ابنة أخی فاطمة بنت ربیعة أم امری‌ء القیس، فاحتفل لهم بضیافة کبیرة، و أوقد النیران فی مطابخ هند و لیلی عندها.
و کان عمرو قد أعلم أمه هند أنه یرید أن تستخدمها بشی‌ء و لو یسیرا، فقالت لها بعد ما مضی بینهن محادثة و موانسة: یا لیلی قومی کذا و کذا لشی‌ء حولها فقالت: المرأة تقوم لحاجتها. فقالت: عزمت علیک، فامتنعت، فقالت: لا بد، فقامت کارهة ذاهلة، فرفعت صوتها، و أذلها:
یا بنی وائل، فسمعها ابنها و سمعها الملک و هما فی مجلسه، فعرف الملک أنها ممتنعة، و عرف ابنها أنها مکرهة، فثار الغضب فی وجه الملک و عرف أنها ممتنعة، و کان إذا غضب ثار الدم فی وجهه حتی یکون کأنه قد طلی بالدم، و عرف عمرو بن کلثوم أنه یفعل معهم ما یکرهون، لما یعلم من تجبره، و فتکه، فوثب إلی سیف لعمرو بن هند معلق بالرواق، لیس هناک سیف غیره، فضرب به رأس عمرو بن هند حتی أبانه عن جثته، فاضطرب
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 91
الحزب و بهتوا، و نادی فی بنی تغلب فنهبوا ما فی الرواق من الآلات، و استخرجوا أمه و رکبوا رواحلهم و انصرفوا محتمین، و حاشیة عمرو بن هند قد ذهلوا عن طلبهم.
هذا ما ذکره ابن قتیبة و غیره فی صفة قتله، و فی ذلک قال عمرو بن کلثوم القصیدة المشهورة عند العرب المعلقة: (ألا هبی بصحنک)، و قام بها خطیبا فی سوق عکاظ، و فی موسم مکة المشرفة، و بنو تغلب تعظمها جدا، و تفتخر بها و یرویها صغیرهم و کبیرهم حتی هجوا بذلک و قیل فیهم:
ألهی بنی تغلب عن کلّ مکرمةقصیدة قالها عمرو بن کلثوم
یروونها أبدا مذ کان أولهم‌یا للرّجال لفخر غیر مسئوم
و آل کلثوم هم سادات الأراقم الذین منهم عمرو بن تغلب بن کلثوم الذی من ولده مالک بن طوق، و من بنی جشم أحد الأراقم الستة: کلیب، و مهلهل ابنا ربیعة بن الحارث بن زهیر بن جشم بن بکر بن حبیب، صاحبا الریاسة و السیادة اللذان مضی ذکرهما.
و من بطون تغلب: بنو عدی الذین منهم الأمراء الشجعان الکرام بنو حمدان، رهط سیف الدولة، و أخوه ناصر الدولة، الأمیران المشهوران بالثغور و دیار بکر و الموصل و غیرها، فسیف الدولة هو علی بن عبد اللّه بن حمدان بن حمدون بن الحارث بن لقمان بن راشد بن المثنی بن رافع بن الحارث بن عطیف بن محربة بن الحارث بن مالک بن بکر بن حبیب بن عمرو بن غنم بن تغلب.
و من تغلب: الولید بن طریف الخارجی.
قال الذهبی: قتل سنة تسع و سبعین و مئة، و کانت قد اشتدت البلیة
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 92
به، و کثر جیشه، و سیر إلیه هارون الرشید یزید بن مزید بن زائدة الشیبانی، فراوغه علی غرة بقرب هیت فظفر به فقتله، و فی ذلک تقول الفارعة أخته:
بتلّ شنائی رسم قبر کأنه‌علی علم فوق الجبال منیف
تضمّن جودا حاتمیّا و نائلاو سورة مقدام و قلب حصیف
ألا قاتل اللّه الجثاجث أضمرت‌فتی کان للمعروف غیر عیوف
خفیف علی ظهر الجواد إذا غداو لیس علی أعدائه بخفیف
أیا شجر الخابور مالک مورقاکأنک لم تجزع علی ابن طریف
فتی لا یحبّ الزاد إلّا من النّقی‌و لا المال إلّا من قنی و سیوف
و لا الذّخر إلّا کلّ جرداء شطبةو کلّ رقیق الشفرتین خفیف
حلیف النّدا ما عاش یرضی به النّدافإن مات لم یرض النّدا بحلیف
فقدناه فقدان الشباب و لیتنافدیناه من ساداتنا بألوف
و ما زال حتّی أزهق الموت نفسه‌شجّا لعدوّ أو لجا لضعیف
ألا یا لقوم للنوائب و الردی‌و دهر ملحّ بالکرام عنیف
فإن یک أرواه یزید بن مزیدفربّ زحوف لفّها بزحوف
علیک سلام اللّه وقفا فإننی‌أری الموت وقّاعا بکل شریف
و قالت أیضا:
یا بنی وائل لقد فجعتکم‌من یزید سیوفه بالولید
لو سیوف سوی سیوف یزیدقاتلته لافت خلاف السّعود
وائل بعضها یقتل بعضالا یفل الحدید غیر الحدید
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 93
و منهم: الأخطل الشاعر؛ و أما عنز بن وائل فولد رفیدة و إراشة.
و یقال: إن بعض ولده دخلوا فی خثعم.
و من ربیعة بنو النمر بن قاسط أخو وائل، منهم: عامر بنو النمر الضحیان ربع ربیعة أربعین سنة.
و منهم: أیوب بن زید البلیغ الذی یقال له ابن القریة، و من ربیعة بنو عبد القیس بن أفصی بن دعمی بن جدیلة بن أسد بن ربیعة، و ولد عبد القیس أفصی و اللبوء، و ولد أفصی شنا و أکیزا، و أما اللبوء و إخوته لأمه بکر و تغلب و عنز، و کانوا أحد رجال العرب الستة فکانت مملکتهم هجر و البحرین و القطیف و نواحیهما.
و لم یزالوا یتداولون الولایة، حتی کان آخرهم بنو العیاش بن سعید، رئیس بنی محارب بن عمرو بن ودیعة بن أکیز بن أفصی بن عبد القیس، و العریان رئیس بنی مالک بن عامر، و هو العریان بن إبراهیم بن الزحاف بن العریان بن مورق بن رجاء بن بشر بن صهبان بن الحارث بن وهب بن ضبة ابن کعب بن عامر بن معاویة بن عبد اللّه بن مالک بن عامر البطن المشهور، الذی نسب إلیه عامر بن الحارث بن أنمار بن عمرو بن ودیعة، و ذلک أن عبد القیس حین اختلفت کلمتهم، وهن أمرهم بالبحرین فوثب القرمطی أبو سعید الحسن بن بهرام علی القطیف، و هو یومئذ ضامن مکوسها و فرضتها، و قد جمع مالا عظیما فاستمال به قلوب الناس و کانت ریاسة القطیف یومئذ لبنی حذیمة بن عوف بن بکر بن عوف بن أنمار بن عمرو بن ودیعة.
فجمع أبو سعید جیشا عظیما من أهلها، و من البادیة، و من أهل
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 94
عمان، و حاربهم حتی ملکها بعد أن أحرق اللزازة، و هی دار مملکتها، ثم سار إلی الأحساء بجموع عظیمة: و فیها آل العیاش، و آل العریان، و من یتعلق بهم و حاربهم حتی هزمهم و ملک الأحساء، ثم جمع من فیها من عبد القیس فی محلة منها تسمی الرمادة و أضرمها علیهم نارا، و قد أعد لهم الرجال بالسلاح حولها فمن خرج قتلوه، و من لم یخرج أکلته النار، فهلک قوم لا یحصی عددهم.
و کان فیهم من القراء خلق کثیر، و قتل أبو سعید سنة ثلاث مئة، و تولی بعده ابنه النجیس سلیمان المکنی بأبی طاهر، و ذکر أهل العلم أن خیله کانت تبلغ الشام و العراق و مکة و عمان، و أنه نهب البصرة و الکوفة، و جانب بغداد الغربی، و لو لم یقطع الجسر لدخل الشرقی.
و کان عسکره ألف رجل و نهب الحاج، و کان فیهم یومئذ عشرون أمیرا، تحت ید کل أمیر ألف فارس، و کان أمیر الحاج أبا الهیجاء ابن حمدان والد سیف الدولة، و معه من بنی تغلب ألف فارس، و من بنی شیبان ألف فارس، فالتقاهم جیش القرمطی، فصارت الکرة علی الحاج فقتلوا منهم قتلی کثیرة، و أسروا أبا الهیجاء و جماعة من أشراف قومه و أسروا الوزیر بن أبی الساج، و أغار أبو طاهر علی مکة، و بلغت جیوشه البیت الحرام، و قلع الحجر الأسود، و المیزاب و حملها إلی البحرین، و بنی بالقطیف بیتا سماه الکعبة، و قال: اصرف الحج إلیه، و کان ذلک سنة 312 ه، و کان مردهما 335 بعد موته.
و لما قتل الحاج استبقی أهل الصناعات منهم و حملهم إلی البحرین، و کان عدة ما فی الحاج من الجمال المحملة اثنین و ثمانین ألفا، فغنمها
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 95
کلها و ذهب بأبی الهیجاء و وزیر الخلافة إلی البحرین أسری مدة، ثم خلی سبیلهما بفداء صار إلیه.
ثم إن أبا طاهر سار إلی الکوفة سنة 315 ه، و سار إلیه یوسف بن أبی الساج من واسط، و کان المقتدر قد قلده نواحی الشرق فسار بعسکر نحو أربعین ألفا، و کانت القرامطة ألفا و خمس مئة، منهم سبع مئة فارس فلما رآهم احتقرهم، و قال: صدروا الکتب للخلیفة بالفتح، فهؤلاء فی یدی، و اقتتلوا فحملت القرامطة و انهزم عسکر الخلیفة، و أخذ ابن أبی الساج أسیرا ثم قتله أبو طاهر و استولی علی الکوفة، و أخذ منها شیئا کثیرا، ثم جهز المقتدر إلیهم مؤنسا الخادم فی عساکر کثیرة، فانهزم أکثر العسکر منهم قبل الملتقی، ثم التقوا فانهزمت عساکر الخلیفة و وقع الجفل ببغداد خوفا منهم، و نهبوا غالب البلاد الفراتیة، ثم عادوا إلی هجر بالغنائم.
و کان أبو سعید حین ملک البحرین دعا إلی نفسه أنه صاحب الأمر، و أبطل الصلاة، و الزکاة، و الصوم، و جمیع الشرائع، و هدم ما فیها من المساجد و موه علی ضعفاء الناس، و کان قد استمال قبائل من العرب من الأزد و غیرهم من الیمن، و من قیس عیلان، و عامر بن ربیعة، و عایذ و قباث، و غیرهم من قبائل عامر بن صعصعة.
و لم یزل ملکهم حتی قام لحربهم عبد اللّه بن علی بن محمد بن إبراهیم العیونی العقبسی جدّ الأمراء العیونیین، فقام بأربع مئة رجل علی القرامطة و من معهم من الیمن، و من عامر بن ربیعة بن عامر بن صعصعة خفرة البحرین و القطیف فحاربهم سبع سنین، حتی انتزع الملک منهم و من
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 96
الیمن و عامر، و استأصل عامرا و غنم أموالهم و ذراریهم، و لم ینج من رجالهم إلّا رئیسهم أحمد بن مسعر و أبو فراس بن الشباش، و بعد ذلک منّ علی الحریم و الذراری و سیرهم إلی عمان، و کان القرامطة یومئذ فی ثمانین أمیرا.
و کانت ذکور خیل بنی عامر و من معهم من قیس تبلغ ألفا و إناثها أکثر، و کان ملک عبد اللّه بن علی الأحساء سنة 470 ه.
و کانت الیمن قد شرکت القرامطة فی الأمر عند ضعفهم، و هلاک خلق کثیر من ربیعة کانت بعثتهم القرامطة، إلی أوال لینتزعوا الملک من أبی البهلول العوام بن محمد بن یوسف بن الزجاج أحد عبد القیس، و کان قد غلب القرامطة علیها، و خطب له فیها بالإمارة.
و کانت للعجم ید علی هذه الناحیة، و کان قاضی بلاد تاروت فی جیش عظیم قد سبقه إلیها ملک آخر، فی عسکر عظیم علی طریق البصرة من جهة حمار تکین یریدون ملکها علی عبد اللّه بن علی، فلما وصلوا إلی الأحساء قلب عبد اللّه الرأی فلم یجد غیر استقبالهم بإظهار الطاعة، و التحمل فی الأفعال، إلّا أنه لم ینزلهم فی القصر، بل أقام لهم الإنزال أیاما، و بعث إلی أمرائهم و أشار علیهم بالمسیر إلی عمان و رغبهم فی ملکها، فوصف لهم کثرة ما بها من الذهب و الفضة، و ثیاب الإبریسم، و المتاعات و غیرها، فرغبوا فی ملکها و طلبوا منه الإدلاء، فبعث إلی قوم من بنی الخارجیة ممن یسکن الرمل الذی بینه و بین عمان فجاءوه فتقدم إلیهم بأن یدلوهم علی الطریق و قد أسرّ إلیهم بأن: إذا توسطتم بهم الرمل و نفذ ماؤهم فأنزلوا بهم، فإذا ذهب شطر اللیل و ناموا فانسلوا عنهم بحیث
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 97
لا یرونکم، و امضوا، فامتثلوا فحین توسطوا بهم الرمل ذهبوا فترکوهم، فهلکوا جمیعا، و لم یسلم منهم إلّا شخص واحد بلغ به فرسه الأحساء و لا یدری أین هو ذاهب.
و ذلک فی سنة أربع مئة و أربع و سبعین. و أما أوال فانتزعها یحیی بن عباس و صارت إلی زکریا بن یحیی، و کان حین قتل أخوه الحسن بن یحیی جهز جیشه إلی الأحساء، فلما بلغ قریة من سوادها تسمی ناضرة أتی الصریخ عبد اللّه بن علی بجنوده فالتقوا هناک فهزمت سریة زکریا و نهبت أمتعته و رحاله، و انهزم، و أتبعه عبد اللّه فی ألف فارس أو أکثر، حتی بلغ القطیف فلم یطمع زکریا أن القطیف تمنعه، فعبر إلی جزیرة أوال، فأتبعه الفضل بن عبد اللّه، و قاتله بمن معه حتی قتل الأمیر فضل العکروت، أشجع أصحاب زکریا فانهزم زکریا و رکب البحر و خرج منه إلی العقیر، و اجتمع بقوم من البادیة، و جند جنودا من العرب، و أغار بهم علی القطیف، فلقیه عبد اللّه و حمل علی جنوده فهزمها، و قتل زکریا بن یحیی و استقر ملک البحرین جمیعا فی ید عبد اللّه، و لم تزل فی أیدی بنیه و أهل بیته یتداولونها، و کانوا ملوکا عظاما و أجوادا کراما.
و لابن عمهم علی بن المقرب فیهم القصائد الطنانة، مدحا لهم و افتخارا بهم، و حثا علی مکارم الأخلاق، و عتابا موجعا، و حماسة و شکایات، و نصائح.
و أکثر أفخاذه بنو وائل، لأنهم بنو- عمهم مجتمع عبد القیس، مع بنی وائل فی أفصی، و وائل هو بن قاسط بن هنب بن أفصی، فیکون وائل بن أخی عبد القیس و کان جده أبا مقرب، الأول و اسمه الحسن بن غریف،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 98
و یلقب بالحاشر لشدة صوته و بأسه، و هو ابن عمی عبد اللّه بن علی، یجتمع معه فی علی بن عبد اللّه بن علی بن عبد اللّه بن محمد، و جعله عبد اللّه فی شی‌ء من الإمارة.
و کان یرکب أمام عبد اللّه یوم العید إلی المصلی، و حوله موکب عبد اللّه، و الستر مرفوع علی رأسه، و الأعلام حوله و أمامه، و کانت أمور رفیع؟؟؟ السلطنة ترد إلیه، و کان یلبس سوار الملک، و کان مع ذلک العز و العظمة عابدا عالما صواما عفیفا رؤوفا بالرعیة، و له من الولد الذکور ثمانیة، و کان الملک و السلطنة فی بنی عبد اللّه بن علی العبقسی العیونی المذکور، و نسبته إلی العیون ناحیة من نواحی الأحساء من البحرین، زعموا أنه کان بها أربع مئة کلها تجری و تسقی بساتین و کانت بلدا عظیمة، ثم إن الرمل أخرب أکثرها و إنما بسطنا الإشارة إلی هذه القبیلة و تملکاتهم و حروبهم لأنهم أشهر متأخری عبد القیس.
و من بنی عبد القیس: الأشجع العصری، و الجارود الجذیمی:
الوافدان علی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم.
و أما إیاد بن نزار أخو ربیعة و مضر، فمنه بطون کثیرة، منهم:
أبو حذافة الذین منهم أبو ذواد الشاعر، و من إیاد کعب بن مامة الجواد الذی یضرب به المثل، و أبوه مامة کان ملک إیاد.
و منهم قس بن ساعدة الخطیب الحکم البلیغ.
قال الحافظ ابن کثیر لما ذکر طرفا من أخباره من روایة الخرائطی، و الطبرانی، و البزار، و البیهقی، و أبی نعیم من قدوم وفد إیاد، و سؤال الرسول صلّی اللّه علیه و سلم إیاهم عن قیس، و ذکر رؤیته إیاه بسوق عکاظ یعظ الناس.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 99
ثم إن ابن کثیر بعد أن ذکر الروایات قال: أخبرنا الشیخ المسند أبو العباس أحمد بن أبی طالب الحجاز إجازة، قال أجاز لنا جعفر بن علی الهمدانی. حدثنا الحافظ أبو طاهر أحمد بن محمد السلفی، و قرأت علی شیخنا الحافظ الذهبی، أخبرنا أبو الحسن ابن علی الخلال: أخبرنا جعفر بن علی: أخبرنا السلفی: حدثنا أبو عبد اللّه محمد بن أحمد الرازی: حدثنا أبو الفضل محمد بن أحمد السعدی: حدثنا أبو الهیثم عبد اللّه بن أحمد المقری: حدثنا أبو محمد بن درستویه النحوی: حدثنا إسماعیل بن إبراهیم السعدی، قاضی فاس: حدثنا داود بن سلیمان بن سیف بن یحیی بن درهم الطائی: حدثنا أبو عمرو سعید بن یزیع، عن محمد بن إسحق: حدثنا بعض أصحابنا من أهل العلم، عن الحسن البصری قال: کان الجارود العلی العبدی نصرانیا، حسن المعرفة بتفسیر الکتب، عالما بسیر الفرس، بصیرا بالفلسفة و الطب، کامل الجمال، ذا ثروة و مال، و أنه قدم علی النبی صلّی اللّه علیه و سلم وافدا فی رجال من عبد القیس، فلما وقف بین یدیه أنشأ یقول:
یا نبیّ الهدی أتتک رجال‌قطعت فدفدا و آلا فآلا
و طوت نحرک الصحاصیح تهوی‌لا تعدّ الکلال فیک کلالا
و طوتها العتاق تجمح فیهابکمات کأنجم تتلالا
تبتغی دفع بأس یوم عظیم‌هائل أوجع القلوب وهالا
و مزارا لمحشر الخلق طرّاو فراقا لمن تمادی ضلالا
نحو نور من الإله و برهان و برّ و نعمة أن تنالا
خصک اللّه یا ابن أمة الخیربها إذا أتت سجالا سجالا
فاجعل الحظّ منک یا حجة اللّه‌جزیلا لا حظّ خلف أخالا
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 100
قال: فأدناه النبی صلّی اللّه علیه و سلم و قرب مجلسه. ثم ذکر إسلامه و إسلام من معه، ثم قال: أفیکم من یعرف قسّ بن ساعدة، فقال الجارود: فداک أبی و أمی، کلنا یعرفه، کان سبطا من أسباط العرب، عمّر ست مئة سنة، أدرک رأس الحواریین سمعان.
و هو أول رجل تأله من العرب، و أیقن بالبعث و الحساب، و حذّر سوء المآب، و هو القائل بسوق عکاظ: مشرق و مغرب، و سلم و حظ، و یابس و رطب، و أجاج و عذب، و شموس و اقمار، و ریاح و أمطار، و لیل و نهار، و حب و نبات، و آباء و أمهات، و جمع و أشتات، و آیات فی إثرها آیات، و نور و ظلام، و یسر و إعدام، و رب و أصنام، لقد ضلّ الأنام تبّا لأرباب الغفلة، لیصلحن العامل عمله، و لیفقدن آمل أمله، کلا بل هو إله واحد، لیس بمولود و لا والد، أعاد و أبدی، و أمات و أحیا، و خلق الذکر و الأنثی، رب الآخرة و الأولی.
و هو أول من قال:
أما بعد:
فیا معشر إیاد، أین ثمود و عاد، أین الآباء و الأجداد، و أین العلیل و العواد، کل له معاد یقسم قسّ برب العباد. و ساطح العماد، لتحشرن علی انفراد، فی یوم التناد، إذا نفخ فی الصور و نقر فی الناقور، و هو القائل:
ذکر القلب من جواه الدکارو لین خلافهن نهار
و سجال هواطل من غمام‌تر؟؟؟ ماء و فی جواهنّ نار
ضوؤها یطمس العیون و إرعاد شدد؟؟؟ فی الخافقین تطار
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 101 و حبال شوامخ راسیات‌و بحار میاههنّ غزار
و نجوم تلوح فی ظلم اللیل تراها فی کل یوم تدار
ثم شمس یحفها قمر اللیل و کل تابع موّار
و صغیر و شمط و کبیرکلّهم فی الصعید یوما مزار
فالذی قد ذکرته دلّ علی الله نفوسا لها هدس و اعتبار
یقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم: «مهما نسیت فلست أنساه بسوق عکاظ علی جمل أحمر و هو یقول: یا معشر الناس: اجتمعوا فکل من مات فات، و کل آت آت، لیل داج و سماء ذات أبراج، و بحر ثجاج، و نجوم تزهر، و جبال مرسیة، و أنهار مجریة، إن فی السماء لخبرا، و إن فی الأرض لعبرا، مالی أری الناس یذهبون و لا یرجعون؟ أرضوا بالإقامة فأقاموا، أم ترکوا فناموا.
أقسم قسّ باللّه قسما لا ریب فیه، إن للّه دینا هو أرضی من دینکم هذا، ثم قال: قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم: «رحم اللّه قسّا، أما إنه سیبعث یوم القیامة أمة وحده».
قال: و هذا الحدیث غریب من هذا الوجه و هو مرسل إلّا أن یکون الحسن سمعه من الجارود، فاللّه أعلم.
و قد رواه البیهقی و ابن عساکر من وجه آخر فذکر مثله أو نحوه، ثم رواه البیهقی من طرق، ثم قال: و إذا روی الحدیث من وجه آخر و إن کان بعضها ضعیفا دل علی أن للحدیث أصلا. انتهی.
و أما بنو أنمار أخو ربیعة، فدخلت قبائلهم فی أهل الحجاز، و صاروا فی خثعم و أکلب، و قبائلهم مع بطن من عنزة و استوطنوا بیشة
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 102
و نواحیها، انتهی ما لخصناه من أنساب العرب الأولین التی تتفرع منها قبائل الزمان، و تنتسب إلیها و إن کان لا یمکن فی الغالب إعلاق أجداد المتأخرین بالمتقدمین جدّا جدّا، فلیس إلّا الاستفاضة، و انتساب کل قبیلة إلی قبیلتها، و اللّه أعلم [و صلّی اللّه علی محمد].

فصل [قال أهل السیر و الأخبار: کانت الجاهلیة قبل المبعث فیهم بقایا من دین إبراهیم]

، مثل: الحج، و الطواف بالبیت، و السعی و إهداء البدن، و غیر ذلک من تعظیم البیت، و کانت نزار تقول فی إهلالها: لبیک لا شریک إلّا شریکا هو لک، تملکه و ما ملک.
و قال الشهرستانی فی «الملل و النحل»: و العرب الجاهلیة أصناف:
فصنف أنکروا الخالق و البعث، و قالوا بالطبع المحیی کما أخبر عنهم فی التنزیل: وَ قالُوا ما هِیَ إِلَّا حَیاتُنَا الدُّنْیا نَمُوتُ وَ نَحْیا وَ ما یُهْلِکُنا إِلَّا الدَّهْرُ [الجاثیة: 24]، و صنف اعترفوا بالخالق و أنکروا البعث و هم الذین أخبر اللّه عنهم بقوله: أَ فَعَیِینا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ ... [ق: 15] الآیة.
و صنف عبدوا أصناما مختصة بقبائل مثل: ودّ، و سواع، و یغوث، و یعوق و نسر، و اللات، و العزی، و هبل، و هو أعظمها، و کان علی ظهر الکعبة.
و کان منهم من یمیل إلی الیهودیة،- و منهم من یمیل إلی النصرانیة، و منهم من یمیل إلی الصابئة، مثل الاعتقاد فی الأنواء، و علم النجوم، حتی لا یتحرک إلّا بنوء منها، و یقول: مطرنا بنوء کذا، و منهم من یعبد الملائکة، و منهم من یعبد الجن.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 103
و کانت تفعل الجاهلیة أشیاء جاء الإسلام بها، و کانوا لا ینکحون الأمهات و لا البنات، و أقبح ما یصنعون الجمع بین الأختین، و کانوا یحجون البیت، و یحرمون، و یعتمرون، و یطوفون، و یقفون المواقف کلها، و یرمون الجمار و یغتسلون من الجنابة، و یداومون علی المضمضة و الاستنشاق، و السواک، و الاستنجاء، و قلم الأظفار و نتف الإبط، و حلق العانة، و الختان، و یقطعون ید السارق الیمنی، و کانت علومهم علم الأنساب و الأنواء و التواریخ، و تعبیر الرؤیا.

فصل فی نسب نبینا محمد صلّی اللّه علیه و سلم و مبعثه و مولده و ما بعد ذلک علی سبیل الاختصار لاشتهاره فی السّیر و التواریخ‌

أما نسبه صلّی اللّه علیه و سلم فهو: محمد بن عبد اللّه، بن عبد المطلب، بن هاشم، بن عبد مناف، بن قصیّ، بن کلاب، بن مرة، بن کعب، بن لؤی، بن غالب، بن فهر (و هو قریش) بن مالک، بن النضر، بن کنانة، بن خزیمة، بن مدرکة، بن إلیاس، بن مضر، بن نزار، بن معد، ابن عدنان إلی هنا متفق علیه.
و لا خلاف أنه من ولد إسماعیل، و کانت ولادته یوم الاثنین لعشر خلون من ربیع الأول عام الفیل، و کان قدوم الفیل منتصف المحرم تلک السنة.
و لما بلغ رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أربعین سنة بعثه اللّه إلی الناس جمیعا ناسخا بشریعته الشرائع الماضیة، و کانت دعوته إلی الإسلام سرّا ثلاث سنین، ثم
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 104
أمره اللّه بإعلان الدعوة، و وقع علیه الأذی من قریش و علی من أسلم، فأذن لهم بالهجرة إلی الحبشة.
و کان أبو طالب یذبّ عنه إلی أن مات، و اشتد أذاهم علیه بعد موته.
ثم هاجر إلی المدینة، ثم أذن له فی القتال، و غزواته و جهاده مشهورة فی کتب السیر.
فلما کانت سنة عشر جاءته وفود العرب قاطبة، فدخل الناس فی دین اللّه أفواجا کما قال تعالی: إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَ الْفَتْحُ ثم حج حجّة الوداع، ثم رجع إلی المدینة فأقام بها حتی خرجت السنة.
و دخلت سنة إحدی عشرة، فابتدأ مرضه لیلتین بقیتا من صفر، و توفی یوم الاثنین من إثنی عشرة لیلة خلت من ربیع الأول.
و لما مات ارتد أکثر العرب، إلّا أهل مکة، و المدینة، و الطائف، و أفراد من أحیاء العرب.
فلما توفی بایع الناس أبا بکر الصدّیق رضی اللّه عنه، فأقام سنتین، و ثلاثة أشهر، و تسعة أیام.
و بویع عمر بن الخطاب فأقام عشر سنین، و ستة أشهر، و خمس لیال، و قتله أبو لؤلؤة ثالث عشر ذی الحجة، و أوصی بالخلافة شوری.
فوجهت إلی عثمان، فبویع فی أول المحرم، و أقام اثنتی عشر سنة، و توفی سنة خمس و ثلاثین شهیدا فی داره.
و بویع علی بن أبی طالب، فأقام أربع سنین، و تسعة أشهر، و قتله
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 105
ابن ملجم الخارجی لیلة الجمعة سابع عشر رمضان سنة أربعین.
و بویع ابنه الحسن یوم مات أبوه، فأقام ستة أشهر، ثم خلع نفسه طائعا فی ربیع الأول سنة 41 ه، مختارا الجماعة علی الفرقة، و حقن الدماء عن سفکها، و إلّا فقد بایعه أکثر من أربعین ألفا علی حرب معاویة، و صدق علیه قول النبی صلّی اللّه علیه و سلم فی الحسن: «إن ابنی هذا سید، و سیصلح اللّه به بین فئتین عظیمیتن من المسلمین».
و فی الحدیث: «الخلافة بعدی ثلاثون سنة، ثم تکون ملکا».
و کان آخر ولایة الحسن تمام الثلاثین، و حینئذ تمت لمعاویة الخلافة العامة، و هو أول خلفاء بنی أمیة، و کانت بالشام، و عدة الخلفاء فیهم أربعة عشر، و کانت أمراؤهم و عمالهم بمصر، و الشام، و الحجاز، و خراسان، و الهند، و الصین، و المشرق، و الأندلس، و سائر المغرب، و سائر أقطار الإسلام، و مدتهم اثنتان و تسعون سنة.
فأولهم معاویة المذکور بویع بالخلافة العامة فی ذی الحجة ببیت المقدس سنة 40 ه، و توفی سنة 60 ه بدمشق، و آخرهم مروان بن محمد بن مروان الملقّب بمروان الحمار، فلم یزل یجالد دعاة بنی العباس، و قد قام فی محاربته أبو مسلم الخراسانی، و غیره من دعاتهم من أهل العراق و خراسان، و تلک النواحی حتی أثخنوه.
و أراد اللّه انقضاء الدولة الأمویة یقال: إنه عرض جیشه فبلغ أربع مئة ألف مقاتل، غارقین فی السلاح و العدة، و الخیول، فلما رأی البوار و رأی أمر أهل العراق یعلو، و رأی الفشل فی عسکره قال: یا له من عدد وعدة، و لکن إذا انقضت المدة لم ینفع العدد و العدة، فکسر جیشه و اتبعهم عسکر
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 106
العراق، یقتلون و یسلبون، و لم یزل مروان ینتقل من بلد إلی بلد هاربا، و کلما مرّ بقریة خذلوه، و الطلب فی أثره حتی لحقوه، فی ناحیة بوصیر من أرض مصر، عام اثنین و ثلاثین و مئة، فقتل هناک فی شهر ذی الحجة.
ثم جاءت الدولة العباسیة، و کانوا بالعراق فتتّبعوا بقایا بنی أمیة حتی استأصلوهم قتلا، فلم ینج منهم إلّا من هرب إلی الأندلس، و غیره ممن تشتّتوا فی البلاد، و نبشوا قبور أمواتهم مثل: قبر معاویة و ابنه یزید و عبد الملک و هشام.
و کان ممن نجا من بنی أمیة عبد الرحمن بن معاویة بن هشام بن عبد الملک، هرب إلی المغرب، ثم استولی علی الأندلس سنة ثمان و ثلاثین و مئة و بنی سور قرطبة، و مات بها سنة 171 ه.
و لم یزالوا یتداولون الخلافة بالمغرب، و یخطب لهم بالأمیر، إلی أن تولّی عبد الرحمن بن محمد بن عبد اللّه بن محمد بن عبد الرحمن بن الحکم بن هشام بن عبد الرحمن الداخل بن معاویة بن هشام بن عبد الملک فلم یزل والیا إلی أن توفی سنة 351 ه، و کانت إمارته خمسین سنة و نصفا، و هو أول من تلقّب بألقاب الخلفاء و تسمی بأمیر المؤمنین، و سببه لما وهت أرکان الدولة العباسیة، و تغلب القرامطة و المبتدعة، قویت همته و قال: أنا أولی بالخلافة و التولّی علی أکثر الأندلس، و کان له الهیبة الزائدة، و الجهاد، و السیرة المحمودة، استأصل المتغلبین، و فتح سبعین حصنا، و استوطن قرطبة.
قال أحمد المقری فی کتابه «نفحة الطیب»: قال بعض المؤرخین حین ذکر قرطبة ما ملخّصه هی قاعدة بلاد الأندلس، و دار الخلافة
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 107
الإسلامیة، و أهلها سراة الناس، و بها أعیان العلماء و سادات الفضلاء، و هی خمس مدن بین المدینة و المدینة سور عظیم، و فی مدینتها الوسطی الجامع الذی لیس فی معمور الدنیا مثله، فیه من السواری الکبار ألف ساریة، و فیه مئة و ثلاث و عشرون ثریا للوقود، أکثرها یحمل ألف مصباح، و فیه من النقوش و الرقوم ما لا یقدر علی وصفه، و جملة ما صرف علی منبره لا غیر، عشرة آلاف مثقال و خمسون مثقالا، و فیه مصحف یقال: إنه مصحف عثمان، و قد اختلفوا فیه، و فعل له الملوک آنیة، و کراسی، و أکسیة، و صنادیق من الذهب و الفضة، و الأشیاء الأنیقة و للجامع عشرون بابا مصفحات بالنحاس، و فیه المنارة العجیبة التی ارتفاعها مئة ذراع، بالمکی المعروف بالرشاشی.
و أکثر ما توسعت قرطبة و جامعها و زاد فی عمارتها الأمیر عبد الرحمن ابن معاویة و أکمله سنة 176 ه، ثم زاد فیه هشام ابنه عبد الرحمن لما تزاید الناس، و أتمها ابنه محمد، ثم ذکر ما جدد الخلیفة الناصر، قال: و لما ولّی الخلیفة المنتصر بعد الناصر، و قد اتسع نطاق قرطبة، و کثر أهلها، و ضاق جامعها، زاد فیه الزیادة العظمی.
قال ابن بشکوال: نقلت من خط المنتصر، أن النفقة فی هذه الزیادة انتهت إلی مئة ألف دینار و خمس مئة و سبعة و ثلاثین دینارا و درهمین و نصف، ثم إن الناصر المذکور بنی الزاهرة.
قال المقری عن ابن خلّکان: ما صورته الزاهرة من عجائب أبنیة الدنیا، ابتناها أبو المظفر الناصر، بالقرب من قرطبة، و بینهما أربعة أمیال و ثلثا میل، فی أول سنة 225 ه، و طولها من الشرق إلی الغرب ألفان
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 108
و سبع مئة ذراع، و عرضها ألف و خمسمائة، و عدد سواریها ألف و ثلاث مئة ساریة، و أبوابها تزید علی خمسة عشر ألف باب.
و کان الناصر یقسم جبایة الأندلس خمسة آلاف دینار و أربع مئة و ثمانین ألفا، و هی من أهول ما بناه الإنس، کان یتصرف فی عمارتها من الخدام و الفعلة، عشرة آلاف رجل، و من الدواب ألف و خمس مئة دابة، و کان یثیب علی کل رخامة.
و ذکر ابن حبان المؤرخ و صاحب الشرطة أنهما قالا: اشتملت علی أربعة آلاف ساریة ما بین صغیرة و کبیرة، و حاملة و محمولة، و اللّه أعلم.
و قال بعض من أرخ الأندلس: کان عدد الفتیان بالزهراء ثلاثة عشر ألفا و سبع مئة و خمسین فتی، و دخالتهم من اللحم کل یوم من غیر أنواع الطیر و الحوت: ثلاثة عشر ألف رطل، و عدة النساء بقصر الزهراء الصغار و الکبار، و خدم الخدمة ستة آلاف و ثلاث مئة امرأة، و المرتب من الخبز لحیتان بحیرة الزهراء اثنا عشر ألف خبزة کل یوم، و ینقع لها من الحمص الأسود ستة أقفزة. انتهی.
و کان الناصر یقسم الجبایة أثلاثا: ثلث للجند، و ثلث للبناء، و ثلث مدخر لما ینوب القصر، و کانت جبایة الأندلس یومئذ من الکور و القری:
خمسة آلاف ألف و أربع مئة ألف و ثمانین ألف دینار و من الستوق و المستخلص سبع مئة ألف و خمسة و ستون ألف دینار.
و أما أخماس الغنیمة فلا یحصیها دیوان، قال: و فی بعض تواریخ الأندلس کانت قرطبة قاعدة الأندلس، و کانت عدة الدور فی القصر الکبیر أربع مئة دار و نیف و ثلاثین، و عدد دور الرعایة و السواد بها مئة ألف دار
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 109
و ثلاثة عشر ألف دار، حاشا دور الوزراء و الکتاب، و أکابر الناس، و هذا العدد أیام المتونة و الموحدین.
و قال فی کتاب «مجموع المعرف»: کان جمیع ما فی الجامع من الأعمدة ألف عمود، و مئتی عمود، و ثلاثة و تسعین رخما کلها و باب مقصورته ذهب، و کذلک جدار المحراب.
و لم یزل الأمویون یتداولون الخلافة إلی أن کثر الاختلاف، و اشتدت الفتن، و تغلب الوزراء، و رؤساء الرعایا، فکان آخرهم محمد بن هشام بن محمد، ثم خلعه الجند و فرّ إلی داره فهلک بها سنة 280 ه، و انقطعت الدولة الأمویة من أرض الأندلس أو المغرب. انتهی ما لخّصنا من «نفحة الطیب»، و غیره.
و إنما ذکرنا هذه النبذة من أحوال بنی أمیة لما فیها من المواعظ و الاعتبار، و النظر إلی تصاریف الأقدار، و التنبیه للإنسان بعدم الاغترار، بما ملک فی هذه الدار.
فإن خلافة بنی أمیة الأولی بلغوا فیها الغایة من الملک، و الریاسة، و التنعّم، و السرور، ثم نکبوا نکبة استأصلتهم، ثم نجم هذا الفرید الوحید فساعده القدر و أقام هذه الدولة العظیمة بالمغرب، و تداولها بنوه و جری لهم فی أیامهم ما ذکرنا من التنعّم و اللذّات و السرور، و القناطیر المقنطرة من الذهب و الفضة، و الخیل المسومة، و الأنعام و الحرث، ثم زالت تلک الدولة، کأن لم تکن و خربت تلک المدائن و القصور کأن لم تسکن.
و بعد هذا استولت علیهم ملوک الطوائف، من البربر و غیرهم، ثم
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 110
استولت النصاری علی قرطبة و ما هنالک، فقتلوا، و سبوا، و استأصلوا، و دمّروا، ثم عادت خرابا، فلیعتبر العاقل، و لا یغتر بالدنیا و زخرفها، قال بعض البلغاء:
دع الدّنیا و لا ترکن إلیهافزخرفها سیذهب عن قلیل
و إن ضحکت فإنّ الضّحک منهاکضحک السیف فی وجه القتیل
و مثله قول أبی الفرج الساوی، مذکرا و واعظا، بحال سلطان الشرق و العراقین، و حالة فخر الدولة ابن رکن الدولة بن بویه الدیلمی راثیا له:
هی الدنیا تقول بمل‌ء فیهاحذار حذار من بطشی و فتکی
فلا یغررکم حسن ابتسامی‌فقولی مضحک و الفعل مبک
بفخر الدولة اعتبروا فإنّی‌سلبت الملک منه بسیف هلکی
و قد کان استطال علی البرایاو نظّم جمعهم فی سلک ملکی
فلو شمس الضّحی زارته یومالقال لها عتوّا أفّ منک
و لو زهر النجوم أتت رضاه‌تأبّی أن یقول رضیت عنک
فأصبح بعد ما بلغ الزباناأسیر القبر فی ضیق و ضنک
یود لو أنّه لو ردّ یوماإلی الدّنیا تسربل ثوب نسکی
دعی یا نفس فکرک فی ملوک‌مضوا بلا ارتحالک و بک فابک
هنا؟؟؟ یعطی؟؟؟ هلاک اللّیث شیئاعن الظبی السلیب قمیص مسک
هی الدّنیا أشبّهها بشهدیسمّ و جیفة طلیت بمسک
هی الدّنیا کمثل الطّفل بینایقهقه إذ بکی من بعد ضحک
ألا یا قومنا انتبهوا فإنّانحاسب فی القیامة غیر شکّ
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 111
فترجع إلی ذکر بنی العباس فنقول:
کان بنو العباس قد تسببوا فی طلب الخلافة و المبایعة، ممن طمعوا به من الرعایا، و کان أعظم من قام بالدعوة لهم أبو مسلم الخراسانی، و کان قهیرمانا لإدریس بن العجلی ولّاه محمد بن علی بن عباس الأمر فی استدعاء الناس فی الباطن، ثم مات محمد، فولّاه ابنه إبراهیم الإمام، ثم الأئسة من ولد محمد، ثم إنه أظهر الدعوة بخراسان سنة 129 ه، و جری بینه و بین نصر ابن سیّار أمیر خراسان، و استولی علی بعض بلاد خراسان.
و لما قوی أمره علی نصر کتب إلی مروان یعلمه بالحال، و أنه یدعو إلی إبراهیم بن محمد و کتب أبیاتا:
أری تحت الرّماد و میض نارو یوشک أن یکون لها ضرام
و إن لم یطفها عقلاء قوم‌یکون وقودها جثث و هام
فإنّ النار بالزّندین توری‌و إنّ الحرب أوّله کلام
فقلت مز التعجّب لیت شعری‌أأیقاظ أمیّة أم نیام
و إن یک قومنا أضحوا نیامافقل هبّوا فقد حام الحمام
و کان إبراهیم و أهله بالشام، فی قریة یقال لها: الحمیمیة قرب الشوبک، و لما بلغ مروان الحال أرسل إلی عامله بالبلقاء أن یسیر إلیه إبراهیم، فأوثقه و بعث به فحبسه مروان فی حران حتی مات فی حبسه.
و فی سنة 130 ه دخل أبو مسلم مدینة مرو و نزل قصر الإمارة و هرب نصر، و فی سنة 32 بویع أبو العباس السفّاح عبد اللّه بن محمد بن علی ابن عبد اللّه بن عباس بالخلافة، بعد إقباله من الحمیمیة بأهل بیته، منهم: أخوه المنصور و غیره فی صفر، و استخفی إلی ربیع ثم ظهر و سلم
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 112
الناس علیه بالخلافة و عزوه فی أخیه إبراهیم، و دخل دار الإمارة.
ثم بعد ذلک جهّز العساکر مع أبی عون ثم أردفه بعساکر مع عمه عبد اللّه بن علی، و تحوّل أبو عون عن سرادق و ما فیه لعبد اللّه ثم التقوا بالزاب فوقعت الکسرة علی مروان کما ذکرنا، و کان أبو مسلم هو الذی دوّخ لهم الرعایا و فتح لهم الممالک الخراسانیة و غیرها و کان بعد فراغه من أمر بنی أمیة ینشد:
أدرکت بالحزم و الکتمان ما عجزت‌عنه ملوک بنی مروان إذ حسدوا
ما زلت أسعی بجهدی فی دمارهم‌و القوم فی غفلة بالشام قد رقدوا
فمن رعی غنما فی أرض مسبعةو نام عنها تولّی رعیها الأسد
و قد کان السفّاح شدید التعظیم له، فلما تولّی المنصور صدرت من أبی مسلم أشیاء أوغرت فی صدره فقتله، و خطب الناس فقال: إن أبا مسلم أحسن أولا، و أساء آخرا، و ما أحسن ما قاله النابغة:
فمن أطاعک فانفعه لطاعته‌کما أطاعک و ادلله علی الرّشد
و من عصاک فعاقبه معاقبةتنهی الظلوم و لا تقعد علی ضمد
الضّمد- بالفتح-: الحقد، قیل: أحصی من قتله أبو مسلم صبرا، و قیل: و فی حروبه فکانوا ست مئة ألف و اختلف فی نسبه، فقیل:
من العرب، و قیل: من العجم، و قیل: من الأکراد، و کان عالی الهمة، عالما بالأمور و لا یظهر علیه سرور و لا غضب، و لا یأتی النساء إلّا مرة فی السنة.
و یقول: الجماع جنون، و یکفی الإنسان أن یجن فی السنة مرة، و قیل له ما سبب خروج الدولة علی بنی أمیة؟ قال: لأنهم أبعدوا أولیاءهم
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 113
ثقة بهم، و أدنوا أعداءهم تألفا لهم، فلم یصر العدو صدیقا بالدنو، و صار الصدیق عدوّا بالإبعاد.
و قال صاحب «ابتلاء الأخیار بالنساء الأشرار»: إنه عرض علی أبی مسلم جواد لم یر مثله، فقال لقواده: لما یصلح هذا؟ قالوا: للغزو، قال: لا. قالوا: فیطلب علیه العدو، قال: لا، قالوا: فلماذا أصلح اللّه الأمیر، و قال: لیرکبه الرجل و یهرب من المرأة السوء و الجار السوء.
و علی ذکر المرأة ما روی أبو هلال العسکری بالإسناد عن عکرمة الضبی قال: کان أصل قولهم أن تسمع بالمعیدی خیرا من أن تراه، أن رجلا من بنی تمیم یقال له ضمرة بن ضمرة کان یغیر علی سوارح النعمان بن المنذر حتی إذا عیل صبر النعمان کتب إلیه: أن أدخل فی طاعتی و لک مئة من الإبل فقبلها، و أتاه فلما نظر إلیه ازدراه، و کان دمیما فقال: تسمع بالمعیدی لا أن تراه.
فقال ضمرة: مهلا أیها الملک، إن الرجال لا یکالون بالصیعان، و لا یوزنون بالمیزان، و لست بحزور تجزر، و إنما المرء بأصغریه قلبه و لسانه، إن قاتل قاتل بجنان، و إن نطق نطق ببیان، و فی روایة: فإذا رزق المرء لسانا ناطقا، و قلبا حافظا، فقد استحق الشرف. فقال: صدقت للّه درک، هل لک علم بالأمور، و ولوج فیها، قال: و اللّه إنی لأبرأ منها المسحول، و أنقض منها المفتول، و أحیلها حتی تحول، ثم انظر إلی ما تؤول و لیس للأمور بصاحب من لم ینظر فی العواقب. فقال: صدقت للّه درک، فأخبرنی ما العجز الظاهر، و الفقر الحاضر، والداء العیاء، و السوأة السوأی.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 114
قال ضمرة: أما العجز الظاهر؟ فالشاب القلیل الحیلة، اللزوم للحلیلة الذی یحوم حولها، و یسمع قولها، فإن غضبت ترضاها، و إن رضیت فداها.
و أما الفقر الحاضر؟ فالمرء لا تشبع نفسه، و إن کان من ذهب حلسه.
و أما الداء العیاء؟ فجار السوء إن کان فوقک قهرک، و إن کان دونک همزک، و إن أعطیته کفرک، و إن منعته شتمک، فإن کان ذلک جارک فأخل له دارک، و عجّل منه فرارک، و إلّا فأقم بذل و صغار، و کن ککلب هرار.
و أما السوأة السوأی؟ فالخلیلة الصخابة، الخفیفة الوثابة، السلیطة السبابة، التی تعجب من غیر عجب، و تغضب من غیر غضب، الظاهر عیبها، المخوف غیبها، فزوجها لا یصلح له حال، و لا ینعم له بال، إن کان غنیّا لم ینفعه غناه، و إن کان فقیرا أبدت له قلاه، فأراح اللّه منها بعلها، و لا متّع اللّه بها أهلها، فأعجب النعمان حسن کلامه فأحسن جائزته و أجلسه قبله. انتهی.
رجعنا إلی ذکر بنی العباس. قال مرعی: کانوا بالعراق و عدتهم بها سبعة و ثلاثون خلیفة، آخرهم المعتصم الذی قتله التتار سنة 656 ه، بمکیدة وزیره الخبیث الرافضی ابن العلقمی، فوقع السیف ببغداد أربعین یوما، فقتل فوق ألفی ألف، و بقتله خربت بغداد و انقطعت الخلافة الإسلامیة منها، باستیلاء التتار علیها، و أقام الناس بغیر خلیفة ثلاث سنین، و علّق التتار المصاحف فی أعناق الکلاب، و ألقوا کتب الأئمة فی الدجلة، حتی صارت کالجسر.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 115
و من حینئذ ذهبت محاسن بغداد کأنها لم تکن بعد أن کان بها اثنا عشر ألف خان، و اثنا عشر ألف طاحون، و أربعة و عشرون سوقا، و ستون ألف حمام، و ثمان مئة ألف مدرسة.
و من جوامعها: الرصافی یسع مئة ألف، کانوا یحضرون ابن الجوزی، و کان سورها المحیط بها أیاما بلیالیها، و یقال: کان یمشی علی عرضه ستون فارسا، و مات بها الإمام أحمد، فحضر جنازته ألف ألف، و ست مئة ألف، ضبط ذلک بالمساحة، و کانت أجل مدن الدنیا، و انتقلت الخلافة إلی مصر لکن فرق ما بین الثریا و الثری. انتهی کلام مرعی.
و قال فی «تحفة الغرائب»: کانت بغداد فی أیام البرامکة مدینة عظیمة، یقال: إنها حصرت حماماتها فی وقت من الأوقات فکانت ستین ألفا و کان بها من الرؤساء، و الوزراء، و العلماء، و السادات ما یخرج واصفه إلی حد التکذیب.
قال الطبری: أقل صفة بغداد أنها کان بها ستون ألف حمام، کل حمام یحتاج إلی خمسة أنفس: سواق، و زبال، و وقاد، و قیم، و مدبّر.
و کل واحد من هذه الخمسة لا بد له من أهل و خدم. انتهی.
و قال ابن مفلح فی کتابه «الفروع»: و فی منثور ابن عقیل عن أحمد من مات ببغداد علی السنّة نقل من جنة إلی جنة.
و روی الحاکم فی تاریخه عن الأصمعی قال: جنّات الدنیا ثلاثة مواضع، نهر معقل بالبصرة، و دمشق بالشام، و سمرقند بخراسان، و کثر تفضیل بغداد، و مدحها من العلماء.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 116
قال شعبة لأبی الولید: أدخلت بغداد؟ قال: لا قال: فکأنک لم تر الدنیا.
و قال الشافعی لیونس بن عبد الأعلی: دخلت بغداد؟ قال: لا قال:
ما رأیت الناس و لا رأیت الدنیا، و قال ما دخلت بلدا قط إلّا عددته سفرا إلّا بغداد، فإنی أعددتها وطنا.
و قال أبو بکر بن عیاش: إنها لصیادة تصید الرجال، و من لم یرها لم یر الدنیا.
و قال أبو معاویة: هی دار دنیا و آخرة.
و قال ابن الجوزی: اعتدال هوائها، و طیب مائها لا یشک فیه، و لا یختلف فی أن فطن أهلها و علومهم تزید علی کل أهل بلاد، و قد أجمع علی هذا جمیع فطناء الغرباء، و إنما یعیبها الجامد الذهن.
قال ابن مفلح: کذا قال، و من المعلوم أن فی فضل الشام من الکتاب و السنّة، ما لیس فی العراق و أفضله دمشق، و أقام بها کثیر من العلماء و العباد من الصحابة و التابعین، و من بعدهم أکثر من غیره، فمن تأمل ذلک و أنصف علمه، و معلوم ما فی ذم المشرق من الأخبار و الفتن، و بغداد منها و فیها من الحر الشدید، و کثرة استیلاء الفرق ما هو معلوم بالمشاهدة، و فضل بغداد عارض بسبب الخلفاء بها. انتهی المراد.
و لما استولی علیها التتار جعلوها دار سلطنتهم، و لم یزالوا یتداولون سلطنتها، و الولایة علی جمیع نواحی العراق، إلی عراق العجم، إلی خراسان و ما یلیه، و کان ظهور التتار من جهة الصین قاصدا بلاد الإسلام سنة 660 ه و کانوا بأطراف بلاد الصین، و کان إقلیم الصین متسع دوره
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 117
ستة أشهر، و هو ست ممالک، و لهم ملک حاکم علی الست، و هو: القان الأکبر المقیم بطمغاج، ثم إن الحرب وقع بین صاحب الصین و بین جنکر خان، و صاحب البر و وقع بینهم ملحمة عظیمة، فکسروا القان الأعظم، و ملکوا بلاده، فدانت التتار لجنکر خان و اعتقدوا فیه الإلهیة، و کان أول ظهورهم بما وراء النهر سنة خمس عشرة، فأخذوا بخاری، و سمرقند، و قتلوا أهلها و حاصروا بها خوارزم شاه، سلطان المسلمین بالشرق، ثم عبروا النهر، و کان خوارزم قد أباد الملوک من مذن خرسان فلم یجد التتار أحدا فی وجوههم فطووا تلک البلاد قتلا و سبیا، و ساقوا إلی همدان قزوین.
قال ابن الأثیر: حادثة التتار من الحوادث العظمی، و المصائب الکبری، و لو قال قائل: إن المسلمین مدة خلق اللّه آدم إلی الآن لم یبتلوا بمثلها لکان صادقا، و إن قوما خرجوا من أطراف الصین إلی ترکستان، ثم إلی بخاری، و سمرقند، فیملکونها، و یبیدون أهلها، ثم تغیر طائفة إلی خراسان فیفرغون منهم ملکا و تخریبا و قتلا، و إلی الری و همدان إلی حد العراق أذربیجان و نواحیها، و یخربونها لأقل من سنة، هذا أمر لم یسمع بمثله، ثم ساروا إلی درنبد شروان فملکوا مدنه، ثم إلی بلد الران فقتلوا و أسروا، ثم بلاد قنجان و هم أکثر عددا فقتلوا من وقف و هرب الباقون.
و سارت طائفة إلی غزنة و ما یجاورها من بلاد الهند و سجستان و کرمان، ففعلوا أشد من هذا لم یظهر للأبصار و الأسماع مثله، فإن الإسکندر الذی ملک الدنیا لم یملکها فی سنة، إنما ملکها فی عشر سنین، و لم یقتل أحدا بل رضی بالطاعة، و هؤلاء ملکوا أکثر المعمور من الأرض، و أطیبه فی نحو سنة و لم یبق أحد فی البلاد التی لم یطرقوها إلّا
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 118
و هو خائف یترقب، ثم إنهم لم یحتاجوا إلی میرة فإن معهم الأغنام و البقر و الخیل و یأکلون ما وجدوا من الحیوانات، و المیتات، و بنی آدم، و لا یعرفون نکاحا، بل المرأة یأتیها غیر واحد و مع ذلک یسجدون للشمس إذا طلعت، و لا یحرمون شیئا.
ثم قال ابن الأثیر: و اللّه لا شک أن من یجی‌ء بعدنا إذا بعد المهد، و یری هذه الحادثة مسطرة ینکرها و یستبعدها، فلینظر أنا مطرناها فی وقت استوی فی معرفتها العالم و الجاهل لشهرتها. انتهی.
و لم تزل عقاربهم تدب، و ساق الحرب قائمة بینهم، و بین سلطان الإسلام جلال الدین خوارزم شاه رحمه اللّه، یضرب معهم المصافات الکثیرة و کسرهم فی مدة أربعة عشر سنة إحدی عشرة کسرة و هم یزیدون و یعودون، و کان سدّا بینهم و بین بلاد المسلمین فکسروه بعد هذا و کان جیشه أربع مئة ألف فارس و انفتح لهم سد عظیم فحصروا بغداد سنة 656 ه، و قتلوا الخلیفة، و سفکوا دماء المسلمین، و لم یبقوا علی کبیر و لا صغیر، و یصلوا إلی حلب، ففعلوا بها مثل ما فعلوا ببغداد، فأخذوا دمشق فی أوائل سنة 658 ه.
و کان ممن عصی علیهم الملک الکامل الأیوبی بمیافارقین فحاصروه، و نصبوا علی البلاد ست مئة سلم علی السور، یصعد فی عرض السلم ستة عشر نفسا، فاشتد الحصار، و غلت الأقوات، و أکلت الأموات، و بیع مکوک القمح بخمسة و أربعین ألف درهم، و رطل الخبز بست مئة درهم، و البصلة بثلاثة و خمسین درهما، و رأس الکلب بستین درهما، و بیعت بقرة بسبعین ألف درهم، و اشتری الأشرف أخو الکامل
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 119
رأسها و کوارعها، بستة آلاف درهم و خمس مئة، و عملها و أهداها إلی أخیه، و بیع حجلتان بثلاث مئة و خمسین درهما، و بیع فروج بسبع مئة درهم.
هذا و أهل البلد محافظون علی ملکهم الکامل، و کان ینزل إلیهم کل جمعة فی الجامع، و یقول: لیس لهم غرض غیری، دعونی أخرج إلیهم و سلموا إلیهم البلد لتأمنوا فیقولون: معاذ اللّه أن نفارقک، حتی تروح أرواحنا، و نموت بین یدیک، و کذا کان فإن أعداء اللّه ما برحوا حتی فتحوا البلد، و قتلوا جمیع من فیه، و أخذوا الکامل و جعلوا فی عنقه دوخاشا هو و أخوه و حملوهم إلی هلاکو، فلقوه قریبا من سروج عائدا إلی الشام و أحضرهما، فجعل یوبخهما، و یذکر ذنوبهما التی نقم علیهما.
فأجابه الکامل: أنت مالک، لا قول و لا دین، بل خارجی یجب علیّ قتالک، و أنا خیر منک، لأنی أؤمن باللّه و رسوله، ولی دین و أمانة، و مع هذا فالملک بید اللّه، یؤتیه من یشاء، و ینزعه عمن یشاء، فکان لنا من عدن إلی تبریز فذهب عنا، و کذلک یفعل بک إذا أراد، فقال: کلامک أکبر منک إلّا أنک من السلاطین الصغار، ثم وکزه بالسیف فخرق بطنه، ثم أمر بضرب عنقه و بعث برأسه إلی الشام، و علق علی باب الفرادیس، و خروج هؤلاء و قتالهم من معجزات النبی صلّی اللّه علیه و سلم فإنه قال: «لا تقوم الساعة حتی تقاتلکم الترک». انتهی ملخصا.
ثم إن هلاکو لما فرغ من بغداد نزل آمد سنة 657 ه و بعث إلی صاحب ماردین بالتقادم مع ولده المظفر فقبض علیه و اشتدت الأراجیف بقصد التتار إلی الشام، و ترحل الخلق إلی مصر و قبض الأمیر قطز علی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 120
ابن أستاذه علی ابن المعز و تسلطن و تلقب بالمظفر، و نازلت التتار حلب آخر العام، و أخذوها فی الیوم الثامن من السنة الثامنة فوضعوا السیف یومین، و أبادوا الخلق ثم أخذوا قلعتها بالأمان بعد أیام ثم نازلوا دمشق فهرب الناصر إلی نحو غزنة.
و دخلت رسل هلاکو و قری‌ء.
الفرمان بأمان دمشق، ثم وصل إلی نائبه و حملت أیضا مفاتیح حماة إلیه، فهرب صاحبها، و عصت قلعة دمشق فحاصروها، و ألحوا بعشرین منجنیقا علی برج الطارمة، فتشقق و طلب أهلها الأمان، فأمنوهم، و سکنها النائب کتب أغا و تسلموا بعلبک، و أخذوا نابلس بالسیف، ثم قطع الفرات راجعا و ترک بالشام فرقة من التتار.
و أما المصریون فتأهبوا للمسیر منتصف شعبان و ثارت النصاری بدمشق، و رفعوا الصلیب، و أمروا الناس بالقیام له و وصل جیش الإسلام علیهم المظفر، فالتقی الجمعان علی عین جالوت، و نصر اللّه دینه، و قتل مقدم التتار کتب أغا، و طائفة من أمرائهم، و وقع بدمشق القتل و النهب فی النصاری، و ساق رکن الدین البندقداری، أحد أمراء المظفر وراء التتار إلی حلب، و خلت منهم الشام، و طمع البندقداری فی حلب و کان وعده بها المظفر، ثم رجع و أضمر البشر.
و لما رجع المظفر بعد شهر إلی مصر، و قد وافق البندقداری علی مراده عدة أمراء، ففتکوا بالمظفر سادس عشر ذی القعدة بقرب قرطبة و تسلطن رکن الدین البندقداری الملک الظاهر بیبرس.
و فی سنة 660 ه أخذت التتار الموصل بعد حصار تسعة أشهر
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 121
بخدیعة، ثم وضعوا السیف فیهم تسعة أیام، ثم قتلوا صاحبها الصالح إسماعیل بن بدر الدین لولو و فیها وقع الحرب بین هلاکو و بین عمه برکة، سلطان مملکة القفجاق، فانکسر هلاکو، و قتلت أبطاله.
و فی سنة 664 ه توفی هلاکو بن تولی قاآن بن جنکز خان مقدم التتار و قائدهم إلی النار بعثه ابن عمه القان الکبیر علی جیش المغل، و طووا ممالک و أخذوا حصون الإسماعیلیة، و أذربیجان، و الروم، و العراق، و الجزیرة، و الشام و کان ذا سطوة و عقل و دهاء، و شجاعة و کرم مفرط، و محبة لعلوم الأوائل، مات علی کفره بعلة الصرع، فإنه اعتراه منذ قتل الشهید صاحب میافارقین الکامل محمد بن غازی و خلف سبعة عشر ابنا، تملک منهم ابنه أبغا فی سنة 665 ه.
و مات برکة بن تولی بن جنکز خان سلطان القفجاق الذی أسلم و تملک بعده ابن أخیه.
ثم فی سنة 668 ه فی سلطنة قلاوون أقبلت التتار کالسیل و انجفل الخلق، و تهیأ السلطان بدمشق فنزل الرحبة بثلاثة آلاف و جاء منکوتمر بمئة ألف من ناحیة حلب فکان المصاف شمالی حمص، و قد اجتمع من الجیش المنصور خمسون ألف راکب فاستظهر العدو أولا و کسروا المیسرة، و اضطربت المیمنة، و ثبت السلطان قلاوون بمن حوله، و کثر القتل و أشرف الإسلام علی خطة صعبة، ثم حملوا علی التتار عدة حملات إلی أن جرح منکوتمر فاشتغلت به التتار، فأنزل النصر فرکب المسلمون أقفیتهم و استحر بهم القتل، و طلع من جهة الشرق عیسی بن مهنا عرضا، فاستحکمت عزیمتهم.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 122
ثم نزل السلطان بعد هدو من اللیل مؤیدا، و زینت البلاد بعد أن عاین أهل دمشق، من نصف اللیل إلی بکرة النهار سکرات الموت، و تودعوا من أولادهم و أحبابهم و هلک منکوتمر من تلک الطعنة و هلک أخوه الطاغیة أیضا بعد شهرین، و کانا کافرین و کان سفاکا، و تملک أخوه أحمد الذی أسلم سنة 683 ه.
و مات أحمد المذکور صاحب خراسان و العراق و أذربیجان و الروم، و هو الذی أرسله القلاوون بالصلح، و أسلم و هو صبی، و کان قلیل الشر، مائلا إلی الخیر، قتله أرغون بن أبغا بن هلاکو، و ملک البلاد بعده فی سنة 679 ه، و مات أرغون علی کفره، و کان ظلوما غشوما شجاعا قویّا یصف ثلاثة أفراس، و یقف إلی جنب أولها، و یطیر فی الهواء حتی یرکب الثالثة، و هو والد غازان و خرنبدة، و ملک کتجنو بن هلاکو سنة 693 ه.
فی سنة 699 ه تیقن قصد التتار الشام، فوصل السلطان الملک الناصر ابن قلاوون إلی دمشق، فی ثامن ربیع الأول حین بلغته الأخبار، و رکب إلیه شیخ الإسلام ابن تیمیة علی البرید و استحثه و رغبه فی الجهاد، و قد انجفل الناس من کل وجه و هجوا علی وجوههم، فسار الجیش، و تضرع الخلق إلی اللّه، و التقی الجمعان بین حمص و سلمیة، فاستظهر المسلمون و قتل من التتار نحو عشرة آلاف، و ثبت ملکهم غازان، ثم حصل تخاذل، و ولیت المیمنة، و کان السلطان آخر من انحرف بحاشیته نحو بعلبک، و تفرق الجیش و قد ذهبت أمتعتهم، و نهبت أموالهم، و لکن قل من قتل منهم، و جاء الخبر إلی دمشق من الغد فحار الناس و أبلسوا، و جعلوا یسألون بإسلام التتار و یرجون اللطف و تجمع أکابر البلد، و ساروا إلی خدمة غازان ففرح و قال: نحن قد بعثنا بالفرمان بالأمان قبل أن تأتوا.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 123
و کان ممن خرج إلیه تقیّ الدین ابن تیمیة فی جماعة من صلحاء دمشق، منهم القدوة محمد بن قوام، فلما دخلوا علیه کان مما قال ابن تیمیة للترجمان: قل للغازان: أنت تزعم أنک مسلم، و معک قاض و إمام و شیخ و مؤذن علی ما بلغنا فغزوتنا، و أبوک و جدک هلاکو کانا کافرین، و ما عملا کما عملت عامدا فوفیا، و أنت عاهدت فغدرت و قلت فما وفیت، و جرت له مع غازان و قطلوشاه و بولائی أمور و نوب قام فیها للّه و لم یخش إلّا اللّه.
قال ابن فضل اللّه: أخبرنا قاضی القضاة ابن حصری أنهم لما حضروا مجلسه قدم لهم طعاما فأکلوا منه إلّا ابن تیمیة فقیل له: لم لا تأکل؟ فقال: کیف آکل من طعامکم؟ و کله مما نهبتم من أغنام الناس، و طبختموه بما قطعتم من أشجارهم، ثم إن غازان طلب منه الدعاء، فقال فی دعائه: اللهم إن کنت تعلم أنه إنما قاتل لتکون کلمة اللّه هی العلیا، و جهاد فی سبیلک فانصره و أیده، و إن کان للملک و الدنیا و التکاثر فافعل، به، و اصنع ... یدعو علیه، و غازان یؤمّن علی دعائه، و نحن نجمع ثیابنا خوفا أن یقتل فنرش بدمه فلما خرجنا قلنا له: کدت تهلکنا معک، و نحن ما نصحبک من هنا، فقال: و أنا لا أصحبکم، فانطلقنا عصبة و تأخر فی خاصة من معه، فتسامعت به الخوانین و الأمراء فأتوه من کل فج و صاروا یتلاحقون به، لیتبرکوا برؤیته فلم یصل إلّا فی نحو ثلاث مئة فارس، و أما نحن فخرج علینا جماعة فتشلحونا. انتهی.
ثم بعد ما وقع الأمان المذکور انتشرت جیوش التتار فی الشام طولا و عرضا، و ذهب للناس من الأهل و المال و المواشی ما لا یحصی، و حمی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 124
اللّه دمشق من النهب، و السبی، و القتل و للّه الحمد، لکن صودروا مصادرة عظیمة و نهب ما حول القلعة لأجل حصارها، و ثبت متولیها: علم الدین أرجواس ثباتا لا مزید علیه، و دام الحصار أیاما عدیدة، و أدمن الناس علی الخوف، و شدة العذاب بالمصادرة من الغلاء و الجوع، لکنهم بالنسبة إلی ما تم بجبل الصالحیة من السبی و القتل أحسن حالا. فقیل: إن الذی وصل إلی دیوان غازان من البلاد ثلاثة آلاف ألف و ست مئة ألف مع ما أخذ فی الترسیم و البرطیل، و کان إذا ألزم التاجر بألف درهم ألزمه معها فوق المئتین ترسیما تأخذه التتار، ثم أعان اللّه و ترحل ثانی عشر جمادی الأولی غیر مصحوب بالسلامة.
و کان قدومه و محاربته فی آخر ربیع الأول.
و دخلت جیوش المسلمین القاهرة فی غایة الضعف، ففتحت بیوت المال و أنفق فیهم نفقات لم یسمع بمثلها، و مدة انقطاع خطبة الناصر من خوف التتار مئة یوم، و فیها توفی من شیوخ الحدیث بدمشق و الجبل أکثر من مئة نفس، و مات بردا و جوعا نحو أربع مئة نفس، و أسر نحو أربعة آلاف، منهم سبعون من ذریة الشیخ أبی عمر بن قدامة، قال: فی الخمیس، و فی سنة 712 ه مات غازان بن أرغو بن أبغا بن هلاکو مسموما بقرب همدان، و تملک أخوه خرنبدة و سموه محمدا غیاث الدین، و کان قد أظهر الرفض و أمر قبل هلاکه ببذل السیف فی أهل باب الأزج لإقناعهم عن الخطبة علی شعار الرافضة، مات بهیضة فأهلکه اللّه سنة 716 ه و ملکوا بعده ولده أبا سعید یوسف، فأظهر السنة تسلطن و هو ابن إحدی عشرة سنة.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 125
قال الذهبی: و فی سنة 719 ه اختلف التتار و کرهوا نائب آل سعید جوبان، و التقوا فقتل بینهم أکثر من عشرین ألفا، و کان قد انحصر من نائبه جوبان لاستبداده بالأمور و الحجر علیه، فالتجأ إلی خاله أریحی و إلی قرمستی و دقماق و قالوا: نحن نقتل جوبان فعمل قرمستی دعوة، ففهم جوبان و هرب إلی تبریز، فتلقاه علی شاه، و ذهب به إلی أبی سعید فاعتذر أبو سعید، و لعن أولئک، فقال الوزیر: یا ملک الوقت جوبان والد مشفق و هؤلاء یحسدونه، و لو قتلوه لتمکنوا منک، فجمع القان أبو سعید العساکر و أقبل من الروم و مرباش جوبان بجموعه مع القان فالتقی الجمعان، فذل أریحی لما رأی القان علیهم ثم انکسر و قتلت أبطاله، ثم أسر هو قرمستی و دقماق فسلمهم إلی جوبان فقتلهم.
و قیل: إن جوبان أباد سبعة و ثلاثین أمیرا ممن خرج علیه، ثم خمدت الفتنة بعد استئصال کبار المغل و استمر أبو سعید إلی أن مات سنة 736 ه و لم تقم بعده قائمة للتتار، بل تفرقوا شذر مذر، فتقرر أن دولتهم فی بلاد الإسلام مئة و ثلاثون سنة.
فهذا ما لخصنا من أخبارهم مع الاختصار، مما لا تکاد تطلع علیه إلّا من عدة أسفار، و إنما ذکرنا ما جری منهم لیعلم العاقل أن أهل الإسلام یبتلون و تمسهم البأساء و الضراء و یزلزلون و لیس ذلک دلیلا علی رضی من اللّه عن عدوهم أو بغض لهم، بل قال تعالی: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَ لَمَّا یَأْتِکُمْ مَثَلُ الَّذِینَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِکُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَ الضَّرَّاءُ وَ زُلْزِلُوا [البقرة: 214].
فإذا نکب أهل الإسلام نکبة، أو أدیل علیهم عدو، فلیعتبر بهذه
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 126
القضیة و ما قبلها من النکبات و لا یغتر، و لیعلم إنما أصاب من مصیبة فبکسب الأیدی کما ذکر اللّه تعالی فیوجب للمسلم التوبة إلی اللّه، و لا یستغرب ما جری فی زمنه.
نرجع إلی ذکر بنی العباس لما انحرفت خلافتهم من العراق قامت بمصر، و ذلک أن المستنصر باللّه أخا المعتصم لما هرب و سلم من التتار قدم مصر سنة 659 ه و بایعه السلطان بیبرس البندقداری مع أهل الحل و العقد، ثم سافر إلی العراق مجاهدا فخرج معه السلطان إلی أن دخلوا دمشق، ثم جهزه و معه ملوک الشرق صاحب الموصل و صاحب سنجار و الجزیرة و غیرهم، و أغرم علیهم من الذهب ألف ألف دینار و ستین ألف درهم، و سار معه الحاکم فی حلب ففتح الحدیثة، ثم هت فجاءه عسکر من التتار، فتصافوا فقتل من المسلمین جماعة و قتل الخلیفة، و لم تزل بنو العباس یتداولون الخلافة بمصر مع سلاطینها، و لکن لیس لهم معهم إلّا الاسم المجرد، حتی کان آخرهم أبا عبد اللّه الملقب بالمتوکل ابن المستمسک یعقوب، کان السلطان سلیم بن یزید العثمانی لما افتتح مصر، و أزال مظالم الجراکسة أخذه إلی اسطنبول عوضا عن والده یعقوب لکبر سنه، و توفی سنة 950 ه.
و بموته انقطعت الخلافة الصوریة بمصر، و کان المتوکل هذا فاضلا و له شعر منه:
لم یبق من محسن یرجی و لا حسن‌و لا کریم إلیه مشتکی الحزن
و إنّما ساد قوم غیر ذی حسب‌ما کنت أوثر أن یمتدّ بی زمنی
و کان تمام أربعة و خمسین خلیفة من بنی العباس، فسبحان من لا یزول ملکه و سلطانه انتهی.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 127
و کان السلطان محمود ملکا عادلا زاهدا عابدا ورعا مجاهدا متمسکا بالشریعة، مائلا إلی أهل الخیر، کثیر الصدقات، بنی المدارس الکبار و له من الفضائل و المآثر ما یستغرق الوصف.
و فی أیامه سنة 557 ه عمل خندقا حول الحجرة النبویة مملوءا بالرصاص، قال صاحب الخمیس، و سببه أن النصاری دعتهم أنفسهم إلی أمر عظیم ظنوا أنه یتم لهم و یأبی اللّه إلّا أن یتم نوره.
و ذلک أن السلطان محمودا کان له تهجد من اللیل فنام عقب تهجده فرأی النبی صلّی اللّه علیه و سلم و هو یشیر إلی رجلین أشقرین و یقول: أنجدنی من هذین تکرر ذلک ثلاثا، و کان له وزیر صالح یقال له: جمال الدین الموصلی، فأرسل إلیه و حکی إلیه ما اتفق له، فقال: و ما قعودک؟ اخرج الآن إلی المدینة و اکتم فتجهز و خرج، فقدمها لستة عشر یوما فقال الوزیر و قد اجتمعوا أنه قصد الزیارة، و أحضر أموالا للصدقة، فاکتبوا من عندکم ففعلوا، و أمر السلطان بحضورهم، کی یری تلک الصفة فمن أعطاه أمره بالإنصراف، فقال: هل بقی أحد؟ قالوا: لا، قال: تفکروا، قالوا: لم یبق إلّا رجلان مغربیان صالحان یکثران الصدقة قال: علیّ بهما فرآهما اللذان أشار النبی صلّی اللّه علیه و سلم إلیهما، فقال: من أین أنتما؟ قالا: جئنا حاجین فاخترنا المجاورة عند رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فقال: أصدقانی فصمما، فقال: أین منزلهما؟
فأمسکهما و أحضروا إلیه فی رباط بقرب الحجرة فرأی فیه مالا کثیرا، و ختمتین و کتبا فی الرقائق و لم یر شیئا فأثنی علیهما أهل المدینة بخیر و قالوا: إنهما صائمان الدهر، ملازمان للصلاة فی الروضة و زیارة النبی و قباء کل سبت، و لا یردان سائلا، فقال: سبحان اللّه، و بقی یطوف
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 128
بالبیت، فرفع حصیرا فیه، فرأی سردابا محقورا انتهی إلی صوب الحجرة، فارتاع الناس لذلک، و قال: أصدقانی و ضربهما شدیدا فاعترفا بأنهما نصرانیان بعثهما النصاری، و أمالوهما بأموال عظیمة، و أمروهما بالتحیل فی الوصول إلی الجناب الشریف، و یفعلان به ما زین لهم إبلیس فی النقل، و ما یترتب علیه فصارا یحفران لیلا، و لکل منهما محفظة جلد، فما اجتمع من التراب جعلاه فیها، و خرجا لزیارة البقیع فألقیاه فیه.
فلما قربا من الحجرة أرعدت السماء، و أبرقت، و حصل رجیف عظیم، بحیث خیّل انقطاع تلک الجبال، فقدم السلطان صبیحة تلک اللیلة، فلما ظهر حالهما علی یدیه فرأی تأهیل اللّه ذلک له دون غیره، بکی بکاء شدیدا، و أمر بضرب رقابهما.
ثم أمر بإحضار رصاص عظیم، و حفر خندقا إلی الماء حول الحجرة و أذیب و ملأ الخندق فصار سورا ثم عاد إلی ملکه، و أمر أن لا یستعمل کافر و أمر بقطع المکوس. انتهی ملخصا من «سیرة الخمیس» و هذه الواقعة فی خلافة المستنجد.
و ذکر هذه الحادثة العلامة زین الدین أبو بکر بن الحسین العثمانی المراغی فی کتاب: «تحقیق النصرة بتلخیص معالم دار الهجرة» عن المطری قال: أخبرنی بذلک یعقوب بن أبی بکر المحترف عن جماعة من أکابر الحرم، و ذکر رؤیاه علی نحو ما تقدم و أنه استحضر وزیره الموفق خالد بن محمد بن نصر القیروانی الشاعر- و کان موفقا- قبل الصبح، و ذکر له ذلک فقال: هذا أمر حدث بمدینة النبی صلّی اللّه علیه و سلم و لیس له غیرک، فتجهز و خرج علی عجل بمقدار ألف راحلة و ما یتبعها من خیل و غیره،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 129
و ذکر نحو ما تقدم و صلی اللّه علی محمد و آله و صحبه و سلم.

[و من هنا یبتدی‌ء ما عثرنا علیه من تاریخه المخطوط الذی لم یسبق طباعته.]

اشارة

فی سنة ثلاثة و ستین و ألف:

کان أمیر المدنیة مانع الحسینی، و کان من أجل الأمراء قدرا، و کانت فی هذه السنة قصة الفریش.
و ذلک أنه کان من عادة أهل المدینة أنهم یسلمون لبنی عمهم من بنی الحسینی و لعربان عنزة، و ضفیر، و نحوهم مرتبات من الأموال و الحبوب، فمنعهم مانع استحقاقاتهم، فجمع کل منهم جموعا: فأما الأشراف من آل جماز فمقدمهم الأمیر جماز، و أما العربان فمقدهم الشیخ المعروف بأبی ذراع، و غیرهم من أکابرهم. فلما خرج الحاج المدنی و أصبحوا بوادی الفریش صبحهم الطواریف المذکورة و أحاطوا بهم، و کان فیهم الأفندی عبد الرحمن قاضیها، و الأمیر محمد بن حسن، و شیخ الحرم، و أعیان المدینة من سادات الحسین و وجوه العرب، فکان موقعا شنیعا وقع فیه قتل، و سلب، و سلم أعاظم الرکب و أعیانه، ثم انفصلوا بعد أن ألزم لهم القاضی و شیخ الحرم بحصول مواخیهم.
فلما وصل الخبر إلی حسن بن أبی نمی سکت حتی انقضت أیام المناسبات، ثم أرسل سریة و أقر علیهم الشریف عجل بن عرار بن برسم حمایة الرکب المدنی، ثم تستمرون بها حفظا لأهلها. ثم بعد انصراف الحجیج نادی بالمسیر إلی غزو الطوارف المذکورة، فخرج بذاته العزیزة، فلما بلغهم خروجه شمروا نحو شمر و هربوا إلی رؤوس الجبال فقصد بهم إلی منازلهم، و خرب شمر المذکور لأنه من أمنع مواطنهم، ثم قبض علی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 130
أعیانهم و کبل أشرافهم بالحدید، و دخل بهم مکة، و کان الغزو أول ظهور حسن فی ظل والده أبی نمی.
و فیها وقعة الشبول هم و أهل التویم قتلوا من أهل التویم عدد کثیر.

و فی سنة 1065 ه:

قتل مرخان، قتله و طبان و استولی علی غصیبة، و هی سنة هبران المعروف.

و فی سنة 1066 ه:

نوخ الشریف بنی الحارث آل مغیرة علی عقربا، و هی سنة الحجر.
و فیها توفی عثمان بن أحمد بن تقی الدین بن أحمد الفتوحی الحنبلی عالما قاصدا بمصر فی ربیع الأوّل.

و فی سنة 1065 ه:

توفی حسن بن عبد الملک العصامی و فیهما توفی الإمام الأوحد و الهمام المفرد أبو الإرشاد النور علی زین العابدین ابن محمد زین العابدین عبد الرحمن بن علی آل جهوری نسبة إلی قریة من ریف مصر أخذ عن مشایخ کثیر، انتفع به الناس و طال عمره.
و فیه سنة 1069 ه: ظهر الشریف زید، و نزل قریة التویم و أخذ و أعطا و قدم و أخر. و ظهر جراد کثیر بأرض الحجاز و الیمن، أعقبه بأکل جمیع الزروع و الأشجار و حصل بسببه غلا بمکة و غیرها، و أرخه بعضهم بقوله [غلا و بلاء].

و فی سنة 1070 ه:

تولی عبد اللّه بن أحمد بن معمر فی العیینة.

و فی سنة 1071 ه:

ظهر الشریف زید.

و فی سنة 1072 ه:

سار ابن معمر علی أهل البیر سطی علیهم و سار
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 131
قومه تحت جدار من جدران البیر و وقع علیهم و مات منهم ناس کثیر تحت الهدم.

و فی سنة 1074 ه:

مات الشریف زید بن محسن و هی أول صلهام المشهور، و فیها عمرت منزله آل أبو راجح فی الروضة، ثم استمر القحط و الغلاء سنة سبع و سبعین و هتلوا عدوان و غالب الحجر .
و فی آخر سنة 1077 ه: وقع تنافر بین سعد و حمود بن عبد اللّه لعدم وفائه بالمعلوم الذی مع ما فی خاطره، فتوجه إلی وادی مر بمن معه من الأشراف و الأتباع. و فی رابع ذی الحجة قدم الحاج المصری أمیره أزبک بیک، فرکب حمود و من معه.

و فی سنة 1078 ه:

رجع صلهام سمیث دلهام، و فیها توفی الشیخ سلیمان بن علی بن محمد بن أحمد بن راشد برید بن محمد برید بن مشرف الوهبی التمیمی فی العیینة، و فیها قتل رمیزان بن غشام راعی الروضة، و فیها عمر ثادق بلد آل عوسجة و غرسوه.

و فی سنة 1080 ه:

فی شعبان وقعة الریف حمود بن عبد اللّه بن حسن مع ظفیر، و کان فیها عدة وقعات: وقعة مع عنزة، و وقعة بنی حسن، و وقعة هتیم العوازم، و وقعة مطیر و غیرهم، و سببها: أنه انضم إلی جماعة حمود قبیلة الصمد، من ظفیر، ثم انضم إلیه شیخهم الأکبر مع جماعته الأذیین، و هو سلامة بن مرشد بن صویط، و کان وقع من ظفیر جرم، اقتضی أن یواخذ و ابما هو المعتاد للنموی علیهم و هو أخذ الشعتا، أی: خیار أوائل الأباعر، و خیار توالیها، فلم یرضوا فأشار سلامة علی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 132
حمود أن یحبسه، و قال: و اللّه لتأخذن منهم ما ترید فقال حمود: کلا و اللّه، فذهب سلامه إلی قومه و قد تهیأوا للقتال، و کذلک حمود بنی حمود بنی عمه و الصمد، و عدوان فإنخذلت الصمدة، و تلاقی الجمعان و اختلطا و قتل من الأشراف زین العابدین بن عبد اللّه، و أحمد بن حسین بن عبد اللّه، ثم إن غالب بن زامل صبحهم بعد مدة و قتل منهم نحو ستین.
و فیها استولی آل حمید علی الأحساء: أولهم براک آل عریعر، و معه محمد بن حسین بن عثمان، و مهنا الجبری، و قتلوا عسکر الباشا الذی فی الکوت، و طردوهم، و ذلک بعد قتلهم راشد بن مغامس أمیر آل شبیب، و أخذهم عربه، و طردهم عن ولایة الحساء مواجهة الروم و هذه أول ولایة آل غریر فی الحساء.

و فی سنة 1081 ه:

ظهر براک آل غریر، و طرد الظفیر، و أخذ آل نبهان علی سدوس و فیها کانت وقعة الاکتیال بین الفضول و الظفیر.

و فی سنة 1082 ه:

وقعة الملتهبة بین الفضول، و آل ظفیر أیضا و الذهاب الکثیر.

و فی سنة 1083 ه:

سار إبراهیم بن أحمد سلیمان أمیر جلاجل، و آل تمیم و ملکوا الحصون و أقرهم فیه و أظهروا مانع بن عثمان شیخ الحدیثة و قیل أن ذلک فی سنة أربع، رابع شوال.

و فی سنة 1084 ه:

جرت وقعة القاع المشهورة قتل فیها محمد بن زامل بن إدریس بن حسین بن مدلج، شیخ التویم و إبراهیم بن سلیمان بن حماد بن عافر أمیر جلاجل فی یوم واحد، و ناس کثیر منهم، ناصر بن
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 133
برید، و قتل فیها الجبری، و فیها تولی راشد بن إبراهیم فی مراة، و فیها قتل أمیر العیینة ناصر بن محمد بن وطبان.
و فیها خرج الشریف برکات معه الأشراف، و العساکر و العربان إلی قتال حرب و شیخهم أحمد بن رحمة بن مضیان، و کان ألطف للشریف و لم تنفعهم خنادقهم التی حفروها، و کانت قبورا لهم فأستبیحت دیارهم و نهبت أموالهم و قتل خیارهم.

و فی سنة خمس و ثمانین و ألف:

مات الشریف عبد الرحمن بن أحمد بن محمد بن عبد الرحمن بن أحمد بن علی إدریس المغربی الشهیر بالمحجوب، و دفن بزاویة سالم شیخان بالشبیکة، و فیها مات الشریف رامی بن حسن و فارسهم السید حمود بن عبد اللّه بن الحسن بن أبی نمی، کان قد احتضن زید و زوجه ابنته و ألقی إلیه مهمات البلد من الحاضرة و البادیة. و فی وفاة زید لم یشک أحد أنه یقوم بعد، إلّا هو، لکن و لم یرد اللّه. و جری له مع سعد منازعات و مصافات و فیها توفی حمد بن محمد الحارث، و کان أیة فی العقل و الذکاء، مرجعا للأشراف فی جمیع أمورهم إذا حکم بأمر لم یقدر أحد أن یستدرک علیه شیئا لحسن أحکامه و کان قد ولاه حسین باشا فی ظبیة مدة ستة أشهر ثم لم یتم له أمر، و قام حمود مع سعد و ثبت قومه.
و فیه جرمان و حدرة الفضول إلی الشرق.

و فی سنة 1086 ه:

ربیع الصحن، و هی أول جردان، و فیها ربعوا البدو طرح براک سلامة بن صویط و أسره.

و فی سنة 1087 ه:

جلا مانع بن عثمان آل حدیثه و ربعة إلی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 134
الأحساء، و کثر فیه الجراد و موت الناس من أکله و هی منتهی جرادان.

و فی سنة 1088 ه:

ظهر الحارث و قتل غانم بن جاسر من الفضول، و هی سنة الضلفعة بین الحارث، و آل ظفیر، و صارت علی آل ظفیر، و قیل: أنها سنة سبع، و أخر الأمر أن الحارث أخذ علیهم العقال و حدرهم من سلما، و فیها وقعة هدیة بین بنی خالد.
و أخر کلیب و قبل ساقان کبیر آل مانع، و فیها أخذ براک آل عساف عند الزلال و أغاروا اللصوص علی أهل حریملاء، و قتلوا منهم وشاش السوق بین أهل البیر و السهول و رخص فیهم الزاد.

و فی سنة 1090 ه:

حج سیف بن عزاز و عبد اللّه بن دواس و الخیاری و محمد بن ربیعة و شریف نجد محمد بن أحمد الحارث، و هی سنة أخذ ابن فطای غنم أهل الحصون.

و فی سنة 1091 ه:

وقع سیل فی مکة عظیم أغرق الناس و طلع نجم له ذنب فی القبلة، و فیها حج محمد آل غریر آل حمید.

و فی سنة 1092 ه:

وقعة دلقة و مقتلة عنزة، قتلوا منهم الظفیر ناس کثیر، و قتل فیها لاحم بن خشرم، و حصن بن جمعان، و هی سنة حجرة الدغیرات فی دعبة، و فیها أخذ محمد الحارث الدواسر حول المردمة، و فیها مقتل عدوان بن تمیم داعی الحصون.

و فی سنة 1092 ه:

مات براک آل غریر و صال أخوه محمد علی الیمامة.

و فی سنة 1095 ه:

قتل دواس المزاریع فی منفوحة و ملکها.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 135

و فی سنة 1096 ه:

تولی عبد اللّه بن محمد بن أحمد بن عبد اللّه بن محمد العیبنة، و حج أبوه أحمد فی تلک السنة.
و فیها فی سابع عشر شعبان دخل شیخ الظفیر سلامة بن مرشد بن صویط مکة بأمان من الشریف أحمد بن زید و الأشراف، و ألقی السلم و دخل تحت الطاعة، فأمر له الشریف بمضارب نصبت له بالمحصب، و أقام قریبا من شهرین. فذکر أحمد للأشراف أن هذا ابن صویط، قد جاءکم بأهله و حلته و قد دخل علیّ، فإن عفوتم فأنتم محل العفو، فأجابوه بالسماح و کتبوا خطوطهم بالسماح عنه فی جنایته.
و فیها أخذ ابن عون قرب الزلفی و قتل و فیها قتل عبیله بن جار اللّه؛ و قتل ربیعة و محمد قتلوهم أخوانهم إبراهیم و مرخان بن وطبان؛ و فیها أخذ أحمد بن زید الشریف العقیلیة من عنیزة؛ و فیها قتل محمد بن عبد الرحمن أمیر ضرما جیرانه. و أخذوا الظفیر جردة ثنیان بن براک غریر، و قتل زید بن علیان و رخص الزاد و کثر الفقع و سموه أهل سدیر دیدبا، و عند مؤرخی أهل سدیر أنها سنة سبع.

و فی سنة 1097 ه:

استولی عبد اللّه بن معمر علی العماریة، و أخذها عنوة و أخذ آل عساف عرقه و هی سنة الوسید علی آل کثیر و حجرة آل نبهان فی الصفرة، و قتل له المعلوم.

و فی سنة 1098 ه:

کمن ابن معمر لأهل حریملاء ثانیا حول الباب، و قتل منهم عدة رجال و فیها وقعت المحاربة بین ابن معمر، و أهل الدرعیة بعد وقعة فی العماریة.
و فیها صال أهل حریملاء، و معهم محمد بن مقرن راعی الدرعیة،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 136
و زامل بن عثمان و توجهوا إلی سدوس و هدما قصره و خربوه، و هی سنة الحایر علی آل مغیرة و عائذ. صبحهم محمد آل غریر و قتلة الخیاری و الحایر علی آل عساف، و فیها مات محمد بن أحمد بن معمر أبو عبد اللّه و عبد الرحمن بن بلهید و محمد بن مبارک، و فیها قتل عبد اللّه بن أحمد بن حنیحن أمیر البیر و عسیم، و فیها قتل حمد بن عبد اللّه فی حوطة سدیر و تولی القعیسا، ثم حمد بن علی، و قتل آل دهیش، ثم علی بن سلیمان و علی بن حمد، و وقع فیها ریح عاصف فی سدیر، رمت من نخل الحوطة ألف نخلة، و فیها مات القاضی أحمد بن حسن البیاضی بالقسطنطینیة.

و فی سنة 1099 ه:

کثر العشب. و الفقع. و الجراد، و رخص الزاد رخصا عظیما بیع التمر علی عشرین وزنه بالمحمدیة، و الحب علی خمسة أصواع، هذا فی سدیر، و بیع فی الدرعیة ألف وزنه بحمر. و قیل فی تاریخه، بحمد الإله و شکر النعم- لسحب ثج و أرض تمج، و تمر ثلاثة أصواعه، یدفع المحلق فیها نزج، و بر فجرق بوسقیته، و تاریخه ذو أکساد یشج.
و فیها قتل شهیل بن غنام، و أخذ الشریف آل عساف الفرقة، و فیها توفی الشریف أحمد بن زید، و تولی أحمد بن غالب بن محمد بن مساعد بن مسعود بن حسن ابن أخیه سعید بن سعد بن زید أول ولایاته، و ذلک ثانی و عشرین من جماد من هذه السنة، و استمر إلی ثانی شوال من السنة المذکورة، و فیها خلع السلطان محمد بن إبراهیم و تولی أخوه سلیمان.
و فیها ملک یحیی بن سلامة أبا زرعة، و هی سنة قتال عنزة لأهل
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 137
عشیرة، و نهبوا؛ و فیها قتل جساس کبیر آل کثیر و مناخ محمد آل غریر لآل عثمان أهل الخرج حصاره لابن جاسر فی سدیر، و هی تبنان علی ابن جاسر، و حصرهم فی سدیر شهر و نصف و العویند علی الکثیر، و فیها قتل مرخان بن وطبان خنقة أخوه إبراهیم؛ و فیها مات الشیخان عبد اللّه و عبد الرحمن ابنا محمد بن ذهلان، و محمد بن عبد اللّه أبو سلطان بن محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن سلیمان بن زاید الدوسری (نقلته من خطة).

و فی سنة تمام المئة بعد الألف:

أتت الحواج الثلاثة علی عنزة و انکسر الزاد، و فیها مات عبد اللّه بن إبراهیم راعی ثرمدا، و تولی ریمان بن إبراهیم بن حنیفر، و فیها أوفی التی قبلها تصالحوا أهل حریملاء و ابن معمر، و فیها حصروا آل عزی فی سدیر و وصل محمد آل عریر علی عایذ و آل مغیرة صبحهم و قتل الخیاری.
و فیها جاء مطر دقیق و برد شدید و جمد المطر علی عسبان النخل و غیرها، حتی أهداب عیون الإبل و غیرها، فسمیت سلیسل و هی سنة الخلیل ابن زعب، و عدوان، و بنی حسین، و الساقة علی عنزة، و قتله الموج و عمار الجربا.
و فیها أخذوا آل الظفیر و الفضول الحاج العراقی عند التنومة.
و فیها تولی مکة الشریف بن زید بن محسن حسن؛ و فیها تولی فی مکة الشریف أحمد المذکور، و خرج إلی الیمن فأکرمه الإمام التاجر، و قام بحوائجه، أعطاه من البلدان ما یکفیه بحیث إنه أهداه قلعة بحمیلة من
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 138
الأموال، و وصل الشریف إلی مکة 1104 ه، و شریفها سعد إلی مکة، و تولی أمام تلک القلعة.

و فی سنة 1101 ه:

عمر ابن صقیة القرینة، و طاعون البصرة، و الموت الذریع فیها و فی العراق، و فیها أخذ محمد آل غریر معجم، و فیها الدبا الذی أکل الثمار، و فیها مات شقیر و ابنه من آل أبی حسین.
و قال محمد بن حیدر الموسی: و هذا الطاعون لم یعهد مثله؛ لأنه أخلی البصرة و خربها خرابا لم یمر إلی زماننا هذا، و أهلک بغداد، و قتل جیش، و فزع راعی العیینة؛ و فیها مات جاسر بن ماضی، و توفی فی الروضة ابنه ماضی، و قتل مرخان، قتله شقیقه إبراهیم غدرا، و فی آخرها مات السلطان سلیمان بن إبراهیم و حل ابن أخیه مصطفی بن محمد فی العصا، حتی أقیم مصطفی خامس من القعدة، و عزز سلیمان ثم یوم النحر ورد موت سلیمان و تولیة أحمد بن إبراهیم.

و فی سنة 1103 ه:

مات محمد آل غریر رئیس آل حمید، و قتل ابن أخیه ثنیان بن براک، و قتل حسن جمال و ابن عبدان فی السرة الأولی، ثم قتل سرحان سعدون بن محمد آل غریر و أخذ زغب.
و فیها تولی مکة الشریف سعید بن سعد بن زید ولایته الثانیة لست خلون من المحرم، و أخوه محسن بن حسین و استمر إلی ست بقین من جمادی الثانیة من السنة المذکورة، و ولیها أبوه سعد ثم نزل عنها له تاسع و عشرون القعدة من سنة ألف و مئة و أربع عشرة باختیاره، و فیها توفی شاعر الیمن و أدیبها إبراهیم بن صالح الهندی الأصل الصنعانی الشهیر بالمرتدی.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 139

و فی سنة 1104 ه:

تولی سعد بن زید فی مکة، و فیها وقعة الجریفة و حصار ابن جال فی وشیقر و أظهروه بنو حسین، و فیها قتل مصلط الجرباء و هی سنة النبوان فی سدیر تانبا من آل ظفیر یوم ینزلون التویم و لم بطل، و فیها اصطلحوا أهل أشیقر و أحمد بن عبد الرحمن بن حماد.

و فی سنة 1105 ه:

قتل أحمد بن حسن بن حنیحن فی البیر یوم یسطون علیه آل عوسجة، و قتل فیها عبد اللّه بن سرور العرینی من شیوخ زغبة، و تجارب أهل البیر هم و أهل ثادق. قال أحمد المنقور: و فی آخرها غرست سمحه و صلح أهل وشیقر و قتلته الدولة الثانیة دون البصرة.
و فیها حرب أهل سدیر الذی قتل فیه بن سلمان آل تمیم، قتل فیهما محمد بن سویلم بن تمیم الخزاعی الحصون، و فیه قتل أحمد بن جمعیة، و راشد ابن بیری و أبو جمعد و أخذ أهل ثادق خیل ابن معمر، وعدا نجم بن عبید اللّه علی آل کثیر و حجروه فی العطار، و أظهره آل أبی سلمة، و أظهر ابن عبد الرحمن ابن تمیم فی الحصون. و فیها ظهر سعد بن زید علی نجد و وصل الحماد المعروفة، و رجع و وقع بینه و بین الحاج فتنة و کثر القتل فی مکة، و القتال فی الحرم.
و عزل سعد بن بشیر بن عبد اللّه فلما اشتغل عبد اللّه بالشرافة بعث إلی أحمد بن غالب، و هو بمنزله فی الرکانی بالدخول إلی مکة، و دخلها فی أوائل السنة، و اجتمع هو و الشریف عبد اللّه، ثم لما کان فی سنة ست استولی علی مکة و أخذها و أخرج عبد اللّه بن هاشم ابن عبد المطلب، و فیها قتل سلامة بن ناصر بن برید و أولاد بن یوسف فی الحریق.

و فی سنة 1106 ه:

وقع فی حریملاء سیل أغرقهم فی الصیف
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 140
و خرّب فی البلاد: أوصل الخشب و غیره ملهم سموها زمامه، و فیها توفی محمد بن مقرن بن مرخان راعی الدرعیة، و إبراهیم بن راشد بن مانع راعی القصب، و تولّی بعده عثمان، و فیها قتل إبراهیم بن وطبان قتله یحیی بن سلامة، و فیها ملک مانع بن شبیب البصرة، و هی سنة عروی علی السهول، قتل منهم بینهم قدر سبعین رجلا، و فیها أخذت آل غزی قرب النبقیة سمیت رفیفة.

و فی سنة 1107 ه:

توفی بالمدینة الشریف محسن بن زید المتولی شرافة مکة سنة 1107 ه.
و فیها ظهر سعد بن زید علی نجد.
و فیها وقعة الزلفی، و ملک الحسینی له، و فیها أجلا آل عبهول بعد غدرتهم فی آل شقیر، و فیها قتل أدریس بن وطیان بمن قادوا علیهم آل أبی هلال علی- آل شقیر راعی الدرعیة و ملکها سلطان بن حمد، و فیها استنقذوا آل أبو غنام منزلتهم من فوزان بن حمیدان، و أظهروه من عنیزة بعد فضیته بریدة و غدره فیهم، و فیها ظهر أهل زغبة فی جوهم الظالم.
الذی فی تاریخ أهل أشیقر فی سنة سبع بعد المائة و الألف ظهر سعد بن زید الشریف علی نجد و نزل أشیقر یوم إحدی و عشرین من رمضان و حاصرهم و طلب مواجهة الشیخ حسن أبا حسین، و محمد بن محمد القصیر و ظهروا علیه و حبسهم، و أفتی الشیخ الفقیه أحمد بن محمد القصیر بالفطر فی رمضان، و حصدوا زرعهم؛ و فیها خسف القمر و کسفت الشمس فی شهر واحد، و هو ربیع الآخر.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 141

و فی سنة 1108 ه:

ملک فرج اللّه بن مطلب راعی الحویرة للبصرة، و تولّی عبد العزیز ابن هزاع بن الشریف علی نجد، و جلوا الحرث مع الفضول، و جرت وقعة الإبرق بین الظفیر و الفضول، و هی علی الفضول، و ربط عبد العزیز بن سلامة ابن مرشد بن صویط، و فیها فی جمادی الأولی توفی الفاضل الأدیب عبد الملک بن حسین بن عبد الملک بن حسین بن عبد الملک العصامی الشافعی المکی.
و فیها توفی صبغة اللّه بن الملا محمد مکی بن ملا بن فروج.
و فیها تاخر نتاج التمر، ما شبع الناس فی الرطب إلّا بعد ظهور سهیل لسبعة عشر یوم.

و فی سنة 1109 ه:

ظهر سعد و نزل الروضة و ربط ماضی کما تقدم، و هذا موضعه فی تاریخ المنقور و ابن ربیعة مع قصینة أهل عنیزة، و فیها توفی الشیخ محمد بن عبد اللّه بن إسماعیل. و فی ربیع قتل أحمد بن عبد الرحمن بن حماد و هدمت عقلة الشیخ و جلوا آل محمد و الخرفان، و آل راجح، ثم رجعوا الخزفان و آل راجح من آل محمد إلّا قلیلا، و تفرقوا فی البلدان، و فیها توفی الشیخ محمد بن عبد اللّه بن إسماعیل.

و فی سنة 1111 ه:

مات عبد الرحمن بن إسماعیل، و قتل زامل بن ترکی و ربط عبد العزیز الشریف رجاجیل أهل البیر و جاحاج، و مر بثادق أمیرة محمد الشویعر، و فیها تصالحوا أهل أشیقر.
و فیه وقعة تسمی دبسه علی آل غزی، و فیها طرد بن مطلب عن البصرة و ملکوها الروم و أخذوا القعاسا الحوطة فی رمضان، و ملکها هدلان و إخوته و ملکوا آل مدلج الحصون فی ذی الحجة، و أظهروا آل
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 142
تمیم، و ولوا فیه ابن نحیط، و ملکوا آل أبی راجح ربع آل أبی هلال، و هی فیها سار فواز زامل بآل مدلج و توابعهم، و قضیب مدینة الداخلة، و استخرجوا آل أبی هلال، من منزلتهم، و قتلوا هم و ماضی بن جاسر، و رکد، و اله، و دمروا آل أبی هلال، و هی سنة وتر آل ظفیر، و فیها قتل محمد بن سحوب و ابنه و فواز بن شامان و هزاع بن خزام کبیر الطوقیة، و حنیان کبیر آل زارع، و فیها آل شقیر من العیینة، و قتلوهم أهل العودة؛ و فیها قتل حمد بن عبد اللّه بن ماجد و مات ناصرین حمد بن علی، و شاخ أخوه منصور راعی المجمعة، و ربط سعد بن زید من عنزة نحومیة شیخ فی مکة، و فیها سطوة بن عبد اللّه علی الدلم و قتله زامل بن ترکی، و سطوه دبوس فی أشیقر.

و فی سنة 1112 ه:

حصار ابن صویط لآل غزی علی سدیر ثالثة، و فیها اجتماع الروضة لماضی و سطوه راعی القصب فی الحریق و هو و ابن یوسف، و قتله آل راشد و حرابه، و اجتمعت الروضة لماضی.
و أهل أشیقر عند الحما، و أخذت الحاج الشامی و أخذت عبد العزیز و أخذوه بنی حسین و فیها غرس المنقور مربطته.

و فی سنة 1113 ه:

وقعة السلیع صبح ابن حمد آل الظفیر للبتری، و معه الفضول و الحجازة، و مع ابن حمید الفضول، و الحرث، و الحجاز، و أخذوا آل ظفیر جرادته و فشلوه، ثم سالم علیهم و ردهم حتی عداهم جبل شمر، و أخذ زغب ثم أدی علیهم، و أخذ ابن معمر آل عساف، و قتل ابن آل کثیر.
و فیها توفی عبد الواحد بن شیخ محمد فی جمادی الثانیة، و توفی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 143
الشیخ حسن بن علی العجیی رابع شوال فی الطائف.
و فیها تواقعوا الروم و الخزاعل أخذوهم ملکوا الفراهید آل راشد الزلفی، و أظهروا آل مدلج، و مات سلامة بن مرشد بن صوبط، و دفن فی الجبیلة، و فیها عقبة علی آل شمروخ حول منیخ، و فیها تولّی سعید بن سعد بن زید فی مکة، و حصل، فیها توفی بالروم الشریف أحمد غالب بن محمد بن مسعود بن حسن المتوفی بمکة 1100 ه، و الرشف عبد اللّه بن هاشم بن عبد المطلب المتوفی سنة 1105 ه بالروم.
فی سنة 1114 ه: ملکوا آل بسام، و شیقر، و أخذ عثمان الجنوبیة، و قتل فایز، و تولّی فی الحوطة عثمان القعیسا، و فیها أخذ سعدون زغب، و فیها قتل نویان. و هذه السنة أول سمدان المحل المعروف، و القحط، و الغلا الذی سعدوا فیه الحجاز و کثیر من العربان، و فیها سار القبطان علی البصرة.
و فیها نزل سعد بن زید عن ولایة مکة لابنه سعید باختیاره، و فی هذه الولایة حصل لأهل مکة اضطراب و غلا، و خوف، و خراب إلی دبر سلیمان باشا فی عزله و تولیة عبد الکریم الولایة لتسع بقین من ربیع الأول.

و فی سنة 1115 ه:

أخذ عبد اللّه بن معمر زرع القربیة، و ملهم وسطوا الخرفان فی أشیقر، و ملکوا سوقهم، و قتل محمد القعیسا، و ملک ابن شرفان فی الحوطة و اجتمعت عنیزة لآل جناح: فیها اشتد المحل و الغلا، و ذهبوا هم و بعض الحجاز، و هی سنة حاج البراک، فیها ولد الشیخ محمد بن عبد الوهاب بن سلیمان فی بلد العیینة و نشأ بها، ثم قرأ علی أبیه ثم حج ثم سار إلی البصرة و قرأ بها، ثم رجع و قد انتقل أبوه إلی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 144
حریملاء فأقام بها معه، ثم أعلن الدعوة ثم انتقل إلی العیینة.

و فی سنة 1116 ه:

جلا سعد بن زید و ابنه سعید عن مکة، و حصل اختلاف بین الأسر، و تولّی فی ملج عبد الکریم الشریف محمد بن یعلی، و بقی إلی أخر 1133 ه، ثم أخرجه سعید و استولی.
و فیها قتل ریمان راعی ثرمدا، و شاخوا آل ناصر فیها و ابن رضیع فی مراة و أخذوا أهل حریملا سبیع لسدوس، و قتل أحمد بن منیع، و حصروا عنزة ابن معمر فی البیر، و أخذوا رکابه و أخذ زرع القربیة، و جاء العیینة سیل خرب فیها منازل، و فیها سطوا آل ابن خمیس فی إمارة عثمان فی الجنوبیة، و فیها توفی الأدیب هاشم أحمد الأزواری، و فیها غدروا آل بسام، و قتلوا إبراهیم بن یوسف و حمد بن علی و الغلا علی شدته.

و فی سنة 1117 ه:

حرابة الروضة و سدیر و مقتل محمد بن إبراهیم و ترکی و حمد بن سلیمان و حسن آل فاضل.

و فی سنة 1118 ه:

صبحوا أهل حریملاء هم و ابن بجاد السبعان فی عبیران، و قتلوهم و أخذوهم، و فیها قضی نجم آل حمید فی بلد ثادق، و فیها مقتل دبوس بن حمد بن حسن بن حمد، حمد هذا هو أبو محمد أیضا، و محمد أبو یحیی جد آل یحیی بن محمد بن حینحن.
و استولوا آل إبراهیم فی البیر، و فیها أخذ سعدون بن محمد شمر عندرک، و فیها سطوة أم حمار التی قتل فیها عثمان، و عثمان، و ابن فوزان، و طلع ابن بحر من مدینة الداخلة، و خفرة آل مدلج، و فیها بیت الوایلی هو و ربعه فی القومیة، و قتل حسین بن مفیز، و فیها قتل محمد بن إبراهیم هو و أخوه، و شاخ عبد اللّه. و قیل: إنها فی العاشرة کما نری.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 145
و فیها أخذ دجین ولد سعدون آل زارع و طردوا عنزة بن صویط عن سدیر، ثم جرت وقعة بین عنزة، و آل ظفیر فی الخضار عند الدهنا، و أخذ ابن صویط خیمة عبد العزیز الشریف بن هزاع. و فی تاسع عشر شوال توفی الشریف سعد بن زید مصابا، و فیها وقعة السحیرا علی آل بسام، قتل فیها ترکی بن هیدان و حمیدان.

و فی سنة 1119 ه:

نزل الحاج العقیلی علی ثادق، و معه سعدون بعسکره، و هی سنة قتل عبد اللّه بن عبد الرحمن بن إسماعیل؛ و فیها أوقعوا العناقر بأهل وثیثیة، و قتلوهم فی شیخة بداح.

و فی سنة 1120 ه:

قتل سلطان بن حمد القبس راعی الدرعیة، و تولی أخوه عبد اللّه ثم قتل، و فیه- أعنی سنة 1120 ه- توفی الفاضل الأدیب بدیع النظم عبد اللّه بن حسن بن محمد بن حمد بن مبارک بن طرفة السالمی من بنی سالم حرب المکی الشافعی رابع عشر شعبان، و صلّ علیه صاحبه أحمد النخلی إماما بالناس.
و فیها قتل حسین بن مفیز راعی التویم، قتله ابن عمه فایز بن محمد؛ و فیها قتلوا آل ناصر الناقر الوطفان، و فیها نزل نجم بالحاج ثرمدا ثم العیینة.

و فی سنة 1121 ه:

تولّی موسی بن ربیعة بن وطبان بن مرخان فی الدرعیة؛ و فیها اختلاف النواصر فی الفرعة، و قتلة غیبان بن حمد بن عضیب، قتله شایع بن إبراهیم فی المذنب، و تحدر دولة للروم، و طرد المنتفق، و فیها وقعة سعدون مع آل ظفیر فی الحجرة، و فیها قتل عیاف و راشد العناقر، و تولّی مانع بن ذباح، و فیها سار ابن معمر و معه أهل
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 146
العارض، و سبیع، و نازل أهل حریملاء و طردوه، و هی سنة غویمض علی بن معمر، و فیها ناوخ- سعدون آل ظفیر علی وضاخ، و نفی، و حشموا الحجاز و الشریف آل ظفیر، و فیها وقع وباء فی سدیر مات فیه الشیخ عبد الرحمن بن عبد اللّه أبو بطین و غیره، مات منصور بن جاسر، و ابن نصار، و المنشرح، و السنانی و غیرهم من کبار الفضول، و فی تاریخ المنقور أن مناخ سعدون لآل ظفیر علی بقیعا.
و وقع فی سدیر مرض مات فیه الشیخ عبد الرحمن أبو بطین، و هو ابن عبد اللّه بن سلطان ابن خمیس العایذی عالم جلیل فی الروضة.
فی سنة اثنین و عشرین: و هی سنة السیح.
و فیها جاء برد دق زرع ملهم، و ریح شدید طاح منها نخل کثیر فی البیر، و طاح قصر رغبة؛ و فیها جدب کثیر و خیفان أکل غالب الزروع و ثمرة النخل.

و فی سنة 1123 ه:

أخذوا أهل حریملاء ملهم، و جاء سیل أغرق منزلتهم و طرح البیوت و المساجد، و دق البرد زرع ملهم، و جاء برد فی الزراع قتل کل ما سنبل، ثم جاء فی الصیف سیل أعظم من الأول و مات الزرع حصل الغرب فی ضرما ألفین، و رخص الزاد، و فیها عاد سعید بن سعد بن زید فی ولایة مکة، و أجلا عبد الکریم بن محمد ابن یعلی البرکاتی لثلاث بقین من ذی القعدة، و قداتی لتعید تقریر سلطانی، فخرج عبد الکریم بعد مشاجرة. و فیها توفی وزیر أشراف مکة الخواجة عثمان بن زید العابدین بن حمیدان، و فیها شاخ محمد بن عبد اللّه فی جلاجل.

و فی سنة 1124 ه:

وقع مرض فی ثرمدا و القصب، و رغبة، و البیر،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 147
و العودة، و فیها مقتل آل ناصر و ملک ابن جار اللّه لمراة ثانیا، و قتل القرینیة لأهل رغبة.
و فیها مات الشیخ أحمد القصیر بن محمد أول جمادی سنة 24 ه.

و فی سنة 1125 ه:

سطوا آل إبراهیم و أهل ثادق علی آل ناصر فی ثرمدا، و قتلوا منهم آل ناصر و لا حصلوا شی‌ء؛ و فیها مات الشیخ أحمد بن محمد المنقور؛ و فیها کثرة القوافل من عنزة جاوا التمر علی میه بالحمر، و آخر ما انتهی علی خمسین عند رحیلهم و رخصت الجلایب، صار ثمن البعیر الفاخر من خمس المحمد یأت إلی الأربعین فی الغایة، و أباعر الحاج، و الرکاب ترفعها الثمانین، و السمن علی عشرة أصوع بالحمر.

و فی سنة 1126 ه:

صال سعدون بن محمد و عبد اللّه بن محمد بن معمر بأهل العارض علی الیمامة، و نهبوا منها منازل، و ظهر علیهم البجادی بأربع من الخیل، و فیها قتلت سطوة العناقر خمسة عشر رجال ستة من العناقر فی العشر الأول من المحرم، فلعلها أن تکون هی المذکورة فی السنة الخامسة لقرب التاریخ، و فیها یوم النحر مات الشیخ عبد الوهاب بن عبد اللّه، و محمد بن علی بن عید.
و سلیمان بن موسی بن سلیمان الباهلی، و ناس کثیر غیرهم بسبب مرض وقع فی العارض.

و فی سنة 1127 ه:

مناخ سعدون لآل ظفیر، و الحجاز، و قتل سعدون بن سلامة بن صویط، و خلف محمد بن عبد اللّه بن ابراهیم بن سلیمان أمیر جلاجل علیه، و فی أولها فی المحرم حصل برد عظیم ضر
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 148
النخل، و کسر الصهاریج الخالیة من الماء و جمد الماء فی أقاصی البیوت الکنینة، و ذلک من الخوارق، و مر العارض حاج للحساء أمیرة ابن عفالق، و بیع فیه صاع السمن بمشخص، و الطلی بأحمرین، و فیها مات محمد بن عبد الوهاب بن عبد اللّه.

و فی سنة 1128 ه:

سطا راعی المجمعة علی الفراهید فی الزلفی، و لا حصل شی‌ء، و فیها غارت الآبار، و غلت الأسعار، و مات مساکین جوعا إلی سنة 1131 ه.

و فی سنة 1129 ه:

مات الشریف سعید بن سعد بن زید، و هی سنة موت علیان بن عیسی ولد عبد اللّه بن علی بن عبد اللّه بن ماجد فی ثادق.

و فی سنة 1130 ه:

أخذ ابن معمر غنم أهل حریملاء، و قتل منهم عشرة رجال، و مات ظفر بن عبد اللّه، و أخذ بن صویط ابن غبین و ابن عفیصان الصمد، و شریف مکة علی بن سعید بن سعد، و فیها غدر خیطان بن ترکی بن إبراهیم فی ابن عمه محمد بن عبد اللّه بن إبراهیم راعی جلاجل و سلم منه، و فیها توفی الشیخ أحمد بن محمد النخلی المکی، ثم انسلخ بانسلاخها علی بن سعید و تولّی مبارک بن زید الشافعی.

و فی سنة 1131 ه:

قتل سبهان بن حمد بن حمد بن محمد، و أخذت غنم البیر و خرب السیل فی ثادق و حریملاء، و قتلوا آل ماجد الشاوی فی ثادق، و قتلوا أهل رغبة محمد بن ماجد بن شوذب، و تصالح العناقر و آل عوسجة و العرینات، و جری مکاون بین آل ظفیر و عنزة.

و فی سنة 1132 ه:

بیت أهل حریملاء لابن معمر لا عیوح و سلم منهم، و بیّتوا مطیر سعدون آل محمد، و هی سنة الحباری، و فیها قضی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 149
ابن صویط أرض السبلة، و ولی مکة مبارک بن زید، و فیها وقع الطاعون فی العراق مات فی العراق قدر تسعین ألفا.

و فی سنة 1133 ه:

فی ثالث صفر: مر حاج الأحساء علی العارض أمیره سیف بن جبر، و مات علی أبو الجفان، و فیها بیع التمر علی مئة و عشرین بالحمر، و الحب علی خمسة و أربعین. و فی أول رجب نوخ سعدون آل کثیر للعماریة، و تامن منه الظهرة، و ملوی، و السریحة، و قتل من قوم سعدون قتلی کثیرون، و أغاروا علی الدرعیة و نهبوا منها بیوتا، و قتلوا ثلاثة عشر رجلا، و قاضی سعدون نجد، و أخذ شمر عند الجبل، و أخذ الطیار محل آل غزی، و ربط منهم أطفالا کثیرین، و ربط ابن صویط أخا الطیار، و طلبه أیاه، و أطلقه، و جاء برد شدید و جراد کثیر، و فیها ولد عبد العزیز بن محمد بن سعود.
و فیها قابل سعدون نخبة، و حجر آل کثیر فی العارض قبضتهم، و أظهر المدافع من الحساء، و نواخهم لعقربا، ثم حجرهم فی العماریة، ثم لین ثم عدا علی الدرعیة و نهب فیها و قتلوا منه قتلی کثیرین.

و فی سنة 1134 ه:

صالح ابن معمر أهل حریملاء، و حجر ابن مصبخ فی ثادق، و فیها تولّی یحیی بن برکات فی مکة، و فیها وقعة أهل المدینة و حرب.
و فیها أجملوا آل عفالق من الأحساء، و فی أخرها مات الشیخ منیع بن محمد بن منیع العوسجی.

و فی سنة 1135 ه:

مات الرئیس سعدون بن محمد آل غریر فی الجندلیة، و فیها ملک محمد بن عبد اللّه شیخ جلاجل الروضة، و بنیت
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 150
منزلة آل أبی هلال، و منزلة آل أبی سعید، و منزلة آل أبی سلیمان، و أخرج العبید من الحوطة، و أسکن فیها أهلها آل أبی حسن، و عزل ابن قاسم عن الجنوبیة، و ولّی آل ابن غنام، و ملک الرقراق الفرعة، و صالح بن معمر أهل العارض؛ و فیها تناوخوا آل حمید للبجسة بعد موت سعدون علی، و سلیمان معهم بعض بنی خالد و دجین، و منیع عیال سعدون معهم بعض، و أخذهم علی و ربط ابنی أخیه دجین و منیع، و أخذ الفضول و تولّی فی بنی خالد.
و فیها أخذ أهل أشیقر الفرعة بعدما تصالحوا بینهم، و قتلوا آل قاضی، و طردوا النواصر، و قضوا قصرهم.
و فی هذه السنة کانت شدة عظیمة، و هی مبادی سحی الشدة المعروفة، و القحط و الغلا الذی اختلفت أسماؤه.

و فی سنة 1136 ه:

غم المحل و القحط من الشام إلی الیمن فی البدو و الحضر، و ماتت الغنم، و کل بعیر یشد، و تفرّق أکثر البدو فی البلدان، و غارت الآبار، و جلا أهل سدیر العطار، لم یبق فیه إلّا أربعة رجال غارت أبارة الأرکبتین.
و العودة رکبتین، و جلا کثیر أهل نجد إلی الأحساء، و البصرة، و العراق.
و فیها انسلخ عن شرافة مکة مبارک زین أحمد؛ و فیها فی ربیع الأول قتلوا إبراهیم بن سلیمان بن ذباح، و ولده، و أخاه و ابن جار اللّه.
و فی هذه السنة و التی تلیها ذهب حرب و العمارات من عنزة، و ذهب جملة مواشی بعنی خالد، و غیرهم، و کان الأمر فیه کما قال بعض أدباء
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 151
أهل سدیر فی تلک الأیام من جملة قصیدة یذکر فیها ما أصابهم، و یترسل فیها إلی اللّه، و یدعو أن یرفع البلاء، و الغلاء، و یمن بالخصب و الرخاء، قال فیها:
غدا الناس أثلاثا فثلث‌شریدة یلاوی صلیب البین عار و جائع
و ثلث إلی بطن الثری دفن میت‌و ثلث إلی الأریاف جال و ناجع
* و لا أدری غدا ما اللّه بالخلق صانع* و فیها قاضی ابن صویط بین العراق و الشام، وسطا دجینی فی عمه- سلیمان بن عبد اللّه بن عریک، و سلموا، ثم اصطلح بنو خالد بینهم، و فیها هدمت منزلة آل أبی هلال هدموها آل أبی راحح، و فیها أخذ ابن معمر عرقه، و أخذ زرع الحسی، و فیها مات بداح راعی ثرمدا، و مات أحمد بن محمد بن سویلم بن عمران العوسجی.
ثم دخلت سنة 1137 ه: و المحل، و القحط، و الغلاء إلی الغایة، و مات أکثر الناس فیها، و فی التی قبلها، و مات أکثر حرب و عرب القبلة، و غلا الزاد فی الحرمین حتی إنه لا یوجد ما یباع، و أکلت جیف الحمیر، و فیها أنزل الغیث و کثرت السیول، و الخصب و النبات فی کل مکان، و لم تزل الشدة و الموت من الجوع.
و فی سابع من شعبان أخذ إبراهیم بن عبد اللّه بن معمر العماریة، و أقام فیها؛ و ثالث عشر من شعبان التقی ابن معمر هو و آل کثیر عند الأصیقع، و کسروه- الکثیر- و قتلوا من أهل العیینة عشرین رجل، و حجر إبراهیم و سطوته ثم اطلع إبراهیم من العماریة یوم اثنین و عشرین
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 152
من شعبان، و قتل معه قدر خمسة و عشرین رجلا، و مات إبراهیم علی انسلاخ شعبان فی مرض وقع مات فیه إبراهیم بن عزاز، و سیف العجاجی و غیرهم، و ماتت الزروع فی کل بلد، و غلا الزاد، و أکل الجراد ثمار جمیع البلدان إلّا ما کم من النخل. و فی لیلة عید رمضان مات رئیس الدرعیة سعود بن محمد بن مقرن.

و فی سنة 1138 ه:

تولّی زید بن مرخان فی الدرعیة.
و کانت وجبة أهل العیینة أن حل بهم وباء أفنی غالبهم، مات فیه الأمیر الرئیس عبد اللّه بن محمد بن حمد بن عبد اللّه بن معمر الذی لم یذکر فی زمنه و لا قبل زمنه فی نجد من یدانیة فی الریاسة، و سعة ملکه، و العدة و العدد فی العقارات و الأثاث، و الآلات فسبحان من لا یزول ملکه؛ و فیها مات ابنه عبد الرحمن و تولّی بعد عبد اللّه ابنه محمد الملقّب خرفاش؛ و فیها مات منصور بن حمد بن علی راعی المجمعة و ولده، و فیها قتل إبراهیم بن عثمان راعی القصب، قتله أبوه عثمان بن إبراهیم علی الملک.

و فی سنة 1139 ه:

غدر خرفاش بزید بن مرخان راعی الدرعیة، و یدغیم بن فایز الملیحی، و قتلهم و قتل محمد بن سعود بن مقرن عمه مقرن بن محمد، وصفت له ولایة الدرعیة، و قتل موسی بن ربیعة، و فیها مات دواس راعی منفوحة و ماضی راعی الروضة، و جاءوا البلدان، و هم سنة الذرة المشهورة رجعان سحی، و ذلک أن مقرن استأذن زیدا لما صالحه لتمام الاستئناس، و الثقة فیما یظهر، فخاف منه، و قال: ما آتیک حتی یکفل لی محمد بن سعود، و مقرن بن عبد اللّه بن مقرن، فکفلاه فأتاه
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 153
فی جماعة فهم بقتله، و بانت منه شواهد الغدر، فوثب محمد بن سعود، و مقرن منصرین له علی مقرن بن محمد، و حملا علی مقرن و من معه فألقی نفسه مع فره و اختفی فی بیت الخلاء، فأدرکوه، و قتلوه و ردوا زیدا إلی مکانه، ثم أن زیدا لما کان قد مات عبد اللّه بن محمد بن معمر، و ضعفت العیینة بعد الوجبة، و هم فی نعوال أهلها، و مشی إلیها آل کثیر، و سبیع و غیرهم من ذی الحضر، فأرسل إلیه خرفاش، و هو بعقربا ما ینفعک نهب البوادی و غیرهم، و أنا أرضیک، و أقبل واجهنی، فأقبل إلیه فی قدر أربعین رجلا فأدخله القصر و معه محمد بن سعود، و غیره، و واعد علیه من یومیة بعد ما توحد بدعم من فایز، و نحره، فرمی زید ببندقین لم تخطاه.
و فیها عزل خرفاش عبد الوهاب بن سلیمان عن القضاء و حکم أحمد بن عبد اللّه بن الشیخ عبد الوهاب، و انتقل عبد الوهاب إلی حریملاء، و نزلها، و فیها مات محمد بن عبد اللّه بن ماجد، و فیها أخذ عنزة بن خلاف، و إلی معه علی جلاجل، و جاءت قافلة للوایقة، و اکتالوا التمر علی مئة بالحمر، و العیش أربعة أصواع، و وصل التمر عشر بالمحمدیة، و البر ستة أصوع بها.
و فیها أخذ الشریف محسن بن عبد اللّه آل حبشی عند المجمعة، ثم تصالحوا و غدر به هو، و ابن حلاف، و فی آخرها حدر ابن صویط و معه دجینی، و معه و المنتقق، و حصروا علی بن محمد آل غریر فی الحسا، و قتل بینهم رجال کثیرون، و نهب ابن صویط القرایا، و قتلهم، ثم إنهم صالحوه و رجعوا.
و فی أول سنة 1140 ه: ناوخ محسن الشریف، و معهم عدوان
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 154
و الحجاز، و غیرهم حمود، و کنعان أخوه، و ابن حبشی، و ابن حلاف و إلی معه من آل سعید، و آل ظفیر علی ساقی الخرج المعروف، و أقاموا علیه شهر متناوخین، و ظهر علیهم علی آل محمد بن الحساء، بعسکر کثیر، و أخذهم و انهزم آل ظفیر سبعین فرسا، و رکاب و دبش، و أخذهم محمد بن فارس راعی منفوحة، و هذه هی رقعة الساقی المشهورة علی ابن حلاف و إلی معه.
ثم أخذ الطیار المجادعة فی العراق و معهم شراید غیرهم.

و فی سنة 1140 أیضا:

ناوخ ابن صویط و المنتقق علی آل محمد عند الحساء، و کسرهم ثم تصالحوا.
و فیها توفی إمام الیمن الحسن الحسین الملقب بالمتوکل.

و فی سنة 1141 ه:

أقبل الطیار بجمیع عنزة، و حصر آل ظفیر فی المعارض، و أخذ علیهم دبشا کثیرا، و هرب ابن صویط، و انحجر بعض عربه فی الریاض، وشاش السوق بین عنزة، و أهل منفوحة، و انکسر السعر و حدروا عنزة، و اکتالوا من الحساء، و فیها توفی فی المخواة الشریف مبارک بن أحمد بن زید المنسلخ عن شرافة مکة.

و فی سنة 1142 ه:

سار راعی جلاجلا و ابن صویط، و آل ظفیر علی التویم، و أخذوه و نهبوه و فعلوا فیه ما فعلوا، و فیها قتل محمد علی بن محمد آل غریر عیال أخیه دجین،- و دویحس، و فیها قتلوا مطیر دویحس، و عبد اللّه بن عریک فی الحمادة. و الظاهر أن مقتل دویحس و عبد اللّه فی الثالثة، و فیها یعنی الثالثة أخذوا مطیر الحاج الحساوی للحسوة.
و فیها قتل خرفاش شیخ العیینة، و اسمه محمد بن حمد بن عبد اللّه
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 155
قتله آل نبهان من آل کثیر، و تولی بعده أخوه عثمان بن حمد و قیل: إنه فی التی قبلها، و فیها مات إبراهیم بن سلیمان بن علی و ملک محمد بن عبد اللّه راعی جلاجل.

و فی سنة 1143 ه:

تواقع ابن سویط و عنزة علی قبة، و أخذهم ابن سویط، و فیها قتل سلیمان آل محمد ابن أخیه دجین بن سعدون، و فیها مات عبد اللّه و إلی مکة، و تولی ابنه محمد، فیها وقع برد قتل الزرع. خزانة التواریخ النجدیة ؛ ج‌1 ؛ ص155

و فی سنة 1144 ه:

مات ابن صویط، و فیها أخذ ابن سعود محلات أهل العیینة.

و فی سنة 1146 ه:

قتل زید أبا زرعة راعی الریاض، و تولی فیه خمیس العبد.

و فی سنة 1151 ه:

ظهر خمیس عن الریاض و تولی فیه دهام ابن دواس بشبهة أنه خال ولد زید.

و فی سنة 1153 ه:

توفی الشیخ عبد الوهاب بن سلیمان.

و فی سنة 1154 ه:

ذبحوا الروم المنتفق، و سبوهم، و قتلوا سعدون بن محمد آل مانع.

و فی سنة 1155 ه:

جاء الناس خصب و جاء الخرج سیل خربه، و هی سنة جبران المشهورة، و فیها ساد طهمان شاه العجم علی البصرة و حاصروها الحصار المشهور فی آخرها.
أول سنة ست و خمسین: و فیها أعنی سنة خمس أخذوا الشختة،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 156
و آل جناح عنیزة و أخذوا آل جمعة عسیلة، و فیها استولی محمد بن عبد اللّه الشریف علی مکة.

و فی سنة 1158 ه:

توفی الشیخ محمد بن ربیعة العوسجی، و فیها قتل محمد بن ماضی، قتله أخوه مانع، و أخوه ترکی، و فوزان. و سبب ذلک أن عمرا الشریف قتل عبد العزیز أبا بطین بأمر حمد بن محمد، و أبا بطین زوج بنت ماضی، و شقیقه مانع، و هو رفیق لمانع أیضا، فبعث مانع لترکی و فوزان أخاه، و هو فی جلاجل جلویة عند محمد بن عبد اللّه فأقبلوا و بسطوه، و دخلوا و محمد یصلی علی جنازة أبی بطین، و جرحه أخوه مانع و هو فی الصف، فضربه بشبریة فی الظهر، و حمل لبیت أبی بطین، و إذلال السطوه قد دخلوا، فسأل عنه أبو حبیش، و قتله، و تولی أخوه ترکی فی البلاد.
و بعد مدة فی السنة المذکورة مات محمد بن عبد اللّه شیخ جلاجل، و تولی ابنه سعود، و تحارب هو و ترکی و سار إلیه فی الروضة بأهل جلاجل، و جری بینهم قتال قتل فیه ترکی و راجح بن راجح، و تولی بعد ترکی أخوه فوزان، و أقام فی الولایة نحو سنة، ثم إنه هو و مانع استدولوا ابن أخیهم حمد بن محمد خالفین علیه أباه، و قدموه فی ولایة البلد، و أقام خمس سنین، ثم إن آل مانع و بقیة القبیلة و الجماعة تمالؤا علی عزله، و کانت ولایته غیر محمودة فولوا عمر بن جاسر بن ماضی، و أقام خمس سنین فی الولایة، و بعد ذلک انسلخ منها بعیال محمد بن ماضی و عبد اللّه، فلبثوا فی الولایة إلی التاریخ الآتی.
و فیها أخذ ابن صویط بریدة و غدروا آل شماس فی الهمیلی، و فیها
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 157
أو فی السابعة انتقل الشیخ الإمام محمد بن عبد الوهاب من العیینة إلی الدرعیة و استوطنها و بعد ما استقر به القرار قدم علیه عدة من أهل العیینة من المعامرة و غیرهم مهاجرین منافرین لعثمان، فلم یجد عثمان بدا من الإنطراح للشیخ و الأمیر محمد و رجاهم، و حاول الشیخ محمد الرجوع فأحال الأمر إلی ابن سعود فأبی فرجع.

و فی سنة 1159 ه:

سطا دهام بن دواس فی منفوحة و معه العمدة فی الظفیر، فحصل بینه و بین أهل منفوحة قتال قتل فیه عدة رجال فی الفریقین و رجع إلی الریاض.

و فی سنة 1160 ه:

رکدت عنیزة، و غرس فیها أملاک الخننة، و الزامل و آل أبی الخیل و الطعیمی فی المسهریة، و ذلک فی مدة عشر سنین، و غرست الهیفا، و فی هذه السنة توفی الشیخ عبد اللّه بن أحمد بن عضبب الناصری التمیمی. و دفن فی الضبط المعروف فی عنیزة رحمه اللّه تعالی. و قیل: أن وفاته سنة 1161 ه و مات الشیخ علی بن زامل بعده بشهرین رحمه اللّه تعالی.
و فی هذه السنة حصل وقعة بین دهام بن دواس، و بین محمد بن سعود قتل فیها فیصل و سعود ابنا محمد بن سعود، و فی هذه السنة وقعت البطین علی أهل ثرمدا، قتل منهم نحو سبعین رجلا، و ذلک أنه سار إلیهم عبد العزیز بن محمد بن سعود بأهل الدرعیة، و عثمان بن معمر بأهل العیینة، فأغاروا علی بلد ثرمدا فخرج إلیهم أهل ثرمدا، و حصل بینهم قتال قتل فیه من أهل ثرمدا من ذکرنا، و هذه السنة هی مبتدی القحط و الغلاء المسمی شیته. و فیه قتل دباس الدوسری رئیس بلد العودة فی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 158
سدیر، هو و حمد بن سلطان الدوسری قتلهم علی بن علی الدوسری و استولی علی بلد العودة.

و فی سنة 1163 ه:

اشتد الغلاء، و القحط، و فیها قتل إبراهیم بن محمد بن عبد الرحمن و ابنه هیدان المعروفان بالشیوخ فی ضرما قتلهم السیایرة المعروفین فی ضرما فی بنی خالد. و فیها قتل عثمان بن حمد بن عبد اللّه بن محمد بن معمر رئیس بلد العیینة، انتدب له رجال من جماعته ادعوا أنهم قد تحققوا منه بعض الإنحراف عنهم، و موالاة الأعداء، و مما لأتهم فتواعدوا علیه یوم الجمعة، فلما سلم الإمام قام إلیه جماعة، و هو فی الصف فقتلوه، و من مشاهیر الذین تولوا قتله حمد بن راشد أول من طعنه، و إبراهیم بن زید الباهلی، و موسی بن راحج، و کان ذلک منتصف رجب من هذه السنة، و کان ابن بنته سعود بن عبد العزیز رضیعا لم یتم السنتین.
و فیها أیضا وقعة البطحاء، فی الریاض، و ذلک أن أهل الدرعیة و بلدانهم ساروا إلی الریاض، و وصلوا إلی المکان المعروف بالمروءة و معهم رؤساء مشهورون بالشجاعة، منهم علی بن عیسی الدروع المشهور، و سلیمان بن موسی الباهلی و محمد بن حسن الهلالی، و علی بن عثمان بن ریس، و عبد اللّه بن سلیمان الهلالی، و إبراهیم، فجرا بینهم قتال شدید، فقتل من أهل الریاض سبعة، منهم ناصر بن معمر، و قتل من أهل الدرعیة عبید اللّه بن سلیمان، و سلیمان بن جابر، و فیها أیضا جرت وقعة الوطین، و ذلک أن عبد العزیز سار بجیشه إلی ثرمدا، فجاءهم لسدیر فاستعدوا هم و أهل مراة و أوثیثیه و ظهروا خارج البلد علیهم و قد جعل عبد العزیز کمینا، فلما التحم القتال خرج علیهم الکمین فتقهقروا،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 159
و قتل منهم سبعة و عشرون رجلا، منهم علی بن زامل رئیس أوثیثیه، و رزین و کداس آل زامل، و ابن سبهان، و أمیر ذلک الغزو مشاری بن إبراهیم بن عبد اللّه بن معمر.
و فیها توفی قاضی زغبة حمد بن یحیی بن محمد بن عبد اللطیف بن إسماعیل بن رمیح، و فیها توفی الشیخ أحمد بن یحیی بن عبد اللطیف بن الشیخ إسماعیل بن رمیح العرینی السبیعی قاضی بلد رغبة رحمه اللّه تعالی.

و فی سنة 1164 ه:

أغار عبد العزیز بن محمد بن سعود، و مشاری بن معمر رئیس بلد العینیة علی أهل ثرمدا، فحصل بینهم و بین أهل ثرمدا، قتال قتل فیه عدة رجال من أهل ثرمدا، و تسمی هذه الوقعة وقعة الوطیة، و الوطیة موضع معروف بالقرب من بلد ثرمدا، و فیها غزا ابن سعود الریاض فدخلت عدوته ناحیة البلد فاقتتلوا فتلاحق علیهم أهل الریاض و هزموهم فقتل من السطات ثمانیة منهم علی بن عیسی الدروع، و فیها حارب إبراهیم بن محمد بن عبد الرحمن رئیس أهل ضرما، و ظهرت منه المخالفة، و قتل من أهل بلده عمر الفقیه، و رشید العیزاری و ابن عیسی، لأنهم من ظناین ابن سعود، و کان رشید العزاری أخا لآل سیف لأمهم فأضمروا الشر لإبراهیم، فلما کان بعد أربعة أشهر فابتدروه و هو فی مجلسه، فقتلوه هو و ولدیه: هیدان و سلطان، و قد مالأهم علی ناس ممن ینتسب إلی الدین، و کان وقت خروج نساء الثلاثة من العدة دخول نساء إبراهیم، و بنیه فی العدة، و ولی عبد العزیز فی ضرما عبد اللّه بن عبد الرحمن المریدی، و فیها غزا عبد العزیز الزلفی و أخذ علیهم غنما و رجع.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 160

و فی سنة 1165 ه:

أنزل اللّه الغیث، و أخصبت الأرض و رخصت الأسعار، و سمیت هذه السنة رجعان شیته، و فی هذه السنة قتل علی بن علی، و ابنه سند رؤساء بلد العودة من الدواسر، قتلهم عبد اللّه بن سلطان الدوسر، و استولی علی العودة، و فیها توفی الشیخ عبد اللّه بن فیروز بن محمد بن بسام رحمه اللّه تعالی. و فی هذه السنة کان خصب سموه رجعان شیبة. و فیها اجتمع أهل سدیر و منیخ، و الزلفی و أهل الوشم، و آل ظفیر کبیرهم فیصل بن شهیل بن صویط، و نازلوا رغبة و أخذوها، و نهبوا ما فیها، و فیها علی بن علی، و ولده سند قتلهم عبد اللّه بن سلطان، و قتل هزاع بن نحیط و فیها توفی محمد حیاة السندی المدنی.
و فیها حارب أهل حریملاء، و خرجوا عن حکم ابن سعود، و عزلوا أمیرهم محمد بن عبد اللّه بن مبارک، فخرج أمیرهم و معه عدوان بن مبارک، و ابنه مبارک، و عثمان أخو الأمیر و علی بن حسن، و ناصر بن جدیع و غیرهم، و قدموا الدرعیة ثم بعد مدة قلیلة أرسلوا قبیلة من الأمیر من بقایا آل حمدان: أقدموا علینا، و نقوم بنصرتکم و لا ینالکم مکروه، فقدم علیهم بمن معه، فقاموا علیهم آل راشد و أهل حریملاء، و حصروهم فی البیت الذی تأهلوا فیه حتی قتلوهم و ثمانیة غیره، و هرب منهم مبارک ولد عدوان، و أخذ أهل حریملاء فی أهبة الحرب، و البناء و تسویر البلد.
و فیها خرجوا جلویه ضرما، و معهم أهل الجنوب، و الوشم، و سدیر، و نازلوا ضرما أیاما، و نصبوا علیها السلالم، و قتل منهم نحو الثلاثین، و من غیرهم نحو العشرین أکثرهم من أهل الحریق منهم حمد بن عثمان الهزانی.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 161

و فی سنة 1166 ه:

حصل بین أهل الدرعیة، و أهل حریملاء مقاتلات، و عداوات، و رئیس العداوات مبارک بن عدوان، و رئیس الجیوش عبد العزیز، و فی آخرها حاربوا أهل منفوحة، و فیها تولی حمیدة فی بنی خالد حین غدروا المهاشین فی سلیمان آل محمد، فانهزم إلی الخرج، و مات فیه فی تلک السنة فتولی عویمر، ثم أن عویمر قتل زغیر بن عثمان بن عزیز بن عثمان، ثم إن حمادة غدر فی عویمر و انهزم عویمر و صار فی جلاجل مدة، ثم بعد ذلک ظهر خارجا علی معاویة و معه بعض بنی خالد، فانهزم حمادة و جاء إلی الشمال، و استولی عویمر علی البادیة و الحاضرة. و فیها وقعة السبلة علی آل ظفیر، صال علیهم بنو خالد، و أمیرهم عبد اللّه ابن ترکی بن محمد بن حسین بن عثمان آل حمید، و صارت علیهم هزیمة و أخذوا علیهم نعم کثیرة، و قیل: أنها بعد دخول السابعة.

و فی سنة 1167 ه:

ضجر دهام من الحرب و طلب من محمد بن سعود رحمه اللّه المهادنة خیلا و سلاحا، و طلبه أن یرسل إلیهم معلما فأرسل إلیهم عیسی بن قاسم و فیها کان مقتل آل سیف السیایرة صقر و إخوانه جار اللّه، و غیث، و عثمان، فی ضرما صار الأمیر محمد بن عبد اللّه الذی هو من قبیلة الشیوخ آل عبد الرحمن الذین قتلوهم آل سیف، فدبر فیهم محمد المذکور مع أهل الدین الذین فی البلد، و کانوا بعد قتلهم الشیوخ قد حدث فیهم إعجاب بأنفسهم، و کبریاء و احتقار للراعی، و للرعیة، و لأهل الدین الذین یشار إلیهم فی البلد، فمقتوهم و کثرت فیهم الظنون و رجوا بأن لهم ید مع العدو موالاة لهم من أهل الحریق، و غیرهم، و إنهم غیر مأمومنین من حدث، و أنهوا الأمر إلی الشیخ محمد بن
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 162
عبد الوهاب، و الأمیر محمد بن سعود، و إنهم لا یأمنون من فتک، و استدنا عدوانهم أن عوقبوا بالجلد ضروا بالبلد و أهلها، و سدوا بالأعداء فیها، و قال الشیخ و الأمیر، نحن جاهلون فی حالهم، و أنتم اعملوا فیهم بعلمکم، و ما تحققتم من أمرهم، فمضوا علیهم، و أمسکوهم، و قتلوا صبرا بفتیا القاضی و أمر الأمیر و أهل الدین.
و فیها قتل سلیمان بن خویطر، و ذلک أنه قدم حریملاء، و اجتمع بسلیمان بن عبد الوهاب، فکتب معه نسخة إلی أهل العیینة، فیها رد علی أخیه و أمره أن یقرأها علی من یثق به، فبلغ ذلک الشیخ محمد فأمر بقتله فقتل.

و فی سنة 1168 ه:

فی آخر شهر المحرم الواقعة التی قتل فیها غزو أهل ثرمدا و مرات عند قصر القفیلی من قصور ضرما، أرسلوا إبراهیم بن سلیمان یستنجده فبعث إلیه جیشا و خیلا، فأحس أمیر ضرما بأمره، فأرسل إلی محمد بن سعود یستحثه، فجمع من لدیه من أهل الدرعیة، و قرایاها، و العیینة، و عجل السیر إلی القصر فوافا و ورد أهل ثرمدا، فجعل کمینا فی قصب الذرة، و معه أمیر ضرما محمد بن عبد اللّه و جماعته، فانهزم جیش إبراهیم بن سلیمان فقتل منهم نحو ستین رجلا و لم ینج منهم إلّا من اردفوه الخیالة، و کانت رکابهم خمسة و ثلاثین مردفا و أسر ناس منهم عبد الکریم بن زامل رئیس اثیثیه.
و فیها أخذت حریملاء عنوة، و ذلک أن عبد العزیز بن محمد سار إلیهم فی نحو الثمانین، و معه من الخیل عشرون، فأناخ لیلا فی شرقی البلد، و کمن لهم فی موضعین، فصار عبد العزیز فی شعیب عویجا،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 163
و مبارک بن عدوان معه مائتا رجل فی الخریع، فلما أصبح شن علیهم الغارة، فالتحم القتال فخرج علیهم الکمین الأول فثبتوا، فلما خرج علیهم الثانی ولوا منهزمین، فقتل منهم نحو الثمانین و انصرف عبد العزیز قافلا فعزم محمد بن عبد اللّه أمیر ضرما هو و جماعته و معهم من معهم من الجیش، و دخلوا البلاد و نوخوا فی الجیوش، و نادوا بالأمان، و استولوا علی جمیع البلد، و ألحقوا عبد العزیز من یبشره بالفتح، و یرده، و سلیمان بن عبد الوهاب ماشیا، و بلغ إلی سدیر سالما.
و ممن قتل ذلک الیوم من رؤساء حریملاء رجال کثیرون، منهم أخو منیس محمد بن حمد بن محمد بن سلیمان، و حسن بن عبد الرحمن و إخوانه، و إبراهیم بن خالد، و إبراهیم بن عبد الوهاب بن عبد اللّه و الصمطة، و غیرهم، و قتل فی الغزو نحو الثمانین، و ذلک یوم الجمعة من سبع خلت من جمادی الآخر فی فصل الربیع قبل حصاد الزرع بنحو شهر.
و فی هذه السنة حملوا أهل شقرا، علی الدخول فی الدین و الطاعة بعد افتراقهم، و فیها حارب ابن دواس فی شعبان، و تظاهر هو و محمد بن فارس علی الحرب، و ظهر من منفوحة ناس کثیر للدرعیة، و فیها اجتمع دهام و ابن فارس و إبراهیم ابن سلیمان بأهل الوشم، و أهل سدیر، و أهل ثادق، و جلویة حریملاء، و نزلوا ناحیة البلد، و دخلوا الحسیان، فنهض إلیهم أمیر حریملاء، مبارک و من معه فقاتلهم و استنفر علیهم ابن سعود، فقتل من قوم مبارک ثمانیة عشر رجلا، ثم تکاثروا علیهم أهل البلد فخرج أغلبهم فاحتصن باقیهم ببیت ابن ناصر من بیوت الحسیان، و رحلوا قومهم عن البلد فترکوهم فأقاموا فیه نحو خمسة أیام، و خرج من خرج فی اللیل
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 164
و قتل، و ممن خرج فسلم ساری بن یحیی، ثم دعا مبارک الباقین منهم بعد الأمان ستة، و أسر مما أسر، و أخذ فداه و جمیع من قتل ستین فسمیت وقعة الدار، و فیها مات السلطان محمود، فتولی أخوه عثمان و وقعة الدار المذکورة فی ذی القعدة آخر السنة المذکورة.

و فی سنة 1169 ه:

أنزل اللّه الغیث فی الوسمی و أخصبت الأرض، و کثرت الأمطار و السیول، و فی هذه السنة مقتل السلطان رئیس بلد العودة، و استولی علیها عثمان بن سعدون، و فیه سنة هذه السنة جلا فوزان بن ماضی فی بلد روضة سدیر، و استولی علیها عمیر بن جاسر بن ماضی.
و فی هذه السنة دخلوا أهل القویعیة الطاعة و کبارهم: ناصرین جماز العریفی، و سعود بن حمد، و ناصر.

و فی سنة 1170 ه:

کانت وقعة الرشا، و ذلک أن عبد العزیز رحمه اللّه سار إلی منفوحة فدخلوا بعض دورها، و أخذوا یهدمون البناء، المعد لجر السیل، فخرج علیهم ابن دواس فی جماعته، فاقتتلوا فقتل من أهل الریاض ثلاثة، و من الغزو نحو عشرة و فیها اجتمع أهل منیخ، و سدیر، و الوشم علی شقرا، و ناوشوهم القتال مدة ثلاثة أیام، فلما بلغ عبد العزیز بن محمد بن سعود الخبر نهض إلیهم فیمن معه، و أرسل إلی أهل شقرا یخبرهم بذلک، و واعدهم فکمن لهم کمینا، و قال لأهل شقرا، ناشبوهم القتال، فلما ناشبوهم خرج علیهم فانکسروا، و التجوا إلی القراین، فقتل منهم فی الهزیمة نحو خمسة عشر رجلا قبل أن یصلوا القراین، منهم: حماد المسعی من أهل حرمة و مانع الکبودی، و سوید بن زاید من أهل جلاجل، فسمیت وقعة القراین.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 165
و فیها قتل ابن فایز فی أرض الحسی، و أسر ابن فایز ففدا نفسه بخمسمایة أحمر، و فیها أیضا وقعة باب القبلی فی الریاض. و ذلک أن عبد العزیز سار بمن معه، فنزل بباب القبلی، و رتب الکمین فی اللیل فلما أصبحوا خرجوا علیهم و تلاحم القتال، فخرج علیهم الکمین، فقتل من أهل الریاض نحو ثمانیة، منهم، کنفان الفرید، و صالح بن نعران، و رطییان، و قتل من الغزو عبد اللّه بن نوح، و فیها غزا عبد العزیز و شیقر فقتل أربعة رجال. و فیها غزا عبد العزیز أهل ثادق و نازلهم، و قطع علیهم نخلات، و قتل منهم نحو ثمانیة و قتلوا علیه ثمانیة. منهم: محمد بن دغیثر و محمد بن مانع، ثم دخلوا فی طاعته و وفدوا معه علی الشیخ محمد بن عبد الوهاب و الإمام محمد، و بایعوا علی دین اللّه و رسوله و السمع و الطاعة، و أمر علیهم دخیل بن عبد اللّه بن سویلم، معهم حمد بن سویلم مذکرا و واعظا.
و فیها غزا عبد العزیز جلاجل، فحصل بینهم بعض قتال، ثم تراجعوا و مر عبد العزیز علی بلدان سدیر، و أخذ بعضا من قضاتهم حمد بن غنام، و محمد بن غضیب و إبراهیم بن حمد المنقور لمواجهة الشیخ محمد، و أخذ أیضا عثمان بن سعد و منصور بن عبد اللّه بن حماد، و ذهب بهما إلی الدرعیة خوفا من المنازعة لأمیره عبد اللّه بن سلطان، ثم بعد ذلک بمدة قلیلة طلب عبد اللّه التخلیة عنهما و رجوعهما إلیه فوافق، ثم بعد رجوعهما بمدة قلیلة تمالؤا علیه فقتلوه هو و عبد اللّه بن حمد، و مزید بن سعید، و تولی ابن سعدون فی العودة، و متع فیها نحو عشر سنین.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 166
و فیها أیضا غزا عبد العزیز الریاض، و لم یظفر بأحد بتولی زید الصمعر، فإنه قتله و رجع. فیها أخذ آل ظفیر الجیدی من عنزة علی التویم، و فیها استم ملک عریعر للحساء، و فیها جلی فوزان بن ماضی عن الروضة، و تولی ابن أخیه عمیر بن جاسر، و فیها أخذ ابن سعدون بنی حسین.

و فی سنة 1171 ه:

غزا عبد العزیز ثرمدا و جرت وقعة البطیحا، و ذلک أنه أناخ باللیل قریبا من البلد، و نقبوا علی نخل یسمی البطیحا، و أدخل فیه بعض المقاتلة، و جعل کمینا فی وادی الجمل، فأحسن بهم رجل من الحرس، فأخبر إبراهیم بن سلیمان فانتدب من شجعان جماعته، فخرجوا و افترقوا فرقتین: فرقة رصدوا خارج النقب، فکل من خرج معه قتلوه، و فرقة عدوا علی من فی النخل فألجوهم إلی النقب فقتلوا منهم خمسة و ثلاثین رجلا منهم: عیسی بن ذهلان، و محمد بن عبد الرحمن، و مفرج بن جلال، و قتل من أهل ثرمدا ثمانیة. منهم: عبد المحسن ولد إبراهیم بن سلیمان، و بشر بن بلاع.
و فیها غزا عبد العزیز سدیر و استولی علی الحوطة و الجنوبیة بالأمان و فی هذه السنة غزا عبد العزیز جلاجل، و أخذ سوارح الغنم، و ناوشوا القتال، و قتل بینهم رجال، و فیها غزا الریاض فی رمضان، فحصلت وقعة تسمی؟؟؟ ام العصافیر، قتل فیها من أهل الریاض ترکی بن دواس، و ابن فریان، و الجبری، و حمود بن ماجد، و قتل من الغزو رجال، ثم غزاهم أیضا، و قتل من أهل الریاض مبیریک عبد الزرعات، و من الغزو راشد بن غانم، و حمید بن قاسم، و أمر فی رجوعه تناقص الغزو أنه لیضیق به علیهم
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 167
أقاموا فی بنائه سبعة أیام، و فی رجوعهم عزلوا مبارک بن عدوان عن إمارة حریملاء استوفدوه هو و جماعته، و أظهروا له العزل، فهرب من الدرعیة تلک اللیلة و جماعته فیها، و مر علی صهره الطویل فی أم أصوی، فرکب فرسهم و سری لحریملاء، و دخل البلد و أمر بضرب الطبل فی الحوش، و اجتمع معه ناس من أهل البلد ممن یهواه من قبیلته و أعوانه و غیرهم.
و أراد اللّه أن ناسا من أهل الدین، و من الجماعة یتقبضون لأمره، و یغلقون العامة دونه، و ینابذونه، فحاول فی الأمر فلم ینفق له حال، و جربوا أهل الحصن، و تنکروا له أهل البلد لما ضبط عن الحصن، ففر هاربا هو و من تبین معه و توجه الصعره و بمن فر معه مربد بن أحمد بن عمر القاضی، و صار مفره علی رغبة، و قتله علی الجریسی أمیرها، و تأمر فی حریملاء حمد بن ناصر بن عدوان. و أما مبارک فإنه حل فی المجمعة علی حمد بن عثمان، و طلب منه النصرة من آل مدلج، و أهل سدیر، و بعثوا إلی الوشم، و قام معهم إبراهیم، و أهل سدیر و غیرهم، و مشوا معه بشوکتهم قاصدین حریملاء، و نزلوا الفقیر قرب رغبة، و أقاموا علیه أیام حائرین و جنبوا عن حریملاء و عدلوا علی رغبة، و حاصروا الجریسی فی قلعته هو و أصحابه، و ضربوا نخیلهم الجم المعروف، و قتل راضی بن مهنا بن عبیکة، و کان أغلب العرینات و جیرانهم أهل الحدم و المنزل إلا خرقد خذلوا الجریسی، و کان عبد العزیز بن سعود قد وصل حریملاء بمن معه من أهل العارض حین استصرخوه لما بلغهم اجتماع أهل هذه النواحی لحربهم و حصارهم، فلما جبنوا و رجعوا إلی أوطانهم رحل عبد العزیز إلی رغبة و هدم منازلهم، و صدم نخیلهم، و نقلها علی الجریس و أهل حلته، و السبب أن العدو و ما تعرض لنخیلهم، و لا شی‌ء من طوارقهم، لأجل أن
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 168
لهم معهم سربوا، و یترقبون ذود الجریس علی ید غیرهم، و لعجزوا عن إزالته.
فی سنة 1172 ه: سار عریعر بن دجین بأهل الأحساء، و جمیع بنی خالد، و استنفر أهل الوشم، و سدیر، و منیخ، و أهل الخرج، و الریاض، و غیرهم و نزلوا الجبیلة أیاما، و وقع بینهم عدة وقائع، و قتل بین الجمیع عدة قتلی و لم یحصل شی‌ء، و رجع و رجعوا- أهل نجد- إلی أوطانهم، فلما رجع طلب أهل المحمل من ابن سعود المصالحة و الدخول فی الطاعة فلم یوافقهم إلّا بالتیاط فیها من الزرع و الثمرة ما رضوا و أمّر ساری بن یحیی بن عبد اللّه بن سویلم، ثم غزا القصب فطلبوا الدخول فی الطاعة، و قد ضیق علیهم، و قتل سیف بن ثقبة فأبی إلّا بثلاثمائة أحمر فأعطوه ما أراد.

و فی سنة 1173 ه:

قتل رشید بن محمد بن حسن رئیس بلد عنیزة من المشاعیب من الجراح من سیبع هو، و أخرج رئیس الجناح من بنی خالد، قتلهم عیال الأعرج فی آل أبی غنام هم، و آل زامل، و معهم غیرهم أمیر بلد عنیزة فوزان بن حمید آل حسن المقتول فی عنیزة سنة 1115 ه، لأن محمد بن حسن أبو الأمیر رشید هذا، هو أخو حمیدان بن حسن أبو الأمیر فوزان، قتلوهم فی مجلس عنیزة، و سبب قتلهم أن أهل عنیزة و آل جناح کانت بینهم حروب و فتن کثیرة یطول ذکرها، فلما تولی رشید علی عنیزة، و تولی فراج علی الجناح اصطلحوا علی وضع الحرب بینهم، و أقاموا علی ذلک نحو ثلاثین سنة حتی امتد أهل عنیزة، و أهل الجناح فی الفلاحة، و غرسوا نخلا کثیرا و کثرت أموالهم، ثم إنّ الشیطان و أعوانه حرشوا بین أهل عنیزة، و أهل الجناح، فاتفق رجال من عشیرة
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 169
رشید، و رجال من عشیرة فراج علی قتلهما، فثارت الفتن بین الفریقین بعد ذلک.
و فی هذه السنة غزا عبد العزیز المجمعة، و قتلوا علیهم علی بن دخان، و أربعة غیره، و عقروا علیهم بهائم کثیرة، و فیها أیضا غزا الدلم فقتل ثمانیة رجال، و نهبوا فیه دکاکین، و أغاروا علی نعجان، و قتلوا عودة ولد بن علی، ثم بعد أیام غزا ثرمدا، و قتل منهم أربعة، و أصیب من الغزو مبارک بن مزروع، ثم کر راجعا إلی الدلم فقتل من فزعهم سبعة، و غنم علیهم إبلا، ثم کر راجعا إلی الوشم، فقتل علی أهل أشیقر عشرون رجلا. و فیها عزل مشاری بن إبراهیم بن معمر عن إمارة العیینة، و رکب إلیها الشیخ محمد بن عبد الوهاب، و أمروا صلطان بن محسن المعمری، و أمر بهدم قصر عثمان بن معمر فهدم.
و فیها غزا عبد العزیز بن محمد بن سعود رحمه اللّه تعالی منفوحة، و أشعلوا فی زروعها، و بعد أیام غزا الریاض و قتلوا محمد بن عثمان و علی السدیس و ثالث منهم. و فیها صبح عبد العزیز العسکر علی الثرمانیة، سار علیهم بجیش و دولة من حریملاء، و أخذوا علیهم نعم کثیر وجله، و قتل منهم نحو العشرة، منهم: فوزان الدبیخة، و فیها غزا الوشم، و صادف فی طریقه خمسة عشر رجلا من أهل ثرمدا، فهربوا و التجوا إلی الحریق، و تزبنوا آل یوسف فطلبهم منهم عبد العزیز لیقتلهم فأبوا فافتدوهم منه بألف أحمر، و خمسمایة أحمر.

و فی سنة 1174 ه:

غزا عبد العزیز روضة سدیر، و قتل منهم خمسة، و فیها غزا الریاض و قتلوا فهد بن دواس، کسرت رجله فلبث
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 170
أربعین یوما، ثم مات، و قتل معه ثمانیة، و قتل من الغزو ستة. و فیها أیضا غزا منفوحة، قتل سعد بن محمد بن فارس. و فیها صبح عبد العزیز النبطة بن فیاض، و عربه فی القتال، فقتل منهم عشرة، منهم: سعد القروی و أولاده، و غنموا علیهم إبلا کثیرة نحو ثمانین ذلولا، و أثاثهم و أمتعتهم. و فیها أیضا سار عبد العزیز علی الریاض فصبحهم لیلة العید فاقتتلوا، فقتل من أهل الریاض حمد بن سوداء، و عبد الرحمن الحریص، و أبو المحیا، و غیرهم، و قتل من الغزو خزام بن عبید، و عثمان بن مجلی، و غیره. و فیها مات مبارک بن عدوان فی المجمعة.

و فی سنة 1175 ه:

أنزل اللّه الغیث، و أخصبت الأرض، و رخصت الأسعار، و حصل فی بلدان سدیر وباء مات فیه خلق کثیر، منهم: الشیخ عبد اللّه بن عیسی الموبی الوهیبی التمیمی قاضی بلد حرمه، و الشیخ محمد بن عباد الدوسری، و الشیخ أحمد بن شبانة الوهیبی التمیمی المعروف فی بلد المجمعة، و الشیخ عبد اللّه بن سحیم الکاتب المعروف فی بلد المجمعة، و آل سحیم من الحبلان من عنزة، و الشیخ إبراهیم بن الشیخ أحمد المنقور التمیمی قاضی حوطة سدیر رحمهم اللّه تعالی، و فی هذه السنة جاء جراد کثیر و أعقبه دباء أکل غالب الثمار و الأشجار.
و فی هذه السنة غزا عبد العزیز منفوحة، و قتل سعد ولد محمد بن فارس، و شبیب الصنان. و فیها أیضا غزا الخرج فصبح نعجان، و قتل منهم سبعة، و قطع بعض النخیل، ثم سار إلی الوشم و صبح مراة، و قتل بینهم عدة رجال، ثم عاد إلی الوشم و قتل علی أهل الفرعة رجال و بعد أیام دخل أهل الفرعة فی طاعته. و فیها عدا عدوة علی ضرب مقرن، و قتلوا ثلاثة، و أصابوا شعلان بن دواس، و قتل من العدوة عبد الرحمن
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 171
المهیشوری، و حمد بن سلیمان القاضی. و فیها سار أیضا إلی الوشم، و جرت وقعة العلامة قتل نحو عشرین رجلا و قتل محارب بن زامل، و بعدها المغزا الذی بنیت فیه الجلیلة.
و فیها صادف بن فیاض رکب جدعان بن معیلی عند خطابه، و قتل جدعان، و مهنا و ابن ذیاح، و عبد اللّه بن براک. و فیها وقع حیا کثیر و رجعان، و حدث فی البلدان وباء شدید و مرض سمی أبا دمغة مات فیه أناس کثیرون، و ممن مات فیه من أهل منیخ إبراهیم بن محمد بن حمد بن محمد بن إبراهیم بن حسین بن مدلج من روس آل مدلج، مات فی أول السنة قبل شدة الوباء فإن أوله آخر رمضان. و مات فی أوله أیضا عبد اللّه بن ناصر بن عثمان بن ناصر بن حمد بن إبراهیم بن حسین بن مدلج سلخ رمضان، ثم عبد اللّه بن عیسی المویس الفقیه المشهور فی شوال، و عثمان بن عبد اللّه بن عثمان بن ناصر بن أحمد، و غیرهم من أهل حرمة. و مات فیه من المشهورین حماد بن محمد بن شبانة، و إبراهیم بن حمد المنقور، و عبد اللّه بن حمد بن سحیم، و غیرهم خلق کثیر، و جاء البلدان دبّ أکل الثمار، و فیها أخذوا أهل شقرا، و اثیثیه، و القراین قافلة لعقره فی الفرع، و قتلوا منهم رجال کثیر و نساء.

و فی سنة 1176 ه:

غزا عبد العزیز الریاض و قتل بینهم رجال، منهم: دهمش بن سحیم من الغزو، و غزاه أیضا فقتل بینهم رجال منهم سریای من أهل الریاض. و فیها عداد هام علی الدرعیة من جهة لزاز، و قد أنذروا، فقتل علیه نحو العشرین و أخذ لهم رکاب، و أربع من الخیل، و قتل من شجعان قومه: علی الغزوا، و سعد المرابع، و ابن مسوط و غیرهم. و فیها غزا عبد العزیز الحسا، و أناخ بالمطیر فی، و قتل منهم
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 172
رجال کثیرون نحو السبعین، و أخذوا أموالهم، ثم أغاروا علی المبرز فقتلوا منهم رجالا، ثم ظهروا علی العرمة، فوافقوا قافلة من أهل الریاض، و أهل حرمة، فأخذ أهل الریاض، و ترک أهل حرمة لأجل هدنة بینهم. و فیها عدا علی سبیع لبییح الدبول. و فیها جار أهل اثیثیه، و قتلوا عبد الکریم بن زامل.

و فی سنة 1177 ه:

طاح دهام بن دواس، و ساق ألفی أحمر. و فیها أغار علی جلاجل، و قطعوا فیه نخیل، و هزموا فزعهم، و قتلوا منهم نحو عشرة، ثم أنه طاح علیهم سوید و جمیع أهل سدیر، فقتل علی ید علیخ فی ذلک المغزا فرجان التمامی و صالح بن محمد، ثم رجعوا فلما وصلوا إلی رغبة إذا غزوا من العجمان قد أخذ فریقا من سبیع فأخبروا عبد العزیز فجد فی طلبهم حتی أدرکهم بمکان یسمی قذلة فأحاط بهم فقتلوا منهم نحو خمسین رجلا، منهم ابن طهمان، و المجاذمة قتل منهم عشرین، و أسروا من العجمان نحو المائتین، فاستعصبوا رکابهم، و خیلهم و کانت رکاب عبد العزیز رحمه اللّه تزید علی المائة، و الخیل نحو الأربعین، و کانت هذه الوقعة سبب مسیر أهل نجران کما یأتی:

و فی سنة 1178 ه:

کانت الوقعة المشهورة علی حماد المدیهیم، و من معه من السعید غزاهم عبد العزیز فی صفر، و معه دواس بن دهام، و غزو من جماعته، لأن دهام قد صالح ابن سعود فی السنة الماضیة، فأغار علیهم علی حراب فاستأصلوا جمیع أموالهم و قتلوا منهم نحو الثلاثین، و قتل علی الغزو رجال، منهم: المغلیث، و رکاب الغزو لا تزید علی المائة و الثلاثین.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 173
و فی هذه السنة فی ربیع الثانی جرت وقعة الحایر المشهورة: و ذلک أن العجمان لما قتل منهم من قتل، و أسر من ذلک ثاروا لأخذ الثأر، و قاد الأسری، وجد فی السیر إلی صاحب نجران، و هو المسمی بالسید حسن بن هبة اللّه و شکوا له و لسائر قبائلهم من الوعیلة، و جمیع أیام ما جری علیهم، و استنجدوهم فی المسیر إلیهم، فأجابوهم إلی ذلک، و سار بهم حسن و أقبلوا، فلما وصلوا الحایر حصروا الهملة، و الفرغ الذی عندهم فلما تحقق عبد العزیز خبرهم استنفر جمیع رعایاه من البلدان، فسار إلیهم و هم علی الحایر، فوقع بینهم بعض القتال فأراد اللّه علی عبد العزیز و من معه الکرة، فولوا منهزمین لا یلوی أحد علی أحد، فقتل منهم أهل نجران خمس مائة و أسروا ثلاث مائة و خمسین، و أخذوا تسع مائة بندق، و أخبرنا سلیمان بن محمد بن ماجد و کان ممن حضر الوقعة:
أن الذی تحقق من قتل من أهل الدرعیة سبعة و سبعون رجلا، و من أهل منفوحة سبعون، و من أهل الریاض خمسون، و من أهل عرقة ثلاثة و عشرون، و من أهل العیینة ثمانیة و عشرون، و من أهل حریملاء ستة عشر، و من أهل ضرما أربعة و رجل من أهل ثادق، و یذکر أن ذلک فی تحریر فی مجلس جامع بینه و بین أناس من أهل هذه البلدان المذکورة، و معهم بدو، و غیرهم ربما من لا یحیط به علمه من أهل الحایر و سبیع و غیرهم، و یذکر أن الذی ضبط من الأسری مائتان و عشرون، ثم بعدما رجعوا فدی الأسری بأسری العجمان، ثم إن الشیخ محمد و الأمیر بن سعود أرسلوا إلی فیصل بن شهیل بن سویط شیخ آل ظفیر، و أرسلوه إلی صاحب نجران، و قد وصل ناحیة الریاض، و بذلوا له من المال ما أرضاه، فکسوا ما عندهم من الأسری، و أرسلوهم، و کان علی موعد مع عریعر
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 174
فاستنفر عریعر جمیع بنی خالد، و جمیع أهل نجد سوی العارض، و شقرا، و ضرما، فثنی اللّه عزم أهل نجران فأخلوا بالمیعاد، و رحلوا راجعین إلی أوطانهم، و قد سار عریعر و جمیع من معه فنزل علی الدرعیة، وراء سمحان و الزلال، هو و من معه فأقام علیهم نحو عشرین یوما یقاتلهم، و معه المدافع و القنابر فلم یحصل علی طائل، و قتل من قومه أکثر من أربعین رجلا، و من أهل البلد نحو اثنی عشر، و حق الحرب علی أهل سدیر، و الوشم، و أهل الریاض الحریق، و غیرهم، و بعدما رجع عریعر طلب ابن دواس، منهم الهدنة فأجابوه. و فی آخر هذه السنة قتل محمد بن فارس شیخ منفوحة، و ابنه عبد المحسن قتلهم أولاد زامل بن فارس، و ثامر فی البلد.

و فی سنة 1179 ه:

توفی الإمام محمد بن سعود بن محمد بن مقرن رئیس بلد الدرعیة رحمه اللّه تعالی، و تولی بعده ابنه الإمام عبد العزیز بن محمد بن سعود. و فیها تقریبا انتقل حمد بن إبراهیم بن عبد اللّه بن الشیخ أحمد بن محمد بن عبد اللّه بن بسام من بلد حرمة إلی بلد عنیزة، و سکن هو و أولاده، و فیها جاء برد شدید و مات أکثر الزرع. و فیها حارب ابن دواس، فسار هو و زید بن زامل، و عدا علی الصبیخات فی منفوحة، و أخذ سوانیها فخرجوا علیه أهل منفوحة، فاقتتلوا فقتل بین الجمیع نحو العشرة، و ثار الحرب الثالث بینه و بین ابن سعود.
و فیها غزا عبد العزیز الریاض و ضبط بعض بروجه فاستنفر دهام سبیع فأتوه فاقتتلوا فقتل من الغزو رجال فرجعوا.
و فیها غزا عبد اللّه و أخذ فرقان من سبیع کثیر منهم إلی شلیه،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 175
و غیرهم فی الومه، و أحد وقعات الریاض المذکورة تسمی حصان.
و فیها أیضا وقعة أبعدوه عدا ستین رجلا من أهل الدرعیة علی الریاض فأنذر عنهم دهام فقتل منهم عدّة رجال، ثم غزا عبد العزیز الریاض فقتل منهم ستة.
و فیهما جاء برد عظیم فی رمضان فی العقرب الوسطی قتل غالب الزروع و الثمار.
و فیهما فاضوا العجمان و الدواس فی الخضار [...] و قطنوا الدجانی و ما حوله.
و فیها قتلوا أهل شقراء عیبان بن عیبان من [...].

و فی سنة 1180 ه:

تقریبا بنیت بلد البکیریة المعروفة من بلدان القصیم.
و فی أوّلها أو فی آخر التاسعة غزا عبد العزیز ثرمدا فجری بینهم وقعة عظیمة، تسمی وقعة الصحن، أغار علیهم و جعل له کمینا، فلما التحم القتال خرج علیهم الکمین فقتل منهم نحو ستة عشر رجلا، منهم:
راشد و حمد ابنا إبراهیم بن سلیمان و محمد بن عید إمامهم، و قتل من الغزو نحو ذلک، منهم فواز التمامی، و ابن غدیر، و فی رجوع عبد العزیز رحمه اللّه صادف غزو بین دواس، فقتل منهم رجالا، و منهم حسین بن قار المعلومی، و فی شوال غزا الرّیاض، و قتل منهم نحو أربعة، و قتلوا من قومه مرشد بن حصین.

و فی سنة 1181 ه:

قتل عثمان بن سعدون رئیس بلد العودة فی سدیر، و استولی علیها منصور الشافعی الأحسائی.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 176
و فیها غزا هذلول بن فیصل، و هو الأمیر، و معه سعود و هی أول غزوة غزاها متوجهین إلی العودة و معهم السلطان و غیرهم من جلویة العودة، و أهل المحمل، فمالأهم منصور بن عبد اللّه بن حماد و أناس معه فی البلد علی الغدر فی ابن سعدون، فاستضاحوا أهل العودة فخرجوا جمیعا من شرقی البلد و الکمین فی غربها، و لم یبق عند ابن سعدون من أهل البلد إلا رجلان أو ثلاثة. و خرج منصور و من معه فادخلوا فی وسط البلد، فتحصن عنهم فی قصره و أمسک الباب، فنقبوا علیه من خلف فقتلوه فأمروا فی البلد منصور بن حماد و کان فیها أخذ العهد من عبد العزیز علی [...] فی العودة [...] فاستقرّ فی الإمارة و استقر الذین کانوا معه من [...] و غیرهم من آل [...]، و کذلک جمیع آل سلطان الذین حطوا فی البلد، ثم إنه بعد هذا استراب من السلطان و آل نمی و أجلاهم و انتقلوا إلی المحمل.
و فیها دخل أهل الوشم و أهل سدیر فی الطاعة، و ساق سوید خمسا من الخیل، و أهل العطار ثلاثمائة أحمر.
و فیهما مات إبراهیم بن سلیمان بن ناصر بن إبراهیم بن خنیفر العنقری أمیر ثرمدا بعدما صالح و وفد علی الشیخ محمد و عبد العزیز.
و فیهما توفی من آل مدلج محمد بن ناصر بن عثمان بن حمد بن إبراهیم بن حسین بن مدلج رحمه اللّه.
و فیهما غزا عبد اللّه بن حمد بن سعود مطیر فإذا هم قد أنذروا و استعدوا فقتلوا علیه رجالا، و کان من القتلی دوخی الصبیخی، و ابن ربیع.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 177
و فیها غزا عبد العزیز الریاض و نزل المشیقیق و قتل سنة و قتلوا من قومه رجالا، منهم: ناصر بن عبد اللّه، و محمد بن حسن، و وقعة تسمی وقعة باب النمیری، لأنه قتل فیهما نحو عشرة عاشرهم النمیری.
و فیها أخذ عبد العزیز فریقا من الیمن علی المربع.
و هذه السنة هی أوّل القحط المشهور، و غلاء الأسعار المسماة سوقة. صار الحب فیها و الذرة علی مدین بالمحمدیة، و التمر علی وزنه، و مات کثیر من الناس جوعا و مرضا، و جلا أکثرهم فی هذه السنة و التی تلیها إلی الزبیر، و البصرة، و الکویت و غیره، لکن فی آخر الثانیة نزل الحیا و سمی، و صار علی منیخ رجعان و غالب البلدان، و لم یزرعوا فی القیض بسبب الجدب قطع الزروع.
و فیها غزا عبد العزیز الریاض و قتل منهم خمسة رجال و أربع من الخیل، و قتلوا علیه عشرة، منهم: مبارک بن سبیت، و زید بن سعید و ابن رشیدان.

و فی سنة 1182 ه:

غزا سعود بن عبد العزیز الزلفی فقتل منهم ثلاثة رجال، و هی أول غزوة تاجر فیها.
و فیها غزا عبد العزیز رحمه اللّه سبیع علی الحایر، فأخذ علیهم إبلا و غنما و أمتعة.
و فیها غزا سعود آل مرّة و واقعهم علی قناد قنی فی الجنوب، فلما التحم القتال بینهم تلاحق علیهم فرقان حولهم منهم فوقعت الهزیمة علی الغزو و قتل منهم نحو العشرین منهم موقران بن ناصر بن عثمان المدلجی، و ناصر بن عثمان بن معمر و علی الفصام.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 178
و فیها جر حمود الدریبی علی أهل القصیم، و سار إلیهم سعود بن عبد العزیز بالجموع، و نزل بباب شارخ من عنیزة، و فزعوا علیه و التحم القتال و هزموه، و قتل من أهل عنیزة ثمانیة، منهم: عبد اللّه بن أحمد بن زامل، و قتل علی الغزو عدة رجال، و جرح آخرون.
و فیها توفی الأمیر عالم صنعاء و أدیبها محمد بن إسماعیل.

و فی سنة 1183 ه:

أنزل اللّه الغیث، و أخصبت الأرض، و رخصت الأسعار، فللّه الحمد و المنّة.
و فی هذه السنة غزا عبد العزیز المجمعة بجیشه، و استنفر أهل سدیر و ساروا معه مشاة و نازل أهل المجمعة، نزل فی المکنس، و وقع القتال بینهم، و قتل بینهم عدة رجال، منهم أخوا الشیخ حمد عبد اللّه بن عثمان بن حمد، و أخوه فی یغل، ثم جاءتهم فزعة أهل حرمة، فلما أقبلوا علیهم انهزموا و سار أیضا إلی القصیم، و واقع أهل الهلالیة، و أخذها عنوة، و قتل منهم عدة رجال، و دخل غالب أهل القصیم فی الطاعة.
و وقع فی هذه السنة وباء و مرض.
و فیها غزا عبد العزیز الریاض و واقع خیلا لدهام قد أخذوا إبلا من سبیع، و وقع بینهم قتال، و قتل علی قوم دهام مطر و الفرید و ابن المرابع و حسن الجعفری و دوخی بن مروان، و قتل من الغزو عدة رجال.
و فیها ساروا الروم سیر عمر باشا وزیر بغداد عساکرا مع بکر بیک علی المنتفق، و قتل عبد اللّه بیک، و أمیر مهنا، و جلا عبد اللّه بن محمد آل مانع شیخ المنتفق إلی بنی خالد و تولی فضل [...].
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 179
و فیها وقع اختلاف و حرب بین مساعد شریف مکة و بین آل برکات، و لم یدرک آل برکات أمرا.

و فی سنة 1184 ه:

مات مساعد راعی مکة، و تولی أخوه أحمد و سیر علیه أبا الذهب محمد بیک نائب علی بیه، و أجلاه عن مکة.
و کان علی بیک قد ظهر منه بعض المخالفة، و الخروج عن طاعة السلطان، و ظاهر العمر صاحب عکا، و تمالؤا علی ذلک، فلما وصل محمد مکة، و فعل ما أمره سیده علی من عزل الشریف أحمد أرسل إلیه أن یسیر إلی الشام حتی یستولی علیه، لأن وزیر الشام عثمان باشا قد قصد بلاد غزة، و یقال: إن إسماعیل بیک قرب غزة، و تجاوز هو و خیل تحت البرود من مدافعة فی بیر قاقون فی نواحی غزة، و توجه إلی الشام فإذا مسیر الحاج قد حضر فسار الحاج إلی مکة، ثم انصرف إلی الشام منهزما و أبو الذهب محاذی له محاربا فلحقه و حاصره فی الشام، و أهلک خلقا کثیرا، و استولی علی الشام ما عدا القلعة، و عفی عن الرعیة، ثم أقبل علی مصر، و قد ظهرت مخالفته للسلطان فحاربه و استولی علی مصر، و وجه ابن همام إلی بلاد الصعید، فضبطها و انهزم علی بیک إلی عکا ظاهر، و اتفقوا علی الخروج، و المحاربة، و قطع الطریق، و استولوا علی یافا، و صیدا و بیروت، و سار علی ولد ظاهر، و کان فی قلعة تسمی زکی شام، فأخرج منها أولاد مقراد و أقام فیها قریب شهرین.
و خلف کثیرا فی تلک الوقعة و رجع إلی مصر، ثم بعد ثلاث سنین مات السلطان و استولی عبد الحمید، و بعث إلی أبی الذهب تقریر. و فیها مات فی ظاهر، و أولاده، فرکبته محمد و سار إلیهم بعدما کثر منهم
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 180
الفساد، و قطع الطریق، و نهب النساء، و الأموال و انقطعت السبل حتی بیع مد الزیت بثمانیة قروش، و مد القمح بقرش و رطل القطن بستة قروش، و خرب بیت السعادة و تولی حسین بن برکات، ثم لما رجع الذهبی إلی مصر و قد خلف عسکر عند البرکاتی صال علیه أحمد و قتل البرکاتی و العسکر، و استولی علی مکة محمد بن أبی الذهب بالحاج المصری، و العساکر المصریة، فإذا العزل قد أتی لسیده علی بیه الأمر بإخراجه و محاربته أن امتنع من قبل السلطان مصطفی بن أحمد، و تولیة محمد بیه، فانتصب محمد لمحاربة سیدة علی، و جرا مصافات و وقائع بینهما خارج مصر، و قتل علی بیه و استولی محمد علی جمیع مصر، و ملک عکة و غیرها من النواحی التی تلیه، و کان علی قد أظهر المخالفة للأوامر السلطانیة، و فیها سطا آل علیان علی راشد الدریبی و استولوا علی بریدة.
و فیها عدا عبد العزیز علی آل محمرة من آل ظفیر و أخذ علیهم و حصل بینهم قتال، و قتل بینهم رجال.
و فیها غزا عبد العزیز الحایر و قطع نخیله و قتلوا علیه ثلاثة ثم أذعنوا و دخلوا فی الطاعة.
و فیها مات صالح بن عبد اللّه القاضی فی القصیم.

و فی سنة 1185 ه:

غزا سعود یرید منیخ فلما وصل حریملاء ذکر له غزو لآل صویحی فی غیاته فکر علیهم راجعا یقتل علیهم عدّة رجال منهم و هو ابن فیاض.
و فیها غزا عبد العزیز معکال فقتل علیهم ستة منهم عقیل بن زاید.
و فیها أیضا سار عبد العزیز إلی الریاض فلما بلغ عرقه، و أبق ابن
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 181
دواس عادیا علیها بخیل و رکاب فلما رأوه انهزموا فسار عبد العزیز فی أثرهم فعثرت فرس دهام ولد دواس و أمسکه فقبله عبد العزیز، و کذلک قتل أخاه سعدون و قتل معهما تمام عشرین رجلا ثم سار بعد أیام إلی الریاض و قتل بینهم عدة رجال.

و فی سنة 1186 ه:

تحاربوا آل مساعدهم و عمهم، و أحمد، و أجلوه عن مکة، و تولی سرور بن مساعد، و فیها تناوخوا الیمن هم و بنو خالد فی العرمة و قتلوا منهم بنی خالد مقتلة و عظیمة، و فیها غزا عبد العزیز آل حبیش و أخذ علیهم إبلا و قتل منهم.
و فیها غزا سعود الریاض و أخذ غنما سارحة فقتل بسببه منهم مرخان بن فریان و عبد اللّه الساری و فیها أیضا غزا عبد العزیز رحمه اللّه الریاض فقتل منهم رجالا منهم مرزوق المطبری، و محمد بن فایز، و قتل من الغزو علی بن محمد أمیر ضرما.
و فی هذه السنة و أول سبع و ثمانین وقع الطاعون العظیم فی بغداد و البصرة و نواحیها، و لم یبق من أهل البصرة إلّا القلیل أحصی من مات فیه من أهل البصرة فبلغوا ثلاثمائة و خمسون ألفا، و مات من أهل الزبیر قیمة ستة آلاف نفسا.
و فیها سار عبد العزیز بالجنود المنصورة إلی الریاض و نازل أهلها أیاما و ضیّق علیهم و استولوا علی بعض بروجها و هدموها و هدموا المرقب و قتلوا علیهم عدة قتلی، و قتلوا من الغزو نحو اثنی عشر رجلا منهم عقیل بن نصیر، و ابن حفیتان، و ذلک فی شهر صفر، فلما انتصف ربیع الثانی سار عبد العزیز إلی الریاض فلما قرب عرقه جاءه البشیر بأن ابن
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 182
دواس خرج من بلده هاربا فجث عبد العزیز السیر إلیها و قدمها بعد العصر فإذا دهام قد ألقی اللّه الرعب فی قلبه فظهر من فی النهار هاربا هو و حریمه و عیاله و أعوانه و خدامه و فرسانه، و فروا فی ساقته أهل الریاض، الرجال و النساء و الأطفال لا یلوی أحد علی أحد إلی البر قاصدین المخرج و هلک منهم خلق کثیر جوعا و ظمأ.
فلما دخل عبد العزیز إذا هی خالیة من أهلها إلّا قلیلا فساروا فی أثرهم یقتلون و یغنمون ثم جعل فی البیوت ضباطا و حاز کل ما فیها من الأموال من سلاح و طعام و أمتعة و غیر ذلک، و کان قد أقام فی حربهم نحو سبعة و عشرین سنة.
و ذکر أن القتلی بینهم فی هذه المدة نحو أربعة آلاف رجل: الذین من أهل الریاض ألفان و ثلاث مائة، و من رعایا ابن مسعود ألف و سبع مئة.
و فی السنة الثامنة و الثمانین سار عریعر بن دجین علی بریدة و نازلها فأخذها عنوة و نهبها ثم ارتحل عنها و نزل علی الخابیة و قد جمع للمجموع من بنی [...].

و فی سنة 1188 ه:

نهب عریعر دجین بریدة خدیعة و بعدها بشهر فی ربیع مات عریعر علی الخابیة المعروفة من أرض القصیم، و قد جمع الجموع من بنی خالد و غیرهم و واعد إلی علی حبله من بلدان نجد و استعد علی أهل العارض فعاجله أمر اللّه، و اللّه المحمود علی قضاة و استولی بعده ابنه بطین، و فرق بعض خزائن أبیه فی طلب تمیم ما هم به أبوه من الممسا، فأعجزه اللّه و خذله ثم بعد ذلک سلط اللّه علیه أخویه دجین و سعدون، و اغتالوه، و خنقوه فی البیت، و استولی دجین و لم یلبث إلّا مدة
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 183
یسیرة ثم مات، قیل: إن سعدون سمه، ثم استولی سعدون عریعر علی الحسا، و جمیع بنی خالد، و فی هذه السنة قتل بنو: خالد غزو أهل الوشم عند النبقة.

و فی سنة 1189 ه:

حاصر العجم البصرة، سار بهم کریم الزندی و استمر الحصار سنة و نصف، و قبلهما من جهة الروم سلیمان باش، و فیها ثوینی بن عبد اللّه الشیب و غیره من المنتفق، فلما کانت سنة تسعین استولی العجم علیها صلحا، ثم غدروا بهم و نهبوها بالکلیة، و سبوا، و ساروا إلی بلد الزبیر ود مروة، و نهبوا و سبوا و ترکوه خلوه، غالب أهله انهزموا للکویت، و فی هذه السنة سار معهم أهل الخرج و من حولهم، و أقبلوا و نزلوا الحایر و قطعوا نخلة ثم توجهوا إلی ضرما و نازلهم، و دخلوا ناحیة نخیلها و تواقعوا و هم و إیاهم، و نصر اللّه أهل ضرما علیهم، و قتلوا منهم رجالا فی النخل، و أخرجوهم و خذلهم اللّه و ارتحلوا مخذولین ما حصلوا شیئا، و تفرقه العجمان بعدها و لا قام لهم قائمة.
و فیها مات فیصل بن شهیل بن سلامة بن صویط. و فی السنة المذکورة عصی أهل الحساء علی سعدون بنی خالد، و هموا بالامتناع و طردوا بنی خالد، فلما کان فی سنة تسعین أقبلوا علیهم بنو خالد و قاتلوهم فی البر و قتلوا من أهل الحساء قدر عشرین رجلا، ثم انکسروا، و تخاذلوا، و استأمنوا من سعدون، و دخل علیهم و قتل من کبارهم الذین قاموا فی المخالفة، و عثا فی البلد، و فیها دخل أهل الخرج فی الدین، ثم ارتد حسن البجادی و ولده، و توجهوا إلی الخرج و طاحوا علی سعود بن عبد العزیز بالحزیم و لا قبلهم، ثم ظهروا عن المسلمین و ردوا فیها البجادی، و خانوا أهل الدلم لولد زید بن زامل بعد ما استولی علیها
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 184
المسلمون و حطوا فیها ضباطا، ثم جاء زید و استولی علیها.
و فیها جرت وقعة مخیریق بین المسلمین، و آل مرة، و أمیر المسلمین عبد العزیز و صار فیها علی المسلمین وقع هزیمة، و قتل المسلمون قدر ستین منهم: عبد العزیز بن حسن أمیر القصیم.
و فی هذه السنة غزا عبد العزیز علی الخرج: بأن أغار علی العنبق و أخذ بعض السارحة، و قتل منهم نحو اثنی عشر رجلا، و قطع علیهم بعض النخیل، منها نخل الشدی، ثم نزل علی الدلم و حصر أهل زمیقة، و قطع علیهم بعض النخیل و الزروع. و فیها حاصر العجم البصرة، سار بهم کریم خان الزندی، و استمر الحصار سنة و نصفا، و قد سلمها من جهة الروم سلیمان باشا، و معه فیها ثوینی بن عبد اللّه آل شبیب، و غیره من المنتفق و العرب، فلما کان سنة تسعین استولی العجم علیها صلحا، ثم غدروا و نهبوها، و سبوا، و ساروا إلی بلد الزبیر، و دمروه و نهبوه و ترکوه خلو غالب أهله و انهزموا للکویت، ثم إن العجم رجعوا إلی أوطانهم و أخذوا معهم سلیمان باشا، و ثوینی رهائن.
و فی هذه السنة انتدب زید بن مشاری بن زامل صاحب الدلم، و حویل الودعانی الدوسری، و غیرهم من رؤساء أهل الجنوب، و بذلوا لأهل نجران مالا معلوما کثیرا علی أن یقبلوا لحرب ابن سعود کما عهدوا منهم أولا فأقبل أهل نجران و جمیع یام و الدواسر أهل الوادی، و غیرهم قاصدین العارض و سار معهم أهل الخرج، و من حولهم، و أقبلوا و نزلوا الحایر و قطع أغلبهم نخیل و جری بینهم قتال، و قتلوا علی النجارین نحو أربعین رجلا ثم صالحوا ببعض المال، و سار عنهم إلی ضرما، فنزل
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 185
علیهم فقاتلوهم أشد القتال، و دخلوا ناحیة نخیلها، فنصر اللّه أهل ضرما علیهم و قتلوا منهم عدة رجال فی النخل، و أخرجوهم و خذلهم اللّه، فارتحلوا راجعین إلی أوطانهم و تفرق العجمان بعدها، و لا قام لهم قائمة.
و فیها عزا سعود بریدة، فحصر أهلها و بنی قریبا منها قصر و جعل فیه جندا و أمر علیهم عبد اللّه بن حسن من روس آل علیان، فلما أضر بهم الحصار طلب رئیس البلد راشد الدربیی الأمان، فأمنه و استولی علی البلد و قتل منهم رجالا، و فیها عصی أهل الحساء علی سعدون، و بنی خالد و هموا بالامتناع، و طرد و ابنی خالد، فلما کان فی سنة تسعین أقبل علیهم بنو خالد فتقاتلوا هم و إیاهم فی البر، و قتلوا من أهل الجسا، نحو عشرین رجلا، ثم انهزم أهل الحساء و تخاذلوا، و استأمنوا من سعدون، و دخل علیهم فقتل من قتل من کبارهم الذین قاموا فی المخالفة، و عثا فی البلد، و فیها قدم زید بن مشاری بن زامل علی عبد العزیز بن محمد مستکینا طالبا للصلح، و الدخول فی الطاعة، و قبله عبد العزیز و عاهده علی السمع و الطاعة.

و فی سنة 1190 ه:

وفد أهل الزلفی، و منیخ علی الشیخ محمد بن عبد الوهاب، و عبد العزیز، و معهم سلیمان بن عبد الوهاب قد ابتعد من أخیه محمد، و عبد العزیز کرها فالزموه السکن فی الدرعیة و قاموا بما ینوبه من النفقة حتی توفاه اللّه.
و فیها قتل زید بن زامل فوازین محمد أمیر النتیقة، و کان من ضناین أهل الدین فانتقض عهده، و حارب فحشد إلیه عبد العزیز بالجنود فحصره أشد الحصار، فخرج هادن و صالح أهل البلد، و أمر علیهم سلیمان ابن عفصیان.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 186
و فیها قدم أهل الیمامة و رئیسهم حسن البجادی علی عبد العزیز و عاهدوا و رجعوا، و بعد مدة قلیلة نکثوا و حاربوا و أرسلوا إلی زید بن زامل هم بمملات من أکثر أهل الدلم، فدخلها و فر من فیها من أفزاع عبد العزیز، و ابن عفیصان و تولی زید فی البلد، و قام فی الحرب هو و آل بجاد بعد ما نکثوا لبجاد، و کانوا قبل ذلک قد توجهوا علی سعود بن عبد العزیز، و نهبوا منازلهم و طاحوا علی سعود. بعدما استولی علی المسلمین، و أمسک محمد البجادی.
ثم إن سعودا بعد ذلک رد فیها محمد البجادی، فلما خانوا أهل الدلم لبراک بن زید و ظهر ابن عفیصان و الضباط الذین عنده هاربین، ثم قدم زید علی ولده بعدما استقر فی البلد تظاهروا. و فی هذه السنة غزا عبد العزیز آل فرم للجنوب، و معه جمیع أهل نجد، فأغار علیهم و أخذ علیهم إبلا کثیرة، ففزعوا علیهم خیلا و رکابا، فکانت الهزیمة علی الغزو لا یلوی أحد علی أحد، و الجأهم إلی مهوی فی عریمی مخیریق، الصفا، و وقع فیه کثیر من الرکاب لا یرد لها أحد، و من وقع من الرجال ترک فقتل من الغزو أکثر من ستین رجلا، منهم أمیر القصیم عبد اللّه بن حسن، و هذلول بن نصیر، و منصور بن حمد بن عثمان و غیرهم.

و فی سنة 1191 ه:

قاد عثمان بن عبد اللّه أمیر المسلمین علی أهل حرمه، و ذکر أنه متحقق منهم ما یدل علی المخالفة، و ساروا علیهم و قربوا من البلد فی اللیل و ضبطوها، فلما أصبحوا و البلد مضبوطة علیهم لم یکن لهم بد من الموافقة و التسلیم، فأخذوا منهم ثلاثة رجال من آل المدلج، محمد بن إبراهیم، و مدلج المعبی و علی الحسینی خوفا علی عثمان، و راحوا لهم و عاهدوا أهل البلد و مروا علی أمیر الحوطة صعب بن
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 187
محمد بن مهیدب و عزلوه، و راحوا به و مروا علی أمیر العودة منصور بن عیسی بن حماد، و أمسکوه و ساروا بهم للدرعیة، فلما کان وقت المقیض من تلک السنة أجمع أمر أهل حرمه علی قتل أمیرهم عثمان بن حمد بن عثمان راعی المجمعة و أنهم یمسکون فی رهائنهم الذی فی الدرعیة أضعافهم من من ینتسب إلی الدین من أهل المجمعة، فأراد اللّه، أنهم یمضون علی ذلک، و انتدب لعثمان أخوه خضیر و ابن عمه عثمان و قتلوه و مشوا علی المجمعة متواعدین هم و أمیرهم حمد بن عثمان علی أنهم یضبطونها له و یزیلون عنه کل من یحاذر فلما.
أتوا روس أهل المجمعة من أهل الدین علی عادتهم لزیارته و دخلوا حرمه، وجدوه فی نخله فی الجو، فجلسوا فی المجمع ینتظرون خروجه، فبعث له أن إخوانک أتوا، فأقبل سریعا و قد وقف له أخوه خضیر و ابن عمه عثمان بن إبراهیم فاشرعوا فیه السیوف فقتلوه، فمضوا إلی أهل المجمعة الذین فی المجمع عثمان الثمیری، و بنی أخیه آل صالح بن عثمان، و محمد التویجری، و محمد بن شبانة و غیرهم الجمیع نحو عشرة، فوضعوا أرجلهم فی الخشبة و أقفلوها و أغلقوا علیهم المجمع و فزعوا جملة إلی المجمعة لضبطوها لابن عثمان، و یزیلوا عنه ما یحاذر، فلما وصلوا إلی باب القلعة إذا عنده حمد التویجری و رجال معه، أهالهم الأمر لما رأوا الجمع قد أقبل علیهم أغلقوا الباب فجعلوا ینادون عند الباب، و یصیحون لابن عثمان و هو فی قصره، فأمسک علی یده و لسانه فوقع الفشل منهم، و تفرق عنهم من اختلط معهم إلی بیوتهم لما رأوا الفشل لئلا یعرفوا، و رجع أهل حرمه إلیها، و کان عثمان بن حمد التویجری قد سار إلی عبد العزیز بن سعود لما قتل عثمان یخبره بما جری، فجهز إلیهم
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 188
سعود و سار معه جمیع أهل البلدان من العارض، و المحمل، و الوشم، و أهل سدیر رکبانا و مشاة، و نزلوا حرمه، نزلوا قرب الماقف المعروف، و الظاهریة، و جری بینهم قتال، و قتل صاحب الماقف أکثر من عشرة، و قتل غیرهم، و آخر الأمر أن سعود لما صعب علیه أمرهم صالحهم علی أنهم یطلقون الأسری الذی أسروا من أهل المجمعة فی رهائنهم الذین فی الدرعیة من آل صالح، و الثماری، و ابن شبانة، و غیرهم فیهم عشرة و أن لهم قودا یطلق الرهائن الذین عندهم فی الدرعیة، و وافقهم لأجل مسکو سوید بن عثمان.
و فی هذه السنة توجه عبد العزیز بن زامل أمیر الدلم غایب نحو البجادی، و یوم بلغه خبر منازلة عبد العزیز للدلم أقبل بجیش و صادف جیشهم فی مناخه خارج البلد و عبد العزیز عنده و أوقع بهم، و فر الذین فی البلاد حین أحسوا بالوقعة، فأخذ زید و قومه من رکاب الجیش قیمة سبعین مطیة، و قتل أکثر من ثلاثین رجلا، ثم نعجان و قطعوا نخیلا و دمروا زروعا.

و فی سنة 1192 ه:

نزل سعدون بن عریعر الخرج، و أراد من عبد العزیز المصالحة فأجابه إلیها، ثم نزل ببان ثم مبایض، و اختلف الأمر بینهما، و تخوف کل منهما صاحبه و انتقض الصلح، و ألقی اللّه الرعب فی قلب سعدون، فظعن من مبایض حادر إلی أوطانه، و ذلک فی شدة القیظ و الحرارة، و هلکت أکثر أغنامهم عطشا، و أصابهم مشقة عظیمة.

و فی سنة 1193 ه:

أخذ اللّه حرمه فقد سار إلیها سعود بالمسلمین، و نازلها، و ضیق علیهم و قتل عبد اللّه بن حسن و عیاله منصور، و حسن،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 189
و سعد الصانع، و غیرهم، و أوقع اللّه الرعب و قبلهم بأیام قتل مدلج و عدة رجال و غیرهم، و أوقع اللّه الرعب فی قلوبهم و صالحوا علی ما فی بطن الحلة من الأنفس و الأموال، و استولی علیها المسلمون و هدموا الحلة، و بعض أهلها نزل المجمعة، و غالبهم جلوا للزبیر و سطوا أهل حرمه علی أهل المجمعة، و قبضوا بروجها و نخیلها، و هم مواعدون أهل الزلفی، و سعدون بن عریعر و أقبل الجمیع بجیوش عظیمة، و نزلوا نخیل المجمعة، و اختصروا فی القلعة و غلقوا الأبواب، و أقاموا عدة أیام محاصرینهم، یقطعون النخیل، و رعوا الزرع، و دمروها، ثم أنهم عجزوا عن القلعة و رحلوا بنی خالد و أهل الزلفی، و رجعوا أهل حرمه إلی بلادهم و ثار علیهم الحرب، و أقاموا مدة أربعین یوما فی ضیق و المسلمون یواقعونهم من المجمعة، تلک المدة فجعلوا فیها خیلا و دولة، و غزوة بالجیوش، و قاتلوهم ثم رجعوا أمیرهم عبد اللّه بن سعد.
و فی هذه السنة تمالأ أهل حرمه، و أهل الزلفی، و سعدون بن عریعر علی أنهم یسطون فی المجمعة، لأنه قد وقع فی أنفسهم أنهم إن لم یخرجوا من حکم ابن سعود أخرجوا من بلدهم، فساروا إلیها وسط النهار و أمسکوا جمیع بروج النخیل، ثم قدموا علیهم أهل الزلفی بشوکتهم، ثم قدم سعدون بالجموع العظیمة و نزلوا وسط النخیل و احتضن أهل المجمعة و من عندهم من الأعوان فی القلعة و بنوا علی الأبواب و أقاموا عدة أیام یحاصرونهم و یقطعون النخیل و رعوا الزروع و دمروا، فلما ضاق الأمر علیهم و هموا بالمصالحة و التمکین و طلبوا الإنظار نحو یومین یرجون المدد، لأن حسین بن مشاری بن سعود فی جلاجل فی عسکر من أهل العارض، و المحمل و سدیر، فیسر اللّه أن یسری إلیها من قومه سریة فی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 190
اللیل مخاطرین بأنفسهم و یتخللون تلک الجموع فجرا، و أعمی اللّه عنهم و وصلوا إلی جدار القلعة و جدار قصر التویجری فألقوا إلیهم الجبال، و لآل رشید فصعدوا و سلمهم اللّه، فلما رأی سعدون و من معه هذا الأمر تحققوا أنهم ممتنعون و لا قدرة علیهم، فرحل سعدون و من معه و رحل أهل الزلفی و رجعوا أهل حرمه إلیها، و استقر الحرب بینهم ثم جهز عبد العزیز أخاه عبد اللّه و قد أقاموا بعد رحیل ابن عریعر نحو شهر و نصف یغادونهم أهل المجمعة القتال و یراوحونهم، و قد جعل فیها عبد العزیز جندا و خیلا و شوکة، ثم غزاهم عبد اللّه بن محمد کما ذکرنا بجمیع أهل نجد، و ضیق علیهم، و قتل منهم رجالا، منهم مدلج المعیی و غیره ثم بعد ذلک سار إلیهم سعود بجمیع أهل نجد و نازلهم و ملک أکثر. نخیلهم و قطع منها، و حصرهم عدة أیام و کل یوم یباکرهم القتال و یمسیهم حتی قرب مقضبهم قبالة باب القلعة، و نهض عبد اللّه بن حسن و أولاده منصور و حسن مبادرین مع الباب خارجین إلیهم مسالمین لیدخلوهم، فظنوا أنهم خارجون لقتال.
فثوروا علیهم البنادق، فقتلوهم و قتل سعد بن محمد الصانع و غیره، فلما اشتد علیهم الحصار أوقع اللّه فی قلوبهم الرعب، فصالحوا سعود علی ما فی بطن الحلة من الأنفس و الأموال، و مکنوهم من البلد فدخلوها و ضبطوها، و کاتب سعود أباه یخبره بما جری أنه صالحهم علی أن لهم الحلة و ما فیها، و أن یزیل المحذور منها، فکتب له أبوه أنها محذور کلها، فدمرها و أهدمها، فأمر الجنود بهدم جملة السور، و البیروت، و ارتحل أهلها، منهم من نزل فی المجمعة، و منهم من هو الأکثر من حدر لبلد الزبیر، و قتل فی أول هذه الحرب، و أخره منهم عدة منهم مدلج المعیی،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 191
و عثمان بن حسین بن عثمان العمیم و أخوه غیاض، و سعد الصانع، و جبر بن العتیقی، و مضهور، و غیرهم.

و فی سنة 1194 ه:

مات القاضی أحمد بن محمد بن عبد اللّه بن علی بن محمد بن مبارک بن حمد التویجری، و القاضی أحمد بن إبراهیم بن عبد الوهاب، و فیها جاء عنیزة سیل عظیم أغرق البلد و أهلها، و محی منزلها و ذهب فیها أموال و أمتعة کثیرة، و فی هذه السنة حج کاتب الأحرف حمد بن محمد بن ناصر المدلج.
و فیها سارق جیوش المسلمین علی أهل الزلفی، و شبوا النار فی الزروع و دمروا، ثم توجهوا للخرج، و عدوا علی الدلم ثم أطاحوا أهل الزلفی فی هذه السنة، و فیها أغارو سبیع علی أباعر الضفیر علی صفوان، و أخذوا إبلا کثیرة قیمتها أربعة آلاف. و فیها سار أهل القصیم، و أغاروا علی حرب، و أخذوا إبلا کثیرة.
و فی هذه السنة: توفی بجدة أحمد بن سعید المنسخ عن شرافة مکة فی سنة 84.
و فی هذه السنة غزا سعود الزلفی و قد انذروا فأخذوا حذرهم و حصل بینهم قتال، قتل فیه رجال، و فیها غزا عبد اللّه بن محمد الزلفی و لم یحصل علی طائل فلما جاوز رغبة أذن لأهل سدیر، و أهل الوشم یسیرون إلی بلدانهم، فلما وصلوا العتک صادفهم سعدون بن عریعر فی جموع بن خالد فأحاط بهم و قتلهم و لم ینج منهم إلّا القلیل، و من القتلی أمرؤهم:
عبد اللّه بن سدحان أمیر أهل الوشم، و حسین بن سعید أمیر أهل سدیر، و أغار سعدون علی النبطة من سبیع، و صادفوا عندهم أهل ضرما، فحصل
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 192
بینهم قتال و قلع علی الغزو خیل و أسر رجال منهم سعدون بن خالد من شیوخ العمائر و افتدی بثلاثة آلاف أحمر، و أخذت أباعر آل فیاض و غیرها.
و فیها أصاب عنیزة سیل عظیم أغرق البلد و بعض أهلها، و محی منزلتها، و أذهب منها الأموال و الزاد و أمتعة کثیرة لا تحصی. و فیها أغار سبیع علی آل ظفیر علی صفوان، و أخذوا إبلا کثیرة نحو أربعة آلاف و فیها غزا أهل القصیم، و أغاروا علی حرب، و فیها ساروا علی أهل الزلفی و أشعلوا فی زروع و دمروا ثم توجهوا للخرج، و عدوا علی الدلم، ثم إن أهل الزلفی صالحوا فی هذه السنة.
و فیها توفی الشیخ أحمد بن محمد بن عبد اللّه بن علی بن محمد بن مبارک بن حمد النویجری قاضی المجمعة، و الشیخ حمد بن إبراهیم بن حمد بن عبد الوهاب بن عبد اللّه قاضی مرات، و فیها غزا سعود الحوطة، و قتل منهم نحو خمسة عشر، و قتل علیه رجال، و فیها حج رجال من أهل نجد، منهم عبد اللّه بن ماضی، و ناصر بن إبراهیم المدلجی، و منصور بن حماد، و غنام المنقور، و صهره عثمان بن ریس، و حمد بن منیف و ابنه عبد اللّه، و حمد بن ناصر، و محارب بن سوید، و رجال غیرهم و إبراهیم بن ثاقب و أبو وطبان فی حاج الکویت، و شریف مکة یومئذ سرور.

و فی سنة 1195 ه:

سار سعود بالمسلمین علی الخرج، و صار ما عداهم علی الدلم، و شحموا نخل ابن عسبان المسمی خضرا قریب ألفین نخلة، و قتلوا عدة رجال ثم توجهوا نحو السلمیة و بنوا القصر المعروف فی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 193
البدع، و رتبوا فیه شوکة، و فیها صال سعدون ببنی خالد مع جدیع بن مندیل بن هذال علی مجلاد بن فوزان الفنتشة، و الدهامشه، و ناوخوهم، و بعد هذا أخذوا حلته ثم أقبلوا مطیر فزعة له، و رکض هو و أباهم و قتلوا من قوم جدیع، و سعدون عدة رجال.
و قلعوا أکثر من مئة فرس.
و فی هذه السنة أجمع أهل الخرج علی أنه ما یستقیم لهم حال و قصر البدع علی حاله، و صنعوا محامل و أبواب و سلالم و سروا علیهم فی اللیل ینقضون علیهم، و قتلوا منهم رجالا و انهزموا، و فی هذه السنة قتل جدیع بن مندیل هذا رئیس عنزة و قتل معه أخاه مزید و ضری بن خبال، و عدة من رؤسائهم قتلوا مطیر فی طراد بینهم، و قد استعدوا لملاقاة عدوه، فعالجهم اللّه و قتلوا علی غیر أهبة. و فیها نزل أسلاف من آل ظفیر علی مبایض محسن بن خلاف بآل سعید و دهام أبی ذراع بالصمد و غیرهم الجمیع قیمة سبعة أو ثمانیة أسلاف، و سار إلیهم سعود بالجنود حضرا و بدوا جیشا و رجلا، و نصره اللّه علیهم و استأصل غالب أموالهم، الإبل، و الغنم، و الحلة، و أخذ من الإبل قدر خمسة آلاف، و من الغنم قیمة سبعة عشر ألفا، و من الخیل خمسة عشر رأسا، و قتل ثواب بن حلاف، و دهام أبا ذراع و غیرهم.
و فیها مشی أهل الخرج یم سعدون بن عریعر یطلبون أن یمشی علی قصر البدع، و أخر الأمر أنه سار بالمدافع و العساکر و نازلهم و واقعهم، و خذلهم اللّه و لم یحصلوا علی شی‌ء، و بعده بأیام مات راعی الیمامة حسن بن راشد البجادی، و بعد هذا المسمی بالرحیل من أجل نخیلها ثم
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 194
توجهوا للدلم و قطعوا النخیل فی الفریع و النتیقة، ثم توجه النعجان، و قطعوا فیه نخیل ثم توجهوا إلی الیمامة و قضوا فیها بروجا و غیرها.

و فی سنة 1196 ه:

أقبل بنو خالد علی القصیم، و انقلبوا معهم أهل القصیم عن الدین، و قتلوا من عندهم ممن ینتسب إلی الدین، مثل: ناصر الشبیلی و منصور أبا الخیل، و ثنیان، و عبد اللّه القاضی، و غیرهم، و جمع سعدون بنی خالد و الظفیر و شمر و من حضر من عنیزة و غیرهم، و أهل القصیم، و أهل الزلفی سوی أهل الرس و التنومة، و حاصر بریدة و سلیمان الحجلانی، و ناسا غیره من أهل بریدة ممالئین سعدون، و أهل القصیم فأراد اللّه أن حجیلان بن حمد یمضی علی سلیمان الحجیلانی و یقتله و یثبت أهل بریدة و یقوم فیهم، فثبتهم اللّه بسببه، و نوخوا الجنود المذکورین علیها قیمة أربعة أشهر و جری وقعات کثیرة و یخذلهم اللّه، ثم ارتحلوا عنها مخذولین، و نوخ سعدون علی الزلفی، ثم ورد مبایض فلما کان بعد عید النحر آخر هذه السنة سنة ست و تسعین ما روی آل ماضی عون بن مانع و إخوانه و ترکی بن فوزان و أخوه، و الذی معهم من آل ماضی، و جماعتهم، و آل مدلج، و الذی معهم من جماعتهم و آل مدلج و الذی معهم من جماعتهم و غیرهم من أهل سدیر و أهل الزلفی و زید بن زامل، و أهل الخرج سطوا فی الروضة، و استولوا علیها، و أمنوا أهل القصر الذین فیه من المسلمین، و أظهروهم و سعدون و جنوده ماشین معهم، و بعد ما استقر آل ماضی فی البلد انصرف سعدون و جنوده، و انصرف جمیع أهل البلدان و من حین دخلوها و البوار حال بهم، و صاروا یواقعونهم أهل بلدان سدیر ثم أقبل مرابطیه من العارض و کثرت علیهم الوقائع و آخر الأمر أن عون بن مانع رئیسهم قتل و قتل معه عدة رجال،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 195
و عاینوا الخذلان، و تقدم فیهم عقیل بن مانع، و أقبل سعود بالجنود و نازل البلاد و ضیق علیهم و قضب النخل، و یوم ضاقت علیهم بعثوا فی الصلح علی دمائهم و ما احتوت علیه الحلة، و یبذلون من الدراهم شی‌ء معلوم الدراهم و یجلون عنها و صالحهم سعود علی هذا و أظهرهم و استولی علی البلد، و مدة لبثهم فیها شهر، سلمت البلد عاشر المحرم سنة 1197 ه.

و فی سنة 1197 ه:

أیضا سار المسلمون و أمیرهم سعود، و أخذوا الصهبة، و قتلوا دخیل اللّه بن جاسر، و خلف رؤساؤهم، و أخذوا إبلهم و غنمهم و حلتهم، و قیمته عشر من الخیل.
و فیها غزا زید بن زامل جیشه قیمة مئتین، و أغار علی سبیع، و أخذ منهم إبلا کثیر، و صار للمسلمین رکب أمیرهم سلیمان بن عفیصان، رکابهم قدر ثلاثین و طلبوهم و حین تواجهوا کتب اللّه أن زید یرمی ببندق، و یسقط من ظهر مطیته، و أوقع اللّه فیهم الفشل و انکسروا، و قتل زید عاشر عشرة، و أخذوا من رکابهم نحو ثمانین، و فکوا إبل سبی، و هذه السنة أعنی سبع و تسعین هی أول القحط و الغلاء المسمی دولاب، غلا فیه الزاد غلاء ما نعرفه، و بیع الحب علی مدین بالمحمدیة، و التمر علی وزنه و نصف و دون، و اشتد الغلاء، و الجوع فی السنة الثامنة و التسعین، و استمر القحط إلی تمام المئة.

و فی سنة 1198 ه:

توجه المسلمون و أمیرهم سعود نحو الحساء و واقعوا العیون، و استولوا علی حله، و قتل ناصر بن عبد اللّه بن ناصر، و قتل اثنین أو ثلاثة، ثم انکفؤا علی الخرج، و استصبحوا لأهل الیمامة، و قتلوا منهم قیمة تسعین رجلا، و للّه الحمد و المنة، و الأمر من قبل و من بعد.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 196
و فی هذه السنة عدا براک بن زید بن زامل و أهل الیمامة علی منفوحة، فقتل بینهم عدة رجال و فیها أیضا غزا سعود عنیزة، و قتل بینهم عدة رجال منهم ثنیان بن زوید، المشهور بالشجاعة.

و فی سنة 1199 ه:

قتل براک بن زید بن مشاری شیخ الدلم قتله أولاد عمه، و تزبنوا العارض و فیها صادف المسلمون قافلة أهل الخرج و الفرع، و هم قدر ثلاثمئة رجل، و هم ظاهروه من الحسا، معهم أموال، و قماش حافل، و تواقعوا هم و إیاهم و عدوا بینهم عدة قتلی، و آخر الحال أنهم أخذوهم عن آخرهم و قتلوا منهم قتلی کثیرین، و فی آخر هذه السنة فی ذی الحجة سار سعود ساعده اللّه بالجنود المنصورة علی الخرج، و نازل الدلم، و أخذها اللّه عنوة و قتل شیخها ترکی بن مشاری ولد زید، و عدة غیرها، و إذ عنت بقیة بلدان الخرج یوم أخذ اللّه الدلم، و طاحوا علی بن سعود، و فی آخرها و أول التی تلیها أوقع اللّه فی الإبل موت عظیم، خلت منه مرح غالب البوادی و الحضر، حتی إن مطیة المسافر تموت و هو فوقها، و سمیت سنة جزام الثانی.

و فی سنة 1200 ه:

رأس القرن، و هی رجعان دولاب القحط المعروف، فیها جلا سعدون بن عریعر للعارض، و تولی علی بنی خالد و الحسا عبد المحسن بن سرداح آل عبید اللّه.
و ذلک بعد أن تمالأ عبد المحسن بن سرداح و دویحس بن عریعر علی الخیانة بسعدون، و استدعوا ثوینی بن عبد اللّه شیخ المنتفق، و تناوخوا مدة أیام، و حصل بینهم قتلی کثیرون، و صارت الکسرة علی سعدون و انهزم إلی العارض، و نوخ علی عبد العزیز فی الدرعیة و أنزله
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 197
و أکرمه و وقره و شاخ دویحس فی بنی خالد، و الحل و العقد بید عبد المحسن خال دویحس.

و فی سنة 1201 ه:

سار ثوینی بن عبد اللّه آل محمد آل شبیب إلی نجد بالعساکر و الجنود، و معه من القوة و العدد و العدة ما یفوت الحصر، حتی إن حمول زهبة المدافع و البنادق سبعمائة حمل، و معه جمیع المنتفق، و أهل الشط، و المجرة، و النجادی، و شمر و غالب طی، و غیرهم من الخلق، و صار مبناه علی التنومة من القصیم، و نازلهم و آخر الأمر أنه استأصلهم قتلا و نهبا، و ارتحل متوجه لبریدة، و نازلها و أوقع اللّه الرعب و الفشل فی قلبه، و ارتحل عنها راجعا قبل أن یواقعهم، و انصرف إلی أوطانه و من حین وصل البصرة انقض علیه أمره، و سیر علیه سلیمان باشا الجنود، و العساکر، و کسره و انهزم جالی، و ولی الباشا حمود بن ثامر فی مکانه، و کان عبد المحسن بن سرداح قد سار ببنی خالد یرید مساعدة ثوینی علی أهل نجد، فلما وصل و معه جمیع بنی خالد و أهل الأحساء، و قطع الدهنا، بلغه رجوع ثوینی فرجع، و فیها غزا حجیلان إلی جبل شمر و وافی ظاهرة لأهل الجبل و غیرهم، و أخذها و قتل منهم رجالا ثم غزا الجبل و ضیق علیهم حتی دخلوا فی الطاعة.
و فی هذه السنة أخذ اللّه قبائل من شمر بعد ما فارقهم ثوینی، و قتل منهم نحو مئة أو أکثر و أخذ منهم المسلمون أمولا.

و فی سنة 1202 ه:

مات حسن بن عیدان و حمد بن قاسم و حمد الوهیبی و عبد الرحمن بن دهلان القضاة، و مشاری بن إبراهیم بن معمر، و فی ثامن عشر ربیع الثانی توفی شریف مکة سرور بن مساعد، و فیها
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 198
عصی ثوینی علی سلیمان باشا، و استولی علی البصرة، و أصفقوا معه المنتفق، و آل سعدون.
و فی هذه السنة دخل أهل وادی الدواسر فی الطاعة بعد محاولات بینهم و فیها خرج ثوینی علی سلیمان باشا، و استولی علی البصرة، و الفاد و اله جمیع المنتفق، و جلوا آل سعدون نحو الباشا فسار إلیه سلیمان باشا بالعساکر، و تلاقوا فی أدنی المحرة فکسر آلباشا کسرة عظیمة، و قتل من المنتفق قتلی کثیرون، و فر ثوینی و شرذمة معه إلی الجهراء، و استولی جمود علی المنتفق وفر متسلم البصرة صاحب ثوینی، و ولی سلیمان فیها مصطفی، ثم أن مصطفی مالأ ثوینی علی خیانة، و فطن له مغزو و لحق بثوینی ثم وقع خلافات بین جمود و ثوینی عند سفوان، فانکسر ثوینی و فارقه من معه و التجاؤا إلی الکویت، ثم توجه ثوینی إلی کعب الدروق، و مواقعة جود لثوینی عند سفوان المذکورة بعد ما واقعه ابن سعود، فلما کان فی شوال من سنة أربع خرج ثوینی إلی بنی خالد بعد غریمیلی فی إمارة زید فلم یر منهم نفعا فسار منهم إلی الدرعیة و رمی بنفسه علی الأمیر عبد العزیز بن سعود، فأکرمه و أعطاه خیلا و إبلا و دراهم، و رجع إلی الکویت ثم أنه رمی بنفسه علی سلیمان باشا فعفی عنه و أهله و قد أجملنا أمر ثوینی.
و فیها غزا سعود عنیزة، و أجلی آل رشید منها، و أمر فیها عبد اللّه بن یحیی، و فیها غزا سلیمان بن عفیصان قطر، و قتل الکثیر من آل أبی رمیح، و أخذ أموالهم، و مر علی الحبشة فقتل منهم رجالا، و فیها أمر الشیخ محمد بن عبد الوهاب عفی اللّه عنه أهل الدرعیة أن یبایعوا
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 199
سعود ابن عبد العزیز و غیرهم من الرعایا علی أنه الخلیفة بعد أبیه. و فیها غزا سعود فرقان من عنزة فی أرض قنی، فأخذهم و قتل منهم، و فیها غزا سلیمان بن عفیصان العقیر، فوافق فی طریقة عیسی بن غضیان العبد المشهور معه غزو من أهل الیمامة، فناوخهم فأخذوهم، و قتل أکثرهم و قتل عیسی.
و فیها ثامن عشر ربیع الثانی توفی شریف بن سرور بن مساعد، و فیها توفی سلطان بن عثمان عبد الحمید بن أحمد جان، و تسلطن أخوه سلیم بن أحمد، و فیها مات حسن بن عیدان و حمد الوهیبی، و حمد بن قاسم، و عبد الرحمن بن ذهلان القضاة، و مشاری بن إبراهیم بن معمر.

و فی سنة 1203 ه:

غزا سعود بالجیوش المنصور و واقع ثوینی حد تبرزه عن الروم معه قطعة من آل شبیب و المنتفق و هزموهم و أخذوا الحلة، و فیها سار علی بنی خالد قبل أن یغزو ثوینی، و نازلهم فی منزلهم یوم و لم یکتب اللّه بینهم مواقعة و سموها البدو ویق.
و ذلک أن سعود خاف الخیانة من بعض قومه، فرجع و مر علی القرین، و أخذ منها طعاما منوعا لبنی خالد.
و فیها غزا سعود المنتفق و ناوخهم، و أخذ منهم أمتعة و خیاما، ثم رجع فصادف رکبا لآل سحبان فقتلهم، و کانوا نحو التسعین، و فیها غزا الأحساء فأناخ عند المبرز و تراموا معه ساعة، ثم سار إلی قریة فضول فی الشرق فقتل منهم قتلی کثیرین و أخذ القریة.

و فی سنة 1204 ه:

سار أیضا علی بنی خالد و مع المسلمین الظفیر، و بوادی العارض و انکسر ثوینی، و فارقه من معه و التجأ إلی الکویت، ثم
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 200
وصل کعب و الدروق و واقعه حمود عند صفوان المذکورة بعد مواقعة سعود، فلما کان فی شوال من سنة 1204 ه خرج إلی بنی خالد بعد غریمیل فی تروس زید فلم یری عندهم، فسار منهم إلی الدرعیة و وقره عبد العزیز، و أکرمه، و أعطاه، خیلا و إبلا، و دراهم و رجع إلی الکویت ثم نفسه علی سلیمان باشا.
و عیال عریعر والی معهم من جلویه بن خالد، و تناخوا عند غریمیل الموضع المعروف و هناک تلاقت الجموع و آخر الأمر أن اللّه هزم عبد المحسن و بنی خالد، و صارت علیهم الدائرة و أخذوا المسلمین و بوادیهم من الإبل و الدبش ما لا یحضره العد و الحلة و هرب عبد المحسن المنیف، و تولی زید بن عریعر فی بنی خالد، و اجتمعوا علیه.
فیها نزل علی حرمیلاء برد عظیم فی الوسمی و المربعانیة قتل کل ما وقع علیه من الغنم، و الدبش و غیرها، و الطیور فی خسف السطح، و المواعین حتی النحاس، و قتل الأشجار و خر فی خوض النخل و کسر عسبانه، و أهلک زروعهم جملة و أشفقوا علی أنفسهم و جاروا إلی اللّه، و رحمهم و دفع عنهم و هلکت التمر و التین و الحب و کان زرع البلد قیمته خراص ثمانین ألف صاع.
و فیها أیضا غزا المسلمون علی الأحساء و أخذوا بلد الفضول، و قتلوا من أهلها قیمة خمسین.

و فی سنة 1205 ه:

سار غالب بن مساعد شریف مکة علی نجد سیر أخیه عبد العزیز بقوة هائلة، و عدد وعدة، جیشه نحو عشرة آلاف و أکثر، معهم أکثر من عشرین مدفعا، و ناوخ قصر بسام فی السر أکثر من عشرة
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 201
أیام و لم یحصل شی‌ء ثم ظهر غالب بنفسه معه قوة و مدد، و اجتمع مع عسکره الأول، و نازلوا الشعرا فی شعبان نحو شهر یرمون بالمدافع و القنابل، و کف اللّه بأسهم عن الجمیع و انصرفوا خائبین و قتل منهم قدر خمسین رجلا و فی هذه السنة کانت وقعة العدوة، سار سعود بالمسلمین و توجه تلک الناحیة و قد انحاز إلیها غالب العربان الذین انفردوا عن الشریف یوم رجع، و غالبهم مطیر و شمر ما غاب منهم إلّا القلیل و واقعوا المسلمین علی العدوة و کسرهم اللّه و قتل منهم ناس کثر منهم ولد الجربا، و حصان إبلیس من البراعصة و سمرة العبیی هلیه و غیرهم من الرؤساء و الأتباع و غنموا أموالا کثیرة الإبل نحو ألاف، و أکثروا الغنم قدر قیمة ألف و بعض القش و الحلة، و الوقعة فی آخر الأضحی، و فیها ولد محمد بن حمد فی ربیع الثانی.

و فی سنة 1206 ه:

فی أول جمادی الأولی جرت وقعة القطیف و أخذ اللّه أهل سیهات، و عنک، و القدیح، و قرایا، غیرهم، و قتلوا غالب أهلهن قتل منهم نحو أربع مئة أو أکثر، و غنم منهم غنائم کثیرة، و صالحوا عن الفرضة بخمسة آلاف أحمر، و اللّه المحمود علی ما قضی.
و فی هذه السنة قتل عبد المحسن بن سرداح قتله عیال عریعر زید و أخوانه، استدرجوه و استدنوه حتی اجتمع بهم و اغتالوه فی مجلسهم غدیرا، و شاخوا فی بنی خالد، و فی رابع عشر رجب مات عبد الرحمن بن سلیمان. و فی آخر شهر ذی القعدة من هذه السنة مات الشیخ الإمام و الحبر الهمام محمد بن عبد الوهاب بن سلیمان بن علی عفا اللّه عنه و أرضاه، و ناصر بن عقیل أمیر المجمعة.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 202
و فی أول سنة 1207 ه: سار سعود نحو القبلة و أخذ فرقان من حرب بن علی و أخذ علیهم نحو ثمانیة آلاف من بعیر و نوق، و نحو عشرین فرسا، وصل عند قیمة ثلاثین و غیرهم علی الشقرة.

و فی سنة 1208 ه:

و فی آخر رجب سار سعود بالجنود المنصورة متوجها إلی بنی خالد، و وافق براک غازی بهم و أخذ فریق من سبیع و غیرهم و قضب لهم سعود اللصافة ثیوم، أقبلوا بکسبهم قاصدین ورد الماء، ظهر علیهم بالجموع و نصره اللّه علیهم، و کل انهزم من جهته، و أخذهم اللّه، و الذی هلک منهم بین القتل، و الظمأ، و الذهاب قیمة خمسمائة رجل أو أقل أو أکثر، و أخذ غالب رکابهم و خیلهم و الوقعة عند الشیط، و اشتهرت به و انهزم براک شریدا، و خیل معه و تزینوا المنتفق، و یوم بلغ أهل الأحساء خبر الوقعة طاحوا و کاتبوا سعود، و عاهدوه و أمر فیهم سعود محمد الحملی، و سیر إلیهم عبد اللّه بن فاضل و إبراهیم بن حسن بن عبدان، و حمد بن حسین بن حمد، و محمد بن سلیمان بن خریف، و یعلمونهم و یذاکرونهم بالدین، و یشرفون علی أحوالهم و یربتونهم علی المراد منهم فلما کان قیمة أربعة عشر لیلة قضت من شوال تمالؤا. علیهم أهل الأحساء و غدروا بهم و قتلوا محمد الحملی، و أبو سبیت و المعلمة المذکورون رجالاتهم و من علی حبلهم، و سعود ما بعد قفل من المغز المذکور ما برح حولهم علی میاه الدیرة، فلما بلغه الخبر و قضی اللّه الأمر ظهر.
و فیها مات سلیمان بن عفیصان أمیر الدلم.
و فیها خسف القمر لیلة الخمیس رابع عشر من المحرم أول السنة
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 203
المذکورة، و کسفت الشمس فی آخره یوم الخمیس أیضا، و فیها سار سعود بالجنود إلی الأحساء و نازله أهله و قد ولوا زید بن عریعر و استوطن البلاد هو و إخوانه، و ذویه، فأقام سعود علی البلاد من سبع لیال خلت من صفر إلی استهلال ربیع الأول هو و عساکر المسلمین یقاتلون و یدمرون و ینهبون من التمر حتی أوقروا ما طمعوا به من الرحائل بدوهم و حضرهم، و قتلوا منهم قتلی کثیرین فی مدة هذه الأیام، ثم أنه وفد براک ابن عبد المحسن علی عبد العزیز، و کذلک وفد ماجد بن عریعر.
و فی هذه السنة تولی براک المذکور علی الحساء، و اجلا آل عریعر، و فیها غزا غزو أمیرهم محمد بن معیقل للشمال، و أخذ ثلاث قری، و معه محمد بن علی باهل الجبل، و محمد بن عبد اللّه بأهل القصیم الجمیع قیمة ستمائة مطیة، و نزول ولایة زید و تولی براک بعدما زالت ولایة آل حمید عن الحساء، لأن ولایة براک نیابة عن تحت ید ابن سعود، و کما أنفق تاریخ ولایتهم طغی الما فلذلک اتفق زوال ولایتهم و غاب فحصل الطباق البدیعی، و قد نظم تاریخ ولایتهم بعض أدباء القطیف، فقال: رأیت البدو آل حمید لما تولوا أحدثوا تاریخ فی الخط ظلما إلی تاریخهم لما تولوا، کفا؟؟؟ اللّه شرهم طغی الماء، و قیل کاتبه بتاریخ زوالهم، فقال: و تاریخ الزوال أتی طباقا، و غار إذا انتهی لأجل المسمی.
و فیها غزا غزو لأهل الوشم أمیر لهم عبد اللّه بن محمد بن معیقل و معه السهوک مطیر و عجمان و غیرهم الجمیع قیمة ستمائة مطیة و واقعوا فرقان بن عتیبیة أربعین. و فیها أو بعدها غزا محمد بن معیقل بأهل الوشم، و سدیر، و أجملوا معه غالب بوادی المسلمین محطاب، و مطیر، و بنی حسین، و دواسر، و سهول، و غیرهم و واقعوا بن بری و عربانة، من مر بما
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 204
سری قتلی و أخذوا العرب و صارت غنمهم ما تعد و ما تحصی من الإبل و الغنم و الحلة، و ذلک بین و عکیة الیعلو بینها و بین الذنایب، و صار فی هذه السنة ربیع عظیم سموه مواسی من بلدان جوف آل عمرو، و دخلوا فی الطاعة و عاهدوا و قتل من الغزو نحو عشرین منهم عمهوج المعزین الفارس المشهور.
و فیها إبراهیم بن سلیمان بن عفیصان علی أرض قطر و أخذوا الحویلة و غیرها، و فی آخر ربیع الأول قتل محمد غریب لأمور صدرت منه أوجبت قتله، نسأل اللّه العافیة، و فی سابع عشر رجب مات سلیمان بن عبد الوهاب، و فی أول رمضان مات أحمد بن عثمان بن شبانة.

و فی سنة 1209 ه:

صار سعود بالجیوش المنصورة نحو الشمال و واقع القواسم من الصمدة و فرقان معهم، و قتل عدة قتلی و أخذوا دبسا و ذلک فی شعبان.
فلما کان فی ذی القعدة صار إلی القبلة و نزل تربة و حاصر أهلها و قطع من نخیلهم کثیرا و قتل عدة رجال بینهم و ممن قتل فی تلک الوقعة محمد بن عیسی بن غنثیان.

و فی سنة 1210 ه:

سیر غالب بن مساعد الشریف عسکر و أخذوا هادی بن قرملة و عربة ثم زود قیمة إبل کثیرة، بعد ما أخذ علیهم من بقی و قیل؟؟؟ علیهم أربعین و خمسة و عشرین رجلا، ثم أخذوا بعد أیام فرقان غیرهم من الذکور من قحطان.
و فیها غزا غزو لأهل الوشم مع محمد بن معیقل، و غنموا علی عربان القبلة من عتیبة کسب کثیر، ثم غزا سعود نحو القبلة، و واقع فرقان
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 205
من عتیبة، و مطیر. و قتل أبو محیور و القدر حان من مطیر، و معهم نحو ثلاثین قتیل، و قتل سبیل بن نصیر المطبری فی ذلک الیوم و غنم المسلمون قیمة اثنی عشر مئة بعیر، و غنم وقش، و ذلک فی شهر جمادی الآخر، و فی أول رمضان اجتمع عربان من بوادی هادی بن قرملة والی معه من قحطان، و الدواسر، و العجمان، و من عتیبة بن ربیعان و فرقان معه، و مطیر، و السهول، و سبیع و غیرهم حول الجمانیة و سار علیهم عسکر لغالب الشریف أمیر بن یحیی مع عربانة الذین علی جبله و ناوخوا عرباننا المذکورین عند الجمانیة.
و اشتد القتال و کثرت القتلی من الفریقین ما بین مئة منا و منهم أکثر و آخر الأمر أن اللّه نصر علی عسکر الشریف و انهزموا و اشتدت الهزیمة علی بادیتهم و غنم منهم المسلمون من الإبل و الغنم و المتاع ما لا یحصره العد حتی ذکر أن الرجل و الرجلین یحوزون مائة بعیر و أکثر و أخذت خیمة ابن یحیی الشریف و مدافعه و رجعوا، و لأوطانهم مکسورین و لحقهم غزو أمیرهم ابن معیقل، و کسبوا فی آخرهم، و قتلوا منهم قتلی.
و وقت انسلاخ شهور رمضان قتل سلیمان باشا صاحب العراق کیخیاه أحمد بن الخربنده و حاز جمیع خزائنه و أمواله.
و فی ذی القعدة، سار سعود بالعساکر المنصوره للحساء، و نزل فی البلد. فی ذی الحجة و هم تحت الطاعة أولا لکن قد حدث منهم الوحشة، و تغیر السیرة و سوء الحال ما دل علی نکثهم و أوجب عقوبتهم و تدارکهم سعود قبل یصرحون بالحرب، و نزل البلد و سلمت له و أقام علیها مدة بقتل من أراد من یری المصلحة فی قتله، و یجلی من أراد، و یجبس من أراد،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 206
و یأخذ من الأموال، و یهدم من المحال و سنی، و منهم من یأخذ ماله جملة، و منهم من یناصفه و ناس ظهر بهم إلی نجد مثل آل عمران، و یریکان القاضی و العدسانی القاضی و محمد بن حسن، و ناس کثیرون غیرهم و أمر فی الحساء، رجلا منهم یقال له ناجم بن دهنیم من صاحب العراق.

و فی سنة 1211 ه:

فی شهر ربیع عزل سلیمان باشا حمود بن ثامر عن ولایة المنتفق، و ولی مکانه وصی ثوینیی بن عبد اللّه آل محمد فی المنتفق، و جمیعها لنواحی و بعثه فی بغداد البصرة، و حدره من العراق للبصرة، ثم حدر بالمنتفق و عسکر من عقیل و أهل الزبیر، و أهل البصرة، و غیرهم، و نزلوا علیه الظفیر جملة، و بنو خالد مع براک بن عبد المحسن ماشذ منهم إلّا بعض المهاشیر، و سیر بالجمیع متوجه الأحساء معه المدافع الکبار و القنابر و ارکب عساکر و میرة بحرا فی السفن تیاریه إلی ناحیة الجزیرة و القطیف و اتفق له قوة هائلة و صار عبد العزیز بن سعود قد أمر علی بوادی العارض یحذرون بأهلهم و أدبائهم إلی دیرة بنی خالد اللطف و غیره من أمواه و قریة و ما حولها و أنهم یقفون فی وجه الجنود و یرید أن یحذر إلیهم شوکة البلدان و أهل نجد و ظهر سعود بشوکة و نزل التنهات و حفر فی أکثر من شهرین، و آخر الأمر أن ثوینی حشد و تور من الجهرا فانحازت البوادی حین بلغهم إقباله، و ضعنوا عن قریة ثم رحلوا عن الطف و انحازوا علی أم ربیعة و جوده و اشتد علیهم الأمر و ساءت الظنون و کثر فیهم التحاور حین وزد ثوینی الطف، ثم ظعن منه و نزل السباک و العربان قد اشتد بهم الأمر و معهم شوکة من الحضر محدرهم سعود قوة لهم أمیرهم حسن بن مشاری، و ثوینی متوجه للبلاد و غالب بد و العارض قد
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 207
کثر فیهم الخلل، و منهم من کاتبه و أخذ أمانا خفیا نسأل اللّه العافیة، فلما أذن اللّه بالفرج بعد الشدة، و النصر بعد الیأس و ثوینی و جنوده قد نزلوا الشباک، فجلس ثوینی هو و جلساه ناحیة و الخیمة تبنی فسلط اللّه علیه عبدا یقال له طعیس من عبید حبور بن خالد و قد فارق براک یوم اقفا براک قاصدا ثوینی، و صار العبد عند المسلمین ثم غزا مع رکب و أخذوا الرکب و صار مع الخوالد الحزبیین، فحین نزلوا السباک و جلس ثوینی عدا علیه معه رمیح فیه حربیه رثة و طعنه بین کتفیه طعنة رثّة، و بارک اللّه فیها، و مات منها و أرادوا التصلب بعده و أقروا أخاه ناصر بن عبد اللّه، و یسر اللّه أن براک بن عبد المحسن آل عبید اللّه یفارقهم و ینهزم للمسلمین، و کان فی أثناء أمره قد ندم علی المسیر معهم، و ذلک أنه رأی وجه ثوینی و إقباله علی آل عریعر، و عرف أن ثوینی إن استولی علی الأحساء ما یؤثر علیهم أحدا، هذا الظاهر عندهم، فلما جری ما ذکر تخاذلوا و وقع فیهم الفشل و ألقی اللّه فی قلوبهم الرعب، و ارتحلوا منهزمین و لحقوهم الذین علی أمواه الدیرة من المسلمین و قتلوا منهم قتلی کثیرین و غنموا مغانم کثیرة، و صاروا فی ساقتهم إلی قرب الکویت یقتلون و یغنمون و خلوا المدافع الکبار و ظهرت للدرعیة و مقتل ثوینی رابع، المحرم أول السنة الثانیة عشر اتفق تاریخ مقتله (غریب).
و فی هذه السنة و هی سنة أحد عشر جانا فی الوسمی سیل عظیم، انتفع منه کثیر من أهل البلدان أغرق حلة الدلم و محاها جملة لم یبق من بیوتها إلّا القلیل، و ذهب لهم أموال کثیرة من طعام و متاع و غیره، و نزل علی حریملاء فی الصیف برد ما یعرف له مثیل خسف السطوح و قتل بهائم و کسر عسبان النخل، و جرد خوصها جملة، و کسر الشجار و هدم الجدران
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 208
حتی أشفقوا و جأروا إلی اللّه و عافاهم و رحمهم، ثم جاء فی الصیف کذلک سیلا عظیما انتفع منه أهل البلدان و هدم بعض حوطة الجنوب، و حوطة بنی تمیم و ذهب بزروع کثیرة محصودة، و هدم فی الدرعیة بیوتا کثیرة، و فی العینیة و غیرها و جاء دبّ أکل أشجار البلدان و ثمار النخیل و شیئا من الزروع و النبات جملة و حصلوا الناس فوق العادة فی ذرة القیض، و رخصت الأسعار جدا، و سموها أهل الدرعیة سنة موجد لأن وادی لهم ارتفع علی بیوت و دکاکین ما قد وصلها.
و فیها تولی فی مکة العجم فاتح علی خان بن حسن بعد عمه محمد الخصی أول المحرم، و هو وفاه ثوینی و تاریخه (غریب).

و فی سنة 1213 ه:

ولی سلیمان باشا بن حمود بن ثامر بعد ثوینی و فیها سار للشریف عسکر و واقعوا قرقان من قحطان عند عقیلان حول بیئة، و صار الفرقان علی الماء و العسکر علی ظمأ، و نصر اللّه البدو علیهم و هزموهم و هلک منهم نحو خمسین قتلوا ظمأ.
و فیها فی محرم قتل ولد مطلق الجرباء و أخوه قرینیس، و هم عادون علی عرباننا و فیها سار سعود فی رمضان و عدا علی المجرة، و قتل فی أهل الجرف، و غرق و غنم بما سار إلی الشمال، و واقع بادیة الشمال شمر و بعض الظفیر للزرقاء، و الحومانة من أرض الأبیض، و قتل مطلق الجرباء، و عدة رجال معه منه، شمر، و الظفیر، و أخذ علیهم نعما و متاعا کثیرة قتل من المسلمین براک بن عبد المحسن آل عبید، و محمد العلی المهاشیز، و معهم من بنی خالد نحو خمسة عشر حیل علیهم، و جمیع القتلی نحو 900 و من العد و أکثر.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 209
و فی هذه السنة فی شوال و سعود و جنوده فی مغزا الشمال المذکور، سار غالب بن ساعد الشریف بالعساکر العظیمة متوجه إلی نجد، و نازل رنیه و دمر فیها نخلا و زروعا، و قتلوا من قومه عدة قتلی، و ارتحل عنهم بعد ما أقام علیهم اثنین و عشرین یوما، ثم رحل إلی بیشه فحصل بینه و بینهم قتال، و ظفر بهم بسبب میل بعضهم إلیه، و أقام عندهم أیاما، و أمدوه بالطعام و المیرة، و خلف عندهم حسن بن زین العابدین فی بعض حصونهم، و ترک عندهم عسکرا، و سار بعضهم معه، ثم رحل حتی نزل الخرمة بعساکره و جنوده، و کان غالب قبل حصاره رنیه و بیشه قد عدا علی العربان و أخذ ابن قرملة و فرقانا معه من قحطان، و قتل منهم عدة قتلی و أخذ علیهم کسبا کثیرا أخذ من الإبل قیمة سبعة آلاف، و الحلة أخذ غالبها، ثم نازل رنیه کما ذکرنا و بیشه ثم أقبل و نزل الخرمة، و قد أعجب بنفسه و طغی و تعد أطواره، و أمل آمالا لحو إلّا، و اللّه غالب علی أمره.
و کان سعود أسعده اللّه حین سار إلی الشمال قد بلغه أن غالبا سار، فکره سعود الانثناء عن وجهته، ورد بعض أهل النواحی یرید أنهم یکونون ظهرا للعربان، و عونا لهم و قوة فأمر هادی بن قرملة والیا معه من قحطان و ربیع بن زید والیا معه من الدواسر، و غیرهم من أخلاط البوادی من أهل الجنوب و القبلة، و قطعة من الحضر و ساروا و قوی اللّه عزیمتهم حتی دهموه فی منزله علی الخرمة و لم یقفوا دون الخیام فألقی الرعب فی قلوبهم و کسرهم و انهزموا لا یلوی أحد علی أحد و القوم فی ثبات قاتلوه و من انهزم فمن أدرکوه قتلوه و من فاتهم فبین ناج و بین هالک ظمأ و ضیاع، کان عدة القتلی ما ضبطه لنا مؤرخو أهل مکة ألف رجل و مئتین یزیدون عشرون رجلا، و منهم الشریف مسعود بن یحیی بن برکات، و ابن أخیه
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 210
هیازع، و عبد الملک بن ثقبة، و سلطان بن حازم و حسن الیاس، و غیرهم من الأکابر، و عدة من ثقیف من ثمانین رجلا، و من قریش أربعون و معهم ابن عتیبة، و من العسکر ما یزید علی أربعمائة رجل من المصاریه مائتین رجل و من المغاریة و مئة و خمسون رجلا، و عدة من فقد من العبید مئة و خمسون عبدا. و نهبوا جمیع الذخایر، و الخیام، و المتاع.
و أما الدراهم فذکر مؤرخهم أنه مختلف فیها فمنهم یقول أن خزانة غالب ثمانیة عشر ألف مشخص التی نهبت، و منهم من یقول خمسة عشر ألف ریال أبدلها من العساکر و البادیة بشخص، و کان قصده یفرقها علی القوم صبیحة الیوم نهبوا جمیع ما فی المضرب من الأموال، و أخذوا سلاحا کثیرا و غنموا ما معهم من الإبل التی أخذوا علی المسلمین مع ما انضم إلیها من أباعر الدولة، و رواجلهم و انصرف غالب و شرید قومه مکسورا محسورا و لم تقم له قائمة بعد هذه الواقعة، و لم یلبث بعدها أن صالح المسلمین و أذن لهم فی الحج.
هذه السنة أعنی سنة عشر و مائتین و ألف وصل الفرنج إلی مصر سارین من أوطانهم إلیها، و وصولهم لعشر خلون من المحرم، و سبب سیرهم أن لهم مالا من عند أمین لهم فی مصر قبطی أرادوا إرساله إلیهم فبلغ باشا مصر مراد بیک عضید إبراهیم بیک أمیر اللوا السلطانی، فغضب لأجل أخفائه عن العشور و أمره بأخذه فقال الأمین خذ العشور ورد ما بقی فأبی فأرسل إلی کبیرهم، و عرفه بما فعل مراد فراجعه فلم ینجح فیه شی‌ء، فلما أیس توجه إلی السلطان سلیم بعرض تضمن الشکوی و أنه و إن لم ینصفهم السلطان و دلم أیسعفهم و إلا یفسح لهم بالرکوب علیهم من غیر ضرر بالمسلمین، فأخذ علیهم السلطان العهود بذلک، و کتب عرضا متوجا
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 211
بختمه و لم یبدو أنهم ضمروا الغدر، و المکر، و کانوا إذ ذاک مستعدین لحرب الصناجق بأنواع الذخایر و البارود و الرصاص.
فخرجوا فی جیش ملا السهل و الوعر یزید علی مائة ألف إلی الاسکندریة، فلما أشرفوا علیهم قالوا: نحن أعوان السلطان لحرب أمیر مصر، و بیدنا خط شریف متوج بختم الشریف، و أظهروه فلما رأوه مکنوهم من البلاد بغیر حرب فدخل منهم ثمانیة آلاف، و ضبطوا البلاد، و توجه الباقون إلی مصر فبردوا لهم الصناجق و العساکر فی عدد کثیر فلما تراء الجمعان و راوا ما دهمهم من جیش هؤلاء الکفرة، کأنهم قطع اللیل و الأمیر علیهم یقال له جمهور أیقنوا بالموت، و قاتلوهم قتال من یرید الشهادة فحملوا علیهم الممالیک، و وصلوا إلیهم، فرموهم بالمدافع المحرمة، فرجعت الخیل ناکصة إلّا أنهم قتلوا منهم مقتلة عظیمة، و کانت الخیل تنوف علی ألفین، ثم کروا علیهم ثانیة و صاروا یضربون فی أعناقهم و هم لا یکترثون، و المدافع متورة فی الدولة المصریة فذهب من الممالیک فی تلک الواقعة ألف و خمسمائة رجل و انهزم أمراء مصر.
و توجه الفرنسیس إلی مصر من الدرب المسلوک، و دخلوها و هرب الصناجق إبراهیم بیک توجه نحو الصالحیة علی یومین من القاهرة، و هی بلدة کبیرة علیها سور، و هی بلد الصالح أیوب، و ذهب مراد بیک إلی الصعید ثم بعدما أقاموا بمصر أیاما خرج منهم جیش، و أخرجوا من کان بها ثم أن مراد بیک توجه إلی الشام و لحقه إبراهیم بیک، ثم أن هؤلاء الکفرة توجهوا إلی الصعید و أوقعوا بأهله و ضروهم غایة الضرر قتلا و نهبا، و سبیا، ثم تواجهوا و هم زهاء عن خمسین ألفا غیر الذین أبقوهم فی الاسکندریة، و الصالحیة، و الصعید. و القاهرة، فأتوا علی بلدة یقال
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 212
لها العریش من إقلیم مصر من أعمر بنادرها، فملکوها و توجهوا منها إلی غزة من أعمال الشام.
ثم توجهوا منها إلی یافا بلدة تعزی إلی یافث ابن نوح. و هی بلدة عظیمة و علیها سور حصین منیع برأس الخیل، فلما دخلوها تحصن الباشا مصطفی الحلبی و العساکر فی القلعة فی صروهم ثم ملکوها و قتلوا من کان بها من العساکر و هم ینوفون علی أربعمائة رجل، ثم توجهوا إلی بلد یقال لها صیدا من أعمال الشام، ففعلوا مع أهلها ما فعلوا مع غیرهم، و ملکوها ثم ساروا منها إلی عکا، و هی البلد المشهورة بلد أمجد بیه الجزار. و کان الجزار المذکور عطارا فی مصر، ثم لما تولّی إمارة مصر صالح بیه الذی قتله محمد بیک مملوک أمیر مصر علی بیک خدم المذکور عند صالح، فرفع مکانه و صار من خواصه و أجزل له الصلاة فلما قتل صلح و ولی علی بیک هرب الجزار من مصر و تنوعت له الأسباب لطلب المعیشة حتی وصل إلی بلاد الدروز. و أجر نفسه من امرأة یخدم لها، ثم تزوج بها و تزیا بزیهم و أقام عندهم أعواما و هم خارجون عن الطاعة عاصون للدولة.
و کانت الدولة تجهز الباشوات لقتالهم مدة عصیانهم، ثم إن السلطان مصطفی بن أحمد جهز علی باشا إلی المذکورین، فلما حاصرهم اجتمع بأحمد الجزار فقال له الجزار: لو أقمت أعواما علی حصارهم لم تقدر، و أنا أعرض الناس بعوارهم ههنا فی السور محل، و هن من تقادم الزمن فإذا عملت الحیلة ملکت بلادهم ما یکون لی عند الدولة و عندک قال مزید الأکرام و أمارة الشام، فقال: أجعل معی کم رجل منکم ألبسهم زیهم و لیدخلوا معی. فإذا سألونی قلت: هؤلاء أخوانی عمی، ثم إذا حصلنا
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 213
عندهم فشنّوا الغارة و أرجعوا بالجیش، فإذا اشتغلوا بالحصار قمنا و فتحنا لکم ذلک المحل، فإذا رأیتم ذلک فأحملوا و نحن نمانع عن أنفسنا حتی تصلوا إلینا. فقدر اللّه أن تمت هذه المکیدة، و ملک القلعة أحمد بیه، و قتل منهم مقتلة عظیمة فبلغ الدولة خبره، فأرسلت الأطواخ و ولّوه إمارة الشام و وجد من الأموال ما لا یعد و لا یحصی.
ثم أنه غمر هذه البلدة المشهورة بعکا، و بنی علیها سورا عظیما، و حینئذ لقّب الجزار بعد رکوبه علی عربان، هناک یقال لهم الدروز، و المتاوله، و قتل منهم مقتلة عظیمة فاستولی علی الشام من حینئذ و صار أمیرا للعساکر، و للحاج، و کان جزیل العطاء کثیر الدخل أخبر من سأل کرانی الباشا عن محصوله کل یوم فقال: ثمانین کیس، عبارة عن أربعین ألف قرش، رجعنا إلی ذکر أمیر النصاری إلی عکة، فلما وصلوها تحصن الجزار منهم فی القلعة هو و عساکره.
فحاصروه ستین یوما یرمون علی القلعة کل یوم ألف رمیة مدفع، حتی خربوا سورها، و هدموه، ثم دخل بعضهم إلی البلد لیستأصلوا من فیها و لم یبق فیها برج، قد تحصن فیه الجزار و خاصته، و اشتد الأمر، و أیقنوا بالهلاک فقال لهم الجزار یا عباد اللّه إلی متی نفر من الموت و نحن علی أحد الأمرین: أما القتل و نفوز بالشهادة، و أما النصر، «یا أیها الذین آمنوا إن تنصروا اللّه ینصرکم» فحاموا عن دینکم، و عن ملّة نبیکم و حریمکم، و استعینوا باللّه یعنکم و یخذل عدوکم فقویت عزائمهم و حملوا حملة واحدة.
و من لطف اللّه بهم أن ذلک الیوم وصلت مراکب الأنقرین فخرجوا
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 214
من المراکب إلی البلد، و خرج الجزار و من معه إلی البر و تلقوهم و بلوا فیهم السیف فقاتلوا قتالا شدیدا لم یسمع بمثله، فما أتی علیهم اللیل إلّا و قد ذهب تحت سنابک الخیل من الفرنسیس خمسة عشر ألفا و زیادة، و قتل من عسکر الزار خمسة آلاف رجل غیر الجرحی، و کان مراد بیک أیضا قد وصل إلیهم قبل مراکب الأنقرین، و کان الذی أخبر مؤرخ هذه الواقعة رجلا ثقة من حرب حضرها هو و ثلاثون رجلا من حرب کلهم هلکوا فی تلک الحرب سواه.
و هو الذی وصل بالبشر إلی الحرمین، و کان قبل هذه الواقعة فی الطائف السید محمد الجیلانی مقیما به، فلما بلغه خبر مصر قام فی الناس و رغبهم فی الجهاد حتی فارقوا الآباء و الأولاد، و بادروا معه خصوصا أهالی مکة، و رحل إلی مکة و حث أهلها فأمدوه بما قدروا علیه من أموالهم، ثم توجه معه نفر کثیر منهم، فلما وصل إلی جدة و عظهم و حثهم فبذلوا له من الأموال شیئا کثیرا، إلّا أن أهالی مکة شکا کثیر منهم من رجال و نساء إلی الشریف أنهم صاروا عالة علی الناس لفقد أزواجهم و أولادهم لکثرة من تبعه کتابا لوزیر جدة، فرد أکثرهم إلّا من رکب بحرا.
ثم توجه الجیلانی من طریق الینبع إلی الصعید فصادف بعض جیوش من الفرنج ببلد یقال لها قطیة، فاقتتلوا هناک و قتل العالم عاید السندی، و رجال معه. و انهزم القیة، و ذهب الجیلانی إلی الصعید فمرض به و اشتد به إطلاق البطن، فمات مبطونا، و بعض أهل مکة سافروا إلی نواحی الصالحیة و بولاق، فوافوا مراد و قاتلوا معه ثم توجهوا نحو الصنادجق إلی نواحی بلد السودان، بسم أن السلطان سلیم وجه یوسف باشا وزیر
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 215
الختام، و معه أربع باشوات فوصلوا إلی یافا فوجدها محصّنة بالفرنسیس فی صدرهم.
و فی کل یوم یزحف علیهم باشا من الباشوات، و یقاتل فلا یحصلوا علی شی‌ء حتی کانت نوبة مصطفی الحلبی و معه الأرناؤوط فرموا علی جدار القلعة سلم التسلیط، و طلعوا علیهم و قتلوا من الفرنسیس مئة رجل، و ثارت الجیخانة عند الازدحام، فمات من أصحاب مصطفی مئة، و مات مصطفی، و هلک من النصاری أربع مائة و کان الحصار من یوم ثمانیة و عشرین من رجب إلی یوم ست و عشرین من شعبان آخر عام 1214 ه.
ثم توجه یوسف باشا إلی العریشی فوجد فیها جملة منهم تحصن، فأمر بنقل التراب فی المخالی جمیع العسکر، فنقلوه فإذا هو تل علی، ثم رموهم بالمدافع فملک البلد، و کان عدة ما ضبط معه من العساکر مئة ألف.
و أما الأنقرین فتوجهوا بمراکبهم نحو الإسکندریة فحاصروا من بهائم، ثم توجه یوسف باشا إلی بلد یقال لها قطیة من نواحی الصعید، و فیها بعض من الفرنسیس و القبطة، فشردوا إلی الصالحیة نحو خمسة آلاف فسار إلیهم فیها و حاصرهم أیاما، ثم طلبوا الأمان فأخرجهم و ملکها، فتوجهوا إلی الجیزة فلحقهم و حصرهم هناک حتی، و أمر بإمساکهم فیها حتی یفرغ من أمر مصر، ثم توجّه إلی مصر و أقام بالبرکة التی دونها، فأرسل إلیه کبار الفرنسیس یطلبون الأمان، و خاطبوه فی أمر الصلح و تسلیم البلد. فقال: علی أن تسلموا إلینا البنادق: کل مئة رجل یعطی ثمانین بندق، و یخرجون سالمین بأموالهم. فتم الصلح و رجعوا، و أرسل خلفهم أربع باشوات فدخلوا مصر، و صاروا فی بعض البیوت
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 216
ینتظرون خروج الفرنسیس، و الفرنسیس قد حشدوا فی إخراج أموالهم و ضعف لهم لیرکبوا فی مراکب لهم فی البحر، و صاروا یحملون إلی المراکب بجهدهم من ضعفائهم و حرحاهم، و أموالهم.
و فیها عدة عدیدة منهم، و قد ثبت دواعیهم الوزیر أن یخرجوا بأموالهم و ضعفائهم إلی مراکبهم فی البحر، و قد هلک فی هذه الوقائع منهم خمسون ألفا، و بقی مثلها. فبینما هم علی هذه الحال عدا علی مراکبهم الانجلیز و جرفوها و غرق من فیها، فثارت الحرب بین الفرنسیس الذین فی مصر، و بین الباشوات الذین أرصدوا عندهم فحصروا الباشوات، و حصروهم، فصار الکل محصورا، و استمر الحصار أربعة و ثلاثین یوما، و ضج أهل البلد علی الباشوات، و قد فنی ما عندهم من الزاد، و البارود، و الرصاص فوقعت الهدنة علی أن تخرج الباشوات من مصر، و من أراد الخروج معهم فخرج عثمان باشا، و خرج معه أعیان مصر و تجارهم ما ینوفون علی تسعین ألفا. و قد توجّه بعض الفرنسیس إلی من هو بالسویس مقیم من الرعایا، فقتلوهم و نهبوهم، و کان هذا الأمر کله من سوء تدبیر هذا الوزیر یوسف باشا، فإنه حین صالح النصاری علی الخروج أمهلهم هذه المهلة التی هی عین الضرورة، و تمام التقصیر أنه رحل من ساعته إلی یافا یجمع بها غنائم و أمواله، و ضیّع الحزم.
و أما عثمان باشا و من معه فتوجهوا إلی الشام، ثم إن النصاری بعد خروجه سمروا الجامع الأزهر حتی لا تقام فیه صلاة، و لا ذکر و قتلوا بعض العلماء، و أخرجوا بعض أهل مصر و عاقبوهم علی انحیازهم إلی الباشا، ثم بعد ذلک فی سنة خمسة عشر أحرقوا بولاق، و قتلوا من فیها، و أخذوا أموالا کثیرة منها، و هذه البلد هی ساحل مصر. و أرخ بعض أدباء
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 217
الحرمین استمرار النصاری فی مصر، یوسف باشا، و هی سنة 1313 ه.
فقال أبو لهف بعینه لما قدر کانوا خطوا علی القاهرة قوادا لفرج لها أبغته، و حل منازلها العامرة، و لکن رجی بفضل الکریم تعاودهم کرة خاسرة سلیم المزید، یبدهم جولته القاهرة، و قد صح قال التاریخیة الأول ما یشاء، و حکمته قاهرة.

و فی سنة 1215 ه:

حج الإمام عبد العزیز بن محمد بن سعود بالناس، و احتفلوا احتفالا أعظم من الحجة التی قبلها، و أجمل غالب الناس خفافهم و ثقالهم و نساءهم و أطفالهم، ثم أن عبد العزیز رحمه اللّه لما سار سبعة أیام، أو ثمانیة أنس من نفسه الملل، و الثقل، و تباعد الشقة، و کذلک بالغ معه الأمیر سعود فی الرجوع، و کان هو رأی سعود فی بادی. الأمر یقیم الوالد و لا وجه لحجه، فرجع لما کان قرب الدوادمی من الدمیثیات، و حج المسلمون و قضوا حجهم علی أحسن حال، و هی حجة سعود الثانیة الذی حرر لنا أن الفرنسیس أخرجوا من مصر فی آخر هذه السنة، و رتّب فی یوسف باشا الختام فیها محمد باشا القبطان وزیرا، و محمد علی من جملة رؤساء العسکر، و ممن أبلی فی قتال النصاری.

و فی سنة 1216 ه:

سار الأمیر سعود بالجنود المؤیدة، و قصد بلد الحسین من أرض کربلاء، خرج فی ذی القعدة، و فتح اللّه له البلد و دخلوها عنوة، و قتلوا غالب أهلها، و هدموا القبة، و أخذوا جمیع ما وجدوا فی البلد من أنواع الأموال: من الأمتعة، و السلاح، و اللباس، و الفرش، و الذهب، و الفضة، و غیر ذلک، و قتلوا منهم ما یزید علی الألف.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 218
و فی أول السنة عاشوراء استولی سلطان بن أحمد أمام مسکه علی بلد البحرین، و بعد مدة یسیرة ساروا علیها آل خلیفة برعایا عبد العزیز فمدهم بمن حولهم و أخذوا البحرین، و قتلوا منهم ما یزید علی ألفین.
و فی أول هذه السنة فی المحرم توفی محمد بن عبد اللّه بن فیروز.

و فی سنة 1217 ه:

فی ربیع مات سلیمان أبو خزما وزیر العراق، و استولی مکانه کیخیاه علی باشا. و فیها استرجع الروم مصر من الفرنسیس، و أظهروهم منها. و فیها مات بادی بن بدوی ابن مضیان الحزلی، و حمود بن ربیعان العتیبی. و فی آخرها انتقض الصلح الذی بین غالب، و بین عبد العزیز، و فارقه وزیره عثمان بن عبد الرحمن المضایفی، و دخل فی الدین و سار علیه غالب فی قریته، و نازله و کسره اللّه و رجع خائبا.
ثم إن عثمان المضایفی سار هو و من فی جهته من بوادی المسلمین، و حضرهم سالم بن شکبان بأهل بیشه، و ابن قطنان بأهل رنیه، و من عنده من سبیع و حمد بن محی بأهل تربة، و البقوم، و ابن قرملة، و معه جیش من قحطان، و من عتیبة ناس و من غیرهم ساروا جمیعهم علی غالب. و قد دخل الطائف و تأهب لهم فیه و نازلوه، و ألقی اللّه الرعب فی قلبه، و انهزم إلی مکة، و ترک الطائف لهم و دخلوه بغیر قتال و فتح اللّه لهم عنوة، و قتلوا من أهله عدة مئتین و غنموا جمیع ما فیه من الأموال، و الأثمان و الأمتعة، و السلاح، و القماش، و الجواهر، و السلع الثمینة مما لا یحیط به الحصر و لا یدرکه العدو، و ضبطوا البلد و سلمت جمیع نواحیه، بوادیه، و تأمر فیه عثمان المضایفی من ذلک الیوم، و قرر عبد العزیز ولایته، ثم سعود بعده.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 219
و کانت هذه الوقعة و سعود إذ ذاک قد سار بجیوش العارض و نواحیه، و ظاهر أمره یرید مقر الشمال، فحین بلغه الخبر و البشارة توجه إلیهم و نزل العقیق، و الربیعان وقت الحج، و جمیع الحواج فی مکة:
الشامی، و المصری، و المغربی، و أمام مسکه و غیرهم فی قوة هائله و هموا بالخروج علی سعود، و المسیر إلیه لقتاله، ثم تخادلوا، و مرج أمرهم و انصرفوا لأوطانهم و انهزم غالب الشریف إلی جده، و من تبعه من عسکره، و معه خزائنه، و بعض متاعه و شوکة. و دخل الأمیر مکة و استولی علیها و أمن أهلها، و بذل فیها من الصدقات و الصلاة لهم، و أمر فیهم عبد المعین بن مساعد، و أخذوا وادی فاطمة، و سار إلی جدة و نازلها و لم یحصل منها علی شی‌ء و رجع و رتب عسکر فی مکة قصرین من قصور الشریف مرابطین.

و فی سنة 1218 ه:

فی العشر الأواخر من رجب قتل الإمام الرئیس العادل عبد العزیز بن محمد بن سعود فی مسجد الطریف، و هو ساجد فی أثناء صلاة العصر: مضی إلیه من الصف الثالث رجل عراقی لا یعرف له بلد، و لا نسب، شیطان فی صورة درویش، ثم تبین بعد ذلک أنه رجل کردی من أهل العماریة: اسمه عثمان، أقبل من وطنه لهذا القصد مختبئا، و أبدی ذلک لعلی باشا، و توجه لقصده حتی بلغ مراده و طعنه فی خاصرته أسفل البطن بخنحر معه، قد أعده و تأهب للموت. فاضطرب أهل المسجد و ماج بعضهم فی بعض، و لم یدروا الأمر، منهم المنهزم، و منهم الواقف، و منهم الکار علی جهة هذا العدو العادی غیر متلعثم، لما طعن الإمام المذکور أهوی علی أخیه عبد اللّه و هو فی جنبه، و برک علیه لیطعنه فقام و لابسه، و تصارع هو و إیّاه و جرح عبد اللّه جرحا شدیدا، ثم أن
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 220
عبد اللّه صرعه و ضربه و تکاثروا علیه الجماعة، و قد تبین وجه الأمر لأکثرهم، و قتلوه فی مکانه، و حمل الإمام عبد العزیز، و هو قد غاب ذهنه. و قرب نزعه، لأن الطعنة قد هوت فی جوفه، و لم یلبث أن قضی بعدما صعدوا به إلی المقصورة رحمه اللّه و عفا عنه.
و عظم المصاب علی المسلمین، و اشتد الأمر و بهتوا، ثم إن الأمیر سعود حفظه اللّه قام فی المسلمین و وعظهم، و عزوه، و عزاهم، و عاهده خاصتهم و عامتهم علی السمع، و الطاعة، و کتب الرسائل و بعث بها الرسل إلی جمیع البلدان و النواحی یخبرهم و یعزیهم، و یعظمهم و یوصیهم و یأمرهم بالتزام العهد، و السمع، و الطاعة و نائبه فی ذلک أمراؤهم، و تم الأمر و للّه الحمد علی المراد، و استقر فی الولایة علی أکمل الأحوال و أتمها.
و فی هذه السنة فی آخرها مات باشا الشام أحمد بیه الجزار صاحب مکة، و تولّی نائبه سلیمان باشا بعده. و فی آخرها سار سعود بالجنود إلی البصرة، و الزبیر و نازلهم و حشدوا علی أهل الحصن الذی علی الدرخبیه مشرب أهل الزبیر، و استولوا علیه و قتلوا أهله و دمروه و توجهوا جنوب البصرة و نخیلها و قتلوا من أهلها ناسا کثیرین، و نهبوا زادا و متاعا کثیرة منها، و حضر أهل الزبیر، و حصدوا جمیع زروعهم، و دمروها و قتلوا منهم من قتلوا، ثم رجعوا سالمین- غانمین، و للّه الحمد، و فیها سار غالب الشریف بعسکره من جدة علی مکة، و نازل أهل القصور و ظهروا له عنها، و استولی علی البلد و ضبطها و استوطنها.

و فی سنة 1219 ه:

قتل أمام مسکة سلطان بن أحمد بن سعید
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 221
البو سعید قتله رجال من القواسم أهل رأس الخیمة صادفوه فی البحر و قد نزل من مرکبه المنیع المشهور إلی سفینة صغیرة، و اعترضهم و هو فیها، و تلافوا هم و إیاه و لم یعلموا أنه هو، و رماه أحد أهل السفینة، و مات بها و لم یعرف رامیة و لا رفقته حتی سمعوا خادمه یسمیه لهم و تولی ابنه سعید. و فیها أمرّ سعود فی الأحساء إبراهیم بن عفیصان بدل سلیمان بن ماجد.
و فیها ثار محمد علی، و هو کبیر عسکر من عساکر مصر علی محمد باشا وزیرها یطلب علونیتهم فمضوا علیه و قتلوه، و نصب محمد علی و کاتب الدولة و ادعی علی الوزیر بشی‌ء من المخالفات عندهم، فأتا له التقریر فی النصب ثم استحکم أمره.

و فی سنة عشرین و مائتین و ألف:

اشتد الغلاء علی الناس، و سقط کثیر من أهل الیمن، و ماتت إبلهم و أغنامهم. و فی آخر السنة فی ذی القعدة بلغ الحب ثلاثة أصواع بالزر، و الریال علی حساب مدین بالمحدیة، و التمر بلغ سبع وزنات بالزر و الریال، و بیع فی الوشم و القصیم علی خمس وزنات بالریال بالمحمدیة، وزنة.
و أما مکة فالأمر فیها أعظم مما ذکرنا لأجل الحصار بسبب الحرب، و قطع المیرة و السابلة عنها فثبت عندنا، و تواتر أن کیلة الأرز و الحب بلغت ستة ریالات، و کیلتهم انقص من صاع العارض و بیعت فیها لحوم الحمیر و الجیف بأغلی ثمن، و أکلت الکلاب و بلغ رطل الدهن ریالین، و اشتد البلاء، و مات خلق کثیر عندهم جوعا، و کان الأمیر سعود قد سیّر عبد الوهاب صاحب عسیر، و سالم بن شکبان، و رعایاتهم، و عثمان
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 222
المضایفی، و جمیع أهل الحجاز، و أمرهم بحصار مکة، و انتظار الحاج الشامی و منعه، ثم إن غالب اشتدت به الحال، و بلغ منه الجهد و طلب منهم الصلح علی مواجهة الأمیر سعود، و الاتفاق هو و إیاد علی الدخول فی الدین، و الطاعة، و صالحوه و أمهلوه و مشت السابلة و دخل المسلمون البلد، و حجوا، و اعتمروا و واجه عبد الوهاب غالبا، و تفاوض معه فی الحدیث، و المجاویة، و تهادوا، و أجازه غالب الجوائز، و أعرض أهل الحاج الشامی، و حج و انصرف، و انصرف عبد الوهاب و من معه من الأمراء، و الأتباع و سالم بن شکبان مریض مدنف اشتد به المرض، و توفی بعدما وصل بلده بیشه، و أمر سعود بعده ابنه فهاد و تم صلح غالب، و ارکب لسعود و مشت السابلة، و أخلت السبل، و رخصت الأسعار فی الحرمین و غیرهن.
و وقع من غالب مع وقوع المصالحة له و دخوله فی الدین ما یریب منها، أنه أبقی فی مکة عسکرا من الترک، و المغاربة، و غیرهم من الحاج، یدعی أنه الحاج عبد اللّه العظم هو الذی مرتبهم بأمر من الدولة، و منها أنه حصن جده بالبناء، و أحاطها بخندق عظیم، و منع الغرباء المسافرین، و التجار من ناحیتنا من دخولها، و استوطنها أغلب مدته، و بقی العسکر عنده فی مکة إلی وقت الحج من قابل، فلما دخلت أشهر الحج أمر سعود عبد الوهاب، و ابن شکبان، و عثمان المضایفی، و جمیع أهل الحجاز و تهامة، و الیمن بالمسیر إلی ناحیة الحرمین، و واعدهم المدینة، و سیّر قدامة من أهل الجبل و أهل القصیم، و أهل الوشم ثم سار الساقة بأهل العارض خرج من الدرعیة لیلة الجمعة لثنتی عشرة مضت من ذی القعدة و اختار الأمیر سعود الإعراض عنه و ترکه إلی الحج.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 223
و فی هذه السنة- أعنی سنة عشرین- سیر الأمیر سعود رکب أمیرهم منصور بن ثامر، و غصاب، یترصدون لرکبان العراق فی ناحیة الشمال، و صادفوا غزوا لأهل الجزیرة کبیرهم درخی بن حلاف السعیدی، و راشد بن فهد بن عبد اللّه آل سلیمان ابن صویط و أکثر الغزو من آل ظفیر، و استأصلوا جمیع الغزو قتلا، لم یسلم منهم إلّا الشرید قدر عشرة رجال، و القتلی یزیدون علی المئة. و فیها عاهدوا أهل المدینة، و دخلوا فی الدین، و هدموا القباب و ذلک فی أول السنة قبل صلح غالب.
و فیها سار سعود الأمیر بالجیوش إلی جهة الشمال، و نازل أهل المشهد، و مشهد علی، و سیر العدات إلی الحصن من کل جهة، و صار علی منزلهم قلعة، و من دونها خندق و لم یقدروا علی الوصول إلیهم، و جری بینهم مناوشة: قتال، ورمی، و قتل من المسلمین قیمة رجال، و انکفؤا عنهم یوم ما رأوا وجها للقتال، و أخذوا دبش علی الزملات فریق من غزیة، و مروا علی أهل الخزا علی و جری بینهم مناوشة: قتال، و طراد، ثم أقبلوا علی حلة السماوة، و حاصروها، و نهبوا من نواحیها، و دمروا شجارها، و وقع بینهم رمی، و قتال، قتل فیه عدة قتلی من الجهتین، ثم أقبلوا و مروا من قریب من بلد الزبیر، و قفلوا سالمین غانمین، و للّه الحمد. و فیها قتلوا أولاد سلطان أمام مسکة ابن عمهم بدر، و استبدوا بالملک.
فیها سیر سعود عبد الوهاب و رعایاه، و ابن شکبان و رعایاه، و عبیدة و أهل سیخان، و وادعه و قراهم، و أهل وادی الدواسر إلی نجران و غیرهم نحو الألفین، نازلوا أهل بدر مدة أیام و جری بینهم وقائع، و قتل قتلی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 224
کثیرون بین الفریقین غالب القتلی الذین قتلوا علی المسلمین من قوم عبد الوهاب، و قتل أمیر الوداعین إبراهیم بن مبارک بن عبد الهادی، و إدریس بن حوید، و عدة من الدواسر، و أمر عبد الوهاب و أخوانه علی بناء قصر مقابل قصور بدر، یصیر المسلمین و یضیق علی أهل بدر و أهل نجران، و تم، و أحصنوه و جعلوا فیه عسکرا مرابطین و وضعوا کل ما یحتاجونه و رجعوا منصورین مأجورین.
و فیها دخل صالح بن یحیی راعی بیت الفقیه، و الحدیدة فی الدین، و حسن إسلامه، ثم إن إمام صنعاء عسکر و استرجع بندر الحدیدة، و أسر ابن صالح و قد أمره أبوه فیها، و استوطن الأب بیت الفقیه، فبعدها سار صالح علی زبید بجیش عدید، و قد تلقوا علیه من قبائل عدیدة حضرا و بدوا نحو ثمانیة أو عشرة آلاف، فدخل زبید عنوة، و نهبوا منها من الأموال، و المتاع شیئا کثیرا، و لم یمتنع إلّا القلعة الامامیة، و ما تحمی ثم خرجوا عنها. و فی هذه السنة مات أمیر حرب بدای بن بدوی بن مضیان مجد وراود، ولّی فیهم الأمیر سعود أخاه سعود.

و فی سنة 1221 ه:

حجّ سعود بن عبد العزیز أسعده اللّه تعالی حجته الثالثة، خرج من الدرعیة لیلة الجمعة لاثنتی عشرة لیلة مضت من ذی القعدة، و کان قد سیّر قبل خروجه وقت خروج شهر رمضان عبد الوهاب بن عامر أمیر عسیر و المع و فهاد ابن شکبان أمیر بیشه، و عثمان المضایفی أمیر الطائف، و أتباعهم من أهل الیمن، و تهامة، و الحجاز، و سیر قدامة من أهل نجد شوکة القصیم مع حجیلان، و أهل الجبل مع محمد بن عبد المحسن بن محمد بن فایز بن علی، و أهل الوشم و واعدهم المدینة و اجتمع معهم سعود بن مضیان الحربی، و أتباعه،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 225
و جابر بن جبارة و أتباعه، و أقبل علی المدینة حاج الشام أمیرهم عبد اللّه العظم، و صیدوة، و رجع إلی الشام ما حج. و بعد هذا اجتمعوا بسعود و قضی سعود و المسلمون حجهم و قفلوا علی المدینة و رتب جمیع أمورها و ضبطها أتم ضبطه، و أجلا عنبر باشا الحرم و القاضی، و کل من یحاذر منه سفر جمیع من فی مکة من الأتراک، و عسکر الدولة، و اجتمع بغالب الشریف مرات علی حال حسنه. و فیها کسفت الشمس آخر شهر رمضان منها.

و فی سنة 1223 ه:

عزل سلطان بنی عثمان سلیم بن أحمد و تولّی ابن أخیه مصطفی ابن عبد الحمید لتسع بقین من جمادی، فلما کان أثناء السنة الثالثة و العشرین جمع طائفة من رؤساء الدولة علی رد سلیم فی السلطنة، و عزل مصطفی فأشار علی یوسف باشا، و ممن معه من شیعة سلیم فعزلوه، و ولوا أخاه محمود بن عبد الحمید علی صغر سنّه.
و فیها ولّی السلطان سلیم قبل عزله یوسف القنج فی الشام، و الحج، و عزل عبد اللّه العظیم.
و فی- أعنی سنة 1223- قتل باشا بغداد علی باشا کیخا سلیمان الباشا، قتله بعد ما استقر فی الملک، و دانت له غالب رعایا العراق:
حضرهم، و بدوهم، وثب علیه أربعة من الجند و هو فی الصلاة فقتلوه، و هم: مدد، و مصطفی، و نصیرف، و سلیم، و سعدون، و أرادوا الولایة، ثم إن کیخیاه سلیمان قام مقامة، و تتبعهم و قتلهم، و لم یتم لهم أمر، ثم استقر سلیمان المذکور حتی أتاه التقریر من جهة الدولة بولایة العراق.
و فی هذه السنة اشتد الغلاء، بلغ البر أربعة أصواع، و خمسة
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 226
بالریال، و الزروع و التمر اثنی عشر وزنات بالریال، و أمحلت الأرض و مات غالب أدباش البلد و لم یبق لکثرهم إلّا القلیل، و کذلک غالب دبش الحضر، فلما کان وقت انسلاخ رمضان أنزل اللّه الغیث، و رحم العباد، و أحیی البلاد، و أنبتت الأرض، و أعشبت عشب ما یعرف له نظیر، و استمر الربیع علی أحسن ما کان، و سمنت المواشی سنّا تاما، إلّا أنه عم الجرب فی الإبل، و کثرت الزروع، و حصل فی الزرع ثمرة تامة، إلّا أن الغلاء ما برد علی الناس فی اشتداد بلغ دون ما ذکرنا فی آخر الشتاء، حتی حصد الزرع.
و فی هذه السنة حج سعود بن عبد العزیز حجته الرابعة جمیع نواحی المسلمین: أهل العارض، و الجنوب، و الوشم، و سدیر، و القصیم، و الجبل، و بیشه، و زنیه، و عسیر. و تهامة، و الحجاز، و قضوا حجهم علی أحسن حال، و انصرف عبد انقضاء الحج إلی المدینة، و رتب فیها جندا، و عساکر فی جمیع نواحیها، و أخرج من فی القلعة من أهلها، و جعل فیها مرابطة من أهل نجد و غیرهم، و ضبطها أتم ضبط، و رجع إلی وطنه علی أحسن الأحوال، و للّه الحمد، و لم یحج البیت من أهل الأقطار الشاسعة أحد فی هذه السنة.

و فی سنة 1223 ه:

سار سعود بن عبد العزیز الأمیر بالجنود المنصورة من جمیع النواحی: أهل نجد، و الإحساء، و أهل الجنوب إلی وادی الدواسر، و أهل بیشه، و رنیه، و الطائف، و نواحیهن من الحجاز، و التهایم و ذلک فی شهر جمادی الأولی، و توجه إلی ناحیة العراق، و عانقه جمیع غزوان البوادی، و صار معداه علی بلد الحسین، و وجدهم متحصنین، و حشدوا علی حصنهم بالسلالم و وقع عنده رمی، و قتل من
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 227
المسلمین عدة رجال، منهم: سعد بن عبد اللّه بن محمد بن سعود، و مشاری بن حسن مشاری بن حسن بن مشاری. ثم قفلوا علی شتاتها و استولوا علیها و خرجوا أهلها، و تزیّنوا الجبل المقابل لها، ثم إن سعود حذّرهم منه بأمان، و من علیهم ببلادهم، و ما فیها و أخذ ما عندهم من الخیل، ثم قفل علی المجرة و ناوش المنتفق مناوشة طراد خیل، قتل فیها صلطان بن حمود، ابن ثامر ثم أتی علی جنوب البصرة، و نزل قبال الزبیر، و البصرة و نهبوا فی الجنوب، و قتلوا و رجعوا سالمین.
و فیها حج سعود بن عبد العزیز بالناس الخامسة، و حجوا معه جمیع أهل نواحی رعیته من الحساء، و القطیف، و البحرین، و عمان و وادی الدواسر، و تهامة، و الطور و بیشه، و رنیه و جمیع الحجاز إلی المدینة و نواحیها، و ما بین ذلک من بلدان نجد و قضوا حجهم علی أکمل الأحوال، و اجتمع سعود بغالب شریف مکة مرات عدیدة، و تهادوا و تصاوغوا، و الشریف لسعود بمنزلة أحد نوابة و أمرائه الذین فی نجد بالسمع. و الطاعة، و انصرف بالمسلمین سالمین مأجورین إن شاء اللّه، و لم یحج فی هذه السنة أحد من أهل النواحی الشاسعة مثل الشام، و مصر، و المغرب، و العراق، و غیره إلّا شرذمة قلیلة، لا اسم لهم من أهل الغرب حجّوا بأمان، و شرذمة عجم و شبههم. و فی هذه السنة حج کاتب التاریخ حمد بن محمد بن ناصر آل مدلج الحجة الثانیة و للّه الحمد.
و فیها- أعنی سنة ثلاث و عشرین- أقبل علی السلطان مصطفی باشا من کبار الدولة من وراء اسطنبول بعسکر، و کان صدیقا لسلیم فألقی فی نفس مصطفی إنه یرید أن یدبّر فی عزله و تولّیه عمه سلیم المعتقل، و أشار علیه بعض وزرائه بقتل سلیم حتی ینقض عزمه، فقتله فخنق علیه
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 228
یوسف المذکور و من معه من أکابر الدولة، فعزلوه و اعتقلوه و قتلوا من وزرائه و حاشیته ما یزید علی عدة رجال، و وصلوا فی السلطنة أخاه محمود بن عبد الحمید علی صغره.
و فیها سیر سعود أسعده اللّه سریة نحو عمان قلیلة لنوع التعلیم و الاطلاع علی أمورهم، و وافقوا قیس بن أحمد بن الإمام راعی سحار، و جمیع باطنة عمان، و ابن أخیه إمام مسکة سعید بن سلطان، معهم من الجنود نحو عشرة آلاف رجل، أو یزیدون سائرین علی النواحی التی تلیهم من عمان ثم سلطان بن صفر بن راشد صاحب ابن الخیمة، و قوی اللّه عزم سلطان، و اجتمع علیه من أهل عمان کل من یلیه نحو ثلاثة آلاف رجل، و التقی هو و قیس عند خور فکان، و کسر اللّه جمع قیس، و قتل، و قتل معه من قومه خلق کثیر، یزیدون علی الألفین، غالبهم مات غرقا فی البحر، و صالح ولد قیس بمال و شوکة، و دخل تحت الطاعة و عاهد علی الإسلام.
و کذلک ابن أخیه سعید بن سلطان بن أحمد والی مسکة عاهدوا علی بذل مال کثیر، و صاروا جمیع أهل عمان دائنین بالسمع و الطاعة لأمیر المسلمین سعود و اللّه المحمود علی نصر دینه.
و کان الغلاء و القحط فی هذه السنة- أعنی سنة ثلاث و عشرین- علی حاله فی الشدة، و غلاء الأسعار انتهی سعر البر علی أربعة أصواع بالریال و الرز، و بعض الأوقات یشری علی ثلاثة أصواع و نصف، و التمر علی عشر وزنات، و بالمحدیة وزنتین، و عم الغلاء فی جمیع نجد، و الیمن، و التهائم، و الحرمین، و الحجاز، و الأحساء، و جمیع نواحی المسلمین. و أحدث اللّه مع ذلک مرضا و وباء، مرضا مات فیه خلق کثیر من جمیع نواحی نجد.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 229
و دخلت السنة الرابعة و الأمر علی ذلک من الغلاء، و المرض، و مات فیها أو فی التی قبلها من سواد الناس مئتین. و فیها- أعنی سنة ثلاث و عشرین- توفی عبد اللّه بن ناصر بن عبد اللّه فی شهر صفر أول السنة، و صار ابنه ناصر فی کفالة کاتبه ینفق علیه بنیة الرجوع علیه فی ماله، و ذلک من وقت وفاة أبیه و بعده فی جمادی مات حمد بن حسین بن عثمان العمیم. و فی ذی القعدة مات فراج بن جمادی، مات بن حسین بن عثمان العمیم. و فی القعدة مات فراج بن ناصر بن عثمان، و مات محمد بن سلطان قاضی الحساء العوسجی بعد عید النحر، و قبله مات عبد العزیز بن ساری، و فیها کسفت الشمس فی آخر شهر رمضان آخر النهار.

و فی سنة 1224 ه:

اشتد الوباء، و المرض خصوصا فی بلد الدرعیة حرسها اللّه فمکث علی شدته إلی شهر جمادی، و مات فی الدرعیة خلق کثیر من الغرباء، و السکان، حتی: إنه أتی علیهم أیام یموت فی الیوم الواحد ثلاثون و أربعون نفسا، و مات فیه من الأعیان القاضی حسین بن الشیخ محمد بن عبد الوهاب فی شهر ربیع الثانی و سعد بن عبد اللّه بن عبد العزیز، و أربعة من المعامرة، و علی بن موسی بن سلیم، و غیرهم.
و فیها مات فوزان ولد فراج، و بقی الغلاء علی حاله حتی حصد الزرع، و حصلت ثمرة الحب، فوقع اللین فی السعر و رجع الأردب فی المدینة النبویة بثمانیة ریالات، و رجع البر فی الدرعیة و ما حولها من البلدان علی سبعة أصوع بالریال.
و فیها جری وقعة بین الظفیر هم و عنزة، واقعوهم شمر، و بادیة العراق، و معهم عسکر باشا بغداد سلیمان، و نوخوا الظفیر، و عنزه مدة أیام، و ضیّقوا علیهم، و بعدما أیقنوا بالکسر و الأخذ تشجعوا و باعوا
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 230
أغلبهم، و نصرهم اللّه و کسرة عظیمة، و قتلوا من العسکر من البادیة ناس کثیر، و غنموا من الخیل، و الإبل، و المتاع ما لا یحصی و أمیر الظفیر الشایوس ولد عفنان، و أمیر عنزة الدریعی بن شعلان، و نایف، و کاتبوا آل ظفیر و عنزة، و الأمیر سعود بعد الوقعة، و طاحوا علی الإسلام، و ظهروا إلی نجد.
و فی هذه السنة- أعنی سنة أربع و عشرین- نشأ سحاب، أرعد، و أبرق، و أمطر و سالت منه نواح، و شعاب کثیرة، و بلدان منها حکر العین المعروفة فی بلد العیینة امتلأ بسیل عظیم ما علیه مزید فاض، و وصل فیضه الجبلیة، و کل ما یلیه من الشعاب و بعض سدوس و بعض نخیل حریملاء سال و الصفرة، عم السیل جمیع نخیلها، سیل غزیر عم جمیع النخیل، و غرقت البلدان حتی إن بعضهم انتفعوا علی الحلل، و المنازل من الخراب، و الغرق، و کذلک بلدان الأفلاح، و سال من البیر أکثر من نصفها و جری عبیثران، و سال الحریق، و الحوطة، و الخرج، و وقوع هذا السیل لاستهلال شهر جمادی الثانی وقت ظهور الهقعة التی تسمی الجوزا مع الفجر، التی نوبها المرزم فی حساب أهل الحرث، و ذلک فی آخر شهر حزیران الرومی، أو فی أول تموز، و هذا لم یعهد فی هذه الناحیة منذ زمان، فسبحان المتصرف، و هو وقت دخول الشمس السرطان. و تزاید الرخص فی أسعار الطعام، فلما صرم النخیل رجع سعر التمر فی العارض علی ثلاثین وزنة الریال، ثم بعد ذلک فی القصیم علی أربعین و أزید، و الحب فیه علی خمسة عشر فی العارض و نواحیه علی ثمانیة أصوع و تسعة، و عشرة.
و فی هذه السنة حدث من حمود بن محمد أبو مسمار الخیراتی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 231
النموی من نسل أحد من أبی نمی شریف تهامة، من المخالفة ما حکم لأجله بنقض عهده، فکتب إلیه الإمام سعود و أمره أن یلتزم أحکام الشریعة، و یحارب أهل صنعاء، و نجران، و غیرهم من الأعداء، و ینقاد للطاعة، فلم یفعل فنبذ إلیه، و أمر أهل النواحی الحجازیة، و التهامیة، و الیمیة، و من یلیهم من أهل الإسلام بالمسیر إلیه و محاربته، و سیر من الدرعیة فرسان انتقاهم مع نایبة غصاب العتیی، و جعله ناظرا علی أمر النواحی عن المخالفة لعبد الوهاب بن عامر، لأنه أمیر علی الکل، فسار عبد الوهاب بجمیع رعایاه من عسیر و ألمع، و غیرهم من أهل الطور، و تهامة، و سار علی بن عبد الرحمن المضایفی بجمیع رعایاهم من الطائف، و قراه، و بوادی الحجاز جملة، و سار فهاد بن سالم بن شکبان بأهل بیشه و نواحیها و جمیع رعایاه بن حاضر، و باد، و سار مشیط، و ابن وهمان، و من یلیهم بجمیع رعایاهم من شهران و غیرهم.
و سار ابن حرملة بجمیع عبیده، و جمیع رعایاه من جنب، و غیرهم و ساروا قحطان مع أمرائهم المعروفین، فاجتمع ما ینیف علی 50 ألف مقاتل، و حشد حمود بمن معه من أهل تهامة، و أهل نجران، ویام، و من دهم، و قبائل حاشد، و بکیل، و من یلیهم من قبائل همدان، و جعل بعض المقاتلة فی الحصون التهامیة، کل حصن ضبطه بعسکر و اقبل معه نحو ثلاثة آلاف مقاتل، و الخیل نحو أربع مئة فارس، و التقی هو و المسلمون فی وادی بیش، و قدر اللّه وقت الملاقاة و المجاولة الأولی أن جمع عسیر ینکسون، و قتل الأمیر عبد الوهاب بن عامر فی تلک الحشدة، و قتل معه عدة رجال و صارت کسرة علی المسلمین أولا، ثم ثبت اللّه أقدامهم و أنزل علیهم السکینة و النصر، و صرف اللّه وجوه العدو و سار المسلمون فی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 232
ساقتهم یقتلون، و یغنمون و استولوا علی بعض خیام العدو و محطتهم.
و انهزم أبو مسمار و من معه لا یلوون علی أحد إلی أن تزین حصنهم أبو عریش، وهب المسلمون ظاهر صبیا، و نواحیها، و غنموا و استولوا علی حصنها صلحا، و جعلوا فیه عسکرا مرابطین، و سیّروا السرایا فی تهامة، و قتلوا و دمروا، و غنموا، و نالوا، و نیل منهم، و انقضت الوقعة عن قتلی کثیرین من الفریقین متعادلة الطرفین نحو المئتین قتیل، و قفل المسلمون سالمین غانمین.
و غنم أهل السفن التی فی البحر للمسلمین غنائم کثیرة من بندر جازان قهوة، و غیرها، و الوقعة المذکورة فی وادی بیش علی رأس جمادی الثانی من هذه السنة سنة أربع و عشرین، و اللّه المحمود، ثم جری بینه و بین من یلیه من نواحی المسلمین مناوشات، و غارات، و ثغر صبیا علی حاله ضابطین المسلمین، و حمود مستوطن فی بلدة أبو عریش و یده علی ما فزاه من تهامة، و علی البندرین المحمیة، و الحدیدة.
و فی هذه السنة سنة أربع و عشرین حج سعود بن عبد العزیز أسعده اللّه بالناس حجته السادسة، و أجملوا معه للحج جمیع أهل العارض و نواحیه، و جمیع من شملته مملکته من المسلمین، من أهل القصیم، و جبل طی‌ء، و الیمن، و الحساء و نواحیه، و قضوا حجهم علی أحسن الأحوال، و لم یحج أحد فی هذه السنة من قبل السلطنة لا من الشام، و لا مصر، و لا العراق، و لا غیر ذلک.
و فیها حدث من الخلیفة أهل الزبارة و البحرین من المعصیة، و المخالفة ما حکم بردتهم لأجله، و نقض عهدهم و بعث سعود جیشا مع
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 233
محمد ابن معیقل، ثم أتبعه عبد اللّه بن عفیصان بجیش، و نزلوا عند الزبارة فضبطوهم حتی قفل سعود من الحج.

و فی سنة خمس و عشرین:

لما قفل سعود بن عبد العزیز من الحج قدموا الخلیفة سلمان بن أحمد أمیرهم و أخوه عبد اللّه بن خلیفة، و أولادهم و خلیفة بن شاهین، و معهم کلیب النجادی و غیره من أعوانهم، و کبار رعیتهم وافدین علی سعود کرها، و قد أخذت جمیع خیلهم، و رکابهم و غیر ذلک من الشوکة، فلما قدموا قرر علیهم سعود ما حدث منهم، ثم اعتقل رؤساءهم المذکورین، ورد الأبناء، و بقیة الرعیة، و الأعوان إلی بلدهم، و أقر علی بن محمد علی إمارته فی الزیارة، و عبر فهدین عفیصان ضابطا للبحرین، و استقر فی بیت مال ثم إن ابنی آل خلیفة نقلوا محرمهم، و أموالهم و متاعهم فی السفن، و هربوا إلی إمام مسکة، ثم استنصروه هو، و النصاری الذین عنده، و جمیع سفن بنی عتبة، و ساروا علی البحرین و أحاطوا بها، و بندروا عند الزبارة و أظهروا بقیة رجالهم، و ما فیها من المال و المتاع، و دمروها جملة، و ارتحلوا و نازلوا فهد بن عفیصان و المرابطین الذین معه فی قصر المنامة 300 رجل، و آخر الأمر أنهم أخرجوهم بالأمان علی دمائهم، ثم أمسکوا منهم فهد بن سلیمان بن عفیصان معه نحو ستة عشر رجل رهینة فی رؤسائهم الذین أمسکوا فی الدرعیة، و غزا سعود غزوة المزیریب و هم فی الاعتقال.
ثم أنه أطلقهم فی شوال، و حذرهم مع شوکة من المسلمین واعدین بنزول الزبارة، و استدنا بینهم و قرابتهم، و رعایاهم للدخول فی الإسلام، و الطاعة فلم یوافقوهم، و لم یتم أمر فرجعوا إلی سعود فأطلقهم، و أذن لهم فی التوجه إلی البحرین، و الاجتماع بأولادهم و أهالیهم، فإن شاؤوا
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 234
اتفقوا علی الصلح دخلوا، و أن أبو فاللّه المستعان علیهم و أطلقت من عندهم من الأسری الذین أمیرهم فهد بن سلیمان بن عفیصان، و بعدما وصل آل خلیفة جری بینهم و بین طوارف المسلمین الذین فی قطر، و هم:
أبو حسین أمیر الحویلة، و رحمة بن جابر العذبی أمیر خویر حسان، و ابن عفیصان إبراهیم أمیر الشوکة و المرابطین و من معهم من الرعایا وقع بینهم وقعة عظیمة، و ذلک فی شهر ربیع الأول التقو فی السفن و تواقعوا و کثرت القتلی بینهم، ثم اشتعلت النار فی السفن و مات خلق کثیر من الفریقین قتلا، و حرقا، و غرقا، و احترقت السفن بمن فیها، و احترق لابن جابر و أبی حسین، و من معهم نحو سبع کبار و لآل خلیفة مثله، و قتل دعیج بن صباح، و راشد بن عبد اللّه بن أحمد، و قتل من المسلمین نحو 200 منهم، أبو حسین أمیر الحویلة.
و فی هذه السنة عزم سعود بن عبد العزیز أعزه اللّه علی غزو الشام، و استنفر جمیع النواحی من الحضر و البدو، و سار بجمیع شوکة أهل نجد من وادی الدواسر إلی مکة و المدینة إلی جبل علی، و الجوف، و ما بین ذلک من حاضر و بادیة، و سار خارجا من الدرعیة لثلاث عشرة لیلة مضت من ربیع الثانی قاصدا نقرة الشام المعروفة، لأن بادیتهم من عنزة، و بنی صخر و غیرهم مذکورون فیها، فلما أتاها لم یجد فیها أحدا من البادیة فمشی علی القری، و قد انهزم جمیع أهل القری التی حول المزیزیب، و بصری، و نهبوا ما مروا علیه مما وجدوا فیها من ثقل المتاع، و الطعام و أشعلوا فیه النار، و نزلوا عین البجة و ارتووا، و سقوا منها، و طاردوا خیلا فی قصر المزیزیب و ألجؤوهم إلی القصر، و لم یحب سعود الحشدة علی الحصن لأجل احتصان أهله فیه مظلة المسلمین، ثم نزلوا عند بصری
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 235
عشیة، و باتوا لیلتهم و رحل بالمسلمین الصبح و ترکهم لأجل احتصانهم، و رجع المسلمون قافلین غانمین سالمین، معهم مغانم کثیرة من الخیل قریب مئة رأس، و من المتاع، و الأثاث، و الطعام شی‌ء کثیر، و قتلوا عدة قتلی، و رجف اللّه الشام لهذا المغزی: دمشق و غیرهما من البلدان، و جمیع البوادی و استقر عندهم أن مالهم فیها مقام حاضرهم و بادیتهم حین تحققوا أن جیوش الإسلام تأتیهم فی مأمنهم. و أوطانهم، و اللّه المحمود علی نصر دینه، و خزی أعدائه.
و فی هذه السنة رخصت الأسعار بلغ البر ثلاثة عشر صاعا و زیادة فی الریال، و الذرة سبعة عشر، و التمر سبعة و عشرین و ثلاثین و صار یسلم فی مستقبله علی خمس و أربعین و خمسین وزنة بالریال، و الحب علی ثمانیة عشر صاعا، و عشرین، و رخص الطعام فی الحرمین بیع إردب البر فی المدینة بأربعة ریالات، و مجلاد التمر بریال، و کوز الدهن بریالین، و إردب الأرز الهندی بسبعة.
و فی شهر ذی القعدة من هذه السنة مات الشیخ العلامة المتقن حسین بن أبی بکر بن غنام مفتی الأحساء رحمه اللّه.
و فی هذه السنة حج سعود أسعده اللّه بالناس حجته السابعة، و أجمل معه جمیع أهل النواحی من الجبل، و الجوف، و الحساء، و عمان إلی وادی الدواسر إلی عسیر، و ألمع، و جمیع أهل تهامة، و من یلیهم، و جمیع أهل الحجاز إلی المدینة، و ینبع و ما بین ذلک و قضوا حجهم علی أحسن حال، و لم یحج من أهل النواحی الشاسعة ممن تحت ولایة الروم لا من الشام، و لا من مصر و لا من العراق، و کذلک کل من لیس تحت
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 236
ولایة الإسلام مثل صنعاء، و نواحیها، و مکة و نواحیها إلّا أن أناسا من أهل الغرب استأذنوا سعود فی الحج و أظهروا المعاهدة علی الدین و حجوا هم و من خالطهم من جهتهم.
و فی هذه السنة سار عثمان بن عبد الرحمن المضایفی أمیر الطائف علی تهامة، و أوقع بعسکر کثیر للشریف حمود أبو مسمار، و مع عثمان جنود کثیرة، و کسر اللّه عسکر حمود، و قتل منهم مقتلة عظیمة، و بعد ما قفل عثمان و سار طامی أمیر عسیر بعسکر عظیم من أهل الحجاز، و من قحطان، و غیرهم و توجهوا إلی البندر المعروف باللحیة، و فتحها اللّه لهم عنوة، و غنموا غالب ما فیها من الأموال التی لا تحصی بعدد، و قتلوا من أهلها خلقا کثیرا هلک قریب الألف، و دمّروا البلد و أشعلوا فیها النیران.
و فیها سار عثمان المضایفی ثانیة بعسکر عظیم من رعایاه، و من عسیر و الحجاز و بیثة، و نواحیهم و قحطان و غیرهم من البوادی إلی تهامة، و فتح اللّه لهم الحدیدة البندر المعروف، و استولوا علی غالب البلد، و صار الخبر قد بلغهم و دفعوا خفیف الأموال و المتاع فی السفن، و أخذوا ما وجدوا فیها من ثقیل المال و المتاع.
و فی هذه السنة 1225: ولد الابن المبارک أصلحه اللّه زامل بن حمد بن محمد لعشر لیال بقین من ربیع الثانی و فی سنة 1247 ه ولد الابن المبارک إن شاء اللّه محمد بن زامل بن حمد بن محمد بن ناصر لیلة الجمعة عاشر صفر.
و فی آخر السنة السابعة المذکورة توفی أمیر الروضة عبد اللّه بن عثمان بن شبرة بن عمر بن سیف بن عمر بن مبارک بن عمر البدرانی فی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 237
ذی القعدة، و حج سعود بالناس حجته التاسعة و قضوا حجهم و قفلوا ثم إنه جر جری. بعد انقضاء الحج ما جری.
ثم دخلت السنة الثامنة و العشرون، و فی یوم الثلاثاء سبع بقین من المحرم خرج عثمان المضایفی من الطائف بحریمه، و عیاله، و غالب خیله، و ما خف و فر البدو، و لحق عبد اللّه، و نزل المدینة ثم بعد ما قفل عبد اللّه استقر و الترک فی مکة، و اجتمعوا هم و الشریف، و بعد ذلک نزل ولد الباشا أحمد طوسون فی قصر القرارة من مکة.
و صار مصطفی، و راحج، و ولد غالب فی الطائف و ارتدوا رعایا عثمان من نواحی الطائف، و أطرافه، و زهران، و غامد، و غیرهم و ثبتوا أهل تربة و رنیة و بیشة، و جمیع الحجاز الیمانی، و سار الشریف و الترک علی تربة، و سار المسلمون الحجازیون، و جری وقائع فی عند تربة، و خذلهم اللّه ثم فی وادی الحما، و زهران، و طاحوا زهران، و غامد و رجعوا و کذلک ارتد من عتیبة أخذ منهم من أخذ، و حارب من حارب، فلما کان فی آخر ربیع انسلاخه، سار الأمیر سعود حفظ اللّه بالناس و الجیش المنصور من جمیع النواحی، و توجه الحناکیة.
و فیها رتبة الترک مع عثمان کاشف، و مع الذی علیها فر بوادی حهب، و نصره اللّه علیهم و هجوا البدو، و خلوا محلهم، و نقلهم، و نساءهم، و بیوتهم و ثقیل ما فیها یزنوا الحرة بأعماهم، و دبشهم، و نازلوا المسلمین الذین مع عثمان الکاشف فی قصر آل هذال نحو مئتین عسکری إلی أن نزلوا بالأمان و سلمهم سعود و سفرهم مع ابن علی لجهة العراق، و سار متوجه المدینة، و أغار و أخذ علی حرب غنائم کثیرة فی نواحی البلد
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 238
عند أبی الرشید، و صادفوا ناحیة فی عسکر المسلمین مقدمة من خیل الترک، و قتلوهم قریب عشرین، ثم نزل البرکة، و غنم و دمر، ثم الحساء، ثم سار متوجه السورقیة، و نازلها، و أخذهم اللّه، و صالح أهلها علی الحلقة بأخذها و شطر ما تحت أیدیهم، و دمر نخلها و خرب منازلهم و هدم قصرهم و عاد قافلا بمغانم کثیرة.

و فی سنة 1228 ه:

مات أمیر ثادق ساری بن یحیی یوم الأربعاء أول یوم من رجب رحمه اللّه.
ثم لما کان عاشر شعبان نزل مصطفی عند تربة خیله ستمائة، و معه راجح فی عسکر من العرب و خیل و معهم مدافع و نازلوها ثلاثة أیام، و قبل مدة فی بیشه و سؤالهم و عقوبتهم علی المحضة، و کسرهم اللّه و انهزموا و استولی المسلمون علی المحضة، و قتل منهم أکثر من سبعین قتیلا، و رجعوا خائبین مهزومین هذا و غالب فی عسکره سایر غازی، و أخذ المورکة للغریف، و جاء حفر کسره مصطفی حاز مقولة، ثم تلاقی هو و مصطفی الطائف.
و فی هذه السنة أعنی سنة ثمان و عشرین وقع فی العراق بعض الاختلاف من حمد ولد سلیمان باشا من عبد اللّه باشا صاحب بغداد، و فرا إلی حمود ابن ثامر هو و قاسم بیک، و بعث عبد اللّه لحمود، و منعهم و سار عبد اللّه بأهل العراق علی حمود، و جمع المنتفق و من علی حله، و جرت المواقعة بینهم و نصر اللّه حمودا و خان بعض عسکر الباشا مثل شمر و بعض الکرد، و صارت هزیمة، و أسر عبد اللّه باشا، و ناصر الشبلی، و غیرهم و قتل قتلی کثیرون؛ و جرح برغش بن حمود، ثن إنه مات و قتلوا عبد اللّه
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 239
باشا و سار حمود وجه أسعد لبغداد، و ملک العراق و رجع.
و فیها اجتمع مع عثمان المضایفی شرذمة من عدوان و غیرهم و ساروا إلی ملک له قصران أو ثلاثة من أعمال الطائف، و نزل قصر یقال له بسل، و حین تحقق غالب نزوله سار إلیه بجنوده، و بالترک الذین عنده، و حصر القصور الذی حوله مما استولی علیه و آخر الأمر إنه فر و قتل قومه الذی عنده، و بعد هذا مسکه أناس من العصمة و جاؤا به إلی غالب، و أمسکه أسیرا، و قتل فی هذه الکرة من قرابته و أتباعه ما ینیف علی السبعین، و کان مسار غالب له لعشر سنین من رمضان.
فلما کان عشر من ذی القعدة قدم الحاج المصری و العسکر وزیر مصر محمد علی باشا لا نصره اللّه و خذله، و بعد ما دخل مکة و استقر القرار فیها و اجتمع بالشریف غالب أمسکه و أحاط بالجمیع بما یملک من الأموال، و الآثاث، و المتاع، و الطعام، و الحلقة، و الممالیک، و استولی علی قصره الذی فی جیاد، و أخرج محرمه و عیاله و أمسک کبار بنیه معه و نصب ابن أخیه یحیی بن سرور، و نادی بالأمان فی البلد، و ادّعی أنه أمر سلطانی و کان قبضه علی غالب، لعشر بقین من ذی القعدة، و فر غالب الأشراف و اتباع غالب فی الجبال و البوادی.
ثم إنه سیر غالبا و ابناه عبد اللّه و حسین إلی مصر و بعد هذا أراد نصب راجح الشریف، و أن یکون بابا للعرب، فلم یأمنه راجح و فر عنه فی شرذمة من الخیل، و نزل علی غزو المسلمین أهل الحجاز عند تربة و خرج یحیی بن سرور فظهر الغزو، و من حوله شرذمة من الترک مثلهم من العرب، ثم إنه استقر محمد علی فی مکة، و سیر ابنه أحمد طوسون
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 240
بالعساکر إلی جهة حجاز الیمن و أدنی ما یلیهم تربه، و قد حصنها الأمیر سعود و أعد فیها مرابطیه وعدة للحصار و استقر أهل الحجاز و الیمن، و صاروا عندها مرابطین حولها و نزل العسکر المصری کالآخ، من ثم سار إلی تربة، و نزل عندها سلخ صفر و حاصرها أربعة أیام یرمی قصورها بالمدافع، و القنابل فکف اللّه و لم یؤثر شیئا، ثم أنزل اللّه فی قلوبهم الرعب و رجعوا عنها بعد ما قتل منهم أکثر من رجل، و لیس مع الترک فی هذه الوقعة من العرب إلّا قلیل مثل بنی سعد، و هویل، و ثقیف، و ناصره.

و فی سنة 1229 ه:

و فی محرم منها سار حجیلان، و محمد بن علی بأهل القصیم و الجبل جیشهم نحو ثلاث مئة و زیادة، و معهم من البدو قریب ذلک و أغاروا علی حرب عناد الدونی، و من معه من بنی عمرو، و غیرهم بوزن الحناکیة، ثم تحشد علیهم حرب، و صارت علیهم کسرة، و فیها ظهر فی نجد جراد و دبا أکل غالب الزرع.
و فی هذه السنة مات الإمام سعود بن عبد العزیز رحمه اللّه و عفا عنه، و کانت وفاته لیلة الاثنین حادیة عشر شهر جماد الأولی، فکانت ولایته عشر سنین و تسعة أشهر، و أیام و بایع الناس ولی عهده ابنه عبد اللّه جعله اللّه مبارکا أینما کان. و کان حین مات والده فی الغزو و بلغه الخبر و هو قافل من مغزا أصاب فیه علی حروب و عبادلة، و عتبان، و غیرهم.
و بعد وفاة الإمام سعود بثلاثة أیام مات رئیس الکویت عبد اللّه بن صباح العتبی، و فی أثناء شهر رجب توفی قاضی سدیر علی بن یحیی بن ساعد، و فی تاسع و عشرین منه کسفت الشمس ضحی.
و وقع فی بلدان سدیر و منیخ وباء و مرض عظیم فی هذه السنة مات
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 241
فیه خلق کثیر، و أکثر من مات فیه من أهل جلاجل بین الکبیر، و الصغیر، و الذکر، و الأنثی
و فی هذه السنة سیر محمد علی عسکرا کثیفا وجهه إلی ناحیة الیمن حال استقراره بمکة وجهه برا و بحرا، سیر أکثر من أربعین سفینة، و رسوا عند القنفذة و فیها عسکر من عسیر نحو خمسمائة مقاتل و حاصروهم، و رکبوا علیهم المدافع و القنابر، و آخر الأمر أنهم أظهروا لهم الأمان، و استولوا علیها و کان أمیر عسیر طامی قد سار بجمیع الشوکة متوجها إلی الحجاز فبلغه الخبر، و رجع و معه نحو ثمانیة آلاف مقاتل فقاتلوهم و نصرهم اللّه علیهم، و أخذوا من خیلهم ما یبلغ خمسمائة، و من الرکاب، و المتاع، و السلاح، و الزاد ما ینیف عن العد حتی قیل إن الخیام تزید علی الألف، و انهزم شریدهم فی السفن، و ذلک أنهم یوم انکسروا توجهوا إلی السفن و یوم وصلوا السفن نزلوا عن خیلهم، و رکبوا السفن، و غنموا عسیر جمیع خیلهم مع رحائلهم و خیامهم.
و فی هذه السنة حج المحمل الشامی، و المصری و قضوا حجهم و انصرفوا و أبقوا عند محمد علی رحائل، و ذخائر، و أموال قد أتوا بها من قبل الدولة.
بعد دخول سنة 1229 ه: ثم إن غالبا أرسل عرضا، و شکایة السلطان، و هو مختبی‌ء فی مصر بعد ما أقاموا فیها نحو خمسة أشهر.

و فی سنة 1231 ه:

فورد الأمر من الدولة بأن یکون فی سنابک و یقام بما ینوبه و یرد علیه من أمواله فأقام بها حتی مات بالطاعون.

و فی سنة 1229 ه:

مات فی صفر أمیر عنیزة إبراهیم بن سلیمان بن
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 242
عفیصان، و قاضی الحویلة، و الحریق الشیخ سعید بن حجی، و توفی بعده تلمیذه راشد بن هوید.

و فی سنة 1230 ه:

فی المحرم کسف القمر فی نهایة لیلة الکسوف، و فیه مات عبد اللّه بن محمد بن سعود و فی آخره مات إبراهیم بن سدحان للیلتین بقیتا منه.
و فی أول صفر لثلاث مضین منه جرت المواقعة بین فیصل و الترک، و ذلک أن فیصل حین قدمت علیه عساکر الحجاز طامی فی عسیر، و المع، و من یلیهم و من دونهم من زهران، و غامد و غیرهم قدموا نحو عشرین ألفا، و أرسلوا لفیصل، و ظهر علیهم، و کان معه نحو عشرة آلاف، و اجتمعوا فی غزایل و ساروا منها، و تلاقوهم و الترک عند بسل و تنازلوا و وقع بینهم قتال و طراد طول یوم، و قتل فی العدو کثیر، فلما کان الیوم الثانی و قد لحق بهم محمد علی وقع القتال، و وقع کسرة فی ناحیة جموع المسلمین من قبل زهران و غامد، ثم عسیر و اتصلت الکسرة علی جمیع العساکر الإسلامیة لا یلوی أحد علی أحد، و وقی اللّه شرها، و کف اللّه أیدی الترک و لم یقتل إلّا القلیل.

و فی سنة 1231 ه:

سار عبد اللّه بن سعود بالجیوش من جمیع نواحی المسلمین الحضر و البدو، و توجه إلی القصیم، و هدم سور الخبراء، و البکیریة، ثم سار إلی جهة بوادی الحجاز من عنزة، و بریة، و حرب، و لا یسر اللّه إنه یدرک أحد، و انهزموا و أدرک شواوی من مطیر، و غیرهم، و غنم علیهم غنم کثیرة، و کان قد وجه محمد بن حسین بن مزروع و عبد اللّه بن عون بالمکاتبة و هدایا إلی محمد علی باشا لتقریر الصلح، فلما وصلوا إلیه وجدوه قد تغیر.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 243
و فیها توفی غالب بن مساعد بن سعید المعزول عن ولایة مکة و مات فی آخر رمضان، و فیها مات أحمد طوسون بن محمد علی باشا فی مصر فی آخر شوال، و فیها سیر محمد علی باشا ابنه إبراهیم بعسکر من مصر ضابطا للمدینة، و تواجیها، ثم سار إلی الحتاکیة، و استوطنها، و شید بنیانها.

و فی سنة ثلاث و ثلاثین و مائتین و ألف:

فی ذی القعدة استولی إبراهیم باشا علی الدرعیة أمر إبراهیم باشا بتدمیر الدرعیة، و قطع نخلها و دفن أبارها و إجلاء أهلها و تفریقهم فی بلدان نجد، و أمر جمیع آل مقرن، و آل الشیخ فانتقلوا بأهلیهم إلی مصر، ثم توجه إبراهیم إلی مصر فی آخرها.

و فی سنة 1235 ه خمس و ثلاثین و مائتین و ألف:

ظهر محمد بن مشاوی بن معمر و نزل الدرعیة، و عمرها، و عاهده أهل نجد، ثم بعد ذلک جاء مشاری بن سعود و نزل الدرعیة و صار الآمر له.

و فی سنة ست و ثلاثین و مائتین و ألف:

ظهر لنجد حسین بیک بالدولة، و توجه إلی العارض، ثم بعد ذلک أمسک مشاری و محمد بن مشاری، و قتلهم و نزل، ثرمدی، و أجلا الذین نزلوا الدرعیة، و أنزلهم عنده إلّا من شرد منهم، ثم بعد ذلک قتلهم کلهم صبرا، ثم أمر علی البلدان بدرا، هم و أخذ من شقرا قدر ثلاثین ألف ریال، و أخذ من جمیع البلدان کذلک، و فعل بأهل نجد الأفاعیل العظیمة، ثم بعد ذلک توجه إلی مصر.
و فی آخر هذه السنة عدو أهل جلاجل علی التویم، و تواقعوا فی النخیل، و قتل من أهل التویم عبد اللّه بن فوزان بن مغیر، و سلیمان بن
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 244
محمد بن عیدان، و ناصر بن عثمان بن سلیم، و قتل من أهل جلاجل ثلاثة أو أربعة، و فی خامس ذی الحجة عدو علیهم أیضا. و أصیب محمد بن علی من أهل جلاجل، و فی یوم عرفة عدا علیهم أیضا و أصیب علی أهل جلاجل محمد بن عمر و عبد العزیز بن حسین.

و فی سنة 1237 ه:

ظهر لنجد حسن أبو ظاهر، و فعل بأهل الجبل ما فعل وطب القصیم، و وجه له عسکرا، و نزلوا الریاض، و حربوه أهل القصیم، و صرفه اللّه عما أراد و راح لمصر عسکره الذین فی الریاض عند أبی ناصر، و غزوا، و ذبحوهم سبیع إلّا القلیل و باقیهم رجع إلی الریاض، ثم بعد ذلک سنة 1239 ه ظهر ترکی، و حربهم فی الریاض، و أظهرهم و نحروا المدینة و ملک ترکی جمیع بلدان نجد، و فیها جاء الشیخ عبد اللّه بن عبد الرحمن أباطین من الروضة، و کان قد انتقل إلیها و صار اماما فی شقرا و قاضیا فی بلدان الوشم و غیرها.
و فی هذه السنة أعنی سنة 1237 ه، و فی أول المحرم منها قتل سوید بن عثمان بن عبد اللّه بن إدریس، و فی لیلة النصف منها استولی سوید بن علی الروضة.

و فی سنة 1238 ه:

و هی سنة نزولنا التویم أقبل ترکی بن عبد اللّه نصره اللّه فی رمضان، و دخل عرقة، و ضبطها، و قدم فیها، و أخر و حارب أهل الریاض و منفوحة، و فیها عسکر لمحمد علی مع أبی علی بن یوسف البهلولی، و نحو ثلاثمائة و تم الحرب بینه و بینهم و کاتب أهل سدیر، و طلب منهم النصرة أهل حرمه، و أهل الحویلة، و العطار و العودة و أهل المحمل، و أقاموا عنده مدة یسرة، و واقعوا الروم معه، ثم رجعوا لبلدانهم
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 245
و ساروا أهل الریاض علی عرقه، و صرموا غالب ثمارها، و قطعوا بعض نخیلها، و ذلک فی أوائل السنة التاسعة ثم انصرفوا و بقی الحرب علی حاله هذا و أهل حریملاء، و ثرمدا، حاربین و بقیة أهل سدیر، و الوشم متوقفین، فلما کان فی رمضان بعد ما قدم محمد بن عبد اللّه بن جلاجل و ابن عمه راشد بن عثمان بن راشد بن جلاجل من الزبیر و سعوهم، و إبراهیم ابن فریح بن حمد بن محمد بن ماضی فی نکث الصلح بین سوید، و بین أهل الروضة و التویم، و عشیرة، و تم لهم ذلک سطو علی سوید فی جلاجل لیلة سبع و عشرین من رمضان، و السطوة آل جلاجل و فداویتهم إلی ظهر و معهم نحو عشرین رجال و عصابة من أهل عشیرة، و من أهل التویم و الروضة و أمعنوا فی جلاجل حتی بلغوا باب القصر و قضب المسجد الجامع و بیت ضیف اللّه بن شهیل، و أعلنوا أنهم ملکوا البلد فأراد اللّه غیر ذلک صار سوید و معه شرذمة من قومه فی المجلس خارج القصر، و صار من أهل جلاجل و فداویتهم و إبراهیم بن فریح، و أهل التویم، و من معهم من أهل الروضة علی لمجلس قاضوا علی سوید، و الذی معه و جری بینهم قتال، و ضرب إبراهیم بن فریح ببندق فی رأسه و مات فی مکانه بعد ما قتل من أهل جلاجل اثنین أو ثلاثة، ثم أن السطاة انخذلوا فلما انهزموا اتجه سوید و قومه إلی عشیرة و من معهم و استأصل غالبهم و الذی قتل من السطاة من أهل عشیرة محمد بن ناصر بن حمد بن ناصر بن عبد اللّه بن عشیری، و ناصر بن عبد اللّه بن فوزان بن عبد اللّه بن حمد بن مانع بن عشیری، و موسی بن عبد اللّه بن موسی، و من مشاهیر أهل الروضة محمد بن عبد اللّه بن سلیمان بن الکلبی و من أهل التویم محمد بن إدریس، و عبد العزیز بن خنین، و جمیع من قتل من اثنین، و قتل من أهل جلاجل سلیمان بن فوزان بن سویلم.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 246
ثم إن أهل جلاجل، و أهل التویم، و عشیری سعوا فی سطوة ثانیة، و بعد ما عزموا أطفأ اللّه الفتنة بترکی بن عبد اللّه، و کاتبه سوید، و سعی أهل ثادق فی جذب ترکی هم و أهل المحمل رکبوا إلیه ثم کاتبه أهل سدیر و سلموا له و لاقوه فی ثادق، و أقبل هو و إیاهم و بایعوه أهل سدیر، و منیخ، و أقام فی المجمعة قریبا من شهر ضبط قلعتها و قصرها، و رتب فیه محمد بن صقر وعدة رجال و تقوی منها بسلاح، ثم سار بغزو أهل سدیر و المحمل و غیرهم قاصدا حریملاء، فنازل أهلها و وقع بینهم الحرب قتل منهم عدة رجال، ثم إنهم طلبوا الصلح فوافقهم علی ذلک، ثم سار بمن معه و نازل منفوحة، فأخذها و ضبطها و أظهر من فیها من الترک، ثم نازل الریاض و جری بینهم وقائع.

و فی سنة 1240 ه:

کاتب أبو علی کبیر الترک ترکی فی الصلح، فوافقه الإمام ترکی و جری الصلح بین الفریقین، ثم سار ترکی بمن معه من قومه و أهل الحریق و الحوطة، و العارض و حریملاء، و الحمل إلی الوشم فدخل شقراء و أقام فیها أیاما.

و فی سنة 1242 ه:

وقع القحط و الغلاء فی جمیع البلدان حتی وصل العیش خمسة بالریال، و التمر عشر، وزان بالریال.

و فی سنة 1243 ه:

اشتد الغلاء حتی مات خلق کثیر من جمیع البلدان، و فیها نزل الغیث علی جمیع البلدان و کثر العشب و الجوع علی حاله.

و فی سنة 1244 ه:

نزل الغیث علی جمیع البلدان، و أعشبت الأرض و الجوع علی حاله مات منه خلق کثیر و فیها وقع الوباء بحلة بلدان
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 247
نجد، و مات منهم خلق کثیر، و هو الذی یسمونه العقاص، و فیها رخص الزاد حتی بلغ خمسة و عشرین صاعا بریال، و التمر أربعین وزنه و فیها فی شهر ربیع الأول مات الشیخ حسن بن حسین بن شیخ محمد بن عبد الوهاب رحمهم اللّه تعالی.

و فی سنة 1245 ه:

غزا فیصل بن ترکی، و ناوخ بنی خالد فی الصمان و کبیرهم ماجد بن عریعر، و أقاموا أیاما، ثم توفی ماجد ثم ظهر و نحرهم و أداله اللّه علیهم، و أخذ جمیعهم إلّا القلیل، و ذلک فی شهر رمضان، ثم سار فی أثرهم و قصد الحساء، و أخذه بغیر قتال، و کذلک القطیف ثم أقام فی الحساء، أیاما و عاهده أهل البلدان ثم توجه إلی الریاض، و فیها وقع الرخص، و الخصب لم یعهد فی أزمنه مثله حتی أنه بیع أربعون صاع حب بریال و ثمانون وزنه تمر بالریال فی جمیع بلدان نجد حتی بلدان الوشم.

و فی سنة 1246 ه:

و الرخص بحاله و تأخر المطر إلی الصیف ثم جاء مطر کثیر خرب فی کثیر من البلدان، و جاء جراد کثیر ودبا، و أکل الأرض، و جملة الأشجار، و فیها حجوا أهل نجد، و والی مکة محمد بن عون، و حجوا جمیع أهل الأقطار، و وقع فی مکة وباء عظیم مات فیه ما لا یحصبه إلّا اللّه فی جمیع أهل الأقطار الحاضرین فی مکة حتی أن الموتی ترکوا ما یجدون من یدفنهم، و مات فیه من أعیان أهل نجد خلق کثیر.
و فی رمضان من هذه السنة مات الشیخ العالم العلامة محمد بن علی بن سلوم رحمه اللّه تعالی کانت وفاته فی سوق الشیوخ.

و فی سنة 1247 ه:

رخص الزاد علی حاله، و أنزل اللّه البرکة فی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 248
الثمرة، و فیها عزل داود باشا عن بغداد، و قدم فیه علی باشا فی صفر ظهرت حمرة عظیمة تظهر قبل طلوع الفجر إلی طلوع الشمس و بعد غروب الشمس حتی کأن الشمس لم تغب حتی الآن فی اللیالی، کأن فی السماء قمر من شدة الحمرة، و أقام ذلک قدر شهرین، و وقع فی بلدان نجد فی تلک السنة حمی و مات خلق کثیر خصوصا من أهل شقراء، و لم یبق منهم من لم یمرض إلّا القلیل.
و فیها غزا فیصل بن ترکی علی ابن ربیعان، و ابن بصیص، و أغار علیهم علی طلال و کسروه و أخذوا جملة فی رکابهم و سلاحهم، و قتل منهم ناس کثیر و فیها فی آخرها وقع الطاعون فی بغداد، و الموصل، مات منهم من لم یحصه إلّا اللّه تعالی و فیها حجوا أهل نجد، و لم یحج الشامی لما هم فیه من الحرب و ممن توفی فی هذا المرض الولد محمد، و کانت ولادته فی ثادق، و حفظ القرآن، و تعلم الخط، و کان خطه فائقا، و تکلم بالشعر فی صغره، و مدح عمر بن سعود بن عبد العزیز بقصائد کثیرة، ثم سافر قاصدا بلد الزبیر، و هو ابن سبعة عشر سنة، و صار نابغة وقته فی الشعر، و له أشعار مشهورة عند العامة، نرجو اللّه أن یسامحه.
و لم یزل هناک إلی أن توفی فی بلد الکویت 1247 ه فی الطاعون العظیم الذی عم العراق و الزبیر، و الکویت، هلکت فیه حمائل و قبائل، و خلت من أهلها منازل، و بقی الناس فی بیوتهم صرعی لم یدفنوا، فلا حول و لا قوة إلّا باللّه العلیّ العظیم.
فیکون عمره 42 سنة و لیس له عقب رحمه اللّه.
و إخوته زامل، و عبد اللّه ساکنان مع أبیهما فی بلد التویم، و ذلک أن إبراهیم باشا لما أخذ الدرعیة سنة 1233 ه ارتحلت أنا و العم فراج من
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 249
ثادق، و معه أولاده، فسکن العم فراج و أولاده فی حرمة، و أما أنا فسکنت فی حوطة سدیر، فلما کان سنة 1238 ه ارتحلت بأولادی إلی بلد التویم، و سکنت فیه و جعلته وطنا، و الحمد للّه رب العالمین.

و فی سنة 1248 ه:

وقع الطاعون العظیم الذی لم یعرف مثله فی جمیع بلدان المجرة من السوق إلی البصرة إلی الزبیر، إلی الکویت مات فیه من الخلق ما لا یحصیه إلّا اللّه تعالی حتی أن جملة البیوت خلت ما بقی فیها أحد و بعض البلدان ما بقی فیها أحد، و بلد الزبیر ما بقی فیها إلّا أربعة رجال، أو خمسة فسبحان القادر علی کل شی‌ء.
و فیها فی شهر ربیع الأول جاء مشاری بن عبد الرحمن بعد ما ذهب فی السنة التی قبلها خارجا عن الطاعة، فذهب إلی القصیم و لم یدرک شیئا، ثم ذهب إلی البادیة فأقام معهم مدة، ثم ذهب إلی مکة، و لم یدرک شیئا مما أراد، ثم جاء فقبله ترکی و عفی عنه، و فیها حج أهل نجد، و لم یحجوا أهل الشام و کبیر حاج نجد فهد الصبیحی، فلما ظهروا فی مکة و وصلوا الخرمة من وادی سبیع نوخوهم سبیع، و ذبحوا أمیر الحاج و ناس غیره، ثم أعطوهم الحاج ما أرادوا و انصرفوا.
و فی لیلة الثلاثاء تاسع عشر جمادی الثانی السنة المذکورة رمی بالنجوم فی أول اللیل إلی قریب من طلوع الشمس، و سقط فیها ما لا یحصیه إلّا اللّه تعالی فی جمیع أفاق السماء. و فی لیلة الأربعاء سابع عشر شعبان جاء برد لم یعهد مثله بحیث أن الأشجار یبست خصوصا النخل، و فیها وقع الحصار علی بلد الزبیر المنتفق، و أقاموا مدة شهر ثم بعد ذلک أخذوه و ذبحوا آل زهیر و أخذوا أموالهم.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 250

و فی سنة 1249 ه:

و الأمر علی حاله من جهة رخص الزاد. و فیها تناوخوا مطیر و عنزة فی السر فی القیض، و أقاموا مدة ثم انکسر العنوز، و أخذوا منهم من الإبل و الغنم و المحل شی‌ء کثیر. و فیها نزل المطر فی أول الموسم بأمر لم یعهد مثله کثرة، ثم بعد ذلک فی أول شوال جاء برد عظیم قدر ثمانیة أیام قتل الزرع و الأشجار و غلی الزاد بعد ذلک، و لا جاء نجد مطر بعد الوسمی أبدا. و فیها مات أمیر عسیر علی بن مجئل رحمه اللّه تعالی، و قام بعده الأمیر عائض بن مرعی.
و فیها فی یوم الجمعة آخر شهر ذی القعدة قتل الإمام ترکی بن عبد اللّه بن محمد بن سعود رحمه اللّه تعالی بعد ما خرج من المسجد بعد صلاة الجمعة، قتله مشاری بن عبد الرحمن بن مشاری بن سعود و جماعته معه تمالؤوا علی قتله، و لم یحدث عند قتله شی‌ء، و نزل مشاری القصر و استولی علی الخزائن و الأموال و کاتب جمیع البلدان، و کان الإمام فیصل إذ ذاک فی القطیف معه غزو أهل نجد، فلما وصل إلیه الخبر أقبل بمن معه و نزل الحساء، و ساعده والی الحساء ابن عفیصان، فتوجه فیصل إلی الریاض بمن معه من الغزو و معه العجمان و الدولة، فدخل الریاض من غیر قتال، و تحصن مشاری فی القصر و معه قدر مایة رجل و حربوا، فلما کان یوم الأربعاء، ثانی عشر شهر عاشوری القصر ثلاثة رجال، و طلبوا الأمان لهم، و لجملة من أهل القصر و لم یدر مشاری فأمنهم فیصل، فلما کان لیلة الخمیس أدلوا لهم الحبل من القصر، و صعدوا إلی القصر، و ذبحوا مشاری، و معه ستة من الذین تمالؤوا علی قتل ترکی، ثم استقر الأمر لفیصل و قدموا علیه کبار أهل نجد و البادیة.

و فی سنة 1250 ه:

(خمسین و مائتین و ألف): بعث عائض بن
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 251
مرعی جماعة من عسیر کبیرهم ابن ضبعان، و نزلوا وادی الدواسر و ضبطوه ثم بعد ذلک أمر فیصل علی جمیع البلدان بغزو فقصدوا الوادی و أمیرهم حمد بن عیاف و حصل بینهم و بین أهل الوادی وقعات، و لم یدرکوا شیئا من أهل الوادی ثم بعد ذلک تصالحوا علی أن الوادی لعسیر و لا لفیصل فیه أمر، و انقلبوا علی ذلک. و فیها نزل المطر علی جمیع نجد و أعشبت الأرض و فی آخرها قدم علی فیصل رسول من أبی مرعی، و فیصل علی شقراء بأن أمر الوادی فی یدک قدم فیه من شئت، فبعث فیصل إلی الوادی أمیرا.

و فی سنة 1251 ه:

صار الشریف محمد بن عون والی مکة و إبراهیم باشا أخو أحمد باشا مکة بالدولة المصریة، و قصدوا بلد عسیر و استولوا علی جملة بلدان عسیر، و دخلوا فی طاعتهم و لم یبق إلّا عائض بن مرعی أمیرهم، و معه قدر ألفین مقاتل، فأنزل اللّه النصر و انکسرت الدولة و شریف، و قتل منهم ما لا یحصی، و کانوا قدر خمسة عشر ألفا، و بعضهم مات عطشی و استالوا عسیر علی خزائنهم و مخیمهم، و قصد شرائدهم مکة. و فیها ظهر فی القبلة نجم له ذنب. و فیها جاء رسل محمد علی طالبا من فیصل المواجهة فی مکة فخافهم فیصل فجاءه الأمر برده إلی بلد مفتوحة جلوی إلی الریاض فدخلها سالما.
و فیها فی رمضان جاء برد کبار هلک منه جملة مواشی أهل نجد بردا و جوعا، بحیث إن المطر یجمد فی الجو من شدة البرد. و فیها غلی الزاد:
بیعت الحنطة ستة أصواع بریال، و التمر ثلاثة عشر وزنه بالریال، و لم یجی‌ء نجد تلک السنة إلّا مطر قلیل. و فیها عزل الشریف محمد بن عون عن ولایة مکة و سفروه إلی مصر.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 252

و فی سنة 1252 ه:

غزی ولد المطیری بأهل نجد أمیرا لفیصل بن ترکی، و قصد عمان و استولی علی جملة عیان. و صالح سعید بن سلطان والی مکة علی إخراج معلوم یدفعه فی کل سنة لفیصل قدره سبعة آلاف ریال. و فیها جملة من أهل سدیر، و الوشم عن أوطانهم و قصدوا البصرة، و الزبیر، و الحساء، و فی آخرها نزل الغیث علی بلدان نجد، و کثر فیها العشب، و الجراد.
و فیها ظهر إسماعیل بیک من جهة محمد علی صاحب مصر، و معه خالد بن سعود مقدمه أمیرا فی نجد فلما بلغ فیصلا الخبر خرج من الریاض مع غزو أهل نجد، فنزل العریف فلما کان ثانی شهر ذی الحجة فی السنة المذکورة نزل إسماعیل و من معه من العسکر الرأس، فسار فیصل فنزل عنیزة، و أقام فیها أیاما، ثم رجع و لم یحصل بینهم قتال.

و فی سنة 1253 ه:

فی المحرم نزل إسماعیل بیک فی عنیزة، و أقام بها فقدم علیه فیها کبار أهل نجد سوی أهل الحوطة، و الحریق، و ظهر فیصل من الریاض و نزل الحساء، ثم أقبل إسماعیل، و خالد بن سعود بالعسکر، فنزلوا الریاض و أقاموا فیها أیاما، ثم خرجوا قاصد بن الحوطة فنزلوا الحلوة بالعساکر و أهل نجد، و ذلک فی یوم الخامس عشر من شهر ربیع الأول و کان یوما شدید الحر، فانکسرت العسکر، و قتل بعضهم، و هلک أکثرهم عطشا، ثم أقبل بقیتهم فنزلوا الریاض، و أقاموا فیها، و نجا خالد و إسماعیل من القتل، و نزلوا الریاض فلما بلغ فیصل الخبر، خرج من الحساء قاصدا الریاض بمن معه من أهل الحساء و نجد، و حصل بین الفریقین قتال، و صبر الفریقان صبر عظیم، فلما کان فی شهر ذی القعدة انصرف فیصل و نزل الخرج، و فی هذه السنة اشتد الغلاء، و جلا أکثر أهل
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 253
سدیر، و الوشم عن أوطانهم، و لم ینزل غیث إلّا قلیل، و کثرت الریاح و اختلفت الزروع. و فیها سار علی باشا من بغداد فأخذ المحمرة عنوة.

و فی سنة 1254:

قدم خرشید باشا عنیزة فی صفر بالعساکر، و أقام فیها مدة ثم حصل بینه و بین أهل عنیزة حرب قتل ناس من الفریقین، ثم تصالحوا و قدم علیه فیها جملة من کبار أهل نجد، و أقام فیها و فیصل بن ترکی فی الخرج، و خالد فی الریاض، فلما کان فی شهر رجب أقبل خرشد بالعسکر قاصدا الریاض، ثم قدمها و خرج منها ثانی یوم من قدومه، و خرج قاصدا فیصل فی الخرج، ثم نزل بلد الدلم، و فیها فیصل و من معه فحاصرهم فیها و جری بینه و بینهم عدة وقعات قتل فیها خلق کثیر فلما کان فی الیوم السابع عشر من شهر رمضان تسلم البلد بالأمان علی أن الإمام فیصل یواجه محمد علی، و علی تسلیم المدافع المأخوذة من إسماعیل بیک، و تم الصلح علی ذلک، ثم جهز بعض عسکره قاصدین مصر بفیصل و أخیه. و فیها نزل الوسمی علی البلدان و کثر العشب و الجراد.

و فی سنة 1255:

قدم خرشد باشا بالعسکر من الخرج، و نزل بلد ثرمدا، و أقام فیها و قدم علیه خالد بن سعود من الریاض و أقام عنده. و فیها توفی السلطان محمود بن عبد الحمید، و قام بعده ابنه عبد المجید.

و فی سنة 1256 (ست و خمسین و مائتین و ألف):

توجهت عساکر السلطان عبد المجید بن محمود لحرب محمد علی فأخذوا الشام، و کان فیه إبراهیم باشا ففر إلی مصر، ثم توجهوا إلی مصر فنزلوا الإسکندریة فی البحر، فتقابلت الفئتان ثم تصالحوا علی أن محمد علی یرفع یده عن
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌1، ص: 254
جمیع الممالیک و الحرمین إلّا مصر و ینصرفون عنه و الأمر علی ذلک، و فیها توجهت العساکر من نجد إلی مصر، و راح خرشد باشا من القصیم فی رجب فی هذه السنة، و لم یحج أهل الشام لأجل الحرب.

و فی سنة 1257:

وقعة بقعا فی ثامن جمادی الأولی سار أهل القصیم، و قتل منهم قریبا من ثلاثمائة، و من أعیانهم یحیی بن سلیم و غیره، و أخذوا خیامهم، و سلاحهم. و فیها خرج عبد اللّه بن تنیان بن إبراهیم بن ثنیان بن سعود علی ابن عمه خالد، فنزلوا الریاض أول یوم من شهر جمادی الآخر و حصرها و حفروا الحفور و ثوروا اللغوم.
قال محققه عبد اللّه بن عبد الرحمن بن صالح البسام:
هذا آخر ما وجدناه من هذا التاریخ [تاریخ حمد بن محمد بن لعبون]، و یرجح أنه لم یعش بعد هذا العام 1257 ه سنین، و الحمد للّه رب العالمین َو الصلاة و السلام علی رسوله الأمین نبیّنا محمد و علی آله و صحبه أجمعین.
و کان إکمال تحقیقه فی الیوم الرابع من شهر ذی الحجة من عام ألف و أربعمائة و أربعة عشر للهجرة.
***

[الجزء الثانی]

اشارة

بسم اللّه الرّحمن الرّحیم‌

مقدمة هذا التاریخ‌

الشیخ إبراهیم بن صالح بن عیسی، هو من أکثر- إن لم یکن أکثر- من کتب فی تاریخ نجد، و أنساب أهلها و غیر ذلک من أحوالها.
و کثیر من کتابته فی تاریخ نجد مکرر معاد، و عندی من هذا التاریخ النجدی، الذی یبتدی‌ء- غالبا- من عام [750] و ینتهی بالقرب من وفاته [1343 ه]، عندی منه عدد من الأوراق: بعضها متتابع، و بعضها فیه قطوع و خروم.
و هذا التاریخ الذی بین یدی، و الذی أکتب له هذه المقدمة، جمعته و رتّبته من خطه بیده رحمه اللّه تعالی.
و هی قد تکون طبق الأصل لکتبه المطبوعة، و قد تخالفها بزیادة أو نقص، و لکن المعنی واحد.
و أنا هنا أنشر هذا التاریخ خالیا من التعلیق و التهمیش، أملا أن أعود إلیه فی الطبعة التی بعدها، لأضیف إلیها ما أعثر علیه من زیادات المؤلف، و یکون ذلک فی أصله.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 8
کما أرجو من اللّه تعالی أن یعیننی علی إضافة هوامش و تعلیقات تزیده فوائد، و تشرح و توضح بعض أحداثه المقتضبة، و نترجم لما ورد فیه من ذکر للأعلام. فهو سبحانه و تعالی المعین.
و لا حول و لا قوة إلّا باللّه العلی العظیم.
کتبه عبد اللّه بن عبد الرّحمن بن صالح آل بسّام فی 22/ 10/ 1418 ه
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 9

ترجمة المؤرخ الشیخ إبراهیم بن صالح بن عیسی‌

اشارة

الشیخ إبراهیم بن صالح بن إبراهیم بن محمد بن عبد الرحمن بن حمد بن عبد اللّه بن عیسی بن علی بن عطیة. و عطیة هو أب بطن کبیر من بنی زید بن سوید بن زید بن سوید بن زید بن حرام بن أبی سوید بن زید ابن نهد بن لیث بن سود بن أسلم بن الحافی بن قضاعة.
و أما قضاعة فهو ابن مالک بن عمرو بن مرة بن زید بن مالک بن حمیر ابن سبأ بن یشجب بن یعرب بن قحطان. فقضاعة شعب قحطانی، و أکثر الناس یلحقون قبیلة بنی زید بقضاعة، و بنو زید یقرونهم علی هذه النسبة، و الناس أمناء علی أنسابهم.
فالمترجم له من- آل عبد اللّه- عشیرة من آل عیسی الذین هم فخذ من بنی عطیة، و هم بطن کبیر فی بنی زید القبیلة القضاعیة القحطانیة.
و یجتمع بالشیخ- علی بن عبد اللّه- بجدهما- فی الجد حمد بن عبد اللّه- الذی له ابنان، أحدهما: محمد، و ذریته یقال لهم- آل محمد-، و منهم الشیخ علی قاضی شقراء أربعین سنة، و الشیخ أحمد بن
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 10
إبراهیم- قاضی- بلد المجمعة فهذان الشیخان من آل محمد، و المترجم له من آل عبد الرحمن.
و هذا النسب فی أوله من مذکرات عن الشیخ إبراهیم بن صالح بن عیسی، و عن غیره من نسابی نجد. و فی آخره من جمهرة ابن الکلبی، و جمهرة ابن حزم.

نسبه من الأم‌

أما نسبه من قبل الأم فأخواله آل فریح من تمیم، لأن والدته منیرة بنت عبد اللّه بن راشد بن عبد اللّه الفریح الذی ذکر فی تاریخه وفاتها فی ضحی یوم الاثنین سبعة عشر محرم عام 1314 ه فی أشیقر. کما ذکر فی بعض مجامیعه التاریخیة أن والده توفی فی أشیقر ضحوة السبت خامس شعبان عام 1322 ه، و صلّی علیه بعد الظهر. و لذا ولد فی بلد أخواله، أشیقر فی الیوم الثانی عشر من شهر شعبان عام 1270 ه، و نشأ نشأة صالحة من العفة و القناعة، و الصلاح، و البعد عن المظاهر. فتعلم مبادی‌ء الکتابة و القراءة، و حفظ القرآن الکریم عن ظهر قلب، ثم أخذ فی طلب العلم و أکب علیه و رحل إلی البلدان البعیدة و القریبة من أجله.
فأول رحلة قام بها للعلم إلی المجمعة- عاصمة سدیر-، ثم رحل إلی مدینة عنیزة للأخذ عن علمائها، ثم رحل إلی الزبیر و کان آهلا بعلماء الحنابلة، فأخذ عنهم، ثم تجوّل فی بلدان العراق ثم سافر إلی الهند. و لیس له غرض من هذه الرحلات إلّا العلم، و مجالسة العلماء، و البحث معهم، و اقتناص الأخبار- التاریخیة و الفوائد الأدبیة- حتی أدرک فی العلوم الشرعیة، و العلوم العربیة، و التاریخیة، و الأدبیة إدراکا
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 11
تامّا لا سیما فی الأدب و التاریخ القدیم و الحدیث، فقد عد من مراجعه، و المعتمد علیه فیه.
و کان مع هذا کریم النفس، جم التواضع، حسن العشرة، لطیف الروح، أنیس الجلیس و لهذه الأخلاق العالیة، و لما یحفظه و یحسن إیراده من النوادر الأدبیة و التحف التاریخیة صارت له محبة فی القلوب و حسن ذکر علی الألسن، و ثقة فی النفوس حتی إن جلالة الملک عبد العزیز رحمه اللّه أمره أن یؤرخ لنجد من حیث وقف قلم عثمان بن بشر. فلبّی رغبته بتاریخه الذی تختلف نسخه اختصارا و بسطا تبعا لاختلاف نسخ المؤلف، فإنه یزید و ینقص. و استمع إلیه یحدثنا عن سبب تألیفه لتاریخه الذی جعله ذیلا علی تاریخ ابن بشر، و قد ذکر ذلک فی رسالة له إلی بعض أصحابه فقال: «و یمکن أنه بلغکم أن الإمام المکرّم عبد العزیز أعزّه اللّه بطاعته طلب منا کتابة ذیل علی تاریخ ابن بشر، و الإمام أطال اللّه عمره لیس له معرفة بحالی و صار طریقه علی أشیقر فی العام الماضی، و ظهر له کبار الجماعة للسلام علیه، و أنا ما ظهرت معهم لأن الإمام لا یعرفنی، و أنا ما لی دخل فی أمر الجماعة، و إلّا فالإمام، وفّقه اللّه لکل خیر، یعطی طلبة العلم عطاء جزیلا، و أفعاله جمیلة، فدخل الشیخ محمد بن عبد اللطیف آل الشیخ البلد، و قال: أن الإمام سأل عنک حیث ذکر أنک تؤرخ حوادث نجد، و یلزمک مواجهته لتعرض علیه الذی عندک من التاریخ، و ظهرت أنا و الشیخ محمد، و عرضت علی الإمام الوریقات التی کتبتها، و قال: بودّی أنک تبسط ذلک، و تستقصی جمیع الحوادث، و إذا حصل منک ذلک فإن شاء اللّه أعطیک عطیة جزیلة و لا أرفع النظر عنک، فشرعت فی تبییض ذلک».
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 12

مشائخه‌

1- الشیخ أحمد بن إبراهیم بن عیسی قاضی المجمعة قرأ علیه فیها، و قد أجازه فی روایة الکتب الأمهات الست و غیرها من کتب العلم.
2- الشیخ صالح بن حمد المبیض قاضی الزبیر، قرأ علیه فی الزبیر.
3- الشیخ عیسی بن عکاس قاضی بلد الأحساء، قرأ علیه فیه.
4- الشیخ علی بن اللّه بن عیسی قاضی شقراء، قرأ علیه فیها.
.. و غیر هؤلاء کثیر ممن جالسهم و استفاد منهم، فإن المترجم له بحاثة صاحب علم جم لا یمل و لا یضجر من طلبه و أخذه عن أهله و عنی العنایة التامة بتاریخ نجد، و أنساب أهلها، و أخبارهم، و أخبار بلدانهم مما جعله مرجعا فی ذلک لأکابر العلماء، فصاروا یراسلونه و یسألونه عما أشکل علیهم فی ذلک.
فهذا الشیخ العلامة إبراهیم بن عبد اللطیف یبعث إلیه بهذه الرسالة فیقول فیها: «من إبراهیم بن عبد اللطیف إلی الشیخ إبراهیم بن صالح بن عیسی- بعد الدیباجة-، أخی من طرف سبل آل مبدد، جاءنا خط من الإمام عبد العزیز بن عبد الرحمن حفظه اللّه ذکر فیه: أننا نستعرض أوراقهم، و إن کان آل یحیی أقرب من ینتسب لهم الیوم، و عرض علینا ابن یحیی ورقتین، فالمأمول من إحسانک أخی إن کان عندک معرفة فی نسبهم فوضّحه لنا».
و قد مدح المترجم له العلامة الشیخ عبد اللّه بن عبد اللطیف آل الشیخ بقصیدة سنذکرها فی ترجمة الشیخ عبد اللّه إن شاء اللّه، فأجابه الشیخ عبد اللّه بن عبد اللطیف علی عادته فی مراسلة العلماء و التلطّف
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 13
معهم برسالة کریمة و قصیدة من نظم الشیخ سلیمان بن سحمان جاء فیها:
«من عبد اللّه بن عبد اللطیف إلی جناب المکرم الأخ اللبیب و الفاضل الأدیب الأریب المحب إبراهیم بن صالح بن عیسی سلمه اللّه بع؟؟؟
دیباجة بلیغة، قال الشیخ عبد اللّه: «و ما ذکرت صار معلوما خصوصا ما فی؟؟؟
ص: 1 الکتاب من تحفتک باللآلی‌ء المنظومة، فسرنی ما فیها من ائتلاف الکلم، و متانة الصیاغة، و حسن الفصاحة، و الوزن المتین، و قد أجابل؟؟؟
عنها الأخ سلیمان بن سحمان جعلکما اللّه من أنصار السنّة:
أهاجک رسم بالدیار الدوائرببرقة فالوعسا فأکناف حاجر
دیار فتاة کالمهاة لجاظهاأحدّ من البیض المواضی البواتر
لئن أصبحت قد حازت الحسن دأبهالقد حاز إبراهیم جم المآثر
فأبدا بدیعا من عویص قریضه‌تشام المعانی المحکمات لناظر
معانی مبانیه الطوامح فی العلالآلی‌ء أصداف البحور الزواخر
فیا أیها الأخ الأکید إخاؤه‌تمسک بأصل الدین سامی الشعائر
و کن باذلا للجد فی طلب الهدی‌من العلم إن العلم خیر الذخائر
و ما العلم إلا الاتباع، و ضده‌فذاک ابتداع من عضال الکبائر
إلی آخر القصیدة التی مضی فیها علی التمسک بالعقیدة الصحیحة، و ترک أراء الرجال التی لا تستند إلی دلیل، و البعد عن الشرک و الابتداع.
و هذه رسالة له من العلامة الشیخ عبد اللّه بن خلف الکویتی مؤرّخة فی 8/ 11/ 1342 جاء فیها:
«فقیه الأدباء، و أدیب الفقهاء سیدی شیخنا إبراهیم بن صالح بن عیسی و بعد دیباجة کلها ثناء و دعاء قال له: «و ذکرت أدام اللّه لک الذکر
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 14
الجمیل، أنک اتخذت عیزة دار إقامة، أحسن اللّه لک العاقبة بلا ندامة، و إنها لنعم الدار، و أن جوار أهلها لمن أحسن الجوار، بارک اللّه لک فی منزلها، و قرت عیناک بملاحظة أهلها، فلک الهناء بقوم یکرمون و لا یمکرون، و یحسنون و لا یحزنون، و یسرون و لا یسیئون، کان اللّه لک و لهم و أحسن إلیک و إلیهم. و إنی أعزیک دامت معالیک بوفاة أخیک علامة العراق، و بدر تلک الآفاق، السید محمود شکری الألوسی، فقد توفی فی أربعة شوال هذه السنة علی أثر مرض ذات الجنب، أصابه فی منتصف رمضان، و ارتجت بغداد لموته، و اجتمع فی جنازته عالم کثیر من أهل السنّة، و من الشیعة، و فیهم العلماء، و الکبراء، و الوزراء، و دفن فی مقبرة الجنید بعیدة عن البلد ساعة، رحمه اللّه رحمة الأبرار، و أحسن عزاک و أمتع بک العلم و العلماء» إلی آخر الرسالة التی کلها ثناء و تبجیل و تقدیر.
و أرسل إلیه الشیخ الفقیه علی بن عبد اللّه بن عیسی یقول: من علی بن عبد اللّه بن عیسی إلی المکرم الشیخ إبراهیم بن صالح بن عیسی- بعد الدیباجة- المرجو أن تخبرنا عن هذین البیتین، و تعربهما لنا، و تضبطهما بالشکل لأنه قد حصل لنا فی معناهما بعض الإشکال:
فلا آض برق من منازله فماتخیرت إنی فی علاه أسیر
لک اللّه ما فی القلب غیرک ساکن‌و لیس لطرفی من سواک نظیر

تلامیذه‌

کان لا یملّ التدریس و البحث، و کان یدرّس طلاب العلم فی بلدة أشیقر، فکان فی أول النهار یدرّس لهم فی جامع البلد، و فی آخره فی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 15
مسجدها الجنوبی و کذلک درّس فی بلدة عنیزة، و فی هاتین البلدتین أدرک علی یدیه علماء، فمن تلامیذه البارزین:
1- الشیخ عبد اللّه بن عبد الرحمن بن جاسر رئیس محکمة التمییز فی المنطقة الغربیة للبلاد السعودیة، و بین الشیخ و تلمیذه مکاتبات کثیرة أغلبها یتعلق بالبحث عن علماء نجد، و علماء أشیقر بالذات.
2- الشیخ عبد اللّه بن عبد الوهاب بن زاحم رئیس محاکم منطقة المدینة المنورة.
3- الشیخ محمد بن علی البیز رئیس محاکم منطقة الطائف.
4- الشیخ عبد الرحمن بن ناصر آل سعدی صاحب المؤلفات المشهورة.
5- الشیخ سلیمان بن صالح بن حمد آل بسام، و هو أخص أصحابه به و أحبهم إلیه، و له منه إجازة مطوّلة.
6- الشیخ محمد بن عبد العزیز السنانی.
7- الشیخ عمر بن فنتوخ.
8- عبد اللّه بن حمد الدوسری.
9- الشیخ عبد اللّه بن خلف الدحیان الکویتی، و له منه إجازتان نذکرهما فی ترجمة التلمیذ إن شاء اللّه. و قد أخذ کثیر غیر هؤلاء ممن لا تحضرنی أسماؤهم.

مؤلفاته و شعره و آثاره‌

لا أعرف أحدا من علماء نجد خدم تاریخ نجد مثله، و تعب فی تقیید
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 16
أخباره، و تسجیل حوادثه و ضبط أنسابه حتی عد- بلا مراء- مرجعا فیه، و إنی أنا کاتب هذه الأسطر قد عولت علیه فی کثیر من أخبار، و تراجم، و أنساب هذا الکتاب الذی أکتبه الآن، و کان علماء نجد الکبار یکتبون إلیه، و یستفیدون منه فی ذلک. و قد رأیت کتبا من الشیخ عبد اللّه بن عبد اللطیف، و الشیخ محمد بن عبد اللطیف، و الشیخ سلیمان بن سحمان، و الشیخ محمد بن عوجان و الشیخ عبد اللّه بن خلف، و الشیخ عبد اللّه بن جاسر، و الشیخ محمد بن علی البیز، و الشیخ عبد الرحمن الناصر آل سعدی، و غیرهم یسألونه عن الأنساب، و التراجم، و الأخبار، و أجد بعض أجوبته لهم مسودة علی کتبهم إلیه.

من مؤلفاته‌

1- تاریخ نجد: سماه «عقد الدرر»، جعله ذیلا علی تاریخ ابن بشر، و قد ألّفه بأمر الإمام عبد العزیز آل سعود و قد طبع مرارا. و انتهی المطبوع إلی عام 1303 ه.
2- تاریخ لنجد: یبتدی‌ء من عام 1303 ه إلی 1339 ه. و آخر خبر فیه وفاة الشیخ عبد العزیز النمر. و یعتبر مکملا للتاریخ الذی قبله، و هو لا یزال مخطوطا بخط المؤلف.
3- تاریخ بعض الحوادث الواقعة فی نجد: یبتدی‌ء من عام 820 ه إلی عام 1340 ه إلّا أنه نبذ تاریخیة غیر متوالیة. و قد طبع فی دار الیمامة.
4- نبذة عن بلاد العرب، و یظهر أنها ملخّصة من «معجم البلدان»، و فیها زیادات قیّمة عن المسمیات الحدیثة.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 17
5- نبذة عن تاریخ أشراف مکة المکرمة، و یظهر أنها ملخصة من کتاب زینی دحلان «أمراء البلد الحرام».
6- مجامیع کثیرة تقع بأحجام صغیرة یقید فیها ما یراه، أو یسمعه، أو یقرأه من الفوائد فی التاریخ، و الأنساب، و الآداب، و العلوم، و أغلب نقله فی النسب و التاریخ. و هذه المجامیع مفرقة عند الناس لو جمعت و لخّصت و رتّبت لحصل منها علم غزیر فی تاریخ و أنساب أهل نجد، لکنها مفرقة و مضنون بها عند أهلها.
7- جزء متوسط فی أنساب العرب القحطانیین و العدنانیین.
أما شعره فقد اطلعت علی کثیر من قصائده، و فیها قوّة وجودة فلیست من نوع شعر العلماء الذی لیس فیه الحلاوة الشعریة، و إنما هو من شعر أهل الأدب فی جزالته و قوته و سلاسته فی مناسبات:
إما رثاء عالم، أو مدح کبیر، أو عتب صدیق، و لو جمعت لجاءت دیوانا متوسطا، و سیمر بنا فی هذا الکتاب بعض منه فی رثاء لبعض العلماء، أو مدحهم إن شاء اللّه تعالی.
8- نظم مطول رد به علی یوسف بن إسماعیل النبهانی. قال فی مقدمة النظم:
یقول العبد الفقیر إبراهیم بن صالح بن إبراهیم بن عیسی: «إنی وقفت علی القسم الخامس من القصیدة المسماة بالرائیة الصغری لرافع رایة الحزب الشیطانی الضال المضل الملحد یوسف بن إسماعیل النبهانی فوجدتها رکیکة المعانی، واهیة المبانی ...» الخ
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 18
الخطبة. و قد انتهی من النظم فی رابع عشر ذی الحجة سنة 1332 ه، و تقع فی نحو مئتی بیت و مطلع النظم:
لک الحمد یا من یعلم السر و الجهرالک الحمد فی السراء منی و فی الضراء
و منها فی مدح علماء الدعوة:
هم الأنجم الزهر الذین بعلمهم‌غدا ثغر هذا الدین بالبشر مفترا
هم الأمة الناجون و الفرقة التی‌تمسک بالحق المبین علی الضرا

نوادره و ملحه‌

یروی تلمیذه و صدیقه الشیخ سلیمان بن صالح آل بسام الکثیر من هذه الملح و الطرائف و لکن یضیق بنا المجال عن إیراد شی‌ء منها، و عسی اللّه أن یسهّل لی أن أجمع ما عندی له من القصائد و الفوائد، و أضیف إلیها هذه التحف و النوادر. فی جزء خاص بها فإنها من أدبنا الحی الجید.

أعماله‌

لمّا تولّی الأمیر محمد بن رشید علی القصیم عام 1308 ه، کتب أعیان أهل عنیزة إلیه أن یعین فیهم المترجم له قاضیا، و مدرسا، و خطیبا فی بلادهم. فکتب إلیه ابن رشید فامتنع.
قال لی تلمیذه الشیخ عبد اللّه بن جاسر: أطلعنی المترجم له علی خطاب أعیان مدینة عنیزة فی طلبه للقضاء، و فیه أختام کثیرة من أعیانهم و لکنه امتنع و رفض ذلک حبّا فی السلامة، و ابتعادا عن الشهرة. و ظل دائبا فی التدریس و التعلیم و تحقیق التاریخ و النسب فی نجد حتی توفاه اللّه،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 19
و کذلک لما عزل الشیخ عبد اللّه بن عائض عن قضاء عنیزة عام 1318 ه، عرض أهل عنیزة علی المترجم له فامتنع.

وفاته‌

کان یتردد علی عنیزة، و یقیم فیها المدة الطویلة، و له فیها أصحاب و أحباب یأنس بهم و یأنسون به و یجلّونه و یعرفون قدره و فضله. و فی آخر سنی حیاته استوطن عنیزة، و رحل إلیها بأهله و أولاده و سکنها حتی توفی فیها.
قال تلمیذه و صاحبه الشیخ سلیمان الصالح البسام: توفی ضحی یوم السبت الثامن من شهر شوال عام 1343 ه، و صلی علیه بعد صلاة العصر فی جامع عنیزة. و قد حضر الصلاة علیه و تشییع جنازته جم غفیر من الأعیان و العامة، و تأسّفوا علیه و کبرت علیهم مصیبته. و له من الأبناء عبد العزیز و عبد الرحمن و لهما أولاد، رحمه اللّه تعالی، آمین.
و قد رثاه تلمیذه الشیخ أحمد بن صالح البسام:
مصیر بنی الدنیا إلی منزل خالی‌بصحراء تبدی دارس الطلل البالی
بصحراء تدعو دارس العمر إذ دعت‌لها الحبر إبراهیم فی عشر شوال
ترحل مأسوفا علیه و سعیه‌سیبقی حمیدا فی قرون و أجیال
همام قضی الأیام بالسعی نابذاسفاسف أقوال مجدا بأعمال
همام قضی الأیام فی الدرس ساعیالتحصیل علم لا لتحصیل أموال
تلقی فنون العلم مذ کان یافعاصبیا و کهلا فی نشاط و إقبال
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 20 فخاض عباب البحر للعلم طالباکذا البید یطوی فی وخید و إرقال
فهندا أتی ثم الحجاز و جلقاو سار إلی أرض العراق لإکمال
و کر إلی نجد یبث علومه‌علی مجمع الطلاب یلقی لا مثال
فذا شیخنا حبر الوری جل فی الوری‌بأخلاقه المثلی له اللّه من عالی
***
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 21
الورقة الثانیة
من تاریخ إبراهیم بن عیسی بخط یده رحمه اللّه تعالی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 22
هذه هی الورقة الأخیرة
من تاریخ الشیخ إبراهیم بن عیسی رحمه اللّه تعالی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 23

[مقدمة المؤلف]

بسم اللّه الرّحمن الرّحیم الحمد للّه جامع الخلائق لمیعاده، و موفق من شاء من عباده للصواب، أحمده سبحانه و تعالی علی جزیل الإنعام، و أشکره أن علم الإنسان ما لم یعلم، و أتقن و أحکم أی إحکام. و أشهد أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شریک له، رب الأرباب، الذی عنت له الوجوه، و خضعت لعظمته الرقاب. و أشهد أن سیدنا محمدا عبده و رسوله المصطفی المختار، و علی آله و أصحابه فاتحی الفتوح و ممصری الأمصار، و سلّم تسلیما کثیرا.
أما بعد:
فیقول العبد الفقیر إلی مولاه راجی عفو ربه و رضاه، إبراهیم بن صالح بن إبراهیم بن عیسی ساکن بلد أشیقر: أنه سألنی بعض الإخوان المحبین أن أجمع لهم نبذة من التاریخ علی طریق الاختصار تطلعه علی بعض الحوادث الواقعة فی نجد، و وفیات بعض الأعیان و بعض شی‌ء من أنسابهم، و بناء بعض بلدان نجد، فاستخرت اللّه تعالی، و جمعت له هذه النبذة من تواریخ علماء نجد مثل تاریخ الشیخ أحمد بن محمد بن عبد اللّه بن بسام، و هو نحو کراسة، و قد ابتدأه فی سنة 1015 ه، و هی سنة انتقاله من ملهم إلی العیینة حتی وصل إلی العیینة عام 1039 ه، لأنه توفی سنة 1040 ه فی العیینة رحمه اللّه تعالی.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 24
و تاریخ الشیخ أحمد بن محمد المنقور التمیمی، و هو نحو کراس و نصف، ابتدأه فی وفاة الشیخ أحمد بن یحیی بن عطوة التمیمی النجدی الحنبلی، ساکن بلد الجبیلة، سنة 1048 ه، إلی أن وصل إلی سنة 1125 ه، و هی السنة التی توفی فیها فی حوطة سدیر رحمه اللّه تعالی.
و تاریخ محمد بن عبد اللّه بن یوسف من أهل أشیقر، و هو نحو عشر ورقات، و تاریخ حمد بن محمد بن لعبون ساکن بلد التویم، و تاریخ ابن بشر.
ثم بعد ذلک ما رأیناه و سمعناه من ثقات أهل عصرنا، و ما رأیت فی هذه النبذة، فإنی لم أذکره إلّا بعد الخبر و التحقیق و البحث و التدقیق فی التواریخ المذکورة و غیرها، و لم أذکر فی هذه النبذة شیئا إلّا ولی فیه مستند، و العهدة علی ما ذکرت، و ما توفیقی إلّا باللّه علیه توکلت و إلیه أنیب.

[فی القرن الثامن]

فی سنة سبعمائة تقریبا:

عمر بلدة التویم فی سدیر، عمرها مدلج بن حسین الوائلی و بنوه و عشیرته: و ذلک أن بنی وائل حین کثروا فی بلد أشیقر خافوا منهم الوهبة أهل أشیقر أن یغلبوهم علی بلدهم، فتمالؤا علی إجلائهم، بلا تعد علیهم فی دم و لا مال. و کان أهل أشیقر قد قسموا البلد قسمین، یوم یخرجون الوهبة بأنعامهم و سوانیهم للمرعی، و معهم سلاحهم، و ذلک أیام الربیع، و یقعد بنو وائل و هم جیران لهم- یعنی جیران للوهبة- یسقون زروعهم و نخیلهم، و یوم یخرج فیه بنو وائل بأنعامهم و سوانیهم و یقعدون الوهبة یسقون زروعهم و نخیلهم.
فقال بعض الوهبة: إن الرأی إذا کان الیوم الذی یخرج فیه بنو وائل
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 25
للمرعی و انتصف النهار، أخرجنا نساءهم و أولادهم، و ما هو خفیف من أموالهم خارج البلد، و أغلقنا أبواب البلد دونهم، و أخذنا سلاحنا و جعلنا فی بروج البلد بواردیه، یحفظون البلد ببنادقهم، فإذا رجع بنو وائل آخر النهار منعناهم من الدخول، ففعلوا ذلک.
فلما کان آخر النهار و أقبل بنو وائل منعوهم من الدخول، و قالوا لهم: هذه أموالکم و أولادکم و نساؤکم، قد أخرجناها لکم و لیس لنا فی شی‌ء من ذلک طمع، و إنما نخاف من شرور تقع بیننا و بینکم، فارتحلوا عن بلدنا ما دام نحن و أنتم أصحاب، و من له زرع فیوکل وکیلا علیه منا، و نحن نقوم بسقیه حتی یحصد، و أما بیوتکم و نخیلکم فکلّ منکم یختار له وکیلا منا، و یوکله علی ماله، فإذا سکنتم فی أی بلاد فمن أراد القدوم إلی بلادنا لبیع عقاره فلیقدم، و لیس علیه بأس، و لیس لنا طمع فی أموالکم، و إنما ذلک خوفا منکم أن تملکوا بلدنا و تغلبونا علیها، فتم الأمر بینهم علی ذلک.
ثم رحل بنو وائل، مدلج بن حسین و بنوه، و جدّ آل أبو رباع أهل حریملاء، و سلیم جد آل عقیل، و جد آل هویمل، الذین منهم آل عبید، المعروفون فی التویم و القصاری المعروفون فی الشقة من قری القصیم، و آل نصر اللّه المعروفون فی الزبیر، و آل هویمل المذکرون من آل أبو رباع، من آل حسین، من آل بشر من عنزة، و حتایت جد آلحتایت المعروفون من وهب، من النویطات، من عنزة، فاستوطنوا بلد التویم، و کانت بلد التویم قبل ذلک قد استوطنها ناس من عائذ بن سعید، بادیة و حاضرة، ثم إنهم جلوا عنها و دمرت، فعمرها بنو وائل المذکورون، و نزل آل حمد و آل رباع فی حلة.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 26

و فی سنة سبعین و سبعمائة تقریبا:

عمرت بلد حرمة المعروفة، عمرها إبراهیم بن حسین بن مدلج الوائلی، و ذلک أن إبراهیم بن حسین المذکور انتقل من التویم إلی موضع بلد حرمة، و هی میاه و آثار منازل، قد تعطلت، من منازل بنی عائذ من بنی سعید، فعمرها و غرسها هو و بنوه، و نزل عنده کثیر من قرابته و أتباعه.

[فی القرن التاسع]

و فی سنة عشرین و ثمانمائة:

عمرت بلد المجمعة المعروفة، عمرها عبد اللّه الشمری من آل میبار من عبدة، من شمر، و کان عبد اللّه المذکور فداویا عند حسین بن مدلج ابن حسین رئیس بلدة التویم، فلما مات حسین، قدم عبد اللّه الشمری المذکور علی ابنه إبراهیم بن حسین فی بلد حرمة، فطلب منه قطعة من الأرض لینزلها و یغرسها هو و أولاده، فأشار أولاد إبراهیم علی أبیهم أن یجعله أعلا الوادی، لئلا یحول بینهم و بین سعة الفلاة و المرعی، فأعطاه موضع بلد المجمعة.
و صار کلما حضر أحد من بنی وائل، و طلب من إبراهیم بن حسین و من أولاده النزول عندهم، أمروه أن ینزل عند عبد اللّه الشمری، طلبا للسعة، و خوفا من التضییق علیهم فی منزل و حرث و فلاة، و لم یخطر ببالهم النظر فی العواقب، و أن أولاد عبد اللّه الشمری و جیرانهم أن ینازعوهم بعد ذلک و یحاربوهم، فیکون من ضموه إلیهم تقویة لهم، علیهم، فأتاهم جد التواجر المعروفین، و هو من جبارة من عنزة و وجدت فی بعض التواریخ أن التواجر من بنی وهب من النویطات من عنزة، و جد آل بدر، و هو من آل أجلاس من عنزة، و جد آل سحیم من الحبلان من عنزة، و جد الثماری من زعب و غیرهم، فأنزلوهم عند عبد اللّه الشمری المذکور، فعمروا بلد المجمعة و غرسوها، و تداول رئاسة بلدة المجمعة
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 27
ذریة عبد اللّه الشمری، إلی أن ضعفوا و غلبهم علیها آل عسکر، و هم رؤساء بلدة المجمعة الیوم من البدور من عنزة، و من ذریة عبد اللّه الشمری المذکور: الشیخ عبد اللّه بن إبراهیم بن یوسف بن عبد اللّه الشمری العالم المشهور فی المدینة النبویة، علی ساکنها أفضل الصلاة و السلام.
انتقل أبوه إبراهیم بن سیف بن عبد اللّه الشمری من بلد المجمعة بعد أن قام علی بیته و جعل بعضه مسجدا، و هو المعروف الیوم بمسجد إبراهیم فی بلد المجمعة، و بعضه حفر فیه بئرا لوضوء الناس، و بعضه بستانا للبئر المذکورة، و أوقف بعض عقاره علی المسجد المذکور، و سکن فی المدینة المنورة، و کذلک ابنه الشیخ إبراهیم بن الشیخ عبد اللّه بن إبراهیم بن سیف بن عبد اللّه الشمری، العالم العلّامة الفرضی، مصنف «العذب الفائض، شرح ألفیة الفرائض» المتوفی فی المدینة المنورة سنة 1189 ه رحمه اللّه تعالی، و له عقب فی المدینة المنورة، و منهم عثمان، و ناصر، و منصور المعروفون بالشیوخ فی بلد المجمعة، أبناء حمد بن علی بن سیف بن عبد اللّه الشمری، و عثمان هذا هو، الذی عناه حمیدان الشویعر بقوله: الفیحاء دیرة عثمان و مقابلتها بلاد الزیرة، و هو جد آل عثمان رؤساء بلد المجمعة فی الماضی.

و فی سنة خمسین و ثمانمائة:

اشتری حسن بن طوق جد آل معمر العیینة من آل یزید من بنی حنیفة أهل الوصیل و النعیمة، الذی بقیتهم الیوم آل دغیثر المعروفون فی بلد الریاض، و رحل من ملهم و نزلها و عمرها، و تداولها ذریته من بعده، و المعامرة من العناقر من بنی سعد بن زید مناة بن تمیم.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 28
و فیها قدم مانع بن ربیعة المریدی من بلد الدروع، المعروفة بالدرعیة، من نواحی القطیف، و معه ولده ربیعة علی ابن درع رئیس الدروع، أهل وادی حنیفة و کان بینهم مواصلة، لأن کلّا منهما ینتسب إلی حنیفة، فأعطاه ابن درع الملیبید و غصیبة فعمر ذلک هو و ذریته، و کان ما فوق الملیبد و غصیبة لآل یزید من بنی حنیفة، و کان جمیع الوصیل مما فوق سمحة، و من الجبیلة إلی الأبکین، الجبلین المعروفین، و موضع حریملاء، لحسن بن طوق جد المعامرة من العناقر، من بنی سعد بن زید مناة بن تمیم. ثم إنه لما مات مانع المریدی تولی بعده ابنه ربیعة، و صار له شهرة، و کثرت جیرانه من الموالفة و غیرهم، و حارب آل یزید.
ثم ظهر ابنه موسی بن ربیعة و صار أشهر من أبیه فی حیاته، ثم احتال علی قتل أبیه و جرحه جراحات، فانفلت منه و قصد حمد بن حسن بن طوق، رئیس العیینة، فأکرمه و صار عنده.
ثم إن موسی بن ربیعة المذکور جمع جموعا من المردة و الموالفة و غیرهم، و صبح بهم آل یزید فی النعیمة و الوصیل، و قتل منهم أکثر من ثمانین رجلا، و استولی علی منازلهم و دمرها، و لم یقم لهم بعد هذه الوقعة قائمة، و هی التی یضرب بها المثل فی نجد: یقال صبحهم فلان صباح الموالفة لآل یزید.
استمر موسی بن ربیعة فی الولایة، و لما مات تولی بعده ابنه إبراهیم بن موسی، و کان لإبراهیم بن موسی عدة أولاد، منهم عبد الرحمن الذی نزل ضرما وجو، و نواحیها و سکنها ذریته من بعده، و هم المعروفون بالشیوخ فی ضرما، و آخر من تولی منهم إبراهیم بن
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 29
محمد الذی قتلوه آل سیف السیایرة هو و ابنیه: هبدان، و سلطان، فی ولایة محمد بن سعود فی سنة أربع و ستین و مائة و ألف.
و من أولاد إبراهیم بن موسی: سیف جد آل ابن یحیی، أهل أبی الکباش، و من أولاد إبراهیم أیضا: عبد اللّه، و له ذریة منهم آل و طیب، و آل حسین، و آل عیسی. و من أولاد إبراهیم بن موسی: أیضا مرخان، و أولاد مرخان: ربیعة، و مقرن، فأما ربیعة فهو جد- آل ربیعة رؤساء بلد الزبیر، و ولده، و لوطبان عدة أولاد ذکور، قیل: إنهم أربعة عشرة، و منهم إدریس جد آل إدریس، و منهم مرخان أبو زید بن مرخان الذی تولی فی الدرعیة و غدر به محمد بن حمد بن عبد اللّه بن معمر، الملقب خرفاش، فقتله هو و دغیم بن فایز الملیحی السبیعی، و ذلک فی سنة 1139 ه، و منهم موسی بن ربیعة الذی شاخ فی الدرعیة، و قتل فی العیینة، و هو إذ ذاک «جلوی» فیها عند ابن معمر، الملقب خرفاش، أصابه بندق فمات فی المجاولة التی صارت بین رفقة زید بن مرخان- حین غدر به خرفاش، کما تقدم و قتله- و بین أهل العیینة سنة 1139 ه کما تقدم.
و من أولاد وطبان: إبراهیم أبو حمد، جد ربیعة التالی، و محمد، و ثاقب، و زید، و عبد اللّه، و موسی، و هو أول من أوقع القطیعة، و سفک الدماء: قتل أخاه شقیقه مرخان بن ربیعة منهم محمد ولد وطبان، جد ثاقب بن عبد اللّه المطوع.
و من أولاد وطبان عبد اللّه جد محمد بن إبراهیم بن عبد اللّه الذی فی العیینة، و سبب نزول وطبان بن ربیعة بن مرخان بلد الزبیر أنه قتل ابن عمه مرخان بن مقرن بن مرخان، فهرب من نجد، و وقع بین ذریة وطبان قطیعة، و سفک دماء.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 30
و إبراهیم المذکور قتله یحیی بن سلامة أبو زرعة، رئیس بلد الریاض.
و إدریس بن وطبان رئیسا فی بلد الدرعیة، و قتل هو فی الولایة و شاخ بعده سلطان بن حمد القبس، و ذلک سنة ثمان و مائة و ألف. ثم قتل سلطان بن حمد القبس المذکور فی سنة عشرین و مائة و ألف، و شاخ بعده أخوه عبد اللّه بن حمد، ثم قتل، و آخر من شاخ منهم زید بن مرخان، و موسی بن ربیعة، اللذان قتلا فی العیینة، کما تقدم فی سنة 1139، و استقل محمد بن سعود بن محمد بن مقرن بولایة الدرعیة، و کانت ولایة الدرعیة قبل ذلک لذریة وطبان.
أما آل مقرن فلهم غصیبة، و أجلی محمد بن سعود بن محمد بن مقرن بقیة آل وطبان، و کان محمد بن سعود بن محمد بن مقرن قتل عمه مقرن، الملقب فهاد بن محمد بن مقرن، و استقل بولایة الدرعیة. و أما مقرن بن مرخان بن إبراهیم بن موسی بن ربیعة المریدی، فله من الولد:
محمد، و عیاف، و عبد اللّه جد آل ناصر، و مات محمد بن مقرن سنة ست و مائة و ألف، فأما محمد ابن مقرن فله من الولد مقرن و سعود، و مقرن هذا لیس من ذریته إلّا عبد اللّه، الذی جعله عبد العزیز بن محمد بن سعود أمیرا فی بلد الریاض، حین أخذها.
و أما سعود بن محمد بن مقرن فله أولاد: منهم محمد، و مشاری، و ثنیان، و فرحان المذکور فی سنة 1137 ه. فأما محمد بن سعود بن محمد بن مقرن، فهو الذی قام فی نصرة الشیخ محمد بن عبد الوهاب، و کانت له الولایة بعد أبیه.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 31
و توفی محمد بن سعود المذکور فی سنة 1179 ه، و تولی بعده ابنه عبد العزیز و کانت وفاته یوم الاثین الثانی و العشرین من رجب سنة 1218:
عمد إلیه رجل من أهل العراق- قیل: إنه رافضی من أهل بلد الحسین-، و هو فی أثناء صلاة العصر، فی جامع بلد الدرعیة، فطعنه بسکین فی خاصرته، و لم یلبث إلّا قلیلا حتی مات و جرح أخاه عبد اللّه بن محمد و عافاه اللّه، و أمسکوا الرجل و قتلوه.
و تولی بعد عبد العزیز ابنه سعود، و توفی لیلة الاثنین حادی عشر جمادی الأولی سنة 1229 ه، و تولی بعد ابنه عبد اللّه بن سعود بن عبد العزیز، و أمسکه إبراهیم باشا فی الدرعیة، و أرسله إلی مصر و قتل.
و کان لسعود بن عبد العزیز عدة أولاد غیر عبد اللّه المذکور، و هم:
فیصل قتل فی حرب الدرعیة، و ناصر و ترکی ماتا قبل أبیهما، و إبراهیم مات فی حرب الدرعیة، و سعد و فهد و مشاری و عبد الرحمن و عمر و حسن، نقلهم إبراهیم باشا إلی مصر بأولادهم و نسائهم رجعنا إلی الأول. و من أبناء محمد بن سعود أیضا: عبد اللّه بن محمد بن سعود، ثم ابنه ترکی بن عبد اللّه بن محمد بن سعود، و کان لعبد اللّه بن محمد بن سعود عدة أولاد غیر ترکی، نقلهم إبراهیم باشا و ماتوا هناک، و منهم عبد اللّه بن إبراهیم بن عبد اللّه بن محمد بن سعود، و کان مؤازرا لابن عمه فیصل بن ترکی فی الریاض.
و أما مشاری بن سعود بن محمد بن مقرن، فولده حسن بن مشاری، و عبد الرحمن بن مشاری. فأما حسن بن مشاری، فمات و له أولاد قتلوا فی حرب الدرعیة، و أما أخوه عبد الرحمن بن مشاری فله من الولد،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 32
مشاری بن عبد الرحمن بن مشاری بن سعود بن محمد بن مقرن، و هو الذی قتل خاله ترکی بن عبد اللّه بن محمد بن سعود بن محمد بن مقرن بعد صلاة الجمعة فی الریاض، و هو خارج من المسجد فی آخر یوم من ذی الحجة تمام شهور سنة 1249 ه.
و أما ثنیان بن عبد اللّه بن إبراهیم بن ثنیان بن سعود بن محمد بن مقرن، فإنه ضریر البصر، و من ذریته عبد اللّه بن ثنیان بن سعود و أما فرحان بن سعود بن محمد بن مقرن فمن ذریته سعود بن إبراهیم بن عبد اللّه بن فرحان، فالباقون الیوم کلهم من ذریة محمد بن مقرن بن مرخان بن إبراهیم بن موسی بن ربیعة بن مانع المریدی. و أما ذریة أخیه عیاف بن مقرن بن مرخان جد آل عیاف، فالموجود منهم الآن حمد، و أخواه مشاری و سعود.
و أما آل وطبان أهل الزبیر فهم أولاد وطبان بن ربیعة بن مرخان بن إبراهیم بن موسی بن ربیعة، و وطبان المذکور هو أخو مقرن بن ربیعة فیجتمع آل، وطبان و آل مقرن فی مرخان بن إبراهیم بن موسی، و یجتمعون هم و أهل ضرما، و أهل أبی الکباش فی إبراهیم بن موسی بن ربیعة بن مانع المریدی. و اللّه أعلم ذکر راشد بن خنین فی تاریخه أن المردة من بنی حنیفة.
و فیها سار زامل الجبری العقیلی العامری ملک الأحساء و القطیف بجنود عظیمة، و قصد الخرج، و أخذ الدواسر و عائذ علی الخرج ثم رجع إلی وطنه. و فیها تناوخ آل مغیرة هم و الفضول علی مبایض، و صارت الهزیمة علی الفضول.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 33

و فی سنة 852 ه:

ظهر إلی نجد زامل بن جبر ملک الأحساء و معه جنود کبیرة من الحاضرة و البادیة و قصد الدواسر فی وادیهم، و کانوا قد أکثروا الغارات علی بادیة الأحساء فدهمهم فی منازلهم، ثم إنهم صالحوه علی أن یکفوا عن ما تحت یده من العربان و أعطوه من الخیل و الرکاب ما أرضاه فرجع عنهم إلی وطنه.

و فی سنة 853:

مناخ عنزة و الظفیر علی نفی، و أناخوا فی مناخهم نحو عشرین یوما یغادون القتال و یراوحونه، و کان رئیس عنزة حینئذ جاسر الطیار، و رئیس الظفیر مانع بن سویط. ثم إنه حصل بین الفریقین قتال شدید و صارت الهزیمة علی عنزة و قتل عدة رجال من الفریقین. و من مشاهیر القتلی من عنزة جاسر الطیار، و لاحم بن حصن؛ و من الظفیر حمود بن سالم و جمعان بن دوحی. و فیها تصالحوا آل کثیر بینهم بعد حروب وقعت بینهم، و یقال إنهم من قحطان.

و فی سنة 854:

تناوخ عنزة و الظفیر علی الضلفعة، و اجتمعت قبائل عنزة و رؤساؤهم، و هم یومئذ: مصلط بن وضجان، و فهد بن جاسر الطیار، و ضیغم بن شعلان، و صنیتان بن بکر، و رؤساء الظفیر: مانع بن سویط، و نایف أبو ذراع، و مع الظفیر من حرب سالم بن مضیان، و مناحی الفرم و أقاموا فی مناخهم أکثر من شهر حتی أکلت الإبل أوبارها من الجوع من طول المناخ، ثم إنهم حصل بینهم وقعة شدیدة و صارت الهزیمة علی الظفیر و قتل من الفریقین خلق کثیر، و من مشاهیر قتلی عنزة: ضیغم بن شعلان، و نائف بن وضحان، و من مشاهیر قتلی الظفیر: مانع بن صویط، و ماجد بن کنعان، و دوخی بن حمود. و من مشاهیر قتلی حرب سالم بن مضیاف، و شافی بن رومی، و خلف بن جاسر، و سرور بن فاضل.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 34

و فی سنة 855 ه:

غزا زامل بن جبر رئیس الأحساء و القطیف، و صبح الفضول علی حفر العتک و أخذهم، ثم عدا علی آل مغیرة و هم علی الفزیر فانذروا عنه و انهزموا، فرجع إلی وطنه، و أکثر النسابة فی أهل نجد یقولون إن الفضول، و آل المغیرة، و آل کثیر، یرجع نسبهم إلی قحطان.

و فی سنة 856 ه:

کثرت الأمطار فی نجد و أخصبت الأرض.
و فیها أخذ الفضول قافلة کبیرة فی العارض لعنزة. و فیها أغار آل المغیرة علی عنزة فی مبایض، و أخذوا إبلا کثیرة، فلحقهم أفزاع عنزة، و استنقذوا إبلهم، و قتلوا رئیس المغیرة: لاحم بن مدلج الخیاری، و عدة من أصحابه، و أخذوا أکثر رکابهم و سلاحهم و لم ینج منهم إلّا القلیل.

و فی سنة 857 ه:

کثر الجراد فی نجد، و أعقبه دبا کثیر أکل غالب الثمار و الأشجار، فأجدبت الأرض، و غلت الأسعار، و فیها غزا عنزة علی آل غزی من الفضول علی تنراک، و أخذا منهم إبلا کثیرة، فلما کان بعد أیام أمر جاسر بن سالم آل غزی علی قومه بالمغزی علی عنزة، فساروا إلیهم و عنزة إذ ذاک علی جو أشیقر، فأغاروا علی إبلهم فی المروت عازبة فاستاقوها.

و فی سنة 858 ه:

کثرت الأمطار، و أخصبت الأرض، و رخصت الأسعار، فللّه الحمد و المنة. و فیها صبح زامل بن جبر العقیلی العامری رئیس الأحساء و القطیف بوادی زغب و العوازم علی اللهابة، ثم رجع إلی وطنه.

و فی سنة 859 ه:

لم یقع فیها ما یحسن ذکره.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 35

و فی سنة 860 ه:

تناوخ عنزة و الظفیر علی وضاح و رؤساء عنزة إذ ذاک: مصلط بن وضحان، و مناحی بن ضیغم بن شعلان، و صنیتان بن بکر. و کبیر الظفیر حینئذ صقر بن راشد بن صویط، و مع الظفیر بنو حسین و أقاموا فی مناخهم ذلک نحو عشر أیام یغادون القتال و یراوحونه. و کان ابن صویط قد أرسل إلی حرب یستنجدهم، فأتی إلیه عبد اللّه بن سالم بن مضیان و مناحی الفرم و من تبعهم من حرب. فلما علم بذلک عنزة قلطوا إبلهم و أغنامهم مع الرعاة فی أول اللیل، فلما أصبحوا حصل بینهم قتال و صارت الهزیمة علی عنزة، و ترکوا ما ثقل من أمتعتهم. و قتل من الفریقین عدة رجال.

و فی سنة 861 ه:

حشدت قبائل عنزة و معهم فریج بن طامی بن فریج شیخ آل کثیر. و تناوخوا هم و الظفیر و من معهم من بنی حسن و حرب فی السر، و صارت الهزیمة علی الظفیر و أتباعهم، و قتل من الفریقین عدة رجال. و من مشاهیر القتلی من عنزة صنیتان بن بکر، و نائف الدبداب، و حصن بن قاعد. و من مشاهیر قتلی الظفیر و أتباعهم خلف بن مانع بن صویط، و صالح بن کنعان، و رجاء بن جاسر، و من حرب مناحی الفرم، و سرحان بن مضیان، و نقا بن ذهول، و راجح بن حضرم.

و فی سنة 862 ه:

لم یقع فیها ما یحسن ذکره.

و فی سنة 863 ه:

تناوخوا الدواسر و الفضول علی نبراک، و صارت
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 36
الهزیمة علی الدواسر، و قتل بینهم عدة رجال.

و فی سنة 864 ه:

وقع فی الخرج و العارض و ضرمی و باء مات منه خلق کثیر.

و فی سنة 865 ه:

کثرت الأمطار و کثر الخصب. و فیها توفی حسن بن طوق رئیس العینیة.

و فی سنة 866 ه:

غزا زامل بن جبر شیخ الأحساء و القطیف، و صبح آل مغیرة و سبیع فی الحائر و أخذهم.

و فی سنة 867 ه:

کثر الجراد فی نجد و أعقبه دبا کثیر، أکل الزروع، و الثمار، و الأشجار، و غلت الأسعار. و فیها کثر الجدری و الحضبة فی الحاضرة و البادیة، و هلک خلق کثیر.

و فی سنة 868 ه:

اشتد الغلاء فی نجد، و أکلت المیتات، و جلا کثیر من أهلها إلی البصرة و الأحساء، و مات کثیر من الناس جوعا، و استمر القحط و الغلاء إلی سنة 870 ه.

و دخلت سنة 869 ه:

و الغلاء علی حالة و ارتحل کثیر من أهل نجد بأولادهم و نسائهم إلی الأحساء و البصرة و الزبیر.

و فی سنة 870 ه:

أنزل اللّه الغیث فی أول الموسم، و عم الحیاء بلدان نجد، و تتابعت الأمطار، و کثر الخصب، و رحم اللّه العباد. و فیها قتل وطبان الخیاری شیخ آل مغبرة قتلوه عنزة.

و فی سنة 871 ه:

أغار عنزة علی آل کثیر و سبیع فی سدیر،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 37
و أخذوا إبلا کثیرة، ففزعوا علیهم و استنقذوا إبلهم، و قتل بینهم عدة قتلی.

و فی سنة 874 ه:

لم یحدث ما یحسن ذکره.

و فی سنة 875 ه:

تناوخ عنزة و الظفیر فی المستوی أیام الربیع، و صارت الهزیمة علی الظفیر، و قتل بینهم خلائق کثیرة.

و فی سنة 877 ه:

مناخ الدواسر و آل مغیرة فی الخرج، و صارت الهزیمة علی آل مغیرة.

و فی سنة 878 ه:

أخذ آل کثیر، و العوازم، و زعب قافلة کبیرة لأهل نجد خارجة من البصرة.

و فی سنة 879 ه:

مناخ الفضول و الدواسر فی الخرج، و صارت الهزیمة علی الفضول.

و إلی آخر 882 ه:

لم یقع ما یحسن ذکره.

و فی سنة 883 ه:

کثر الجراد فی نجد، و أعقبه دبا أکل الثمار و الأشجار، و تناوخ سبیع و آل کثیر علی ضرمی، و صارت الغلبة لسبیع.

و إلی آخر 889 ه:

لم یحدث ما یحسن ذکره.

و فی سنة 890 ه:

غزا أجود بن زامل شیخ الأحساء و القطیف، و صبح الدواسر علی الخرج.

و فی سنة 891- 892 ه:

لم یحدث ما یحسن ذکره.

و فی سنة 893 ه:

فیها صج أجود بن زامل الدواسر، و سبیع علی الحرملیة و أخذهم، و کانوا قد أکثروا الغارات علی بادیة الأحساء.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 38

[فی القرن العاشر]

و فی سنة 912 ه:

حج أجود بن زامل العامری العقیلی ملک الأحساء و القطیف فی جمع عظیم، یقال إنهم یزیدون علی ثلاثین ألفا.

و فی سنة 914 ه:

وقع اختلاف بین آل سیف بن عبد اللّه الشمری، و بین بنی عمهم آل دهیش بن عبد اللّه الشمری عند رئاسة بلد المجمعة، ثم اصطلحوا. و کان الذی بنی بلد المجمعة هو عبد اللّه الشمری من آل و یبار من عبده بن شمر. و ذکر حمد بن محمد بن لعبون ساکن التویم فیها، وجدته بخط یده فی ذکر نسبهم و سبب إخراج الوهبة لهم من أشیقر و سکناهم التویم.
قال بعد کلام سبق: ثم رحل بنو وائل من أشیقر مدلج بن حسین و بنوه و عشیرته، و آل أبو رباع حریملاء، فاستوطنوا التویم، و کانت قبل ذلک قد استوطنها ناس من عائد بنی سعید بادیة و حاضرة، ثم جلوا عنها، و دمرت، ثم عمّرها مدلج و بنوه و عشیرته من عنزة، و ذلک سنة (700 ه) تقریبا. و نزل آل حمد آل أبو رباع فی حلة، و آل مدلج فی حلة البلد، ثم إن إبراهیم بن حسین بن مدلج ارتحل من التویم إلی موضع حرمه، و هی میاه و أثار منازل قد تعطلت من منازل بنی سعید من عائد. و نزلها إبراهیم و عمرها و غرسها، و کان نزوله لها سنة (770) تقریبا، و نزل علیه کثیر من عشیرته من عنزة. و کان لأبیه حسین بن مدلج فداوی فارس، یقال له عبد اللّه الشمری من آل و یبار من عبده، فلما مات حسین فی التویم قدم علی إبراهیم فی حرمة، و طلب منه قطعة من الأرض لینزلها، فأعطاه أرض بلد المجمعة و یغرسها. و ذلک سنة (820) و سکنها هو و بنوه.

و فی سنة 928 ه:

مات عبد الرحمن العلیمی الحنبلی.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 39

و فی سنة 944 ه:

مات عبد الرحمن بن علی بن الدبیغ الزبیدی.

و فی سنة 948 ه:

توفی الشیخ شهاب الدین أحمد بن یحیی بن عطوة بن زید التمیمی النجدی الحنبلی، و دفن فی بلد الجبیلة المعروفة فی وادی حنیفة ضجیعا لزید بن الخطاب رضی اللّه عنه. و کان ابن عطوة المذکور فی أیام أجود بن زامل ملک الأحساء، معاصرا للقاضی أجود بن عثمان بن القاضی علی بن زید. و القاضی عبد القادر بن زید بن مشرف المشرفی و القاضی منصور بن یحیی الباهلی، و القاضی أحمد بن فیروز بن بسام، و لسلطان بن ریس بن مغامس. و قد سجلوا علی رده علی عبد اللّه بن رحمة. و کان ابن عطوة کثیر النقل عن شیخة العسکری، و له مصنفات کثیرة، منها: «التحفة البدیعة و الروضة الأنیعة». و کانت له الید الطولی فی الفقه. أخذ العلم عن عدة مشایخ أجلهم: الشیخ شهاب الدین أحمد بن عبد اللّه العسکری الحنبلی، و أخذ عنه کثیر من العلماء فی بلاد نجد، و منهم: الشیخ أحمد بن محمد بن مشرف الأشیقری و غیره.

و فی سنة 950 ه:

تقریبا خرج آل صقیة المعروفین من الوهبة من بلد أشیقر و توجهوا إلی القصیم، فأتوا إلی الرس و کان خرابا لیس به ساکن فعمروه و سکنوه، و امتدوا فیه بالفلاحة. ثم إن محمدا أبا الحصین من آل محفوظ من العجمان اشتراه منهم و کان مقیما فی عنیزة، فانتقل بأولاده من عنیزة إلی الرس و سکنوه و عمروه. و کان ذلک سنة تسعمائة و سبعین تقریبا. و محمد أبا الحصین هذا هو جد أهل الرس آل أبا الحصین من آل محفوظ، و اللّه سبحانه، و تعالی أعلم.

و فی سنة 974 ه:

توفی الشیخ أحمد بن حجر الهیثمی.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 40

و فی سنة 980 ه:

و فیها تناوخوا الدواسر، و آل مغبرة علی الحرملیة مع آل مغیرة آل کثیر، و سبیع، و سهول، و مع الدواسر آل مسعور من قحطان. و أقاموا فی مناخهم أکثر من عشرین یوما یغادون القتال و یراوحونه، علی أنّه حصل بینهم وقعة شدیدة و صارت الهزیمة علی الدواسر و أتباعهم، و قتل من الطرفین عدة رجال، فمن مشاهیر الدواسر:
مسعود بن صلال، و زید بن رجاء، و عائض بن عفتان. و من مشاهیر آلمغیرة: جساس بن عمهوج.

و فی سنة 985 ه:

تقریبا اشتری راشد الدریبی بریدة من آل هذال شیوخ قبیلة عنزة، و کانت موارد ماء لهم. و سکنها راشد الدربی المذکور و عشیرته آل أبو علیان. و راشد هو جد حمود بن عبد اللّه بن راشد الذی فتک فی عشیرته آل أبو علیان، و قتل منهم ثمانیة رجال فی مسجد بریدة، و ذلک عام 1155. و اللّه سبحانه و تعالی أعلم.

و فی سنة 992 ه:

توفی الشیخ محمد بن أحمد الفاکهی الحنبلی، و الشریف أبو نمی بن برکات بن محمد بن برکات بن حسن بن عجلان بن رمیثة بن آل نمی بن حسن بن علی بن قتادة، و دفن بالمعلاة، و کان عمره ثمانین سنة و شهرا و یوما، فولّی مکة بعده ابنه الشریف حسن بن أبی نمی إلی أن توفی سنة ألف و عشر. و تولی إمارة مکة بعده ابنه الشریف أبو طالب، و توفی فی سنة 1012 و صارت ولایته سنتین. و تولی مکة بعده أخوه الشریف إدریس، و أشرک معه أخاه السید فهد بن حسن بن أبی نمی، و ابن أخته الشریف محسن بن حسین بن حسن بن أبی نمی.
و توفی الشریف محسن بن حسن المذکور فی صنعاء سنة ألف و ثمان و ثلاثین. و فی سنة أربعین و ألف خلع الشریف عبد اللّه بن حسن بن أبی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 41
نمی نفسه تعففا و دیانة، و قلد أمر مکة لولده الشریف محمد بن عبد اللّه بن حسن بن أبی نمی، و أرسل إلی الیمن الشریف بن محسن بن حسین بن حسن.
و فی تمام الألف تقریبا استولوا الروم علی بلد الأحساء و القطیف، و رتبوا فیها عساکر، و بنوا فیها حصونا. و استقر فی الأحساء فاتح باشا نائبا من جهة الروم، و انقرضت دولة أجود بن زامل بن جبر العامری العقیلی، فسبحان من لا یزول ملکه.

[فی القرن حادی عشر]

و فی سنة 1015 ه:

ظهر الشریف محسن بن حسین بن حسن بن أبا نمی، و قتل أهل بلد القصب و نهبهم، و فعل الأفاعیل العظیمة، و دمر الرقبیة المعروفة فی بلد القصب من الوشم، و قتل أهلها، و قتل رئیس البلد راشد بن سعد الجبری الخالدی.
و فی هذه السنة انتقل الشیخ أحمد بن محمد بن عبد اللّه بن بسام، من ملهم إلی العیینة و سکنها، و کان قبل ذلک قد انتقل من بلد أشیقر فی افتتاح سنة عشر و ألف إلی بلد القصب قاضیا فیه، فلم یرغب فی سکنی بلد القصب، فطلبه أهل بلد ملهم قاضیا لهم، فانتقل من بلد القصب إلی بلد ملهم قبل تمام السنة، و صار قاضیا فی بلد ملهم، إلی أن انتقل إلی بلد العیینة فی التاریخ المذکور، إلی أن توفی بها سنة 1040 ه تقریبا کما سیأتی، رحمه اللّه تعالی.
و فی هذه السنة استولی آل حنیحن محمد و عبد اللّه و هم من الدواسر، علی بلد البیر، أخذوه من العرینات من سبیع و عمروه و غرسوه و تداوله ذریة محمد المذکور.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 42
و فیها غرس بلد الحصون المعروفة من بلدان سدیر، غرسوها آل تمیم من بنی خالد، غارسهم علیها رئیس بلد القارة المعروفة بصبحاء من بلدان سدیر.

و فی سنة 1020 ه:

توفی الشیخ موسی بن عامر بن صلطان قاضی الدرعیة.

و فی سنة 1032 ه:

توفی الشیخ عبد الرؤوف المناوی شارح الجامع الصغیر.

و فی سنة 1033 ه:

توفی الشیخ مرعی بن یوسف بمصر.
و فی سنة أربعین و ألف ه: استولی الهزازنة علی نعام و الحریق، أخذوه من القواودة من سبیع، و الذی بنی الحریق و غرسه رشید بن مسعود بن سعد بن سعیدان بن فاضل الهزانی الجلاسی الوایلی. و تداوله ذریته من بعده و هم آل حمد بن رشید بن مسعود المذکور. و فی هذه السنة تقریبا توفی الشیخ أحمد بن محمد بن بسام فی العیینة رحمه اللّه.

و فی سنة 1041 ه:

مقتل آل تمیم بتشدید الیاء المثناة من تحت فی مسجد القارة المعروفة بصبحا فی سدیر، و هم من بنی خالد.

و فی سنة 1044 ه:

وقعت الحرب بین أهل قارة سدیر و أهل بلدان سدیر، قتل فیها محمد بن أمیر بلد القارة عثمان بن عبد الرحمن الحدیثی التمیمی، و غیره.

و فی سنة 1045 ه:

نزل آل أبو رباع بلد حریملاء و عمروها و غرسوها، و ذلک أن آل حمد من بنی وائل حین وقع بینهم و بین آل مدلج فی بلد التویم بعض الاختلاف خرج علی بن سلیمان آل حمد و قبیلته و ابن
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 43
عمه راشد، و اشتروا حریملاء من ابن معمر رئیس بلد العیینة، و استوطنوها و أهل حریملاء آل أبو رباع من آل حسنی، من بشر من عنزة، و حتایت جد آل حتایت من وهب من النیوطات من عنزة. و کذلک جد آل عقیل، وجد آل هویمل، الذین منهم القصاری المعروفون فی الشقة من بلدان القصیم، و جد آل عبید المعروفین فی التویم من بلد سدیر من آل أبو رباع من آل حسنی من بشر من عنزة.

و فی سنة 1047 ه:

القحط العظیم المسمی بلادان. و فیها قتلوا آل جماز من تمیم من بنی خالد فی مسجد القارة.

و فی سنة 1048 ه:

کانت وقعة بغداد، حین سار إلیها السلطان مراد، استنقذها من أیدی العجم، و قتل منهم مقتلة عظیمة. و کان استیلاء العجم علی بغداد فی سنة 1032 ه، و فعلوا الأفاعیل العظیمة، حتی قدر اللّه فتحها علی ید السلطان مراد فی السنة المذکورة.

و فی سنة 1049 ه:

توفی الشیخ العالم أحمد بن الشیخ ناصر بن الشیخ محمد بن عبد القادر بن راشد بن برید بن مشرف الوهیبی التمیمی، قاضی بلد الریاض، رحمه اللّه تعالی.
و فی هذه السنة حج الشیخ سلیمان بن علی بن مشرف.

و فی سنة 1051 ه:

فی شهر المحرم، وقع ظلمة عظیمة، و حمرة شدیدة، حتی ظن الناس أن الشمس قد غابت و هی لم تغب.

و فی سنة 1052 ه:

سار أحمد بن عبد اللّه بن معمر، رئیس بلد العیینة إلی سدیر، و أخرج رمیزان بن غشام التمیمی، رئیس بلد روضة
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 44
سدیر من أم حمار المعروفة فی أسفل بلد حوطة سدیر، و هی خربة الیوم، لیس بها ساکن.

و فی سنة 1056 ه:

توفی الشیخ عبد اللّه بن عبد الوهاب قاضی العیینة، أخذ الفقه عن الشیخ منصور البهوتی، و عن الشیخ أحمد بن محمد بن بسام و غیرهما. و أخذ عنه ابنه عبد الوهاب و غیره، و فیها کان مقتل آل أبو هلال فی سدیر منهم محمد بن جمعة المشهور و غیره، و هذه الوقعة هی المسماة وقعة البطحاء.

و فی سنة 1057 ه:

سار الشریف زید بن محسن، شریف مکة المشرفة إلی نجد، و نزل روضة سدیر، و قتل أمیر روضة سدیر ماضی بن محمد بن ثاری. و أجلی آل أبو راجح، و ماضی هذا هو جد ماضی بن جاسر بن ماضی بن محمد بن ثاری بن محمد بن مانع بن عبد اللّه بن راجح بن مزروع بن حمید بن حماد الحمیدی التمیمی. جاء جده مزروع التمیمی هو و میفید التمیمی جد آل مفید من بلد قفار المعروفة فی جبل شمر. و اشتری مزروع المذکور هذا الموضع فی وادی سدیر و استوطنه، و تداولته ذریته من بعده، و أولاده: سعید، و سلیمان، و هلال، و راجح، و صار کل واحد منهم جد قبیلة. و لما قتل الشریف زید بن محسن المذکور ماضی، المذکور جعل فی بلد الروضة أمیرا رمیزان بن غشام من آل أبو سعید، و فعل الشریف زید بن محسن بأهل الروضة من القبح و الفساد، ما لا یعلمه إلّا رب العباد.
و المعروف الیوم من آل أبو سعید آل فارس أهل روضة سدیر، الذین منهم الشیخ محمد بن عبد اللّه بن فارس المعروف فی بلد الکویت، و هم
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 45
غیر آل فارس المعروفین أیضا فی الروضة أهل الرفیعة، فإن آل فارس أهل الرفیعة هم آل فارس بن بسام من أهل بلد أشیقر من الوهبة و من آل أبی سعید أیضا آل فوزان المعروفین فی روضة سدیر، و آل عبد اللطیف بن سیف فی روضة سدیر، و آل قاسم فی روضة سدیر، و آل هویشل فی بلد تمیر، و آل عطیة، و آل عساف فی بلد المجمعة، و آل بکر المعروفین فی حایل.
و المعروف الیوم من آل أبو راجح: آل ماضی رؤساء بلد الروضة، و آل راجح الذین فی روضة سدیر، و فی ثادق، و آل دجین فی الروضة، و آل موسی الذین منهم سلیمان بن مطلق بن موسی، المعروف فی بلد الزبیر.
و المعروف الیوم من آل أبو هلال الکلابی فی روضة سدیر، و آل دامغ الذین فی الروضة و فی عنیزة، و آل نمی الذین فی العودة و فی القصب، و آل أبو حمید الذین فی العودة و فی بلد عشیرة، و آل أبو وهیب الذین فی المجمعة و الزبیر، و الهلالات المعروفین فی بلد عرقة و المجامجة. و أما آل أبو سلیمان فانقطعوا، و لم نعلم الیوم منهم أحدا.
و فی هذه السنة، أعنی سنة 1057 ه، نزل الشریف زید بن محسن علی بنبان، و طلب من أهل بلد العیینة مطالب کثیرة. و فیها قتل مهنا بن جاسر آل غزی رئیس بوادی الفضول.

و فی سنة 1059 ه:

توفی الشیخ محمد بن أحمد بن إسماعیل النجدی الحنبلی فی بلدة أشیقر. أخذ الفقه عن عدة مشایخ من أجلهم الشیخ أحمد بن محمد بن مشرف المعروف فی بلد أشیقر. و أخذ عنه
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 46
جماعة منهم الشیخ أحمد بن محمد بسام، و الشیخ أحمد بن محمد القصیر الوهیبی التمیمی المعروف فی أشیقر، و الشیخ عبد اللّه بن ذهلان المعروف فی العارض و غیرهم. و فیها وفاة الشیخ محمد بن علی بن علان الصدیقی المکی الشافعی.

و فی سنة 1062 ه:

وقعة الشبول هم و أهل بلد التویم قتل فی هذه الوقعة من أهل التویم عدد کثیر.

و فی سنة 1064 ه:

توفی الشیخ عثمان بن أحمد الفتوحی.

و فی سنة 1065 ه:

القحط الشدید المسمی هبران.

و فی سنة 1071 ه:

فی لیلة الثلاثاء سابع عشر ذی الحجة توفی الشیخ عبد القادر بن عبد اللّه ابن إبراهیم بن عمر بن محمد الحنبلی البعلی الأزهری الدمشقی المحدث المقری‌ء الأثری الشهیر بابن بدر. رغم أنه فقیه نصّه، و هی بناء مکسورة بعدها صاد مهملة مشددة مفتوحة قریة ببعلبک فی جهة دمشق نحو فرسخ. أخذ الفقه عن الشیخ منصور البهوتی، و الشیخ مرعی، و الشیخ یوسف الفتوحی سبط بن النجار. و له مؤلفات منها شرح علی البخاری لم یکمله. و درس بالمدرسة العادلیة الصغری، و صار خطیبا بجامع منجک الذی یعرف بمسجد الأقصاء خارج دمشق، و کانت ولادته لیلة السبت ثامن شهر ربیع الثانی سنة خمس بعد الألف، و دفن بتربة الغرباء من مقبرة الفرادیس رحمه اللّه.

و فی سنة 1070 ه:

تولی عبد اللّه بن أحمد بن معمر فی بلد العیینة.
و فیها ظهر جراد کثیر بأرض الحجاز و الیمن أعقبه دبّا أکل جمیع الزروع
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 47
و الأشجار، و حصل بمکة و الیمن و نجد غلاء، و أرخه بعضهم بقوله: غلاء و بلاء.

و فی سنة 1072 ه:

سار عبد اللّه بن أحمد بن معمر رئیس بلد العیینة إلی بلد البیر، و کانوا قد أخذوا قافلة لأهل العیینة، و مع ابن معمر جنود کثیرة، فبات بعضهم تحت جدار من جدران بلد البیر، فسقط الجدار علیهم، فمات منهم خلق کثیر. ثم أن ابن معمر تصالح هو و أهل البیر، و رجع عنهم.

و فی سنة 1076 ه:

هدمت شمالیة القارة المعروفة فی سدیر. و فیها عمرت منزل آل أبو راجح فی سدیر، و هی بلد روضة سدیر المعروفة.
و فیها توفی الشریف زید بن محسن، و هی أول القحط و الغلاء العظیم، المسمی صلهام، هلک فیه بوادی عدوان و غیرهم، و استمر إلی سنة 1078 ه، و أکلت المیتات، و الکلاب، و اشتدت الحال علی أهل مکة المشرفة، و فیهم من باع أولاده.

و فی سنة 1077 ه:

فی ثالث محرم توفی الشریف زید بن محسن، و عمره إحدی و سبعون سنة، و له من الأولاد: سعد، و محمد، و یحیی، و أحمد، و حسن، و حسین. و قد مات حسین فی حیاة أبیه، و خلفه محسن، و لم یحضر وفاته غیر الشریف سعد و حسن. و أما السید محمد فکان فی المدینة، و أحمد کان فی نجد.

و فی سنة 1078 ه:

قتل جلاجل بن إبراهیم رئیس آل ابن خمیس من الدواسر فی سدیر، قتله أهل بلد العطار من العرینات من سبیع.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 48

و فی سنة 1079 ه:

أرخص اللّه الأسعار، و کثرت الإمطار، و أخصبت الأرض، و سموا أهل نجد هذه السنة دلهام رجعان صلهام.
و فی هذه السنة: توفی الشیخ العالم العلّامة سلیمان بن علی بن محمد بن أحمد بن راشد بن برید بن محمد بن برید بن مشرف بن عمر بن معضاد بن ریس بن زاخر بن محمد بن علوی بن وهیب الوهیبی التمیمی، و کانت وفاته فی بلد العیینة، رحمه اللّه تعالی، و فیها قتل البطل الضرغام رمیزان بن غشام، من آل أبو سعید التمیمی رئیس روضة سدیر. قتله سعود بن محمد من آل أبو هلال التمیمی، و فی هذه السنة بنی أهل رغبة بلادهم الأولی. و فی هذه السنة عمرت بلد ثادق. عمروها آل عوسجة من الدواسر و غرسوها.

و فی سنة 1080 ه:

استولوا آل حمید من بنی خالد علی الحساء و القطیف، و أولهم براک بن غریر بن عثمان بن مسعود بن ربیعة آل حمید، و معه محمد بن حسین بن عثمان بن مسعود بن ربیعة آل حمید و منها الجبری. و قتلوا عسکر الروم الذین فی الکوت، و ذلک بعد مقتلهم لراشد بن مغامس أمیر آل شبیب، و أخذهم لبوادیه و طردهم لهم عن ولایة الحساء من جهة الروم. و قد کان الروم قد استولوا علی الحساء قدر ثمانین سنة، و أول من تقدم فیه منهم فاتح باشا، ثم علی باشا أبا الوند، ثم محمد باشا، ثم عمر باشا، و هو آخرهم.

و فی سنة 1081 ه:

ظهر براک بن غریر بن عثمان بن مسعود الخالدی رئیس الحساء و القطیف إلی نجد. و أخذ آل نبهان من آل کثیر
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 49
علی سدوس. و فیها وقعة الأکیثال بین الظفیر و الفضول بنجد. و فیها وقعة الملتهبة بین الفضول و الظفیر أیضا.
و فیها وقع اختلاف بین بنی خالد، و حصل بینهم قتال قتل فیه محمد بن حسین بن عثمان بن مسعود بن ربیعة آل حمید.

و فی سنة 1083 ه:

سار إبراهیم بن سلیمان بن حماد بن عامر الدوسری رئیس بلد جلاجل و معه آل تمیم أهل الحصون من بنی خالد، و سطوا فی بلد الحصون علی مانع بن عثمان بن عبد الرحمن شیخ آل حدیثة الحدیثی التمیمی، و أخرجوه من البلد، و صارت ریاسة بلد الحصون لآل تمیم من بنی خالد، و قیل إنه فی السنة التی بعدها.

و فی سنة 1084 ه:

وقعة القاع المشهورة بین أهل التویم و أهل جلاجل، و قتل فیها محمد بن زامل بن إدریس بن حسین بن مدلج الوائلی رئیس بلد التویم، و إبراهیم بن سلیمان بن حماد بن عامر الدوسری رئیس بلد جلاجل، و ناصر بن برید و غیرهم. و فیها الوقعة المشهورة بین أهل أشیقر فی المغدر، قتل فیها عریف بن دیحان، و عبد اللّه بن فیروز بن محمد بن بسام، و غیرهم.

و فی سنة 1085 ه:

حرابة أهل أشیقر قتل فیها أبناء محمد بن حسن إبراهیم، و مانع، و جوینان، و غیرهم، و هی سنة حرمان: و فیها حصل فی نجد قحط عظیم، و غلاء شدید أکلت فیه المیتات، و جلا کثیر من أهل نجد إلی البصرة و الأحساء، و مات کثیر من الناس جوعا، و فیها انحدر بادیة الفضول إلی العراق و نزلوا فی نواحی الحویزة فیما بینها و بین العمارة لم یبق فی نجد منهم إلّا القلیل.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 50

و فی سنة 1086 ه:

القحط الشدید المسمی جرادان، و فیها کثرت الأمطار، و أعشبت الأرض، و لکن الغلاء علی حاله من عدم الزاد. و فیها ربط براک بن غریر آل حمید رئیس الحساء و القطیف سلامة بن صویط رئیس بوادی الظفیر.

و فی سنة 1087 ه:

فی النصف من رجب فی هذه السنة ولد محمد بن خراش.

و فی سنة 1088 ه:

مناخ الضلفعة بین الشریف محمد الحارث و بین الظفیر، و صارت الهزیمة علی الظفیر. و فیها توفی الشیخ عبد الحی بن أحمد العماد الحنبلی بمکة، الشهیر بابن العماد.

و فی سنة 1092 ه:

وقعة دلقة بین عنزة و الظفیر، و قتل من عنزة خلق کثیر، منهم: لاحم بن خشرم النبهانی، و حصن بن جمعان. و أخذ الشریف محمد الحارث الدواسر حول المردمة. و فیها قتل عدوان بن تمیم الخالدی رئیس بلد الحصون. و فیها قتل محمد بن بحر الناصری التمیمی فی بلد الداخلة فی سدیر.

و فی سنة 1093 ه:

مات براک بن غریر آل حمید الخالدی رئیس الحساء و القطیف، و تولی بعده أخوه محمد، وصال علی أهل الیمامة.
و فیها مقتل آل حمد بن مفرج الجلالیل فی مسجد بلد منفوحة، قتلهم دواس بن عبد اللّه بن شعلان. و فیها قتل راشد بن إبراهیم رئیس بلد مرات من العناقر من بنی سعد بن زید مناة بن تمیم، و تولی فی بلد مرات عبید اللّه بن جار اللّه من العناقر. و فیها قتل دواس بن عبد اللّه بن شعلان آل حمد الجلالیل فی منفوحة، و هم جیرانه، و قتل الظفیر من عنزة خلقا کثیرا، و قتل لاحم بن خشرم النبهانی و حصن بن جمعان.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 51

و فی سنة 1095 ه:

قتل دواس بن عبد اللّه بن شعلان المزاریع فی منفوحة.
و فی هذه السنة استولوا أهل حریملاء، علی القرینة و ملهم. و فی هذه السنة أغاروا أهل حریملاء علی أهل ثرمدا، و قتلوا من أهل ثرمدا، عبد اللّه بن ذباح، و ابن مسدر، و ابن عون. سبب ذلک أن أهل ثرمدا قبل ذلک أغاروا علی أهل حریملاء، و أخذوا إبلا لهم، و قتلوا منهم رجالا.

و فی سنة 1096 ه:

تولی عبد اللّه بن محمد بن معمر فی بلد العیینة.
و فیها سار عبد بن محمد بن معمر المذکور، و معه سعود بن محمد بن مقرن رئیس بلد الدرعیة إلی بلد حریملاء، فحصل بینهم و بین أهل حریملاء، قتال، قتل فیه من أهل حریملاء عدد کثیر.
و فی هذه السنة قتل عبیکة بن جار اللّه العنقری رئیس بلد مرات.
و فیها قتل محمد بن عبد الرحمن رئیس بلد ضرما. و فیها کثرت الأمطار و السیول، و رخصت الأسعار. و فیها قتل أحمد بن حنیحن أمیر البیر.
و فیها قتل حمد بن عبد اللّه رئیس بلد حوطة سدیر من بنی العنبر بن عمرو بن تمیم، و استولی علیها القعیسا من بنی عمرو بن تمیم. و فیها هبت ریح عاصف فی سدیر، طاح من نخل سدیر نحو ألف نخلة.
و فیها سطوا علی آل محدث من بنی العنبر بن عمرو بن تمیم علی الفراهید من الأساعدة من الروقة من عتیبة فی الزلفی، و قتل فوزان بن زامل فی الزلفی بلد الدرعیة إلی بلد حریملاء، فحصل بینهم و بین أهل حریملاء قتال، قتل فیه من أهل حریملاء عدد کثیر.

و فی سنة 1097 ه:

ظهر الشریف أحمد بن زید بن محسن إلی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 52
نجد، و نزل بلد عنیزة و فضی العقیلیة و هدمها، و فعل بهم من القبح و الفساد ما لا یعلمه إلّا اللّه.
و فی هذه السنة استولی عبد اللّه بن محمد بن معمر رئیس بلد العیینة علی بلد العماریة. و آل معمر من العناقر من ابن سعد بن زید مناة بن تمیم.
و فیها توفی الشیخ عثمان بن عثمان بن أحمد بن عثمان بن سعید بن أحمد بن قائد النجدی رحمه اللّه، و کانت وفاته بمصر. له من المصنفات:
«تلخیص النونیة». قال ابن حمید فی طبقاته: ولد فی بلد العینیة من قری نجد، و نشأ بها و قرأ علی ابن عمته الشیخ عبد اللّه بن محمد بن دهلان و غیره حتی برع، ثم ارتحل إلی دمشق، ثم خرج إلی مصر، و توفی بها.
و کان خطه فائقا مضبوطا إلی الغایة، و له مصنفات.
و قال الشیخ أحمد بن عوض المرداوی فی إجازته لبعض تلامذته:
و لشیخنا الإمام العامل العالم العلامة القدوة الفهامة الإمام الذی فاق أقرانه، و تمیز بفضله علی أهل زمانه محرر النقول، و شیخ المعقول و المنقول عثمان بن عثمان بن أحمد بن عثمان بن سعید بن أحمد بن قائد النجدی الحنبلی أخذ الفقه عن جماعة قبل هجرته إلی الدیار المصریة.
فإنه أخذ عن الشیخ الفاضل حاوی الکمالات و الفضائل العلامة ابن عمته أبی محمد عبد اللّه بن محمد ابن ذهلان النجدی.
و رأیت بخط الشیخ عثمان فی إجازته محمد بن الحاج مصطفی الجیتی: و قد أخذت الفقه بحمد اللّه عن جماعة أعلام و صلحاء کرام، فأول من أخذت عنه الشیخان الصالحان الفاضلان ابن عمتی الشیخ
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 53
عبد اللّه بن محمد بن ذهلان، و الشیخ محمد بن موسی البصیر:
النجدیان. و هما أخذا عن جماعة منهم: ولی اللّه تعالی الشیخ محمد بن أحمد بن إسماعیل الأشقیری النجدی الحنبلی، عن الشیخ أحمد بن محمد بن شرف الأشقیری النجدی الحنبلی، عن العارف باللّه ذی الکرامات الظاهرة و الآیات الباهرة الشیخ أحمد بن یحیی بن عطوة بن زید التمیمی النجدی الذی فتح اللّه به مقفلات القلوب، و هو أخذ عن مصحف المذهب صاحب الإنصاف و التنقیح الشیخ علاء الدین علی بن سلیمان المرداوی.
و فیها توفی الشیخ عبد الرحمن بن بلیهد فی القرائن، و الشیخ محمد بن عبد اللّه بن سلطان، و الشیخ عبد اللّه بن محمد بن دهلان و أخوه عبد الرحمن. کانت وفاتهما فی تاسع ذی الحجة من السنة المذکورة فی الریاض.

و فی سنة 1098 ه:

أغار ابن معمر رئیس العینیة علی أهل حریملاء، و قتل منهم عدة رجال. و فیها وقعت المحاربة بین ابن معمر المذکور و بین أهل الدرعیة بسبب أخذ ابن معمر لبلد العماریة. و فیها هد قصر سدوس. و فیها سار أهل حریملاء، و معهم محمد بن مقرن رئیس الدرعیة، و زامل بن عثمان رئیس الخرج، و قصدوا بلد سدوس و هدموه قصرها و خربوه. و فیها الوقعة المشهورة بین آل مغیرة، و بین آل عساف و آل کثیر فی الحائر، قتل من الفریقین عدة رجال، منهم: محمد الخیاری رئیس عربان آل مغیرة. و فیها قتل حمد بن عبید اللّه رئیس بلد حوطة سدی فی بنی العنبر بن عمرو بن تمیم، و استولی علیها المعیا من بنی عمرو بن تمیم. و فیها سطا علی آل محدث من بنی العنبر بن عمرو بن تمیم علی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 54
الفراهید من الأساعدة من الروقة من عتیبة فی الزلفی، و قتل فوزان بن زامل فی الزلفی.

و فی سنة 1099 ه:

کثرت الأمطار و السیول، و رخصت الأسعار حتی بیع التمر عشرین الوزنة بمحمدیة، و الحنطة خمسة أصواع بمحمدیة، و بیع التمر فی العارض ألف وزنة بأحمر، و أرّخ هذه السنة عبد اللّه بن علی بن سعدون، و هو إذ ذاک فی الدرعیة فقال:
بحمد اللّه و بالشکر نعج‌لسحب ثج و الأرض تمج
بدفع المحلق فیها تزج‌و بر فحرف بوسقینه
و تاریخ ذا کاد یشج و الحرف نوع من الدراهم یتعاملون بها فی زمانه، و الوسق: ستون صاعا بصاع العارض. و فیها ملک یحیی بن سلامة أبا زرعة بلد مقرن المعروف فی الریاض، و آل زرعة من بنی حنیفة، و بلد مقرن محلة الیوم من بلد الریاض و کانت فی الماضی بلد متحدة، و أما الآن فقد أدخلها سور الریاض. و فیها قتل جساس رئیس بوادی آل کثیر. و فی هذه السنة ظهر محمد بن غریر آل حمید الخالدی رئیس الحساء و القطیف، و نزل الخرج و حصل بینه و بین آل عثمان رؤساء الخرج من عائذ قتال شدید، ثم أنهم صالحوا و رجع عنهم. و فیها توفی الشریف أحمد بن زید بن محسن، و فی آخرها حصل و باء فی العارض مات فیه الشیخ عبد اللّه بن محمد بن ذهلان، و أخوه الشیخ عبد الرحمن بن محمد بن ذهلان. کانت وفاتهما فی تاسع ذی الحجة من السنة المذکورة.
و فیها توفی الشیخ محمد بن عبد اللّه بن سلطان بن محمد بن
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 55
أحمد بن محمد بن أحمد بن سلیمان بن جمعان بن سلطان بن صبیح بن جبر بن راجح بن خترش بن بدران بن زاید الدوسری قاضی بلد المجمعة.
و فیها توفی الشیخ عبد الرحمن بن بلیهد فی بلد القرائن. و فیها قتل مرخان بن وطبان رئیس الدرعیة قتله أخوه إبراهیم غدرا.

[فی القرن الثانی عشر]

و فی سنة 1100 ه:

مائة و ألف توفی عبد اللّه بن إبراهیم بن خنیفر العنقری رئیس بلد ثرمدا، و تولی بعده فی ثرمدا أخوه ریمان بن إبراهیم بن خنیفر. و فیها أخذوا الظفیر و الفضول حاج العراق بالقرب من بلد التنومة.
و فی سنة واحد و مائة و ألف: عمرت بلد القرینة بالقرب من حریملاء، لأنها قد خربت بعد عمارها الأول و دثرت. فیها توفی جاسر بن ماضی رئیس بلد روضة سدیر، و تولی بعده ابنه ماضی بن جاسر. و فیها طاعون البصرة و الموت الذریع فیها و فی العراق.

و فی سنة 1103 ه:

توفی محمد بن غریر آل حمید رئیس الحساء و القطیف، و تولی ابنه سعدون بن محمد بن غریر. و فیها قتل ثنیان بن براک بن غریر آل حمید الخالدی. و فیها سطوا آل جماز المعروفون من بنی العنبر بن عمرو بن تمیم، فی بلد الجنوبیة المعروفة فی سدیر، علی آل غنام المعروفین من العناقر، و قتلوهم و استولوا علی بلد الجنوبیة.

و فی سنة 1104 ه:

قتل مصلط الجرباء.

و فی سنة 1105 ه:

قتل سلامة بن ناصر بن برید بن مشرف أولاد ابن یوسف بن مشرف فی الحریق.

و فی سنة 1106 ه:

ملک مانع بن شبیب رئیس بوادی المنتفق البصرة.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 56
و فیها توفی محمد بن مقرن بن مرخان رئیس بلد الدرعیة، و إبراهیم بن راشد بن مانع رئیس بلد القصب، و تولی بعده ابنه عثمان.
و فیها قتل إبراهیم بن وطبان رئیس الدرعیة. قتله یحیی بن سلامة أبو زرعة رئیس بلد الریاض.

و فی سنة 1107 ه:

ظهر الشریف سعد بن زید إلی نجد، و نزل روضة سدیر و ربط ماضی بن جاسر بن ماضی رئیس بلد الروضة. و فیها قتل إدریس بن وطبان رئیس الدرعیة. و استولی علیها سلطان بن حمد القبس. و فیها جلوا آل عبهول رؤساء حوطة سدیر، و هم من بنی العنبر بن عمرو بن تمیم. و صارت رئاسة بلد حوطة سدیر للقعاسی من بنی العنبر عن عمرو بن تمیم.

و فی سنة 1108 ه:

ملک فرج اللّه بن مطلب رئیس الحویزة البصرة.
فیها فی جمادی الأولی توفی الأدیب المؤرخ الشیخ عبد الملک بن حسین العصامی المکی الشافعی.

و فی سنة 1109 ه:

توفی الشیخ محمد بن عبد اللّه بن الشیخ محمد بن أحمد بن إسماعیل فی أشیقر رحمه اللّه تعالی، و هو من آل بکر من سبیع. و فی ربیع الأول من هذه السنة قتل فی بلد أشیقر أحمد بن عبد الرحمن آل حماد بن شبانة من رؤساء بلد أشیقر من آل محمد من الوهبة. و هدمت عقدة المنیخ، و غزیة فی أشیقر. و جلوا آل محمد و آل خرفان و آل راجح، ثم رجعوا آل خرفان و آل رجح بعد أیام قلیلة.
و أما آل محمد فلم یرجع منهم إلّا القلیل، و فرق باقیهم فی البلدان. و فیها فضی فوزان بن حمیدان أمیر عنیزة بلدة بریدة.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 57

و فی سنة 1110 ه:

سطوا آل أبو غنام و البکر علی فوزان بن حمیدان بن حسن الملقّب بابن معمر من آل فضل من آل جراح أهل عنیزة، سطوا علیه فی الملیحة، و استنقذوا منه منزلتهم، و أخرجوه من بلدة عنیزة، بعد وقعة بریدة و غدره فیهم. و رأیت فی بعض التواریخ أن ذلک سنة ألف و مائة و سبع.

و فی سنة 1111 ه:

توفی الشیخ عبد الرحمن بن إسماعیل فی أشیقر، رحمه اللّه تعالی، و هو من آل بکر من سبیع. و فی هذه السنة استنقذوا الروم البصرة من فرج اللّه بن مطلب رئیس الحویزة و طردوه عنها.
و فیها ملکوا آل مدلج أهل التویم من بنی وائل بلد الحصون، و أخرجوا منه آل تمیم من بنی خالد، و ولّوا فی الحصون ابن نحیط، من بنی العنبر بن عمرو بن تمیم.
و فیها ملکوا آل أبو راجح ربع آل أبو هلال فی روضة سدیر، و ذلک أن ماضی بن جاسر رئیس بلد الروضة من آل راجح من بنی عمرو بن تمیم استفزع فوزان بن زامل المدلجی الوائلی رئیس بلد التویم، و طلب منهم النصرة علی آل أبو هلال أهل روضة سدیر، من بنی عمرو بن تمیم، فساروا آل مدلج أهل التویم مع ماضی المذکور، و استخرجوا آل أبو هلال من منزلتهم المعروفة فی الروضة و قتلوا منهم عدة رجال، و هدموا منزلتهم. و استقر ماضی بن جاسر ماضی المذکور فی ولایة الروضة.
و فیها أقبل محمد و ناصر آل شقیر من رؤساء حوطة سدیر، من بنی العنبر بن عمرو بن تمیم من بلد العیینة، یریدون حوطة سدیر، فاعترضوهم أهل بلدة عودة سدیر و قتلوهم.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 58
و فی هذه السنة سطا دبوس بن دخیل الناصری و النواصر من بنی عمرو بن تمیم، و هو رئیس بلد الفرعة، سطا هو و أهل الفرعة فی بلد أشیقر فقتلوه أهل أشیقر فی الموضع المسمی بالجفر فی أشیقر، و انهزم أهل الفرعة بعد أن قتلوا منهم أهل أشیقر عدة الرجال.
و فیها قتل علیان بن حسن بن مغامس بن مشرف فی قصر الحریق، قتلوه آل راشد بن برید بن مشرف، و آل محیوس بن مشرف و المشارفة من الوهبة، و جلا ابن یوسف رئیس بلد الحریق، و هو من المشارفة إلی بلد القصب.
و جاء فی «تاریخ ابن لعبون» بعد کلام سبق قوله: کان عثمان بن نحیط بن مانع بن عثمان بن عبد الرحمن حین قتلوا آل تمیم أباه فی ضحیکة ذهب للأحساء، و صار عدوان بن سویلم شیخ فی الحصون. ثم إنه تزوج فی جلاجل و مرض، و کان یتحرش بآل مدلج و یستهزی‌ء بهم فسطوا فی الحصون، و قتلوا فی آل تمیم و أظهروهم و ملکوا البلد و عدوان فی جلاجل، ثم رتبوا البلد و خلوا الشدی فیه، ثم بعثوا لعثمان و هو فی الأحساء، فخرج منه و شاخ فی الحصون شیخة مطلقة.
و فیها توفی عبد الرحمن بن إسماعیل فی بلد أشیقر. و فیها استنقذ الروم البصرة من فرج اللّه بن مطلب و طردوه عنها، و فرج المذکور رئیس الحویزة.

و فی سنة 1112 ه:

سطا أهل القصب هم و ابن یوسف فی الحریق، و قتلوا محمد بن راشد بن برید بن یوسف بن مشرف هو و أخوه، و استقر ابن یوسف أمیرا فی الحریق.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 59
و فیها کون سعدون علی الظفیر فی السلیع فی سابع ذی القعدة.
و فیها سطوة راعی القصب فی الحریق، و قتل ابنی راشد بن برید بن مشرف: محمد و أخیه و فیها ملک الروم البصرة و طردوا العجم.

و فی سنة 1113 ه:

مات سلامة بن مرشد بن صویط رئیس عربان الظفیر، و دفن فی بلد الجبیلة.
و فیها سطوا الفراهید المعروفون بآل راشد من الأساعدة من الروقة من عتیبة فی بلد الزلفی، و أخرجوا منه آل مدلج، و أهل بلد جرمة من بنی وائل من عنزة. و کانوا قد سطوا فیه و ملکوه فسطا علیهم الفراهید فی هذه السنة، و أخرجوهم منه و استولوا الفراهید علیه، و فیها تصالح أهل أشیقر بینهم و نقبوا البیبان.

و فی سنة 1114 ه:

سطوة المدینة فی أشیقر، قتل فیها دبوس، و ابن کنعان من آل بسام، و جمیعان، و إبراهیم بن سلیمان من الخرفان، و فی آخرها اصطلحوا و نقبوا البیبان، و هذه السنة هی أول القحط و البلاء العظیم المسمی سمدان سمد فیها أهل الحجاز و أکثر البوادی.
و فی آخر یوم من أیام جمادی الآخر سنة 1115 ه: قتل أمیر عنیزة فوزان بن حمیدان بن حسن الملقب ابن معمر من آل فضل آل جراح أهل عنیزة، و استولوا آل جناح علی عنیزة کلها، و آل جناح جبور خوالد.
و فیها باقوا آل بسام أهل أشیقر فی آل عساکر، و قتلوا إبراهیم بن یوسف و حمد بن علی، و هدمت المدینة السوق المعروف فی أشیقر، و جلوا آل خرفان و آل راجح.
و فی آخر هذه السنة سطوا آل خرفان فی أشیقر، و ملکوا محلتهم
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 60
سوق الشمال فی أشیقر. و قتلوا عبد الرحمن القاضی من آل بسام. و أخذ عثمان الجنوبیة، و قتل ابن فایز. و فیها قتل محمد القعیسا رئیس بلد حوطة سدیر، و تأمیر فیها ابن شرفان. و فیها اشتد الغلاء، و القحط و هلکوا هتیم و بعض بوادی الحجاز. و فیها استولی العزاعیز علی بلد أثیفیة، و استولی إبراهیم بن جار اللّه العنقری علی بلد مرات. و فیها ولد الشیخ محمد بن عبد الوهاب فی بلد العیینة.

و فی سنة 1116 ه:

فی ذو القعدة غرقت بلد عنیزة من السیل، و تسمی غرقة السلیمی، و هو رجل أعمی دخل السیل فی بیته، فأغرقه فمات، و قد رأیت فی ورقات فی التاریخ أن غرفة السلیمی سنة 1080 ه، و أرّخها بعضهم بقوله: طغا الماء و اللّه أعلم.
و فیها قتل ریمان بن إبراهیم بن خنیفر العنقری رئیس بلد ثرمدا، قتلوه آل ناصر بن إبراهیم بن خنیفر العنقری، و استولوا علی ثرمدا، و فیها هدم قصر عنیزة، هدمه آل جناح. و فیها اشتر الغلاء و القحط.

و فی سنة 1118 ه:

وقعة السحیراء علی البسام فی أشیقر، قتل فیها ترکی بن ناصر بن مقبل، و حمیدان بن هبدان و غیرهم. و فیها قتل دبوس بن حمد بن حنیحن رئیس بلد البیر، و استولوا آل إبراهیم علی البیر.

و فی سنة 1119 ه:

أغاروا العناقر أهل ثرمدا علی وثیفیة، و قتلوا من أهل وثیفیة عدة رجال. و فیها تصالحوا أهل أشیقر، و بنوا آل راجح سوق المدینة، و بنوا آل بسام عقدة المسجد. و فی هذه السنة قتل حمد بن ونیس من رؤساء أهل أشیقر من آل بسام بن منیف، و الذی قتله الصناع. و فیها قتل الشیخ عبد اللّه بن عبد الرحمن بن إسماعیل قتله عبد العزیز بن هزاع.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 61

و فی سنة 1120 ه:

قتل حسین بن مغیر رئیس بلد التویم قتله ابن عمه فائز بن محمد، و تولی بعده التویم. ثم سار أهل حرمة و قتلوا فائز المذکور.

و فی سنة 1121 ه:

فتنة النواصر فی الفرعة، و قتل عبیان بن حمد بن محمد بن عضیب، قتله شائع و إبراهیم بن حسین فی بلد المذنب. و فیها ظهر إبراهیم بن جار اللّه العنقری رئیس بلد مرات منها. و استولی علیها مانع بن رباح العنقری. و فیها وقع وباء فی بلدان سدیر مات منه الشیخ العالم عبد الرحمن بن عبد اللّه بن سلطان بن خمیس أبا بطین العائذی المشهور فی روضة سدیر رحمه اللّه تعالی، کان فقیها ألف فی الفقه کتابا سمّاه: «المجموع فیما هو کثیر الوقوع».

و فی سنة 1122 ه:

کثر الجراد، و أعقبه دبا أکل الزروع و الأشجار.

و فی سنة 1123 ه:

فی سبع و عشرین من شعبان توفی الشیخ حسن بن عبد اللّه أبا حسین فی بلد أشیقر. و فیها اصطلح أهل أشیقر بینهم، و صارت بلدا واحدا علی ثلاثة أمراء.

و فی سنة 1124 ه:

توفی الشیخ العالم الفقیه البارع أحمد بن محمد بن حسن بن أحمد بن حسن بن صلطان الملقب بالقصیر. و فیها وقع وباء فی ثرمداء، و القصب، و رغبة، و البیر، و العودة مات فیه خلق کثیر، و هی أول سمدان القحط المشهور.

و فی سنة 1125 ه:

سطا آل إبراهیم العناقر هم و أهل ثادق علی آل ناصر العناقر فی ثرمدا، و قتلوا آل ناصر منهم و لم یحصلوا شیئا. و فیها توفی الشیخ أحمد بن محمد المنفور لستّ خلت من جمادی الأولی. و له کتاب مفید جمع فیه فتاوی فقهاء نجد، و جملة من فتاوی غیرهم، و الشیخ
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 62
عبد الوهاب بن عبد اللّه المشهور فی العیینة أخذ الفقه عن أبیه عبد اللّه و غیره، و أخذ عنه عدة منهم: الشیخ العالم سیف بن محمد بن عزاز.

و فی سنة 1126 ه:

هوشة النوابتة: قتل عثمان بن یوسف من أهل أشیقر و غیره. و فیها هوشة الظهیرة بین أهل أثیثة، و أهل ثرمدا قتل فیها مهنا بن بشر و غیره من أهل ثرمدا.
و فیها أغار سعدون بن فهد بن حمید رئیس الأحساء و القطیف هو و عبد اللّه بن معمر رئیس بلد العینیة علی الیمامة من بلدان الخرج، و نهبوا منها منازل. و فیها وقع وباء فی العارض و مات، فیه الشیخ سلیمان بن موسی بن سلیمان الباهلی، و الشیخ العالم محمد بن عبد الوهاب بن عبد اللّه بن عبد الوهاب من المشارفة من الوهبة من تمیم، و الشیخ محمد بن علی بن عید، و أناس کثیرون. رحمهم اللّه جمیعا.

و فی سنة 1127 ه:

جاء برد شدید جمد الماء فی أقاصی البیوت من شدة البرد.

و فی سنة 1128 ه:

سطا أهل المجمعة علی الفراهید آل راشد فی الزلفی، و لا حصلوا علی طائل.
و فیها سطا إدریس بن شائع بن صعب شیخ آل جناح من بنی خالد فی الملیحة المحلة المعروفة فی عنیزة و ملکها.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 63
و فی رمضان سطا آل فضل من آل جراح من بنی ثور من سبیع علی إدریس المذکور فی الملیحة، و أخرجوه منها و استولوا علیها.

و فی سنة 1130 ه:

غدر خیطان بن ترکی بن إبراهیم الدوسری فی ابن عمه محمد بن عبد اللّه بن إبراهیم الدوسری، رئیس جلاجل، و أراد قتله فسلمه اللّه منه.

و فی سنة 1131 ه:

قتل سبهان بن حمد، من رؤساء بلد البیر، و جاء سیل عظیم، هدم بیوتا کثیرة فی ثادق و حریملاء.

و فی سنة 1132 ه:

وقع الطاعون العظیم بالعراق، هلک خلق لا یحصیهم إلّا اللّه تعالی.

و فی سنة 1133 ه:

فی سابع جمادی الأول، ذبحة آل جناح فی الدار. و فی الخریزة فی بلد عنیزة. و رأیت فی بعض التواریخ أن ذلک سنة 1138 ه، و اللّه سبحانه و تعالی أعلم. و فیها ولد عبد العزیز بن محمد بن سعود.
و فی هذه السنة أرخص اللّه الأسعار، بیع التمر مائة و عشرین وزنة بأحمر، و الحنطة خمسة و عشرین صاع بأحمر.

و فی سنة 1134 ه:

جلوا آل عفالق من الحساء.
و فی آخرها توفی الشیخ العالم منیع بن محمد بن منیع العوسجی النجدی من أهل بلد ثادق.

و فی سنة 1135 ه:

توفی سعدون بن محمد بن غریر آل حمید الخالدی، رئیس الحساء، و القطیف فی الجندلیة.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 64
و فیها استولی محمد بن عبد اللّه الدوسری رئیس بلد جلاجل، علی بلد روضة سدیر، و بنی منزلة آل أبو هلال، و منزلة آل أبو سلیمان، و منزلة آل أبو سعید و أخرج العبید من حوطة سدیر. و أسکن فیها أهلها آل أبو حسین من بنی العنبر ابن عمرو بن تمیم، و کانوا قد جلوا عنها. و عزل ابن قاسم عن إمارة بلد الجنوبیة، و ولی فیها ابن غنام من العناقر.
و هذه السنة مبتدأ القحط و الغلاء العظیم المسمی سحی.
و فی هذه السنة قتلوا آل القاضی فی بلد أشیقر، قتلوهم بنو عمهم آل ابن حسن، و قتلوا منهم خمسة رجال و لم یبق منهم غیر رجلین سوی الذریة. فانتقلا بأهلیهم بعد هذه الوقعة إلی حرمة، و منهما إلی عنیزة.
و آل ابن حسن المذکورون هم رؤساء بلد أشیقر فی ذلک الوقت، و هم من آل بسام بن منیف. و فی هذه السنة سطا محمد بن عبد اللّه بن شبانة، الملقب الرقراق من رؤساء أهل أشیقر من آل محمد، هو و أهل أشیقر فی بلد الفرعة، و أخرجوا النواصر منها و هدموا قصرهم، و النواصر من بنی عمرو بن تمیم.

و فی سنة 1136 ه:

عمّ القحط و الغلاء الشام، و الیمن، و نجد، و هلک جملة من البوادی، و غارت الآبار. و جلوا أهل سدیر للزبیر، و البصرة و الکویت، و لم یبق فی العطار إلّا رکیتین فیها ماء. و کذلک بلد العودة لم یبق فیها ماء، و جلا کثیر من أهل نجد إلی العراق و الحساء فی هذه السنة و التی بعدها. و هلک کثیر من بوادی حرب و العمارات من عنزة بنی خالد و غیرهم. و قال بعض أدباء سدیر فی ذلک قصیدة منها:
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 65 غدا الناس أثلاثا: فثلث شریدةیلاوی صلیب البین عار و جائع
و ثلث إلی بطن الثری دفن میت‌و ثلث إلی الأریاف جال و ناجع
و فی هذه السنة هدموا آل أبو راجح منزلة آل أبو هلال فی روضة سدیر.
و فیها توفی بداح بن بشر بن ناصر بن إبراهیم بن خنیفر العنقری رئیس بلد ثرمدا، و تولی فیها إبراهیم بن سلیمان العنقری.
و فیها فی ربیع الأول قتل سلطان بن ذباح هو و ولده و أخوه، و إبراهیم بن جار اللّه، رئیس بلد مرات، و هم من رؤساء العناقر، قتلهم إبراهیم بن سلیمان بن ناصر بن إبراهیم بن خنیفر العنقری، رئیس بلد ثرمدا. و فیها مات أحمد بن محمد بن سویلم بن عمران العوسجی، و بداح بن بشر بن ناصر راعی ثرمدا.

و فی سنة 1137 ه:

عدم الزاد فی الحرمین، و اشتد الغلاء فی الحجاز و فی نجد، و عدمت الأقوات و أکلت جیف الحمیر، فلا حول و لا قوة إلّا باللّه العلی العظیم، و مات کثیر من الناس جوعا.
و فیها أنزل اللّه تعالی الغیث، و کثرت الأمطار و السیول فی کل مکان، و لم تزل الشدة و الموت من الجوع من سبب عدم الأقوات.
و فی هذه السنة ماتت الزروع من شدة البرد، و جاء جراد کثیر، و أعقبه دباء، و أکل غالب الثمار. فنعوذ باللّه من غضبه و عقابه.
و فی هذه السنة توفی سعود بن مقرن رئیس بلد الدرعیة، و تولی فیها زید بن مرخان.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 66
و فی هذه السنة أکل السعر فی عنیزة اثنین و أربعین نفسا من بین ذکر و أنثی.

و فی سنة 1138 ه:

کان وجبة العیینة حل بهم وباء أفنی غالبهم، و مات فیه رئیس بلد العیینة عبد اللّه بن محمد بن معمر الذی لم یذکر فی زمنه و لا قبله فی نجد من یدانیه فی الرئاسة، و سعة المملکة، و العدد، و العقارات، و الأثاث، و مات ابنه عبد الرحمن، فسبحان من لا یزول ملکه و لا یتغیر، و تولی فی العیینة ابن ابنه، محمد بن حمد بن عبد اللّه بن محمد بن معمر الملقب خرفاش.
و فی هذه السنة قتل إبراهیم بن عثمان بن إبراهیم رئیس بلد القصب، قتله أبوه عثمان بن إبراهیم، علی طلب الریاسة، فلا حول و لا قوة إلّا باللّه العلی العظیم.

و فی سنة 1139 ه:

غدر محمد بن حمد بن عبد اللّه بن محمد بن معمر، الملقب خرفاش، رئیس بلد العیینة، بزید بن مرخان، رئیس الدرعیة، و دغیم بن فایز الملیحی السبیعی و قتلهم.
و فی هذه السنة توفی دواس بن عبد اللّه بن شعلان رئیس بلد منفوحة. و فیها توفی ماضی، رئیس روضة سدیر، و فیها سطوا النواصر فی بلد الفرعة و ملکوها.
و فیها وقع وباء فی بلد أشیقر، توفی فیه خلق کثیر، و منهم الشیخ محمد بن الشیخ أحمد بن محمد بن حسن بن أحمد بن حسن بن سطان، الملقب القصیر الوهیبی التمیمی، و عمه محمد بن محمد بن حسن بن أحمد بن حسن بن سلطان، الملقب القصیر، و الشیخ أحمد بن عثمان بن
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 67
عثمان بن علی، الملقب الحصینی الوهیبی التمیمی، رحمهم اللّه.
و الحصینی المذکور من آل بسام بن منیف، و فیها عزل محمد بن حمد بن عبد اللّه بن معمر، الملقب خرفاش رئیس بلد العیینة، الشیخ عبد الوهاب ابن الشیخ سلیمان بن علی، عن قضاء العیینة، و ولی قضاءها الشیخ أحمد بن عبد اللّه بن الشیخ عبد الوهاب بن عبد اللّه، و انتقل الشیخ عبد الوهاب بن الشیخ سلیمان المذکور إلی حریملاء، و سکنها.
و فی هذه السنة کثرت الأمطار و السیول، و رخصت الأسعار و بیع التمر مائة الوزنة بأحمر، و سمیت هذه السنة رجعان سحی. و فیها تقاتل أهل القصب یوم یقتل راعی القصب ولده.

و فی سنة 1140 ه:

عمرت الخبراء القریة المعروفة فی القصیم عمرها آل عفالق أحد القبائل القحطانیة، و کانوا قبل انتقالهم إلیها یسکنون البویطن حی فی عنیزة. و فیه ظهر الشریف محسن إلی نجد و معه عدوان و عنزة و غیرهم من بوادی الحجاز، و تناوخوا هم و صقر بن حلاف رئیس السعید من الظفیر علی حبل ساق. و أقاموا فی مناخهم شهرا کاملا فاستفزع الشریف محسن علی آل محمد بن حمید الخالدی رئیس الأحساء و القطیف، فظهر فی الأحساء بجنود عظیمة و صارت الهزیمة علی الظفیر، و قتل من الفریقین خلائق کثیر و أخذ فیها من الأموال شیئا کثیرا.

و فی سنة 1141 ه:

أخذ راعی جلاجل التویم و نهبوه الظفیر. و فیها قتل الخوالد عبد اللّه بن غریر و دویحس بن غریر من رؤساء بنی خالد، و ذلک فی الحمادین.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 68

و فی سنة 1142 ه:

حرابة أهل أشیقر و العناقر. و فیها سطا آل عضیب فی الفرعة و قتل منهم عثمان بن عضیب، و رومی بن عیبان، و راشد بن دخیل و أخوه عجلان و غیرهم.
و فیها سار أهل جلاجل و شهیل بن حویط رئیس الظفیر إلی بلد التویم و معهم عبد اللّه بن محمد بن فوزان المدلجی الوائلی رئیس بلد التویم فی الماضی و کان ابن عمه مغیر بن حسین بن مغیر بن زامل قد غلب عبد اللّه علی رئاسة بلد التویم فجلا عبد اللّه و تأمر فی التویم مغیر المذکور، فلمّا وصلت هذه الجنود إلی التویم هرب مغیر من البلد و دخلت تلک الجنود البلد، و نهبوا جملة من بیوتها، و استولی علیها عبد اللّه المذکور. و فیها أخذ مطیر حاج الأحساء علی الحنو.
و فیها قتل محمد بن حمد بن عبد اللّه بن محمد بن معمر رئیس بلد العیینة: قتله آل نبهان من آل کثیر. و تولی فی العیینة أخوه عثمان بن حمد بن عبد اللّه بن محمد بن معمر. و فیها ملک محمد بن عبد اللّه الدوسری رئیس بلد جلاجل الحصون، و جعل فیها أمیرا ابن نحیط.

و فی سنة 1143 ه:

هدمت الجادة المحلة المعروفة بعنیزة. و فیها الوقعة المشهورة بین الظفیر و عنزة علی قبة، و صارت الهزیمة علی عنزة، و فیها جاء برد شدید قتل الزرع.

و فی سنة 1144 ه:

مات شهیل بن صویط رئیس عربان بان الظفیر.
و فیها حرب أهل أشیقر بینهم: قتل فیه عبد اللّه أبا حسین و علی بن خضیر.

و فی سنة 1145 ه:

فتنة الغطفان فی أشیقر بین آل بسام و معهم
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 69
الرواجح، و بین آل محمد قتل فیها عثمان البجادی، و خلف البجادی من الرواجح، و عبد اللّه بن یوسف و غیرهم.

و فی سنة 1146 ه:

قتل زید بن أبی زرعة رئیس بلد الریاض قتله عنزة فی وقعة بینهم و بین أهل الریاض، و تولی فی بلد الریاض آل زرعة خمیس.

و فی سنة 1147 ه:

فی شعبان سطوة آل مشرف فی الفرعة و قضبوا القصر، و أقاموا فیه یوما و لیلة، و فزع علیهم أهل الوشم و طلعوا سالمین علی سلاحهم.
و فیها قتل الروم محمد المانع بن شبیب القرشی الهاشمی العلوی رئیس بوادی المنتفق.
و فیها سطا محمد بن عبد اللّه بن شبانة، الملقّب الرقراق، من رؤساء أهل أشیقر من آل محمد من الوهبة فی بلد أشیقر، و معه عدة رجال من أهل جلاجل. و استولی علی محلة آل محمد، و هی سوق آل محمد، المعروف بسوق الشمال، فی أشیقر و صار أمیرا فیه. و أما آل بسام بن منیف فهم أمراء محلهم السوق الجنوبی المعروف فی أشیقر.

و فی سنة 1148 ه:

جاء محمد الرقراق بفزوع من جلاجل و حذبوا آل راجح آل بسام علی المدینة، و ختموا باب المنیخ، ثم أنزلوا الرواجح جهة الخرفان فی تلک السنة. و فیها أهل أشبه، و أهل الوقف العناقر مقضبوا أهل شقراء غسلة. و فیها قتل فوزان بن ناجم رئیس بلد
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 70
الوقف من بلد القرائن المعروفة فی الوشم. و فیها جاء جراد کثیر عقبه دباء أکل الثمار و الأشجار.

و فی سنة 1149 ه:

سطوة المدینة التی قتل فیها أبناء البجادی و الخراشی عبد اللّه و غیرهم فی أشیقر. و فیها سطوة مرات التی قبل فیها راشد بن مشاری، و محارب بن زامل و غیرهم. و فیها اصطلح أهل أشیقر هم و النواصر أهل الفرعة.

و فی سنة 1151 ه:

قتل إبراهیم بن سلیمان بن سلیمان العنقری أبناء بداح العنقری. و فیها خرج العبد خمیس من الریاض، و استولی علیها دهام بن دواس بن عبد اللّه بن شعلان بسبب أنه خال ولد زید أبا زرعة. خزانة التواریخ النجدیة ؛ ج‌2 ؛ ص70
ضابط له حتی یتأهل للملک. و کان دهام قد جلا من منفوحة، و صار فی الریاض عند زید بن أبی زرعة، فلما قتل زید کما تقدم، استولی خمیس عبد آل زرعة علی الریاض کما ذکرنا. ثم إنه بدرت منه أمور غیر مرضیة، فقام علیه أهل الریاض و معهم دهام بن دواس، و أخرجوه من البلد. و قال دهام لأهل الریاض: أنا الذی أقوم فی الولایة حتی یکبر ابن أختی، فإذا کبر عزلت نفسی. فلما استوثق فی الولایة و کثرت أعوانه أخرج ولد زید بن أبی زرعة من الریاض و استولی علیها.
و فیها قتل إبراهیم بن سلیمان العنقری رئیس العنقری رئیس بلد ثرمدا عیال بداح العنقری فی ثرمدا.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 71
و فیها اصطلح أهل أشیقر و بنو آل بسام جدار المسجد، و بنو الخرفان المدینة. و فیها قتل حمود الدریبی رئیس بریدة بنی عمه آل حسن، فی مسجد بریدة قتل منهم ثمانیة رجال.
و فی السنة التی بعدها قتل حمود المذکور، و الدریبی المذکور من آل أبو علبان من العناقر، من بنی سعد بن زید مناة بن تمیم. و فی ذی الحجة من السنة المذکورة توفی الشیخ عبد الوهاب ابن الشیخ عبد الوهاب ابن الشیخ سلیمان بن علی فی حریملاء رحمه اللّه تعالی.

و فی سنة 1154 ه:

الوقعة المشهورة بین المنتفق و بین عسکر الترک و صارت الهزیمة علی المنتفق، و قتل سعدون بن محمد بن مانع آل شبیب رئیس المنتفق.

و فی سنة 1155 ه:

قتل حسن بن مشعاب رئیس بلد عنیزة، و جلوا آل جراح من عنیزة، و استولوا آل جناح من بنی خالد هم الشختة من المشاعیب من آل جراح من سبیع علی عنیزة کلها، و الشختة منزلتهم الجادة المعروفة فی بلد عنیزة.
و فی هذه السنة غرس نخل الجادة فی عنیزة، فی هذه السنة لیلة الأربعاء ثانی عشر رجب توفی أمیر بلد أشیقر محمد بن عبد اللّه بن شبانة الملقّب بالرقراق، و کان شجاعا فاتکا. و فیها کثرت الأمطار و السیول و أخصبت الأرض و سمّی أهل نجد هذه السنة سنة خیر، حتی أن بعض أهل بلدان نجد أقاموا شهرا ما رأوا الشمس إلّا لحظات، و عم الحیاء و الخصب جمیع بلدان نجد، فللّه الحمد و المنّة.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 72

و فی سنة 1156 ه:

فی شعبان حصروا آل شماس و معهم رشید بن محمد رئیس بلد عنیزة، و عربان الظفیر، الدریبی فی بلد بریدة و نهبوا جنوبی البلد، ثم صارت الغلبة للدریبی و هزمهم.
و فی هذه السنة قتل الهمیلی بن سابق شیخ آل شماس و آل شماس من الدواسر، و رأیت فی بعض التواریخ أن مقتل الهمیلی سنة 1158 ه، و اللّه سبحانه و تعالی أعلم.

و فی سنة 1158 ه:

توفی الشیخ محمد بن ربیعة العوسجی الدوسری قاضی بلد ثادق رحمه اللّه تعالی. و فی هذه السنة توفی محمد بن عبد اللّه الدوسری رئیس بلد جلاجل، و تولی بعده فی جلاجل سوید بن محمد. و فیها أو فی أول التاسعة انتقل الشیخ محمد بن عبد الوهاب من العیینة إلی الدرعیة.

و فی سنة 1159 ه:

سطا دهام بن دواس فی منفوحة و معه الصمدة من الظفیر، و حصل بینه و بین أهل منفوحة قتال، قتل فیه عدة رجال من الفریقین و رجع إلی الریاض.

و فی سنة 1160 ه:

رکدة عنیزة، و غرس فیها أملاک الخننة، و الزامل، و آل أبا الخیل، و الطعیمی فی المسهریة و الهیفا.
و فی هذه السنة توفی الشیخ عبد اللّه بن أحمد بن عضیب الناصری العمروی التمیمی، و دفن فی مقبرة الضبط فی عنیزة رحمه اللّه تعالی.
و قیل: إن وفاته سنة إحدی و ستین و مائة و ألف. و مات بعده الشیخ علی بن زامل بشهرین رحمه اللّه تعالی.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 73
و فی هذه السنة حصل وقعة بین دهام بن دواس، و بین ابن سعود قتل فیها فیصل و سعود ابنا محمد بن سعود.
و فی هذه السنة غزا عبد العزیز بن محمد بن سعود و معه عثمان بن معمر رئیس العیینة، فأغاروا علی ثرمدا و حصل بینهم قتال فی بطین ثرمدا، و صارت الهزیمة علی أهل ثرمدا، و قتل نحو سبعین رجلا، و تسمی هذه الواقعة وقعة البطین.
و هذه السنة هی مبتدأ القحط المسمی شیتة.

و فی سنة 1163 ه:

اشتد القحط و الغلاء. و فیها قتل عثمان بن حمد بن عبد اللّه بن محمد بن معمر رئیس العیینة. و فیها قتل إبراهیم بن محمد بن عبد الرحمن و ابنه هبدان المعروفین بالشیوخ فی ضرما، قتلوهم السبایبرة المعروفون فی ضرما من بنی خالد. و فیها توفی الشیخ أحمد بن یحیی بن محمد بن عبد اللطیف ابن الشیخ إسماعیل بن رمیح العرینی السبیعی قاضی بلد رغبة رحمه اللّه تعالی، و الشیخ محمد بن عبد الرحمن بن حسین بن محمد بن عفالق، و له ثلاث و ستون سنة أخذ عن عبد اللّه بن إبراهیم بن سیف النجدی المدنی، و أخذ عنه جمع.

و فی سنة 1164 ه:

أغار عبد العزیز بن محمد بن سعود و مشاری بن معمر رئیس العیینة علی أهل ثرمدا، فحصل بینهم و بین أهل ثرمدا قتال قتل فیه عدة رجال من أهل ثرمدا، و تسمی هذه الوقعة وقعة الوطیة.
و الوطیة موضع معروف بالقرب من بلد ثرمدا.

و فی سنة 1165 ه:

أنزل اللّه الغیث و أخصبت الأرض و رخصت الأسعار، و سمیت هذه السنة رجعان شیتة. و فی هذه السنة قتل علی،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 74
و ابنه سند رؤساء بلد العودة من الدواسر عبد اللّه بن صلطان الدوسری، و استولی علی العودة. و فیها توفی الشیخ عبد اللّه بن فیروز بن محمد بن بسام رحمه اللّه تعالی، و الشیخ محمد بن حیاة السندی المدنی کان له الید الطولی فی العلم.

و فی سنة 1169 ه:

أنزل اللّه الغیث فی الوشم، و أخصبت الأرض و کثرت الأمطار و السیول. و فی هذه السنة مقتل آل صلطان رؤساء بلد العودة، و استولی علیها عثمان بن سعدون.
و فی هذه السنة جلا فوزان بن ماضی من بلد روضة سدیر، و استولی علیها عمیر بن جاسر بن ماضی. و فیها وفد أهل القویعیة علی الشیخ، و محمد بن سعود و هم نصر بن جماز، و سعود بن حمد، و ناصر، و بایعوا علی دین اللّه و رسوله.

و فی سنة 1172 ه:

فی النصف من رجب قتلوا عیال أهل أشیقر فی شمال الحلیلة، و هم سة عشر رجلا.

و فی سنة 1174 ه:

قتل رشید بن محمد والی عنیزة، و فراج شیخ آل جناح لما سطا سعود بن مشعاب، ثم قتل رشید المذکور سعود غدرا. هذه عبارة تاریخ بخط محمد بن عبد اللّه بن مانع. و فی تاریخ آخر بخط ابن مانع أیضا. و فی سنة 1156 ه سطا رشید بن محمد فی الملیحة و ملکها.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 75
روایة أخری عن الحادث: و فیها قتل رشید بن محمد بن حسن رئیس بلد عنیزة من المشاعیب آل جراح من سبیع هو و فراج رئیس الجناح من بنی خالد، قتلوهما عیال الأعرج من آل أبو غنام هم و آل زامل و معهم غیرهم، قتلوهم فی مجلس عنیزة. و سبب قتلهم أن أهل عنیزة، و آل جناح کانت بینهم حروب و فتن کثیرة یطول ذکرها، فلما تولی رشید علی عنیزة، و تولی فراج علی الجناح اصطلحوا علی وضع الحرب بینهم، و أقاموا علی ذلک نحو ثلاثین سنة حتی امتد أهل عنیزة و أهل الجناح فی الفلاحة، و غرسوا نخلا کثیرا و کثرت أموالهم. ثم إن الشیطان و أعوانه حرشوا بین أهل عنیزة، و أهل الجناح فاتفق رجال من عشیرة رشید، و رجل من عشیرة فراج علی قتلهما فقتلوهما، فثارت الفتن بین الفریقین بعد ذلک.

و فی سنة 1175 ه:

أنزل اللّه الغیث، و أخصبت الأرض، و رخصت الأسعار، و حصل فی بلدان سدیر وباء مات فیه خلق کثیر منهم الشیخ عبد اللّه بن عیسی المویس الوهیبی التمیمی المعروف فی بلد المجمعة، و الشیخ عبد اللّه بن سحیم الکاتب المعروف فی بلد المجمعة، و آل سحیم من الحبلان من عنزة، و الشیخ إبراهیم بن الشیخ أحمد المنقور التمیمی قاضی بلد حوطة سدیر رحمهم اللّه تعالی، و الشیخ محمد بن عباد الدوسری، و الشیخ حماد بن شبانة الوهبی التمیمی. و فیها جاء جراد کثیر، و أعقبه دباء أکل غالب الثمار و الأشجار.

و فی سنة 1177 ه:

استولی الإمام عبد العزیز بن محمد بن سعود علی بعض بلدان سدیر.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 76

و فی سنة 1178 ه:

قتل ابن صویط الشماس فی العقبة یوم طلعوا من الزلفی بالقیظ.

و فی سنة 1179 ه:

توفی الإمام محمد بن سعود بن محمد بن مقرن رئیس بلد الدرعیة رحمه اللّه تعالی، و تولی بعده ابنه الإمام عبد العزیز بن محمد بن سعود.
و فی هذه السنة تقریبا انتقل حمد الإبراهیم بن عبد اللّه بن الشیخ أحمد بن محمد بن عبد اللّه بن بسام هو و أولاده من بلد حرمه إلی بلد عنیزة، و سکنوها و أولاده ستة هم: إبراهیم، و سلیمان، و محمد، و عبد الرحمن، و عبد القادر، و عبد العزیز. و فیها جاء برد شدید، و مات أکثر الزرع.

و فی سنة 1180 ه:

بنیت بلد البکیریة المعروفة من بلدان القصیم.

و فی سنة 1181 ه:

بایع أهل أشیقر و من تبعهم من أهل الوشم الإمام عبد العزیز بن محمد بن سعود علی السمع و الطاعة. و فیها توفی الشیخ إبراهیم بن سلیمان بن ناصر بن إبراهیم بن خنیفر العنقری رئیس بلد ثرمدا، و ذلک بعد عودته من وفادته علی الشیخ محمد، و الإمام عبد العزیز، و مبایعته لهما علی دین اللّه و السمع و الطاعة. و فیها قتل عثمان بن سعدون رئیس بلد العودة فی سدیر، و استولی علیها منصور بن حماد. و فی هذه السنة توفی الشیخ العالم عبد اللّه بن عبد اللطیف الشافعی الأحسائی. و فی هذه السنة أول القحط الشدید، و الغلاء العظیم المسمی سوقة، مات فیه خلائق کثیرة جوعا و وباء، و جلا کثیر من أهل نجد إلی البصرة، و الزبیر و الأحساء فی هذه السنة و التی بعدها.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 77

و فی سنة 1182 ه:

سار سعود بن عبد العزیز و معه راشد الدریبی رئیس بلد بریدة، و قصدوا بلد عنیزة و نزلوا بالقرب من باب شارخ، و حصل بینهم و بین أهل عنیزة قتال قتل من أهل عنیزة ثمانیة رجال، منهم:
عبد اللّه بن حمد بن زامل، و قتل من الغزو رجل واحد. و فیها توفی الشیخ محمد بن إسماعیل الصنعانی رحمه اللّه تعالی.

و فی سنة 1183 ه:

أنزل اللّه الغیث، و أخصبت الأرض، و رخصت الأسعار، و للّه الحمد و المنة. و فیها غزا عبد العزیز بن محمد بن سعود، و توجّه إلی القصیم، و نزل بلد الهلالیة و أخذها عنوة، و قتل من أهلها عدة رجال، و بایعه أکثر أهل القصیم علی السمع و الطاعة، ثم رجع إلی وطنه.
و فیها وقعة الکلیبیة قتل فیها عبد اللّه بن عثمان بن حمد راعی المجمعة، و أخوة قویفل.

و فی سنة 1184 ه:

سطوا آل علیان علی ابن عمهم راشد الدریبی فی بریدة و أخرجوه منها، و استولوا علیها. و فیها مات الشریف مساعد فی مکة المشرفة، و تولی بعده أخوه الشریف أحمد. و فیها توفی القاضی فی ناحیة القصیم صالح بن محمد بن عبد اللّه الصائغ، و کان له معرفة فی الفقه، أخذه عن عدة مشائخ منهم الشیخ الفقیه عبد اللّه بن أحمد بن غضیب و عن عبد اللّه بن إبراهیم بن سیف والد صاحب «العذب الفائض فی الفرائض».

و فی سنة 1185 ه:

أخذ رکب من عنزة غنم أهل أشیقر فلحقوهم فی البطین، و حصل بین الفریقین قتال شدید قتل فیه أحمد البجادی، و حمد بن عقل ابن مبدد، و کانا من الشجعان المشهورین بالرمایة بالبندق، رحمهما اللّه تعالی.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 78

و فی سنة 1186 ه:

خرج دهام بن دواس بن عبد اللّه بن شعلان من الریاض و قصد الحساء، و استولی عبد العزیز بن محمد بن سعود علی الریاض، و ذلک بعد قتال عظیم، و وقائع عدیدة، أحصی من قتل فیه من أهل الریاض فی مدة حربهم، فبلغوا ألف و ثلاثمائة، و من أهل الدرعیة ألف و سبعمائة. و فی آخرها، و أول السنة التی بعدها وقع الطاعون العظیم ببغداد، و عمّ العراق إلی البصرة، هلک فیه خلائق کثیرة، و لم یبق من أهل البصرة إلّا القلیل؛ أحصی من مات فیه من أهل الزبیر نحو ستة آلاف نفسا.
و فی هذه السنة ثارت الحرب بین أولاد الشریف مساعد و بین عمهم الشریف أحمد، و صارت الغلبة لعیال مساعد و أخرجوا عمهم الشریف أحمد من مکة المشرفة و استولوا علیها، و صارت الرئاسة فیها للشریف سرور بن مساعد.

و فی سنة 1188 ه:

سار غریر بن دجین آل حمید رئیس الأحساء و القطیف، بالجنود العظیمة من الحاضرة و البادیة، و قصد بلد بریدة و حاصرها، ثم أخذها عنوة و نهبها. و ذلک أنه استدعی أمیرها عبد اللّه بن حسن لمواجهته فخرج إلیه، فلما وصل إلیه قبض علیه و دخلت تلک الجنود البلد و نهبوها. و دخل راشد الدریبی قصر الإمارة و استولی علی البلد. و أقام غریر فی بریدة أیاما، و أجلی آل زامل من عنیزة، و جعل فیها أمیرا عبد اللّه بن رشید أمیرا، ثم ارتحل من بریدة و معه عبد اللّه بن حسن أسیرا. و نزل الخابیة المعروفة قرب النبقیة، و استعد للمسیر إلی الدرعیة فعجل اللّه له المنیة، و مات علی الخابیة المذکورة بعد ارتحاله من بریدة
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 79
بشهر، و تولی بعده ابنه بطین فلم یستقم الحال فقتله أخوه سعدون هو و أخوه دجین. و تولی دحین فلم یلبث إلّا مدة یسیرة و مات. قیل: إن سعدون، سقاه سما، و تولی بعده سعدون، و انطلق عبد اللّه آل حسن المذکور من الأسر، و سار إلی الدرعیة فأکرمه الإمام عبد العزیز بن محمد بن سعود. و فیها غزا محمد بن جماز أمیر شقراء بأهل الوشم، فصادفه بطین الخالدی فقتل عامتهم.

و فی سنة 1189 ه:

حاصر العجم البصرة و رئیسهم کریم خان الزندی، و استمر الحصار سنة و نصف السنة، و کان متسلم البصرة حینئذ سلیمان باشا و معه ثوینی بن عبد اللّه بن شبیب رئیس بوادی المنتفق. ثم إن العجم استولوا علیها صلحا فی سنة 1190 ه، و نهیوها غدرا بعد المصالحة و الأمان، ثم ساروا إلی الزبیر فنهبوه، و انهزم أهله إلی بلد الکویت.
و فیها سار سعدون بن عبد العزیز بجنود عظیمة من البادیة و الحاضرة و معه عبد اللّه الحسن، فحاصروا راشد الدریبی فی بریدة و امتنع علیهم، فلما أعیاهم أمره اقتضی رأی سعود أن یبنی تجاههم حصنا، فبناه فی مقامه ذلک و جعل فیه عدة رجال. و منهم: عبد اللّه الحسن بن أبی علیان.
ثم رجع سعود إلی وطنه و أقام أهل القصر یغادون و یراوحون أهل بریدة الغارات، فبعث راشد الدریبی إلی عبد اللّه الحسن یطلب منه الأمان لنفسه، فأعطاه الأمان، فخرج إلیه و دخل عبد اللّه الحسن و من معه بریدة و ملکوها و انقاد أهل القصیم، و وفدوا علی الشیخ محمد بن عبد الوهاب قدّس اللّه روحه هو و الإمام عبد العزیز بن محمد بن سعود و بایعوا علی السمع و الطاعة، و صار عبد اللّه آل حسن أمیرا علی القصیم.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 80
و فیها مات فیصل بن شهیل بن سلامة بن مرشد بن صویط رئیس بوادی الظفیر. و فیها قام أهل الأحساء علی بنی خالد، و أخرجوا من عندهم منهم من البلد، و رئیس أهل الأحساء إذ ذاک سعدون بن عریر.
و ترأس فی الأحساء آل عیاش فصار بنو خالد مع المنتفق فکتب إلیهم أحمد أبو عنقا قصیدته المسماة موصلة، و تذامروا و توجهوا إلی الأحساء بمن معهم من العربان، و هجموا علی البلد و قتلوا من ظفروا من آل عیاش و من قام منهم، و استولوا علی الأحساء.

و فی سنة 1190 ه:

غزا الإمام عبد العزیز بن محمد بن سعود، و أغار علی بوادی آل مرة فی الخرج، فصارت الهزیمة علی الإمام عبد العزیز و من معه، و ألجاهم البدو إلی عقبة و عرة تسمی مخیریق الصفا، و قتل من أتباع الإمام نحو خمسین رجلا، منهم عبد اللّه بن حسن أمیر القصیم، و هذلول بن ناصر.

و فی سنة 1192 ه:

فی ثانی و عشرین من ذی القعدة جاء بلد عنیزة سیل عظیم أغرق البلد، و محا بعض منزلتها فخرج أهل عنیزة إلی الصحراء، و بنو بها بیوت الشعر، و قعدوا فیها حتی عمّروا منازلهم.

و فی سنة 1193 ه:

استولی سعود بن عبد العزیز علی بلد حرمة، و جلا بعض أهلها إلی الزبیر. و فیها فی 22 من ذی القعدة أصاب عنیزة سیل عظیم أغرق البلد و محا بعض منزلتها، و رأیت فی بعض التواریخ أن ذلک عام 94.

و فی سنة 1194 ه:

توفی الشیخ أحمد التویجری قاضی بلد المجمعة رحمه اللّه تعالی.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 81

و فی سنة 1195 ه:

فجر یوم الخمیس خامس و عشرین من شوال سطوا آل أبو غنام، و آل جناح فی العقیلیة المعروفة فی بلد عنیزة و استولوا علیها. و فیها قتل جدیع بن مندیل بن هذال رئیس عنیزة، و قتل معه أخوه مزید و ضری بن حثان، وعدة من رؤسائهم قتلهم مطیر فی طرادة، و قد استعدوا للملاقاة غدوة فعاجلهم اللّه علی غیر أهبه.
و فیها صال سعدون بن خالد مع جدیع بن مندیل بن هذال آل علی مجلادین فوزان و الدهامشة، و ناوخوهم، و بعد هذا أخذوا حلته، ثم أقبلوا مطیر فزعه، و رکض هو و إیاهم، و قتلوا من قوم جدیع و سعدون عدة رجال و قلعوا أکثر من مائة فرس.

و فی سنة 1196 ه:

أجمع أهل القصیم علی نقض البیعة، و الحرب، سوی أهل بریدة و الرس و التنومة. و أجمعوا علی قتل من کان عندهم من المعلمین، و أرسلوا إلی سعدون بن غریر آل حمید الخالدی رئیس الحساء و القطیف یستحثونه بالقدوم إلیهم، فأقبل إلیهم بجنوده. فلما قرب من القصیم قام أهل کل بلد، و قتلوا من عندهم من المعلمین، فقتل أهل الخبراء إمامهم منصورا أبا الخیل، و ثنیان أبا الخیل. و قتل أهل الجناح رجلا عندهم یقال له البکری، و علقوه بعصبة رجله فی خشبة. و قتل أهل الشماس أمیرهم علی بن حوشان.
و نزل سعدون بلد بریدة، فلما نزلها أرسل إلیه أهل عنیزة عبد اللّه آل قاضی، و ناصر الشبیلی فقتلهما سعدون صبرا، و حاصر بریدة، و أمیرها حینئذ حجیلان بن حمد آل أبو علیان. فلما اشتد الحصار تحقق حجیلان من ابن عمه سلیمان الحجیلانی خیانة فضرب عنقه. و أقام سعدون علی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 82
بریدة خمسة أشهر محاصرا لها فعجز عنها و رجع قافلا إلی وطنه. و تفرق أهل القصیم إلی بلدانهم، فخرج حجیلان بن حمد بأهل بریدة إلی بلد الشماس، فقاتل من وجده فیها، و هرب أهلها.
ثم إن أهل القصیم طلبوا من حجیلان بن حمد الأمان علی دمائهم و أولادهم و أموالهم، فأعطاهم الأمان و وفدوا علیه، و کان حجلان من أشد الناس حمیة لأهل القصیم. و فیها أخذ سعود بن عبد العزیز الصهبة من مطیر علی المستجدة، و قتل رئیسهم دخیل اللّه بن جاسر الفغم. و فیها قتل زید بن زامل العائذی رئیس بلد الدلم، قتلوه سبیع فی وقعة بینه و بینهم.
و فیها فی ذی الحجة توفی الشیخ عبد اللّه بن أحمد إسماعیل فی عنیزة رحمه اللّه تعالی.

و فی سنة 1197 ه:

مبتدأ القحط و الغلاء العظیم المسمی دولاب، و استمر ثلاث سنین.

و فی سنة 1199 ه:

قتل براک بن زامل رئیس بلد الدلم، قتله أولاد عمه.

[فی القرن الثالث عشر]

اشارة

و فی سنة 1200 ه:
أنزل اللّه الغیث، و أخصبت الأرض و رخصت الأسعار، و هذه هی رجعان دولاب. و فیها اشتری خلیفة بن منیع البریدی المشرفی الوهیبی التمیمی الشنانة قرب الرس من آل عبلان من شمر، فانتقل إلیها هو و أولاده و سکنوها و عمروها.

و فی سنة 1201 ه:

فی المحرم، سار ثوینی بن عبد اللّه بن محمد بن مانع آل شبیب رئیس المنتفق إلی نجد، و معه جنود عظیمة من الحاضرة و البادیة و قصد القصیم، فلما وصل التنومة أخذها و نهبها و قتل أهلها، ثم
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 83
ارتحل منها. و نزل بریدة و حصرها، فبلغه الخبر بأن سلیمان باشا بغداد، ولی حمود بن سعدون بن محمد بن مانع آل شبیب القرشی الهاشمی العلوی الشبیبی، علی بادیة المنتفق، فقفل ثوینی راجعا إلی وطنه، و دخل البصرة، و نهب منها أموالا عظیمة، و عصی علی البیش فسیر إلیه سلیمان باشا بغداد، العساکر العظیمة فحصل بینهم و بین ثوینی وقعة، و صارت الهزیمة علی ثوینی و أتباعه من المنتفق و غیرهم، و قتل منهم خلائق کثیرة و انهزم ثوینی هو و مصطفی آغا إلی بلد الکویت، و استولی حمود بن ثامر علی المنتفق، و رجعت تلک العساکر إلی بغداد. فلما تحقق ثوینی رجوعهم تجهز هو و من معه، و ساروا من الکویت لقتال حمود بن ثامر، فالتقوا فی البرجسیة بالقرب من بلد الزبیر، و حصل بینهم قتال عظیم، و صارت الهزیمة علی ثوینی و أتباعه، و قتل منهم عدد کثیر، و انهزم ثوینی و معه عدة رجال إلی الدرعیة، و أقاموا عند عبد العزیز بن محمد بن سعود مدة أشهر. ثم خرجوا من الدرعیة، و توجه ثوینی إلی بغداد، و دخل علی الوزیر سلیمان باشا، و استرضاه فرضی عنه و أکرمه.
و فی هذه السنة هدم الجناح المعروف فی عنیزة، هدمه عبد اللّه بن رشید أمیر بلد عنیزة تجملا مع ابن سعود بسبب مکاتبة أهل الجناح لثوینی.

و فی سنة 1202 ه:

غزا سعود بن عبد العزیز و قصد بلد عنیزة و نزلها، و أجلی آل رشید منها، و جعل فیها أمیرا عبد اللّه بن یحیی. و فیها توفی الشیخ حسن بن عبد اللّه بن عیدان الوهیبی التمیمی قاضی بلد حریملاء، رحمه اللّه تعالی، و الشیخ حمد بن قاسم، و الشریف سرور بن مساعد أمیر مکة رحمهم اللّه تعالی.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 84

و فی سنة 1203 ه:

توفی الشیخ حمیدان بن ترکی المعروف فی بلد عنیزة. کانت وفاته رحمه اللّه فی المدینة النبویة، علی ساکنها أفضل الصلاة و السلام. و فیها توفی الشیخ عیسی بن قاسم فی الدرعیة. و فیها سار سعود بجنود المسلمین إلی المنتفق و هم فی الروضتین بین سفوان و المطلاع، فأخذ من محلتهم خیاما و أمتعة ثم سار فقتلهم أجمعین و کانوا نحو تسعین رجلا. و فیها وفاة الشیخ عبد الوهاب بن محمد بن فیروز. و له حاشیة علی الزاد لم یکملها.

و فی سنة 1205 ه:

قال ابن لعبون فی تاریخه: و فی سنة 1205 ه ولد لابن محمد بن حمد الشاعر المشهور، و انتقل من بلد ثادق إلی بلد الزبیر و هو ابن سبعة عشرة سنة. و له أشعار مشهور عند العامة، نرجو اللّه تعالی أن یسامحه. مات فی الکویت فی الطاعون الذی أتی البصرة و الزبیر و الکویت عام 1247، فیکون عمره اثنین و أربعین.
و فیها فی سابع من شهر رمضان توفی الشیخ عبد الوهاب بن محمد بن فیروز کان مولده فی غرة جمادی الأولی عام اثنین و سبعین و مائة و ألف. ألف حاشیة علی شرح الزاد و هو ابن عشرین سنة. و فیها خرج الشریف غالب بن مساعد إلی نجد فلما وصل ضریة نهبها و هدمها، ثم نزل الشعراء و حصرها فعجز عنها، ثم رحل عنها و نزل البرود و حصره فلم یقدر علیه فقفل راجعا إلی مکة المشرفة. و فیها أغار سعود بن عبد العزیز علی شمر، و مطیر، و هم علی العدوة فأخذهم، و قتل منهم عدة رجال و من مشاهیر القتلی: مصلط الجربا، و حصان إبلیس، و أبو هلیبة، و سمرة العبیوی.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 85

و فی سنة 1206 ه:

توفی الإمام شیخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب بن سلیمان بن علی بن محمد بن أحمد بن راشد بن برید بن مشرف، کان من بیت علم فی آبائه و أعمامه، کان جده الشیخ سلیمان بن علی عالم نجد فی زمانه. فأما أبناء سلیمان فهما عبد الوهاب و إبراهیم.
فأما إبراهیم فکان عالما فقیها، و ابنه عبد الرحمن بن إبراهیم کان کاتبا، و له روایة فی الفقه. و أما عبد الوهاب فکان فقیها عالما، و کان قاضیا فی العیینة ثم ولی حریملاء. و أما أبناء عبد الوهاب فهما محمد، و سلیمان.
فأما سلیمان فله معرفة فی الفقه، و کان قاضیا فی حریملاء و معرفتی بأبنائه: بعبد اللّه، و عبد العزیز بن سلیمان، و کان لهما معرفة فی العلم، و یضرب بهما المثل فی العبادة و الورع، و ماتوا و انقطع نسله.
و أما محمد فهو شیخ الإسلام، و له خمسة أبناء و هم: حسین، و عبد اللّه، و علی، و إبراهیم، و حسن. فأما حسین فهو الخلیفة بعد أبیه، و القاضی فی الدرعیة، و کان ضریر البصر، و له عدة أبناء معرفتی منهم:
بعلی، و حمد، و حسن، و عبد الرحمن، و عبد الملک. و کانت وفاة الشیخ محمد بن عبد الوهاب رحمه اللّه تعالی فی ذی القعدة من السنة المذکورة، و له من العمر نحو اثنین و تسعین سنة. و فیها توفی الشیخ عبد الرحمن بن الشیخ إبراهیم بن الشیخ سلیمان بن علی بن مشرف بن عم الشیخ محمد بن عبد الوهاب، و کان کاتبا و له معرفة. و فیها توفی أمیر المجمعة ناصر بن عقیل آل بدر الملقب جعوان، و الأمیر المذکور هو جد آل عقیل بن بدر.

و فی سنة 1207 ه:

فی رجب أغار سعود بن عبد العزیز علی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 86
بنی خالد، و هم فی الشیط قریبا من وبرة، فأخذهم و قتل منهم خلائق کثیرة، و استولی عبد العزیز علی الأحساء و القطیف بعد هذه الوقعة.
و زالت ولایة آل حمید بنی خالد عن الأحساء و القطیف و کانوا استولوا علی الأحساء و القطیف سنة 1080 ه. و أرخ ذلک بعض أدباء القطیف فقال:
رأیت البدو آل حمید لماتولوا أحدثوا فی الخط ظلما
أتی تاریخهم لما تولواکفانا اللّه شرهم: طغا ألما
و ذیل ذلک بعض أدباء نجد فقال مؤرخا زوال ولایتهم عن الحساء و القطیف:
و تاریخ الزوال أتی طباقاو غار إذا انتهی الأجل المسمی

و فی سنة 1208 ه:

خسف القمر لیلة الخمیس رابع عشر من المحرم، و کسفت الشمس فی آخره فی أول رمضان. توفی الشیخ أحمد بن عثمان بن عبد اللّه بن شبانة قاضی بلد المجمعة، أخذ العلم عن جماعة منهم الشیخ صالح أبا الخیل. و فیها فی 17 رجب توفی الشیخ سلیمان بن عبد الوهاب أخوه الشیخ محمد بن عبد الوهاب رحمه اللّه و دفن فی الدرعیة.

و فی سنة 1211 ه:

عزل سلیمان باشا بغداد، حمود بن ثامر بن سعدون بن محمد بن مانع آل شبیب عن ولایة المنتفق، و ولاها ثوینی بن عبد اللّه بن محمد بن مانع آل شبیب، و جهّزه لقتال ابن سعود، فسار ثوینی بالجنود العظیمة من البادیة و الحاضرة، و قصد الحساء، فلما وصل إلی (الشباک) المعروف من میاه ألطف أقام علیه إلی سنة 1212، و هو یکاتب العربان و یحشد الجنود. فلما علم بذلک عبد العزیز بن محمد بن سعود
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 87
جهز ابنه سعود بن عبد العزیز لقتال ثوینی المذکور، فسار سعود بجنود کثیرة من البادیة و الحاضرة، فلما وصل بعض میاه ألطف بالقرب من ثوینی نزل بجنوده، و بینه و بین ثوینی قریبا من یوم، فلما کان رابع المحرم افتتاح سنة 1212 ه تسلّط علی ثوینی عبد أسود یقال له: طعیس من عبید الجبور من بنی خالد فطعنه بحربة کانت معه فمات فانهزمت الجنود إلی البصرة.
و کان ذلک الوقت فی شدة الحر، فمات منهم خلائق کثیرة عطشا، و لما علم بذلک سعود و من معه اقتفوا آثارهم، و قتلوا من لحقوه منهم.

و فی سنة 1112 ه:

غزا سعود بن عبد العزیز، و قصد العراق، و أغار علی زوبع من شمر و من معهم، و غنم منهم أموالا کثیرة، و قتل منهم عدة رجال و منهم مطلق الجربا.

و فی سنة 1113 ه:

وفد أهل بیشة علی عبد العزیز بن محمد بن سعود و بایعوه علی السمع و الطاعة، و رئیسهم یومئذ سالم بن محمد بن شکبان الرمتین.

و فی سنة 1214 ه:

فیها حج سعود بن عبد العزیز بالناس، و هی أول حجة حجها.

و فی سنة 1215 ه:

حج سعود بالناس حجته الثانیة. و فیها توفی من أکابر بلد التویم فارس بن سلیمان بن محمد بن فارس بن بسام، و محمد بن علی بن بنیان منصرفهما من الحج رحمهما اللّه تعالی.

و فی سنة 1216 ه:

توفی الشیخ محمد بن فیروز فی أول شهر محرم آخر لیلة الجمعة، و ولادته فی ثمانیة عشر ربیع الأول عام 1412 ه.

و فی سنة 1217 ه:

سار سعود بجنود کثیرة من البادیة و الحاضرة،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 88
و قصد بلد الحسین و نهبها، و أخذ منها من الأموال ما لا یقدّر و لا یحصی، و قتل من بلد الحسین عددا کثیرا.
و فیها توفی سلیمان باشا بغداد. و فیها انتقض الصلح بین الشریف غالب، و بین الإمام عبد العزیز بن محمد.

و فی سنة 1218 ه:

فی یوم الاثنین الثانی و العشرین توفی الإمام عبد العزیز بن محمد بن سعود، کان محمد بن مقرن قتیلا فی مسجد الدرعیة، قام إلیه رجل من أهل العراق و هو فی صلاة العصر فی جامع الدرعیة فطعنه بسکین معه فی خاصرته و لم یلبث قلیلا حتی مات رحمه اللّه تعالی. و طعن معه أخاه عبد اللّه بن محمد بن سعود فجارحوه و عافاه اللّه، و أمسکوا الرجل و قتلوه. و تولی بعد عبد العزیز ابنه سعود بن عبد العزیز.

و فی سنة 1219 ه:

قتل سلطان أحمد بن سعید رئیس مسقط قتله القواسم و تولی بعده ابنه سعید. و فی هذه السنة قتل دوخی بن جلاف رئیس السعید من الظفیر، و راشد بن فهد بن عبد اللّه بن سلیمان بن صویط رئیس بوادی الظفیر، صادفهم سریة لسعود بن عبد العزیز، و قتلوهم و رئیسهم منصور بن تامر السعدون. و کان منصور حینئذ عند سعود فی الدرعیة جلاویا.

و فی سنة 1220 ه:

اشتد الغلاء و القحط و هلک کثیر من بادیة الحجاز و الیمن و نجد و عدمت الأقوات بمکة المکرمة، فلما اشتد الحال بأهل مکة بسبب الحرب التی بین الشریف غالب، و عبد الوهاب أبو نقطة، و من معه من أتباع سعود بن عبد العزیز. وقعت المصالحة بین الشریف
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 89
غالب، و بین عبد الوهاب علی المبایعة لسعود بن عبد العزیز علی السمع و الطاعة.
و فیها قدم وفد المدینة علی سعود بن عبد العزیز فی الدرعیة، و بایعوه علی السمع و الطاعة.

و فی سنة 1221 ه:

توفی رئیس بوادی حرب بدای بن بدوی بن مصیان بمرض الجدری، و تولی بعده أخوه مسعود.

و فی سنة 1222 ه:

حج سعود بن عبد العزیز بأهل نجد منع الحاج الشامی من الحج. و فی هذه السنة قدم سعود بن عبد العزیز المدینة المنورة و رتبها، و جعل فیها مرابطه، و أخرج من فیها من عسکر الترک.

و فی سنة 1223 ه:

حج سعود بن عبد العزیز بالناس، و لم یحج أحد من أهل الأقطار هذه السنة.

و فی سنة 1224 ه:

وقع وباء فی الدرعیة مات فیه خلق کثیر منهم:
الشیخ حسین بن الشیخ محمد بن عبد الوهاب، و سعود بن عبد اللّه بن عبد العزیز بن محمد بن سعود.
و فی هذه السنة توفی التاجر المشهور أحمد بن محمد بن حسین بن رزق فی بلد قردلان بعدما استوطنها. قیل: إنه خلف من الأموال ما قیمته ألف ألف، و مائة ألف ریال، و ابن رزق هذا أصله من آل رزق أهل حرمة، و انتقلوا منها و سکنوا الغاط، و هم من بنی خالد.

و فی سنة 1225 ه:

ولد الشیخ عبد اللطیف بن عبد الرحمن بن حسن.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 90
و فیها توفی الشیخ محمد بن عبد اللّه بن حمد بن طراد فی حوطة سدیر، أخذ العلم عن الشیخ محمد السفارینی النابلسی. ذکره فی رحلته إلی الشام سنة سبع و سبعین و مائة و ألف و أصله من بلدة حرمة و هو من آل سیف أهل العینیة، و من خطه نقلت. و قد رأیت بخط الشیخ محمد بن مانع قال: أخذ الشیخ محمد بن طراد النجدی الدوسری قاضی حوطة سدیر، و هو من آل أبو الحسن عن ابن الکهرمی البطری.
و فیها أرسل سعود بن عبد العزیز مطلق المطیری، و عبد اللّه بن مزروع بجنود کثیرة من حاضرة نجد و بادیتها إلی عمان، و استولوا علی بلدان عمان غیر مسقط و نواحیها.
و فیها أرسل سعود بن عبد العزیز محمد بن معیقل، و عبد اللّه بن عفیصان بسریة إلی البحرین، و ضبطوا أموال آل خلیفة فقدم رؤساؤهم إلی الدرعیة للشکایة علی سعود ما فعله بهم ابن معیقل، و ابن عفیصان، فأمر سعود بحبس رؤسائهم، و هم: سلمان بن أحمد بن خلیفة، و أخوه عبد اللّه، و محمد بن عبد اللّه، و رخص لأولادهم و لمن معهم من الخدام و غیرهم أن یرجعوا إلی البحرین. و جعل سعود علی بن محمد بن خلیفة أمیرا علی البحرین، و أرسل سعود فهد بن عفیصان ضابطا للبحرین. ثم إن أولاد آل خلیفة نقلوا أهلهم و ما قدروا علیه من أموالهم من الزبارة فی السفن إلی مسقط، و طلبوا من رئیس مسقط هو و من عنده من النصاری الخروج فساروا إلی البحرین، و أحاطوا بفهد بن عفیصان هو و من معه، و هم فی قصر المنامة، ثم أخرجوهم بالأمان، و أمسکوا فهد بن عفیصان هو و خمسة عشر رجلا من أعیان أصحابه رهینة فی آل خلیفة المحبوسین عند سعود فی الدرعیة، و أطلقوا الباقین.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 91
و فی هذه السنة حج سعود حجته السابعة، فلما رجع من الحج أطلق آل خلیفة من الحبس، و رجعوا إلی البحرین، فلما وصلوا إلیها أطلقوا فهد بن عفیصان و أصحابه.
و فیها فی ذی الحجة توفی الشیخ حمد بن ناصر بن عثمان بن معمر فی مکة المشرفة، و صلی علیه المسلمون تحت الکعبة المعظمة، ثم خرجوا به إلی البیاضیة. و خرج سعود بن عبد العزیز من القصر، و صلی علیه بعدد کثیر من المسلمین، و دفن فی مکة المشرفة.
و فیها غزا سعود فوصل إلی المزیریب فی الشام، و نزل عین البجیری، ثم نزل قریب بصری.

و فی سنة 1226 ه:

قام محمد علی باشا بقتال أهل نجد، و أرسل عساکر کثیرة فی البحر، علیهم ابنه أحمد طوسون فقدموا ینبع. فلما علم بذلک سعود بن عبد العزیز جهز ابنه عبد اللّه لقتالهم، و أرسل معه جنودا کثیرة من البادیة و الحاضرة، فقدم عبد اللّه بن سعود و من معه المدینة المنورة، علی ساکنها أفضل الصلاة و السلام، ثم خرج منها و نزل الحیف.
و سار أحمد طوسون و من معه من العساکر، فنزلوا بالقرب من عبد اللّه بن سعود، و حصل بینهم وقعة عظیمة، و صارت الهزیمة علی أحمد طوسون و من معه من العساکر. و قتل منهم نحو ثلاثة ألاف، و قتل من قوم عبد اللّه بن سعود نحو ثمانمائة، منهم مقرن بن حسن بن مشاری بن سعود، و برغش بن بدر من آل شبیب من رؤساء المنتفق، و مانع بن وحیر من رؤساء العجمان و کان فارسا شجاعا. و انحاز أحمد طوسون و من معه إلی ینبع. و هذه الوقعة هی المعروفة بوقعة الجدیدة فی ذی القعدة من السنة المذکورة.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 92
و فی هذه السنة حج سعود بالناس، و اجتمع بابنه عبد اللّه بن سعود بمکة المشرفة بعد وقعة الجدیدة المذکورة.
و فیها أغار عبد اللّه بن سعود علی آل قشعم، و هم بالقرب من بلد الحلة المعروفة بالعراق، و کان عندهم عسکر من الترک، فأخذ المسلمون بعض خیام العسکر، و بعض حلة آل قشعم.

و فی سنة 1227 ه:

الوقعة المشهورة بین عنزة فی أرض الشبنل من أرض حلب. و سببها أن الفدعان کان لهم رمیری قری الشبنل التی یسمها البدو الأخاوة، فأتوهم السبعة فنزلوا و السبعة أقرب من یکون للفدعان من عنزة، فطلبوا السبعة من بعض ذی الشنبل الأخاوة فمنعوهم الفدعان، و استمدوا السبعة بالرولة، و استمدوا الفدعان بالعمارات من عنزة، و استفزعوا الفدعان بشمر ففزعوا من العراق، و استمر الحرب بینهم نحو ثلاثة أشهر فی مناخ واحد حتی إن الإبل أکلت التراب و أدبار بعضها.
و آخر الأمر صارت الهزیمة علی الفدعان و من معهم، و قتل من الفریقین عدد کبیر فأخذ السبعة و من معهم من أموال الفدعان شیئا کثیرا.
و فیها قدم أحمد بن نابرت بالعساکر العظیمة علی أحمد طوسون بن محمد علی، و هو إذ ذاک بینبع. فلما قدموا علیه ساروا إلی المدینة فوصل إلیها منتصف شوال، و حصرها و فیها نحو خمسة آلاف من أهل الحجاز و الیمن و نجد جعلهم سعود فیها مرابطة، ثم حفروا سردابا فی الأرض من ناحیة البقیع، فلما وصلوا إلی السور حشوه بالبارود و أشعلوا فیه النار، فانهدم من السور نحو ثلاثین ذراعا، و دخلت العساکر البلد و انحاز المرابطة إلی القلعة، و قد هلک منهم خلق کثیر قتلا و وباء نحو أربعة آلاف.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 93
و فی هذه السنة حج سعود بن عبد العزیز بالناس و هی آخر حجة حجّها، فلما خرج من مکة المشرفة أمر ابنه عبد اللّه أن یقیم بمن معه من الجنود بوادی فاطمة، فأقام به و جاءت مراکب فیها عساکر من مصر فنزلوا فی جدة، ثم ساروا إلی مکة المشرفة. فلما علم بذلک عبد اللّه بن سعود و من معه ارتحلوا و نزلوا العبلا بالقرب من الطائف مدة أیام ثم قفل إلی نجد.

و فی سنة 1228 ه:

أخذ الرحمان من مطیر غنم أهل أشیقر. و فیها خرج عثمان المظایفی من الطائف، و استولی علی الطائف الشریف غالب بن مساعد. و فی رمضان من هذه السنة رجع عثمان المظایفی إلی الطائف، و معه جنود کثیرة، و استولی علی بعض قصورها. فلما بلغ الشریف غالب الخبر سار إلیه بالجنود العظیمة من عتیبة، و حاصرها فی العصر. و حاصل الأمر أنه انهزم و قتل من قومه نحو سبعین رجلا، فأمسکته العصمة من عتیبة و جاءوا به إلی الشریف غالب، فأوثقه و بعث به إلی محمد علی.
و فیها حج أهل الشام و مصر، و حج محمد علی علی البحر. و لما قدم مکة المشرفة و جاءه الشریف غالب للسلام علیه حبسه هو و أولاده، و احتوی علی جمیع أمواله، و أرسلهم إلی مصر، و بقی غالب محبوسا فی سناینک إلی أن توفی بها سنة 1231 ه. و فیها عزا سعود مغزی الحناکیة.

و فی سنة 1229 ه:

توفی الشیخ سعید بن محمد قاضی حوطة بنی تمیم، و تولی بعده تلمیذه راشد بن هوید. و فیها فی رجب توفی الشیخ قاضی سدیر علی یحیی بن ساعد.
و فیها توفی الإمام سعود بن عبد العزیز بن محمد بن مقرن لیلة
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 94
الاثنین حادی عشر جمادی الأولی من السنة المذکورة رحمه اللّه تعالی.
و کانت ولابته عشر سنین و تسعة أشهر و ثمانیة عشر یوما. و تولی بعده ابنه عبد اللّه بن سعود.
و فیها توفی إبراهیم بن عفصیان فی عنیزة، و کان قد جعله سعود بن عبد العزیز أمیرا بها، و آل عفصیان المعروفین فی الخرج من عائذ. و فیها توفی عبد اللّه بن صباح العتبی رئیس بلد الکویت.
و فیها فی الیوم التاسع و العشرین من رجب کسفت الشمس و أظلمت الدنیا و ظهرت النجوم.

و فی سنة 1230 ه:

الوقعة المشهورة بین أهل أشیقر و الحمادین من بریة أهل سبعة و عشرین مطیة عقیدهم شلا بن الحمیدانی. و ذلک فی روضة رمحین أیام الربیع و هم یحشون فیها، حضر هذه الوقعة شجعان من أهل أشیقر منهم: خلف بن ناصر البجادی، و محمد بن علی بن قهیدان و عبد اللّه بن محمد النجیدی، و علی بن عثمان بن جمعة، و أخوه قناع، و أخوه عبد العزیز الملقّب بوقر، و أخوهم عبد اللّه، و علی بن مشلب، و علی بن عقیل، و عثمان بن مسعود، و محمد بن ماجد الناصری، الملقّب أبا الجرید لقوّته، فإنه یأخذ الجریدة الیابسة و یفتّها بیده. قتل فی هذه الوقعة محمد بن ماجد أبو الجرید المذکور، و کسرت رجل عبد اللّه النجیدی، و حصل فی الباقین جراحات، و عقر من رکائبهم ثلاث و انهزموا و لم یحصلوا علی طائل.
و فی آخر محرم توفی عبد اللّه بن محمد بن سعود، و فی آخره أیضا توفی إبراهیم بن محمد بن سدحان فی لیلتین بقیتا منه.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 95
و فی هذه السنة وقعة بسل: بین محمد علی، و بین فیصل بن سعود، و صارت الهزیمة علی فیصل بن سعود و من و معه، و قتل منهم خلق کثیر، و استولی محمد علی علی بیشة ورنی.
و فیها قدم أحمد طوسون بن محمد علی بالعساکر العظیمة و نزل الرس و الخبراء، و کان عبد اللّه بن سعود إذ ذاک فی المذنب، فلما علم بذلک رحل من المذنب و نزل عنیزة و أمیرها من جهة عبد اللّه بن سعود إبراهیم بن حسن بن مشاری بن سعود، و نزل الحجناوی، و أقام علیه نحو عشرین یوما یصابر عساکر الترک و یقع بینهم مقاتلات و مجاولات من بعید.
ثم إن الصلح وقع بین أحمد طوسون هو و أحمد بن نابرت، و بین عبد اللّه بن سعود علی وضع الحرب، و أن عساکر الترک یرفعون أیدیهم عن نجد و یرفع عبد اللّه بن سعود یده عن الحرمین، و کل منهم یحج آمنا.
و کتبوا بذلک سجلات، فرحل أحمد طوسون و من معه من العساکر غرة شعبان من هذه السنة، و توجّهوا إلی المدینة المنورة علی ساکنها أفضل الصلاة السلام.

و فی سنة 1231 ه:

سار عبد اللّه بن سعود بجنوده من البادیة
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 97
و الحاضرة، و قصد القصیم، فنزل الخبرا و هدم سورها، و سور البکیریة، و ربط ثلاثة من رؤوس الرس و الخبرا، منهم الأمیر شارخ الفوزان أمیر
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 98
الرس، و سار بهم إلی الدرعیة بسبب استدعائهم للترک، و سمیت هذه الغزوة غزوة محرش، لأنه انتقض الصلح الذی بین محمد علی و بین عبد اللّه بن سعود بسببها. و ذلک أنه سار رجال من أهل القصیم إلی مصر و أکثروا القول عند محمد علی. فتلقی قولهم و شمر فی تجهیز العساکر إلی نجد مع ابنه إبراهیم باشا. و فی هذه السنة توفی أحمد طوسون بن محمد علی فی مصر آخر شوال من السنة المذکورة، و فی هذه السنة سار إبراهیم باشا بالعساکر العظیمة من مصر متوجها إلی نجد، فقدم المدینة ثم رحل منها و نزل الحناکیة.

و فی سنة 1232 ه:

و إبراهیم باشا فی الحناکیة، فلما علم بذلک عبد اللّه بن سعود سار بجنوده من البادیة و الحاضرة لقتال إبراهیم باشا و من معه من العساکر، و هو حینئذ علی الحناکیة. فلما بلغ إبراهیم باشا خبر عبد اللّه بن سعود بعث علیا ازن، و معه جملة من العسکر، و جمیع من معه من بوادی حرب و غیرهم و أمرهم أن ینزلوا ماویة الماء المعروف بینه و بین الحناکیة مسافة یومین، فسار علی ازن و من معه و نزلوا ماویة، فلما علم بذلک عبد اللّه بن سعود، و هو علی خبرا نجخ سار منها إلی ماویة، و حصل بینه و بین علی ازن قتال، و صارت الهزیمة علی عبد اللّه بن سعود و من معه، و قتل من أصحابه نحو مائتی رجل. و ذلک یوم الجمعة منتصف جمادی الآخرة من السنة المذکورة. و ذلک أول و هن علی الإمام عبد اللّه بن سعود، و قصد عبد اللّه المذکور بلد عنیزة و نزلها.
ثم إن إبراهیم باشا سار بعساکره و نزل الرس لخمس بقین من السنة المذکورة، و حاصروا أهل الرس إلی ثانی عشر من ذی الحجة. ثم إنه وقع الصلح بینه و بینهم فرحل عنهم و نزل الخبرا. فلما کان بعد عید النحر من
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 99
السنة المذکورة ارتحل عبد اللّه بن سعود من عنیزة إلی بریدة و جعل فی قصر الصفا المعروف فی عنیزة عدة رجال مرابطة، و استعمل علیهم أمیرا محمد بن مشاری بن سعود، و استعمل فی بریدة إبراهیم بن حسن بن مشاری بن سعود أمیرا، و جعل عنده عدة رجال مرابطة. ثم إن إبراهیم باشا رحل من الخبرا، و نزل عنیزة، و أطاعوا له أهل البلد، و امتنع الذین فی قصر الصفا فحاصرهم. ثم إنه أخرجهم منه بالأمان، و توجهوا إلی أوطانهم و أمر إبراهیم باشا فهدم القصر، فلما بلغ عبد اللّه بن سعود الخبر و هو فی بریدة رحل منها إلی الدرعیة. و اذن لأهل النواحی یرجعون إلی أوطانهم.

و فی سنة 1233 ه:

و إبراهیم باشا إذ ذاک فی عنیزة، ثم ارتحل منها إلی بریدة، ثم ارتحل منها إلی شقرا و نزل شقرا یوم الخمیس، سادس عشر ربیع الأول من السنة المذکورة، و أقام بها نحو شهر، ثم ارتحل منها، و قصد ضرما، فحاربوه فأخذها عنوة فی سابع عشر ربیع الثانی من السنة المذکورة. و قتل من أهلها نحو ألف و ثلاثمائة رجل.
و نهب البلد و أخلاها من أهلها، ثم ارتحل منها إلی الدرعیة، و نزلها فی ثالث من جمادی الأولی من السنة المذکورة، و جری بینه و بین أهلها عدة وقعات.
و حاصل الأمر أنه وقع الصلح بینه و بین أهل الدرعیة علی أن عبد اللّه بن سعود یخرج إلیه، و یرسله إلی السلطان فیحسن إلیه أو یسی‌ء، فخرج إلیه عبد اللّه بن سعود علی ذلک. و ذلک فی یوم الأربعاء تاسع ذی القعدة من السنة المذکورة. و لما کان بعد المصالحة بیومین، أمر الباشا علی عبد اللّه بالتجهّز بالمسیر إلی السلطان، فتجهّز ثم أرسله مع رشوان
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 100
آغا و الدویدار، و معهم عدد کثیر من العسکر، فساروا به إلی مصر، ثم إلی اسطنبول، و قتل هناک رحمه اللّه تعالی. و کانت هذه السنة کثیرة الاضطراب من نهب الأموال، و سفک الدماء، و قد أرّخها محمد بن عمر الفاخری من المشارفة من الوهبة، و هو ساکن بلد حرمة فقال:
عام به الناس جالوا حسبما جالواو نال منا الأعادی فیه ما نالوا
قال الأخلاء: أرّخه، فقلت لهم:أرخت، قالوا: بماذا؟ قلت: غربال
قیل: إن الذی هلک من الروم فی مدة هذه الحرب نحو عشرة آلاف، و من أهل الدرعیة نحو ألف و ثلاثمائة.

و فی سنة 1233 ه:

و فی ربیع الأول وقعة المعادة المعروفة: بین أشیقر و الجریفة، قتل فیها سبعة عشر رجلا من أهل أشیقر. و سبب ذلک أن إبراهیم باشا کان نازلا فی بلد شقراء فأمر علی أهل أشیقر بأحمال تبن رکب من أهل أشیقر ثمانیة عشر رجلا إبلهم إلی الجریفة و تسالوافها أحمال تبن و توجهوا یریدون شقراء فلما وصلوا إلی المعارة قابلهم رکب من قبل الإمام عبد اللّه بن سعود، و عقیدهم ابن نصیر قد بعثهم یقطعون سابلة العسکر فقتلوهم کلهم إلّا سلیمان بن صالح بن مفرج تحمل فیه رجل من الحبلان من مطیر انهزم به حتی أتی إلی أشیقر. و من مشاهیر القتلی عبد الرحمن بن عثمان ابن شنیبر کان شجاعا کریما، و عثمان بن مسعود العبد، و کان شجاعا، و عبد العزیز الشیبانی و ولد محمد بن سرور العرینی.

و فی سنة 1234 ه:

و إبراهیم باشا فی الدرعیة. ثم إنه أمر علی أهلها أن یرحلوا منها فرحلوا منها فأمر بهدمها و قطع أشجارها فهدموها
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 101
و أشعلوا فیها النیران و ترکوها خاویة، و تفرق أهلها فی البلدان. فلما فرغ إبراهیم باشا من هدم الدرعیة رحل منها و ترک فی ثرمدا خلیل آغا، و معه عدد کثیر من العسکر و قصد المدینة المنورة، و أمر بنقل آل سعود، و آل الشیخ بأولادهم و نسائهم إلی مصر فنقلوا إلیها. فلما وصل إلی القصیم أخذ معه حجیلان بن حمد رئیس بلد بریدة، و سار به إلی المدینة المنورة علی ساکنها أفضل الصلاة و السلام.
فتوفی حجیلان فی المدینة و عمره فوق ثمانین عاما.
و فی هذه السنة سالت عنیزة و بعض بلدان نجد خریف، و مشی وادی الرمة أربعین یوما، و کان إبراهیم باشا لما أراد المسیر من نجد إلی مصر أمر بهدم أسوار بلدان نجد فهدمت و کثر القیل و القال و السبابات عنده من أهل نجد بعضهم فی بعض و ممن رمی عنده الشیخ سلیمان آل عبد اللّه آل الشیخ فأمر الباشا بقتله فقتل، و الشیخ علی بن حمد بن راشد العرینی قاضی الخرج، و الشیخ رشید السردی قاضی حوطة بنی تمیم، و الشیخ عبد اللّه بن حمد بن سویلم.
و الشیخ عبد اللّه بن حمد بن کثیر رحمه اللّه تعالی، و قتل أیضا عدة رجال من أعیان أهل نجد. و فی رمضان من هذه السنة استولی محمد بن عریر آل حمید الخالدی عل الأحساء و القطیف.
و فیها توفی الشیخ أحمد بن عبد اللّه بن عقیل من آل عقیل أهل بلد حرمة، و هم من عنیزة، و قد سکن بلد الزبیر، فتوفی حاجّا فی مکة المشرفة فی آخر شهر ذی الحجة.
و فی هذه السنة قتل عبد اللّه بن رشید أمیر بلد عنیزة. قیل: إن الذی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 102
دبّر قتله عبد اللّه بن حمد الجمعی أعطی إبراهیم باشا ألف ریال لیقتل ابن رشید المذکور، فأمر الباشا بقتله فقتل.
و فیها قتل عبد اللّه بن حجیلان فی بریدة قتله رشید بن سلیمان الحجیلان هو و عقیل و معهم عشرة من آل أبو علیان، و بعد أربعین یوما قتل رشید و عقیل المذکوران.
قال الجبرتی فی «تاریخه»: وصول آل سعود لمصر فی 18 رجب سنة 1234 ه و عددهم، و من معهم أربعمائة نفس.
ذکر فی تقویم المولد لعام 1324 ه أن عدد الجنود الذین مع إبراهیم باشا لحرب الدرعیة ستة عشر ألف جندی، و قتل من أهل الدرعیة التی لیس فیها سوی ألف و مائتین رجل قتل ثمانمائة رجل.

و فی سنة 1235 ه:

ظهر محمد بن مشاری بن معمر و نزل الدرعیة و عمّرها، و عاهدوه أهل نجد، ثم بعد ذلک جاء مشاری بن سعود و نزل الدرعیة و صار الأمر له.

و فی سنة 1226 ه:

ظهر حسین بیک إلی نجد و نزل بلدة عنیزة.
و فی هذه السنة استولی ترکی بن عبد اللّه بن محمد بن سعود علی بلد الریاض. فلما علم بذلک حسین بیک سار من عنیزة بعساکر، فقدم علی من فی ثرمدا من العساکر، الذین مع خلیل آغا، ثم سار إلی الدرعیة و معه ناصر بن حمد العایذی، و سوید بن علی رئیس جلاجل، و عبد العزیز بن ماضی رئیس روضة سدیر، و حمد آل مبارک رئیس حریملاء. فلما وصل الدرعیة أمر علی أهلها الذین نزلوها بعد ارتحال إبراهیم باشا عنها أن یرتحلوا عنها و یسیروا إلی خلیل آغا فی ثرمدا، فساروا إلی ثرمدا بنسائهم
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 103
و أولادهم و بنی لهم بنیانا فجعل لهم بابا لا یدخلون و لا یخرجون إلّا منه.
و ذلک فی جمادی الآخرة من السنة المذکورة، و حسین باشا إذ ذاک فی الریاض. ثم أمر حسین بهدم الدرعیة فهدموها و أشعلوا فیها النیران، ثم سار إلی الریاض و بها ترکی بن عبد اللّه بن محمد بن سعود.
و کان بعض أهل الریاض قد کاتب ناصر بن حمد العایذی، فلما علم بذلک ترکی خرج من بلد الریاض، و استولی علیها حسین بیک و أقام بها نحو شهرین، و أمر علی أهل الریاض و المحمل و سدیر و الخرج و الوشم بألوف من الدراهم. و کذلک باقی بلدان نجد فأخذها منهم.
و هرب کثیر من أهل نجد مع البادیة و اختفی آخرون بسبب المطالب التی علیهم، و حبسوا رجالا و قتلوا آخرین، و أصاب الناس محن عظیمة، فلا حول و لا قوة إلّا باللّه العلی العظیم.
و لما کان فی رجب من هذه السنة قدم عبد اللّه بن حمد الجمعی من مصر علی حسین، و هو فی الریاض، و کان الجمعی هذا قد جعله إبراهیم باشا أمیرا فی عنیزة. فلما رحل الباشا من نجد أخرجه أهل عنیزة منها؛ و تأمر فیها محمد بن حسن بن حمد الجمل.
ثم إن حسین ارتحل من الریاض و قصد ثرمدا، فلما قرب من ثرمدا و کان معه محمد بن حسن الجمل أمیر عنیزة أمر بقتله فقتل. و لما وصل إلی ثرمدا و بها خلیل آغا أمر بأهل الدرعیة الذین فی ثرمدا أن یقتلوا، و عددهم مائتان و ثلاثون فقتلوهم، و تسمی بمذبحة الحجیرة، عن آخرهم، و ترکوا نساءهم و أطفالهم. فلما کان یوم عید الفطر من هذه السنة ارتحل حسین من ثرمدا و قصد المدینة المنورة، و منها إلی مصر، و ترک فی ثرمدا
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 104
عسکرا فی قصرها. و فی قصر الریاض عسکرا رئیسهم علی المغربی، و جعل فی عنیزة أمیرا عبد اللّه بن حمد الجمعی، و معه عدة من العساکر.
فیها هجموا أهل جلاجل علی التویم و تقاتلوا فی النخیل، و قتل من أهل التویم عبد اللّه بن فوزان بن مغیر و سلیمان آل بن عبد اللّه، و أسروا ناصر بن عثمان بن سلیم، و قتل من أهل جلاجل ثلاثة: راشد بن عثمان بن راشد بن جلاجل، و إبراهیم بن حمد بن محمد بن ماضی، و صلطان بن عبد اللّه بن إبراهیم بن سلیمان العنقری.

و فی سنة 1237 ه:

بنی مسجد الجوز و محلته المعروفة فی بلدة عنیزة. و فیها قتل سلیمان بن عرفج فی بریدة، و هو من آل أبو علیان، قتلوه رفاقته آل أبو علیان. ثم بعد ذلک بأیام سطا علیهم محمد العلی بن عرفج و قتل منهم فهد بن مرشد. و فی هذه السنة قدم حسین بیک أبو ظاهر من المدینة و معه نحو ثمانمائة فارس من الترک فنزل بلد عنیزة، و رئیسها یومئذ عبد اللّه بن حمد الجمعی فقام معه، و قدم علیه أکثر رؤساء بلدان نجد فی عنیزة، و بعث من یقبض الزکاة من بلدان نجد، و بعث سریة مع إبراهیم کاشف للریاض، و سریة مع موسی کاشف، و معهم عبد اللّه بن حمد الجمعی أمیر عنیزة إلی المجمعة، فنزلوا قصر المجمعة، و کثرت منهم المظالم، و قتلوا إبراهیم بن حمد العسکر، و حمد بن ناصر بن جعوان فی المجمعة.
و ذلک فی عاشر رجب من السنة المذکورة، و قتلوا أمیر بلد الجنوبیة فی سدیر. فلما کان فی آخر رجب من هذه السنة خرجوا من المجمعة، و أغاروا علی فریق من السهول فی مجزل، فصارت الهزیمة علی العسکر،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 105
و قتل موسی کاشف وعدة رجال غیره، و لم ینج منهم إلّا قلیل، و قصد شریدتهم بلد المجمعة و معهم الجمعی. ثم ساروا منها إلی عنیزة. و فی ذی الحجة من هذه السنة سارت العساکر من الریاض مع إبراهیم الکاشف و معهم أمیر الریاض ناصر بن حمد بن ناصر العایذی، و أغاروا علی سبیع بالقرب من الحایر. و صارت الهزیمة علی أهل الریاض و من معهم من العساکر، و قتل إبراهیم کاشف و ناصر بن حمد بن ناصر العایذی أمیر الریاض، و قتل غیرهم من العسکر نحو ثلاثمائة، و رجع باقیهم إلی الریاض. و فیها توفی الشیخ قاضی الوشم عبد العزیز بن عبد اللّه الحصین الناصری فی بلدة شقراء رحمه اللّه تعالی.

و فی سنة 1238 ه:

حفرت القلیب المسماة الفیضة الطالعیة و غرست. و الذی حفرها و غرسها أبناء محمد بن إبراهیم بن محمد البواردی. و فیها حبس حسین بک عبد اللّه الجمعی أمیر عنیزة وعدة رجال من رؤسائها، و طلب منهم أموالا فقام علیه أهل عنیزة و أخرجوه هو و من معه من البلد إلی المدینة، و ترک فی قصر الصفا المعروف فی عنیزة نحو خمسمائة من العسکر رئیسهم محمد آغا، فقام علیهم أهل عنیزة و أخرجوهم و هدموا قصر الصفا فلحقوا بأصحابهم، و لم یبق فی نجد من العسکر غیر الذین فی قصر الریاض. و فی شعبان من هذه السنة قتل عبد اللّه بن حمد الجمعی أمیر عنیزة قتله یحیی آل سلیم فی مجلس عنیزة، و شاخ یحیی المذکور فی بلدة عنیزة.

و فی سنة 1239 ه:

ظهر الإمام ترکی و حارب العسکر الذین فی الریاض، و أخرجهم فتوجهوا إلی المدینة و حکم بلدان نجد کلها. و فیها سطا أهل الروضة و أتباعهم علی ابن علی فی جلاجل، و صارت الغلبة
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 106
لأهل جلاجل، و قتل فیه من الروضة و أتباعهم واحد و عشرون رجلا منهم:
إبراهیم بن ماضی، و محمد بن عبد اللّه، و محمد بن ناصر بن عشری.
و قتل من أهل جلاجل ستة رجال. و فیها قدم الشیخ عبد اللّه بن عبد الرحمن من الروضة إلی الریاض، و کان قد انتقل إلیها و صار إماما فی شقراء و قاضیا بلدان الوشم و غیرها.
و فیها الوقعة المشهورة بین أهل أشیقر الدعاجین، و آل غالبة من عتیبة، و هم علی جو أشیقر أیام القیظ، قتل فیها من عتیبة عدة رجال منهم: فریح، و عید الحفری، و فلاح بن رشید العطشان و غیرهم. و من أهل أشیقر شعیب بن سلیمان بن عبید، ثم هجوا عتیبة و ترکوا بیوتهم، فأعطاهم أهل أشیقر أمانا یستلون بیوتهم و أمتعتهم، و شالوها و قصدوا بلد الحریقة و کان أمیرها محمد بن تویم له صاحب منهم، و هم قاطنون علی الجریفة قبل نزولهم علی جو أشیقر. و کان ابن تویم یقول: أنا من أهل أشیقر، فلما وصلوا إلی الجریفة من یومهم ذاک دعاه صاحبه فخرج إلیه، فقتلوه و هو لیس من أهل أشیقر بل آل تویم من آل جدی من الصعران من بنی هاجر من قحطان.
ثم حصل منهم بعد ذلک غارات علی أهل أشیقر فصادفوا فی بعض الغارات صالح بن علی بن مانع بن عبد الرحمن بن شنیبر هو و ابن عمه إبراهیم بن عثمان بن عبد الرحمن بن شنیبر الأشرم فی مدة، فقتلوا إبراهیم المذکور، و ترکوا صالح بن علی المذکور و به رمق قد ظنوا أنهم قتلوه، فجارحه أهله و عافاه اللّه تعالی. ثم بعد ذلک صار ولد علی موسی عتیق، و قد جاءت الجریفة فسألوه فقال: أنا من أهل أشیقر، فقتلوه، و هو من الوهبة ساکن فی بلد شقراء. ثم بعد ذلک صادفوا إبراهیم بن حسن
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 107
الخراش فی الحلیلة فطعنوه طعونا کثیرة، و ترکوه و به رمق و قد ظنوا أنه مات فی أریحة أهله، و عافاه اللّه تعالی.
ثم إنهم تصالحوا سنة 1242 ه و أعطی عتیبة جمیع ما علیهم لهم، و تکافلوا و خمدت الفتنة، و للّه الحمد. و کتب أهل أشیقر علیهم وثائق بخط الشیخ محمد بن عبد اللّه بن مانع بن محمد بن عبد اللطیف و بخط أخیه عبد العزیز بن عبد اللطیف، و کفل لأهل أشیقر مروت بن عضیب، و کفل عتیبة ابن فدغم ابن عوید، و أخوه هدهود، و عبد اللّه بن مقبل الدعجانی، و فلج أخو فلاج العطشان و حطوا أهل أشیقر فی البلاد، و طار فتهم من بعید و من قریب. و فیها قدم مشاری بن عبد الرحمن مشاری بن سعود بلد الریاض هاربا من مصر، فأکرمه خاله الإمام ترکی و جعله أمیرا فی منفوحة. و فیها قدم الشیخ عبد الرحمن بن حسن بلد الریاض من مصر، فأکرمه الإمام ترکی غایة الأکرام. و فیها حفرت القلیب المعروفة خارج بلد شقراء من شرق، و غرست حفرها و غرسها محمد الجمج هو و عبد العزیز بن إبراهیم بن محمد البواردی.

و فی سنة 1240 ه:

حاصر ترکی بن عبد اللّه بن محمد بن سعود العسکر الذین فی قصر الریاض، و رئیسهم إذ ذاک أبو علی المغربی، و أخرجهم علی دمائهم و سلاحهم، فساروا إلی ثرمدا. و منها إلی المدینة، و استولی ترکی علی الریاض. و فی هذه السنة حصل منافسة بین یحیی السلیم و أتباعه، و بین أهل الخزیرة و العقیلیة، و حصل بینهم قتال قتل فیها أربعة رجال من الفریقین، و جرح عشرة رجال فرکبوا أهل الرس و أهل بریدة، و قدموا بلدة عنیزة و أصلحوا بینهم. و فی هذه السنة سار ترکی بن عبد اللّه إلی الخرج، و حاصر زقم بن زامل العایذی فی الدلم، و أخرجه هو
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 108
و من معه من عشیرته و أتباعهم و أخذ جمیع أموالهم. و سار ترکی بزقم معه إلی الریاض، و بعث سریة إلی السلمیة فحاصروا رئیسها مشغی بن براک فی قصره، ثم أخرجوه بالأمان هو و من معه فی القصر علی دمائهم و أموالهم، و قدم علی ترکی کلیب البجادی العایذی رئیس الیمامة من بلدان الخرج، و بایعه علی السمع و الطاعة. و فی هذه السنة قدم یحیی بن سلیمان بن زامل رئیس عنیزة علی الإمام ترکی و بایعه علی السمع و الطاعة.

و فی سنة 1241 ه:

قدم مشاری بن سعود بلد الریاض هاربا من مصر، فأکرمه خاله الإمام ترکی و جعله أمیرا فی منفوحة.
و فیها قدم الشیخ عبد الرحمن بن حسن بن الشیخ محمد بن عبد الوهاب بلد الریاض من مصر، فأکرمه الإمام ترکی بن عبد اللّه غایة الإکرام. و فیها توفی الشیخ عبد اللّه بن سلیمان بن محمد بن عبد الرحمن بن عبید قاضی سدیر فی أول ولایة ترکی، و کان قبله قاضیا فی جبل شمر عند عبد اللّه بن علی بن رشید رئیس جبل شمر زمن الإمام سعود بن عبد العزیز، و کانت وفاته فی بلد جلاجل رحمه اللّه تعالی. و فیها توفی أمیر عسیر سعد بن مسلّط- بضم المیم و فتح السین المهملة و بتشدید اللام المفتوحة و آخره طاء مهملة- و صار أمیرا بعده علی بن مخیل.

و فی سنة 1242 ه:

صار القحط و الغلاء فی جمیع البلدان حتی وصل البر خمسة آصع بالریال و التمر، عشر وزنات بالتمر.
و فیها فی شعبان توفی فی بلدة المجمعة الشیخ عثمان عبد الجبار بن الشیخ أحمد بن شبانة الوهیبی التمیمی، کان من بیت علم فی آبائه و أجداده، و أعمامه: فأبوه عبد الجبار عالم فقیه، أخذ العلم عن أبیه،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 109
أحمد؛ و أبوه أحمد أخذ العلم عن الشیخ أحمد بن محمد الفقیه العالم المشهور فی بلد أشیقر و غیره من علماء آل شبانة. و أخذه عن أحمد أیضا الشیخ العالم المعروف فی بلد المجمعة عبد القادر العدیلی. و من آل شبانة ابن أخی حمد عثمان بن شبانة. و منهم حمد بن عبد الجبار و أخو الشیخ عثمان، و هو عالم فقیه أخذ العلم عن صالح بن عبد اللّه أبی الخیل، العالم المعروف فی القصیم، و منهم الشیخ قاضی بلد المجمعة زمن عبد العزیز بن محمد بن سعود العالم محمد بن عبد اللّه بن شبانة، أخذ العلم عن عدة أشیاخ من أعمامه و حمد التویجری العالم المعروف بالمجمعة و عن غیره.
و أما الشیخ عثمان بن عبد الجبار فأخذ عن عدة أشیاخ، فمن أشیاخه ابن عمه حمد بن عثمان بن عبد اللّه المذکور، و حمد التویجری، و غیرهما فی الأحساء و غیره. و أخذ أیضا عن الشیخ عبد المحسن بن علی بن عبد اللّه بن نشوان بن شارخ القاضی فی الکویت و الزبیر، و عن عبد الرحمن بن عید الأحسائی فی بلد الدرعیة. و کان رحمه اللّه فقیها له درایة، و انتفع بعلمه عدد کثیر منهم ابنه الشیخ عبد العزیز بن عثمان القاضی فی منیخ، و الزلفی بعد أبیه فی زمن ترکی، و أول ولایة فیصل بن ترکی، ثم استعمله فیصل قاضیا فی جبل شمرا. ثم رجع و صار قاضیا فی سدیر و عبد الرحمن بن حمد الشمری قاضی سدیر بعد الشیخ عبد اللّه أبا بطین فی أول ولایة فیصل، ثم کان قاضیا فی الزلفی. و عثمان بن علی بن عیسی قاضی الغاط و الزلفی، ثم کان قاضیا فی سدیر.
و کان الشیخ عثمان بن عبد الجبار بن الشیخ أحمد بن شبانة عالما فاضلا، و کان فی غایة من العبادة و الورع و العفاف و استعمله عبد العزیز بن
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 110
محمد بن سعود قاضیا لعسیر و رجال ألمع عند عبد الوهاب أبو نقطة مدة، ثم رجع ثم أرسله عبد العزیز أیضا قاضیا لعسیر عند أهله و عشیرته، ثم أرسله سعود بن عبد العزیز قاضیا فی عمان، و أقام مدة فی رأس الخیمة یدرس العلم و معه ابنه حمد، ثم رجع. فلما توفی عمه محمد قاضی بلدان منیخ استعمله سعود بن عبد العزیز قاضیا مکان عمه فی بلدان منیخ، و لم یزل قاضیا فیها إلی أن توفی فی هذه السنة رحمه اللّه تعالی.
و فیها ولی داود باشا عقیل بن محمد بن سعود بن محمد بن مانع آل شبیب علی المنتفق، و حارب عمیه حمود بن ثامر، و راشد بن ثامر حتی ظفر بهما ثم حبسهما و أرسلهما إلی بغداد، و مات حمود محبوسا فی بغداد سنة 1246 ه، و استقل عقیل بولایة المنتفق.

و فی سنة 1243 ه:

قدم فیصل بن ترکی علی أبیه فی الریاض هاربا من مصر. و فیها عزل الإمام ترکی محمد العلی بن عرفج عن إمارة بریدة، و جعل مکانه عبد العزیز المحمد العبد اللّه الحسن.
و فیها اشتد الغلاء حتی مات خلق کثیر من جمیع البلدان. و فیها نزل الغیث علی جمیع البلدان، و لکن العشب و الجوع علی حاله مات منه خلق کثیر. و فیها قتل ناصر بن راشد من أهل حریملاء من آل أبو رباع من عنزة رئیس بلد الزبیر، قتله محمد بن فوزان الصمیط، و الصماطی من آل حرمة من سبیع. و سبب ذلک أنه وقع بین سلیمان بن عبد اللّه الصمیط و هو من أهل حرمة و بین عبد اللّه بن مبارک بن راشد رئیس أهل حریملاء الذین فی بلد الزبیر کلام عند حفر بئر فی بیت الصمیط، فقام رجال من آل راشد علی سلیمان الصمیط و قتلوه، فکمن محمد الصمیط لناصر بن راشد فی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 111
بیت فی النهار، فلما خرج ناصر من بیته یرید السوق اعترضه محمد الصمیط فقتله، فظهر آل راشد و أتباعهم، و آل زهیر و أتباعهم، و حصل محاولات بین الفریقین، ثم وقع بینهم الصلح و اجتمع للصلح العلماء و الرؤساء و المشایخ، و کتبوا بینهم وثیقة کتبها الشیخ محمد بن علی بن سلوم الفرضی هذا نصها:
الحمد للّه، أما بعد: فإن اللّه سبحانه و تعالی أوصی فی محکم کتابه فقال و هو أصدق القائلین: وَ تَعاوَنُوا عَلَی الْبِرِّ وَ التَّقْوی وَ لا تَعاوَنُوا عَلَی الْإِثْمِ وَ الْعُدْوانِ [المائدة: 2]، و قال سبحانه و تعالی: وَ لَکُمْ فِی الْقِصاصِ حَیاةٌ یا أُولِی الْأَلْبابِ [البقرة: 179]. و إن اللّه سبحانه و تعالی لما قدر علی سلیمان الصمیط، و قرب أجله قتله آل راشد فی سادس ذی القعدة سنة ثلاث و أربعین و مائتین و ألف، فلما کان سادس من ذی الحجة قام ابن عم سلیمن الصمیط محمد بن فوزان الصمیط فقتل ناصر بن ناصر من الراشد، فحصل بین الطائفتین الشقاق و التنافر و البغی علی بعضهم، فلما تعاظم الأمر علی الطائفتین، و ثار الرمی و سلت السیوف و تلقتها الوجوه، و کلّ حزب تبع حزبه جعل اللّه الرحمة و الرأفة فی قلب فخر الأماجد الکرام متسلم البصرة عزیر آغا دام مجده، فسعی بینهم بالصلح و نهی الطائفتین بعضهم عن بعض، و أمرهم بالاتفاق فأجابوه بالسمع و الطاعة، فحضر عبد الرحمن آل راشد و إبراهیم بن محمد آل الراشد، و فهد الدویرج آل راشید، و حضر أحمد الضاحی، و جاسر الصمیط الجمیع فی بیت الحاج عبد الرحمن آل راشد فبینوا أسباب الفتنة: أن سلیمان الصمیط قتل، و قتل ناصر آل راشد. و فی أسباب هذه الفتنة: قتل بعدهم رجال و أصیب رجال، و مقصودنا دفن ما مضی و رضا الطرفین بالرجلین،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 112
و إسقاط دعوی ما تسبب بأسبابهم من قتل و جروح بیننا، و لم یبق لأحد منا دعوی. ثم إن عبد الرحمن الراشد أعطی عنه و عن إخوانه و عن جمیع آل راشد و إبراهیم بن محمد و فهد الدوبرج، الجمیع أعطوا جاسر الصمیط عهد اللّه، و أنه لم یبق دعوی علی جاسر الصمیط، لا إخوانه، و لا أقاربه من طرف قتل ناصر آل راشد، و لا علی ما تسبب فی هذه الفتنة من قتلی أو جروح، و کل ما تصدر دعوی فهی باطلة. و علی هذا عهد اللّه و میثاقه، و ما سبق ذلک فهو مدفون. ثم بعد ذلک الشیخ أحمد الضاحی جاسر الصمیط، و عودة بن إبراهیم أعطوا الحاج عبد الرحمن آل راشد عهد اللّه و میثاقه أنه لم یبق لنا علی الحاج عبد الرحمن آل راشد، و لا علی إخوانه، و لا أقاربه دعوی من طرف قتل سلیمان الصمیط، و لا علی ما تسبب فی هذه الفتنة فی قتل أو جرح. و کل ما تصدر دعوی فهو باطل، و علی هذا عهد اللّه و میثاقه. و ما سبق ذلک فهو مدفون فکل من الطرفین قبل عهد صاحبه، و جعلوا اللّه بین الطرفین رضا و خصما و معینا علی من یتعدی حدوده، و اللّه علی ما یقولون وکیل.
ثم بعده إن الشیخ علی الزهیر أعطی أنه أصیب فی هذه الفتنة، أو القتل من طوار فی و أتباعی، فلا علی جاسر الصمیط، و لا علی إخوانه و لا علی غیرهم دعوی فی ذلک، و علی هذا عهد اللّه و میثاقه. ثم بعده أن الحاج جاسر الصمیط أعطی أنه من أصیب أو القتل من هذه الفتنة من طوارفی و أتباعی فلا علی الشیخ علی الزهیر، و لا علی غیره دعوی فی ذلک، و علی هذا عهد اللّه و میثاقه. ثم إن الطائفتین التزموا فیما بینهم أنه من تجاسر منهم علی قتل صاحبه فقبیلته تقود القاتل لأهل للقتول، و علی هذا عهد اللّه و میثاقه، فإن امتنع الباغی عن القود فجمیع متشخصی أهل
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 113
بلدة الزبیر مع عشائرها و رؤسائها و عامتها یقومون علی الباغی نصرة للمبغی علیه، و اللّه علی ما نقول شاهد و وکیل.
حرر فی غرة افتتاح أربع و أربعین و مئتین و ألف.
شهد بذلک الشیخ سلیمان بن موسی‌شهد بذلک الشیخ محمد بن حمود
شهد بذلک الشیخ عبد اللّه بن جسارشهد بذلک الشیخ عبد اللّه بن جمیعان
شهد بذلک الشیخ عیسی‌شهد بذلک محمد بن سلوم
شهد بذلک أحمد بن صعب‌شهد بذلک الشیخ محمد بن حیدر
شهد بذلک الشیخ عثمان بن محلاشهد بذلک الحاج عیسی الزهیر
شهد بذلک الحاج سلیمان الفداغ‌شهد بذلک الحاج عبد الوهاب الزهیر
شهد بذلک الحاج سلطان الفداغ‌شهد بذلک حمد الربیعة الوطبان
شهد بذلک زید الربیعة الوطبان‌شهد بذلک محمد الفارس
شهد بذلک عبد المحسن آل عبد الکریم‌شهد بذلک یوسف بن شایع
شهد بذلک أحمد بن مهنا العنیزی خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 114 شهد بذلک عد الرزاق بن صبیح‌شهد بذلک الحاج یوسف آل جویسر
شهد بذلک علی حیدر و نقله من أصله إبراهیم بن صالح بن عیسی، و کل واحد من الشهود المذکورین قد وضح ختمة تحت اسمه فی الورقة التی نقلت منها.
و فیها أخذ هادی بن مزید رئیس عربان الکثیر قافلة لأهل نجد، فلم یمهله اللّه بعدها، و قتل قبل انقضاء السنة.

و فی سنة 1244 ه:

وقعة المعارة الموضع المعروف فی قطاع البتراء علی المستوی عند الوصلة الشمالیة. و ذلک أن أهل أشیقر و أهل الفرعة خرجوا بحشود فی الموضع المذکور، و معهم علی بن غلیفیص رقیق من مطیر فرآهم رکب من العجمان عقیدهم ابن سعدی فهابوهم فی النهار لکثرتهم، فلما کان اللیل هاجموهم فقتلوا صالح بن عبد اللّه بن عبیدان، و علی بن غلیفص من أهل شیقر، و قتلوا ابن عبد الجبار من أهل الفرعة و أخذوهم.
و فیها أنزل اللّه الغیث علی جمیع البلدان و کثر العشب، و الجوع السابق لا یزال بحاله مات فیه خلق کثیر.
و فیها وقع الوباء بجملة فی بلدان نجد، مات منهم خلق کثیر، و هو المرض الذی یسمونه العقاص.
و فیها رخصت الأسعار حتی بلغ حب البر بالریال الواحد خمسة و عشرین. و فیها فی شهر ربیع الأول مات الشیخ حسن بن حسین بن الشیخ محمد بن الوهاب رحمهم اللّه تعالی.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 115
و فیها توفی الشیخ عبد العزیز بن الشیخ حمد بن ناصر بن عثمان بن معمر بن المعامرة أهل العینیة من العناقر من بنی سعد زید مناة بن تمیم، کانت وفاته فی البحرین رحمه اللّه و کان أدیبا لبیبا ورعا، و له أشعار رائقة، رثاه الشیخ أحمد بن علی بن حسین بن مشرف بقصیدة مشهورة.

و فی سنة 1245 ه:

غزا فیصل بن الإمام ترکی بنی خالد فی الصمان، و کبیرهم ماجد بن غریر و أقاموا أیاما ثم توفی ماجد. ثم ظهر ترکی و نحرهم و أداله اللّه علیهم و أخذ جمیعهم إلّا القلیل، و ذلک فی شهر رمضان، ثم سار فی أثرهم و غرضه الأحساء فأخذه بغیر قتال، و کذلک القطیف ثم أقام بالأحساء أیاما و بایعه أهل البلدان ثم عاد إلی الریاض، و بعد هذه الغزوة لم یقم لآل حمید بعدها قائمة. و فیها صار رخص الأسعار و الخصب لم یعد مثله منذ أزمنة، فقد بیع أربعون صاعا من البر بریال و ثمانین، و زنة التمر بریال فی جمیع نجد حتی بلدان الوشم.

و فی سنة 1246 ه:

و الرخص بحاله و تأخر المطر إلی الربیع، ثم جاء مطر عظیم خرب کثیرا من البلدان، و جاء جراد و دبا، کثیر أکل العشب و الأشجار. و فیها حج أهل نجد و والی مکة محد بن عون، و حج جمیع أهل الأقطار، و وقع فی مکة وباء عظیم مات منه خلق کثیر لا یحصیه إلّا اللّه من جمیع الأقطار الحاضرین فی مکة، حتی إن الموتی ترکوا لا یجدون من یدفنهم، و مات فیها من أعیان نجد خلق کثیر.
قال الأدیب محمد بن عمر الفاخری ساکن بلد حرمة فی تاریخه، و نقلته من خطه بیده قال: و فی رمضان 1246 ه توفی الشیخ العالم
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 116
الفرضی، الحاسب محمد بن علی بن سلوم بن عیسی الوهیبی التمیمی.
و کانت وفاته فی سوق الشیوخ.
و فی هذه السنة عمّر مسجد الجامع فی عنیزة. و فیها هرب مشاری بن عبد الرحمن من الریاض مغاضبا خاله الإمام ترکی، و قصد الشریف محمد بن عون فی مکة.
و فیها وقع فی مکة وباء عظیم مات منه محمد بن بسام رحمه اللّه تعالی. قیل: إنه مات من أهل مکة ستة عشر ألف نفس.

و فی سنة 1247 ه:

رخص الأسعار بحاله و أنزل اللّه البرکة فی الثمار. و فیها عزل داود باشا عن بغداد، و قدم فیه علی باشا.
و فیها ظهرت حمرة عظیمة تظهر قبل طلوع الفجر إلی طلوع الشمس، و بعد الغروب حتی کأن الشمس لم تغب، کأن السماء مقمرة من شدة الحمرة، أقامت هذه الظاهرة فی نجد شهرین.
و فیها أصاب بلدان نجد حمی مات منه خلق کثیر خصوصا من أهل شقری فلم یبق منهم من لم یمرض إلّا النادر. و فیها غزا فیصل بن ترکی علی ابن ربیعان و ابن بصیص فأغار علیهم طلال و هزموه، و أخذوا کثیرا من رکائبهم و سلاحهم، و قتل فیهم ناس کثیر.
و فی آخر هذا العام وقع وباء الطاعون فی بغداد و الموصل، مات منهم ما لا یحصیهم إلّا اللّه تعالی، و بقی الناس فی بیوتهم صرعی لم یدفنوا، و أنتنت البلدان. و فیها حج أهل نجد و لم یحج أهل الشام لما هم فیه من الحرب.
و فیها قدم علی باشا والیا علی بغداد، و أذن لعیال حمود بن ثامر
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 117
السعدون بالرجوع لأهلیهم و ولاهم علی المنتفق. و عزل عقیل بن حمد بن نامر السعدون عن الولایة فلما وصلوا إلی أهلیهم اجتمع إلیهم جنود کثیرة من المنتفق و من شمر و الظفیر و غیرهم، فالتقی الفریقان بالقرب من سوق الشیوخ، و صارت الهزیمة علی عقیل و من معه، و قتل عقیل فی هذه الوقعة هو وعدة رجال من أصحابه، و استقل ماجد بن حمود بالولایة، فلم یلبث إلّا مدة قلیلة مات بالطاعون فی آخر هذه السنة، فنهض عیسی بن محمد بن ثامر السعدون أخو عقیل لحرب عیال حمود بن ثامر. و کتب لعلی باشا یطلب منه التقریر علی ولایة المنتفق، فجاءه التقریر من علی باشا فاستقل بولایة المنتفق.

و فی سنة 1248 ه:

وقع وباء الطاعون العظیم الذی لم یعرف مثله فی جمیع بلدان المجد من سوق الشیوخ إلی البصرة إلی الزبیر إلی الکویت، مات منه خلائق لا یحصیها إلّا اللّه تعالی حتی إن أکثر البیوت خلت و لم یبق فیها أحد، و بعض البلدان لم یبق فیها أحد، و بلد الزبیر لم یبق فیه إلّا أربعة رجال أو خمسة، فسبحان القادر علی کل شی‌ء. و فی شهر ربیع الأول جاء مشاری بن عبد الرحمن بعدما ذهب فی السنة التی قبلها خارجا عن طاعة الإمام ترکی فذهب إلی القصیم و لم یدرک شیئا، ثم ذهب إلی البادیة فأقام معهم مدة ثم ذهب إلی مکة و لم یدرک شیئا مما أراده، ثم عاد إلی ترکی فقبله و عفا عنه.
و فیها حج أهل نجد و لم یحج أهل الشام، و کبیر حاج نجد فهد الصبیحی، فلما وصلوا إلی الخرمة بعد خروجهم من مکة هجموا علیهم سبیع، و قتلوا أمیر الحاج و ناسا غیره، ثم أعطاهم الحاج ما أرادوا و انصرفوا. و فی لیلة الثلاثاء تاسع عشر جمادی الثانی رمی بالنجوم من
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 118
أول اللیل إلی قریب طلوع الشمس، و سقط فیها ما لا یحصی فی جمیع الآفاق. و فیها حصر المنتفق الزبیر عدة شهور، ثم أخذوه فقتلوا أمراء آل زهیر و أخذوا أموالهم.
و فیها سار الإمام ترکی إلی الأحساء و تزوج فیه بنت هادی بن مزود رئیس عربان آل کثیر، و أقام نحو شهر ثم رجع إلی الریاض. و فی یوم الاثنین الخامس عشر من ذی الحجة توفی عبد اللّه بن حمد بن إبراهیم بن حمدان بن محمد بن مانع بن شبرمة.
و فی هذه السنة لیلة الثلاثاء تاسع عشر جمادی الثانیة تناثرت النجوم آخر اللیل، و دامت إلی طلوع الشمس. و فی هذه السنة حاصر عیسی بن محمد ثامر السعدون رئیس المنتفق بلد الزبیر، و معه محمد بن إبراهیم بن ثاقب بن وطبان و أتباعه من أهل الزبیر من أهل حرمة، و غیرهم الذین أجلوهم الزهیر من الزبیر، و کان رئیس بلد الزبیر إذا ذاک عبد الرزاق الزهیر.
و دخلت سنة 1249 ه: و الخصب و رخص الأسعار بحاله، و فیها صار القتال بین قبیلة مطیر، و قبیلة عنزة فی السر فی القیض، و أقاموا فی قتالهم مدة ثم انهزمت عنزة و أخذت منهم مطیر من الأبل و الغنم شیئا کثیرا.
و فیها نزل المطر الوسمی بکثرة لم یعهد مثلها، ثم بعد ذلک بشوال جاء برد عظیم نحو ثمانیة أیام أهلک الزرع و الأشجار، و غلا الزاد بعد ذلک و لم یأت نحو مطر بعد الوسمی السابق فی تلک السنة.
و فیها توفی أمیر عسیر علی بن مجثل رحمه اللّه تعالی، و قام بالأمر
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 119
بعده الأمیر عائض بن مرعی. و فی یوم الجمعة آخر شهر ذی الحجة قتل الإمام ترکی بن عبد اللّه بن محمد بن سعود رحمه اللّه تعالی بعد أن خرج من المسجد من صلاة الجمعة، قتله مشاری بن عبد الرحمن بن مشاری بن سعود و جماعة تمالؤا علی قتله و لم یحدث عند قتله شی‌ء. و استولی مشاری علی القصر و نزل فیه، و استولی علی الخزائن و الأموال و کاتب جمیع البلدان، و کان الإمام فیصل إذا ذاک فی القطیف معه غزو أهل نجد.
فلما وصل إلیه الخبر أقبل بمن معه و نزل الأحساء، و ساعده والی الأحساء ابن عفیصان فتوجه فیصل إلی الریاض بمن معه من الغزو و معه العجمان و آل مرة، و دخل إلی الریاض من غیر قتال و تحصن مشاری فی القصر و معه نحو مائة رجل و حاربوا. فلما کان یوم الأربعاء ثانی عشر شهر عاشوری نزل من القصر ثلاثة رجال و طلبوا الأمان لهم و لأکثر من فی القصر، و لم یدر مشاری بذلک فأمنهم فیصل، فلما کانت لیلة الخمیس أدلوا لهم الحبال من القصر فصعدوا إلی القصر و قتلوا مشاری و ستة من الذین تمالؤا معه علی قتل الإمام ترکی. ثم استقر الأمر لفیصل و قدم علیه کبار أهل نجد، و البادیة للمبایعة.
و فیها توفی حمد بن محمد بن علیوی فی بلد أشیقر رحمه اللّه تعالی و فیها حج أهل نجد و والی مکة محمد بن عون، و حج جمیع أهل الأقطار و وقع فی مکة وباء عظیم مات فیه ما لا یحصیه إلّا اللّه تعالی من جمیع الأقطار الحاضرین فی مکة حتی إن الموتی ترکوا ما یجدون من یدفنهم، و مات فیهم من أعیان أهل نجد خلق کثیر. و فی شهر شوال من هذه السنة ولد شیخنا علی بن عبد اللّه بن إبراهیم بن محمد بن حمد بن عبد اللّه بن عیسی.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 120
و فیها اشتد الحصار علی أهل الزبیر و عدمت الأقوات عندهم فطلبوا الأمان من عیسی بن محمد بن ثامر بن محمد بن إبراهیم بن ثاقب و أتباعه، فأعطوهم الأمان إلّا آل الزهیر فدخلوا البلد و قتلوا آل زهیر، و استولی علی بلد الزبیر محمد بن إبرهیم بن ثاقب. و فیها مناخ عنزة و مطیر علی العمار المعروف بالقرب من المذنب و صارت الهزیمة علی عنزة.

و فی سنة 1250 ه:

فی صفر قتل مشاری بن عبد الرحمن بن مشاری بن سعود و هو و ستة من أعوانه فی قصر الریاض، قتلهم فیصل بن ترکی، و استقل فیصل بالولایة. و فیها بعث عائض بن مرعی جماعة من عسیر کبیرهم ابن ضبعان و نزلوا وادی الدواسر و ضبطوه. ثم بعد ذلک أمر فیصل علی جمیع البلدان بغزو و جههم إلی الوادی، و أمیرهم حمد بن عیاف و حصل بین الطرفین وقعات، و لم یدرکوا شیئا من أهل الوادی، ثم بعد ذلک تصالحوا علی أن الوادی لعسیر و لیس للإمام فیصل فیه أمر و انقلبوا علی ذلک. و فی آخرها قدم علی فیصل رسول من ابن مرعی و الإمام فیصل علی الشعراء بأن الوادی فی یدک فقدم فیه من شئت فبعث فیصل إلی الوادی أمیر. و فیها نزل المطر علی جمیع نجد، و أعشبت الأرض، و رخصت الأسعار، فللّه الحمد و المنة.

و فی سنة 1251 ه:

سار الشریف محمد بن عون والی مکة، و إبراهیم باشا أخو أحمد باشا مکة بالدولة المصریة، و قصدوا بلد عسیر، و استولوا علی أکثر بلاد عسیر و دخلوا فی طاعتهم و لم یبق إلّا عائض بن مرعی أمیرهم و معه نحو ألفی مقاتل، فأنزل اللّه النصر و انکسرت الدولة و الشریف، و قتل منهم ما لا یحصی و کانوا نحو خمسة عشر ألفا، و بعضهم
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 121
مات عطشا، و استولوا علی خزائنهم و مخیمهم و قصد شرائدهم مکة.
و فیها جاءت الرسل من محمد علی صاحب مصر معهم کتب منه طالبا من فیصل المقابلة فی مکة فخافهم فیصل فبعث لمقابلة الباشا أخاه جلوی فقابله و أرسل الباشا محمد علی فجاءه الأمر برده إلی بلده فتوجه جلوی إلی الریاض فدخلها سالما فی رمضان. و فیها جاء برد شدید هلک منهم الکثیر من المواشی بردا أو جوعا بحیث أن المطر یجمد فی الجو من شدة البرد. و فیها ظهر بالقبلة نجم له ذنب.
و فیها غلا الطعام حتی بیعت الحنطة ستة أصواع بالریال، و بیع التمر ثلاث عشرة و زنة بالریال، و لم ینزل علی نجد ذلک السنة مطر إلّا قلیلا، و فیها عزل الشریف محمد بن عون عن ولایة مکة و نقل إلی مصر.

و فی سنة 1252 ه:

قتل عبد اللّه بن إبراهیم بن عبد الرحمن بن شنیبر الملقب مقحص فی عنیزة قتله زوج أمه قذلان الدوسری، و کان عبد اللّه المذکور قد سار من أشیقر لزیارة أمه فی عنیزة فحصل بینه و بین الزوج المذکور کلام فأفحش علیه ابن الزوج فطعنه قذلان بخنجر کانت معه فوقع میتا فحبسه أمیر عنیزة یحیی بن سلیم، و کتب لأبیه و عشیرته فی أشیقر فرکب أبوه إبراهیم و محمد بن حمد بن عبد الرحمن بن شنیبر و أخوه عبد اللّه فی عنیزة و قتلوا قذلان المذکور.
و فیها غزا ولد المطیری بأهل نجد و قصدوا عمان و استولی علی أکثر عمان، و صالح سعید بن سلطان والی مکّة علی خراج معلوم یدفعه فی کل سنة للإمام فیصل قدره سبعة آلاف ریال. و فیها جلا أکثر أهل سدیر و الوشم عن أوطانهم، و قصدوا البصرة و الزبیر و الأحساء. و فی آخرها نزل الغیث علی بلدان نجد و کثر فیها العشب و الجراد.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 122
و فیها ظهر إسماعیل بیک من قبل محمد علی صاحب مصر، و معه خالد بن سعود جعله أمیرا فی نجد، فلما بلغ فیصل الخبر خرج من الریاض و معه غزا أهل فنزل الصریف. فلما کان ثانی الحجة من هذه السنة نزل إسماعیل و من معه من العسکر الرس، فسار فنزل فیصل عنیزة و أقام فیها أیاما ثم رجع و لم یحصل بینهم قتال. و فیها قتل محمد بن إبراهیم بن ثاقب بن وطبان أمیر بلد الزبیر.

و فی سنة 1253 ه:

فی المحرم منها نزل إسماعیل بیک عنیزة و أقام بها فقدم علیه فیها کبار أهل نجد سوی أهل الحوطة و الحریق، و خرج فیصل من الریاض، و نزل الأحساء ثم أقبل إسماعیل و خالد بن سعود بالعسکر فنزلوا الریاض و أقاموا فیها أیاما ثم خرجوا قاصدین الحوطة فنزلوا بلد الحلوة بالعسکر و أهل نجد. و ذلک فی الیوم الخامس عشر من ربیع الأول، و کان یوما شدید الحر فانهزمت العسکر، و قتل بعضهم و هلک أکثرهم عطشا، ثم أقبل بقیتهم فنزلوا الریاض و أقاموا فیها، و نجا خالد و إسماعیل من القتل و نزلوا الریاض. فلما بلغ فیصل الخبر خرج من الأحساء قاصدا الریاض بمن معه من أهل الأحساء و نجد، فنزلوا الریاض فی أول یوم من جمادی الآخرة و حصروها و حفروا الحفر و ثوروا اللغوم، و حصل بین الفریقین قتال، و صبر الفریقان صبرا عظیما. فلما کان فی شهر ذی القعدة انصرف فیصل و نزل الخرج.
و فیها اشتد الغلاء، و جلا أکثر سدیر و الوشم عن أوطانهم، و لم ینزل من الغیث إلّا قلیل و کثرت الریاح و اختلفت الزروع. و فیها سار علی باشا من بغداد فأخذ بلد المحمرة عنوة.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 123
و فیها خرج أناس من أهل أشیقر من بلد عنیزة یریدون أشیقر، فلما وصلوا أول نفود السر علی الحمزة و هم ثمانیة رجال قابلهم رکب من آل عاطف من قحطان عقیدهم عبد اللّه بن خامسة، و أخوه عبد الرحمن، و رکائبهم تسع و هم أربعة عشر رجلا منهم سبعة بواردیه، و لم یکن مع أهل أشیقر إلّا بوادری واحد، و هو سعد بن راشد الحمیدی فحصل بینهم وقعة شدیدة قتل فیها من أشیقر: عبد العزیز بن عبد اللّه بن منصور النجار. و کان شجاعا رحمه اللّه تعالی و کسرت ید صالح بن إبراهیم بن عیسی أصابته رصاصة، و جرح أیضا جرحا شدیدا و عافاه اللّه تعالی. و جرح سعد بن راشد الحمیدی جراحات شدیدة و عافاه اللّه منها.
و قتل من قحطان ثلاثة رجال قتلهم سعد بن راشد الحمیدی المذکور رماهم ببندقة فأصاب الأول فی الحال، و أما الثانی فکسرت الرصاصة أوراکه و أقام مدة یمشی علی مغازل ثم مات، ثم رماهم الثانیة فقتل منهم رجلا ثالثا.
و حاصل الأمر أن الحضر طلبوا المنع فمنعهم عبد اللّه بن خامسة المذکور علی دمائهم و ثیابهم و مائهم، و زادهم فوفی لهم بذلک و أعطاهم من رکائبهم واحدة یحملون علیها جریحهم سعد بن راشد الحمیدی، و سعد بن راشد الحمیدی المذکور أصله من أهل القصب آل شقیح سکن أشیقر و تزوج فیها و ولد له ابنان و هما سعد و مطرف و یقال للحمیدی ابن شقیح.
و بعد الظهر فی النصف من ربیع الأول من هذه السنة ولد شیخنا أحمد بن الشیخ إبراهیم بن حمد بن عبد اللّه بن عیسی، و ولادته فی بلد
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 124
شقراء، و یوم ولادته فی الیوم الذی هزم فیه أهل الحویطة و الحریق:
إسماعیل باشا و عساکره.

و فی سنة 1254 ه:

قدم خرشد باشا عنیزة فی صفر قادما من مصر بالعساکر العظیمة و أقام فیها مدة، ثم حصل بینه و بین أهل عنیزة حرب قتل فیه ناس من الفریقین، ثم تصالحوا و قدم علیه فیها کثیر من أهل نجد و أقام فیها و الإمام فیصل بالخرج و خالد بن سعود فی الریاض، فلما کان فی رجب أقبل خرشد بالعسکر قاصدا الریاض فقدمها ثم خرج منها فی الیوم التالی من قدومه قاصدا فیصل فی الخرج ثم نزل الدلم و فیها فیصل و أتباعه فحاصرهم و جری بینهم عدة وقعات قتل فیها خلق کثیر.
فلما کان فی الیوم السابع عشر من رمضان تسلم البلد بالأمان علی أن الإمام فیصل یقابل محمد علی، و علی تسلیم المدافع المأخوذة من إسماعیل بیک، و تم الصلح علی ذلک. ثم جهز بعض عسکره و خرجوا قاصدین مصر بفیصل. و فیها نزل الغیث الوسمی علی البلدان، و کثر العشب و الجراد، و فیها استعمل خالد بن سعود هو و خرشد باشا أحمد بن محمد السدیری أمیرا علی الأحساء فسار إلیه و معه عدة رجال من أهل نجد و ضبطه و استقام له الأمر فیه.

و فی سنة 1255 ه:

توجه خرشد بالعسکر من الریاض إلی ثرمدا، و أقام فیها و قدم علیه خالد بن سعود من الریاض و أقام عنده، و فیها توفی السلطان عبد المجید.

و فی سنة 1256 ه:

توجهت عساکر السلطان عبد المجید بن محمود لحرب محمد علی فأخذوا الشام، و کان فیه إبراهیم باشا ففر إلی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 125
مصر فنزلوا الاسکندریة فی البحر فتقابلت الفئتان ثم تصالحوا علی أن محمد علی یرفع یده عن جمیع الممالک و الحرمین إلّا مصر و ینصرف عنه، و تم الأمر علی ذلک.
و فیها توجهت العساکر من نجد إلی مصر وراح خرشد باشا من القصیم فی رجب و معه عساکر کثیرة و لم یحج أهل الشام لأجل الحرب.

و فی سنة 1257 ه:

قام عبد اللّه بن ثنیان بن إبراهیم بن ثنیان بن سعود، و من معه من عسکر الترک الذین فی الریاض، و حصل بینهم و بینه قتال شدید، فهرب خالد بن سعود من الریاض إلی الحساء، و استولی عبد اللّه بن ثنیان علی الریاض، و ساروا إلی مصر، و بایعه أهل نجد و استقام له الأمر، و کان سفاکا للدماء.
و فی هذه السنة توفی الشیخ عبد الرزاق بن الشیخ محمد بن علی بن سلوم الوهیبی التمیمی النجدی أصلا، الزبیری مسکنا، کان قاضیا فی سوق الشیوخ و توفی فیه، رحمه اللّه تعالی.
و فی ثانی جمادی الأولی من هذه السنة الوقعة المعروفة بوقعة بقعا، بین أهل القصیم و بین ابن رشید، و صارت الهزیمة علی أهل القصیم، و قتل منهم عدة رجال، منهم یحیی السلیم أمیر بلد عنیزة، و قتل من أهل عنیزة خمسة و خمسون رجلا، و من أهل بریدة کذلک و من باقی القصیم کل علی حسبه، فجمیع من قتل من أهل القصیم مائة و ستون رجلا.
و فی هذه السنة قتل عبد اللّه بن ثنیان، عبد اللّه بن إبراهیم الحصین الناصری العمری التمیمی، و هو من أهل بلد القراین، و کان خالد بن سعود قد استعمله فی بلد المجمعة وکیلا علی بیت مال سدیر، و قتل معه
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 126
عبد اللّه بن عثمان المدلجی الوایلی أمیر بلد حرمة، و زامل ابن خمیس بن عمر الدوسری من رؤساء بلد روضة سدیر.

و فی سنة 1258 ه:

أخذ الرحمان من مطیر غنم أشیقر. و فیها نزل الغیث الوسمی علی جمیع البلدان، و کثر العشب و الجراد و رخصت الأسعار. و فیها خرج ابن ثنیان و معه غزو و البلدان، و أقام عدة ثم رجع و لم یحصل بینه و بین أحد قتال.
و فیها عزل علی باشا عن بغداد و نصب مکانه محمد نجیب، فسار لحرب کربلاء لأجل مخالفات جرت منهم فأخذ البلد عنوة و قتل منهم مقتلة عظیمة، و أخذ من الأموال ما لا یحصی، و أخذ جمیع ما وجد فی القبر المنسوب للحسین من نفائس الأموال. و فیها فی محرم قتل محمد العلی بن عرفج فی بریدة، و هو من أمراء بلد بریدة آل أبو علیان من بنی سعد بن زید مناة بن تمیم. و فیها قتل محسن الفرم رئیس بوادی حرب.
و فیها مات جریس بن جلعود کبیر الجلاعید من عنزة. و فیها قتل سلیمان آل غنام شیخ عقیل فی بغداد، و هو من بلد ثادق من الموالی لیس من صمیم العرب ذبحه أهل القصیم الذین فی بغداد. و فیها قتل علی السلیمان رئیس عقیل أهل القصیم فی بغداد، و هو من أهل الجناح من بنی خالد، قتله محمد نجیب باشا بغداد، و صار رئیس أهل القصیم بعده فی بغداد محمد التویجری.

و فی سنة 1259 ه:

قدم فیصل ترکی من مصر علی عبد اللّه بن رشید فی بلد الجبل و کاتب البلدان، و خرج مع ابن ثنیان غزو البلدان، و نزل بریدة و تعاهد هو و أمیر البلد. ثم أقبل فیصل فنزل عنیزة فهرب ابن
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 127
ثنیان و من معه قاصدا الریاض فأقام فیها، ثم أقبل فیصل قاصدا الریاض معه الدویش و کثیر من أهل البلدان و قصدوا الریاض فثار الحرب، ثم دخلها من غیر قتال فتحصن ابن ثنیان فی القصر، فلما کان یوم النصف من جمادی الأول أمسکوه و حبسوه و أقام فی الحبس عدة أیام ثم توفی و استقل بالملک فیصل بن ترکی. و فیها أول صفر ظهر فی السماء خط أحمر له حمرة زائدة، و کان فی طرفه نجم و کان ظهوره بعد المغرب إلی أن یمضی أول اللیل، ثم تناقص إلی آخر الشهر حتی عدم.
و فیها لم ینزل مطر علی جمیع البلدان إلّا قلیل، و السعر علی حاله من رخص الأسعار. و فیها بعد ما حصد کثیر من الزرع جاء برد لم یعهد مثله بحیث أنه جمد الماء و نزل الجلید و قتل کثیرا من الزرع الذی لم یحصد.
و فیها احترق عیسی بن محمد بن ثامر السعدون رئیس المنتفق هو و زوجته فی بیته، و هو صریفة قصب، فلم یجده إلّا رمادا، و کان رجلا ظالما، و تولی بعده أخوه بندر و أقام نحو ثلاث سنین و مات. و تولی بعده أخوه فهد و أقام نحو سنة ثم مات، ثم مرج حکم المنتفق فتارة فی أولاد راشد بن ثامر السعدون، و تارة فی أولاد عقیل بن محمد بن ثامر السعدون، و تارة فی أولاد عیسی بن محمد ثامر السعدون.

و فی سنة 1260 ه:

نزل الغیث الوسمی علی جمیع البلدان بغزارة لم یعهد مثلها منذ أزمنة متطاولة بحیث خربت المنازل، و سقط کثیر من البیوت فی جمیع البلدان، و فیها توجه الإمام فیصل بن ترکی بجنوده من البادیة و الحاضرة، و قصد الحساء و القطیف فملکها.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 128

و فی سنة 1261 ه:

سار عبید بن رشید صاحب جبل شمر و أخوه طلال بن عبد اللّه فقصدا عنیزة بخیل و جیش فأغاروا علی البلدا، و أخذوا الغنم ففزع أهل البلد، و کان ذلک فی الیوم الرابع من شهر رمضان و الناس صیام، فلم یخرجوا لهم إلّا القلیل و کانوا قد کمنوا لهم، فلما رأوهم تقاتلوا فقتل من أهل عنیزة اثنین و عشرین رجلا من أعیانهم الأمیر عبد اللّه بن سلیم و أخوه عبد الرحمن، و محمد الشعیبی و إبراهیم بن عمرو و غیرهم، و الباقون بین جریح و أسیر و أخذوا سلاحهم و انصرفوا بمن معهم من الأسری، فلما وصلوا الجبل أطلقوهم. و فیها فی آخر یوم من ذی القعدة توفی الشیخ عبد الرحمن بن محمد القاضی فی بلد عنیزة رحمه اللّه تعالی.
و فیها فی رمضان توفی عبد الرحمن بن حمد بن بسام. و فی الیوم التاسع من ذی الحجة توفی الأمیر محمد بن ناهض بن بسام الحربی صاحب قصر بسام المعروف بقصر البرود رحمه اللّه تعالی. و فیها قتل محمد بن فیصل بن وطبان الدویش المکنی أبا عمر قتله شمر و رثاه فجحان الفرادی بقصیدة هذا مطلعها:
مات الدویش و مات له عن بضائع‌شعاع و الصمان و کروش و الشروف
و فیها توفی ضاحی بن عون المدلجی الوائلی التاجر المشهور، و أصله من بلدة حرمة، و کانت وفاته فی بمبی من بلدان الهند رحمه اللّه تعالی.

و فی سنة 1262 ه:

فی ستة و عشرین من رجب توفی الشیخ قرناس بن عبد الرحمن به قرناس قاضی بلد الرس رحمه اللّه. و فیها توفی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 129
عبد العزیز بن حمد بن إبراهیم البسام فی عرفات، و قبره معروف فیها من وباء وقع فی مکة رحمه اللّه تعالی.

و فی سنة 1263 ه:

توفی الشیخ عبد الرحمن بن راشد الخراص الزبیری الحنبلی قاضی بلد المجمعة فی الرابع عشر من شوال رحمه اللّه تعالی.
قال الشیخ عبد الرحمن بن راشد الخراص فی إجازته لتلمیذه الشیخ أحمد بن عبد اللّه بن عقیل النجدی من أهل بلد حرمة نزیل الزبیر قال:
و أما فقه الإمام أحمد بن محمد بن حنبل فأرویه عن مشایخ کبار من أجلهم قدرا و أغزرهم فضلا شیخی و أستاذی الشیخ إبراهیم بن سلیمان بن یوسف النجدی الأشیقری التمیمی الحنبلی و لم أظفر منه بالإجازة، و عن الشیخ العالم مفتی الشام مصطفی بن سعد الأسیوطی الرحیبانی الحنبلی، قرأت علیه المنتهی مع شرحه للشیخ منصور البهوتی مع ما کتب علیه من الحواشی من أوله إلی آخره و أجازنی فی ذلک و کتب لی إجازة و هو یرویه عن خاتمة الزهاد و حامل لواء العباد الشیخ أحمد بن عبد اللّه العلی الدمشقی موطنا و مدفنا. تغمده اللّه برحمته و تاریخ الإجازة المذکورة 1227 ه: قال الشیخ مصطفی بن سعد الرحیبانی فی شارح الغایة فی إجازته للشیخ عبد الرحمن بن راشد الخراص الزبیری الحنبلی، و لاحظته عین العنایة و السعادة و أدرکته روح الهدایة و العبادة الفاضل الأدیب الکامل الأریب الشیخ عبد الرحمن بن راشد بن محمد بن توفیق الزبیری. ا ه.
و فیها بنی فاهد بن نوافل و بطی الصانع، و إبراهیم بن عبید فیضة السر، ثم انتقل إلیها النوافلة من الریشة و سکنوها و هم رؤساؤها الیوم من
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 130
بنی حسین. و فیها توفی عبد اللّه بن علی بن رشید أمیر الجبل، و ذلک فی جمادی الأولی من هذه السنة. و فی رجب من هذه السنة توفی حمد السلیمان البسام فی عنیزة رحمه اللّه تعالی. و فیها نوخ الحمیدی بن فیصل بن وطیان الدویش حاج القصیم علی الداث، و أخذ منهم أشیاء کثیرة. و فیها ظهر الشریف محمد بن عون بجنوده إلی نجد فلما وصل بلد عنیزة أرسل إلیه الإمام فیصل هدیة مع أخیه جلوی بن ترکی، و رجع إلی مکة المشرفة.

و فی سنة 1265 ه:

فی أول شعبان قطنوا الصقور من عنزة علی جو أشیقر و أقاموا علیه إلی سلخ رمضان من السنة المذکورة. ثم ارتحلوا.
و فیها الواقعة المعروفة بوقعة الیتیمة بین عبد اللّه الفیصل و بین أهل القصیم، و قتل منهم عدة رجال. و فیها عین الإمام فیصل بن ترکی أخاه جلوی بن ترکی أمیرا فی عنیزة.

و فی سنة 1266 ه:

سار الإمام فیصل بن ترکی بجنوده و قصد القصیم، فلما قرب من بریدة هرب منها أمیرها عبد العزیز بن محمد بن علیان و قصد مکة المشرفة فنزل فیصل بلد بریدة، و استعمل فیها عبد المحسن بن حمد آل أبو علیان أمیرا مکان أخیه عبد العزیز آل محمد.
و دخلت سنة 1267 ه: و عبد اللّه بن فیصل غار فی آخر الأضحی سنة 1266 ه، و وصل إلی الثعل و انکف و قدم شقراء فی عاشوراء و أخذ خمسة عشر یوما، و ثور فیصل و تبعه عبد اللّه و حدر للأحساء و تهیأ لحرب بینه هو و آل خلیفة و أخذ عشرة أشهر بین الأحساء إلی قطر و جاء سعید بن طحنون راعی عمان فأصلح بین فیصل و آل خلیفة علی اثنی عشر ألف
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 131
خراج ثلاث سنین. و انکف فیصل فی سابع من شوال فی هذه السنة. و فی ربیع أول من هذه السنة 1267 ه طبعت خشبة أهل الکویت قریب من الکویت و فیها مال عظیم. و فی هذه السنة تهیأ حرب بین عیال راشد السعدون، و عیال عقیل و صارت الدائرة لعیال راشد و زبنو عیال عقیل عند وزیر بغداد، و بعد شهرین مشوا عیال عقیل معهم عسکر من الوزیر جندوا علی عیال راشد و انحاشوا عیال راشد و ملکوا عیال عقیل ملک آل راشد ربیع ثانی و جمادی الأول. و فیها قدم عبد العزیز آل محمد راعی بریدة من مکة و المدینة و زوجته تصرخ بالعساکر و الأشراف علی فیصل و لا حصل علی طائل و ساعة قدومه بریدة فی آخر ربیع ثانی رکب مع جلوی تأخر فیصل فی أول جمادی و نحره جهة الأحساء.
و فیها غدا محمد بن حمد رحمه اللّه و تعالی و ذلک فی ثانی عشر رمضان.

و فی سنة ثمان و ستین و مائتین و ألف:

قدم المدینة عساکر کثیرة من جهة والی مصر عباس باشا بن أحمد طوسون بن محمد علی، و شاعت الأخبار بأنهم یریدون الخروج إلی نجد فی جمادی الأولی. و فیها حصل وقعة شدیدة بین عیال راشد بن ثامر السعدون و من تبعهم من المنتفق و بین عیال عبد اللّه العقیل بن محمد بن ثامر السعدون و من تبعه من المنتفق فقتل عبد اللّه آل عقیل فی المعرکة، و انهزم أصحابه ابن سعدون بن محمد بن مانع بن شبیب، و صارت الریاسة لعیال راشد علی المنتفق و صار لهم الملک و الرئاسة. فلما کان فی جمادی الآخرة من السنة المذکورة أقبل ولد عیسی بن محمد بن ثامر السعدون من بغداد و قد عقد له باشا علی ولایة المنتفق، و أرسل معه عساکر کثیرة من الترک من عقیل لقتال عیال راشد
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 132
فانهزم عیال راشد إلی بادیة الظفیر و صار ولد عیسی بن ثامر رئیسا علی المنتفق.
و فیها وقع برد کبار أهلک بعض زروع سدیر و الوشم. و فیها جاء سیل عظیم علی بلدان نجد، کما جاء خریف سال منه الصنوع الشمالیة.
و الیوم الثانی جاء سیل جید الصنوع الجنوبیة و لا خالف علی النخل و سال بعض المحمل. فلما کان فی جمادی الآخره من السنة المذکورة خرج محمد بن ناصر من المدینة فی تجریدة من الأتراک، و انضم إلیه کثیر من بادیة حرب، فأغار علی ابن سفیان من بنی عبد اللّه من مطیر علی الفوارة، و قتل من الفریقین قتلی کثیرة، و أخذهم ثم رجع إلی المدینة فکثرت الأراجیف من الأعداء.
و لما کان فی رجب من السنة المذکورة خرج محمد بن ناصر المذکور من المدینة و معه عساکر کثیرة و تبعه کثیر من عربان حرب. و أغار علی العضیان عرب الضبط من عتیبة علی الدفینة فأخذهم ثم رجع إلی المدینة، و ذلک فی رجب من السنة المذکورة. و لما وصل الخبر إلی الإمام فیصل أمر جمیع رعایاه من المسلمین بالجهاد، و أخذ فی التأهب و الاستعداد، ثم خرج من الریاض بمن معه من جنود المسلمین من غزو أهل العارض و الخرج، و نزل بلد المجمعة، و اجتمع علیه غزو بلدان سدیر، و المحمل، و الوشم، و القصیم، و ولی الشیخ عثمان بن علی بن عیسی القضاء علی بلدان سدیر، و هو من سبیع.
و فی هذه السنة فی رجب قدم عسکر من السلطان عبد المجید إلی مکة، و قضبوا محمد بن عبد المعین عون و عیاله عبد اللّه و علی و سفروهم
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 133
للسلطان فی اسطانبول. و لما کان فی شهر رمضان من السنة المذکورة جاءت الأخبار من المدینة بأن عباس باشا والی مصر، جهز عساکر کثیرة إلی بلدان عسیر، و أنه أمر علی من فی المدینة من العساکر أن یلحقوا بهم، و أنهم توجهوا إلی بلدان عسیر فحصل الأمن و الاطمئنان للبلاد و العباد، و صار علی تلک العساکر من الأسر و القتل ما سیأتی ذکره فی السنة التی بعدها إن شاء اللّه تعالی. و لما تحقق الإمام فیصل، بتوجه العساکر المذکورة إلی الیمن، ارتحل من المجمعة بمن معه من جنود المسلمین و صبح الصهیة من مطیر، علی أم الجماجم و أخذهم ثم رجع إلی الریاض و أذن لمن معه من جنود المسلمین بالرجوع إلی أوطانهم.
فی شوال سال بعض بلدان المحمل و بعض الوشم خریفا، و السیل لم یضر النخل. و فیها وقع وباء عظیم فی الإبل، فی البادیة و الحاضرة، و هو الذی یسمونه السلاق و قتل سالمها. و فیها جاء جدری کثیر و مضرته خفیفة. و فی ذی الحجة توفی الشیخ عبد اللّه بن جبر فی منفوحة رحمه اللّه تعالی کان عالما فاضلا، و أخذ العلم عن الشیخ الإمام العالم العلّامة، و القدرة الفهامة عبد الرحمن بن حسن بن شیخ الإسلام، و قدوة العلماء و الأعلام محمد بن عبد الوهاب رحمه اللّه تعالی، و أخذ عن غیره من علماء عصره، و تفقه، و ولاه الإمام فیصل القضاء فی بلد منفوحة، فباشره بعفة و دیانة، و صیانة، و جلس للتدریس فی بلده، فانتفع به خلق کثیر و لم یزل علی حسن الاستقامة و علی السیرة الجمیلة إلی أن توفی فی التاریخ المذکور.
و فی هذه السنة أخذ الدویش بریه یم صعافیق و أخذهم العفسة، و بعدما وصلوا إلی ابن بصیص و عربانه تزبنوا قحطان، وصال علیهم
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 134
الدویش و عتیبة و عنزة و ابن رشید و مناخهم یم القرینات قرب الدوادمی، و نصر اللّه قحطان و بریه و لا وخذ علیهم شی‌ء أبدا و ذلک فی رجب.

ثم دخلت سنة تسع و ستین و مائتین و ألف:

و فیها أنزل اللّه الغیث أول الموسم، ثم تتابعت الأمطار و السیول، و عم الحیا جمیع بلدان نجد، فلا تکاد توصف کثرته و لا یعرف مثل غزارته شی‌ء، و هو سیل من البحر إلی رکبه، و ظهر الأقط فی المربعانبة، و کثر السمن و الفقع، و کثر الخصب، و رخصت الأسعار، و بیعت الحنطة من ثلاثین إلی خمسة و عشرین صاعا بالریال الفرنسی، و الأقط من ثمانیة و عشرین إلی ثلاثین صاعا بالریال الفرنسی، و الکمأة من خمسة و أربعین إلی خمسین صاعا بالریال الفرنسی، و التمر من خمسین إلی ستین وزنة بالریال الفرنسی، و السمن بإحدی عشرة وزنة بالریال الفرنسی.
و فیها حصل بین عایض بن مرعی رئیس عسیر، و بین العساکر المصریة عدة وقعات، و فی کلها ینصره اللّه علیهم، إلی أن استأصلهم قتلا و أسرا. و لما من اللّه علیه بذلک کتب إلی الإمام فیصل بشارة بذلک، و أرسل إلیه هدیة سنیة و معها قصیدة لقاضیهم علی بن الحسین الحفظی یذکر فیها مفاخر قومه، و ما أعطاه اللّه أمیرهم عائض بن مرعی من الظفر علی الأعداء فی وقائع سماها، و هی هذه، و هی علی البحر الطویل:
أیا أم عبد مالک و التشردو مسراک باللیل البهیم لتبعدی
و مأواک أوصاد الکهوف توحشاو منواک أفیاه النصوب و غرقد
و ما جاوزت ساقاک من سفح رهوةو أشعافها ما بین عال و وهد
و مسراک من ذات العمیق و کوثرو نهران مزور القدال الملید
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 135 و ما السر أن أبدلت قصرا مشرفاو عرشا و فرشا بالعری و التلدد
فما مثل هذا منکرا لا لضیقةمن العیش أو سوء أخلاق معتدی
فقالت رویدا یا أبا عبد إنماأضاق بنا ذرعا شدیدا التوعد
عرمرم جیش سیق من مصر معنفایهتک أستار النساء و یعتدی
و بسبی ذراری الأکرمین جبارةو ینظم سادات الرجال بمقلد
فقلت لها مهلا فدونک منهم‌ضروب حماة بالحدید المهند
و ضرب یزیل الهام عما ربت به‌و یظهر مکنونات أجاف أکبد
و طعنا تری نفذ الأسنة لمعامن القوم یعوی جرحها لم یسدد
قفی و انظری یا أم عبد معارکایشب لها الولدان من کل أمرد
و إن کنت عنها فی البعاد فسائلی‌ففیها أسود من مفید بمرصد
و فیها لیوث الأزد من کل شیمةیصالون نار الحرب حربا لمعتدی
و فیها رئیس عایض حول وجهه‌حیاض المنایا أصدرت کل مورد
خلیفة عصر للحنیفی مثقف‌لما أعوج منه فی حجاز و أنجد
فیا لک من یوم الحفیر و ما بدالریدة من طول القتام مشید
و یا لک من یوم اللحوم سباعه‌شباع و طیر الجو تحظی لمشهد
و یا لک من أیام نصر تتابعت‌بها من شواظ الحرب ذات التوقد
تطامت رقاب الروم فیها عبوقهاکما عاق دود للجراد المقدد
فأضحی جئاثا فی البقاع مرکماتزعزعه ربح العشیة و الغد
و یا لک من یوم المرار لواؤه‌تقنع بالصرعی به کل مقعد
کان تقحام الشرید و عوره‌فرودنحاها فجأة أعسر الید
تخرمها نحوا الهجیر و إنهالتعهد منه فری ناب و مفصد
و یا عجبا من فی حبظی و مادنالوادی کان من قتیل مسند
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 136 و فی ربوة الشعبین داهیة أتت‌علیهم فما أغنی دغاع بمسجد
و یوم المقضی قد تقضت أمورهم‌بفاقرة الظهر التی لم تضمد
و من قبل ذا یوم العزیزة عزهم‌ذلیل بضرب المشرفی المجرد
کتائب فیها صرعوا ثم غودروابأشلائهم قانی الدماء المکید
بأیدی رجال من شنؤة جدهم‌رقی بهم مجدا إلی حذر فرقد
تداعی علیهم من صمیم أصولهاثبات و جمع کالمحیط المزید
ففاخر بهم یا خاطبا فوق منبرعلی الناس فاقوا بالحسام و سؤدد
لیهن بنی قحطان مجد فخارهم‌مدی الدهر فی نادی بواد و ابلد
فیا راکبا إما لقیت ببیشةو ما دفعته من ضراب و فدفد
فسلم علی فبر ابن شکبان سالم‌فقد کان قدما قادما کل سید
یحامی علی التوحید حتی عری له‌من الحتف کأس جرعة ذو تردد
و مر علی أجزاع ضلفع قف بهاقلیلا و ما یغنیک عن ضرب معهد
علی ظهر قباء الکلی لا یریبهاحفا حزن منجاة قفر منکد
تئر الحصا بالخف کالخف قبلهاو قد ضاق هما صدرها للتعبد
کما فرا من عین برملان وحشه‌یجفله قناصه بالترصد
توسمت الوسمی أما بکورةفمن نقا الدهناء سعدانه الندی
و أما نوانیه فإن زال ضمنهافمن حضن حتی الرشاء الممهد
تعللها منه غواد فاشطات‌یقول ورمت زهوها ذو تطرد
فأضحت تسامی فی سنام کأنهاینجد تلیع الهضب عالی التصمد
فقل لمعد لا تغیر یسرحهافتلقی کماة الحی جنبا بموعد
بسمر العوالی و المواضی و دونهاو میض لموضون الحدید المرد
و أما إجازتک الدخول فحوملافصما فعرضا فالسرادیح فاعتدی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 137 و سقها إلی نجد یؤمک لیلهابنات لنعش و الضحی فیه تهتدی
و أن خلات یوما لشحط مزارهافأبدل بها عیناء ذات التعرد
و دعها عن التهجیر حتی إذا رات‌ورودا بماء من صفار فأورد
و أشرف علی وادی الیمامة قائلاو دمعک سفاح علی الخد و الثدی
سلام علی عبد العزیز و شیخه‌و تابع رشد للإمام المجدد
دعا الناس دهرا للهدی فأجابه‌فئام فمنهم عالمون و مقتدی
و قفاهما حذوا سعود بسیفه‌ممیز مجرد النفود من الردی
و عرج بها ذات الیمین و قد هوت‌علی عرصات للریاض بمقصد
و نادی بأعلی الصوت بشرا لفیصل‌و من نسل سادات الملوک مسدد
إلیک نظاما نشره فی وقائع‌علی جحفل المصری قد شد بالید
فعشرون ألفا من قضی اللّه منهم‌فما بین مقتول و عار مجرد
و لم ینج منهم غیر قواد قومهم‌علی صافنات فی قلیل معود
کأن أنین المرتمین و من به‌جوارح رمی قاصفات لأعمد
أنین معیز زارها داؤها الذی‌بأکبادها أضنی علیها لیعتدی
أو الساکنی الأمطار قد حل فیهم‌عقاص فأصماهم علی کل مرقد
أتاهم بها إذا غاب نجم مشعشع‌من الجو فی مغرابه نحس أسعد
فکل الذی لا قوه یحسب دونماتعکس من حزم الهمام المعمد
فقل لدلیل القوم هلا أفاده‌من العلم أن البغی قتال معتد
و مهما أعادته الأمانی بحربنانصبنا لهم أمثالها بالمجدد
و یا قافلا إما ثنیت زمامهاو أقبلت ما استدبرته للتعود
و لاح سهول ضاحکا لک ثغره‌و قد لمحته عینها مغلق الغد
فسلم علی الأحباب تسلیم موجدو لا تنس جیران البحیر بالحد
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 138 و آخر قولی و ابتدائی فیهم‌صلاة و تسلیم علی خیر مرشد
و آل و صحب کلما قال منشدأیا أم عبد مالک و التشرد
و فی هذه السنة غزا الإمام فیصل بن ترکی، و نزل علی رماح و کتب إلی أمراء بلدان نجد، فأمرهم بالقدوم علیه بغزو بلدانهم فی منزله ذلک فقدموا علیه فارتحل بمن معه من الجنود. و عدا علی الحبلان من مطیر فصبحهم علی الوفراء و أخذهم و قفل إلی الریاض، ثم أمر علی ابنه بالمسیر بجنوده المسلمین البادیة و الحاضرة. و قصد عربان آل مرة، و کانوا قد أکثروا الغارات علی أطراف الأحساء و أخذوا قافلة کبیرة فی طریق العقیر، فیها أموال کثیرة لأهل الأحساء، فصبحهم و هم علی النعیریة، و أخذهم و قتل منهم عدة رجال. ثم عدا منها علی نعیم و معهم أخلاط من بنی هاجر، و المناصیر، و هم علی سلوی، و أخذهم و أقام هناک أیاما و قسم الغنائم و أذن لمن معه من البوادی بالرجوع إلی أهلیهم. ثم توجه بمن معه من الحاضرة إلی عمان، و کان قد بلغه أنه وقع فیهم بعض الاختلاف، بین رؤساء البلدان، فلما قرب من البلاد، تلقاه الرؤساء و الأکابر و الأعیان للسلام و قابلوه بالسمع و الطاعة و الانقیاد. و کان عاقلا حلیما عادلا شهما حازما، حسن التدبیر فعاملهم بالرفق و الإحسان، فاطمأن الناس و استبشروا بقدومه فانهالت علیه الهدایا و التحف و قبض خراج البلاد، و أقام هناک إلی النصف من ذی القعدة من السنة الذکورة، ثم قفل راجعا إلی بلده و أذن لأهل النواحی بالرجوع إلی أوطانهم.
و فیها وقع اختلاف بین عیال راشد بن ثامر بن سعدون بن محمد بن مانع بن شبیب، و بین عیال عقیل بن محمد بن ثامر بن سعدون و أتباعهم، فی طلب الریاسة علی المنتفق. و انقسمت عربان المنتفق علیهم، فحصلت
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 139
بینهم وقعة شدیدة بالقرب من سوق الشیوخ، القریة المعروفة، و صارت الهزیمة علی عیال عقیل، و عیال عیسی بن محمد بن ثامر، و قتل من الفریقین خلائق کبیرة، و صارت الریاسة علی المنتفق لمنصور بن راشد بن ثامر بن سعدون. سار بعد هذه الواقعة محمد بن عیسی بن محمد بن ثامر بن سعدون إلی بغداد، و طلب من الوزیر عسکرا لقتال عیال راشد فجهز معه عساکر کثیرة، و توجه بهم لقتال عیال راشد و أمر الوزیر علی آل قشعم، و آل نعیم و غزیة و بنی لام بالمسیر مع محمد بن عیسی بن ثامر المذکور و أطمعهم فی العطاء، فتبعه منهم جمع غفیر، و لما علم بذلک عیال راشد انهزموا إلی بادیة الظفیر و أقاموا هناک، و استقل محمد بن عیسی بولایة المنتفق.
و فی لیلة الجمعة الختمة من صفر وقع الجرف الذی عند الحبیلة علی سعد السدیری، و مات هو و خمسة ممن معه. و کانت هذه السنة رخیصة الأسعار کثیرة الأمطار، فلله الحمد. و فی العشر الأوسط من رجب وقعت الزلزلة بشیراز من جهة العجم ثلاثة أیام کل یوم زلزلة، فانهدمت بیوتها و مات تحت الهدم نحو ستة عشر ألف نفس. و بعدها بثلاثة أیام وقع فی سوق الشیوخ بعد العصر ظلمة شدیدة غابت عنهم الشمس و بقی ذلک إلی وقت غروب الشمس.
و فی لیلة النصف من ذی القعدة منها طلع بأیمن الأفق الغربی نجم له شعاع و لم یبق إلّا نحو أسبوع ثم غاب.

ثم دخلت سنة سبعین و مائتین و ألف:

و فیها فی صفر توفی الشیخ أبو بکر بن محمد الملا الحنفی الأساسی، و کانت وفاته بمکة. و فیها قتل
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 140
عباس باشا بن أحمد بن طوسون بن محمد علی صاحب مصر، و أقیم بعده بولایة مصر عمه سعید باشا بن محمد علی صاحب مصر.
و فیها ولد الفقیر إلی اللّه تعالی کاتب هذه الأحزف إبراهیم بن صالح بن إبراهیم عیسی فی بلد أشیقر.
و فی شعبان من هذه السنة قام أهل عنیزة علی جلوی بن ترکی و أخرجوه من القصر المعروف فیها، و کان أخوه الإمام فیصل بن ترکی قد جعله أمیرا فیها سنة خمس و ستین و مائتین و ألف، فنزل فی القصر المذکور، و معه عدة رجال من الخدّام، و استمر علیها و علی سائر بلدان القصیم إلی هذه السنة. و لما صار علیه ما ذکرنا سار هو و من معه إلی بریدة، و أقام فیها و کتب إلی أخیه الإمام فیصل یخبره بذلک، و کان الشیخ الإمام العالم العلامة عبد اللّه بن عبد الرحمن أبا بطین إذ ذاک هو القاضی فی بلد عنیزة، فقد ولّاه الإمام فیصل القضاء علیها، و علی بلدان القصیم، فلما قاموا علی جلوی و أخرجوه غضب لذلک، و خرج بحرمه و عیاله من عنیزة إلی بریدة و أقام بها إلی السنة التی بعدها ثم توجّه من بریدة بحرمه و عیاله إلی شقراء و أقام بها کما سیأتی إن شاء اللّه و لما خرج جلوی من عنیزة، تأمر فی عنیزة عبد اللّه الیحیی بن سلیم، و سلیم لقب علی سلیمان بن یحیی بن علی بن عبد اللّه بن زامل، فأولاد سلیمان بن یحیی بن علی المذکور و أولاد أولادهم المعروفون بآل سلیم، رؤساء عنیزة الآن فعبد اللّه بن یحیی المذکور هو عبد اللّه بن یحیی بن سلیمان بن یحیی بن علی بن عبد اللّه بن زامل. و لما وصل الخبر إلی الإمام فیصل بما وقع من أهل عنیزة کتب إلی جمیع البلدان، و أمرهم بالجهاد، و أمر علی عبد الرحمن بن إبراهیم بالمسیر إلی بریدة و أرسل معه
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 141
سریة من أهل الریاض و أمر علی غزو أهل ضرما و القویعیة بالمسیر معه، و أمره أن یقطع سابلة أهل عنیزة، فتوجّه عبد الرحمن المذکور بمن معه من الجنود و أغار علی أطراف عنیزة، و أخذ ما وجده من المواشی، ثم قدم بلد بریدة.
و لما کان فی ثالث من ذی الحجة من السنة المذکورة خرج عبد اللّه بن الإمام فیصل من الریاض بغزو أهل الریاض، و الجنوب. و کان قد واعد غزو أهل سدیر و الوشم بلد شقراء، فلما وصل إلیها وجدهم قد اجتمعوا هناک، و ذلک یوم عید الأضحی من السنة المذکورة، و اجتمع علیه خلائق من البادیة، فسار بتلک الجنود إلی بلدة عنیزة.
و لما کان الیوم الخامس و العشرین من شهر ذی الحجة المذکورة، صبح أهل الوادی، و أخذ جمیع ما عندهم من متاع و أثاث و مواش، و قتل منهم نحو عشرة رجال. و أمر عبد اللّه علی من معه من الجنود بقطع نخیل الوادی، فخرج علیهم أهل عنیزة و معهم خلائق کثیرة من أهل القصیم، و من البادیة، فحصلت بین الفریقین وقعة شدیدة فی الوادی، و قتل فیها عدة رجال من الطرفین منهم سعد بن سویلم أمیر بلدة ثادق. ثم إن عبد اللّه بن الإمام فیصل ارتحل بعد هذه الواقعة من الوادی، و نزل العوشزیة، ثم رحل منها و نزل علی روضة الربیعیة، و قدم علیه طلال بن عبد اللّه بن رشید بغزو أهل الجبل من حاضرة الجبل و بادیتهم. و فیها قتل عبد اللّه بن حمد بن محمد الرزیزا فی الرعین عند الهویجة، قتله فهد بن متلف من الحمدان من عتیبة فی وقعة بین أناس من أهل أشیقر و رکب من الحمدان المذکورین. و فیها جاء برد عظیم فی العقرب الأخیرة قتل بإذن اللّه غالب الزرع.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 142

ثم دخلت سنة إحدی و سبعین و مائتین و ألف:

و فیها قدم علی عبد اللّه بن الإمام فیصل و هو علی روضة الربیعیة بقیة غزو أهل نجد، و اجتمع علیه من الخلائق من البادیة و الحاضرة ما لا یحصیهم إلّا اللّه تعالی. فلما اجتمعت تلک الجنود، سار بهم عبد اللّه بن الإمام فیصل، قاصدا لقتال أهل عنیزة، و نزل الحمیدیة، ثم ارتحل منها و نزل الغزیلیة، و اشتد الخطب و عظم الأمر، ثم إن أهل عنیزة طلبوا الصلح. و کان الإمام فیصل قد ذکر لابنه عبد اللّه إنهم إن طلبوا الصلح فأجبهم إلیه، و یکون ذلک علی مواجهتی و علی یدی.
و کان رحمه اللّه تعالی إماما عادلا حسن السیرة شفیقا علی المسلمین، رؤوفا بالرعیة، محسنا إلیهم، حریصا علی مصالحهم، فکتبوا بذلک إلی الإمام فیصل، فأجابهم إلی ذلک، حقنا لدماء المسلمین و رفقا بهم و أعطاهم الأمان. علی أن الأمیر عبد اللّه الیحیی بن سلیم یقدم علیه فی الریاض، فرکب عبد اللّه آل یحیی بن سلیم المذکور من عنیزة و قدم علی الإمام فیصل فی الریاض، و طلب منه العفو و الإحسان، و اعترف بالخطأ و الإساءة و العصیان، فقبل الإمام معذرته، و صالحه علی أشیاء طلبها الإمام منه، و التزم بها الأمیر عبد اللّه آل یحیی المذکور. و تم الصلح علی ذلک فی شهر ربیع الأول فأذن له الإمام بالرجوع إلی بلده، و کتب الإمام إلی ابنه عبد اللّه، و أخبره بما وقع بینه و بین أهل عنیزة من الصلح و أمره بالرجوع إلی بلده، و أن یأذن لمن معه من أهل النواحی بالرجوع إلی أوطانهم. فقفل إلی بلد الریاض و معه عمه جلوی بن ترکی، و أذن لأهل النواحی بالرجوع إلی أوطانهم و رحل معه الشیخ عبد اللّه بن عبد الرحمن أبا بطین بحرمه و عیاله، إلی بلد شقراء، فتلقاه أهلها
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 143
بالسلام، و استبشروا بقدومه. و ذلک فی ربیع الآخر من السنة المذکورة.
و فیها قام عیال راشد بن ثامر بن سعدون و أخذوا فی جمع الجنود، و ساروا لقتال محمد بن عیسی بن محمد بن ثامر بن سعدون، و کان غلبهم علی الریاسة علی عربان المنتفق، کما تقدم فی سنة تسع و ستین و مائتین و ألف. و قام مع عیال راشد سلطان بن سویط و سار معهم بمن تبعه من الظفیر و سار معهم صقر بن حلاف بمن معه من السعید، و باذراع بمن معه من الصعدة و قام معهم بنو أسد و بنو نهد فالتقی الفریقان علی نهر الفاضلیة، و اقتتلوا قتالا شدیدا فقتل محمد بن عیسی فی المعرکة و سارعت الهزیمة علی أصحابه و قتل من الفریقین قتلی کثیرة و صارت ریاسة المنتفق لمنصور بن راشد بن ثامر بن سعدون بن محمد بن مانع بن شبیب، و ذلک فی رجب من السنة المذکورة.
و لما کان فی شهر رمضان منها حصل الاختلاف بین منصور بن راشد المذکور، و بین أخیه ناصر بن راشد فی طلب الریاسة، و انقسمت علیهما عربان المنتفق و وقع بین الفریقین قتال شدید، و صارت الهزیمة علی منصور و أتباعه و صارت الریاسة علی المنتفق لناصر بن راشد بن ثامر. و بعد هذه الواقعة سار منصور بن راشد إلی بغداد، و صار عند الوزیر سعید باشا و أقام عنده، و طلب منه الإعانة و المساعدة علی قتال أخیه ناصر، فوعده بذلک.

ثم دخلت سنة اثنتین و سبعین و مائتین و ألف:

و فیها أنزل اللّه الغیث فی أول الوسمی ثم تتابت الأمطار و السیول و عمّ الحیاء جمیع بلدان نجد، و کثر الخصب و رخصت الأسعار. و فیها خرج منصور بن راشد
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 144
و جهز معه الوزیر سعید باشا عساکر کثیرة، رئیسهم یقال له مصطفی باشا، فتوجهوا إلی سوق الشیوخ و نزلوه، و منصور معهم لیس له أمر و لا نهی.
و کان ناصر لما بلغه خبر مسیرهم إلیه و تیقّن کثرتهم علم أنه لا طاقة له فی لقائهم، فخرج بأهله و أولاده، و ماله و أتباعه، من سوق الشیوخ، و نزل علی سلطان بن سویط علی کابده و حاصل الأمران حکم المنتفق مرج و تغلبت علیهم الدولة، فکانوا یولون من أرادوا تولیته، و یعزلون من أرادوا عزله، و ذلک لکثرة خلافهم و تفرّقهم.
و فی هذه السنة قدم الزبیر رجل یقال له السید خمیس الهیازعی صاحب طریقة و معه تلامذة له فبدر من بعض تلامذته أمور منکرة فأنکر علیهم السید عبد الغفار البغدادی المعروف بالأخرس و حصل بینه و بین الهیازعی المذکور سباب و هجاه السید عبد الغفار بهذه الأبیات علی البحر الوافر:
ألا أبلغ جناب الشیخ عنی‌رسالة متقن بالأمر خبرا
و سل عنه غداة یهز رأسابحلقة ذکره و یدیر حجرا
أقال اللّه: صفق لی و غنی‌و قل کفرا و سمّ الکفر ذکرا
و ویحک ما العبادة ضرب‌و لا فی طول هذا الذکر فخرا
تقول: العیدروسی کان یحیی‌من الأنفاس من قد مات دهرا
فما یکفیک الحال حتی‌کذبت علی النبی و قلت نکرا
متی صارت هیازع من قریش‌فعدوها لنا بطنا و ظهرا
و لو کان السیادة فی اخضرارلکان السلق أشرف منک قدرا
و إن قلت: اشتهرت بکل علم‌فأعرب لی إذا لاقیت عمرا
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 145
ثم إن بعض أصحاب الهیازع انتصر له، ورد علی السید عبد الغفار بأبیات شنیعة، فثارت العامة بالهیازعی و أتباعه، فانهزموا إلی البصرة، ثم وجهوا إلی الهند.

ثم دخلت سنة ثلاث و سبعین و مائتین و ألف:

و فیها سار عبد اللّه بن الإمام فیصل بجنوده المسلمین، من البادیة و الحاضرة، و أخذ ابن مجلاد و من معه من عنزة، فی الدهناء. و کان عبد اللّه قد واعد طلال بن عبد اللّه بن راشد أن یقدم علیه بغزو أهل الجبل، فی زرود و توجّه عبد اللّه إلی زرود فلما وصل إلیها وجد طلال بن رشید و عمه عبید بن علی بن رشید بغزو أهل الجبل قد نزلوا هناک فسار من زرود و عدا علی مسلط بن محمد بن ربیعان و من معه من عتیبة و ذلک فی جمادی الآخرة من السنة المذکورة. فصبحهم علی شبیرمة و أخذهم ثم أغار علی الروسان و هم علی الرشاویة و أخذهم، ثم توجه إلی الشعراء و نزل علیها و قسم الغنائم، ثم قفل راجعا إلی الریاض و أذن لأهل النواحی بالرجوع إلی أوطانهم. و فی رمضان غزا طلال بن عبد اللّه بن علی و أخذ مسلط بن محمد بن ربیعان و سلطان بن حمید من عتیبة.
و فی شهر رمضان من السنة المذکورة توفی عبد اللّه بن ربیعة بن وطبان الشاعر المشهور، و کانت وفاته فی بلد الزبیر، و هم من آل وطبان المعروفین فی الزبیر، و هم من ولد وطبان بن ربیعة بن مرخان بن إبراهیم بن موسی، و وطبان المذکور هو ابن أخی مقرن بن مرخان، جد آل مقرن ملوک نجد المعروفین، فیجتمع آل مقرن و آل وطبان فی مرخان بن إبراهیم بن موسی بن ربیعة بن مانع بن ربیعة. و سبب نزول
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 146
وطبان بن ربیعة بن مرخان بلد الزبیر أنه قتل ابن عمه مرخان بن مقرن بن مرخان فی الدرعیة فهرب إلی بلد الزبیر و صار لآل وطبان فی الزبیر صیت و شهرة، و صاهروا السعدون شیوخ عربان المنتفق، و آل صباح رؤساء بلد الکویت، و شاخ فی بلد الزبیر إبراهیم بن ثاقب بن وطبان.
و لما توفی تولّی الریاسة بعده فی الزبیر ولده محمد بن إبراهیم بن ثاقب بن وطبان، و کان حازما عاقلا، و من الدهاة المعدودین، و کان أهل الزبیر یسمونه البلم لدهائه و معرفته بالأمور، لأن البلم یغرق غیره، و یسلم. و لم یزل علی ریاسته فی بلد الزبیر لیس له فیه منازع، و قوله فی البصرة نافذ، و کان متسلم البصرة أحمد آغا یخافه، و یعلم أنه لا یتم له الأمر فی البصرة إلّا بقتله، و لم یزل یدبّر الرأی و الحیلة لقتله، فلم یحصل له ذلک مدة، لأن بن ثاقب المذکور کان کثیر الجنود شدید التحفّظ علی نفسه إلی أن أنفذ اللّه فیه قدره.
و ذلک أنه لما کان فی سنة اثنتین و خمسین و مائتین و ألف اتفق أن المتسلم أحمد آغا المذکور، سافر إلی بغداد، مکیدة منه، و أقام فیه مدة أیام، ثم رجع إلی البصرة و لیس معه ما یریب من عسکر و لا غیرهم و أرسل إلی محمد بن إبراهیم بن ثاقب بن وطبان المذکور، و طلب منه أن یأتی إلیه فی البصرة، و یأتی معه بمن یحب من الأعیان، لموجب السلام، و لیعرض علیهم کتابا من وزیر بغداد للأهالی. فانحدر محمد المذکور من الزبیر إلی البصرة، بجنوده بسلاحهم، و معهم الطبول. فلما أقبلوا علی السرایا قاموا یعرضون و یغنون، و یضربون الطبول، و کان المتسلم قد جعل کمینا من العسکر فی موضع من السرایا فی السطح و فی أسفل السرایا کمینا آخر فدخل محمد بن إبراهیم المذکور السرایا و معه أصحابه، یغنون
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 147
و یضربون الطبول، و یلعبون فی أسفل السرایا، و صعد محمد المذکور، و معه ثلاثة رجال من أصحابه، إلی المتسلم و هو فی السطح للسلام علیه، فخرج علیهم العسکر الذین جعلهم المتسلم کمینا کما تقدم، و قبضوا علیهم و قتلوهم، و قطعوا رأس محمد بن إبراهیم المذکور ثم رموا برأسه و جثته علی أصحابه، من أعلی السرایا و هم یلعبون و یغنّون. فلما رأوه هربوا إلی الزبیر.
و أرسل المتسلم المذکور عدة أنفار من العسکر للزبیر، و أمرهم بقبض أموال محمد بن إبراهیم المذکور، و أموال آل إبراهیم بن ثاقب بن وطبان و أتباعهم، فقبضوا ما وجدوه من أموالهم و کان شیئا کثیرا و هرب آل ثاقب من الزبیر إلی الکویت.
و فی رمضان غزی طلال بن عبد اللّه بن علی بن رشید و أخذ مصلط بن محمد بن ربیعان و سلطان بن حمید من عتیبة.
و فی شوال من هذه السنة توفی الشیخ العالم عبد العزیز بن عثمان بن عبد الجبار بن شبانة الوهبی التمیمی. و کانت وفاته فی بلد المجمعة رحمه اللّه تعالی، أخذ العلم عن أبیه الشیخ العالم العلامة عثمان بن عبد الجبار بن الشیخ أحمد بن شبانة، و عن الشیخ العالم العلامة و القدوة الفهامة، عبد الرحمن بن حسن بن الشیخ محمد بن عبد الوهاب رحمهم اللّه تعالی. کان عالما فاضلا، ولّاه الإمام ترکی بن عبد اللّه بن محمد بن سعود القضاء علی بلدان منیخ و الزلفی بعد وفاة أبیه الشیخ عثمان بن عبد الجبار فی سنة اثنتین و أربعین و مائتین و ألف. فلما توفی الإمام ترکی بن عبد اللّه رحمه اللّه تعالی تولی بعده الأمر الإمام فیصل
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 148
و عزل صالح بن عبد المحسن بن علی عن إمارة الجبل، و ولی الإمارة مکانه عبد اللّه بن رشید، و بعث معه الشیخ عبد العزیز بن عثمان المذکور قاضیا، فأقام هناک ثلاثة أشهر حتی انقضی الموسم، ثم أذن بالرجوع إلی بلده، و استمر قاضیا علی بلدان منیخ و الزلفی إلی أن توفی فی هذه السنة المذکورة.
و لما توفی الشیخ عبد العزیز المذکور، طلب أهل المجمعة من الإمام فیصل أن یرسل إلیهم الشیخ عبد العزیز بن صالح بن موسی بن صالح بن مرشد قاضیا علی بلدان منیخ و الزلفی، و علی جمیع بلدان سدیر. و فیها فی آخر ذی القعدة قام ابن مهلیب شیخ بریة علی حاج أهل عنیزة و هم علی الدات الماء المعروف، و طلب علیهم مطالب، فامتنعوا من إعطائه، فأخذهم و لم یحج منهم أحد فی هذه السنة. و فی هذه السنة حصل علی حاج أهل الوشم حریقة فی الصرایف فی مکة المشرفة هلک فیها لهم أموال کثیرة. و فی 25 رجب توفی عبد اللّه بن حمد بن محمد بن علیوی رحمه اللّه تعالی. و فی رمضان توفی عبد اللّه بن ربیعة بن وطبان الشاعر المعروف فی الزبیر.

ثم دخلت سنة أربع و سبعین و مائتین و ألف:

و فیها کسفت الشمس ضحوة الجمعة فی ثامن و عشرین من عاشوری. و فیها أنزل اللّه الغیث فی الوسمی و کثر الخصب فیها تناوخ عتیبة و حرب بالقرب من ساق و أقاموا فی مناخهم ذلک عشرین یوما و حصل بینهم قتال شدید، و صارت الهزیمة علی عتیبة و قتل من عتیبة نحو ستین رجلا، و من حرب نحو خمسین رجلا. و فیها توفی الحمیدی بن فیصل بن وطبان الدویش شیخ عربان مطیر. و فی ثالث عشر من شعبان من السنة المذکورة توفی الشریف
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 149
محمد بن عبد المعین بن عون بن محسن بن عبد اللّه بن حسین بن عبد اللّه بن حسین بن عبد اللّه بن حسن بن أبی نمی، و عمره نحو السبعین، و خلف ستة من الذکور، و هم عبد اللّه و علی و حسین و عون و سلطان و عبد اللّه، و تولی إمارة مکة بعده ابنه عبد اللّه.
و فیها غزا عبد اللّه بن الإمام فیصل بجنود- المسلمین من البادیة و الحاضرة، و صبح ابن حمید و الهیضل و من معهما من عربان عتیبة علی دخنة و أخذهم ثم عدا من دخنة و أخذ العصمة علی نفی و أقام هناک أیاما ثم عدا علی البقوم و معهم أخلاط من سبیع، و هم علی أم الجواعر فصبحهم و أخذهم، ثم قفل راجعا إلی الریاض، و أذن لمن معه من أهل النواحی بالرجوع إلی أوطانهم. و فی رمضان منها أخذ طلال بن عبد اللّه بن علی بن رشید أخلاطا من عتیبة و من بنی عبد اللّه. و فی هذه السنة وقع الوباء العظیم فی نجد و البحرین و الأحساء و مات خلائق کثیرة.
و فیها فی رابع جمادی الآخرة توفی الشیخ حسن بن عمر بن معروف بن شطی نسبة لجده المذکور البغدادی الأصل الدمشقی المولد والدا و الوزارة ولد فی دمشق عام 1205 ه، و قرأ علی عدة مشایخ منهم الشیخ مصطفی بن عبده الشهیر بالرحیبانی شارح الغایة، و مهر و برع فی العلم و صنف شرح زوائد الغایة، و تعقب الشراح فجاء فی مجلد حافل، و له مختصر شرح عقیدة السفارینی، فی نحو ثلثها و شرح الاظهار فی النحو و غیر ذلک. و خطة ظریف منمق، و دفن بسفح جبل قاسیون بقرب الشیخ الموفق رحمهما اللّه تعالی.

و دخلت سنة خمس و سبعین و مائتین و ألف:

و فیها ظهر نجم له
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 150
ذنب فی آخر عاشوری ظهر فی الجدی و لا غاب إلّا فی الهیف بعد شهرین من طلوعه، و فیها تصالح قبایل علوی و قبایل بریة بعد حروب بینهم. و فی ربیع الأول منها أخذ عبد اللّه بن فیصل البقوم، و فیها فی جمادی الأول وقع وباء شدید فی البحرین أقام فیه نحو أربعة أشهر و هلکت أمم عظیمة، و وقع فی الأحساء و أقام نحو ستة أشهر و هلک خلائق کثیرة و وقع فی الریاض و فی جمیع بلدان نجد و البوادی، و هلک خلائق لا یحصون. و فیها قتل ناصر بن عبد الرحمن بن عبد اللّه السحیمی فی الهلالیة، قتله عبد اللّه آل یحیی السلیم، و کان سبب ذلک أن السحیمی أیام إمارته فی بلدة عنیزة قتل إبراهیم بن سلیم و ذلک فی سنة 1265 ه، و ناصر السحیمی المذکور، هو ناصر بن عبد الرحمن بن عبد اللّه بن عبد الرحمن بن محمد بن عثمان بن محمد بن عبد اللّه بن أحمد بن إسماعیل، من آل إسماعیل المعروفین فی بلد أشیقر، و فی بلد عنیزة من آل بکر من سبیع، و السحیمی لقب علی عثمان بن محمد بن عبد اللّه بن أحمد بن إسماعیل، فأولاد عثمان بن محمد بن عبد اللّه بن أحمد بن عبد اللّه بن أحمد بن إسماعیل المذکور، و أولاد أولادهم هم المعروفون بالسحامی انتقل عبد اللّه بن عبد الرحمن بن محمد بن عثمان بن محمد بن عبد اللّه بن أحمد بن إسماعیل جد ناصر السحیمی المذکور من بلد أشیقر، إلی عنیزة، و معه ابنه عبد الرحمن أبو ناصر المذکور و مع عبد الرحمن ابنه مطلق الضریر، فنزلوا علی عشیرتهم آل بکر من سبیع أهل الخریزة فأکرموهم و أقاموا عندهم و تزوج عبد الرحمن هناک و ولد له ناصر المذکور.
و کان آل بکر و بنو عمهم آل زامل یتجاذبون الریاسة علی بلد عنیزة، فلما کبر ناصر المذکور ظهرت منه الشهامة و النجابة و الشجاعة، و کان
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 151
یحیی بن سلیم ذلک الوقت هو الأمیر فی بلد عنیزة، فصار ناصر یعارضه فی بعض الأمور و یساعده فی ذلک أکابر عشیرته من آل بکر، و کان یحیی بن سلیم عاقلا حلیما حازما نبیها. فخاف من شر یقع بینه و بین آل بکر، فاستدعی بناصر المذکور، و قال له: «إن لک حقّا علینا فاختر فی إمارة عنیزة»، و کان ذلک فی اختلاف نجد بعد الدرعیة. و قبل قیام الإمام ترکی و استیلائه علی نجد. فقال له ناصر: «أنت- کبیرنا. و الأمر للّه ثم لک. و لا أرید شیئا من ذلک». و کان ناصر قد ظن أنه غیر صادق فیما قال فحلف له یحیی أنه صادق فیما قلته لک. فلما علم ناصر صدقه قال له:
«أنا ولد لک و یکفینی الشداد و معلوم الدرب». و استقام الأمر علی ذلک إلی أن قتل الأمیر یحیی بن سلیم فی الوقعة التی بین أهل القصیم و بین ابن رشید، فی بقعاء سنة سبع و خمسین و مائتین و ألف، ثم تأمر بعده فی عنیزة أخوه عبد اللّه بن سلیم. و بقی فیها إلی أن قتل فی سنة إحدی و ستین و مائتین و ألف. فی الوقعة التی بین أهل عنیزة و بین ابن رشید أیضا فتولّی بعده إمارة عنیزة أخوه إبراهیم بن سلیم.
و لما کان فی سنة أربع و ستین و مائتین و ألف عزل الإمام فیصل إبراهیم بن سلیم عن إمارة عنیزة، و أمر فیها ناصر بن عبد الرحمن السحیمی المذکور. و لما کان فی السنة التی بعدها قام عبد اللّه آل یحیی بن سلیم، و زامل العبد اللّه بن سلیم. و رجال من أتباعهم، و رصدوا لناصر المذکور فی طریقه بعد العشاء الآخرة، و کان ناصر المذکور قد ضبط قصر عنیزة بالرجال. و جعل فیه أخاه مطلق الضریر.
فلما وصل إلیهم رموه ثلاث رمیات، و إصابته واحدة منهن علی غیر مقتل.
فسقط علی الأرض، و ظنوا أنهم قد قتلوه، فرکضوا إلی القصر لیدخلوه،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 152
فوجدوا من فیه قد أنذروا و أغلقوا باب القصر، و شمّروا للحرب.
و أما عبد اللّه الیحیی و زامل فانهزموا إلی بلد بریدة، و أقاموا عند أمیرها عبد العزیز آل محمد. و أما ناصر السحیمی فإنه قام من فوره من موضعه، و دخل بیته و جارحوه حتی بری‌ء من جرحه. و کتب إلی الإمام فیصل یخبره بأن آل سلیم تعدو علیه بلا جرم و لا سبب و کتب عبد العزیز آل محمد إلی الإمام فیصل یخبره بأن آل سلیم عنده و أنهم ما فعلوا ذلک إلّا لأشیاء حدثت من السحیمی. فکتب الإمام فیصل إلی عبد العزیز آل محمد یأمره بأن یرسلهم إلیه بلا مراجعة. فأرسلهم إلیه بهدیة سنیة، فأنزلهم الإمام فی بیت و عفا عنهم، و کتب إلی السحیمی إن آل سلیم عندنا، و أنت علی مرتبتک، و نحن ننظر فی الأمر إن شاء اللّه.
و کان مطلق عبد الرحمن السحیمی الضریر، لما جرح أخوه ناصر، أرسل إلی رجل من أعوان آل سلیم یقال له ابن صخیبر فضربه حتی مات ثم قام ناصر السحیمی لما بری‌ء من جرحه علی إبراهیم بن سلیم فقتله فقام آل سلیم یحاولون قتل ناصر بعد قتله إبراهیم بن سلیم المذکور. فلم یتفق لهم ذلک إلّا هذه السنة.
لما کان فی هذه السنة اتفق أنه رکب من عنیزة لینظر إلی خیل له قد ربطها فی بلد الهلالیة عند بعض أصدقائه فیها لیعلفها هناک. فعلم بذلک عبد اللّه الیحیی بن سلیم و زامل بن عبد اللّه بن سلیم و حمد بن إبراهیم بن سلیم. فرکبوا فی أثره وسطوا علیه فی الهلالیة، فوجدوه نائما عند خیله فقتلوه، ثم رجعوا إلی عنیزة، و انتقل أخوه مطلق بن عبد الرحمن الضریر بعد قتل أخیه ناصر بأولاده إلی بلد أشیقر. و لم یزل بها إلی أن توفی سنة 1282 ه رحمه اللّه تعالی.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 153
و فی رجب من هذه السنة- أعنی سنة خمس و سبعین و مائتین و ألف- کتب الإمام فیصل إلی عبد العزیز المحمد أمیر بریدة أن یقدم علیه، فرکب عبد العزیز المذکور، و قدم علی الإمام فیصل و معه ولداه عبد اللّه و علی و ثلاثة من خدامه، فلما جلس عبد العزیز بین یدی الإمام انتهره، و أغلظ له فی الکلام، و جعل الإمام یعدد علیه أفعاله القبیحة، و ما حصل منه من الشقاق فقال: «کل ما تقوله حق، و أنا أطلب العفو و المسامحة». فأنزله الإمام فی بیت هو و من معه، و أجری علیهم من النفقة ما یکفیهم و أمرهم بالمقام عنده فی الریاض و أمر فی بریدة عبد اللّه بن عبد العزیز بن عدوان، و هو من آل علیان عشیرة عبد العزیز آل محمد المذکور. و فیها غزا الإمام فیصل بجنود المسلمین من البادیة و الحاضرة و ذلک فی شعبان من السنة المذکورة، و نزل علی وضاح و أقام هناک أیاما ثم أمر علی ابنه عبد اللّه أن یسیر بتلک الجنود، و یقصد بهم عربان بریة من مطیر لأمور حدثت منهم.
و قفل الإمام فیصل إلی الریاض، فتوجه عبد اللّه بمن معه من الجنود. و صبح عربان بریة علی دخنة و أخذهم، ثم نزل علی عریفجان و استدعی کبار بریة فرکبوا إلیه فلما صدروا من الشبیکیة و إذا غزوا قحطان متوجهین إلی عبد اللّه بن فیصل لیصادفوهم فأخذوهم، و قتلوا منهم خمسة رجال، منهم مناحی المریخی و هذال القریفة، فغضب عبد اللّه بن فیصل لذلک، و لما وصل إلیه غزو قحطان المذکورون أخذ جمیع ما معهم من الخیل، و هی نحو مائة و أربعین فرسا، و أسر منهم خمسة و عشرین رجلا، و قفل بهم معه إلی الریاض، و طلب علیهم أشیاء فأعطوه جمیع ما طلب، و دفعوا البریة دبة المقتولین منهم و جمیع ما أخذوا منهم، ثم أطلقهم. و فی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 154
هذه السنة تصالح عربان بریة و قبائل علوی بعد حروب بینهم.
و فی ذی الحجة فیها ربط مهنا الصالح أبا الخیل فی مکة ربطه الشریف ثم أطلقه فی ربیع الأول من السنة التی بعدها.

ثم دخلت سنة ست و سبعین و مائتین و ألف:

و فیها فی صفر قتل عبد اللّه بن عبد العزیز بن عدوان أمیر بلدة بریدة فی بیت الضبیعی، و هو یصنع له القهوة دخلوا له مع بیت عبد اللّه الغانم، و هو جار بیت الضبیعی، قتله خمسة رجال من عشیرته آل أبی علیان، و هم عبد اللّه الغانم و أخوه محمد و حسن آل عبد المحسن، و أخوه عبد اللّه و عبد اللّه بن عرفح. و کان الإمام فیصل قد جعله فی بریدة أمیرا لما عزل عبد العزیز المحمد عنها و أمره بالمقام عنده فی بلدة الریاض، و کان ابن عدوان قد تولی إمارة بریدة فی دخول رجب 1275 ه. کما تقدم فی السنة التی قبل هذه و آل أبی علیان من العناقر من بنی سعد بن زید مناة بن تمیم، و لما جاء الخبر إلی الإمام فیصل غضب علی عبد العزیز المحمد، و أمر بحبسه و جعل محمد الغانم أمیرا فی بریدة مکان ابن عدوان، و کثر القیل و القال، و جعل عبد العزیز المحمد و هو فی الحبس یکتب إلی الإمام فیصل و یحلف له إیمانا مغلظة أنه لیس له علم بذلک الأمر، و لا رضی به، و لو أذنت لی بالمسیر إلی بریدة لأصلحت ذلک الأمر، و أمسکت الرجال الذین قتلوا ابن عدوان، و أرسلتهم إلیک مقیدین بالحدید، أو نفیتهم عن البلاد.
فأمر الإمام فیصل رحمه اللّه تعالی بإطلاقه من الحبس، و أحضره بین یدیه و جعل یحلف للإمام و یتملق، فأخذ الإمام علیه العهود و المواثیق علی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 155
ذلک، و أذن له الإمام بالرجوع إلی بریدة، و استعمله أمیرا علیها و عزل محمد الغانم عن الإمارة، و توجه عبد العزیز المذکور هو و ابنه علی و لما وصل عبد العزیز المحمد المذکور إلی بریدة، قرب الذین قتلوا ابن عدوان و أدناهم. و کان وصوله إلی بریدة فی جمادی من السنة المذکور، و جعل یکتب للإمام فیصل بأشیاء مکرا و کذبا، فحاق به مکره و حصل علیه ما سیأتی فی السنة التی بعدها إن شاء اللّه تعالی.
و فی هذه السنة غلیت الأسعار فی نجد بیعت الحنطة أربع أصواع و نصف بالریال، و التمر أربعة عشر وزنة بالریال، و السمن منه وزنتین إلی وزنتین و ربع. ثم أنزل اللّه الغیث و کثر العشب و لکن الغلاء علی حاله الحنطة أربعة أصواع و نصف بالریال، و بعد هذا فی هذه و فی هذه السنة أظهرت بادیة العجمان العصیان و المحاربة.
خرج حاج کثیر من أهل الأحساء، و أهل فارس و البحرین، و غیرهم و أخذوا معهم حزام بن حثلین رفیقا، فرصد لهم أخوه فلاح بن حثلین بمن معه من العجمان، بالقرب من الدهناء، و استأصل ذلک الحاج أخذا، و معهم من الأموال ما لا یعد و لا یحصی، و هلک من الحاج خلق کثیر عطشا فلا جرم أن اللّه لم یمهل فلاح بن حثلین بعد هذه الفعلة الشنیعة، بل عجل له العقوبة، فإن الإمام فیصل بن ترکی رحمه اللّه تعالی، ظفر به فی السنة التی بعدها- أعنی سنة اثنین و ستین و مائتین و ألف- و قیده و أرسله إلی الأحساء مقیدا، و طیف به علی حمار فی الأسواق فی بلد الأحساء، ثم ضربت عنقه هناک و صار ابنه راکان رئیسا بعده علی العجمان و جعل یکتب إلی الإمام فیصل، و یتودد إلیه و یطلب منه العوض فی أبیه، و یردد إلیه الرسل، و یطلب منه العفو، و أرسل إلی الإمام هدایا کثیرة من الخیل
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 156
و الرکاب، و ما زال کذلک حتی صفح عنه الإمام و حضر بین یدیه، و بایعه علی السمع و الطاعة، ثم بعد ذلک عظم أمره و صار شرّا من أبیه.
فلما کان فی هذه السنة نقض العهد و أغار علی إبل الإمام فیصل، و أخذ منها طرفا، ثم ارتحل بعدها من دیرة بنی خالد، هو من معه من العربان، إلی جهة الشمال، و نزلوا علی الصبیحیة الماء المعروف بالقرب من الکویت، و أکثروا من الغارات علی عربان نجد. و لما کان فی شعبان أمر الإمام علی جمیع رعایاه من البادیة و الحاضرة، بالجهاد، و أمر علی ابنه عبد اللّه أن یسیر بجنوده المسلمین لقتال عدوهم فخرج عبد اللّه من الریاض فی آخر شعبان من السنة المذکورة بغزو أهل الریاض، و الخرج الجنوب، و استنفر من حوله من البادیة من سبیع و السهول و قحطان و کان قد واعد غزو أهل الوشم و سدیر المحمل الدجانی، الماء المعروف.
فلما وصل إلیه وجدهم قد اجتمعوا هناک فأقام هناک ثلاثة أیام ثم ارتحل منه و استنفر عربان، مطیر، فتبعه منهم جمع غفیر و قصدوا الوفراء، الماء المعروف، و علیها عربان من العجمان فوجدهم بیاتا و أخذهم و انهزمت شرائدهم إلی الصبیحیة و علیها آل سلیمان و آل سریعة من العجمان. ثم ارتحل عبد اللّه من الوفراء و صبح العربان المذکورین علی الصبیحة و أخذهم و قتل منهم خلائق کثیرة و انهزمت شرائدهم، و کان حزام بن حثلین و ابن أخیه راکان بن فلاح بن حثلین و علی بن سریعة وعدة رجال من العجمان غزاة لم یحضروا هذه الغزوة، فقدموا علی أهلهم بعد الوقعة بیومین فوجدوهم قد أخذوا، فشجع بعضهم بعضا و استعدوا لقتال عبد اللّه الفیصل و هم علی ملح و ساروا إلیهم فحصلت بینهم معرکة کبیرة شدیدة فانهزم العجمان لا یلوی أحد علی أحد، و قتل منهم سبعمائة رجل
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 157
و غنم منهم عبد اللّه بن الإمام فیصل من الأموال ما لا یحصی. و هذه الوقعة تسمی (وقعة ملح)، و ذلک فی السابع عشر من رمضان، و هذه تفصیلها.
ارتحل عبد اللّه و نزل علی ملح فقام رؤساء العجمان، و شجع بعضهم بعضا، و عمدو إلی سبعة جمال، و جعلوا علیهن الهوادج، و أرکبوا فی کل هودج من تلک الهوادج بنتا جمیلة من بنات الرؤساء، محلاة بالزینة- و استصحاب النساء الحرائر فی وسط جموع الحرب عادة جاهلیة بقیت إلی الآن- لأجل أن یشجعن الفتیان، و ینخین الفرسان و الشجعان، فإن الفتیان و الفرسان تدب فیهم النخوة و الغیرة، و الحمیة عن العار، فیقاتلون العدو قتال المتهالک. ثم قاموا إلی الإبل، فقرنوها ثم ساقوها أمامهم، و توجهوا لقتال عبد اللّه و من معه من جنود المسلمین یسوقون قدامهم الإبل و الهوادج، فلما وصلوا إلیهم نهض إلیهم المسلمون و حصل بین الفریقین قتال شدید، یشیب من هوله الولید فنصر اللّه المسلمین و انهزم العجمان هزیمة شنیعة، لا یلوی أحد منهم علی أحد فترکوا الهوادج و الأبل، و جمیع أموالهم، و قتل منهم نحو سبعمائة رجل و غنم المسلمون منهم من الأموال ما لا یعد و لا یحصی. و کانت هذه الوقعة فی الیوم السابع عشر من رمضان من السنة المذکورة، و انهزمت شرایدهم إلی الکویت.
و أقام عبد اللّه بمن معه من الجنود علی الجهرا مدة أیام، و أرسل الرسل بالبشارة إلی أبیه و إلی بلدان المسلمین فحصل لهم بذلک الفرح و السرور و انشرحت منهم الصدور. و لما وصل خبر هذه الوقعة إلی الزبیر و البصرة سروا بذلک لأن العجمان قد أکثروا من الغارات علی أطرافهم و أرسل باشا البصرة إلی عبد اللّه بن الإمام فیصل هدایا کثیرة صحبة النقیب محمد سعید، و أرسل إلیه رئیس بلد الزبیر سلیمان عبد الرزاق بن زهیر
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 158
هدیة سنیة، ثم إنه ارتحل من الجهراء و قفل راجعا إلی الریاض، فلما وصل الحفنة الخبراء المعروفة فی العرمة أذن لمن معه من أهل النواحی بالرجوع إلی أوطانهم، و توجه إلی الریاض مؤیدا منصورا. و لما وصل البشیر بهذه الوقعة المذکورة إلی الأحساء کتب الشیخ الإمام العالم العلّامة أحمد بن علی بن حسین مشرف إلی الإمام فیصل بقصیدة فریدة تهنئة له بما منّ اللّه به علیه من النصر و العز علی أعدائه البغاة المفسدین، الطغاة المعاندین، و هی هذه و هی علی البحر الطویل:
لک الحمد اللهم ما نزل القطرو ما نسخ الدیجور من لیلنا الفجر
و ما هبت النکباء رخاء و زعزعت‌علی نعم لا یستطاع لها حصر
تفتح أبواب السماء لمثله‌و یعلی بسیط الأرض أثوابها الخضر
فناهیک من فتح به أمن الغلاو أسفرت البلدان و ابتهج العصر
تسامی به نجد إلی ذروة العلاو أسفرت وجه الخط و افتخرت هجر
لقد سرنا ما جاءنا من بشارةفزالت هموم النفس و انشرح الصدر
لدن قیل عبد اللّه أقبل عادیایقود أسودا فی الحروب لها زأر
رئیس به سیما الخلافة قد بدت‌و فی وجهه الأکبار و العز و النصر
فصبح قوما فی الصبیحیة اعتدواوقادهم و البغی من شأنه غدر
فروی حدود المرهفات من الدماءکما قد روت منه المثقفة السمر
فغادر قتلی یعصب الطیر حولهاو یشبع منها النسر و الذئب و النمر
قبائل عجمان و منهم شوامرو من الحسین ینتمون و ما بروا
و طائفة مریة غیر عذبةخلائقها بل کل أفعالها مر
أساءوا جمیعا فی الإمام ظنونهم‌فقالوا: ضعیف الجند فی غرمه حصر
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 159 نغیر علی بلدانه و نخیفهالیعرفنا الوالی و ینمو لنا الوفر
فإن لم نصب ما قد أردنا فإنه‌صفوح عن الجانی و من طبعه الصبر
و ما أنکروا فی الحرب شدة بأسه‌و لکن بتسویل النفوس لها غروا
و قد قسموا الأحساء جهلا یزعمهم‌لعجمانهم شطر و للخالدی شطر
أمانی غرور کالسراب بقیعةیری فی الفلا وقت الضحی أنه بحر
کذبتم فهجر سورها الخیل و القناو من دونها ضرب القماحد و الأسر
و من دونها یوم به الجو مظلم‌اسنتنا و البیض أنجمه الزهر
فقل للبوادی قد نکثتم عهودکم‌و ذقتم وبال النکث و انکشف الأمر
فعودوا إلی الإسلام و اجتنبوا الردی‌و إلّا فلا یؤیدکم السهل و الوعر
و ننذرکم من بعدها أن من عصی‌فأفسد أوشق العصی دمه هدر
فمن لم یلن عن غیه الوحی زاجراله کان فی ماض الحدید له زجر
تهنأ بهذا النصر یا فیصل الندی‌فقد تم للإسلام و الحسب الفخر
و هذا هو الفتح الذی قد بنی لکم‌مکارم یبقی ذکرها ما بقی الدهر
و هذا هو الفتح الذی جل قدره‌و قد کل عن إحصائه النظر و النثر
فقابل بحمد اللّه جدواه مثنیاعلی اللّه بالنعما فقد وجب الشکر
و لا تبن للأعراب مجدا فإنهم‌کما قیل أصنام لهم الهدم و الکسر
إذا أودعوا النعماء لم یشکروا لهاو إن رمت نفعا منهمو بدا الضر
فوضع الندی فی البدو مطغ و مفسدفأصلحهمو بالسیف کی یصلح الأمر
و بالعدل سس أمر الدرعیة و احمهم‌عن الظلم کی ینمو لک الخیر و الأمر
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 160 و ألف بنی الأحرار فی زمن الرخاتجدهم إذا الهیجاء شدتها الأضر
و لا الذخر جمع المال بالسلم للوغی‌و لکن أحرار الرجال هم الذخر
و دونک نظما بالنصائح قد زهاکما أن نظم العقد یتزهو به الدر
و أختم نظمی بالصلاة مسلماعلی المصطفی ماهل من مزنه القطر
کذا الآل و الصحب الأولی بجهادهم‌سما و علی الإسلام و انخفض الکفر

ثم دخلت السنة السابعة و السبعون بعد المائتین و الألف:

و فیها اجتمع رؤساء العجمان و تشاوروا فاجتمع أمرهم علی المسیر إلی عربان المنتفق فتوجهوا إلیهم و نزلوا معهم و تحالف رؤساؤهم و رؤساء المنتفق علی التعاون و التناصر علی کل من قصدهم بحرب و علی محاربة أهل نجد من البادیة و الحاضرة إلّا من دخل تحت طاعتهم منهم. و سارت رکبانهم و تتابعت الإغارات علی أطراف الأحساء و علی أهل نجد و صار لهم و للمنتفق شوکة عظیمة و قوة هائلة، و أخافوا أهل البصرة و الزبیر، و کثرت الإغارات منهم علی أطراف الزبیر و البصرة و الکویت و کثر منهم الفساد و النهب فی أطراف البصرة، فقام باشا البصرة حبیب باشا و استلحق سلیمان بن عبد الرزاق بن زهیر شیخ بلد الزبیر و أعطاه مالا کثیرا و أمره بجمع الجنود من أهل نجد، فأخذ سلیمان المذکور بجمع الجنود، ممن
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 161
کان هناک من أهل نجد المعروفین بعقیل و بذل فیهم المال، فاجتمع علیه خلائق کثیرة.
ثم إن عربان المنتفق و من معهم من عربان العجمان جمع رأیهم علی أنهم یتوجهون إلی ناحیة البصرة ینزلون بالقرب منها، و یأخذون منها من التمر ما یکفیهم لسنتهم، و کان ذلک الوقت صرام النخل، ثم یتوجهون بعد ذلک إلی حرب نجد. فساروا إلیها و نزلوا قریبا منها و ثم نهضوا إلیها و انتشروا فی نخیلها و عاثوا فیها بالنهب و الفساد.
فنهض إلیهم سلیمان بن عبد الرزاق بن زهیر بمن معه من أهل نجد و من أهل الزبیر و باشا البصرة بعسکره و قاتلوهم قتالا شدیدا، حتی أخرجوهم من النخیل ثم حصل القتال الشدید بین الفریقین فی الصحراء، و صارت الهزیمة علی عربان المنتفق و من معهم من العجمان و قتل منهم قتلی کثیرة. و ظهر فی هذه الواقعة من أهل نجد الذین مع سلیمان بن زهیر شجاعة عظیمة، و کان سلیمان المذکور من أفراد الدهر عقلا و حلما و کرما و شجاعة.
و کان السید عبد الغفار بن عبد الواحد بن وهب البغدادی المعروف بالأخرس الشاعر المشهور قد حضر هذه الواقعة فقال یمدح سلیمان بن عبد الرزاق بن زهیر المذکور و من معه من أهل نجد بهذه القصیدة الفریدة، و هی علی البحر الطویل:
أبی اللّه إلّا أن تعز و تکرماو أنک لم تبرح عزیزا مکرما
تذل لک الأبطال و هی عزیزةإذا استخدمت یمناک للباس مخدما
و یا رب یوم مثل وجهک مشرقالبست به ثوبا من النقع مظلما
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 162 و أبزغت من بیض السیوف أهلةو أطلعت من رزق الأسنة أنجما
و قد رکبت أسد الشری فی عراضه‌من الخبل عقبانا علی الموت حوما
و لما رأیت الموت قطب وجهه‌و ألفاک منه ضاحکا متبسما
سلبت به الأرواح قهرا و طالماکسوت بقاع الأرض ثوبا معندما
أری البصرة الفیحاء لولاک أصبحت‌طلولا عفت بالمفسدین و أرسما
و قالوا و ما فی القول شک لسامع‌و أن جدع الصدق الأنوف و أرغما
حماها سلیمان الزهیری بسیفه‌منیع الحمی لا یستباح له حمی
تحف به من آل نجد عصابةیرون المنایا- لا أبا لک- مغنما
رماهم بعین العز شیخ مقدم‌علیهم و ما اختاروه إلّا مقدما
بصیر بتدبیر الحروب و عارف‌علیم فلا یحتاج أن یتعلما
أأبناء نجد أنتمو جمرة الوغی‌إذا أضرمت نار الحروب تضرما
و ذا العام ما شیدتموها مبانیامن المجد یأبی اللّه أن تنهدما
و ما هی إلّا وقعة طار صیتهاو أنجد فی شرق البلاد و أتهما
رفعتم بها شأن المنیب و خضتم‌مع النقع بحرا بالصنادید قد طما
غزاة دعاکم أمره فأجبتم‌علی الفور منکم طاعة و تکرما
و جردکم فیها لعمری صوارماإذا وصلت جمع العدو تصرما
و من لم یجردکم سیوفا علی العدی‌نبا سیفه فی کفه و تثلما
و أن الذی یختار للحرب غیرکم‌فقد ظن أن یغنیه عنکم توهما
کما راح یختار للحرب غیرکم‌فقد طن أن یغنیه عنکم توهما
کما راح یختار الضلال علی الهدی‌و عوض عن عین البصیرة بالعمی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 163 و من قال تعلیلا لعل و ربمافماذا عسی یغنی لعل و ربما
علیکم إذا طاش الرجال سکینةتزلزل رضوی أو تبید یلملما
و لما لقیتم من أردتم لقاءه‌رمیتم به الأهوال أبعد مرتما
صبرتم لها صبر الکرام ضراغماو أفحمتموها المرهفات تفحما
و أوردتموها شرعة الموت منهلاتذیقهمو طعم المنیة علقما
و ما خاب راجیکم لیوم عصبصب‌یریه الردی لونا من الروع أدهما
و جددکم للضرب سیفا مهنداو هزکمو للطعن رمحا مقوما
و من ظن أن العز فی غیر بأسکم‌و هی عزه فی زعمه و تندما
و ما العز إلّا فیکمو و علیکموو ما ینتمی إلّا إلیکم إذا انتمی
إذا ما قعدتم للأمور و قمتم‌حمدتم علیها قاعدین و قوما
و ما سمعت منکم قدیما و حادثاروایة من یروی الحدیث توهما
و إن قلتمو قولا صدقتم و ما انثنی‌بکم عزمکم إن رام شیئا و صمما
و لما أتاکم بالآمان عدوکم‌و عاهدتموه أن یعود و یسلما
و فیتم له بالعهد لم تعبأوا بمن‌أشار إلی الغدر الکنین محمما
و لو مدمن تأتیه عنکم یداله‌لعاد بحد السیف أجدع أخذها
و فیما مضی یا قوم أکبر عبرةو من حقة إذ ذاک أن یترسما
أیحسب أن الحال تکتم دونکم‌و هیهات أن الأمر قد کان مبهما
فأظهر مستورا و أبرز خافیاو أعرب عما فی الضمیر و ترجما
أمتخذ البیض الصوارم للعلاطریقا و سمر الخط للمجد سلما
نصرت بها هذا المنیب تفضلاو أجریت ما أجریت منک یکرما
علی غلمة من الناس للّه دره‌تصرف فیها همة و تقدما
تأثل فی أبطاله و رجاله‌فلم یغن سحر غاب عنه مکتما
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 164 و قلبها ظهرا لبطن فلم یجدنظیرک من قاد الخمیس العرمرما
هناک ولی الأمر من کان أهله‌فیحل فی کل النفوس و عظما
و طال علی تلک البغاة ببأسه‌و حکم فیهم سیفه فتحکما
و ما سبق الوالی المنیب بمثلهاوفاق ولاة الأمر ممن تقدما
سلیمان ما أبقیت فی القوس منزعاو لا ترکت للبذل یمناک درهما
کشفت دجاها بالصواره و القناو قد کان یلغی حالک اللون أسجما
فأصبحت فی تاج الفخار متوجاو فی قمة المجد الأتیل معمما
إلیک أبا داود تزجی رکائباضوامر قد غودرن جلدا و أعظما
رمتنا فکنا بالعری عن فسبهاو قد بریت من شدة أسیر أسهما
فأکرمت مثوانا و لم تر عینامن الناس أندی منک کفّا و أکرما
لأحظی إذا شاهدت وجهک بالمنی‌و أشکر من نعماک للّه أنعما
و أهدی إلی علیاک ما استقله‌و لو أننی أهدیت دارّا منظما
فحبک فی قلبی و ذکراک فی فمی‌ألذ من الماء الزلال علی الظما
ثم إن أولئک العربان بعد هذه الواقعة ارتحلوا و نزلوا علی کوبیدة و علی کابدة و علی الجهراء و لما وصل خبر هذه الوقعة إلی ناصر بن راشد بن ثامر بن سعدون، رئیس المنتفق، فی سوق الشیوخ و قیل له إن باشا البصرة قد عزم علی؟؟؟ یده علی أملاک المنتفق التی فی البصرة، و کانت کثیرة، و رثوها من آبائهم و أجدادهم، فإنهم قد تقلبوا علی البصرة و ملکوها مدة سنتین، و ملکوا کثیرا من نخیلها إلی أن ضعف أمرهم، و تغلبت علیهم الدولة لکثرة اختلافهم و تفرقهم، و أزالوهم عنها، و لم یتعرضوا لأملاکهم.
فکتب ناصر بن راشد المذکور إلی باشا البصرة و إلی سلیمان بن
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 165
عبد الرزاق بن زهیر یقول: إن أولئک الأعراب الذین حدث منهم ذلک لیسوا من بادیتنا و إنما هو من بادیة نجد جاءوا هاربین من والی نجد ابن سعود و نزلوا بجوار بعض بادیة المنتفق و قد رجعوا إلی بلادهم، و الذین معهم من بادیتنا یطلبون المرعی لمواشیهم، و حصل هذا الحادث من بادیة العجمان، و تشمل من کان معهم، و أما نحن فعلی ما تعهدون من الصداقة بیننا و بینکم، و الطاعة للدولة و ترددت الرسائل بینهم فی ذلک و صلح أمرهم و لم یتعرض الباشا لأملاکهم.
و لما جاءت الأخبار إلی الإمام فیصل، رحمه اللّه تعالی، بمسیر العجمان و من معهم من عربان المنتفق، إلی أرض الکویت، و إن قصدهم المحاربة للمسلمین أمر علی جمیع الرعایا من المسلمین من البادیة و الحاضرة بالجهاد، و أوعدهم الحفنة الخبراء المعروفة فی العرمة.
و لمّا کان آخر شعبان من هذه السنة أمر الإمام فیصل ابنه عبد اللّه، أن یسیر بجنود المسلمین لقتال عدوهم، فخرج عبد اللّه المذکور من الریاض و معه أهل الریاض، و الخرج، و ضرما و الجنوب و عربان الریاض من سبیع و السهول، و توجه إلی (الحفنة) و نزل علیها أیاما، إلی أن اجتمعت علیه جنود المسلمین، ثم ارتحل منها و توجه إلی (الوفراء) فلما وصل هناک قدم علیه غزو عربان مطیر، و بنی هاجر، ثم ارتحل منها، و حث السیر، و عدا علی العجمان و من معهم من المنتفق، و هم علی الجهراء القریة المعروفة بالقرب من الکویت، و کان النذیر قد جاءهم بمسیر عبد اللّه بن الإمام فیصل إلیهم بجنود المسلمین و قد استعدوا للقتال و ظنوا أنهم لمن حاربهم سیغلبون، و أنهم لمن عداهم من الناس
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 166
سیقهرون، و اللّه غالب علی أمره و لکن أکثر الناس لا یعلمون، و أرسلوا إلی من حولهم من العربان یندبونهم لیحضروا عندهم.
فلما جاءتهم الأخبار تداعوا إلی النصرة أفواجا و تعاهدوا علی الثبات و عدم الفرار بأوثق العهود و جاءوا بالنساء و الأولاد و الأموال فنزلوا علی تلک الأشرار و قاموا یعرضون و یغنون، و أقبل علیهم المسلمون و هم علی تعبئة یهللون و یکبرون، فلما رأوهم فرحوا و استبشروا بقدومهم علیهم و جزموا أنهم لهم غنیمة سبقت إلیهم و قالوا: أیظن عبد اللّه الفیصل أننا مثل من لقی من عربان نجد، ألم یعلم أننا لظی الخطوب، و نار الوغی، و الحروب لنا و الهیجاء هی المراد و المنی، و نحن لها و هی لنا، و سیعلم ذلک و یعاین و یدری من هو علیه کائن. خزانة التواریخ النجدیة ؛ ج‌2 ؛ ص166
قرب المسلمون منهم نزلوا، فحین نزلوا ابتدرهم أولئک الطغاة و حملوا علی أهل الإسلام حملة لیس وراءها مزید و ظنوا أنهم مهما شردوا علیهم و شردوهم أعظم تشرید و بددوهم أقبح تبدید. فنهض إلیهم المسلمون و صدقوهم القتال و تجالدت الأبطال و صبر الفریقان و حمی الوطیس و صارت الهزیمة علی العجمان و من معهم من العربان لا یلوی أحد علی أحد، و لا والد علی ولد، و تبعهم المسلمون بالقتل و ألجاهم المسلمون إلی البحر و هو جازر فدخلوا فیه و وقف المسلمون علی ساحل البحر فمد البحر علی من فیه من العجمان و أتباعهم فأغرقهم، و هم نحو ألف و مائة رجل، و قتل منهم خلائق کثیرة، و غنم المسلمون منهم من الأموال ما لا یعد و لا یحصی، و ذلک فی الیوم الخامس عشر من رمضان من السنة المذکورة.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 167
و أقام عبد اللّه مدة أیام و قسم الغنائم و أرسل الرسل بالبشارة إلی به؟؟؟، و إلی بلدان المسلمین، و لما وصل خبر هذه الوقعة إلی أهل الزبیر و؟؟؟ البصرة، حصل لهم بذلک الفرح و السرور و استبشروا بما حصل علی عدائهم؟؟؟ من القتل و الذل و الثبور و أخذ الأموال، و کانوا علی خوف منهم، بعد؟؟؟ ما وقع بینهم من القتال فی أول هذه السنة کما تقدم.
و أرسل باشا البصرة إلی عبد اللّه بن فیصل، و هو فی منزلة ذلک،؟؟؟ دیة سنیة مع النقیب عبد الرحمن، و أرسل سلیمان الزهیری إلی عبد اللّه المذکور هدیة جلیلة مع محمد الصمیط. و أرسل السلطان هدیة لفیصل؟؟؟ فرمانا علی أن فیصل مفوضا علی جزیرة العرب، ثم إن عبد اللّه المذکور بعد ذلک قفل بمن معه من جنود المسلمین، راجعا إلی نجد، فلما وصل إلی الدهناء بلغه أن سحلی بن سقیان و من تبعه من بنی عبد اللّه من مطیر علی المنف بالقرب من بلد الزلفی، فعدا علیهم و أخذهم لأمور حدثت منهم و قتل منهم عدة رجال، منهم حمدی بن سقیان أخو سحلی قتله محمد بن الإمام فیصل.
ثم توجه إلی القصیم و نزل روضة الربیعة، و لما بلغ الخبر إلی أمیر بریدة، عبد العزیز المحمد بن عبد اللّه بن حسن، خاف علی نفسه فرکب خیله و رکابه، هو و أولاده حجیلان و ترکی و علی، و معهم عشرون رجلا من عشیرتهم، و من خدامهم، و هربوا من بریدة إلی عنیزة، ثم خرجوا منها متوجهین إلی مکة. و لما بلغ عبد اللّه بن فیصل خبرهم أرسل فی طلبهم سریة مع أخیه محمد بن الإمام فیصل فلحقوهم فی الشقیقة و أخذوهم، و قتلوا منهم سبعة رجال: و هم الأمیر عبد العزیز و أولاده، حجیلان و ترکی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 168
و علی، و عثمان الحمیضی، من عشیرة عبد العزیز المذکور من آل أبی علیان و العبد جالس بن سرور. و ترکوا الباقین و ذلک فی الثامن من شوال من السنة المذکورة.
ثم إن عبد اللّه رحل من روضة الربیعة و نزل فی بلد بریدة، و أقام فیها عدة أیام، و کتب إلی أبیه یخبره بمقتل عبد العزیز آل محمد و أولاده و یطلب منه أن یجعل فی بریدة أمیرا. فأرسل الإمام فیصل، رحمه اللّه تعالی، عبد الرحمن بن إبراهیم إلی بلد بریدة، و استعمله أمیرا فیها، و هدم عبد اللّه بیوت عبد العزیز المحمد، و بیوت أولاده، و قدم علیهم فی بریدة طلال بن عبد اللّه بن رشید، بغزو أهل الجبل من البادیة و الحاضرة.
و لما فرغ من هدم تلک البیوت ارتحل من بریدة بمن معه من جنود المسلمین، و عدا علی ابن عقیل و من الدعاجبین و العصمة و النفقة من عتیبة و هم علی الدوادمی فصبحهم و أخذهم ثم قفل راجعا إلی الریاض، مؤیدا منصورا.
و أذن لمن معه من أهل النواحی بالرجوع إلی أوطانهم، و کان عبد اللّه بن عبد العزیز المحمد قد أمر علیه الإمام فیصل بالمقام عنده فی الریاض، حین أذن لأبیه عبد العزیز بالسیر إلی بریدة کما تقدم فی السنة التی قبلها، فخرج عبد اللّه المذکور غازیا مع عبد اللّه بن الإمام فیصل فی هذه الغزو. فلما قرب من الریاض شرد من الغزو، فالتمسوه فوجدوه قد اختفی فی غار هناک، فأمسکوه و أرسلوه إلی القطیف، و حبسوه فیه فمات فی حبسه ذلک و کثرت التهانی من الرؤساء و المشایخ، للإمام فیصل بما منّ اللّه علیه به من العز و النصر، علی أعدائه المفسدین، الطغاة المعتدین، نظما و نثرا. و من أحسن ما قیل فی ذلک هذه القصیدة الفریدة للشیخ العالم
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 169
العلّامة أحمد بن علی بن حسین بن مشرف، رحمه اللّه تعالی، و هی علی البحر الطویل:
لک الحمد اللهم یا خیر ناصرلدین الهدی ما لاح نجم لناظر
و ما انفلق الإصباح من مطلع الضیافجل و جلی حالکات الدیاجر
لک الحمد ما هب النسیم من الصباو ما انهل و دق المعصرات المواطر
علی الفتح و النصر العزیز الذی سمافقرت به منا جمیع النواظر
و إظهار دین قد وعدت ظهوره‌علی الدین طرا فی جمیع الجزائر
وعدت فأنجزت الوعود و لم تزل‌معزا لأرباب التقی و البصائر
لک الحمد مولانا علی نصر حزبناعلی کل باغ فی البلاد و فاجر
و من بعد حمد اللّه جل ثناؤه‌علی نعم لم یحصها عد حاصر
نقول لأعداء بنا قد تربصواعلیکم أدیرت سیئات الدوائر
ألم تنظروا ما أوقع اللّه ربنابعجمانکم أهل الجدود العوائر
بأول هذا العام ثم بعجزه‌بأیام شهر الصوم إحدی الفواقر
همو بدلوا النعماء کفرا و جاهروابظلم و عدوان و فعل الکبائر
فکم نعمة نالوا و عزّا و رفعةعلی کل باد فی الغلاة و حاضر
إذا وردوا الأحساء یرعون خصبهاو فی برها نبت الریاض الزواهر
و کم أحسن الوالی إلیهم ببذله‌و بالصفح عنهم فی السنین الغوابر
و کم نعمة أسدی لهم بعد نعمةو لکنه أسدی إلی غیر شاکر
و من یصنع المعروف فی غیر أهله‌یلاقی کما لاقی مجبر أم عامر
لقد بطروا فی المال و العز و اجترواعلی حرمة الوالی و فعل المناکر
خمدوا ید الآمال للملک و اقتفوالکل خبیث ناکث العهد غادر
و أبدو الأهل الضغن ما فی نفوسهم‌من الحقد و البغضاء و خبث السرائر
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 170 همو حاولوا الأحساء و دون نیلهازوال ضربها و قطع الحناجر
فعاجلهم عزم الإمام بفیلق‌رماهم به مثل اللیوث الخوادر
و قدم فیهم نجله یخفق اللواعلیه و فی یمناه أیمن طائر
فأقبل من نجد بخیل سوابق‌تری الأکم منها سجدا للحوافر
فوافق فی الوفرا جموعا توافرت‌من البدو أمثال البحار الزواخر
سبیعا و جیشا من مطیر عرمرماو من آل قحطان جموع الهواجر
و لا تنس جمع الخالدین فإنهم‌قبائل شتی من عقیل بن عامر
فسار بموار من الجیش أظلمت‌له الأفق من نقع هنالک ثائر
فصبح أصحاب المفاسد و الخنابسعر القنا و المرهفات البواتر
بکاظمة حیث النقی جیش خالدبهرمز نقلا جاءنا بالتواتر
فلما أتی الجهراء ضاقت بجیشه‌و جالت بها الفرسان بین العساکر
فولی العدی الأدبار إذ عاینوا الردی‌بطعن و ضرب بالظبا و الحناجر
فما اعتصموا بالأبلجة مزبدمن البحر یعلو موجه غیر جازر
فنادرهم فی البحر للحوت مطعماو قتلی لسرحان و نمر و طائر
تفاءلت بالجبران و العز إذ أتی‌بشیر لنا عبد العزیز بن جابر
فواها لها من وقعة عبقریةتشیب لرؤیاها رؤوس الأصاغر
بها یسمر الساری إذا جد فی السری‌و یخطب من یعلو رؤوس المنابر
تفوح بمدح للإمام و نجله‌و معشره أهل العلی و المفاخر
کفاه من المجد المؤثل ما انتمی‌إلیه من العلیا و طیب العناصر
فشکرا إمام المسلمین لما جری‌و هل تثبت النعماء إلّا لشاکر
فهنیت بالعیدین و الفتح أولاوعیدکما الصوم إحدی الشعائر
و شکر الأیادی بالتواصی بالتقی‌بترک المناهی و امتثال الأوامر
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 171 صبرت فنلت النصر بالصبر و المنی‌و ما انقادت الآمال إلّا لصابر
فدونک من أصداف یجری لآلناإلی نظمها لا یهتدی کل شاعر
و بکرا عروسا برزت من خبائهاشبیهة غزلان اللواء النوافر
إلی حسنها یصبو و ینشد ذو الحجالک الخیر حدثنی بظبیة عامر
و أختم نظمی بالصلاة مسلماعلی من إلیه الحکم عند التشاجر
محمد المختار و الآل بعده‌و أصحابه الغر الکرام الأکابر
مدی الدهر و الأزمان ما قال قائل‌لک الحمد اللهم یا خیر ناصر
و فیها فی شوال توفی الشیخ العالم عبد الرحمن الثمیری قاضی بلدان سدیر رحمه اللّه تعالی و الثماری من زعب.
و فیها توفی أحمد بن محمد السدیری أمیر الأحساء من جهة الإمام فیصل بن ترکی رحمه اللّه تعالی، و السداری من الدواسر. و فیها أنزل اللّه الغیث و کثر الخصب.

ثم دخلت سنة ثمان و سبعون و مائتین و ألف:

و فیها أنزل اللّه المطر فی الخریف، و سالت بلد أشیقر، و تقطعت بعض أودیتها، من شدة السیل، و النخیل إذ ذاک قد کثر فیها الرطب، و لم یختلف من ثمر النخیل شی‌ء فی تلک السنة. و فی هذه السنة توفی محمد بن عبد اللطیف بن محمد بن علی بن معیوف الباهلی إمام جامع بلد أشیقر و عمره نحو ثلاث و تسعین سنة، رحمه اللّه تعالی. و فی شعبان من هذه السنة وقعت الحرب بین الإمام فیصل، رحمه اللّه تعالی، و بین أهل عنیزة فأمر الإمام علی البوادی أن یغیروا علی بلد عنیزة. فأغار علیها آل عاصم من قحطان فی آخر شعبان من السنة المذکورة و أخذوا أغناما. و أرسل الإمام سریة مع
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 172
صالح بن شلهوب إلی بریدة، و کتب إلی الأمیر عبد الرحمن بن إبراهیم یأمره أن یغیر بهم علی أطراف عنیزة. فلما کان فی شهر رمضان، أغار عبد الرحمن بن إبراهیم علی أهل عنیزة، و أخذوا إبلا و أغناما، ففزعوا علیه، و حصل بینهم و بینه قتال، و تکاثرت الأفزاع من أهل عنیزة، فترک لهم ابن إبراهیم ما أخذ منهم و انقلب راجعا إلی بریدة.
و لما کان فی شوال من السنة المذکورة قدم إلی عنیزة محمد الغانم من المدینة، و هو من آل أبی علیان رؤساء بریدة، و من الذین قتلوا ابن عدوان، کما تقدم فی سنة 1276 فشجعهم علی الحرب، و زین لهم السطوة علی بلد بریدة، فخرجوا من عنیزة علی خمس رایات، و قصدوا بریدة، فدخلوا آخر اللیل، و صاحوا فی وسط البلد، و قصد بعضهم بیت مهنا الصالح أبا الخیل، و بعضهم قصد القصر، و فیه الأمیر عبد الرحمن بن إبراهیم، وعدة رجال من أهل الریاض، و معه صالح بن شلهوب و أصحابه، فانتبه بهم أهل البلد، و نهضوا إلیهم من کل جانب، و وضعوا فیهم السیف و أخرجوهم من البلد، فانهزموا راجعین إلی بلادهم، و قتل منهم عدة رجال.
و لما وصل الخبر إلی الإمام فیصل، أمر علی بلدان المسلمین بالجهاد، و أرسل سریة إلی بریدة، و أمرهم بالمقام فیها عند ابن إبراهیم، ثم أمر علی غزو أهل الوشم و سدیر بالمسیر إلی بریدة، و استعمل علیهم أمیرا هو عبد اللّه بن عبد العزیز بن دغیثر، فساروا إلیها، و اجتمع عند ابن إبراهیم خلائق کثیرة، و کثرت الغارات منهم علی أهل عنیزة، ثم إنه حصل بین ابن إبراهیم و ابن دغیثر و من معهما من الجنود و بین أهل عنیزة وقعة فی رواق. و صارت الهزیمة علی ابن إبراهیم و من معه، و قتل من أتباعه
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 173
نحو عشرین رجلا منهم عبد اللّه بن عبد العزیز بن دغیثر، و قتل من أهل عنیزة عدة رجال. و بعد هذه الوقعة غضب الإمام فیصل رحمه اللّه تعالی، علی ابن إبراهیم لأشیاء، نقلت عنه، فاستلحقه من بریدة إلی الریاض و أمر بقبض جمیع ما عنده من المال.

ثم دخلت السنة التاسعة و السبعون بعد المائتین و الألف:

و فیها أمر الإمام فیصل علی ابنه محمد أن یسیر بغزو الریاض و الجنوب إلی بریدة و یسیر معه بمن فیها من غزو أهل الوشم و سدیر أهل عنیزة. فتوجه إلی بریدة، و معه الشیخ حسین بن حمد بن حسین ابن الشیخ محمد بن عبد الوهاب، و الشیخ عبد العزیز بن محمد بن علی ابن الشیخ محمد بن عبد الوهاب، و الشیخ ناصر بن عید، فلما وصلوا إلیها أمر علی من فیها من الجنود من أهل سدیر و الوشم بالمسیر معه، و قدم علیه عبید بن علی بن رشید، و ابن أخیه محمد بن عبد اللّه بن علی بن رشید بغزو أهل الجبل فسار- الجمیع إلی عنیزة، فلما وصلوا إلی الوادی- خرج إلیهم أهل عنیزة فحصل بین الفریقین قتال شدید، و صارت الهزیمة علی أهل عنیزة، قتل منهم نحو عشرین رجلا، و نزل محمد بمن معه من الجنود فی مقطاع الوادی، و شرعوا فی قطع نخیل الوادی.
فلما کان فی الیوم الخامس عشر من جمادی الآخرة من السنة المذکورة خرج علیهم أهل عنیزة، فحصل بین الفریقین قتال شدید، و صارت الهزیمة أولا علی محمد بن الإمام فیصل و من معه، و تتابعت هزیمتهم إلی خیامهم. فأمر اللّه سبحانه و تعالی السماء بالمطر، و کان غالب سلاح أهل عنیزة البنادق الفتیل، فبطل عملها من شدة المطر. فکر علیهم محمد و أصحابه فانهزم أهل عنیزة، و قتل منهم نحو أربعمائة رجل،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 174
و مات من الذین أصیبوا منهم قدر خمسین، فی بطن الدیرة، و أقام محمد هناک و أمر علی من معه من الجنود بقطع نخیل الوادی. فقطعوا غالبها، و احتصر أهل عنیزة، فی بلدهم، و قدم علی محمد ابن الإمام فیصل فی منزله ذلک طلال بن عبد اللّه بن علی بن رشید فی بقیة غزو أهل الجبل.
و لما کان فی شعبان من هذه السنة قدم محمد بن أحمد السدیری بلد الریاض و معه غزو أهل الحساء، فأمر الإمام علی ابنه عبد اللّه أن یسیر بهم و بباقی غزو و بلدان المسلمین. فخرج عبد اللّه بمن معه من جنود المسلمین و معهم المدافع و القبوس و توجه إلی بلد عنیزة، فلما وصل إلی شقراء أرسل المدافع و أثقاله إلی أخیه محمد، و هو إذ ذاک فی وادی عنیزة، ثم عدا عبد اللّه علی عربان عتیبة، و هم علی الرشاویة فأخذهم و توجه إلی عنیزة، و نزل علیه و حاصرها، و نصب علیها المدافع، و رماها رمیا هائلا و نزل علیه أخوه محمد بمن معه من الجنود، و اجتمع هناک جنود عظیمة لا یحصیها إلّا اللّه تعالی. و أحاطوا بالبلد، و ثار بینهم الحرب، و عظم الأمر و اشتد الخطب، و دامت الحرب بینهم أیاما.
ثم إن أهل عنیزة طلبوا الصلح من عبد اللّه بن الإمام فیصل. و کان أبوه قد ذکر له أنهم إن طلبوا الصلح فأجبهم إلیه، و إیاک و حربهم. و قد أکد علیه فی ذلک و ذکر له أن عقد الصلح معهم یکون علی یدی و مواجهتی. و کان، رحمه اللّه تعالی، إماما عادلا حسن السیرة رؤوفا بالرعیة محسنا إلیهم شفیقا علی المسلمین، حریصا علی مصالحهم، فکتبوا بذلک إلی الإمام فأجابهم إلی ذلک حقنا لدماء المسلمین، و رفقا بهم و أعطاهم الأمان علی أن الأمیر عبد اللّه الیحیی السلیم یقدم علیه فی بلد الریاض، و یحضر عنده. فخرج عبد اللّه آل یحیی، إلی عبد اللّه ابن
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 175
الإمام فیصل، و اعتذر و اعترف بالخطأ و الإساءة. و طلب منه العفو و الصفحة و المسامحة فقبل معذرته و صلحت حالهم. فحصل بذلک الأمن و الأمان للعباد و البلاد و أطفأ اللّه الفتنة و أزال المحنة و رجع عبد اللّه قافلا إلی الریاض و أذن لمن معه من أهل النواحی بالرجوع إلی أوطانهم.
و رکب معه عبد اللّه الیحیی بن سلیم أمیر عنیزة، و یحیی الصالح رئیس الخریزة إلی الریاض. و قدما علی الإمام فیصل، و جلسا بین یدیه و طلبا منه العفو و الصفح و عاهداه علی السمع و الطاعة، فعفا عنهما و سامحهما، رحمه اللّه تعالی و عفا عنه، فلقد کان إماما عادلا، مبارکا میمونا، صفوحا عن الجانی برّا تقیّا. و أقاما عنده فی الریاض مدة أیام ثم کساهما و أعطاها عطاء جزیلا، و أذن لهما بالرجوع إلی بلدهما. و لما وقع الصلح بین الإمام و بین أهل عنیزة، استعمل الإمام فیصل محمد بن أحمد السدیری أمیرا علی بریدة، و علی سائر بلدان القصیم، و کان قبل ذلک أمیرا علی الأحساء، و کان محمد السدیری المذکور من أفراد الدهر رأیا و کرما و شجاعة. و قدم بریدة و معه عدة رجال من خدامه و من أهل الریاض و نزل فی قصرها المعروف. و صلحت الأمور، و انحسمت الشرور. فقال العالم الشیخ العلّامة أحمد بن علی بن مشرف هذه القصیدة و هی علی البحر الکامل:
سبحان من عقد الأمور و حلهاو أعز شرعة أحمد و أجلها
و قضی علی فئة عتت عن أمره‌بهوانه فأهانها و أذلها
کفرت بأنعم ربها فأذاقهابأس الحروب فلا أقول لمن لها
و حمی سیاسة ملکنا بمهذب‌وال إذا ربت الحوادث فلها
بالعزم و الرأی السدید و إنمافیه الإناءة ذو الجلال أحلها
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 176 یدعو مخالفه إلی نهج الهدی‌فإذا أبی شهر السیوف و سلها
فسقی و روی أرضهم بدمائهم‌قتلا و أنهلها بذاک و علها
فی کل ملحة تعیش نسورهامنها و ترتاد السباع محلها
رجفت عنیزة هیبة من جیشه‌لما غش حیطانها و أظلها
فعصت غواة أوردها للردی‌و أمیر سوء قادها فأضلها
و اختارت السلم الذی حقن الدماإذا وافقت من الهدایة و لها
فتح به نصر المهیمن حزبه‌و أزاح أو غار الصدور و غلها
فانظر إلی صنع الملیک و لطفه‌و بعطفه کشف الشدائد کلها
لا تیأسن إذ الکروب ترادفت‌فلعلها و لعلها و لعلها
و اصبر فإن الصبر یبلغک المنی‌حتی تری قهر العدو أقلها
و الزم تقی اللّه العظیم ففی التقی‌عز النفوس فلا یجامع ذلها
و إذا ذکرت بمدحة ذا شیمةفإمامنا ممن تفیأ ظلها
أعنی أخا المجد المؤثل فیصلانفس تتوق إلی حماه تولها
کفاه فی بذل الندی کسحابةجاءت بوابلها فسابق ظلها
ما زال یسمو للعلا حتی حوی‌دق المکارم فی الفخار و جلها
یشری المدائح بالنفائس رغبةحتی بمفتاح اللها فتح لها
فإذا أناخ مصابرا لقبیلةفی الحرب أسأمها الوغی و أملها
ساس الرعیة حین قام بعدله‌و یبذله غمر النوال مقلها
منی إلیک فریدة هجریةحسناء یهوی کل صب دلها
طوت المفاوز نحو قصدک لم تهب‌لصّا و لا ذیب الفلاة وصلها
فأجز و عجل بالقراء فلم تزل‌تقری الضیوف بها و تحمل کلها
لا زلت بالنصر العزیز مؤیداتدعی الأعز و من قلاک أذلها
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 177 و اللّه أحمده علی نعمائه‌رب البریة ذا الجلال و إنّ لها
ثم الصلاة علی النبی محمدما باشر الأرض السماء قبلها
و الآل و الأصحاب ما نسخ الضیامن شمسنا وقت الظهیرة ظلها
و فی هذه السنة توفی سعید باشا ابن عم محمد علی والی مصر و أقیم بعدها إسماعیل باشا ابن إبراهیم بن محمد علی. و فیها ظهر الجراد و کان قد انقطع عن أهل نجد مدة سبعة عشر سنة و لم یروه فیها.

ثم دخلت سنة ثمانین و مائتین و ألف:

و فیها وفد علی الإمام فیصل رؤساء أهل الأحساء و طلبوا منه أن یرد لهم أمیرهم محمد بن أحمد السدیری. و کان الإمام جعله أمیرا فی بریدة کما تقدم فی السنة التی قبلها.
فأجابهم إلی ذلک، و کتب إلی السدیری و أمره بالقدوم علیه و جعل مکانه أمیرا فی بریدة سلیمان الرشید من آل أبی علیان، فقدم علیه، فأمره بالتجهز إلی الأحساء و کان الشیخ أحمد بن علی بن مشرف مع الوفد المذکورین فقال یمدح الإمام بهده القصیدة و هی علی البحر الطویل:
لقد لاح سعد النیرات الطوالع‌و غابت نحوس من جمیع المطالع
غداة أنخنا بالریاض رکابنابباب إمام تابع للشرائع
حریص علی إحیاء سنة أحمدو إخماد نیران الهوی و البدائع
یقیم اعوجاج الأمر بالبیض و القناو یحکم بالوحیین عند التنازع
و یحیی دروسا للعلوم بدرسهاو تقریب ذی علم قریب و شاسع
تقی نقی قانت متواضع‌و ما الفخر إلا بالتقی و التواضع
و ما زال للدین الحنیفی ناصرابتدمیر أوثان و تعمیر جامع
یعامل قوما بالأناة فإن تفدو إلا أفادتهم حدود اللوامع
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 178 و إن تسألا عن جوده و سخائه‌فکفاه مثل المعصرات الهوامع
فإن کنت عن علیاه یوما محدثافحدث و قرط بالحدیث مسامعی
هو المنهل الصافی یبل به الصدی‌فرده و دع آل البقاع البلاقع
به أمن اللّه البلاد فأصبحت‌لنا حرما فی الأمن من کل رائع
بمد حته فاه الزمان و أهله‌فحسبک من صیت له فیه شائع
یربی یتامی المسلمین کأنه‌لهم والد بربهم غیر دافع
و کم بائس عار کساه برفده‌و کم أشبعت یمناه من بطن جائع
قصدناه من هجر نؤمل رفده‌فجاء علینا بالمنی و المنافع
أعذناه بالرحمن من کید کائدو من شر شیطان و خب مخادع
و نستودع اللّه المهیمن ذاته‌و ربی کریم حافظ للودائع
و صلّ إله العالمین علی الذی‌أتانا بنور من هدی اللّه ساطع
محمد المبعوث للناس رحمةبأقوم دین ناسخ للشرائع
کذا الأل و الأصحاب ما هنت الصباو ما أطرب الأسماع صوت لساجع
و فی هذه السنة توفی صالح بن راشد، وکیل بیت مال الأحساء للإمام فیصل، و لما وصل خبر وفاته إلی الإمام جعل مکانه علی بیت المال فهد بن علی بن مغیصیب، و أذن الإمام لرؤساء الأحساء و الشیخ أحمد بن علی بن مشرف بالرجوع إلی بلدهم، و کساهم و أعطاهم عطاء جزیلا.
فتوجهوا إلیها و سار معهم الأمیر محمد بن أحمد السدیری و فهد بن علی بن مغیصیب. و فیها توفی ترکی بن حمید من شیوخ عتیبة.
و فیها حصل اختلاف بین أهل بریدة و بین أمیرهم سلیمان الرشید و کثرت منهم الشکایات، فعزله الإمام فیصل و أمر مکانه مهنا الصالح أبا الخیل، و آل أبی الخیل من عنزة.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 179
و فیها غلت الأسعار بیع التمر عشر وزان بالریال، و الحنطة خمسة أصواع بالریال، و السمن وزنتین بسبب انقطاع الحیا.

ثم دخلت السنة الحادیة و الثمانون بعد المائتین و الألف:

و فیها سار عبد اللّه بن الإمام فیصل بجنود المسلمین، فتوجه إلی الأحساء و کانت بادیة نعیم و معهم أخلاط من آل مرة و غیرهم قد أکثروا الغارات فی أطراف الأحساء، فعدا علیهم و صبحهم و هم علی حلبون، فأخذهم و قتل منهم جبر بن حمام شیخ نعیم و ابنه محمد و أقام علی حلبون أیاما ثم عدا علی آل مرة و معهم أخلاط من المناصیر فأخذهم، و صادف فی معداه ذلک رکبا من العجمان، فأخذهم و قتلهم ثم توجه راجعا. ثم نزل علی النجبیة و قسم الغنائم ثم قفل منها إلی الریاض و أذن لمن معه من أهل النواحی بالرجوع إلی أوطانهم.
و فیها فی آخر لیلة عرفة تاسع ذی الحجة توفی الشیخ إبراهیم بن محمد بن محمد بن حمد بن عبد اللّه بن عیسی، قاضی بلدان الوشم فی شقراء رحمه اللّه تعالی. و کان عالما فاضلا و فقیها، أخذ العلم عن الشیخ العالم الفاضل عبد العزیز بن عبد اللّه الحصین الناصری التمیمی، و عن العالم العلامة رئیس الموحدین و قامع الملحدین عبد الرحمن بن حسن بن شیخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، و عن الشیخ العالم العلامة و القدوة الفهامة، عبد اللّه بن عبد الرحمن أبا بطین العائذی، رحمهم اللّه تعالی.
ولّاه الإمام فیصل بن ترکی، رحمه اللّه تعالی، القضاء علی بلد شقراء، و جمیع بلدان الوشم فباشر بعفة و دیانة و صیانة و تثبت و تأن فی الأحکام، و کتب کثیرا من الکتب الجلیلة بخطه المتوسط فی الحسن، الفائق فی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 180
الضبط، و حصل کتبا کثیرة نفیسة فی کل کتاب منها خطه بتهمیش و تصحیح و إلحاق فوائد و تنبیهات، و أجاب علی مسائل عدیدة فی الفقه بجوابات سدیدة بدیعة رحمه اللّه تعالی.
و فیها توفی الشیخ عبد الرحمن بن محمد بن عبید إمام جامع جلاجل، و کانت وفاته فی مکة المشرفة بعد انقضاء الحج رحمه اللّه تعالی. و فیها وقع فی مکة وباء عظیم أیام الحج و هلک خلائق کثیرة.

ثم دخلت السنة الثانیة و الثمانون بعد المائتین و الألف:

و فی ربیع الأول منها توفی الشیخ عثمان بن عبد العزیز بن منصور بن حمد بن إبراهیم بن حسین بن محمد الناصری العمروی التمیمی الحنبلی النجدی قاضی سدیر رحمه اللّه تعالی.
و فی سابع جمادی الأولی منها توفی الشیخ الإمام و الحبر الهمام العالم العلامة و القدوة الفهامة عبد اللّه بن عبد الرحمن بن عبد العزیز بن عبد الرحمن بن عبد اللّه بن سلطان بن خمیس الملقّب کأسلافه أبا بطین- بضم الباء الموحدة و فتح الطاء المهملة و سکون الیاء المثناة التحتیة و آخره نون- العائذی نسبا الحنبلی مذهبا النجدی بلدا. و کانت ولادته فی بلد الروضة من بلدان سدیر لعشر بقین من ذی القعدة سنة أربع و تسعین و مائة و ألف، و نشأ بها نشأة حسنة فی الدیانة و الصیانة و العفاف و طلب العلم و قرأ علی عالمها الشیخ محمد بن الحاج عبد اللّه بن طراد الدوسری الحنبلی، فمهر فی الفقه وفاق أهل عصره فی إبان شبیبته. ثم ارتحل إلی بلد شقراء أم بلدان الوشم و استوطنها و قرأ علی قاضیها الشیخ العالم الفاضل الورع الصالح عبد العزیز بن عبد اللّه الحصین- بضم الحاء
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 181
المهملة تصغیر حصان- الناصری التمیمی فی التفسیر و الحدیث و الفقه و أصوله و أصول الدین حتی برع فی ذلک کله.
و أخذ أیضا عن الشیخ الفاضل أحمد بن حسن بن رشید العفالقی الأحسائی ثم المدنی الحنبلی، و عن الشیخ العالم العلامة المتقن حمد بن ناصر بن عثمان بن معمر التمیمی، وجد و اجتهد حتی صار منارا یهتدی به السالکون و إماما یقتدی به الناسکون. و لما استولی الإمام سعود بن عبد العزیز بن محمد بن سعود علی الحرمین الشریفین فیما بعد العشرین و مائتین و ألف ولّاه قضاء الطائف فباشره بفقه و دیانة و صیانة و تثبت و تأن فی الأحکام. و جلس هناک للتدریس و التعلیم، و قرأ علیه جماعة کثیرة فی الحدیث و التفسیر و عقائد السلف و انتفع به خلائق کثیرة. و قرأ هو علی السید حسین الجفری فی النحو حتی مهر فیه ثم إنه رجع إلی بلده شقراء و صار قاضیا فیها و فی جمیع بلدان الوشم، و جلس فی شقراء للتدریس و التعلیم و انتفع الناس بعلمه و أخذ عنه العلم جماعة منهم الشیخ محمد بن عبد اللّه بن سلیم و الشیخ محمد بن عمر بن سلیم، و الشیخ علی بن محمد بن علی بن حمد بن راشد، و الشیخ إبراهیم بن حمد بن عیسی و ابنه الشیخ عبد اللّه بن عبد الکریم بن معیقل، و الشیخ محمد بن عبد اللّه بن مانع، و ابنه عبد الرحمن، و الشیخ صالح بن حمد بن بن نصر اللّه و غیرهم.
ثم إن الإمام ترکی بن عبد اللّه بن سعود أرسله إلی بلد عنیزة قاضیا علیها و علی جمیع بلدان القصیم، و ذلک فی سنة ثمان و أربعین و مائتین و ألف، فباشر القضاء هناک سنین عدیدة، و اشتهر بحسن السیرة و الورع و الدیانة و العفاف و أحبه عامة الناس و خاصتهم و قرأوا علیه و انتفعوا به.
و کان جلدا علی التعلیم و التدریس لا یمل و لا یضجر و لا یرد طالبا، کریما
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 182
سخیا ساکتا وقورا، دائم الصمت، قلیل الکلام، کثیر التهجد و العبادة، قلیل المجی‌ء إلی الناس، و حسن الصوت بالقراءة. علی قراءته هیبة مرتلة مجودة، و کتب کثیرا من الکتب الجلیلة بخطه الحسن المتقن المضبوط و اختصر بدائع الفوائد لشمس الدین ابن القیم فی نحو نصفه.
و کتب علی شرح المنتهی حاشیة نفیسة جردها من هوامش نسخته تلمیذه ابن بنته الشیخ عبد الرحمن بن الشیخ محمد بن عبد اللّه بن مانع فجاءت فی مجلد ضخم. و ألف مؤلفات کثیرة مفیدة منها رسالة فی تجوید القرآن، و منها کتاب فی الرد علی داود بن سلیمان بن جرجیس العراقی سماه «کشف تلبیس داود بن جرجیس» أجاد فیه و أفاد، و منها الانتصار رد علی داود أیضا و کان سدید الفتاوی و التحریرات. له فتاوی لو جمعت لجاءت فی مجلد ضخم، لکنها لا توجد مجموعة و یا لیتها جمعت فإنها عظیمة النفع.
و لمّا کان فی سنة سبعین و مائتین و ألف رجع من عنیزة إلی بلده شقراء و أقام بها، و لم یزل مستمرا علی حاله الجملیة معرضا عن القال و القیل ماشیا علی أهدی سبیل إلی أن توفی فی هذه السنة المذکورة رحمه اللّه تعالی و عفا عنه بمنّه و کرمه.
و فیها فی جمادی الآخرة توفی محمد بن عبد اللطیف إمام مسجد بلد الدوادمی، و کانت وفاته فی بلد الریاض رحمه اللّه تعالی.
و فیها لتسع بقین من رجب توفی الإمام فیصل بن ترکی بن عبد اللّه ابن محمد بن سعود بن مقرن بن مرخان بن إبراهیم بن موسی بن ربیعة بن مانع بن ربیعة المریدی الحنفی فی بلد الریاض، رحمه تعالی. و کان إماما
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 183
عادلا حلیما مهابا، وافر العقل، سمحا کریما، حسن السیرة، سهل الأخلاق، محبا للعلماء و مجالسا لهم، کثیر الخوف من اللّه تعالی، عفیفا تقیّا، صادقا ناسکا، کثیر العبادة رؤوفا بالرعیة، محسنا إلیهم مبارکا میمونا، کثیر الصدقة و المعروف، شدید البحث عن الأیتام و الفقراء و أحوالهم، یتفقدهم بالبر و العطاء. و کان کثیرا ما یرسل إلی کل بلد من بلدان المسلمین کثیرا من الصدقات تقسم علی الفقراء و المساکین و بالجملة ففضائله أشهر من أن تذکر و مناقبه أکثر من أن تحصر. و قد رثاه الشیخ العالم أحمد بن علی بن حسین بن مشرف «المالکی الأحسائی» بهذه القصیدة الفریدة رحمه اللّه تعالی، و مدح بآخرها الإمام عبد اللّه بن فیصل القائم بالأمر من بعد أبیه رحمه اللّه تعالی و هی علی البحر الطویل:
علی فیصل بحر الندی و المکارم‌بکینا بدمع مثل صوب الغمائم
إمام نفی أهل الضلالة و الخنابسمر القنا و المرهقات الصوارم
فکم فل من جمع لهم جاء صائلاو أفنی رؤساء منهم فی الملاحم
یجر علیهم جحفلا بعد جحفل‌و یرمیهم فی حربه بالقواصم
فما زال هذا دأبه فی جهادهم‌تغیر بنجد خیله و التهائم
إلی أن أقیم الدین فی کل قریةو أصبح عرش الملک عالی الدعائم
و أخلی القری من کل شرک و بدعةو ما زال ینهی عن رکوب المحارم
و عطی جزیل المال محتقرا له‌سماحا و یعفو عن کثیر الجرائم
مناقب جود قد حواها جبلةفحاز الثنا من عربها و الأعاجم
تغمده المولی الکریم برحمةو أسکنه الفردوس مع کل ناعم
فلا جزع مما قضی اللّه فاصطبرو إلا ستسلو مثل سلو البهائم
فلما تولی خلف الملک بعده‌لنجل خلیق بالإمامة حازم
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 184 فقام بعون اللّه للملک سائسارعیته مستیقظا غیر نائم
فتابع أهل العدل فی کف کفه‌عن المکس إن المکس شر المظالم
شابه فی الأخلاق والده الذی‌فشا ذکره بالخیر بین العوالم
و قرب أهل الفضل و العلم و النهی‌و جانب أتباع الهوی غیر نادم
و من یستشر فی أمره کل ناصح‌لبیب یکن فیما جری غیر آثم
علی یده جل الفتوح تتابعت‌فساوی القری فی الأمن مرعی السوائم
و أسلمت الأعراب کرها و جانبواحضورا لدی الطاغوت عند التحاکم
فذکرنا عبد العزیز و شیخه‌و ما کان فی تلک اللیالی القوادم
فلا زال منصور اللواء مؤیداعلی کل باغ معتد و مخاصم
و دونک أبیاتا حوت کل مدحةفأضحت کمثل الدر فی سلک ناظم
و نهدی صلاة اللّه خالقنا علی‌نبیّ عظیم القدر للرسل خاتم
محمد الهادی و أصحابه الألی‌حموا دینه بالمرهفات الصوارم
صلاة و تسلیما یدومان ما سرت‌نسیم الصبا و انهل صوب الغمائم
و هذا الذی ذکرته بعض ما فعله من الحسنات لو بسطت القول فی وقائعه و غزواته، و ما مدح به من الأشعار، و ما فعله من الخیرات لاحتجت إلی عدة مجلدات و کان له رحمه اللّه تعالی أربعة أولاد و هم: عبد اللّه، و محمد، و سعود، و عبد الرحمن، و بایع المسلمون بعده و فی عهده ابنه عبد اللّه، فضبط الأمور و ساس الملک أتم سیاسة، و سار سیرة جمیلة، و نشر العدل، و کان شجاعا مهابا وافر العقل سمحا کریما وافر الحشمة حکیما جوادا ذا حزم و دهاء و لکن لم تتم له الولایة، فإنه نازعه أخوه
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 185
سعود بن فیصل. و جرت بینهما عدة وقائع و منافسات علی الملک یأتی ذکرها إن شاء اللّه تعالی. و کانت أیامه رحمه اللّه تعالی منغصة علیه مکدرة من کثرة المخالفین.
و فی هذه السنة شرع الإمام عبد اللّه بن فیصل المذکور فی بناء قصره الجدید المعروف فی بلد الریاض.

ثم دخلت السنة الثالثة و الثمانون بعد المائتین و الألف:

و فیها توفی طلال بن عبد اللّه بن رشید أمیر الجبل أصابه خلل فی عقله فقتل نفسه و تولی الإمارة بعده أخوه متعب.
و فیها أمر الإمام عبد اللّه الفیصل علی جمیع رعایاه من البادیة و الحاضرة بالجهاد، و سار بهم إلی ناحیة الشمال فأغار علی عربان الظفیر، و هم علی شقراء المعروفة بالقرب من الهور بالقرب من بلد الزبیر. و کان قد سبقها النذیر إلیهم و انهزموا فأخذ علیهم إبلا و أغناما و کان مغاره بعیدا فتقطعت بعض خیله و لم یستفد کثیرا، ثم قفل إلی الریاض و أذن لمن معه من أهل النواحی بالرجوع إلی أوطانهم و کان معه أخوه سعود بن فیصل، و کان بینهما مغاضبة و کان عبد اللّه یخاف منه و قد جعل علیه عیونا لئلا یبدر منه بادرة. و کان قد حجر علیه فی بیته فی الریاض فلا یدخل علیه أحد و جعل رجلین عند بابه حافظین له. و کان إذا غزا أمر سعودا بالغزو معه. فلما کان بعد قدومهم الریاض بأیام قلیلة، هرب أخوه سعود من الریاض فی اللیل، و معه ابنه محمد إلی بلدان عسیر مغاضبا لأخیه عبد اللّه. و توجه إلی محمد بن عائض بن مرعی رئیس بلدان عسیر فقدم علیه، و أقام عنده مدة و طلب منه النصرة.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 186
و لما علم الإمام عبد اللّه بن فیصل باستقرار أخیه سعود عند ابن عائض المذکور أرسل إلی عائض بهدیة صحبة الشیخ حسین بن حمد بن حسین بن الشیخ محمد بن عبد الوهاب قاضی بلد حریق نعام، و الشیخ سعد بن ربیعة. و کتب إلیه بأن خروج سعود من الریاض من غیر سبب یوجب ذلک، و أن مراده قطیعة الرحم و الشقاق. و کتب إلی سعود یأمره بالقدوم إلیه و أنه یعطیه ما طلب فأبی سعود أن یرجع إلیه، و أقام الشیخ حسین و سعد بن ربیعة هناک مدة أیام، و قد أکرمهما محمد بن عائض غایة الإکرام. و لما یئسا من رجوع سعود طلبا من ابن مرعی الإذن لهما بالرجوع، و أرسل معهما هدیة جلیلة للإمام عبد اللّه بن فیصل، و رسالة إلیه علی أن سعود بن فیصل قدم علینا، و طلب منا المساعدة، و القیام معه فلم نوافقه علی ذلک، و أشرنا علیه بالرجوع و ترک الشقاق فلم یقبل. و لما تحقق سعود من ابن مرعی عدم المساعدة له خرج من عنده، و توجه إلی نجران و نزل علی رئیس نجران المسمی بالسید، و أقام عنده و طلب منه النصرة فأجابه إلی ذلک و قدم علی سعود فی نجران فیصل المرضف من شیوخ آل مرة، و علی ابن سریعة من شیوخ آل ثامر. و کتب إلیه مبارک بن رویة رئیس السلیل یأمره بالقدوم علیه و یعده القیام معه و النصرة له، و اجتمع علی سعود بن فیصل خلائق کثیرة من یام، و أمده رئیس نجران بمال، و أرسل معه اثنین من أولاده و خلقا کثیرا من جنده و أتباعه، فسار سعود بمن معه من الجنود فقدموا علی مبارک بن رویة فی السلیل.
و فیها غزا عبد اللّه الفیصل و أغار علی ابن ربیعان من عتیبة فی طلال، و أخذ منه إبلا و أغناما، ثم أدی إلیه جمیع ما أخذ منه لأنه قد زکی فی السنة المذکورة.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 187
و لما وصل الخبر بذلک إلی الإمام عبد اللّه بن فیصل أمر بغزو أهل سدیر، و المحمل أن یقدموا علیه فی بلد الریاض لقتال أخیه سعود، فسار محمد بتلک الجنود و استنفر من حوله من العربان، فالتقی الجمعان فی المعتلی المعروف فی وادی الدواسر. و کان مع محمد بن فیصل ابن عمه سعود بن جلوی بن ترکی، فهرب من محمد بن فیصل إلی سعود بن فیصل فی اللیلة التی حصلت الوقعة فی صبیحتها. و صارت بینهم وقعة شدیدة، و صارت الهزیمة علی سعود و أتباعه و قتل منهم عدة رجال منهم علی بن سریعة، و أبناء رئیس نجران، و جرح سعود جراحات کثیرة فی یدیه و فی سائر بدنه، و حصل فی یدیه عیب شدید و سار مع عربان آل مرة إلی جهة الأحساء و قتل من أتباع محمد بن فیصل عدة رجال منهم عبد اللّه بن حمد آل مبارک أمیر بلد حریملاء، و عبد اللّه بن ترکی بن ماضی من رؤساء بلد روضة سدیر.
ثم قفل محمد بن فیصل بعد هذه الوقعة إلی بلد الریاض، و أذن لمن معه من أهل النواحی بالرجوع إلی أوطانهم. و أما سعود بن فیصل فإنه أقام عند آل مرة إلی أن برئت جراحاته، ثم سار إلی عمان و أقام هناک. و فی لیلة الاثنین من رجب من السنة المذکورة تساقطت النجوم حین بقی ثلث اللیل إلی أن جاء النهار، و اللّه علی کل شی‌ء قدیر.
و فیها أمر عبد اللّه بن فیصل عمه عبد اللّه بن ترکی أن یسیر إلی الأحساء و یحرق بیوت العجمان التی فی الرقیقة فسار إلی الأحساء، و حرق جمیع العشاش التی فی الرقیقة.
و فیها عزل محمد بن أحمد السدیری عن إمارة الأحساء، و صار مکانه ناصر بن جبر الخالدی.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 188

ثم دخلت السنة الرابعة و الثمانون بعد المائتین و الألف:

و فیها أمر الإمام عبد اللّه بن فیصل علی عمه عبد اللّه بن ترکی بالمسیر إلی الأحساء، و أمره أن یحبس کل من ظفر به هناک من بادیة العجمان، و أن یحرق بیوتهم التی لهم فی الرقیقة. فسار عبد اللّه المذکور فی سریة من أهل الریاض و الوشم و سدیر. و لما وصل إلی الأحساء قبض علی من وجده من العجمان هناک، و حبسهم و أحرق البیوت و الصرائف التی لهم فی الرقیقة.
و کان أمیر الأحساء إذ ذاک محمد بن أحمد السدیری، فکتب إلیه الإمام و أمره بالقدوم علیه فی بلد الریاض. فسار محمد المذکور من الأحساء، و قدم علی الإمام عبد اللّه فی بلد الریاض، و عزله من إمارة الأحساء، و جعل مکانه أمیرا ناصر بن جبر الخالدی، و فیه توفی محمد بن عبد اللّه آل قاضی الشاعر المشهور فی بلد عنیزة رحمه اللّه تعالی کان أدیبا سریا کریما موصوفا بالعقل و الذکاء، و مکارم الأخلاق، و فی جمادی الثانیة توفی سلیمان بن عیاف فی بلد أشیقر.

ثم دخلت السنة الخامسة و الثمانون بعد المائتین و الألف:

و فیها أمر الإمام عبد اللّه بن فیصل علی جمیع بلدان المسلمین بالجهاد، و خرج من الریاض یوم خامس عشر من المحرم، و نزل علی بنبان و استلحق غزو أهل البلدان و العربان. فلما اجتمعوا هناک سار بهم إلی وادی الدواسر، و أقام هناک نحو شهرین و أخذ منهم أموالا کثیرة، و هدم بیوتا، و قطع نخیلا لقیامهم مع سعود کما تقدم. ثم قفل إلی الریاض و أذن لمن معه من أهل النواحی بالرجوع إلی أوطانهم.
و فیها توفی الشیخ سعود بن محمد بن سعود بن حمد بن محمد بن سلمان بن عطیة قاضی بلد القویعیة رحمه اللّه تعالی، و تولی القضاء بعده
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 189
فیها ابنه محمد. و فیها توفی الشیخ عثمان بن علی بن عیسی قاضی بلدان سدیر، و هو من سبیع رحمه اللّه تعالی.
و فیها حج أهل العارض کبیرهم عبد العزیز بن ناهض راعی البرود، و حج فی هذه السنة عبد اللّه بن ترکی بن عبد اللّه بن محمد بن سعود.
و فیها توفی الشیخ العالم العلامة و القدوة الفهامة أحمد بن علی بن حسین بن مشرف المالکی الأحسائی، و هو من المشارفة من الوهبة من تمیم رحمه اللّه تعالی. کان إماما عالما فاضلا سلفیّا حسن العقیدة أدیبا لبیبا شاعرا بارعا ماهرا. و له دیوان شعر مشهور، و تولی القضاء فی الأحساء، و کان ضریر البصر رحمه اللّه تعالی.
و فیها عشیة یوم السبت حادی عشر ذی القعدة الحرام توفی الشیخ الإمام العالم الفاضل القدوة رئیس الموحدین، و قامع الملحدین عبد الرحمن بن حسن بن شیخ الإسلام، و قدوة الأعلام الشیخ محمد بن عبد الوهاب رحمه اللّه تعالی. کان إماما بارعا محدثا فقیها ورعا نقیا تقیا صالحا، له الید الطولی فی جمیع العلوم الدینیة. أخذ العلم عن عدد من العلماء الأفاضل. قال رحمه اللّه تعالی فیما کتبه إلی بعض العلماء و قد سأله عمن أخذ عنه من المشایخ فی نجد و مصر: و أما ما طلبت من روایتی عن مشایخی رحمهم اللّه تعالی، فأقول: إعلم إنی قرأت علی شیخنا الجد رحمه اللّه تعالی فی کتاب التوحید من أوله إلی أبواب السحر، و جملة من آداب المشی إلی الصلاة، و حضرت علیه مجالس کثیرة فی البخاری، و التفسیر، و کتب الأحکام بقراءة شیخنا الشیخ عبد اللّه بن ناصر و غیرهم.
و سنده رحمه اللّه معروفا تلقاه عن عدد من أهل المدینة و غیرهم روایة خاصة و عامة.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 190
و منهم محمد حیاة السندی، و الشیخ عبد اللّه بن إبراهیم القرضی الحنبلی، و قرأت و حضرت جملة کثیرة من الحدیث و الفقه علی الشیخین المشار إلیهما أعلاه. و شیخنا الشیخ حسین و حضرت قراءته و أنا إذ ذاک فی سن التمییز علی والده رحمه اللّه تعالی. و شیخنا الشیخ حمد بن ناصر رحمه اللّه تعالی قرأت علیه فی مختصر الشروح، و المقنع. و شیخنا الشیخ عبد اللّه بن فاضل رحمه اللّه قرأت علیه فی السیرة. و شیخنا عبد الرحمن بن خمیس قرأت علیه فی شرح الشنشوری فی الفرائض، و شیخنا أحمد بن حسن بن رشید الحنبلی قرأت علیه فی شرح الجزریة للقاضی زکریا الأنصاری. و شیخنا الشیخ أبو بکر حسین بن غنام قرأت علیه شرح الفاکهی علی المتممة فی النحو.
و أما مشایخنا من أهل مصر فمن فضلائهم فی العلم الشیخ حسن القوینی حضرت علیه «شرح جمع الجوامع» فی الأصول للمحلی، و مختصر السعد فی المعانی و البیان، و ما فاتنی من الکتابین یسیر. و أکبر من لقیت بها من العلماء الشیخ عبد اللّه بن سویدان، و أجازنی هو و الذی قبله بجمیع مرویاتهما، و دفع لی کل واحد نسخته المتضمنة لأوائل الکتب التی رویاها بسندهما إلی الشیخ المحدث عبد اللّه بن سالم البصری شارح البخاری، و لقیت بها الشیخ عبد الرحمن الجبرتی، و حدثنی بالحدیث المسلسل بالأولیة بشروطه. و هو أول حدیث سمعته منه قرأته علیه بسنده حتی انتهی إلی الإمام سفیان بن عیینة رحمه اللّه تعالی، عن أبی قابوس مولی عبد اللّه بن عمرو بن العاص، عن عبد اللّه بن عمرو رضی اللّه عنهما، أن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم قال: «الراحمون یرحمهم الرحمن تبارک و تعالی ارحموا من فی الأرض یرحمکم من فی السماء». و أجازنی بجمیع مرویاته
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 191
عن الشیخ مرتضی الحسینی عن الشیخ عمر بن أحمد الجوهری کلاهما عن عبد اللّه بن سالم البصری، و هو یروی عن ابن عبد اللّه محمد بن علاء الدین البابلی عن الشیخ سالم السنهوری عن النجم الغیطی، عن شیخ الإسلام زکریا الأنصاری، عن الحافظ شیخ الإسلام أحمد بن علی بن حجر العسقلانی صاحب «فتح الباری». و أکثر روایات من ذکرنا من مشایخنا للکتب، انتهی إلیه.
فأما روایتهم للبخاری فرواه الحافظ ابن حجر عن إبراهیم بن أحمد التنوخی، عن أحمد بن أبی طالب الحجار، عن الحسین بن مبارک الزبیدی الحنبلی، عن أبی الوقت عبد الأول بن عیسی السجزی الهروی، عن الداودی، عن عبد اللّه بن حمویه السرخسی، عن الفربی، عن الإمام البخاری رحمه اللّه، و قرأت علیه أسانیده عن شیخه المذکور متصلة إلی مؤلفی الکتب الحدیثة، کالإمام أحمد، و مسلم، و أبی داود، و النسائی، و الترمذی، و ابن ماجه رحمهم اللّه تعالی، فأجازنی بها و بسند مذهبنا بروایته عن شیخه المذکور عن السفارینی النابلسی الحنبلی، عن أبی المواهب متصلا إلی إمامنا رحمه اللّه تعالی.
و أما الشیخ عبد اللّه بن سویدان فأجازنی بجمیع ما فی نسخه عبد اللّه بن سالم المعروف بمصر و نقلها من أصله فهی إلی الآن موجودة عندنا، مسندة إلی الشیخ المذکور بروایته عن شیخه محمد بن أحمد الجوهری عن أبیه أحمد عن شیخه عبد اللّه بن سالم. و قد تقدم سیاق سنده إلی البخاری و أجاز لی روایة مذهب إمامنا بروایته له عن الشیخ أحمد الدمنهوری، عن الشیخ أحمد بن عوض عن شیخه محمد الخلوتی، عن شیخه الشیخ منصور البهوتی، عن الشیخ عبد الرحمن البهوتی، عن
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 192
الشیخ یحیی ابن الشیخ موسی الحجاوی، عن أبیه، و سند الأب مشهور إلی الإمام أحمد.
و أما الشیخ حسن القوینی فأجازنی بجمیع ما فی نسخه عبد الإله بن سالم البصری المذکور بروایته عن الشیخ عبد اللّه الشرقاوی، عن الشیخ محمد بن سالم الخفنی، عن الشیخ عبد اللّه بن علی النمرسی، عن الشیخ عبد اللّه بن سالم البصری، قال: و أخذت صحیح البخاری، جمیعه عن الشیخ داود القلعی، عن الشیخ أحمد بن جمعة البجیری، عن الشیخ مصطفی الاسکندرانی المعروف بابن الصباغ، عن الشیخ عبد اللّه بن سالم بسنده المتقدم. قال: و أخذت الصحیح عن شیخنا الشیخ سلیمان البجیری، عن الشیخ محمد العشماوی، عن الشیخ أبی العز العجمی، عن الشیخ محمد الشوبری، عن محمد الرملی، عن شیخ الإسلام زکریا الأنصاری، عن الحافظ بن حجر العسقلانی، عن التنوخی عن الشیخ سلیمان بن حمزة، عن الشیخ علی بن الحسین بن النمیر، عن أبی الفضل ابن ناصر عن الشیخ عبد الرحمن بن مندة، عن محمد بن عبد اللّه الجوزقی، عن مکی بن عیدان النیسابوری، عن الإمام مسلم عن الإمام البخاری رضی اللّه عنهم أجمعین.
قلت: و بهذا السند روی صحیح مسلم أیضا. و لقیت بمصر مفتی الجزائر محمد بن محمود الجزائری الحنفی الأثری فوجدته حسن العقیدة، طویل الباع فی العلوم الشرعیة. و أول حدیث حدثنیه المسلسل بالأولیة:
رواه لنا عن شیخه حمودة الجزائری بشرطه متصلا إلی سفیان بن عیینة کما تقدم. و أجازنی بمرویاته عن شیخه المذکور، و شیخه علی بن الأمین و قرأت علیه جملة من الأحکام الکبری للحافظ عبد الحق الأشبیلی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 193
رحمه اللّه تعالی، و کتب أسانیده فی الثبت الذی کتبه عنه.
و ممن وجدته أیضا بمصر الشیخ إبراهیم العبیدی المقری‌ء شیخ مصر فی القراءات یقرأ العشر، و قرأت علیه أول القرآن. و أما الشیخ أحمد بن سلمونة فلی به اختصاص کثیر، و کان رجلا حسن الخلق، متواضعا له الید الطولی فی القراءات قرأت علیه کثیرا من الشاطبیة، و شرح الجزریة لشیخ الإسلام زکریا الأنصاری. و قرأت علیه کثیرا من القرآن، و أجاد و أفاد و هو مالکی المذهب.
و منهم الشیخ یوسف الصاوی قرأت علیه الأکثر من شرح الخلاصة لابن عقیل رحمه اللّه. و منهم إبراهیم الباجوری قرأت علیه شرح الخلاصة للأشمونی إلی الإضافة، و حضرت علیه فی السلم. و علی محمد الدمنهوری فی الاستعارات، و الکافی فی علمی العروض و القوافی. قرأه لنا بحاشیته فی الجامع الأزهر عمره اللّه تعالی بالعلم و الإیمان، و جعله محلا للعمل بالسنة و جمیع المدن و الأوطان. إنه واسع الامتنان و صلّی اللّه علی أشرف المرسلین محمد و علی آله و صحبه أجمعین. انتهی ما کتبه رحمه اللّه تعالی.
و لما قدم من مصر إلی بلد الریاض أکرمه الإمام ترکی بن عبد اللّه بن محمد بن سعود غایة الإکرام. و ذلک فی سنة إحدی و أربعین و مائتین و ألف. و کان قد نقله إبراهیم باشا بعد استیلائه علی الدرعیة فیمن نقل من آل سعود، و آل الشیخ ففرح المسلمون بقدومه، و جلس للتدریس فانتفع الناس بعلومه، و أخذ عنه خلائق کثیرة. فممن أخذ عنه و انتفع به ابنه الشیخ عبد اللطیف قرأ علیه فی مصر. ثم قرأ علیه فی الریاض بعد قدومه
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 194
من مصر. و الشیخ حسن بن حسین بن الشیخ محمد بن عبد الوهاب، و الشیخ عبد الملک بن الشیخ محمد بن عبد الوهاب و عبد الرحمن بن حسین بن الشیخ محمد بن عبد الوهاب، و الشیخ حسین بن حمد بن حسین بن الشیخ محمد بن عبد الوهاب، و الشیخ عبد اللّه بن حسن بن حسین بن الشیخ محمد بن عبد الوهاب، و الشیخ عبد العزیز بن محمد بن علی بن الشیخ محمد بن عبد الوهاب، و الشیخ عبد العزیز بن عثمان بن عبد الجبار بن شبانة، و الشیخ عبد الرحمن الثمیری، و الشیخ عبد اللّه بن جبر، و الشیخ حمد بن عتیق، و الشیخ محمد بن سلطان، و الشیخ عبد العزیز بن حسن بن یحیی، و الشیخ محمد بن إبراهیم بن عجلان، و الشیخ محمد بن عبد العزیز، و الشیخ عبد الرحمن بن عدوان، و الشیخ محمد بن إبراهیم بن سیف، و الشیخ عبد اللّه بن علی بن مرخان، و شیخنا الشیخ علی بن عبد اللّه بن عیسی، و شیخنا الشیخ أحمد بن إبراهیم بن عیسی، و الشیخ عبد الرحمن بن محمد بن مانع، و الشیخ محمد بن عبد اللّه بن سلیم، و الشیخ محمد بن عمر بن سلیم، و غیرهم.
و کان رحمه اللّه تعالی ملازما للتدریس مرغبا فی العلم معینا علیه کثیر الإحسان للطلبة لین الجانب کریما سخیا ساکنا وقورا، کثیر العبادة، و ألف کتبا مفیدة منها: «فتح المجید بشرح کتاب التوحید»، و کتاب فی الرد علی داود بن سلیمان بن جرجیس العراقی، و کتاب الرد علی عثمان بن منصور، و غیر ذلک. و أجاب علی أسئلة عدیدة بأجوبة مسددة بدیعة لو جمعت لجاءت فی مجلد ضخم لکنها لا توجد مجموعة و یا لیتها جمعت فإنها عظیمة النفع، و له غیر ذلک و لم یزل علی حسن الاستقامة، و الإعزاز التام، و نفوذ الکلمة عند ولاة الأمر فمن دونهم إلی أن توفاه اللّه
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 195
تعالی فی التاریخ المذکور. و قد رثاه تلمیذه الشیخ عبد الرحمن بن عبد اللّه بن مانع الوهیبی التمیمی بهذه القصیدة و هی علی بحر الطویل:
ترد رداء الصبر فی حادث الأمرو فوض بتسلیم مع الحمد و الشکر
فنعم احتساب المری‌ء فی حال رزئه‌و نعم إدراع الصبر فی العسر و الیسر
لقد ساءنا ما جاءنا من مبلغ‌مشیع بها یهدی إلی المسمع الوفر
فصخت له سمعا و ألححت سائلابماذا ینادی و الفؤاد علی جمر
فقل ینادی أخطا اللّه شره‌بأن إمام الدین أوفی علی العمر
فازعج من البابنا کل ساکن‌و حرک أشواقا بها عیل من صبری
و أیقنت أن الأرض مادت بأهلهاو أن الفضا مما بنا صار کالشبر
لقد ظل أهل الحق من بعد موته‌حیاری کأیتام أصیبوا علی صغر
فیا مهجتی حقا علیه تفننی‌و یا عبرتی خلی غرور الأسی تجری
مضی عابد الرحمن نجل محمدمجدد دین اللّه عن وصمة الکفر
فلا یبعدنک اللّه من شیخ طاعةبعید عن الأدناس ناء من الکبر
قوی بأمر اللّه شهم مهذب‌أشد لدی هتک الحدود من النهر
تجرد للتدریس و الحفظ دائباو أسقی غراس العلم فی سائر العمر
ففی الفقه و التوحید بحر غطمطم‌و فی بحثه التوحید نادرة العصر
و فی النحو و التأصیل قد صار آیةو کل فنون العلم أربی علی البحر
یجیب علی الفتوی جوابا مسددایزیح به الإشکال عن مرتع الفکر
فیضحی عویص المشکلات موضحابتحقیق أبحاث أدق من الشعر
فسل عنه فی التوحید تهذیبه الذی‌غدا بین تیک الکتب کالکوکب الدری
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 196 و فی ردة تشبیه کل مشبه‌من الملحدین المعتدین أو الغدر
إذا مبطل یأتی بتزویق شبهةجلاها کما یجلی دجی اللیل من الفجر
ففی کل إقلیم له الرد فانتهت‌تصانیفه فی کل مصر و فی قصر
و لما طفی علج العراق بجهله‌و غرره ما لفقوه من الهذر
رماه کما یرمی الرجیم بثاقب‌فراح ابن جرجیس علی الذل و الصغر
وباء ابن منصور بأرقام حجةو دحض فولی بالبوار و الخسر
و فی کل معنی وفر اللّه فسمه‌و فضل إله العرش یسمو عن الحصر
فلو کان یفدی لافتدته نفوسنابأرواحها لو کان ذلک من أمر
أو الأجل المحتوم یدفع برهةلزدناه من وقت به منتهی العمر
و لکن أطواق المنایا قلائدبأعناقنا لا نفتدیها من الأمر
لقد بان فیها النقص من بعد موته‌و موت أهل العلم قاصمة الظهر
فهذی علامات القیامة قد بدت‌و نقل خیار الناس من أعطم النذر
فنرجو إله العالمین یثیبناو یجبر منا ما تصدع من کسر
و یسکنهم جنات عدن مع الألی‌سعوا فی بیان الدین فی العسر و الیسر
و ما مات من کان المبجل شیخناخلیفته عبد اللطیف ابن ذی القدر
سما رتبة فی العلم لم یتصل بهاسواه و لم یبلغ سناها ذوو الصدر
فکانوا أحق الناس فی قول من مضی‌إذا ما انتدی للقوم فی محفل الذکر
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 197 إذا قال لم یترک مقالا لقائل‌مصیب و لم یثن اللسان علی هجر
و أقلامه تجری علی متن طرسه‌فتشفی أوام الصدر عن مغلق الحصر
و إن طالب یأتیه یبغی إفادةأزاح له الإشکال بالسیر و الخبر
و أنهله من بحره الجم نهلةفراح بها یدری و قد کان لا یدری
فلا زال یولی الطالبین من الهدی‌و یمنح من أهل العلم من سببه الغمر
یجدد منهاج الأئمة جددوالدین الهدی فانضاح فی البر و البحر
هم القوم أحیوا سنة الدین و اقتفوامنار طریق الحق بالسر و الجهر
فأحیو سبیل الرشد بعد اندراسه‌و قد بذلوا فیه النفیس من العمر
فأصبح منهاجا قویما لسالک‌و بعد الخفا أضحی یضاهی سنا البدر
أولئک أشیاخی و قومی و سادتی‌و هم قدوتی حتی أوسد فی قبری
لئن أصبحوا قد ضمهم بطن ملحدو ماتوا کراما موت ذی نجدة حر
فقد خلفوا فینا تقاریر دینناو لم یغفلوا منها أقل من الظفر
تغمدهم رب البرایا بفضله‌و أسکنهم من جنة الخلد فی القصر
و أحیا إله العالمین منارهم‌بسلطاننا المیمون بالمجد و الفخر
إمام الهدی عبد الإله ابن فیصل‌سمام العدا نجل الغطارفة الغر
کثیر الأیادی فی البوادی و حضرهم‌مبید الأعادی بالمهندة البتر
تولی أمور الخلق حقا فساسهم‌سیاسة عدل غیر جور و لا عشر
یبیت إذا نام الهدان بهمه‌و برها بالحزم و العز و الفکر
و ألبسه الرحمن جلباب هیبةکما ألبس الفاروق بالبأس و الصبر
و إن یأته ذو رفعه أو تکبرتضاءل کالعصفور أبصر بالحر
إذا سار ینوی قریة أو قبیلةتقدمه جیش من الرعب بالنحر
أدام له المولی الکریم اعتزازه‌و أیده بالنصر و العزم و القهر
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 198 و بلغه من کل خیر مرامه‌من الأمن و التوفیق و السعد و الیسر
و سدده فی کل حال وقادةبتوفیقه فی ظاهر الأمر و السر
و أحسن ختم للنظام صلاتناعلی المصطفی و الآل مع صحبه الطهر
صلاة و تسلیما یدومان ما سری‌نسیم الصبا أو ناح فی أبکة القمری
و فیها توفی عبد اللّه آل یحیی آل سلیم أمیر بلدة عنیزة رحمه اللّه تعالی و تولی الأمارة بعده زامل آل عبد اللّه بن سلیم. و فیها قتل متعب بن عبد اللّه بن علی بن رشید أمیر الجبل قتله أولاد أخیه طلال بن عبد اللّه بن علی بن رشید و مالأهم علی قتله عمه عبید بن علی بن رشید، تولی الأمارة بعده بندر بن طلال، و کان أخوه محمد آل عبد اللّه قد رکب من الجبل وافدا علی الإمام عبد اللّه بن فیصل فجاءه الخبر بقتل أخیه متعب، و هو إذ ذاک فی الریاض، فأقام عند الإمام إلی السنة التی بعدها، کما یأتی إن شاء اللّه تعالی.
و فیها توفی الشریف عبد اللّه بن محمد بن عون.

ثم دخلت السنة السادسة و الثمانون بعد المائتین و الألف:

و فی آخرها توفی الشیخ عبد الرحمن بن عدوان قاضی بلد الریاض، و هو من العزاعیز من تمیم رحمه اللّه تعالی، و فیها أغار بندر بن طلال بن رشید علی الصقران من بریة و هم علی الشوکی، و أخذهم و قتل رئیسهم هذا آل ابن علیان بن غریر بن بصیص. و فیها وفد بندر بن طلال بن رشید علی الإمام عبد اللّه بن فیصل و معه له هدیة جلیلة، فأکرمه الإمام هو و من معه، و طلب
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 199
من عمه محمد آل عبد اللّه بن علی بن رشید الرجوع معه إلی حائل و أعطاه عهودا و مواثیق علی أنه ما یناله منه شی‌ء یکرهه، و أقاموا هناک أیاما، ثم رجعوا إلی حائل و معهم محمد آل عبد اللّه المذکور، و حصل منه علی عیال الطلال منه ما سیأتی إن شاء اللّه تعالی فی سنه 1289 ه.
و فیها غزا عبد اللّه بن فیصل، فلما وصل إلی صبیح المعروف فی القصیم خیم علیه مدة أیام ثم رجع، فلما وصل إلی بلدة المجمعة و معه غزو الصغران و من معهم من بریة قام علی الصغران و من معهم من بریة فخفرهم و أخذ منهم إبلا کثیرة وخیلا، ثم رجع إلی الریاض.
و فیها کان ابتداء حفر خلی السویس لیتصل بحر الروم ببحر القلزم، و کان تمما ذلک فی سنة 1291 ه، و کان القائم بذلک دولة الفرنسیین و الإنکلیز، و إسماعیل باشا والی مصر. و بعد تمامه جعلوا علی المراکب التی تکر منه عوائد معلومة علی قدر ما فیه من الحمل، و هذا الذی حفروه حتی اتصل البحران کان هارون الرشید أراد أن یفعله لیتهیأ له غزو الروم فمنعه وزیره یحیی بن خالد البرمکی، و قال له: إن فعلته تخطف الإفرنج المسلمین من المسجد الحرام، فامتثل کلامه و لم یتعرض لذلک.
و فیها سار الإمام عبد اللّه الفیصل بجنود المسلمین من البادیة و الحاضرة و قصد جهة الأحساء، و نزل علی دعیلج الماء المعروف هناک، و کان سعود بن فیصل إذ ذاک فی عمان، و أقام الإمام هناک نحو أربعة أشهر.
و لما کان فی ذی القعدة من السنة المذکورة بعث الإمام عبد اللّه سریة إلی قطر مع مساعد الظفیری و العسعوس و أمرهم بالمقام هناک و بعث
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 200
سریة إلی الأحساء مع فهد بن دغیثر، و أمرهم بالمقام عند الأمیر ناصر بن جبر الخالدی. ثم عدا من موضعه بمن معه من جنود المسلمین علی الصهبة من مطیر، و هم علی الوفرا فأخذهم. ثم قفل إلی الریاض فی ذی الحجة، و أذن لمن معه من أهل النواحی بالرجوع إلی أوطانهم.

ثم دخلت السنة السابعة و الثمانون بعد المائتین و الألف:

و فیها توفی الشیخ عبد الرحمن محمد بن إبراهیم بن مانع بن حمدان بن شبرمة الوهیبی التمیمی، کانت وفاته رحمه اللّه تعالی فی الأحساء انتقل إلی الأحساء من بلد شقراء و استوطنها و ولاه الإمام عبد اللّه الفیصل القضاء فی القطیف وقت الموسم، فإذا انقضی الموسم رجع إلی الإحساء. کان عالما فاضلا أدیبا لبیبا بارعا. أخذ العلم عن أبیه الشیخ محمد بن عبد اللّه بن مانع، و عن جده لأمه الشیخ العالم العلّامة عبد اللّه بن عبد الرحمن أبا بطین، و عن الشیخ العالم العلّامة القدوة الفهامة الشیخ عبد الرحمن بن حسن، و ابنه الشیخ العالم الأوحد عبد اللطیف بن عبد الرحمن بن حسن و غیرهم، و کان کثیر المطالعة سدید المباحثة و المراجعة مکبا علی الاشتغال بالعلم منذ نشأ إلی أن مات حصل کتبا کثیرة بخطه الحسن المتقن المضبوط النیر، و جرد حاشیة جده الشیخ عبد اللّه بن عبد الرحمن أبا بطین علی المنتهی من هوامش نسخته فجاءت فی مجلد ضخم.
و فی هذه السنة خرج سعود بن فیصل من عمان و توجه إلی البحرین و قدم علی آل خلیفة رؤساء البحرین، و طلب منهم النصرة، و القیام معه، فوعدوه بذلک. و قدم علیه فی البحرین محمد بن عبد اللّه بن ثنیان بن سعود بن مقرن، و اجتمع علی سعود خلائق کثیرة فتوجه بهم إلی قطر، و حصل بینهم و بین السریة الذین جعلهم الإمام عبد اللّه بن فیصل وقعة
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 201
شدیدة، و هم غزو أهل القویعیة و ناس من أهل الریاض رئیسهم مساعد الضفیری و العسعوس. و صارت الهزیمة علی سعود بن فیصل و أتباعه، و قتل منهم عدة رجال منهم محمد بن عبد اللّه بن ثنیان، و رجع سعود بن فیصل بعد هذه الوقعة إلی البحرین و أخذ یکاتب العجمان فقدم علیه خلق کثیر.
و لما کان فی رجب من هذه السنة المذکورة سار سعود من البحرین و معه أحمد بن الغتم بن خلیفة و معه عدة رجال من أهل البحرین، و توجهوا إلی الأحساء بتلک الجنود. و لما وصلوا إلی العقیر اجتمع علیهم من عامة العجمان و آل مرة و معهم من البوادی جم غفیر، و کان رؤساء العجمان یکاتبون سعود بن فیصل و یعدونه النصرة و یسألونه القدوم علیهم فی الأحساء و یأمرون عامتهم بالمسیر إلیه، و القیام معه و هم مع ذلک یتملقون عند أمیر الأحساء ناصر بن جبر، و عند فهد بن دغیثر أمیر السریة الذین أمر علیهم الإمام بالمقام عند ناصر بن جبر. کما تقدم فی السنة التی قبلها، و یظهرون الطاعة و النصح، و یبطنون المکر و الغدر.
ثم إن سعود بن فیصل ارتحل من العقیر و توجه إلی الأحساء بمن معه من الجنود فلما وصل إلی الجفر البلد المعروفة هناک أراد أهلها الامتناع فعجزوا عن ذلک، فدخلت تلک الجنود البلد و نهبوها و عاثوا فی قری الأحساء بالنهب. و قام ابن جبیل أمیر بلد الطرف مع سعود و اشتد الخوف و اضطرب البلد، فقام حزام بن حنلین و ابن أخیه راکان بن فلاح بن خنلین و منصور بن منیخر عند الأمیر ناصر بن جبر، و فهد بن دغیثر، و رؤساء الأحساء و طلبوا منهم الخروج لقتال سعود و من معه من الجنود، و حلفوا لهم أیمانا مغلظة علی التعاون و التناصر علی قتال سعود و من معه
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 202
من أتباعه، فخرج أهل الأحساء معهم، فلما وصلوا إلی الوجاج المعروف غدر بهم العجمان، و انقلبوا علیهم و أخذوهم و قتلوا منهم نحو ستین رجلا، منهم عبد اللّه بن محمد بن ملحم، و سلیمان بن ملحم، و أبوه، و انهزم بقیتهم إلی بلد الهفوف و هم ما بین جریج و سلیب، فتحصن أهل الهفوف بعد هذه الوقعة فی بلدهم و استعدوا للحرب.
ثم إن سعود بن فیصل بعد هذه الوقعة زحف بمن معه من الجنود و نزل علی بلد الهفوف و ثار الحرب بینه و بین أهل البلد و أقام لهم محاصرا أربعین یوما و کان الإمام عبد اللّه بن فیصل لما بلغه مسیر سعود من البحرین إلی الأحساء أمر جمیع بلدان نجد بالتجهیز للغزو، و أمرهم أن یقدموا علیه فی بلد الریاض فقدم علیه غزو أهل ضرما، و المحمل و سدیر. و کان أهل الهفوف یتابعون إلیه الرسل و یطلبون منه النصرة، فأمر أخاه محمد بن فیصل أن یسیر بهم مع غزو أهل العارض و سبیع و السهول للأحساء لقتال أخیه سعود، فسار بهم محمد بن فیصل المذکور. و لما بلغ سعود بن فیصل مسیر أخیه محمد، و کان إذ ذاک محاصرا بلد الهفوف ارتحل و سار للقاء أخیه محمد، و سبقه إلی جودة الماء المعروف فنزل علیها و معه خلائق کثیرة من العجمان، و آل مرة، و معه أهل المبرز و أحمد بن الغتم بن خلیفة، و ابن جبیل، و أقبل محمد بن فیصل و من معه من الجنود و قد سبقه أخوه سعود و أصحابه علی الماء فنزل محمد و من معه بالقرب منهم، و جعل بین الفریقین قتال شدید، و ذلک فی الیوم السابع و العشرین من رمضان من السنة المذکورة، فخان بعض الجنود محمد بن فیصل، و هم سبیع، و انقلبوا علی أصحابهم ینهبونهم، فصارت الهزیمة علی محمد بن فیصل و أتباعه، و قتل منهم نحو أربعمائة رجل.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 203
و من مشاهیر القتلی: عبد اللّه بن بتال المطیری، و مجاهد بن محمد أمیر بلد الزلفی، و إبراهیم بن سوید أمیر جلاجل، و عبد اللّه بن مشاری بن ماضی من رؤساء بلد روضة سدیر، و عبد اللّه بن علی آل عبد الرحمن أمیر بلد ضرما، و قتل من أتباع سعود عدد کبیر، و قبض سعود علی أخیه محمد بن فیصل و أرسله إلی القطیف فحبسه هناک و لم یزل فی حبسه ذلک إلی أن أطلقه عسکر الترک فی السنة التی بعدها، کما یأتی إن شاء اللّه تعالی.
و أقام سعود بن فیصل علی جودة بعد هذه الوقعة و کاتب رؤساء أهل الأحساء یأمرهم بالقدوم علیه، و المبایعة فقدموا علیه هناک و بایعوه، ثم ارتحل بعد ذلک من جودة و سار إلی الأحساء و استولی علیه، و أخذ من أهلها أموالا عظیمة و فرقها علی العجمان، و أقام هناک، و أما الإمام عبد اللّه الفیصل فإنه خرج من الریاض لما بلغه ما حصل علی أخیه محمد بن فیصل بأمواله، و خیله، و رکابه، و خدامه. و قصد ناحیة جبل شمر و معه عبد العزیز بن الشیخ عبد اللّه أبا بطین، و ناهض بن محمد بن ناهض. فلما وصل إلی البعیثة، الماء المعروف فی العروق، نزل علیه و ضرب خیامه هناک، و أرسل الشیخ عبد العزیز بن الشیخ عبد اللّه بن عبد العزیز أبا بطین برسائل، و هدایا لباشا ببغداد، و باشا البصرة، و النقیب محمد، و طلب منهم النصرة و المساعدة علی أخیه سعود فوعدوه بذلک، و أخذوا فی تجهیز العساکر إلی الأحساء و القطیف، و قام عندهم عبد العزیز بن الشیخ عبد اللّه أبا بطین هناک للمسیر معهم.
و لما کان فی شوال من هذه السنة وفد محمد بن هادی بن قرملة و معه عدة رجال من رؤساء قحطان علی سعود بن فیصل فی الأحساء، فلم
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 204
یلتفت إلیهم سعود فخرجوا من الأحساء و توجهوا إلی الإمام عبد اللّه بن فیصل، و هو علی البعیثة و عاهدوه علی السمع و الطاعة، فارتحل معهم إلی البعیثة و توجه إلی الریاض فدخلها. و ذلک فی ذی القعدة من السنة المذکورة.
و لما کان فی آخر الشهر المذکور خرج سعود بن فیصل من الأحساء متوجها إلی الریاض فلما کان فی بعض الطریق بلغه الخبر بأن أخاه عبد اللّه بن فیصل قد رجع إلی الریاض و معه قحطان فرجع سعود إلی الأحساء.
و فیها قتل سلطان بن قنور فی عین ابن قنور المعروفة بالسر، قتله محمد بن عوید بن قنور و رجال من عشیرته، و معهم فوزان الصوینع.
و ذلک أنهم اتهموه أنه یمیل إلی آل ربیع المعروفین من آل شقرا فی السر لما بین آل قنور و آل ربیع من الشرور، و کان سلطان المذکور حین أرادوا قتله جالسا إلی جانب ابن أخته عبد اللّه العطیفة، فلما رآهم سلطان دخل علی عبد اللّه المذکور فقام عبد اللّه ینهاهم عنه فلم یلتفتوا لقوله و قتلوه، فسار عبد اللّه العطیفة المذکور إلی الریاض و معه ثوب خاله سلطان بن قنور مضرجا بالدماء.
و لما قدموا علی بنی عمه العطیفات فی بلد الریاض و هم: فالح، و حطاب، و حجاب، و راشد. صاح عندهم و قال: إن آل عوید قتلوا خالی ظلما و عدوانا، و هو فی وجهی و نهیتهم فلم ینتهوا و قطعوا وجهی و بکی عندهم فغضبوا لذلک، و کانوا من جملة خدام الإمام عبد اللّه بن فیصل، و من المقربین عنده لشجاعتهم. و کانوا معروفین بالشجاعة فطلبوا من
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 205
الإمام عبد اللّه بن فیصل أن یسمح لهم فی قتل محمد بن عوید فأذن لهم فرکبوا من الریاض، و قدموا علی آل ربیع فی بلد شقرا فرکبوا معهم و توجهوا إلی السر.
فلما وصلوا إلی بلدهم الطرفیة المعروفة فی السر لم یجدوا فیها إلّا النساء و الصبیان، فسألوا النساء عن الرجال فأخبرنهم بأنهم فی القنص، فرکب العطیفات و معهم آل ربیع و أتباعهم من أهل شقراء نحو عشرین رجلا و توجهوا إلی النفوذ یتطلبونهم فیه، و أقام باقیهم فی الطرفیة یترقبون مجیئهم فوجدوهم فی نفود السر، فلما رآهم محمد بن عوید رکب حصانه و انهزم علیه إلی السر و ترک أصحابه فأحاطوا بهم. و قام آل ربیع علی فوزان الصوینع فقتلوه لأمور بینهم و ترکوا الباقین، ثم ساروا فی طلب محمد بن عوید فأدرکوه فی عین الصوینع فقتله العطیفات، ثم رجعوا إلی شقراء و سار العطیفات منها إلی الریاض. و کان محمد بن عوید المذکور مشهورا بالرمایة بالبندق لم یکن فی زمنه مثله. و فی هذه السنة وقع الغلاء الشدید القحط فی نجد، و استمر القحط و الغلاء إلی تمام سنة 1289 ه.

ثم دخلت السنة الثامنة و الثمانون بعد المائتین و الألف:

و فیها فی المحرم خرج سعود بن فیصل بجنوده من الأحساء و ترک فیه فرحان بن خیر اللّه أمیرا، و قصد بلد الریاض. فلما قرب منها خرج الإمام عبد اللّه الفیصل منها و قصد بوادی قحطان، و کان قد أرسل قبل خروجه من الریاض أمتعنه، و أثاثه و مدافعه، و قبوسة مع سریة کبیرهم حطاب بن مقبل العطیفة، و أمرهم أن یتوجهوا بذلک إلی عربان قحطان، فصادفهم سعود بن فیصل فی الجزعة فحصل بینه و بین السریة المذکورة قتال شدید و صارت الهزیمة علی حطاب المذکور و أصحابه. و أخذ سعود رکابهم
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 206
و سلاحهم و جمیع ما معهم، و قتل منهم عدة قتلی. و من مشاهیرهم:
حطاب بن مقبل العطیفة، و فلاح بن صقر العطیفة، و عوید بن حطاب العطیفة، و محمد بن راشد الفقیه.
ثم دخل سعود بلد الریاض و معه خلائق کثیرة من العجمان و غیرهم فعاثوا فی البلد و نهبوا بلد الجبیلة، و قتلوا جماعة من أهلها و قطعوا نخیلها، و خربوها و تفرق باقی أهلها فی بلدان العارض، و لم یبق فیها ساکن، و انحل نظام الملک و کثر فی نجد الهرج و المرج و اشتد الغلاء و القحط، و أکلت الحمیر، و مات خلائق کثیرة جوعا و حل بأهل نجد من القحط، و الجوع، و المحن، و النهب، و القتل، و الفتن، و الموت، الذریع أمر عظیم و خطب جسیم، فنعوذ باللّه من غضبه و عقابه.
ثم إن سعود بن فیصل لما استقر فی الریاض کتب إلی رؤساء البلدان و أمرهم بالقدوم علیه للمبایعة، فقدموا علیه و بایعوه، و أمرهم بالتجهز للغزو. فلما کان فی ربیع الأول من السنة المذکورة خرج من الریاض غازیا و معه خلائق من العجمان و آل مرة و سبیع، و السهول، و الدواسر، و أهل الریاض و الجنوب و الخرج و معه عمه عبد اللّه بن ترکی بن عبد اللّه بن محمد بن سعود، و کان یمیل إلی عبد اللّه بن فیصل و توجه إلی قحطان و هم علی الأنجل، و معهم عبد اللّه بن فیصل. فلما وصل إلی ثرمدا جاءه الخبر بأنهم ارتحلوا من الأنجل، و نزلوا علی البرة القریة المعروفة، فسار سعود بمن معه من الجنود إلی البرة لقتال أخیه عبد اللّه بن فیصل و من معه من قحطان، و أرسل عمه عبد اللّه بن ترکی إلی شقرا و معه عدة رجال من الخدام، و أمرهم بالمقام فیها، و کان بین سعود و بین عمه وحشة.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 207
و لمّا کان فی الیوم السابع من جمادی الأولی من السنة المذکورة وصل سعود و من معه من الجنود إلی البرة، فاقتتل الفریقان قتالا شدیدا، و صارت الهزیمة علی عبد اللّه بن فیصل و من معه من قحطان و غیرهم، و قتل منهم قتلی کثیرة منهم عبد العزیز بن محمد بن ناهض بن بسام رئیس قصر البرود، و براک عبد اللّه بن عبد اللّه بن براک، و قتل من أتباع سعود عدة رجال، منهم: منصور الطویل من رؤساء العجمان، و نهبت تلک الجنود بلد البرة فی سابع من جمادی الأولی، و توجه عبد اللّه بن فیصل و من معه إلی بلد الرویضة، و نزلوا علیها. و أما سعود بن فیصل فإنه استلحق عمه عبد اللّه من شقرا بعد الوقعة المذکورة، و کان قد ترکه فیها کما تقدم ثم قفل إلی الریاض، و أذن لمن معه من أهل النواحی بالرجوع إلی أوطانهم.
و فی ربیع الأول من هذه السنة سارت العساکر من البصرة إلی الأحساء و القطیف و مقدمهم یقال له: فریق باشا، و معهم عبد العزیز بن الشیخ عبد اللّه أبا بطین، فلما وصلوا إلی الأحساء و القطیف أطلقوا محمد بن فیصل من الحبس و کان محبوسا فی القطیف بعد وقعة جودة کما تقدم فی السنة التی قبلها، و أخرجوا فرحان بن خیر اللّه من الأحساء. و کان سعود بن فیصل قد جعله أمیرا کما تقدم، و أظهروا له أنهم جاؤا لنصرة عبد اللّه بن فیصل، و القیام معه و المساعدة له علی حرب أخیه سعود بن فیصل. و أرسلوا إلی عبد اللّه بن فیصل و هو إذ ذاک مع عربان قحطان علی رویضة العرض یأمرونه بالقدوم علیهم. فسار إلیهم و قدم علیهم فی بلد الأحساء، فأکرموه ظاهرا و هم بضد ذلک، و أقام عندهم هناک.
و أما سعود بن فیصل فإنه لما أذن لمن معه من الجنود بالرجوع إلی أهلیهم بعد وقعة البرة المذکورة، و لم یبق عنده فی الریاض غیر خدامه
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 208
و شرذمة من العجمان قام علیه أهل الریاض، و عمه عبد اللّه بن ترکی فحاصروه فی قصره و ثار الحرب بینه و بینهم أیاما. ثم إنهم أخرجوه هو و من معه من القصر بالأمان، و توجهوا إلی بلد الدلم و تولی عبد اللّه بن ترکی علی الریاض. و قبل خروج سعود من الریاض کان قد أذن لوفود قد اجتمعوا عنده بالرجوع إلی أهلیهم، منهم: إبراهیم بن سلیمان الصبی، و محمد بن سعد بن معیقل، و سعود بن حمد من أهل الشعراء، و عبد اللّه بن إبراهیم بن نشوان من رؤساء أهل أشیقر، و عبد اللّه بن عثمان من أهل الدوادمی، و محمد بن سعد بن معیقل، و غیرهم فخرجوا من الریاض، فلما وصلوا إلی البکرات بالقرب من ثادق صادفهم رکب من آل عاطف من قحطان، کبیرهم فریج بن مجحود، فحصل بینهم وقعة شدیدة، و صارت الهزیمة علی القحطان، و قتل منهم عدة رجال منهم شنار بن فریح بن مجحود، و قتل فی هذه الوقعة عبد اللّه بن إبراهیم بن نشوان، و کان کریما سخیّا شجاعا رحمه اللّه تعالی، و عبد اللّه بن عثمان، و کان معروفا بالشجاعة و الرمایة بالبنادق رحمه اللّه تعالی.
و فی آخر جمادی الآخرة من هذه السنة سار سعود بن فیصل من بلد الدلم، و توجه إلی الأحساء، و قدم علی وادی العجمان، و آل مرة، فرغبوه فی أخذ الأحساء و القطیف من عسکر الترک و اجتمع علیه خلائق کثیرة فعاثوا فی قری الأحساء بالنهب و التخریب، و ذلک فی رجب من السنة المذکورة، فخرجت علیهم عساکر الترک و معهم عبد اللّه بن فیصل، فالتقی الفریقان فی الحویرة، و اقتتلوا قتالا شدیدا و صارت الهزیمة علی سعود بن فیصل و أتباعه، و قتل منهم خلائق کثیرة.
و لما کان بعد هذه الوقعة بأیام وصل إلی بندر العقیر عساکر کثیرة
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 209
من بغداد، مقدمهم یقال له: مدحت باشا. فجاء رجل من أعیان العسکر الذین فی الأحساء إلی عبد اللّه بن فیصل و قال له: إنّ مدحت باشا قد وصل إلی العقیر، و هو یرید القبض علیک و یرسلک إلی بغداد، و قد التزم بذلک للدولة، فإن قدرت علی الهرب فافعل. فأخذ عبد اللّه بن فیصل یدبر الحیلة فی ذلک، فحضر عند فریق باشا و طلب منه أن یأذن له فی الخروج بعد العصر إلی عین نجم المعروفة هناک هو و أخوه محمد، و ابنه ترکی للاغتسال فیها و التفرج، فأذن له فی ذلک فلما خرج من عند الباشا أمر بعض خدامه أن یجهزوا خمس رکائب، و یأخذ معه رفیقا من العجمان، و رفیقا من آل مرة و واعده الجبل المعروف الذی یقال له: أبو غنیمة، ففعل الخادم ما أمره به.
و لما کان بعد العصر من یومه ذلک خرج عبد اللّه بن فیصل و ابنه ترکی و أخوه محمد بن فیصل علی خیلهم، و خرج معهم ثلاثة من عسکر الترک علی خیلهم، فلما وصلوا إلی الصفیا المعروفة أخذوا یتطاردون و یلعبون علی خیلهم، فلما قرب غروب الشمس انهزم عبد اللّه بن فیصل هو و ابنه و أخوه علی خیلهم فلحقهم الثلاثة الموکولون بهم من العسکر علی خیلهم، فقاتلوهم فرجعوا إلی البلد. و لما وصل عبد اللّه بن فیصل هو و ابنه و أخوه إلی الجبل المذکور وجدوا الرکائب هناک، فرکبوا و قصدوا بلد الریاض، فلما وصلوا إلیه استبشر بهم أهل الریاض، و حصل لهم الفرح و السرور.
و قدم علی عبد اللّه الفیصل بعض رؤساء أهل نجد و بایعوه علی السمع و الطاعة. و فی هذه السنة وقع وباء فی بلد أشیقر مات فیه حمد بن عبد العزیز بن منیع، و إبراهیم بن محمد بن سدحان المطوع، و الأمیر
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 210
عبد العزیز بن محمد بن عبد الکریم البواردی. و کانت وفاته فی عین ابن قنور، سار من بلد شقراء إلیها لبعض الحاجات، فتوفی فیها.
و فی هذه السنة نزل ثقل ابن رویضان و من معه من عربان السهول بالقرب من بلد شقرا، و کثر منهم النهب و الفساد، فخرج أهل شقراء و حصل بینهم و بین السهول قتال شدید، و صارت الهزیمة علی السهول، و قتل منهم عدة رجال کبیرهم ثقل بن رویضان، و أخذ منهم أهل شقرا من الأغنام و الأمتعة شیئا کثیرا. و قتل من أهل شقرا فی هذه الوقعة محمد بن سعد البواردی. و فی ذی الحجة من هذه السنة غزا الإمام عبد اللّه بن فیصل بأهل الریاض، و ضرما و أخذ آل شامر بالقرب من علیا، و قتل منهم عدة رجال، و قتل فی هذه الوقعة محمد بن عبد اللّه بن ترکی بن عبد اللّه بن محمد بن سعود. و فیها حفر أبناء محمد بن إبراهیم بن محمد البواردی القلیب المسماة الفیضة و غرسوها.
و فیها توفی مطلق بن عبد الرحمن السحمی فی أشیقر بعد جلوته من عنیزة و کان ضریر البصر رحمه اللّه تعالی.
و فیها أقبل بن شویمان من الفیضة یرید بلد عنیزة فصادفه شلاش بن العمیشا من السحمة من قحطان و معه ستة رجال من قحطان بین المذنب، و المربع فشووه و أکلوه، ثم ساروا إلی الوشم فصادفوا ابن شیخه خارجا من بلد شقراء، فذبحوه فی غویمض، و شووه ففزع علیهم أهل شقراء فقبضوا علیهم فادعی أصحاب شلاش أن الذی قتله و شواه بن العمیشا، و أنهم لم یشارکوه فی ذلک، و أقر شلاش أنه هو الذی قتله بنفسه، و أنهم لم یشارکوه فیه، فدفعوه إلی أخی المقتول فقتله، و لا تسأل عما وقع من
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 211
الفتن و المحن فی هذه السنة و ما بعدها إلی عدة سنین، فلا حول و لا قوة إلّا باللّه العلی العظیم.

ثم دخلت السنة التاسعة و الثمانون بعد المائتین و الألف:

و فیها اشتد الغلاء و القحط فی نجد، و أکل الناس المیتة و جیف الحمیر، و عظم الأمر و مات خلائق کثیرة جوعا، و صار کثیر من الناس یأکلون الجلود البالیة بعد حرقها بالنار و یدقون العظام و یأکلون الرطبة، و هو القت بلسان العامة، و یأکلون ورق الزرع، فأثر ذلک فی وجوه الناس و أرجلهم نفخا و أوراما، ثم یموتون بعد ذلک و استمر الغلاء و القحط إلی آخر السنة التی بعدها.
و فی هذه السنة فی المحرم حصل وقعة بین حاج أهل شقراء و بین ناصر بن عمر بن قرملة و من معه من قحطان قتل فیها من أهل شقرا عبد اللّه بن عبید. و فیها فی ربیع الأول حصل وقعة بین أهل شقرا و بین أهل بلد وثیثیة. و سبب ذلک أن عیال محمد بن عبد الکریم البواردی جاءوا بأمتعة لهم من شقرا یریدون بلد وثیثیة، و هم إذ ذاک ساکنون فیها.
فلما وصلوا إلی البلد صادفهم رکب من السهول خارجین من البلد فأخذوهم خارج البلد فدخل أولاد محمد البورادی البلد فوجدوا فیه رجلا من الرکب فأمسکوه و ربطوه فی المال الذی أخذه لهم أصحابه، فقام بعض أهل البلد یریدون إطلاقه و قد کثر الکلام، فسار أحد عیال محمد البواردی إلی شقرا، و جاء بعده رجال منها لیسیروا بالرجل المذکور إلی شقرا إلی أن یأتی المال الذی أخذه لهم أصحابه، فمنعهم أهل البلد من المسیر به، و حصل بین أهل شقرا و بین أهل وثیثیة وقعة فی وسط البلد قتل فیها من
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 212
أهل وثیثیة عبد اللّه بن الأمیر سعد بن عبد الکریم بن زامل، و عبد اللّه بن عبد العزیز بن عبد اللّه بن زامل الملق بالمقوفی.
و فی شوّال من هذه السنة قدم سعود بن فیصل إلی الأفلاج و کان قبل ذلک مقیما عند بادیة العجمان بعد وقعة الخویرة کما تقدم، فلما قدم هناک قام معه ابن قنیان و العجالین، و قام معه الهزانی آل حسین أهل الحوطة.
فلما علم بذلک عبد اللّه بن فیصل أمر أخاه محمد بن فیصل أن یسیر إلی بلد الدلم بغزو أهل الریاض، و أهل ضرما خوفا علیها من أخیه سعود بن فیصل، فسار إلیها محمد بن فیصل و معه عمه عبد اللّه بن ترکی و غزو أهل ضرما، فدخلوها و أقبل سعود بن فیصل بن ترکی و معه وفود کثیرة من العجمان، و الدواسر، و أهل الجنوب، فنزلوا علی البلد و حصروها حصارا شدیدا. ثم إن أهل البلد خانوا محمد بن فیصل و أصحابه ففتحوا أبواب البلد فدخلها سعود و من معه من الجنود، فلما رأی ذلک محمد بن فیصل رکب فرسه و انهزم علیها إلی بلد الریاض و قبض سعود علی عمه عبد اللّه بن ترکی، و أمر بحبسه و أخذ رکائب أصحاب محمد بن فیصل و سلاحهم و قتل منهم عدة رجال. و بعد أیام قلیلة توفی عبد اللّه بن ترکی بحبسه ذلک، و کان شهما شجاعا صارما رحمه اللّه تعالی.
و فی هذه السنة قام محمد بن عبد اللّه بن علی بن رشید علی أولاد أخیه طلال، و قتلهم و هم خمسة و ترک أخا لهم اسمه نائف کان إذ ذاک صغیرا، و تولی محمد المذکور الإمارة علی بلد الجبل.
و فیها حصل وقعة بین أناس من أهل الحریق نحو عشرین رجلا رئیسهم عبد الرحمن بن عثمان الطویل، و کان شجاعا و هم یریدون بلدة
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 213
بریدة و بین رکب من قحطان و السهول و رکائیهم عشرون و هم أربعون رجلا، و ذلک فی صعفیق النفود المعروف بالقرب من بلد الزلفی، فصارت الهزیمة علی قحطان و السهول، و قتل منهم ثلاثة رجال.
و فیها أصاب مکة و المدینة وباء عظیم ابتدأ من آخر ذی الحجة حتی نهایة المحرم من عام 1290 ه. و فیها توفی عبد اللّه الإبراهیم العبد الرحمن البسام و عبد الرحمن الإبراهیم العبد القادر البسام فی المدینة فی أول محرم.

ثم دخلت سنة التسعین بعد المائتین و الألف:

و فی المحرم منها خرج سعود بن فیصل من بلد الدلم بمن معه من الجنود، و قصد بلد ضرما و أخذ من أهلها أموالا عظیمة و قسمها علی جنوده. ثم سار منها إلی بلد حریملاء فلما وصل إلیها خرج أهلها لقتاله فحصل بینه و بینهم وقعة شدیدة خارج البلد، و صارت الهزیمة علی أهل حریملاء و قتل منهم نحو ثلاثین رجلا منهم الأمیر ناصر بن حمد آل مبارک و ابنه، و سلیمان السیاری من رؤساء أهل ضرما صارت تلک الأیام فی بلد حریملاء فحضر الوقعة، و تحصن أهل البلد فی بلدهم و أمر سعود من معه من الجنود بقطع نخل حریملاء، فقطعوا کثیرا منها.
ثم إنهم صالحوه و ارتحل عنهم و سار إلی الریاض فلما قرب منها خرج علیه أخوه عبد اللّه بن فیصل، و معه أهل الریاض فحصل بینه و بینهم وقعة شدیدة فی الجزعة، و صارت الهزیمة علی عبد اللّه و أهل الریاض، و قتل منهم عدة رجال منهم مساعد بن سلیمان الظفیری، و أخوه فهد و دخل أهل الریاض بلدهم. و أما عبد اللّه بن فیصل: فإنه توجه بمن معه
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 214
من الخدام إلی جهة الکویت، و أقام هناک عند بادیة قحطان علی الصبیحیة. ثم إن سعود بن فیصل بعد هذه الوقعة دخل بلد الریاض و بایعه أهلها علی السمع و الطاعة، و کتب إلی رؤساء البلدان و أمرهم بالقدوم علیه للمبایعة، فقدموا علیه و بایعوه علی السمع و الطاعة و أمرهم بالتجهز للجهاد.
و فی هذه السنة فی صفر أخذ أهل عنیزة مصلط بن ربیعان و من معه من عتیبة فی الشقة. و فیها أنزل اللّه الغیث. و فی صفر من هذه السنة حصل وقعة بین أهل الحریق و بین رکب من عتیبة فی الروضة المسماة بالعکرشیة المعروفة فی الحمادة قتل فیها عبد الرحمن بن عثمان الطویل من رؤساء أهل الحریق، و کان شجاعا رحمه اللّه تعالی.
و لمّا کان فی ربیع الثانی من هذه السنة خرج سعود بن فیصل من الریاض بمن معه من الجنود، و استلحق غزو البلدان و استنفر من حوله من العربان فاجتمع علیه خلائق کثیرة، فتوجه و قصد مصلط بن ربیعان و من معه من عتیبة و هم علی طلال الماء المعروف فصبحهم بتلک الجنود فحصل بین الفریقین قتال شدید، و صارت الهزیمة علی سعود بن فیصل و من معه، و قتل منهم خلق کثیر. و من مشاهیر القتلی سعود بن صنیتان، و محمد بن أحمد السدیری أمیر بلد الغاط، و أخوه عبد العزیز و علی بن إبراهیم بن سوید أمیر بلد جلاجل، و من أهل شقرا فهد بن سعد بن سدحان و سعد بن محمد بن عبد الکریم البواردی، و صالح بن إبراهیم بن موسی بن فوزان بن عیسی، و سلیمان بن عبد اللّه بن خلف بن عبد اللّه بن خلف بن عثمان بن عبد اللّه بن عیسی و عبد العزیز بن حمد بن منیع. و أخذ العتبان منهم من الرکاب و السلاح و الفرش و الأمتعة شیئا کثیرا. و فی تاسع
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 215
عشر من جمادی الآخرة السنة المذکورة توفی الشیخ عثمان بن عبد اللّه بن عثمان بن أحمد بن بشر فی بلد جلاجل رحمه اللّه تعالی، و هو من بنی زید، و هو صاحب التاریخ المسمی «عنوان المجد فی تاریخ نجد» کان رحمه اللّه تعالی أدیبا لبیبا فاضلا عابدا ناسکا حسن السیرة کریم الأخلاق.
و فی ذی الحجة من هذه السنة نزلوا أکلب أیام الربیع بالقرب من أشیقر و باعوا الغنم ثلاثة الأطراف بریال، و اشتروا الثوب الأبیض بریال، و آخر الوقت اشتروا صمط الثوب بریال.

و فی هذه السنة 1290 ه:

توفی الشیخ عبد الباقی بن محمود بن عبد اللّه الألوسی البغدادی طلب العلم فی استنبول عینه فیض الدین باشا قاضیا فی الأحساء.
و یذکر عن نفسه أشیاء غریبة منها أنه حفظ القرآن و هو ابن خمس سنین، و أنه قرأ علی أبیه فی فقه الحنفیة، و الشافعیة، و فی الحدیث و النحو و الصرف و البلاغة و الأدب و المنطق و علم الوضع و الهندسة و الاصطرلاب.
و بعد وفاة والده قرأ علی أبی الهدی صفاء الدین عیسی أفندی فی الأصلین و الحساب و المعانی و البیان و البدیع و الحدیث و التفسیر و غیر ذلک.
و له مؤلفات کثیرة منها: «البهجة البهیة فی إعراب الآجرومیة» و «النهجة السویة فی شرح الآجرومیة» و «أسعد کتاب فی فصل الخطاب» و غیر ذلک مما ذکر عن مؤلفاته.
و من غرائب دعاویه و أخباره قوله: إنّ فی جرم القمر عوالم و مدائن
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 216
و أنهارا عظیمة، و أن الإفرنج حاولوا الاتصال به و بنوا لهم صرحا، و وضعوا فوقه مدفعا لیضربوا القمر حتی یلقوه و یطّلعوا علی ما فیه.
و له خرافات من هذا الجنس کثیرة مشهورة.

ثم دخلت السنة الحادیة و التسعون بعد المائتین و الألف:

و فیها أمر سعود بن فیصل علی أهل البلدان بالجهاد و أمرهم بالقدوم علیه فی بلد الریاض، فلما حضروا عنده توجه بهم إلی بلد القویعبة، و نزل، و أقام هناک عدة أیام. و کان الإمام عبد اللّه بن فیصل نازلا مع عربان عتیبة إذ ذاک، و کان سعود قد أراد أن یغزوهم فبلغه أن عربان عتیبة قد حشدوا و اجتمعوا، و أنهم فی شوکة عظیمة و قوة هائلة فانثنی عزمه عن ذلک، ثم ارتحل منها و توجه إلی الریاض، و أذن لمن معه من أهل النواحی بالرجوع إلی أوطانهم. و فی هذه السنة قتل عبد اللّه آل غانم فی بریدة قتله عبد المحسن بن مدلج هو و أولاده و هم من عشیرته آل أبی علیان فی عبد اللّه بن عبد العزیز بن عدوان أمیر بریدة المقتول سنة 1276 ه کما تقدم یدعی عبد المحسن المدلج، لأنه أقرب عاصب له و کان عبد اللّه الغانم المذکور من جملة القاتلین لابن عدوان.
و فی هذه السنة وقع فتنة فی بلد أشقیر بین آل نشوان من المشارفة من الوهبة و بین الحصانا و الخراشا من آل بسام من منیف من الوهبة.
و سبب ذلک أن أمیر بلد أشقیر محمد بن إبراهیم بن نشوان بن محمد ابن نشوان لما أمر سعود بن فیصل علی أهل البلدان بالغزو کما ذکرنا فی أول هذه السنة جهز غزو أهل أشیقر و أمر علیهم ابن عمه محمد بن علی بن محمد بن علی بن محمد بن محمد بن نشوان. و سافر إبراهیم بن محمد
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 217
المذکور بعد ذلک إلی بلد بریدة لبعض حاجاته، و قدم الغزو علی سعود بلغ الخراشا و الحصانا أن محمد بن علی بن نشوان قد تکلم فیهم بکلام عند سعود، فلما أذن لهم سعود بالرجوع و أقبلوا علی البلد خرج عبد الرحمن بن إبراهیم بن حسن بن راشد الخراشی الملقب بالطویسة، و أخوه عبد اللّه و علی بن عثمان الحصینی، و ابن أخیه عبد العزیز بن إبراهیم الحصینی، و أمسکوا محمد بن علی بن إبراهیم بن نشوان خارج البلد و ضربوه ضربا شدیدا فرجع إلی بلد الفرعة و أقام عند أصهار له فیها.
و لمّا بلغ الخبر عثمان بن عبد اللّه بن إبراهیم بن نشوان. و کان إذ ذاک فی الجعفریة سار إلی الحریق و طلب منها النصرة، لأن آل نشوان و أهل الحریق کلهم عشیرة من المشارفة من الوهبة من تمیم، فسار معه عدة رجال منهم و دخلوا بلد أشیقر آخر اللیل، و رصدوا علی باب عبد الرحمن بن إبراهیم الخراشی و علی باب علی بن عثمان الحصینی، فلما خرج عبد الرحمن المذکور لصلاة الفجر أمسکوه و ضربوه ضربا شدیدا و أمسکوا علی بن عثمان الحصینی و ضربوه و جرحوه جراحا شدیدة فقام علیهم أهل البلد مع آل بسام، و حصل بینهم و بین أهل الحریق قتال فانهزم أهل الحریق إلی بلدهم. و قتل منهم عثمان بن عبد اللّه بن مقحم من أهل الحریق، و جرح محمد بن عبد الرحمن بن نشوان فی یده جرحا شدیدا صار فی ید منه عیب فانهزم أهل الحریق إلی بلدهم، و هذه الوقعة تسمی وقعة الجمیعیة.
و فی شهر رمضان من هذه السنة قدم الإمام عبد الرحمن بن فیصل بن ترکی بن عبد اللّه بن محمد بن سعود بلد الأحساء هو و فهد ابن صنیتان من بغداد، فقام أهل الأحساء مع عبد الرحمن بن فیصل علی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 218
العسکر الذین عند أبواب بلد الهفوف فقتلوهم، ثم حصروا علی العسکر الذین فی خزام القصر المعروف خارج البلد و نصبوا علیه السلالم، و أخذوه عنوة، و قتلوا جمیع من فیه من العسکر، و تحصن أهل الکوت فیه هم و من عندهم من عسکر الترک الذین فی کوت إبراهیم، و فی کوت الحصار. فحاصرهم الإمام عبد الرحمن بن فیصل و من معه من أهل الأحساء و من العجمان و آل مرة. و اشتد الحصار علیهم، و قتل فی هذه الوقعة رشید بن عبد العزیز الباهلی رحمه اللّه تعالی، و قد رثاه الأدیب الأریب صاحبنا المکرم، و صدیقنا المقدم أخوه عبد المحسن بن عبد العزیز الباهلی بقصیدة طویلة مطلعها:
خلیلی هبا فالوطا مله جنبی‌و أرقنی بعد الأحبة عن صوبی
و یقول فیها:
و أقسم لو خیرت أفدی حیاته‌بروحی بذلت النفس بالطوع عن حبی
و لکنها الأقدار تجری علی القضابمیزان قسط لا تجی‌ء علی الحسب
إلی أن قال:
و بوء رشیدا و هو یا ربّ کاسمه‌رشید بما یأتی و لم یدن من عیب
و کانوا قد أرسلوا إلی باشا البصرة و باشا بغداد یطلبون البصرة فأمر باشا بغداد ناصر بن راشد بن ثامر بن سعدون رئیس المنتفق أن یسیر إلی الأحساء، و عقد له إمارة الأحساء و القطیف، و جهز معه عساکر کثیرة من بغداد، و استنفر ناصر بن راشد رعایاه من المنتفق و غیرهم من بادیة
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 219
العراق، فاجتمع علیه جنود عظیمة فسار بهم إلی الأحساء. فلما قرب من بلد الهفوف خرج إلیهم عبد الرحمن بن فیصل و من معه من العجمان، و آل مرة، و أهل الأحساء، و وقع بین الفریقین قتال شدید فانکسر أهل الأحساء، و انهزموا إلی بلادهم و تتابعت الهزیمة علی العجمان و من معهم من العربان، و توجه الإمام عبد الرحمن إلی البحرین، و دخل ناصر بن راشد و من معه من الجنود بلد الهفوف و نهبوها و أباحوها ثلاثة أیام.
و خرج عسکر الترک الذین فی الکوت و صاروا مع تلک الجنود فعاثوا فی البلد بالنهب و القتل و الفساد، و قتلوا کل من ظفروا به من أهل السنة من أهل الأحساء، و ممن کان هناک من أهل نجد، و لم یتعرضوا للرافضة، فقتل خلائق کثیرة، و نهبت أموال عظیمة لا یحصیها إلّا اللّه تعالی.
و کان أکثر من باشر القتل عسکر الترک طلبا لثأر من قتل منهم، و ممن قتل من الأعیان فی هذه القضیة الشیخ عبد العزیز بن نعیم، و محمد بن عبد الرحمن بن عامر، و عمه أحمد و رشید بن عبد العزیز الباهلی، و محمد بن الحسن الباهلی، رحمهم اللّه تعالی. و ضربوا الشیخ عبد الرحمن ابن عبد اللّه الوهیبی ضربا شدیدا، و أخرجوه من الکوت، و کان ساکنا فیه قبل ذلک و حصل فی هذه الأیام [أحداث] عظیمة، و خطوب جسیمة فلا حول و لا قوة إلّا باللّه العلی العظیم. و کانت هذه الوقعة فی آخر شهر ذی القعدة من السنة المذکورة.
و فیها فی لیلة الأحد تاسع جمادی الآخرة توفی الشیخ العالم الفاضل محمد بن عبد اللّه بن محمد بن إبراهیم بن مانع بن إبراهیم بن حمدان بن محمد بن مانع بن شبرمة الوهیبی التمیمی فی بلد عنیزة رحمه اللّه تعالی:
ولد فی شقرا فی حدود 1210 ه أو بعدها بقلیل، و نشأ نشأة حسنة فی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 220
الدیانة و الصیانة و النزاهة و العفاف، و حفظ القرآن فی صغره و طلب العلم فقرأ علی الشیخ العالم الورع الزاهد عبد العزیز بن عبد اللّه الحصینی الناصری التمیمی وجد و اجتهد. و لما انتقل العالم العلامة القدوة الفهامة عبد اللّه بن عبد الرحمن أبا بطین العائذی من روضة سدیر، و سکن بلد شقرا لازمه ملازمة تامة، و تزوج ابنته و صار لا یفارقه إلّا وقت النوم، فقرأ علیه کتبا عدیدة فی التفسیر، و الحدیث، و الفقه و أصوله، و أصول الدین، و النحو فمهر فی ذلک کله.
و لما تولی الشیخ عبد اللّه أبا بطین المذکور قضاء بلد عنیزة ارتحل إلیها بأهله، و أولاده، و ارتحل معه الشیخ محمد بن عبد اللّه بن مانع المذکور من شقراء بأهله، و أولاده، و نزل بها و أحبه أهلها و أکرموه إکراما لم یعهد لغیره من الغرباء لحسن أخلاقه و ملاطفته، و تحببه إلی الخاص و العام. و کان ذکیا أدیبا فاضلا مکرما للغرباء خصوصا طلبة العلم منهم.
و کان حسن الخط مضبوطه کثیر التصحیح و التحریر و الضبط و التهمیش غالب مقروءاته مهمشة بخطه، محررة بضبطه، و أخذ عنه جماعة من الفضلاء، و لم یزل علی کماله و استقامة حالة إلی أن توفی فی التاریخ المذکور رحمه اللّه تعالی. و رثاه تلمیذه الشاب الذکی النجیب، و الفاضل الزاکی الأریب. الشیخ صالح بن عبد اللّه بن بسام بهذه المرثیة، و هی من بحر الطویل:
أیا قلب دع تذکار سعدی فما یجدی‌و أیام أنس سالفات بذی الرند
فلیس بذی الدنیا مقام ترومه‌و لکنها کالحلم تمضی علی العبد
و مما شجانی أن قضی حتف أنفه‌محمد المحمود فی العلم و الزهد
عنیت به الحبر الجلیل ابن مانع‌و من هو فی دنیاه عاش علی الحمد
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 221 سقی اللّه قبرا قد حواه ثری له‌سحائب فضل فاضح البرق و الرعد
لقد کان بحرا للعلوم و عارفاو فی علمه یهدی إلی منهج الرشد
و قد کان فی أمر العبادة یحتذی‌مسالک للأسلاف کانوا علی قصد
و قد کان لی شیخا نصوحا بعلمه‌محبا لفعل الخیر یهدی و یستهدی
و لازمته من سنین عدیدةفلم أره إلّا علی سالف العهد
فیا عین لا تبقی دموعا ذخیرةفما بعده أرجو شبیها له عندی
و یا قلب لا تبق قلیلا من الأسی‌علی عالم قد حل فی غامق اللحد
و أنشد ما یبدی من الصدق و الوفامقالا صحیحا صادقا فیه من جدی
و لست بناس ما حییت لصاحب‌صفوح عن الزلات خال من الحقد
سأبکیه ما جاء الحدیث بذکره‌بکاء محب للحبیب علی فقد
جزاه إله العالمین برحمةینال بها المطلوب فی جنة الخلد
فجئت بنظم للوفاة مؤرخ‌مقیم بدار الحمد فی منتهی القصد
و فی هذه السنة فی ذی القعدة خرج سعود بن فیصل من بلد الریاض غازیا، فلما وصل حریملاء مرض فرجع إلی الریاض مریضا، و توفی بعد وصوله إلیها بأیام قلیلة فی ثامن عشر من ذی الحجة من السنة المذکورة رحمه اللّه تعالی، و قام بالأمر بعده أخوه الإمام عبد الرحمن بن فیصل، و کان عبد اللّه بن فیصل إذ ذاک هو و أخوه محمد بن فیصل مع بادیة عتیبة.
و فیها قام عبد المحسن آل مدلج و أبناء عبد اللّه و مدلج فقتلوا عبد اللّه آل غانم فی الصباخ فی بریدة فی ثأر عبد اللّه بن عدوان الذی سبق مقتله فی عام 1276 ه زعماء من آل مدلج أنهم أقرب عصبة لعبد اللّه آل غانم.
و فیها تمّ فتح خلیج السویس لیصل بحر الروم ببحر القلزم، و کان
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 222
ابتداء العمل به عام 1281 ه، و طوله مائة و ثمانون میلا. و معدل عرضه عشرون میلا، و کان القائم بذلک دولة فرنسا، و إسماعیل باشا والی مصر.
و قد قربت المسافة بین الهند و أوروبا فقد کانت المسافة بین لندن و بنبی 11420 میلا، و بعد فتحه صار 6332 میلا، و قرأت تقریر الحکومة الإنجلیزیة الصادر فی شعبان عام 1323 ه أن الذی یمر مع خلیج السویس فی کل سنة من السفن نحو مائة و عشرین «لک». و بلغت نفقاته مائة و ستین «لک» لیرة إنجلیزیة، و مدخوله الآن فی السنة ثلاثون لک لیرة إنجلیزیة، و السفن التی تجتازه للإنجلیز أربعة أخماس، و الخمس الباقی لسائر الدول.

ثم دخلت السنة الثانیة و التسعون بعد المائتین و الألف:

و فیها أمر عبد اللّه فیصل علی أخیه محمد بن فیصل لما بلغه خبر وفاة أخیه سعود بالمسیر إلی شقرا، و کتب معه إلی رؤساء بلد الوشم یأمرهم أن یجهزوا غزوهم معه فسار محمد بن فیصل إلیها و معه عدة رجال من الخدام و من عتیبة، و أقام فی شقرا عدّة أیام ثم سار منها بغزو من أطاعه من أهل الوشم، و توجه إلی ثرمدا. و کان أخوه الإمام عبد الرحمن بن فیصل لما جاء الخبر بوصوله إلی شقرا قد خرج من الریاض و معه جنود کثیرة من أهل الریاض، و الخرج، و الجنوب، و العجمان، و الدویش، و من مطیر، و سبیع مع أولاد أخیه سعود بن فیصل، و توجه إلی الوشم بمن معه من الجنود فصادفه محمد بن فیصل و من معه فی ثرمدا، فحاصروهم و حصل بینهم و بین أهل ثرمدا و أصحاب محمد بن فیصل قتال شدید قتل فیه من أهل ثرمدا ثمانیة رجال، و من العجمان خمسة رجال.
ثم إنهم تصالحوا علی أن محمد بن فیصل یخرج إلیهم و یدفعون إلیه
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 223
رکائب أصحابه و سلاحهم، و أقام عبد الرحمن علی ثرمدا أیاما، ثم ساروا من ثرمدا إلی الدوادمی و طلبوا من أهل الشعرا الزکاة و الجهاد فأبوا أن یعطوهم، فساروا إلیها من الدوادمی و حاصروها مدة أیام، و حصل بینهم قتال شدید فقتل أهل الشعرا منهم عدة رجال، ثم رجعوا إلی الدوادمی من غیر طائل. ثم إن هذال بن فهید الشیبانی، و عقاب بن حمید، و مصلط ابن محمد بن ربیعان و من معهم من قبائل عتیبة أقبلوا لقتال عبد الرحمن بن فیصل، و عیال سعود بن فیصل و من معهم من مطیر و العجمان و غیرهم فحصل بینهم وقعة شدیدة علی الدوادمی فانهزم عبد الرحمن بن فیصل و أتباعه، و قتل منهم عدة قتلی.
و فی هذه السنة قام عثمان بن عبد اللّه نشوان علی عبد الرحمن ابن إبراهیم الخراشی فی بلد أشیقر فرماه بفرد فوقعت الرصاصة فی رأسه، فسقط علی الأرض. و ذلک فی الموضع المعروف فی المدقة فظن عثمان أنه قتله فسار عنه فأتت إلیه امرأة من حرمه فوجدت به رمقا فحملته إلی مکان و أخفته إلی اللیل، و أعلمت به أخاه عبد اللّه، فبلغ الخبر إلی عثمان المذکور فأخذ یفتش علیه سائر یومه ذلک لیجهز علیه فلم یجده. و لما کان اللیل جاء إلیه عشیرته آل بسام، و کانوا قد اختفوا فی النهار خوفا علی أنفسهم من آل نشوان فحملوه إلی بلد شقرا و جارحوه، و أخرجوا الرصاصة من رأسه و عافاه اللّه تعالی.
و لما کان بعد ذلک بأیام سطا آل بسام المذکورون علی آل نشوان فی أشیقر، و أخرجوهم منها إلی بلد الحریق بغیر قتال. و فی رجب من هذه السنة سطا آل نشوان فی أشیقر و معهم نحو سبعین رجلا من أهل الحریق:
کبیرهم الأمیر محمد بن إبراهیم بن نشوان، فدخلوا فی داره المعروفة فی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 224
جانب المجلس فحاصرهم آل بسام فیها، و أشرفوا علی الهلاک. فلما دخل الناس فی صلاة المغرب من ذلک الیوم هربوا إلی بلد الحریف بعد جهد، و قتل منهم عثمان بن إبراهیم الطویل، و محمد بن عبد العزیز بن حسن بن نشوان، و قامت الشرور بعد ذلک بین آل نشوان المذکورین من المشارفة من الوهبة من تمیم، و بین آل بسام بن منیف، و هم آل خراش، و آل حصانا من الوهبة من تمیم، و قامت الحرب بینهم علی ساق.
و فیها اصطلح آل نشوان و آل بسام أهل أشیقر و دفع آل بسام إلی أهل الحریق النجم الأول من دیة عثمان بن عبد اللّه بن مقحم، و من دیة محمد بن عبد اللّه بن حسن بن نشوان.
و فی هذه السنة قتل مهنا الصالح أبا الخیل أمیر بریدة، و آل أبا الخیل من عنزة. قتله آل أبی علیان، و کان مهنا المذکور قد تغلب علی البلد و استمال أعیانها و کثر أعوانه و کان صاحب ثروة و مال، فقام علی آل أبی علیان و أجلی من البلد کل من یخافه منهم و یخشی شرهم فساروا إلی بلد عنیزة، و أقاموا بها و آل أبی علیان من العناقر من بنی سعد بن زید مناة تمیم، خرجوا من بلد ثرمدا فی الحروب التی وقعت بین العناقر فی ثرمدا، و فی بلد مرات لطلب الرئاسة، و سکنوا ضریة و رئیسهم إذ ذاک راشد الدریبی و کانت بریدة إذ ذاک ماء لآل هذال المعروفین من شیوخ فی عنزة فاشتراها منهم راشد المذکور، و عمرها و سکنها هو و من معه من یرته؟؟؟، و ذلک فی سنة 985 ه تقریبا.
و راشد المذکور هو جد حمود بن عبد اللّه بن راشد الدریبی الذی فتک فی عشیرته آل أبی علیان، و قتل منهم ثمانیة رجال فی مسجد بریدة،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 225
و ذلک فی سنة 1155 ه کما هو معروف فی تواریخ نجد و حمود هذا هو أبو راشد بن حمود بن عبد اللّه بن راشد و لم تزل الرئاسة لهم علیها إلی أن غلبهم علیها مهنا الصالح المذکور، و أجلی رؤساءهم منها إلی عنیزة فی هذه السنة کما ذکر، «و أخذوا یکاتبون من بقی من عشیرتهم فی بریدة و یساومونهم فی قتل مهنا، و أشاروا علیهم بذلک، و أعطوهم علیه فخرجوا من بلد عنیزة و قصدوا بلد بریدة فاتفقوا علی قتله. ففر منهم اثنا عشر رجلا من عنیزة، و دخلوا بلد بریدة آخر لیلة الجمعة تاسع عشر من المحرم من السنة المذکورة، و دخلوا فی بیت علی طریق مهنا إذا خرج علیه البیت، و قتلوه ثم ساروا إلی قصر مهنا المسمی قصر الشیوخ إذ خرج لصلاة الجمعة، و اختفوا فیه، فلما خرج لصلاة الجمعة خرجوا علیه من البیت و قتلوه.
و الذین قتلوه أحد عشر رجلا، ثم قتل من الذین قتلوه تسعة و سلم منهم اثنان، و الذین اشترکوا فی قتله صالح العبد العزیز المحمد، و عمر بن ترکی بن عبد العزیز المحمد، و إبراهیم بن علی بن عبد العزیز المحمد، و عبد اللّه بن حسن العبد المحسن، و غانم بن محمد العانم، و ولد الحمیضی، و ولد ابن مرشد، و إبراهیم بن عبد اللّه خرشد و عبدهم سعدون بن سرور، و عبدهم زید الحایک. ثم ساروا إلی قصر مهنا الجدید المعروف فدخلوا و تحصنوا فیه، فقام عیال مهنا و عشیرتهم و أهل بریدة و حاصروهم فی القصر المذکور و ثار الحرب بینهم و بین آل أبی علیان المذکورین فضرب آل أبی علیان علی بن محمد بن صالح أبا الخیل برصاصة فوقع میتا، ثم ضربوا حسن بن عودة أبا الخیل برصاصة، فوقع میتا، فقام آل أبی الخیل و من معهم من أهل بریدة و حفروا حفرا تحت
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 226
المقصورة التی فیها آل أبی علیان، و وضعوا فیه بارودا و أعلقوا فیه النار فثار البارود و سقطت المقصورة بمن فیها، فمات بعضهم تحت الهدم و بعضهم أمسکوه و قتلوه، و لم یسلم إلّا إبراهیم بن عبد اللّه بن غانم اختفی مع الناس فلم یعرف، و العبد (خرشد) جرح فلحقوه و صار فی وجهه فضربه خرشد بالسیف فی یده، فخلا طریقه، ثم عرض له راشد آل معیض فضربه خرشد بسیفه فسطا فیدیده، فخلا طریقه ثم تکاثر علیه الناس فرموه بیندق و وقع میتا فی الجردة.
و أما زید (الحایک) فهو کما قدمنا رکب فرسا حین قتلوا مهنا، و سار إلی عنیزة یرید النصرة من زامل فلم یدرک من زامل شیئا، و صار رکضه لعنیزة سببا لسلامته، و من أعیان المقتولین صالح آل عبد العزیز آل محمد و ابن أخیه عمر بن ترکی آل عبد العزیز آل محمد، و تولی إمارة بریدة حسن آل مهنا بعد أبیه.
و فیها قام حسن المهنا الصالح أبا الخیل علی عبد المحسن بن مدلج و ابنیه عبد اللّه و مدلج و حبسهم حیث ذکر له أنهم یکاتبون آل أبو علیان الجالین فی عنیزة، و یحسنون لهم السطوة فی بریدة، فأقاموا فی الحبس خمسة أشهر فلما غزا حسن المهنا بعض غزواته، و هو إذ ذاک أمیر بریدة قام عبد المحسن بن مدلج و أبناؤه من الحبس، و أخذوا رشاء القصر فانحدروا به من القصر فلما علموا بهم لحقوهم فأمسکوا عبد المحسن و ابنه عبد اللّه فأمر بقتلهما عبد اللّه المهنا الصالح، و هو أمیر بریدة بالنیابة عن أخیه حسن أمر عبد اللّه المذکور خادمه حمود العبد الوهاب بن شوشان أن یقتل عبد المحسن فقتله، و أمر خادمه حسن آل مغیص بقتل عبد اللّه بن عبد المحسن بن مدلج فقتله، لأن ابن مغیص المذکور هو حارس باب
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 227
القصر. و أن ابن شوشان بینه و بین ابن مدلج صداقة فاتهمهم ابن مهنا أن لهم ید فی هروبهم فأمرهما بقتلهما و أما مدلج فانهزم و کان شجاعا فأخذ حجرا فربطه فی ثوبه فمن لحقه ضربه بالحجر حتی تخلص و وصل عنیزة ثم سافر إلی الشام فمات هناک.
و فی هذه السنة قتل فهد بن صنیتان، و صنیتان لقب علی عبد اللّه بن إبراهیم بن عبد اللّه بن محمد بن سعود بن محمد بن مقرن، یوم الجمعة فی جامع بلد الریاض، قتله محمد بن سعود بن فیصل بن ترکی بن عبد اللّه بن محمد بن سعود بن محمد بن مقرن رحمه اللّه تعالی.

ثم دخلت السنة الثالثة و التسعون بعد المائتین و الألف:

و فیها حصل بین الإمام عبد الرحمن بن فیصل و بین أولاد أخیه سعود بن فیصل منافرة، فخرج من الریاض و قدم علی أخیه عبد اللّه بن فیصل و هو إذ ذاک مع بادیة عتیبة، فلما قدم علیه أکرمه إکراما زائدا و أخذ عبد اللّه فی جمع الجنود من البادیة و الحاضرة، و جمع جموعا ثم توجه بهم إلی قتال أولاد أخیه سعود بن فیصل فی الریاض و معه أخوه عبد الرحمن بن فیصل. فلما قرب عبد اللّه من الریاض خرج أولاد سعود منه بغیر قتال و ساروا إلی الدلم و أقاموا بها. فدخل عبد اللّه بن فیصل بلد الریاض و استقر فیها ثم قدم علیه رؤساء البلدان و بایعوه علی السمع و الطاعة، و قد قدم علیه عبد اللّه بن عبد المحسن بن مدلج من آل علیان رؤساء بلد بریدة فی الماضی ممن أجلاهم، منها أبو الخیل و معهم کتاب من زامل آل عبد اللّه بن سلیم أمیر بلد عنیزة یطلب منهم القدوم علیه فی عنیزة و یعده القیام معه و المساعدة له علی أهل بریدة. و طلب عبد اللّه بن عبد المحسن آل محمد المذکور و من معه من عشیرته القیام معهم و المساعدة فی أخذ
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 228
بریدة من أیدی آل أبا الخیل، و ذکروا للإمام أن لهم عشیرة فی البلد و أنهم إذا وصلوا إلی البلد ثاروا فیها و قاموا معهم و فتحوا لهم الباب. فسار معهم الإمام عبد اللّه الفیصل بجنوده من المسلمین من البادیة و الحاضرة، و قدم بلد عنیزة و نزل خارج البلد. و کان حسن آل مهنا أبا الخیل لما بلغه خبر مسیرهم کتب إلی محمد بن عبد اللّه بن رشید أمیر بلد الجبل یستحثه.
فخرج ابن رشید من حائل بجنوده و استنفر من حوله من بادیة حرب، و شمر، و هتیم، و بنی عبد اللّه، و توجه بهم إلی بلد بریدة و نزل علیها بمن معه من الجنود. و لما علم بذلک الإمام عبد اللّه الفیصل ارتحل من عنیزة بمن معه من الجنود و رجع إلی بلد الریاض، و أقام ابن رشید علی بریدة مدة أیام ثم رجع إلی بلده.
و فی هذه السنة استعمل الإمام عبد اللّه بن فیصل عبد اللّه بن عثمان الحصینی أمیرا فی بلد أشیقر، و انتقل آل نشوان بأهلهم منه إلی بلد الحریق و سکنوا فیه.
و فی هذه السنة فی رابع عشر من ذی القعدة توفی الشیخ الإمام شیخ الإسلام و قدوة العلماء الأعلام عبد اللطیف بن عبد الرحمن ابن حسن بن الشیخ محمد بن عبد الوهاب رحمهم اللّه تعالی. کانت وفاته فی بلد الریاض، و میلاده سنة 1225 ه. کان رحمه اللّه إماما عالما فاضلا بارعا محدثا فقیها أصولیا، أخذ العلم عن عدد من العلماء الأعلام الأفاضل الکرام نجدیین و مصریین، فمن النجدیین: والده الشیخ الإمام العالم العلامة عبد الرحمن بن حسن، و الشیخ عبد اللّه بن الشیخ محمد بن عبد الوهاب، و الشیخ أحمد بن حسن بن رشید الأحسائی ثم المدنی الحنبلی، و الشیخ عبد الرحمن بن عبد اللّه. و من المصریین الشیخ العالم
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 229
العلامة مفتی الجزائر محمد بن محمود بن محمد الجزائری الحنفی، و الشیخ إبراهیم البیجوری شیخ الجامع الأزهر، و الشیخ مصطفی الأزهری، و الشیخ أحمد الصعیدی و غیرهم. و کان رحمه اللّه فی الحفظ آیة باهرة متوقد الذکاء کأن العلوم نصب عینیه. و کان کثیر المطالعة ملازما للتدریس مرغبا فی العلم معینا علیه، أخذ عنه خلائق کثیرة و انتفعوا بعلمه، منهم أولاده الکرام الجهابذة الأعلام الشیخ عبد اللّه، و الشیخ إبراهیم، و الشیخ محمد، و أخوه الشیخ إسحاق بن عبد الرحمن، و الشیخ حسن بن حسین، و الشیخ سلیمان بن سحمان، و الشیخ أحمد بن إبراهیم بن عیسی، و الشیخ عبد الرحمن بن محمد بن مانع، و الشیخ محمد بن عبد اللّه بن سلیم، و الشیخ محمد بن عمر بن سلیم، و الشیخ عبد اللّه بن محمد بن مفدی، و الشیخ صعب التویجری و غیرهم. و له مصنفات مفیدة منها کتاب فی الرد علی عثمان بن منصور، «منهاج التأسیس و التقدیس فی کشف شبهات داود بن جرجیس» مجلد. و له رسائل عدیدة، و أجوبة علی أسئلة مفیدة. و له تحقیقات نفیسة و تدقیقات لطیفة. و لما وقف الشیخ عبد القادر أفندی البغدادی الحنفی علی رده علی داود بن جرجیس أثنی علیه ثناء جمیلا و قرظه بهذه الأبیات و هی من البحر البسیط:
عبد اللطیف جزاه اللّه خالقنایوم الجزاء بأجر غیر ممنون
هو الهمام الذی شاعت فضائله‌فی الشرق و الغرب من نجد إلی الصین
بحر من العلم یبدی من معارفه‌بدیع رد عزیز القدر مکنون
حمی طریق رسول اللّه عن شبه‌منسوبة لجهول غیر مأمون
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 230 و ساوس و أقاویل ملفقةکأنها بعض أقوال المجانین
ظن ابن جرجیس من جهل و من سفه‌لم یبق فی الناس ذو علم و تمکین
فقال ما قال من زور و من کذب‌مزخرف قد تبدی غیر موزون
و لم یکن عنه یغنی الظن فانعکست‌ظنونه فی مجال غیر مظنون
إذ رده ناکصا یدعو النجاء علی‌أعقابه یخسر الدنیا مع الدین
إن ابن جرجیس برذون و ذا أسدو هل تقیاس أسود بالبراذین
دلائل أشرقت کالشهب أرسلهاعبد اللطیف رجوما للشیاطین
جزاه مولاه عنا کل صالحةمن جنة الخلد فی یوم الموازین
و کان بین الشیخ عبد اللطیف المذکور، و بین الشیخ أحمد بن علی بن حسین بن مشرف الوهیبی التمیمی الأحسائی المالکی صحبة أکیدة، و بینهما مکاتبات و أشعار فکتب إلیه الشیخ عبد اللطیف رسالة یعتب علیه فیها، و ضمنها هذا البیت المنسوب لضمرة بن ضمرة التمیمی، و هو قوله من قصیدة:
و إذا تکون کریهة ادعی لهاو إذا یحاس الحیس یدعی جندب
و بعضهم ینسب القصیدة التی منها هذا البیت لعمرو بن الغوث ابن طی‌ء، فکتب إلیه الشیخ أحمد، بعد السلام: و بعد فقد وصلنا کتابک، و هیجنا بدیع خطابک و استشهادک بالبیت القدیم الذی هو لبعض بنی تمیم إلی نظم أبیات علی تلک القافیة، و هی فی الاعتذار کافیة، و هی هذه من البحر الکامل:
الود أصدق و التوهم أکذب‌فعلام تلحقنا الملام و تعتب
أتظن أنا قد جفوناکم فلاأدری أظنک أم عتابک أعجب
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 231 الدین یأبی و المروءة و الإخاما قد ظننت فبرق ظنک خلب
أتظن فی أهل الحفیظة و النهی‌هجر الصدیق بغیر ذنب یوجب
أو کفرهم بیض الأیادی بعدماوجب الجزاء لها بما تستوجب
أو ینکرون أخوة قد أکدت‌بقرابة و مناقب لا تحسب
أو لم تکن فی الحلم طودا راسیاو العلم بحرا طامیا لا ینضب
و أبوک حبر فاضل من علمه‌ترجی الهدایة و المقال الأصوب
ان خاض فی علم الحدیث فمسلم‌أو علم فقه قلت هذا أشهب
و لمن مضی منکم فضائل جمةکدنا بها فوق المنابر نخطب
أتقول إذ قد لمتنی متمثلابقدیم شعر قاله من یعتب
و إذا تکون کریهة ادعی لهاو اذا یحاس الحیس یدعی جندب
فکلا هما تدعی إلیه بحول من‌وهب الجزیل و وعده لا یکذب
فاصفح و لا حطنا بعین للرضی‌و اقبل إذا اعتذر المحب المذنب
و انظر إلی درر القریض نظمتهایزهی بها العقد النفیس المذهب
فی جید غانیة حکت شمس الضحی‌فإذا انجلت کل نجم یغرب
تهدی إلیک تحیة من مولع‌من نشرها فاح العبیر الأطیب
و بها تأرجت الریاض و أزهرت‌فیها الریاض فطیرها یتأوب
ثم الصلاة علی النبی محمدما لذ فی الاثنا علیه المطنب
و علیه تسلیم الإله و روحه‌ما جاء فی الاثنا علیه المطنب
و الآل و الأصحاب ما مزن بکی‌فاهتز یضحک بالنبات المجدب
و قد رثاه الشیخ سلیمان بن سحمان بهذه القصیدة:
تذکرت و الذکری تهیج البواکیاو تظهر مکنونا من الحزن ثاویا
معاهد کانت بالهدی مستنیرةو بالعلم یزهو ربع تلک الروابیا
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 232 و أراضها بالعلم و الدین قد زهت‌و أطود شرع اللّه فیها رواسیا
و قد أینعت منها الثمار فمن یردجناها نبلها و التطوف دانیا
و أنهارها للواردین شریعةمناهلها کالشهد فعم صوافیا
و قد غردت أطیادها بریاضهایرجعن ألحان الغوانی تهانیا
و کنا علی هذا زمانا بغبطةو أنوار هذا الدین تعلو سوامیا
فما کان إلا برهة ثم أطبقت‌علینا بأنواع الهموم الروازیا
فکنا أحادیثا کأخبار من مضی‌ننبؤ عنها فی القرون الخوالیا
لعمری لئن کانت أصیبت قلوبناو أوجعها فقدان تلک المعالیا
لقد زادت البلوی اضطراما و حرقةفحق لنا إحراق دمع المآقیا
فقد أظلمت أرجاء نجد و أطفئت‌مصابیح داجیها لخطب دواهیا
لموت إمام الدین و العلم و التقی‌مذیق العدا کاسات سم أفاعیا
فعبد اللطیف الحبر أوحد عصره‌إمام هدی قد کان من داعیا
لقد کان فخرا للأنام و حجةو ثقلا علی الأعداء عضبا یمانیا
امام سما مجدا إلی المجد و ارتقی‌و حل رواق المجد اذ کان عالیا
تصدی لرد المنکرات و هدمابنته عداة الدین من کل طاغیا
فاضحت به السمحاء یبسم ثغرهاو یحمی حماها من شرور الأعادیا
حباه إله العرش فی العلم و النهی‌بما فاق أبناء الزمان تسامیا
و قد جد فی ذات الإله بجهده‌و لم یأل فی رأب الثنا و المناهیا
و لما نما الرکبان أخبار موته‌و أصبح ناعی الدین فینا منادیا
رثیناه جبرا للقلوب لما بهاو حل بها من موجعات التآسیا
لشمس الهدی بدر الدجا عالم الهدی‌و غیض العدا فلیبک من کان باکیا
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 233 الآن ظهرت منا علیه کأبةو حل بنا خطب من الرزء شاجیا
فقد کسفت للدین شمس منیرةیضی‌ء سناها للوری متساویا
سقی اللّه رسما حله وابل الرضاو حطال سحب العفو من کل غادیا
و لا زال إحسان الإله و بره‌علی قبره ذی دیمة ثم هامیا
و أسکنه الفردوس فضلا و رحمةو ألحقه بالصالحین المهادیا
علیه تحیات السلام و إن نآو أحی دفینا فی المقابر ثاویا
یفوق عبیر المسک عرف عبرهاو یبهر ضوء الشمس أزکی سلامیا
فیا معشر الإخوان صبرا فإنمامضی لسبیل کلنا فیه ماضیا
فإن أفل البدر الفرید و أصبحت‌ربوع ذوی الإسلام منه خوالیا
فقد شاد أعلام الشریعة و اقتضی‌باثار آباء کرام المساعیا
همو جددوا الإسلام بعد اندراسه‌و أحیوا من الإسلام ما کان عافیا
و کم لهم من محنة فضیلةیقصر عن تعدادهن نظامیا
مناقبهم لا یحصیها النظم عدةو لیس یواریها غطاء المعادیا
فیا رب جد بالفضل منک تکرماو بالعفو عنهم یا مجیب المنادیا
و أبق بینهم سادة یقتدی بهم‌إلی الخیر یا من لیس عنا بلاهیا
و نسألک اللهم ستر عیوبناو محو الذنوب المثقلات الشواجیا
فعفوک مأمول لکل مؤمل‌و سترک مسدول علی الخلق ضافیا
و أحسن ما یحلو القریض بختمه‌صلاة و تسلیما علی جد هادیا
و أصحابه و الآل ما ناص بارق‌و ما انهل صوب الموجنات الغوادیا
و فی هذه السنة حصل وقعة بین أهل شقراء و بین الشیابین من عتیبة قتل فیها من الشیابین رجل، و من أهل شقراء صالح بن عبد الوهاب رحمه اللّه تعالی.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 234

و فی سنة 1294 ه:

أکثر حسن بن مهنا أبا الخیل أمیر بریدة الغارات علی أهل شقراء و غیرهم من أهل الوشم: فأرسل سریة فی محرم من هذه السنة فأغاروا علی بلد شقراء ففزع أهل شقراء علیهم، و حصل بینهم قتال شدید فانهزمت سریة ابن مهنا، و أخذ أهل شقراء جملة من رکابهم، و قتل من أهل شقراء عبد اللّه بن عبد الرحمن بن جماز رحمه اللّه تعالی. و فی هذه السنة غزا محمد بن رشید أمیر الجبل، و معه حسن آل مهنا أمیر بریدة علی بادیة عتیبة و صار طریقه علی بلد أشیقر. و کان ذلک الوقت أیام صرام النخل، فحصل من تلک الجنود فساد من نهب البیوت و صرام النخل، و حصل علی أهل البلد ضرر عظیم.
و فی رابع عشر جمادی الآخرة من السنة المذکورة توفی الشریف عبد اللّه بن محمد بن عبد المعین بن عون و عمره نحو ست و خمسین سنة، و مدة إمارته نحو تسع عشرة سنة، و له من الذکور اثنان و هما علی و محمد. و تولی إمارة مکة بعده أخوه الشریف حسین بن محمد بن عبد المعین بن عون.
و فی هذه السنة کثر الجراد فی نجد و أعقبه دباء أکل کثیرا من الزرع و الثمار، و أکل الأشجار.
و فیها الوقعة المعروف بین عبد اللّه بن عبد الوهاب راعی العینیة و بین بریة. و سبب ذلک أنه کان عنده من بریة أربعة رجال أضیاف، و أقاموا عنده أربعة أیام فی القصر و لم یکن عنده فی القصر إلّا ولدان صغار، و إلّا فأبوه فی الحریق، و أخوه عبد العزیز فی الزبیر و فارس صغیر فی الحریق.
و لم یکن عنده فی القصر إلّا الولدان الصغار. ثم إن الأربعة المذکورین
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 235
راحوا من عنده فلما أتوا إلی الضبیة لقیهم مائة و ثمانون رجلا من بریة حنشل: کبیرهم مخلف الدعمی من الوساما، و فلاح الأشرم من الهوامل، و غانم أبو لسان من الدیاحین. و ذلک فی غایة القحط، و الغلاء الشدید، و شدة الجوع فی نجد بسبب الحرب التی بین عبد اللّه الفیصل و أخیه سعود، فقالوا: أبشروا بالمال، هذا عبد اللّه بن عبد الوهاب فی قصر العینیة، و لیس عنده أحد، و فیه من الزاد و المال ما یکفیکم، فأتوا إلیه و حصل بینه و بینهم قتال. ثم إنهم کسروا باب القصر الطالعی، و بدأوا یکسرون الباب الداخلی و هو یرمیهم ببندق و لا یثور فیها إلّا الذخیرة فقط، ثم إنه ترک البندق و أخذ سیفه و أقبل علی الباب و هم یحاولون کسره.
و کان عنده فی القصر بندق قصیرة لأخیه فارس، و یظن أنها مع فارس فی الحریق. و بینما هو کذلک إذ قال له أحد الاثنین الصغیرین اللذین عنده: یا عبد اللّه، خذ البندق الصغیرة ففرح بها و أخذها، و وجد فیها رصاصتین فقط، و عمد إلی الباب و إذ یحاول کسره عبد لمفرح الأشرم بمسحاة معه لیحف بها الباب، فرماه عبد اللّه فوقع میتا، فانهزموا عن الباب. ثم عاد و أخذ المسحات مرزوق الشتیلی، و قام یضرب بها الباب فرماه عبد اللّه بن عبد الوهاب فوقع میتا فانهزموا، فعاد عبد اللّه إلی بندقیة الأولی المتروکة فرماهم بعدما انهزموا، فکسر ید واحد منهم. و کان بالأول یرمیهم و لا تثور. ثم إنه بعد أربع سنین أعطی الشتیلات دیة مرزوق مائة و عشرین ریالا، و کفل علیهم ترکی بن ثعیل بن الحمادین، و أعطی مفرج الأشرم قیمة عبده أربعین ریالا، و کفل علیه شبنان المریخی من المریخات، و رفاعی بن عشوان من العبیات.
و فیها بلغ حسن المهنا الصالح أن حمد الغانم، و إبراهیم العبد
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 236
المحسن المدلج، و عبدهم عبد اللّه الجالسی قد أقبلوا من حائل یریدون عنیزة مع جماعة من أهل عنیزة منهم القرعاوی، و عبد اللّه بن غانم، فأرسل حسن المهنا الصالح أبا الخیل بن عمه صالح العلی أبا الخیل، و جماعة من خدامه فی طلبهم فوجدوهم فی القرینة فقتلوهم. فلما وصلوا أهل عنیزة بلدهم قام علیهم الأمیر زامل العبد اللّه السلیم فسوّد وجوههم، و حلق لحاهم لکونهم لم یمنعوا رفقائهم فإنهم لو قاموا معهم لکان لهم منعة.

ثم دخلت السنة الخامسة و التسعون بعد المائتین و الألف:

و فیها وقع الحرب بین أهل شقراء، و بین محسن بن مرزوق الهضیل شیخ الدعاجین من عتیبة، یریدان أن یجعل له معلومات علی حاج الوشم، فامتنع أهل شقراء من ذلک و حصل بینه و بینهم حروب شدیدة، و وقعات عدیدة، و فی کل منها تکون الغلبة لأهل شقراء.
ثم إن حاج أهل شقراء فی هذه السنة حصروهم و الهیضل عند الشریف حسین بن محمد بن عبد المعین بن عون بعد انقضاء الحج، و أمیر الحاج إذ ذاک حمد بن عبد العزیز بن حمد بن عیسی و تشاکوا عنده، و جاء أهل شقراء بشهود من عتیبة بأن الهضیل لیس له حق علی أهل الوشم، و انقطع النزاع بینهم و خمدت الفتنة. و کتب الهیضل لأهل شقراء ورقة علی أن لیس له علیهم شی‌ء من الدعاوی لا کثیر، و لا قلیل، و لا له علی أهل شقراء إخاوة و لا رفقة، و مضمون هذه الورقة من مرزوق الهیضل و ابنه محسن إلی من یراه من کبار عتیبة: سلام علیکم، و بعد، خلصت أنا و أهل شقراء و لیس لی علیهم من الدعاوی لا کثیر، و لا قلیل، و لا شی‌ء أبدا، و لا لی علی شقراء إخاوة، و لا لی علی حاجهم رفقة و لا حق و هم مطلقون
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 237
یسترفقون من عتیبة من حیث ما یبون وجناتهم انقطعت. و کذلک من تبع بیرقهم من أهل الوشم، و سدیر، و المحمل ما لی علیهم حق و لا رفقة، و سابقات الیوم من النقائص التی بینی و بینهم مدفونة، و کفلت لهم علی جمیعها المذکور محمد بن مزرم الشیبانی، و کفلوهم فی وجهی و أمان اللّه، و شهد علی ذلک نادر الهریفی، و حسین بن جامع، و سوندی بن ناشر، و هذال بن جرمان، و بجاد بن غالب و دحیم بن واسم، و حویدی، و سلیمان بن عبد الرحمن، و عبد العزیز الجمیح، و أحمد بن إبراهیم بن عیسی و السلام.
و فی هذه السنة نزل آل عاصم من قحطان علی دخنة، و أکثروا من الغارات علی أهل عنیزة، فقام أهل عنیزة و استفزعوا الحبلان من مطیر، فنهضوا و صبحوا آل عاصم، و أخذوهم و قتلوا منهم عدة رجال منهم شیخهم حزام بن حشر.

ثم دخلت السنة السادسة و التسعون بعد المائتین و الألف:

و فیها بعث حسن بن مهنا أمیر بلد بریدة سریة و أمرهم بالغارة علی أهل شقراء فأغاروا علیهم، و أخذوا أغناما. فرکب أهل شقراء فی طلبهم، فأدرکوهم بالقرب من الفروتی. و اتفق أن ابن بصیص و من معه من بریة عربان من مطیر علی الماء المذکور. فلما نشب القتال بین الرکب المذکورین فزع علیهم ابن بصیص بخیله و رجله، و ساروا مع الرکب، فانقلب أهل شقراء و قربوا رکابهم و ساقوها قدامهم و هم خلفها. و حصل بینهم و بین بریة قتال شدید، و رمی بالبنادق، و عقروا علی بریة جملا، و صوّبوا رجالا، و قتل من أهل شقراء سعد بن عمر بن سدحان.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 238
و فی شوال من هذه السنة تصالح آل نشوان، و آل بسام أهل أشیقر فقدم محمد بن إبراهیم بن نشوان بلد أشیقر و معه عدة رجال من أهل بلد الحریق، و کان أمیر بلد أشیقر إذ ذاک عبد اللّه بن عثمان الحصینی، فقام الأمیر عبد اللّه المذکور و هو و عشیرته و أعطوا أهل الحریق النجم الأول من دیة عثمان بن إبراهیم الطویل، و محمد بن عبد العزیز حسن بن نشوان المقتولین سنة 1293 ه کما تقدم. و کان محمد بن علی بن بصیص و من معه من بادیة بریة قاطنین علی جوا أشیقر إذ ذاک و معهم عبد اللّه بن سعود بن فیصل، و عدة رجال من خدّامه یطلب منهم المساعدة و القیام علی عمه الإمام عبد اللّه بن فیصل. فدخل عبد اللّه بن سعود المذکور البلد و معه عدة رجال من خدّامه و من بریة، و طلب من الأمیر عبد اللّه بن عثمان الحصینی الزکاة و الجهاد، فقال له: أخذ ذلک عمک و فی رقبتی له بیعة و عهد، و إن کانت لکم الغلبة علیه فنحن لکم فی السمع و الطاعة.
و حضرت صلاة العصر فقاموا من مجلسهم و قبض عبد اللّه بن سعود علی ید الأمیر عبد اللّه الحصینی المذکور، و علی ید عبد الرحمن بن إبراهیم الخراشی و جعل یحدثهما و هما یمشیان معه، و مشی معهم عبد العزیز بن إبراهیم الحصینی، فلما وصلوا إلی الباب الذی یخرج علی الجو أمر علی من معه من الخدام بقتلهم، فقتل الأمیر عبد اللّه الحصینی المذکور، و ابن أخیه عبد العزیز بن إبراهیم بن عثمان الحصینی، و جرح عبد الرحمن بن إبراهیم الخراشی جراحات فانفلت منهم، و انهزم إلی الجو و دخل بیت ماجد بن بصیص و طرح نفسه فیه، فمنعهم منهم. ثم إنه أعطاه مائة ریال، و أوصله إلی بیته فی البلد، و کان عبد اللّه بن عثمان الحصینی المذکور أحد أفراد الدهر رأیا و عقلا، و شجاعة، رحمه اللّه.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 239

ثم دخلت السنة السابعة و التسعون بعد المائتین و الألف:

و فیها فی المحرم حصل برد شدید جمد الماء فی المنازل من شدة البرد، و أصاب الحاج بعد خروجهم من مکة فهلک من المغاربة و من التکرون خلائق کثیرة، و أصاب حاج الوشم، و سدیر، و المحمل، و هم علی الماء المسمی بالعبسة، فحصل علیهم مشقة شدیدة، و جمد الماء فی القرب، و ماتت الأشجار من شدة البرد. و فی هذه السنة حصل خلاف بین أهل شقراء و بین العبیثات قتل فیه من أهل شقراء محمد بن عبد العزیز بن حمد بن عیسی، و عبد العزیز بن إبراهیم البواردی، و عبد اللّه بن محمد بن عقیل رحمهم اللّه تعالی.
و فی ربیع الثانی من هذه السنة أغار الغبیثات من الدواسر علی حشاشین لأهل أشیقر فی نفود الشمال، و معهم أربعة بواردیه جنبا لهم، و هم عبد اللّه بن سلیمان بن منیف، و أخوه عبد الرحمن، و عبد اللّه بن علی بن ضویان، و حمد بن عبد الرحمن بن مقبل، فحصل بینهم رمی بالبنادق، فقتل عبد اللّه بن سلیمان بن منیف، و کان شجاعا لم یکن فی عصره مثله فی الرمی بالبندق.
و فی شوال من هذه السنة توفی عثمان بن عبد اللّه بن إبراهیم بن نشوان فهدأت الفتنة بعد موته قلیلا بین البسام و آل نشوان کانت وفاته فی بلد الحریق، و کان شجاعا فاتکا رحمه اللّه تعالی.
و فی هذه السنة توفی الشریف حسین بن محمد بن عبد المعین بن عون جاءه رجل أفغانی و قصده و هو راکب کأنه یرید تقبیل یده، و ذلک فی جدة، فطعنه بسکین فی أسفل خاصرته، ثم توفی بعد یومین فنقلوه من
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 240
جدة إلی مکة و دفنوه بها و لم یخلف ذکرا. و تولی إمارة مکة بعده عبد المطلب بن غالب بن مساعد بن سعید بن سعد بن زید بن محسن بن حسن بن أبی نمی.

ثم دخلت السنة الثامنة و التسعون بعد المئتین و الألف:

و فیها حصل وقعة بین أهل شقراء و بین رکب من الشغّالین من بریة قتل فیها من الشغّالین شعلان الشلی، و أخذ أهل شقراء جملة من رکائبهم.
و فیها وقع وباء شدید فی مکة هلک فیه خلق کثیر، و ممن مات فیه حمد بن عبد العزیز بن حمد بن عیسی أمیر حاج أهل الوشم رحمه اللّه. و فی هذه السنة ظهر رجل ببلاد السودان التی فی حکم صاحب مصر یقال له: محمد بن أحمد، و اشتهر عند کثیر من العامة أنه المهدی، و تبعه خلق کثیر، و وقع بینه و بین العساکر المصریة التی فی تلک الأطراف قتال و وقائع کثیرة قتل فیها خلق کثیر، و تملک من تلک البلاد کردفان و مواضع آخر. و فیها توفی الشیخ محمد بن سلطان رحمه اللّه تعالی.

ثم دخل السنة التاسعة و التسعون بعد المائتین و الألف:

و فیها وقع الحرب بین أهل المجمعة و بین الإمام عبد اللّه بن فیصل، فأمر أهل بلدان نجد بالتجهّز للغزو. ثم خرج من بلد الریاض و توجّه إلی بلد المجمعة و معه جنود کثیرة من أهل العارض، و المحمل، و سدیر، و الوشم. و سار معه بوادی عتیبة بأهالیهم و نزلوا بلد حرمة، و حاصروا بلد المجمعة، و قطعوا کثیرا من نخیلها. و کان أهل المجمعة قد اتفقوا مع محمد بن عبد اللّه بن رشید أمیر الجبل أنهم یکونون تحت ولایته، و أنه یقوم
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 241
بحمایتهم فوعدهم بذلک، و واطأهم علی الإمام عبد اللّه بن فیصل. و کان ابن رشید قد طمع فی ولایة نجد لما رأی اختلاف آل سعود، و ما حصل بینهم من الحروب، و أنه قد تضعضع أمرهم لکثرة اختلافهم و تفرقهم.
و لما کان من آخر محرم من هذه السنة أمر الإمام عبد اللّه بن فیصل بلدان نجد بالتجهز للجهاد، فواعدهم بلد حرمة، ثم خرج من الریاض و من معه من الجنود بأهلیهم و نزل علی بلد حرمة، و اجتمع علیه فیها غزو بلدان: المحمل، و الوشم و سدیر و حاصروا بلد المجمعة، و قطعوا کثیرا من نخیلها. و کان أهل المجمعة لما بلغهم الخبر بمسیر الإمام إلیهم کتبوا إلی ابن رشید یستحثونه و تتابعت الرسل منهم إلیه یستنجدونه، فخرج بجنوده من حائل، و استنفر من حوله من بادیة شمر و حرب بنی عبد اللّه، و توجه إلی بلد بریدة و نزل علیها و معه جنود عظیمة. و کان حسن آل مهنا أبا الخیل أمیر بلد بریدة قد جمع جنودا کثیرة من أهل القصیم، و من أهل البوادی و استعد للمسیر مع ابن رشید لنصرة أهل المجمعة
و لما تکاملت علی ابن رشید جنوده، و هو علی بریدة ارتحل منها و معه حسن آل مهنا، و نزل علی الزلفی. فلما علم بذلک بوادی عتیبة ارتحلوا من حرمة منهزمین، و ارتحل الإمام بمن معه من المسلمین، و توجه إلی بلد الریاض و أذن لمن معه من أهل النواحی بالرجوع إلی أوطانهم، و کانت مدة إقامته علی بلد المجمعة محاصرا لها أربعین یوما.
ثم إن ابن رشید ارتحل من الزلفی بمن معه من الجنود، و نزل علی بلد المجمعة و أقام علیها أیاما. ثم ارتحل منها و رجع إلی بلده و جعل فیها أمیرا سلیمان بن سامی من أهل حائل.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 242
و فی هذه السنة توفی الشیخ العالم الفاضل عبد العزیز بن حسن بن یحیی قاضی بلد ملهم رحمه اللّه تعالی کان عالما فاضلا متواضعا حسن السیرة سخیا. و فیها تولی إمارة مکة عون بن محمد بن عبد المعین بن عون، و عزل الشریف عبد المطلب بن غالب.

[فی القرن الثالث عشر]

ثم دخلت سنة ثلاثمائة و ألف:

و فیها الوقعة المشهورة بین عتیبة و معهم محمد بن سعود بن فیصل و بین محمد العبد اللّه بن رشید و معه حسن آل مهنا أمیر بریدة علی عروی الماء المعروف، و صارت الهزیمة علی عتیبة. و فیها غزا محمد بن سعود بن فیصل و معه جنود کثیرة من أهل الخرج، و من آل شامر، و الدواسر، و غیرهم.
و عدا علی ابن بصیص و من معه من بادیة بریة، فصبحهم و هم علی الأثلة فحصل بینه و بینهم قتال شدید و أخذ منهم إبلا و غنما، و قتل من الفریقین عدة رجال منهم عبد الرحمن بن سعود بن فیصل رحمه اللّه تعالی. و فیها قتل محمد بن إبراهیم بن نشوان بعد صلاة العصر فی رابع عشر من شوال فی بلد أشیقر، قتله الحصانا و الخراشا، کان رحمه اللّه تعالی کریما سخیا یضرب به المثل فی الکرم.
اشترک فی قتله أربعة رجال: سلیمان بن محمد بن عثمان بن حمد الحصینی، و ابن عمه سلیمان بن حمد بن عثمان بن حمد الحصینی، و صالح بن محمد بن حسن بن راشد الخراشی، و ابن أخیه عثمان بن عبد الرحمن بن حسن بن راشد الخراشی، و عمره نحو ستین، و بمقتله کشفت الحرب عن ساقها، و قامت الشرور بین آل بسام و آل نشوان، فلا حول و لا قوة إلّا باللّه العلی العظیم.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 243

ثم دخلت سنة واحدة و ثلاثمائة:

و فیها کثرت الأمطار و السیول، و عم الحیاة جمیع بلدان نجد، و کثر الخصب و الکمأة، و رخصت الأسعار. و فی ربیع الأول من هذه السنة خرج الإمام عبد اللّه بن فیصل من الریاض غازیا، و أمر علی أهل بلدان نجد بالجهاد، و نزل علی بلد شقراء و استلحق غزو البلدان فقدموا علیه فیها و أمر بوادی عتیبة أن ینزلوا الحمادة المعروفة. و کان یرید حرب أهل المجمعة فنزل عربان عتیبة الروضة المعروفة فی الحمادة المسماة أم العصافیر. و لما تکاملت علی الإمام جنوده ارتحل من شقراء بمن معه من الجنود، و نزل علی عربان عتیبة هناک.
و کان أهل المجمعة لما بلغهم خروج الإمام من الریاض أرسلوا لابن رشید یستحثونه، و تتابعت الرسل منهم إلیه، و إلی حسن آل مهنا أمیر بریدة فجمع حسن آل مهنا جنوده، و خرج ابن رشید بجنوده من حاضرة الجبل و استنفر من حوله من البوادی و توجه إلی بریدة فنزل علیها، ثم ارتحل منها و معه حسن آل مهنا بمن معه من الجنود، و توجه لقتال عبد اللّه بن فیصل و من معه من عتیبة. فحصل بینه و بینهم وقعة شدیدة فی صبیحة یوم الاثنین الثامن و العشرین من ربیع الآخر، و صارت الهزیمة علی الإمام عبد اللّه و من معه من العربان، و قتل منهم خلق کثیر.
و من مشاهیر القتلی من أهل الریاض ترکی بن عبد اللّه بن محمد بن سعود بن مقرن، و فهد بن سویلم، و ابن عیاف، و فهد بن غشیان رحمهم اللّه تعالی. و قتل من أهل شقراء عبد العزیز بن الشیخ عبد اللّه أبا بطین، و محمد بن عبد العزیز بن حسین، و عبد العزیز بن محمد بن عقیل،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 244
و أحمد بن عبد المحسن السدیری أمیر بلد الغاط. و قتل من مشاهیر عتیبة عقاب بن شبنان بن حمید. و قتل من أتباع ابن رشید عدد کثیر.
و أقام ابن رشید بعد هذه الوقعة فی الحمادة مدة أیام، و استلحق رؤساء بلدان الوشم و سدیر فقدموا علیه فی موضعه ذلک، و أمر فی کل بلد من بلدان الوشم و سدیر أمیرا، ثم ارتحل من ذلک الموضع، و رجع إلی بلده و طمع بعد هذه الوقعة فی الاستیلاء علی مملکة نجد و أطمعه أهل المقاصد و الأغراض فی ذلک و أخذ یکاتب رؤساء البلدان و یبذل فیهم المال.
و فی ربیع الثانی من هذه السنة حصلت وقعة بین أهل بلد روضة سدیر بین آل ماضی رؤساء البلد، و هم من بنی عمرو بن تمیم، و بین جیرانهم آل ابن عمر و هم من الدواسر فی وسط البلد قتل فیها محمد بن زامل بن عمر رئیس آل ابن عمر المذکورین. و قتل من أتباع آل ماضی عبد العزیز الکلیبی، و إبراهیم بن عرفج و صارت الغلبة لآل ماضی و جلا آل ابن عمرو من الروضة إلی بلد جلاجل و أقاموا هناک.
و فیها قتل سلیمان بن حمد بن عثمان الحصینی رحمه اللّه تعالی.
قتله آل نشوان وجدوه خارج بلد أشیقر، و هو من جملة الذین قتلوا محمد بن إبراهیم بن نشوان المقتول فی السنة التی قبلها کما تقدم. و فیها قتل محمد الحمیدی بن فیصل بن وطبان الدویش قتله آل صویط رؤساء عربان الظفیر فی دم بینهم، صادفوه راکبا لمحمد بن عبد اللّه بن رشید فقتلوه کما ذکرنا. و فیها توفی الشیخ حمد بن عتیق رحمه اللّه تعالی. و فی سلخ شوال من هذه السنة رکب محمد بن فیصل من الریاض لمحمد بن
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 245
عبد اللّه بن رشید فی الجبل بمکاتبة من أخیه الإمام عبد اللّه بن فیصل فأکرمه ابن رشید إکراما زائدا. و فی هذه السنة کثرت الأمطار و السیول و کثر الخصب و الکمأ و رخصت الأسعار و ارتفعت الآبار.

ثم دخلت السنة الثانیة بعد الثلاثمائة و الألف:

و فیها فی أول المحرم قدم محمد بن فیصل إلی الریاض راجعا من الجبل و معه هدیة جلیلة لأخیه الإمام عبد اللّه بن فیصل من ابن رشید، و ترک له بلدان الوشم و سدیر، و کان قد مد یده علیها کما تقدم فی السنة التی قبلها، فعزل الإمام من أراد عزله من أمراء البلدان المذکورة، و أبقی من أراد بقاءه منهم، فکثر علی الإمارة الاختلاف، و عظم الشقاق، و تغلب بعض أهل البلدان علی بلدانهم، و ضعف أمر آل سعود بسبب تفرقهم و اختلاف کلمتهم و کثرة تنازعهم. فحصل بسبب ذلک خطوب جسیمة، و محن عظیمة. فکتب شیخنا الشیخ أحمد بن إبراهیم بن عیسی رسالة أرسلها إلیهم یحضهم فیها علی الاجتماع، و ینهاهم عن التفرق، و یذکر لهم ما حصل بسبب تفرقهم من الذل و الهوان، و من خروج بلدانهم من أیدیهم، و من طمع أعدائهم فیها. و أرسل معها إلیهم هذه القصیدة، و هی من البحر الطویل:
متی ینجلی هذا الدجی و الدیاجرمتی ینتهض للحق منکم عساکر
متی تنتهوا عن غمرة النوم و الردی‌و ینهض لنصر الدین منکم أکابر
متی تتجدد دعوة حنیفیةیکون لها بالصدع ناه و آمر
متی ترعوی منکم قلوب عن الردی‌متی ینقضی هذا القلا و التهاجر
فحتی متی هذا التوانی عن العلاکأنکموا ممن حوته المقابر
و أموالکم منهوبة و بلادکم‌تبوأها بالرغم منکم أصاغر
و أشیاعکم فی کل قطر و بلدةأذلا حیاری و الدموع مواطر
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 246 و أطفالکم هلکی تشتت شملهم‌و ساءت لهم حال إذا الجد عاثر
ممالککم قد قسمها ملوکهاو أنتم لهم أحدوثة و مساخر
فإن ذکرت أو ذکرت بعض ما مضی‌أجابت ببیت ضمنته الدفاتر
کأن لم یکن بین الحجون إلی الصفاأنیس و لم یسمر بمکة سامر
أ لم یک للأسلاف منکم مناقب‌ألم یک للأخلاف منکم مفاخر
و فی آیة فی الفتح قد جاء ذکرکم‌و قد حرر التفسیر فیها أکابر
و فتیان صدق من رجال حنیفةبأیدیهم سمر القنا و البواتر
یرون شهود البأس أربح مغنم‌لدی مأزق فیه یری النقع ثائر
فسل عنهم یوم الصبیحة الذی‌به انفتحت للحق فیه بصائر
وسل عنهم یوما به الطبعة التی‌قد اشتهرت و اللّه آو و ناصر
وسل عنهم یوما بجانب جودةو لیس لأمر حکمه اللّه قاهر
فقد بذلوا غالی النفوس لربهم‌و أمسوا لأیدی الأرذلین مجازر
فابکهم یا عین منک و أسبلی‌دموعک و الأجفان منک فواطر
و لا تترکی یا نفس شیئا من الأسی‌علی مثلهم تنشق منک المرائر
أیا مفخر العوجا ذوی البأس و الندی‌أجیبوا جمیعا مسرعین و بادروا
علی اللّه ذی الرحمن، جمیعا توکلواأذیقوا العدی کأس الردی و توازروا
أجیبوا جمیعا مسرعین إلی الهدی‌فلیس بکم إلّا الغل و التشاجر
و أجدادکم أهل النباهة و العلاألا فاقتفوا تلک الجدود الغوابر
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 247 فکم لهم یوم به الجو مظلم‌و قد نشرت للحق فیه شعائر
وجدکم الأعلی لدی صول الوغی‌به قطعت للمعتدین دوابر
و کم لکم من فاتک تعرفونه‌أوائلکم معروفة و أواخر
فما فارس الشهبا و ما الحارث الذی‌أباد لظاها و الرماح شواجر
و إن ذکرت أرکانکم و رؤوسکم‌فإن أبا ترکی لیس یغادر
فکم مشهدکم معهد تعرفونه‌کما عرف الأقوام باد و حاضر
فلله أیام له و محاسن‌تشبه بالأعیاد و الأمر ظاهر
فلا تقنطوا من رحمة اللّه إنماتجی‌ء محنة و اللّه للخلق قاهر
عسی و لعل اللّه یأتی بلطفه‌فلا بدع فیما قد أتته المقادر
فتشفی لبانات و تقضی مآرب‌و تبهج فیما تشتهیه النواظر
و حسن ختام النظم صل مسلماعلی المصطفی ما ساح فی الأفق ماطر
کذا الآل و الأصحاب ما ذر شارق‌و ما غردت ورق و ما ناح طائر
و لم یتفق بینهم صلح لأمور قدرها اللّه العزیز العلیم لا راد لحکمه یخلق ما یشاء، و یفعل ما یرید، و هو العلی الحکیم.
و فی آخرها سطو آل نشوان، و أهل الحریق فی أشیقر، و أخذوا مواشی لآل بسام و عقروا بعض المواشی.

ثم دخلت السنة الثالثة بعد الثلاثمائة و الألف:

و فیها کثرت الأمطار و عم الحیاة جمیع بلدان نجد و کثر الخصب، و ارتفعت المیاه و فاضت الآبار و حار الحائر فی کثیر من البلدان.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 248
و فی هذه السنة فی الخامس من شهر رمضان توفی الشیخ علی آل محمد بن علی بن حمد بن راشد قاضی بلد عنیزة. کان عالما فقیها، أخذ العلم عن عدة من العلماء الأعلام الأجلاء الکرام منهم الشیخ العالم العلامة القدوة الفهامة الشیخ عبد اللّه بن عبد الرحمن أبا بطین رحمه اللّه تعالی. و کتب له إجازة بخط یده و تولی قضاء عنیزة بعده رحمه اللّه الشیخ عبد العزیز بن محمد بن مانع.
و فی هذه السنة اصطلح أهل أشیقر، و أهل الحریق قام بالصلح بین الفریقین عثمان بن عبد الجبار راعی المجمعة، و عبد العزیز بن شبانة، و حمد بن عبد الجبار فوضعت الحرب أوزارها، و استقبل آل بسام بالدیات لأهل الحریق، فنرجو اللّه أن یجزی من قام بالصلح بین الفریقین خیر الجزاء.

ثم دخلت السنة الرابعة بعد الثلاثمائة و الألف:

و فیها خرج قافلة من أهل الزلفی و قصدوا بلد جلاجل لیمتاروا منه. فلما کانوا بالموضع المعروف بیتربة بالقرب من بلد جلاجل أمرحوا هناک فهاجمهم رکب من آل شامر، و قتلوا منهم رجال، و جرحوا منهم تسعة رجال جراحات شدیدة، و أخذوهم.
و فی خامس من ذی الحجة من السنة المذکورة قتل عبد الرحمن بن إبراهیم الخراشی فی بلد أشیقر رحمه اللّه تعالی. و قاتله عثمان بن محمد بن عبد العزیز بن نشوان الملقب بالفهد و هرب إلی بلد الحریق.
و ذلک بسبب الدماء التی بین آل نشوان. و هم آل خراشا، و آل حصانا.
و کان الدویش قاطنا علی جو أشیقر، فانهزم عثمان بعد ما قتله و خرج إلی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 249
الجو و قصد بیت سلطان بن الحمیدی الدویش، ثم سار إلی العیینة، و منها إلی الحریق. و کان عبد الرحمن بن إبراهیم بن حسن و ابن راشد الخراشی المذکور ذا بأس و شدة، و کرم، و بمقتله انتقض الصلح الذی بین آل نشوان، و آل خراشا، و آل حصانا، و قامت الشرور بین الفریقین و کشفت الحرب عن ساقیها، فلا حول و لا قوة إلّا باللّه.
و فیها غرست الصقیریة المعروفة فی جنوب بلد أشیقر: غرسها عبد اللّه بن سلیمان بن محمد الرزیزا هو و أخوه عبد الرحمن بن سلیمان بن محمد الرزیزا.
و فیها غرست أرض حمد المعروفة فی العقلة فی شمال أشیقر غرسها حمد بن عبد الوهاب.

ثم دخلت السنة الخامسة بعد الثلاثمائة و الألف:

و فیها فی ثالث من المحرم حصل وقعة بین حاج أهل الوشم و بین هذیل و قریش فی الموضع المسمی بالمرخ قریبا من مکة المشرفة قتل فیها من أهل شقراء عبد العزیز بن إبراهیم آل جمیح رحمه اللّه تعالی، و کان حلیما متواضعا ذا دیانة و صیانة، کثیر الصدقة کریما جوادا لم یکن فی عصره مثله فی السخاء و الکرم.
و فیها فی آخر المحرم سطا أولاد سعود بن فیصل فی الریاض، و قبضوا علی عمهم الإمام عبد اللّه بن فیصل فکتب الإمام عبد اللّه إلی محمد بن عبد اللّه بن رشید أمیر الجبل، و استنجد به علی أولاد أخیه سعود فسار ابن رشید بجنوده إلی الریاض و معه حسن ابن مهنا أبا الخیل أمیر بلد بریدة، و حاصر البلد أیاما قلائل. ثم وقعت المصالحة بین ابن رشید،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 250
و بین أهل الریاض، و بین أولاد سعود علی أن تکون لهم إمارة بلد الخرج.
فخرج أولاد سعود إلی الخرج، و أقام ابن رشید هناک أیاما، و جعل محمد بن فیصل أمیرا فی بلد الریاض و المتصرف فیها من جهته سالم بن سبهان. ثم ارتحل فی جمادی الأولی من السنة المذکورة راجعا إلی الجبل و معه الإمام عبد اللّه بن فیصل، و ابنه ترکی، و أخوه عبد الرحمن بن فیصل و سعود بن جلوی، و أذن لأهل النواحی بالرجوع إلی أوطانهم، و أخذ یدبر الحیلة فی قتل عیال سعود، و یکاتب أعداء عیال سعود من أهل الخرج و یطلب المواطأة علی قتلهم و یعدهم و یمنیهم فواطأه علی ذلک إذا أمکنتهم الفرصة.
و لما کان فی شهر ذی القعدة من السنة المذکورة سطا سالم بن سبهان بسریة معه علی أولاد سعود بن فیصل فی الخرج و قتلهم غدرا، و هم: محمد، و عبد اللّه، و سعد رحمهم اللّه تعالی. و کان أخوهم عبد العزیز بن سعود قد رکب فی أول الشهر المذکور لابن رشید فی حائل، فکتب أهل الخرج إلی سالم یستدعونه و ابن سبهان فی الریاض و معه إبراهیم بن عبد الرحمن بن إبراهیم المعروف من أهل أبا الکباش فی قصر الریاض، و توجهوا إلی الدلم و اتفق أن رکبا من الدواسر أخذوا إبلا لأهل بلد زمیقة من بلدان الخرج، فرکب محمد بن سعود علی فرسه فی أثرها، و استنقذ الإبل منهم و رجع بها و صادف وصوله فی الإبل وصول سالم بن سبهان. و کان محمد بن سعود قد نزل من فرسه عند صاحب قصر هناک. و صاحب القصر یعمل له قهوة فلم یفاجئه إلّا خیل ابن سبهان قد خرجت علیه، فلما رآهم قام و ترک فرسه فانهزم و دخل مقصورة هناک فتبعوه، و لما وصلوا إلیه فی المقصورة حصل بینهم و بینه کلام. و قالوا له:
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 251
إننا فی طلب إبل قد أخذها رکب. و کان فی المقصورة فرجة و محمد واقف یکلمهم فرماه خلف الشمری مع الفرجة المذکورة ببندق فوقع محمد میتا.
ثم توجهوا إلی الدلم و طرق رجل من أصحاب سالم علی عبد اللّه بن سعود الباب ممن کان یعرفه عبد اللّه بن سعود، و ذلک صبح الخمیس أول یوم من ذی الحجة، ففتح عبد اللّه الباب و کان مع الذین طرقوا الباب عبد بن عبید بن رشید فضرب عبد اللّه بن سعود بسیفه فقتله.
و کان سعد بن سعود فی نخل له خارج البلد، فلما بلغه الخبر رکب فرسه و انهزم إلی عرب هناک، و نزل عندهم. و اتفق أن شیخ العرب المذکورین، و هو المعروف بالصاع جاء إلی سالم بن سبهان فربطه، فقال:
إن لم تأتنی بسعد بن سعود قتلتک. فأرسل الصاع إلی أهله، و أمرهم بالقبض علی سعد بن سعود، و المجی‌ء به، فقبضوا علیه و جاؤوا به إلی ابن سبهان فقتله.
ثم إن ابن سبهان أرسل إلی ابن رشید بخبره بمقتل عیال سعود، فلما وصل الرسول إلی حائل و إذ أخوهم عبد العزیز بن سعود قد وصل إلیها قبل الخبر بثلاثة أیام، و أخبره ابن رشید بما صار علی إخوته، و أمره بالإقامة عنده فی حائل، و أذن لمن معه من الأتباع و الخدام بالرجوع إلی أهلهم، فمنهم من رجع و منهم من أقام هناک.
و بعد أن تولی الملک عبد العزیز علی الریاض عام 1320 ه ظفر بالصاع المذکور و ابنه فقتلهما، و ظفر بعبد اللّه بن عبد الرحمن بن إبراهیم عند بادیة العجمان. و ذلک فی عام 1320 ه، و فیها کثرت الأمطار و انهدمت القلیب المعروفة بالعمیا بالجریف.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 252

ثم دخلت السنة السادسة بعد الثلاثمائة و الألف:

و فیها کثرت الأمطار و السیول و عم الحیاة جمیع بلدان نجد، و دام المطر أحد عشر یوما ما رأینا الشمس فیها إلّا لحظات یسیرة. و خاف الناس من الغرق، و کثر الهدم و أعشبت الأرض و کثرت الکمأة، و رخصت الأسعار، و انهدمت القلیب المعروفة بالوسطی التی تلی العمیا بالجریف بأشیقر من شدة السیل.
و فی هذه السنة توفی سعود بن جلوی بن ترکی بن عبد اللّه بن محمد بن سعود فی بلد الریاض رحمه اللّه تعالی. و فیها توفی عمر بن إبراهیم بن سدحان فی شقراء رحمه اللّه تعالی.

ثم دخلت السنة السابعة بعد الثلاثمائة و الألف:

و فیها توفی ترکی بن الإمام عبد اللّه بن فیصل فی بلد حائل رحمه اللّه تعالی. و فیها خرج الإمام عبد اللّه بن فیصل من حائل متوجها إلی بلد الریاض و معه أخوه عبد الرحمن بن فیصل، و کان الإمام عبد اللّه إذ ذاک مریضا، فلما وصل إلی الریاض اشتد به المرض، و توفی بعد قدومه بیوم. و ذلک یوم الثلاثاء فی الیوم الثالث من ربیع الثانی من السنة المذکورة. رحمه اللّه تعالی کان ملکا جلیلا مهابا وافر العقل حلیما کریما شجاعا حازما غیر سفاک للدماء، شفیقا بالرعیة سهل الأخلاق سخیا محبا للعلماء مقربا لهم محسنا إلیهم و إلی غیرهم من ذوی الحاجات، کثیر الصلاة و العطاء، غزیر الفضل حسن السیرة. و کانت أیامه مکدرة علیه من کثرة المخالفین رحمه اللّه تعالی و عفی عنه بمنه و کرمه و لم یعقب ذکورا.
و فی هذه السنة حصل بین ابن رشید و حسن آل مهنا أمیر بریدة تنافر
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 253
و اختلاف: ذلک أن ابن رشید فی هذه السنة أرسل عماله إلی الشواوی القصیم لیزکوهم و کان عامل حسن إذ ذاک عندهم لقبض زکاتهم فحصل بین عمال ابن رشید و بین عمال حسن کلام فاحش و سباب فرجع عمال ابن رشید عنهم، و استحکمت العداوة بین ابن رشید و حسن، ثم اتفقوا علی إنهم یراجعون ابن رشید فی ذلک فراجعوه فی ذلک الأمر. و جاء منه الخبر بأنی ما أمرتهم بقبض زکاة الشواوی، و إنما قیل لنا: إن هناک قبائل من عربان مطیر فأرسلتهم لهم، و کتب إلی عماله بألا یتعرضوا للشواوی بشی‌ء.
و بذلک وقعت الوحشة بین ابن رشید، و ابن مهنا، و کان حسن المذکور قبل ذلک بینه و بین زامل بن عبد اللّه بن سلیم أمیر بلد عنیزة عداوة شدیدة فالتفت حسن إلیه و أخذ یکاتبه و یطلب منه المصالحة. و أن یکون یدا واحدة علی محاربة ابن رشید. فأجابه زامل إلی ذلک، و تواعدا للاجتماع فی موضع من الغمیس. فرکب زامل و معه عدة رجال من خدمة و رکب حسن، بمثل ذلک و اجتمعوا فی الموضع المذکور و تعاهدوا علی التعاون و التناصر، و أن لا یخذل بعضهم بعضا. و أقاموا هناک ثلاثة أیام ثم رجع کل منهم إلی بلاده و صلحت حالهم و کان ابن رشید حین استولی علی الریاض قد جعل فیه محمد بن فیصل أمیرا، و جعل سالم بن سبهان و معه عدة رجال من أهل الجبل فی قصر الریاض، و صار سالم المذکور هو المتصرف فیها بأوامر ابن رشید.
و لمّا کان فی الحادی عشر من شهر ذی الحجة من هذه السنة جاء الخبر إلی الإمام عبد الرحمن بن فیصل بأن ابن سبهان المذکور یرید الغدر به، و القبض علیه. فلما تحقق الإمام عبد الرحمن بن فیصل من ذلک
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 254
الخبر، و دخل سالم بن سبهان المذکور بمن معه من الخدام علی الإمام عبد الرحمن للسلام علیه علی عادته، و کان الإمام عبد الرحمن قد جمع رجالا عنده فی القصر و أمرهم بالقبض علی سالم و من معه إذا دخلوا القصر. فلما دخل سالم و من معه القصر قبضوا علیهم و حبسوهم و قتلوا خلف بن مبارک بن الأسلم من شمر، لأنه هو الذی قتل محمد بن سعود بن فیصل کما تقدم. و احتوی الإمام عبد الرحمن بن فیصل علی ما فی قصر الریاض من الأموال.
و کان سبب القبض علی سالم و أصحابه المنافرة التی وقعت بین ابن رشید، و ابن مهنا کما تقدم، و الاتفاق بین زامل السلیم، و حسن المهنا.
کتب ابن مهنا إلی الإمام عبد الرحمن بطلب منه القبض علی ابن سبهان.
و الاستیلاء علی الریاض. و بعده النصرة له و القیام معه و صارت الرسل تترا منه إلی الإمام فی ذلک.
فلما کان فی یوم عید الأضحی أظهر الإمام عبد الرحمن أن معه بعض الأثر، و کان إذ ذاک فی القصر العتیق و ابن سبهان و أصحابه فی القصر الجدید. و قال الإمام لابنه فیصل: سر إلی الأمیر سالم بن سبهان، کما هی عادتهم فی الأعیاد، فإن سألک عنی فقل له: إن معه بعض الأثر، و هو یسلم علیکم، و لو قدر علی الوصول إلیکم لفعل. و کان الإمام عبد الرحمن قد أخبر ابنه بالخبر و أنه یرید القبض علی ابن سبهان و أصحابه إذا أمکنته الفرصة. فسار فیصل إلی ابن سبهان و سلم علیه، فلما استقر به الجلوس سأله سالم عن والده فقال له: إن معه بعض الأثر، و هو یسلم علیکم. فقال سالم: لا بد أن نسلم علیه، و لکن الیوم ما لنا فرصة،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 255
و بعد طلوع الشمس بکرة نأتی إلیکم للسلام علیه. و قام فیصل و أخبر أباه بذلک فتأهب لمجیئهم.
فلما کان صبیحة ذلک الیوم و هو الحادی عشر من ذی الحجة جلس الإمام عبد الرحمن فی روشن فی القصر، و کان تمالأ هو وعدة رجال من آل مقرن منهم عبد اللّه بن جلوی، و أخوه فهد، و محمد بن حسن بن مشاری، و ناصر بن فرحان و فیصل بن ناصر و عدة رجال من أتباعهم و خدامهم و أمرهم بالجلوس فی موضع من القصر، فإذا دخل سالم و أصحابه فلیغلقوا الباب باب القصر ثم یجلسون عنده إلی أن یأتیهم الأمر، ففعلوا ذلک. و قام معه فی هذا الأمر ابنه فیصل و کان شهما شجاعا. فلما جاء سالم و أصحابه تلقاهم فیصل ابن الإمام عبد الرحمن و رحب بهم و صعد معهم إلی الروشن الذی فیه والده، فلما أقبلوا علی الباب قام الإمام عبد الرحمن و تلقاهم و جلسوا.
و حین دخل سالم و أصحابه القصر و صعدوا، قام من هناک من آل سعود و أتباعهم و أغلقوا باب القصر. و لما استقر المجلس بسالم و أصحابه قام الإمام عبد الرحمن و خرج من الروشن و أمر علی من هناک من أصحابه أن یحیطوا بالروشن و یقبضوا علی سالم و أصحابه، ففعلوا ذلک و قبضوا علیهم و حبسوهم و لم یقتلوا منهم إلّا خلف الشمری. و کان قبل ذلک فی افتتاح شهر ذی القعدة قد رکب من الریاض خمسة رجال من آل سعود: وافد بن علی بن رشید فی حائل، فقدموا علیه و أکرمهم و أقاموا هناک أیاما، ثم أذن لهم بالرجوع إلی أهلیهم، فخرجوا من حائل. و لما کان فی الیوم الذی خرجوا فیه من حائل جاء الخبر إلی ابن رشید بما حصل علی سالم و أصحابه، فأرسل خلفهم من یردهم إلی حائل، فرجعوا
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 256
إلیها و أقاموا هناک و أخذ ابن رشید یتجهز للغزو.
و فیها توفی الشیخ زید بن محمد العالم المعروف فی حریق نعام، و هو من عائذ کان عالما فاضلا رحمه اللّه تعالی.
و فی هذه السنة توفی الشیخ العالم العلامة عبد العزیز بن محمد بن عبد اللّه بن مانع الوهیبی التمیمی قاضی بلد عنیزة. کان عالما فاضلا نبیها نبیلا، قرأ علی أبیه الشیخ محمد فی الفقه و غیره، فأدرک فی الفقه إدراکا تاما. و قرأ علی الشیخ محمد بن عبد اللّه بن سلیم، و الشیخ محمد بن عمر بن سلیم، و الشیخ علی آل محمد قاضی عنیزة و غیرهم، و أخذ عنه العلم کثیر من الفضلاء. و لما مات الشیخ علی آل محمد المذکور تولی القضاء بعده الشیخ عبد العزیز المذکور فی بلد عنیزة فباشر القضاء فیها بحسن السیرة، و الورع، و العفة، و الدیانة، و الصیانة، و لم یزل علی حسن الاستقامة إلی أن توفاه اللّه تعالی فی هذه السنة المذکور رحمه اللّه تعالی، و قد رثاه تلمیذه الشیخ إبراهیم بن محمد بن صویان بهذه القصیدة. و هی من البحر الطویل:
علی الحبر بحر العلم من کان باکیاهلم إلینا نسعدنه لیالیا
سأبکی کما تبکی الثکالی بشجوهاو أرسل دمعا کان فی الجفن آنیا
علی عالم حبر إمام سمیدع‌حلیم و ذی فضل خلیف المعالیا
یقضی بحل المشکلات نهاره‌و فی اللیل قواما إذا کان خالیا
فضائله لا یحصر النظم عدهاو یقصر عنها کل من کان رائیا
و ثلمته یا صاح من ذا یسدهاو نجم تواری بعدما کان بادیا
إمام علی نهج الإمام ابن حنبل‌لقد کان مهدیا و قد کان هادیا
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 257 علیم بفقه الأقدمین محقق‌و قد کان فی فقه الأواخر راسیا
و قد حاز من علم الحدیث محلةو للسلف الماضین قد کان قافیا
و فی کل فن فهو للسبق حائرو فی العلم مقدام حمید المساعیا
فلا نعمت عین تضنی بمائهاعلیه و لا قلب من الحزن خالیا
فو الهفاه من فادح جل خطبه‌و حصن من الإسلام قد صار واهیا
لقد صابنا مصاب من الحزن مفجع‌لدن جاءنا من کان للشیخ ناعیا
فجالت بنا الأشجان من کل جانب‌و أرق جفن العین صوت المنادیا
بموت الفتی عبد العزیز ابن مانع‌سلالة أمجاد تروم المعالیا
لقد کان بدرا یستضاء بضوئه‌فأضحی رهینا فی المقابر ثاویا
فواحزنا أن کان إلّا بقیةتخلف من بعد الهداة لماضیا
فسار علی منهاجهم و اقتفاهم‌علی منهج التوحید قد کان داعیا
لقد عاش فی الدنیا علی الأمر بالتقی‌و عن موبقات الإثم ما زال ناهیا
فیا أیها الإخوان لا تسأموا البکاعلی عالم فی العلم قد کان سامیا
تغمده الرب الکریم بفضله‌و لا زال هطال من العفو هالیا
علی قبره بهمی عشیا و بکرةو بوءه قصرا من الخلد عالیا
وصل إلهی کلما هبت الصباو ما انهلت الجون الغداق الغوادیا
علی المصطفی و الآل و الصحب کلهم‌و تابعهم و التابعین الهوادیا
و فیها کثر الدباء، و دخل جمیع بلدان نجد، و أکل الأشجار، و بعض الزروع.

ثم دخلت السنة الثامنة بعد الثلاثمائة و الألف:

و فی المحرم منها توجه محمد بن عبد اللّه بن رشید بجنوده من الحاضرة و البادیة، و توجه إلی بلد الریاض، و نزل علیها فی خامس من شهر صفر من السنة المذکورة،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 258
و حاصر البلد نحو أربعین یوما، و قطع جملة من نخل الریاض و لم یحصل علی طائل. ثم وقعت المصالحة بینه و بین الإمام عبد الرحمن بن فیصل، و أطلق سالم بن سبهان و من معه من الحبس و أخرجهم إلی ابن رشید، و ارتحل ابن رشید راجعا إلی بلده، و أخذ یستعد لحرب أهل القصیم.
فلما أقبل علی القصیم أظهر له حسن المهنا المخالفة فحصل من قوم ابن رشید نهب لبعض قری القصیم ثم إن ابن رشید أرسل کاتبه ناصر العتیق بمکاتیب لحسن بن مهنا، فقدم ناصر بریدة، و أعطی حسن بن مهنا کتابه من ابن رشید و معه کتاب لزامل السلیم. و حاصل الأمر أنهم صار بینهم جواب علی أن یکون هناک تفاوض بین الطرفین.
و لمّا کان فی جمادی الأولی من هذه السنة خرج ابن رشید من بلده و توجه بمن معه من الجنود إلی القصیم، و نزل القرعاء، فخرج زامل آل عبد اللّه بن سلیم، و حسن آل مهنا و معهما جنود عظیمة من أهل القصیم، و من البادیة لقتال ابن رشید، فحصل بینه و بینهم وقعة شدیدة فی القرعاء، و صارت الغلبة فیها لأهل القصیم علی ابن رشید. و ذلک فی ثالث فی جمادی الآخرة فی السنة المذکورة قتل فیها عدة من رجال الفریقین، و کان من قتلی قوم ابن رشید مبارک الفریخ صاحب رایة ابن رشید، و حمد الزهیری وعدة رجال. و اتفق أنه قدم علی ابن رشید بعد الوقعة المذکورة أمداد کثیرة من شمر، و من الظفیر، و من عنزة فحصل له قوة فارتحل من القرعاء و نزل فی غضی.
و بعد ثلاثة أیام ارتحل أهل القصیم من القرعاء، و ارتحل ابن رشید من غضی فالتقی الفریقان فی الملیدی فی یوم السبت 13 جمادی الأولی،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 259
و تقاتلوا قتالا شدیدا، و صارت الهزیمة علی أهل القصیم و أتباعهم، و قتل منهم خلائق کثیرة.
و من مشاهیر القتلی من أهل عنیزة الأمیر زامل بن عبد اللّه آل سلیم، و ابنه علی، و خالد آل عبد اللّه آل یحیی بن سلیم، و عبد الرحمن آل علی بن سلیم، و عبد العزیز آل إبراهیم بن سلیم، سلیمان آل محمد بن سلیم، و محمد بن الروق، و سلیمان الصالح القاضی، و أخوه عبد اللّه، و عبد العزیز آل محمد العبد اللّه القاضی و أخوه حمد، و من عیال الخروب ثلاثة، و ناصر العوهلی، و عبد اللّه بن صالح بن عبد الرحمن بن عیسی، و علی العبد اللّه بن حماد، و عیال منصور آل غانم، و عبد الرحمن الخیاط، و محمد الناصر العماری، و عبد العزیز بن عبد اللّه آل منصور، الخنینی، و عثمان آل منصور، و عبد اللّه الطجل، و الأشقر، و قتل من أهل بریدة خلق کثیر، و من مشاهیرهم عبد العزیز بن عبد اللّه آل مهنا الصالح، و عبد العزیز ابن صالح آل مهنا، و محمد آل عودة أبا الخیل، و عودة آل حسن آل عودة أبا الخیل، و أخوه عبد اللّه، و عبد الرحمن آل حسن الصالح أبا الخیل، و عبد اللّه بن جربوع، و عیال ناصر العجاجی و هم خمسة، و صالح آل مدیفر. و من مشاهیر أهل المذنب صالح الخریدلی أمیر بلد المذنب، و منصور آل عبوش.
و انهزم حسن آل مهنا الصالح أبا الخیل جریحا مکسورة یده برصاصة إلی بریدة، و أراد الامتناع فیها و محاربة ابن رشید فلم یساعده أهل البلد فخرج فیها إلی بلد عنیزة، و أرسل ابن رشید سربة فی طلبه إلی عنیزة، فأمسکوه و جاءوا به إلی ابن رشید فأرسله هو و أولاده، و من ظفر به من آل أبا الخیل إلی حائل، و حبسوا هناک و لم یزل حسن فی حبسه ذلک إلی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 260
أن توفی سنة 1320 ه، کما سیأتی إن شاء اللّه تعالی. و قتل من أتباع ابن رشید خلائق کثیرة، و احتوی ابن رشید علی بلدان القصیم و نزل بلد بریدة، و ولی إمارة عنیزة عبد اللّه آل یحیی الصالح، و کانت وقعة الملیدی المذکورة فی ثالث عشر من جمادی الآخرة من السنة المذکورة.
و کان الإمام عبد الرحمن بن فیصل لما بلغه وصول ابن رشید إلی القصیم، فجمع جنوده من الحاضرة و البادیة، و اجتمع علیه جنود کثیرة، و توجه بهم لنصرة أهل القصیم، فلما وصل إلی الخفس بلغه خبر الوقعة و استیلاء ابن رشید علی القصیم، فأقام مع بادیة العجمان و کان إبراهیم آل مهنا الصالح قد انحدر إلی الکویت بقافلة کثیرة لأهل بریدة قبل خروج ابن رشید من حائل لمحاربة أهل القصیم، فلما بلغهم مسیر ابن رشید إلی القصیم خرجوا من الکویت، و عند خروجهم منها وصل إلیهم من حسن آل مهنا یستحثهم علی القدوم علیه، فساروا متوجهین إلی القصیم. و لما وصلوا إلی التبیراء جاءهم خبر الوقعة و استیلاء ابن رشید علی بلدان القصیم، فرجعوا إلی الکویت.
و قبل الوقعة المذکورة بستة أیام توفی الشیخ محمد بن عمر بن عبد العزیز بن عبد اللّه بن حمد بن صالح بن سلیم آل عمر ابن سلیم فی بلد بریدة، و ذلک فی سابع جمادی الآخرة من السنة المذکورة رحمه اللّه تعالی، و عمره ثلاث و ستون سنة، کان إماما عالما عابدا ناسکا ورعا، جلس للتدریس فی بلد بریدة و قرأ علیه جماعة کثیرة، و انتفع الناس بعلمه، و کان محبا لطلبة العلم محسنا إلیهم، و فضائله کثیرة رحمه اللّه تعالی، ثم إن ابن رشید ارتحل من بریدة، و رجع إلی حائل، و جعل حمود آل زید أمیرا فی بریدة و معه عدة رجال من أهل الجبل.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 261

ثم دخلت سنة تسع و ثلاثمائة و ألف:

و فیها خرج إبراهیم بن مهنا من الکویت و من معه من أهل بریدة، و قدموا علی الإمام عبد الرحمن بن فیصل، و هو إذ ذاک مع بادیة العجمان، و اجتمع عند الإمام جنود کثیرة فتوجه بهم إلی بلد الدلم، و کان فی قصرها عدة رجال من جهة ابن رشید.
فلما وصل الإمام عبد الرحمن بن فیصل البلد فتح له أهل البلد الأبواب، و استبشروا بقدومه فدخل بمن معه من الجنود البلد، و حصروا من فی القصر من أتباع ابن رشید أیاما، ثم أخرجوهم بأمان و أقام الإمام هناک عدة أیام، ثم ارتحل من الدلم، و توجه إلی بلد الریاض و أمیرها إذ ذاک أخوه محمد بن فیصل من جهة ابن رشید فدخل الإمام عبد الرحمن البلد بغیر قتال.
و کان ابن رشید حین بلغه خروج إبراهیم ابن مهنا من الکویت و معه أهل القصیم و اجتماعهم بالإمام عبد الرحمن، و مسیرهم إلی الخرج خرج من حائل بجنوده من الحاضرة و البادیة، و قدم بلد القصیم، و أمرهم بالغزو، و أرسل إلی سدیر و الوشم و أمرهم أن یجهزوا غزوهم و واعدهم بلد ثرمدا ثم سار من القصیم بغزوهم و قصد بلد ثرمدا، و کان الإمام عبد الرحمن بن فیصل قد خرج من الریاض بمن معه من الجنود إلی بلد حریملاء، و نزل علیها و بلغ ابن رشید و هو علی ثرمداء وصول الإمام عبد الرحمن إلی بلد حرمیلاء، فارتحل من ثرمداء، و توجه إلی حریملاء لقتال الإمام عبد الرحمن و من معه من الجنود.
و لم یعلم الإمام عبد الرحمن بمسیر ابن رشید إلیهم، فوصل ابن رشید إلیهم و هم علی غیر تعبئة، و الإمام، و بعض القوم فی البلد،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 262
و بعضهم فی منزلهم خارج البلد فحصل بین الفریقین منا وشة: قتال، و قتل من الفئتین عدة رجال منهم إبراهیم آل مهنا الصالح أبا الخیل.
و توجه الإمام عبد الرحمن إلی بلد الریاض، و نزل ابن رشید علی بلد حریملاء، و أخذ یکاتب أهل الریاض و یعدهم و یمنیهم. فلما تحقق الإمام ذلک خرج من بلد الریاض بأهله و أولاده إلی بلد قطر، ثم ارتحل منها إلی الکویت فسکن بها إلی ما سیأتی إن شاء اللّه تعالی.
ثم إن ابن رشید ارتحل من بلد حریملاء، و توجه إلی الریاض فنزل علیها و هدم سور البلد و القصر و جعل محمد بن فیصل أمیرا فی الریاض، ثم ارتحل منها و رجع إلی بلد حائل، و ذلک فی آخر شهر صفر من السنة المذکورة.
و فی هذه السنة تناوخ عتیبة هم و ابن بصیص و من معه من مطیر علی الحرملیة، و أخذوا فی مناخهم ذلک نحو أربعین یوما، و استنجد ابن بصیص بقحطان و بحرب فجاءه صلبی بن مضیان و من معه من حرب، و جاءه محمد بن حشفان بجریدة من قحطان و حصل بین الفریقین قتال شدید، و صارت الهزیمة علی عتیبة و قتل من الفریقین خلائق کثیرة، و من مشاهیرهم محمد بن حشفان، و صلبی بن مضیان، و من عتیبة عبد اللّه الخلاوی.

ثم دخلت السنة العاشرة بعد الثلاثمائة و الألف:

و فیها حصل وقعة شدیدة بین آل سعد بن زامل، و أتباعهم من أهل بلد وثیفیة، و بین بنی عمهم آل عبد اللّه بن زامل، و أتباعهم من أهل البلد، و قتل من الفریقین ثمانیة رجال منهم: حمد بن رزین، و محمد بن جمعة، و عبد الکریم بن
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 263
فائز، و أرشد بن علی، و حصل فی الفریقین جروح کثیرة رکب عبد اللّه بن عبد العزیز البوادری أمیر شقراء لیصلح بینهم، فأغلق آل عبد اللّه دونه الباب و قالوا لا تقدم علینا.
و فی هذه السنة فی رمضان أغار محمد بن رشید علی محمد بن هندی بن حمد و بندر ابن عقیل و من معهما من عربان عتیبة فحصل بینه و بینهم قتال شدید، قتل فیه عدة رجال منهم: تمر بن برغش بن طوالة من الأسلم من شمر، و بندر بن عقیل.
و فی هذه السنة وقع فی مکة المشرفة أیام الحج وباء شدید مات فیه من حاج أهل نجد خلائق کثیرة، مات فیه من أهل شقراء أربعة عشر رجلا منهم: عبد اللّه بن عبد الرحمن بن عیسی الملقب بالخراشی، و من أهل عنیزة نحو سبعین رجلا منهم أمیر الحاج محمد آل یحیی الصالح، و عبد العزیز بن زامل آل عبد اللّه بن سلیم کان شابا تقیا له معرفة بالحدیث، و الفقه، و العربیة رحمه اللّه تعالی، و من أهل أشیقر عبد الرحمن بن محمد بن سیف، و أخوه علی، و صالح بن محمد بن سعید، و سلیمان بن عبد العزیز بن محمد بن مسند.
و فی هذه السنة فرغ من بناء مسجد الحسینی المعروف فی شقراء، و هذا البناء هو بناؤه الثانی، لأن بناؤه الأول قد عاب من طول السنین و خیف سقوطه.
و فی هذه السنة حصل بین الوداعین من الدواسر فتنة قتل فیها عدة رجال. فأرسل إلیهم محمد بن رشید سریة مع سالم بن سبهان، فأخذ سالم منهم و من غیرهم من أهل الوادی أموالا کثیرة، ثم رجع إلی حائل.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 264
و فیها وقعة أثیثة بین آل سعد، و آل عبد اللّه، و أتباعهم: قتل فیها من أتباع عیال سعد بن زامل أربعة رجال و امرأة. و هی بنت سعد بن زامل، و قتل فیها من آل عبد اللّه أربعة رجال و حصل فی الفریقین جروح کثیرة.

ثم دخلت السنة الحادیة عشر بعد الثلاثمائة و الألف:

و فیها توفی محمد بن فیصل بن ترکی بن عبد اللّه بن محمد بن سعود فی بلد الریاض رحمه اللّه تعالی. کان سمحا کریم الأخلاق محبا للعلماء مجالسا لهم عفیفا ناسکا عابدا شجاعا مقداما صارما. و فی ربیع الثانی من هذه السنة شرعوا فی عمارة زیادة مسجد الجامع فی بلد أشیقر، زادوا، و أسرحته بالدکاکین الشرقیة عنه هدموها و أدخلوها معه و استاد البناء إبراهیم بن معیوف من أهل جلاجل فجزی اللّه من قام فی عمارته خیرا، و فرغوا من ذلک فی جمادی الأولی. و فیها حج الناس و قضوا مناسک الحج فی غایة الصحة و العافیة. و هذه السنة هی التی حججت فیها حجة الإسلام و قضیت مناسک الحج فی صحة و عافیة، فللّه الحمد و الشکر.
و فی هذه السنة فی شوال ابتدأوا بعمارة زیادة مسجد الجامع فی بلد شقراء، و هذه الزیادة هی قهوة عمر بن إبراهیم بن سدحان هدموها و زادوا بها المسجد من جنوب، و هذه الزیادة الثانیة، فإن الزیادة الأولی هی بیت إبراهیم بن عبد اللّه بن سدحان و استاد البناء إبراهیم بن سلامة من أهل ثادق هو و ابن جابر من أهل الریاض هدموه و زادوا به المسجد. و کان فراغهم من ذلک سنة 1299 ه. و فی هذه السنة توفی مصلط بن محمد بن ربیعان من شیوخ عتیبة و محمد بن فیصل بن ترکی.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 265
و فی صفر من هذه السنة احترق الجامع الأموی جامع دمشق، و انهدم، قیل: إن سبب احتراقه بفعل النصاری.

ثم دخلت السنة الثانیة عشر بعد الثلاثمائة و الألف:

و فیها کثرت الأمطار و السیول فی الوسم، و عم الحیاة جمیع بلدان نجد، و تتابعت الأمطار و خشی الناس من الغرق و انهدم بیوت کثیرة فی بعض البلدان و هلک أناس تحت الهدم، و انهدم فی عنیزة بیوت منها بیت جار اللّه الدبة سقط علیه هو و زوجته و أولاده و ماتوا تحت الهدم.
و فیها توفی عبد اللّه آل یحیی الصالح أمیر بلد عنیزة و تولی الأمارة بعده أخوه صالح آل یحیی.
و فیها غرست أرض أم غانم المعروفة فی جنوب أشیقر، غرسها عبد اللّه و عبد الرحمن أبناء سلیمان بن محمد الرزیزا.
و فی هذه السنة کثر الجراد فی نجد و أعقبه دباء کثیر، و دخل جملة بلدان نجد فأکل الأشجار و الثمار و الزرع.
و فیها أخذ الأمیر محمد بن رشید العجمان، و هم فی أرض الکویت.
و فی هذه السنة صادف رکب من آل مرة و العجمان أناسا من أهل بلد الغاط فی الأببتریة، یریدون بلد جلاجل، فأخذوهم و قتلوا منهم أربعة رجال منهم ترکی بن عبد اللّه الناصر السدیری، و فیها قتل نائف بن شقیر بن محمد بن فیصل بن وطبان الدویش قتله فیصل بن سلطان بن الحمیدی بن فیصل بن وطبان الدویش لأمور بینهم فی طلب الریاسة.

و فی سنة 1313 ه:

هدمت الکرنیتلة فی مکة یوم سابع الحجة،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 266
و فیها قتل محمد بن صباح، و أخوه جراح فی الکویت، قتلهما أخوهما مبارک ابن صباح.
و فیها فی أول الوسمی کثرت الأمطار و السیول، و عم الحیاء جمیع بلدان نجد فللّه الحمد و الشکر.

ثم دخلت السنة الرابعة عشر بعد الثلاثمائة و الألف:

و فیها فی ضحوة یوم الاثنین سابع عشر من محرم توفیت والدتی منیرة بنت عبد اللّه بن راشد الفریح رحمها اللّه تعالی رحمة الأبرار، و وقانا و إیاها عذاب النار، و فیها توفی فهد العلی بن ثامر آل سعدون من رؤساء المنتفق رحمه اللّه.
و فیها توفی راکان بن فلاح بن حثلین من شیوخ عربان العجمان.
و فیها حصل فتنة بین حجاج أهل شقری و بین الدلابحة من الروفة من عتیبة علی مویه هکران قتل فیها عبد اللّه بن عبد العزیز ابن هدلق، و کان کریما شجاعا رحمه اللّه تعالی.
و فی شهر جمادی من هذه السنة قام عبد اللّه بن زامل السلیم، و کان ناقص العقل علی عبد اللّه العبد الرحمن البسام فی مجلس عنیزة، فأوما علیه بفرد کانت معه فأمسکه أمیر بلد عنیزة صالح آل یحیی الصالح، و ربطه و کتب بخبره إلی الأمیر محمد العبد اللّه ابن رشید، فأرسل ابن رشید سریة مع حسین بن جراد فقدموا بلد عنیزة و أمسکوا ستة رجال من آل سلیم و ساروا بالجمیع إلی حایل و لم یترکوا فی عنیزة من آل سلیم أحدا.
و فی هذه السنة أنزل اللّه الغیث فی أول الوسمی و سالت نجد سیلا
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 267
عظیما جارفا لا یکاد یعرف مثله. و جملة ثمرة نخل القصیم لم تضرم، و عم الحیاء جمیع بلدان نجد، و غرق فی الموضع المعروف بالصاخن بالقرب من الحصاة فی الجنوب نحو أربعین نفسا من المساردة من قحطان، و احتمل السیل بیوتهم و أغنامهم، و غرق أیضا فریق من حرب، و احتمل أغنامهم و متاعهم.
و فی رجب من هذه السنة توفی إبراهیم بن سلیمان العسکر أمیر بلد المجمعة فی الموضع المسمی أبقریه، و هو راجع من حایل و دفن هناک، و فی آخر یوم من رجب المذکور توفی فی بلد شقراء جلوی بن محمد بن محمد بن حمد بن حمد بن عبد اللّه بن عیسی، و عمره نحو ثلاث و أربعین سنة، و کان سخیا جوادا رحمه اللّه تعالی.
و فیها وقع الطاعون العظیم فی بمبی من بلاد الهند، و هلک أمم لا یحصیهم إلّا اللّه تعالی، و تعطلت الکراخبن و أغلقت الأسواق و هرب من بمبی خلائق إلی سائر بلاد الهند، و لا عن اللّه مفر، و لا یفوته هارب، و هذا الطاعون لم یعرف مثله، عافانا اللّه من ذلک، و استمر فی بمبی إلی سنة ستة عشر و ثلاثمائة، و ألف فلا حول و لا قوة إلّا باللّه العلی العظیم.

ثم دخلت الخامسة عشر بعد الثلاثمائة و الألف:

و فیها فی لیلة الأحد ثالث رجب توفی الأمیر محمد بن عبد اللّه بن علی بن رشید فی بلد حائل، و تولی بعده ابن أخیه عبد العزیز آل متعب بن عبد اللّه بن علی بن رشید، و فی شوال توفی الشیخ صالح بن حمد المبیض قاضی بلد الزبیر.
و فی سادس رمضان توفی الأدیب ناظما أدیبا بلیغا، و کان تاجرا أصله من بلد الریاض ثم سکن الأحساء.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 268
و فی 27 من رمضان هجد رکب من آل مرة و بنی هاجر حدره أهل الوشم و سدیر فی القرعة، قتل من الحدرة ثلاثة عشر رجلا، و سلمت الأموال لم یؤخذ منها شی‌ء و هزم اللّه الرکب، و قتل منهم سبعة رجال، و قتل من أهل شقراء ثلاثة: فهد بن عید، و عبد اللّه بن سریع، و عبد العزیز الشویعر، و من أهل القراین إبراهیم بن یوسف بن عمار و من أهل جلاجل سوید بن محارب، و أحمد بن سوید، و ابن موسی من أهل الداجلة.
و فیها وقعت فتنة عظیمة بین أهل العطار و بین آل سیف، و أتباعهم و بین بنی عمهم آل راشد و أتباعهم، قتل فیها إبراهیم بن راشد، و قطعت ید عبد اللّه القدیری الشمری من أعوان آل راشد و جرح عدة رجال من الفریقین.
و فی هذه السنة هدم مسجد الفیلقیة المعروف فی بلد أشیقر، و کان قد قارب السقوط من طول السنین، و ابتدأوا فی عمارته، و حفر خلوته فی ربیع الأول من السنة المذکورة، و فرغوا من عمارته فی رجب من السنة المذکورة، و کانت خلوته قبل ذلک فی جانب منه غیر محقورة.
و فی سابع رجب من السنة المذکورة یوم الخمیس توفی الشیخ إبراهیم بن محمد العتیقی فی بلد حرمة رحمه اللّه تعالی. و فی التاسع و عشرین من شعبان ضحوة یوم السبت کسفت الشمس. و فی هذه السنة غلیت الأسعار بیع التمر من ثمان أوزان إلی سبع أوزان بالریال، و الحب ثلاثة أصواع بریال، و السمن من وزنه و نصف إلی وزنتین إلّا ثلث بریال.
و فی شعبان من هذه السنة أخذ الأمیر عبد العزیز بن متعب الرشید فراقین من عتیبة.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 269
و فی خامس من عشر ذی الحجة توفی عبد العزیز بن حمد بن محمد بن حمد ابن عبد اللّه بن عیسی فی شقراء رحمه اللّه.

ثم دخلت سنة ستة عشر بعد الثلاثمائة و الألف:

و فیها خرجت قافلة من الکویت من أهل شقراء، و معهم أناس من الوشم و جلاجل. و فی القرعة هجم علیهم رکب من العجمان و آل مرة و قتلوا منهم ثلاثة عشر رجلا بالبنادق و هم نیام، و جرحوا عدة رجال بجراحات شدیدة فحصل بین الفریقین قتال شدید فهزمهم أهل شقراء بعد أن قتلوا من العجمان و آل مرة ثمانیة رجال.
و فی المحرم ابتدأوا بعمارة المسجد الجنوبی فی شقراء و فرغوا من بنائه فی النصف من ربیع الأول.

ثم دخلت سنة سبعة عشر بعد الثلاثمائة و الألف:

و فیها توفی العلامة نعمان أفندی الألوسی الحنفی البغدادی رحمه اللّه. و فی جمادی الأولی توفی الشیخ العالم عبد اللّه بن حسین المخضوب النجدی الحنبلی قاضی بلدان الخرج، و تولی بعده فی الخرج الشیخ عبد العزیز بن صالح الصیرامی و هو من بنی هاجر من قحطان رحمه اللّه تعالی.
و فیها وقعت الحرب بین آل حثلین، و آل منیخر من آل معیض من قبائل العجمان قتل فی هذه الحرب فلاح بن راکان بن حثلین، و خالد بن فیصل بن حزام بن حثلین، و عبد اللّه بن الملتقم قتلهم آل منیخر شیوخ آل سفران آل معیض من آل عجمان، و آل حثلین شیوخ آل معیض کافة، و الملتقم شیخ آل سایل، و آل منیخر بعد قتلهم فلاح و ابن عمه خالد و عبد اللّه المتقم جلوا مع عربان آل مرة.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 270

ثم دخلت السنة الثامنة عشر بعد الثلاثمائة و الألف:

و فی جمادی الأولی أغار الإمام عبد الرحمن علی الروق من قحطان علی الداخلة فی سدیر، و أخذهم و قتل رئیسهم نزهان بن سعدة. و فیها فی ثانی رجب أخد ابن رشید سعدون و ابن حلاف، و ابن ضویحی، و ابن مانع، و المعالیم و العصلب أخذهم علی شریفة الحمادیة بالقرب من الخمیسیة.
و فی لیلة عید الفطر من السنة أنزل اللّه سبحانه و تعالی الغیث، و صلّی أهل نجد صلاة العید فی المساجد و لم یخرجوا إلی الصحراء من المطر و عم الحیاء جمیع بلدان نجد ما بین سیل فلاة و أودیة، و أشیقر سیل فلاة، و أغبطها بلد المجمعة، و جلاجل غیر مال التویم و عشیرة من ورائه.
ثم أنزل اللّه سبحانه الغیث یوم ثامن من شوال سال نصف أشیقر، و الفرعة، و شقراء، و عم الحیاء جمیع بلدان نجد ما بین سیل فلاة و أودیة و سالت المجمعة سیلا غبیطا عبرت و صار فیها الحایر. ثم أنزل اللّه الغیث یوم ثامن و عشرین من القعدة و عم الحیاء جمیع بلدان نجد فللّه الحمد و الشکر سالت شقراء و أشیقر و القرائن.
و فیها خرج مبارک الصباح لقتال عبد العزیز بن رشید، و معه عبد الرحمن الفیصل و آل سلیم و آل مهنا. فلما وصلوا العرمة توجه عبد العزیز بن عبد الرحمن الفیصل إلی الریاض و توجه مبارک إلی القصیم و أمیر الریاض من قبل عبد العزیز المتعب عجلان، فحصل قتال، و استولی عبد العزیز علی الریاض و تحصن عجلان بالقصر. و أما مبارک فإنه لما وصل إلی القصیم دخل آل سلیم عنیزة، و استولی آل مهنا علی بریدة.
و کان ابن رشید إذ ذاک فی جهة الشمال و معه غزو أهل القصیم و باقی بلدان نجد فتوجه إلی القصیم و قابله مبارک فالتقی الفریقان فی الطرفیة،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 271
و ذلک فی سبع و عشرین من ذی القعدة، و حصل قتال شدید و صارت الهزیمة علی ابن صباح و من معه و توجه مبارک و آل مهنا إلی الکویت.
و أما آل سلیم فلم یحضروا الوقعة و لا حضرها أحد من عنیزة و ابنه و توجهوا إلی الکویت أیضا. و أما عبد الرحمن الفیصل فإنه توجه إلی الریاض، فلما قرب من البلد أرسل إلی ابنه عبد العزیز و أخبره بما وقع فخرج من الریاض بمن معه و احتموا بابنه و توجهوا إلی الکویت، و قتل من أتباع ابن صباح أخوه حمود، و ابنه صباح، و خلیفة بن حمد بن صباح، و عبد اللّه بن منصور السعدون.
و قتل فی هذه الوقعة من آل أبا الخیل سبعة: محمد الحسن، و صالح العلی، و أبناء عبد اللّه المهنا صالح و علی، و أبناء إبراهیم المهنا: محمد و فهد، و محمد العبد اللّه أبا الخیل. کما قتل من غیرهم من بریدة دحیم الربدی، و ابنه سلیمان، و عبد اللّه بن محمد الناصر العجاجی، و محمد الإبراهیم الناصر العجاجی، جمیع من قتل من بریدة فی الطرفیة ثلاثون رجلا.
و فیها فی أول یوم من ذی الحجة عزل عبد العزیز المتعب صالح آل یحیی عن إمارة عنیزة، و جعل مکانه أمیرا ابن أخیه حمد العبد اللّه.
و فی هذه السنة کان عبد اللّه بن هتیمی بن مندیل الخالدی نازلا بمن معه من بنی خالد فی جوار صنیتان بن سویط، فغزا عبد اللّه بن هتیمی بن مندیل بمن معه من بنی خالد علی عربان مطیر، ثم تبعهم ضاری بن صنیتان بن سویط غازیا معهم، فأغارو علی مطیر، و أخذوا إبلا کثیرة، فأراد ضاری أن یأخذ علی بنی خالد العقبة علی عادتهم، فامتنع هتیمی.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 272
و لما وصلوا إلی أهلیهم سیر هتیمی علی صنیتان و أخبره بذلک. فقام ضاری و ضرب عبد اللّه بن هتیمی ببندق فوقع میتا، فقام صنیتان علی ابنه ضاری فضربه برصاصة فوقع میتا. و قال لبنی خالد: هذا الذی لکم علی، و هذا الذی فیه بیاض وجهی فدعو له خیرا، و قالوا أعطیتنا حق الجوار.

ثم دخلت سنة 1319 ه:

و فیها ابتدأوا فی عمل سکة الحدید من الشام إلی المدینة، فی جمادی الآخرة، و فیها أغار عبد العزیز بن عبد الرحمن بن فیصل علی قحطان و مطیر فی سدیر، و أخذهم ثم رجع إلی جهة الحساء.
و فی لیلة الاثنین رابع عشر رجب منها طلع القمر خاسفا. و فی آخر لیلة الأربعاء ثالث و عشرین من الشهر المذکور توفی عثمان بن محمد أبا حسین إمام مسجد الشمال فی أشیقر رحمه اللّه تعالی. و فی صبیحة الاثنین ثامن و عشرین من رجب المذکور طلعت الشمس کاسفة، و دام کسوفها إلی وقت الضحی. و فی رجب توفی الشیخ إسحاق بن الشیخ عبد الرحمن بن حسن فی الریاض رحمه اللّه تعالی.
و فی آخر شهر رمضان من السنة المذکورة أقبل الإمام عبد العزیز بن عبد الرحمن بن فیصل من الزرنوقة الماء المعروف فی الحساء، و توجه إلی الریاض طالبا الملک. و فی یوم الأربعاء أربعة شوال سطا الإمام عبد العزیز بن عبد الرحمن بن فیصل فی الریاض، و تولی قصر الإمارة، و قتل عجلان بن محمد أمیر الریاض من قبل ابن رشید و أخاه محسین و عشرة من أتباعه. و کان الذی فی القصر خمسة و عشرون قتل منهم اثنا عشر، و سلم منهم ثلاثة عشرة أمنهم عبد العزیز علی دمائهم، و قدموا علینا فی الوشم الیوم الحادی عشر من شوال، ثم توجهوا إلی حائل.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 273
و فیها وقع فی مکة المشرفة وباء أیام الحج مات فیه خلائق کثیرة.

ثم دخلت سنة 1320 ه:

و فیها وقع فی بلدان نجد وباء مات فیه خلائق کثیرة، و وقع الوباء فی أشیقر یوم ثالث عشر من جمادی الأولی من السنة المذکورة مات فی نحو أربعین نفسا. و ممن مات فیه عبد العزیز بن محمد الحصینی، و أخوه إبراهیم، و عبد المحسن بن عبد الرحمن بن موسی، و أخوه عبد اللّه، و عبد العزیز بن منصور أبا حسین، و سلیمان بن قاسم رحمة اللّه علی الجمیع.
و فی هذه السنة توفی الشیخ محمد بن ناصر بن دایل فی الزبیر رحمه اللّه تعالی. و فی ذی القعدة من السنة المذکورة قام أهل شقرا علی عبد اللّه الصویغ، و من معه من خدام ابن رشید، و أخرجوهم فتوجهوا إلی المجمعة فلما علم بذلک مشاری بن عبد العزیز العنقری أمیر ثرمدا أرسل خلفهم من یردهم إلیه، فلحقهم رسوله فی حل العشر فرجعوا معه إلی ثرمدا. و کان الإمام عبد العزیز بن عبد الرحمن بن عبد الرحمن بن فیصل إذ ذاک فی الکویت قد توجه إلیه بعد رجوع ابن رشید عن الریاض.
ثم إن عبد الرحمن ابن فیصل أرسل سریة فدخلوا ثرمدا بمواطأة من بعض أهلها، و قتلوا الصویغ و أصحابه و هم ثلاثة عشر رجلا، و قبضوا علی مشاری المذکور و أرسلوه إلی الریاض فحبسوه هناک إلی أن مات فی حبسه ذلک. ثم إن أهل شقرا طلبوا من عبد الرحمن بن فیصل سریة تکون عندهم فأرسل إلیهم مساعد بن عبد المحسن بن سویلم، و معه عدة رجال و فی أول ذی الحجة من السنة المذکورة، أغار الإمام عبد العزیز بن
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 274
عبد الرحمن ابن فیصل علی مطیر فی جولین فی الضمان و أخذهم و قتل منهم عدة رجال منهم عماش بن عبد اللّه بن فیصل بن وطبان الدویش، و اثنان من أولاده، ثم قفل إلی لکویت.
و فی صبیحة الأربعاء الرابع و العشرین من ربیع الثانی توفی ناصر بن محمد بن علی بن ناصر بن سدحان و کان من أعیان أهل شقراء، و قبله بعشر أیام توفی أخوه عبد الرحمن رحمهم اللّه.
و فیها خرج ابن رشید من حائل بجنوده، و نزل بریدة، و أمر علی أمراء بلدان القصیم أن یقدموا علیه بغزو و بلدانهم، فقدموا علیه ثم ارتحل من بریدة و سار إلی الریاض. و صل إلی الوشم ثم کتب إلی أهل سدیر و أمرهم بالقدوم علیه بغزوهم فقدموا علیه و عنده غزو و أهل الوشم، ثم ارتحل من الوشم و نزل علی رغبة، و أقام علیها و أمر علی عربان قحطان أن ینزلوا ضرما، فنزلوا علیها، و أمر سالم بن سبهان أن یسیر بغزو و أهل القصیم، و ینزل مع قحطان علی ضرما. فتوجه سالم بغزو القصیم و نزل مع قحطان علی ضرما، ثم ارتحل ابن رشید من رغبة، و نزل علی أهل الحساء المعروف قرب ملهم، و أقام أیاما و حصل فی الغزو وباء مات فیه دحیم ابن صالح من أهل شقرا، و من أهل المجمعة عبد اللّه بن عثمان بن عبد الجبار و محمد بن عبد العزیز بن شبانة، و أقام هناک أیاما.
ثم إن ابن سبهان و من معه من قحطان أغاروا علی قوافل عتیبة بعد خروجهم من الحوطة، و أخذوهم و لم یسلم منهم إلّا القلیل، ثم رجع ابن سبهان و من معه إلی ضرما، و ثم إن ابن رشید ارتحل من الحساء، و توجه إلی الخرج.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 275
و لما بلغ الإمام عبد العزیز ذلک خرج من الریاض و معه عدة رجال من الخدام، و توجه إلی الدلم و دخلها و کان أمیرها إذ ذاک من جهته محمد السدیری فأمره الإمام بالتحفظ علی البلد، و أخبره أنه یرید الحوطة و یطلب منهم النصرة. فأخذ السدیری و أهل الدلم فی التأهب لقتال ابن رشید، و توجه الإمام إلی الحوطة، فلما وصل إلیها قام معه أهل الحوطة فساعدوه، فتجهز الإمام بمن معه من أهل الحوطة، و توجه إلی الدلم، و کان ابن رشید محاصرا لأهل الدلم، و شرع فی قطع النخل و نصب علیهم المدفع، و رماهم به رمیا هائلا. و لما أقبل الإمام عبد العزیز بمن معه من الجنود، و صار بالقرب من البلد أقام فی موضعه إلی اللیل، و فی اللیل ارتحل من موضعه ذلک و دخل البلد و لم یعلم ابن رشید بوصول الإمام.
و لمّا کان صبیحة تلک اللیلة خرج الإمام بمن معه من الجنود، و حصل بینه و بین ابن رشید قتال شدید فی وسط نخیل البلد و دام القتال بینهم إلی اللیل، و صارت الغلبة للإمام عبد العزیز سلمه اللّه تعالی. و قتل فی الیوم المذکور من أتباع ابن رشید عدة رجال منهم شمران الفارس المشهور، و ولد حمد الضعیفی، و مات فی هذا الحصار متعب بن حمود آل عبید بن رشید، و خلق کثیر فی الوباء الذی وقع فی غزو ابن رشید.
و لما جاء اللیل و حجز بینهم الظلام دخل الإمام بمن معه البلد و رجع ابن رشید إلی منزله فلما کان نصف اللیل ارتحل ابن رشید من منزله ذلک و رجع إلی القصیم. و أما الإمام سلمه اللّه تعالی فإنه أقام فی الدلم مدة ثم سارا إلی الریاض.
و فیها توفی حسن بن مهنا أبا الخیل محبوسا فی حائل بعد وقعة الملیدی کما تقدم، و مدة حبسه إلی أن مات اثنتا عشرة سنة. و فی جمادی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 276
الآخرة من هذه السنة دخل مبارک بن صباح شیخ الکویت تحت حمایة دولة الانکلیز.
و فیها فی ذی القعدة توجه الإمام عبد العزیز بن عبد الرحمن بن فیصل إلی الکویت، و أقام هناک أیاما ثم رجع الإمام إلی الکویت، و فی صبیحة الأربعاء الرابع و العشرین من ربیع الثانی توفی ناصر بن محمد بن علی ناصر و کان من أعیان أهل شقری رحمه اللّه. و فی شعبان من هذه السنة توفی أمیر التویم عبد العزیز بن محمد بن ملحم بن محمد بن معیر المدلجی الوائلی، و وفاته فی التویم.

ثم دخلت سنة 1221 ه:

و فی افتتاح المحرم منها توجه الأمیر عبد العزیز بن متعب بن رشید إلی الریاض لیصادف غرة من أهلها، فوجدهم متحصنین فنهب ما وجده من خارج البلد، ثم توجه إلی ثرمدا و نزل علیها، و أمر سالم بن سبهان أن یرکب بسریة معه و بغیر علی شقراء، و ذلک فی الیوم التاسع من المحرم من السنة المذکورة. و بنی قصرا هناک و هو یبث الغارات علی شقرا و لم یدرک شیئا منهم. ثم إنه ارتحل من ثرمدا و جعل فی القصر الذی بناه فیها عدة رجال، و نزل علی قصور شقرا، و ذلک فی الیوم العاشر من صفر و أقام هناک ثلاثة عشر یوما فلم یدرک شیئا فقفل إلی بریدة. و کان الإمام عبد العزیز بن عبد الرحمن بن فیصل حین بلغه خبر غارة ابن رشید علی الریاض، و هو إذ ذاک فی الکویت قد خرج منها فلما وصل إلی العرمة بلغه ارتحال ابن رشید عن شقرا فاستلحق غزو الریاض.
و فی ثالث ربیع الأول وصل الإمام إلی شقرا و نزلها، و أرسل
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 277
عبد اللّه بن جلوی بسریة إلی ثرمدا فحاصروها مدة أیام ثم أخذوها عنوة، و حاصروا أهل القصر أیاما، فلما کان فی بعض اللیالی نقبوا بابا فی جانب من القصر، و هربوا فلما علموا بخروجهم و من معه تبعوهم فلحقوهم و قتلوا من ظفروا به منهم. و ممن قتل من أهل القصر ناصر الخریصی أمیر الدین فی القصر، و فرج عبد مشاری العنقری، و کان شجاعا و قتل من أهل ثرمدا عبد الرحمن بن عبد العزیز العنقری، و عبد العزیز بن فوزان.
ثم إن الإمام أرسل إلی سدیر و استولوا علی روضة سدیر، و أخرجوا السریة التی فیها من جهة ابن رشید و جعل الإمام فی جلاجل سریة مع مساعد السدیری. و فی الروضة سریة مع فهد ابن إبراهیم آل سعود، ثم ارتحل من شقرا إلی الریاض، و کان ابن رشید قد أمر علی حرب و شمر أن ینزلوا البطینات، و حرمة، و المجمعة، و هو إذ ذاک فی بریدة و أمر عبد العزیز بن جبر فسار بسریة معه إلی المجمعة، و أمره بالغارة عی بلدان سدیر بمن معه، و من حوله من البادیة فأغار علی التویم، فلم یحصل علی طائل.
ثم إن ابن رشید خرج من بریدة و أغار علی عتیبة فی طریف الجبل و أخذ علی الهیضل غنما، و حلة، و توجه إلی سدیر فنزل علی عشیرة.
و کان الإمام لما بلغه ذلک قد خرج من الریاض و نزل ثادق و أمر غزو الوشم بالمسیر إلی روضة سدیر فتوجهوا إلیها. ثم أن ابن رشید سارا إلی التویم و حاصرها و نصب علیهم المدفع و رماهم به، فلم یدرک منهم شیئا، فرجع عنهم ثم توجه إلی بریدة و نزلها، و ارتحلت العربان الذین علی حرمه، و المجمعة، و البطینات، و توجهوا إلی جهة الشمال. ثم إن الإمام ارتحل من ثادق و نزل علی جلاجل، و قدم علیه فیه آل سلیم،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 278
و آل أبا الخیل، و من معهم من جلاویة القصیم، و کان قد استلحقهم من الکویت ثم ارتحل إلی حرمة. و کان قد أرسل سریة إلی الزلفی مع عثمان آل محمد الناصر فدخلوا البلد. و قتلوا الأمیر محمد بن راشد آل سلیمان أمیر الزلفی، و أخرجوا السریة الذین عنده من أهل حائل. فتوجهوا إلی ابن رشید فی بریدة.
و لمّا استولی عثمان آل محمد و من معه علی الزلفی أرسلوا إلی الإمام یخبرونه بذلک، فحث السیر إلی أن وصل إلی الزلفی، و ذلک فی شعبان فنزل هناک. و لما علم بذلک أهل عنیزة طلبوا سریة من ابن رشید تکون عندهم، فأرسل إلیهم فهید السبهان و معه سبعون رجلا فضبطوا قصر عنیزة. ثم کتب أهل عنیزة إلی الإمام و إلی آل سلیم أن لا تقدموا علینا و فی رقابنا بیعة لابن رشید، و إن توجهتم إلینا فنحن مستعدون لحربکم.
فلما وصلت خطوطهم إلی الإمام و آل سلیم ارتحل الإمام من الزلفی، و ذلک فی خامس و عشرین من رمضان من السنة المذکورة، و أمر من معه من أهل عنیزة و بریدة أن یقیموا فی شقرا، فأقاموا فیها و توجه إلی الریاض.
و لمّا کان بعد عید رمضان خرج ابن رشید من بریدة و توجه إلی جراب، و أقام هناک أیاما و أمر حسین بن محمد بن جراد الناصری التمیمی و معه نحو مائتین و خمسین رجلا أن ینزل معه بوادی حرب فی أرض القصیم، و أمر ماجد بن حمود بن عبید بن رشید و معه نحو خمسمائة رجل أن یکونوا فی أطراف عنیزة. ثم توجه و من معه من الجنود إلی السماوة، و أخذ یکاتب الدولة و یطلب منهم النصرة، فأعطوه نحو ألفین و سبعمائة عسکریا و ثمانیة مدافع و اجتمع إلیه خلائق کثیرة من بادیة شمر و غیرهم
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 279
و أخذ یتجهز للمسیر بتلک الجنود إلی نجد. و کان ابن جراد قد اجتمعت علیه بوادی حرب و بنی عبد اللّه فی القصیم فتوجه بهم إلی السر.
و کان عبد العزیز بن سعود قد بلغه ذلک فخرج بجنوده من الریاض، و کان ذلک فی الیوم التاسع عشر من ذی القعدة و استجر عتیبة و أهل القصیم الذین فی شقرا و توجه إلی السر، فلما نزل حسین بن جراد فیضة السر، و ذلک فی ثامن و عشرین من ذی القعدة من السنة المذکورة صبحه الإمام بتلک الجنود، و قتله هو و أکثر من معه و لم ینج منهم إلّا القلیل، و احتوی الإمام علی مخیم ابن جراد و ما فیه من الرکاب و الأمتعة و السلاح و الفرش. و انهزمت بوادی حرب و بنی عبد اللّه، و قفل الإمام إلی الریاض و أمر أهل القصیم بالإقامة فی شقرا. و کان ماجد آل حمود إذ ذاک علی البربک بالقرب من عنیزة یرید أن یلحق بابن جراد و معه جنود کثیرة، فلما بلغه مقتل ابن جراد و أصحابه ارتحل من البربک، و رجع إلی عنیزة، و نزل الملقا النخل المعروف خارج عنیزة شمالا، و صارت الرسل تتردد بینه و بین الأمیر عبد العزیز بن متعب، و هو إذ ذاک فی أرض السماوة یستحثه و یقول أدرک بلدان القصیم قبل أن تؤخذ من أیدینا.
و فیها توفی الشیخ عبد العزیز بن محمد آل الشیخ فی الریاض فی شهر رمضان. و فیها حصل فتن کثیرة، و حروب عظیمة، و هی حرب الروس مع الیابان، و حرب الترک مع أهل مقدوینا، و حرب الانجلیز مع التیبت فی حدود الهند مما یلی الأفغان، و فتنة الترک مع الأرمن.
و فی هذه السنة فی أول المحرم وصل الأمیر عبد العزیز بن متعب ابن رشید ثرمدا بعد إغارته علی الریاض کما فی السنة التی قبلها و لما نزل
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 280
علی ثرمدا أمر سالم بن سبهان أن یرکب بسریة معه، و یغیّر علی شقرا، فتوجه سالم بنحو مائة و خمسین مطیة، و سبعین خیالا، فأغاروا علیها و لم یحصلوا علی طائل، فخرج علیهم أهل شقراء و هزموهم، و ذلک فی الیوم التاسع من المحرم من السنة المذکورة. و توجهوا إلی أشیقر و أقاموا فیه إلی صباح الیوم الثانی، ثم رکبوا من أشیقر، و أغار علی شقرا فخرج علیهم أهل شقرا، و هزموهم، و رجعوا إلی ابن رشید فی ثرمدا، ثم أمر ببناء قصر فی ثرمدا، فشرعوا فی بنائه ثم أکملوه، و توجه إلی شقرا فنزل فی قصور شقرا المعروفة.
و فی الفیضة حصل بینه و بین أهل شقرا قتال، و أمر علی بلدان الوشم بعدة رجال علی کل بلد من بلدان الوشم أن یحضروا عنده بسلاحهم، فقدموا علیه فیها و هم عدد کثیر. و لما کان فی بعض القتال أرسل سریة مع عبده عطا اللّه و أمرهم بالهجوم علی الذین فی المرقب الشمالی من أهل شقرا، و هم ستة رجال، فسار عطا اللّه إلیهم بمن معه فانتبه بهم أهل المرقب و ضربوا عطا اللّه برصاصة فوقع میتا، و انهزم أصحابه إلی ابن رشید. ثم إن أهل شقرا بعد ذلک زادوا بناء المرقب المذکور، و رفعوه و جعلوا فیه عدة رجال. ثم إن ابن رشید لما أعیاه أمرهم ارتحل من شقرا بعدما قطع نخل الفیضة و السفیان، و توجه إلی القصیم و جعل فی قصر ثرمدا عدة رجال من أهل حائل، و القصیم، و سدیر، أمیرهم حرب بن إبراهیم العسکر، و معه ناصر الخریصی، و فرج عبد مشاری العنقری. و لما ارتحل ابن رشید من شقرا جاءه الخبر بأن الإمام عبد العزیز بن عبد الرحمن بن فیصل سلمه اللّه تعالی وصل إلی ثادق راجعا من الکویت.

ثم دخلت سنة 1322 ه:

و فی لیلة الأربعاء خامس من المحرم وصل
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 281
الإمام عبد العزیز بن عبد الرحمن بن فیصل و معه أهل القصیم و خلائق کثیرة من البادیة و الحاضرة، و معه آل سلیم و آل أبا الخیل إلی عنیزة، و نزلوا عند الجهمیة آخر اللیل، و دخل آل سلیم، و آل أبا الخیل و من معهم من الجنود مع النتقة المعروفة جنوبی عنیزة المعروفة فی البویطن. و ذلک آخر لیلة الأربعاء خامس المحرم، و حصل عند دخولهم مع النتقة المذکورة رمی بالبنادق بینهم و بین الذین عندها من أهل عنیزة. و کان أهل عنیزة قد جاءهم الخبر بتوجههم إلیهم فخرجوا بسلاحهم خارج البلد، فقتل محمد بن عبد اللّه بن حمد بن محمد بن بسام. و قال الإمام عبد العزیز بن عبد الرحمن لآل سلیم و من معهم: عندکم البلد، و أنا أکفیکم ماجد الحمود.
و وصل آل سلیم و من معهم إلی المجلس و وجدوا فهید بن سبهان قد أقبل علی فرسه لما سمع بمجئیهم فقتلوه، و قتلوا رجالا من أصحابه معه و حاصروا من فی القصر فانهزم أکثرهم، و قتل منهم من ظفروا به و استولوا علی البلد و نهبوا بیت عبد اللّه العبد الرحمن البسام، و بیت فهد المحمد البسام، و بیت محمد بن عبد اللّه بن إبراهیم البسام، و کان حمود قد ارتحل قبل ذلک بمن معه من الجنود من الملقا، و نزل هو و من معه فی باب السافیة المعروف قبله بلد عنیزة، فلما استولی آل سلیم علی البلد عدا الإمام بمن معه من الجنود علی حمود المذکور من معه، و هم نحو خمسمائة رجل، فانهزم ماجد المذکورة و من معه، و استولی الإمام علی ما مع ماجد بن حمود من الأمتعة و الأثاث، و تبعهم الإمام بمن معه، و قتل من أتباع ماجد بن حمود خلق کثیر منهم أخوه عبید آل حمود آل عبید آل رشید و عبد اللّه بن إبراهیم الصبی، و أمسکوا ثلاثة من آل سعود الذین فی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 282
حائل، و هم سعود بن محمد بن سعود، و سعود بن عبد العزیز بن سعود، و فیصل بن سعد بن سعود.
ثم إن صالح آل حسن أبا الخیل و من معه من الأتباع توجهوا إلی بریدة و استولوا علیها، و حاصروا عبد الرحمن بن ضبعان و من معه من أهل حائل فی قصر بریدة، و هم نحو مائة و خمسین رجلا. ثم أن آل سلیم قبضوا علی حمد بن عبد اللّه آل یحیی الصالح و أخیه صالح. و قتلوهما، و هرب بقبة آل یحیی الصالح إلی حائل. و کان ابن رشید إذ ذاک فی السماوة له مخابرة مع الدولة فی إرسال عسکر معه إعانة له، و لما استولوا آل سلیم علی عنیزة شرعوا فی بناء سور البلد.
و لما کان لیلة الخمیس ثالث عشر محرم حصل مطر عظیم، و دخل السیل البلد من جهة الجعیفری، و انهدم من البیوت ما یزید عن مائین و خمسین بیتا. و فی حادی عشر من صفر أمر الإمام سلمه اللّه تعالی عبد اللّه بن عبد الرحمن البسام، و ابنه علی، و حمد آل محمد العبد الرحمن البسام، و حمد آل محمد العبد العزیز البسام أن یتوجهوا إلی الریاض خوفا من تهمة تقع علیهم. و کان الخبر قد جاء إلی الإمام بان ابن رشید قد تجهز من السماوة و معه عساکر کثیرة و خلائق من بادیة الشمال فتوجه البسام إلی الریاض و أقاموا هناک.
ثم إن الإمام ارتحل من عنیزة إلی بریدة وجدوا فی محاصرة ابن ضبعان و من معه فی القصر، و طلبوا الأمان من الإمام فأعطاهم الأمان، فخرجوا و أعطاهم خمسة و ثلاثین مطیة یحملون علیها طعامهم و شرابهم و رکوبا للکبار إلی وصولهم إلی ابن رشید، فتوجهوا إلی حائل، و أرسل
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 283
الإمام معهم رجلا لیرجع بالرکایب، فلما وصلوا إلی الکهف جاءهم الخبر بوصول ابن رشید بجنوده إلی قصیبا و کان قد توجه من السماوة فی أول یوم من ربیع الأول و معه من عسکر الترک ألفان و خمسمائة نفر و مائة و سبعون خیالا و ثمانیة مدافع، و معه من عربان شمر خلائق کثیرة.
بلغ ابن ضبعان و من معه وصول ابن رشید إلی قصیبا توجهوا إلیه و قدموا علیه فیها، و أذن للرجل الذی معهم من الإمام بالرجوع بالرکایب المذکورة التی تزولها ابن ضبعان، و أصحابه، و أرسل ابن رشید معه رجلا من خدامه إلی بریدة، فأقام خادم ابن رشید عند الإمام فی بریدة ثلاثة أیام، ثم أذن له بالرجوع إلی ابن رشید فتوجه إلیه.
ثم إن ابن رشید ارتحل من قصیبا بمن معه من الجنود، و نزل علی الشیحیات فلما علم بذلک الإمام ارتحل هو و أهل القصیم و نزلوا البکیریة، و نشب القتال بین الفریقین بعد الظهر من یوم الخمیس یوم تسعة و عشرین من ربیع الآخر، و صار ابن رشید و أهل حائل و العسکر و بعض البادیة فی مقابلة الإمام و من معه من أهل الریاض، و المحمل، و سدیر، و الوشم.
و صار الآخر ماجد بن حمود و معه غزو بلدان الجبل و بعض البادیة فی مقابلة أهل القصیم. و صارت ملحمة عظیمة و صارت هزیمة علی الإمام و قتل من أهل الریاض و الوشم و سدیر خلائق کثیرة و جرح الإمام جرحا و عافاه اللّه منه. و أما أهل القصیم فإنهم هزموا ماجد بن حمود. و ممن قتل فی هذه الوقعة ماجد بن حمود و قمندان العسکر، و قتل من العسکر خلائق کثیرة منهم رمضان باشا، و من أهل الریاض نحو مائة و عشرین منهم فیصل بن سعد بن سعود بن سعود و فهد بن إبراهیم.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 284
ثم إن أهل القصیم رجعوا إلی بلدانهم و رجع الإمام إلی بلد عنیزة، و أما ابن رشید فإنه نزل بجنوده علی بلد الخبرا، و حاصروها.
و نصبوا علیها المدافع، و رموا من الآخر البلد بالمدافع رمیا هائلا فلم یدرکوا شیئا. و لما بلغ الإمام الخبرا أرسل سریة مددا لأهل الخبرا، فتوجهوا إلیها و دخلوها، ثم خرج الإمام من عنیزة و معه أهل القصیم و نزلوا علی البکیریة. فلما علم بذلک ابن رشید ارتحل من الخبرا، و نزل علی الشنانة فأرسل الإمام سریة مع أخیه محمد إلی بلد الرس مددا لهم، فتوجهوا إلی الرس و دخلوه، ثم ارتحل الإمام من البکیریة و من معه من أهل القصیم و غیرهم فنزلوا بلد الرس. و کان نزول ابن رشید علی الشنانة فی عاشر من جمادی الأولی، و نزول الإمام علی الرس فی رابع عشر من الشهر المذکورة، و أقام کل منهم فی منزله و یحصل بینهم مناوشة قتلا.
و لمّا کان فی الیوم السابع عشر من رجب ارتحل ابن رشید بجنوده بعدما قطع نخل الشنانة، و نزل بالقرب من قصر ابن عقیل، و نصب علیه المدافع، و رماه رمیا هائلا، و کان فیه إذ ذاک سریة للإمام إعانة لأهله.
و لما کان اللیل أرسل ابن عقیل للإمام یطلب منه زیادة مدد فأرسل إلیه سریة، و ارتحل الإمام بمن معه من الجنود علی أثر السریة المذکورة.
فوصلت السریة المذکورة قبل طلوع الفجر إلی القصر، و دخلوه و وصل الإمام و من معه بعد طلوع الفجر، و نشب القتال بین الفریقین. و ذاک صبیحة الیوم الثامن عشر من رجب، فانهزم ابن رشید و من معه، و قتل من أتباعه عدة رجال، و استولی الإمام و من معه من الجنود علی کثیر من الإبل، و الخیام، و الأثاث، و المتاع. و قتل فی هذه الوقعة عبد اللّه بن
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 285
محمد بن سعد البواردی الملقب بحجرة أمیر بلد شقرا. ثم إن الإمام بعد هذه الوقعة ارتحل من منزله ذلک و رجع إلی عنیزة. و لما کان فی الیوم الثانی من شعبان ارتحل الإمام من عنیزة و قفل راجعا إلی الریاض، و أذن لمن معه من أهل النواحی بالرجوع إلی أوطانهم. و أما ابن رشید فإنه نزل علی الکهفة.
و فی هذه السنة توفی والدی صالح بن إبراهیم بن عیسی فی بلد أشیقر ضحوة یوم السبت خامس شعبان، و صلینا علیه بعد صلاة الظهر رحمه اللّه تعالی.
و فی ذی القعدة من السنة المذکورة توفی الشیخ عبد اللّه بن عائض فی عنیزة رحمه اللّه تعالی. و فی ذی القعدة من السنة المذکورة توجه مشیر بغداد أحمد فیضی من السماوة إلی القصیم، و معه ستة طوابیر عسکر.
و فی ثالث ذی الحجة وصل الإمام عبد الرحمن بن فیصل هو و مبارک بن صباح شیخ الکویت إلی الرافضیة المعروفة قرب الزبیر عنه نحو أربع ساعات لأجل مواجهة والی البصرة، فخرج إلیهم الوالی فی خامس ذی الحجة، و استقام معهم نحو أربع ساعات. و المراد بذلک البحث عن أحوال نجد فقال الوالی للإمام عبد الرحمن: إن الأمر راجع إلی المشیر أحمد فیضی، و لا بد من اجتماعه معه فی القصیم، و هناک تصلح الأحوال إن شاء اللّه. فرجع الإمام عبد الرحمن، هو ابن صباح، إلی الکویت، ثم توجه الإمام عبد الرحمن من الکویت إلی الریاض، و ذلک فی آخر المحرم 1323 ه.
بعد وصوله إلی الریاض توجه للقصیم و اجتمع هو و أمراء القصیم
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 286
عند أحمد فیضی باشا المذکور ثم تفرقوا علی غیر شی‌ء. و ذلک أن المشیر المذکور أراد المسیر إلی المدینة و منها إلی الیمن. و فی سابع من ربیع الآخر أرخص الإمام عبد العزیز لآل بسام الذی عنده فی الریاض، و توجهوا إلی قطر، و منه إلی البحرین، ثم رکبوا إلی البصرة. و فیها توفی الشریف عون بن محمد بن عبد المعین بن عون أمیر مکة، و تولی الإمارة بعده ابن أخیه علی بن عبد اللّه بن محمد بن عبد المعین بن عون. و فیها توفی السید أحمد بن محمد سعید النقیب فی البصرة، و ذلک فی التاسع و العشرین من جمادی الثانیة. و فیها قتل أحمد بن محمد بن ثانی فی قطر قتله بداح المعمم الهاجری، و ذلک فی شوال فی السابع عشر منه بعد صلاة العتمة. ثم إن بداح المذکور قتل فی ذی الحجة من السنة المذکورة. و فی خامس ذی القعدة توفی یوسف بن عبد اللّه بن عیسی بن محمد بن إبراهیم بن ریمان بن إبراهیم بن خنیفر العنقری، و العناقر من سعد بن زید مناة تمیم. و وفاته فی بلد حایل و له ثلاثة أولاد: یعقوب، و عبد اللّه، و مصطفی.
و فی هذه السنة وقع اختلاف بین جماعة أهل الشعرا، و عزلوا فهید بن سیف بن مسعود عن الإمارة، و تولی الإمارة بعده خالد بن حمد بن ضویان. و کان ممن قام فی ذلک حمد بن عبد اللّه الزیر، و کان ذا مال و ثروة. فلما کان فی آخر السنة المذکورة قام رجل من آل مسعود علی الزیر المذکور فرماه ببندق فصوبه، فاشتکی الزیر هو و خالد بن حمد بن ضویان علی ابن مسعود، فأرسل الإمام سریة إلی الشعرا و نکلوا بآل مسعود، و أجلوهم من البلد.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 287

ثم دخلت سنة 1223 ه:

و فیها فی ثامن عشر المحرم توفی الشیخ عبد اللّه بن محمد بن دخیل فی المذنب رحمه اللّه تعالی. و فی أول صفر من السنة المذکورة وصل المشیر فیضی باشا إلی القصیم و معه عساکر کثیرة، و قدم علیه العسکر الذی کانوا فی الکهف بعد وقعة قصر ابن عقیل، و قدم علیه فی عنیزة الإمام عبد الرحمن بن فیصل. و استقر الحال علی أن الدولة تجعل نقطة فی عنیزة أربعین رجلا، و نقطة فی بریدة مثلها، فجعلوهما فی البلدتین المذکورتین. ثم ارتحل المشیر المذکور من القصیم و توجه إلی المدینة، و منها إلی الیمن و ترک العسکر الذی قدموا علیه من الکهف فی الشیحیات فأقاموا هناک، و قدم علیهم فی الشیحیات فریق باشا و معه عساکر کثیرة من المدینة و نزلوا هناک. و أما الإمام عبد الرحمن بن فیصل فإنه أقام فی عنیزة أیاما، ثم توجه إلی الریاض، و فی هذه السنة توفی إبراهیم الصالح القاضی فی عنیزة رحمه اللّه تعالی.
و فی ربیع الأول من هذه السنة سطو آل مسعود فی الشعرا، و قتلوا حمد بن عبد اللّه الزیر، و حصروا أخاه عبد الرحمن فی بیت أخیه حمد و حصل بینهم و بینه رمی بالبنادق، فقتل منهم أربعة رجال، و هم:
إبراهیم بن سیف بن مسعود، و محمد بن صعب و أخوه عبد اللّه، و محمد بن سعد العجاجی. ثم إنهم ظفروا بعبد الرحمن المذکور و قتلوه، و أخرجوا آل ضویان من البلد إلی القویعبة، و استولوا علی الشعرا و تولی الإمارة فیها عبد اللّه بن سعد بن ناصر بن مسعود.

ثم دخلت سنة 1224 ه:

و فیها فی لیلة سابع عشر من صفر الوقعة المشهورة بین الإمام عبد العزیز بن عبد الرحمن بن فیصل، و بین الأمیر
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 288
عبد العزیز بن متعب بن رشید فی روضة مهنا قتل فیها ابن رشید المذکور، و عدة رجال من أهل حایل منهم عبد الرحمن بن ضبعان، و تول الإمارة بعد ابن رشید المذکور ولده متعب، و ذلک فی الثامن عشر من صفر.
و فی ربیع الأول أطلق ابن رشید المحابیس الذین عنده فی حائل من آل سلیم، و هم محمد الزامل، و إبراهیم الحمد آل إبراهیم بن سلیم.
و فی ربیع الآخر من هذه السنة قبض الإمام عبد العزیز بن عبد الرحمن بن فیصل علی صالح آل حسن بن مهنا أمیر بریدة، و علی إخوته مهنا، و عبد العزیز، و عبد الرحمن، و أرسلهم إلی الریاض و جعل فی بریدة أمیرا محمد بن عبد اللّه بن مهنا. و فی رمضان من هذه السنة ارتحلت العساکر من الشیحیات رحلهم الإمام إلی المدینة و إلی البصرة.
و فی ثالث و عشرین من رمضان المذکور من السنة المذکورة أنزل اللّه تعالی الغیث الوسمی، و عم الحیاء جمیع بلدان نجد، و انهدم نحو نصف بیوت فیضه السر. خزانة التواریخ النجدیة ؛ ج‌2 ؛ ص288
شوال من هذه السنة سطوا آل ضویان فی الشعراء علی آل مسعود فانتبهوا بهم، فحصل بین الفریقین قتال و صارت الهزیمة علی آل ضویان، و قتل منهم أربعة رجال منهم: خالد بن حمد بن ضویان، و ابن أخیه حمد بن إبراهیم بن حمد بن ضویان، و صوب منهم ستة رجال، و قتل من آل مسعود ناصر بن عبد العزیز بن ماضی، و رجل من أتباعهم من الدواسر و صوب رجال. و فیها توفی الشیخ عبد العزیز بن صالح بن مرشد قاضی بلد حائل، کانت وفاته فی حائل رحمه اللّه.
و فی ثالث عشر من ذی القعدة من هذه السنة قتل متعب بن
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 289
عبد العزیز بن رشید هو و أخوه مشعل، و طلال بن نایف بن طلال بن رشید قتلوهم آل عبید بن رشید. و تولی الإمارة سلطان بن حمود آل عبید بن رشید. و فی ذی القعدة أیضا من السنة المذکورة توفی الشیخ محمد بن عبد اللّه بن سلیم قاضی بلد بریدة رحمه اللّه تعالی. و فی خامس ذی القعدة من هذه السنة توفی حمد آل محمد العبد العزیز البسام فی البصرة رحمه اللّه تعالی.

ثم دخلت سنة 1325 ه:

و فی أول یوم من المحرم من السنة المذکورة أنزل اللّه الغیث، و کثرت الأمطار، و السیول و استمر مدة أیام و عم الحیاء جمیع بلدان نجد، و ارتفعت المیاه ارتفاعا لم یعرف مثله بحیث أن القلبان فاضت و خاف الناس من الهدم من کثرة الأمطار، و السیول، و حار الحائر فی أکثر بلدان نجد. و فی المحرم من هذه السنة غزی الإمام عبد العزیز بن عبد الرحمن بن فیصل، و توجه إلی القصیم، و نزل بریدة، و کان أهل بریدة یکاتبون سلطان بن حمود رشید و یکاتبهم سرّا فی الصلح بینهم و بینه. ثم إن الإمام ارتحل من بریدة و نزل مع عتیبة علی دخنه، و معه غزو بریدة، و عنیزة و جمیع بلدان نجد یرید المغزا علی ابن رشید.
و کان ابن رشید و من معه من شمر إذ ذاک علی فید، فلما علم بذلک ابن رشید رجع إلی حائل و تفرق من معه من البوادی. و أما الإمام عبد العزیز فإنه استجرد عتیبة و عدا علی ابن رشید، فلما وصل إلی قصیبا بلغه الخبر بأن ابن رشید رجع إلی حائل، فأذن لغزو أهل القصیم بالرجوع إلی بلدانهم. ثم أن الإمام أمسک رجلا فی قصیبا یقال له المربوب کان یتردد بین أهل بریدة و بین ابن رشید بالمکاتبة، ففتشوه فوجدوا معه
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 290
خطوطا من محمد بن عبد اللّه بن مهنا أمیر بریدة، و من بعض أعیان بریدة لابن رشید فأمر الإمام بقتله فقتلوه، فلما علم بذلک أهل بریدة أظهروا العداوة، و أرسلوا للإمام یقولون: لا تقدم علینا بمن معک من الجنود.
فأمر الإمام من معه من الجنود أن ینزلوا علی الهدیة، و دخل بریدة هو و خیالة معه، و حصل بینه و بین ابن مهنا و بعض الأعیان کلام، و قالوا:
نحن فی السمع و الطاعة.
ثم إن الإمام خرج من بریدة و عدا علی فیصل ابن صلطان الدویش و من معه من مطیر علی المجمعة، فأخذهم و قتل من مطیر عدة رجال منهم حسین بن مطلق بن زید الدویش المعروف بابن الجبعا، و عبد المحسن بن زریبان، و مطلق بن عمر بن شوفان، و صوب فیصل بن صلطان الدویش، ثم بری و نزل الإمام علی جوی فرکبوا له مطیر، و طلبوا منه الصلح فأعطاهم ذلک ثم ارتحل إلی شقرا، و منها إلی الریاض و أذن لأهل النواحی بالرجوع إلی أوطانهم. و ذلک فی آخر ربیع الأول من السنة المذکورة.
و فی هذه السنة وقع فی أشیقر و الفرعة وباء مات فیه خلق کثیر، و ممن مات فیه من أهل أشیقر محمد بن عبد اللّه بن إسماعیل، و ابنه حمد الشاعر المشهور المعروف بالسبیعی، و عبد اللّه بن إسماعیل، و أخوا عبد العزیز بن صالح بن إبراهیم بن عیسی و غیرهم رحم اللّه الجمیع. و فی هذه السنة فی رجب استحلفوا أهل بریدة صلطان بن حمود آل عبید بن رشید، و وعدوه القیام معه فی حرب ابن سعود، و کاتبوا ابن بصیص و الدویش فقدم ابن رشید بمن معه من الحاضرة و البادیة، و نزل بالقرب من بریدة، و کاتب أهل بلدان القصیم، و فیصل الدویش، و نایف بن هذال بن بصیص، و رؤساء مطیر، و کانوا إذ ذاک فی البطینیات، فساروا بأهلهم علی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 291
الصعب و الذلول و نزلوا علی الطرفیة و اجتهدوا فی حرب الإمام. و أما أهل عنیزة و الرس و الخبر و المذنب فلم یعطوا ابن رشید طاعة.
فلمّا علم الإمام بمکان ابن رشید و مطیر و مساعدة أهل بریدة لهم تجهز من الریاض، و خرج منها فی أول شعبان من السنة المذکورة، و کان قد أمر أهل بلدان نجد بالغزو و واعدهم شقرا، فوصل إلی شقرا فی أربع من شعبان، و قدم علیه فیها غزو، الوشم، و سدیر، و المحمل. ثم استجرد عتیبة و عدا من أشیقر یوم ثامن من شعبان، فقدم عنیزة، و ترک ما ثقل معه فیها، و استنفرهم فخرج معه منهم عدد کثیر، و قصد ابن رشید و هو إذ ذاک علی الهدیة، فجاء ابن رشید الخبر فانهزم و نزل بریدة. و کان الدویش و ابن بصیص و عربان مطیر علی الطرفیة، فعدا الإمام علیهم و أخذهم و نزل فی محلهم و احتوی هو و من معه من الجنود علی ما فی محلهم.
فلمّا جاء اللیل خرج ابن رشید بمن معه من بریدة، و هم خلائق کثیرة من أهل بریدة، و معه مطیر، و توجهوا إلی الإمام علی الطرفیة فهجدوه، و حصل بین الفریقین قتال شدید، و صارت الهزیمة علی ابن رشید، و من معه من أهل بریدة، و من مطیر، و قتل منهم کثیر، و ذلک لیلة أربعة عشر من شعبان من السنة المذکورة، و غنم الإمام و من معه من الجنود منهم من الرکاب، و البنادق شیئا کثیرا، و قتل فی هذه الوقعة سعود بن محمد بن سعود بن فیصل، ثم إن الإمام ارتحل من الطرفیة و نزل بالقرب من بریدة و نهب حبوب بریدة، و کان فی أیام صرام النخل فصرموا النخیل و هدموا البیوت. و تحصن أهل بریدة فی بلدهم، و أقام الإمام هناک أیاما، ثم ارتحل و نزل عنیزة، ثم ارتحل و نزل البکیریة ثم ارتحل و نزل مع عتیبة فی أراضی القصیم.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 292
و لمّا کان فی ذی القعدة من السنة المذکورة عدا الإمام علی الفرم و من معه من حرب، فأخذهم بالقرب من المدینة ثم قفل إلی الریاض فی عشر ذی الحجة من السنة المذکورة، و أذن لمن معه من غزو بلدان نجد بالرجوع إلی بلدانهم. و فی ذی القعدة من هذه السنة قام صالح آل حسن آل مهنا أبا الخیل هو و إخوته مهنا و عبد العزیز و عبد الرحمن علی الموکلین بحبسهم فی قصر الریاض، فقتلوهم فی اللیل و خرجوا من الحبس، و کانوا محبوسین فی السنة التی قبل هذه کما تقدم، فساروا فی طلبهم فأما صالح فأمسکوه فی البرة، و أمسکوا مهنا فی ضرما، و أمسکوا عبد العزیز و عبد الرحمن فی الحیسیة فقتلوا صالح آل حسن هو و أخوه مهنا المذکورین، و حبسوا عبد العزیز، و عبد الرحمن أیاما ثم أطلقوهما و توجها إلی بریدة.
و فی شوال من هذه السنة توفی عبد اللّه العبد الرحمن آل بسام فی مکة رحمه اللّه تعالی. و فی شوال المذکور قتل خالد بن عبد اللطیف بن عون رئیس بلد الزبیر فی البصرة قتله أولاد عبد اللّه بن إبراهیم آل راشد رؤساء بلد الزبیر فی الماضی، و کانوا حینئذ فی الکویت قد أجلوهم أهل الزبیر لأمور یطول ذکرها، و کانوا یأتون إلی البصرة لنخیلهم التی لهم فیها و یترصدون الخالد المذکور، فاتفق أنه انحدر من الزبیر إلی البصرة معه عدة رجال من خدامه فصادفوه و قتلوه.

ثم دخلت سنة 1326 ه:

و فیها جلوا آل سبهان من حائل إلی المدینة، و معهم ولد صغیر لعبد العزیز بن متعب اسمه سعود هرب به خاله حمود السبهان. و فیها فی ربیع الآخر قتل محماس بن عبد اللّه بن رشید
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 293
الهزانی أمیر حریق نعام هو و أخوه ترکی، و ابنه فهد، قتلوهم آل ترکی و آل ناصر بن حمد الهزازنة، فأرسل إلیهم الإمام عبد الرحمن بن فیصل سریة مع مساعد بن سویلم، و جعل راشد بن عبد اللّه بن رشید الهزانی أمیرا فی حریق نعام، و هرب آل ترکی و آل ناصر بن حمد من البلد بعد أن ظفروا منهم بمشاری بن ناصر بن حمد الهزانی، و محمد بن عبد اللّه بن ترکی الهزانی الملقب بالعمیشا فقتلوهما.
و فی ربیع الأول من هذه السنة توجه الإمام عبد العزیز بن عبد الرحمن بن فیصل للقصیم و وقعت المصالحة بینه و بین ابن رشید.
و فی لیلة اثنین و عشرین من ربیع الآخر من السنة المذکورة دخل الإمام عبد العزیز بلد بریدة بمواطأة من بعض أهلها، و نادی بالأمان لأهل البلد فتحصن ابن مهنا و من معه فی القصر. ثم إن الإمام أعطاهم الأمان فخرجوا من القصر، و أعطا الإمام عبد العزیز أعزه اللّه بطاعته محمد بن عبد اللّه بن مهنا و من معه من آل أبا الخیل جمیع ما یحتاجون إلیه للسفر من رکایب و غیرها، فارتحلوا من بریدة و من معهم إلی العراق، و أرسل الإمام عبد العزیز معهم رجالا من الخدام إلی أن یصلوا إلی مأمنهم و نزل الإمام فی قصر بریدة، و عفی عن أهل بریدة و غیرهم، أمتع اللّه المسلمین بحیاته و أعزه بطاعته، ثم إنه جعل أحمد السدیری فی قصر بریدة أمیرا و رجع إلی الریاض.
و فی جمادی الأولی من هذه السنة وقع اختلاف بین عیال حمود بن عبید آل رشید، و قتل صلطان بن حمود بن عبید آل رشید هو و ابنه و تمالأ علی قتلهما سعود بن حمود بن عبید، و تولی إمارة الجبل.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 294
و فی شعبان من هذه السنة سطو آل سبهان علی آل عبید بن رشید فی حائل و کان آل سبهان قد هربوا من حائل و معهم ولد صغیر لعبد العزیز بن متعب بن رشید هم أخواله کما تقدم فی أول هذه السنة. و استولوا علی حائل، و قتلوا سعود بن حمود آل عبید بن رشید، و حمود بن سالم بن حمود آل عبید، و فدغم ولد ماجد بن حمود آل عبید، و عبد اللّه آل عبید و غیرهم من آل عبید، و تولی إمارة الجبل ابن سبهان فلم یلبث إلّا نحو أربعة أشهر، و توفی فی حائل فی آخر السنة المذکورة، و تولی بعده إمارة الجبل زامل بن سالم بن سبهان.
و فی هذه السنة وقع القحط و الغلاء فی جمیع بلدان نجد، و أجدبت الأرض و قلت الأمطار، و غلبت الأسعار؛ بیع التمر أربع وزان بالریال، و الحنطة أربعة أمداد بالریال؛ و السمن الوزنة بالریال و نصف ریال. و فی لیلة الخمیس من شهر محرم لهذا العام هبت ریح شدیدة علی الأحساء بعد صلاة المغرب و دامت خمس دقائق سقط منها فی الأحساء نحو ثلاثین ألف نخلة، و من الأشجار ما لا یحصی.

ثم دخلت سنة 1327 ه:

و الغلاء علی حاله. و فیها فی صفر أغار زامل بن سالم بن سبهان علی الصعران من بریة علی قبة، و قتل نایف بن هذال بن بصیص، و فی سابع عشر من ربیع الأول من هذه السنة یوم خامس من الحمیم الثانی أنزل اللّه سبحانه و تعالی الغیث و سالت بلد أشیقر، و الفرعة سیلا لم یعهد مثله بحیث أن أودیة أشیقر تقطعت من کثرة السیل علی عذیق، و جری عذیق مع غیر مجاریه من شدة السیول. و فی سابع عشر من ربیع الآخر من هذه السنة بعد صلاة العصر من یوم الجمعة
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 295
هبت ریح سوداء مظلمة تارة تحمر، و تارة تصفر، و تارة تسود، قد ابتنی ذلک من السماء إلی الأرض کالجبال الشواهق، و بقیت الأرض مظلمة ظلاما شدیدا لا یبصر أحد أحدا، و أقبل الناس علی التضرع إلی اللّه، و التوبة، و الاستغفار، و ظنوا أن القیامة قد قامت، و دام ذلک نحو نصف ساعة، ثم زال ذلک الظلام و أسفرت الدنیا فللّه الحمد و المنة، و فیها اشتد القحط و الغلاء فی نجد، و بیع التمر ثلاث وزان إلی ثلاث و نصف، و السمن الوزنة بریالین، و العیش صاع و نصف بالریال.
و فی جمادی الأولی من هذه السنة أمر الإمام عبد العزیز بن عبد الرحمن بن فیصل بقتل عیال إبراهیم بن مهنا أبا الخیل أهل روضة الربیعی و هم ستة معهم عبد العزیز بن حسن بن مهنا أبا الخیل، و هو السابع لهم فقتلوهم. و فی هذه السنة فی رجب عزل الإمام عبد العزیز بن عبد الرحمن بن فیصل أحمد السدیری عن إمارة بریدة، و جعل مکانه عبد اللّه بن جلوی. و فی رجب المذکور من السنة المذکورة حصل فتنة شدیدة فی حریق نعام بین الهزازنة، و بین آل خثلان قتل فیها عدة رجال من الفریقین، فرکب الإمام عبد العزیز من الریاض، و قدم بلد الحریق و حصر الهزازنة فی قصرهم مدة ثلاثة أشهر. ثم إنه استولی علی القصر، و هدمه، و حبس الهزازنة، و جعل عبد العزیز المعشوق أمیرا فی الحریق ثم رجع إلی الریاض.
و فی ثامن من رمضان من هذه السنة یوم الخمیس توفی إبراهیم بن عبد اللّه بن مسند المطوع فی أشیقر رحمه اللّه تعالی، و فی ثامن من ذی الحجة أنزل اللّه الغیث یوم حادی عشر من ذی الحجة المذکور، و عم الحیاء جمیع بلدان نجد فسالت سیلا لم یعهد مثله، فللّه الحمد و المنّة،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 296
و الغلاء علی حاله من قلة الأطعمة، و أکل کثیر من الناس المیتة و الدم المسفوح بعد طبخه، و مات کثیر من الناس جوعا خصوصا من بوادی عتیبة.
و فی ثالث و عشرین من ذی الحجة المذکور أنزل اللّه الغیث و عم الحیاء جمیع بلدان نجد، فللّه الحمد و المنّة، ثم فی رابع و عشرین من ذی الحجة، کثرت السیول و ارتفعت المیاه و فاضت الآبار و حار الحائر عندنا فی أشیقر، و عم الحیاء و جمیع بلدان نجد و لم یبرح الغلاء لقلة الأطعمة: بیع التمر ست وزان بالریال، و الحنطة من صاع و نصف إلی صاعین الأمد بالریال، و السمن الوزنة بریالین و الودک الوزنة بریالین.

ثم دخلت سنة 1328 ه:

و فی المحرم منها خرج آل سعود بن فیصل من الریاض مغاضبین للإمام عبد العزیز بن عبد الرحمن بن فیصل و توجهوا إلی الشرق، و فی سابع عشر من المحرم المذکور أنزل اللّه تعالی الغیث، و عم الحیاء بلدان نجد و ارتفعت المیاه و أعشبت الأرض عشبا لم یعهد مثله منذ سنین عدیدة، و اشتد الغلاء لقلة الأطعمة بیع التمر من أربع وزان إلی خمس وزان بالریال و الحنطة من صاع، و ربع الصاع إلی صاع، و سدس الصاع بالریال، و نفدت الأقوات و أکل کثیر من الناس المیتة و شرب الناس الدم المسفوح، و بعضهم یطبخه و یأکله، و أکل آخرون الجلود البالیة بعد احرقها بالنار، و مات کثیر من الناس جوعا خصوصا من الذین طاحوا فی بلدان من بادیة عتیبة، و صار غالب قوت الناس من أعشاب الأرض.
و فی ثانی ربیع الأول من هذه السنة أغار ابن کهف الحمیدانی، ناصر ولد الحمیدی بن رشید من ذوی سعدون باهل إحدی و عشرین مطیة
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 297
علی أهل شقرا، فصادفوا مجموعة أباعر لهم فی الشکیرة فأخذوها و انهزموا بها، فلما ظهروا علی الحمادة، و إذ إن أهل أشیقر قد أقبلوا من رویضات السلم حاشین یریدون بلدهم و هم نحو ثلاثین رجلا معهم رکائبهم، و سلاحهم، فأغاروا علیهم فی مفیض خل الشعر علی الحمادة فأخذوهم بعد قتال بینهم، و قتلوا محمد بن عبد الرحمن الوعیل، و محمد بن محمد بن عبد اللطیف رحمهما اللّه تعالی، و صوبوا سعود بن صعب و عثمان الحر. و فی هذه السنة وقع الصلح بین الإمام عبد العزیز بن عبد الرحمن بن فیصل، و بین زامل بن سالم بن سبهان أمیر الجبل، و خمدت الفتنة فللّه الحمد و المنّة.
و فی شعبان من هذه السنة خرج الشریف حسین بن علی بن محمد بن عون من مکة إلی نجد و معه الشیابین من عتیبة و الروقة، إلّا ابن ربیعان فصادفت سریة لسعد بن الإمام بن عبد الرحمن بالقرب من الحرملیة و معه أهل عشرین مطیة، و أخذوهم و أمسکوا سعد بن عبد الرحمن و رجعوا به إلی الشریف، و هو قد نزل علی الدوادمی. و اتفق أن عیال سعود و معهم عبد العزیز بن عبد اللّه بن رشید الهزانی سطوا فی الدلم، و فیها سریة للإمام عبد العزیز بن عبد الرحمن بن فیصل فلم یحصل عیال سعود علی طائل، فرجعوا عنها و توجهوا إلی الحریق. و قام معهم بعض أهل الحوطة فاستولوا علی الحریق، و حاصروا من فی القصر، و کان الإمام مشغولا عنهم بأمر الشریف. و حاصل الأمر أنهم أخرجوهم من القصر علی دمائهم، و أما الإمام عبد العزیز أعزه اللّه تعالی بطاعته و لا أذله بمعصیته فإنه أمر بالجهاد علی بلدان نجد و خرج من الریاض، و ذلک فی شهر رمضان، و نزل شقرا ثم ارتحل منها و نزل فیضة السر.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 298
و حاصل الأمر أن الصلح وقع بینه و بین الشریف و أطلق سعد و أکرمه، و رجع الشریف إلی مکة فارتحل الإمام من الفیضة و توجه إلی عنیزة، و أقام هناک أیاما ثم رجع و توجه لقتال عیال سعود فی الحریق، فلما وصل إلیهم خرجوا لقتاله فهزمهم بعد قتال شدید و استولی علی الحریق عنوة، و نهبوه و انهزموا عیال سعود و توجهوا إلی مکة المشرفة.
و انهزم عبد العزیز بن عبد اللّه الهزانی و من معه من عشیرته، و خواص أصحابه، و معهم سعود بن عبد اللّه بن سعود إلی سیح آل حامد.
فلما وصلوا إلیه أرسل ابن فهاد آل أحمد السدیری فی لیلی یخبره بذلک فنهض السدیری بأهل لیلی، و قبضوا علیهم و أرسل بخبرهم إلی الإمام و هو إذ ذاک فی الحوطة، فارتحل الإمام من الحوطة و توجه إلی لیلی، و أرسل سریة یقدمونه و أمرهم بقتل عبد العزیز الهزانی و من معه إلّا سعود بن عبد اللّه بن سعود بن فیصل، فقتلوهم و هم تسعة عشر رجلا منهم تسعة الهزازنة تاسعهم عبد العزیز. و أما سعود ابن عبد اللّه فإن الإمام أکرمه و صار معه ثم قدم علیه أخوه ترکی بن عبد اللّه بن سعود فی الریاض من مکة مفارقا لآل سعود، فأکرمه الإمام عبد العزیز، و فی افتتاح ذی الحجة من هذه السنة فی أول الوسمی أنزل اللّه تعالی الغیث، و عم الحیاء جمیع بلدان نجد، و کثرت الأمطار السیول و خشی الناس من الهدم و الغرق.
و فیها فی آخر شوال حصل وقعة بین حدرة أهل شقراء کبیرهم شویمی بن جماز، و بین آل العرجا کبیرهم مجهار قتل فیها من الحدرة ثلاثة عشر رجلا منهم عبد المحسن بن أحمد الذکیر من أهل عنیزة، و قتل من آل العرجا عدة رجال منهم عیال مجهار، و سلمت الحدرة لم یؤخذ منهم شی‌ء أبدا، و فیها ابتداء عمار الأرطاویة و سکناها.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 299

ثم دخلت سنة 1329 ه:

و فی افتتاحها تتابعت الأمطار، و السیو و زادت المیاه، و فاضت الأبیار، و کثرت الکمأة، و أعشبت الأرض، و الخصب، و رخصت الأسعار، فللّه الحمد و الشکر.
و فی رابع جمادی الثانی من هذه السنة یوم الجمعة توفی الش؟؟؟
العالم العلامة شیخنا ابن العم أحمد بن الشیخ إبراهیم بن حمد بن عیسی کانت وفاته فی بلد المجمعة رحمه اللّه تعالی. و کانت ولادته فی شقرا ب؟؟؟
الظهر خامس عشر ربیع الأول سنة ثلاث و خمسین و مائتین و ألف، ک؟؟؟
عالما فاضلا، و صنف تصانیف کثیرة منها: «شرح الشافیة الکافیة ف؟؟؟
العقائد» فی مجلدین، و له کتاب فی الرد علی النبهانی سماه تهدیم المبان؟؟؟
من شواهد النبهانی، و له کتاب فی الرد علی دحلان و غیر ذلک، أخذ العل؟؟؟
عن أبیه الشیخ إبراهیم بن حمد بن عیسی، و عن الشیخ العالم العلام؟؟؟
عبد اللّه بن عبد الرحمن أبا بطین، و عن الشیخ العالم العلامة القدو الفهامة عبد الرحمن بن حسن بن شیخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب.
و عن الشیخ العالم الفاضل عبد اللطیف بن الشیخ عبد الرحمن بن حسن و غیرهم، و فی أول الشهر المذکور من السنة المذکورة توفی أخوه محمد بن الشیخ إبراهیم بن عیسی کانت وفاته فی الکویت فی بعض أسفاره إلیها للتجارة رحمه اللّه تعالی.
و فی شهر ذی الحجة من السنة المذکورة توفی قاضی بلد الریاض الشیخ إبراهیم بن الشیخ عبد اللطیف بن الشیخ عبد الرحمن بن حسن بن الشیخ محمد بن عبد الوهاب رحمه اللّه تعالی، کان عالما فاضلا ورعا ناسکا متواضعا حسن السمت و السیرة. و فیها ابتداء عمارة فریثان و سکناها.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 300

ثم دخلت سنة 1330 ه:

و لم یحصل فیها شی‌ء من الحوادث.

ثم دخلت سنة 1331 ه:

و فیها فی ثامن و عشرین من جمادی الأولی استولی الإمام عبد العزیز بن عبد الرحمن بن فیصل علی الحساء و القطیف، و أخرج عسکر الترک الذین فی الکوت، و فی صاهود و خزام و العقیر و القطیف، و أعطاهم الأمان و جهزهم إلی البصرة، و بذل العدل، و الإحسان للرعیة، و جرت الأمور علی أحسن نظام فللّه الحمد و المنّة.
و فیها فی ثانی أیام شهر رمضان عصر الثلاثاء توفی فی شقرا شیخنا ابن العم علی بن عبد اللّه بن إبراهیم بن محمد بن حمد بن عبد اللّه بن عیسی قاضی بلدان الوشم. و کانت ولادته فی سنة تسع و أربعین و مائتین و ألف رحمه اللّه تعالی. و کان عالما فاضلا أخذ العلم عن الشیخ عبد اللّه بن عبد الرحمن أبا بطین، و عن الشیخ الإمام عبد الرحمن بن حسن بن شیخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب و غیرهم.

و فی سنة 1332 ه:

فی شهر صفر توفی الشیخ العالم الفقیه محمد بن إبراهیم بن محمود فی بلد الریاض رحمه اللّه تعالی. و فی ذی الحجة منها استولوا الأنقریز علی البصرة، و أخرجوا منها عسکر الترک.
و فیها ابتداء عمار الداهنة، و مبایض، و ساجر، و سکناهن، و فیها قتل سعود بن صالح بن سبهان بن زامل بن سالم بن سبهان فی حائل.
و فیها قتل سعود بن عبد العزیز بن متعب بن رشید عیال سعود الحمود، و آل عبید بن رشید، و ولد فیصل الحمود فی حائل،
و فی 29 شوال منها توفی محمد السلیمان العبد العزیز البسام.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 301

و فی سنة 1333 ه:

و فی سابع ربیع الأول منها الوقعة المشهورة بین الإمام عبد العزیز بن عبد الرحمن بن فیصل، و بین ابن رشید فی جراب و صارت الهزیمة علی الإمام، و توجه الإمام بعدها إلی بریدة، و أقام بها، و قتل فی هذه الوقعة عدة قتلی منهم صالح الزامل السلیم، و محمد بن شریدة.
و فی هذه السنة وقعت المصالحة بین الإمام عبد العزیز، و بین ابن رشید، فتوجه الإمام إلی الحساء و کان فی نفسه شی‌ء علی العجمان لأمور بدرت منهم، فحصل بینه و بینهم وقعة قتل فیها أخوه سعد بن عبد الرحمن بن فیصل. ثم إن الإمام جد و شمر فی حربهم إلی أن مزقهم اللّه شذر مذر، و أجلاهم عن الحساء، فتوجهوا إلی جهة الشمال مخذولین. و لما کان فی آخر رمضان من هذه السنة نقض ابن رشید العهد، و أغار علی شوادی أهل القصیم علی الدویحرة، و أخذ منهم إبلا، و أغناما، ثم نزل الطرفیة و الإمام إذ ذاک فی الحساء، و أخذ یکاتب أهل القصیم، فلم یلتفتوا له، و حصل بینه و بینهم قتال فهزموه، و قتلوا من قومه عدة رجال، و غنموا منه خیلا و رکابا، فلما أعیاه أمرهم ارتحل من الطرفیة، و قفل راجعا إلی حائل. و فی آخر السنة توفی مبارک بن صباح رئیس بلد الکویت.
فی ثالث المحرم استولی الإنجلیز علی البصرة من غیر قتال، و ارتحلت منها عساکر الترک إلی بغداد.

و فی سنة 1334 ه:

فی شوال منها شرعوا فی هدم مسجد الشمال فی أشیقر، و کان قد قارب السقوط من طول السنین و فرغوا من بناءه فی ذی الحجة من السنة المذکورة.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 302

و فی سنة 1335 ه:

استولی الإنجلیز علی بغداد و نواحیه، و فیها مات جابر بن مبارک بن صباح و تولی بعده أخوه سالم.

و فی سنة 1336 ه:

و فیها توفی الشیخ العالم العلّامة إبراهیم بن عبد الملک بن حسین قاضی بلد حوطة بنی تمیم رحمه اللّه تعالی، و تولی القضاء بعده ابنه عبد الملک. و فیها توفی الشیخ صالح بن قرناس فی بلد الرس رحمه اللّه تعالی. و فی ذی الحجة من السنة المذکورة توجه الإمام عبد العزیز بن عبد الرحمن بن فیصل حفظه اللّه تعالی بجنود المسلمین من البادیة و الحاضرة إلی الجبل، و أخذ بنی یهرف بالقرب من حائل ما بقی لهم من أموالهم شی‌ء، أخذ علیهم من الإبل أکثر من ألف ناقة، و من الغنم، و البیوت، و الفرش، و الأثاث ما لا یعد و لا یحصی، ثم رجع قافلا إلی وطنه مؤیدا منصورا. و لما وصل فی رجوعه إلی بریدة قدم علیه فیها رسول لابن رشید یطلب منه المصالحة، فأجابه إلی ذلک و وقعت بینهم المصالحة.
و فیها صار منافرة بین سعود الصالح بن سهبان و سعود بن عبد العزیز متعب بن رشید، فخرج سعود الصالح من حائل و توجه إلی الزبیر، و دخل البصرة و أجرت الدولة الإنکلیزیة نفقاته، و سکن الزبیر فخرج فی بعض الأیام لابن علی من شمر، و کان نازلا قرب الزبیر، فأقام عندهم أیاما، فلما رجع إلی الزبیر قابله آل فروان فقتلوه برجل منهم کان قد قتله سعود فی شیخته علی حائل. ثم عاد أخوه محمد الصالح بعد مقتله إلی حائل.
و فیها توفی عبد العزیز المحمد العبد العزیز البسام فی الزبیر. و فیها وقعت المنافرة بین الحسین شریف مکة، و بین الشریف خالد بن منصور بن
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 303
لؤی صاحب الخرمة فجهز الحسین سریة مع حمود بن زید بن فواز لقتال أهل الخرمة، فهزموه و أخذوا خیامه، و أثاثه، و أمتعته، و قتل من أصحابه عدة رجال.
و فی رمضان منها جمع الشریف الحسین جنودا کثیرة شلاوی، و بقوم، و عتبان، و سیرهم مع حمود المذکور لقتال الشریف خالد و من معه من الإخوان من أهل الخرمة فهزموه هزیمة شنیعة، و ترک خیامه، و مدافعه، و أمتعته، و قتل من أصحابه عدد کبیر.
و فیها ابتداء عمارة عرجا، و سنام، و المربع، و عسیلة، و الروضة، و الضبیعة.

ثم دخلت سنة 1337 ه:

و فیها حصل وباء عظیم، و عمّ جمیع البلدان، و هلک فیه أمم لا یحصیهم إلّا اللّه تعالی. وقع عندنا فی بلدان الوشم، و سدیر، و جمیع بلدان نجد فی خامس عشر صفر من السنة المذکورة إلی سابع من ربیع الأول. ثم رفعه اللّه تعالی. مات فی هذا الوباء من أهل أشیقر نحو مائة نفس ما بین ذکر و أنثی، و صغیرا و کبیرا، و أکثر من مات فی هذا الوباء من جمیع البلدان و البوادی، النساء و الأطفال، و ممن مات من أعیان أهل أشیقر محمد بن عبد اللّه بن راشد الخراشی، و سلیمان بن عبد اللطیف، و مات من أهل شقرا نحو ثلاثمائة و عشرین نفسا ما بین ذکر و أنثی، و صغیر و کبیر، منهم عبد اللّه بن محمد السبیعی وکیل بیت المال من جهة الإمام عبد العزیز بن عبد الرحمن بن فیصل و عبد الرحمن بن عبد اللّه بن عیسی، و أخوه عبد العزیز، و عبد اللّه محمد بن عیسی، و إبراهیم بن عبد الرحمن بن عیسی المعروف بالأعرج
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 304
رحمهم اللّه تعالی. و مات من أهل الریاض نحو ألف نفس منهم ترکی بن الإمام عبد العزیز بن عبد الرحمن بن فیصل، و أخوه فهد، و الشیخ عبد العزیز بن عبد اللّه النمر، و صالح بن الشیخ عبد اللطیف رحمهم اللّه تعالی.
و فیها ابتداء عمارة الشبیکیة، و مشاش المراطیب، و نفی و الأرطاوی.
و فیها ابتداء بناء الدلیمیة، و القربة، و الأثلة، و فیها قتل سعود بن عبد العزیز بن متعب خارج حائل قتله عبد اللّه بن طلال بن نایف بن طلال بن عبد اللّه بن رشید. فقام العبید الذین مع سعود، و قتلوا عبد اللّه بن طلال المذکور، و رجاله ابن مهوس، و تولی الإمارة بعده سعود عبد اللّه بن متعب بن عبد العزیز بن متعب.
و فیها صبح سعود بن الإمام عبد العزیز و من معه من الإخوان ابن رمال، و من معه من شمر، و ابن سعدی، و من معه من حرب، و أخذهم ثم قفل إلی الریاض.

و فی سنة 1338 ه:

توفی شیخنا عیسی بن عبد اللّه بن عکاس رحمه اللّه تعالی.

و فی سنة 1339 ه:

و فی یوم الجمعة عشرین من ربیع الثانی توفی الشیخ عبد اللّه بن عبد اللطیف فی بلد الریاض رحمه اللّه تعالی.
و فی رجب من هذه السنة حاصر الإمام عبد العزیز بن عبد الرحمن الجبل، و کان أمیر الجبل عبد اللّه بن متعب، و هرب خوفا من ابن عمه محمد بن طلال إلی الإمام ابن سعود. و تأمر بعده محمد بن طلال علی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 305
الجبل فی ذی الحجة من السنة المذکورة، و امتد الحصار إلی آخر صفر حتی دخول الأربعین.
فی 23 محرم الوقعة المشهورة بن سالم بن صباح، و بین الدوش و من معه من الإخوان، و صارت الهزیمة علی ابن صباح.
و فیها مات سالم بن مبارک بن صباح شیخ الکویت یوم النصف من جمادی الثانیة، و تولی بعده أحمد بن جابر بن صباح، و کان أحمد المذکور قد أرکبه عمه سالم المذکور إلی الإمام عبد العزیز فی طلب الصلح، و معه کاسب بن حزعل بن مردا، فقدموا علی الإمام فی حفر العک، و کان قد تجهز غازیا فقدم علی الإمام الخبر بوفاة سالم.

و فی سنة 1340 ه:

و فی یوم الخمیس الثانی من ربیع الأول استولی الإمام عبد العزیز بن عبد الرحمن الفیصل علی بلد حائل، و نقل آل رشید منها إلی الریاض، و جعل فیها أمیرا إبراهیم بن سالم السبهان، و ابن حلوان معه سریة فی القصر.
و فیها توفی یحیی بن عبد الرحمن الذکیر فی بلد عنیزة رحمه اللّه تعالی. و فیها فی یوم الاثنین ثالث ربیع الأول سافر الولد صالح بن عبد العزیز للأحساء.
و فی ثالث عشر ربیع الأول انحدر الولد صالح بن عبد العزیز للحساء یوم الاثنین.
و فی الیوم السابع و العشرین من ذی القعدة من هذا العام توفی الأمیر محمد بن سعود بن عیسی رحمه اللّه تعالی، و بلده البحرین.
فقد سافر من شقراء فی خامس من رمضان و معه بعض الأثر، و قد
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌2، ص: 306
تسرب العشبة و قدم الریاض علی الإمام أطال اللّه عمره، و طلب منه الإعفاء من إمارة شقراء، فامتنع الإمام فألح علیه محمد بن سعود، و اعتذر له بالمرض. و أن مقصودة أن یتوجه إلی البحرین للطیب، فأعفاه الإمام و أذن له فی التوجه إلی البحرین، قدم البحرین و هو مریض، فتوفی فی التاریخ المذکور، و صار بعده فی إمارة شقراء عبد الرحمن بن محمد البواردی.

و فی سنة 1341 ه:

و فیها توفی حمد بن یحیی بن عبد الرحمن الذکیر فی عنیزة رحمه اللّه فی شهر شعبان.
و فی یوم الجمعة ثامن عشر من شهر رمضان توفی مقبل بن عبد الرحمن الذکیر فی بلد عنیزة رحمه اللّه تعالی.
هذا آخر ما وجدناه من تاریخ الشیخ إبراهیم بن صالح بن عیسی الذی توفی فی مدینة عنیزة فی الیوم الثامن من شهر شوال من عام ثلاث و أربعین و ثلاثمائة و ألف، رحمه اللّه تعالی.
***

[الجلد الثالث]

تاریخ ابن منقور

تألیف المؤرخ العلامة الشیخ أحمد بن محمد بن أحمد بن حمد المنقور (1067- 1125 ه)

خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 7

ترجمة المؤرخ الشیخ أحمد بن محمد بن أحمد بن حمد المنقور (1067 ه- 1125 ه)

الشیخ أحمد بن محمد بن أحمد بن حمد بن محمد المنقور- هکذا نسبه من خط یده-، المنقوری، التمیمی نسبا، فالمنقور نسبة إلی بطن کبیر من بنی سعد بن تمیم أحد البطون الأربعة الکبار فی قبیلة بنی تمیم.
و کذا نسبه: منقور بن عبید بن مقاعس بن عمرو بن کعب بن سعد بن زید مناة بن تمیم.
و منهم مشاهیر، و أشهرهم الزعیم الکبیر و الصحابی الجلیل قیس بن عاصم المنقری، الذی قیل للأحنف بن قیس ممن تعلمت الحلم؟ فقال:
من قیس بن عاصم.
قال الشیخ ابن عیسی: و بنو منقر منهم المناقیر أهل حوطة سدیر، و منهم صاحب المجموع أحمد بن محمد المنقور. ا ه.
ولد المترجم فی بلده حوطة سدیر فی الثانی عشر من ربیع الأول عام 1067 ه و نشأ فیها، و توفیت والدته و هو فی الثانیة عشرة من عمره، و توفی والده بعد عشر سنوات من وفاة والدته، و قد جدّ و اجتهد
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 8
فی طلب العلم فأخذ عن عدة علماء أشهرهم العلامة قاضی الریاض الشیخ عبد اللّه بن ذهلان، الذی رحل إلیه المترجم من بلده إلی الریاض خمس رحلات لأخذ العلم عنه، حتی مهر فیه لا سیما فی الفقه، فقد أوفی فی تحصیله علی الغایة.
و جمع من تقاریر شیخه سفرا ضخما من البحوث و التقاریر و الفوائد عرف بمجموع المنقور.
قال ابن حمید فی طبقاته: (و اجتهد مع الورع و الدیانة و القناعة و الصبر علی الفقر و العیال، و کان یتعیش من الزراعة و یقاسی فیها الشدائد، مع حرصه علی الدروس فی غیر قریته، و مهر فی الفقه فقط مهارة تامة، و صنف تصانیف حسنة). ا ه.
قلت: و یمکن أن تکون ضائقته المالیة فی بعض السنین، و إلا فإنه حج ثلاث مرات، و اقتنی الرقیق و المواشی، مما یدل علی حسن حاله المادیة.
و قد لازم شیخه الشیخ عبد اللّه بن ذهلان فی مدة الرحلات الخمس التی ذکرها فی تاریخه، و نقل عنه فوائد أشار إلیها فی مجموعه المشهور فقال: (و بعد فهذه مسائل مفیدة و قواعد عدیدة و أقوال جمة و أحکام مهمة نحفظها من کلام العلماء. و بعد الإشارة من شیخنا و قدوتنا الشیخ عبد اللّه بن ذهلان، فقد کنت وقت قراءتی فی الإقناع، أسمع منه تقریرا أو تحریرا، فإذا قمت من المجلس کتبته لئلا یختلف علیّ بعض الکلام). ا ه.
و قد حصل من شیخه عبد اللّه بن ذهلان علی إجازة علمیة أثنی فیها المجیز علی المجاز ثناء عطرا.
و قال الشیخ محمد بن مانع فی مقدمة منسک المترجم المطبوع:
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 9
(و المصنف- رحمه اللّه- مشهور بالثقة، و المشایخ النجدیون یعولون علی نقله و یعتمدون علیه). ا ه.
و له نبذة فی التاریخ عن نجد ذکر فیها زوجاته و أبناءه و بناته و موالیدهم، و ذکر حجاته و زیاراته للمسجد النبوی الشریف، و رحلاته فی طلب العلم، و بعض زملائه فی الدراسة، و عندی أصل هذا التاریخ، و استعاره منی بعضهم فصوّره و طبع علی الصورة التی أخذت من نسختی، و المحقق للمطبوعة هو الدکتور عبد العزیز بن عبد اللّه الخویطر، و لیس هو الذی استعارها منی.
و کانت أول حجّة له عام 1091 ه، ثم تتالت حجّاته.
و قد ولی قضاء بلدة الحوطة حتی مات، ثم خلفه علیه ابنه الشیخ إبراهیم المتقدم الذکر.
1- کتابه المجموع المشهور باسم- مجموع المنقور- و قد طبع باسم (الفوائد و المسائل المفیدة)، و المطلع علی هذا المجموع یأخذه العجب من کثرة ما اطلع علیه المترجم من الکتب و المجامیع و الرسائل و المسائل.
2- منسک لطیف فی الحج، مطبوع فی مطابع المکتب الإسلامی، لزهیر الشاویش.
3- تاریخ لنجد، صغیر، أغلب أخباره أخبار- محلیة- عن مقاطعة المؤلف سدیر، و أخباره إشارات مختصرة، و قد ابتدأ فی أخباره عام 948 ه إلی وفاته سنة 1125 ه، و قد حققه و نشره د. عبد العزیز الخویطر.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 10
4- قال ابن حمید: (و له جوابات سدیدة عن مسائل فقهیة کثیرة).
5- مکتبة کبیرة غالبها بخطه، و قد رأیت خطه فی تاریخه و هو ردی‌ء.

فائدة:

إن الأستاذ الدکتور أحمد بن عبد العزیز بن محمد البسام، له رسالة نال بها شهادة الدکتوراه، کان موضوعها عن حالة نجد العلمیة قبل الشیخ محمد بن عبد الوهاب، خلص من الکلام فی الشیخ المنقور بأمرین:
أحدهما: أنه یعرض لآراء العلماء فی المسألة، ثم یلخص ذلک فی نقاط تساعد القاری‌ء علی فهم الموضوع و هضمه.
الثانی: أنه یتحری إصدار الحکم فی المسألة عمن قبله، و یکتفی بالإشارة إلی الترجیح أو المیل إلی بعض الأقوال، و لا یتسرع فی حکم بات فیها.

وفاته:

توفی فی بلدته (حوطة سدیر) فی السادس من جمادی الأولی عام 1125 ه، و کان فی الثامنة و الخمسین من عمره، و له عقب فی بلاده، و أشهر أبنائه الشیخ إبراهیم، و له ترجمة فی هذا الکتاب.
قال الشیخ محمد بن مانع: (و له ذریة فضلاء نجباء یسکنون فی سدیر من البلاد النجدیة، و من أنجب من رأینا منهم الأستاذ ناصر المنقور ، و أخوه عبد المحسن المنقور، و هما من أفضل الشباب علما
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 11
و خلقا و أدبا، و کل واحد منهما یشغل مرکزا مهما فی المعارف السعودیة، بارک اللّه فیهما).
و قد ذکر المترجم فی تاریخه مولد أبنائه و ترتیبهم علی النحو التالی:
1- محمد، ولد فی رجب عام 1092 ه.
2- إبراهیم، ولد فی أول الحجة عام 1103 ه.
3- ابنته غالیة، ولدت فی 25 ذی الحجة عام 1106 ه.
4- ابنته هیفاء، ولدت فی 10 رمضان عام 1113 ه.
5- ابنه عبد الرحمن، ولد عام 1114 ه.
6- ابنته موضی، ولدت عام 1116 ه.
کما ولد لابنه محمد ابن سماه سلیمان، و ذلک عام 1113 ه، و عثمان بن محمد عام 1115 ه.
***
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 12
() هذه الأوراق من تاریخ الشیخ أحمد المنقور و هی خطه بیده رحمه اللّه تعالی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 13

بدء تاریخ الشیخ أحمد بن محمد المنقور

و قتل فیها «محمد بن عثمان» بن عبد الرحمن آل حدیثی «و غیره» [...].
و فیها مناخ آل عساف «من الظفیر»، و آل زهمو [...] [...] الجبیلة.

و فی سنة سبعة و أربعین (و ألف):

قافلة جساس (شیخ آل کثیر)، جت العارض و سدیر، و لا اکتالت إلّا من الخرج. و هی سنة بلادان.

و فی سنة ثمان و أربعین (و ألف):

وقعة بغداد، و فتحته من السلطان مراد، و کان قد أخذته العجم بعد [...] سلطان سلیمان له أولا.

و فی سنة تسع و أربعین (و ألف):

مات الشیخ أحمد بن ناصر، قاضی الریاض.
ثم سنة واحد و خمسین (و ألف): وقع ظلمة عظیمة، مع حمرة، لثمان بقین من عاشورا، ظن الناس أن الشمس غابت، و لم تغب. و فیها نیة الظهیرة علی أهل العیینة، یوم آل برجس.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 14

و فی سنة اثنتین و خمسین (و ألف):

طلعة رمیزان من أم حمار.
وفع أحمد بن عبد اللّه، راعی العیینة.

و فی سنة ستة و خمسین (و ألف):

مات الشیخ عبد اللّه بن عبد الوهاب، (قاضی العیینة)، و أحمد بن عبد اللّه، شیخها فی طریق الحج، و فیها قتلة آل أبو هلال، یوم البطحاء منهم محمد بن جمعة. و فیها ظهر أحمد الحارث، و رکب له الشیخ محمد فی ثرمدا. و شیخه محمد بن مهنا، فی مقرن.
و قتله. و قتله السطوة بعده.

و فی سنة سبعة و خمسین (و ألف):

ظهر زید الشریف، و نزل الروضة، و فعل بأهلها ما فعل. و شاخ رمیزان، و قتل ماضی.
و شاخ دواس بن حمد فی العیینة، و قتل عمه ناصر. و فیها قتل مهنا بن جاسر آل غزی (الفضلی).

و فی سنة ثمان و خمسین (و ألف):

قتل دواس.

و فی سنة تسع و خمسین (و ألف):

شاخ محمد بن أحمد فی العیینة. و فی آخرها، ثامن الأضحی. مات الشیخ محمد بن إسماعیل.

و فی سنة ثلاثة و ستین:

قتلة أهل التویم، یوم الشبول.

و فی سنة خمسة و ستین (و ألف):

قتل و طبان مرخان، (و) ملک علو الباطن.
و هی أول سنة هبران و هی شدیدة الوشم.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 15

و فی سنة و ستین (و ألف):

مناخ الحارث آل مغیرة بعقربا. و هی سنة الحجر. و فی أولها شرایر هبران.

و فی سنة ثمان و ستین:

مات الشیخ موسی.

و فی سنة تسع و ستین:

تزوج الشیخ سلیمان فی العیینة، و هی سنا ینزل زید القریان، بین التویم و جلاجل.

و فی سنة سبعین (و ألف):

ولد إبراهیم بن سلیمان، و شاخ عبد اللّه بن حمد فی العیینة.

و فی سنة سبعین و اثنتین:

وقعة جدار البیر علی فزع أهل العیینة و هی سنة ربیع الخر. و هی قضة الشمالیة الأولی، یوم عبد اللّه بن محمد و عبد اللّه بن یوسف.

و فی سنة و سبعین (و ألف):

مات زید بن محسن. و هی سنة منزل آل أبو راجح، و هی مبادی‌ء «صلهام».

و فی سنة تسعة و سبعین (و ألف):

«دلهام» رجعان الوقت.
و فیها مات الشیخ سلیمان بن علی.
و فیها توفیت أمی- رحمها اللّه-.

و فی سنة واحد و ثمانین:

«الاکیثال» بین آل ظفیر و الفضول بنجد.

و فی سنة اثنین و ثمانین (و ألف):

الملتهبة بینهم أیضا، و هی سنة الذهاب الکثیر.

و فی سنة أربعة و ثمانین (و ألف):

«الملاوح» بینهم أیضا. و ملک؟؟؟
آل تمیم الحصون، رابغ عشر شوال.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 16

و فی سنة خمسة و ثمانین (و ألف):

«جرمان»، و حدرة الفضول للشرق.

و فی سنة ستة و ثمانین:

ربیع الحصن، و هو «جرادان» الوقت الشدید. و حدرة مانع للحساء.
و فیها قتلة الجبری، و محمد آل حسن. و فیها «غبیبة» و فی أولها فی شهر المحرم قتلة محمد بن زامل (شیخ التویم) و إبراهیم بن سلیمان (شیخ جلاجل).
و فیها قتلة ناصر بن برید، راعی الحریق، و قضبة الحریقیة، و قضها.
ثم سنة سبعة و ثمانین (و ألف): «الضلفعة» بین الحارث و آل ظفیر.

و فی سنة ثمان و ثمانین (و ألف):

«هدیه» بین بنی خالد. و قتلة ساقان آل مانع.

و فی سنة تسع و ثمانین (و ألف):

مات الوالد- رحمة اللّه علیه- لعشر بقین من شعبان. و هی سنة یکتالون من عندنا عنزة. رجعان الوقت.
و فیها الدبا الکثیر.
ثم سنة واحد و تسعین (و ألف): حجتی الأولی، و هی بالجمعة.

و فی سنة اثنین و تسعین (و ألف):

حجتی الثانیة. و فیها أخذ الحارث الدواسر، فی المردمة. و فیها قافلة هیثم و بنی حسین، یوم بیع الحویل.
و فیها منزلة الحصون الجدیدة، و قتلة عدوان. و قتل ابن بحر، فی أول العمر منها، فی المزلة، و فیها ولد ابنی محمد- أصلحه اللّه- فی أول رجب.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 17

و فی سنة ثلاثة و تسعین:

حجتی الثالثة، یوم اشری مبیریک.
و فیها مات براک غریر. و فیها زحیفة یوم اللفیف. و فیها غرقة مکة، و حجة محمد آل غریر، أمیر الحسا.
و فیها قتلة آل حمد بن مفرج فی مسجد منفوجة.

و فی سنة أربعة و تسعین (و ألف):

قراءتی الأولی علی الشیخ عبد اللّه بن ذهلان، بحضور عبد الرحمن بن بلیهد و ابن ربیعة.
وصولة محمد آل غریر علی الیمامة.
و اجتمعت الروضة، و فیها نیة الکمی منهم.

و فی سنة خمسة و تسعین (و ألف):

قراءتی الثانیة. و فیها قتلة سطوة ابن عبد اللّه فی الدلم. و قتلة المزاریع فی منفوحة.
و فی سنة ستة و تسعین (و ألف):
حجتی الرابعة. و زیارتی النبی صلی اللّه علیه و سلّم. ثم قراءتی الثالثة علی الشیخ، بعد قدومی من الحج، بحضور محمد بن صالح.
و فیها ولی أحمد بن زید مکة. و فیها قضة أهل حریملا القرینة.
و قتلة أهل حریملا یوم المحیرس. و شاخ عبد اللّه بن محمد فی العیینة.
و هی شدیدة ابن عون. و قتلة ولد عمران فی الغاط. و انکسر الزاد قریب الوزنة. و سبب تسمیتها بشدیدة ابن عون، لأنه أخذ و قتل حول الزلفی.
و سماها هل العارض مطبق، لأن معاملتهم بالمطابق. و فیها کسف القمر مرتین.

و فی سنة سبعة و تسعین (و ألف):

قتلة عبهول. و قتلة ربیعة بن
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 18
وطبان، و أخیه محمد. و قتلة راعی ضرما جیرانه. و ظهر أحمد بن زید علی نجد، و نزل عنیزة، و فعل بأهلها ما فعل.

و فی سنة ثمان و تسعین (و ألف):

کمی أهل حریملاء الثانی حول الباب.
و فیها حرابة الدرعیة و العیینة. و أخذة ابن معمر السبعان و العماریة.
و مات فیها أبوه محمد.
و أخذوا آل عبباف (من آل کثیر) حول عرقة أخذهم عبد المحسن الشریف. فیها عجة جت القارة و الروضة، طاح منه ألف نخلة.
و فیها قتل أحمد بن عبد اللّه، و شاخ القیعا. و قتل أحمد بن علی، راعی المجمعة، ثم آل دهیش (فی المجمعة) بعده ثم علی بن سلیمان بعدهم، ثم علی بن محمد عندنا. و سطوة آل محدث علی الزلفی. و قتل فوزان بن زامل فی الزلفی. و فی آخرها مرض جلاجل، الذی مات فیه محمد بن مبارک. (و فیها قراءتی الرابعة).

و فی سنة تسع و تسعین (و ألف):

سنة حمده کثر فیها الجراد و الفقع و العشب. و قتل محمد الخیاری، (حول الریاض)، و مات أحمد بن زید. و تولی السلطان سلیمان بن إبراهیم، و ارتفع الماء جدا. و مات إبراهیم راعی جلاجل. و شاخ ابنه.
و فیها قراءتی الخامسة علی الشیخ عبد اللّه. و أصاب الزرع الصفار.
و وصل الحب أربعة عندنا، و التمر عشرین. و فی العارض ألف باحمر.
و فیها مرض الریاض. و مات الشیخ عبد اللّه و أخیه عبد الرحمن ثامن و تاسع الأضحی. و مات عبد الرحمن بن بلیهد. و قتل منصور بن راشد.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 19
و قتلة شقرا فی غسلة. و فیها ولی أحمد بن غالب مکة. و أرخ السنة المذکورة عبد اللّه بن علی بن سعدون، و هو إذ ذاک بالدرعیة فقال:
بحمد الإله و شکر نعج، لسحب تثج، و أرض تمج، و تمر ثلاثة أصواعه بدفع المحلق فیها نزج، و برفحرف بوسقینة و تاریخه: ذا کساد یشج.
و فیها قتلة غزو آل عساف، حول جلاجل، قتلهم آل نبهان.

و فی سنة مئة و ألف:

و فیها صولة محمد آل غریر علی الخرج. ثم حصر آل غزی (من الفضول) فی سدیر. و فعل عنزة بعشیرة من تقطیع النخل و غیره ما فعلوا. و فیها قتل مرخان بن وطبان. و انکسر الزاد عندنا.
وجت الحواج الثلاثة علی عنیزة.
و فیها قتل جساس آل نبهان. و مات عبد اللّه راعی ثرمدا، و شاخ ریمان. و أخذت جردة ثنیان فی باطن الروضة، و سمی ذلک تبنان لکثرة أکلهم التبن. و فیها کسف القمر مرتین: إحداهما فی رجب، و الثانیة فی الفطر. (و دخلت ببنت رویشد).

و فی سنة واحدة بعد المئة (و الألف):

مات أحمد بن علی إمام مسجد الحوطة. و فیها «سلیسل»: و فیها أخذ مقحم مراجیع الحاج، و أخذ حاج العراق علی التنومة. و ربط حسن بن غالب الشریف منصور بن جاسر.

و فی سنة ثنتین بعد المئة (و الألف):

وجبة البصرة [...] و الوبا الکثیر، ثم العنقر فی الخیس. و فیها فزع راعی العیینة. و قتلة حبیش.
و فیها أخذ محمد آل غریر جردة مقحم. و مات شقیر و ابنه عبد اللّه
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 20
و مات السلطان سلیمان. و تولی أخاه أحمد. و مات جاسر بن ماضی.
و قتل مرخان. و فیها فزع أهل التویم یوم قتلة ابن جعیلان.

و فی سنة ثلاثة (و مئة و ألف):

قتل ثنیان بن براک. و مات محمد آل غری. و قتل حسن جمال و ابن عبدان فی السنة الأولی، ثم سرحان بعد ذلک و فیها سطو آل جماز علی الجنوبیة. و قتلة آل ابن غنام. و فی أول شهر ذی الحجة منها ولد ابنی إبراهیم- أصلحه اللّه-. و فیها غرست سمحة.
ثم دخلت الرابعة (و مئة و ألف). و فیها وقعة «الجریفة» بین الفضول و آل ظفیر. و حصرة آل غزی علی أشیقر. و فیها تولی سعد بن زید م؛ ة.
و فیها «البنوان» یوم یقتل مسلط الجربا. و حصار آل غزی ثانیا فی سدیر [...] ینزلون التویم، و لم یطل. و صلح و شیقر و اجتماعهم. و قتلة الدولة الثانیة دون البصرة.
و فی الخامسة (و مئة ألف): قتل أولاد بن یوسف فی الحریق.
و قتل ابن سویلم فی الحصون. ثم حرابة سدیر. و فیها قتل ابن سلمان.
و فتنة وقعت بمکة بین الشریف سعد و الحاج، و القتل فی الحرم الشریف.
و فی السادسة: ولدت ابنتی غالیة- أصلحها اللّه تعالی- لخمس بقین من صفر. و فیها أخذة آل غزی عند النبقیة، و سمیت رفیفة. و أخذ سعد بن زید مکة قهرا علی الروم (بالیمن). و تولی السلطان مصطفی بن محمد. و فیها قتل إبراهیم بن وطبان. و مات محمد بن مقرن، شیخ غصیبة. جاء حریملا سیل عرم، خرب فیها. و جاء العارض سحابة سمیت «ظلما» کثیرة الماء. و مات إبراهیم راعی القصب. و ملک مانع آل شبیب البصرة.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 21

و فی سنة سبع و مئة:

ظهر سعد بن زید من مکة، الأولی و فیها الزلفی، و ملک الحسینی له. و طلعت آل عبول من الحوطة، بعد قودتهم أبو هلال علی آل شقیر، و قتل إدریس (بن وطبان، راعی الدرعیة)، و شاخ سلطان بن حمد، بعده، فی الدرعیة. و قتل ابن صفران.

و فی سنة ثمان (و مئة و ألف):

ملک فرج اللّه البصرة. و ولی عبد العزیز نجد، و ربط سلامة بن سویط.

و فی سنة تسع:

ظهر سعد بن زید، و نزل الروضة، و ربط ماضی.

و فی سنة عشر (و مئة و ألف):

صفار أصاب الزرع. و غرسة حویط المنقوریة. و حج محمد ابنی و سلیمان. و فیها وجبة الجنوبیة. و موت حسین الضبیب. و فیها الجدری.

و فی سنة أحد عشرة (و مئة و ألف):

کبسة علی آل غزی علی منیخ. و مات ناصر، راعی المجمعة، و شاخ أخوه و منصور. و نقل أهل العیینة الزاد من سیر. و أخذوا الروم (البصرة) [...] العجم. و سطوا القعاسا الحوطة (فی رمضان). و أخذ آل حدیثة الحصون. و قتلة ناصر و محمد آل شقیر. و ربط سعد بن زید من شیوخ عنزة نحو مئة، سط ابن عبد اللّه علی الدلم. و قتلة ولد زامل. و سطوة دبوس فی وشیقر، و قتلته.

و فی سنة اثنا عشر (و مئة و ألف):

غرست المنقوریة، أول یوم منها. و کذلک بطنه، و حرابة سدیر. و سطوة المنزلة. و قتلتة آل جبیش.
و جردان. و اجتمعت الروضة لماضی. و حصار آل غزی علی سدیر ثالثة.
وکیل آل سویط، کثر علیهم. و برد أصاب بعض الزرع. وسطا راعی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 22
القصب فی الحریق. و قتلة آل راشد. و حرابة وشیقر عند الحمی. و أخذة حاج الشامی. و أخذة بنی حسین عبد العزیز.

و فی سنة ثلاث عشر (و مئة و ألف):

فیها عقبة علی آل شمروخ و المسمین حول منیخ. و فیها ولد سلیمان بن محمد- أصلحه اللّه- سادس جمادی الأول. و فیها غرسة بقیة سمحة.
و فیها أخذ ابن سویط جردة لسعدون یوم السلیع. و ولدت هیفاء- أصلحها اللّه- لعشر مضت من رمضان. و فیها یوم أخذ [...] خمسة مشاخصة.

و فی سنة أربعة عشر (و مئة و ألف):

سار القبطان علی البصرة.
و حفرنا بیر سمحة. و فیها بوقة آل بسام فی وشیقر، و ملکهم له. و أخذة عثمان الجنوبیة. و قتلة فایز. و بوقة ابن ماجد فیه بعد ذلک. و قتلة سلمان بن تمیم. قافلة سبیع. و شاخ عثمان القعیسا. و ولد ابنی عبد الرحمن- أصلحه اللّه-.

و فی سنة خمسة عشر (و مئة و ألف):

سطوة الخرفان فی اشیقر، و قضبوا سوقهم. و قتل محمد القعیسا. و اجتمعت عنیزة لآل جناح. و جونا بنی حسین آخر القیظ. و کسروا الزاد، و رخص البعیر، و هو أول «سمدان». و ذهبت هتیم و بعض الحجاز. و ولد عثمان بن محمد- أصلحه اللّه-.

و فی سنة ستة عشر:

طرد سعید بن سعد و أباه من مکة، و صار اختلاف بین الأشراف. و قتل ریمان. و شاخوا آل ناصر فی ثرمدا. و شاخ ابن رصیع فی مرات. و أخذ ابن معمر زرع القرینة، ورد التمر و النخل.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 23
و ولدت ابنتی موضی- أصلحها اللّه- لأحد عشر بقین من رمضان.
و جاء العیینة سیل خرب فیها. وسطا راعی جلاجل فی الجنوبیة.
و تعرض فزعة لمرض فی الباطن. و قتل عامر. و هی شدیدة «سمدان».

و فی سنة سبع عشر (و مئة و ألف):

حرابة الروضة بینهم و سدیر.
و قتلة محمد بن إبراهیم و صواب أخوه ترکی فمات بعد مدة.
و ضرب المطر التمر فی منشوره. و تولی أحمد بن محمد السلطان.

و فی سنة ثمان عشر (و مئة و ألف):

فیها سطوة أم حمار. و قتل فیها عثمان، و عثمان و ابن فوزان. و ظهر أن بحر من الروضة، و طردوا عنزه ابن سویط عن سدیر. و قتل دبوس فی البیر.

و فی سنة عشرین (و مئة و ألف):

حصرة آل منیع فی رکه حول الجبل. و مزارع حول سدیر، ثم اکتال، شاخ أخوه عبد اللّه. و قتل حسین بن مفیز. و کثر الجراد، ثم مات و هو سمنان.

و فی سنة واحد و عشرین (و مئة و ألف):

و فیها شاخ موسی بن ربیعة. و جادت الثمرة. و وقعة بین النواصر فی الفرعة. و قتلة عیبان.
و طرد المنتفق، طردهم الروم. و مات منصور بن جاسر مع ناس من الفضول غیره، بسبب مرض بین البلدان. و مات عبد الرحمن أبا بطین- رحمه اللّه-. و فیها الساقة علی آل ظفیر فی الحجرة.

و فی سنة اثنین و عشرین:

مناوخ سعدون و آل ظفیر لو ضاح و نفی، ثم کل منهما اقفی علی حمیته. و أکل الدبا و الخیفان غالب زرع سدیر، و ضر النخل إلی القصیم.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 24

و فی سنة ثلاث و عشرین (و مئة و ألف):

البرد الذی أصاب الزرع، ثم الجراد و الخیفان (الذی أذهب الثمار. ثم جانا أول شوال حیا و سمی ...).
***
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 25

تاریخ ابن ربیعة

تألیف المؤرخ العلامة الشیخ محمد بن ربیعة بن محمد بن ربیعة العوسجی (1065- 1158 ه)

خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 27

ترجمة المؤرخ الشیخ محمد بن ربیعة بن محمد العوسجی (1065 ه- 1158 ه)

الشیخ محمد بن ربیعة بن محمد بن ربیعة بن محمد العوسجی الدوسری البدرانی نسبا النجدی، ولد فی بلدة ثادق ، عاصمة بلدان المحمل سنة 1065 ه.
و قال بعض مؤرّخی نجد: آل عوسجة هم أول من عمّر بلدة (ثادق)، و منهم الشیخ محمد بن ربیعة العوسجی، و کانت عمارتها سنة 1079 ه.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 28
قرأ علی علماء نجد، و ممن أخذ عنه الشیخ الفقیه أحمد بن محمد القصیر، و صار زمیلا للشیخ أحمد بن محمد المنقور بالقراءة علی العلامة الفقیه قاضی الریاض الشیخ عبد اللّه بن ذهلان.
قال ابن بشر و کذلک ابن عیسی فی تاریخه: (قال الشیخ الفقیه محمد بن ربیعة العوسجی: و فیها- سنة 1084 ه- فی ذی الحجة سافرت للقراءة علی شیخنا الشیخ عبد اللّه بن ذهلان). ا ه.
و قال المنقور فی تاریخه: (و فی سنة 1094 ه، و قراءتی الأولی علی الشیخ عبد اللّه بن ذهلان بحضور ابن ربیعة) فهذه بعض مدة قراءته.
و لما توفی شیخه ابن ذهلان اشتری المترجم جمیع کتبه، و فیها کتب قیّمة نفیسة.
و کان معاصرا للشیخ محمد بن عبد الوهاب، و قد أجاب الشیخ محمد بن عبد الوهاب ابن ربیعة فی مسألة سألها عنه، کما ذکر المنقور.
کما قرأ علی العلامة الشیخ منیع بن محمد العوسجی، و رأیت رسالة من المترجم لشیخه یعتب علیه فی بعض أشیاء صدرت منه علیه فیقول:
(من محمد بن ربیعة إلی شیخنا و قدوتنا و برکتنا الشیخ الأجلّ الأوحد منیع بن محمد، السلام علیکم و رحمة للّه و برکاته.
إننی لم أبلغ هذا المبلغ إلا من برکة اللّه و لطفه ثم برکتک، و حین رأیتک تنسبنی إلی الخطأ ساءنی ذلک، فلو أنک إذا ظهر لک خطئی تنبّهنی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 29
علیه سرّا و لم تظهره جهرا کان أحسن، لأن شرفی شرف لک لأنی تلمیذک و ناشی‌ء علی یدیک ... إلی آخر الرسالة). ا ه.
و قد حجّ المترجم سنة 1090 ه، و کان شریف مکة یومئذ أحمد الحارث.
قال ابن حمید: (و کتب بخطه الحسن جملة کثیرة من الکتب، و مهر فی الفقه، و ولی قضاء بلدة (ثادق) حتی توفی). ا ه.
قال ابن بشر فی تاریخه: (الشیخ العالم کان فقیها، و حصل کتبا کثیرة بخطه). ا ه.
و هناک نسخة من شرح منتهی الإرادات لمنصور البهوتی بخط المترجم محمد بن ربیعة بن محمد بن ربیعة بن محمد العوسجی نسبا، الحنبلی مذهبا، فی محرم سنة 1093 ه.
و من الوثائق التی کتبها: وقف (قریوان) فی حریملاء، و هی عندی مخطوطة فی ورقتین.

وفاته:

قال الفاخری فی تاریخه: (و فی صفر سنة ثمان و خمسین و مائة ألف توفی قاضی بلد ثادق الشیخ محمد بن ربیعة العوسجی، رحمه اللّه تعالی). ا ه.
أما ابن بشر فی سوابقه فذکر أن وفاته سنة 1156 ه.
قلت: و خلف ابنه الشیخ الفاضل عبد الرحمن بن محمد بن ربیعة،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 30
و رأیت له فتاوی و أجوبة علی أسئلة، و إن عثرت له علی أخبار أفردت له ترجمة، فإنه من العلماء، رحمه اللّه تعالی.
و ابنه الشیخ عبد الرحمن بن ربیعة ممن کاتبه الشیخ محمد بن عبد الوهاب.
***
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 31

[التشریح]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ* 948 ه توفی الشیخ شهاب الدین أحمد بن یحیی بن عطوة بن رحمة التمیمی، رحمه اللّه تعالی، سنة تسعمائة و ثمان و أربعین.
1011 ه و طلعة أبی طالب علی نجد سنة ألف و إحدی عشرة.
1015 ه و قتله محسن الشریف لأهل القصب سنة ألف و خمس عشرة.
و فیها قتل عبد اللّه بن عساکر، و نزل الشیخ أحمد بن بسام العیینة.
1019 ه و فی سنة ألف و تسع عشرة توفی ابن عفالق القاضی فی العیینة.
1020 ه و مات موسی بن عامر سنة ألف و عشرین.
1024 ه و شاخ أحمد بن عبد اللّه فی العیینة سنة ألف و أربع و عشرین.
1032 ه و جلدان سنة ألف و اثنین و ثلاثین، و خرج محسن بن زید علی السلیمة.
1039 ه و انهدمت الکعبة المشرفة سنة ألف و تسع و ثلاثین.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 32
1040 ه و نیة الحمیر المسماة بالعوجاء سنة ألف و أربعین.
1041 ه و فی سنة إحدی و أربعین أخرج زید بن محسن «جلوی» جالیا من مکة، و قتل ابن عبد اللّه، و صار نامی الشریف و الروم فی مکة إلی أن قدم الحاج و قتل نامی، و تسلطن زید.
و فیها قتلوا آل تمیّم فی المسجد فی القارة.
1043 ه و فی سنة ألف و ثلاث و أربعین وقعت الحرابة فی القارة، و ظهر الشریف زید بن محسن علی نجد و رجع، و حج حاج من الأحساء کثیر، أمیره بکر ولد علی باشا.
1045 ه و فی سنة ألف و خمس و أربعین مناخ آل عساف و ابن زهمول فی الجبلیة.
1046 ه و بلدان سنة ألف و ست و أربعین.
1047 ه و فی سنة ألف و سبع و أربعین جاءت قافلة لجساس، و لا لقت فی العارض تمرا و لا اکتالت إلّا من الخرج. و الظاهر أنها سنة بلدان.
1048 ه و فی سنة ألف و ثمان و أربعین وقعة بغداد فی شهر شعبان یوم ملک الروم له، و قتلهم العجم، ملکهم السلطان مراد سلیم.
1049 ه و فی سنة ألف و تسع و أربعین مات الشیخ أحمد بن ناصر و حج الشیخ سلیمان بن علی تلک السنة.
1051 ه و فی سنة ألف و إحدی و خمسین فی شهر المحرم عاشوراء
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 33
لثمان بقین منه، وقع ظلمة عظیمة لیلة الجمعة مع حصرة ظن الناس أن الشمس غابت و لم تغب، و فیه کسرة أهل العیینة یوم آل برجس.
1052 ه و فی سنة ألف و اثنین و خمسین «سار» أحمد بن عبد اللّه بن معمر علی سدیر یوم تقضب أم حمار، و أظهر رمیزان منها.
1056 ه و فی سنة ألف و ست و خمسین مات عبد اللّه بن عبد الوهاب، و أحمد بن عبد اللّه بن معمر فی المغاسل، و قتلوا فیها آل أبی هلال یوم الشیوخ محمد بن جمعة، و ظهر فیها الحارث الشریف و نوخ علی أشیقر و ظهر له الشیخ محمد بن إسماعیل.
و فیها سطوة مقرن یوم یقتل مهنا، ثم قتلت السطوة بعده.
1057 ه و سنة ألف و سبع و خمسین ظهر زید بن محسن و نزل الروضة و أظهر آل أبی راجح و ملک رمیزان الروضة.
و فیها قتل ناصر بن عبد اللّه بن معمر قتله دواس ابن أخیه.
1058 ه و سنة ألف و ثمان و خمسین قتل دواس ابن معمر قتله دواس فی السابع من ذی القعدة.
1059 ه و سنة ألف و تسع و خمسین شاخ محمد بن معمر فی العیینة و طرد آل محمد و شیختهم فیها تسعة أشهر.
و فیها مات الشیخ محمد بن أحمد بن إسماعیل.
1061 ه و هبران سنة ألف و إحدی و ستین.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 34
1065 ه و سنة ألف و خمس و ستین قتل وطبان مرخان و أخذ غصیبة.
1066 ه و سنة ألف و ست و ستین نوخ الحارث آل مغیرة علی عقرباء و هی سنة الحجر.
1067 ه و سنة ألف و سبع و ستین، توفی الشیخ موسی الحجّاوی صاحب «الإقناع»، رحمه اللّه تعالی.
1069 ه و سنة ألف و تسع و ستین نزل الشریف زید بین التویم و جلاجل فی القریان، و تزوج الشیخ سلیمان بن علی فاطمة بنت أحمد بن بسام.
1070 ه و سنة ألف و سبعین شاخ عبد اللّه بن أحمد بن معمر فی العیینة، و ولد إبراهیم بن الشیخ سلیمان بن علی.
1071 ه و سنة إحدی و سبعین و ألف و طلع زید بن محسن الشریف طلعته الثانیة.
1072 ه و سنة ألف و اثنین و سبعین «سار عبد اللّه بن معمر- أمیر العیینة- علی البئر و معه عسکر کثیر» و طاح جدار البئر علیهم و قتل کثیرا.
1076 ه و سنة ست و سبعین و ألف بناء شمالیة القارة و سنة ربیع الخریف.
و فیها مات الشریف زید بن محسن، و هی أول صلهام.
1077 ه و سنة ألف و سبع و سبعین هثلوا الحجاز عدوان، و غیرهم و هی سنة صلهام.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 35
1078 ه و سنة ألف و ثمان و سبعین قتلوا العرینات أهل العطار جلاجلا شیخ آل ابن خمیس.
1079 ه و سنة ألف و تسع و سبعین توفی الشیخ الفاضل سلیمان بن علی، و هی سنة دلهام حیا دراک علی الناس ذبحة آل ظفیر للأشراف آل عبد اللّه.
و فیها قتل رمیزان بن غشام من آل سعید قتله سعود بن محمد الهلالی. و فیها عمر ثادق.
1080 ه سنة ألف و ثمانین حجر الطلیعة فی غسلة و أصاب الزرع الصفار، و فیها بنوا أهل رغبة حوطتهم الأولی.
1081 ه و سنة ألف و إحدی و ثمانین ظهر براک بن غریر و طرد آل ظفیر، و أخذ آل نبهان فی سدود.
1082 ه و سنة اثنین و ثمانین و ألف غبیبة اسم حرابة بنی خالد بینهم قتل فیها محمد بن حسین آل حمید.
1083 ه و سنة ألف و ثلاث و ثمانین ملکوا آل تمیم الحصون و أظهروا مانع بن عثمان شیخ آل حدیثه.
1084 ه و سنة ألف و أربع و ثمانین قتل محمد بن زامل، و إبراهیم بن سلیمان شیخ جلاجل.
و فی أواخر هذه السنة فی ذی الحجة سافرت للقراءة علی شیخنا الفاضل عبد اللّه بن محمد بن ذهلان.
و فیها شاخ راشد بن إبراهیم فی مرأة.
و فیها ذبح أحمد بن وطبان، و شیخ العیینة ناصر بن محمد.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 36
1085 ه و سنة ألف و خمس و ثمانین جئت من عند الشیخ قاری علیه.
1086 ه و سنة ألف و ست و ثمانین ربیع الصحن و هی أول جردان.
1087 ه و سنة ألف و سبع و ثمانین جلا مانع إلی الأحساء و کثر فیها الجراد و موت الناس.
1088 ه و سنة ألف و ثمان و ثمانین ظهر محمد الحارث الشریف علی نجد و قتل غانم بن جاسر، و هی سنة الظلفعة علی الظفیر، و سنة تزوج عبد اللّه بن سویلم أم عیاله بنت فوزان.
1089 ه و سنة ألف و تسع و ثمانین أخذ براک آل حمید آل عساف علی الزلال، و أغاروا أهل ثرمداء، العناقر علی أهل حریملاء و هی سنة شاش السوق بین أهل البئر، و السهول.
1090 ه و سنة ألف و تسعین حججت أنا یا کاتبه و سیف بن عزاز، و عبد اللّه بن دواس و الخیارین و سلطان مکة إذ ذاک براک الشریف و شریف مکة محمد الحارث، و ظهرة عبد اللّه بن صالح من مکة، و هی سنة أخذه بن فطای راعی السفرة غنم الحصون.
1092 ه و سنة ألف و اثنین و تسعین دلقه ذبحة آل ظفیر لعنزة و قتله لاحم بن خشرم، و حجرة الغیرات فی رغبة.
1093 ه و سنة ألف و ثلاث و تسعین صال محمد بن غریر علی الیمامة،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 37
و هی سنة قراءتی الثانیة أنا و المنقور، علی شیخنا الأجل الفاضل عبد اللّه بن ذهلان رحمه اللّه تعالی.
و فیها قتل دواس لجیرانه.
و فیها مات براک بن غریر، و تسلطن أحمد بن زید الشریف فی مکة.
1094 ه و سنة ألف و أربع و تسعین سالت نخل البئر و رغبة، و هی سنة البیاض.
1095 ه و سنة ألف و خمس و تسعین فضوا أهل حریملا القرینة، و أغاروا أهل حریملا علی ثرمداء و أخذوا زملهم، و هی سنة دویغر قتل فیها ابن عون و ابن سدر، و هی أول سنة حرب ابن معمر لأهل حریملا.
1096 ه و سنة ألف و ست و تسعین شاخ عبد اللّه بن معمر فی العیینة، و حج تلک السنة.
و هی سنة المحیرس علی أهل حریملا و قتلهم عند الباب، و قتل عبیکة بن جار اللّه و قتل ربیعة بن وطبان و رخص الزاد و کثر الفقع، و ظهر أحمد بن زید و أخذ العقیلیة فی عنیزه، و أخذوا الظفیر جردة ثنیان، و قتله زید بن علیان.
1097 ه و سنة ألف و سبع و تسعین فض ابن معمر العماریة، و أخذ آل عساف لعرقة، و هی سنة الولید علی آل کثیر، و حجرة آل کثیر علی الصفرة، و قتلة المعلوم.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 38
1098 ه و سنة ألف و ثمان و تسعین قتل عبد اللّه بن أحمد بن حنیحن و قتل عسیم، وصولة أهل حریملاء و ابن مقرن و زامل آل عثمان علی سدوس، و هی سنة الحائر علی آل مغیرة، و الحائر علی آل عساف و قتلة الخیاری و موت عبد الرحمن بن بلهید، و محمد بن مبارک.
1099 ه و سنة ألف و تسع و تسعین مات الشریف أحمد بن زید و السلطان سلیمان بن إبراهیم و قتل الزرع الصفار، و مات محمد بن عبد اللّه أبا سلطان. و ملک یحیی بن سلامة مقرن، و هی سنة قتال عنزة لعشیرة، و قتله جساس شیخ آل کثیر، و مناخ محمد بن غریر لآل عثمان، و صحب ابن معر لأهل حریملا، و تبنان علی آل جاسر، و حنقة مرخان شیخ الدرعیة، و العویند علی آل کثیر.
و فی آخر لیالی الحج مات الشیخان الفاضلان عبد اللّه و عبد الرحمن أبناء محمد بن ذهلان.
1100 ه و سنة ألف و مائة سنة سلیسل و هو مطر دقاق و برد شدید جمد فیه المطر علی عسبان النخل و الخوص و أهداب عیون الإبل، و هی سنة الخلیل بین زعب و عدوان و بنی حسین، و الساقة علی عنزة، و قتلة الموح و عمار الجرباء، و أخذة حاج العراق للتنومة و اشترائی أنا یا کاتبه کتب ابن ذهلان.
1101 ه و سنة ألف تزید سنة واحدة، وجبة البصرة، و عمرة بنی صقیة القرینة، و سلطان مکة سعید بن زید.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 39
1102 ه و سنة مائة و اثنین و ألف قتل ثنیان بن براک و مات عمه محمد بن غریر و شاخ ابنه سعدون و أخذ زعب.
1103 ه و سنة ألف و مائة و ثلاث سنین، حجر جاسر فی أشیقر و أشهره بنو حسین.
1104 ه و سنة ألف و مائة و أربع قتل مسلط الجرباء سنة البنوان.
1105 ه و سنة ألف و مائة و خمس سنین قتل ابن سویلم شیخ آل تمیم فی الحصون، و ظهر ابن زید علی نجد و وصل الحمادة و نکس، و قتل حمد بن حسن بن حنیحن فی البئر، و تحاربوا أهل البئر و أهل ثادق و قتلوا أبا جعد، و أخذوا أهل ثادق خیل بن معمر و اکان نجم علی آل کثیر و حجروه لعطار، و أظهر ابن عبد الرحمن من الحصون.
1106 ه و سنة ألف و مائة و ست سنین أغرق السیل منزلة حریملا سموها أهل حریملا زمامه أوصلت خشبهم إلی ملهم و مشت جدران الحسیان، و هی سنة عروی علی السهول قتل بینهم سبعون رجلا.
و فیها قتل یحیی بن سلامة إبراهیم بن وطبان.
1108 ه و سنة ألف و مائة و ثمان، سنة الأبرق بین الظفیر و الفضول، و ربطة سلاکة بن صوی.
1109 ه و سنة ألف و مائة و تسع شهرة سعد بن زید الثانیة و ربطة ماضی شیخ الروضة، و فکوا آل أبی غنام و آل أبی بکر منزلتهم من فوزان بن حمید، و أظهروه من عنیزة سنة فضیة بریدة و بوقته فیهم.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 40
1110 ه و سنة ألف و مائة و عشر قتل زامل بن ترکی، و ربط عبد العزیز الشریف رجاجیل أهل البئر، و توفی الشیخ عبد الرحمن ابن الشیخ محمد بن أحمد بن إسماعیل.
1111 ه و سنة ألف و مائة و إحدی عشر وتر علی الظفیر، و فیها قتل محمد بن سحوب و ابنه، و قتل فوزان بن شامان و هزاع بن خزام شیخ اتلطوقیة و حنیان شیخ آل زراع، و فیها قتلوا آل شقیر قتلوهم أهل العودة، و ملک هدلان الحوطة، و ملکوا آل مدلج الحصون، و ملکوا آل راجح منزلة أبی هلال، و هی سنة قتل أحمد بن عبد اللّه ابن ماجد، و اشترائی أنا یا کاتبه سمحه فی حریملا.
1112 ه و سنة ألف و مائة و اثنتی عشرة البتراء یوم یصبح سعدون و الفضول و الحجازی علی البتراء، و البعض یسمیها السلیع.
1113 ه و سنة ألف و مائة و ثلاث عشرة ملکوا الفرهید الزلفی، و مات سلامة بن صویط و قبر بالجبیلة، و طرد سعدون ابن صویط و عداه الجبل، و أخذ زعب وادی علیهم. و أخذ ابن معمر آل عساف، و قتل ابن فریح.
و فیها مات الشیخ حسن بن عبد اللّه أبا حسین.
1114 ه و سنة ألف و مائة و أربعة عشر قتل نوبان، و هی سنة سمدان العوازم، و مات الشیخ أحمد بن محمد القصیر فی أول جمادی الأول.
1115 ه و سنة خمس عشر و مائة و ألف أخذ ابن معمر زرع القرینة و ملهم، و هثلوا هتیم سنة حاج البراک.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 41
1116 ه و سنة ست عشرة و مائة و ألف أخذوا أهل حریملا سبیع علی سدود. و قتل منیع بن حمد و حجروا عنزة ابن معمر فی البئر و أخذوا رکابه.
1117 ه و سنة سبع و عشرة و مائة و ألف، اشتریت أنا یا کاتبه فید دربهم، و فیها حج ابن جدیع و ابن مهیرع.
1118 ه و سنة ثمانی عشرة و مائة و ألف، صبح ابن بجاد و أهل حریملا السبعان علی عبیثران، و قاظ، نجم ثادق، و قتل دبوس، و ملکوا آل إبراهیم و آل محمد البئر و أخذ آل کثیر أبا عد مصیخ، و أخذ سعدون شمر لم رکک.
1119 ه و سنة تسع عشرة و مائة و ألف ذبحوا العناقر أهل أثیثیة، و نزل الحاج ثادق و معه سعدون معه جردة، و فیها قتل عبد اللّه بن الشیخ عبد الرحمن بن الشیخ محمد بن أحمد بن إسماعیل.
1120 ه و سنة عشرین و مائة و ألف قتلوا آل ناصر الوظفان، و نزل حاج نجم ثرمداء ثم العیینة.
1121 ه و سنة إحدی و عشرین و مائة و ألف قتل عیاف و راشد العناقر، و ظهر جار اللّه من مرأة، و شاخ فیها مانع بن ذباح، و هی سنة غویمض علی ابن معمر، و مناخ سعدون و آل ظفیر فی وضاح و نفی، و نازل ابن معمر و سبعانه و أهل العارض أهل حریملا و طردوه.
1122 ه و سنة اثنین و عشرین و مائة و ألف طاح قصر رغبة، و طاح نخل البئر من ریح شدیدة و دق البرد زرع ملهم.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 42
1123 ه و سنة ثلاث و عشرین و مائة و ألف فضوا أهل حریملاء ملهم و أغرق السیل منزلتهم، و أخذوا آل عهدوان آل شفیر، و ربط الشریف ثنیان ابن لیلی.
1124 ه و سنة أربع و عشرین و مائة و ألف مرض أهل البئر و أهل رغبة و ثرمداء و أهل القصب و العودة، و ذبحة آل ناصر، و ملک جار اللّه مرأة ثانیا، و ذبحة القرینة لأهل رغبة.
1125 ه و سنة خمس و عشرین و مائة و ألف توفی الشیخ الفاضل عبد الوهاب بن عبد اللّه، رحمه اللّه تعالی.
1127 ه و سنة سبع و عشرین و مائة و ألف توفی محمد بن عبد الوهاب، و هی سنة مناخ آل ظفیر و الحجازی، و قتله سعدون بن صویط و خلف شیخ جلاجل.
1128 ه و سنة ثمان و عشرین و مائة و ألف سطا شیخ المجمعة علی الفراهید فی الزلفی و لا حصل علی شی‌ء.
1129 ه و سنة تسع و عشرین و مائة و ألف ولد محمد بن عبد الرحمن لست لیال بقین من شهر صفر، و مات الشریف سعید بن زید.
1130 ه و سنة ثلاثین و مائة و ألف أخذ ابن معمر غنم أهل حریملاء و قتل منهم عشرة رجال، و مات صقر بن عبد اللّه، و أخذ ابن صویط ابن عفیصان و ابن غبین.
1131 ه و سنة إحدی و ثلاثین و مائة و ألف قتل سبهان، و أخذت غنم البئر، و خرب السیل فی ثادق و قتلوا أهل ثادق الشاوی، و قتلوا العرینات محمد بن ماجد بن شذوب، و فیها صبحوا العناقر
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 43
آل عوسجة و العرینات، و فیها أخذت بقر أهل شقراء، و هی سنة الخریف، و قتال آل ظفیر عنزة.
1132 ه و سنة اثنین و ثلاثین و مائة و ألف بیتوا مطیر سعدون، و بیتوا أهل حریملاء ابن معمر، و هی سنة الخباری قا ابن صویط خبراء السبلة، و سلطان مکة مبارک بن زید و وقع الطاعون فی العراق و مات فیه تسعون ألفا.
1133 ه و سنة ثلاث و ثلاثین و مائة و ألف، طلع سعدون وقاظ نجد و أخذ شمر للجبل، و حجر آل نبهان فی العارض قبضة کلها حتی سمدوا، و ظهر من الأحساء، و عطن الزرع، و أخذ الطیار محل ابن أخیه، و جاء برد شدید و طلع الجراد.
1134 ه و سنة أربع و ثلاثین و مائة و ألف، بنیت حوطتی فی ثادق، و مات آخر لیالی الحج شیخنا منیع بن محمد، و اشتقوا آل عفالق من الأحساء.
1135 ه و سنة خمس و ثلاثین و مائة و ألف، مات سعدون بن غریر، و فیها ملک محمد بن عبد اللّه شیخ جلاجل الروضة، و بنی منزل آل أبی هلال و آل ابن سلیمان، و آل أبی سعید، و أخرج العبید من الحوطة و نزلوها آل أبی حسین، و أخرج ابن قاسم من الجنوبیة و نزل فیها آل أبی عنام، و أخذوا أهل أضیقر أهل الفرعة، أخذها الرقراق، مع آل مشرف من النواصر و کبیرهم إبراهیم بن حسین، ثم بعد هذا استفزع ابن حسین رفاقته أهل المذنب و طلعوا أهل أشیقر علی رقابهم وقت قطاف الذرة، و هی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 44
سنة الذرة فی الخصب الآتی و أکلوا ذرة أهل أشیقر مع معاویدهم، و قضب قصرها إبراهیم بن حسین.
و فیها أصحب ابن معمر أهل العارض، و أخذ علی بن غریر الفضول، و ربط ابنی أخیه منیع و دجینی، و انطلق دجینی.
1136 ه و سنة ست و ثلاثین و مائة و ألف قاظ ابن صویط بین العراق و الشام، و ذهب دبش البدوان، و مات أکثر الناس جوعا، و جلا أکثر أهل نجد، و ذهبوا حرب و العمارات و هی سنة سحی، و أخذ ابن معمر عرقة، و غلا فیها الزاد و الدهن، و اصطلحوا بنو خالد فیما بینهم، و دقت منزلة آل أبی هلال، و مات أحمد بن محمد بن سویلم.
1137 ه و سنة سبع و ثلاثین و مائة و ألف سالت نجد و سمیا وسطا حسن آل سلیمان فی عبد اللّه آل عریک، و کثرت السیول و خار الخیر فی کل مون، و ملک ابن معمر العماریة، و حجر فیها و ذبحت سطوته، و سهبوا فزعة آل کثیر، و مات ناس کثیر جوعا و مرضا، و کثر فیها الجراد و مات سعود بن محمد بن مقرن شیخ الدرعیة، و غلا فیها الزاد، و کثر فیها الجراد.
1138 ه و سنة ثمان و ثلاثین و مائة و ألف مات فی آخرها شیخ العیینة عبد اللّه بن محمد.
1139 ه و سنة تسع و ثلاثین و مائة و ألف شاخ فی العیینة ولد ولده محمد بن حمد، و قتل دغام شیخ السبعان، و قتل شیخ الدرعیة، و عزل الحکم عبد الوهاب بن سلیمان، و حکم أحمد بن
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 45
عبد اللّه بن الشیخ عبد الوهاب، و تحول عبد الوهاب بن سلیمان فی حریملاء، و مات محمد بن عبد اللّه بن ماجد، و حجر دجنینی و ابن صویط و المنتفق علی بن محمد فی الأحساء و رخص فیها الزاد و التمر و صار عشرین وزنه و العیش ستة آصع بالمحمدیة، و هی رجعان سحی.
1140 ه و فی أول سنة أربعین و مائة و ألف تحولت فی ثادق و أخذة الشریف ابن حبشی و ابن حلاف علی الخرج، و استفزع بعلی المحمد علیهم و اکتالوا عنزة نجد.
1141 ه إحدی و أربعین و مائة و ألف ولد لابنی عبد الرحمن یحیی، و فیها حجر الطیار ابن صویط فی العارض، و خرج سالما بعد کیل ناس کثیر من عنزة و اکتال الطیار من الأحساء.
1142 ه و سنة اثنین و أربعین و مائة و ألف قتل علی بن محمد شیخ بنی خالد، و شاخ أخوه سلیمان آل محمد، و فیها قتلوا آل نبهان شیخ العیینة و شاخ أخوه عثمان، و ملک شیخ جلاجل الحصون و شیخ فیه ولد ابن نحیط، و فضا التویم بآل ظفر و نهبوه.
1143 ه و سنة ثلاث و أربعین و مائة و ألف ولد ابنی إبراهیم لست لیال من رجب، و السلطان محمود و فیها اصطلحوا بنو خالد، و فیها قتل دجینی و فیها أخذ ابن صویط عنزة، و فیها اختلفوا آل عوسجة بینهم.
1144 ه و سنة أربع و أربعین و مائة و ألف.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 46
1145 ه و سنة خمس و أربعین و مائة و ألف أخد ابن صویط السبعان، و ناوخ عنزة و قتلوه.
1146 ه و سنة ست و أربعین و مائة و ألف جدروا عنزه لم الشرق و قاظوا فیه، و کسفت الشمس.
1148 ه و سنة ثمان و مائة و ألف وقع الجدری، و تحاربوا أهل الوشم بینهم، و اصحب راعی جلاجل ابن ماضی و فزعوا جمیعا یم الوشم.
انتهی تاریخ محمد بن ربیعة
***
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 47

من مشاهیر نساء القصیم‌

اشارة

خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 49
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ*

مزنة المطرودی‌

أسرة آل المطرودی أسرة طیبة، و هم من بنی خالد، و کانوا یقیمون فی عنیزة، فمنازلهم و بساتینهم فی جنوبی عنیزة الحی المسمی (الفاخریة) إلّا أنه صار بینهم و بین أمراء عنیزة آل السلیم خصومة، فانتقلوا عنها و أنشأوا قریة (العوشزیة) الواقعة شرقی عنیزة بنحو عشرین کیلا، و التی هی معدن من معادن الملح المائی.
و کان علماء نجد فی ذلک الوقت متقیدین بالتقیّد علی مذهب الإمام أحمد بن حنبل رحمه اللّه فلا یخرجون عنه.
و کانت الجمعة لا تصح و لا تنعقد عند أحمد إلّا بأربعین رجلا، و قریة العوشزیة لیس فیها من الرجال الذین تنعقد بهم الجمعة، و هو هذا العدد. و کانوا یذهبون إلی بلدة المذنب التی هی أقرب القری إلیهم فیصلون فیها الجمعة. و المسافة بین العوشزیة، و بین المذنب لیست قلیلة، فکان ذهابهم و إیابهم و صلاتهم تستغرق وقتا طویلا ففی أحد أیام الجمعة حین ذهبوا للصلاة و خلت القریة من الرجال جاء لصوص- قطاع طریق-
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 50
فاستاقوا إبل أهل القریة، فعمدت الفتاة الشهمة (مزنة بنت منصور المطرودی) و لبست ثیاب أحد إخوتها، و أسرجت الفرس، و أخذت السیف و سلّته، و رکبت الفرس و اتجهت نحو قطّاع الطریق، فما راعهم إلّا الفارس مغیرا علیهم علی حصانه و بیده السیف المسلول یلمع فی یده، فأخذهم الرعب و دخلوا علی صاحب الفرس أن یکفّ عنهم غارته و یتخلّوا عن الإبل، إلّا أنها أفهمتهم بلغة تقلد فیها الرجال أنها لا تعفیهم حتی یعودوا أسری حتی یأتی صاحب القصر فیکونون تحت حکمه بالإحسان أو الانتقام.
فعادوا و أدخلتهم القصر و قفلته علیهم، و صارت تعمل لهم الضیافة.
فلمّا جاء أبوها و إخوانها و أهل القریة أبلغتهم الخبر، ثم قدموا لهم الضیافة و قالوا: لا نأکل حتی یأتی الفارس الذی ردّنا، فقال أبوها: إن الفارس الذی ردکم لا یواجه الرجال الأجانب منه، فعلموا أنها امرأة، فزادهم ذلک غمّا علی غم.
و قالوا: إذا کان هذا فعل نسائکم فما هو فعل رجالکم؟
شاعت هذه القضیة بنجد، و أعجب بها کل من سمعها، فطلب یدها الأمیر جلوی بن ترکی بن سعود، فتزوجها و جاءت منه بسعود بن جلوی، أحد الشجعان المغاویر. و ماتت مع جلوی فخطب أختها (رقیة المنصور)، و تزوجها، و جاءت منه بالأمیر عبد اللّه بن جلوی أمیر الأحساء المشهور بشجاعته و قوته.
و تواصل الرحم بین أسرة آل جلوی و أسرة آل المطرودی، فکانتا هاتان الکریمتان من المنجبات، رحمهما اللّه تعالی.
***
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 51

مزنة المحمد البسام‌

هی مزنة بنت محمد بن حمد البسام، فجدها (حمد)، هو الذی قد عنیزة من بلدة حرمة.
أما والدها فهو صاحب ثراء واسع، و صاحب إحسان. و قد توفی والدها حاجّا عام 1246 ه بمکة المکرمة.
زوّجها والدها فی حیاته علی ابن أخیه (حمد السلیمان البسام.
و یعلم أنه لیس صاحب مال، و لکنه لم یبلغه و لم یتحقق أن الحاجة بلغ معه الواقع الذی هو علیه.
فلمّا رحلت إلیه فی منزله و علمت حاله کتمت ذلک حتی عن؟؟؟
و أبیها و صارت تنفق مما عندها من أبیها حتی نفد.
و کان منزلهما خالیا من کل شی‌ء فصارت تخفی أمرها و لا تم؟؟؟
أحدا من دخول وسط المنزل، فقد جعلت لها مکانا من مقدمة ال؟؟؟
تستقبل به من یزورها من نساء أقاربها و لا تمکنهم من رؤیة الم؟؟؟
و الاطلاع علی ما فیه حتی والدتها. و هی الشابة المترفة التی عاشت ح؟؟؟
فی بیت والدها صاحب الثراء الواسع فزارتها والدتها فی ساعة لم تزورها فیه فی عادتها مما مکّنها من دخول وسط المنزل. و إذا به خال؟؟؟
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 52
کل شی‌ء من مقومات الحیاة، فلامتها علی هذا التستر، و علی هذا الصبر الطویل. و قالت لها إن والدک بخیر کبیر و أنت ابنته و زوجک ابن أخیه، و إحسانه شامل للبعیدین فکیف بکما و أنتما ولداه، فأجابتها بأنه لم یقصر علینا شی‌ء و أری أنه لا داعی لإظهار أمرنا إلّا للّه تعالی.
فلمّا علم والدها محمد البسام بالأمر طلب ابن أخیه و لأمه أیضا و أعطاه مبلغا جیدا من النقود لیعمل به مضاربة مع عمّه فصار حمد السلیمان یتجر بجلب البضائع من سوق الشیوخ بأطراف العراق إلی القصیم. و هکذا یقلب هذا المال حتی نمی بیده و صار صاحب رأس مال کبیر.
و صار من بعض أعماله التجاریة أن یشتری ثمار النخیل من الفلاحین بطریق بیع السلم، فإذا استلمه منهم فی حینه أیام الجذاذ یکنزه فی حیاض کبار تسمی (الصوبة) ثم یبیعه فی أوان بیعه و هکذا.
ففی إحدی السنین سافر للتجارة إلی سوق الشیوخ، و کان هذا السوق هو میناء أهل نجد فی ذلک الزمن، و طالت سفرته، فلما عاد إلی وطنه عنیزة قابله فی الطریق بعض التجار الموردون فصار یسأله عن أخبار البلاد.
فکان مما أخبره أن نجدا أصابها مجاعة کبیرة، و أن الناس أصابهم ضرر بالغ فیها. فقال: عسی لنا منها حظ و نصیب. فأجابه هذا بأن لک یا أبا سلیمان، أکبر الحظ و النصیب فزوجتک تصدقت بجمیع ما ادّخرته من حیاض التمر فسر بذلک و حمد اللّه علیه و سأله القبول.
فلمّا قدم عنیزة و استراح من وعثاء السفر جاءته زوجته مزنة المحمد
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 53
البسام بزنبیل ملی‌ء بالریالات الفرنسیة التی قیل تبلغ (ستة آلاف ریال، و هو مبلغ کبیر جدا فی ذلک الزمن. و قالت له: إن هذا قیمة التمر بواسطة الحاجة زادت زیادة کبیرة فبعناه، و هذه قیمته تفضل بقبضها. فقال:
أخبرینی بالحقیقة و بعد إلحاح أخبرته أنها تصدقت بکلّه فی هذه المسغبة، و أن هذه النقود هی ثمن مصاغها باعته لأنها تصدقت محتسبة ذلک منها، فقال لها: الأجر الذی تریدینه إن شاء اللّه تعالی إنه صدقة مقبولة منی، فقالت له: و أنا شریکة فی الأجر معک، فقال: و أنت شریکة إن شاء اللّه تعالی.
هذه المرأة الفاضلة أنجبت فکان من أبنائها الوجیه سلیمان الحمد البسام، و لو لا خشیة الإطالة لأتینا بالعجب من أعماله. رحمه اللّه تعالی.
و أخوا هذه المحسنة حمد المحمد البسّام و سلیمان المحمد البسام لمّا جاءت المساغب أخرجا من أموالهما صدقة للّه تعالی و رفعا للحرج الذی أصاب المسلمین رحمهم اللّه تعالی.
و قد توفیت مطلع القرن الرابع عشر الهجری، رحمها اللّه تعالی.
***
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 54

لؤلؤة آل عرفج‌

هی الشهمة الشجاعة: لؤلؤة بنت عبد الرحمن بن حسین آل عرفج من آل أبو علیان من العناقر من بنی سعد بن تمیم.
کانت زوجة للأمیر: حجیلان بن حمد بن حسین آل أبو علیان.
و کان حجیلان أمیرا فی مدینة بریدة و توابعها، و کان طموحا و یرید أن یضم مدینة عنیزة إلی إمارته، و کان أمراء عنیزة آل رشید من آل جراح من سبیع، و کان آل رشید غیر خاضعین لحجیلان، و من هذا صار بین حجیلان و بین آل رشید أمراء عنیزة عداوة و شحناء.
فأحد شباب أسرة آل رشید، و هو علی بن جار اللّه آل رشید، ذهب إلی قریة الشماسیة لزواجه من أحد أسر قریة الشماسیة و معه جنبه الذین یشارکونه فی الفرح، فعلم بهم حجیلان فاعترض طریقهم و قتل العریس علی بن جار اللّه، و عاد الجنب بحزنهم و أخبروا أباه بذلک، فأظهر التجلّد أمام السامعین، و قال: اللیلة أبیت مع أمه و تأتی بولد خیر منه.
یقول هذا الکلام، و هو فی أشد الانهیار و الحزن، فأصابه نزیف شدید من (القیام)، فما لبث ثلاثة أیام حتی توفی حزنا علی فقد ابنه.
فلمّا جاءت حملة إبراهیم باشا علی نجد، و عاد من تدمیره الدرعیة و نقله آل سعود، و آل الشیخ و أعیان أهل نجد إلی مصر.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 55
ففی عودته هذه مر بالقصیم و أمر علی حجیلان بالرحیل معه إلی مصر لتحدد إقامته هناک، و جعل مکانه أمیرا فی بریدة ابنه عبد اللّه بن حجیلان، و حذّره أبوه من أبناء عمه أن یقتلوه طمعا فی الإمارة، فلما کان إبراهیم باشا قرب المدینة و معه حجلان أسیرا بلغه أن أبناء عمه آل مرشد قتلوا ابنه عبد اللّه فجزع جزعا شدیدا و أصابه المرض الذی أصاب جار اللّه بن رشید صاحب عنیزة و استمر به المرض حتی وفاته بالمدینة النبویة رحمه اللّه. فما خرج إبراهیم باشا من حدود القصیم و معه حجیلان حتی عدا آل مرشد من آل أبو علیان علی عبد اللّه بن حجیلان فقتلوه و استولوا علی إمارة بریدة.
أما والدة الأمیر المقتول عبد اللّه بن حجیلان هی: لؤلؤة بنت عبد الرحمن بن حسین آل عرفج من آل علیان فهی ابنة عم زوجها حجیلان.
حزنت علی ابنها عبد اللّه و لکن لیس لدیها من رجالها من یأخذ بثأرها فأظهرت لآل مرشد المودة و المحبة و أنهم عوض من ابنها، فالجمیع أولادها و هکذا طمنتهم فدعتهم إلی بستان لها فی مزارع الصباخ، و عملت لهم دعوة کبیرة و جعلت مکان السفرة فی حجرة منعزلة فلما قدم الطعام دعتهم إلیه فقاموا إلیه عزلا من السلاح فلما جلسوا علی الطعام دخلت علیهم و بیدها السیف فقتلتهم عن آخرهم المکثرون یقولون أن عددهم ثمانیة، و المقلون یقولون أنهم أربعة، و بهذا أخذت بثأرها و ستراح؟؟؟
ضمیرها، و اشتهرت منها هذه البطولة، و تلک الجرأة حتی صار یضرب بها؟؟؟
المثل.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 56
حتی قال فی ذلک البطل المغوار عبید بن رشید من قصیدة له:
عیسی یقول الحرب للمال نفادأنشد استاد السیف قل لیش حانیه
إن کان ما نرویه من دم الأضدادو دوه یم العرفجیة ترویه
*** و الذین یقیمون فی عنیزة الآن من آل عرفج آل أبو علیان هم أبناء أخیها عبد اللّه.
فعبد اللّه بن حسین آل عرفج له ابن اسمه محمد، و محمد هذا اشترک مع آل أبو علیان فی الانقلاب الذی صار فی بریدة من آل أبو علیان و قتل فیه أمیر بریدة مهنا الصالح أبا الخیل، ثم فشل انقلابهم بتثویر لغم فی القلعة التی تحصن فیها آل أبو علیان، و هرب الناجون منهم إلی عنیزة و کان من الهاربین حمد العبد اللّه الحسین، آل عرفج آل أبو علیان، و بقی لاجئا فی عنیزة، ثم اتخذها مقرا له و تزوج منها فأخذ من بنات أمراء عنیزة آل سلیم.
و حمد العبد اللّه من فحول الشعراء النبطیین.
فجاءت منه بعبد الرحمن والد الأستاذ عبد اللّه العبد الرحمن العرفج الذی صار له دور کبیر فی التعلیم فی عنیزة و فی غیرها.
و الآن بعد أن أحیل علی التقاعد یقیم فی جدة و هو علی نشاطه العلمی و الثقافی، وفّقه اللّه تعالی.
***
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 57

المحسنة: موضی العبد اللّه البسّام‌

هی موضی بنت عبد اللّه بن حمد بن عبد القادر بن حمد البسام.
فجدّها فی نهایة هذا النسب هو الذی قدم مدینة عنیزة من بلدة حرمة فی سدیر.
ولدت فی بلدها و بلد أسرتها (عنیزة) بالقصیم عام 1263 ه، و نشأت فی بیت عفاف و طهر و صیانة و استقامة.
و کان والدها عبد اللّه هو أحد الأثریاء أصحاب المحال التجاریة فی جدة، و قد توفی شابّا و لم یخلّف من الذریة غیرها.
حفظت القرآن الکریم و اهتمت بمعرفة تعالیم دینها.
و کان جامع عنیزة بالقرب من منزل أهلها فکانت تسمع المواعظ و الأحکام الشرعیة من مدرسی هذا الجامع و علمائه.
و کانت امرأة حصیفة عاقلة ذات أفکار صائبة و عقل راجح، فاختارها الوجیه العم عبد اللّه بن عبد الرحمن البسام زوجة لابنه عبد الرحمن العبد اللّه البسام، و سعد بزواجه بها و أنجبت منه ابنه الوجیه إبراهیم العبد الرحمن البسام.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 58
و قد اشتهرت بالإحسان و إنفاق الأموال الطائلة علی الفقراء و المساکین لا سیما فی سنین المساغب و المجاعات أو ما تخلفه الحروب من أضرار فإنها تنفق فی ذلک کل ما تملک ابتغاء ثواب اللّه تعالی.
و هذه بعض مواقفها المشرفة:
ففی عام 1318 ه: حصل بین الأمیر عبد العزیز بن متعب الرشید و بین حاکم الکویت مبارک الصباح معرکة هائلة فی مکان شمالی القصیم یسمی الصریف و بعضهم یسمیه (الطرفیة) فصارت هزیمة منکرة علی ابن صباح و أتباعه الذین یبلغون اثنی عشر ألف مقاتل و صار فی جیش مبارک الصباح قتل ذریع، و هربت فلولهم فی الصحاری، و بلدان القصیم فقسی عبد العزیز بن رشید علی تلک الفلول و صار یقتلهم صبرا. إلّا من لجأ منهم إلی عنیزة فإن أسرة البسام حموهم من القتل بجاههم عند ابن رشید.
و صارت تلک الفلول الکثیرة من أهل الکویت، و من أتباع ابن صباح من غیرهم فی ضیافة البسام.
و صارت هذه المحسنة الشهیرة تکسوهم و تعد لهم من النفقة ما یوصلهم إلی أهلهم و تستأجر لهم الإبل کل رجلین أو ثلاثة علی جمل حتی وصلوا أهلهم سالمین.
و فی عام 1327 ه: أصاب بلدان نجد مجاعة شدیدة و مسغبة ألیمة و أکلوا المستقذرات من الحیوانات و طاح الفقراء بأیدی الأغنیاء فصار لها دور کبیر فی تقسیم الأرزاق من الحبوب و التمور فتفرقها علی البیوت و تجعل من یقف فی طرق أصحاب المهن البریة فتغطیهم، و أنفقت فی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 59
ذلک الأموال الطائلة، و کانت تتولی الإشراف بنفسها علی ذلک حدثنی کثیر ممن عاصروها أنهم یرونها تتابع الخدم فی توزیع الأط؟؟؟
علی البیوت.
و فی عام 1337 ه: أصاب الناس و باء یسمونه سنة الرحمة و الموتی کثرة أفنت الناس فإن بعض البیوت و بعض الأسر ماتوا عن آخر و شغلت نفسها و أتباعها بتجهیز الموتی بخیطهم و أکفانهم و قبورهم، ح؟؟؟
رفع اللّه الوباء عن البلدان.
أما موافقها فی الشهامة و الحزم:
ففی إحدی السنین مرّ الإمام عبد الرحمن الفیصل بضواحی عنین؟؟؟
فأرسل إلی أمرائها یطلب مبلغا من النقود فاعتذروا بأنهم هم لا یجدو؟؟؟
شیئا و البلاد لا تتحمل أن یفرض علیها ضریبة فقد أنهکتها الحروب و کانت عنیزة خالیة من أعیان البسام بعد فتنة السطوة علی البلدة فما إن؟؟؟
علمت بالأمر حتی باعت مصاغا لدیها و أرسلته إلی الإمام عبد الرحمن و معه خطاب منها تذکر له فیه بأنکم مررتم البلاد و لیس فیها من رجالها من یقوم بواجب ضیافتکم و قد أرسلنا لکم هذه النقود القلیلة ضیافة لکم.
و من حزمها أنه کان یوجد أمام مزرعتها المسماة السفیلی أرض بیضاء و کانت مرفقا لبستانها قد جعلته بیدرا للمزرعة.
و کان جیرانها طامعین فی هذه الأرض مستغلین ضعف الأمرثة؟؟؟
و غیاب رجالها، فسمعت أنهم یریدون الاستیلاء علیها، و فی لیلة من اللیالی أرسلت إلی المواطن الشهم عبد العزیز الغرفانی، و قالت: اللیلة
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 60
الآتیة بعد صلاة العشاء عمم علی أهل حی الخریزة فی مسجدهم بأن علیهم أن یخرجوا إلی تلک الأرض و یتوزعون العمل لإحیائها فی تلک اللیلة فبعضهم یسوق إبل السوانی لإخراج الماء من البئر، و بعضهم یمسح الأرض ... و بعضهم یخططها حیاضا و سواقیّا، و بعضهم یبذر الأرض و یسقی البذر و بعضهم یحیط الأرض بسور صغار من سعف النخل.
و بعضهم الآخر یعد لهم العشاء و الشاهی و القهوة فلم یمض نصف اللیل إلّا و هم قد أنجزوا مهمتهم و أحیت الأرض و سوّرتها.
فلمّا أصبح جیرانها لم یصدقوا هذا کله عمل بلیلة واحدة.
و من مرؤتها و إحسانها و مقابلتها الإساءة بالإحسان أن السیل دخل مدینة عنیزة عام 1322 ه، فهدم کثیرا من بیوتها، و من البیوت التی سقطت بیت عائد الصقیری، و کان ممن نهب بیوت أهلها و کسر أبواب منازلهم، فأعاد عمارة منزله، إلّا أنه بحث عن خشب طویل مستقیمة فلم یجد إلّا خشبا لها محیطا فی بستانها، و لکنه عرف ذنبه معها و مع أهلها فذکر حاجته إلی ذلک الخشب، و ذکر موقفه المشهور منها فهاب طلبه منها و لو بالشراء و قد علم بهذا الأمر الملک عبد العزیز فقال له: اطلبه منها و ستجد منها ما یسرک، فتجاسر و ذهب إلیها فی منزلها و استأذن علیها فلما أخبرت به أذنت له فی الدخول فدخل علیها بکل خجل و عرض علیها طلب شرائه منها فقالت: اقطعه مساعدة لک علی بناء بیتک، فلما جاء عند الملک عبد العزیز سأله عن دخوله علیها، و ما جری منها له، فقال: یا طویل العمر إذا
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 61
جاءک ولد فلا تسمّیه إلّا موضی . رحمها اللّه تعالی .
فلها مواقف کثیرة مشرفة لا تصدر تلک الأعمال الطیبة إلّا من خلق کریم جبلها اللّه علیه، و هی ترید به وجه اللّه و الدار الآخرة.
و قد أدرکتها و کنت أذهب إلیها مع والدی لتهنئتها بالأعیاد و المناسبات، و بقیت متمتعة بکامل حواسها و أفکارها حتی بلغت مائة عام، فإنها لم تتوفّ إلّا عام 1363 ه. رحمها اللّه تعالی.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 63

تاریخ الفاخری‌

تألیف المؤرخ العلامة الشیخ محمد بن عبد اللّه بن محمد بن عمر الفاخری (1186- 1277 ه)

خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 65

ترجمة المؤرخ الشیخ محمد بن عبد اللّه بن محمد الفاخری (1186- 1277 ه)

الشیخ محمد بن عبد اللّه بن محمد بن عمر بن محمد بن حسن بن محمد بن حسن بن فاخر بن حسن بن سلیمان بن عیسی بن علی بن عثمان بن عبد اللّه بن مشرف بن عمر بن معضاد بن ریس بن زاخر بن محمد بن علوی بن وهیب.
هکذا نقل النسب عنه المؤرخ الشیخ إبراهیم بن صالح بن عیسی.
فهو الفاخری نسبة إلی جده (فاخر بن حسن) و هو من آل مشرف، کان مسکن أسرته فی (أشیقر) بلد الوهبة عامة، إلّا أن جده انتقل منها و سکن بلد (التویم)، ثم انتقل المترجم من التویم إلی بلدة (حرمة) و استوطنها.
ولد المترجم فی بلد التویم عام 1186 ه، و بعد وفاة والده سنة 1222 ه انتقل إلی الأحساء ثم عاد منها فی سنة 1228 ه ثم عاد إلی التویم سنة 1235 ه، ثم انتقل إلی بلده حرمة فی سدیر.
و قرأ و اتجه اهتمامه إلی التاریخ لا سیما تاریخ نجد و أنساب أهلها،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 66
و وفیات أعیانها، و قد سجل فی کتاب مختصر لا یزال مخطوطا و ابتدأ بتدوین حوادثه من عام 850 ه إلی السنة التی مات فیها، و هو العمدة لتاریخ نجد علی اختصاره.
و الحقیقة أنک إذا قارنت بین تاریخ المترجم الفاخری و تاریخ ابن بشر، و ما یکتبه الشیخ إبراهیم بن عیسی تری أنهما قد استفادا من تاریخه فائدة کبیرة، و أنه لو لم یدون لهما هذه الأخبار لفاتهما شی‌ء کثیر.
و فی مقدمة تاریخ الفاخری ترجمة له بخط الناسخ جاء فیها ما یلی:
کان رحمه اللّه، أحد أدباء نجد فی زمانه، و کان جید الخط، و قد حصّل کتبا کثیرة بخطه الحسن، و له منقولات کثیرة فی مختلف العلوم، و قد جمع کتابا من الأدعیة النبویة، و لکنه تلف بسبب الأرضة و لم یبق منه إلّا ورقات قلیلة، و قد رأیتها بخطه، و له معرفة بالشعر، فمن ذلک أنه أرخ حادثة الترک عام 1233 ه بقوله:
عام به الناس جالوا حسبما جالواو نال الأعادی فیه ما نالوا
قال الأخلاء أرخه فقلت لهم:أرخت قالوا: بماذا؟ قلت: غربال
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 67
و قد بقی فی بلده الأخیرة (حرمة) حتی توفی فی 23/ 5/ 1277 ه.
رحمه اللّه.
و للمترجم عقب لا یزالون فی بلدة حرمة، و الذی نعرفه من أبنائه ابنین: عبد اللّه و عمر، فأما عبد اللّه فهو الذی أکمل تاریخ والده حتی سنة 1288 ه، و قد اجتمع الشیخ إبراهیم بن عیسی بمحمد بن عبد اللّه هذا- أی حفید المترجم-، و هو الذی أفاده عن نسبهم و تسلسله إلی وهیب.
***
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 68
() هذه ورقة من تاریخ الفاخری
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 69

[التشریح]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ*
و به نستعین، و لا حول و لا قوة إلّا باللّه الحمد للّه معز من أطاعه، و مذل من عصا أمره و أضاعه، و أشهد أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شریک له، شهادة أدخرها لیوم العرض الأکبر، و أشهد أنّ محمدا عبده و رسوله، الطاهر المطهر، صلی اللّه علیه و علی آله و أصحابه و سلم تسلیما کثیرا.
أما بعد:
فیقول العبد الفقیر إلی مولاه، عبد الرحمن بن محمد بن ناصر، سامحه اللّه، و لطف به فی الدنیا و الآخرة، رأیت بقلم محمد بن عمر الفاخری عدة أوراق، فتأملتها، فإذا هی مشتملة علی بعض الأخبار النجدیة فیما مضی، و قد مال صاحبها إلی الاختصار، فأحببت أن أنقلها، و هذا أولها.
فی سنة خمسین و ثمان مایة: اشتری حسن بن طوق جد آل معمر العیینة من آل یزید الحنفیین، أهل الوصیل و النعیمة، و من ذریتهم آل دغیثر، و رحل من ملهم و نزلها، و عمرها، و تداولها ذریته من بعده.
و فیها تقدم مانع بن ربیعة المریدی علی ابن درع صاحب حجر
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 70
و الجزعة من بلده القدیمة، و هی الدرعیة، التی عند القطیف، و هو من قبیلته، فأعطاه الملیبید و غصیبة المعروفة، فنزلها و عمرها، و اتسع العمارة فیها و الغرس فی نواحیها، و عمروها ذریته من بعده و جیرانها.

و فی سنة اثنتی عشر و تسعمایة:

حج أجود بن زامل رءیس الأحساء فی جمع عظیم، یقال: إنهم یزیدون علی ثلاثین ألفا.

و فی سنة ثمان و عشرین و تسعمایة:

توفی عبد الرحمن العلیمی الحنبلی.

و فی سنة أربع و أربعین و تسعمایة:

توفی عبد الرحمن بن علی الزبیدی المشهور بابن الدبیع.

و فی سنة ثمان و أربعین و تسعمایة:

توفی الشیخ أحمد بن عطوة بن زید التمیمی، من آل رحمة و دفن بالجبیلة، و فیها توفی الشیخ أبو النجا الحجاوی الحنبلی.

و فی سنة ثمان و ثمانین و تسعمایة:

سار الشریف حسن بن أبی نمی إلی نجد و حاصر الریاض، و أخذ أموال و حبس رجال.

و فی سنة ثمان و ثمانین و تسعمایة:

سار الشریف حسن بن أبی نمی إلی نجد ناحیة الشرق، ففتح حصون البدیع و الخرج و السلمیة و الیمامة.
و فی تمام الألف: استولوا الروم علی بلد الأحساء و نواحیها، و رتبوا فیها عساکر و بنو حصونا، و استقر فیها فتح باشا نائبا من جهة الروم، و انقرضت دولة آل أجود الجبری العامری و ذویه.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 72

و فی سنة سبع و الثلاثین بعد الألف:

مات الشریف محسن فی صنعا.

و فی سنة تسع و ثلاثین:

انهدمت الکعبة بسبب السیل و عمرت، و هی سنة جلدان و مناخ الحمیر.

و فی سنة أربعین بعد الألف:

استولوا الهزازنة علی نعام و الحریق، أخذوه من القوادرة من سبیع، و أظهر الحریق و غرسه رشید بن مسعود بن سعد بن سعید بن فاضل الهزانی الجلاسی الوایلی، و تداولته ذریته من بعده، و هم آل حمد بن رشید.

و فی سنة واحد و أربعین بعد الألف:

کان مقتل آل تمیم فی مسجد القارة بسدیر.
و فیها ظهر زید الشریف هاربا إلی نجد، و تولی مکانه نمی بن عبد المطلب، و کانت ولایته مائة یوم بعدد حروف اسمه.

و فی سنة أربع و أربعین بعد الألف:

حرب قارة سدیر قتل فیها محمد بن أمیرها عثمان بن عبد الرحمن الحدیثی و غیره، و فیها غدر بکر بن علی باشا بأبیه.

و فی سنة خمس و أربعین بعد الألف:

نزل آل أبی رباع بلد حریملا، و غرسوها، و ذلک أن آل حمد من بنی وایل حین وقع بینهم و بین آل مدلج فی بلد التویم اختلاف، خرج علی بن سلمان آل حمد و قبیلته و راشد و اشتروا حریملا من حمد بن عبد اللّه بن معمر، و اختار البقاء عنده.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 73
تتمة: آل أبی رباع من آل حسنی من بشر من عنزة، و حتایت جد آل حتایت من وهب و من النویطات من عنزة، و کذا سلیم جد آل عقیل و آل هویمل و آل عبید منهم أیضا.

و فی سنة سبع و أربعین بعد الألف:

وقع محل غلا سمی سنة بلادان، و قدمت قافلة لجساس و مرت سدیر و العارض، و لا وجدو الزاد إلّا فی الخرج و اکتالوا منه. خزانة التواریخ النجدیة ؛ ج‌3 ؛ ص73

و فی سنة ثمان و أربعین بعد الألف:

کانت وقعة بغداد حین سار إلیه السلطان مراد بن أحمد بن مراد، و استنقذه من أیدی العجم، و قتل منهم مقتلة عظیمة، و رتب فیه مراتب معروفة، و توفی بعد رجوعه فی سنة تسع و أربعین.
و فیها توفی قاضی الریاض الشیخ أحمد بن الشیخ بن ناصر بن الشیخ محمد بن عبد القادر بن برید بن مشرف.
و فیها حج الشیخ سلیمان بن علی بن مشرف.

و فی سنة إحدا و خمسین بعد الألف:

فی المحرم وقع ظلمة عظیمة و حمرة شدیدة لیلة الجمعة، حتی ظن الناس أن الشمس قد غربت، و هی لم تغرب.

و فی سنة اثنین و خمسین بعد الألف:

سار حمد بن عبد اللّه بن معمر إلی سدیر و أظهر رمیزان من أم حمار، و نزلها ثم رجع، و فیها توفی الشیخ منصور البهموتی الحنبلی.

و فی سنة ست و خمسین بعد الألف:

کان مقتل کبار آل أبو هلال محمد بن جمعة و غیره یوم البطحا.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 74

و فی سنة سبع و خمسین بعد الألف:

سار زید بن محسن الشریف أمیر مکة إلی نجد و نزل الروضة، و قتل ماضی بن محمد ثاری، و أجلا آل أبو راجح.
و ماضی هو جد ماضی بن جاسر بن ماضی بن ثاری بن راجح بن مروع الحمیدی التمیمی.
قیل: إن جدهم مزروع أتی من قفار، هو و مفید التمیمی جد آل مفید، و اشتری هذا الموضع فی وادی سدیر و استوطنه و تداولته ذریته من بعده و أولاده: سعید و سلیمان و هلال و راجح، و صار کل ابن جد قبیلة.
و لما قتل الشریف ماضی المذکور، و فعل بأهل الروضة ما فعل، ولی فیها رمیزان بن غشام من آل أبو سعید.
و فیها نزل زید بن محسن بنبان، و أخذ من أهل العیینة مال کثیر، و قتل مهنا بن جاسر الغزی الفضلی.

و فی سنة ثلاث و ستین بعد الألف:

وقعة الشبول هم و أهل التویم قتلوا من أهل التویم عدد کبیر.

و فی سنة أربع و ستین بعد الألف:

توفی الفقیه عثمان بن أحمد الفتوحی الحنبلی.

و فی سنة خمس و ستین:

استولا وطبان علی غصیبة، و هی سنة هبران القحط الشدید، و قیل: إنها سنة إحدی و ستین.

و فی سنة ست و ستین بعد الألف:

نوخ الشریف محمد الحارث آل مغیرة علی عقربا، و هی سنة الحجر.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 75

و فی سنة تسع و ستین بعد الألف:

ظهر زید بن محسن الشریف و نزل قری التویم و أخذ و أعطا و قدم و أخر.

و فی سنة سبعین بعد الألف:

تولّی عبد اللّه بن أحمد بن معمر فی العیینة، و فیها ظهر جراد کثیر بأرض الحجاز و الیمن، و أعقب دبا أکل جمیع الزروع و الأشجار، و حصل غلاء بمکة و غیرها، و ارّخه بعضهم بقوله: غلاء و بلاء.

و فی سنة إحدا و سبعین بعد الألف:

ظهر الشریف محمد الحارث إلی نجد.

و فی سنة اثنین و سبعین:

سار عبد اللّه بن معمر أمیر العیینة غازیا علی أهل البیر، و معه عسکر کثیر، منهم سلیمان بن علی القاضی، و سبب ذلک أن أهل البیر أخذوا قافلة لأهل العیینة فاضبینها فی معاوید أخذت لهم، و مسیر سلیمان القاضی و أمثاله معهم للإصلاح بینهم، ثم إن بعض قومه باتوا تحت جدار من جدران البلد فوقع علیهم و مات منهم خلق کثیر.

و فی سنة ست و سبعین بعد الألف:

ربیع الحزرة، و هدمت شمالیة القارة، و فیها مات الشریف زید بن محسن، و هی أول صلهام المحل المشهور، هثلوا فیه عربان عدوان و غیرهم من الحجز.
و فیها عمرت منزلة آل أبو راجح فی الروضة، و استمر القحط و الغلا.

و فی سنة سبع و سبعین بعد الألف:

اشتد الغلا، و أکلت المیتات و الکلاب. أما فی نجد فالأمر عظیم، فإن أهل مکة باعوا المتاع و الحوایج، و فیهم من باع أولاده، و فیهم من رمی بهم.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 76

و فی سنة ثمان و سبعین بعد الألف:

أخذوا الروم البصرة و قتل جلاجل بن إبراهیم شیخ آل بن خمیس قتله العرینات أهل العطار.

و فی سنة تسع و سبعین بعد الألف:

رجعان صلهام و سمی دلهام.
و فیها توفی الشیخ سلیمان بن علی فی بلد العینة.
و فیها قتل البطل الضرغام رمیزان بن غشام، قتله سعود بن محمد الهلالی و عمر أهل رغبة حوطتهم الأولی و عمرت ثادق بلد العوسجة و غرست، و فیها قتلوا آل ظفیر آل عبد اللّه الأشراف.

و فی سنة ثمانین بعد الألف:

استولوا آل حمید علی بلد الأحسا، أولهم براک آل غریر، و معهم محمد بن حسین بن عثمان، و مهنا الجبری، و قتلوا عسکر الباشا الذی فی الکوت و طردوهم، و ذلک بعد قتلهم راشد بن مغامس أمیر الشبیب، و أخذ عربه و طردهم له عن ولایة الأحسا من جهة الروم، و کان الروم قد استولوا علی الحسا قدر ثمانین سنة، و أول من تقدم منهم فاتح باشا، ثم علی باشا أبا الوتد، ثم محمد باشا، ثم عمر باشا، و هو آخرهم.

و فی سنة واحد و ثمانین بعد الألف:

ظهر براک آل غریر بن عثمان بن مسعود بن ربیعة الحمید، و طرد الظفیر، و أخذ آل نبهان من آل کثیر علی سدوس، و فیها کانت وقعة الاکیثال بین الفضول و الظفیر بنجد.

و فی سنة اثنین و ثمانین بعد الألف:

وقعة الملتهبة بین الفضول و الظفیر أیضا، و الذهاب الکثیر، و هی سنة غییبة اسم حرابة بین بنی خالد،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 77
و أخذ براک رفاقته و قتل محمد بن حسین بن عثمان بن مسعود بن ربیعة الحمید.

و فی سنة ثلاث و ثمانین بعد الألف:

سار إبراهیم بن سلیمان أمیر جلاجل و آل تمیم، و ملکوا الحصون، و أقرهم فیه، و أظهروا مانع بن عثمان شیخ حدیثة و قیل بعدها بسنة.

و فی سنة أربع و ثمانین بعد الألف:

وقعة القاع المشهورة، قتل فیها محمد بن زامل بن إدریس بن حسین بن مدلج، شیخ التویم و إبراهیم بن سلیمان بن حماد بن عامر، شیخ جلاجل و ناس کثیرون منهم ناصر بن برید.

و فی سنة خمس و ثمانین بعد الألف:

قحط شدید سمی جرمان و حدرت الفضول إلی الشرق.

و فی سنة ست و ثمانین بعد الألف:

ربیع الصحن و هی أول جرادان .. و فیها أسر براک آل غریر سلامة بن صویط.

و فی سنة سبع و ثمانین بعد الألف:

جلا مانع بن عثمان الحدیثة و ربعه إلی الأحسا، و مانع هذا هو أبو سعود و نحیط، و صارت الریاسة فیه لآل تمیم.
و فیها کثر الجراد و موت الناس من أکله، و هی منتهی جرادان.

و فی سنة ثمان و ثمانین بعد الألف:

ظهر محمد الحارث و قتل غانم بن جاسر الفضول، و هی سنة الظلفعة بین الحارث و الظفیر، و صارت علی الظفیر.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 78
و فیها وقعة هدیة بین بنی خالد، و أخذ آل کلیب، و قتل ساقان کبیر آل مانع.
و فیها توفی عبد الحی بن أحمد الشهیر بابن العماد.

و فی سنة تسع و ثمانین بعد الألف:

شاش السوق بین أهل البیر و السهول و رخص الزاد.

و فی سنة تسعین بعد الألف:

أخذ بن قطامی غنم أهل الحصون.

و فی سنة واحد و تسعین بعد الألف:

وقع سیل فی مکة: أغرق الناس، و أخرب الدور، و أتلف من الأموال ما لا یحصی، أغرق نحوا من مایة نفس و هدم نحو ألف بیت، و علی علی مقام إبراهیم و علی قفل باب الکعبة.
و فیها طلع نجم له ذنب فی القبلة، و فیها حج محمد آل غریر.

و فی سنة اثنین و تسعین بعد الألف:

وقعة دلقة و مقتلة عنزة. فتلوا منهم الظفیر ناس کثیر، و قتل فیها لاحم بن خشرم النبهانی، و حصن بن جمعان، و هی سنة حجرة الدغیرات فی رغبه، و أخذ محمد الحارث الدواسر حول المردمة، و فیها مقتل عدوان بن تمیم راعی الحصون، و بناء منزلته، و قتل محمد بن بحر فی المنیزلة الداخلة.

و فی سنة ثلاث و تسعین:

مات براک آل غریر، و صال أخوه محمد علی الیمامة.
و فیها مقتل الحمد الجلالیل فی مسجد منفوحة، قتلهم دواس بن عبد اللّه بن شعلان و هم جیرانه.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 79
و فیها قتل راشد بن إبراهیم صاحب بلد مرات، و توفی فیها عبیکة بن جار اللّه.

و فی سنة خمس و تسعین بعد الألف:

قتل دواس المزاریع فی منفوحة، و قتلة سطوة الدلم، و أخذت أهل حریملا القرینه و ملهم، و قتل فیها بن ذباح و بن عون و بن مسدر، ذلک أن العناقر قتلوا حشاشة أهل حریملا، فأغاروا أهل حریملا علی أهل ثرمدا، و أخذوا زملهم، و ذبحوا منهم رجال، و هی سنة البطین و دیغر، و أول حرب بین معمر و أهل حریملا.
و فیها ولدت امرأة من نساء العرب فی جهة الشبیکة من مکة کلبا، فخافوا الفضیحة فقتلوه.
و ولدت امرأة بالمویلح ولدا فذهب أبوه إلی السوق، فلما رجع قال له المولود: العوافی یا أباه، قضیت حاجتک. و تکلم بأشیاء کثیرة، و هذا من العجائب، و القدرة صالحة، ثم بعد ذلک فقد المولود.

و فی سنة ست و تسعین بعد الألف:

تولی عبد اللّه بن معمر فی العیینة، و حج تلک السنة، و مشی عبد اللّه و معه سعود بن محمد راعی الدرعیة، فقتل أهل حریملا عند الباب، و هی سنة المحیرس علیهم.
و فیها انکسر الزاد قریب الوزنة بمحمدیة، و تسمی شدیدة بن عون لان بن عون أخذ و قتل قرب الزلفی.
و قتل فیها عبیکة بن جار اللّه رئیس بلد ثرمدا، و محمد بن عبد الرحمن أمیر ضرما، و أخذوا آل ظفیر جردة، لثنیان بن براک بن غریر، و فیها رخص الزاد و کثر الفقع، و هی سنة دیدبا، و قیل سبع.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 80

و فی سنة سبع و تسعین بعد الألف:

استولی عبد اللّه بن معمر علی العماریة أخذها عنوة، و أخذ آل عساف عند عرقة. و هی سنة الوسید علی آل کثیر و حجرة آل نبهان فی الصفرة و قتلة المعلوم.
و فیها توفی الشیخ عثمان بن فاید النجدی الحنبلی المشهور.

و فی سنة ثمان و تسعین بعد الألف:

کمن ابن معمر لأهل حریملا ثانیا حول الباب، و قتل منهم عدة رجال، و وقعة المحاربة بینه و بین أهل الدرعیة بعد وقعته فی العماریة.
و فیها صالو أهل حریملا، و معهم محمد بن مقرن راعی الدرعیة و زامل آل عثمان، و توجهوا لسدوس، و هدموا قصره، و هی سنة الحایر علی المغیرة، و علی آل عساف، و قتله محمد الخیاری.
و فیها قتل حمد بن عبد اللّه فی حوطة سدیر و تولی القعیسا.
و فیها قتلت آل دهیش فی المجمعة قتلهم حمد بن علی رئیس المجمعة، و آل دهیش بن عبد اللّه الشمری، من رؤساء بلدة المجمعة ینازعون بنی عمهم آل سیف بن عبد اللّه الشمری الریاسة، ثم علی بن سلیمان و محمد بن علی، و وقع فی سدیر ریح عاصف رمت من نخل الحوطة ألف نخلة.
و فیها سطو آل محدث فی الزلفی، و قتل فوزان بن زامل فی الزلفی.

و فی سنة تسع و تسعین بعد الألف:

کثر العشب و الفقع و الجراد،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 81
و رخص الزاد حتی بلغ التمر عشرین وزنة بمحمدیة، و الحب خمسة أصواع، هذا فی سدیر، و بیع فی الدرعیة ألف الوزنة بأحمر، و أرخه عبد اللّه بن علی بن سعدون، و کان إذ ذاک فی الدرعیة قال:
الحمد للّه و بالشکر نعج‌لسحب تثج و أرض تمح
و تمر ثلاثة أصواعه‌بدفع المحلق فیها نزج
و بر فحرف بوسقینه‌و تاریخه ذا کساد یشج
الحرف من الدراهم الذی یتعاملون بها فی زمانهم، و الوسق قال المنقور: ستون صاعا بصاع العارض.
و فیها قتل جساس کبیر آل کثیر، و مناخ محمد آل غریر لآل عثمان أهل الخرج و حصاره لابن جاسر شیخ الفضول، و هی سنة زمتنان علی ابن جاسر و حصر فی سدیر شهر و نصف، و العویند علی آل کثیر.
و فیها، توفی أحمد بن زید الشریف.
و فی آخرها حصل وباء فی العارض مات فیه الشیخ عبد اللّه بن محمد بن ذهلان، و أخوه عبد الرحمن بن ذهلان فی العارض.
و فیها مات الشیخ محمد بن عبد اللّه بن سلطان بن محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن سلیمان بن جمعان بن سلطان بن صبیح بن جبر بن راجح بن خترش بن بدران بن زاید الدوسری، قاضی بلد المجمعة، و الشیخ عبد الرحمن بن بلهید.

و فی سنة مایة و ألف:

جاء مطر دقیق و برد شدید، و جمد المطر علی جرید النخل و غیرها، حتی أهداب عیون الإبل فسمیت سلیسل، و هی سنة الخلیل بین زعب و عدوان و بنی حسن و الساقة علی عنزة، و قتلة
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 82
الموح و عمار الجربا و فیها أخذوا الظفیر و الفضول الحاج العراقی عند التنومة.
و فیها مات عبد اللّه بن برهیم بن خنیفر العنقری رئیس بلد ثرمدا، و تولی فی ثرمدا بعده ریمان بن برهیم بن خنیفر العنقری.
و فیها تولی فی مکة الشریف محسن بن حسین بن زید بن محسن بن حسن بن أبی نمی بعد أحمد بن غالب، و عزل أحمد المذکور، و خرج إلی الیمن فأکرمه الإمام الناصر و قام بحوایجه.

و فی سنة واحدة و مایة و ألف:

عمر بن صقیة القرینة لأنها خرجت بعد عمارها الأول.
و فیها وقع طاعون البصرة بالعراق، قال محمد بن حیدر الموسوی، هذا الطاعون لم یعهد مثله لأنه أخلا البصرة و أخربها خرابا لم تعمر إلی زماننا هذا، و أهلک ببغداد أمة من المسلمین.
و فیها مات شقیر و ابنه من آل أبو حسین من أهل حوطة سدیر.
و فیها أکل الدبا الثمار، و مات فیها جابر بن ماضی و تولی ابنه ماضی فی الروضة.
و فیها مات أحمد بن علی إمام حوطة سدیر، و فیها أخذ محمد آل غریر جردة مقحم.
و فیها قتل جیش، و فزع راعی العیینة، و فیها قتل مرخان بن وطبان رئیس بلد الدرعیة، خنقه أخوه برهیم.

و فی سنة ثلاث و مایة و ألف:

مات محمد بن عثمان الغریر رئیس
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 83
بنی خالد، و قتل بن أخیه ثنیان بن براک و قتل فی مسیره الأول حسن جمال و بن عبدان، ثم قتل سرحان.
و فیها سطو آل جماز فی الجنوبیة فی سدیر و قتله آل غنام، و آل جماز المذکورین من بنی العنبر بن عمرو بن تمیم، و آل بن غنام من العناقر.
و فیها تولی سعدون بن محمد آل غریر الریاسة علی بنی خالد و أخذ زعب.

و فی سنة أربع و مایة و ألف:

الجریفة، و حصار بن جاسر الفضلی فی أشیقر و أظهروه بنی حسین.
و فیها قتل مسلط الجربا و هی سنة البنوان.

و فی سنة خمس و مایة و ألف:

تحاربوا أهل البیر و أهل ثادق، و قال المنقور، و فی آخرها: غرست سمحة و صلح أهل أشیقر، و حرب أهل سدیر الذی قتل فیه ابن سلیمان آل تمیم و محمد بن سویلم بن تمیم راعی الحصون، وعدا نجم بن عبید اللّه آل غریر علی آل کثیر و حجروه فی العطار، و أظهروه آل أبی سلمة.

و فی سنة ست و مایة و ألف:

وقع فی جریملا سیل أغرقهم فی الصیف، و خرب فی البلاد، و أوصل الخشب و غیره ملهم، و سموها زمامة.
و فیها ملک مانع بن شبیب البصرة. و هی سنة عروی علی السهول.
و فیها قتل دریس بن وطبان راعی الدرعیة. و توفی محمد بن مقرن
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 84
و برهیم بن راشد بن مانع راعی القصب و تولی ابنه عثمان. و قتل برهیم بن وطبان قتله یحیی بن سلامه أبا زرعة.

و فی سنة سبع مایة و ألف:

ظهر سعد بن زید الشریف علی نجد، و نزل الروضة، و قری جلاجل و الغاط، و ربط ماضی بن جاسر راعی الروضة.
و فیها وقعة الزلفی و ملک الحسنی له، و فیها إجلای آل عبهول من حوطة سدیر بعد غدرتهم فی آل بن شقیر و قودتهم آل أبو هلال، علیهم و ملکها القعیما هدلان و إخوته و آل شقیر و القعاسا من آل أبو حسین أهل حوطة سدیر من بنی تمیم، و کذا آل عبهول کل الجمیع من بنی العنبر بن عمرو بن تمیم.
و فیها ظهروا أهل رغبة فی جوهم الظاهری، و فیها استنقذوا آل أبو غنام و آل بکر منزلتهم من فوزان بن حمد بن حسن الملقّب بن معمر من آل فضل آل جرح من أهل عنیزة، و أظهروه من عنیزة بعد فضیة بریده و غدره فیهم.

و فی سنة ثمان و مایة و ألف:

ملک فرج اللّه بن مطلب راعی الحویزة البصرة.
و فیها توفی الأدیب المؤرخ عبد الملک بن حسین بن عبد الملک العصامی الشافعی المکی.
و فیها وقعة الأبرق بین الظفیر و الفضول و الدایرة علی الفضول.
و فیها ربط الشریف عبد العزیز سلامة بن صویط رئیس الظفیر.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 85

و فی سنة تسع و مایة و ألف:

جلو آل محمد و آل خرفان و آل راجح من بلد أشیقر، ثم رجع آل خرفان و آل راجح إلیها بعد أیام، و لم یرجع من آل محمد إلّا قلیل و تفرق باقیهم فی البلدان.
و فیها ظهر سعد الشریف علی نجد ثانیة و نزل الروضة.

و فی سنة عشر و مایة و ألف:

وجبة الجنوبیة و موت حسین الضبیب فی الجنوبیة.

و فی سنة أحد عشر و مایة و ألف:

طرد فرج اللّه بن مطلب من البصرة، و ملکوها الروم، و أخذ القعاسا الحوطة، و ملکو المدلج الحصون و أظهروا آل تمیم و ولو فیها بن نحیط و ملکو آل أبو راجح ربع آل أبو هلال، و ذلک أنه سار فوزان بن زامل بال مدلج و توابعهم و قضب مدینة الداخلة و استخرجوا آل أبو هلال من منزلتهم، و قتلوا من قتلوا منهم هم و ماضی بن جاسر، و رکدوا له الولایة و دمروا منزلة آل أبو هلال، و هی سنة وتر علی الظفیر.
و فیها أقبلوا آل شقیر محمد و ناصر من العیینة و قتلوهم أهل العودة.
و فیها مات ناصر بن حمد راعی المجمعة، و ربط سعد بن ید الشریف فی مکة نحو مائة شیخ من عنزة. و فیها سطوة بین عبد اللّه علی الدلم، و سطوة دبوس فی أشیقر و قتلته.
و فیها قتل علیان بن حسن بن مغامس فی قصر الحریق قتلوه آل راشد و آل محیوس، و جلال بن یوسف.

و فی سنة اثنتی عشر و مایة و ألف:

حصار بن صویط لآل غزی من الفضول علی سدیر ثالثة.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 86
و فیها اجتماع الروضة لماضی و سطوة راعی القضب فی الحریق هو و ابن یوسف صاحب الحریق، فملکوه و قتلوا ابنی راشد بن برید محمد و أخاه.
و فیها حرابة أهل أشیقر عند الحما، و أخذ الشریف و من معه أخذهم بنی حسین.

و فی سنة ثلاثة عشر و مایة و ألف:

تواقعوا الروم و الخزاعل، و ملکوا الفراهید آل راشد الزلفی و أظهروا آل مدلج.
و فیها مات سلامة بن مرشد بن صویط و دفن بالجبیلیة، و وقع بمکة غلاء عظیم.
و فیها وقعة السلیع و البترا عند نفود السر و أخذوهم الظفیر، و هم الحارث و عرب الحجاز.

و فی سنة أربعة عشر و مایة و ألف:

ملکوا آل بسام أشیقر غدرا، و أخذ عثمان الجنوبیة و قتل فایز، و تولی فی الحوطة عثمان القعیسا.
و فیها أخذ زعب و قتل فیها نوبان، و هی أول سمدان القحط و الغلا الذی سمد فیه الحجاز و کثیر من العربان، و فیها ساروا القبطان علی البصرة و فیها توفی العالم أحمد بن محمد بن حسن بن سلطان القصیر.
و فیها تنازل زید بن سعد الشریف عن ولایة مکة لابنه سعید باختیار منه، و صار اضطراب فی مکة لولایة المذکور إلی أن عزله باشا جدة، و ولی عبد الکریم بن محمد بن یعلی الشریف.

و فی سنة خمسة عشر بعد المایة و الألف:

سطو آل خرفان فی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 87
أشیقر، و ملکوا سوقهم و أخذ عبد اللّه بن معمر زرع القریبة و ملهم، و قتل محمد القعیسا، و ملک بن شرفان فی الحوطة و اجتمعت عنیزة لآل جناح.
و فیها اشتد المحل و الغلا و ذهبو هتیم و بعض الحجاز.
و فیها ولد الشیخ المشهور محمد بن عبد الوهاب رحمه اللّه فی بلدة العیینة. و فیها ملک برهیم بن جار اللّه العنقری بلد مرات.

و فی سنة ستة عشر و مایة و ألف:

قتل ریمان بن برهیم بن خنیفر العنقری راعی ثرمدا، و ملکوها آل ناصر، و أخذوا أهل حریملا سبیع و سدوس و حصروا عنزة بن معمر فی البیر و أخذوا رکابه، و جاء العیینة سیل خرب فیها منازل، و سطو آل بن خمیس أهل جلاجل فی الجنوبیة، و اعترض ماضی رئیس الروضة، فزعتهم فی الباطن و قتل منهم عامر بن مبارک، و هی شدة سمدان.
و فیها ملک العزاعیز اثیثیا، و غدر آل بسام أهل أشیقر فی آل عساکر، و قتلوا برهیم بن یوسف و حمد بن علی و جلو آل خرفان و آل راجح.

و فی سنة سبعة عشر و مایة و ألف:

حرابة أهل الروضة و سدیر و صاحب جلاجل قتل فیه محمد بن برهیم رئیس جلاجل و أخوه ترکی، و تولی فی جلاجل عبد اللّه بن برهیم.

و فی سنة ثمانیة عشر و مایة و ألف:

مات قاضی نجم بن عبد اللّه الحمید فی بلد ثادق.
و فیها قتل دبوس بن حمد بن حنیحن و استلوا آل برهیم علی البیر، و أخذ سعدون بن محمد الغریر شمر ندرک.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 88
و فیها سطوة أم حمار قتل فیها عثمان و عثمان و طلع بن بحر من مدینة الداخلة و خفرة آل مدلج.

و فی سنة تسعة عشر و مایة و ألف:

أوقعوا العنقر بأهل وثیثیة و قتلوهم.

و فی سنة عشرین و مایة و ألف:

قتل حسین بن مغیر راعی التویم.
و فی سنة واحد و عشرین و مایة و ألف اختلف النواصر فی الفرعة و قتلة (عیبان).
و فیها ظهر برهیم بن جار اللّه العنقری من بلد مرات و تولی فیها مانع بن ذباح.
و فیها وقع وباء فی سدیر مات فیه الشیخ عبد الرحمن بن عبد اللّه بن سلطان بن خمیس أحمد بن أبابطین و غیره، و هی سنة السیح و قیل التی بعدها.

و فی سنة اثنین و عشرین و مایة و ألف:

جاء برد و دق زرع ملهم ریح شدیدة طاح منها نخل کثیر فی البیر، و طاح قصر رغبه.
و فیها جاء دیا کثیر و خیفان أکل غالب الزروع و ثمرة النخل.
و فیها قتل عیاف و ربع معه من أهل مرات. و ناوخ سعدون بن محمد الغریر الظفیر.

و فی سنة ثلاث و عشرین و مایة و ألف:

جاء سیل و سمی، أغرق منزلة حریملا و طرح البیوت و المساجد، ثم جاء برد فی الذراع قتل کلما سنبل، و جا فی الصیف سیل أعظم من الأول، و ماح الزرع و حصل الغرب فی ضرما ألفین، و رخص الزاد، و فیها أخذوا أهل حریملا ملهم.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 89

و فی سنة أربع و عشرین و مایة و ألف:

وقع مرض فی ثرمدا و القصب و رغبه و البیر و العودة، و قتلوا القرینیة أهل رغبة.

و فی سنة خمس و عشرین و مایة و ألف:

مات الشیخ بن محمد المنقور، و کثرة القوافل من عنزة جاء و التمر علی مایة بالأحمر، و آخرها انتهی إلیه عند رحیلهم خمسین، و رخصت الجلایب، و بیعت الفاطر أدناها خمس محمدیات و أعلاها أربعین، و أعلا بیع ثمن الرکاب ثمانین جدیدة، و السمن عشرة أصواع.
و توفی العالم عبد الوهاب بن عبد اللّه بن عبد الوهاب.

و فی سنة ست و عشرین و مایة و ألف:

صال سعدون آل محمد الغریر هو و ابن معمر عبد اللّه بأهل العارض علی الیمامة و نهبوا منها منازل.
و فیها مات سلیمان بن موسی الباهلی و محمد بن علی بن عبد و غیرهم بسبب مرض وقع بالعارض.

و فی سنة سبع و عشرین و مایة و ألف:

مناخ سعدون المحمد الغریر لآل ظفیر و الحجاز، و قتلت سعدون بن سلامة بن صویط، و خلف محمد بن عبد اللّه راعی جلاجل علیه.
و فی المحرم منها حصل برد عظیم ضر النخل و کسر الصهاریج الخالیة من الماء، و جمد الماء فی أقاصی البیوت الکنینة، و ذلک من الخوارق، و دمر العارض حاج للأحساء أمیره ابن عفالق، و بیع فیه صاع السمن بمشخص و الطلی بأحمرین.
و فیها مات محمد بن عبد الوهاب.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 90

و فی سنة ثمان و عشرین و مایة و ألف:

سطا راعی المجمعة حمد بن عثمان علی الفراهید آل راشد فی الزلفی و لا حصل شی‌ء.
و فیها غارت الآبار، و غلت الأسعار، و مات مساکین جوعا، و هذا القحط لم یسم و قد استمر إلی سنة إحدی و ثلاثین.

و فی سنة ثلاثون و مایة و ألف:

أخذ بن صویط بن غیین و بن عفیصان الصمدة، و غدر و غدر خیطان بن ترکی فی بن عمه محمد بن عبد اللّه بن برهیم راعی جلال و سلم منه.

و فی سنة واحد و ثلاثین:

أخذت غنم أهل البیر، و قتل سبهان بن حمد، و خرب السیل فی ثادق و حریملا.

و فی سنة اثنین و ثلاثین و مایة و ألف:

قاضی بن صویط فی خبرا السبلة، و هی سنة الخباری، و وقع بالعراق طاعون مات فیه قدر تسعین ألف.

و فی سنة ثلاث و ثلاثین و مایة و ألف:

فی صفر مر حاج الأحسا علی العارض أمیره جبر، و مات علی أبا الجفان.
و فیها بیع التمر علی مایة و عشرین بالأحمر، و الحب علی خمسة و أربعین و فی رجب نوخ سعدون الغریر لآل کثیر علی عقربا، ثم حجرهم فی العماریة حتی سمدوا.

و فی سنة أربع و ثلاثین و مایة و ألف:

وقعة أهل المدینة و حرب، و صالح بن معمر أهل حریملا، و حجر بن مصیخ فی ثادق، و فیها أجلیو آل عفالق من الأحسا.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 91
و فی آخرها مات الشیخ منیع بن محمد بن منیع العوسجی، و قاض سعدون فی نجد، و صار برد شدید و جراد کثیر.

و فی سنة خمس و ثلاثین و مایة و ألف:

مات الرئیس سعدون بن محمد الغریر فی الجندلیة.
و فیها ملک محمد بن عبد اللّه راعی جلاجل الروضة، و بنی منزلة آل أبو هلال، و منزلة آل بو سعید، و منزلة آل بن سلیمان، و أخرج البعید من الحوطة و أسکن فیها أهلها آل بو حسین، و عزل بن قاسم عن الجنوبیة، و ولی آل بن غنام و ملک الرقراق الفرعة، و صالح بن معمر أهل العارض و تناوخوا الحمید للبجسة.
و فیها کانت شدة عظیمة، و هی مبادی سحی القحط و الغلا الذی اختلف أسمائه.

و فی سنة ست و ثلاثین و مایة و ألف:

عم القحط و الغلا من الشام إلی الیمن فی البدو و الحضر، و ماتت الأغنام و کل بعیر یشد و هثلوا أکثر البدو فی البلدان، و قاض بن صویط بین الشام و العراق، و غارت آبار وجلوا أهل سدیر، و لم یبق فی العطار إلّا أربعة رجال و غارت آباره الأرکیتین، و کذلک العودة الأرکیتین، جلا کثیر من أهل نجد إلی الحسا و البصرة و العراق فی هذه السنة و التی تلیها، و ذهبوا حرب و العمارات من عنزة، و ذهب جملة ماشی بنی خالد و غیرهم، و کان الأمر فیه کما قال بعض أدباء أهل سدیر فی تلک الأیام قصیدة یذکر فیها شدة ما أصابهم و یتوسل إلی اللّه و یدعوه، قال فیها:
غد الناس أثلاث: فثلث شریدةیلاوی صلیب البین عاری و جایع
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 92 و ثلث إلی بطن الثرا دفن میت‌و ثلث إلی الأریاف جالی و ناجع
و لا استکمل ...و لا أدری غدا ما للّه بالخلق صانع
و فیها هدموا آل أبو راجح منزلة آل أبو هلال.
و فیها مات بداح بن بشر بن ناصر العنقری راعی ثرمدا و تولی فیها برهیم بن سلیمان بن ناصر العنقری.
و فی ربیع الأول قتل سلطان بن ذباح و ولده و أخوه و بن برهیم بن جار اللّه رئیس بلد مرات، و هم من رؤساء العناقر قتلهم برهیم بن سلیمان بن ناصر بن خنیفر العنقری.
فیها مات أحمد بن محمد بن سویلم بن عمران العوسجی.

و فی سنة سبع و ثلاثین و مایة و ألف:

غلی الزاد فی الحرمین حتی لا یوجد ما یباع، و أکلت جیف الحمیر، و مات أکثر حرب و عرب القبلة، و اشتد المحل و القحط و الغلا إلی الغایة و مات کثیر من الناس.
و فیها نزل الغیث و کثرت السیول و الخصب و النبات فی کل مکان، و لم تزل الشدة و الموات من الجوع.
و فیها ماتت الزروع فی کل بلد و غلی الزاد و أکل الجراد ثمار جمیع البلدان إلّا ما کمّ من النخیل.
و فیها مات سعود بن محمد بن سعود بن مقرن رئیس الدرعیة و تولی فیها زید بن مرخان.

و فی سنة ثمان و ثلاثین و مایة و ألف:

کانت وجبة العیینة، حل بهم وباء أفنی غالبهم، و مات فیهم رئیسهم عبد اللّه بن محمد بن معمر الذی لم
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 93
یذکر فی زمنه و لا قبله فی نجد من یدانیه فی الریاسة، و لا سعة الملک و العدد و العدة و العقارات و الأثاثات، و مات ابنه عبد الرحمن، و تولی ابن ابنه محمد بن حمد بن عبد اللّه بن معمر الملقب خرفاش.
و فیها مات منصور بن حمد راعی المجمعة و ولده، و قتل برهیم بن عثمان راعی القصب قتله أبوه بن برهیم علی الملک.

و فی سنة تسع و ثلاثین و مایة و ألف:

غدر خرفاش یزید بن مرخان راعی الدرعیة و دغیم بن فایز الملیحی و قتله، و مات دواس راعی منفوحة و راعی الروضة، و حصل و هم مات فیه أناس کثیرون منهم محمد بن أحمد القصیر و غیره.
و فیها سطو النواصر فی الفرعة، و ملکوها و أکلوا ذرة أهل و أشیقر و نهبوها و هی سنة الذرة المشهورة رجعان سحی.
و فیها عزل خرفاش عبد الوهاب بن سلیمان عن القضا، و حکم أحمد بن عبد اللّه بن الشیخ عبد الوهاب، و انتقل عبد الوهاب بن سلیمان إلی حریملا و نزلها.
و فیها أخذو عنزة بن حلاف و الذی معه علی جلاجل و جات قافلة للموایقة، و اکتالوا التمر علی مایة بالأحمر و العیش أربعة أصواع بمحمدیة، و أخذ الشریف محسن عبید اللّه آل حبشی من بنی حسین عند المجمعة.

و فی سنة أربعین و مایة و ألف:

أقبل محسن الشریف و معه عنزة و عدوان و الحجاز و غیرهم، و نوخو بن حلاف و الذی معه من آل سعید و آل ظفیر علی ساقی الخرج و أقاموا علیه شهرا متناوخین، و ظهر علیهم
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 94
علی المحمد من الحسا بعسکر کثیر و أخذوهم و انهزم لآل ظفیر سبعین فرس و رکاب و دبش و أخذهم محمد بن فارس راعی منفوحة، و هذی وقعة الساقی المشورة علی صقر بن حلاف و من معه.
و فیها اکتالو بنی وهب حریملا، و أخذ الطیار المجادعة فی العرمة و معهم شریدا غیرهم.

و فی سنة واحد و أربعین و مایة و ألف:

توفی الشیخ إبراهیم بن سلیمان بن عبد الوهاب بن علی بن مشرف عم الشیخ محمد و مصطفی بن فتح اللّه الحلبی الشاعر.
و فیها حاصر الطیار قبائل الظفیر فی العارض و أخذ منهم إبلا کثیرة.

و فی سنة اثنین و أربعین و مایة و ألف:

سار راعی جلاجل و شهیل بن صویط و الظفیر علی التویم و أخذوه و فعلوا به ما فعلوا، و الذی قادهم علیه عبد اللّه بن حمد بن فواز لأنه جلوی و شیخ التویم یومئذ ابن عمه مفیز بن حسین بن مفیز بن زامل فهرب و تولی عبد اللّه المذکور.
و فیها أخذوا مطیر الحاج الأحسائی بالحنو، و قتل خرفاش قتله آل نبهان من آل کثیر، و تولی بعده أخوه عثمان بن حمد.
و فیها ملک محمد بن عبد اللّه راعی جلاجل الحصون و أمر فیه ابن نحیط.

و فی سنة ثلاث و أربعین:

تواقع بن صویط هو و عنزه علی قبه و أخذوهم، و فیها وقع برد قتل الزرع.
و فیها قتل سلیمان بن محمد أمیر الحسا قتله دجین.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 95

و فی سنة أربع و أربعین و مایة و ألف:

مات شهیل بن صویط و أخذ بن سعود محملات أهل العیینة.

و فی سنة خمس و أربعین و مایة ألف:

حاصر طهماز شاه بغداد.

و فی سنة ست و أربعین و مایة و ألف:

حصل خطیطه من بیان إلی الوشم إلی الدجانی، و اجتمعوا فیها البوادی بنی خالد و عنزة و مطیر و عتیبة و سبیع و زعب، و بنی حسین، و ذلک أنه قل الحیا و صار ما سواها محل.
و فیها قتل زید بن أبی زرعة قتلوع عنزة فی مناخ بینهم و تولی فی الریاض خمسین عبد آل زرعه، و قلیل أن ذلک سنة سبع.

و فی سنة سبع و أربعین و مایة ألف:

قتلوا الروم محمد المانع الشبیبی.

و فی سنة ثمان و أربعین و مایة و ألف:

أکل الدبا ثمار البلدان.

و فی سنة واحد و خمسین و مایة و ألف:

ظهر خمیس العبد من الریاض، و تولی فیها دهام بن دواس بشبهة أنه خال ولد زید، و أنه ضابط له حتی یتأهل للملک، و إلّا فدهام جلو عند زید مطرود، و من منفوحه ثم بعد ذلک طمع فی الملک و طرد ولد زید فأبغضه أهل البلد و هموا بعزله، و اجتمعوا لذلک فخرج علیهم و قتل منهم رجلین أو ثلاثة و بقی، خایف حتی أتاه المدد من محمد بن سعود و أمیرهم مشاری بن سعود و أقاموا عنده شهرا حتی استقر فی الملک.

و فی سنة ثلاث و خمسین بعد المایة و الألف:

توفی الشیخ عبد الوهاب بن سلیمان فی ذی الحجة.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 96

و فی سنة أربع و خمسین و مایة و ألف:

ذبحوا الروم المنتفق و سبوهم و قتلوا سعدون بن محمد المانع، الشبیب، و هی سنة قرادان، و قیل: هی سنة ست.

و فی سنة خمس و خمسین و مایة و ألف:

جا خصب، و جا الخرج سیل خربه، و هی سنة خیران المشهورة.
و فیها سار طهماز شاه إلی البصرة و حصرها الحصار المشهور و حصر بغداد.
و فیها کثر السیل و الأمطار حتی إن بعض بلدان نجد أقاموا شهرا ما طلعت علیهم الشمس.

و فی سنة ثمان و خمسین مایة و ألف:

توفی قاضی ثادق محمد بن ربیعة العوسجی فی صفر.
و فیها قتل محمد بن ماضی، قتله أخواه مانع و ترکی، و قتل عبد العزیز أبا بطین، قتله عمرو الشریف بأمر حمد بن محمد بن ماضی بن جاسر، لأن أبا بطین زوج بنت ماضی شقیقة مانع و هو أیضا ءفیق لمانع، فبعث مانع لترکی و هو فی جلاجل فأقبل بسطوة، فقتل محمد و تولی ترکی فی البلاد.
و فیها مات محمد بن عبد اللّه و تولی سوید بن محمد، فوقع الحرب بینه و بین ترکی، فسار إلیه فقتل ترکی و تولی أخوه فوزان جاء من الشمال، فأقام سنة ثم مشی هو و مانع إلی حمد بن محمد فأتوا به من حرمه و خلفوا علیه أباه و ولوه، و أقام خمس سنین، و سیرته غیر محمودة، ثم عزلوه و تولی فوزان فأقام خمس سنین، ثم تمالو آل مانع و بعض الرفاق
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 97
و الجماعة علی عزله، فعزلزه و ولو عمیر بن جاسر بن ماضی، فأقام خمس سنین، و بعد ذلک رجعت علی عیال محمد ماضی و عبد اللّه.
و فیها أخذ بن صویط بریده و غدروا آل شماس فی الهمیلی:
و فی أولها أو فی أول التاسعة انتقل الشیخ محمد بن عبد الوهاب بن إلی الدرعیة،
و فیها قتل دباس و حمد بن سرحان، قتلهم علی بن علی.

و فی سنة تسع و خمسین بعد المایة و الألف:

سطا دهام بن دواس فس منفوحه و هم عملا لابن سعود، و قتلت سطوته و معه الصمدة.

و فی سنة ستین و مایة و ألف:

قتل بن دواس فیصل و سعود ابنی محمد بن سعود، فاشتد الحرب بینهم، و منها وقعة دلقه و وقعة الشراک.

و فی سنة واحد و ستین و مایة ألف:

وقعة البطین علی أهل ثرمدا قتل منهم نحو سبعین رجلا و الأمیر عثمان رجلا و الأمیر عثمان بن معمر و معه عبد العزیز بن سعود و معه أیضا هبدان.
و فیها وقعة البنیة. و کان البرد فی هذه السنة عظیم قتل غالب الزرع، و هو مبتدأ القحط و الغلا المعروف بشیته.

و فی سنة اثنین و ستین و مایة و ألف:

وقعة الجنوبیة و هدم جدرانها و هجوم القحط.
و فیها حبس مسعود الشریف حاج نجد، و مات فی الحبس منهم کثیر.

و فی سنة ثلاث و ستین و مایة و ألف:

اشتد الغلا المسمی شیته.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 98
و فیها قتلوا أهل ضرما هبدان و أبوه برهیم بن محمد بن عبد الرحمن و قتلهم السیایرة.
و فیها قتل عثمان بن حمد بن عبد اللّه بن معمر أمیر العیینة یوم الجمعة فی المسجد قتلوه أهل وطنه لخیانته و ولو مشاری بن معمر.
و فیها توفی أحمد بن یحیی بن محمد بن عبد اللطیف بن إسماعیل بن رمیح قاضی بلد رغبة.

و فی سنة أربع و ستین و مایة و ألف:

وقعة الوطیّة؟ علی أهل ثرمدا و أمیر القوم مشاری بن معمر.

و فی سنة خمس و ستین و مایة و ألف:

رجعان شیته. و نهبوا الظفیر رغبة هم و أهل سدیر و أهل الوشم و منیخ و الزلفی.
و فیها قتل علی بن علی راعی العودة، و ابن سند فتلهم عبد اللّه بن عثمان.
و فیها قتل هزاع بن نحیط.
و فیها توفی العالم محمد حیاة السندی ثم المدنی، و عبد اللّه بن فیروز بن بسام. و فیها ارتدوا أهل حریملا و جرحوا أمیرهم محمد بن عبد اللّه.
و فیها قتل حمد بن عثمان الهزانی فی حرب ضرما.

و فی سنة ست و ستین و مایة و ألف:

تولّی حمیدة فی بنی خالد، حین غدروا المشاهیر فی سلیمان آل محمد و انهزم إلی الخرج و مات به، قم تولی اعریعر و قتل زعیر بن عثمان، ثم غدر فیه حمادة و انهزم عریعر،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 99
و صار فی جلاجل. ثم بعد ذلک ظهر من جلاجل علی مساعفه من بنی خالد و وعد و انهزم حمادة جلوی و استولی عریعر علی البادیة و الحاضرة.
و فیها وقعة السبلة علی الظفیر صالوا علیهم بنی خالد کبیرهم عبد اللّه بن حصین و شعثوهم و أخذوا علیهم دبش، و قیل فی السنة التی بعدها.

و فی سنة سبع و ستین:

طاح دهام بن دواس و بذل خیلا و سلاحا، فبعث إلیه الشیخ عیسی بن قاسم.

و فی سنة ثمان و ستین و مایة و ألف:

أجملوا أهل شقراء فی الدخول فی الدین.
و فیها فی شعبان حارب بن دواس و تظاهر هو و محمد بن فارس علی المحاربة. و فیها سار عبد العزیز بجیش علی حریملا و فتحوها عنوة. و فیها حرب حمادة و عنه. و فیها مات السلطان محمود، و سم موسی باشا و سید رمضان.
و فیها بوقه أهل ضرما فی راعی ثرمدا.

و فی سنة تسع و ستین و مایة و ألف:

بکر الوسمی و کثرة السیول و الخصب و سمیت سنة مطرب.
و فیها ساروا أهل سدیر و الوشم و المحمل و الریاض و غیرهم مع آل بن راشد و نازلوا حریملا و لم یدرکو شیئا. و فیها قطع نخل ثادق. و فی آخرها قتل آل سلطان، و ولایة عثمان بن سعدون علی العودة، و جلا فوزان بن ماضی، عن الروضة و ولایة عمیر بن جاسر.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 100
و فیها طاحو أهل سدیر و استولی علیه عبد العزیز فی رمضان و أخذوا الظفیر البجیدی علی التویم و ملک عریعر الحسا.

و فی سنة سبعین و مایة و ألف:

أخذ بن سعدون بنی حسین.
و فیها وقعة البطیحا بین أهل ثرمدا، و صارت السنة شهبة محل علی الناس.

و فی سنة واحد و سبعین و مایة و ألف:

مشا- مبارک بن عدوان علی حریملا کما تقدم.
و فیها أو فی الثانیة مسیر عریعر علی الجبیلة بجنوده و أهل الأحسا و من وافقه من أهل نجد و لم یدرک شیئا.
و غلی الزاد فی سدیر. و قتل فیها ترکی بن دواس، و بنی قصر الغذاونة.

و فی سنة اثنین و سبعین و مایة و ألف:

تآمر ساری بن یحیی فی ثادق.

و فی سنة ثلاث و سبعین و مایة و ألف:

حرایة الخرج و نهب فی الدلم دکاکین، و فیها عزل مشاری بن معمر عن إمارة العیینة.
و فیها غزا عبد العزیز منفوحه و أشعلوا فی زرعها، و أخذ آل عسکر علی الثرمانیة و غنموا دبش کثیر، و قتلوا رجال منهم فوزان الدبیجة.
و فیها هدم قصر بن معمر فی العیینة بأمر الشیخ محمد بن عبد الوهاب.
و فی هذه السنة غزا عبد العزیز بن سعود بلد المجمعة و قتل منهم خمسة رجال منهم علی بن دخان.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 101

و فی سنة أربع و سبعین و مایة و ألف:

قتل فهید بن دواس. و فیها أخذوا المسلمین آل فیاض و النبطة و غیرهم من سبیع فی العتک، و واقع عبد العزیز الروضة مرتین.
و فیها مات مبارک بن عدوان فی المجمعة بعلة الفالج.

و فی سنة خمس و سبعین و مایة و ألف:

وقع حیا کثیر و رجعان، و أصاب الناس وباء یسمی أبو دمغة مات فیه ناس کثیر، منهم عبد اللّه المویس قاض حرمه و محمد بن عباد، و حماد بن شبانة، و عبد اللّه بن سحیم، و براهیم المنقور و غیرهم، و حصل دبا أکل الثمار.

و فی سنة ست و سبعین و مایة و ألف:

غزو المسلمین الحسا، و أخذوا المطیر فی و ذبحو أهله.
و فیها ارتدوا أهل وثیثیه و قتلوا عبد الکریم بن زامل.

و فی سنة سبع و سبعین و مایة و ألف:

طاح دهام بن دواس و ساق ألفی أحمر.
و فیها غزو المسلمین جلاجل و طاح علیهم سوید و جمیع أهل سدیر.
و فیها وقعة قذلة قتل فیها من العجمان نحو خمسین رجل منهم بن طهیمان و أسروا مایتین و ثلاثین، و بسبب ذلک سار أهل نجران مسیرهم الآتی ذکره.

و فی سنة ثمان و سبعین و مایة و ألف:

وقعة حماد المدیهیم و هم السعید فی صفر علی جراب.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 102
و فیها فی ذا الحجة ولد عبد اللّه بن عبد العزیز بن سعود.
و فیها وقعة الحایر قتل نحو خمسمایة و أسر ثلاثمایة و خمسین، و أخذ تسعمایة تفق و أربعمایة سیف، و بعد هذا فادو الأسری بالأسری، و زادوا أربعمایة أحمر.
و فیها ظهر عریعر بأهل الحسا و بنی خالد و معظم أهل نجد، و ارتد أهل سدیر و الریاض و الحریق و غیرهم، و فی آخرها قتل محمد بن فارس راعی منفوحة و ولده و تأمر ولد زامل.

و فی سنة تسع و سبعین و مایة و ألف:

غدر بن دواس بأهل منفوحة و ثار الحرب الثالث بینه و بین بن سعود.
و فیها مات الرئیس محمد بن سعود رحمه اللّه و تولی ابنه عبد العزیز و فیها أخذوا آل شلیه فی العرمة.
و فیها جاء برد عظیم فی رمضان فی العقرب الوسطی، و قتل غالب الزروع.
و فیها ظهروا آل عجمان و الدواسر فی الخضار، و قطنو الدجانی.
و فیها قتل عیبان و أولاده من النواصر أهل الفرعة، و قتلوه أهل شقرا.
و فیها وقعة الصحن علی أهل ثرمدا قتل فیها بن عید و ولدی برهیم بن سلیمان الصغار.

و فی سنة واحد و ثمانین و مایة و ألف:

قتل عثمان بن سعدون، و استولی منصور بن حماد علی العودة بعد قتله عثمان.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 103
و فیها مات عبد اللّه بن عبد اللطیف الأحسای، و فیها طاحوا أهل سدیر و الوشم.
و فیها وقعة باب الثمیری فی الریاض، و مات فیها برهیم بن سلیمان راعی ثرمدا.
و هی أول سوقه، بلغ العیش فیها مدین بمحمدیة، و التمر وزنه، و اشتد الغلا و مات کثیرا من الناس جوعا و مرضا، و جلا أکثرهم فیها و فی التی بعدها، لکن أخرها نزل الحیا و سمی و سمی مبکرا، و ارجع منیخ و غالب البلدان، و لم یزرعوا فی القیض بسبب الجندب قطع الزروع.
و فیها فتحت الهلالیة طاحو جمیع أهل القصیم.

و فی سنة اثنین و ثمانین و مایة و ألف:

توفی الإمام الشهیر محمد بن إسماعیل الصنعانی رحمه اللّه، و هو البدر لا یخفی علی الناس ضوئه.

و فی سنة ثلاث و ثمانین و مایة و ألف:

حصل الخصب، و فیها وقعة الکلبیة قتل فیها عبد اللّه بن عثمان بن حمد راعی المجمعة و أخوه قویفل، و جلا عبد اللّه بن محمد کبیر المتفق عند عریعر و ولی أمرهم فضل.
و فیها وقعة المحمرة، و فیها حصل و باء عظیم و وقع اختلاف و حرب بین مساعد الشریف و برکات أشراف مکة، و صارت الغلبة لمساعد.

و فی سنة أربع و ثمانین و مایة و ألف:

مات مساعد الشریف و تولی أخوه أحمد و فیها سطوة آل علیان علی راشد الدریبی، و استولوا علی بریدة و أجلوه.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 104
و فیها مات صالح أبا الخیل فی القصیم و قتل غیره من المطاوعة.

و فی سنة خمس و ثمانین و مایة و ألف:

عثر فرس داوس بن دهام فی صفاء الظهر التی بین عرقه و القواره فقتل، و فی ذلک انقتل أخوه سعدون بن دهام أثناء حربهم مع عبد العزیز بن سعود.

و فی سنة ست و ثمانین و مایة و ألف:

تحاربو آل مساعد و عمهم أحمد و أجلوه عن مکة و تولی سرور بن مساعد.
و فی آخرها أو أول التی تلیها وقع الطاعون ببغداد و البصرة و نواحیها، و لم یبق من أهل البصرة إلّا القلیل. و قد أحصی من مات من أهلها فبلغوا ثلاث مایة و خمسون ألفا، و من أهل الزبیر نحو ستة آلاف نفسا.
و فیها ظهر دهام بن دواس من الریاض منهزما بعد ما حارب سبعا و عشرین سنة. و جملة الذی انتقل من أهل الریاض فی هذه الحروب ألفین و ثلاث مایة رجل، و من المسلمین ألف و سبعمایة.

و فی سنة ثمان و ثمانین و مایة و ألف:

نهب عریعر بریدة خدیعة، و بعدها بشهر مات علی الخابیة. و قد جمع الجموع و استعد للمسیر إلی العارض. ثم استولی بعده ابنه بطین و أراد إتمام ما همّ به أبوه فلم یقدر اللّه ذلک، ثم إن إخوانه دجین و سعدون قتلوه خنقا، و استولی دجین و لم یلبث إلّا مدة یسیرة حتی مات، قیل: إن سعدونا سقاه سما ثم استولی سعدون.
و فیها قتلو بنی خالد غزو أهل الوشم عند النبقیة.

و فی سنة تسع و ثمانین و مایة و ألف:

حاصروا العجم البصرة، سار بهم کریم خان الزندی، و استمر الحصار سنة و نصف، و تسلمها
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 105
سلیمان باشا، و فیها توینی بن عبد اللّه و غیره، ثم استولوا علیها العجم و نهبوها غدرا بعد الصلح و ساروا إلی بلد الزبیر فدمروه و نهبوه، و انهزم أهله إلی الکویت.
و فیها وقعة نجران الثانیة، و مات فیصل بن شهیل بن سلامة بن مرشد بن صویط.

و فی سنة تسعین و مایة و ألف:

عصوا أهل الحسا علی سعدون و هموا بالامتناع، فأقبل علیهم فی سنة تسعین فلم یدرکوا مرادهم و تخاذلوا، و تسمی عندهم سنة عامر.
و فیها وقعة مخیریق الصفا بین عبد العزیز و آل مرة، قتل فیها نحو ستین، منهم عبد اللّه الحسن أمیر القصیم.

و فی سنة واحد و تسعین و مایة و ألف:

استلحق عثمان بن عبد اللّه أهل العارض علی بلد حرمة و لم یکن حرب و لا قتال، و راحوا معهم بأمیر الحوطة- صعب بن مهیدب و أمیر العودة و منصور بن حماد.
و فی القیض قتل أهل حرمة أمیرهم عثمان بن عبد اللّه ثم أتی جیش أهل العارض و ضبطو المجمعة و ذهبو بأمیرها حمد بن عثمان، و سوید بن محمد بن عبد اللّه، و عیالهم و ثقلهم إلی الدرعیة. و فیها وقعة الجیش للدلم.

و فی سنة ثلاث و تسعین و مایة و ألف:

سار سعود إلی حرمه فأخذها و قتل فی الوقعة عبد اللّه بن حسن و عیاله و قبلهم مدلج المعیی و غیره، و جلا بعض أهلها إلی الزبیر، و قطع نخل قاضیهم عبد اللّه آل مویس.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 106

و فی سنة أربع و تسعین و مایة و ألف:

مات القاضی أحمد التویجری، و جاء سیل عظیم فی عنیزة أغرق البلد و أهلها، و محی منزلتها و طالعوا المسلمین الزلفی، ثم طاحوا بعدها.
و أغارو سبیع علی أباعر الظفیر علی سفوان، و أخذوا منها نحو أربعة آلاف بعیر، و أغاروا أهل القصیم علی حرب و أخذوا إبلا کثیرة.

و فی سنة خمس و تسعین:

نخل بن عشبان خضرا نحو ألفین نخلة و بنی قصر البدع،
و فیها قتل جدیع بن هذال. فویها نیة مبایض علی بن حلاف السعید و أبا ذراع الصمدة و غیرهم و أخذوا.
و فیها مشی سعدون بن عریعر علی البدع. و مات حسن البجاری بعد أیام. و بعدها بأیام شحمة نخیل الرحیل فی الحویطة و الأمیر فی ذلک الممشا عبد العزیز.

و فی سنة ست و تسعین و مایة و ألف:

ذبحت المطاوعة فی القصیم، و بعد ذلک نزل سعدون علی مبایض، و ساروا آل ماضی بعد عید النحر إلی الروضة و معهم آل مدلج و أهل الزلفی و غیرهم کابن زامل و أهل الخرج، و سطوا فی الروضة و استولوا علیها و أمنوا أهل القصر الذی فیها و أظهروهم، و من حین دخلوها حل بهم البوار، و قتل رئیسهم عون بن مانع و تقدم فیهم أخوه عقیل، و لم تطل المدة حتی خرجو و جلو، و قیل:
إن مده لبثهم فیها نحو شهر.

و فی سنة سبع و تسعین و مایة و ألف:

أخذ سعود الصهبة علی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 107
المستجدة، و قتلوا دخیل اللّه بن جاسر الفغم و خلف، و أخذ إبلا و غنما وقش و عشر من الخیل.
و فیها قتل زید بن زامل و أول القحط المسمی دولاب، بیع الحب علی مدین بجدیدة و التمر وزنه و نصف بجدیدة، و شدته فی الثامنة و التسعین و استمر إلی تمام المائتین.

و فی سنة ثمان و تسعین و مایة و ألف:

وقعة العیون، و قتل فیها ناصر بن عبد اللّه أمیر جیش سدیر، و طالعوا أهل الیمامة فی ذلک الممشا، و قتلوا منهم نحو تسعین رجلا.

و فی سنة تسع و تسعین و مایة و ألف:

قتل براک بن زامل، قتله أولاده عمه و تزبنوا العارض.
و فیها وقعة الثلیما، و فی آخرها قتل ترکی بن زامل و أخذت الدلم عنوة و أذعنت بقیة البلدان.
و فی آخرها و أول التی تلیها وقع فی الإبل موت عظیم خلت منه مرح غالب البوادی و الحضر، حتی إن مطیة المسافر تموت و هو فوقها، و سمیت سنة جزام الثانی.

و فی سنة مایتین و ألف:

رجعان دولاب.
و فیها جلا سعدون بن عریعر إلی العارض و استولی علی بنی خالد و الحسا عبد المحسن بن سرواح و تسمی جضعه.

و فی سنة واحد و مائتین و ألف:

فی المحرم، سار ثوینی بالعساکر علی نجد و أخذ التنومة و نازل بریدة ثم انصرف عنها و لم یدرک شی‌ء، فلما
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 108
وصل البصرة سیّر علیه سلیمان باشا العساکر و الجنود، و کسره و انهزم جالیا، و ولی الباشا حمود بن ثامر مکانه.

و فی سنة ثنتین و مائتین و ألف:

وقعة قطر علی ید سلیمان بن عفیصان.
و فیها مات القاضی حسن بن عیدان، و حمد بن قاسم، و حمد الوهیبی، و عبد الرحمن بن ذهلان و کلهم قضات، و مشاری بن برهیم بن معمر، و توفی شریف مکة سرور بن مساعد.
و فیها بویع لسعود بولایة العهد بأمر من أبیه و من الشیخ محمد عبد الوهاب، و فی سنة ثلاث و مائتین و ألف أخذت حلة ثوینی أخذها سعود و قبلها و یقه.
و فیها مات السلطان عبد الحمید و تسلطن أخوه سلیم.
و توفی الشیخ عبد الوهاب بن محمد بن فیروز.

و فی سنة أربع و مائتین و ألف:

وقعة غریمیل. و فیها نزل علی حریملا برد عظیم فی الوسمی، و قتل المواشی و الشجر، و خرق السطوح و کسر أوانی النحاس، و أهل التمرتین.
و فیها مغزا قریة الفضول.

و فی سنة خمس و مائتین و ألف:

وقعة قصر بشام و الشعرا و مغزا رمحین.
و فیها وقعة العدوة علی مطیر و شمر قتل فیها مصلط بم مطلق الجربا و حصان إبلیس من البراعصة، و أبا هلیبة و سمرة الملعبی.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 109

و فی سنة ست و مائتین و ألف:

أخذت سیهات و غیرها من بلاد القطیف و صالحوا أهل الفرضة عنها بخمسة آلاف أحمر.
و فیها قتل عبد المحسن بن سداح.
و فی آخر شهر ذا القعدة مات الشیخ محمد بن عبد الوهاب رحمه اللّه و بن عمه عبد الرحمن بن برهیم بن علی بن سلیمان، و کان فقیها، و مات ناصر بن عقیل الملقّب جعوان أمیر المجمعة.
و فیها أغار هادی بن غانم بن قرملة شیخ قحطان علی مطیروهم علی الحنابج، و أخذ منهم إبلا کثیرة.

و فی سنة سبع و مائتین و ألف:

فی أولها، مغزا الشقر، و فیها جلو آل عریعر و استولی علی بنی خالد براک العبد المحسن. و فی آخر رجب غزا سعود و حصلت وقعة الشیط.
و فی شوال قتلوا أهل الأحسا محمد الحملی و حسین أبو سبیت و المطاوعة الذی من أهل نجد، و هم: عبد اللّه بن فاضل، و برهیم بن حسن بن عیدان، و حمد بن حسین بن حمد، و محمد بن سلیمان بن خریف، و رجاجیلهم و من علی حبلهم، و فیها مات سلیمان بن عفیصان أمیر الدلم.

و فی سنة ثمان و مائتین و ألف:

خسف القمر لیلة الخمیس رابع عشر المحرم، و کسفت الشمس فی آخره یوم الخمیس أیضا.
و فی أولها نهاب الحسا و فیها تولی براک علی الحسا بعد ما وفد علی عبد العزیز، و أجلیو آل عریعر.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 110
و فیها غزا محمد بن عبد اللّه بن معیقل و حصل ذبحة بن شری.
و فیها حصل ربیع عظیم و تسمی سنة مواسی. و فیها عاهدوا أهل جوف آل عمرو و هو دومة الجندل، و قتل فی مغز الجوف عمهوج المعرقب، و فیها مغزا الحویلة غزاها غزاها برهیم بن سلیمان بن عفیصان، و قتل فیها محمد بن غریب.
و فی سابع عشر رجب مات سلیمان بن عبد الوهاب.
و فی أول رمضان توفی الشیخ محمد بن عثمان بن شبانة.

و فی سنة تسع و مائتین و ألف:

وقعة القواسم فی شعبان، و فی آخرها مغزا تربه، و فیها قتل علی بن محمد بن غشیان.

و فی سنة عشر و مائتین و ألف:

وقعة أبو محیور و القدح قتل فیها سبیلا بن منصور، و ذلک فی جماد الآخر. و بعد رمضان وقعة الجمانیة، و کذلک قتل الکیخیا أحمد بن الخرنبده قتله سلیمان باشا و حاز جمیع خزائنه و أمواله، و هی سنة غوران.
و فی آخرها مناخ الرقیقة.

و فی سنة أحد عشر و مائتین و ألف:

عزل الباشا حمود بن ثامر و ولی ثوینی، فسار ثوینی بقومه إلی الأحسا فقتل علی الشباک، قتله طعیس عبد من عبید جبور بنی خالد، و ذلک رابع المحرم أول الثانیة عشر.
فأمروا أخاه ناصر بن عبد اللّه، ثم حصلت مسحبة المشهورة.
و فیها حصل و سمی خرب حلة الدلم. و فی الصیف نزل یرد علی حریملا قتل بهایم و غیرها، ثم جاء سیل خرب فی حوطة بنی تمیم
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 111
و الدرعیة و العیینة، و جاء دبا أکل غالب الزرع و الثمار و الأشجار، و قویت المحاصیل فی ذرة القبض و رخصت الأسعار، و هی سنة موصه.

و فی سنة اثنی عشر و مائتین و ألف:

ولی سلیمان باشا حمود بن ثامر.
و فیها وقعة عقیلان، و فیها قتل مصلط بن محمد الجربا و أخوه قرینیس، و فیها مغز البیض و السوق و أخذوا شمر و بعض، و قتل مطلق الجربا و قتل أیضا براک آل عبد المحسن، و محمد آل علی المهاشیر.
و فی آخرها وقعة الخرمة قتل فیها من عسکر الشریف غالب ألف و مائتین و عشرین رجلا، و غنموا أموالا لا یحصی، قیل: إن خزانته ثمانیة عشر ألف شخص، و قیل فی هذه الوقعة قصاید کثیرة، منهم قول راجح الشریف من قصیدة طویلة لیست عربیة، منها:
ی جونا الدواسر مع فریق القحاطین‌کلنا لهم بالمد و أوفو لنا الصاع
الأشراف لانو عقب ما هم بقاسین‌و الشق ما یرفاه خمسة عشر باع
و فیها أخذ نابلیون مصر خدیعة و کذلک الشام أخذها بحرب عظیم، و قد أرخ بعض فضلاء أهل الحرمین استقرار الفرنسیین فی مصر بقوله:
أبا لهف نفسی علی ما جری‌توالی الخطوب علی القاهرة
تولی الإفرنج بها بغتةو حلوا منازلها العامرة
و لکن بفضل الکریم‌تعاد لهم کرة خاسرة
و قد صح ما قال تاریخه‌إله له حکمة بالغة
و فیها بعد وقعة الخرمة لم یلبث الشریف غالب أن صالح بن سعود و أذن لهم فی الحج.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 112

و فی سنة ثلاثة عشر و مائتین و ألف:

طاحت بیشه و تأمر فیها سالم بن محمد بن شکبان الرمئین.
و فیها سار علی الکیخیا بالجنود المصریة حتی وصل الأحسا، فحاصرهم من سابع رمضان إلی سابع ذی القعدة، و لم یدرک شیئا فرحل عنهم.
و فیها توفی الإمام العالم الزاهد النسیب السید محمد الجیلانی المغربی المالکی، کان ذوا شهرة، توفی بصعید مصر مبطونا رحمه للّه.
و فیها مناخ ثاج، و فیها حج أهل شقرا و معهم علی بن الشیخ و برهیم و سلیمان بن مضیان و رفقه من أهل القصیم و قضو حجهم.

و فی سنة أربعة عشر و مائتین و ألف:

حج الأمیر سعود أول حجه.

و فی سنة خمسة عشر و مائتین و ألف:

حج الإمام عبد العزیز بن محمد بن سعود و رجع بعد سبعة أیام أو ثمانیة من الدمیثات، و حج بالناس سعود و فی آخرها توجه سعود إلی الشمال.
و فی سنة ستة عشر و مائتین و ألف کانت وقعة کربلا المشهورة.
و فیها استولی سلطان بن أحمد إمام مسکة علی بلد البحرین.
و فیها توفی الشیخ محمد بن عبد اللّه بن فیروز.

و فی سنة سبعة عشر و مائتین و ألف:

فی ربیع، مات سلیمان باشا أبو خرما وزیر العراق و تولی مکانه علی الکیخیا.
و فیها استرجعوا الروم مصر من الفرنسیین و أظهروهم منها.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 113
و فیها مات حمود بن ربیعان، و بادی بن بدوی بن مضیان الحربی.
و فی آخرها انتقض الصلح بین غالب الشریف و بین عبد العزیز، و فی تلک الأیام فارقه وزیره عثمان بن عبد الرحمن المضایفی.
و فی آخرها کان فتح الطائف عنوة، و غنموا منه أموالا کثیرة نفیسة، و توجه سعود بالجنود إلیهم، و نزل الریعان وقت الحج، ثم خرجوا الحاج من مکة و خرج منها غالب و صار فی جدة فدخلها سعود بن عبد العزیز و من معه و اعتمروا. ثم توجهوا إلی جدة و أقاموا علیها أسبوعا و رجعوا، و لم یدرکوا منها شیئا و أمر سعود فی مکة عبد المعین بن مساعد.

و فی سنة ثمانیة عشر و مائتین و ألف:

رجع غالب الشریف من جدة إلی مکة و أزال أخاه.
و فیها توفی الإمام عبد العزیز بن محمد بن سعود رحمه اللّه، و ذلک فی العشر الأواخر من رجب یوم الاثنین اثنین و عشرین منه، أثناء صلاة العصر، طعنه رجل عراقی، لا یعرفله بلد و لا نسب- فی خاصرته، و لم یلبث إلّا قلیلا حتی قضی و جرح أخاه عبد اللّه بن محمد.
و فیها مات باشا الشام أحمد بیه الجزار صاحب عکا.
و فی آخرها وقعة برج الدیهمیة فی الزبیر و جنوب البصرة.

و فی سنة تسعة عشر و مائتین و ألف:

قتل إمام مسکه سلطان بن أحمد بن سعید قتله القواسم و تولی بعده ابنه سعید بن سلطان.
و فیها غضب سعود علی السباسب و حبس أعیانهم فی الدرعیة.
و فیها عزل سلیمان بن ماجد عن الأحسا و أمروا فیه برهیم بن عفیصان.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 114
و فیها ثار محمد علی علی محمد باشا وزیر مصر، فطلب منه علوفتهم فماطلهم، ففتکوا به و انتصب محمد علی مکانه و کاتب الدولة و ادعی علی الوزیر بشی‌ء من المخالفات عندهم، فأتاه التقریر فی المنصب، ثم استحکم أمره.
و فیها وقع بعض المحل ماتت فیه أغنام البوادی و وصل فیه العیش صاع بجدیدة و التمر وزنتین، قلت و هو أول الخلل و النقص و الغلا.
و فی ذی الحجة منها وقعة الظفیر.

و فی سنة عشرین و مائتین و ألف:

أمر سعود ببنا قلعة بوادی فاطمة فبنیت.
و فیها وقعة السعید بین عبد الوهاب أبو نقطة و بین غالب الشریف.
و فیها اشتد الغلا علی الناس، و سقط کثیر من أهل الیمن و ماتت إبلهم و أغنامهم، و فی ذا القعدة منها بلغ الحب ثلاثة أصواع بالریال علی حساب مدین بجدیده، و التمر سبع وزان بریال، و بیع فی الوشم و القصیم علی خمس وزان بالزر أو بالریال علی حساب وزنه بالمحمدیة. خزانة التواریخ النجدیة ؛ ج‌3 ؛ ص114
فی مکة فالأمر فیها عظیم لأجل الحصار و قطع المیرة و السابلة.
قیل: بلغ کیلة الأرز أو الحب ستة أریل، و الکیلة أقل من صاع، و بیعت فیها لحوم الحمیر، و الجیف بأغلا ثمن، و أکلت الکلاب، و بلغ رطل الدهن ریالین، و اشتد البلا علیهم، مات خلق کثیر من الجوع و قد تواتر هذا و ثبت.
و فیها سار عبد الوهاب أبو نقطة و من معه و حصروا مکة و بها الحاج، ثم إن غالب اشتد به الحال فصالح عبد الوهاب علی أن یکف عنه
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 115
و عن الحاج و یمهلهم حتی یواجهوا سعود، و تواجه عبد الوهاب و غالب و تهادوا و تم الصلح و حجوا و اعتمروا ثم انصرفوا و معهم سالم بن شکبان مریض مدنف. ثم توفی لما وصل بیشه. و أقر سعود بعده ابنه فهاد و أتم سعود الصلح و قرره.
و فیها قتل دوخی بن حلاف و راشد بن فهد بن عبد اللّه آل سلیمان بن صویط و کبیر الرکب الذی قتلهم منصور بن ثامر. و فیها عاهدوا أهل المدینة سعود قبل صلح غالب.
و فیها فی ذا القعدة تأمر فی التویم عبد اللّه بن سعید.

و فی سنة إحدی و عشرین و مائتین و ألف:

غزوة المشهد و السماوة.
و فیها قتل سلیمان بن مدیغر الملقب السلمه. و فیها قتل بدر بن إمام مسکه، قتله أولاد سلطان لیستبدوا بالملک.
و فیها مات أمیر حرب بدای بن بدوی بن مضیان بالجدری و ولی أخوه مسعود.
و فیها حج الناس، حج بهم سعود بن عبد العزیز، و منع الحاج الشامی من الحج و کبیرهم عبد اللّه العظم.
و فیها قدم سعود المدینة و رتبها و أجلا عنبر باشا الحرم و القاضی و من یحاذر منه، و کذا من فیه من عساکر الترک.

و فی سنة اثنین و عشرین و مائتین و ألف:

ولی یوسف القنج الشام و الحاج و عزل عبد للّه العظم.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 116
و فی هذه السنة اشتد الغلا، بلغ البر أربعة أصواع و التمر اثنعشر وزنة، و أمحلت الأرض، مات غالب أدباش البدو، و سمیت حطاب.
و فیها کثر الجرب و کثر الحیا بعد رمضان و الغلا علی حاله.
و فیها توفی والدی عمر بن محمد بن حسن الفاخری رحمه اللّه صبیحة الجمعة سادس عشر من جماد الثانیة.
و فیها حج سعود بالناس و قدم المدینة و أخذ شیئا مما فی الحجرة، و لم یحج أحد من أهل الأقطار الشاسعة.

و فی سنة ثلاث و عشرین و مائتین و ألف:

غزا سعود مغزا کربلا الثانی، و لم یدرک منها شیئا، و قتل من قومه سعد بن عبد اللّه بن عم سعود و مشاری بن حسن بن مشاری، ثم وصلوا أشتاتا و أخذوها ثم رجعوا.
و فیها حج سعود بالناس و لم یحج أحد من أهل الأقطار سوی شرذمة قلیلة من أهل المغرب و شرذمة قلیلة من العجم.
و فیها ولی السلطنة محمود بن عبد الحمید، و فیها کان الغلا فی جمیع النواحی فویها کان الوباء و المرض الذی عم. و فیها مات محمد بن سلطان العوسجی بعد عید النحر و هو قاضی الحسا، و عبد العزیز بن ساری.

و فی سنة أربع و عشرین و مائتین و ألف:

اشتد الوباء و المرض فی الدرعیة، مرض کثیر منهم و سلموا، و مرض غیرهم فماتوا. و من أعیانهم حسین بن الشیخ، و علی بن موسی، و سعد بن عبد اللّه بن عبد العزیز.
و فیها وقعة الزیرة بین الظفیر و شمر و أخذوهم الظفیر، و بعد ذلک کاتبو سعود و ظهرو إلی نجد.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 117
و فیها فی القیض حصل مطر سال منه حکر العیینة و کذا الصفرة و بعض البیر، و کذلک الحریق و الحوطة و الأفلاج و هو وقت ظهور الهقعة فی آخر حزیران وقت حلول اشمس برج السلطان. قل: و لعله فی أول تموز.
و فیها مغزا تهامة الذی قتل فیه عبد الوهاب بن عامر المعروف بکنیة أخیه أبو نقطة، و الوقعة بوادی بیش.
و فی آخرها حدر بن معیقل و بن عفیصان عبد اللّه إلی الزبارة و ضبطوا أمر الخلیفة حتی رجع سعود من الحج.
و فیها مات أحمد بن محمد بن حسین بن رزق فی بلدة قردلان بعدما استوطنها و استقر أمره فیها. و خلف من المال ما قیمته ألف ألف و مایة ألف. و ابن رزق هذا أصله من آل رزق أهل الغاط، و الظاهر أنهم من بنی خالد
و فیها استولوا الإنکلیز علی رأس الخیمة و أحرقوها و دمروها.
و فیها حدر عبد اللّه بن مزروع و مطلق المطیری إلی عمان و اجتمع إلیه أهل عمان، و قاتل أهل الباطنة سحار و نواحیها، و هی إذ ذاک ولایة لعزان بن قیس، و قتل من عسکر عزان مقتلة عظیمة و استمر الأمر إلی أن دانت عمان کلها و لم یبق محاربا، إلّا مملکة الإمام سعید بن سلطان و هی مسکه و نواحیها.

و فی سنة خمس و عشرین و مائتین و ألف:

و فیها قدمو آل خلیفة إلی الدرعیة کرها، و قد أخذت خیلهم و شوکتهم، فقرر علیهم سعود ما حدث منهم، ثم اعتقل رؤسائهم: سلیمان بن أحمد و أخیه عبد اللّه
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 118
و غیرهم، ورد أبناءهم و من معهم، و أقر علی بن محمد أمیرا فی الزبارة، و عبر فهد بن عفیصان ظابطا للبحرین.
ثم إن أولاد الخلیفة نقلوا أهلهم و من لهم فی الزبارة فی السفن و ذهبوا إلی إمام مسکه، فاستنجدوه هو و النصاری الذین عنده، فساروا و نزلوا لابحرین و أحاطوا بفهد و من معه و هو فی قصر المنامة. ثم أخرجوهم بأمان، فأمسکوا فهد و من معه قدر ستة عشر رجلا رهینة فی رؤسائهم و أطلقوا الباقی.
و فیها غزوة الشام وصل سعود رحمه اللّه إلی قصر المزیریب، و نزل فی عین البجه، ثم نزل عند بصری، و غنم ما شاء اللّه، ثم رجع. و بعد ذلک جاء العزل لیوسف صاحب الشام، فثار علیه سلیمان باشا صاحب عکا فأجلاه و احتوی علی جمیع أمواله و ولّی إمارة الشام.
و فیها فتحت اللحیة و الحدیدة علی ید عثمان المضایفی و طامی.
و فیها عزل سلیمان باشا من بغداد و قتل، و ذلک أنه طلب منه الخراج و الضمان مدة سنتین فلم یحصل.
و فیها حج سعود بالناس حجته السابعة و أوعب معه رعیته للحج و لم یحج غیرهم أحد. و بعد رجوعه أطلق الخلیفة فرجعوا إلی البحرین و أطلق فهد بن عفیصان و من معه، فلما وصل الخیفة إلی البحرین حشدوا السفن و تواقعوا هم و برهیم بن عفیصان و من معه و رجمه بن جابر و أبا حسین أمیر الحویلة و قطر و من معهم، فاقتتلوا قتالا عظیما فی الخویر الذی یسمی خویرمان. ثم اشتعلت النار فی السفن فأحرقتها و ما فیها، و نجا من نجا، و ممن قتل أبا حسین أمیر الحویلة و دعیج بن سلمان بن صباح، و راشد ولد عبد اللّه بن أحمد و غیرهم.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 119
و فیها حشد سعید بن صلطان و استنجد العجم و جاء بمجموع کثیرة فالتقی هو و مطلق المطیری و من معه فی عمان، فنصر اللّه المسلمین و هزموهم هزیمة لا یعرف مثلها.
و فیها حدر أولاد سعود إلی عمان و قاتلوا فیه، و أخذوا بلدان، و أوغلوا فیه تی؟؟؟ وصلوا إلی مطرح قریب مسکة، فکاتب سعود بن معهم بالتحذیل و الانفراد عنهم، ففعلوا ثم رجعوا و حنق علی من معهم فتتبعهم بالهوان.
و فیها توفی الشیخ حمد بن ناصر بن عثمان بن معمر فی العشر الأوسط من ذی الحجة.
و فیها أو فی التی بعدها توفی الشیخ العلامة المتقن حسین بن أبی بکر بن غنام مفتی الأحسا، و کذا تلمیذه أحمد الغاشمی.

و فی سنة ست و عشرین و مائتین و ألف:

وقعة الجدیدة و هی وقعة عظیمة بین الترک و عبد اللّه بن سعود، فقتل من الترک مقتلة عظیمة. قیل:
نحو ثلاثة آلاف، و قتل من المسلمین رجالا، قیل: نحو ثمان و مایة، منهم مقرن بن حسن بن مشاری بن سعود، و برغش بن بدر الشبیب، و هادی بن قرملة أمیر الجحادر، و مانع بن کدم أمیر عبیدة، و مانع بن وحیر العجمی، و عبد الرحمن بن محمد الحصین، و تویم بن بصیص و ابن أخیه غصاب، و مفرح بن شرعان، و غیرهم.
و فیها حج سعود بالناس و التقی هو و ابنه عبد اللّه فی مکة بعد فراغه من قتال الترک، و کانت وقعة الجدیدة فی ذا القعدة.
و فیها قتل عبد العزیز بن غردقة الأحسائی رحمه اللّه، قتل بعمان و کان یلی أمیر الجیش بعد مطلق المطیری.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 120

و فی سنة سبع و عشرین و مائتین و ألف:

سار طوسون بن محمد علی باشا بعد مقامه مدة بینبع، فلما أتته الأمداد مع بن نابرت سار فوصل إلی المدینة الشریفة منتصف شوال فحصروها ثم ملکوها قهرا، و مات بها من المسلمین کثیرا، قیلطیی‌ء نحو أربعة آلاف: قتل و وبا و هلاک، فلا حول و لا قوة إلّا باللّه العلی العظیم ...
و فیها مات عبد اللّه بن عثمان بن معمر رحمه اللّه.

و فی سنة ثمان و عشرین و مائتین و ألف:

خرج المضایفی عثمان من الطائف. و غزا سعود رحمه اللّه مغزا الحناکیة، و حصر عثمان الکاشف و معه مائتی عسکری فی قصر آل هذال، ثم أخرجهم بأمان و سیرهم إلی جهة العراق.
و فیها وقع بالعراق بعض الاختلاف و تخوف أسعد بن سلیمان من عبد اللّه باشا صاحب بغداد، و فر إلی حمود بن ثامر هو و قاسم بیک و بعث و عبد اللّه باشا إلی حمود فی أمرهم فمنعهم، فسار عبد اللّه باشا بمن معه من الجنود علی حمود و من معه، فنصر اللّه حمود، و ذلک أنه خان بعض من کان مع عبد اللّه باشا مثل شمر و بعض الکرد و صارت الهزیمة، فأسر عبد اللّه و ناصر الشبلی و غیرهم، ثم قتل عبد اللّه باشا و مات برغش بن حمود من جراحة به. ثم سار حمود حتی وجه أسعد إلی بغداد و ملکه العراق.
و فیها سار مطلق المطیری من البریمی إلی جعلان، فواقعهم ثم رجع فتحزبوا ثم لحقوه فقاتلوه فقتل رحمه اللّه و معه جماعة من قومه.
و فیها مات أمیر ثادق ساری بن یحیی.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 121
و فی رمضان سار عثمان المضایفی إلی بعض أطراف الطائف، فملک بعض قصورها، فبلغ الخبر غالبا فحشد إلیه، فکان الظفر لغالب، فقتل من قوم عثمان نحو سبعین رجلا، و فرّ عثمان فأمسکه أناس من العصمة، و جاؤوا به إلی غالب.
و فی العشرین من ذی القعدة أسر محمد علی والی مصر غالبا والی مکة بعد وصوله إلیها، فاستولی علی جمیع مملکته و قصوره و أمواله جمیعها، و بقی فی أسره هو و أولاده. ثم بعد ذلک أرسلهم إلی مصر فسجنو هناک. ثم بعد خمسة أشهر من جلوسه بمصر کتب إلی الدولة عرض و شکایة فیما فعله به محمد علی، فورد الأمر من الدولة بأن یکون فی سلانیک، فأجلسوه فیها محشوم و یقام بما ینوبه، و یرد لیه من أمواله، فبقی هناک إلی أن مات بالطاعون سنة إحدی و ثلاثین.

و فی سنة تسع و عشرین و مایتین و ألف:

توفی الأمیر الشهم سعود بن عبد العزیز رحمه اللّه لیلة الاثنین حادی عشر جماد الأول، و کانت ولایته عشرین سنة و تسعة أشهر و ثمانیة عشر یوما، و بایع الناس ولیّ عهده ابنه عبد اللّه. و فی یوم وفاته أو بعدها بثلاثة أیام توفی رئیس الکویت عبد اللّه بن صباح العتبی.
و فیها توفی قاضی الحوطة و الحریق سعید بن حجی رحمه اللّه و توفی بعده تلمیذه راشد بن هوید، و علی بن ساعد قاضی بلدان سدیر، و شملان مطوع بلد عنیزة و أمیرها برهیم بن سلیمان بن عفیصان و محمد بن عیسی بن قاسم.
و فیها قتل مطلق المطیری، خلافا لما تقدم و هو الراجع، و فی آخرها
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 122
کثر المطر بخلاف العادة حتی خرب بیوتا کثیرة فی الأحسا و الخرج و غیرهما، و کثر ففیها الجراد جدا، و کثر النبات فیها و فی اللتی قبلها، و عمت البرکات و أخصبت الدیار، و رخصت الأسعار فی کل بلاد، و أکل الدبا بعض الزروع، و استأصل بعضها القصب و بلاد الوشم و المحمل.
و وقع الوبا و العیاذ باللّه فی بلدان سدیر، و مات به خلق أکثرهم من أهل جلاجل، قیل: مات منهم أکثر من ستمایة نفس بین الصغیر و الکبیر، و مات أناس من أهل التویم منهم أحمد أبو زید، و ناصر بن دیحان، و عقیل بن فارس و غیرهم.
و فیها فی الیوم التاسع و العشرین من رجب کسفت الشمس کسوفا قویا حتی ظهرت النجوم و کان من أشهر الکسوفات عند الناس.
و فی سنة ألف و مائتین و ثلاثین مات عبد اللّه بن محمد بن سعود، و برهیم بن محمد بن سدحان أمیر بلد شقی و بلدان الوشم، و برهیم بن سعید بن عمران.
و فیها وقعة بسل علی فیصل بن سعود و من معه قتل فیها من قتل.
و فیها استولوا الترک علی بیشه ورنیه و ما یلیهما و قتلوا شعلان و أمسکوا طامی، فسیروه إلی مصر فصلب فیها.
و فیها سار عسکر الترک الذی فی الحناکیة فقدموا الراس و الخبرا و استوطنوهما بموافقة أهلهما، و ملکوا أطرافهما و ثبت بقیة القصیم، فسار عبد اللّه بن سعود غازیا حتی وصل المذنب، ثم نزل الرویضة فأقام بها ما شاء اللّه، ثم سار إلی البعجا و بها شرذمة من عسکر الترک قد نزلوها للبدو الذی معهم، فدهمهم عبد اللّه فی مخیمهم و تزین شرایدهم القصر فقتلوا
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 123
أیضا و هم نحو مایة و عشرة. ثم رجع فنزل المذنب ثم سار إلی عنیزة فقد کان استوحش منها أولا لأنه بلغه أن عسکر الترک یریدون أن ینزلوها.
فوسار عسکر الترک فنزلوا الثبیبة فأقاموا أیاما. ثم رجعوا.
إلی الرس، و قد ندم بعض أهله و انحازوا فی قلعة الشنانه فحاصرهم الترک و رموهم بالقنابر، و لم یدرکو منهم شیئا، و سار عبد اللّه حتی نزل الحجناوی و تهیأ للقتال و أقام بها شهرا، و قد قدم مدد للترک مع ابن نابرت فأحبوا الصلح فتصالحوا علی وضع الحرب، و إنه لم یکن لعبد اللّه ولایة علی الحرمین و أعمالهما و ما بینهما من الحاضرة و البادیة، و أن کلا یحج و لا یخاف، و کتبوا بذلک سجلا و سار به معهم عبد اللّه بن محمد بن بنیان، و عبد العزیز بن حمد بن برهیم لتقریر الصلح و إجازته علی ید محمد علی، و کان مسیرهم من الرس فی أول شعبان.

و فی سنة ألف و مایتین و واحد و ثلاثین:

وقعت شمر الذی أوقع باشا بغداد و قتل ففیها بنیه بن قرینیس الجربا، و جلو شمر عن الجزیرة و نازلوا قومهم فی الجبل.
و فیها سار عبد اللّه بن سعود غازیا إلی القصیم فهدم سور الخبرا و البکیر به و حبس الذی دخل من أعیان الرس و الخبرا مع الترک مثل سلیمان آل حمد، و شارخ الفوزان و غیرهم و أهانهم، و کان قد وجه محمد بن حسن بن مزروع، و عبد اللّه بن عون بکتاب و هدایا إلی محمد علی باشا تقریرا للصلح، فوجده قد تغیر لما بلغ من مسیر عبد اللّه و ما یتعلق به.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 124
و فیها مات أحمد طوسون بن محمد علی باشا فی شوال، و غالب بن مساعد الشریف فی رمضان.
و فیها سار برهیم باشا بن محمد علی بعسکر من مصر إلی المدینة لیضبطها، ثم سار إلی الحناکیة فضبطها و شید بنیانها.

و فی سنة ألف و مائتین و اثنین و ثلاثین:

سار عبد اللّه بن سعود لمحاربة الترک و قد اجتمع علیهم کثیر من البدو، فنزل عبد اللّه الخبرا نخج، ثم سار منها و ترک ثقله علیها حتی وصل إلی العسکر بغتة، فحمل علیهم فرموه بالمدافع، فخف بعض من کان معه من الأعراب، فانصرف عبد اللّه و نزل قریب جبل الماویة، و ماویة بینها و بین الحناکیة یومین، و کان یلحقه المدفع فی منزله، فأشیر علیه أن یرتحل و ینتزح ففعل، فحملت علیه الترک و أصابوا منه و قتلو من قومه عدة رجال، قیل: إنهم قدر مایتین، و ذلک یوم الجمعة منتصف جماد الآخرة، و کان أول و هن وقع علیه، فلا حول و لا قوة إلّا باللّه.
ثم اجتمع العسکر بعد ذلک و ساروا إلی الرس و نزلوها لخمس بقین من شعبان، ثم حاصروا أهله حصارا طویلا شدیدا، ثم إن أهل الرس صالحوهم بعد حصار دام ثلاثة أشهر و نصف، و قتل من أهل الرس خلق کثیر، قیل، إن عسکر الترک رمو أهل الرس فی لیلة واحدة خمسة آلاف رمیة بالقنابر و المدافع و القبوس، و لما أیسوا من المدد صالحوهم، و کان عبد اللّه قد نزل عنیزة ثم ضاقت به الأرض، فارتحل منها و نزل بریدة، ثم ترکها و رجع، و قد نزل الباشا عنیزة و أخرج من فی قصرها ثم سار إلی بریدة و ملکها.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 125
و فیها مات أحمد الحفظی الیمنی العالم.

و فی سنة ألف و مائتین و ثلاث و ثلاثین:

فی المحرم، قتل سیف بن سعدون و صالح بن عبد اللّه بن مطلق بالأحسا علی غرة.
و فیها سار الباشا فنزل شقرا و حاربها أیاما، ثم صالحوه بعد ما قطع من نخلها أکثر من النصف، و قیل: ثلثین، و قتل عدة رجال قدر عشرون نفسا بین الذکر و الأنثی، و ذلک فی حادی- عشر ربیع الأول. ثم سار و نزل ضرما لأربعة عشر من ربیع الثانی، فحاربها و استباحها عنوة، قیل: إن سببها خیانة من متعب بن عفیصان، و کان هو و عمه بها معهم عدة رجال فقتل الباشا من أهلها فی البیوت و السکک و المساجد، قیل: قتل من أهل اثنا عشر مایة، و ممن فیها من غیرهم نحو خمسین، و نهب البلد کلها، ثم ساق من فیها من النساء و الذریة إلی الدرعیة، و هم نحو ثلاثة آلاف أو أکثر و کان أخذه لسبعة عشر من الشهر المذکور. ثم سار متوجها إلی الدرعیة فالحمد للّه علی کل حال، حال، و نزلها ثالث جماد الأولی.
و جری بها وقعات عدیدة أولها وقعة المغیصیب قتل فیها من الفریقین، ثم وقعة غبیرا و کانت علی المسلمین قیل قتلمنهم مئة، ثم وقعت سمحا استولو العسکر علی المدفع و غیرها، ثم وقعت السلمانی قتل من الفریقین، ثم وقعة الصنع، ثم وقعة البلیدة، ثم وقعة عند المغتره، ثم عند قری عمران الأولی، ثم وقعتین بعدها فیه. ثم وقعة المحاجی ثم وقعة کثله، ثم وقعة عرقه، ثم وقعة قری عمران الآخرة، و کانت عاشر شوال.
و بیع الصاع بریال فی الحرب، ثم وقعة المحجا الثانیة، ثم وقعة
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 126
عرقه أیضا، و استولی علیها العسکر، ثم وقعت مشیرفه و المحاجی ثالث ذا القعدة، و کانت علی أهل الدرعیة، و تمکن منهم عدوهم.
و فی الیوم السادس ضیقوا علی أهل السهل فأخرجوا عبد اللّه بن عبد العزیز و علی بن الشیخ، و محمد بن مشاری یستأمنون لهم فأمنوا، فملکها العسکر صبیحة الیوم السابع، و بقی الطریف فیه عبد اللّه بن سعود فحاربوا یومین ثم صالحو و سلم عبد اللّه إلی الباشا، و بقی عبد اللّه بعد ذلک یومین، ثم سیره الباشا إلی مصر، ثم إلی الروم و قتل هناک رحمه اللّه تعالی.
و فی الیوم الرابع عشر من ذی القعدة سلموا أهل الأحسا الأمر لما جد بن غریر، و ذهب أحمد الکیلان رحمه اللّه و أهل عمان أصحابه إلی بلدهم و استقام الأمر لماجد، و توجه أخوه إلی القطیف فتسلمها.
و فی آخر الشهر المذکور قدم عبد اللّه بن مطلق الأحسا، و کان فی أیام الحرب فی الدرعیة مثقل علیه، ففلما استقام الأمر للباشا أرسله إلی الأحسا و معه قطعة من العسکر جملة خیلهم مائتین و سبعة و أربعین، و مقدمهم محمد آغا الکاشف، فقدموا الأحسا و استقلوا بأمرها و أبعدوا ماجدا عنها.
و کانت هذه السنة کثیرة الاضطراب و الاختلاف و نهب الأموال و سفک الدماء، و تقدم أنا و تأخر غیرهم و ذلک بحکمة اللّه و قدرته. و قد قلت فی تاریخها:
عام به الناس جالوا حسبما جالواو نال منا الأعادی فیه ما نالوا
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 127 قال الأخلاء: أرخه، فقلت لهم:أرخت، قالوا: بماذا؟ قلت: (غربال)
و أما من هلک من عسکر برهیم باشا فنقل عن کاتبه یقول هلک من العسکر منذ خروجهم من مصر إلی رجوعهم إلیها اثنا عشر ألفا، و قیل:
قتل من أهل الدرعیة ألف و ثلاث مایة.

و فی سنة ألف و مائتین و أربع و ثلاثین:

فی عشر المحرم، فر سیف السعدون و من تبعه من أعیان السیاسب و رکب البحر، و ذهب إلی عمان و بقی و صالح أبو عیاش و أحمد بن هدیب ثم خرج أحمد أیضا.
و فیها حبس عبد الرحمن بن نامی قاضی الأحسا، و قتل من قتل من أصحابه و فی آخر الشهر قتل بن نامی رحمه اللّه.
و فی هذه قتل سلیمان بن عبد اللّه بن الشیخ رحمهم اللّه تعالی، و علی العرینی قاضی الدلم، و عبد اللّه بن أحمد بن کثیر و غیرهم أناس کثیر بأسباب باطلة و بغیر أسباب.
و قتل أیضا رشید السردی قاضی الحوطة، و عبد اللّه بن محمد بن سویلم، و ابن عمه. و فنی فی هذه السنة و التی قبلها خلایق لا یحصون من أعیانهم بالقتل: فیصل بن سعود و أخیه برهیم، و ترکی مات بالمرض، و قتل برهیم بن حسن بن مشاری و أخوه عبد اللّه، و أخوه محمد، و قیل عدة من فنی من آل مقرن إحدی و عشرون، و من المعامر خمسة عشر، و من آل دغیثر سنة، و قتل عبد اللّه بن صقر الحربی و صالح بن رشید الحربی، و أیضا قتل علی بن عبد اللّه بن الشیخ رحمه اللّه تعالی بعدما وصل المدینة
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 128
و رجع لأمر نقموه علیه أو تخیلوه فیه، و قتل مه عدة رجال، و مات أیضا بن عمه ناصر بن حسین بن الشیخ، و قتل أیضا عبد اللّه بن رشید أمیر عنیزة، و مات حجیلان بن أمیر بریدة، و کان موته فی المدینة، و عبد اللّه بن عبد العزیز و غیرهم ممن یطول عدهم. و قتل أیضا أمیر الجبل محمد بن علی، و قتل أیضا فهد بن عفیصان و أخوه عبد اللّه، و ابن أخیه متعب، قتلهم حسین جوخدار منصرفه من الحوطة و احتوی علی أموالهم و خزائنهم، و ذلک بعدما سار الباشا مصعدا.
و فیها قطعت نخیل الدرعیة و أجلی أهلها و سیر إلی سعود آل مقرن و آل عبد الوهاب إلی مصر، و أمر بهدم الدرعیة و أسوار قلاع نجد کلها.
ثم ارتحل بعد ذلک.
و فی شهر رمضان انفصل محمد بن عریعر عن برهیم باشا بعد ما سار أیاما فقدم الأحسا و خرج من بها من العسکر و سار ابنه سعدون إلی القطیف فملکها، فقدم علیه سیف بن سعدون السیسبی، فأقام عنده أیاما، و قد ظن بهم خیرا، فلم یکن، و قتل سیف بن سعدون و کان معه نحو تسعة رجال، و قتل صالح أبو عیاش و ابنه خالدا فی الأحسا.
و فی رجب توفی عبد اللّه بن عیسی بن مطلق الأحسا، و کان له معرفة و ذکا و جاء و سخا، لاکنه رکن إلی الدنیا و إلی الریاسات.
و فی عشر ذی الحجة عم المطر و السیل بلدان نجد و الأحسا و کثیر من البلاد، و ذلک ف شهر تموز الرومی بلا شک، و هو خلاف العادة، و القدرة صالحة، و للّه الحمد.
و فیها أیضا غلیت الأسعار فی بلدان العراض و ما یلیها، بلغ الحب
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 129
صاع و نصف بریال و صاعین- و التمر- و زنتین و نصف، و لعل ذلک نادرا.
و فی سنة ألف و مایتین و خمسة و ثلاثین فی الیوم الثانی عشر من المحرم نزل النصاری رأس الخیمة، فحاربوها حتی أحرقوها لعشرین من الشهر. و هرب أهلها.
و فیها نزل بن معمر الدرعیة و بقی- غلا الأسعار کذلک. و فی ربیع الأول نیة قصر الروضة، و فی آخره قتل محمد بن ماضی، و عبد اللّه بن حبیب و جرح من جرح.
و فی جماد الأول سطوة آل راشد و غیرهم علی آل مبارک و أخرجوهم و بعد ذلک أخرجوا آل سوید من قصرهم، و صار الأمر فی البلد لمحمد بن عبد اللّه بن جلاجل.
و فی ذلک الأیام دانت البلدان کلها لابن معمر العارض و الممل و الوشم و سدیر.
و فی جماد الآخر قدم مشاری بن سعود علی بن معمر، فهمّ بالامتناع و المحاربة ثم عجز عن ذلک، و جنح إلی الصلح فاستقام الأمر لمشاری بن سعود، و ذهب بن معمر إلی سدوس فأقام بها، و قد أظهر أنه مریض و غزا مشاری إلی الخرج و رجع، ثم ابن معمر هم باسترجاع الأمر لنفسه، و کاتب من یطمع فیه و یثق به فوعدوه، فکاتب آل حمد أهل حریملا، فلما استوثق منهم قدم علیهم و أظهر المخالفة لمشاری بن سعود، و کات عسکر الترک الذی فی القصیم، و کاتب أیضا فیصل الدویش، فلما دانت له حریملا و ضبطها سار بمن معه و الذی وصل إلیه من عسکر الترک و من
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 130
مطیر إلی الدرعیة، فقبض علی مشاری بن سعود و حبسه، ثم سار إلی الریاض و ضبطها و سیر مشاری بن سعود إلی قصره فی سدوس و حبسه.
و فی هذه السنة کثر الجاد جدا، ثم کثر الوبا و أکل الزرع خصوصا بلدان سدیر، و بلغ الحب فی سدیر ثلاثة أصواع، و التمر أربع أوزان، و شرعوا فی أکل البسر أخضر، و استمر أمرهم کذلک حتی جاء اللّه بالفرج فی ذا القعدة و حصل الرطب و الذرة.
و فی أول سنة ألف و مائتین و ستة و ثلاثین: وقعت الفتنة بین أهل الزبیر و البصرة مدة أیام ثم اصطلحوا.
و فیها قدم آل عثمان المجمعة، و سوید بن علی جلاجل، و عبد العزیز بن ماضی الروضة، و وقعت المنافرة أیضا بین سوید و أهل التویم و أهل عشیرة، فعدا سوید علی التویم فی جماد الأول و عاث فی بلدهم، و قتل بن عمران و ابن هداب عبد الرحمن و قتلوا من قومه ثلاثة أو أربعة.
و فیها حشد ترکی بمن معه وسطا علی بن معمر فی الدرعیة، فأمسکه فی خامس ربیع الأول، ثم ذهب إلی ولده فی الریاض فأمسکه أیضا، و أراد أن یطلقوا بن عمه لیطلقهم فلم یتفق ذلک، لأن بن معمر قد وعد الترک أن یمسک لهم مشاری بن سعود، ثم قدم خلیل آغا و الدویش و تسلموا مشاری بن سعود، فلما تحقق ترکی الخبر قتل بن معمر و ولده، ثم سار خلیل و الدویش إلی الترک فی الریاض، فلم یدرکوا شیئا، فرجعوا إلی ثادق، و أقاموا فیه ثم إلی ثرمدا فنزلوا فیها.
ثم سار حسین بیک و أبوش آغا من عنیزة حتی وصلوا إلی ثرمدا، ثم
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 131
ساروا إلی الریاض و معهم ناصر بن حمد، و حمد آل مبارک و سوید، و بن ماضی و غیرهم، و کاتب بعض أهل الریاض ناصر بن أحمد، فلما قدموا فر ترکی بن عبد اللّه السعود لما رأی البوار، فساتولی علیها ناصر و الترک، و سیر من کان فی الدرعیة إلی ثرمدا، و قتل من کان فی قصر الریاض، و ذلک فی شهر جماد الآخر، و جملة من قتل سبعون رجلا منهم مبارک السلمة، و ناجم بن دهنیم الحساوی و أخربوا الدرعیة، و نقلوا عمر و من معه من آل مقرن إلی مص.
و أما مشاری بن سعود رحمه اللّه فمات فی الحبس فی القصیم، و قتل عبد اللّه بن مانع الوهیبی التمیمی، و أقام حسین بیک فی العارض و قطع نخل أبا لکباش، و أخذ من بلدان العارض ما أخذ من الأموال، و هرب کثیر من أهلها بسبب الضریبة، و قدم حمد آل مبارک حریملا، و هرب أعیان أهلها و من کان ذا جرم بسبب جرمه، و سار حسین بیک إلی ثرمدا، فلما قرب منها ذبح محمد آل حسن الجمل أمیر عنیزة، و لما قدمها فی الأواخر من رجب قتل أهل الدرعیة و کانوا نحو مائتین و ثلاثین، و من أهل الریاض نحو اثنا عشر منهم أولاد سلیمان بن راشد خمسة، و کان أهل الدرعیة قد حجر لهم حجیرة فی ثرمدا، و حضروا فیها رجالهم و نساهم و أطفالهم، فأمر بهم فأخرجوا من الحضیرة، و أمر بقتل الرجال عن آخرهم و ترک النساء و الأطفال.
و من أعیان من قتل من أهل الدرعیة: صالح بن دغیثر، و علی بن محمد بن قضیب، و أولاد موسی بن سلیم محمد و ولده، و سلیمان و حمد بن إبراهیم، و عبد الرحمن بن علی، و تمام تسعة منهم، و إمام مسجد الحوطة عبد العزیز بن محمد بن عیسی بن قاسم، و محمد بن
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 132
عبد العزیز أبو انهیه، و ناصر بن خزیم الأعمی و أخوه، و سالم بن سالم و عبد اللّه بن سلیمان القصیر، و آل عتیق، و آل راجح، و هزاع الحر، و محمد بن مساعد و عون بن عبدان، و بن خزام، و عبد اللّه بن موسی بن سواد و أخوه ناصر، و إبراهیم بن عبد ربه و غیرهم رحمهم اللّه، و قطع نخیل ارغبه.
و فی عاشر شعبان قدم أبوش آغا سدیر فی نحو میه من الخیل نصفها من الجیش، و ضربوا ضریبة عظیمة أخذوا بها ما أمکنهم من ذهب و فضة و طعام و سلاح و متاع، و حبسوا و قتلوا، و أصاب الناس قلق و وجل، و هرب إلی البریة من هرب و إلی البدو و إلی بلده و اختفا من اختفا، و قطعوا من نخیل الداخلة أکثر من ألف نخلة، و قطع من جلاجل و التویم و الحوطة شیئا قلیلا، و قطع من ... أیضا، و حبسوا النسا و الأطفال، و أذاقوا جمیعهم الذل و الهوان إِنَّ اللَّهَ لا یُغَیِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّی یُغَیِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ [الرعد: 11].
و فی سادس عشر رمضان سار أبوش آغا من سدیر. و فی یوم العید سار حسین من ثرمدا:
إلی النار فلیذهب و من کان مثلهم‌علی أی شی‌ء فاتنا منه نأسف
و فی ثالث شوال عدوا أهل الروضة علی الداخلة، و قتل حسن بن محمد البصر. و فی خامسه تواقعوا فی الثنیة و قتل ولد برمان.
و فیها توفی الشیخ عبد الرحمن أبا حسین القاضی رحمه اللّه.
و فی آخر رمضان من هذه السنة وقع الطاعون بالبحرین فأفنی خلقا،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 133
ثم بالقطیف ثم بالأحسا، ثم وقع بالبادیة، ثم وقع بساحل الکویت، ثم وقع منه فی بعض بلدان سدیر و لم یکثر و للّه الحمد و له المنة، و ذلک فی شهر ذا القعدة و ذی الحجة.
و فیها واقع سوید أهل التویم و قتل عبد اللّه بن فوزان بن مفیز؟؟؟
و سلیمان بن محمد بن عیدان، و أسر ناصر بن سلیم.
و فی خامس ذی الحجة واقعهم أیضا و أسروه، و أصیب محمد بن جلاجل ذلک الیوم، ثم واقعهم یوم عرفة و أصیب محمد بن عمر و ولد حسین بن مانع.
و فی ذی الحجة أیضا حصل الشقاق بین أهل المجمعة آل عثمان و جماعته، و حصروا فی قصرهم أیاما، ثم اصطلحوا علی ید أهل الزلفی و أهل حرمه.
و فی لیلة الأربعاء السادس و العشرین من شهر شوال سطوه أهل التویم و أهل عشیرة فی الداخلة و ملکوها، سوی المدینة، و ذلک بموافقا من بعض أهلها. و فی اللیلة التی تلیها نزل الذین فی المدینة بأمان وقت العشاء، ثم خربت المدینة بعد ذلک.

و فی سنة ألف و مائتین و سبع و ثلاثین:

فی أول المحرم قتل بن إدریس و إبراهیم بن عجلان بجلاجل، قتلهم سوید، و فی لیلة النصف منه استولی سوید علی الروضة ور بن ماضی إلی عشیرة. و فی الثالث و العشرین منه طاحوا أه التویم علی سود و صبروا بما اشترط و أدوا غنم عتیبة، و استولی علی جمیع سدیر سوی اعشیره، و أخرج بن مهیدب من الحوطة، و قدم محمد بن ربیش فی الجنوبیة، و کذلک فی عاشر صفر
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 134
عدا بن ماضی بمن معه أهل عشیرة و غیرهم علی الروضة و قتل ذلک الیوم معه أیضا ناصر بن برخیل.
و فی ثامن عشر ربیع الأول أقبلوا أهل الزلفی آل حمد و من معه و أهل ... المذنب و غیرهم و توهلوا أهل التویم، و بعد یومین استولوا أهل عشیرة علی الوطة، و بعد یوم طالعوا أهل الزلفی الروضة و لم یدرکوا شیئا، و قتل منهم ولد بن سعران و آخر، و أصیب ذلک الیوم دوان بن شرعان، فمات و کان ناصر آل راشد و أهل الزلفی قد استولوا لعی المجمعة قبل ذلک، فبعث علی آل حمد کما ذکرنا، ثم رجع و لم یدرکوا شیئا، و ذهب معهم أمیر التویم فوزان، ثم راجع جماعة أهل التویم سوید، و طلبوا العفو عما فعلوا فوافقهم علی ذلک، و أمّر لیهم عبد العزیز بن عیاف لأول ربیع الثانی، و عدا سوید علی عشیرة.
و فی جماد الآخرة سطی علی عبد اللّه بن ناصر أمیر المجمعة فی قصره و قتل هو و سالم بن برجس.
و فی عاشر رجب قتل إبراهیم العسکر هو و حمد بن عقیل و اثنین غیرهم.
و فی اثنا عشر منه توفی العالم المشهور عبد العزیز بن عبد اللّه الحصین القاضی رحمه اللّه تعالی.
و فی رابع شعبان ربط سوید بن علی، ربطه عمه فهد و بنو عمه و غیرهم، و بعد یوم أطلقه أصحابه قهرا.
و فی سابعه سطی علی آل عنیق، و فی الثانی عشر منه أخذت غنم التویم کلها و غنم فنیطل بالروضة، و بعد یوم سطا بن ربیش فی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 135
عبد العزیز بن زامل، و للیلتین بقینا منه سطو أهل عشیرة فی الروضة فملکوها، و قتل عیسی بن عبید، و فی ثالث عشر رمضان قتل محمد بن ربیش.
و فی الخامس و العشرین من شوال سادس تموز الرومی ثالث الکلیبین الثالث لطلوع الهنعة سالت حرمه و الخیس و مرخ و غیرها. و بعد یوم سال بعض الوشم و غیره.
و فی الختمة عدا سوید علی الروضة و قتل من قومه عبد العزیز بن زین، و فی سادس ذا القعدة قتل عبد الرحمن بن ربیعة رحمه اللّه و قتل بن عرفج ببریدة.
و فی عشر ذی الحجة قتل ناصر بن حمد أمیر الریاض و بعض ممن معه من العسکر لما أغاروا علی سبیع وراء الحائر.
و فی تلک السنة تأخرت الثمرة عن أوانها المعتاد. و فی ذا القعدة وقعت زلزلة فی حلب هدمت فیها حلل و هلک اثنین و عشرون ألفا و سبعمایة إنسان، و انشلم من القلعة الشهباء ثلمان.
و فیها قدم حسین بیک أبو ظاهر بعسکر نحو ثمان مایة فارس و نزل الرس، ثم عنیزة، و أخذ فرقان من عنیزة و عتیبة و غیرهم، و کاتب أکابر أهل نجد و وفدوا علیه، فبعث إلی الریاض قطعة من عسکره مع إبراهیم کاشف، ثم مضت للخرج، و بعث خیلا مع موسی کاشف ... و معهم عبد اللّه الجمعی صحبة سوید بن علی، فقدموا المجمعة و نزلوا قصرها و قتلوا إبراهیم العسکر و حمد، کما تقدم، ثم عدوا علی السهول و لم یتمکنوا من بعض البلدان لأنهم رأوا ما یریبهم من سوید، و قتل موسی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 136
کاشف تمام ثلاثین رلا من قومه، و نجا الجمعی و بقیتهم، فرجعوا إلی المجمعة و بقوا مدة حتی جمعوا زکاة الحب فی الروضة، و کانوا یخاتلون سوید باطنا و ظاهرا فأعجزهم، ثم رجعوا إلی عنیزة و أبقوا بعض ثقلهم فی قصر المجمعة، و لم تنزل رتبهم فی عنیزة و فی ثرمدا و فی الریاض. و سافر حسین بیک إلی المدینة و هم علی حالهم.
و فی آخر السنة وقت بلوغ الثمرة حشد من حشد و استنجدوا کیخیا حسین و من معه من سکره فی ثرمدا فنزلوا لاروضة، ثم استنجدوا فیصل الدویش بمن معه من قومه، فأقبلوا نحو جلاجل و نازلوه، و رموه بالقبس فلم یدرکوا شیئا فرجعوا، و قتل إبراهیم بن عمر.
و فیها فی صفر استولی ترکی علی ضرما و قتل ناصر السیاری، ثم بعد ذلک استولی علی عرقه و سار له من سار منجدا سوید و من معه.
و فی سنة ألف و مایتین و ثمان و ثلاثین عزل ناصر بن عنیق عن إمامة التویم و تقدم حمد بن محمد بن لعبون إماما لأهل التویم، و جا السیل تاسع الوسمی.
و فی صفر اصطلحوا أهل التویم و عشیرة و الروضة مع سوید علی الکف.
و فیها مات أمیر العطار حماد بن سیف، و عبد اللّه بن حنین.
و فیها مناخ الرضیعة بین بنی خالد و أتباعهم من عنزة و سبیع و بین مطیر و أتباعهم من العجمان و غیرهم، فکانت علی بنی خالد و أتباعهم و انکسروا و أخذت محلهم و قتل قتلا من أعیانهم حباب ابن فحیصان من مطیر و مغیلیث بن هذال من الآخرین من عنزة.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 137
و فی سنة ألف و مائتین و تسع و ثلاثین توفی فوزان بن ... فی العشرین من رجب. و فی آخره قدم محمد بن جلاجل سدیر بمن معه.
و فی العشرین من رمضان سطوه أهل التویم لعی أهل المحمل فی الحوطة و دبحوا ابن سبهان. و فی أثناء رمضان انتقض الصلح بین أهل التویم و بین سوید و دخلوا مع قومهم.
و فی لیلة السابع و العشرین منه تحملوا و سطوا فی جلاجل و قتل منهم من قتل إبراهیم بن ماضی، و محمد بن ناصر بن عشری و محمد العبد اللّه بن ماضی و غیرها.
و فی آخرها تأمر فی التویم عبد العزیز بن عیاف و أعرضوا عن عثمان بن مفیز لضعفه.
و فی آخر شوال و الذی یلیه انقاد سدیر کله لترکی بن عبد اللّه، ثم انقادت حریملا ثم منفوحة.
و فی أول هذه السنة مات الحجی تاجر بلد الزبیر یوسف بن زهیر، و فی ربیع الأول منها قتل عبد اللّه بن ادباس.
و فی ربیع الثانی وقع الحرب بین أهل حرمة و أهل المجمعة زمانا قتل فیه حمد بن صالح و غیره.

و فی سنة ألف و مایتین و أربعین:

بنیت مدینة الداخلة و انقاد أهل الوشم و ولیت الریاض و الخرج.
و فی شعبان منها أخذ مشعان ابن هذال الحدرة نحو ثلاث مایة حمل و لم یمتع بعدها إلّا نحو خمسین یوما حتی قتل.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 138
و تقدم علی بن جمعان إماما لأهل التویم، و عزل حمد بن محمد بن لعبون عن إمامة مسجد التویم، و زرع القری ... و فی ذا القعدة هدم قصر الروضة.
و فیها وقع البرد علی عسکر أحمد باشا فی وادی السرة من أرض تهامة، و لم ینج منهم إلّا نحو خمسون فارسا، و کان بینه و بین سعید و قومه شی‌ء و ذلک من العبر.

و فی سنة ألف و مایتین و إحدی و أربعین:

مات قاضی سدیر عبد اللّه بن عبد حمد اللّه، و مات ناصر الراشد أمیر الزلفی، و مات أیضا تاجر الکویت عبد الرحمن بن زبن المشهور، و هلک أیضا الفهیدی.
و فیها نهبوا حلة بغداد، و تأمر فی بلد الزبیر ناصر الراشد، و قدم عبد الرحمن بن حسن، ثم قدم فی آخرها مشاری بن عبد الرحمن.
و فیها وصل التقریر من محمد علی الترکی و تقدیر الخراج علی خمسین ألفا و وقع القحط و الغلا فی جبل شمر، و لم تسمن الدواب علی عادتها لقلة النبات، و ولی إمارة الخرج عمر بن عفیصان.
و فیها قلّ المطر و للّه الحمد بخلاف السنین التی قبلها، و فیها وقع الجدری فعم البلاد و أفنی خلقا من العباد.
و فی ذا القعدة تقدم ناصر بن عنیق إماما فی جامع بلد التویم.
و فیها مات سعید بن مصلط أمیر بلدان عسیر.

و فی سنة ألف و مایتین و اثنین و أربعین:

فیها و فی آخرها التی قبلها کثر هبوب الریاح جدا بخلاف العادة.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 139
و فیها قل المطر و قل النبات و قل السمن فی الدواب، و کثر شری المعاوید، و کانوا یزعبون و یعلفون القتاد فی أیام الربیع، و بلغ بیع العیش خمسة أصواع، و التمر اثنا عشر وزنه. و فیها کثر السؤال جدا، و هو أمر لم یعهد و لم یذکر فی الدهور القدیمة و غالبهم من البوادی.
و فی جماد الأولی مات ارحمة بن جابر بن عذبی کبیر الجلاهمة، و کان نادرة عصره بأسا و سطوة و إقدام و هیبة، و کان مع قلة من معه محاربا لبنی عتبة أهل البحرین مع قوتهم، و کثرتهم و کثرة أتباعهم و رعایاهم و سفنهم، و ذلک عمره کله، إلّا أنه یقع الصلح أحیانا بینهم و بینه.
و کانت سفن آل خلیفة قد اجتمعت فوافقوا سفینة ارحمة وحدها، فظنوا أنه لیس فیها، فلما قربوا منها اقترنت هی و سفینتهم المنصوریة و بها أحمد بن سلیمان، و دام بینهم القتال من أول النهار إلی آخره و أکثر أرحمة فیهم القتل و الجراح، فلما کان آخر النهار اشتعلت النار فی السفینتین و احترقتا، و سبح أههما، فجعلت سفن بنی عتبة یلتقطون من سبح، فمن عرفوه من قومهم أنقذوه، و من عرفوه من قوم رحمه قتلوه.
و فقد رحمه رحمه اللّه ذلک الوق فیمن فقد، و کان رحمه اللّه یلهج بالأشعار الحماسیة کشعر ابن أبی مقرب و غیره، و کان ینظم الشعر و له فیه معرفة، و من شعره قصیدة ذکر فیها حال أمر المسلمین و ما وقع بهم و من انخزل عنهم من قومهم و أعان علیهم عدوهم:
فیا أیها الإنسان إنک میت‌علیک بتقوی اللّه منها تزودا
فما أحد فی الناس إلّا مکلف‌و لا تحسب أن اللّه تارکهم سدا
فلا بدنا من موقف عند ربناحفاتا عراتا صاغرین کما بدا
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 140
و منها فیمن أعان الأعدی علی المسلمین.
و لو لم یکن من کفرهم غیر أنهم‌أعانوا العدی طوعا علی دین أحمدا
و هی قصیدة مشهورة تدل علی حسن حاله، و هی طویلة ترکنا إدراجها طلبا للاختصار.
و فی هذه السنة وقع فی البلدان نوع من العصافیر البریة و هی جنسین: کبار کالقنابر، و القنابر: هی التی تسمی القویع، و صغار کعصافیر البیوت، و أخذت تحصد الزرع و هو طوالا، و کانوا یسمونها الحصد، و جعلوا یذودونها و استمرت شهرا و أکثر، و کان مجیئها آخر الشتا إلی أن اشتد الحب فی سنبله، ثم تفرقت و ضعف أمرها، و هذا أمر لم یعهد.
و فی تلک السنة أیضا نزل الغیث آخر أیام الخریف قبل دخول الوسم بیوم، و سال منه منیخ و جلاجل و بعض التویم.
و فیها حدر عقیل المحمد بن ثامر بن سعدون بن محمد بن مانع آل شبیب محاربا لعمه حمود بن ثامر، فوقع الحرب بینهم حتی ظفر بعمیه حمود و راشد ابنا ثامر بن سعدون فأمسکهما، و ذلک فی آخر شهر رمضان، و ذهب بهما إلی داود باشا بغداد.
و فیها أیضا جدد بن خلیفة عمارة قصر الدمام و ضبطه، و بعدما أخرج منه بشر بن أرحمة و أمنه و نقله و من معه إلی البحرین، و أنزلهم بها و أکرمهم و عزم و علی تخریب القصر المذکور، ثم بدا له ضبطه و عمارته.
و فیها قدم محمد بن عبدان أمیرا علی بلدان سدیر.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 141
و فی شعبان منها توفی القاضی عثمان بن عبد الجبار بن شبانة ببلده المجمعة، و کان فقیها بمذهب الإمام أحمد رحمه اللّه.

و فی سنة ألف و مائتین و ثلاث و أربعین:

فیها نزل الغیث علی بلدان سدیر لسبع مضین من الوسم، ثم نزل أیضا بعد ختام الزرع، و مع ذلک ضاقت معایش الناس جدا و سمیت غرابیل، فالحمد للّه علی کل حال.
و انتعش البدو و اشتد الحال بالحنطة، و کثر فی هذه السنة السؤال حتی وقع فیه أناس کثیر، و کانوا جلادا أقویاء، و رخصت الحوائج و کثر بیع الأشقاص و رهنها من الأراض و من النخیل، و أضر بالناس الجوع حتی ظهر أثره علیهم، و وقع بالمساکین أمر عظیم من أکل الدم و الرمم و المیتات و الجلود و النبات و ورق الشعیر و غیره، و کثر فیهم الموت إلی الصیف.
و فیها وقع فی بلدنا الغیث صیفا لم یعرف مثله، و استمر نحو من عشرین یوما، و سال الباطن ثمانیة أیام، و انعطن الزرع بعد الحصاد، و نبت علی إثر ذلک حمل النحل حمل ثانی دثی خصوصا القفزی.
و فی أولها أخذ هادی بن مذود رئیس عربان آل کثیر الحدرة، و قتل قبل انقضاء السنة.
و فیها قتل حمادة بن عریعر و قومه قتلهم المناصیر، و فیهم غصاب بن شرعان.
و فیها توفی سلیمان بن طوق رحمه اللّه ببلد القطیف، و توفی أیضا محمد بن عبد الوهاب الذی ببلد الریاض رحمه اللّه.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 142
و فیها قتل ناصر آل راشد أمیر بلد الزبیر، و کان ظلوما غشوما قتله محمد بن فوزان الصمیط بسبب أن آل راشد قتلوا سلیمان بن عبد اللّه الصمیط.
و فیها اضطربت ثمرة النخل إلی الغایة، و لم تغل الأسعار مع ذلک، و للّه الحمد.
و فی أولها تأمر بالتویم عبد اللّه بن سلیمان، و فی آخرها تأمر انغیمش.
و فیها دفن الحفر، و فیها أخذ ابن بکر و قومه الحدرة، و أخذ ولد بلاع الغنم و استقضی عبد الرحمن الثمیری، عبد العزیز بن عبد الجبار.

و فی سنة ألف و مایتین و أربع و أربعین:

توفی العالم الکامل الفاضل عبد العزیز بن حمد بن ناصر بن معمر فی بلد البحرین. کان رحمه اللّه فقیها، أدیبا، لبیبا متواضعا، حسن السمت و السیرة، ذو شهرة و دیانة.
و فیها وقع الطاعون ببلدان الوشم. و غزا ترکی بن عبد اللّه، فمر بالوشم فأصاب قومه ما أصابهم من ذلک الوباء، و مات منهم نحو ستین رجلا، منهم سلطان بن عبد اللّه العنقری أمیر ثرمدا، و منهم کبیر البرزاث فوزان أبو شویربات و ولده و غیرهم.
و فی تلک الأیام دفنت آبار أمّ الجماجم و الدجانی.
و فیها رخصت الأسعار بکل بلد و عزل محمد بن عیدان.

و فی سنة ألف و مایتین و خمس و أربعین:

أخذ عمر بن عفیصان
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 143
قافلة العقیر، و فیها أموال عدیدة. و أخذت غنم أهل حرمة و أصیب من أصیب من فزعتهم، و فیها کسد الطعام، و للّه الحمد.
و فی أول رمضان مات ماجد بن عریعر، و قد حشدوا بمن معهم، فنازلهم فیصل بن ترکی حتی نصره اللّه علیهم فی آخر رمضان. و قد قدم علیه أبوه فتوجهوا إلی الأحساء فی شوال، فملکوه- و للّه الحمد- من غیر قتال.
و فیها أیضا وقع الزکام و السعال، فمات خلق کثیر من الأطفال.

و فی سنة ألف و مائتین و ستة و أربعین:

حصل فیها الاختلاف و الشقاق ف البصرة و العراق و نواحیها.
و فی رمضان توفی العالم الجلیل الفرضی الحاسب محمد بن علی بن سلوم بن عیسی الوهیبی.
و فی آخرها خرج أمیر منفوحة مشاری، و کثرت فی آخرها الحوادث و فی التی بعدها: فمن ذلک قوة السیول التی خربت فی کل بلد بحسبها، و أعظم ما علمناه من ذلک فی بلد المجمعة.
و فیها الریح التی کسرت من النخیل ما کسرت.
و منها الوباء التی وقع، و منه ما کان بمکة قبل قدوم الحاج، و عظم الأمر فمات منهم خلق کثیر، قیل: إنه مات من أهل مکة ستة عشر ألف نفس، و قیل: إنه لم یبق من الحاج الشامی إلّا قلیل، و من أهل نجد نحو النصف، ثم ارتفع الوباء منها علی دخول ذی الحجة، فلما کان یوم النحر حل الوباء و الموت ثانیا، فکان یموت الإنسان و هو یمشی، و قیل: إن الحاج الشامی لما قدم المدینة باللیل راجعا من مکة وقع فی الناس وقت
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 144
السحر الموت، و حل بهم أمر عظیم، فخرج أهل المدینة من البیوت بالنساء و الأطفال، و تضرعوا إلی اللّه فی حرم النبی صلی اللّه علیه و سلّم، فرفعه اللّه عنهم.
صم حل الوباء فی البصرة و العراق، ثم باقی القری و بوادیها من المنتفق و فرق الخزاعل و ما حولها، حتی انتهی إلی سوق النواشی، فمات به ثلاثة آلاف نفس.
و منها زیادة الفرات و فیضانه حتی خرب کثیر من البلاد الذی یخترقها و یمر بها:
و فیها استمر الرخاء علی الناس، و للّه الحمد، و له المنة و الفضل.

و فی سنة ألف و مایتین و سبع و أربعین:

هذه السنة ینبغی تسمی سنة الحوادث لما وقع فیها و فی آخر التی قبلها منها، فمن ذلک الوباء الذی فنی بسببه خلائق لا یحصون فی أماکن کثیرة، و قد استمر و اشتهر، و قد عظم أمره فی البصرة و نواحیها حتی لم یبق منهم إلّا القلیل.
و من ذلک الحمرة التی حدثت عند طلوع الفجر و عند غروب الشمس، و أول ذلک لسبع بقین من صفر.
و من ذلک القتام الذی یشبه الغیم فی السماء دون الأرض، و قد استمر فصارت الشمس ترتفع أول النهار و لم یسطع ضوءها، و یدهب ضوءها آخر النهار قبل أن تغیب.
و فی الیوم الثامن عشر من ربیع الأول طلعت الشمس خضرا، کأنها قطعة زجاج، و أبصرها جمیع الناس، و صارت کذلک إلی آخر النهار.
و من ذلک شدة الحر فی صیفها و شدة البرد، و استمراره فی شتائها.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 145
و من ذلک کثرة هبوب الریاح إلی غیر ذلک من الحوادث.
و فیها توفی الشاعر محمد بن حمد بن لعبون.
و فیها قتل داود باشا العراق عقیل آل محمد الثامر آل شبیب، و أغار فیصل بن ترکی علی عربان الحجاز فصار الأمر علیه لا له.
و فی آخرها عزل سوید بن علی من إمارة بلدة جلاجل، و لم یزل کساد الطعام بحاله و للّه الحمد، و بلغنا أیضا أخبار حوادث کثیرة فی الآفاق اللّه أعلم بحقیقتها.

و فی سنة ثمان و أربعین و مایتین و ألف:

اشتد البرد حتی ظهر أثره فی سعف النخل خاصة، و کثر فیها الجراد، و لم یکن منه ضرر إلّا زرع الداخلة، و کثر فیه وجود الحیاة و الأفاعی الناهشة.
و فی لیلة تاسع عشر جماد الثانیة تناثرت النجوم آخر اللیل و دامت إلی طلوع الشمس، و أبصرها جمیع الناس و انزعجوا لذلک.
و فی شعبان حصرت بلد الزبیر و بها عبد الرزاق الزهیر و أتباعه، و لم یحج أحد من ناحیة الشام تلک السنة.

و فی سنة تسع و أربعین و مایتین و ألف:

فی آخر صفر قتل عبد الرزاق الزهیر و أهل بیته، و استولی علی بلد الزبیر محمد البرهیم الثاقب.
و فیها مناخ العمار قرب ...
و فی آخرها مات علی بن بحثل أمیر عسیر و استخلف عائض بن مرعی.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 146
و فیها قتل الإمام ترکی بن عبد اللّه رحمه اللّه آخر یوم ذی الحجة و فیها غلی الطعام.

و فی سنة خمسین و مایتین و ألف:

قتل مشاری بعد قتله ترکی بن عبد اللّه بأربعین یوما، و بعد ذلک استقام الأمر لفیصل بن ترکی.
و فیها کان اشتداد البرد و استمراره إلی السنة الحادیة.

و فی سنة إحدی و خمسین و مایتین و ألف:

کان شدة الغلا و قلة المطر، و بلغ سعر البرّ ستة أصواع و خمسة أصواع بالریال، و التمر خمسة و عشرین وزنة بالریال. و أصاب الناس مجاعة و جلا کثیر من أهل سدیر إلی الزبیر و البصرة.
و فیها ظفر نجم له ذنب طویل مع بنات نعش وقت طلوع الفجر.
و فیها أخذت الحدرة الذی مع محمد الدخیل، و فیها أموال عدیدة، فلم یبق لها شردیة.

و فی سنة اثنین و خمسین و مایتین و ألف:

استمر الاضطراب و الخلل و وقع الجدری بالصبیان فیها و فی آخر التی قبلها.
و فیها ضعفت أحوال الناس جدا.
و فی رمضان منها قتل محمد الثاقب بن إبراهیم أمیر بلد الزبیر و کان من دهائه یسمی البلم، لأن البلم یغرق غیره و یسلم.
و فی آخرها أقبل خالد بن سعود و من معه، فنهض فیصل بن ترکی و جمع جنوده حتی نزل بین الخبرا و الرس، و قد نزل خالد بقومه الرس، فلما کان یوم الجمعة لسبع بقین من ذی الحجة ارتحل فیصل من منزله و رجع و تفرق عنه قومه و أقبل خالد و نزل عنیزة، فأقبلت إلیه الوفود من کل ناحیة.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 147

و فی سنة ثلاث و خمسین و مایتین و ألف:

فی أولها و آخر التی قبلها کثر النبات من الکلا و المرعا فللّه الحمد أولا و آخرا.
و فیها سار خالد بن سعود بعسکره حتی قدم الریاض لسبع خلون من صفر، و قبل ذلک سار خالد بن سعود و من معه لمحاربة أهل الفرع و هم أهل الحوطة و الحریق و الحلوة، لأنهم لم یدخلوا فی طاعته و لم یتمکن منهم، فواقعهم منتصف الشهر المذکور، فکسروه کسرة شنیعة، و استولوا علی خیامه و مدافعه و ثقله و غیر ذلک، فانهزم عنه من معه من الأعراب، و قیل: إنه مات من عسکره نحو ثلاثة آلاف و خمسمایة ما بین قتل و هلاک، فلما رجع امتنع أهل الخرج من طاعته، و أقبل فیصل بن ترکی من الأحسا بمن معه حتی قدم الخرج ثم سار إلی الریاض، فتواقعوا بمنفوحة فانکسروا أهل الریاض، فنزل علیها فیصل ثانی جماد الآخرة و حصرهم حصارا شدیدا إلی ثانی عشر من شعبان، ثم ارتحل و نزل منفوحة و لم یزل الحرب بینهما إلی أول ذا القعدة، ثم اصطلحوا علی ید الشریف عبد اللّه بن جبارة.
و فی أول رجب وصل علی باشا العراق محاربا لأهل المحمرة من بلاد کعب، فاستولی علیها و نهبها و رتب فیها نابیا له، فلما سار علی باشا عنها إلی بغداد رجع إلیها أهلها، فنزلوها و أزالوا نابیه و ضبطوها و عمروها.
و فیها اشتد بالناس الفقر و الفاقة و سار من سار منهم إلی البصرة و نواحیها.
و فی صفر قدم حمد السدیری بمن معه إلی سدیر فضبطه و تأمر فیه.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 148
و فیها سار خرشد باشا من المدینة فوصل إلی عنیزة لعشر بقین من صفر، فبعد نزوله بأیام حصر منافرة و جرت بینهم وقعة من غیر قصد قتل فیها مقتلة من العسکر نحو تسعین، و من عنیزة نحو خمسون، ثم تراجعوا علی الکف و ترکوا ما سبق و تبایعوا و أقام شد بمنزله إلی رجب، ثم سار بعساکره و نزل الوشم، ثم سار إلی الریاض، فرکب معه خالد بن سعود بأهل الریاض و قصدوا بلد الدلم، و فیها فیصل بن ترکی قد استعد للقتال بمن معه، و جرا بینهم وقعات قتل، قیل: قتل من العسکر نحو ثمان مایة، و من قوم فیصل نحو مایتین و هذه هی وقعة الخراب قتل فیها الشیخ حمد بن عیسی بن سرحان قاضی منفوحة، و فیصل بن ناصر، و عبد اللّه بن راشد، و عبد العزیز بن سلیمان الباهلی، و عیسی بن عبد اللّه بن سرحان، و ذلک کله فی شعبان، و لم یزل أمر فیصل فی انحطاط، و آخر الأمر أنهم استولوا علیه و قهروه بسبب الخیانة من بعض قومه، ثم سیروه إلی المدینة المنورة ثم إلی مصر.
و فیها توجه أحمد بن محمد السدیری إلی الأحسا، فضبطها و توجه سعد المطیری إلی ناحیة عمان.
و فیه شعبان سار علی باشا العراق بعساکره إلی بلاد الشام.
و هذه السنة کالسنین التی قبلها من الجوع و غلا الأسعار و اضطراب الأحوال.

و فی سنة خمس و خمسین و مایتین و ألف:

نزل خورشید باشا ثرمدا، و أقام بها السنة کلها، و سکنت الأمور، إلّا أنه أشغل الناس ما یلحقهم من النفقات و تغلب إذا السباع البریة علی أهل القری، و السباع البریة هم الأعراب الجفات.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 149
و فیها کثر المطر و النبات، و لم تکن الأسعار کما سبق، بل کانت رخیة، و للّه الحمد.
و فیها مات السلطان محمود فی ربیع الأول و تسلطن بعده ولده عبد المجید.

و فی سنة ست و خمسین و مایتین و ألف:

سارت العساکر المصریة من نجد من ثرمدا و القصیم و ارتحلوا شیئا فشیئا، حتی ارتحل کبیرهم خورشید باشا فی ربیع الأول و بقی الأمر لخالد بن سعود.
و فی ذی القعدة عزل أحمد السدیری عن إمارة سدیر و عزل أکثر نوابه.
و فی رمضان حصر السلطان عکا و أخذها ممن هی بیده، و لم یتبق لحربه إلّا أربع ساعات حتی أثخنهم، و دخلها لعشر خلون من الشهر المذکور، ثم توجه حزب السلطان إلی البلاد المصریة.
و کانت هذه السنة قلیلة الأمطار و النبات رخیت الأسعار و الأقوات، و الحمد للّه.

و فی سنة سبع و خمسین و مایتین و ألف:

فیها استولوا نواب السلطان علی الحرمین. و فیها توفی الشیخ عبد الرزاق بن سلوم بسوق النواشی.
و فی جماد الأول وقعة أهل القصیم و بن رشید قتل فیها من قتل.
و فی تاسع شوال هدم قصر المجمعة.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 150
و فی منتصف الاثنین ولی الأمیر عبد اللّه بن ثنیان بلد الریاض و کان آخر هذه السنة خیر من أولها.

و فی سنة تسع و خمسین و مایتین و ألف:

و هی سنة مبارکة کثرت فیها الخیرات، و توالت فیها الأمطار و السیول، و کثر فیها العشب و الرخا.
و فی أول صفر طلع فی الأفق الغربی عمود أبیض مستطیل من الأفق إلی وسط السما مثل المنارة فی الرای، یطلع قبیل العشا و یغیب أول اللیل، کالنجوم التی بقربه، و لم یزل یضمحمل ضوءه شیئا فشیئا حتی ضعف و انقطع بآخر الشهر المذکور.
و فی أوله أیضا قدم فیصل بن ترکی من مصر، فنزل عنیزة ثم سار منها إلی العارض، و حضر عبد اللّه بن ثنیان فی قصر الریاض حتی ظفر به فی ثانی عشر جمادی الأولی.
و فیها توفی الشیخ بن صعب سوق النواشی.
و فی هذه السنة احترق رئیس المنتفق عیسی بن محمد بن سعدون، ثم تولی بعده أخوه بندر بن محمد السعدون.

و فی سنة ستین و مایتین و ألف:

توجه الإمام فیصل إلی الأحسا و أطرافه و إلی القلعة المسماة الدمام، فملکها و ضبط تلک الناحیة و رتبها.
و فیها انتصر بادیة العجمان و أتباعهم علی مطیر و أخذوا منهم ما أخذوا.
و لثلاث بقین من آخر الحمیم التالی وقع برد أصاب الزرع فی تلک الثلاث فانتقص الزرع بسببه.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 151
و فیها توفی التاجر المشهور ضاحی بن عون لخمس مضین من ربیع الأول ببلدة بنبج (بومبی) من أعمال الهند، و کان ذا شهرة عند الناس، لأنه نجدی الأصل.

و فی سنة إحدی و ستین و مایتین و ألف:

فیها قتل رئیس مطیر محمد بن فیصل الدویش، و کان أول هذه السنة رخاء من کل جانب.
و فیها کثر الجراد ثم الدبا و أکل غالب الزرع فی غالب البلدان فتحرکت الأسعار بعده.
و فی لیلة الخمیس النصف من جماد الأولی کسف القمر بعد المغرب، و فی آخره طلع بالمشرق نجم له شعاع أمامه قدر ذراع، فبقی أیاما ثم اضمحل.
و فی هذه السنة کانت البوادی یعدو بعضها علی بعض و یظلم بعضها بعض.
و فیها مغز الأفلاج قتل فیه برهیم بن عبد اللّه أمیر حوطة بنی تمیم.
و فی خامس رمضان عدا عبید بن علی بن رشید علی عنیزة و قتل منهم عدة رجال نحو ثلاثین منهم أمیرهم عبد اللّه بن سلیم و أخیه و ابن عمهم.
و فی ذا القعدة کسف القمر آخر اللیل، و هی اللیلة الثالثة عشر، فالیعلم.

و فی سنة اثنین و ستین و مایتین و ألف:

و هی سنة مبارکة وقع فی صیفها الجدری و السعال و مات بسببه کثیر من الأطفال و کثرت الأمراض
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 152
و الوبا فی أکثر النواحی کالحرمین الشریفین و فی العراق و البصرة و أطرافها، و فی أرض العجم، و کذا فی أیام الحج حتی هلک به من الحجاج من هلک بقدرة اللّه تعالی.
و فیها قتل فلاح بن حثلین فی الأحسا بأمر من فیصل بن ترکی.
و فی سنة ثلاث و ستین و مایتین و ألف، و فیها فی ربیع الأول عزل عبد العزیز بن عیاف عن إمارة بلدان سدیر.
و فیها توفی عبد اللّه بن علی بن رشید رئیس بادیة شمرا و قرا جبل شمر، و کان صارما مهیبا أرجف الأعراب بالغارات حتی خافه قریبهم و بعیدهم.
و فیها سار الشریف محمد بن عون من مکة بعساره إلی نجد حتی قدم عنیزة فأعطاه إمام المسلمین فیصل بن ترکی ما أرضاه فرجع من حیث جاء.

و فی سنة أربع و ستین و مایتین و ألف:

ولی إمارة قرایا سدیر محمد بن أحمد السدیری.
و فیها کثر النبات و عمت البرکات فی البلاد النجدیة، و فی رابع عشر ربیع الأول أمطرت السماء فجاء السیل الذی ضاقت به الأودیة و الشعاب، و خرب البلدان، و عم جمیع بلدان نجد و غیرها.

و فی سنة خمس و ستین و مایتین و ألف:

توجه الإمام فیصل بن ترکی إلی بلد القصیم لما عتوا و طغوا و تمردوا بسبب ما أعطاهم اللّه من الدنیا، فاجتمعت کلمتهم و اجتمع شوکتهم فی عنیزة. فلما نزل الإمام بینهم و بین المذنب أغار ابنه عبد اللّه علی بادیة من وراءهم فأمکنه اللّه
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 153
منهم، فأذلهم و قتل منهم مقتلة عظیمة، و فیها من رؤساءهم قتلا أکثر من مائة و خمسین. و بعدها خرج الطائفتین من عنیزة إلی بریدة، فدخل الإمام البلد بغیر قتال، فأقر أخاه جلوی فیها، ثم رجع إلی وطنه.
و فیها توفی ناصر بن صالح نایب بیت المالی فی قرایا سدیر، و ولی بعده عبد اللّه بن سلامة.

و فی سنة ست و ستین و مایتین و ألف:

فیها توجه الإمام فیصل بمن معه إلی جهة القصیم، فخرج أمیر بریدة لما أقبل الإمام علیها. و قیل:
ذهابا لا إیاب له إن شاء اللّه، فقدمها الإمام فأقر أخاه عبد المحسن بن محمد أمیرا مکان أخیه، ثم رجع إلی بلده، و هذا هو الثالث من مغازی القصیم، و کانت هذه السنة رخیة الأقوات قلیلة السیل و النبات، و الحمد للّه الذی بنعمته تتم الصالحات.
و فی آخرها عزل بن سلامة عن نیابة بنت المال.
و فیها مات رئیس قبیلة المنتفق بندر آل محمد السعدون.

و فی سنة سبع و ستین و مایتین و ألف:

غز الإمام مغزاة الطویل المسمی سرمدا.
و فیها استمر الاختلاف بین آل شبیب و حصل الافتراق و انشقاق و القتال.
و فیها عجفت البهایم جدا حتی أنزل اللّه الغیث مستهل ربیع الثانی لأربع خلون من البلدة.

و فی سنة ثمان و ستین و مایتین و ألف:

عزل الشریف محمد بن عون و سار إلی السلطان.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 154
و فیها وقعت القطیعة بین علوا و بریه و وقع بینهم قتال.
و فیها رکد أمر المنتفق، و فیها توفی الشیخ عبد اللّه بن جبر قاضی منفوحة رحمه اللّه تعالی یوم الأضحی.
و بغنا خبر الخبرا قیل: إنها عین ظهرت برمل یبرین، و قیل: إنها بثق، و قیل: سحابة.

و فی سنة تسع و ستین و مایتین و ألف:

فی لیلة الجمعة الختمة من صفر وقع الجرف بالجبیلة علی سعد السدیری، و مات هو و خمسة معه رحمهم اللّه، و هذه السنة کثیرة الخیرات و الأمطار رخیة الأسعار دفینة الشتاء باردة الصیف، و وقع بها الجدری و الحصبة و السعلة ذات الصوت، و مات من مات بأجله.
و فی العشر من رجب رجفت شیراز المعروفة ببلاد العجم ثلاثة أیام، و وقع بسوق النواشی بعد العصر ظلمة شدیدة، و غابت عنهم الشمس، و سمعوا عن شمالهم وجبة کصوت الریح الشدیدة، و بقی ذلک إلی وقت المغرب.
و قیل: إن زلزال شیراز هدم کثیرا من البیوت و مات بالهدم نحو ستة عشر أو سبعة عشر ألف نفس.
و فی لیلة النصف من شهر ذی القعدة طلع بأیمن الأفق الغربی نجم له شعاع، و لم یبق إلّا أیام یسیرة نحو أسبوع حتی غاب.

و فی سنة سبعین و مایتین و ألف:

بحمد اللّه رخیة الأسعار قلیلة السیول و الأمطار. و فی آخر أیام صفر توفی بمکة أبو بکر بن محمد الملا العالم الأحسائی الحنفی رحمه اللّه.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 155
و فی أول أیام العقرب وقع برد نحو ثلاثة أیام، فأصاب الزروع ما أصابها.
و فیها غرق فی فارس مراکب کثیرة قیل: نحو ...، و فی أثنائها أبطرت النعمة أهلها من أهل عنیزة، و لم یتعظوا بما وقع علیهم من القتل الأول ظُلِمُوا وَ سَیَعْلَمُ الَّذِینَ ظَلَمُوا أَیَّ مُنْقَلَبٍ یَنْقَلِبُونَ [الشعراء: 227]، فأظهروا المحاربة و أخرجوا أمیرهم جلوی فی شعبان، و حشد علیهم من حشد، و لم یصنعوا شیئا، و بقو کذلک ثمانیة أو تسعة أشهر، ثم رحل عنهم بمصالحة فیها ما فیها، و بقو کذلک علی خبث بواطنهم و ظواهرهم، و للّه الأمر من قبل و من بعد، و لم یحج من أهل نجد بسبب ذلک.

و فی سنة إحدی و سبعین و مایتین و ألف:

فیها نزل عسکر بغداد السوق مع منصور الراشد السعدون محاربا لأخیه ناصر، و کان مع منصور من عسکر الترک نحو خمسة آلاف، و بقی أخوه و من معه محاربین له، و لم یدرکوا شیئا حتی مرج أمرهم و تمکن أمر العسکر.
و فیها هلک، فی بندر منیج (بومبی) نحو ألف و أربعمائة سفینة، أکثرها خالی من الحمل لأهل البصرة و الکویت نحو أربعین سفینة، و ذکروا أن ذلک فی شدة الریح.

و فی سنة ثلاث و سبعین و مایتین و ألف:

فیها توفی الشاعر المشهور عبد اللّه بن ربیعة بن وطبان فی بلد الزبیر.
و فیها أخذ عبد اللّه بن الإمام عنزة فی الدهناء، و أخذ عتیبة علی شبیرمة.
و فیها توفی الشیخ عبد العزیز بن عثمان بن عبد الجبار بن شبانة فی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 156
بلدة المجمعة، و کانت وفاته فی الرابع عشر من شوال، و قلنا فی وفاته تاریخا له: تاریخها نار قتام.
و فیها حج الناس بالمجمعة. و قدم القاضی عبد العزیز بن صالح بن مرشد لیلة عبد النحر.

و فی سنة أربع و سبعین و مایتین و ألف:

ذهب الناس من أهل نجد من الحاضرة و البادیة إلی الحج و فی آخرها وقع المرض فی الحجاج بعد مرجعهم من مکة هلک من هلک بأجله و سلم من سلم إلی أجله، و وقع المرض أیضا بالأحسا و ببلد الریاض و ما حوله، قیل: إنه مات فی تلک الأیام ما قدره سبعمائة نفس، و لا حول و لا قوة إلّا باللّه.

و فی سنة خمس و سبعین و مایتین و ألف:

فی صفر طلع بالأفق الشمالی نجم له ذیل و لم یزل یطول ذیله و یسطع و یتقدم و یرتفع نحو جهة القبلة، ثم تضاعف و اضمحل بعد النصف من ربیع الأول.
و فی هذه السنة اضطربت الأحوال و تکسرت الأسعار و قلت الأمطار ... و هزلت الدواب، و ذهب منها ما ذهب، و مات بمکة من الحاج من حضر أجله.

و فی سنة ست و سبعین و مایتین و ألف:

اشتد الغلا فی جمیع الأشیا من الطعام و المواشی و غیرهما، و عسر الأمر علی الفلاحین و من کان یعمل لهم بأجرته، و وقع فی السؤال کثیر بخلاف العادات المتقدمة حتی أنزل اللّه الغیث و تتابعت الأمطار و نبتت الأرض و سمنت المواشی، ثم ارتفعت أسعار الطعام شیئا فشیئا.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 157
و فی رمضان کانت وقعة الأمیر عبد اللّه بن فیصل علی ملح، و أخذ العجمان عن آخرهم.
و فی آخر ذا الحجة ظهر نجم له شعاع ثلاثة أیام ثم اضمحل.
و فی سنة سبع و سبعین و مایتین و ألف أنزل اللّه الغیث و اشتد الحال بالحضر و أکلوا الشری و الخباز، و وصل العیش ثلاثة أصواع بالریال، و التمر عشر وزان بالریال، و فی جماد الأول أخذت الحدرة مع بن صالح یم أرض الجهرا أخذوهم عرب المنتفق.
و فی ثالث و عشرین منه توفی والدی مؤلف هذا التاریخ محمد بن عمر الفاخری فی حرمه رحمه اللّه. و إنی سأحذوا حذوه فی إکمال هذا التاریخ بجمیع الحوادث فی السنین الآتیة إنشاء اللّه.
ففی شعبان من هذه السنة وقع و باء فی بلد الریاض و مات منهم خلق کثیر ممن قرب أجله، منهم الشیخ حسین بن علی، و الشیخ عبد الرحمن بن بشر.
و فی السابع عشر من رمضان أخذ عبد اللّه الفیصل العجمان و عرب المنتفق سبعة أسلاف فی الجهر القریة المعروفة قرب الکویت، و قتل منهم من قتل، و هذه هی الأخذة الثانیة.
و فی سابع شوال أخذ بن شعبان من بریه یم نفوذ الزلفی.
و فی الثالث عشر منه ذبح عبد العزیز آل محمد و أولاده و معهم تسعة رجال و أخذ بریدة و أمر عبد الرحمن بن برهیم فی القصیم.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 158
و فی یوم الحجة أخذ عبد اللّه بن فیصل عتیبة یم الدوادمی و واسط، و فی شوال مات الشیخ عبد الرحمن بن حمد الثمیری.
و فی ثلاثة عشر من الحجة ظهر نجم له ذیل وصل إلی المجرة و هو تحت الجدی، فما زال یسیر و یرتفع و یضمحل حتی علا بنات نعش، و یسیر سیرهن إلی خامس من المحرم.
و فی سنة ثمان و سبعین و مائتین و ألف فی خامس من صفر حصل ریح شدیدة کسرت فی سبقر؟؟؟ خمسة و ثمانین نخلة. و فی حرمه مایة و عشر، و سال فی الوشم بعض قرایاه خریف.
و فیها مات السلطان عبد المجید، و تولی أخیه عبد العزیز بعده.
و فیها سطوة أهل عنیزة فی بریدة، و راحوا مذلولین مخذولین، و استمر الحرب بین أهل عنیزة و أهل بریدة.

و فی سنة تسع و سبعین و مایتین و ألف:

المحرم أخذ عبد اللّه بن فیصل حرب یم بقیعا و قتل معهم خلق کثیر.
و فیها أخذ عبد اللّه بن فیصل عربان عتیبة علی الرشاویة.
و فیها استعمل الإمام فیصل محمد بن أحمد السدیری أمیرا فی بریدة و علی جمیع بلدان القصیم.
و فیها توفی سعید باشا بن محمد علی والی مصر، و أقیم بعده إسماعیل باشا بن إبراهیم باشا.

و فی سنة ثمانین و مایتی و ألف منها:

رجع الإمام فیصل محمد السدیری إلی الأحسا أمیرا. لأن أهل الأحسا طلبوا من الإمام أن یرجع إلیهم أمیرهم و استعمل مکانه فی بریدة سلیمان الرشید.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 159
و فیها توفی صالح بن راشد وکیل بیت مال الأحسا، و جعل مکانه فهد بن علی بن مغیصیب.
و فیها توفی ترکی بن حمید من شیوخ عنیبة.
و فیها أیضا عزل سلیمان الرشید عن إمارة بریدة لکثرة الشکایات علیه، و ولی الإمام فیصل مکانه مهنا الصالح أبا الخیل.

و فی سنة إحدا و ثمانین و مایتین و ألف:

فیها توفی الشیخ برهیم بن عیسی قاضی بلدان الوشم، و توفی عبد الرحمن بن عبید إمام جامع بلد جلاجل.
و فیها وقعة عبد اللّه الفیصل علی النعیم و آل مرة قرب الأحسا، و فی طریقه صادف رکب من العجمان فأخذهم و قتلهم.
و فی آخرها حدث و باء العقاص فی الحاج، و مات منهم خلق کثیر ممن قرب أجله.

و فی سنة اثنتان و ثمانون و مایتین و ألف:

اشتد فیها الغلا علی الناس و استمر إلی منتصفها.
و فیها توفی الإمام العادل فیصل بن ترکی بن عبد اللّه بن سعود نهار واحد و عشرون من شهر رجب رحمه اللّه تعالی، و عهد إلی ابنه عبد اللّه.
و فی آخرها أخذ عبد اللّه الفیصل الظفیر یم واجهة السوق.
و فیها بنا عبد اللّه آل فیصل قصره الجدید المعروف فی بلد الریاض.

و فی سنة ثلاث و ثمانین و مایتین و ألف:

فیها توفی طلال بن عبد اللّه بن رشید، أصابه خلل فی عقله، فقتل نفسه و تولی بعده أخاه متعب بن عبد اللّه بن علی بن رشید علی إمارة الجبل.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 160
و فیها حصل الشقاق بین سعود بن فیصل و بین أخوه عبد اللّه بن الفیصل، و ذهب إلی عائض بن مرعی أمیر بلدان عسیر یطلبه النصرة علی أخیه، فلم یلتفت له. ثم توجه سعود إلی نجران منتصرا بالسید أمیر نجران، فأمده أمیر نجران بمال کثیر و أرسل معه اثنین من أولاده و خلقا کثیر من جنده مع من تبعهم من آل مره. و لما استخبر عبد اللّه فی جمع جنوده من الریاض و سیرهم محمد الفیصل، فالتقی الجمعان فی المعتلا مع أخوه، و حصل بینهم وقعة عظیمة و کانت الهزیمة علی سعود و من معه و انصاب سعود بعدة جراحات.

و فی سنة أربع و ثمانین و مایتین و ألف:

حرقت فیها بیوت العجمان الذی فی الرقیقه فی الأحسا.
و فیها توفی الشاعر المشهور محمد بن عبد اللّه القاضی فی بلد عنیزة.

و فی سنة خمس و ثمانین و مایتین و ألف:

فیها توفی الشیخ سعود بن عطیة قاضی بلد القویعیة.
و فیها توفی الشیخ أحمد بن علی بن حسین بن مشرف الأحساءی.
و فیها توفی الشیخ عبد الرحمن حسن بن الشیخ محمد رحمهم اللّه.
و فیها قتل متعب بن عبد اللّه بن رشید، قتله أولاد أخیه طلال، و تولی الإمارة بعده بندر بن طلال.
و فیها توفی أمیر عنیزة عبد اللّه الیحیی بن سلیم، و تولی الإمارة بعده زامل العبد اللّه بن سلیم.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 161

و فی سنة ست و ثمانین و مایتین و ألف:

فیها توفی قاضی الریاض عبد الرحمن بن عدوان رحمه اللّه.
و فیها فار بندر بن طلال أمیر الجبل علی الصعران من بریه و هم علی الشوکی، فأخذهم و قتل رأیسهم هذال بن بصیص.
و فیها أخذ الإمام عبد اللّه فیصل الصحبة من مطیر علی الوفرا.

و فی سنة سبع و ثمانین و مایتین و ألف:

فیها توفی الشیخ عبد الرحمن بن شبرمة رحمه اللّه.
و فیها وقعة جوده بین سعود بن فیصل و بین أخیه محمد بن فیصل، حصل بینهم قتال و صارت الهزیمة علی محمد بن فیصل لخیانة بعض من معه من سبیع، و من مشاهیر القتلی فی هذه الوقعة عبد اللّه بن بتال المطیری، و مجاهد بن محمد بن أمیر الزلفی، و إبراهیم بن سوید أمیر بلد جلاجل، و عبد اللّه بن مشاری بن ماضی، و أمیر ضرما عبد اللّه بن عبد الرحمن، و أسر محمد بن فیصل و أرسل إلی القطیف و حبس هناک، و بعدها سار سعود بجنوده إلی الأحسا و استولی علیها.
و فیها وقع الغلا الشدید و القحط فی نجد و استمر إلی آخر السنة التی عدها.

و فی سنة ست و ثمانین و مایتین و ألف:

فیها خرج سعود بن فیصل بجنوده من الأحسا قاصدا بلد الریاض. و لما سمع الإمام عبد اللّه بن فیصل بذلک خرج من الریاض فدخله سعود و معه خلایق من العجمان، فعاثوا فب البلد و نهبوا بلد الجبیلة، و قتلوا جماعة من أهلها و قطعوا نخیلة و أخربوها.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 162
و فیها اشتد القحط و الغلا و أکلت الجیف و مات خلق کثیر من الجوع، ثم إن سعود بن فیصل لما استقر فی الریاض کتب إلی رؤوساء البلدان و أمرهم بالقدوم علیه للمبایعة، فقدموا علیه و بایعوه و أمرهم بالتجهیز للغزو، فلما کان فی ربیع الأول خرج من الریاض غازیا و معه خلایق کثیر، و قصد أخاه عبد اللّه بن فیصل، و کان عبد اللّه بن فیصل مع قحطان، و هم إذ ذاک علی البره و صار بینهم قتال شدید و صارت الهزیمة علی عبد اللّه بن فیصل و من معه من قحطان و غیرهم.
انتهی تاریخ محمد بن عبد اللّه الفاخری
***
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 163

تاریخ ابن ضویان‌

تألیف المؤرخ العلامة الشیخ إبراهیم بن محمد بن سالم بن ضویان (1275- بعد 1353 ه)

خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 165

ترجمة المؤرخ الشیخ إبراهیم بن محمد بن سالم بن ضویان (1275 ه- 1353 ه)

الشیخ إبراهیم بن محمد بن سالم بن ضویان من آل زهیر، و هم بطن کبیر من قبیلة بنی صخر، و هی قبیلة متفرعة من طی‌ء.
و قال الشیخ إبراهیم بن عیسی: (الضویان بالضاد، و الصویان بالصاد، المعروفون فی الرس، من آل زهیر، من بنی صخر). ا ه.
و آل صویان أسرة معروفة فی بلدة عنیزة أصلهم من بلدة الرس.
و بنو صخر کانوا یسکنون شمال المدینة المنورة قرب العلا و الحجر، فنزحت إلی البلقاء و أطراف الشام.
و أما بطن آل زهیر فبعضهم فی بادیة الشام، و بعضهم فی الدقهلیة من البلاد المصریة، و أسرة المترجم نزحت إلی نجد.
ولد المترجم سنة 1275 فی بلدة الرس إحدی بلدان القصیم، و قرأ علی علماء بلده، و کان والده مؤذنا فی أحد مساجد الرس، و کان أمیا لا یحسن القراءة و الکتابة، مع أنه یوجد فی صحیفة 308 من شرح المترجم علی (الدلیل) هذا النص: (و کذا المیتة حتی الجلد، و لو قلنا
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 166
بطهارته فی الدباغ، أفاده والدی أمتع اللّه به آمین). ا ه.
قلت: فلعل هذه الفائدة ملحقة بأصل الکتاب من زیادات ابن المترجم عبد اللّه، فهو طالب علم جید.
و قد قرأ المترجم الشیخ إبراهیم علی علماء کبار، حتی أدرک لا سیما فی الفقه.
قال لی تلمیذه الشیخ محمد بن عبد العزیز بن رشید : (إن شیخی إبراهیم بن ضویان من الفقهاء الکبار و له اطلاع واسع فی الفقه، أما باقی العلوم لا سیما علوم العربیة، فله مشارکة فیها و لکنها لیست جیدة).
و القصد أنه صار عالم بلده و من کیار علماء القصیم، و لقد رأیته و أنا فی سن التمییز یأتی إلی أبی و أعمامی فی بیتنا فی عنیزة، و کان فی کل عام یأتی من الرس إلی عنیزة فی آخر شعبان، و یبقی فیها إلی أن یبقی یومان أو ثلاثة من رمضان، ثم یعود إلی الرس، و کان ینزل ضیفا علی حسن بن علی البریکان، فیتناول عنده وجبة السحور، أما الإفطار فیکون عند من یدعوه إلیه من أعیان عنیزة، و یرون تلبیته دعوتهم غبطة لهم، فکانوا یکرمونه غایة الإکرام، و یجلونه و یعرفون قدره، و یودوا أن یطیل الإقامة عندهم لمؤانسته و حسن حدیثه و إفادته، و کان حین رأیته مسنا، کفیف البصر- و فقد البصر لم یطرأ علیه إلّا فی آخر حیاته-.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 167
و مع سعة علمه و ورعه و عفته و دماثة أخلاقه و محبة الناس له، فق؟؟؟
کان مبعدا عن قضاء بلده و عن غیره، و السبب فی ذلک أنه غیر موال لآل سلیم أشهر علماء القصیم فی ذلک الوقت، و هم أهل المشورة فی مثل هذه المناصب فی القصیم.
و کان شیخه الشیخ صالح بن قرناس إذا تغیب عن قضاء الرس فی قضاء عنیزة أو فی بریدة أنابه عنه فی قضاء الرس، فیقضی بین الناس.
و لمّا عزل الشیخ عبد اللّه بن بلیهد عن قضاء بلدة الرس، أشار أمیر الرس حسین العساف علی الشیخ المترجم- ابن ضویان- أن یقابل الإمام عبد العزیز بن سعود، و هو آن ذاک فی بریدة لعله إذا رآه أن یولیه القضاء فذهب إلیه، إلا أن الملک عبد العزیز أظهر عدم رغبته فیه مراعاة لآل سلیم فی بریدة.
قال الشیخ محمد بن عبد العزیز بن رشید قاضی الرس ع؟؟؟
المترجم: (إن له اطلاعا واسعا فی الفقه، و قال: لم أر و لم أعلم أحد؟؟؟
أکثر منه نسخا للکتب العلمیة، و أن خطه لا یتغیر مهما طال الکتاب أو طال الوقت، و مما خطه بیده: «شرح الدلیل» و «شرح الزاد» و «شر؟؟؟
المنتهی» و «إعلام الموقعین» و «قواعد ابن رجب» و «طبقات ابن رجب و «الکافی» .. و غیرها).
و قال: (حاولت القراءة علیه فی النحو فاعتذر بعدم سعة اطلاع فیه).
و قال عنه الشیخ عبد العزیز بن ناصر بن رشید رئیس هیئة التمییز فی المنطقة الوسطی: (اشتهر بالعلم و الفضل وفاق أقرانه، و کان متفننا فی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 168
کثیر من العلوم، و کان مع هذا کاتبا مجیدا، حسن الخط، سریع الکتابة حتی إنه یکتب الکراریس فی المجلس الواحد، و له مکتبة عظیمة بخط یده، و کان إلیه المرجع فی بلد الرس فی الإفتاء و التدریس و النفع العام). ا ه.
و الحق أن المترجم و إن کان تخصصه فی الفقه إلا أن مؤلفاته فی التاریخ و الأنساب و تراجم العلماء و أسماء البلدان تدل علی أنه صاحب جوانب واسعة فی هذه العلوم، و من هنا صارت له هذه المنزلة و المحبة عند أعیان مدینة عنیزة المولعین بهذه العلوم و أمثالها، و التی هی سمر مجالسهم و أحادیث منتدیاتهم.

مشایخة:

1- الشیخ عبد العزیز بن محمد بن مانع، المتوفی سنة 1307 ه، أحد قضاة عنیزة و والد مدیر المعارف العام الشیخ محمد بن عبد العزیز بن مانع.
2- الشیخ محمد بن عبد اللّه بن سلیم، أحد قضاة بریدة، و له شهرة و فضل و علم.
3- الشیخ صالح بن قرناس بن عبد الرحمن بن قرناس، أحد قضاة بریدة و عنیزة، و أقام فی قضاء الرس نحوا من خمسة و خمسین عاما، المتوفی سنة 1336 ه.
و لهؤلاء العلماء الثلاثة تراجم فی هذا الکتاب، و المترجم قرأ علی غیرهم من کبار العلماء.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 169

تلامیذه:

1- الشیخ محمد بن عبد العزیز بن محمد بن رشید، قاضی الرس، رنیة، ثم الخرمة.
2- ابنه الشیخ عبد اللّه بن إبراهیم بن ضویان.
قال تلمیذه محمد بن رشید: السبب فی قلة تلامیذه و الآخذین؟؟؟
هو أن الشیخ المترجم لیس من المتحمسین لدعوة الشیخ محمد بن عبد الوهاب، و الناس ینفرون ممن لا یتحمس لها.
علی أن هذا لیس قدحا فی اتجاهه و عقیدته و محبته للشیخ محمد؟؟؟
و دعوته، و إنما الناس منهم من یندفع إلی ما یعتقد، و منهم من لا یکون عنده ذلک الاندفاع، و إلا فإن شرحه علی الدلیل غالبه منقول من مختصر؟؟؟
الشرح الکبیر للشیخ محمد بن عبد الوهاب و مصرح بذلک، و قد اطلع؟؟؟
علی الجزء الأول من کتابه الذی ترجم فیه لعلماء الحنابلة فی «دار الکتب؟؟؟
المصریة» مخطوطا، و اسم الکتاب «رفع النقاب عن تراجم الأصحاب و آخر ترجمة فیه للشیخ محمد بن عبد الوهاب رحمه اللّه، و قد أثنی عل؟؟؟
و وصف الشیخ بصفاته الحمیدة.
و قد توجه الشیخ ابن ضویان إلی الشارقة فی شهر صفر سنة 1336 ه، و کان قد صنف منار السبیل، و رفع النقاب.

مؤلفاته و آثاره:

1- منار السبیل فی شرح الدلیل: و هو شرح علی دلیل الطالب، جمی؟؟؟
جدا عنی بذکر الأدلة الصحیحة للمسائل، کما أشار إلی الأقوا
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 170
الصحیحة من غیر المشهورة فی المذهب، و قد طبع علی نسخة بخطه طباعة جمیلة.
2- رفع النقاب فی تراجم الأصحاب: ترجم فیه لعلماء الحنابلة من الإمام أحمد إلی زمنه و قد رأیت الجزء الأول منه ب «دار الکتب المصریة» منتهیا بترجمة الشیخ محمد بن عبد الوهاب رحمه اللّه تعالی، و لم أجد الجزء الثانی، و الذی لم- أره هو المهم لأن فیه تراجم علماء نجد الذین لا یوجد لهم تراجم، و أما الجزء الأول فهو منقول من کتب متداولة، و لیس فیه لعلماء نجد إلا سبع تراجم.
3- رأیت کراسة بقلم عمی الشیخ سلیمان بن صالح البسام فیها بعض تراجم قصار لعلماء القصیم یذکر عمی أنها من إملاء الشیخ إبراهیم بن ضویان المترجم، و یمتاز بأنه یصف من یترجم لهم وصفا دقیقا جیدا یعطی فکرة واضحة عنهم مع قصر الترجمة، و قد نقلت عنها فوائد کثیرة فی هذا الکتاب.
4- کما عثرت عند عمی الشیخ سلیمان علی کراسة بإملاء الشیخ ابن ضویان جامعة لتراجم بعض علماء نجد، و أسماء البلدان، و نبذ تاریخه، و سأنشرها إن شاء اللّه ضمن تواریخ نجد.
و من مزایا الشیخ إبراهیم بن ضویان إجادته وصف من یتکلم عنهم من علماء نجد، فکلماته القصار عنهم تعطی فکرة واضحة، ثم إنها هی عین الواقع فیهم، فهو عارف بهم معرفة تامة.
5- رسالة فی أنساب أهل نجد.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 171
6- رسالة فی تاریخ نجد ابتدأها من سنة ثمانمائة و خمسین إلی سنة تسعة عشر و ثلاثمائة و ألف.
7- حاشیة علی الزاد مختصرة.
8- أجاب علی أسئلة عدیدة بأجوبة محررة سدیدة، لکنها لم تجمع.
9- کتب بخطه الحسن المضبوط کثیرا من الکتب العلمیة، قال الشیخ عبد العزیز بن ناصر بن رشید: و له مکتبة عظیمة غالبها بخطه.
10- له بعض القصائد التی لا بأس بها یقولها فی بعض المناسبات.
11- عمل فهرسا دقیقا لقواعد ابن رجب الحنبلی.

وفاته:

کفّ بصره فی آخر عمره، فلزم المسجد مع القناعة و التعفف عن الدنیا، و فی لیلة عید الفطر عام ثلاثة و خمسین و ثلاثمائة و ألف توفی فجأة، و من لطف اللّه تعالی و تدبیره أن تلمیذه الشیخ محمد بن عبد العزیز آل الرشید کان یدرس تلامیذ المترجم عن موت الفجأة، و یورد علیهم؟؟؟
ورد فیها من آثار، فما راعهم إلا خبر وفاة الشیخ ابن ضویان بدون سابق، فکان هذا الدرس لمحبیه تمهیدا لقلوبهم، و عزاء لنفوسهم، و بعد تجهیزه صلی علیه بعد صلاة العید فی مصلی العید، و قد حزن الجمیع لوفاته و أسفوا علیه، و فقدوا بوفاته عالما جلیلا و أبا رحیما لأحبابه و عارفیه رحمه اللّه تعالی.
و قد خلّف ابنین، هما: عبد اللّه، و کان طالب علم، و توفی سنة 1358 ه. و الثانی: محمد، و لا یزال علی قید الحیاة.
***
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 172
() هذه هی الورقة الأخیرة؟ من تاریخ الشیخ إبراهیم ابن ضر؟؟؟
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 173

[التشریح]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ* الحمد للّه الذی تواضع کل شی‌ء لعظمته، و ذل کل شی‌ء لعزته، و خضع کل شی‌ء لملکه، و استسلم کل شی‌ء لقدرته. و الحمد للّه الذی سکن کل شی‌ء لهیبته، و أظهر کل شی‌ء بحکمته، و تضافر کل شی‌ء لکبریائه، له الحمد إذ أرسل لنا محمدا صلی اللّه علیه و سلّم بالحق و کتاب مبین، علیه صلوات اللّه و سلامه و علی آله الطیبین، و أصحابه المیامین، و من سار علی طریقهم المستقیم.
أما بعد، فهذه رسالة مختصرة فی التاریخ للشیخ العالم العلّامة إبراهیم بن محمد بن ضویان المولود سنة 1275 ه، المتوفی فجأة سنة 1353 ه، فی لیلة عید الفطر المبارک رحمه اللّه:
سنة 850 ه: اشتری حسن بن طوق جد آل المعمر العیینة من آل یزید الحنیفیین الذین من ذریتهم آل دغیثر الیوم، و کان مسکن حسن (ملهم) و انتقل منها إلیها، و استوطنها و عمرها و تداولها ذریته من بعده و فیها قدم ربیعة ابن مانع من بلدهم القدیمة المسماة بالدرعیة عند القطیف، قدم فیها علی ابن درع صاحب حجر المعروفین قرب الریاض، و کان من عشیرته فأعطاه ابن درع الملیبید و غصیبة فی الدرعیة، فنزل ذلک و عمره و غرسه هو و بنوه، فکان بعده ابنه إبراهیم، و کان لإبراهیم أولاد
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 174
منهم عبد الرحمن الذی استوطن بلد (ضرما)، و منهم عبد اللّه، و منهم سیف الذی من ذریته ابن یحیی من بلد ابن الکباش، و منهم فرحان و ولد مرخان مقرن و ربیعة.
أما مقرن فمن ذریته آل مقرن، و خلف أولادا منهم محمد و عبد اللّه و عیاف و مرخان. أما محمد فخلف سعود و مقرن.
أما سعود فخلف محمد و مشاری و ثنیان و فرحان.
أما محمد فخلف أولادا منهم فیصل و سعود قتلا فی حرابة ابن دواس.
و منهم عبد العزیز، و ولد له سعود بن عبد العزیز و غیره، و عبد اللّه و ولد له ترکی بن عبد اللّه و غیره.
سنة 858 ه: فتح القسطنطینیة، و لم تکن فتحت قبل ذلک ذکره علی ما ذکره الکرمانی فی تاریخه و أرخ بلده طیبة، و أرخه بعض الأدباء بقوله:
و أم هذا الفتح قوم أولون‌حازه بالنصر قوم آخرون
سنة 912 ه: حج أجود بن زامل العقیلی الجبری العامری ملک الأحساء و نواحیها فی جمع یزید علی ثلاثین ألفا.
و فیها خرج من بلد الروم ملحد زندیق یقال له (شیطان قالی)، تبعه فئام لا تحصی و قویت شوکته، فأرسل السلطان بایزید وزیره علی باشا لقتاله، فقتل علی باشا ذلک الفتاک و انکسر شیطان قالی و قتل معه طائفة من أعوانه و سکّن اللّه تلک الفتنة و ذلک سنة 915 ه.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 175
و ظهر فی بلاد العجم شاه إسماعیل بن حیدر بن جنید الصوفی ظهورا عجیبا و استولی علی ملوک العجم و قتل و سفک و أظهر مظهر الرفض و الإلحاد و غیر اعتقاد العجم، و کثرت أتباعه، و حصل له وقعات انتصر فیها و استولی علی خزانة عظیمة بفرقها من المال إلی أن ملک تبریز و أذربیجان و بغداد و العراق و خراسان، و کان یدّعی الربوبیة و یسجد له العسکر، فلما وصلت أخباره إلی السلطان سلیم خان تهیأ لقتاله و التقی العسکران قرب تبریز، فولی شاه إسماعیل منهزما و قتل غالب جنوده، و ذلک بعد سنة 920 ه.
سنة 928 ه: مات عبد الرحمن العلیمی الحنبلی بالقدس.
سنة 933 ه: فی أول یوم من المحرم مات القسطلانی شارح البخاری بمصر، و فیه دخل السلطان سلیم مصر و أخذها من قانصوه الغوری الجرکسی، و ولی بمصر قضاء الحنابلة شهاب الدین الحنبلی والد الشیخ تقی الدین الفنوص صاحب المنتهی.
سنة 944 ه: مات عبد الرحمن بن علی بن الدیبع الزبیدی.
سنة 948 ه: مات أحمد بن عطوة بن زید التمیمی و دفن بالجبیلة و فیها الشیخ موسی الحجاوی.
سنة 974 ه: توفی أحمد بن حجر الهیثمی المکی.
سنة 986 ه: سار الشریف حسن بن أبی نمی من مکة إلی نجد بنحو خمسین ألف، و حایر معکال من بلد الریاض، و قتل رجلین و أسر آخرین فحبسهم سنة ثم أطلقهم علی أن یعطوه کل سنة ما یرضیه ثم سار.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 176
سنة 989 ه: و فتح البدیع و السلیمة و الخرج و الیمامة و غیرها (شوامخ فی أعال الجبال، ثم عین من رؤسائه من ضبطها علی أمور اقترحها و عاد راجعا).
سنة 992 ه: توفی محمد بن أحمد الفاکهی الحنبلی رحمه اللّه.
سنة 1000 ه: تقریبا استولی الروم علی الأحساء و نواحیها، و رتبوا الجند، و انقرض عنه آل أجود القیسی الجبری، و مکث فیه الروم ثمانین سنة حتی استنقذه منهم براک بن غریر أول أمیر آل حمید من بنی خالد فی الأحساء و نواحیها.
سنة 1022 ه: توفی العلّامة عبد الرؤوف المناوی «شارح الجامع الصغیر»، و فیها أخذ شاه العجم بغداد و قتل و سبی و خرب المساجد و حرق الکتب، و فعل الأفعال القبیحة، و جعل نائبا له فأرسل السلطان وزراءه و عسکره لحربه، فلم یقدروا علی شی‌ء حتی فتحها السلطان مراد بنفسه سنة 1048 ه.
سنة 1033 ه: توفی الفقیه مرعی بن یوسف الحنبلی بمصر.
سنة 1039 ه: انهدمت الکعبة المشرّفة بسبب کثرة السیول و بنیت سنة 1040 ه. و فیها استولوا الهزازنة علی الحریق و نعام و أخذوه من القواودة من سبیع، و الذی أظهر الحریق غرس مسعود ابن سعد بن سعیدان الهزانی و تداولته ذریته من بعده.
سنة 1048 ه: فتح بغداد.
سنة 1052 ه: توفی الشیخ منصور البهوتی بمصر.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 177
سنة 1064 ه: توفی الفقیه عثمان بن أحمد الفتوحی الحنبلی.
سنة 1079 ه: توفی الشیخ سلیمان بن علی المشرفی ببلد العیینة. خزانة التواریخ النجدیة ؛ ج‌3 ؛ ص177
ا قتل رمیزان أمیر الروضة بن غشام، الشاعر المعروف، المشهور ابن آل أبی سعید.
سنة 1080 ه: أخذ براک بن غریر أول أمراء الحمید من بنی خالد الأحساء من أیدی الترک و أرّخ بعض أدباء القطیف و آل الحمید، فقال:
رأیت البدو آل حمید لماتولوا أحدثوا فی الخط ظلما
أتی تاریخهم لما تولواکفانا اللّه شرّهمو طغی ألما
و ذیّل بعضهم ولایة آل سعود و زوالهم:
و تاریخ الزوالی أتی طباقاو غار إذا انقضی الأجل المسمی
سنة 1083 ه: مات الشیخ محمد البلبانی، مصنّف «أخصر المختصرات».
سنة 1088 ه: مات الخلوتی المصری، صاحب الحاشیتین، و فیها أیضا مات عبد الحی بن العماد الحنبلی بمکة، و قد حجّ من الشام.
سنة 1096 ه: تولی عبد اللّه بن محمد بن حمد بن معمر فی بلده العیینة، و کان عاقلا، و قد خربت العیینة فی زمنه، و کانت إمارته بضعا و أربعین سنة.
سنة 1097 ه: توفی عثمان بن قائد النجدی الحنبلی، ولد فی بلدة العیینة، و مات فی مصر.
سنة 1107 ه: استنقذ آل أبو غنام منزلتهم من فوزان بن حمیدان و أخرجوه من غنیزة بعد وقعة بریدة و غدره بهم.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 178
سنة 1114 ه: مات أحمد بن محمد بن القصیر و ملک آل بسام بلد أشیقر و هو أول.
سنة 1115 ه: ولد الشیخ محمد بن عبد الوهاب بالعیینة.
سنة 1125 ه: مات الشیخ أحمد بن محمد المنقور.
سنة 1138 ه: الوباء المشهور فی بلد العیینة أفنی غالب أهلها و مات بسببها رئیسها عبد اللّه محمد بن حمد بن معمر، و تولی فیها ابن ابنه بعده، الذی یسمّی محمد بن حمید، الملقّب بخرفاش.
سنة 1158 ه: انتقل الشیخ محمد بن عبد الوهاب رحمه اللّه من بلد العیینة إلی الدرعیة.
سنة 1163 ه: الغلاء و شدّته، المسمّی «شیته»، و فیه توفی أحمد بن یحیی بن رمیح فی الرغبة، و فیها قتل عثمان بن محمد بن معمر فی مسجد العیینة بعدما صلی الجمعة، و هو إذ ذاک أمیر العیینة.
سنة 1176 ه: وقعت حدباء قتلة بین القویعیة و النفود بین عبد العزیز محمد بن سعود و غزو من العجمان، قتل منهم خمسین رجلا و أسر نحو مائتین.
سنة 1178 ه: وقعة النجارین فی بنی خالد من سبیع، سببها أن العجمان استصرخوا صاحب نجران السید حسن بن هبة اللّه و ما حوله من یام، فالتقوا فی الحایر و انهزم عبد العزیز بن محمد من قومه نحو خمسمائة رجل، و أسر أسری کثیرا، فأرسلوا إلیه فیصل بن سهیل شیخ الضفیر، و أطلقوا له أسری من العجمان، و أطلقت أسراهم و رجع إلی بلده، و کان
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 179
قد وعد ابن عریعر الخالدی بمجموع کثیر بعد رجوع النجرانی، فحاصر الدرعیة نحوا من عشرین یوما، ثم رجع من غیر طائل.
سنة 1179 ه: توفی محمد بن سعود رحمه اللّه تعالی.
سنة 1181 ه: أول سوقة، و هو وقت عظیم، هلک فیه أناس کثیر، و غلی السعر، و وصل العیش مدّین و نصف بریال، و سمّیت سوقة لکثرة جلوّ الناس فیها.
سنة 1182 ه: توفی الإمام الشهیر محمد بن إسماعیل الأمیر الصّنعانی، و فیها غزی سعود علی عنیزة و معه حمّود الدریبی أمیر بریدة، و کانت الوقعة فی باب شارخ، و قتل من الفریقین قتلا و لم یدرک شیئا.
سنة 1183 ه: فضی عبد العزیز بن محمد بن سعود فی بلد الهلالیة، و تبعه أکثر أهل القصیم.
سنة 1184 ه: سطی آل أبو علیان علی راشد الدیبی، رئیس بریدة، و أخرجوه منها و استولوا علیها.
سنة 1186 ه: تولی فی مکة سرور بن مساعد الشریف.
سنة 1187 ه: هرب دهام بن دواس من الریاض، و قیل: إنه قتل فی حربه من الطائفتین نحو أربعة آلاف، و قیل: وقع فی العراق طاعون عظیم، مات فیه من أهل البصرة ثلاثمائة و خمسون ألفا و الزبیر ستة آلاف.
سنة 1188 ه: سار عریعر بن دجین ملک الأحساء و حاصر بریدة، فنهبها، ثم رحل إلی الخوابی و مات بعد شهر.
سنة 1190 ه: غزوة مخیریق أغار عبد العزیز بن محمد علی آل مرة،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 180
فتکاثرت علیه الأمداد، فانهزم و ألجاؤه إلی عقبة خیفة و قتل من قومه نحو من ستین رجلا منهم أمیر القصیم عبد اللّه بن حسن.
سنة 1194 ه: أصاب بلد عنیزة سیل عظیم أغرق البلد و بعض أهلها و محا منازلها و أذهب أموالا.
سنة 1196 ه: غلت الأسعار فی جمیع البلدان الحب صاع و التمر وزنتین، و هی سنة ذبحة المطاوعة، و هم ناصر الشبیلی و منصور أبا الخیل، و ثنیان أبا الخیل، و عبد اللّه القاضی و غیرهم بممالات سعدون بن عریعر ملک الأحساء، فجمع جموعه و نزل بریدة و أمیرها حجیلان بن حمد فقتل حجیلان سلیمان الحجیلانی مع عشیرته، فثبت معه أهل البلد فحاصر سعدون حصارا شدیدا ثم انقلب علی غیر شی‌ء.
سنة 1197 ه: المحل المسمی دولاب استمر إلی المئتین.
سنة 1198 ه: غزا سعود علی عنیزة فحصل قتال قتل فیه من الفریقین أناس و رجع و لم یدرک شیئا.
سنة 1199 ه: وقع فی لبل (أی الإبل) موت عظیم سمی حزام الثانی.
سنة 1200 ه: رجعان دوره.
سنة 1201 ه: فی المحرم سار ثوینی بن عبد اللّه بن مانع أمیر المنتفق بالعساکر و الجنود علی نجد فأخذ التنومة و نازل بریدة، فلم یدرک شیئا و انصرف لما بلغه أنه وقع بعدّة بلدان خلل، فلما وصل إلی الزبیر أتاه مأمور البصرة للسلام علیه فحبسه توینی و أرکب من ساعته إلی البصرة و ضبطها.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 181
سنة 1202 ه: فیها مات القاضی حسن بن عبد اللّه حمد بن قاسم و حمد الوهیبی و عبد الرحمن بن ذحلان و کلهم قضاة و مات الشریف سرور بن مساعد أمیر مکة.
و فیها سار سلیمان باشا من بغداد علی توینی فالتقوا قرب الفاضلیة قرب الشیوخ، فانهزم هزیمة شنیعة و قتل من قومه قتلی کثیرون فهرب و نزل قرب الجهرا فی الکویت ثم رحل إلی دیرة بنی خالد.
و فی هذه السنة غزا سعود عنیزة فأخذها و أجلی أمراءها، و فیها مات عبد اللّه بن یحیی، و فیها مات سلطان بن أحمد و تسلطن أخوه سلیم بن أحمد.
سنة 1203 ه: أغار سعود علی توینی بأرض بنی خالد فأخذ حملته و أثاثه.
سنة 1205 ه: سیر الشریف غالب بن مساعد جموعا و عساکر مع أخیه عبد العزیز فحارب قصر بسام فی السر، ثم سار غالب فی السر بجموع کثیرة فاجتمعوا و حاربوا قریة الشقراء نحو شهر، فلم یدرک شیئا فرجع و تفرقت جنوده.
سنة 1206 ه: توفی الشیخ محمد بن عبد الوهاب.
سنة 1208 ه: استولی سعود علی الأحساء و انقرضت منه دولة آل حمید. و فیها توفی سلیمان بن عبد الوهاب أخو الشیخ محمد بن عبد الوهاب.
سنة 1212 ه: قتل توینی أمیر المنتفق و کان قد سار بجموع کثیرة حتی نزل الشباک الماء المعروف بأرض بنی خالد، فقتله عبد اللّه بن طعیس
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 182
من عبید الجبور من بنی خالد. و فیها أخذ الفرنساوی غزة و أعمالها و یافا و صیدا و ملکوها، ثم حاصر عکا حصارا شدیدا فوصلت إمدادات کثیرة من السلطان و معه مراکب من الإنجلیز فاقتتلوا قتالا شدیدا فقتل من الفرنساوی خمسة عشر ألفا و من العسکر الخراز صاحب عکا خمسة آلاف، فحصلت مواقعات وقعا ثلاث بعد ذلک و استنقذوا مصر من أیدیهم سنة 1217 ه (عکا بلد أحمد باشا الجزار).
سنة 1214 ه: حج سعود بن عبد العزیز أول حجّة ثم الثانیة سنة 1215 ه.
سنة 1216 ه: فی محرم کانت وقعة کربلاء بلد الحسین أخذ سعود جمیع ما فیها من أمتعة و أثمان و قتل من أهلها نحو ألفین.
سنة 1217 ه: أخذت مصر من الفرنساوی، و فی آخرها غزا سعود مکة و جاء المضایفی بجموع من الطائف، فهرب غالب أهلها من مکة إلی جدة، فدخل سعود مکة فی ثامن محرم و هدم ما فیها من القباب التی علی القبور، ثم حاصر جدة فلم یدرک فیها شیئا، و فی رجب قتل عبد العزیز بن محمد بن سعود فی أثناء صلاته بطعنة رجل عراقی لا یعرف، و فی آخرها غزا سعود علی البصرة و نهب جندها و قتل من أهلها عددا کثیرا، ثم نزل علی بلد الزبیر و حاصر أهلها و حصد زروعه، و حشد علی قصر الدریهمیة فهدم ماءها و قتل منهم عددا ثم رجع إلی وطنه و قیل رحل غالب من جدة بعساکر فحاصر أهلها القصور الذین رتبهم سعود فی مکة، فأخرجهم منها بالأمان و استولی علیها.
سنة 1219 ه: قدم محمد علی صاحب مصر علی محمد باشا یطلب
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 183
علوفته و علوفة عسکره الذی تحت یده فماطله، فقتله محمد علی و وظف نفسه باشا فیها، و أرسل إلی السلطان عرضا ادعی فیه أنه محمد علی باشا فوصی الخالدات فأتی له التقریر فیها.
سنة 1220 ه: الغلاء العظیم استمر ست سنوات، و فیها حصار مکة حاصرها أهل عسیر مع أبو نقطة و أهل بیشة مع سالم بن شیبان و أهل الطائف و الحجاز مع عثمان المضایفی، و قطعوا السابلة و اشتد الجهد علی غالب و بلغ کیله الحب و الرز ستة، فأرسل یطلب منهم الصلح فصالحوه و حجوا و اعتمروا، و أرسل سعود وفدا فقرر الصلح، و قیل: قبل الحج بایع أهل المدینة و ذلک أنه بادی و بدی ابنی بدوی بن مضیان رؤساء حرب وفدوا علی عبد العزیز و بایعوه.
و فیها غزا سعود مغزی المشهد فوجده محصنا فقتل من غزوه قتلا، ثم حاصر أهل السماوة و نهب من نواحیها، ثم نازل أهل الزبیر و وقع مناوشة قتال ثم رحل إلی وطنه.
سنة 1221 ه: حج سعود بالناس و منع الحج الشامی من الحج و کبیر الحج عبد اللّه العظم.
سنة 1222 ه: عزل السلطان سلیم بن أحمد و تولی بعده فی السلطنة ابن أخیه مصطفی بن عبد الحمید، ثم أجمع رؤساء الدولة علی رد سلیم بالسلطنة و عزل مصطفی و کان سلیم مأسورا، فأشار بعض وزراء مصطفی بقتل عمر سلیم لکی یتسنی لهم غرضهم ففتک به و قتله فغضب یوسف باشا و من معه فأجلوه من السلطنة و ولوا أخاه محمد بن عبد الحمید.
سنة 1223 ه: و فیها حاصر سعود بلد الحسین فوجدها محصنة ثم
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 184
نزل شتاتا فهرب أهلها و أخذ منها أموالا ثم رحل و نزل البصرة فنهبها و أخذ أموالا من ظاهرها ثم رجع إلی وطنه.
سنة 1125 ه: غزوة الشام وصل سعود إلیها ثم نزل بصری ثم رجع إلی وطنه.
سنة 1226 ه: فی ذی القعدة فی الجدیدة بین الترک و عبد اللّه بن سعود وقعة دامت ثلاثة أیام قتل من الترک ثلاثة آلاف و من المسلمین ثلاثمائة من أعیانهم هادی بن قرملة أمیر قحطان.
و فیها حج سعود بالناس آخر حجة حجها و اجتمع بابنه فی مکة بعد الوقعة المذکورة ثم نزل الریحان فدخلت سنة 1227 ه.
سنة 1227 ه: فخرب محمد علی فأطاح بالمرابطیة و قدرهم سبعة آلاف، هلک أکثر من ثلثهم بسبب القتال أو المرض، و أعطی الباقی لکل ثلاثة زادا و بعیرا.
سنة 1228 ه: فی أولها خرج عثمان المضایفی من الطائف بأهله إلی رینة، و دخل طوسون مکة و ضبطها و کذلک الطائف، فضبطه الشریف غالب، ثم بعد مدة سطا المضایفی فی الطائف و ملک قصرین من أعماله فجهز غالب لحربه فحاصره و قتل کثیرا من أعوانه فهرب عثمان فأمسکه ناس من العصمة من عتیبة، فذهبوا به إلی غالب فقتله.
و فیها غزا سعود مغزی الحناکیة ثم رحل منها و نزل أبا الرشید قرب المدینة، ثم نزل الأحساء ثم وادی الصفراء ثم الفرع، و قطع به نخیلا ثم حاصر السوارقیة حتی نزلوا بالأمان علی نصف ما بأیدیهم.
و فی ذی القعدة قدم محمد علی باشا حاجا فأمسک الشریف غالب
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 185
و سفره و ابنه عبد اللّه و حسین إلی مصر، ثم سافر إلی سلانیک من بلاد الروم و أعطی ما ینوبه، و مات بالطاعون، و تولی بعده فی مکة ابن أخیه یحیی بن سرور، ثم بعد أیام خرج یرید الغزو ظاهرا فهرب خوفا علی نفسه.
سنة 1229 ه: توفی سعود بن عبد العزیز فی جمادی، و کسفت الشمس فی رجب کسوفا قویا، و فیها مات عبد اللّه بن صباح العتبی أمیر الکویت و سلیمان بن عفیصان أمیر عنیزة.
سنة 1230 ه: وقع بین فیصل بن سعود و بین محمد علی قرب تربة وقعة عظیمة فهرب فیصل و تفرقت جموعه و کان نحوا من ثلاثین ألفا، ثم استولی محمد علی علی تربة و رانیة و بیشة و ما یلیهما إلی عسیر، ثم رجع إلی مصر لما بلغه أن الغزو قاموا علی مصر، فخاف الخلل و أرسل إلی ابنه أحمد طوسون یأمره بالمصالحة لابن سعود فی سنة الحجناوی.
أما طوسون فإنه کان بالمدینة فقدم عسکر أمامه فدخل الرس و الخبراء فضبطوهما، فنزل عبد اللّه رویضة الرس فقطع نخیلا و أحرق زروعا، طوسون علی الراث فرحل عبد اللّه من الرویضة فأغار علی أعراب نجخ و أدرک إمدادا من العسکر قدر مائة فی قصر البعجاء، فقتلهم ثم رجع إلی المذنب و طوسون فی الرس ثم نزل عنیزة ثم نزل الحجناوی نحو شهرین، ثم وقع الصلح علی وضع الحرب و أمامه السابلة و رجع طوسون إلی المدینة ثم إلی مصر و مات بها.
سنة 1231 ه: فیها غزا عبد اللّه بن سعود فهدم سور الخبراء ثم قصد العلم (ماء معروف قرب الحناکیة) ثم نزل العمیق قرب حران ثم الدفینة،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 186
ثم رجع إلی وطنه و أمسک أمیر الرس شارخ و ثلاثة من جماعته و سمیت هذه الغزوة محرش، لأنها کثرت الشکایة من العربان و البادیة و أهل الحجاز فانتقض العهد و الصلح.
سنة 1232 ه: سار إبراهیم باشا علی نجد فنزل الحناکیة فالتقی هو و عبد اللّه بن سعود فی الماویة فی نصف جمادی الثانی، فانهزم عبد اللّه بن سعود و قتل من قومه نحوا من مئتین، فاستأصلهم قتلا و أخذا و رجع إلی حملته بالحناکیة، و لما کانت وقعة الماویة فتح للباشا الرس من الحناکیة و نزل الرس فی خمسة و عشرین من شعبان و عبد اللّه بن سعود بعنیزة، و جعل فیه مرابطیة و ذخائر، ثم نزل الباشا الخبراء و عنیزة، فلم یحاربوه ثم حاصر قصر الصفا فأصابته رصاصة فوقع علی الجبخانة (و هو مجمع السلاح)، فثار بهم القصر فصالحوه و عبد اللّه لا یریده، فوصل الخبر و رحل إلی الدرعیة و تفرقا فی البلاد.
سنة 1233 ه: و الباشا بعنیزة فرحل إلی بریدة فأطاعوه و رحل إلی الوشم فنزل شقراء فی سبع عشر ربیع الأول فحاربها حربا شدیدا فصالحوه و أقام بعد الصلح أیاما ثم رحل و نزل ضرما فی رابع عشر ربیع الثانی و کانت فی غایة القوة، و عندهم مرابطة نحو ثلاثة أیام، و استباحها صبح رابق و قتل أهلها إلّا الشرید (هرب) ما فیها و بعض المرابطة تحصنوا فی قصرها فطلبوا الأمان فیه.
نزل البشا الدرعیة فی ثلاثة جمادی الأولی و حاربها حربا شدیدا، و حاصرها فی أول ذی القعدة، و أقام فیها و بعث إلی البلدان و أخذ أموالا کثیرة.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 187
سنة 1234 ه: سقط فی الخریف سیل عظیم فی وقت زهو النخیل، و سافر الباشا عبد اللّه بن سعود و آل الشیخ فدخلوا إلی مصر و أهلیهم و سیر معهم عسکرا إلّا من هرب منهم. هرب ترکی بن عبد اللّه أخوه یزید و غیرهم وقت الصلح. و فی شعبان هدم الدرعیة و قطع نخیلها و تفرق أهلها، و فیها و شب الآغاء الذی فی عنیزة و رحل الباشا معه بحجیلان، فمات بالمدینة و قتل رشید بن سلیمان الحجیلانی عبد اللّه بن حجیلان، فأقام أربعین یوما فسطا علیه عدد من الرجال فقتلوه. و فی آخرها رحل محمد بن مشاری بن معمر، و کان خاله سعود بن عبد العزیز عنده أموال و سلاح، رحل من العیینة إلی الدرعیة و نزلها و أراد أن تکون بلاد نجد تحت یده فوفد إلیه بعض أهل البلدان.
سنة 1235 ه: تقدم علیه ترکی بن عبد اللّه و أخوه زید فساعداه و فی جمادی الثانی قدم مشاری سعود و معه حملة أناس و طعام فنزل الدرعیة و انزعج ابن معمر و همّ بالمحاربة فلما عجز صالحه و استقام الأمر لمشاری، و وفد علیه من حوله و قدم علیه عمه عمر و أبناؤه عبد اللّه و محمد عبد الملک و ساعده ترکی. و قدم علیه غیرهم فتذمر ابن معمر و هم باسترجاع الأمر فنزل سدوس و ادعی أنه مریض، و کاتب أهل حریملاء، فأجابوه فنزلها و أظهر المخالفة لمشاری. و کاتب أهل البلدان یطلب البیعة فتبعه بعضهم و أرسل إلیه فیصل الدویش جیشا من مطیر، فتجهز معهم وسطوا فی الدرعیة بغتة و تسلقوا علی مشاری فی قصر فحبسوه، ثم ساروا إلی الریاض، و استقر هو فی الدرعیة و دانت له البلدان، و کان قد قیل: إن عساکر مع عبوش آغا فی عنیزة، فکاتب ابن معمر و أخبره إنه أمسک له مشاری بن مسعود، فأرسلوه إلی عبوش بعنیزة فحبسه حتی مات، و سار
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 188
الآغا درویش فحاربوا ترکی فی الریاض، فلم یحصلوا علی شی‌ء فرجعوا.
سنة 1236 ه: قدم حسین بک بعساکر فاجتمع بعبوش و نزل ثرمدا و الآغا، فحاصر ترکی فی قصر الریاض، فلما کان اللیل هرب ترکی وحده و نزل من بقی بالأمان و سافر عمر بن عبد العزیز و أبناؤه الثلاثة إلی مصر و قتلوا الباقی نحوا من سبعین رجلا، ثم وصلوا إلی الدرعیة مع أهالیهم إلی ثرمدا فاجتمع نحو من مائتین و ثلاثین رجلا، و جعلهم فی مصر و قتلهم، و کان عبد اللّه الجمعة أمیر الترک فی عنیزة، فلما وصلت العساکر من نجد قام علیه أهل البلد فأخرجوه من عنیزة فتأمر فیها محمد بن حسن الجمل و ذهب الجمعی إلی مصر فقدمها فی شهر رجب، فلما قدم علی البک فقتل البک محمد بن حسن الجمل فی ثرمدا و قتل عنیزة و قطع نخل أبیّ الکباش، و أخذ من أهل البلدان أموالا و صار له أعوان فی کل بلد یخبرونه بما عند الناس.
و عظمت المحنة و هرب أناس و قبض آخرون، و جعل فی الریاض رئیسا و رحل من ثرمدا یوم عید الفطر، و مر بالقصیم و قصد المدینة ثم مصر و فیها حدث الوباء العظیم الذی أفنی خلائق کثیرة، و هو الوجع الذی یحدث فی البطن ثم یسهله و بقی‌ء الکبد و یموت الإنسان من یومه أو بعد یوم أو یومین، قال: و لم أعلم أنه حدث قبل ذلک مثله فی الدنیا، و أول حدوثه فی الهند، ثم البحرین و القطیف، ثم البصرة و العراق و العجم و غیر ذلک.
سنة 1237 ه: قتل سلیمان بن عرفج، قتلته عشیرته فی بریدة، ثم سطا علیهم محمد بن عرفج فقتل فهد بن مرشد، و فیها قدم حسین بک
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 189
أبو ظاهر ثمانمائة فارس، و نزل الرس، ثم کتب للعسکر الذین فی ثرمدا فأطلقوا المحابیس الذین حبسهم حسین عبوش، ثم رحل من الرس و نزل عنیزة، فقام معه الجمعی ثم رحل من القصیم و قصد جبل شمر، فأخذ منه الزکاة للسنین الماضیة، ثم أخذ الأمن البوادی فألزمها أهل الجبل بزیادة ثمن ثم طلب منهم أموالا و حاصر موقف حصارا شدیدا، فظفر بهم و قتل منهم نحو سبعین رجلا.
و فی ذی الحجة سار العسکر الذین فی الریاض، فأغاروا مع سبیعا وراء الحائر، فنصر اللّه سبیعا علیهم و قتلوا من العسکر نحو ثمانمائة رجل منهم رئیسهم إبراهیم کاشف.
و فیها توفی الشیخ عبد العزیز الحصین رحمه اللّه، آخر النقل من تاریخ ابن بشر.
سنة 1241 ه: مات قاضی سدیر عبد اللّه بن عبید.
سنة 1242 ه: مات الشیخ عثمان بن عبد الجبار بن شبانة و کان فقیها.
سنة 1245 ه: مناخ العرمة بین ترکی بن عبد اللّه و بنی خالد هاجمهم ترکی و لم یقم لهم بعدها قائمة.
سنة 1246 ه: وقع فی مکة وباء عظیم مات منه محمد بن حمد البسام.
سنة 1248 ه: تناثرت النجوم إلی طلوع الشمس و انزعج الناس انزعاجا، و فیها سار إبراهیم باشا و أخذ بلدان الشام و تغلب علی من حولها.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 190
سنة 1249 ه: مناخ العمار بین عنیزة و مطیر، و فی آخر یوم منها قتل ترکی بن عبد اللّه مشاری، و قتل بعدها بأربعین یوما و استقام الأمر لفیصل بن ترکی.
سنة 1250 ه: تقدم یحیی فی عنیزة و عبد اللّه بن رشید فی الجبل، و هو أول القحط المسمی مخلص و دام تسع سنین.
سنة 1253 ه: سیر إسماعیل خالد و استولی علی البلدان و انحاز فیصل إلی حوطة الجنوب، فتبعه، فالتقوا فی الحلوة، فانهزم إسماعیل و هلک کثیر من عسکره قتلا و عطشا، و لکنه قد ضبط الریاض، و کان فیها بقیة عسکره و لحقه قدر ثمانمائة رجل، فلما نزلوا الرس بلغهم فأقاموا فی الرس إلی قدوم خورشید و فیصل (سکن) الخرج.
سنة 1254 ه: نزل خورشید باشا عنیزة و قدم عسکر یضبطون له الریاض و یرحلون إلیه من فیها من بقایا العسکر عسکر إسماعیل ففعلوا، فلما قدموا إلیه سیّرهم إلی المدینة ثم ارتحل إلی الریاض، ثم حاصر فیصل فی بلد زمیقة من الخرج فقتل فیها عدة رجال و أسر فیصل، فسفره إلی مصر مع الأمیر ترکی و أبقی فی الریاض عسکرا مع الأمیر خالد بن سعود.
سنة 1255 ه: و نزل خورشید ثرمدا ثم نزل السر ثم عنیزة، و بلغه خبر موت السلطان محمود و تسلطن ابن عبد الحمید و هو فیها. ثم رحل من عنیزة و نزل قریة الشنانة قرب الرس شهرا، ثم رحل إلی المدینة ثم إلی مصر، و هو آخر مسیر مصر علی نجد.
جاء فی «تاریخ سلاطین آل عثمان»: انتقل إلی دار البقاء السلطان محمود و خلفه السلطان عبد المجید.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 191
سنة 1256 ه: فیها وصل خورشید مصر راجعا من نجد.
سنة 1257 ه: وقعة بقعاء بین أهل القصیم و ابن رشید انهزم أهل القصیم و قتل منهم قتلا کثیرا و منهم یحیی أمیر عنیزة.
و فیها ولی عبد اللّه بن ثنیان الریاض و أخرج خالد بن سعود و من معه من العسکر إلی عنیزة، و وفد علیه أهل البلدان و کان شدیدا علی الأعراب.
سنة 1258 ه: ذبح محمد بن علی بن عرفج أمیر بریدة و ذبح محسن العزم.
سنة 1259 ه: قدم فیصل و جلوی من مصر علی ابن رشید و فی ربیع نزل ابن ثنیان بریدة و وصل خالد بن سعود، و من عنیزة إلی المدینة و طب فیصل عنیزة مع ابن رشید، و دخل الشیحیة و ابن ثنیان فی العارض، و فزع عبد العزیز من بریدة علی ابن رشید و صار قتلا بین الفریقین ثم غزا فیصل علی ابن ثنیان و فتح له الریاض و حبس ابن ثنیان و مات فی السجن.
و فیها مات حمد الهدیبا بالمدینة.
سنة 1261 ه: ذبح الدویسی أبو عمر و غزا عبید بن الرشید علی عنیزة، فقتل الأمیر عبد اللّه بن سلیم و أخوه و غیرهم فی رمضان، و مات عبد الرحمن البسام و الشیخ عبد الرحمن القاضی.
سنة 1262 ه: مات الشیخ قرناس و وقع فی مکة وباء عظیم.
سنة 1263 ه: مات عبد اللّه بن رشید فی جمادی الأولی، و ظهر الشریف محمد بن عون و معه خالد بن سعود، فقام شهرین ثم صالح
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 192
فیصل و رجع فی رجب إلی مکة. و فیه مات حمد السلیمان البسام.
سنة 1267 ه: الرجعان سیل عظیم نبت بسببه البطّیخ فی کل مکان من غیر سقی.
سنة 1269 ه: کثرت السیول الوسمیة سمیت هیف لکثرة السیول و نبتها.
سنة 1270 ه: مات الشیخ أبو بکر الملا الأحسائی بمکة، و قتل عباس باشا بن أحمد طولون بمصر، و أخرج أهل عنیزة جلوی و فی آخرها غزاهم عبد اللّه بن فیصل و حصل بینهم مقاتلات.
سنة 1271 ه: أجلی أهل عنیزة عبد اللّه بن فیصل فی ربیع، و فی آخرها وقع فی مکة وباء عظیم، و رجع حاج القصیم من رکبه، و لم یحج منهم إلّا زامل أمیر بریدة.
سنة 1272 ه: کثرت السیول و الغیم سمی موّاسی.
سنة 1273 ه: توفی الشیخ عبد العزیز بن عثمان بن عبد الجبار.
سنة 1276 ه: أهل بریدة قتلوا أمیرهم ابن عدوان و ذبح عبد اللّه الفیصل العجمان فی جهة الکویت.
سنة 1277 ه: وقعة العجمان الثانیة قفل منها و نزل بریدة و هرب أمیرهم عبد العزیز المحمد و لحقهم محمد الفیصل بسریة و أدرکوه و قتلوه و أیضا قتل بضعة عشر من عنزة.
سنة 1279 ه: حرب عنیزة و ذبحة المطران و وقوع الصلح فی أول سنة 1280 ه.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 193
سنة 1281 ه: وقع فی مکة وباء عظیم مات فیها خلائق.
سنة 1282 ه: مات الشیخ عبد اللّه بن عبد الرحمن أبا بطین و فیصل بن ترکی.
سنة 1285 ه: مات الشیخ عبد الرحمن بن حسن بن الشیخ محمد بن عبد الوهاب.
سنة 1286 ه: فی آخرها مات الشیخ عبد الرحمن بن عدوان.
سنة 1287 ه: وقعة جوده بین ابن سعود و من معه من العجمان و بین محمد بن فیصل أمیر الغزو و عبد اللّه الفیصل، و قتل کثیر من الذین مع محمد و بعدها لم یستقم لعبد اللّه الفیصل أمر.
سنة 1288 ه: وقعة البرة بین عبد اللّه و أخیه سعود انهزم عبد اللّه لما بلغ أن الدولة تولوا الأحساء و ذهب إلیه فلم یحصل علی شی‌ء فرجع و کانت وقعة الجزعة.
سنة 1289 ه: انهزم عبد اللّه فلما استقر سعود بالریاض غزا أیام الضیف فغزا طلال.
سنة 1290 ه: علی عتیبة فثبتوا و هلک من قومه جملة لأن سعود انهزم فمات قومه قتلا و عطشا، ثم رجع إلی الریاض مدة شهر ثم مات.
سنة 1293 ه: مات الشیخ عبد اللطیف بن عبد الرحمن بن حسن و أخذت أمواله. قحطان علی دخنة فی جمادی الأولی و قتل منهم طائفة.
سنة 1303 ه: فی رمضان مات علی المحمد قاضی عنیزة.
سنة 1304 ه: توفی سلیمان العلی بن مقبل رحمه اللّه.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌3، ص: 194
سنة 1307 ه: مات عبد العزیز بن مانع قاضی عنیزة فهید بن محمد قاضی الحریق. و فیه مات صدیق حسن صاحب التصانیف فی بهوهوبال فی الهند.
سنة 1308 ه: مات الشیخ محمد بن عمر سلیم. و فی جمادی وقعة القرعی ثم المیلیدا بین ابن الرشید و أهل القصیم قتل من أهل القصیم خمسمائة تقریبا منهم زامل أمیر عنیزة.
سنة 1312 ه: بنی فی مکة کرنتینة فهدمها الحجاج من غیر ممالات ؤحد (أحد).
سنة 1313 ه: فی آخرها قتل مبارک بن الصباح إخوته و تولی الکویت.
سنة 1315 ه: فی رجب مات الأمیر محمد بن عبد اللّه الرشید.
سنة 1318 ه: فی آخرها سار مبارک الصباح مع عبد الرحمن الفیصل و جلوه أهل القصیم، فصارت الوقعة فی الطرفیة بینه و بین عبد العزیز بن عبد اللّه بن رشید، فانهزم ابن صباح و قتل کثیر من قومه و وصل الکویت خاف من الدولة و التجأ إلی الإنجلیز.
سنة 1319 ه: فی شوال سطا عبد العزیز بن عبد الرحمن آل فیصل علی الریاض و قتل عجلان و استولی علی البلد و حصنها ثم صار إلی الشنانة و قتل عبد العزیز بن الرشید، و اللّه أعلم.
هذا آخر ما عثرت علیه فی کتابة الشیخ إبراهیم بن محمد بن سالم بن ضویان، و أنا الفقیر إلی اللّه منصور لعبد العزیز الرشید، فی الیوم الرابع من صفر لسنة 1378 ه.
و تم بجهد اللّه تعالی کتاب «تاریخ ابن ضویان».
***

الجزء الرابع‌

وثائق تراثیة تتعلق بتاریخ آل سعود

اشارة

خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 7

[المقدمه]

بسم اللّه الرّحمن الرّحیم الحمد للّه وحده، و الصلاة و السلام علی من لا نبی بعده.
أما بعد، فهذه وثائق تتعلق بما جری من الجیوش العثمانیة الغازیة نجدّا للقضاء علی الدعوة السلفیة و حکامها آل سعود، و قد صورت هذه الوثائق من دار الوثائق بقلعة محمد علی بالقاهرة، و ننشرها للفائدة، و اللّه الموفق.
عبد اللّه بن عبد الرّحمن آل بسّام
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 8

محفظة 267 عابدین‌

نمرة 8 أصلیة و 44 حمراء
سیدی سنی الهمم صاحب الدولة و العاطفة
لقد علمتم من الخطابات المقدمة لدولتکم أولا و آخرا أنه إن استولینا علی الدلم، و قبضنا علی فیصل بن ترکی بمشیئة اللّه تعالی و کرمه، و بقوة سیف حضرة الخدیوی، لم یبق فی الطرفین قوة. و أننا أخرجنا فیصل بن ترکی من الدلم، عرض علینا راجیّا أن یقیم فی المدینة، و رجا هذا أیضا الشیوخ و غیرهم، الذین هم فی معیتنا. و أجبناهم: بأنه حسن جدّا، ثم قلنا لفیصل: إن ذهابه إلی مصر أحسن بحقه. و سلمناه و أخاه جلوی و ابن عمه ابن إبراهیم إلی حسن آغا رئیس الأولاء، و بعثنا بهم إلی مصر. و إن وصولهم حتی الیوم إلی دولتکم من الأمور المعلومة لکم. و إن أهل فیصل و أقاربه یبلغ عددهم نحو مائتی نفس، منهم أخوان: أحدهما ابن ثمانی سنوات، و الآخر ابن سبع، لم یرسلوا فی ذلک الوقت، بل بقوا. و إن أخویه و ولدیه یکبرون یوما بعد یوم. و من البدیهی أنهم یقومون بالعصیان فیما بعد. لذلک لا توافق أن یبقوا فی هذا الطرف بوجه من الوجوه.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 9
و قد قلنا لفیصل بن ترکی: بأن الأصلح بحقه أن یکون أولاده و عیاله عنده، و هذا متوقف علی صدور إرادة حضرة الخدیوی، و علی تکلیف فیصل بأن یکتب کتابا من طرفه بهذا الخصوص لأهله و عیاله.
فنرجو عرض ذلک علی أعتاب الجناب العالی، حتی یصدر لنا أمره العالی بإرسال کل من له علاقة بفیصل جمیعهم إلی مصر، و هذا ما یرجی من همتکم، و من أجله کتبنا لکم هذا.
من الریاض فی 21 محرم سنة 1255 ه میر میران
وصوله فی 15 ربیع الأول سنة 1255 ه خورشید
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 10

محفظة 267 عابدین‌

نمرة 6 إرادة مذیلة
صدرت إرادة الجناب العالی بأن یکتب فیصل إلی أولاده و عیاله و من یتعلق بهم، حسب ما جاء فی خطابه (خطاب خورشید) و یرسل له.
و بوصول الخطاب إلیه، یرسل أقاربه إلی هذا الطرف.
فی 19 ربیع الأول سنة 1255 ه إرادة نمرة 6
إشعارا بأنه صار استکتاب خطاب من فیصل إلی أولاده و أقاربه، وفقا لما طلبه، و إرساله إلیه. و صدر الأمر الکریم، بأن یقوم بإرسال أقرب أقاربه إلی مصر.
19 ربیع الأول سنة 1255 ه
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 11

محفظة 267 عابدین‌

ورقة 1
تابع الخطاب الوارد من خورشید باشا سر عسکر نجد المؤرخ فی 3 ربیع الآخر بسنة 1255 ه رقم 7.
تقریر محمود آغا الموره دی الذی جاء من البصرة
إنی عبدکم لما کنت قبلا فی بغداد، کنت رئیسا علی أربعمائة عسکری سکبانی. و کان یوجد فی تلک الأیام سبعة رؤساء غیری أیضا، و قد مکثنا مدة. ثم إن حضرة علی باشا- والی بغداد- قطع مرتباتنا کلنا، لعجزه عن الإدارة. و بما أنه کان مرتبا لی و للرؤساء الآخرین ماهیات، فقد صدر لنا الأمر بأن نقیم فی بغداد بلا عسکر، فأقمنا، فلما حصلت ثورة بعد مدة فی الموصل، و طلب إلی علی باشا المشار إلیه أن یذهب لإخمادها، فنزل فی بغداد مقدارا من العسکر للمحافظة علیها من الفرسان الترک و الآیین من البیادة، و أخذ بقیة العسکر، و ذهب بهم إلی الموصل.
و فی ذلک الوقت کان ترکجه بیلمز (اسم رجل) سر عسکرا، و قبودان باشا حاکما علی البر و البحر، علی السفن الموجودة بالبصرة.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 12
فلما وصل الخبر إلی البصرة و لبغداد: أن حضرة خورشید باشا المأمور (سکر عسکر) علی نجد قبض علی فیصل بن ترکی، و استولی علی جمیع أنحاء نجد، شاع بین الناس أن خورشید باشا یزحف علی البصرة، و أن عسکره وصل إلی الأحساء و الکویت. فطلب ترکجه بیلمز من علی باشا الذی هو فی الموصل أن یبعث له بوجه السرعة عسکرا و أسلحة وجیه خانه، بقدر ما یکفی للمحافظة علی البصرة. فصدرت الإرادة منه لی و لرئیس آخر اسمه صاری کوله بترتیب أربعمائة جندی فی معیة صاری کوله، و إلحاق الأربعمائة عسکری سکبان الموجودة فی البصرة من قبل بمعیتی، و أن یصیر إرسالنا بسرعة. و کان الأمر کذلک، فبعث بنا إلی البصرة. فبعدما وصلنا إلیها، و أقمنا فیها قلیلا، عزل ترکجه بیلمز.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 13

محفظة 267 عابدین‌

رقم 2
و عزل محمد آغا متسلم البصرة، و نصب بدلا عنهما سلیمان أفندی- أخو عبد القادر آغا- مکاس (جمرکجی) بغداد، فجاء للبصرة و معه مایتا جندی. فعلمت أنه لا یرید أن یجعلنی رئیس عسکر مستقلا، بل یرید أن یلحقنی بمعیة صاری کوله، و أن تکون العسکر الذین هم فی معیتی فی معیة سلیمان أفندی، فلم ترق لی هذه الکیفیة. ربما أننی منذ القدیم آمل أن أکون مشرفا، و مفتخرا بالخدمة المصریة الموجبة للفخر، فقد عملت علی قطع خرجی، و اتفقت مع نحو خمسمائة جندی من أصل الألف جندی الموجودة فی البصرة علی أن نلتحق بمعیة حضرة خورشید باشا.
فشاع هذا الأمر، فمنعوا من أجله إعطاء تذاکر و سفن. فلم یکن بالإمکان أن تأتی بذلک المقدار من العسکر، فاستدعیت بوجه السرعة سبعین جندیّا، و رکبنا الفلک بالکره عنهم، و توجهنا إلی الکویت، و صعدنا إلیها، و جئت عند محمد أفندی- مأمور اشتراء الغلال فی الکویت، من قبل حضرة خورشید باشا-.
و بینما کان محمد أفندی ناویا الإقامة فی الکویت بضعة أیام، جاء
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 14
خطاب مع رجل مخصوص من البصرة لابن صباح- أمیر الکویت- بطلب القبض علینا، و إعادتنا إلی البصرة، فلم یعبأ ابن صباح بذلک الکتاب، و أجاب بأنه غیر قادر علی القبض علینا و إرسالنا بالإجبار، ثم إن الأمیر المرقوم أرکبنی أنا محمد أفندی و العسکر الذین معنا سفینة، فوصلنا إلی الأحساء، فصعدنا إلیها. و منها جئنا إلی ترمدة مع قافلة الغلال المرسلة إلی خورشید باشا، من طرق محمد آغا الفاخری- رئیس المغاربة، مأمور الأحساء-. و بعد ما جرت بنا السفینة من البصرة بثلاث ساعات أو أربع، جاءنا خبر من أولئک العسکر الذین اتفقنا معهم یسألوننا أن نعین لهم محلّا یخرجون إلیه، و قالوا لنا: إذا قبلنا أن نکون فی الخدمة المصریة، فلنبعث لهم علما بذلک.
فإذا أمرتم نبعث من طرفنا رجلا مخصوصا یأتی بهم بصورة ملائمة، و هذا ما نعرضه.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 15

محفظة 267 عابدین‌

صورة المرفق العربی للوثیقة 137 حمراء
بتاریخ 13 ربیع الثانی سنة 1255 ه
لیعلم الواقفون علی هذه الأحرف أن الراسم بهذه، و هو بالیوز خلیج فارس من جهة الدولة العلیة الإنکلیزیة، یظهر أنه من حیثیة ما بلغه من العلم عن خورشید باشا، ساری عسکر نجد بمعرفة وکیله محمد أفندی، أن البحرین قد أطاعت لکم جناب ذی الشوکة و الإجلال محمد علی باشا، و أن حاکمها قد تقبل أن یسلم فی کل سنة ثلاثة آلاف ریال فرانسة علی سبیل الزکاة، و أنه قد کتب إلی الشیخ عبد اللّه بن أحمد عن ذلک. و أتی الجواب منه أنه خشیة من خوشید باشا، و أنه قد ضک أحواله، عمل معه بعض القرار. فمن أجل ذلک، إن المذکور قد عجل محرضا بتحریر هذا البرونیس، المتضمن معنی عدم القبول عن المقررات المذکورة علی نهج واضح. بید أنّ ذلک خلافا محضا للقول المتأنی من جناب محمد علی باشا، فی جواب مطلب أمناء الدولة العلیة الإنجلیزیة، فیما أظهروه له عن عدم رضاهم بحرکات خورشید باشا بطوارف بنادر- بر العرب المتصل بخلیج فارس- هذا لیکون معلوما.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 16

محفظة 267 عابدین‌

صورة المرفق العربی للوثیقة 137 حمراء
بسم اللّه الرّحمن الرّحیم الحمد للّه وحده.
من عبد اللّه بن أحمد آل خلیفة إلی جناب الأخ الأکرم المکرم خورشید باشا، سر عسکر نجد، سلمه اللّه تعالی. السلام و السؤال عن حالک، أحال اللّه عنا و عنک کل سوء و مکروه.
و فی أبرک الساعات و أشرف الأوقات، کتابک الشریف و خطابک العذب المنیف، مع محب الجمیع محمد أفندی وصل.
و أسر الخاطر طیبک، و صحة حالک. و ما ذکرت صار لدی محبک معلوم.
و بعد، فقد صار الصلح بیننا و بینکم علی ید محمد أفندی، کما ذکر جنابک بنیابته من طرف جنابک، و علی أن نحن نعادی من عاداکم، و نوالی من والاکم، و أنتم کذلک. و نؤدی لجنابکم الزکاة، کما هو مذکور فی الورقة، الذی کتبناها لجنابکم واصلتکم معه، و أخذنا منه ورقة مقابلتها
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 17
باسمک، و ورقة أخری من جنابه علی ربط الجواب بالعهد، و صار حالنا معکم حال واحد إن شاء اللّه تعالی، و ما تشوفون منا إلّا ما یسّر خواطرکم.
بحول اللّه و قوته و أنت سالم و السلام
حرر فی 23 صفر 1255 ه
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 18

محفظة 267 عابدین‌

صورة المرفق العربی للوثیقة 137 حمراء
صورة الجواب المحررة إلی سعادة البالیوز
مضمونه: أنه ورد بطرفنا جوابکم المؤرخ سنة 1255 ه، و جمیع ما ذکرتوه صار عندنا معلوم، و یفیدوا عن الجواب المرسل سابقا، فنفیدکم أنه بحال وصول کتابکم إلی طرفنا، قد صار تحریره إفادة بما هو کائن بالضمیر، و بها الکفایة، و لأجل ما یکون معلوم حضرتکم، حررنا هذا له.
و مضمونه الإفادة کما تقدم بالجواب المرسل سابقا بتاریخ 18 محرم سنة 1255 ه.
18 جمادی الأولی سنة 1255 ه
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 19

محفظة 267 عابدین‌

صورة المرفق العربی للوثیقة 137 حمراء
صورة الجواب المرسل فی 20 ذی الحجة سنة 1254 ه إلی عبد اللّه بن أحمد آل خلیفة أمیر البحرین.
مضمونه: وصلنا جوابکم المؤرخ فی غرة الحجة سنة 1254 ه، و به تعرفونا أنه صار بینکم و بین محمد أفندی مکالمة، و فهمتموه بما صار بینکم و بین سعود و ترکی و فیصل. فقد صار عندنا معلوم، و تذکروا لنا علی أنکم توافقتوا أنت و ترکی علی ثلاثة آلاف ریال، و الربع راجع إلیکم. فالذی نعرفکم به أن الدراهم إن کثرت أو قلت، فلیس لها عندنا حساب. و الآن نحن لم نرد منکم زیادة عن الذی بینکم و بین ترکی، لأنه لیس مرامنا نأخذ منکم فلوس خلاف الإصلاح، و تمشیة السبل، و المساعدة علی الأشغال، و نکون نحن و أنتم حال واحد.
و من قبال العجم و الإنجلیز، فهم لا یحطوا أیدیهم علی الأمر الذی إحنا فیه. و أما من قبال سعید بن سلطان- إمام مسکت-، فإنه سابق صدیق لسعادة أفندینا ولی النعم. و إذا بلغه اتفاقنا معکم، فلا یحط یده.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 20
و هذه الأمور لا تحملوا همها، هذا علینا. و الواصل إلیکم محمد أفندی معاوننا لأجل یصیر الاتفاق بینکم و بینه علی ما ذکرناه. و ما دام إنکم مساعدین لنا فی الأشغال، فهذا عهد اللّه و السلام.
20 ذی الحجة سنة 1254 ه
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 21

محفظة 267 عابدین‌

تابع الخطاب المرسل من خورشید باشا سر عسکر نجد رقم 7- 7 مسلسلة المؤرخ فی 3 ربیع الآخر سنة 1255 ه
ذیل
سیدی، لقد رتبنا للآغا المرقوم الآن نصف التعینات المرتبة لرؤساء العسکر السکبانیة، و سیصرف له ذلک علی هذا المنوال، إلی أن تصدر الإرادة.
و هذا ما دعا إلی المبادرة بکتابة هذه الحاشیة سیدی،
خورشید
إرادة مذیلة رقم 17
کتب له: أن الإرادة توافق علی إعطائه نصف تعیین، و علی استدعاء العساکر الذین اتفق معهم، و علی أن یرتب له تعیین و تذاکر حسب أمثال رؤساء البیادة عند کمال نصابه أربعمایة جندی، و أنه یلزم أن یخبر الخزانة بذلک.
فی 29 جمادی الأولی سنة 1255 ه
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 22

محفظة 267 عابدین‌

7 حمراء
سیدی سنی الهمم صاحب الدولة و العاطفة
إن الرجل المدعو محمود آغا الموره دی، من العسکر الموجودة فی البصرة، التابعین لحضرة محمد علی باشا والی بغداد، رکب فلکا فی هذه المدة هو و سبعون جندیّا سکبانی، و قام من البصرة حتی وصل إلی الکویت. و منها أرکبه ابن صباح أمیر الکویت هو و الملازم محمد أفندی الموجود فی الکویت من صرافی لاشتراء الغلال فی زورق، و أرسل إلی الأحساء. و منها أتی إلی، و معه خمسة و ستون جندیّا، مع قافلة الغلال الواردة أخیرا. و بقی خمسة من جنوده فی الأحساء، فقیدنا أسماءهم فی الدفتر، اعتبارا من أول ربیع الآخر، و أعطیناهم تعیناتهم- المیرة المخصصة لهم- وخیما و مقدارا من النقود، و أرسلنا لکم کشفا بأسمائهم و أسماء بلادهم ضمن کتابنا هذا.
و تقریرا من محمود آغا الموره دی المذکور، و من إطلاعکم علیه، تعلمون أنه قال فیه: أنه أنفق هو و خمسمایة جندی من الموجودین فی البصرة. و حتی ما صدر له الأمر، فإنه یرسل مندوبا عنه، و یأتی بهم. فما
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 23
هی المعاملة التی یلزم أن نعامله بها؟ و هل نعطیه رخصة لیأتی بأولئک العسکر أم لا؟ حسب ما قال، و بما أن هذه الأمور منوطة بإرادة حضرة ولی النعم، فإذا علمتم ذلک- بإذن اللّه تعالی- تعرضونه علی أعتابه، و إفادتنا بما تصدر به إرادته، منوطة بهمة دولتکم سیدی.
مرسل فی 3 ربیع الآخر سنة 1255 ه میر میران
وصل فی 25 جمادی الأولی سنة 1255 ه خورشید
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 24

محفظة 267 عابدین‌

صورة المرفق العربی للوثیقة 137 حمراء
صورة الجواب المرسل فی 17 جمادی الأولی سنة 1255 ه إلی البالیوز قنصل الإنجلیز
ورد إلینا جوابکم المؤرخ فی 13 ربیع الأول، و به تشیرون من خصوص التحرک علی بنادر العرب، المتصلة بسواحل خلیج فارس، و عن عدم قبول مصالحة البحرین. فمما نفید به سعادتکم أن الأقالیم النجدیة، و التابع إلیها فی السابق حکم السعود. و من حیث إن خالد بک، فهو ولد سعود، و سعادة ذی السطوة و الجلال أفندینا محمد علی باشا قد أنعم علیه بتملک آل سعود، و أنه یکون ما کانوا علیه. و کذلک قد صار الاتفاق مع عبد اللّه بن أحمد الخلیفة، علی قدر القانون الذی کان جاری علیهم بمدة السعود فقط. و هذا شی‌ء صار فی شریف علم سعادتکم، و لا یخفی الجناب العالی أن عبد اللّه الخلیفة، فهو الأمین علی البحرین، و لیس القصد بسوق عساکر إلیه أو خلافه. و لا یکون عندنا مقصد آخر إلّا لراحة العباد، و إصلاح البلاد.
و أما من خصوص الدولة العلیة الإنجلیزیة، و الدولة المصریة، فتعلم
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 25
أنهم أصدقاء لبعض زیادة عن غیرهم. و بحول اللّه و قوته لا یزالون علی هذه الحالة علی الدوام. و أنه بتاریخه قد أرسلنا کتبکم الشریفة مع هجانة مخصوصین من طرفنا علی حسب السرعة. و بعشمنا أنه لا یحصل أمر یوجب للاختلاف بین الدولتین. و لا بدّ أن یصدر إلیکم أوامر سعادة ذی الشوکة و الاقتدار حضرة السرکار، و نحن بالمثل یصدر إلینا أوامر سعادة أفندینا ولی النعم.
و بمقتضاها نفیدکم تفیدونا، و لکم العز و البقاء.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 26

محفظة 267 عابدین صورة المرفق العربی للوثیقة 137 حمراء

هذه مترجم الکتاب
المرسول منا لجناب سامی المناقب و الألقاب حضرة عالی الجاه الأجل الأفخم
خورشید باشا المحترم
المحرر بالإنجلیزیة و الفرنسیة
لا یخفاه أنه قد حررنا لجنابکم کتابا قبل هذا فی 13 الحجة. و بهذه الأثناء قد وصلنا من الهند جواب ما کنّا ذاکرین لهم، عما أنتم ذکرتم لنا فی کتابکم الواصل إلینا، صحبة آدمیکم الخواجة یوسف عزار أن تسخیرکم البحرین قهرا. فلأجل ذلک ها نحن نعمل بأخبار جنابکم، أننا قد أمرنا أن نذکرکم عن تسخیرکم البحرین، و نعرفکم صریحا أن صدور هذه الحرکات من جنابکم خلافا محضا لما تقرر بین جناب حضرة السرکار ذی الاقتدار مع جناب ذی الشوکة و الإجلال محمد علی باشا، مفادهما: أنکم قبلتم إنذار أمناء الدولة العلیة الإنجلیزیة، یحتمل أن یکون ذلک باعثا لحصول الخلل فی الاتحاد الکائن بین الدولتین العلیتین. و لکنا نتیقّن أنه حین اطلاعکم علی مطلب جناب حضرة السرکار المفخم المذکور، بما فی هذا
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 27
الخط و الکتاب السابق، سوف ترون صلاح حالکم: الکف عن عزم تسخیر البحرین، و غیرها من الأماکن فی سواحل هذا البحر، الملقّب بخلیج فارس. و متی ما أردتم إرسال کتب من جنابکم إلینا، فإذا أرسلتوها علی معرفة وکیلنا المیرزا محمد علی القائم فی البحرین، سوف تصل إلینا بلا تعطیل. هذا و السلام.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 28

محفظة 267 عابدین صورة المرفق العربی للوثیقة 137 حمراء صورة الجواب المرسل إلی عبد اللّه بن أحمد الخلیفة فی 17 جمادی الأولی سنة 1255

مضمونه: وصل جوابکم، و ما ذکرتوه من قبل الاتفاق الذی صار بینکم و بین محمد أفندی معاوننا، و المعاهدة التی صارت حکم الشروط، فقد صار عندنا معلوم. و هذا هو المأمول من صداقتکم إن شاء اللّه: نحن و أنتم حال واحد. و لا تعاینوا منّا إلّا الحشمة و الإکرام، فإنه إذا بدا لهم عرض أو حاجة، فلا یتخلوا عنها لأجل ما یکون معلومک.
حررنا هذا.
17 جمادی الأولی سنة 1255 ه
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 29

محفظة 267 عابدین صورة المرفق العربی للوثیقة 137 حمراء صورة الجرنال المحضر من طرف محمد أفندی‌

ولی النعم علی الهمم مرحمتلوا أفندم، قد أعرضنا للأعتاب الکریمة. بیان بما حصل بیننا و بین البالیوز هو فیل، قنصل دولة الإنجلیز، المقیم بجزیرة خارج، و ما شاهدناه بذاک الطرف. فالجرنال ترکی العباره المحرر فی 20 ربیع الأول سنة تاریخه . و بعد ذلک توجهنا إلی بر العجم لشراء جانب ذخائر، فتحققنا أن فی 22 شهر ربیع الأول توجه القبطان هاکنل بمرکبه و معه جوابات من البالیوز إلی عبد اللّه بن أحمد الخلیفة شیخ البحرین فی قطر، و رجع إلی خارج فی شهر ربیع آخر. ثم بعد رجوعه رکب البالیوز هو فیل بنفسه فی مرکب الدخان، و توجه إلی البحرین. و من حیث إن وقت رجوعنا بالمراکب التی مشحونة معنا إلی العقیر، و بندر العقیر لا یدخل فیه إلّا المراکب الصغیرة جدا بسبب قلّة مائه، و تلف لنا قوارب صغیرة من البحرین لتحویل الذی بالمراکب الذی معنا، فلأجل ذلک لزم الأمر أننا نفوت علی البحرین، و نأخذ معنا القوارب
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 30
اللازمة. فقد وصلنا إلی البحرین ثالث شهر جمادی الأولی من تاریخه، فوجدنا عبد اللّه بن أحمد حضر من مدة عشرون یوم من قطر إلی البحرین، و مقیم فی قلعته التی فی البلدة المسماة بالحرق، فواجهناه بالمحل المذکور.
و أقمنا عنده لیلة، و امتحنّاه هل هو باق علی العهد و المیثاق الذی صار بیننا و بینه؟ و سألناه عما صار من الإنجلیز. و نکتب علی ذلک بعد ما اتجهت إلی الإنجلیز، لأن ذلک ظهر بین الناس جمیعا. و الذی ظهر لنا فیه أنه باق علی العهد و المیثاق الذی صار بیننا و بینه. و سألناه عما صار من الإنجلیز بطرفه فی غیبتنا، فأخبرنا أن القبطان هو کنسل لما حضر إلیه فی قطر أعطاه جوابا محررا له من البالیوز، مضمونه یذکر له أنه بلغنا أنک تعاهدت، و اتفقت مع محمد أفندی معاون سعادة سر عساکر نجد بطریق الوکالة، من المشار إلیه: أن الصدیق واحد، و العدو واحد، و أنک تؤدی إلیه زکاة البحرین، کل سنة شی‌ء معلوم. و هذا خلاف الکلام الذی بینک و بین حضرة سرکار الإنجلیز من مدة سنین مضت. و لم ندر هل ذلک صحیح أم لا؟ و أن عبد اللّه بن أحمد خلیفة رد له جوابا أن ذلک صحیح، و أنه صار العهد بینی و بین محمد أفندی بطریق الوکالة عن سر عسکر نجد، علی ذلک دلیل لی عن طریق آخر، غیر أنی أکون تابعا له.
ثم بعد ذلک حضر البالیوز هنیل بنفسه فی مرکب الدان، و نزل عندنا فی البحرین، و سألنا ما السبب الموجب لإطاعتکم لسعادة خورشید باشا، و المعاهدة بینکم و بین محمد أفندی؟ و أخبرته أن هؤلاء الناس ملکوا بر العجم، و صار فی حکومتهم. و أنا لا أستغنی عن ذلک البر.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 31
و ثانیا أری عندهم قوة شدیدة، و لیس لی مقدرة علی عداوتهم.
و غیر ذلک إنی تأمّلت، فوجدت البلاد التی حکموها ما حصل منهم شی‌ء مضر. و أنتم لم یحصل لی منکم مساعدة، فوافقتهم علی ذلک. و إن صرتم أنتم أصدقاء لهم، فأنا تابع لهم، و صدیق لکم. و إن صار بینکم و بینهم عداوة، فأنتم و هم ملوک. هذا جواب عبد اللّه بن أحمد.
ثم قال له: إن حضرة السرکار لم یرض بهذا الأمر، و أنه کتب ورقة و ختمها، و أعطاها له. فطلبنا الورقة من عبد اللّه بن أحمد و طالعناها، فرأینا مکتوب فیها ما صورته: أقول و أنا اللی سلم بهذا الورقة البالیوز هنیل بالیوز البر، المسمی بخلیج فارس، من طرف الدولة العلیة و الإنجلیزیة أن یلقی من البحرین طاعته لدی الشوکة و الإجلال محمد علی باشا، و أنها صارت تابعة لحکومته، و أنها حاکمها استطالها لذلک.
و تعاهد و اتفق مع محمد أفندی بطریق الوکالة علی حضرة خورشید باشا أنه تحت الطاعة و الامتثال، و أنه یرفع له فی کل سنة ثلاث آلاف ریال علی سبیل الزکاة. فعجلت بکتابة هذا البرتوس، إذ ذلک مخالف للقرار الکائن بین عبد اللّه بن أحمد و بین حضرة السرکار من سنین مضت. و إن ذلک مخالف أیضا للجواب الصادر من طرف سعادة محمد علی باشا إلی أمناء الدولة الإنجلیزیة: أن عساکره لا تتعدی علی بلاد العرب المتصلة بخلیج فارس.
هذا مضمون الورقة التی أعطاها البالیوز إلی عبد اللّه بن أحمد، و هی باقیة حینئذ تحت یده.
ثم بعد ذلک توجّه البالیوز المذکور فی مرکب الدخان إلی مسکت،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 32
و لا یدری بعد ذلک إلی أین یتوجه؟ ثم إن عبد اللّه بن أحمد أخبرنا: أنه إذا وصل جواب البالیوز إلی السرکار لا بد أن یصدر منه حکم، و لا أدری علی أی شی‌ء، أو علی أی کیفیة؟ فأنت تعرض ذلک علی سعادة سر عسکر نجد الدرعیة عما صار بینی و بینک. فأنا لا أتحول عن الذی صار بینی و بینک من العهد و المیثاق، و یفضل عهد منکم. و أقتضی إعراضه إلی الأعتاب الکریمة. و واصل إلیّ بین أیادیکم طیة جوابین، و المذکور إخبارهم حرر فی وقت المعاهدة بیننا و بینه، و الأخیر حرر فی هذه المدة أیضا. حضر لنا جواب من سعد المطیری، مضمونه: أن الإنکلیز مؤکدون علی أهل سواحل البحرین عمان بعدم الامتثال له، و حاصل منهم تعطیل بهذا السبب، و هو قادم إلی بین أیادی سعادتکم.
إطلاع ولی النعم علیه کفایة
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 33

محفظة 267 عابدین صورة المرفق العربی للوثیقة 137 صورة الجنرال المحضر من طرف محمد افندی، جرنال متضمن بیان الأحوال الصادرة من جهات مادة البحرین و غیرها البند الأول‌

من حیث إنه صدر الأمر الکریم بتوجهنا إلی البحرین، جهة عبد اللّه بن أحمد آل خلیفة أمیر البحرین، لقطع مادتها بأهون طریق.
و بیدنا أمر من سعادة أفندینا سر عسکر نجد و خطاب إلی المذکور. و شاع الخبر فی الحسا و سایر الجهات أنه جاء إلی المذکور مراسیل من طرف العجم، و کذلک من جهات الإنجلیز، و الکل منهم یطلب أنه یکون فی طرفه. و أنه لم یحصل بینه و بین العجم اتفاق، و لکن حضر من الإنجلیز واحد من کبارهم مخصوص، فی مرکب مرقطون حمولة خمسة و ثمانون مدفع. و أنه حصل الاتفاق معه علی أن البحرین رعیة للإنجلیز، و إنهم یصیروا علی هذا المنوال (الحال) مدة عشرین سنة، لا یطلبوا منهم إیراد و لا شی‌ء. و لا یعلم هل ذلک صحیح، أم لا؟ و کنا حررنا جواب من
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 34
طرفنا، خطابا إلی مبارک بن عبد اللّه بن أحمد، المقیم بالنعام، مضمونه:
أنه مأمورون بالتوجه إلی والده، و قطع مادة البحرین: إن کان بصداقة، أو عداوة. فیقضی بعرفنا نحضر له فی أی مکان، فحضر منه جواب وطیة جواب من والده عبد اللّه، مضمونه: أننا نواجهه فی خویر حسان، أحد بلدان ساحل قطر.

البند الثانی‌

بناء علی ذلک، توجهنا من الحساء إلی أسکلة العقیر. و صادف الخروج من الحساء بعد العصر یوم الاثنین، الثامن عشر من شهر صفر الخیر سنة تاریخه، و الوصول إلی العقیر الثلاثاء 19 الشهر المذکور.
و بسبب عدم وجود المراکب، انتظرنا ذلک الیوم.
و فی الیوم العشرون حضر مرکب من البحرین مشحونة ببعض أول التجارة، فرکبنا فیها متوجهین لجهة قطر.
و فی یوم الجمعة الموافق 22 شهر صفر سنة 1255 وقت العصر، وصلنا إلی یمارت البلد المسمی خورحسان، المقیم به عبد اللّه بن أحمد المذکور، و أقمنا عنده فی قلعة له فی البلد المذکور، و أقمنا تلک اللیلة.
و فی یوم السبت ثالث و عشرون من شهر صفر، صارت المخاطبة بیننا و بینه فی هذا الشأن، و طال الخطاب بیننا و بینه بالسؤال منه، ورد الجواب منا بما یناسب لجوابه. و فی أثناء المخاطبة أبرز لنا الجوابات التی حضرت له من طرف العجم، فرأینا منهم جوابین من طرف حاکم بندر أبو شهر، مضمونهم: أنه یستدعیه یکون تابعا لدولة العجم؟؟؟، هم یحموه هو و البحرین عن سائر الجهات. و ثالث رأینا فرمان کبیر العفط؟؟؟ الثلث،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 35
صادر له من طرف شاه‌زاده، وکیل محمد شاه حاکم إیالات فرسان، مطول العبارة. و من جملة مضمونه: أن جزیرة البحرین ممالکنا. و أنتم ذکرتوا أن حضرة خورشید باشا ملک نجد، و وصلت عساکره الحسا، و ملکوها و أقاموا بها. فحینئذ حاکم أبو شهر وکیل من طرفنا، ترسلوا من طرفکم وکیل یصیر العهد بینه و بینکم، و یتم الأمر معکم.
و أما جهة الملک المفخم، و الدستور المعظم، سعادة محمد علی باشا، فهو صاحب ملک عظیم، و جاه جلیل. و لا یناسب مقامه التعدی علی شی‌ء من ممالکنا، فلا تخشوا بأس شی‌ء من ذلک فبعد أن اطلعنا علی مضمون الفرمان المذکور، و علمنا بعد ذلک، سألنا عبد اللّه بن أحمد عن مراده؟ و أجبناه بما سیأتی ذکره.

البند الثالث‌

و جواب من محمد أفندی إلی عبد اللّه بن أحمد: أما فرمان شاه‌زاده المفخم، وکیل أصفهان، فقد اطلعنا علیه، و فهمنا مضمونه. و لذلک بلغنا ما حصل من أنباء الإنجلیز إلیک مرارا متعددة. و بالجملة: حضر إلیکم مرکب فرفطون، فیه واحد من کبارهم، و هل بینکم و بینه کلام؟ و لا ندری ما هو. فإن کنت ترید أن تقع طایفتنا منهم، فأنت أدری بنفسک، و لکن علم أن سعادة أفندینا لا یخلیک علی رضاک، و السبب فی ذلک لیس بعداوتنا لهؤلاء الملوک، و إنما لکون أن جزیرة البحرین تابعة لحکومة نجد من السابق. و حینئذ أفندینا قد استولی علی نجد، و ما یتبعها من الجهات، مثل القطیف، و الحسا. و أنتم و الحسا حال واحد، فلا یمکن حینئذ ترک البحرین إلّا بعد العجز عنها. و الحمد للّه شایف سعادة أفندینا لیس العجز؟؟؟
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 36
و نحن نرید قطع الجواب معک، حتی نعرف مرادک، و نعرضه علی سعادة المشار إلیه.

البند الرابع‌

جواب عبد اللّه المذکور: أما العجم، فإنهم أرادوا أن أکون من تبعیتهم، و کاتبونی. و أنا فی السابق کنت متوقّفا معکم، خوفا منکم، لأننا قد سمعنا عنکم أنکم تفعلون بالرعایا أمورا عظیمة. و حیث من مدة توجهک من عندنا سابق لغایة تاریخه، صرنا نبحث عن أفعالکم فی غیرنا، فلم نر أنه وقع مما یذکر الناس شیئا، و حینئذ قد ترکت الخوف منکم.
و بهذا السبب لم یحصل بینی و بین العجم اتفاق، و لا أعطیتهم جواب.
و أما الإنجلیز، فإنهم لما علموا أنکم تریدونا نتبعکم، فصار منهم ما صار من تعدد جواباتهم إلینا، و ترددهم بطرفنا. و فی کلامهم الإشارة بأنهم یریدونا ننتسب إلیهم. و لکن علمنا أنهم لا یحمونا منکم. و بسبب معاملتکم لغیرنا بالإنصاف، رأینا أن تبعیتنا لکم مأمونة العاقبة، و لا سیما أن العجم علی مذهب الروافض، و الإنجلیز علی غیر الملة الإسلامیة.
فحینئذ یجب علینا اتباع سعادة أفندینا خورشید باشا، غیر أنی أرید منه الرفق معنا. فإن کان راضیا بما ذکرنا له فی الجواب الذی أعطیناه لک وقت حضورک إلینا سابق، فنحن بالسمع و الطاعة، و نعاهدک علی ذلک.
غیر أنی أرید ورقة أمان کافیة من سعادة المشار إلیه، و یکون مذکور فیه خطابا لی، لأن محمد أفندی وکیلا مفوضا من طرفه فی قطع مادة البحرین.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 37

البند الخامس‌

لما رأینا منه هذا الکلام، و أبرزنا له الأمر المحرر من سعادة أفندینا المشار إلیه، خطابا له، فقرأه و فهم ما فیه. و کذلک أعطیناه الأمر المحرر خطابا لنا بمادة قدوم العساکر الواردین من المدینة، و فی آخره: إنا وکلناکم بمادة البحرین. فاطمأن بذلک اطمئنانا زایدا، و قال: إذا کان هذا رفق أفندینا بنا، فذلک ما کنا نبغی. و لکن أرید أن تعطینی ورقة أمان بختمه کما ذکرت لک. و من حیث إنه حضر لنا ثلاثة أوراق من سعادة أقندینا، أحدهم بخصوص الأمان، و الثانی بخصوص إذا أراد الإنجلیز، و الثالثة إذا أراد العجم. و بما أنه قد صار اتفاقه معنا، فقد أعطیناه ورقة الأمان، و الآخرین قد (یتوظوا).

صورة الأمان لعبد اللّه المذکور

من خورشید باشا سر سکر نجد إلی الجناب المکرم عبد اللّه بن أحمد آل خلیفة، السلام علیکم و رحمة اللّه و برکاته. و بعد، الذی نعرفک به أننا أعطیناک أمان من طرفنا: أمان اللّه، و أماننا، و أمان أفندینا محمد علی باشا، علی أموالک و حلالک و رعایتک. و أن أمر البحرین فی یدک، أو وکیلا الذی تحطه من طرفک علی الاتفاق.
و العهد الذی یصیر بینک و بین محمد أفندی معاوننا و وکیلنا. و من حیث إنه وکیل مفوض من طرفنا فی ربط الأمر معک، کما اتفقت أنت و هو علیه و عاهدته علیه، فهو ماش عندنا. و علی هذا عهد اللّه و میثاقه، و اللّه علی ما نقول وکیل.
و بعد ذلک حصل العهد بیننا و بینه، و أخذنا منه ورقة بختمه بصورة
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 38
العهد، و أعطیناه ورقة بختمنا بصورة العهد، و اشترطنا علیه و له شروط، کما سیأتی بیانه.

صورة الورقة التی أعطیناها له بختمنا

أقول، و أنا الفقیر إلی اللّه سبحانه و تعالی، عبده محمد رفعت أفندی معاون سر عسکر نجد، و وکیل مفوض من طرفه فی ربط أمر البحرین مع عبد اللّه بن أحمد الخلیفة صاحب البحرین: إنه قد وقع الصلح، و الرأی بینی و بین عبد اللّه بن أحمد، فصار العهد منه یطابق الوکالة عن سعادة أفندینا، علی أنه صدیق لصدیق أفندینا خورشید باشا، و عدو لعدوه. و أن علیه زکاة البحرین من حول السنة إلی حول السنة ثلاثة آلاف ریال فرانسه، لعبد اللّه بن أحمد فیها خاصة سبعمائة و خمسین ریال، و الباقی ألفان و مائتان و خمسین ریال یرفعها سنویا إلی لمشار إلیه، من ابتداء حول سنة 1255 ه. و عاهدناه علی أن أمر البحرین فی یده دون غیره، و نائبه الذی یحیطه من تحت یده. و ما کان من رعایاه سابق من أهل البحرین، أو غیرهم القاطنین بها، و أهل بلدان ساحل بحر قطر تحت یده، لیس لأحد غیره تسلط علیهم. و القوانین التی له علیهم من سابق، فهی له. و لنا علیه أنه یقوم بالمساعدة مع أفندینا المشار إلیه فیما یتعلق به، علی قدر استطاعته، و اللّه علی ما نقول وکیل.

بیان بالشروط التی شرطناها علیه‌

من جهة قصر الرخام الذی فی بر القطیف، و فیه مبارک ولده مقیم.
فإن عربان الهواجر و العمایر مقیمین بحوالیه. و الحال إن المذکورین معتادین بإجراء الضرر علی أهل القطیف، فإذا تبقوا علی هذا الحال،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 39
لربما یصیر منهم الضرر مثل عوایدهم. فیلزم إما أنکم تطردونهم، أو تعرف ولدک مبارک أنه یضم جمیع ما وقع منهم. و أما العمایر، فمن حیث إنه قد هدمنا قلعتهم التی کانت فی عنک فی القطیف، و هربوا إلی الأمام، و لا أعطیناهم إذنا بالإقامة بذاک الطرف. فیلزم التنبیه علی ولدک مبارک أنه وقت توجهنا إلی هناک، و لا یقبل منهم عنده إلّا من یواجهنا، و یصیر بیننا و بینه قطع جواب، یحسن علیه السکوت، و یصیر مأذونا من طرفنا بالإقامة. و قد حرر لولده مبارک إشعارا بذلک أیضا.
من حیث إن عبد اللّه بن أحمد المذکور من السابق کان له عواید علی قوارب الغواصین، الذین یغوصون فی اللؤلؤ من أهل القطیف، فشرطنا علیه: أن المذکور الذی یکون علی غواصین البحرین، فلا کلام فیه. و أما غواصین القطیف فلیس له علیهم شی‌ء أیضا، من حیث إن بلدان قطر محل بینه و بین الحسا فی البر مسافة خمسة أیام فی طریق عمان، و بها أربعة قرایا علی ساحل البحر، و أهلهم فی عشش، و هم صیاد و سمک، و فیهم بعض غواصین. و شرط فی ورقته أن یکونوا طرفه، کما کانوا علیه من سابق، فشرطنا له علی ذلک. و لکن من حیث إن خلفهم عربان بدو کذلک من أهل قطر، و کان فی العادة أن زکاتهم لحاکم بدو، یکون عندهم مواشی إبل و غنم، فشرطنا علیه: أن یکونوا رعیة لسعادة أفندینا، و أن جمیع ما عنده مواشی حضری و بدوی فی قطر لا بد عن زکاته، و رضی بذلک.
و قد أرسلنا حج أبو شهاب کاتبه بجواب من طرفنا لکبارهم، و أرفقنا أحد به لأجل أن یزکیهم أیضا، عرفناه أن یتوجه واحد من طرفه یواجه سعادة أفندینا: إما أحد أولاده، أو رجل معتمد من طرفه، فلا بأس. غیر
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 40
أن المناسب أنه إن شاء اللّه تعالی متی تواجد ثم الخیل، و صار تحضیر دراهم الزکاة، ترسل واحد من طرفنا بها. کذلک عرفناه أنه لا بد من إقامة رجل بالبحرین من أحد المعتمدین من طرف سعادة المشار إلیه لقضاء أشغاله التی تلزم بهذا الطرف، فقال: لا بأس غیر أنه حینئذ یصیر منها بعض تخوّف للناس، فیحتاج حینئذ الصبر. و أنا أرتّب لکم وکیل فی البحرین من طرفنا لقضاء أشغال أفندینا. و بعد مدة أیام إن شاء اللّه إذا حضر أحد للإقامة من طرفه، فلا بأس.
أیضا شرطنا علیه: أنه إذا أراد سعادة أفندینا إرسال عساکر إلی جهات مثل عمان و غیرها، فیلزم منه المساعدة بإرسال المراکب من طرفه لحمولة العسکر، فقال: لا بأس، و لو یرید أفندینا المشی علی البصرة، أو بر العجم، أو عمان، أو غیرها، فأنا أسیر المراکب و الرجاجیل التی عندی مع عساکره إلا الکویت، فإن أمیرها الذی هو جابر بن صباح، فإنه ابن عمومتنا، و لا یمکننا المشی علیه بحرب.
أیضا شرطنا علیه: أنه إذا کان أحد من الرعیة التی تحت حکومة أفندینا، إذا أتی عندک أحد منهم هاربا، أو علیه دعوة، أو طلب، أو خراج مطلوب منه. و إذا صار طلبه من عنده، فلا بد عن إرساله، أو تخلیص ما علیه، و له علینا ذلک. فرضی بذلک، غیر أنه ترجّی من أهل نجد الذین عند عمر بن عفیصان و من معه، فأعطیناه أمانا بموجب أمرکم، و وفق ما یریدون نجد فیحضروا، و انختم الکلام بیننا و بینه علی ذلک.
و من حیث إن الأمر مقتضی لتوجهنا إلی برعجم لنشتری ذخائر،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 41
و بعض کتب معنا إلی القنصل بجزیرة خارج، لزمنا المرور بها، و توثیق قلوبهم ببعض المحادثات، و الإقامة بها أکم یوم لأجل إشاعة ما حصل، و مواجهة أعیان الناس بها، و تولیف قلوبهم معهم، و تتمیم مادة أهل نجد الذین فی البحرین. فتوجهنا من طرف عبد اللّه بن أحمد من قطر إلی البحرین، و معنا مخصوص من طرفه غیر أولاد . و أعیان أهل البحرین بما حصل، و أکسیناه خلعة ثیور و کشمیری، و أعطیناه ثلاثة عیر، و أکسینا کاتبه إکراما من طرف سعادة أفندینا.
و کان توجهنا من قطر یوم الاثنین 25 صفر سنة 255 ه.
و فی 26 منه، وصلنا إلی البحرین، و ترکنا عند حسن بن عبد اللّه بن أحمد المذکور.
و فی ثانی و ثالث یوم، حضر عندنا ناصر بن عبد اللّه- الذی کان واجه أفندینا فی الحناکیة-، و السید عبد الجلیل- من أعیان أهل البحرین-، و رفیقنا من سابق الشیخ عبد اللّه بن مساری، و استخبروا عما صار. و حصل عندهم الاطمئنان، لأنه کان قبل ذلک ارتجاج. و لم یزل بعض واقع عنده بعض الناس، یقولون: إنّا لما صرنا فی تبعیة حکومة الترک، نخاف من تعدی الإنجلیز علینا. و أشعنا عندهم أنا متوجهین لقطع الکلام معهم، لعدم التعدی، و المعارضة للبحرین لا فی البحر، و فی الهند الذی هو حکومتهم.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 42

البند السادس‌

من حیث إن الإنجلیز فی الشهر الذی مضی حصل بینهم و بین أهل أبو شهر حرب، و نقلوا البالیوز من عندهم. و حینئذ لا یمکن لأحد منهم یروح أبو شهر. فربما إن کان البالیوز لا یمکنه قضاء لوازمنا فی مادة شراء القمح و الشعیر، و جزیرة البحرین متوسطة. و أرسلنا جواب إلی عبد اللّه بن أحمد، مضمونه: أنه یعین لنا رجل مخصوص، یکون وکیلا من طرفنا فی جلب الغلال من الجهات. و من حیث إن البلغة تعلّق دولتکم، حضرت فی هذه الأثناء من الکویت، و فیها نحو 300 و کسور قمح و شعیر. و حضر لنا جواب من جابر بن صباح، و محمد أفندی، مضمونهم: أن صنف الغلال حینئذ غیر موجود فی الکویت، و کذلک البصرة لم یوجد فیها، و أبو شهر و ما حولها من البنادر بر عجم لم یوجد فیهم. و السبب فی ذلک أن الغلال القدیمة لم تبق منها شی‌ء، و الجدیدة لم تحصد- أعنی دایر فیها الحصاد و الرقة- لغایة تاریخه لم یجهز منها شی‌ء- ففتشنا علی الموجود فی البحرین، فوجدنا هندی، و جانب عراقی.
و بکره تاریخه إن شاء اللّه یرسل إلی اسکله الفقیر فی المراکب. و عند وصولنا إلی خارج إن شاء اللّه، نجتهد علی قدر الإمکان فی شراء ما یمکن تحصیله من ذلک الطرف.

البند السابع‌

بلغنا أن بندر أبو شهر یصیر التنبیه فیه علی عدم نزول الغلال فی المراکب. و ربما بهذا السبب لا یمکن تحصیل الغلال المطلوبة جمیعها من ذاک الطرف. و من حیث إن بعض مراکب أهل البحرین متوجهة فی جمادی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 43
الأولی سنة 55 إلی بلاد الهند، و یوجد صنف القمح و الذرة بذاک الطرف. و اتفقنا مع عبد اللّه بن مشاری فی ذلک الوقت یرسل ثلاثة أبغال عنده، تشیل أربعة آلاف أردب. و أنها تجیب غلال من هناک من هؤلاء الصنفین علی ذمته، و نحن نأخذ منه و أخبرنا: أن قدوم المراکب المذکورة یکون فی أواخر شهر رمضان، و کذلک حذر من عدم وجود المقدار المطلوب.
قد تحرر هذا الجنرال بما صار غایة صفر سنة 55 ه
ابنک محمد
معاون سر عسکر نجد
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 45

غزوات الملک عبد العزیز

اشارة

تألیف
الشیخ عبد اللّه بن حسین بن غانم
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 47

ترجمة المؤلف‌

یوجد فی شرق مدینة صنعاء عاصمة الیمن إحدی قبائل الیمن، و فی القبیلة رجل یدعی [أحمد بن سنان] من طلبة العلم، فسافر إلی دولة قطر لطلب العلم، فوجد فی أحد مساجدها عالما سلفیا یدرس کتاب التوحید للشیخ محمد بن عبد الوهاب، فأعجب بالمدرس و الکتاب و سأل عن وجود الکتاب، فدلّ علی الریاض فعاد أحمد إلی بلده بالیمن و أخبر زملاءه بالیمن بما عثر علیه، ثم سافر إلی الریاض و سافر معه جماعة من بلده فی الیمن و قدموا الریاض و سموا أنفسهم [المهاجرین]، فأحسن العلماء فی الریاض استقبالهم، و منحهم الملک عبد العزیز الجنسیة، فبقوا فی الریاض و کبیرهم [أحمد بن سنان].
فکان منهم مؤلف هذه الغزوات و جامعها و هو [عبد اللّه بن حسین بن غانم]، و أدرک فی طلب العلم و صار مفتشا بوزارة المعارف، و أحیل علی التقاعد منذ مدة و هو لا یزال مقیما فی الریاض.
()
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 48

سبب کتابة هذه الغزوات‌

کان الأستاذ الأخ: عبد اللّه بن حسین یصوم رمضان فی مکة المکرّمة، و کان مجلسه فی الرواق الموالی لباب الزیادة، و کانت تلک الجهة هی مکان جلوسی، و تعرفت علیه، و هذا فیما بین 1375 ه- 1380 ه.
و صادفت هوایتی بالأخبار هوایته، و کان یحب أن یسرد علیّ أخبار الملک عبد العزیز آل سعود رحمه اللّه و غزواته.
فطلبت منه أن یکتبها لی، فکتب لی بعضها فی دفترین، و کان یحسن إیرادها و یجید حفظها.
و رأیت أنه من الأفضل نشرها مع الأخبار النجدیة، فهی جدیرة بالاهتمام و العنایة، فهی دروس فی الحروب الکریمة الناجحة.
و هی أیضا آخر حروب الصحراء القدیمة التی انقرضت و بادت بصناعة الأسلحة الحدیثة، و اللّه المستعان.
()
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 49

محاولة الملک عبد العزیز للهجوم علی الریاض عام 1317 ه

خرج الملک عبد العزیز عام 1317 ه یرید الهجوم علی الریاض، و کتب کتابا لفضیلة الشیخ عبد اللّه بن عبد اللطیف بالریاض یخبره بذلک و یستشیره، فکتب إلیه الشیخ عبد اللّه رحمه اللّه بأن الأوان لم یحن بعد، و أمره أن ینتظر.
فلما کان عام 18 ه خرج الملک عبد العزیز من الکویت و أخذ یؤلف القبائل و یمهّد الطرق و الأسباب للهجوم علی الریاض، و خرج معه بجیش قلیل لا یزید علی المائتین، و صاحب الرایة محمد بن زید، و هجم علی الریاض و دخلها من باب دروازة عرعیر المعروفة سابقا . و ذلک یتعاون معه من أهل الریاض.
و کان الأمیر من قبل ابن رشید عجلان، فدخل القصر و هو المصمات الموجودة الآن، و دخل معه جنوده من أهل الریاض، و کان من ضمنهم الشیخ عبد اللّه بن عبد اللطیف رحمه اللّه، و حاصرا الملک عجلان
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 50
فی القصر أربعین لیلة، و حاول الملک عبد العزیز حفر نفق یدخل علی القصر لیتمکن بواسطته دخول القصر، و کان الذین حفروه اثنان من أهل الریاض ذو جلد و قوة، و هما إبراهیم بن جربوع و سلیمان هدهود، و لکن فوجی‌ء عبد العزیز رحمه اللّه بقدوم رسول من والده و الأمیر بن صباح یخبرانه بأنهما التقت جیوشهما مع جیوش ابن رشید و انهزم جیوشهم، و أکدوا علیه لا یبقی فی الریاض خوفا أن یهجم علیه بن رشید. و کان قدوم الرسول مساء الخمیس.
فأمر الملک عبد العزیز محمد بن زید صاحب الرایة بأن یتهیّأ هو و جنوده للخروج من الریاض بسر، و واعدهم موضعا فی معکال یسمی جلیدة، و أصبح الملک یوم الجمعة حاملا معه المصحف ذاهبا إلی الجامع بعد طلوع الشمس، و صلّی و قرأ القرآن حتی انقضت الصلاة، و کان سر الملک رحمه اللّه أن لا یشعر أحد بشی‌ء من أخبار الرسول الذی قدم علیه، و ذلک من حنکته و دهائه رحمه اللّه. فلما کان مساء الخمیس بعد صلاة العشاء، تسلل جنوده و خرج من الریاض راجعا إلی والده، فلما کان الصباح خرج عجلان و من معه من القصر و جمع أهل الریاض الذین و ازروا الملک عبد العزیز، و أظهر لهم اللین و العطف و تلا علیهم قوله تعالی: لا تَثْرِیبَ عَلَیْکُمُ الْیَوْمَ یَغْفِرُ اللَّهُ لَکُمْ وَ هُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِینَ [یوسف: 92]، و هو کاذب، و إنما قصده لیطمئن الناس عن النفور من الریاض، و کتب إلی ابن الرشید یخبره الخبر، و أرسل رسوله مبارک بن شیفان یخبره بما حصل من هجوم عبد العزیز و مؤازرة أهل الریاض له.
فأرسل ابن رشید سالم السبهان، و لما وصل الریاض جمع أهل الریاض و خطبهم و قال: إن الأمیر عبد العزیز بن رشید أمرنی أن أقسو
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 51
علیکم، و لکنی طلبته العفو فعفی عن القتل، و لکنا نبی تدبرون لنا ثلاثین ألف ریال. و هو مبلغ کبیر فی زمنه.
و أهل الریاض فی ذاک التاریخ ضعفاء، و أکلتهم الحروب، و المادة معهم قلیلة جدا بحیث أنه لیس لدیهم دخل یقوم باقتصادیات البلاد ما عدا الحراثة التی هی فی زمانهم التمر و البر.
أما الذین حفروا النفق لعبد العزیز رحمه اللّه و هم إبراهیم بن جربوع و سلیمان هدهود، فقد التمسهم عجلان و لکنهما هربا إلی الحوطة و أخذ سالم السبهان یهین أعیان الریاض و یحبسهم و یضربهم، و کان أشد من عذب عبد الرحمن الشقری رحمه اللّه .
و لیس لأمر اللّه مرد، فإن سلیمان بن هدهود کان له زوجة فی الریاض، فکان یأوی إلیها فی بعض الأیام خلسة، فنمی خبره إلی عجلان، فجعل من یتربص له حتی ألقی القبض علیه، فقطعت یده من وسط الذراع، أی من فوق المفصل رحمه اللّه. فلما أطلق سراحه هرب من الریاض و التمسه عجلان بعد ذلک لیقتله و لکن اللّه نجّاه منه، و لما برئت یده ذهب إلی الملک عبد العزیز و انضم إلی جیشه، و کان من ضمن الخمسین الذین هجموا مع الملک عبد العزیز الریاض، و کان الفتح علی أیدیهم رحمهم اللّه جمیعا.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 52
نعود إلی ما أجراه سالم السبهان مع أهل الریاض:
أما سالم السبهان فقد جمع الأموال التی زمنها غراثه أهل الریاض، و ذهب بها إلی حائل ثم أمر ببناء قصر عجلان بالبناء الموجود الآن، و حصّنه تحصینا هائلا، و سد جمیع الشوارع التی تنفذ علیه إلّا من طریق واحد، و هدم جمیع الدور المجاورة له، و التی هی الآن تسمی بمحلة الأجثاب شرقی القصر.
***
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 53

فتح الریاض عام 1319 ه

بعد عودة الملک عبد العزیز رحمه اللّه من الریاض عام 18 ه، دون أن یدرک مطلوبه من الاستیلاء علی الریاض، أخذ یعد العدة و یؤلف الجنود للعودة إلی الریاض مرة ثانیة لعله یتمکن من الاستیلاء علی الریاض. فأخذ یتحسّس الأخبار عن الریاض و عن حالتها و حالة أهلها و ما عمل سالم السبهان فیها من الظلم و العدوان علی أهلها.
فلما قویت عزیمة الملک عبد العزیز للهجوم علی الریاض خرج من الکویت یرید الأحساء، فنزل علی الجفر و أرسل رسولین هما: (مناور السبیعی و سعد بن سعید) إلی مساعد بن سویلم فی الأحساء، و أرسل معهما حصانا، و کتب لابن سویلم کتابا قال فیه: إننا عازمون علی العودة للهجوم علی الریاض إن شاء اللّه، و إلیک رجالنا: مناور السبیعی و سعد بن سعید معهما حصان نرغب أن تقدمه إلی القمنطار فی الأحساء هدیة له و تطلبون منه أن یساعدنا بمدفع من مدافع الدولة، و تخبرونا عن أخبار الریاض.
فلما قدم الرسولان علی ابن سویلم أدخلهما ولده و أخفاهما عن الناس، و خرج فی الصباح یتحسّس الأخبار و یلتمس الرکبان القادمین من
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 54
الریاض، فقابله رجل یسمی عبد اللّه بن عثمان الهزانی، و کان حدیث عهد بالریاض، فسلم علیه مساعد بن سویلم، و أخذ بیده و ذهب به إلی داره، و أخفی علیه رسل عبد العزیز، و أخذ یتحدث معه عن الریاض و حالتها و حالة أهلها و ما عمل ابن سبهان بهم من الظلم و العدوان و نهب الأموال، و أنه قد بنا قصرا حصینا.
فقال له ابن سویلم: ما رأیک فیما لو یرید الإمام عبد العزیز الهجوم علی الریاض مرة ثانیة. قال: إن أهل الریاض یتعطشون للیوم الذین یرون عبد العزیز فیه متربعا علی حکم نجد، و یعدون اللیالی ینتظرون قدومه علیهم، و لکن نخشی أن عبد العزیز إذا قدم الریاض و ساعده أهلها علی عامل ابن الرشید یفر کما فر فی العام الماضی، فیذوقهم ابن الرشید ألوان الظلم و العذاب. لا سیما و أن ابن سبهان قد بنی قصرا للإمارة وسد جمیع المنافذ للشوارع التی تفضی علیه إلّا منفذا واحدا لا یوصل إلی القصر إلّا منه، و له باب إذا کان اللیل أقفل.
قال له مساعد بن سویلم: إن عبد العزیز مصمم علی التوجه لفتح الریاض إن شاء اللّه، و لکن أعطنی رأیک بحیث إنک حدیث عهد بالریاض و تعرف أحواله. قال: إذا کان الأمر کذلک فلیبشر عبد العزیز بالنصر إن شاء اللّه، و عندی دبرة و خطة للهجوم علی الریاض سوف أرسمها رسما عند ما یأخذ به عبد العزیز سوف یدرک مطلبه إن شاء اللّه. أرسلنی عبد العزیز قال له ابن سویلم کیف الطریقة التی أنت تعرفها للهجوم علی الریاض؟ قال إننا سوف نصل الریاض لیلا إن شاء اللّه، و سندخلها من أحد نوافذ السور، و سوف نأتی إلی بیت ابن جویسر، لأن بیته ملاصق لبیت محمد الشویقی و بیت محمد الشویقی فی داخل الشوارع المسدودة
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 55
نوافذها، فلا یوصل إلیه فی اللیل إلّا بالتسلق من بیت ابن جویسر، و بیت الشویقی ملاصق لبیت عجلان، فإذا دخلنا علی بیت جویسر تسلقنا منه إلی بیت الشویقی، و هو رجل من أهل دیرتی (أی من الحریق)، و محب لآل سعود، و سوف نعمل منفذا من بیته إلی بیت عجلان إن شاء اللّه، و إذا وصلنا بیت عجلان من تدبیر المقسوم بیحصل.
کان هذا الکلام یدور بین مساعد بن سویلم و عبد اللّه بن عثمان الهزانی بسمع من رجال عبد العزیز الذین أخفاهم ابن سویلم فی مجلس مجاور للمجلس الذی فیه ابن سویلم وضیفه الهزانی.
فلما فرغ الهزانی من کلامه قال له مساعد بن سویلم: أرید أن تعاهدنی علی ما سوف أسرک به أن لا یطلع علیه أحد، فعاهده علی ذلک، فدعا رسل عبد العزیز و خرجوا علی الهزانی و سلم بعضهم علی بعض، و أخبروا الهزانی بأن عبد العزیز عازم الهجوم علی الریاض، و أنه أرسل معهم حصانا کهدیة للقمنطار لیستعیروا منه مدفعا.
فقال لهم الهزانی: إن عبد العزیز سوف یستولی علی الریاض إن شاء اللّه بدون مدفع، و الحصان نعود به إلی عبد العزیز، و أنا سأذهب معکما إلی عبد العزیز. فکتب مساعد بن سویلم کتابا لعبد العزیز و أخبره بما دار بینه و بین عبد اللّه بن عثمان الهزانی، و أخبره بأن الهزانی قادم علیه مع رجاله: مناور السبیعی و سعد بن سعید، و الحصان معهم لم نرسله إلی القمنطار.
فلما کان اللیل رحلهم بن سویلم إلی الملک عبد العزیز، فلما کان بعد شروق الشمس و أشرفوا علی مخیم عبد العزیز رحمه اللّه فی الجفر
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 56
و تحققهم عبد العزیز، قال لمن عنده: هؤلاء الرسل رجعوا و معهم شخص ثالث، و الحصان معهم، یظهر أن القمنطار لم یقبله.
فلما وصلوا و أناخوا رواحلهم، و دخل الرسل علی عبد العزیز فی خیمته، و بقی الهزانی ینتظر الإذن له، فلما سلموا علی عبد العزیز و أعطوه کتاب ابن سویلم و قرأه، قال: أین عبد اللّه بن عثمان الهزانی؟ فأذن له و دخل و سلم علی عبد العزیز، و سأله عن أخبار الریاض، و عن رأیه فی الطریقة التی ینبغی رسمها للهجوم علی الریاض.
فأخبره بحالة الریاض و ما عمل ابن سبهان فیها بعد ما هرب عبد العزیز منها، و أخبره بالطریقة التی یمکن معها نجاح دخوله الریاض، إذا اللّه وفق و مکن له النصر. کما تکلم مع مساعد بن سویلم، فالتفت الملک عبد العزیز إلی الحاضرین من آل سعود، و قال: هل هذا الکلام معقول، أو هی أحلام؟ قال الحاضرون: إنها خطة حرب، و النصر من عند اللّه.
فارتحل عبد العزیز من قصره و أمر الأمیر عبد اللّه بن جلوی بأن یذهب إلی الجنوب لیتحسس أخبار البادیة، و أمر عبد العزیز بن جلوی أن یذهب إلی الشمال لیتحسس أخبار ابن رشید، و واعدهم علی الدعم و الداعم و أوی یبعد عن الریاض أربعین کیلو، و هو الآن جنوب خط خریص.
فذهب کل من الرسولین: ابن جلوی إلی جهته التی وجهه إلیها عبد العزیز، ثم رجعوا لیجتمعوا بعبد العزیز علی الداعم کما وعدهم عبد العزیز رحمهم اللّه، فأفاد عبد اللّه بن جلوی بأن البادیة کلها فی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 57
الجنوب تتبع الرعی، و أفاد عبد العزیز بن جلوی بأن ابن رشید علی الأجفر فی الشمال و لیس حول نجد أحد لا من البادیة و لا من قبل ابن رشید.
فلما اطمئن عبد العزیز بأخبارهم ارتحل من الداعم و نزل فی آخر یومه علی السلیل، و کان قاطن فیه بادیة من مطیر، فتقدم إلیهم قبل وصول عبد العزیز الأمیر، عبد العزیز بن جلوی، فأخبرهم بأن عبد العزیز قادم علیهم، فاستقبلوه بالخیل و الجیش و عرضوا أنفسهم تحت تصرفه و فی خدمته، فشکرهم الملک عبد العزیز و أمر بأن یرکب أهل جرادین حتی یصلوا المفرزات لیقصوا له الأثر، عما إذا کان أحد ذهب إلی الریاض لینذر عامل ابن رشید.
فرکب فارسان حتی وصلا إلی المفرزات، ثم رجعا و أخبرا بأنهما لم یریا أی أثر، فلما کان بعد صلاة العشاء ترک عبد العزیز ثقله عند هؤلاء العرب و رکب بما یقارب الثلاثمائة رجل متوجها إلی الریاض.
فلما قربوا من الریاض أناخوا رواحلهم فی وضع الملز القدیم ، الذی أصبح الآن داخل العمران، و ترک عبد العزیز رواحله و بعض رجاله فی هذا الموضع، و طلب من شقیقه الأمیر محمد بن عبد الرحمن أن یبقی مع الرجال الذین سیبقون عند الرواحل و لیکون ردأ لهم فیها لو لم یحصلوا
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 58
علی المقل به و علی عامل عجلان، و لکن الأمیر محمدا رجا من الملک أن یسمح له بصحبته، لأنه لا یطمئن إلّا أن یکون معه، و قال: إنه لا یطیب لی العیش بعدک، و لن أتخلف عنک لحظة.
فأمّر الأمیر عبد العزیز بن مساعد علی الجیش الذی بقی فی موضع الملز القدیم، و أخذ معه خمسین رجلا، و قد ذکر أسماءهم بن هذلول فی تاریخه، فتوجهوا سیرا علی الأقدام، فسلکوا البطحاء، ثم حیاله العقیل التی هی الآن عمارة الیشی و ما جاورها شمالا، حتی حدود الشمسیة، ثم خرجوا علی مقبرة شالقا، ثم دخلوا من ثلمة شمال الشهیرة، تظهر علی حائط یسمی حائط المداوات، ثم غدوا علی شارع الظهیرة.
و لما مروا ببیت سلیمان بن حوبان أمرهم عبد العزیز بأن یخلعوا نعالهم و یلقوها من کوة باب بن حوبان إلی دهلیز البیت لئلا یسمع طرق نعالهم، ففعلوا ذلک.
فلما وصلوا إلی بیت ابن جویسر طرقوا علیه الباب، فخرج ابن جویسر مسرعا یظن بأن الطارق من رجال الأمیر عجلان، قال له الهزانی:
هذا عبد العزیز، افتح الباب، ففتح الباب و نبل رأسه عبد العزیز، و دخل البیت و أدخل ابن جویسر فی غرفة من البیت مع عائلته، و ترک عندهم حارسا، ثم تسلقوا علی الدار ابن الشایقی الملاصقة لدار عجلان، فنزل إلیه عبد اللّه بن عثمان الهزانی و ناداه، لأنه یعرفه بحیث إنه من أهل بلده، فخرج الشایقی مسرعا و قال: من أنت؟ أنت الهزانی! ما الذی جاء بک؟
و من أین دخلت؟ و أنت من عشرین یوم فی الحساء؟
قال: هذا عبد العزیز و رجاله فی سطح البیت، فصعد علیهم الشایقی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 59
و رحّب بهم، و طلب أن یکون من رجال عبد العزیز الذین سوف یباشرون القتال، فشکره الملک عبد العزیز و لبّی طلبه، و أدخل عائلته فی غرفة من البیت و وضع علیهم حارسا.
ثم فتحوا نافذة کانت علی بیت عجلان، و کان البرد قارسا، و فی آخر اللیل، فدخلوا من الکوة التی فتحوها من بیت الشایقی علی بیت عجلان حتی تکاملوا فی سطح بیت عجلان، فتقدمهم عبد العزیز قائلا:
هذه جاریة عجلان فی الدوشن تعمل القهوة، و هی تعرفنی لأنها من جواری الإمام عبد اللّه بن فیصل، فنزل علیها عبد العزیز و ناداها باسمها زعفران، فانزعجت لهذا الصوت القریب الذی ینزل علیها من طریق لم یکن فی الخیال أن أحدا یأتی فیه، إنه صوت عبد العزیز، فقالت مجیبة:
بسم اللّه من أنت؟ فقال: لا تخافی أنا عبد العزیز، فهلت و رحبت و استقبلته بعد غیبة طویلة.
فدخل هو و رجاله إلی المجلس، و هیأت له و لرجاله القهوة، و قدمت لهم الأکل من التمر و قرصان البر، فأکلوا و نعموا و کانت تهیّی‌ء الفطور لعجلان، فقالت: یا عمی أبشر، تمسک عجلان بیدک إن شاء اللّه، إنه عند ما یأتی بعد شروق الشمس أنا التی أفتح له الباب، و هذا العبد الذی معکم، و تشیر إلی سعد بن سعید أحد رجال عبد العزیز، لأنه أسود اللون، و إلّا لیس برفیق یلبس ملابسی و یفتح الباب لعجلان، فتمسکه بیدک و تقتله إن شاء اللّه.
فلما أصبح الفجر صلّی بهم عبد العزیز صلاة الفجر، ثم أمر مناور السبیعی أن یصعد إلی سطح البیت و یکون حارسا علی الجهة التی یخرج
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 60
منها عجلان من القصر، و أمره بأن یکون منتبها عند ما یسمع نداء عبد العزیز أن یرمی بالرصاص من أمامه من رجال عجلان، و کان رجلا رامیا، قل أن تخطی‌ء رمیته.
فصعد مناور إلی السطح و أخذ یرقب فتح باب القصر الذی یخرج منه عجلان و الساحة التی أمامه، و لبس سعد بن بخیت أثواب الجاریة لیفتح الباب لعجلان، و استعد رجال عبد العزیز للموت: إنها الساعة التی یعد کل منهم أنفاسه فیها، إما نصر أو موت.
و کان عجلان لا یخرج من القصر إلّا بعد أن ترتفع الشمس، و بعد أن یطوف بساحة القصر فارسان یلتمسان هل یجد أثرا، أو أحدا دار بساحة القصر لیلا، أو کان مختبئا، و بعد أن یتیقنا أن لیس ثم من أحد یخشی نه، یرجعان ثم یخرج بعدهما رجل یقال له ابن (براک)، و یلقّب بحما (وزیر)، فتح خوخة باب القصر، ثم یفتح باب القصر و یخرج عجلان، و تمر علی الخیل فی الساحة التی أمام القصر، و یتفقدها ثم یتجه إلی بیته، و باب بیته مقابل لباب القصر.
فلما أن أشرقت الشمس، و أجریت الإجراءات التی أسلفناها کالعادة، و فتح باب القصر و خرج عجلان، و عبد العزیز و رجاله یشاهدون کل هذه المراحل التی ینتظرون بعدها خروج عجلان لیفتح له العبد سعد بن بخیت الباب، فیمسکه عبد العزیز بیده، و لکن عبد العزیز لا یطمع فی القبض علی عجلان و قتله، لأن ذلک لیس هو النصر و الاستیلاء علی الریاض، و إنما همة عبد العزیز هی الاستیلاء علی القصر.
لذلک لما رأی عبد العزیز الباب قد فتح لیخرج عجلان، و رأی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 61
عجلان یتجول، فی ساحة القصر بین الخیول، فتح باب بیت عجلان و انقض علی عجلان، و رجاله خلفه قاصدون دخول القصر، و لکن عجلان لما رأی عبد العزیز هرب راجعا إلی القصر، و إذا باب القصر قد أغلق، و لم یبق سوی الخوخة التی فی وسط الباب و کان مع عبد العزیز الأمیر فهد بن عجلان، و بیده حربة، فقذفها علی عجلان، فأخطأته، و ضربت خوخة الباب و انکسرت فیها.
کما أن مناورا السبیعی الذی جعله الملک عبد العزیز رحمه اللّه فی سطح بیت عجلان لما سمع نداء عبد العزیز رمی ببندقیته، فأصاب عجلان فی خاصرته، و أدرک عبد العزیز عجلان عند خوخة باب القصر، و مسکه برجله فتخلص عجلان و دخل القصر، و قصد المسجد.
و کان رجال عجلان یمطرون رصاصهم من مناطرهم، فلم یستطع الوصول مع عبد العزیز إلی باب القصر سوی عبد اللّه بن جلوی و أخوه فهد و سبعان و مطلق بن عجیبان، و قتل ثلاثة آخرین فی الساحة بین القصر و بین بیت عجلان.
فلما دخل عجلان القصر، أراد عبد العزیز أن یدخل فی أثره، فمنعه رجاله، و لحق الأمیر عبد اللّه بن جلوی فی المسجد و خرج به و قتله، کما دخل علی أثر ابن جلوی مطلق بن عجیبان و التمس مفتاح الباب، و إذا هو معلّق علی الباب، فأخذه و فتح الباب و شرّعه، و صعد صالح بن سبعان إلی السطح فذکر اللّه و صلّی علی رسوله، و نادی: الملک للّه ثم لعبد العزیز بن عبد الرحمن بن فیصل یرددها ثلاث مرات، و کان جهوری الصوت، فتساقط رجال عجلان من بروجهم إلی الشارع، و من ضمنهم
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 62
أخو عجلان عبد المحسن، و انکسرت رجله، و قتل فی مسقطه، و هرب من تمکن من الهرب من رجال عجلان.
و نادی عبد العزیز لأهل الحصون التی فی القصر بالأمان، فخرجوا کلهم و سلموا علی عبد العزیز و سلموا سلاحهم.
و کان لعجلان خاصان من خدام ابن رشید یسیؤون المعاملة لأهل الریاض، و ذوا بأس شدید، و هما هریسة و عقاب. فتبعهم عبد العزیز و وجدهما قد لجأ إلی عبد اللّه بن سویلم، فذهب عبد العزیز إلیهما فی دار ابن سویلم، فما هو إلّا أن خرج ابن سویلم علی عبد العزیز، و قال له:
عبد العزیز! و أمره عبد العزیز بإخراجهما، فأخرجهما من فوره، فقتلا عند باب ابن سویلم.
ثم توجه عبد العزیز إلی البراحة و جلس فیها، و جاء فضیلة الشیخ عبد اللّه بن عبد اللطیف، و طلب من الملک عبد العزیز العفو عن جمیع أهل الریاض: محسنهم و مسیئهم، فوهبهم له و جاءت الوفود من أهل الریاض یسلمون علی عبد العزیز و یهنئونه بالعز و التمکین، و کان یوما مشهودا.
و فی الیوم الثالث من دخوله الریاض عقد لعبد العزیز بالزواج علی بنت الشیخ عبد اللّه بن عبد اللطیف والدة جلالة الملک فیصل حفظه اللّه [...] والدة زوجة سمو الأمیر عبد اللّه الفیصل بن عبد العزیز.
و رکب أحد رجال عجلان الذین نجوا من القتل رجل یسمی (مبارک الجثمانی) إلی عبد اللّه بن عسکر فی المجمعة، فأخبره بذبح عجلان
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 63
و دخول عبد العزیز و استیلائه علی الریاض، فأرسله ابن عسکر إلی ابن رشید، و کان فی حفر الباطن، فلما وصل الرسول و أخبر ابن الرشید بذبح عجلان و استیلاء عبد العزیز علی الریاض استدعی ابن رشید سالم السبهان الذی بنی القصر لعجلان فی الریاض و قال له: یقولون إن عبد العزیز یحدث نفسه بالهجوم علی الریاض وش رایات بعجلان؟ فقال سالم السبهان: و اللّه إننی بنیت قصرا حصینا لو ما فیه إلّا امرأة لحاربت فیه جمیع الجیوش، قال له ابن الرشید: (قم صفر یبومته) جاه عبد العزیز و ذبحه و سحب إلی البراحة .
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 64

مقتل ابن جراد عام 1321 ه

بعد أن ذبح الملک عبد العزیز عجلان و استولی علی الریاض و هزم ابن رشید فی وقعة الخرج، بعث ابن رشید ابن جراد علی سریة عددها 300 رجلا، و أمرهم أن ینزلوا علی نفود السر، و بعث الصوینع بجیش و أمره أن ینزل شقراء، و بعث حمود العبید و فهد السبهان و أمرهم أن ینزلوا علی عنیزة، و عبد الرحمن بن ضبعان أن ینزل فی بریدة.
فلما بلغ الخبر الملک عبد العزیز رحمه اللّه، خرج بجیوشه من الریاض و هجم علی ابن جراد فی نفود السر لیلا فقتله و من معه، و لم یفلت منهم أحد و استولی علی جمیع ما معه من العدة و الجیش، ثم توجه إلی شقراء، فهرب منها الصوینع و استولی علیها الملک عبد العزیز، ثم توجه إلی عنیزة فحاصرها و استولی علیها بعد مناوشة مع حامیة ابن رشید.
ثم توجه الملک عبد العزیز إلی بریدة و حاصرها فاستولی علیها و حاصر عبد الرحمن بن ضبعان فی القصر ثلاثة شهور حتی أکلوا ما عندهم من جیش و خیل و اضطروا إلی أن یخرجوا عبدا من عبیدهم لیتجسس لهم الأخبار، فقبض علیه رجال الملک عبد العزیز و سألوه عن حال ابن ضبعان و من معه فی القصر، فأبی أن یخبرهم بشی‌ء مما هم فیه
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 65
من سوء الحال و الجوع و الفقر، بل قال: إن المخازن عندهم ملأی من الأرزاق و القوة.
و بعث عبد العزیز بن رشید فی أثناء هذا الحصار رجلا بکتاب إلی عبد الرحمن بن ضبعان یخبره بأنه قریب من بریدة، و أنه سیصل إلی نجدته، فلا یمل الحصار بل یستمرون علی مرابطته فی القصر، و هو واصل إلیه فی اللیلة الآتیة.
فلما وصل مندوب ابن رشید و حاول الوصول إلی باب القصر، لم یستطع من أجل الحصار المحیط بالقصر، فلف الخط فی خرقة و ربطه بحجر، ثم رما به فی فناء القصر لیقع خلف السور، و فی داخل القصر، و لکن لم یوفق هذا المندوب فی حیلته، فإن الخط قصر دون أعلی السور، فوقع فی فنائه من الخارج.
و فی الصباح وجده رجال عبد العزیز و أتوا به إلی عبد العزیز، فاهتم الملک عبد العزیز و احتال بالحیلة التی تمکنه من الاستیلاء علی القصر قبل قدوم ابن رشید، فأرسل الأمیر سلیمان بن محمد آل سعود فی اللیل إلی ابن ضبعان، بحیث إن ابن ضبعان یعرف الأمیر سلیمان حینما کان عند ابن رشید فی حائل، فکلم سلیمان بن ضبعان من خارج القصر و قال له:
یا عبد الرحمن بن ضبعان وش تدور من القصا و الجوع الذی أنتم فیه؟
العبد الذی ظهر من عندکم علمنا بکل شی‌ء و أنکم أکلتم جیشکم و خیلکم، و تحمسون القصم قهوة، و الآن جاء عبد العزیز سبور و قالوا: إن ابن رشید توجه یم الحجرة، و أنت بیض اللّه وجهک ما أحد فعل فعلک فی الوفاء و الصدق مع أمیرک، و لکنی أشوف الأمر ما هو بیدک، ما دام ابن
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 66
رشید معطیک قفاه، و أنت لک علی حق من یوم أنا عندکم فی حائل ما أنسی معروفک معی، فجئت أعرض علیک شوری و نصحی.
قال له ابن ضبعان: کل ما قلت مصیبا، و لکنی أبغی وجه عبد العزیز و أسمع کلامه لی، حاضر أنا أروح لعبد العزیز و أخبره هذا الحوار.
و الملک عبد العزیز مع سلیمان و سمعه.
فاختفی سلیمان قلیلا لیوهم ابن ضبعان بأنه ذهب إلی عبد العزیز لیخبره بما دار بینه و بین ابن ضبعان، و یأخذ له أمانا و ذمة، و بعد ساعة أتی سلیمان إلی ساحة القصر و معه عبد العزیز و أخذ ینادی عبد الرحمن بن ضبعان، فلما أجابه ابن ضبعان قال: هذا عبد العزیز حاضر، فسلم عبد العزیز علی ابن ضبعان ورد علیه ابن ضبعان السلام.
و قال عبد العزیز: یابن ضبعان بیض اللّه وجهک، لک و اللّه البیضا بنصحک، و قال و صدقک مع أمیرک و لا أحد سوی سواک، و لکن ابن رشید ما هو حولک و تحققنا أخباره بأنه راح یم الحجرة، إننا علمنا العبد الذی شهر من عندکم بجیمع حالتکم من الجوع و القصا، و أنکم تحمسون القصم بدل القهوة. و أنت ویش تدور عقب ثلاثة شهور، و أنت محصور من تدافع عنه؟
قال: یا طویل العمر، کل ما قلت مصیبا لکنی و اللّه أخاف علی نفسی. قال عبد العزیز: لک وجهی و أمان اللّه، أنت و الذین معک، و لکم کل ما یخصکم. أما ما یخص ابن رشید، فإننا سنأخذه و أنا سأوصلکم إلی حایل إن شاء اللّه.
قال: سمعا و طاعة، خل سلیمان یدخل علی، فدخل سلیمان علیه
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 67
فی القصر، و خرج هو و ابن ضبعان و خویاه، و نزلهم الملک عبد العزیز و أکرمهم.
فلما جاء اللیل رحلهم إلی ابن رشید، و کان نازلا قصیبا، من ضواحی بریدة، و رکب معهم رجال الملک عبد العزیز عبد الرحمن بن رثوان.
و لما أشرفوا مع طلوع الشمس علی قصیبا و بدا لهم خیام ابن رشید، قال ابن ضبعان: یابن رثوان، ویش‌ها المخیم؟ قال: هذا ابن رشید، فأخذ یلطم وجهه و یصفق بیدیه و یقول: خدعتمونی، قال ابن رثوان: أجل الحرب خدعة، هذا ابن رشید و تراه أرسل لک رسولا بکتاب یقول لک:
اثبت فی القصر ترانی عندکم بعد لیلتین، و لکن الرسول ما استطاع یصل إلی باب القصر، فلف المکتوب فی خرقة و ربطه فی حجر خارج السور، فوجدوه رجال عبد العزیز فی الصبح و جابوه لعبد العزیز فعمل عبد العزیز معک الحیلة التی تم بها تسلیمک نفسک و خویاک، و لکن لا تخف أنا أکفیک ابن رشید بکل ما أستطیع إن شاء اللّه.
فلما قدموا علی ابن رشید دخل علیه خادمه و قال: هذا رجال عبد العزیز عبد الرحمن رثوان و معه عبد الرحمن بن ضبعان و خویاه، فاستشاط ابن رشید غضبا و قال: سود اللّه وجهه، ویش جابه هما، أنا أرسلت له بأننا سوف نصل إلیه قریبا، و اللّه إن أجعله مثلة للعالم.
قال عبد الرحمن بن رثوان: یا طویل العمر، عبد الرحمن بن ضبعان ما یلام، و بیّض اللّه وجهه، عمل أکثر من الواجب، و دافع و صبر علی الحصار فی القصر ثلاثة شهور حتی أکلو جیشهم و خیلهم، و صاروا
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 68
یحمسون القصم قهوة لهم، أما رجالکم الذی أرسلتوه بالخط لابن ضبعان، فوصل القصر و لا قدر یصل الباب، فأخذ المکتوب ولفه فی خرقة ثم ربطه فی حصاه، ورما به من فوق السور، و لکن رمیته قصرت، فطاح الخط تحت السور من ظاهر، و وجدوه رجال عبد العزیز، و جاءوا به إلی عبد العزیز، فأمر عبد العزیز سلیمان بن محمد أن یحتال معه الحیلة، فاستدرجه سلیمان حتی أنزله من القصر.
فأمر ابن رشید بالعرضة، و ضربت الطبول و استعرضت العساکر الترکیة التی أنجدته بها الدولة علی عبد العزیز، فلما أقبل رجال شمر من حائل و ضواحیها، و إذا جمیعهم شبان مستبسلون تحدوهم الشجاعة و النخوة القبلیة و طاعة ابن رشید، فبکی عبد الرحمن بن رثوان رجال الملک عبد العزیز لحاله لما رأی من هذا الجمع الذی أمامه.
فقال ابن رشید: ویش یبکیک؟ قال: أشوف عیال قدامهم عیال، و اللّه ما ینفعک بعضهم من بعض یأخذ اللّه منهم ما یرید، ثم أودع بن رثوان رجال عبد العزیز عبد العزیز بن رشید، فلما وصل ابن رثوان إلی عبد العزیز، قال له: وش شفت عند ابن رشید؟ قال ابن رثوان أمام الناس: شفت قل و ذل، ما معه إلّا عساکر محمیة لن یقفوا مع أهل نجد نصف ساعة إن شاء اللّه.
فلما اختصر به عبد العزیز قال ابن رثوان: یا عبد العزیز شفت عند ابن رشید جمع أن ما قبله جمع مثله، و اللّه ما تقف قدامه ساعة واحدة.
عنده ثلاثة آلاف حافر، و عنده ثمانیة آلاف من العسکر، و لکن العمدة علی اللّه، ثم علی رجال شمر، کلهم شبان ینقطع الشرر من عیونهم، و تشرق
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 69
البسالة و الشجاعة من وجوههم. و اللّه إن ما عبیت لهم جمعا مثلهم، و اللّه ما یرد هزیمتکم إلی الریاض.
لما کان فی آخر النهار وصل إلی عبد العزیز رجال ابن رشید مبارک بن مخیدش و معه کتاب ابن رشید إلی عبد العزیز، یطلب فیه أن یتخلی عبد العزیز عن القصیم، و یتوعده و یتهدده فیما إذا أصر علی ولایة القصیم.
فلما أصبح الصباح أمر الملک عبد العزیز بالعرضة، فلما أقبل رجال العارض، و نزل عبد العزیز معهم فی ساحة العرض، و نخاهم عبد العزیز وشق جیبه، شقوا جیوبهم، و بقوا ما علیهم سوی السراویل، فبکی رجال ابن رشید، قال له عبد العزیز: ویش یبکیک یا مبارک؟ قال: أبکانی أنی شفت عیال أولاد حائل مثلهم و لاحد منهم تعفی عن الثانی حتی یحکم اللّه فیهم أمره.
ثم رجع رجال ابن رشید، فقال له ابن رشید: وش شفت عند عبد العزیز؟ قال: شفت عنده جمعا إن ما عبیت لهم جمعا مثلهم، و اللّه ما یرد کسیرتک إلّا حایل زههم عبد العزیز، فتناخوا، ثم شق جیبه فشقوا جیوبهم، ثم بکی عبد العزیز فبکوا کلهم، فأمر عبد العزیز بن رشید بالتوجه إلی البکیریة، و ارتحل عبد العزیز أیضا من بریدة.
فجعل ابن رشید رجال شمر کلهم فی وجه أهل العارض من جیش عبد العزیز، فالتقوا فی أول النهار، و کانت القوة و الغلبة لجیش عبد العزیز، و لکن أثناء النهار فاجأهم خیل ابن رشید، و کانت أربعة آلاف
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 70
فارس، و خیل الملک عبد العزیز ثلاثمائة فارس، فانهزم جیش عبد العزیز، و أصیبوا، و استشهد منهم خلق کثیر.
فلما کان بعد الظهر التقی أهل القصیم مع الأتراک و قتلوهم قتلة شنیعة و مزقوهم کل ممزق، و لم ینج منهم إلّا القلیل و استحوذوا جمیع ما معهم من قوة و جیش و ذخیرة.
فبینما الملک عبد العزیز فی انهزامه فی آخر النهار، إذ سمع الرمی خلفهم، فظنوا أن ابن رشید لحقهم، فإذا هو شلهوب علی فرسه یبشر الملک عبد العزیز بالنصر، و أن الأتراک قتلوا و شردوا، و غنم جیش عبد العزیز جمیع ما معهم من عدد وعدة.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 71

هجوم ابن رشید علی الریاض عام 1322 ه

فی عام 22 ه، ذهب الملک عبد العزیز رحمه اللّه إلی الکویت لجلب عائلته آل سعود من الکویت إلی الریاض، فانتهز ابن رشید الفرصة، و جهز جیشه لیغزو الریاض طمعا فی استرداد حکمه علیها، و کان فیها الإمام عبد الرحمن بن فیصل رحمه اللّه.
و من توفیق اللّه لأهل الریاض، و من سبب فشل ابن رشید کان یسایر ابن رشید فراج بن شخینل، فلما قرب ابن رشید من الریاض، فوصل الریاض نصف اللیل، و طرق باب الدرازة النجدی، و طلب من البواب فتحها، فأبی أن یفتح له، و قال: لا یمکن افتح الدرازة فی اللیل أبدا.
قال: افتح، أنا فراج بن شخینل جای نذیر لأهل الریاض ابن رشید یصبحکم أو یمسیکم!
فذهب البواب إلی عبد الرحمن بن زید و أخبره بکلام ابن شخینل و قال: ما طعت افتح له، قال ابن زید: افتح له، و أنا سأذهب إلی الإمام عبد الرحمن لأخبره بالخبر، فذهب عبد الرحمن بن زید و کان هو کاتب الإمام عبد الرحمن و وزیره، فطرق الباب علی بیت الإمام، ففتح له الإمام عبد الرحمن، قال: هذا فراج بن شخینل جای نذیر یقول: ابن رشید وصل
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 72
الریاض یبغی الهجوم علیکم، قال الإمام: اضبطوا الدراویز.
و أرسل إلی الشیخ عبد اللّه بن عبد اللطیف، فاجتمع الشیخ عبد اللّه و أخوه الشیخ إبراهیم و الشیخ سلیمان بن سحمان، فأمر الشیخ عبد اللّه بأن یوقد نار فی أسطحة البیوت و فی المرابیع التی علی الدراویز لیعلم ابن رشید أن عند أهل الریاض خبره و أنهم مستعدون لقتاله، فیحجم عن هجوم الریاض.
فلما کان فی آخر اللیل إذا ابن رشید مقبل علی الریاض، فلما أبصر النیران فی سطوح البیوت، علم بأن أهل الریاض استنذروا فلما قرب منها وجد أهلها علی أهبة و استعداد لقتاله، و حصل بینه و بینهم معرکة فی الوشام قتل فیها أناس قلیلون من أهل الریاض، و انهزم ابن رشید و جعل سلطته علی شحم النخیل و جزعها و انقفل راجعا. و کان النصر حلیف أهل الریاض.
***
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 73

ذبحة ابن رشید عام 1324 ه

فی عام 24 ه خرج الملک عبد العزیز غازیا علی قبیلة من مطیر فی ناحیة الشمال، فبلغ عبد العزیز بن رشید خبره، فجهز جیشه و أقبل قاصدا عبد العزیز، فبلغ الملک عبد العزیز قصد ابن رشید نحوه، فاتجه إلیه و وصل ابن رشید إلی روضة مهنا، من أراضی بریدة، وخیم هناک، و أقبل الملک عبد العزیز و وصل فی آخر النهار بالقرب من ابن رشید، و لم یعلم به ابن رشید.
فعبأ عبد العزیز جیشه، و أعد العدة لیهاجم ابن رشید فی اللیل، فلما کان آخر اللیل، هجم الملک عبد العزیز علی ابن رشید، فلما سمع ابن رشید الهجوم و کان نائما آمنا فی خیمته، وثب فزعا و رکب حصانه و أخذ یدبر جیشه، و لم یکن فی باله بأن جیوش الملک عبد العزیز قد داهمته وسط معسکره، فاتجه نحو حامل رایة الملک عبد العزیز عبد الرحمن بن مطرف یظنه صاحب رایته عبد العزیز الفریخ، و أخذ ابن رشید یصیح بأعلی صوته وش‌ها الدبرة یالفریخ، فعرفه عبد الرحمن بن مطرف، و أجابه لیقربه و لیتمکن منه: عن أمرک اللّه یسلمک.
فلما قرب منه، قال ابن مطرف لمن حوله من أهل الریاض: هذا ابن
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 74
رشید، فرماه کلهم بالرصاص، و سقط عن فرسه صریعا، و أقبل جواده علی جیوش ابن رشید، فلما رأوه علموا بأن ابن رشید قد قتل، فانهزموا هزیمة نکراء.
و کان من عادة الملک عبد العزیز إذا هجم علی عدوه یقوم یصلی و یدعو اللّه حتی یفتح علیه، و هو فی مصلاه تلک اللیلة، إذ ناده فارس و قال له: یهنیک العز بابن رشید، فداک! قال عبد العزیز: اللّه ینصرنا علی کل ظالم، ثم أقبل محمد بن الشیخ عبد اللّه بن عبد اللطیف فی جمع معه، و معهم خاتم ابن رشید، فهنّؤوا الملک عبد العزیز بالنصر، و أعطوه الخاتم، فالتمسوا حبرا لیختم به عبد العزیز لیتأکد من حقیقة ذبح ابن رشید، فلم یجدوا شیئا، فوضعوا الخاتم علی دخان سرح حتی اسود، ثم ختموا به.
فلما تأکدا الملک عبد العزیز من قتل ابن رشید، استقبل القبلة ثم سجد للّه شکرا، و لما رفع رأسه إذا الفجر طالع، فأمر المؤذن فأذن، ثم صلی الفجر، و أتوا بجثمان ابن رشید اتلی عبد العزیز لینظره بعینه، فأمر عبد العزیز بالعرضة بما منّ اللّه علیه من النصر و التمکین، ثم صلّی علیه الملک عبد العزیز و من حوله، و أمر بدفنه فی مکانه (روضة مهنا).
***
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 75

غزوة الحریق الأولی عام 1326 ه

الحریق تعتبر من أکبر بلدان العارض، و ولاتها قبل أن یتولی جلالة الملک عبد العزیز الریاض الهزازنة، و لما أن تولی الملک عبد العزیز الریاض بایعوه علی السمع و الطاعة، فترک الملک عبد العزیز الهزازنة أمراء بلد الحریق، و کان الأمیر محماس الهزانی، و أرسل الملک فهد بن جابر أمیرا من قبله، فلم ینقاد الهزازنة له انقیاد السامع المطیع، بل صار ابن جابر مهددا هو و رفاقه، و کان یخاف علی نفسه من الهزازنة، فهو یسلامهم دون أن یقسو علیهم.
و کان بین محماس الهزانی و بین الخثالین- من أعیان الحریق- تنافس، و فی أحد الأیام بلغ محماس الهزانی بأن إبل الخثلانی ترعی فی حمی الهزازنة، فأمر علیها و أخذت، فأضمر الخثلان الانتقام من محماس، فتربصوا به حتی اجتمع الهزازنة فی بیت محماس، فهجموا علیهم و قتلوه.
و کان الملک عبد العزیز ببریدة فی القصیم، فلما بلغه الخبر کتب إلی والده الإمام عبد الرحمن بأن یرسل مساعد بن سویلم إلی الحریق و أن یصحب معه رجالا معهم قیود، و إذا وصلوا الحریق یتظاهرون لهم أنهم
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 76
إنما جاءوا لیواسوا الهزازنة فی مصیبتهم، و أن مساعد بن سویلم أمیر علی الحریق و أمره بأن یجلس مدة حتی ینتهز الفرصة التی یستطیع أن یقبض بها علی أسر الهزازنة و یبعثهم إلی الملک عبد العزیز.
و کان الهزازنة یحضرون مجلس ابن سویلم کل صباح، و فی ذات یوم جاء أحد رجال مساعد بن سویلم یدعی ابن عبد العزیز (محبوب)، إلی الهزازنة و قال: ما و اللّه جینا الحریق إلّا بعلم اللّه ما أعلمکم به حتی تعطونی مایة ریال، فدفعوا له مایة ریال و عاهدوه بأن لا یظهروا ما أسر لهم، فقال: و اللّه إن معنا لکم لخدامکم ستین قید من الحدید، لکل رجل قید، و لکن خذوا حذرکم و لا شفتونی و لا شفتکم.
فلما کان من الغد انتظروا الأمیر ابن سویلم حضور الهزازنة کالعادة، فلم یحضروا، و کذلک الیوم الثانی و الیوم الثالث، فذهب إلیهم فی مجالسهم فی قصرهم، و کان لهم قصر حصین یسکنون فیه، فقال لهم:
لا بأس علیکم لعل ما منکم أحد مریض ثلاثة أیام ما شفتکم.
قالوا: یا مساعد، وصلنا کتاب من الریاض یقول فیه کتابه: احذروا مساعد بن سویلم، فإنه إنما جاء لأسرکم، و شرحوا له الخطة المدبرة معه لهم قال ابن سویلم: هذا الذی کتب لکم عدو لکم یرید یلقی بینکم و بین عبد العزیز العداوة و الشحناء، و عبد العزیز ما یضمر لکم إلّا الخیر، و أخذ یهدئهم و یطمئنهم بألوان الکلام و لکن ذلک لم یفدهم بشی‌ء، بل أصروا علی ألا یأتوا إلیه مطلقا کما أکدوا له بأنهم لن یخوّفوا منه.
فجمع ابن سویلم رجاله الذین معه و أخبرهم بالکتاب الذی ادعی الهزازنة أنه ورد لهم من الریاض، و صار یتناقش معهم من هو الذی یظن
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 77
فیه من أهل الریاض مع الهزازنة، فقال ابن سویلم: إنه لا یعلم بالأمر سوی الإمام عبد الرحمن و الشیخ عبد اللّه و الشیخ أحمد بن فارس، و کل هؤلاء ثقات!
فقال ابن محبوب، نذیر الهزازنة: ما أعتقد إلّا أن الکتاب الذی جاء الهزازنة جای من القصیم، یمکن الملک عبد العزیز کتبه، و کان حوله أحد من خویاه یوالی الهزازنة، فسمع الخصة المدبرة لهم فکتب لهم من هناک، فاتفق رأیهم علی ذلک، و کتب مساعد بن سویلم إلی الإمام عبد الرحمن یخبره بقصة کتاب الهزازنة و أنه یعتقد أن الإنذار جاءهم من القصیم، فکتب الإمام عبد الرحمن للملک عبد العزیز بالأمر، فأمر الإمام عبد العزیز فی جوابه علی خطاب والده بأن یعود مساعد بن سویلم من الحریق إلی الریاض.
فلم یکف الهزازنة فی التطاول و الاضطهاد لأهل الحریق، فکتبوا شکایة للملک عبد العزیز، فأرسل الملک فهد بن جابر أمیرا للحریق، فلما قدم ابن جابر الحریق قابله الهزازنة بالشراسة و عدم الانقیاد، و حصروه فی قصره حتی خاف علی نفسه، فکتب إلی الملک عبد العزیز بعدم طاعة الهزازنة، فأمره الملک عبد العزیز بالتوجه إلی الریاض.
بعد ما أمر الملک فهد بن جابر بالعودة من الحریق جهز الملک عبد العزیز جیوشه و توجه نحو الحریق، و نزل بساحتها و تحصن الهزازنة فی قصرهم و حاصرهم الملک ثلاثة شهور و نصفا، فدبر الملک حیلة للهجوم علی الهزازنة فی قصرهم، فأمر بأن یحفر نفقا من خارج القصر حتی یصل إلی بئر فی داخل القصر، فإذا انتهی النفق أدخل الملک جنوده فی اللیل من النفق
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 78
إلی البئر و صعدوا البئر و هجموا علی الهزازنة فی مضاجعهم.
و لکن لم تنجح هذه الحیلة، فقد جاء إلی الهزازنة نذیر و أخبرهم بذلک، فبادر الهزازنة بحفر هذا النفق لیقابلوا الملک عبد العزیز فیه، و فعلا تقابلوا و رجال عبد العزیز داخل النفق، و تقاتلوا، و لکن هذا النفق صار وسیلة لاتصال الملک عبد العزیز بالهزازنة، بحیث إن المکالمة معهم صارت متصلة من هذا النفق.
فأرسل الملک عبد العزیز عبد الرحمن ابن مطرف لیکلم الهزازنة، فکلمهم و قال لهم: ماذا تریدون من هذه الفتنة و إهلاک أنفسکم و دیرتکم، انزلوا علی حکم عبد العزیز فی وجه اللّه و أمانه، و أبشروا بالکرامة و الغنیمة، قالوا: نرید نکلم عبد العزیز، فواعدهم إلی الیوم الثانی، فجاءهم الملک عبد العزیز فی الیوم الثانی و کلمهم و کلموه، و قال لهم:
ماذا تریدون من أعمالکم، إنما تهلکون أنفسکم و أهلیکم و دیرتکم. قالوا:
و اللّه ما نعلم لنا بلدا نلتجئ إلیه، و لا دولة نستنجد، و إنما نخاف علی أنفسنا!
قال الملک: لکم وجهی و أمان اللّه علی حالکم و أنفسکم، بشرط أنکم تسلمون لنا (أبو سعود)، و أبو السعود هذا رجل یجلب لهم السلاح و الذخیرة.
قالوا: کل أمر تطلبه فنحن تحت السمع و الطاعة إلّا أبو السعود، و اللّه ما نسلمه لو نهلک عن آخرنا، فانصرف الملک من عندهم و لم یحصل علی نتیجة معهم.
***
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 79

حیلة حطمت کیان الهزازنة

کان أبو السعود- السالف الذکر- یأوی إلی بیت أخیه من أهل الحریق، فاستدعی الملک أخاه و قال له: إن أخاک أبو السعود یساعد الهزازنة یجلب السلاح و الذخیرة، و أنتم وش تأملون من الهزازنة من المصلحة، ما هم بنافعیکم بشی‌ء، إنما تعرضون أنفسکم للقتل، و لکن لکم علیّ عهد اللّه و أمانه أن لا یمسّکم أحد بسوء، و هذا ألف ریال و کسوة لک، بشرط أن تلقی القبض علی أخیک و تجی أنت و إیاه. و هذا کتاب أمان لأخیک علی نفسه و عیاله و حلاله و شرهته عندی ألف ریال و کسوة.
و لکن إذا وصلتم إلی المخیم فحط عراته فی رقبته، کأنک أمام الناس أتیت به أسیرا، و اعلم بأننی سوف أظهر الغضب و آمر بقتله و لست فاعلا شیئا، و إنما لغایة أرغب التوصل إلیها. و لا یکن فی نفسک و لا فی نفس أخیک أی خوف من خطر أبدا إن شاء اللّه.
أخذ أخو أبو السعود الألف الریال الفرنسی و الکسوة و کتاب الأمان لأخیه من الملک عبد العزیز، و المتضمن الأمر بحضوره، فلما جاء أبو السعود فی اللیل إلی بیت أخیه، و أصبح الصبح، شرح له أخوه الأمر و نصحه بأن یترک الهزازنة و یذهب إلی الملک عبد العزیز، و أعطاه کتاب
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 80
الملک عبد العزیز و أراه الشرهة و الکسوة التی منحه إیاها الملک عبد العزیز، و قال له: لک مثلها.
انصاع أبو السعود لأمر الملک عبد العزیز و ذهب مع أخیه إلی الملک عبد العزیز، فلما اقتربا من المخیم وضع أخوه العروة فی رقبته أمام الجمهور، کأنه أسیر، فذهب المخبر إلی الملک عبد العزیز یخبره بأن أبو السعود جاء به أخوه، فلما وصل أبو السعود أسیرا فی ید أخیه إلی الملک عبد العزیز، أمر الملک عبد العزیز بالعرضة و أظهر الغضب و أمر بقتل أبی السعود، و أمر الجلاد أن یحضر، فالتمس فلم یوجد، فقیل للملک: إننا لم نجد الجلاد، فأمر بتأجیل قتله إلی آخر النهار، و کان الملک قد أسر إلی الجلاد بأن یتغیب و أن لا یحضر فی حالة طلبه، و إذا حضر فلا ینفذ شیئا من الأمر إلا بأمر خاص.
أما الهزازنة لما سمعوا العرضة أخذوا یسألون ما هی هذه العرضة؟
قیل لهم: مسک أبو سعود، مسکه أخوه و جاء به إلی الملک عبد العزیز، و أمر بقتله و لکنه التمس الجلاد فلم یوجد، و أمر الملک بتأجیله إلی آخر النهار. فلما علم الهزازنة بهذا النبأ تحطّمت قواهم و ضعفت عزائمهم عن المقاومة.
فلما جاء آخر النهار أمر الملک عبد العزیز بالعرضة و إحضار أبی سعود لیقتله، و تزاید غضب الملک، فجی‌ء بأبی السعود، و أجلس أمام فسطاط الملک لیقتل، سکت الملک عبد العزیز هنیهة، و کان فی المجلس أعیان الناس من أهل الحوطة و غیرهم، فاسترجع الملک و استغفر اللّه و قال لمن حوله: ألیس فیکم رجل رشید؟ ما فیکم من یقول:
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 81
خاف اللّه فی هذا الرجل الضعیف، لا تقتله و تیتم أولاده، و هو خادم لیس فی یده حل و لا عقد، إنکم جلساء سوء حسبنا اللّه علیکم.
ثم استدعی بأبی سعود و فکت قیوده، و قال له: اذهب مع أخیک عفیفا، و أعطاه ألف ریال فرنسی و کسوة، فقبّل أبو سعود رأس الملک عبد العزیز، و دعی له بالنصر و التمکین و أخذ الکسوة و الشرهة و ذهب إلی أهله مسرورا.
فلما بلغ الهزازنة عفو الملک عبد العزیز عن أبی سعود، وثقوا بأمانه إذا عاهدهم و أمنهم علی أنفسهم، فإنه سوف یفی لهم بذلک، فأرسلوا إلی الملک عبد العزیز یطلبون الأمان، و أنهم سوف یسلمون السلاح و کان سلاحهم ستین بندقا، فأعطاهم الملک الأمان علی أنفسهم و أموالهم ما عدا السلاح، فأرسلوا السلاح خمسین بندقا مع أحد رجاله المدعو (حسین بن جمعان و أبقوا عشرا، و طلبوا من الملک أن یسمح بها لهم، فأعطاهم الملک طلبهم و نزلوا من القصر و أتوا و سلموا علی الملک عبد العزیز و منحهم من عطفه، و لما أراد الملک أن یقفل راجعا إلی الریاض طلبوا منه صحبته لیسلموا علی والده الإمام عبد الرحمن و علی المشایخ. قال لهم: ما فی داعی أن تذهبوا معی، و لکن ارتاحوا بعد هذا الحصار الطویل مدة أیام، و إذا رغبتم بالتوجّه إلی الریاض فلا مانع.
***
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 82

ذبحة عبد العزیز بن جلوی عام 1324 ه

بعد أن قتل الملک عبد العزیز عبد العزیز بن رشید فی روضة مهنا، کتب عبد اللّه بن عسکر أمیر المجمعة إلی ابن صباح بأن عبد العزیز بن عبد الرحمن قتل ابن رشید و ینوی یتوجه إلی الکویت، فکتب ابن الصباح إلی الملک عبد العزیز یقول: أبلغنی عبد اللّه بن عسکر بأنک تحدثت بالتوجه إلی الکویت، و یا ولدی الغریب ما یاکل ذراعه، و لا هذا أملی فیک، إنک تعود علینا بعد المحبة و الأخوة و الصداقة المبنیة بیننا و بینک.
و لما وصل کتاب ابن صباح إلی عبد العزیز رأی عبد العزیز أن یتوجه إلی الکویت بنفسه، لیؤکد لابن صباح أنه لا ینوی للکویت السوء مدة الأبد إن شاء اللّه، و یقنعه بأن خبر ابن عسکر خبر لا صحة له، و إنما قصده یثیر العداوة بیننا و بینک.
فقال الأمیر عبد العزیز بن جلوی: ما یمکن تذهب أنت بنفسک للکویت، بل یلزم أن تبقی فی بریدة، لأن شمر و بادیة الشمال کلها بتجی تسلم علیک بعد ذبحة ابن رشید، تبایع لک، و لکن أنا أنوب عنک لابن صباح و أرضیه بکل شی‌ء إن شاء اللّه. فلما شرع ابن جلوی علی السفر إلی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 83
الکویت جهزه الملک عبد العزیز و جهز معه اثنی عشر رجلا منهم موسی بن طیاش، و کتب الملک عبد العزیز کتابا إلی ابن صباح یکذب فیه أخبار ابن عسکر و یؤکد له العهد و الوفاء به، بأنه لا ینوی أن یمس الکویت بسوء و أنه ما یعتبر ابن صباح إلا کوالده عبد الرحمن، و أبناؤه کإخوته الأشقاء.
و کتب أیضا کتابا إلی ابن عسکر یخبره بأن الشقاق و إثارة الفتن لا تکون من أخلاق الرجال ذوی الشیم و المروءة، و بالأخص الذین بتزعّمون الرأسات و إنک قد عملت جهدک فی النصح لابن رشید و الآن ابن رشید ذبح، فعلیک أن تقبل علینا و لک وجهی و أمان اللّه تجی ظالم و ترجع سالم غانم. و أعطی الکتاب عبد العزیز بن جلوی و أمره أن یمر علی عبد اللّه بن عسکر فی المجمعة.
رکب الأمیر عبد العزیز بن جلوی متوجها إلی المجمعة لیحمل رسالة عبد العزیز إلی أمیر المجمعة عبد اللّه بن عسکر فی طریقه إلی الکویت، فلما قرب من بلد المجمعة أمسی فی خارج البلد و أرسل أحد رجاله إلی ابن عسکر لیخبره بأن عبد العزیز بن جلوی قادم علیه و سوف یدخل المجمعة فی الصباح، فلما وصل رسول بن جلوی إلی ابن عسکر و أخبره خبر ابن جلوی أمر ابن عسکر علی جمیع أهل المجمعة أن لا یصلی أحد الفجر إلا و هو متأهب بسلاحه، فلما کان بعد صلاة الفجر أمرهم أن یقفوا من صفین بأسلحتهم من باب مدخل باب المجمعة إلی قصر ابن عسکر، و ذلک أن ابن عسکر ظن أن ابن جلوی قدم علیه غازیا و إنما بعث رسوله إلیه خدعة منه.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 84
فلما کان بعد طلوع الشمس، دخل ابن جلوی المجمعة و رأی رجال ابن عسکر محتشدین صفوفا بأسلحتهم و استقبله ابن عسکر و رجاله و رحب به، فلما استقر الجلوس بابن جلوی قال: یا عبد اللّه بن عسکر، أنت لم تزل تضمر الشر و الفتنة و ظن السوء، حشدت رجال المجمعة تظن أننا قدمنا علیک غزو، و هذا کتاب عبد العزیز یقول لک مطاولة الشر عاقبته وخیمة، و لکن توکل علی اللّه و ارکب إلیه فی بریدة، و سلم علیه و لک عهد اللّه و أمانه و لا نلومک فی وفائک لابن رشید. قال ابن عسکر: أما حشد أهل المجمعة و وقوفهم صفوفا بالسلاح، فلا قصدی إلا کرامة فی استقبالکم. قال: ما هذا قصدک، و لکن یطلع اللّه کل علی نیته، ما قصدک إلا ترینا قومک و صمودک فی وجه عبد العزیز، و الأمر ما هو بیدک، الأمر بید اللّه، یعز من یشاء و یخذل من یشاء، و ابن رشید ذبح، و أنت استدرک رضا عبد العزیز و توکل علی اللّه ورح له. فلما تعشی ابن جلوی عند ابن عسکر و دعه و رکب إلی الکویت، و رکب ابن عسکر إلی عبد العزیز فی بریدة.
فلما ورد ابن جلوی (الخیمة) فی طریقه إلی الکویت، و صدر منها، ورد بعده ابن عجل و معه شمر و سأل أهل الماء هل ورد الماء أحد قبلنا؟
قالوا: ورد أمس الأمیر عبد العزیز بن جلوی متوجّها إلی الکویت، فأمر ابن عجل جیشه بالغارة فی طلب ابن جلوی لأخذ ثأر من ابن رشید.
یقول موسی بن طیاش الموجود حالیا: لما قبلنا وقت ارتفاع الصهیر، إذا العجاج الذی سد الأفق، فلما تحققنا فإذا هی الغارة و عدة دقائق وصلنا أهل خمس بن الجیش علیها رجال من عنیزة، فالتفوا علینا
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 85
و أخذوا ابن جلوی و ربتوه فی وجوههم و حمونا من الغارة، و أخذت الغارة جمیع ما معنا من جیش و سلاح و متاع.
فلم استضرت الغارة، و استراحوا للقیلولة، و أتی العصر ذهب الذین [...] لالتماس جیشهم، فأتی شخص إلی ابن جلوی و قتله. أما خویا ابن جلوی من البادیة، فذهبوا مع الغارة، و لم یبق سوی الثلاثة من أهل الریاض، و جاءهم عدة رجال من شمر و رموهم [...] صرعی، و لکن وقاهم اللّه.
و انصرف الذین رموهم یظنون أنهم قتلوا، فترکوه و انصرف ابن عجل راجعا، و بقی رجال ابن جلوی فی الفلاة لیس علیهم ما یواری عوراتهم و لا ما یأکلون أو یشربون، فلما رجع العنزیون بعد أن وجدوا جیشهم إذ ابن جلوی قد قتل و لم یعرفوا من الذی قتله، فأخذوا القوة الباقیة من خویا الأمیر عبد العزیز بن جلوی و ألبسوهم علی ثوب، و سروال و ساروا بهم من طریق یخالف طریق شمر خوفا علیهم، حتی قدموا بهم الکویت- متوجّهین إلی الکویت، مرّ بهم إبراهیم النفیسی من أهل الریاض حادرا من الکویت إلی الأحسا، فلما رآهم بکی و أخذ من ما معه من الثیاب و کساهم، جزاه اللّه خیرا و غفر له و للمسلمین.
فسار رجال الأمیر المقتول ابن جلوی بصحبة القافلة حتی وصلوا الکویت، و دخلوا علی ابن صباح و سلموا علیه، و أخبروه بالقصة و الغرض من مقدم ابن جلوی، فبکی و ترحم علی ابن الأمیر ابن جلوی، و أرسل إلی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 86
أهل القافلة الذین حملوا رجال ابن جلوی و قال لهم: کم أنفقتم معهم علی أجرة حملهم إلی الکویت؟ قالوا: علی [...] قال: أما السلاح، فلا نعطیکم، و لکن نعطیکم قیمة البندق، و شراهم و کساهم، فلبث رجال ابن جلوی أیاما فی الکویت، ثم رحلهم ابن صباح إلی الملک عبد العزیز فی بریدة .
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 87

وقعة جراب‌

لم تزل المناوشات بین سرایا جلالة الملک عبد العزیز و بین سرایا سعود بن رشید، مما أقلق راحة الملک عبد العزیز، و رأی أنه لا بدّ من القضاء النهائی علی حکم ابن رشید، فتوجه الرأی علی أن یحشد جیوشه و یتوجه للقاء سعود بن رشید. فأعد العدة، و غزا نحو ابن رشید، فلما علم ابن سعود أن ابن رشید قدم من حایل.
فنزل الملک عبد العزیز موردا یسمی بالبصر، ثم ارتحل عنه، و أشار علیه رؤساء القبائل بعدم الارتحال من منزله هذا لأنه حصین و ماؤه طیب و غزیر، و لکن قضاء اللّه و قدره، و لا راد لحکمه تعالی، لما أراد تعالی علی عبد العزیز من نفض، فصمم الملک عبد العزیز علی رأیه و ارتحل من مورد البصر، و نزل علی ماء جراب، فأتی ابن رشید و نزل علی مورد البصر فی منزل الملک عبد العزیز سابقا، فالتقی الجمعان و حصل قتال عنیف بین الفریقین و انهزم الملک عبد العزیز و انهزم أیضا سعود بن رشید إلّا أن هزیمة الملک عبد العزیز کانت أشد نقصا، بحیث إنه قتل من جیشه ما ینوف عن ثمانمائة رجل، و تفرقت جیوشه، و ذهبوا شرائد یسیرون علی أقدامهم، حتی وفدوا القری رحمهم اللّه، و جمیع المسلمین، و أعاضهم عما قاسوا من الفتن و الشدائد بمغفرته و رضاه.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 88

غریبة

کان عبد الرحمن بن خضیر کاتبا لشلهوب وزیر الملک فقال لشهلوب: قبل وقعة جراب: الذهب الذی معکم وش تجون، أعطونیه، و بعض الأشیاء الخاصة لعبد العزیز أذهب بها للزلفی حتی تنتهون من غزوتکم هذه، فذهب شهلوب إلی الملک عبد العزیز، فلما رآه الملک عبد العزیز ابتسم و قال: ما الذی جاء بک یا شهلوب؟ عسی ساحرک ما قال لک شیئا؟ نعم یا طویل العمر، یقول: وش تجون بهذا الذهب معکم و أعطونیه و الأشیاء الخاصة لعبد العزیز، أروح بها إلی الزلفی حتی تنتهون من غزوتکم هذه، تراه أحسن و أحفظ له، و إذا بغیتو شیئا منها فهی قریبة.
قال الملک عبد العزیز: اللّه یکفینا شره، ما یخالف، روحوه بها و فعلا ذهب بن خضیر بالذهب و الأشیاء الخاصة لعبد العزیز إلی الزلفی، و کان توفیقا من اللّه لسلامتها و ابن خضیر لم یزل علی قید الحیاة، و ساکن بمکة المکرمة، و هو من خدام جلالة الملک فیصل.
***
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 89

مختصر تاریخ آل ماضی‌

تألیف
الشیخ ترکی بن محمد بن ترکی آل ماضی (1322- 1385 ه)
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 91
بسم اللّه الرّحمن الرّحیم‌

مقدمة

الأمیر الکبیر محمد بن ترکی بن ماضی، کتب تاریخا لعشیرته «آل ماضی»، إلّا أنه أکثر فیه من القصائد المنسوبة إلیهم. و کذلک هو غیر مرتب ترتیبا یستفید منه القارئ.
و قد مضی علی طباعته نحو أربعین سنة، فأحببت اختصاره بهذه الکراسة، لیکون ضمن المجموعة الکبری لتاریخ نجد، و نسأل اللّه التوفیق و الإعانة.

عبد اللّه بن عبد الرّحمن آل بسّام‌

خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 92

المؤلف فی سطور

هو ترکی بن محمد بن ترکی الماضی.
ولد فی روضة سدیر عام 1322 ه الموافق 1904 م.
نال حظّه من التعلیم علی ید أحد علماء الروضة.
طلبه المغفور له الأمیر عبد اللّه بن إبراهیم العسکر من والده لکی یصحبه إلی أبها کاتبا و أمینا لسرّه.
سافر إلی أبها عام 1242 ه الموافق 1924 م.
کلّفه بأول مهمة له إلی الیمن، حاملا رسالتین من جلالة الملک عبد العزیز آل سعود رحمه اللّه إلی الإمام یحیی حمید الدین إمام الیمن رحمه اللّه، فی صفر عام 1343 ه.
کان هذا التاریخ بدایة عمله فی مناطق الجنوب و الحدود الیمنیة، و عاصر جمیع المشکلات التی حدثت خلال هذه الفترة، و حتی توقیع المعاهدة السعودیة الیمنیة عام 1353 ه.
عیّن أمیرا لمنطقة غامد و زهران من 15/ 3/ 1353 ه الموافق یونیو 1934 م، حتی أعفی من منصبه فی 21/ 9/ 1356 ه الموافق 1937 م.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 93
عیّن أمیرا لمنطقة نجران، و وصل إلیها فی 27/ 2/ 1357 ه الموافق إبریل 1938 م، حتی نقل إلی أبها.
عیّن أمیرا لمقاطعة أبها فی 9/ 9/ 1371 ه الموافق یونیو 1952 م إلی أن توفی.
ذهب إلی بیروت للعلاج من ذبحة صدریة، و قد وافته المنیة فی مطار بیروت فی 6/ 11/ 1385 ه الموافق 1966 م.
دفن رحمه اللّه فی مکة المکرمة.
***
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 94

«تاریخ آل ماضی» تألیف ترکی بن محمد بن ماضی رحمه اللّه‌

اشارة

الحمد للّه، و الصلاة و السلام علی نبیّنا محمد و علی آله و صحبه.
قبیلة بنی تمیم
هم ذریة ابن تمیم بن مر بن أد المنتهی بإلیاس، و یلتقی بالنسب النبوی، ثم ینتهی بمضر، ثم ینتهی بعدنان، ثم ینتهی بإسماعیل بن إبراهیم الخلیل علیهما السلام.
فبنو تمیم قبیلة عدنانیة مضریة، و هی من أشهر القبائل العربیة، لما فیها من وفرة العدد، و لما فیها من کثرة المشاهیر فی العلم، و الشعر، و الإمارة، و القیادة، و الکرم، و الشجاعة، و غیر ذلک مما اجتمع فی مشاهیرها و أعیانها، مما هو معروف فی کتب التاریخ و الأدب.

بنو عمرو

فرع کبیر من بنی تمیم، و یقال لجد هذا الفرع: عمرو الندی لکرمه، وجوده، و بذله الإحسان. و عمرو الندی هو الذی قال عنه حمیدان:
أبنی ابن ماضی رفیع الثنامن ذریة عمرو الندی مفخرة
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 95
و قال عنه رمیزان بن غشام:
لنا مفخر بالأصل عمرو و منذرإلی قدموا عنه الفخار العشائر
و المنذر هو مساوی الدرامی.
و فد علی النبی صلّی اللّه علیه و سلّم مع وجوه بنی تمیم. و استعمله النبی صلّی اللّه علیه و سلّم علی البحرین، و قتل فی معرکة الیمامة، یوم الحدیقة مع خالد بن الولید، ضد مسیلمة الکذاب. و هو من الشجعان المشهورین.

آل مزروع‌

بطن کبیر من بنی عمرو بن تمیم، و نسبه هو: مزروع بن رفیع بن حمید بن مخرب بن صلاة بن عبده بن جندب بن الحارث بن عبد اللّه بن المنذر بن عمرو الندی. و مزروع جد هذه البطن هو الذی قدم من بلدة قفار من منطقة حائل، و اشتری مکان- روضة سدیر- و استوطنه، و ذلک فی حدود عام 630 ه.

أبناء مزروع‌

خلف مزروع أربعة أبناء، هم: سعید، و هلال، و سلیمان، و راجح، و صار ذریة کل ابن منهم عشیرة کبیرة، تنسب إلی أبیهم. فهم:
1- آل أبو سعید.
2- آل أبو هلال.
3- آل سلیمان.
4- آل راجح.
و یشملهم کلهم آل مزروع، و یقال: المزاریع.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 96

من مشاهیر آل مزروع‌

1- محمد بن سعد الملقّب- همیلان- و هو رئیس بطن آل حماد من المزاریع. و قد نقل جماعته من صبحان فی سدیر إلی الحوطة، و جعلها وطنّا لهم، و ذلک فی أول القرن الحادی عشر. و هو من الشجعان الشعراء، ذوی الهمة و العزیمة. و من شعره قصیدته التی مطلعها:
دع الهون للهزلی صغار المطامیع‌وشم للعلا بالمرهفات اللوامع
و صادم مهمات اللیالی فربماتنال العلا فالذل للعز قامع
2- رمیزان بن غشام من آل أبو سعید من آل مزروع، و هو أشهر أمراء الروضة. و من الشجعان البارزین، و الشعراء المشهورین.
و من أعماله المجیدة، و آثاره الحمیدة، سد الروضة العظیم.
و قد أشار إلیه بإحدی قصائده بقوله:
سکرنا لها وادی سدیر عقیبةبسیوفنا اللی مرمات حدودها
و کثیر من قصائده یوجهها إلی خاله جبرین سبار، أمیر بلدة القصب، فیقول فی بعضها:
لی دیرة یا جبر فوق مشع‌محالها باللیل شهر رقودها
یا جبر تشکی الملح و أشکی رفاقه‌أظن عنها خبر لی من جردها
موت الفتی موتین موت من الفناو موت من إخلاف الذراری حدودها
قال الفاخری فی تاریخه: و فی سنة 1078 ه قتل البطل الضرغام رمیزان بن غشام، قتله سعود بن محمد من آل أبو هلال.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 97
3- ترکی بن عبد اللّه بن مسعود من الأبطال الشجعان، و هو الذی سعی بالصلح بین أهل جلاجل و رئیسهم سوید بن جابر بن ماضی، و من معه من عشیرته، و ذلک بعد فتن طالت بینهم، و راح فیها أعیان من الطرفین. فأجمعت الکلمة، و هدأت الأحوال، و ذلک فی عام 1138 ه.
***
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 98

أسرة آل ماضی‌

تقدم لنا أن مزروع، الجد الأعلی لآل ماضی، خلف أربعة أبناء:
سعید، و هلال، و سلیمان، و راجح. فآل ماضی من ذریة راجح. وجدهم هو ماضی بن جاسر بن محمد، و هو جد آل ماضی عموما. و ماضی هذا عاش فی منتصف القرن الثانی عشر، فوفاته عام 1139 ه. و له أربعة أبناء، هم: فوزان، و ترکی، و ماضی، و محمد. و قد تداولوا إمارة الروضة بینهم، فکان الأمیر فیها:
1- محمد بن ماضی، و لم یزل بها حتی قتل عام 1158 ه، ثم تولّاه بعد أخوه.
2- ترکی، ثم سافر من الروضة إلی جلاجل، و قتل هناک. ثم تولّاه بعده أخوه.
3- فوزان، حتی جلا إلی العراق، و ترک بلده، و تولّاه بعدهم أولادهم و أحفادهم.
و من أشهر أمراء هذه الأسرة:
1- عبد العزیز بن جاسر بن عبد العزیز بن جاسر بن محمد رئیس آل ماضی عموما، و هو أمیر حازم. قوی مصلح، و کان عالما بالحساب
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 99
و الفلک، و شاعر مجید. توفی و هو أمیر الروضة. و وفاته فی نصف القرن الثالث عشر.
2- ترکی بن فوزان بن ماضی: تولّی الإمارة بعد المذکور قبله عبد العزیز بن جاسر.
و فی ذلک العهد صار فتنة و حروب عظیمة بین آل ماضی. و کان رئیس آل ماضی عبد العزیز بن جاسر، و هو الأمیر الذی قبل ترکی بن فوزان. فتزوج ترکی بن فوزان هذا نورة بنت الأمیر الذی قبله، فهدأت الأحوال، و انطفأت الفتنة. و إمارة ترکی بن فوزان کانت فی عهد الإمام فیصل بن ترکی آل سعود، و کانت وفاته عام 1292 ه.
3- محمد بن عبد العزیز حفید الأمیر الأول: تولّی الإمارة بعد وفاة ترکی بن فوزان، و کان کریما فاضلا. لکن صادفت إمارته فتن نجد، و اختلال نظامها بسبب الشقاق الواقع بین أبناء الإمام فیصل. و توفی فی نهایة القرن الثالث عشر.
4- محمد بن إبراهیم بن مشاری بن ماضی: تولّی الإمارة بعد وفاة محمد بن عبد العزیز. و کان کریما، قوی الشکیمة. قام بإمارة الروضة خیر قیام. و قد عزله محمد بن رشید عن الإمارة، فانصرف إلی العبادة، حتی توفی عام 1358 ه.
5- عبد العزیز بن جاسر بن عبد العزیز بن ماضی: ولّاه محمد بن رشید بعد أن عزل عنها محمد بن إبراهیم. و کان عبد العزیز بن جاسر کریما شجاعا، صاحب سیاسة و درایة و اطلاع علی الأخبار و الأنساب، و لم یزل فی الإمارة حتی توفی عام 1329 ه.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 100
6- جاسر بن عبد العزیز: بعد وفاة عبد العزیز بن جاسر عیّن الملک عبد العزیز رحمه اللّه جاسر بن عبد العزیز، و کان کریما مستقیما، و توفی عام 1333 ه.
7- محمد بن عبد العزیز: بعد وفاة جاسر، عیّن الملک عبد العزیز محمد بن عبد العزیز علی صغر سنّه، إلّا أنه قد توسم فیه الذکاء، قام بالإمارة خیر قیام، و صاحب الملک عبد العزیز فی غزواته.
و کان شجاعا فصیحا، صاحب أخلاق کریمة، و آراء سدیدة. ثم تقلب فی عدة إمارات. و انتهت إمارته بإمارة مقاطعة الظهران، من المنطقة الشرقیة، حتی أعفی منها بناء علی طلبه فی عام 1364 ه بسبب مرض عضال. توفی عام 1372 ه.
8- عبد العزیز بن عبد العزیز بن جاسر بن ماضی: سمی اسمه باسم أبیه، لأن والده توفی و هو حمل، و کفله أخوه محمد. و اصل دراسته المدرسیة، و الدراسة الحرة حتی أدرک إدراکا جیدا بالعلوم الشرعیة و الأدبیة. أول إمارة عین فیها إمارة ضبا بالساحل الغربی بالمملکة العربیة السعودیة. و ما زال ینقل من مقاطعة لأخری، حتی تعیّن أمیرا فی الخبر.
و تولّی رئاسة الهیئة الملکیة لشؤون العمال فی المنطقة الشرقیة. و هو صاحب خلق کریم، و سمعة طیبة، و هو فی طلیعة أعیان أسرته.
9- مشاری بن عبد العزیز بن عبد العزیز: فهو أخو الذی قبله.
ولد فی 1318 ه، و نشأ تحت رعایة شقیقه جاسر بن عبد العزیز. تعلّم، ثم اشتغل بالتجارة. و تقلّب فی عدة مناصب فی الإمارة. و انتهی به الأمر أن عیّنه الملک عبد العزیز أمیرا فی القطیف، و قام بأعمال الإمارة خیر قیام، إلی أن توفی عام 1362 ه.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 101
10- ترکی بن محمد بن ترکی بن ماضی: ولد سنة 1322 ه، و تعلّم فی الکتاتیب القراءة، و الخط، و الحساب، و أولع بمطالعة کتب الأدب و التاریخ، حتی أدرک فی ذلک.
و کان علی جانب کبیر من العقل، و الفهم، و الإدراک، و الشهامة، و المروءة، و الکرم، و حسن الخلق. لدیه سیاسة و لباقة فی مجالسة و مخاطبة الملوک و الرؤساء، و لذا فإنه قام بعدة أعمال حکومیة خیر قیام.
ثم قام بعدة وساطات فیما بین جلالة الملک عبد العزیز و بین الإدارسة- حکام جیزان سابقا- ثم بین جلالته و بین الإمام یحیی حمید الدین ملک الیمن، فکانت مساعیه و وساطاته تکلل بحسن التصرف و النجاح.
و من تلک الأعمال أنه من أعضاء وفد المملکة، فی توقیعه معاهدة الطائف فیما بین المملکة و الیمن.
و هو أمیر الحملة التی قامت بقمع ثورة جبل الریت، و انتهت الحملة التأدیبیة بالنجاح التام. و توفی و هو قائم بعمله الرسمی، أمیرا لمقاطعة عسیر. و له عدة أبناء.
و أکثر هذه النبذة التاریخیة استقیناها من تاریخ: «تاریخ آل ماضی».
و قد صدر کتاب باسم: «من مذکرات: ترکی بن محمد بن ترکی بن ماضی»، عن العلاقات السعودیة الیمنیة، و هی وثائق هامة، عاشها المؤلف، و کان عضوا عاملا فیها.
هذه المذکرات إذا سجل لأعمالها التی قام بها، و سیرة لأعماله التی خدم فیها دینه و بلاده و حکومته. کما أن فیها أخبارا وثیقة عن المقاطعة الجنوبیة السعودیة من الباحث إلی حدود الیمن. درسها و عرفها و امتزج
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 102
بأهلها، هذا مع فطنة و نباهة، و حسن فراسة فی الأمور، مکّنه ذلک من فهم تلک القبائل و الأوضاع، و إعطاء صورة واضحة عنها رحمه اللّه تعالی، فهو من الرجال المعدودین القلائل.
و قد وافته منیته فجأة فی مطار بیروت فی 6/ 11/ 1385 ه، و هو ینتظر الرکوب فی الطائرة للعودة إلی بلاده، بعد علاج عن ذبحة صدریة کانت معه رحمه اللّه تعالی.
***
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 103

خروج آل أبا الخیل من سجن ابن رشید

اشارة

روایة
الشیخ سلیمان بن عبد اللّه آل رواف
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 105
بسم اللّه الرّحمن الرّحیم
هذه قصة خروج آل أبا الخیل [أمراء مدینة بریدة] من قلم الوجیه سلیمان بن عبد اللّه الرواف رحمه اللّه تعالی. و هؤلاء الأعیان السجناء من أسرة أبا الخیل کانوا أمراء بریدة فزعیمهم الأمیر [حسن بن مهنا آل أبا الخیل] قاد أهل القصیم بمعرکة الملیدی ضد محمد بن رشید عام [1308 ه] فصارت الهزیمة علی أهل القصیم فأدخل أفراد آل أبا الخیل فی سجن حائل فی إمارة آل الرشید.
***
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 106

«من شیم العرب»، قصة واقعیة کیف خرج آل أبا الخیل من سجن ابن رشید فی عام 1318 ه تمهید

فی عام 1294، عقد حسن المهنا حلفا مع محمد بن رشید.
لأسباب معلومة لدی قارئ التاریخ، و أثناء الحلف صاهر آل الرشید حسن المهنا، فتزوج محمد بن رشید أخت حسن- لؤلؤة المهنا- و تزوج حمود العبید بنت حسن منیرة الحسن. و قد أنجبت منیرة من حمود العبید ولدان أسماهما: مهنا و سالم. و لمهنا قصة سأوردها ذیلا علی القصة.
و دارت الأیام، و انقلب ابن رشید علی حسن، و صارت العداوة، و صارت بینهما مناوشات حربیة، و کثرت و صارت وقعة الملیدا، التی انهزم فیها أهل القصیم، و انتصر ابن رشید، و انهزم حسن. و بدلا من أن ینجو بنفسه، أو یحتمی فی بلده، أشار علیه بعض ضعاف الآراء أن یلجأ إلی عنیزة أملا أن یتوسط له الشیخ عبد اللّه بن عبد الرحمن بن بسام رحمه اللّه، لأنه کان له مقام لدی محمد بن رشید، یقضی علی المرء فی أیام. محنته، فیری حسنا ما لیس بالحسن. و قبض علیه محمد بن رشید
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 107
و سجنه هو و أولاده و أقاربه. و المسجونون هم: حسن المهنا، و ولداه صالح و سلیمان، و محمد العبد اللّه المهنا، و محمد العلی الصالح أبا الخیل، و عبد العزیز العلی المحمد آل أبا الخیل- ستة رجال.
جرت الملیدا و سجن بن رشید آل أبا الخیل، و الذی یلفت النظر: أن ابن رشید سجن آل بالخیل بینما بناتهم لا یزلن زوجات لهم، و لم تغضب النساء. و لا عف بن رشید، و ابن عمه عن زوجاتهم. إلّا أن محمد بن رشید بعد الملیدا، طلق زوجته أخت حسن، ربما خوفا منها. و لکنه أشار علی ماجد بأن یتزوجها، فتزوجها. ظلتا تحت حمود العبید، و ماجد الحمود طوال بقاء آل بالخیل بالسجن، و کأن شیئا لم یکن بالظاهر من کلا الطرفین طیلة عشر سنین. و ربما أن البنتین یقول لسان حالهما:
و قبّل ید الجانی التی لست قادرا علی قطعها، و ارقب سقوط جداره.
نعم هذا هو واقع الحال، لقد ظلتا یقبلان أیدیهما، و یرغبان ذویهما فی السجن طول عشر سنین. و سقط الجدار، و سنحت الفرصة لإنقاذ ذویهما، و عملا ما فی وسعهن لإنقاذهم ففعلتا، و قطعتا الأیدی اللاتی کنا یقبلانهما اقرأ القصة.
حمود العبد الوهاب هذا من أهالی بریدة، و کان رجلا ذا رأی شجاع. و قضی عمره عند المهنا خویا، و کان له منزلة عند حسن. فهو أمیر المزکیة، عامل الزکاة، و من کبار الخویا. و لما تولی ابن رشید القصیم بعد الملیدا، ضاقت علی حمود الأرض بما رحبت، فلا مال و لا عمل و ذل بین أعداء. و لم یجد عملا، إلّا أنه فلح فلاحة، فزادته فقرا علی فقره و ذلّا علی ذلّه.
تحدث قائلا: کنت فی طریقی یوما من فلاحتی بالصویر، فصادفنی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 108
فی طریقی رجل یدعی الأجبع صاحب نکت علی ما به من سقم العقل فلما رآنی تمثل بهذا البیت:
أمنول یا ذیب تفرس بیادیک‌و الیوم جاذیب من الفرس عداک
یقول حمود: ما إن سمعت هذا البیت حتی انهمرت دموعی، و أقفیت أتعثّر، لأننی أعرف ما یقصد من وراء ذلک. و قبل أن أصل البیت، لاقانی أهل ثلاث رکائب، متجهین نحو الخروج من الدیرة، أعرفهم. قلت إلی أین، قالوا: منحدرین للکویت، قلت لهم: ما تبغون لکم خوی. قالوا: بلا من هو. قلت: أنا. قالوا: وین ذلولک، فأشرت إلی نعلی. قالوا: یعنی رجلی. قلت: نعم. قال: اذهب إلی بیتک، أخبر أهلک، و وصّهم علی الفلاجة. قلت لهم: لیس لی أهل و لا فلاحة. قال:
فانحدرت معهم للکویت. و لکن مع الأسف لم أجد عملا، فرجعت بعد بضعة أشهر لبریدة، علی أسوء من حالتی الأولی، حیث زادت الأمور لی شماتة الناس.
و لکن اللّه رحیم، ففی ذات یوم طق علی الباب ففتحته، و إذا بخوی من خویا ابن رشید. فظننته سیأخذنی للسجن، فحسّ بالأمر و بادرنی قائلا: الأمیر محمد بن رشید أرسل لأمیره فی بریدة یقول: اعرض علی حمود العبد الوهاب الخدمة، إذا هو یرغب الخدمة فأجبته: نعم، و رافقته للأمیر- أظنه الحازمی أو التویعی- فأعطانی السلاح، و قال: متی ما عزمت مر خذ الذلول، فأخذت الذلول و سافرت لحائل و جعلنی ابن رشید عاملا علی الزکاة، مثلما کنت عند حسن. و بقیت فی حائل أتردّد علی آل بالخیل فی سجنهم. و کان لا یرد عنهم أحد فی السجن داخل القصر
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 109
و محددین. و طول عشر سنین لم یحصل منهم ما یریب. التکملة فی القصة.
حسن بن سالم الزایدی، من أهالی بریدة، و طوال عمره من خویا حسن. و هو معروف بالمروءة و الشجاعة و الوطنیة. لکنه بعد وقعته الملیدا سکن حائل، و فتح دکانا للبیع و الشراء. و کانت تجارته بحاجة لسفر شداد و خرج و بندق.
قارئ الکریم: أوردت هذا التمهید للتعریف بأبطال القصة. أما القصة، فهی کما یلی:
یقول حمود العبد الوهاب فی بقائی بحائل، أزور آل بالخیل فی السجن، فدارت بینی و بینهم ذات یوم أحادیث عن القصیم، و عن ماضیهم. صار لها أثر بنفسی و فی نفوسهم، فأخذت أفکّر هل من سبیل لإنقاذهم، و کیف و هم فی هذا السجن مقیّدین فی الحدید؟ و أبوهم حسن معزولا عنهم، مشددا علیه إلی درجة أنه موضوع فی رقبته حدید یربط فی السقف، و فی الرّجلین حدید. و قلت فی نفسی: لا بد من بحث القضیة، فالذی أنقذنی من کربتی قادر علی أن ینقذهم. وعدت إلیهم، و أبدیت لهم رأیی. فقالوا: السجن و الحدید و قوة ابن رشید هذه لا تهمّنا، سنخلص منها. المهم من هو الرجل الذی یستطیع أن یعدّ لنا العدّة، التی نهرب علیها. یعنون الجیش و السلاح قلت: إذا وجد هذا، کیف؟ قال لی أحدهم: أنت حاول أن تجد لنا وسیلة نهرب علیها، بشرط أن یکون معنا سلاح، و سنهرب إن سلمنا أو متنا. نحن فی طریقنا إلی الموت فی هذا السجن.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 110
فخرجت منهم و أنا أفکّر من یقوم بهذه المهمة، إنها صعبة إذا وجد الفدائی، من أین المال الذی نؤمن به الجیش و السلاح؟! و ذهبت إلی السوق، و صادفنی حسن الزایدی، فقلت فی نفسی: أما آخذ رأیه فی هذه القضیة، لا یوجد أحد من جماعتی غیره. و واعدته فی بیتی، و جاء إلیّ، فعرضت علیه الموضوع، فقال لی بدون تردّد: ترید أحدا یقوم بهذا الأمر؟
قلت له: نعم. فبادرنی قائلا: أنا أقوم به، و لکن أنا مثل ما تشوف حالی، ما عندی شی‌ء یجهزهم بالجیش و السلاح. قلت له: إذا حصلنا لک فلوس، تقوم بالمهمة؟ قال: نعم، حتی لو أدی ذلک إلی قتلی إذا نجا أمراؤنا.
فعدت إلیهم بالسجن، و قلت لهم ما قاله الزایدی. قالوا:
«الفلوس جاهزة. و کما قدمت سابقا عن بناتهم: أن واحدة منهن مع حمود العبید، و الثانیة مع ماجد. کن یرسلنّ لهم یومیا عشاکل واحدة یوما، و کانت الواسطة خادمة لمنیرة الحسن من أهل بریدة. و کن یأمنّها، و یرسلن معها الأخبار، و ما یحدث، و کل ما یحتاجونه. فأوصوا الخادمة، و قالوا لها رأیهم، فنقلته لعماتها، ففرحتا و قالتا کل ما یحتاجونه، سنعطیهم إیاه، و فعلا أخذتا ترسلان لهم الفلوس، لیرات عثمانیة، لأنها هی العملة فی ذلک الزمن. یرسلا لهم یومیا ذهبا بأسفل وعاء العشاء، دفعات صغیرة، لئلا یعثر علیها إذا کانت کبیرة، فیشک فیها. و أخذ الزایدی یتردد علیهم، و یأخذ ما عندهم. و أخذ یعد العدة:
أشدد و خروج، و سلاح، و غیر ذلک مما یحتاج لسفرهم و بحکم کونه صاحب دکان، یشتری الشداد مثلا و یضعه أمام الدکان للبیع، و إذا وجد فرصة نقله للبیت، فیأتیه الزبون الذی سامه بالأمس، فیقول: بعناه. و کان
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 111
فی أثناء مشتراه للأغراض و سیره فی الطرقات، یردد هذا البیت:
أما یجیک الغوش یرتع أبنوماس‌و إلّا أفعلیه الطیر یا مسندی حام
و قد أکمل الزایدی عدة السفر کاملة، حتی السلاح الذی أعدّه کاملا من المارتین الجید، و الفشق الکثیر، استعدادا للقتال إذا ما دعت الحال إلی ذلک. و جاء الزایدی یخبرهم أن کل شی‌ء قد انتهی من قبله، عدا الجیش- الرکائب- فإذا ألهیتم الاستعداد للخروج، فأخبرونی اشتری الجیش.
و جاء دور المساجین، کیف یخرجون من السجن؟ السجن المحصّن داخل القصر، و علیهم حارس یقفل علیهم الباب لیلا، و هم مقیّدون بالحدید بأرجلهم، و من وراء ذلک عبد العزیز بن رشید، و قوّته و جبروته و بطشه، و کون کل نجد تحت سیطرته، و إلی من یلجؤون؟
فأعملوا فکرهم، و قرروا قرارهم. و من الأسباب التی جعلتهم یقدمون علی الخروج من السجن: أن الرکن الشرقی من حجرة السجن خارج القصر، أنها تنفذ علی درهة خارج القصر، محاطة بسور العقدة.
بسور البلد العالی، لذا قرروا فتح فرجة مع هذا الرکن الذی ینفذ علی هذا البرج. فخطوا فیها رسما بقدر ما یخرج منه أکبرهم، و بدأوا بالخطة.
الخادمة التی تنقل لهم العشاء یومیا أحضرت لهم مبشرة نجار صغیرة، فأخذوا یرشون هذه الفتحة یومیا، و یحکون منها شیئا. و ما یسقط تأخذه الخادمة فی ماعون العشاء، لتقذفه فی مکان مّا. و ظلوا یشتغلون یومیا فی حک هذه الفرجة، حتی لم یبق منها شی‌ء إلّا بقدر ما یندفع بالید، فتفتح الفرجة. و کان من الأسباب التی ساعدت علی خفاء هذه العملیة:
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 112
أن الأوائل یجعلون فی مجالسهم مساند للظهر مرتفعة عن الأرض بمقدار المتر، و یدار المجلس کله فیها. و کان مجلسهم، أو سجنهم مملوءا بهذه المساند الدواویش من بناتهم. و ساعد ذلک علی ستر الفرجة بدون أن یلفت ذلک نظر أحد.
بقی شی‌ء أهم من هذا، ألا و هو الحدید الذی بأرجلهم. کیف یتخلصون منه عند الحاجة؟ قرّروا أن یشذبوا الحلق المدرعة فیها أرجلهم، فطلبوا من الخادمة إحضار مبارد حدید. و أخذ کل واحد منهم یشحذ به فی حدیده من حلق الأرجل، فشذبوها حی أضعفوه إلی درجة فکّها عند الحاجة بدون کلفة. و کانوا یلفّون علی حلق الحدید خرقا بحجة أنه یؤذی أرجلهم بالبرد، و القصد هو إخفاء مواضع القطع.
و انتهت الإجراءات کاملة، و لم یبق إلّا أن یشعروا الزایدی لیحضر الجیش، و یقرر الموعد. لکن بناتهم لاحظن علیهم: أنه یحسن أن لا تخرجوا و ابن رشید فی البلد، لأنکم إذا خرجتم و علم بذلک، إنه سیشدد فی طلبکم، و أخشی أن قبض علیکم سوف یقتلکم. قالتا: إنه إذا قرر الغزو، فنحن أول من یعلم بذلک، و سنخبرکم.
و جاء اللّه بالفرج، و قرر ابن رشید المغزا. و کعادته قرر المغزار بسریة، و خرج بسرعة. و لما خرج ابن رشید للمغزا، لم یبق بحائل أحد إلّا القلیل. و تمت الإجراءات فی آخر یوم من ذی الحجة سنة 1317 ه، إذ جاء دور الزایدی، الجیش جاهزة، و کل شی‌ء علی ما یرام. و جاءهم فی السجن کأنه یودّعهم قائلا، أنا سوف أنحدر للعراق أجیب عیش و تمر، معی ست رحل، هل تریدون شیئا؟ قالوا کلهم: لا. لکن الحباس ترجاه
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 113
أن یأخذ ناقته معه لیجیب له حمل فردة تمّن و فردة تمر. و حاول أن یعتذر، و لکن ألحّ علیه، فتوسط له ربعه المحابیس و ألزموه بأخذ ناقة الحباس، و دفعوا للزایدی لیرة. قالوا: هذه قیمة حمل ناقة مبروک إن کنت خایف ما یعطیک، و أخذ ناقة الحباس لإکمال العدد- أخذ إلزاما- و لئلّا یشک الخادم بشی‌ء. و ضرب لهم موعد: الساعة الخامسة لیلا تجدوننی تحت السمیرا منوخ الرکاب. و العلامة السریة: یصفر أحدکم قبل أن یصلنی.
و جاءت الساعة الخامسة من لیلة الأحد واحد محرم سنة 1318 ه.
و فی الساعة الخامسة من هذه اللیلة، التی هی من لیالی الشتاء المظلمة البادرة، خرج الزایدی برکائبه السبع التی إحداهن ذلول السجان، و أناخها فی دار السمیرا، التی تقع جنوب سماح. و عقلها بعقل طیار، منتظرا المساجین.
فلما حان الموعد، فکّوا قیودهم بأیدیهم، و دفعوا الفرجة التی لم تکلّفهم شیئا، و خرج واحد منهم و کشف الطریق و أشار إلیهم أن اخرجوا، فخرجوا تباعا. و لما خرج الثالث، نشب و کان ثخینا، و صارت مشکلة:
لا یمکن نزعه، و لیس لدیهم ما یوسعون به الفرجة. فقال لهم: اسحبونی حتی و لو أدی ذلک إلی موتی. وفلا قبضه اثنان من الإمام و الثالث داخل الغرفة. نهض رجلیه، و فرج اللّه، و أخرجوه و فیه جراح. و لما تکاملوا فی ردهة السور، کان بهذه الردهة مسجد و المساجد عادة فیها حسو- أی بئر- و البئر یکون علیه، رشاء- حبل لسحب الماء- من الحسو، و کان لدیهم علم به من جاسوسهم السرّی الخادمة، و کانت قد سبرته و تأکدت
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 114
أن فیه رشاء قوی. و کما قلت، لما تکاملوا ذهب أحدهم و أخذ رشا الحسو ولافه- أی قذفه- حتی أمسک بشرفة العقدة- السور- فصعد به أحدهم و أخذ الرشا، و قسمه قسمین: قسم دلاه علی الجماعة و قسم جعله علی خارج السور، فصعدوا واحدا واحدا، من صعد من هنا نزل من الجانب الثانی، حتی تکاملوا خارج السور. فاندفعوا إلی الزایدی تحت السمیرا، و کانت قریبة من موضع نزولهم. و لما رأوا جهام الجیش، صفروا علامة أنهم قد جاؤوا. و لما وصلوا الزایدی، وجدوا کل شی‌ء جاهز.
و لما وصلوا جیشهم- الجیش النیاق، نسمیها الجیش کنایة عن الجیش من الرجال- ما کان لدیهم قرار سابقا إلی أین یتوجهون، لأنهم ما کانوا یظنون أنهم سیخرجون بهذه السهولة، فاختلفوا أین یتوجهون؟ و کان الرأی الأول المقدم لدیهم هو رأی الزایدی، فأشار علیهم أن یتوجهوا لجبل آجا، و یکمنوا فیه ثلاثة أیام، حتی ینقطع الطلب عنهم متیمنا بسنّة رسول اللّه عند ما خرج من مکة مهاجرا. لکن محمد العلی و صالح الحسن قالوا: لن تکمن، بل نتوکل علی اللّه و نسری متوجهین شرقا، لأن الطلب إذا فزعوا، سیتوجهون حتما جنوبا، لأنهم یظنوننا بل سیجزمون أننا سنتوجه لبریدة. و إن لحقونا، فلن یدرکوا منا شیئا ما دامت، أرواحنا بأجسامنا. و اتفقوا علی هذا الرأی، و حصلت مشکلة أخری من یدل الطریق، ظنّا منهم أن الزایدی یدل؟ لکن قال: إنه لا یدل. فقال سلیمان الحسن: أنا أدل. فتوکلوا علی اللّه، و رکبوا رکائبهم، متوجهین نحو الشرق، یمة العراق.
و فعلا لما أصبح الصبح، و فتح الحباس الحبس، لم یجد به أحدا.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 115
فأخبر الأمیر علی حائل، ففزعت الفزعة بطلبهم، و توجهوا جهة القصیم، و لم یدر فی بالهم أنهم توجهوا جهة أخری. فلما وصلوا بریدة، لم یجدوا خبرا و لا أثرا، فرجعوا بخفی حنین. فسلموا من الطلب.
و أخذوا یسیرون بدون توقّف و من لاقاهم یظنهم أنهم عقیلات، لأن زیّهم لا یختلف عن العقیلات. و إذ وردوا ماء یسألون عن إبلهم، و أنهم قد واعدوهم أنهم سیردون هذا الماء. و لم یفطن لهم أحد أبدا، لأن الناس لا یعرفون أشخاصهم. و ربما أن البادیة قد نسوا آل بالخیل نسیانا، عشر سنین بالسجن. و طیلة الطریق لم یقترب منهم أحدا، إلّا أنهم ضافوا ابن سویط أمیر الظفیر علی حدود العراق.
حدثنی سلیمان الحسن أحد المساجین یقول: لما قلطنا علی العشاء عند ابن سویط، فکان ینظر إلی صالح الحسن نظرات مریبة. قال: فخفت منه، و لا قدرت أقول شیئا. و لما تعشینا و جلسنا علی القهوة، قال ابن سویط من عادتنا: ما ننشد ضیوفنا من أین هم؟ لأین یریدون؟ و لکنی أبی أسألکم و أعطونی الحقیقة، و علیکم عهد اللّه و میثاقه ما یمسکم مناشر. هل أنتم آل بالخیل المحبوسین عند ابن رشید. قال: قلنا له: نعم. قال: لفت نظری و خلانی أسألکم هذا الولد- یعنی صالح- موصوف لی، و أنا ما شفته فعرفته بالوصف. ثم قال: لا تخافون ما دام أنکم ضیوف عندی.
قال فقلنا له: ما، تقصر و نعم بک. لکن خصمنا أقوی منک، و لا نحب نبلاک بشرنا، و أنت بعافیة. قال رأیکم والی وین تبون قالوا نبی نزین أبو جابر بالکویت قال: أو نعم، و الصحیح ما یحمیکم من ابن رشید إلّا ابن صباح.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 116
قال: و رکبنا من عنده متوجهین للکویت، و وصلنا الکویت، فرحب؟؟؟ ابو جابر و أضافنا، و أکرمنا.
قارئی الکریم هذه قصة واقعیة رویناها لک فجة، کما رواها لی رواة ثقت ممن کانوا فی السجن إن فی هذه القصة شیم عربیة، و شهامة، و شجاعة، و بطولات، و وفاء، بل و مغامرات:
فحمود العبد الوهاب منشأ الفکرة، لما انتهت القضیة، و علم أن آل بالخیل خرجوا من السجن، و کان خارج حایل مع المزکیة، هرب للکویت، مضحیا بمصلحته و وظیفته التی کانت فی نظره أعزّ شی‌ء لدیه و لجاء إلی الکویت، و أصبح مواطنا کویتیا، و لا یزال أحفاده فی الکویت.
و المرأتان: لؤلؤة المهنا، منیرة الحسن، اللاتی بقیا مع أزواجهن، علی رغم ما یعانیاهن من ألم فی نفوسهن، مما أصاب أهلهن من سجن و تعذیب أمام سمعهن و بصرهن. فلم ینزعجن لذلک، و لم یتوسلن بأحد، و فضلتا البقاء مع أزواجهن لکی یبقین بالقرب من ذویهن، محاولات نفعهم و الاتصال بهم، لمعرفة ما یجری عن کثب، لأنهن رأین أن ذلک أفضل من مفارقة أزواجهن و الغضب علیهم.
و ما کنّ فی یوم ما یطمعن فی إنقاذ ذویهنّ، لأن هذا شی‌ء شبه المحال، بل هو المحال بنفسه، لأن ظروف الزمن لا تسمح بذلک. رجال فی سجن، مقیّدین فی الحدید. و کل ما هو محیط بهم، بل و کل نجد تحت ولایة ابن رشید. و إذا خرجوا، إلی أین یذهبون؟ هذا هو واقع الحال تصوریا و فعلیا. ولکن إرادة اللّه غالبة غیر مغلوبة. فلما أن سنحت
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 117
الفرصة لإنقاذهم فی ظرف خلق اللّه فیه خصما للرشید، و برز کندلهم بسبب مساعی ابن إبراهیم فی مساعیه ضد مبارک الصباح، لأخذ الثأر لا بنی أخته محمد و جراح الصباح. و أیقض اللّه لذلک حمود العبد الوهاب، و حسن الزایدی. هنا سنحت الفرصة لإنقاذهم. و هنا بذلتا کل ما فی وسعهما لإنقاذ ذویهن. لیس فی المال الذی هو الوسیلة الوحیدة لإنقاذهم، بل بالرأی، و مواصلة العمل فی کل شی‌ء حتی التجسّس و التحرّی، حتی نفذتا القضیة. و الشی‌ء الذی یلفت النظرة جرأتهنّ، و أقدامهنّ علی ذلک بدون خوف، أو وجل، أو حساب، لما سیحدث من فرعون إذا علم بخروج ألدّ أعدائه و خاصة بالظرف الذی کان فیه، قد عقد العزم علی محاربة ابن صباح. خزانة التواریخ النجدیة ؛ ج‌4 ؛ ص117
بطولة تستوجب الإعجاب بفتیات فی عهد کعهدهنّ. و الصحیح إنهنّ لا یستغرب علیهن ذلک، فهن نسیج من نسیج زباء القصیم العرفجیة، التی یقول فیها عبید بن رشید.
الیعاد ما ناصل و نضرب بالحدادأهبیت یا سیف طوی الهمّ راعیه
الیاعاد ما تروی حدوده بالأضدادأفورده للعرفجیة أترویه
و المواطن الشهم حسن بن سالم الزایدی، الذی قام بتنفیذ الخطة و لسان حاله یقول: أنا فدائی، إذا سلم بنی قومی، فلا أبالی بالموت.
و هذا معنی تردیده أثناء قیامه بالمهمة هذا البیت:
بالناموس ما یجیبک الغوشی یرتع أبنوماس‌و إلّا أفعلیه الطیر یا مسندی حام
نعم رتع القوم أی الفخر، فلقد لاقوا خصمهم بعرف الصریف بعد
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 118
مضیّ عشرة أشهر علی صهوات الخیل، بدلا من سجن مکبّلین فی الحدید.
و الجندی المجهول: الخادمة السفیر السری الأمین، التی هی حلقة الوصل فی جمیع أدوار هذه القصة. قارئی الکریم، کنت أوعدتک أن أروی لک قصة مهنا الحمود، ابن منیرة الحسن، مع أخواله فی وقعة الصریف، فاقرأ:
منیرة الحسن قد تزوجت حمود العبید- کما قدمت- و أنجبت منه ولدان: مهنا، و سالم الحمود العبید. و کانت قد تزوجت قبله ابن عمها عبد اللّه العلی المحمد أبا الخیل، و أنجبت منه ولدا اسمه محمد.
و جرت وقعة الصریف فی عام 1318 ه بین مبارک بن صباح، و بین عبد العزیز بن رشید، کما هو معروف. و کان الرشید فی حالة تأهّب للقاء بن صباح. و قبل الکون بیوم مجتمعین عند بن رشید. و هؤلاء الفرسان و الشباب، کل یتوعد و یهدد أنه سیقتل فلان و علّان. و کان حدیث القوم الخیل، و الخیالة. و جاء الحدیث عن خصومهم آل بالخیل، و کان من بین الحاضرین شیخ من شیوخ شمر، ولد عقاب بن عجل، فقال فی هذا المجتمع [...] ، ربما أن قصده تحریضهم علی القتال، أو هذا هو رأیه. و قال لمهنا الحمود: أنت یا مهنا، أحسن أنک ما تغیر مع الخیالة هذه المرة، لأن ما قدامک إلا أخوالک، و أنت ما أنت قاتلهم و هم ما هم قاتلینک. فغضب مهنا و انتحی و قال: اصبر علیّ لما نتلاقا، و تشوف ویش أسوی. و ربما أن ابن عجل قصد تحریضه، أو معرفة ما عند هذا الشاب،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 119
الذی لم یلاق الفرسان قبل هذه المرة. و صارت الغارة من الغد.
و معلوم أن وقعة الصریف لم یکن فیه مجال لقتال إلّا علی ظهور الخیل، و أن خیل بن صباح لا تزید عن ستین خیالا، بینما خیل ابن رشید زید عن ستمائة خیّال. و بعض الرواة یبالغ و یقول: إنها 1200 خیّال، و جالت الخیل، و تخالط الفرسان. و برز مهنا الحمود، و هو ینشد:
یا شاد العمر أمصریه راسی فوق امتونی عاریه‌خیل الخیل سنعوسی یا من عیّن خالی یاهل الخیل
و سمعه خاله، فتصامم عنه، لأنه أولا ما هو کفوء له، و یری أن ذلک فی عرف الفریس عار أن یبارز من هو أقل منه بالشجاعة. و ثانیا: ترکه لا رحمة به، بل رحمة بأخته، لعلمه لما سیحصل لها إن علمت بقتله، و أن قاتله خاله. و لکن الفارس الرشیدی أعد النشدة، فسمعه خیّالة آل بالخیل، فأجابه واحد من شبابهم بقوله:
یا ناشد عن خاله حضرناحضرنا و الشر غایب عنا
أو یا جلاب عمره شریناخیال الخیل و انا بن مهنا
فتعاقبت الخیل، و طاح مهنا بینها. و کان أخوه سالم قریبا منه، فقتل سالم مع مهنا، و قتل غیرهم کما قتل من خیّالة آل بالخیل تسعة فی هذه المعرکة.
و إنه لمن عجائب القدر أن هذه المرأة منیرة الحسن، أنه لم یمض عشرة أشهر بعد خروج أهلها من السجن، الذی اعتبرته نصرا لها و لهم، حتی قتل أولادها ثلاثة فی وقعة الصریف. سالم و مهنا قتلا حسبما ذکرت و ولدها محمد العبد اللّه أبا الخیل قتل فی هذه الوقعة، ضمن من قتل من
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 120
آل بالخیل. و لما أخبروها بقتل مهنا، و بما قاله من دورة خاله، لم تبکه، و قالت: هو المتعدی و یستحق ما جاءه ... قارئ الکریم، هذه صورة من حیاة أسلافک، صورة تمثّل الصبر، و الإیمان، و الشجاعة، و الکفاح، و التعاون فی الملمات بین الرجال و النساء، إذا دعا داع لذلک به.
کتبه
سلیمان بن عبد اللّه الرواف بریدة ص. ب 603 ت 1631/ 323
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 121

نبذة عن آل الرشید تألیف الشیخ علی بن فهید آل سکران‌

خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 123
بسم اللّه الرّحمن الرّحیم هذه نبذة عن آل رشید، حکّام حائل سابقا، و بعض أخبارهم، کتبها الأستاذ:
علی بن فهید السکران من سکان بلدان السر، و قد توفی (1388 ه) تقریبا.
و نحن ننشرها ضمن هذه التواریخ النجدیة، لسد حلقات تاریخ هذه البلاد.
سدد اللّه الخطی علی سبل الخیر.
کتبه عبد اللّه بن عبد الرّحمن آل بسّام 10/ 10/ 1418 ه
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 124
بسم اللّه الرّحمن الرّحیم کان عدد الرشید فی حایل خمسة فقط، و کان هؤلاء الخمسة أبناء عمّ، و من کبار أهل حائل. و کان أشجعهم عبد اللّه العلی الرشید. کانوا فی هذا الوقت مواطنین عادیین، من ضمن شعب الجزیرة العربیة، تحت ظل حکم ترکی بن عبد اللّه آل سعود. فسطا علی غنم أهل حایل قبیلة من حرب، تسمی بالأهوب، کبیرهم ابن سعدای. فطلب عبد اللّه العلی الرشید من أبناء عمه اللحاق بالقوم، ورد غنمهم. فقال أبناء عمه: ما فیه لزوم نخاطر بشباب أهل حایل علی شان غنم. و لکن عبد اللّه لم یطاوعهم، فاستفزع برجال من أهل حایل، و تعقبوا القوم حتی أدرکوهم، و باغتوهم فی ظلام اللیل، و انتصروا علیهم بعد قتال شدید، و عادوا إلی حایل بالغنم کاملة غیر منقوصة.
بعد هذه القصة حقد أبناء عمه علیه، لکونه تفوّق علیهم بالشجاعة و الإقدام، فطردوه من حایل. و التجأ إلی جبل بالقرب من حایل مع بعض رفاقه. و کانت زوجته و عبدتها تتسلسل فی ظلام اللیل إلی الجبل، تحمل لزوجها بعض الطعام. و کانت زوجته تسمع من أبناء عمه الشتائم و السّب الموجهة إلی زوجها، و کانت تخفیه عن زوجها. و عند ما تقدم الطعام إلی زوجها و رفاقه فی مکانهم- و هو عبارة عن مغارة فی الجبل- یبدأ یتناول
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 125
الطعام، و یسأل زوجته عن أبناء عمه و أخبارهم و أخبار حایل، و ترد علیه بأن کل شی‌ء علی ما یرام، و تذرف عینها بالدمع. استقام فی الجبل مدة عشرة أیام.
و أخیرا قرّر مع رفاقه الذهاب إلی العراق. و وصلوا بالفعل إلی العراق. و مارس مع رفاقه مهنة الرّقّاق أو الحرامیة، و کان من أکبر الرّقّاقة فی العراق. و کان یمارس عمل التجارة. و هذا الرجل- المدعو سوید- جاء من جلاجل، و کان من کبار المحترفین. فأخبروا عبد اللّه الرشید بوجود سوید فی العراق، و أنه رجل قوی و شدید المراس، و من کبار المحترفین. و عرضوا علیه أن یشارکه، فوافق عبد اللّه، و اتصل بسوید.
و اتفقوا علی أن یکونوا یدا واحدة. و استمروا فی عملهم مدة من الزّمن علی مستوی کبیر. فسمع بهم الإمام ترکی بن عبد اللّه آل سعود فی الریاض، فأرسل إلیهم کتابا یطلب منهم التوجه إلی الریاض، لیکونوا من کبار رجاله. و لکنهم لم یوافقوا، و لم یردوا علیه. و استمر یراسلهم.
و فی ذات یوم فکّروا و توجهوا فورا إلی الریاض، و انضموا إلی خدمة الإمام ترکی بن عبد اللّه آل سعود. و وافق زمیله سوید، و اتجها إلی الریاض، و سلموا علی الإمام ترکی. فصار سوید عند ترکی، و عبد اللّه عند ولده فیصل. و قد قاموا بعملهم خیر قیام.
فی هذا الوقت کان مشاری- ولد أخت ترکی- مقیم فی مصر.
و قد أرسل إلیه خاله ترکی رسالة یطلب منه التوجه إلی الریاض، و الإقامة عنده معززا مکرما. وافق مشاری، و توجه إلی خاله فی الریاض. و کان برفقة مشاری عبد قویّ البنیة، کبیر الجثة، یقال: إنه عند ما یقف، و یفحج
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 126
رجلیه یدخل الماشی من بینها. و یدعی: سرور، و قیل: حمزة. رحّب ترکی بن عبد اللّه بمشاری ولد أخته، و فرح بقدومه إلی الریاض، و أسکنه قصرا من قصوره، و أکرمه غایة الإکرام.
فی هذه الأثناء حدث مشکلة فی القطیف، فأرسل ترکی ابنه فیصل مع خویه عبد اللّه الرشید لحلها. و توجهوا بالفعل، و معهم بعض الرّجال إلی المهمة التی أوکلت لهم. استغل مشاری فرصة ذهاب الأمیر فیصل و عبد اللّه إلی القطیف، و هم بقتل خاله، و الاستیلاء علی الحکم. و قد أمر مشاری عبده حمزة أن یستعد لقتل خاله بعد خروجه من المسجد، و التوجه إلی القصر. و عند وجوب الوقت، توجّه الإمام ترکی و ابن أخته إلی المسجد، و جلسوا فی انتظار الصلاة و کانوا یجلسون جنب بعض. فقدّم ترکی لابن أخته مسواک کهدیة، و أخذ یهف علیه بالمهفة المصنوعة من الخوص.
و سعر مشاری من خاله بالعطف و الحنان، و أسف أشد الأسف علی ما نوی من عمل ضد خاله، و قرر بینه و بین نفسه أن یمنع عبده عن قتل خاله. و عند خروجهم من المسجد متماسکی الأیدی، تظاهر مشاری أنه سیقضی حاجة، و سحب یده من ید خاله ترکی، و توجه إلی العبد الذی یتعقب خطاهم و المسدس فی یده. و همس مشاری فی أذن عبده، بأنه قد عدل عن ذبح خاله. ولکن العبد صاح علیه، و قال: فرد حمزة ثایر ثایر، فیک و إلّا فی خالک. قال مشاری: لا لا فی خالی. و أطلق الرصاص علی الإمام ترکی، فأرداه قتیلا، و استولی مشاری علی الحکم.
کان رجل ترکی المدعو سوید قد ترخص منه، بحجة أن له قریبة
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 127
عجوز فی ضرماء، و یرغب فی زیارتها. و عند عودته وجد أن ترکی قد قتل، و أن الحکم بید مشاری. حزن سوید علی وفاة عمه ترکی، و لکن ما بیده حیلة، و ضمه مشاری إلی رجاله.
وصل الخبر إلی الأمیر فیصل و عبد اللّه الرشید فی القطیف بخیانة مشاری لخاله، فغضب فیصل غضبا شدیدا، و استعد للقضاء علی مشاری، و جمع عددا من الرّجال، و توجه إلی الریاض. و عند وصولهم بالقرب من الریاض، أقاموا فی مکان لا یراهم فیه أحد. و عند حلول الظلام، أرسل فیصل رجّالة عبد اللّه العلی الرشید، لتحری الأخبار، و الدوران حول القصر. و عند وصوله إلی القصر، و الدوران حوله، إذا برجل یطل علیه من أحد الأبراج، و یسأله: من أنت؟ و عرف عبد اللّه أنه صوت زمیله سوید، فقال: أنا عبد اللّه یا سوید. فقال سوید: و ما هی أخبارک؟ فأخبره عبد اللّه بوصول الأمیر فیصل إلی الریاض، و أنه ینوی قتل مشاری، و الاستیلاء علی الحکم، فقال له سوید: و ما هو المطلوب منی؟ فقال أحضر لنا فی اللیلة القادمة سلالم حتی نتسلّق سور القصر، و ننزل فیه. فقال له سوید:
فی منتصف اللیل فی اللیلة القادمة، تجدون کل شی‌ء جاهز و انصرف عبد اللّه، و أخبر فیصل بما حدث، و ما تم بینه و بین سوید.
و فی اللیلة الثانیة، و حسب الموعد، قدم إلی القصر فیصل و رجاله، و وجدوا سوید قد جهّز السلالم، و تسلّق الرجال السور، و نزلوا إلی القصر. فی هذه الأثناء أحسّ مشاری و رجاله، و اشتبک الطرفان فی قتال شدید. و کان أشرس رجال مشاری، و أشدهم فی القتال عبده حمزة. أخذ عبد اللّه العلی الرشید یفکر فی طریقة لقتل هذا العبد اللّعین، فاختبأ عبد اللّه فی مکان لا یراه فیه أحد. و عند مرور العبد من عنده، أجهز علیه
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 128
بسیفه، و بتر فخذه تماما. و أخذ العبد ینقز علی رجل واحدة، و یقاتل و قد نزل مخة فخذه کنها علب موز. ثم أجهز الرجال علیه، و غرسوا خناجرهم فی جثته الکبیرة، فتهاوی علی الأرض جثة هامدة.
و بعد قتل العبد، سهل علی رجال فیصل القضاء علی من فی القصر. و قضوا علیهم جمیعا بما فیهم مشاری، و استولی فیصل بن ترکی بن عبد اللّه آل سعود علی الحکم. و کان عبد اللّه و سوید من رجال فیصل، و أراد فیصل أن یکافئهم علی خدمتهم الطیبة له و لوالده من قبله، فقال فیصل لسوید: اطلب منی ما ترید. فطلب منه أن یکون أمیرا علی جلاجل فقال فیصل: رح لک إمارة جلاجل. و قال لعبد اللّه الرشید: اطلب منی ما ترید یا عبد اللّه، فطلب منه إمارة حایل. فقال فیصل: لک إمارة حایل:
توجه سوید إلی جلاجل و تأمر فیها، و لا یزال آل سوید أمراء لجلاجل إلی الآن.
أما عبد اللّه الرشید، فقد اختلف وضعه عند ما أمره فیصل علی حایل. من هذه النقطة بدأت قصة الرشید، و حکمهم، و منافستهم لآل سعود علی الحکم. کان فیه رعیة أباعر لفیصل بن ترکی آل سعود.
و کان راعی هذه الإبل عنزی، یقال له: الدّبّ. و کانت بالقرب من حایل فیه جیش لعبد اللّه الرشید، و کان راعیها یقال له: العیسی. تخالطت مع ذود الدّبّ و یظهر أن الدّبّ طمع فیها. و ذهب نعیس إلی عبد اللّه الرشید، و أخبره بما حدث فاستعاد عبد اللّه الجیش من الدّبّ بالقوة، فذهب الدّبّ إلی فیصل، و شکی علیه عبد اللّه. فقال فیصل عبد اللّه: ما یخطی أبد،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 129
و لکن عطوه هالخط فأخذ الدّبّ الخط من فیصل، و ذهب به و أعطاه عبد اللّه، و قاله: خذ خط معزبک بأسلوب غیر مهذب. غضب عبد اللّه، فضرب الدّبّ ضربا مبرحا و أنشد عبد اللّه هذه القصیدة:
یبی یرد اللی مضی من هباله‌و اللی مضی عوج سرامید و الموال
و بید یا للی لا عدمنا خیاله‌شر علی العدوان بخمن و زلزال
وحنا إلی رکب الرشا للمحالةو استصعبت ما لیب للحرب ملّال
نرسی کما ترسی رواسی جباله‌ما تنهزم من وطی حافی و نعال
و سمی یجلدی و التعذر جهاله‌و الناس یبدون الجداید و الأسمال
عند ما تأمر عبد اللّه علی حایل، قتل اثنین من عیال عمه، و اثنین هربوا إلی جهة لا تعرف. فبقی هو الوحید من آل رشید فی حایل مع أخیه عبید الرشید. کان لعبد اللّه الرشید ولدان: طلال الکبیر، و متعب. فی هذه الأثناء قدم إلی حایل فلاح فقیر یعتقد أنه من منطقة سدیر، و نزل فی بیت صغیر بالقرب من قصر الرشید. و کان برفقة الفلاح أخت، و کانت علی درجة من الجمال کبیرة. دخل الفلاح ذات یوم إلی مطبخ الرشید، فقام بمساعدة الطباخین، و صار یقوم بغسل القدور الکبار و الصحون. و قد أعجب به رئیس الطباخین، فأخبر عبد اللّه عن الفلاح، و أنه یرغب أن یکون من ضمن مساعدیه. فوافق عبد اللّه و استمر الفلاح فی عمله فی المطبخ. تسلل الولد الصغیر لعبد اللّه- و المدعو متعب- مع بعض رفاق السوء إلی أخت الفلاح، حیث تسلقوا سور البیت، و نزلوا. و أحست البنت بنزولهم، فخرجت من البیت و هی تصیح. و قد انسحبوا من البیت.
و عند عودة أخیها من عمله، لاحظ أن أخته تبکی، و سألها عن
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 130
الخبر، و ما الذی یبکیها. فلم تخبره عما حدث من متعب، رغبة منها فی ستر الفضیحة، لکونها لم تصب بأذی. و بعد مدة عادوا الکرّة، عند ما وثقوا أن أخاها منهمک فی عمله فی المطبخ. و فی ساعة متأخرة من اللیل، نزلوا إلی البیت و فعل متعب فیها الفاحشة، لأنها کانت مستغرقة فی النوم. و بعد فعلته الشنیعة، خرجوا من البیت. و عند وصول أخیها، وجدها فی حالة سیئة، و أخبرته هذه المرة بما حدث. و علی الفور اتجه إلی عبد اللّه الرشید والد متعب وشکی إلیه ما حدث من ابنه.
فغضب عبد اللّه غضبا شدیدا، و أقسم باللّه أن یقطع رأسه، و أرسل من یحضره.
علم متعب، و خرج من حایل، و توجه إلی جزیرة شمال حایل، یقال لها: جرارة شمر. و اختبأ فیها حتی توفی أبوه، و عاد إلی حایل، و قد تولی الحکم أخوه طلال. فصار یغزی علی عنزة بن هزال، و ابن مهید، و ابن مجلاد. فیه رجّال من عنزة اتهمه طلال بسرقة بعض الجیش، و أحضره طلال، فقال له العنزی: یا طویل العمر، أنا فقیر مسکین و مظلوم، ما أخذت شی‌ء، لا تظلمنی، و لا تحملنی فی موازینک. أقسم باللّه إنی لم أسوقها، و لا عندی علم منها. فقال طلال: حطوه باثم المدفع، لعن اللّه أبوها اللحیة. و وضع فی إثم المدفع، و أطلق فتطایرت أشلاه فی الهواء.
بعد قتل هذا الفقیر، صار طلال یقوم من نومه مذعورا، و یصیح:
بعدوا عنی الراعی، فکونی منه. و أخیرا انهبل. و بعد مدة توفی، و تولی الحکم عقبه متعب. و کان لطلال ولدین: بندر، و بدر. أعمارهم فی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 131
حدود 18، و قصر علیهم متعب فی المصروف. و السبب هو رجل سلوقی، یقال له: ولد القریشی، رجّال أو مستشار لمتعب. و کان هو اللی یحرض متعب علی قطع مخصصات عیال أخوه بندر و بدر. و قد حقدوا علی عمهم متعب، و قرروا قتله.
و فی ذات یوم کان متعب، و ولد القریشی، و معهم الشایب عبید، یجلسون فی ظل عقب العصر، طلع بندر و بدر و معهم سلاحهم فی المبنی المقابل لهم. و کان یوجد به مزاغیر. و عند ما طلوا مع المزاغیر أظلمت، فلاحظ ولد القریشی، و أخبر متعب بأن المزاغیر أظلمت، و هذا یعنی وجود رجال. و طلب من متعب أن یقوم من هذا المکان، خشیة أن یکون هناک مؤامرة ضده. و لکن متعب طمّنه، و قال: اللّه یأخذک، مغیر النسوان تبحّر فینا. و فی الحال أطلقوا علی عمهم النار من بندقیتین فی وقت واحد، فوقع متعب علی الأرض یتخبط فی دمه، و هرب ولد القریشی مذعورا، و طلب من عبید أن یزبنه. و کان عبید الرشید واقف، ففتح له بشته، و قال للقریشی: ادخل فی بشتی أخشک. و عند ما هم بدخوله فی بشت عبید، ضربه بالسیف ضربة قویة طیرت رأسه من علی جسمه، فصار لسانه یبلبل بکلام غیر مفهوم. فقد مسک عبید بأذن رأس القریشی، و حطه عند ذنبه، و قال: اهرج علی بومتک.
تجمعوا الرشید عند متعب و هو یحتضر، فقال لهم: اسمعونی یا الرشید کلکم، لا تقاطعون بیناتکم، و تعاونوا، و تحابوا. و أوصیکم بتقوی اللّه، و لا تظلمون أحد. اعملوا بنصایحی إذا أردتوا أن یدوم لکم الحکم، و إلّا فإن الحکم زائل عنکم لا محالة، إذا استمرت القطاعیة بینکم، فردوا علیه قائلین: رح هرج علی ربعک فی المقابر، و حنا ما علیک منّا. مات
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 132
متعب و دفنوه، و عند عودتهم من المقبرة، قال لهم عبید الرشید: تری اللی یعمل شی‌ء ما هو زین، نعمل به هاک.
تومّر بندر الکبیر من عیال طلال، و فیه أخو صغیر لمتعب یدعی محمد العبد اللّه العلی الرشید. عند ما حکم بندر، قدم شاعر شمری، و قصد قصیدة یمدح فیها بندر، و یذم متعب. أخذها محمد فی خاطره. ضاق صدره فی حایل بعد قتل أخوه متعب، و ذهب إلی الریاض. و ضاف عند الإمام عبد اللّه بن فبصل آل سعود، فقال الإمام: ویش جابک من حایل، فقال: ولد أخوی ذبح أخوی و أبا تغدوی عندک جلس عند عبد اللّه مدة معززا مکرما.
و کان أهالی الریاض یعزمون الإمام عبد اللّه، کل یوم عند ناس. و کان محمد الرشید یخاویه علی الدوام. جاء مقرود، و قال لابن سعود: ویش تبی بهذا الشمری، یسحب بطنه عندک. و صار ابن سعود [...] .
ثم توجه إلی حایل و سلم علی الحاکم بندر. و کان ابن رشید بحاجة إلی عیش من العراق، فکلف محمد بن عبد اللّه بن علی الرشید بالتوجه إلی العراق لجلب العیش، و أمره ألا یشیل الصغیر ابن صویط. و عند ما وصل العراق، و اشتری العیش، شیل الصغیر بن صویط، رغم أن بندر محذره. و توجه بالجملة إلی حایل. و بالقرب من حایل، قابله بندر بن طلال بن رشید و أخوه بدر، و شافوا الصغیر بن صویط هم أهل الحملة.
زعل بندر علی محمد، و هاوشه و دخل فی خاطر محمد. و عند تقدهم للحملة، تغیفل محمد بندر و قتله. و انهزم بدر، و لحقه علی الفرس و ذبحه، و استولی محمد بن عبد اللّه بن رشید علی الحکم.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 133
و بعد مدة تذکّر الشمری، اللی مدح بندر بعدما قتل عمه متعب، و فی نفس الوقت ذم متعب، فطلب الشمری، و قال له محمد: أنا خابر فیک ضرس یوجعک، فقال الشمری: ما فیّه ضرس یوجعنی. فقال له:
لا فیه و الشمری لم یطلبه محمد هو اللی جاء لمحمد بعد تولّیه الحکم یبارک له. و قد تذکّر محمد ما بدر منه فی مدح بندر، و ذم أخوه متعب، فأمر بقلع سنونه کلها.
حکم محمد 26 سنة. و کان طول حکمه علیه قبول لا مثیل له فی حکم الرشید. و قد توفی بسبب جنب أصابه، فحزن الناس علی وفاته، و صغرت الضلعان، و أصاب الناس خمول و حزن. استدعی الصغیر من عیال متعب، اللی ذبحه بندر و بدر مع المزاغیر، لیخلف محمد فی الحکم، لأنه ولد أخوه. و أوصاه بتقوی اللّه، و أن لا یظلم الحضری أو یأخذه، و البدوی اضغط علیه، و احفظ مراحک. هذه وصیة محمد إلی ولد أخوه عبد العزیز المتعب الرشید.
حکم عبد العزیز، و تؤمر لمدة 9 تسع سنوات. و فی ذات یوم، مر علی روضة مهنا، و لقی فیها حواشیش من أهل القصیم، قال لهم: منین أنتم؟ قالوا: حنا من أهل عنیزة. قال لرجاله: طوّقوا علیهم، لا یظهر منهم و لا واحد. و لما أیقن الحواشیش بالهلاک، قال له کبارهم: یا طویل العمر، حنا حواشیش، ما لنا ذنب. و إذا کنت مصمم علی قتلنا، اقتلنا یا الکبار، وخل هالأولاد الصغار یروحون لأمهاتهم. ولکنه لم یوافق، و أمر بصلبهم فی حبل طویل، و أمر القصاب بإشغال سیفه فیهم، و قتلهم جمیعا.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 134
و ظهر ذات یوم عبد العزیز بن رشید، و ظهر الملک عبد العزیز بن سعود لملاقاته و حربه. و عند ما قرب بعضهم من بعض، کان اللیل قد خیّم علی الجمیع، و أمر ابن رشید و کذلک ابن سعود قبل أن یری بعضهم بعض، و لکن عبد العزیز بن سعود ما صبر حتی طلوع النهار، فأمر رجاله بالتوجه إلی مکان ابن رشید. و قد دخل قوم ابن سعود مخیّم ابن رشید دون أن یدرون، فأحسّ ابن رشید بالقوم، و لکنه لا یعرف منهم. و شاف بیرق ابن سعود، و ظن أنه بیرقه، قال ابن رشید: ما هو جاک یا لفریخ؟
و الفریخ بیارقی ابن رشید، ظن ابن رشید أن الفریخ یبی یقود القوم فی هذه الساعة. انتبه رجال ابن سعود، فقال عبد اللّه بن جلوی بن رشید: یا طلابه، فتدالوا فیه بالسیوف، فقتل فی الحال.
ثم تؤمّر ابنه متعب لمدة 13 شهر فقط، زمه خاله سلطان الحمود، و أخوه مشعل و هو الأوسط، و الصغیر محمد أبو جفرة، و هم عیال عبد العزیز بن متعب. و الصغیر عمره لا یتجاوز 12 سنة. و أمهم أخت سلطان الحمود. فقد طلب سلطان من متعب و إخوانه أن یطلعوا یتمشون علی الخیل، و یتسابقوا. فطلعوا مع خالهم، و عند ما بدأ السباق میّل سلطان علی متعب، و ضربه بالسیف، و قتله فی الحال. و انهزم مشعل عند ما حس بالمؤامرة، و طرده سلطان و قتله. بقی الصغیر محمد أبو جفرة، طرده سلطان لیمسکه، فقال له محمد: لا تذبحنی یا خالی، و هو واضع یده علی رقبته خوفا من سیف خاله. لا تذبحنی یا خالی، و اللّه لأعطیک جفرتی المعطّرة.
فأهوی علیه بالسیف، و قتله. سمعت أم العیال زوجة عبد العزیز المتعب الرشید بقتل أولادها الثلاثة علی ید أخیها سلطان، و أن عزیمته لهم کانت خیانة، و لیست کرامة لهم، فانهبلت، وشقت ثیابها.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 135
حکم سلطان بن حمود الرشید. و تحیل فی أبی خشم، یبی ذبحته. لکن خواله السبهان حموه. قال: إنی أبا أغزی ابن سعود، و الدولة فی المدینة، و سلطان لا ینوی ذلک. و لکنه یتحیل علی أبی خشم سعود بن حمود، أخو سلطان. کلموا السبهان سعود، و قالوا: ما حنا بطابین حایل لین تقتل سلطان. و تحیل علیه، و أمسکه و ربطه، و شافوه ناس من شمر، و قالوا: أمحق الأمیر مربوط. و أخذه أخوه، و ذبحه و رماه فی بلاعة سنة 1324 ه. ثم حکم سعود لمدة 30 یوما، و قبض علیه، و ذبح فی المکان الی ذبح فیه أخوه، و رمی فی نفس البلاعة.
ثم حکم أبو خشم فی سنة 1326 ه ولد عبد العزیز المتعب، و استمر حکمه 12 سنة. ثم ذبحه عبد اللّه الطلال. کان أبو خشم فی أحد المغازی، و معه عبد اللّه الطلال، و درعان خوی أبی خشم، و ابن مهوس صدیق عبد اللّه الطلال، و سلیمان العنبر رفیق لأبی خشم. کانت ذلول درعان خوی أبی خشم حفیانة، تمشی علی ثلاث. و لاحظها أبو خشم، و طلب من عبد اللّه الطلال یعطی درعان ذلوله. و تمنع، لکن أبو خشم ألحّ علیه، فعطاه ذلوله بزعل، و أخذها فی خاطره، و صار یردد بینه و بین نفسه: خذ عباته، و عطاه الشملة.
خرج ذات یوم أبو خشم مع رجاله یرمون الشارة. استغل عبد اللّه الطلال الفرصة، و رکب فرسه مع صدیقه ابن مهوس، و ذهبوا إلی المکان اللی یرمی فیه أبو خشم الشارة مع رفاقه. سلم علیهم، و قال عبد اللّه:
تسمح یا عم، أرمی الشارة. فأذن له أبو خشم. مد البندق عبد اللّه الطلال تجاه الهدف، و لما اتجهت الأنظار إلی العظم اللی یرمون علیه، وجه الیندق إلی أبی خشم، و أطلق علیه النار و قتله. رکبوا خیلهم بسرعة،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 136
و انهزموا و طردهم عبد أبی خشم و خویه. و لما أدرکهم، قالوا له: ارجع، اللّه یأخذک، عم بداله عم. و أطلق النار علی عبد اللّه الطلال، و قتله فی الحال هو و رفیقه ابن مهوس.
قال الراوی: فهمت ممن صورت منه هذه الورقات أن مملیها هو علی بن فهید السکران من أهالی السر المتوفی قبل أکثر من ثلاثین سنة.
شوال 1410 ه شقراء.
***
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 137

تاریخ نجد تألیف‌

اشارة

الشیخ عبد الوهاب بن محمد بن حمیدان بن ترکی (....- فی منتصف القرن الثالث عشر الهجری تقریبا)
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 139

ترجمة المؤرخ الشیخ عبد الوهاب بن محمد بن حمیدان بن ترکی (....- فی منتصف القرن الثالث عشر الهجری تقریبا)

الشیخ عبد الوهاب بن محمد بن حمیدان بن ترکی بن حمیدان بن ترکی بن علی بن مانع بن نغامش الخالدی نسبا، العنزی مولدا و منشأ.
فآل ترکی من قبیلة بنی خالد، و بنو خالد من بنی عامر بن صعصعة بن معاویة بن بکر بن هوزان بن منصور بن عکرمة بن خصفة بن قیس بن عیلان بن مضر بن نزار بن عدنان، فهی من القبائل المضریة العدنانیة.
قدم جدّ آل ترکی (نغامش)، من قریة الهلالیة من القصیم إلی بلدة عنیزة، و استقر فیها، فکثرت ذریته حتی أصبحوا عشیرة کثیرة، و قد صار فیها علماء ذکرت تراجمهم فی هذا الکتاب، منهم: المترجم و والده وجده.
ولد المترجم فی بیت علم و صلاح، فجده لأبیه العلامة الشیخ حمیدان بن ترکی، وجده لأمه العلامة الشیخ عبد اللّه بن أحمد بن
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 140
إسماعیل، و هکذا نشأ علی الاستقامة و الصلاح وحب العلم، فأخذه عن علماء بلده، و أظنه لم یدرک القراءة علی جدیه، فالشیخ ابن إسماعیل توفی عام 1196 ه، وجده الشیخ حمیدان توفی عام 1203 ه. أما والد المترجم فوفاته عام 1222 ه.
ثم سافر المترجم إلی العراق، و أخذ عن علماء بغداد و علماء الزبیر، و قد رأیت له تحریرات کتبها فی الزبیر.
و قد ترجم له ابن حمید ضمن ترجمة جده حمیدان فقال: (العجیب الشأن الباهر فی هذا الزمان الشیخ عبد الوهاب، فإن فیه من الذکاء و الفطنة و الفهم و السداد و البحث و الحرص ما یتعجّب منه حتی فاق و انفرد فی عصره فی شبیبته، و صار مدرّس عنیزة و مفتیها و المرجع إلیه فی الفقه فیها، و ضم إلی کتب جده غیرها، و نفع اللّه به نفعا عظیما، لما أعطاه اللّه من حسن التقریر و الفهم، و لما هو علیه من العبادة و الصلاح.
وجده لأمه عالم عصره الشیخ عبد اللّه بن أحمد بن إسماعیل من أقران جده لأبیه و شریکه فی القراءة، فجاء محبوک الطرفین کریم الجدین.
و سافر إلی بغداد فتوفی فیها عام 1237 ه. اه، کلام ابن حمید.

مشایخه:

لیس لدی ثبت عن مشایخه، إلا أنه فی وقت نشأته فی عنیزة یوجد فیها تلامیذ جده الشیخ حمیدان، أما فی الزبیر فاطلعت علی إجازته من شیخه العلامة محمد بن سلوم مؤرخة فی عام 1234 ه، قال:
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 141
(فإن الولد الصالح الشیخ عبد الوهاب حفید الشیخ حمیدان قد قرأ علیّ جملة من الفقه و الحساب، و قرأ علیّ شرحی علی البرهانیة قراءة بحث و إتقان و مراجعة و إمعان، و غیر ذلک مما یسّره اللّه تعالی، و قد طلب منی أن أجیزه بما تجوز لی و عنی روایته، فقد أجزت المذکور بجمیع ما تجوز لی روایته، و عنی روایته من حدیث و تفسیر وفقه و فرائض و حساب و فلک و نحو و معان و بیان و بدیع و غیر ذلک). اه.
إلی آخر ما جاء فی الإجازة من ذکر أسانیده فی علوم الحدیث و التوحید و الفقه و الحساب و الفلک و علوم العربیة بأنواعها.
آثاره و أعماله:
1- شرح شواهد القطر: و یقع فی نحو ثمانین صحیفة من القطع المتوسط، و قد فرغ من تألیفه عام 1233 ه فی بلد الزبیر، و قد اطلعت علی هذا الشرح، فوجدته نفیسا یدل علی اطّلاع واسع.
2- تاریخ لبعض حوادث نجد: مخطوط یقع فی نحو عشرین صحیفة من القطع المتوسط، و قد سقط من أوله و آخره أوراق، و قد اطلعت علیه و فیه نبذ تاریخیة لا توجد فی غیره.
3- تقدم فی کلام ابن حمیدان المترجم أنه صار فی عنیزة هو المفتی و المدرّس و الواعظ و المرجع فی الأمور الدینیة کلها.

وفاته:

لم أعثر علی تاریخ وفاته إلّا قول صاحب (السحب الوابلة) ابن حمید: إن ذلک کان فی بغداد عام 1237 ه، و هو وهم منه، فإنه ذکر فی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 142
تاریخه خروج أهل عنیزة مع أمیرهم یحیی آل سلیم إلی الروسان من عتیبة فی السر و قتالهم معهم، و ذلک عام 1252 ه مما یدلّ علی تأخّر وفاته عما قال صاحب (السحب الوابلة).
و قد تقدّم أن لجده عقبا فی قری بریدة التی تسمی (الخبوب)، فلا أدری هل هم من ذریته أو من ذریة غیره من أبناء جده؟
و اللّه أعلم.
***
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 143
بسم اللّه الرّحمن الرّحیم‌

مقدمة هذا التاریخ و مؤلفه قبیلة بنی خالد

قبیلة بنی خالد قبیلة یرجع أصلها إلی بنی عامر بن صعصعة بن معاویة بن منصور بن عکرمة بن خصفة بن قیس عیلان بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، فهی قبیلة عدنانیة مضریة قبسیة هوازنیة. و کانت قبیلة بنی خالد قبیلة کبیرة، و لها مکانتها الهامة فی جزیرة العرب. فلها نفوذها القوی، و انتشارها الواسع.
و کانت من القبائل الرحل، إلّا أنها منذ زمن بعید ترکت البداوة، و سکنت المدن و القری، و انتشرت فی الأحساء و مدن نجد و قراه.
و من الخطأ أن یظن أنهم من ذریة خالد بن الولید، فالذین من بنی خالد هم بطن یقال لهم: بنو خالد، فی حمص بالشام، لیسوا هذه القبیلة الکبیرة. قال القلقشندی عن الحمدانی: و بنو خالد عرب حمص، یدعون النسب إلی خالد بن الولید. و قد أجمع علماء النسب علی انقراض عقبه، و أنهم من ذوی قرابته، و کفاهم ذلک فخرا، أن یکونوا من بنی مخزوم.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 144

آل ترکی‌

آل ترکی من الأسر التی تلتحق بقبیلة بنی خالد، و یقیم طائفة منهم فی قریة الهلالیة، إحدی قری القصیم، و لا یزالون فیها. إلّا أن جد آل ترکی فی عنیزة قدم من الهلالیة إلی عنیزة، و اسم هذا الجد: نغامش.
قدم من الهلالیة حوالی نهایة القرن العاشر الهجری، فصارت ذریته أسرة فی عنیزة، فیهم علماء و أعیان.
***
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 145

صاحب هذا التاریخ‌

هو الشیخ عبد الوهاب بن محمد بن الشیخ حمیدان بن ترکی.
ولد فی مدینة عنیزة، و عاش فیها فی النصف الأول من القرن الثالث عشر. و قد سافر فی شبابه إلی بغداد و الزبیر، و کان ذلک فی أوجّ محاربة الدعوة السلفیة فی نجد. فقرأ هناک علی تلامیذ محمد بن فیروز، و منهم:
الفرضی محمد بن سلوم، و إبراهیم بن جدید، و غیرهما. فأدرک بالفقه و الفرائض و حسابها، إلّا أنه تأثّر بمعاداتهم للشیخ محمد بن عبد الوهاب و دعوته، فصار منه ما أخبر عنه فی بعض فقرات هذا التاریخ و له ترجمة مفصّلة فی کتابنا «علماء نجد».
و اللّه أعلم بما آل أمره فی آخر حیاته، و بعد مماته، فهو الهادی لسواء السبیل.
***
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 146

هذا التاریخ‌

الأخبار الماضیة فی بلدان نجد غامضة جدا. و هذا ما یدعونا إلی الرغبة فی نشر کل ما وصلت إلیه أیدینا من تراثه، لعلها تجمع من ذلک مادة تنبر الباحث و المؤلف.
و تاریخ الشیخ عبد الوهاب بن ترکی فیه فوائد، لم یذکرها غیره.
ولدیه بعض التفاصیل.
و یؤخذ علیه تهجمه علی الدعوة السلفیة، و القائمین علیها. و قد ذکرنا الدواعی التی حملته علی ذلک فی تعلیقنا علیه، و اللّه الموفق.
***
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 147
بسم اللّه الرّحمن الرّحیم الحمد للّه نحمده و نستعینه، و نستهد به، و نستغفره، و نعوذ باللّه من شرور أنفسنا و من سیئات أعمالنا. من یهدی اللّه، فلا مضل له. و من یضلل، فلا هادی له. و نشهد أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شریک له، و نشهد أن محمدا عبده و رسوله، صلّی اللّه علیه و سلّم تسلیما، أما بعد ...
و فی سنة 850 ه «ثمان مائة و خمسین»: اشتری حسن بن طوق جد آل معمّر العیینة من آل یزید من ذریتهم الدغیثر الیوم، و کان مسکن
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 148
حسن ملهم فانتقل منه إلیها، و استوطنها و عمرها. و تداولها ذریته من بعده.
و فیها- أی سنة 850 ه- قدم ربیعة بن مانع من بلدهم القدیمة المسماة بالدرعیة عند القطیف. قدم منها علی ابن درع، صاحب حجر و الجزعة، المعروفین قرب الریاض. و کان من عشیرته، فأعطاه ابن درع الملیبید و عصیبة فی الدرعیة، فنزل ذلک و عمره و غرسه هو و بنوه،- هو و ذریته-، فکان بعده ابنه إبراهیم. و کان لإبراهیم أولاد منهم:
عبد الرحمن، الذی استوطن بلد ضرمی. و منهم عبد اللّه، و عیاف، و مرخان. و منهم: سیف، الذی من ذریته آل أبی یحیی فی بلد
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 149
أبا الکباش. و منهم: مرخان، و ولد یحیی مرخان مقرن و ربیعة. فأما مقرن، فمن ذریته آل مقرن. و خلف أولادا، منهم: محمد، و عبد اللّه، و عیاف، و مرخان. أما محمد، فخلف سعود، و مقرنا. أما سعود، فخلف محمد، و مشاری، و ثنیان، و فرحان، و عبد اللّه .
و فی سنة 858 ه «ثمان مائة و ثمان و خمسین»: فتحت القسطنطینیة ، و لم تکن فتحت قبل ذلک، علی ما ذکره القرمانی فی تاریخه. و أرّخ هذا الفتح بلدة طیبة، و أرّخ بعض الأدباء إهداء له.
رام هذا الفتح قوم أولون، حازه بالنصر قوم آخرون.
و فی سنة 912 ه «تسعمائة و اثنا عشر»: حج أجود بن زامل العقیلی الجبری العامری- ملک الأحساء و نواحیها- فی جمع یزید علی ثلاثین ألفا.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 150
و فیها- أی سنة 912 ه- خرج فی بلاد الروم ملحد زندیق، یقال له: شیطان قالی، و تبعه فئات من الناس لا تحصی، و قویت شوکته، فأرسل السلطان با یزید وزیره علی باشا لقتاله. فقتل علی باشا فی ذلک القتال، و انهزم شیطان قالی، و قتل طائفة من أتباعه و أعوانه، و أسکت اللّه تلک الفتنة، و ذلک سنة 915 ه.
و فی سنة 915 ه «تسعمائة و خمسة عشر»: ظهر فی بلاد العجم بثباة إسماعیل بن حیدر بن جنید الصفوی ظهورا عجیبا، و استولی علی ملوک العجم، و فتک و سفک و أظهر مذهب الرفض و الإلحاد، و غیر اعتقاد العجم، و کثرت أتباعه. قام و هو ابن ثلاث عشرة سنة، و حصل له وقعات ینتصر فیها، و استولی علی خزائن عظیمة یفرقها فی الحال. إلی أن ملک تبریز، و أذربیجان، و بغداد، و بقیة العراق، و خراسان. و کان یدعی الربوبیة، و یسجد له قومه. و لما وصلت أخباره إلی السلطان سلیم خان، انتدب إلیه، و تهیّأ لقتاله العسکر قرب تبریز، فولّی شاه إسماعیل منهزما، و قتل غالب جنوده، و ذلک فی سنة 920 ه.
و فی سنة 923 ه «تسعمائة و ثلاث و عشرون»: فی أول یوم من محرم، دخل السلطان سلیم مصر، و أخذ مصر من قنصوه الغوری الجرکسی. و ولی بمصر قضاء الحنابلة شهاب الدین أحمد بن النجار الحنبلی، و هو والد الشیخ تقی الدین محمد الفتوحی، صاحب «المنتهی».
و فی الیوم الذی دخل فیه السلطان سلیم مصر، صادف وفاة الحافظ بن حجر العسقلانی، صاحب «فتح الباری فی شرح صحیح البخاری».
و فی سنة 1011 ه «إحدی عشر بعد الألف»: خرج الشریف
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 151
أبو طالب إلی نجد، هکذا نقلته من خط منقول من خط الشیخ أحمد القصیر.
و فی سنة 1032 ه «اثنین و ثلاثون بعد الألف»: لیس فیها حوادث.
و فی سنة 1038 ه «ثمان و ثلاثون بعد الألف»: خرج زید بن محسن من مکة مجلا عنها .
و فی سنة 1041 ه «و إحدی و أربعون بعد الألف»: و فیها قتلت آل تمیم فی مسجد القارة.
و فی سنة 1047 ه «سبع و أربعون بعد الألف»: فتح السلطان مراد
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 152
بن أحمد ماولیه العجم مدة من بلاد بغداد، و ذلک سنة 1048 ه «ثمان و أربعون بعد الألف». طلعه رمیزان من أم حمار.
و فی سنة 1052 ه «اثنین و خمسین بعد الألف»: و هی یوم فزعة راع العین و قتله الأبوا هلال یوم الأضحی.
و فی سنة 1058 ه «ثمان و خمسون بعد الألف»: خرج زید الظاهر بن زید بن محسن- شریف مکة المعظمة- و ذلک خروجه الأول.
و فیها فضیة رمیزان لروضة سدیر.
و فیها قتل مهنا بن جاسر.
و فی سنة 1059 ه «تسع و خمسون بعد الألف»: توفی الشیخ الفاضل و العالم العامل محمد بن إسماعیل.
و فیها تولّی محمد بن حمد العیینة من بلاد عارض الیمامة، و هی یومئذ أم قراها.
و فی سنة 1069 ه «تسع و ستین بعد الألف»: خروج زید الثانی.
و فیها تزوج الشیخ سلیمان بن علی فی العیینة .
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 153
و فی سنة 1072 ه «اثنین و سبعون بعد الألف»: توفی الشریف زید بن محسن، والی مکة المشرّفة، و ذلک فی أول العام.
و فی سنة 1079 ه «تسع و سبعون بعد الألف»: توفی الشیخ- علامة وقته، إمام الحنابلة فی بلاد الیمامة، شیخ شیوخنا- سلیمان بن علی بن مشرف، صنف منسک فی الحج علی مذهب الإمام أحمد. و فی وقتنا هذا هو عمدة أکثر الحنابلة، و له فتاوی کثیرة جدا. و تتبعها بعض تلامذته، و ذکر أنها بلغت نحو من أربعمائة مسألة، بسط القول علیها.
تلک السنة المذکورة یسمّیها العامة: دلهام، و اللّه أعلم بالمراد.
و فی سنة 1080 ه «ثمانین بعد الألف»: أتی مکة سیل عظیم، و هدم لکعبة المعظمة.
و فی سنة 1085 ه «خمسة و ثمانین بعد الألف»: یسمّیها العامة أیضا جرمان.
و فی سنة 1088 ه «ثمان و ثمانین بعد الألف»: توفی الشیخ الفاضل، و البحر الزاخر، الشیخ محمد البهرتی الحنبلی الشهیر بالخلوتی، لیلة الجمعة بعد نصف اللیل، و ذلک تسعة عشر خلت من ذی الحجة من السنة المذکورة.
و فی سنة 1089 ه «تسع و ثمانون بعد الألف»: جلا أهل سدیر إلی الأحساء و البصرة.
و فی آخرها کثر السیل و الجراد.
و فیها قتلة عدوان فی الحصون، و بنیت منزلة الجدیدة قریة من قری سدیر.
و فی سنة 1097 ه «سبع و تسعون بعد الألف»: خرج أحمد بن
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 154
زید بن محسن - شریف مکة حرسها اللّه- إلی نجد.
و فیها هدم أحمد بن زید العقیلیة .
و فیها توفی الشیخ أحمد بن زید.
و فی سنة 1099 ه «تسع و تسعون بعد الألف»: تولی السلطان سلیمان بن إبراهیم، و هو الذی جدد فی مسجد الرسول صلّی اللّه علیه و سلّم بنی المحراب الأیمن، و المنارة التی فی مؤخرة الحرم النبوی، المعروفة الآن بالسلیمانیة.
و فیها أصاب الزرع عاهة.
و فی سنة 1100 ه «مائة بعد الألف»: صولة محمد بن غریر شیخ بنی خالد علی الفضول، و حصرهم فی سدیر خمسین لیلة.
و فی سنة 1102 ه «ألف و مائة و اثنین»: و باء البصرة الذی أخلاها، لم یسمع بمثله فی قدیم الزمان و لا حدیثه.
و فیها قتل سرحان و أخوه حسن و ثنیان.
و فی سنة 1109 ه «ألف و مائة و تسع»: ظهر سعد بن زید- الظاهر أن المراد به شریف مکة- ظهر علی نجد، و أسر ماضی.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 155
و فیها الریح الشدیدة التی طرحت- قلعت- نخل جلاجل من قری سدیر.
و فیها فضی فوزان بن معمر- أمیر عنیزة- بریدة.
و فی سنة 1110 ه «ألف و مائة و عشرة»: هجم آل أبو غنام، و أهل بریدة، و آل جناح علی الخریرة- محلة من عنیزة- و علی فوزان بن معمر.
و فیها استولی عبد العزیز بن محمد بن سعود علی بعض الیمامة.
و فی سنة 1112 ه «ألف و مائة و اثنی عشر»: حصل وقعة بین سعدون، و آل ظفیر علی السلیع.
و فی سنة 1115 ه «ألف و مائة و خمسة عشر» فی آخر یوم من جمادی الآخر: قتل فوزان بن معمر، والی عنزة.
و فی سنة 1116 ه «ألف و مائة و ست عشر»: نزل أمیر العوازم جنب بلد عنیزة، و معه حاج لأهل المشرق کبیر، نزلها بعد انصرافه من الحج فی شهر صفر.
و فیها هدم قصر عنیزة، هدمه آل جناح.
و فی ذی القعدة من ذلک السنة غرقت عنیزة من السیل.
و فی سنة 1117 ه «ألف و مائة و سبعة عشر»: استولی عبد اللّه بن عزیز علی نجد، و اللّه أعلم بالصواب.
و فی سنة 1120 ه «ألف و مائة و عشرون»: ظهر مبارک بن أحمد إلی العجم.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 156
و فیها قیض سعدون فی نجد.
و فیها إمارة نجم فی الحاج العراق. و فیها توفی مقرن الحجیلان بسبب الجدری.
و فی سنة 1122 ه «ألف و مائة و اثنین و عشرون»: خرجت عنزة إلی نجد- الظاهر أن المراد بهم بادیة الشام-.
و فیها- أی سنة 1122 ه- یوم دخنة ، و اللّه أعلم بحقیقة ذلک الیوم.
و فی سنة 1127 ه «ألف و مائة و سبع و عشرون»: هدم إدریس والی آل جناح - الملیحة - محلة فی وسط عنیزة.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 157
و فیها هجم آل فضل علی إدریس فی رمضان.
و فی سنة 1128 ه «ألف و مائة و ثمان و عشرون»: مات منصور السلامة.
و فی سنة 1132 ه «ألف و مائة و اثنین و ثلاثون»: أصاب الطاعون أهل العراق.
و فی سنة 1134 ه «ألف و مائة و أربع و ثلاثون»: توفی منیع بن حمد بن منیع العوسجی الدوسری من أهل ثادق، فی آخر السنة.
و فی سنة 1150 ه «ألف و مائة و خمسین»: ظهور محمد بن عبد الوهاب بن مشرف التمیمی فی بلد العیینة من عارض الیمامة، فی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 158
وادی مسیلمة، و تکفیره الأمة المحمدیة بزخرفة من القول. و استدلاله علیهم بظواهر آیات نزلت فی الکفار و الیهود، و أحادیث مؤولة، کادعائه أن من قال: یا رسول اللّه اشفع لی، فهو کافر، و من حلف بغیر اللّه، فهو کافر. و من ترک رکنا من أرکان الإسلام، فهو کافر. إلی أن دعاه هواه إلی تکفیر خواص الأمة من حملة الشریعة، أهل الورع و الإتقان، لأجل عدم موافقته علی ما هو علیه من الابتداع. فسلک بذلک طریق الخوارجة المارقین، بادعائه أن الشهادتین لا تدخل فی الإسلام، فقدمت إلیه الرسائل بالنصح من کل مکان، و من کل بلد، فلم تغن الآیات و النذر عن قوم لا یؤمنون.
ممن أجاد بالرد علیه الشیخ المحدث بن إسماعیل الصنعانی نظما و شرحا، و الحافظ محمد بن عبد الرحمن بن عفالق، و الشیخ القبانی البصری، و السید یس البصری، فلم تزده إلّا عتوّا و نفورا. فلما رأی و الی البلدة المذکورة عثمان بن معمر قلة رجوعه إلی الحق، و إفساده أهل بلده بالعقائد الباطلة، أخرجه، فأتی إلی قریة یقال لها: الدرعیة، کثیرة الشؤم، قلیلة الخیر، فآووه و نصروه و ساعدوه علی قتال الناس، و وعدهم علی ذلک الجنة، و أن قتالهم معه کقتال الصحابة رضوان اللّه علیهم مع
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 159
النبی صلّی اللّه علیه و سلّم، فلم یزالوا یسفکون الدماء، و یخربون القری، و یأخذون الأموال، فلم یزالوا أهل نجد فی شر منه و أصحابه، حتی أجلی أکثر أهل نجد بالیمن کذلک، ثم بالحجاز کذلک .
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 160
و فی سنة 1161 ه «ألف و مائة و واحد و ستون»: توفی العالم الفاضل، و الدرة الکامل، تاج العلماء العاملین، و آخر الحفاظ الراسخین، الشیخ عبد اللّه بن أحمد بن عضیب الناصری ، و قبر فی الضبط، من عنیزة القصیم، توفی فی شعبان، و له رسالة فی مسألة تحریم التتن.
و فی سنة 1171 ه «ألف و مائة و واحد و سبعون»: توفی الشیخ مربد بن أحمد بن عمر الوهیبی التمیمی ، الساکن فی بلد حریملاء.
و فی سنة 1174 ه «ألف و مائة و أربع و سبعون»: قتل فیها رشید والی عنیزة، و فراج- والی آل جناح-، فی المجلس، و قصة قتلهم: أن أهل عنیزة، و آل جناح کانت بینهم حروب، و فتن کثیرة، و مقاتل یطول ذکرها. فلما تولی هؤلاء الرجلان علی تلک القریتین، اصطلحا علی وضع الحرب بینهم. فأقاموا علی ذلک مدة طویلة- نحو من ثلاثین سنة- حتی امتد أهل القریتین، و غرسوا غرسا کثیرا، و کثرت أموالهم، ثم بعد تلک المدة، حرش الشیطان بینهم. فقام ناس من عشیرة الرجلین، و اتفقوا علی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 161
قتلهما، فقتلوهما. فثارت الفتن بین الفریقین، و قیل: إن صلح فراج، و رشید کان فی سلطنة السلطان محمود. و کان حکم هذا السلطان قد عم ببرکة اللّه جمیع أقطار الأرض. و کانت ولاة ذلک الوقت من جهة السلطان کلهم یذکرونه بالعدل ببرکة نیة السلطان. و کان باشا الشام فی ذلک الوقت أسعد، و باشا بغداد أحمد، و والی مکة الشریف مسعود.
و فی سنة 1178 ه «ألف و مائة و ثمان و سبعون»: حصل فی نجد قحط عظیم و خطب جسیم، و ذلک أن البادیة تساقطوا فی القری، و أصابهم الجدری، و مع ذلک جوع، فهلک تلک السنة خلق من البادیة، و هذه السنة یسمیها أهل القصیم سوقة- بفتح السین-، لأنها تسوق الناس إلی أماکنهم.
و فی سنة 1181 ه «ألف و مائة و واحد و ثمانین»: أخذ عبد العزیز بن محمد بن سعود الأول الهلالیة، و هی أول سنة بایعه أهل القصیم.
و فی سنة 1184 ه «ألف و مائة و أربع و ثمانون»: حصر بریدة- إحدی قری القصیم- عریعر- حاکم هجر، شیخ بنی خالد-، و معه جمیع أهل القصیم، و عامة بدو أهل نجد، فدخلوها، و نهبوا ما فیها، و کان والی بریدة یومئذ عبد اللّه بن حسن.
و فی سنة 1192 أو 1193 ه «اثنین أو ثلاث و تسعین و مائة و ألف»:
غرقت عنیزة غرقا شدیدا، و انهدمت أکثر بیوتها علی ما فیها من أثاث و زاد و أوانی، و خرج أهلها إلی الصحراء، و سکنوا بیوت الشعر حتی عمرو منازلهم.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 162
و فی سنة 1194 ه «ألف و مائة و أربع و تسعون»، و فی خط جدی حمیدان : 1197 ه «ألف و مائة و سبع و تسعون»: حصر سعدون بن عریعر- والی هجر- بریدة- قریة من قری القصیم-، و والیها یومئذ حجیلان من قبل ابن سعود، فأقام سعدون علی بریدة من رجب إلی النصف من رمضان، فلم یقدر علیها، فانصرف عنها.
و فی سنة 1195 ه «ألف و مائة و خمس و تسعون»: صطوا آل جناح و آل غنام فی العقیلیة، فجر یوم الخمیس، الخامس و العشرین من شوال.
و فی سنة 1197 ه أو 1198 ه «سبع أو ثمان و تسعون و مائة و ألف»: أخذ سعدون و جدیع بن هذال الدهامشة قبیلة- من عنزة-.
و فی السنة التی بعدها قتل جدیع بالدویش شیخ مطیر، فصال علیهم جدیع بعنزة، فالتقوا فی کیر. فقتل جدیع، و سبعة من شیوخ عنزة، قتلوهم مطیر.
و فی سنة 1199 ه «ألف و مائة و تسع و تسعون»: توفی الشیخ صالح بن شبل.
و فیها أخذ حجیلان قافلة أهل الجبیل- قافلة کبیرة خارجة من بغداد-.
و فی سنة 1199 ه «فی ذی الحجة»: توفی الشیخ عبد اللّه بن حمد بن إسماعیل.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 163
و فی سنة 1200 ه «ألف و مائتین»: خرج ثوینی بن عبد اللّه شیخ آل شبیب بادیة البصرة و العراق، فخرج معه ناس کثیر من أهل نجد، و من الذین أجلاهم ابن سعود عنها. و کان أول ما خرج مرادة الأدعیة، فعدلوا به إلی بریدة، فلما وصل التنومة، حصرها و دخلها، و قتل ناسا من أهلها، و ممن أمرهم حجیلان، ثم سار إلی بریدة. فلما وصلها، فلم یقم علیها إلّا یومین، فأتاه خبر أن سلیمان- باشا بغداد- ولی علی بادیة آل شبیب، و أتباعهم من المنتفق حمود بن ثامر ولد أخی ثوینی، فانصرف مسرعا إلی بلادهم. فدخل البصرة، و نهب منها أموالا، و عصی علی الباشا. ثم خرج الباشا، فأخذ المنتفق، و قتل منهم خلقّا کثیرا، و بنی فی رؤوس القتلی کالمنابر فانصرف ثوینی و مصطفی آغا، و کان معه جماعة قد ساعدوا ثوینی، فنزلا فی الکویت. و تولی علی المحمرة حمود بن ثامر.
فلما دخل الباشا بغداد، غزا ثوینی، و من جلا معه علی حمود، فخرج إلیه حمود و من معه من أهل العراق و أهل الزبیر من النجدیین، فالتقوا مع حمود. و کان الذین من أهل نجد کلهم رماة. فلما رأی النجدیون انهزام قوم حمود، و لم یعرجوا علیهم لکونهم أهل خیل، و النجدیون مشاة علی أرجلهم، فلحق ثوینی و من معه بأهل نجد لیقتلوهم، فتظاهر أهل نجد بعضهم ببعض، و أوقعوا الرمی فی قوم ثوینی و من معه، و صارت علیهم الهزیمة.
بعد ذلک، خرج منها حتی وصل إلی بغداد، و دخل علی الباشا، و استرضاه، فرضی عنه، و أکرمه غایة الإکرام، و کان فی أول الأمر قد صنع مع الباشا معروفا، لأنه لما ولاه السلطان حکم بغداد، و کان فی بغداد باشا غیره، تجهز معه ثوینی بمن معه من العرب، و أخرج باشا
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 164
بغداد، و أدخله بغداد. و لذلک کان سلیمان باشا یراعی ثوینی مراعاة قویة.
و فی سنة 1201 ه «ألف و مائتین و واحد»: هدمت بیوت أهل الجناح بسبب مکاتبة أهله ثوینی، هدمها ابن رشید- والی عنیزة-، یرید تجمّلا مع ابن سعود، لأن أهل الجناح لما رجع ثوینی عن حصار بریدة، هربوا خوفا من ابن سعود. الأغلب منهم ذهب إلی بغداد.
و فیها- أی سنة 1201 ه- توفی الشریف سرور بن مساعد، و کانت له سیرة فی العدل حمیدة، و کان ذا ضبط للرعیّة، مهیبا، و تولّی بعده أخوه غالب بن مسرور بن مساعد.
و فی سنة 1203 ه «ألف و مائتین و ثلاث»: توفی الشیخ الجلیل ذو القدر الحفیل، الشیخ حمیدان بن ترکی بن حمیدان، فی المدینة المنورة.
و فی سنة 1204 ه «ألف و مائتین و أربعة»: خرج الشریف غالب لقتال ابن سعود، فلما وصل ضریة ، استولی علیها، هدمها، ثم حصر أهل البرود، و هی من قری السر، فلم یقدر علیها، ثم حصر الشعری ،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 165
فلم یقدر علیها، ثم انصرف، و دخل مکة.
و فی سنة 1211 ه «ألف و مائتین و إحدی عشر»: حصل وقعة بین سعود و شمر فی العدوة من میاه جبل طی، فانهزمت شمر، فأخذ سعود حلالهم.
و فیها- أی سنة 1211 ه- خرج ثوینی بن عبد اللّه بن شبیب، جهزه سلیمان باشا- وزیر السلطان علی أهل العراق- لقتال ابن سعود، و جهز ابن سعود ابنه سعود یتلقاه، معه أهل نجد البادی منهم و الحاضر، فالتقوا فی بعض میاه البحرین الذی یسمی الیوم الطن، فأقاموا علی ذلک مدة بین الفئتین- نحو من الیوم- حتی تسلط علیه عبد أسود مولد لیس بالمملوک، یقال له: طعیس، متدینا، متمسکا بدین ابن عبد الوهاب و طائفته. فدخل علی ثوینی علی هیئة الشاکی إلیه، فلما قرب منه طعنه بعترة کانت معه، فمات. فانکسر العسکر منهزما إلی نحو البصرة، و کان
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 166
الوقت علیهم حارا، فلما تحقق سعود و من معه الخبر، اتبعوا أثرهم، فهلک من عسکر العراقیین، و من معهم من بادیة نجد، خلق کثیر.
و فی سنة 1212 ه «ألف و مائتین و اثنی عشر»: غزا سعود، و أخذ زوبع من شمر و من معهم فی نواحی العراق، و قتل مطلق الجربا- شیخ شمر علی الإطلاق-.
و فیها أخذ حجیلان الشرارات فی أرض الشام، و أخذ منهم أموالا من الإبل الکرام النجاب، التی لا تحصی لها عددا.
و فیها- أی سنة 1212 ه- حصل وقعة بین شمر و الرولة فی محرم، فصارت الغلبة لشمر علی الرولة.
و فی سنة 1213 ه «ألف و مائتین و ثلاث عشر»: جهّز سلیمان باشا وزیره علی کیخیا لقتال ابن سعود، فتوجه إلی الحساء. و أطاعه أهله، إلّا الحصن الذی فی الهفوف، و الحصن الذی فی المبرز، عجزوا عنهما. ثم خرج متوجها إلی الیمامة، فاستقبله سعود بأهل نجد، فالتقوا فی تاج من قری البحرین، فتقابلت الفئتان مدة طویلة، حتی أشفق سعود و من معه علی أنفسهم، و خندقوا علی أنفسهم، و هم سعود ببناء قصر لنفسه.
فلما رأی ذلک من مع علی کیخیا من العرب- عرب العراق-، مثل حمود بن ثامر،- و کذلک البیق-، سعوا فی الإصلاح بین الطائفتین. و کان سلیمان باشا قد عهد إلی علی کیخیا أن لا تعصی حمود و البیق فیما یشیرون علیک به، فلما عرضوا علیه الصلح أبی، خاف من خیانتهما، فانقاد لهم مع علمه بعداوتهما له، فلما مات سلیمان باشا، و تولی علی هذا حکم بغداد، قتل البیقات کلهم، وهم بقتل حمود. فلم
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 167
یلبث إلّا سنتین، ثم قتل علی باشا، و کان علی هذا رجلا ذا عبادة، و یحب العلماء و أهل الصلاح، و أزال کثیرا من المنکرات و البدع، إلّا أنه جری علی سفک الدماء لإصلاح الملک.
و فیها تصالح الشریف غالب و ابن سعود علی وضع الحرب بینهم، فأمر ابن سعود إبراهیم بن سرحان علی حاج أهل نجد، فحجوا.
و فیها- أی سنة 1213 ه- أخذ الفرنسیون مصر.
و فی سنة 1214 ه «ألف و مائتین و أربع عشر»: حج سعود، و أجمل أهل نجد بالحج، و کذا من تبع سعود من أهل الیمن.
و فی سنة 1215 ه «ألف و مائتین و خمس عشر»: حج أیضا سعود و أهل نجد. فلما نزل الحاج منی، و صار ثانی أیام التشریق، کاد أن یقع فتنة فی أهل الموسم بسبب بادیة أهل الحجاز من رعیة الشریف، یریدون الغدر بأهل نجد. و کان الشریف غالب لم یطلع علی ما أرادوه. فلما تبیّن له ذلک، و کاد الحرب أن یلتحم بین أهل نجد و أهل الحجاز- و کان أهل نجد متفرقین فی مکة و شعاب منی، ثقة بأمان الشریف لهم. و کان من أوفی الناس ذمة بالعهد، و أبعدهم عن الغدر- فنهب بادیة أهل الحجاز من لقوه فی مکة و أسواق منی. فلما رأی أهل الشام و غیرهم من الحجاج ذلک، نزلوا إلی مکة. فلما رأی ذلک الشریف، أرکب ناس من الأشراف و کبراء عسکره یکفون بادیته، ورد غالب ما أخذه البدو لأهل نجد.
و فیها- أی سنة 1215 ه- أخرج المسلمون الفرنسیین من مصر.
و فی سنة 1216 ه «ألف و مائتین و ست عشر»: انتقض الصلح الذی بین الشریف و ابن سعود، و بایع عثمان مضایفی الشریف ابن سعود
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 168
علی حرب الشریف. قیل: أن محمد علی باشا رأی فی منامه کافة إلی الخبر فی کل جمیع ما فیه من السحر ، و أتی البحر المالح، فشربه.
فقص بعض رؤیاه هذه علی علماء مصر، فلم یجیبوه عنها. و إذا فی مصر شیخ کبیر اسطنبولی، قال له: إن صدقت رؤیاک، فأنت السعالی الذی یخرج فی آخر الزمان، تسوق الناس کما تسوق الغنم. فأرسل إلیه محمد علی بطعام مسموم، فأکله فمات.
و فی سنة 1217 ه «ألف و مائتین و سبع عشر»: استولی سعود بن عبد العزیز بن محمد بن سعود علی بلد الحسین، المعروفة علی شاطی‌ء الفرات- المشهد-، و أخذ کثیرا من الأموال، و هدم الحجرة المبنیة علی قبر الحسین بن علی رضی اللّه عنهما، و قتل خلقا کثیرا من أهله و من العجم.
و فیها- أی سنة 1217 ه- غزا سعود مکة بعد منصرف الحجاج منها، فهرب الشریف غالب منها لما تحقق مسیره إلیه إلی جدة. فدخل سعود مکة، و ولی علی مکة أخا الشریف غالب عبد المعین بن مساعد. ثم توجه سعود إلی جدة، فحصر الشریف فیها، و أقام علیها أربعة أیام. ثم انصرف و رجع إلی مکة نحو من شهر أو شهرین، حتی دخلها غالب، و أخرج من بها من العساکر السعودیة.
و فی سنة 1218 ه «ألف و مائتین و ثمان عشر»: غزا سعود إلی البصرة، و حصر بلد الزبیر، و أقام علیها أیاما- نحو من أربعة أیام أو خمسة- ثم انصرف و لم یدخلها.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 169
و فیها- أی سنة 1218 ه- قتل عبد العزیز بن محمد بن سعود.
قتله رجل من العجم، أخذ بثأر ما فعله ابنه سعود فی هدم قبة الحسین لأنه رافضی. قتله فی الصلاة، ثم تولی الحکم بعده ابنه سعود. و قیل سنة 1219 ه.
و فیها- أی سنة 1218 ه- حلّ بأهل عنیزة- أم قری القصیم- وباء عظیم، مات فیه خیار أهلها.
و فیها- أی سنة 1218 ه- حلّ بأهل نجد قحط عظیم، و غلت أسعار الطعام، حتی بلغ البر فیها صاعا بالریال، و التمر عشر وزان بالریال. و استمر القحط بها و الغلی إلی نحو من ثمان سنین. فی الصیف یرخص قلیلا، و فی الشتاء یغلی، حتی أباد أهل نجد. و ذلک أول نقص دخل علی رعیة سعود. وجلا منها خلق کثیر إلی العراق، و کثیر من البدو إلی أرض الشام.
و فی سنة 1219 ه «ألف و مائتین و تسع عشر»: غزا سعود، و أخذ الظفیر- قبیلة مشهورة من بادیة نجد-. و کانت تحت أمره من جملة رعیته، لکن اطلع منهم علی شی‌ء أنکره.
و فی سنة 1220 ه «ألف و مائتین و عشرین»: قدم وفد من المدینة المنورة علی سعود لیبایعوه، بعد أن أقاموا نحوا من ثلاث سنین أو أربع محصورین. و ذلک أن قبیلة حرب بایع بعضهم سعود، و أمرهم بقتال باقی قومهم، و أهل الحجاز جملة، سیما أهل المدینة. فامتثلوا أمره، حتی سفکوا الدماء، و نهبوا الأموال، و دخلوا جمیع قری الحجاز إلا شیئا قلیلا، و قطعوا السبل عن المدینة و حصروها أشد الحصار، حتی غلی فیها
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 170
جمیع الطعام، حتی بلغ فیها مد الشعیر ریال، و هو قدر صاعین و نصف بصاع الشرع و زیادة قلیلة. فلم یزالوا یستنجدون بالدولة العثمانیة، و کان السلطان یومئذ سلیم بن مصطفی. فلما أثخنهم الحرب، و طالت علیهم المدة، و لم یأتهم نجدة من سلطان، و لا من وزرائه کصاحب الشام و مصر و العراق، و بایعوا سعود.
و فیها- أی سنة 1220 ه- بایع الشریف غالب بعض عمال سعود، بعد ما حصره جمیع أهل الیمن و الحجاز من رعیة سعود، و قطعوا عن مکة جمیع الطرق، و اشتد الجهد بأهل مکة. و أقام علی ذلک من دخوله مکة بعد منصرف سعود عنها فی سنة 1217 ه.
و فی سنة 1221 ه «ألف و مائتین و واحد و عشرون»: حج أهل نجد، وردوا الحاج الشامی قبل دخوله المدینة من الجرف.
و فی سنة 1222 ه «ألف و مائتین و اثنین و عشرون»: خرج حاج الشام حتی وصل البرکة التی فی رکبة، بینهما و بین ذات عرق مرحلة، فلما وصل إلیها، رده سعود عن الحج. و کان خروج الحاج بأمر من سعود، علی صلح معه، و مع الحاج عماله. فأطلعه الشریف غالب علی مکاتبة قدمت إلیه من باشا الحاج، فغضب سعود علی مکاتبة الباشا لغالب، ورد الحاج. فضج الناس من ذلک، وشق علیهم. و لم یحج بعده حاج من جمیع الأقطار، إلّا أهل جزیرة العرب.
و فی سنة 1222 ه: أتت مراکب الانکلیز، و حصروا رأس الخیمة من جهة البحر- قریة علی ساحل بحر عمان- فلم تستطع مراکبهم أن تقرب من الساحل لعظمها و قلّة الماء، فنصبوا ألواحا من النبور فیما بین
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 171
السفن و البلد، فاحترقت جمیع السفن التی فی البندر، و احترقت البلد، فانصرفوا عنها.
و فیها- أی سنة 1222 ه- غزا سعود علی أهل الشام، حتی وصل إلی النقرة و بصری و حرق کثیرا من زروعهم.
و فیها- أی سنة 1222 ه- توفی الشیخ محمد بن حمیدان بن ترکی فی عنیزة.
و فی سنة 1223 ه «ألف و مائتین و ثلاث و عشرون»: دخل سعود المدینة المنورة، و أخذ جمیع ما فی حجرة النبی صلّی اللّه علیه و سلّم.
و فیها- أی سنة 1223 ه- جمع سعود جندا لم یجتمع معه قط مثله من الیمن و الحجاز و نجد، و غزا علی أهل العراق، فحصر ششاتی، و أخذ منها خیلا کثیرا، و لم یدخلها. ثم حصر المشهد، و لم یقم علیه إلّا یوما، و لم یدخلها. ثم حصر السماوة، فأقام علیها یوما أو یومین، فانصرف و لم یستفد شیئا.
و فی سنة 1224 ه «ألف و مائتین و أربع و عشرون»: قدم وفد أهل الزیارة علی سعود فی الدرعیة، فحبسهم. فلما بلغ ذلک من خلفهم من قومهم و أولادهم، ارتحلوا إلی جزیرة البحرین، و لم یترکوا فیها أحدا.
و فی سنة 1225 ه «ألف و مائتین و خمس و عشرون»: أطلق سعود أهل الزیارة. فلما قدموا علی قومهم، حرضوهم علی حربه. فلما بلغه
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 172
الخبر، ندم علی ترکهم، فجهّز لحربهم رحمة بن جابر الجلهمی، من بنی عتبة، و هم أهل الزیارة و الکویت. و کان رجلا شاذّا هو و عشیرته عن قومهم، و کانوا فی بعض قری قطر. و بعث سعود إلیه جندا من أهل نجد و هجر، و جمع أرحمه من أهل قطر خلقا کثیرا. و کانت یومئذ سفنه تبلغ ستین، ما بین الکبیرة و الصغیرة.
فتجهز لقتاله آل خلیفة- أکابر بنی عتبة- علیهم عبد اللّه بن أحمد بن خلیفة، و استنجدوا أهل الکویت، فأتوهم علیهم جابر بن عبد اللّه بن صباح و دعیج بن سلیمان بن صباح، فالتقوا بین القطیف و البحرین. فاقتتلوا قتالا عظیما لم یسمع بمثله فی جاهلیة، و لا فی إسلام، حتی هلک بینهم سواد عظیم، فیما بین القتل بالسیف، و الغرق فی البحر. و ربطوا السفن بعضها فی بعض، و الذی مع آل خلیفة من السفن قریب من مئتین. فلما أثخن بعضهم بعضا، احترقت کبار السفن المربوطة بالنار، فغرقت بمن فیها من الأحیاء و الأموات من الطائفتین. و لم یقتل ممن سمینا من الرؤوس إلّا دعیجا.
و فیها- أی سنة 1225 ه- دخل أهل الیمن من أتباع سعود و أهل الحجاز بندر الحدیدة، من ساحل بحر تهامة. و هی یومئذ تحت ملک الشریف حمود، المعروف بأبی مسمار. فنهبوا أموالها، و حرقوا بیوتها، و قتلوا فیها خلقا کثیرا من أهلها. ثم انصرفوا، و ترکوها خوفا من الشریف أن یأتیهم.
و فی سنة 1226 ه «ألف و مائتین و ست و عشرون»: تجهّز محمد علی- باشا مصر- لقتال سعود، فبعث عسکرا مع البحر علیهم ابنه أحمد
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 173
طوسون. و کان بین محمد علی و الشریف غالب بن مساعد- والی مکة المشرّفة- مکاتبة یستنجده و یستمده غالب علی سعود، لما استولی علی الحرمین، و منع الحاج من الشام و مصر و العراق. فلما وصل أحمد طوسون إلی بندر القصیریق المعروف بینبع البحر- عن المدینة المنورة ثلاثة أیام-، و هی تحت ید الشریف غالب. و کان قد کتب إلی والیها:
إذا أتاک أحمد طوسون و جنده .
فلما علم سعود بنزولهم، جهز سعود ابنه عبد اللّه لحرب أحمد طوسون. و أمر والی المدینة المنورة أن یخرج أهلها منها، مما أحاط علیه سورها. فأخرجهم إلی البیوت الخارجة عن السور، و سکن بیوتهم جند سعود، فحصل منهم ضرر علی الموجود بالبیوت و الأثاث و الأوانی و غیرها. فأتی عبد اللّه بن سعود و نزل المدینة، ثم خرج و نزل الحنیف فی شوال.
فلما کان فی شهر القعدة، نزل أحمد طوسون مقابلا لعبد اللّه بن سعود. و کان عبد اللّه قد تبوّء المقاعد و الجبال و الطرق. و کان قومه تزید علی قوم أحمد طوسون من النصف، فاقتتلوا قتالا عظیما. فانتصر عبد اللّه بن سعود، و انهزم أحمد طوسون، و قتل من جنده مقتلة عظیمة.
و انحاز أحمد طوسون و من معه إلی البندر، و حج عبد اللّه بن سعود.
و فی سنة 1227 ه «ألف و مائتین و سبع و عشرون»: الفتنة التی وقعت فی أرض الشنبل من أرض حلب، و سببها: أن الفدعان کان لهم میسری قری الشنبل، التی یسمونها البدو الخاوة. فأتوهم السبعة، فنزلوا
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 174
فیه، لأنهم أقرب عنزة للفدعان. فبغوا السبعة علی بعض من ذلک.
فمنعوهم الفدعان، فاستمدوا السبعة بالرولة، و استمدوا الفدعان بالعمارات، و کل هؤلاء من عنزة. و استمدوا أیضا الفدعان بشمر. و کل هؤلاء التقوا بالمال و الأهل، إلّا شمر، فإنهم خرجوا إلیهم من جزیرة العراق علی الخیل. فاستمر الحرب بینهم نحوا من ثلاثة أشهر فی مناخ واحد، حتی أن الإبل أکلت التراب، و أوباد بعضهم، و عظام المیتة.
و اشتد الحرب بینهم، و الخیل یطعمونها الغراد و الخج، حتی آلی الأمر أن هزموا الفدعان و ممن معهم، و أخذت أموالهم، و القتل کثر فی کل منهم.
و فی ذی القعدة منها: حصروا أهل مصر- جند محمد علی- المدینة المنورة و أهلها مع الجند، و لیس داخلها إلّا الوهابیة- نحو من خمسة آلاف- فحفروا علیهم سردابا من الأرض من جهة البقیع. فلما وصل إلی السور، و سعوه و ملوءه ملح، و رموا علیه نارا، فاشتعل. و هدم من السور نحو من ثلاثین أو أربعین ذراعا، فدخلوا أهل المدینة و من معهم علی الوهابیة، فاقتتلوا و انحازوا الوهابیة إلی القلعة التی عند الباب الشامی، فلم یلبثوا إلّا أیاما حتی أمّنهم جند محمد علی باشا، و أخرجهم.
و فیها حجّوا الوهابیة مکة، و هی آخر سنینهم التی حجّوا فیها.
فلما خرج سعود من مکة، رجع إلی الدرعیة، و أمر ابنه عبد اللّه علی باقی قومه، فخرج ابنه إلی وادی فاطمة. فلم یلبث جده، و أسکنهم فی بعض بیوتها. فلما خرجوا الوهابیة من مکة، أرسل إلیهم أن انزلوا إلی مکة، فنزلوا إلیها و دخلوها. فلما بلغ عبد اللّه بن سعود الخبر، انهزم إلی العبیلا، قریب من الطائف.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 175
و فی سنة 1228 ه «ألف و مائتین و ثمان و عشرون»: فی المحرم منها، قذف اللّه الرعب فی قلب عثمان المضایفی، فخرج من الطائف بغیر حصار. فأرسلوا أهل الطائف إلی الشریف، فأتاهم و ولّاه علیهم.
و قصة مضافی: أنه کان فی مضیف الشریف غالب، و کان ریسا فی عشیرته عدوان، و کان مقدما و مفوضا عند الشریف. فأرسله إلی عبد العزیز بن محمد بن سعود فی مکاتبة، فخانه و دخل قلبه فتنة الوهابیة، حتی کان فی عقیدتهم أشد منهم، و استحل دماء المسلمین و أموالهم، سیما أهل الحرم. فأقام سنین فی حرب الشریف، حتی أثخنه، و أخرج الشریف من الطائف بمن معه من الوهابیة من أهل الحجاز و أهل الیمن، و ملک جمیع رعیة الشریف من البدو، و جمیع قری الطائف. فلما اشتد الأمر علی غالب، استسلم الشریف لهم، و بایع لبعض عمال سعود علی حکم مکة وجدة و السویق- بندر المدینة-.
و أقام المضایفی علی مخالفة غالب نحو من ثمانیة عشر سنة أو سبعة عشر، إلی أن خرج من الطائف فی هذه السنة. فأقام أشهرا یشن الغارات علی أطراف الطائف، حتی دخل قصر فی کلاخ، فحصره الشریف فیه، و أوثقه، ثم أسقاه سما، و بعث به إلی محمد علی.
و فی تلک السنة، حج أهل الشام و أهل مصر، و جاء محمد علی حاجا مجاهدا مع البحر. فلما قدم مکة و أتاه الشریف غالب لیسلم علیه، فأوثقه و بعث به إلی مصر، فانهزم کثیر من الأشراف، و انهزم الشریف راجح إلی سعود.
و فی سنة 1229 ه «ألف و مائتین و تسع و عشرون»: مات عظیم
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 176
الوهابیة و ملکهم و داهیتهم، و تولی بعده ابنه عبد اللّه. و کان له من الولد نحو من اثنی عشر ولدا ذکرا.
و فیها أرسل محمد علی الشریف راجح بالأمان، فرجع الشریف مکة و قدمه فی بعض حروب الوهابیة.
و فی سنة 1230 ه «ألف و مائتین و ثلاثون»: التقی فیصل بن سعود و محمد علی بین الطائف و تربة- بلد البقوم- و مع فیصل یومئذ جند عظیم، جمع قری الیمن و انهزم ابن شکبان أمیر بیشة.
و فیها- أی سنة 1230 ه- أخرج طلسم نبه من المدینة عسکرا إلی نجد القصیم، و معه حرب بدو المدینة المنورة. فانقاد لهم أهل الرس و الخبرا و الهلالیة، و رفضت بعض القری خوفا من عبد اللّه بن سعود.
و فی سنة 1231 ه «ألف و مائتین و واحد و ثلاثین»: وصلوا شمر إلی الحکمة بلاد الخزاعل، یریدون الکیل، فخرج إلیهم باشا بغداد أسعد بن سلیمان، و معه الرولة و حمود الثامن- شیخ المنتفق، و آل الظفیر-، فحصروهم علی شاطی‌ء الفرات و الخزاعل یومئذ، غاضبین علی باشا بغداد. فلما أقاموا علی ذلک مدة، حصل لشمر غفلة من الرولة و المنتفق، لأنهم کانوا هم الذین بینهم و بین نجد. فلما حصلت لشمر تلک الغفلة، انهزموا و قتل منهم غیر کثرة، إلّا أنه قتل شیخهم بنیة الجربا. فبعد ذلک أرسلوا لعبد اللّه بن سعود، یستوثقون منه، فوثقهم علی أن یدخلون تحت أمره. و أرسل إلیهم عماله، وجبوا الزکاة.
و فی ذی القعدة: وصل إلی المدینة المنورة إبراهیم باشا بن محمد
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 177
علی باشا لقتال الوهابیة، و أخذ فی تجهیز العساکر إلی الحناکیة. و قد سبق ذلک أن ابن سعود غدر فی العهد، الذی کان بینه و بین أخیه طلسم بن محمد علی، و کان قد أخذ العهد علی من تبعه من رعیة ابن سعود. فلما تحقق بن سعود أن طلسم عبر مع البحر إلی مصر، عمد ابن سعود إلی رجال من قدماء أهل الرس، ممن کان له سبب فی وصول العسکر إلی الرس، فنقلهم من الرس و حبسهم عنده فی الدرعیة. ثم بعد ذلک بشهر أو شهرین، هدم سور الخبرا و الهلالیة، و جلا رجال من أهلها. فلما وصل الخبر إلی والی المدینة من قبل محمد علی، کتب بذلک إلی محمد علی.
فلما وصل الخبر إلی محمد علی، و إذا عنده ناس من قبل ابن سعود، وصلوا إلیه بهدایا من عبد اللّه بن سعود، فرد الهدایا و آذنهم بالحرب- و کان قد سبق ذلک أن محمد علی کتب إلی سلطان الإسلام محمود بن عبد الحمید یستأذن ابن سعود، فلم یأذن له، و أمره بقتالهم. فأخذ فی التجهزات إلی المدینة المنورة، حتی أوصل إلیها ابنه إبراهیم علی ما تقدم.
و فی ستة عشر من جمادی الأولی، ثم بعد ذلک، نزل عبد اللّه علی عنیزة.
و فی سنة 1232 ه «ألف و مائتین و اثنین و ثلاثین»: فی النصف من محرم، أخذ محمد علی الرحلة- فخذ من قبیلة حرب-، و قتل منهم خمس و ستین رجلا، و عدد القبیلة لا یزیدون علی الثمانین إلّا قلیل، و قتل من معهم رجلا من ذلک. و مبلغ القتلی منهم، و من غیرهم مائة و خمسین رجلا.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 178
و فیها- أی سنة 1232 ه- تولی بغداد داود أفندی، و قتل أسعد باشا.
و فیها الوقعة التی بین عبد اللّه بن سعود، و بعض عسکر إبراهیم بن محمد علی علی الماویة، و مع العسکر کثیر من حرب. فلما تلاقت الفئتان، لم یلبث عبد اللّه أن انکسر- انهزم- جنده، و قتل من قوم عبد اللّه نحو أربع مائة رجل.
و فی ثلاث و عشرین من شعبان: نزل إبراهیم بن محمد علی الرس، و حصره.
و فی رمضان بعث عبد اللّه أهل القصیم، و أهل الأحساء، و أهل الجبیل، و أهل الوشم، لیغیروا علی بعض نواحی العرب، النازلین مع إبراهیم بن محمد علی علی بلاد الرس. فلما وصلوا إلی الخبرا، أبلغهم أن فی ریاض الخبر أناس یحملون تبن للعسکر، فأغاروا علیهم، و أخذوا منهم و قتلوا. فلما بلغ الخبر الباشا، رکب فی نحو أربع مائة فارس، و أدرکهم و قد توجهوا یریدون الخبرا، فاقتتلوا. فانهزم العرب، و أتبع أثرهم العسکر، و قتل منهم نحو مائة و ثمانین رجلا، حتی وصلوا الخبرا.
و لو کانت البلاد نائیة ما رجع من القوم رجل واحد، إلّا أهل الخیل.
و فی سادس ذی الحجة: فتح إبراهیم باشا بالرس صلحا بعد ما أثخنهم. و نزل الخبرا یوم عرفة، ثم رحل عنها، و نزل عنیزة یوم الجمعة لخمسة عشر مضت من ذی الحجة. و أصلح أهل عنیزة لیلة الخمیس، یوم إحدی و عشرین من ذی الحجة، فأقام بها إلی یوم الخمیس. ثم رحل عنها، و نزل بریدة یوم الجمعة، و أنزل جمیع أهل البروج، الذین فی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 179
النخل، بعضهم فی أول یوم، و آخرها فی ثانی یوم. فقتل فی ذلک الیومین أربعین باقی المحرم و صفر . ثم ارتحل إلی قریة بسام. فلما أرقهم، أصلحوه. ثم نزل شقراء، و هدم سورها، و قطع أکثر نخلها، ثم أصلحوه.
ثم سار و نزل ضرما، فهدم سورها و فتحها عنوة، و نهبت البلاد بعد ما طلب منهم الصلح فأبوا.
ثم سار و نزل الدرعیة فی ربیع الثانی- سنة 1233 ه، و أقام الحرب علیها إلی ثلاثة عشر من ذی القعدة. ثم أصلحوه علی أن یرسل عبد اللّه بن سعود إلی السلطان، و یهدم البلد، و یجلی عنها أهلها بعد ما أثخنهم الحرب. و أخذ بعض البلاد عنوة، و أشفقوا علی أنفسهم، و أصلح جمیع أهل البلد، إلّا آل سعود. و خرج إلی الباشا، فأرسله مع عسکر إلی أبیه فی مصر. ثم أرسله أبوه إلی السلطان، فداروا به فی الأسواق، ثم قتل وصلب. ثم نقل جمیع آل عبد الوهاب، و آل سعود- و بلغ ذکر أنهم نحو مائتی رجل- إلی مصر. ثم أمر أهل الدرعیة أن یرتحلوا عنها، و هدمها.
ثم أقام فی أرض العارض بعد هدمها أحد عشر شهرا، ثم نزل القصیم و المدیع فیه إلّا نحو من عشرین یوم . ثم توجه إلی المدینة المنورة، و حج تلک السنة.
و فیها- أی شوال- أتی نجد سیل عظیم. و عم جمیع نجد تلک السنة و الحجاز، إلی الأحساء و البصرة- و الوقت یومئذ الشمس- فی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 180
الأسد و طالع الفجر آخر نجم الحبورا أشد الفیض حرا . و استمر المطر نحو اثنتی عشر یوما، و أقام وادی الرمة یجری نحو خمسة و عشرین یوما جریا عظیما.
و فی سنة 1250 ه «ألف و مائتین و خمسین»: قتل عظیم الوهابیة فی ذلک الوقت ترکی بن عبد اللّه بن محمد بن سعود، قتله ابن أخته مشاری بن عبد الرحمن بن سعود، طامعا فی المملکة. و کان ولده فیصل قد توجّه قبل ذلک إلی القطیف، و معه أهل نجد و أهل الأحساء و غیرهم، فقطعوا أکثر نخلها، و خربوا بیوتها، فلما بلغ الخبر فیصل أن أباه قتل، رجع إلی العارض و من معه، فحاصر مشاری و من معه فی قصره، و أهل البلد یومئذ بعضهم قاتل مع مشاری، و بعضهم لم یقاتل مع أحد. فأقاموا علی ذلک مدة، ثم قتلوا مشاری. و تولّی بعده فیصل .
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 181
و فی تلک السنة فی أول ربیع الأول: توفی الشیخ- فقیه الحنابلة فی عصره فی القصیم- عبد اللّه بن فایز أبا الخیل رحمه اللّه.
و فی سنة 1252 ه «ألف و مائتین و اثنین و خمسین»: خرج إسماعیل بیک لقتال أهل نجد من المدینة المنورة، فی أول ذی القعدة، و نزل الحناکیة، و أقام فیها إلی آخر الحجة. ثم رحل، و نزل الرس، فلما سمع فیصل بن سعود بخروجه من المدینة، خرج من بلدة الریاض و معه أهل سدیر و العارض و الأحساء. فلما نزلوا الصریف- ماء مسیرة یوم من عنیزة- و إذا العسکر قد نزلوا الرس، فرحل فیصل، و نزل عنیزة فی سابع ذی القعدة. ثم أقام فیها إلی آخر أیام التشریق. ثم رحل و تبعه کثیر من أهل القصیم و غیرهم، و نزل وادیا قریبا من الخبرا، یقال له: ریاض الخبرا، و أقام فیها ستة أیام أو سبعة أیام، و الفئتان متقابلتان.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 182
فلما کان فی بعض الأیام، بلغ فیصل أن بعض قومه وجنده الذین کانوا معه من أهل العارض یکاتبون الدولة بخیانة فیصل، فرحل من الخبرا و نزل عنیزة أیضا مرة ثانیة، و أقام فیها ستة أیام أو سبعة، ثم رجع إلی بلده الریاض. و أتی یوم نزوله ریح شدیدة عاصفة، کادت أن تقلع النخیل من شدتها، و رجع إلی العارض، و أقام فیها مدة أیام، ثم رحل من العارض، و نزل الأحساء.
فلما سمعت الدولة أنه رحل من الخبرا، و أتوا إلیها، فنهبوا بیوتا منها، و آذوا أهلها. ثم إنهم أرسلوا إلی عنیزة رجلا مصریا، یقال له:
محمد ناصر، علی أن ینظم الصلح بینهم و بین أهل عنیزة، فلما قدم إلیهم، ذهب معه جماعة من أهل البلد إلی الدولة، و مهم أخو الأمیر یحیی بن سلیم. و کان یومئذ هو و الیها. فأقاموا فی الخبرا بعد قدومهم أیامّا، ثم أهدت إلیهم الدولة هدایا، و رجعوا إلی عنیزة، قد تم الصلح بینهم و بین الدولة.
ثم أتت الدولة إلی عنیزة، و أقاموا فیها مدة أیام، قریبا من شهر، ثم رحلوا، و توجهوا إلی العارض، و انتظم الصلح بینهم و بین أهل العارض.
و أقاموا فی العارض مدة، ثم أتوا إلی الخرج، و اصطلحوا معهم. ثم توجهوا إلی الحریق، و أتوا إلی قریة من قراها تسمی: الحلوة، فنهبوا بیوتها. و خرج أهل البلد منها، فسمع أهل الحریق الخبر، فأقبلوا نحوها، و معهم أربع أو خمس رایات. فالتقت الفئتان فیها قبل الظهر، فاقتتلوا، فنزلوا قریة من قری العارض، یقال لها: الریاض، و ذلک فی جمادی الأولی سنة 1253 ه.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 183
و فی سنة 1252 ه- أیضا- «ألف و مائتین و اثنین و خمسین» فی شعبان: خرجوا أهل عنیزة، و کان علیهم یومئذ یحیی بن سلیم، لقبیلة من عتیبة، یقال لها: الروسان. کانوا قد أخذوا إبلا لأهل عنیزة أبادوها، فالتقوا فی موضع یقال له: وثیلان قرب المر، فأخذوا إبلهم و غنمهم و أثاثهم.
و فی سنة 1257 ه «ألف و مائتین و سبع و خمسین»: فی شهر رمضان، کان خروج بن ثنیان، خرج علی خالد بن سعود والی نجد من قبل الدولة، و أتی إلی سبیع، و أخبرهم بمراده، فوعدوه أنهم معه، و أرسل إلی أهل الحریق، فأجابوه إلی ما قصد خالد بن سعود، لکونه من مناصب الدولة. ثم أتی إلی قریة، یقال لها: ضرمی، و معه بعض سبیع و أهل الحریق، و قتل وکیل خالد فیها، الذی یقال له: الصائغ، و نهب جمیع ما تحت یده. و اتفق أن خالد بن سعود خرج یرید الأحساء، فلما خرج کاتب ابن ثنیان أهل الریاض، فأرسلوا إلیه أن یقبل، فإنا لا نرید خالدا، فأتی ابن ثنیان بمن معه، فدخلوا البلد. و کان فیها عسکرا لخالد ترک و مغاربه، فانحذوا فی القصر، و جعلوا یرمون أهل الریاض بالمدافع و البنادق.
فبعد مدة أیام، أمنوهم و أخذوا من القصر ما قدروا علیه، ثم ارتحلوا عن الریاض، من بلد إلی بلد إلی مکة المشرّفة. فلما سمع خالد بهذه القضیة، لم یثق بأهل العارض، و لا بأهل الأحساء، و لما بلغه من خیانتهم مع ابن ثنیان، فتوجه إلی الکویت، ثم إلی سوق الشیوخ، فأرسلوا إلیه أهل القصیم: أن أقبل إلینا، فإنا لا نرید ابن ثنیان. فتوجه إلی القصیم خلق کثیر من أهل القصیم و غیرهم، و نزلوا فی مکان قریب من الخبرا،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 184
یقال له: ریاض الخبرا، و أقام فیها أیاما- نحو ستة أیام أو سبعة- و الفئتان متقابلتان.
فلما کان فی بعض الأیام، بلغ فیصل أن بعض قومه و جنده، الذین کانوا معه من أهل العارض، یکاتبون الدولة بخیانته، رحل من الخبرا، و نزل عنیزة أیضا، و أقام فیها سبعة أو ستة أیام. ثم رجع إلی بلده، و أتی فی یوم، و أقام فیه مدة أیام. و رحل من العارض، و نزل الأحساء. فلما سمعت الدولة أنّه رحل من الخبرا، أتو إلیها، فنهبوا بیوتا فیها، و آذوا أهلها. ثم إنهم أرسلوا إلی عنیزة رجلا مصریّا، یقال له: محمد ناصر، علی أن ینظم الصلح بینهم و بین أهل عنیزة.
فلما قدم إلیهم، ذهب معه جماعة من البلد إلی الدولة، و معهم أخو الأمیر یحیی بن سلیم. و کان یومئذ هو و الیها. فأقاموا فیها فی الخبرا بعد قدومهم أیاما، ثم أهدت إلیهم الدولة هدایا، و رجعوا إلی عنیزة: و أتت الدولة إلی عنیزة علی الصلح و علی مواجها مدة أیام نحو شهر، ثم رحلوا، و توجهوا إلی العارض.
و انتظم الصلح بینهم، و أقاموا فی العارض مدة. ثم أتوا إلی الخرج و اصطلحوا. ثم توجهوا إلی الحریق، و أتوا إلی قریة من قراها، یقال لها:
الحلوة، فنهبوا بیوتها، و أخرجوا أهل البلد منها. فسمع أهل الحریق بهذا، فأقبلوا نحوها، و معهم نحو أربع أو خمس رایات، فالتقت الفئتان فیها قبل الظهر، فاقتتلوا قتالا عظیما. و أخرجوا الدولة منها، فهربوا و هلک أکثرهم عطشا، فنزلوا قریة من قری العارض، یقال لها: الریاض.
انتهی
و الحمد للّه رب العالمین
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 185

تاریخ ابن دعیج تألیف الشیخ العلامة أحمد بن علی بن أحمد بن دعیج (1190- 1268 ه)

اشارة

خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 187

ترجمة المؤرخ الشیخ أحمد بن علی بن أحمد بن دعیج (1190 ه- 1268 ه)

الشیخ أحمد بن علی بن أحمد بن سلیمان بن عبد اللّه بن راشد بن علی بن علی أیضا بن أحمد بن إبراهیم بن موسی بن دعیج، الکثیری نسبا، المرائی- بفتح المیم- بلدا، الحنبلی مذهبا، هکذا نسبه من خط یده، فهو من آل کثیر، القبیلة الشهیرة فی نجد، و التی ینتهی نسبها إلی بطن کبیر من بنی لام، القبیلة الطائیة القحطانیة التی انتقلت من جنوب الجزیرة العربیة، و نزلت فی جبلی طی‌ء: أجی و سلمی، و تفرع من طی‌ء أربع قبائل: بنو لام، و آل کثیر، و الفضول؛ و الفضول کانوا بادیة نجد فنزحوا إلی العراق، و لم یبق منهم فی نجد إلّا أسر متحضرة.
ولد المترجم فی بلدة (مرات)، إحدی بلدان الوشم، و المشهورة بقصائد ذی الرمة و غیره من شعراء العرب، و ولادة المترجم فی عام 1190 ه، فنشأ فی بلده و أخذ العلم عن بعض علماء نجد ممن عاصرهم، و کان وقت طلبه هذا هو الوقت الذی انتشرت فیه دعوة الشیخ محمد بن عبد الوهاب فی ربوع نجد، و إننا لنری أثرها فیما وصل إلینا من نظم
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 188
و کلمات المترجم، فله نظم جید فی نکبة الدعوة السلفیة النجدیة علی ید إبراهیم باشا، نترکه یحدثنا عنها، فیقول: (فاستخرت اللّه تعالی علی ذکر القوقعة الکبری التی قصمت الظهور، و فصمت العری و فرقت البوادی و أهل القری و هی حملة إبراهیم باشا بن محمد علی وزیر مصر علی نجد سنة ثلاث و ثلاثین و مائتین و ألف حیث هدم أسوارها کلها، و هدم الدرعیة و قطع نخیلها، و تسفیره آل سعود و آل الشیخ إلی مصر، و ترکنا ذکر ما سواها من وقائع نجد، و صلی اللّه علی نبینا محمد).
ثم شرع فی نظمه الرجزی مفتتحا بقوله:
یقول عبد أصله من ماءو الحنبلی المذهب المراء
إلی أن قال:
فاسمع وخذ تاریخ قرن ثالث‌و ما جری فیه من الحوادث
إلی أن قال:
سنة ثلاثة مع ثلاثین مضت‌من قرننا المذکور و البلوی دهت
دهی العساکر مع وزیر مصراأتت علی نجد بنار حمرا
و قبله کأنها عروس‌و الخیر فی أرکانها یمیس
أمیرها السمیدع المحامی‌بنفسه عن حوزة الإسلام
عبد العزیز أمیر أول عصرناو فضله یزکو به مصرنا
یفوز بالقرآن و الآثارو نهجه طریقة المختار
من بعده قام ابنه سعودو أعلن الرایات و البنود
و أحسن السیرة و السلوکاو أرهبت هیبته الملوکا
و بعدهم قام الإمام البارع‌و کم له فی الترک من وقائع
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 189 عبد الإله اللیث أبو سعدولد سعود الندب مثل الفهد
فی نحره قام أفندم باشاو فوق السهم له وراشا
و نازل العوجا بحرب صارم‌ضرب تقل دونها الأراقم
حاصرها بالدوم سبعة أشهرأبو سعد سکانها و الأنجر
بضربه القلوب منهم بالوهن‌حاشا مشاهیر و فیصل ما جبن
و بعضهم علی العدا تهافتواو آخرون بالمکاتب خافتوا
و أهل السهل جمیعهم فاهلسواو أدخلوا العسکر علیه دلسوا
و النصف من أهل الطریف ثارواوصفقوا جناحهم و طاروا
و خلفوه بقصره وحیداو ما قضی للرب فلا محیدا
و أخرجوه من منیع أوطانه‌بأمر من لا ینقضی سلطانه
کم قبلنا أباد ربی من أمم‌من بعد نوح مثل عاد و إرم
و فیما مضی کم دولة قد دالت‌ثم انقضت مدتها و زالت
مصیر دنیانا إلی المحاق‌ثم البقا للواحد الخلاق
وذا بحق ما جری علی السعودو کل محبوب لنا من الحقود
و بعدهم أهل الظنون الفاسدةتیقنوا النعمة علیهم خالدة
فیا لها من بیضة تفلقت‌حدائق بعد التفاف قطعت
و طالما کانت محل أنس‌و رحب ساحات بها للنفس
و کم بها من ملک غطریف‌و شیخ علم جهبذ ظریف
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 190
و هو رجز طویل سجّل فیه بعض أخبار هذه الحادثة الکبری عن معاینة و مشاهدة، و هو رجز لا یخلو من الخلل فی وزنه و إعرابه، و لعل ذلک الخلل من النساخ الذین تناقلوه.
کما اطلعت له علی نظم آخر قدّم له بهذه المقدمة الآتیة قال: (کتاب الدر الثمین عقیدة الموحدین، و سبب تألیفه أنه ورد علیّ جواب من بعض الإخوان سنة ثلاثة و ثلاثین و مائتین و ألف یرید أن أعرض علیه ما نحن علیه من الاعتقاد و أخبار الصفات، فأجبته و للّه الحمد، و هی معروضة علی علماء المسلمین لتبیین الصحیح و التنبیه علی الخطأ حتی نرجع عنه- إن شاء اللّه- إلی الصواب).
و مطلع النظم هو:
باسمه أبدا کل امری‌ء تبرکاو حفظا له لا یعتریه جذامها
و ثنیت قبل النظم للّه حامدامصلّ علی المبعوث أحمد مقامها
إلی أن قال:
و اقبل أخبار الصفات کما أتی‌بها النص لا ینفک عنک مرامها
... إلخ.
و لمّا قتل قاضی مرات الشیخ إبراهیم بن حمد بن مشرف فی الماویة موارد میاه بین المدینة و القصیم عام 1232 ه، فی المعرکة التی وقعت بین الإمام عبد اللّه بن سعود و إبراهیم باشا، و استولی إبراهیم باشا علی بلدان نجد، و صار کل بلد یحکم نفسه بنفسه بسبب اضطراب البلاد عینه جماعته أهل مرات قاضیا، فلما عاد حکم آل سعود مرة أخری بإمامة ترکی ثم
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 191
الإمام فیصل أبقیاه علی عمله حتی توفی فی عمله و بلده عام 1268 ه.
رحمه اللّه تعالی.
فائدة: آل دعیج منهم الشیخ الفصیح الشاعر قاضی الوشم زمن الإمام فیصل بن ترکی، و هذا الشیخ له ذریة صاروا أربع أسر: آل عبد اللّه، و آل عبد الرحمن، و آل دعیج، و آل محمد، و صاروا الآن أسرة کبیرة منتشرة فی بلدان المملکة العربیة السعودیة.
***
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 192
الشیخ أحمد بن علی بن أحمد بن سلیمان بن عبد اللّه بن راشد بن علی بن علی أیضا بن أحمد بن إبراهیم بن موسی بن دعیج الکثیری نسبا المرائی- بفتح المیم- بلدا الحنبلی مذهبا، هکذا من خط یده، فهو من آل مغیرة القبیلة الشهیرة فی نجد و التی ینتهی نسبها إلی أنها بطن کبیر من بنی لام القبیلة الطائیة القحطانیة.
ولد المترجم له فی بلدة- مرات- إحدی بلدان الوشم و المشهورة بقصائد ذی الرمة و غیره من شعراء العرب، و ولادة المترجم له فی عام 1190 ه فنشأ فی بلده و أخذ العلم عن بعض علماء نجد ممن عاصرهم و وقت طلبه هذا الوقت الذی انتشرت فیه دعوة الشیخ محمد بن عبد الوهاب فی ربوع نجد و إننا نری أثرها فی ما وصل إلینا من نظم و کلمات المترجم له، فله نظم جید فی نکبة الدعوة السلفیة النجدیة علی ید إبراهیم باشا نترکه یحدثنا عنها. فیقول:
(فاستخرت اللّه تعالی علی ذکر الوقعة الکبری التی قصمت الظهور و فصمت العری و فرقت البوادی و أهل القری و هی حملة إبراهیم باشا بن محمد علی وزیر مصر علی نجد سنة ثلاث و ثلاثین و مائتین و ألف حیث هدم أسوارها کلها و هدم الدرعیة و قطع نخیلها و تسفیره آل سعود و آل الشیخ إلی مصر. و ترکنا ذکر ما سواها من وقائع نجد و صلّی اللّه علی نبینا محمد).
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 193
ثم شرع فی نظمه الرجزی مفتتحا بقوله:
یقول عبد أصله من ماءو الحنبلی المذهب المراء
إلی أن قال:
و بعدهم أهل الظنون الفاسدةتیبقوا النقمة علیهم خالده
فیا لها من بیضة تفلقت‌حدائق بعد التفاف قطعت
و طالما کانت محل أنس‌و رحب ساحات بها مجالس
و کم بها من ملک غطریف‌و شیخ علم جهبذ ظریف
و هو رجز طویل سجل فیه بعض أخبار هذه المحادثة الکبری عن عیان و مشاهدة و هو رجز لا یخلو من الخلل فی وزنه و نحوه.
کما اطلعت له علی نظم آخر قدم له بهذه المقدمة الآتیة قال: (کتاب الدر الثمین عقیدة الموحدین و سبب تألیفه أنه ورد علی جواب من بعض الأخوان سنة ثلاثة و ثلاثین و مائتین و ألف یرید أن أعرض علیه ما نحن علیه من الاعتقاد و أخبار الصفات فأجبته و للّه الحمد و هی معروضة علی علماء المسلمین لتبیین الصحیح و التنبیه علی الخطأ حتی نرجع عنه- إن شاء اللّه- إلی الصواب).
و مطلع النظم هو:
باسمه أبد کل أمری تبرکاو حفظا له لا یعتریه جذامها
و ثنیت قبل النظم للّه حامدامصل علی المبعوث أحمد مقامها
إلی أن قال:
و اقبل أخبار الصفات کما أتی‌بها النص فهو ذآک مرامها
... الخ.
و لما قتل قاضی مرات الشیخ إبراهیم بن حسن بن مشرف فی الماویة
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 194
عام 1232 ه فی المعرکة التی وقعت بین الإمام عبد اللّه بن سعود و إبراهیم باشا و استولی إبراهیم باشا علی بلدان نجد و صار کل بلد یحکم نفسه بسبب اضطراب البلاد عینه جماعته أهل مرات قاضیا فلما عاد حکم آل سعود مرة أخری بإمامة ترکی ثم الإمام فیصل أبقیاه علی عمله حتی توفی فی عمله و بلده عام 1268 ه- رحمه اللّه تعالی-.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 195
() صورة الورقة الأولی من تاریخ ابن دعیج
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 196
() صورة الورقة الأولی من کتاب «نظم الدر الثمین فی عقیدة الموحدین» لابن دعیج
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 197
() صورة الورقة الثانیة من کتاب «نظم الدر الثمین فی عقیدة الموحدین» لابن دعیج
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 199
بسم اللّه الرّحمن الرّحیم کتاب الدر الثمین فی عقیدة الموحدین
[...] أحمد بن علی بن أحمد بن سلیمان بن دعیج سامحه اللّه تعالی، الحنبلی مذهبا، و الکثیری نسبا، و المراء: بفتح المیم و الراء، و کسر الهمزة، بلدا [...] و سبب تألیفه ورد علیّ جوابا من بعض الإخوان سنة ثلاث و ثلاثین و مائتین و ألف، یرید أن أعرض علیه ما نحن علیه من الاعتقادات فی دین الإسلام، و أخبار الصفات، فأعرضت عن جوابه کأن لم أسمع، فثنا القول علیّ بأبیات و رجع، فأجبته و للّه الحمد بما تسمع، و لست من أهل ذلک المرام، لکن ربّ رمیة من غیر رام، و هی معروضة علیه و علی علماء المسلمین لتبیین الصحیح، و التنبیه علی الخطأ، حتی ترجع عن [...] إلی الصواب الصریح [...] علی الجواب قول بعض أهل العلم أن معنی القول یرجع إلی مراد قائله، و اللّه المسؤول الکریم المأمول، أن ینفع بها و یلقی، علیها الستر و القبول،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 200
و یقیض لها فتی یرقأ صرحها العالی [...] لها معاینا لم تخطر ببالی، و یقیم عمدها و یصلح أودها، و صلّی اللّه علی محمد و آله و صحبه و سلّم حینئذ [...] .
یقول أحمد سبحان من کان أولی‌علی فی السما قیومها و سلامها
بسمه أبدی کل امری‌ء تبرکا،و حفظا له لا یعتبریه جذامها
و نثبت قبل النظم للّه حاملا،مصل علی المبعوث أحمد مقامها
و آل و الصحب الخیارا لی النهی،و من جاء بالإحسان یفقد اکرامها
ساداتنا انصاب سنة نبیناحفاظها محققی اعلامها
علیهم سلام عنبری مضاعف‌بحور العلوم و بدور تمامها
و ثلثت بالشکر الجزیل، فإنی‌للنعم جلابا و قید انهزامها
و اسأل مولای المعافات ضارعابأسمائه الحسنی لنفسی دوامها
یجنبنی کل المهالک و الردیّ‌و السبل یسلک بی سویّ قوامها
دعی اللّه لی بالوشم دارا سکنتهاو حماها من الأسوأ، و صاب عمامها
و خص وادیها بفیض سحابةکان هدیر الفحل یشبه رزامها
ولن أستطیع بالنظم حصرا لعدهالکن ما ذکر مخها و ادامها
فأوله الایمن باللّه وحده‌الملک القدوس باری أنامها
قدیم بلا شک و لیس بحادث‌لأن الحوادث لا یدوم دوامها
ذواتنا قوامها بذاته وذاته بذاته قوامها
و الخلق یفنی و البقاء لوجهه‌جمیع البرایا حاکم بانعدامها
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 201 إله علی عرش السماء قد استوی‌رفیع درجات لا یرام مرامها
تملأ جرتها، و تروی نخیلهاو تسقی مرعا، و هدها اکامها
مرات لعل اللّه نعم طلوعهافشاءت بها عشی کمیت امامها
فلا بصرة أمی، و لا هجرها أبی‌و لا سک ببنی مصر أو شامها
و عین غیری بالعراق قریرةو لا نفعتنی مدن مصر و شامها
تعز علینا فهی مسقط رؤوسنا،و اباء صدق فی الضروح عظامها
و حیا زمان ی رباها للفتیةسنینا عسی، ربی یدیم ابسامها
یبسط رزق و الهبات علی الهدا،و ینسی لنسی تریدفع سامها
و یصفح عن العصیان فیما تکرما و یسمح بالغفران عند ختامها فکا و من قال امین فیا رب هب له
أمانا من نار تلظی إضرمهاو یا أیها الراکب من العیس حرة
منسوبة سامت و طال سنامهافتی، یشابه وق عوج ضلوعها
ألف أقیمت فوق عطفة لامهامن ربع مراة هدیت إلی الحسا
ایخ : فی مبرزها فأنت غلامهاسلم علی حلو القویض و قل له
یا شیخنا احذر لا کن بلعامها تر ابن بعینا عنه ما غلی ذکاؤه‌اعلم فخیرا منه جمیل ندامها
و معاوض نصوص مصطفی بغصوصةیود محیصا حین ینجوا طغامها
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 202 فکن اثریا یا أخا العلم منصفاو لا تکن طیاشا ألد خصامها
و للحق فاتبع، وعص للنفس و الهواو دنیاک لا تشرب حمیا مدامها
فتندم و لکن کن لنفسک لا حیاعلی غلطات، واصح لسقامها
بینت روحک کما قد قیل فی مثل‌خالف لتعرف یا عذیق کهامها
و لسانک لا یفرسک إن کنت عاقلافإنه أضری من سباع اجامها
و کن جلیس بیت دع زمان فأهله‌کأصحآب هیب أو کلاب رمامها
و لازم یا عبد الإله نصیحتی‌و نفسی أولی أن أشد خطامها
و سل الهدی إن الهدایة کلهاعطاء من له اقلیدها و زمامها
و لما اعتقادی یا خی فإننی‌سأنشیه إیمانا عجیبا نظامها
سمیع، بصیر، قادر، متکلم،مرید إراد الکائنات علومها
و واجب اثبات جمیع صفاته،و اسمائه جمعا، بعد انقسامها
یکفیک منها ما رضاه لنفسه،و سواه [...] حالک ظلامها
و کلامه القرآن وحی منزل،علی المصطفی أزکی الوری، و إمامها
و اقبل أخبار الصفات کما أتت‌عن اللّه، و الهادی سبیل سلامها
و أثبتها یا صاح، لا متؤولا،و اهجر باب البدع و کلامها
و حسبی مراد اللّه منها، فإننی‌بها مؤمن حیّا و بعد [...]
و اللّه أکبر أن تجد صفاته،أو أن تقاس علی صفات أجسامها
أو أن تکیف ذاته بخواطر،و هواجس، و لو ذکت افهامها
و الأصل أن اللّه لیس کمثله‌شی‌ء، تعالی عن جمیع أوهامها
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 203 ففی غد لا یسأل اللّه خلقه عن‌لکیف، للذات الرفیع مقامها
و لا الصفات قدست و تبارکت‌وجلت ثناؤه، لیس یفنی دوامها
و لا عن قضاء یقضی الحکیم لخلقه،فهو المقدس لجمیع أحکامها
لا تسألنی عن فعلته [...] ...... طمطامها
و لکنما التکلیف ماذا عبدتم‌و ماذا أجبتم، مرسلین کرامها
و نهی نهاکم و امتثلتم أوامره،فهذا المراد لا یرید طعامها
و لکن المطعم لما کان خالقا،فی ظلمة الأرحام قبل اهتمامها
فکن طالبا، ما کنت عنه مطلبا،و صفات مولانا علی علّامها
و اشهد أن الهاشمی مبلغ، إذاقمت الأشهاد یوم قیامها
و ینطق وحی من منام و یقظة،کذا و جمیع الرسل وحی کلامها
و بعث إلهی للجسوم و حشرها،علیه رعد یوم نفخة قیامها
و جنته للمؤمنین [...] ویلاه للکافرین اضطرامها
و لیس سوی هاتین للخلق منزل،أفیقوا، أفیقوا با سکاری نیامها
و تذهب دنیانا و دین بفرقة،کذا الذل و الفتنة یثور قتامها
و صلاح دنیانا و دین، و سبلنابجماعة اسلام، و نصب إمامها
إمام شجاع للشریعة ناصرا،بسیف الجهاد، إن الجهاد سنامها
و دیننا الإسلام خمس فرائض،ربی یمنّ إن هدی لالتزامها
شهادة أن اللّه لا رب غیره،و محمد خیر المرسلین ختامها
و صلاة خمس، و الزکاة لماله،و أیام شهر الصوم یکمل صیامها
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 204 و حج بیت اللّه فی العمر مرة،فبادر به [...] قبل نهدامها
و أمر بمعوف، و نهی لمنکر،و حلّ حلال و اجتناب حرامها
فکل من دان لا إله بفعلها،مقرا بها بعمل، متم تمامها
و الأدیان یترک غیر سنة أحمد،فیعض بأنیاب النواجذ زمامها
و سوی اللّه یکفر بالمعابید کلها،و العروة الوثقی فامسک عصامها
فهذا اعتقاد الشیخ غایة مذهبی،نعم بالمعانی فی العلوم و إمامها
فأخینا أخینا لا تحل لماله،أیضا. و قتل النفس فهو حرامها
و لست براض أن یکفر بعد ذابفعل ذنوب، و اکتساب احترامها
و نکفر من بلغته دعوة نبینا،فأبی و عاند، ما نکفر عمومها
فهذا اعتقاد أشیاخنا أعلام عصرنابنجد، لعل السحب فیها انسحامها
عی العلماء فی کل جیل تحیة،فهم زینة الأرض نجوم ظلامها
و ناظمها العبد الفقیر لربه،سلیل دعیج من کثیر ابن لامها
أسیر ذنوب أثقل الظهر حملها،إلی اللّه یشکو دقها و عظامها
فکم له عندی من أیاد جمیلة،وطنی به غفران ذنبی تمامها
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 205
بسم اللّه الرّحمن الرّحیم أقول: أنا الفقیر إلی اللّه، أحمد بن علی بن أحمد بن سلیمان بن دعیج بن [...] الحنبلی مذهبا، و الکثیری نسبا، و المراء: بفتح المیم بلدا من کتب أخبار عصره، فقد أشهد عصره من لم یکن من أهل عصره، و قصص الأولین مواعظ الآخرین و قد امتن اللّه علی رسوله محمد صلّی اللّه علیه و سلّم، حیث قال جل من قائل: وَ کُلًّا نَقُصُّ عَلَیْکَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَکَ [هود: 120].
فمن کتب ما رأی أو سمع من أخبار الأمم الماضین لمن بعده، فقد أهدی إلیهم ما لیس عندهم، فلعل من یأتی فی آخر الزمان یصبه بلاء، فیظن أنه أول مبتلی، فإذا سمع التواریخ، و ما جری علی من سبق، سکن روعه، و اطمأن قلبه، کما قیل: طالع تواریخ من فی الدهر قد وجد تجد هموما تسلی عندما تجد تجد أکابرهم قد جرعوا غصها من الرزایا [...] و أقول: جزی اللّه بالخیرات من کان قبلنا، لقد غرسوا حتی أکلنا، و إننا لنغرس حتی یأکل الناس بعدنا، فاستخرت اللّه تعالی علی ذکر
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 206
الواقعة الکبری، التی قصمت الظهور، و قصمت العری، و فرقت البوادی، و أهل القری، و هی [...] إبراهیم باشا بن محمد علی وزیر مصر علی نجد سنة ثلاث و ثلاثین و مائتین و ألف، و هدمه أسوارها بالجملة، و هدمه الدرعیة، و قطع نخیلها، و تسفیره آل سعود و آل الشیخ إلی مصر، و ترکنا ذکر ما سواها من وقائع نجد، و صلّی اللّه علی سیدنا محمد و علی آله و سلّم.
یقول عبد أصله من ماء،الحنبلی المذهب [...]
بفتح میم أصح لا نظمها،فظمها یا صاح غایة ذمها
دخیل مولاه الفقیر [...] أمّل یهدیه طریق محمدا
[...] عن مساویا نساها،عتید فی کتابه أحصاها
بالجود و العفو و بالغفران،مع الرحمن، و الفوز بالجنان
و والدیه، و سامع مؤمنا،و من سعی فی نفعنا، داع لنا
أول ما أبدأ به المبانی،باسم ذی المواهب، المنان
و الحمد، فهو اللّه مستحقه،حمدا کثیرا عنه یعجز خلقه
مستغرقا للحمد و المحامدجمیعها، و هو علیها زائد
نحمد به معبودنا و الرب‌سبحانه، فهو لنا مرب
ثم الصلاة و السلام بالوفی‌ء،علی النبی العربی المصطفی
محمد المختار، سید البشرمال له الأکوان و انشق القمر
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 207 و آله و صحبه کلاهما،و تابع یتبع، و من ولّاهما
م هلّت السحب من الأمطار،و سجعت ألحانها الأطیار
و بعد ذا أذکر وقائع عصرنا،لطلب یسأل و یأتی بعدنا
لعله یدعو لنا بالمغفرة،و الفوز آخدا مع وجوه مسفرة
فلعل من یلحق یصبه بلاء،فیظن أن الفر اؤل مبتلا
فیسمع التأریخ أو یطالع،فیری الحوادث فیه، و القوارع
علی الأوائل و الأواخر قد جرت،من بعد آدم کل حی لطمت
فیسکن لذلک روعه، و یطمئن،و ساخط المقدور بالبلوی قمن
و مطالع التأریخ صاعد سلمان‌یشرف علی ما قد جری فیعملن
بکل جیل تظهر العجائب،و تملأ الطروس بالغرائب
فاسمع، و خذ تاریخ قرن ثالث،و ما جری فیه من الحوادث
من بعد ألف قد مضی محررا،من هجرة شرفها خیر الوری
بنجد شاء ذکر ما جری تجمیلا،و اترک التبعیض و التفصیلا
و مقفلا یا صاح للصغیرة،و واسما للمحنة الکبیرة
سنة ثلاث مع ثلاثین مضت،من قرننا المذکور و البلوی دهت
و هی العساکر مع وزیر مصرا[...] علی نجد بنار حمرا
و قبله کأنها عروسا،و الیر ذکره یملأ الطروسا
أمیرها السمیدع المحامی‌بنفسه عن حوزة الاسلامی
عبد العزیز [...] عصرنا،فضائله تزکّوا بغیر نعشنا
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 208 یسوس بالقرآن و الآثارو نهجه طریقة المختار
من بعده قام ابنه سعود،و عقد الرایات و البنود
و أحسن السیرة و السلوک،و الهیبة هیبة الملوک
و جنّد الجنود للجهاد،و دوّخ الحضار و البواد
فی عصرهم أیامهم بواسم،و هبائب العز لهم نواسم
و نعمة الاسلام ذاک الوقت،کل رآها غیر أهل المقت
و عمت الراعی مع الرعیةهتیم و الاشراف بالسویة
سارت بها الأنثی الظعینة وحدها،و الثعلب [...] من فهدها
و بعدهم قام الإمام البارع،و کم له فی الترک من وقائع
عبد الإله اللیث، أبو سعد،ولد سعود الندب مثل الفهد
فی نحره قد قام أفندم باشا،و فوق السهم له وراشا
بعساکر السلطان، و محمد علی،و کم قبله لوادی یطم علی [...]
أتی بکید ما رأینا مثله،و أجلب علینا خیله و رجله
وشب نار الحرب فوق الرس‌ثلث السنة یضربهم بالقبس
و صبروا، و صبرهم قد بانا،اصبر فی الهیجا من أبانا
رجال صدق فی اللقاء و الباس،أعیانهم و شیخهم قرناس
ساورهم فندینا بکل فن،نعم بأهل الرس [...] الوسن
و علی عنیزة مع بریدة، کهلا،فراعهم من سواد الظلا
و قالت أریاهم، و ضاق المخرجا،و الذل فی قلوبهم تولجا
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 209 و ابتهجوا بالصلح و الأمان،و هم رجال الحرب و الطعان و شقرا علیها بشرنا و الحرب،
بالقبس ضربا مثل رجم الشهب‌نهارهم یشبه مهب عاصف،
و لیلهم بالوصف رعد قاصف‌ثلاثة أیام علیهم طالت،
و أفزعت قلوبهم و هالت‌و فنیت الأنساب و الاسوار،
و لم یبق، لا خندق دوّارو التفت الاشراک و الشباک،
و أیقتوا بالعطب و الهلاک‌و حومت علیهم المنیّة
و أنجاهم اللّه بصدق النیةو دار رحی الحرب علی الحمادة،
و خصهم مولای بالشهادةنرجو لهم من ربنا غفرانا،
لصبرهم، و الفوز بالجناناو باقی القری فسابلوا و قابلوا،
و اعرابهم فارحلوا و عاملواأف لهم خافوا علوج الوری،
و الصبر من نفوسهم معدوی‌و نازل العوجاء بحرب صادم،
لکن [...] و نهار راقم‌حاصرها بالروم سبعة أشهر،
أبو سعد سکانها و الأبخرأبوابها جده مع اجتهاده،
لکن مولانا له مراده‌بضربه القلوب منهم بالوهن
حاشی مشاهیر و فیصل ما جبن‌و بعض علی الباشه فهم تهافتوا،
و آخرین بالمکاتب خافتواو أهلا و سهلا جمیعهم فأهلوا،
و أدخلوا العسکر علیه دلواو النصف من أهل الطریق نادوا،
و صفقوا أجناحهم و طارواو خلفوه بقصر، وحیدا،
و قضی إلا إله فلیس عنه محیداو أخرجوه من منیع أوطانه،
فعز من لا ینقضی سلطانه خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 210 و لا یرام، و لا بکیده کائد،و لا یبید، و کل شی‌ء بائد
مالک جمیع الملک، حی دائم،و سواه مملوک، و أنفه راغم
و ملکه جدید، ثابت الأرکان،و لا یضام، و لا له أعوان
و کم قبلنا أباد ربّی من أمم،من بعد نوح، مثل عاد و إرم
و فیما مضی کم دولة قد دالت،ثم انقضت مدتها، و زالت
و کم فی المقابر من اشم المعطسا،رماه سهم حادث فقرطسا
و سکان نجد فی حساب الناس،کقطرة فی البحر بالقیاس
و مصیر دنیانا إلی المحاق،ثم البقاء للواحد الخلّاق
و ذا یعزینا عن آل سعود،و عن کل محبوب لنا مفقود
و بعدهم أهل الظنون الفاسدة،تیقنوا النعمة علیهم خالدة
فانقلت أیامهم دواهی،و بدلت دروسهم ملاهی
و بیوتهم ملاعب للبومی،یسمع بها صوت الصید الموهومی
فیا لها من بیضة تغلّقت،و حدائق بعد التقاف قطعت
و طالما کانت محل آنس،و رحب ساحات بها و مجالس
و کم بها من ملک غطریف،و شیخ علم جهبذ ظریف
و من آن زال الملک من رجالها کل[...] ثم قال لا نالها
و سادنا منهم حسین مع حسن،و أشیاعهم من نجد یا بئس الزمن
تآزروا بالقتل، و المصادرة،اللّه یکفینا وجوده باسره
و السبل فالأعراب قطعوهابالختل و الأموال نهبوها
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 211 فاضطربت أیامنا و اختلت،سبع سنین سقمت و اعتلت
و أظلمت نجد، و ثارت الفتن،و استنسر البعوض و الثعلب فتن
فانتدب الشهم الموفق ترکی،و جرد الأجرب نظام الملکی
و أورد الأعداء بحار الهلکی،وقظ من نجد قصور الترکی
ولاح بدرا طالعا فی السعد،و کفّ شرا، و استقرت نجد
فانصلحت به الأمور الفاسدة،و أرغم اللّه [...] حاسده
و استنقذ الملّة و الخلافة،و ناف فعلا عن فعال أسلافه
یا رب یوهن من نوی خلافه،و تبقیه ذو عز لنا سنینا
یا سامعا للنظم قل آمینا،و بدعی صدور النظم و القوافی
حب أهل العدل و الإنصاف،و لیس مقصودی و لیس شافی
أطلب به شیئا من المعانی،فخیر وال عادلا بصیرا
شبیه عمر، و یحسن التدبیرا،یقوم الوهین فیها عالما
و عن الرعیة یرفع المظالما،و موفیا للعهد، و الذمامی
و حامیا لحوزة الاسلامی،یجهز الجیوش للمغازی
و یقمع أهل الشین و المخازی،و ینصر المظلوم و الحدود
یقیمها و یکرم الوفودا،و ینصب القضاء أهل العلم
و منفذ لقولهم فی الحکم،مفتقدا للضیف بالإکرام
و فی الحروب ماهرا مقدامی‌یقرب أهل الخیر و الأمانة
و یجعلهم شعاره و البطانة،و یبعد أهل الشر من نادیه
و یقصیهم و لو کانوا ذویه،و میزان أفعاله علی هدی النبی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌4، ص: 212 بخ له، فذاک عنقا مغرب،و الحمد حقا و له و آجزه
لمالک الدنیا ملیک الآخرة،معبودنا أهل الشأو و المجد
جزل العطایا مستحق الحمد،موجد جمیع الخلق من بعد العدم
سبحانه، و هو المربی بالنعم،و إن تعدوا النعم لا تحصوها
یا معشر العباد فاشکروها،فالحمد و الشکر علیکم فرضا
و جزاؤه، فهو علیه فرضا،و تمت المبانی لحربته
ابیاتها عرائس مجلیة،أعیذها من طعن شامخ باللّه
و هو الغبی و الجهالة وصفه،[...] علیها الستر و القبول
بجاه طه، السید الرسول‌الهاشمی المصطفی التهامی
و آله و صحبه الکرامی،صلی علیهم ربی و سلما
ما دارت الأدوار و أفلاک السماءو اغفر لنا یا رب و امنحنا الرضی
و عافنا و اکفنا سوء القضاء،و الأهل و الجیران و الأقارب
و [...] حاضرا و غائبا،أبیاتها [...] ......
فلا تمل عنه هنا أو هنا

الجزء الخامس‌

تاریخ عبد اللّه المحمد البسام‌

اشارة

تألیف المؤرخ العلامة الشیخ عبد اللّه بن محمد بن عبد العزیز بن محمد البسام (1275- 1346 ه)
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 6

ترجمة المؤرخ الشیخ عبد اللّه بن محمد بن عبد العزیز البسام‌

(1275 ه- 1346 ه) الشیخ المؤرخ عبد اللّه بن محمد بن عبد العزیز بن حمد بن إبراهیم بن عبد اللّه ابن الشیخ أحمد بن بسام، و قد فصلنا نسب آل بسام فی ترجمة الشیخ صالح بن حمد البسام.
ولد المترجم فی بلدة عنیزة عام 1275 ه و نشأ بها، و هو رابع إخوته الأشقاء الذین قتل والدهم فی (معرکة المطر) بین أهل عنیزة و الإمام عبد اللّه الفیصل، و ذلک عام 1279 ه، و کان أکبر إخوانه حمد لا یتجاوز السادسة عشرة من عمره حین قتل والده، و یلیه عبد العزیز، و یلیهما المترجم الذی لا یتجاوز عمره الرابعة، ثم أصغرهم عبد الرحمن الذی کان حملا فی بطن أمه حین قتل والده، و مع أن والدهم لم یخلف لهم مالا إلّا أن توفیق اللّه تعالی و عنایته ثم نجابتهم و أصالتهم جعلت منهم رجالا نجباء أثریاء وجهاء فی البلاد، فإن حمدا فی شبابه قام بعمل تجاری بسیط بین بلده عنیزة و بین سوق الشیوخ و نحوه من البلدان التی تورد منها البضاعة، و جعل إخوته شرکاء له فی تجارته و هم صغار، فلما کبروا و صار
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 8
له منهم مساعد علی أعماله ففتح له بیت تجارة فی جدة، فلما اتسعت أعمالهم نقلوها من جدة إلی البصرة، فلما زادت فتحوا بیت تجارة آخر فی الهند، فصار حمد و عبد الرحمن یعملان فی بیت البصرة بالتناوب، و عبد العزیز و عبد اللّه یعملان بالتناوب فی بیت الهند، فاتسعت أعمالهم و ربحت تجارتهم، و صاروا من أثریاء نجد المعدودین.
و القصد أن المترجم مع أعماله التجاریة کانت هوایته و رغبته فی القراءة و المطالعة و جمع الکتب و أغلب میوله إلی التاریخ و الأدب و السیاسة و معرفة أحوال البلدان و الرحلات، فصارت لدیه ثقافة و معلومات واسعة فی هذا الباب، فتحصیل المترجم للعلم هو من المطالعات و مجالسة العلماء و الأدباء و المفکرین، و لیس من دراسة منظمة فی حلقات العلم، لذا فإن مشارکته فی العلوم الشرعیة و العلوم اللسانیة لیست کبیرة.
و أخبرنی عمی سلیمان أن المترجم کتب کراریس کثیرة من الفوائد فی التاریخ و الأنساب و الأشعار و الأخبار، و أنه أطلعه علیها عنده و استعارها منه و هی مثل: (ما رأیت و ما سمعت)، التی جمعها من مشاهدات الأستاذ الزرکلی.
و فی زیارتی إلی عنیزة فی ذی القعدة عام 1400 ه جئت بصورة من کراسة تتألف من 18 صحیفة للمترجم تتضمن و فیات بعض الأعیان و بعض الأخبار الهامة، و أصلها عند عبد الرحمن البراهیم العبد الرحمن البسام.
و لم یزل المترجم فی تجارته مع إخوانه حتی عام 1329 ه، حیث ألقی عصا التسیار فی عنیزة، و صار لهم أولاد نجباء متعلمون یجیدون
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 9
الکتابة و الحساب، فقاموا بالأعمال التجاریة عنهم، کما قاموا بتدبیر و تصریف عقاراتهم التی فی البصرة.
أما المترجم فاستقر فی عنیزة، و فلح بستانهم الکبیر فی عنیزة المسمی (المهیریة) ثم فی عام 1340 ه حفر بئرا عذبة غزیرة الماء لهذا البستان بعد أن استملحت الأولی، فصارت الثانیة موردا لمن حولها من سکان البلد و قد وصفها (أمین الریحانی) فی رحلته إلی نجد، و ذکر هذا البستان و البئر التی زار فیها المترجم، و استفاد من معلوماته التاریخیة حتی قال: (عبد اللّه بن محمد البسام فهو علی علمه و أدبه و روحه العصریة فی کثیر من أمور الحیاة لا یرید أن یتقدم الإمام عبد العزیز بجلب الآلات البخاریة لإخراج الماء من البئر).
و قال الریحانی أیضا: (و کنت استعنت عند ما مررت بعنیزة بالشیخ عبد اللّه بن محمد بن عبد العزیز البسام، فکتب لی لائحة بأسماء بلدان القصیم و سدیر و العارض).
و قال أیضا: (و الشیخ عبد اللّه البسام الذی قال فیه عظمة السلطان إنه من العارفین المدققین هو مرجعی فی النبذة الأولی). ا ه.
و لما أخرج ماء هذه البئر عام 1341 ه أرخ ذلک بهذه الأبیات:
رجوت رحیما و استعنت بعونه‌کمستمطر یرجو المنی من غمامه
علی حفر بئر فاق ما کان قبله‌فجاء نمیرا یستقی من جمامه
و لما استتم البئر قلت مؤرخاحمدت کریما من لی بتمامه
452/ 271+ 130+ 488 1341 ه
و فی أثناء إقامته الأخیرة فی عنیزة أکمل تاریخه الذی ابتدأ تألیفه فی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 10
الهند و الذی سماه: (تحفه المشتاق فی أخبار نجد و الحجاز و العراق) و الذی یعد بحق أحسن و أوفی و أعدل تواریخ نجد.
کما ألّف مجموعا فی الأدب و الحکم و الأشعار و سماه: (الدلیل المفید لمن هو للدین و الدنیا مرید). قال عن تاریخ ابتداء تصنیفه هذا الکتاب: (قد اعتنی بجمعه لنفس أحقر الأنام عبد اللّه بن محمد العبد العزیز البسام مبتدأ به سنة خمس و ثمانین بعد اثنتی عشرة من المئتین من هجرة من له الفضل و الشرف).
و المترجم من الأعیان الوجهاء فی بلده و غیرها، و یحرص الأمراء و العلماء و الأعیان علی مجالسته و منادمته و الاستفادة منه، فبستانه الغنی بالماء العذب و أشجار النخیل و الفاکهة مزار لمحبیه و مجالسیه، و یجدون الصدر الرحب و النفس الطیبة و البشاشة و الطلاقة، کما یجدون عنده حسن المجالسة و المؤانسة، و لم یزل علی أحواله الحمیدة و صفاته الطیبة حتی توفاه اللّه فی عنیزة فی بستانه عام 1346 ه و ذلک الساعة الرابعة غروبی من ضحی یوم الأحد الخامس و العشرین من شهر محرم، و صلی علیه فی جامع عنیزة بعد صلاة العصر، و شیعه کافة أهل البلد من الأعیان و غیرهم، و عظمت المصیبة.
و له أبناء إلّا أنهم لم یخلفوا الآن إلّا حفیدین یقیمان فی البصرة، و له بنات لهن أبناء، فمن أسباطه الشیخ محمد السلیمان العبد العزیز المحمد البسام المقیم الآن فی مکة المکرمة و مدرّس فی المسجد الحرام، و الدکتور الطبیب الماهر حمد بن عبد اللّه بن بسام، فهذان هما من أسباطه أبناء بناته، کما أن المترجم أیضا عم أبویهما. فرحم اللّه المترجم و جعل فی عقبه الخیر و البرکة آمین.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 11
و قد أخبرنی محمد السلیمان العبد العزیز البسام بولادات جد و أعمام أبیه، و هم أبناء الجد محمد العبد العزیز البسام و هی کما یلی:
حمد المحمد سنة 1263 ه، عبد العزیز المحمد سنة 1269 ه، عبد اللّه المحمد سنة 1275 ه، نورة المحمد سنة 1277 ه، عبد الرحمن المحمد سنة 1279 ه. رحمهم اللّه تعالی و بارک فی عقبهم.
***
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 13

[مقدمة]

بسم اللّه الرّحمن الرّحیم هذه المفکرة الشخصیة للعم عبد اللّه المحمد العبد العزیز المحمد البسام رحمه اللّه.
المولود: 1275 ه (1858 م)، فی عنیزة.
المتوفی: محرم 1346 ه (یولیو 1927 م).
و قد عثرت علیها فی بیتنا بعنیزة أثناء زیارتی لها.
و یعتبر العم عبد اللّه المحمد العبد العزیز من المؤرخین المشهورین فی نجد خلال الفترة- 1880 ه (1920 م).
بدر بن عبد الرحمن بن حمد بن محمد بن حمد البسام
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 14
هذه ورقة من النبذة التاریخیة لنسخ عبد اللّه المحمد البسام بخط یده
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 15

[متفرقات]

اشارة

بسم اللّه الرّحمن الرّحیم- هدم قصر سدوس سنة 1098 ه.
- أوّل استیلاء الترک علی البصرة کان سنة 953 هجریة.
- حاصل الذهب فی العالم سنة 1326 ه: ثمانین ملیون جنیه انکلیزی و المستخرج من الفضة من معادن المکسیک و بیرو و شیلی و المستعمرات الإنکلیزیة، بلغ فی السنة المذکورة نصف ملیون ین، نقلا عن جریدة «البصیر» رقم 20 ذی الحجة سنة 1326 ه.
- التحفة الأدبیة، تألیف الوزیر کیزق التی ترجمها الخواجا حنین نعمة اللّه خوسة.
- المدینة المنورة نقلا عن جریدة «المؤید» رقم 18 شعبان سنة 1328 ه.
تحتوی علی ثمانیة آلاف منزل و سکانها نحو أربعین ألف نسمة، و ذلک حین وصول سکة الحدید إلیها التی طولها ألف و مائتین و خمسین کیلو متر.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 16

بیان بعض إعانات سکة حدید

267000 مسلمون الصین.
73000 أهل الهند.
23000 أفغانستان.
29000 أهل مصر.
00827 أهل تونس.
43000 أهل تونس.
1213 أهل الجزائر.
23000 أهل الجزائر.
150000 السلطان.
- مبلغ الدین الذی علی دولة العجم فی سنة 1328 ه:
5290000 جنیه إنکلیزی.

زیادة نفوس الدول فی کل سنة

و سنة 1326 هجریة 2464000 روس.
822000 ألمانیا.
640000 بریطانی.
374000 إیطالیا.
323000 النمسا.
229000 المجر.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 17

عدد الاشتراکیین فی العالم‌

سنة 1325 ه (1907 م) 1000000 فرنسا.
800000 النمسا.
400000 روسیا.
300000 بلجیکا.
250000 إیطالیا.
100000 انکلترا.
100000 سویسرا.
35000 الدانمارک.
50000 أسوج.
40000 هولندا.
30000 إسبانیا.
3000000 ألمانیا.
- مجموعهم سبعة ملایین إلّا قلیلا.

الذی یصرف من الأوقاف علی طلبة العلم بمصر سنة 1327 ه

جنیه مصری فی کل سنة:
24777 علی جامع الأزهر.
120486 لمشیخة علماء الإسکندریة.
5488 للجامع الأحمدی.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 18
1202 لمشیخة جامع دسوق.
900 لمشیخة جامع دمیاط.
44853 المجموع.

سنة وفیات‌

1291 ه: صالح الحمود الخنینی تقریبا بعنیزة.
1296 ه: بدیوی فی مکة المشرفة عتیبی.
1317 ه: سلیم بن عبد الحی فی الأحساء.
1318 ه: عبد اللّه بن فرج فی الکویت.
1318 ه: محمد الأحمد توفی فی البصرة من أهل عنیزة.
1324 ه: محمد بن غنیم ساکن الزبیر.
1326 ه: محمد بن هویدی توفی فی المجمعة عبد العزیز 44 ساکن نفی.

وقائع تاریخیة قبل الهجرة النبویة

سنة 6213: خلقة آدم علیه السلام.
3974: طوفان نوح.
2580: ولادة إبراهیم علیه السلام 2570.
2317: دخول یعقوب علیه السلام إلی مصر.
2291: قحط مصر سبع سنین.
2176: قتل فرعون الأطفال الذکور.
2075: خروج موسی علیه السلام من مصر.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 19
1637: داود علیه السلام.
1598: سلیمان علیه السلام.
1155: تخریب بختنصر للقدس.
583: میلاد عیسی علیه السلام.
53: میلاد محمد صلّی اللّه علیه و سلّم.

.. و بعد الهجرة

سنة 10: خلافة أبی بکر الصدیق رضی اللّه عنه.
12: خلافة عمر رضی اللّه عنه.
14: بناء البصرة.
14: فتح الشام.
20: فتح مصر.
24: خلافة عثمان رضی اللّه عنه.
35: خلافة علی رضی اللّه عنه.
40: إیجاد البارود.
40: ظهور خلفاء بنی أمیة.
75: ضرب السکة الإسلامیة.
130: إیجاد الکاغد.
133: ابتداء دولة بنی العباس.
262: تشکیل سلطنة روسیا.
432: ابتداء حکومة السلجوقیة.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 20
699: ابتداء دولة آل عثمان.
772: إیجاد الطوب.
871: فتح اسطنبول سنة 1453 م.
862: کشف أمریکا.
1051: ابتداء الجرائد فی أوروبا.
1220: إیجاد تلغراف.
1222: إیجاد البابور.
1230: إیجاد الریال.

حوادث سنة 1338 ه

- فی أول هذه السنة توفی الشیخ إبراهیم بن حمد الجاسر رحمه اللّه فی بلد الکویت راح إلیها لأجل التداوی.
- توّج الشریف فیصل حاکم لسوریا 24 جمادی الثانیة.
- فی 8 رجب: قتل عبد اللّه بن طلال النایف الرشید، الأمیر سعود بن عبد العزیز المتعب الرشید خارج حائل، و هم معدودین لخیلهم، و قتل معه واحد من عبیده، و الذی مع سعود وقت خروجه للتمشیة ابن أخیه متعب عبد اللّه و ستة عبید، و حرامهم ولد طلال إلّا ابن مهوس.
- أتی العبید قتلوا ولد طلال و ابن مهوس.
- و فی أثناء شعبان: أغار فیصل الدویش و معه الأخوان أهل الهجر علی جمیع عربان بن صباح و أخذهم.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 21

حوادث سنة 1236 ه

- وصل إلی عنیزة من بریدة قنصل الإنکلیز الذی فی الکویت متوجها إلی مواجهة عبد العزیز بن عبد الرحمن بن فیصل فی العارض، و ذلک فی 10 محرم و سار منها فی 11 محرم.
- فی 23 محرم: وصل إلی بریدة فهد بن معمر أمیرا لها بدل سعد بن جلوی 1 جمادی الآخر توفی الأخ عبد العزیز المحمد البسام فی بلد الزبیر.
- فی أول جمادی آخر: توجه عبد العزیز بن عبد الرحمن الفیصل من الشوکی إلی القصیر لمواجهة مأمور الإنکلیز المسمی فلبی، و رجع إلی الشوکی لمواجهة فلبی لأنه خرج إلیه من الزبیر و سار معه لما انکف بغزواته إلی العارض، و فیها وقع الجدری فی بلدان القصیم مات فیه أطفال کثیرة.
- فی 11 رجب و أول برج الثور: وقع برد فی الزغیبیة و الوادی.
- فی 15 رجب: و صلوا قلوط الحدرة من الکویت أخبروا بأن جمیع حدرات أهل نجد منعوهم الإنکلیز عن شیل الأموال من الکویت محتجین علیهم بأنکم تروحون فیها للشام.
- فی شعبان: وصل قدهی من مکة مخبرا بعدم قبول الشریف الحسین وجاهة ابن سعود بفکاک أولاد ابن فضل من حبسه، و أوصاه لعبد العزیز بن عبد الرحمن بن سعود برد النقا علیه، إذ کان من شره علی زکاة عتیبة، و بنی عبد اللّه، أو منعهم من مسابلة نجد.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 22
- فی شعبان أیضا [...] : علی الأخوان أهل الخرمة و کبیرهم خالد بن منصور بن لؤی قوم بعثهم الشریف الحسین کبیرهم حمود بن زید بن فوّاز و کسرهم خالد و أخذ مخیمهم و قتل عدة رجال من الفریقین.
- فی 17 رمضان: جهّز الشریف الحسین حمود بن زید و معه قوم کثیرة بقوم وشلا و أو عصمة و روقة و غیرهم ما کان علی خالد بن لؤی و حضره بالخرمة ثلاثة أیام، و نهار رابع جاء المدد لخالد، و خرج علی حمود و قومه و حصل بینهم قتال شدید، و انکسر حمود و قتل من قومه خلق کثیر و أخذ علیه [...] .

حوادث سنة 1334 ه

- فی 20 محرم: صار قتال عظیم بکوت العمار قتل فیه من الإنکلیز 15000 و أسر 7000.
- و فیها أصلحوا العجمان مع جابر بن مبارک الصباح.
- و فیها أخذ عجمی بن سعدون ابن صویحی و أتباعه من الضفیر قریب من سوق الشیوخ.
- و فی هذه السنة: اشتدت المؤونة علی أهل القصیم الحنطة صاع و ربع بریال و التمر وزنه 4 و القتا 20 و العشب 6، و حمل التین فی [...] 13 و معدوم أحوج الناس إلی أخذ دحو مخادهم و ثمن السائبة
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 23
180 و أدناه 120 و الذبیحة 5/ 6 و السمن رطل 3 و استغاثوا فی 20/ 2.
- فی 4 جمادی أول: بیع ببات سوائی عدد 2492 واحد- 2372 ثانیة.
- فی 17 رجب: ابتدأ مجی‌ء الخیفان العظیم.
- فی 9 شعبان: تنافر الشریف الحسین أمیر مکة من الترک.
- فی 22 شعبان: أخذ سعود الصالح بن سبهان حمل أهل عنیز بذر المدینة قرب الهمیلیة مسدودهم عدد 480 فقدّر قیمت 150000 ریال.

حوادث سنة 1335 ه

- صارت شتاء هذه السنة عبارة عن صیف لعدم البرد، و لذلک بادرت النخیل بالطلع، و صار أول اللقاح فی 20 ربیع شقر، و ذلک فی أول المربعانیة و أول النبط، و لذلک شیصت النخیل و قد عمّ ذلک البصر و الأحساء مع عموم نجد؛ و قد حصل فی هذه السنة و للّه الحمد و المنّة ربیع جید و کثرت الأمطار، و لکن حاصل الزراعة ضعیف لأن الزروع أصابهم صفار.
- فی 17 جمادی الأول: استولی الانکلیز علی بغداد، و فی جمادی أول توفی جابر بن مبارک الصباح فی الکویت، و صار حاکمها من بعده أخوه سالم.
- فی 28 جمادی الأول: هدّد بالزغیبیة للحشیش.
- فی 29 جمادی الثانیة: الخیفان.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 24
- فی 24 رجب: أرسل عبد العزیز بن عبد الرحمن رجالا من عنده إلی سعود بن عبد العزیز المتعب للصلح و قد رجع دون اتفاق.
- فی 25 رجب: خلع عبد العزیز بن عبد اللّه السلیم نفسه عن الإمارة و قلّدها عبد اللّه الخالد ولد أخیه.
- فی 26 رجب: رجع الإمام عبد العزیز لدیرة العجمان طمعا أنهم یصادفون غرة من الإمام، و کان عنده خبرهم و مستعد لهم، فحصل بینهم طراد و قتل فیه ترکی و من أتی معه العجمان عدد 18 و بعدها رجع الإمام لبلاده و صار العجمان یغیرون علی نواحی کویت و ذلک فی آخر جمادی الثانی و أول رجب 1329 ه.
- فی أول شعبان 1329 ه: وصل سعدون المنصور السعدونی إلی البصرة و نزل عند النقیب، و أرسل علیه الوالی و سفر إلی بغداد حذوا الخفض و منها إلی حلب.
- فی دخول شوال 1329 ه: إثارة دولة ألمانیا الحرب علی الترک طمع فی أخذ طرابلس الغرب.

حوادث سنة 1329 ه

- فیها ابتدأ سکنی بلد خریثان، و خلع عباس الثانی.

حوادث سنة 1330 ه

- غزا العزیز بن عبد الرحمن بن سعود بجنوده الحاضرة و البادیة.
- ابتداء سکنی الغطغط.
- فی اثنی شوال: أخذ عجیمی بن سعدون المنصور خزنة ابن عمه
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 25
مزید بن ناصر السعدون 71000 لیرة و سلاحه و خیله غدره و هو نازل عنده.
- فی شوال: أعلنت دول البلقان الیونان و العرب و البلغار و الجبل الأسود الحرب علی الترک.
- فی شوال: تم الصلح بین الترک و إیطالیا بطرابلس.

حوادث سنة 1331 ه

- فی ربیع أول: أکان عبد العزیز بن عبد الرحمن بعسکره علی الفرجان من العجمان فی قرب الأحساء و أخذهم و ذبح منهم [...] .
حوادث سنة 1331 ه- فی آخر لیلة 29 جمادی أول: دخل عبد العزیز بن عبد الرحمن الفیصل الحسا بغفلة من أهله و خط الکوت و قصر إبراهیم، و أرسل علی المتصرف یأمره فی الخروج من الأحساء و القطیف و خرجوا جمیع عسکر الترک من تلک الجهات و وصلوا البحرین فی 17 جمادی آخر و قد حصل بینهم قتال مدة عشر ساعات قتل من قوم عبد العزیز أربعة و من العسکر سبعة.
- فی 13 جمادی آخر: صار فی البصرة من أهلها حرکات ضد الترک و فیها ابتدأ سکنی مبایض و الداهنة و ساجر.
- فی شهر رجب: أخذ ولد الشریف الحسین بنی عبد اللّه علی نفی.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 26
- و فیها قتل ولد عبد العزیز المتعب الرشید أولاد سعود الحمود آل عبید عدد (2) و معهم فیصل و ذلک فی رجب.

حوادث سنة 1332 ه

- وضعت الإنکلیز حمایتها علی مصر دون الترک.
حوادث سنة 1332 ه- قتل سعود الصالح السبهان زامل السالم السبهان.

حوادث سنة 1333 ه

- فی 3 محرم: دخلوا الإنکلیز البصرة دون قتال [...] .

حوادث سنة 1334 ه

- مات مبارک الصباح فی شهر محرم، و صار الحاکم من بعده ابنه جابر. و ابتداء سکنی دخنة.
- وصل ابن سعود بریدة فی 3 ربیع أول و قتل ولد عبد العزیز.

حوادث سنة 1333 ه

- فی 8 ربیع أول: صارت واقعة جراب بین ابن رشید و عبد العزیز بن سعود انکسر فیها ابن سعود و قتل من قومه نحو 500 و من مشاهیر القتلی صالح الزامل أمیر غزو عنیزة و قتل معه قنصل الانکلیز.
- الشیخ عبد العزیز بن علی بن إبراهیم انتقل إلی رحمة اللّه صباح یوم الخمیس 18 ربیع آخر سنة 1328 ه، تغمده اللّه رحمته.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 27
- و فی شهر رجب من هذه السنة: توجه الشریف الحسین من مکة إلی القصیم و وصل إلی نفی و وجد سعد بن عبد الرحمن الفیصل عند عتیبة و لزمه عنده إلی أن حصل له الاتفاق مع عبد العزیز بن عبد الرحمن بن سعود علی ما فیه صلاح الجمیع و رجع الشریف و وصل إلی الطائف فی 3 شوال.
- و فیها تم الصلح بین عبد العزیز بن سعود و ابن رشید، و ذلک فی شعبان سنة 1328 ه.
- فی شوال: کان عبد العزیز بن عبد الرحمن الفیصل علی أولاد عمه العرایف فی الحریق و أخرجهم منه و فازوا إلی الوذکان و وصلوا إلی مکة آخر ذی القعدة و قتل قتل بین الطرفین عدد.
- فی آخر شوال: تکاومت حدرة لأهل شقرا و العارض مع العرجاء من قام حرب الحسا عند یوم قتل من الحدرة عدد 14 و من البدو جملة و سلمة الحدرة و قتل معهم عبد المحسن بها أهل الذکیر.
- فی ذی القعدة: أکان عبد العزیز بن سعود علی [...] و قطعهم و هم الذراری من طبة سعد و سلموه للشریف الحسین.
- فی ذی الحجة 1328 ه: وصل إلی دبی مرکب حربی و نزّل عسکر عدد و فی آخر اللیل و دخلوا بیتین متهمین أهلهن أن عندهم سلاح و لا وجدوا فیهن شی‌ء، و حصل بینهم هم و الأهالی قتال، قتل فیه من الأهالی عدد 13 و من عسکر الإنکلیز عدد 7 و أخیرا صلحة جاء لهم علی أن أهل دبی یسلمون لهم 50000 و من النفقات عدد 300 و سلموها.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 28

حوادث سنة 1329 ه

- حصل فی جمیع نواحی سوریا من الشام إلی العراق برد و ثلج عظیم صار [...] فی سطوح بغداد قریب الذراعین، و فی الموصل قریب خمس أذرع هلک من سببه مواشی کثیرة أغنام و غیرها، یقدّر الذی هلک من الأغنام بثلاثمائة ألف رأس (300000) و ماشیة، و أکثر نخیل أهل بغداد، و هلک خلق کثیر من شدة البرد.
- فی آخر السنة الماضیة و أول هذه السنة: جاء و نزل الأمطار و عمّت جمیع الجهات فی نجد و العراق ..
- و فی هذه السنة: تم الصلح بین مبارک الصباح و سعدون ثم عادت العداوة بینهما، بعد مدة یسیرة، وصل عبد العزیز بن عبد الرحمن الفیصل لمساعدة مبارک سعدون، و لکن لم یقع بینهم محاربة، و توجّه الإمام لتأدیب آل سفران قرب الأحساء، و لکنهم زبنوا عند حکومة الأحساء و ذلک فی ربیع آخر سنة 1329 ه، و فی أحد الأیام أمیر غدو ترکی بن عبد العزیز بن سعود الفیصل معه سبعین خیال [...] .

حوادث سنة 1326 ه

- فی ربیع أول: أصلح سلطان بن حمود الرشید مع عبد العزیز بن سعود بأن ماله حکم إلّا علی شمر و دیاره و لا یظهر له بیرق. و فی آخر جمادی أول أجلا عبد العزیز بن سعود جملة ناس من أهل بریدة.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 29
- فی جمادی أول: قتل سعود الحمود الرشید أخیه سلطان و ولده.
- فی جمادی آخر: صار کون بین أولاد فالح السعدون و سعدون المنصور انهزم فیها سعدون.
- فی 17 رجب: وصلت سکة الحدید إلی المدینة المنورة.
- فی 24 رجب: حصار بنی خالد للقطیف.
- فی 27 رجب: حبس والی الحجاز أحمد راتب و ضبطت أملاکه.
- فی 25 شعبان: دخلوا أولاد عبد اللّه البراهیم الراشد إلی الزبیر بقصد السکنی، و أخرجوهم أهل الزبیر بمساعدة الحکومة قتل منهم عدد 8 و من أتباعهم عدد و من أهل الزبیر عدد.
- فی شعبان: سطوا آل سبهان بحائل علی سعود العبید الرشید و استولوا علیه.
- فی 10 شعبان: عزل الشریف علی بن عبد اللّه بن عون عن إمارة مکة المکرمة.
- فی 11 شوال: عیّن الشریف حسین بن علی لإمارة مکة المشرّفة ولد سنة 1271 ه و له من الأولاد عبد اللّه و فیصل و علی و زید.
- فی 18 شوال: فتنة مکة المشرّفة، و أسبابها أحد القبورین باشا عند الکاذبة بأن الحکومة وضعت مضلین علی الموتی قتل فیها من العسکر 4 و جرح 9، و قتل من الأهالی عدد 10 و جرح عدد.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 30
- فی شوال: فتنة المدینة المنورة مع أهل [...] .
- فی ذی القعدة: هجموا بنی علی بن حرب علی قافلة [...] ما بین مکة و المدینة قتلوا منهم نحو مائتین نفر و نهبوا کثیرا من أغراضهم.
- فی ذی القعدة من سنة 1326 ه: أخلوا أولاد عبد اللّه العبد الرحمن البسام بیت جده و توجهوا بعائلتهم إلی البصرة.
- فی 5 ذی الحجة (29 دیسمبر): حدث زلازل و خسف فی بلدان إیطالیا عدم فیها عدة مدن و هلکت فیها فوق لکین نفس.

حوادث سنة 1324 ه

- بلغ عدد الحجاج 280000.

حوادث سنة 1325 ه

- فی 1 ربیع أول: زاد شط بغداد و أتلف من بیوته و أمواله ما یقدّر فی ملیونین لیرة و ذلک فی 15 إبریل 244 نورون، و غمر الماء أکثر شلاهی البصرة.
- فی 7 ربیع الثانی: وصل إلی بمبی من طریق مصر محرر العبید و حمد الحماد من محبسهم فی قونیة.
- و فی أول هذه السنة: وقع تنافر بین أهل بریدة و عبد العزیز بن سعود و أصلحوا أهل بریدة حالهم مع سلطان العبید الرشید.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 31
- و فی رجب من هذه السنة: أعطت باشا الدولة العلیة عبد العزیز بن عبد الرحمن السعود حکم نجد مع رتبة روم إیلی بکلربکی، و أحسن إلیه بالوسام المجید الثانی.
- فی 11 شوال: توفی عبد اللّه بن عبد الرحمن البسام بمکة رحمه اللّه.
- فی 14 ذی القعدة: قتل أمیر الزبیر خالد العون فی البصرة، بلغ عدد الحجاج هذه السنة 300000.

حوادث سنة 1326 ه

- فی 7 محرم: [...] .
- و فی هذه السنة: هلک بقر الأحساء نحو ستة عشر ألف بقرة.
- و فی ربیع آخر: وقع کون فی المدینة المنورة عند باب العنبریة بین حرب و العسر و مع العسکر أهل البلد استقام ساعة 8 فازوا فیها العسکر قتل من حرب 500 و من العسکر 200.
- فی ربیع آخر: استدعوا أهل بریدة عبد العزیز بن عبد الرحمن بن سعود لدخول بریدة، و کان محاصرها و دخل فی اللیل و زبن ولد عبد اللّه المهنا و أعوانه قصره، و بعد یوم من طلب الأمان علی نفسه و ربعه و [...] یملکون و أمنهم علی أنهم یخلون نجد و وصلوا الزبیر 12 جمادی أول.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 32

حوادث سنة 1324 ه

- فی 17 صفر: قتل الأمیر عبد العزیز بن متعب الرشید فی وقعة له مع عبد العزیز بن عبد الرحمن بن سعود و أهل القصیم.
- إمارة متعب بن عبد العزیز الرشید فی 18 [...] .
- فی ربیع الأول: أطلق ابن رشید محابیس السلیم.
- و فی أثناء ربیع آخر: قبض عبد العزیز بن عبد الرحمن بن سعود علی أولاد حسن المهنا و أقاربهم من آل أبا الخیل عدد 7 و أرسلهم من بریدة إلی العارض محبوسین و قتل عبد اللّه بن عمر و من علماء بریدة.
- و فی جمادی أول: وصل سامی باشا متصرف القصیم و معه من العسکر عدد.
- فی 11 جمادی الثانی: حصل فی بلد الحسا فتنة بینهم و بین العجمان قتل فیها من الحضر عدد 7 و من البدو عدد.
- فی 12 جمادی الثانی: سطا سلیمان الحسن علی ابن محمد الحمد العبد اللّه أبا الخیل و لا [...] شی‌ء.
- فی 16 جمادی آخر: أقفا عبد العزیز بن سعود من القصیم [...] .
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 33
- فی 11 رجب: تمت عمارة أول مسجد للمسلمین فی لندن و بلغت نفقته لک جنیه إنکلیزی تقریبا.
- فی 12 رجب: أول دخول مراکب الشرکة الجرمنیة فی الخلیج الفارسی إلی البصرة.
- فی 29 رجب: عیّن للبصرة والی حسن بیک.
- فی 17 رمضان: رجع العسکر من نجد.
- فی 22 شوال: توجه الأخ عبد الرحمن إلی بغداد.
- فی 5 ذی القعدة: توفی الأخ حمد بن محمد البسام رحمه اللّه.
- فی 25 ذی القعدة: توجه الأخ عبد العزیز إلی البصرة.
- فی 13 ذی القعدة: قتل سلطان الحمود الرشید [...] الأمیر متعب و مشعل و طلال النایف، و صار سلطان الشیخ لشمر بعد ما غدر بالمذکورین، و قد ساعدوه إخوانه سعود فیصل الحمود والد [...] من عیال عبد العزیز بن [...] .
- فی 5 رجب: تم الصلح بین الیابان و الروس.
- فی 16 شوال: قتل أحمد بن محمد بن ثانی شیخ قطر قتله واحد من بنی هاجر رجال له و اسمه المعمم بداح و قتل به أخ [...] .
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 34
- فی 17 شوال: قتل ابن شافی شیخ بنی هاجر بسبب قتلة أحمد بن ثانی، و قتل غیره من بنی هاجر نحو رجل عدد 5.
- فی 5 ذی القعدة: توفی یوسف بن عبد اللّه بن عیسی بن إبراهیم فی بلد حائل و له من الأولاد یعقوب و عبد اللّه و مصطفی.
حوادث سنة 1324 ه- فی 10 محرم: حبس الأخ عبد الرحمن بتهمة أنه هو القاتل لمرزوق انکورلی و أسباب هذه التهمة جبوری أصغر و أعوانه عداوة للأخ.
- فی 1 صفر: صار فی بمبی زلزلة خفیفة.
- ذکر فی التلغراف أن [...] و الخطة فی استرالیا ب 23 ملیون بشل، و البشل عن رطل 80.
- فی 4 صفر: و خذ قافلة بدرب العقیر خارجة منه إلی الحسا عن العقیر ساعة أخذها ابن شریم و أتباعه من المرّة هی و ابن ملها و فیها أموال متجمعة من شهر ذی الحجة بلغ مجموعها نحو ألفین ریال 2000.
- فی شهر صفر: صار زلازل عظیمة و اشتعال فی أمریکا فی بلدة سان فرانسیسکو أعدمت ثلثی البلد و امتدت النار طول أمیال عدد 32 و عرض 14 میل، هلک فیها عدد 10000 نفس، و قدرت الخسائر فی لیرة إنکلیزیة 60000000 ملیون.
- و فیه صار انفجار برکان فیزون العظیم فی مملکة إیطالیا أهلک أمم و أتلف قری مما لا یعهد له مثیل.
- فی شوال: أصلح مبارک الصباح مع عبد العزیز بن رشید.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 35

حوادث سنة 1323 ه

- توفی السید أحمد بن السید محمد سعید نقیب البصرة فی 29 جمادی الثانی.
- غرس سکری المهیریة الشمالی.
- فی ذی القعدة: توجه مشیر بغداد أحمد فیضی إلی القصیم فی السماوة معه عسکر طابور.
- فی 3 ذی الحجة: تواجه عبد الرحمن الفیصل و مبارک الصباح مع والی البصرة أحمد مخلص علی الرافضیة عن الزبیر ساعة 4 و؟؟؟
عبد الرحمن دون أن یدرک من الدولة مراده.
- فی 8 ذی الحجة: وصل إلی البحرین أربعة مناور إنکلیزیة و طلبوا علی بن أحمد بن خلیفة و شرد إلی قطر، و أخذوا الانکلیز جمیع فی بیته من أثاث و سلاح و خیل و هدموه و السبب أنه تعدّی علی ضربة رجل و حرمنی بدون حق.
- فی 24 ذی الحجة: ظهر من المدینة عسکر مع صدقی باشا الفریق طابور 3 إلی القصیم.
- فی 15 محرم: وصل سلیمان الشبیلی إلی الکویت خارج من عنیزة فی آخر محرم صار زلازل عظیمة فی شمالی الهند بانجاب و دلهی و لاهور و سملا استمرت مدة أیام انهدم بها قری کثیرة، و هلک من النفوس نحو 25000.
- فی 24 محرم: أول مخابرة المشیر أحمد فیضی لأهل عنیزة
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 36
و وعده لهم بالعفو و أنه ما یجعل لابن رشید علیهم أمر بل یکون أمرهم منهم إلی الدولة و ذلک منه مکر و خدیعة.
- وفاة الشریف عون فی 13 جمادی أول.
- إمارة الشریف علی و کان مولده سنة 1274 ه.
- رجوع آل بسام من العارض فی 7، ربیع الثانی علی طریق قطر إلی البصرة من طریق البحر فی البابور.

حوادث سنة 1322 ه

فی 11 صفر: روح عبد العزیز بن عبد الرحمن بن سعود عبد اللّه العبد الرحمن و ولده علی و حمد آل محمد العبد الرحمن البسام و حمد آل محمد العبد العزیز البسام و محمد العبد اللّه إبراهیم إلی العارض بغایة الإکرام، و قال: قصدی تبقون هناک إلی نهایة هذه الفتنة مع ابن رشید.
و فی محرم و صفر: صار فی الهند و مصر جراد و خیفان أضرّ علی مزروعاتهم و المیرة ضرر عظیم.
و فیها حصل فی البصرة حریق سوق السمر قدر خسارته ستین ألف لیرة.
و فیها مشا عبد العزیز بن رشید فی 14 ربیع أول من السماوة و معه العسکر لمساعدته.
فی 29 ربیع الثانی: صار القتال بین ابن رشید و عسکر الترک الذی معه و بین ابن سعود عبد العزیز و أهل القصیم بأرض بلد البکیریة، و انهزم ابن سعود و قتل أکثر قومه، لأنه صار الأمیر و العسکر و أعدمتهم الأطواب،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 37
و أما أهل القصیم صار قبیلهم ماجد الحمود، و قتل هو وعدة معه من قومه أهل حائل و انهزموا أهل حائل.
و فی 17 رجب: صارت وقعة قصر ابن عقیل علی ابن رشید صارت الهزیمة بسبب الجفل و قبلاه أهل القصیم خرجوا إلیه من الرس.
و فی شهر شوال و ذی القعدة سنة 1322 ه: صار فی جمیع الجهات برد عظیم لم یعهد مثله أضرّ علی المزروعات الشتویة و أبیس أکثر عسبان النخیل، و مات فی البصرة عدد 6 و فی طریق بغداد عدد 30، و فی أوروبا خلق کثیر من شدّة البرد و جمدت البحر و لم تجمد قبل هذه السنة و ذلک آخر المربعایة [...] .
وفاة الشیخ عبد اللّه بن عایض فی بلد عنیزة فی ذی القعدة.
فی 3 ذی القعدة: قبض والی البصرة أحمد مخلص باشا بأمر من الاستانة علی أولاد عوید الشعیبی محمد و عبد اللّه و علی حمد الحماد الشبل و سفرهم الاستانة من طریق بغداد فی 11 ذی القعدة، و بعد وصولهم إلی الاستانة نفوهم إلی قونیة، و ذلک بسبب تعرضهم فتن الجبل.

حوادث سنة 1321 ه

- سار عبد العزیز بن عبد الرحمن بن سعود بجنوده قاصدا القصیم و معه السلیم و الأبا الخیل فوصل إلی الزلفی فی أول رمضان و قتل أمیر الزلفی محمد بن راشد السلمان فخابر عبد العزیز أهل عنیزة فلم یجیبوه إلی المساعدة فرجع إلی الریاض فی 25 رمضان.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 38
حوادث سنة 1321 ه- قتل عبد العزیز بن سعود حسین الجراد و أکثر أتباعه فی روضة السر و ذلک فی 28 ذی القعدة.
- فی أول ذی الحجة: ابتدأ الحرب بین الروس و الیابان.

حوادث سنة 1322 ه

- فی 5 محرم: سطا عبد العزیز بن سعود و السلیم فی بلد عنیزة جاذ بینهم جمیع أهل عنیزة ما عدا البسام، و ذلک خیانة من أهل عنیزة بحق البسام و ابن رشید ثم إن ابن سعود أمّن البسام علی جمیع أموالهم و دمائهم.
- فی 11 محرم: حصل علی عنیزة سیل عظیم دخل البلد و انهدم من شرقیها نحو 250 بیت و فیها قتلوا السلیم أولاد عبد اللّه الیحیی الصالح بعنیزة حمد و صالح صبرا، و شردوا باقی الیحیی من عنیزة.
- حصل فی نواحی البصرة ریح شدیدة طاح من نخل البصرة نحو 80000، و ذلک زمن اللقاح نزل معه مطر و برد أتلف کثیر من ثمرتها.
- فی محرم: استولی آل أبا الخیل علی بریدة إلّا قصرها فإن فیه ابن ضبعان من قبل ابن رشید و معه 150 نفر، و احتموا فیه إلی غرة ربیع آخر، و فی هذه المدة کان عبد العزیز بن سعود و صالح الحسن و أعوانهم محاصرین القصر و یلغمون علیه، فلما هدموا رکن منه طلب الأمان بن ضبعان له و لربعه، فأمنهم علی أرقابهم و راحوا إلی عند ابن رشید، و ذلک فی ربیع آخر.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 39

حوادث سنة 1313 ه

- صار ابتداء زود الماء فی شط البصرة و استقام مدة شهر إلی سنة 1314 ه أتلف جملة نخیل کل ما کان عمر غرسه من اثنی عشر سنة و نازل، و لم یعهد له مثیل.

حوادث سنة 1314 ه

- وفاة فهد العلی السعدون.
- غرس أثل المویهریة بعنیزة.

حوادث سنة 1315 ه

- وفاة محمد بن عبد اللّه بن رشید بحائل فی 3 رجب.
- صار الأمیر عبد العزیز بن متعب الرشید لنجد.

حوادث سنة 1316 ه

- وفاة الشیخ حمد بن علی بن إبراهیم فی رجب.

حوادث سنة 1318 ه

- خروج مبارک الصباح إلی نجد لقتال عبد العزیز المتعب الرشید، و مع مبارک عبد الرحمن الفیصل و السلیم و المهنا، فحصل بینهم و ابن رشید فی 17 ذی القعدة وقعة عظیمة فی الطرفین انهزم فیها ابن صباح و أتباعه، و قتل منهم خلائق کثیرة، و رجع ابن صباح للکویت مهزوما، و کانت ولادته سنة 1258 ه.
- عزل صالح الیحیی عن إمارة عنیزة فی غرّة ذی الحجة.
- صار أمیر عنیزة حمد بن عبد اللّه الیحیی الصالح.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 40

حوادث سنة 1319 ه

- سطا عبد العزیز بن عبد الرحمن بن سعود فی الریاض و قتل أمیرها من قبل ابن رشید عجلان بن حمد و عدّة رجال من أتباعه، و استولی علی الریاض.

حوادث سنة 1320 ه

- فی آخرها سار عبد العزیز بن متعب الرشید إلی الریاض فحاصرها عدة أیام، و قتل عدة أنفار من خارج البلد، و قطع نخل، و لم یقدر علی البلد.
- دخل مبارک الصباح شیخ الکویت تحت حمایة الإنکلیز.
- و ریت فی جریدة المؤید أن دخول مبارک الصباح تحت حمایة الإنکلیز سنة 1318 ه.
- صار مهاب عظیمة فی جمیع الجهات طاح نخیل کثیرة فی البصرة و الحسا و نجد و أشجار واثل و نارجیل.

حوادث سنة 1321 ه

- فی محرم: حاصر عبد العزیز بن رشید بلد شقرا مدة أیام، و قطع نخلها الذی فی الخارج، و لم یقدر علی البلد، و وصل إلی بریدة فی 2 ربیع أول.
- حصل فی البصرة فی جمادی أول أیام الباحورة: حرّ شدید مات بسببه من نفس مدینة البصرة عدد 120، و فیها حصل فی أکثر نواحی البصرة اهتزاز فی الأرض، و استمر ذلک أسبوعا، و لم یحدث منه ضرر.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 41
- فی آخر رجب: حدث اضطراب مغناطیسی فی الجو توقفت بسببه أعمال التلغراف فی جمیع الدنیا نحو أربع ساعات فخاف الناس.

حوادث سنة 1307 ه

- توفی ترکی بن عبد اللّه بن فیصل بن سعود فی حائل.
- توفی عبد اللّه بن فیصل خرج من حائل مریض و فی وصوله إلی الریاض مات فی 2 ربیع الثانی.
فی ذی الحجة: قبض عبد الرحمن الفیصل علی سالم السبهان و من معه فی بلد الریاض.

حوادث سنة 1308 ه

- سار محمد بن رشید بجنوده إلی الریاض فحاصره 40 یوما ثم تصالحوا معه علی أن یطلقوا له سالم و من معه، و رجع عنهم و ذلک بسبب مبادی حرکة أهل القصیم علی الأمیر محمد.
- فی جمادی آخر 13 منه: وقعة الملیدا بین محمد بن رشید و أهل القصیم و قتل من الفریقین خلق کثیر و قتل زامل بن سلیم و ابنه علی، و انهزم حسن المهنا إلی عنیزة ثم رجع إلی محمد بن رشید فحبس فی حائل إلی أن مات سنة 1320 ه.
- و استولی محمد بن رشید علی جمیع القصیم، فلما بلغ الخبر عبد الرحمن الفیصل هرب من الریاض، و صار جمیع حکم نجد لمحمد بن رشید.
- صار أمیر عنیزة عبد اللّه بن یحیی الصالح فی جمادی الآخر.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 42

حوادث سنة 1309 ه

- جمع عبد الرحمن الفیصل جنودا کثیرا و أقبل بهم و معه إبراهیم المهنا فتجهر محمد بن رشید و خرج من حائل لقتالهم، فالتقوا فی حریملاء و انهزم عبد الرحمن الفیصل و أتباعه، و قتل من قومه خلق کثیر منهم إبرهیم المهنا الصالح ثم سار محمد بن رشید إلی الریاض و أمر بهدم سورها و قصرها القدیم و الجدید و جعل أمیرها محمد الفیصل بن ترکی بن مسعود و رجع إلی حائل.

حوادث سنة 1310 ه

- تناوخوا عتیبة و مطیر علی الحرملیة قرب القویعیة، مدة مناخهم شهرین، ففی 3 ذی الحجة: حصل بینهم وقعة شدیدة انهزموا فیها عتیبة، و قتل من الفریقین عدة رجال.

حوادث سنة 1311 ه

- توفی محمد بن فیصل بن ترکی فی بلد الریاض.

حوادث سنة 1313 ه

- قتل مبارک الصباح أخویه محمد و جراح لطلب الریاسة.

حوادث سنة 1312 ه

- توفی أمیر عنیزة عبد اللّه الیحیی الصالح. و صار أمیر عنیزة صالح الیحیی الصالح.

حوادث سنة 1291 ه

- قدم عبد الرحمن الفیصل و فهد بن صنیتان إلی بلد الحسا
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 43
و ساعدهم أهله فقتلوا من علی الأبواب من العسکر و من فی قصر خزام و حصروا من فی الکوت، فلما کان فی آخر ذی القعدة منه: أقبل ناصر باشا بن راشد السعدون بجنود عظیمة من الترک، و المنتفق، فلما قربوا خرج عبد الرحمن بمن معه من العجمان و أهل الحسا لقتالهم، فانهزم عبد الرحمن و دخل ناصر السعدون البلد هو و جنوده، و نهبوا الهفهوف و أباحوه ثلاثة أیام، و قتل خلق کثیر، فأقام ناصر فیه نحو شهرین ثم استعمل ابنه مزید أمیرا علیه، و رجع.
حوادث سنة 1291 ه- وفاة سعود بن فیصل فی 18 ذی الحجة.

حوادث سنة 1295 ه

- أخذوا أهل عنیزة کثیرا من بوادی قحطان علی دخنة، و قتلوا شیخهم حزام و عدّة رجال.

حوادث سنة 1298 ه

- غرست المویهریة للعبد العزیز البسام بعنیزة.

حوادث سنة 1299 ه

- حاصر عبد اللّه الفیصل بلد المجمعة، فلما أقبل محمد بن رشید لمساعدتهم انهزم عبد اللّه إلی الریاض.

حوادث سنة 1294 ه

- وفاة الشریف عبد اللّه بن عون.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 44

حوادث سنة 1300 ه

- بدعة أول قلبان البدائع التابعة لعنیزة.
- وقعة عدو المحمد بن رشید و معه حسن المهنا علی عتیبة، و معهم محمد بن سعود بن فیصل و صارت الهزیمة علی عتیبة.

حوادث سنة 1301 ه

- وقعة الحمادة فی أم العصافیر لمحمد بن رشید علی عبد اللّه بن فیصل و انهزم عبد اللّه، و قتل من قومه خلق کثیر منهم عبد العزیز أبا بطین.

حوادث سنة 1305 ه

- سطوا أولاد سعود الفیصل فی بلد الریاض علی عمهم عبد اللّه الفیصل و حبسوه، و استولوا علی بلد الریاض، فسار إلیهم محمد بن رشید من حائل بجنوده و نزل خارج البلد، فخرج إلیه أهل الریاض بطلب الصلح علی أن أولاد سعود یخرجون من الریاض إلی الخرج، فرضی و دخل البلد، و جعل بها أمیرا سالم السبهان و ذلک فی آخر محرم.
- و فی غرة ذی الحجة: قتل سالم السبهان أولاد سعود بن فیصل فی بلد الخرج و هم محمد و سعد و عبد اللّه.

حوادث سنة 1276 ه

- أخذة عبد اللّه الفیصل للعجمان عند الکویت قتل منهم 500 تسمی وقعة ملح.

حوادث سنة 1277 ه

- أخذة عبد اللّه الفیصل للمنتفق و العجمان و من معهم بالمطلاع
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 45
عند الجهر أهلک منهم خلق کثیر قتل و غرق، تسمی وقعة الطبعة.
- قتل عبد اللّه الفیصل أمیر بریدة عبد العزیز آل محمد و أولاده، ألحقه أخیه محمد الفیصل و معه سریتین، و لحقهم بأرض الشقیقة و أمنهم ثم قتلهم غدرا، و کانوا هاربین خوفا منه، و ذلک فی 8 شوال.
- صار أمیر بریدة من طرف فیصل و هو عبد الرحمن بن إبراهیم و المذکور من الفضول أهل أبا الکباش.

حوادث سنة 1279 ه

- صار الحرب ما بین فیصل و أهل عنیزة، و فی آخر السنة المذکورة تصالحوا.

حوادث سنة 1282 ه

- قتل طلال بن رشید نفسه.
- وفاة الشیخ عبد اللّه أبا بطین.
- وفاة الشیخ فیصل بن ترکی بن سعود.

حوادث سنة 1283 ه

- هرب سعود بن فیصل من الریاض خوفا من أخیه عبد اللّه.

حوادث سنة 1285 ه

- قتلة أولاد طلال بن رشید لعمهم متعب و صار الأمیر بندر.
- وفاة أمیر عنیزة عبد اللّه الیحیی السلیم.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 46

حوادث سنة 1286 ه

- ابتدأ فتح خلیج السویس و انتهاء سنة 1291 ه.

حوادث سنة 1287 ه

- وقعة جودة لسعود صار الغلب علی أخیه محمد و هرب عبد اللّه و حبس محمد فی القطیف.

حوادث سنة 1288 ه

- أخذوا أهل عنیزة مصلط بن ربیعان.
- وقعة البرة لسعود الغلب علی أخیه عبد اللّه.
- و فی ربیع الثانی أقبلت عساکر الترک من البصرة لمساعدة عبد اللّه الفیصل، و أطلقوا محمد بن فیصل من الحبس، و أرسلوا علی عبد اللّه فلما اجتمع عندهم عبد اللّه و محمد فی الأحساء خافوا منهم، فهربوا إلی الریاض.

حوادث سنة 1289 ه

- أقبل سعود بن فیصل معه جنود کثیرة إلی بلد الخرج، و کان محمد بن فیصل بن ترکی فی الدلم، فهزب محمد و حبس سعود الفیصل عبد اللّه بن ترکی، و مات بحبسه، و قتل من أتباع محمد عدة رجال.
- قتل محمد بن عبد اللّه الرشید أولاد أخیه طلال فی محرم.

حوادث سنة 1290 ه

- أقبل سعود علی الریاض فخرج منها عبد اللّه بن فیصل و أتباعه
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 47
لملاقاة سعود فالتقوا فی الجزعة، فانهزم عبد اللّه، و قتل من قومه خلق کثیر، و استولی سعود علی الریاض.

حوادث سنة 1292 ه

- قتل مهنا الصالح أبا الخیل.

حوادث سنة 1257 ه

- قیام عبد اللّه بن ثنیان علی خالد بن سعود و إخراجه من الریاض بمن عنده من العسکر وقعة بقعا بین أهل القصیم و ابن رشید.

حوادث سنة 1258 ه

- قتل محمد العلی بن عرفج أمیر بریدة.
- قتل سلیمان الغنام رئیس عقیل ببغداد من أهل بلد ثادق و هو لیس بقبیلی، قتلوه أهل القصیم.
- و فیها قتل علی اللیان رئیس عقیل ببغداد و هو من بنی خالد أهل الجناح.

حوادث سنة 1259 ه

- قدمم فیصل بن ترکی بن سعود من مصر إلی جبل شمر فساعده عبد اللّه بن علی و أهل عنیزة، و حاصر عبد اللّه بن ثنیان فظفر به و حبسه و مات بحبسه بعد أشهر، و استقل فیصل فی الحکم، و أمیر عنیزة عبد اللّه سلیم.
- احترق شیخ المنتفق عیسی بن محمد هو و زوجته و تولی بعده أخوه بندر بن محمد.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 48

حوادث سنة 1260 ه

- تولی فیصل علی الحسا و القطیف.

حوادث سنة 1261 ه

- أغار عبد اللّه بن علی بن رشید علی عنیزة، و أخذ غنم و لحقوه و قتل عبد اللّه السلیم و أخوه عبد الرحمن و غیرهم عدد 3 و رجع و شاخ إبراهیم السلیم فی عنیزة.

حوادث سنة 1263 ه

- توفی عبد اللّه بن علی بن رشید أمیر جبل شمر.
- نوخ الحمیدی الدویش علی الداث حاج القصیم و أخذ منهم أموالا کثیر.
- ظهر الشریف محمد بن عون لمحاربة فیصل بن سعود فصارت المصالحة بواسطة أهل عنیزة، یسلم فیصل للدولة کل سنة عشرة آلاف ریال.
- و فیها بناء بلد الفیضة بالسر.

حوادث سنة 1265 ه

- وقعة الیتیمة بین فیصل و أهل عنیزة صارت الهزیمة علی أهل عنیزة و من معهم من أهل القصیم.
- و فیها صار جلوی أمیرا علی عنیزة من قبل فیصل.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 49

حوادث سنة 1267 ه

- عزل الشریف محمد بن عون و جعل مکانه عبد المطلب.

حوادث سنة 1270 ه

- أخرجوا أهل عنیزة جلوی بن ترکی عنها، فسار إلی بریدة، فأرسل فیصل ابنه عبد اللّه لمحاربة أهل عنیزة و استمر إلی أول سنة 1271 ه، فصار الصلح.

حوادث سنة 1273 ه

- نهب ابن مهیلب حاج عنیزة علی الداث.

حوادث سنة 1274 ه

- وفاة الشریف محمد بن عون.
- فتنة جدة بین المسلمین و النصاری.
- ولایة عبد اللّه بن محمد بن عون إمارة مکة.

حوادث سنة 1275 ه

- قتلوا أولاد السلیم زامل و عبد اللّه الیحیی ناصر بن عبد الرحمن السحیمی فی بلد الهلالیة، و السبب أنه کان هو و أخوه مطلق قد قتلوا إبراهیم آل سلیم.

حوادث سنة 1201 ه

- هدم عبد اللّه بن رشید أمیر عنیزة بلد الجناح تجملا مع سعود.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 50

حوادث سنة 1202 ه

- غزا سعود بن عبد العزیز بلد عنیزة، و أجلا الرشید عنها.

حوادث سنة 1206 ه

- توفی الشیخ محمد بن عبد الوهاب فی الدرعیة و عمره 96 سنة.

حوادث سنة 1207 ه

- استیلاء سعود علی الحسا و القطیف.

حوادث سنة 1217 ه

- نهب سعود بن عبد العزیز بلد الحسین.

حوادث سنة 1218 ه

- قتل الإمام عبد العزیز بن محمد بن سعود فی الدرعیة بصلاة العصر فی المسجد قتله واحد من أهل العراق، و طعن معه أخاه عبد اللّه و سلیم.

حوادث سنة 1220 ه

- بایعوا أهل الحجاز لسعود بن عبد العزیز.

حوادث سنة 1222 ه

- منع سعود الحاج الشامی عن الحج و أحرق محمل المصری.

حوادث سنة 1225 ه

- استولی سعود علی جمیع عما غیر مسکة.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 51

حوادث سنة 1226 ه

- أول خروج عسکر مصر إلی نجد مع طوسون بن محمد علی.

حوادث سنة 1228 ه

- القبض علی عثمان المضایفی و إرساله إلی مصر ثم إلی الاستانة، و قتله هناک لزموه العصمة و سلموه للشریف غالب.

حوادث سنة 1229 ه

- توفی سعود بن عبد العزیز و تولی بعده ابنه عبد اللّه.
- توفی إبراهیم بن عقیصان أمیر عنیزة.

حوادث سنة 1230 ه

- توفی عبد اللّه بن سعود بن عبد العزیز.

حوادث سنة 1231 ه

- خروج إبراهیم باشا بعساکره من مصر إلی نجد لقتال ابن سعود.

حوادث سنة 1233 ه

- حصار الدرعیة و أخذها و هدمها و إرسال آل سعود لمصر.

حوادث سنة 1234 ه

- سالت بلدان القصیم خریف و مشا وادی الرمة 40 یوما.
- أخذ محمد بن عریعر الخالدی الحسا من ید الترک، و مات حجیلان.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 52

حوادث سنة 1236 ه

- خروج حسین بیه إلی نجد و جعله عبد اللّه الجمعی أمیر العنیزة.

حوادث سنة 1237 ه

- بنی مسجد الجوز بعنیزة و محلته.

حوادث سنة 1238 ه

- أخرجوا أهل عنیزة جمیع العسکر الذی عندهم.

حوادث سنة 1239 ه

- [...] یحیی السلیم قتل عبد اللّه بن حمد الجمعی بعنیزة.

حوادث سنة 1240 ه

- خرب السوقین فی عنیزة.
- شاخ عبد اللّه بن علی بن رشید بحائل و أخیه عبید.
- استیلاء ترکی بن سعود علی الریاض و إخراجه العسکر.

حوادث سنة 1242 ه

- وفاة حمد بن جابر من الجلاهمة من عنزة.

حوادث سنة 1248 ه

- مناخ المربع.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 53

حوادث سنة 1249 ه

- حاصر عیسی بن محمد بن ثامر بلد الزبیر و طلبوا منه الأمان، فأمنهم إلّا الزهیر فإنه قتلهم.
- قتل مشاری بن عبد الرحمن بن سعود بن محمد ترکی بن عبد اللّه.

حوادث سنة 1250 ه

- قتل فیصل بن ترکی مشاری بعد قتلة أبیه ب 40 یوم.

حوادث سنة 1252 ه

- خروج إسماعیل باشا من مصر لقتال بن سعود فیصل.

حوادث سنة 1254 ه

- خروج خرشد باشا و لزمته فیصل بن ترکی فی الدلم و إرساله إلی مصر. خزانة التواریخ النجدیة ؛ ج‌5 ؛ ص54
*
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 54

تاریخ الوقائع فی نجد

حوادث سنة 988 ه

- أول غزوة الشریف حسن إلی الیمامة.

حوادث سنة 999 ه

- انقراض دولة الأجود بن زامل فی الحسا.

حوادث سنة 1000 ه

- استیلاء الترک علی الحسا.

حوادث سنة 1015 ه

- ضهرة الشریف محسن غاز إلی نجد.

حوادث سنة 1015 ه

- رحل الشیخ أحمد بن محمد بن البسام من ملهم إلی العیینة.

حوادث سنة [...]

- قتل یمزیان و عمارة بلد ثادق.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 55

حوادث سنة [...]

- غرق بلد عنیزة.

حوادث سنة [...]

- استیلاء بنی خالد علی الحسا و القطیف.

حوادث سنة [...]

- رحیل الفضول من نجد إلی العراق و بنواحی العمارة.

حوادث سنة [...]

- غزا الشریف أحمد بن زید بلد عنیزة و هدم العقیلیة.

حوادث سنة 1106 ه

- استیلاء مانع الشبیب شیخ المنتفق علی البصرة.

حوادث سنة 1109 ه

- فضا فوزان بن حمیدان أمیر عنیزة بلد بریدة.

حوادث سنة [...]

- سطوا البکر و آل بو غنام علی فوزان بن حمیدان الملقّب بابن معمر من سبیع، و أخرجوه عن منزلتهم فی الملیحة من بلد عنیزة.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 56

حوادث سنة [...]

- استنقذ الترک البصرة من فرج اللّه بن مطلب رئیس الحویزة.

حوادث سنة [...]

- قتلوا أهل الجناح بنی خالد أمیر عنیزة فوزان بن حمیدان من سبیع.

حوادث سنة 1115 ه

- ولد الشیخ محمد بن عبد الوهاب بن سلیمان بن علی بن محمد بن أحمد بن راشد بن برید بن محمد بن برید بن مشرف بن عمر بن معضاد بن ریّس بن زاخر بن محمد بن علوی بن وهیب الوهیبی التمیمی فی بلد العیینة.

حوادث سنة 1128 ه

- سطا دریس بن شایع بن صعب أمیر الجناح الخالدی علی الملیحة و ملکها و أخرج سبیع عنها.
- سطوا آخر هذه السنة سبیع علی الملیحة و ملکوها.

حوادث سنة 1132 ه

- وقع الطاعون العظیم فی العراق.

حوادث سنة 1133 ه

- ذبحة أهل الجناح فی دار الخریزة بعنیزة.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 57
- ولد عبد العزیز بن محمد بن سعود.

حوادث سنة 1136 ه

- أکل السعر فی بلد عنیزة عدد 42 نفس.

حوادث سنة 1140 ه

- عمرت بلد الخبرا فی القصیم عمروها آل عفالق.

حوادث سنة 1143 ه

- هدمت الجادة فی عنیزة.
- قتل حمود الدریبی أمیر بریدة عدد 8 من بنی عمه.

حوادث سنة 1153 ه

- الحسن من بنی علیان.

حوادث سنة 1154 ه

- قتل حمود الدریبی.
- قتل حسن بن مشعاب أمیر عنیزة و جلوا آل جراح من سبیع عنیزة، و استولوا علیها بنی خالد [...] .

حوادث سنة 1155 ه

- غرس نخل الجادة بعنیزة.
- حاصروا أهل عنیزة بلد بریدة و نهبوا الضفیر.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 58

حوادث سنة 1156 ه

- جنوبی بریدة.

حوادث سنة 1158 ه

- رحل الإمام الشیخ محمد بن عبد الوهاب من العیینة إلی الدرعیة.

حوادث سنة 1160 ه

- غرست أملاک أسرة الختان و الهیفا، و أملاک أبا الخیل.

حوادث سنة 1174 ه

- قتلوا آل أبو غنام رشید أمیر عنیزة و فراج أمیر الجناح، و ثارت بعدهم فتن عظیمة.

حوادث سنة 1177 ه

- ملک محمد بن سعود بعض بلدان سدیر.

حوادث سنة 1180 ه

- عمارة بلد البکیریة.

حوادث سنة 1182 ه

- غزا سعود بن عبد العزیز بلد عنیزة و ساوره راشد الدریبی أمیر بریدة و لم یظفر بشی‌ء فیها.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 59

حوادث سنة 1183 ه

- غزا سعود بن عبد العزیز بلد الهلالیة و أخذ [...] و قتل من أهلها عدة رجال، و بایعه بعض [...] .

حوادث سنة 1175 ه

- و فی عنیزة سکن حمد بن إبراهیم بن عبد اللّه بن أحمد بن محمد [...] بن عبد اللّه بن بسام بن عقبة بن ریّس بن زاخر بن محمد بن علوی بن وهیب بن قاسم بن موسی بن مسعود بن عقبة بن سنیعر بن [...] بن شداد بن زهیر بن شهاب بن ربیعة بن أبی سود بن مالک بن حنظلة بن مالک بن زید مناة بن تمیم بن مر بن أد بن طانجة بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.

حوادث سنة 1187 ه

- شرد دهام بن دواس من العارض إلی الأحساء خوفا من عبد العزیز بن سعود.

حوادث سنة 1186 ه

- وقع وباء عظیم فی البصرة و بغداد و الزبیر و الکویت و لم یبق من أهلها إلّا القلیل.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 60

حوادث سنة 1188 ه

- غزا عریعر بن دجین شیخ بنی خالد بلد بریدة و أخذها غدرا و کان أمیرها عبد اللّه الحسن، فدعاه للأمان، ثم دخل البلد و نهبها، و جعل أمیرها راشد الدریبی، و أجلا آل زامل من عنیزة و جعل أمیرها عبد اللّه بن رشید من سبیع.

حوادث سنة 1189 ه

- حاصروا العجم البصرة و استولوا علیها صلحا و نهبوها غدرا.
- غزا سعود بن عبد العزیز بریدة، و رجع دون طائل.

حوادث سنة 1192 ه

- غرقة بلد عنیزة.

حوادث سنة 1193 ه

- غزا سعود بلد حرمة و ملکها و جلا بعض أهلها للزبیر.

حوادث سنة 1194 ه

- شاخ حجیلان ببریدة.

حوادث سنة 1196 ه

- أجمع أهل القصیم علی حرب سعود و نقض بیعته سوی أهل بریدة و الرس و التنومة و قتلوا المطاوعة، و أرسلوا إلی سعدون بن عریعر یستحثوه للمساعدة.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 61

حوادث سنة 1201 ه

- غزا ثوینی شیخ المنتفق إلی القصیم و أخذ التنومة و قتل أهلها و حاصر بریدة، فبلغه بأن داود باشا قد ولّی حمود الثامر علی بادیة المنتفق فرجع و نهب [...] و عصی علی الدولة، فسیّر إلیه داود باشا جیشا فهزم ثوینی و التجأ إلی الکویت ثم هزم ثانیة، فسار إلی الدرعیة عند سعود.

حوادث سنة 1315 ه

- [...] مکة المشرفة و رمی البدو [...] الدول الذی فی جدة، و ذلک فی ذی الحجة.

حوادث سنة 855 ه

- عمارة مسجد نمرة و مسجد الخیف بمنی.

حوادث سنة 886 ه

- بناء المسجد النبوی فی المدینة المنورة الأخیر بعد احتراقه.

حوادث سنة 979 ه

- عمارة الحرم الشریف المکی.

حوادث سنة 1279 ه

- سیّر مراکب الحج بین البصرة و بغداد.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 62

حوادث سنة 359 ه

- أول عمارة جامع الأزهر فی مصر.

حوادث سنة 1285 ه

- تداخلت الدولة الإنکلیزیة فی البحرین و جعلت عیسی بن علی حاکما فیه.

حوادث سنة [...]

- تولی محمد علی باشا علی مصر.

حوادث سنة 1294 ه

- وفاة الشریف عبد اللّه بن محمد بن عون.

حوادث سنة 1327 ه

- وفاة الشریف عون بن محمد فی 13 جمادی الأولی.

حوادث سنة 1323 ه

- فی 29 جمادی آخر: تعین لإمارة مکة الشریف علی باشا بن عبد اللّه بن محمد بن عون و کان مولده سنة 1273 ه.

حوادث سنة 1268 ه

- فتنة المسلمین مع الفرس فی بمبی.

حوادث سنة 1270 ه

- فتح الإنکلیز لرنقوب.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 63

حوادث سنة 1272 ه

- اتصال التلغراف بین بمبی و کلکتة.

حوادث سنة 1274 ه

- ممشی التل فی بمبی.

حوادث سنة 1288 ه

- اتصال الریل من بمبی إلی کلکتة.

حوادث سنة 1297 ه

- بناء های کورت فی بمبی.

حوادث سنة [...]

- ممشی الطرام فی بمبی.

حوادث سنة 1303 ه

- بناء ستیشن الریل فی هوری بندر بمبی.

حوادث سنة 311 ه

- الفتنة فی بمبی بین المسلمین [...] .

حوادث سنة 1380 ه

- أول بابورمشا فی خلیج فارس إلی [...] .
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 64

حوادث سنة 1193 ه

- استقلال أمیرکا بعد [...] مع الانکلیز.

حوادث سنة 1280 ه

- اتصال الریل [...] .
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 65

نبذة تاریخیة عن مدینة عنیزة

اشارة

تألیف الشیخ العلامة عبد الرحمن بن صالح بن حمد بن محمد البسام (1303- 1373 ه)
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 67
بسم اللّه الرّحمن الرّحیم‌

مقدمة

الحمد للّه رب العالمین و الصلاة و السلام علی رسوله الأمین و علی آله و صحبه أجمعین.
أمّا بعد: فهذه نبذة تاریخیة عن مدینة عنیزة إحدی المدن الکبری فی القصیم، کتبها والدی: عبد الرحمن بن صالح بن حمد البسام بیده بطلب من مدیر المعارف فی المملکة العربیة السعودیة السابق الشیخ محمد بن عبد العزیز بن مانع و أرسلها إلیه.
و الشیخ محمد بن مانع نشرها فی مجلة «المنهل» و تداولها الناس علی أنها من تألیف الشیخ ابن مانع. و عندی صورة منها بخط الوالد أنشرها ضمن تواریخ نجد، و لیس لی فیها إلّا التنسیق، و الترتیب، و وضع العناوین، و قد حلیتها بهوامش تزید فیها و اللّه الموفق.
عبد اللّه بن عبد الرّحمن آل بسّام
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 68
هذه الورقة الأولی من تاریخ والدی عبد الرحمن الصالح البسام بقلم یده رحمه اللّه تعالی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 69

إنشاء عنیزة

اشارة

عنیزة نشأت عام 630 ه تقریبا لأنه معلوم بالاستفاضة بأن أول من سکن عنیزة هو زهری بن جراح الثوری. و لقد تحققنا بأن الموجودین- الآن- من ذریة زهری: بینه و بینهم ثلاث و عشرون أبا. و فی اعتبار علماء النسب یجعلون لکل أب ثلاثین سنة فی- الغالب-، و قد مضی علی عنیزة نحو مائتین و خمسین سنة، و هی تبع لحی آل جناح و لیس فیها أمیر. ثم صارت ثلاث قری و هی:
1- الخریزة: و أهلها آل نطوان من آل جراح من سبیع، و الأمیر فیهم عوجان بن نشنوش.
2- العقیلیة: أنشأها عقیل بن إبراهیم بن موسی بن محمد بن بکر بن عتیق بن جبر بن نبهان بن سرور بن زهری بن جراح. و لقد خرج إلیها الشریف أحمد بن زید غازیا إلی نجد، فنزل بلد عنیزة، و خرب العقیلیة و هدمها، و ذلک عام 1098 ه.
3- الملیحة: و سکانها آل زامل من آل جراح.
***
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 70

قریة رابعة

اشارة

الضبط هذه القریة لیست من قری عنیزة، و إنما هی قریة منفصلة فی مکانها و سکانها، فأهلها آل کثیر من قبیلة بنی لام القبیلة الطائیة، و أمیرهم زعیر بن شهوان.

ثم فی عام 1110 ه

اجتمعت هذه القری الثلاث و توحدت باسم (عنیزة)، و تأمر فیهم:
فوزان بن حمیدان بن حسن بن معمر من آل فضل من آل جراح من قبیلة سبیع، ثم هجم علیهم آل أبو غانم و آل بکر کلاهما من سبیع و أخرجوهم من عنیزة، و استولی فوزان بن معمر علی عموم عنیزة التی هی: الملیحة، و الخربزة، و العقیلیة.

و فی عام 1115 ه

هجم آل جناح من الجبور من بنی خالد علی فوزان بن معمر و قتلوه و استولوا علی بلدة عنیزة، ثم هجم حمیدان بن معمر علی آل جناح و أخرجوهم من بلدة عنیزة.

ثم فی عام 1128 ه

هجم إدریس بن شائع بن صعب الخالدی شیخ آل جناح فی عنیزة
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 71
و هدم قصر عنیزة، و استولی علی البلد. فلما کان فی رمضان من ذلک العام هجم آل فضل من آل جراح علی بنی خالد، و أخرجوهم من البلد.
ثم انتقلت إمارة عنیزة للمشاعیب من آل جراح من سبیع.

و فی عام 1155 ه

هجم آل جناح من بنی خالد علی المشاعیب من آل جراح و قتلوا أمیر المشاعیب و هو حسن بن مشعاب أمیر عنیزة.
و بعد فترة من أمارة آل جناح علی عنیزة هجم علیهم آل فضل من آل جراح و أخرجوهم من عنیزة، و تأمر فی عنیزة رشید بن محمد بن حسن بن معمر من آل جراح. ثم تأمر بعد رشید ابنه جار اللّه بن رشید، ثم تأمر بعده أخوه عبد اللّه بن رشید، و استمرت إمارتهم إلی عام 1202 ه حینما ذهب عبد اللّه إلی عبد العزیز بن محمد بن سعود فی الدرعیة، فأبقاه عنده و حدد إقامته فی الدرعیة، و استولی علی عنیزة و أمرّ فیها عبد اللّه بن یحیی آل أبا الشحم. ثم أمّر فیها بعده محمد بن عفیصان العائذی.
و لمّا قدم إبراهیم باشا إلی نجد عام 1232 ه أمّر فیها عبد اللّه بن حمد الجمعی من سبیع.

و فی شعبان عام 1238 ه

قتل یحیی بن سلیمان آل یحیی السلیم قتل الجمعی و تأمر فیها.
و هی أول إمارة آل سلیم إلّا أنه فی أثناء إمارة الجمعی عام 1236 ه تأمّر فی عنیزة محمد بن حسن آل جمل باتفاق من أهل عنیزة، ثم عاد الجمعی إلی الإمارة حتی قتل عام 1238 ه
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 72

ثم فی عام 1246 ه

تأمر خیر اللّه من قبل الإمام ترکی ابن سعود و لم تطل مدته، ثم عین الإمام ترکی بدله محمد بن ناهض الحربی.

و فی عام 1248 ه

عین الإمام ترکی بدله صالح بن محمد القاضی من قضاة عنیزة الأسرة المعروفة.
و لمّا قتل الإمام ترکی عاد یحیی السلیم إلی الإمارة مرة أخری و استمر حتی قتل فی معرکة بقعاء عام 1257 ه، ثم خلفه علی الإمارة أخوه عبد اللّه السلیم حتی قتل صبرا فی معرکة الغریس عام 1261 ه، ثم خلفه أخوه إبراهیم السلیم و استمر حتی عزله الإمام فیصل عام 1263 ه، ثم صار بالإمارة ناصر بن عبد الرحمن السحیمی، و هو من سبیع من ذریة زهری بن جراح حتی عام 1265 ه حینما عزله الإمام فیصل.
ثم تعین جلوی بن ترکی آل سعود حتی عام 1270 ه، ثم تأمر فیها عبد اللّه بن یحیی آل سلیم من عام 1271 ه حتی وفاته عام 1285 ه.
ثم تولی زامل العبد اللّه آل سلیم و استقل بالإمارة حین ضعف أمر آل سعود و لم یمتد حکم آل رشید، و استمر إلی 1308 ه حینما قتل بالملیدی، ثم جاء حکم آل رشید للبلاد فتعیّن عبد اللّه بن یحیی الصالح آل یحیی من آل أبو غنام من ذریة زهری، و استمر بالإمارة حتی وفاته عام 1312 ه، ثم تأمر أخوه صالح آل یحیی فیها حتی عزله عبد العزیز بن رشید عام 1317 ه.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 73

و فی عام 1317 ه

تولی الإمارة حمد بن عبد اللّه آل یحیی بدل عمه صالح، و استمر فیها حتی قتل سنة 1322 ه. ثم عاد حکم البلاد لآل سعود فولّی الملک عبد العزیز عبد العزیز بن عبد اللّه بن یحیی آل سلیم.

و فی عام 1335 ه

تنازل عبد العزیز العبد اللّه عن الإمارة لابن أخیه عبد اللّه الخالد آل سلیم، و هو الأمیر الحالی .
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 74

قضاء عنیزة

الذی یترجّح عندنا أن عنیزة قبل نزول الشیخ عبد اللّه بن عضیب أنه لیس فیها علماء، و إنما المستنیر منهم من یحسن قراءة القرآن و مبادئ الکتابة. فلما قدم إلیها الشیخ عبد اللّه بن أحمد بن عضیب الناصری التمیمی آت من بلدة الفرعة مارّا فی بلدة جماعته النواصر فی المذنب، و قدم إلی عنیزة عام 1110 ه.
تولی الشیخ عبد اللّه بن عضیب القضاء من عام 1110 ه، و ترکه عام 1131 ه. حینما انتقل من عنیزة إلی قریة الضبط، و توفی عام 1160 ه.
ثم صار بعده تلمیذه الشیخ سلیمان بن عبد اللّه بن زامل عام 1145 ه، و استمر فیه حتی توفی عام 1161 ه.
ثم صار بعده الشیخ محمد بن إبراهیم أبا الخیل حتی وفاته عام 1170 ه، ثم خلفه الشیخ: عبد اللّه بن أحمد بن إسماعیل، ثم خلفه الشیخ محمد بن علی بن زامل، ثم صار بعده الشیخ صالح بن محمد بن عبد اللّه الصائغ من آل ابن عمار حتی وفاته عام 1184 ه.
و کل هؤلاء القضاة الذین تولوا بعد ابن عضیب کلهم من أعیان تلامیذه.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 75
ثم جاء حکم آل سعود علی البلاد: عین فیها الإمام سعود بن عبد العزیز آل سعود الشیخ عبد اللّه بن سویلم، ثم خلفه الشیخ غنیم بن سیف حتی توفی عام 1225 ه، ثم الشیخ عبد العزیز بن حمد بن عبد الوهاب بن مشرف و هو سبط الشیخ محمد بن عبد الوهاب، ثم الشیخ عبد اللّه بن فائز أبا الخیل حتی عام 1243 ه، ثم الشیخ عبد الرحمن بن محمد القاضی حتی عام 1248 ه، ثم الشیخ عبد اللّه أبا بطین حتی عام 1270 ه، ثم صار بعده الشیخ محمد بن إبراهیم السنانی نصف العام، ثم صار بعده الشیخ علی آل محمد آل راشد حتی توفی عام 1303 ه، ثم صار الشیخ عبد العزیز بن محمد المانع حتی توفی عام 1307، ثم صار بعده الشیخ عبد اللّه بن عائض حتی عام 1317 ه، ثم صار بعده الشیخ إبراهیم بن حمد بن جاسر حتی عام 1324 ه، ثم صار بعده الشیخ صالح العثمان القاضی حتی وفاته عام 1351 ه، ثم صار بعده الشیخ عبد اللّه بن محمد المانع حتی وفاته عام 1360 ه، ثم صار بعده الشیخ محمد بن عبد اللّه بن حسین سنة واحدة، ثم صار بعده الشیخ عبد الرحمن بن علی بن عودان من عام 1361 ه حتی عام 1369 ه. رحمهم اللّه تعالی.
***
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 76

عنیزة صار لها نشاط فی المجال العلمی فی ثلاث فترات‌

الأولی:

شحینما قدم إلیها الشیخ عبد اللّه بن أحمد بن عضیب، فقد کثر طلاب العلم فیها، و تخرّج علیه طائفة کبیرة من العلماء منهم نحو عشرین عالما عدّوا من کبار الفقهاء.

الثانی:

لما تعیّن فیها قاضیها الشیخ عبد اللّه بن عبد الرحمن أبا بطین و مکث فیها عشرین سنة صارت عنیزة عاصمة علمیة لنجد، و تخرج علیه طائفة کبیرة جدا من العلماء.

الثالثة:

نبوغ الشیخ عبد الرحمن بن سعدی المعاصر، فإن طلاب العلم یتخرجون علیه علماء فوجا بعد فوج حتی الآن، و فیها الآن طائفة کبیرة منهم العلماء المدرکون، و له طلاب من خارج بلدته، وفقه اللّه تعالی.
***
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 77

سیاسة و حروب‌

مقتل مهنا الصالح‌

حوادث سنة 1292 ه

(ألف و مائتین و اثنین و تسعین فی شهر صفر): قتل مهنا الصالح أمیر بریدة، قتلوه آل علیان: تحزبوا أهل بریدة مع حسن بن مهنا، و حاصروا آل علیان و قتلوا منهم تسعین، أحرقوا القصر بالنار و البارود حتی استولوا علیهم.

و فی شهر ذی الحجة سنة 1313 ه

(ألف و ثلاثمائة و ثلاثة عشر): قتل مبارک بن صباح أخویه: محمد، و جراح، و ذلک لأسباب دنیویة فیما بینهم، و أعمار المقتولین و القاتل فی نحو السبعین، نسأل اللّه العافیة.
و المذکورون هم مشایخ الکویت. و فی آخر السنة المذکورة قتل مزعل بن جابر بن مرداد و هو من مشایخ المحمرة. و الذی قتله أخوه علی قتله غیلة ثم قتل أتباعه حسب ما بلغنا، و الأسباب غیر معلومة یقینا. و الظاهر أن سببها منافسة دنیاویة: أصله عدم الإنصاف بالحقوق، نسأل اللّه السلامة.

و فی سنة 1307 ه

(ألف و ثلاثمائة و سبعة فی شهر جمادی): تحرک الإمام عبد الرحمن الفیصل مع أغلب أهل الریاض ضد أمیر الریاض من قبل محمد بن رشید سالم بن سبهان و حبسوه، ثم غزاهم محمد بن رشید
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 78
و حاصر الریاض و قطع منه جملة نخیل، و بعدها اصطلحوا و أطلقوا سالم بن سبهان و من معه و رجع عنهم قبل أن یستولی علی الریاض.

حرب عنیزة الأولی‌

و فی عام 1279 ه:

حرب عنیزة الأولی، و السبب أن الإمام فیصل بن ترکی بن عبد اللّه بن سعود هو الحاکم لعموم نجد، و قد أمر بعنیزة أخاه جلوی فتصرف تصرفات لم ترض أهل عنیزة، و ترفع عن الجماعة، و صاروا یکتبون للإمام فیصل إلّا أن کتبهم لم تعرض علیه فظنوا أنها تهاون بهم من الإمام، فأخرجوا الأمیر و بسبب ذلک صارت الحرب بینهم و بین الإمام فیصل.

قیام الدعوة السلفیة فی الدرعیة

و فی سنة 1158 ه

(ألف و مائة ثلاثة و ثمانین): ابتداء قیام الإمام محمد بن سعود بالدعوة مع الشیخ محمد بن عبد الوهاب، فصار أول الأئمة هو محمد بن سعود، ثم ابنه عبد العزیز الذی قتل فی صلاة العصر فی مسجد الدرعیة، و قیل أن الذی قتله أفغانی. ثم صار ابنه سعود ثم صار بعده عبد اللّه بن سعود و حمل آل سعود إلی مصر من الدرعیة سنة 1233 ه (ألف و مائتین و ثلاثة و ثلاثین) و صارت نجد فوضی بعد حکامها إلی أن قام ترکی بن عبد اللّه بن سعود نحو 1238 ه (ألف و مائتین و ثمانیة و ثلاثون)، و استقام حکمه إلی أن قتله مشاری ابن أخته سنة 1249 ه (ألف و مائتین و تسع و أربعین)، ثم قتل مشاری.

حکم الإمام فیصل‌

ثم حکم فیصل بن ترکی إلی أن خرجت الحملة المصریة بقیادة
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 79
خورشید باشا سنة 1254 ه (ألف و مائتین و أربع و خمسین)، بحیث إنه غلب علی نجد و أخذ فیصل و عائلته آل مقرن و آل الشیخ محمد بن عبد الوهاب إلی مصر، و صار حکم نجد بید خالد بن سعود مدة قلیلة. ثم حکم عبد اللّه بن ثنیان حیث إن أهل الریاض کرهوا خالد و طلبوا ابن ثنیان فالمذکور ابن ثنیان حکم نحو سنة. ثم خرج فیصل و قدم نجد من طریق حایل فعبد اللّه بن رشید و أهل عنیزة ساعدوا فیصل حتی استولی علی الریاض، و قتل عبد اللّه ابن ثنیان. فمن تلک المدة استمر حکم فیصل إلی أن توفی. رحمه اللّه سنة 1282 ه (ألف و مائتین و اثنین و ثمانین).

حکم الإمام عبد اللّه الفیصل‌

اشارة

و بعد ذلک استقام حکم نجد بید عبد اللّه الفیصل، ثم صارت بینه و أخیه سعود حروب طالت و انتهت بضیاع حکمهم، و ولایة محمد بن رشید.

و فی عام 1284 ه:

صارت الوقعة المشهورة فی جودة، و ذلک بین محمد بن فیصل معه أهل نجد و بین سعود معه قبیلة العجمان صارت الهزیمة علی محمد بن فیصل و قومه بحیث قتل منهم 700 نفس. و بعد ذلک خرج عبد اللّه الفیصل من الریاض صار یتنقل عند البادیة. و أما سعود الفیصل فصار حکمه علی الریاض، و المحمل و الوشم، و سدیر فقط.
و استقام علی ذلک إلی أن توفی عام 1293 ه. ثم تجددت الفتنة بین عبد اللّه الفیصل و أبناء أخیه سعود.
و فیها جاء عبد اللّه الفیصل إلی القصیم قاصدا حسن المهنا فی بریدة، فکتب حسن إلی ابن رشید فجاء نجدة لحسن، فرجع عبد اللّه
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 80
الفیصل عن مقصده، و خرج من یده الوشم و سدیر بسبب ضعف إمکانیته، مما سبب أن أبناء أخیه سعود استولوا علیه و حبسوه إلی أن قدم محمد بن عبد اللّه الرشید مساعد لعبد اللّه حتی أخرجه من السجن سنة 1299 ه، و لکن سوء الحال عادت بینه و بین ابن رشید. و صارت بینهما معرکة أم العصافیر عام 1301 ه، و قضت علی حکم عبد اللّه الفیصل. و تم لمحمد بن رشید الحکم فأبناء سعود بیدهم الخرج فقط. و الریاض استمر بید الرشید بالمعنی، و صوره بید محمد الفیصل إلّا أنه فی 1303 ه (ألف و ثلاثمائة و ثلاثة) قتلوا أولاد سعود محمد و عبد اللّه و سعد، و بعد ذلک استمر حکم نجد لآل الرشید.

حکم آل رشید

و أما الرشید ابتداء إمارتهم سنة 1248 ه أولهم عبد اللّه بن علی بن رشید. ثم تأمر ابنه طلال بن عبد اللّه إلی سنة 1282 ه، اختل عقله و قتل نفسه ثم حکم متعب بن عبد اللّه أخیه إلی أن قتلوه أولاد أخیه طلال بسبب شحناء بینهم. و ثم بعد متعب بندر بن طلال إلی 1289 ه، و قتل بندرا عمّه محمد بن عبد اللّه و معه أخوته بدر بن طلال، و سلطان، و عبد اللّه.
و السبب أنهم کانوا یریدون قتله.
ثم بعد ذلک ابتداء إمارة محمد بن عبد اللّه بن علی بن رشید من محرم 1289 ه. و قد استولی علی عموم نجد حاضره و بادیه من 1293 ه إلی أن استفحل ملکه 1308 ه، و ذلک بعد أخذته عموم القصیم، و ذلک بعد وقعة الملیداء فی شهر جمادی سنة 1308 ه قتل فیها من الجانبین نحو 1000 ألف نفس، و قد صار له فی الحکم حظ کبیر بحیث إنّه ما توقع
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 81
أمرا إلّا و یحصل فوق ما توقع من جمیع الوجوه، حتی إنه غزا نحو 52 غزوة ما انهزم له رایة و هیبته بالغة بالخواطر إلی أن توفی فی 3 رجب سنة 1315 ه بمرض ذات الجنب استقام 12 یوما. و بعده تأمر ابن أخیه عبد العزیز بن متعب بن عبد اللّه الرشید و هو الأمیر الحالی لعموم نجد:
بدو و حضر ، حرر فی شعبان.

حرب عنیزة الثانیة

و أما حرب عنیزة الأخیرة فأوله فی سنة 1275 ه و انتهاؤه فی آخر سنة 1280 ه، عدم فیه رجال و أموال و نخیل الوادی، بحیث إن أهل عنیزة انضروا فی کل وجه، و قد کان الحاکم فیصل و هو رجل خیر، و فیه دین و رحمة. و قد تخلّل حکم آل سعود و الرشید من الوقائع و الحوادث ما یستوعب تاریخا کبیرا، و بلغنا أن إبراهیم بن صالح بن عیسی ساکن أشیقر مهتمّ بتألیف تاریخ تلک الأحداث.

مقتل الشریف‌

و فی سنة 1302 ه:

قتل الشریف حسین بن محمد بن عون أمیر مکة. و ذلک أنه توجه إلی جده لأجل تفقد أحوال أهلها، و فی أثناء ذلک کان ماشیا فی موکبه فی سوق جده هجم علیه درویش، قیل إنه أفغانی، فطعنه فی سکین قضت علیه بعد 24 ساعة رحمه اللّه. أما الدرویش استنطقوه: فکان جوابه أن نفسه الخبیثة أمرته بذلک، و بعده قتل. أما الشریف الحسین فکان موصوفا بالعفة و الدّیانة، و أمه أمة حبشیة.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 82

معرکة الطرفیة

و فی سنة 1318 ه:

صارت الفتنة عظیمة فیما بین مبارک بن صباح شیخ بندر الکویت، و بین أمیر نجد عبد العزیز بن متعب بن عبد اللّه العلی الرشید، و الأسباب أحقاد قدیمة فیما بین مبارک الصباح و آل رشید مبتدأه فی سنة 1299 ه. و ذلک أن محمد بن رشید أخذ سلطان الدویش و معه مطیر علی الجهرا قرب الکویت، فآل صباح تأثروا لأنه هتک حرمتهم لکن ما کان لهم طاقة فی مقاومة ابن رشید، و دافعوه بالتی هی أحسن.
و ذلک أن شیخ الکویت بوقته عبد اللّه بن صباح خرج لابن رشید مع وجوه الکویت، و ترجوا ابن رشید أن یترک لهم أسراهم و أموالهم فقبل رجاهم و شدّ من الجهرا، و قبل ذلک فی ثلاث سنین عریب دار الکویت حصل منهم تعدّ علی شمر، و اشتکاهم ابن رشید علی الصباح عدة مرات من غیر فائدة.
بعده أغار محمد بن رشید علیهم، و أخذ منهم جانب، فآل صباح تأثّروا من ذلک رغم أنّ ابتداءه منافسة أهل القصیم فی سنة 1305 ه مع محمد بن رشید، فصاروا آل صباح یخابرون سرّا أمیر بریدة حسن بن مهنا، و أمیر عنیزة زامل بن سلیم بأنهم معهم علی ابن رشید، بحیث کانوا آل صباح من جملة المشجعین لأهل القصیم لکن بالقول سرّا حتی عظم الشر بین أهل القصیم، و ابن رشید و انتهی فی وقعة الملیداء المشهورة سنة 1308 ه فی جمادی الآخرة. فالوحشة بقیت بین شیوخ الکویت و ابن رشید إنّما خفّت نوعا ما. و ذلک أن محمد بن صباح توجّه باسم الحج سنة 1309 ه و غایته الحقیقیة إزالة الوحشة فیما بینهم و بین ابن رشید، و قد
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 83
وصل حایل و أزال ما فی خاطر محمد بن رشید، و استمرت الأحوال ساکنة إلی أن قتل مبارک بن صباح أخویه محمد و جراح سنة 1313 ه فی 26 ذی القعدة، و صار شیخ الکویت مبارک.

وفاة محمد بن رشید

ثم إن محمد ابن رشید توفی فی 3 رجب 1315 ه، و خلفه ابن أخیه عبد العزیز ابن رشید. فعند ذلک اغتنم مبارک بن صباح وفاة محمد و شاع بوقته ضعف عبد العزیز و حرکة بادیة مطیر و العجمان، حصل منهم أضرار جسیمة، و قتل علی أهل نجد، و ثم سکنت الأحوال مؤقتا غیر أن عبد العزیز بن رشید انتبه لعدوان مبارک نحوه. و قد کان عند الصباح اثنان من أولاد محمد الصباح مستنجدین فیه حیث حکومة الترک بالبصرة ما خلصت لهم حقوقهم الموروثة من والدهم من عقار و غیره من الأموال.
ثم إن عبد العزیز بن رشید خابر الدولة فی اسطنبول أنه یجب إنصاف الأیتام من عمهم مبارک، فالراجح أن السلطان عبد الحمید جعل ابن رشید حکما بین مبارک و أبناء أخویه، لذا فإن مبارک تأثّر من ذلک. ثم إن یوسف بن عبد اللّه بن عیسی آل إبراهیم توجه لابن رشید بموجب طلب ابن رشید له، فزاد تأثر مبارک لکونه یعد یوسف أکبر عدو له من غیر سبب، إلّا أن یوسف یمیل إلی أولاد محمد الصباح و أخیه جراح والدتهم بنت علی بن جابر الصباح الذی والدته بنت الشیخ علی بن محمد بن إبراهیم وجد یوسف بن عبد اللّه بن عیسی و عیسی أخی علی.
ثم إنّ یوسف فوق الرحم کان له صحبة مع محمد بن صباح، فنظرا لذلک صار یوصی أولاد محمد و جراح لمصالحهم و یمدهم بما یلزم من
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 84
حاجة: دراهم و غیره، شأن الکریم الوافی. فلما تحقّق عند مبارک ما ذکرنا آنفا، و قد کان مستعدا من قدیم بقوة عظیمة: أسلحة، و جموع کثیرة، لأنه مستعد من قدیم لمقاومة ابن رشید یتحیّن له الفرصة المناسبة. و من الاتفاق أن سعدون بیک ابن منصور باشا بن راشد السعدون تقدم فی قومه المنتفق المشهورین بالکرم، و الشجاعة. و سعدون المذکور ذو شهامة غریزیة، فصار له شأن بحیث إنه صار له صوله، و أخذ جملة عربان منهم:
شمر بن رشید تأثّر و تهدّد سعدون غیر مرة فلم یفد، حتی إنه کان علی عربانه فی تلک اللحظة قرب سوق الشیوخ و أخذهم و من معهم من الظفیر صباح بن خلاف و ابن ضویحی و أتباعهم، و ذلک فی شهر شعبان 1318 ه.
و قد کان بین ابن صباح و سعدون معاهدة سریة علی الدفاع، و الهجوم ضد ابن رشید اشتهرت بعد الوقعة المذکورة آنفا، بحیث إن مبارک بن صباح جهّز جملة حضر و بدو من الکویت صحبة أخیه، توجهوا لمساعدة سعدون لکن ابن رشید حضر عنده محمد باشا بأمر السلطان عبد الحمید مأمورا بحقن الدماء، و کف الفتنة، و ابن رشید توجه صوب الحیرة و حمود الصباح رجع بقوته، و سعدون عبر للفرات و قد کان المتولی حکومة البصرة محمد محسن باسم مجازی، و الحقیقة أشراف البصرة بیت النقیب.
و قد توجه السید أحمد باشا ابن السید محمد سعید إلی الکویت بصیغة الإصلاح بین مبارک و ابن رشید لکن المطلب ضده کونه ساعد عبد الرحمن الفیصل آل سعود فی دراهم، و عرض الإمام عبد الرحمن الفیصل التوجه إلی نجد لأجل استرجاع حکمه السابق. و قد تجهز
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 85
عبد الرحمن الفیصل من الکویت بإیعاز من مبارک بن صباح و قوته و همته و ذلک فی شهر جمادی الأولی سنة 1318 ه، فأخذ جانب من قحطی و رجع للکویت. ثم أعقب ذلک کون ابن رشید علی سعدون المذکور آنفا فحکومة البصرة مرادها الإصلاح.
لکن لم تشأ تحمّل مراده الحقیقی باطنا ضد صلاح ابن رشید و صباح، و یحتمل أن عمل حکومة البصرة لأغراض مع قطع النضر.
صلاح الحکومة، و صلاح المسلمین، و عدم المبالاة فی قتل بعض البعض.
و أما نفس السلطان فهو بری‌ء، بل مرغوبه الحقیقی ظاهرا و؟؟؟
عدم سفک الدماء، فمن بعدما مضی من الوقائع آنفا انحاز ابن رشید؟؟؟
أطراف الحیرة لأجل الربیع. ثم بلغه أن عربان بن صباح تقدموا جهة نجد فعدا علیهم فی أول شهر رمضان 1318 ه، و أخذ من مطیر و عریب بعض خبل، و رجع إلی الحیرة. و فی آخر رمضان جاء أمر من السلطان؟؟؟
کاظم باشا المقیم فی بغداد أن یتوجه لمقابلة ابن رشید، و؟؟؟
یوسف بن إبراهیم، فکاظم باشا التقی مع ابن رشید فی شهر شوال و مهمته إصلاح ذات البین.
رجعنا إلی ابن صباح. و ذلک أن ابن صباح تقدم إلی نجد فی أول شوال، و تجهّز معه الإمام عبد الرحمن الفیصل و أولاد جلوی بن؟؟؟
آل سعود و معه نحو 2500 إلی 3000 حضر الکویت، و عریب دار؟؟؟
3000 إلی 3500 إلی 4000، و معه سلطان بن حمید و الدویش و؟؟؟
من الدوشان شیخهم و طبان، و معهم جمیع مطیر حتی الحبلان و؟؟؟
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 86
و العجمان کافة ما عدا آل سفران، و آل مرة أغلبهم، و بنی خالد و ابن ضویحی، و ابن حلاف و من تبعهم من الظفیر، و من بادیة الجنوب الدواسر کافة، و آل شامر، و سبیع و معه أمراء القصیم آل أبا الخیل و مقدمهم صالح الحسن، و السلیم و مقدمهم عبد العزیز بن عبد اللّه بن یحیی السلیم.
فتوجه إلی نجد، فلما وصل إلی الدهناء لحقهم سعدون بن منصور مع عموم المنتفق، و من أکابرهم جملة منهم أخوه عبد اللّه المنصور و أولادهم. و لما صار ابن صباح و من تبعه من المنتفق، و الحضر، و البدو فی قرب الدهناء وجّهوا سریة صحبة عبد العزیز بن عبد الرحمن الفیصل إلی أطراف العارض، و کان به أمیر من قبل ابن رشید، و أهل الریاض دافعوا ضد عبد العزیز بن سعود مدافعة سهلة، و لکنه دخل الریاض من غیر معارضة قویة.
رجعنا لابن صباح فهو تقدم هو و من معه حتی وصلوا الأسیاح- أعنی عین ابن فهید- بحیث وصل فی آخر شوال سنة 1318 ه، و طریقه من الدهناء جعله من أعلا إلی الزلفی و عموم بلدان سدیر. و الزلفی أطاعته سوی المجمعة. ثم وصل إلی الأسیاح، و منه قصدوا آل أبا الخیل لا بریدة. ففی وصولهم ساعدوهم الأهالی، یحتمل أغلبهم قاموا معهم، و کان أمیر بریدة من قبل ابن رشید سعد الحازمی فأهل بریدة أو باسمهم أساء إساءة غیر لائقة فی اتّباع ابن رشید خلاف الواجب، و کان الحازمی رجل محاسنه أکثر من ضدها.
آخر الأمر أخرجهم من بریدة و صاروا آل أبا الخیل هم الأمراء، مقدمهم صالح الحسین الذی کان والده من جملة أسباب وقعة الملیداء، بل هو سببها. و أما آل سلیم فهم مع ابن صباح من الأسیاح، قدموا کتبا
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 87
للبسام فی عنیزة یستفسرون عن حقیقتهم: هل هم معهم أو ضدهم من حیث إن البسام ما لهم قصد مع أحد الجانبین، و غایة مطلوبهم طریق السلامة؟ فهم ردوا لآل سلیم بأننا لا نردکم و لا ننهاکم بالمجی‌ء أنتم أعرف بحالکم مع ابن رشید. و إننا لن نعینکم و لا نعین علیکم. و ردوا أیضا لابن صباح بأن ما لنا قصد مع أحد، و مرغوبنا عدم التداخل بأسباب الفتن إلّا اضطرارا، و أولاد السلیم قد عرفناهم بما فی خاطرنا، و غایة مرغوبنا أن لا تقربون الخطر نخشی من وقوع فتن.
و کان أمیر عنیزة صالح بن یحیی الصالح الیحیی الغانم، و صالح هذا کان مسلکه غیر مرغوب مع جماعته أعنی البسام الذی کبیرهم بل والدهم جمیعا عبد اللّه بن عبد الرحمن بن حمد البسام، فهو مبروک النقیبة کثیر المحاسن قد حقن اللّه بسببه دماء أمم من جموع أهل القصیم فی وقعة الملیداء، و الوقعة الأخیرة بالطرفیة. کل ذلک بفضل اللّه ثم بسببه، لأنه ماله قصد إلّا الخیر من کل وجه أکثر اللّه أمثاله، و أنا أکتب هذا، و هو قد توفی فی شوال سنة 1325 ه.
فآل سلیم تقدموا إلی عنیزة و هجموا علی صالح الیحیی فی بیته فجر 12 القعدة سنة 1318 ه، و أصابوا صالح بیده برصاصة، و تمکن من الفرار، و أما أخوه حمد و أولاد أخیه، فآل سلیم تمکنوا من قبضهم، و عند ذلک تنبهوا الجماعة، و کفوا الشر، و حطّوا جاههم بین آل یحیی و السلیم، بأن بعد یوم تاسع یرحلون من عنیزة. و تأمّر فی عنیزة عبد العزیز بن عبد اللّه الیحیی السلیم. و أما ابن صباح فهو تقدم حتی وصل نفس بریدة، و قد فرح بذلک أغلب أهلها خصوصا الشیخ محمد بن عبد اللّه بن سلیم و أتباعه.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 88
و أما غالب أهل عنیزة فیرون فی رقابهم بیعة لابن رشید، فبیعته قائمة حتی تؤخذ منه البلاد و یزول حکمه. ثم إنه ما لهم صالح فی الفتنة أعنی العموم، ثم یعتذرون من بن صباح بأن غزونا مع ابن رشید فهو غیر ممکن، نقابلهم بالرصاص یقتل بعضنا بعضا، و نحن لا نعینکم و لا نعین علیکم. فعلم مبارک بن صباح بعذرهم. و أما أهل بریدة فقد غزا منهم جماعة مع ابن صباح. و أما أهل عنیزة فلم یغز منهم أحد مع ابن صباح، و کذلک سائر بلدان، و قری القصیم فلا تحرکت.
ثم بعد ما ذکرنا تحرک مبارک بن صباح فی عدد وعدة عظیمة بادیة و حاضرة، منها عتیبة سلطان بن ربیعان. محمد، و ترکی شیوخ الروقة، و کذلک هذال بن فهید شیخ الشیابین من عتیبة، و توجه ابن صباح قصده دیرة ابن رشید حایل، فأول خروجه من بریدة نزل قریب الطرفیة عن بریدة مسافة 6 ساعات، و هی القریة إلی الطریق بین الأسیاح و بریدة.
و قد قلنا قبل أن کاظم باشا مع یوسف بن إبراهیم انصرفوا من ابن رشید فی 22 ذی القعدة، فحین علم ابن رشید قدوم ابن صباح و ما جری ذکره توجه قصده القصیم و معه قوم کثیرة من عنزة ابن هذال، هو و أتباعه من الحبلان و العمارات و ابن مجلاد و أتشاعه من الدهامشة و الجربا، و له تبع من شمر أهل الجزیرة، و ابن زبن. و ابن شعلان، و تبعه من الدولة و ابن صویط و أتباعه من الظفیرة و شمر أهل نجد قاطبة و غزو أهل نجد الحضر عموم بلدان نجد، فصار وصول ابن رشید لعین ابن فهید فی 22 ذی القعدة 1318 ه.
و من حین وصل الطرفین تقارب الطرفان حصل بینهم بالطریق
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 89
مناوشات قلیلة. ثم فی یوم الأحد 26 ذی القعدة تقدم ابن رشید بترتیب حربی بحیث قارب ابن صباح الذی کان مستظهرا أیضا بترتیب، فصار الشروع بالحرب مبتدأه الساعة 7 من النهار، و تقابلت الفئتان و حمی الوطیس، لکن الترتیب مستقیم الفئتین کلّ علی حده، و أما ابن رشید معه ستة بیارق کل جمع حده، فلما صارت الساعة الثامنة و الحرب علی قدم و ساق و قد فنی به خلق کثیر. ثم اختل الترتیب بین الفئتین بحیث إن کل القومین صار جمعا واحدا، و الموت قائم فیما بینهم. فعند ذلک ساق ابن رشید الإبل، و تقدم و رجال ابن رشید و خیله قفاه، و صار ابن صباح و من تبعه و جمیع قوتهم، و قتل من قوم ابن صباح نحو 3000 و الحضر و البدو کذلک العجمان، و الدواسر، و آل شمر، و سبیع، و السهول، و بنی خالد.
و أما مطیر و بریة و من تبعهم فروا من غیر ضرر کبیر. و أما الرباعین من عتیبة الشیابین فقد أخذوا جانب من جانب ابن صباح، و فروا به، و استمرت الهزیمة إلی اللیل یتلو بعضها بعضا، فقوم ابن صباح بید قوم ابن رشید، فلو لا لطف اللّه ثم اللیل أیضا، فقد صارت لیلة مطیرة کل اللیل، و هی أیام استواء الزرع بالقصیم صارت سبب سلامة السالمین من بدو ابن صباح، فلما أصبح الصباح یوم الاثنین بعث ابن رشید سرایا تجمع و تقتل من وجدته بالبر و القری، فالذی دخل بریدة قتل من حضر و بدو و نحو 120 و الذین دخلوا الزلفی نحو 30 قتلوا غیر واحد، نسأل اللّه العافیة.
و الذین دخلوا عنیزة سلمهم اللّه غیر خمسة وجدهم طوارف ابن رشید، و قتلوا بالصعید، و المشهورون من القتلی حمود بن صباح، و ابنه خلیفة ابن عبد اللّه الصباح، و ولد فاضل بن دعیج و اثنان غیرهم من
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 90
آل صباح، و من السعدون عبد اللّه المنصور أخی سعدون، و ابن سعدون فکان شرق شمالی عنیزة، و آل أبا الخیل صالح العلی المحمد الصالح أبا الخیل، و أخیه و اثنین غیرهم. و أما آل سلیم فلم یحضروا المعرکة، فقد توجه منهم صالح الزامل معه غزو من عنیزة قدر خمسین ذلول، فلما قاربوا الطرفیة شعروا بالکسیرة، و انهزموا و مبارک بن صباح، و سعدون، و عبد الرحمن الفیصل، و صلوا الکویت فی الیوم التاسع من ذی الحجة کل علی وجهه بحیث کل منهم فر علی وجهه بغیر شعور فی أقاربهم و قومهم، نسأل اللّه العافیة.
و أما خسائر ابن رشید من الأنفس فلا نعلم عنها یقینا. و یقال إنه نحو 300 من المشاهیر من آل رشید سالم الحمود العبید، و أخیه مهنا، و قیل: أخوه ماجد صویب، و عبد اللّه العبید، و من آل سبهان ناصر، و قیل سبهان مصوب آخر مصیبة عظیمة علی الطرفین. و بعد هذا ابن رشید نزل بریدة و جعل علی أهلها نکال نحو 90000 ریال (تسعین ألف) علی الربادی عدد 22000، و راشد ابن شریدة 6000 ریال و غیرهم کل علی قدره، و قد کان قتل ابن محمد الربدی بالطرفیة بسبب مساعدته لابن صباح، و قد وجد فی خیمة ابن صباح مربوطا بالحدید، لأجل أنه مأخوذ قهرا.
فلما حضر عبد العزیز الرشید فک حدیده و أیقن بالسلامة. لکن قیل: إن ابن رشید وجد فی بشتخته ابن صباح خطابا من عبد الرحمن الربدی یحض ابن صباح علی المجی‌ء إلی القصیم: و قیل إن سعد الحازمی الذی کان أمیرا فی بریدة خبر ابن رشید بأن عبد الرحمن الربدی هو الذی ساعد المهنا، فقتل صبرا.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 91
ثم إن ابن رشید عزل الشیخ محمد بن سلیم و نفاه إلی النبهانیة، کما عزل قاضی المذنب عبد اللّه بن دخیل. و أما عنیزة فابن رشید قبل وجاهة عبد اللّه العبد الرحمن البسام و حمولته فی الفلول، و عفا عنهم لکن جعل علی عنیزة بعد الشفاعات عن قتل أربعة منهم نکال 10000 ریال (عشرة آلاف)، و أمر حمد بن عبد اللّه الیحیی الصالح حسب رغبته و رغبة البسام، و أخوه صالح کان أمیر غزو عنیزة الذی معه بالطرفیة، و آخر ذلک ابن صباح خابر حکومة البصرة و اسطنبول.
حرر فی 8 صفر 1319 ه
***
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 92

تاریخ زراعی‌

فی عاشر القعدة عام 1330 ه:

کدبت الهلالیة و أیام صدری علیها و هی تجد.

و فی عام 1335 ه:

أطلعت الماء علی القشاعیة و زرعتها أربع سنین و هی و الملیح سنتین.
أمهات الخشب و أمهات حمام الأولات غرستهن سنة 1336 ه معهن البریم وحده و نبته العیدی وحده.

و فی سنة 1340 ه:

غرست المقطر الذی یبری للغابیة و أمهات حمام التی یبرن لأمهات الخشب الأولات، و بعدهن بسنة غرست أمهات
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 93
الخشب و السکری الحمر، و سکری القرعاء و انبوت ابن راشد .
أما الغرس فی المکان الذی فی الوادی المسمی (مصیول):

ففی عام 1337 ه:

غرست مکان الفحول و رقّعت بالمکان غیرهن بالغرس و هن شقر.

و فی عام 1340 ه:

غرست الوصلة التی بین مصیول و الوسطة مع ترفیع بالمکان .
و فی 22 ربیع أول: عدل النخل و ذکر أن العامریة فیها لا حمیّة فیها لون.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 94

تواریخ حوادث بالأبجد

- غرقت عنیزة من زیادة السیول عام 1080 ه فکان تاریخها (طغی الماء)، ثم غرقت مرة أخری فکان تاریخها بلفظ (غربال).
- خروج إبراهیم باشا إلی نجد عام 1232 ه بلفظ (خرشد نقی).
- و خروج حسین بیه إلی نجد لفظ (جاغربال).
- قتال أهل القصیم مع عبد اللّه بن رشید هو عام 1257 ه، و هی معرکة (بقعاء). و قتالهم مع عبید بن رشید فی الموضع المسمی (الغربس)، هو بلفظ (غرس).
- و حرب أهل عنیزة مع آل سعود، الأول بلفظ (من بقی قطع)، و أما حربهم مع آل سعود الأخیر (من طغی یقع).
- أما تاریخ معرکة الملیدی فهو ما جاء فی هذا البیت:
لقد قلت فی تاریخ مافات و انقضی‌تحذر، فإن البغی شر قرین
1308 ه
***
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 95

کوارث طبیعیة

فی سنة 1297 ه:

سنة حمرة، و هو أنه جاء برد (بسکون الراء) شدید صار السماء أحمر، و بعضهم یسمی تلک السنة سنة (حلّیت)، و حلیت: بکسر الحاء فلام مشددة مکسورة فیاء ثم تاء: هو جبل قرب قریة ضریة فی أقصی الحدود الجنوبیة الغربیة من القصیم أصاب حاج القصیم البرد عند ذلک الجبل و هم عائدون من الحج، و یذکرون أنهم قاموا فی أماکنهم لا یستطیعون حراکا لمدة ثمانیة عشر یوما، و مات الکثیر من رواحلهم.
و أصاب مدینة عنیزة سیل کبیر جدّا هدم المنازل، و ذلک عام.
1192 ه، و تاریخها بالأبجد (طغی الما)، ثم أصابها سیل کبیر أیضا عام 1208 ه، و تاریخها بالأبجد (سیل غاصب).
و دخلها سیل عظیم سنة 1322 ه، و ذلک بعد سطوة آل سلیم بها بأیام فسقطت منها بیوت کثیرة.

و فی عام 1337 ه:

أول المربعانیة حدث مرض عظیم عم جمیع أقطار الأرض من البادیة و الحاضرة، و هلک بها أمم لا تحصی حتی إن المساجد لا یصلی فیها إلّا الأفراد، و الأسواق خلت من الناس حتی إن
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 96
جملة من الفلائح أوضعت فصارت بعض البعارین فی مرحهن ما یحصد لهن العلف و لا أحد یفتح لهن یرعن بالعلف، و الوقت وقت ختام الزرع، و عندی عشرة رجال یختمون. و کل یوم ینقصون من المرض حتی آخر یوم ما بقی منهم أحد و أکثر الوفیات علی النساء و هو أنواع: فأحد یشتکی صدره، و أحد یشتکی جوفه، و بعضهم یصیبهم قی‌ء و إذا مضی علی إصابته ثلاثة أیام و لم یمت، فالغالب أنه یسلم.

و فی عام 1290 ه:

وقع فی عنیزة وجع فی الرأس یسمی (أبا دمغة) توفی فیه کثیر من الناس، و من مشاهیر المتوفین الشیخ محمد بن عبد اللّه بن مانع، و سلیمان الحمد البسام.
***
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 97

تاریخ عبد الرحمن الصالح البسام‌

اشارة

تألیف الشیخ العلامة عبد الرحمن بن صالح بن حمد بن محمد البسام (1303- 1373 ه)
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 99

ترجمة المؤرخ الشیخ عبد الرحمن بن صالح بن حمد البسام (1303 ه- 1373 ه)

اشارة

الشیخ عبد الرحمن بن صالح بن حمد بن محمد بن حمد البسام، و آل بسام سکان عنیزة أسرة کریمة شهیرة ینتهی نسبها إلی الوهبة من بنی تمیم، و هو والدی أنا محرر هذه التراجم.
و جدّ المترجم (حمد)، الذی بأعلی النسب هو الذی قدم مدینة عنیزة من بلدة حرمة فی سدیر عام 1175 ه و استوطنها و انتشر أحفاده فیها، و بقیة نسب المترجم و أخبار أسرته یعرف من تراجم أحد أفراد أسرته من هذا الکتاب، و علی الأخص من ترجمة والده الشیخ صالح.
ولد المترجم فی بلد أسرته مدینة (عنیزة) فی 2/ 2/ 1303 ه من والدته نورة بنت محمد بن عبد العزیز بن حمد بن بسام، و نشأ المترجم فی بیت فضل و شرف و غنی، فلما بلغ سن التمییز دخل فی کتّاب المربی (عبد العزیز بن سلیمان آل دامغ)، الذی هو فی الدور الأرضی من منارة جامع عنیزة الأثریة الآن، و أخذ عنه القرآن الکریم و مبادئ الکتابة، و للمترجم مذکرات کتبها عن نفسه و عن غیره.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 100
استمر فی طلب العلم علی ثلاث جهات:
1- الشیخ المقرئ عبد العزیز آل نفیسة الشهیر بالخبراوی، هذا بدراسة القرآن الکریم، لتعدیل قراءته و حفظه عن ظهر قلب، و معه أخوه محمد و کثیر من زملائهما، و وقت قراءتهما آخر اللیل إلی أذان الصبح، و قد ذکرنا أسماء بعض هؤلاء الشباب الصالح فی ترجمة الشیخ عبد العزیز آل نفیسة الشهیر بالخبراوی.
2- الشیخ الفقیه محمد بن عبد الکریم آل شبل، و هذا قرأ علیه بالفقه، و من زملائه علیه الشیخ العلامة عبد الرحمن السعدی.
3- الشیخ عبد اللّه بن عائض، هذا العالم الضلیع بعلوم اللغة العربیة، فقرأ علیه بالنحو.
و هکذا حفظ القرآن الکریم، و حفظ بعض متن (دلیل الطالب) للشیخ مرعی الکرمی، و حفظ نظم الآجرومیة فی النحو المسمی (العمریطیة)، و کان مع شقیقه الشیخ محمد بن صالح البسام و زملائهما ملازمین دروس الشیخ محمد بن شبل، حتی صار لهم مدخل فی الفقه.
و لما دخلت سنة 1322 ه حصل فتنة فی مدینة عنیزة انتقل علی أثرها إلی مکة المکرمة، و أدی فریضة الحج، و بعد الحج انتقل إلی جدّة، فأقام فیها نحو أربعة أشهر، استغلها بالقراءة علی الشیخ السلفی عبد القادر التلمسانی، فقرأ علیه و تعرف فی حلقة درسه علی الشیخ محمد بن حسین نصیف، فصارت تلک المعرفة صحبة أکیدة بینهما إلی نهایة حیاتهما، و المراسلة لم تنقطع، و عندنا- الآن- جملة من رسائل الشیخ محمد، کما یوجد لدینا مجموعة من الکتب هدایا من الشیخ نصیف.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 101
ثم إن المترجم بعد الإقامة بجدة سافر عن طریق البحر من جدة إلی البصرة و الزبیر، و فیهما یومئذ أبوه و بعض أسرته آل بسام قد استقاموا فی الزبیر و البصرة مبعدین أنفسهم عن تلک الفتن و الحروب التی جرت فی ذلک الزمن بین الملک عبد العزیز آل سعود و بین الأمیر عبد العزیز آل رشید.
أما المترجم فبقی فیما بین البصرة و الزبیر یطلب العلم، فقرأ علی الشیخ محمد بن عوجان و علی الشیخ عبد اللّه آل حمود و علی الشیخ الفداغی، فصار له مشارکة فی العلوم الشرعیة و النحو.
و ممن کان فی البصرة جدی لأمی الوجیه منصور الصالح أبا الخیل، فقام جدی لأبی (صالح) و طلب من جدی لأمی ابنته (مضاوی المنصور) لتکون زوجة لأبی- المترجم- فأعطاه إیاها، و أجروا عقد القران فی البصرة، و الزوجة مقیمة فی عنیزة.
و فی عام 1329 ه عاد جدی (صالح) من البصرة إلی عنیزة، و عاد معه عدد من أفراد أسرتنا البسام، و منهم والدی عبد الرحمن (المترجم)، و بعد وصولهم من البصرة إلی عنیزة دخل علی والدتی، و ذلک فی عام 1330 ه و رزق اللّه منها عددا من الأبناء و البنات، توفوا فی صباهم و طفولتهم، و لم یبق منهم الآن- إلّا محرر هذه التراجم- و شقیقی الشیخ صالح بن عبد الرحمن البسام حفظه اللّه تعالی.
و قد اشتغل المترجم من عام 1330 ه بالفلاحة فی عنیزة، و لم یتابع طلب العلم إلّا مطالعاته الخاصة، فهو یحب القراءة لا سیما فی التاریخ و الأنساب و الأدب، و عنده (دولاب) کتب، و أکثرها من کتب الفقه و علوم اللغة العربیة، و فیها شی‌ء من کتب التاریخ.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 102
و الذی نحدد به معلوماته، هو:
1- حفظه للقرآن الکریم علی ظهر قلب حفظا جیدا.
2- مشارکة فی العلوم الشرعیة لا سیما الفقه و فی مبادئ النحو.
3- یجید تعبیر الرؤیا، فلا یخطئ تفسیره لها.
4- اطلاع واسع علی التاریخ القدیم و الحدیث، و معرفة بالأنساب.
5- الحفظ الکثیر للأشعار العربیة و العامیة، فهو یورد القصیدة الطویلة من حفظه، مع بعد عهده بها، و هو جید الحفظ، و إذا حفظ فلا ینسی، و کان یقرأ بعض الفصول من مقدمة (ابن خلدون) لکنه انشغل عن الناس و مجالستهم طیلة بقائه فی الفلاحة.
و فی آخر أیامه ترک الفلاحة و استقر، و صار له مجالس مع أعیان عنیزة، لا سیما المثقفین فیها، فعثروا منه علی کنز فی معارفه التاریخیة، فصاروا یحرصون علی مجالسته فی منزله أو فی منازلهم، لأنه یعمر المجلس بالأخبار و إیراد القصائد الممتعة، لکن لم تطل هذه المدة لقرب وفاته. رحمه اللّه تعالی.
و عندی له ثلاث رسائل جمعتها لإخراجها فی کتاب واحد مع اختلاف مواضیعها:
1- إحداها: تقویم فی الحساب الفلکی ألفه فی الزبیر.
2- تاریخ مختصر عن مدینة عنیزة و ما جری فیها من أحداث.
3- مفکرات جیب یقید فیها کل ما یمر علیه من فوائد عامة، سأطبعها إن شاء اللّه تعالی للفائدة و لإحیاء ذکره بها.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 103

وفاته:

کان صحیح الجسم قوی البدن، و هو فی التاسعة و الستین من عمره، فأصیب بمرض مفاجئ لم یمهله إلّا ستة أیام، حتی توفی، و أظن أنه مرض الزائدة، و لکن عنیزة فی ذلک لوقت لیس فیها مستشفی و لا أطباء.
و وفاته فی عنیزة صباح الأحد 8/ 3/ 1373 ه، و دفن فی مقبرة الشهوانیة. رحمه اللّه تعالی.
***
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 104

[مقدمة]

اشارة

بسم اللّه الرّحمن الرّحیم الحمد للّه و الصلاة و السلام علی نبیّنا محمد و علی آله و صحبه أجمعین.
أمّا بعد: فإن والدی- عبد الرحمن بن صالح بن حمد البسام رحمه اللّه تعالی- ألّف نبدة تاریخیة مختصرة عن تاریخ مدینة عنیزة، و عن تاریخ ما وقع لأهل القصیم من المعارک الحربیة مع غیرهم من حکومتی آل سعود و آل الرشید، و لکنه یشیر إلیها إشارة خاطفة إلّا ما کان من معرکة الطرفیة فقد أطال فیها لأنه عاش أحداثها.
و قد کتب هذه النبذة التاریخیة فی صباه فجاءت غیر وافیة بالمقصود. و قد ألحقت معها بعض الهوامش التی أغلبها مما لم یذکره المؤرخون، و قد استقیته من أفواه الثقات. و من تلک الهوامش أننی سقت أسماء قتلی الملیدی من مدینة عنیزة، فذکرتهم مع ما توصلت إلیه من التعریف بهم. فجاءت هذه الهوامش مکملة لهذه النبذة التاریخیة، و عمل الولد امتدادا لعمل أبیه.
و نسأل اللّه تعالی للوالد الرحمة و لنا التسدید فی القول و العمل، و أن
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 105
یدیم علینا و علی إخواننا المسلمین نعمة الإیمان و الأمان، و صلّی اللّه و سلّم علی نبیّنا محمد و علی آل و صحبه أجمعین.
کتبه عبد اللّه بن عبد الرّحمن آل بسّام
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 106

هو امش غزوة بقعاء عام 1257 ه

* هی بین عبد اللّه بن رشید بقیادة أخیه عبید، و بین أهل القصیم، و صارت الهزیمة علی أهل القصیم.
* بعد انتهاء المعرکة و حصول الهزیمة جاء و جعان الرأس أحد شیوخ شمر إلی یحیی آل سلیم أمیر عنیزة فقال له خذ فرسی و انج علیها فامتنع و قال أرغب مقابلة عبد اللّه بن رشید فأوصله إیاه فاستقبله و أجلسه بالقرب منه.
و فی أثناء جلوسهما جاء صبی من أبناء عبد اللّه یبکی و یقول قتل عمی عبید فانفعل عبد اللّه بن رشید و اشتد غضبه و أمر بقتل یحیی السلیم ثم تبین أن عبیدا لم یقتل و إن المقتول أخ لهما من الأم.
یحیی السلیم حامل معه ابنه عبد اللّه آل یحیی فی المغزی و عمره ستة عشر سنة فوجده أثناء المعرکة وحده دجینی من العبیات من قبیلة مطیر فهرب به إلی عنیزة فکافأه آل سلیم علی ذلک بأن خصص له مهنة سرح القاع یقوم بها و یستلم أجرتها لا یزاحمه أو یشارکه فیها أحد فبقیت هذه الوظیفة فیه و فی أحفاده و أدرکت منهم حفیده عبیلان بن محمد بن دجینی و لا تزال فیهم فهم أصحاب هذه الوظیفة و صفة هذه الوظیفة أن الإبل التی فی عنیزة المعدة للتجارة تسرح فی الصباح و تعود مع العصر للبیع و هو الذی یتولی السرح بها أو من ینیبه فیها.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 107

هوامش معرکة الغریس‌

* الغریس: هو الملقی الواقع فی الجوی الواقع عن عنیزة شمالا بمسافة نحو عشرة کیلوات تقریبا. کان المکان ذلک الزمن غریسا صغارا جدیدا، غرسه رشید آل دغیثر، و یسمی الآن (الملقی).
* المعرکة فی صباح الیوم الخامس من رمضان عام 1261 ه.
* المغیر: هو عبید بن رشید بأهل حائل علی غنم أهل عنیزة لتکون سببا لخروجهم إلیه، و إلّا فالغنم لیست غایته و مقصده.
* سبب الغارة: أن أهل عنیزة بقیادة أمیرها عبد اللّه السلیم غزوا بلدة قفار و ما حولها من قری حائل، فأخذوا مواشیهم التی غالبها البقر.
* أراد عبد اللّه بن رشید الانتقام منهم فغزاهم بجنوده بقیادة أخیه عبید بن رشید.
* حین غزا عبید بن رشید بلدة عنیزة أحکم الخطة فأهاجهم بأخذ غنمهم السارحة فی الصباح المبکر- و الوقت هو فی صباح رمضان لیخرجوا فزعین مبهوتین من غیر تعبئة-، و المغیر علیهم مجهول فقد جاءهم خفیة- و جعل کمینا فی أحذ منخفضات الرمال لیأتیهم من خلفهم
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 108
حینما ینشب القتال، فنفذت هذه الخطة و صارت المعرکة دائرة علی أهل عنیزة، و حصل فیهم مقتلة کبیرة.
* القتلی ما بین الثلاثین و الأربعین قتیلا من أهل عنیزة، و المعروف منهم هم:
1- الأمیر عبد اللّه السلیم- هو أمیر عنیزة، و هو والد أمیر عنیزة زامل العبد اللّه.
2- محمد السلیم: أخو الأمیر و حفید هذا القتیل سلیم المحمد، الذی قتل فی عنیزة غیلة عام 1351.
3- عبد الرحمن السلیم: الأخ الثانی للأمیر، شابّ لم یتزوج.
4- عبد الرحمن الذکیر والد الوجیهین- مقبل العبد الرحمن و أخوه یحیی العبد الرحمن الذکیر.
5- محمد الشعیبی: حفیده کان تاجرا من تجّار البصرة المشهورین.
6- محمود الخنینی من أسرة معروفة فی عنیزة.
7- إبراهیم بن عمرو، و هو الذی بقیت کتابة اسمه علی قبره إلی زمن قریب.
* جی‌ء بالقتلی علی الإبل إلی عنیزة و دفنوهم فی المقبرة المسماة الطعیمیة، و صارت قبورهم جمیعا بالجهة الشمالیة منها، مقابل لباب المزرعة المسماة السعیدی رحمهم اللّه تعالی.
* نقل لنا الثقات أن أحد رعاة الوجیه محمد العبد الرحمن البسام أخبره
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 109
بأنه مر فی طریقه فوجد عبید بن رشید و جنوده لیلة صبح الغارة فی الرمال المسماة الیتیمة الواقعة فی الشمال الغربی من عنیزة، و الواقعة عند مزارع دمشیة فأرسل محمد العبد الرحمن البسام إلی الأمیر عبد اللّه السلیم و أخبره و حذره، فما کان من جوابه إلّا أن قال: الحمد للّه الذی قربهم منا و لم یحوجنا للذهاب إلیهم، و لم یهتم بالأمر و بعد له عدّته.
* المشهور أن آل سلیم الثلاثة قتلوا صبرا بعد القبض علیهم. و هذا إسراف من عبید بن رشید بأسراه.
* بعد قتل أمیر عنیزة فی هذه المعرکة تولی إمارة البلدة أخوه إبراهیم السلیم حتی عام 1263 ه حیث قتل بید مطلق السحیمی أخو أمیر عنیزة ناصر بن عبد الرحمن السحیمی.
***
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 110

هوامش معرکة المطر

* هی بین أهل عنیزة و بین محمد الفیصل قائد الأبیه.
* ثم بعد المعرکة امتد الحصار علی عنیزة، و معه عامة أهل نجد حاضرة و بادیة بما فیهم أمراء حائل آل الرشید، و صارت القیادة لعبد اللّه الفیصل.
* سببها أن الإمام فیصلا قد جعل أخاه جلویا أمیرا فی عنیزة و ملحقاتها، فتصرف تصرفات غیر مرضیة، فکان أهل عنیزة یرفعون عنه إلی الإمام فیصل، و لکن کتبهم لم تعرض علیه، فظنّوا أن ذلک إهمال منه فغضبوا علی إمامهم.
* و عدهم قاضیهم الشیخ عبد اللّه أبا بطین أنه یذهب إلی الإمام فیصل و لا یعود منه إلّا بقرار عزل الأمیر جلوی فرفضوا وساطته.
* الذی أراه أن أهل عنیزة واثقون من نجاح وساطة الشیخ أبا بطین فی عزل جلوی عنهم، و لکن المتزعم لشق عصا الطاعة هما: عبد اللّه بن یحیی آل سلیم، و ابن عمه زامل بن عبد اللّه آل سلیم، طمعا منهما فی إمارة البلاد، لأنه مترجح لدیهما أن الإمام فیصلا إذا عزل جلویا سیجعل غیره أمیرا ممن حوله.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 111
* امتدت هذه الغزوة بخلافها و معارکها و حصارها من أول عام 1278 ه، و انتهت بالصلح عام 1280 ه.
* کان النصر فی أول المعرکة لأهل عنیزة و لکن کان سلاحهم بنادق الفتیل، فجاء المطر فأخمده فصارت الدائرة علیهم أخیرا، و قتل منهم نحو أربعمائة.
* و بما أن رؤساء أهل عنیزة سلموا من القتل، فإنهم بقوا علی استقلالهم و لم یستسلموا، و لم یعودوا إلی الولایة إلّا بقرار صلح بینهم و بین الإمام فیصل.
* من الفرسان البارزین فی هذه المعرکة، الأمیر زامل العبد اللّه آل سلیم، و الوالد صالح الحمد البسام، و عائد بن محمد التمیمی، و زامل فی ذلک الیوم لم یلی الإمارة.
* کان جدنا صالح الحمد البسام له دور کبیر فی معرکة المطر هذه، فقد کان سلاحه الرمح و السیف، و کان علی فرس أصیل فحمی طائفة کبیرة من المنهزمین، و أنقذ أفرادا منهم بنقلهم من مکان المعرکة.
* طال حصار عبد اللّه الفیصل علی عنیزة إلّا أنه لم یحصل علی شی‌ء و رکب المدفع علی البلاد من الجبل المطل علیهم المسمی مرقب الرافع الذی مکانه الآن مرکز بن صالح فرمی أهل عنیزة الرامی بالمدفع من وراء السور المقابل لمکان المرقب المسمی البابیة، فقتلوا منهم اثنین، مما اضطر عبد اللّه الفیصل إلی التقهقر عن
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 112
ذلک المکان، و البندق التی رمی بها هی بندقیة الخیاط التی یقول فیها:
لی بندق ترمی اللحم لو هو بعیدما وقفت بالسوق مع دلالها
* عندی خطاب من محمد العلی البسام التاجر بالهند رحمه اللّه تعالی، یقول فیه: أن والده: علی العبد اللّه البسام لما بیعت ترکة علی الخیاط رحمه اللّه تعالی اشتری هذه البندق: و محمد العلی البسام قلبها و عدلها من کونها فتیلا إلی مقمع، و أنه استعملها فترة إقامته فی عنیزة للصید حتی سافر إلی الکویت ثم إلی الهند.
* و إن هذه البندق الأثریة الکریمة توجد عند عبد العزیز و صالح ابنی عبد الرحمن المحمد البسام، و أنا أدل علیهما حفاظا علی هذا التراث الثمین أن یضیع.
* قتل من أهل عنیزة نحو أربعمائة قتیل، و لکن التاریخ لم یحفظ لنا أسماءهم، و إنما أسرتنا حفظوا أسماء قتلی أسرة البسام، و هم تسعة، و قتل من أسرة آل الترکی خمسة و قتل عدد من أسرة آل القاضی و أنا أذکر أسماء قتلی البسام لأنی أعرفهم. فقتلی البسام هم:
1- محمد بن عبد العزیز الحمد البسام، و هذا جد بیت آل عبد العزیز البسام.
2- عبد المحسن بن عبد الرحمن البسام، و هذا جد بیت آل عبد المحسن العبد الرحمن البسام.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 113
3- محمد الحمد المحمد البسام، و هذا عم والدی و لیس له عقب.
4- عبد اللّه العبد العزیز البسام: ثلاثة أخوة، و لم یعقبوا فقد قتلوا شبابا و والدهم: عبد العزیز السلیمان البسام.
5- محمد العبد العزیز البسام.
6- صالح العبد العزیز البسام.
7- عبد اللّه بن إبراهیم السلیمان البسام ابن عم الثلاثة الذین قبله و لم یعقب.
8- عبد العزیز المحمد العبد الرحمن البسام.
9- علی السلیمان المحمد البسام.
* جنود عبد اللّه الفیصل تسوروا جدار حوطة محمد علی- التی مکانها مکتب النقل الجماعی- أثناء الحصار یظنون أنها سور البلدة، فدخل فیها جماعة کبیرة منهم، فوجدوا سور البلدة أمامهم، فدخل علیهم أهل عنیزة فقتلوهم عن آخرهم فمدافنهم إلی عهد قریب توجد فی هذه الحوطة.
* رجال أهل عنیزة حین حصارها أکثر من عام هم 1500 (ألف و خمسمائة) رجل فقط، و المحیط بهم کل أهل نجد من بادیة و حاضرة. و شاعر عنیزة یتحداهم فیقول:
الشیخ مثلک ما یحاید من بعیدیقلط علی الدیرة یهدّ جدارها
***
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 115

هوامش وقعة الملیدی‌

* آل بسام فی عنیزة لیس بینهم و بین آل سعود أی خلاف، بل هم أکمل ما کان علیه من الصفا و الوفاء. و عندنا مکاتیب الإمامین ترکی و ابنه فیصل فیما بینهما و بینهم، و کذلک الإمام عبد اللّه الفیصل کان یستقرض منهم حاجته، کما أنهم لیس بینهم و بین آل سلیم أمراء عنیزة أی خلاف، فهم متعاونون علی الدفاع عن البلاد. و الذی قتل من آل بسام تسعة رجال فی حرب المطر عام 1278 ه مع قلّة أسرة آل بسام فی ذلک الوقت.
* و إنما دب الخلاف بینهم حینما عزم الأمیر زامل العبد اللّه السلیم أمیر عنیزة علی أن یشارک حسن المهنا فی الحرب ضد ابن رشید عام 1308 ه. فآل بسام لم یروا الدخول فی هذه الحرب التی لم توجه إلی عنیزة، و إنما وجهت إلی حسن المهنا فقط.
* کانت العلاقة ممتازة فیما بین محمد بن رشید و بین حسن المهنا، فابن رشید کف عن حسن غارتین شنهما عبد اللّه الفیصل ضد حسن بعد أن ضرب الحصار علی بریدة و لم ینقذه منه إلّا اللّه ثم ابن رشید.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 116
* و محمد بن رشید هو الذی یقدم الدفوعات و الهدایا فی تزویج أبناء حسن. و هو الذی أمده بالسلاح، و هو الذی أصلح له قصر الإمارة فی بریدة و غیر ذلک، فاعتبره حلیفا له و کان حسن ملازما له فی غزواته، و یأخذ نصیبه الأکبر من مکاسب الغزو.
* سبب معرکة الملیدی أن هذه العلاقات الطیبة بین محمد بن رشید و بین حسن المهنا أوحت إلی ابن رشید أن یجس نبض حسن فی صدق الموالاة، فأرسل عمال الزکاة إلی أطراف القصیم فطرهم حسن بعنف و قسوة و ألفاظ نابیة قاسیة، ثم أخذ حسن یشن غارات علی الوشم و سدیر لیضم بعض أجزاء نجد إلی إمارته فی بریدة، و صار محمد بن رشید یراسله بلطف و هو یرد علیه بعنف شاعرا باستقلاله و ضم بعض أجزاء إلی إمارته.
* اشتد غضب محمد بن رشید علی تصرفات حسن بعد الوفاء و الصفا، فعزم علی غزوه فی بلده و تأدیبه. فلما علم بذلک حسن صار یحسن العلاقات مع أمیر عنیزة زامل بعد أن کانت العلاقات بینهما سیئة جدا.
عقد حسن و زامل مؤتمرا فی الغمیس فیما بین البلدتین و حضره بعض أعیان البلدتین بریدة و عنیزة، و أجریا اتفاقیة علی أنهما ید واحدة ضد کل عدو لهما أو لأحدهما و لا سیما آل الرشید.
* علم ابن رشید بتکتل أهل القصیم جمیعهم ضده، فصار یکتب إلی زامل أنه لیس له طمع فی بلده عنیزة، و إنما مراده تأدیب حسن الذی لم یشکر نعمته علیه و صار یحذره من مغبة الدخول فی الحرب لئلا ییتم أطفال أهل عنیزة و یرمل نساءهم. ثم صار یکتب للبسام لینصحوا زاملا
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 117
بعدم التورط فی الحرب، و أن البسام کفلاء علیه بأن لا یمس زاملا و لا بلاده بما یکره.
* بذلت المساعی من ابن رشید و من البسام لیکف زامل عن الدخول فی الحرب، إلّا أن زاملا لم یستجب لذلک و یتهرب عن الإجابة بأعذار واهیة، فتارة یقول أنا لم أخرج للحرب و إنما أخرج للإصلاح بین الطرفین، و تارة یقول: إذا فرغ ابن رشید من حسن عاد إلینا. و هی أعذار غیر وجیهة مع ملابسات الأمور و تأمّلها:
* فی هذه الأثناء کان شاعر المجمعة محمد بن هویدی یقول قصیدته التی یوجه فیها الکلام إلی حسن المهنا، و منها:
ما طعت شور اللی تفکک جنوده‌إلی جاک جاه الشیخ سیدک و سیدی
لو لا محمد یا حسن صرت شودةما أحد قبلک فک حدب الجرید
و زامل تغره نقشة فی فروده‌هو یحسبنه خالد بن الولید
* زامل من دهاة الرجال و حسن لیس ندا له فی ذلک فلا یستطیع أن یخدعه فی الدخول فی حرب لیس له فیها مأرب. و إنما مراد زامل فی الدخول فی هذه الحرب هو أن له ثأرا عند آل رشید، فوالده و عماه محمد و عبد الرحمن قتلوا فی الغریس و عمه یحیی قتل فی بقعاء، فهؤلاء أربعة أمراء من آل سلیم عند الرشید، و هذا القصد الذی حمله علی الدخول فی الحرب. و بهذا أجاب زامل جدی صالح الحمد البسام
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 118
حینما سدد علیه أعذاره بالخروج للحرب. فقال بالنص: الرشید عندهم شفایانا نرید أن نأخذ ثارنا منهم فأجابه الوالد صالح بقوله:
شفایاک و شفایاهم تقابلوا عند حکم عدل یحکم بینهم و لکن لم یستجب، و بهذا الثأر عیر ابن هویدی زاملا بقوله:
أبوک و أعمامک غدوا بالطعامیس‌یا حیفا راحو و لاجالهم ثار
جوابا من ابن هویدی علی قصیدة لزامل یتوعد بها أهل سدیر، فیقول فیها:
إن سلم راسی لدهج الغاط و الخیس‌بیارق تاطا الخفی و البیان
فهذا هو الذی دفع بزامل للدخول فی هذه الحرب حینما رأی هذا التجمع الکبیر فرجا أن یدرک ثأره فی هذه الحرب.
* موقف أسرة البسام من دخول عنیزة فی هذه الحرب هو عدم الدخول فی ذلک، لأمور:
1- الرغبة فی السلامة و عدم التورط فی حرب لا تعلم نهایتها.
2- ابن رشید لم یقصد بلادهم و لم یردها، و إنما قصد حسن المهنا لغرض معلوم، و بهذا فدخول عنیزة فی الحرب اعتداء لا مبرر له.
3- عند البسام یقین من وفاء ابن رشید بوعوده من أنه لم یقصدهم و أن یدع لهم بلادهم، لا سیما و قد جعل البسام کفلاء بالوفاء بوعده.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 119
4- علی فرض أن ابن رشید لم یف بوعده و قصدهم فعندهم القدرة علی الصمود لحصاره مهما طال فقبل نحو ثلاثین سنة صمدوا لحصار عبد اللّه الفیصل، و هم أقل من یومهم هذا عددا، و عدوهم ضرب علیهم الحصار بأهل نجد کلها حاضرها و بادیها. و البسام نبهوا زاملا إلی هذا و وعدوه بالوقوف معه مع بلدتهم و جماعتهم، و لکن زاملا صمم علی الغزو.
* وصل ابن رشید إلی أطراف القصیم الشمالی، فوجد أهل القصیم متحصنین فی کثبان قریة الشقة تلک الکثبان العالیة التی حصنتهم و حمتهم بإذن اللّه، فلا مجال للمشاة و لا مجال للخیل فیها.
* نزل ابن رشید أسفل منهم لیس له بهم قدرة و الأمداد تفد إلیه فکان من الوفود ابن سویط شیخ قبیلة الظفیر، فیقال: إنه قال له: أهل القصیم شجعان و لکن لا رأی لهم فی الحروب، فأنت ناوشهم الحرب و انسحب کأنک منهزم فإنهم سیتبعونک حتی تخرجهم من مخابئهم إلی البراری.
* فعل هذه الخطة- و الحرب خدعة- و انهزم أمامهم و صار الخفاف من أهل القصیم یحض بعضهم بعضا علی اللحاق به قبل أن یبتعد عنهم.
أما زامل و جماعته فلم یخف علیهم مقصده و صاروا (یصیحون) فی المخدوعین لئلا ینساقوا خلفه و یفهمونهم أن هذه خدعة، و لکنهم لا یلتفتون إلیهم و یرمونهم بالجبن و بأن البسام أثروا علیهم بکتبهم إلیهم فما کان منهم إلّا أن ساروا معهم متمثلین بقول درید بن الصمة:
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 120 أمرتهم أمری بمنعرج اللوی‌فلم یستبینوا الرشد إلّا ضحی الغد
و هل أنا إلّا من غزیة إن غوت‌غویت و إن ترشد غزیة أرشد
ساروا خلفه فوجدوه قد أرسی أثقاله فی شمالی الملیدی فنزلوا هم فی جنوبیها، و ذلک قرب الزوال من یوم السبت 13/ 6/ 1308 ه، یقول المشاهدون: إن أهل القصیم یصلون الظهر و العصر جمعا و قصرا فرادی و جماعت عند أول نشوب الحرب.
* حینما انتهی مسیر أهل القصیم إلی جنوبی الملیدی کان الأمیر زامل واقفا فی المیدان و بإزائه خیل ابن رشید، فأراد أن یظهر لمن حوله عدم المبالات و یزیل عنهم المهابة فقال: هذه بقر أهل الخبوب و کان علی جانبیه: منصور العبد اللّه الزامل، و عثمان المضیان فقالا له: هذه خیل ابن رشید کفانا اللّه شرها.
* التحمت الحرب من زوال ذلک الیوم و لم تطل حتی صارت الهزیمة المنکرة الساحقة علی أهل القصیم و قتل أمیر عنیزة و العدد الکبیر من رجالهم، و طاح فی المعرکة رجال کثیرون من أسر معروفة فی عنیزة فکانت معرکة مشؤومة. فقدوا فیها زعماءهم و فقدوا استقلالهم و فقدوا أمنهم و أدخلوا الحزن العمیق و الأسی العام فی کل بیت، و لا تزال الذکری المریرة للملیدی فی نفوس أهل القصیم لا سیما أهل عنیزة الذین استحر القتل فیهم.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 121
* فی نظری لو أن الإمام عبد الرحمن الفیصل حث السیر إلی أهل القصیم فوصل إلیهم قبل اشتباک الحرب، فلربما تغیرت المواجهة بین الطرفین ذلک بأنه سیوحد قیادتهم فیه و سیسلموا من اللحاق بابن رشید إلی أرض الملیدی الفسیحة. و لعله یدخل بصلح بین ابن رشید و بین حسن المهنا. و لکن المقدر کائن و اللّه المستعان.
* خسائر أهل عنیزة بالقتلی أثناء المعرکة لیس کبیر أو إنما کبر حینما استسلموا و ألقوا سلاحهم و صارت خیل ابن رشید تتبع فلو لهم المتفرقة بالقتل.
* حینما صارت الهزیمة عقرت فرس خالد العبد اللّه السلیم والد الأمیر عبد اللّه الخالد، فصار واقفا عندها ینتظر لعله یجد أحدا من أهل الخیل المنهزمة یحمله معه، و إذا بعبد العزیز المحمد المهنا علی فرسه منهزما فصار ینادیه و یقول: یا عبد العزیز احملنی معک، فأنت ترانی لا تقل ما رأیته، فردها علیه لیحمله و إذا بخیل ابن رشید تحیط بهما و یقتلان جمیعا. و العونی الشاعر کان من ندماء عبد العزیز المحمد و جلسائه فقال یرثیه و یذکر هذا الموقف:
یا واهج بالصدر یا کود حره‌لا فار یضرب بالنواظر شرارة حراره
علیک یا شیخ نزی عن طمره‌علی أیمن الصفراء یسار الزبارة
یا لیتنی ما ذقت حلوه و مره‌و یا لیت یومی سابق عن نهاره
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 122 نخاه خالد و السبایا مصره‌ورده علی خالد موفی جواره
* قد تتبعت أسماء قتلی الملیدی من عنیزة فأثبتهم و لم یفتنی منهم إلّا قلیل جدّا و سأفردهم ببیان سیمر بنا قریبا إن شاء اللّه تعالی.
* الأمیر زامل حینما قتل هو فی السنة الثانیة و الستین من من عمره فإن ولادته عام 1247 ه و له من الأبناء اثنا عشر ابنا الذین لهم أحفاد الآن هم: صالح، و علی، و عبد العزیز، و محمد، و عبد اللّه، و إبراهیم:
أکبر أولاده عبد اللّه و أصغرهم إبراهیم، و لا نعلم أنه حضر هنا من أبنائه إلّا علی و قتل بعده بدقائق. أما صالح فکان عمره بالسادسة عشر، و کان معه ناظور ینظر به إلی المعرکة و لم یباشر القتال.
* فی الیوم الذی یلی یوم المعرکة کان محمد بن رشید و ابن عمه حمود العبید یمشیان بین القتلی و یتعرفان علیهم إذا بأحد رجال حاشیة ابن رشید یقول له: یا محفوظ هذا زامل، فأجابه الأمیر هل هو حی؟ قال:
لا، قتیل. فجاءا إلیه فوجداه ملقی علی ظهره، شعر رأسه أبیض و له صلعة، و صار محمد بن رشید یقول لابن عمه حمود: نعم هذا هو أبو عبد اللّه، و یشیر إلی صلعته بعصا خفیفة و یقول: و اللّه من الدهاء و لکن عند المقادیر تعمی البصائر. ثم یقول لحمود: یا حمود تری زامل حد علینا عنیزة بثمن قبلناها به فهو یقول:
هذی عنیزة ما نبیعها بالزهیدإلا برؤوس عن محله زابله
و نحن قبلنا منه عنیزة بالثمن الذی حدها علینا به.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 123
* وجدوا فی جیب الأمیر زامل خطابا صغیرا نصه: من علی المنصور الزامل إلی الأمیر زامل العبد اللّه: أشیر علیک بالرجوع بجماعتک عن هذا الوجه، فهو خیر لک فإن ابن رشید مثل راعی سفینتین إن عطبت وحده نجی بالأخری، فإن عنده الخیل ینجو علیها إن حصلت علیه الهزیمة و لا تحصلون منه ثأرکم. فإن لم ترجع عن وجهک فلا تبرحوا عدابن البصر تحمیکم من غاراته حتی یمل و یرجع عنکم و السلام فسأل ابن رشید عن مکانه فقیل: هو درویش بالمسجد، فقال: هذا لیس بدرویش، و إنما هو عاقل داهیة.
***
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 124

مرائی قبیل معرکة الملیدی‌

1- کان عند مدخل مسجد الجامع فی عنیزة مرقب یشاهدون منه العدو قبل أن یصل إلی أسوار البلاد، فرآه بعض المواطنین فی المنام ساقطا فأول بهزیمة علی البلاد.
2- رأی بعضهم أن دبا أولاد الجراد قد تعلق بالمواطنین من أهل عنیزة. فأول بأنه جند یسلط علی أهل البلدة.
3- و رأی بعضهم ثلاثة أقمار فی السماء تصادمت فأحدها سقط فی الأرض، و الثانی انثلم، و الثالث استنار و أبدر و ذهب فی شمال السماء. فکان الساقط زاملا، و المنثلم حسن المهنا الذی کسرت یده و سجن، و الذی زاد نوره و عظم أمره محمد بن رشید. و کل هذه المرائی عرضت علی زامل و لکنه لم یهتم منها إذا قدر اللّه تعالی أمرا کان أمره نافذا مفعولا.
* قاتل زامل هو حمد الزهیری من حاضرة حائل، و هو الذی قتل عقاب بن شبنان شیخ برقا من عتیبة فی حرب أم العصافیر عام 1301 ه، و ذبح غیرهما من الکبار، و یسمی ذباح الشیوخ کان حدید
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 125
البصر و یجید الرمایة. و عقاب بن شبنان هو الذی ذکره ابن هویدی فی قصیدته بقوله:
أصغر نقایصهم عقاب ابن شبنان‌و ذبحوا هل العارض أسواة البهوم
* کان علی الزامل فی الأحساء فقدم عنیزة فی الیوم الذی قبل معرکة الملیدی، و قد قدم إلی عنیزة بأخیه عبد اللّه مختل الشعور، فعزم علی بأن یلحق بالغزو و أشاروا علیه الناس بعدم الذهاب، فصمم إلّا أن یلحق بهم فبات عند أهله تلک اللیلة، فحملت منه بابنه سلیمان العلی و فی الصباح لحق بالغزو، بإقباله علی أبیه بنحو عشرین مترا فرأی أباه یسقط أمامه من عیار ناری فبینما هو یقلبه إذ أصیب بعیار فسقط علیه.
فشهد الحاضرون أنه مات بعد أبیه بنحو ربع ساعة، و ورثه، و بجانبهما عبدهما حتیش فسقط علیهما بعیار ثالث. رحمهم اللّه.
أدرکت خالی علی العثمان الخویطر و هو جد معالی الدکتور عبد العزیز العبد اللّه العلی الخویطر، و فی جبینه ضربة سیف، فحدثنی أهلی أنه بینما هو ملق سلاحه یوم الملیدی بعد الهزیمة و هارب وحده مع الهاربین إذ لحق به فارس من أتباع ابن رشید ینتخی و یقول و یکرر: یا ثارات عقاب، و الخال علی معه عصا خیزرانه، فجثا علی رکبتیه و ضرب الفرس فی وجهها ضربة قویة، فانصرفت بصاحبها نحو مائة متر ثم عاد بها یردد شعاره المذکور. ثم تناول الخال بسیفه مما أحدث له هذه الشجة و ما زال یردد علیه الکرة نحو ثلاث مرات أو أربع، فلما آیس الخال من النجاة بآخر کراته رفع أصبعه و صار یکرر الشهادتین،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 126
فقال له الفارس: نجوت ارکب أزبنک. فقال له الخال علی: یکفی أن تترکنی، فترکه و اللیل مقبل فنجّاه اللّه تعالی.
* بعد ثلاثة أیام من المعرکة انتقل ابن رشید من الملیدی، و نزل الرفیعة شرق مدینة بریدة فیه بساتین عامرة لحسن المهنا أمیر بریدة سابقا.
فخیم هناک و صارت الوفود تأتی إلیه هناک للسلام علیه، و ممن أتاه أسرة آل بسام من عنیزة مع کبیرهم عبد اللّه العبد الرحمن البسام.
فخاطب ابن رشید العم عبد اللّه بقوله:
یا عم عبد اللّه من ترغبون یکون أمیر لکم، فاستعجل الخال حمد المحمد العبد الرحمن البسام و قال: نرغب عبد العزیز الزامل. فرد علیه محمد بن رشید ردّا خشنا. و انقطع البحث فی ذلک المجلس فلما عاد آل بسام إلی مخیمهم عاتب العم عبد اللّه ابن أخیه حمد المحمد بقوله:
1- کلام الأمیر و استشارته لم توجه إلیک، و إنما وجهت إلیّ أنا.
2- السرعة بالإجابة قبل البحث و التروی غلط.
3- آل سلیم مع آل رشید الدماء بینهم جاریة، فکیف یؤمرهم و لئلا نقع فی ورطة أخری فأنت عد إلی عنیزة و من الغد عادوا إلی مجلسهم مع الأمیر محمد بن رشید، و إذا به قد ندم علی رده القاسی علی الخال حمد المحمد البسام، فصار یتکلم و یوجه الکلام إلی ابن عمه حمود العبید و یقول: یا حمود تری العقیم یعنی حمد المحمد البسام شائف بعبد العزیز الزامل الصلاح یوم أنه یوصی به للإمارة جا بهذا الکلام للاعتذار، و أین حمد یا عم عبد اللّه؟ فقال العم عبد اللّه:
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 127
حمد یا طویل العمر صاحب فلائح و أرخصنا له یروح لفلائحه. ثم أعادوا المشاورة عن أمیر لعنیزة فرد العم عبد اللّه الأمر إلیه فصاروا یستعرضون أعیان البلاد. فجاء ذکر محمد الخلیف و جاء ذکر عبد اللّه آل یحیی آل أبو غنام، و جاء ذکر غیرهما فتقرر الأمر علی أن یکون الأمیر: عبد اللّه آل یحیی آل أبو غنام. خزانة التواریخ النجدیة ؛ ج‌5 ؛ ص127
میر محمد بن رشید شکر البسام علی موقفهم من هذه المعرکة الحاسمة الکبری و التی صارت فاصلة، فانقادت له البلاد النجدیة کلها و بعدها تضاعفت فیها مساحة حکمه إلی مسافات بعیدة و بلدان عدیدة. و صار للبسام من هذا الموقف نفوذ واسع و کلمة نافذة و جاه عریض إلّا أنهم لم یستغلوا نفوذهم و لم یستعملوا جاههم إلّا فی وساطات الخیر و الشفاعات المحمودة حتی فی حق من أساؤوا إلیهم، أو قصدوا بهم الشر مثل: حسن المهنا الذی یحرض زاملا علی أذیتهم و إهانتهم و إجبارهم علی الخروج. و کان جواب زامل رحمه اللّه هم جماعتی و أنا أعرف بهم، و ربما أنهم فی عدم خروجهم و محاولة إقناعی بعدم الخروج علی صواب.
الدکتور محمد بن عبد اللّه السلمان فی کتابه القیم: «الأحوال السیاسیة فی القصیم»، ساق معرکة الملیدی سیاقا وافیا و عرضها عرضا جمیلا و حلّل وقائعها تحلیلا سلیما. و قارن بین روایاتها و خرج- غالبا- من تلک المقارنة بنتائج مقبولة.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 128
إلّا أنه ذکر عن أحد رواته و هو إبراهیم الصالح العواد واقعة هی أن الوجیه عبد اللّه العبد الرحمن البسام کان یکاتب محمد بن رشید عن أخبار أهل القصیم، و کان الرسول بینهما رجلا یتنکر بزی إمرأة. و العم عبد اللّه فی نهایة الأمر غضب من تساهل محمد بن رشید و قال للرسول بینهما: قل لسیدک انتهت الخطابات فعتیبة ستنجد أهل القصیم، و عبد الرحمن الفیصل وصل الزلفی لنجدته، فهل مثل هذه الروایة العامیة تقبل؟ هی لا تقبل و لا تستحق المناقشة؟ و لکن مناقشتها لا تضر فنقول:
أولا: لماذا عبد اللّه العبد الرحمن البسام یبدی غضبه للرسول مشافهة و لا یکتب لابن رشید کتابة فالرسول ربما لا یستطیع مشافهة سیده ابن رشید بهذا، و الکتابة أبلغ فی الإخفاء بین الرجلین.
ثانیا: أخبار الحرب و الاستعداد لها لیست فی عنیزة، و إنما فی مرکز القیادة حیث مقر ابن رشید.
ثالثا: ابن رشید عنده من الامکانیات لتقصّی الأخبار أکثر مما عند ابن بسام، فالعیون و الجواسیس یبثها فی کل مکان.
رابعا: الأمور مکشوفة أمام ابن رشید فوصول الامدادات أمر واضح.
خامسا: البسام لیسوا أعداء لزامل و لا یتمنون لجماعتهم
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 129
الشر، و إنما وجهة نظرهم أن بلادهم غنیة عن التورط فی الحروب و عواقبها و أهوالها.
الذی کدر الموقف تلک السنین التی بعد الملیدی أن الکبیر من أبناء زامل و هو عبد اللّه الزامل کان مختل الشعور، و قد توفی له ابن فی جدة فخیل إلیه أن البسام قتلوه بواسطة بیت تجارتهم التی فی جدة.
فلمّا کان العم عبد اللّه العبد الرحمن البسام مارّا أمام منزل هذا المختل، فخرج من منزله و معه فرد غیر صالح للرمی حاول إطلاق الرصاص منه علی العم عبد اللّه، لکن الفرد لم ینطلق منه شی‌ء. فجاء إخوانه و بعض جماعته المقیمون فی عنیزة و اعتذروا عنه، فالعم عبد اللّه قبل منهم و طمأنهم بأن تصرفات عبد اللّه الزامل ما تکدر ما بیننا، و إنما الواجب هو حفظه عن مثل هذه الأمور.
العم عبد اللّه کتم الخبر عن ابن رشید و عن غیره. لکن الخبر تسرب و ربما إنه فخم أمره عند ابن رشید، فما کان من أمر محمد ابن رشید إلّا أن بعث حسین بن جراد عام 1314 ه و قبضوا غالب المقیمین فی عنیزة من السلیم، و ذهبوا بهم إلی حائل و حبسوا هناک.
سادسا: تأخیر نشوب الحرب لیس هو لابن رشید حتی یغضب من أجله ابن بسام، و إنما التأخیر جاء لتحصن أهل القصیم بکثبان رمال لا طاقة لابن رشید بالقتال فیها. و لو بقوا
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 130
فیها و سلموا من خفة حسن المهنا و أتباعه ما صارت هذه النتیجة المشؤومة.
سابعا: عتبته التی یزعم الراوی أن ابن بسام یحذر ابن رشید من دخولها و یطلب منه المبادرة بإنشاب الحرب قبل وصولها هی مشترکة و حاضرة بزعیمها محمد بن هندی و هذال بن فهید الشبیانی. فشاعر بن رشید أبو منیع یقول من قصیدة له:
القصیم انتشر من مصیره‌بالملیدی غدا بعذریره
شیخ برقا نکس فیه سره‌و أخو هملی یقود الکسیرة
فشیخ برقا محمد بن هندی، و أخو هملی هذال بن فهید.
***
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 131

هوامش معرکة الطرفیة

* الموقع الطرفیة الآن قریة زراعیة تقع شمال شرق بریدة بمسافة 27 کیلا. صارت فیها المعرکة بین مبارک الصباح و جنوده و معه آل سعود و آل أبا الخیل الذین کانوا جالین عن نجد و مقیمین عند ابن صباح بالکویت. فالمعرکة بین ابن صباح و بین عبد العزیز بن رشید فی 27/ 11/ 1318 ه.
* للمعرکة أسباب کثیرة منها تمهید ابن رشید للاستیلاء علی الکویت و منها حصار ابن رشید المادی للکویت حیث منع التعامل التجاری معه. و منها وجود زعماء نجد عند ابن صباح فی حال یتحرقون إلی الرجوع إلی أوطانهم و هم ضد ابن رشید. تجمعت هذه الأمور فسهلت لابن صباح الزحف إلی نجد.
* خرج مبارک الصباح من الکویت و معه اثنا عشر ألف مقاتل مجهز بأحدث السلاح و أجوده، و علی قلب واحد فی الرغبة فی هزیمة عبد العزیز بن رشید، فقطع ابن صباح من الکویت إلی حدود القصیم بمدة و جیزة حیث لم یجد معارضة و لا مقاومة، و إنما یمر ببلدان نجد فیطرد من کل بلد یمرها أمیر ابن رشید، و یولی من قبله أمیرا و یبعث إلی الکویت بانتصاراته.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 132
* الإمام عبد العزیز بن سعود الفصل مع بعض جنده فی التنهات، و ذهب إلی الریاض و احتله إلّا قصر الحکم فقد تحصن فیه أمیر ابن رشید عبد الرحمن بن ضبعان، و بقی محاصرا فیه حتی جاء خیر هزیمة ابن صباح، فعاد عبد العزیز بن سعود إلی الکویت و انفک الحصار عن الریاض لابن رشید.
* آل سلیم احتلوا عنیزة و حجز الجماعة بینهم و بین آل یحیی عن القتال، و بقوا فیها حتی صارت الهزیمة فعادوا إلی الکویت کما سنبینه فیما بعد إن شاء اللّه تعالی.
* کثیر من أهل القصیم فرحوا بمقدم ابن صباح و حلفائه و شایعوهم، و منهم من تحفظ و من هؤلاء المتحفظین أسرة البسام، فإنهم اکتفوا بأن بعثوا إلی ابن صباح مع شبابهم هدایا مناسبة، أما هم فلم یقابلوه و ابن صباح لم یرضه هذا التهاون منهم به، و قال لماذا لم یأتوا بأنفسهم؟
* یقول المشاهدون إن ابن صباح لما وصل الطرفیة و ضرب مخیمه فیه کان جالسا فی مجلسه الکبیر و حوله کبار المرافقین منهم: الإمام عبد الرحمن الفیصل، و آل مهنا، و زعماء القبائل. فصار یضرب بعصاه علی الفراش و یقول: الذی یدلنی علی مکان ابن رشید أعطیه هذا الفرس الصفراء، فصراحة العرب انطقت هذال بن فهید الشیبانی أحد زعماء قبیلة عتیبة. فقال: یا شیخ الصفراء خلها فی مربطها، و ابن رشید هو حاکم نجد، و لا بد أنه هو یدورک مثل ما أنک تدوره و العاقبة بید اللّه. فلم یلبثوا بعد هذا الکلام إلّا نحو الساعة و إذا بالسبور عائدة تقول هذا ابن رشید أقبل.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 133
لمّا وصل الأمیر عبد العزیز بن رشید إلی الطرفیة نزل بجنوده تجاه جنود ابن صباح، و لکن أثناء تنزیل جنده منازلهم رکب هو فرسه و دار بجنود ابن صباح و ضرب أیضا فی الفضاء مسافة بعیدة، ثم عاد و إذا بمجلسه قد اصطف فیه أعیان ابن الرشید و أهل حائل و رؤساء القبائل و غیرهم من کبار مرافقیه فقال: الغزو و هیم کثیر- اللّه یکفینا شره- و لکن لیس له کمین، فماذا ترون و کان یوجه الکلام إلی جمیع الأعیان الحاضرین. فاختلف رأیهم فبعضهم قال: نحاربهم حرب ساقه فنقاتل و نحن مدبرون حتی نصل إلی حائل. و بعضهم قال: نطاولهم فی هذا المکان، و تطلب شمر الجزیرة لتستمد بهم، و قالوا غیر ذلک من الأفکار. و کان من الحاضرین عذبی الصباح فقال یوجه الکلام إلی عبد العزیز ابن رشید: اللیلة هذه توافق غدرة مبارک، و عقوقه بأخویه حینما قتلهما بفراشهما، و العقوق عاقبته و خیمة و سیعاقبه اللّه تعالی بسبب غدره و قطعه الرحم، و لا لنا معه إلّا المواجهة الحاضرة. و کان هذا هو رأی الأمیر عبد العزیز ابن رشید فخبط بعصاه الفراش و قال:
هذا هو الرأی الذی لا غیره، و لکن الذی یری من نفسه الشجاعة فلیوقف فرسه مع فرسی، فأوقف مع فرسه ستمائة فرس.
* جنود ابن صباح تقدر باثنی عشر ألف، یتکونون من:
1- الإمام عبد الرحمن الفیصل و معه آل مهنا أما آل سلیم فلم یحضرها منهم أحد فقد شغلوا أنفسهم بالاستیلاء علی عنیزة.
2- قبائل الظفیر، و قبائل مطیر، و قبائل العجمان، و بنو هاجر، و آل مرة، و سبیع، و السهول، و قحطان، و عتیبة، و العوازم، و الرشائدة، و عریب دار، و أهل الکویت.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 134
* جنود ابن رشید ما یزیدون عن ثلاثة آلاف. ثم إنه بعد إصدار التعلیمات ظهر 26/ 11/ 1318 ه ساق المسیوق، و أنشب الحرب بین الطرفین و انشغل کل قبیل بقبیله، و صار الرصاص یتطایر بین الفریقین کالجراد و صار الجمعان یزحف أحدهما إلی الآخر. هذا و عبد العزیز بن رشید و الکتیبة المختارة علی ظهور خیلهم ینتظرون التعلیمات الأخیرة، فلما وصلت المعرکة إلی هذا الحد قال القائد لفرسانه یشیر إلی علم أخضر فی جند ابن صباح: إن هذا العلم تحته ابن صباح، و عبد الرحمن الفیصل، و کبار القبائل، و نرید أن نغیر غارة نتجنب فیها وجه المعرکة، و نأتی جنود ابن صباح من المؤخرة و نشق طریقنا من الخلف حتی نصل إلی القلب الذی هو تحت هذا العلم و نشرع بهم بالسیوف، ففعلوا فلم یفاجأ ابن صباح و الکبار الذین حوله إلّا بغارة لم یحسبوا لها حسابا من فرسان مخلصة فی هجمتها مختارة فی نفسها، فصارت أهم عامل بهزیمة ابن صباح و جنده، إذ اختلط حابلهم بنابلهم.
* عبد العزیز بن رشید أشجع فارس ظهر فی القرن الرابع عشر یعترف له بذلک محبه و مبغضه. و لکنه فی یوم الطرفیة أبدی شجاعة فائقة علی شجاعته المعتادة منه. و عرض نفسه لموت محقق بلا مبالاة، و لا حذر فقد شهر نفسه بین جموعه و علم علی نفسه بلبس رداء أحمر و عمامة حمراء، و صار أمام قومه و قتل تحته سبع من الخیل، و تمزقت جبته من الرصاص. و فی هذا الموقف یقول العزی صاحب البرة:
عنده نزل حوض المنایا طلیبةعوق الحریب اللی إذا زار ما هاب
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 135 عقّر ثلاب به و الأخری عطیبةما هاب یوم النار شبت بتلهاب
یذکر لنا فرز الوعی شق جیبه‌و الستر حرم عقب تجدیع الأسلاب
و لکن کما قیل: کفی بالأجل حارس.
* صارت علی ابن صباح هزیمة ساحقة، و لو لا اللیل الذی جاء معه عج، و أمطار غزیرة لأبید جیش الکویت کله.
* یؤخذ علی ابن رشید قسوته علی فلول الغزو المجبرین علی قتاله، و الذین لا ذنب لهم، فإن ابن رشید أخذ یتتبع هؤلاء الفلول و یجمعهم من البراری و القری و المدن و یقتلهم صبرا، و لم ینج منهم إلّا الذین زبنوا عنیزة، فإن البسام زبنوهم و منعوا أتباع ابن رشید عنهم. و هذه القسوة من ابن رشید هی التی جعلته لم یستفد من هذا الانتصار العسکری فی مستقبل حکمه.
* لمّا حصلت الهزیمة علی ابن صباح و آل سلیم أمراء عنیزة من أتباعه أرادوا البقاء فی إمارة عنیزة و محاربة ابن رشید، و هم بهذا یعلمون صعوبة الموقف، و یعلمون النتیجة لهذه المقاومة إلّا أنهم یریدون البقاء مهما کلفهم الأمر، و کلف أهل عنیزة الثمن.
* أهل البلاد و یرأسهم فی ذلک الیوم البسام لا یریدون ذلک لأمور:
أولا: إن البلاد فیها بیعة لابن رشید، و لا یجوز الخروج علیه.
ثانیا: إن الذی خرج علیه و أراد نزع الملک منه هزم و بقی ابن رشید علی ولایته.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 136
ثالثا: بلدة واحدة فی هذه المملکة الواسعة یصعب الصمود وحدها، لا سیما بعد هذا الانتصار الکبیر.
رابعا: إن مقاومة ابن رشید فی مثل هذا الظرف معناه تعریض البلاد لدمار و فناء هی غنیة عنه بالمسالمة و إظهار الطاعة، و من الأسلم لمن هم أعداء لابن رشید تحین فرصة أفضل لهم من هذه، کما و اتتهم فی عام 1322 ه، و لکنها فسرت عن أسرة البسام بغیر هذه المبررات مع أن البسام لا ینکرون میولهم إلی ابن رشید. و لکنه میول بتعقّل و اللّه من وراء القصد.
* ینقل الرواة أن ابن صباح حینما کان منهزما من المعرکة إلی الکویت و بجانبه الإمام عبد الرحمن الفیصل علی راحلتیهما التفت مبارک الصباح إلی الإمام عبد الرحمن فقال له: لعلک یا أبا فیصل قنعت الآن من نجد و طابت نفسک منها، فأجابه الإمام عبد الرحمن بقوله: إذا وصلنا الکویت أخبرتک، فألح علیه ابن صباح إلّا أن یخبره الآن، فقال له الإمام: إن کان ابن رشید بعد هذا الانتصار عفا و سامح، و استعمل إحسانه و عفوه علی المحسن إلیه و المسی‌ء، و استعمل مع الناس الرفق و لا عاتب أحدا و لا جازی أحدا فرجوعنا إلی نجد صعب جدا، و إن کان استعمل القسوة و العنف و الشدة و لم یرحم أحدا، فإنّا بحول اللّه عائدون إلی نجد فی مثل هذا الیوم.
و صدقت هذه الفراسة فإن ابن رشید استعمل قسوة شدیدة کرّهت الناس إلیه. و إن الإمام عبد العزیز بن سعود لم یلبث بعد هذا الکلام إلّا عشرة أشهر حتی عاد إلی الریاض و احتله.
***
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 137

هوامش حول السطوة احتلال عنیزة

* لما احتل الإمام عبد العزیز بن سعود الریاض فی 5/ 10/ 1319 ه، ثم توسع حکمه فی عام 1321 ه إلی أطراف الریاض فی الخرج و الوشم نشط أمراء القصیم الذین فی الکویت إلی الخروج لاستعادة بلدانهم و هم آل مهنا لبریدة، و آل سلیم لعنیزة فخرجوا لاستعادة حکم أوطانهم.
* بلدة شقراء من بلدان نجد هی الموالیة جدا لآل سعود و أتباعهم، فارتحل إلیها من الکویت آل سلیم فی رمضان من عام 1321 ه، و استقاموا فیها یراقبون الوضع و یکاتبون أصحاب المیول إلیهم من أهل عنیزة. و الذین وصلوا إلی شقراء من آل سلیم خمسة رجال یمثلون الأربع أسر فیهم، فعبد العزیز العبد اللّه یمثل آل یحیی، و صالح الزامل یمثل آل عبد اللّه، و عبد اللّه الحمد یمثل آل إبراهیم، و صالح العلی و ابن أخیه سلیمان آل یحیی یمثلان آل علی و معهم سبعة و عشرون رجلا من أهل عنیزة ساروا معهم من الکویت ما بین نابه منهم و مستخدم.
* آل سلیم و آل مهنا لا یستطیعون دخول عنیزة و بریدة وحدهم الا بأمرین
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 138
أحدهما: مساندة قوة یلجأون إلیها فیما لو فشلت محاولة الاحتلال، و قد استندوا إلی الإمام عبد العزیز بن سعود الذی قربهم من عنیزة و نزل علی سورها فی الجهیمة و لیکون ردءا لهم. الثانی: میول أکثر أعیان البلاد معهم مما یسبب لهم سهولة الدخول و یسکت عنهم العامة. و قد تحقق ذلک فإن کل إقامتهم فی شقراء لمدة أربعة أشهر کله تمهید لذلک.
ثم حصل مع هذین الأمرین إهمال من حامیة ابن رشید بقیادة فهید السبهان، و من إمارة البلاد الذین ربط نشاطهم الدفاعی بإمر العم:
عبد اللّه العبد الرحمن البسام فلم یفعلوا شیئا اعتقادا أنه علی فرض دخول السلیم فلن یحدث شرّکما جری فی السطور السابقة عام 1318 ه.
* الذی حصل من استیلاء آل سلیم علی عنیزة هو قتل أمیر البلاد حمد العبد اللّه آل یحیی بعد تأمینه. و قتل أخیه صالح أمیر غزو البلاد، و قتل فهید السبهان رئیس حامیة ابن رشید، و قتل محمد العبد اللّه الحمد البسام و نهب بعض بیوت البسام، و اختفاء أعیان البسام تلک الأیام و تولی السلیم إمارة البلاد هذه تمت بالأیام الأول من الاحتلال، و ذلک فی 5/ 1/ 1322 ه.
* آل البسام لما أطلت الفتنة علی القصیم فیما بین ابن سعود و أتباعه آل سلیم، و بین ابن رشید و أمراء عنیزة من آل یحیی صار أعیان البسام یشیرون علی کبیر البسام العم عبد اللّه العبد الرحمن البسام أن یرحل معه أعیان أسرته إلی مکة المکرمة، أو إلی المدینة المنورة للبعد عن الفتن و عدم التدخل فیها بین أحد من الطرفین، إلّا أنه رحمه اللّه لم یرض، و لعله یظن أنه فی بقائه یکون تهدئة للوضع أو یکون له شفاعة حسنة فیما لو تعرض أحد لتهدید من أحد الولاة کما فعل من قبل فی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 139
الاستیلاء الأول عام الطرفیة، و لم یظن أنه سیجری علیه و علی أسرته ما جری، و هو الذی لم یعارض أحدا فی إمارته، و لم ینازعه بل إنه لم یعمل احتیاطه للدفاع الذی هو قادر علیه و مخول له، و لکن الحسیب هو اللّه تعالی.
* البسام اختفوا أیام السطوة ثم جرت المصالحة و صاروا فی بلادهم عادیین لعدة أیام. ثم إن الإمام عبد العزیز بن سعود من منزله فی عنیزة استدعی خمسة من أعیانهم، هم:
1- العم عبد اللّه العبد الرحمن البسام.
2- ابنه: علی العبد اللّه البسام.
3- حمد المحمد العبد الرحمن البسام.
4- حمد المحمد العبد العزیز البسام.
5- محمد الإبراهیم العبد الرحمن البسام.
و احتفی بهم و لاطفهم ثم قال لهم: إن ابن رشید- الآن- قد أقبل لیشب حربا لا تقل عن حرب الطرفیة و أنتم أعزاء علینا، و أخشی أن الوشاة ینقلون إلیّ کلاما ما یرضینی علیکم و أسلم لکم من هذه الفتن أن تکون إقامتکم عند والدی فی الریاض، و إلّا فثقتی بکم متینة.
فقالوا: أمرک مطاع، فکتب بینهم عقد اتفاق و أمان حضره قاضی عنیزة الشیخ إبراهیم بن جاسر، و حمد المحمد العبد العزیز البسام. و فی ذلک الیوم 9/ 2/ 1322 ه أرسل معهم الإمام مرافقین محترمین فی أخلاقهم و آدابهم لیکونوا فی خدمتهم برئاسة عبد العزیز الرباعی، و حملهم علی خمسة عشر ذلولا، و صرح لهم الرباعی أن الإمام یکرر
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 140
الوصیة بإکرامهم و حسن صحبتهم و خدمتهم، فساروا بحفاوة و إکرام حتی وصلوا إلی الریاض. فلما وصلوا الریاض استقبلوا فیه من الإمام عبد الرحمن الفیصل و من الشیخ عبد اللّه بن عبد اللطیف، و من عموم أعیان الریاض بکل حفاوة و صاروا مطلقی الحریة فی الریاض، و فی الزیارات و التجولات.
* و فی 2/ 2/ 1323 ه أرسل أیضا من أسرة البسام إلی الریاض ثمانیة رجال فصاروا أربعة عشر، و هؤلاء الآخرون هم:
1- صالح الحمد.
2- ابنه: عبد الرحمن الصالح.
3- محمد العبد المحسن.
4- سلیمان العبد اللّه.
5- فهد العبد اللّه.
6- فهد الحمید.
7- محمد الإبراهیم العبد الرحمن.
8- فهد العبد اللّه العبد الرحمن.
و أقاموا جمیعهم بعد وصول الأخیرین أربعین یوما، و عوملوا بنفس ما عومل به السابقون من الحفاوة و الإکرام. و بعد أربعین یوما من وصول الدفعة الثانیة أذن لهم بمغادرة الریاض. فالأعیان و منهم أربعة من الأولین، و صالح الحمد، و محمد العبد المحسن من الدفعة الثانیة ذهبوا إلی البصرة عن طریق قطر، و الباقون عادوا إلی عنیزة.
* لمّا نقل البسام إلی الریاض قلق کثیر من رؤساء البلدان، و صاروا یکاتبون الإمام عبد العزیز بن سعود بخصوصهم. و ممن کتب إلیه
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 141
الشریف عون أمیر مکة المکرمة، و المتصرف الترکی فی سوریا، و أشدهم حماسا الشیخ قاسم ابن ثانی أمیر قطر رحمه اللّه تعالی، و لکن الإمام عبد العزیز یجامل الشیخ مبارک بن صباح فلا یری مخالفته.
و سیأتی صفة خروجهم و المساعی التی بذلها الشیخ قاسم بن ثانی رحمه اللّه رحمة الأبرار حتی خرجوا فی 7/ 4/ 1323 ه، و وصلوا إلی البصرة فی 15/ 5/ 1323 ه.
* البسام لما خرجوا من الریاض اتجه أعیانهم إلی قطر بدعوة من الشیخ قاسم بن ثانی، فاستقبلهم استقبالا حافلا، و أکرمهم إکراما یلیق بهم و به. و فی إحدی دعواته لهم إلی منزله صار هو الذی یصب الماء علی یدی العم عبد اللّه العبد الرحمن البسام بعد تناول الطعام من حیث المصبوب علی یدیه، لا یشعر، لأن نظره قد ضعف. فلما أراد العم عبد اللّه أن یکفه عن هذا قال: یا عم عبد اللّه الذی فوق رأسی من العبید ستون عبدا، و لکن أحب أن أتشرف بالصب علیک و خدمتک.
ذهب هؤلاء الأعیان من البسام إلی البصرة و الزبیر. فأما العم عبد اللّه فمکث إیاما بالبصرة، ثم رکب بحرا إلی جده، ثم إلی مکة المکرمة، فأقام فیها حتی توفی فیها فی 25/ 10/ 1325 ه رحمه اللّه تعالی. و لم یرجع إلی عنیزة من الخمسة الأولین أحد إلی عنیزة إلّا محمد البراهیم.
* البقیة من البسام عادوا إلی عنیزة من الریاض، و أقاموا فیها، و قد أدرکت بعضهم فی طفولتی. إلّا والدی فإنه لم یتوف إلّا عام 1373 ه، لأنه أصغر من حمل إلی الریاض سنا رحمهم اللّه تعالی.
***
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 143

خطابات ملوک آل سعود

خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 144
و هذه خطابات کریمة من ملوک آل سعود المکرمین إلی أفراد من أسرة آل بسام تبین المحبة الأکیدة بین الأسرتین.
و تظهر العطف الکریم من حکامنا المحترمین علی أسرة آل بسام لا سیما خطابات جلالة الملک عبد العزیز رحمه اللّه تعالی.
نرفقها مع هذه الفصول التاریخیة النجدیة سائلین المولی إدامة عزهم، و أن یوفقهم لما یحبه و یرضاه.
***
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 145
صورة کتابا الملک فیصل بن ترکی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 146
صورة کتاب الملک عبد العزیز بن عبد الرحمن الفیصل
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 147
صورة کتاب الملک سعود بن عبد العزیز
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 148
بسم اللّه الرّحمن الرّحیم من فیصل بن ترکی إلی الأخ المکرم محمد آل عبد الرحمن آل بسام سلمه اللّه تعالی السلام علیکم و رحمة اللّه و برکاته.
و موجب الخط إبلاغک السلام و السؤال عن حالک أحال اللّه عنّا و عنک جمیع المکاره، و نخبرک أننا من فضل اللّه علی ما تحب و الخط وصل أوصلک اللّه إلی خیر، و ما ذکرته کان معلوم، و لا تقاطعنا أخبارک السارة و سلم لنا علی العیال و کافة آل بسام، و من عندنا العیال عبد اللّه و إخوانه یهدونک السلام و أنت سالم.
***
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 149
بسم اللّه الرّحمن الرّحیم من عبد الرحمن بن فیصل إلی جناب الأمیر محمد بن جاسر البجادی سلمه اللّه تعالی آمین السلام علیکم و رحمته و برکاته.
و موجب الخط إبلاغ جنابک المحترم جزیل السلام و السؤال عن حالک جعلها اللّه أحوال خیر و عافیة، و بعد ذلک من طرف عبد اللّه بن عبد الرحمن آل بسام و حمولته إذا بدا لهم لازم علی یدکم من أی شی‌ء صادرة أو واردة أو تحویل دراهم لا توقف فی لازمهم، و لا تحاذر من شی‌ء لأن لازمهم لازم لنا، و الذی یلزم علیهم لازم علینا، یکون لدی جنابک معلوم و دم سالما.
محرّم سنة 1323 ه
***
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 150
بسم اللّه الرّحمن الرّحیم من عبد العزیز بن عبد الرحمن آل فیصل إلی جناب الأخ المکرم الأفخم عبد الرحمن المحمد البسام المحترم سلمه اللّه تعالی آمین.
بعد مزید السلام علیکم و رحمة اللّه و برکاته علی الدوام مع السؤال عن حالکم لا زلتم بحال خیر و سرور، أحوالنا من کرم اللّه جمیلة، خطک المکرم وصل و ما عرفت کان معلوم خصوصا من طرف مسئلتکم تدری أننا أحرص منکم علی نجاحها، و قد تکلمت مع المندوب السامی من طرفها و بیّنت له اللازم، و تعذّر أن هذه مسألة عسکریة و مقطوع فی أمرها جملة و أمثالها، و لکنه تعهد أن یبذل غایة جده و اجتهاده فی نجاحها علی ما تحب، و ترجّیته کثیرا فی ذلک، و بحول اللّه إن شاء اللّه تتم علی ما هو بصالحکم، فقط أنت أیضا تعرف أحوال العسکریة، و لازم من عدم التشدد فی بعض الأمور لو ماجت کلها علی ما بالخاطر، و لکن إن شاء اللّه یتم الأمر بصالحکم. هذا ما لزم تعریفه حنا حالّا متوجهین من الحسا إلی الریاض و دمتم محروسین.
فی 13 ربیع الثانی سنة 1341 ه
***
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 151
بسم اللّه الرّحمن الرّحیم من عبد العزیز بن عبد الرحمن آل فیصل إلی جناب المکرمة موضی العبد اللّه البسام سلمها اللّه تعالی آمین.
السلام علیکم و رحمة اللّه و برکاته، الخط المکرم وصل و ما عرفتوا کان معلوم خصوصا من قبل تعزیتکم لنا فی البنت منیرة، فاللّه تعالی یغفر لها و برحمها و یعظم لنا و لکم الأجر، و هذا مآل الدنیا و مصیر کل حی.
هذا ما لزم تعریفه و السلام.
فی 4 رجب سنة 1358 ه
***
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 152
بسم اللّه الرّحمن الرّحیم من عبد العزیز بن عبد الرحمن آل فیصل إلی جناب الأخ المکرم إبراهیم بن عبد الرحمن البسام و والدته سلمهم اللّه تعالی.
السلام علیکم و رحمة اللّه و برکاته، الخط المکرم وصل و ما عرفتوا کان معلوم خصوصا ما أشرقوا من طرف العزیمة، فعلی کل حال إن محلکم محل لنا أما هالمرة فنرجوکم المسامحة و لا بد إن شاء اللّه فیما بعد یصیر الوجه علیکم، اللّه تعالی یوفّق الجمیع للخیر.
هذا ما لزم و السلام.
23 آب سنة 1355 ه
***
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 153
بسم اللّه الرّحمن الرّحیم من عبد العزیز عبد الرحمن آل فیصل إلی من یراه من طوارفنا بعد ذلک أولاد عبد اللّه عبد الرحمن البسام، و حمولتهم طوارف لنا، و من أعز طوارفنا، و یجب علی جمیع من هو طارفة لنا یعزّهم و یکرمهم، و من کان له علیهم شی‌ء فی الدعاوی یرفعها إلینا، و أمرهم منا إلیهم یکون معلوم.
18 آب سنة 1335 ه
***
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 154
بسم اللّه الرّحمن الرّحیم من سعود بن عبد العزیز بن عبد الرحمن الفیصل إلی جناب الأخ المکرم الأحشم إبراهیم بن عبد الرحمن البسام سلّمه اللّه تعالی.
السلام علیکم و رحمة اللّه و برکاته علی الدوام مع السؤال عن أحوالکم لا زلتم بخیر و سرور أحوالنا من کرم اللّه جمیلة، کتابکم المکرم وصل و ما عرف جنابکم کان معلوما خصوصا الإفادة عن صحتکم الحمد للّه رب العالمین و عن الأخبار أحسنتم الإفادة لا زلتم تفیدون عن کل خیر و عن تهنئتکم لنا فی حلول شهر رمضان المبارک بارک اللّه فیکم و نسأله تعالی أن یجعلنا و إیاکم ممن یفوز فیه بالعتق من النار من قبل مظهارنا فی شعبان للمقناص عزمنا التوصل إلیکم لکن الأقدام علیها أحکام نسأل اللّه أن یقدر الاجتماع علی أحسن الأحوال هذا ما لزم تعریفه مع إبلاغ السلام الوالدة و الابن و الجماعة و من لدینا الوالد و العیال یسلمون و السلام.
12 رمضان سنة 56 ه
***
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 155
بسم اللّه الرّحمن الرّحیم من سعود بن عبد العزیز بن عبد الرحمن الفیصل إلی جناب المکرم إبراهیم العبد الرحمن البسام سلمه اللّه تعالی.
السلام علیکم و رحمة اللّه و برکاته علی الدوام مع السؤال عنکم و حنا من کرم اللّه کما تحبون، خطکم المکرم المؤرخ 20/ 11/ 63 ه، وصل و ما عرفتوا کان معلوما خصوصا إخبارکم لنا بوفاة والدتکم موضی، فقد تکدر خاطرنا، و هذا مآل الدنیا، نرجو أن اللّه یغفر لها و نحن عوضکم فیها إن شاء اللّه.
هذا ما لزم تعریفه مع إبلاغ السلام العیال و من لدینا سیدی الوالد و العیال یسلمون و السلام.
28/ 11/ 1363 ه
***
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 156
بسم اللّه الرّحمن الرّحیم من سعود بن عبد العزیز بن عبد الرحمن الفیصل إلی جناب المکرم الأحشم إبراهیم بن عبد الرحمن آل بسام سلّمه اللّه تعالی.
السلام علیکم و رحمة اللّه و برکاته علی الدوام مع السؤال عنکم و نحنا فی کرم اللّه کما تحبون.
خطکم المکرم وصل و ما عرف جنابکم به کان معلوما، خصوصا ما أشرتوا إلیه من جهة تهنئتکم لنا بالشهر المبارک بارک اللّه فیکم و جعلنا و إیاکم من الفائزین فیه بالعتق من النار، کذلک من طرف وصول سلیمان الصالح آل بسام و أخته إلی طرفکم من مصر بحال السلامة أسرنا ذلک له الحمد، هذا و لزم تعریفه مع إبلاغ السلام العیال، و من لدینا سیدی الوالد و العیال یسلمون و السلام.
3/ 9/ 1266 ه
***
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 157

أسماء قتلی معرکة الملیدی من مدینة عنیزة

اشارة

خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 159
بسم اللّه الرّحمن الرّحیم‌

مقدمة

صارت معرکة فاصلة بین الأمیر محمد بن عبد اللّه بن رشید من جهة، و بین أهل القصیم عامة من جهة أخری. و قائد غزو مدینة بریدة حسن بن مهنا آل أبا الخیل، و قائد غزو مدینة عنیزة زامل بن عبد اللّه آل سلیم، و ذلک فی الیوم الثالث عشر من جمادی الآخرة، و صارت هزیمة علی أهل القصیم. و بعد هذه المعرکة الفاصلة استتب الحکم بنجد لابن رشید، و هذه أسماء القتلی من مدینة عنیزة رحمهم للّه تعالی، و یؤسفنی أن أعرّف بعض القتلی بألقابهم، و لکنی علمت بأنهم راضون عنها لأنی وجدت بعضها فی دفاتر الوثائق عندنا، و لأن بعضهم- و هم قلیل- لا یمیز عن غیره إلّا بلقبه لذا أصبحت کأنها أنساب لهم معروفون بها، و أصحاب هذه الألقاب قلیل رحمهم اللّه تعالی.
کتبه:
عبد اللّه بن عبد الرّحمن آل بسّام
فی عنیزة- حی الفیضة فی 15/ 4/ 1418 ه
أثناء مصطافی فی عنیزة
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 160

أسماء القتلی‌

1- زامل العبد اللّه السلیم: أمیر عنیزة و قائد غزوها، قتل و عمره اثنتان و ستون سنة. و له أحفاد کثیرون و قاتله هو حمد الزهیری رمیا بالرصاص.
2- علی الزامل العبد اللّه السلیم: ابن الذی قبله، و قتل بعد أبیه بنحو ربع ساعة فورثه، و له أحفاد منهم التجار فی المنطقة الشرقیة.
3- حنیتش: عبد رقیق للأمیر زامل العبد اللّه قرب من سیده بعد سقوطه لیسعفه فقتل بالرصاص علیه.
4- خالد العبد اللّه السلیم: هو والد أمیر عنیزة عبد اللّه الخالد، و له أحفاد من ابنه عبد اللّه المذکور. و انظر صفحة مقتله بالهوامش علی تاریخ والدی.
5- عبد الرحمن العلی السلیم: لم یعقب، و هو أخو صالح العلی السلیم.
6- عبد الرحمن البراهیم السلیم: یلقّب بزیز، له أحفاد.
7- سلیمان المحمد السلیم: هو جد سلیم الذی قتل غیله عام 1351 ه، فهؤلاء الستة المتقدمون کلهم من آل سلیم الأسرة التی فیها إمارة مدینة عنیزة.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 161
8- إبراهیم الصالح الزامل: یلقّب العمیّد: و هو والد صالح و سلیم الساکنین فی الأحساء، و له أحفاد.
9- محمد العبد الرحمن الزامل.
10- عثمان العبد الرحمن الزامل: أخوان یلقّب والدهما عبد الرحمن الطاقیة، و لهما أحفاد.
11- سلیمان المحمد الزامل:
12- زامل المحمد الزامل أخوان، و یلقب سلیمان الأشقر، و لهما أحفاد منهم صالح العبد اللّه الزامل، مدیر فرع الزراعة فی عنیزة سابقا، و قد توفی الآن رحمه اللّه.
13- محمد عبد اللّه الزامل: یلقّب والده عبد اللّه الروق، و المقتول هو عم حمد بن روق أحد أعیان عنیزة، و للمقتول حفید اسمه محمد.
هؤلاء الستة من آل زامل و لیسوا من آل سلیم ذلک أن زاملا یشملهم، و یشمل آل سلیم معهم، فإن زاملا أعلی فی سلسلة النسب من سلیم، فکل من کان من آل سلیم فهو من الزامل، و لیس من کان من الزامل من آل سلیم.
14- إبراهیم: العبد المحسن البسام: یلقب محنی، له أحفاد أصحاب تجارة، و لم یخرج من البسام غیره.
15- محمد إبراهیم البسام: یلقب شحم رأس و هو لیس من أسرة آل بسام، و إنما هو ابن عم لهم فی أعلی درجة النسب، و للمذکور أحفاد معروفون.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 162
16- ... المحمد البسام: ابن الذی قبله.
17- 18- عبد العزیز المحمد القاضی، و حمد المحمد القاضی:
أبناء الشاعر المشهور محمد العبد اللّه القاضی، و حمد له أحفاد منهم: عبد العزیز المحمد القاضی صاحب القصیدة العنبریة. أما عبد العزیز فانقطع عقبه.
19- سلیمان العبد اللّه القاضی: والدته عمتنا: موضی الحمد البسام، و لم یعقب ذریة.
20- 21- سلیمان الصالح القاضی، و عبد العزیز الصالح القاضی:
أخوان و لهما أحفاد.
22- علی الخلیف: هو عم سلیمان المحمد الخلیف المشهور فی بلده، و هم من آل بکر من ذریة زهری الثوری السبیعی.
23- محمد العثمان الحمید: یلقب اللجة، و هو والد عبد اللّه المحمد العثمان و أخویه علی و إبراهیم، و له أحفاد.
24- 25- محمد المزید الغانم الحمید، و فهد المزید الغانم الحمید:
هما و الذی قبلهما من آل أبو غنام أحمد أفخاذ ذریة زهری بن جراح الثوری السبیعی، مؤسس عنیزة، و لهذین الأخوین أحفاد.
26- ناصر الجار اللّه آل رشید: یلقب الدبة، و هو من آل رشید أمراء عنیزة سابقا، و لهذه الأسرة بقیة لا یزالون معروفین بآل جار اللّه.
27- محمد العبد اللّه المطوع: عم الشیخ محمد العبد العزیز المطوع أحد قضاة عنیزة، و هو من آل بکر من ذریة زهری بن جراح الثوری.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 163
28- علی المحمد النرکی: هو والد الشیخ المشهور محمد العلی، له حفید سمی علیه.
29- عبد اللّه المحمد الترکی: أخ الذی قبله و قد أخبرنی إبراهیم المحمد البسام أن قتلی آل ترکی فی الملیدی تسعة، و لکنه لم یعرف إلّا اسم هذین القتیلین.
30- عقیل المحمد العلیان: حفیده عقیل المحمد الموجود الآن.
31- منصور السعدی: حفیده منصور المحمد السعدی.
32- عبد اللّه الهطلانی: والد ناصر. و أحفاد القتیل من ابنه ناصر هم التجّار المعروفون فی جدة.
33- ناصر الحمود العوهلی: والد التاجرین المعروفین فی عنیزة عبد اللّه و محمد، و لهما أحفاد منهم الشیخ عبد اللّه المحمد العوهلی و أخوه عبد العزیز.
34- حماد العثمان الخویطر: هو عم والد وزیر المعارف الدکتور عبد العزیز الخویطر.
35- حمد بن حمود الحمد العرینان: والد عبد الرحمن الحمد المقیم بمکة، و هم أشراف، و للقتیل أحفاد من ابنه عبد الرحمن یقیمون بمکة، و منهم المهندس محمد مدیر میاه الغربیة سابقا.
36- محمد العقیل: والد التاجر المشهور فی عنیزة عقیل المحمد، أخوه صالح، و له أحفاد من ابنیه المذکورین.
37- عبد اللّه الحسون: والد صالح العبد اللّه و أخوه سلیمان الملقّب شباط، و له أحفاد من ابنه صالح.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 164
38- عبد العزیز العبد اللّه الخرب: والد یوسف الخرب أحد أعیان عنیزة، و للقتیل أحفاد من ابنه یوسف منهم الدکتور عبد اللّه الشبل مدیر جامعة الإمام محمد بن سعود، و أصلهم من آل شبل و الخرب لقب جدهم الأدنی، و الآن کثیر منهم ترک لقب الخرب إلی لقب الشبل.
39- حمد العبد اللّه الخرب: أخو الذی قبله، و له أحفاد من ابنه عبد اللّه الحمد الخرب.
40- إبراهیم العبد اللّه الخرب: أخو اللذین قبله.
41- 42- 43- محمد المنصور الغانم، و فهد المنصور الغانم، و صالح المنصور الغانم: هؤلاء الثلاثة أخوة من آل حمید من آل أبو غنام من ذریة زهری بن جراح.
44- عبد اللّه بن صالح بن عیسی: له أحفاد منهم المذیع المشهور سلیمان المحمد العبد اللّه آل عیسی، و هم من آل زید سکان شقراء جاء جدهم فاستقر فی عنیزة.
45- عبد العزیز العبد اللّه المنصور الخنینی:
46- سلیمان العبد اللّه الخنینی: أخو منصور العبد اللّه والد عبد اللّه المنصور و عبد العزیز المنصور.
47- عبد الرحمن العلی الحمیدی: بضم الحاء و تخفیف المیم هو صاحب العقار المسمی العمیری بعنیزة، و الآن صار مساکن.
48- عبد العزیز المقبل الذکیر: والد المؤرخ مقبل صاحب (مطالع السعود)، و لعبد العزیز أحفاد من ابنه مقبل.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 165
49- محمد بن دخیل: والد تاجری الإبل: سلیمان و عبد اللّه المحمد الدخیل، و له أحفاد من ابنیه سلیمان و عبد اللّه.
50- صالح بن دواس.
51- ابن رمیح.
52- 53- حمد القعدّی و رمیح القعدّی: أخوان، و الذی أعرفه أن حمدا له ابن اسمه عبد اللّه الحمد و لعبد اللّه أبناء.
54- محمد العبد المحسن بن طرّیف: آل طریف فی عنیزة من سبیع.
55- علی العضیبی: یلقّب الطویرات من أحفاد الشیخ عبد اللّه بن عضیب من النواصر من تمیم.
56- علی ... الغذامی: والد عبد اللّه الغذامی الدلال المشهور، و للقتیل أحفاد و هم من قبیلة شمر.
57- علی القرعاوی من ابنه عبد اللّه.
58- 59- نهار بن ضیف اللّه بن رهیط و فهد بن ضیف اللّه بن رهیط: أخوان فأما نهار فلیس له عقب من الذکور، و أما فهد، فله أحفاد من ابنیه سلیمان و محمد و یرجع نسب آل رهیط إلی قبیلة عنزة.
60- ناصر المصریعی.
61- عبد اللّه بن عبد الرحمن بن عبد اللّه الجمعی: جده عبد اللّه هو أمیر عنیزة الذی قتله یحیی آل سلیم غیلة عام 1238 ه، و له الآن أحفاد فی مکة و الریاض.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 166
62- 63- صالح العلی الکریشان، و سلیمان العلی الکریشان:
أخوان، و هما من ذریة زهری بن جراح مؤسس عنیزة، و لهما أحفاد مزارعون.
64- القویفلی:
65- علی ... الجناحی: من بنی خالد، و له أحفاد.
66- محمد الحمد الشبیلی: هو جد السفیر الشهیر محمد الحمد الشبیلی، و للقتیل أحفاد من ابنه حمد.
67- حمد المحمد المرزوقی: والد محمد أحد موظفی إمارة عنیزة.
68- محمد الصریخ: أعرف له أربعة أبناء، و لهم أحفاد و هم أسرة فلاحة و زراعة.
69- مهنا آل ترکی: له أحفاد من ابنه عبد الرحمن المهنا، و هم من آل ترکی من بنی خالد.
70- علی الحمیمیدی: له أحفاد من ابنه علی، و مشهورون بعقاراتهم بوادی عنیزة.
71- سعد الحماد الخویطر: له أحفاد یعرفون بآل حماد و آل حماد و الخویطر من بنی خالد.
72- سلیمان الخویطر.
73- سلیمان ... الجریفانی: یلقب أقریان.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 167
74- 75- 76- ناصر بن ناصر، و عثمان بن ناصر، و صالح بن ناصر: ثلاثتهم أبناء ناصر بن عضیب بن ناصر بن الشیخ عبد اللّه بن أحمد بن عضیب، و أحد الثلاثة سمی علی أبیه، و آل عضیب من النواصر من بنی تمیم.
77- علی العبد اللّه الحماد: لیس له عقب، و العقب لعمه و هم المشهورون بالعبادلة، أو آل حماد، و هم من الحرافیص من بنی زید.
78- ناصر بن عضیب العضیبی: له أربعة أبناء من صلبه لهؤلاء الأربعة أحفاد.
79- عبد الرحمن ... السلمی.
80- یوسف المحمد المانع: أخو قاضی عنیزة الشیخ عبد اللّه المانع، و عم مدیر المعارف السابق الشیخ محمد بن عبد العزیز المانع و لیس للقتیل عقب.
81- إبراهیم المطرودی.
82- عبد اللّه الصالح المزید: آل مزید من الصمدة من قبیلة الظفیر.
82- عبد الرحمن الحمّیدی:- بکسر الحاء و تشدید المیم-، له أحفاد من ابنیه عبد اللّه، و محمد. و من أحفاده الدکتور عبد العزیز العمید فی جامعة أم القری، و هم من آل جراح من سبیع.
83- سلیمان الحسین الخویطر: آل خویطر من قبیلة بنی خالد.
84- خزعل ... الجریفانی: من قبیلة شمر.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 168
85- شقران بن خزعل الجریفانی: ابن الذی قبله و هما من شمر یقیمان فی عنیزة.
86- 87- عبد الرحمن العمیر ... العمیر: أخوان و لم أعرف اسم الآخر منهما، و آل عمیر من شمر.
88- عبد اللّه بن محمد بن عبد اللّه المحیمیدی: له ابنان، و لهما أحفاد و یعرفون بمزرعتهم العویمریة قرب البعجاء بالجناح.
89- عثمان بن ونین: أحفاده من کبار المزارعین، و لهم أعمال أخری.
أما نسبهم فهم من آل أبا ذیب من الخویطر، و الخویطر من قبیلة بنی خالد.
90- عبد اللّه العلی.
91- 92- ... العبد اللّه العلی، و ... العبد اللّه العلی: ابنا الذی قبلهما، و لا زالا مجهولین من أبیهما.
93- 94- ... علی العلیان، و ... صالح العلیان: آل علیان أسرة من السرحان من قبیلة عنزة.
95- إبراهیم ... الحمیمید:
96- جابر ... بن واصل.
97- ... العمرو: آل عمرو من الصمدة من الظفیر.
98- محمد ... بن عقل: له أحفاد یقیمون بمکة، و جدة، و لهم تجارة، و له أحفاد فی المدینة.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 169
99- ... بن ضیف: آل ضیف من بنی عمرو من تمیم قدموا إلی عنیزة من بلدة المستجدة قرب حائل.
100- ... معیوف: و آل معیوف من عفالق من قحطان، و هذا القتیل هو الذی رأی قبیل المعرکة أن دبا- أولاد الجراد- غشی أجسام المواطنین فی عنیزة.
101- ... بن عثیمین: أخ للذی بعده.
102- عبد اللّه العثیمین.
103- 104- عثمان العبد اللّه العثیمین، و عبد العزیز العبد اللّه العثیمین: أخوان، و هما ابنا الذی قبلهما، و آل عثیمین من آل مقبل من الوهبة من تمیم.
105- نسیب بن قنبیط: لم یصلنی اسمه إلّا هکذا.
106- اللون: هو والد إبراهیم اللون.
107- عبد اللّه الصالح الخطیب: أعرف ابنه دلالا فی سوق عنیزة، و له أحفاد.
108- 109- سالم البراهیم الجلهم، و عبد اللّه البراهیم الجلهم:
حفید سالم هو الأستاذ عبد اللّه الجلهم المدرّس فی مدارس عنیزة، و سالم و عبد اللّه أخوان.
110- 111- علی السعد الصانع، و إبراهیم السعد الصانع: أخوان:
و هما عمان لإبراهیم العبد اللّه السعد حداد فی عنیزة و تاجر أبقار فیها.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 170
112- 113- محمد سلیمان المعتاز و ... سلیمان المعتاز: أخوان و محمد له حفید بمکة المکرمة دلال عقار.
114- إبراهیم الزعاقی:
115- سلیمان ... الصائغ: یلقب سلوم، و هو والد صالح السلیمان الصائغ له أحفاد.
116- یحیی ... الصائغ: أخو عبود الصائغ، و له أحفاد من ابنه محمد صواغ أیضا.
117- عبد اللّه السلیمان الطجل: له أحفاد.
118- صالح السلیمان الطجل: أخو الذی قبله، و له أحفاد منهم الشیخ محمد السلیمان الصالح أحد کبار موظفی دیوان مجلس الوزراء.
119- رشید بن عبد العزیز الدغیثر: یلقّب الکشر، و هو من أعیان البلاد و لا أعلم له عقب.
120- 121- عبد الرحمن العلی الخیاط، و ... علی الخیاط:
أخوان هما ابنا علی الخیاط المشهور بالکرم و الشجاعة و المحبة لوطنه، و هو صاحب القصیدة: هذه عنیزة.
122- صالح ... البطحی: له أحفاد، منهم الشیخ محمد البراهیم البطحی أحد کبار موظفی الدیوان الملکی.
123- محمد البراهیم البطحی.
124- ناصر ... العماری: والد التاجر المعروف بجده علی العماری.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 171
125- 126- علی الرشید البراهیم الدغیثر و عبد المحسن البراهیم الدغیثر: أخوان.
127- علی محمد الدغیثر:
128- یوسف المحمد الدبیان: أخو لإمام مسجد القاع.
129- عبد اللّه الصقیری: هو حامل رایة أهل عنیزة فی هذه الغزوة، و ما قبلها و یلقّب عبدّی.
130- محمد العمری: أخ الشیخ سلیمان العمری أحد قضاة المدینة المنورة و الأحساء، و له أحفاد.
131- علی ... الجابر: یلقّب علیوی من أحفاده الدلال المشهور عبد اللّه الناصر العلیوی.
132- محمد ... الجابر: أخو الذی قبله.
133- حمود ... العبید اللّه: له أحفاد کثیرون.
134- ... العبید اللّه: أخو الذی قبله.
135- 136- ...... العبید اللّه و ...... العبید اللّه أخوان، و هما ابنا أخ الأول حمود العبید اللّه.
137- علی ... الغریر: أسرة معروفة بطلب العلم.
138- محمد ... بن دزیجان: ابنه عبد اللّه الدریجان له أحفاد من ابنه هذا یقیمون فی جدة.
139- علی ... الخضیر:
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 172
140- صالح العبد اللّه الغاشم: من تجّار الإبل فی سوق عنیزة التجاری.
141- ... العبد العزیز الغاشم:
142- حمد ... الشریم:
143- عبد اللّه ... العیسی:
144- 145- محمد الحمد الحرکان ... الخریجی: آل خریجی أسرة معروفة جاء جدهم إلی عنیزة من الخرج، و فیهم طلبة علم، و منهم الحرکان، و منهم آل هدیان و آل خریجی فی المدینة.
146- 147- 148- محمد الحسین الراشد، و إبراهیم ...
الراشد، و ... سلیمان الراشد: من المعتاز.
149- عبد الرحمن ... الصهیل: هو والد عبد اللّه الصهیل المعتبر فی تقدیر خصومات الإبل عند قضاة عنیزة، و أخوه سلیمان مشهور مثله.
150- 151- حسن ... الصهیل و حمد ... الصهیل: أخوان.
152- ... محمد الحمد الشدوخی:
153- عبد العزیز الحسن الصائغ: والد عبد العزیز الصائغ و إخوانه المشهورون أبناؤه الستة لهم أحفاد کثیرون.
154- صالح المحمد الحمد الشمیمری.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 173
155- صالح العبد اللّه السلیمان آل أبا الشحم: المشهور بلقب الدلقمّة.
156- ... الرویشدی: جد المزارعین.
157- عثمان البیبی.
158- إبراهیم ... القوبع: المشهور أخوه عبد اللّه القوبع.
159- عبد اللّه ... السعلو.
160- صالح العلی الزاملی: تعرف أسرته بآل هدیان.
161- ... بن موسی الضبیبان.
162- محمد ... الهزاع.
163- یوسف ... العبدان.
164- إبراهیم ... العبدان.
165- سالم ... الموسی.
166- عبد الرحمن ... الزیدان.
167- ...... ابن غریر: من أهل الخریزة.
168- إبراهیم ... الدریدی.
169- محمد ... بن جردان.
170- ... حمد العصیل.
171- ... ابن مفرح.
172- سلیمان العامری العبید.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 174
173- صالح ... بن دواس.
174- ترکی بن حمود بن جفنان: من أهل الهیشة منطقة بوادی أبی علی.
175- ... ابن عدوان.
176- علی المحمد الصوینع.
177- عبد الرحمن المقیطیب یرخم علی دحیم.
178- ... ابن زمیرین: مشهور براعی الوادی.
179- ... ابن دریس.
180- صالح ... الکلیب.
181- علی ... الدمشی.
182- 183- حمد ... الغصونی عبد اللّه ... الغصونی.
184- العلی الثوینی.
185- مبلش بن زرّوق: و اسم مبلش إبراهیم، و اسم زروق راشد صاحب منجم الجص بعنیزة، و لمبلش أحفاد من ابنه حمد یسمون آل مروان تجار فی مکة.
186- خلف ... العماری.
187- ...... المجحدی.
188- عبد اللّه الحمد الفائز.
189- حمود ... السیوفی: أحفاده فی عنیزة.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 175
190- علی المحمد البذرة.
191- ... ابن مطلب.
192- حمد ... المرشد: له أحفاد من ابنه عبد اللّه الحمد المرشد.
193- ...... الخراز: مشهور بلقب راعی الصفا و الصفا مکان فی شمال عنیزة.
194- ...... أبو مغیر.
195- ابن ترکی: مشهور بلقلب راعی البکیریة و هو مقیم فی عنیزة.
196- عبد اللّه ... النجیجیر.
197- ...... ابن عقل: مشهور بلقب راعی الوادی، و یراد بالوادی نخیل عنیزة الکائنة بواد الرمة.
198- خلف ... العماری.
199- ...... ابن قعّوس.
200- ... ابن علی الثوینی.
201- عبد اللّه ... الخراز.
202- ...... الصانوت: راعی الوادی.
203- ...... ابن منیّع: بتشدید الیاء من أسرة الصاغة آل منیع الذین منهم الصائغ عبود.
204- ...... المبیریک.
205- عویر ...
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 176
206- ...... النزهة: مشهور بابن أخی علی النزهة.
207- منصور ... الصطفاء.
208- محمد بن الدجنی: مطیری من العبیات، و المقتول هو والد عبیلان الذی قام بعد أبیه بمهنة سوق القاع الذی أخذ امتیازها مکافأة له لهربه بعد اللّه آل یحیی من معرکة بقعاء بعد هزیمة أهل القصیم و قتل والده یحیی السلیم عام 1257 ه.
209- عبد اللّه ... الفدغوش: والد رقیة الفدغوش، له أسباط من ابنته المذکورة فی مکة المکرمة و المدینة و عنیزة.
210- حصینی ...
211- ... النفیسة: یلقب الدبیة.
212- محمد بن ... جعیلان: والد رجس یقال أولاد رجس، له أحفاد من ابنه رجس.
213- حمد ... القنیعبر: أخو لمحمد الصالح القنیعبر.
214- سعید ... الزوید: أحد باعة اللحم.
215- ناصر آل ضویحی: له أحفاد، و أسرة آل ضویحی من خدام إمارة عنیزة.
216- ...... ولد خویرة: و خویرة والدته، و هی من معاتیق آل بسام، و هذا القتیل هو الذی جاء مع علی الزامل من الأحساء و بعد وصولهما إلی عنیزة التحقا بالغزو فقتلا.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 177
217- غطیمل ...: أحد باعة اللحم فی عنیزة، و هو والد ناصر الغطیمل.
218- ...... أبو صفریة.
219- 220- 221- ... الموسی، ... الموسی، و ...
الموسی: ثلاثة أخوة من الموسی لم نقف علی أسمائهم و اسم أبیهم.
222- 223- ... الحمدان، و ... الحمدان: أخوان لا نعرف إلّا عمهما فهد الحمدان.
224- محمد ... بن جردان.
225- ...... بن جعیثن.
226- عبد اللّه ... بن مرزوق.
227- فرج ...: عتیق البکیری راعی العقیلیة أحد أحیاء عنیزة.
228- ...... الزریطی.
229- ... بن مطلق.
230- یوسف ...: معروف براعی الزبیر، و هو من المقیمین بعنیزة.
231- ... المشعلی.
232- ... الدعیجانی: والد عبد اللّه و محمد الدعیجانی، و هما من مؤذنی مسجد الهفوف.
233- ضویحی آل حلوان: أحد خدام إمارة عنیزة.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 178
234- ... عبد اللّه الناصر السعد.
235- ... ناصر الضویحی: من آل حلوان خدام إمارة عنیزة.
236- ... السبیعی: لیس من آل سبیعی تجار جدة و لا من أبناء عمهم.
237- أبو عسم ...
238- أبو عقل ...
239- ضیفی ... الهتیمی.
240- صقر ... الهتیمی.
241- زویان ...
242- محمد بن نویصر.
243- ...... العویس: أخ لعبد اللّه العویس.
***
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 179
بسم اللّه الرّحمن الرّحیم ما تقدّم من أسماء قتلی معرکة الملیدی من مدینة عنیزة ما عثرنا علیه من بعض الإحصائیات. و مما سمعناه من أفواه الرواة.
و لقد خبرنی ناصر النویصر من أهل عنیزة، و یقیم بمکة أنه رأی خطابا من الوجیه عبد اللّه العبد الرحمن البسام لأحد جماعة عنیزة المقیمین بمکة یخبره أن قتلی مدینة عنیزة فی معرکة الملیدی 361 قتیلا رحمهم اللّه تعالی.
کتبه
عبد اللّه بن عبد الرّحمن آل بسّام
فی 11/ 3/ 1418 ه
***
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 180

قتلی الملیدی من أهل بریدة

1- عبد العزیز العبد اللّه المهنا الصالح.
2- عبد العزیز المحمد آل مهنا.
3- عبد العزیز بن صالح من آل مهنا.
4- محمد آل عودة آل أبا الخیل.
5- عودة بن حسن آل عودة أبا الخیل.
6- عبد اللّه آل حسن آل عودة آل أبا الخیل.
7- عبد الرحمن بن حسین الصالح أبا الخیل.
8- عبد اللّه بن جربوع.
9- صالح آل مدیفر.
10- محمد الناصر العجاجی.
11- عبد اللّه الناصر العجاجی.
12- إبراهیم الناصر العجاجی.
13- عبد الرحمن الناصر العجاجی.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 181
14- حمد الناصر العجاجی: خمسة إخوة 10- 14.
15- الشیخ عبد اللّه بن علی بن سلیم.
16- الشیخ محمد بن سلیمان بن محمد العمری.
17- محمد بن الشیخ إبراهیم بن عجلان.
18- سلیمان بن ناصر بن جربوع هو أخ الوجیه بن جربوع.
19- عبد الرحمن بن علی الرشودی: أخ الوجیه فهد الرشودی.
20- علی بن مرشد الصالح.
21- عثمان العرینی.
22- سلیمان بن أحمد الرواف، و هو أخ الشیخ عبد اللّه الرواف.
23- عبد اللّه بن عثیم.
24- عبد اللّه التویجری راعی القصیعة.
25- حمد بن سعید.
***
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 182

قتلی الملیدی من أهل المذنب‌

1- صالح الخریدلی: من أهل المذنب. و هو أمیر المذنب.
2- منصور آل عبوش.
و بهذا انتهت هذه التعلیقات علی ترسیمات والدی رحمه اللّه تعالی، فی 10/ 7/ 1418 ه، فی منزلی بعوالی مکة المکرمة حرسها اللّه تعالی.
***
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 183

تاریخ القصیم‌

اشارة

تألیف الشیخ سلیمان بن صالح بن حمد البسام (1318- 1405 ه)
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 185

ترجمة المؤرخ الشیخ سلیمان بن صالح بن حمد البسام (1318 ه- 1405 ه)

اشارة

الشیخ سلیمان بن صالح بن حمد بن محمد بن حمد بن بسام، و تفصیل النسب یوجد فی ترجمة والده الآتیة إن شاء اللّه تعالی.
و هو عمی، فهو شقیق والدی رحمهما اللّه تعالی.
ولد فی مدینة عنیزة، حیث تقیم أسرته فی الیوم الرابع من شهر ربیع الأول عام 1318 ه، الثامن عشر بعد الثلاثمائة و الألف من الهجرة النبویة.
و والدته نورة بنت محمد بن عبد العزیز بن حمد بن بسام، و حمد هو الجد الجامع بین أبیه و أمه.
لمّا بلغ المترجم سن التمییز دخل کتاتیب بلده لتعلم مبادئ القراءة و الکتابة، مع ما فی منزله من وجود والده الفقیه و إخوانه طلاب العلم الذین هم أسن منه، فنشأ محبّا للعلم راغبا فیه، و لما تجاوز سن الصبا شرع فی القراءة علی علماء بلده، و من یرد إلیها من غیرهم، فکان من مشایخه:
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 186
1- قاضی عنیزة الشیخ صالح العثمان القاضی.
2- الشیخ المحدث علی بن ناصر بن وادی، و له منه إجازة ممتدة إلی محدثی علماء الهند، و من علماء الهند امتد سندها إلی أصحاب الصحاح و المسانید.
3- الشیخ الفقیه إبراهیم بن محمد بن ضویان عالم بلد الرس، و له منه إجازة بمرویاته.
4- الشیخ الأدیب المؤرخ إبراهیم بن صالح بن عیسی، فقد لازمه ملازمة تامة، و صارا لا یفترقان إلّا فی الأوقات الضروریة، و له منه إجازة، و قد استفاد منه فی التاریخ و النسب و الأدب، و لما توفی شیخه اشتری غالب کتبه فی التاریخ و النسب، و إجازاته سنأتی بها فی قسم التاریخ إن شاء اللّه تعالی.
5- الشیخ العلامة عبد الرحمن بن سعدی، فقد لازم حلقات درسه حتی استفاد منه فی العلوم الشرعیة و العربیة، و فائدته العلمیة هی من هذین الشیخین الأخیرین ابن عیسی و ابن سعدی. رحم اللّه الجمیع.
و المترجم من أعیان أسرته، و من أصحاب المشورة فیهم، کما أنه من أعیان مدینة عنیزة و وجهائها.
و هو من أصحاب الآراء الوجیهة، و من ذوی النظرات البعیدة و التبصر فی عواقب الأمور.

آثاره:

1- خلّف مکتبة نفیسة جدا تحوی نفائس المخطوطات مما لا یوجد فی غیرها من المکتبات الخاصة و العامة فنفاستها من نوعیتها لا فی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 187
کثرتها فقط، و لکنه ضاع الکثیر منها بعد وفاته، و بسبب التنقل من منزل لآخر.
2- له بحوث فی التاریخ و القضایا المعاصرة بغایة الجودة، و کان یطلعنی علیها و أستفید منها.
3- هو مرجع للباحثین فی التاریخ المعاصر و الأنساب، فلا تجد باحثا إلّا و یرجع إلیه و یزوره فی منزله للاستفادة منه أو الرجوع إلی ما عنده من الکتب النادرة.
و أنا ممن استفاد من معلوماته و من کتبه، فالحق أنه کان من الجلساء الذین لا تمل مجالسهم، و ذلک من لطفه و حسن منادمته، فلا یقابل جلیسه بما یکره، کما أنه یعمر المجلس بأحادیثه الشائقة، فهو من حفظة التاریخ القدیم و الحدیث، و من حفظة الشعر الفصیح و العامی، و قد جالس من حداثته رواة الأخبار فحفظ عنهم الکثیر من الممتع المفید، فصار یعمر بمحفوظاته المجالس، و یتحف بها الجالسین.

وفاته:

فی جمادی الثانیة من عام 1405 ه أصیب بألم شدید فی ظهره، فدخل المستشفی التخصصی بالریاض فی آخر شهر رجب، فوجد به ورم داخلی (غیر حمید)، فسافر إلی ألمانیا، و ذلک فی 17 رمضان من ذلک العام، فعاد و واصل سفره إلی عنیزة، و قد اشتدت علیه وطأة المرض فی مراحله الأخیرة.
و فی صبیحة یوم الخامس و العشرین من شهر رمضان من عام خمس و أربعمائة و ألف، انتقل إلی رحمة اللّه تعالی فی منزله فی (حی الملیحة)،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 188
طریق المدینة المنورة، و صلّی علیه فی جامع عنیزة الکبیر بإمامة الشیخ محمد الصالح العثیمین، و دفن فی مقبرة الشهوانیة، و صار لوفاته حزن عمیق، و أسف شدید لدی مواطنیه و غیرهم ممن عرفوا سیرته الحمیدة.
و خلّف خمسة أبناء أکبرهم عبد الرحمن، أحد موظفی وزارة المالیة. رحم اللّه المترجم، و بارک فی عقبه.
***
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 189
هذه الورقة الأخیرة من تاریخ الشیخ سلیمان الصالح البسام بقلم یده رحمه اللّه تعالی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 190
هذه الورقة الأولی من تاریخ العم الشیخ سلیمان الصالح البسام
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 191
بسم اللّه الرّحمن الرّحیم و به نستعین‌

ثم دخلت سنة 1341 ه:

فیها توجه ابن سعود إلی الأحساء، و معه آل رشید، و فیها فی ربیع الآخر قدم إبراهیم بن سالم بن سبهان أمیر حائل من قبل آل سعود إلی بریدة، و توجه إلی ابن سعود فی الأحساء یوم السبت و فیها فی عشر بقین من ربیع الآخر توجه عبد العزیز بن عبد اللّه بن سلیم من عنیزة إلی الأحساء للسلام عل ابن سعود، فیها و ورد علینا خبر أنه وقع خسف وادی من بلد العارض نحو عشرة أمیال تسمی شعیب السلمی و لم نتحقق ذلک.
و فیها ورد خبر أن ابن سعود زاد تعریفة الجبیل، و فیها عمّر عبد اللّه بن محمد بن عبد العزیز آل بسام بیته الذی فی الشفیع، و فی السنة التی قبلها غرسنا الصبخة الذی تحت عناء زامل غرسته الثانیة. و فی هذه السنة التی قبلها فی تسع و عشرین فی ربیع آخر فی آخر الوسم، أتی سیلة عمّت البلاد، و لم یأت بعدها شی‌ء، فجعل اللّه فیها البرکة، و ذلک أن البعول بذرت علی نداها فنبتت، و حصل فیها عیش، حتی أن الصاع [48]، و کذلک المواشی رکبها الشحم قبل أوانه و أدخل الناس من العیش شی‌ء عظیم، حتی إنه قدر الذی یدخل عنیزة کل یوم یبلغ بنحو ثلاثمائة
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 192
حمل، و لم یعهد مثلها، و کانت خارقة للعادة و ذلک أن الریاح الذی یهب بالعادة بإذن اللّه أنها إذا هبّت أتلفت العشب. فی هذه السنة تکون صالحة، و أقامت الدبلة إلی النقیض و هی حیة، فسبحان من یقول للشی‌ء کن فیکون، و فی السنة التی قبلها ابتعث عبد اللّه بن محمد بن عبد العزیز آل بسام قلیبة الذی فی شمال الدیرة خارج السور.
و فیها فی آخر ربیع قدم عبد العزیز بن سعود بلد العارض من الأحساء، و أخبر أن بعض التجار علی السیل أنه بذر صاع و مد أو صاع، فأتی ثلاثین صاعا، و فیها فی یوم الإثنین لثلاثة عشر خلت من جمادی الأولی قدم عبد العزیز عبد اللّه بن سلیم من بلد العارض من عند ابن سعود.
و فیها لاثنی عشر خلت من الشهر المذکور وقت صلاة الظهر رعد هائل و فیه صوت وقع فیها صاعقة فی برج من البروج الذی فی شرقی عنیزة.
و فیها حصل علی رعبة نجد مکس، و ذلک لاثنی عشر خلت من جمادی الأولی و فی أول جمادی الأول قدم إبراهیم بن سالم بن سبهان من العارض من عند ابن سعود، و تقدم رواحه.
و فی ثلاثة عشر خلت من الشهر المذکور تقریبا حصل برد جمد الماء و أتلف بعض الخضر و الزرع.
و فی یوم الجمعة [...] أتی نصیحة من ابن سعود قراءة بعد
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 193
الصلاة قرأها علی ابن وادی مدبرها علی الحث علی الأمر بالمعروف و النهی عن المنکر و علی الصدقة و ترک المعاصی [...] .
و فیها لسبع و عشرین خلت من شهر شعبان یوم الأحد قبل الظهر توفی عثمان الحماد الخویطر أمام مسجد العنبسة رحمه اللّه تعالی.
و فیها لثلاث و عشرین خلت من رجب انشاءت وقت صلاة العصر فأمطرت فرخصت الأسعار فی الحال، حتی إن البر الذی یباع قبلها علی صاع و مد، صار من باکر علی صاعین إلّا انصیف، و السمن من المد إلی نصف الصاع، و جعل اللّه فیها البرکة، لأن نزول المطر فی آخر فصل الربیع فنبت نوابت الشتاء [...] و غیرها و کانت أول السنة مجدبة.
و فیها لثلاث خلت من رمضان جری حادث، و هی أن رجلا من البدور من ابنی عبد اللّه ادّعت علیه زوجته و أخوها أنه مطلقها، و أحضر شاهد و حضروا عند عبد اللّه بن سلیم قاضی بریدة، فأنکر الزوج، فقال ابن سلیم: یعوضونک و طلّقها فأجاب، فخرجوا جمیعا من بریدة، فلما ناحو [...] أخوها و الذی شهد فقتلهما [...] فأسلمه ورم [...] فألقت نفسها کأنها میتة، فلما هرب رجعت إلی بریدة، و فیها فی شهر رمضان حبس ابن مساعد رجالا [...]
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 194
للمدینة [...] فمات منهم واحد یسمی ابن خربوش من أهل الرس.
و فیها لثمان عشرة خلت من رمضان فجر یوم الجمعة توفی مقبل بن عبد الرحمن الذکیر، و صلی علیه بعد الجمعة رحمه اللّه تعالی، و کان قد جاوز الثمانین و کان محبّا للعلم و أهله، و لنشر الکتب أثابه اللّه علی ذلک الجنة [2].

ثم دخلت سنة 1342 ه:

فیها رخصت الأسعار، بیع التمر إحدی عشر وزنه بالریال، و العیش من صاعین و نصف إلی ثلاثة الأمد، و لم یعم جمیع نجد بل القصیم و بعض الجنوب و هو سدیر و الوسم، و کان ...
توالی علی الجنوب سنون قحط، غارت میاههم و تلف بعض، و فیها أنزل اللّه الغیث فی أول الوسم فأخصبت الأرض، و فیها مرض عبد العزیز بن سعود بسبب جرح فی وجهه ثم شفاه اللّه، و فیها فی أول جمادی الأولی ظهر إلی نجد طبیب هو لندر الخلندی فی الأصل أمریکان فی التبعیة، و کان هناک رجل معرفته فی علم الجراحة عالج عددا من الناس فی عنیزة، و کان به حصی و لم ینجو فیه الطبیب فاحتقن البول فیه فمات، و إنما ذکرنا هذه الحادثة لتکون نبهة لکل طبیب و متطبب فیه، لأن وظیفة المداوی عدم قبول قول المداوی فی مثل ما ذکرنا و نحوه من الأشیاء الذی حبسها مهلک لأنه ربما کان جاهلا مثل هذا، أو یمنعه من بیانه خوف أو حیاء و نحوهما.
و وظیفة المتداوی بیان کل ما فیه من الداء لطبیبه، و إلّا صدق علیه قول الشاعر:
إذا أنت لم تعلم طبیبک کلهابسوأک أبعدت الدواء عن السقم
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 195
و اسم هذا الطبیب المذکور دیم.
و فیها فی شهر رمضان تراکم سحاب عظیم وقت صلاة العصر، و حصل فیه مطر شدید، و اختل فی بریدة نحو من مائتین و ثمانین بیتا بین هدم و عیب.
و فیها جاءت سحابة قرب غروب الشمس لثمانیة عشر خلت من شوال و معها ریح شدیدة سقط من نخیل عنیزة نحو من 500 خمسمائة نخلة و فیها صبح هابس بن رفاعی بن سدیر بن عشوان العوازم قرب بلد الکویت، فأخذ منهم إبلا کثیرة، ثم إنهم حشدوا و قصدوه فی بلدة المسمّی النقیرة، فقتلوه هو و ابنه [...] لم یبلغ الحلم و نحو خمسین رجلا من قومه و استنقذوا ما أخذه منهم مع بعض نعمه فلما علم هایف الفخم بما جعله العوازم، سار فی أثرهم هو و من تبعه من علق فصبحهم بعدما نصلوا أهله فاستنقذوا ما أخذوه.
و فیها ظهر عملة من قبل دولة الإنکلیز [...] غیر القلوب الذین فی تنورة مع بعض المعادن التی فی جزیرة العربیة، و لم یخرج أحد منهم قبل هذا العصبة قطع اللّه دابرهم.
و فیها توجه ابن مساعد من القصیم أمیرا علی بلدان الجبل. و فیها فی شوال [3] توفی الإمام العالم العلامة الشیخ شکری الألوسی البغدادی کان رحمه اللّه سلفی العقدة، ناصر السنة، و له التصانیف الکثیرة فی العقائد و غیرها.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 196
و فیها لسبعة عشر خلت من شوال توفی فضل، کان رحمه اللّه محبّا للعلم و العلماء کثیر الصدقات، و وفاته فی کراتسی من بلاد الهند. و فیها فی غرة جمادی الأولی آخر نهار الإثنین توفی الشیخ محمد بن عبد اللّه بن سلیمان آل عوجان الزبیری رحمه اللّه، و صلّوا علیه من الغد، انتقل أبوه من بلد القصب من بلدان الوشم الزبیر و نشأ الشیخ المذکور نشأة حسنة علما و عملا، و کان له الید الطولی فی علم الفرائض و الحساب، و أصله من قبیلة البقوم، و فیها غزا هایف بن شیقر الدویش، فصبح الظفیر قرب الخمیسة، فأخذ بعض نعمهم فجعل یوردها، و کانوا قد ظنوا أنه فیصل الدویش.
فلمّا علم أنه لیس هو لحقته الأفزاع، فأحاطوا به من کل جانب و قتل هو و نحو ستین من قومه.
و فیها أغار حواس من خمسین من شیوخ سنجارة و معه سریة لابن سعود، فصبّح الحویطات علی الحفر ماء عن عمان نحو مرحلتین فأخذهم، و فیها غزا جیش عظیم من نجد نحو ستة آلاف من حرب ألف و خمسمائة من أهل دخنة نحو ستمائة، و الباقی فی هجرة حری الآخر و الباقی من قبائل متعددة شمر غزر، من مشاهیر شیوخهم ابن رمال و ابن نضیر، و من مشاهیر هثتم ابن براک و من عنزة ابن صخر و الحویطات فی البلقة، و کانوا قد أنذروهم فحصل بینهم معرکة عظیمة فانهزم بنوا صحر، و أخذوا ثم أنه لمّا استولی علی ما وجدوه فی جلبهم من أثاث، و لم تزل بین عنزة و بین الجناح خلافات و نزاعات و خربت محلة الجناح علی حدود
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 197
1200 و صارت نخیلهم و آبارهم من جملة أملاک عنیزة، و لم یزل أمراؤها من سبیع من ذریة زهری، هذا إلی یومنا هذا ما عدا نحو ثلاثین سنة، أولها من سنة 1200 ه، فإنها کانت یؤمر فیها ابن سعود أمراء من قبله، و ما عدا نحو عشر سنین متفرقة کان الأمیر علیها صالح بن محمد القاضی بنحو ست سنین فی عشرة و الخمسین و مائتین و ألف، و نحو أربع سنین من سنة 1266 ه، و رأس السبعین کان الأمیر علیها جلوی بن ترکی بن سعود.

فصل فی بیان بعض علماء القصیم و قراه‌

الشیخ عبد اللّه بن أحمد بن عضیب المتوفی عام 1161.
الشماس قریة قدیمة شمال بریدة أهلها دواسر، و بعد ما نشأت بریدة صارت تجری بینهم و بین أهل بریدة الحروب، و کان أهل الشماس أقوی من أهل بریدة.
و الشماسیة أیضا قدیمة و أهلها أیضا دواسر و کانوا هم و أهل الشماس یتواصلون [...] بالمفاخرة من أمراء بریدة الدریبی من بنی علبیان، و فی وقته تقوت بریدة، و بنی له قصر إمارة، و محله الآن فی مؤخر الجامع، و فی وقته کان [...] آل سعود فی أواخر القرن 12، و بعده کان محمد بن حسن من بنی علیان و لم تطل مدّته، و فی وقته دانت بریدة لعبد العزیز بن محمد سعود و ماضیه عبد العزیز بن سویلم و أهل
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 198
الدرعیة، و نصبه قاضیا، و لم یزل مدة حیاة حجیلان قاضیا علی بریدة، و موته قریب من موت حجیلان و من أول إمارته حارب أهل الشماسیة، و تغلّب علیهم، و نقل بعض بیوتاتهم إلی بریدة و بعضها إلی الشماسیة، و حاربه سعدون بن عریعر و حاصره مدة، و لم یحصل منه شیئا، و امتنع من قتل مطوعه، و آخر مرة نقله إبراهیم باشا سنة 1234 ه و مات بالمدینة و بعده بقیت الإمارة نحو عشر سنین غیر مسطحة تتنازعها بطون بنی علیان بتولّیها، هذا ینقل و هذا یعزل إلی أن تأمر فیها عبد العزیز بن محمد، و أقام فی الإمارة بضعا و ثلاثین سنة، و اشتهر و طار صیته، و کان یغزو من خالفه من البوادی و هو قائد أهل القصیم یوم بقعاء و یوم السبّعان، و انفصل عن الإمارة سنة 1276 ه فی إمارة فیصل، و سکن الریاض، و تأمّر علی بریدة عبد اللّه بن عدوان من بنی علیان فقتلوه.
ثم إن ابن سعود أرسل عبد العزیز بن محمد، لیأتی بقتلة ابن عدران، تعسر علیه ذلک، ثم غزاه عبد اللّه بن سعود، فلما قرب من بریدة خرج منها عبد العزیز متوجها إلی مکة، فلحقهم محمد بن فیصل بسریة بالنعائم فقتلهم سنة 1277 ه فبقیت الإمارة نحو عشر سنین [...] إلی أن اختل نظام آل سعود بعد وقعة جودة و وقعة البرّة سنة 1288 ه، ثم تأمّر مهنا و قتل فی صفر سنة 1292 ه و قتل قاتلوه من یومهم [5].
ثم تأمر حسن و لم یزل أمیرا إلی یوم الملیدا سنة 38 ه، فأخذ ابن رشید حسنا و حبسه فی حائل إلی أن مات و لم یزل یؤمر فیها ابن رشید
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 199
أمیرا من قبله إلی أن أخذها منه ابن سعود عبد اللّه بن ضفیة تولی قضاء بریدة فی أول إمارة عبد العزیز بن محمد و أقام قاضیا نحو عشر سنین، و هو من تلامذة قرناس و لما مات تولی قضاءها سلیمان بن علی بن مقبل أصله من خوب بریدة، أکثر أخذه عن الشیخ قرناس، و أخذ عن الشیخ عبد اللّه أبا بطین و رحل إلی الشام، و أخذ عن علماءها و کان فقیها ذا و قار مسددا فی أحکامه، و طالت مدته فی القضاء، و رحل ثانیا إلی الشام و عزل عن القضاء سنة [...] و ولّی الشیخ محمد بن عبد اللّه بن سلیم ثم عزل ابن سلیم و أعید ابن مقبل، ثم عزل ابن مقبل و أعید ابن سلیم ثم عزل ابن سلیم و أعید ابن مقبل و استمر إلی سنة 1296 ه فعزل نفسه لکبر سنه، و حج و جاور فی مکة سنة و حج من قابل و رجع إلی وطنه فسکن خب البصر إلی أن مات هناک سنة 1304 ه.
الشیخ إبراهیم بن عجلان أصله من العیون عیون الحواء أول طلبه العلم علی الشیخ سلیمان بن مقبل و رحل إلی بغداد و أخذ عن علمائها، و کل تحصیله فی النحو و الفرائض و له ید فی الفقه، و کان ورعا، و لم یتولّ منصبا و کان کثیر الحج، و کان الحجاج یرجعون إلیه فیما یشکل علیهم، و أشهر من أخذ عنه الشیخ إبراهیم بن جاسر و مات سنة [...] .
محمد بن عمر بن سلیم نشأ فی بریدة، و أخذ عن الشیخ سلیمان بن مقبل ثم علی الشیخ عبد اللّه أبا بطین، و رحل إلی الریاض مرارا، و أخذ عن الشیخ عبد الرحمن بن حسن و ابنه عبد اللطیف و غیرهما من مشایخها.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 200
و کان هو و ابن عمه محمد بن عمر متقاربین فی السن مشترکین غالبا فی طلب العلم و کان هو أجود بتحصیله، تولی قضاء بریدة مرتین فی خلال ولایة سلیمان بن مقبل، و تولاه ثالثا مفتتح سنة 1299 ه و استمر قاضیا مدرسا إلی أن عزل فی آخر سنة 1318 ه عزله ابن رشید و نفاه إلی النبهانیة، و أقام فیها سنتین، ثم انتقل إلی البکیریة، و أقام فیها سنة، ثم أعید إلی قضاء بریدة سنة 1322 ه لما تولی عبد العزیز بن سعود علی القصیم، ثم عزل عنه سنة 1324 ه، و مات فی ذی القعدة من تلک السنة، و کان جید الحفظ قویا فی تنفیذ أحکامه.
و من أشهر الآخذین عنه الشیخ صالح بن قرناس، و الشیخ عبد العزیز بن مانع، و الشیخ صالح بن عثمان القاضی، و الشیخ إبراهیم الضویان، و ابن جاسر، و الشیخ عبد اللّه بن مانع، و ابناه عبد اللّه و عمر، و غیرهم عثمان بن منصور التمیمی ثم العمری ثم الناصری السدیری، نشأ بسدیر و أخذ عن مشایخها، و رحل إلی العراق، و أخذ عن علماء بغداد و البصرة [6] و الزبیر ثم رجع إلی وطنه و تولّی قضاء سدیر ثم تولی قضاء حائل نحو أربع سنین، ثم عزل بسبب خلاف وقع بین الأمیر طلال و أهل قفار وهم تمیمیّون، و کان ضلع القاضی معهم فعزله طلال ثم رجع إلی سدیر و سکن روضة سدیر إلی أن مات بها سنة 1282 ه و کان فقیها یکتب جیدا، و حصّل کتبا بالنسخ و الشراء، و بعد موته حملت إلی الریاض و بیعت بأغلی ثمن، و وجدت فیها قصیدة مظهر بها یمدح بها داود بن جرجیس البغدادی فردّ علیها مشایخ الریاض، و بعد موته بسنین ظهر کتاب فی بریدة عنوانه: «کشف الغمّة فی الرد علی من کفّر هذه الأمة»، و زعم من وجد عنده الکتاب أنه تصنیف ابن منصور، فأخذه الشیخ محمد بن
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 201
عمر بن سلیم فاستصحبه معه إلی الریاض آخر سفرة سافرها إلی الریاض سنة 1291 ه، فرد علیه الشیخ عبد اللطیف ردّا سمّاه «مصباح الظلام فی الرد علی منتقص شیخ الإسلام».
محمد بن عبد اللّه بن حمید السبیعی، ثم ولد فی عنیزة و نشأ بها، و أخذ عن أبا بطین و رحل إلی الأمصار، و طاف البلاد: الحجاز و الیمن و الشام و مصر و غیرها، و أخذ عن علماء هذه الأقطار، و کان فقیها ذکیا جید الحفظ، و استوطن مکة و نام فی حطیم الحنابلة و درس فی الحرم و صار مفتی الحنابلة بمکة، و صنّف ذیلا علی طبقات ابن رجب مرتّبا علی حروف المعجم سمّاه «السّحب الوابلة علی ضرائح الحنابلة»، و لم یزل فی وظائفه إلی أن مات سنة 1295 ه.
عبد اللّه بن سلیمان بن سعود بن بلیهد الخالدی کان جده سعود له مشارکة فی العلم و یکتب وسطا و خلّف کتبا بخط یده، و کان ابنه سلیمان ینتصب إماما فی قری القصیم الشمالیة مرة فی الشقة و مرة فی القرعاء و مرة فی الشیحیة، و نشأ عبد اللّه فی الشقة، و أول طلبه علی ابن دخیل فی المذنب ثم أخذ قلیلا عن الشیخ محمد بن عبد اللّه بن سلیم و أکثر تحصیله من مطالعة الکتب، و تولی قضاء الرس سنة 1327 ه، ثم ضم إلیه قضاء أعالی القصیم سنة 1330 ه.
صالح بن عثمان آل عرف من آل عقیل من أهل عنیزة، نشأ فی عنیزة و أخذ العلم أبا بطین و غیره، و کان أعمی جید الحفظ، و کان إماما فی المسوکف الرس.
أول من بنی الرس الموجود الآن آل صقیة من الوهبة فی حدود
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 202
900 ه بعد ما جلوا من أشیقر و أقاموا فیه مدة ثم اشتراه منهم آل أبی الحصین و لم یزالوا فیه إلی الآن، و قد یحصل بعض النزاعات بین أفخاذهم [10].
و کان أمیرهم فی حدود سنة 1180 ه سعد بن عبد اللّه بن شارخ المشهور بالدهلاوی کان شجاعا یغزو بعض القبائل البدویة و جرت بینه و بین آل جلاس من الرولة حروب و محاصرات قتل هو فی آخرها و لما أرسل سعدون بن عریعر الخالدی إلی أمراء القصیم فی قتل مطاوعتهم، و یکون ذلک دلیلا علی إخلاصهم له، أبی سعد أن یقتل مطوعة، و امتنع من طاعة سعدون، و کان مطوعه إذ ذاک شخص یعرف بالسعلوء، و کان ممن امتنع من طاعته حجیلان أمیر بریدة، فحاصره سعدون، فأغار سعد علی غنم لجیش سعدون عند الشبیبة، و لما صار الحصار علی حجیلان فی بریدة أمذه سعد بنحو سبعین رجلا من قومه و ملح بارود، و لما قتل سعد تأمّر ابن عمه شارخ بن موزان بن شارخ، و کان من فرسان العرب، و کان القاضی فی أیامه عبد العزیز بن رشید الحصینی، و استمر أمیرا إلی أن أقبل علیهم إبراهیم باشا سنة 1232 ه، عزله ابن سعود و حبسه، و أمّر منصور بن عساف.
و لمّا جاءهم إبراهیم باشا حاصرهم، و کان ابن سعود ترک عندهم حامیة، و استمر الحصار أربعة أشهر، فنفدت أزوادهم، و راسلوا ابن سعود لیمدهم، و لم یمدهم فاضطروا إلی التسلیم، و کان إبراهیم باشا قطع نخیلهم و بنی بجزوعها بروجا تشرف علی البلد لیتمکن من زوم من بالبلد، و لما سلموا و دخل إبراهیم الرس ولّی الشیخ قرناس قضاء الرس، و کان قاضیهم قبله عبد العزیز بن رشید شاخ و کبر، و لم یلبث إلّا قلیلا و مات
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 203
تلک السنة، و کان الأمیر منصور وقت تسلیم الرس جریحا، و بعدما برأ ذهب إلی ضریة و مسکة، و أقام هناک إلی أن انزاحت العساکر المصریة، و تولی ترکی بن عبد اللّه فرجع إلی إمارة الرس، و کانت فی غیبته غیر منظمة، استمر أمیرا إلی أن جاءت العساکر سنة 1253 ه و کان قد کبر و کف بصره، فاعتزل الإمارة، و بقیت الإمارة مدة طویلة غیر منتظمة، تتداولها بطون آل أبی الحصین.
و أو من استقر له الأمر حسین بن عساف بن سیف بن منصور المتقدم الأمیر الحالی من سنة 138 ه

ملحقات الرس‌

منها الرویضة و هی علی حافة وادی الرمة الجنوبیة، و هی شمالی الرس بینها نحو ساعة، فیها نخل و مزارع تصلی فیها الجمعة.
و منها الباطن و هو قصور علی حافة بطن الرمة الجنوبیة علی طول السوادر من الرویضة إلی قصور ابن بطّاح [11] من فوق قصر ابن عقیل و قریته الجامعة مشرفة المعروف بقصر ابن عقیل.
و منها الشنانة قبله عن الرس ساعة و نصف، و هی قصور و نخل و مزارع علی وادی یأتی من جنوب یصب فی وادی الرمة و ما یلی منها نحو ساعة و نصف، و کانت عامرة تصلی فیها جمعتان إلی أن نزلها عبد العزیز بن متعب الرشید سنة 1322 ه و أقام علیها شهرین، و قطع نخلها و تفرّق أهلها، فخربت و بعدما رکدت الأمور عادوا إلیها و شرعوا یغرسون فیها من جدید.
و منها الرسیس و هو قصر و آبار و مزارع فی وادی الرسیس قبلة عن
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 204
الشنانة یبعد عنها نحو ساعة و نصف یسکن حینا و یترک حینا، و علی وادی الرسیس أسفل من هذا القصر نحو ساعة قریة جامعة تسمی القوعی یتبع للرس.
و منها الجریدة و هی قریّة شمال وادی الرمة تبعد عن شرفة قدر ساعتین و حولها آثار عمارات قدیمة واثل و طرفاء.
ولد قرناس تقریبا قبل سنة 1190 ه بصبیح و نشأ بالرس و تربی فیه، ابتدأ الطلب علی عبد العزیز بن رشید قاضی الرس، ثم علی عبد العزیز بن سویلم قاضی بریدة و رحل إلی الدرعیة إلی سنة 1216 ه و أخذ عن البار البسام محمد و غیرهم من مشایخ الدرعیة و لم یزل یتردد إلی الرویم إلی سنة 1222 ه، و فیها توظف فی قلعة المدینة المنورة إماما [...] و قاضیا لحامیة ابن سعود التی فیها إلی أن خرجوا منها سنة 1227 ه، و فیها ولی قضاء الخبراء و لم تطل مدته فیه و رجع إلی الرس و لم یزل فیها إلی أن أخذها إبراهیم باشا فولاه قضاءها و لم یزل علی ذلک إلی أن بلغه تسفیر إبراهیم باشا آل سعود و آل الشیخ، و توجه إلی القصیم استراب منه و انحاز إلی النبهانیة، فکان یأوی إلیها لیلا و یظل نهاره فی غار إلی جنبها فی أبان الأسود یعرف الآن بغار قرناس، و لم یزل کذلک إلی أن سافر الباشا، و غالب عسکره فرجع إلی وطنه فصار قاضیا علی القصیم کله، إلی أن تولی فیصل، فولّی أبا بطین قضاء عنیزة.
و انفصلت بریدة أیضا علی ولایته تولی قضاءها عبد اللّه بن صقیه تلمیذ قرناس و من بعده سلیمان بن علی بن مقبل من تلامذته أیضا،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 205
و استمر علی قضاء الرس و ملحقاته إلی أن توفی سنة 1262 ه أخذ عنه العلم جملة: منهم عبد اللّه بن صقیة، و سلیمان المتقدم ذکرهما، و الشیخ عبد اللّه بن عبد الرحمن الخلیفی تولی قضاء البکریة و الخبراء، و ابنه محمد بن قرناس و غیرهم، و کان یکتب [12] کتابة حسنة، و نسخ بیده عدة کتب، و ترک من الأولاد، و کان له فراسة قویة فی استخراج الحقوق، و کان صلبا فی الدین قویّا فی تنفیذ الأحکام، و انتشر صیته لانفراده أخیرا بعد أقرانه، و تولی بعده قضاء الرس ابنه محمد إلی أن توفی سنة 1276 ه، ثم تولی بعده أخوه صالح بن قرناس ولد صالح بن قرناس سنة 1253 ه بالرس، و نشأ فیه و قرأ القرآن، و ابتدأ طلب العلم علی أخیه محمد بالرس، و أکثر طلبه فی عنیزة علی الشیخ علی بن محمد قاضی عنیزة، و الشیخ علی بن سالم بن جلیدان، و الشیخ صالح بن عثمان العرف و غیرهم.
و فی بریدة علی الشیخ سلیمان بن علی بن مقبل، و الشیخ محمد بن عبد اللّه بن سلیم، و رحل إلی الریاض سنة 1282 ه و أخذ عن الشیخ عبد الرحمن بن حسن، و ابنه عبد اللطیف و الشیخ عبد الرحمن بن بشر، و الشیخ عبد العزیز المرشد، و کان إذ ذاک قاضیا فی الریاض و غیرهم، تولی قضاء الرس بعد موت أخیه، و استمر قاضیا إلی سنة 1326 ه.
و فی خلال هذه المدة تولی قضاء عنیزة مرتین، و قضاء بریدة کذلک مرتین، و کلها تنتسب علی قضاء الرس تلمیذه الشیخ إبراهیم بن محمد الضویان ، و کان مولعا بکتب ابن رجب و ابن القیم یستنسخها و یشتریها
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 206
ما استطاع، و یحب المجالس الوعظیة، و کانت فتاواه غیر محررة، و کف بصره أخیرا فاختلط. خزانة التواریخ النجدیة ؛ ج‌5 ؛ ص206
خبراء: أول من أسسها آل عفالق و هم من قحطان و إلی الآن فیهم أهلها، و لم تزل الخبراء فی ازدیاد و إقبال، و سیاهها عذبة إلی أن قتلوا مطوعهم منصور أبا الخیل قتله المطاوعة سنة 1194 ه ملحت میاه آبارهم فضعف فلاحتها من ملوحة مائها، فخرج أکثر فلاحیها و بدعوا لهم آبارا و قصوا خارج الخبراء تعرف الآن بریاض. الخبراء علی حافة وادی الرمة من شمال، و الریاض منقادة منها إلی یمین القلبة قلیلا مسیرة ثلاث ساعات و کلها قصور و نخیل و مزارع، و فی الریاض منزلتان تصلی فی کل واحدة منهما جمعة.
الشیخ قرناس بن عبد الرحمن بن قرناس بن حمد بن علی بن محمد بن الحصین من آل محفوظ من العجمان، ولد لمحمد بن الحصین أربعة أولاد، علی و حمد و شارخ و مغتر.
حسین بن عساف بن سیف بن منصور کان أمیرا علی الرس فی أیام إبراهیم باشا.
ابن حواس بن عساف من آل حمد الشیخ قرناس هو أول من انخرط فی سلک طلبة من آل رشید یعرفون بالمطاوعة و هم و آل عفیسان و آل قرناس کلهم من آل علی و آل عساف الأمراء و آل حمید و آل عواجی، و آل حواس کلهم من آل حمد السباع و الشوارخ من آل شارخ، و آل إبراهیم و الغفالی من آل مغتر ابن بطّاح [13].
مسافة عنیزة عن الرس و صبیح عن الرس و دخنة عن الرس و الداث
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 207
عن الرس سواء، و دخنة تبعد من البوادی جنوبا إلی الرس، الحتمان سواء متجاذیتان، یقال لهما القشیعان، و عنه شرقا إلی الجنوب قارة بیضاء تسمی العبید و شرق العبید حسیان تسمی العاقلی فی بطن وادی النسا و هو واد أعلاه من ناحیة دخنة، و یصب فی وادی السرو من عند الحجناوی و هو قصور علی البدائع، و شرقا إلی الجنوب عن الرس علی نحو أربع ساعات و أمتان، واحدهما شرقی الأخری سات عن الرس مثل عنیزة أو أبعد تقریبا، و هو إلی الشمال، و فی الطریق من الرس إلیه وادی القرین، و القرین أکمة سوداء تترکها عن یسارک و أنت ذاهب إلی ساق ثم تأتی و هو أکمل صغار، و شمالیها أکمة من دون ساق من طریق صبیح من الرس قصور و نخل الهبتم ثم الجریدة غرس عنها موضع یسمی العقل فیه عیون جاریة و آثار بنیان و سواقی [...] و بعد الجریدة العضیات و هو هضاب، ثم حمراء الصبیح من أفخاذ آل أبی الحصین الموجودین الآن آل حمد، و هم آل عساف و العواجی و العملة.
و منها آل علی و هم آل قرناس و آل رشید و آل عفسان، و یقال: إن الطولان منهم، و منها آل شارخ و هم آل فوزان و آل مغیز و آل عبد اللّه [...] منهم الدهلاوی و آل سلیمان بن شارخ ذریته العقالی، و آل إبراهیم تغیب الشمس عن أهل الرس وقت الاعتدال علی أبان الأسود تارکة ثلثه شمالا و ثلثه جنوبا و مغیبها و انتهاؤها فی الشتاء علی أبان الأحمر تقصر عن راسین من طویله و تغیب عند انتهائها شمالا فی الصیف علی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌5، ص: 208
أیمن حمر صبیح الهلالیة شمالی الخبراء أقدم منها بینهما جبل رمل تبعد عنها ساعة، و أهلها الآن آل أبو غنام من سبیع أهل عنیزة البکیریة [...] أربع آبار لآل بکر من أهل عنیزة اشتراهن منهم العریمات من سبیع، و کانوا قبل أن یشتروها یسکنون الضلفعة، فلما اشتروها أرادوا أن یبنوا بها قصرا و معهم أهل الهلالیة، و لما نزل عبد العزیز بن سعود الهلالیة و نهبها، و شتت شمل أهلها [...] العرینات هذه الفرصة، و بنوا لهم قصرا و لم یرحل ابن سعود من الهلالیة إلّا و قد کملوا قصرهم و حضره و لم یزل ینضم إلیهم من یبنی عندهم و تغرس فیها النخل و تکبر إلی أن صارت [...] هی شمال الهلالیة بنحو ساعة.
انتهی بقلم الفقیر إلی ربه سلیمان بن صالح بن حمد بن محمد بن بسام سنة 1314 ه.
هکذا وجدناه بخط الشیخ سلیمان، و الذی یظهر لنا أنه إملاء الشیخ إبراهیم بن ضویان و لعله مشترک بین النسختین سلیمان البسام و الشیخ إبراهیم بن ضویان. انتهی (المحقق).

[الجلد السادس]

اشارة

خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 5

مختصر عنوان المجد فی تاریخ نجد

اشارة

اختصار کل من:
1- المؤلف الشیخ عثمان بن بشر
2- الشیخ إبراهیم بن محمد آل عنیق
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 7

ترجمة المؤرخ الشیخ عثمان بن عبد اللّه بن عثمان بن بشر (1210 ه- 1290 ه)

اشارة

الشیخ عثمان بن عبد اللّه بن عثمان بن أحمد بن بشر الحرقوصی، و آل حرقوص فخذ من آل عید أحد بطون بنی زید، و هذا البطن یشمل البوارید و الحراقیص و غیرهما، و یتفرع عنهم أفخاذ و عشائر معروفة، و بنو زید هم من قضاعة أحد الشعوب القحطانیة.
فالمترجّم من آل حرقوص ثم من آل عید ثم من بنی زید القبیلة انقضاعیة القحطانیة، و بنو زید مفرقون فی بلدان نجد إلّا أن أصلهم و مرجعهم فی شقراء عاصمة بلدان الوشم.
قال الشیخ إبراهیم بن عیسی: (ذکر لی محمد بن عثمان بن بشر ساکن بلد جلاجل عن أبیه أن أقرب من لهم من بنی زید آل معیقل أهل الخرج). ا ه.
ولد المترجّم سنة 1210 ه فی بلدة جلاجل، إحدی بلدان مقاطعة سدیر، فهی بلده و بلد عشیرته، و قد توفی والده فی جلاجل عام 1215 ه و نشأ فیها و تعلّم مبادی‌ء الکتابة و القراءة، ثم انتقل إلی الدرعیة حوالی سنة 1224 ه فتلقی العلم عن علمائها، و منهم:
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 8
1- الشیخ إبراهیم ابن الشیخ محمد بن عبد الوهاب، قرأ علیه فی صغره کتاب التوحید سنة 1224 ه.
2- الشیخ علی بن یحیی بن ساعد، قاضی الإمام سعود علی سدیر.
3- الشیخ إبراهیم بن سیف، قاضی الإمام عبد اللّه بن سعود علی الوشم، و قاضی الإمام ترکی علی الریاض.
4- الشیخ عثمان بن منصور، قاضی الإمام فیصل علی بلدان سدیر.
5- الشیخ عبد الکریم بن معیقل، امتنع عن القضاء و ولی إمارة ناحیة القصیم.
6- الشیخ غنیم بن سیف، قاضی الإمام سعود علی عنیزة.
قرأ علی هؤلاء حتی أدرک، و لکن صار اتجاهه إلی التاریخ لا سیما تاریخ نجد، و قد عاش فی عهد الدولتین لآل سعود الأولی ثم الثانیة التی جددها الإمام ترکی، و فی عهد الإمامین ترکی و فیصل بانت شهرته، فتوطدت العلاقة بینه و بین هذین الإمامین.
و قد ألّف کتبا کثیرة منها:
1- کتاب عن الخیل سماه (سهیل فی ذکر الخیل) .
2- «الإشارة فی معرفة منازل السبع السیارة»
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 9
3- بغیة الحاسب.
4- الخصائص و مبدأ النقائص فی الطفیلیین و الثقلاء.
5- فهرس طبقات ابن رجب علی حروف المعجم.
6- عنوان المجد فی تاریخ نجد، و هذا التاریخ هو من أنفس و أجمع و أوثق و أعدل ما صنف من تواریخ نجد.
و الأستاذ حمد الجاسر قد أخذ علی المترجم أنه نقل فی تاریخه کثیرا مما ذکره ابن غنام و الفاخری فی تاریخیهما و مع هذا لم یشر إلی ذلک، إلّا أن الأستاذ حمد الجاسر قال عن مؤلفه عنوان المجد: (إن عنوان المجد هو خیر کتاب ألّف فی موضوعه علی ما فیه). ا ه.
و لکن یذکر الشیخ ابن عیسی أن تاریخ ابن بشر منقول من تاریخ حمد بن لعبون، بل هو بعینه، فاللّه أعلم بما یقول.
و الکتاب طبع عدة طبعات متداولات، فلیس بحاجة إلی أن نصفه للقراء، و مع هذا فإن الدکتور عبد العزیز الخویطر کتب رسالة عن تاریخ ابن بشر، و حلّله و بیّن ما له و ما علیه، إلّا أن لی کلمة عن الکتاب عنوان المجد:
و هی أنه طبع عدة طبعات، و کلها تعتمد علی الطبعة التی طبعت فی المطبعة السلفیة فی مکة المکرمة علی نفقة قتلان و نصیف، و النسخة التی طبعا علیها جاءتهما من رئیس قضاة مکة المکرمة الشیخ عبد اللّه بن بلیهد، و سألت عنها الذین اطلعوا علیها هل هی قدیمة الخط أم حدیثة؟ فقالوا: إنها قدیمة، کما یوجد لها نظائر مخطوطات فی نجد، و منها نسخة عند حفید ابنه و هو محمد بن عثمان بن أحمد ابن المؤرخ عثمان، و یقیم فی مدینة بریدة، مما یؤکد أنها حین الطبع کانت کاملة لم یحذف منها شی‌ء.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 10
ثم عثرت وزارة المعارف علی نسخة فی المتحف البریطانی فی لندن فیها زیادة أخبار لم تذکر فی النسخة الأولی، و لکنها ناقصة فکملتها وزارة المعارف من الأولی، و طبعتها و هذه أوفی من التی قبلها.
و قد اطلعت علی نسختین خطیتین واحدة کاملة و الأخری مخرومة، و فیهما زیادات علی الطبعات کلها، فالکاملة فی الزبیر و الناقصة بقلم الشیخ إبراهیم بن صالح بن عیسی، و ختم المؤلف النسخة الکاملة بقوله: (کما ستقف علیه إن شاء اللّه مفصلا فی الجزء الثالث بعد هذا الکتاب جعله اللّه خالصا لوجهه الکریم، قال مؤلفه: وافق الفراغ من تبییض هذا الکتاب فی شعبان من شهور عام 1270 ه). ا ه.
قال الشیخ إبراهیم بن عیسی فی آخر المخطوطة المخرومة: قال مؤلفه عثمان بن عبد اللّه بن بشر رحمه اللّه تعالی: (تم الکتاب و یتلوه إن شاء اللّه دخول سنة ثمان و ستین و مثتین و ألف، و لم أظفر بحوادث سنة 1268 ه فلا أدری هل هو کتب ذلک أم لا؟.
و قد قیل: إن ابن بشر المذکور ابتدأ یکتب ذلک، لکنه لم یبیضه، بل ترک المسودة و توفی و لم یظهرها للناس). ا ه. کلام ابن عیسی.

مختصرات عنوان المجد:

1- اختصره الشیخ محمد بن مانع و سلیمان الدخیل حینما کانا مقیمین ببغداد، و طبع الجزء الأول منه.
2- اختصره الشیخ إبراهیم بن محمد بن عبد الجبار بن موسی بن عتیق فقال فی مختصره: (إن الفقیر إلی رحمة ربه القدیر إبراهیم بن محمد بن عبد الجبار بن موسی بن عتیق نظر فی کتاب المصنف
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 11
عثمان بن عبد اللّه بن بشر فأراد أن ینتقی منه طرفا اختصارا، و یزید به مختصر المصنف ما لم یذکر فیه، و أن یجعل ما أراد ذکره من أوائل بعض السنین السابقة قبل سنی هذا الکتاب متحدة متوالیة، و هی التی نبه علیها المؤلف بقوله سابقة). ا ه.
3- مختصر للمؤلف، و لکنه لم یشر فی المقدمة إلی أنه أراد الاختصار، و إنما الناسخ قال فی آخر ما وجد منه بعد وفاة الإمام سعود: (و هذا آخر ما وجدت من مختصر المصنف عثمان بن عبد اللّه بن بشر الذی اختصره من کتابه الذی سماه: عنوان المجد فی تاریخ نجد). ا ه.
وفاته:
قال الشیخ إبراهیم بن عیسی: (و فی التاسع عشر من جمادی الآخرة عام 1290 ه توفی الشیخ عثمان بن عبد اللّه بن عثمان بن أحمد بن بشر فی بلد جلاجل، رحمه اللّه تعالی). ا ه.
عقبه:
تقدم أن الشیخ عثمان بن عبد اللّه بن عثمان بن أحمد بن بشر مقره و مقر أسرته بلدة جلاجل، و یوجد له أخ یقیم فی العراق، صاحب ثراء، و له عقار فی البصرة، و الزبیر، فتوفی و لم یخلف وارثا سوی أخیه الشیخ عثمان المؤرخ، فذهب إلی تلک العقارات فی البصرة و الزبیر ابناه عبد المحسن و ناصر، و سکنا بلد الزبیر، و توفی عبد المحسن فی الزبیر عام 1325 ه، و خلف ابنین هما: عثمان و یوسف، و توفیا هناک، و لهما أبناء و أحفاد بعضهم هناک و بعضهم جاء إلی الریاض و سکن فیها.
کما أن للشیخ عثمان ابنا آخر هو أحمد، و لأحمد ابنان هما عبد اللّه و عثمان.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 12
فأما عبد اللّه فله أبناء یقیمون الآن فی (عین ابن فهید) من قری الأسیاح (النباج).
و أما عثمان فهو طالب علم، و له قصائد یقولها فی مناسبات من رثاء عالم أو صدیق إلّا أنه شعر ضعیف، و قد ولی القضاء فی الأجفر ثم فی قری الأسیاح، و توفی سنة 1367 ه و له أبناء أربعة أشهرهم الشیخ عبد اللّه عضو محکمة التمییز فی الریاض، و الأستاذ محمد، و عندهم تاریخ جدهم مخطوط: و لکنه لا یزید عن الطبعة الأولی طبعة قتلان و نصیف، فلیس فیها زیادة فائدة.
و أبناء عثمان بن أحمد یقیمون فی عین ابن فهید مع أبناء عمهم عبد اللّه بن أحمد الذی تقدم، رحم اللّه الشیخ عثمان و بارک فی ذریته.
* و قد طلبت من فضیلة الشیخ عبد اللّه بن عثمان بن بشر أن یفیدنی عن أحوال و أخبار أسرته (آل بشر) منذ عهد المؤرخ الشیخ عثمان بن بشر صاحب التاریخ (عنوان المجد) فأجابنی مشکورا بهذه الفائدة التی فیها التفصیل الکافی و الشرح الوافی عن هذه الأسرة العلمیة الکریمة، فأوردها بنصها لتمام الفائدة عن الشیخ المؤرخ عثمان بن بشر، رحمه اللّه.
و الشیخ عبد اللّه حینما أفادنی کان رئیس محکمة مدینة عنیزة، و الآن هو أحد أعضاء محکمة التمییز لمنطقة الریاض و المنطقة الشرقیة.
و إلی القراء الأفاضل نص خطاب فضیلته:
صاحب الفضیلة الشیخ عبد اللّه بن عبد الرحمن البسام حفظه اللّه.
السلام علیکم و رحمة اللّه و برکاته، و بعد:
سبق أن طلبتم منا بعض المعلومات عن جدنا الشیخ أحمد بن
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 13
عثمان بن عبد اللّه البشر، و تلبیة لطلبکم أفید فضیلتکم أن للجد صاحب «عنوان المجد فی تاریخ نجد» الشیخ عثمان بن عبد اللّه بن أحمد البشر له أربعة أبناء، و هم عبد المحسن و ناصر و أحمد و محمد.
و کان له أخ قد انتقل من نجد إلی جهة البصرة و الزبیر کعادة أهل نجد سابقا و رزقه اللّه، و صار له أملاک عقاریة و نخیل، ثم توفی و لم یخلف ذریة، و ورثه أخوه الشیخ عثمان بن عبد اللّه، و فی بعض السنین ارتحل عبد المحسن و ناصر أبناء الشیخ عثمان المذکور من عند أبیهما فی جلاجل قاصدین البصرة التی فیها عقارات والدهم الموروثة من أخیه، و سکنا بلدة الزبیر و صارا من جملة سکانها، و هذا و اللّه أعلم أنه قبل عام 1280 ه ألف و مئتین و ثمانین، و بقیا هناک حتی توفیا، و لا زال بقایا ذریتهما فی بلدة الزبیر حتی الآن، و أکثرهم عادوا إلی نجد، و یوجدون الآن فی مدینة الریاض.
أما جدنا أحمد ابن الشیخ عثمان فقد سافر من عند والده فی جلاجل عام ألف و مئتین و واحد و ثمانین تقریبا 1281 ه مریدا اللحاق بأخویه عبد المحسن و ناصر حسب ما لمی إلینا و کان سفره عن طریق القصیم.
و بعد وصوله إلی قریة التنومة عاصمة الأسیاح قدیما طلب منه أمیر التنومة ابن فهید، و یظهر أن اسمه عبد العزیز أو عبد اللّه أن یکون إماما لهم حینما سمع تلاوته للقرآن و أعجبه صوته، فوافق علی ذلک، و أعلمه أنه لا یرغب الذهاب إلی العراق.
و لمّا عمرت عین ابن فهید التی هی عاصمة الأسیاح حالیا انتقل إلیها، و صار إماما و خطیبا للمسجد الجامع فیها و معلمّا حتی توفی سنة 1340 ه رحمه اللّه.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 14
أما الابن الرابع لشیخ عثمان بن عبد اللّه الذی هو محمد، فبقی لدی والده الشیخ عثمان المؤرخ حتی توفی والده عام 1290 ه و بعد وفاة والده التحق بإخوانه الذین فی الزبیر، و ذریته الآن فی الکویت أهل محلات و بیع و شراء.
کما نحیطکم علما أن آل البشر بعد انتقالهم من بلد شقراء سکنوا بلدة عودة سدیر، و تملکوا هناک، و من عودة سدیر إلی بلدة جلاجل فی سدیر، بدلیل أن الشیخ المؤرخ عثمان ذکر فی وصیته أنه نقل أوقاف أجداده من عودة سدیر إلی جلاجل، و یوجد الآن ملک و نخیل بعودة سدیر یسمی ملک البشر.
أما الوالد رحمه اللّه الشیخ عثمان بن أحمد بن عثمان المؤرخ، فقد حبب إلیه طلب العلم فی صغره، و حفظ القرآن عن ظهر قلب، و رحل إلی مدینة الریاض لطلب العلم، و الظاهر أنه قرأ علی الشیخ عبد اللّه بن عبد اللطیف رحمه اللّه أقل من سنة، ثم عاد إلی والده بالأسیاح بناء علی طلب والده بعد ما استشار الشیخ عبد اللّه رحمه اللّه، و أشار علیه بتلبیة طلب والده، ثم رحل إلی الشیخ صالح بن سالم بن بنیان رحمه اللّه فی حائل، و ذلک و اللّه أعلم أنه فی حدود عام 1330 ه تقریبا.
ثم صارت قراءته علی الشیخین الفاضلین عبد اللّه و عمر ابنی الشیخ محمد بن سلیم، حتی تعین فی بلدة الأجفر فی منطقة حائل سنة 1341 ه إماما و معلما و خطیبا للجامع لدیهم، و کذلک کان یقضی بینهم، و ذلک بأمر الشیخ عبد اللّه بن سلیم رحمه اللّه، و أمیر بریدة آنذاک عبد العزیز بن مساعد بن جلوی رحمه اللّه.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 15

أخلاقه و سیرته رحمه اللّه:

کان رحمه اللّه یتخلّق بالأخلاق الفاضلة، و یترفع عن الأخلاق الردیئة، و کان یحب العلم و أهله، و یحزن لموت العلماء، و یتأثر غایة التأثر، و کان لا یتکلم إلّا بخیر، و یبغض الغیبة و النمیمة و أهلها، و یحب الإصلاح بین المتشاقین، و یبذل غایة جهده فی ذلک.
و کان لا یقوم من المجلس الذی هو فیه إلّا بعد قراءة کتاب من کتب أهل العلم و لا سیما کتب شیخ الإسلام ابن تیمیة رحمه اللّه و تلمیذه ابن القیم رحمه اللّه، فإن لم یکن معه کتاب قرأ آیات من القرآن.
و کان له هیبة و وقار عند مجالسیه، مع لین أخلاقه و دماثتها.
و کان رحمه اللّه آمرا بالمعروف ناهیا عن المنکر، و یحب الضعیف و یساعده بما یقدر علیه.
و کان رحمه اللّه زاهدا ورعا متعففا.
و فی بعض السنین أرسل له الملک سعود رحمه اللّه- لما کان ولی عهد- عادته السنویة، فوجد معها زیادة مائة و خمسین ریال، فکتب لولی العهد یخبره أنه وجد مائة و خمسین ریال زیادة علی عادته السنویة، فکتب له سعود رحمه اللّه أن هذا حصل خطأ، و سامحین لک فیه.
و کان رحمه اللّه یقرأ کل لیلة آخر اللیل أربعة أجزاء من القرآن فی قیام اللیل، و یصلی إحدی عشرة رکعة حضرا و سفرا حتی توفاه اللّه، و لا یخرج بعد صلاة الفجر من المسجد حتی یصلی صلاة الضحی، و یصوم من کل شهر ثلاثة أیام دواما، و ستة أیام من شوال دواما، و تسع ذی الحجة دواما ما لم یکن حاجا، و عاشر محرم مع یوم قبله أو بعده.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 16
و کان له عدة تلامیذ، منهم: عقیل بن جزاع الشمری، و کان عقیل فرضیا، و منهم: سویلم بن مناع الشمری، و منهم: الشیخ عبید بن ثنیان الشمری، الذی تولی عدة مناصب قضائیة، و منهم: عبد المحسن بن مطیر الشمری إمام و خطیب جامع قریة الکهفیة حالیا، و منهم: صائل بن علیف الشمری، و منهم عبد الوهاب بن مهیزل الشمری، و منهم: شامی الرزنی الشمری، و منهم: راضی بن عقاب الشمری، و منهم: فضیلة الشیخ عبد اللّه الخلیفی أحد أئمة الحرم المکی، قرأ علیه القرآن، و منهم: سعود بن سلمان الشمری، و منهم: فهید بن فهد الفهید، و زید بن محمد الرعوجی الفهید، و منهم: إبراهیم بن عبد العزیز الجاسر و غیرهم.
و کانت وفاته رحمه اللّه آخر شهر ذی الحجة عام 1367 ه بعد مرجعه من الحج حیث أصیب فی مرض و هو فی مکة المکرمة.
هذا ما تیسّر تحریره، قاله و أملاه الفقیر إلی عفو ربه تعالی عبد اللّه بن عثمان البشر، و کتبه من إملائه عبد اللّه بن منصور الجطیلی تحریرا فی الیوم الثامن عشر من شهر ذی القعدة لعام 1409 ه و صلّی اللّه و سلّم علی نبینا محمد و علی آله و صحبه أجمعین.
عبد اللّه بن عثمان البشر
***
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 17

ترجمة المؤرخ الشیخ إبراهیم بن محمد بن عبد الجبار بن عنّیق (کان حیّا سنة 1283 ه)

اشارة

الشیخ إبراهیم بن محمد بن عبد الجبار بن موسی بن عنّیق- تصغیر عناق- و أسرة آل عنیق من آل عسکر بن بسام بن عقبة بن ریس بن زاخر بن محمد بن علوی بن وهیب، فهم من آل عساکر ثم من آل محمد الذین هم أحد بطنی قبیلة الوهبة من بنی حنظلة بن مالک بن زید بن مناة بن تمیم.
هذا نسبهم، و ظهر منهم طائفة من العلماء، منهم الفقیه الشیخ محمد بن عبد اللّه بن عنّیق، و قد رأیت له إجابات سدیدة علی أجوبة فقهیة عدیدة.
أما بلدهم فکانت أشیقر، موطن الوهبة عامة، ثم انتقلت أسرة المترجم إلی بلد التّویم، أحد بلدان سدیر، فولد فیه، و تعلّم فیه مبادی‌ء العلوم، ثم شرع فی طلب العلم، حتی عدّ من أهله، و صار إمام جامع بلد التویم، و قد اختصر (عنوان المجد فی تاریخ نجد)، و سأنقل هنا مقدمة مختصره لتظهر صفة عمله فیه، قال:
ثم إن الفقیر إبراهیم بن محمد بن عبد الجبار بن موسی بن عنّیق نظر فی الکتاب الذی صنفه عثمان بن بشر، و أراد أن ینتقی منه طرفا اختصارا
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 18
یزین به مختصر المصنف مما لم یذکره فیه، و أن یجعل ما أراد ذکره من أوائل بعض السنین السابقة قبل سنی هذا الکتاب متحدة متوالیة، و هی التی نبه المصنف علیها بقوله- سابقة-). ا ه. کلامه.
قلت: إلّا أن ما اطلعت علیه من هذا المختصر انتهی بنهایة عام 1237 ه، ثم قفز بحادثة واحدة وقعت عام 1283 ه، و من المعلوم أنه لم یصل إلیها ابن بشر فی کتابه الذی بین أیدینا، و المختصر لم یختم بما یدل علی نهایته.
و بهذا نعرف أن المترجم کان علی قید الحیاة حتی عام 1283 ه، و لا أعلم کم عاش بعدها. رحمه اللّه تعالی.
***
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 19
بسم اللّه الرّحمن الرّحیم‌

المقدمة

هذا التاریخ هو مختصر من تاریخ الشیخ عثمان بن بشر «عنوان المجد فی تاریخ نجد».
و هو مختصر، و إن لم یأت بشی‌ء جدید عن الأصل، فنحن ننشره إکمالا لحلقة ما نعثر علیه من تواریخ نجد علی أی صفة وجدت.
و صاحبا هذا المختصر لکل منهما ترجمة فی «علماء نجد» و فیها بعض الإشارة إلی هذا المختصر، و ما یحتوی علیه، و اللّه الموفق.
المحقق
عبد اللّه بن عبد الرّحمن آل بسّام
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 21
بسم اللّه الرّحمن الرّحیم‌

أول الخطبة المقدمة من أول العنوان‌

الحمد للّه معز من أطاعه، و مذل من عصاه، الذی أرسل رسوله بالهدی و دین الحق لیظهره علی الدین کله علی رغم من عاداه، الذی جعل لهذه الأمة من یجدد لها دینها، و یحیی سنة نبیها، فینفذ الحق و یرعاه، و یجلی عن دینه درن الشرک و البدع المضلة و یحماه، و یقرر له التوحید و کلمة لا إله إلّا اللّه، فهو أول ما تدعوا إلیه الأنبیاء أممهم و لا تدعوا إلی شی‌ء قبله سواه، و لأجله أنزل اللّه تعالی: فَاقْتُلُوا الْمُشْرِکِینَ الَّذِینَ آمَنُوا وَ هاجَرُوا وَ جاهَدُوا.*
و أشهد أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شریک له لا رب سواه، و لا نعبد إلّا إیّاه، و أشهد أن محمدا عبده و رسوله الذی کمل به عقد النبوة، فلا نبی بعده، فطوبی لمن والاه و تولاه.
اللّهم صلّ علی سیدنا محمد و آله و أصحابه، الذین جاهدوا فی اللّه حق جهاده و کان هواهم تبعا لهداه.
و بعد: فالنفوس لم تزل تتشوق لأخبار الماضین، و تتشوق لأقوال الولاة المتقدمین و المتأخرین، و لم یزل أهل العلم یؤرخون وقایع الملوک و أخبارهم، و یبحثون أیامهم و أعصارهم.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 22
قال ابن الجوزی: قال الشعبی: لما أهبط اللّه آدم من الجنة و انتشر ولده، أرّخ بنوه من هبوط آدم، فکان ذلک التاریخ حتی بعث اللّه نوحا علیه السلام، فأرخوا من مبعث نوح، حتی کان الغرق، و کان التاریخ من الطوفان إلی إبراهیم علیه السلام، فلما أکثر ولد إبراهیم افترقوا، فأرخ بنو إسحاق من نار إبراهیم إلی مبعث یوسف علیه السلام، و من مبعث یوسف إلی مبعث موسی، و من مبعث موسی إلی ملک سلیمان، و من ملک سلیمان إلی مبعث عیسی، و من مبعث عیسی إلی مبعث رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم.
و أرخ بنو إسماعیل من نار إبراهیم إلی بناء البیت، و من بنیان البیت تفرقت مهد، و کانت للعرب أیام و أعلام یعدون منها، ثم أرخوا من موت کعب بن لؤی إلی عام الفیل.
و کان التاریخ من الفیل، حتی أرخ عمر بن الخطاب رضی اللّه عنه من الهجرة، و إنما أرخ بعد سبعة عشر سنة من مهاجر رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم، و ذلک أن أبا موسی الأشعری کتب إلی عمر أنه یأتینا منک کتب لیس لها تاریخ! قال فجمع عمر الناس للمشورة، فقال بعضهم: أرخ لمبعث رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم، و قال بعضهم: أرخ لمهاجر رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم، فإن مهاجره فرق بین الحق و الباطل.
و قال مرعی بن یوسف فی تاریخه: ثم قالوا- یعنی الصحابة-: بأی شی‌ء نبدأ فنصیره أول السنة؟ فقال بعضهم: رجب، و بعض قال: رمضان، و بعض قال: ذی الحجة، و بعض قال: الشهر الذی خرج فیه من مکة، و بعض قال: الشهر الذی قدم فیه المدینة، و قال عثمان رضی اللّه عنه: أرخوا من المحرم أول السنة، و هی شهر محرم، و أول الشهور فی العدة، و منصرف الناس من الحج، فأجمعوا علی ذلک.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 23
ثم إن هذا الدین الذی منّ اللّه به علی أهل نجد آخر هذا الزمان بعد ما کثر فیهم الجهل و الضلال، و الظلم و الجور و القتال، فجمعهم اللّه تعالی بعد الفرقة، و أعزهم بعد الذلة، و أغناهم بعد السبلة، و جعلهم إخوانا، فأمنت به السبل، و حیت السنة، و استنار التوحید بعد ما خفا و درس، و زال الشرک بعد ما رسی فی البلاد و غرس، و طفت نیران الظلم و الفتن، و رفعت مواد الفساد و المحن، و نشر رایة الجهاد علی أهل الجور و العناد، و کان فعلهم ذلک من یقول الشی‌ء کن فیکون وَ لَقَدْ کَتَبْنا فِی الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّکْرِ أَنَّ الْأَرْضَ یَرِثُها عِبادِیَ الصَّالِحُونَ [الأنبیاء: 105].
و ذلک بسبب من عمت برکة علمه العباد، و شید منار الشریعة فی البلاد، و قدوة الموحدین، و بقیة المجتهدین، و ناصر سید المرسلین، شیخ مشایخنا المتقدمین، الشیخ الأجل، و الکهف الأظل، محمد بن عبد الوهاب، أحله اللّه تعالی فسیح جنانه، و تغمده برحمته و رضوانه، فآواه بأن جعل عز الإسلام علی یدیه، و جاد بنفسه و ما لدیه، و لم یخش لوم اللائمین، و لا کید الأعداء المحاربین محمد بن سعود و بنوه، و من ساعدهم علی ذلک و ذووه، خلد ملکهم مدی الزمان، و أبقاه فی صالح عقبهم ما بقی الثقلان، فشمر فی نصرة الإسلام بالجهاد، و بذل الجد و الجهد و الاجتهاد، فقام فی عداوته الأکابر و الأصاغر، و جروا علیه المدافع و القنابر، فلم یثن عزمه ما فعل المبطلون، و جاء الحق و ظهر أمر اللّه و هم کارهون.
ثم إن نفسی لم تزل تتوق لمعرفة وقایعهم و أحوالهم، و صفة جیوشهم العرمرمیة و قتالهم، فإنهم هم الملوک الذین حازوا فضائل المفاخر، و ذل لهیبتهم کل عنید من باد و حاضر، ملؤوا هذه الجزیرة بإدمان سیف قهرهم، کما ملؤوها بسیل عدلهم و برهم، و استبشرت بهم الحرمان الشریفان.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 24
() صورة المخطوطة
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 25
حتی تضطرب ألیات نساء دوس علی ذی الخلصة»، فهدموه و أعدموه، و قرروا التوحید فی تبالة و بینوه.
فحقیق من هذه حالهم و فعالهم، أن یتشرف القرطاس بها و المداد، و أن تنشر فضائلهم فی البلاد بین العباد.
و اعلم أن أهل نجد و علماءهم القدیمین و الحدیثین لم یکن لهم عنایة بتاریخ أوطالهم، و لا من بناها و لا ما حدث فیها و سار إلیها إلّا نوادر یکتبها بعض علمائهم هی عنها أغنی لأنهم إذا ذکروا قتالا أو حادثة قالوا: فی هذه السنة جرت الواقعة الفلانیة، و لا یذکرون صفتها و لا موضعها، و نحن نعلم أن من زمن آدم إلی الیوم کله قتال، لکن نرید أن نعلم الحقیقة و السبب و ما یقع فیها من الغرایب و العجایب، و کل ذلک فی تاریخهم معدوم.
ثم إنی أردت أن أجمع مجموعا فی وقایع آل سعود و أئمتهم و أخبارهم، و لا وجدت من یخبرنی عنها أخبارا صدقا، و لا متقنا لها لا یقول إلّا حقّا، و الکذب آخر هذا الزمان غلب علی الناس، فلا تتجاسر أن تکتب کل ما نتلوه فی القرطاس، لأننا وجدناهم إذا سمعوا قولا و نقلوه من موضع إلی موضع زادوه و نقصوه، و اختلاق الکذب علیهم أغلب، و ذهبوا فیه کل مذهب، فنسأل اللّه العظیم أن یعصمنا من الزلل فی القول و العمل.
و إنی تتبعت من أرخ أیامهم، فلم أجد من یشفی الغلیل، و لا وجدت تصریحا لبیان الوقایع و مواضیعها یتداوی به العلیل، إلّا أننی وجدت لمحمد بن علی بن سلوم الفرضی الحنبلی إشارات لطیفة فی تتابع السنین، و رسم وقایع کل سنة بما لا یفید، و لا یحقق تحقیقها للوقایع و مواضیعها، ینتفع به المستفید.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 26
بلغ فی ترسماته إلی قرب موت عبد العزیز بن محمد بن سعود، ثم وجدت أیضا ترسیمات لغیره أحسن من رسمه، متصلة به.
فلما ظفرت بالسنین و معرفة الوقایع فیها، استخرت اللّه تعالی فی وضع هذا المجموع، و أخذت صفة الوقایع و المواضیع من أفواه رجال شاهدوها، و ما لم یدرکوه منها فعن من شاهدها نقلوها، و بذلت جهدا فی تحری الصدق، و لم أکتب إلّا ما یقع فی ظنی أنه الحق، من قول ثقة یغلب علی الظن صدقه عن صفة الوقایع و مواضیعها و غیر ذلک.
فمن وجد فی کتابی هذا زیادة أو نقصانا، أو تقدما أو تأخرا، فلیعلم الواقف علیه أنی لم أتعمد الکذب فیه، و إنما هو مما نقل لی و العهدة علی ناقلیه، و أثبت فی کتابی هذا بعض الحوادث التی لا تختص بنجد، لأنها ربما یحتاج إلیها بعض من یقف علیها.
و اعلم أن بعض من سبق من علماء نجد أرخوا تاریخات، و رسموا ترسیمات، قصّروا فیها عن المطلوب، و لکن لا تخلوا من فائدة فی معرفة بعض الحوادث و سنین الجدب و الخصب، و معرفة اختلاف أهل نجد و افتراقهم قبل ظهور هذا الدین، و معرفة نعمته بعد ذلک و ما جاء فی ضمنه، و هی قبل کتابی هذا متصلة به، فلا رأیت أن أترکها و لا أبدأ بها هذا الکتاب، لأن السنین التی بعدها هی التی لأجلها وضع الکتاب، و وقع علیها الخطاب، و تطاولت لها الأعناق، و کثر البحث عنها و الاشتیاق.
فهی أحق بالتقدیم لفضلها و فضل أهلها، و لکونها من السنین المبارکة علی أهل نجد فی دینهم و اتساعهم فی معایشهم و أسفارهم و حجهم، و إذلالهم لعدوهم و قهرهم، و الأمر بالمعروف و النهی عن المنکر و غیر ذلک.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 27
فأردت أن أدخل السنین السابقة بین سنین هذا الکتاب فتکون فیه متتابعة، کل سنة سابقة تحت کل سنة لاحقة، و العلامة علیها قولی: سابقة، لیحصل فی الکتاب فائدة التقدم و التأخر، و سمیته: «عنوان المجد فی تاریخ نجد».
فأسأل اللّه الذی لا إله إلّا هو أن یلهمنا صدق القول، و أن یوفقنا لمتابعة هدی الرسول صلّی اللّه علیه و سلّم و أن یعیذنا من مضلات الفتن ما ظهر منها و ما بطن، ثم أسأل من وجد فی کتابی هذا خللا أن یتجاوز عن زللی فیه، فمن أقال عثرة مسلم أقال اللّه عثرته و تجاوز عن مساویه.
ثم ذکر أول بدوّ أمر الشیخ و رحلاته و مشایخه و نزوله العینیة و الدرعیة إلی أن قال: و لما هاجر من هاجر إلی الدرعیة و استوطنوها، کانوا فی أضیق عیش و أشد حاجة، و ابتلو أشد بلاء، فکانوا فی اللیل یأخذون الأجرة و یحترفون، و فی النهار یجلسون عند الشیخ فی درس الحدیث و المذاکرة، و أهل الدرعیة حینئذ فی غایة الضعف و ضیق المؤنة، و لکن کما قال صلّی اللّه علیه و سلّم لعبد اللّه بن عباس: «و اعلم أن النصر مع الصبر، و أن الفرج مع الکرب، و أن مع العسر یسرا».
و لقد رأیت الدرعیة بعد ذلک فی زمن سعود رحمه اللّه تعالی، و ما فیه أهلها من الأموال و کثرة الرجال و السلاح المحلی بالذهب و الفضة الذی لا یوجد مثله، و الخیل و الجیاد و النجایب العمانیات و الملابس الفاخرة، و غیر ذلک من الرفاهیات ما یعجز عن عده اللسان، و یکل عن حصره الجنان و البنان.
و لقد نظرت إلی موسمها یوما فی مکان مرتفع- و هو فی الموضع المعروف بالباطن بین منازلها الغربیة التی فیها آل سعود المعروفة بالطریف
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 28
و منازلها الشرقیة المعروفة بالبحیری، و التی فیها أبناء الشیخ- و رأیت موسم الرجال فی جانب، و موسم النساء فی جانب، و موسم اللحم فی جانب، و ما بین ذلک من الذهب و الفضة و السلاح و الإبل و الأغنام، و البیع و الشراء، و الأخذ و العطاء، و غیر ذلک، و هو مد البصر، لا تسمع فیه إلّا کدویّ النحل من الفجاج، و قول بعت و شریت، و الدکاکین علی جانبیه الشرقی و الغربی.
و فیها من الهدم و القماش و السلاح ما لا یعرف و لا یوصف، فسبحان من لا یزول ملکه، و سیأتی طرف من ذلک عند هدم الدرعیة إن شاء اللّه تعالی رجعنا إلی ما نحن فیه.
و لما استوطن الشیخ الدرعیة، و کانوا فی غایة الجهالة و ما وقعوا فیه من الشرک الأکبر و الأصغر، و التهاون بالصلوات و الزکاة، و رفض شعائر الإسلام، فتخولهم الشیخ بالأمر بالمعروف و النهی عن المنکر، ثم أمرهم بتعلم لا إله إلّا اللّه، و أنها نفی و إثبات، فلا إله، فنفی جمیع المعبودات، و إلّا اللّه تثبت العبادة له وحده لا شریک له.
ثم أمرهم بتعلم ثلاثة أصول، و هی: معرفة اللّه تعالی بآیاته و مخلوقاته الدالة علی ربوبیته و إلهیته، کالشمس و القمر و النجوم و اللیل و النهار، و السحاب المسخر بین السماء و الأرض و ما علیها من الأدلة من القرآن و معرفة الإسلام و أنه تسلیم الأمر معه و هو الانقیاد لأمر اللّه و الانزجار عن مناهیه أرکانه التی بنی علیها من الأدلة من القرآن و معرفة النبی صلّی اللّه علیه و سلّم و اسمه و نسبه و مبعثه و هجرته، و معرفة أول ما دعا إلیه، و هی لا إله إلّا اللّه، ثم معرفة البعث، و أن من أنکره أو شک فیه، فهو کافر و ما علی ذلک من الأدلة
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 29
من القرآن، و معرفة دین محمد صلّی اللّه علیه و سلّم و أصحابه، و هو التوحید، و دین أبی جهل و أتباعه و هو الشرک باللّه.
فلما استقر فی قلوبهم معرفة التوحید بعد الجهالة، و أشرب فی قلوبهم محبة الشیخ، و أحبوا المهاجرین و أودهم.
ثم إن الشیخ کاتب أهل البلدان بذلک و رؤساءهم و قضاتهم و مدعی العلم منهم، فمنهم من قبل و اتبع الحق، و منهم من اتخذه سخریا و استهزؤوا به، و نسبوه إلی الجهل و عدم المعرفة، و منهم من نسبه إلی السحر، و منهم من رماه بأشیاء هو منها بری‌ء، و حاشاه عما یقوله الکاذبون. و لکن یریدون أن یصدوا بها الناس عنه، و قد رمی المشرکون سید ولد آدم صلّی اللّه علیه و سلّم بأعظم من ذلک.
ثم أمر الشیخ بالجهاد و حضهم علیه، فامتثلوا، فأول جیش غزا سبع رکایب، فلما رکبوها و أعجلت بهم النجایب فی سیرها سقطوا من أکوارها، لأنهم لم یعتادوا رکوبها، فأغاروا، أظنه علی بعض الأعراب، فغنموا و رجعوا سالمین، و کان الشیخ رحمه اللّه تعالی لما هاجر إلیه المهاجرون یتحمل الدین الکثیر فی ذمته لمؤنتهم و ما یحتاجون إلیه، و فی حوائج الناس و جوایز الوفود إلیه من أهل البلدان و البوادی، ذکر لی أنه حین فتح الریاض و فی ذمته أربعون ألف محمدیة فقضاها من غنایمها.
و کان لا یمسک علی درهم و لا دینار، و ما أتی إلیه من الأخماس و الزکوات یفرقه فی أوانه، و کان یعطی العطاء الجزیل، بحیث إنه یهب خمس الغنیمة لاثنین أو ثلاثة، فکانت الأخماس و الزکوات و ما یجبی إلی الدرعیة من دقیق الأشیاء و جلیلها تدفع إلیه بیده یضعها حیث یشاء، و لا یأخذ عبد العزیز و لا غیره من ذلک شیئا إلّا عن أمره.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 30
بیده الحل و العقد و الأخذ و الإعطاء، و التقدیم و التأخیر، و لا یرکب جیش و لا یصدر رأی من محمد و ابنه عبد العزیز إلّا عن قوله و رأیه.
فلما فتح الریاض علیهم، و اتسعت ناحیة الإسلام، و أمنت السبل، و انقاد کل صعب من باد و حاضر، جعل الشیخ الأمر بید عبد العزیز، و فوض أمور المسلمین و بیت المال إلیه، و انسلخ منها، و لزم العبادة و تعلیم العلم، و لکن ما یقطع عبد العزیز أمرا و لا ینفذه إلّا بإذنه.
آخر المقدمة و بأمر الشیخ، ثم ذکر السنین و الغزوات فیها، و بدأ بالسنة التی نزل بها الشیخ الدرعیة، و هی سنة ثمان و خمسین و مایة و ألف و قال:
***
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 31

[ذکر السنین و الغزوات فیهاو هی سنة ثمان و خمسین و مایة و ألف]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ*
فی سنة 1206 ه «السادسة و مائتین و ألف»: فی هذه السنة توفی شیخ الإسلام، مفید الأنام، قامع المبتدعین، مشید أعلام الدین، مقرر دلایل البراهین. محیی معالم الدین بعد دروسها، و مظهر آیات التوحید بعد أفول أقمارها و ... الشیخ محمد بن الشیخ عبد الوهاب ابن الشیخ سلیمان بن علی بن محمد بن أحمد بن راشد بن برید بن محمد بن برید بن مشرف بن عمر بن معضاد بن ریس بن زاخر بن محمد بن علوی بن وهیب.
کان الشیخ رحمه اللّه کثیر الذکر، قلّ ما یفتر لسانه من قول:
سبحان اللّه، و الحمد للّه، و لا إله إلّا اللّه، و اللّه أکبر، و کان إذا جلس الناس ینتظرونه، یعلمون إقباله إلیهم قبل أن یروه من کثرة لهجه بالتسبیح و التحمید و التهلیل و التکبیر، و کان عطاؤه عطاء من وثق باللّه، لا یخشی الفقر، بحیث إنه یهب الزکاة و الغنیمة فی موضع واحد، لا یقوم و معه منها شی‌ء، و یتحمل الدین الکبیر لأضیافه و سائله و الوافدین إلیه و علیه الهیبة العظیمة التی ما سمعنا بها اتفقت لغیره من العلماء
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 32
و الرؤساء و غیرهم، و هذا شی‌ء وضعه اللّه له فی القلوب، و إلّا ما علمنا أحدا ألین و لا أخفض جانبا منه لطالب علم، أو سائل، أو ذی حاجة، أو مقتبس فایدة.
و کان له مجالس عدیدة فی التدریس کل یوم و کل وقت فی التوحید و التفسیر و الفقه و غیرها، و انتفع الناس بعلمه، و کان فی بیت علم فی آبائه و أعمامه و بنی أعمامه، و اتصل العلم فی بنیه و بنی بنیه.
کان سلیمان بن علی جده عالم نجد فی زمانه له الید الطولی فی العلم، و انتهت إلیه الریاسة فی نجد، و ضربت إلیه آباط الإبل. صنّف و درّس و أفتی، سبقت ترجمته فی سابقة سنة تسع و سبعین و مایة ألف.
و معرفتی من أبناء سلیمان بعبد الوهاب و إبراهیم، فأما إبراهیم فکان عالما فقیها له معرفة فی الفقه و غیره، و ابنه عبد الرحمن بن إبراهیم عالما فقهیا کاتبا، و أما عبد الوهاب فکان عالما فقیها قاضیا فی بلد العینیة، ثم فی بلد حریملا، و ذلک فی أول القرن الثانی عشر، و له معرفة فی الفقه و غیره، و رأیت له سؤالات و جوابات. و ابناه محمد و سلیمان، فأما سلیمان فکان قاضیا عالما فقیها فی بلد حریملا، و له معرفة و درایة، من بنیه عبد اللّه و عبد العزیز، و کان لهما معرفة فی العلم و یضرب بهما المثل بالعبادة و الورع.
و أما محمد فهو شیخ الإسلام، و الحبر الهمام الذی عمت برکة عمله الأنام، فنصر السنة و عظمت به من اللّه المعد بعد ما کان الإسلام غریبا، فقام بهذا الدین و لم یکن فی البلاد إلّا اسمه، و انتشر فی الآفاق. فکل امرء أخذ منه حظه و قسمه.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 33
و بعث العمال لقبض الزکاة، و خرص الثمار بعد أن کانوا قبل ذلک یسمون عند الناس مکّاسا و عشارا، و نشرت رایة الجهاد بعد أن کانت فتنا و قتالا، و عرف التوحید الصغیر و الکبیر بعد أن کان لا یعرفه إلّا الخواص، و اجتمع الناس علی الصلوات و الدروس و السؤال عن أصل الإسلام و شروط الصلاة و أرکانها و واجباتها و معانی قراءتها. و تعلمها الصغیر و الکبیر، و القاری و الأمی، بعد أن کان لا یعرفه إلّا الخواص.
و انتفع بعلمه أهل الآفاق، لأنهم یسألون ما یأمر به و ینهی عنه، فیقال: یأمر بالتوحید و ینهی عن الشرک، و یقال لهم: إن أهل نجد یمقتونکم بذلک، فانتهی أناس کثیر من أهل الآفاق بسبب ما سمعوا من أوامره و نواهیه.
و هدم المسلمون ببرکة علمه جمیع القباب و المشاهد التی بنیت علی القبور و غیرها، من جمیع المواضع الشرکیة فی أقاصی الأقطار من الحرمین، و الیمن، و تهامة، و عمان، و الأحساء، و نجد و غیر ذلک، حتی لا تجد فی جمیع شملته ولایة المسلمین الأصغر، فضلا عن غیره حاثنا الریا، الذی قال فیه النبی صلّی اللّه علیه و سلّم إنه أخف من دبیب النمل علی صفاة سوداء فی ظلمة اللیل.
و أمر جمیع أهل البلدان من أهل النواحی یسألون الناس فی المساجد کل یوم بعد صلاة الصبح، أو بین العشائین عن معرفة ثلاثة أصول: و هی معرفة اللّه، و معرفة دین الإسلام، و معرفة أرکانه، و ما ورد علیها من الأدلة من القرآن، و معرفة محمد صلّی اللّه علیه و سلّم و نسبه و مبعثه و هجرته، و أول ما دعا إلیه، و هی لا إله إلّا اللّه، و معرفة معناها، و البعث بعد الموت، و شروط الصلاة
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 34
و أرکانها و واجباتها، و فروض الوضوء و نواقضه، و ما یتبع ذلک من تحقیق التوحید من أنواع العبادة التی لا تنبغی إلّا للّه، کالدعاء و الذبح و النذر و الخوف و الرجاء و الخشیة و الرغبة و الرهبة و التوکل و الإنابة و غیر ذلک، و قد سبق طرف من ذلک.
و بالجملة فمحاسنه و فضائله أکثر من أن تحصر، و أشهر من أن تذکر، و لو بسطت القول فیها لا تسع لأسفار، و لکن هذه قطرة من بحر فضائله علی وجه الاختصار، و کفی شرفا ما حصل بسببه من إزالة البدع و اجتماع المسلمین و تقویم الجماعات و الجمع، و تجدید الدین بعد دروسه، و قلع أصول الشرک بعد غروسه.
و کان رحمه اللّه تعالی هو الذی یجهز الجیوش و یبعث السرایا، و یکاتب أهل البلدان و یکاتبونه و الوفود إلیه و الضیوف عنده و الداخل و الخارج من عنده، فلم یزل مجاهدا حتی أذعنوا أهل نجد و تابعوا، و عمل فیها بالحق، و الأمر بالمعروف و النهی عن المنکر، و بایعوا فعمرت نجد بعد خرابها، و صلحت بعد فسادها، و نال الفخر و الملک من آواه، و صاروا ملوکا بعد الذل و التفرق و القتال، و هکذا کل من نصر الشریعة من قدیم الزمان و حدیثه أن اللّه یظهره علی أعداه، و یجعله مالکا لمن عاداه، و لقد أحسن القائل، و هو الشیخ العلامة حسین بن غنام الأحسائی من قصیدة فی الشیخ رحمه اللّه:
و جرّت به نجد ذیول افتخارهاو حق لها بالألمعی ترفع
و سنأتی بالقصیدة بتمامها آخر الترجمة إن شاء اللّه، و کان رحمه اللّه کثیرا ما یتمثل بثلاثة هذه الأبیات:
بأیّ لسان أشکر اللّه إنه‌لذو نعمة قد أعجزت کل شاکر
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 35 حبانی الإسلام فضلا و نعمةعلی و بان بفضل اللّه نور البصائر
و النعمة العظمی اعتقاد بن حنبل‌علیها اعتقادی یوم کشف السرائر
صنف رحمه اللّه تعالی مصنفات عدیدة و مسائل مفیدة فی أصل الإسلام و تقریر التوحید، فمنها «کتاب التوحید» ما وضع المصنفون فی فنه أحسن منه، فإنه أحسن و أجاد و أبلغ الغایة و المراد، و کلامه علی القرآن أکثر من مجلد، أتی فیه بالعجب العجاب، من تقریر التوحید و معرفة الشرک، و کل آیة و قصة یأتی علیها بعدة مسائل، حتی أتی فی قصة موسی و الخضر فی سورة الکهف بقریب مایة مسألة.
صنف کتاب «کشف الشبهات»، و کتاب «الکبایر و المسایل التی خالف فیها رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم أهل الجاهلیة»، أکثر من مایة مسألة، و صنف غیر ذلک عدد نسخ و أوراق و فتاوی و مراسلات فقهیة و أصولیة أکثرها فی تقریر التوحید.
و قد رأیت مجلدات عدیدة من مراسلاته و فتاویه و نبذ نسخ وضعها لأهل الآفاق: کلها فی أصل الإسلام، و اختصر «شرح الکبیر» و «الإنصاف»، و أخذ منها مجلدا، و اختصر «الهدی النبوی» لابن القیم فی مجلد لطیف، و أخذ من «شرح الإقناع» آداب المشی إلی الصلاة.
أخذ العلم عن عدة مشایخ أجلاء و علماء فضلاء. أخذ الفقه عن أبیه عبد الوهاب فی نجد و غیره، و أخذ أیضا عن الشیخ العالم محمد حیاة السندی المدنی، و الشیخ عبد اللّه بن سیف والد مصنف «العذب الفایض فی علم الفرایض» إبراهیم بن عبد اللّه، و صاحب البصرة و غیره. و تقدم بیانه أول الکتاب.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 36
و أخذ عنه عدة من العلماء الأجلاء، من بنیه و بنی بنیه و غیرهم من علماء النواحی و الأقطار، فمنهم أبناؤه الأربعة العلماء و القضاة الفضلاء، الذین جمعوا أنواع العلوم الشرعیة، و استکملوا الفنون الأدبیة، و أتقنوا الفروع و الأصول، و نهجوا مناهج المعقول و المنقول: حسین و عبد اللّه و علی و إبراهیم.
و لقد رأیت لهؤلاء الأربعة العلماء الأجلاء مجالس و محافل فی التدریس فی بلد الدرعیة، و عندهم من طلبة العلم من أهل الرعیة و أهل الآفاق الغرباء ما یفضی لمن حکاه إلی التکذیب.
و لهؤلاء الأربعة المذکورین من المعرفة ما فاقوا به أقرانهم، و کل واحد منهم قرب بیته مدرسة فیها طلبة العلم من الغرباء، و نفقتهم فی بیت المال، یأخذون العلم عنهم فی کل وقت.
فأما حسین، فهو الخلیفة بعد أبیه، و القاضی فی بلد الدرعیة، و له عدة بنین طلبة علم و قضاة، و معرفتی منهم بعلی و حمد و حسین و عبد الرحمن و عبد الملک، فأما علی فهو الشیخ الفاضل و حاوی الفضائل العلامة فی الأصول و الفروع الجامع بین المعقول و المشروع، کشاف المشکلات، و مفتاح خزائن أسرار الآیات، قاضی الدرعیة ... و خلیفتهم فیها إذا غابوا زمن سعود و ابنه عبد اللّه.
ثم ولی القضاء ترکی بن عبد اللّه رحمه اللّه تعالی فی حوطة بنی تمیم، ثم کان قاضیا فی بلد الریاض عند الإمام فیصل بن ترکی أسعده اللّه، و کان له المعرفة التامة فی الحدیث و الفقه و التفسیر و غیر ذلک.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 37
و أما حسن فولی القضاء فی الریاض زمن ترکی بن عبد اللّه، و له المعرفة التامة فی الفقه و غیره، و لکن لم تطل مدته و توفی فی سنة خمس و أربعین و مائتین و ألف.
و أما عبد الرحمن، فولی القضاء فی ناحیة الخرج لترکی بن عبد اللّه لابنه فیصل، و له معرفة و درایة فی الفقه و التفسیر و النحو و غیر ذلک.
و أما أحمد و عبد الملک فطلبة علم و لهم معرفة، و أما عبد اللّه بن الشیخ، فهو عالم جلیل صنف المصنفات فی الأصول و الفروع، و هو الخلیفة بعد أخیه حسین، و القاضی فی بلد الدرعیة زمن سعود و ابنه عبد العزیز.
و معرفتی من بنیه بسلیمان و علی، فأما سلیمان فکان آیة فی العلم و معرفته فنونه، و سیأتی ذکره فی ترجمته إن شاء اللّه تعالی.
و أما علی فله الید الطولی فی معرفة الحدیث و رجاله و التفسیر و غیر ذلک، و ذکر لی أنه علق شرحا علی «کتاب التوحید»، تألیف جده محمد بن عبد الوهاب، و کان لعبد اللّه المذکور ابن اسمه عبد الرحمن جلا معه إلی مصر و هو صغیر، و ذکر لی أنه الیوم فی رواق الحنابلة فی الجامع الأزهر و عنده طلبة علم، و له معرفة تامة.
و أما علی بن الشیخ، فکان عالما جلیلا ورعا کثیر الخوف من اللّه، و کان یضرب به المثل فی بلد الدرعیة بالورع و الدیانة، و له معرفة فی الفقه و التفسیر و غیر ذلک و راودوه علی القضاء فأبی عنه، و أبناؤه صغار ماتوا قبل التحصیل أما محمد فإنه طالب علم، و له معرفة. و أما إبراهیم بن الشیخ فرأیت عنده حلقة فی التدریس و له معرفة فی العلم، و لکنه لم یل
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 38
القضاء، قرأت علیه فی صغری فی «کتاب التوحید» سنة أربع و عشرین و مائتین و ألف.
و أخذ عن الشیخ أیضا ابن ابنه الشیخ العالم الفاضل قدوة الأفاضل و عین الأماثل الذی أحیا مدارس العلم بعد ما عطلت المحابر، ورد عصره فی الشباب بعد ما کان دابرا، الذی تزینت بدروسه المساجد و المدارس، و احتاج إلی تفریع منطوقه کل مذاکر و مدارس، مجد الفضلاء المدرسین، و مفید الطالبین، و رئیس قضاة المسلمین، من قارنه فی أقواله و أفعاله السداد و الصواب: عبد الرحمن بن حسن بن الشیخ محمد بن عبد الوهاب قاضی ترکی بن عبد اللّه و ابنه فیصل فی بلد الریاض، و کان قد ولی القضاء فی الدرعیة زمن سعود و ابنه عبد اللّه، و کان أخذه عن جده فی صغره، و أخذ عن الشیخ أیضا الشیخ العالم الجلیل، و الجهبذ الأصیل: القاضی فی الدرعیة زمن سعود: حمد بن ناصر بن عثمان بن معمر.
و أخذ عن الشیخ أیضا الشیخ الزاهد الورع الذی طبق برکة عمله الآفاق، و شهد له بالفضل أهل الآفاق: القاضی فی ناحیة الوشم زمن عبد العزیز و ابنه سعود و ابنه عبد اللّه عبد العزیز ابن عبد اللّه الحصین الناصری.
و أخذ عن الشیخ أیضا الشیخ العالم العامل و الزاهد الفاضل سعید بن حجی، قاضی حوطة بن تمیم زمن عبد العزیز و ابنه سعود.
و أخذ عن الشیخ أیضا العالم القاضی فی بلد الدلم و ناحیة الخرج زمن عبد العزیز محمد بن سویلم.
و أخذ عن الشیخ أیضا العالم الإمام فی قصر آل سعود فی الدرعیة،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 39
و القاضی فی بلد الدرعیة زمن عبد العزیز و ابنه سعود عبد الرحمن بن خمیس.
و أخذ عن الشیخ أیضا عبد الرحمن بن نامی قاضی بلد العینیة، و کان قاضیا فی الأحساء زمن سعود و ابنه عبد اللّه.
و أخذ عن الشیخ أیضا محمد بن سلطان العوسجی قاضی ناحیة المحمل ثم کان قاضیا فی الأحساء زمن سعود.
و أخذ عن الشیخ أیضا عبد الرحمن بن عبد المحسن أبا حسین القاضی فی بلد حریملا، و بلد الزلفی و غیرهما زمن سعود و ابنه عبد اللّه.
و أخذ عن الشیخ أیضا حسن بن عبد اللّه بن عیدان الأضی فی بلد حریملا زمن عبد العزیز.
و أخذ عن الشیخ أیضا الشیخ العالم عبد العزیز بن سویلم القاضی فی ناحیة القصیم زمن عبد العزیز و ابنه سعود و ابن عبد اللّه.
و أخذ عن الشیخ أیضا حمد بن راشد العرینی القاضی فی ناحیة سدیر زمن عبد العزیز و أخذ عنه من القضاة ممن لا یحضرنی الآن عدد کثیر، و أخذ عنه من العلماء ممن لم یل القضاء من الرؤساء و الأعیان و من دونهم الجم الغفیر، و کان رحمه اللّه تعالی فی الرأی و الفراسة و التدبیر، ما لیس لغیره، و کان کثیرا یلهج بقوله تعالی: رَبِّ أَوْزِعْنِی أَنْ أَشْکُرَ نِعْمَتَکَ الَّتِی أَنْعَمْتَ عَلَیَّ وَ عَلی والِدَیَّ وَ أَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَ أَصْلِحْ لِی فِی ذُرِّیَّتِی إِنِّی تُبْتُ إِلَیْکَ وَ إِنِّی مِنَ الْمُسْلِمِینَ [الأحقاف: 15].
و کانت وفاته آخر ذی القعدة من السنة المذکورة، رحمه اللّه تعالی و عفی عنه. و کان قد ثقل آخر عمره، فکان یخرج لصلاة الجماعة یتهادی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 40
بین رجلین، حتی یقام فی الصف، و له من العمر نحو اثنین و تسعین سنة، قال الشیخ حسین بن غنام یرثی شیخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب:
إلی اللّه فی کشف الشدائد نفزع‌و لیس إلی غیر المهیمن مفزع
لقد کسفت شمس المعارف و الهدی‌فسالت دماء فی الخدود و أدمع
إمام أصیب الناس طرا بفقده‌و طاف بهم خطیا بین البین موجع
و أظلم أرجاء البلاد لموته‌و حل بهم کرب من الحزن مخضع
شهاب هوی من أفقه و سمائه‌و نجم ثوی فی التراب و اراه بلقع
و کوکب سعد مستنیر سناؤه‌و بدر له فی منزل الیمن مطلع
و صبح تبدّی للأنام ضیاؤه‌فداجی الدیاجی بعده فتقشع
لقد غاض بحر العلم و الفهم و الندی‌و قد کان فیه للبریة مرتع
فقوم جلا عنهم صدی الدین فاهتدوافأسماعهم للحق تصغی و تسمع
و قوم ذووا فقر و جهد وفاقةحووا و اقتنوا ما فیه للعیش مطمع
لقد رفع المولی به رتبة الهدی‌بوقت به یعطل الضلال و یرفع
أبان له من لمحة الحق لمحةأزیل بها عند حجاب و برقع
سقاه غیر الفهم مولاه فارتوی‌و عام بتیار المعارف یقطع
فأحیا به التوحید بعد اندراسه‌و أهوی به من مظلم الشرک مهیع
فأنوار صبح الحق باد سناؤهافمصالحه علی و ریاه منیع
سما ذروة المجد التی ما ارتقی لهاسواه و لا حاذی فناها سمیدع
و شمر فی منهاج سنة أحمدیشید و یحیی ما تعفا و یرفع
و ینفی الأعادی من حماه و سوحه‌و یدمغ أرباب الضلال و یدفع
یناظر بالآیات و السنة التی‌أمرنا إلیها فی التنازع نرجع
فأضحت به السمحاء یبسم ثغرهاو أمسی محیاها یضی‌ء و یلمع
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 41 و عاد به نهج الغوایة طامساو قد کان مسلوکا به الناس ترتع
و جرّت به نجد ذیول افتخارهاو حق لها بالألمعی ترفع
فآثاره فیها سوام سوافرو نواره فیها تضی‌ء و تسطع
لقد وجد الإسلام یوم فراقه‌مصابا خشینا بعده یتصدع
و طاشت ذووا الأحلام و الفضل و النهی‌و کادت بأرواح المحبین تتبع
و طارت قلوب المسلمین بموته‌فظنوا به أن القیامة تقزع
فضجوا جمیعا بالبکاء تأسفاو کادت قلوب بعده تتفجع
و فاضت عیون و استهلت مدامع‌یخالطها مزج من الدم مهیع
بکته ذوو الحاجات یوم فراقه‌و أهل الهدی و بحق الدین أجمع
فما لی أری الأبصار قلص دمعهاو لیست علی ... یهمی و تدمع
و مالی أری الألباب تبدی قساوةو لیست علی ذکراه یوما توجع
لقد غدرت عین تضنّ بمائهاعلیه و کبد قد أبت لا تقطع
یحق لأرواح المحبین أن تری‌مقوضه لما خلت منه أربع
و تتلو سریرا فوقه قمر الهدی‌و شمس المعالی و العلوم تشبع
فما بالها قرت بأشباح أهلهاو لم تکن فی یوم الوداع تودع
فیا لک من قبر حوی الزهد و التقی‌و حل به طود من العلم مترع
لئن کان فی الدنیا له القبر موضعافیوم الجزا یرجی له الخلد موضع
سقا قبره من هاطل العفو دیمةو باکره سحب من البر یهمع
و أسکنه بحبوحة الفوز و الرضی‌و لا زال بالرضوان فیها یمتع
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 42
ثم دخلت السنة 1218 ه «الثامنة عشر و مائتین و ألف»: و قال فی السنة الثامنة عشر بعد المائتین و الألف عند عند وفاة عبد العزیز بن سعود:
و فی هذه السنة فی العشر الأواخر من رجب قتل الإمام عبد العزیز بن محمد بن سعود فی مسجد الطریف المعروف فی الدرعیة و هو ساجد فی أثناء صلاة العصر، مضی علیه رجل، قیل: إنه کردی من أهل العمادیة- بلد الأکراد المعروفة عند الموصل- اسمه عثمان، أقبل من وطنه لهذا القصد محتسبا، حتی وصل الدرعیة فی صورة درویش، و ادعی أنه مهاجر، و أظهر التنسک بالطاعة، و تعلم شیئا من القرآن.
فأکرمه عبد العزیز و أعطاه، و کساه، و طلب الدرویش من یعلمه أرکان الإسلام، و شروط الصلاة و أرکانها و واجباتها، مما کانوا یعلمونه الغریب المهاجر إلیهم، و کان قصده غیر ذلک، فوثب علیه من الصف الثالث و الناس فی السجود، فطعنه فی خاصرته أسفل البطن بخنجر معه قد أخفاها و أعدها لذلک، و هو قد تأهب للموت.
فاضطرب أهل المسجد، و ماج بعضهم فی بعض، فمنهم المنهزم و منهم الواقف و منهم الکار إلی جهة هذا العدو العادی.
و کان لما طعن عبد العزیز أهوی إلی أخیه عبد اللّه و هو فی جانبه و برک علیه لیطعنه، فنهض علیه و تصارعا، و جرح عبد اللّه جرحا شدیدا، ثم إن عبد اللّه صرعه و ضربه بالسیف، و تکاثر علیه الناس و قتلوه، و قد تبین لهم وجه الأمر، ثم حمل الإمام إلی قصره و هو قد غاب ذهنه و قرب نزعه لأن الطعنة قد هوت إلی جوفه، فلم یلبث أن توفی بعد ما صعدوا به القصر رحمه اللّه تعالی و عفا عنه.
و اشتد الأمر بالمسلمین و بهتوا، و کان سعود فی نخله المعروف بمشیرفه
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 43
فی الدرعیة، فلما بلغه الخبر أقبل مسرعا. و اجتمع الناس عنده، و قام فیهم و وعظهم موعظة بلیغة و عزاهم، فقام الناس و بایعوه خاصتهم و عامتهم و عزوه فی أبیه.
ثم کتب إلی أهل النواحی نصیحة، یعظهم و یخبرهم بالأمر و یعزیهم و یأمرهم بالمبایعة، و کل أهل بلد و ناحیة یبایعون أمیرهم لسعود، فبایع جمیع أهل النواحی و البلدان، و جمیع رؤساء قبایل العربان، و لم یختلف اثنان و لا انتطح عنزان.
و قیل: إن هذا الدرویش الذی قتل عبد العزیز من أهل بلد الحسین، رافضی خبیث، خرج من وطنه لهذا القصد بعد ما قتلهم سعود فیها و أخذ أموالهم؛ کما تقدم فخرج لیأخذ الثأر، و کان قصده قتل سعود فلم یقدر علیه فقتل عبد العزیز، و هذا و اللّه أعلم أحری بالصواب، لأن الأکراد لیسوا بأهل رفض و لا فی قلوبهم غل علی المسلمین و اللّه أعلم.
و کان عبد العزیز کثیر الخوف من اللّه و الذکر له، آمرا بالمعروف ناهیا عن المنکر، لا تأخذه فی اللّه لومة لائم. ینفذ الحق و لو فی أهل بیته و عشیرته، لا یتعاظم ظالما فیقمعه عن الظلم، و ینفذ الحق فیه، و لا یتصاغر حقیرا ظلم فیأخذ له الحق و لو کان بعید الوطن.
و کان لا یکترث فی لباسه و لا سلاحه بحیث إن بنیه و بنی بنیه محلاة سیوفهم بالذهب و الفضة و لم یکن فی سیفه شی‌ء من ذلک إلّا قلیلا.
و کان لا یخرج من المسجد بعد صلاة الصبح حتی ترتفع الشمس، و یصلی فیه صلاة الضحی و کان کثیر الرأفة و الرحمة بالرعیة، خصوصا أهل البلدان بإعطائهم الأموال و بث الصدقة فیهم، لفقرائهم و الدعاء لهم
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 44
و التفحص عن أحوالهم، و قد ذکر لی بعض من أثق به: أنه یکثر الدعاء لهم فی ورده قال: و سمعته یقول: اللهم أبق فیهم کلمة لا إله إلّا اللّه و لا یحیدوا عنها.
و کانت الأقطار و الرعیة فی زمنه آمنة مطمئنة فی عیشة هنیئة، و هو حقیق بأن یلقب مهدی زمانه؛ لأن الشخص الواحد یسافر بالأموال العظیمة أی وقت شاء، شتاء و صیفا، یمنا و شاما، شرقا و غربا، فی نجد و الحجاز و الیمن و تهامة و عمان و غیر ذلک، لا یخشی أحدا إلّا اللّه، لا سارقا و لا مکابرا.
و کانت جمیع بلدان نجد من العارض و الخرج و القصیم و الوشم و الجنوب و غیر ذلک من النواحی فی أیام الربیع یسیبون جمیع مواشیهم فی البراری و المفالی، من الإبل و الخیل و الجیاد و البقر و الأغنام و غیر ذلک، لیس لها راع و لا مراع، بل إذا عطشت وردت علی البلدان تشرب ثم تصدر إلی مفالیها حتی ینقضی الربیع، أو یحتاج لها أهلها لسقی زروعهم و نخیلهم، و ربما تلقح و تلد و لا یدری أهلها إلّا إذا جاءت و ولدها معها، إلّا الخیل الجیاد فإن لها من یتعاهدها فی مفالیها لسقیها، و حدّها بالحدید.
و کانت إبل أهل سدیر و نجائبهم سائبات فی أیام الربیع فی الحمادة فی أراط و العبلة، و معها رجل واحد یتعاهدها و یسقیها، و یزور أهله و یرجع إلیها و هی فی مواضعها، فیصلح رباطها و قیودها ثم یغیب عنها، و کذلک خیل أهل الوشم و نجائبهم فی الحمادة و فی روضة محرقة و غیرهما، و هکذا یفعلون بها. و کذلک خیل عبد العزیز و بنیه و عشیرته فی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 45
النقعة- الموضع المعروف قرب بلد خرما- و فی الشعیب المعروف بقری عبید من وادی حنیفة، و لیس عندها إلّا من یتعاهدها لمثل ما ذکرنا، و کذلک جمیع أهل النواحی تفعل ذلک.
و کان رحمه اللّه تعالی مع رأفته و رحمته بالرعیة شدیدا علی من جنا جنایة من الأعراب، أو قطع سبلا أو سرق شیئا، و حکی: أنه أتی حاج من العجم و نزل قرب أعراب سبیع، فسرق من الحاج غرارة فیها من الحوایج ما یساوی عشرة قروش، فکتب صاحب الغرارة إلی عبد العزیز یخبره بذلک، فأرسل إلی رؤساء تلک القبیلة فلما حضروا عنده قال لهم: إن لم تخبرونی بسارق الغرارة و إلّا جعلت فی أرجلکم الحدید، و أدخلتکم فی السجن، و أخذت نکالا من أموالکم، فقالوا: نغرمها بأضعاف ثمنها، فقال: کلا حتی أعرف السراق. فقالوا: ذرنا نصل إلی أهلنا و نسأل عنه و نخبرک، و لم یکن بد من إخباره.
فلما أخبروه به أرسل إلی ماله و کان سبعین ناقة فباعها، و أدخل ثمنها بیت المال، و جی‌ء بالغرارة لم تتغیر، و کان صاحبها قد وصل إلی وطنه فأرسلها عبد العزیز آل سعود إلی أمیر الزبیر و أمره أن یرسلها إلی صاحبها فی ناحیة العجم.
و ذکر لی شیخنا القاضی عثمان بن منصور: أن رجالا من سراق الأعراب وجدوا عنزا ضالة فی رمال السر النفود المعروف فی نجد و هم جیاع، أخبرنی: أنهم أقاموا یومین أو ثلاثة مثویین، فقال بعضهم لبعض:
لینزل أحدکم علی هذه العنزة فیذبحها لنأکلها، فکل منهم قال لصاحبه:
انزل إلیها، فلم یستطع أحد منهم النزول خوفا من العاقبة علی الفاعل،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 46
فألحوا علی رجل منهم فقال: و اللّه لا أنزل إلیها، و دعوها فإن عبد العزیز یرعاها، فترکوها و هم فی أشد الحاجة إلیها.
و کانت الحجاج و القوافل و جباة الغنائم و الزکوات و الأخماس، و جمیع أهل الأسفار یأتون من البصرة و عمان و بلدان العجم و العراق و غیر ذلک إلی الدرعیة و یحجون منها، و یرجعون إلی أوطانهم لا یخشون أحدا من جمیع البوادی مما احتوت علیه هذه المملکة، لا حرب و لا سرقة، و لیس یؤخذ منهم شی‌ء من الأخوات و القوانین التی تؤخذ علی الحاج.
و أبطل جمیع الإتاوات و الجوایز علی الدروب التی للأعراب التی أحیوا بها سنن الجاهلیة.
یخرج الراکب وحده من الیمن و تهامة و الحجاز و البصرة و البحرین و عمان و نقرة الشام لا یحمل سلاحا بل سلاحه عصاه، لا یخشی کید عدو و لا أحدا یریده بسوء.
و أخبرنی من أثق به: أنه ظهر مع عمال من حلب الشام قاصدین الدرعیة و هم أهل ست نجایب، محملات ریالات زکوات بوادی أهل الشام، فإذا جاءهم اللیل و أرادوا النوم نبذوا رحلهم و دراهمهم یمینا و شمالا إلّا ما یجعلونه و ساید تحت رؤسهم و کان بعض العمال إذا جاؤا بالأخماس و الزکوات من أقاصی البلاد یجعلون مزاودهم أطبابا لخیمتهم و ربطا لخیالهم باللیل، لا یخشون سارقا و لا غیره.
و کان فی الدرعیة راعیة إبل کثیرة: هی ضوال الإبل التی توجد ضائعة فی البراری و المغارات، جمعا أو فرادی، فمن وجدها من باد أو حاضر فی جمیع أقطار الجزیرة أتی بها إلی الدرعیة خوفا أن تعرف
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 47
عندهم، ثم تجعل مع تلک الإبل و جعل عبد العزیز علیها رجلا یقال له عبید بن یعیش یحفظها و یجعل فیها رعاة و یتعاهدها بالسقی و القیام بما ینویها.
فکانت تلک الإبل توالد و تناسل و هی محفوظة، فکل من ضاع له شی‌ء من الإبل من جمیع البادیة و الحاضرة أتی إلی تلک الإبل، فإذا عرف ماله أتی بشاهدین أو شاهد و یمینه ثم یأخذه، و ربما وجد الواحدة اثنین.
و هذا الأمن فی هذه المملکة شی‌ء وضعه اللّه تعالی فی قلوب العباد من البادی و الحاضر، فیما احتوت علیه هذه المملکة، مع الرعب العظیم لمن عادی أهلها، و لم یوجد هذ الأمن إلّا فی زمن عمر بن الخطاب رضی اللّه عنه، و ذلک و اللّه أعلم من سببین: أحدهما أن الراعی إذا عف عفت رعیته، فإذا عمل الإمام بالطاعة و استعمل العدل فی رعیته، و صار القریب و البعید و الغنی و الفقیر و الجلیل و الحقیر فی الحق سواء، و کان متواضعا یحب العلماء و طلبة العلم و حملة القرآن و یعظمهم، و یحب الفقراء و المساکین و یعطیهم حقهم، و یضع فی المسلمین فیهم، جعل اللّه له الهیبة فی القلوب، و تداعی له کل مطلوب.
السبب الثانی: أن اللّه جعل لکل شی‌ء ضدا، مخالفا له منافیا أو معادیا، فجعل الشرک ضد التوحید، و العلم ضد الجهل، إلی غیر ذلک من الأضداد، أو المنافیة بعضها لبعض، و أما الأضداد المعادیة بعضها لبعض کعداوة الحیة لبنی آدم، و عداوة إبلیس لهم، و عداوة السباع لأضدادها، و عداوة البادی لأهل القری، عداوة قدیمة طبیعیة، فلا یصلح هذه العداوة بین أهل القری و بینهم بذل المال، فإنه إذا بذل لهم أصلح
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 48
عداوتهم الظاهرة نحو أسبوع أو شهر، و أما عداوتهم الباطنة کالسرق و نحوه، فهو لا یصلح الظاهرة إلا السیف.
و لما عرف عبد العزیز رحمه اللّه تعالی هذا الداء عرف الدواء فاستعمل لمن عاداه منهم السیف، و لمن والاه منهم قوة الجانب و الغلظة و الشدة. فکان یأخذ منهم الأموال الکثیرة علی السرقة و قطع السبل، و یجعل رؤساءهم فی السجن و أغلال الحدید، حتی إنه جعل الحمیدی بن هذال- رئیس بوادی عنزة و هیتمی من هیتم- فی حدید واحد، و ربط و طبان الدویش و ابن هذال فی حدید واحد.
و یأخذ النکال الکثیر من أموالهم علی من تخلف منهم عن الغزو مع المسلمین، من فرس أو ذلول معروفة، أو رجل معروف حتی ذکر لی: أنه لم یوجد عند مطیر إلّا فرس أو فرسان، و ذلک لأن بوادی هذه الجزیرة لم یحتاجوا إلیها، لأنهم لم یخافوا من أحد و لا یخاف منهم أحد، و لا یطمعون فی أحد و لا یطمع فیهم أحد.
قد حجز عبد العزیز بین جمیع القبایل و یأخذ منهم هذه الأموال مع زکواتهم، و یفرقها علی أهل النواحی و البلدان، کما بینت بعضه فی هذه الترجمة، فصار البلد الواحد من قرایا نجد بهذا السبب یرکب منها للغزو و معه و مع ابنه سبعون و ستون مطیة، و أقل و أکثر، و إذا أرسل عماله لقبض الزکوات من الأعراب أمرهم أن لا یأخذوا من الزکاة عقالا حتی یأخذوا لصاحب الدین دینه، و لمن سرق له شی‌ء قیمة ماله و النکال.
فقویت البلدان و اشتدت و طأتهم علی عدوهم.
و صار الأعرابی لا یرفع یده و لا یخفضها علی شی‌ء من مال أهل
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 49
القری، و لا من البوادی بعضهم من بعض، لا فی مفازة خالیة فضلا عن غیرها، و صار هذا مطردا سائغا فی زمنه و زمن ابنه سعود و صدرا من زمن عبد اللّه، و مثل هذا قریب ما وقع فی زمن عمر بن الخطاب رضی اللّه عنه، فإنه کان عطاؤه جزیلا للمهاجرین و الأنصار و بینهم و من آزرهم و قاتل معهم.
و لما کتب رضی اللّه عنه الدیوان قال عبد الرحمن بن عوف و عثمان و علی: ابدأ بنفسک. قال: لا بل أبدأ بعم رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم، ثم الأقرب فالأقرب من رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم، فبدأ بالعباس ففرض له خمسا و عشرین ألفا، و قیل اثنی عشر ألفا، ثم فرض لأهل بدر خمسة آلاف، خمسة آلاف، و أدخل فی أهل بدر من غیر أهلها الحسن و الحسین و أبا ذر و سلیمان.
و فرض لمن بعد بدر إلی الحدیبیة أربعة آلاف، أربعة آلاف، ثم فرض لمن بعد الحدیبیة إلی الردة ثلاثة آلاف ثلاثة، ثلاثة آلاف، و أعطی علی قدر السابقة، و کان آخر من فرض له أهل هجر علی مائتین مائتین.
و فرض لأزواج رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم، و فرض للنساء علی قدر السابقة، فقال قائل: یا أمیر المؤمنین، لو ترکت فی بیوت المال عدة تکون لحادث، فقال رضی اللّه عنه: کلمة ألقاها الشیطان علی فیک و قانی اللّه شرها، و هی فتنة لمن بعدی بل أعدّ لهم طاعة اللّه و طاعة رسوله صلّی اللّه علیه و سلّم، فهما عدتنا التی أفضینا بها إلی ما ترون. فإذا کان هذا المال ثمن دین أحدکم أهلکه.
و کان رضی اللّه عنه مع ذلک شدیدا مع الأعراب، و لهذا لما منعهم ما لا یستحقون قال له عیینة بن حصن الفزاری: هیه یا ابن الخطاب إنک
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 50
لا تعطی الجزل و لا تحکم بالعدل فغضب عمر، فقال حرّ بن قیس و کان أخا عیینة لأمه: یا أمیر المؤمنین إن اللّه یقول: خُذِ الْعَفْوَ وَ أْمُرْ بِالْعُرْفِ وَ أَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِینَ [الأعراف: 77]، فسکن غضبه، و کان وقافا عند کتاب اللّه، و قصته مع أبی شجرة مشهورة، فإنه لما أتاه و هو یقسم الفی‌ء سأله، فعلاه بالدرة حتی غشیه الدم و هو یقول:
شح عنی أبو حفص بنائله‌و کل مختبط یوما له ورق
ما زال یضربنی حتی رهبت له‌و حال من دون تلک الرغبة الشفق
و قد خرجنا مما نحن فیه و لکن لا یخلو من فائدة إن شاء اللّه تعالی، و إنما المقصود التنبیه علی ما أوقع اللّه من الأمن فی هذه المملکة، و الأسباب مجالبة و اللّه أعلم.
رجعنا إلی ما نحن فیه، و کان ما یحمل إلی الدرعیة فی زمنه و زمن ابنه سعود من الأموال و الزکوات و الأخماس، و غیر ذلک من السلاح و الخیل العتاق و الإبل من غیر ما یفرق علی أهل النواحی و البلدان، و ضعفائهم و ضعفاء البوادی لا یحصیه العدو.
أخبرنی أحمد بن محمد المدلجی قال: کنت کاتبا لعمال علوی من مطیر مرة فی زمن عبد العزیز، فکان ما حصل منهم من الزکاة فی سنة واحدة إحدی عشر ألف ریال قال: و کان عمال بریه من مطیر رئیسهم عبد الرحمن بن مشاری بن سعود، فکان ما جبا منهم اثنی عشر ألف ریال، و من هیتم سبعة آلاف ریال، فکانت زکاة مطیر و من تبعتهم فی تلک السنة ثلاثین ألف ریال، و کانت عنزة أهل الشام و بوادی خیبر و بوادی الحجویطات المعروفات، و من فی نجد من عنزة یبعث إلیهم عوامل کثیرة و یأتون منهم بأموال عظیمة.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 51
و أخبرنی من أثق به قال: أناخ فی یوم واحد تحت الطلحة؟؟؟
عند باب بلد شق أربع عوامل من عمال بوادی الشام کل عاملة معها؟؟؟
آلاف ریال، قلت: و یأتی غیر ذلک من زکاة بوادی شمر و بوادی؟؟؟
قریب ما یأتی من عنیزة، و من قحطان، و من بوادی حرب،؟؟؟
و جهینة و بوادی الیمن و عمان، و آل مرة و آل عجمان و سبیع و؟؟؟
و غیرهم، ما یعجز عنه الحصر، و تؤخذ منهم الزکاة علی الأمر الشرعی یؤخذ فیها کرائم الأموال و لادنیها إلّا من غبت إبله و غنمه عن الزکاة؟؟؟
منهم الزکاة و النکال.
و کان یوصی عماله بتقوی اللّه و أخذ الزکاة علی الوجه؟؟؟
و إعطاء الضعفاء و المساکین، و یزجرهم عن الظلم و أخذ کرائم الأموال
و کان رحمه اللّه تعالی مع ذلک کثیر العطاء و الصدقات؟؟؟
و الوفود و الأمراء و القضاة و أهل العلم و طلبته و معلمة القرآن و المؤ؟
و أئمة المساجد، حتی أئمة مساجد أحیاء البلدان و مؤذنیهم، و یرسل؟
لأهل القیام فی رمضان.
و کان الصبیان من أهل الدرعیة إذا خرجوا من عند المعلم یصعد إلیه بألواحهم و یعرضون علیه خطوطهم، فمن تحاسن خطه منهم؟؟؟
عطاء جزیلا و أعطی الباقین دونه. و کان عطاؤه للضعفاء و المساکین الغایة، فکان منهم من یکتب إلیه: منه و من أمه و زوجته، و ابنه و ابنته، کل واحد کتاب وحده، فیوقع لکل کتاب منهم عطاء، فکان الرجل:
بهذا السبب عشرون ریالا و أقل و أکثر، و کان إذا مات الرجل من؟؟؟
نواحی نجد یأتی أولاده إلی عبد العزیز و ابنه سعود یستخلفونه فیعط عطاء جزیلا، و ربما کتب لهم راتبا فی الدیوان.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 52
و کان کثیرا ما یفرق علی أهل النواحی و البلدان کثیرا من الصدقات فی کل وقت و کل سنة یعطی کل أهل بلد و کل أهل ناحیة ألف ریال و أقل و أکثر، و یسأل عن الضعفاء و الأیتام فی الدرعیة و غیرها أو یأمر بإعطائهم، و کثیرا ما یغدق علی بیوت الدرعیة و ضعفائها، و کان کثیرا ما یغدق علی أهل النواحی للحض علی تعلیم القرآن و تعلم العلم و تعلیمه، و یجعل لهم راتبا فی الدیوان، و من کان منهم ضعیفا یأمره أن یأتی إلی الدرعیة فیقوم بجمیع أنوابه.
و أخبرنی کاتبه قال: إن عبد العزیز أخذه یوما صداع فدعانی و قال:
اکتب صدقة لأهل النواحی، فأملی علیّ لأهل منفوحة خمسمائة ریال، و أهل العینیة مثل ذلک، و أهل حزیملا سبعمائة ریال، و أهل المحمل ألف و مایة ریال، و جمیع نواحی نجد علی هذا المنوال قال: قیمتها تسعون ألف ریال.
و أتی إلیه یوما خمس و عشرون حملا من الریالات، فمر علیها و هی مطروحة فنخسها بسیفه، فقال: اللهم سلطنی علیها و لا تسلطها علیّ، ثم بدأ فی تفریقها.
و إذا الغزو معه أو مع ابنه سعود، و بعث رسله إلی رؤساء القبایل من العربان و واعدهم جمیعهم یوما معلوما علی ماء معلوم، فلا یتخلف منهم أحد عن ذلک الموعد، لا حقیر و لا جلیل، و لا من بوادی الحجاز و لا العراق و لا الجنوب و لا غیر ذلک فمن ذکر متخلفا ممن تعین علیه الأمر من رجل أو فرس أدب أدبا بلیغا، و أخذ من ماله نکال و الرجل الواحد و اثنین إذا أرسلهم عبد العزیز و ابنه سعود إلی البوادی من جمیع أقطار
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 53
جزیرة نجد أخذوا منهم النکال من الأموال و الخیل و الإبل و غیر ذلک، و یضربون الرجال و یعذبون المجرم بأنواع العذاب، و لا یتجاسر أحد أن یقول لهم شیئا أو یشفع فیه بل کلهم طائعون مذعنون.
و هذا الذی ذکرت من جهة الأمن و طاعة الحاضر و البادی و غیر ذلک اتفق فی زمنه و زمن ابنه سعود و صدرا من ولایة عبد اللّه قبل أن تسلط الدولة المصریة بسبب الذنوب و بالجملة فمحاسنهم و فضائلهم أشهر من أن تذکر و أکثر من أن تحصر و لو بسطت القول فی وقائعهم و غزواتهم و سعوداتهم و ما مدحوا به من الأشعار و ما قصد بابهم من الرؤساء العظماء من أقاصی الأقطار و ما حمل إلیهم من الأموال و السلاح و الخیل الجیاد التی لا یدرکها العدو و التذکار، لجمعت فیها عدة أسفار، و لکنی قصدت الإیجاز و الاختصار.
و لم یبق فضیلة ترکوها و لا طاعة أهملوها، إلّا أنهم لم یعمروا مدارس للتدریس فی العلم فی الدرعیة و لا نجد و یوقفوا علیها أوقافا کما عمرها بنوا أمیة فی الشام و بنوا العباس فی العراق و کما عمرها الآخرون فی مکة و المدینة و مصر و غیر ذلک، حتی کثر العلماء فی تلک الأقطار بهذا السبب و اشتهر کل منهم بعمارته و أوقافه فلو عمروا فی نجد مدارس و أوقافا علیها، لکملت مناقبهم و لأحیوا العلم فی هذه الجزیرة و صارت لهم عین جاریة باقیة مع الذکر الجمیل إلی قیام الساعة، فإنهم لم یترکوها بخلا و لا تهاونا، و لکنهم لم ینبهوا علیها، فلو نبهوا لبادروا فإنهم قایمون فی حیاتهم بما ینوب طلبة العلم فی الدرعیة و البلدان.
و ذکر لی: أن سعودا رحمه اللّه تعالی هم بعمارة مدارس و أوقاف
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 54
علیها و لکن لم یساعد القدر و عاجل الموت قبل ذلک و اللّه الموفق.
و کان أمیره علی تهامة و ما یلیها من الیمن عبد الوهاب المعروف بکنیة أبو نقطة، و علی الحجاز من النواحی عثمان بن عبد الرحمن المضایفی، و علی عمان صقر بن راشد رئیس رأس الخیمة، و علی الأحساء و نواحیه سلیمان بن محمد بن ماجد، و علی القطیف و نواحیه أحمد بن غانم، و علی الزبارة و البحرین سلیمان بن خلیفة، و علی وادی الدواسر ربیع بن الدوسری، و علی ناحیة الخرج إبراهیم بن سلیمان بن عفیصان، و علی المحمل ساری بن یحیی بن سویلم، و علی ناحیة الوشم عبد اللّه بن حمد بن فیهب فی بلد شقرا، و علی ناحیة سدیر عبد اللّه بن جلاجل، و علی ناحیة القصیم حجیلان بن حمد فی بریدة، و علی جبل شمر محمد بن عبد المحسن بن فایز بن علی فی بلد حائل.
و کان قاضیه فی الدرعیة بعد الشیخ ابنه حسین بن الشیخ محمد بن عبد الوهاب، و أخوه عبد اللّه بن الشیخ محمد بن عبد الوهاب، و إمام قصره عبد الرحمن بن خمیس، و علی ناحیة الوشم عبد العزیز بن عبد اللّه الحصین، و علی ناحیة سدیر حمد بن راشد العرینی، و علی منینح و ما یلیه محمد بن عثمان بن شبانة، و علی ناحیة القصیم عبد العزیز بن سویلم من أهل الدرعیة فی بلد الدلم، و علی ناحیة الجنوی سعید بن حجی فی حوطة بنی تمیم، تمت الترجمة و قال فی أثناء الکتاب:
ثم دخلت سنة 1229 ه «تسع و عشرین و مائتین و ألف»: فی هذه السنة توفی الإمام قائد الجنود الذی اجتمعت السیادة و السعود: سعود بن عبد العزیز بن محمد بن سعود رحمه اللّه، جددت له البیعة فی الدرعیة فی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 55
الیوم الذی قتل فیه أبوه، و أخذ البیعة من جمیع المسلمین أمراؤه فی البواحی و البلدان، فأمنت البلاد و طابت قلوب العباد و انتظمت مصالح المسلمین لحسن مساعیه، و انضبطت الحوادث بیمن مراعیه، فبلغ من الشرف منتهاه و من سنام المعالی أعلاه.
و کان متیقظا بعید الهمم یسر اللّه له من الهیبة عند الأعداء و الحشمة فی قلوب الرعایا ما لم یره أحد. و کانت له المعرفة التامة فی تفسیر القرآن، أخذ العلم عن الشیخ محمد بن عبد الوهاب، فأقام مدة سنین یقرأ علیه، ثم کان یلازم علی مجالس الدرس عنده، و له معرفة فی الحدیث و الفقه و غیر ذلک بحیث إنه إذا کتب نصیحة لبعض رعایاه من المسلمین أتی فیها بالعجب العجاب، و بهرت عقول أولی الألباب، و کان أول ما یصدر النصیحة الرصینة بتقوی اللّه تعالی، و تعریف نعمة الإسلام و تعریف التوحید، و الاجتماع بعد الفرقة، ثم الحظ علی الجهاد فی سبیل اللّه ثم الزجر عن جمیع المحظورات من الزنا و الغیبة و النمیمة و قول الزور و المعاملات الربویة و غیر ذلک، و کل نوع من ذلک یأتی علیه بالأدلة من الکتاب و السنة و کلام العلماء.
فمن وقف علی شی‌ء من مراسلاته و نصائحه عرف بلاغته و وفور علمه، و إذا تکلم فی المحافل بنصیحة أو مذاکرة بهر عقل من لم یکن قد سمعه، و خال فی نفسه أنه لم یسمع مثل قوله و صفی منطقه.
و علیه الهیبة العظیمة التی ما سمعنا بها فی الملوک السالفة بحیث أن ملوک الأقطار لا تتجاسر علی مراجعة الکلام و لا ترفق بأبصارها إجلالا له و إعظاما، و هو مع ذلک فی الغایة من التواضع للمساکین و ذوی الحاجة، و کثیر المداعبة و الانبساط لخواصه و أصحابه.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 56
و کان ذا رأی باهر و عقل وافر، و مع ذلک إذا أهمه أمر و أراد إنفاذ رأی أرسل إلی خواصه من رؤساء البوادی و استشارهم، فإذا أخذ رأیهم و خرجوا من عنده أرسل إلی خواصه و أهل الرأی من أهل الدرعیة ثم أخذ رأیهم، فإذا خرجوا أرسل إلی أبناء الشیخ و أهل العلم من أهل الدرعیة و استشارهم، و کان رأیه یمیل إلی رأیهم و یظهر لهم ما عنده من الرأی.
و کان ثبتا شجاعا فی الحروب محببا إلیه الجهاد فی صغره و کبره.
بحیث أنه لم یتخلف فی جمیع المغازی و الحج و یغزو معه جملة من العلماء من أهل الدرعیة و أهل النواحی، و یستخلف فی الدرعیة أحد بنیه، و کثیرا ما کان یستخلف ابنه عبد اللّه. و یغزوا معه إخوته و بنوه و بنوا عمه عبد اللّه، کل واحد من هؤلاء بدولة عظیمة من الخیل و الرکاب و الخیام و الرجال و ما یتبع ذلک من رحایل الأزواد و الأمتاع للضیف و غیره.
فقام فی الجهاد و فتح أکثر البلاد فی أیام أبیه و بعد موته. و أعطی السعادة فی مغازیه، و لا أعلم إن هزم له رایة بل نصر بالرعب الذی لیس له نهایة. و کل أیامه مواسم و مغازیه غنایم. و قذف اللّه الرعب فی قلوب أعدائه فإذا سمعوا بمغزاه و معداه هرب کل منهم و ترک أخاه و أباه و ماله و ما حواه.
فأما سیرته فی مغازیه فکان إذا أراد أن یغزو إلی جهة الشمال أظهر أنه یرید الجنوب أو الشرق أو الغرب، و إذا کان یرید جهة من تلک الجهات، ورّی بغیرها و أرسل إلی جمیع البوادی ... رجال ... من
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 57
أقطار الجزیرة للغزو معه و واعدهم یوما معلوما، فلا یتخلف أحد منهم عن ذلک الیوم و الموضع و واعد أیضا جمیع المسلمین من أهل البلدان موضعا معلوما فیسارع الجمیع إلیه قبله، ثم یرکب من الدرعیة إما یوم الخمیس أو یوم الاثنین، فیخرج الناس قبله بیومین أو ثلاثة و بعده بیومین أو ثلاثة و فی کل هذه الأیام و الوادی یستاسع و یضیق لا یجد السالک فیه طریقا من عظم ما یمشی فیه من الخیل الجیاد و النجایب، و العمانیات الثمینة و رحایل الخیام و الأمتاع و الأزواد.
و تخرج رحایل زهبته و زهابع و آلات ضیفه، و علیق الخیل قبله بنحو خمسة عشر یوما، فإذا أراد الخروج من الدرعیة وقفت له کتایب الخیل فی الوادی و عند القصر و الرجال و النساء و الأطفال ینتظرون خروجه ثم یخرج من القصر و یدخل مسجد الجامع الذی عنده قصره فیصلی فیه و یطیل الصلاة، فإذا فرغ من صلاته رکب جواده، فلا یتکلم بکلمة إلّا السلام حتی یأتی الموضع الذی یرید نزوله بین الدرعیة و العینیة و یسیر معه فی ذلک الیوم کثیر من الضعفاء و المساکین و الولدان و أهل الحاجة فیقضی حاجاتهم تلک اللیلة، ثم یرحل.
فإذا سار وجد جمیع المسلمین مجتمعین علی قواعد، فیسیر بجمیع المسلمین الحاضر و الباد، و ینزل فی المنزل قبل غروب الشمس و یرحل قبل شروقها و یقیل الهاجرة، و لا یرحل حتی یصلی صلاتی الجمع الظهر و العصر و یجتمع الناس عنده للدرس بین العشائین کل یوم، إلّا قلیلا، و عند کل ناحیة من المسلمین، و رتب فی کل ناحیة إماما یصلی بعد الإمام الأول الذی یصلی بالعامة، فیصلی الثانی بالذین یحفظون متاع أصحابهم و یطبخون لهم فی صلاتهم و ذلک لئلا یصلوا فرادی.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 58
فإذا قرب من العدو نحو ثلاثة أیام بعث عیونه أمامه، ثم عدا فلا یلبث حتی یبغتهم و ینزل قریبا منهم، فلا یوقد عند جمیع المسلمین تلک اللیلة نار و لا کأنهم نزلوا بتلک الدیار، ثم ینادی المنادی لجمیع المسلمین بعد صلاة العصر أن یحضروا عند سعود، فیجتمعون عنده ثم یقوم فیهم و یذکرهم ما أنعم اللّه علیهم من الاجتماع علی کلمة الإسلام، و أن سببه العمل بطاعة اللّه و الصبر فی مواطی‌ء اللقاء، و أن النصر لا ینال إلّا بالصبر و ما وعد اللّه الصابرین وعد الفارین المدبرین، و یتلوا علیهم قوله تعالی:
وَ مَنْ یُوَلِّهِمْ یَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَیِّزاً إِلی فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَ مَأْواهُ جَهَنَّمُ وَ بِئْسَ الْمَصِیرُ [الأنفال: 16]، و یزجرهم عن الغلول الذی هو سبب الکسر و الخذلان، و ما توعد اللّه من غل فی کتابه و ما ورد عن النبی صلّی اللّه علیه و سلّم من الترهیب عنه.
یزجرهم أیضا عن العجب بالکثرة و الزیادة فی النفوس، التی هی سبب الفشل و الانهزام، و یذکر ما قال الرجل فی حنین: لم نغلب الیوم عن قلة حتی و لو ... ، ثم أنزل اللّه سکینته علی رسوله و علی المؤمنین، فإذا فرغ انصرفوا إلی مواضعهم و محاطهم حتی یتبین أول الصبح، و کان قد أمر بعض الأعراب أن یبکروا بالصلاة علی أوله و یشفوا الغارة، فإذا صلّی الصبح رکب بالمسلمین و ضجوا بالتکبیر، فیغیب الذهن فی تلک الساعة و یوقن المسلمون بالنصر، فیوقع اللّه بأسه فیمن قصدته تلک الجموع، فلا یرفع السیف إلّا عن من لا یبلغ الحلم أو امرأة أو شیخ کبیر، و تؤخذ جمیع الأموال.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 59
ثم رحل عن حصار القوم بجمیع تلک الغنائم مع البادی و الحاضر.
و ینزل قریبا منها علی بعض المیاه فتعزل الأخماس و تباع الغنائم بدراهم، و تقسم علی جمیع المسلمین للرجل سهم، و للفرس سهمان، ثم یرحل إلی وطنه، و یأذن لأهل النواحی یرجعون إلی أوطانهم.
و أما سیرته فی مجالسه للناس و فی الدرس: فهو أنه إذا کان وقت طلوع الشمس جلس الناس من أهل الدرعیة و غیرهم للدرس، فی الباطن المعروف بالموسم الذی فیه البیع و الشراء، إن کان فی الصیف فعند الدکاکین الشرقیة، و إن کان فی الشتاء فعند الدکاکین الغربیة.
و یجمع جمع عظیم کل حلقة خلفها حلقة لا یحصیهم العدو و یخلی صدر المجلس لسعود و بنیه، و عمه عبد اللّه و بنیه، و إخوانه عبد اللّه و عمر و عبد الرحمن و أبناء الشیخ فیأتی أبناء الشیخ و یجلسون ثم یأتی عمه و بنوه و إخوانه، و یأتی کل رجل من هؤلاء بحشمه و خدمه و یجلسون عند أبناء الشیخ، ثم یأتی أبناء سعود أرسالا أرسالا کل واحد منهم یأتی بدولة عظیمة من خواصه و حشمه و خدمه، فإذا أقبل أحدهم علی تلک الحلقة لم یقوموا لهم، و هم لا یرضون بذلک، بل کل رجل من أهل ذلک المجلس یمیل بکتفه حتی یخلص إلی مکانه عند أعمامه، و یجلس من کان معه فی طرف الحلقة.
فإذا اجتمع الناس خرج سعود من القصر و معه دولة و جلبة عظیمة تسمع جلبتهم کأنما جلبة النار فی الحطب الیابس من قرع السیوف بعضهما فی بعض من شدة الازدحام، لا تری فیهم الأبیض من الرجال إلّا نادرا بل کل ممالیکه عبید سود، و معهم السیوف الثمینة المحلاة بالذهب و الفضة،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 60
و هو بینهم کالقمر تبین فی فتق سحاب، فإذا أقبل علی ذلک المجلس تأخر الذین فی طریقه لئلا یطؤهم العبید حتی یخلص إلی مکانه، فیسلم علی الکافة ثم یجلس بجانب عبد اللّه بن الشیخ و هو الذی علیه القراءة فی ذلک، و یجلس أکثر من معه فی طرف الحلقة، فإذا تکامل سعود جالسا التفت العلماء و الرؤساء من المسلمین عن یمینه و شماله فسلموا علیه ورد علیهم السلام، ثم یشرع القاری فی التفسیر.
حضرت القراءة فی ذلک الدرس فی تفسیر محمد بن جریر الطبری و حضرته أیضا فی تفسیر بن کثیر، فإذا فرغ الدرس نهض سعود قائما و دخل القصر و جلس فی منزل من منازله القریبة للناس و رفعوا إلیه حوائجهم حتی یتعالی النهار و یصیر وقت القیلولة فیدخل إلی حرمه.
فإذا صلّی الناس الظهر أقبلوا إلی الدرس عنده فی قصره فی موضع بناه فیه بین الباب الخارج و الباب الداخل علی نحو خمسین ساریة، جعل مجالسه ثلاثة أطوار کل مجلس فوق الآخر. فمن أراد الجلوس فی الأعلی أو الأوسط أو الذی تحته أو فوق الأرض اتسع له ذلک. ثم یأتی إخوانه و بنوه، و عمه و بنوه و خواصه علی عادتهم للدرس، و یجلسون مجالسهم، ثم یأتی سعود علی عادته و لم یحضر ذلک المجلس أحدا من أبناء الشیخ فإن هذا الوقت عند کل واحد منهم طلبة علم یأخذون عنهم إلی قریب العصر.
و العالم الذی یجلس للتدریس فی هذا الموضع إمام مسجد الطریف عبد اللّه بن حماد، و بعض الأحیان القاضی عبد الرحمن بن خمیس إمام مسجد القصر. و یقرأ اثنان فی تفسیر بن کثیر و ریاض الصالحین فإذا فرغ
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 61
من القراءة سکت، ثم ینتهض سعود و یشرع فی الکلام علی تلک القراءة و یحقق کلام العلماء و المفسرین، فیأتی بکل عبارة فائقة و إشارة رایقة، فتمتد إلیه الأبصار و تحیر من فصاحته الأفکار، و کان من أحسن الناس کلاما و أعذبهم لسانا و أجودهم بیانا.
فإذا سکت قام إلیه أهل الحوایج من أهل الشکایات من أهل البوادی و غیرهم و کان کاتبه علی یساره، فهذا قاض له حاجة و هذا کاتب له شکایة و هذا دافعه و خصمه إلی الشرع، فیجلس مکانه ذلک نحو ساعتین حتی ینقضی أکثرها.
ثم ینهض قایما و یدخل القصر و یجلس فی مجلسه فی المقصورة و یصعد إلیه کاتبه و یکتب جوابات تلک الکتب التی رفعت إلیه فی ذلک المجلس إلی العصر، و یتخلص للصلاة، فإذا کان بعد صلاة المغرب اجتمع الناس للدرس عنده داخل القصر فی سطح مجلس الظهر المذکور، و جاء إخوانه و بنوه، و عمه و خواصه علی عادتهم و لا یتخلف أحد منهم فی جمیع تلک المجالس الثلاثة إلّا نادرا، و یجتمع جمع عظیم من أهل الدرعیة و أهل الأقطار ثم یأتی سعود علی عادته فإذا جلس شرع القاری‌ء فی صحیح البخاری.
و کان العالم الجالس للتدریس فی ذلک الموضع سلیمان بن عبد اللّه بن الشیخ محمد بن عبد الوهاب، فیا له من عالم نحریر و حافظ متقن خبیر، إذا شرع یتعلم علی الأسانید و الرجال و الأحادیث و طرقها و رواتها لا یعرف غیرها من و حفظه إلی وقت العشاء الآخر.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 62
و أما الصلاة المکتوبة فکان یصلیها فی مسجد قصره و یصلی معه فیه قیام من الناس، إلّا یوم الجمعة فإنه یصلی مع الناس فی مسجد الطریف المشار إلیه، و هو المسجد الجامع تحت القصر شماله فی موضع بناه فوق المحراب و المنبر، و خاصة ممالیکه و اثنان و ثلاثة من خواصه، و جعل علی ذلک المصلی طریقا من القصر یأتی إلیه من قبلة المسجد عند المحراب، و کان یقف خاصة إذا دخل فی الصلاة و هو فی مسجد قصره وقف اثنان من شجعان ممالیکه بسیوفهم، خوفا علیه، حتی یفرغ من الصلاة، و أما إذا کان فی مغازیه و حججه فکان إذا دخل فی الصلاة أوقف ستة من شجعان ممالیکه و خاصته منهم بسیوفهم، اثنان عند وجهه و اثنان خلفه، بینه و بین الصف الثانی، و اثنان خلف الصف الثانی.
و أما سیرته بتصنیف فذکر لی: أن خازنه یخرج لضیفه کل یوم خمسمائة صاع من البر و الأرز، و کان المضایفی الموکل بالضیف یدعو أضیافه للعشاء من بعد الظهر إلی بعد العشاء الآخرة، و کان أول داخل طعامهم اللحم و الأرز و الخبز، و الذین من بعدهم قریبا منهم، و الباقی حنطة خالصة.
و أما الغداء فمن طلوع الشمس إلی اشتداد النهار، علی مراتبهم فی العشاء.
و أما عطاؤه للرعیة و بث الصدقة فیهم فلیس لی بها معرفة إلّا قلیلا، و کان یرسل فی کل زمان إلی أهل کل ناحیة و بلد صدقة ألف ریال، و أقل و أکثر لکل ناحیة أو بلد.
و تفرق علی ضعفائهم و أئمة المساجد و المؤذنین و طلبة العلم و أئمة مساجد النخیل و معلمة القرار.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 63
و هذا دائم فی زمنه و زمن أبیه عبد العزیز و هو فی عبد العزیز أکثر حتی إن عبد العزیز یرسل دراهم یشتری بها قهوة لأهل القیام فی رمضان فی المساجد فی جمیع البلدان، و کان إذا دخل رمضان قصده مساکین أهل نجد، کل أعمی و زمن و نحوهم فی الدرعیة، فکان سعود لکل لیلة یدخلهم للعشاء و الإفطار عنده فی القصر مع کثرتهم، و یعطی کل رجل منهم جدیدة، و هی فی تلک الأیام خمس ریال فإذا دخلت العشر الأواخر من رمضان أدخلهم أرسالا، کل لیلة یکسی منهم جملة، یعطی کل مسکین عباتا و محرمة و جدیدة، فإذا فرغت العشر فإذا هو قد کساهم إلّا نادرا.
و ذکر لی رجل عندهم فی القصر یعلم القرآن قال: کان سعود فی آخر ولایته یجمع المساکین یوم سبع و عشرین رمضان و یدخلهم فی قوع الشریعة: الموضع المعروف فی قصره، و یفرق علیهم کسوتهم المذکورة، کل رجل علی عادته. قال: و هم نحو ثلاثة آلاف رجل.
قال: و ملک من الخیل العتاق ألفا و أربعمائة فرس، یغزو معه منها یتمایة فرس یرکبها رجالا انتقاهم من شجعان البوادی و شجعان ممالیکه و غیرهم، قال: و ممالیکه الذکور خمسمائة. و قال: غیره ستمائة الذکور، و قال: آخرون ممالیکه ألف و مائتان الذکور و الإناث. و الذی یظهر من القصر آخر رمضان ألف و ثلاثمائة فطرة عن خدمه و عبیده، و ما فی قصره من الأیتام.
قال: و عنده من المدافع ستون مدفعا، منها ثلاثون کبارا.
و کان الذی یتبعه فی مغازه من الجیوش و الخیل و الجیاد من النواحی و البوادی من جمیع القبائل لا یحصیها العد، و لا یبلغها الحصر و الحد،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 64
فلو تخلف أحد من البوادی بفرسه عن الغزو، أو تخلف من تعین علیه الأمر من رؤسائهم أو من دونهم، أدب أدبا بلیغا و أخذ من ماله نکالا.
و إذا أراد أن یرحل قبیلة من قبایل بوادی نجد العظام کمطیر و عنزة و قحطان، أو غیرهم فی أقصی الشمال، یرحلون و ینزلون فی الجنوب أو الشرق، أو الغرب لم یمکنهم مخالفته، و نشأ علی ذلک الصغیر و شاب فیه الکبیر.
و جلس یوما فیصل بن وطبان الدویش رئیس أعراب مطیر، و الحمیدی بن عبد اللّه بن هذال رئیس بوادی عنزة- و کان هؤلاء من أشد البوادی عداوة بعضهم لبعض- عند سعود فی صیوانه و هو مقیم علی بلد دویش، المعروفة فی ناحیة القصیم و ذلک فی غزوة الحناکیة سنة ثمان و عشرون و مائتین و ألف.
و تنازعا بین یدیه و تفاخرا و أظهرا نخوة الجاهلیة. فقال أحدهما لصاحبه: أحمد اللّه علی نعمة الإسلام و سلامة هذا الإمام الذی أطال اللّه عمرک بسببه بعد أن کان ... لا یشبون و لا ینتهون إلی حده بل نقتلهم قبل ذلک، و قال له الآخر: أحمد اللّه علی نعمة الإسلام و سلامة هذا الإمام الذی کثر اللّه بسببه مالک، و سلم عیالک، و لو لا ذلک لم تملک علی ما نالک، و لا نزلته فی تلک الدیار، و لا استقر بک فیها قرار.
فانتهض سعود و زجرهم، و ذکرهم ما أنعم اللّه علیهم بالإسلام و الجهاد و الجماعة و الاجتماع علی الصلوات و الدروس، و الأمر بالمعروف و النهی عن المنکر. و ما أعطاهم اللّه فی ضمن ذلک من الأموال و کثرة
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 65
الرجال و أمان السبل، و أن الرجال من البوادی و غیرهم یترک خیله و إبله فی أی موضع شاء لا یخشی علیها أحدا إلّا اللّه تعالی، فانکفوا عما هم فیه و تراجعوا الحدیث فیما بینهم شکروا اللّه تعالی علی ما أعطاهم، و أولاهم من النعم، و زال عنهم من الظلم و الجور و القتال و العدوان و الإثم.
و أما الرعیة فی زمانه فتقدم بیانه فی ترجمة أبیه عبد العزیز بما فیه کفایة إن شاء اللّه تعالی.
و کان الراکب و الراکبان و الثلاثة یسیرون بالأموال العظیمة من الدرعیة و الوشم و غیرهما من النواحی إلی أقصی الیمن، و ینبع البحر، و البر و عمان و غیر ذلک. لا یخشون أحدا إلّا اللّه، لا مکابرا و لا سارقا.
و أما عماله الذین یبعثهم لقبض زکاة الإبل و الغنم من بوادی جزیرة العرب مما وراء الحرمین الشریفین، و عمان و الیمن و العراق و الشام، و ما بین ذلک من بوادی نجد، فذکر لی بعض خواص سعود ممن قد صار کاتبا له قال: کان یبعث إلی تلک البوادی بضعا و سبعین عاملة، کل عاملة سبعة رجال، و هم أمیر و کاتب و حافظ دفتر، و قابض للدراهم التی تباع إبل الزکاة و الغنم، و ثلاثة رجال خدام لهؤلاء الأربعة لأوامرهم و جمع الإبل و الأغنام المقبوضة فی الزکاة و غیر ذلک، و ذلک من غیر عمال نواحی البلدان من الحضر لخرص الثمار، و عمال زکاة العروض و الأثمان و غیر ذلک.
و أخبرنی ذلک الرجل أن سعودا بعث عماله لبوادی الغز المعروفین فی ناحیة مصر، و بعث عماله أیضا لبوادی یام فی نجران و قبضوا من الجمیع الزکاة.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 66
قال و أتی عمال الفدعان المعروفین من بوادی عنزة بزکاتهم بلغت أربعین ألف ریال من غیر ما أخرج العمال، و تمان أفراس من الخیل الجیاد. و قال: هذا أکثر ما تأتی به العمالة من تلک العمال کل سنة و أقل ما تأتی به العمالة من أولئک العمال المذکورین ثلاثة آلاف ریال و ألفین و نصف.
قال و الذی یأخذ سعود علی بندر الحیر فی الیمن مایة و خمسین ألف ریال، و هو لا یأخذ إلّا ربع العشر و من بندر الحدیدة نحو ذلک.
و یأتی من بوادی عنزة أهل خیبر شی‌ء کثیر. و قال: و الذی یحصل من بیت مال الأحساء یقسم أثلاثا: ثلثا یدخره لثغوره، و خراجا لأهلها و المرابطة فیه، و ثلثا خراجا لخیالته و رجالته و نوابه و ما یخرجه لقصره و بیوت بنیه و بیوت آل الشیخ و غیرهم فی الدرعیة، و ثلثا یباع بدراهم.
و تکون عند عیالة لعطایاه و حوالاته. قال: و یحصل بعد ذلک ثمانون ألف ریال تظهر للدرعیة، قلت: و أما غیر ذلک مما یجی‌ء إلی الدرعیة من الأموال من القطیف و البحرین و عمان و الیمن و تهامة و الحجاز و غیر ذلک، و زکاة ثمار نجد و عروضها و أثمانها لا یستطیع أحد عده. و لا یبلغه حصره و لا حده، و ما ینتقل إلیها من الأخماس و الغنائم أضعاف ذلک.
و کان رحمه اللّه تعالی آمرا بالمعروف ناهیا عن المنکر، کثیر الحض علی ذلک فی مجالسه و مراسلاته للمسلمین. ناصرا لأهله محببا إلیه أهل العلم و طلبته و یعظمهم و یکرمهم و یجزل عطایاهم.
و یلزم أهل البلدان بإکرامهم و تعظیمهم، و کان یحب أن یسمع القرآن من غیره. فکان فی مغازیه و حججه، إذا رکب مطیته اجتمع معه خلایق
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 67
عظیمة، من رؤساء المسلمین و ممالیکه، علی نجائب علیها من کل زینة فاخرة فیحفون به إذا سار، ثم یأمر رجلا من طلبة العلم و حفظ القرآن حسن الصوت جهیرا مجودا یتلوا علیهم سورة من القرآن.
ثم تخضع تلک الخلایق لکلام اللّه، و ینصتون له و هو أشدهم خضوعا و إنصاتا حتی یفرغ منها، ثم یأمره بقراءة سورة أخری، یفعل ذلک فی جمیع غزواته و حججه کل یوم إلّا قلیلا، و یفعل ذلک فی الدرعیة أیضا.
و کان کثیرا إذا دخل المسجد خصی علی قاری‌ء حسن الصوت مجودا فأمره أن یقرأ علیهم سورة من القرآن أو سورتین.
و قال فیه بعض شعراء عمان من قصیدة طویلة:
إذا جزت باب السیف تلقاه فارساو إن جزت باب العلم تلقاه عالما
و إن جزت باب الخوف تلقاه مخافةو إن جزت باب السلم تلقی مسالما
و إن جزت باب الدین تلقی دیانةو إن جزت باب الحکم تلقاه حاکما
و لو تتبعت فضائله و هیبته فی القلوب و نائله و غزواته و فتوحاته و ما مدح به من الأشعار من أقاصی الأقطار فی حیاته، و ما رثاه به الشعراء بعد وفاته لم یسعه کتاب کبیر. و لکن هذا قلیل من کثیر.
و بالجملة فمحاسن هؤلاء الأمجاد و فضائلهم و محامدهم التی ملأت أقطار البلاد، الذی أزال اللّه بأولهم الجهل عن الناس و المحن، و بآخرهم الظلم و الجور و البغی و الفتن، لو جمعت لبلغت أسفارا من الکتب، و لرأیت العجب.
و کفی بفضلهم ما تقدم قبل أولهم و آخرهم من المنکرات، فبذلوا
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 68
جهدهم و جدهم فی زوالها حتی طمست معالمها، و عمل بالطات أعنی بأولهم محمد و ابنه عبد العزیز، و ابنه سعود، بآخرهم ترکی و ابنه فیصل قاتل البغاة و نقاض العهود.
و کان أمیره فی الأحساء إبراهیم بن سلیمان بن عفیصان، و علی القطیف أحمد بن غانم، و علی البحرین سلیمان بن خلیفة، و علی عمان سلطان بن صقر بن راشد، ثم عز له و جعل مکانه ابن أخیه حسن بن رحمة.
و علی الجیوش فی عمان مطلق المطیری، و علی واد الدواسر ربیع بن زید الدوسری، و علی ناحیة الخرج عبد اللّه بن سلیمان بن عفیصان، و علی الطور و تهامة عبد الوهاب المعروف بأبی نقطة، فلما قتل جعل مکانه طامی بن شعیب من عشیرة عبد الوهاب، و علی بیشه و نواحیها سالم بن شکبان ثم بعده ابنه فهاد. و علی رنیة و نواحیها مصلط بن قطنان، و علی الطایف و الحجاز عثمان بن عبد الرحمن المضایفی، و علی مکة غالب بن مساعد الشریف، و علی المدینة المنورة حسن قلیعی، و علی ینبع جابر بن جبارة الشریف، و علی جبل شمر و الجوف محمد بن عبد المحسن بن فایز بن علی، و علی ناحیة القصیم حجیلان بن حمد، و علی ناحیة سدیر حمد بن سالم من أهل العینیة، ثم عزله و جعل مکانه عبد الکریم بن معیقل من أهل قراین الوشم، و علی ناحیة الوشم محمد بن إبراهیم بن غیهب المعروف بالجمیح، و علی المحمل ساری بن یحیی بن سویلم.
و کان قاضیه علی الدرعیة عبد اللّه بن الشیخ محمد بن عبد الوهاب، و علی بن حسین بن الشیخ محمد بن عبد الوهاب، و عبد الرحمن بن
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 69
حسن بن الشیخ محمد بن عبد الوهاب، و سلیمان بن عبد اللّه بن الشیخ محمد بن عبد الوهاب، و أحمد بن ناصر بن عثمان بن معمر و عبد الرحمن بن خمیس إمام القصر.
و قاضیه علی الأحساء محمد بن سلطان العوسجی من أهل؟؟؟
ثادق، فلما توفی جعل مکانه عبد الرحمن بن نامی من أهل بلد العینیا؟؟؟
و علی القطیف محمود الفارسی مهاجر من أهل فارس، و علی تهامة؟؟؟
الحفظی، و علی الیمن حسن بن خالد الشریف، و علی الطائف و؟؟؟
الحجاز عبد اللّه بن عبد الرحمن أبا بطین من أهل روضة سدیر،؟؟؟
جبل شمر عبد اللّه بن سلیمان بن عبید من أهل بلد جلاجل، و علی؟؟؟
و ما حولها عبد العزیز بن سویلم من أهل الدرعیة، و علی عنیزة، و؟؟؟
حولها غنیم بن سیف: أخا شیخنا إبراهیم بن سیف: القاضی فی الریاض زمن ترکی و ابنه فیصل من آل بلد ثادق، فلما توفی غنیم المذکور جع؟؟؟
مکانه عبد اللّه بن سیف.
و علی ناحیة الوشم عبد العزیز بن عبد اللّه الحصین، و علی؟؟؟
سدیر شیخنا علی بن یحیی بن ساعد، و علی ناحیة منینح عثمان عبد الجبار بن شبانة و علی حریملا و المحمل عبد الرحمن بن عبد المح؟؟؟
أبا حسین، و علی ناحیة الخرج علی بن حمد بن راشد العرینی الذی؟؟؟؟
کان قاضیا لعبد العزیز فی ناحیة سدیر.
و علی المدینة أحمد إلیاس الأصطنبولی الحنفی، و أحمد بن؟؟؟
الحنبلی.
و أما مکة فأقر فیها قضاتها، ثم أرسل إلیها سلیمان بن عبد اللّه
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 70
الشیخ محمد بن عبد الوهاب، فأقام فیها مدة قاضیا و رجع.
و أما غیر ذلک من النواحی فکان یبعث إلیها القاضی نحو سنة ثم یرجع.
و کانت وفاته لیلة الاثنین حادی عشر جمادی الأولی من هذه السنة، فکانت ولایته عشر سنین و عشرة أشهر إلا أیاما.
و موته کان سببه علة وقعت أسفل بطنه أصابه فیها مثل حصر البول رحمه اللّه تعالی و عفی عنه، و هذا آخر ما وجدت من مختصر المصنف عثمان بن عبد اللّه بن بشر الذی اختصره من کتابه الذی سماه عنوان المجد فی تاریخ نجد.
ثم إن الفقیر إلی رحمة ربه القدیر: إبراهیم بن محمد بن عبد الجبار بن مولی بن عتیق نظر فی کتاب المصنف عثمان بن عبد اللّه بن بشر؛ و أراد أن ینتقی منه طرفا اختصارا، یزید به مختصر المصنف مما لم یذکره فیه، و أن یجعل ما أراد ذکره من أوائل بعض السنین السابقة قبل سنی هذا الکتاب متحدة متوالیة، و هی التی نبه المصنف علیها بقولة سابقة.
فقال: و فی سنة خمسین و ثمانمائة اشتری حسن بن طوق جدال معمر المعینیة من آل یزید أهل الوصیل و النعمیة، الذین من ذریتهم آل دغیثر الیوم، و کان مسکن حسن ملهم. فانتقل منه إلیها و استوطنها و عمرها و تتداولها ذریته من بعده.
و الوصیل المذکور موضعان معروفان فی الوادی أعلا الدرعیة.
و فیها قدم مانع بن ربیعة من بلدهم القدیمة المسماة بالدرعیة عند القطیف
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 71
قدم منها علی بن درع صاحب حجر و الجزعة، المعروفین قرب الریا؟
و کان من عشیرته فأعطاه ابن درع الملیید و غصیبه المعروفین فی الدرعین؟؟؟
فنزل ذلک و عمره، و اتسع بالعمارة و الفرس فی نواحیه عمرها ذریته بعده و جیرانهم.

و فی سنة اثنی عشر و تسعمائة:

حج بن زامل شیخ الأح؟؟؟
و نواحیه فی جمع یزیدون علی ثلاثین ألف.
ذکر صاحب «الأعلام» عجیبة، و هی ظهور شاه إسماعیل حیدر بن جنید الصوفی فأردت أن أذکر قوله ملخصا قال: کان له؟؟؟
عجیب و استیلاء علی ملوک العجم یعد من الأعاجیب.
فتک فی البلاد و سفک دماء العباد، و أظهر مذهب؟؟؟
و الإلحاد. و غیر اعتقاد العجم إلی الانحلال و الفساد، و اللّه سبح؟؟؟
و تعالی یفصل فی ملکه ما أراد. و تلک الفتنة باقیة إلی الآن فی جمیع؟؟؟
البلاد.
و کان شاه إسماعیل هذا من بیت یعتقدون فیهم العجم؟؟؟
و یدعون الإسلام، و یظهرون شعار أهل السنة، و هم من روادهم.؟؟؟
شاه إسماعیل فی بیت صایغ یقال له نجم فی بلاد الأهجان.
و بلاد الأهجان فیها کثیر من الفرق الضالة، کالرافضة و؟؟؟
و الزیدیة، و غیرهم، فتعلم إسماعیل فی صغره مذهب الرفض، و لم؟؟؟
الرفض غیر شاه إسماعیل. و کان مستخفیا فی بیت ذلک الصایغ، و یأتیه مرید والده خفیة.
و یأتونه بالنذور یعتقدون فیه، و یطوفون بالبیت الذی هو فیه، إلی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 72
کثرت داعیة الفساد، فخرج و من معه من الأهجان، و أظهر الخروج لأخذ ثأر والده و جده و عمره یومئذ ثلاثة عشر سنة.
و کلما سار منزلا کثر علیه داعیة الفساد و اجتمع عساکر کثیرة.
و قصد مملکة شروان شاه قاتل أبیه و جده، و خرج لمقاتله فانهزم عسکر شروان و أسر شروان و أتوا به إسماعیل. فأمر أن یضعوه فی قدر کبیر و یطبخوه و یأکلوه، ففعلوا.
ثم حصل له وقعات کلها ینتصر فیها. و استولی علی خزاین عظیمة. و کان لا یمسک شیئا من الخزائن بل یفرقها فی الحال. ثم صار لا یتوجه إلی بلاد إلا أخذها و یقتل جمیع من فیها، و ینهب أموالهم إلی أن ملک تبریز و أذربیجان، و بغداد و عراق العرب، و عراق العجم، و خراسان.
و کان یدعی الربوبیة و کان یسجد له عساکره، و یأتمرون بأمره. و قتل خلقا لا یحصون، بحیث لا یعهد فی الإسلام و لا فی الجاهلیة، و لا فی الأمم السابقة من قتل من النفوس مقدار ما قتله شاه إسماعیل.
و قتل عدة من أعاظم العلماء، بحیث لم یبق من أهل العلم فی بلاد العجم و أحرق جمیع کتبهم و مصاحفهم، و کلما مر بقبور المشایخ نبشها و أحرق عظامها، و إذا قتل أمیرا من الأمراء أباح زوجته و أمواله لشخص آخر.
و سقط مرة مندیل من یده إلی البحر. و کان علی جبل شاهق مشرف علی البحر المذکور. فرمی نفسه خلف المندیل من عسکره فوق ألف نفس کلهم تحطموا و تکسروا و غرقوا.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 73
و کانوا یعتقدون فیه الألوهیة و أنه لا ینکس و لا ینهزم إلی غیر ذلک من الاعتقادات الفاسدة.
و لما وصلت أخباره إلی السلطان سلیم خان انتدب إلیه فتهیأ لقتاله، و جمع الجموع لجلاده و جداله، و جر الخمیس العرمرم و التقی العسکران بمکان یقال له جالدران بقرب تبریز رتب السلطان سلیم عسکره و تنزل النصر من اللّه. فتجالد الفریقان بجالدران، فانهزم شاه إسماعیل و؟؟؟ ولی فرارا؛ فقتل غالب جنوده و أمرائه.
و ساقت العساکر العثمانیة من ورائه و کادوا أن یقبضوا علیه ففر من بین أیدیهم و هم ینظرون إلیه. فغنم السلطان سلیم جمیع ما فی مخیمه من أثاث و متاع و غیر ذلک و کان لا نظیر له.
و أعطی الرعیة الأمان، و ذلک فی نیف و عشرین و تسعمائة من الهجرة.

و فی سنة ثلاث و عشرین و تسعمائة:

بعد ما دخل السلطان سلیم مصر و أخذه من قانصوه الغوری الجرالسی ولی بمصر قضاء الحنابلة أحمد بن النجر الحنبلی قاضی قضاة مصر، و هو والد الشیخ تقی الدین محمد صاحب المنتهی و قاضی مصر، و هو آخر قضاة الإسلام بمصر الذین من العرب، لأنه أنصاری من بنی النجار.

و فی سنة ثمان و أربعین و تسعمائة:

توفی الشیخ العالم أحمد بن یحیی بن عطوة بن زید التمیمی من آل رحمة، الحنبلی. دفن فی بلد الحبیلة المعروفة فی العارض، و کان له الید الطولی فی الفقه.
و فی السنة ثمان و ستین و تسعمائة توفی الشیخ العلامة شرف الدین
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 74
أبو النجا موسی بن أحمد بن سالم بن عیسی بن سالم المقدسی الحجاوی الحنبلی مصنف «الإقناع» و «زاد المستقنع مختصر المقنع» و «حاشیة التنقیح» و غیر ذلک. و کان له الید الطولی فی معرفة المذهب و تنقیحه و تهذیب مسائله و ترجیحه، أخذه عن عدة مشایخ أعلام منهم العلامة الزاهد أحمد بن أحمد بن العلوی الشویکی و غیره، و أخذ عنه منهم أحمد بن محمد بن مشرف و الوفاء و أخذ عنه أیضا ابنه یحیی، و زامل بن سلطان قاضی الریاض و غیرهم.
و کانت وفاته یوم الخمیس سابع عشر من ربیع الأول من هذه السنة.
قال العصامی فی «تاریخه» و فی سنة ست و ثمانین و تسعمائة سار الشریف حسن بن أبی نمی صاحب مکة إلی نجد و حاصر معکال- المعروف فی الریاض- و معه من الجنود نحو خمسین ألفا، و طال مقامه فیها. و قتل فیها رجالا و نهب أموالا و أسر منهم أناسا من رؤسائهم، و أقاموا فی جلسة سنة ثم أطلقهم علی أن یعطوه کل سنة ما یرضیه و أمر فیهم محمد بن فیصل انتهی.
قال العصامی فی «تاریخه»: و فی سنة تسع و ثمانین و تسعمائة سار الشریف حسن بن زید بن أبی نمی إلی ناحیة الشرق من نجد فی جیش کثیف و مدافع کبار ففتح مدنا و حصونا تعرف بالبدیع و الخرج و السلمیة «و الیمامة» و مواضع فی شوامخ الجبال.
ثم عین من رؤسائه من ضبطها علی أمور اقترحها و شرطها و عاد راجعا فأخبره بعض عیونه الذی بثها فی البلاد: أن جماعة من شوکة بنی خالد تجمعوا و تحزبوا. و فی طریقک ترصدوا علی جرائد الخیل و کرائم
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 75
الجبال، فوافاه الجیش الخالدی فوجده علی غایة الحذر فتقاربا و تقاتلا ففر الخالدی و انکسر و قتل أکثرهم، و غنم خیلا و إبلا و لم ینج إلّا الهارب.
انتهی.
و فی تمام ألف من الهجرة تقریبا: استولی الترک علی بلد الأحساء. و انقرضت عنه دولة الأجود الجبری و ذویه.

و فی سنة خمسة عشر و ألف:

ظهر محسن بن حسین بن حسن الشریف، و قتل أهل القصیم و نهبهم و فعل الأفاعیل العظیمة. و فیها انتقل الشیخ أحمد بن بسام من ملهم إلی بلد العینیة، و فیها استولی آل حنیحن محمد و عبد اللّه أخوه العاقر علی بلد البئر القریرمه المعروفة، أخذوه من العرینات فعمروه و غرسوه و تداولته ذریة محمد المذکور من بعده، و هو حمد بن محمد و ذریته و هم آل حمد المعروفون إلی الیوم.
و فیها غرس الحصیون القریة المعروفة فی سدیر، و الذی غرسه آل تمیم بتشدید الیاء المثناة من تحت غارسهم علیه صاحب القارة المعروفة بصبحا فی سدیر عند بلد الجنوبیة.

و فی سنة تسعة عشر بعد الألف:

توفی الشیخ بن عفالق قاضی العینیة.

و فی سنة إحدی و عشرین:

مات الشیخ موسی بن عامر قاضی الدرعیة قال مرعی بن یوسف فی «تاریخه»: و فی آخر سنة سبع و عشرین و ألف طلع فی السماء قبیل الفجر عمود أبیض مستطیل کطول منارة، مدة لیال، ثم طلع بعده نجم له ذنب یضی‌ء مستطیل جدّا فأرجف المنجمون بأراجیف و زعموا وقوع أمور مهولة و کذبوا و اللّه و صدق القائل:
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 76 أطلاب النجوم احتلموناعلی خبر أدق من الهباء
کنوز الأرض لم تصلوا إلیهافکیف وصلتم إلی علم السماء
فاللّه تعالی یصلح أحوال المسلمین و یجعل عاقبتهم إلی خیر.

و فی سنة ثلاث و ثلاثین و ألف:

توفی الشیخ العلامة مرعی بن یوسف الحنبلی المقدسی الأزهری. کانت له الید الطولی فی معرفة الفقه و غیره، صنف مصنفات عدیدة فی فنون من العلوم، و ذکر من أکثرها، أنه صنفها فی الجامع الأزهر، فمنها «دلیل الطالب فی نیل الطالب» ذکر أنه وضعه من قرانة علی منصور البهوتی فی «متن المنتهی». قیل: إنه لما أکمله عرضه علی منصور فتعجب منه و قال یا ابنی زبزبت قبل أن تحصرم، و فرغ من تصنیفه سنة تسعة عشر و ألف، سابع شهر رجب یوم السبت.
و صنف «غایة المنتهی فی جمع الإقناع و المنتهی»، و رأیت فی بعض نسخها أنه فرغ من تبییضها سنة ست و عشرین و ألف بالجامع الأزهر.
و صنف مرعی غیر ذلک مصنفات کثیرة: منها کتاب «بهجة الناظرین فی العالم العلوی و السفلی و صفة الجنة و النار». و کتاب «المرجان فی الناسخ و المنسوخ من القرآن»، و کتاب «الدرة المضیئة فی مناقب بن تیمیة»، و کتاب «تشویق الأنام فی حج بیت اللّه الحرام»، و کتاب «نزهة الناظرین فی تاریخ من ولی مصر من الخلفاء و السلاطین»، و کتاب «قلاید العقبات فی فضل سلاطین بن عثمان»، و کتاب «بدایع الإنشاء فی المراسلات و المکاتبات»، و کتاب «دلیل الطالبین لکلام النحویین»، و له غیر ذلک مصنفات فی النحو و غیرها. و له رسائل و فتاوی یتداولها الناس.
و وقع بینه و بین العلامة إبراهیم المیمونی ما یقع بین العلماء
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 77
المتعاصرین. و قد تنازعا فی وضایف بمصر و کانت الغلبة للمیمونی، و ألف مرعی فی شأن ذلک رسالة سماها «النادرة الغریبة مضمونها الشکوی من المیمونی و الحط علیه».
و له دیوان شعر ترکت الإیراد منه خشیة الإطالة فمن قوله:
لئن قلد الناس الأئمة إننی‌لفی مذهب الحبر بن حنبل راغب
أقلد فتواه و أعشق؟؟؟ قوله‌و للناس فیما یعشقون مذاهب
و کانت وفاته بمصر فی شهر ربیع الأول من هذه السنة، رحمه اللّه تعالی و عفی عنه.

و فی سنة تسع و ثلاثین و ألف:

حج مقرن و ربیعة أمیر الدرعیة أبناء مرخان بن إبراهیم بن موسی بن ربیعة بن مانع، و هی سنة انهدام الکعبة المشرفة و بنائها.
قال: و فی سنة تسع و ثلاثین و ألف کثرت الأمطار و رخصت الأسعار، و وقع السیل المشهور و ذلک أنه لما کان یوم الأربعاء تاسع شعبان من العام المذکور حصل بمکة المشرفة مطر ابتداؤه من بین العصرین، و حصل معه درء و استمر کذلک إلی أثناء لیلة الخمیس.
و حصل منه آخر یوم الأربعاء سیل عظیم لم تر الأعین مثله فی هذه الأزمنة القریبة و دخل المسجد الحرام و ملأ غالبه. و دخل الکعبة المشرفة من بابها و وصل إلی نصف جدارها من داخل. و مات بسببه داخل المسجد و خارجه خلق کثیر من کبیر و صغیر و جلیل و امتلأت أرض المطاف بالماء.
ثم لمّا کان بعد صلاة العصر نهار الخمیس سقط الجدار الشامی من الکعبة المشرفة و بعض الجدارین الشرقی و الغربی، فقام بعمارتها السلطان
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 78
مراد بن أحمد بن خان. و نظم الإمام علی بن عبد القادر الطبری اسما من عمر البیت الشریف فقال:
بنی البیت خلق و بیت الإله‌مدی الدهر من سابق یکرم
ملائکة آدم ولده‌خلیل عمالقة جرهم
قصی قریش و نجل الزبیرو حجاج بعدهم یعلم
و سلطاننا الملک المرتضی‌مراد هو الماجد المکرم
و فی عشر الأربعین بعد الألف: استولی الهزازنة علی الحریق و نعام أخذوه من القواوده من سبیع، و الذی أشهر الحریق و غرسه؛ رشید بن مسعود بن سعد بن سعیدان بن فاضل الهزانی الجلاسی الوابلی. و تداوله من بعده ذریته: و هم آل حمد بن رشید بن مسعود المذکور.

و فی سنة إحدی و أربعین و ألف:

خرج زید بن محسن الشریف أمیر مکة جلویا علی نجد. و تولی مکانه نامی بن عبد المطلب من جهة الترک: ثم إنها انهزمت دولته. و تولی زید المذکور و کانت ولایة نامی مایة یوم بعدد حروف اسمه.
و فیها مقتل آل تمیم بتشدید الیاء المثناة تحت قتلوا فی مسجد القارة المعروفة بصبحا فی سدیر.

و فی سنة ثلاث و أربعین و ألف:

حج حاج کبیر من الأحساء أمیر بکر بن علی باشا. و فیها و قیل: فی التی بعدها، وقع حرب فی قارة سدیر المعروفة، قتل فیه محمد بن أمیر القارة عثمان بن عبد الرحمن الحدیثی و غیره، و فیها حج بن معمر و ابن قرشی و أخذهم رکب عایذ.

و فی سنة خمس و أربعین و ألف:

نزل آل أبو أرباع حریملا
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 79
المعروفة و غرسوها، و ذلک أن آل حمد بنی وائل وقع بینهم و بین آل مدلج فی التویم اختلاف، فخرج علیب بن سلیمان آل حمد، و اشتروا بلد حریملا من حمد بن عبد اللّه بن معمر. و کانت فی ملک حمد المذکور بعد ما أخذ ملهم و أجلی منه آل عطیان المعروفین و نزلوا بلد القصب.
ثم إن عبد اللّه ردهم إلی ملهم بعد رؤیا رآها اقتضت ردهم.
ثم إنه حدث فی ملهم و باء و قحط، حتی جلی عنه أکثر أهله و نزلوا فی العینیة.
و أما علی بن سلیمان المذکور فإنه نزل حریملا و هو و بنو عمه سوید و حسن ابنی راشد آل حمد و کذلک جدال عدوان آل مبارک و البکور و غیرهم من بنی وائل نزلوا معهم فیها، و فیها تصالح أهل القارة المعروفة فی سدیر و تصافوا بعد الحرب و نزل نافع و إخوانه جبرة المعروفة فی الریاض.

و فی سنة ست، و قیل:

سنة سبع و أربعین و ألف: وقع غلاء و محل فی البلدان. و کان وقت شدید سمی بلادان. و قدمت قافلة لجساس رئیس آل کثیر، و أتت إلی سدیر و العارض و لا وجد الزاد فیها یباع و لا جدوه لا فی الخرج، و اکتالوا منه. و فیها توفی القاضی أحمد بن عیسی المرشدی العمری.

و فی سنة ثمان و أربعین و ألف:

سار السلطان مراد بن أحمد بن محمد بن مراد إلی بغداد. و ذلک لما استولی العجم علیه و قتلوا فیه العلماء و أهل السنّة و أقاموا فیه الرفض و الإلحاد، فسار إلیه السلطان فی عسکر عظیم فنزل علی بغداد و حاربهم فیه حربا مهولا، و عمل المدفع
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 80
المعروف فیه الیوم بالفتح فأخذه من أیدیهم عنوة، و قتل منهم مقتلة عظیمة، فدخله و رتب فیه الرواتب المعروفة.
و فی سنة تسع و أربعة و ألف توفی قاضی الریاض أحمد بن ناصر و فیها حج الشیخ العلامة سلیمان بن علی بن مشرف.

و فی سنة إحدی و خمسین و ألف:

وقعت ظلمة عظیمة مع حمرة لیلة الجمعة لثمان بقین من عاشوراء ظن الناس أن الشمس غابت و لم تغب و فیها وقعة آل برجس بأهل العینیة و هزیمتهم و تسمی وقعة الظهیرة.

و فی سنة اثنین و خمسین و ألف:

سار أحمد بن عبد اللّه بن معمر علی سدیر، و أظهر رمیزان من أم حمار المعروفة فی أسفل الحوطة من سدیر خربة الیوم لیس بها ساکن. و فیها توفی الشیخ العالم العلامة بقیة المحققین و افتخار العلماء الراسخین ناصر المذهب، منصور بن یونس بن صلاح الدین بن حسن بن أحمد ابن علی بن إدریس البهوی الحنبلی، صاحب التصانیف المفیدة و المناقب العدیدة الحمیدة. أخذ الفقه من عدة مشایخ، من أجلهم عبد الرحمن البهوتی الحنبلی و أخذ عنه الفقه جماعة من النجدیین و المصریین و غیرهم، منهم مرعی بن یوسف صاحب التصانیف و محمد الخلوتی صاحب الحاشیتین علی «الإقناع» و «المنتهی». و من أهل نجد عبد اللّه بن عبد الوهاب و غیرهم.
و انتفع الناس بعلومه. و له من التصانیف الکتاب المسمی: «بشرح المختصر» المسمی: «بزاد المستقنع» قیل إنه أول ما شرح فرغ من شرحه فی سنة ثلاث و أربعین و ألف. و شرح «الإقناع» فشرح المعاملات منه أولا. و فرغ من المجلد الأول منها تاسع عشر ذی الحجة و أربعین. و شرع
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 81
فی المجلد الثانی منه، و فرغ منه سنة خمس و أربعین و ألف یوم الخمیس مستهل شعبان، و شرح العبادات فی سنة ست و أربعین. و شرح «المنتهی و فرغ من شرحه سنة تسع و أربعین و ألف و قیل إنه آخر ما صنف. و؟؟؟
کتاب «العمدة» فی الفقه و کتاب «حاشیة الإقناع» و کتاب «حاشیة المنتهی و غیر ذلک.
و؟؟؟ فی؟؟؟ سنة؟؟؟ ست و خمسین و ألف: مات الشیخ عبد اللّه بن عبد الوهاب قاضی العینیة. أخذ الفقه عن الشیخ منصور البهوتی صاحب التصانیف و الشیخ أحمد ابن محمد بن بسام و غیرهم و أخذ عنه ابنه عبد الوهاب و غیره. و فیها مات أمیر العینیة أحمد بن عبد اللّه بن معمر حاجا فی المغاسل. و فیها مقتل آل أبو هلال المعروفین فی سدیر، قتل منهم محمد بن جمعة و غیره منهم. و سمیت تلک الوقعة یوم البطحا.

و فی سنة سبع و خمسین و ألف:

سار زید بن محسن أمیر مکة علی نجد و نزل الروضة البلد المعروفة فی سدیر. و قتل رئیسها ماضی بن محمد بن ثاری، و فعل بأهلها ما فعل من القبح و الفساد. و ولّی فیها و میزان بن غشام من آل أبی سعید. و أجلی عنها آل أبی راجح.
و ماضی هذا المذکور: جد ماضی بن جاسر بن ماضی بن محمد الحمیدی التمیمی، أقبل جدهم الأعلی مزروع من قفار البلد المعروفة فی جبل شمر هو و ابن مفید التمیمی جد آل مفید، و اشتری هذا الموضع فی وادی سدیر و استوطنه و تداولته ذریته من بعده و أولاده سعید و سلیمان و هلال و راجح و صار کل ابن من بنیه جد قبیلة.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 82

و فی سنة ثمان و خمسین و ألف:

قتل دواس بن محمد بن عبد اللّه بن معمر رئیس العینیة و تولی فی العینیة محمد بن حمد بن عبد اللّه. و أجلی منها آل محمد فلم تتم لهم الولایة فی العینیة إلّا نحو تسعة أشهر. و فی آخر التاسعة توفی الشیخ الفقیه محمد بن أحمد بن إسماعیل الحنبلی النجدی المشهور فی بلد إشیقر. أخذ الفقه عن عدة مشایخ من أجلهم الشیخ أحمد بن محمد بن مشرف و غیره. و أخذ عنه جماعة منهم أحمد بن محمد القصیر، و الشیخ أحمد بن محمد بن بسام، و الشیخ عبد اللّه بن محمد بن ذهلان و غیرهم. و کان إسماعیل المذکور معاصرا للشیخ العلامة سلیمان بن علی بن مشرف.

و فی سنة إحدی و ستین و ألف:

الوقت المسمی بهران.

و فی سنة ثلاث و ستین و ألف:

کانت وقعة بین الشبول و أهل بلد التویم المعروفة فی سدیر قتل من أهل التویم عدد کثیر.

و فی سنة خمس و ستین و ألف:

قتل مرخان بن ربیعة، قتله و طبان و استولی علی غصیبة المعروفة فی الدرعیة، و فی هذه السنة الوقت الشدید المعروف بهبران. و فی سنة بعد هذه سار الشریف محمد الحارث إلی نجد و نازل آل مغیرة علی عقربا المعروفة عند الجبیلة.

و فی سنة تسع و ستین و ألف:

ظهر الشریف زید بن محسن علی نجد و نزل فی التویم اللماء المعروف بین التویم و جلاجل. و قدم فی سدیر و أحز و أخذ و أعطی.

و فی سنة سبعین و ألف:

ظهر جراد کثیر بأرض الحجاز، ثم عقبه و باء أکل جمیع الزروع و الأشجار و حصل بسببه غلاء بمکة و غیرها و أرخه
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 83
بعضهم بقوله غلاء و بلاء و فیها تولی عبد اللّه بن أحمد بن معمر فی؟
العینیة المعروفة.

و فی سنة ست و سبعین و ألف:

هدم جانب القارة المعروفة سدیر الشمالی. و فیها مات الشریف زید بن محسن. و تولی مکة سعد بن منازعات و مشاجرات بینه و بین الشریف حمود بن عبد اللّه، و هذه؟؟؟
أول المحل و الوقت المشهور بصهام الذی؟؟؟ هثل فیه البرادی و مات؟؟؟
مواشیهم کعدوان و غیرهم. و فیها عمرت منزلة آل أبی راجح فی؟؟؟
سدیر و هی بلد الروضة الیوم ثم استمر الغلاء و القحط فی هذه، و؟؟؟
غالب بوادی أهل الحجاز.

و فی سنة ثمان و سبعین و ألف:

أخذ الترک البصرة، سیر إلی السلطان محمد بن إبراهیم بن أحمد بن وزیرة قرا مصطفی فأخذها فی؟؟؟
السنة. و فیها قتل جلاجحل بن إبراهیم شیخ آل بن خمیس قتله العرینا أهل العطار و شریف نجد یومئذ أحمد الحارث و ولایة مکة لآل یزید.

و فی سنة تسع و سبعین و ألف:

توفی الشیخ العالم الفقیه القاضی؟؟؟
سلیمان بن علی بن مشرف، جد الشیخ محمد بن عبد الوهاب. و فیها؟؟؟
رئیس الروضة فی سدیر: رمیزان بن غشام الشاعر المشهور. و فیها؟؟؟
ثادق بلاد آل عوسجة المعروف و غرسوه. و فیها حصلت وقعة بین آل ظف؟؟؟
و بین آل عبد اللّه الأشراف و قتلهم آل ظفیر.

و فی سنة ثمانین و ألف:

قال العصامی فی «تاریخه»: جرت و؟؟؟
الشریف حمود بن عبد اللّه بن حسن مع آل ظفیر، و فی هذه السنة استول؟؟؟
آل حمید علی الأحساء أولهم براک بن غریر و معه محمد بن حسین؟
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 84
عثمان و مهنا الجبری، و قتلوا عسکر الباشا الذین فی الکوت و طردوهم.
و ذلک بعد قتلهم الراشد بن مغامس رئیس آل شبیب، و أخذهم لبوادیه الذین معه و طردهم عن ولایة الإحساء من جهة الترک. و هذه أول ولایة آل حمید فی الإحساء، و کانت ولایته قبلهم فی ید الترک قد استولوا علیه نحو ثمانین سنة. و أرّخ بعض أدباء أهل القطیف ولایة آل حمید هذه للأحساء فقال:
رأیت البدو آل حمید لماتولوا أحدثوا فی الخط ظلما
أتی تاریخهم لما تولواکفانا اللّه شرهم طغی ألما
و الخط اسم القطیف و نواحیه.

و فی سنة إحدی و ثمانین و ألف:

براک بن غرید بن عثمان بن مسعود ابن ربیعة آل حمید صاحب الأحساء، و طرد الظفیر، و أخذ آل نبهان من آل کثیر علی بلد سدوس. و فیها کانت وقعة الأکیثال بنجد بین آل ظفیر و الفضول. و فیها شاخ عبد اللّه بن إبراهیم العناقر فی بلد ثرمدا.

و فی سنة ثلاث و ثمانین و ألف:

سار إبراهیم بن سلیمان أمیر جلاجل مع آل تمیّم- بتشدید الیاء- أهل بلد الحصون المعروف فی ناحیة سدیر بعد ما أخرجوهم من آل حدیثة فملکوه، و أخرجوا منه مانع بن عثمان بن عبد الرحمن شیخ آل حدیثة، و قیل إن ذلک فی سنة أربع و ثمانین و ألف.

و فی سنة أربع و ثمانین و ألف:

وقعة القاع المشهورة بین أهل التویم و أهل جلاجل. قتل رئیس جلاجل إبراهیم بن سلیمان بن حماد بن خزانة التواریخ النجدیة ؛ ج‌6 ؛ ص85
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 85
عامر، و رئیس بلد التویم محمد بن زامل بن دریس بن حسین بن مدلج و عدة رجال من الفریقین.

و فی سنة خمس و ثمانین و ألف:

الوقت المشهور الذی غلت فیه الأسعار و المعروف جرمان و انحدرت فیه البوادی من آل فضول إلی جهة الشرق.

و فی سنة ست و ثمانین و ألف:

کثر الغیت فی الأرض، و صار ربیع فیها سمی ربیع الصحن. و هو أول الوقت الشدید المعروف بجرادان و سمنت فی هذا الربیع إبل البوادی و مواشیهم. و أسر فی هذه السنة سلاحة بن صویط رئیس آل ظفیر طرحه براک بن عریر و أسره.

و فی سنة سبع و ثمانین و ألف:

کثر فیها الجراد و کثر موت الناس من أکله من شدة الوقت و الغلاء و الجوع و هی منتهی الوقت المعروف بجرادان. و جلی مانع بن عثمان آل حدیثة و ذووه أهل القارة المعروفة فی سدیر و قصدوا الأحساء.

و فی سنة ثمان و ثمانین و ألف:

ظهر مجد الحارث إلی نجد، و قتل غانم بن جاسر رئیس الفضول و هذه السنة هی مناخ الحارث و آل ظفیر فی الطلقعة من ناحیة القصیم. و صارت الدایرة علی آل ظفیر و اصطلحوا و أخذ الحارث علیهم العقال. و أنزلهم من سلما: الجبل المعروف فی جبل شمر. و فیها أخذ براک بن غریزال عساف عند الزلال المعروف عند الدرعیة و أغار العناقر علی بلد حریملا و وقع بینهم قتال قتل بینهم رجال و فیها أرخص اللّه الطعام و کثر السیل.

و فی سنة تسعین و ألف:

حج سیف بن عزاز و عبد اللّه بن دواس
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 86
و الخیاری و محمد بن ربیعة و شریف مکة یومئذ أحمد الحارث و فیها أخذ بن فطای غنم أهل الحصون.

و فی سنة إحدی و تسعین و ألف:

وقع بمکة سیل عظیم أغرق الناس. قال العصامی فی «تاریخه»: و أخرب الدور و أتلف من الأموال ما لا یحصی، و غرق نحو مایة نفس، و هدم نحو ألف بیت و علا علی مقام إبراهیم و علی قفل باب الکعبة. و شاهدت و أنا علی باب المسجد النافذ علی البیت الشریف و الماء ملأ الطریق. و هو یکون فی المسجد، و أقطار من الجمال علیها الرکبان دهمت السیل. و رأیت الماء وصل من الجمل و هو قائم إلی منخره. ثم زاد فاقتلع القطار بما علیه و سبح بعض الجمال حتی أتی المنبر فارتفع علیه و صارت یداه و عنقه مرتفعان. انتهی. و فیها طلع نجم له ذنب فی القبلة.

و فی سنة اثنین و تسعین و ألف:

وقعة تسمی دلقة بین عنزة و آل ظفیر. قتل من عنزة مقتلة کثیرة، منهم لاحم بن خشم البنهانی، و حصن بن جمعان، و فیها مقتل عدوان بن تمیم صاحب الحصون- البلد المعروفة فی سدیر- و بنیت منزلته و قتل محمد بن بحر صاحب الداخلة فی المنیزلة.

و فی سنة ثلاثة و تسعین و ألف:

مات براک بن غریر بن عثمان رئیس آل حمید و بنی خالد و تولی بعده أخوه محمد، وصال علی أهل الیمامة: و فیها مقتل آل حمد ..... فی بلد منفوحة قتلهم دواس بن عبد اللّه بن شعلان و هم جیرانه. و فیها قتل راشد بن إبراهیم صاحب مرات
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 87
- القریة المعروفة فی ناحیة الوشم- و تولی فیها عبیکة بن جار اللّه.

و فی سنة أربع و تسعین و ألف:

قال الشیخ الفقیه أحمد المنقور:
و فیها قراءتی الأولی علی الشیخ عبد اللّه بن ذهلان بحضور عبد الرحمن بن بلیهد و ابن ربیعة.

و فی سنة خمسة و تسعین:

قتل المزاریع فی منفوحة قتلهم دواس و ملکها. قال العصامی فی «تاریخه»: و فی سنة خمس و تسعین و ألف ولدت امرأة من نساء العرب فی جهة الشبیکة من مکة المشرفة کلبا فخافوا الفضیحة و قتلوه. و فیها جاء نجاب من مصر أخبرنی مشافهة: أن بالمویلح- القریة المعروفة- امرأة ولدت ولدا فذهب أبوه إلی السوق فلما رجع قال المولود لوالده العوافی یا أباه، قضیت حاجتک، و تکلم بأشیاء کثیرة فی ساعته. و هذا من العجائب التی لم یسمع بمثلها إلّا نادرا و القدرة صالحة. بعد ذلک فقد الولد. فسبحان القادر یفعل ما یشاء و یحکم ما یرید. انتهی.

و فی سنة ست و تسعین و ألف:

غلا الطعام من الحنطة و غیرها و صارت الوزنة بمحمدیة، و الصاع بثلاث و لم یستمر. و سماها العامة شدیدة بن عون، لأن ابن عون أخذ و قتل قرب بلد الزلفی- و سماها أهل العارض مطبق، لأن معاملتهم بالمطابق دراهم معروفة. و فیها کسف القمر مرتین. و فیها قتل عبیکة بن جار اللّه صاحب مرات، و قتل صقر بن قایع فی سطوة حریق نعام. و فیها قل محمد بن عبد الرحمن أمیر خرما جیرانه.
و فیها أکثر الکماة و سماها أهل سدیر دیدبا.

و فی سنة سبع و تسعین و ألف:

اسولی عبد اللّه بن معمر علی بلد
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 88
العماریة و أخذها عنوة. و تواقع آل کثیر بینهم، و قتل شهیل بن غنام. و فیها توفی الشیخ عثمان بن قائد، النجدی الحنبلی و کانت وفاته بمصر یوم الاثنین أربع عشر جمادی الأول. صنف مصنفات فی الفقه منها «شرح کتاب العدة» للشیخ منصور البهوتی، و «حاشیة المنتهی» و غیر ذلک.

و فی سنة ثمان و تسعین و ألف:

سار عبد اللّه بن معمر علی بلد حریملا مرة ثانیة و جعل لهم کمینا، فقتل منهم عدة رجال و هذا یسمی الکمین الثانی. و فیها سار أهل بلد ریملا و معهم محمد بن مقرن صاحب الدرعیة و زامل بن عثمان و توجهوا إلی بلد سدوس، و هدموا قصره و خربوه. و فیها سار محمد آل غریر صاحب الإحساء و صبح آل مغیرة و عائذ، و هم علی الحایر المعروف بحایر سبیع فی العارض، و قتل منهم الخیاری و غیره. ثم صبحهم فی الصی و هم فی حائر المعجمة و قتلهم.
و فیها غزا آل عساف فأطلبتهم رفاقتهم آل بنهان و قتلوا منهم عددا کثیرا فی حائر سدیر. و فیها قتل عبد اللّه بن حمد بن حنیحن أمیر البیر. و فیها قتل حمد بن عبد اللّه فی حوطة سدیر و تولی فی البلد الفقیسا و وقع ریح عاصف و رمت من نخل الحوطة المعروفة فی سدیر ألف نخلة.

و فی سنة تسع و تسعین و ألف:

تولی یحیی بن سلامة بن زرعة فی بلد مقرن فی الریاض. و فیها نزلت عنزة علی بلد عشیرة المعروفة فی ناحیة سدیر، و حاصروها عدة أیام، و وقع بینهم قتال کثیر. و فیها توفی الشیخ الفقیه عبد اللّه بن محمد بن ذهلان، و توفی فیها أخوه الشیخ الفقیه عبد الرحمن بن محمد بن ذهلان و الشیخ محمد بن عبد اللّه بن سلطان الدوسری قاضی المجمعة. و فیها أکثر اللّه الکماة و العشب و الجراد و رخص الطعام رخصا عظیما و بلغ التمر عشرین وزنة بالمحمدیة، و البر
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 89
خمسة آصع بالمحمدیة، و ذلک فی ناحیة سدیر و أما العارض فبیع؟؟؟
ألف وزنة بأحمر فی الدرعیة.
و فی تمام المائة بعد الألف: أتی الحواج الثلاثة و نزلوا بعنیزة فی ناحیة القصیم، و غلا الطعام، و مات فیها عبد اللّه بن إبراهیم بن؟؟؟
العنقری رئیس بلد ثرمدا فی البلد أخوه ریمان بن إبراهیم. و فیها نزل مطر دقیق و برد شدید و جمد المطر فوق أعساب النخیل و غیرها حتی علی أهداب عیون الإبل، و سمیت سنة سلیسل. و فیها أخذ آل ظفیر و آل فضول الحاج العراقی عند التنوحة.

و فی سنة إحدی و مائة و ألف:

وقع الطاعون العظیم و الموت الذریع فی البصرة و نواحیها. قال محمد بن حیدر: و هذا الطاعون لم یعها مثله لأنه أفنی البصرة و أخربها خرابا لم یعمر إلی زماننا هذا، و أهلک فی بغداد أمما عظیمة. و فیها عمرت القریة المعروفة بالقرینة عمرها ابر صقیة. و فیها قتل مرخان بن وطبان قتله أخوه شقیقه إبراهیم غدرا.

و فی سنة ثلاث أو سنة أربع و مائة و ألف:

تولی سعد بن زید فی مکة. و فیها حصر بن جاسر فی أشیقر و أظهره بن حسین. و فیها قتل مصلط الجربا. و فیها ثار آل عوسجة علی أحمد بن حسن بن خیحن فی البئر و قتلوه. و فیها قتل عبد اللّه بن سرور العرینی من شیوخ أهل رغبة.
و وقع الحرب بین أهل ثادق و أهل البئر.

و فی سنة خمس و مائة و ألف:

وقع الحرب بین أهل سدیر، قتل فیه محمد بن سویلم بن تمیم رئیس الحصون. و فیها کانت وقعة بین أهل ثادق و أهل البیر، قتل فیها حمد بن جمیعة و غیره، و أخذ أهل ثادق
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 90
خیل بن معمر. و فیها عدا نجم بن عبید اللّه علی آل کثیر و حجروه فی بلد العطار، و أظهره إلی أبی سلمة.

و فی سنة ست و مائة و ألف:

توفی محمد بن مقرن بن مرخان صاحب الدرعیة، و إبراهیم بن راشد بن مانع صاحب بلد القصب. و فیها قتل إبراهیم بن وطبان، قتله یحیی بن سلامة. و فیها ملک مانع بن شبیب البصرة و هی سنة عروی علی السهول قتل منهم سبعون رجلا.

و فی سنة ثمان و مائة و ألف:

سار فرج اللّه بن مطلب صاحب الحویزة المعروفة علی البصرة و ملکها. و فیها جرت وقعة الإبرق بین الظفیر و الفضول، و صارت علی الفضول، و ربط عبد العزیز الشریف سلامة بن مرشد بن صویط رئیس الظفیر. و فیها فی جمادی الأول توفی الأدیب المؤرخ عبد الملک بن حسین العصامی المکی الشافعی. و فیها تأخّر نضاج الرطب فی النخیل و لم یشبع الناس إلّا بعد سبعة عشر یوما من ظهور سهیل.

و فی سنة تسع و مائة و ألف:

ظهر سرور بن زید الشریف علی نجد، و نزل روضة سدیر و فعل فیها ما فعل، ثم رحل منها و نزل قری جلاجل، و ربط ماضی بن جاسر أمیر الروضة، ثم نزل الغاط. و فیها جلا آل خرفان و آل راجح و آل محمد من بلد أشیقر، ثم رجع آل خرفان و آل راجح إلی أشیقر بعد أیام قلیلة، و لا رجع من آل محمد إلّا أناس قلیل و تفرق باقیهم فی البلدان. و فیها توفی الشیخ محمد بن عبد اللّه بن إسماعیل فی أشیقر.

و فی سنة عشر و مائة و ألف:

تصالح أهل أشیقر بعد حربهم،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 91
و ربط عبد العزیز الشریف أناسا من أهل البیر. و فیها توفی عبد الرحمن بن إسماعیل.

و فی سنة إحدی عشر و مائة و ألف:

سار الترک إلی البصرة و أخرجوا منها فرج بن مطلب صاحب الحویزة و ملکوها. و فیها ملک آل راجح الربع المعروف فی روضة سدیر، و هو لآل أبی هلال، و ذلک لأنه؟؟؟ صار إلیهم فوزان بن زامل بأهل التویم و نزلوا مدینة الداخلة، و استخرجوا آل أبی هلال من منزلهم فی الروضة و قتلوا منهم رجالا و دمروا منزلتهم و ساعدهم علی ذلک رئیس الروضة جاسر، و صاروا ... .
و فیها أقبل آل شقیرا أهل حوظة سدیر من بلد العینیة قاصدین سدیرا، فقتلهم أهل العودة، و فیها ربط سعد بن زید والی مکة من کبار عنزة مایة شیخ و هو فی مکة، و فیها سطوة بن عبد اللّه فی بلد الدلم، و قتل فیها زامل بن ترکی، وسطا دبوس فی أشیقر و قتل.
و فیها ملک عثمان بن نحیط الحصون البلد المعروفة فی سدیر.
و أخرج من آل تمیم، و کان آل تمیم قد قتلوا أباه نحیط بن مانع بن عثمان، فسافر إلی الأحساء، و تولی فی البلد عدوان بن سویلم ثم إن تزوج فی جلاجل فسطا أهل التوأم فی الحصون و قتلوا منهم، و أقبل عثمان من الأحساء و تولی فیه. أولاد عثمان المذکور مانع و سعود، و هم الذین قبضوا علی أبیهم عثمان و أخرجوه من البلد بتدبیر رئیس جلاجل و خدعه کما ذکر ذلک حمیدان الشویعر فی قصیدته فإنه شرح أمرهم فیها حتی إنه قال فیها:
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 92 فحملوا عیاله علیه‌بلمة واحد و آخر عقره
یا عیال الندم یا رضاع الخدم‌یا غذایا الغلاوین و البربره

و فی سنة اثنی عشر و مائة و ألف:

صبح سعدون و معه الفضول، و أحل الحجاز الظفیر و هم فی الموضع المعروف بالبترا فی نفوذ السر، و حاصر بن صویط آل غزی فی سدیر الحصار الثالث، و فیها سطا راعی القصب و معه ابن یوسف صاحب الحریق المعروفة فی الحمادة و ملکوه، و فیها أخذ عبد العزیز الشریف و من معه أخذهم بنو حسین.

و فی سنة ثلاثة عشر و مائة و ألف:

سار الفراهید المعروفون آل راشد أهل الزلفی و سطوا فی الزلفی و ملکوه، و أظهروا منه آل مدلج، و فیها وقعة السلیع و البترا- الموضع المعروف عند نفود السر- و ذلک أن الحارث و أهل الحجاز و ابن حمید صبحوا آل ظفیر فیها فأخذوا جردات تلک الغزوات.
و فیها توفی الشیخ العلامة الفقیه حسن بن عبد اللّه بن حسن بن علی بن أحمد بن أبی حسین المشهور فی بلد أشیقر، کان له معرفة فی فنون العلم، رأیت کتبا کثیرة فی فنون من العلم علیها تعلیقات بخطه بیده، إشارات علی ما فیها من الفوائد، و لیس تجد کتابا نظر فیه حسن المذکور إلّا و علی ورقة منه إشارة علی ما فیها من فایدة. ذکر أنه أخذ العلم عن أحمد بن محمد القصیر و غیره و فیها مات سلامة بن مرشد بن صویط و دفن فی بلد الجبیلة المعروفة.

و فی سنة أربعة عشر و مائة و ألف:

ملک آل بسام بلد أشیقر، و فیها توفی الشیخ أحمد بن محمد القصیر فی بلد أشیقر. أخذ الفقه عن
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 93
الشیخ أحمد بن محمد بن أحمد بن إسماعیل، و الشیخ الفاضل سلیمان بن علی بن مشرف و أخذ عنه عدة من العلماء منهم العالم المعروف عبد اللّه بن أحمد بن محمد بن عضیب الناصری و غیره، و قد رأیت فی بعض التواریخ أن وفاته و وفاة الشیخ حسن بن أبی حسین المتقدم ذکره کانت بعد ذلک فی سنة ثلاث و عشرین، و وفاة القصیر سنة أربع و عشرین.
و هذا أول وقت سمدا المحل المعروف و القحط و الغلاء الذی سماه أهل الحجاز و کثیر من البوادی.

و فی سنة خمسة عشر و مائة و ألف:

أخذ عبد اللّه بن معمر زروع القرینة و ملهم، وسطا الخرفان فی أشیقر و استولوا علی سوقهم فیه و ملکوه، و فیها اشتد الغلا، و المحل و هلک أکثر هیتم و بعض أهل الحجاز. و فیه ولد الشیخ محمد بن عبد الوهاب بن سلیمان فی بلد العینیة و نشأ، و ذلک قبل أن ینتقل أبوه عبد الوهاب إلی بلد حریملا. و فیها خلع السلطان مصطفی بن محمد بن إبراهیم و تولی أخوه أحمد فی السلطنة.

و فی سنة سبعة عشر و مائة و ألف:

وقعت بین أهل الروضة و أهل سدیر و صاحب جلاجل حرب قتل فیها محمد بن إبراهیم رئیس جلاجل و أخوه ترکی، و تولی فی جلاجل عبد اللّه بن إبراهیم.

و فی سنة ثمانیة عشر و مائة و ألف:

ثار أهل حریملا و ابن بجاد علی سبیع و هم فی وادی عبیثران فأخذوهم و قتلوهم. و فیها قاضی نجم بن عبد اللّه ابن غرید بن عثمان بن مسعود بن ربیعة بلد ثادق، و فیها طردوا عنزة بن صویط عن سدیر، ثم إنه جری بین عنزة و الظفیر وقعة فی الخضار عند الدهناء، و أخذ ابن صویط خیمة عبد العزیز الشریف.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 94

و فی سنة عشرین و مائة و ألف:

قتل حسین بن مغیز صاحب بلد التویم المعروفة فی ناحیة سدیر، قتله ابن عمه فایز بن محمد و تولی بعد فی التویم. ثم إن أهل حرمه ساروا إلی التویم و قتلوا فایز المذکور، قتله حمد بن محمد بن إبراهیم، و جعلوا فی البلد فوزان، فتمالی علیه رجال فقتلوه، منهم المفرع من رؤساء البلد و هم أربعة رجال فلم یستقم ولایة لأحدهم؟؟؟ فتسموا البلد أرباعا کل واحد شاخ فی ربعها، فسموا المربوعة أکثر من سنة، و إنما ذکرت هذه الحکایة لیعرف من وقف علیها و علی غیرها من السوابق نعمة الإسلام و الجماعة و السمع و الطاعة، و لا تعرف الأشیاء إلّا بأضدادها، فإن هذه قریة ضعیفة الرجال و المال و صار فیها أربعة رجال کل منهم یدعی الولایة علی ما هو فیه.

و فی سنة إحدی و عشرین و مائة و ألف:

حصل اختلاف بین النواصر فی الفرعة فی ناحیة الوشم، و قتل عیبان بن حمد بن محمد بن عضیب، قتله شایع بن عبد اللّه بن محمد بن حسین بن حمد، و إبراهیم بن محمد بن حسن، قتلاه فی المذنب خیانة، و فیها مات الشیخ العالم عبد الرحمن بن عبد اللّه بن سلطان بن خمیس أبا بطین العایذی، و کان له معرفة فی الفقه و ألف فیه مجموعا، و کان موته من وباء وقع فی سدیر فی تلک السنة. و فیها مات منصور بن جاسر و المنشرح و غیرهما من رؤساء الفضول.

و فی سنة اثنین و عشرین و مایة و ألف:

أنزل اللّه بوما بفتح الواو أذهب زروعهم ملهم، و هبت ریح شدیدة تکسر منها نخیل کثیرة فی بلدان و هدمت قصر رعیة، و فیها أنزل اللّه سیلا و سمی هدم بیوتا و مساجد و أوقع
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 95
اللّه بردا بإسکان الراء أهلک من الزرع ما کان فی سنبله، ثم أنزل اللّه الصیف غیثا أعظم من الأول و أصلح اللّه الزرع و حصل برکة عظیمة، محصول الغرب فی بلد خرما أکثر من ألفی صاع، و أرخص اللّه الأسعار

و فی سنة أربع و عشرین و مائة و ألف:

وقع مرض فی بلد؟؟؟
و القصب و رغبة و البیر و العودة، و فیها توفی الشیخ أحمد بن محمد؟؟؟
فی بلد إشیقر، أخذ الفقیه عن الشیخ أحمد بن محمد بن أحمد إسماعیل، و الشیخ الفاضل سلیمان بن علی بن مشرف و أخذ عنه عدة العلماء، منهم العالم المعروف عبد اللّه بن أحمد بن محمد بن؟؟؟
الناصری و غیره، و هذا أول وقت سمدا المحل المعروف و القحط و؟؟؟
الذی سماه أهل الحجاز و کثیر من البوادی و فی سنة 1125 توفی؟؟؟
العالم عبد الوهاب بن عبد اللّه بن عبد الوهاب المعروف فی العینیة، و فی توفی الشیخ الفقیه أحمد بن المنقور لست خلت من جماد الأولی.

و فی سنة ست و عشرین و مائة و ألف:

سار یعدون بن محم؟؟؟
آل غریر و عبد اللّه بن معمر بأهل العارض و قصدوا الیمامة، و نازلوا أهلها و نهبوا منها منازل، و ظهر علیهم البجادی بأربع من الخیل، و فیها ما؟
الشیخ محمد بن الشیخ محمد بن عبد اللّه بن عبد الوهاب، و محمد بن علی بن عبد، و سلیمان بن موسی الباهلی، و أناس کثیر غیرهم بسبب مرض وقع فی العارض. و فی السنة السابعة بعد هذه فی أولها فی؟؟؟
حصل برد بإسکان الراء أضر بالنخیل و کسر الصهاریج الخالیة من الماء و جمد الماء فی أقاصی البیوت الکنینة و ذلک من الخوارق، و فیها نزل؟؟؟
الأحساء فی العارض أمیره ابن عفالق و اشتری صاع السمن بمشخص و الطلی بأحمرین.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 96

و فی سنة ثمان و عشرین و مائة و ألف:

سار رئیس بلد المجمعة وسطا علی الفراهید بالزلفی، و لم یحصل علی طائل، و فیها غارت الأبار و غلت الأسعار و مات مساکین جوعا إلی سنة إحدی و ثلاثین و فیها أغار بن معمر علی بلد و قتل الزعاعیب، و فی السنة التاسعة بعد هذه مات الشریف سعد بن زید.

و فی سنة اثنین و ثلاثین و مائة و ألف:

وقع الطاعون فی العراق، و مات فیه قدر تسعین ألف و فی السنة الثالثة بعد هذه أرخص اللّه الأسعار و بیع التمر علی مائة و عشرین وزنة بالأحمر و البر خمس و أربعین صاعا.

و فی سنة أربع و ثلاثین و مائة و ألف:

توفی الشیخ العالم العامل الأوحد، وحید عصره و فرید دهره، عبد اللّه بن سالم المکی البصری نسبا یعنی مولد المکی وطنا الشافعی مذهبا.

و فی سنة سبع و ثلاثین و مائة و ألف:

بلغ المحل و القحط و الغلاء إلی الغایة فی هذا الوقت الشدید المسمی بسحی و مات أکثر الناس جوعا، و مات أکثر بوادی حرب و بوادی الحجاز، و غلا الطعام فی الحرینی حتی لا یکاد یوجد، و أکلت جیف الحمیر، ثم أنزل اللّه فیها الغیث و کثرة السیول و الخصب و النبات فی کل مکان، و لم تزل الشدة و الجوع و الموت، و ماتت الزروع فی کل ناحیة بسبب الصفا و حتی فی الشام، و ذلک بکثرة المطر و السیول و کثر فیها الدبا و الخیفان و فی لیلة عید رمضان مات رئیس الدرعیة سعود بن محمد بن مقرن و تولی فیها زید بن مرخان.

و فی سنة ثمان و ثلاثین و مائة و ألف:

أوقع اللّه سبحانه و تعالی الوباء العظیم المشهور الذی حل بأهل بلد العینیة أفنی غالبهم. مات فیه
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 97
رئیسها عبد اللّه بن محمد بن حمد بن عبد اللّه بن معمر الذی لم یذکر فی زمنه و لا قبل زمنه فی نجد فی الریاسة و قوة الملک و العدد و العدة و العقارات و الأثاث له نظیر، فسبحان من لا یزول ملکه. و تولی فی بلد العینیة بعده ابنه محمد بن حمد الملقب خرفاش. و فیها قتل إبراهیم بن عثمان رئیس بلد القصب المعروفة فی الوشم، قتله أبوه عثمان ابن إبراهیم، و کان إبراهیم قد صار أمیرا فی القصب فی حیاة أبیه المذکور، فاتفق أن أتی إلیهم صاحب بلد الحریق إبراهیم بن یوسف یطلب النصرة من عثمان علی أهل بلده من عشیرته.

و فی سنة تسع و ثلاثن و مائة و ألف:

قتل مقرن بن محمد بن مقرن صاحب الدرعیة؛ قتله ابن أخیه محمد بن سعود بن محمد بن مقرن، و ذلک أن مقرن بن محمد لما صالح زید بن مرخان طلب من زید أن یأتیه لتمام الاستیناس به و الثقة، فخاف منه زید و قال: لا آتیک حتی یکفل لی محمد بن سعود و مقرن بن عبد اللّه بن مقرن فکفلاه فأتاه زید فی جماعة، فهمّ مقرن بقتله و بانت منه شواهد الغدر، فوثب محمد بن سعود و مقرن بن عبد اللّه علی مقرن بن محمد و حملا علیه فألقی نفسه مع فرجة و اختفی فی بیت الخلا، فأدرکوه و قتلوه، و ردوا زیدا إلی مکانه و فیها توفی الشیخ العالم محمد بن الشیخ أحمد بن محمد بن حسن القصیر، و فیها توفی عمه محمد بن محمد بن حسن القصیر، و کانت وفاتهما فی الوباء العظیم الذی مات فیه خلق کثیر، و فیها مات دواس صاحب منفوحة، و ماضی صاحب الروضة من سدیر، و أتی البلدان وباء.
و فیها سطا النواصر من المذنب و رئیسهم إبراهیم بن حسن و خریدل آل إبراهیم فی بلد الفرعة و ملکوه و أکلوا ذرة أهل إشیقر و نهبوها، و هذه
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 98
السنة هی سنة الذرة المشهورة رجعان سحی. و فیها جاءت قافلة للموایقة و اکتالوا التمر علی مایة وزنة بالأحمر، و العیش أربعة آصع بالمحمدیة.
و فی آخرها سار ابن صویط و معه دجینی بن سعدون بن عریر الحمیدی و معهما المنتفق و قصدوا الأحساء و حصروا علی بن محمد بن غریر فی الأحساء، و قتل بینهم رجال کثیرون، و نهب ابن صویط قرایا الأحساء و صارت الغلبة لعلی علیهم و فشلهم، ثم إنهم صالحوا و رجعوا، و قد أردت أن أذکر ما شاء اللّه تعالی من سنین هذا الکتاب.
ففی سنة ثمان و خمسین و مائة و ألف: انتقل فیها الشیخ محمد بن عبد الوهاب عفی اللّه عنه من العینیة إلی بلد الدرعیة کما تقدم.
و فیها توفی محمد بن ربیعة العوسجی الشیخ العالم قاضی بلد ثادق، و کان فقیها و حصل کتبا کثیرة بخطه، أخذ العلم عن الشیخ عبد اللّه بن محمد بن ذهلان، و اشتری کتبه بعد موته.
و فیها قتل محمد بن ماضی رئیس بلد الروضة المعروفة فی سدیر، و ذلک أن عمرو الشریف صهر محمد بن ماضی علی ابنته قتل عبد العزیز ابن عبد الرحمن أبا بطین بمحالات من حمد بن محمد بن ماضی المذکور، لأن أبا بطین صهر لمانع بن ماضی علی أخته شقیقته و هو صدیق له.
و کان ترکی أخو مانع جلوی فی جلاجل عند محمد بن عبد اللّه، فلما قتل أبا بطین أرسل مانع لأخیه ترکی فأقبل بسطوة من جلاجل و دخل الروضة و الناس فی المسجد یصلون علی جنازة أبا بطین و محمد بن ماضی یصلی معهم، فضربه أخوه مانع المذکور و هو فی الصلاة ضربة جرحه
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 99
منها، فحمل آل بیت أخته زوجة أبا بطین فدخل عبد من رجاجیل صاحب جلاجل یقال له أبو خنیفس فقتله، و تولی فی الروضة ترکی بن ماضی، و محمد و مانع المذکورین أخوة.
و فیها توفی محمد بن عبد اللّه بن إبراهیم رئیس بلد جلاجل، و فی هذه السنة أو التی بعدها بایع عثمان بن حمد بن معمر الشیخ علی دین اللّه و رسوله و السمع و الطاعة و الجهاد فی سبیل اللّه، و کذلک بایع أهل بلد حریملا، و استعمل علیهم أمیرا، محمد بن عبد اللّه بن مبارک.

و فی سنة تسع و خمسین و مائة و ألف:

سطا دهام بن دواس فی بلد منفوحة و ذلک أنه سار إلیها بأهل الریاض و الصمدة المعروفة من بوادی الظفیر، فدخل البلد و استولوا علیها، و ثبت علی بن مزروع و طائفة معه و قاتلوهم حتی قتلوا من قوم دهام عشرة رجال شجعان، و من رؤساء المقتولین الصماعرة درع و خضیر و زهلول الفضیلی و غیرهم. ثم إنه جاء فزعة من الدرعیة مع عبد اللّه بن محمد بن سعود، و قذف اللّه الرعب فی قلب بن دواس و من تبعه فکسرها علیهم علی بن مزروع و من تبعه الجدر، فهربوا و جرح دهام جرحین و قتلت فرسه، فجاهر بالعداوة بعدها، و انتدب یومئذ محمد بن سعود لحربه.
و فیها سار عدوة باللیل و دخلوا الریاض و توجهوا القصر دهام فشذبو الباب و دخلوا بیت ناصر بن معمر و ترکی بن دواس فعقروا إبلا کثیرة، و فیها وقعة الشباب و هما رجلان من آل شمس قتلا فی هذه الوقعة فسمیت و فیها وقعة العبید فی الریاض قتل من أهل الریاض عشرة رجال أغلبهم أعبد.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 100

و فی سنة ستین و مائة و ألف:

سار دهام بعد وقعة العبید بجموع جمعها من الحضر و البدو، و قصد الدرعیة و کمن کمینا، فأغار علی بلد فخرج علیه أهل الدرعیة، فلما رآهم انهزم و ولی هاربا فطمعوا فیه و تابعوه، فظهر علیهم الکمین فانکشف أهل الدرعیة و قتل فیصل و سعود أبناء محمد بن سعود، فاشتد الحرب بعدها.
و فیها وقعة؟؟؟ و تسمی أیضا وقعة الشراک و هو موضع فی الریاض، و ذلک أن محمد بن سعود سار علی دهام فی الریاض فصحبهم محمد فاقتتلوا قتالا شدیدا فقتل من أهل الریاض جماعة منهم محمد بن سویدا و سرحان البکای و ابن مسیفر و أربعة غیرهم، و قتل من المسلمین عدة رجال منهم أبو لیس حمد بن محمد بن سلیمان بن حسن، و سلیمان بن محمد الزیر، و حسن الشهری و غیرهم، و فی الفریقین جرحات.

و فی سنة إحدی و ستین و مائة و ألف:

أول شیته و فیها وقعة البنیة، و هی موضع معروف فی بلد الریاض فتلاقا الفریقان و اقتتلوا قتالا شدیدا و انهزم المسلمون، و قتل منهم نحو خمس و أربعین رجلا، منهم خمس و عشرون من أهل حریملا. و قتل من أهل الریاض سلیمان بن حبیب و جرح فیهم جراحات کثیرة.
و فیها سار عبد العزیز بأهل الدرعیة و قراها و أهل منفوحة و خرما، و عثمان بن معمر بأهل العینیة و حریملا، و عثمان أمیر الجمیع و قصدوا الریاض و نزلوا بموضع فی صباح یسمی الحزیرة فاقتتلوا قتالا شدیدا، و قتل من أهل الریاض ستة رجال و قتل من أهل العینیة عشرة و من أهل الدرعیة و منفوحة و خرما ستة، و حرم من الریاض أربعة بخیل.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 101
و فیها وقعة البطین، و هو موضع قریب من ثرمدا و ذاک أن عبد العزیز سار فنزل ناحیة ثرمدا و رتبوا لهم کمینا، فلما أصبحوا أخرج علیهم أهل ثرمدا، فلما التحم القتال خرج علیهم الکمین فانهزم أهل ثرمدا إلی قصر حولهم یسمی قصر الحریص، فقتل من أهل ثرمدا نحو سبعین رجلا، و فیها ساروا إلی بلد ثادق فأخذوا أغنامهم و قتلوا منهم ستة رجال منهم محمد بن سلامة.

و فی سنة اثنین و ستین و مائة و ألف:

وقعة الحبونیة فی الریاض، و هو نخل معروف فیه، و هدم ما فیه من جدار. و ذلک أن محمد بن سعود سار إلی الریاض فوصل إلیها وقت الصبح، فخرج أهل الریاض و تراموا من بعید، فقتل من أهل الریاض سبعة رجال، منهم عبد اللّه بن سبیت و قتل من الغزو ثلاثة عبد اللّه بن شوذب و عبد اللّه بن حمود و غنام بن دعیج، و فیها وقع برد أهلک غالب الزروع و هی مبتدأ القحط و الغلا، المعروف بشیة، و فیها حبس مسعود بن سعید شریف مکة حاج نجد و مات منهم فی الحبس عدة و قیل: إنه فی السنة التی قبل هذه و أول القحط المذکور فی السنة الحادیة.

و فی سنة ثلاث و ستین و مائة و ألف:

قتل عثمان بن معمر فی مسجد العینیة بعد صلاة الجمعة، قتله أناس من جماعته تحققوا منه نقض العهد و موالاة الأعداء قیل: إنه أتاه کتاب من محمد بن عفالق یحرضه علی معادات المسلمین و نقض بیعتهم و عهدهم، و کانت بنته تحت عبد العزیز، و هو جد ولده سعود فقتل عثمان و سعود رضیعا لم یتم السنتین، و لکن لیس فی الدین محاباة، و من مشاهیر من قتله حمد بن راشد و إبراهیم بن زید الباهلی و موسی بن راجح و ذلک منتصف رجب من
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 102
هذه السنة، و فیها توفی الشیخ محمد بن عبد الرحمن بن عفالق، و فیها وقعة البیطحاء فی الریاض بین محمد بن سعود و أهل الریاض، و فیها کانت وقعة الوطیة و هی موضع معروف فی بلد ثرمدا بین عبد العزیز و أهل ثرمدا. و فیها قتل حمد بن سلطان و دباس رؤساء العودة، قتلهم ابن عمهم علی بن علی، و فیها توفی حمد بن یحیی بن محمد بن عبد اللطیف بن إسماعیل بن مرمیح قاضی رغبة.

و فی سنة أربع و ستین و مائة و ألف:

سار أهل الدرعیة علی الریاض، فدخلت العدوة داخل البلد فاقتتلوا فی وسطها قتالا شدیدا، فخرج أهل الدرعیة منها، و کانت علیهم هزیمة ساحقة فقتل منهم ثمانون، منهم علی بن عیسی الدروع. و فیها حارب إبراهیم بن محمد بن عبد الرحمن رئیس خرما و نقض عهد الإمام محمد بن سعود و الشیخ، و قتل من أهل بلده عمر الفقیه و رشید العزاری و ابن عیسی و ولی عبد العزیز فی خرما عبد اللّه بن عبد الرحمن المریدی. و فیها سار عبد العزیز رحمه اللّه تعالی إلی بلد الزلفی فأخذ علیهم أغناما و رجع سالما.

و فی سنة خمس و ستین و مائة و ألف:

کان خصب سموه رجعان شیته. و فیها اجتمع أهل سدیر أهل منیح و الزلفی و الوشضم و الظفیر، کبیرهم فیصل بن شهیل بن صویط، و نازلوا رغبة و أخذوها و نهبوا ما فیها.
قتل علی بن علی و ولده سند رئیس العودة، قتلهم ابن عمهم عبد اللّه بن سلطان.
و فیها توفی الشیخ العلامة محمد حیاة السندی المدنی، کان له الید
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 103
الطولی فی معرفة الحدیث، صنف فیه مصنفا سماه «تحفة الأنام فی العمل بحدیث النبی علیه أفضل الصلاة و السلام». و شرح علی الأربعین النوویة شرحا سماه «تحفة المحبین فی شرح الأربعین». و أخذ عنه العلم جماعة أجلهم الشیخ محمد بن عبد الوهاب قدسی رحمه اللّه.
و فیها سار أهل الدرعیة و قصدوا الخرج و أخذوا أغنام أهل الدلم و رجعوا بها، و لحقهم الطلب فی عفجة الحایر و قتل من الطلب عدة رجال و رجعوا. و فیها ساروا إلی فریق بدو یقال له دهیمان فأخذوهم أجمعین.
و فیها قام أناس من رؤساء أهل بلد حریملا و قاضیهم سلیمان بن عبد الوهاب و نقضوا العهد، فعزلوا أمیرهم و أخرجوه من البلد. و فیها سار جلویة بلد خرما بأهل الجنوب و الوشم و سدیر و نازلوا خرما أیاما و نصبوا علیها السلالم، و قتل من أهل سدیر و الوشم و من تبعهم ثلاثون رجلا و من أهل الجنوب عشرون رجلا منهم حمد بن عثمان.

و فی سنة ست و ستین و مائة ألف:

صار علی أهل حریملا من الإمام محمد بن سعود مقاتلات و ساریا و وقعات، و أمیر الجیش عبد العزیز بن محمد، و قائد السرایا مبارک بن عدوان. و فیها نقض أهل منفوحة العهد و حاربوا. و فیها غدر المهاشیر من بنی خالد فی سلیمان آل محمد رئیس الأحساء و بنی خالد، فانهزم إلی بلد الخرج و مات فی تلک السنة.
و تولی عریعر فی بنی خالد، فلما تولی قتل زعیر بن عثمان بن غریر ثم بعد ذلک غدر حمادة فی عریعر و أجلاه، فصار فی بلد جلاجل فتواعد أناس من بنی خالد علی حمادة فانهزم إلی الشمال، و أرسلوا إلی عریعر
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 104
فاستولوا علی الأحساء و بنی خالد. و فیها وقعة السبلة و هو موضع معروف بین الزلفی و الدهنا علی الظفیر من بنی خالد، فصارت هزیمة علی الظفیر، و أخذوا منهم نعما کثیرة.

و فی سنة سبع و ستین و مائة و ألف:

ضجر دهام بن دواس من الحرب بینه و بین الإمام محمد بن سعود و طلب منه المهادنة، و بذل لهم خیلا و سلاما و أن یقیم شرایع الإسلام فی بلده و أن یرسل إلیهم معلما یحقق إلیهم معرفة التوحید، فأرسل إلیهم الشیخ عیسی بن قاسم. و فیها مقتل السیایرة فی خرما المعروفین بآل سیف و هم صقر و إخوانه جار اللّه و غیث و عثمان.

و فی سنة ثمان و ستین و مائة و ألف:

وقعة الغفیلی، و هو رجل فی قصر من قصور خرما فسار إلیه محمد بن سعود و معه أمیر خرما محمد بن عبد اللّه، فجعل لهم کمینا فی قصب الذرة، و کان إبراهیم بن سلیمان رئیس ثرمدا أرسل إلی الغفیلی من أهل ثرمدا و مرات فانهزم جیش صاحب ثرمدا، و قتل منهم نحو ستون رجلا و أسر منهم أناس، منهم عبد الکریم بن زامل رئیس بلد أثیثیة. و فی هذه السنة فتحت حریملا عنوة، و ذلک أن عبد العزیز بن محمد بن سعود سار إلیها فی نحو ثمانمائة و معه من الخیل عشرین فرسا، فلما قرب منها أناخ فی شرقی البلد لیلا و کمن فی موضعین، فصار عبد العزیز و من معه من الشجعان فی الشعیب المسمی بشعیب عویجا.
و الکمین الثانی مع مبارک بن عدوان فی مائتی رجل فی الموضع المعروف بالجزیع، فلما أصبح الصباح خرجت علیهم أفزاع، فقتل منهم
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 105
نحو مائة. و انصرف عبد العزیز بعد ذلک قافلا یرید وطنه، فعزم محمد بن عبد اللّه أمیر بلد خرما هو و أهل بلده قیل: إنهم ثلاثة عشر مطیة و دخلوا البلاد و أناخوا فی الحویش و نادوا بالأمان فی البلد، و بعثوا إلی عبد العزیز من یبشّره فرجع عبد العزیز و استولوا علی جمیع البلد، و ممن قتل ذلک الیوم من أعیان البلد أخو نیس محمد بن حمد بن محمد بن سلیمان، و حسن ابن عبد الرحمن، و إبراهیم بن خالد، و إبراهیم بن عبد الوهاب بن عبد اللّه و غیرهم. و هرب سلیمان بن عبد الوهاب ماشیا و وصل إلی سدیر سالما. و قتل من الغزو نحو ثمانیة و ذلک الجمعة لسبع خلت من جمادی الآخر.
و فیها اجتمع دهام بن دواس و ابن فارس صاحب منفوحة و إبراهیم بن سلیمان رئیس ثردا بأهل الوشم و معهم أناس من أهل سدیر و أهل ثادق و جلویة حریملا و ساروا إلی حریملا، فلما نزلوا ناحیة البلد و دخلوا الحسیان؛ المنزلة المعروفة أعلا البلد، فنهض إلیهم أمیر البلد مبارک بن عدوان فیمن معه و قاتلهم فقتل من قوم مبارک ثمانیة عشر رجلا، فلما تکاثرت علیهم الأفزاع خرج أکثرهم من البلد و هرب و تحصّن باقیهم فی الدار المعروفة ببیت ابن ناصر من بیوت الحسیان. و جمیع من قتل من أولئک الأحزاب ستون رجلا و هذه الوقعة معروفة وقعة الدار و ذلک فی ذی القعدة من السنة المذکورة.

و فی سنة تسع و ستین و مایة و ألف:

وفد أهل القویعیة علی الشیخ و محمد، و بایعوا علی دین اللّه و رسوله و السمع و الطاعة. و رؤساء هذا الوفد ناصر بن جماز العریفی و سعود بن محمد و ناصر. و فیها؟؟؟
عبد العزیز إلی بلد منفوحة و جری بینهم وقعة قتل من أهل منفوحة علی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 106
أبا الماسح. و فیها أنزل اللّه الغیث و سمی و کثرت السیول و الخصب و رخصت الأسعار و سمیت هذه السنة سنة مطرب.

و فی سنة السبعین و مائة و ألف:

وقعة الرشا، و هو حاجز للسیل عند بلد منفوحة و ذلک أن عبد العزیز سار إلیها و دخلوا بعض دور البلاد ثم أخذوا فی هدم الحاجز المعروف بالرشا، ففزع علیهم ابن دواس بأهل الریاض فاقتتلوا قتالا شدیدا. و قتل من أهل الریاض ثلاثة رجال و قتل من المسلمین نحو عشرة.
و فیها کانت وقعة القراین، البلد المعروفة فی الوشم فسار إلی شقراء و نازلوها، و وقع بینهم قتال، فبلغ ذلک محمد بن سعود فبعث إلیهم ابنه عبد العزیز فیمن معه من الجنود. و أرسل إلی أهل شقرا یخبرهم بذلک و واعدهم، فلما التحم القتال بینهم و کان عبد العزیز کمن کمینا فخرج علیهم الکمین فولوا منهزمین إلی بلد القراین فقتل منهم فی تلک الهزیمة نحو سبعة عشر رجلا، منهم حمد المعین من أهل خرمة، و مانع الکیودی، و سوید بن زاید من أهل جلاجل.
و فیها رکب بن فایز الملیحی السبیعی غازیا، فالتقی بغزو لعبد العزیز بن محمد بن سعود فقتل غزوه و أخذ ابن فایز أسیرا، ففدی نفسه من عبد العزیز بخمسمائة أحمر و ذلک فی أرض الحسی قرب حریملا و الصفرة. و فیها کانت وقعة باب القبلی فی الریاض، و ذلک أن عبد العزیز سار غازیا لجمیع من مه إلیهم فاقتتلوا، فقتل من أهل الریاض ثمانیة رجال منهم، کنعان الفرید و صالح بن نعران، و قتل من غزو عبد العزیز عبد اللّه بن نوح.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 107
و فیها سار محمد بن عبد اللّه أمیر بلد خرما إلی ناحیة الوشم، فصادفه غزو للصمدة من الظفیر کثیر، فانهزم عبد اللّه و أسر الغزو منهم رجالا فافتدوا منهم. و فیها سار عبد العزیز و نازل أهل إشیقر، فحصل بینهم قتال قتل فیه من أهل البلد أربعة رجال.
و فیها سار عبد العزیز و قصد بلد ثادق و نازلهم و وقع بینهم قتال، و قطع شیئا من نخیلهم و قتل من أهل البلد رجالا و قتل من المسلمین ثمانیة رجال، منهم محمد بن دغیثر و محمد بن مانع. ثم إن أهل ثادق صالحوا و بایعوا علی دین اللّه و رسوله و السمع و الطاعة، و أمر علیهم دخیل بن عبد اللّه بن سویلم، و وفدوا معه علی الشیخ و محمد بن سعود.
و فیها سار عبد العزیز و نازل أهل بلد جلاجل، و وقع بینهم قتال فی الموضع المعروف بالعمیری شمالی البلد و قتل بینهم رجالا. ثم إن عبد العزیز رحل و أناخ فی سدیر، و أرسل إلی قضاتهم و هم حمد بن غنام قاضی الروضة و محمد بن عضیب قاضی الداخلة و إبراهیم بن حمد المنقور قاضی الحویطة و أمرهم أن یرحلوا معهم لمواجهة الشیخ فرحلوا معه.
ثم أناخ فی بلد العودة و أرسل إلی رجلین من رؤسائهم و هم عثمان بن سعدون و منصور بن حماد، و رحل بهما إلی الدرعیة خوفا من منازعتهما لأمیر العودة عبد اللّه بن سلطان فلما وصلا إلی الدرعیة و استقرا بها، طلب عبد اللّه الأمیر، الأمیر التخلیة عنهما و أن یرجعا إلی بلدهما و رجعا و أقاما فی البلد مدة یسیرة، قتلا عبد اللّه الأمیر و قتلوا معه عبد اللّه بن حمد و مزید بن سعید و تولی فی البلد ابن سعدون و بقی فیها عشر سنین، و صار له شهرة حتی قتل. و فیها سار عبد العزیز إلی الریاض
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 108
و قتل زید ..... ثم رجع و فیها جلی فوزان بن ماضی عن الروضة و تولی فیها ابن أخیه عمر بن جاسر.

و فی سنة إحدی و سبعین و مائة و ألف:

وقعة البطیحاء فی ثرمدا؛ هی نخل معروف فیها، و ذلک أن عبد العزیز سار إلی ناحیة الوشم فاقتتلوا فقتل من المسلمین نحو ثلاثین رجلا و من أهل ثرمدا ثمانیة رجال. و فیها غزا عبد العزیز و استولی علی الحوطة و الجنوبیة بالأمان. و فیها کانت وقعة أم العصافیر فی الریاض، سار إلیهم عبد العزیز فقتل من أهل الریاض ترکی بن دواس و ابن قریان و الجبری. و فیها کانت وقعة ..... فی الریاض، سار إلیه عبد العزیز فقتل من أهل الریاض ثنیان بن مبیریک غلام الزرعات و قتل من المسلمین راشد بن غنام و حمید بن قاسم.

و فی سنة اثنین و سبعین و مائة و ألف:

سار عریعر بن دجین قائد الأحساء و نواحیه و أعرابه و جمیع بنی خالد و إشیقر، أهل الوشم و سدیر و منیح و الخرج و أهل الریاض و غیرهم، فاجتمع تجمع عظیم هائل و نزل بلد الجبیلة أیاما، و وقع بینه و بین أهلها و أهل الدرعیة عدة وقایع، و قتل منه عدة قتلی و لم یحصل علی طایل، و کانت هذه الأحزاب قد تطاولت إلیه الأعناق و شمر الباطل عن ساق، و نقض لأجله العهود و یأبی اللّه إلّا أن یتم نوره و لو کره الجحود، فنکس علی عقبه علی فشل، و کل من نقض عهد المسلمین صار علی وجل، فأرسل إلی ثادق و المحمل و طلبوا من الشیخ و محمد العفو و أن یعطوهم نکالا من ثمرة الزرع و التمر، فقبلوا
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 109
منهم و استعمل علیهم ساری بن یحیی بن عبد اللّه بن سویلم، ثم غزا عبد العزیز إلی بلد القصب و ضیق علیهم فصالحوه بثلاثمائة أحمر و بایعوه.

و فی سنة ثلاث و سبعین و مائة و ألف:

غزا عبد العزیز إلی الخرج فأوقع بأهل الدلم، و قتل من أهلها ثمانیة رجال، و نهبوا بها دکاکین فیها أموال. ثم أغاروا علی أهل بلد نعجان و قتلوا عودة بن علی، و رجع إلی وطنه. ثم بعد أیام سار عبد العزیز إلی ثرمدا و قتل منها أربعة رجال. ثم إن عبد العزیز و هو راجع إلی الدلم فی الخرج فقاتل أهلها، و قتل من فزعهم سبع رجال، و غنم علیهم إبلا کثرة. ثم إنه کر راجعا إلی الوشم، فقصد منهم عشرون رجلا.
و فیها عزل محمد بن سعود مشاری بن معمر عن إمارة العینیة و استعمل علیها سلطان بن محسن المعمری، و سار الشیخ إلی العینیة فأمر بهدم قصر بن معمر و هدم. و فیها غزا عبد العزیز منفوحة و أشعل فی زروعها النار.
و فیها سار عبد العزیز بجمیع رعایاه و صبح آل عسکر من الظفیر علی الثرمانیة، و هی ماء معروفة قرب بلد رغبة، و أخذ کثیرا من ..... و غنم منهم إبلا کثیرة و قتل من الأعراب عشرة رجال و فیها غزا عبد العزیز الوشم فصادف خمسة عشر رجلا من أهل ثرمدا فهربوا و التجأوا إلی الحریق؛ البلدة المعروفة تحت الطلع قرب بلد القصب ..... أهلها
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 110
المعروفین بآل یوسف فطلبهم منهم عبد العزیز لیقتلهم فأبوا و افتدوهم منه بألف و خمسمائة أحمر.

و فی سنة أربع و سبعین و مائة و ألف:

سار عبد العزیز إلی جهة سدیر فأوقع بأهل الروضة و قتل من أهلها خمسة رجال. و فیها غزا عبد العزیز الریاض و قتل من أهل الریاض تسعة رجال، منهم فهد بن دواس کسرت رجله و مات بعد أربعین یوما و قتل من الغزو ستة رجال.
و فیها غزا عبد العزیز منفوحة و قتل عدة رجال. و فیها أغار عبد العزیز علی ابن فیاض و عربه المعروفین بالنبطة من سبیع، و أخذهم فی العتک بین المحمل و سدیر، و قتل منهم رجالا منهم القروی و أولاده. و غنموا علیهم من الإبل نحو ثمانین ذودا و أثاثهم و أمتعتهم. و فیها أیضا سار عبد العزیز إلی الریاض، فصبحهم لیلة العید فاقتتلوا قتالا شدیدا، و قتل من أهل الریاض حمد بن سودا و عبد الرحمن الحریص. و أبا المحیا و غیرهم، و قتل من الغزو خزام بن عبید و عثمان بن مجلای. و فیها مات مبارک بن عدوان فی المجمعة بعلّة الفالج.

و فی سنة خمس و سبعین و مائة و ألف:

غزا عبد العزیز منفوحة و حصل بینهم وقعة قتل من أهلها سعد بن محمد بن فارس. و فیها سار عبد العزیز إلی الخرج و صبح أهل نعجان و قتل من أهلها سبعة رجال و قطع بعض النخیل، ثم سار إلی الوشم فصبح أهل بلد مرات، فوقع بینهم قتال قتل فیه عدة رجال. و فیها سار أیضا إلی الوشم فصبح أهل بلد الفرعة، و قتل من أهلها عدة رجال، و بعد ذلک وفدوا علی الشیخ و محمد و بایعوا علی دین اللّه و رسوله و السمع و الطاعة، و حاربوا أهل إشیقر سبع سنین. و فیها سار عبد العزیز إلی الوشم، و جرت وقعة العلاوة قتل فیها
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 111
خمس و عشرون رجلا، الظاهر أنها فی بلد ثرمدا. و فیها وقع حیاء کثیر السیول و رجعان، و حدث فی البلد وباء شدید بأدمغة، مات فیه خلق کثیر، و ممن مات فیه قاضی أهل حرمة عبد اللّه المویس، و الفقیه فی المعجمة حماد بن محمد بن شبانة، و عبد اللّه بن سلیحم الکاتب المشهور، و القاضی فی سدیر إبراهیم بن حمد المنقور و أتی البلدان وباء کثیر أکل الثمار.

و فی سنة ست و سبعین و مائة و ألف:

سار عبد العزیز إلی الریاض، و حصل بینهم قتال، قتل من أهل الریاض رجال و قتل من الغزو دهمش بن سحیم، و غزا أیضا علی الریاض فقتل بینهم رجال. و فیها غدا دهام بن دواس علی الدرعیة فخرجوا علیه، و وقع بینهم قتال و أخذوا أهل الدرعیة أربعا من الخیل و بعض الرکاب، و قتل من شجعان أهل الریاض علی القروی و سعد المرابع و ابن مشوط و غیرهم، نحو عشرین رجلا.
و فیها سار عبد العزیز بالجیوش إلی الأحساء و أناخ بالموضع المعروف بالمطیر فی بالأحساء، و قتل منهم رجالا کثیرا نحو السبعین، و أخذوا أموالا کثیرة، ثم أغار علی المبرز فقتل من أهلها رجالا ثم قفل راجعا، فلما وصل العرمة وافق قافلة لأهل الریاض و أهل حرمة معها أموال فأخذ أهل الریاض و ترک أهل سدیر لأجل هدنة بینه و بینهم. و فیها غزا عبد العزیز سبیع فی الموضع المسمی بسیح الدبول و أخذ علیهم نحو مایتی بعیرا.

و فی سنة سبع و سبعین و مائة و ألف:

أرسل دهام بن دولفی إلی الشیخ و محمد بن سعود و بایعهما علی دین اللّه و رسوله و السمع و الطاعة و ساق ألفی أحمر نکالا. و فیها سار عبد العزیز إلی بلد جلاجل و قطعوا منه نخیلا، و حصل بینهم قتال و هزموا فزع البلد، و قتلوا من أهلها نحوا من
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 112
عشرة رجال، ثم إنه طاح علیهم سوید أمیر جلاجل و جمع أهل سدیر و بایعوا علی دین اللّه و رسوله. ثم إن عبد العزیز رحل من سدیر فلما وصل بلد رغبة أخبر بغزو من العجمان قد أخذوا فریقا من سبیع فجد فی طلبهم حتی أدرکهم بموضع یسمی قذلة، بین القویعیة و النفود، فقتل منهم نحو خمسین رجلا، و قتل من المجاذمة عشرون رجلا، و أسر منهم نحو المائتی أسیر و أخذ رکابهم و خیلهم، و کانت رکاب عبد العزیز تزید علی المائتین، و الخیل نحو أربعین فریقا. و کانت هذه الوقعة سبب مسیر أهل نجران.

و فی سنة ثمان و سبعین و مائة ألف:

کانت الوقعة المشهورة علی حماد المدیهیم و من معه من آل سعید آل ظفیر، سار إلیهم عبد العزیز و معه غزو أهل الریاض، معهم دواس بن دهام، فأغار علیهم و هم علی جراب ماء معروف بین سدیر و الدهناء، فاستأصل جمیع أموالهم و قتل نحو ثلاثین رجلا. و قتل علی الغزو رجال منهم المغیلیت و رکاب الغزو لا تزید علی المایة و الثلاثین. و فی هذه السنة فی ربیع آخر کانت وقعة الحایر المشهورة المسمات وقعة النجارین و ذلک بین عبد العزیز و أهل نجرن، و سببه ذبح رجال العجمان و أسرهم، فأقبلوا بجموع عظیمة، فوقع بینهم قتال، فصارت الهزیمة علی المسلمین، فقتل منهم نحو خمسمائة رجل و أسر کثیرا.
ثم إن صاحب نجران أرسل إلیه الشیخ و محمد بن سعود. فیصل بن شهیل شیخ الظفیر فاسترضوه و أطلقوا له الأسری الذین عندهم من العجمان و أطلق هو أسری المسلمین و رجع إلی وطنه، و سار عریعر و جمیع من معه فنزلوا علی الدرعیة عند سمحان و الزلال؛ و هما موضعان معروفان خارج الدرعیة فأقام علیهما نحوا من عشرین یوما یقاتلهم و معه
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 113
المدافع و القنابل، و أبطل اللّه کیده و وطه الفشل هو و جنوده فرحلوا منها صاغرین، و قتل من قومه أکثر من أربعین و من أهل الدرعیة نحو اثنی عشر رجلا، و فی آخر هذه السنة قتل محمد بن فارس شیخ منفوحة و ابنه عبد المحسن قتلوهم أولاد زامل بن فارس.

و فی سنة تسع و سبعین و مائة و ألف:

توفی الإمام الرئیس و المجاهد فی الدین بالعرمرم الخمیس محمد بن سعود بن محمد بن مقرن بن مرخان بن إبراهیم بن ربیعة بن مانع أسکنه اللّه تعالی جنته و أفاض علیه سوابغ رحمته. و کان ولی العهد بعده ابنه عبد العزیز، و کان إماما للمسلمین. و فیها حارب دهام بن دواس و ارتد و ثار الحرب الثالث الذی قتل فیه الرجال. و فیها غزا عبد العزیز ابن محمد بن سعود فرقانا من سبیع فی العرمة و أخذ منهم أموالا کثیرة. و فیها غزا عبد العزیز إلی الریاض.
و فیها أتی برد شدید أذهب الزروع و الثمار. و فیها جرت وقعة العدوة.
و فیها غزا عبد العزیز إلی الریاض. و فیها قتل عیبان بن عیبان من النواصر و أقنان من بنیه قتلوهم أهل شقرا.

و فی سنة ثمانین و مائة و ألف:

وقعة الصحن، و هو موضع معروف خارج بلد ثرمدا، سار إلیهم عبد العزیز فاقتتلوا فقتل من کل فریق نحو عشرین رجلا، و فی شوال غزا عبد العزیز الریاض فقتل من أهلها أربعة رجال.

و فی سنة إحدی و ثمانین و مائة و ألف:

غزا هذلول بن فیصل و هو أمیر الغزو و معه سعود بن عبد العزیز، و هی أول غزوة غزاها، و توجهوا إلی العودة فی سدیر و معهم آل سلطان رؤساء أهل العودة و فی البلد
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 114
رئیسا بن سعدون فقتل بن سعدون، و أمر منصور بن عبد اللّه بن حماد و فیها بایعهما أهل الوشم و سدیر علی دین اللّه و رسوله و السمع و الطاعة، و ساق سوید شیخ جلاجل خمس من الخیل نکالا و أهل العطار ثلاثمائة أحمر. و فیها غزا عبد اللّه بن محمد بن سعود مطیر.
و فیها غزا عبد العزیز الریاض و نزل المشقیق و حصل قتال. و فیها غزا عبد العزیز فرقان من أعراب الیمن، و هم علی المربع: الماء المعروف غربی نفود السر فأخذهم. و فیها غزا عبد العزیز الریاض و حصل قتال. ثم وقعة تسمی باب الشمری. و فی هذه السنة أول القحط المشهور بسوق، غارت فیه الآبار و غلت الأسعار و مات کثیر من الناس جوعا و مرضا، و جلی أکثر الناس فی هذه السنة و التی تلیها إلی الزبیر و البصرة و الکویت و غیرهم، و لکن فی آخر التی بعد هذه السنة نزل غیث و سبا علی منینح و غالب البلدان، و حصل رجعانا و لم یزرعوا فی القیض بسبب الدبا المعروف بالجندب، کلما زرعوا قطع الزرع، و صار البر و الذرة یباع المدین بمحمدیة و التمر الوزنة بمحمدیة.

و فی سنة اثنین و ثمانین و مائة و ألف:

غزا سعود بن عبد العزیز إلی الزلفی، و قتل منهم ثلاثة رجال، و فیها سار عبد العزیز غازیا علی سبیع فی الحایر فأخذ منهم أموالا کثیرة، و فیها سار سعود و قصد آل مرة و معهم غیرهم علی قنا: و قنی الماء المعروف فی ناحیة الجنوب، فحصل قتال، و فیها سار سعود بن عبد العزیز و قصد عنیزة فی القصیم و قتل منهم ثمانیة و قتل من الغزو رجال. و فیها توفی الأمیر العالم العلامة فرید عصره فی قطره عالم صنعاء و أدیبها: الشیخ المحقق محمد بن إسماعیل.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 115

و فی سنة ثلاث و ثمانین و مائة و ألف:

سار عبد العزیز إلی المجمعة فی ناحیة سدیر و حصل قتال، ثم رحل عبد العزیز إلی القصیم و أخذ الهلالیة عنوة، و وفد علیه أکثر أهل القصیم و بایعوا علی دین اللّه و رسوله و السمع و الطاعة. و فی هذه السنة. وقع و باء و مرض، و فیها سار عبد العزیز إلی الریاض فوقع بینهم قتال. و فیها سار عسکر من بغداد سیره وزیره عمر باشا مع بکر بیک إلی المنتفق فوقع بینهم قتال و جلی عبد اللّه بن محمد آل مانع رئیس المنتفق إلی بنی خالد و تولی فیهم فضل.

و فی سنة أربع و ثمانین و مائة و ألف:

سار عبد العزیز إلی الحائر فحاصر أهله و قطع بعض نخیله و بایعوا علی دین اللّه و رسوله و السمع و الطاعة. و فیها مات العالم القاضی فی ناحیة القصیم صالح بن عبد اللّه.

و فی سنة خمس و ثمانین و مائة و ألف:

سار عبد العزیز إلی الریاض فقتل منهم عبد العزیز دواس بن دهام ثم أخاه سعدون بن دهام و قتل عشرین رجلا و فیها غزا عبد العزیز إلی الریاض غزوتین غیر هذه.

و فی سنة ست و ثمانین و مائة و ألف:

سار عبد العزیز علی الجیش من العجمان فأخذ علیهم إبلا کثیرة و قتل منهم رجالا، و فیها غزا عبد العزیز إلی الریاض غزوتین و وقع بینهم قتال. و فیها توفی الشیخ أحمد بن مانع و شیبان بن سعود.

و فی سنة سبع و ثمانین و مائة و ألف:

سار عبد العزیز إلی الریاض و قتل علی أهله رجالا و قتل من الغزو رجال و ذلک فی صفر فلما انتصف ربیع الثانی سار إلی الریاض فلما قرب من بلد عرقة أتاه البشیر یبشره أن دهام خرج هاربا من الریاض و قصد الخرج فخرج معه من أهل الریاض
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 116
خلق کثیر فهلکوا فی البریة فی فصل الصیف، منهم خلق کثیر فسار فی أثرهم و هم یتهتلون و یقیمون، و کان قد أقام هذا الحرب نحو سبع و عشرین سنة، و فی هذه السنة وقع الطاعون العظیم فی بغداد و البصرة و نواحیها، و ذکروا أنه مات فیه منهم ثلاثمائة و خمسون ألفا و من أهل الزبیر نحو ستة آلاف.

و فی سنة ثمان و ثمانین و مائة و ألف:

سار عریعر علی القصیم و أخذ بریدة عنوة و نهبها و نزل الخابیة قرب بلد النبقیة، فکاتبه ناس من بلدان نجد، و خافه الناس، و عزم علی المسیر إلی الدرعیة فعاجله أمر اللّه فمات علی الخابیة فی شهر ربیع. و فیها سار سعود بن عبد العزیز إلی بلد الدلم فوقع بینهم قتال، ثم بعث سعود سریة إلی الزلفی فوقع بینهم قتال، و فیها بایعوا أهل منینح و أهل حریق نعام علی دین اللّه و رسوله، و السمع و الطاعة.

و فی سنة تسع و ثمانین و مائة و ألف:

غزا عبد العزیز إلی الخرج و أخذ بعض سوارح أهل الضبیعة؛ القریة المعروفة فی الخرج، و قتل منهم رجالا و قطع نخیلا. و فیها حاصر العجم البصرة و استولوا علیها صلحا فی سنة تسعین، ثم غدروا بأهلها و ساروا إلی الزبیر و نهبوه و سبوا ما وجدوا من الولدان. و فیها سار سعود إلی القصیم و استولی علی بریدة، و فیها قدم زید بن مشاری بن زامل صاحب الدلم علی الشیخ و عبد العزیز و بایعهم.

و فی سنة تسعین و مائة و ألف:

و قد أهل الزلفی و أهل منینح علی الشیخ و عبد العزیز و معهم أخو الشیخ سلیمان بن عبد الوهاب، و سکن فی الدرعیة حتی توفاه اللّه و فیها بایعوا علی دین اللّه و رسوله أهل نیقة المعروفة
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 117
فی بلد الدلم. و فیها قدم حسن البحجادی صاحب الیمامة و رؤساء أهل بلده و بایعوا الشیخ و عبد العزیز. و فیها سار عبد العزیز إلی الجنوب فأغار علی بوادی آل مرة.

و فی سنة إحدی و تسعین و مائة و ألف:

سار سعود بن عبد العزیز إلی الیمامة فوقع بینهم قتال و فیها سار عبد العزیز بن محمد بن سعود إلی بلد حرمة فلما نزل بهم بایعه أهل البلد و فیها أیضا سار إلی ناحیة الخوح.
و فیها قتل خضیر بن عبد اللّه و ابن عمه عثمان بن إبراهیم أخاه الأمیر عثمان بن عبد اللّه المدلج، ثم سار إلیهم سعود و حاصرهم و صالحوه.
و فیها سار عبد العزیز إلی الخرج فوقع بینهم قتال.

و فی سنة اثنین و تسعین و مائة و ألف:

نزل سعدون بن عریعر الخرج و أراد من عبد العزیز الصلح فأجابه إلیه، ثم نزل ببان ثم مبایض فانتقض بینه و بین عبد العزیز، فألقی اللّه الرعب فی قلب سعدون و خاف علی نفسه و قومه، فظعن من مبایض حادرا إلی أوطانه فی جمرة القیض فهلک أکثر أغنامهم عطشا و أصابهم مشقة عظیمة.

و فی سنة ثلاث و تسعین و مائة و ألف:

حاصر سعدون عریعر و أهل خرمة و أهل الزلفی فقطعوا نخیلا و أکلوا زروعا فرحلوا من المجمعة منصرفین، و رحل سعدون و نزل مبایض و سار علی الروضة و ولی فیها آل ماضی، ثم رحل منها سعدون و کان سعود فی بلد ثادق فرحل و نزل الروضة و قطع، و فیها أخذ سعود حرمه و جعلها نخیلها بیت مال.

و فی سنة أربع و تسعین و مائة و ألف:

غزا سعود بلد الزلفی و حصل بینهم قتال، و فیها غزا عبد اللّه بن محمد بن سعود الزلفی أیضا،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 118
و حصل بینهم قتال و فیها أنزل اللّه سیلا عظیما علی بلد عنیزة أغرق و محا منزلتها و أذهب فیها أموالا کثیرة، و فیها أغار سبیع علی الظفیر علی ماء سفوان و أخذوا نحو أربعة آلاف بعیر، و منها بایعوا أهل الزلفی، و فیها غزا سعود إلی حوطة بنی تمیم، و فیها توفی الشیخ الفقیه أحمد بن محمد بن عبد اللّه بن علی بن محمد بن مبارک بن أحمد التویجری قاضی بلد المجمعة و فیها توفی الشیخ حمد بن إبراهیم بن حمد بن عبد الوهاب بن عبد اللّه قاضی بلد مرات.

و فی سنة خمس و تسعین و مائة و ألف:

سار سعود بن عبد العزیز إلی ناحیة الخرج و حصل بینهم قتال. و فیها سار عبد اللّه بن محمد بن سعود، إلی الخرج و حصل بینهم قتال، و فیها حصل بین بنی خالد و معه جدیع بن هذال و بین الدهامشة قتال شدید و فیها سار عبد العزیز بن محمد بن سعود إلی الخرج و حصل علیهم قتال. و فیها صارت وقعة علی الظفیر علی مبایض من سعود بن عبد العزیز فانهزموا، و قتل منهم رجال و أخذ علیهم مال کثیر غنیمة.

و فی سنة ست و تسعین و مائة و ألف:

حرب سعدون بن عریعر التنومة. و فیها حارب سعدون بریدة و جری بینهم وقعات، ثم ارتحل سعدون و لم یحصل علی شی‌ء، و فیها نزل أخذ سعدون بن عریعر الروضة و ولی فیها آل ماضی، ثم سار سعود و نزل الروضة و قطع النخیل إلّا ماحمه البروج و صالحهم سعود علی القلعة و بذلوا له أموالا نکالا.

و فی سنة سبع و تسعین و مائة و ألف:

سار سعود و أخذ الصهبة المعروفین من مطیر علی المسجدة، و هذه السنة هی أول القحط المسمی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 119
دالوب، غلت فیه الأسعار، و اشتد الغلاء و القحط و الجوع فی السنة؟
بعد هذه، و استمر إلی تمام المائة، و بلغ سعر الحنطة و الذرة؟؟؟
بالمحمدیة و التمر وزنة و نصف و مات الناس جوعا.

و فی سنة ثمان و تسعین و مائة و ألف:

سار سعود إلی الأحسن؟؟؟
و أخذ منه حیوانات و أزواد و أمتعة، و قتل من الغزو رجال منهم ناصر عبد اللّه بن لعبون. و فیها سار سعود إلی عنیزة و حصل بینهم قتال، قتل منهم عدة رجال و قتل من الغزو رجال منهم ثنینان بن زوید الشجاع المشهور.

و فی سنة تسع و تسعین و مائة و ألف:

سار سعود غازیا إلی الخر؟
و أخذ قافلة لأهل الخرج، و حصل بینهم قتال شدید. و فیها قدم ربیع و بد؟
أبناء زید الدواسر رؤساء الوادی و بایعوا الشیخ و عبد العزیز. و فی آخر؟؟؟
الحجة سار سعود فصار بینه و بین أهل الدلم فی ناحیة الخرج قتال و أخذها عنوة و قتل أمیرها ترکی بن زید بن زامل، و أمر فیها سلیمان بن عفیصان و بایعه جمیع أهل الخرج، و فی آخرها و أول التی بعدها أوقع؟؟؟
فی الإبل وباء عظیما خلت من مرح البوادی و الحضر، حتی إن؟؟؟
المسافر تموت و هو علیها، و سمیت سنة جزام.

و فی سنة مائتین و ألف:

و هی رجعان الوقت المشهور دولاب و کثر فیها الخصب و رخص فیها الطعام من الحنطة، و غیرها. و فیها کانت وقعة جضعة بین المهاشیر و آل صبیح و دویحس بن عریعر کلهم علی سعدون رئیس بنی خالد، و استنجدوا ثوینی بن عبد اللّه شیخ المنتفق.
و فیها سار سعود علی بوادی قحطان فأخذ غالب إبلهم و محلتهم و قتل علیهم رجالا.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 120

و فی سنة إحدی و مائتین و ألف:

سار ثوینی بن عبد اللّه بین محمد بن مانع آل شبیب بالمنتفق و أهل الحجرة و أهل الزبیر و بوادی شمر حتی إن أحمال زهبة البنادق و المدافع و آلاتها بلغت سبعمائة حمل، فسار إلی أن وصل التنومة فی القصیم و حصرها أیاما و ضربها بالمدافع، و أخذها عنوة و قتل جمیع أهلها إلا الشرید قیل: إن الذی قتل فیها؛ مائة و سبعون رجلا، ثم ارتحل إلی بریدة فحصل بینه و بین أهلها بعض القتال، ثم رجع من نجد و قصد البصرة و أخذها و حبس بتسلمها. و فیها غزا حجیلان بن حمد أمیر القصیم بأمر عبد العزیز إلی ناحیة جبل شمر و ضیق علیهم حتی بایعوا.

و فی سنة اثنین و مائتین و ألف:

سار سلیمان باشا بعساکر عظیمة من بغداد إلی ثوینی آل محمد فحصل بینهم قتال شدید فالتقی العسکران بنهر یسمی الفضیلة فصارت الهزیمة علی ثوینی و جنوده، فقتل منهم قتلی کثیرة، و جمع سلیمان باشا رؤوس القتلی و جعل منها ثلاث منارات، و تولی حمود بن ثامر علی المنتفق. و فیها أمر الشیخ محمد بن عبد الوهاب رحمه اللّه تعالی أهل بلدان نجد و غیرهم أن یبایعوا سعود بن عبد العزیز و أن یکون ولی العهد بعد أبیه بأمر عبد العزیز رحمه اللّه. و فیها بایع جمیع أهل وادی الدواشر، وفدوا علی الشیخ و عبد العزیز، و فیها مات العالم الفقیه حسن بن عبد اللّه بن عیدان قاضی بلد حریملا و حمد الوهیبی و حمد بن قاسم و عبد الرحمن بن ذهلان، القضاة المشهورون فی بلد العارض. و فیها مات سرور بن مساعد شریف مکة. و فیها مات السلطان عبد الحمید بن أحمد خان و تسلطن أخوه سلیم بن أحمد.

و فی سنة ثلاث و مائتین و ألف:

سار سعود إلی جهة الشمال فوافق
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 121
ثوینی آل محمد فأخذ محلتهم و أثاثهم. و فیها سار سعود إلی بنی خالد، ثم غزوة أخری إلی المنتفق، ثم غزروه إلی الأحساء. و فیها توفی الشیخ الفقیه عبد الوهاب بن محمد بن فیروز و ذلک فی سابع رمضان، و کان مولده فی سنة ألف و مائة و اثنین و سبعین، صنف حاشیة علی «شرح الزاد» و لکنه لم یکملها.

و فی سنة أربع و مائتین و ألف:

کانت وقعة غریمیل، و هو جبل صغیر قرب الأحساء بین سعود و بنی خالد، فوقع القتال ثلاثة أیام فهربت جموع بنی خالد و کسروا. و فیها نزل علی بلد حریملا برد فی الشتاء من خوارق العادة قتل ما وقع علیه من البهائم و الطیور و غیرها، و خسف السطو و الأوانی حتی النجاس و أهلک الأشجار و کسرها و أهلک جمیع زروعهم، و جاروا إلی اللّه سبحانه فرحمهم و دفع عنهم.

و فی سنة خمس و مائتین و ألف:

سیر غالب بن مساعد الشریف عساکرا قبل نجد، فنزلوا قصر بسام و حاصروهم أکثر من عشرة أیام، ثم ساروا و نازلوا قصر الشعراء المعروفة فی عالیة نجد فلم یدرک شیئا، ثم رحل علی فشل و قتل من قومه أکثر من خمسین رجلا. و فیها کانت وقعة العدوة بین سعود و بین کثیر من البوادی الذین ساروا مع الشریف، و العدوة زرع لشمر قرب بلد حایل، و وقع بینهم قتال شدید فانهزمت تلک البوادی و غنمت أموالهم. و فیها کانت وقعة العدوة بین الشریف و سعود بن عبد العزیز و وقع بینهم قتال شدید.

و فی سنة ست و مائتین و ألف:

أخذ سعود سیهات عنوة و أخذ عنک عنوة، و صالحوه عن الغرضة بخمسمائة أحمر، کل ذلک من
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 122
القطیف. و فیها غزا سعود ابن عبد العزیز عربان من البوادی و هم علی الشقرة الماء المعروف قرب جبل شمر، و وقع فیها قتال و أخذ علیهم خیلا و إبلا و غنما و أمتعة.

و فی سنة سبع و مائتین و ألف:

سار سعود علی بنی خالد و أخذهم علی و هو موضع معروف شرقی ماء اللصافة، ثم رحل و نزل الطف علی الماء المعروف بالرینیة و أتته مکاتبات أهل الأحساء یدعونه إلیهم لیبایعوه، فارتحل و نزل علی عین نجم خارج البلد فظهر علیه أهلها و بایعوه و دخل البلد و أقام فیه قریب شهر، و هدموا ما فیه من القباب التی علی القبور و غیرها، و رتب المساجد و الأرؤس، و رتب فیهم علماء یعلمونهم، ثم رحل سعود و نزل نطاع. ثم نقض أهل الأحساء العهد و قتلوا جمیع من عندهم من العلماء و الأمیر و صاحب بیت المال و هم نحو ثلاثین رجلا و جروهم فی الأسواق.

و فی سنة ثمان و مائتین و ألف:

سار سعود إلی الأحساء و وقع فیه وقعات ثم أرسلوا براک بن عبد المحسن آل عبد العزیز لیأخذ لهم أمانا منه و یبایعوه علی السمع و الطاعة فأجابه إلی ذلک و رحل عنهم سعود، و قال بعض الأدباء:
و تاریخ الزوال أتی طباقاو غار إذ انتهی الأجل المسمی
فی الأرض ماله نظیر سمی ربیع مواسی.
و فیها خسف القمر لیلة یوم الخمیس رابع عشر المحرم، و کسفت الشمس فی أواخر یوم الخمیس. و فی سابع عشر رجب توفی الشیخ العالم الفقیه سلیمان بن عبد الوهاب أخو الشیخ محمد بن عبد الوهاب و دفن فی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 123
الدرعیة. و فی ربیع قتل محمد بن غریب فی الدرعیة صبر الأمور قیلت عنه. و فی أول رمضان توفی العالم الفقیه حمد بن عثمان بن عبد اللّه بن شبانة القاضی المعروف فی بلد المجمعة.

و فی سنة تسع و مائتین و ألف:

سار سعود علی بوادی کثیرة من الظفیر بالحجرة فهزمهم و قتل منهم رجالا کثیرا، و أخذ علیهم ألفا و خمسمائة بعیر و أغنامهم و أثاثهم و ذلک فی شعبان. و فی ذی القعدة سار سعود فنازل أهل تربة المعروفة فحاصر أهلها حصارا شدیدا و قطع کثیرا من نخیلها و قتل بینهم قتلی کثیر.

و فی سنة عشر و مائتین و ألف:

سار سعود و أغار علی عربان مجتمعة من عتبة و مطیر، و هم فی الحرة فأخذ علیهم أموالا و قتل منهم رجالا منهم رئیسهم أبو محیور العتیبی و القدح من رؤساء مطیر فی نحو ثلاثین رجلا و قتل من خیالة سعود سبیلا بن نصیر المطرفی و ذلک فی جمادی الآخر. و فیها سیر غالب الشریف عساکر عظیمة من بادیة و حاضرة و أمر علیهم ناصر بن یحیی الشریف، فلما بلغ عبد العزیز بن محمد بن سعود الخبر أمر علی محمد بن ربیعان و فیصل الدویش و کذلک أمر علی السهول و سبیع و العجمان و أمر علی ربیع بن زید الدوسری أن یسیر بجمیع الحاضرة و البادیة و أمر علی تلک الجموع هادی بن قرملة و اجتمعوا عنده قرب الماء المعروف بالجمانیة، و سار ناصر بن یحیی الشریف و معه مدفع منزل علی ماء الجمانیة و اقتتلوا قتالا شدیدا و کثر القتلی فی الفریقین، فقتل من کل جمع نحو مائة رجل.
فحمل هادی و من معه علی جنود الشریف فولوا منهزمین فقتل منهم
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 124
نحو ثلاثمائة رجل و غنم منهم هادی و جموعه من الإبل و الغنم و الأمتعة ما لا یعد، و أخذوا خیمة ناصر و مدفعه.
و فی هذه السنة فی رمضان تمالأ صالح بن النجار و علی بن أحمد و سلطان الجبیلی و رجال من رؤساء أهل الأحساء فأجمعوا علی نقض العهد، فقاتلهم إبراهیم بن سلیمان بن عفیصان و من معه من السیاب و العتبان، فوقع بینهم قتال فلما کان فی ذی القعدة سار سعود و قصد ناحیة الأحساء و نزل قرب الرقیقة المعروفة فیه و هی مزارع للأحساء و سلم له أهل الأحساء علی إحسانه و قتل منهم أناس و أجلی أناسا و تسمی هذه غزوة الرقیقة، و فی هذه السنة فی رمضان قتل سلیمان باشا صاحب العراق وزیره کیخیا أحمد بن الخرنبذا و حاز سلیمان جمیع خزاینه و أمواله.

و فی سنة إحدی عشر و مائتین و ألف:

عزل سلیمان باشا صاحب العراق حمود بن ثامر عن ولایة المنتفق و ولی علیهم ثوینی بن عبد اللّه و بعثه من العراق إلی البصرة، فلما استقر ثوینی فی المنتفق و البصرة استقر جمیع رعایا من المنتفق و أهل الزبیر و البصرة و آل ظفیر و بنی خالد و نزل ثوینی علی الجهرا قرب الکویت، ثم سار حتی نزل الشباک المذکور و إذا هو فی مجلسه و عنده اثنان أو ثلاثة من خواصه و الناس یحطون رحالهم، أقبل العبد من خلفه و معه زانة فیها حربة فطعنه طهیس بین کتفیه، و قتل العبد من ساعة، و حمل ثوینی إلی خیمته و قالوا: إنه حی و ینادون له بقهوة و تنباک و هو قد شبع من الموت، و جعلوا أخاه ناصر أمیرا مکانه، و کان قتل ثوینی رابع محرم أول سنة اثنی عشر و سمیت هذه الوقعة سحبة، فلما فرغ سعود من قسم الغنائم سار و نزل شمال الأحساء و خرج إلیه أهله و بایعوه.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 125
و فیها أنزل اللّه غیثا عظیما أشفق منه کثیر من أهل البلدان، و غرقت منه حالة الدلم و محاها و لم یبق من بیوتها إلّا القلیل، و ذهب لهم أموال کثیرة. و نزل علی بلد حریملا برد لم یعرف له نظیر خسف السطوح، و قتل بهائم، و کسر عسبان النخل و خوصها، و کسر الأشجار و هدم الجدران حتی أشرفوا علی الهلاک، ثم رحمهم اللّه سبحانه و فرج عنهم، ثم جاء فی الصیف سیل عظیم أشفق منه أهل البلدان، و هدم بعض حوطة الجنوب و ذهب بزروع کثیرة محصودة، و جاء فی وادی حنیفة سیل عظیم هدم فی الدرعیة بیوتا کثیرة، و ارتفع علی الدکاکین و البیوت و لم یکن یعلم أنه قبل بلغها و هدم فی العینیة بیوتا کثیرة و سمی أهل الدرعیة هذا السیل موحن.

و فی سنة اثنی عشر و مائتین و ألف:

ولی سلیمان باشا صاحب العراق حمود بن ثامر علی المتنفق بعد قتل ثوینی. و فیها فی رمضان سار سعود و أغار علی سوق الشیوخ و قتل قتلی کثیرة، و هرب منهم أناس و غرقوا فی الشط، و سار سعود إلی الماوة فوجد عربان کثیرة مجتمعین فی الأبیض الماء المعروف قرب المساوه و ریسهم شدید. و قتل ذلک الیوم مطلق الجرباء و هو علی جواد سابق فعثرت به فی نعجة فقتله رئیس السهول خزیم بن لحیان.

و فی سنة ثلاثة عشر و مائتین و ألف:

سیر سلیمان باشا العراق العساکر الکثیرة من العراق و الأکراد و الحجرة و البصرة، سار بهم وزیره علی کیخیا و سار معه من البوادی عربان المتنفق مع رئیسهم حمود بن ثامر و آل بعیج و الزقاریط و آل قشعم و جمیع بوادی العراق، و سار معه أیضا بوادی شمر و الظفیر و اتفق له قوة هائلة من المدافع و القنابر و آلائها حتی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 126
قیل: إن الخیل الذی یعلق علیها له ثمانیة عشر ألفا، فسار و قصد الأحساء ول یدرک منه مقصوده، و رجع إلی أوطانه.

و فی سنة أربعة عشر و مائتین و ألف:

حج سعود بن عبد العزیز حجته الأولی و أجمل معه غالب أهل نجد و الجنوب و الأحساء و البوادی و غیرهم، و کانت حجة حافلة بالشوکة و جمیع الخیل و الجیش و الأثقال و النساء، و اعتمروا و قضوا حجتهم علی أحسن الأحوال و لم ینلهم مکروه، و رجعوا سالمین و للّه الحمد و المنة.

و فی سنة خمس عشر و مائتین و ألف:

حج عبد العزیز بن محمد بن سعود بالناس و معه ابنه سعود، فبعد ما سار سبعة أیام أنس عبد العزیز من نفسه الملل و الثقل فرجع، لما کان قرب الدوادمی، و حج بالناس سعود قال الشیخ الإمام العامل العمدة الحافظ المصنف شارح «المنتقی» محمد بن علی الشوکانی فی الیمن الصنعانی: و فی شهر شعبان سنة خمس عشر و مائتین و ألف أخبرنا القاضی العلامة علی بن ناصر الیمانی الغرشی أن رجلا من الخدا من بنی عیسی اسمه حسین بن علی عیسی الداغیة قد بلغ من العمر سبعین عاما، و ذکر الراوی: أنه یعرف هذا الرجل أنه تواتر له من جماعة مشاهدین للرجل المذکور بأنه نبت له و هو فی هذا السن قرنان کقرنی المعز من فوق أذنیه و أنهما ارتفعا ثم انعطفا علی الأذنین و هذه غریبة، فسبحان الخالق.

و فی سنة ستة عشر و مائتین و ألف:

سار سعود و قصد أرض کربلاء و نازل أهل بلد الحسین و ذلک فی ذی القعدة و أخذها عنوة، و قتل غالب أهلها و هدموا القبة التی یزعمون أنها علی قبر الحسین. و فی هذه
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 127
السنة سار سلطان أحمد صاحب مکة مسکة المعروفة فی عمان و أخذ البحرین من أیدی آل خلیفة و استولی علیه، ثم إن آل خلیفة أتوا عبد العزیز بن سعود و استنصروه فأمدهم بجیش و اقتتلوا قتالا شدیدا و أخذوه من ید سلطان.

و فی سنة سبعة عشر و مائتین و ألف:

مات سلیمان باشا العراق و تولی فیه علی باشا. و فیها سار الترک إلی مصر و أخذوه من الفرنسیس.
و فیها مات بادی ابن بدوی بن مضیان رئیس عربان حرب، و مات أیضا حمود بن ربیعان رئیس بوادی عتیبة. و فیها انتقض الصلح بین غالب الشریف و بین عبد العزیز بن محمد بن سعود، و فارق الشریف وزیره عثمان بن عبد الرحمن المضایفی و وفد علی عبد العزیز و بایعه. و سار سعود إلی مکة و خرج غالب الشریف إلی جدة، و دخل سعود مکة و استولی علیها. ثم إن سعود رحل من مکة و استعمل فیها أمیرا عبد المعین بن مساعد الشریف. و نازل جدة و حاصرها فوجدها محصّنة بسور حصین و خندق دونه، فرحل منها و رجع إلی وطنه.

و فی سنة ثمانیة عشر و مائتین و ألف:

فی العشرة الأواخر من رجب قتل الإمام بعد العزیز بن محمد بن سعود فی مسجد الطریف و هو ساجد أثناء صلاة العصر.

و فی سنة تسعة عشر و مائتین و ألف:

قتل إمام مسکة سلطان بن أحمد بن سعید، قتله رجال من القواسم أهل رأس الخیمة. و فیها عزل سعود سلیمان بن محمد بن ماجد عن الأحساء و استعمل علیه إبراهیم بن سلیمان بن عفیصان. و فیها ثار محمد علی صاحب مصر و هو کبیر عسکر
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 128
علی محمد باشا وزیرها یطلب علوفته و علوفة العسکر، فقتله و نصب نفسه باشا فیها و أرسل إلی السلطان عرضا و أناله التقریر فی مصر.

و فی سنة عشرین و مائتین و ألف:

اشتد الغلاء و القحط علی الناس فی نجد و ما یلیها، و سقط کثیر من أهل الیمن و مات أکثر إبلهم و أغنامهم، و فی ذی القعدة بلغ البر ثلاثة آصع بالریال، و التمر سبع أوزان بالریال، و بیع فی الوشم و القصیم خمس أوزان بالریال، و أما مکة فالأمر فیها أعظم مما ذکرنا بسبب الحرب و الحصار و قطع المیرة و السیالة عنها، و ذلک حیث انتقض الصلح بین غالب و سعود فسدت الطرق کلها عن مکة من جهة الیمن و تهامة و الحجاز و نجد، لأنهم کلهم رعیة سعود و تحت أمره.
و ذکر أنه بیع کیلة الأرز و الحب ستة ریال، وکیلتهم أنقص صاع من صاع نجد. و بلغ رطل الدهن ریالین. و أما نجد فاشتد الجوع فیها علی الناس و لکن جعل اللّه لهم الأمن العظیم فی نواحیهم، یسافر الرجل إلی أقصی البلاد من الیمن و عمان و الشام و العراق و غیر ذلک لا یخشی أحدا إلّا اللّه، و صارت الدرعیة لهم ردّا کأنها البصرة و الأحساء، فمن أتاها بنفسه أو عیاله وسع اللّه علیه دنیاه. و طاول هذا الغلاء، و الجوع فی نجد نحو ست سنین.

و فی سنة إحدی و عشرین و مائتین و ألف:

حج سعود حجته الثالثة.

و فی سنة اثنین و عشرین و مائتین و ألف:

عزل السلطان سلیمان بن أحمد و تولی السلطنة ابن أخیه مصطفی بن عبد الحمید لتسع بقین من جمادی، فلما کان فی السنة الثالثة و العشرین فی أثنائها أجمع
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 129
طائفة من رؤساء الدولة علی رد سلیمان المذکور فی السلطنة و عزل مصطفی، و کان سلیم فی الاعتقال مأسورا فأشار بعض وزراء مصطفی بقتل عمه سلیم لکی ینثنی عزمهم عن عزله فقتله، فغضب یوسف باشا و من معه من شیعة سلیم فعزلوه و أجلسوا فی السلطنة أخاه محمود بن عبد الحمید علی صغر سنه.
و فی هذه السنة اشتد الغلاء و القحط فی نجد و بلغ البر أربعة آصع بالریال و التمر أحد عشر وزنة بالریال، و أمحلت الأرض و هلک غالب مواشی البوادی. و لم یبق لأکثرهم إلّا القلیل. و هلک أیضا غالب مواشی الحضر، فلما کان وقت انسلاخ رمضان فی وسط الشتاء أنزل اللّه الغیث و رحم العباد و أحیا البلاد و حثر العشب و الربیع خلاف العادة، و استمر أحسن ما کان و سمنت المواشی و کثر الجرب فی الإبل و عم فی الحاضر و البادی، و أصلح اللّه الزرع و بارک فی الثمار إلّا أن الغلاء علی حاله و اشتداده حتی تحصد الزرع. و فیها حج سعود حجته الرابعة.

و فی سنة ثلاث و عشرین و مائتین و ألف:

سار سعود و نازل أهل بلد الحسین و وقع عند السور رمی و قتال شدید، فلما علم سعود بإحصان البلد رحل عنها و نزل علی شتاتا و استولی علیها، ثم رحل و قصد المجرة و ناوش المنتفق بقتال قتل فیه سلطان بن حمود بن ثامر.
و فیها حج سعود حجته الخامسة. و فی هذه السنة و الغلاء و القحط فی نجد علی حاله فی الشدة، و انتهی سعر البر أربعة آصع بالریال، و ثلاثة آصع و التمر عشر وزنات بریال، و عم الغلاء فی جمیع نجد و الیمن و تهامة و البحرین و الحجاز و الأحساء، و وقع مع ذلک ذکر مرض و وباء مات فیه خلق کثیر من نواحی نجد. و فیها مات بعد عید النحر قاضی الأحساء
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 130
محمد بن سلطان العوسجی. و فیها کسفت الشمس آخر رمضان مساء.

و فی سنة أربع و عشرین و مائتین و ألف:

اشتد الوباء و المرض خصوصا فی بلد الدرعیة، فمکث علی ذلک إلی شهر جمادی. و مات فی الدرعیة خلق کثیر من الغرباء و السکان. و فی هذا الوباء توفی الشیخ القاضی حسین بن علی بن الشیخ محمد بن عبد الوهاب. و فی هذا الوباء توفی سعد بن عبد اللّه بن عبد العزیز بن محمد بن سعود و أربعة رجال من آل معمر. و فیها أنشأ اللّه سحابا و أنزل غیثا فی حمرة القیض و أرخص اللّه الأسعار. و فیها حج سعود حجته السادسة.

و فی سنة خمس و عشرین و مائتین و ألف:

أرخص اللّه الأسعار و بلغ البر ثلاثة عشر بریال، و التمر سبع و ثلاثین وزنة بالریال، و فی شهر ذی الحجة توفی الشیخ العلامة حسین بن غنام فی الأحساء. و فیها حج سعود حجته السابعة و فی شهر ذی الحجة توفی الشیخ العالم العلامة أحمد بن نامر بن عثمان بن معمر فی مکة.

و فی سنة ست و عشرین و مائتین و ألف:

حج سعود حجته الثامنة.

و فی سنة سبع و عشرین و مائتین و ألف:

حج سعود حجته التاسعة. و فیها کسفت الشمس یوم الاثنین آخر المحرم.

و فی سنة ثمان و عشرین و مائتین و ألف:

وقع فی بغداد اختلاف، و خاف أسعد بن سلیمان باشا من عبد اللّه باشا صاحب بغداد، و هرب إلی المنتفق عند حمود بن ثامر، و هرب معه قاسم بیق فأرسل عبد اللّه المذکور إلی حموده و طلب منه أن یبعث بهم إلیه فأبی ذلک و منعهم. ثم إن
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 131
عبد اللّه جمع العساکر من الروم و عقیل و من بوادی شمر و غیرهم من أهل العراق و رئیس البوادی بنین بن قرنیس الجرباء.
ثم جمع حمود بن ثامر جمیع المنتفق و جمیع أتباعه فالتقی الفریقان و اقتتلوا قتالا شدیدا، ثم إن بوادی شمر و أناس من رؤساء العسکر و غیرهم من الکرد خانوا الحمود فانهزمت العساکر العراقیة، و قتل منهم قتلی کثیرة، و أسر عبد اللّه باشا المذکور و کیخیاه طاهر و ناصر الشبکی رئیس عقیل. و کان برغش بن حمود قد جرح فی تلک الوقعة جرحا شدیدا فمات منه. فشرط أسعد بن سلیمان الراشد أخو حمود بن ثامر أن یقتل عبد اللّه باشا و کیخیاه فقتلهم، فلما بلغ حمود الخبر غضب غضبا شدیدا و سقط من سریره لقطع وجهه و لم یعقب ذلک بشی‌ء. ثم إن حمود سار بأسعد إلی بغداد و ملکه فیه و رجع. و فی ذی القعدة جرت وقعة فی عمان عظیمة و مقتلة شدیدة.

و فی سنة تسع و عشرین بعد المائتین و ألف:

شهر فی نجد جراد کثیر و دبا أکل غالب زروعهم و قطع کثیرا من ثمر النخیل فی بلدان کثیرة.
و فیها توفی الشیخ العالم قاضی حوطة الجنوب و الحریق سعید بن حجی.
و فیها توفی الإمام سعود بن عبد العزیز بن محمد بن سعود لیلة الاثنین حادی عشر شهر جمادی الأول.

و فی سنة ثلاثین و مائتین و ألف:

جرت الوقعة المشهورة بین فیصل بن سعود و بین الترک فی بسل القصر المعروف قرب الطائف. و فیها خسف القمر خسوفا شدیدا و لم یبق منه إلّا مثل النجم.

و فی سنة إحدی و ثلاثین و مائتین و ألف:

جرت وقعة بین عساکر
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 132
العراق و بین بنیه الجرباء و عمه فارس و قتل بنیه الجرباء، و قتل بینهم قتلی کثیر. و فیها سار عبد اللّه بن سعود و قصد ناحیة القصیم و نزل بلد الخبرا، و هدم سورها و سور بلد البکیریة. و فیها توفی غالب بن مساعد الشریف.
و فیها مات أحمد طوسون بن محمد علی فی مصر آخر شوال. و فیها جهّز محمد علی صاحب مصر العساکر إلی نجد مع إبراهیم باشا.

و فی سنة اثنین و ثلاثین و مائتین و ألف:

توفی الشیخ العالم أحمد الحفظی الیمنی رحمه اللّه تعالی.

و فی سنة ثلاث و ثلاثین و مائتین و ألف:

و إبراهیم باشا فی عنیزة و ارتحل منها و نزل بلد المذنب فأطاعوا له، و رحل إلی أشیقر و الفرعة و دخلوا فی طاعته. و رحل إلی شقرا و حصل بینهم قتال شدید، ثم رحل إلی بلد خرما و أخذها عنوة بعد معالجة و حرب طویل بینه و بین أهلها. ثم رحل إلی الدرعیة حتی نزل الملقا، ثم رحل و نزل العلب، فلما کان یوم العاشر من نزوله البلد جرت وقعة فی المغیصیبی آل شعیب المعروف خارج البلد، ثم صار وقعات و مقاتلات لیس لها ذکر.
ثم کانت وقعة غبیر المشهورة و هو شعیب معروف، ثم کانت وقعة سمحة النحل المعروف أعلی الدرعیة جنوب الوادی، ثم رحل الباشا و نزل قری قصیر شمال البلد، ثم وقعة البلیدة: الشعیب المعروف، ثم وقعة أیضا عند البلیدة، ثم جرت وقعة عظیمة فی شعیب قلیقل، ثم صارت وقعات عدیدة فی جمیع جهات الدرعیة، و فی أثناء هذا الحرب اشتعلت النار فی زهبة الباشا، و فی أثناء هذا الحرب قتل فیصل بن سعود بن عبد العزیز، ثم صار عدة وقعات.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 133
ثم جرت وقعة کتلة الشعیب المعروف، ثم جرت وقعة فی الرفیعة النخل المعروف، ثم جری وقعات و منها ثلاث لا تحصی و حصار، بلغ سعر البر صاع بالریال فلما رأی عبد اللّه ذلک بذل نفسه و فدی بها عن النساء و الولدان و الأموال، و هلک فی هذا الحصار من أهل الدرعیة و أهل النواحی و من الترک أمم کثیرة، و کان الشیخ العالم القاضی أحمد بن رشید الحنبلی صاحب المدینة فی الدرعیة عند عبد اللّه فأمر علیه الباشا و غرر بالضرب و العذاب و قلعوا جمیع أسنانه، و لما کان بعد لمصالحه بیومین أمر الباشا عبد اللّه بن سعود أن یتجهّز للمسیر إلی السلطان فی ذی القعدة و قصد به مصر، ثم سار من مصر إلی السلطان.
و کان عبد اللّه ذا سیرة حسنة مقیما للشرایع آمرا بالمعروف ناهیا عن المنکر کثیر الصمت، حسن السمت باذل العطاء، و لکن لم یساعده القدر و هذه سنّة اللّه فی عباده منذ خلق الخلق حتی لا یبقی إلّا وجه ربک ذو الجلال و الإکرام.
و کان أمیره علی الأحساء فهد بن سلیمان بن عفیصان و علی القطیف إبراهیم بن غانم. و علی عمان حسن ابن رحمة.
و أمیر الجیوش فی عمان بتال المطیری و علی وادی الدواسر قاعد بن ربیعة بن زید الدوسری، و علی الوشم حمد بن یحیی بن غیهب، و علی الخرج عبد اللّه بن سلیمان بن عفیصان، و علی المحمل ساری بن یحیی بن سویلم، و علی سدیر و منینح عبد اللّه بن محمد بن معیقل، ثم عزله و جعل مکانه محمد بن إبراهیم أبا الغنیم، و علی القصیم حجیلان، و علی جبل شمر محمد بن عبد المحسن بن علی، و علی باقی النواحی أمر أبیه الذی ذکرت.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 134
و کان قاضیه علی الدرعیة عبد اللّه بن الشیخ محمد بن عبد الوهاب و الشیخ علی بن حسین و الشیخ عبد الرحمن بن حسن و الشیخ سلیمان بن عبد اللّه و الشیخ عبد اللّه الوهیبی، و علی الأحساء عبد اللّه بن نامی، و علی عمان عبد اللّه بن عبد الرحمن أبا بطین، و علی القطیف محمود الفرسی، و علی الخرج علی العرینی، و علی الحوطة و الحریق رشید السردی، و علی سدیر إبراهیم بن سیف، و علی منینح عثمان، و علی الوشم عبد العزیز الحصین، و علی المحمل محمد بن مقرن العوسجی، و علی القصیم عبد العزیز بن سویلم، و علی الجبل عبد اللّه بن سلیمان بن عبید.
و فی آخر هذه السنة قتل الشیخ سلیمان بن عبد اللّه بن الشیخ محمد بن عبد الوهاب، و ذلک أن الباشا لما صالح أهل الدرعیة کثر عنده الوشاة، فرمی عند الباشا بالزور و البهتان و الإثم و العدوان فأرسل إلیه و تهدده و أمر علی آلات اللهو من الرباب فجروها عنده إرغاما له بها، و خرج به إلی المقبرة و معه عدد من العساکر فأمرهم أن یثوروا فیه البنادق و القرابین فثورها فیه، و جمع لحمه بعد ذلک قطعا.
و کان رحمه اللّه تعالی آیة فی العلم، له المعرفة التامة فی الحدیث و رجاله و صحیحه و حسنه و ضعیفه، و الفقه و التفسیر، و النحو. و کان آمرا بالمعروف ناهیا عن المنکر لا تأخذه فی اللّه لومة لائم، فلا یتعاظم رئیسا فی الأمر بالمعروف و النهی عن المنکر و لا یتصاغر ضعیفا أتی إلیه یطلب فایدة أو یستقر.
و کان له مجالس کثیرة فی التدریس و صنف و درس و أفتی، و ضرب به المثل فی زمنه بالمعرفة. و کان حسن الخط لیس فی زمانه من یکتب
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 135
بالقلم مثله صنف کتاب «شرح التوحید» لجده محمد و لکنه لم یکمله، و صنف غیر ذلک نبذا عدیدة أصولیة و فقهیة.
و کانت هذه السنة کثر فیها الاضطراب و الاختلاف و نهب الأموال و قتل الرجال و تقدم أناس و تأخر آخرون و ذلک بحکمة اللّه تعالی و قدرته.
و قد أرخها بعض الإخوان و هو محمد بن عمر الفاخری فقال:
عام به الناس جالوا حسب ما جالواو نال منا الأعادی فیه ما نالوا
قال الاخلاء: أرخه فقلت لهم:أرخت قالوا: بما ذا قلت: غربال
قلت: و انحل فیها نظام الجماعة و السمع و الطاعة، و عدم الأمر بالمعروف و النهی عن المنکر حتی لا یستطیع أحد أن ینهی عن منکر و یأمر بطاعة. و عمل بالمحرمات و المکروهات جهرا و لیس للطاعات، و من عمل بها قدر أو جر الرباب و الغناء فی المجالس، و سفت الزواری علی المجامع و المدارس، و عمرت المجالس بعد الأذان فی الصلاة، و اندرس معرفة ثلاثة، الأصول و أنواع العبادات و سبل سیف الفتن بین الأنام و صار الرجل فی وسط بنیه لا ینام، و تعذرت الأسعار بین البلدان. و تطایر شرر الفتن فی الأوطان. و ظهرت دعوی الجاهلیة بین العباد، و تنادوا بها علی رئیس الأشهاد.
فلم تزل هذه المحن علی الناس متتابعة و أجنحة ظلامها بینهم خاضعة، حتی أتاح اللّه لها نورا ساطعا و سیفا لمن أثار الفتن قاطعا فسطع به من کشف اللّه بسببه المحن و شهره من أغمده فی روس أهل الفتن،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 136
الوافی بالعقود ترکی بن عبد اللّه بن محمد بن سعود أسکنه اللّه تعالی أعلی الجنان و تغمده بالمغفرة و الرضوان.

و فی سنة أربع و ثلاثین و مائتین و ألف:

فی شعبان قدمت مکاتبات من محمد علی علی إبراهیم باشا و هو فی الدرعیة، أمر بهدم الدرعیة و تدمیرها، فهدمها و قطع نخلها و أشجارها، فلما فرغ من هدمها رحل و نزل الأحور. و کان ترکی بن عبد اللّه هرب من الدرعیة وقت الصبح هو و أخوه زید. و لما کان فی عشر الخمسین و مائتین و ألف سار إبراهیم باشا علی الشام و أخذها. و نزل علی عکا المدینة المعروفة فی الشام و کانت فی قوة عظیمة و إحصان، ذکر: أن سورها فیه مزارع البطیخ و غیره، و لما حاصرها عمل أشیاء مهولة تغرق البحر فی وسط البلد حتی أشفق أهلها من الغرق، فأخذها عنوة و ذلک فی سنة ثمان و أربعین، و فیها فی ثامن من شوال أنزل اللّه سبحانه و تعالی سیلا عظیما سالت منه غالب بلدان نجد، و تدارک الغیث و السیل علیها أیاما و ذلک وقت اصفرار الثمار و احمرارها، و لم یقع من ضرر علیها و جعل اللّه فیه برکة.

و فی سنة خمس و ثلاثین و مائتین و ألف:

اشتد غلاء الأسعار فی نجد، فبلغ العیش فی الدرعیة صاع و نصف صاعتین بریال، و فی المحمل و الوشم و سدیر ثلاث و أربع وزان بالریال من التمر، و فی الدرعیة وزنتین و نصف، و العیش فی تلک النواحی صاعین و ثلاثة بالریال و بلغت الشاة المذبح فی العارض ثمانیة أریل، و فی عنیزة خمسة أریل و فی ربیع الآخر أمسک الترک مشاری بن سعود، فلما تحقق ترکی بن عبد اللّه ذلک ضرب عنق بن معمر و ابنه مشاری و القاتل و القاتل لهما عمر بن عبد العزیز بن سعود، و فی أول هذه السنة حصل فی سدیر فتن و قتال، و فی هذه السنة
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 137
کثر البا فی البلدان و أکل الزروع و بلغ سعر البر ثلاثة أصع و أربعة بالریال، و التمر أربع وزان بالریال، و فی أولها منتصف صفر سار النصاری علی أهل الخیمة المعروفة فی عمان و أخذوها.

و فی سنة ست و ثلاثین و مائتین و ألف:

فی اللیلة السادسة و العشرین من شوال سطا أهل عشیرة و أهل التویم فی أداخلة بممالات من آل ناصر و استولوا علیها. و فی هذه السنة حدث الوباء العظیم الذی عم فی الدنیا و أفنی الخلایق فی جمیع الآفاق، و هو الوجع الذی یحدث فی البطن فیسهله و تقی الکبد و یموت الإنسان من یومه ذلک أو بعد یومین أو ثلاثة، و لم أعلم أنه حدث قبل هذه فی الدنیا. و کان أول حدوثه فی ناحیة الهند فسار إلی البحرین و القطیف، و فنی بسببه خلایق عظیمة.
ثم وقع فی الأحساء و البصرة و العراق و العجم و غیر ذلک و ظهرت معجزة النبی صلّی اللّه علیه و سلّم، أخرجه البخاری عن عوف، عن مالک، عن النبی صلّی اللّه علیه و سلّم، قال: «اعدد ستا بین یدی الساعة: موتی، ثم فتح بیت المقدس، ثم موتان، یأخذ فیکم کقعاص الغنم، ثم استفاضة المال حتی یعطی الرجل مائة دینار فیظلّ ساخطا، ثم فتنة لا یبقی بیت من العرب إلّا دخلته، ثم هدنة تکون بینکم و بین بنی الأصفر، فیغدرون فیأتونکم، تحت ثمانین رایة و تحت کل رایة اثنا عشر ألفا» .

و فی سنة سبع و ثلاثین بعد المائتین و ألف:

وقع فی نجد حرب و فتن و قتل رجال. و فیها فی ذی القعدة وقعت زلزلة فی حلب المعروف فی الشام و هدمت فیه حللا عدیدة من القصور و الدور، و انثلم فی الشهباء
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 138
ثلمان، و دامت أیام و هلک فیها اثنان و عشرون ألفا و سبعمائة إنسان، و قیل: أکثر، و فی هذه السنة ثانی عشر رجب توفی الشیخ العالم عبد العزیز الحصین رحمه اللّه تعالی.

و فی سنة ثلاث و ثمانین بعد المائتین و الألف:

أنزل اللّه فی لیلة الأربعاء سادس من شهر رجب نجوما تساقطت کثیرة جدا.
[انتهی]
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 139

عنوان السعد و المجد فی أخبار الحجاز و نجد

اشارة

تألیف الشیخ عبد الرحمن بن محمد بن عبد اللّه آل ابن ناصر (0000- 1390 ه)
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 141

ترجمة المؤرخ الشیخ عبد الرحمن بن محمد بن عبد اللّه آل ابن ناصر (0000- 1390 ه)

اشارة

الشیخ عبد الرحمن بن محمد بن عبد اللّه بن ناصر بن علی بن محمد بن ناصر بن حماد بن شبانة بن محمد بن عبد اللّه بن أبی مسند، فهو من أسرة آل ابن ناصر، ثم من آل شبانة، ثم من آل أبی مسند من آل محمد من آل وهیب (الوهبة) من قبیلة بنی تمیم.
أصل بلدهم أشیقر فی مقاطعة الوشم، إلّا أن والده ارتحل إلی المجمعة عاصمة مقاطعة سدیر، و ذلک أن أسرة آل شبانة انتقلوا منذ زمن بعید من أشیقر إلی المجمعة، و لحق بهم والد المترجم و استقر عندهم، فولد المترجم فی المجمعة.
نشأ فی هذه المدینة، فلمّا شب اشتغل بالعلم، و کان والده و أسرته من أهل العلم، فشرع فی القراءة علی والده و علی غیره، إلّا أنه لازم قاضی سدیر الشیخ عبد اللّه بن عبد العزیز العنقری، و هو مقیم فی المجمعة لازمه المترجم فی جمیع حلقات الدرس، حتی أدرک بالعلوم الشرعیة و العلوم العربیة، و صار یکثر من الاطلاع و القراءة حتی أدرک.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 142
و صار له عنایة فی تواریخ نجد و أخبارها، فألف کتابا فی التاریخ باسم: (عنوان السعد و المجد فی أخبار الحجاز و نجد) لا یزال مخطوطا، و یوجد منه نسخة فی مکتبة (أرامکو) فی الظهران، و تسرب کثیر من صوره فصارت عند کثیر من الناس، و معناه و فائدته أقل من شهرته، و ذکر فی هذا التاریخ بعض أخبار والده (محمد بن عبد اللّه آل ابن ناصر) و مشایخه و أحواله، و أن وفاته فی عام 1338 ه.
و قد انتقل المترجم فی آخر حیاته إلی مدینة الریاض، و بقی فیها حتی توفی عام 1390 ه. رحمه اللّه تعالی، و له عقب الآن فی الریاض.
***
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 143
بسم اللّه الرّحمن الرّحیم‌

المقدّمة

هذا التاریخ لمؤلّفه الشیخ (مطلق بن صالح)، له ترجمة فی «علما نجد»، و میزة هذا التاریخ أنه متأخر، فهو عاصر بعض غزوات الملک عبد العزیز آل سعود، و أدرک بعض أعماله، و سجل أحوالا و أحداثا لم یذکرها غیره.
ثم أکمل التاریخ ابنه إلی عام 1352 ه.
و بهذا شهد هذا التاریخ أحداثا کبارا فی أول تأسیس (المملکة العربیة السعودیة)، فهو جدیر بالنشر، و اللّه الموفق.
الناشر
عبد اللّه بن عبد الرّحمن آل بسّام
22/ 10/ 1418 ه
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 144
() هذه ورقة من تاریخ مطلق بن صالح
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 145
() هذه الورقة الأخیرة من تاریخ مطلق بن صالح
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 146

صورة کتاب تاریخی کتب فی 12 شوال سنة 1285 ه

من ترکی بن ماضی إلی الأخوین المکرّمین: علی بن فواز، و إبراهیم بن رشد سلّمهم اللّه تعالی، سلام علیکم و رحمة اللّه و برکاته.
و موجب الخط إبلاغکم السلام و الخط وصل، و صلکم اللّه إلی خیر الدنیا و الآخرة، و من طرف جدکم فهو محمد بن سعود، الملقّب همیلان، و محمد بن سعود صاحب المنظومة التی أولها:
دع الهون للهزلی ضعاف المطامع‌و شم للعلی بالمرهفات اللوامع
حتی وصل قوله منها:
سطیت بصبحا بعد ما نامت الملابشبان أمضی من لیوث الشرائع
و صبحا: قارة مرتفعة فی رأسها قلیب و قصر- الآن- خراب. و أما السبب فی نزول همیلان الحوطة، فهو استحموه العبادلة فی حربهم و عایذ و قزع لهم من سدیر، و استعدی بعض بنی تمیم فی غیبته علی والده هو و ربعه القریبین و أجلوهم، و هو جدنا یا لماضی و جدکم و جد أهل عشیرة، و جد أهل الجبل هؤلاء ذریة حماد بن الحارث بن عمرو الندی، الذی قال فیه حمیدان الشویعر فی محمد بن ماضی یسند علیه حیث یقول:
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 147
إلی ابن ماضی محمد رفیع ثنا [...] مفخرة.
و عمر الندی من ذریة عبد اللّه بن المنذر، الذی قتل فی وقعة الحدیقة فی سیر خالد علی الیمامة، و هو رجل مشهور بألف فارس، انظره فی سیرة ابن هشام تجده، و هو من بنی عمر بن تمیم، الذی یقول فیه و میزان:
لنا مفخر بالأصل عمر و منذرإلی قدم و عند الفخار العشایر
و منها المنظومة التی جادتکم یوم الاختلافات- اللّه لا یعیدها- قول عبد العزیز بن ماضی:
تری فرعهم یا ذا حسین و مرشدکرام اللحا عند اختلاف البسائل
کذا مرشد آخا حمید و حارث‌و الأصل حماد لکل الحمائل
و سلمو لنا علی الرفاق، و من عندنا الأخوان یسلمون علیکم و أنتم سالمین و السلام.
12 شوّال 1285 ه
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 148

المشاهیر و الحوادث التی قرأتها فی الکتب [...] بنفسه‌

اشارة

و بهذا الترتیب و النظام تمکن من [...] صحائف، ثم حال دون إتمام مشروعه الأجل المحتوم، الذی وافاه سنة 1312 ه رحمه اللّه تعالی، آمین.
و قام بعد ذلک ابنه، فسار إلی نجد و طرأت، فدوّن بعض الحوادث و نقل بعضها من جریدة «أم القری»، التی صدرت فی مکة المکرمة عند دخول الإمام عبد العزیز بن عبد الرحمن آل فیصل آل سعود، رحمه اللّه [...] و نشره لمفکرته.
و صلّی اللّه علی سیدنا محمد و علی آله و صحبه و سلم.
روضة حریم- نجد
15/ 4/ 1361 ه
کتبه
5 حد طلبة العلم
أ. ع.
الشیخ أحمد علی
المدرّس المشهور فی مدرسة الأمراء بالریاض
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 149
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ* الحمد للّه الذی هدانا إلی الصراط المستقیم، و صلّی اللّه علی محمد سیّد الأولین و الآخرین و آله و صحبه الطاهرین.
و بعد: فإن النفوس لم تزل تتشوّق لأخبار الماضین، و عن وفیات الأعیان المشهورین، و أسماء الوقائع و تواریخها و کتابتها فی کرّاس خاص.
و أبتدی‌ء الآن فی المقصود متوکّلا علی اللّه:
السنوات الهجریة الوقائع و الوفیات
728 توفی الشیخ ابن تیمیه.
770 عمران بلدة حرمة.
795 توفی الشیخ عبد الرحمن بن رجب.
830 عمران المجمعة فی منطقة سدیر.
988 أول غزوة غزاها [...] .
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 150
السنوات الهجریة الوقائع و الوفیات
989 انقرضت دولة أجود بن زامل من الحسا.
1000 استولی الترک علی الحسا.
1015 ظهر الشریف حسن غازیا نجد، و فیها عمرت الصفرات من منطقة المحمل.
1079 قتل رمیزان، و عمّرت رغبة من منطقة أهل و عمرت ثادق.
1080 استولی بنو خالد علی الأحساء و القطیف.
1097 غزو الشریف أحمد بن زید لنجد.
1101 عمرت القرینة من أعمال الشعیب.
1115 ولد الشیخ محمد بن عبد الوهاب بن سلیمان بن علی بن محمد بن أحمد بن برید بن مشرف بن عمر بن معضاد بن إدریس بن علی بن محمد بن علوی بن قاسم بن موسی بن مسعود بن عقبة بن سعود بن حارثة بن عمرو بن ربیع بن ساعدة بن ثعلبة بن ربیعة بن ماکان بن عدی بن عبد مناة بن تمیم.
1045 عمرت حریملا من منطقة الشعیب، و هی مرحلتان عن الریاض.
1140 عمرت الخبرا من بلاد القصیم.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 151
1155 کانت [...] .
1158 رحل الشیخ محمد بن عبد الوهاب من العیینة إلی الدرعیة.
1177 ملک محمد بن سعود بعض بلدان سدیر.
1182 عمرت البکیریة من بلاد القصیم.
1187 شرّد دهام بن دواس من العارض إلی الحسا خوفا من عبد العزیز بن سعود.
1193 غزا سعود بن عبد العزیز بلد حرمة و ملکها، و خرج أهلها إلی بلدة الزبیر.
1200 توفی حمیدان الشویعر، الشاعر المشهور.
1260 توفی الشیخ محمد بن عبد الوهاب فی الدرعیة.
1216 ولد قاسم بن ثانی.
1217 استولی سعود بن عبد العزیز علی بلد الحساین.
1220 مبایعة أهل الحجاز لسعود بن عبد العزیز.
1225 استیلاء سعود علی جمیع بلدان غیر مسقط.
1226 خروج طوسون بن محمد بجیشه من مکة إلی نجد.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 152
السنوات الهجریة الوقائع و الوفیات
1227 قبض علی عثمان المضایفی و أرسل إلی مصر، و منها إلی الآستانة، حیث قتل فیها.
1229 توفی سعود، و تولی ابنه عبد اللّه رحمه اللّه.
1230 توفی عبد اللّه بن سعود رحمه اللّه، و فیها مناخ الحجناوی.
1231 خروج إبراهیم باشا غازیا من مصر لآل سعود.
1232 حصار الدرعیة، و هدمها و إرسال آل سعود إلی مصر.
و فیها انهزم الماویة.
1234 أخذ محمد بن عریعر الخالدی الأحساء من الترک.
1236 خروج حسین بک إلی نجد.
1240 إمارة عبد اللّه بن علی رشید علی حائل و معه أخوه عبیّد، و استیلاء ترکی بن سعود علی الریاض و إخراجه من کان بها من الترک.
و فیها توفی محسن بن عثمان الهزانی، الشاعر.
1242 وفاة ابن رحمة بن جار اللّه.
1249 قتل مشاری بن عبد الرحمن خاله ترکی بن عبد اللّه بن سعود.
1250 قتل فیصل بن ترکی مشاریا بعد قتل أبیه بأربعین یوما.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 153
السنوات الهجریة الوقائع و الوفیات
1253 خروج إسماعیل باشا من مصر لقتال آل سعود.
1254 خروج خرشید باشا و قبضه لفیصل فی الدلم و إرساله إلی مصر.
1257 قیام عبد اللّه بن ثنیان علی خالد بن سعود و إخراجه من الریاض.
1259 رجع فیصل من مصر.
1260 استولی فیصل علی الأحساء و القطیف.
1263 توفی عبد اللّه بن علی آل رشید.
و فیها خرج محمد بن عون إلی نجد و رجع بعد أن أرضاه فیصل.
1276 ضربة عبد اللّه بن فیصل للجمعان فی ملح.
1277 انتصار عبد اللّه بن فیصل علی العجمان و المنتفق فی المطلاع.
1278 بنی عبد اللّه بن فیصل جامع الأحساء.
1279 خروج فیصل إلی أهل عنیزة، و کان الصلح فی السنة نفسها.
1285 توفی عبد الرحمن بن حسن الشیخ رحمه اللّه.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 154
2 لسنوات الهجریة الوقائع و الوفیات
1282 قتل طلال بن عبد اللّه آل رشید نفسه مختل الشعور.
و فیها توفی عبد ربه ابن سعد البرّاک فی جمادی الأولی.
و فیها توفی الإمام فیصل بن ترکی غفر اللّه لنا و له.
و فیها توفی الشیخ العالم الفقیه أبو بطین رحمه اللّه تعالی.
و فیها توفی محمد بن بدر و عبد العزیز بن نفیسة.
رحم اللّه الجمیع. خزانة التواریخ النجدیة ؛ ج‌6 ؛ ص154
12 توفی أحمد بن سعد البرّاک یوم عید الفطر.
و فیها خروج سعود بن فیصل من الریاض سرّا، خوفا من أخیه عبد اللّه.
1284 جرت وقعة المعتلی فی رمضان.
1285 قتل أولاد طلال بن رشید عمهم.
و فیها غزوة لیلی فی رجب.
و فیها توفی الشیخ عبد الرحمن بن حسن.
و فیها توفی ترکی بن سعد الهزانی.
1287 وقعة جودة فی شهر رمضان، و انتصر سعود بن فیصل علی أخیه محمد.
1288 ظهر سعود علی أخیه و فی وقعة البرّة.
و فیها توفی الشیخ عبد اللّه بن حسین.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 155
السنوات الهجریة الوقائع و الوفیات
1289 وقعة الجزعة.
و فیها قتل محمد بن عبد اللّه آل رشید أولاد أخیه طلال.
1291 توفی فقیه الأحساء فی شهر ذی القعدة.
و فیها توفی الإمام سعود بن فیصل فی 22 ذی الحجة، و بویع أخوه عبد الرحمن بن فیصل.
1292 وقعة غیر فی شهر شعبان.
و فیها توفی الشیخ عبد اللطیف بن عبد الرحمن بن حسن، غفر اللّه لنا و لهم.
و فیها قتل مهنا آل صالح أبا الخیل.
و فیها وقع الصلح بین عبد اللّه بن فیصل و عیال سعود.
1296 خروج محمد بن سعود من الدلم شهر جمادی الأولی.
1297 فیها توفی رشید بن عون.
و فیها ولد الإمام عبد العزیز بن عبد الرحمن فی 29 ذی الحجة.
1298 حاصر عبد اللّه بلدة المجمعة.
1301 فیها سافر الشیخ سعد بن حمد بن عتیق إلی الهند فی طلب العلم، و کتب تاریخا لسفره فی ورقة و جعلها فی باطن
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 156
کتاب، و فیها:
لاکتساب العلم سافرنا و أرجوأنه فتح و إقبال [...]
قلت یا قلبی فأرّخ معمّمانال تاریخی له یمن أغر
فلما رآها والده الشیخ حمد بن عتیق رحمه اللّه تعالی، أعجب بها، فقال مکاتبا مختتما علی قافیتها:
یا إلهی لا تخیّب سعیه‌أوله التوفیق حقّا و الظفر
و اجعل العلم اللدنی حظّه‌أوله فهم المنزّل و الأثر
و اعطه رزقا حلالا واسعاکافیا حاجاته فی ذا النفر
و اکفه جمیع محذوراته‌أیضا حادثان البرّ و البحر
و فیها توفی الشیخ حمد بن عتیق رحمه اللّه.
و فیها وقع أمطار عظیمة دمّرت خصار و القبوریة.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 157
و فیها جرت وقعة الحمادة فی أم العصافیر، انتصر فیها محمد بن رشید علی عبد اللّه بن فیصل.
1302 استولی علی نجد محمد بن رشید.
1305 استدعی أهل الریاض محمد بن سعود عمه عبد اللّه و ربط.
و فیها ظهر محمد بن عبد اللّه آل رشید و أخذ الریاض و أخرج عیال سعود منها، و رجع بها إلی البحرین، و قالوا إنه من أراد مرکبه من أهل قطر فلیشتر منهم أو یحرقها.
1316 فتنة بین آل سعود بن حسین و بین آل رشید، و کان الظفر لسعود بن حسین مرتین، الأولی: فی مستهل جمادی الأولی، و بعد ذلک تمّ الصلح بینهما.
1317 وقعة الصریف بین ابن صباح و ابن متعب آل رشید، و صار الظفر فیها لابن متعب.
1319 توفی الشاعر المشهور عبد اللّه بن محمد بن فرج الکویتی،
و فیها مشی الإمام عبد العزیز بن عبد الرحمن آل فیصل علی الریاض و قتل عجلان و أخذ الریاض.
و فیها وقعة حرض بین بنی هاجر و آل مرّة، و کان الظفر لآل مرّة.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 158
1320 مشی عبد العزیز بن متعب آل رشید و نزل الخرج و أخذ یشحم فی نخیلها و یعثوا فی زروعها، و رکب حینئذ الإمام عبد العزیز بن عبد الرحمن آل فیصل إلی بنی تمیم فی الحوطة مستنفرا إیاهم علی ابن متعب، فنفر معه عدد کبیر، و قد علم ابن متعب أنه لا طاقة له بهم، أوقد النیران فی اللیل و کبّرها یوهم الناس أنه محارب، و هو فی الحقیقة هارب، و سری بجنوده منکسرا.
و فیها غلا السعر فی الحوطة و ما یلیها من البلدان حتی بلغ الحب صاع و نصف بریال.
1321 مشی عبد العزیز بن متعب علی الریاض، و قتل عبد اللّه بن باز و ناسا معه، و رجع و لم یدرک قصده.
و فیها نهبت ثرمدا.
و فیها وقع مطر عظیم دمّر القبوریة و العمودیة من الحوطة.
1322 فتح عنیزة فی 5 محرم.
و فیها قتل عبد العزیز بن عبد الرحمن حسین بن جراد من آل رشید.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 159
و فیها کانت وقعة البکیریة فی ربیع أول، و وقعة الشنانة فی 8 [...] .
1323 وقعة بعیج بین آل مرّة و العجمان.
1324 أخذ أحمد بن ثانی العجمان فی الطنان.
و فیها جرت وقعة روضة مهنا، قتل فیها ابن متعب فی 18 صفر.
و فیها قتل عبد العزیز بن متعب آل رشید، و جرت فتنة بین أهل الحسا و العجمان.
1325 وقعة الطرفیة 5 شعبان.
و فیها خرج غزو من أهل الحوطة [...] رکب من مطیر فی العریق موضع قریب من شقرا، و حصل بینهم قتال شدید قتل فیه من أهل الحوطة عشرة رجال و کان القتل فی مطیر أکثر.
1326 قتل ابن مهنا راعی بریدة أبا الخیل فی 20 ربیع الثانی.
و فیها أخذ الإمام عبد العزیز بن عبد الرحمن آل فیصل سنة 1600 ه ألف و ستمائة ناقة من إبل بنی تمیم التی فی البرّ مع الودعی، و ذلک فی صفر.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 160
و فیها وقعت الفتنة بین الهزازنة قتل فیها محماس و أخوه ترکی.
1327 زحف الإمام عبد العزیز بن عبد الرحمن علی أهل الحریق، و حاصر قصر الخزا فی شهر رمضان کله و طلب من فیه الأمان علی أنفسهم و أعطاهم، فلما تولاهم هدم القصر، و أخذ راشد الدحملی و معه أناس.
و فیها غلا السعر حتی بلغ الحب صاعا بریال، و التمر ثلاث وزنات بریال، و اسم تلک السنة ساحوت.
1328 جرت وقعة هدنیة فی 2 جمادی الأولی، و غزا الإمام عبد العزیز بلد الکویت هو و ابن صباح علی المنتفق سعدون و عربانه، و صار الظفر للمنتفق و أخذوا ما فی أیدیهم من السلع و السلاح، و سلموا من القتل.
و فیها غزا عبد اللّه بن قاسم آل ثانی و أخذ العجمان.
و فیها ظهر ذریة سعود بن فیصل من الریاض إلی الأحساء، ثم طلبهم أهل الحوطة و أهل الحریق علی قصر الإمام عبد العزیز بن عبد الرحمن الذی فی الحریق، و هدموه و نزل آل سعود الحریق.
و فیها ظهر الشریف من مکة فصادف سعد بن عبد الرحمن
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 161
آل فیصل فی وقت القیلولة علی دلقان، و أخذ ما معه من الجیش.
و فیها مشی الإمام عبد العزیز بن عبد الرحمن علی أهل الحریق، حینئذ خرج آل سعود من الحریق منهزمین إلی الحوطة، و احتل الإمام الحریق و أخذ جمیع ما فیه من الزاد و المتاع، و صالح أهل الحوطة، و مشی علی الأفلاج، فهدم قصور آل عمار، و طلب منهم مبالغ نکالا و أخذ سلاحهم، فبذلوا له ما طلبه، و قبض الإمام علی عبد العزیز الهزانی و معه ثمانیة رجال خارجون عن طاعته، فقتلهم کلهم ضربا بالسیف.
1329 غزا الإمام عبد العزیز الحسا، و نزل بالرقیقة مدة شهر، و قتل ترکی بن عبد العزیز آل سعود، و بعد قتله اصطلح هو و العجمان، و عاد الإمام إلی العارض.
و فیها توفی الشیخ إبراهیم بن عبد اللطیف 24 ذی الحجة، رحمه اللّه.
1330 فیها أسست أول هجرة، و هی الأرطاویة لمطیر شرقی بریدة، و فیها ترک قاسم البدو [...] أهل قطر و یسمونها سنة الخلفة، و السبب فی ذلک أنهم کدّروا
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 162
خاطر قاسم، کل ینبغی الشیخة لما عجز قاسم و کلّ أراد الإمارة من أولاد قاسم و أولاد أحمد.
1331 فیها مشی الإمام عبد العزیز عبد الرحمن آل فیصل إلی الأحساء و نزل فی 5 شهر جمادی أولی قریبا من البلد، فلما مضی ست ساعات من اللیل مضی فی خمسین رجلا من جنده و دخل الکوت، و قبض علی من فیه من العسکر و أرسلهم إلی البحرین لیعبروا منه إلی أهلهم.
و فیها توفی قاسم بن ثانی.
1332 فیها توفی الوالد مطلق بن صالح مؤسس هذا التاریخ، و لتمام الرغبة فی هذا التاریخ استحسنت أن أتمم رغبة الوالد بکتابة الوقائع و الحوادث، وفقنی اللّه إلی کل خیر و صلاح.
1333 فیها غزا الإمام عبد العزیز بن عبد الرحمن آل الفیصل فالفی سعود بن عبد العزیز آل رشید علی ماء یسمی جراب، و فیه کانت الوقعة، و صار الظفر فیها لسعود بن عبد العزیز، و انهزم الإمام عبد العزیز بن فیصل و جنوده، و قتل من قومه خلق کثیر، و من بعدها اصطلحوا و انکفوا، و الوقعة حصلت فی 7 ربیع أول.
و فیها سار الإمام عبد العزیز بن عبد الرحمن إلی الأحساء
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 163
فلما وصله حاصره العجمان مدة ست أشهر و خرج علیهم الإمام فی اللیلة العاشرة من شهر شعبان بجنوده الذی معه من أهل نجد و أهل الأحساء إلّا أقلهم، فالتقی هو و العجمان علی کنزان، فصار الظفر لهم علیه، و قتلوا مقتلة عظیمة، و أکثر القتلی من أهل الأحساء مقدار سبعمائة رجل من أهل الهفوف و قراها، و قتل من أهل نجد رجال، و لیسوا بکثیر منهم سعد بن عبد الرحمن آل فیصل و من بعد هذه الهزیمة لم نزل الغزاة علی الإمام تتتالی علیه القبائل تتوالی محمد بن عبد الرحمن آل فیصل، و من معه و أهل الحوطة بنو تمیم و من معهم، و قحطان و الأرطون أهل الأرطاویة، و بنو هاجر، و ابن صباح، و فی کل یوم، و الحرب بینهم سجال، و الکل من صاحبه ینال، و یقتل من هؤلاء رجال و من هؤلاء رجال.
فلما أراد اللّه لهم الذل الشنیع و للإمام العز الرفیع المنیع، خرج إلیهم بقومه جمیع، و سدّ اللّه أفکاره، بأن ألهمه أن یرکب علیهم المدفع فوق جبل القارة، فلما أخذ فیهم و أملی لهم و آهلیهم و رمی علیهم من الأطواب قدر ستین، و الضرب فیهم مکین، علموا حینئذ أنه لیس لهم فی الدار قرار، و أن لا ملجأ لهم سوی الفرار، وباء أولئک الأشرار
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 164
بالذل و الصغار، و لم یخرجوا من الحسا إلّا حصل منهم دحار علی أهل التویتیر الأقصی، و ذلک أنهم لما تحققوا الفرار أوقدوا فی نخیلهم النار.
و نقل عبد اللّه بن فیصل إلی الجبل ثم بعد ذلک خرج علیهم سالم بن سبهان و ذبح محمدا و عبد اللّه و سعد ابنی سعود بن فیصل، و فیها قتل عبد اللّه بن سعود محمد الهندی ساکن السلیمة.
1307 توفی الإمام عبد اللّه بن فیصل و وقع فیها أمطار و سیول و ظهر وباء عظیم لم یذکر مثله. و فیها ذبح علی بن قاسم آل ثانی الملقب جوعان قتله أهل عمان.
1308 غزا قاسم أهل عمان ثأرا لابنه جوعان، و قتلهم فی خنور مقتلة عظیمة، قدّر ما قتل من أهل عمان ثلاثمائة رجل.
1312 جاء العسکر إلی قصر أمیرهم الوالی و قلبوا أهل قطر اسمه بالداوة، و حاربهم و أخذ کبارهم، و منهم أحمد بن ثانی و حسن من بخیت و آل سالم و عبد اللّه بن علی آل عطیة، و أحمد بن رمثة، و خالد بن عبد اللّه من السودان، و بعض العساکر فی مرکب دخانی، و بعضهم من الحساء علی الإبل و الخیل، و جرت الوقعة بینهم و بین أهل الجیسی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 165
[...] و خیل العسکر و نصر اللّه أهل قطر و قدر من قتل منهم ثلاثمائة تقریبا. و تحصن منهم [...] فی القلعة المعروفة لهم من [...] و هی الیوم منزل عبد اللّه بن قاسم و حاصرهم أهل قطر طمعا فی تسلیم أسراهم الذین فی المرکب، و تم الصلح علیهم و أطلقوهم جمیعا [...] إلّا عبد اللّه بن علی آل عطیة.
1315 توفی محمد بن رشید، و فیها جرت وقعة الزبارة من بلاد قطر الشمالیة و سببها أنّ رجلا من بنی علی یقال له سلطان بن سلامة جری بینه و بین آل خلیفة أهل البحرین بعض ما یکون من الشحناء، فخرج من البحرین محاربا و نزل الزبارة المعروفة، و استغاث ابن ثانی علی أهل البحرین و ساعد قاسم بعض أهل قطر عازمین علی وصول البحرین، فلما تحقق لدی أهل البحرین قصد ابن سلامة و قاسم استعان بالنصاری و أتی بهم الزبارة و رمی مرکب النصاری فیها، و رمی و ضرب بمدافعه، و أخذ مراکب أهل قطر.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 166
1334 فیها توفی مبارک بن صباح صاحب الکویت و فیها جرت وقعة المبرّز بین آل مرّة و بنی هاجر، و صار الظفر فیها لآل مرة علی بنی هاجر، و مع ذلک أن بنی هاجر معهم غیرهم من مطیر و بنی خالد و العوازم، و آل مرة حین الوقعة ما معهم من العربان أحد، و بعد هذه الوقعة أخذ الإمام آل مرة علی التامتین، بسبب أنهم همّوا باستلحاق العجمان علی البلد لیکونوا هم و إیاهم جندا واحدا و لا یحیق المکر السیّ‌ء إلّا بأهله.
1335 جاء فیها سیل عظیم هدم دکاکین أهل الدوحة فی قطر و بیوتهم و فیها توفی إبراهیم بن عیسی الششری غفر اللّه لنا و له، آمین.
1336 فیها توفی الشیخ إبراهیم بن عبد الملک العالم الخبیر غفر اللّه له.
1337 فیها نزل بالمسلمین مرضی توفی منهم خلق کثیر فی جمیع البلدان و عامته فی النساء و الصبیان، و توفی خلق کثیر لا یحصون غفر اللّه لنا و لهم أجمعین، آمین.
و فی تلک السنة توفی فیها ترکی بن عبد العزیز و کان رجلا مشهورا بالخیر و محبوب.
و فی تلک السنة، 25 شهر شعبان: جرت وقعة تربة،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 167
و ذلک أنه أخذ أبناء الشریف حسین المدینة المنورة من أیدی دولة السلطان و کان بها إذ ذاک عسکر کثیر، رئیسهم فخری باشا، و کان ذا صولة و شجاعة، و أخرج من کان بها من العرب، و جعل مکانهم عسکر، فلما انقطع المدد عنه صالح أبناء الشریف حسین و خلالهم البلد و الذخائر، فلما استوطن الشریف عبد اللّه بن حسین المدینة خرج منها محاربا للإمام عبد العزیز بن عبد الرحمن آل فیصل و للإخوان، و جعل مکة عن یمینه من الحرة، و اجتمع بأبیه فی عنیزة ثم أقبل بکیده و حدّه و حدیده حتی نزل بحضن جبل الیقوم، و کان الإمام أعزه اللّه قد أذکی علیه العیون بعد أخذه المدینة، و لکن لا یعلم أین توجه.
و فیها و لتحقیقه خرج غازیا من الریاض قاصدا طرقه، و أمّر علی المسلمین بالجهاد عموما من غیر تعیین، و لما أتی الرویضة المعروفة هناک أقام و ضرب بها الخیام، و أمر الأمداد أن تمد خالد بن منصور حرسه فسمعوا الإخوان مقاله و امتثلوا أمره، و ما قاله، و اجتمع عند خالد کل بطل مجالد فاشتد حینئذ عزمه بالنهوض إلی الخرمة، و أمر فیهم أمراء، و أمرهم ألا یبدؤوه بحرب إلّا إن قدم علیهم فالحرب منهم و إلیهم، فامتثلوا أمر الأمیر و سار إلی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 168
الخرمة بالتبدیر، و کان فی تربة سریة للإخوان و لم یعلموا أن أهل تربة فیهم من الخویة، و ذلک أنهم کاتبوا الشریف سرّا لیأتی إلیهم فأتاهم و نزل علیهم فلما تحققوا الإخوان من أهل تربة الخیانة خرجوا مختفین و تعلق بهم رجال من أهل البلد مدینین، فلما نزل الشریف علی أهل تربة الغدرة استحل دماء أهلها و أموالهم، و فعل الأفاعیل المنکرة و جمع له نساء محصنات کثیرات، و أراد إرسالهم إلی مکة کأنهم سبی.
و کان الإمام قد أرسل له رجلا یقال له (صیتان) مع رجال، فأرسلهم الشریف للإمام مخادعة، فلما رأی صیتان ما فعل الشریف بالمسلمین أقبل إلی الإخوان فی الخرمة و أخبرهم بالمنکرات التی رآها و بکی عندهم، و قال: اللّه اللّه.
و قال: یا أخواتی أفعاله عون لکم علیهم، و من فعل هکذا فاللّه غاضب علیه، و کائن ممن فعل هکذا و طمعه قمعه، و من کان مع اللّه کان اللّه معه، فلما تحقق الأخوان أفعاله القبیحة شمروا إلی حربه بنیة صحیحة، و سألوا من مولاهم العون علیه و نهضوا قاصدین إلیه إلی أن وصلوا تربة آخر اللیل بالرجل و بالخیل، و هجدوه وقت طلوع فجران بقیة خمس من شعبان، و أحاطوا به من کل جانب یقتلون
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 169
و یسلبون، و لم تغنی عنهم مدافعهم و مکائنهم و أسلحتهم شیئا بل قتلوا مسلسلین فی مدافعهم و مکائنهم، و قتلوا منهم مقتلة عظیمة ما یکاد یعرف لها قیمة، و حرز من قتل منهم فکانوا تسعة آلاف رجل، و نصر اللّه دینه و سعد من کان مولاه عونیه، و الحمد للّه رب العالمین.
1338 فیها حصل الاستیلاء علی عسیر فی شوال، و فیها توفی الأمیر حسن بن رشید رحمه اللّه تعالی، و فی آخرها توفی قاضی الأحساء الشیخ عیسی بن عکاس رحمه اللّه تعالی.
1339 فیها جرت وقعة الجهراء فی 26 محرم، و فیها توفی زید بن عیسی الزیر، راعی الدلم.
و فیها توفی عالم الفرائض فی جزیرة نجد عبد اللّه بن راشد من أهل منفوحة رحمه اللّه تعالی، و فیها توفی العالم الفاضل الشیخ عبد اللّه بن عبد اللطیف فی 15 ربیع الثانی رحمه اللّه تعالی، آمین.
1340 فیها فتح عبد العزیز بن عبد الرحمن آل فیصل الجبل و أعمالها من القری إلی حائل عاصمة [...] فی 29 صفر.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 170
و فیها وفد عبد اللّه بن ثانی آل قاسم علی الإمام عبد العزیز و ألقاه فی الحسا.
و فیها أمر الإمام عبد العزیز بن عبد الرحمن آل فیصل علی جمیع من اقتدر من رعیته بالنهوض عموما إلی أبها و أن لا یتخلف إلّا من عذره اللّه و مع ذلک خص علی کل أمیر بلد بنفسه بالجهاد، و امتثلوا الجمیع ما منهم أراد، و رکب کل أمیر و أهل قریته، و جعل الأمیر علی الجمیع ابنه فیصل بن عبد العزیز أدام اللّه عزهم و مجدهم، و سار إلی أن ألفی بجیشه بیشة، و نزلوا منها بأسفل الوادی، فبینما هم کذلک إذا برسول من ابن ثنیان یستعجلهم عن التمادی و یخبرهم بأن عایظ من آل عایض محاصرهم فی أبها و معه جنود غلاظ من بنی شهر و شهران، و من بعد هذا الخبر نهضت علیهم الجنود و أرفضت التوانی و ساروا إلیهم بلا تهاون حتی صبّحوا الرواشن، و نزل بها فیصل و بعث إلیهم من الإخوان أشباه الضراغم، أهل الغطغط أهل آل سالم و أهل رنیة و الرین، و أزال اللّه عن قلوبهم الرین، و منحهم جمیعا الزین، و صبّحوهم و قتلوا منهم قریبا من خمسمائة رجل، و أخذوا ما معهم من السلاح و الرحلة و جعلوه فی الغنیمة، و أتو علی دیرة ابن عمیرة و أحرقوا نخیلهم
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 171
و قصورهم، فالحمد للّه علی نعمته العمیمة العظیمة.
و ارتحلوا قاصدین بلد ابن هشبل فخرج إلیهم قبل أن یصلوها منهم رجل، و قال: نحن محسوبون من جندکم، و لنا أمل عندکم أن تعطونا علی بلدنا الأمان، و أن تجعلونا لکم من الأعوان، فأعطاهم فیصل أعزه اللّه أملهم و أمنهم علی بلدهم، و أزال خجلهم و وجلهم و أمهلهم فحین ألفوا البلد، بلد ابن هشبل، إذا هم بالبشیر من ابن عفیصان فی عجل بفتح تنتمة، و أنه تولاها، و من أهلها أخلاها.
و السبب فی ذلک أن محمد بن عایض مشی علی ابن عفیصان، و فی نهار الثلاثین من شهر عاشوراء (أی محرم) التقی الجمعان و تبارزت الأقران و تبین الشجعان، و قتل یومئذ من قوم ابن عایض مائتا رجل، و اجتمعت شرائدهم فی الخمیس و طردتهم الخیل إلی حجلا، و استولوا المسلمین علی البلدتین خمیس و حجلا، أما خمیس فسلمت طائعة، و أما حجلا فعصت و أحرقت زروعها و هدمت ربوعها، و ذلک مصداق قوله تعالی: إِنَّ الْمُلُوکَ إِذا دَخَلُوا قَرْیَةً أَفْسَدُوها وَ جَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً وَ کَذلِکَ یَفْعَلُونَ [النمل: 34].
و ألفی محمد بن عایض أبها علی أخیه حسن، و قد طار
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 172
قلبه ممّا رأی من الزلازل و المحن و الأوجال علیهم و الفتن، و قال: اسمع منی نصیحة بینة صحیحة السمع و الطاعة لک أولی من الذل و الفضیحة، فلم یفصح له أخاه فیما توخّاه، فلما کان فی الیوم الثانی خرج هاربا من أبها، و إلی حرملة کان المنتهی، فحینئذ ارتحل فیصل بالأجناد و نزلوا وسط البلاد، و تمکنوا من قصورها و رتبوا منها جمیع أمورها، و تمنی حسن بعد فصح الناصح الأمان، و لم یکن له إلّا الخذلان، ثم بعد ذلک أتت جمیع قبائل عسیر و بنی مالک و بنی مفید و بنی شهر و شهران، و طلبوا علی أنفسهم الأمان و عاهدوا فیصل عهدا لا یخان و الحمد للّه المالک الدیّان.
1341 فیها توفی عبد العزیز بن أحمد آل الشیخ غفر اللّه لنا و له جمیع الخطایا و الذنوب، و کان رحمه اللّه من حملة القرآن بکاءا عند تلاوته فقیها فی دینه واعظا و ناصحا لإخوانه المسلمین جمعنا اللّه به فی جنات النعیم آمین.
و فیها حصلت فتنة فی شهر رمضان بین أهل نجد الذین فی البحرین و العجم، و صار الظفر فیها للعرب، و قتل من العجم خلق کثیر لا یحصون، و لم یقتل من العرب إلّا أربعة عشر رجلا.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 173
1342 فیها عزلت النصاری [الإنکلیز] عیسی بن علی آل خلیفة من إمارة البحرین، و فیها انتقلت الدواسر أهل البدیع من البحرین إلی الدمام فی القطیف خوفا من ولایة النصاری الانکلیز علیهم، و رغبة فی ولایة المسلمین، فرکبوا للإمام عبد العزیز بن عبد الرحمن آل فیصل طالبین منه أرضا مما یلی البحر ینزلونها علی الدوام و یصیرون من رعایا أمراء المسلمین، فأعطاهم الإمام أعزه اللّه أرضا من القطیف تسمی الدمام و أعطاهم سعف نخیل القطیف کله ذلک العام، و ألف جونیة أرز، و ألف قلة تمر، و أکرمهم غایة الإکرام بسبب رغبتهم فی دولة الإسلام و نفورهم من دولة الأصنام و فیها توفی محمد بن حمد آل سعود بن حسین المکنی بأبی شیبة التمیمی غفر اللّه لنا و له آمین، و ذلک فی 15 شوال.
و فیها توفی عبد اللّه بن الشیخ حمد بن عتیق غفر لنا و له.
1343 فیها فتح الطائف فی 7 صفر.
و فیها فتح اللّه مکة المکرمة شرفها اللّه تعالی فی 18 ربیع الأولی علی الإمام عبد العزیز بن عبد الرحمن آل فیصل، و کان فتحها من أیسر الفتوحات و أشرفها و لم یکن فیه بحمد اللّه ذی الجلال سفک دماء و لا قتال، و لما دخلها
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 174
الإمام أعزه اللّه و ذلک یوم الخمیس من لیلة الجمعة الثامن من شهر جمادی الأولی، و لما بلغ سلطان العرب، مکان المسد بین جبل حرا و جبل ثقبة، و أصوات الملبین من رکبه تجاوب أصداؤها فی الفضاء، و لما بلغوا موقفهم ذاک نادی منادیهم فأناخوا و هم محرمین، ثم امتطی عظمة السلطان و حاشیته خیولهم و ساروا بین السرادقات التی نصبت فی الأبطح، و زادت بالأنوار ابتهاجا بمقدم هذا الزعیم العربی العظیم، و لما بلغت الخیول قریبا من المسعی ترجّل السلطان و من معهم و ساروا إلی الحرم من باب السلام، فدخلوا بخشوع و هیبة و احترام، فطافوا ثم صلوا فی مقام إبراهیم، و خرجوا للمسعی بین الصفا و المروة مشیا علی الأقدام، ثم إلی منزل آل تباحة حیث کان الناس بانتظاره فیه، فدخل البیت و حل إحرامه ثم سار إلی المخیم استعراض الخیل.
و فی الصباح کنت تری جموع الجند من الإخوان قد ملأت سهل الأبطح تنتظر خروج الإمام لرؤیته و السلام علیه و کذلک جموع أهل مکة من أهل النعم و الوجهاء و التجار تنتظر فی السرادقات المنصوبة رئیس الموکب السلطانی، فاستعرض فی الأبطح قسم الخیالة من جنده، فکنت تراهم
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 175
یعدون، و کل واحد منهم یصیح: أنا خیال التوحید أخو من طاع اللّه، و یضرب برصاصة فی الفضا. و لما انتهت الخیالة تقدم الرکب قلیلا حتی صار علی بعد بضعة أمتار عن السرادقات.

سلام الإخوان‌

أناخ الإمام راحلته و ترجّل فأحاط به الإخوان من کل جانب، و أقبلوا علیه یهنّؤونه بالسلامة و کثیر منهم لم یره من قبل، فکنت تری ما فیه من دامعة تخر فرحا و سرورا برؤیاه، وجوههم مستبشرة بطالعة البهیة، فمنهم من کان یصافحه بیده، و قیل: منهم من کان یکتفی بهذا بل کانوا یهجمون علی رأسه فیقبلون أنفه الحمی و جبهة الأسد، و هو بین هذه الجموع المزدحمة حوله باشّ الوجه یحتمل هذا الازدحام برضی و سرور، و کنتی تلقی الواحد من هؤلاء الإخوان یقبل السلطان من جهة، ثم یذهب و یعود إلیه من جهة أخری فیقبله، و لم یستطیع الإمام أن یقطع خمسة عشر مترا إلی السرادق بأقل من نصف ساعة.

سلام الأهلیین‌

و لما دخل السرادق أذن للوفود الأهلیین بالدخول علیه فقدموا علیه فی مقدمتهم الشیخ عبد القادر الشیبی أمین
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 176
مفتاح بیت اللّه الحرام، فتقدم و حمد اللّه للإمام لوصوله بالسلامة، ثم قدم الناس و کان یعرّفه بهم الشیخ بنی شیبة واحدا واحدا، و کلهم یصافحهم بیده، و لم یشأ أن یقبّلوا یده، و قال: إنّ المصافحة من عادات العرب و من فعل الصحابة مع الرسول صلّی اللّه علیه و سلّم، و مع بعضهم بعضا، و عادات تقبیل الید جاءتنا عن الأعاجم، و قد کان الزحام فی السرادق علی حبه شدید و الناس کلهم وقوف ینظرون و الإمام یحدثهم بأحادیث کانت تسحر الألباب، لأن الجمیع یستشعرون الإخلاص بقائلها، و یشعرون أنه یخرجها من قبله، و کم کنت تری الدموع تسیل عند سماع تلک الأقوال العذبة، و بعد أن أتم الإمام هذه الأقوال طلب شیخ بنی شیبة أن یجتمع بعلماء البلد الحرام فی وقت متسع، فیحدثهم بالحدیث الذی ذکره فی السرادقات، فضرب بالهمام له الموعد فی الغد یوم السبت، و انصرف القوم مسرورین فرحین مستبشرین.
و الذی قدم هیت السلطان خلق کثیر من آل بیته الطیبین و من العلماء الأفاضل، و فی مقدمتهم الأمیر محمد بن عبد الرحمن أکبر إخوة السلطان، و الأمیر عبد اللّه بن عبد الرحمن أخوه أیضا، و ولده الأمیر محمد، و الأمیر خالد.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 177
و قد ضاق نطاق هذا العدد من ذکر من قدم معه من الرجال المعروفین أمراء جیشه و قواده، کما ضاق عن ذکر بعض أخبار الرحلة السلطانیة من الریاض إلی أم القری.

خطاب عظمة السلطان‌

و بعد ذلک أقبل علی الناس بوجهه الباسم الطلیق، فقال ما لخّصه فیما یلی آداب القرآن: إن الأمور کلها بید اللّه، و إن اللّه قد ضرب الأمثال فی القرآن و لم یترک شیئا یؤدی لتأدیبنا إلا ذکره فی کتابه، و لقد کان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم الذی من أحبه فقد أحب اللّه، و من أطاعه فقد أطاع اللّه، یأخذ نفسه بآداب القرآن الذی نزل به أمین السماء جبریل علیه السلام علی أمین الأرض محمد صلّی اللّه علیه و سلّم، و لا أظن رجلا عنده ذرّة من عقل و عرف ما جاء فی الکتاب الکریم من الآداب العالیة إلا قدّر هذه الآداب حق قدرها، و رأی أن الخیر کله فی اتّباع هذا الهدی الحکیم، و مع ذلک لا حول و لا قوة إلا باللّه، فقد أعطی اللّه الناس أمورا و سلّط علیهم أحوالا، فکلّ یعمل لما هو موفّق إلیه، لیمیّز اللّه الخبیث من الطیب، و لیبلوکم إیّکم أحسن عملا، قال اللّه تعالی:
لَئِنْ شَکَرْتُمْ لَأَزِیدَنَّکُمْ [إبراهیم: 14]، و تتفاوت درجات الناس بمقدار کبحهم لجماع أهوائهم، و ما جاءت
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 178
الرسل إلا لیبیّنوا للناس طریقا حتی یسیروا علیها و یحذّروهم من الطرق الشیطانیة فیبتعدوا عنها، و أنتم تعلمون أن رسولنا و نبیّنا محمد صلّی اللّه علیه و سلّم ما جاء إلا لیدلّنا علی طریق الخیر و یبیّن لنا السبیل الأقوم.
جاء الرسول صلّی اللّه علیه و سلّم بهدیه فتقبّله الناس و عملوا به و لکنکم تعلمون أن الزمان طویل، و أن الأهواء قد لعبت، و لو لا أن اللّه قد حفظ کتابه و بیته لما وجدنا هدی الرسول صلّی اللّه علیه و سلّم الذی جاءنا به شیئا، و لکن الرسول صلّی اللّه علیه و سلّم قال: «لا تزال طائفة من أمتی علی الحق منصورة لا یضرّهم من خذلهم و لا من خالفهم حتی یأتی أمر اللّه و هم علی ذلک».

الشرف بالعمل الصالح‌

إن أفضل البقاع هی البقاع التی یقام فیها شرع اللّه، و أفضل الناس من اتبع أمر اللّه و عمل به، و هذا ثابت محقق، فهل تعلمون قبیلة من العرب خیر من قریش؛ و لو لم یکونوا أفضل العرب لما بعث رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم منهم، و هل فی البلاد أفضل من مکة المکرمة؛ و لو لم تکن کذلک لما کان بیت اللّه فیها، و لما انشاع للرسول صلّی اللّه علیه و سلّم الإسلام فیها، و لیس کذلک، و لم یقاتل الرسول صلّی اللّه علیه و سلّم قریشا و هم أهله و أقربائه، و لم یهاجر من مکة المکرمة إلی المدینة
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 179
المنورة، أو لم یقاتل من کان بمکة المکرمة نعم هکذا، و ذلک لأن قریشا عصوا اللّه و أعرضوا عن الحق و لم یشرف بلال الحبشی و سلمان الفارسی بالإسلام، و الأول عبد حبشی و الآخر رجل فارسی، و لم یذکر أبو لهب و أبو جهل بالکفر، و هم عمّان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم، فالشرف لیس بالحسب و النسب، و إنما هو بالعمل الصالح، نعم إن هذا البیت هو شرف الإسلام الخالد، و ما عمل فیه من الأعمال الحمیدة یضاعف اللّه أجرها، و ما عمل فیه من السیئات یضاعف وزرها، و نتمنی للجمیع فی هذا البیت و جواره من أهله و ممن جاوره أن یهدی اللّه قلوبهم للإیمان و العمل الصالح، فإن هؤلاء المجاورین إذا صلحوا و علموا الحقائق استفادوا فأفادوا المسلمین عامة، إن لهذا البیت شرفه و مقامه منذ رفع سمکه بید سیدنا إبراهیم علیه السلام.
و قد عظم العرب من فی الجاهلیة، فتحالفوا و تعاقدوا أن لا یقر ببطن مکة المکرمة ظالم صیانة لهذا الشریف أن یقع الظلم فیه، و أولئک کانوا علی الشرک و الضلالة، فهل یلیق بناء و نحن مسلمون، أن نقر فیه ظلما أو نتعدّی فیه حدود اللّه، دین اللّه واحد، إن العقائد التی جاء بها الأنبیاء
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 180
من قبل ذات أصل واحد و هی إخلاص العبادة للّه وحده، و ینحصر ذلک فی قول لا إله إلا اللّه فلفظ إلا اللّه معناه إثبات العبادة للّه وحده، فکل عمل صالح إذا لم یکن مبنیّا علی هذا الأساس فهو باطل. قال اللّه تعالی: فَمَنْ کانَ یَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْیَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً وَ لا یُشْرِکْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً [الکهف: 110]، فدلّت هذه الآیة الکریمة علی أن النجاة لا یکفی لها العمل الصالح وحده، بل لا بد فیها من إخلاص العبادة و الدعاء للّه وحده من جمیع المخلوقات.

ما کان یتمناه للحسین‌

و اللّه و باللّه و تاللّه و رب هذا البیت، و المقدّر کائن، لقد کان من أحب الأمور عندی أن الحسین بن علی فی هذا البیت المبارک یقم شرع اللّه، و لا یعمل إلا بآدتنا من الجود، و إننی و قد أفد علیه من الوافدین أحب أقبل علی یده و أساعده علی جمیع الأمور، علی کل شی‌ء یریده، و لکن هکذا شاءت إرادة اللّه، و لو لم یلحق الأمراء الأدیان و النفوس لما قدمنا علی ما قدمنا علیه، فقد قرر الحسین تقسیم بلادنا و توزیعها، و أصر علیه، و أخذ یعمل له، و هذه جریدة «القبلة» عندکم تعرّفکم عن نوایاه بنا، فإذا کان الحسین أتی هذه الدیار طورا من قبل الترک، و قام
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 181
فیها، ثم خلع طاعتهم فنحن فی دیارنا لم یؤمرنا غیر سیوفنا و اتّباع ما أمر اللّه به، إن هذا المحل لیس الذی یبحث [...] فیه بالسیاسة، و [...] بما کان یسعی له الحسین حتی اضطررنا لأن نقوم بما فتن به نحوه من الأعمال ما یطلبه و یرجوه.
وصلنا لهذا الحد و الحمد للّه، و لا ینفعنا غیر الإخلاص فی کل شی‌ء. إخلاص العبادة للّه وحده، و الإخلاص فی الأعمال کلها، و لیس عندنا إنما یتعلق بحقیقة معتقدنا غیر ما رأیتموه فی الهدایة السنیة، و قد بعثت لکم بنسختین منها، و الذی أبتغیه فی هذا الریاض هو أن یعمل بما فی کتاب اللّه و سنّة نبیّه صلّی اللّه علیه و سلّم فی الأمور الأصلیة، أما فی الأمور الفرعیة الأخری فاختان الأئمة فیها رحمه و للکلام فی هذا طویل.
و الآن أنا بذمّتکم و أنتم بذمّتی، و أنا منکم و أنتم منی، و الکلام غیر الصحیح لا یلیق فی هذا المقام، و هذه عقیدتنا فی الکتب التی بین یدیکم، فإن کان فیها خطأ یخالف کتاب اللّه فردونا عنه، و ما أشکل علیکم منها فاسألونا عنه، و الحکم بیننا و بینکم کتاب اللّه، و ما جاء فی کتب الحدیث
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 182
الستة فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِی شَیْ‌ءٍ فَرُدُّوهُ إِلَی اللَّهِ وَ الرَّسُولِ إِنْ کُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ الْیَوْمِ الْآخِرِ ذلِکَ خَیْرٌ وَ أَحْسَنُ تَأْوِیلًا [النساء: 59].
إننا لم نطع ابن عبد الوهاب و لا غیره إلّا مما أیّدوه من کتاب اللّه و سنّة نبیّه محمد صلّی اللّه علیه و سلّم، أما أحکامنا فنسیر فیها طبق ما اجتهد فیه الإمام أحمد بن حنبل ما کان منه من دحض الأکاذیب قد شاع الترک الشی‌ء الکثیر عن عقائدنا، و شنّعوا علیها من قبل، و کذلک فعل من جاء بعدهم و بلغنی أنهم قالوا فی جملة ما کذّبوه عنا، إننا لا نصلی علی محمد و إنا نعد الصلاة علی محمد صلّی اللّه علیه و سلّم شرکا باللّه، نعوذ باللّه من ذلک، و لیست الصلاة علی محمد صلّی اللّه علیه و سلّم رکنا من أرکان الصلاة، و أنها لا تتم بغیرها، و یقول: إننا ننکر شفاعة محمد صلّی اللّه علیه و سلّم یوم القیامة، معاذ اللّه أن نقول هذا، و إنما نطلب من اللّه أن یشفع فینا نبیّنا محمد صلّی اللّه علیه و سلّم، نقول:
اللّهمّ شفّع فینا نبیّنا محمد صلّی اللّه علیه و سلّم مَنْ ذَا الَّذِی یَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ [البقرة: 255]، و ندعو اللّه أن یشفع فینا الولد الصغیر، نقول: اللهم اجعله فرطا لأبویه و لا نطلب الشفاعة من الطفل، أما محبة الأولیاء و الصالحین فمن ذا الذی یبغضهم منا، و لکن محبتهم الحقیقیة هی العمل بما عملوا به و اتباع سنّتهم فی التقوی، و من منهم أولئک
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 183
الأولیاء هم الذین قال اللّه تعالی فیهم: الَّذِینَ إِنْ مَکَّنَّاهُمْ فِی الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَ آتَوُا الزَّکاةَ وَ أَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَ نَهَوْا عَنِ الْمُنْکَرِ [الحج: 41]، فهؤلاء الذین نحبّهم و نقتفی آثارهم، و لکننا لا نرفعهم فوق المرتبة التی یریدونها لأنفسهم و لا یریدها لهم اللّه، هذا الذی نحن علیه، و هذا الذی هدانی اللّه به، فإن کان عندکم ما ینقضه فی کتاب أو سنّة فأتونا به لنرجع عنه.
فتعالوا لکتاب اللّه، فإن کان هذا مقبول عندکم فتعالوا نتبایع علی العمل بکتاب اللّه و سنّة رسوله صلّی اللّه علیه و سلّم و سنّة الخلفاء الراشدین من بعده، فقالت الأصوات: کلنا نبایع، کلنا نبایع، فقال الإمام: قولوا لنا بصریح القول ما عندکم أصوات ما عندنا غیر هذا، ثم قال: أعیذکم باللّه من التقیة فلا تکتموا علینا شیئا، و کانت قد دنت ساعة العصر فأذن الإمام الشیخ عبد اللّه بن حسن بوقت الصلاة و طلب تأجیل البحث لاجتماع آخر.
فقال الشیخ حبیب اللّه الشنقیطی: إذا أردنا المناظرة فی بعض المسائل مع علماء نجد فیقتضی أن یعرف کل واحد طبیعة الآخر، حتی إذا أقیمت علیه الحجة یذعن لها و لا یزعل. فقال الإمام: ما دام المرجع کتاب اللّه فلا أزعل فی شی‌ء.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 184
ثم انفض المجلس و الاجتماع علی أن یجتمع نخبة علماء نجد مع نخبة علماء مکة للتفاهم و التعارف، و لما أراد الإمام السیر إلی الحرم قال له الشنقیطی: إن أمور البدع فی الدین کنا نحذر الناس عنها فی دروسنا، و لکن الأمر لیس بیدنا لنزجرهم عنها، فقال له الإمام: إننا خدام لطلبة العلم، و کلما أفتونا به أنفذناه علی وجهه، فهم المسؤولون و المبیّنون و نحن المنفّذون، و بذلک انفرط عقد الاجتماع و ذهب الناس لصلاتهم.

مناظرة العلماء

ذکرنا أن علماء نجد، علماء البلد الحرام، طلبوا الاجتماع بعضهم مع بعض، یشرح کل فریق ما عنده من العقائد لأخیه، و قد اجتمعوا للمداولة فی ذلک الصباح یوم الإثنین من هذا الأسبوع، فدار الحوار بینهم فی المسائل الأصولیة من العقائد و لم یتخلفوا فی أصل واحد من أصولها، و وقع الجدال فی المسائل الفرعیة ثم اتفقوا علی نشر البیان الآتی:
بسم اللّه الرّحمن الرّحیم
الحمد للّه وحده، و الصلاة و السلام علی من لا نبی بعده.
من علماء حرم اللّه الشریف و أئمته الشیخ محمد حبیب اللّه
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 185
الشنقیطی، و الشیخ عمر با جنید أبی بکر، و الشیخ درویش عجیمی، و الشیخ محمد مرزوقی، و الشیخ أحمد بن علی النجار، و الشیخ جمال المالکی، و الشیخ حسین بن سعید، و محمد بن سعید عبد الغنی، و الشیخ حسین مفتی المالکیة، و الشیخ عبد اللّه حمدوا، و الشیخ عبد الستار، و الشیخ سعد وقاص، و الشیخ عمر بن صدیق خان، و الشیخ عبد الرحمن الزواوی، إلی من یراه من علماء الحکومات الإسلامیة و ملوکهم و أمرائهم، أما بعد:
فقد اجتمعنا، نحن المذکورون، مع مشایخ نجد حین قدومهم إلی الحرم الشریف مع الإمام عبد العزیز حفظه اللّه، و هم الشیخ عبد الرحمن بن عبد اللطیف، و الشیخ عبد اللّه بن حسن، و الشیخ عبد الوهاب بن زاحم، و الشیخ عبد الرحمن بن محمد بن داود، و الشیخ محمد بن عثمان الشاوی، و الشیخ مبارک بن عبد المحسن بن باز، و الشیخ إبراهیم بن ناصر بن حسین، فجری بیننا و بین المذکورین و المحترمین مباحثة فعرضوا علینا عقیدة أهل نجد، و عرضنا علیهم عقیدتنا، فحصل الاجتماع بیننا و بینهم بعد البحث و المراجعة فی مسائل.
بمکفر ینقض إسلامه قولی أو فعلی أو اعتقادی، أنه یکون کافرا بذلک یستتاب ثلاثا، فإن تاب و إلّا قتل.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 186
و منها من جعل بینه و بین اللّه وسائط من خلقه یدعوهم و یرجوهم فی جلب نفع أو دفع ضرر أو یقربونه إلی اللّه زلفی أنه کافر یحل دمه و ماله.
و من طلب الشفاعة من غیر اللّه فیما لا یقدر علیه إلّا اللّه، إن ذلک شرک فإن الشفاعة ملک اللّه، و لا تطلب إلا منه، و لا یشفع أحد إلا بإذنه، کما قال تعالی: مَنْ ذَا الَّذِی یَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ [البقرة: 255]، و هو لا یأذن إلا فیمن رضی قوله و عمله، کما قال تعالی: وَ لا یَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضی [الأنبیاء: 28]، و هو لا یرضی إلا التوحید و الإخلاص.
و منها تحریم البناء علی القبور و سراجها، و تحریم الصلاة عندها إن ذلک بدعة محرمة فی الشریعة.
و منها أن من سأل اللّه بجاه أحد من خلقه فهو مبتدع مرتکب حراما.
و منها أنه لا یجوز الحلف بغیر اللّه، لا الکعبة، و لا الأمانة، و لا النبی صلّی اللّه علیه و سلّم و لا غیر ذلک؛ لقول النبی صلّی اللّه علیه و سلّم:
«من حلف بغیر اللّه فقد أشرک».
فهذه المسائل کلها لما وقعت المباحثة فیها حصل الاتفاق بیننا و بین المذکورین، و لم یحصل خلاف فی شی‌ء،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 187
فاتفقت العقیدة بیننا و معاشر علماء الحرم الشریف، و بین إخواننا علماء أهل نجد. نسأل اللّه أن یوفّق الجمیع لما یحبّه و یرضاه، آمین، و صلّی اللّه علی نبیّنا محمد و علی آله و سلّم.
توازیع من الإمام لمن فی مکة المکرمة و نواحیها من سکان الحجاز الحاضر منهم و البادیة بأن یجتمعوا یوم الإثنین، فلما اجتمعوا قال:
نحمد إلیکم اللّه الذی لا إله إلا هو رب هذا البیت العتیق، و نصلّی و نسلّم علی خاتم أنبیائه محمد صلّی اللّه علیه و سلّم، أما بعد:
فلم یقدم [...] من دیارنا إلیکم إلا لانتصار لدین اللّه الذی انتهکت محارمه و دفع الشرور کان یکیدها لنا، و لدیارنا نستبدی بالأمر فیکم قبلنا، و قد شرحنا لکم غایتنا هذه من قبل، و ها نحن أولاء بعد أن بلّغنا حرم اللّه نوسع لکم الخطّة التی سنسیر علیها فی هذه الدیار المقدّسة، لتکون معلومة عند الجمیع، فنقول:
أوّلا: سیکون أکبر همّنا تطهیر هذه الدیار المقدّسة من
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 188
أعداء أنفسهم الذین مقتهم العالم الإسلامی فی مشارق الأرض و مغاربها بما اقترفوه من الآثام فی هذه الدیار المبارکة، و هم الحسین و أنجاله و أذنابهم.
ثانیا: سنجعل الأمیر فی هذه البلاد المقدسة بعد هذه الشوری بین المسلمین.
و قد أبرق لکافة المسلمین فی سائر الأنحاء أن یرسلوا وفودهم لعقد مؤتمر إسلامی عام یقرّر شکل الحکومة التی یرونها صالحة لإنفاذ أحکام اللّه فی هذه البلاد المطهرة.
ثالثا: أن مصدر التشریع و الأحکام لا یکون إلا من کتاب اللّه، و ما جاء به رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم، و ما أقرّه العلماء الإسلامیون الأعلام بطریق أو أجمعوا علیه مما لیس فی کتاب اللّه و لا سنّة نبیّه صلّی اللّه علیه و سلّم، فلا یحل فی هذه الدیار غیر ما أحله اللّه و لا یحرم غیر ما حرم اللّه.
رابعا: کل من کان من العلماء فی هذه الدیار أو من موظفی الحرم الشریف أو المطوفین ذو رواتب معیّن فهو له علی ما کان علیه من قبل، إن لم نزده فلا ننقصه شیئا إلا رجلا أقام علیه الناس الحجة، أنه لا یصلح لما هو قائم علیه، فذلک ممنوع مما کان له قبل، و کذلک من کان له حق ثابت سابق فی بیت مال المسلمین أعطیناه حقه و لم ننقصه منه شیئا.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 189
خامسا: لا کبیر عندی إلا الضعیف حتی آخذ الحق له، و لا ضعیف عندی إلا القوی الظالم حتی آخذ الحق منه، و لیس عندی فی إقامة حدود اللّه هوادة و لا یقبل فیها شفاعة، فمن التزم حدود اللّه و لم یعتدیها فأولئک من الآمنین، و من عصی و اعتدی فإنما إثمه علی نفسه، و لا یلومنّ إلا أنفسهم، و اللّه علی ما نقول وکیل و شهید، و صلّی اللّه علی نبیّنا محمد و علی آله و صحبه و سلّم.
و ذلک فی 12 جمادی الأولی.
و فیها أیضا ممن وفد علی الإمام فی مخیمه وفد من حرب المقیمین بین رابغ و جدة، و فی قادتهم ابن حمادی، و ابن جاسم، و سلیمان النتاف، و المصباحی، و عطیة بن عبد العزیز، و صالح بن عجب، و حظیظ بن ختیرش، و عبد اللّه بن محمد، و الشریف عبد اللّه بن عبید، و مبارک بن مبارک بن سلیم، و قدّموا طاعتهم للإمام عبد العزیز و عاهدوه علی السمع و الطاعة، و موالاة من والاه و معاداة من عاداه، و أن یحموا الطریق بین جدة و رابغ، و أقسموا الأیمان علی ذلک، ثم ساروا إلی دیارهم بعد أن أمنهم الإمام علی ما عندهم من رابغ.
وفد علی الإمام ابن مبیریک صاحب رابغ یکرر عرض
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 190
طاعته، و قد اتبع هذا الساحل إلی البلاد التی قد أنقذت من ید الحسین.

کتاب الإمام إلی أهل جدة بما هو

من عبد العزیز بن عبد الرحمن آل فیصل آل سعود إلی کافة أهالی جدة، السلام علیکم و رحمة اللّه و برکاته، و بعد:
فلا بد أن أبلغکم أن أغلب العالم الإسلامی قد بدا رغبته و عدم رضاه عن عن حکم الحجاز بواسطة الحسین و أولاده، و إننا أحباء فی سیادة الإسلام و حقنا للدماء، و نعرض علیکم أنکم فی عهد اللّه و أمانه علی أموالکم و أنفسکم إذا سلکتم مسلک أهل مکة المکرمة، و بالنظر لوجود الأمیر علی بیک و خروجه علی الرأی الإسلامی، فإننا نعرض علیکم الخروج من البلدة و الإقامة فی مکان معین، و القدوم إلی مکة سلامة لأرواحکم و أموالکم و الضغط علی الشریف علی بن الحسین و إخراجه من بلادکم، فإن فعلتم غیر ذلک بمساعدة المذکور و مولاته فنحن معذورون أمام العالم الإسلامی و تبعة ما یقع من الحوادث ما تکون علی المتسبب.

وقفة عسفان‌

بطن تهامة من أرض الحجاز، و تمد دیارهم إلی المدینة
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 191
المنورة و ما جاورها، و لقد کانت هذه القبائل فی کل موسم من مواسم الحج تؤذی حجاج بیت اللّه الحرام، فتأخذ منهم الخراج و تقطع الأسبال، و تأخذ من حکومة الحجاز، أموالا هی أشبه بالأتاوة منها بالعطایا، و لما دخل الجیش النجدی إلی الدیار المطهرة أقبل بعض قادتهم یطلبون أن یعطوا ما کان لهم من قبل، و هم ینوون التمادی فی عینهم، فأجابهم قود الجند أن لیس لکم عندنا غیر ذمّة الإسلام، فإذا دخلتو [...] فی الأمر معنا فأنتم و کافة المسلمین سواء، فلم یرضوا بذلک و ذهبوا یقطعون السبل فسارت إلیهم سریة من الإخوان قبل عدة أیام صبحتهم فی منازلهم، فقاتلتهم حتی فرّ منهم من فرّ و أخذ منهم من أخذ، و استاق الإخوان معهم ما ترکه المنهزمون من إبل و غنم و عبید و متاع، و ذلک فی مکان یسمی عسفان، المعروف بین مکة المکرّمة و المدینة المنوّرة.

القنفذة و اللّیث‌

کانت القنفذة و اللیث ساحلین من بلاد الیمن تبعا لحکومة الشریف حسین، و لکن بعد دخول الجنود النجدیة لمکة المکرّمة ذهب الشریف عبد اللّه بن حمزة أمر البلاد إلی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 192
أبها) مرکز عسیر، فقدّم طاعته للأمیر المنصور من قبل الإمام، حیث کان فی الریاض أن یسلم ما بیده لمحمد بن عجاج و یتوجّه إلی مکة المکرمة، و بالفعل نفّذ الشریف عبد اللّه الأمر و قدم مکة المکرمة.

أخبار المدینة المنورة

علمنا أن قطع الطریق بین المدینة المنورة و شرق الأردن، و نعتقد أن المدینة المنورة ستسلم بغیر مقاومة، و سیکون استلام الجنود النجدیة للمدینة المنورة بغایة الطمأنینة و السکون، و یظل کل شی‌ء فیها علی ما کان علیه، و لعلّنا فی العدد القادم من جریدتنا ننشر للناس خبر تسلیم ذلک البلد الطیب الطاهر من غیر قتال.

خطاب الشیخ حافظ

نکرر علیکم فی هذا الموقف ما کان ذکرناه لکم من قبل فی اجتماع سابق، و هو أن عظمة السلطان عبد العزیز بن السعود یری هذه البقعة المبارکة من أقدس بلاد اللّه، و أن قلوب مئات المتدینین من المسلمین تهفوا إلیها و یحجونها فإذا کانت هذه البلاد الطاهرة التی هی مسطع النور و مهبط الوحی و منشأ الهدی للناس أجمعین، یرجع الأمر فیها کما بدأ به أول مرة، و تتطهر من البدع و الضلالات، یزداد
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 193
مقامها فی قلوب المسلمین أضعافا مضاعفة، و علی العکس إذا بدلت معالم الدین الأول فیها بدل ما فی قلوب الناس عنها.
إنکم تعلمون أن أکثر البلاد الإسلامیة ظهرت فیه البدع، و السبب فی ذلک: أن أکثر الإمارة الإسلامیة ظهرت فیها بدعة عمّت و هی ما یسمونه بطلب الترقی المدنی، أما نحن فلا نرید هذا الارتقاء الذین یدّعون إلیه، إنما ندعوا و نرید الارتقاء الدینی و نعتقد أنه لا یمکن إرجاع الراقی للمسلمین إلّا برجوعهم للسیر علی السنن الذی سنّه لهم اللّه تعالی من قبل فی کتابه و علی لسان نبیه محمد صلّی اللّه علیه و سلّم، و هذا هو الذی یریده عبد العزیز بن سعود- أصوات- وفقه اللّه هذا هو الأمر الأول.
الأمر الثانی: هو أن عبد العزیز یرید النجح لهذه البلاد عهد الشوری الذی أنشأ فیها، و هو لا یرید أن یستبدّ بکم و لا یجری فی بلادکم إلّا ما یوافق لشرع اللّه- أصوات- جزاه اللّه خیرا.
إنه یرید أن یستفید تجارب المجربین و بابه مفتوح لسماع نصیحة کل ناصح، و أکره الأخلاق عنده التمالق، و کل من
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 194
أراد التقرب إلیه بالتمالق فلا یعکس الأمر إلّا علی نفسه- أصوات- هو المطلوب.
الأمر الثالث: هو أن عبد العزیز و کما ستسمعون منه لا یرید أن یکون هذا البیت ملکا لأحد مشاعا بین المسلمین و لکل شعب من الشعوب الإسلامیة، و لکل فرد من أفراد العالم الإسلامی حق فیه.
و الأمر الرابع: و هو أن التجارب السابقة دلّت علی أن الحسین و آله غیر صالحین لإدارة هذه الأمور، لذلک سنسخی نفوسنا و أموالنا فی تطهیر البلاد المقدسة.
ثم تکلم الشیخ حبیب اللّه الشنقیطی، فقال: قال اللّه تعالی فی کتابه العزیز وَ لَیَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ یَنْصُرُهُ [الحج: 40]، و ما دأبت غایة السلطان عبد العزیز نصرة الإسلام فاللّه ینصره.
قال أحد العرب الأولین:
طلب المجد یورث المرء خبلاو هموما تقضقض الحزوما
فتراه و هو الخلی شجیاو تراه و هو الصحیح سقیما
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 195
و قال بعض العرب الأولین یصف قومه:
قوم إذا نزل الغریب بدارهم‌ترکوه رب صواهل و قیان
و إذا دعوتهم لیوم کریهةسدوا شعاع الشمس بالفرسان
لا ینکتوا الأرض عند سؤالهم‌لتطلب العلاة بالعیدان
بل یسفرون وجوههم فتری لهاعند السؤال کأحسن الألوان

شکوی أهل بیت اللّه الحرام‌

ضاقت حلقة الرزق علی أهل بیت اللّه الحرام لما منع عنهم الشریف علی دخول الأقوات و الأرزاق إلیهم عن طریق جدة، و بات الکثیر مستنظرون جوعا، و ربما فارق بعضهم الحیاة من الجوع و هم لم یجنوا ذنبا سوی أنهم أقاموا فی جوار بیت اللّه، فکتبوا بما آلت إلیه حالتهم إلی عظمة السلطان و رجوه أن یبلغ شکایتهم هذه لمن فی جده بإیصال کتاب کتبوه إلی الشریف علی، فأجاب عظمة السلطان طلبتهم و وعدهم بإرسال الکتاب.
و إلی القاری‌ء الکریم نص کتابه و جواب عظمة السلطان
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 196
علیه، ثم نص الکتاب الذی کتبوا للشریف علی، ننشر الرسائل الثلاثة لیعلم المسلمون عامة ما یلاقیه أهل الحرم الشریف من الضنک و النصب من إقامة بن الحسین فی جدة، لعل ذلک یصطف قلوب المسلمین علی سکان هذا البیت الحرام فیعجلوا بما یخلصهم من هذا العذاب الألیم:

کتاب الأهلیین‌

بسم اللّه الرّحمن الرّحیم
إلی مقام عظمة السلطنة السنیّة الإمام عبد العزیز، أدام اللّه إجلاله، آمین. أما بعد:
سلّمک اللّه، ما یخفاکم أن أهل البلد جیران بیت اللّه الحرام، حصل علیهم بعض الضیق فی هذه الأیام و لو أنکم لم تقصروا علیهم فی السعی لجلب الأرزاق من الیمن و غیرها، و لکن معلومکم کبر البلد و کثرت سکانها، و لا یخفاکم ذلک، و بموجب أنکم أجرتمونا و أعطیتمونا أمان اللّه و أنکم تسعون لتأمین هذا البیت الشریف و أهله کما فی منشوراتکم و أقوالکم، ثم بعد ذلک شاورتمونا فی مسألة جدّة، و أشرنا إلیکم بالتوقف عن العجلة، لعل اللّه أن یفتحه بهدوء و سکون و أجبتمونا علی ذلک، فالآن
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 197
نعرض لحضرتکم أن تنظروا بهذا الکتاب المقدم طیه لتسعوا فی دفعه لعلی، فإن أجاب فالحمد للّه، فإن أبی فنرجوا الإغاثة من اللّه و الفرج لبیت اللّه الحرام و جیرانه، نرجو اللّه أن یوفّقکم و السلام.
20 جمادی الأولی
عن عموم جیران بیت اللّه الحرام: عبد القادر الشیبی، عقیل بن محمد، یحیی أبو بکر بابصیل، عبد الرحمن الزواوی، عباس مالکی، صالح بن سلیمان حجازی، محمد نور إبراهیم ملائکة.

جواب عظمة السلطان‌

بسم اللّه الرّحمن الرّحیم
من عبد العزیز بن عبد الرحمن آل فیصل إلی حضرات الإخوان الکرام عبد القادر الشیبی و عموم جیران بیت اللّه الحرام سلمهم اللّه تعالی آمین، السلام علیکم و رحمة اللّه و برکاته علی الدوام، مکتوبکم المکرم وصل، و ما ذکرتم کان معلوم، أما من خصوص بعض الأمور التی تشعرون بها من قبل المعیشة فتعلمون أن الذی یؤلمکم یؤلمنی کثیرا، و ما أقدر علیه من الأمور باذل جهدی فیه، و هذه الواردات من الأرزاق ترد یوما کما ترون،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 198
و أننی أخاف من الضیق علی البلد أرسل فأجلب الأرزاق لجندنا من الخارج، و أما من جهة جدة فنحن لم یمنعنا عنها إلّا رجاء سلامتها و أهلها فی دمائهم و أموالهم، و لکننی ما أری علی و جماعته یرقبون فی سلامة البلد و عدم التضییق علی بیت اللّه الحرم و أهله، و هم لا یزالون فی طغیانهم یعمهون، حیث إنهم جماعة اللّه ربنا و ربهم تلعب بهم التخییلات و عدم المبالاة فی أحوال المسلمین.
و أما الکتاب الذی طلبتم منا إرساله إلیه فإجابة لطلبکم نرسله إلیه، و لکنی لا أظن القوم یوافقون للرشاد و لا أن هذا الکتاب یفید فیهم شیئا، بل ربما أوّلوه علی معنی ثان، و لکن نظرا لاعتمادنا علی اللّه ثم التماسنا لمصالح المسلمین نجیبکم إلی ذلک و نرسله إنشاء اللّه، و الظن إنشاء اللّه أنه بعد وصول مکتوبکم هذا إلیه لا نکون مسؤولین من قبل اللّه و لا من قبلکم و لا من قبل عموم المسلمین نرجو اللّه تعالی أن ینصر دینه و یعلی کلمته، و صلّی اللّه علی سیدنا محمد و علی آله و صحبه و سلّم.
20 جمادی الأولی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 199

کتاب الأهلیین لعلی الشریف‌

بسم اللّه الرّحمن الرّحیم
حضرة صاحب السمو الأمیر علی وفقه اللّه، و بعد السلام اللائق بالمقام، أنه لا یخفاکم أننا جیران بیت اللّه الحرام الذی قال اللّه تعالی فی حقهم: أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَ آمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ [قریش: 4]، ذلک البیت الذی قال اللّه تعالی فیه: أَ وَ لَمْ نُمَکِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً یُجْبی إِلَیْهِ ثَمَراتُ کُلِّ شَیْ‌ءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا [القصص: 75]، فأین عملکم هذا مع منع القوة و الأضرار بسکان بلد اللّه الحرام من توصیة اللّه، فما هو السبب الذی جعلکم تقدمون علی فعل ما فعلتم به، إن کان السبب دخول قوة نجد و جیوشه إلی مکة المکرمة فهذا الشی‌ء لسنا بالمسؤولین عنه، بل أنتم المسؤلون عنه عند اللّه و عند خلقه.
أولا: أنتم ما فعلتم الأسباب الموجبة علی إصلاح ذات بینکم و بین أهل نجد و إمامها و غیرهم، حتی یکون حرم اللّه آمنا مطمئنا.
ثانیا: عند دخول جیوش حکومة نجد للطائف طلبنا منکم تخلیص عائلتنا و محارمنا و أموالنا من الطائف فأبیتم ذلک، و أعطیتمونا الجواب علی ذلک بالمحافظة علی أموالنا
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 200
و عائلتنا و ذهبتم و ترکتمونا لا أنتم حافظتم علینا، و لا سمحتم لنا بالخروج حتی جری علینا ما قدر اللّه و الحمد للّه، ثم بعد لما قدمتم مکة المکرمة راجعناکم أنت و والدک مرارا لحفظ الأمن و حفظ بیت اللّه الحرام فأجبتمونا إننا برقابکم تدافعون عنا بکل وسیلة، و لکنکم ذهبتم و ترکتمونا فوضی لا أصلحتمونا و لا أنبأتمونا حتی نصلح أنفسنا، و لکن من فضل اللّه و برکة هذا البیت الشریف منعنا اللّه بحرمته، و قام ابن السعود و جنده بالواجب حرمة لبیت اللّه الحرام، و إلّا فلیس لنا علیهم شی‌ء من الحقوق إلّا ما قدمنا من حرمتهم لبیت اللّه الحرام، و إننا نخشی علیکم عقوبة ما جری علی جیران بیت اللّه الحرام من الخوف و الهلع التی یأسف لها البعید دون القریب و بعد ذلک أعلنتم أنکم ما خرجتم من مکة المکرمة إلّا حقنا للدماء، فسموّکم تورعتم عن قتل أهل نجد و حقن دماءهم، و لکنکم أحلتم المصیبة علی جیران بیت اللّه الحرام فمنعتموهم الأرزاق و حجزتم علیهم معاشهم.
فالآن نسأل سموکم إن کان جیران بیت اللّه الحرام مجرمین فتنبؤونا حتی نستغفر اللّه و نتوب إلیه، و إن کنا فقراء ضعفاء و ملتجئین إلی بیته فما السبب فی التضییق علینا فی أرزاقنا و أنفسنا.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 201
فإن کنا مجرمین من جهة الحکومة النجدیة فلیس لنا أی سبب فی دخولهم، و لیس لنا قوة علی إخراجهم، و لکننا نرجوا من اللّه ثم من سموکم أن تفعلوا أحد الأمرین.
أما تقدموا بجیوشکم و تخرجون الحکومة النجدیة حتی تنفتح لنا طرق أرزاقنا و معایشنا و تترکون نحن محل معیشتنا التی هی جدة.
أو ترون لها شیئا من الأسباب التی تتمکن بها من جلب معائشنا و أرزاقنا و لیس لنا فی غیر ذلک حاجة.
فإن أجبتمونا فذلک المطلوب و الظن باللّه ثم بکم، و إن أبیتم إلّا الظلم فنحن نرفع أکفافنا للّه تعالی و نتضرع إلیه أن یحارب محارب بیته الحرام، و یضیق علی من ضیق علیه، و علی جیرانه، و نستعین باللّه ثم نستغیث بکافة المسلمین الحاضر منهم و الغائب أن یغیثونا و ینقذونا من الظلم و أهله، وفّق اللّه الجمیع لما فیه الخیر و الصلاح.
حرر فی 18 جمادی الأولی
الإمضاءات: صاحب مفتاح بیت اللّه الحرام علی بن عبد القادر الشیبی، عیسی بوقری، حسین الفقیه، محمد بن یحیی بن عقیل، تاج قطب، أحمد باحمد بن عقیل بن محمد السقاف، عبد الرحمن عدس، باعیسی،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 202
حسین بن أحمد عباس بن عبد اللّه المالکی، عابد عوظ، محمد صالح، محمد بن عبد الحمید شروانی، أحمد بن عاشور، غزاوی، سعد وقّاص غازی، محمد عجیمی بن درویش، بکری عساس، محمد سعید شیخ الفراشین، حسن بن عبد الرحمن، کابلی عبد اللّه، محمد جمال المالکی، أحمد ناقور، شیخ الصیارف، محمد سعید بن أحمد أبو الخیر، محمد بن عبد الکریم، محمد جمال إمام، عبد العزیز عباس المالکی، حامد مکاوی، صالح مسلم، حسین بن عبد الحمید شروانی، أحمد المنصور الباز، محمد أمین، عمر حان، محمد سعید أبو الفرح، أحمد بن محمد المدابغی، سجینی، یوسف المؤذن، رئیس المجلس البلدی أحمد سبحی، محمد علی خل السندی، عبد الستار أبو بکر بابصیل، علی مرقوش، عبد الواحد، عبد الرحمن علی بن محمد حجازی، صالح بن سلیمان حجازی، بحاس، أحمد بوقری، حمد نور ملائکة، حامد أعرابی، علی محضر، جمال سقا، عبد القادر قزاز، مصطفی الشقیری أحرار خوجة، محمد أش، حسین جابر.

أخبار

طلب بعض العلماء البلد الحرام و أعیانه من عظمة السلطان أن یجعل لهم یوما من الأسبوع یجتمعون به معه، فضرب
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 203
لذلک موعدا صلاة عصر الجمعة من کل أسبوع، و لما حان الوقت المعیّن فی الجمعة الماضیة حضر العلماء و الأعیان، إلی منزل باناجة، حیث کان عظمة السلطان ینتظرهم فیه یتقدمهم شیخ بنی شیبة الشیخ عبد القادر الشیبی، و کثیر من العلماء و وجوه المدینة.
و لمّا استقر بهم المجلس أقبل علیهم عظمة السلطان، و قال ما خلاصته: إننی أشتاق للاجتماع بکم فی کل وقت وحین، و أحب أن أتحدث معکم کثیرا بما تحبون، و إنی أقدر الأتعاب التی تقاسونها و یقاسیها عموم الأهالی بمناسبة انقطاع ورود الأقوات عن طریق جدّة، و جدة بالیسر علینا دخولها، بحول اللّه و قوته، و لکن الذی نسعی إلیه أن یتم انضمامها لهذه الدیار بغیر إهراق دماء و إتلاف أنفس، و قد کتب الشریف علی لیطلب الصلح و توسط فی ذلک، بعض من لیس له علاقة فی هذه الدیار المقدسة من غیر المسلمین، أما أنا فقد أجبته بأن الأمر معلّق علی مشیئة العالم الإسلامی، و أن علیه أن یترک جدة و یفتح الطریق لوفود المسلمین یجتمعوا فی البلد الحرام، و ینتخبون من یرون فیه للیاقة و الجدارة لإدارة شؤون هذه البلاد المطهرة.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 204
و إنی آسف أشدّ الأسف و متألّم أشدّ الألم لحالتکم أنتم أهل البیت، من انقطاع الأقوات عنکم من جدة، أما نحن أهل نجد فلا یهمّنا و لا یؤثر علینا شی‌ء، فقد تعودنا الصبر و الجوع، و عندنا من وسائط النقل ما یسهل لنا طول الإقامة بغیر تعب و لا نصب، و ما شفقتی إلّا علیکم، إنی رغبت الاجتماع بکم لتلقونی ما تشاؤون، فقد تعاقدنا علی المناصحة، فإن کان لأحدکم حاجة فلیقلها و لیطلبها إننی لست من الملوک المتکبرین، و إنّ بابی مفتوح علی مصراعیه لسماع نصیحة کل ناصح، فلا تؤخّروا نصائحکم عنی، فمن شاء منکم فلیشافهنا بما یرید، و من شاء فلیکتب لنا حاجته لننظر فیها، فأجابوه بأنهم لا یتأخّرون فی شی‌ء، و أنهم سیکتبون لعظمته بما یحتاجون إلیه.
و لمّا همّوا بالانصراف کان بعضهم مصافح عظمته مع انحناء قلیل، فرجاهم أن لا یفعلوا ذلک، و أن یصافحوه مصافحة عربیة إسلامیة، و قد ذهبوا من مجلسه و هم شاکرون رقته و عذوبة لفظه و حسن مجلسه.

وصول المجاهدین‌

وصل أم القری صباح الاثنین عدد عظیم من قبائل حرب و مطیر الذین تدینوا من زمن بعید و مضی علیهم و هم فی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 205
حل و ترحال یجاهدون فی سبیل اللّه ما یقرب من نصف حول، و بعد أن لبّوا و طافوا و سعوا ساروا بجموعهم المتزاحمة للمقر السلطانی و عرضوا أمام عظمته و هم یهللون و یکبرون، و کان لمنظرهم روعة و هیبة، و لما نزلوا عن مطایاهم أقبلوا علی الإمام و سلموا علیه، ثم جلسوا فحیّوه، و بعد أن حدّثهم بما و عظهم به أوصاهم بسکان بیت اللّه الحرام و مجاورته خیرا، و قال: إن الواجب یقضی علینا بأن نحافظ علیهم کما نحافظ علی أولادنا و أهلنا و ذلک حرمة لهذا البیت الذی جاوروه، فأجابوه بالسمع و الطاعة، و طلبوا من عظمته أن یسیرهم للقتال فاستصبرهم بضعة أیام لترتاح مطایاهم و أجسامهم من وعثاء الأسفار و فیهم جمیع ممن حضر وقائع شرق الأردن، و بینها الراکب و الردیف و الماشی علی قدمیه، و هم أصحاب الأبدان و الحمد للّه قوی العزائم وفق اللّه العالمین لما فیه مصلحة المسلمین. انتهی، ملخصا من الجریدة المعنونة بأم القری.
حرر غرة رجب
1344 فیها من 19 جمادی الأولی فتحت المدینة المنورة بعد حصار دام علیهم عشر أشهر علی ساکنها أفضل الصلاة و السلام علی ید محمد بن عبد العزیز بن عبد الرحمن
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 206
آل فیصل، و استولی علیها استیلاءا کاملا بجمیع قلاعها و حصونها و ما تحتویه من أسلحة و عدد و اعتداد بدون شرط أو قید، و أمنهم ابن الإمام محمد علی أنفسهم و أموالهم و أعراضهم بانفراج الأزمة و زوال الغمة، و عادوا إلی مزاولة أعمالهم فی فداء و سکینة، و بسطت الأسواق، و بشّت الوجوه، و أمر ابن الإمام بتوزیع الصدقات علی الفقراء و المساکین و المستحقین، و الحمد للّه الذی أظهر الحق علی الباطل و أهلک الظالم و نصر العادل، و نشکر المولی عز و جل علی هذا الفتح المبین، و النصر العظیم وَ مَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ* یُؤْتِیهِ مَنْ یَشاءُ وَ اللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِیمِ،* و سنذکر بعض أخبار البرقیات التی بین الشریف علی و هو فی جدة و بین أهل المدینة.

أخبار البرقیات التی بین الشریف علی و هو فی جدة، و بین أهل المدینة

إلی الملک فی جدة
بتاریخ 5 جمادی الأولی
نحن لا یهمنا ابن السعود و لا السعود بنفسه، الذی یهمنا هو الأرزاق للجند، الجند بعد ما انتهت من تخریب
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 207
البیوت من الخارج و بدت تنهب بیوت الداخل، و عدتمونا بإرسال الطائرة بالدراهم المتیسرة إلی الآن لم نری لها أثرا، دبروا و أرسلوا لنا دراهما و لو ببیع أحد البواخر و تروا منا ما یسرکم، رئیس الدیوان قائد المدینة المنورة.
جواب: إلی القائد الأمیر وکیل المدینة المنورة جاوبوا ولد ابن السعود بأشد ما یمکنکم حتی لا تجعلوا له بابا للمخابرة معکم قطیعا و هکذا یقطع.
جواب: إلی الملک علی فی جدة فهمنا أنکم أنتم الذین مؤخرین إنهاء المسألة بسبب عدم إمضائکم المعاهدة للإنجلیز، انقضی الأمر و لا فی الید حیلة، و وقعنا فی الذی نخشاه الجنود ما عندهم أرزاق إلّا ثلاثة أیام لتمویل لا یمکن أخذه من البلدة العدو الذی جاءنا قبل مدّة لا یزال باقی هنا ینتظر الدراهم، و قصار القول أنه إذا الغد لم ترسلوا الطیارة الساعة السادسة سنفاوض العدو.
عزة عمیر، عبد المجید أحمد
جواب: إلی وکیل الأمیر قائد المدینة المنورة قائد الخط رئیس الدیوان بکرة الثلاثاء تجیکم الطائرة، هل تریدون أن تحرا برقیاتکم أمس، و ملحقها أزعجنی الغایة ما أدس علیک یا عبد اللّه واقف معنا بالمرة من مدة شهر و زیادة،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 208
و أنا تشبثت لقرض برهن أو بیع أملاک، فلم تتوفق الأجانب محتجین بأنهم علی الحیاد، و لو لا اعتمادی علیک ما أطلعتک علی هذا، تبصّر بالأمر أنا فی حیرة بسبب إرسال الطیارة، قلت لکم بیعوا الذهب و الفضة التی بالحرم، قلت لما نحتاج، فهل بقی احتیاج بعد ما تقول إلی الغد الساعة السادسة، إن لم ترو الطیارة فنحن نفاوض العدو، و الحالة التی أنتم بها تجیز لکم عمل کل أمر نهبوا و اکسروا و لا تهددون بمثل هذه الحالة التی نحن فیها، لا تقل عن حالتکم ارحمنی دخیلکم اصبروا مقدار عشرة أیام حیث یصلنا دراهم من سیدنا نرسل لکم منها.
جواب: إلی الملک کررت الشرهة علینا و بالنتیجة تقول کلوا المحرمات، فلا بأس، و لکن فیها مضرة علی المسلمین و لا نری منکم إلّا إشارة الإهانة، بحیث صرّحنا للعالم الإسلامی و لا حصلت فائدة، و هذا من جملة إشارات ما عرضنا لکم و لا عاد فینا صبر بعد ذلک، و نحن بدنا دولة مستقلة، و أنتم استقلیتم بها فی أول الوقت فکیف تشرهوا علینا فی الآخر.
جواب: لو لا غلاؤکم و غلاء من أنتم بجواره، و أعتقد أنکم تقولون أنی ما شرهة علیکم، و أکل المحرمات مباح
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 209
عند الضرورات مع هذا ما قلت کلوا حراما، و أما الإهانة منکم و لو ضرر منی شی‌ء فبرقیاتکم أمس تجعلنی مثل المجنون، أقول و لا أدری عن قوله و له الحمد الذی ما ضیعت شوری، الغایة، هی أن بعد اللّه أنتم استنادی اشتغلوا شغل العقّال و نحن ندبر الذی ییسره اللّه، و نرسله لکم إما تحویل و إما بالطائرة، و استعینوا باللّه و اصبروا و الشدائد لا بدّ لها من فرج، و مثلکم یعرف کل شی‌ء، و أما شرهتی کما تقولون فی مخابرة الأجانب فأنتم أعرف بذلک، إذا فکرتم تعرفوا محذورها، و قد حررنا علی شحات فی لزوم تأدیة الدراهم لکم مع استشارتکم فی تدبیرها، و لا تقصروا فی جهدکم بشی‌ء، و أیضا أمرنا تصاریف له علیه ذلک هل استلم الحوالة من الحجاز یکفی ما لقیته یا مسلمین.
جواب: إلی الملک فی جده، من یشک فی ثباتنا الذی فوهتم عنه ببرقیاتکم المتعددة، نحن لا نزال محافظین علی عهدنا و وعدنا حتی نفقد موجودنا، و لکن الدرجة وصلت اللحم، و بعد کل هذا هل عندکم أمل، نحن نرید منکم تأمین معیشة الجند الذی من ثلاثة أیام محروم من الطعام، هل رأیتم من یصبر علی هذا؟ و هل کان هذا
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 210
بمساعدة الأمة التی تضرونها أم یحسن تدبیرنا و درایتنا؟
أین الوزراء الذین قلدتهم الأمور؟ أین الوکلاء؟ أین رجال الدولة؟ أین الذین أوعدوک المعاونة عند الشدائد؟ أین الذی أشاروا علیک بتطویل المواعدة، هذا یومهم أجمعوهم یفکروا إن استطعتم فی أمرنا، لأنک تعلم بأن بدوام الملک موقوف علینا، و اللّه ثم اللّه إنا نکتب لکم هذا، و نحن علی ثقة بأن الیوم هذا آخر عهدنا بکل صراحة، و نقول إذا لم تتوافقوا مع الذین زاحموکم و أوقعوکم بهذا الموقف الحرج، و تتوسلوا بتخلیصنا إذا کان مرادکم حیاتنا و حیاة البلاد، و إلا فغیرکم بالنتیجة یأخذ الجمیل، و هذا واقع لا بد منه تحاویلکم ریضوها، و شمات یجاوبکم دبرونا الیوم إلی المساء و إلا نسلم علیکم.
عبد اللّه عمیر، عبد المجید أحمد
جواب: من الملک، ما لم تجیبونی علی برقیاتی لا أعلم أی ذنب جنیته لتعذیبی بهذه الصورة، لیس لی رغبة أو مطمع سوی حفظ کیان البلاد و شرفها، و لکن هذه بلیدة قدّرها اللّه و هو أعلم بالسرائر و بالأعمال، و أصلا أنتم تسعون فی حفظ شرف البلاد بمهما کانت الحالة، و أما
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 211
الحیاة التعیسة و الذلیلة فاللّه لا یحکم بها علینا، کونوا علی یقین عند أول حرکة تعملوها تکونون سبب ضیاع حیاتی، و بعدها أنتم و البلاد و أنا خصیمکم یوم القیامة و أطالبکم بضیاع دینی.

کتاب تهنئة و شکر من الکنانی إلی عظمة السلطان‌

لقد ظهرتم- بحول اللّه- فکان الحق سلاحا ماضیا فی أیدیکم، و شعور التقوی سراجا منیرا فی طریقکم، و الإخلاص للّه و التفانی فی إعلاء کلمته صراطکم المستقیم، و مبدودکم القویم، فما دنیتم یوما من الأیام عن القیام فی وجهه الظلمة الذین لم یرقبوا فی الناس إلّا و لا ذمّة، فبددت شملهم و طمست معالمهم و أعلیت کلمة التوحید، و رفعت لواء الشریعة السمحاء أجل القدر من اللّه علیکم بالنصر المبین، فثبّت أقدامکم فی أطهر بقعة فی العالم، و أعقب ذلک باستیلائکم علی مدینة الرسول صلّی اللّه علیه و سلّم، و ما فرحنا و ابتهجنا بأکثر من فرح رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلّم فی قبره الطاهر و نومته الهادئة، إذ یجد قوما أخلصوا للّه و أتوا لیطهّروا البلاد المقدسة من آثار الظلم و الفساد، و لیسیروا علی ما سار علیه فی نشر الإسلام و امتداد ملکه و تعاظم صولته.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 212
أجل لقد استحکمت حلقات الیأس فینا قبل الیوم بتخاذل المسلمین و تنابذهم و تحاسدهم حتی صرنا کمیتة مهملة، لا ینظر إلینا إلا بعین الاحتقار و الامتهان، و لا تسمع لنا کلمة و لا یجاب لنا مطلوب، و أصبحنا کالأیتام فی مأدبة اللئام، لقد غشّانا الظلم من کل جانب و ضربت علینا الذلّة و المسکنة، و رضا تحت ظل العبودیة الثقیل حتی قیّض اللّه لنا نورا ینشق من المشرق و اطمأن له المسلمون، الخاصّ منهم و العامّ، و انفتحت له قلوبهم، و بان لهم الطریق السوی، و کشف عن بصیرتهم فعرفوا أن فجر هذا النور یتمخّض، إذ نالنا بشمس رامقة فی سماء الإسلام فتعید له مجده التلید، الذی عشنا دهرا طویلا نتطلع إلیه بعیون نضّاحة، و قلوب مجروحة، و أجنحة مکسورة، من من المسلمین [...] إلیکم تحیاته، و تفیض حنانا و شوقا إلیکم، و أین هی [...] التی لا تخرج من الصدور لتهنئکم بمحبّتها، و أین هی العیون التی لا ترسل أشعتها مخترقة الفضاء الواسع لتطمئن برؤیاکم، و أین هی الألسنة التی تتمنی أن تخاطبکم، بلا.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 213
و اللّه هذا أقل ما یجب علینا نحو شخصکم المقدس المتفانی فی خدمة الإسلام و المسلمین و رفع حیز الظل عن أعناقهم، فسیروا فی الأرض بإذن اللّه من نصر إلی نصر، و من فتح إلی فتح و لواء الإسلام یرتزق فوق رایتکم، و اللّه یحفظکم و یکلؤکم برعایته.
کنا فی سنة دخول المدینة المنورة، و لما تیقّن رجال حاشیة المدینة المنورة أن لا فائدة من إطالة الکلام مع الشریف علی، و قد بلغ منهم الضیق مبلغا قرروا للتسلیم، فبعث قائد المدینة المنورة عبد المجید و عزة، مدیر الخط، کتابا إلی محمد بن عبد العزیز یطلبا ملاقاته، و أنهما سیخرجان الساعة الرابعة من صباح یوم الجمعة فی 18 جمادی الأولی من المدینة المنورة، و یطلبان من یستقبلهما.
فأجاب محمد بن عبد العزیز طلبتهما و أرسل إلیهما خیّالة استقبلتهما، و لما حضرا بین یدی محمد بن عبد العزیز فاوضاه فی التسلیم علی شرط إعطاء الأمان لجمیع الجنود و الضبّاط و الأهلیین، و إعلان عفو عام عمّا مضی، و أنهم فی مقابل ذلک یسلّمون المدینة المنوّرة و ما فیها.
و فی صباح یوم السبت دخل الأمیر ناصر بن سعود،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 214
و عبد اللّه آل فیصل، و عزة قائد الخط إلی المدینة المنورة مع فریق من الجنود، فاستلموا قلعة سلع و ما فیها من ذخائر و عتاد، و وضعوا فیها قوة عسکریة، ثم مرّوا بجمیع المراکز العسکریة و الملکیة للحکومة، فاستلموها و وضعوا فیها بکل واحدة قوة من الجیش النجدی، و لم یأت مساء السبت حتی کان جندنا قد انتهی من استلام کل شی‌ء فی البلدة و من الناس أجمعین.
و فی صباح یوم الأحد تحرّک رکّاب الأمیر محمد بن عبد العزیز و جنوده قاصدا المدینة المنورة، فوصلوا دائریة البرق حیث توضأ فیها، ثم سار إلی المسجد النبوی فصلی فیه، ثم أتی إلی قبر الرسول صلّی اللّه علیه و سلّم و إلی قبر صاحبیه أبی بکر و عمر رضی اللّه عنهما، فسلم علیه و علیهما، ثم رجع فأمر [...] الأهلیین و قد عضد من رابغ ثلاثة آلاف کیس دقیق، و أمر بالتوزیع علی الأهلیین منه.
1344 فیها دخل الإمام جدة و استلم ما احتوی علیه الشریف من آلة حربیة و غیرها، و تسلیم جدة بعد حصار سنة کاملة من المراکب أربعة، و هی الطویل و الرقمتین و رضوی و العقبة، و التمبیلات و دبابات و مکائن و أسلحة و مدافع و طیارات.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 215
و سافر الشریف إلی عدن و منها إلی العراق، و سمح له الإمام بماله خاصة فی نفسه فقط، کمثل تمبیل و فرس و فرش و متاع لیس له منه بد، و بعد ما اطمأن الإمام فی جدة کتب لهم بلاغا عام صورته:
بسم اللّه الرّحمن الرّحیم
من عبد العزیز بن عبد الرحمن آل فیصل السعود، إلی إخواننا أهل الحجاز سلّمهم اللّه تعالی، السلام علیکم و رحمة اللّه و برکاته، و بعد: فإنی أحمد إلیکم اللّه وحد الذی صدق وعده و نصر عبده، و أعز جنده، و هزم الأحزاب وحده، و أهنّئکم و أهنّی‌ء نفسی بما من اللّه به علینا و علیکم من هذا الفتح الذی أزال اللّه به الشر و حقن دماء المسلمین و حفظ أموالهم، و أرجو من اللّه أن ینصر دینه و یعلی کلمته.
و أن یجعلنا و إیاکم من أنصار الدین و متّبعی هذه.
إخوانی تفهمون أنی بذلک جهدی، و ما تحت یدی فی تخلیص الحجاز لراحة أهله و أمن الوافدین إلیه إطاع لأمر اللّه، قال اللّه عزّ و جلّ من قائل: وَ إِذْ جَعَلْنَا الْبَیْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ وَ أَمْناً وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِیمَ مُصَلًّی وَ عَهِدْنا إِلی إِبْراهِیمَ وَ إِسْماعِیلَ أَنْ طَهِّرا بَیْتِیَ لِلطَّائِفِینَ وَ الْعاکِفِینَ وَ الرُّکَّعِ السُّجُودِ [البقرة: 125]، و قال تعالی: وَ مَنْ یُرِدْ فِیهِ بِإِلْحادٍ
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 216
بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِیمٍ [الحج: 25]، و لقد کان من فضل اللّه علینا و علی الناس أن ساد السکون و الأمن فی الحجاز من أقصاه إلی أقصاه بعد هذه المدة الطویلة التی ذاق الناس فیها مرّ الحیاة و أتعابها، و لما منّ اللّه بما منّ به من هذا الفتح السلیمی الذی ننتظره و نتوخاه، أعلنت العفو العام عن جمیع الجرائم السیاسیة فی البلاد، و أما الجرائم الأخری فقد أحلت أمرها للقضاء الشرعی لینظر فیها بما تقتضیه المصلحة الشرعیة فی العفو، و أنی أبشّرکم بحول اللّه و قوته أن بلد اللّه الحرام فی إقبال و خیر و أمن و راحة، و أننی سأبذل جهدی فیما یؤمّن البلاد المقدسة و یجلب الراحة و الاطمئنان لها، لقد مضی یوم القول و وصلنا إلی یوم البدء فی العمل، فأوصیکم و نفسی بتقوی اللّه و اتّباع مرضاته، و الحثّ علی طاعته، فإنه من تمسّک به کفاه، و من عاداه- و العیاذ باللّه- باء بالخیبة و الخسران.
إن لکم علینا حقوق و لنا علیکم حقوق، فمن حقوقکم علینا النصح لکم فی الباطن و الظاهر و احترام دمائکم و أموالکم و أعراضکم إلا بحق الشریعة، و حقّنا علیکم المناصحة، و المسلم ینصح أخیه المسلم، فمن رأی منکم منکرا فی أمر دینه أو دنیاه فلیناصحه فیه، فإن کان فی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 217
الدین فالمرجع إلی کتاب اللّه و سنّة رسوله صلّی اللّه علیه و سلّم، و إن کان فی أمر دنیاه فالعدل مبذول إنشاء اللّه للجمیع علی السواء.
إن البلاد لا یصلحها غیر الأمن و السکون، لذلک نطلب من الجمیع أن یخلدوا للراحة و الطمأنینة، و إنی أحذّر الجمیع من نزغات الشیاطین و الاسترسال وراء الأهواء التی ینتج عنها فساد الأمن فی هذه الدیار، فإنی لا أراعی فی هذا الباب صغیرا و لا کبیرا، و الحذر کل إنسان أن تکون العبرة فیه لغیره.
هذا ما تعلق بأمر الیوم الحاضر، و أما مستقبل البلد فلا بد لتقریره من مؤتمر یشترک المسلمون جمیعا مع أهل الحجاز لینظر فی مستقبل الحجاز و مصالحها، و إنی أسأل اللّه أن یعیننا جمیعا و یوفّقنا لما فیه الخیر و السداد، و صلّی اللّه علی سیّدنا محمد و علی آله و صحبه و سلّم.
إملاء من عبد العزیز العتیق بعد تسلیم المدینة المنورة و جدة و ینبع ما یلیهن من البلاد
بسم اللّه الرّحمن الرّحیم
قال تعالی: وَ لَنَبْلُوَنَّکُمْ حَتَّی نَعْلَمَ الْمُجاهِدِینَ مِنْکُمْ وَ الصَّابِرِینَ
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 218
وَ نَبْلُوَا أَخْبارَکُمْ [محمد: 31]، قضی الأمر و استلمت المدینة المنورة و جدة و جمیع الموانی الحجازیة، و انتهت هذه الحرب التی شغلت أفکار المسلمین و کثیر من غیرهم مدة ستة عشر شهرا، لا شی‌ء سوی حکمة أرادها اللّه و جنایا اقتضت حکمة إظهارها قدرة اللّه و جلّت حکمته، فإنه لو انتهت هذه الحرب من أول الأمر لم تحصل هذه الرجّة التی حضنت العالم الإسلامی و نبّهت شعوره إلی أصول دینه، و ألفتت أنظارهم نحو الحجاز مهبط الوحی، و منبع النور الإسلامی، و خفیت حقائق المسلمین و المنافقین الذین یقولون بأفواههم ما لیس فی قلوبهم، و الخائنین الذین یتظاهرون بحب الوطن و هم أعداؤه، و لکن أبی اللّه إلّا أن یمیّز الخبیث من الطیب أَمْ حَسِبَ الَّذِینَ فِی قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ یُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغانَهُمْ [محمد: 29]، أبی اللّه إلّا أن یطهّر الحجاز من الأدناس و الأرجاس، و أن یجعله کما أراد أن یکون مثابة للناس و أمنا، و سیکون بحول اللّه و قوته منبع العلم و الحکمة، و موردا تتقی منه الفضائل و الأخلاق، و مرآة تنعکس فیها حقیقة الإسلام فتتجلّی بأجلا مظاهرها إلّا أن هذا الأمر یحتاج إلی تعب عظیم و عناء کثیر و سهر طویل و بذل بسخاء.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 219
فعسی أن یبرز العالم الإسلام غیرة إسلامیة و حمیة دینیة تحقق هذا المطلب الجلیل، فالحجاز بلاد المسلمین عموما یؤمّه الألوف المؤلفة فی کل عام من جمیع الأقطار الإسلامیة فیتأثرون بما فیه من خیر و شر و ینقلونه إلی بلادهم و ینشرونه بین أهلیهم، و ناهیک بسریان الآداب و الأخلاق من جهة المعتقد و الدین و سرعتها، و أنه إن کان للمسلمین عذر فی عدم الاعتناء بالحجاز فیما مضی بسبب الحکومة الاستبدادیة و عرقلتها لمساعی المصلحین، فإنه لم یبق لهم عذر فی هذا الزمن الذی أصبح الحجاز فیه تحت حمایة إمام عادل ینادی علی رؤوس الأشهاد، بأن أمر الحجاز منوّط بإرادة العالم الإسلامی، فعلی کل مفکّر من الآن أن یبیّن رأیه فی ذلک، و یختمر رأیه قبل اجتماع المؤتمر الإسلامی مع انعقاده فی مکة المشرّفة.
أما نحن، أبناء الصحراء و عرب البادیة، الذی یلقّبنا الحسین و أذنابه بالبرابرة المتوحّشین، حیث إن اللّه قد أنقذ بنا هذه البلاد المقدّسة من أیدی الفسقة و المفسدین و الجبابرة المتکبرین و الدجاجلة الکذابین، قد بذلنا فی ذلک دماءنا و أموالنا، و لنا من جملة المسلمین فی إبداء رأینا، فإنا نبسط العالم الإسلامی رأینا لا نتنازل عنه، و نصرّح بأنّا نرید للحجاز حکومة إسلامیة بکل معنی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 220
للکلمة، دستورها و قانونها الأساس الذی تسیر علیه هو القرآن و سیرة رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم، فهما کافلان لسعادة البشر دینا و آخرة فی کل زمان و مکان، لأنه قد وضعها علّام الغیوب المطلع علی خفیات الأسرار، و ما کان و ما یکون لیکون أساسا و قواعدا تبنی علیها أحکام صالحة، لکل وقت و زمان توافق المتمدنین کما تصلح أحوال المتوحّشین فیها بحال واسع للاجتهاد لإیجاد أحکام الکل ما حدث و استجد؛ کما قال تعالی: وَ لَوْ رَدُّوهُ إِلَی الرَّسُولِ وَ إِلی أُولِی الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِینَ یَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ [النساء: 83]، و هما غایة الغایات فی الأخلاق و الفضائل، و أباح اللّه لنا جمیع الطیبات بقوله تعالی: قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِینَةَ اللَّهِ الَّتِی أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَ الطَّیِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِیَ لِلَّذِینَ آمَنُوا فِی الْحَیاةِ الدُّنْیا خالِصَةً یَوْمَ الْقِیامَةِ [الأعراف: 32]، و قد أمرنا بالاستعداد للطواری‌ء بقوله:
وَ أَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَ مِنْ رِباطِ الْخَیْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَ عَدُوَّکُمْ [الأنفال: 60]، و کل ذلک لا یکون إلّا بالعلم.
و قد حثّ صلاة اللّه و سلامه علیه علی طلب العلم حثّا لا مزید علیه حتی جعله فریضة علی کل مسلم و مسلمة، ارتقی لذروته أجدادنا الکرام فی صدر الإسلام، و علی أثره تأسست مدینتهم فی الشام و الأندلس و العراق و معتقدون
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 221
اعتقادا جازما، و مؤمنون إیمانا صادقا، و موقنون یقینا لا یتزلزل بصدق وعد اللّه الذی وعدنا به فی قوله: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِینَ آمَنُوا مِنْکُمْ وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَیَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِی الْأَرْضِ کَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِینَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَ لَیُمَکِّنَنَّ لَهُمْ دِینَهُمُ الَّذِی ارْتَضی لَهُمْ وَ لَیُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً یَعْبُدُونَنِی لا یُشْرِکُونَ بِی شَیْئاً [النور: 55]، إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ یَنْصُرْکُمْ وَ یُثَبِّتْ أَقْدامَکُمْ [محمد: 7]، و هذا ما نسعی إلیه و نجاهد فی جزیرتنا لأجله، و ندعو إخواننا المسلمین للعمل به.
نحن نرید حضارة و مدینة إسلامیة قائمة علی أساس الشرع الإسلامی الشریف، نرید حرّیّة صحیحة فی الرأی و الفکر کحرّیّة الصحابة رضوان اللّه علیهم أجمعین، حینما کان الخلیفة عمر، رجل الإسلام، یقول علی المنبر و هو یخطب المسجد: أیها المسلمون، إن رأیتم فیّ اعوجاجا فقوّموه، فیردّ علیه الأعرابی علی رؤوس الأشهاد قائلا:
لو رأینا اعوجاجا لقوّمناه بسیوفنا، و ترد علیه المرأة فیقول: امرأة أصابت و أخطأ عمر.
أما مدینة الملاحدة و المتفرنجین و حریتهم التی یریدون بها الخلاعة و التهتّک و دستورهم الذی یبیح لهم الفسق و الفجور، فإنا لا نوافق علیها و لا نقبلها مهما کلفنا ذلک من المشقات و الصعوبات، فإن کان هذا هو التوحّش
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 222
و الهمجیة فإنا نعترف بأنا همج متوحّشون و نرید أن نبقی علی توحّشنا و جلافتنا إلی الأبد. ا ه.
و لما وضعت الحرب أوزراها فی الحجاز، طلب أهل مکة المکرّمة من الإمام البیعة بما حاصله من التفاهم و اجتماعهم:
بسم اللّه الرّحمن الرّحیم
الحمد للّه وحده، و الصلاة و السّلام علی من لا نبی بعده، نبایعک یا عظمة السلطان عبد العزیز بن عبد الرحمن آل فیصل آل سعود علی أن تکون ملکنا علی الحجاز علی کتاب اللّه و سنّة رسوله للّه صلّی اللّه علیه و سلّم، و ما علیه الصحابة رضوان اللّه علیهم، و السلف الصالح و الأئمة الأربعة رحمهم اللّه تعالی، و أن یکون الحجاز للحجازیین، و أن أهله هم الذین یقومون بإدارة شؤونه، و أن تکون مکة المکرّمة هی عاصمة الحجاز، و الحجاز جمیعه تحت رعایة اللّه ثم رعایتکم.
و رفعوا مع کتاب البیعة الکتاب الآتی ملخّصه:
إلی الإمام، راجین أن ینزل ذلک رجاة عظمتکم منزلة القبول، و أن تتفضّلوا بتتویجه بالإشارة السلطانیة لیکمل لهم مقصدهم الوحید بحصول رضاکم العظیم، مسترحمین
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 223
الأنعام علیهم بتعیین وقت عقد البیعة عند البیت المعظّم، و اللّه یدیم بالتوفیق أیام دولتکم.
19 جمادی الثانی
و ذکروا أسماءهم آخر کتابهم.
فکتب لهم الإمام جوابا صورته:
بسم اللّه الرّحمن الرّحیم
من عبد العزیز بن عبد الرحمن آل فیصل إلی إخواننا الموقعین بأسمائهم، سلام اللّه علیکم و رحمته و برکاته.
و بعد، فقد أجبنا طلبتکم و نسأله سبحانه و تعالی المعونة و التوفیق للجمیع.
22 جمادی الثانیة

اجتماعهم للبیعة

و بعد أن أدّی الناس صلاة الجمعة یوم 25 جمادی الثانی، هرعوا إلی مکان الحقل عند الصفا من المسجد الحرام، حیث فرشت الطنافس، و أعدّ مجلس خاصة لعظمة السلطان، و أقیم منبر أمام مجلسه لخطیب البیعة، و لما تأذن الساعة السابعة و الثلث حتی أقبل الموکب السلطانی فی المهیب، و أخذ الإمام مکانه، فنادی مناد: إِنَّ اللَّهَ وَ مَلائِکَتَهُ یُصَلُّونَ عَلَی النَّبِیِّ یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَیْهِ
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 224
وَ سَلِّمُوا تَسْلِیماً ثم اعتلا المنبر الشیخ عبد الملک مراد الخطیب و تلا الخطاب الآتی:
أحمد اللّه ربّ هذا البیت العظیم و أشکره علی ما أنعم به علینا و أکرم سبحانه و تعالی منّ علینا بنعم لا تحصی، بدّل خوفنا بالأمن العام، و أمرنا بالتآلف و التعاضد، فأحمده جلّ و علا علی حمد عبد یعرف مقدار نعمته، و أشکره شکر من تدارکه اللّه بإزالة نقمته.
أیها الإخوان إن اللّه سبحانه و تعالی قد أنعم علینا بالأمن بعد الخوف، و الرخاء بعد الشدة، و قد انقشعت عنا غمّة الحروب و العناد [...] ، و أقبلت علینا بفضل اللّه و رحمته أوقات المسرّة و الهناء، و قد توحّدت الکلمة بحول اللّه و قوته، و تعطف علینا عظمة هذا السلطان المحبوب بقبول البیعة المشروعة الواجبة علینا بعد طلبنا لها من عظمته.
و ها أنا أذکر لکم صورة البیعة مع القبول و فیّا، و تلی کتاب البیعة السابق، و لما وصل الخطیب تلاوة نص البیعة باشرت قلاع مکة المکرّمة بإطلاق المدافع علی نالتک البیعة، فأطلقت مائة مدفع.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 225
و لمّا انتهی الخطیب من خطبته حتی هرع الناس أفواجا أفواجا مزدحمین للمبایعة، و لو لا رجال الحرس الخاص و الشرطة یوقفون الزحام و ینظمون سیر المبایعة، لأودی الزحام بغیر قلیل من الناس.
و قد کان ترتیب المبایعین علی الشکل الآتی: الأشراف، فشیخ السادة، فالوجهاء و الأعیان، فالمجلس الأعلی، فالمحکمة الشرعیة، فالأئمة الخطباء، فالمجلس البلدی، فأهل المدینة المنورة، فأهل جدة، فبقیة خدّام الحرم، [...] ، فمشایخ الجاوا، فأهل الحرف، و مشایخ الحارات، فأهل المحلات. و قد دامت حفلة المسجد الحرام ما یقرب من الساعة، یمرون و یبایعون.
و بعد ذلک مشی جلالة الملک المعظّم إلی البیت الحرام، فطاف به سبعا، و صلّی فی المقام. ثم شرف دار الحکومة، فجلس فی سرادقها، و اکتظّت بالناس علی موجبها.
و لما استقر بالحاضرین المقام، نهض الشاب الأدیب حسن
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 226
1343 فیها عمّروا النصاری فی حفر الباطن موضعا قریبا من الزبیر عند قبلة اثنی عشر قصرا، منها واحد مبهم لیس له باب، فیه ثلاثون مربعة، لا یدخل إلّا بالطائرة من فوق مبنی بالحصا و الإسمنت، و سقوفه أضلاع الحدید ابتداء هذه القصور و تم بناؤها سنة 1347 ه، و یریدون أن یجعلوا سکة حدیدیة تخرج من البصرة إلی بلد الزبیر، ثم إلی هذه القصور، ثم إلی القصیم تجعله عن یسارها إلی مکة المکرمة.
1344 فیها أرسل اللّه قاصفا من الریح علی من فی البحر، سفن کثیرة مقدار ألف سفینة و خمسمائة سفینة، معظمها لأهل دارین و القطیف و البحرین و الجبیل و قطر، و غرق خلق کثیر، لا یحصی عددهم إلّا الذی خلقهم. فاللّه یغفر لمن مات منهم مسلما. آمین، و ذلک فی غوص الردّة أیام الصفری.
1345 فی رجب، خرج الإمام عبد العزیز أعزه اللّه من مکة المکرمة إلی المدینة المنورة علی الطریق الموالی للبحر، و خرج من المدینة المنورة علی طریق القصیم و ألفی الریاض، و ذلک فی شهر رجب و فیه توفی الشیخ العالم المتحبر فی العلوم حمد بن فارس، طیب اللّه ثراه، و جعل
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 227
الجنة مثواه، و کان رحمه اللّه تعالی، و أفاض علیه سح؟؟؟
رضوانه، هو الذی إلیه بیت مال المسلمین، یجبی و؟؟؟
إلیه ذلک، و یجبی من جمیع بلدان المسلمین، و یف؟؟؟
علیهم أجمعین، و کان علی حالة مرضیة، و طریقة الزهد مرضیة، و کان عن ذلک المال متکففا، و عن الا منه متعففا، بل یأکل منه بالمعروف و لما توفی رحمه تعالی، وجد علیه من الدین تسعون ألف ریال، فأوف؟؟؟
عنه الإمام، أیده اللّه بالعز و الأقبال، و فی سابع و عشر من شعبان من تلک السنة، توفی الشیخ العالم؟؟؟
عبد العزیز بن صالح الصرامی، قاضی الخرج؟؟؟
و أعمالها، غفر اللّه لنا و له بعونه و کرمه، آمین.

طرح الباس عن جمیع الناس المذکورین‌

فیها 25 شهر شعبان، أخذ عشوان من أصحاب الدو؟؟؟
بعض سروح أهل الکویت، و معه سریة من الدوشان؟؟؟
ستة و خمسین رجلا، و کسروا الدوشان ثم نفروا؟
الکویت مطلبینهم فی سبعة عشر موتر، و قتلوا من؟؟؟
مقدار ستة و خمسین رجلا و کسر الدوشان من؟؟؟
واحد، و قتلوا من فیه مقدار اثنی عشر رجلا، منهم؟؟؟
من آل صباح، ثم بنوا الأخوان یمتارون من الکویت
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 228
و منعوهم أهله و خافوا من الأخوان، و استجاروا بالنصاری، فبئس الجوار بأولئک الأشرار، و کانوا کما قیل مستجیر من الرمضاء بالنار.
و فیها توفی الإمام عبد الرحمن بن فیصل 13 شهر ذی الحجة، غفر اللّه لنا و له من کل ذنب.
و فیها هموا أهل الهجر من الأخوان بالمغزا علی القصور التی [...] قبله الزبیر من جمیع الهجر أهل الداهنة، و أهل دخنة، و أهل الروضة، و أهل ساجر، و أهل نفی، و أهل مبایظ، و أهل عردی، و أهل الأرطاویة، و أهل الغطغط، و أهل المرین من قحطان، إلّا السحمة ربع ابن عمر ما غزوا، و تواعدوا المغزی بغیر إذن الإمام، و توجهوا أهل ساجر، هم و جملة من أهل القصیم آتین من الزبیر یریدون القصیم، و ذبحوا منهم ثلاثین رجلا، منهم ابن شریدة و غار ابن بجاد، و أخذ ابن رمال من بادیة شمر فی موضع قریب من حائل.
ثم بعد ذلک راسلهم الإمام و نبأهم أن یواجهوا و امتنعوا من المواجهة، فلما امتنعوا، أمر الإمام بالجهاد و خرج فی رمضان و هم حینئذ مجتمعین فی موضع یسمی الأرطاویة،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 229
و نزل الإمام قریبا منهم، و أرسل إلیهم الشیخ العنقری و أبا حبیب لیکشف عن حالهم فی أفعالهم الذی صدرت منهم بغیر إذنه، و عدم موافقتهم له. و قصده من ذلک إصلاح، و حقن دماء فرجع الشیخ منهم بغیر ما قصدوا من الإصلاح.
و مشی إلیهم الإمام بجنوده، و أرسل إلیهم أثناء مسیره یرید منهم حقن الدماء و الاجتماع، فلم یزدهم إلّا عتوّا و نفورا.
ثم التقی الجمعان علی السبلة، و حصل بینهم مقاتلة عظیمة، و صارت الهزیمة علی الأخوان. و قتل منهم قریبا من اثنی عشر مائة رجل و أسروا منهم رجالا، منهم:
الدویش، و ابن حمید، و غیرهم، و استنهض عبد اللّه بن جلوی أهل الدیرة للجهاد، و أمر فیهم ابنه فهد، و خرج بهم غازیا یرید العجمان فلما نزل بساحتهم قریبا منهم، إذ خرج إلیه فیران و کروز بن سرحان و ابن رمیحین، و أناخوا علی الأمیر فهد بن جلوی، و قالوا: جئناک فی السمع و الطاعة، و لحقن الدماء.
و قال الأمیر فهد: نرید منکم الخیل و الجیش و السلاح، و أمر بحبس فیران و أصحابه الذی معه، و قالوا دعنا نجی‌ء بما طلبتم منا. فقال: لا أدعکم، بل یجی‌ء ما طلبنا و أنتم
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 230
فی حبسکم أذلاء فقالوا: إن لم تطلقنا نرد جنود العجمان عنکم أتتکم فقال: اکتبوا لهم کتابا، فکتبوا لأصحابهم من العجمان کتابا، مضمونه: إنا أسرنا، و طلب منا الخیل و الجیش و السلاح، فإن أردتمونا و أردتم حقن الدماء، فاجمعوا لهم من الخیل و الجیش و السلاح ما طلبوا، و إلّا فقد حیل بیننا و بینکم.
و أرسل الأمیر فهد بکتابهم ابن منیخر من العجمات رسولا، فوافاهم ابن منیخر و قد مشت جموعهم مقبلین، و رجع مسرعا و قال: خذوا حذرکم من القوم، فقد وصلوا فأمر الأمیر فهد بالخیل أن تجعل فی حدیدها، و یلقوهم رجلا، و الوقعة صارت لیلا. و أوصاهم إذا سمعوا صوت الرامی، فاقتلوا الأسری، یعنی فیران و کروز بن سرحان و ابن رمیحین. فلما سمعوا صوت الرامی من العجمان، و قد جعلوا جنودهم قسمین متجردین من ثیابهم لیتمیّزوا، فقسم جرت علیهم الهزیمة، و قسم أبقوهم من خلفهم، و ذلک مکیدة منهم فلما انفصل قوم الأمیر فهد من المخیم انقضوا علیهم، فصار القوم فی وسط العجمان [...] ، و صارت الهزیمة بعدئذ علی قوم ابن جلوی. قتل منهم
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 231
خلق کثیر غفر اللّه لنا و لهم، منهم الأمیر فهد بن جلوی، غفر اللّه له.
1348 مستهل رمضان، فیها غزا الإمام عبد العزیز بن عبد الرحمن آل فیصل و توجه شمالا إلی جهة الکویت، و نزل الرقعی، و أقام فیه مدة ینتهز فیها الفرصة علی أعدائه الناکثین عن طاعته ثم عزم علی الرحیل من الرقعی متوجها إلی خباری القرعة، فتصادف فیها هو و ابن الأصقیة العجمان و من معه من بادیة العجمان و ابن لامی سفاح و معه بادیة الجبلان و الصهبة و الملاعبة و الرشایدة الجمیع معهم مقدار أربعمائة من الإبل، و أخذها جمیعها منهم، و تغنموها المسلمون.
و أما باقی العجمان و مطیر بعد ما سمعوا بخبر الإمام زبنوا الجهرا. فلمّا استقروا فیها نازلین، حاطت سیارات الإنکلیز و مدرعاتهم و طائراتهم، و أسروا فیصل الدویش و أبا الکلاب و سفاح بن لامی، و أرسلوهم إلی البصرة.
و أما الإمام بعد ما أخذ منهم من الأموال ما أخذ، سار حتی خباری و ضحاء، و تواجه مع مأمورین الإنکلیز، و حصل بینهم کلام من جهة مطیر و العجمان، خلاصته علی تسلیمهم جمیعهم للإمام، لأنهم رعیته، و سلموا للإمام
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 232
حالا فیصل الدویش و أبا الکلاب و ابن لامی مأسورین، و باقی مطیر و العجمان یرحلونهم إلی الکاقیش. و أعطاهم الإمام- أعزه اللّه بطاعته- الأمان علی دمائهم و باقی الأمور [...] یری فیهم رأیه المبارک إن شاء اللّه و ألقی ابن صباح و عائلته جمیع علی الإمام و علومهم طیبة مع الإمام.
و أما فیصل الدویش و أبا الکلاب و ابن لامی، فقدمهم الإمام إلی الریاض قبله، و سجنوا هناک لیستکملوا شقاهم فی حیاتهم الدنیا فَمَنْ نَکَثَ فَإِنَّما یَنْکُثُ عَلی نَفْسِهِ وَ مَنْ أَوْفی بِما عاهَدَ عَلَیْهُ اللَّهَ فَسَیُؤْتِیهِ أَجْراً عَظِیماً [الفتح: 10].
1349 فیها توفی عبد الرحمن بن قاسم، و فیها توفی العالم العامل الجلیل الفاضل الذی لم یزل الحق یناضل الشیخ سلیمان بن سحمان، أسکنه الرحمن الجنان، و غفر له ما صدر منه من عصیان. و نسأل الکریم المنان یجعل قبره روضة من ریاض الجنة، و لا یجعله حفرة من حفر النیران.
کان رحمه اللّه عالما عاملا زاهدا ورعا حلیما، لا ینتصر لنفسه، محببا إلی الناس، و لیس للدنیا عنده قدر، و لا
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 233
یرکن إلیها، و لا یتعاطی لها، بل قطع دهره فی؟؟؟
العلم و طلبه و بذله، و کان رحمه اللّه قامعا للمبتدعین الدین و الملحدین، و المتزندقین، و دعاة الأولیاء؟؟؟
و الصالحین، و المعطلین، و القبوریین، ورد علیهم ف؟؟؟
ظهر له منهم ردودا کثیرة شافیة کافیة وافیة. و له؟؟؟
الطولی فی علم العقائد، لا یکاد یوجد له فیها فی؟؟؟
منادد.
و له فی الرد علی أهل البدع و الغلات و الملاحدة تألیفات عدیدة، منها: الرد علی علوی بن أحمد بن الحسن الحد؟؟؟
سماه: کتاب «الأسنة الحداد فی رد شبهات علو؟؟؟
الحداد»، و ردّ رحمه اللّه تعالی علی أحمد باشا العظمی؟؟؟
أهل الشام، سماه: «کشف غیاهب الظلام و جلا الأفها؟؟؟ م عن الأوهام و براءة الشیخ محمد بن عبد الوهاب مفتریاه؟؟؟
هذا الملحد الکذاب».
و له استدراکات و انتقادات علی کتاب «الکواکب الدریة» و «القول السدید»، کلاهما تألیف الشیخ محمد بن عبد العزیز بن مانع، و قد أذن لسلیمان بن سحمان إن وج؟؟؟
فیهما شیئا ینتقد، فلینبه علیه.
و نبّه رحمه اللّه تعالی تنبیهات جلیلة لطالب الحق بالصواب
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 234
کفیلة سماه: «کتاب تنبیه ذوی الألباب السلیمة عن الوقوع فی الألفاظ المبتدعة الوخیمة».
و ردّ رحمه اللّه تعالی علی من زوّر علی الأمیر محمد بن إسماعیل الصنعانی أنه رجع عن مدیح الشیخ محمد بن عبد الوهاب فی القصیدة التی مطلعها:
سلامی علی نجد و من حل فی نجدو إن کان تسلیمی علی البعد لا یجدی
و قال فی رجوعه:
رجعت عن النظم الذی قلت فی نجدی‌فقد صح لی عنه خلاف الذی عندی
ظننت به خیرا و قلت عسی‌نجد ناصحا یهدی للأنام و یستهدی
فقد خاب فیه الظن لا [...] و ما کل ظن للحقائق لی یهدی
إلی آخر ما قال.
و هو ردّ شاف کان سماه تبرئة الشیخین الإمامین من تزویر أهل الکذب و المین. ورد علی زنادقة البحرین ردا سماه:
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 235
«إقامة الحجة و الدلیل إیضاح الحجة و السبیل علی ما موه به أهل الکذب، و المین من زنادقة أهل البحرین». و له رسالة سماها «إرشاد الطالب إلی أهم المطالب» و رسالة سماها: «منهج أهل الحق و الأتباع فی مخالفة أهل الجهل و الابتداع»، و کلاهما تقتضی الرد علی بعض المدنیین العوام ورد علی دحلان و تلمیذه بابصیل و سماه: «البیان المبتدی فی القول المجدی»، و له دیوان شعر جعله جزأین: الجزء الأول فی الردود، و ما یتعلق بها، مما هو فی معناها ... و الجزء الثانی فیما عدا ذلک، سمّاه: «عقود الجواهر المنضدة الحسان مما أنشأه الفقیر ربه المنان سلیمان بن سحمان».
و لم یستوعب الدیوان المذکور شعره کله، و له أشعار کثیرة لم تتیسر وقت طبع الدیوان و له فی هذا الدیوان ردود کثرة لا تکاد تحصی، من أرادها فلیراجعها و له رحمة اللّه تعالی رسائل و مکاتبات و مجادبات نثرا و نظما لا تستعصی کثیرة، و هو فی حیاته رحمه اللّه تعالی سیف مسلول علی أعداء الرسول، علیهم یصول و یجول، و جاهد فی اللّه حق جهاده، و کان فی هذا الفن من أفراد عباده، لیس له فی وقته نظیر، فجزاه اللّه عن الإسلام و المسلمین الجنات،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 236
و رفع له فیها الدرجات، و زاد له فی الحسنات، و محا عنه ما عمل من السیئات، و وقاه عذاب القبر و فتنة الممات، إنه قریب مجیب الدعوات، و صلّی اللّه علی سیدنا محمد و آله و صحبه و سلم.
و فیها توفی الشیخ سعد بن أحمد بن عتیق خاتمة العلماء العاملین، المتمسک بشرائع الدین، عمدة الطالبین الراغبین کان رحمه اللّه تعالی آیة فی العلم، له المعرفة التامة فی الحدیث و رجاله، و صحیحه و حسنه و ضعیفه، و الفقه و التفسیر و النحو. کان آمرا بالمعروف، ناهیا عن المنکر، لا تأخذه لومة لائم، فلا یتعاظم رئیسا فی الأمر بالمعروف و النهی عن المنکر، و لا یتصاغر ضعیفا أتی إلیه یطلبه فائدة، و له مجالس کثیرة فی التدریس یضرب له المثل فی زمنه بالمعروف، ولاة الإمام عبد العزیز بن عبد الرحمن القضاء فی بلد الریاض إلی أن توفی رحمه اللّه تعالی، و غفر لنا و له و المسلمین، آمین.
و فی تلک السنة من 5 ذی الحجة نزل برد و مطر جید أخذ مدة ساعة و نصف بعد العصر، و لم یقف و خرب فی القبوریة و ما حولها مقدار خمسة و عشرین قصرا، و ثلاثین
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 237
(منحات) و بعض الآبار، و حصل منه فجائع کثیرة علی بعض المسلمین، و هلک فی الصوط قریبا من ستین ما بین بقرة و حمار بواسطة البرد و السیل، و مشی باطن الحوطة ما بین العشر الأواخر من رمضان إلی انسلاخ شهر ذی الحجة ستة عشر مرة، و الحسیان من الآبار التی تلی الباطن ارتفع ماؤها عن المعتاد بزیادة الثلث البئر التی عادة عمقها اثنی عشر باعا صارت ثمانیة أبواع. و الحمد للّه علی ذلک، و هو الذی ینزل الغیث من بعد ما قنطوا، و ینشر رحمته و هو الولی الحمید.
1352 فیها توفی الشاعر البلیغ عبد اللّه ابن سبیل الملقب عبیلة و هو من أهل نفی فکان شعره جید، أو یمیل إلی الغزل و النسیب.
1353 فیها جری علی الملک عبد العزیز بن عبد الرحمن آل فیصل فی الحج و هو یطوف بالبیت الحرام، الساعة الواحدة نهارا اثنین من الزیود، قد بغوا قتله، و حوله ابنه سعود، فبطل اللّه کیدهم، و ذبحوا صبرا. إنه هو السمیع العلیم و هم من أهل الیمن.
1354 فیها توفی الأمیر عبد اللّه الجلوی فی شعبان، و نصب ابنه سعود بعد أبیه، غفر اللّه له.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 238
گ 1356 ابتدأوا فی عمار المربع قصر جلالة الملک أیده اللّه و داموا یعمرون فیه إلی الآن.
1359 و فیها توفی الشیخ عبد اللّه ابن بشر یوم الاثنین 18 شوال غفر اللّه لنا، و له و لجمیع المسلمین، آمین. ا ه.
22/ 6/ 1361 ه
***
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 239

مطالع السعود بأخبار الوالی داود

اشارة

تألیف
الشیخ عثمان بن محمد بن أحمد بن سند البصری
(0000- 1250 ه)
اختصار
أمین الحلوانی
رحمهما اللّه
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 241

ترجمة المؤرخ الشیخ عثمان بن محمد بن أحمد بن سند (0000- 1250 ه)

اشارة

الشیخ عثمان بن محمد بن أحمد بن راشد بن سند بن راشد بن حمد بن ناصر بن راشد بن سلیمان بن علی بن عبد اللّه بن مدلج بن حمد بن رباع آل أبو رباع، الذین هم من آل حسنی ثم من آل بشر ثم من قبیلة عنزة القبیلة الوائلیة الربعیة العدنانیة.
فأسرة آل سند من بطن آل أبو رباع من قبیلة عنزة، و آل أبو رباع کانوا یقیمون مع أبناء عمهم آل مدلج فی بلدة (التویم)- بضم التاء المشددة بعدها واو مفتوحة-، إحدی بلدان سدیر.
ثم إنه فی أول القرن السابع توجه علی بن سلیمان بن حمد و ابن عمه راشد بن سلیمان إلی (حمد بن عبد اللّه بن معمر)، رئیس مدینة العیینة، فاشتریا منه مکان بلدة حریملا، و کانت أطلالا بعد سکانها آل أبو ریشة أسرة من الموالی ضعف أمرهم، و ذهبوا و استولی علیها (ابن معمر) بعد رحیلهم.
فاشتری علی و راشد حریملا، و انتقلت إلیها أسرتهما و عمروها و سکنوها، و صارت هی قاعدة بلدان الشعیب، و تفرق کثیر من أسر آل أبو رباع فی بلدان نجد و غیرها، و انتقل منهم أسر إلی الزبیر.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 242
و کان ممن انتقل أسرة المترجم (آل سند)، انتقلوا إلی الکویت، و ذلک فی أول القرن الجادی عشر الهجری، فولد المترجم فی جزیرة (فیلکة) التابعة لدولة الکویت، و نشأ فی هذه الجزیر التی یمتهن فیها أسرته صید الأسماک، و أخذ فیها مبادی‌ء القراءة و الکتابة.
ثم إنه رغب فی العلم، فنزح إلی مدینة البصرة القریبة من جزیرته، و کان غالب سکان الخلیج یتبعون مذهب الإمام مالک، فصار هو مذهب المترجم.
و الجامع الذی استفاد منه هو جامع الکواز: (فحلة المشرق)، إحدی محالیل البصرة، و بعد أن أکمل دراسته فی الکواز، انتقل إلی المدرسة المحمودیة، و درس فیها العلوم الطبیعیة کالجغرافیا و التاریخ و العلوم العصریة، ثم انتقل إلی المدرسة الخلیلیة، و استوفی فی هاتین المدرستین ما فیهما من العلوم.
کما قرأ فی البصرة علی العلّامة الشیخ محمد بن فیروز، و علی الشیخ إبراهیم بن ناصر بن جدید و الشیخ عبد اللّه بن شارخ، و العالم الکبیر الشیخ عبد اللّه البیتوشی، و علی غیرهم من علماء البصرة و الزبیر.
ثم رحل إلی بغداد فأخذ عن علمائه، کالصدر السید محمد أسعد الحیدری، مفتی الحنفیة و الشافعیة ببغداد، و الشیخ محمد أمین، مفتی الحلة؛ و السید أحمد الحیانی، قاضی بغداد. و قرأ علی علامة العراق و الشام الشیخ علی بن الملا محمد بن سعید السویدی، و علی الشیخ السید زین العابدین المدنی حین وروده إلی بغداد، و علی الشیخ خالد النقشبندی.
ثم إنه حجّ و جاور بمکة المکرمة و المدینة المنورة مدة قرأ فیها علی علماء الحرمین و علی من یرد إلیهما من العلماء.
و المترجم من النوابغ فی سرعة الحفظ وجودة الفهم و بطء النسیان
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 243
و الرغبة العظیمة فی العلم و الجد العظیم فی تحصیله، و هذه العوامل الهامّة صیّرت منه- مع توفیق اللّه تعالی- آیة کبری فی المحصول العلمی، و بکونه موسوعة کبری فی العلوم الشرعیة و العلوم العربیة و العلوم التاریخیة و غیرها.
و قد درّس فی البصرة و الزبیر، و أخذ عنه تلامیذ کثیرون، منهم:
1- الشیخ عبد اللطیف بن سلوم.
2- الشیخ عبد الرزاق بن سلوم.
3- الشیخ عبد الوهاب بن محمد بن حمیدان بن ترکی.
4- الشیخ عثمان بن محمد المزید.
5- الشیخ محمد بن تریک.
و قد عیّن مدیرا و مدرسا لمدرسة فی البصرة بناها المحسن الثری محمود بن عبد الرحمن الردینی النجار البصری، و کانت هذه المدرسة فی البصرة تسمی (المدرسة الرحمانیة)، شقیقة الأزهر من حیث الأهمیة، فکل متخرجی هذه المدرسة فی عصره من تلامیذه.
کما تولی فی البصرة الإفتاء و التدریس فی المدرسة (الخلیلیة).
ثم إن الوالی داود باشا طلب منه المجی‌ء إلی بغداد، فسافر إلیه، فلمّا وصل إلیه أجلّه و عظّمه و جعله سمیره و ندیمه، فکان یقضی أکثر أوقات فراغه معه لما یجد فی مجالسته من العلوم المنوعة و الآداب الجمة.
کما عظّمه علماء بغداد، و تتلمذوا علیه، و استفادوا منه، و اعتبروا وجوده بینهم غنیمة کبری، فهو شیخ العصر من حیث و فرة العلوم و تنوع المعارف.
ثم إن الوجیه الکبیر أحمد بن رزق طلب منه زیارة بلده الزبارة،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 244
فاستأذن من الوالی داود، فأذن له فی ذلک، فذهب فجعله الصدر المقدم فی بلده، و احتفی به احتفاء بالغا، و اعتبر قدومه إلیه زینة لبلاده، و غنیمة فی بساطه، و رغب منه دوام البقاء عنده، و لکن الزیارة تضیق عن معلوماته و تصغر فی وجه نشاطه العلمی، فعاد إلی عاصمة الرشید بغداد.

مؤلفاته:

هی کثیرة جدا، و مفیدة لأنها لیست مجرد نقل، و إنما کتبها من علوم هضمها، و معارف شربها، فجاءت مؤلفاته بأفکار حرة من معارفه الخاصة، و بمعانیه المبتکرة، و صاغها بأسلوبه الأدبی و جمله البلیغة، و من هذه المصنفات:
1- الشذرات الفاخرة فی نظم الورقات الناضرة، نظم فی أصول الفقه .
2- منظومة فی فقه المالکیة سماها: الدرة الثمینة، فی مذهب عالم المدینة.
3- تحفة التحقیق لمعرفة الصدیق، فی ألغار الفرائض، توجد مخطوطة.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 245
4- الفائض فی علم الفرائض، توجد فی مکتبة المحامی عباس عزاوی و مکتبة العزاوی انتقلت إلی مکتبة جامعة الملک سعود فی الریاض.
5- النخبة فی أصول الحدیث.
6- نظم النخبة فی أصول الحدیث للحافظ ابن حجر.
7- شرح ذلک النظم.
8- منظومة فی العقائد سماها: (هادی السعید فی جوهرة التوحید)، ضمنها جوهرة البرهانی اللقانی، و زاد علیها.
9- الصارم القرضاب فی نحر من سب أکارم الأصحاب، و هی مجموعة شعریة تضمنت أکثر من ألفی بیت، و جمیعها فی الرد علی الشاعر الشیعی دعبل الخزاعی، و هی عندی أنا محرر هذه التراجم بخط الشیخ محمد بن عبد اللّه بن حمید صاحب السحب الوابلة فی طبقات الحنابلة، و یوجد منها نسخة فی مکتبة (رامبور) فی المکتبة العباسیة .
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 246
10- أصفی الموارد من سلسال أحوال بنی خالد، قال الشیخ صالح بن عثیمین فی کتابه (السابلة): هو کتاب نفیس یحتوی علی فوائد تاریخیة و فرائد أدبیة، و من اطلع علیه علم ما للمترجم من الید الطولی فی فنون الأدب.
11- کتاب نظم فی تاریخ و مدح الإمام أحمد بن حنبل.
12- مطالع السعود بطیب أخبار الوالی داود، و هو کتاب ضخم جمع فیه وقائع القرنین الثانی عشر و أول الثالث عشر، و هو عندی، و هو من مراجع هذه التراجم التی نجمعها.
و قد اختصر مطالع السعود الشیخ أمین الحلوانی المدنی فی ثلاث کراسات، و طبعه محب الدین الخطیب بمطبعة الفتح، و علق علیه. و الحلوانی زاد فیه، و من تلک الزیادة أنه زار الإمام فیصل بن ترکی آل سعود فی الریاض، و وصف بلاط الإمام فیصل، و هذه الزیادة وقعت بعد وفاة مؤلف الأصل.
13- الغرر فی وجوه و أعیان القرن الثالث عشر، و لکنه لم یتم.
14- سبائک العسجد فی أخبار أحمد بن رزق الأرشد .
15- تاریخ بغداد.
أما مؤلفاته فی اللغة العربیة نحوها و صرفها و بلاغتها و عروضها فهی:
16- نظم مغنی اللبیب لابن هشام فی خمسة آلاف بیت، و هو من أهم کتب قواعد النحو.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 247
17- نظم الأزهریة للشیخ خالد الأزهری.
18- نظم قواعد الإعراب لابن هشام.
19- منظومة فی مسوغات الابتداء بالنکرة، توجد فی مکتبة الشیخ محمد العوجان إن کانت لا تزال محفوظة.
20- منظومة فی العدد.
21- کشف الزبد عن سلسال المدد فی تذکیره و تأنیثه.
22- هدیة الحیران فی نظم عوامل جرجان، أی عوامل القاضی الجرجانی.
23- رسالة فی کسر همزة إن و فتحها نظم فی (42) بیتا، توجد فی المکتبة العباسیة فی البصرة.
24- الغشیان عن مقلة الإنسان فی النحو و الصرف، و تحتوی علی (247) صفحة توجد فی المکتبة العباسیة فی البصرة.
25- تعلیقات علی شرح الکافیة للرضی، توجد فی المکتبة العباسیة فی البصرة.
26- منظومة فی البلاغة، توجد فی المکتبة العباسیة لآل باشا أعیان.
27- الجوهر الفرید فی العروض.
28- منظومة فی علم القوافی باسم (السلسبیل الصافی) منها نسخة فی خزانة کتب الآلوسی.
29- منظومة فی قافیة موحدة اسمها: (الجید فی العروض).
30- منظومة أخری فی الموضوع نفسه.
هناک رسائل و قصائد و مناظیم کثیرة للمؤلف، و لکنها موزعة بین المکتبات الخاصة و العامة.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 248
و لیت بعض الشباب الجاد حاول جمع تراثه، و قدّم فیه شهادة، فإنها ستنال إعجاب العلماء و المفکرین.
ما قاله العلماء عن المترجم:
- قال الشیخ عثمان المزید من سکان مدینة عنیزة: و أنشدنا لنفسه شیخنا العلّامة الفاضل الشیخ عثمان بن سند المالکی البصری و مدرسها:
حذار حذار من إغضاب شیخ‌فإن الشیخ معروف الحقوق
فإن اللّه یغفر کل ذنب‌سوی ما للمشایخ من عقوق
فلا تطلب بلا شیخ علومافذا حمق یؤدی للفسوق
ف (طه) شیخه جبریل یروی‌عن اللّه تعالی ذا وثوق
- و قال الشیخ بهجة الأثری: ابن سند العربی القح الفحل المسلم، مثله من ینهد لمناهضة دعبل الخزاعی، و یکیل له الصاع صاعین فی الدفاع عن حیاض سادات المسلمین.
- و قال بعض مؤرخی الزبیر: الشیخ عثمان بن سند من أکابر العلماء الأجلاء الذین تفخر بهم البصرة و الزبیر، ساجل علماءها و ألّف الکثیر فی علوم العربیة و المنطق و سائر العلوم، و هو إلی ذلک شاعر فحل.
- و قد ترجم له مراد أفندی فقال: الشیخ عثمان بن سند النجدی ثم البصری الوائلی نسبا، هو الإمام العلّامة الرحلة الفهامة، حسّان زمانه، و بدیع أوانه، خاتمة البلغاء، و نادرة النبغاء، صاحب المؤلفات البدیعة منها (أصفی الموارد) کتاب نفیس یحتوی علی فوائد تاریخیة و فرائد أدبیة، من اطلع علیه علم ما للمترجم من الید الطولی فی فنون الأدب نظما و نثرا.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 249
- و قال الشیخ خالد النقشبندی: إن الشیخ عثمان بن سند حریری الزمان، و قد أثنی علیه جمع من الأئمة.
- و قال الشیخ الفاضل أحمد الشهوانی الیمنی فی کتابه (حدیقة الأفراح): القول فیه (عثمان بن سند) إنه طرفة الراغب، و بغیة المستفید الطالب، جامع سور البیان، و مفسر آیاتها بألطف تبیان، أفضل من أعرب عن فنون لسان العرب، و هو إذا نظم أعجب، و إذا نثر أطرب، إنه لإمام هذا العصر.
و قد صنّف مطالع السعود فی أخبار الوالی داود، جمع فیه إلی أخبار العراق و أحداثه و أخبار نجد بادیتها و حاضرتها، و لما اطلع علیه الوالی داود أکرمه و أجله و أدناه، و صار هو جلیسه و ندیمه، و علم من هذا السفر الجلیل قیمة الشیخ عثمان بن سند العلمیة و الأدبیة و التاریخیة.
- و قال أحد مؤرخی الکویت: إن نزوع ابن سند فی فن السیرة نزوع المؤرخ الضلیع، و لسنا نجافی الواقع لو أطلقنا علیه اسم (مؤرخ الخلیج العربی) لعدید ما وضع من المؤلفات فی الجغرافیا، و سیرة أبناء هذا الساحل العربی الأصیل.
- و قال الشیخ إسماعیل المدنی: إن هذا الفاضل ممن شاع ذکره، و ملأ الأسماع مدحه و شکره، فهو من العلماء العارفین، و من أفاضل المحدثین، له الید الطولی فی العلوم العربیة، و الفنون الأدبیة، نظم غالب المتون من سائر الفنون، و قد اشتهر فی هذه الدیار، و ظهرت ظهور الشمس فی رابعة النهار، و کان حنبلی المذهب، فتحوّل إلی مذهب الإمام مالک.
- و قال الشیخ یوسف بن راشد المبارک: الشیخ عثمان بن سند هو العلّامة، و العمدة الفهّامة، له تاریخ مطالع السعود، فیه غرائب و فوائد قد
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 250
أفنی علی الدهر، و لو لا هذا الإمام لکانت هذه الوقائع فی عالم النسیان.
- و قال جامع هذه التراجم عبد اللّه بن عبد الرحمن البسام عفا اللّه عنه: إن الشیخ عثمان بن سند من کبار العلماء، و نوابغ البلغاء و فحول الشعراء و أنه موسوعة علمیة فی کل باب من أبواب العلم، و فی کل فن من فنون الآدب، فهو عالم عصره، و علامة مصره.
و نحن نثنی علیه، و ندعو له حینما تصدی للشاعر الهجّاء الخبیث دعبل الخزاعی الذی تهجّم- قبّحه اللّه- علی سادات الصحابة أبی بکر و عمر و طلحة و الزبیر و عائشة و أندادهم، فهجاهم و شتمهم و ازدراهم، فتصدی له الشیخ عثمان بن سند بالرد علیه بمجموعة شعره (الصارم القرضاب فی نحر من سب أکارم الأصحاب) فکان فی هذا الرد البلیغ ما یشفی العلیل و یروی الغلیل. خزانة التواریخ النجدیة ؛ ج‌6 ؛ ص250
نحن نعتب علی الشیخ عثمان و نلومه، و هو النجدی الأصل، و نجد هی منبت السلفیة أن ینحاز مع المنحرفین عن هذه الدعوة السلفیة، و یکون مع أصحاب الطرق الصوفیة، ثم لا یکفیه هذا حتی تناول بالسب و النقد شیخ الإسلام ابن تیمیة صاحب المدرسة السلفیة مما جعل الشیخ عثمان بن منصور الناصری یرد علیه، و هو معاصر له و مجاور فی العراق مدة الطلب.
و کتاب الشیخ عثمان بن منصور اسمه: (الرد الدافع علی الزاعم أن شیخ الإسلام ابن تیمیة زائغ)، تألیف الشیخ عثمان بن عبد العزیز بن منصور النجدی عفا اللّه عنه.
- و قال الشیخ عثمان بن منصور فی مقدمة رده: قال عثمان بن منصور الناصری العمری التمیمی الحنبلی ستر اللّه عیوبه، و غفر له ذنوبه،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 251
ردا علی عثمان بن سند الفیلکی ثم البصری سامحه اللّه، لما سب شیخ الإسلام و قدوة الأعلام أحمد بن تیمیة قدّس اللّه روحه، و نوّر ضریحه، و نسبه مع ذلک إلی التجسیم و التضلیل فی محاورة صدرت بینی و بینه، فأتی به فیها معترضا بسبه، و أنا أسمع بحضرة تلمیذ له یقال له (محمد بن تریک) فأبدی بالکلام فی ذلک السب، و أقذع و سب مع ذلک نجدا و أهلها، فحینئذ لم أتمالک عند سبه شیخ الإسلام إلّا أن قلت منتصرا له ...
هذا بعض ما جاء فی المقدمة، و لم أعثر فیما عندی من الأوراق إلّا علی المقدمة، و لعل اللّه ییسّر الباقی، فجزی اللّه الشیخ عثمان بن منصور خیرا علی غیرته ورده .

وفاته:

أجمع المؤرخون علی أن وفاة المترجم فی بغداد، و اختلفوا فی سنتها، و الراجح أن وفاته عام 1250 ه، و قد دفن مجاورا للعابد الشهیر معروف الکرخی. رحمهما اللّه تعالی.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 252
() صورة صفحة العنوان من مخطوط «مطالع المخطوط بأخبار الوالی داود»، للشیخ عثمان بن سند البصری، باختصار أمین الحلوانی.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 253
() صورة آخر ورقة من مخطوط «مختصر الحلوانی لکتاب مطالع السعود» للشیخ عثمان بن سند البصری.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 254

[تاریخ الشیخ عفان بن سند البصری]

اشارة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ*
یقول الفقیر إلی اللّه تعالی الملتجی إلی حرم نبیّه صلّی اللّه علیه و سلّم أمین بن حسن حلوانی المدنی عفا اللّه عنه:
هذا مختصر تاریخ الشیخ عفان بن سند البصری ألّفه فی أخبار داود باشا والی بغداد سابقا، و لقد أطنب و أجاد فیما أیدعه من المدیح و من المنشآت التی هی الزمن السلافة، فاختصرته مع حذف المکرر و القصائد و المدیح الزائد، و اقتصرت منه علی مادة التاریخ فقط، لأنه هو المقصود بالذات فی زماننا و أما علم الأدب فله کتب مختصة به یؤخذ منها و لیس لی فی هذا التاریخ إلّا مجرّد الاختصار مع بقاء المعنی علی حاله إنما الشیخ رحمه اللّه تعالی لم یکتب إلّا إلی سنة [...] مع أنه توفی رحمه اللّه سنة [...] و الوزیر داود باشا ظل فی ولایة بغداد إلی سنة [...] و لم نعلم السبب الذی منع الشیخ من تتمیم التاریخ فی هذه الأربع سنین الأخیرة مع أنّ أطیب زمان داود باشا هذه الأربع سنین لأنه فیها انتهت له الریاسة و تمت له القوة و الدولة، و أطاعه جمیع العراق الحضر و البدو،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 255
و فیها عصی علی السلطان و استبدّ و طلب الاستقلال، أی بأن یکون ملکا مستقلا علی العراق و ضرب السکة باسمه و عمل سائر أسباب الاستقلال.
فهذه الأربع سنین الأخیرة هی أحقّ بتاریخها لکثرة الوقائع المتشعبة فیها لکن داود باشا لم تساعده المقادیر کما ساعدت محمد علی باشا والی مصر بل داود باشا جهّز السلطان محمود علیه عسکرا و رئیسه علی باشا فانهزمت عساکر داود باشا أو خانته فأسره علی باشا و أرسله إلی إسلامبول و ظل فیها مرکونا إلی سنة، ثم أرسلته الدولة العلیة والیا علی المدینة المنورة و بقی فیها إلی سنة، ثم انتقل إلی رحمة اللّه تعالی، و دفن بالبقیع الشریف بقرب مدفن سیدنا عثمان بن عفان و جعل علی قبره شباکا من الحدید بدل القبة و لعل هذا بوصیة منه [1].
***
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 256

[التشریح]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ*
قال الإمام العالم النحریر الشیخ عثمان بن سند البصری تغمده اللّه فی بحبوحة جنانه، و بعد:
فقد کنت أوعدت حضرة الوزیر داود باشا فی سنة أربع و ثلاثین و مائتین و ألف بتألیف تاریخ یتضمن ذکر أوصافه، فتطاولت أیام الوعد و ظنّ أنی نسیت لطول العهد، و ما ذلک إلّا لکثرة همومی بتسلیط نوائب الدهر علیّ و لکم حثّنی الأدیب عبد القادر بن عبید اللّه الحبدری قاضی البصرة علی تنجیز ما أوعدت به، و کذلک ألحّ علیّ محمد أسعد أفندی بن النائب ثم بعد مضی سنوات أرسل إلیّ الوزیر المذکور و طلبنی للحضور بین یدیه و أکرمنی و ألحّ علیّ فی تتمیم هذا التاریخ و ذلک فی سنة 1241 ه إحدی و أربعین و مائتین و ألف، فابتدأت بالتاریخ مترجما له قبل وزارته إلی آخر المدة مبتدءا من سلیمان باشا إلی ابنه سعید باشا المقتول.
ولد الوزیر المترجم داود باشا فی بلدته سنة 1138 ه ثمان
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 257
و ثلاثین و مائة و ألف بالتخمین، و بدلیل قوله بنفسه أنه قدم بغداد و عمره إذ ذاک إحدی عشر سنة، و الوزیر سلیمان باشا محاصر الحسکة من أرض الخزاعل ثالث مرة، و تلک المحاصرة معلومة عندنا أنها فی سنة 1199 ه تسع و تسعین و مائة و ألف و لما قدم بغداد أسلم و حسن إسلامه و قرأ القرآن و جوّده و لا زال یترقی فی جمیع العلوم إلی أنّ انتهت له الغایة القصوی و المعارف و جمع له بین الریاسة و الانفراد فی العلوم علی جمیع ممالک العراق.
فمن الوقائع التی وقعت سنة ولادته محاصرة الزندی الرافضی البصرة و حاصرها بالجیوش و الأعراب، و صبروا أهلها علی الشدائد و حاموا عن وطنهم و دینهم و کان مستلمها إذ ذاک سلیمان بیک الذی آلت إلیه فیما بعد وزارة بغداد فصابر و حامی عن البصرة بهمته، و کان الوزیر فی بغداد إذ ذاک عمر باشا فبلغه الخبر و لم یمد أهل البصرة فی تلک الشدائد حتی أکلوا الکلاب و الهرر، و قد حضر ثامر بن سعدون و ترینی بن عبد اللّه شیخ المنتفق، أول المحاصرة لکنه لما اشتدّ الحصار فرأوا سلیمان بیک لا زال یکابد فی المحاصرة الأهوال، و هو ینتظر المدد من الدولة العلیة، و مع ذلک عمر باشا یکرر الرسل إلی إسلامبول و یطلب المدد من الدولة و هم لا یساعدونه إلّا بالمواعید ثم إنه بعد مدّة طویلة أرسلت الدولة العلیة عرضیّا جرار لمعاونة عمر باشا [2] فی العرضی ثلاثة وزراء عبد اللّه باشا و مصطفی باشا و عبدی باشا، فلما خیّموا حول بغداد أشاعوا أن السلطان صالح هو و ملک العجم کریم خان، و أنه سیخرج الروافض من البصرة، ثم إنهم أظهروا عزل عمر باشا فصرف عن الوزارة و خیّم خارج بغداد، و تولّی الوزارة بدله مصطفی باشا، و بعد أیام أحاطوا بعمر باشا لیلا و قطعوا رأسه، و أظهروا أن أمرا بذلک. و هذا فی سنة 1190 ه، فمدّه حکمه ثلاث عشرة سنة.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 258
ثم إنّ مصطفی باشا ظهر أنه محبّ للعجم فی الباطن، فأرسل إلی مستلم البصرة سلیمان بیک یخبره أن المدد من الدولة بعید جدّا، و أنه مطّلع علی حقیقة الحال فیأمر سلیمان بیک إما أن یصالح العجم، أو أنه یسلّم لهم البلدة، و أیضا کتب بخلاف الواقع إلی الدولة العلیة أنا صلحنا مع العجم انتظم و أنهم رفعوا عساکرهم عن البصرة، فلما سمع أهل البصرة هذا الخبر أیقنوا أنهم آلوا إلی التلاف فخرج أعیان البصرة إلی صادق خان رئیس عرضی العجم، و طلبوا منه الأمان علی النفوس و الأعراض، و أباحوا له ما سواهما، فدخل البصرة و أباحها أیاما و عمل فیها هو و عسکره من الهتک ما لم یسمع به فی ملّة قط و قبض علی أعیانها، و علی سلیمان بیک، و هذا خلاف المعاهدة و سبّ أصحاب النبی صلّی اللّه علیه و سلّم علی المنابر، و نودی بحی علی خیر العمل، و هرب العلماء، و کل من له قدرة علی الهروب، و صار العجم یضربون الناس بالسیاط و العصی لأجل المغارم و کل یوم یزید البلاء إلی أن خرجت البصرة و فرّ أهلها.
و کتب الأدیب عبد اللّه بن محمد الکردی البیتوشی کتابا جمع فیه من البلاغة أنواعا إلی سلیمان بن عبد اللّه بن شاوی الحمیری لکونه شیخا من شیوخ العراق و یذکّره فیه بالنخوة و المروءة، و یبیّن له فضائل البصرة و أنها أساس جمیع العلوم، و أنه ینبغی نجدتها و نجدة أهلها، و لکن بعد أخذها و هتکها تعذّر معاونة ابن شاوی لأهلها، فلما تملک رئیس العرضی البصرة، طمعت نفسه لأن یغزوا المنتفق و أغراه شؤمه لذلک، فلما خرج من البصرة و وصل إلی دیار المنتفق اتفق أن قابله ثلاثون فارسا من فرسان المنتفق اتفاقا فنشب بینهم القتال و صبر الثلاثون فارسا صبر الکرام، فکانت الهزیمة علی جیش العجم و ذلک فی موضع یسمی الفضیلة قریبا من
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 259
الفرات، فردّ اللّه کید العجم فی [3] نحرهم، حیث خذلهم اللّه بثلاثین فارسا، ثم إن العجمی رجع إلی البصرة و عبر جیشا أکبر من الأول و أمیره محمد علی خان المشهود له بالشجاعة و عزم علی غزو المنتفق ثانیا لیغسل عنه العار الأول، و کان مع العجم قبیلة کعب الروافض.
فلما التقی الجمعان أراد الصلح ثوین و ثامر، و لکن العجمی أبا الصلح و اشترط شروطا تأباها شیم العرب، فثانی یوم نشبت الحرب بین الفریقین من الصبح إلی المساء و صارت مقتلة لم یسمع بمثلها، و کانت الهزیمة فی آخر النهار علی العجم، و قتل أمیر جیش العجم محمد خان و أکثر العجم ماتوا غرقا لأنهم لما انهزموا فرّوا إلی الفرات و نزلوا فی السفن و ملاؤها حتی ثقلت و غرقت و العجم لا یعرفون السباحة، و غنم العرب مغنما لم یسمع بمثله لأن العجم کانوا متمولین من أموال أهل البصرة، و وفدت الشعراء ثوینی للتهنئة خصوصا بقتل محمد علی خان، و ممن شهد هذه الواقعة و أبدی من البسالة غایتها حمود بن ثامر و محمد بن عبد العزیز بن مغامس و هذه الواقعة التی أعزّ اللّه فیها العرب وقعت سنة، فلما قتل عمر باشا و تولی مصطفی باشا ظهر أنّه جیان و لا تدبیر له و عصی علیه عبد اللّه باشا و خرّب جملة قری بغداد و کثر التشکّی فی حقه. و فی إهماله الأمور، فأرسلت الدولة عزله و ولوا بدله عبدی باشا، و تمادی عبد اللّه باشا فی الخروج و الطغیان إلی أن بلغ السلطان استیلاء العجم علی البصرة بعد مضی سنتین من أخذها فغضب السلطان عبد الحمید غضبا شدیدا، و زاد غضبه بقتل عمر باشا بأمر مزوّر علی السلطان مکذوب علیه فأمر فی الحال بقتل مصطفی باشا، و أرسل فرمانا بعزل عبدی باشا عن وزارة بغداد و تولیه عبد اللّه علی بغداد، و أمره فی الحال بتجهیز عساکر إلی البصرة لإخراج العدو الرافضی منها و واعده السلطان بأنه سیمده بالعساکر و بالأموال.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 260
فأما عبد اللّه باشا فإنه اشتغل بلذاته و شهواته، و کان شرها علی اتّباع شهواته، و أهمل أمور الحکومة، و فوّض الأمر إلی وکیله عجم محمد العجمی و عجم محمد هذا لم یکن فیه وصف یحمد أبدا و أهله من سفلة الناس و أطرافها، مع ما فیه من سوء السیرة و السریرة و أصله جاء من بلاد العجم هو و أمه و أختاه، و هو أمرد جمیل الصورة، فصار إخوته یرقصن فی المحافل، و هو أیضا یرقص و یزمّر و یطبل، لکن ساعدته المقادیر إلی أن صار [4] من صدور بغداد کما قال الشاعر: قدّمتهم أعجازهم للصدور، فانهمک علی أکل الرشا و نوّع فی المظالم و النشامة إلی منتهاها حتی هرب أکثر تجار بغداد من ظلمه و مغارمه.
و أصل من رقی هذا اللئیم هو عمر باشا فجرت رذائله علیه حتی عزل عمر باشا و قتل، ففرح الناس من خلاصهم من شرّ هذا الوغد إلّا أنه لما قرّبه أیضا عبد اللّه باشا ازداد غمّ الناس أکثر من الأول خصوصا حیث ولاه خازن داریته زاد طغیانه، و الباشا غارق فی بحر الجهالة و کثر الحجّاب حتی أنه لما ورد من السلطان خزائن لصرفها فی تجهیز العساکر لإخراج الروافض من البصرة تحایل عجم محمد و أظهر مصاریف لتلک الخزائن، و تلک المصاریف هی صوریة، و أما فی الباطن فأغلب تلک الخزائن اختصاصها لنفسه عجم محمد و أظهر للباشا أنه أصرفها فی لوازم الحرب، و صدّقه الباشا لغفلته و بلاهته و کثرة حجابه، و انهماکه علی لذاته و شرابه، و کتب الخازندار علی لسان الوزیر کتابا إلی الدولة العلیة بأن العساکر العجم رحلوا عن البصرة و استلمناها و الحمد للّه علی ذلک، و الحال أن الأمر کذب محض، ثم أن حسن باشا والی کرکوک أرسلت له الدولة أیضا أوامر بأن یساعد عساکر عبد اللّه باشا، فجرّد عساکره و توجّه إلی قریب بغداد لکن لما وقف علی حقیقة الأمر و أن عجم محمد لا زال یغشّ الوزیر،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 261
و الوزیر فی غفلاته، و أنه لیس مفصلا عجم محمد استخلاص البصرة فی أیدی الروافض تجهّز بنفسه حسن باشا و جاهد فی العجم بمفرده و معه عساکره، و طلب المدد من عبد اللّه باشا، فلم یمده لما ألقاه عجم محمد من الدسیسة بینهما و من العداوة التی هی من محض افترآت عجم محمد.
فلما لم یر من الوزیر الإمداد رجع عن القتال لکونه مأمورا من الدولة العلیّة باتباع إیراد الوزیر عبد اللّه باشا و لما أبطأ خبر فتح البصرة عن السلطان ظنّ أن عبد اللّه باشا إما جبن و إما خان و لام علی من مدحه حتی ولّاه وزارة بغداد، و هو سلیم باشا، و دام معاقبته، فتخلص سلیم باشا و قال للسلطان: إن أرسلتنی إلی العراق فما أرجع إلّا بمفاتیح البصرة، إلّا أن یحول الموت بینی و بینها، فتوجّه و وصل إلی بغداد، و فرح الناس به فرحا جمّا، و ظنّوا فیه الخیر فما شعروا إلّا و عجم محمد التفّ به التفاف السیر بالنعل، و تبیّن أنه أفسق من عجم محمد، و انعکف الجمیع علی الرقص و الخمر [5] و الفسوق و الفجور، و اللواط، و ترک الجهاد، فحینئذ جزم أهل العراق بأن البصرة لا تفتح إلی یوم القیامة، ما دام رجال الدولة بهذه الأخلاق، فلما رأی عجم محمد غباوة عبد اللّه باشا، و بلادة سلیم باشا، طمحت نفسه لوزارة بغداد، بمساعدة شاه عجم باطنا، فأرسل کریم خان و باطنه علی هذا الأمر فزحفت حینئذ عساکر العجم طالبة بغداد، و کل هذا و لم یفهم المغفل سلیم باشا، و لا الأبله عبد اللّه باشا، مقاصد هذا الغدار الخائن عجم محمد، و لا زالا یفهمان منه الصداقة التامة لهما، لکن بعد ما بلغ السبل الذی تنبّه سلیم باشا لمقاصد هذا الخبیث عجم محمد، و فکّر فی الخلاص و لات حین مناص، فأرسل بعض العساکر إلی الحدود لصدّ جیش العجم و أختار من طرفه محمد بن عبد اللّه بن شاوی الحمیری لیکون سفیرا بینه و بین کریم خان، فسافر محمد بن شاوی لیعقد الصلح فی شیراز بین الباشا و بین العجم.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 262
فلما وصل إلی شیراز تذاکر مع کریم خان الزندوی فی جملة مسائل، منها درّ البصرة و فک أسراها و أعیانها و حذّره من عاقبتة بطش الدولة العثمانیة و أن لها عقابا ألیما إذا التفت إلی عقاب بعض الجهات، فلم یلتفت العجمی لقوله، و لا أجابه لسؤاله فرجع ابن شاوی إلی بغداد خائبا، فلما قرب من بغداد بلغه خبر وفاة عبد اللّه باشا سنة، فدخل بغداد و الفتنة مضطرمة بین أهل الجهة الشرقیة و أهل الجهة الغربیة، و کادت البلدة تخرب من کثرة الضرب و القتل، و ذلک أن عجم محمد مدّ للوزارة عنقه و ساعده سلیم باشا و قام من الجانب الغربی حسن باشا طالبا للوزارة و معه عسکره و أعوانه.
فلما رأی محمد بن شاوی شدّة الفتنة تجنب الفئتین و لم یبرز رسالة عبد اللّه باشا لأحدهما بل أبقاها بختمها فلذلک رضی به الفریقان أن یکون حکما بینهما فاقتضی رأیه أن یرسل إسماعیل بیک لیعقد الصلح بین عجم محمد و بین حسن باشا و یجعل بینهما هدنة إلی أن یأتی أمر الدولة العلیة یجری العمل، فسافر إسماعیل بیک إلی حسن باشا والی کرکوک و أخبره بما اتفق علیه رأی محمد بن شاوی و غیره من أعیان بغداد فرضی بذلک حسن باشا، و لکن عجم محمد نکث لما فی باطنه من الغش فحینئذ سعی محمد بن شاوی حتی حرّک أهل نجد علی أن یدخلوا بینهما بأن الذی لم یرض [6] بالهدنة فیکون أهل نجد علیه فسکنت الفتنة فبعد مدّة شهرین جاء أمر السلطنة بتولیة حسن باشا وزارة بغداد و بالمحاسبة عجم محمد فیما أکله أول [...] و فیما تسبب فیه من إهلاک أموال الدولة و الرعیة.
فحینئذ استتر عجم محمد و حاول الهرب، فلما بلغ محمد بن شاوی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 263
أن عجم محمد یرید الهرب و النجاة أرسل من طرفه عسکرا للمحافظة علیه، فتکفّله أهل المیدان لکونه من أهل حارتهم و حرسوه بحرس من طرفهم إلی أن یحضر الوزیر الجدید حسن باشا والی کرکوک فلما وصل الوزیر حسن باشا إلی بغداد فبعد یومین انفلت عجم محمد و هرب و اتفق مع محمد بن خلیل رئیس اللآونة، و جدد معه المعاهدة علی العصیان و تخریب القری و البلدان.
فأما عجم محمد فقد جاهر بالمخالفة و سمّی نفسه محمد باشا، و کذلک سمّی نفسه محمد باشا بن خلیل، و شنّوا الغارات و قطعوا السبل، و أوقدوا نیران الفتنة، فلما رأی حسن باشا الوزیر أن نیران الفتنة تزید یوما فیوما أرسل محمد بن شاوی إلی أحمد باشا الکردی یستنجده، فجرّد أحمد باشا عساکره و توجّ إلی بغداد إلی أنّ المنیة اخترمته فی الطریق، لکن فی تلک المدّة انخزل بعض اللآونة عن الانضمام إلی العصاة و رجعوا إلی الوزیر فعفی عنهم و أکرمهم و صاروا من حزبه، و ولّی علیهم خالد باشا و وصله بالمال، و أرسلهم إلی الحلة هذا، و مع أن الوزیر أکرمهم و عفی عنهم إلّا أنه لا یأمن بواثقهم فی الباطن، و هذا یکون الجاذم.
و لما زادت الفتنة و کثر تخریب القری من عجم محمد أرسل الوزیر محمد بن شاوی إلی آل عبید الحمیری لینجدوه فامتثلوا أمره و أنجدوه بخیلهم و رجلهم، و لم بلغ الوزیر إقبالهم و قرّبهم من بغداد أخرج کتخداه عثمان بیک إلی معاونتهم، فلما شعر محمد بن خلیل بخروج الکتخدا أسرع و فصل بینه و بین آل حمیر، و انتشر الحرب بین الکتخدا عثمان بیک، و بین محمد بن خلیل، و خان بعض رجال الکتخذا، و مالوا مع ابن خلیل و مع ذلک فالنصرة لکتخذا عثمان بیک، و رجع إلی بغداد قبل الغروب، و لم یجتمع بعرب حمیر، ثم إن الوزیر أرسل یطلب المعاونة من محمود باشا الکردی أخی محمد باشا
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 264
المتوفی، فأنجده محمود باشا بخیله و رجله، فحینئذ تقوت شوکة الباشا فخرج هو و عسکره و محمد بن شاوی و عربه [7]، آل عبید الحمیری، و محمود باشا و أکراده لمقاتلة الشقی الطاغی عجم محمد و من معه من العصاة، ففی أثناء سفر الباشا و من معه التقی مع طلیعة من العصاة، فنشب القتال بینهم فانهزمت الطلیعة، و قتل أکثرها، فلما سمع بذلک عجم محمد و ابن خلیل فرّوا هاربین بمن معهما إلی البندنیج فقفاهم عسکر الباشا فبعد یومین و هم یجدّون فی أثرهم التقوا معهم و نشب القتال بینهم، و کانت الهزیمة علی عجم محمد و من معه، و قتل أکثرهم، و تشتتوا شذر مذر، و أسر منهم ثلاثمائة.
هذا و أما سلیم باشا المتقدم ذکره فانخزل و فرّ من بغداد، و لما وصل دیار بکر بلغ السلطان ما فعله من المفاسد، فأمر السلطان عبد الحمید بنهب أمواله و أعطاها إلی حسن باشا والی بغداد و حبسه فی قلعة هناک إلی آخر عمره، و أمر أیضا بنهب داره التی فی إسلامبول و أخذها و أعطاها الشیخ الإسلام لکونها من أحسن دور إسلامبول ثم بعد أیام جاء الخبر بقتل سلیم باشا، و هکذا عاقبة أهل الخیانة خصوصا و قد حلّ علیه شؤم عجم محمد و مصاحبته و عاقبة المناکر التی [...] علیها.
و ممن توفی فی هذه السنة و هی سنة اثنان و تسعون و مائة و ألف، العالم النحریر بقیة السلف صبغة اللّه بن إبراهیم الحیدری الحسینی قرأ العلم فی بلدته ماوران علی والده، ثم دخل و أخذ عن العلّامة زین الدین المهکاوی، و الإمام محمد بن شروین، و المنلا شیخ الکردی المدنی فی المدینة المنورة، و العلّامة عبد الملک القصاص فی مکة، و نقل عنه علم الحدیث، و هو عن الشیخ أحمد بن حجر المکی، و لما تم جمیع العلوم
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 265
فی بلدته ماوران جذبته القدرة فاستوطن بغداد و نشر فیها علومه، و ألّف حاشیة تفسیر الفاتحة للبیضاوی، و لقد أبدع و أجاد فیها، کتب فیها من المباحث و الاختراعات، و أما فی الشعر و النثر فله الید الطولی، ثم إنّ البغاة بعد الهزیمة صمموا علی العود إلی القتال، و کان ابن خلیل و عجم محمد فی لورستان عند الوالی زکی خان، الذی آلت إلیه مملکة العجم بعد کریم خان سنة.
و قد کان کریم خان أرسل أخاه صادق خان لحفاظة البصرة، فلما وصل إلیها جاءه خبر وفاة أخیه کریم خان فی شیراز و تولیة زکی خان بدله، فوقع صادق خان فی حیرة خوفا من وزیر بغداد، و خوفا من زکی خان [8]، لأن الأمراء و الملوک کانوا زمن التبربر و التوحش إذا مات أو عزل أحدهم و تولّی بدله غیره، أول ما یسعی الجدید فی إهلاک من کان ینتسب إلی سلفه.
علی ذلک خرج صادق خان من البصرة بعساکره قاصدا شیراز لیملکها و یصون دمه، فلما بلغ الوزیر خروج عساکر العجم من البصرة حالا أرسل إلیها نعمان بیک متسلما علیها، فسافر من بغداد و دخل البصرة بلا حرب و لا ضرب و تسلمها و نفّذ فیها أوامره، و طهّرها من الرفض و أهله، و لما مات کریم خان و تولی زکی خان بعده أطلق سلیمان بیک و أسری البصرة، و لما فک الأسر عنه أرسله والیا علی البصرة، فخرج من شیراز، و لما وصل إلی الحویزة، راسل أهل البصرة فی أن یکون والیا علیهم فوافقوه، و لکن أبی ذلک نعمان بیک المتسلم و ثامر شیخ المنتفق فبقی فی الحویزة منتظرا للفرج لأنه کان لا یحب الفتن فلم یلبث إلّا قلیلا حتی جاء الفرج بموت ثامر أغزی عرب الخزاعل، فأصیب برمح قتله، فحینئذ أرسل سلیمان بیک إلی حسن باشا والی بغداد یطلب منه ولایة البصرة، و أنه هو الذی کابد فیها المشاق زمن الحصار، و کان سلیمان بیک
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 266
من الدهاء علی جانب عظیم، و لما لسلیمان بیک من المآثر الجلیلة فی البصرة طلبه ثوینی بن عبد اللّه إلی الدخول فی البصرة، فما لبث بها إلّا قلیلا حتی جاء البشیر بفرمان الدولة بأنه و الیها و المتصرف فیها بلا منازع لأنه کان کاتب الدولة فی هذا الشأن قبلا بغیر علم حسن باشا.
ثم إنّ أهل بغداد نقموا علی وزیرهم حسن باشا لعدم أهلیته للولایة، و أخرجوه من بلدهم مطرودا لما ترتّب علی وجوده من کثرة طغیان المفسدین حول بغداد، و هم محمد خلیل، و عجم محمد، فلما خرج و وصل إلی دیار بکر أصابه مرض و توفّی هناک، فمدّة ولایته علی بغداد سبعة عشر شهرا لا غیر، فلما أخرجوه من بغداد ظلّت شاغرة بلا والی، إنما اتفق أعیان بغداد أن ولّوا علیهم إسماعیل بیک یطیعون أمره و نهیه إلی أن یحضر من الدولة أمر، فیکون العمل علی مقتضاه، فلما ورد الخبر بوفاة حسن باشا، أرسلت الدولة فرمانا إلی سلیمان بیک والی البصرة أن یکون والی بغداد و البصرة و شهرزور فی یوم 15 شوال سنة 1193 ه ثلاث و تسعین و مائة و ألف، و أرسلوا أمرا آخر إلی سلیمان باشا ابن أمین باشا الموصلی أن یکون قائما علی بغداد إلی أن یرد سلیمان باشا [9] والی البصرة إلی بغداد و یستلمها، فسافر من البصرة سلیمان باشا قاصدا محل ولایته بغداد، و صحبه فی سفره خدمة له ثوینی بن عبد اللّه، و جملة من أعیان البصرة، و أعیان الزبیر، و لما وصل إلی العرجا من أرض المنتفق لقیه الکتخذا إسماعیل بیک لأجل التهنئة فما کان من الباشا إلّا أنه أمر بضرب عنقه لأمور کان ینقمها علیه و قیّد خدامه بالحدید، و نصب علی البصرة رجلا اسمه سلیمان و أصحبه صاحب مهره أحمد الزکی، ثم سافر، فلما وصل کربلاء استأذن منه ثوینی فی الرجوع إلی وطنه فأذن له، و لما وصل الحلة لاقاه سلیمان بن عبد اللّه بن شاوی أمیر حمیر فأکرمه الباشا و بجّله
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 267
و لما وصل المسعودی قابله وکیله سلیمان باشا ابن أمین باشا الموصلی الذی سبق أن السلطان جعله قائما مقامه و معه کبار بغداد و علمائها، فعزل نعمان أفندی عن الکتخدائیة و ولّی بدله عبد اللّه أفندی لأمور سیاسیة، و أذن لسلیمان باشا الموصلی فی أن یرجع إلی بلده الموصل، فبعد یومین رکب و توجّه إلی بلده مکرما مبجلا، و بعد لیلة قدم محمد بن خلیل للإفساد و التخریب فی قری بغداد کعادته، فخرج لمحاربته عثمان بیک ابن أمیر بابان، و معه خمسمائة خیّال فانتشب بینهم القتال، فکانت الهزیمة علی عسکر الطاغی ابن خلیل فهزمت و تشتتوا، و قتل محمد بن خلیل رئیس اللآونة و أراح اللّه العباد و البلاد منه و من شرّه و أتی برأسه إلی الوزیر فأکرم الوزیر عثمان بیک بما یلیق لأمثاله، فحینئذ صفا الوقت لسلیمان باشا لعدم المعارض و دانت له العراق بحذافیرها فکان دخوله بغداد فی ربیع الأول سنة 1194 ه أربع و تسعین و مائة و ألف فما لبث إلّا قلیلا حتی عصا و بغی و خرج علیه حمد بن حمود أمیر خزاعة فأنذره الوزیر و هدده و نصحه، فلم یزد إلّا طغیانا، فغزاه الوزیر بعسکره فی بلدة الحسکة، و عزله الباشا و ولی بدله محسن بن محمد علی إمارة خزاعة.
فلما وصل الباشا غربی الفرات مقابل الدیوانیة خاف من سطوته قبائل خزاعة فأغرقوا الأراضی بالمیاه لتکون الأهوار لهم معقلا و حصنا فاهتم الوزیر بسدّ موارد تلک [10] المیاه فسدّها و باشر الشغل فی بعض الأحیان بنفسه فلما تمّ سدّها فی شهرین خاف منه جمیع قبائل خزاعة فندم حمود و أرسل النساء و الأطفال یشفعن له عند الباشا فقبلهم و عفی عنه لما جبل الباشا علیه من حب العفو، ثم لما عفی عنه ردّه إلی المشیخة کما کان، و استوفی منه الخراج کاملا و هذه الغزوة کانت فی سنة 1195 ه خمسین و تسعین و مائة و ألف. و هی السنة الثامنة من ولادة المترجم، و بعد ما تمم غزاه رجع إلی بغداد.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 268

و فی سنة 1196 ه السادسة و التسعین و مائة و ألف:

عرض للوزیر ما کدّر خاطره، و هو أن أمیر بابان عثمان بیک عصا علی الباشا فلزم الحال لغزوه.
فبینما هو مصمم علی الغزو إذ ورد علیه من دیار بکر ابن وائل عثمان بیک کتخدا حسن باشا فأعطاه قصبة البندنیج لیستغلها و بعد ما أقام فیها مدة استقلها و رجع یطلب غیرها فولاه الوزیر مستلمیة کرکوک، فما زال من دخل کرکوک یراسله عثمان بیک متصرف سنجاغ و یحثه علی العصیان و الخروج علی الباشا و لا زال یوسوس ذلک الإبلیس حتی أغواه، و اجتمع بعثمان بیک فی سنجاغ و أظهر العصیان و کفران النعمة ظنّا منه أنه بالعصیان ینال منصبه الأول ثم انضم إلیهما محمود باشا والی بابان، و أظهر الجمیع العصیان، فاضطر الوزیر للخروج إلیهم و محاربتهم، فخرج قاصدا محاربة الأکراد، و وصل کرکوک و معه العساکر، فکانت من الأکراد من یصلح لولایة بابان و عزل و الیها و سار قاصدا محاربتهم، فلما وصل لمحاذاتهم ورد علیه حسن بن خالد بن سلیمان بمن معه من قومه فأکرمه الباشا و أحسن قراه و عزل عمه محمود باشا عن ولایة بابان، ولّی بدله حسن بن خالد علیها فلما سمع محمود بعزله تندّم علی ما فرّط منه، ثم إن الباشا أیضا ولی محمود بن نمر علی کوی سنجاغ واده حریر فندم محمود باشا و تواقع علی الباشا بکل أعیان الأکراد و بجملة من العلماء أن یردّ علیه مرتبته، فقبله الوزیر بشرط إرسال بعض ولده رهنا، و إبعاد الکتخدا عثمان عن تلک الدیار و أداء ما علیه من الخراج، و أن لا یعود إلی العصیان و الخروج أبدا، و أخذ منه عهدا علی ذلک، فردّ علیه بابان إلّا کوی و حرد، و الذی کان الواسطة بین
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 269
الوزیر، و بین محمود باشا هو الشیخ سلیمان [11] بن عبد اللّه بن شاوی.
ثم إن محمود باشا وفّی بما التزمه و أبعد الکتخدا عثمان عنه، و بعث ابنه سلیمان رهنا مع إحدی نسائه، فلما رجع الوزیر إلی بغداد نقض محمود باشا العهد و لم یف بالخراج و أزمع علی حرب الوزیر، و حارب سنجاغ و حاصر ابن نمر أمیرها، فلما بلغ ذلک الخبر الوزیر أرسل مددا من طرفه و عسکرا لابن نمر و أصحب فی العسکر خالد بیک و مصطفی بیک، فلما وصلوا کرکوک خاف متصرف بابان منهم و تندّم علی ما فعل و طلب الأمان و العفو من الباشا، و أن یمنحه الباشا من مکارمه لواء کور و حریر فأحل؟؟؟ الوزیر و عفی عنه. و لکن اشترط علیه أن یعطی اللواءین إبراهیم بن أحمد باشا لابنه عثمان بیک فامتثل الأمر فحینئذ خرج بن نمر و رجع إلی بغداد.
و فی السنة السابعة و التسعین و مائة و ألف عاد متصرف بابان علی ما جبل علیه من الخروج و العصیان و ما غرّه إلّا حلم الباشا علیه فغضب الوزیر غضبا شدیدا و عزم علی إعدام هذا الرجل و تخریب بیته، فسافر الباشا بالعساکر إلی أن نزل کرکوک، و طلب أمیر کوی و حریر فألبسه خلعة بابان، ثم سافر الوزیر قاصدا ذلک الباغی فی الدرنبد، فلما التقی العسکران و نشب الحرب بینهما کانت الهزیمة علی عسکر الباغی و أکثر من خذله عساکره، ففرّ إلی العجم فرجع الوزیر إلی بغداد و معه إبراهیم باشا والی بابان.
و فی السنة الحادیة عشر من مولد المترجم و هی سنة 1198 ه الثامنة و التسعون و مائة و ألف: قتل محمود باشا لما حارب أمراء العجم
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 270
فنفر منهم عثمان باشا و انهزم و رجع إلی والی بغداد و طلب منه العفو فمنحه إیاه و أقطعه بعض قری لینتفع بها بقرب بغداد، و فی تلک السنة ارتکب العصیان و الخروج محسن الخزاعی، فأنذره الوزیر فلم ینفعه النذر، فحاربه الوزیر، و اشتبک العسکران فکانت الهزیمة علی محسن و ربعه، و تشتتوا شذر مذر، و نهبت أموالهم و انتهکت حرماتهم فحینئذ ألبس الوزیر حمد بن حمود خلعة إمارة الشامیة علاوة علی مشیخة الجریرة، و رجع الوزیر إلی بغداد محل عزّه و خلافته.
و أما السنة الثانیة عشر لولادة المترجم، و هی السنة 1199 ه (التاسعة و التسعون و مائة و ألف): و فیها ورد بغداد المشیر داود باشا [12] بعد أن تربّی فی بلده إحدی عشرة سنة، و فیها عصی و خرج علی الوزیر حمد بن محمود الخزاعی، و ما غرّه إلّا حلم الوزیر و إکرامه له، فکفر النعمتین و نسی إلباسه الریاستین، فجرد علیه الباشا العساکر و وصله إلی أرض الخزاعل فتحصّن حمد بن حمود بالمیاه کما هی عادة عرب تلک الدیار لخلوها من الجبال و القلاع، فما شعر عسکر الوزیر إلّا و المیاه سالت علیهم أیضا، و ذلک أن حمد بن حمود کسر علیهم السدود و هم لا یشعرون، فکادت المیاه تفزع العساکر، لکن لنباهة هذا الوزیر استدرک الأمر و نقل العساکر إلی أماکن عالیة لتسلم من المیاه، ثم سافر الوزیر و قصد الحسکة یتحصن فیها العساکر، و دبّر أمره فی سدّ منبع هذه المیاه من الفرات، فسدّه سدّا محکما فبینما هو عازم علی محاربة الأشقیاء إلّا و بلغه أن عجم محمد جاء و انضم إلیه عساکر حمد بن حمود و من معه، فتشوش خاطر الوزیر لذلک، و لکن وصول هذا الخبر إلیه، کان حمد بن حمود أرسل إلی الوزیر یطلب الصالح، و کان الوزیر ممتنعا، فلما بلغه
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 271
وصول عجم محمد رضی بالصلح و أبقی حمد بن حمود علی إمارته، و رجع إلی بغداد.

و فی سنة 1200 ه (مائتین بعد الألف):

خرج من بغداد سلیمان بن عبد اللّه بن شاوی فارّا من الوزیر لأن بعض الناس حسدوه و ملؤوا صدر الوزیر علیه، فاعتری ابن شاوی الأوهام خوفا من الوزیر، فأراد حسّاده إبعاده عن قرب الوزیر، إذ لو لم یبعدوه ما سادوا هذا.
و من الأسباب المؤدیة إلی خروج ذلک الأمیر و مفارقته، منادمة الوزیر أنه تخاصم مع المهردار لأنه یعرف المهردار صغیرا، و قد قیل من عرفک صعیرا ما و قرک کبیرا، مع أنه کان ینبغی له أما یراعیه و یداهنه مراعاة لولی نعمته الوزیر، و لکن إذا جاء القدر عمّی البصر. فما أحوجه إلی الخروج و الشقاء بعد القرب و النعیم، و هل یتصور أن هذا الأمیر الحمیری یسم نفسه بسمة البغاة، هذا و من عصی شاوی صار یرتکب المساوی‌ء فغضب الباشا و أرسل علیه إبراهیم باشا و أحمد بیک المهردار و معهم عسکر الأکراد، فلما علم ابن شاوی بقرب العسکر انتقل إلی تکریت، فلم یطق بها المقام من الخوف، ففرّ إلی الخابور، و ترک أمواله [13] غنیمة للعسکر، فرجع العسکر إلی بغداد فلمودة الباشا لأحمد بیک المهردار جعله کتخداه لکیاسته و دهائه.
و فی ذلک العام وقع القحط الشدید الذی أکلت الناس فیه الکلاب و الموتی و الجلود، و أکلوا الدم و أرادوا خلع الوزیر، و ظنّوا أنّ هذا القحط من شؤمه مع أنه من عند اللّه لعدم الأمطار، و رفعوا علم الشیخ عبد القادر الجیلی، و ساحوا فی الأسواق و حرّکوا العامة و الأوباش و الغوغاء لخلع
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 272
الباشا، فلما سمع الباشا بهذه الحرکة أرسل علیهم بعض عساکر، فقتلوا بعض المفسدین، و نفوا البعض، فصلح الباقی و خمدت الفتنة.

و فی سنة 1201 ه (إحدی و مائتین و ألف):

ورد سلیمان بن شاوی من الخابور و معه جنود و أوباش متجمعة فقصد بذلک التخریب و الإفساد، فخرج إلیه الوزیر بعساکره و جنوده، و التقی الجمعان فی الفلوجة، و اشتبک القتال بین الفریقین، و تطاعنت الفرسان و حمی الوطیس، فکانت الهزیمة علی عسکر الباشا والی بغداد، و أسر من جماعته خالد بیک کتخدا البوابین، و محمود باشا ابن نمر باشا. فأما محمود باشا فرد علیه سلبه ابن شاوی و أذن له فی الانصراف. و أما خالد باشا فأسره معه مقیدا، و بعد ذلک طمعت نفس ابن شاوی إلی أن غزا علی نفس بغداد حتی وصل إلی الکاظم و لو لا عرب عقیل لأخذ سلیمان باشا أسیرا، و لکن عقیل أبدوا فی ذلک الیوم من البسالة و الشجاعة ما یلیق بهم، و حاموا عن بغداد محاماة الأسد عن زبیته فشکرهم الباشا علی ذلک.
و أما ابن شاوی نفر هاربا و انشقت من جماعته العصی و ندم علی ما قدّم، و طلب الأمان من الباشا فمنحه إیاه، لکنه لم یرجع عن غیّه بل عاد إلی البادیة لجمیع الأعراب و للطغیان و الفساد، فتوجه إلی الدجیل، ثم إلی الشامیة، ثم إلی الأبیرة، فلما لم یجده شیئا قصد المنتفق فالتجأ به إلی ثوینی بن عبد اللّه فساعده و أعانه و انضم إلیه حمد بن حمود الخزاعی بقبیلته فأناخ الجمیع علی البصرة و ملکوها و نهبوها و أسلبوا أهلها و أسروا متسلمها إبراهیم أفندی ثم نفوه إلی مسقط، و کان هذا المتسلم أفسق من علی وجه الأرض فی شرهه علی الزنا و اللواط و السّکر، [14] و کان یمضی جمیع أوقاته فی رقص الأولاد و النساء و السکر و الغناء، فأراه اللّه
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 273
عاقبة أفعاله، فلما بلغ الوزیر أخذ البصرة و هتکها و أسر المتسلم و منع ثوینی من الخراج، بل حتی أن ثوینا راسل الدولة و طلب منهم أن یجعلوه وزیر بغداد أصالة فحینئذ اغتاظ الباشا و أرسل إلی متصرف بابان و کوی و حریر و من الأکراد إبراهیم باشا والی متصرف باجلان عبد الفتاح أفندی، علی أن یمدّوه بجمیع ما یمکنهم من العساکر الأکراد، إلا أنّه لما أبطؤوا علیه عزل إبراهیم باشا و نصب مکانه عثمان باشا بن محمود باشا، و مکان الآخر عبد القادر أفندی، فأمدّاه بألفی خیّال من شجعان الأکراد، فلما تمت قوته شرع أولا فی الغزو علی خزاعة؛ لأن حمود بن ثامر بن سعدون خضع لطاعة الباشا، و جاء بقبیلته مددا، فلما بلغ الوزیر فی أرض خزاعة أصحبه معه، و قاتلوا خزاعة، و رموهم بالبنادق، و فرقوا شملهم، و هرب عند ذلک حمد إلی المنتفق ثم توجه الباشا إلی المنتفق، و أقام ثلاثة أیام فی أم العباس، و ذلک فی غرة محرم سنة 1202 ه اثنین و مائتین و ألف، فخرج ثوینی بن عبد اللّه بعساکره صفوفا صفوفا و معه الأطواب و الخیل العراب، فنشب الحرب و اشتد و حمی الوطیس، فکانت الهزیمة علی عساکر المنتفق و ولوا الفرار و الباشا یتبعهم أسرا و قتلا، حتی أنه بنی من رؤوس القتلی ثلاث منابر، فلما صفی له الوقت ولّی علی المنتفق حمود بن ثامر، و علی البصرة مصطفی آغا الکردی و کان خازنداره، و بعد ذلک رجع الباشا إلی بغداد بعد ما أرهب الأرض بخیله و رجله، و جعل فی البصرة جملة من عسکره تسمی اللآونة، و رئیسهم إسماعیل آغا تقویة لمتسلم البصرة، و تأمینا للسبل، و کان خروجه من بغداد الثانی عشر من شهر جمادی الأولی سنة 1201 ه و رجوعه فیها منصورا ثمانیة فی ربیع الأول سنة 1202 ه (اثنین و مائتین و ألف).
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 274

و فی سنة 1203 ه (ثلاث و مائتین و ألف):

طلب سلیمان بن شاوی العفو من الباشا، فعفی عنه ورد علیه أملاکه و أمواله بشرطین:
1- لا یدخل بغداد أبدا،
2- و أن لا یعود إلی الفساد لا ظاهرا و لا باطنا.
و فی ذلک العام عصی متسلم البصرة مصطفی [15] آغا الکردی، و ذلک لما بینه و بین الکتخدا من الضغائن، فأخذ مصطفی آغا الکردی یستمیل عثمان باشا و اللآونة بالأطماع. و کتب لثوینی بن عبد اللّه لیساعده فی هذه الأمنیة، فلما قرب من أرض المنتفق أرسل للباشا بأن حمودا لم یلق للمشیخة بل الأولی بها ثوینی فأجابه الوزیر و أرسل له خلعة المشیخة إلی ثوینی، و کل هذه مسایرة من الباشا لمصطفی آغا، و تجاهل الباشا بأنه ما علم بأن مصطفی آغا خرج عن الطاعة، و لکن الباشا فی هذه المدّة مجتهد فی جلب العساکر، و تمّت عنده العساکر الشجعان، هذا و مصطفی آغا الکردی یجدّ و یجتهد فی إثارة الفتنة تارة بکاتب عثمان باشا، و تارة بکاتب أمیر اللآونة الکردی الذی فی الزنکباد و یغریهم علی مساعدته، و الوزیر عالم بذلک لکنه یتغافل و یظهر الودّ لمصطفی آغا الکردی فکتب الباشا إلی کبیر مراکب البصرة مصطفی بن حجازی بأنه إن تمکّن من قتل مصطفی آغا الکردی فلا یتوقف، فما تدری کیف شعر مصطفی آغا الکردی بهذا الخبر فتحذر بل جمع جماعة خفیة، و هجم علی مصطفی آغا الحجازی و قطع رأسه.
فحینما قتل مصطفی بن حجازی جاهر بالعصیان، و أخذ فی التخریب و الإفساد ظاهرا، و عند ما عزم الوزیر علی غزوه ورد کتاب من
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 275
سلیمان بن شاوی إلی الوزیر یشکره فیه علی العفو و المسامحة فیما فرط منه، و یترجّی الباشا فی أن یرسل إلی ابن شاوی رجلا عاقلا مؤتمنا من خاصته لیودعه سرّا یؤدیه إلی الباشا، فأرسل إلیه سلیمان آغا معتمد کتخدا لفطنته و أمانته، فلما وصل الرسول إلی سلیمان بن شاوی الحمیری أخبره أن عثمان باشا متّفق مع مصطفی آغا الکردی سرّا و أراه کتاب عثمان باشا إلیه یعزمه علی أن یکون علی ما کان علیه من مساعدة المتسلم علی أن یکون والی العراق فرجع الرسول إلی الباشا بکتاب سلیمان الذی وصله من عثمان باشا، فلما رآه الوزیر أخّر السفر لیدبر أمره فأظهر لعثمان باشا المودّة الکاملة، و راسله و هاداه و منّاه بالمواعید فاغتر بمودة الباشا، فأرسل إلیه الوزیر کتخداه أحمد [16] أفندی لیطلبه إلی بغداد، فلما وصل بغداد أخذ الوزیر یلاطفه، و یظهر له المحبة حتی إنّه زوّجه أخت الکتخدا أحمد أفندی و ترجّاه و طلب منه المدد لیعینه بجملة من عساکره و أذن له فی الرجوع إلی وطنه، فسافر و هو مطمئن قلبه من جهة الباشا و ما دری أن الحبال له تفتل و المکر علیه یدبر، فبعد ما رجع إلی وطنه انحلت عری المعاهدین للمتسلم فحینئذ غزا الوزیر المتسلم مصطفی آغا الکردی فمذ وصل العرجاء داخل الرعب ثوینی و قبائله و المتسلم مصطفی آغا.
فأما ثوینی فإنه فرّ إلی البراری و القفار، و أما المتسلم فهرب إلی الکویت فجدّ الباشا إلی أن وصل إلی البصرة و ملکها و أقام بها متسلما الأمیر عیسی الماردینی، و أقام شیخا علی المنتفق حمود بن ثامر، فرجع الباشا إلی بغداد، و دخلها سلخ رمضان، فلما استقر بها طلب عثمان باشا فأتاه و هو آمن، فلما أدخله الخزانة أراه خطه إلی سلیمان بن شاوی، فلما رأی خطه بیده انذهل و عرق فی عرق الخجل، فأعطاه الباشا السم، فلما
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 276
زاد مرضه أخرج إلی دار سعید بیک الدفتردار، ففیها توفی و مشی فی جنازته جمیع الکبار حتی الکتخدا، و ولی الباشا بدله إبراهیم باشا علی بابان و محمود باشا ابن ... باشا علی کوی و حریر و هکذا عاقبة الخیانة و الغدر علی أولیاء النعم.
و فی هذه السنة ورد خبر بوفاة السلطان عبد الحمید خان بن السلطان أحمد خان، و کان شفوقا علی رعیته کریما محبّا للعلماء، حتی إن العلماء و الطلبة زادوا فی زمانه أکثر من جمیع الأزمان، إلّا أنه کان کعادة أسلافه غلیظ الحجاب، فصارت أخبار ممالکه لا تصل إلیه کما هی علیه فی الواقع و نفس الأمر، و لهذا لما أخذ العجم البصرة جلست مدّة رجاله لا یعلمونه بذلک بل یموّهون علیه، و بکثرة الحجاب و غلظ الحجاب تخرّب أکثر الممالک و تهرم الدول و تزول؛ کما تحققنا ذلک فی أخبار الدولة السابقة أنّک تجد الفاتح الأول منهم لیس له حجاب و لا زال خلفه یغلظون الحجاب إلی أن یصیر الملک فی آخر الأمر کطیر فی قفص محجورا علیه، و علیه تنتقل الدولة إلی وزرائه کما رأینا ذلک فی آخر [17].
و کوی و حریر، فعاد إلی مقرّه و حکمه، و قبل وصوله إلی محله أرسل أخاه سلیمان من قبله، فمذ سمع إبراهیم باشا بذلک أرسل أخاه عبد العزیز لیمنع سلیمان من الدخول إلی أن یوصل أهله إلی ما منهم، و ما أحسن فی هذه الحرکة، فإن عبد العزیز و سلیمان التقیا علی غیر میعاد و کل منهما طایش العقل، فوقعت بینهما مقتلة جرح فیها عبد العزیز
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 277
و أسر، و لما سمع إبراهیم باشا فرّ إلی بلاد العجم و أرسل أخوه عبد العزیز مکبّلا فی السلاسل و الأغلال إلی بغداد.
و فی السنة 1205 ه (الخامسة بعد المائتین و الألف): أطلق عبد العزیز من أسره عند ما أتت خطوط أخیه إلی الوزیر یطلبه العفو و الأمان، فکتب إلیه الوزیر جوابا و فیه العفو و الأمان، و أرسل الجواب مع محمد بن عبد اللّه بن شاوی الحمیری فقدم به بالأمان إلی دار السلام، فأکرمه الوزیر بالضیافة و منحه بعض ضیاع لینتفع بها.
و فی هذه السنة دخل ثوینی بن عبد اللّه علی الباشا و طلب منه العفو عما صدر منه من التفریط، فمنحه إیّاه و سامحه و ردّ علیه أملاکه، و لکن بعد أیام ورد عجم محمد من بلاد العجم و نزل علی سلیمان بن شاوی، فسمع به الباشا، فطلبه من ابن شاوی، و أن یرسله مقیّدا إلی بغداد، فامتنع ابن شاوی من التسلیم فی ضیفه علی عادة العرب، ففی الحال من الوزیر الکتخدا أن یغزوا ابن شاوی و یأتی بهما مقیدین، فلما سمعا بالعسکر فرّ ابن شاوی و عجم محمد، فلا زال الکتخدا أحمد یقفوا أثرهما و لما یلحقهما نهب جمیع ما کان فی محلهما من المال و النعم، و لما عثی تیمور الملی الکردی و عصی و زاد طغیانه و تخریبه للقری، أمر السلطان سلیم سلیمان باشا والی بغداد لمحاربته فجهّز جیشا و قصد بلاد الأکراد، فلما التقی الجیشان کانت الهزیمة علی الملی و عسکره.
و لمّا دخلت السنة 1206 ه (السادسة بعد المائتین و الألف): سیّر عسکرا و رئیسهم لطف اللّه أفندی لمحاربة الباقی من عسکر تیمور الملی، فلما نشب القتال بینهم کانت الهزیمة علی عسکر الملّی أیضا، و غنم
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 278
العسکر أموالهم، و قتل جملة عظیمة من [19] عسکر الملی و بعد ما رجع الوزیر منصور ألبس أخا تیمور إبراهیم بیک مکانه و سافر الباشا إلی ماردین فصلب اثنین من أتباع تیمور أحدهما یقال له حسن، و الآخر یقال له حسین، و قتل جماعة أخری من الیزیدیة، ثم رجع بغداد فی السابع و العشرین من ربیع الأول، و کان خروجه فی شوال.

و فی سنة 1208 ه (ثمان و مائتین و ألف):

عصی علی الوزیر محسن بن محمد، أمیر خزاعة، و منع الخراج فأرسل إلیه الباشا عسکرا جرارا و معهم الکتخدا أحمد، فلما التقی الجمعان أذعن محسن بن محمد للطاعة خوفا من سفک الدماء و أدی الخراج کاملا و أدی رهائن علی أنه بعد الآن ما یرتکب العصیان فأخذ الکتحذا منه الخراج و رجع إلی بغداد مظفرا، و لکن محسنا بعد ما رجع الکتخدا نقض العهد و اعتدی و شرع فی المخالفة فعزله الباشا عن مشیخة خزاعة و أقام بدله حمد بن حمود.
و فی السنة 1209 ه (التاسعة بعد المائتین و الألف): قتل سلیمان بن عبد اللّه بن شاوی الحمیری، فبکاه الشیظم، و السمهری، قتله ابن یوسف الحربی و هو جدیر بالرثاء لکرمه و شجاعته.
و فی السنة 1210 ه (العاشرة بعد المائتین و الألف): توجّه الکتخدا أحمد بعسکر جرار إلی أرض خزاعة لعدم جریانهم علی الطاعة فمذ أناخ بفنائهم رجع شیخها و طلب الأمان و العفو و أدی الخراج و رجع الکتخدا إلی بغداد فکان بینه و بین علی بیک الخازندار ضغائن فقتله علی الخازندار. و أقامه کتخداه، و هذا دلیل علی أن الباشا له رغبة فی قتل الکتخدا أحمد حیث لم یعاقب قاتله.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 279
و فی السنة 1211 ه: نصب الباشا شیخا علی المنتفق ثوینی بن عبد اللّه و عزل حمودا، و فیها توفی شاه العجم محمد علی خان و تولی مکانه فتح علی خان.
و فی السنة 1212 ه [20] (اثنی عشر بعد المائتین و الألف): غزا علی بیک الکتخدا أحمد بن حمود، فمذ أناخ بساحته انهزم حمد بن حمود، فولّی علی بیک الکتخدا محسنا إلی آل قایم علی الشامیة، و نصب سبتی بن محمد شیخ الجزیرة و ألزمها بالخراج فتعهدا به، و رجع الکتخدا علی بیک إلی بغداد، و فیها عزل الوزیر سلیمان باشا عبد الرحمن باشا عن إمارة بابان و نصب مکانه ابن عمه إبراهیم بیک والیا علی بابان إلا کوی و حریر فما زالتا علی حکم الأول، و بقی عبد الرحمن باشا فی بغداد معاملا بالإکرام و الإعزاز، و فیها عزل علی بیک الکتخدا آل سعید من زبید لعصیانهم و ارتکابهم الفساد، و فی مروره وصل إلی الجواز من دیار ربیعة، فولی علیهم شیخا و رجع إلی بغداد بغنائم آل سعید، و فیها قتل طفیس ثوینی بن عبد اللّه، فمات غریبا شهیدا، و سبب موته أنه لما طغی ابن سعود الخارجی و ملک الحسا و انتزعها من شیخ بنی خالد طمع فی غیرها من بلاد المسلمین لیذبح أهلها کما ذبح أهل الحسا، أمر الباشا والی بغداد ثوینی بن عبد اللّه أن یذهب لغزو هذا الطاغی بن سعود، فجمع جیوشه ثوینی و سافر إلی نجد، فأرهبها و أدخل الخوف فی قلب جمیع أعرابها، حتی إنه دخل فی طاعته، جملة من قبائل ابن سعود بدون حرب و لا ضرب و عاهدته جراثیم قبائل العرب علی مساعدته فما زال یسیر بالکتاب و الجنود إلی أن نزل علی ما یسمی الشباک، و حالما نزل نصبت له خیمته
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 280
هناک صغیرة فجاءه طفیس و الناس فی أشغال النزول فطعنه بحربة فقتله فمسکوا طفیسا و قتلوه، و لکن لا یثأر الأسد بالکلب و تشتت جیش المنتفق و کرّوا راجعین إلی العراق و انفلت عنهم معاهدوهم.
فلما بلغ الباشا هذا الخبر تأسف و ولی علی المنتفق حمود حاکما علیهم، و ثوینی هذا هو ابن عبد اللّه بن محمد بن مانع القرشی الهاشمی العلوی الشبیبی تولی مشیخة المنتفق کما تولاها أبوه و جدّه أجواد العرب و المشاهیر و شجعانها، و له أیام مشهورة بین العرب أبدی فیها من الشجاعة ما فاق به عنترة، فمنها یوم دبیّ، و ذلک [21] أن کعبا غزوا أخاه صقرا بجیش عرمرم، فلما التقی الجمعان، و نشب القتال بینهما تبین فیها ثوینی، و کانت هزیمة کعب بسببه کما هو محقق عند سائر قبائل العرب، و به زلّت قبیلة کعب الروافض، و من أیام ثوینی یوم ضجعة و سببه أن عبد المحسن بن سرداح لما اشتاق إلی مشیخة بنی خالد فرّ إلی ثوینی لینجده و یساعده، و شیخ بنی خالد إذ ذاک سعدون بن عریعر، فلما علم ذلک جمیع قبائله و صار یشن الغارات علی ثوینی و عربه، فصار بین القبلتین الشر، فتواعدوا علی یوم معلوم فالتقیا فی أرض بنی خالد، و نشب بینهما القتال و سال الدم مثل السیل و استمر الحرب أیاما فکانت الهزیمة علی قبائل سعدون، فهرب و تولی ثوینی بیوته و أمواله، و أما سعدون فإنه طار مهزوما إلی أن وصل إلی عبد العزیز بن سعود، فعاهده علی نصرته، فصار قدومه عند ابن سعود یوم عید لأنه حینئذ تیقن أنه سیملک الأحساء لما رجع ثوینی لی داره أجمع عشائر بنی خالد علی أن یؤمروا علیهم داحس بن عریعر.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 281
و من أیام ثوینی المشهورة یوم التنومة قریة من قری القصیم، و ذلک أنه لما انتصر علی بنی خالد تطاول و غرّته نفسه أن یغزو نجدا بحذافیرها، حتی ابن سعود، فجهز جیشا جرارا و قصد به نجدا فهابته جمیع العرب و لم یقدر أحد علی مبارزته حتی ابن سعود، فإنه جبن و استکن فی الدرعیة، فلما أناخ ثوینی فی أرجاء نجد أوّل ما ابتدأ بحرب التنومة، و حاصرها إلی أن فتحها عنوة و نهب أهلها و هتکها ثم قفل إلی العراق، فوصل البصرة، فأخذه الغرور و حدّثته نفسه أن یملک العراق أجمع، فحاصر البصرة حتی ملکها، فکان هذا هو الباعث علی إهلاکه، لأنه تحرکت علیه الدولة العلیة، و تنبّهت له و أمرت والی بغداد أن یوالی علیه المنازات؟؟؟، فلا زال یغزوه إلی أن صار من أمره ما ذکرناه سابقا من عزله، و تشتیت حاله و تولیة غیره، ثم الآن دعته منیته إلی أن یغزو نجدا، فغزاها، فصار منیته علی ید طعیس (العبد الأسود) و بعده آلت إمارة المنتفق إلی حمود [22] بن ثامر بن سعود بن محمد بن مانع الشبیبی ابن أخی ثوینی لأمه، و هو ابن عم له.
و حمود هذا من فرسان العرب و رجالاتها الموصوفین بالدهاء و الأناءة، و کان موسوما؛ حتی إنه قیل عنه أنه لا ینتقض وضوءه، و یتوضأ إلّا فی سبع ساعات، فکان کثیرا ما یصلی الیوم صلاة أمس، و من مثالبه أنه کان لا یرضی إلّا برأیه، و منها أنه کان کاتبه رافضیّا، فکان یضرّ بأهل السنّة و یتقصدهم بالمضرة عمدا، و من رشا هذا الکاتب قضا شغله، و إلّا
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 282
یعطل أشغال الناس ما أمکنه، و منها رضاه بظلم قومه لرعیته، و منها رضاه بکل مفسدة من کل باغ علی ولاة الأمور، و علی الدولة العثمانیة، و منها أنه لا یولی علی کل قریة إلّا أظلم أهلها و أفسدهم، و منها أنه علی غایة من الحقد، و من محاسنه الشجاعة التی لا تکاد توجد فی مخلوق فی هذا العصر، و أظن أن اللّه جمع فیه شجاعة ألف رجل، و له أیام مشهورة بین العرب تبین فیها، منها یوم الرخیمة، و هو شاب فی حیاة والده و هو یوم السعدون ابن عرعر علی ثامر و منها یوم أبی حلانة، و هو یوم للمنتفق علی محمد علی خان الزندی کما ذکرناه قبلا، و منها یوم سفوان له علی ثوینی عمّه و مصطفی آغا الکردی متسلم البصرة، و من أیامه یوم علواء ماء قریب من البصرة، و من محاسنه إطعام الطعام حتی أن بعض الضیوف یقیم عنده أعواما، و لا یری الضیف من خدمه ملالا و لا سآمة علی طوال المدة، و منها ذکاءه المفرط و حفظه الجید، و لمّا ابتلاه اللّه بالعمی ازدادت أبّهته و استمرّت حکومته من الثانیة عشر إلی الثانیة و الأربعین.
فی الخامس من صفر عزله الوزیر المکرم المترجم داود باشا، و سنذکر سبب عزله فی محله.
و من وقائع السنة الثانیة عشر بعد المائتین و الألف أن سعود بن العزیز المبتدع غزا بنی المنتفق، فصبّح القریة المعروفة بأم العباس، فقتل منها خلقا کثیرا و نهب و حرق ثم کرّ راجعا إلی الدرعیة، و حمود إذ ذاک کان فی البادیة، فلمّا بلغه الخبر جدّ فی السیر لیدرکه فما أدرکه، و فی رجوع ابن سعود أغار علی بادیة العراق، و کان مطلق بن محمد [23] الجرباء نازلا فی بادیة العراق، فلما صبّحهم سعود فرّ من فرّ و ثبت من ثبت، و قاتل مطلق، و کان یکرّ علی الفوارس کریر الأسد، فبینما هو یعدو
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 283
خلف ابن سعود إذ عثرت فرسه فی غز فسقط هو و الفرس، فهجمت علیه الفرسان حتی قتلوه، و کان قتله عند ابن سعود من أعظم الفتوحات.
و مطلق هذا من کرام العرب عریق النجار شریف النسب، و قبل هذه الواقعة صارت لمطلق مع ابن سعود واقعة أخری قتل فیها ابنه مسلط، و بعد واقعة مسلط توجه إلی الشام و صحب أحمد باشا الجزار إلی البیت الحرام، ثم رجع إلی العراق عازما علی أن لا یترک الجهاد مع الوهابیة، فلا زال [...] الغزو و القتال إلی أن استشهد فی هذه الواقعة.
و فی السنة 1213 ه (الثالثة عشر بعد المائتین و الألف): غزا علی بیک الکتخدا بأمر الوزیر سلیمان باشا والی بغداد الحسا من البحرین بعد ما تولّاها عبد العزیز بن سعود و بنی فیها القلاع المحکمة، و سام أهلها الخسف و خبرهم علی اعتقاداته الفاسدة، و غزا مع علی بیک شیخ المنتفق حمود بن ثامر بن سعدون و بادیة العراق، و عسکر عقیل و أمیرهم إذ ذاک ناصر بن محمد الشبل، و غزا معهم فارس بن محمد الجرباء شیخ شمر و معه قبائله، و أصحاب الوزیر مع علی بیک الکتخدا محمد بن عبد اللّه بن شاوی الحمیری، و غزا معهم أیضا أهل الزبیر القریة المعروفة، و أهل نجد أمیرهم إبراهیم بن ثاقب بن وطبان، فسار العسکر إلی أن نزلوا فی المبرز و حاصروا قلاع ابن سعود، و لم یقابل أحدا من عسکر الکتخدا، و لا من العرب سوی عقیل، فأطاع غالب أهل الحسا من غیر قتال، و فی خلالها غزا حمود علی «سبیع» ، فقتل منهم و غنم إبلا و شاة و معه فی تلک الغزاة فارس الجرباء و ابن أخیه نبیه بن قرنیس، و لما رجع حمود من تلک
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 284
الغزاة بالغنیمة علی الکتخدا تقوّی ساعد الکتخدا و اجتهد فی الرمی علی القلاع، و لکن الأطواب لا تعمل فی القلاع لصلابة طینتها، و هکذا غالب بلاد القصیم طینتها صلبة جدّا، و الظاهر أن نصحاء الکتخدا خانوه و أوهموه أوهاما فاسدة، حتی إنه فرّ [24] هاربا راجعا إلی العراق، و ذلک لأن الباشا صرف أموالا جمّة علی العرضی، و الکتخدا أسلم أموره لبعض الخون فخانوه فی الصرف و أکلوا أکثر الأموال، و صرفوا القلیل، فلهذا عمدوه علی الهرب لکی یتم ملعوبهم، فلما أخذ فی الفرار هو و عسکره و سائر أعراب العراق تبعه ابن سعود بعسکره و لحقه فی محل یقال له ناج، و نزل ابن سعود فی الحنا، فبینما الفریقان یتحاربان، إذ لانت شکیمة رؤساء العساکر للصلح، و صاروا یبکون للکتخدا و یفهّمونه قوة ابن سعود، و الحال أن الأمر علی خلاف ذلک، إنما من أبطر الخیانة تیقّن أن عساکر ابن سعود لا زاد معهم، و أن مآلهم أن یهربوا، فما أراد الفشیلة علی صدیقه و ابن عمه فی الباطن، بل حسّن للکتخدا أن الصلح أوفق و الکتخدا غلام غرء سلّم أموره لأعدائه و هو لا یشعر، و قتل قبل ذلک خالد بن ثامر أخو حمود، فلم یؤاخذ ثأره، ثم ورد کتاب علی الکتخدا من سعود یقول فیه: من سعود إلی ابن عبد العزیز إلی علی ... أما بعد: فما عرفنا سبب مجیئکم إلی الحسا، مع أن الحسا روافض، و نحن جعلناهم بالسیف مسلمین، و هی قریة لیست بداخلة فی حکمکم، و الذی یحصل منها قلیل بالنسبة إلی تعبکم، و لو أن جمیع أهل الحسا و ما یلیها یدفعون إلیکم کل ما یملکونه من دراهم و غیرها لما یعادل مصاریفکم فی هذه السفرة فقط، و ما کان بیننا و بینکم من المضاغنة إلّا ثوینی، و قد لقی جزاءه، فالآن مأمولنا المصالحة و هی خیر لنا و لکم سید الأحکام.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 285
فلما اطلع الکتخدا علی الکتاب ارتضی الصلح، فکتب جوابا لابن سعود: من علی باشا إلی سعود بن عبد العزیز أما بعد: فقد أتانی کتابکم، و کلما ذکرت من أمر المصالحة صار لدینا معلوما، لکن علی شروط نذکرها لک، فإن قبلتها و عملت بها فحسن، و إلّا فما نحن عاجزون عنک و لا عن طوائفک و عندک الصحیح إذا اشتدت الهیجا و انشقت العصا، فحسبک و الضحاک سیف مهنّد حیث لنا مقدار أربعة أشهر فی بلادک، نجوب الفلا و نتآثر أهل القری، و أنت ما قدرت تظهر من مکانک غیر هذه الدفعة، و بهذه الدفعة أیضا اغتررت بقول عفیصان، فأما [25] الشرط الأول: فهو أن لا تقرب الحسا بعد الآن، و الشرط الثانی: أن ترجع الأطواب التی أخذتها من ثوینی، و الشرط الثالث: أن تعطینا جمیع ما صرفناه فی هذه السفرة، و الشرط الرابع: أن لا تتعرض للحجاج الذین یأتون إلیک من طرف العراق، و لا لأبناء السبیل، و أن تکفّ غزوک عن العراق، و تکون معنا کالأول.
فهذه الشروط التی أخبرناک بها، و السلام علی من اتّبع الهدی.
فکتب له ابن سعود ما نصه: جاء کتابکم و فهمنا معناه، فأولا الحسا قریة خارجة عن حکم الروم و ما شاوی التعب و ما فیها شی‌ء یوجب الشقاق.
و أما الأطواب فهی عند والدی فی الدرعیة إذا وصلت إلیه أعرض الحال بین یدیه، و الوزیر سلیمان باشا أیضا یکتب إلیه، فإن صحت المصالحة تصلکم الأطواب، و أنا کفیل علی ذلک حتی أوصلها البصرة.
و أما مصاریفکم فإنی لم أملک من هذا الأمر شیئا و الأمر فیه لوالدی إذا وصلت إلیه.
و أما ما ذکرتم من أمر الطریق و عدم التعرض للحجاج فحبا و کرامة،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 286
و علیّ عهد اللّه و میثاقه أن لا یفقد لکم بعیر، و أن لا یسدی منّا ضرر علی المارین، و مالهم عندنا غیر الکرامة، و السلام علیکم و رحمة اللّه و برکاته.
و اعلم أن علی باشا الکتخدا إنما صالح سعود لما داخله من الخوف من استشارته بعض أعدائه فی الباطن، و أصدقائه فی الظاهر مثل إبراهیم بن ثابت بن وطبان فإنه من أقارب سعود الخارجی، و هو فصیح المنطق، داهیة دهباء فی التحایل و فی قلب الموضوع، و ربما سأله بعض خواص علی باشا عن کمیة عساکر سعود لعدم مفاوضته لأهل النصح و الدیانة.
و أما ما ذکره المؤرخ الترکی من العسکر أصابه ضرر من قلة العلف و الزاد، و لقد و اللّه خدع الکتخدا فی هذه المصالحة، و مما یدل علی أنه خدع، أن حمود بن ثامر أبی المصالحة إلّا أن یعطیه الکتخدا کتابا بأن الصلح کان علی غیر اختیار حمود، و قد رمی فی ذلک محمد بن شاوی و هو بری‌ء. و لما تمّ الصلح رجع الکتخدا إلی بغداد و لم یف سعود بواحد من الشروط بل طغی و بغی و زاد فی نشر بدعته [26] و قتال المسلمین علیها.
و کان رجوع الکتخدا فی رابع صفر سنة 1214 ه أربع عشرة مائتین و ألف.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 287
و فی هذه السنة أقبل عبد اللّه آغا متسلم البصرة إلی بغداد، و تضرع الوزیر فأکرمه الوزیر سلیمان باشا، و أرجعه إلی البصرة متسلما.
و فیها تولّی قضاء البصرة الشیخ عبد اللّه الرّجس ثم البغدادی الحنفی، و ستأتی ترجمته.
و فیها أغار عنزة علی الدّلیم قبیلة مشهورة قیل إنهم من حمیر، و قیل إنهم من کهلان، و لما غنم العنزیون منهم و من غیرهم من عرب العراق أمر الوزیر سلیمان باشا بأن شیخ العنزیین فاضلا یؤدی ما غنمته قبیلته من أموال الدّلیم و غیرهم، فلما أمرهم فاضل لم یطیعوه، فخرج علیهم الکتخدا علی باشا بعسکره، و أحاط بهم علی غرة فالتجأ العنزیون بآل قشعم و معهم عرب العراق، فشفعوا لهم عند الکتخدا فقبل شفاعة المقشعمین علی أن یعطوا الکتخدا ثلاثة آلاف بعیر و خمسین فرسا، هکذا نقله المؤرخ الترکی. و الذی أحفظه أنهم خدعوا الکتخدا و لم یعطوه شیئا.
و فیها غزا الکتخدا علی باشا آل قشعم والدلیم، فأغار علیهم و لم یظفر بهم لانهزامهم عند ما سمعوا نهوضه من بغداد فجدّ فی طلبهم إلی أن وصل أن شفائی و عاد إلی الفلوجة، و أرسل آل قشعم و غیرهم علی أن یرجعوا آمنین، فرجع کل إلی مقرّه.
و فی السنة 1215 ه (الخامسة عشر و مائتین و ألف): تمرّد آل سلیمان من خزاعة، و منعوا الخراج، فأمر الوزیر سلیمان باشا بأن یغزوهم علی باشا الکتخدا فخرج فلما وصل إلی دیارهم فرّوا منه، و تحصّنوا فی قلعتهم، فعبر إلیها حتی وصلها، و حاصرهم، فلما ضاق بهم الخناق ارتحلوا إلی البادیة، فاقتفی أثرهم، و أحاط بهم لیلا، و قتل البعض
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 288
و نهبهم، و أرسل الغنائم إلی سلیمان باشا، ففروا أیضا فتبعهم فما وسعهم إلّا طلب الأمان و العفو، فمنحه إیاهم علی شرط دفع الخراج المتقدم و المتأخّر، فدفعوه و رجعوا إلی أوطانهم آمنین.
و فیها توجه عبد العزیز بن عبد اللّه بن شاوی إلی حج بیت اللّه الحرام و أمره الوزیر سلیمان باشا بأن یمرّ فی رجوعه إلی الدرعیة، و یتلاقی مع عبد العزیز بن سعود و یکلّمه فی دیات من قتلهم من قبیلة خزاعة، و دیّات سکان النجف و أموالهم [27] فلما قفل من الحج اجتاز بابن سعود، و کلمه فی هذا الأمر، فقال له: هذا کلام محال، لا أدفع الدیّات المذکورة، إلّا أن یکون غربی الفرات لی، و شرقیّه لسلیمان باشا.
فانقلب ابن شاوی بخفّی حنین، و ما استفاد من اجتماعه بابن سعود إلّا أنه رجع متغیّر العقیدة.
و لما وصل بغداد و أخبر الباشا بجواب ابن سعود غضب الباشا، و عزم علی غزو ابن سعود، و أخذ یجهّز فی أسباب الحرب.
و خرج عبد العزیز المذکور من بغداد، فی آخر سنة 1215 ه، و رجع فی سنة 1216 ه.
و فیها تشفّع الوزیر عند السلطان سلیم أن یرجع تمر بیک الملّی إلی محل حکومته، و أن یعفو عنه.
و فیها أغار أهل نجد علی العراق فأرسل علی بیک الکتخدا لمقاتلتهم، و معه محمد بن شاوی الحمیری، و فارس بن محمد الجرباء الشمیری، و معهم من عسکر الوزیر جملة، فلما أدرکوا أهل نجد و جدوهم
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 289
قد تحصنوا بالرواحل، فأحجبوا عن مقاتلتهم و جبنوا، فرجع العسر إلی شفائی.
و فی تلک السنة تمرّد عفک و جلیحة و منعوا الخراج، فخرج علیهم الکتخدا فسار إلی أن نزل الوسغیة فأعطاه مقدموها ما أراد من الخراج و تأدّبوا.
و فیها عزل عبد العزیز عبد الرحمن باشا الکردی و أخوه سلیم عن کوی و حریر لما کان منهم من الأمور المنافیة للطاعة، فأتی بهما إلی بغداد و غرّبا إلی الحلة، و ولی الوزیر محمد بن تمر باشا کوی و حریر.
و فیها غزا عبد العزیز بن سعود العراق، و أناخ علی کربلاء و أذاقهم کأس البلاء، فقتل أکثرهم، و نهب البلدة، حتی یقال أنه ما غنم ابن سعود فی مدّة ملکه بعد خزائن المدینة المنورة أکثر من غنائم کربلاء من الجواهر و الحلی و النقد، ثم قفل إلی نجد متبجّحا بما فعله من سفک دماء، لا إله إلّا اللّه، و إن کانوا روافض.
فلما بلغ الوزیر هذه الوقعة أرسل علی بیک الکتخدا مع عسکر مبرار فلما وصل الکتخدا إلی الهندیة إلّا و ابن سعود قد نجا علی الغود المهریة.
و فی آخر هذه السنة عزل الوزیر سلیم بیک صهره عن البصرة.
و فی السنة 1217 ه (سبعة عشر بعد المائتین و الألف): و هی الموافقة لثلاثین سنة من ولادة المترجم، توفی الوزیر سلیمان باشا أبو سعید و الآثار الجمیلة التی منها هذا المترجم المفخم [28].
و ذکر المؤرخ الترکی أنه قبل الوفاة جعل ولی عهده علی بیک
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 290
الکتخداه و أوصاه بذلک ممالیکه نصیفا و سلیما، و المترجم المفخم دفن رحمه اللّه بجوار أبی حنیفة رضی اللّه عنه.
و من مآثره الجمیلة، أنه عمّر سور بغداد، و أنشأ سورا غربیها بالتمام، و هدم دار الإمارة و عمّرها من جدید بعمارة لائقة بالوزارة، و أنشأ المدرسة المعروفة بالسلیمانیة، و شحنها بالکتب الحدیثیة و الفقهیة و الأدبیة و عمّر جامع القبلانیة، و جامع محمد الفضل، و جامع الخلفاء و نقصه عما کان فی الأصل، و ذوق منارة جامع الإمام الأعظم، و أنشأ علی نهر نارین قنطرة و عمّر کوت العمارة و سوره، و عمّر صور البصرة، و سور سیدنا الزبیر، و سور الحلّة و سور ماردین، و أنشأ قرب الموصل قلعة حقنة.
و أجمع أهل الحل و العقد بعد دفنه و کتبوا إلی السلطان أنّ علی بیک الکتخدا هو أولی بالوزارة من غیره و أرسلوا العرض إلی الدولة، إلّا أن أحمد آغا کان منافقا، و قیل رافضیا، و مراده إیقاد نار الفتنة، فلا زال یحسّن لسلیم باشا صهر المتوفی أن یطلب وزارة بغداد و یفتل الجبل فی تتمیم هذا المرام، و وافقه علی ذلک جملة من المفسدین و الغوغاء، فجاء إلی علی باشا فی صورة ناصح، و قال له: إن أهل العراق لا یخلون من النفاق، فالرأی عندی أن تأذن لی أن أضبط القلعة بزمرة من الینکجریة، فنکون آمنین من جهة الأهالی، و الحزم فی کل الأمور أولی، فأجابه علی باشا إلی ما طلب، فأدخل معه فی القلعة من أراده، و لکن عاقبة الماکر الخسران، فلما استشعر علی باشا بهذه الخدیعة و المکیدة أعلن الحرب مع أحمد آغا و سلیم باشا، فلما التقی الفریقان کانت الهزیمة علی عسکر علی باشا فی داره، و جلس سلیم فوق کرسی الحکم بالقوة الجبریة إلّا أن أحمد آغا لم یکتف من علی باشا بجلوسه فی داره، بل بالخروج إلی دار عبد اللّه
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 291
باشا، فلما اشتدّ الکرب و أشرف علی باشا علی الهلاک هبت له ریاح الفرج و ساعدته بعض العساکر، فنصره اللّه علی عدوّه، و انکسرت شوکة أحمد آغا، و قتل أشرّ قتلة، و قتل جملة من أنصاره، و فرّ سلیم باشا، و رکب متن الهرب، فعفی علی باشا من العسکر الباقین، و سکنت [29] الفتنة، و صفا الوقت لعلی باشا، و صار وزیر بغداد حقّا، بل و جاءه الفرمان من السلطان سلیم بذلک.
و فیها غزا الوزیر علی باشا بعد ما وردت له الإیالة البلیاص من بلاد الأکراد، فأطاعوه و أعطوه ما أراد، ثم انقلب بعسکره الجرار، و عبر الدجلة من الموصل لمقاتلة جبل سنجار، و ممن قاتل فی واقعة سنجار محمد باشا والی کوی، و شمّر عن ساعد الجد، و أما إبراهیم باشا فإنه قاتلهم فی یوم هزم فیه عسکره.
و فی تلک الأیام مرض إبراهیم باشا، و لما اشتدّ به المرض ذهب إلی الموصل، و مات رحمه اللّه تعالی، فلما بلغ الوزیر وفاته نصب مکانه عبد الرحمن باشا، و انتقل إلی غربی الجبل لمحاربة أهل الطغیان، و أقام هناک أیاما یقطع فی الأشجار لیمر إلی الجبل.
و قد شاهدته فی تلک الواقعة، و وفدت علیه فأکرمنی، و أنزلنی بقربه، و طلبت منه ألتمس تولیة المدرسة المغامسیة فی البصرة، فتفضّل علیّ بها، و رجعت من عنده مسرورا ثم سافر الباشا إلی محاصرة الجبل، و فی رجوعه غضب علی محمد و عبد العزیز ابنی عبد اللّه ابن شاوی فأمر بخنقهما فخنقا لأمور کان ینقمها علیهما.
فأما محمد فکان من أمراء العرب أهل النجابة و الغیرة و الحمیة
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 292
و الصدق و الوفاء، و کان کلما زاد رفعة عند الملوک ازداد تواضعا علی العامة، و ذلک أن أصله من خرقة العلماء و فی مدة عمره جلساؤه أهل العلم و الصلاح، و کان یعتمد علیه الوزراء فی السفارة بینهم و بین قرنائهم، لأمانته و فصاحته و دهائه، و طلما خدم هده الدولة خدمة النصوح الأمین، إلّا أنه فی المثل أخر خدمة السلطان قطع رأس، و لکن بعض الحساد أغروا الوزیر علیه فخنقه و خنق أخاه.
و أما أخوه عبد العزیز فما هو بعید من محمد فی العقل و الفصاحة و الدیانة لکن لما أرسله الوزیر سلیمان باشا إلی الوهابیة فی نجد شرب بعض عقائدهم ظنا أنها هی الحق و ما عداها الباطل لأن هؤلاء الوهابیون تغالوا فی إظهار النصح للإسلام، حتی خرجوا عن الحد، و أظهروا للناس بعض زخارف لا تروّج إلّا علی العوام، و صاروا یکفّرون ما عداهم من المسلمین، حتی إن بعضهم ألّف کتابا، و ذکر فیه أن الإمام السبکی مشرک، و هم یسمون أنفسهم بالسلف، و یزعمون أن لهم قدرة [30] علی أخذ الأحکام من الأحادیث النبویة، مع أنی رأیت أعلمهم یقرأ فی الحدیث، و یقول: حدّثنا الحرث بن هشام، بفتح الحاء و سکون الراء، و لم یعرف أن نحو الحارث مع (أل) یرسم بدون ألف، و من جهل مثل هذا، أفهل یجوز له أن یستنبط الأحکام من الأحادیث النبویة، مع أنه لا یعرف اصطلاح علم الحدیث، بل و لا الضروریات منه، و ما ضرّنا إلّا جهلهم المرکب، تجد، الرجل منهم بدویا جافی الطبع، کان یرعی الغنم، فأصبح یفسر فی القرآن بجهله و برأیه.
نعم و إن کان فی زمنه صلّی اللّه علیه و سلّم یرد علیه البدوی الجاهل الجلف فبعد مدّة قریبة تتفجّر ینابیع الحکمة من قلبه، إلّا أن ذلک لمشاهدته الأنوار النبویة
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 293
انبعث من ذلک النور قدر یسیر فصیّره بتلک الحالة.
و أما فی زماننا فهؤلاء الوهابیون لا نشک فی أن کل واحد منهم بمنزلة مسیلمة الکذاب، فمن أین له نور؟ و من أین له معرفة خاصة به؟
فضلا عن أنها تتعداه لغیره، سبحانک هذا بهتان عظیم.
و لما أمر بخنقهما دفنا بقرب بعضهما فرثیتهما بقصیدة مطوّلة، و ذلک فی أول المحرم من سنة تاریخها غریبها و هی سنة ألف و مائتین و ثمانیة عشر، و هی السنة الحادیة و الثلاثون من مولد المترجم.
و بعد ما أوقع الوزیر علی باشا بذانک السریین ما أوقع ظل فی البریة، و الطاعون یحصد فی العالم کحصاد الزرع، لأنه ابتدأ دخوله فی بغداد سنة 1217 ه، و استمر إلی سنة 1218 ه، و هی سنة ألف و مائتین و ثمانیة عشر، و هرب من بغداد من هرب، و استخفی من استخفی.

و فی سنة 1219 ه (التاسعة عشر بعد المائتین و الألف):

غزا سلیمان بیک ابن أخت الوزیر علی باشا بادیة الجبلین أجأ و سلمی و غنم نعما و شیاه، فنصبه الوزیر کتخدا بغداد، و سار علی جمیع أقرانه، و جالس الأفاضل و العلماء.

و فی سنة 1220 ه (عشرین و مائتین و ألف):

قتل خالدا و غضب علی عبد اللّه آغا و غرّبه، و فی تلک السنة [31] قتل عبد الرحمن باشا الکردی محمد باشا والی کوی لما کان بینهما من العداوة، فذلک غضب الوزیر علی عبد الرحمن باشا و غزاه و شتّت شمله و بدّد جموعه.
و فی تلک السنة حاصر سعود بن عبد العزیز البصرة و قتل و نهب و حرق و خرّب، و مستلم البصرة إذ ذاک إبراهیم آغا فصابر علی الحصار
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 294
صبر الکرام، ثم إن حمودا جاءه و ساعده، و شدّ عضده، و کان غزوه فی آخر هذه السنة التی قتل فیها أبوه، و لما رجع من غزاته خائبا أغار علی آخل الضفیر، و لم یبق لهم لا شاة و لا بعیر، و آل الضفیر قبائل متعددة من قبائل نجد، و مشایخهم آل سویط، و قیل إنهم من بنی سلیم، فهم من بنی قیس.
و فی سنة الثالثة و الثلاثین من مولد المترجم، و هی سنة 1221 ه سار الکتخدا سلیمان بیک لیساعد خاله علی أمور الوزارة، و فیها انتدب الوزیر علی باشا لمحاربة شاه العجم فتح علی خان، و أرسل العرضی و رئیسه ابن أخته الکتخدا سلیمان بیک، فسافر إلی أن وصل إلی حدود العجم، و التقی العسکران، و کان سلیمان بیک شابّا خفیفا فهجم علی العدو من غیر رویّة، فما کان منه إلّا أنه انهزم هو و عسکره بل و أسر هو.
فلما بلغ الوزیر أسر ابن أخته تشوّش فکره و أخذ فی الهزیمة بمن معه من العسکر إلی أن تحصّن فی أحد قلاع ممالکه، ثم جاء حمود بن ثامر و قوّی عضده و ساعده، و أقام فی ذلک المکان أیّاما لیؤمّن الطریق و السبل و السفراء بینهما ساعون فی أمر الصلح إلی تمّ الصلح، فسافر إلی بغداد فی آخر رجب، و کان خروجه منها فی عشرین من ربیع الآخر.
ثم إن العجم أطلقوا الکتخدا سلیمان بیک و رجع إلی بغداد بموجب الصلح، فما لبث فی بغداد یسیرا إلّا و فاجأه خاله الوزیر علی باشا المنیة، و ذلک أنّ خدّامه قتلوه و هو فی صلاة الفجر، فأخذوا و قتلوا، و ظهر الغمّ و الحزن علی سلیمان بیک بقتل خاله، و إن کان قتل خاله جلب له الوزارة کما سنبیّنه.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 295
و فی سنة قتل الوزیر علی باشا قدم إلی البصرة العالم النحریر الذی فاق فی سائر العلوم معاصریه عالم المدینة علی الإطلاق مولانا السید زین جمل اللیل أبو عبد الرحمن، و لما شرّف [32] بلدتنا سلّمت علیه و رویت عنه الحدیث المسلسل بالأولیة، و قرأت أوائل الکتب الستّة، و رویت عنه الثبت المسمّی بالأمم للشیخ أبی الطاهر إبراهیم بن حسن الکورانی المدنی، و کتب لی إجازة دالة علی طول باعه فی العلوم الحدیثیة.
و لما ورد بغداد فی حیاة الوزیر علی باشا أفاد و أجاد، و أکرمه الوزیر بما یلیق بأمثاله، و بالغ فی إکرامه و أعلا مقامه، و مما أکرمه به الوزیر علی باشا، أنه أمر بإرسال مال جسیم إلی المدینة المنورة یشتری له بها عقار، و یوقف علی السید زین جمل اللیل، لکن اخترمته المنیّة قبل أن یوفی بمرامه.
و أما ابن أخته سلیمان باشا فلم یوف بوصیة خاله، و ممن استجاز من السید زین جمل اللیل داود باشا المترجم، فأجازه بروایة البخاری و فتح الباری، و أمره الوزیر سلیمان باشا بعد ما توفی خاله، بقراءة البخاری علی رؤوس الأشهاد، حتی یتمیّز علمه بین الناس، ثم رجع من بغداد علی طریق البصرة فلازمته و انتفعّت به، ثم رجع إلی المدینة فی السنة 1222 ه الثانیة و العشرین و مائتین و ألف.
و فیها تولی بغداد سلیمان باشا ابن أخت علی باشا السابق و فیها تسلطن السلطان مصطفی العثمانی بعد ما قتل السلطان سلیم.

و فی السنة 1323 ه (الثالثة و العشرین و مائتین و ألف):

ورد إلی بغداد خبر سلطنة السلطان محمود ابن السلطان عبد الحمید خان العثمانی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 296
و أنارت الدنیا بعدله و عزمه و همته، و جدّد للدولة اسما بعد ما درس رسمها، و آلت إلی الزوال من تغلب الکفار من الخارج، و عصیان الدربیهات من الداخل، و خروج الوهابی بأرض العرب فأشرفت المملکة علی الزوال لو لا أن اللّه منّ به علی الإسلام و المسلمین.
و من مناقب السلطان محمود التی یفتخر بها علی سائر الملوک إزالته رأس المبتدعة الوهابی الخارجی من أرض العرب، و تطهیر الحرمین من تلک النجاسات بعد ما ملکها الوهابی نحو سبع سنوات، فأمر السلطان محمود محمد علی باشا والی مصر الکوللی أن یجهّز جیشا لإزالة الوهابیة من سائر أرض اللّه، و ذلک بعد ما استولی الوهابی علی الحرمین، و نهب جمیع ما فی الحجرة من الذخائر و الجواهر، و منه حجاج مصر و الشام علی أنهم [23] مشرکون، فلا یقرب المسجد الحرام بعد عامهم هذا.
ثم إن محمد علی باشا شمّر عن ساعد الجدّ فی خدمة السلطان، و أرسل جیشا عرمرما، و رئیسه أحمد طوسون باشا ابنه، و ذلک سنة 1225 ه خمس و عشرین و مائتین و ألف، فمن قدر اللّه الذی لا یرد، أنه لما وصل طوسون باشا إلی ینبع عزم علی الرحیل إلی المدینة المنورة، فکانت عساکر بن سعود متجمعة فی الصفراء من أرض الحوازم، فنشب الحرب بین الفریقین فی الصفراء، فأولا کانت الهزیمة علی الوهابیین، ثم فی آخر النهار جاءهم مدد و هم عرب الظواهر، و شیخهم ابن مضیان، فتقوّی به عضد سعود، و لمّ جموعه، و هجم علی الروم، فلم یسع الروم إلّا الرجوع و ترکوا أثقالهم، و وصلوا إلی ینبع، و تحصّنوا فیها.
و کتب أحمد باشا طوسون لوالده محمد علی باشا یخبره بما وقع،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 297
ففی الحال أمدّه بعساکر، و مهمات أخری، و بقی فی ینبع، و واقعة الصفراء کانت فی سنة 1226 ه ستة و عشرین و مائتین و ألف.
فلا زال فی ینبع یتألف الأعراب من شیوخ حزب بالعطایا و الأمانی إلی أن وصله المدد من مصر، فعزم علی السفر إلی المدینة المنورة مع جیوشه، فمن حین سافر من ینبع إلی أن قرب المدینة و لم یجسر سعود علی ملاقاته جهارا، فوصل المدینة و فیها أتباع سعود عشرة آلاف من أهل نجد و عسیر مرابطون لحفاظتها، فلما حطّ رحله بقرب المدینة أطاعه أهل المدینة و هم فی غایة الفرح و السرور.
و المرابطون انحصروا فی القلعة، فلا زال الحصار علیهم، و أهل المدینة یدبرون مع الباشا فی کیفیة إتلاف الوهابیین، تارة بألغام البارود، و تارة بالرمی بالرصاص، و تارة بالمدافع، و أهل المدینة علّموا العساکر جمیع الطرق، التی یأتی منها المدد للمرابطین فحصروها العساکر، و معهم أهل المدینة و لما ضاق الحصار بالمرابطین طلبوا الأمان من الباشا بعد أن هلک نحو نصفهم من الحرب و من المرض و من الجوع، فأعطاهم الأمان و خرجوا مطرودین إلی البوادی، و طهّر اللّه المدینة المنورة من هذه الخبائث و الأرجاس، و خروجهم من المدینة فی سنة 1227 ه.

و فی سنة 1228 ه:

خلت الحرمان من جمیع أتباع الوهابیة، و فی التاسعة [34] و العشرین استولی محمد علی باشا علی جمیع أرض الحجاز، و حصلت واقعة جسیمة بین عساکر محمد علی باشا و الوهابیة فی نزیه، و کانت الهزیمة علی الوهابیة، و کان رئیس عسکر الوهابیة هو فیصل بن سعود، و رئیس عسکر الروم هو محمد علی باشا بنفسه.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 298
و لما فتحت المدینة المنورة، و أرسل بمفاتیحها إلی الدولة العلیة، خرجوا لملاقاة المفاتیح من خارج القسطنطنیة، و لاقوها بالمباخر تعظیما جمیع کبار و رجال الدولة و علمائها، و خرج السلطان محمود بنفسه إلی خارج السرایة لملاقاتها، و أرسل إلی سائر البلدان بالبشائر و التهانی، و فی الحال أمر السلطان أن یعیدوا فی الحرمین ما امتدت إلیه أیدی الخراب، فأعید إلی الحالة الأولی، بل أحسن و زاد فی إعطاء أهلها، و سیأتی إن شاء اللّه تعالی قصة فتح الدرعیة، و إرسال إبراهیم باشا إلیها و تخریبها.
و لما تولّی الوزارة سلیمان باشا المقتول سار فی الناس سیرة حسنة، و جالس العلماء، و من یظن فیه الخیر، و منع قضاة الأعمال عن أخذ العشور، و رتّب لهم کفایتهم من بیت المال، و حظی عنده من علماء بغداد شیخنا علی السویدی عالی الإسناد فی الحدیث، و لولاه لخربت البصرة، و لم یجب منها قوصره، و ذلک لسعی متسلمها فی تدمیرها و خرابها لظلمه و عسفه.
فی سنة 1224 ه (أربع و عشرین و مائتین و ألف): غزا الوزیر سلیمان باشا المقتول دیار بکر بجیش عظیم لتأدیب آل الضفیر، و قبیلة من عنزة کبیرهم الدریعی، و کان خروجه من بغداد فی الخامس و العشرین من محرم.
فلما جاوز الموصل شنّ الغارة علی أهل سنجار فصبّح القریة المعروفة بالبلد، و غنم و قتل و سبی، و تحصّن من بقی من أهلها بثنیة من ثنا سنجار، ثم توجّه إلی آل الضفیر و العنزیین، فلما وصل إلی رأس العین بین حراب و نصیبین، و کان أخوه من الرضاعة أحمد بیک توجه إلی ماردین
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 299
بطلیعة، فما کان منه إلّا أنه أرسل یطلب من الوزیر المدد، فأمدّه بعسکر و توجّه هو إلی دیار بکر، فلما وصل إلی قریة یقال لها دیرک حاصرها، فأظهر أهلها الطاعة، و أرسلوا له هدایا تلیق به، و توجّه منها إلی ماردین، فورد علیه أخوه أحمد بیک [35] و قد کسره آل الضفیر، و قتل من عسکره خلق کثیر.
فلما أراد الباشا الکرّ علیهم، و أخذ الثأر منهم تخلّف عنه بعض الأکراد راجعا، فما کان للوزیر بدّ من الرجوع إلی بغداد، فسافر و وصل الموصل و بعد ما رحل عنها بلغه أن بنی عبد الجلیل من الأکراد أرادوا إخراج وزیرهم أحمد باشا فأقام والی بغداد لیصلح حال أحمد باشا، فاشتدت الحرب، فانتقل الوزیر عنهم مسافة ساعتین، فلم یمکن والی الموصل الاستقرار فلحق بالوزیر سلیمان باشا، و طلب منه المدد فخلف عنده بعض رجاله، و توجّه إلی بغداد فبمجرد وصوله نفی خازنداره عبد اللّه بیک، و معه طاهر بیک إلی البصرة لما بلغه عنهما من المخالفة، و أرسل سلیمان باشا الکردی إلی أحمد باشا والی الموصل، لیکون فی مساعدته.
و کذلک أمر متصرف العمادیة زبیرا أن یرسل عسکره مساعدة لوالی الموصل، فلما وصل سلیمان باشا، و عسکر العمادیة إلی أحمد باشا أخذ یحارب بنی عبد الجلیل، فنصره اللّه علیه، و أسر الأمیر عثمان بیک أحد بنی عبد الجلیل، فلما انهزم الأعداء و أسر من أسر انفقعت لأحمد باشا بندقة قتلته فما التذّ من حلاوة الظفر حتی تنغص بمرارة الموت.
و لما بلغ والی بغداد قتل أحمد باشا، أرسل أخاه من الرضاعة أحمد
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 300
بیک الذی ولّاه حکومة البصرة بعسکر لیحاصر الموصل، و ینتقم من بنی عبد الجلیل الباغین علی والیهم بالنفی و القتل.
فلما وصل إلی إربل أغار علی بعض قری الموصل، فبینما هو سائر إذ بلغه أن إیالة الموصل توجهت إلی الأمیر محمود بن محمد باشا أحد بنی عبد الجلیل، فقفل أحمد بیک، و دخل بغداد.

و فی سنة 1225 ه (خمسة و عشرین و مائتین و ألف):

ظهر للوزیر أن سلیم بیک والی البصرة راسل الدولة طالبا إیالة بغداد، و شهرزور، و البصرة. فلما بلغ والی بغداد وقع فی حیرة، فراسل حمود بن ثامر طالبا منه أن یخرج سلیمان من البصرة، فتکاسل حمود عن ذلک حتی تبین له الحال، لأن سلیمان أفهمه أن الرئیس قبل من الدولة بعزل سلیمان باشا، و توجیه الإیالة لی، فلما استبطأ حمود قدوم الرئیس، إذ لم یأت به خبر عنه، مع ترادف رسل الوزیر سلیمان [36] باشا علیه قرب من البصرة و حاصرها بمعاونة أهل الزبیر، و برغش بن حمود، فخان بعض العساکر الداخلین، و فتحوا أبواب السور، فسقط فی ید سلیم باشا، فسافر فی مرکب إلی أبی شهر فارّا من الباشا والی بغداد.
و فی هذه السنة بعد ما فرّ سلیم باشا ورد إلی البصرة أحمد بیک، أخو الوزیر من الرضاعة، متسلّما للبصرة، و فیها ورد البصرة الشیخ علی بن محمد السویدی، أرسله الوزیر سلیمان باشا إلی حمود قبل فتح البصرة لکونه من خواص الوزیر، فکفّ اللّه به عن أهل البصرة ما عسی یتوقعون من حاکمها أحمد بیک أخو الباشا من الرضاعة.
و أحمد بیک هذا هو فی غایة من سوء التدبیر، فما استقرّ المتسلّم
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 301
الجدید إلّا و جاء خبر وصول الرئیس إلی بغداد، و أن الوزیر متحیّر فی ذلک، و لم یدر أهو جاء بعزله أم جاء لغرض آخر، فبعد ما جلس الرئیس فی بغداد بعض أیام، و هو خائف لم یبرز الأوامر التی بیده إلی الوزیر بعزله، فما کان منه إلّا أنه رکب جواد الفرار، و طار من بغداد لأوهام اعترته من الوزیر، فلما وصل الموصل استصرخ بعبد الرحمن باشا و أکراده قائلا أن الوزیر سلیمان باشا عصی و رفض أوامره الدولیة العلیة، و الحال أنه لم ینطق من أوامره و لا ببنت شفة.
فما وسع عبد الرحمن باشا إلّا مساعدته لتنفیذ الأوامر السلطانیة الواجبة الإطاعة. و الفرامانات الخانقیة المفروض تعظیمها، فلما وصل الرئیس إلی بغداد و معه عساکر الموصل و الأکراد، و معه أیضا عبد اللّه بیک، و طاهر بیک، اللذین نفیا قبلا إلی البصرة، فخرج الوزیر علیهم للمحاربة فخزله أنصاره، و جبن عساکره، ففرّ هاربا قاصدا شیخ المنتفق حمود بن ثامر فاجتاز بقبیلة الدفافعة، فقام علیه أحدهم و ضربه برصاص فقتله و هو ضیفهم و نزیلهم.
فلما شاع خبر موت الباشا کثر علیه الأسف من القاصی والدانی لحسن سیرته و عدله، و شفقته علی الضعفاء.
و فی سنة قتله تولّی الوزارة عبد اللّه باشا الذی کان منفیّا إلی البصرة، و فی السنة التی بعدها قتل سلیم بیک الذی کان متسلّم البصرة، و قتله عبد اللّه باشا و طاهر بیک، لأنه سعی فی حیاتهما، و ذلک أن سلیمان باشا لما نفاهما [37] إلی البصرة أرسل أوامر لسلیم باشا بقتلهما، فحاول سلیم باشا حتی هرّبهما و نجّاهما، و أعطاهما من عنده مالا لیتوصّلا إلی بلاد الأکراد حیث یأمنان علی أنفسهما.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 302
فلما صفا لهما الوقت، و ملکا زمام بغداد، وفد علیهما لیجازیاه و یکافئاه علی إحسانه، فما کان منهما إلّا أن قتلاه زاعمین فی الطاهر أنه کفر نعمة سیده.
و لما تولّی عبد اللّه باشا أعطی عبد الرحمن باشا الکردی قیاده و سلمه و سنّه، فوقعت بینه و بین الرئیس فتنة، قتل فیها جملة من أهالی بغداد، و فرّ جملة أخری، أما الرئیس فکاد یکون قتیلا، فرجع إلی ما رامه عبد الرحمن باشا الکردی، فبعد ذلک استقرّت الأمور لعبد اللّه باشا.

و فی سنة الأربعین من ولادة المترجم، و هی سنة 1228 ه (ثمان و عشرین و مائتین و ألف):

غزا عبد اللّه باشا عبد الرحمن باشا الکردی لتجاهره بالعصیان، فتلاقیا فی موضع یقال له کفری، فنشب الحرب بین الفئتین، فکانت الهزیمة علی عسکر عبد الرحمن باشا الکردی، ففرّ إلی کرمان من بلاد العجم.
و ممن قتل فی هذه الواقعة خالد بیک أخو عبد الرحمن باشا، و مکث الوزیر ثلاثة أیام، و بعدها توجّه إلی کرکوک، و حبس متسلّمها خلیل بن صاری مصطفی، و قاضیها عبد أفندی، و حبس أیضا شاطی‌ء شیخ شمر و ثلاثة من کبار عشیرته، و توجّه إلی الموصل قاصدا تنکیل سعد اللّه باشا لتخلّفه عن مساعدته، و لمراسلته مع عبد الرحمن باشا.
و لما بلغ سعد اللّه باشا توجّه الوزیر لمحاربته استقبله و اعتذر منه، فقبل عذره و عفی عنه، ثم رجع الوزیر إلی بغداد، و لما وصل الجدیدة بلغه أن سعید باشا ابن سلیمان باشا فرّ من بغداد إلی حمود بن ثامر، فدخل الوزیر بغداد یوم 9 رجب، و فی أول ذی القعدة خرج الوزیر یوم
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 303
حمود بن ثامر مشکور شیخ ربیعة، بعسکر جرار، و لم یدر أن الدائرة علیه ستدور.
فلما وصل أرض المنتفق عبر من غربی الفرات علی الجزیرة، فوافقه علی محاربة حمود بن ثامر مشکور شیخ ربیعة، و بعد ذلک غزا من المنتفق صالح بن ثامر مشکور الربعی، فتقاتلا [38] ملیّا، فانهزم مشکور و من معه، فعزل الباشا حمود شیخ المنتفق من المشیخة، و ولی بدله نجم بن عبد اللّه بن محمد بن مانع أخو ثوینی، فلا زال حمودا یکاتب الباشا و یترضّاه فی أن یدفع له جمیع ما صرفه علی العساکر، و هو یأبی.
و لما وقع بین صالح بن ثامر و مشکور ما وقع، و قتل مشکور زحف الوزیر بعسکره إلی أن نزل قریبا من عرب حمود فضاق حمود ذرعا مع أنه یعلم أن مقاومة عسکر عبد اللّه باشا یمیلون فی الباطن مع سعید باشا، و لکنه لحذره لم یثق بمراسلاتهم، ثم حمل الجیشان علی بعضهما، و انهزم کثیر من أتباع حمود و صدق الحملة برغش بن حمود فطعنه بعض عسکر عبد اللّه باشا، و حمل علی ابن ثامر، و قتل نجم بن عبد اللّه المنصوب الجدید من جانب الباشا شیخا علی المنتفق.
و لما کادت عشیرة حمود تولی الأدبار انهزم آل قشعم من عسکر عبد اللّه باشا إلی المنتفق، و کذلک انضم کثیر من أتباع الباشا الذین یمیلون إلی سعید باشا إلی جهة المنتفق، فسقط عبد اللّه باشا، و طاهر باشا فی یدیهما، فطلبا الأمان من حمود، فأعطاهما الأمان، و لکن لم یف لهما به، فإن عشیرته نهبت العسکر، و لم تبق معهم ما یسترون به عوراتهم، بل ترکتهم مکشوفین السوآة، فأمر حمود بن ثامر علی عبد اللّه باشا و طاهر
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 304
باشا، و ثالث معهما أن یقیّدوا فی الحدید، و یذهب بهم إلی سوق الشیوخ، و هی قریة المنتفق المخصوصة بهم، فلما مات برغش بن حمود من تلک الطعنة خنقهم راشد بن ثامر، و بعد ما قبروا نبشوا من القبور، و قطعوا رؤوسهم، و هذا جزاء الغدّار، فإن عبد اللّه باشا الکتخدا، و طاهر باشا الخازندار، فعاقبهم اللّه بمثل هذا العقاب الشنیع، و بعد هذه الواقعة، ارتفع أمر حمود بن ثامر و صار له شأن غیر الشأن الأول، و صار أمر سعید باشا بیده، فلذلک أعطاه سعید باشا ما فی جنوب [39] البصرة من قری، و ضحک له الزمان و أطاعه بما شاء، ثم توجّه حمود مع سعید باشا إلی بغداد، و دخلاها بالموکب و الأبّهة و الجاه، و کاتب سعید باشا الدولة فجاءه الفرمان بأنه والی بغداد و البصرة و شهرزور، فرجع حمود إلی المنتفق، لکن سعید باشا لا یبرم صغیرة و لا کبیرة إلّا بمشورته، و لو تباعدا بالأجسام من شدّة محبة له.
فلما وصل حمود إلی مقرّه طغی و بغی و تغیّر حاله الأول، و کثر الفساد من أتباعه و عشیرته، و کلما اشتکی أحد منهم لا یسمع فیه شکوی و صار کل من قصده مطرودا أو مظلوما لا یقریه إلّا الطعام فقط، و تکبّر و عتی.
و فی تلک الأیام صار أهل البصرة لا ینامون من تسلط سرّاق بنی المنتفق، حتی إن السارق لیتسوّر البیت العالی فی النهار فضلا عن اللیل، فإن وجد شیئا أخذه و باعه فی البصرة، و صاحبه یراه، و لا یقدر یتکلم.
و أما سعید باشا فإنه نعم الرجل، لو لا أن فوّض أموره لهذا البدوی الغشوم الظلوم، و عما نقم الناس علیه، أعطی حمّودا ما تحت یدیه
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 305
و تصدیر حمد أبی عقلین، و إعراضه عن تدبیر مملکته بنفسه، و تسلیمه زمام الملک إلی من لا یقدّر للملک قدرة، و لو فوّض أمره للوزیر المترجم داود باشا لرأی من العدل ما ینسی أخبار أنو شروان.
تولی سعید باشا وزارة بغداد فی السنة الحادیة و الأربعین من مولدی المترجم، و هی سنة 1228 ه ثمان و عشرین و مائتین و ألف، و فیها غزا والی بغداد قبیلة خزاعة لطغیانهم و قطعهم الطریق، فلم یجده غزوه شیئا.
ثم فی سنة 1229 ه: جهّز عسکرا جرارا و أمّر علیهم الأسد الغضنفر داود باشا، فسافر لغزو زبید و شمر و خزاعة و آل الضفیر، فإنهم عاثوا فی الأرض بالفساد، و أخربوا جمیع قری بغداد، من أن حاصل کربلاء، و کان فیها إذ ذاک من زوّار العجم أربعون ألفا، و فیها زوجة شاه العجم جاءت للزیارة، فخرج الوزیر المترجم مسرعا لإنقاذ الزوار من أیدی الأعراب المفسدین، و انشبک الحرب بینهم، فکانت الهزیمة علی الأشقیاء، فأرسل بعض عساکره إلی کربلاء، لیأتوا بالزوار إلی [40] بغداد بعد ما أزاروهم النجف، ثم توجّه داود باشا بالعسکر لغزو خزاعة، و فی أثناء الطریق، عزل شیخ زبید، و أقام مقامه الشفلح بن شلال، و ألزمه بمحافظة الطریق، ثم تلطّف لمشایخ آل وادی، و بعد مجیئهم إلی العسکر عاقبهم و شنّ الغارة علی أهالیهم، فانهزموا و تشتتوا شذر مذر، فغنم الباشا مواشیهم، و سار إلی الدیوانیة من أرض بنی خزاعة، فلما رأی خزاعة العبرة فی غیرهم، انقادوا للطاعة، و أتوه طائعین خاضعین طالبین العفو و الأمان، و أعطوا الخراج القدیم و الجدید، و قدّموا الهدایا اللازمة، و انتهت سنة 1230 ه ثلاثین و مائتین و ألف.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 306
ثم دخلت سنة 1231 ه (إحدی و ثلاثین و مائتین و ألف): قتل بنیه بن قرنیس الجرباء الطائی التعلی، و أوتی برأسه إلی سعید باشا، وزیر بغداد، لما بینه و بینه من العداوة، و بینه هذا من کرماء العرب و شجعانها، حتی إنه کاد یحاکی فارس الثعامة فی الفروسیة و الشجاعة، و أعجب ما فیه الحیاء فإن حیاؤه یزید علی حیاء البنت العذراء، و کانت لا تظهر شجاعته و لا فروسیته إلا وقت الحرب، و هو ینتمی إلی طی‌ء.

فصل فی سبب خروج الوزیر المترجم من بغداد و سموّه إلی أعلی ذری المجد

اعلم أن الوزیر سعید باشا لم یزل داود باشا ناصحا له خادما له و لأبیه، جاریا علی وفق أوامره، و طالما کابد المشاق فی المحافظة علی راحة سعید باشا، و فی المحامات عن ملکه، و طالما سهر اللیالی الطوال فی غزو العصاة أرضا، لخاطر سعید باشا، و ذلک شکرا لما لوالده علیه من النعم، و مثل هذا الوزیر جدیر بحفظ حقوق الآلاء لما هو علیه من المروءة و الشهامة و الغیرة و النجدة، و طهارة الباطن، و جزالة الرأی، و الوفاء بالمواعید، و کان داود باشا لسعید باشا الوالی ردّا و ترسا و ساعدا، فلما رأی أرباب الأغراض تقربه حسدوه و أضمروا بعده ثم حتی یتم لهم غدرهم بالأمة، و لا زالوا یلقون فی حقه عند سعید باشا أکاذیب و مختلقات، و یدسون علیه مساوی‌ء حلشاة و هو بری‌ء منها.
فوافقهم سعید باشا لکونه غرّا لا یفرق بین [41] صدیقه و عدوّه، فأضمر سعید باشا قتل داود باشا و شاور بعض الناس فی هذا الأمر،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 307
فوصل الخبر إلی المترجم داود باشا، فصار فی حیرة، فأشار علیه بعض خلّانه بالتقرب من بغداد لسلامة روحه، و لأنه لا یکمل البدر إلّا بالسری، و لو لا التغرب ما وصل الدرّ من البحور إلی النحور، و أنشد:
و لا یقیم بدار الذلّ یألفهاإلّا الأذلّات عیر الحی و الوتد
فخرج من بغداد و الإقبال یقول: بشراک بشراک، و التقوی تتلو علیه، و من یتق اللّه یجعل له من أمره یسرا، لاثنی عشرة خلت من ربیع الأول من السنة الرابعة و الأربعین من مولده، و هی الحادیة و الثلاثون بعد المائتین و الألف، و معه مائتان و خمسون فارسا ممن یبیعون أرواحهم فی حبه.
فلما بلغ کرکوک کاتب الدولة العلیة فی طلب وزارة بغداد، و أرسل لهم کتابا یتضمن من البلاغة أنواعا یدل علی سعة باع کاتبه فی جمیع العلوم، بل و فی الخفی من السیاسیات و الجلی، فملأ عیون الدولة، و علموا أن فی العراق رجلا، و أرسلوا له فرمانا بأنه والی العراق، البصرة، و شهرزور، و بغداد.
فلما وصل أمر السلطان محمود إلیه قبله بالإجلال و الإکرام علی حسب الرسوم المقتضیها الحال، و فی الحال کتب نسخا متعددة مجرّدة من صورة ذلک الفرمان العالی الواجب التعظیم و الاحترام، و أرسلها إلی من بیدهم الحل و العقد فی نواحی بغداد، مثل حمود بن ثامر، و النقیب، و الکتخدا و غیرهم من أعیان بغداد لکی تنطفی الفتنة بمجرد سماعهم هذا الخبر، فأزمع حمود علی الرجوع إلی وطنه، و تخلّی عن سعید باشا، و قال له: إنا نحمیک ما دمت خادما للسلطان، و الآن ما یسعنا إلّا تأمین أوطاننا، أو أن تسمع نصحنا، فسافر معنا إلی أرضنا فهو أسلم لعاقبة
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 308
أمرک، فلم یرض سعید باشا بالسفر مع حمود، بل بقی علی زعمه أنه یحارب داود باشا، و یمنعه من دخول بغداد، و ما یدری أن جمیع العراق ارتجف بمجرد سماعهم اسم داود باشا، فتخلّی حمود عن سعید باشا، و أسلمه أصدقائه و محبوه.
و أرسل أکثر أهالی بغداد إلی داود باشا أن اقبل [42] و لا تخف إنک من الآمنین، فأقبل و الدنیا تضحک فی وجهه، و دخل بغداد دار السلام بعد الظهر، یوم الجمعة، خامس ربیع الثانی سنة خمس و أربعین من مولده، و هی سنة 1232 ه اثنین و ثلاثین و مائتین و الألف، فضحکت أفواه المسرة، و عدّ یوم دخوله عیدا للخاص و العام، و هنّاه الشعراء بالقصائد، فأجازهم و استقرّ علی کرسی الحکم، و أجدی السیاسة و الشریعة علی ما هی علیه فی الحقیقة، و قتل من قتل فی تلک المعرکة، و ممن قتل فیها سعید باشا ابن سلیمان باشا، و کان قتله علی غیر رضا داود باشا، و لکن المقدّر کائن.
و فی هذه السنة أمر السلطان محمود محمد علی باشا والی مصر بإرسال عساکر لقطع دابر الوهابیین من الدنیا، و لم یکتف السلطان بفتح الحرمین فقط، فسافر إبراهیم باشا بن محمد علی باشا بعسکر جرار، و وصل المدینة المنورة، و توجه إلی نجد، و فی مقدمة جیشه أزن علی علی مائتین و خمسین خیّالا من فرسان الرجال، و کان مع عبد اللّه بن سعود فی تلک الواقعة جیش جرار، ظل یعبی‌ء فیه من حین سمع خروج إبراهیم باشا من مصر، و عدد جیشه فی تلک الواقعة نحو أربعین ألفا.
فأوّل ما التقی من جیش إبراهیم باشا بأزن علی، و کان عبد اللّه بن
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 309
سعود فی ألف فارس طلیعة لقومه، و الجیش خلفه بمسافة ثلاث ساعات، فلما رآهم أزن علی استقل الألف فارس، و أغار علیهم فورا بالمائتین و خمسین خیّالا، و انتشب القتال بینهم، فکانت الهزیمة علی عبد اللّه بن سعود بسبب أن عسکر أزن علی مع کل عسکری خمسة نیران یحارب بها البندق الذی علی کتفه، و طبختان علی سرج الحصان، و طبختان فی حزام العسکری.
فلما التقی الجمعان أثار کل عسکری خمس رصاصات علی کل عسکر ابن سعود، فکان الذی رمی علیهم فی دقیقة واحدة: ألف و مائتین و خمسین رصاصة.
و أما عسکر ابن سعود فأکثرهم عرب یضربون بالأرماح و بالسیوف، و معهم بعض بنادق، إلّا أنها قلیلة، و جمیعها تقد بالفتیلة، فما داموا یقدمون لتولیع فتایلهم إلا و دهمهم أزن [43] علی بخیله و نیرانه، فکان هذا سبب هزیمة عبد اللّه بن سعود مع الألف فارس الذین کانوا معه، فلما انهزموا التحقوا بجیشهم الکبیر، و لکن دخل الرعب فی قلب عبد اللّه بن سعود، لما شاهده بعینه من النیران التی قتلت قومه فی لمحة بصر، و علم أنه لا قدرة له علی حرب الروم فی هذه الأماکن، خصوصا، و الروم معهم جملة من المدافع، و إلی الآن لم یسمع صواعقها، فکرّ راجعا بجیشه فتبعه إبراهیم باشا إلی أن وصل الرس، فحاصرها إلی أن فتحها صلحا، ثم صار قاصدا عنیزة، ففرّ ابن سعود بجیشه إلی الدرعیة بمجرد سماعه وصول إبراهیم باشا إلی عنیزة، و حاصرها فأطاعه أهلها ما عدی قصر یسمی قصر الصفا، شاهق البناء محکمة، فیه من أتباع عبد اللّه بن سعود مرابطون، فأنذرهم الباشا، و أمرهم بفتح القصر، فأبوا، فرمی علیهم بعضا من
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 310
مدافعه، فهدم القصر علی رؤوسهم فصاحوا و طلبوا الأمان، فمنحه إیّاهم، و هم صاغرون، و خلّی سبیلهم ثم ارتحل من عنیزة، و نزل بریدة، فأطاع صاحبها، لما رأی العبرة فی غیره، و اسم صاحبها حجیلان من بنی علیان.
و لنرجع إلی أخبار داود باشا، ففی أول عام من وزارته، أطاعه جمیع العشائر من الحاضر و البادی، و امتثلوا أوامره، إلّا آل ولیم، فإنهم ارتکبوا الفساد و العصیان، فعزم الباشا علی غزوهم، فغزاهم بعسکر جرار علیهم محمد بیک الکتخدا، فأطاعوه، و أدّوا ما علیهم من الخراج.

و فی سنة 1233 ه (ثلاث و ثلاثین بعد المائتین و الألف):

أرسل علامة العفو إلی أعراب الدلیم، و استلم منهم الخراج، و کرّ العسکر راجعا، فقصد عرب الجریا، و نکلهم خمسمائة ناقة، فی مقابلة ما نهبوه من الحدیدتین، ثم رجع الکتخدا، و فی رجوعه غزا آل یسار فغنم جمیع أموالهم و مواشیهم.
و لنرجع إلی أخبار إبراهیم باشا المصری، فإنه نهض من بریدة من أرض القصیم عازما علی قتال ابن سعود، و أخذه مأسورا إلی السلطان، فوصل إلی «شقرا» من قری نجد، و کانت غاصة بعسکر سعود، فحاصرها، و امتنعوا من الطاعة، فضربها بالمدافع، و هدم سورها، و هلک أکثر أهلها، فبعد [44] ذلک طلبوا الصلح و الأمان، فمنحه إیاهم، و دخل البلدة.
فأما ما کان من أهل الدرعیة، فإنه خلّی سبیلهم، فلحقوا بدرعیتهم، و لم یبال بتقویتهم لقومهم، لما هو واثق به من قوته، و ضعّف عرب ابن سعود فارتحل إبراهیم باشا، و وصل القریة المسماة بضرمة، فامتنعت عن
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 311
الطاعة، لأن فیها جملة من أهالی دیانة الوهابیة المتعصبون علی دینهم، فأنذرهم الباشا فلم یسمعوا، فصبّ علیهم نیران الأطواب حتی ترک سور بلدتهم کأن لم یکن، فغارت الخیل علیهم من جمیع الجهات فأبادتهم إلی آخرهم الرجال و الشباب و الشیب، و لکن لعفّة إبراهیم باشا، حجز العسکر عن النساء، فسافر إبراهیم باشا قاصدا بلدة مسیلمة الکذّاب، ألا و هی الدرعیة، فأوّل ما وصلها أمر بقطع النخیل، و حاصر البلدة، و طلب من ابن سعود مواجهة السلطان محمود، و ترکه لهذه البدعة التی سفکت دماء المسلمین، و أخربت جزیرة العرب، فلم یرض عبد اللّه بن سعود، بل طلب الحرب و النزال و الطعن و القتال، فحاصرها الباشا، و رمی علی البلدة بالمدافع، و صبّ علیها من الکلل ما یزید عن المطر، حتی أذلّ البلدة، و أهلک أکثر أهلها، و خرّبها إلی أن صارت قاعا صفصفا.
فبعد فتحها بیومین ربط عبد اللّه بن سعود، و أرسله إلی السلطان محمود، و صار فتحها فی التاسع من ذی القعدة الحرام، و هذا الفتح الذی أعزّ اللّه به الدین.
و فی تلک السنة أرسل داود باشا والی بغداد محمّدا و ماجدا ابنی عرع الخالدی الحمیدی، و معهما قبائلهما لأجل فتح الحسا و القطیف، فسارا و حاربا من کان فیها من عسکر ابن سعود، و فتحا الحسا و القطیف بعد حروب طویلة، و فرّ عسکر ابن سعود إلی حیث لا یعلم خبرهم لأنه لا معقل لهم، حتی حیث أخذت الدرعیة، و انمحت شوکة الوهابیین من الدنیا، و صار الباقون منهم یتوارون فی الأحجار فی البوادی کالجرابیع و الأرانب حتی إنه ذهب بعض المفسدین.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 312
و حسن إبراهیم باشا المصری أخذ الحسا و القطیف [45] فأرسل من طریقه عسکرا و علیهم عثمان بیک الکاشف، فخلّص الحسا من ید الخالدیین، ففرّ الخالدیون إلی بغداد، ففی الحال أرسل داود باشا محضرا إلی السلطان محمود، یطلب منه أن یعید الحسا إلی الخالدیین، أتباع العراق و بغداد قدیما، فجاء فرمان السلطان محمود إلی إبراهیم باشا، و محمد علی باشا، مضمونه ترک الحسا و تسلیمها لمحمد و ماجد ابنی عرعر، فسلمها إبراهیم باشا، و دفع عسکره عنها امتثالا للفرمان الواجب التعظیم و الاحترام، و رحل عنها عثمان بیک الکاشف بدون حرب و لا ضرب.
و فی تلک السنة أخذ قبیلة الصقور العنزیون بالتعدی و المخالفة، و قطع الطرق، و نزلوا غربی المسبب، و خرّبوا و نهبوا، فأرسل داود باشا علیهم عسکرا، و رئیسهم یحیی الخازندار، و کان غرّا لم یجرب الحروب، فأول ما رأی خیام الصقور أغار علیهم من غیر تعبئة للعسکر، فلما انتشب القتال بین الفرقتین کانت الهزیمة علی العسکر و یحیی بیک، و أسر من عسکره جملة، فرجع إلی بغداد مخذولا مهزوما.
و لما سمع مشکور الشمری کسرة عساکر الباشا، اغترّ و طمع، و شرع فی الإفساد و قطع الطرق، فجهّز علیه داود باشا سریة من عسکره، و رئیسهم محمد بیک الکتخدا، فغزاهم و لما قرب من رحالهم و سمعوا به رکبوا متن الهرب، و طاروا إلی الفیافی و القفار، فنهب الکتخدا ثمانیة آلاف شاة من غنمهم، و مائتین من الإبل، و رجع إلی بغداد منصورا بالغنائم معه.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 313

و فی سنة 1234 ه (أربع و ثلاثین و مائتین و ألف):

أمر الوزیر داود باشا صالح آغا الکردی أن یخرج إلی النجف بطائفة من العسکر لتأدیب بعض طوائف هناک خارجین عن الطاعة، و یلزمهم بالخراج کسائر العشائر، فتوجّه صالح آغا الکردی، فلما بلغ المشهد تقاتل هو و ابن دبیس، فکانت الهزیمة علی ابن دبیس و قومه، فقطع رأس ابن دبیس و أرسله إلی بغداد، و أرسل الباشا خلعة تولیة مشهد علی إلی محمد طاهر أفندی.
ثم إنه بلغ الباشا أن جلیحة و عفک و الصقور عادوا إلی الطغیان و سلب [46] الأمنیة، فجهّز علیهم عسکرا، و رئیسهم محمد بیک الکتخدا فی ثانی المحرم الحرام، فلما وصلوا إلی ذی الکفل علیه السلام، ورد علیهم ابن قعیشیش حمدان و ابن هدال، و ابن أخیه فواز، و خمسة عشر رجلا من کبرائهم، فما وسع الکتخدا إلّا أنه کبلهم بالحدید و أرسلهم إلی بغداد، فانتظمت أمور المملکة، و سکنت الفتنة، و شاع الأمن فی الرعیة.
و فی أثناء زحف الکتخدا بلغه أن عرب ابن هدال و عبد اللّه بن حریمس من عنزة أقبلوا فی عیر لیکتالوا، فأمر الکتخدا شیخ خزاعة، و شیخ البطیح أن یستأصلا ذلک العیر، و نزل العسکر الدیوانیة، و اشتغلوا بنصب الجسر منتظرین خزاعة و البطیح المأثورین بقتالهم، فبلغ الکتخدا أن الفریقین التقوا علی غیر میعاد و اشتغلوا بالقتال من الصبح إلی المساء، فکانت الهزیمة علی عنزة، و غنم منهم الخزاعیون إبلا، و وفدوا علی العسکر بالغنائم، و ارتحل الجمیع و عبروا الیوسفیة الحائلة بین العسکر و بین جلیحة و عفک، فاجتمعت القبیلتان علی قتال الکتخدا.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 314
فلما التقی العسکران، و نشب بینهم الحرب، فأما جلیحة فبعض القبیلة أطاع، و البعض الآخر هلک، و أما عفک ففرقة انهزمت، و فرقة دخلت قلعة شحیر، فقرب منها العسکر فی الثامن و العشرین من شهر صفر، فأنذرها الکتخدا و لم تغن النذر، فرمی علیها بالأطواب، و صمم علی هدمها، فلما تیقّن أهل القلعة تصمیمه هربوا لیلا هم و عیالهم، و ترکوا الأموال و الأثقال، و فی الصباح هدمت القلعة، و صارت أموالهم غنیمة، و ذلک بعد ما أحکم من الیوسفیة السد و ألبس المشایخ الطائعین خلعا، و التزموا بأداء خمسین ألف درهم، و عیّن لاستیفائها منهم شیخ خزاعة، و جعل علی السد عقیلا و اللاونة، و رجع إلی بغداد فی الخامس و العشرین من ربیع الأول، و قبّل أعتاب الوزیر المشار داود باشا والی بغداد فألبسه خلعة من السمور تلیق بأمثاله.

و فی سنة 1235 ه (خمس و ثلاثین و مائتین و ألف):

تمرّد آل دلیم، فجهّز [47] علیهم الباشا عسکرا، و أمّر علیه الکتخدا، فسار إلیهم و حذّرهم و أنذرهم، فلم تغنهم النذر الأربعة منهم من مشایخهم أطاعوا فأمنهم الکتخدا و قبلهم، و تحصّن الباقی بالأقیال مزمعین علی القتال، ففی یوم الثلاث، عاشر ربیع الآخر، انتشب القتال بین الفریقین من طلوع الشمس إلی بعد الزوال، فهبّ ریاح النصر علی العسکر، و قتلوا العصاة أشرّ قتلة، و أکثر الأشقیاء غرق فی الدجلة، و سبوا نسائهم و زراریهم، و نهبت أموالهم و أمتعتهم، فأرسل الکتخدا للباشا یبشّره بهذا النصر، فردّ علیه الباشا جوابا مستصوبا أفعاله، حامدا شجاعته و خصاله، و بعد ذلک عزم الکتخدا علی تأدیب قبیلة زوبع و جمیلة و آل عیسی، و أهل قریة شفائی، فإن الجمیع بدت علیهم آثار الخروج و العصیان، و منعوا
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 315
الخراج، فلما قصدهم الکتخدا، فأما قبیلة زوبع فرکبت متن الفرار إلی البوادی و القفار، و أما جمیلة و آل عیسی فاستقروا فی الدیار، و التزموا بأداء مبلغ نقدا جزاء لأفعالهم، و أما أهل قریة شفائی فأدّت الخراج صاغرة ذلیلة، و طلب الجمیع الأمان و العفو، فمنحه إیاهم، ثم رجع الکتخدا إلی بغداد مظفرا منصورا.
و فی تلک السنة سکن محمد باشا ابن خالد باشا کرکوک، فأساء خدّامه علی قطّانها، فتشکوا أهل کرکوک إلی الوزیر المترجم، فأرسل الوزیر إلی محمد باشا ابن خالد باشا لیزجر خدّامه عن المفاسد و التعدی علی الرعایا، فما امتثل أمر الوزیر، و لا ارتدع، فأرسل إلی متسلم کرکوک موسی آغا أن یقیّد محمد بیک ابن خالد باشا بالحدیدة، و یرسله إلی بغداد، و حبسه فی السرایة دار الإمارة.
فلما علم خدّامه أحاط ثلاثمائة منهم بدار الإمارة، و فکّوا سیدهم من الحدید قسرا، فمذ بلغ محمد باشا ما کان علی والده و ابن عمه ندم علی ما فعله، فلم یذهب لذلک إلی العجم، و أرسل الباشا یعتذر فیما صدر منه، و یسترحم الوزیر فی فک أبیه و ابن عمه، فشرط علیه الوزیر [48] أن لا ینزل کرکوک، و أن یمنع خدّامه من التعدی علی الفقیر و الغنی، و أنعم علی أبیه و ابن عمه بما یقوم بکفایتهما.
و فی هذه السنة ختن یوسف بیک ابن الوزیر المترجم والی بغداد داود باشا، و ختن معه ألف یتیم، و نثر الدرر و الجواهر للناثر و الشاعر و هنّأ أبوه المترجم بقصائد غرر، و عدّ یوم ختانه عیدا علی جمیع الأهالی خصوصا الفقراء و الغرباء.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 316

و فی سنة 1236 ه (ست و ثلاثین و مائتین و ألف):

و هی الرابعة من حکومة المترجم: أرسل السلطان محمود إلی الوزیر المترجم هدیة إلی بغداد فی غرّة صفر، فأمر الوزیر أن یستقبلها الکتخدا و رؤساء العساکر، و أنزلت فی القلعة، و أکرمت من صاحبها.
و أما محمد بیک بن خالد باشا الکردی بعد ما عفی الوزیر عنه أخذ یعربد فی الفساد، و رحل إلی کرمان عند والیها محمد علی خان القجری، فحبس والی بغداد أباه خالدا باشا لیمنع ابنه من الفرار إلی بلاد الرفض، و عند ما تحقق یحیی أفندی الخازندار أن محمد بن خالد باشا فرّ إلی العجم أخذ یلحم و یسدی فی الفساد، و إضرام نار الفتنة لما بینه و بین مقاصده فحالا حبسه ثم قتله، و لإبراز الأبّهة، و إظهار القوة العسکریة، خرج الوزیر من بغداد فی جیش جرار، و وصل إلی فریحات لیعلم الأضداد أن اللیث لیس بنائم و لا غافل، و أقام للصید أیاما، و أرسل أخاه الأمیر أحمد بیک لیرهب به الأعداء، فلما علم صاحب کرمان بخروج الباشا رجع إلی کرمانه بجیشه و خسرانه، و رجع الوزیر داود باشا إلی بغداد.
و أما سلیمان بیک ابن إبراهیم باشا فانهزم إلی العجم لما کان یخفیه من سوء السریرة، و أما خالد باشا الکردی المأسور فإنه لما تحقق الباشا أنه لیس له دخل فی فتنة ابنه فکّه من القید، و أطلق سبیله، و قال: و لا تزر وازرة وزرة أخری.
و ممن انهزم إذ ذاک إلی العجم عبد اللّه باشا الکردی فی مائتی فارسا من کرده، و لما اجتمع هؤلاء الأمراء الأکراد عند والی کرمان أخذوا یثیرون الفتن، و یعیثون فی الأرض بالفساد، و یعاونهم فی الباطن والی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 317
کرمان، فمن شرّهم أنه [49] غزا محمد بیک ابن خالد باشا قولای و علباد و خانقین، فقلل من أهلها و نهبهم و رجع إلی بلدة ذهاب، فأرسل الوزیر إلیهم سریة من العسکر، فلم تلحقهم، و کلما خاطب الوزیر والی کرمان ینکر أفعال أمراء الأکراد و یتبرأ منها مع أنه أساسها و موقد نارها لما بینه و بین أهل السنة من العداوة.
فلما یحیی الباشا أرسل إلی الدولة العلیة یطلب منها الإذن فی محاربة العجم جمارا فجاءه المنشور من الدولة و فیه الإذن بالحرب فحینئذ أمر الوزیر عسکر اللاونة و الأکراد أن یجتمع منهم ألف و خمسمائة خیال، و ینتظرون فی الزنکبار، فحضروا و انتظروه فلملم عساکره و جموعه و قال:
من اعتدی علیکم فاعتدوا علیه، و بلغ وزیر بغداد أن والی کرمان أعطی مملکة الأکراد إلی عبد اللّه باشا الکردی و أنه جهّز معه خمسة عشر ألفا من العساکر لمعاونته، و لإخراج محمود باشا الکردی، فأمر والی بغداد أن یسیر محمد بیک الکتخدا مع العسکر لطرد أهل الفساد و لنصرة محمود باشا، فسافر بعسکره و التحق بعسکر اللاونة، و جلس ینتظر أمر محمود باشا، فظلّ أربعین یوما حتی ورد علیه أمر من محمود باشا یأمره فیه باللحوق به، فإن والی کرمان أرسل مع عبد اللّه باشا خمسة عشر ألفا من العساکر لأخذ السلیمانیة، خصوصا حیث خان أمیر الجاف، و لحق عبد اللّه باشا فصار محمود باشا فی حیرة من أمره إلی أن وصله الکتخدا بعسکر الباشا، فقوّی عزائمه، و شدّ ساعده، و لکن صار المدد یترادف علی عبد اللّه باشا من طرف والی کرمان، فأخذ یخرّب القری، و ینهب و یفسد المزارع، و نهب من کان فی نواحی الزنکباد من الرعایا.
فبلغ الوزیر هذا الخبر فأرسل أخاه أحمد بیک بعسکر، و ما کفاه
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 318
ذلک حتی لحق بنفسه لیساعد العساکر بهمته، و یطفی‌ء نار الفتنة، و أرسل إلی محمد بیک الکتخدا یأمره فیه سرّا أن یلحقه بعسکره، فإنه إذا اجتمعت العساکر فی نقطة واحدة یشتد فعلها، و تکبر شوکتها، فکتب إلی الباشا [50] یعتذر إلیه بأعذار باردة توجب تخلفه، و الحال أن ما مقصد الکتخدا إلّا الخیانة و الانضمام إلی عسکر العجم، لکن ما أحبّ إظهار الخیانة إلّا بعد أن یهلک جمیع عساکر الباشا، و عساکر الدولة.
فلما استشعر عبد اللّه باشا بخیانة محمد الکتخدا صار عنده عیدا، فرحل و نزل قریبا من عسکر الکتخدا فأراد الکتخدا المحاربة لیوقع العساکر السلطانیة فی هوة الهلاک، فنصحه جملة من کبار العساکر أن لا یحارب فی هذا الوقت، بل یلتحق بعسکره إلی الوزیر داود باشا فأبی أن یسمع کلامهم، و تجمعت عساکر العجم مع عبد اللّه باشا و معهم والی کرمان، و کانوا خمسة عشر ألفا، و عسکر الکتخدا الخائن ثلاث آلاف، فانتشب القتال بین الفریقین ساعتین فقط، فکانت الهزیمة علی الکتخدا.
و أما هو فلحق بالعجم مکرما معزوزا لما بینه و بینهم من المباطنة، فعظم البلاء علی المسلمین، و فی تلک الأیام وقع وباء عظیم، کاد أن یفنی أهل البصرة، و قد و اللّه کنت إذ ذاک فی البصرة، و شاهدت الهول، و الناس أیقنوا بالتلاف، و تأسفوا علی ما کان من أعمالهم، فکأنهم حشروا و نشروا، تراهم تذهل کل مرضعة عمّا أرضعت، و تری الناس سکاری و ما هم بسکاری، و هو طاعون کما ذکره الإمام النووی أن من علامات الطاعون القی‌ء و الإسهال، و لکن صاحبه لا یبول فمتی بال سلم، و قد کان لا یسلم، و استمر فی البصرة من آخر شوال إلی آخر القعدة، ثم خف إلی أن أزاله اللّه بفضله، و صاحبه تعتریه حرارة عظیمة ظاهرا و باطنا، فبعضهم
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 319
یلقی نفسه فی الماء البارد من شدّة الحرارة، و لیس له دواء ینفع، و أول ما وقع فی البصرة هبت الشمال نهارا، و مات فیه من أهل البصرة أکثر من عشرة آلاف و صار هذا الوباء عاما فی أقطار جمیع العراق.

و فی سنة 1237 ه (سبع و ثلاثین و مائتین و ألف):

و هی السنة المتممة للخمسین مدة مولد المترجم رکب محمد بیک الکتخدا متون الخیانة، و لحق بدار الرفض سوّلته له نفسه أن یکون والی بغداد، حتی أغوی والی کرمان علی موافقته [51] فأخذ فی شنّ الغارات علی أطراف بغداد، و سار إلی کرکوک و قاتلهم و قاتلوه، و صبروا صبر الکرام، ثم ترکهم و زحف إلی أطراف بغداد و معه جملة کبیرة من عساکر العجم و الأکراد إلی أن نزل قریبا من بغداد بثمان ساعات فی ملّی عباس، و قد کان الوزیر أخبر الدولة بهذه الهزیمة التی صارت علی العساکر، و بخیانة الکتخدا محمد بیک و بلحوقه بدیار العجم، و أخبرهم أن والی کرمان مجمع الجموع، و لا یرجع عما فی ضمیره إلّا بمحاربة بغداد.
و لما قرب عسکر العجم بغداد و لم یخرج إلیهم الوزیر، و لم یرسل إلیهم عساکره بل ظل محافظا لأسوار البلدة بغداد، و فی أثناء المحاصرة غزا محمد الکتخدا بجملة ممن معه من عساکر الأکراد قریة الخالص، و نهب منها أربعین ألف رأس غنم، و خرب بساتین الخالص، ثم رجع بکرّه و التحق بجیش العجم و کان أرسل والی کرمان سریة نحو ألف فارس لجلب المیرة، فلقیهم صفوف الجرباء و بدد شملهم و غنم أسلحتهم و خیلهم.
و لما سلم رئیس عرضی العجم من المحاصرة، و لم یستفد شیئا منها
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 320
خاف أن یحصل مدد لداود باشا، فیبدد شمل عسکر العجم، فما وسع رئیس عسکر العجم إلّا أنه أشار إلی طلب الصلح، فأرسل الوزیر من طرفه محمد بن أبی دبس، و محمد بن النائب تلمیذه لأن یعقد الصلح مع والی کرمان رئیس العرضی.
فلما تفاوضا معه فی هذا الشأن شرط رئیس العجم أنه أولا یعطی الوزیر لواء بابان لعبد اللّه باشا الکردی، و یعطی لواء کوی و حریر لمحمد بیک بن خالد باشا، و أن یرسل الوزیر الخلعتین الآن، و أن یعفو عنهما، و تولیة العاصی و إن خالفت فرحان السلطان، إلّا أنه یری الحاضر ما لا یری الغائب، فداود باشا رأی المصلحة فی الصلح اقتفاء بالرسول صلّی اللّه علیه و سلّم فی وقعة الحدیبیة، فاستشار داود باشا أعیان خدمته، و أعیان بغداد، فکلهم أشاروا بالصلح، فأخذ منهم سندات بأن لهم الرغبة فی الصلح، فحینئذ أمضی علی أمر الصلح، و أرسل الخلعتین إلی الوالیین المذکورین، فتمّ الصلح، و رحل عرضی العجم، و ردّ من المنهوبات نحو عشرة آلاف من المواشی [52].
و فی أثناء سفر رئیس عرضی العجم مات و هلک، فصفت الدنیا لداود باشا و سالمته جمیع الأعداء، و هذا من علامة سعده، و إن حظه لا زال فی إقبال، و فی أیام نزل والی کرمان قریبا من بغداد، دخل سکان القری خوفا من القتل و السلب، فصاروا یتأوون فی المدینة للاطمئنان، و لکن بحمد اللّه لم یغل سعر الأقوات قط، بل سعرها صار أرخص من الأول، و هذا بسبب سیاسة الوزیر.
و مثل بغداد بلد کبیر لا یمکن حصارها علی الوج الأتمّ، لأنها مدینة
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 321
کبیرة، و لها طرق متعددة، و البحر الحلو متخللها، فلا یمکن ضبطها من کل الوجوه فأهلها لا یزالون شبعانین زیانین، فلهذا أیس العجم من محاصرتها، و طلب الصلح، فلما انتهت مدّة الحصار رجع سکان القری إلی أوطانهن، و رفع الباشا عنهم الخراج فی هذه السنة لما أصابهم من الضرر.
و من جملة من طغی و بغی فی أیام الحصار بعض الأعراب، فصار ینهب و یخرب بعض الأماکن، فنهب من رعایا الدجیل [...] علی ذلک أرسل الوزیر المترجم سریة لتأدیبه و لرد المنهوبات، فردّ المنهوبات، و رجع عن طغیانه. و من حین سفر عرضی العجم من بغداد أخذ داود باشا یلملم أحواله، و یعبی‌ء جیشا جرارا لأخذ الثأر من العجم، لکنه صار ینتظر أمر الدولة العلیة لیجاوبه عما سألهم فیه من المدد بالعساکر، فما شعر إلّا و الأوامر السلطانیة علیه، و علی والی دیار بکر رؤوف باشا، و فوّضت ریاسة العساکر جمیعا لداود باشا، و أن یتوجه هو و العساکر جمیعا لمحاربة الشاه عباس بن شاه العجم، و صحبهم أیضا عسکر من الأناضولی، و والی الموصل أیضا بعسکره.
فلما تجمعت العساکر ورد أمر آخر سلطانی و معه کرک سمور هدیة من السلطان إلی داود باشا، و یحثّه فیه علی أنه لا بد من إهلاک الخائن محمد الکتخدا، و أن یصرف فی طلبه جهده، حتی یکون عبرة لغیره من المارقین الباغین، و هذا الغرمان مع الکرک، ورد مع أحد خدّام السلطان المسمّی خاصکی إبراهیم أفندی.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 322

و فی سنة 1238 ه (ثمان و ثلاثین و مائتین و ألف) [53]:

غزا صفوف بن فارس الجربا الشمری الأمیر عباس بن شاه العجم، و عبر نهر دیالة بفوارس شمر إلی أن صار بمرأی من عساکر الشاه، فرکب علیه فرسان العجم، و کرّوا علیه فاستطردهم حتی عبروا نهر دیالة و بعدوا عنه، فعطف علیه شمر و صفوف الجربا، و شدّوا علیهم شدّة الأمور علی القراش، فأدبرت فرسان العجم، و قفاهم فوارس شمر، و قتلوا منهم من أدرکوه، و أتوا بخیلهم و سلبهم.
و أخبرنی غیر واحد أن هذه الواقعة غیر الأولی التی ذکرها المؤرخ الترکی، و لأجل هذه الخدمة التی خدمها صفوف الجربا، و النصرة التی نصر بها سید الوزراء، أنعم علیه داود باشا ببلدة عانة، و ما تابعها من القری، و هو إعطاء لم یسمع بمثله إنما هذا الوزیر أراد أن یشتری الأحرار بدل العبید.
و فی هذه السنة (1238 ه): وقعت واقعة بین سکان بلدة الزبیر، و کانوا قبلها یدا واحدة علی من قصدهم بشر، حتی فشا بینهم ضربان الخلاف، ففرّق ائتلافهم و أوقع بینهم الحسد و البغضاء، و ذلک أن محمد بن ثاقب بن وطبان یحسد یوسف بن زهیر علی ماله، و علی ما أنعم اللّه به علیه، و لاستعباده أشراف الناس بسماحه و غواله، فادّعی ابن ثاقب علی ابن زهیر دعوی یکذبها من له أدنی عقل، و تلک الدعوی أن یوسف بن زهیر أمر بسمّ راشد بن ثامر، و صدّقه فی دعواه بعض المغفلین، و أفشاها من یحب أن تشیع الفاحشة فی الذین آمنوا، و کل هذا إرضاء لآل المنتفق.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 323
و کان ابن ثاقب قبل دعواه مصطفیا بعض أوباش أوغاد عقول لهم لأن یعینوه علی أخذ یوسف بن زهیر و تسلیمه إلی حاکم البصرة، فسعی ابن ثاقب إلی حاکم البصرة فصدّقه المغفل من غیر أن یقیم دلیلا علی صدق دعواه، خصوصا و الدعوی علی غائب لا تسمع، فالمتسلم رفع القصد إلی داود باشا، فلما شاع خبر السمّ أخذ یوسف بن زهیر فی التحذر، و انضم إلیه کل من له علیه معروف، و تحیّز فی بیته من یغضب لغضبه، و یعیش بسببه.
فلما علم ابن ثاقب أن عدوّه تحذر و أنه فی حصن من [54] الرجال لا یمکن افتراسه، و لا یمکن إیقاع المکیدة به، أمر الزمرة الأوغاد التی اصطفاهم أن یهجموا بسلاحهم لیلا علی ابن زهیر فی داره، فلما مدّ اللیل رواقه تجمعوا و أرادوا الهجوم علی ابن زهیر فأحسّ بهم خدّام ابن زهیر قبل أن یصلوا إلی باب داره، فتقاتلوا و قتل من أتباع ابن ثاقب، و انهزم الباقی، و رجعوا خائبین، ثم دخلوا البصرة، فأخرجوا منها بأمر داود باشا حذرا من تفاقم الفتنة و ضرر الناس.
فنزل ابن ثاقب و أتباعه قریبا من نهر معقل، و متسلم البصرة إذ ذاک محمد کاظم أفندی، فما زال ابن ثاقب فی منزله حتی هجم علیه رجال کثیرون فی اللیل، و أرادوا قتله فانشبک القتال بین الفریقین، و قتل من قدر اللّه علیه بالشقاوة، إلّا أن ابن ثاقب سلم و انهزم حتی عبر الفرات، و جعل یکاتب من یساعده من أصحابه، و أکثر من کان یساعده سرّا و جهرا متسلم البصرة محمد کاظم أفندی، فإنه صرف فی تأییده جهده و کثیرا یخبر الوزیر المترجم بصحة دعوی ابن ثاقب، و لما ورد حمود بن ثامر من البادیة خدع یوسف بن زهیر بمودته.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 324
فلما ورد علیه و صار فی قبضته منعه الانصراف، و رکب معه الاعتساف، و بقی عنده مدّة حتی مرض من شدّة القهر أو من أمر آخر أعلم به، فلما اشتد به المرض أذن له بالانصراف، فما دخل البصرة حتی قبض رحمه اللّه، کان ذا صدقات و أعمال برّ و عفّه عن المحرمات و سیرة حسنة مذ شبّ إلی أن مات، و هذا ما أعلمه و اللّه یتولی السرائر.
و مما وقع فی تلک السنة انتصار الدویش علی بنی خالد، و ذلک أنه وقعت معرکة بین الدویش من قبیلة مطر و بین خالد بن عرعر، فکانت الهزیمة علی الدویش، و رکبوا متن الهرب و اقتفی أثرهم بنو خالد، و الغلبة فی الظاهر لبنی خالد إلی أن نزل الدویش علی ما یسمی الرضیمة، و استقوا و ریّوا، و بنو خالد علی غیر ماء، و لهم أیام و هم فی الطراد، فمال عرب مطر بینهم و بین الماء، و اشتد بینهم الطعّان و الجلاد، فتضعضع الخالدیون من شدّة العطش [55] و علموا أن الکثرة لا تنفع إذا لم یصحبها الرأی، فغنم مطیر أموالا و خیلا، و عظمت شوکتهم فی البادیة، و هذا الیوم یسمی یوم الرضیمة و ممن قتل فی هذا الیوم من کبار العرب حباب من البرزان، قتله مشعان بن مغیلث بن هذال، و ممن قتل أیضا مغیلث أبو مشعان، و ممن قتل من سادات بنی خالد دجین بن ماجد بن عریعر، و أعظم الناس من جانب بنی خالد قتلی القبیلة المعروفة ببنی حسین، و ممن قتل فی ذلک الیوم خزیم بن لحیان من کبار قبیلة السهول قتله أشجع بن خالد، و بلغنی من الثقات أن المطیریون ماجد بن عریعر الحمیدی شیخ بنی خالد قالوا لسلامة حباب
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 325
و خزیمة بن لحیان [...] أحب عندنا من غلبتنا لبنی خالد و لنودّ أن لا یبقی لنا خف و لا حافر، و یسلم ذلک الرجلان لها فیهما من مکارم الأخلاق، و محاسن الشیم و الشجاعة.
و أما المطیریون فهم قحطانیون علی ما ظهر لی من کتب الأنساب، و من وقائع تلک السنة یوم بصالة و هو لقبیلة شمر علی بن هذال من عنزة کبیرة عبد اللّه بن هدال، و کبیر شمر صفوف الجربا الشمری الزوبعی، و کانت الغلبة لشمر علی العنزیین، و استولی الشمریون علی هودج بنت هدال، و نهبوا أموالهم، و لما عبر ابن هدال الفرات استغاث بقبائل عنزة لأخذ الثأر و غسل العار، فاجتمع العنزیون و عبروا الفرات إلی الجزیرة ثم ساروا قاصدین شمر.
و دخلت سنة 1239 (تسع و ثلاثین و مائتین و ألف): فالتقوا فی موضع یسمی الشیخة، و بقوا أیاما و الحرب مشتعلة بینهم، و الطعن و القتل کل یوم، ثم فی آخر الأیام التقوا من الصبح إلی المساء، فکانت الهزیمة علی شمر و نهب العنزیون أموالهم.
و ممن قتل فی هذه الواقعة من فرسان شمر مطرب بن حمد الأسلمی بن خطاب، و لما انکسرت قبیلة شمر شدّ الوزیر داود باشا عضد کبیرهم، و أعطاه عطاء لم یسمع بمثله و لا یصدقه العقل، دالّ علی أن هذا الوزیر هو حاتم الوقت، و من کرمه [56] أنه قضی دین مولانا الشیخ خالد النقشبندی الشهرزوری، و دفع عنه دفعة واحدة ثلاثین ألف غازی، غیر ما أعطاه مفرّقا قبلا و بعدا.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 326

و فی سنة 1240 ه (أربعین و مائتین و ألف):

جهز السلطان عرضی عسکرا جرار لمحاربة المورا و هی من بلاد الیونان و أصلها کانت فی حکم الدولة العلیة، فلما سعت الدولة بقتل بعض الینکجریة عصت المورة و رامت الاستقلال و الخروج عن طاعة الدولة العثمانیة، و ممن خرج بعسکره معاونا للسلطان محمود إبراهیم باشا بن محمد علی باشا والی مصر فتوجّهوا للحرب و نصرهم اللّه، و فتحوا جملة بلدان من المورا و نهبوا و سبوا، و استمر الحرب فیها إلی سنة ألف و مائتین و اثنین و أربعین، و بعد ما فتحوها جملة، أعان أهل المورا جمیع نصاری الدنیا من جمیع دول الإفرنج علی خروجهم عن حکومة الدولة العثمانیة و استقلالهم، و کانت الدولة العثمانیة إذ ذاک قلیلة العساکر لأنه أثر قتله الینکجریة فما وسع الدولة إلّا الصلح بخروج المورا عن تسلط بنی عثمان، و لا حول و لا قوة إلّا باللّه العلی العظیم.
و فی آخر تلک السنة تحرّک محمد بیک الکتخدا و شرع فی الإفساد و انضم إلیه جماعات من رعاع الناس و سفهائها، و ادّعی وزارة بغداد، و دخل الحلة و ملکها، و إنما دخلها باستدعاء المفسدین من أهلها، و بعض أوبائها، فلما بلغ الوزیر المترجم نقض أهل الحلة العهد جهّز عسکرا و قصدها لإخماد نار الفتنة.
فلما قرب الحلة التقی عسکره مع عسکر الکتخدا، و نشب بینهم القتال، و ممن أظهر الشجاعة فی ذلک الیوم من عسکر الباشا عقیل و تبینوا فیه و أدوا سیوفهم من دم البغاة، ففی آخر النهار کانت الهزیمة علی عسکر الکتخدا، و قتلوا شرّ قتلة، و تشتتوا شذر مذر و فرّ محمد بیک الکتخدا،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 327
و التجأ إلی حمود بن ثامر فلم یقبله ففرّ إلی أن وصل الجویزة، فاستقر هناک، و أما عساکره ففروا و عسکر عقیل خلفهم إلی أن عبروا الجسر، فعبر العقیلیون الفرات، و دخلوا الحلة، و أذاقوا أهلها کأس الممات، و نهبوا البلدة و هتکوا حرمتها لما ارتکبه أهلها [57] من الخیانة، و نقض العهود، و کانت هزیمة الکتخدا التی أذله اللّه بها و خذله فی أول سنة 1241 ه إحدی و أربعین و مائتین و ألف.
و فیها ورد علی الوزیر المترجم محمد بن عبد العزیز بن مغامس، و محمد هذا من أجواد العرب و شجعانها، فأکرمه الوزیر و أغرّه و رفع منزلته، لأن محمد کان قبل ذلک منضما إلی ثوینی بن محمد بن مانع شیخ المنتفق، و کذل عند حمود بن ثامر، ثم تغیّر خاطره علی حمود فقصد الوزیر یستظلّ بکرمه، فلما رأی إکرام الوزیر له ترشّح لمشیخة المنتفق، لکن لم یوافقه الوزیر علی ذلک، لأنه کان وعد بها ابن ثوینی، لأن أباه کان شیخا علی المنتفق و کذلک جدّه عبد اللّه و جد أبیه محمد و جدّ جدّه مانع، و الملوک من شأنهم رفع ذی البیوت و ذی الشرف.
و فی هذه السنة قدم علی الوزیر حنیان بن مهنا بن فضل بن صقر أحد أکابر آل شبیب، فأکرمه الوزیر و أجزل عطاه، و لما اجتمع هو و محمد بن عبد العزیز بلغنی أن الوزیر عزم علی عزل حمود و نصب براک بن توینی علی بنی المنتفق، فعرضت أحوال فأخّر ذلک.
و فیها قدم علی براک بن توینی جماعة من آل صالح و هم شبیبیون، و قدم علیه أیضا محمد بن مناح الأجودی العقیلی أحد مشایخ بنی المنتفق و فرسانهم، و قوّی براک بن ثوینی بهم، و توجّهت إلیه أنظار الوزیر و کاد
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 328
یولّیه ریاسة بنی المنتفق إلّا أنه أخّرها لمصلحة.
و فی تلک الأیام أرسل حمود بن ثامر إلی محمد الکتخدا، و هو فی الحویزة فقدم إلی العراق لإثارة الفساد، و أمر حمود خفیة آل قشعم و آل حمید و آل رفیع أن یساعدوه لکونهم ساعدوه لما دخل الحلة، فلما انهزم انهزموا إلی آل المنتفق لخیانتهم.
و فی هذه السنة غز براک بن ثوینی و معه آل شبیب عفکا و ابن شاوی قاسما و من معهم من البغاة، فتحصنوا بالمیاه، و خاض المنتفقون المیاه، و قتل من أکابرهم و فرسانهم دویحس بن مغامس بن عبد اللّه بن محمد بن مانع الشبیبی، و قتل أیضا ابن الثامر بن مهنا بن فضل [58] ابن سقر و هو شبیبی، و کان مع براک بن ثوینی شیخ زبید فلم تکن منه مساعدة لعدم إخلاصه فی خدمة الباشا.
و فی هذه السنة أمر أمیر المؤمنین السلطان محمود أیّده اللّه علی الجند المسمّیین بالأنکجریة بالقتل، و قتل منهم الوفاء و نسخهم من دیوان الجند، و کتب إلی سائر ممالکه أن یعزلوهم، و یمحوا هذا الاسم من الدنیا، و بعدها غضب السلطان أیضا الددوات البکتاشیة الکائنین فی إسلامبول، بل و فی سائر أحکامه أن یطردوهم من تکایاهم، و ینفوهم لکونهم روافض.
فلما ورد الأمر علی مولانا المترجم أخلی التکایات من البکتاشیة، و طهرها من الرفض، و ولّی علیها أحد خدّامه خلیل أفندی، فولّی إمامه السید طه الحدیثی بتکیة الددوات فی بغداد، و لکنه عزله بعد ثلاثة أیام.

و فی سنة 1242 ه (اثنین و أربعین و مائتین و ألف):

اشارة

قدم بغداد
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 329
الشیخ عقیل بن محمد بن ثامر، فأکرمه الوزیر و ألبسه خلعة ولایة بنی المنتفق فی الرابع عشر من شهر صفر و أعطاه حللا و سلاحا و سیوفا و دراهم لیهادی بها قومه، فلما ألبسه الخلعة، و توجه کتب الباشا إلی متسلم البصرة إنا خلعنا حمودا من الإمارة، و ولّینا عقیلا بدله، فأظهر هذا الأمر عندک، و قم علی ساق الجد فی حمایة البصرة، و ما والاها، فمذ وردت علی المتسلم تلک الأوامر أظهره، و أخذ فی التحذر.
فلما تبیّن لحمود عزله خف عقله و طاش لبّه، فأمر بنیّه ماجدا و فیصلا أن یقصدا البصرة لیستولیا علیها، فزحفا علیها بعشائرهما، و ندبا لمحاصرتها کل وافضی و إباضی، فأما ماجد فإنه نزل قریبا من نهر معقل، و أما فیصل فنزل دباسلال و معه الإباضیة من أهل مسقط، و الروافض قبیلة کعب، فخرج علیهم من طرف والی البصرة عسکر عقیل، و نشب القتال بین الفریقین، و اشتدّ وحمی الوطیس، و أظهر عسکر الباشا الشجاعة التامة، فکانت الهزیمة علی عرب المنتفق، لکن لما کانت داخل المقتلة التخییل استشهد جملة کثیرة من العسکر العقیلیون النجدیون، ثم رجعوا إلی البصرة [59] منصورین غانمین.
و بعد هذه الواقعة اشتدّ عضدهم مع أن فیصلا بن حمود لم یبق أحدا من طلّاب الشر إلّا اشقات به و لا عدوا لأهل البصرة إلّا استنجد به مع أن إمام مسقط ملأ الشطّ بالسفن و ساعد ماجدا و فیصلا برجاله و سفنه.
هذا و لما رأی متسلم البصرة ضیق الحال و کثرة الأعداء صالح إمام مسقط بما اقتضاه رأیه، و عقد معه الصلح، فسافر و بقی فیصل و ماجد بلا مساعد إلّا بعض غواة شیاطین و أباش لا خلاف لهم و لا ثبات لهم، و فی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 330
أول ربیع الأول خرج عقیل من بغداد قاصدا محل مأموریته سوق الشیوخ، و مما یدل علی إقبال سعد الوزیر أنه فی هذه الأیام وردت بشری برؤوس قبیلة الأقرع، و ذلک أن المناخور سلیمان أفندی کان محاصرا للأقرع، و معهم ابن قشعم و قبیلته و محمد بیک الکتخدا و جنده و رستم و غیرهم من أهل الفساد الروافض، و کان مع سلیمان أفندی قبیلة زبید المعروفة من کهلان، و عسکر عقیل و شیخهم جعفر بحیث أن عدد عساکر سلیمان أفندی علی العشر من أعدائهم، لکن مع سلیمان أفندی أطواب معدة، فلما التقی العسکران، و نشب القتال بین الفریقین أرعدت علیهم الأطواب کالصواعق و حصدتهم حصد الزرع فانهزم عسکر الأشقیاء، و فر الکتخدا و شیاطینه، فغنموا منهم العسکر غنیمة کبیرة.
و بلغنی ممن أثق به أن من قتل فی ذلک الیوم من عشیرة الأقراع یزیدون علی الألف، بل قیل ألفین، و لما وردت البشری علی الوزیر و معها رؤوس الشیاطین أمر ببناء ضارتین من تلک الرؤوس لیکونوا عبرة لغیرهم ثم إن عقیلا أقام فی أرض عفک زمانا طیلا تأمیلا أن یأتیه أکابر قبیلته، و الوزیر المترجم کان ینهاه عن العجلة، و یأمر بالأناة.
ثم أن الوزیر أرسل له عسکرا و رئیسهم سلیمان آغا المناخور لیشدوا عضده، و معهم من شیوخ أهل البادیة صفوق بن فارس الجربا الشمری.
و أما البصرة فإنها فی تلک الأیام آمنه [60] بسبب سیاسة متسلمها و شجاعته، و ساعده علی تأمین أطرافها سکان بلدة الزبیر، و شدّوا عضده، و قد ذکرت قبلا أن فیصلا نزل دباسلّال و أکثر علی البصرة بالغارات، فلما سافرت أمام مسقط رحل عنها و نزل علی أخیه فی نهر معقل، و أشار علیه
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 331
أن یذهبا إلی والدهما، و یستشیراه فلم یقبل ما أشار به أخوه قائلا لا أحول حتی أملک البصرة بالسیف و أجعل عالیها سافلها، و أقتل عالمها و جاهلها، و أستبیح الفروج و أهدم القصور و أریق الدماء فی طرقها.
فلما سمع أخوه مقاله قام من عنده موقنا أن اللّه لا ینصره ما دامت هذه نیّته، و سافر إلی والده، و عند قدومه علی والده ورد محمد بیک الکتخدا لیضرم النار أکثر من الأول، و ما دری أنه أثأم من طویس، ما ترک بقبیلة إلّا حل بهم الدمار.
و أما ماجد بن حمود فإنه جمع جموعه و أکثرهم روافض کعب و صنع سلالم لیصعد بها سور البصرة، و هجم علی البصرة و نادی منادیه أن الأمیر ماجد أباح البصرة ستة أیام، فلا تدعون فیها فرجا و لا مالا إلّا سلب، فخرج علیهم عسکر عقیل النجدیون، و سکان الزبیر و نشب بینهم القتال، و صبّوا علیهم من الرصاص الذی یزید علی المطر، فما اشتد الوطیس إلّا و الهزیمة علی رأس ماجد و قتلت عساکره أشر قتله، و رکب الباقی متن الفرار، و انقطعت العسکر مع المتسلم، و نهبوا خیام ماجد و أموالهم و سلاحهم و رجع النجدیون إلی البصرة منصورین غانمین.
و لما ورد ماجد علی أبیه و جده قد فارق عزّه و سؤدده، و ذلک أن عقیلا نزل البغیلة، و ورد علیه أعمامه الکرام، و فرسان بنی عمه فأکرمهم و هاداهم، فلما رأی حمود أن إخوانه فارقوه علم یقینا أن سعده قد أدبر، و أن سعد الوزیر فی شبابه مقبل، فرکب خیله، و لزم الفرار إلی البادیة لدهائه و عقله، فورد عقیل علی الوطن بعسکر الوزیر، و استقر علی کرسی حکومته مکرما لبنی عمه و عمومته، فلما استقر عقیل و أطاعه الحاضر [61]، و البادی رجع المناخور بعسکره إلی بغداد.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 332
و فی الثالث عشر من صفر ورد الشفلح علی الوزیر فعفی عنه و أکرمه و هکذا عادة الوزیر سریع العفو علی المجرمین، و الشفلح هذا شیخ قبیلة زبید، و کانت قبل الآن سنیة، و أما الآن فبلغنا أنهم ترفضوا، و لعلهم اکتسبوه من جیرانهم.

باب فیمن قرأ علیهم العلوم الوزیر المترجم داود باشا:

أما القرآن فجوّده علی شیخ القرّاء محمد أفندی و الموصلی، و أما النحو و الصرف فقرأهما علی المنلا حسن بن علی الزوزجی، و أما علم الریاضی فقرأه علی لطف اللّه أفندی بن عبید اللّه کاتب الدیوان زمن سلیمان باشا أبی سعید، و أما المطوّل فقرأه علی أسعد أفندی بن عبید اللّه بن صبغة اللّه مفتی الحنفیة فی دار السلام، و قرأ علیه أیضا علم آداب البحث و المناظرة و علم الوضع، ثم قرأ علم المعانی و البیان و البدیع علی المنلا صبغة اللّه بن مصطفی الکردی، و قرأ علیه أیضا علم الأصول و تفسیر البیضاوی.

باب فی ذکر من أجازه من العلماء فی العلوم و الحدیث:

أفضل من أجازه مولانا السید زین العابدین جمل اللیل و قد مرّ طرف من ترجمته و الثناء علیه، و سنده معروف مشتهر عند جمیع الأمم، توفی السید زین العابدین جمل اللیل المدنی سنة 1235 ه خمس و ثلاثین و مائتین و ألف، و له مؤلفات بدیعة، منها کتاب فی المشتبه و المفترق، و منها اختصاره للمنهج و شرحه.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 333
و ممن أجاز الوزیر المؤیدی داود باشا شیخنا علی بن محمد السویدی البغدادی الشافعی، و سنده معلوم، توفی رحمه اللّه تعالی بالشام سنة 1238 ثمان و ثلاثین و مائتین و ألف.

باب فی ذکر من أخذوا العلوم عن الوزیر المترجم داود باشا:

و هم کثیرون یطول استقصاؤهم، فمنهم مولانا السید محمود البرزنجی الذی اشتهر علمه فی بلاد الأکراد اشتهار الشمس فی الرابعة، و منهم العلّامة محمد بن النائب، و غیرهم ممن لا یحصون عددا.
انتهی ما کتبه الشیخ عثمان بن [62] سند البصری من أخبار الوزیر داود باشا والی بغداد، و بعد هذا صار المؤلف یسرد أبحاثا أدبیة و قصائد و نثرا، دالة علی سعة باعه فی المنثور و المنظور، و لکنها لخلوها من الوقائع التاریخیة أضربنا عنها فأن أکثرها أحاجی و نوادر علی طریق المقامات، لیس هذا المختصر محلها، و قد تمّ المختصر علی ید جامعه الفقیر إلیه تعالی أمین بن حسن حلوانی المدنی الحنفی تغمده اللّه برحمته.
تحریرا فی 15 ذی القعدة سنة 1293 ثلاث و تسعین و مائتین و ألف من هجرة سید المرسلین صلّی اللّه علیه و سلّم.
***
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 335

خلاصة الکلام فی بیان أمراء بلد اللّه الحرام‌

اشارة

تألیف
أحمد زینی دحلان
تلخیص
الشیخ إبراهیم بن صالح بن عیسی
(0000- 0000)
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 337
بسم اللّه الرّحمن الرّحیم‌

ترجمة المؤلف‌

هو الشیخ إبراهیم بن صالح بن إبراهیم بن محمد بن عبد الرحمن بن عبد اللّه بن عیسی، و آل عیسی فخذ کبیر من قبیلة بنی زید، القبیلة التی تنسب إلی قضاعة من شعب قحطان.
و قبیلة بنی زید یقیم أصلها فی مدینة شقراء، و لکنها متفرقة فی مدن نجد و قراه، و أکثر ما تکون فی بلدان الوشم.
و الآن أسر منها فی الریاض، تبع أعمالهم الوظیفیة و التجاریة أما المؤلف فوالدته من آل فریح، من بنی تمیم، من العناقر القیمین فی بلدة أشیقر، من بلدان الوشم. فولد فی هذه البلدة، و عاش فیها، و قرأ علی علمائها، و رحل فی طلب العلم إلی بلدان کثیرة من نجد و غیرها، فسافر إلی بلدان الخلیج و العراق و الهند و غیرها.
إلّا أن إقامة إقامته فی بلدة أشیقر. و کان صاحب خط نیر مضبوط، و هو محل الثقة و الأمانة عند العلماء و القضاة. و بلدة أشیقر بلدة أثریة فی الکتب المخطوطة و الوثائق المدونة من علمائها و قضاتها، فصار أهل
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 338
البلدة یعطونه و ثائقهم، یجدد لهم کتابتها، و یثبت أنها منقولة من خط العالم- فلان- فصار لدیه خبرة بالأنساب و الأخبار، و صار صاحب همة لا تفتر عن البحث فی أخبار نجد و أنسابها، کما صار له عنایة باختصار الکتب الکبار بکراسات قلیلة.
فمما اطلعت علیه من تلخیصاته تلخیص «طبقات الحنابلة» لابن رجب، و «طبقات الحنابلة» لابن حمید، و «معجم البلدان» لیقاوت و «خلاصة الکلام فی أمراء بلد اللّه الحرام» لدحلان، و غیر ذلک.
و للمؤلف ترجمة واسعة فی کتابنا «علماء نجد»، و سنعید کتابتها بأوسع من ذلک عند ما نعید طباعته إن شاء اللّه تعالی.
***
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 339

هذا الکتاب‌

أحمد زینی دحلان له کتاب فی مجلد واحد متوسط سماه «خلاصة الکلام فی بیان أمراء البلد الحرام».
و ابتداه من أول أمیر بعد فتح النبی صلّی اللّه علیه و سلّم مکة، فکان أول أمیر فیها هو عتاب بن أسید بن أبی العیص بن أمیة بن عبد شمس بن عبد مناف رضی اللّه عنه. و توفی هذا الأمیر عتاب بالیوم الذی توفی خلیفة رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم أبو بکر الصدیق. و من حکمته- صلوات اللّه و سلامه علیه- تولیة عتاب بن أسید، فإنه و إن کان صغیر السن، حدیث الإسلام، و یوجد من أحسن منه، و أقدم منه سابقة فی الإسلام إلّا أنه من الأعیاض من بنی أمیة. و هذا الفخذ هو من أشرف بیوت قریش، فالطلقاء من قریش حدیث العهد بالإسلام. فقریش ترضخ له، و ترضی به أمیرا علیها.
فأحمد زینی دحلان ذکر أمراء مکة واحدا بعد واحد، حتی إلی ولایة الشریف عون الرفیق، و ذلک فی نهایة عام 1299 ه، حینما جاء التلغراف من دار السلطنة العثمانیة بأن الدولة العثمانیة و جهت إمارة الحجاز إلی الشریف عون باشا، و کان مقیما بدار السلطنة.
إلّا أن المؤلف أحمد دحلان وقف قلمه عند أول ولایة الشریف عون، ذلک أنه توفی عام 1304 ه.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 340
أما الشیخ إبراهیم بن عیسی، فأدرک وفاة الشریف، فذکر أنها فی عام 1323 ه، و توفی بعده الشریف علی بن عبد اللّه بن محمد بن عبد المعین و علی أن الشیخ إبراهیم بن عیسی أدرک ولایة الشریف حسین بن علی، و أدرک ما دار بینه و بین الملک عبد العزیز آل سعود، إلّا أنه لم یذکره.
و الذی أرجحه من عدم ذکر الشیخ ابن عیسی لولایة الحسین، أن الحسین منذ تولی إمارة مکة عام 1326 ه و هو فی احتکاک مع الملک عبد العزیز، ظهر بجنده إلی نجد عام 1328 ه، و وصل إلی بلدة نفی، و أسر فی غارته الأمیر سعد بن عبد الرحمن شقیق الملک عبد العزیز، و لم یطلقه حتی تم الصلح بینهما. ثم حصلت معرکة تربة عام 1337 ه. ثم انتهی الأمر باستیلاء الملک عبد العزیز علی الحجاز عام 1344 ه. فهذا هو السبب بإحجامه عن الکتابة عنه، کما ثبت عن غیره.
و هذا المختصر یذکر فیه الشیخ ابن عیسی بدء ولایة الأمیر، و أهم ما جری من أخبار فی ولایته ثم یذکر نهایته إما بوفاة، و إما بعزل عن ولایته کل ذلک علی سبیل الاختصار.
***
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 341

الأشراف‌

علی بن أبی طالب و أبناؤه رضی اللّه عنهم حاولوا الخلافة، إلّا أنها لم تتم لهم و لعل فی ذلک حکمة، فلو کانت لهم الولایة، لکان مطعن للزنادقة من أن النبی صلّی اللّه علیه و سلّم لم یرسل إلّا لیؤسس ملکا له و لذریته.
فکانت الثورات منهم، و الخروج علی بنی أمیة و بنی العباس، إلّا أنها تنتهی بالفشل. فحصل علیهم اضطهاد من بنی أمیة، و من أبناء عمهم بنی العباس. و صاروا یطاردونهم، و یدسون علیهم الجواسیس و الخبرین، مما اضطرهم إلی إن یکونوا فی أطراف الجزیرة مما یلی البحر الأحمر، فکان منازلهم: ینبع، و رابغ، و سویقة، و ما حول هذه الأماکن ابتعادا عن المطاردة، و رغبة فی الراحة و الهدوء.
لما ضعف أمر العباسیین، و صارت ولایاتهم تنفصل عنهم واحدة بعد الأخری، تغلب علی مکة أسرة من الهواشمة، أولهم: أبو محمد جعفر بن محمد بن الحسین بن محمد الثائر بن موسی بن عبد اللّه بن موسی بن عبد اللّه بن الحسن بن المتنی بن الحسن بن علی بن علی بن أبی طالب.
فحکم مکة من هذه الطائفة الهاشمیة ستة عشر أمیرا، ابتداء من عام 358 ه إلی 598 ه، و بهذا انتهی حکمهم.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 342
ثم إن الشریف قتادة بن إدریس بن مطاعن بن عبد الکریم بن عیسی بن الحسن بن سلیمان بن علی بن محمد الثائر بن موسی بن عبد اللّه بن موسی بن عبد اللّه بن الحسن بن المتنی بن الحسن بن علی بن أبی طالب. کان قتادة یسکن هو و عشیرته أرض ینبع النخل. و کان قتادة ذا طموح و بأس و نجدة، فجمع بنی عمه، فهجم بهم علی مکة، و أخرج منها الهواشمة. و دخوله مکة یوم السابع و العشرین من شهر رجب من عام 598 ه و استمرت ذریته تتوارثه إلی عام 1344 ه، حین انتزعه منهم الملک عبد العزیز بن عبد الرحمن آل سعود.
و قد حکم منهم أربع و ثمانون أمیرا ابتداء بالشریف قتادة، و نهایة بالشریف الحسین بن علی.

* تنبیه:

کان الناس لا یسمون الشریف إلّا من ولی إمارة مکة، و أما الباقون ممن لم یتول فیسمون سیدا، و إن کان من ذریة قتادة. أما الآن، فکل من کان من ذریة قتادة، فیسمی شریفا.
مع العلم أن أشراف الحجاز و من نزح منهم، فکلهم من ذریة الشریف قتادة، المؤسس الأول لإمارة مکة من الأشراف و الشیخ إبراهیم بن عیسی أحسن بإعطاء القراء خلاصة کافیة فی سلسلة هذه الشرافة و الإمارة، فرحمه اللّه تعالی و جزاه خیرا.
إلّا أن الشیخ إبراهیم لم یأت بهم من أولهم، و مؤسس إمارتهم قتادة، و إنما حذف خمسة و عشرین أمیرا من أولهم.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 343
نأتی بأسمائهم مرتبین حسب ولایتهم إتماما للفائدة:
1- قتادة بن إردیس.
2- الحسین بن قتادة هما أبناء قتادة لصلبه
3- راجح بن قتادة.
4- الحسن بن علی بن قتادة.
5- غانم بن راجح بن قتادة.
6- جماز بن الحسن بن قتادة.
7- إدریس بن قتادة.
8- محمد أبو نمی الأول.
9- غانم بن إدریس بن قتادة.
10- حمیضة بن محمد أبو نمی الأول.
11- رمیثة بن محمد أبو نمی الأول.
12- عطیفة بن محمد أبو نمی.
13- عجلان بن رمیثة.
14- ثقبة بن رمیثة.
15- سند بن رمیثة.
16- مغامس بن رمیثة.
17- أحمد بن عجلان.
18- محمد بن أحمد بن عجلان.
19- غنان بن مغامس.
20- أحمد بن ثققبة.
21- عقیل بن مبارک.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 344
22- علی بن عجلان.
23- محمد بن عجلان.
فهؤلاء الثلاثة و العشرون مع آخرهم، و هو الحسین بن علی، لم یذکرهم المؤرخ الشیخ إبراهیم بن صالح بن عیسی، فسردناهم هنا لإکمال بعض الفائدة.
و اللّه ولی التوفیق.
المحقق:
عبد اللّه بن عبد الرّحمن بن صالح آل بسّام
فی 3/ 12/ 1417 ه
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 345

منقول من:

خلاصة الکلام فی بیان أمراء بلد اللّه الحرام لمؤلفه: أحمد بن زینی دحلان. أما الناقل المختصر فهو الشیخ إبراهیم بن صالح بن عیسی رحمه اللّه تعالی:

و فی سنة سبع و خمسین و مایة و ألف:

أرسل الشریف مسعود بن سعید بن سعد بن زید بن محسن ابن أخیه الشریف محمد بن عبد اللّه بن سعید بجیش یغزو به مخلد، فصبحهم و أخذ ما وجد عندهم من المواشی و النعم، و قتل جماعة منهم.

و فی سنة 1158 ه:

غزا الشریف مسعود بنفسه قبائل عضل- موالی اللیث- لکثرة إفسادهم، فأغار علیهم و أخذهم.

و فی سنة 849 ه:

عزل السلطان جلهون الجرکسی- سلطان مصر- الشریف برکات بن حرب بن عجلان بن رمیثة بن أبی نمی بن حسن بن علی بن قتادة عن ولایة مکة، و ولی مکة مکانه الشریف علی بن حرب بن عجلان.

و فی سنة 851 ه- إحدی و خمسین و ثمانمائة-:

رجع الشریف برکات بن حرب بن عجلان إلی ولایة مکة، و لم یزل متولیا علیها إلی أن توفی سنة 859 ه.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 346

و فی سنة 853 ه:

توفی الشریف أبو القاسم بن حرب بن عجلان هو و أخوه الشریف علی بن حرب بن عجلان، و کانت وفاتهما فی مصر.

و فی سنة 859 ه:

توفی الشریف برکات بن حرب بن عجلان بن رمیثة بن آل نمی بن حرب بن علی بن قتادة، و تولی بعده ابنه محمد بن برکات. و کان مولد محمد المذکور سنة [...] ، و استمر فی ولایة مکة، مظهرا للعدل فی الرعیة، إلی أن توفی المحرم سنة 903 ه، و کانت مدة ولایته ثلاثا و أربعین سنة.
و تولی مکة بعده ابنه برکات بن محمد بن برکات، و مولده فی المحرم سنة 891 ه. و جاء التأیید له من سلطان مصر، و أشرک معه أخوه هزاع بن محمد بن برکات، ثم خالفه أخوه الشریف عزاع و معه أخوه أحمد بن محمد بن برکات- الملقب بالجازانی- و تداخل مع أمراء الحاج، فسعوا له فی ولایة مکة، و طلبوا له وساما بالولایة من سلطان مصر الغوری الجرکسی، سلطان مصر.

و فی سنة 905 ه:

تولی مکة الشریف هزاع بن محمد بن برکات بن حرب بن عجلان، و وقع بینه و بین أخیه شریف برکات بن محمد بن برکات حرب بوادی مرّ، فانکسر الشریف هزاع، و قتل من أصحابه نحو الثلاثین.
ثم أعانه أمیر الحاج المصری، فانهزم الشریف برکات إلی جدة، و جمع جموعا. فلم یأمن هزاع، و خرج مع الحاج المصری إلی ینبع، فدخل الشریف برکات مکة أواخر ذی الحجة.

و فی سنة 907 ه:

جمع الشریف هزاع بن محمد بن برکات
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 347
جموعا، و أقبل من ینبع لقتال أخیه برکات بن محمد بن برکات، فخرج برکات لقتاله و التقیا بالبرقاء- تاسع جمادی الأول فی السنة المذکورة- و قتل خلق من الفریقین، و انهزم الشریف برکات، و توجه إلی اللیث.
و دخل الشریف هزاع مکة، ثم مرض و توفی خامس عشر رجب فی السنة المذکورة فولی مکة أخوه أحمد بن محمد بن برکات- الملقب الجازانی- و کان أیضا مغاضبا لأخیه برکات، و کانت ولایته بمساعدة القاضی أبی السعود بن ظهیرة، و مالک بن رومی- شیخ طائفة زبید- و أعیان الشرفاء.

و فی سنة 908 ه:

وردت المراسیم و الخلع من سلطان صاحب مصر للشریف برکات بن محمد بن برکات بولایة مکة، فدخل برکات مکة، و خرج منها أخوه أحمد الجازانی، ثم قبض الشریف برکات علی القاضی ابن ظهیرة، و أخذ أمواله و قتله تغریقا فی البحر عند القنفدة لإعانته للشریف أحمد الجازانی. ثم إن الشریف أحمد الجازانی جمع جموعا، و تقاتل مع أخیه الشریف برکات فی رجب من هذه السنة، فانهزم الشریف برکات، و قتل ولده سید إبراهیم بن برکات، و توجه إلی الیمن، و دخل الشریف أحمد مکة، و صادر أهلها، و سبی أموالهم.
ثم عاد الشریف برکات فی رمضان فی السنة المذکورة، و تحارب مع أخیه أحمد بالمنحنی، فانهزم برکات، فتبعه أخوه أحمد بعسکره، فأخلف الشریف برکات الطریق، و دخل مکة، ففرح به أهل مکة لما جری علیهم من ظلم أخیه. فعاد إلیه أخوه أحمد، فقاتله الشریف برکات و أهل مکة، فکسروه فانهزم إلی ینبع.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 348
ثم إن الشریف برکات خرج إلی الیمن لأجل بعض الإصلاحات، فجاء الشریف أحمد، و دخل مکة فی غیبة الشریف برکات، و أذل أهلها، و عاقبهم أشد عقاب، و قتل خلقا کثیرا. و رجع إلی ینبع، فصادف إقبال تجریده من مصر إلی مکة فاجتمع بأمیرها، و جعل له ستین ألف إشرافی أحمر علی أن یقبض علی الشریف برکات، و یولیه مکة، فوعده ذلک، و رجع معه إلی مکة. و کان قد رجع الشریف برکات من السمع، فخرج لملاقاة التجریدة، فخلع أمیر التجریدة إلی علی الشریف برکات [...] ، و دخل مکة و هو لابس الخلعة، و أمیر التجریدة معه. فلما وصلوا إلی مدرسة قایتبای، قبض علی الشریف برکات و من معه من الأشراف، و جعلهم فی الحدید، و نهبت بیوتهم، و أخذت خیولهم و إبلهم، و نادی فی البلد للشریف أحمد الجازانی. و حج بهم أمیر التجریدة و هم فی الحدید، و رجع بهم إلی مصر. ثم إن الشریف برکات ما زال ینتهز الفرصة، حتی أمکنه اللّه، ففر من مصر إلی ینبع.

و فی سنة 909 ه:

قتلت الأرواح المقیمون بمکة الشریف أحمد الجازانی فی الطواف، و تولی بعده أخوه حمیضة بن محمد بن برکات بمن معه من العرب من عتیبة و غیرهم علی مکة، و هرب حمیضة، و استولی برکات علی مکة.

و فی سنة 910 ه:

ورد المرسوم من السلطان الغوی الجراکسی سلطان مصر للشریف برکات بولایة مکة.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 349

و فی سنة 922 ه:

کان القتال بین السلطان الغوری- سلطان مصر- و بین سلطان سلیم خامس- ملک القسطنطینیة- بمرج دابق، و فقد السلطان قانصوه الغوری فی المعرکة، و قتل أکثر جنوده، و دخل السلطان سلیم مصر یوم الجمعة غرة الحرام سنة 923 ه، و استولی علی مصر، و انقطعت دولة الجراکسة، کما انقطعت دولة غیرهم من أرباب الدول، و للّه الأمر من قبل و من بعد.
و ملوک الجراکسة اثنان و عشرون ملکا، أولهم الظاهر برقوق، و آخرهم طومان بای، و مدة ملکهم مایة و تسع و ثلاثون عاما. و فی هذه السنة أرسل السلطان سلیم خامس توقیعا للشریف برکات، نظیر توقیع السلطان الغوری برّا فی مکة، و أرسل کسوة الکعبة و صدقات، و بعث أمرا سلطانیا بقتل حسین الکردی، صاحب جدة من جهة الغوری. و حسین هذا هو أول من بنی السور علی جدة، فجاء بالأمر إلیه عرار بن عجل، و نزل جدة، و أغرق حسین الکردی المذکور فی بحر جدة، فی موضع یقال له:
أم السمک، بعد أن ربط فی رجله حجر کبیر.

و فی سنة 931 ه:

توفی الشریف برکات بن محمد بن برکات، و دفن بالمولا، و له من العمر إحدی و سبعون سنة. و کانت مدة ولایته استقلالا و مشارکة نحو ثلاث و خمسین سنة، و خلف کثیرا من الأولاد، أعلاهم قدر أبو نمی، فولی مکة بعد أبیه، و عمره إذ ذاک عشرون سنة.

و فی سنة 945 ه:

ورد سلیمان باشا مکة راجعا من [...] و حج فی هذه السنة و لما أراد التعرج إلی مصر، بعث مع الشریف
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 350
أبو نمی بن برکات بن محمد بن برکات ابنه السید أحمد، و صحبته السید عرار بن عجل، و القاضی تاج العرب المالکی، فوصلوا إلی مصر، و اجتمعوا بالسلطان سلیمان بن سلیم، ففرح بهم، و رحمه إلیهم، و أشرک السید أحمد بن الشریف برکات أبی نمی مع أبیه فی إمرة مکة، و السید أحمد أبی نمی هذا هو جد السادة آل مندیل، و آل حراز و توفی السید عرار هناک، و توعک السید أحمد، و لم یرجع إلّا سنة 947 ه.

و فی سنة 992 ه:

فی تاسع المحرم توفی الشریف أبو نمی بن برکات بن محمد بن برکات بن حرب بن عجلان بن رمیثة بن أبی نمی بن حرب بن علی بن قتادة، و دفن بالمولا، و کان عمره ثمانین سنة و شهرا و یوما. و مدة ولایته منفردا و مشارکا لولدیه ثلاث و سبعون سنة. و له من الأولاد: حسن، و ثقبة، و شبیر، و راجح، و منصور، و سرور، و أحمد، و برکات فولی مکة الشریف حسن بن أبی نمی بعد أبیه، و کانت ولادة الشریف حسن بن أبی نمی سنة 932 ه، و کان آیة فی حل المشکلات، مع وفور العقل، و صحة الفراسات.

و فی سنة 1008 ه:

ألف و ثمان سنین توفی الشریف ثقبة بن أبی نمی بن برکات بن محمد بن برکات بن حسن بن عجلان، و له عقب یقال لهم: ذو ثقبة، و فی سنة ألف و عشر، توفی الشریف حسن بن أبی نمی بن برکات بن محمد بن برکات بن حسن بن عجلان بن رمیثة بن أبی نمی بن حسن بن علی بن قتادة، توجه إلی نجد غازیا، فتوفی هناک.
و کان فی مسافة عشرة أیام عن مکة، فحمل إلی مکة علی البغال، و وصلوا
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 351
به ثلاثة أیام، و دفن بالمولا، و له من العمر تسع و سبعون سنة. و نحو ثلاثة أشهر و مدة ولایته مشارکا لأبیه و مستقلا نحو خمسین سنة. و له أولاد کرام نحو سبعة و عشرین، و هم: أبو طالب، و حسین، و باز، و سالم، و أبو القاسم، و مسعود، و عبد المطلب، و عبد الکریم، و إدریس، و عقیل، و عبد اللّه، و عبد المحسن، و عبد المنعم، و عدنان، و فهید، و شنبر، و المرتضی، و هزاع، و عبد العزیز، و مضر، و عفان، و جود اللّه، و عبید اللّه، و برکات، و محمد الحارث، و قایتبای، و آدم.
و تولّی إمارة مکة بعده ابنه الشریف أبو طالب، و کانت ولادته سنة تسعمائة و خمس، و کان ذا فکر صایب، و شجاعة عظیمة، حسن الهیئة، شدید الهیبة. و فی هذه السنة- أعنی سنة 1010 ه- توفی الشریف عبد المطلب بن أبی نمی.

و فی سنة 1012 ه:

فی جمادی الآخر، توفی الشریف أبو طالب بن حسن بن أبی نمی، و دفن بالمولا. و کانت ولایته سنتین و أربع عشر یوما، و عمره سبع و أربعون سنة. و تولّی مکة بعده أخوه الشریف إدریس بن حسن بن أبی نمی، و مولده سنة تسعمائة و أربع و سبعین. و کانت ولایته بإجماع من الأشراف، و أشرکوا معه أخاه السید فهید بن حسن بن أبی نمی و ابن أخیه الشریف محسن بن حسین بن حسن بن أبی نمی، و أرسلوا قاصدا إلی الروم بها. وقع علیه الاتفاق، فقوبل بالإکرام من سلطان أحمد، و بعث إلیه بخلعة الاستمرار. و استمر أخوه فهید، و ابن أخیه الشریف محسن مشارکین له فی الربع، فکثرت أتباع فهید من الأشراف و غیرهم، و لم یحفظ أتباعه و عبیده من السرقة، فخلع الشریف إدریس فهید من الذکر، و منعه من الربع، و جعل ما کان له للشریف محسن.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 352
فسافر الشریف فهید إلی مصر، ثم توجّه إلی الدیار الرومیة، و اجتمع بالسلطان أحمد، فیقال: إنه أنعم علیه بإمارة مکة، فعاجلته المنیة، و مات هناک سنة عشرین و ألف.

و فی سنة 1034 ه:

- أربع و ثلاثین و ألف-: وقع تنافر بین الشریف إدریس بن حسن بن أبی نمی، و بین ابن أخیه الشریف محسن بن حسین بن حسن بن أبی نمی بسبب خدام الشریف إدریس، و تجاوزهم فی التعدی. و راجعه الشریف محسن فی شأنهم، فکانت الشکوی إلی غیر منصف. فاجتمع الأشراف و العلماء، و رفعوا الشریف إدریس عن ولایة الحجاز، و فوّضوا الأمر إلی الشریف محسن. فخرج الشریف إدریس- و کان مریضا- من مکة، فتوفی فی سابع عشر جمادی الآخرة، عند جبل شمر، و دفن بمحل یمی یاطب. و کانت ولایته إحدی و عشرون سنة و نصف، و عمره ستون سنة. و استمر الشریف محسن علی إمارة مکة، و جاءه التأیید من السلطنة. و کان لما أشیع بمکة أن الأشراف أقاموا الشریف محسنا مستقلا بالأمر، حصل فی البلد اضطراب بین جماعة الشریف إدریس، و جماعة الشریف محسن، قتل فیه السید سلیمان بن عجلان بن ثقبة.

و فی سنة 1037 ه:

عزل أحمد باشا الشریف محسن و ولی شرافة مکة الشریف أحمد بن عبد المطلب بن حسن بن أبی نمی. و حصل قتال بین الشریف محمد بن حسین بن حسن بن أبی نمی، و بین الشریف أحمد بن عبد المطلب بن حسن بن أبی نمی، قتل فیه السید ظفر بن سرور بن أبی نمی، و السید أبو القاسم بن جازان و غیرهما. و سارت الغلبة للشریف أحمد، فتوجّه الشریف محسن بن حسین إلی ألمع، و استمر
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 353
هناک إلی أن توفی سنة ألف و ثمان و ثلاثین، و عمره أربع و خمسون سنة، و دفن بصنعاء. و دخل الشریف أحمد بن عبد المطلب بن حسن بن أبی نمی مکة ضحی یوم الأحد سابع عشر رمضان، فی السنة المذکورة- أعنی سنة 1037 ه- وفر من مکة من کان فیها من جماعة الشریف محسن، و اختفی من اختفی.
و کان الشیخ عبد الرحمن بن عیسی المرشیدی الحنفی ممن اختفی، فدل علیه، فحبسه هو و أخوه القاضی أحمد بن عیسی المرشدی، و قتل الشیخ عبد الرحمن المذکور صبرا، و کان عمره حین قتل إحدی و ستون سنة. و أمر بقتل أخیه الشیخ أحمد فشفع فیه حاکمه عتیق بن عمر، فأطلقه. و قتل الشریف أحمد هذه القتالة بعینها، کما سیأتی. و فی الأثر کما [...] . و کان الشریف أحمد بن عبد المطلب ذا أدب، نبیها نجیبا، حسن الصورة، عظیم الهیبة و لما دخل مکة، صادر کثیرا من الناس، و أخذ أموالهم، و لم یرحم أحدا، عاقب کثیرا من الناس، فنفرت الناس و جلت عن مکة.

و فی سنة 1039 ه:

قبض قنصوه باشا علی الشریف أحمد بن عبد المطلب، و قتله، و ولّی شرافة مکة الشریف مسعود بن إدریس بن حسن بن أبی نمی. فکانت ولایة الشریف أحمد بن عبد المطلب بن حسن بن أبی نمی سنة واحدة و أربعة أشهر و ثمانیة عشر یوما، فولی مکة بعده الشریف مسعود بن إدریس بن حسن بن أبی نمی، و کان ملکا جوادا شجاعا حسن التدبیر.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 354

و فی سنة 1040 ه- أربعین و ألف-:

توفی الشریف مسعود بن إدریس بن حسن بن أبی نمی، و کانت مدة ولایته سنة و ثلاثة أشهر.
فاجتمع الأشراف، و اتفقوا علی تولیة الشریف عبد اللّه بن حسن بن أبی نمی، و هذا الشریف عبد اللّه بن حسن بن أبی نمی هو جد الشریف محمد بن عبد المعین بن عون، فإنه محمد بن عبد المعین ابن عون بن عبد اللّه بن حسین بن عبد اللّه بن حسن بن أبی نمی. و عرضوا ذلک إلی السلطنة، فجاءته مراسیم التأیید.

و فی سنة 1041 ه- إحدی و أربعین و ألف-:

فی صفر، خلع الشریف عبد اللّه بن حسن بن أبی نمی نفسه، تعففا و دیانة، و قلّد أمر مکة لولده الشریف محمد بن عبد اللّه بن حسن، و أرسل إلی الیمن یطلب الشریف زید بن محسن بن حسین بن حسن بن أبی نمی، لأنه بقی هناک بعد وفاة والده. فقدم علیه، و أشرکه مع ولده.
و استمر الشریف عبد اللّه بن حسن بن أبی نمی إلی أن توفی، لیلة الجمعة عاشر جمادی الآخرة فی السنة المذکورة- أعنی سنة 1041 ه- فکانت مدة ولایته تسعة أشهر و ثلاثة أیام رحمه اللّه. و له جملة من الأولاد الذکور، و هم: محمد، و أحمد، و حمود، و حسین، و هاشم، و ثقبة، و زامل، و مبارک، و زین العابدین. و استمر بعد وفاته ابنه الشریف محمد، و الشریف زید بن محسن علی ولایة مکة، و جاءهما التأیید من السلطنة.
و فی هذه السنة، عصی أهل الطائف، و قتلوا السید راشد بن برکات بن أبی نمی صبرا. فجاء الخبر للسید علی بن برکات بن أبی نمی، فاستحث بنی عمه جمیعا، فأجابوه، فخرج معهم الشریف زید
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 355
بأمر الشریف محمد بن عبد اللّه بن حسن بن أبی نمی، ففتحها، و قتل من رأی فی قتله الإصابة، و رجع إلی مکة.
و فی أواخر هذه السنة، کانت وقعة الجلالیة، و ذلک أن عسکرا من الیمن خرجوا علی طاعة قانصوه باشا. و لما وصلوا إلی القنفدة، اجتمع بهم السید نامی عبد المطلب بن حسن بن أبی نمی، و استمالهم علی أخذ مکة، فأقبلوا إلی مکة. فلما وصلوا إلی السعدیة، خرج الشریف محمد، و الشریف زید، و معهم العساکر لقتالهم، و وقع اللقاء بین العسکرین هناک، فحصل ملحمة عظیمة. و قتل الشریف محمد بن عبد اللّه بن حسن بن أبی نمی صاحب مکة، و جماعة من الأشراف، منهم: السید أحمد بن حران و السید حسین بن مغامس، و السید سعید بن راشد.
و أصیبت ید السید هزاع بن محمد بن الحارث، و کان ذلک فی عشرین من شعبان، من السنة المذکورة- أعنی سنة 1041 ه- و کانت مدة ولایته سبعة أشهر إلّا ستة أیام.
و توجه من نجا من الأشراف إلی جهة وادی مر الظهران. ثم بعد تمام الواقعة، دخلت الأتراک مکة و معهم الشریف نامی بن عبد المطلب بن حسن بن أبی نمی، فنودی له فی البلد، و أشرکوا معه السید عبد العزیز بن إدریس بن حین بن أبی نمی فی ربع مکة و عاشت العسکر فی مکة، و صادر الشریف نامی بعض التجّار، و قتل مصطفی بیک، کبیر العسکر الذی فی مکة.
و لما کان فی أثناء شهر ذی القعدة، أشیع بأن صاحب مصر بعث أربع صناجق مع تجریدة و أسلحة للشریف زید بن محسن. و کان بعد
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 356
الواقعة توجّه إلی المدینة، فصادف ببدر السید علی بن هیزع یرید مصر، فکتب معه إلی صاحب مصر، فوصل السید علی المذکور و أخبر الباشا بما وقع بمکة من الجلالیة، فجهّز الباشا ثلاثة آلاف عسکری، و أرسل قفطانیة للشریف زید بن محسن، و أمره بلبسها، و التوجه إلی ینبع لملاقاة العسکر.
فلبسها فی المدینة المنورة، و توجّه إلی ینبع لاقی العسکر، و أقبل معهم إلی مکة. و لما جاء الخبر إلی الشریف نامی، خرج هو و من معه فی الجلالیة و معه أخوه سید بن عبد المطلب، لأربع خلون من ذی الحجة فی السنة المذکورة، و توجهوا إلی تربة. و کان بمکة السید أحمد بن قتادة بن ثقبة بن مهنا، فأرسل للشریف زید یخبره بخلو البلاد. فلما کان وقت شروق الشمس، یوم الخمیس سادس ذی الحجة فی السنة المذکورة، دخل الشریف زید بن محسن مکة و معه الصناجق، و حج بالناس فی هذه السنة.

و فی سنة 1042 ه فی المحرم:

توجّه الشریف زید بن محسن بالعساکر إلی تربة، و هجموا علی البلد، و قتلوا من وجدوه من الجلالیة، و أمسکوا کور محمود و الشریف نامی بن عبد المطلب و أخاه سید بن عبد المطلب. و کان ذلک عاشر محرم من السنة المذکورة. و قدموا بهم مکة، و شنقوا الشریف نامی و أخاه بالمدعی یوم الخمیس ثامن عشر محرم. و أمرت العساکر بتخریق سواعد کور محمود، و أرکبوه جمّلا، و طافوا به فی شوارع مکة، ثم قتلوه و حرقوه. و استمر الشریف زید بن محسن حاکما بمکة، و ضابطا لها. و کانت مدة ولایة الشریف نامی بن عبد المطلب بن حسن بن أبی نمی مایة یوم و یوما، علی قدر حروف اسمه. و کان مولد الشریف زید بن محسن سنة ستة عشر و ألف بأرض بیشة.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 357

و فی سنة سبع و سبعین و ألف:

توفی الشریف زید بن محسن بن حسین بن حسن بن أبی نمی ثالث محرم، فمدة ولایته خمس و ثلاثون سنة و شهر و أیام، و عمره إحدی و ستون سنة. و له من الذکور: سعد، و محمد، و أحمد، و حسن، و حسین. و مات حسین فی حیاة أبیه، و خلف محسنا. و تولّی شرافة مکة بعد الشریف زید ابنه سعد بن زید، بعد نزاع بینه و بین السید حمود بن عبد اللّه بن حسن ابن أبی نمی.

و فی سنة 1079 ه- تسع و سبعین و ألف-:

حصل وقعة بین الظفیر و الأشراف آل عبد اللّه، و صارت الغلبة للظفیر، و قتلوا من الأشراف قتلی کثیرة، منهم: زین العابدین بن عبد اللّه بن حسن بن أبی نمی، و أحمد بن حسین بن عبد اللّه بن حسن بن أبی نمی، و شنبر بن أحمد بن عبد اللّه بن حسن بن أبی نمی.

و فی سنة 1082 ه:

تولّی شرافة مکة الشریفة برکات بن محمد بن إبراهیم بن برکات بن أبی نمی، و توجه الشریف سعد بن زید بن محسن هو و أخوه أحمد بن زید إلی الدیار الرومیة، و دخلا إسلامبول سنة 1084 ه.

و فی سنة 1085 ه:

توفی السید حمودة بن عبد اللّه بن حسن بن أبی نمی بالطائف، و توفی السید أحمد بن محمد الحارث بن حسن بن أبی نمی بمکة. و فی هذه السنة، ورد کتاب من السید محمد بن زید بن محسن للشریف برکات یطلب الإذن له فی دخوله مکة، فامتنع الشریف برکات من الإذن له، فتوجه إلی الیمن. ثم توفی سنة تسعین و ألف بالیمن.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 358

و فی سنة 1094 ه:

توفی الشریف برکات بن محمد بن إبراهیم بن برکات بن أبی نمی، لیلة الخمیس التاسع و العشرین من ربیع الثانی، و دفن قریبا من المولا، و کانت مدة ولایته عشر سنین و أربع أشهر و عشرین یوما. و تولّی بعده ابنه الشریف سعید بن برکات. و فی هذه السنة ورد أمر سلطانی، مضمونه و صایة الشریف علی الأشراف، و أن لا یخرج الشریف أحدا منهم إلی الوصول إلی الأبواب، و أن تکون البلد أربعا: الربع للشریف، و الثلاثة الأرباع للأشراف. فقسموا مدخول البلد أرباعا: ربع لشریف مکة، و ربع تشیخ فیه السید محمد بن أحمد بن عبد اللّه بن حسن بن أبی نمی، و السید ناصر بن أحمد بن محمد الحارث، و معهما جماعة من الأشراف. و الربع الثالث تشیخ فیه السید أحمد بن غالب، و السید أحمد بن سعید، و معهما جماعة من الأشراف. و الربع الرابع تشیخ فیه السید عمرو بن محمد، و السید غالب بن زامل، و معهما جماعة من الأشراف.
فحصل بذلک التشاجر فی القسمة، و الاختلاف بین الأشراف، و لزم من ذلک أن کل صاحب ربع یکون له کتبة و خدام یجمعون ما هو له. و وقع فی البلاد السرقة و النهب، و کسرت البیوت و الدکاکین، و ترک الناس صلاة العشاء و الفجر بالمساجد خوف القتل أو الطعن. و کثرت القتلی فی الرعیة، حتی ضبطت القتلی فی رمضان، فبلغت تسعة أشخاص.

و فی سنة 1095 ه:

تولی شرافة مکة الشریف أحمد بن زید بن محسن، و ذلک أنه لما جاءت الأخبار إلی السلطان بما وقع فی الحجاز من النهب، و الاختلاف بین الأشراف، طلب الشریف أحمد بن زید و هو إذ
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 359
ذاک فی إسلامبول، فولاه شرافة مکة. فقدم مکة، سابع ذی الحجة فی السنة المذکورة، و فرح به الناس. و أما الشریف سعید بن برکات، فإنه توجه إلی مصر، و توفی سنة 1099 ه، یوم الخمیس ثانی عشر جمادی الأول، الشریف أحمد بن زید بن محسن بن حسین بن حسن بن أبی نمی، و دفن بالمولا. و کانت مدة ولایته أربع سنین إلّا ثلاثة أیام.
و مولده سنة 1052 ه، فعمره سبع و أربعون سنة. و تولی بعده ابن أخیه الشریف سعید بن سعد بن زید، و مولده 1085 ه.
و فی الرابع عشر من جمادی الثانیة، فی السنة المذکورة، ورد السید عبد المحسن بن أحمد بن زید من ینبع، و معه السید مساعد بن سعد بن زید إلی مکة، و لم تتم الولایة للشریف سعید. فإن الشریف أحمد بن غالب بن محمد بن مسعود بن حسن بن أبی نمی بذل لصاحب مصر مالا فولاه شرافة مکة، فدخل مکة ضحی یوم الجمعة، ثانی شوال من السنة المذکورة، و أما الشریف سعید بن سعد بن زید، فإنه أودع طوار فی السید أحمد بن سعید بن شنبر علی عوایدهم، و توجه إلی الطائف، و جلس الشریف أحمد بن غالب للتهنئة.

و فی سنة 1101 ه- ألف و مائة و واحدة-:

تنافر الشریف أحمد بن غالب مع جماعة من الأشراف من ذوی زید، فخرجوا من مکة مغاضبین له، و وصلوا إلی ینبع، و استمالوا العرب، و اتفقوا علی تولیة الشریف محسن بن حسین بن زید، و نادوا له بشرافة مکة فی ینبع، و کتبوا إلی صاحب مصر یوفونه بإخراج الشریف أحمد بن غالب لهم من مکة. و خرج جماعة من الأشراف من ذوی عبد اللّه، و أخذوا القنفدة، و انقطع طریق ألمع، و کثرت السرقة فی مکة، و تنافر السید أحمد بن سعید بن مبارک بن
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 360
شنبر مع الشریف أحمد بن غالب. و قبل ذلک نافره أیضا ذوو الحارث، فتتابع الأشراف المنافر و لا فی الخروج من مکة، و اجتمعوا علی السید أحمد بن سعید بن مبارک بن شنبر، و نزلوا الحسینیة.
و جاء الخبر للشریف أحمد بن غالب أنه نودی للشریف محسن بن حسین فی جدة، فاضطرب حال الشریف، ثم اجتمع العلماء، و کتبوا محضرا لصاحب جدة یسألونه عن هذا الأمر. و نزل به السید عبد اللّه بن حسین بن عبد اللّه بن حسن بن أبی نمی، و معه السید عبد المحسن بن هاشم بن محمد بن عبد المطلب بن حسن بن أبی نمی و معهما جماعة، فرجعوا و أخبروا بعدم الوفاق، و لم یزل الأمر یتفاقم.
و فی ثامن عشر رجب فی السنة المذکورة، نزل الشریف محسن بن حسین بن زید و من معه الزاهر، و أرسل الشریف أحمد بن غالب لهم، یطلب مهلة عشرین یوما، یتجهز فیها و رودع طوار فی السید أحمد بن سعید. و لما کانت لیلة الثلاثاء الثانی و العشرین من رجب، خرج الشریف أحمد بن غالب بن محمد بن مسعود بن حسن بن أبی نمی من مکة إلی الیمن. و مدة ولایته سنة و تسعة أشهر و عشرون یوما. فلما کان ضحی یوم الثلاثاء، الثانی و العشرین من رجب فی هذه السنة المذکورة، دخل مکة الشریف محسن بن حسین بن زید، و جلس فی دار السعادة للتهنئة. و کانت ولادة الشریف محسن بعد الخمسین و ألف و أما الشریف أحمد بن غالب، فإنه توجه إلی صنعاء، فأکرمه إمام صنعاء.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 361

و فی سنة 1103 ه:

تولی شرافة مکة سعید بن سعد بن زید، و خرج الشریف محسن إلی المدینة. فکانت مدة ولایة الشریف محسن سنة و خمسة أشهر إلّا ثمانیة أیام، و هذه الولایة الثانیة للشریف سعید، و تقدمت الأولی عند موت عمه أحمد بن زید، و کلاهما بغیر أمر سلطانی، و لما کان یوم الاثنین، رابع عشر جمادی الثانیة فی السنة المذکورة، جاء الخبر بأن الدولة أنعمت بتفویض الأقطار الحجازیة للشریف سعد بن زید بن محمد. و لما کان فی آخر ذی القعدة من السنة المذکورة، وصل الشریف سعد بن زید مع الحاج المصری، فخرج للقائه ابنه الشریف سعید بن سعد، و هذه الولایة الثانیة للشریف سعد بن زید، و بین انفصام من الولایة الأولی، و هذه الولایة إحدی و عشرون سنة، و هی مدة غیبته.

و فی سنة 1104 ه:

خزانة التواریخ النجدیة ؛ ج‌6 ؛ ص361
لی شرافة مکة الشریف عبد اللّه بن هاشم بن محمد بن عبد المطلب بن حسن بن أبی نمی، و خرج الشریف سعد بن زید هو و ابنه الشریف سعید إلی ألمع.

و فی سنة 1109 ه:

وصل السید أحمد بن حازم، و السید عنان بن جازان من عند الشریف سعد بن زید، من بندر القنفدة، و أخبرا أن الشریف سعد بن زید توجه إلی مکة بأقوام عظیمة لا تکاد توصف، فاضطرب البلد. و لما کان یوم سابع من ربیع الثانی، جاء الخبر بوصول الشریف سعد بن زید من أعلی مکة، فخرج الشریف عبد اللّه بن هاشم، و الشریف أحمد بن غالب، و من معهما من الأشراف إلی قتاله، و حصل بین الفریقین قتلا شدیدا و صارت الغلبة للشریف سعد بن زید، فخرج الشریف عبد اللّه بن هاشم، و الشریف أحمد بن غالب إلی الرکانی بین مکة و جدة،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 362
بلد الشریف أحمد بن غالب، و نزلا به، ثم ارتحلا إلی الدیار الرومیة، إلی أن توفیا بها، فتوفی الشریف أحمد بن غالب سنة ثلاثة عشر و مائة و ألف، و توفی الشریف عبد اللّه بن هاشم أیضا فی السنة المذکورة. و مدة ولایة الشریف عبد اللّه بن هاشم أربعة أشهر. و استولی الشریف سعد بن زید علی مکة، و هذه الولایة الثالثة للشریف سعد. و کتب للأبواب السلطانیة یعتذر لهم مما وقع، فقبلوا عذره، و جاءه التأیید.

و فی سنة 1113 ه:

نزل الشریف سعد ابن زید عن شرافة مکة لابنه الشریف سعید بن سعد، و کتب عرضا، و أرسله إلی الأبواب السلطانیة، فأجیب إلی ذلک و جاءه الجواب فی ذی القعدة من السنة المذکورة، و هذه الولایة الثالثة للشریف سعید، لکن ما قبلها کان بغیر أمر سلطانی.

و فی سنة 1115 ه:

تنافر السید عبد الکریم بن محمد بن یعلی بن حمزة بن موسی بن برکات مع الشریف سعید بن سعد بن زید، فخرج من مکة مغاضبا، و خرج لخروجه جماعة من بنی عمه البرکات. ثم اتسع الخرق، فخرج جماعة من کبار الأشراف، و مشایخ من آل حسن و آل قتادة، و تعاهدوا و تحالفوا علی اتحاد الکلمة، و سبب ذلک أن الشریف سعید لم یعطیهم معالیمهم، و تقطعت بسبب ذلک سبل، و نهبت الأموال من طریق جدة و سائر الجهات.

و فی سنة 1119 ه:

استدعی الوزیر سلیمان باشا صاحب جدة الشریف عبد المحسن بن أحمد بن زید، و ولاه شرافة مکة، و نادی له فی جدة. و لما کان یوم السبت، ثانی عشر ربیع الأول فی السنة المذکورة، رحل الشریف عبد المحسن من جدة متوجها إلی مکة، و معه العساکر
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 363
العظیمة و الأشراف، إلی أن وصلوا وادی الجموم، فخرج إلیهم الشریف سعید بن سعد بن زید بمن معه من العساکر، و معه جماعة من النفعة.
و معهم محمد بن جمهور العدوانی شیخا علیهم فلما تلاقی الجمعان و اقتتلوا، صارت الغلبة للشریف عبد المحسن أحمد بن زید. فلما رأی ذلک الشریف سعید بن سعد بن زید هو و أبوه الشریف سعد بن زید، أودعو؟؟؟
طوار، فهما للسید عبد الکریم بن محمد بن یعلی. و خرجا من مکة لیلة الحادی و العشرین من ربیع الأول من السنة المذکورة، و نزلا الهمیجة.
و دخل الشریف عبد المحسن أحمد بن زید مکة، و جلس للتهنئة فی دار السعادة.
و أقام فی الولایة تسعة أیام، ثم نزل عنها للشریف عبد الکریم بن محمد بن یعلی بن حمزة بن موسی بن برکات بن أبی نمی بطیب نفس و سماحة، رضیت الأشراف بذلک، فجلس الشریف عبد الکریم فی بیت برکات بن محمد، و جلس للتهنئة ثم إن الشریف سعد بن زید جمع جماعة من الروقة و مخلد و النفعة و قبائل من الأعراب، و أراد أن یدخل بهم الطائف، فمنعه وکیل الدیرة السید عبد اللّه بن حسین بن جواد اللّه، فتوجه إلی مکة، فخرج إلیه الشریف عبد الکریم و قاتله، فانهزم الشریف سعد، و قتل من قومه عدد کثیر. ثم جمع الشریف سعد بن زید جموعا من غامد و غیرهم، و قصد بهم مکة، و کان الشریف عبد الکریم إذ ذاک بالقنفدة، فما راع الناس صبح الثلاثاء من رمضان إلّا و الشریف سعد بالأبطح، و استولی علی مکة و هذه الولایة الرابعة، و مدتها ثمانیة عشر یوما.
و فی سابع عشر شوال من السنة المذکورة، وصل الشریف عبد الکریم الحسینیة قافلا من الیمن، فخرج الشریف سعد لقتاله، و حصل
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 364
بینهم قتال شدید، فضربت فرس الشریف سعد بن زید برصاصة، فوقعت به علی الأرض، و نودی علیه، فدخل علی السید عبد المعین بن محمد بن حمود، فأکب علیه، و منعه من الطعن، و یقال: إنه طعن ثلاث طعنات، فأرکبه علی فرسه و حضنه، و مضی به إلی العابدیة.
و استمر الشریف سعد بن زید مریضا فی العابدیة، إلی أن توفی یوم الأحد خامس من ذی القعدة من السنة المذکورة أعنی سنة 1119- و کانت ولادته سنة 1052، فیکون عمره أربعا و ستین سنة، و قتل من قوم الشریف سعد بن زید نحو ألف و مائتی رجل، و دخل الشریف عبد الکریم، و الشریف عبد المحسن مکة، و هذه الولایة الثانیة للشریف عبد الکریم، و إن کان الشریف سعد أخذها بالغلبة، و لما کان یوم الثالث و العشرین من ذی القعدة من السنة المذکورة، ورد الخبر بأن السلطنة أنعمت علی الشریف سعید بن سعد بن زید بشرافة مکة، و أنه متوجه إلی مکة من ینبع مع الحاج المصری، فوقع بمکة رجة عظیمة. و لما کان یوم سابع من ذی الحجة، دخل الشریف سعید بن سعد بن زید مکة، و هذه الولایة الرابعة للشریف سعید، و خرج الشریف عبد الکریم من مکة إلی وادی التنعیم.

و فی سنة 1117 ه:

فی سابع و العشرین من جمادی الأولی، ورد الخبر إلی مکة بأن السلطنة أنعمت علی الشریف عبد الکریم بشرافة مکة و لما کان یوم الثلاثاء من شعبان، دخل الشریف عبد الکریم مکة متولیا علیها، و هذه الولایة الثالثة للشریف عبد الکریم و أما الشریف سعید بن سعد بن زید، فإنه خرج من مکة، و توجه إلی الیمن.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 365

و فی سنة 1123 ه:

جاء الخبر بأن السلطنة أنعمت علی الشریف سعید بن سعد بن زید بشرافة مکة، فلما علم بذلک الشریف عبد الکریم بن محمد بن یعلی، استدنی السید عبد المعین بن محمد بن حمود و رودعه طارفته علی عادتهم، و توجه إلی مصر، و استمر بها، إلی أن توفی بالطاعون سنة 1131 ه، و دخل الشریف سعید بن سعد بن زید مکة یوم الخمیس سابع عشر ذی القعدة من السنة المذکورة- أعنی سنة 1123 ه، و هذه الولایة الخامسة للشریف سعید و استمر فی هذه الولایة، إلی أن توفی سنة 1129 ه، تسع و عشرین و مائة و ألف.

و فی سنة 1129 ه:

توفی الشریف سعید بن سعد بن زید فی الحادی و العشرین من المحرم، و عمره أربع و أربعون سنة، و تولی شرافة مکة بعده ابنه الشریف عبد اللّه بن سعید بن سعد بن زید، و سلک فی أول ولایته العدل و الاستقامة، و اتفق حاله مع الأشراف ثم تغیر حاله، و حصل بینه و بین الأشراف اختلاف کثیر، حتی خرج کثیر منهم من مکة مغاضبا له.

و فی سنة 1130 ه:

اجتمعت الأشراف علی الشریف عبد المحسن ابن أحمد بن زید، و طلبوا منه أن یتولی شرافة مکة، فامتنع. فطلبوا منه أن یولی أخاه مبارک بن أحمد بن زید فامتنع أیضا فقالوا له: نرضی من تولیه علینا و تختاره، فاستحسن حسم المادة بولایة الشریف علی بن سعید بن سعد أخی الشریف عبد اللّه بن سعید، فولاه شرافة مکة، و لما تحقق الشریف عبد اللّه بن سعید بن سعد بن زید، عزله باتفاق الأشراف، سار إلی جهة ألمع. و ذلک فی غرة جمادی الأولی من هذه السنة، فکانت مدة
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 366
ولایته سنة و ثلاثة أشهر و عشرة أیام، و هذه ولایته الأولی، و ستأتی الثانیة إن شاء اللّه تعالی.
ثم إنه حصل بین الشریف علی بن سعید بن سعد بن زید و بین الأشراف اختلاف کثیر، و اضطربت البلاد، و کثر الفساد، و خرج الأشراف برمتهم إلی الوادی و نواحیه لقطع مهالیمهم، و استمروا بالوادی إلی قدوم الحاج شامی فلما وصل الحاج شامی، رفعوا أمرهم إلی أمیره الوزیر رجب باشا، و أخبروه بأنهم یریدون عزل الشریف علی بن سعید، و تولیة الشریف یحیی بن برکات، فأجابهم إلی ذلک، و عزل الشریف علی بن سعید، و ولی الشریف یحیی بن برکات، فخرج الشریف علی بن سعید بن سعد بن زید من مکة، و ذلک فی الیوم السادس من ذی الحجة من السنة المذکورة، فکانت مدة ولایته سبعة أشهر و أربع أیام و لم تعد له ولایة مکة إلی أن توفی سنة 1142 ه و استولی الشریف یحیی علی مکة.

و فی سنة 1131 ه:

توفی الشریف عبد المحسن بن أحمد بن زید، و کان مرجعا لجمیع الأشراف، لا یتولی ملک، و لا یعزل آخر إلّا برأیه، و لا یتمر إلّا إذا کان تحت أمره و نهیه.

و فی سنة 1132 ه:

عزل الشریف یحیی بن برکات عن ولایة مکة، و تولی علیها الشریف مبارک بن أحمد بن زید، فکانت مدة ولایة الشریف یحیی بن برکات سنة و سبعة أشهر و یوما واحدا، و هذه ولایته الأولی، و ستأتی الثانیة إن شاء اللّه تعالی. و خرج الشریف یحیی بن برکات من مکة إلی الروم، قاصدا الأبواب السلطانیة.

و فی سنة 1124 ه:

تولی شرافة مکة الشریف یحیی بن برکات
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 367
بانتزاعها من الشریف مبارک بن أحمد بن زید. و سبب انتزاع الشریف یحیی الولایة من الشریف مبارک: أن الشریف یحیی لما توجه إلی الدیار الرومیة کما تقدم، اجتمع بالسلطان أحمد بن محمد بن إبراهیم، و صار بینهما حدیث طویل، فأنعم علیه بشرافة مکة هذه السنة فدخل الشریف یحیی مکة لست خلون من ذی الحجة من هذه السنة المذکورة، و خرج الشریف مبارک بن أحمد بن زید منها هو و جماعته، و أقاموا بأطراف الطائف بموضع یسمی جرجة، فکانت مدة ولایة الشریف مبارک نحو سنتین و نصف، و هذه الولایة الأولی، و ستأتی الثانیة إن شاء اللّه تعالی.

و فی سنة 1135 ه:

نزل الشریف یحیی بن برکات عن شرافة مکة لولده الشریف برکات بن یحیی.

و فی سنة 1139 ه:

توجّه الشریف مبارک بن أحمد بن زید من الطائف إلی مکة، و معه أکثر الأشراف، و خلائق من عتیبة و ثقیف و حرب و غیرهم، و نزلوا أعلی مکة. و خرج لمقاتلتهم الشریف برکات بن یحیی بن برکات، و ثارت الحرب بینهم بأعلی مکة عند المنحنی، یوم الأربعاء الثانی عشر من محرم من هذه السنة المذکورة. و اشتد القتال، فانهزم الشریف برکات و من معه هزیمة شنیعة، و قتل منهم خلائق کثیرة، حتی امتلأت أعالی مکة من القتلی. و توجّه الشریف برکات بن یحیی بن برکات و والده الشریف یحیی بن برکات إلی وادی مر، ثم توجه الشریف یحیی بن برکات إلی الشام، و توفی بها. و کذا ابنه الشریف برکات بن یحیی بن برکات، فکانت ولایة الشریف برکات مدة ثمانیة عشر یوما.
و نادی المنادی بمکة للشریف مبارک بن أحمد بن زید، و هذه الولایة الثانیة للشریف مبارک.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 368
و لما کان الیوم التاسع عشر من جمادی الأولی من السنة المذکورة، وصلت البشایر من المدینة المنورة بتوجیه شرافة مکة من الدولة للشریف عبد اللّه بن سعید بن سعد بن زید. فلما تحقق الشریف مبارک الخبر، دخل علی الشریف محسن بن عبد اللّه بن حسین بن عبد اللّه بن حسن بن أبی نمی علی عادتهم الجاریة، ثم توجّه إلی ألمع. و مدة ولایته هذه خمسة أشهر، و الأولی سنتان و نصف. و استمر بالیمن إلی أن توفی سنة ألف و مایة و أربعین، فتولی الشریف عبد اللّه بن سعید بن سعد بن زید، و هذه الولایة الثانیة له. و کان جلوسه هذا خامس عشر جمادی الثانیة فی السنة المذکورة.

و فی سنة 1139 ه:

أخذ الشریف محمد بن عبد اللّه بن حسین بن عبد اللّه بن حسن بن أبی نمی آل حبشی من بنی حسیة عند المجمعة، و کان الشریف محمد المذکور قد خرج من مکة فی السنة التی قبل هذه مغاضبا لشریف مکة عبد اللّه بن سعید بن سعد بن زید، و توجه إلی نجد، و مه جماعة من أبناء عمه مغاضبین للشریف عبد اللّه بن سعید بن سعد بن زید المذکور.

و فی سنة 1143 ه:

توفی الشریف عبد اللّه بن سعید بن سعد بن زید بن محسن بن حسین بن حسن بن أبی نمی، و مدة ولایته ثمان سنین و ثمانیة أشهر و عشرون یوما، و تولّی شرافة مکة بعده ابنه محمد بن عبد اللّه بن سعید.

و فی سنة 1145 ه:

حصل منافرة بین الشریف محمد بن عبد اللّه بن سعید بن سعد بن زید، و بین عمه الشریف مسعود بن سعید، فخرج
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 369
مسعود إلی الطائف، و اجتمع إلیه کثیر من الأشراف، و استمالوا قبائل ثقیف و غیرهم. ثم توجهوا إلی مکة، فنهض إلیهم الشریف محمد بن عبد اللّه بن سعید بن سعد بن زید، فلقیهم عند جبل الخطم الکائن علی یسار الصاعد إلی عرفات، و اقتتلوا قتالا شدیدا. و صارت الهزیمة علی الشریف محمد، و توجّه إلی الحسینیة، و انحازت عساکره إلی عمه الشریف مسعود. و کانت هذه الواقعة سابع جمادی الأولی من السنة المذکورة. و تولّی شرافة مکة الشریف مسعود بن سعید بن زید بن محسن بن حسین بن حسن بن أبی نمی، و هذه الولایة الأولی للشریف مسعود، فکانت مدة ولایة الشریف محمد بن عبد اللّه بن سعید بن سعد سنة و خمسة أشهر و اثنی عشر یوما، و قتل فی هذه الوقعة أشراف کرام، و أصیب آخرون منهم بجروح عظام، فممن قتل من الأشراف: السید سلیم بن عبد اللّه بن حسین بن عبد اللّه بن حسن بن أبی نمی، أخو السید محسن بن عبد اللّه بن حسین. و لما حضروه للغسل، وجدوا فیه ثمانیة عشر ضربة. و قتل تحته فرسه المسماة بالجوهرة. و السید سعید بن سلیمان بن أحمد بن سعید بن سنبر، و السید بشیر بن مبارک بن شنبر، و غیرهم. و الذین أصیبوا بالجراحات کثیرون.
ثم إن الشریف محمد بن عبد اللّه جمع جموعا و أقبل إلی الطائف، فبلغ الشریف مسعود وصول الشریف محمد إلی الطائف، فنهض و أقبل علیه بمن معه من الجنود، و تلاقیا بوادی المثناة بالقرب من الطائف، فی الیوم الثانی عشر من شعبان فی السنة المذکورة، و اقتتلا قتالا شدیدا.
و صارت الغلبة للشریف محمد، و انهزم الشریف مسعود. و استقل الشریف محمد بن عبد اللّه بالشرافة، فکانت مدة عنیتة ثلاثة أشهر و أیاما، و هی مدة
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 370
ولایة الشریف مسعود هذه. ثم عادت الشرافة للشریف مسعود، کما یأتی، فی السنة التی بعد هذه.

و فی سنة 1146 ه:

فی الیوم السادس من رمضان، أقبل الشریف مسعود و معه جنود کثیرة، و نزلوا بأعالی مکة، فخرج إلیهم الشریف محمد بعساکره و اقتتلوا، فانهزم الشریف محمد إلی الحیسنیة، فکانت ولایته الثانیة سنة و ثمانیة عشر یوما. و دخل الشریف مسعود مکة یوم الخمیس، السابع من شهر رمضان من السنة المذکورة، و هذه الولایة الثانیة له.
و استمر فی ولایته، و الناس آمنون إلی أن توفی سنة 1165 ه، کما یأتی إن شاء اللّه تعالی.

و فی سنة 1147 ه:

توفی الشریف محمد بن عبد اللّه بن حسین بن عبد اللّه بن حسن بن أبی نمی، و کانت وفاته فی الشام. و کان قد خرج من مکة مغاضبا للشریف مسعود بن سعید، متوجها للأبواب السلطانیة، فأدرکته المنیة فی الشام، فتوفی فی التاریخ المذکور. و الشریف محسن هذا هو جد ذوی عون.

و فی سنة 1151 ه:

اجتمع الشریف محمد بن عبد اللّه بن سعید بأمیر الحاج الشامی، الوزیر سلیمان باشا ابن العظم، و حاول أن یولیه الشرافة، فامتنع. و کان الشریف محمد مقیما فی خلیص. ثم لما وصل الوزیر إلی مکة، توسط بینه و بین عمه الشریف مسعود بالصلح، حتی أصلح بینهما علی شروط، و أخذ من کل منهما عهودا. و جاء الشریف محمد من خلیص إلی مکة، فقابله عمه الشریف مسعود بالإعزاز و الإکرام.

و فی سنة 1165 ه:

توفی الشریف مسعود بن سعید بن سعد بن
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 371
زید، یوم الجمعة ثانی ربیع الثانی فی السنة المذکورة، و تولّی شرافة مکة بعده أخوه الشریف مساعد بن سعید بن سعد بن زید، و لم یتأخّر عن بیعته إلّا الأشراف من آل برکات، فإنهم عاملوا ابن أخیه الشریف محمد بن عبد اللّه بن سعید، و تجمعوا بوادی مر، و ساروا إلی الطائف، فملکوه و نادوا باسم الشریف محمد بن عبد اللّه بن سعید فی الطائف. و أقبل علیه کثیر من العربان، و سار بهم الشریف محمد بن عبد اللّه إلی مکة، و خرج له عمه الشریف مساعد، و اقتتلا. فصارت الغلبة للشریف مساعد، و توسّط السید عبد اللّه العفر بینهما بالصلح علی شروط، و ترتیب معاش له و لمن کان معه من الأشراف، و حصل الوفاء بذلک، و همدت تلک الفتنة.

و فی سنة 1169 ه:

توفی الشریف محمد بن عبد اللّه بن سعید بن سعد بن زید، و عمره اثنان و أربعون سنة. و کانت وفاته فی ولایة عمه الشریف مساعد بن سعید.

و فی سنة 1172 ه:

قبض الشریف مساعد علی السید مبارک بن محمد بن عبد اللّه بن سعید، و سجنه إلی أن توفی فی ثامن ذی الحجة من السنة المذکورة.

و فی سنة 1178 ه:

توفی الشریف جعفر بن سعید بن سعد بن زید.

و فی سنة 1184 ه:

توفی الشریف مساعد بن سعید بن سعد بن زید بن محسن بن حسین بن حسن بن أبی نمی، یوم الأربعاء لثلاث بقین من شهر المحرم. و مدة ولایته تسع عشرة سنة، إلّا ثلاثة أشهر. و له من الأولاد الذکور: سرور، و مسعود، و عبد العزیز، و عبد المعین، و غالب، و محمد، و لؤی. و تولّی بعده أخوه عبد اللّه، فنازعه أخوه أحمد بن سعید،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 372
فنزل له عبد اللّه عن الشرافة. و عاش عبد اللّه بن سعید بعد ذلک ست سنوات، و توفی و له من الأولاد الذکور: مساعد، و عامر، و علی، و عبد العزیز، و دخیل اللّه- المشهور بالعواجی- و فهید.
فی السنة المذکورة، قدم أبو الذهب محمد بیک، و معه جردة، و عزل الشریف أحمد بن سعید. و ولّی شرافة مکة الشریف عبد اللّه بن حسین بن یحیی بن برکات بن محمد بن إبراهیم بن برکات بن أبی نمی.
و حسین والد عبد اللّه بن حسین هذا ینسب إلیه الأشراف من ذوی برکات، المشهورون الآن بذوی حسین. و رحل الشریف أحمد بن سعید إلی الطائف، بعد أن أودع السید حامد بن حسین أخا الشریف عبد اللّه بن حسین أطرافه علی عوایدهم.
ثم إن أبا الذهب سجن مفتی مکة علی بن عبد القادر الصدیق، و أخذ منه عشرین ألف ریال، و أخذ من التجار أموالا کثیرة، و نهب دار الشریف مساعد، التی کانت فی سفح جیاد. ثم أخرج من بقی من آل زید من مکة، و وقع حریق فی دار السعادة، فظن بعض الناس أنه بأمره، لکن تبین أن الأمر لیس کذلک.
و فی جمادی الأول من هذه السنة، ارتحل أبو الذهب المذکور إلی مصر. فلما سمع الشریف أحمد بن سعید بخروجه من مکة، جمع جموعا من ثقیف و غیرهم، و قصد بهم مکة، فخرج الشریف عبد اللّه بن حسین لقتالهم. و صارت الغلبة للشریف أحمد بن سعید، و توجّه الشریف عبد اللّه إلی مصر، ثم إلی الروم، و مکث فیه إلی أن توفی رحمه اللّه تعالی.
و کانت مدة ولایته شهرین و ثلاثة و عشرون یوما. و دخل مکة الشریف
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 373
أحمد بن سعید، و أمر بحرق دار آل برکات لاعتقاد أنهم الآمرون بحرق دار السعادة، و نهب الناس جمیع ما فیها.

و فی سنة 1186 ه:

جمع الشریف سرور بن مساعد بن سعید بن سعد بن زید جموعا من عتیبة و غیرهم، و توجّه بهم إلی مکة، و نزل فی العابدیة. فخرج له عمه الشریف أحمد بن سعید بجنوده، و وقعت ملحمة بین الفریقین، و انهزم الشریف أحمد إلی نعمان. فدخل الشریف سرور بن مساعد بن سعید بن سعد بن زید بن محسن بن حسن بن أبی نمی مکة، و نودی له فی البلاد، و ذلک یوم السبت ثالث عشر ذی القعدة من السنة المذکورة.
و فی سنة 1187 ه- سبع و ثمانین و مایة و ألف-، خرج کثیر من الأشراف مغاضبین للشریف سرور، و قطعوا الطرقات. و فی شعبان من هذه السنة، وصل السید عبد اللّه العفر إلی الطائف، و أخذ فی جمع العربان للشریف أحمد بن سعید. فبلغ الشریف سرور وصوله، فخرج له، فذهب إلی صنجة، فرجع الشریف سرور إلی مکة.

و فی سنة 1189 ه:

توجّه الشریف سرور إلی الطائف، بقصد إخراج السید عبد اللّه العفر، أو یقاتله إن لم یرتحل. ثم توسّط جماعة من الأشراف بینهما فی الصلح، و عاد الشریف سرور إلی مکة. ثم إن السید عبد اللّه العفر نقض الصلح، و اجتمع بالشریف أحمد بن سعید، و جمعا قبائل، و أقبل علی مکة، فنهض له الشریف سرور و هزمهما. ثم توجّه السید عبد اللّه العفر إلی خلیص لملاقاة أمیر الحاج الشامی، فوجده قد زلف عنه، فارتفع إلی الحرة. فبلغ خبره الشریف سرور، فأرسل سریة من
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 374
الخیل و الرکاب، و وکّل علیها السید ناصر بن مستور من آل برکات، و أمره بقبض السید عبد اللّه العفر أینما حل. فأدرکته الخیل فی طرف الحرة، فقبضوا علیه و معه السید برکات بن جود اللّه، فأمر الشریف بإطلاق السید برکات بن جواد اللّه، و أمر بحبس السید عبد اللّه العفر فی القنفدة حتی مضی علیه حول. ثم أمر بنقله إلی ینبع، فسجن فی ینبع مضیقا علیه، إلی أن مات. و قیل: إنه قتل فی السجن خنقا، و اللّه أعلم.

و فی سنة 1191 ه- إحدی و تسعون و مایة و ألف-:

خرج السید لباس بن عبد المعین الحمودی، أخو السید عبد الکریم، و معه جماعة من ذوی حمود و هذیل، فأخذوا قافلة من طریق جدة. و فی ثالث رمضان من السنة المذکورة، بلغ الشریف سرور أن جماعة من الأشراف أقبلوا یریدون الهجوم علی مکة بمن یجتمع معهم. و کان معهم ابن سعید بن سعد بن زید، و السید مسعود العواجی و ابنه. فلما نزلوا بوادی نعمان، أرسل لهم سریة من الخیل، فتفرقوا فی الجبال. و ممن کان مغاضبا للشریف سرور السید مبارک بن مزیبة من آل برکات. و کان یقطع الطریق، و لا یستقر فی مکان. فتعب الشریف سرور فی أمره، و وضع علیه الجواسیس، حتی جاءه الخبر فی رمضان من هذه السنة أنه مقیم فی أطراف الحرة. فرکب الشریف بنفسه فی معقودة من خیله و رکابه، حتی أصبح علیه، و أدرکه فقتله.

و فی سنة 1192 ه:

جاء الخبر إلی الشریف سرور بن مساعد أن عمه الشریف أحمد بن سعید اجتمع معه خلق کثیرة فی جبال هذیل، و أنه یرید التوجّه بهم إلی مکة. فخرج الشریف سرور بعسکره إلی الزاهر. ثم إن هذیلا تفرقت عن الشریف أحمد، فتوجّه إلی المدینة.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 375

و فی سنة 1193 ه:

جاء الخبر إلی الشریف سرور بن مساعد بن سعید أن عمه الشریف أحمد بن سعید مقیم برهاط- و هو موضع بینه و بین مکة ثلاثة أیام-، فرکب الشریف سرور بنفسه فی قوة عظیمة، فلم یفطن الشریف أحمد إلّا و قد أحاطت به الرجال. فقبضوا علیه و علی ولدیه:
راجح، و الحسن. و تشتت عبیده، و أصدقاؤه. و نزل الشریف سرور بعمه و ولدیه المذکورین إلی جدة، ثم أرکبهم فی سفینة فی البحر، و أمر بحبسهم فی ینبع. و قاسوا فی الحبس أنواع البلاء و المحن. فمکثوا فی حبس ینبع مدة، ثم نقلوهم إلی حبس جدة. و لم یزالوا فیه إلی أن توفی الشریف أحمد بن سعید بن سعد بن زید المذکور فی الحبس، فی عشرین من ربیع الثانی سنة خمس و تسعین و مایة و ألف. و کان أحد ولدیه مات فی السجن، و أطلق الآخر. و بعد أن قبض الشریف سرور علی عمه الشریف أحمد تتبع کثیرا من قطاع الطرق، و صار یتجسس باللیل و النهار علی السراق و المفسدین. و کان یعس فی اللیل بنفسه، و معه بعض العبید من بعد صلاة العشاء إلی الصبح، یفعل هذا فی کل لیلة، حتی هابه کل جبار عنید.

و فی سنة 1202 ه- اثنتین و مائتین و ألف-:

فی الیوم الثامن عشر من ربیع الثانی، توفی الشریف سرور بن مساعد بن سعید بن سعد بن زید بن محسن بن حسین بن حسن بن أبی نمی، و دفن بالمعلی، بقبة السیدة خدیجة. و عمره نحو خمس و ثلاثین سنة. و مدة ملکه خمس عشر سنة، و خمسة أشهر، و ثمانیة أیام. و له من الأولاد الذکور: عبد اللّه، و یحیی، و سعید، و حسن، و أحمد، و محمد. و تولّی شرافة مکة بعده أخوه الشریف عبد المعین بن مساعد، و أقام فیها أیاما. و قیل: نصف یوم،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 378
فلما جاءه الخبر بوصول الشریف محمد بن عبد المعین بن عون إلی مکة، انهزم إلی الطائف. و کان الشریف یحیی بن سرور قد أقبل بجموع من العرب، لنصرة الشریف عبد المطلب، علی أمر اتفق معه علیه. فلما کان بالوادی، بلغه هزیمة الشریف عبد المطلب، و أنه توجه إلی الطائف. ففرق الجنود الذین معه، و توجه إلی الطائف، و اجتمع بالشریف عبد المطلب.
فلما وصل إلی الطائف جاءتهم المکاتیب من الشریف محمد بالتأمین، و أن یرتب لکل واحد من الأشراف الترتیب اللائق فامتنع الشریف عبد المطلب، و قال: لیس بیننا و بینه إلّا الحرب. و لم یتمکن الشریف یحیی بن سرور من مخالفته، فبقی معه بالطائف، و معه ولداه: الشریف منصور، و الشریف حسن، و بعض أولاد أخیه الشریف عبد اللّه بن سرور.
و معهم أیضا الشریف عبد اللّه بن فهید بن عبد اللّه بن سعید بن سعد بن زید، و کان من کبار الأشراف ذوی زید. و معهم أیضا السید محمد بن محسن العطاس، شیخ السادة العلویة.
و قبض الشریف عبد المطلب علی بعض الأشراف العبادلة، الذین کانوا بالطائف، منهم الشریف سلطان بن شرف، و الشریف زید بن سلیم بن عبد اللّه العفر، و وضعهما فی الحدید، و حبسهما فی القلعة مع من قبض علیهم معهما. فلما جاء الخبر إلی الشریف محمد، توجه إلی الطائف، و معه سلیم بیک، و معه العساکر الکثیرة، و کثیر من قبائل هذیل و ثقیف و غیرهم، و نزلوا بالعقیق و هو قریب من الطائف، بحیث تصل المدافع منه، و کان الحرب بین الفریقین، و کان عنده بالطائف بعض قبائل بنی سفیان و هذیل، أهل الضفاء من الطلحات و آل خالد، فتسللوا و أخذوا الأمان لهم و لقبائلهم من الشریف محمد و استمر الحرب بین الفریقین نحو اثنین و عشرین یوما.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 379
ثم إن الشریف عبد المطلب طلب الأمان له و لمن معه من الأشراف و غیرهم و لأهل الطائف، فأعطاه الشریف محمد ذلک. ثم خرج الشریف عبد المطلب و الشریف یحیی بن سرور و من کان معهما إلی العرض، و تقابلوا مع الشریف محمد و سلیم بیک، و وقع بین الجمیع عهود و مواثیق، و تم الصلح. ثم رجعوا إلی الطائف، و ذلک فی رجب من السنة المذکورة.
فلما کان اللیل خرج الشریف عبد المطلب بن غالب من الطائف و معه أخوه الشریف یحیی بن غالب و بعض أتباعه، و کان خروجهم خفیة.
و جاء الخبر إلی الشریف محمد و سلیم بیک، فأمرا برکوب العساکر الخیالة خلفهم. فساروا، فلم یدرکوهم، ثم رجعوا، إلّا أنهم قبضوا علی الشریف یحیی بن غالب، لأنه عثرت به فرسه، فسقط عنها، فظفروا به، و قبضوا علیه، و أتوا به ثم دخل الطائف الشریف محمد و سلیم بیک، و حصل الأمان و الاطمئنان للبلاد و العباد و بعد أیام رجعوا إلی مکة، و معهم الشریف یحیی بن سرور، و الشریف یحیی بن غالب، و من کان معهم.
فلما کان فی شوال من السنة المذکورة، صنع سلیم بیک ضیافة للشریف یحیی بن سرور، و الشریف یحیی بن غالب، و من کان معهما، فحضروا للضیافة و بعد تمام الطعام، قبض علیهم سلیم بیک، و وجههم إلی مصر، و هم: الشریف یحیی بن سرور، و الشریف یحیی بن غالب، و الشریف عبد اللّه بن فهید، و حسن بن یحیی، و بعض أولاد الشریف عبد اللّه بن سرور، و السید محمد العطاس، و أما الشریف منصور بن یحیی بن سرور، فکان فی بلاد عسیر. و لما وصلوا إلی مصر، أکرمهم محمد علی، و أحسن نزلهم. ثم بعد مضی سنة، أذن بالرجوع إلی مکة للشریف یحیی بن غالب. و بقی بمکة إلی أن توفی سنة 1252 ه.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 380
و کذلک أذن للشریف عبد اللّه بن فهید، و الشریف محمد بن عبد اللّه بن سرور، و السید محمد العطاس.
و استمر الشریف یحیی بن سرور بمصر إلی أن توفی سنة 1254 ه فرجع إلی مکة ابنه الشریف حسن بن یحیی، و کذلک ابنه الشریف حسین بن یحیی، و توفی بمصر أیضا سعد، و مسعود، و سرور أبناء الشریف عبد اللّه بن سرور. و کانوا مع عمهم الشریف یحیی بن سرور.
و بقی الشریف منصور بن یحیی بن سرور فی بلاد عسیر إلی أن توفی والده بمصر، فقدم إلی مکة فی سنة 1254 ه. و أما الشریف عبد المطلب بن غالب، فإنه توجه هو و أخوه علی بن غالب إلی إسطنبول.

و فی سنة 1260 ه:

حصل بین الشریف محمد بن عبد المعین بن عون و عثمان باشا تنافر و اختلاف، فأرسل عثمان باشا إلی الدولة یطلب منهم إرسال الشریف علی بن غالب إلی مکة، فأذنت الدولة للشریف علی بن غالب بالتوجه إلی مکة. فلما توجه الشریف علی بن غالب من دار السلطنة، و جاءت الأخبار إلی مکة بتوجهه، کثرت الأراجیف بمکة. و لما وصل الشریف علی بن غالب إلی مصر، أکرمه محمد علی غایة الإکرام، و کان ذلک سنة 1261 ه، و بعد ثلاثة، توفی بمصر. فقیل: إنه مرض، و قیل: مات مسموما، و اللّه أعلم بحقیقة ذلک.

و فی سنة 1264 ه- فی ذی الحجة-:

توفی إبراهیم باشا بن محمد علی صاحب مصر.

و فی سنة 1265 ه- فی رمضان-:

توفی محمد علی صاحب مصر و عمره تسع و سبعون سنة، فأقیم فی ولایة مصر عباس باشا بن أحمد طوسون بن محمد علی.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 381

و فی سنة 1267 ه- سبع و ستین و مائتین و ألف-:

تولی شرافة مکة الشریف عبد المطلب بن غالب بن مساعد، و توجه الشریف محمد بن عون إلی إسطنبول.

و فی سنة 1270 ه:

توفی عباس باشا المذکور، و أقیم فی ولایة مصر سعید باشا بن محمد علی.

و فی سنة 1272 ه:

عاد الشریف محمد بن عبد المعین بن عون إلی ولایة مکة، و انعزل الشریف عبد المطلب بن غالب بن مساعد بن سعید بن سعد بن زید بن محسن بن حسین بن حسن بن أبی نمی، و قبض الشریف محمد هو و کامل باشا، علی الشریف عبد المطلب المذکور، و أرسلوه إلی مصر.

و فی سنة 1274 ه:

توفی الشریف عبد اللّه بن ناصر بن فوز بن عون، و کان متزوجا ببنت الشریف محمد، و أبوه ابن عم الشریف محمد.
و فی الثالث عشر من شعبان، من السنة المذکورة، توفی الشریف محمد بن عبد المعین بن عون. و عمره نحو سبعین، و خلف ستة من الذکور، و هم:
عبد اللّه، و علی، و حسین، و عون، و سلطان، و عبد اللّه. و تولّی إمارة مکة بعده ابنه عبد اللّه بن محمد بن عبد المعین بن عون.

و فی سنة 1279 ه:

توفی سعید باشا بن محمد علی والی مصر.
و أقیم بعده إسماعیل باشا بن إبراهیم بن محمد علی.

و فی سنة 1282 ه:

توفی سلطان بن محمد بن عون، و لم یخلف إلّا بنتا.

و فی سنة 1284 ه:

کان ابتداء حفر خلیج السویس، لیتصل بحر
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 382
الروم ببحر القلزم، و کان تمام ذلک سنة 1291، و کان القائم بذلک دولة الفرنسیین، و الإنکلیز، و إسماعیل باشا والی مصر. و بعد تمامه، جعلوا علی المراکب التی تمر منه عوائد معلومة علی قدر ما فیها من الحمل.
و هذا الذی حفروه حتی اتصل البحران، کان هارون الرشید أراد أن یفعله لیتهیأ له غزو الروم، فمنعه یحیی بن خالد البرمکی، و قال له: إن فعلته تتخطف الإفرنج المسلمین من المسجد الحرام فامتثل کلامه، و فعل ذلک.
و الآن بعد أن فعلوه یخشی علی الثغور التی علی البحر فی جزیرة العرب منهم، فنسأل اللّه الحفظ.

و فی سنة 1287 ه:

توفی الشریف علی بن محمد بن عون، و له من الذکور ولدان و هما: حسین، و ناصر.

و فی سنة 1294 ه:

فی أربع عشر جمادی الآخرة، توفی الشریف عبد اللّه بن محمد بن عبد المعین بن عون و عمره نحو ست و خمسین سنة و مدة إمارته نحو تسع عشرة سنة و له من الذکور اثنان و هما: علی و محمد و تولی إمارة مکة بعد أخوه الشریف حسین بن محمد بن عبد المعین بن عون.

و فی سنة 1297 ه:

توفی الشریف حسین بن محمد بن عبد المعین بن عون. جاءه رجل من أفغانی، و قصده و هو راکب، کأن یرید تقبیل یده، و ذلک فی جدة، فطعنه بسکینة فی أسفل خاصرته، ثم توفی بعد یومین، فنقلوه من جدة إلی مکة، و دفنوه بها. و لم یخلف ذکرا.
و لما وصل الخبر إلی دار السلطنة، و کان الشریف عبد المطلب بن غالب إذ ذاک فی دار السلطنة، و جهت إلیه إمارة مکة. فتوجه إلی مکة، و دخلها فی الحادی عشر من جمادی الثانیة، فی السنة المذکورة.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 383

و فی سنة 1299 ه:

تولی إمارة مکة الشریف عون بن محمد بن عبد المعین بن عون، و انعزل الشریف عبد المطلب بن غالب بن مساعد بن سعید بن سعد بن زید بن محسن بن حسین بن حسن بن أبی نمی.
و من الحوادث الغریبة التی وقعت سنة 1299 ه تسع و تسعین و مائتین و ألف أنه ظهر رجل ببلاد السودان التی فی حکم صاحب مصر، یقال له: محمد أحمد، اشتهر عند کثیر من الناس أنه المهدی، و تبعه خلق کثیر. و وقع بینه و بین العساکر المصریة، التی فی تلک الأطراف، قتال و وقائع کثیرة، قتل فیها خلق کثیر. و تملک من تلک البلاد کردفان، و مواضع أخر. و حاصر سنارا مدة، ثم انهزم عنها. و بقیت العساکر المصریة مجتمعة فی الخرطوم و بعث إلیه توفیق باشا إسماعیل باشا صاحب مصر- إمدادات کثیرة من العساکر و غیرها من آلات القتال، و معهم کثیر من الإنکلیز الذین لدیهم درایة بالحرب. و انقضت السنة المذکورة.
و دخلت سنة 1200 ه- ثلاثمائة بعد الألف-: و مضی منها شهور، و لم ینفصل الأمر بینهم و بینه.
و فی شهر جمادی الآخر فی سنة 1301 ه إحدی و ثلاثمائة بعد الألف، وردت أخبار من مکة بأن محمد أحمد القائم بالسودان استولی علی الخرطوم، و إن قصده التوجه إلی الصعید، ثم إلی مصر. و قبل ذلک وقع قتال بین بعض جیوشه و بین الإنکلیز فی برسواکن، و کان المقدم علی جیشه فی ذلک القتال عثمان دقنة. و تکرر القتال بینه و بین الإنکلیز فی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌6، ص: 384
وقائع، و کلها یکون النصر فیها له علی الإنکلیز و قتل منهم خلق کثیر، ثم انهزموا، و بقیت جیوش عثمان دقنة فی برسواکن.

و فی سنة 1323 ه- فی جمادی الآخرة-:

توفی الشریف عون بن محمد بن عبد المعین بن عون. و تولی إمارة مکة بعده الشریف علی بن عبد اللّه بن محمد بن عبد المعین بن عون.
هذا آخر ما وجدناه من تلخیص الشیخ: إبراهیم بن صالح آل عیسی رحمه اللّه تعالی.
***

الجزء السابع‌

مطالع السعود فی تاریخ نجد و آل سعود

اشارة

تألیف الشیخ مقبل بن عبد العزیز بن مقبل الذکیر (1300- 1363 ه)
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 7
بسم اللّه الرّحمن الرّحیم‌

مقدمة تاریخ الذکیر

الأستاذ البحّاثة: مقبل بن عبد العزیز الذکیر، درس أول دراسته فی المدارس النظامیة فی الکویت، و أدرک فی علم الحساب و حسن خطه جدّا. و صار له ولع کبیر فی القراءة الحرة، و کانت الصحف و المجلات فی البلاد العربیة لا سیما فی مصر، علی مستوی رفیع من جمال الأسلوب، و حسن العرض، و جودة الأفکار، فکان المؤلف- مقبل الذکیر- منهمکا فی القراءة فی الکتب الأدبیة و التاریخیة و غیرها، مما ربّی عنده ملکة الأسلوب الإنشائی الجمیل.
فشرع فی کتابة التواریخ النجدیة، و صار یبسط فیها الفکرة و الحادثة بالتحلیل و التعلیل، و إعطاء الموضوع حقه من التحقیق.
فصنف تاریخه «مطالع السعود فی أخبار نجد و آل سعود» بمسوّدة یکثر فیها کتابة العناوین بدون موضوع. ثم إنّه عاد إلیه و بیّضه، و اختفت تلک المبیضة، و لم یبق إلّا المسودة. فبحثنا عن المبیضة فحدثت عن صفة خفائها بروایتین:
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 8
* الروایة الأولی: حدثنی صالح بن إبراهیم بن علی الخویط من أهل عنیزة فقال: کنت موظفا فی محل- تجارة- عند محمد بن حمد آل القاضی فی البحرین فسافر محمد بن حمد القاضی المذکور إلی بغداد وقت الحکومة الملکیة زمن ولایة الملک غازی بن فیصل، فصودرت النسخة من محمد القاضی فی مطار بغداد و لم تعد.
* الروایة الأخری: حدثنی خالی صالح بن منصور آل أبا الخیل، فقال: کان لی صحبة قویة مع المؤلف «مقبل بن عبد العزیز الذکیر» و کنت فی الأحساء زمن إدارته لمالیة الأحساء، فجاء خطاب من الملک عبد العزیز یطلب منه الکتاب فبعثه إلیه و لم یعد.
و الکتاب غیر مرغوب فیه عند الملک عبد العزیز، لأن فیه مدحا لبعض أفراد آل رشید، و وقت طلبه لم یمض علی استیلاء الملک عبد العزیز علی حائل إلّا نحو أربع سنوات، و أرجح أن الروایتین صحیحتان، لأن الروایین ثقتان، و مطلعان علی مجریات الأحوال، و لأنه لا یبعد أن مقبلا بیض الکتاب مرتین.
و الراویان ثقتان جدا و صفة نقلهما عن صفة اختفاء مبیضة الکتاب صریحة واضحة.
و لا مانع أن یکون الکتاب له مبیضتان فذهبتا بهاتین الطریقتین، و اللّه أعلم.
ثم إننا عثرنا علی مبیضة لمقبل بن عبد العزیز الذکیر تحت عنوان «العقود الدریة فی تاریخ البلاد النجدیة» و هذه المبیضة عثر علیها فی (مکتبة الدراسات العلیا)، جامعة بغداد- کلیة الآداب. فلعلها هی المبیضة التی صودرت فی مطار بغداد من محمد بن حمد القاضی.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 9
و هذه المبیضة لیس فیها فراغات، و لکنّها ناقصة عن المسودة من النصف، من القرن التاسع الهجری.
أما المبیضة فلم تبدأ إلّا من ظهور الشیخ محمد بن عبد الوهاب و تنتهی المبیضة عام 1315 ه.
أما المسودة فلم تنته إلّا فی عام 1337 ه، فألحقنا الزیادتین من المسودة، و حذفنا من أحدهما ما اتفقا علی تدوینه.
و بهذا کمل لنا تاریخ الأستاذ المؤرخ مقبل بن عبد العزیز الذکیر تحت اسم «مطالع السعود فی أخبار نجد و آل سعود».
رحمه اللّه تعالی.
کتبه عبد اللّه بن عبد الرّحمن بن صالح آل بسّام
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 11

ترجمة المؤرخ الشیخ مقبل بن عبد العزیز بن مقبل الذکیر (1300 ه- 1363 ه)

اشارة

الشیخ مقبل بن عبد العزیز بن مقبل بن عبد العزیز بن مقبل بن ماجد آل ذکیر، و (ذکیر) لقب علی (مقبل) الذی فی منتهی هذا النسب.
أخبرنی أحد أعیان أسرة (آل ذکیر) أن مقبلا جدّ الأسرة کان فی أول شبابه مصاحبا جماعة من أعیان مدینة عنیزة، فکان نشیطا فی خدمة رفقته فی السفر، و سریع الحرکة فی قضاء حاجاتهم السفریة من السقی و إحضار الحطب و الطبخ و غیر ذلک فقالوا: هذا الشاب (ذکیر) فلحقه هذا اللقب، و صارت أسرته لا تعرفه إلّا به.
و للمترجم ابن عم لأبیه اسمه (مقبل بن عبد الرحمن الذکیر) له شهرة بتجارته الواسعة و إحسانه و کرمه، یسمی (فخر التجار)، طبع کثیرا من المراجع الهامة، منها: (کشاف القناع) و علی هامشه (شرح منتهی الإرادات)، کما طبع فتاوی شیخ الإسلام ابن تیمیة، و (إعلام الموقعین)، و (حادی الأرواح) .. و غیرها من الکتب السلفیة المفیدة.
و یشتبه علی بعض الناس هذا بصاحب الترجمة، فیخلطون هذا
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 12
بهذا، و هما اثنان فی عصر واحد، و فی بلد واحد- أیضا- فنشأتهما فی مدینة عنیزة، و تجارتهما فی (البحرین) فصاحب الترجمة (مقبل بن عبد العزیز)، و التاجر الشهیر (مقبل بن عبد الرحمن)، و مقبل بن عبد الرحمن أسنّ من مقبل بن عبد العزیز، و هو خاله.
و آل ذکیر من قبیلة (عتیبة) الکبیرة الشهیرة، و قبیلة عتیبة أصلها (هوزان)، فآل ذکیر من بطن (الأساعدة) أحد بطون (الروقة).
و کانت مساکن (الأساعدة) فی وادی أرهاط واد عظیم کثیر العیون کثیر النخیل، یقع شمالی شرق مکة المکرمة بنحو مائتی کیلو، و سیول هذا الوادی تنحدر إلی مزارع خلیص و بلاد سلیم.
یحده من الجهة الشمالیة بلاد سلیم، و یحده من الجهة الجنوبیة قریة مدرکة، و یحده من الشرق میقات (ذات عرق) المشهورة بالضریبة، و یحده من الغرب وادی غوارة، و لا تزال عقارات الأساعدة فیه.
و قد حصل بینهم و بین جیرانهم من بطون الروقة فتن، فنزحوا من (وادی أرهاط) و نزلوا القری الواقعة بین القصیم و سدیر، فبعضهم سکن الأسیاح، و بعضهم سکن شعیب سمنان، و أکثرهم سکنوا الزلفی، و استوطنوا تلک الأمکنة.
و آل ذکیر کانوا یقیمون فی الأسیاح فانتقلوا منها إلی مدینة عنیزة فصاروا أسرة کبیرة، و فیها:
1- آل سلمان.
2- آل ذکیر.
3- آل راشد.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 13
4- آل محامید.
5- آل بداح.
6- آل شائع.
7- آل رشید.
8- آل فهید.
9- آل عثمان.
10- آل عبد الکریم.
11- آل صالح.
12- آل علی.
و غیر هذه الأسر ممن لا تحضرنی أسماؤهم الآن، و أقرب هذه الأسر نسبا إلی (آل ذکیر) هم (آل محامید)، سکان (شعیب سمنان).
و کانت أسرة (الذکیر) یقیمون فی الأسیاح فانتقل جدهم إلی الزبیر، و من الزبیر انتقلوا إلی عنیزة.

مکانة هذه الأسرة الاجتماعیة

لا شک أن آل ذکیر من أکبر الأسر فی مدینة عنیزة، و فیهم أعیان، و لهم عقار و أملاک و ثروة، و لهم تجارة واسعة جدا فی العراق، فکان بیت (الذکران) فی البصرة من أکبر البیوت التجاریة، و لهم شهرة واسعة.
أما أعیانهم فمنهم:
1- مقبل بن عبد الرحمن الذکیر، و بیوته التجاریة فی جدة و فی البصرة و فی البحرین حیث محل إقامته، و طبع کثیرا من الکتب النافعة،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 14
و أسس جمعیة فی البحرین ضد التبشیر المسیحی الذی کان منتشرا فی زمنه فی الخلیج.
و لمّا أسن استقر فی بلدة- عنیزة- حتی توفی فیها عام 1341 ه.
2- یحیی بن عبد الرحمن الذکیر- أخو الذی قبله صاحب جاه کبیر و ثراء، بنی بعض المساجد فی عنیزة، و توفی فی عنیزة فی العام الذی توفی فیه أخوه مقبل (1341 ه).
3- سلیمان و حمد أبناء محمد بن عبد الرحمن الذکیر، لهم تجارة واسعة جدا فی البصرة و غیرها، فکان أشهر بیت تجاری فی العراق هو بیت الذکران، و لهم عقار فی العراق کثیر جدا.
4- أبناء صالح بن صالح بن محمد بن مقبل آل ذکیر، لهم تجارة و شهرة فی البصرة.
5- عبد الرحمن بن مقبل الذکیر- من أعیان مدینة عنیزة، و صاحب أولیات فی بلده:
فهو أول من جاء بالکهرباء فأنار بیته و المساجد القریبة منه.
و أول من أتی بالرادیو إلی عنیزة.
و أول من أتی بالدراجات (بای سکل).
و أول من استعمل الآلة الکاتبة فیها.
فالآلات المخترعة الحدیثة، هو أول من جلبها و استعملها فی بیته.
و کان بیته مفتوحا دائما، و کثیرا ما یجتمع عنده الرجال وقت إذاعة الأخبار فی الحرب العالمیة الثانیة، حیث لا یوجد رادیو إلّا عنده.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 15
و کان هو أمیر حاج عنیزة الرجالی المسمی (الروکیب).
و قد توفی، و خلف أبناء نجباء صار بعضهم أطباء.
6- عبد المحسن بن یحیی الذکیر، و هو مشهور بالکرم و الوفاء، و هو ممدوح الشاعر عبد المحسن بن صالح، فقد أشاد بذکره، و أصفاه مدحه بقصائد جیاد موجودة فی دیوانه الشعبی المطبوع.
و فی الأسرة غیر هؤلاء من الأعیان، فهم أسرة رفیعة.

مولده‌

ولد المترجم الشیخ مقبل بن عبد العزیز الذکیر العام 1300 ه فی المدینة المنورة فی زیارة من أهله لها، و نشأ فی وطنه و وطن أهله عنیزة، و تعلم فیها مبادی‌ء القراءة و الکتابة و الحساب، و صار لدیه خط جمیل، سلیم فی غالبه من الأخطاء الإملائیة.
قال فی تاریخه: إنه سافر مع خاله مقبل بن عبد الرحمن الذکیر من عنیزة إلی الکویت، و وصل إلیها فی 25/ 4/ 1313 ه و عمره فی الرابعة عشر، فأبقاه خاله فی بیت الشیخ یوسف بن إبراهیم لتعلم الکتابة، و کان فی معیة أولاد آل ابن إبراهیم، و کان قرینه و زمیله مصطفی بن الشیخ یوسف، و کان یخرج معهم إلی القنص و النزهة فی ضواحی الکویت .
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 16
لکن صار فی زمن قدومه الکویت الشقاق و الخلاف الذی وقع بین مبارک الصباح و أخویه محمد و جراح، و الذی انتهی بقتل مبارک لأخویه المذکورین، و کان الشیخ یوسف آل إبراهیم له ید کبیرة، و مشارکة فی وجود هذا الخلاف، لعلاقة صهر مع محمد آل صباح، و بعد مقتلهما غادر الکویت لیدبر المکائد لمبارک الذی فتک بأخویه.
أما مقبل الذکیر فإنه بعد قفل بیت الشیخ یوسف آل إبراهیم فی الکویت، سافر إلی البحرین، و نزل فی بیت خاله مقبل العبد الرحمن الذکیر، مواصلا تعلیمه، و کان بیت خاله فی البحرین بالرغم من أنه بیت تجاری کبیر، إلّا أنه أیضا ناد علمی و أدبی، یقصده العلماء و الأدباء، لا سیما الدعاة الذین ندبهم رحمه اللّه لیکافحوا التنصیر.
ثم إن المترجم صار کاتبا عند بعض تجار البحرین، لأنه بصیر فی مسک الدفاتر التجاریة.
و فی عام 1343 ه عین الملک عبد العزیز بن سعود المترجم مدیرا لمالیة الأحساء، فقام بتنظیم الشؤون المالیة، و رتب دفاترها و سجلاتها، و استعان علی عمله هذا بعدد من الشباب الکویتی الذین عرف خبرتهم و کفاءتهم، و أسند إلیهم أقسام المالیة، فترتبت أعمالها علی أحسن ما یرام، حتی استقال برغبته منهم، و عین بدله الشیخ محمد الطویل أحد أعیان جدة، و ذلک عام 1349 ه.

دراسته‌

دخل کتاتیب منظمة تعنی بقراءة القرآن قراءة مجودة، و تعنی بتحسین الخط و إجادته، کما تعنی بالحساب بقواعده الأربع و کسورهن، ثم طریقة
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 17
مسک الدفاتر التجاریة، و تلقین الطلاب مبادی‌ء الأدب بحفظ بعض نصوصه من شعر و نثر.
و قد دخلها فی مدینة عنیزة و فی البحرین و استفاد منها، أما إقامته و دراسته فی الکویت فهی قلیلة، بعد هذا اتجه إلی القراءة الحرة، و أکثر ما یقرأ فی التاریخ و فی الأدب، و یکثر من مطالعة و متابعة المجلات الأدبیة، من أمثال الهلال و الرسالة و الکاتب المصری، و المقتطف و غیرها، تلک المجلات التی کانت تصدر زمن شبابه فی مصر، و یکتب فیها کتاب کبار من أمثال طه حسین و العقاد و المازنی و أحمد أمین و الزیات و الرافعی و قرنائهم من ذوی الأقلام الرفیعة، و کانت تلک المجلات تنشر لکبار الشعراء من أمثال شوقی و حافظ فی مصر، و الزهاوی و الرصافی فی العراق و غیرهم.
هذه القراءة المتواصلة المفیدة کونت لدیه ثقافة فی النواحی التاریخیة و الأدبیة، و نمت موهبته الإنشائیة، حتی صار یجید التعبیر عما لدیه من هذه المواضیع بسهولة و یسر، و یعرضها أمام القاری‌ء عرضا حسنا.
و إلّا فهو لم یدرس دراسة منظمة فی جامعة، کما أنه لم یجلس عند العلماء فی حلقاتهم العلمیة، و لذا تجد اللحن فی عبارته بجانب حسن اللفظ و السبک فیها.

مؤلفات المترجم‌

1- له معجم للبلدان ینقل فیه عن معجم البلدان لیاقوت الحموی، ثم یضیف إلیه ما عنده من معلومات خاصة أو معلومات جدیدة عن الموضع.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 18
و هو مخطوط فی مکتبة معهد الآداب الشرقیة فی جامعة بغداد، و عندی صورة منه، و هو بخط لمؤلف.
2- تاریخه المتداول، و هو مسودة لتاریخ بیضه، و لکن المبیضة فقدت.
و تاریخ هذه المسودة بخط المؤلف أنها کانت موجودة عند عبد العزیز المحمد الحمد القاضی، المقیم فی عنیزة و صاحب القصیدة العنیزیة.
فلما ولی الشیخ سلیمان بن عبید قضاء عنیزة طلبها من عبد العزیز المذکور، فبقیت عنده، و استعرتها أنا کاتب هذه الأسطر عبد اللّه العبد الرحمن البسام من الشیخ سلیمان بن عبید، و کلفت من نسخها لی، ثم أعدتها إلی الشیخ سلیمان، فوضعها فی حجرته التی فی المسعی، فاحترقت مع کتبه فی أحداث الحرم التی کان سببها جهیمان و عصابته.
و النسخة الأصلیة التی احترقت هی بخط المؤلف، و یکثر فیها البیاض بوضع عناوین لم یکتب تحتها و لکنه کملها و بیضها بعد ذلک ثم فقدت.

تقییم التاریخ المسودة

أری أن المؤلف لم یأت بجدید إلّا فی بعض المواضع التی فی بلدة عنیزة، ففیها بعض التفصیلات، و إبراز أسماء بعض الشخصیات، و لکن الجدید فی هذه المسودة أنه عرض المواضیع عرضا جمیلا فی کثیر من مواضعه، و علل بعض الحوادث تعلیلا مقبولا، و أنه منصف فی روایته، فلم یتحیز لطائفة دون طائفة، و إنما یعنی بخدمة الحادثة التاریخیة فی حقیقتها، فیبرزها إبرازا حسنا.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 19
و قد اکتسب هذا العرض الجید من إدمان قراءته للکتب الأدبیة و المجلات الرفیعة الأسلوب، فصار عنده هذا الأسلوب اللذیذ، بخلاف غیره من مؤرخی نجد فإنهم یوردون الخبر جافا حافا، لأنه لیس لدیه الملکة الإنشائیة التی یستطیعون بها التعبیر و التعلیل و اللّه الموفق.

وفاته‌

حین ذهب المترجم إلی البحرین، و استقر فیه فتح محلا تجاریا فی اللؤلؤ، و لم یزل فیه حتی توفی فی الیوم الثالث و العشرین من جمادی الأولی عام 1363 ه. رحمه اللّه تعالی، آمین.
و خلف ثلاثة أبناء، هم حسب سنهم: عبد العزیز و عبد الرحمن و عبد المحسن.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 20
مقبل العبد العزیز
عبد العزیز عبد الرحمن عبد المحسن
مقبل یوسف محمد
خالد أحمد ولید ابن
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 21
بسم اللّه الرّحمن الرّحیم‌

مقدمة الکتاب‌

نکتب هذه المقدمة لإیضاح الحالة العامة فی نجد، فی الوقت الذی نرید أن نتکلم عن حوادثه الغامضة، لیعلم القاری‌ء مقدار الصعوبات التی تعترض کل من یحاول أن یکتب عن تاریخ نجد القدیم. فقد کانت بتلک الوقت إمارات متفرقة مفککة الأوصال، لا یربطها إلّا جامعة المصلحة المشترکة حین الحاجة فقط فکل بلد أو قریة مستقلة عن الأخری فی أعمالها و فی حوادثها و کانت الغزوات بینهم متبادلة، لا لسبیل التوسع و الامتلاک و توحید الکلمة و جمعها، بل للتشفی و الانتقام، مما أخّر حالة نجد قرونا متطاولة، و هی فی حالة البداوة، و کان نفوذ هؤلاء الأمراء یضیق و یتسع تبعا لمقدرة الأمیر و شخصیته.
و قد حاولت أن أجمع شتات حوادث نجد، و أصل قدیمها بحدیثها، فبحثت فی کتب التواریخ العامة، لعلی أجد فیها ما ینیر لی الطریق، و یساعدنی علی تکوین شبه تاریخ متصل، و لو کان ناقصا. فرجعت منها
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 22
کما بدأت، و ذهبت محاولاتی أدراج الریاح، لأنه قد ثبت لدی أن تاریخ نجد قد انفصل عن التاریخ العام فی أیام بنی أمیة، حینما کثرت الفتوحات، و اتسعت رقعة الممالک الإسلامیة، و انتقلت العاصمة من الحجاز إلی الشام.
***
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 23

الجزء الأول الحالة العامة فی نجد فی القرون الثلاثة التی تقدمت فیها النهضة الإصلاحیة

اشارة

خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 25

نبذ فی حوادث نجد بالثلاثة قرون المذکورة

اشارة

ذکرنا فی خطبة الکتاب، و فی المقدمة بعض الإیضاح عن الحالة السیاسیة العامة، و ذکرنا ما هی فیه من تفکک الروابط، و اختلاف الکلمة، و النزعات و المنازعات، و الحروب الناشئة عن الأحقاد و الضغائن التی أوجدها الجهل، و غذاها التعصّب. و قد أوضحنا فی الخطبة و المقدمة عدم وجود المصادر التی نستمد منها و نعتمد علیها، و إنما ما لا یدرک کله لا یترک جله، فقد اعتمدنا أن نبتدی‌ء فی هذا التاریخ فی القرن التاسع هجریة، معتمدین فی ذلک علی ما ورد فی سوابق [تاریخ بن بشر] و علی معلومات خاصة تحصلنا علیها من بعض مؤرخی القصیم، فمزجنا بعضها ببعض بالرغم من غموضها، لأنها أشبه بالرموز، فإذا ذکروا حادثة قتل أو قتال، قالوا: و فی هذه السنة قتل فلان أو حصل قتال بین آل فلان و آل فلان، و لا یذکرون الأسباب و لا النتائج، مما یجعل مهمة المؤرخ بغایة من الصعوبة.
و قد تتوسع فی شرح بعض الحوادث و یندرج البعض الآخر کما وجدناه، علی حسب ما عندنا من المعلومات عن ذلک.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 26
و بما أنه لم یتصدی أحد لهذا الموضوع فقد رأیت من المفید أن أجمع هذه النبذ و جعلها کمقدمة للتاریخ، و أن أضیف إلیها بعض تراجم الأشخاص البارزین ممن له أثر فی مجر التاریخ القدیم من أمراء و شعراء و علماء لتکون الفائدة أتم.

تأسیس بلد الدرعیة

فی منتصف القرن التاسع الهجریة، قدم مانع المریدی من بلدهم القدیمة- المسماة بالدرعیة- عند القطیف علی ابن عمه علی بن درع صاحب (حجر الیمامة و الجزعة)، المعروفین قرب بلد الریاض، فأکرم وفادته و أعطاه (الملیبد) و (غصیبة) المعروفین فی الدرعیة، و کانتا من نواحی ملک علی بن درع، فاستقر مانعا فیهما هو و بنوه و عمّروهما و اتسع بالعمارة و الغرس فی نواحیهما.
و مانعا هذا هو جد آل مقرن الأعلا، و توارثها بنوه من بعده کما یأتی تفصیل ذلک عند کلامنا علی نهضة نجد الإصلاحیة [إنشاء اللّه].

تأسیس بلد العیینة

فی السنة المذکورة أی 850 سنة بالوقت الذی تأسست فیه الدرعیة اشتری حسن بن طوق جد آل معمر أهل العیینة من آل یزید ما کان فی ملکهم، یحدها جنوبا ما فوق الملیبید و غصیبه، من سمحه و الوصیل إلی الأبکین، الجبلین المعروفین، إلی بلد الجبیلة شرقا، إلی موضع حریملاء شمالا. و کان مسکن حسن یومئذ فی بلد ملهم.
و أهلها من بنی یشکر ابن بکر ابن وائل و حسن ابن طوق من بنی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 27
سعد بن یزید مناة ابن تمیم، فحصل بینه و بینهم مغاضبة، و کان ذو ثروة فاشتری الموضع المذکور، فانتقل من ملهم إلیه، و أسس بلد العیینة و استوطنها و تأمرها، و تداولتها ذریته من بعده، فنشأت الدرعیة و العیینة بوقت واحد، و لکن العیینة سبقت الدرعیة بالقوة و العمران، حتی کانت المدینة الأولی فی نجد، و تبوأت المرکز الأول فی نجد، و لم تزل کذلک إلی أواسط القرن الثانی عشر، فإنها فقدت منزلتها بعد وفاة أمیرها عبد اللّه بن محمد بن معمر المشهور، فاحتلت الدرعیة مرکزها و استلمت قیادة زمام النهضة التی وحدت فیها کلمة نجد، و کادت توحّد کلمة الجزیرة بأسرها، تحت رایة واحدة، کما سیأتی توضیحه بموضعه فی الکتاب.

بنو عقیل بن کعب بن ربیعة بن عامر بن صعصعة حکّام الأحساء

قبل أن نشرع فی ذکر الحوادث لا بد أن نلم بشی‌ء من تاریخ الأحساء بوجه الأجمال، لأن لیس لدینا تفاصیل عن ذلک، لعدم وجود تواریخ مختصة بذلک. فقد کانت إمارة الأحساء بالصدر الأول من الإسلام کغیرها من بلدان المسلمین، و لمّا انتقلت الخلافة إلی الشام أیام بنی أمیة، أضیفت إمارة الأحساء إلی إمارة المدینة، ثم إلی إمارة العراق، و لم تزل کذلک صدرا فی خلافة بنی العباس. و لمّا خرج القرامطة فی أواخر القرن الثالث استولوا علیها و علی القطیف، و بقیت تحت حکمهم إلی أواخر القرن الرابع- حتی طردهم منها عبد اللّه بن علی العیونی من بنی ثعلبة، و ساعده علی ذلک بنو سلیم و بنو عقیل، و استقل بإمارة الأحساء
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 28
و القطیف، فأراد خلفاءه مشارکته، فاستعان ببنی عقیل علی سلیم حتی أخرجوهم من الأحساء، و دخلوا إلی مصر فأقام بها بعض و سار البعض إلی إفریقیا فی بلاد المغرب و ذلک فی منتصف القرن الخامس، ثم بعد مدة اختلف بنو تغلب و بنو عقیل فقلبت بنو تغلب علی بنی عقیل و طردوهم من الأحساء، فسافروا إلی العراق، و ملکوا الکوفة و البلاد و الفرایتة، و تغلبوا علی الجزیرة و الموصل. و ملکوا تلک البلاد مدة لیست قلیلة، ثم غلبهم علیها السلجوقیون. و منهم کان المقلد و قرداش و قریش و ابنه مسلم المشهور، ذکرهم و وقائعهم فی کتب التاریخ، فلما غلبوا علی ملکهم فی العراق تحولوا عنها فی أوائل القرن السابع إلی مواطنهم الأولی فی الأحساء فوجدوا بنی تغلب قد ضعف أمرهم فغلبوهم علی الأحساء و القطیف بعد حروب کثیرة- فاستتب الأمر فیهما لبنی عقیل یتوارثونه أبّا عن جد إلی أن أخذها الترک من أیدیهم کما سیأتی.

أجود بن زامل‌

و کانت الإمارة فی أوائل القرن العاشر لأجود بن زامل الجبری العقیلی العامری، و کان مقره فی قریة المنیزلة المعروفة، الآن فی الأحساء و قصره فی غربی القریة الموجودة الآن لم تزل آثارها موجودة لهذا العهد، و لم نقف علی شی‌ء من أخبارهم علی قرب عهدها، بسبب عدم العنایة فی تاریخ البلاد. و لهذا کانت أیام ولایات بنو تغلب و بنو عقیل مجهولة، و الحدیث عنها یدخل بحکم الخرافات، کما هو فی أخبار بنی هلال. و قد بسطنا الکلام فی هذا الخصوص فی کتابنا (المعجم) عند کلامنا علی الأحساء و لم نذکر به إلّا ما ثبت لدینا من مصادر موثوقة و عزونا کل شی‌ء
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 29
إلی مصدره، فمن أراد زیادة الإیضاح فالیراجع بموضعه من الکتاب المذکور.
قال ابن بشر: و فی سنة 912 ه حج أجود بن زامل شیخ الأحساء و نواحیه فی جمع یزیدون علی ثلاثین ألفا، و لم نقف علی من خلفه بعد وفاته.

قضاة أجود بن زامل‌

فقد ذکر بن بشر: أن قضاة أجود بن زامل ستة، و هم:
القاضی ابن القاضی علی بن زید و هو قاضی أجود ابن زامل الخاص، و القاضی عبد القادر بن برید المشرفی، و القاضی منصور بن مصیح و عبد الرحمن بن مصیح، و القاضی أحمد بن فیروز بن بسام، و سلطان بن ریس بن مغامس. کل هؤلاء فی مدخلة أجود بن زامل.

منیع ابن سالم‌

الجندی المجهول- أو الکریم المجهول.
و منیع بن سالم هذا، هو: ممدوح راشد الخلاوی، الشاعر المشهور الذی خصه بمدحه و رثاه بمراثی کثیرة، حتی قیل: إن الخلاوی قل أن تجد له شعرا إلّا فی منیع بن سالم، و کان هذا فیما یظهر لنا أنه کریما جوادا، غمر الخلاوی فی إحسانه، و کان له فوق ذلک مخصصات سنویة عند منیع بن سالم.
و الراجح لدینا أن منیع هذا من بنی عقیل، و لعله أخر أمراثهم فی الأحساء الذی أخذ الترک منه الأحساء و القطیف، لأن فی بعض أشعار
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 30
الخلاوی ما یدل علی وقوع نکبة فی منیع قبل وفاته. و لعلنا نورد بعض الشواهد من أشعار الخلاوی. و قولنا هذا لا یستند علی أساس صحیح، و إنما هو من بعض الظنون، لأننا اجتهدنا أن نلم بشخصیة منیع بن سالم.
و من أی قبیلة فلم نجد خبرا صحیحا نعتمد علیه، و نأذن لمن عنده علم فی ذلک أن یصحح الخبر علی الحقیقة، (ثم ثبت عندی أن الخلاوی عاش فی أول القرن الثانی عشر).

خروج الشریف حسن بن أبی نمی إلی العارض‌

و فی سنة 958 ه: أسست بلد بریدة.
قال العصامی فی «تاریخه»: و فی سنة 986 ه سار الشریف حسن بن أبی نمی إلی نجد، و حاصر معکال المعروف فی الریاض، و معه من الجنود نحو خمسون ألفا، و طال مقامه فیها، و قتل فیها رجالا و نهب أموالا و أسر منهم أناس من رؤسائهم، و سار بهم إلی مکة و حبسهم، و أقاموا فی الحبس سنة، ثم أذعنوا لمطالبه. و طلبوا منه أن یطلق أسراهم و یلزموا بأن یسلموا له مبلغا معینا من المال، فأطلقهم، و أمرّ فیهم محمد بن فضل، ثم انتفضوا علیه فجهز علیهم سنة 989 ه و سار إلیهم بجیش کثیف و مدافع کبار.

خروج الشریف حسن المذکور إلی الخرج‌

و قصد ناحیة الخرج و حارب أهلها، ففتح مدنا و حصونّا تعرف بالبدیع و السلمیة و الیمامة، و مواضع فی شوامخ الجبال، ثم عیّن من رؤسائه فی ضبطها أمور اقترحها و شرطها، و عاد راجعا.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 31

مصادقة بنی خالد للشریف حسن‌

فلما بلغ بنی خالد مسیر الشریف إلی الخرج ساءهم ذلک و کانوا قد ندموا علی تقاعدهم عن مساندة أهل الریاض فی غزوته الأولی علیهم، فأرادوا أن یمدوا أهل الخرج و ینصروهم، فتجمعوا و قبل أن یسیروا علموا باستیلاء الشریف علیهم و أنه علی و شک الرجوع فرصدوا له فی الطریق فی جریدة خیل و جیش، و کان الشریف حسن قد بعث عیونا تقدموه، فرجعوا إلیه و أخبروه أن بنی خالد قد رصدوا له فی الطریق فما لبث حتی وافاه جیش بنی خالد، و قد استعد للقائه فهاجموه، و اقتتلوا قتالا شدیدا کانت نهایته هزیمة بنی خالد، فضم الشریف خیلا و إبلا، و قتل منهم یومئذ قتلی کثیر، و کانت هذه آخر غزوات الشریف حسن إلی نجد إذ توفی فی جمادی الآخر سنة 1010 ه بطریقه إلی نجد.

سنة 1015 ه خروج محسن إلی نجد

و فی سنة 1015 ه: خرج الشریف محسن بن حسین إلی نجد و نزل (القصب) القریة المعروفة فی الوشم، و قتل أهلها و نهبهم، و فعل بهم الأفاعیل العظیمة.
و لم نقف علی الأسباب التی دعت الشریف إلی التنکیل بهم مثل هذا التنکیل الفظیع، و قد نقلنا العبارة کما وجدناها، دون أن نتعرض إلی شی‌ء فی عبارتها، لیطلع القاری‌ء علی المصادر التی نستمد منها معلوماتنا فیعذرنا، أو لم نتوسع فی الأبحاث لأننا مقیّدین بعبارات مبهمة، لا یستطیع المؤرخ أن یتوسع فی بحثه فلو أن صاحب هذه الترسیمات أوضح شی‌ء من مقدمات هذه الحادثة، لأمکن البسط فیها و الاستنتاج.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 32

استیلاء آل حنیحن علی بلد البیر

البیر قریة معروفة فی سدیر، و أمراؤها من العرینات فی سبیع، و کان ینازعهم فیها آل حنیحن فتغلبوا علیهم و اجلوهم عنها فلما کان سنة 1015 ه سطا محمد و عبد اللّه آل حنیحن فی بلد البیر و استولوا علیه، و أخرجوا منه العرینات فعمروها و غرسوها و تداولتها ذریة محمد من بعده، و هم: آل حمد المعروفون نسبة إلی حمد بن محمد المذکور و بقی فی أیدیهم.

تأسیس قریة الحصون‌

أصلها قصور مزارع، و القصر یدعی حصن، ففی سنة 1015 ه کانت هذه الحصون تابعه لصاحب (صبحاء)، القریة المعروفة عند قریة الجنوبیین فی ناحیة سدیر، فاستأجرها آل تمیم من صاحب (صبحاء)، و أخذوها مغارسة- یعنی أن یعمروها و لصاحبها سهم أو أسهم معلومة منها- فغرسوها و عمروها و استوطنوها، فسمیت الحصون (جمع حصن) علی اسمها السابق، لمّا کانت حصون مزارع.

سنة 1033 ه

و فی سنة 1033 ه: قال ابن بشر: و فی هذه السنة قتلوا أولاد مفرج بن ناصر صاحب بلد (مقرن) المعروفة فی الریاض، و هذا من الأخبار المبهمة التی اضطررنا إلی وضعها دون أن یعرف من هو القاتل، و لا ما هی أسبابه، و لا من الذی خلفه فی منصبه، رجاء أن نقف أو یقف من بعدنا علی توضیح ذلک. ثم قال: و فی سنة 1037 ه استولی آل مدیرس علی بلد (مقرن) و شاخوا فیها.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 33

مقرن و ربیعة أبناء مرخان بن إبراهیم بن موسی بن ربیعة بن مانع‌

و فی سنة 1039 ه: حج مقرن و ربیعة رئیس الدرعیة أبناء مرخان بن إبراهیم بن موسی بن ربیعة بن مانع المریدی و مقرن هذا هو جد آل مقرن الذی لا یزالوا ینتسبون إلیه، و یجتمع فیه آل سعود و أبناء عمهم القریبین.

الحریق‌

الحریق فی ناحیة الفرع- بلد مشهور- و یعرف قدیما بحریق نعام نسبة إلی (نعام) القریة المعروفة قریب منه، و لکنه صار أشهر منها. أسسه رشید بن مسعود بن سعد بن سعیدان بن فاضل الهزانی الجلاس الوائلی الهزانی من عنزة من أسد بن ربیعة- أسس البلد و غرسه و سکنه، و تداولته ذریته من بعده، ثم غلبهم علیه القواورة من سبیع، و أخذوه منهم، و لکنهم لم یلبثوا أن کروا علیهم و أخرجوهم منه فی سنة 1040 ه و لم یزل بید ذریتهم إلی الآن، و هم آل حمد بن رشید بن مسعود المذکور. و سیأتی الکلام علیه فی حوادث سنة 1327- 1328 ه، حینما تآمروا علی الإمام عبد العزیز بن عبد الرحمن الفیصل، و اتفاقهم مع الفریق مما سیأتی تفصیله آنداک.

قتل آل تمیّم [فی سنة 1041 ه]

بتشدید الیاء المثناة تحت، تصغیر تمیم و فی سنة 1041 ه: قتل آل تمیم فی مسجد القارة المعروفة بصبحا فی سدیر، و آل تمیم هؤلاء هم أهل الحصون الذی تقدم ذکرها، و وقع
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 34
بسبب ذلک حرب بین آل حدیثة أمراء القارة و بعض من الأهالی، و قتل فیه محمد ابن أمیر القارة عثمان الحدیثی.

و فی سنة 1045 ه:

حج ابن معمر أمیر العیینة و ابن قرشی، و أخذهم رکب من عائذ و بقی العداء بین أهل القارة حتی تصالحوا سنة 1049 ه.

[فی سنة 1045 ه] تأسیس بلد حریملاء

و فی سنة 1045 ه: وقع بین آل حمد بنی وائل و بین آل مدلج فی التویم اختلاف، فخرج آل حمد من التویم مغاضبین لآل مدلج فذهب رئیسهم علی بن سلیمان إلی أحمد بن عبید اللّه بن معمر و اشتری منه موضع حریملاء، و کانت ملکه بعد أن أخذ منهم منزلها هو و بنو عمه سوید و حسن ابنی راشد آل حمد، و کذلک جد آل عنوان و آل مبارک و البکور و غیرهم من بنی وائل، و نزلوا معهم و غرسوها و عمروها، فتقدمت فی العمران فی مدی المائة السنة التی تلت تأسیسها حتی کانت فی الدرجة الثانیة من بلدان نجد، بالرغم مما اعترضها من العقبات، و ما أبداه ابن معمر أمیر العیینة من العداء الشدید، و محاولاته للتغلب علی أهلها، و لکنهم وقفوا بوجهه و صمدوا لحربه، و ردوه علی أعقابه، و لم ینل منهم منالا، و لم تکن غارات ابن معمر علیهم هی الوحیدة، بل إن مجاوریهم لم یکونوا أقل عداء من ابن معمر، و لکنهم استطاعوا أن یتغلبوا علی کل من حاول الاعتداء علیهم، و بقیت الإمارة بید آل حمد و آل راشد أبناء عمهم إلی أن دب الخلاف بینهم، و انقسموا علی أنفسهم عند أول ظهور دعوة الشیخ محمد بن عبد الوهاب مما ستقف علیه فی موضعه من هذا الکتاب.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 35
و فی هذه السنة تصالح أهل القارة القریة المعروفة بسدیر بعد الحرب التی وقعت بینهم بسبب مقتل آل تمیم.

و فی سنة 1049 ه:

حج الشیخ العلامة سلیمان بن علی بن مشرف جد الشیخ محمد بن عبد الوهاب.

سنة 1051 ه

و فی هذه السنة وقع قتال بین آل جرجس داخل العیینة، و قتل من الطریق قتلی و انهزم آل جرجس.

روضة سدیر

لم نقف علی تاریخ تأسیسها، و إنما الثابت أن الذی أسسها آل ماضی فقد أقبل جدهم الأعلی مزروع من بلد (قفار) البلدة المعروفة فی جبل شمر و اشتری هذا الموضع فی وادی سدیر و استوطنه و عمره، و تداولته ذریته من بعده، و قد خلف أربعة أولاد: سعید و سلیمان و هلال و راجح، و صار کل واحد منهم جد قبیلة فکان لکل واحد منهم- أولاده- محلة مخصوصة من البلد، فکانت أربعة أقسام: محلة آل ابن سعید و محلة آل ابن سلیمان. و محلة آل ابن هلال. و محلة آل ابن راجح.
و صار لکل منهم أتباع، و کانوا بأول الأمر مجتمعی الکلمة ضد العدو الخارجی. و أما الداخلیة فکل منهم یختص نفوذه بحدوده المعروفة، ثم دب الخلاف بینهم مع تمادی السنین، و دخل بینهم الأعداء، ففرقوا کلمتهم، فوجد کل منهم قواه لمحاربة بنی عمه، و یستمر النزاع بینهم مدة طویلة، فتارة یتغلب هؤلاء، و تارة یتغلب أولئک، و بقی النزاع علی الخصوص بین آل ابن راجح و هو الذی بقی علیهم اسم آل ماضی.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 36
و رئیسهم یومئذ رمیزان بن غشام الشاعر المشهور، و کانت الغلبة یومئذ لآل ماضی و هم أمراء الروضة، بعد أن أجلوا رمیزان و جماعته عنها، فنزل هذا قریة (أم حماد) المعروفة فی أسفل بلد حوطة سدیر ینظر الفرصة بأبناء عمه، إلّا أنهم لم یترکوه، فقد استنجدوا بأحمد بن عبد اللّه بن معمر أمیر العیینة فأنجدهم بقوة هو رئیسها فقضی علی رمیزان و أخرجه من (أم حماد) و کان رمیزان من الأمراء الممتازین همة و إقدامّا، فلجأ إلی الشریف یزید بن محسن، و کان له به صلة وثیقة، فشکی إلیه ما لحقه من بنی عمه و استنجد به علیهم، فأوعده خیرا، و لکن لم یتمکن من إیجاده، لأن الحالة فی الحجاز مضطربة، و لم یهمل أمره کل الإهمال فلما استتب الأمر للشریف فی الحجاز خرج غازیّا نجد، بعد هذه الحوادث بخمس سنوات مات فی أثناءها أحمد بن معمر، و قتل خلفه ناصر بن عبد اللّه بن معمر، و قتل بن هلال فی خلاف وقع بینهم و بین بنی عمهم.
فنزل الشریف زید- الروضة- و قبض علی محمد بن ماضی و قتله و ولی فیها رمیزان بن غشام بعد أن نکل بأهل البلد تنکیلا شدیدا، ثم رحل منها. و نزل بنبان الماء المعروف فی العارض قاصدا العیینة، و بما أن الأمیر الذی ساعد آل ماضی قد مات فقد اکتفی بوضع غرامة باهظة فی نقود و طعام، فأخذها و رجع و هدأت الحالة بینهم. و استمر رمیزان متغلبا علی الروضة طیلة أیام الشریف زید فلما توفی الشریف المذکور سنة 1076 ه قویت شوکة خصومه فرجع أبناء راجح إلی محلتهم بالروضة و عمروها. و تجدد النزاع بینهم کما کان سابقا إلی أن قتل رمیزان و ضعفت شوکة آل أبی سعید. کما سیأتی توضیحه فی موضعه من هذا الکتاب.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 37

سنة 1056 ه

و فی هذه السنة توفی أحمد بن عبد اللّه بن معمر أمیر بلد العیینة حاجا فی المناسک، و تولی بعده أخیه ناصر بن عبد اللّه بن معمر و لم تتم له الولایة إلی أشهر معدودة إذ ثار علیه ابن أخیه دواس بن محمد بن معمر فقتل سنة 1057 ه و تولی الإمارة من بعده، و لکنه قتل أیضا سنة 1058 ه، و تولی بعده محمد بن حمد بن عبد اللّه بن محمد بن معمر و أجلی منها آل محمد.

[فی آخر سنة 1059 ه] وفاة الشیخ محمد بن أحمد بن إسماعیل‌

و فی آخر سنة 1059 ه: توفی الشیخ الإمام العالم محمد بن أحمد بن إسماعیل فی بلد أشیقر و هو من آل بکر من سبیع، أخذ الفقه عن عدة مشایخ من أجلهم: الشیخ أحمد بن محمد مشرف و غیره.
و أخذ عنه جماعة، منهم: الشیخ أحمد بن محمد القصیر، و الشیخ أحمد بن محمد بن بسام، و الشیخ عبد اللّه بن محمد بن ذهلان و غیرهم.
و کان الشیخ بن إسماعیل معاصرا للشیخ العلامة سلیمان ابن علی بن مشرف جد الشیخ محمد بن عبد الوهاب و للشیخ منصور بن یونس، البهوتی شارح «الاقناع» و «المنتهی»- و الشیخ مرعی بن یوسف.

سنة 1063 ه وقعت الشبول و أهل بلد التویم‌

الشبول فریق من البادیة لا أعلم من ینتسبون إلیه من القبائل، و قد وقع بینهم و بین أهل بلد التویم اختلاف لا نعرف سببه، و لکن قیاسا علی حالة البادیة و تغلبها إذ ذاک، و کثر اعتداءاتها ترجح أنهم فرضوا علی أهل بلد التویم أمرا لیس لهم فیه حق، و اضطروا إلی امتشاق الحسام دفاعا عن
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 38
أنفسهم و أبوا أن یذعنوا لمطالبهم و فضّلوا أن یأخذوا منهم أضعافها قهرا بعد أن یقوموا بواجبهم، فوقع بینهم قتال شدید قتل فیه من أهل التویم عدد کثیر و أثخنوا فی عدوهم و أبعدوه.

[فی سنة 1065 ه] قتل مرخان بن مقرن‌

و فی سنة 1065 ه: قتل مرخان بن مقرن قتله ابن عمه و طبان بن ربیعة و استولی علی نصیبه المعروفة فی الدرعیة.
و فی هذه السنة خرج الشریف محمد الحارث إلی نجد، و أغار علی آل مغیرة فی (عقرباء) الموضع المعروف عند بلد الجبیلة.

[فی سنة 1069 ه] خروج الشریف زید بن محسن إلی نجد

و فی سنة 1069 ه: خرج الشریف زید بن محسن إلی نجد و نزل (قری التویم) المعروف بین التویم و جلاجل فی سدیر، و قدم فی سدیر و أخر و أخذ و أعطی، و هذه آخر غزوة غزاها إلی نجد، و توفی سنة 1076 ه.

[فی حوادث سنة 1058 ه] ولایة عبد اللّه بن أحمد بن معمر فی العیینة

قد ذکرنا فی حوادث سنة 1058 ه ولایة محمد بن حمد بن معمر علی العیینة، و لم نقف علی شی‌ء فی حوادث (العیینة) فی مدی عشر السنوات، و إنما نرجح أنه توفی سنة 1070 ه ألف و سبعین حیث ذکر ابن بشر ولایة عبد اللّه بن أحمد بن معمر بهذه السنة.

[فی سنة 1071 ه] غزوة ابن معمر لأهل (البیر)

و فی سنة 1071 ه: سار عبد اللّه بن أحمد بن معمر أمیر العیینة إلی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 39
(البیر) القریة المعروفة فی المحمل و أغار علیهم و أخذ إبلّا فی سوانیهم، ثم بعد مدة أقبلت قافلة لأهل العیینة فأغار علیها أهل بلد البیر و أخذوها، فجهز علیهم عبد اللّه بن معمر و سار إلیهم قاصدا الانتقام منهم، فلما وصل قرب البلد و جمع جنود کثیرة و فیهم الشیخ القاضی سلیمان بن علی و غیره من الأعیان.
و نزل علی حدود البلد و جعل السطوة و أهل النجدة من قومه تحت جدار السور فوقع الجدار علیهم و مات منهم خلق کثیر تحت أنقاضه.
فکفی اللّه أهل (البیر) شره و رجع إلی بلده بمن بقی معه و قد أنصف اللّه منه.

[فی سنة 1076 ه] وفاة الشریف زید بن محسن‌

و فی سنة 1076 ه: توفی الشریف زید بن محسن، و تولی مکانه ابنه سعد بن زید بعد منازعات و مشاجرات بینه و بین ابن عمه الشریف حمود بن عبد اللّه، فتغلب علیه الشریف سعد بن زید، فخرج الشریف حمود إلی (ینبع) مغاضبا للشریف سعد، و أقام بها متغلبا علی ما حولها و حصل بینهما حروب و منازعات، لیس هنا موضع ذکرها، إذ المقصود من بحثنا هو ما یتعلق بنجد.

[فی سنة 1079 ه] خروج آل عبد اللّه الأشراف إلی نجد

اشارة

و فی سنة 1079 ه: خرج آل عبد اللّه الأشراف إلی نجد و أغاروا علی (الظفیر القبیلة) المعروفة فی نجد و کان هؤلاء قد انتذروا بهم فاجتمعوا و استعدوا للقائه، و حصل بینهم قتال شدید ثم انهزم الأشراف، و قتل الظفیر منهم قتلی کثیر.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 40

خروج الشریف حمود بن عبد اللّه‌

و علی أثر هذه الوقعة، خرج الشریف حمود بن عبد اللّه قاصدا الظفیر للتنکیل بهم و الانتقام منهم، و لکنه قبل أن یصلهم أغار علی عنیزة، و حصل بینه و بینهم وقعة شدیدة، ثم أغار علی بنی حسین و حصل بینه و بینهم قتال، ثم أغار علی (هتیم) و کذلک حصل بینهم وقعة ثم أغار علی مطیر و حصل بینهم وقعة شدیدة، فلمّا بلغ الظفیر خبر هذه الوقعات و علموا أنه سیقصدهم أفزعهم ذلک لما وقع بینهم و بین آل عبد اللّه کما سبقت الإشارة إلیه.
فلمّا قرب من منازلهم انضم إلیه الصمدة فخذ من الظفیر، لأنهم لم یشترکوا فی الحوادث المتقدمة، و کأن الظفیر خافوا بطش الشریف، فأرادوا أن یصلحوا أمرهم معه علی أن یأخذ منهم (الشعثاء- و- النعامة) و هی خیار أوائل الإبل و خیار توالیها کما هو المعتاد، فرکب شیخ الظفیر الأکبر سلامة بن سویط، و قدم علی الشریف و أراد أن یسترضیه، و عرض علیه ما تقدم، علی أن یعفوا عنهم، فلم یقبل، فقال سلامه: إذا لم تقبل ذلک فاحبسنی لتتمکن من أخذ ما ترید منهم.
و سلامة یقول ذلک، رغبه منه فی حقن الدماء، و یری أن المال مهما بلغ فهو أخف ضررّا من القتال، لأنهم لا یریدون أن یتمادوا فی عداوة الأشراف، لما لهم من السلطة فی الحرمین و نجد أیضا. و لکن الشریف حمود أبی أن یقبل ما أشار به ابن سویط، فذهب سلامة إلی قومه و قد تهیؤا للقتال، و کذلک الشریف حمود، فانخذلت الصمدة عن الشریف، و انحازوا إلی بنی عمهم، و لم یبقی معه إلا بنی عمه و عدوان فالتقی الجمعان و اقتتلوا قتالا شدیدا، قتل فیه من الأشراف زین العابدین بن
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 41
عبد اللّه، و أحمد بن حسن بن عبد اللّه، و شنبر بن أحمد بن عبد اللّه، و غیرهم کثیر من سائر قومه، و لم یدرک من الظفیر مأموله، فرجع.
فلمّا مضی مدة قلیلة، أعاد الکرة علیهم الشریف غالب بن زامل و صبحهم و قتل منهم نحو ستین رجلا، و لم یزل الحرب و القتال بین الأشراف و بین الظفیر إلی أن أصلح بینهم الشریف أحمد بن زید و توفی الشریف حمود سنة 1080 ه بعد أن وقع الصلح بینه و بین أمیر مکة الشریف سعد بن زید.

وفاة الشیخ سلیمان بن علی بن مشرف‌

قال ابن بشر:
و فی سنة 1079 ه: توفی الشیخ العالم الفقیه سلیمان بن علی مشرف جد الشیخ محمد بن عبد الوهاب، کان سلیمان رحمه اللّه فقیه زمانه متبحرا فی علوم المذهب و انتهت إلیه الریاسة فی العلم، و کان علماء نجد یرجعون إلیه فی کل مشکلة فی الفقه و غیره.
و قال ابن بشر: رأیت له سؤالات عدیدة، و جوابات کثیرة، و صنف کتابا فی المناسک، ثم قال: و ذکر لی أنه شرح «الإقناع» فلما علم أن منصورا البهوتی شرحه أتلف الشیخ سلیمان شرحه.
أخذ العلم عن علماء أجلاء منهم الشیخ أحمد بن محمد بن مشرف و غیره، و أخذ عنه جماعة منهم: أحمد بن محمد القصیر، و ابنه عبد الوهاب، والد الشیخ محمد و إبراهیم و غیرهم.

قتل رمیزان بن غشام الشاعر المشهور

رمیزان بن غشام من آل ابن سعید من بنی تمیم، و قد تقدم الکلام فی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 42
المنازعات التی جرت بینه و بین بنی عمه، و ذکرنا تقلبه علی الروضة، و أن نفوذه ضعف بعد وفاة الشریف زید بن محسن. و ذکرنا رجوع أبناء عمه آل ابن راجح إلی محلتهم، و تجدد المنازعات بینهم، و استمرت الحروب کما کانت سابقا إلی أن قتل رمیزان فی سنة 1089 ه حسب روایة ابن بشر، و فی بعض الروایات أنه قتل أو مات فی حدود سنة 1084 ه أو 1085 ه.
و الروایة الأخیرة أصح کما یتضح من سیاق الکلام، و تأیید الروایة الأخیرة عن رمیزان نفسه، و لیس لدینا معلومات کافیة عن تفصیل الحوادث الجاریة بینه و بین عمه لغموض المصادر، و لکن استنتجنا ذلک من بعض شعره الذی یثبت أنه فی سنة 1083 ه، 1084 ه لم یزل علی قید الحیاة کما سیأتی بیانه بعد شرح الحوادث التی تقدمته.

تأسیس بلد ثادق سنة 1079 ه

ثادق بلد فی ناحیة المحمل و هی قاعدته عمره آل عوسجة و غرسوه و سکنوه، و لا أعلم هل هذا أول عمرانه أو أنه قد أسس قبل ذلک و خرب، أو أن هذا تحدید لعمرانه الأخیر کما هی الحال فی أکثر قری نجد، فإنها تعمر و تسکن، ثم یرتحل أهلها و یترکوها لسبب من الأسباب، ثم یأتی بعدهم من یسکنها و یجدد عمرانها، و لکن من الثابت أن عمران بلد ثادق فی سنة 1079 لم یزل کما هو الآن.

استیلاء آل عریعر علی الأحساء و إخراج الترک منه‌

سبق الکلام علی استیلاء حکومة الترک علی الأحساء فی النصف الأول من القرن العاشر، و ذکرنا الأسباب التی دعتهم إلی احتلال
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 43
الأحساء، و تقویض إمارة آل أجود بن زامل العقیلیین، فاستمرت إمارتهم علیها نحو مائة و ثلاثین سنة، فلما ضعف شأن الترک، و کثرت الثورات الداخلیة فی بلادها، و الحروب الخارجیة مع الدول لطمعهم فی أملاکها، و اطمئنت علی القسم الشرقی من جزیرة العرب من أن تحتله إحدی الدول، رأت أن تسحب بعض القوات التی خصصتها للمحافظة علی متصرفیة الأحساء، و اکتفت بقوة ضئیلة تحفظ مقامها الأسمی، فاختل نظام الأمن و تقلبت البوادی علی مقدرات هذا القطر، و کانت قبیلة بنی خالد هی القوة المسیطرة علی أطراف الأحساء و القطیف و نواحیهما، فأطمعهم ما رأوا من ضعف الحکومة و عجزها عن حفظ الأمن، فهاجموا القوة المرابطة فی الأحساء، و تغلبوا علیها و أخرجوها من الأحساء و القطیف، و استولوا علیهما بعد أن قتلوا راشد بن مغامس رئیس آل شبیب، و کان مشایفا؟؟؟
للترک، فطردوا جماعته بعد أن أخذوهم. و کان استیلاؤهم علیه سنة 1080 ه، و قیل: سنة 1082 ه و هو الأصح اعتمادا علی الشعر الذی قیل فی تاریخ ولایتهم:
رأیت البدو آل حمید لمّاتوالوا أحدثوا فی الخط ظلمّا
أتی تاریخهم لما تولواکفانا اللّه شرهموا
(طغی الماء) 1082 ه.
و الخط اسم لناحیة القطیف و توابعه، و سیأتی تذییل بعض الأدباء علی هذین البیتین فی تاریخ زوال حکمهم من الأحساء سنة 1208 ه، فیما أخرجهم منها سعود بن عبد العزیز، و کان رئیس بنی خالد یومئذ براک بن غریر بن عثمان بن مسعود بن ربیعة آل حمید، و هو أول أمیر فی الأحساء
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 44
من آل حمید، فلما تولی الأحساء حاول أن یبسط نفوذه علی نجد و علی البوادی، ففی السنة الثانیة لولایته الأحساء خرج غازیا نجد فأغار علی آل سبهان من آل کثیر و أخذهم علی سدوس القریة المعروفة فی الشعیب و طرد الظفیر.

و فی سنة 1081 ه:

اشارة

تصادم الظفیر و قبیلة الفضول و حصل بینهم قتال شدید فی موضع یسمی الکثیال فی نجد.

أمارة عبد اللّه بن إبراهیم العنقری فی ثرمدی‌

العناقرة من بنی سعد بن زید مناة ابن تمیم، و ثرمدی بلد فی ناحیة الوشم علی حدوده من الشرق، و هی قریة قدیمة، ذکرها یاقوت فی «معجم البلدان»، و قد ذکرناها فی کتابنا «المعجم» و شرحنا ما وقفنا علیه من تاریخها القدیم و تاریخها الحدیث، إلّا أننا لا نعرف أمراءها فیما قبل هذا التاریخ، و أول أمیر تولی فیها حسب ما نعلم هو عبد اللّه بن إبراهیم العنقری سطی فیها سنة 1081 ه، و استولی علیها و تولی الإمارة فیها، و لم تزل الإمارة فیها بیدهم إلی وقتنا هذا، أی منتصف القرن الرابع عشر، و هما من البلدان التی قاومت محمد بن سعود طیلة أیام ولایته، و شطرا من ولایة عبد العزیز بن محمد، کما سیأتی بیانه بموضعه.

الفتنة بین أهل بلد الحصون سنة 1084 ه

اشارة

ذکرنا فیما تقدم تأسیس آل تمیم بلد الحصون سنة 1015 ه، و الفتنة التی وقعت بینهم و بین أهل القارة المعروفة عند صبحا. و هذه عادة القری، فإن المنازعات بینهم لا تفتر خصوصا إذا کان فی القریة أو البلد حزبان قویان یتنازعان السیادة.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 45
و بلد الحصون من هذا النوع فإن فیها أمراءها آل تمیم و هم أصحابها الشرعیین الذین أسسوها، و لکن القوة لا تعترف بهذا الحق لصاحبه، فإن آل حدیثة عصبة قویة فأرادوا الاستئثار بالسلطة بحکم القوة فثاروا علی آل تمیم و أخرجوهم من البلد، و تولی الإمارة رئیسهم مانع بن عثمان بن عبد الرحمن آل حدیثة، فلجأ آل تمیم إلی إبراهیم بن سلیمان أمیر جلاجل البلد المعروف فاستنجدوه علی آل حدیثة فأنجدهم، و سار معهم و أسس قوة کبیرة هاجم بلد الحصون فاستولی علیها و أخرج منه مانع بن عثمان شیخ آل حدیثة، و بقی آل تمیم فی بلدهم سنة 1083 ه و تولی فیها عدوان بن سویم آل تمیم.

وقعة القاع بین أهل التویم و أهل جلاجل‌

التویم قریة فی سدیر شهرتها أکبر من مساحتها، لأنها علی صغرها و قلة سکانها، عزیزة الجانب لا یرام حماها، و لا وئام جارها، و لا یصطلی بنارها، أهلها ذو شجاعة و إقدام أقرب إلی التهور، أقرب الناس إلی فتنة و أشدهم مراسا لا ینامون علی ضیم، و هم کما قال فیهم رمیزان :
أهل التویم رأس الحیةمن یطأها یأخذ حذره
أمراءها آل مدلج من بنی تمیم ، و قد ذکرنا خلافهم مع آل حمد و مهاجرة هؤلاء إلی موضع حریملاء و عمروها و سکنوها کما بیناه سابقا.
و لهم وقائع مشهورة لا زالت تتناقلها الثقة من الرواة، ترکناها لعدم
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 46
الاعتماد علی رواتها لأن طول المدة تبطل الثقة بالنقل إذا لم یکن مسجل، لما اعتاد الناس علیه من التحریف و الزیادة و النقصان. و إنما اقتصرنا علی بعض النبذ التی أوردها ابن بشر فی سوابقه ترسمناها متفرقة علی حسب ترتیب حوادث السنین، علی أننا قد استوفینا ذلک بکتابنا «المعجم» فی کلامنا علی التویم، و أضفنا إلیه الحوادث الحدیثة فمن أراد استکمال البحث عن التویم فلیرجع إلی موضعه من الکتاب المذکور.
قال ابن بشر فی حوادث سنة 1084 ه: و فی هذه السنة حصل وقعة بنی أهل التویم و أهل جلاجل فی موضع یسمی القاع قتل فی هذه الواقعة رئیس جلاجل إبراهیم بن سلیمان، و رئیس بلد التویم محمد بن زامل بن إدریس بن حسین بن مدلج، و عده رجال من الفریقین، و هذه من الحوادث العادیة التی تقع دائمّا بین أهل القری لا لتأیید حق و لا لطلب التوسع فی الملک، و إنما للتشفی و الانتقام، و فی الحوادث الماضیة و الحوادث التالیة ما یؤید ذلک.

إمارة راشد بن إبراهیم فی بلد مراة

مراة قریة قدیمة و لها ذکر فی التاریخ، و قد کانت قدیمّا لبنی امری‌ء القیس بن زید مناة، و قد ذکرناها فی کتابنا «المعجم» و ذکرنا شیئا من تاریخها القدیم و ما ورد فیه من الأشعار. و أمّا التاریخ الحدیث فهذا أول خبر وقفت علیه فی شأنها.
قال ابن بشر:
و فی سنة 1084 ه: تولی راشد بن إبراهیم فی بلده مراة البلد المعروفة فی الوشم.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 47

قتل ناصر بن محمد أمیر الدرعیة

و فی سنة 1084 ه: قتل ناصر بن محمد أمیر الدرعیة و أحمد بن و طبان، و لم یذکر من قتله و لا أسبابه، و تولی من بعده محمد بن مقرن جد محمد بن سعود مؤسس إمارة آل سعود الأولی.

حوادث سنة 1085 ه

اشارة

فی هذه السنة قحط و غلاء، ارتفعت فیه أقیام الأطعمة لقلة الأمطار، و ضعف الزراعة، و حصل فی ذلک مشقة عظیمة علی أهل نجد عموما حاضرتها و بادیتها. فانحدرت بوادی الفضول من نجد إلی العراق، و رأت من الخصب و طیب المرعی ما أعجبها، فاستقرت هناک حتی الآن، إلّا أن غالبهم تحضروا و لا أعرف لهم بادیة موجودة علی عاداتها، لا فی نجد و لا فی العراق، منهم قبائل القزی علی الضفة القریبة من الفرات من الناصریة إلی الخضر.

رجوعا إلی تحقیق مقتل رمیزان بن غشام أمیر الروضة

تقدم الکلام علی قتل رمیزان بن غشام الشاعر المشهور أمیر روضة سدیر فی حوادث 1079 ه، حسب روایة ابن بشر و وعدنا أن نبدی ملاحظتنا علی عدم صحة هذه الروایة، و ها نحن نورد الدلائل التی تؤید ما ذهبنا إلیه.
من الثابت أن آل حمید استولوا علی الأحساء و القطیف سنة 1082 ه، حسب روایة ابن بشر نفسه، و مما لا شک فیه أن رمیزان تلک السنة لم یزل علی قید الحیاة و إلیک الشاهد من کلام رمیزان نفسه، و ذلک أنه وقع بین رمیزان و رشیدان سور تفاهم، فخرج هذا و قصد براک بن غریر
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 48
حاکم الأحساء غاضبا لأخیه، و أقام فی الأحساء مدة حاول رمیزان فی أثنائها استرضاءه فلم یفلح، و مما أرسل إلیه فی هذا المعنی، قصیدته المشهورة، نقتطف منها الأبیات التی هی محل الشاهد، و مطلعها:
و فیها یقول معاتبا لأخیه:
و لا خیر فیمن لا یسر مصاحب‌و یبقی بالفعل الجمیل محاربا
یا قانع فللأمور نتیجةبغد و بعد غد لهن عواقبا
و اعرف مصادیر الأمور لورودهافالغالب أن هوی النفوس الغالبا
إلی أن قال یخاطب براک بن غریر و أخیه محمد:
وا خلاف ذا یا منزل قد حل به‌للشرق من وادی سدیر راکبا
انقل وقیت رسالة مکتوبةإن الکتاب بیان عقل الکاتبا
إلی أن قال:
فعمهم لی بالسلام و خصلی‌بیت الحجا منها و ملقی الطالبا
براک بن غریر أزکی خالددین و أکرمها یدا مناسبا
ثم أنشده عن طارش متقرب‌عند و عنا له سنین غایبا
لا سابق جنوی و لا به ضیجةما غیر مقدور و ما اللّه کائبا
إلی أن قال مخاطبا لأخیه:
فإلی هداک قفل لمن لا یرعوی‌بالجهل ما هذا الخمال الواجبا
إن فات بالدنیا فطرة مبغض‌و سرور ذا ودّ نسعیک خایبا
إلی أن قال:
و إن کان طرب للحروب و قربهافعمارنا بنوایب و حرایبا
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 49 و إن کان من شأن القیود و جمعهاو فاجر ما هی لنا المطالبا
قمنا علی أساس تقیید مفاخرنخص بها تحت العجاج الشاقیا
نبتاعها بفوائد و فقایدفی مجد مسلوب الفواید سالبا
و أخبار الأشیا ما قضی توب الفتی‌فالدهر مغلوب و مر غالبا
عش ما تعیش فکل حی میت‌حش ما تحوش فکل شی‌ء ذاهبا
فأجابه رشیدان بقصیدة علی رویها و قافیتها، و مطلعها:
قم من ربا عرصات هجر ضاربادرب الرشاد علی إسناد الغاربا
ثم أخذ یصف راحلة رسوله و یصف له الطریق الذی یجب أن یسلکه فی رحلته حتی انتهی إلی المحل المقصود فقال:
وادی سدیر حصی صبحا بالضحی‌تلقی بها لی خلة و أقاربا
أولاد من بنت سعید باللقی‌عز النزیل شقی الخصیم الحاربا
فاقر السلام جمیعهم و لمن رقی‌و رج المعالی ما أحمّ الشاربا
أعنی أجدی أزکی الأنام و قل له‌لیته لعلمه بالقوافی ذاریا
ما و الذی سمک السموات العلی‌و له الدعاء ینایر و محاربا
بعث الدیار مخافة إلّا أننی‌خبره علی الأمر العظیم الکازبا
کم مررتنی لمهمة و صدقهابعزیمة ما طغت شور الزاربا
إلی أن قال:
ترکتها و الیوم فی رأس الشقی‌عن ضیمها فی صفو عیش مشاربا
فی خف براک و أخوه محمدالصافط الساطی الشجاع الضاربا
إلی أن قال:
یا ناصحی قولک أجر عن حیهم‌أسمعت أصم من قدام شاربا
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 50 مالی أبیع أهل المروة و الضحی‌بسکوت قصر فی سدیر خاربا
شف ما تشوف فأنا بحالی شایف‌من باع هاک أبهات کفه ناربا
فمن هذا الشعر یتضح أن رمیزان موجود بعد استیلاء آل عریعر علی الأحساء بمدة لا تقل عن ثلاث عن ثلاث أو أربع سنوات، بدلیل قوله:
ثم أشده عن کارش متغرب‌عنده و عنا له سنین غایبا
فهذا یدل علی أن خطابه هذا، لم یصدر إلّا بعد مدة من ولایة آل عریعر الأحساء، و لما لم تنجح مفاوضته مع أخیه استعان رمیزان بخالهما جبر بن سیار فاستأنف هذا مفاوضة ابن رشیدان، و أرسل له قصیدة أنحی علیه فیها باللائمة لمقامه عند آل عریعر، ترکنا شرحها خوفّا من الإطالة، علی أننا قد شرحنا أخبارهم و أشعارهم فی کتابنا: «المعجم» عند کلامنا علی روضة سدیر، و لم نقف علی جواب ارشیدان، لکن من الثابت أنه بقی عند آل عریعر إلی ما بعد قتل رمیزان.
و هذا الشرح و الشعر أوردناهما شواهد لإثبات الروایة التی تؤید وجود رمیزان إلی سنة 1084 ه، خلافا لما أورده ابن بشر فی السوابق.

[و فی سنة 1086 ه] أسر سلامة ابن صویط

و فی سنة 1086 ه غزی براک بن غریر أمیر الأحساء، و أغار علی الظفیر و حصل بینهم قتال، فأسر سلامة بن صویط شیخ الظفیر طرحه براک بن غریر رئیس بنی خالد فی مجالدة الخیل، و أسره و بقی عنده، و لهذه القصة حکایة لطیفة، لا زالت بأفواه الرواة إلی هذا الیوم نوردها تفکهّا للقراء.
قیل: أن سلامة بن صویط لما أسره براک بن غریر بذل عن نفسه فدیة
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 51
کبیرة من الخیل و الجیش، فأبی براک أن یقبل منه، فلما کانت السنة الثانیة، طلب براک الفدیة من ابن صویط، فامتنع هذا عن أدائها، فبقی فی أسره، فلما کان أثنار تلک السنة و خرج براک للبر حسب عادته یستوفیه، فبلغ الخبر ابن سلامة بن صویط فخرج و معه من أشداء قومه نحو عشرة رجال، فلما وصل قرب المنزل الذی فیه براک، نزل بعیدا عنه و أخذ یتجسس حتی عرف موضع خیمة حرم براک بن عزیز، فلما کان النصف الأخیر من اللیل تسلل إلی خیمة حرم براک، و دخلها خفیة دون أن یشعر به أحد، و کان لبراک ولد نائما بجانب أمه، فنزعه بلطف و خرج و لم یعلم به أحد، فوصل إلی رفاقه و رکبوا رکابهم (مطایاهم) و ساروا مجدین فلم تطلع الشمس إلّا و هم قد أبعدوا عن دبرة بنی خالد، فأخذوا لأنفسهم بعض الراحة، ثم ساروا کسیرهم الأول، فلما صار الیوم التالی صادفه رجل من الصلیة، قال: ألا ترید إجازه حسنة، قال: و من لی بذلک، قال:
تسیر إلی براک بن غریر فی الموضع الفلانی تجده مضطرب الفکر علی فقد أحد أولاده، فبشره بسلامة ابنه، و هذا الولد المفقود هو الذی أمامک، و قل له: یسلم علیک فلان بن سلامة بن صویط. و یقول: الولد محفوظ عندنا، و سیکون عندنا علی الحالة التی سیکون فیها والدی عنده من خیر و شر، فمتی أراد ابنه فلیطلق سراح أبی، فوصل الصلبی عند ابن غریر و وجده بغایة الکدر بعد مضی ثلاثة أیام لا یعلم عن حالة ابنه شی‌ء، و قد أرسل الخیل و الجیش یطلبه فوجد أثر الرکائب و تبعوها، إلی أن دخلت فی أراضی الظفیر و رجعوا خائبین، و قد ترجح لدیهم أن الابن قد قتل، فلما قدم الصلبی علی براک و أخبره عن ابنه و بشره بسلامته، سر سرورا عظیمّا، فأنعم علیه بکسوة، و منح له بعض الدراهم، و اطمئن خاطره علی والده،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 52
فاستدعی سلامة بن صویط و قال: ألم تری عمل ابنک بنا فأخبره بالخبر و أنه هو الذی اختطف ابنه، قال:
من قال أنا خیر الملا ربحه العناء من قال أنا ضیم الرجال إضام
فجهز براک بن غریر جیشا و أخذ رسالة من سلامة بن صویط إلی ابنه یوصیه بإکرام الولد و أن لا یمسه بسوء، بل یبالغ فی إکرامه، و کتب براک إلی ولد سلامة بن صویط یخبره أن والده عنده علی بساط العز و الکرامة، و أنه سیجهزه بما یلیق به و یرسله إلیه بعد ثلاثة أیام، و احتفظ به إلی أن یأتیک الطارق الذی سنرسله مع والدک، فالتقت الرسل علی ابن صویط و شاهدوا الولد علی أحسن حال، فلم یلبث إلّا أیام قلیلة حتی قدم علیه أبوه مزودا بالهدایا و العطاء الجزیل من خیل و جیش و کسوة، فأرجعوا الابن إلی أبیه کما أرجع الوالد علی ولده.

حوادث سنة 1088 ه

و فی هذه السنة ظهر الشریف محمد الحارث إلی نجد، فیض علی غانم بن جاسر رئیس الفضول و قتله، ثم سار قاصدا الظفیر، و کانوا یومئذ فی الظلقعة من قری القصیم، فبلغهم خبر الشریف، و استعدوا للقائه، فأغار علیهم و حصل بینهم قتال شدید، قتل فیه من الطرفین قتلی کثیر، و صارت الدائرة علی الظفیر، ثم قدم علیه شیوخهم فاجعلوهم، و أخذ علیهم الفعال، و أنزلهم فی مسلمی (أحد جبلی شمر).
و فیها غزی براک بن غریر و أغار علی آل عساف، عند الزلال المعروف عند الدرعیة، و أخذهم.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 53
و فیها أغار العناقر أهل ثرمدی علی بلد حریملاء، و وقع بینهم قتال، قتل فیه رجال رجعود بدون نتیجة.

حوادث سنة 1090 ه

و فی هذه السنة، أغار زیادة بن کاس بن قطامی علی غنم أهل الحصون، القریة المعروفة فی سدیر، و أخذها.

[و فی سنة 1092 ه] وقعة دلقة

اشارة

و فی سنة 1092 ه: حصلت وقعة بین الظفیر و عنزة فی موضع یسمی دلقة، قتل فیها من عنزة مقتلة کثیرة، و قتل من رؤسائهم لاحم بن خشم النبهانی، و حصن بن جمعان.

قتل عدوان بن التمیم‌

و فیها قتل عدوان بن تمیم رئیس الحصون، القریة المعروفة فی سدیر، و نهبت منزلته، و تولی بعد محمد بن سویلم بن تمیم.
و فیها قتل محمد بن بحر، صاحب الداخلة فی المنزلة.

[و فی سنة 1093 ه] وفاة براک بن غریر بن عثمان‌

اشارة

و فی سنة 1093 ه: توفی براک بن غریر رئیس الأحساء و القطیف، و بقی خالد و هو الذی طرد الترک من الأحساء، و استولی علیها. و یقال أن آل حمید و بنی خالد هم بقایا بنی عقیل، الذین أخذ الترک الأحساء من أیدهم فی منتصف القرن العاشر، کما قدمنا و استردوها فی أواخر القرن الحادی عشر.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 54
و یستدل من قال: إن بنی خالد من بنی عقیل فی قول الشیخ أحمد بن علی بن مشرف:
و لا تنسی جمع الخالدین فإنهم‌قبائل شتی من عقیل بن عامر
و تولی بعده أخوه محمد إمارة الأحساء القطیف، و ریاسة بنی خالد الذین هم لم یزالوا بادیة کما کانوا.

مقتل آل حمد الجلالین‌

کان دراس بن عبد اللّه بن شعلان والد دهام متغلبا علی منفوحة، و کان آل حمد الجلالین جیران عنده فی منفوحة، فقام علیهم و قتلهم سنة 1093 ه و فی هذه السنة قتل راشد بن إبراهیم، رئیس میرات القریة المعروفة فی الوشم، و تولی فیها عبیکة بن جار اللّه.

[و فی سنة 1095 ه] مقتل الزاریعی- مقتل الزاریع‌

کانت قریة منفوحة علی صغرها منقسمة من حیث النفوذ إلی قسمین إذا جاز لنا أن نسمی ذلک بهذا الاسم و لو مجازا- و کان المتغلب علیها دواس، و ینازعه فیها المزاریع، و هم حمولة کبیرة، فقام علیهم سنة 1095 ه و قتلهم، و قضی علی نفوذهم، و ملک فیها ملکا مطلقا، و کان دواس هذا جبارا عنیدا سفاکا للدماء، و استقرت إمارته، و طالت أیامهم، و مات فی سنة 1139 ه، تولی بعده ابنه محمد مما سیأتی بیانه بموضعه إن شاء اللّه.
و لیست هذه الحالة مختصة فی منفوحة، بل هی حالة تکاد تکون عامة، ففی الخرج مثل ذلک، فإن بین زامل رئیس الدلم و بین عشیرته منازعات فجهزوا علیه و هاجموه، و لکنه تمکن من صدهم، بعد ما کبدهم
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 55
قتلی کثیر، و حصل مثل ذلک بین ابن معمر أمیر العیینة و أهل حریملاء.
کل هذه الحوادث فی سنة 1095 ه.

[و فی سنة 1096 ه] ولایة عبد اللّه بن محمد بن معمر علی العیینة

و فی هذه السنة 1096 ه: تولی عبد اللّه بن محمد بن حمد بن عبد اللّه محمد بن حمد بن حسن بن طوق فی بلد العیینة صار له فیها شهرة عظیمة، و اتسعت العمارة فی العیینة، و کثر أهلها، و تزخرفت فی زمانه حتی بلغت الدرجة الأولی بین البلدان فی القوة المادیة و الأدبیة، و حج أبوه فی هذه السنة، و کان فاتحة أعماله بعد ولایته أن جهز علی أهل حریملاء، و سار معه سعود بن محمد بن مقرن صاحب الدرعیة، فلما قرب من البلد جعل له کمینا، ثم أغار علی أهل البلد، فخرجوا إلیه، و نشب القتال بین الفریقین، فتقهقر ابن معمر خدعة منه، فتنبه أهل حریملاء حتی کانوا بینه و بین الکمین، عطف علیهم و خرج الکمین، فأطاحت بهم القوة فانهزم أهل حریملاء، و قتل منهم نحو ثلاثین رجلا.
و فی هذه السنة قتل محمد بن عبد الرحمن أهل ضرمی جیرانه.
و فیها قتل صقر بن شائع فی سطوة فی طریق نعام. و فیها أیضا قتل أعییکة بن جار اللّه أمیر مرات القریة المعروفة فی الوشم.
و فیها أیضا سار أهل خریملاء علی (القرینیة) القریة التی بین حریملاء و ملهم، و أخذوها عنوة.

حوادث سنة 1097 ه

اشارة

و فی هذه السنة خرج الشریف أحمد بن زید إلی نجد فی شهر ربیع
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 56
الثانی و نزل عنیزة فی القصیم و کانت یومئذ کغیرها من بلدان نجد منقسمة من حیث النفوذ إلی أربعة أقسام.
1- الجناح: و هی قریة لم تزل علی حکمها، شمالی البلد، و أهلها آل جناح من جبور بنی خالد.
2- العقیلیة: و هی محلة لم تزل معروفة فی البلد، و أهلها آل أبی غنام الذین من ذریتهم آل یحیی الصالح، و آل بکر الذین من ذریتهم محمد الخلیف، و ذریته الجمیع من سبیع.
3- الملیحة: هی محلة لم تزل معروفة بهذا الاسم، و أهلها آل معمر من الفضل الجراح، و آل زامل، و کلهم من سبیع.
4- الجادة: و هی أیضا محلة لم تزل معروفة بهذا الاسم، و أهلها الشختة المعروفون بالمشاعیب، و هم أبناء عم آل معمر.
و کان النزاع لا زال مستمرا بین هذه الأقسام، و من المفهوم أن ثلاثة الأقسام الأخیرة، هی محلات متصلة بعضها ببعض بأسواق، و کثیرا ما نسد هذه الأسواق أثناء النزاع الذی یحدث بینهم، و یتبادلون إطلاق الرصاص من بیوتهم.

خروج الشریف أحمد بن زید إلی عنیزة

و فی سنة 1097 ه خرج الشریف أحمد بن زید کما ذکرنا، و نزل عنیزة، و نکل بأهل العقیلیة المحلة المعروفة فی عنیزة تنکیلا شدیدا، تجاوز به حدود العقوبة، و انتهب ما فیها و ما فی نبوّتها، و لم نقف علی الأسباب التی دعته إلی مثل هذا العمل، إلّا الغطرسة و الاستبداد، و لیست هذه الوحیدة من نوعها من أعمال الأشراف، فقد تقدم ذکر بعض من هذه
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 57
الأعمال التی لا مبرر لها، و سیأتی البعض الآخر، و لم ینقطع شرهم عن نجد إلّا بعد النهضة الأخیرة، و توحید حکومة نجد. کما سیأتی بیانه بمحله.

استیلاء بن معمر علی بلد العماریة

العماریة قریة صغیرة فی الحیسیة و أهلها فی وادی الدواسر.
و فی هذه السنة غزی عبد اللّه بن معمر بلد العماریة، و هاجمها و أخذها عنوة، و استولی علی ما فیها، و خرجها و ترکها. و فیها أیضا حصل بین قبیلة آل کثیر اختلاف، أدی إلی قتال بینهم، و قتل منهم شهیل بن غنام من رؤسائهم.

وفاة الشیخ عثمان بن فاید

فی 14 جمادی الأولی سنة 1097 ه: توفی الشیخ العالم عثمان بن فاید النجدی الحنبلی، و له مصنفات فی الفقه منها: «شرح کتاب العمدة» للشیخ منصور البهوتی، و «حاسبة المنتهی»، و غیر ذلک قاله ابن بشر.

حوادث سنة 1098 ه

اشارة

و فی هذه السنة غزی عبد اللّه بن معمر بلد حریملاء، و فعل کما فعل فی غزوته الأولی، و جعل کمینّا ثم أغار علی أهل البلد، فلما خرجوا لقتاله، و نشب القتال، خرج علیهم الکمین، فانهزم أهل البلد، و قد قتل منهم عدة رجال، ثم بعد هذه الوقعة تجهّز أهل حریملاء و ساروا إلی سدوس، و معهم محمد بن مقرن صاحب الدرعیة، و زامل بن عثمان و هدموا قصر سدوس، و خربوه. و سدوس هذه من قری الشعیب، و هی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 58
التی فیها الآثار القدیمة التی یزعمون أنها من أثار طسم و جدیس. و فیها المسلة المشهورة فی التاریخ، التی هدمت بعد ذلک أثناء النهضة الدینیة.

غزوات بن عریعر

و فیها غزی محمد بن غریر حاکم الأحساء و رئیس بنی خالد، و قصد العارض و صبح آل مغیرة و آل عائذ، و هم علی الحائر الماء المعروف بحائر سیبیع، و أخذهم و قتل الخباری من رؤسائهم، ثم ارتحلوا من موضعهم، و نزلوا حائر المجمعة فی سدیر فی أیام الصیف أو آخر الربیع، فأعاد الکرة علیهم ابن عریعر و أخذهم و قتلهم. و غزی آل عساف فأطلبهم رفافتهم آل نبهان، و قتلوا منهم عددا کثیرا من حائر سدیر.

حوادث عامة

و فی هذه السنة قتل عبد اللّه بن أحمد حنیحن أمیر البیر، و قتل أیضا حمد بن عبد اللّه فی حوطة سدیر، و تولی فی البلد القعیسا، و هبّت ریح شدیدة رمت فی نخیل الحوطة فی سدیر نحو ألف نخلة.

حوادث سنة 1099 ه

اشارة

و فی هذه السنة تولی سلامة أبا زرعة فی بلد (مقرن) المعروفة فی الریاض، و هی محلة فی الریاض أی قسم منها، و کل قسم یسکنه عائلات مخصوصة یرجع أمرهم إلی واحد منهم کما هی العادة فی أکثر قری نجد بذلک الوقت.
حوادث سنة 1099 ه و فی هذه السنة نزلوا عنزة علی بلد عشیرة المعروفة فی ناحیة سدیر،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 59
و حاصروها عدة أیام، و وقع بینهم قتال کثیر، و رجعوا عنها خائبین.
و فیها غزی محمد آل غریر حاکم الأحساء و نواحیه، و قصد الخرج و حاصره، و حصل بینه و بین آل عثمان أمراء الخرج مناوشات و صابرهم، و لکنه رحل عنه دون نتیجة.

وفیات هذه السنة

و فی هذه السنة قتل جساس رئیس بوادی آل کثیر.
و فیها توفی الشیخ الفقیه عبد اللّه بن محمد بن ذهلان. قال بن بشر:
و قد رأیت نقلا أنه من آل سحوب من بنی خالد، و کان له فی الفقه معرفة و درایة، أخذه عن عدة مشائخ، أجلهم الشیخ محمد إسماعیل المتوفی سنة 1059 ه فی أشیقر، و أحمد بن ناصر بن محمد بن ناصر المسرقی و غیرهما. و أخذ عنه عدة علماء، منهم: الشیخ أحمد المنقور صاحب مجموعة الفقه، و محمد بن ربیعة العوسجی فی بلد (ثادق) و غیرها.
و فیها: توفی أخوه.
و فیها توفی الشیخ الفقیه عبد الرحمن بن محمد بن ذهلان، و الشیخ الفقیه محمد بن عبد اللّه أبی سلطان الدوسری. و فیها کثر اللّه الکلأ و العشب و الجراد و رخص الطعام رخصا عظیما. و بلغ التمر عشرون وزنة بالمحمدی أکبر خمسة آصع بالمحمدیة (المحمدیة جزء من- جزء من الریال) و هذا السعر فی ناحیة سدیر، و أما فی العارض فقد بیع التمر فی الدرعیة إلی وزنه بأحمر (و الأحمر نوع من الذهب یساوی مقدار ریال بعملة الیوم).
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 60
و أرّخ هذه السنة عبد اللّه بن علی بن سعدون و هو إذ ذاک فی الدرعیة، قال:
مجد الإله و الشکر تعج‌لسحب تبح و ارض تمح
و تمر ثلاثة أصواعه‌بدفع المحلق فیها تزح
دبر فحرف بوسقینه‌و تاریخه ذا کساد یشبح
المحلق نوع من العملة بذلک الوقت یساوی المحلق الواحد بعملة الیوم و کذلک الحرف نوع من العملة یساوی الواحد منه بعملة الیوم و هما من أجزاء الریالات التی یتعاملون بها فی زمانهم. و الوسق، قال المذکور:
ستون صاعا بصاع العارض.

حوادث سنة 1100 ه

و فی هذه السنة نزل الحواج الثلاثة بلد عنیزة فی القصیم:
حاج العراق. و حاج الأحساء و نواحیه.
و حصل فی البلد موسم عظیم و استفادت البلد من ذلک فائدة کبیرة و غلی فیه الطعام. و لمّا رحل الحاج العراقی، و نزل قرب التنومة آخر قری القصیم من جهة الشرق، أغار الظفیر و الفضول علی الحاج، و أخذوه.
و فی هذه السنة مناخ بین زعب و عدوان و بنی حسین. و لم یذکر نتیجته ماذا کانت، و فیها تصالح عبد اللّه بن معمر و أهل حریملاء.
و فیها مات عبد اللّه بن إبراهیم رئیس بلد ثرمداء. و تولی فی البلد من بعده أخیه ریمان بن إبراهیم.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 61

حوادث سنة 1101 ه

اشارة

و فی هذه السنة قتل مرخان بن و طبان، قتله أخوه شقیق إبراهیم بن و طبان غدرا.

عمار قریة حریملاء

و فی هذه السنة عمرت القریة. القریة المعروفة عند حریملاء، عمّرها ابن صقبة، و لیس هذا أول تأسیسها، لأنها قدیمة، و کانت قدیما تلحق بملّهم قبل تأسیس حریملاء، ثم نسبت إلی حریملاء لقربها منها، و لأن حریملاء انتزعت الشهرة من ملهم. و لم تزل القریة کما کانت قدیما قریة صغیرة، و قد خرّبت بعد تأسس ابن صقبة، ثم عمّرها الشیخ محمد بن مقرن بن مسند الودعا فی سنة 1222 ه، و بقیت کذلک إلی الآن، کما سیأتی بیانه بموضع. ا ه.

حوادث سنة 1102 ه

و فی هذه السنة مات محمد بن غریر حاکم الأحساء و القطیف و نواحیها، و قتل ابن أخیه ثنیان بن براک بن غریر، و قتل سرحان. و تولی إمارة الأحساء بنی خالد سعدون بن محمد آل غریر.

حوادث سنة 1103- 1104 ه

و فی هذه السنة حضر ابن جاسر فی أشیقر و أظهره بنو حسین. و فیها قتل و صلط الجربا.
و فیها سطا آل عوسجة أهل ثادق علی أحمد بن حسن بن حنیحن فی البیر و قتلوه، و وقعت الحرب بعد ذلک بین أهل البیر و أهل ثادق.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 62
و فیها قتل عبد اللّه بن سرور العربتی من شیوخ أهل أرغبة.

حوادث سنة 1105 ه

و فی هذه السنة وقع الحرب بین أهل سدیر قتل فیه محمد بن سویلم ابن تمیم ریس بلد الحصون. و قد تقدم الکلام فی حوادث السنة الماضیة عن قتل بن حنیحن و وقوع الحرب بین أهل ثادق و أهل البیر، ففی هذه السنة حصل بینهم قتال، قتل فیه حمد بن جمیعة و غیره من أهل ثادق، و غزی أهل ثادق و أخذوا خیل لابن معمر صاحب العیینة.
و غزی نجم بن عبید اللّه بن غریر، و أغار علی آل کثیر قبیلة معروفة بذلک الوقت و هزموه، و زبن قریة العطار المعروفة فی سدیر، و حجزوه فیها فأخذوه إلی ابن سلمة و أخرجوه.
و فیها خرج الشریف سعد بن زید إلی نجد، و وصل الحمادة المعروفة فی سدیر ثم رجع.

حوادث سنة 1106 ه

و فی هذه السنة لم یحصل حوادث حروب إلّا ما ذکر ابن بشر فی وقعة (عروی)، و عروی هذه ماء فی نجد حصل فیه وقعة علی السهول، قتل فیها منهم نحو سبعون رجلا، و لم یذکر الطرف المقابل إلی السهول و لا أسبابها و نتائجها، و إنما ألمح إلیها إلماحا لم نستطع أن نفهم منها سوی عدد المقتولین.
و فی هذه السنة توفی محمد بن مقرن بن مرخان صاحب الدرعیة.
و إبراهیم بن راشد بن مانع أمیر القصب.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 63
و فیها قتل إبراهیم بن و طبان قتله یحیی بن سلامة، و إبراهیم هذا هو الذی قتل أخاه مرخان غدتا سنة 1101 ه.

حوادث سنة 1107 ه

و فی هذه السنة خرج الشریف سعد بن زید، و نزل بلد أشیقر فی الوشم و حاصر أهلها و طلب أن یخرج إلیه الشیخ حسن بن عبد اللّه أبا حسین و محمد بن أحمد القصیر، فخرجا إلیه فحبسهم و طلب علی أهل البلد مطالب، و کان ذلک فی شهر رمضان، و الزروع قد استوت، فخافوا من الشریف أن تبلغها علیهم فأفتی الشیخ الفقیه أحمد بن محمد القصیر لأهل البلد أن یفطروا و یحصدوا زروعهم، ففعلوا، و أخذوا یماطلون الشریف حتی أحرزوا ثمرة زروعهم فامتنعوا و لم یدرک منهم مطلب فرحل عنهم.
و فیها سطی الحسین فی بلد الزلفی و ملکها بعد وقعة شدیدة.
و فیها أیضا غدر آل عبهول أهل حوطة سدیر فی آل شقیر و أجلوهم عن البلد، و تولی فی البلد هذلان التمیسا و إخوانه- و خرج آل شقیر إلی العیینة عند بن معمر.
و فی هذه السنة قتل إدریس بن وطبان صاحب الدرعیة و کان قد تولی فیها بعد وفاة محمد بن مقرن- ثم تولی بعد إدریس سلطان بن حمد القیس.

حوادث سنة 1108 ه

و فی هذه السنة حصل وقعة بین الظفیر و الفضول فی موضع یسمی الأبرق فانهزم الفضول و قبض الشریف عبد العزیز علی سلامة بن صویط
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 64
رئیس الظفیر و ربطه، و لعل لذلک علاقة بحادثتهم مع الفضول، و کان الأشراف یتدخلون فی شؤون نجد و فی شؤون القبائل تدخل فعلی علی أن الشریف عبد العزیز لیس هو صاحب السلطة فی الحجاز، و لا هو مندوب من قبله، و إنما کل شریف یعمل لحساب نفسه إذا فاقت علیه المشاکل فی الحجاز جمع له من أوباش الناس من لا یعیش إلّا بالسلب و النهب ثم یخرج لنجد، کما کانت مفککة الأوصال لعدم الرابطة بینهم و اختلاف الکلمة، فینزل أی بلد یقتضیه نظره، ثم یضع علیه ضریبة إن دفعوها و إلّا انتهب البلد بما فیها، فهذه کانت أعمالهم مما قد أسلفنا ذکره، و مما سیأتی بعد هذا. و لا نجد سبب لما یعملون إلّا لمجرد الاستبداد و الغطرسة و إظهار العظمة، و ساعدهم علی ذلک الحالة العامة فی نجد و ما هم فیه من التخاذل و الشقاق و الضغائن و الأحقاد التی هی أصل البلاء علیهم فی أنفسهم من أنفسهم من غیرهم.

حوادث سنة 1109 ه

قد ذکرنا فی حوادث سنة 1107 ه خروج الشریف سعد بن زید و عمله فی أهل أوشیقر و لم یخرج إلی نجد بالسنة الثانیة لانشغاله فی حوادث الحجاز مع بنی عمه من الأشراف حتی استقر الأمر بینه و بینهم، و خرج فی هذه السنة و لم یکن قصده الوشم بل أراد أن یعمم عدله فقصد سدیر و نزل روضة سدیر البلد المعروفة و نکل بأهلها تنکیلا شدیدا و سلبهم ما استطاع من النقود و الطعام فلما قضی و طره منها رحل و نزل قری جلاجل و قبض علی ماضی بن جاسر أمیر الروضة و حبسه، ثم رحل و نزل الغاط ثم بعدها أطلق ماضی و رجع إلی بلده و إمارته.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 65
و فی هذه السنة جلی آل خرفان و آل راجح و آل محمد من بلد أشیقر لأمور جرت بینهم و بین جماعتهم، و لکن لم یمض مدة طویلة إلّا و رجع آل خرفان و آل راجح إلی بلدهم، أما آل محمد فلم یرجع منهم إلّا أناس قلیل و تفرق باقیهم فی البلدن.

حوادث سنة 1110 ه

و فی هذه السنة سطا آل أبو غنام و آل بکر علی فوزان بن حمیدان بن حسن فی الملیحة المحلة المعروفة فی عنیزة و استنفذوا منه منزلتهم (العقیلیة) التی کان قد تغلب علیها.
و قد ذکر ابن بشر هذه الوقعة فی حوادث سنة 1107 ه و قال: إنهم أخرجوا فوزان من عنیزة بعد وقعة بریدة و غدره فیهم.
و لم نقف علی تفصیل وقعة بریدة التی أشار إلیها ابن بشر، و الروایة الأولی أصح من حیث التاریخ، لأننا نقلناها عن بعض مؤرخی القصیم.

حوادث سنة 1111 ه

اشارة

و فی هذه السنة ملک آل أبی راجح الربع الذی کان لأبناء عمهم آل أبی هلال فی روضة سدیر و قد تقدم الکلام علی حالة البلد و تقسیمها أرباعا بین أولاد مزروع و ذکرنا بعض حالتهم فیما تقدم مما لا لزوم لإعادته.
أما أسباب امتلاک آل أبی راجح لمنزلة أتباعهم، فقد استنجدوا أهل التویم و أهل روضة سدیر فسار فوزان بن زامل بأهل التویم و ساعدهم ماضی بن جاسر أمیر أحد أقسام الروضة المذکور فنزل أهل التویم بلد الداخلة، و هی قریبة من الروضة و ساعدهم ماض بن جاسر و استخرجوا
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 66
آل ابن هلال من منزلتهم فی الروضة و دمروها و قتلوا منهم رجالا، و استولی علیها ماضی بن جاسر الذی فیما یظهر لنا أنه من آل أبی راجح.

قتل آل شقیر أهل حوطة سدیر

ذکرنا جلاء آل شقیر من حوطة سدیر فی 1107 ه بعد أن غدر بهم آل عبهول و قصدوا ابن معمر فی العیینة مؤملین مساعدته، و لکنه لم یفعل فسئموا الإقامة عنده، و خرجوا قاصدین إحدی بلدان سدیر فخرج إلیهم أهل العودة البلد المعروفة فی سدیر و قتلوهم.

قتل زامل بن ترکی أمیر الدلم‌

و فی هذه السنة سطا ابن عبد اللّه فی بلد الدلم و قتل أمیرها زامل بن ترکی وسطا دبوس فی بلدة أشیقر فی الوشم، و تغلب علیه خصومه و قتلوه.

إمارة عثمان بن نحیط فی بلد الحصون سنة 1111 ه

قد سبق بعض التفاصیل عن النزاع القائم بین آل تمیم و بین آل حدیثة أهل بلد الحصون، و کان المؤسس لها آل تمیم و هم أصحابها إلّا أن آل حدیثة رأوا بأنفسهم فضل قوة فنازعوا آل تمیم السیادة، و حصل بینهم وقائع، تقدم ذکرها، و کانت الحرب بینهم سجال، فقد ذکرنا فی حوادث سنة 1084 ه تغلب آل تمیم و إخراجهم مانع بن عثمان ثم أعادوا الکرة علی آل تمیم فلم یحصلوا علی الحائلة و قتل نحیط بن مانع بن عثمان و سافر مانع إلی الأحساء بعد فشله الأخیر. و تولی بدران بن سویلم آل تمیم و قتل سنة 1090 ه، و تولی بعده محمد بن سویلم بن تمیم، و قتل فی الحرب التی وقعت بین أهل سدیر سنة 1105 ه.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 67
و فی هذه السنة أی سنة 1110 ه أقبل عثمان بن نحیط من الأحساء وسطی فی بلد الحصون و أخرج آل تمیم منه و ملکه و أولاده مانع و سعود، ثم حصل بینه و بین أخیه فایز سوء تفاهم، فخرج هذا مغاضبا لأخیه و نزل قریة صبحاء، و لم یکن لذلک سبب وجیه إلّا و شایات الأعداء و تدخلهم فی أمورهم، فأراد عثمان استرضاء أخیه فأرسل له قصیدة یعتذر فیها فأجابه أخوه بمثلها، و صلحت الحال بینهما لما عرف کل منهما ما عند الآخر و هذا الشعر لم یکن من الشعر القوی لهذا ترکنا ذکره.
و لکن عثمان أصلح الأمر من هذا الجانب خوفا من شقاق بقع بینه و بین أخیه یستفید منه خصومه، و کان رئیس بلد جلاجل یعمل ضده سرّا، فاستمال أولاد عثمان مانعّا و سعدّا و خدعهم بالآمال حتی حملهم علی أبیهم فقبضوا علیه و أخرجوه من البلد، و إلی ذلک أشار حمیدان الشویعر یقول:
فاحملوا یا عیاله علیه‌واحد بلمه و اخر عقرة
یا عیال الندم یا رضاع الخدم‌یا غزایا الغلایین و البربرة

حوادث سنة 1112 ه

و فی هذه السنة خرج الشریف عبد العزیز من الحجاز و معه قوة ضعیفة و أغار علی بنی حسین و أخذوه هو و من معه.

حوادث سنة 1113 ه

سطوة الراشد و استیلاءهم بلد الزلفی‌

تقدم الکلام فی حوادث سنة 1107 ه عن سطوة الحسین فی بلد الزلفی و استیلاءهم علیه و جلاء الراشد عنه. و فی هذه السنة دبر الراشد
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 68
أمرهم و استنجدوا علی خصومهم و سطوا فی الزلفی و ملکوه، و أخرجوا منه آل مدلج.

استیلاء إبراهیم بن یوسف علی قریة الحریق‌

الحریق بالتصغیر قریة فی الوشم، کانت کغیرها من القری فیها حزبان یتنازعان السیادة و کان أمیرها إبراهیم بن یوسف قد تغلب علیه خصومه و أجلوه عن البلد، فاستعان بأمیر القصب القریة المعروفة فی الوشم فأعانه و سطوا فی الحریق و ملکوه، و تولی فیه إبراهیم بن یوسف و أجلی خصومه عن البلد.

وقعة السلیع و البترا

و هما موضعان معروفان شرقی نفود السر کانا من منازل الظفیر بتلک السنین، و قد ذکرنا ما کان بینهم و بین سعدون آل غریر بالعام الماضی و هم فی موضعهم هذا، و کانوا هدفا للحکام سیما أمراء الحجاز، لأنهم لم ینقادوا إلیهم و کانت الوقائع بینهم کثیرة، و قد مضی کثیر من ذلک.
ففی هذه السنة خرج الحارث الشریف و معه جند من الحجاز و قبائله و معه بن حمید من عتیبة و صبحوا الظفیر فی موضعهم هذا، و حصل بینهم قتال شدید، انهزم فیه الشریف و من معه، فأخذ الظفیر جردات تلک العزوات.

وقعة سدوس‌

و فی هذه السنة غزی عبد اللّه بن معمر أمیر العیینة و أغار علی ابن عباس و أخذه علی سدوس القریة المعروفة فی ناحیة الشعیب.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 69

وفاة الشیخ حسن بن عبد اللّه بن أبی حسین‌

و فی هذه السنة توفی الشیخ العالم الفقیه حسن بن عبد اللّه بن حسن بن علی بن أحمد بن أبی حسین فی بلد أشیقر فی قری الوشم کان رحمه اللّه علیه له معرفة فی فنون العلم، قال بن بشر: رأیت کتب کثیرة عن فنون من العلم علیها تعلیقات بخط یده، إشارات علی ما فیها من فائدة و لا نجد کتابا نظر فیه حسن المذکور إلّا و علی کل ورقة منه إشارة، إشارة علی ما فیها من فائدة، ذکر لی أنه أخذ العلم عن أحمد بن محمد القصیر و غیره، و قیل إن وفاته سنة 1123- 1124 ه.

وفاة سلامة بن مرشد بن سویط

فی هذه السنة توفی سلامة بن مرشد بن سویط شیخ الظفیر الأکبر، و دفن بالجبیلة القریة المعروفة بالعارض‌

حوادث سنة 1114 ه

استیلاء آل بسام بلد أشیقر

اشارة

و فی هذه السنة استولی آل بسام بلد أشیقر.

وفاة الشیخ أحمد بن محمد القصیّر

و فی هذه السنة توفی الشیخ العالم الفقیه أحمد بن محمد بن حسن بن سلطان القصیر فی بلد أشیقر، و أخذ الفقه من الشیخ محمد بن أحمد ابن إسماعیل المشهور المتوفی سنة 1059 ه، و عن الشیخ الفاضل سلیمان بن مشرف جد الشیخ محمد بن عبد الوهاب المتوفی سنة 1079 ه.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 70
و أخذ عنه عدد من العلماء من الشیخ عبد اللّه أحمد بن محمد بن عضیب الناصری المتوفی فی عنیزة سنة 1160 ه و فی روایة سنة 1164 ه. قال ابن بشر: و قد رأیت فی بعض التواریخ أن وفاة الشیخ أحمد القصیر و وفاة الشیخ حسن بن أبی حسین المتقدم ذکره کانت فی سنة 23 ه و سنة 24 ه. و هذه السنة فی أول سنی المحل المسمی سمدان و القحط و العلاء الذی سمد فیه أهل الحجاز کثیر من البوادی.

حوادث سنة 1115 ه

و فی هذه السنة حدث حوادث کثیرة نوردها إجمالا کما رأیناها، لأنه لیس لدینا تفاصیل توجب التوسع بالبحث:
1- أخذ عبد اللّه بن معمر أمیر العیینة زروع القرینة و ملکها و هی القریة المعروفة بالشعیب بین حریملاء و ملهم.
2- وسطی آل خرفان و هم أبناء عم آل بسام- و بینهما نزاع- علی السلطة فی بلد أشیقر، و قد ذکرنا فی حوادث السنة الماضیة استیلاء آل بسام علی أشیقر.
و فی هذه السنة سطا آل خرفان و فی بلد أشیقر استولوا علی [...] فیه و ملکوه.
3- و هذه السنة قتل محمد القعیسا رئیس حوطة سدیر و ملکها ابن شرفان.
4- و فیها ملک إبراهیم بن جار اللّه بلد مرات المعروفة بالوشم.
5- و فیها اشتد المحل و القحط و هلک أکثر قبیلة هتیم و بعض أهل الحجاز.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 71
6- و فیها ولد الشیخ محمد بن عبد الوهاب بن سلیمان فی بلد العیینة و ذلک قبل أن ینتقل أبوه عبد الوهاب إلی حریملاء، قتل فوزان بن حمیدان أمیر عنیزة آخر یوم من جمادی الثانی سنة 1115 ه.
قد سبق الکلام عن النزاع الواقع بین أهل عنیزة و انقسامهم و کثرة الحروب بینهم، خصوصا بین فوزان بن حمیدان بن حسن آل معمر و بین جبور بنی خالد أمراء الجناح القریة المعروفة فی عنیزة فلما کان فی هذه السنة حصل خلاف بین فوزان و بین الجبور، أدی إلی قتال قتل فیه الأمیر فوزان بن حمیدان، و استولی الجبور علی عنیزة. کلها بأقسامها و توحدت إمارتها فهدموا قصر آل معمر و هو المسمی قصر الکعید و هو القسم الشمالی الشرقی من القصر الذی ملاصق لمسجد الجامع من الشرق المعروف بقصر مسعود، ذلک لأن مسعودّا وسّعه حینما احتل عنیزة مما سیأتی بموضعه إن شاء اللّه.

حوادث سنة 1116 ه

قتل ریمان أمیر ثرمدا و تولی إبداح العنقری‌

و فی هذه السنة سطی آل ناصر من العناقر علی ابن عمهم ریمان بن إبراهیم بن خنیقر العنقری أمیر بلد ثرمداء و قتلوه و استولوا علی البلد.
و فی 11 ذی القعدة سنة 1116 ه أنزل اللّه مطرا غزیرا علی بلد عنیزة، غرقت به البلد و دخل السیل بیت رجل یسمی السلیمی أغرقته و سمیت به.
و فیها غزی عبد اللّه بن معمر أمیر العیینة یرید قتال أهل ثادق، فلما وصل (البیر) القریة المعروفة فی ناحیة المحمل علم به بوادی عنزة فحاصروه فیه و أخذوا رکابه.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 72
و نزل فی هذه السنة علی بلد عنیبة سیل عظیم خرّب منازلها. و فیها ملک العزاعیز بلد (أثیثیة) المعروفة فی ناحیة الوشم و العزاعیز هؤلاء من بنی تمیم.
و فی هذه أیضا قتل إبراهیم بن یوسف بن سلطان و سلطان بن خمیس فی (الجنوبیة) القریة المعروفة فی سدیر و قتلهما آل بسام أهل أشیقر.
و قد أطلعت علی بعض ترسیمات لأهل القصیم أردت وضع العبارة للتذکرة و إن لم أفهم معناها. قال: و فی صفر فی هذه السنة نزل (جب دار) عنیزة برجوعه فی الحج و نثر فیها الدراهم الشی‌ء العظیم و لم یتضح لنا هذا الاسم، هل هو اسم شخص أو أمیر و إنما الذی لفت نظرنا قوله:
و ملأها من الفلوس، مما یدل علی الفائدة التی حصلت من مردرة و أثرها فی البلاد، مما جعل هذا المؤرخ یرسمها مع الحوادث التاریخیة.

حوادث سنة 1117 ه

و فی هذه السنة وقعت فتنة بین أهل سدیر و أهل جلاجل، و حصل بینهم قتال، قتل فیه رئیس جلاجل محمد بن إبراهیم و أخوه ترکی، و تولی فی جلاجل عبد اللّه بن محمد بن إبراهیم.
و فی هذه السنة مات مقرن الحجیلانی، و هو من آل بن علیان أمراء بریدة.

حوادث سنة 1118 ه

اشارة

فی هذه السنة سار أهل حریملاء معهم بن بجاد علی قبیلة سبیع، و هم فی وادی عییران و هو شعیب ... فأخذوهم و قتلوهم.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 73
و فیها خرج نجم بن عبید اللّه بن غریر من الأحساء و قاض فی بلد ثادق من بلدان المحمل و کان أمیرا علی الحاج العقیلی فی حج سنة 1117 ه، فلما رجع خرج من الأحساء و نزل بلد ثادق و فاض فیها، و کان ابن عم سعدون بن محمد أمیر الأحساء.
و فیها أیضا قتل دبوس بن أحمد بن حسن بن حمد أمیر البیر، و تولی فیه إبراهیم.
و فیها غزا دجین بن سعدون آل غریر علی آل زارع و أخذهم.

وقعة الخضار

و هی بین عنزة و الظفیر، و سبب ذلک أن الظفیر نازلین فی سدیر و کانت منازلهم بتلک الوقت و عنیزة فی أراضی القصیم، و کانت بلاد الظفیر بتلک السنة أکثر خصب من بلاد عنیزة، فتقدموا إلی سدیر یتتبعون مواضع الربیع لإصلاح ماشیتهم معتزین بقوتهم، و ساعدهم الشریف عبد العزیز العدو اللدود للظفیر، فطردوهم عن سدیر، و سار الظفیر إلی الدهناء فتبعهم عنزة و الشریف، و حصل بینهم قتال شدید فی موضع یسمی الخضار قریب من الدهناء، فانهز عنزة و الشریف و استولی الظفیر علی بعض ما معهم و أخذ بن صویط ضحیة الشریف عبد العزیز.

حوادث القصیم‌

و فی هذه السنة قام دویس من آل بکر أهل عنیزة و هدم الملیحة المحلة المعروفة فی عنیزة، و هی محلة آل فضل الجراح. و فیها مات منصور بن سلامة.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 74

حوادث سنة 1119 ه

و فی هذه السنة سار بداح العنقری أمیر ثرمداء و معه الصمدة من الظفیر و أغار علی أهل أوثیثیا و حصل بینهما قتال قتل فیه کثیر من أهل أثیثیا و أمراء أثیثیا العزاعیز من بنی تمیم و هم الذین أجاروا حمیدان الشویعر عن ابن معمر کما سیأتی بیانه.
و فیها قتل عبد اللّه بن عبد الرحمن بن إسماعیل قتله عبد العزیز بن هزاع من رؤساء بنی خالد. و نحن لا نعرف ابن إسماعیل و مرکزه، و لا ما هی لأسباب التی أوجبت قتله، لأن ابن بشر اکتفی بذکر القتل، و جاریناه علی ذلک ظنّا منا أنه لم یعتنی بذکر قتله إلّا و هو شخصیة بارزة و جعلناها أساس فیما لو وجدنا تفصیل یجعلنا نحسن معرفة الأصل.
فی هذه السنة نزل الحاج العقیلی الأحسائی بلد ثادق و معه سعدون بعسکره، و هذا مما یرجح أن بنی خالد من بنی عقیل، و إنما جدهم القریب خالد غلب علی عقیلیتهم.

حوادث سنة 1120 ه

و فی هذه السنة حصل فتنة بین أهل التویم القریة المعروفة فی سدیر فقام فایز بن محمد و قتل بن عمه حسین بن منیر أمیر التویم و تولی بعده، ثم إن أهل حرمة المدلج غضبوا لذلک و ساروا إلی فایز بن محمد و قتلوه، و جعلوا مکانه فوزان بن زامل فقام علیه ناصر بن حمد من بنی عمه و قتله غدرا طمعا بالإمارة، و لکنه حرم منها، و تولی بعده محمد بن فوزان فتمالأ علیه رجال رؤساء البلد أربعة و قتلوه فاختلفوا علی من یتولی الإمارة و کادت الفتنة تقع و لکنهم اتفقوا علی اقتسام البلد أرباعا کل واحد منهم
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 75
أمیرا فی الربع، فهذه حالة قریة لا یکاد سکانها یبلغون ثلاثمائة، قتل من أمراءها أربعة فی سنة واحدة، و لم تسکن الفتنة حتی اقتسموها أرباعا، و لیست هذه الحالة خاصة بهذه القریة فقط بل إنها صورة مصغّرة للحالة العامة فی نجد عموما.
حوادث الدرعیة سنة 1120 ه و فی هذه السنة قتل سلطان بن حمد القیس أمیر الدرعیة، و تولّی بعده أخوه عبد اللّه بن حمد القیس و لکنه قتل فی أواخر هذه السنة، و تولّی بعده موسی بن ربیعة بن وطبان فی أوائل سنة 1121 ه.

حوادث سنة 1121 ه

اشارة

و فی هذه السنة تولی موسی بن ربیعة بن و طیان و أظن أن اسمه الصحیح موسی بن وطیانی بن ربیعة.

اختلاف النواصر أهل القرعة

القرعة قریة معروفة فی الوشم بین شقراء و أشیقر و سکانها من النواصر بنی تمیم و من آل مشرف من الوهبة بن تمیم. قال ابن بشر: و فی هذه السنة قتل عیبان بن حمد بن محمد بن عضیب قتله ثابت بن عبد اللّه بن محمد بن حسین بن حمد و إبراهیم ابن محمد بن حسین قتلاه فی المذنب هذه روایة ابن بشر أوردها مقتضبة کما هی عادته فی «السوابق» و قد روی لنا هذه المسألة محمد بن فایز من أهل الفرعة من النواصر و روایته أکثر إیضاحا، لأن هذه المسألة لم تزل معروفة عند أهل البلد، و أحببت أن أضیف روایته علی روایة ابن بشر لتتم الفائدة.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 76

روایة محمد بن فایز عن اختلاف النواصر المشار إلیه أعلاه و آل مشرف‌

قال وقع بین آل مشرف و آل عیبان، اختلاف عند مجاری السیل، و کان آل مشرف من الوهبة من آل حنظلة و آل عیبان من النواصر من بین عمرو و کلهم تمیم، و کان للنواصر بنو عم من النواصر فی المذنب، فلما بلغهم خبر اختلاف بنو عمهم و آل مشرف أقبل إبراهیم بن حسین الناصری من المذنب لیصلح بینهم، و نزل علی (التجار) أناس معروفون فی الفرعة فی قصرهم التیحیة و قد اندثرت الآن، فاحضر الفریقین و قد أخل بینهم فی أمر الصلح فأجابوه ثقة منهم بحسن نوایاه، و أن لیس له قصد إلّا الإصلاح بین الجمیع، و لم یدخلهم شک فی أمره، و واعدهم أن یکون الاجتماع عند قصر آل مشرف من الخارج فی یوم و وقت معلوم، بشرط أن لا یحمل منهم سلاحا، و کان القصر حصینا طوله فی الجو (40) ذراعا. محاطة بخمسة أسوار متلاصقة، فأسر لآل عیبان أن یأتوا بسیوفهم و یخفوها، فجاؤوا و دفن کل منهم سیفه بالرمل و جلس فوقه، فخرج آل مشرف من قصرهم و قد خشوا من الغدر فوضعوا أسلحتهم عند باب القصر قریب منهم، فلما تکامل جلوسهم حتی ثار فیهم آل عیبان بإیعاز من إبراهیم بن حسین و قتلوا منهم ثلاثة عشر و هرب الباقون و دخل إبراهیم بن حسین القصر و معه آل عیبان و استولی علی القصر و أجلس بقیة آل مشرف، و استولی علی أملاکهم، و سکن آل مشرف بلد الحریق، و بعضهم سکن (الجریفا) و هما قریتان من قری الوشم، الأولی بالجنوب الشرقی من الفرعة، و الثانیة بالشمال الشرقی من الفرعة.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 77
و استولی إبراهیم بن حسین علی قصور الفرعة باقیام بخسة و أحاطها بسور هی و البلد. و هن قصر آل أبو غیار و قصر التجار و قصر آل عیبان و غیرها. و بعد مدة قام آل عیبان ینازعونه الإمارة و کان رئیسهم عیبان، و لکنه تغلب علیهم بتفریق کلمتهم فاستمال إلیه شائع بن عبد اللّه بن محمد بن حسین و هو ابن بنت إبراهیم بن حسین فأغراه بقتل عیبان و أطمعه فی الإمارة فأحس عیبان بالأمر، فخرج قاصدا بنو عمه فی المذنب، فخرج معه شایعا مغاضبا لإبراهیم بن حسین ظاهرا و هو مبطن الغدر فی عیبان بإغراء إبراهیم بن حسین و طمعا بالإمارة، و کتب إبراهیم بن حسین إلی بنی عمه فی المذنب یخبرهم أن البلد لا تصلح فیها هذان الرجلان، فلما وصلا إلی المذنب غدر شایع فی عیبان و قتله فخشی آل عیبان الذین فی القرعة و هاجروا إلی سدیر فاستولی إبراهیم بن حسین علی أملاکهم باقیام بخسة فجمعها و أملاک آل مشرف و أوقفها علی ذریته للذکر دون الأنثی، فاستمرت زمنا طویلا فأبطلها الشیخ عثمان بن منصور و قسمها علی الموجود من الورثة.
حوادث سنة 1121 ه و فی هذه السنة غزی سعدون بن محمد أمیر الأحساء و نواحیها و أغار علی الظفیر بالحجرة، و لم یظفر منهم بطائل، و فیها ثار مانع بن ذباح علی بن جار اللّه أمیر مرات و أخرجه منها، و تولی فیها مانع. و فیها أیضا سار عبد اللّه بن معمر أمیر العیینة و منه أهل العارض و سبیع و نازل أهل بلد حریملاء و وقع بینهم قتال.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 78

وفیات‌

و فیها توفی الشیخ العالم عبد الرحمن بن عبد اللّه بن سلطان بن خمیس أبا بطین العائذی و کان له معرفة فی الفقه و ألف فیه مجموعا و کان موته من وباء وقع فی سدیر تلک السنة.
و فیها أیضا توفی منصور بن جاسر و المنشرح و غیرهما من رؤساء الفضول.

حوادث سنة 1122 ه

اشارة

فی هذه السنة سار حاج الحساء لأجل أداء الفریضة و أمیره اسمه حمزة، فلما وصل مکة کان لبعض الأشراف رسم علی حاج الأحساء فطلب الشریف من أمیر الحاح دفع الرسم المعتاد الذی یشبه الإتاوة، فأراد حمزة منع ذلک، و ساعده علی ذلک نصوح باشا أمیر الحاج الشامی بتلک الوقت، و حصل بسبب ذلک منافرة بین شریف مکة عبد الکریم بن لیلی و نصوح باشا ناصر الشریف علی طلب حقه بحجة أن هذا رسم قدیم یتقاضونه، و أن هؤلاء لیسوا من حجاجکم دعا فهد الشریف أمیر الحاج المصری و الوالی و غیرها، و اشتد ما بینهما غیر أن الشریف أصرّ علی طلبه فاستوفاه فاضطفنها نصوح باشا للشریف و کذلک الشریف و أراد أن یشوّه سمعته نصوح باشا، فلما سافر حاج الشام إلی المدینة المنورة أوعز الشریف إلی قبائل حرب التی بین مکة و المدینة بمهاجمة الحاج معلموا بذلک و لم یصل إلی المدینة إلّا بعد الجهد، و بعد أن تکبّد خسائر فادحة من الأموال و الرجال، فعلم أن ذلک من عمل الشریف.
فلما رجع إلی الشام رفع إلی الحکومة العثمانیة تقریرا ضافیا بأعمال
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 79
الشریف عبد الکریم و دسائسه و ظلمه مؤیدا بشهادات کثیرة من رجال الحکومة فی الحجاز و من الأهالی و ألح فی تقریره علی وجوب کف یده عن الحجاز، فأجابته الحکومة و جعلت أمر النظر فی هذا الأمر إلیه، فاستصدر من السلطان فرمانا بتولیته الشریف سعید بن زید و کف ید الشریف عبد الکریم، فتولی الشریف سعید إمارة الحجاز للمرة الخامسة و بقیة علی ذلک إلی أن توفی سنة 1129 ه، و خرج الشریف عبد الکریم و لم یتولی بعد ذلک و فی سنة 1131 ه و فی المسودة الأولی تفصیل هذه القصة بأکثر وضوح و لعلنا نرجع إلیه.

ملاحظة

الأحساء بتلک الوقت تحت ولایة آل حمید من بنی خالد و قد حج و حاجهم فی سنة 1117 ه و أمیرهم نجم بن عبید اللّه بن غریر من آل حمید، و لم یحدث فیه ما حدث فی هذه السنة، و کان قبل ولایة آل حمید بید الترک، و لا أظن أن الأشراف یأخذون علیهم رسم قبل ذلک، و لکن الذی یظهر أن الشریف أراد أن یؤسس ضریبة جدیدة و مانعة نصوح باشا و دلیلنا علی ذلک امتناع أمیر حاج الإحساء عن التسلیم، فلو کان ذلک رسم قدیم لم یمتنع سیما و نجم بن عبید اللّه قد سبق فی إمارة الحاج فلو سلم نجم لاتبعه حمزة، و لکن امتناعه یدل علی أن الشریف أسسها فی تلک السنة مما أدت به إلی فقدانه مرکزه.

حوادث سنة 1123 ه

فی هذه السنة سار أهل حریملاء علی ملهم و أخذوها عنوة.
و فیها أنزل اللّه غیثا و سحیا غرق حریملاء و هدم البیوت و المساجد
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 80
و صار برد شدید «بإسکان الراء» أهلک من الزرع ما کان فی سنبله، ثم أنزل اللّه فی الصیف غیثا أعظم من الأول أصلح اللّه به الزروع و حصلت برکة عظیمة قیل أن محصول الغرب الواحد فی ضرمی بلغ أکثر من ألفی صاع و أرخص اللّه الأسعار.

حوادث سنة 1124 ه

و فی هذه السنة حصل فتنة بین العناقر أهل ثرمدا و بین أهل مرات و قد ذکرنا فی حوادث سنة 1121 ه، و کانت فی عنداء مانع بن ذیات علی بن جار اللّه، و إخراجه من مرات و قصة العنقری فی ثرمداء و استنجده فأوعده، فلما کان فی هذه السنة سار العنقری و معه ابن جار اللّه إلی مرات و هاجموها و حصل بینهم قتال فی موضع یسمی الظهیرة فانهزم أهل مرات، و قتل منهم مهنا بن بشری ذباح، و استولوا علی البلد، و تولی فیها ابن جار اللّه.
و فی هذه السنة وقع مرض فی بلد ثرمداء و القصب فی الوشم و رغبة و البیر من بلدان المحمل و العود من بلدان سدیر و صار وفیات کثیرة لم یکن فیهم أحد من المشهورین.

حوادث سنة 1125 ه

اشارة

و فی هذه السنة توفی الشیخ العالم عبد الوهاب بن عبد اللّه بن عبد الوهاب المعروف فی العیینة، أخذ الفقه عن أبیه عبد اللّه و غیره، و أخذ عنهم الشیخ العالم سیف ابن عزاز و غیره. و لیس هذا هو والد الشیخ محمد بن عبد الوهاب.
و فی هذه السنة توفی الشیخ الفقیه أحمد بن محمد المنقور لستة
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 81
خلون من جمادی الأولی، أخذ الفقه عن الشیخ عبد اللّه بن محمد بن ذهلان و کان أکثر نقلة فی مجموعة عن شیخه المذکور، و أخذ عنه ابنه إبراهیم و غیره، و کان فقیها و له درایة، جمع کتابا فی الفقه من فتاوی أهل زمانه و غیرهم، و حصل کتبا کثیرة بخطه.

الحوادث السیاسیة

ذکرنا فی حوادث سنة 1116 ه، الشقاق الذی حصل بین العناقر و أهل ثرمداء آل إبراهیم و آل ناصر، و تغلب آل ناصر علی بنی عمهم آل إبراهیم و إخراجهم من البلد، و لما کان فی هذه السنة قام آل إبراهیم و استنجدوا أهل ثادق فأنجدوهم و ساروا معهم إلی ثرمداء و سطوا فیها و لم یحصلوا علی طائل، فرجعوا بعد أن قتل منهم آل ناصر رجلا.
و فی هذه السنة صلحت الثمار و رخصت الأسعار و بلغ سعر التمر مائة و زیة [...] کثرت قوافل عنزة للاکتبال و باعوا جلائبهم السمن علی عشرة أصع بالأحمر (و الفاطر) السمینة، و مع المسنة من الإبل، من خمس مجیدیات إلی أربعین مجیدیة، و ابتاعوا کفایتهم من التمر مما أثر فی الأسواق حتی بلغ خمسین وزنة بالأحمر.
و إیضاح الوزنة تعادل وزن اثنان و خمسون ریالا من الریالات النمساویة المعروفة الآن بالریال الفرنساوی، و الأحمر نوع مما یتعاملون به بذلک الوقت، و هو یعادل ربع جنیه فرنجی بعملة زماننا هذا.
المجیدیة هی جزء من أجزاء الأحمر أعرف مقدارها بعملة زماننا هذا.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 82

حوادث سنة 1126 ه

و فی هذه السنة غزی سعدون بن محمد آل غریر و معه عبد اللّه بن معمر أمیر العینیة بأهل العارض و قصدوا الیمامة و نازلوا أهلها و نهبوا منها منازل فخرج إلیهم البجادی و أصلح معهم و قدم إلیهم أربع من الخیل.
و فی هذه السنة وقع مرض فی العارض مات فیه أناس کثیر منهم الشیخ محمد بن عبد اللّه بن عبد الوهاب بن عبد اللّه و محمد بن علی بن عبد و سلیمان بن موسی بن سلیمان الباهلی و هؤلاء من طلبة العلم.

حوادث سنة 1127 ه

خزانة التواریخ النجدیة ؛ ج‌7 ؛ ص82
هذه السنة سطی آل فضل الجراح أهل الملیحة من أمام عنیزة علی دویس و أخرجوه من محلتهم، و استولوا علیها، و حصل فی هذه السنة برد «بإسکان الراء» شدید أضر بالنخل و کسر الصهاریج الخالیة من الماء و جمد الماء فی المنازل الکثیفة و هذا مما لا یعهد فیه فی نجد».
حج حاج الأحساء فی هذه السنة و أمیره ابن عفالق و نزل العارض، و اشتری صاع السمن المشخص و الطلی بریالین و هذه یرونها من العجائب حتی جعلوها بالتاریخ [...] یرون هذا من الغلاء الفاحش.

حوادث سنة 1128 ه

و فی هذه السنة سار أهل المجمعة و سطوا علی الفراهید فی الزلفی فخرج إلیهم أهل الزلفی و صدوهم و رجع أهل المجمعة بدون طائل بعد أن تکبدوا خسائر.
و فی هذه السنة غارت آبار سدیر، و قلت الزراعة، و غلت الأسعار
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 83
و مات المساکین جوعا، و استمرت هذه الحالة نحو ثلاث سنین، و فی هذه السنة أغار عبد اللّه بن معمر علی بلد حریملاء و قتل الزعاعیب.

حوادث سنة 1129 ه

لم نجد فی هذه السنة حوادث توجب الذکر.

حوادث سنة 1130 ه

فی هذه السنة غزی عبد اللّه بن معمر أمیر العیینة بلد حریملاء، و أخذ أغنامهم، فلحق أهلها و حصل بینهم قتال قتل فیه من أهل حریملاء نحو عشرة رجال، و لم یدرکوا نتیجة.
و فی هذه السنة حصل خلاف بین أهل جلاجل فقام خیطان بن ترکی و حاول قتل ابن عمه الأمیر محمد بن عبد اللّه بن إبراهیم طمعا بالإمارة فلم یبلغ أمله لأن مساعیه حبطت و هرب من جلاجل.

حوادث سنة 1131 ه

و فی هذه السنة تصالح آل عناقر أهل ثرمداء و آل عوسجة أهل ثادق و العربنات أهل العطار، و حدثت الفتنة فی سدیر.

حوادث سنة 1132 ه

و فی هذه الثلاث سنوات المتقدمة لم یجد فیها حوادث لها أهمیة، و الذی یظهر لنا أنّ السبب فی ذلک وقوع القحط و قلة الأمطار و قلة المیاه التی تقدم بیانها و للّه فی ذلک حکمة و فیها عبرة، و صدق اللّه العظیم فقد قال فی کتابه المنزل* وَ لَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِی الْأَرْضِ [الشوری: 27]، و جاء فی الحدیث القدسی: «إن من عبادی من لو أغنیته
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 84
أفسده الغنی، و إن من عبادی من لو أفقرته لأفسده الفقر»، أو کما جاء.
فحالة نجد فی هذه السنوات تدل علی أن فی هذا الفقر و القحط الواقع هو صلاح لهم حیث هدئت الفتنة و امتنعوا من التعدیات و القتل و القتال، و لکن من یعتبر، ففی الحوادث الآتیة ما یدل علی تجدد ذلک مع تجدد نعمة اللّه علیهم.

حوادث سنة 1133 ه

و فی هذه السنة أغاث اللّه عباده بکثیر من الأمطار و رجوع میاه الآبار فی سدیر، و صلاح الزروع و الأثمار، و رخصت الأسعار حتی بلغ سعر التمر مائة و عشرون وزنة بالأحمر و العیش خمسة و أربعون صاعا.
و فی هذه السنة ولد عبد العزیز بن محمد بن سعود.
و فی هذه السنة خرج سعدون بن محمد بن غریر حاکم الأحساء و القطیف و نواحیها، و رئیس بنی خالد إلی نجد بقواته و معه المدافع و نزل عقرباء الموضع المعروف بین الجبیلیة و العیینة و حجر آل کثیر فی العماریة القریة المعروفة فی العارض حتی هزلت مواشیهم، و أقام علی ذلک طیلة أیام القبض- ثم سار إلی الدرعیة و نهب فیها بیوتا فی الظهرة و السوکیة و ملوی المحلات المعروفة فی الدرعیة، و حصل بینه و بینهم قتال قتل فیه من قومه قتلی کثیرة.

حوادث سنة 1134 ه

و فی هذه السنة لیس فیها حوادث أو بالأحری أنه لم یبلغنا.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 85

حوادث سنة 1135 ه

اشارة

و فی هذه السنة توفی سعدون بن محمد بن غریر الحمیدی حاکم الأحساء و القطیف و نواحیهما هو الحاکم الثالث من آل حمید، و کان من الأمراء البارزین المختارین همّة و إقداما و کرما و شجاعة تمر علیه الوفود من حواضر نجد و بوادیها و یعطی العطاء الجزیل، و هو أول من رتب الرواتب السنویة من أمراء الأحساء لمجندیهم، و لهم نفوذ یتعدی حدود القصیم غربا و حدود العراق شمالا و حدود الیمن جنوبا و شرقا، و لکنهم لم یستعملوا هذا النفوذ لمصلتحم المادیة بل یکتفون بالاعتراف لهم بالسمع و الطاعة، و لا یکلفونهم غیر ذلک فلا یطلبون منهم خراجا لأنهم أغنیاء بواردات الأحساء و القطیف، و لا یطلبون نجدة عسکریة لأنهم أقویاء، و لیس لهم منازع، و لیس فی نجد قوة تضاهی قوتهم، و لکنهم ظلوا علی بداوتهم، ففی أیام الصیف یسکنون المدن و إذا أقبل الشتاء خرجوا إلی البر بأغنامهم و مواشیهم، و یحکم البلاد أحد خدامهم.
و کانت حالة المدن بتلک الوقت قریبة من حالة أمرائها، و لو صاحب حکمهم شی‌ء من النظام الموجه لکانت أیامهم تعد من أفضل الأیام علی البلاد لقلة التکالیف، و وجود الأمنیة و الراحة، بخلاف ما کانت علیه نجد بذلک الوقت من کثرة الفتن و القتل و القتال و المنازعات المحلیة، لأنهم مع نفوذ أمرائهم لم یتعرضوا لحالة الأمراء فی نجد، بل ترکوهم و شأنهم إلّا فی أحوال خاصة، و قد مدحتهم الشعراء و نزهوا بمکارمهم و فضلهم بأشعار کثیرة و لیس هذا محل ذکرها و إنما نورد منها أنموذجا یعرف منه بعض ما یؤثر عنهم، من ذلک القصیدة التی قدمها أمیر (البیر) القریة المعروفة فی المحمل و کان له راتبا سنویا مضی علیه خمس سنین لم
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 86
یقبضه لعدم حاجته إلیه، و أرسل من یقبضها بعد ذلک فرده وکیل سعدون بحجة أنه مضی علیها مدة فاضطر إلی مراجعة سعدون بهذه القصیدة و هی طویلة تبلغ أکثر من سبعین بیتا، تقتصر علی ما هو مختص بالموضوع، قال:
مراقی العلی صعب شدید سنودهابکود علی عزم الدنایا صعودها
فمن رامها بالموت ما نال وصلهاو لا رد غبضات العدا فی کبودها
شراها بغالی الروح و المال و التقی‌و صبر علی مر اللیالی وکودها
فلو لا غلاها سامها کل مفلس‌و لو لا عناها کان کلّ یرودها
إلی أن قال:
تری إن کنت غالیت التنافی مدیحه‌أجل عنک ما خاب الرجا فی حصودها
فلا غیر سعدون ملاذ إلّا غدت‌علینا اللیالی حایلات جنودها
مدحته علی ما کان مقدار فعله‌فلا عاش کتام الحسانی جحودها
إلی أن قال:
حمانی ربی هجر مناصی اللوی إلی الشام من دار آل عمرو حدودها
دار آل عمرو، دومة الجندل المعروفة الآن بجوف آل عمرو.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 87 إلی خشم رمان إلی النیر مجنب‌إلی الشعراء واضحاتها فی نجودها
إلی العرض و البوادی الحنبفی مشرق و ما عن جوب کل هذا یسودها
إلی أن قال:
فما رکب جرد السبایا متوج‌و لا حضّنت ببعض النسا فی مهودها
یا وفی جمیل من معانی جمیله‌و أضحی یمین بالعطا من مدودها
فیا من علا فوق العلی کل طائل‌و زاده ببنیان رفاع بنودها
فرضت لی فرض قدیم رسمته‌بخط ید ورث الندا من شهودها
و ذا العام بإکساب الأنفال خامس‌و لا حباک منا طالب فی نشودها
غدا الرجا به مثل راعی وداعه و تبقی علیها آمن من جحودها
و ذا العام بإکساب الأنفال قادناإلیها أمور موجبات یدودها
فجد غیر مأمور ینجز حاله‌و یکرّ بها و اجعل جوابی صفودها
أی: و امرنا من هذه القصیدة نبذ تختص بالموضوع و ترک البقیة لطولها و إلّا فهی من أمثل الشعر و أقواه بالنسبة إلی زمانه و ما بعده- و للشعراء أشعار کثیرة من هذا النوع مما یدل علی مکانتهم- و فیما أظن
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 88
أن محسن الهزانی معاصرا لسعدون هذا و بینهما صداقة، و قد مدحه محسن بقصیدة أولها:
دن کتاب و قرب لی دواة و لست من یقین هل هذا الشعر فی سعدون بن محمد هذا أو فی سعدون بن عریعر بن رجیعنی، لأن بین الأول و الثانی نحو ستین سنة، و لکن الراجح أنه معاصر للأول، لأن لحن فیما ظهر لی أنه قبل دعوة الشیخ محمد بن عبد الوهاب، و الذی یرجح رأینا أنه سعدون بن محمد، لأن سعدون بن عریعر لم یکن بالمحل الذی نقصد و الشعراء لأن أمورهم قد تضعضعت.
و لنرجع إلی تتمة حوادث سنة 1135 ه بعد وفاة سعدون بن محمد وقع الخلاف بین آل حمید علی من یلی الإمارة، فثار أخوه سعدون علی سلیمان بن محمد بن غریر و معهما قسم من بنی خالد و ثار ابن سعدون دجینی و منیع، و معهم بعض من بنی خالد، و بعض من قبیلة الفضول، و تولی الإمارة فی الأحساء بنی خالد، و قد حاول دجینی بعد ذلک استرداد الإمارة من عمه فلم یفلح و استمر الأمر بید علی بن محمد إلی أن توفی، و خلفه من بعد أخیه سلیمان بن محمد کما سیأتی بیانه.

الحرب بین أهل أشیقر و أهل الفرعة

قد کان الخلاف بین أهل هاتین القریتین بل إن الحرب یکاد یکون مستمرّا لا لأجل السلطة و إنما غالبا یکون علی مجاری المیاه و السیل، لأن القریتین متجاورتین و أصول مجاری السیل تکاد تکون واحدة، و تتشعب
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 89
بعد تجمعها، و للسیل عندها أهمیة کبیرة، فإذا نزلت الأمطار خرج کل صاحب مجری یتبع مجری سیله، و غالبا تکون المعارک عند ذلک، و قد حدث حوادث من هذا النوع کثیرة أعرضنا عن ذکرها إذ تقرر الصلح بینهم و هدئت الأمور، و لکن أهل أشیقر لم یعتبروا هذا الصلح یوافق مصلحتهم لفضل قوتهم، فأجمعوا أمرهم فی هذا السنة و ساروا إلی القرعة و أوقعوا بهم علی حین غفلة منهم، فطردوا النواصر و قتلوا آل قاضی، و آل القاضی هؤلاء هم الموجودین الآن فی عنیزة لأنهم بعد هذه الوقعة أنفت نفوسهم فی الإقامة فی بلد.

هجرة آل القاضی من أشیقر إلی المجمعة و من هذه إلی عنیزة

هذه حالتها فارتحلوا منها سنة 1135 ه، و نزلوا المجمعة و أقاموا فیها إلی سنة 1165 ه و لم یعجبهم الإقامة فیها فرحل إبراهیم بن عبد الرحمن و أولاده الأربعة: محمد- و عبد اللّه- حمد- و علی ، و أقاموا فی عنیزة و استوطنوها فی هذا التاریخ و لم یزالوا فیها، و هؤلاء الأربعة صار کل منهم جد لعائلة فأما محمد فهو جد لعبد اللّه القاضی المشهور و هم یدعون الآن آل عبد اللّه نسبة إلی عبد اللّه بن محمد بن إبراهیم.
و من ذریة محمد بن إبراهیم سلیمان و لا أعرف له ذریة و عبد الکریم و هو أبو محمد العبد الکریم المعروف والد الشیخ عبد اللّه المحمد عبد الرحمن و علی و صالح، و أما عبد اللّه بن إبراهیم فذریته
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 90
یدعون آل عبد الرحمن نسبة إلی محمد بن عبد الرحمن أبو صدر و هو أبو الموجودین عبد العزیز و إخوانه المذکورین أدناه، و منهم عبد العزیز المحمد و عبد اللّه المحمد و سلیمان و عبد الرحمن المحمد العبد الرحمن.
و أما حمد بن إبراهیم- فهو جد آل عثمان- منهم الشیخ صالح العثمان القاضی، قاضی عنیزة المتوفی سنة 1351 ه، و أما علی بن إبراهیم، فهو جد القویضی أهل الملیحة و أهل الضبط، و قد بقی بعض أبناء عمهم فی الوشم و غیره، و إلی القاضی من الوهبة من بین حنظلة بن مالک، و یلتقی نسب الوهبة جمیعهم من فهد بن علوی بن وهیب، و منهم یتفرعون إلی آل القاضی فمنه ذریة زاخر بن محمد بن علوی بن وهیب، و هو الجد الجامع آل بسام منیف الذی هو جد آل قاضی- و آل راجح- و آل عساکر و آل بسام بن عقبة و آل رئیس و آل مشرف هذا ما یقوله الشیخ النسّابة إبراهیم بن صالح بن عیسی.

الموجود من ذریة بسام بن منیف‌

آل منیف و هم فحولة القضاة فی عنیزة- و آل ابن حسن المعروفین و منهم الدنامسة فی الزبیر- و آل عبد اللّه بن بسام و هم الحصانا و الخرافا و آل بسام الذین فی زمیقة من بلاد الخرج، هؤلاء هم ذریة بسام بن منیف کما ذکره الشیخ ابن عیسی.
و لنرجع إلی تتمة حوادث سنة 1135 ه قال ابن بشر: و فی هذه السنة عمرت منازل آل أبو هلال و منازل آل أبو سعید و آل أبو سلیمان فی الروضة فی سدیر.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 91
و فی هذه السنة کانت شدة عظیمة و غلاء عظیم من قلة الأمطار، و هی مبادی الوقت الشدید المسمی (سحی)، و أظنه الوقت الذی یسمونه أهل القصیم ساحوت.

حوادث سنة 1136 ه

و فی هذه السنة اشتد المحل و القحط أعظم من السنة التی قبلها و عم الغلاء و القحط من الشام إلی الیمن فی البادی و الحاضر، و ماتت المواشی: الإبل و الغنم و کل بعیر یشال علیه الرحل و تخلف أکثر البوادی فی البلدان أعباء لا یجدون ما یرحلون علیه، و غارت الآبار فی سدیر، و جلا أهلها و کثیر من أهل نجد إلی الأحساء و العراق، و لم یبق فی بلد العطار إلّا أربعة أنفار حیث لم یبق فیه إلّا بیرین فیهما بعض الماء، و کذلک قربة العودة قبل ذلک و لم یبق فیها من أهلها إلّا بضعة رجال، و الحقیقة أنها من أشد السنین التی مضت علی أهل نجد، تلفت فیها بوادی حرب و العمارات من عنزة بوجه خاص، و تلف جملة مواشی بنی خالد و غیرهم، و فی ذلک یقول بعض أدباء سدیر:
غدی الناس أثلاثا فثلث شدیدةبلاوی صلیب البین عایر و جائع
و ثلث إلی بطن الزاد فن میت‌و ثلث إلی الأریاق جال و ناجع
و فیها قام آل ابن راجح علی أبناء عمهم آل ابن هلال و هدموا منزلتهم فی روضة سدیر، و فیها مات بداح العنقری صاحب ثرمداء و أراد آل رباح سلطان و أخاه استرجاع الإمارة لأنفسهم، فقام علیهم إبراهیم بن سلیمان العنقری و قتلهم، و تولی الإمارة فی ثرمداء، و ستأتی أخبار إبراهیم بعد هذا لأنه أثر عظیم.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 92

حوادث سنة 1137 ه

و فی لیلة عید الفطر فی هذه السنة توفی سعود بن محمد بن مقرن صاحب الدرعیة، و تولی بعده زید بن مرخان، و فی هذه السنة و المحل و القحط علی أشده و هذه هی السنة الثالثة التی لم ینزل فیها أمطار و مات أکثر الناس جوعا و مات أکثر بوادی حرب و بوادی الحجاز، و غلا الزاد فی الحرمین حتی لا یوجد ما یباع.

حوادث سنة 1138 ه

اشارة

و فی هذه السنة وقع فی بلد العیینة وباء عظیم، أفنی غالب أهلها و مات فیه رئیسها عبد اللّه بن محمد بن معمر المشهور الذی تزخرفت العیینة بوقته و بلغت من القوة ما لم تبلغه مدینة أخری فی نجد قبلها، و لا یذکر فی زمانه و لا قبل زمانه فی نجد من یضاهیه فی الرئاسة و قوة الملک و العدد و العدة و العقارات و الأثاث، و کانت مدة إمارته نحو أربعین سنة ، و تولی من بعده ابن ابنه محمد بن عبد اللّه بن معمر الملقب خرفاش.
و فیها قتل إبراهیم بن عثمان أمیر القصب المعروفة فی الوشم، قتله أبوه عثمان بن إبراهیم لخلاف وقع بینهما، ذلک أنه قد أتاهم إبراهیم بن یوسف صاحب بلد الحریق یطلب النجدة من عثمان علی أهل بلده و عشیرته فحصل خلاف بین الأب و الابن من أجل ذلک فقتل الأب إبنه.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 93

ذبحة أهل الدار

و هی حادثة جرت فی عنیزة و اشتهرت بهذا الاسم.
تقدمت العیینة بزمنه تقدما عظیما، و کثر سکانها و زاد عمرانها، و بلغ عبد اللّه فی الرئاسة قوة الملک و السلطة ما لم یبلغه أحد قبله فی نجد، حتی کانت بلده المدینة الأولی فی نجد، و لکنه یکاد تکون الأولی، و قد حاول إخضاع القری المجاورة لحکمه فلم ینجح، و کان له وقائع عدیدة مع أهل حریملاء الیمامة و العمارة القرینة و ثادق و البیر و غیرها من القری، و لکن بالغم من عدم إخضاعهم و انقیادهم له، فإنه من الثابت أنه لم یتوجه جیشا لمقاتلته، و لم یکن یوما ما مدافعا، بل إنه دائما کان مهاجما.

حوادث سنة 1139 ه

اشارة

و فی هذه السنة أغاث اللّه عباده غیثا هنیئا مریثا أصلح اللّه به الزروع، و أحیی به میت الأرض و الأنعام، بل و أحیی به النفوس التی أنهکتها السنون الثلاث الشدید، و سمیت هذه السنة (رجعان سحی) و لا یقال لکل سنة خصب رجعان، بل إنها مختصة بسنة الخصب التی تلی السنة أو السنتین المجدبة، و بلغ سعر التمر مائة وزنة بالأحمر و أربعة آصع من العیش المحمدیة.

قتل مقرن بن محمد بن مقرن‌

کان مقرن بن محمد أمیرا فی الدرعیة، و زید بن مرخان أمیرا فی عصیبة أحد أقسام الدرعیة، و کان بینهما نزاع أساسه طمع مقرن بإضافة عصیبة إلی إمارته و توحیدها، ثم سعی بینهما بنو عمها و أصلحوا بینهما، و لکن مقرنا لم یکن نیته صافیة و أراد تحتیم ما یرید بالقدر، فکتب إلی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 94
زید بن مرخان یخادعه، فقال: إن الخلاف السابق قد باعد بیننا، و بما أن الصلح قد تم و زال الخلاف، فنحب أن تزورنا لتمام الاستئناس بکم و زیادة لتوثیق الروابط معکم، فلم یخف علی زید عاقبة هذه الدعوة و أوجس منها شرّا فجاوبه بالإیجاب علی شرط أن یکفل لی ابن أخیک محمد بن سعود ابن عمک مقرن بن عبد اللّه أن تبدر منک بادرة شر نحوی فکفلا له، فأتاه زید فی جماعة، فباتت شواهد الغدر من مقرن بن محمد، و همّ یقتل زید غیر مکترث بأمر الکفلاء، و لکنهم ثاروا علیه و أوقفوه عند حده، فحمل علیه محمد بن مسعود و مقرن بن عبد اللّه فانهزم من بین أیدیهم و ألقی نفسه من نافذة بالمنزل و اختفی فی بیت الخلاء، فأدرکاه فیه و قتلاه، و أرجعا زیدا إلی مکانه.

قتل زید بن مرخان‌

ذکرنا وفاة عبد اللّه بن معمر أمیر العیینة بالسنة الماضیة، و ولایة حفیده من بعده، و لم یکن له من المواهب الإلهیة ما لسلفه، و کانت العیینة علی ما وصفنا من القوة المادیة، و کثرت الأموال فتنبهت مطامع الأمراء المجاورین و کان أسرعهم لذلک زید بن مرخان صاحب الدرعیة، فقد أغراه ما فیها من الأموال و علی الخصوص بعد أن فقدت قوتها المعنویة بوفاة أمیرها عبد اللّه بن معمر، فأراد أن یهتبل الفرصة لغنیمة ذلک الإرث الثمین، فجهز الجنود و سار إلیها بقوة کبیرة من أهل الدرعیة و معه دغیم بن فایز الملیحی رئیس سبیع، و بوادی سبیع و آل کثیر و غیرهم، و معه أیضا محمد بن سعود، فبلغ خبرهم إلی محمد بن حمد بن معمر و اشتدّ علیه الأمر و علم أنه لا طاقة له بدفعهم، و علم أنه لا ینجیه إلّا الخدیعة و المکر، و هی من الخلال التی یمتاز بها ضعیف الإرادة، و هی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 95
سلامة الوحید، و إذا کانت کقونة فی بعض الأحیان فإنها بمثل هذا الموقف علی العکس بحجة أن الغایة تبرر الواسطة، فکتب کتابا و أرسله إلی زید بن مرخان فوافاه، و هو فی عقرباء بالموضع المعروف قرب العیینة، یقول فیه: قد بلغنی مسیرک و ما عزمت علیه و علمت أنه ما ساقک إلّا الطمع، و أنت تعلم أننا لسنا طعمة لأول أکل، و فی استطاعتنا الدفاع عن أنفسنا و أوطاننا إلی آخر نسمة، و لدینا من القوة ما یکفل لنا صد عدوان کل من أرادنا بسوء، و لکننا نفضل السلم و نقدمه، فإذا أعیانا الحصول علیه فذلک آخر عذرنا، و بما أنی أعلم أنک تجمع هذه الجموع إلّا بسائق الطمع، فإذا کان الأمر کذلک فما هی الفائدة التی یعود علیک إذا جعلتنا طعمة لهذه البوادی، و لکن أعرض علیک أمرا إن قبلته فهو لصالح الجمیع، و هو أن تترک البوادی و الجنود بموضعها التی هی فیه، و تقبل إلیّ مع بعض خواصک الذی تعتمد علیهم و تتفاوض معی فنعطیک ما یرضیک، مما یعود علیک دون غیرک، و لسان حاله یقول: إذا کنت مأکولا فکن أنت آکلی.

قتل زید بن مرخان‌

جازت هذه الحیلة علی زید و انخدع بها، و أخذ یضرب أخماسا لأسداس عما سیطلبه أمیر العیینة، و لم یتخذ الحیطة لنفسه و لا خالجه شک فی نوایا ابن معمر فامر علی رکابه و استصحب محمد بن مسعود و دغیم بن فائز رئیس سبیع و معهم نحو أربعین رجلا، فقصد العیینة و تلقاهم ابن معمر عند باب القصر و أخذ بید زید بن مرخان حتی انتهی إلی الموضع المعد لجلوسه فیه، فما استقر فی مکانة حتی استقر فی جوفه رصاصتان کان فیهما خفة، فوثب محمد بن مسعود و من معه و دخلوا فی موضع من القصر یحصنوا فیه، و حصل بینهم مجاملة قتل فیها موسی بن ربیعة أمیر
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 96
الدرعیة سابقا، و کان جلوی عند ابن معمر بعد إخراجه من الدرعیة فدعا ابن معمر محمد بن مسعود و من معه للنزول و لهم الأمان، فلم یقبلوا إلّا بأمان عمته الجوهرة بنت عبد اللّه بن معمر فأعطتهم الأمان، و نزلوا ثم رجع محمد بن مسعود إلی الدرعیة و استقل بإمارة الدرعیة و غصیبة و تفرقت جنود زید.
هدأت الأمور بعد هذه الأمور [...] و استقر کل منهم بإمارته.
و کان القاضی فی العیینة بذلک الوقت الشیخ عبد الوهاب بن سلیمان والد الشیخ محمد بن عبد الوهاب فحصل بینه و بین ابن معمر خلاف فصله عن القضاء و عیّن أحمد بن عبد اللّه بن الشیخ عبد الوهاب بن عبد اللّه قاضیا فیها فارتحل الشیخ عبد الوهاب من العیینة و نزل حریملاء فاستقام بها إلی أن توفی سنة 1153 ه.

ثورة دجینی بن سعدون علی عمه‌

و فی هذه السنة ثار دجینی بن سعدون بن محمد بن غریر علی عمه علی بن محمد حاکم الأحساء، و استنجد دجینی بالظفیر فسار معه ابن صویط و معهما المنتفق و قصدوا الأحساء، و حاصروا علی بن محمد فی البلد و عاثوا فی قرایا الأحساء و نهبوها، فخرج إلیهم علی بن محمد، و حصل بینهم قتال شدید استمر أیاما، و قتل رجال کثیر من الطرفین، ثم تغلب علیهم علی بن محمد، و شتت شملهم، ثم إنهم صالحوه و رجعوا.

سطوة النواصر فی بلدهم الفرعة

و فی هذه السنة سطا النواصر فی بلدهم و استرجعوها و ملکوها، و أغاروا علی بلد أشیقر و نهبوا زرعهم من الذرة و أکلوها.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 97

وفیات‌

اشارة

و فی هذه السنة وقع فی بعض البلدان و باء مات فیه الشیخ محمد بن أحمد الحصینی صاحب أشیقر عمه محمد بن محمود حمد الحصینی و غیرهم، و فیها مات قاضی صاحب روضة سدیر.

وفاة دواس بن عبد اللّه بن شعلان‌

و فی هذه السنة مات دواس بن عبد اللّه بن شعلان صاحب منقوحة و کانت مدة إمارته نحو الخمسین سنة و تولی بعده ابنه محمد فقام علیه ابن عمه زامل بن فارس بن عبد اللّه، و قام معه أهل البلد فقتلوه لکراهتهم لآل دواس لسوء أثرهم و أعمالهم فی أهل البلد، فکرهوا ولایتهم و أجلوا بقیة ذریته دواس و هم دهام بن دواس المشهور الذی سیأتی ذکره و أخوانه عبد اللّه و مشلب و ترکی و فهد و سعدون و شعلان فنزلوا الریاض و استوطنوها، و کانوا أصهارا لأمیرها رید بن موسی آل زرعة، فإن أختهم تحت زید المذکور فأقاموا عنده ثم بعد مدة قتل زید بن موسی، قتله معتوه من بنی عمه لأطماع فی الإمارة فصعد إلیه و هو فی علّیّة له، و کان نائما فیها فقتله بسکین کانت معه، فجاءه عبد لزید یسمی خمیس فقتله، و تولی العبد الإمارة فی الریاض نیابة عن ابن عم سیده المقتول لکونه قاصرا و استمرت إمارته نحو ثلاث سنین.

حوادث سنوات 1140 ه- 1145 ه

و ساءت سیرة العبد فکرهه أهل البلد و عزموا علی الفتک به فأحس بعزمهم و هرب و بقیت البلد بلا رئیس فطمع دهاما.
بالإمارة لقربه من صاحبها الشرعی، و من أحق منه بحفظ مرکز ابن
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 98
أخته، فقرن الأمل بالفعل، و أعلن نفسه أمیرا بالنیابة عن ابن أخته القاصر إلی أن یبلغ رشده فیردها إلیه، فعارضه أهل البلد، و کرهوا إمارته لسوء السمعة التی یتمتع بها آل دواس، تشاوروا علیه و قاوموه فعلا فاحضر بقصر الإمارة، و أرسل أخاه مشلبا إلی محمد بن مسعود أمیر الدرعیة یستنجده فأمده بقوة تحت قیادة مشاری بن مسعود فتمکن هذا من تشتیت شمل أهل الریاض و فک الحصار عن دهام و من معه فخرجوا من القصر و تولی الإمارة، فأقام عنده مشاری نحو ثلاثة أشهر حتی توطد مرکزه و انقاد له أهل الریاض و أذعنوا له.
و السبب فی فشل ثورة أهل الریاض أنها لم تکن علی أساس، و لیس لهم زعیم ینظم حرکتهم و یتولی أمرهم بدلا من دهام، و لو فعلوا لکان نجاحهم مضمون، و لکن ثورة کهذه لا یصعب إخمادها.
کما توطد مرکز دهام و رسخت قدمه بدأ بابن أخیه الذی هو نائب عنه، و أبعده عن البلاد و استأثر بالسلطة، و مرت هذه الحوادث فی أواسط بحر السنین التی بین الأربعین و الخمسین، و لکننا کرهنا تقطیعها فأدرجناها متتابعة.

و فی سنة 1143 ه:

اشارة

قام حسن بن مشعاب أمیر عنیزة علی بنی عمه الشحتة، و هدم منزلتهم الجادة و أجلاهم إلی العوشریة، و أقاموا فیها مدة ینتظرون الفرصة لاسترجاع محلتهم، و لهم فی ذلک قصیدة مشهورة یتناجون فیها :
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 99 مشاعیب سحوا و اجعلوا الستور واحدمشاعیب رأس الشیخ نهض مقامه
و أخذ نحی فیها هذا المنحی ثم إنهم کاتبوا بنی خالد أهل الجناح و طلبوا مساعدتهم فأجابوهم و واعدوهم یوم معلوم فجاؤا فیه و سطوا علی حسن بن مشعاب و قتلوه، و استولوا علی عنیزة جمیعها سنة 1155 ه، و أجلوا الجراح عنها و غرسوا أشجار نخلا، و لکن رشید بن محمد بن حسن بن معمر الجراح لم یمهلهم و سطی علیهم سنة 1156 ه، و استرجع محلتهم الملیحة و ملکها، و تولی الإمارة فی عنیزة و عقد صلحا مع بنی خالد أهل الجناح، و هدأت الأمور و سکنت الأحوال، و تفرغوا لشؤون فلاحتهم، و غرس آل زامل و آل أبا الخیل أملاکهم فی المسهربة و الهیفاء فنمت أحوالهم و أموالهم و اتسعت أمورهم بفضل حسن السیاسة. فکان رشیدا هذا من أحسن الأمراء سیرة و أبعدهم نظرا، بقیت الحالة نحو عشرین سنة علی أفضل ما تکون من الأحوال، و لکن خصوم الأمیران لم ترق لهما هذه الحالة، و ساءهم أن تکون هذه الصحة علی أیدیهما، فما زالوا یبثون الدسائس حتی أثاروا علیهم العامة فاتفق رجال من بنی خالد من جماعة خراج و رجال من آل أبو غنام و آل زامل علی قتل الأمیرین فقبضوا علیهما و قتلوهما فی السوق فی مجلس عنیزة کما یقتل المخرجین، فثارت الفتنة بین الفریقین و رجعوا إلی ما کانوا علیه فی سابق عهدهم و کان قتلهما سنة 1174 ه.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 100

النهضة الدینیة و السیاسیة أو الانقلاب العظیم و التطور الخطیر

انتهی الدور القدیم بما فیه من خیر و شر و ما فیه من غموض و إبهام، و وقفنا فیه علی حد هذه النهضة التی تبدلت فیها حالة نجد من الفوضی إلی النظام، و من التفرق إلی الاجتماع، و من الخوف إلی الأمن، و من کل حال سیئة إلی حالة حسنة، و ذلک ببرکة دعوة منقذ نجد من الجهالة الشیخ الجلیل و المصلح الکبیر الشیخ محمد بن عبد الوهاب رحمة اللّه علیه، فلو لم یکن له من الفضائل إلّا اجتماع الکلمة و توحید السیاسة لکفی بها فضیلة، کیف و قد جمع اللّه به شتات هذه الأمة تحت رایة واحدة و أنقذهم من شر الفوضی و التطاعن و التقاتل و کف أیدیهم عن الاعتداء علی بعضهم بعضا، و زالت الشحناء و البغضاء المتأصلة فی نفوسهم، نعم إن القتال لم ینتهی و حدث حوادث جسیمة أعظم مما کانت، و لکنها أمور لا بدّ منها، و حالة طبیعیة تصاحب کل انقلاب إصلاحی، لأن العادات المتأصلة فی النفوس لا یسهل اقتلاع جذرها إلا بعد مدة طویلة، و هکذا کانت الحالة فی هذا الانقلاب، فإن الحروب استمرت نحو ثلاثین سنة بشکل أعظم و حالة أعم مما سبقها قبل أن تستقر، و بما أن هذا هو الحد الفاصل بین النهضة الإصلاحیة و بین حالة الفوضی التی شرحنا فیما تقدم من الکتاب، و بما أن محور السیاسة و التاریخ سیدور علی بعض الأمراء أهل الشخصیات البارزة، الذی سیکون لهم أثر کبیر فی مجری التاریخ، أحببنا أن نوضح أسماء هؤلاء الأمراء و شی‌ء من حالتهم، و ما هم علیه قبل هذه النهضة و فی أثنائها الأمراء البارزون الموجودون فی هذا الزمان:
1- محمد بن مسعود أمیر الدرعیة، تولی الإمارة سنة 1139 ه.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 101
2- دهام بن دواس أمیر الریاض، تولی الإمارة بحدود سنة 1143 ه 1144 ه.
3- إبراهیم بن سلیمان العنقری أمیر ثرمدی، تولی الإمارة سنة 1136 ه.
4- زید بن زامل بن ترکی أمیر الدلم [...].
5- آل مدلج أهل حرمة.
6- عثمان بن حمد بن معمر أمیر العیینة.
أما آل حمید أمراء الأحساء فهم و إن کانوا أقوی من هؤلاء جمیعا، و کلمتهم هی النافذة فی عموم نجد، إلّا أنهم لم یکترثوا بذلک أول الأمر، فاختصینا هؤلاء الأمراء بالذکر لما لهم من الأثر فی مجری التاریخ الحدیث، لأنهم ناصبوا ابن سعود العداء و حالوا دون توسعه بالفتوحات طیلة أیام محمد و شطرا من أمارة عبد العزیز.
أما حالة نجد الخارجیة فلم تکن أحسن حالا من حالها الداخلیة، فقد کانت تتنازعها ثلاث قوی.
الأشراف من الغرب، و آل حمید من الشرق، و المنتفق من الشمال.

دعوة الشیخ محمد

کان الشیخ محمد بن عبد الوهاب فی حریملاء عند أبیه یقرأ علیه بعد رجوعه من العراق، و کان ینکر ما یفعله الجهال من البدع، و کثر منه الإنکار لذلک حتی وقع بینه و بین أبیه کلام، و وقع بینه و بین الناس کذلک فی البلد، فأقام علی ذلک مدة سنین حتی توفی أبوه سنة 1153 ه، فرأی وجوب القیام بالأمر بالمعروف و النهی عن المنکر، فمال إلیه ناس من أهل
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 102
البلد و اتبعوه و اشتهر أمره، و لکن الرؤساء غالبا یکونوا هم أصل البلاء، فقد کانت إمارة حریملاء لآل حمد و أبناء عمهم آل راشد و کانوا قسمین، کل منهم لدیه أتباع لا یعارض، و لیس للبلد رئیس واحد یتزعم الجمیع، و کان لأحد الفریقین أتباع یعیثون فیها فسادا، فأراد الشیخ أن یمنعوهم من ذلک فأحس العبید بذلک، و أرادوا أن یفتکوا بهذا الشیخ الجدید الذی جاء یغیر علیهم حالتهم، و یرید أن یصرفهم عما اعتادوا علیه، فأحس الشیخ بأمرهم فانتقل إلی العیینة فتلقاه أمیرها عثمان بن حمد بن معمر بالقبول و أکرمه، و زوجه عمته الجوهرة بنت عبد اللّه بن معمر المشهور التی أجارت محمد بن سعود فی حادثة زید بن مرخان الذی سبق ذکرها و عرض علی عثمان ما قام به و دعی إلیه و طلب منه نصرته فأجابه و ساعده، و قام بنصرته و عضده فی أول الأمر، فأعلی الشیخ دعوته، و قام بقطع بعض الأشجار و هدم القباب التی بنت علی القبور، منها قبر زید بن الخطاب رضی اللّه عنه فی الجبیلیة، و نفّذ الرجم فی الزانیة التی اعترفت بزناها، فاشتهر أمره و طار صیته، إلی ما وراء نجد و قامت قیامة علماء نجد و علماء الأحساء، و کاتبوا علماء الأمصار و أشاعوا عنه إشاعات باطلة و بلغ الأمر أن استعانوا بسلیمان بن محمد بن غریر الحمیدی حاکم الأحساء فکتب إلی عثمان بن معمر یأمره بنفی الشیخ أو قتله، و کان له سلطة علی ابن معمر، فلم تسعد مخالفته فأبلغ الشیخ الأمر، و اعتذر إلیه أنه لا یستطیع مخالفة أمر ابن غریر و أخبره بالمحل الذی هو یرغب، فاختار الدرعیة فأرسل معه من أوصله إلیها، فنزل عند محمد بن سویلم العرینی فضاق به ذرعا و خوفا من محمد بن سعود لأن أمره قد اشتهر و لکنها شهرة لیست بجانبه، حیث إن علماء السوء قلبوا الحقائق و هذا ما دعا ابن سویلم إلی الخوف من ابن سعود، و لکن محمد بن سعود أخلف أمل بن
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 103
سویلم لما أراد اللّه به من الخیر فتلقی الشیخ و أکرمه و عاهده علی القیام بنصرته و أن یمنعه مما یمنع عن نفسه و أولاده، فلما بلغ أتباعه فی حریملاء و فی العیینة قبول محمد بن سعود بأمره و هاجروا إلی الدرعیة و هم نحو سبعین رجلا فیهم بعض الرؤساء من المعاصرة أبناء عم عثمان المناوئین له فأدرک عثمان خطأه فی إخراج الشیخ و علم أنه فتح علی نفسه بابا من الشر فأراد أن یستدرک ذلک فرکب و قدم علی الشیخ فی عدة من رجاله، و حاول أن یسترضی الشیخ لیرجع معه و یقوم بنصرته فأحاله علی محمد بن سعود فرفض ذلک، فأخذ یدیر الداء فی الوسیلة التی یتلاقی بها هذا الأمر فلم یری أسلم من المتابعة فیبایع الشیخ و تابعه إما عن عقیدة و إما عن مکبده لیدفع بها عن نفسه.
و مضت السنة الثامنة و الخمسین بعد المائة و الألف بالتحمیدات و لم یقع بها حوادث تذکر، و بما أن تاریخ هذه الدعوة و تطوراتها قد کفانا ابن بشر و ابن غنام الکلام علیها بتاریخها من الناحیة الدینیة فقد قصرنا بحثنا فی هذا الکتاب علی الناحیة السیاسیة التی لم تزل غامضة، لأن المؤرخین القدیمین و الحدیثین لم یعالجوها کتاریخ سیاسی، فابن بشر و ابن غنام دونوها بصفة دینیة محضة، و وصموا مخالفی ابن سعود بالردة أو ما هو فی معناها، و لم ینظروا إلی أعمال هؤلاء الأمراء من الناحیة السیاسیة الذی هی السبب المباشر لهذه المقاومة، و لهذا وجب أن نتکلم عن حالة هؤلاء الأمراء من هذه الناحیة و نعطیهم حقهم علی قدر ما یستحقون، و بقدر أعمالهم و آثرهم فی التاریخ، لأنهم الآن أصبحوا فی ذمة التاریخ، و التاریخ أمانة فی ذمة المؤرخ یجب أن یؤدیه علی أصله نصحا بالروایة و حرصا علی التحقیق.
***
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 105

العقود الدریة فی تاریخ البلاد النجدیة

اشارة

تألیف مقبل بن عبد العزیز الذکیر النجدی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 107
بسم اللّه الرّحمن الرّحیم‌

النهضة الإصلاحیة

الحمد للّه رب العالمین و الصلاة و السلام علی خاتم المرسلین و علی آله و صحبه أجمعین.
أما بعد: فقد انتهی الدور القدیم بما فیه من خیر و شر، و ما فیه من غموض و إبهام، و وقفنا فی الجزء السابق علی مد هذه النهضة التی تبدلت فیها حالة نجد من الفوضی إلی النظام، و من التفرق إلی الاجتماع، و من الخوف إلی الأمن، و من کل حالة سیئة، إلی حالة حسنة، و ذلک ببرکة دعوة منقذ نجد من الجهالة: الشیخ الجلیل، و المصلح الکبیر و الشیخ محمد بن عبد الوهاب، قدس اللّه سره، فلو لم یکن له من الفضائل إلّا اجتماع الکلمة و توحید الأمة لکفل ارتکاب فضیلة، فکیف و قد جمع اللّه به شتاتهم و أنقذهم مما هم فیه من الجهالة، و ألف بینهم، و کف أیدیهم عن الاعتداء بعضهم علی بعضا، و أشرب قلوبهم حب الإیمان، و نفی عنهم درن البدع الدینیة التی قد عمت البلاد و أزال الثغاء و البغضاء المتأصلة فی قلوبهم ببرکة إرشاداته، و جاهد فی ذلک علما و عملا حتی جعلهم علی الحجر البیضاء فجزاه اللّه أفضل ما جازی به عاملا عن عمله.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 108
و قد قلنا: إن الشیخ رحمه اللّه کفهم عن التطاحن و التقاتل، و لیس یعنی أن القتال انتهی، فقد حدثت حوادث جسیمة أعظم مما کانت قبل و لکنها أمور لا بد منها، و حالة طبیعیة تصاحب کل انقلاب إصلاحی لأن المعاداة المتأصلة فی النفوس لا یسهل اقتلاع جذورها، خصوصا الأمور الدینیة، فلا بد لاقتلاع هذه الجذور الخبیثة من قوة تؤید المصلح علی المضی فی السبیل الإصلاحی، قامت هذه الحروب و استمرت مدة طویلة حتی استقر الحق فی نصابه و إلیکم کیفیة نشأتی الشیخ و السبیل الذی سلکه لنشر هذه الدعوة قبل اتصاله بالإمام محمد بن سعود.

نشأة الشیخ محمد و دعوته‌

کان الشیخ محمد فی بلده حریملا عند أبیه یقرأ علیه بعد رجوعه من الحجاز، و العراق و کان أخذ ینکر ما یفعله الجهال من البدع. و کثر منه الإنکار، و کان أبوه ینهاه عن الشدة و یأمره بأخذ الناس بالتی هی أحسن، و لکن الشیخ لا یعرف الهوادة فی الدین فوقع بینه و بین أبیه کلام، و أوقع بینه و بین الناس کذلک فأقام علی ذلک عدة سنین، فلما توفی أبوه سنة 1153 ه رأی وجوب القیام بالأمر بالمعروف و النهی عن المنکر فمال إلیه أناس من أهل البلد و اتبعوه، و خالفه آخرون، و قد کانت إمارة حریملا لآل حمد و أبناء عمهم آل راشد، و لکل منهما أتباع و خدم، و کان فی خدم أحد الفریقین أشرار یعیثون فی البلد فسادا، فأراد الشیخ أن یمنع شرهم عن الناس، فأحسن العبید بذلک و عزموا علی أن یفتکوا بهذا الشیخ الجدید الذی ینعی علیهم ما هم فیه، و یرید أن یصدهم عما اعتادوا علیه، فأحس الشیخ بأمرهم، فانتقل إلی العینیة، و کانت یومئذ من أقوی إمارات نجد
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 109
فتلقاه أمیرها عثمان بن حمد بن معمر بالقبول، و أکرم نزله و شکر الشیخ عثمان علی ما قام به و دعا إلیه و طلب منه نصره و تأییده، فأجابه و ساعده و قام بنصرته و عضده فی أول الأمر، فأعلن الشیخ دعوته، و أخذ ینفذ أوامره، و قام بقطع الأشجار التی کان للعامة فیها اعتقادات باطلة، و هدم القباب التی بنیت علی القبور، فی الجبیلة منها قبر زید بن الخطاب رضی اللّه عنه و رجم الزانیة التی اعترفت بزناها، فاشتهر أمره و طار صیته إلی ما وراء نجد و أخذ یکاتب علماء البلدان و یجادلهم فقامت قیامة بعض علماء نجد خصوصا سلیمان بن محمد بن سحیم قاضی دهام بن دواس فی الریاض، فإنه کتب إلی علماء الأمصار یشنع علی الشیخ و یفتری علیه، و أشاعوا عنها إشاعات باطلة و أخذ بضع سنوات ینشر دعوته فی المناظرات مع العلماء، و بلغ الأمر بالمخالفین أن حرضوا علیه الأمراء، فلم یبلغوا أملهم فیه فداروا بأنظارهم إلی علماء الأحساء یستنجدونهم، فقام هؤلاء و استنجدوا بسلیمان بن محمد بن غریر الحمیدی رئیس بنی خالد و حاکم الأحساء و القطیف، و کان له سلطة علیا علی أمراء نجد فکتب إلی عثمان بن معمر یأمره أن ینفی الشیخ من بلده فلم یسعه مخالفته فأبلغ الشیخ الأمر الوارد من ابن غریر بشأنه، و اعتذر إلیه أنه لا یستطیع مخالفة أمر ابن غریر و سأله عن الذی یختاره لیوصله إلیه، فاختار الدرعیة، فأرسل معه من أوصله إلیها، و کان أمیرها یومئذ محمد بن سعود بن محمد بن مقرن، فنزل الشیخ عند تلمیذه محمد بن سویلم العرینی، فضاق به ذرعا خوفا من محمد بن سعود لأن أمر الشیخ قد اشتهر، و لکنها شهرة لیست بجانبه، حیث إن علماء السوء قد قلبوا الحقائق و هذا ما دعی ابن سویلم إلی التخوف من محمد بن سعود غیر أن ابن سعود أخلف أمل ابن سویلم
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 110
لما أراد اللّه به من الخیر، فإنه عند ما بلغه قدوم الشیخ بادر إلی السلام علیه فی دار ابن سویلم، و رحب به أجمل ترحیب، فعرض علیه الشیخ محمد ما یرید من نشر الدعوة و طلب منه الحمایة فأجابه ابن سعود و عاهده علی أن یقوم بها و أن یمنعه مما یمنع منه نفسه و أولاده إلّا أنه شرط علیه أن لا یمنعه من أخذ العوائد التی له عن البلاد. فقال الشیخ: سیعوضک اللّه خیرا منها. استقر الشیخ فی الدرعیة سنة 1157 ه و بلغ أتباعه فی حریملا و العیینة فقام محمد بن سعود بأمره، فهاجروا إلی الدرعیة و هم نحو سبعین رجلا، فیهم بعض الرؤساء من المعامرة أبناء عم عثمان المناوئین له، فأدرک عثمان خطأه فی إخراج الشیخ، و علم أنه فتح علی نفسه بابا من الشر، فأراد أن یستدرک ذلک، فرکب و قدم علی الشیخ فی الدرعیة و معه عدة رجال من بلده، و حاول أن یسترضی الشیخ لیرجع معه علی أن یقوم بنصره و تأییده، فأحاله علی محمد بن سعود، و رفض هذا طلبه فأخذ یدیر الرأی فی الوسیلة التی یتلافی به هذا الأمر فلم یری أسلم من المتابعة فبایع الشیخ و تابعه إما عن عقیدة و إما عن مکیدة لیرفع عن نفسه شر ما نشر و قبل أن نفیض فی سرد الحوادث لا بد من الإشارة إلی الحالة السیاسیة التی تقدمت النهضة الإصلاحیة.

الحالة السیاسیة

کانت الحالة السیاسیة العامة فی نجد مضطربة فی جمیع نواحیها حیث کانت نجد مفککة الأوصال لا رابطة تجمعهم، مختلفوا الکلمة، متباینوا النزعات. و الحروب مستعرة بینهم، ناشئة عن الأحقاد و الضغائن التی أوجدها الجهل و غذاها التعصب و فی الوقت الذی نحن بصدد الکلام
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 111
عنه برز فیه أربعة من الأمراء، کان مدار التاریخ عن الحدیث علیهم و الکلام عن هؤلاء الأمراء یضیق و یتسع تبعا لشخصیة هذا الأمیر و أعماله و لهم خامس لیس بدونهم فی القوة و لکن لیس له شی‌ء من صفاتهم من الطموح و قوة الإرادة و سعة المطامع، و لقد کان أولهم و هو سقوطا و ها نحن متکلمون علی هؤلاء الأمراء علی حسب درجاتهم و أثرهم فی المقاومة.

دهام بن دواس‌

کان أبوه متغلبا علی منفوحة کما أشرنا إلی ذلک، و لما مات تولی بعده ابنه محمد، فثار علیه ابن عمه زامل بن فارس و أهل منفوحة و قتلوه لسوء أثرهم فی البلاد، و أجلوا إخوانه دهام، و عبد اللّه، و ترکی، و مشلب و فهد، فاستوطنوا الریاض و کان أمیرها یومئذ زید بن موسی أبو زرعة، و کان صهرا لدهام علی أخته. و سار علی زید رجل من بنی عمه فقتله علی غیر غایة، فجاء عبد لزید یسمی خمیّس فقتل الرجل و تولی بعد عمه نیابة عن ابنه الصغیر و ساءت سیرة العبد، فهم أهل البلد بقتله، فهرب من الریاض، فبقیت مدة بلا رئیس، فتولی دهام بحجة أنه نائب عن ابن أخته إلی أن یرشد ثم یتخلی له عن الأمر، و لکن تمکن من طرد ابن أخته و أجلاه عن الریاض، فتآمر علیه أهل الریاض کراهة لولایته لسوء سمعته و حاصروه فی قصره و سعوا فی عزله فأرسل أخاه مشلبا إلی محمد بن سعود یستنجده، فأنجده بقوة تحت قیادة مشاری بن سعود، فشتت شمل أهل الریاض، و أکرههم علی الخضوع لأمر دهام، و أقام عنده ثلاثة أشهر حتی ثبت مرکزه. و کان ذلک حوالی سنة 1145 ه و لم تزل علاقته مع ابن
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 112
سعود حسنة طیلة السنوات التی تقدمت اتصاله بالشیخ محمد، و هذه العلاقات أکسبته نفوذا کبیرا و قوة و تقدمت الریاض فی عهده تقدما کبیرا و اتسع عمرانها و کثر سکانها، و صار له شهرة واسعة، حتی کان یلقب بالشیوخ و هذا لقب فی نجد لا یمنح إلّا لصاحب نفوذ عظیم، و کان قاضیه سلیمان بن محمد سحیم، و هو الذی قاوم الشیخ محمد و جاهره بالعداوة و أشاع عنه المفتریات و الأباطیل التی لم یزل أثرها فی الأمصار حتی وقتنا هذا.
أما حالة دهام الشخصیة فکان من الأمراء الممتازین همة و إقداما، قوی الشکیمة، صعب المراس، صادقا فی عداوته، مراوغا فی صداقته، لا یمنحها إلّا لحاجة فی نفسه، و لا یثبت علیها إلّا ریثما تمکنه الفرصة، و کان فی أحکامه مثله فی أخلاقه، فقد حکی عنه ابن غنام فی تاریخه أعمالا تدل علی القسوة و الغلظة، و لعل ابن غنام لا یخلوا من بعض التحامل علیه للشیخ و لکنها علی أی حال تصور لنا شیئا من أخلاقه، و علی أی حال فمن الوجهة التاریخیة لا یمکن إغفال أمره، و التنویه بأعماله السیاسیة و الحربیة و إن لم یرق لنا عمله من الوجهة الدینیة لأننا نعتبر عمله و مقاومته الشدیدة التی دامت سبع و عشرین سنة لم تکن موجهة ضد الدین و إنما هی دفاعا عن مرکزه، لأن إذعانه للشیخ معناه الدخول تحت أمر محمد بن سعود، و رجل مثل دهام فی قوته و علو همته لا یمکن إخضاعه بسهولته و دلیلنا علی أن مقاومته لم تکن ضد الدین أن الشیخ محمد أقام نحو ست سنین فی حریملا و فی العیینة و هو یثبت دعوته، و یکاتب علماء البلدان و یکاتبونه، و یجادلهم و یجادلونه و لم یأبه له أحد من الأمراء، و لا غیرت شیئا من علاقاتهم بعضهم مع بعض، لأن المسألة
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 113
دینیة، و بین علماء الدین، فلا شأن للأمراء فی ذلک، و لم یتدخلوا بینهم.
و لما اتصل الشیخ محمد بمحمد بن سعود و تغیرت نظریة الأمراء و خافوا شره علی أنفسهم من وراء هذه المحالفة الدینیة السیاسیة، و خصوصا الأمراء الذین لهم فضل قوة، فهبوا لمقاومتها و علی رأسهم دهام بن دواس، فبدأت الحرب بینه و بین ابن سعود من سنة 1158 ه إلی سنة 1187 ه، أی طیلة أیام محمد بن سعود و شیئا من ولایة عبد العزیز، تبادل فیها الطرفان أکثر من ثلاثین غزوة، قتل فیها من الفریقین نحر أربعة آلاف کما ذکره ابن بشر بتاریخه، و من بین هؤلاء القتلی فیصل، و سعود، ابنا محمد بن سعود، و أخوة دهام الأربعة: ترکی، و فهد و شعلان، و ابنه دواس بن دهام، و کان هذا آخر من قتل منهم سنة 1185 ه، فلما قتل ابنه جزع علیه جزعا شدیدا، و خارت قواه و انکفأ نفسه التی ما کانت تعرف الخور، و فترت همته و ضعف عن المقاومة لکبر سنه، و رأی أن الحرب قد طال و قوات خصمه تزداد قوة و قواته محدودة، سیما و أنه قد انضم أکبر بلدان الوشم، و سدیر، و المحمل و الشعیب و کثیر من بلدان القارة إلی ابن سعود، و صار اتجاه هذه القوات إلیه.
فرأی أن المقاومة لا تجدیه نفعا، و صعب علیه الانقیاد لابن سعود و الدخول تحت طاعته، فصمم علی مغادرة البلاد و ترکها و شأنها قبل أن یستولی علیها ابن سعود عنوة فجمع رؤساء أهل البلاد فی منتصف ربیع الثانی سنة 1187، و قال لهم: إن الحرب قد طال بینی و بین ابن سعود نحو ثلاثین سنة، دافعت فیها قدر استطاعتی، و أری نفسی الآن قد ضعفت عن المقاومة لکبر سنی، و اعتزمت الخروج بعائلتی من هذا البلد لابن سعود، و لعل أن یکون فی ذلک خیر لکم. فعارضوه و أرادوا أن یصدوه
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 114
عن فکرته، و أبدوا له مخاوفهم من ابن سعود فأجابهم أن ابن سعود لا یهمه غیری و متی خرجت عنکم فلا خوف علیکم فخرج بعائلته و أعوانه و قصد بلد و أقام فیها، و مات فی تلک السنة، أما أهل الریاض فقد داخلهم الرعب عند ما علموا أن ابن سعود قادم إلیهم، فهربوا علی وجوههم قاصدین المخرج مشاة و رکبانا، و کان الوقت صیفا و الحر شدیدا فهلک منهم خلق کثیر جوعا و عطشا و احتل عبد العزیز البلاد و استولی علی ما فیها.

إبراهیم بن سلیمان العنقری أمیر ثرمداء

اشارة

هو إبراهیم بن سلیمان بن ناصر بن إبراهیم بن خنیقر العنقری من بنی سعد بن زید مناة بن تمیم تولی الإمارة فی ثرمداء 1136 ه، بعد وفاة ابن عمه بداح العنقری و قد طالت أیام إمارته، فکانت مدة إمارته نحو خمسة و أربعین سنة، قضی الشطر الأول منها فی الحروب مع الأمراء المجاورین الذی یطمع بإخضاعهم، و الشطر الثانی قضاه فی مقاومة ابن سعود و صدهجماته.

صفاته و أعماله‌

کان من الأمراء البارزین و الشجعان المعدودین بعید الهمة واسع المطمع، تصفها إمارته عن خصلة من خصاله، اکتسبت ثرمداء فی أیامه شهرة أکبر من حقیقتها، و کاد یکون القائد الأول فی جمیع الوشم علی ما فیه من البلدان الأخری ثرمداء شیئا بجانبها، کلمته نافذة و هیبته راسخة و کانت ثرمداء فی أیامه رابع مدینة من المدن التی تهجم و لا یهجم علیها و هی: الدرعیة- الریاض- ثرمداء- الدلم.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 115

علاقاته مع ابن سعود قبل الدعوة و بعدها

أما علاقته بابن سعود قبل قیامه بتأیید الشیخ محمد فکانت علاقة ودیة و لیس بینهما شی‌ء من الخلاف، و لما قام بتأیید الشیخ تغیرت الحالة، و أخذوا ینظرون إلی ابن سعود نظر الریبة، خوفا علی مراکزهم، لأنهم نظروا له أمر من الوجهة السیاسیة فهبوا لمقاومة هذه الفکرة و حالوا دون انتشارها خوفا أن تسری إلی العامة فتخذلهم، و بالأخص العنقری فإنه من الناقمین علی دعوة الشیخ قبل اتصاله بابن سعود، و ساعدهم بعض طلبة العلم الذی ینقمون علی الشیخ بعض ما جاء مما لم یألفوه، جهلا منهم و غباوة و تصوروا أن نجاح دعوة الشیخ تفقدهم مراکزهم و منزلتهم فی نفوس العامة، فاتفقت مصلحة الأمراء و طلبة العلم، فوحدوا کلمتهم لمقاومة هذه الدعوة، و لکن ابن سعود لم یأبه لهؤلاء فترکهم و شأنهم و وجه عنایته إلی دهام بن دواس فجعله هدفه الأول، و لم یلتفت إلی غیره.
و لکن العنقری لم یشأ أن یبقی مکتوف الأیدی فاغتنم فرصة اشتغال ابن سعود بحرب دهام و أخذ یؤلب علیه و یبث الدسائس ضده فکاتب ابن معمر و دهام بن دواس یطلب توحید کلمتهم و عقد محالفة ثلاثین فأجابوه و تقرر أن یکون الاجتماع فی العیینة، فلما حضروا للمفاوضة، أحس بهم أهل العیینة، و کانوا قد تابعوا الشیخ و أمیرهم عثمان، کذلک، فثار علیهم أهل البلد و طردوهم و اعتذر لجماعته أن قضت بصلحهم الشیخ فقبلوا عذره.
و لما بلغ ابن سعود أمرهم وجه نظره إلی العنقری و أراد أن یسحقه
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 116
علی ید أحد حلفائه الذی لم یزل متذبذبا فوجه إلیه ابنه عبد العزیز و عثمان بن معمر، و کادوا یقضون علیه لو لا أن ابن معمر حال دون ذلک، و عارض عبد العزیز، مما أوجب النقمة علیه، مما ستقف علیه فی ترجمته. و فی هذا التاریخ اشتد العداء بین ابن سعود و العنقری و قاومه هذا مقاومة عنیفة طیلة أیام محمد بن سعود، لم یصلح معه و لا یوما واحدا، و کان أهل الوشم، و سدیر، و الشعیب، و المحمل، و العارض و المخرج و غیرهم یصلحون ثم ینتقضون، أما العنقری فإنه ثابر علی المقاومة حتی أذعنت جمیع نواحی نجد المحیطة به، و أحاط به ابن سعود من کل جهة، فحینئذ ألغی قیادة و أصلح فی السنة التی توفی فیها سنة 1180 ه، و لم تزل هذه العداوة فی بیت العنقری لآل السعود، إلی زماننا هذا، فإنه لما قام الإمام عبد العزیز بن عبد الرحمن لاسترجاع ملکه سنة 1319، کان العنقری صاحب ثرمداء منضم إلی أعداء آل الرشید إلی أن قضی علیه و علیهم الإمام عبد العزیز.

عثمان بن حمد بن معمر أمیر العیینة

اشارة

هو حفید عبد اللّه بن محمد بن معمر المشهور، المتوفی 1138، تولی عثمان الإمارة بعد أخیه محمد بن حمد و عثمان هذا هو الذی آوی الشیخ محمد و نصره فی أول الأمر، ثم اعتذر إلیه و أخرجه من العیینة متأثرا بتهدید سلیمان بن محمد حاکم الأحسا و القطیف، ثم ندم علی إخراجه و أراد أن یسترضیه فلم یتوفق.

صفاته و أعماله‌

کان بذلک الوقت یعد من أقوی الأمراء فی نجد، و لو کان أمیر
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 117
العیینة فیه شی‌ء من صفات دهام أو العنقری لقلنا إنه أقوی أمراء نجد علی الإطلاق و لکن البلد قویة بعددها ضعیفة بأمیرها، لأنه واهی العزم، ضعیف الإرادة، متذبذبا فی أمره لا یستقر علی رأی، و هذه الخلال هی التی عجلت بسقوطه، ندم علی إخراج الشیخ لأن خصومه السیاسیین من بنی عمه التحقوا بالدرعیة فاضطرب علیه أمره، فلم یری وسیلة لاتقاء خطرهم إلّا المتابعة، فرکب إلی الدرعیة و بایع الشیخ محمد و محمد بن سعود علی السمع و الطاعة فی سنة 1158، و لم تکن هذه المتابعة عن خلوص نیة، و کان ابن سعود فی بدو أمره و هو فی حاجة إلی تألیف الأمراء و تکثیر سواد أتباعه خصوصا أهل الشهرة منهم، و کان ابن معمر لا یزال یتمتع بالشهرة الموروثة، و لم یبخسه ابن سعود حقه، فقد منحه القیادة العلیا فی الغزوات التی یتخلف فیها محمد بن سعود، و عمل فرق ذلک حین أکد الروابط بالمصاهرة، إذ زوج ابنه عبد العزیز بن محمد ابنة عثمان بن حمد، فهو جد سعود بن عبد العزیز «لأمه»، کل هذه الأعمال لم تغیر نفسیة ابن معمر، و ظل نحو أربع سنین و حالته مع ابن سعود متذبذبة، یتظاهر بالصداقة و یبطن ضدها، یکید ثم یعتذر، و یتوب ثم یکید حتی بلغ الأمر حده و اغتنم خصومه من أبناء عمه الفرصة و أوغروا صدر الشیخ علیه و محمد بن سعود، حتی ظفروا بالإذن لهم بقتله فقتلوه یوم الجمعة منتصف رجب من سنة 1163 ه، و عینوا مشاری بن معمر أمیرا فی العیینة.

الأمور التی نقموها علی عثمان‌

أما الأمور التی نقموها علی عثمان فهی کثیرة و لکن أهمها فی نظری ثلاث مسائل، و قد ذکرها ابن غنام فی تاریخه:
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 118
1- المحالفة التی أراد عقدها مع دهام بن دواس و إبراهیم بن سلیمان العنقری سنة 1160 ه.
2- معارضته لعبد العزیز بن محمد بن سعود فی احتلال ثرمداء بعد أن تغلبوا علی أهلها سنة 1161 ه.
3- استدعاءه الظفیر و استخباءه بإبراهیم العنقری سنة 1163.
و ها نحن نتکلم عن هذه الأمور الثلاث و نبدی رأینا فی ذلک حسبما استنتجناه من مجری الحوادث.
المسألة الأولی أما مسألة المحالفة التی أراد عقدها مع دهام، و إبراهیم العنقری لتوحید کلمتهم ضد ابن سعود، فهی من الأمور التی تثبت إدانته، و لا نجد له وجه عذر فی سلوک هذا الطریق، و لم یبدر من ابن سعود علیه ما یحمله علی رکوب هذا المرکب.
المسألة الثانیة و هی معارضته عبد العزیز بن محمد فی احتلال ثرمداء بعد أن ظفروا بأهلها، فهی تدل دلالة واضحة علی أنه لا یزال یعطف علیهم مما عده محمد بن سعود دلیلا علی أن تلک الروابط بینه و بین العنقری لا تزال باقیة، بالرغم مما یتظاهر به من العداء له أوجدت الوحشة و النفور بین الطرفین، مما أوجب النتائج المتقدم ذکررها.
فهاتان المسألتان هما فی الحقیقة کافیتان لثبوت سوء نیة ابن معمر، و هما اللتان حملتا ابن سعود علی وضع حد لأعماله.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 119
المسألة الثالثة أما المسألة الثالثة فلا نری فیها ما یوجب المؤاخذة، لأن الذی دعاه إلی ذکره اتخاذ التدابیر للدفاع عن نفسه و لیس القصد منها الفتک بذوی الإیمان کما یقول ابن غنام، فقد بلغ ابن معمر أن بعض خصومه من أهل بلده جاءوا إلی الشیخ فقال لهم: أرید منهم البیعة علی دین اللّه و رسوله، و علی موالاة من والاه و معاداة من حاربه أو ناوأه و لو أنه أمیرکم فبایعوه، فعلم ابن معمر أنه هو المقصود شخصیا بهذه المبایعة، فلم یر بدّا من الاستعداد للدفاع عن نفسه، فأرسل إلی ابن سویط شیخ الظفیر و إبراهیم بن سلیمان أمیر ثرمداء یستنجدها لصدّ الهجوم علیه، و لکن الظاهر أن هذه أوقفتهم عن العمل إلی حدّ ما، فاختاروا الطریقة الثانیة و نفذوها حسبما ذکرنا فی صدر هذا الکلام.

زید بن زامل أمیر الدلم‌

أما زید بن زامل فقد ظل نحو ثلاثین سنة و هو فی معزل، و لم یقع بینه و بین ابن سعود إلّا مناوشات خفیفة، و لکن إذا سنحت فرصة لا یترکها فقد ساعد رئیس نجران عند ما قام فی غزوته الأولی علی محمد بن سعود، و ساعده أیضا بغزوته الثانیة علی عبد العزیز بن محمد، بل یقال: إنه هو الذی استنجده، و قد کان دهام بن دواس حاجزا بینه و بین ابن سعود.
فلما سقط دهام و احتل عبد العزیز الریاض لم یبق ما یحول دونه و دون مهاجمة زید فأخذ زید یستعد للدفاع و یسعی لتألیف جبهة متحدة، فأخذ یستنجد البجادی صاحب الیمامة و القری المجاورة تارة و طورا یستنجد ابن عریعر حاکم الأحساء و رئیس نجران و لم یزل علی هذه الحال
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 120
و الحروب سجال إلی أن قتل زید بن زامل سنة 1197 ه فی غزوته علی سبیع، و تولی بعده براس بن زامل، و لکن ابن سعود لم یترک لم فرصة یلمون بها شعثهم، فتابع علیهم الغزوات حتی تضعضع أمرهم و استولی علی الدلم نهائیا سنة 1199 ه فی ذو الحجة و بهذا انضم الخرج و الفرع، و الأفلاج إلی الولایة، و لم یبق فی الجنوب.

إمارة آل حمید فی الأحساء

کانت هذه الإمارة فی أول النهضة أقوی الإمارات الموجودة فی نجد علی الإطلاق و لکنها إمارة بدویة و لهم نفوذ واسع یتعدی حدود القصیم غربا، و حدود العراق شمالا، و حدود الیمن جنوبا، و لکنهم لم یستعملوا هذا النفوذ لمصلحتهم، بل کانوا یکتفون بالاعتراف لهم بالسمع و الطاعة، و لا یکلفونهم غیر ذلک، حتی أنهم لم یتدخلوا بین الأمراء فی منازعاتهم، و لا قاوموا حرکة ابن سعود الأخیرة بأول الأمر، ظنا منهم أنها حوادث عادیة مثل غیرها و لم یقدروا عاقبة هذه النهضة و ذلک من قصر النظر و عدم الخبرة بأمور السیاسة فظلوا فی غفلتهم حتی دهمهم ابن سعود فی عقر دارهم و أخرجهم منها و شتت شملهم.
هذه حالة الأمراء أیام هذه النهضة، و هؤلاء الأمراء الثلاثة هم الذین اشتهروا بالمقاومة الشدیدة، و حالوا دون تقدم ابن سعود فی فتوحاته طیلة العشرین السنة الأولی فإذا تأملت تاریخهم وجدت أن محمد بن سعود لم یتقدم فی مدة إمارته و توفی و نفوذه لا یشمل إلّا الجزء الیسیر من القسم الشمالی، کما أنه لم یتقدم من الجنوب و لم یتعد نفوذه الدرعیة، و لما قام عبد العزیز شمر عن ساعد الجد، و جند الجنود و هاجم أعداءه، فسقط
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 121
هؤلاء الأمراء الواحد تلو الآخر، و لم یکمل القرن الثانی عشر حتی بسط نفوذه علی جمیع نجد من أقصاها إلی أقصاها.

محمد بن سعود بن محمد بن مقرن بن مرخان بن إبراهیم بن موسی بن ربیعة بن مانع‌

اشارة

قد تقدم شرح نسب آل سعود فی کلامنا علی جدهم الأعلی الذی أسس الدرعیة و سکنها سنة 1850 ه تولی الإمارة بعد زید بن مرخان سنة 1139، فلما کان سنة 1157، قدم علیه الشیخ محمد بن عبد الوهاب من العیینة و استجار به، فأجاره و أکرم نزله، ثم تمت المحالفة بینهما علی تأیید الشیخ و القیام بنصرته، و أن یمنعه مما یمنع منه نفسه و أولاده، فقام بذلک خیر قیام، و کأنه أعلن علی نفسه حربا عامة علی جمیع أمراء نجد، مع أن فیهم من یماثله أو یفوق عددا و عدة، و هذا یدل علی إیمان ثابت، و عقیدة راسخة، و قوة إرادته مقترنة بالطموح الواسع حیال ما جاء به الشیخ، و هو یعلم ما وراء ذلک من الصعوبات، لأن شهرة الشیخ و دعوته تقدمت قدومه إلی الدرعیة، إذا فابن سعود قد أقدم علی ما أقدم علیه و هو علی بصیرة بما ینتظره، لا سیما و أن أعداء الشیخ من العلماء قد أشاعوا عنه المفتریات و الأباطیل، و أثاروا علیه حفیظة الأمراء و الحکام فی نجد و خارج نجد فلم یقدم إلی الدرعیة إلّا و قد تکهرب الجو ضد تعالیمه، و قامت قیامة العلماء علی دعوته.
فلما لجأ إلی الدرعیة تکهرب الجو السیاسی، فأعلن الشیخ الجهاد العملی بعد أن أعیاه الجهاد النظری.
و کان الهدف الأول: دهام بن دواس الخصم السیاسی الألد الذی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 122
جاهر بعداوته و قاضیه سلیمان محمد بن سحیم الخصم الدینی الألد للشیخ محمد، و هو أکبر من قاوم دعوة الشیخ لما کان فی حریملا و فی العیینة، و هو الذی کتب إلی علماء الأحساء، و علماء العراق، و علماء الحجاز، کتابه المشهور الذی شنع فیه علی الشیخ، و حشاه من المفتریات و الأباطیل ما جعله خصوم آل سعود، و أهل نجد أساسا للطعن فیهم إلی زمننا هذا، أی بعد مضی قرنین علی ذلک.
و لم تزول هذه المفتریات عن اعتقاد الناس إلّا بعد أن احتل الحجاز الملک عبد العزیز بن عبد الرحمن فی هذا الوقت، و عرف الناس اعتقادات أهل نجد علی وجه الحقیقة، و لنرجع إلی سیاق الکلام فنقول: اتفق هذا القاضی العدو اللدود للشیخ دهام بن دواس العدو اللدود لابن سعود من الناحیة السیاسیة فکان الواجب یقضی علی الشیخ و علی ابن سعود المبادرة باجتثاث هذه الجرثومة الخبیثة، لأنهما العقبة الکأداء فی طریقهما، أعلن الحرب بینهما سنة 1158 ه، و استمرت طیلة أیام محمد بن سعود دون أن یتمکن من خضد شوکة دهام، و توفی محمد بن سعود سنة 1179 ه، قبل أن یتم عمله و لم تتسع رقعة ملکه کثیرا لما قام بوجهه من الصعوبات و مقاومة الأمراء و فی مقدمتهم دهام بن دواس.

أهم الحوادث بزمنه‌

کانت عشرون السنة الأخیرة من حکم محمد بن سعود کلها حروبّا مع الأمراء المجاورین، یطیعون ثم ینتقضون و یعاهدون ثم ینکثون و قد تولی ابن غنام و ابن بشر تفصیل ذلک فی تاریخهما فلا نعید ذکرها، و هما فی متناول الید لمن أراد مراجعتهما، و إنما لا بد من الإشارة إلی وقعة کان
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 123
لها أثر سی‌ء فی مجری الأمور، لأنها شدت من عزائم المناوئین، و ضعضعت ثقة بعض الموالین و قلبوا ظهر المجن لابن سعود، و أثرت الأثر السی‌ء فی معنویة أتباع بن سعود، و أخرت سیر التقدم.
و خلاصة هذه الوقعة أن عبد العزیز بن سعود صادف غزوا من العجمان، فأخذهم، و قتل منهم عددا کثیرا و أسر نحو مائة رجل و زجهم فی السجن فقصدوا نجران یستصرخون أبناء عمهم و یستنجدونهم لأخذ الثأر و تخلیص أسراهم، فبلغوا دعوتهم و أقبلوا بثقة عظیمة بقیادة السید حسن بن هبة اللّه و من الصدف السیئة أن کل البلاد التی بینهم و بین الدرعیة أعداء لابن سعود، فانضم إلیه زید بن زامل صاحب الدلم و من حوله، و انضم إلیهم أیضا دهام بن دواس وصل الجیش النجرانی حایر سبیع، و کان ابن سعود فی بدء أمره لیس لدیه ما یقابل جیش هذا العدو العادی فجمع عبد العزیز بن محمد ما استطاع جمعه من القوة و خرج مستقبلا صاحب نجران، فصار الاتفاق بین الجیشین فی جابر سبیع، فوقع القتال و دارت معرکة شدیدة، قتل فیه من جند ابن سعود نحو خمسمائة رجل، و أسر مائتان و عشرون، فتقهقر ابن سعود بدون انتظام و لم یتبعه النجرانی، و أقام بموضعه عدة أیام، ثم تقدم قاصدا الدرعیة فوقع الخوف من تقدمه فأرسل ابن سعود إلی فیصل بن شهیل شیخ الظفیر و أوعز إلیه أن یتصمم النجرانی و یعقد معه الصلح، فقدم ابن سهیل علی النجرانی و هو فی الریاض بطریقه إلی الدرعیة و استرضاه و أطلق ابن سعود الأسری الذین عنده من العجمان و أطلق النجرانی الأسری الذین عنده، و رجع إلی بلاده و توفی محمد بن سعود بالسنة التالیة أی فی ربیع الأول سنة 1179، رحمه اللّه تعالی.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 124

عبد العزیز بن محمد بن سعود

اشارة

ولد سنة 1133 ه بزمن إمارة جده سعود بن محمد و تولی الأمر بعد أبیه بإجماع رعیته، فشمر عن ساعدیه و جند الجنود و قادها شرقا و غربا و شمالا و جنوبا، و کان فی کل غزواته موفقا مظفرا، ففی السنة الأولی أخضع العنقری لأول مرة فی حظیرة الطاعة، و فتح الوشم، و سدیر، و المحمل، و الشعیب فانقادوا انقیادا تامّا لا شائبة فیه، و وجه نظره إلی العدو اللدود دهام بن دواس، فأخذ بها بشرر بلا هوادة، لا یترکه یطمئن یغیر علیه الغارة إثر الغارة، یرسل الجیش إثر الجیش، یرادهم و یفادیه طیلة سنوات، حتی أثخنه، و اضطر إلی الفرار بنفسه و عائلته، و ترک البلاد و من بها و ما فیها، فاستولی علیها عبد العزیز بعد أن هرب منها دهام و رتب أمورها، و لم یبق إلّا صاحب الدلم، فما زال یتابع الهجمات علیه حتی سقط، و استولی علی الدلم و بالتالی علی الخرج، و الفرح، و الأفلاج، و وادی الدواسر، کما أنه قد استولی علی حایل و نواحیها، و القصیم و توابعه، فلم یتم القرن الثانی عشر إلّا و قد استولی علی نجد بأجمعها و دانت له حاضرتها و بادیتها بأسرها.
ثم أدار نظره جهة الشرق فرأی أن الأحساء: هی میناء نجد الطبیعی، و قد کان أمر آل عریعر قد تضعضع فیها، و سرایا ابن سعود تغیر علی أطراف البلاد و علی العقیر میناء البلاد و هم لا یستطیعون لذلک دفعا، حتی ضاق ذرع أهل البلاد. و کان آل عریعر لم یزالوا علی بدواتهم فی البلاد صیفا و یظعنون عنها شتاء، ففی سنة 1207 ه خرجوا کعادتهم إلی البادیة لإصلاح مواشیهم و اجتمعوا فی منزل یسمی: الشیط شرق الدهناء فغزاهم سعود بن عبد العزیز، و أغار علیهم مجتمعین و حصل بینهم قتال شدید،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 125
فانهزم آل عریعر و جنودهم، و قتل منهم قتلی کثیرون، و غنم سعود أموالهم و ما معهم.
ثم أرسل سعود و هو فی موضعه إلی أهل الأحسا یدعوهم إلی السمع و الطاعة و أرسل خلف الرسول جندا یرابط حول البلاد، فکتب إلیه أهل الحسا یدعونه للقدوم لیبایعوه علی السمع و الطاعة، فقدم إلیهم و بایعوه و خرجت آل عریعر نهائیّا، و لکنه ترک لهم أملاکهم فیها و فی القطیف و هی کثیرة.
و لما توسعت فتوحاته و طارت شهرته أخذت حکومتی العراق و الحجاز تنظر إلیه بعین الریبة و الخوف، فجهزت علیه حکومة العراق، و ساقت إلیه الجیوش أکثر من مرة فردهم إلیها مخذولین، کما أن شریف مکة جهز من جانبه جیوشا بقیادة أخیه عبد العزیز، و أخبزا تمت قیادته بنفسه للقضاء علی ابن سعود و حرکته، و لم یکن حظه بأحسن من حظ زمیله صاحب العراق، ورد لهم عبد العزیز زیاراتهم له بمثلها، و أغار علی العراق غاراته المشهورة التی اهتز لها العراق من أقصاه إلی أتصاه، فخافت حکومة الترک عاقبة ذلک و ضاعفت جهودها، فأرسلت توینی رئیس قبیلة المنتفق للمرة الثانیة بقوة أعظم من الأولی فلقی حتفه من ید ذلک الفدائی الذی باع نفسه لینقذ قومه، فتقدم إلی توینی و هو فی مجلسه بین جنده و طعنه بحربة کانت معه، فکان فیها حتقه. نعم إن فی عمله أنقذ قومه من کارثة لا یعلمها إلّا اللّه، فهو بذلک البطولة من مرجع جیش العراق مستخفا، فتبعه الجیش النجدی یشعثه و یخفه و یخیفه، و لم یترکه إلّا عند ما نزل فلوله الجهرا، و قد غنم منه الجیش النجدی غنائم کثیرة بما فیها الأسلحة الثقیلة.
***
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 127

ملخص الحوادث بزمن عبد العزیز بن محمد بن سعود من سنة 1179 ه- إلی سنة 1218 ه

اشارة

لم تجعل هذا السنوات لسرد الحوادث و الفتوحات التی تمت بزمن عبد العزیز، فإن ذلک مبسوطا فی تاریخی ابن غنام و ابن بشر، و إنما نرید الإشارة إلی بعض الحوادث التی تحتاج إلی زیادة شرح أو الحوادث التی لم یتعرض لها المؤرّخان المذکوران، لأنهما لم یعنیا إلا بما کان له مساس فی آل سعود و أعمالهم، فقد یذکران خبرا فیدرجانه ضمن الحوادث العامة بدون أین یعتنیا بمقدماته و نتائجه، خصوصا ما یتعلق بالقصیم، کما یأتی مثال منه.

[فی حوادث سنة 1182 ه] حوادث القصیم‌

اشارة

ذکر ابن بشر فی حوادث سنة 1182 ه أن راشدا الدریبی، أمیر بریدة، استنجد الإمام عبد العزیز، فأمده بجیش تحت قیادة ابنه سعود، و نزل باب شارخ فی عنیزة، و فزعوا علیه، فالتحم القتال بینهم، و قتل من أهل عنیزة ثمانیة رجال، منهم عبد اللّه بن حمد بن زامل، و قتل من الغزو رجال.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 128
و المطلع علی هذا الخبر فی تاریخ ابن بشر لا یعرف المصلحة بین استنجاد الدریبی رئیس بریدة، و بین غارة سعود علی عنیزة، و هذا ما دعانا إلی شرح بعض الحوادث التی لم یستمر فیها ابن بشر. و قبل أن نفیض بالشرح نذکر حالة أمراء بریدة و علاقاتهم مع بعضهم البعض.

إمارة بریدة و أمراؤها

تقدم الکلام فی أن الذی أسس بریدة: راشد الدریبی، و أورثها ذریته، و قد انقسمت ذریته إلی قسمین: أحدهما بقی علی اسم الدریبی، و منهم راشد؛ و الثانی یعرفون بآل ابن علیان، و هما حمولة واحدة أخذا یتنازعان السیادة علی البلاد. و کانوا من أشد البیوت و أفتکها و أقطعها للرحم، فما زال بعضهم یفتک ببعض، و قد تقدم طرف من أخبارهم، ففی الزمن الذی نتکلم عنه کان الأمیر فی بریدة راشد الدریبی، و قد تغلب علی أبناء عمه آل علیان و أجلاهم عن البلاد فنزلوا عنیزة لروابط کانت بینهم و بین أهلها، و قد سبق أن ساعدوهم علی عدوهم، فلما لجأوا إلی عنیزة خشی راشد الدریبی أن یمدوهم، فاستجار بالإمام عبد العزیز، و لم یکن لابن سعود قبل ذلک نفوذ فی القصیم، فأرسل الإمام عبد العزیز ابنه سعود فی قوة صغیرة لم یلبث أهل عنیزة أن صدوها.

و لما کانت سنة 1184 ه:

خرج آل ابن علیان و أتباعهم من عنیزة و رئیسهم عبد اللّه بن حسن آل ابن علیان و سطوا فی بریدة و استولوا علیها، و أخرجوا راشد الدریبی منها فقصد ابن عریعر فی الأحسا، و التجأ ابن علیان إلی الإمام عبد العزیز، فعطف علیهم و أیّدهم فی مرکزهم دون أن یمدهم، و کان عریعر یدعی الولایة علی القصیم.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 129

ففی سنة 1188 ه:

خرج من الأحسا و معه قوة عظیمة و استعداد کبیر، و نزل بریدة و حاصرها مدة. فلما أعیاه أمرها استدعی عبد اللّه بن حسن الأمیر لأجل المفاوضة معه فانخدع بکلامه و خرج إلیه، فقبض علیه و دخل البلد و أخذها عنوة، و نهب أهلها و جعل راشد الدریبی أمیرا فیها، و رحل من بریدة و نزل الخابیة و معه عبد اللّه بن حسن أمیر بریدة، و أقام علی الخابیة مدة شهر، مرض فیها و توفی، ثم تولی بعده ابنه بطین بن عریعر فقفل راجعا إلی الأحسا و أطلق سراح أمیر بریدة عبد اللّه بن حسن، فذهب إلی ابن سعود فی الدرعیة فأکرم نزله، و استدعی بقیة آل علیان الذین خرجوا من بریدة إلی الدرعیة، و أقاموا عنده.

و فی سنة 1189 ه:

أرسل ابنه سعود و معه قوة لمساعدة آل علیان، فنزل قرب بریدة و حاصرها مدة طویلة دون أن یدرک نتیجتها، فبنی قصرا و جعل فیه قوة، أمیرهم عبد اللّه بن حسن لیضیقوا علی أهل البلد، فلم یستطع أهل البلد أن یخرجوا مواشیهم و لم تسرح لهم سائمة، فضاق أهل البلد ذرعا بذلک، و لم یستطیعوا دفع هذه السریة، فأرسل راشد الدریبی إلی جدیع بن هذال یستنجده لفک الحصار فلم یسعفه، و اشتد الحصار علی أهل البلد، و أضرّ بهم، فطلب الدریبی من عبد اللّه بن حسن الأمان علی نفسه علی أن یخلی البلد فأجابه إلی ذلک، و خرج الدریبی، و بخروجه انتهت إمارتهم نهائیّا، و استمرّ الأمر لآل علیان، و دخل عبد اللّه البلد و قبض علی أعوان الدریبی و قتلهم، فلما استقرّ الأمر رکب عبد اللّه إلی ابن سعود فی الدرعیة، فثبت فی مرکزه و فوّض إلیه أمر الدریبی، و لکنه قتل فی السنة التالیة، أی سنة 1190 ه، فی غزوته مع الإمام عبد العزیز علی آل مرة، و تولی بعده ابنه
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 130
محمد و لم یثبت مدة طویلة حتی توفی، و تولی بعده حجیلان بن حمد من آل علیان.

حوادث سنة 1192 ه

و فی هذه السنة أنزل اللّه علی عنیزة مطرا غزیرا جرت منه الأودیة و القلاع، و کان مجری الأودیة یحاذیه من الشرق یقبل من الجنوب الغربی و ینتهی إلی الجناح (القریة المعروفة عنیزة بالشمال الشرقی)، و لم یکن [...] مجری الشعیب محکما، فطغی الماء من فوق، و أقبل بشدة و قوة عظیمة و دخل البلد، و لم یکن لأهل البلاد طاقة بصدّه، فبادروا إلی الخروج من البلاد، و ابتنوا بیوتا من الشعر فسکنوها. فسقط کثیر من البیوت، و کانت الخسائر کبیرة و أن الأنفس سالمة و لم یصب أحد منهم بسوء، بادروا بإخلائها، و أقاموا بمساکنهم الجدیدة مدة طویلة حتی عمروا منازلهم و رجعوا إلیها.

وقعة الحجناوی بین عنزة و مطیر سنة 1193 ه

ذکر ابن غنام و ابن بشر فی تاریخیهما فی حوادث سنة 1195 ه القتال بین عنزة و مطیر بإیجاز، فقال الأول: إن ارتد بعد دخوله فی الطاعة، فوافقه مطیر فناوخوه، و أدال اللّه لهم منه، و قتلوا جدیما و أخاه و ثلاثة معهما، و بسط ابن بشر و قال: إن سعدون بن عریعر و بنو خالد ساعدوا جدیع بن هذال علی أعراب الدهامشة، رئیسهم، و قاتلوهم و انهزم الدهامشة، ثم إن الدهامشة استنجدوا بوادی مطیر و قصدوا عنزة، و بنی خالد، فالتقت الجموع و تقاتلوا، فقتل من قوم سعدون و جدیع عدة رجال، ثم رحل عنه سعدون. فقام جدیع و استنجد قبائل الرحیل و غیرهم
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 131
من عنزة، وصال بهم علی مطیر، فاستعدوا للمناوخة و الملاقاة غدوة، فحصل بینهم آخر النهار من یومهم محاولة قتال غیر منازلة و لا استعداد فأدال اللّه خیل مطیر علی عنزة، فهزموهم، و قتل من رؤساء عنزة و فرسانهم عدة رجال، منهم جدیع بن هذال، و أخاه مزید، و ضری بن ختال، و غیرهم.
أما الحقیقة کان عنزة متفوّقین علی قبائل نجد بذلک الوقت، و کانوا مختصین فی ناحیة القصیم، لا یشارکهم فیه أحد، لما لهم من فضل قوة. و کان مطیر و رئیسهم یومئذ فیصل الدویش یجاورونهم من الشرق. و کانت العادة الجاریة بین القبائل أنه إذا أخصبت بلاد قبیلة و استجارت بها قبیلة ثانیة طلبا للمرعی لمدة معینة یسلمون رسما معینا، فیجیرونهم و یخدمونهم بأنفسهم إلی انقضاء المدة، ثم یعطونهم مدة ثلاثة أیام یرتحلون فیها عنهم، و فی هذه السنة کانت بلاد مطیر مجدبة و القصیم مخصب، فتقدم الدویش رئیس علوی و مسعود حصان إبلیس رئیس الحبلان و طلبا من جدیع بن هذال و مقعد ابن مجلاد و البجیرة علی أن یسلما شاتا أی نعجة عن کل بیت؛ و هی الضریبة التی یتقاضاها الجبیر من الجبار، فیکونوا بذلک من القبیلة بما لها و ما علیها، فأجاباهما إلی ذلک، و أذنا لهما إلی مدة ثلاثة أشهر. و کانت منازل آل هذال من النبهانیة شمالا إلی جبل کیر غربا، فنزل مطیر بالقرب منهم فی موضع یسمی الحجناوی و یتنقلون من مکان إلی مکان حیث یطیب لهم المرعی لأدباشهم، فلما قارب انتهاء فصل الربیع أرسل ابن هذال إلی فیصل الدویش أن مدة الجوار انتهت،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 132
و إنا مصبحوکم غدا، فخذوا حذرکم، و استعدوا للصباح. فبهت الدویش و الجبلان لهذه المباغتة، فراجعوا ابن هذال و قالوا: إن هذا مخالف للقواعد الجاریة بین القبائل، فاجعلوا لنا مهلة ثلاثة أیام بعد الإنذار، حسب القواعد للنظر فی أمرنا و نرتحل عنهم، و بعد انتهاء الأیام أنتم و ما تریدون، فلم یجبهم و صمم علی أمره. فرجعوا من عنده آیسین لا یعلمون کیف یعملون، و رأوا أنفسهم بالنسبة إلی عنزة طعمة جاهزة، لأنهم یفوقونهم عددا و عدة، و أیقنوا بالهلاک، و لکن الیأس یوجد من الضعف قوة، فباتوا یدبرون أمرهم و قد صمموا علی الاستماتة للدفاع عن أموالهم و أنفسهم، فجمعوا الإبل و قرنوها کرادیس مجتمعة، و رتّبوا الخیل و الرجالة، و عرف کل منهم موضعه، فلما ظهر قرن الشمس کان علیهم الرجوع إلی عنزة قد أقبلت تتقدمها الخیل فاستعدت مطیر، فساقوا قدامهم الإبل مقرونة و من ورائها الخیل، و من ورائهم الرجالة، قد دهمتهم الإبل، و فرقت جموع عنزة و شتتهم. فطلع علیهم أهل الخیل و من ورائهم الرجالة، فانهزمت جموع عنزة، فقتلهم مطیر شر قتلة إلی أن وصلوا إلی جبل کیر- الجبل المعروف غربی الرس- و کان آل هذا قد التجأوا إلیه، و هم سبعة من الرؤساء منهم جدیع بن هذال، و مقعد بن مجلاد، فأنزلوهم و قتلوهم، و فی ذلک یقول شاعر عنزة یرثی آل هذال:
یا کیر ما عیّنت ربع لجوا فیک‌خطلات الأیدی تقوی أولاد وائل
یقول الشاعر مخاطبا الجبل الذی لجأ إلیه آل هذال: یا کیر، ما عینت: أی ما رأیت، ربع لجوا فیک: أی جماعة لجأوا إلیک، خطلات الأیدی: یصفهم بالشجاعة و الکرم، نقوة: أی خیار أولاد وائل.
و قال رئیس الجبلان حصان إبلیس- یصف هذه الوقعة للإمام
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 133
عبد العزیز بن محمد- و یقول: إنهم هم الذین غدروا بنا و إننا:
یا اللّه یا لی ما حذاتک خیارایا لی غنی و کل عین تراحیه
تجعل لنا فی جنة الخلد داراقصر حصین نلتجی فی مذاریه
یا راکب من فوق ناب الفقاراکنّ الضواری تنهش من خفافیه
إلی مشیت اللیل هو و النهاراتلغی إلی قصر بیّن هو وراعیه
أثری سلام و خبرة کیف صاراما دبر المولی لحکمه نسویه
حنا فزعنا سریتین بتاراو الکل ینصب عند الآخر یماریه
تعلوطوا علوی سواة السکارامعاری و اللبس ما شان راعیه
عینت لی مقعد زبون المهاراو جدیع إلی کل الأسلاف تئلیه
جروة من درعه سواة الحواراو سیوف علوی جرّیت فی علاییه
هیلی علیهم بالیهود و النصاراهذی سواة الغدر یرمی براعیه
أوردنا هذه الأبیات و إن کانت باللغة العامیة للاستشهاد، و معناها ظاهر لأهل نجد، و إنما نوضح بعض معانی عباراتها لمن یطلع علیها من غیر أهل نجد: قوله: یا لی ما حذاتک: یعنی یا الذی ما غیرک، و قوله: قصر حصین ... إلخ، معناه: ظاهر یدل علی أن البدوی یعتقد أنه حتی فی الجنة لا یستغنی فیه عن قصر حصین یتقی به شر أعدائه، و یلتجی فی مذاریه عن قرّ الشتاء و حرارة الصیف، قوله: کن الضواری تنهشه: یصف ذلوله بالشراسة و شدة العدو، و کأن وراءها سباع تنهشها، فهی لاتنی من سرعة السیر، قوله: تلغی إلی قصر: یعنی تصل إلی قصر هو کالمعلم غیر خفی، هو وراعیه: أی صاحب القصر، قوله: فزعنا سربتین: یعنی هببنا لمقابلة العدو، و السربة: هی کردوس الخیل، و لا یقال: سریتهم إنما السربة مختصة بالخیل، تعلوطوا: أی رکبوا علی عجل، معاری: أی لم
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 134
یلبسوا دروعهم، و ربما قصدهم أنهم رکبوا الخیل معاری بدون سروج لعجلتهم، و الأول أقرب، قوله: عینت لی مقعد: أی رأیت لی مقعد، قوله: جروة من درعه: أی بذلوه من درعه جب الحوار من بطن أمه، و قوله: سیوف علوی ... إلخ، أی: أن سیوف علوی تعاورته، کالذی یجر سیفه- فی علاجیه- أی فی رقبته.

حادثة قتل أهل القصیم للمطاوعة الذین عندهم سنة 1996 ه

اشارة

هذه الحادثة من الحوادث الغامضة الذی لم یحل ابن غنام و لا ابن بشر سرها، بل اتخذوها وسیلة للتشنیع بها علی أهل القصیم، و قد أسلفنا الکلام بأن آل عریعر یدعون ولایتهم علی القصیم، و کان تحت نفوذهم، و لم یکن لابن سعود فیه نفوذ آنذاک، إلا ما کان من استیلائهم علی بریدة أخیرا بواسطة آل ابن علیان، و قد رأیت ما کان من غزو ابن عریعر لها و إخراج آل علیان منها، ثم رجوعهم إلیها مع بقاء بقیة القصیم علی طاعة ابن عریعر. و أما عنیزة فهی قسمان؛ قسم منها یحکمه آل جناح أبناء عم عریعر، و القسم الثانی یحکمه عبد اللّه بن رشید من آل معمر الجراح من سبیع، و قد یأمره ابن عریعر فتخوف علی نفوذه من أن یتقلص من القصیم، فبدأ یقاوم نفوذ ابن سعود الذی أخذ یتسرب إلی القصیم بواسطة الدعایة الدینیة، و کان طلبة العلم هم المنهمون فی نشر هذه الدعایة، فکتب إلی أمراء القصیم یأمرهم بقتل من عندهم من طلبة العلم المعروفین بمیلهم إلی ابن سعود، و یتهددهم إذا لم یفعلوا، و یخبرهم أنه قادم إلیهم.
فأما أهل الخبرا و الشماسیة فقد تعجلوا و قتل کلّ منهم المطوع
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 135
الذی عنده، و کذلک آل جناح من بنی خالد أهل عنیزة قتلوا مطوعهم، و أما ابن رشید رئیس القسم الثانی من عنیزة فلم یفعل، و لما وصل سعدون إلی القصیم بما معه من الجنود و نزل علی أطراف بریدة و حاصرها، طلب من طالب العلم الذی فی عنیزة فأحضره و قتله سعدون علی الرغم من ابن رشید، فعلی هذا یکون الفاعل هو سعدون لا أهل القصیم الذین لا أظن أنهم یفضلون ولایة ابن عریعر علی ولایة ابن سعود، و لکن لم یکن لهم الخیار فی ذلک، و الحکام لا یحترمون طالب علم و لا غیره متی رأوا منهم أعمالا تخل بسیاستهم. إذا فما لهذا التهویل و التشنیع علی أهل القصیم فی معنی ردتهم عن الإسلام، فعدم دخولهم تحت طاعة أمیر أو أتباعه لا یخرجهم من دائرة الإسلام، علی أن أهل القصیم لم یلبثوا بعد ذلک إلا مدة قلیلة حتی دخلوا تحت طاعة ابن سعود حینما تغلب علی ابن عریعر.

إجلاء آل الرشید أمراء عنیزة

کان لفشل ابن عریعر فی محاصرته بریدة و رجوعه عنها أثر کبیر علی تقلص نفوذه من القصیم، فقد قام عبد اللّه بن رشید أمیر عنیزة علی آل جناح أمراء القریة الثانیة من عنیزة، و تغلب علیهم و أجلی الکثیرین منهم فتبعوا بنی عمهم فی الأحسا و القطیف، و هدم منزلتهم. و بعد مدة قلیلة دخل تحت طاعة ابن سعود، إلا أنه لا یأتمر بأمر حجیلان بن حمد المفوض، علی القصیم من قبل ابن سعود، فأوغر ذلک صدر حجیلان علی ما بینهما من عداء سابق، فأخذ یحیک الدسائس و یبث الدعایة فی الدرعیة ضد ابن رشید حتی أثر علی الإمام و کان یستنصحه.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 136
فبانت بوادر ذلک لابن رشید، فرکب إلی الدرعیة لیزیل ما عسی أن یکون قد علق بخاطر الإمام علیه، فقدم الدرعیة و لم یجد المقابلة التی کان ینتظرها، فلم یلبث أن قدم حجیلان الدرعیة و اتصل بالإمام عبد العزیز اتصالا متتابعا، بینما ابن رشید لا یتصل بالإمام إلا فی المجلس العام، و قد طلب مرارا مواجهة الإمام فلم یؤذن له، و دبر حجیلان أمره و أخذ الإذن بمهاجمة عنیزة و احتلالها، و کان سعود بن عبد العزیز فی شقرا مع الجیش راجعا من الغزو، فأخذ حجیلان کتابا من الإمام عبد العزیز إلی ابنه سعود یأمره بالتوجه إلی القصیم و احتلال عنیزة. سار سعود بجیشه، و لما قرب من البلد نزل خارجا، و تقدم حجیلان بقوة صغیرة و دخل باب السور و قتل البواب، و تقدم إلی البلد و أناخ عند باب القصر فاستفتح ففتح له، و دخل القصر و قتل البواب و احتل القصر، لأنه لم یکن به حامیة.
و کان الناس آمنین مطمئنین و لیس هنا شی‌ء من الدواعی التی توجب الحذر، فأمیر البلاد عند ابن سعود و الأمور صالحة، فلم یلبث أن دخل قسم کبیر من الجیش و احتل القصر، جری کل ذلک بین صلاة الفجر و طلوع الشمس. و لم یحدث أقل حادث إذ إن أهل البلاد- حتی الآن- لم یعلموا بشی‌ء مما راعهم إلا المنادی ینادی وسط الأسواق الحکم من ثم لابن سعود، من أراد العافیة فلیلازم بیته، و نبّهت الناس و لم یعلموا کیفیة الأمر فرکنوا إلی السکون. فأمر حجیلان جنده بنهب بیوت آل الرشید، و أخذوا جمیع ما فیها حتی ما علی النساء و ما عندهن من ذهب و ملابس.
ثم بعد أیام أمر سعود علی نساء آل رشید فجهزوهم و أرسلوهم إلی الدرعیة، و کان عبد اللّه بن رشید لم یزل هناک، فأقام هناک إلی ما بعد حوادث الدرعیة، و بلغ حجیلان أمله فی ابن رشید. و من هذا التاریخ صار
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 137
ابن سعود یعین الأمیر فی عنیزة من قبله، و فی هذه الحادثة یقول العرف مولی عبد اللّه بن رشید:
و آدیرتی خذها حجیلان و سعودبالبوق و لا بالنقا ما قواها
جونا صباح و جملة الناس برقودو أهل القهاوی مشعلین ضواها
ما ثار بدرمیه و لا زرق برعودو لا ثار متلون الدوا من وراها
مزن تصیح و مقدم الراس مشدودیا لیتهم ما فکرو فی صباها
رباعتی والی هقینابه لجودعزلو کما عزل الغنم عن ظعناها
لو ان اخو طرف حضر یا فتی الجودما کان صرت بالمحامل نساها
القیل قیل العرف ما هو بمجحودو النار تاکل و الدالی کماها
أوردنا هذه الأبیات للاستشهاد، و لأنها تمثل قدوم الجیش و صفة استیلائه علی البلد و إجلاء النساء. و کانت هذه الحادثة سنة 1202 ه علی ما ذکره ابن بشر و ابن غنام.

أسباب هذه الحادثة علی رأی ابن بشر و ابن غنام‌

یقولون: إن بعضا من أهل عنیزة بحث عن أسباب الارتداد و تحقق ذلک عنهم و اشتهر، فعند ذلک سار سعود إلی القصیم لیتحقق الخبر فثبت ذلک من عدول أهل الإسلام أن آل رشید من ذلک النفر، فأمر علیهم بالجلا، و هذا الخبر لا یرتکن علی شی‌ء من الصحة، فکیف و الأمر جری و أمیر البلاد فی الدرعیة وافد من جملة الوفود التی قدمت عرض إخلاصهم. و لکن الحقیقة هی ما ذکرنا، کما أنهم ادعوا فی قتل المطاوعة أن أهل القصیم ارتدوا و قتلوا من عندهم من المطاوعة، و کتبوا إلی سعدون بن عریعر یستنجدونه، فإذا کان أهل بریدة التی هی أم القصیم
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 138
و الرس التی هی أقوی قری القصیم بعد بریدة لم یرتدوا، فمن بقی من قری القصیم من یستطیع أن یفعل مثل ذلک، و یعلن العداء لابن سعود من ذات نفسه، و أمیر بریدة وحده قادر علی إخماد ثورتهم، فهل تستطیع الخبرا أو الشماسیة الصمود بوجه حجیلان، و سکان کل من هذه القری لا یزید عن مائة و خمسین مقاتل علی أکبر تقدیر، و لکن مؤرخینا عفی اللّه عنا و عنهم یوجهون الحوادث علی مقتضی مجری السیاسة لا علی وجه الحقیقة.
یقول ابن غنام: إن سعود استعمل علی بن یحیی أمیرا فی عنیزة، و ابن بشر یقول: استعمل عبد اللّه بن یحیی، و هو أقرب إلی الصدق، و کان ذلک مؤقتا، إذ لم یلبث أن عین إبراهیم بن سلیمان بن عفیصان أمیرا فی البلاد، و لم تزل تتابع علیها الأمراء إلی أن وقعت حوادث الدرعیة، فرجعت الإمارة لأهل البلاد کما یأتی بیانه بموضعه.

[و فی سنة 1201 ه] الحوادث الخارجیة بین نجد- و العراق و الحجاز

و فی سنة 1201 ه: خرج ثوینی بن عبد اللّه بن محمد آل شبیب بالعساکر العظیمة، من المنتفق، و أهل المجرة، و أهل الزبیر، و بوادی شمر، و غالب طی‌ء، و معه من المدافع و المؤن و الذخیرة الشی‌ء الکثیر، و قد کان علی وعد من عبد الحسن رسول ابن عریعر أن یوافیه فی القصیم، و لم یتبین لنا السبب الذی دفع ثوینی إلی هذا الأمر، إلا أن یکون قد جاء لمعونة ابن عریعر لاسترجاع بریدة، و هو الذی ترجح لدینا صحته. سار قاصدا بریدة، فلما وصل التنومة- القریة الصغیرة، المعروفة بالقصیم- حاصرها فصمد أهلها بوجهه عدة أیام ثم تغلب علیهم و فتک بهم فتکا
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 139
ذریعا، ثم رحل و نزل بریدة و حاصرها، و حصل بینه و بین أهلها قتال.
فبینما هو مجدّ فی حصارها إذ جاءه خبر اختلال وقع فی کل ولایته، فرجع مسرعا إلی أوطانه دون جدوی.
و بعد رجوعه إلی العراق حدث منه ما یوجب نقمة الدولة الترکیة علیه، فأمرت والی بغداد سلیمان باشا أن یجهز جیشا عظیما. سار هو علی رأسه، فالتقی بثوینی علی نهر الفاضلیة، فهزموه هزیمة شنیعة، فرحل من العراق و نزح معه قلیل من المنتفق، و نزل الصمان مع بنی خالد فأغار علیهم سعود بن عبد العزیز، و أخذ محلتهم و أثاثهم، ثم أعاد الکرة علیهم بعد ذلک، فأغار علیهم و هم بالروضتین بین المطلاع و سفوان، و أخذ من محلتهم خیاما و أمتعة.

غزوة الشریف غالب نجد سنة 1205 ه

اشارة

و هذه أول غزوة غزاها الشریف غالب علی نجد بعد قیام دولة آل سعود، و لم یتقدمها أسباب، إلا أن حکومة الترکی أخذت توجس شرّا من حرکة ابن سعود و توسعه، فأوعزت إلی الشریف أن یقضی علی هذه الحرکة، فجهز الشریف قوة کبیرة سیّرها مع أخیه الشریف عبد العزیز، و کان و لم یزل للأشراف موقع کبیر فی نفوس أهل نجد لما لهم من السلطة قبل قیام دولة آل سعود، فکان لحرکتهم هذه أثرها السی‌ء فی نجد، و ساءت الظنون، لأن هذه هی المرة الأولی التی تقابل فیها نجد مثل هذه القوة، و أثر ذلک فی معنویة الناس، و خصوصا البادیة الذین لا إیمان لهم و لا وطنیة، من قبائل نجد مطیر و شمر بأجمعهم و انضموا إلی الشریف، فأقبل الشریف بجموعه العظیمة قاصدا فیما یزعم حصار الدرعیة، و لکن
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 140
أراد اللّه أن یجعل فشله أمام أضعف قریة فی نجد، فنزل علی قصر بسام (البرود) المعروف فی السر، و لیس فی هذا القصر أکثر من ثلاثین رجلا، فحاصره عدة أیام، و ضربه بالمدافع لیلا و نهارا، فلم یدرک من أهله مراما، بل دافعوا عنه دفاع الأبطال، فارتحل عنه و ترکه. و لما بلغ الشریف غالبا فشل أخیه أمام هذا القصر، جهّز قوات لا تقل عددا و عدة عما تقدم و قادها بنفسه، و اجتمع بأخیه و انضمت قواتهما، فنزلوا الشعرا القریة المعروفة فی عالیة نجد و حاصروها أکثر من شهر فرجع عنها کما رجع عن قصر بسام، حینئذ علم أن الدرعیة أمنع علیه من عقاب الحبر، فرجع إلی الحجاز دون أن یدرک أیة نتیجة.

البوادی التی ساعدت الشریف‌

عند ما رجع الشریف و تفرقت جنوده، اجتمع شمر و مطیر و نزلوا العدوة- المزارع المعروفة عند حایل- خوفا من ابن سعود لعلمهم أنه لا یغتفر لهم عملهم، فلم یخب ظنهم، فقد أغار علیهم سعود و هم فی موضعهم، و حصل بینهم قتال شدید، ثم انهزم الأعراب و غنم کثیرا من أموالهم، و قتل منهم سعود رئیس الجبلان الثقب: حصان إبلیس، و سمرة: الفارس المشهور رئیس العبیات من مطیر، فاستنفر الأعراب من حولهم من شمر ممن لم یحضر الوقعة فأجابوهم و کروا علی سعود و هو فی منزله یقسم الغنائم، و کان فی مقدمتهم مسلط بن مطلق الجرباء من رؤساء شمر، و قد نذر أن یجشم فرسه خیمة سعود أو یقتل دون ذلک، فثبت سعود لجماعتهم و تقدم مسلط لیتم نذره فاختطفه جنود سعود و قتلوه قبل أن یصل، و اشتد القتال و صبر الفریقان، ثم انهزمت تلک البوادی،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 141
و استولی سعود علی ما معهم من الأموال و قفل راجعا إلی الدرعیة.

نتیجة غزوة الشریف‌

کانت غزوة الشریف فاتحة حرب بین نجد و الحجاز، فقد استمرت الغزوات بین الطرفین کل منهما یهاجم رعیة الآخر، و قد کانت غزوات ابن سعود أشد نکایة و أبعد أثرا، مما اضطر کثیرا من قبائل الحجاز إلی الانضمام لابن سعود حمایة لأنفسهم و أموالهم، لأنه ظهر لهم عجز الشریف عن حمایتهم، فأحاط ابن سعود الشریف غالبا بسیاج من القبائل المعادیة، فخاف الشریف علی الحجاز، فاستنجد حکومة الترکی و طلب أن تمده بقوة کبیرة للمحافظة علی الحجاز، لکن حکومة الترکی التی هی عهدت إلیه بالقضاء علی ابن سعود نزعت ثقتها فیه- و عهدت إلی حکومة العراق بالقیام بهذه المهمة- فلما اعتزمت حکومة العراق القیام بهذا الأمر أرسل سلیمان باشا والی بغداد إلی ثوینی بن عبد اللّه آل شبیب و استصلحه بعد أن کان غاضبا علیه، و عهد إلیه قیادة القوات التی سیجهّزها إلی نجد.

خروج ثوینی إلی نجد للمرة الثالثة سنة 1211 ه و قتله‌

سار ثوینی بجیش و معه أهل الزبیر، و المنتفق، و الظفیر، و نزل الجهرا فی أواخر سنة 1211 ه. و انضم إلیه بنو خالد کلهم إلا المهاشیر، ثم رحل من الجهرا قاصدا الأحسا. فأمر عبد العزیز بن سعود علی نواحی نجد فاجتمعت غزاتهم، و سیرهم بقیادة محمد بن معیقل، و التحق به بوادی مطیر، و سبیع، و السهول، و أمرهم الإمام أن یتفرقوا علی الأحواز لیحولوا دون تقدم ثوینی إلی أن تصلهم الإمداد، ثم حشد سعود أهل [...] ثم رحل و نزل ثم تقدم ثوینی و علم ابن معیقل عظم القوات التی مع
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 142
ثوینی، فرحل من قهید و نزل جودة و أم ربیعة جنوبا انتظارا للنجدة، و کتب له الإمام عبد العزیز یخبره بتقدم ثوینی و یستحثه بإرسال نجدة تشد أزرهم، فأمدّهم بقوة من الحضر مع حسن بن مشاری بن مسعود و جعل له القیادة العامة، فرحل ثوینی و نزل الشباک الماء المعروف فی دیرة بنی خالد، فکاد الخلل یقع فی صفوف جند ابن سعود لو لا أن اللّه تدارکهم بلطفه و خدمهم السعد بحادثة لم یحسبوا لها حسابا.

قتل ثوینی سنة 1212 ه

فی الیوم الذی نزل ثوینی الشباک قیض اللّه عبدا من عبید جبور بنی خالد یسمی طعیسا. تقدم هذا العبد یلعب بین یدی ثوینی و معه خزانة فیها حربة، فطعنه بها بین کتفیه و هو جالس فی مجلسه، فکان حتفه فیها، فقبضوا علی العبد و قتلوه، فاستخف جیش ثوینی بعد هذه الحادثة و رجع إلی العراق، فتبعه الجیش النجدی و غنموا منهم غنائم و استولوا علی المدافع التی معه و ذخیرتها و أرسلها إلی الدرعیة، و کان قتل ثوینی فی 4 محرم سنة 1212 ه.
و من هذا الوقت أخذ یشنّ الغارات علی قبائل العراق مقابلا حرکة العراق بمثلها، فقد سار سعود بن عبد العزیز فی هذه السنة و أغار علی سوق الشیوخ إحدی قری العراق علی حدود نجد، ثم عطف علی شمر و أخذهم و قتل رئیسهم مطلق بن محرر الجرباء، الفارس المشهور. ثم صدف إلی الحجاز، و کان الشریف غالب قد تقدم إلی رنیة، و بیشة، و استولی علیهما، و أغار علی قحطان و أخذهم، فجهز الإمام بعض الجنود و سیرها إلی هادی بن قرملة و انضم إلیه بعض البوادی، فهاجمت هذه
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 143
القوات الشریف و هو علی المحترق فهزموه هزیمة شنیعة، فترک وراءه من القتلی عددا کبیرا جدّا فیهم أربعة من الأشراف، و أربعون رجلا من قریش، و ثمانون رجلا من ثقیف، و الباقون من عامة الجیش، و استولی ابن قرملة علی جمیع الخیام بما فیها، و علی الذخائر و النقود، و قضت هذه الوقعة علی آمال الشریف، فجنح إلی السلم و طلب الصلح، فأجیب إلیه، و ثم أذن لأهل نجد فی الحج.

عودة حکومة العراق سنة 1213 ه

بعد ما قتل ثوینی و فشل الجیش العراقی فی مهمنه، رأت حکومة العراق أن ترمی آخر سهم فی کنانتها، فجهزت عساکر کثیرة من العراق و الأکراد و الجرة و سیّرتهم إلی الأحسا بقیادة علی کیخیا، و انضم إلیه المنتفق و رئیسهم حمود بن تامر، و بوادی العراق: آل بعیج، و الزقاریط، و آل قشعم، و انضم إلیه أمینا شمر، و الظفیر. سارت هذه القوات إلی الأحسا فوصلت إلیه دون أن یعترضها أحد، فتابعه أهلها. و لم یکن لابن سعود فی الأحسا إلا حاشیة فی قصر المبرز نحو مائة رجل، و فی قصر الهفوف مثل ذلک، رئیسهم إبراهیم بن سلیمان بن عفیصان، الذی سمّی القصر باسمه (قصر إبراهیم) الذی شبهه بعض المؤرخین بإبراهیم باشا المصری، حاصر الکیخیا قصر (صاهود) نحو شهرین، و رماه بالمدافع رمیا متراصّا، لیلا و نهارا، فلما یحصل منه علی طائل فرحل عنه، و حاصر قصر الهفوف فلم یکن حظه من الدفاع أقل من سابقه، فلما یئس من الاستیلاء علیهما ارتحل راجعا فسابقته الإشاعات بإقبال سعود بقوات عظیمة، و ما کانت هذه الإشاعات صحیحة لکنها، أثّرت الأثر المطلوب،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 144
فاستخف حتی أن ما حرق کثیرا من خیامه و متاعه لئلا تعوق سیره. أما سعود فإنه لما بلغه فشل قوات العراق و رجوعهم عن الأحسا أقبل قاصدا الأحسا، و لم یخطر بباله مصادمة جیش العراق لقلة من معه، و بما أنهم رحلوا مخذولین فلیس من الصالح التعرض لهم، و لکن أراد اللّه غیر ذلک، فجمع بینهما علی غیر اختیار منهما، حیث نزل سعود و جنده فی ثاج، و کان الکیخیا قد نزل الشباک- المحل الذی صرع فیه ثوینی- فتشاءم الکیخیا إذ علم بذلک، فرحل و نزل ثاج حینما نزل سعود فیه، فعلم أن لا مناص له عن القتال، فوطن سعود نفسه و شجع جنده و صمموا علی الدفاع إلی آخر نقطة من دمائهم، فرأی الکیخیا حرکة الاستعداد فی جیش سعود، فأرسل إلیه أنه لا حاجة بنا إلی قتالکم ما لم تضطرونا إلی ذلک، لأن الکیخیا علم أنه لیس من السهل التغلب علیهم، و خاف علی جیشه العطش فی وسط هذه الصحراء الواسعة فجنح إلی السلم، و لم یکون سعودا بأقل منه رغبة، فتم الاتفاق بینهما علی أن کل منهما یرحل إلی وطنه بسلام حقنا للدماء، و إن لا یتعرض أحد منهما للآخر، فارتحل الکیخیا إلی العراق و رحل سعود إلی الأحسا و أقام فیها شهرین رتب فیها أمور البلاد و استعمل علیها سلیمان بن محمد بن ماجد من أهل ثادق أمیرا و هو رئیس حامیة قصر صاهود، و رجع إلی الدرعیة و کانت هذه آخر غزوة لأهل العراق.

غزوة کربلاء سنة 1216 ه

اشارة

لما لجّت حکومة العراق فی تجهیز الجیوش، لقصد القضاء علی حرکة ابن سعود، قابلها بالمثل، و کان آخر جیش لحکومة العراق جیش
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 145
الکیخیا الذی تقدم ذکره. و فی هذه السنة قصد کربلاء و أغار علیها و دخل البلد و أخذ شیئا من الأموال و السلاح و رجع، فکان لهذه الوقعة أثر سیّ‌ء اهتزت له العراق و إیران، و أثار فیهما سخطا عاما حمل حکومتیهما علی الإزماع علی غزو نجد و القضاء علی ابن سعود قضاء تامّا، فاعتزم علی شاه أن یجهز مائة ألف جندی یغزو به نجد و یقاتل ابن سعود فی عقر داره، و کذلک أخذ سلیمان باشا والی بغداد فی إعداد جیش جرار یتولی قیادته بنفسه، و لکن اللّه سبحانه أشغل کل منهما بنفسه، فقد فاجأت شاة العجم حرب مع الروس، و سلیمان باشا فاجأته فتنة فی بلاد الأکراد، فاشتغل کل منهما بما عنده و صدّتهما عن قصدهما، و لم یلبث سلیمان باشا إلا بضعة أشهر ثم توفی.

التحاق عثمان المضایفی بابن سعود

و عثمان المضایفی هذا رجل من خواص الشریف، کثیرا ما یعتمده فی مهماته، و قد حصل بینهما خلاف أساء فیه إلی عثمان، ففارقه و قدم الدرعیة فأکرم ابن سعود وفادته، و کتب معه إلی القبائل الموالیة و أمرهم أن یأتمروا بأمره، فاجتمع لدیه قوات کبیرة، فأراد الشریف أن یقضی علی حرکته قبل أن یستفحل أمره، فسار إلیه بقواته و نازله فی بلده العبیلا و لکنه رجع عنه بدون فائدة، فاستنجد عثمان بمن حوله من القبائل الموالیة،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 146
فاجتمع إلیه أهل رنیة، و بیشة، و توابعهما و من حولهم من سبیع و أهل تربة، و البقوم و هادی بن قرملة بمن معه من قحطان، و کذلک عتیبة و غیرهم، فسار إلی الطائف، و کان الشریف غالب متحصّنا فیها، و نازله مدة قلیلة ثم انهزم الشریف إلی مکة و دخل عثمان الطائف، و کتب إلی عبد العزیز یخبره باستیلائه علی الطائف، فأقره علی إمارته.
و فی شهر الحج تجهّز سعود و سار إلی الحجاز و نزل العقیق- الوادی المعروف- و لم یشأ القرب من مکة حتی یفقر الحاج الغریب من مکة، و کانت الحواج کثیرة فی هذه السنة، فاضطرب الشریف و طلب من أمراء الحجیج إمداده بقوات یصدون ابن سعود أو یمشی إلیه و هو یتکفل فی جمیع نفقاتهم، فلم یوافقوه، و اقتضی نظرهم أن یکتبوا إلی سعود یحذّرونه من التقدم، فکتب إلیهم أنه لم ینزل هذا المنزل إلا لأجل أن یتم الحاج مناسکه باطمئنان و لا خوف علیهم، و لکن بدوره حذّرهم من أن یتأخروا فی مکة بعد قضاء مناسکهم و إلا فهو غیر مسؤول، فاستخف الأمراء و خرجوا من مکة دون [...]، و تبعهم الشریف غالب؛ إذ خرج إلی جدة.

[و فی هذه السنة (1217 ه)] انتقاض الصلح بین عبد العزیز بن سعود و الشریف غالب‌

اشارة

و فی هذه السنة (1217 ه): نقض الصلح الذی بینه و بین ابن سعود بحجة أن ابن سعود یبث الدعایة فی قبائل الحجاز للخروج عن طاعته.

و فی رابع من شهر محرم سنة 1218 ه:

اشارة

دخل سعود و جنوده مکة المکرمة محرمین بعمرة و استولوا علیها، و أمن أهلها، و بذل لأهلها من الأموال و الصدقات الشی‌ء الکثیر، و أخذ الشریف یراسل سعود [...] و مکبرا خوفا أن یعاجله قبل أن یتم تحصین جدة، و لم یتم بینهما شی‌ء، و استعمل سعود عبد المعین [...] مساعد أمیرا فی مکة، و رحل یرید جدة فرآها محصنة فرجع عنها و قفل إلی الدرعیة.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 147

قتل الإمام عبد العزیز بن محمد بن سعود

سنة 1218 ه قال ابن بشر: و فی العشر الأواخر من رجب سنة 1218 ه، قتل الإمام عبد العزیز بن محمد بن سعود فی مسجد الطریف، المعروف فی الدرعیة، و هو ساجد فی أثناء صلاة العصر، مضی علیه رجل قیل: إنه کردی، من أهل العماریة، اسمه عثمان، أقبل من وطنه لهذا القصد محتسبا حتی وصل الدرعیة فی صورة درویش، و ادعی أنه مهاجر، و أظهر التنسک و الطاعة، و تعلم شیئا من القرآن، فأکرمه عبد العزیز و أعطاه و کساه، و أخذ یتعلم أرکان الإسلام، و شروط الصلاة و أرکانها و واجباتها مما کانوا یعلمونه الغریب المهاجر إلیهم. فوثب إلیه من الصف الثالث و الناس سجود، فطعنه فی خاصرته فی أسفل البطن بخنجر معه قد أخفاها و أعدها لذلک، و هو قد تأهب للموت، فاضطرب أهل المسجد و ماج بعضهم فی بعض، و لم یکن یدرون من الأمر، فمنهم المنهزم، و منهم الواقف، و منهم الکار إلی جهة هذا العدو العادی. و لما طعن عبد العزیز أهوی إلی أخیه عبد اللّه، و هو إلی جانبه، و برک علیه لیقتله فنهض علیه و تصارعا، و جرح عبد اللّه جرحا شدیدا فصرعه عبد اللّه، و ضربه بالسیف، ثم تکاثر الناس علیه و قتلوه، و حملوا الإمام إلی منزله و قد غاب ذهنه، فلم یلبث أن توفی بعد ما صعدوا به القصر رحمه اللّه، و کان عمره حین قتل خمسة و ثمانین سنة، و کان ابنه سعود أتی نخله، المعروف بمثیرق، فلما بلغه الخبر أقبل مسرعا، فقام الناس و بایعوه خاصّتهم و عامّتهم و عزّوه بأبیه.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 148
ملاحظة ذکر ابن بشر أن الذی قتله رجل کردی اسمه عثمان، من بلد العماریة، و هذا الذی ثبت لدیهم إذ ذاک و هو الخطأ. و الحقیقة أن الذی قتله رجل شیعی من أهل النجف، و ما اسمه الذی یتظاهر به إلا إبعاد للشبهة عن معرفة حقیقته؛ لأن الشیعة لا یسمون باسم عثمان و لا عمر، و أما الأکراد أهل العماریة فهم من أهل السنّة و الجماعة، و لو کان أن نظرة أهل السنّة بتلک الوقت إلی الوهابیة، لا یختلف عن نظریته للشیعة، و لکن لیس هنالک ما یدعو إلی مثل هذا العمل، أما هذا الشیعی فقد جاء متأثّرا بقضیة غزوة کربلاء المقدسة التی انتهکها ابن سعود.
***
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 149

ترجمة حیاة عبد العزیز بن محمد بن سعود عن تاریخ ابن بشر مع بعض التعرف‌

اشارة

رأینا أن ننقل ترجمة حیاته، و أعماله الخاصة و العامة، لأنها صارت دستورا لمن بعده.
ولد فی الدرعیة سنة 1133 ه فی حیاة جده سعود بن محمد، و نشأ نشأة عادیة، فتعلم القرآن و مبادی‌ء الکتابة علی الطریقة المعهودة بذلک الوقت، و تمرن علی رکوب الخیل و الرمایة، لأن ذلک من الضروریات التی تقتضیها الحالة فی تدرک الأیام لکثرة الفتن و الحروب.

علومه و معارفه‌

کان متفقها فی دینه واسع الاطلاع، و له ید طولی فی معرفة الحدیث، قرأ علی الشیخ محمد بن عبد الوهاب و إبناه. و له رسائل عدیدة فی نشر الدعوة و الذب عن دین اللّه، و من اطلع علی رسائله إلی العلماء و الأمراء و الکبراء علم ما هو علیه من سعة الاطلاع، و أهم هذه الرسائل رسالته المشهورة إلی العلماء و القضاة فی الحرمین، و فی الشام، و مصر، و العراق و غیرهم. فقد أوضح فی هذه الرسالة حقیقة العبادة، و توحید الربوبیة، و توحید الألوهیة، و بیّن فیها الفرق بین حق اللّه و حق أنبیائه
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 150
و أولیائه، ثم تطرق إلی دعوتهم إلی التوحید. ثم أفاض فی الإرادة الدینیة و الإرادة الکونیة، ثم بعد الوجه المشروع فی طلب الشفاعة من رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم، و أن الأنبیاء و الصابرین یدعی لهم فقط. ثم أوضح ما یشرع عند قبر النبی صلی اللّه علیه و سلم و ما لا یشرع عنده. و أبان أن شد الرحال إلی المساجد الثلاثة فقط لا إلی القبور. ثم ساق الأحادیث الدالة علی النهی عن اتخاذ القبور مساجد، و بیّن أن الدعاء هو العبادة و هو مخّها. ثم تکلم عن حقیقة التوحید و الشرک و أن المشرک یؤمن باللّه و بعبده. ثم أوضح أن اتخاذ الأولیاء و الشفعاء شرک أکبر. و تکلم عن التوسل الصحیح و الباطل.
و حدیث الأعمی فی التوسل بالنبی صلّی اللّه علیه و آله و سلم، و غیره من الأحادیث الشواذ، و شبه القبوریین، ثم ختمها فی بیان بدع القبوریین و عداوتهم لمن ینکرها علیهم، و هی رسالة طویلة تبلغ نحو (26) صفحة من القطع الصغیر و طبعت فی مطبعة المنار سنة 1344 ه بمصر مع أربع رسائل غیرها لبعض من مشایخ نجد علی نفقة الملک عبد العزیز بن عبد الرحمن الفیصل آل سعود.

سیاسته‌

سیاسته دینیة بحتة لا هوادة فیها، و لا محاباة، و لا مراوغة، و لا مکر، و لا خداع، و لا ریاء، باطن أمره کظاهره- و لیس له شی‌ء من صفات السیاسیین، و لا مرونتهم یعنی ما یتولی، و یفعل ما یعنی. قانونه کتاب اللّه و سنّة رسوله صلی اللّه علیه و سلم، لا یلتفت إلی ما خالفهما و لو کان فیه هدم و لکن هذه الخلال هی التی الّبت علیه الأمم الخارجیة، و تضافرت علی قمع شوکته و الوقوف بوجه هذه الدعوة و منع انتشارها. فلو صاحب هذه
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 151
الدعوة شی‌ء من المرونة السیاسیة لما وقفت عند المد الذی وقفت عنده، و لو کان المسلمون و العرب بتلک الوقت بالحالة التی هم فیها الیوم من الرقی لوجدوا فی عبد العزیز و ابنه سعودا ما یبلغهم أملهم فی الاستقلال و تخلیص الجزیرة و البلاد المشتعلة بها من النفوذ الترکی، و منع التدخل الأجنبی الذی تغلغل فیها الآن، و لکنها فرصة ضاعت و لم یحسن الطرفان استثمارها، و السبب فی ذلک ما کان علیه المسلمون من الضعف الأخلاقی، و الوهن السیاسی الذی وجده الحکم الترکی و الدعایة التی بثها هؤلاء بمساعدة مأجوریهم من العلماء و الأمراء لتشویه سمعة هذه النهضة و وصمتها بالخروج عن الدین، و إذا ما أردت أن تعرف مدی تغلغل هذه الدعایة بالأمة الإسلامیة تجده هذه التواریخ التی جعلت القضاء علی هذه النهضة من أکبر مناقب السلطان محمود و أعظم حسنات محمد علی خدیوی مصر، و خصوصا العلماء الدینیین الذین کان معظمهم أبوابا للدعایة الترکیة، هذا من جهة و من جهة ثانیة إن سیاسة الإمام عبد العزیز لیست قابلة للتوسع لکونها دینیة خالصة، و ما صاحبها من الشدة لحمل الناس علی ما لا یعتقدونه و خصوصا و أن هذه البلدان المجاورة سکانها خلیط من المسلمین و غیرهم من المعالم الأخری الغیر إسلامیة التی لا ترتاح لمثل هذه السیاسة الدینیة، فلو سلک الإمام عبد العزیز الأول فی سیاسته سیاسة الملک عبد العزیز عبد الرحمن ملک الحجاز و نجد لهذا العهد لنجح فی تحریر بلاد العرب بأسرها، و لکانت الیوم تتمتع بها تحت رایة واحدة أو علی رایات من أهلها من البحر الأبیض إلی البحر الأحمر إلی الخلیج الفارسی، و لکن لکل أجل کتاب.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 152

سیرته‌

سیرته مثل سیاسته دینیة آمرا بالمعروف ناهیا عن المنکر لا خائفا فی اللّه لومة لائم، ینفذها فی أهل بیته کما ینفذها علی عشیرته و رعیته. کثیر التفقه لأحوال الرعیة، کثیر العطف علی فقرائهم یتعهدهم بالصدقات. أما القضاة و العلماء، و طلبة العلم و أئمة المساجد و المؤذنین فلهم رواتب مقررة فی بیت المال کل علی قدره، و لطلبة العلم فی الغز محلات مخصصة و رواتب تقوم بحاجتهم. و لأئمة المساجد التی فی النخیل أیضا رواتب و کان یفرض للضعفاء و المحتاجین عطاء فی کل سنة فکان الرجل یکتب نفسه و أفراد عائلته فیفرض لکل منهم عطاء، و إذا مات رجل و له راتب فی بیت المال أقرها لأولاده. و کان یفرق فی البلدان کل سنة کثیرا من الصدقات، فیخصص لکل ناحیة أو بلد مبلغ ممن یفرق فی شهر رمضان و هذا معتمدنا حتی الآن.

الأمن‌

إن الکلام علی مسألة الأمن فی عموم نجد بزمن عبد العزیز و ابنه سعود، هو مضرب الأمثال و أشهر من أن یحتاج إلی تسطیر، فالرجل الواحد یستطیع أن یجتاز المملکة من أقصاها إلی أقصاها، دون أن یخشی سارقا أو تکابرا و ذلک نتیجة سیاسة الشدة و الحزم التی اتخذها عبد العزیز إزاء قطاع الطرق من البوادی، فقد وزع المسؤولیات علی رؤساء القبائل کل فی حدود بلاده، و جعل الرئیس هو المسؤول عن کل ما یحدث فی حدود بلاده، فإذا فقد شی‌ء من الحجاج أو المسافرین أرسل إلی زعیم تلک القبیلة التی تسکن فی هذه الأماکن التی فقد فیها هذا الشی‌ء و ألزمه
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 153
بإحضاره و إحضار الجانی ثم یأدّبه أدبا بلیغا بأن یأخذ ما عنده من المال أو شی‌ء منه علی قدر نسبة المفقود، و لهذا کانت الأموال التی تترک فی البراری أرضا تبقی فی أماکنها إلی أن یأتی صاحبها فیأخذها، و عبد العزیز هو أول من أبطل ما کانت تأخذ الأعراب من الحجاج و المسافرین من الإتاوات و القوانین و الجوائز. و کانت جمیع بلدان نجد یخرجون مواشیهم أیام الربیع و یسیبونها فی البراری و المساجد و المسارح، من الإبل، و الخیل، و البقر، لیس لها راعی فإذا عطشت ترد إلی البلدان ثم تعود إلی مراعیها حتی ینقضی الربیع و یحتاجون أهلها إلیها، إلّا الخیل فإن لها من یتعاهدها فی مراعیها لسقیها و حدها بالحدید.

خیل آل سعود

أما خیل عبد العزیز و خیل بیته و عشیرته، فهم یخرجونها فی أیام الربیع إلی (النقص) موضع معروف قرب بلد ضرمی، و فی الشعیب المعروف (قری عیینة) من وادی حقیق و عندها من یتعاهدها لمثل ما ذکرنا.

ضوالّ الإبل‌

و قد جعل فی الدرعیة رعاة یجمعون ضوال الإبل التی توجد فی البر و المفازات جمعا أو فرادی، فمن وجدها من حاضر أو باد أتی بها إلی الدرعیة خوفا أن تعرفه عندهم فیؤدبونه و جعل عبد العزیز رجالا یحتفظها، و یجعل فیها رعاة یتعاهدونها بالسقی و الرعی و یقومون بما ینوبها، فکانت تلک الإبل تتوالد و هی محفوظة، و کل من ضاع له شی‌ء من الإبل یأتی إلی الدرعیة و یتفقد ضالته مع تلک الإبل، فإذا وجدها فعلیه أن یحضر شاهدین أو شاهد و یمنیه علی أنها له ثم یأخذها.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 154

موارد دولة آل سعود الأولی‌

لیس لحکومة آل سعود من الموارد غیر الزکواة فی الثمار: من الثمر و الحنطة و الشعیر و الأرز، و زکاة المواشی: من إبل و غنم، أو ما تأخذه من الأخماس فی الغزوات علی المخالفین من البوادی، و ما تأخذه بصفة الغرامة ممن یخالف الأوامر.
فلا مکوس، و لا ضرائب، و لا شی‌ء من أنواع الرسومات، و لا یعرف مقدار ما یبلغ موارد الحکومة لا بالقسیط و لا بالتقدیر، لأن لیس هناک دوائر مالیات و لا محاسبات، فمن العامل إلی الحاکم، کما أن الخرج کذلک بغیر مرتب فهو تحت تصرف الحاکم.
أما زکاة الثمار فهی تبقی بأماکنها و یحول علیها الإمام أهل الرواتب و العادات یحولها عینا کل جهة یحولهم علی ما فی الإسلام. أما زکاة البوادی فکل قبیلة لها عامل یستوفی الزکاة منها، ثم یأتون إلی الدرعیة و یسلمونها إلی الوکیل الذی یعینه الإمام و ینتهی الأمر، و لا یصرف منها شی‌ء إلّا بأمر الإمام.

القبائل التی تؤدی الزکاة إلی عبد العزیز

فهم: عنزة، و شمر، و عتیبة، و قحطان، و مطیر، و الظفیر، و مردة، و هتیم، و بوادی خیبر، و الحویطات و جهینة، و بعض بوادی الیمن، و آل مرة، و العجمان، و سبیع، و السهول، و بنی هاجر، و المناصیر، و بوادی عمان.
و کان عبد العزیز رحمه اللّه هو المؤسس الحقیقی لدولة آل سعود، و صاحب الفتوحات العظیمة، و هو واسطة العقد فی آل سعود حزما و عزما
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 155
و رأیا و شجاعة و همة، و کان له الحق الأول فی أن یدعی (عبد العزیز الکبیر) فهو فی آل سعود کالمنصور فی العباسیین، و له من المزایا من لیس له شی‌ء مثله.

[سنة 1161 ه] سعود بن عبد العزیز محمد آل سعود

اشارة

ولد سنة 1161 ه، و بویع له بولایة العهد سنة 1204 ه، و تولی الأمر بعده أبیه سنة 1218 ه.

أهم الحوادث فی أیامه من 1218- 1229 ه

اشارة

بعد وفاة الإمام عبد العزیز نزل الشریف غالب إلی مکة و طرد الحامیة التی فیها لابن سعود، و أعلن عداءه. و فی أول سنة سار عبد الوهاب أبو نقطة و رعایاه بأمر سعود لمحاصرة جدة، فلما نزل السعدیة الماء المعروف قرب سیف البحر باغته بقواته، و وقع بینهم قتال شدید، فانهزم الشریف غالب و جنوده، و استولی عبد الوهاب علی ما معه من عتاد و رجع إلی البلدة و لما قرب موسم الحج أرسل الشریف إلی سعود یطلب الصلح، فأجابه و تم ذلک بینهما، و هذه عادة الشریف کل ما صفا ابن سعود جنح للسلم خدیعة منه و مکرا. أصلح و هو منطو علی خبثه.
و أعقب هذا الصلح الاستیلاء علی الحجاز الاستیلاء التام و استمر حکمه إلی سنة 1227.

غلط سیاسة سعود فی إرجاع الحواج‌

و من الأغلاط السیاسیة التی کان لها أثر کبیر فی مجری الحوادث و التی کانت سببا لتقویض أرکان دولة السعود هی: إرجاعه الحواج الشامیة و المصریة قبل دخولهم المدینة سنة 1221 ه خوفا من إمدادهم الشریف
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 156
غالبا، و هی حجة وجیهة یحق له أن یحتاط لصیانة الأمن إذ لو دخلوا مکة فی معداتهم و أسلحتهم و عساکرهم لحدث فتنة لا یعلم نتیجتها إلّا اللّه.
و لکن الإمام سعود کان ینبغی له أن یفاوضهم، و یبدی لهم تخوفه، و یشترط علیهم أن یسلموا أسلحتهم التی لدیهم قبل دخولهم مکة لیسترجعوها عند خروجهم منها، إنه لو فعل ذلک و أبو الامتثال للأمر لقامت علیهم الحجة، و عذره المسلمون و لو بعد حین، و لکنه لم یفعل ذلک، بل أرسل قوات ترابط بالقرب من المدینة، و أمرهم أن یرجعوا الحواج دون استثناء و لا شرط، و هذا الغلط هو الذی أنتج ما سیأتی من الحوادث، إذ قد أثار بعمله هذا سخط المسلمین، کما أثار حفیظة حکومة تری أنه قد أهانها و امتنعت الحواج المذکورة طیلة الخمس السنوات التی تلت هذا الحادث.

و فی سنة 1226 ه:

انتدبت حکومة الترک محمد علی خدیوی مصر للقضاء علی آل سعود و تتبعهم فی عقر دارهم، و أمدته بالجنود و الذخائر، و أغدقت علیه الأموال بسخاء کبیر، فأرسل ابنه طوسون باشا بقوة کبیرة سحقتها القوات السعودیة بوادی الصفراء، و لکنهم أعادوا الکرة بالسنة التالیة بقوات جدیدة اتصلت برا و بحرا، فتمکنوا بعد حروب شدیدة و حصار شدید علی فتح المدینة المنورة فی أوائل شوال سنة 1227 ه، و بقوا فیها إلی ما بعد الحج، و حج سعود فی تلک السنة، و رتب الجنود بالقلاع و الحصون و رجع إلی الدرعیة، و أبقی ابنه عبد اللّه و معه القوات، و أمره أن ینزل من الظهران لیکون ردا للجنود إلی أن یری ما یکون من أمر الجیش المصری، فلما قفل سعود إلی دولته أخذ الشریف غالب یکاتب طوسون باشا یحسن له القدوم إلی مکة و یخبره بضعف الحامیة الموجودة،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 157
فعلم عبد اللّه بن سعود بأمر الشریف و إقبال طوسون، فخشی من الغدر، فاستخرج الحامیات المرابطة فی مکة و رحل منها و نزل العبیلاء قریة عثمان المضایفی و أمر علی عثمان أن یذهب إلی الطائف و یضبطها، فسار إلیها ثم رجع إلی نجد و قد داخلهم الفشل، وصل طوسون إلی مکة و استولی علیها دون أن یلقی مقاومة، فاستوحش المضایفی و هرب من الطائف و لحقه عبد اللّه فی 23 محرم سنة 1228 ه و نزل رشید.

و فی شهر ذی القعدة سنة 1228 ه:

وصل محمد علی باشا مکة، و قضی علی الشریف غالب و حبسه، و استصفی جمیع أمواله و خزائنه. ثم سیّره إلی سلانیکا حیث توفی سنة 1231 ه و أقام محمد علی باشا فی الحجاز، إلی أن استرد جمیع بلدانه و رتب أموره، و توفی الإمام سعود سنة 1229 ه. و سنأتی علی بقیة أخبار الحملة المصریة، إلی نجد فی ترجمة عبد اللّه بن سعود إن شاء اللّه.

ترجمة حیاة الإمام سعود بن عبد العزیز

اشارة

أما فتوحاته و سائر أخباره فقد أعرضنا عن ذکرها لأنها مبسوطة فی تاریخ ابن بشر، و إنما ذکرنا أخبار الحجاز لما لها من العلاقة فی حوادث نجد الآتی ذکرها بترجمة عبد اللّه بن سعود، و قد ترکنا حوادث لیست بأقل أهمیة مما ذکرنا و لکننا خصصنا هذا البحث لتراجم الأمراء من آل سعود و الحوادث التی یکون لنا علیها ملاحظات، أو الحوادث التی لم یذکرها ابن بشر فی تاریخه، و المقصود من ذلک أن تصل التاریخ القدیم بالتاریخ الحدیث لحکم آل سعود و غیرهم إلی زمننا هذا.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 158
ترجمة حیاة الإمام سعود ولد فی الدرعیة سنة 1161 ه، و بویع له بولایة العهد بأمر الشیخ محمد بن عبد الوهاب سنة 1202 ه، و تولی الأمر فی الیوم الذی قتل فیه أبوه، أخذ العلم عن الشیخ محمد بن عبد الوهاب، حیث أقام مدة سنین یقرأ علیه، ثم کان یلازم مجالس الدرس عنده، و کانت له معرفة تامة بالتفسیر و الحدیث و الفقه، فمن وقف علی شی‌ء من مراسلاته و نصائحه عرف ما هو علیه من البلاغة و سعة الاطلاع، و إذا کانت الفتوحات، و التوسع، و کثرة النکایة بالأعداء، قد جرت بزمن أبیه و نسبت إلیه فإن الفضل فی ذلک کله یرجع إلی سعود، لأنه ساعده الأیمن، و سیفه المصلّت علی رقاب الأعداء. کان رحمه اللّه متیقظا، بعید الهمة بصیرا بأمور الحروب، أعطاه اللّه من الهیبة ما لم یعطه أحدا من أسلافه، علی أنه فی الغایة من التواضع للمساکین و ذوی الحاجات. کثیر المداعبة و الانبساط مع خواص أصحابه، حفظ الملک الذی ورثه عن أبیه و زاد علیه.

سیاسته‌

سیاسته کسیاسة أبیه: دینیة خالصة، قوامها الدعوة و بث التعالیم الدینیة، و لیست مقصورة علی رعیته بل أرسل الرسائل الکثیرة إلی الأمصار، لکنها صادفت خصماء أقویاء حالوا دون انتشارها، و ساعدهم علی ذلک ما اشتهر عنه من الشک، و ما عمله من إرجاع الحواج و منعهم عن الحج.
أما الأمن فهو فی زمن سعود مثله فی زمن أبیه، شامل جمیع البلاد
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 159
التی یخفق علیها العلم السعودی، و کانت سیرته و نظامه و جمیع ما ذکرنا فی ترجمة أبیه متبعة فی زمنه، إلّا أننا الآن نذکر ما لم نذکره فی حیاة أبیه مما لم تکن إلّا فی زمنه، فمن ذلک ما یأتی:

طریقته فی الاستشارة

اشارة

فإذا دهمه أمرا أو أراد تنفیذ شی‌ء من الأمور التی یتصورها صالحة، فلا یکتفی برأیه بل یعرض الأمر علی بعض الخواص الذی یعتمد علی آراءهم من الحاضرة و البادیة، فیرسل إلی کل فریق علی حدته و یعرض علیهم الأمر، و یأخذ رأیهم فیه.

رؤساء البوادی‌

فیرسل أولا إلی رؤساء البوادی التی عنده و یستشیرهم، فإذا عرف ما عندهم و خرجوا من عنده.

خواصه و أهل الرأی من أهل الدرعیة

ثم یرسل إلی خواصه من أهل الرأی الذین یثق بهم، فیعرض علیهم الأمر و یستشیرهم فیه، فإذا أخذ رأیهم و خرجوا من عنده.

آل الشیخ و أهل العلم‌

أرسل إلی أبناء الشیخ و أهل العلم من أهل الدرعیة، فیعرض علیهم الأمر و یستشیرهم فیه، دون أن یعلم أحد من هؤلاء و أولئک بما کان بینه و بین غیرهم، فإذا عرف ما عندهم من الرأی عرض علیهم رأیه الذی یراه بعد أن یستنیر من آراء هؤلاء جمیعهم ثم یمضی بما یترجح لدیه صلاحه.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 160

سیرته فی الدرعیة و ترتیبه و عاداته‌

کان أهل الدرعیة و غیرهم یجتمعون عنده فی کل یوم صباحا فی (الباطن) سوق الدرعیة لسماع الدرس.

نظام المجلس‌

یخلی صدر المجلس لسعود و بنیه، و عمه عبد اللّه بن محمد و بنیه، و أخوة سعود، عبد اللّه، و عمر، و عبد الرحمن، فیجلس أبناء الشیخ علی یمین سعود و یساره، ثم یجلس إلی جانبهم عبد اللّه بن عمر و بنوه، و أخوة سعود، ثم یأتی أبناء سعود أرسالا أرسالا، فیجلسون عند أعمامهم، فإذا اجتمع الناس خرج سعود من القصر و معه دولة و لهم جلیة عظیمة لا تسمع فیها إلّا قرع السیوف بعضها فی بعض من شدة الزحام، و کلهم من الممالیک السود، و معهم السیوف الثمینة المحلاة بالذهب و الفضة، فإذا أقبل علی المجلس قام له الذین فی طریقه لئلا یطأهم العبید، فإذا خلص إلی مکانه جلس، فیسلم علی العموم ثم یجلس بجانبه الشیخ عبد اللّه بن الشیخ محمد، و هو الذی علیه القراءة فی ذلک الدرس. قال ابن بشر و قد حضرت القراءة فی ذلک الدرس فی تفسیر ابن جریر و حضرته أیضا فی تفسیر ابن کثیر، فإذا فرغ الدرس نهض سعود قائما و دخل القصر.

نظرة فی شؤون الناس‌

ثم یجلس فی منزل من منازله داخل القصر، فیرفع الناس إلیه حوائجهم، فینظر فیها إلی أن یتعالی النهار. ثم یدخل إلی حرمه وقت القیلولة إلی وقت صلاة الظهر، فیقبل الناس لسماع الدرس فی موضع بین بابی القصر الداخلی و الخارجی، مبنی علی خمسین عمودا، جعله ثلاثة
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 161
أطوار، کل واحد فوق الآخر. ثم یجلس آل سعود علی مراتبهم، و کثرة الناس و لا یحضره أحد من آل الشیخ إنما یحضره إمام مسجد الطریف، ثم یشرع فی القراءة اثنان أحدهما فی تفسیر ابن کثیر و الثانی فی ریاض الصالحین، فإذا فرغا من القراءة أخذ سعود یقرر علی تلک القراءة فیأتی علی أقوال العلماء و المفسرین بطلاقة و فصاحة یدلان علی ما هو علیه من سعة الاطلاع. فإذا فرغ من ذلک تقدم إلیه أهل الحوائج بطلباتهم و شکایاتهم فیقضی منها ما هو من شأنه و یحیل الکثیر منها إلی الشرع.
و کان کاتبه إلی یساره یکتب الترقیمات بالمنح و الأحکام أو الإحالة إلی الشرع، فإذا فرغ من ذلک نهض و دخل القصر، فیجلس فی مجلسه فی المقصورة و یصمد إلیه کاتبه فیملی علیه جواب ما لدیه من المکاتبات إلی وقت العصر، فینهض إلی الصلاة. فإذا کان بعد المغرب اجتمع الناس عنده لسماع الدرس علی الترتیب السابق، ثم یشرع سلیمان بن الشیخ عبد اللّه بن الشیخ محمد یقرأ فی صحیح البخاری، فإذا وجب وقت صلاة العشاء نهض سعود و صلّی فی مسجد قصره، و هکذا بقیة الأیام علی هذا الترتیب.

فی أی مسجد یصلّی الفرائض و الجمعة

أما سائر فروض الصلواة المکتوبة فهو یصلّیها فی مسجد قصره، و یصلّی معه فثام من الناس، و أما صلاة الجمعة فهو یصلّی مع الناس فی مسجد الطریف، و هو المسجد الجامع الکبیر تحت القصر من الجهة الشمالیة فی موضع بناه فوق المحراب و المنبر، یصلّی فیه هو و خاصة ممالیکه و خواص أصحابه، و هذا الموضع استحدثه بعد قضیة قتل والده
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 162
خوفا من وقوع مثل ذلک، و جعل علی هذا الموضع طریقا من القصر یأتی إلیه من قبلة المسجد عند المحراب.

نظام الحرس فی الصلاة

فإذا شرع فی الصلاة وقف خلفه اثنان من شجعان ممالیکه بسیوفهم حتی یفرغ من الصلاة، هذا إذا کان فی الدرعیة، و أما إذا کان فی مغازیه و حججه فیقف عنده ستة من خواص ممالیکه بسیوفهم، منهم اثنان عند وجهه، و اثنان خلفه بینهم و بین الصف الثانی، و اثنان بین الصف الثانی، و الصف الثالث.
و هو أول من استحدث هذا النظام، و لم تزل هذه العادة متبعة عند آل سعود إلی زمننا هذا، و لهذا فإن الذین أرادوا اغتیال الامام ترکی لم یقدروا علیه إلّا من بعد ما خرج من حرس المسجد.

موارد الدولة بزمن سعود بن عبد العزیز

کانت موارد الدولة بزمن سعود مثلها فی زمن أبیه، أی مقتصرة علی زکاة الثمار، و زکات مواشی البوادی تأخذه من الأخماس فی الغزوات، و ترکه العروض الدی سمیت بعد ذلک ضریبة الجهاد، و ما تأخذه من الید بصفة تأدیبیة، إلّا أنها زادت فی أیام سعود عما قبله زکاة بوادی الجهات الذی أخضعها کالحجاز و ما یأتیه من عشور الحدیدة و توابعها من بنادر تهامة و اللحیة نحو ثلاثمائة ألف ریال سنویا عن ربع العشر المقررة.

نظام العمال و مقدار ما یجبونه‌

قال ابن بشر ذکر لی بعض خواص سعود ممن قد صار کاتبا عنده،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 163
قال: کان یبعث إلی البوادی بضعا و سبعین عاملة کل عاملة سبعة رجال و هم: أمیر و کاتب و حافظ دفتر و قابض للدراهم التی تباع بها إبل الزکاة، و ثلاثة رجال خدام لهؤلاء الأربعة یساعدونهم علی قبض و جمع الإبل و الغنم المقبوضة فی الزکاة، و هؤلاء غیر عمال خرص الثمار، و غیر عمال زکاة العروض و الأثمان. و قد زکی بوادی الغز فی ناحیة مصر و بوادی یام فی نجران.

مقدار ما تأتی به العاملة من الزکاة

قال: أتوا عمال الفدعان من عنزة بزکاتهم بلغت أربعین ألف ریال و ثمانة أفراس من الخیل و الجیاد، و هذا أکثر ما تأتی به العاملة، و ذلک بعد خرج العمال. و أقل ما تأتی به العاملة من ألفین و خمسمائة إلی ثلاثة آلاف ریال.

بیت مال الأحساء القطیف‌

أما بیت مال الأحساء فله نظام خاص، و هو حاصل زکاة الثمار و العروض، و ربع نخیل بیت المال فیقسمه سعود ثلاثا، ثلث خراجا لخیالته و رجالته و نوابه و ما یخرجه لقصره و لبیوت بنیه و بیوت آل الشیخ، و ثلث یباع بدراهم و تکون عند عماله لعطایاه و حوالاته، و یرفع من أصل المجموع ثمانون ألف ریال ترسل إلی الدرعیة و الثلث الثالث یؤخره لثغوره و خراجا لأهلها و المرابطة فیه.

عبد اللّه بن سعود بن عبد العزیز بن محمد بن سعود 1229 ه- 1233 ه

اشارة

بویع له بعد وفاة أبیه سنة 1229 ه، و هو الحاکم الرابع من
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 164
آل سعود بعد توحید الحکم فی نجد. تولی فی أشد الأوقات حرجا، إذ کانت الحکومة المصریة مجدة بالتجهیزات إلی نجد بأمر حکومة الترکی للقضاء علی دولة آل سعود، و کانت قد استرجعت قسما من الحجاز قبل وفاة سعود، و استرجعت البقیة، و ما کان تحت نفوذ آل سعود من تهامة فی سنتی 1229 ه- 1230 ه.

خروج طوسون باشا إلی نجد

و لما تم استرجاع الحجاز و تهامة، أمر محمد علی ابنه أحمد طوسون بالمسیر إلی نجد، فأرسل قوته إلی الرس، فتابعهم أهلها، و أهل البکیریة، و أهل الخبرا، ثم زحف طوسون باشا بمن معه من العسکر و نزل الرس. فلما بلغ ابن سعود إقبال طوسون باشا خرج من الدرعیة و نزل المذنب، ثم رحل و نزل عنیزة و کان أمیرها یومئذ إبراهیم بن حسن بن مشاری بن سعود، و أخذ یشن الغارة من وقت لآخر علی البوادی التی مع طوسون، ثم رحل عبد اللّه و نزل الحجناوی الموضع المعروف بین عنیزة و الرس یتحین الفرص، و أقام نحو شهرین دون أن یقع بینهم إلّا مناوشات خفیفة، فسئم أولوا الرأی من الطرفین، و خاطبوا عبد اللّه بأن هذا التردد أضر علینا من الحرب، فإما أن تناجز القوم أو نصالحهم، و خاطب رجال طوسون بمثل ذلک و قالوا: إن ابن سعود بوسط بلدانه و المیرة متوفرة لدیه و نحن فی منقطع من العمران و لیس لدینا ما یکفینا مدة طویلة، و الإمدادات التی تأتینا یحول بیننا و بینها ابن سعود، فإما أن تناجزه أو تصلح معه، و کان طوسون مثل عبد اللّه بن سعود میالا إلی السلم، فجرت المفاوضة.
و یقول ابن بشر أن الصلح تم بینهما علی أن یرفعوا أیدیهم من نجد
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 165
و أطرافها، و أن تمشی السابلة آمنة بین الفریقین، و کتبوا سجلا بذلک، و رحل طوسون باشا من الرس عائدا إلی الحجاز، و إن عبد اللّه بن سعود بعث عبد اللّه بن مجبر بن بنیان و القاضی عبد العزیز بن حمد بن إبراهیم و معهما وثیقة الصلح لعرضها عن محمد علی، فوصلوا مصر و عرضوها علی محمد علی باشا و انتظم الصلح، و لکن یقولون إن رجالا من أهل القصیم و من البوادی و زخرفوا القول لصاحبها و تلقی قولهم بالقبول فنقض الصلح و شمر بتجهیز الجنود إلی نجد الحقیقة.
و لکن الحقیقة أن الصلح تم بین طوسون باشا و عبد اللّه بن سعود و لکن لم یقبله محمد علی باشا، بل قال للوفد: سأرسل علیکم ابنی إبراهیم فیهدم بلدکم حجرا حجرا، و لا صحة لقول ابن بشر: أن نقض السلم جری بسبب أهل القصیم و بعض البوادی، و إنما هی تخیلات ابن بشر الذی یحیل کل أمر إلی أهل القصیم، لأنهم یتهمونهم بعدم الإخلاص للولایة، کما اتهموهم بعد ذلک بإخراج الشریف محمد بن عون أیام الإمام فیصل کما یأتی ذلک بمحله، و هذا إن دل علی شی‌ء فإنما یدل علی ضیق التفکیر و عدم الإحاطة بمجاری الأمور، و لو أردنا أن نتتبع مثل هذه الأشیاء لاحتجنا إلی مضاعفة الکتاب.

خروج إبراهیم باشا بن محمد علی باشا

و فی أواخر سنة 1231 ه، جهز محمد علی باشا حملة جدیدة، إلی نجد بقیادة ابنه إبراهیم باشا، فنزل فی موانی‌ء الحجاز، و عسکر بالحناکیة، و أقام فیها أکثر من ستة أشهر یرتقب استکمال النجدات و الاستعدادات، و یراقب حرکات ابن سعود، و یستمیل البوادی بما یبذله
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 166
من النقود، فاجتمع لدیه خلق کثیر من قبائل نجد مطیر، و عتیبة، و بعض حرب، و قبائل الحجاز و غیرهم، فأخذ یشن الغارة علی قبائل نجد، فأخذ الرحلة، من حرب عند أبانات الجبلان المعروفان فی القصیم. فأمر عبد اللّه بن سعود علی نواحی الوشم و سدیر، و نزلوا الغمیس بین عنیزة و الخبرا، و خرج حجیلان بن حمد بأهل القصیم، فانضم إلیه أهل الوشم و سدیر و أقاموا عندهم أربعة أشهر لیحولوا دون إبراهیم باشا، ثم خرج عبد اللّه بن سعود و معه غزو نجد الحاضرة و البادیة، و انضم إلیه حجیلان بمن معه فی أواخر جمادی الأولی سنة 1232 ه و نزل بین مسکة و ضریة.
فاعتزم إبراهیم باشا السیر إلی داخلیة نجد بعد أن أکمل استعداده و هو متهیب عن الإقدام، إنما یرید أن یستوثق من حالة البلاد و یقف علی مدی قوة ابن سعود و استعداده، لأن هیبة آل سعود و ما عمله سابقا من إقدامهم و شجاعة جنودهم جعلته یقدم رجلا و یؤخر أخری فأرسل جیشه بقیادة علی و معه بعض البوادی، و زود إبراهیم باشا عسکره ببعض المدافع، سار هذا الجیش و نزل ماویة الماء المعروف علی مسافة یومین من الحناکیة جهة نجد، و کان عبد اللّه بن سعود علی ضرمة و قد بلغه خروج مقدمة الجیش المصری، وکان ینبغی له أن یرجع إلی معسکره فی القصیم و یتخذ خطة الدفاع و لکنه لم یفعل لما أراد اللّه منهم من نفاذ الأمر، بل إنه أراد أن یغتنم فرصة انخزال هذا الجیش فیها جمه قبل التحاق بقیة القوات، فسار إلیهم فی جریرة خیل و جیش، و ترک ثقله فی موضعه کأنه یرید أن یهاجم فریقا من البادیة، فصبحهم علی ماویة، فصمد له العسکر و استعمل المدافع الذی کان لصداها أبلغ الأثر فی البادیة، فاستخف البدو و انهزموا لا ینوون شی‌ء و تبعهم بقیة جند ابن سعود، و اختلط الحابل بالنابل، و تبعهم
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 167
العسکر، و قتلوا رجالا و غنموا کثیرا من السلاح و الإبل، و هلک فی الهزیمة یعنی القتل و الأسر نحو مائتی رجل. و هذا أول الوهن الذی أصاب جیش ابن سعود و أفقده کثیرا من قوته المعنویة، فقلت هیبته و استخف به أعداؤه، و إنها أولی غلطات عبد اللّه الذی أثبتت عدم خبرته الحربیة.
فلما بلغ إبراهیم باشا هزیمة ابن سعود رحل من الحناکیة، فوصل القصیم و نزل الرس لخمس بقین من شعبان و حاصر أهله، و کان أهل الرس قد ندموا علی استسلامهم لجیش طوسون و أرادوا أن یکفروا عن غلطتهم فصمدوا لجیش إبراهیم باشا ثلاثة أشهر و نصف دون أن ینال منهم مراما، و کان یفاوضهم للصلح بین آونة و أخری فیرفضوا، لأن إبراهیم باشا لا رغبة له فی محاربة بلدان نجد و لا یرید أن ینهک قواه الحربیة دون الدرعیة، و إنما یرید أن یؤمن مؤخرة جیشه فیکتفی من البلدان بالکف عن القتال و التزامهم الحیاد، و کان عبد اللّه معسکرا فی عنبزة، و لم یمد أهل الرس بأیة مساعدة فکتب له أهل الرس إما أن یمدهم، أو یأذن لهم بالصلح، فلما لم یروا نتیجة عقدوا الصلح مع إبراهیم باشا علی جمیع البلد و ما فیها و أن لا یطلب منهم أیة مساعدة حربیة، و شرط علیهم أن یبقوا علی الحیاد و لا یمدوا ابن سعود، فتم بینهم ذلک، و رحل إبراهیم باشا و نزل الخبرا فأصلحوا معه.
أما ابن سعود فقد وقع الرعب فی جنوده و تفرقت البوادی التی معه فأدخل فی عنیزة قوة ترابط فی قصر الصفا بقیادة محمد بن حسن بن مشاری بن سعود، و جعل عندهم کفایتهم من الذخیرة و الطعام، ثم رحل منها و نزل بریدة، فخالفه إبراهیم باشا و نزل عنیزة و حاصرها فسلمت البلد و أمیرها إبراهیم بن حسن بن مشاری بن سعود، و امتنع أهل قصر الصفا
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 168
فحربهم یوما و لیلة، فوقعت قنبلة علی الذخیرة التی فی القصر فثار الجبخان و هدم ما حوله من السور، و أصیب بعض من فیه فطلبوا الأمان من إبراهیم باشا فأمنهم فخرجوا من القصر بسلاحهم و أموالهم و التحقوا بأوطانهم، و استولی إبراهیم باشا علی البلد و القصر.
و رحل ابن سعود فی بریدة و قصد الدرعیة و أرخص لمن معه من أهل النواحی یرجعون إلی أوطانهم، و ترک إبراهیم باشا یستولی علی البلدان الواحدة بعد الأخری دون أن یلقی مقاومة. أقام إبراهیم باشا فی عنیزة إلی آخر سنة 1232 ه، و جعل قوته فی قصر الصفا، ثم رحل إلی بریدة فتابعه أهلها، و رحل عنها و أخذ معه عبد اللّه بن حجیلان و بعض رؤساء البلد کرهائن خوفا من الانتقاض و هکذا فعل فی بقیة البلدان.

حصار شقرا

ثم قصد الوشم، و نزل أشیقر و الفرعة، فسلموا له، ثم نزل شقرا و حاصر أهلها، و دام الحرب أکثر من شهر ثم استولوا علی أموالهم و دمائهم و لما احتوی علیه بلدهم علی أن لا یساعدوا ابن سعود، فلما تم الصلح تابعه بقیة الوشم و أهل سدیر و المحمل، و أعطوه الطاعة، و کانت سیاسة إبراهیم باشا بأول الأمر سیاسة سلمیة غایته منها إخراج ابن سعود و عدم اعتماد قواتهم معه لیسهل علیه القضاء علی ابن سعود الذی هو الهدف المقصود، و نجح فی ذلک و ساعده علی ابن سعود نفسه علی النجاح بترک المیدان له.
رحل من شقراء و أخذ معه عشرة من أهلها کرهائن و قصد الدرعیة، و کان طریقه علی الحیسیة، ثم وادی حنیفة، من عند بلد الجبیلة، و لم یرد
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 169
أن نجی‌ء إلی مدینة ضرما لأنها لم تکن علی طریقه، و لکن أهلها فیما یقال تحرشوا به مما اضطره أن یحیل إلیهم، و کان عبد اللّه بن سعود قد أمدهم، فأرسل سعود بن عبد اللّه بن مجهر و معه قوة و أرسل متعب بن إبراهیم بن عقیصا صاحب الخرج و معه عدة رجال، و أرسل محمد العمیری و معه عدة رجال من أهل ثادق، و المحمل فانضموا إلی أهل ضرما، و فی صبیحة الیوم الرابع و العشرین ربیع الثانی سنة 1233 ه نزل إبراهیم باشا و جنوده شرقی ضرمی قرب قصور الزاحمیات، و ترکوا ثقلهم و خیامهم و سار إلیه بمدافعه و نزل شمال البلد قرب السور، فثار قرب الشدید أربعة أیام دون هوادة، کل ما تقدم العسکر ردهم أهل البلد، و فی الیوم تمکن العسکر من دخول البلد من کل جهاتها فتلقاهم الأهالی و جالدوهم بوسط السکک و البیوت إلی ارتفاع النهار فتغلب العسکر علیهم و أخذوا البلد عنوة، و فتکوا بأهلها فتکا ذریعا حتی یأتوه الجماعة فیؤمنوهم و یقتلوهم بعد أن یأخذوا حتی أثخن فیهم، و أباح البلاد نهبا و سلبا فهرب من نجا من أهلها علی وجوههم و بقیت البلد خالیة إلّا من النساء و الأطفال، فیجمعهم إبراهیم باشا و هم نحو ثلاثة آلاف و أرسلهم إلی الدرعیة لیکونوا عالة علی أهلها أیام الحصار یزیدهم بهم شدة علی شدتهم.

حصار الدرعیة

ثم رحل إبراهیم باشا قاصدا الدرعیة من طریق الحیسیة، و نزل قرب الدرعیة فی أول جمادی الأولی سنة 1233 ه، و کان ابن سعود قد رتب مواقف الدفاع فی خطین، الخط الأول علی السور الخارجی، و جعله مراکز کل مرکز یرأسه واحد من آل السعود، و الخط الثانی بین هذا الخط
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 170
و بین البلد، و جعل عنده احتیاطی یمد بهم المراکز التی تحتاج إلی زیادة قوة فوقعت الحرب و تصادمت القوات نحو ثلاثة أیام و فی الیوم الرابع رحل الباشا من موضعه و سار مع الوادی إلی الدرعیة فی بطن الوادی و معه عدد کبیر من القوات، و فرق باقی قواته یمنة الوادی و سیرته فی تلک الجبال تجاه مراکز أهل الدرعیة، ثم أخذ یهاجم البلد نحو عشرة أیام و الحرب بینهما سجال.

وقعة المغیصبی و غبیراء

و فی الیوم العاشر حمل أهل الدرعیة علی الجیش المصری فی الشعیب المعروف بالمغیصبی شمال الوادی خارج البلد و حصل قتال شدید، ثم وقعة فی شعیب لحریق خارج البلد من جنوب الوادی، ثم کانت وقعة غبیراء المشهورة، حصل فیها قتال شدید، و ظهر علیهم خیل من الجیش المصری من خلف متارس أهل الدرعیة اضطر أهل الدرعیة إلی التقهقر، ثم تراجعوا و ثبتوا فی مراکزهم، إلّا أن بعض أهل النواحی هربوا من الدرعیة فی تلک الوقعة، و خرج إلی إبراهیم باشا بعض الخونة من أهل البلد و أخبروه بعوراتهم و محل الضعف من دفاعهم، فلما عرف ما یرید معرفته قدر خطة هجوم جدیدة، فأرسل إلی علی أزن رئیس العساکر الجنوبیة قوة کبیرة، فلما أصبح حقق الحرب علی أهل الجهة الشمالیة بشدة عظیمة، رجاء أن یمدهم أهل المراکز الجنوبیة فیضعف دفاع تلک الجهة، فکان الهجوم علی المرکز الذی فیه عبد اللّه و عبد العزیز فهدم أکثر البروج، فانحاز عبد اللّه إلی مرکز متارس أخری فاحتل العسکر مرکزه، ثم حملت العساکر علی مرکز عمر بن سعد فثبت لهم، و لکن العسکر جاؤوا
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 171
من خلفه من جهة متارس عمه عبد اللّه التی احتلوها فانهزم عمر و من معه، ثم حمل الباشا و عساکره مع بطن الوادی علی مرکز فیصل بن سعود فثبت لهم و قاتل قتالا شدیدا، و کان علی و من معه قد کمن بالقرب من مرکز عمر بن مسعود، فلما انهزموا تقدم، إلی مرکز فیصل، فلما اشتد القتال بین عسکر الباشا و فیصل حمل علی أزن علی عمر من عنده من المراکز الشمالیة فانهزم أهل الدرعیة من متارسهم، و اتصلت الهزیمة من المراکز الشمالیة إلی المراکز الجنوبیة و ترکوا أکثر المدافع و الأثقال و حصل بین الطرفین قتلی کثیرة، ثم تراجع أهل الدرعیة و وقفوا بمراکز جدیدة و حصنوها و أحکموها بالحجارة حتی صارت صالحة للدفاع، و کذلک عدلوا هذا الدفاع من جدید و مراکزه لاستئناف الدفاع، هذا فضلا عن مراکز الدفاع فوق الجبال المزودة بالمدافع و الذخیرة، کذلک إبراهیم باشا عدل خطة الهجوم فجعل إزاء کل مرکز لأهل له أمل فی متابعة الدفاع، فأرسل إلی إبراهیم باشا یستأذنه فی المواجهة فأذن له، فخرج إلیه و تفاوضا و اتفقا علی أن یرکب عبد اللّه لمواجهه السلطان محمود بن عبد الحمید فیحسن إلیه أو یسیی‌ء ثم دخل عبد اللّه إلی منزله و سلمت البلد کلها و هرب رجال من آل سعود و من الأعیان، و ممن هرب سعود بن عبد اللّه بن سعود، و ترکی بن عبد اللّه بن محمد، فأما سعود فأخذته خیل إبراهیم باشا و قتل صبرا و أما ترکی بن عبد اللّه فقد نجی، و غیره عدد قلیل من آل سعود و آل الشیخ، و بعد یومین من عقد الصلح أمر إبراهیم باشا علی عبد اللّه أن یتجهز للمسیر، و أمر علی رشوان آغا و معه عسکر و علی الدویدار و من معه من العسکر أن یسیر مع عبد اللّه فرحلا و معهم عبد اللّه و لیس معه إلّا ثلاثة أو أربعة من رجاله، فوصل القاهرة فی سنة 1323 ه،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 172
فقابله محمد علی باشا بالإکرام و طیب خاطره أنه سیتکلم بحقه إلی السلطان، ثم أرسله إلی القسطنطینیة، و بعد وصوله بأیام قتل هناک رحمه اللّه تعالی.
و أحصی ابن بشر عدد من قتل من جند إبراهیم باشا فی حصار الدرعیة فقط نحو عشرة آلاف، و قتلی أهل الدرعیة بما فیهم أهل النواحی نحو ألف و ثلاثمائة رجل منهم أحد و عشرین من آل سعود خاصة، و هم آل مقرن، و آل ناصر، و آل ثنیان، و آل هذلول، و توفی عبد اللّه بن عبد العزیز بن محمد بن سعود بعد انقضاء الصلح.
و هکذا کانت نهایة عبد اللّه بن سعود، فقد أساؤا معاملته و لم یعاملوه بالمعاملة التی تلیق بمقام رئیس حکومة مستقلة أکثر من ثمانین سنة، بل عاملوه معاملة اللصوص و قطاع الطرق.
أما تقدیر ابن بشر لعدد القتلی من الجند المصری باثنا عشر ألفا من أول خروجه إلی أن انتهی حرب الدرعیة، فلا هو بعید من الصحة، و لکن تقدیره الذی قتل منهم فی بلدان نجد قبل الدرعیة بألفین و عشرة آلاف بالدرعیة، فهو لا یطابق الواقع، إذ أن الذی قتل به العسکر فی حرب الرس ثلاثة آلاف و أربعمائة رجل (3400) باعتراف الحکومة المصریة و أهل ضرمی باعتراف ابن بشر أنهم قتلوا من العسکر فی وقعة واحدة ستمایة رجل، فإذا قدرنا أن الذی قتل أهل ضرمی فی بقیة الوقعات صار مجموع الذی قتل من العسکر فی ضرمی ألف رجل، أما الذی قتل فی شقرا و فی بقیة البلدان الأخری فربما یبلغ ألف و ستمائة رجل، یدخل فی ذلک من قتل فی وقعة ماویة، فیکون مجموع الذی قتل من العسکر ستة آلاف خارج الدرعیة و ستة آلاف فی الدرعیة.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 173

أعمال إبراهیم فی نجد و إمعانه فی التنکیل بهم، و الانتقام منهم، و استرساله فی غضبه سنة 1234 ه

بعد أن استولی علی الدرعیة و أرسل عبد اللّه بن سعود إلی مصر أقام فیها ینتظر أوامر أبیه، و أخذ یتتبع العلماء و الأعیان [...] علی عدد منهم و قتلهم، و عذبهم بأنواع شتی من العذاب، ممثلا فیهم أشنع تمثیل، و إلیک طرفا من أعماله.

من قتل فی ملفظ القبس‌

قبض علی علی بن حمد العرینی قاضی ناحیة الخرج، و قبض علی صالح بن رشید الحربی من أهل الرس. و علی عبد اللّه بن صقر الحربی من أهل الدرعیة، و جعل کل واحد منهم فی ملفظ القبس، و یؤمر فیهم حتی طیر أشلاءهم فی الجو.

من قتل بالقرابین و البنادق‌

ثم قبض علی رشید السردی قاضی الحوطة و الحریق، و عبد اللّه بن أحمد بن کثیر، و عبد اللّه بن محمد بن سویلم، و حمد بن عیسی بن سویلم، و هؤلاء من أعیان الدرعیة و محمد بن إبراهیم بن سدحان صاحب شقرا و قتلهم جمیعا.

قتله الشیخ سلیمان بن عبد اللّه بن الشیخ محمد

و قبض علی الشیخ سلیمان بن الشیخ عبد اللّه بن الشیخ محمد، أمر أن یخرج به إلی المقبرة و معه عدد کثیر من العسکر، فأمرهم أن یثوروا فیه البنادق و الترابین دفعة واحدة، فثوروا فیه فتناثر لحمه قطعا.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 174
و قبض علی الشیخ أحمد بن رشید الحنبلی القاضی من أهل المدینة قدم علی عبد اللّه و حال الحصار دون رجوعه فعزر تعزیرا شدیدا و ضرب بأنواع التعذیب و قلع أسنانه.
و نقل عنه طبیبه الفرنساوی أنه قال: ما ندمت علی شی‌ء مثل ما ندمت علی عملی بالشیخین أی الشیخ سلیمان و الشیخ أحمد بن رشید و أود لو أنی لم أسترسل مع غضبی بشأنهما.
و لم یقتصر الأمر علی الدرعیة بل أراد أن یعمم عدله فی جمیع نجد، فأرسل قوادیسه و حاشیته و معهم العساکر و فرقهم فی نجد، و أمرهم أن یهدموا أسوار البلدان و حصونها فهدموها، و ألزموا الأهالی بعلف الخیل و علیقها، و صادروا ما فی البلدات من الحنطة و الشعیر فقضاهم نصف ثمنها.

فظائع عمال إبراهیم فی نواحی نجد

بعد أن سلبوا ما عندهم قبضوا علی رؤساء البلدان و قتلوهم من ذلک.
عامله فی الجبل قبض علی أمیرها محمد بن عبد المحسن و أخاه علیا و معهما رجال و قتلهم.
و عامله فی عنیزة قبض علی أمیرها عبد اللّه بن رشید و قتله.
و عامله فی الجنوب حسین جوخدار قبض علی فهد بن سلیمان، و عبد اللّه بن سلیمان، و متعب بن إبراهیم بن سلیمان آل عفیصان و قتلهم و استعاد أموالهم، و قتل الشیخ علی بن الشیخ عبد اللّه بن الشیخ محمد.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 175

أعماله فی الأحسا

ثم بعث محمد کاشف إلی الأحسا و معه مائتین و أربعین من العسکر، و معهم عبد اللّه بن عیسی بن مطلق، من رؤساء الأحسا فأمر إبراهیم باشا بجمع بیت المال هناک و جمیع ما کان لآل سعود فی الأحسا، فقدموه و أخذوا أموالا و قتلوا رجالا و صادروا أموال جمیع طوارف ابن سعود و من یمیل إلیهم، و قتلوا أئمة الحسا من أهل نجد، و قبضوا علی القاضی الشیخ عبد الرحمن و صادروا أمواله و قتلوه، و عاثوا فی البلاد فسادا طیلة إقامتهم فیه، و لم یبرحوه إلّا عند ما أراد إبراهیم باشا مغادرة نجد نهائیّا.

إجلاء آل سعود و آل الشیخ إلی مصر سنة 1234 ه

اشارة

أقام إبراهیم باشا فی الدرعیة ینتظر الأوامر من أبیه الذی کان یستمد أوامره من سلطان ترکیا، فجاء الجواب إلی إبراهیم باشا بأن یرحل حرم آل سعود و أطفالهم، و آل الشیخ و أطفالهم، فسیرهم من الدرعیة فی شهر رجب سنة 1234 ه، و لم یبق إلّا من هرب أو اختفی، و سیر معهم العساکر إلی مصر، و کان عدد من سار من آل سعود و آل الشیخ ینبوا علی الأربعمائة من الرجال و النساء و الأطفال.

هدم الدرعیة

و فی شعبان سنة 1234 ه جاءه الأمر بهدم الدرعیة، یظنون أن البلدان هی التی تکوّن نهضات الأمم، فقد عمل کل ما فی وسعه لاستئصال هذه الدولة، فسفر رجالها و نساءها و أطفالها و هدم بنیانها المادی و المعنوی، و لکنها بالرغم تجددت قبل مضی عشر سنوات، ثم
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 176
قضی علیها ثانیا فرجعت أکبر مما کانت بالرغم من جهوده، و ستبقی خالدة، إنشاء اللّه.
جاء الأمر بهدمها فرحل أهلها عنها، و أمر عسکره أن یهدموا البیوت و القصور، و یقطعوا النخیل، فابتدر العسکر و أخذوا یهدمون و یقطعون الحدائق، و یشعلون النیران فی البیوت، و أکثرت العساکر من العبث فی البلاد، فأخذا یجمعون الناس من الأسواق و یخرجونهم من الدور و یسخرونهم للخدم فی البیوت و الدکاکین، و یحملون علی ظهورهم ما تحمله الحیوانات من الأخشاب و غیرها، فلا یعرفون لفاضل فضله و لا لعالم قدره.

غزوات إبراهیم باشا

لما فرغ من هدم الدرعیة و تدمیرها رحل منها و نزل (الأصور) و هو:
غدیر قرب بلد ضرما، کان سعود یجعل فیه خیله أیام الربیع و أقام فیه أکثر من شهر، ثم رکب غازیا علی بوادی سبیع، فأخذ منهم إبلا و أغناما، و قتل رجالا، و رجع قافلا.

إبراهیم باشا ینجو بأعجوبة

ثم رکب غازیا و قصد الجنوب فلم یحصل علی طائل، و وافق غزوا من بوادی العجمان نحو المائتین فهربوا منه و قتل بعضهم. ثم تصدی له رجل من الغزو و ضربه بخنجر معه ضربة قویة أخطأته فقطعت تکة السروال و نفذت إلی سرج الحصان ففلقته و نفذت إلی ظهر الحصان فجرحته جرح بلیغا، فأحاطوا بالرجل و قتلوه، و رجع إلی مخیمه.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 177

غزوته علی عنزة

ثم رکب غازیا علی عنزة و هم فی أرض الزلفی فأخذ منهم إبلا و أغناما و قفل راجعا.

رجوعه إلی مصر

ثم کتب إلی أمراء العساکر التی فی البلدان أن یوافوه فی القصیم، ثم رحل و نزل القصیم حتی وافاه من فی البلدان من العسکر، و رحل من القصیم و أخذ معه حجیلان بن حمد أمیر القصیم و کان عمره فوق الثمانین و توفی فی المدینة رحمه اللّه و تولی بعده فی بریدة ابنه عبد اللّه بن حجیلان.

رجوع أمراء البلدان إلی بلدانهم‌

بعد ما رحل إبراهیم باشا من نجد رجع أمراء البلدان الذین أجلاهم آل سعود إلی بلدانهم، و ثارت الفتنة بین هؤلاء الأمراء و خصوم من بنی عمهم الذین ظاهروا علیهم، فوثب رشید بن سلیمان الحجیلانی علی عبد اللّه بن حجیلان أمیر بریدة و قتله، لأن حجیلان قتل سلیمان الحجیلانی لما حاصر سعدون بن عریعر بریدة فثأر لأبیه، و لکن لم یتمتع بالأمر طویلا لأن العرفجیة والدة عبد اللّه بن حجیلان أخذت بثأر ابنها، فاستنجدت أهل عنیزة فأنجدوها بقوة حاصرت فیه رشید بن سلیمان الحجیلانی و حاصرته فی القصر، و کانت تعلم موضع الجبخان، فعملت نفقا من الخارج، و لما قاربته وضعت البارود و نسفت القصر، فثار الجبخان فهدم القصر علی من فیه، فصار عملها مضربا للأمثال بأخذ الثأر، و إلی ذلک بشیر عبد اللّه بن علی بن رشید بقصیدته:
إلی عاد ما نرویه من دم الأضدادو دوی یم العرفجیة ترویه
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 178

رجوع آل عریعر إلی ملک الأحساء سنة 1234 ه

لما رحل العسکر من الأحساء مع إبراهیم باشا قدم إلیه محمد بن عریعر و ذویه من آل حمید و ملکوه و أرسل ابنه سعدون إلی القطیف و ملکه.

محمد بن مشاری بن معمر یحاول الحکم فی نجد

عند ما أجلی آل سعود من نجد و هدمت الدرعیة و رحل إبراهیم باشا من نجد طمع ابن معمر فی ملک نجد لقرابته من آل سعود عبد العزیز بن محمد بن سعود جده (لأمه)، و کان عنده من الأموال و السلاح الشی‌ء الکثیر، ففی أواخر سنة 1234 ه رحل من العیینة و نزل الدرعیة و سعی فی عمارتها، و أخذ یدعو إلی نفسه، فکاتب أهل البلدان و دعاهم إلی الوفود إلیه فأجابه القلیل من أهل القری التی حول الدرعیة، منهم أهل منفوحة، و کان بینه و بین أمیر الریاض ناصر بن حمد بن ناصر العائذی، و أمیر حریملا جهة مبارک بن عبد الرحمن بن راشد، و أمیر الخرج ابن زید بن زامل عداوة فلم یتابعوه، و قد کتبوا إلی ماجد بن عریعر رئیس الأحساء و بنی خالد و أشاروا علیه أن یسیر إلی ابن معمر و یقضی علی حرکته قبل أن یستفحل أمره، فخرج ابن عریعر من الأحسا بمن معه من البوادی و انضم إلیه الأمراء الثلاثة فنازلوا بلد منفوحة، و جری بینهم قتال ثم صالحوهم و ارتحلوا عنهم، فأرسل ابن معمر إلی ابن عریعر و خادعه و أظهر له الموافقة و أرسل إلیه الهدایا. ثم جری اختلاف بین ابن عریعر و البوادی الذی معه فخذلوه و رجع علی غیر طائل، فاشتد أمر ابن معمر بعد ذلک، و کانت الأطعمة بالدرعیة فی الغایة من الغلا فکتب ابن معمر إلی أهله
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 179
و المحمل، و الوشم، و غیرهم بجلب الأطعمة إلی الدرعیة و طلب أنه یفدوا إلیه فجاءت القوافل إلی الدرعیة و باعوا بأقیام مناسبة.

قدوم ترکی بن عبد اللّه إلی ابن معمر و مساعدته‌

ثم قدم إلیه ترکی بن عبد اللّه بن محمد بن سعود و أخوه زید و صارا عنده یساعدانه، و أخذ ابن معمر یبث دعاته فی البلدان و یدس الدسائس بینهم لیوقع بینهم الشقاق فیساعد أحد الفریقین، فقد کتب إلی آل حمد أهل حریملا یغریهم بأبناء عمهم آل راشد فثاروا علیهم و قتل بینهم رجال، فاستنجد آل حمد بابن معمر فأرسل ابنه مشاری و زید ابن عبد اللّه بن محمد بن سعود قوة و ساعدهم أهل البلدان التی تلیهم من المحمل و سدیر و حاصروهم نحو أسبوع، ثم إنهم طلبوا الأمان من مشاری فأمنهم بخطاب علی أنفسهم و من معهم و ما معهم، فأنزلهم من القصر و رحل بهم إلی الدرعیة، و بعد هذه الوقعة دانت لابن معمر بلدان من العارض و الوشم و سدیر، فمنهم من کاتبه، و منهم من وفد إلیه، و جعل عمر بن عثمان بن حمد أمیرا فی حریملا من قبله.

[سنة 1235 ه] خروج مشاری بن سعود بن عبد العزیز من مصر

اشارة

و فی شهر جمادی الثانی سنة 1235 ه: وصل مشاری بن سعود الوشم هاربا من مصر و التحق معه عدة رجال من أهل القصیم و أهل الزلفی و ثرمداء و غیرهم من عبید أهل الدرعیة، و معه حملات من الطعام و الأرز، و قدم الدرعیة و نزل فی أحد بیوت إخوانه، فانزعج ابن معمر و أراد الامتناع و المقاومة فعجز و جنح إلی الصلح و بایع لمشاری بن سعود و استقام له الأمر، و وفد إلیه أهل سدیر و رئیسهم محمد بن جلاجل، و أهل المحمل
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 180
و حریملا، و أهل الریاض، و کثیر من الوشم و بایعوه، و قام معه ترکی بن عبد اللّه و عضده، و قدم إلیه فی الدرعیة عمه عمر بن عبد العزیز و أبناءه عبد اللّه بن محمد، و عبد الملک، و قدم إلیه أیضا مشاری بن ناصر ابن محمد بن مشاری، و هؤلاء کلهم ممن هرب من الدرعیة بعد الصلح. و لما استقر الأمر لمشاری أمر علی أهل البلدان بالغزو، و سار من الدرعیة و قصد ناحیة الخرج و نازل السلمیة و استولی علیها، و عدا علی الیمامة و أخرج منها البجادی، ثم سار إلی الدلم فخرج إلیه أمیرها زقم بن زامل و بایعه، ثم رجع إلی الدرعیة.

خلاف ابن معمر علی مشاری‌

و کان ابن معمر قد ندم علی انسلاخه من الأمر، فرکب من الدرعیة و نزل سدوس و أخذ یدیر الرأی فی استرجاع الأمر.

القبض علی مشاری بن سعود و ولایة محمد بن معمر

فکاتب آل حمد أهل حریملا و طلب نصرتهم فاستدعوه و وعدوه النصرة، فجاء إلیهم من سدوس، فرحبوا به و أظهر المخالفة علی مشاری و کتب إلی أهل النواحی یدعوهم إلی مبایعته و متابعته، و کتب إلی فیصل الدویش یستنجده فأرسل إلیه جیشا من مطیر فسار بهم و معه أهل حریملا و غیرهم و قصد الدرعیة و دخلها بغتة، فدخل ابن معمر و من معه علی مشاری فی قصره و قبضوا علیه، و أرسله إلی سدوس و حبسه فیها. و کان ترکی بن عبد اللّه و عمر عبد العزیز فی الریاض، فجعل ابن معمر ابنه مشاری فی الدرعیة و سار بما معه من الجموع و قصد الریاض، فدخلها و هرب منها ترکی بن عبد اللّه و عشیرته إلی حایر سبیع، و استولی علی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 181
الریاض و رجع إلی الدرعیة، و أرسل ابنه مشاری أمیرا علی الریاض.

خروج العسکر إلی نجد مرة ثانیة

و کأن هرب مشاری بن سعود و حرکته و حرکة محمد بن معمر حرکت مخاوف صاحب مصر من رجوع دولة الوهابیة فأراد أن یقضی علیها قبل استفحال الأمر، فأرسل مع أبوش أغا قوة عسکریة کطلیعة للجیش، فقدم أبوش آغا القصیم و تابعه أهلها إذ لیس لهم إذ ذاک أمیر معروف، و کان أمیر عنیزة یومئذ عبد اللّه الجمعی و هو من صنایع الأتراک الذی جاهد معهم ضد أوطانه، و کان ابن معمر فی أول أمره لم یتمکن له نفوذ فأراد أن یتخذ له یدا مع العسکر فکتب إلی أبوش آغا یبدی له السمع و الطاعة، و یقول؛ إنه قبض علی مشاری بن سعود و ینتظر فیه أمرهم فکتب إلیه أبوش آغا یشکره و یقره فی مرکزه.

ترکی بن عبد اللّه یستولی علی الدرعیة

ذکرنا أن ترکی بن عبد اللّه هرب من الدرعیة حین قبض ابن معمر علی مشاری و قصد حایر سبیع. ثم سار إلی ضرما لحاجة له فیها، فبلغ ابن معمر مسیر ترکی إلی ضرما فی قلة من رجاله فأرسل ابنه مشاری للقبض علی ترکی، و أرسل أمامه رجلا إلی ضرما و معه کتاب، فصادفه ترکی و قبض علیه فأخبره المخبر، و أخذ الکتاب الذی معه فعلم المقصود و أمر علی رجاله أن یتحصنوا فی أحد القصور فدخلوه و أخذوا من صاحبه سلاح. و فی اللیل بعد ما دخل ابن معمر البلد خرج ترکی و خادمه و بعض من أصحابه و قصدوا البیت الذی فیه ابن معمر و جماعته فأمسک خادما لهم و قال له: استفتح علیهم و إلّا ضربت عنقک فاستفتح علیهم، فدخل علیهم
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 182
ترکی و هم مجتمعون علی النار، فهجم علیهم و جرح فیهم جراحات فأطفئوا النار و هربوا و تسوروا جذر البیت، و هرب مشاری بن معمر ناجیا بنفسه. و أقام ترکی أیاما فی ضرما، و أتی إلیه ناس من الجنود و سبیع و غیرهم فسار بهم إلی الدرعیة و دخلها فقصد ابن معمر فی قصر، فأراد المقاومة فخذله أهل الدرعیة و أصحابه، فقبض علیه و حبسه، فلما استقر بالدرعیة سار إلی الریاض و استولی علیها و قبض علی مشاری بن معمر و أرسله إلی الدرعیة و حبسه مع أبیه، فقال ترکی بن عبد اللّه لمحمد بن معمر: أطلق سراح مشاری بن سعود کی أطلق سراحک و ابنک فکتب ابن معمر إلی بنی عمه فی سدوس یأمرهم بإطلاق مشاری بن سعود فأبوا علیه، و قالوا: إن العسکر قادم إلینا و أنت قد وعدتهم بتسلیمه إلیهم. و بعد یومین أو ثلاثة قدم قسم من العسکر الذین بالقصیم یقودهم خلیل بک و فیصل الدویش نزلوا سدوس و سلم لهم مشاری بن سعود، فأرسلوه إلی أبوش آغا فی عنیزة و حبسوه هناک و مات بعد قلیل قیل إنه مات مسموما رحمه اللّه.

قتل محمد بن مشاری بن معمر و ابنه‌

فلما تحقق ترکی أن أهل سدوس سلموا مشاری إلی الترک ضرب عنق محمد بن معمر و ابنه مشاری، و لما أقبل العسکر رحل ترکی بن محمد ترکی إلی الریاض، و رحل العسکر من سدوس و معهم الدویش قاصدین الریاض و هاجموا ترکی فیها فدحرهم و رجعوا إلی ثادق و أخذوا یعیثون فیها فسادا.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 183

[و فی سنة 1236 ه] قدوم حسین بک إلی نجد

اشارة

و فی سنة 1236 ه: قدم حسین بک و معه قوة من العسکر و اجتمع بأبوش آغا فی القصیم، ثم رحلوا جمیعا و نزلوا ثرمداء و لا غایة لهم إلّا سلب أموال أهل نجد. فلما استقروا فی ثرمداء کتبوا إلی البلدان یطلبون غزوا و أتی من کل بلد عدة رجال و انضم إلیهم أمراء البلدان الذین أجلاهم آل سعود أولا و ابن معمر أخیرا کأمیر الریاض ناصر العائذی، و رئیس حریملا حمد بن مبارک، و أمیر عنیزة عبد اللّه الجمعی صنیعتهم الذی طرده جماعته و أرجعه الترک، فساروا إلی الریاض و أراد ترکی المقاومة فخذله أهل البلد و دخل الترک الریاض بدون قتال، و احتمی ترکی و جماعته فی القصر فقاتلوه بالمدافع، فلما کان اللیل هرب من القصر وحده فطلب أهل القصر الأمان فأمنوهم و خرجوا منه و هم نحو سبعین رجلا و فیهم عمر بن عبد العزیز و أبناءه الثلاثة فقتلوا الجمیع عدا عمر و أولاده سیروهم إلی مصر دلیلا علی نصرهم.

فظائع حسین بک و سلبه الأموال بعد قتل الرجال أو ذیول فظائع الجیش المصری‌

أولا قبض علی أبناء إبراهیم بن سعید من أهل منفوحة و ضرب علیهم ألوفا من الدراهم و أخذها.
ثم صادر أهل الریاض و أخذ أموالهم.
ثم جمع أهل الدرعیة الذین نزلوها مع ابن معمر و أرسلهم إلی ثرمداء و حبسهم فی قصر، ثم أخرجهم و أحاط بهم العسکر و قتلوهم عن
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 184
آخرهم و هم یبلغون نحو مائتین و ثلاثین رجلا و أخذوا أموالهم و بعض الأطفال.
ثم فرق عساکره فی البلدان و ضربوا علیهم ألوفا من الدراهم، و استوفوها منهم بأشد أنواع القسوة و التعذیب، و ساعدهم بعض خونة من أهل البلاد، فصاروا ینتقمون ممن یکرهون و یتهموهم بالثروة، و ذلک کافی للقضاء علی هذا المتهم إذ یموت تحت السیاط بطلب هذه الثروة الموهومة، فلما استولوا علی ما عند الناس من الدراهم بدأوا یأخذون ما لدیهم من الحلی و ما علی النساء من حلی ذهب أو فضة، و یستعملون فی استحصال ذلک جمیع طرق الإرهاب من الضرب و التعذیب، فلما استنفذوا ما عندهم من ذلک رجعوا یأخذون السلاح و المواشی و الأوانی، فلما رأی الناس أن مظالمهم لا تقف عند حد هربوا علی وجوههم فی الجبال و البراری و القفار، فلم یکتف العسکر بذلک بل رجعوا إلی النخیل و أخذوا یقطعونها فقطعوا أکثر نخیل رغبة و الداخلة و جلاجل و التویم و حوطة سدیر و غیرها من البلاد.

من قتلوا تحت السیاط لتحصیل الضرائب‌

و قتلوا من أهل المجمعة و سدیر رجال و لا ذنب لهم إلّا أنهم لم یجدوا ما یدفعونه لهم من الضرائب التی فرضت علیهم، و قتلوا عبد اللّه بن مانع من أهل حریملا.
و قتلوا من أهل الدرعیة عبد اللّه بن حمید، و ضربوا سلیمان الحر، و زامل بن بنیان حتی ماتوا بسبب عدم ما یجدون لدفعه.
و قتلوا من أهل ثادق عبد اللّه بن علی بن سبدر، و عبد الرحمن بن
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 185
ماجد ضربا بالسیاط حتی ماتوا، و ضرب و عذب و غیرهم بأنواع العذاب.
و حبس عبد العزیز بن سلیمان بن عبد الوهاب فی حریملا، و نهب بیته، و أخذ خزانة کتب عظیمة عنده، فأخذ الزرکلی قاضی حسین بک منها أحمالا و أحرق الباقی، و عذبه بالضرب و أنواع العذاب.
و قتل أمیر بریدة عبد اللّه بن محمد بن عبد اللّه بن حسن آل ابن علیان، و قتل محمد بن غانم من أقاربه.
فلما استحوذ علی ما بأیدی الناس من الأموال و الأدباش و المصاغ و أشبع نهمة جشعه و بلغ غایته من الانتقام رتب العساکر فی حصون البلدان و رجع إلی المدینة ثم إلی مصر فی شوال سنة 1236 ه.

حسن أبو ظاهر یأتی لیتمم أعمال سلفه و وظائفه سنة 1237 ه

اشارة

و فی سنة 1237 ه: خرج ثالثة الأتافی حسن بک أبو ظاهر و معه قوة عسکریة لینضم إلی من فی نجد من العسکر، و لیتمم أعمال سلفه من السلب و النهب. فنزل الرس فلبس ثیاب الحمل و تظاهر بالنسک و التدین لیستمیل به أهل نجد، و لکن سرعان ما انقلب علیه خلقه. رحل من الرس و نزل عنیزة و کان أمیرها داعیة الترک عبد اللّه الجمعی و صار یعتمد علیه، فأرسل إلی عنیزة نحو ثمانین فارسا یرأسهم موسی کاشف و معه الجمعی فنزلوا قصر المجمعة و استأنفوا دور حسین باشا فی السلب و النهب و القتل، فامتنع علیهم أهل سدیر و لم یحصلوا منهم إلّا علی القلیل، فقبضوا علی اثنین من رؤساء المجمعة و قتلوهم و قتلوا معهم رجالا.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 186

أعماله فی جبل شمر

ثم رحل حسن أبو ظاهر و قصد جبل شمر فاستقر فی حصونها، ثم طلب منهم الزکاة من رحیل إبراهیم باشا من نجد إلی وقته فاستوفاها، ثم سار إلی بعض البوادی فأخذ إبلهم و ألزمها أهل الجیل بضعف قیمتها و قبض ثمنها، ثم ضرب علیهم الضرائب من الدراهم و أخذها و سار إلی قریة موفق و حاصرهم حتی ظفر بهم فقتل منهم نحو ستین رجلا.

غزواتهم علی البوادی و قتل موسی کشف‌

سار العسکر الذی فی المجمعة غازیا علی قبیلة السهول، و أغار علیهم فصمدوا له و قاتلوه قتالا شدیدا و قتلوا موسی کاشف و أکثر العسکر الذین معه و هربت فلولهم إلی المجمعة.

غزوة إبراهیم کاشف و قتله‌

و سار العسکر الذین فی الریاض و منفوحة و رئیسهم إبراهیم کاشف و معه ناصر العائذی أمیر الریاض، و ابن مزروع أمیر الرس و معهما رجال من جماعتهم و قصدوا سبیع و أغاروا علیهم، و حصل بینهم قتال فانهزم الترک هزیمة شنیعة و قتل رئیسهم إبراهیم کاشف و ثلاثمائة من جنده، و انهزم أمیر الریاض و معه رجل من سبیع مجیره و اختفی فی غار قبالة حایر سبیع، و سار رفیقه السبیتی بالفرس یسقیها من البلد فعرفها و رحل من سبیع فأتوا إلیه فی غاره و قتلوه، و هکذا نهایة کل خائن لبلده.

ابتداء الثورة 1238 ه

و بما أن نجدا مفککة الأوصال، لیس لهم رابطة تجمهم و لا
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 187
حکومة تنظم أمورهم فقد تلقوا هذه الأعمال الوحشیة بالخضوع و عدم المقاومة، و لکن اشتداد الضغط دائما یولد الانفجار، فقد أراد أبو ظاهر أن یمثل الدور الذی لعبه حسین باشا و أبوش آغا ... (و شرکائهما). و بث العساکر فی البلدان للسلب و النهب، و جاء هو من الجبل و نزل القصیم لیتمم عمله فیه و لکن الأهالی قد ضاقوا ذرعا بأعمالهم، فعند ما أرادوا تنفیذ أوامرهم ثار علیهم صاحب جلاجل و بقیة أهل سدیر و قابلوهم بالسلاح و طردوهم، فرحلوا إلی الوشم، و قام حسن أبو ظاهر و فرض علی أهل عنیزة ضریبة أرادوا استحصالها بواسطة صنیعتهم عبد اللّه الجمعی فاستعملوا طریقتهم من الإرهاب، فسلم أهل البلد بعضا من الضریبة فلج فی طلب البقیة و استحصاله فثار علیه أهل البلاد و قابلوه بالسلاح. فلما رأی تصمیمهم طلب الأمان علی نفسه و من معه فأمنوه و أخرجوه من البلد و هو صاغر، و علم أن أهل نجد عموما عازمون علی المقاومة فاستدعی العسکر الذین فی ثرمداء و سار راجعا إلی المدینة، و قبل مسیرة وضع فی قصر الصفا فی عنیزة ستمائة من العسکر، فلما رحل أبو ظاهر قام أهل عنیزة علی العسکر و أمروهم أن یخرجوا و یتبعوا أصحابهم فلم یقبلوا فهاجموهم و قتلوا منهم نحو سبعین رجلا، فطلبوا الأمان علی أنفسهم فأمنوهم و أخرجوهم و ترکوا لهم ما بأیدیهم من السلاح و المتاع، و لحقوا بأصحابهم. ثم إن أهل عنیزة هدموا قصر الصفا. و برحیل هؤلاء لم یبقی فی نجد من العسکر إلّا الذی فی الریاض و منفوحة بقیادة أبی علی البهلول المغربی.
فهذا یحمل من أعمال و أثار الدولة المصریة المتحدثة فی نجد و أهل نجد مما لم یشهد له مثیل فی التاریخ، و لا نعرف ما هی الغایة التی توختها
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 188
الحکومة المصریة من إرسال الجیش إثر الجیش بعد أن عملت فی التنکیل و التدمیر و التشتیت فقد هدمت البلدان.

و فی سنة 1239 ه:

أجلت الأمراء و الحکام، و ساقت النساء و الأطفال إلی منفاهم، کل ذلک أجراه إبراهیم باشا قبل رحیله من نجد مما له بعده غایة، فما هی إذا المهمة التی أرسل الجیوش الواحد تلو الآخر تنفیذها مع أنه لم یحدث فی نجد ما یوجب ذلک، هل القصد منه الفسخ و الاستدارة، فهذا ما لا تدل علیه الحقیقة، و إن کان القصد الإصلاح و تسکین الحرکات فهذا أیضا یکذبه الواقع، فالجیش یأتی و یعیث فی البلاد فسادا ثم یرجع کما أتی، ثم یأتی الجیش الآخر فیتمم عمل سلفه من السلب، ثم یرجع من حیث أتی دون أن یترک وراءه إلّا النقمة و الکراهیة و البغضاء، و مهما قلبت وجوه المرأی و تحصلت للحکومة المصریة أو للحکومة الترکیة سیدتها لا أجد وجه معقول لسوق هذه الجیوش و أعمالهم البربریة، اللّهم إلّا وجه لا تأتی له و هو أن لا مهمة لهذه الجیوش التی عاشت فی نجد نحو خمس سنین إلّا الانتقام و الإبادة و هو ما یؤیده الواقع، لشرحنا الشی‌ء الیسیر منه، قد أتمت مهمتها له بأمانة و إخلاص. و لکن الأمر الوحید الذی أود معرفته و هو هل أن إبراهیم باشا أو محمد علی باشا حاسبا قوادهما علی مئات الألوف من الذهب و الفضة التی سلبوها من دماء الأهالی الفقراء، أو أنهم استأثروا بها لأنفسهم و ترکوا لهما الشنار و العار و سوء السمعة، و حکم التاریخ علیهم بالبربریة و الهمجیة فالأفراد تفنی و الأمم تبقی حیة خالدة مهما أصابها من الظلم و الطغیان. فلیهنأ محمد علی و ابنه البطل بأعمالهما التی سجلها لهم التاریخ بأحرف من نار (لا من نور) و لیهنأ معهم المسلمون الذین جعلوا
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 189
هذه الأعمال الوحشیة من مناقبهم المحمودة، و إن أعجب ما أعجب منه هو ادعاء بعض مؤرخیهم و علماءهم و غیرهم الذین یدعون أن محمد علی و ابنه إبراهیم کانا یعملان للوحدة العربیة تحت زعامتهما، فهل هذه الأعمال من وسائل الوحدة العربیة ... و هل هذا برنامجهم لتحقیق الوحدة العربیة؟ فما هی و اللّه إلّا التفرقة بأوسع معانیها، اللهمّ إلّا إن کان الحجاز و تهامة و الیمن و نجد لیست داخلة فی برنامجهم و لا یعدونهم فلا ندری إذا من هم العرب، رجوعا إلی حوادث نجد سنة 1239 ه.
ذکرنا ما کان من أعمال عبد اللّه الجمعی الذی أمّره الترک فی عنیزة، و ما کان له من سوء الأثر فی جماعته فقد ضاقوا ذرعا، فاجتمع وجهاء عنیزة و أعیانهم و أرسلوا إلی یحیی السلیم و بایعوه علی الإمارة علی أن یکفیهم أمر الجمعی، فأعطاهم عهد ذلک ترصد له فی بعض الطرق، فلما قرب من الموضع الذی فیه یحیی أحس بالأمر فهرب و لحقه یحیی و کان اللیل فقتله، فجدد له فی البلاد البیعة و تولی الأمر، و کان هو أول من تولی الإمارة من السلیم مستقلا.
و کان ترکی بن سعود لم یزل فی عرقه یکافح البقیة الباقیة من العسکر فی الریاض، و فی هذه السنة هاجم ضرما و قتل أمیرها ناصر السیاری و استولی علیها. ثم سار منها قاصدا سدیر فنزل بلد ثادق، و وفد إلیه رؤساء أهل سدیر و بایعوه، ثم استنفر أهل المحمل و قصد بلد المجمعة و فتحها، و أقام نحو شهر، ثم استنفر أهل الزلفی و سدیر و الغاط و منیخ فقصد بهم حریملاء و قاتلهم، ثم صالحوه. ثم سار إلی منفوحة و استنفر من أهل حریملا و نزل علیها فخرج إلیه أمیرها و صالحه و أخرج من فیها من العسکر.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 190

حصار الریاض 1240 ه

اشارة

ثم سار من منفوحة و نزل الریاض و فیه بقیة العسکر فحاصرهم فأنجدهم فیصل الدویش و جمیع عربانه، فرجع ترکی و لما رجع الدویش عن الریاض عاد ترکی إلی محاصرتها فطلب رئیس الترک الصلح فأجابه ترکی عن شرط أن یرحل و من معه من العسکر عن جمیع نجد قبل هذا الشرط و تم الصلح علی ذلک.

جلاء آخر عسکری علی نجد

فأمر ترکی ابن عمه مشاری بن ناصر أن یدخل الریاض و یضبطها و أرسل معه قوة، ثم أمر علی العسکر أن یتجهزوا للرحیل، ثم جاء ترکی و احتل ثرمداء فتابعه أمیرها سلطان بن عبد اللّه العنقری، ثم رحل منها و صار أمیر ثرمداء.

استیلاء ترکی بن عبد اللّه علی عموم نجد

و استقرار الأمر له سنة 1240 ه لیراقب جلاء العسکر و خوفا من غدرهم. و بعد مدة أقبل العسکر من الریاض و تابعوا سیرهم إلی المدینة و بذلک تم جلاء آخر عسکری فی نجد، و برحیلهم تم استیلاء ترکی علی نجد، و أقبلت علیه وفود أهل البلدان لمبایعته و هو فی شقرا.

الوفود

فقدم علیه أولا وفود أهل حوطة بنی تمیم و صاحب الحریق، و قدم علیه یحیی السلیم أمیر عنیزة فی رجال من رؤساء جماعته و بایعه الجمیع
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 191
علی السمع و الطاعة. و لم یبق أحد من أهل نجد لم یدخل فی الطاعة إلّا أهل الخرج و أقر الأمراء فی بلدانهم و رجعوا و رجع ترکی إلی الریاض.
و بعد مدة خرج من الریاض و قصد ناحیة الخرج و استولی علی نجان، و خرج إلیه زقم بن زامل أمیر الدلم بجنوده المحاصرة و حصل بینهم قتال، ثم رجع زقم إلی بلده فتبعه ترکی و حاصر البلد، ثم طلبوا الصلح فأجابهم ترکی و أمنهم علی أنفسهم و أموالهم عدی ما یخص زقم بن زامل، فتم الأمر علی ذلک و خرج زقم من القصر و استولی ترکی علی القصر و ما فیه.
ثم سار إلی السلمیة و سلمت و احتصر أمیرها بالقصر عدة أیام ثم أخذ الأمان لنفسه و من معه و علی القصر بما فیه، فأجابه ترکی إلی ذلک. ثم أرسل ترکی إلی البجادی صاحب الیمامة یدعوه للدخول فی الطاعة فأجابه و بایعه، و بذلک تم فتح الخرج و استقرت الأمور فی نجد للإمام ترکی.

حوادث سنة 1241 ه

و فی هذه السنة توفی سعید بن مسلط أمیر عسیر و تولی بعده علی بن بحتل، و فیها قدم مشاری بن عبد الرحمن بن حسن من مصر و قدم الشیخ عبد الرحمن بن حسن ابن الشیخ محمد من مصر أیضا و کانا ممن أجلیا مع آل سعود، و استعمل الإمام ترکی مشاری أمیرا فی منفوحة، و لم یحدث أمور ذات بال بهذه السنة و لا بالتی بعدها.

حوادث سنة 1243 ه

و فی هذه السنة قدم فیصل بن ترکی هاربا من مصر فوصل الریاض.
و فیها عزل الإمام ترکی محمد العلی بن عرفج عن إمارة بریدة و جعل مکانه عبد العزیز المحمد، ثم بعد ذلک خشی الإمام ترکی علی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 192
عبد العزیز من محمد العلی فأرسل إلیه و أمره أن یبقی فی الریاض خوفا علی عبد العزیز فبقی هناک حتی اشتد ساعد عبد العزیز و تمکن أذن له بالرجوع.

حوادث سنة 1244 ه

و فی هذه السنة قدم وفد من أهل عمان علی الإمام ترکی و بایعوه، فأرسل معهم عمر بن عفیصان فی جیش فلما وصل قدم علیه وفد من أهل الظاهرة و بعض الباطنة و بایعوه.

الاستیلاء علی الأحسا و القطیف سنة 1245 ه

اشارة

ذکرنا استیلاء آل عریعر علی الأحساء إثر حوادث الدرعیة و تقلیص نفوذ آل سعود، و تمکنوا فیها و کأنهم أرادوا أن یستعیدوا نفوذ أجدادهم فی نجد، فقد حاولوا القضاء علی محمد بن معمر و فشلوا، و ها هم الآن أخذوا یتجهزون لمحاربة الإمام ترکی، فخرج محمد بن عریعر و أخاه ماجدا بأتباعهم و قبائلهم و قصدوا نجدا و نزلوا فیضة المهمری بین الصمان و الدهناء و انضم إلیهم ضوبحی الفغم رئیس الصهبة من مطیر، و فهید الصیفی رئیس سبیع، و مزید بن مهلهل بن هذال و أتباعه من عنزة، و مطلق بن نخیلان رئیس بنی حسین بعربانه، فاجتمع معهم خلق کثیر، فأمر الإمام ترکی علی أهل النواحی بالنفیر مع ابنه فیصل، و أمر الموالین له من القبائل بالانضمام إلیه، فسار فیصل بجنوده من الحضر و معه من البوادی مطلق المرصخ، و عساف أبو اثنین و أتباعهما من سبیع، و ضویحی بن خزیم بن لحیان و أتباعه من السهول، و محمد بن هادی بن قرملة من قحطان، و غیدان بن جازع رئیس آل شامر و سلطان ابن تمیم
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 193
رئیس الدواسر و نزلوا بین بنی خالد و بین الماء الذین یشربون منه، و کان بینهم مناوشات خفیفة و ثبت کل منهم بموضعه مدة تزید عن عشرین یوما دون أن یدرک أحد منهما نتیجة، ثم کان بینهم وقعة شدیدة قتل فیها ماجد بن عریعر، ثم تحاجزوا فأرسل فیصل إلی أبیه یخبره عن قتل ماجد بن عریعر و یطلب منه زیادة نجد، فخرج الإمام ترکی و معه شرذمة قلیلة و حشد من مکة.

وقعة السبیة و استیلاء الإمام ترکی علی الأحسا

رئیس آل عاصم من قحطان فقدم علی فیصل فی العشر الأواخر من رمضان، و فی صبیحة الیوم السابع و العشرین من رمضان حمل [...] و جنوده علی بنی خالد و حلفائهم و اقتتلوا قتالا شدیدا، ثم انهزم بنی خالد و حلفاءهم هزیمة شنیعة، و استولی ترکی، علی أموالهم و خیامهم و جمیع ما لدیهم، و لم یسلم منهم إلّا مطیر فإنهم هربوا بإبلهم، أما محمد بن عریعر و عشیرته فقد قصدوا الأحسا و دخلوه، و رتبوا قصوره و حصونه و ثغوره استعدادا للحرب. و أقام الإمام فی موضعه نحو عشرة أیام و کتب إلی أهل الأحسا یدعوهم، إلی الطاعة فأجابوه إلی ذلک، فرحل و قصد الأحسا فنزل غربی البلد عند جبل أبو غنیمة، فظهر إلیه رؤساء أهل البلاد و علماءهم و أعیانهم فبایعوه علی السمع و الطاعة، و کان محمد بن عریعر قد یحصن فی قصر إبراهیم و هرب باقی جماعته عند ما نزل ترکی البلد فأرسل ترکی إلی محمد بن عریعر إلی المبایعة و التسلیم فأبی إلّا أن یؤمنه علی نفسه و من معه و ما معهم، فأبی ترکی إلّا أن یسلم بدون قید و لا شرط، فاضطر إلی التسلیم و خرج إلی ترکی فأمنه و عامله بالأدب
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 194
و الإحسان، و أعطاه من الخیل الجیاد و الجیش العمانیات و الأمتاع الشی الکثیر، ثم أرسل عمر بن عفیصان بسریة لطلب طلال بن برغش و من معه من بنی خالد فأدرکهم و لکنهم نجو علی ظهور خیلهم، و أقام ترکی أربعین یوما یرتب شؤون البلاد و یستقبل الوفود، ثم استولی علی جمیع ممتلکات بنی خالد فی الأحسا، من عقار و نخیل و جعله فی بیت المال، و لم یزل کذلک إلّا أن تستولی علیه الحکومة التی تستولی علی البلاد و من النخیل المعروف الآن الماجدیة: نخل ماجد بن عریعر، و العوبا: نخل العوبا زوجة محمد بن عریعر، و الصقیهیة، لأن الأصقه منهم و الماجد، و الصقیهیة الآن ملک للأمیر عبد اللّه بن جلوی، و العوبا منحها الملک عبد العزیز إلی یاسین مدیر الشعبة السیاسیة عنده و سکرتیره الخاص، و کانت خرابا فعمرها من مال الحکومة، و عند ما أتم الإمام ترکی عمله فی الأحسا رجع فاضلا إلی وطنه و استعمل علی الأحسا عمر بن محمد بن عقیصان. خزانة التواریخ النجدیة ؛ ج‌7 ؛ ص194

حوادث سنة 1246 ه

و فی هذه السنة لیس فیها إلّا حوادث بوادی عادیة و فیها هرب مشاری بن عبد الرحمن من الریاض مغاضبا الإمام ترکی و قصد مندیل ابن غنیمان رئیس الملاعبة، من مطیر و طلب منه النصرة، فأبی علیه، و رحل عنه و قصد عنیزة للغرض نفسه فرفضوا مساعدته ثم سار إلی الشریف محمد بن عون فی مکة فأکرمه و طلب منه المساعدة فأبی علیه و أقام عنده إلی سنة 1248 ه حیث رجع لینفذ جریمته کما سیأتی بیانه بموضعه.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 195

حوادث سنة 1247 ه

هذه السنة کسابقتها لیس فیها من الحوادث ما یوجب الذکر.
و فیها توفی محمد بن فهد بن محمد بن لعبون المدلجی الوائلی، الشاعر المشهور، توفی فی بلد الکویت، و کان أشعر شعراء المتأخری النبطیین و أکثره من الشعر الجید المقبول، و لا زال یتمتع بقصب السبق إلی الآن.

حوادث سنة 1248 ه

و فی هذه السنة توفی فیصل الدویش، و تولی بعده رئاسة مطیر ابنه محمد المکنی أبو تمر، و فیها أقبل مشاری بن عبد الرحمن من الحجاز و قصد المذنب القریة المعروفة فی القصیم، و طلب من رؤسائها أن یرکبوا معه الریاض لیسترضوا الإمام ترکی علیه فقصدوا الإمام ترکی و شفعوا فیه فرضی عنه و أکرمه، و أنزله فی بیت، و أجری علیه کنایته.

حوادث سنة 1249 ه

اشارة

و فی هذه السنة حصل خلاف بین أهل القطیف و بین أهل جزیرة العمایر، فقطع أهل الجزیرة السبل علی أهل القطیف، و اتفق رئیس سبهات ابن عبد الرحیم مع أمراء البحرین علی أن یمدوه و یساعدوه إذا هو ثار ضد الإمام ترکی.
فجهز الإمام ترکی ابنه فیصلا، و سار إلی القطیف و أقام مدة طویلة حتی أخمد الثورة و رتب القصور و الحصون و جعل فیها حامیات و لم یرجع إلّا من بعد ما جاءه خبر قتل أبیه کما سیأتی بیانه.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 196

وقعة المربّع أو کما یسمیها أهل نجد مناخ المربع‌

و هی من أکبر الوقعات التی جرت بین القبائل لکثرة من اجتمع فیها من القبائل، و لطول المدة التی استغرقتها مما لم یحدث مثله فی الأزمان المتأخرة و الغریب فیها أن القبیلة الواحدة تنقسم إلی شطرین: ینضم أحدهما إلی فریق من المتحاربین و ینضم الآخر إلی الفریق الثانی و کان الخلاف الأصلی بین عنزة و مطیر، و کان لهذا الأمر زید بن مغیث بن هذال و قبل أن نأتی علی خبر هذه الوقعة، نذکر کل فریق و من معه من الحلفاء.

عنزة و حلفاؤهم‌

زید بن مغیلیت و معه بعض من قبیلة آل حبلان.
قاعد بن مجلاد و قبیلته من الدهامشة.
الغضاورة من ولد سلیمان .. هؤلاء من عنزة
ابن وضیحان و قبیلته من الصقور.
صحن الدریمی بن شعلان و قبائله من الرولة.
و معهم من غیرهم بنو علی من حرب و رئیسهم الفرم.
البرزان من مطیر و رئیسهم حسین بوشویربات.
عدوان بن طوالة و قبیلته من شمر.
هؤلاء عنزة و حلفاؤهم اجتمعوا قبالة ضدهم و یشربون من الثلجاء الماء المعروف قرب المذنب.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 197

مطیر و حلفاؤهم‌

محمد بن فیصل الدویش المکنی أبو عمر و أخوه الحمیدی و أتباعهم من علوی و لیس معهم أحد من قبائل مطیر الأخری، و معهم بنو سالم من حرب، و قائدهم ذیاب بن غانم.
سلطان بن ربیعان و أتباعه من الروقة عتیبة.
غازی بن ضبیان و أتباعه من الدهامشة من عنزة.
مزید بن مهلهل بن هذال و معه قطعة من آل حبلان من عنزة.
هؤلاء مطیر و حلفاؤهم مقابلون لضدهم و یشربون من عین الصوینع المعروفة فی السر.
فوقعت الحرب بینهم و تصادمت الجنود و الفرسان أیاما عدیدة، و عقلوا إبلهم حتی أکلت الدمن و نفذ ما عندهم من الطعام، و ارتفعت أقیامه لدیهم ارتفاعا فاحشا، و استمر ذلک المناخ نحو أربعین یوما و هم متصافون للقتال، یغادونه و یراوحونه دون أن ترجح کفة أخری، ففی ذلک الیوم اجتمع رؤساء مطیر و عقدوا مجلسا یتشاورون فیه علی اتخاذ تدابیر أخری، فقرروا أن ینتخبوا أربعمائة فارس مدرعین یقفون خارج هذا القتال و لا یشترکون فیه إلّا إذا حمی الوطیس، و أن یقرنوا الإبل فیجعلوها کرادیس یسوقونها أمامهم فی الهجوم علی العدو، فنظموا خطتهم، فلما کان الغد ناشبوهم القتال أول النهار فلما حمی الوطیس طلعت علیهم فرقة الفرسان بعد ما کلوا و اشترکوا فی القتال، ثم ساقو علیهم الإبل القرنة ففرقت صفوفهم فلما أحست عنزة بالهزیمة هربوا إبلهم و بعض أغنامهم ثم انهزموا لا یلوی منهم أحد علی أحد، و استولی مطیر علی محلتهم و بعض
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 198
الغنم و ما تبقی من الإبل و قتل من الطرفین عدد کبیر: المشهور من مطیر مطلق بن فتوحی الدویش، و ولده إسماعیل الدویش جرت هذه الوقعة بالوقت الذی کان الإمام ترکی مشغولا بتجهیز ابنه فیصل بحملة إلی أطراف القطیف، فترک هؤلاء القبائل و شأنهم یثخن بعضهم بعضا، و فی إضعافهم مصلحة سیاسیة.
و فی رمضان من هذه السنة توفی علی بن محبل أمیر عسیر و تولی بعده عایض بن مرعی، و هو جذال عائض الموجودین الآن.

قتل الإمام ترکی بن عبد اللّه‌

ذکرنا فی حوادث السنة السادسة و الأربعین ما کان من هرب مشاری بن عبد الرحمن من الریاض مغاضبا للإمام ترکی و ذکرنا فی السنة الثامنة و الأربعین رجوعه و استرضاءه للإمام و کأن رجوعه لأمر منطو علیه.
و کان الإمام ترکی قد نصبه أمیرا فی منفوحة سنة 1241 ه، و لکن مشاری کان طامعا بغیر ذلک فأخذ یدبر أموره بطی الخفاء، فاستمال إلیه بعض أمراء ترکی فی البلدان، و تعاقد معهم علی قتل الإمام ترکی و أن یقوم مقامه و یساعدوه علی ذلک، فجاء من أخبر الإمام بما تم بین مشاری و بعض الأمراء، فاکتفی بأن عزل مشاری عن إمارة منفوحة و جعله فی بیت الریاض، و عزل الأمراء الذین تعاقدوا معه و ذلک سنة 1245 ه، ثم رأی أن مشاری یجتمع عنده أناس غیر مرغوب فیهم و مشتبه فی أمرهم فمنع الدخول علی مشاری فی بدء الأمر مما أدی إلی هربه ثم رجوعه، و لکن الذی یظهر أن الأمر مختمر فی رأسه و کأنه عقد العزم علی تنفیذه فاتفق مع أتباعه علی العمل، و وکل تنفیذ الأمر إلی إبراهیم بن حمزة أحد خدمه.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 199
و أن یکون ذلک یوم الجمعة بعد ما یخرج الإمام ترکی من المسجد مباشرة.
فلما کان یوم الجمعة آخر یوم من شهر الحجة سنة 1249 ه و هو الیوم الذی قرروه لتنفیذ الجریمة، و کان مشاری فی المسجد و بجانبه إبراهیم بن حمزة الموکول إلیه العمل التفت مشاری إلی إبراهیم بن حمزة و هما فی المسجد و قال له: لعلک تؤجل الأمر إلی غیر هذا الیوم لعلمه فظاعة العمل الذی هو قادم علیه، فأراد أن یغیر رأیه فی آخر لحظة و لکن خادمه قال: إن الطبخیة قد حشیت فاختر أن أفرغه فی رأسک أو فی ترکی، أترید أن یشیع الأمر فیهلکنا ترکی، قال: أنت و ما ترید، و کان للإمام ترکی باب خاص یدخل منه جنوبی المنبر عن تخطی رقاب الناس، فلما انقضت الصلاة سبقوه إلی المحل الذی یخرج منه و وقفو مع الناس خارج المسجد، فلما خرج الإمام ترکی و معه بعض خدمه، و کان بیده کتاب یقرأه فتقدم إبراهیم المذکور و أطلق علیه الطبخیة فوقع علی الأرض میتا، فخرج مشاری و أتباعه من المسجد شاهرین سیوفهم، فعلم الناس أن الأمر مدبر و لم یقاوم من حاشیة الإمام ترکی إلّا مملوکه زوید العبد فقد حمل علی مشاری و أتباعه و جرح بعضهم، و لما لم یر مساعدا هرب، إلی القصر، ثم إن مشاری و من معه دخلوا القصر و حبسوا زویدا، و جلس مشاری للناس یدعوهم لمبایعته، أما آل الشیخ فقد جلسوا فی المسجد فدعاهم للمبایعة فأبوا أن یخرجوا من المسجد إلّا بالأمان فکتب إلیهم بالأمان، فأتوا إلیه و بایعوه ثم نقل الإمام ترکی إلی بیت زوید العبد فجهز و صلی علیه الناس بعد صلاة العصر و دفن فی مقبرة الریاض آخر ساعة من یوم الجمعة رحمه اللّه رحمة واسعة.
ثم أخرج مشاری نساء ترکی و نساء فیصل و عیالهما من القصر
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 200
و استولی علی ما فی القصر من الأموال و السلاح ففرق المال علی خدمه و أعوانه، و فرق علیهم من الأموال الشی‌ء الکثیر.
و کان فیصل إذ ذلک فی القطیف و معه الجنود التی حشدها لحرب أهل القطیف، و قد هرب العبد زوید و قصد فیصل فوافاه فی الأحسا راجعا من القطیف بعد ما بلغه الأمر سیأتی خبره بعد ذلک.
و فی هذه السنة جهز محمد بن علی باشا عساکر کثیرة بقیادة الشریف محمد بن عون، و أمره بالسیر إلی عسیر للقضاء علی عایض بن مرعی فی البلاد التی تغلب علیها فسار الشریف و حصل بینهم وقائع عدیدة ثم تغلب عایض و فتک بهم و شتت شملهم، و لم یرجع من الجیش إلّا القلیل، فکتب الشریف إلی محمد بن علی یعزو هذه الهزیمة إلی أحمد باشا حافظ مکة لتقصیره بإرسال المؤن و الذخائر، فاستدعاهما محمد بن علی لیتحاکما عنده، فذهبا فثبت أن أحمد باشا لم یقصر فی إرسال المؤن و الذخائر، فأمر علی الشریف أن یبقی و أمر أحمد باشا أن یرجع إلی الحجاز لیتم مهمئه الی؟؟؟ عسیر و کان ذلک سنة 1251 ه، فلما کان سنة 1253 ه سار إلی عسیر و حصل بینهم وقائع تمکن العسکر من استخلاص بلاده.

ترجمة حیاة الإمام ترکی بن عبد اللّه آل سعود سنة 1249 ه

ترکی بن عبد اللّه هو حفید محمد بن سعود المؤسس الأول لدولة آل سعود الأولی التی انتهت بحوادث الدرعیة سنة 1234 ه، و هو المؤسس الثانی لدولة آل سعود الثانیة، و فی ولایته ظاهرتان لا بد من الإشارة إلیهما الأولی أن فی ولایته انتقل الحکم من ذریة عبد العزیز بن
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 201
محمد إلی ذریة عبد اللّه بن محمد و لم تزل فیهم حتی یومنا، الثانیة انتقلت العاصمة من الدرعیة إلی الریاض العاصمة القدیمة المعروفة بحجر الیمامة التی قال عنها یاقوت أنها بمنزلة البصرة و الکوفة، و لم تزل هی العاصمة لهذا العهد کان الإمام ترکی رحمه اللّه شجاعا مقداما و کان ذا رأی و حلم و أناءة شدید الوطأة علی الأعداء، حازما و کان زمنه و حالته تشبه حالة جده محمد بن سعود و زمنه فی کثرة الحروب و مجاهدة الخصوم حتی ذلل صعابهم، و لم یکد یفرغ من مقارعة الأعداء و یتفرغ لتنظیم أموره حتی وافاه الأجل المحتوم و فاز بالشهادة، و کانت سیرته و أعماله مماثلة لأعمال أسلافه.
و زهران و لکن عایض استرجعها سنة 1254 ه و استمر الحرب سنة 1256 ه دون نتیجة حتی وقع الصلح بین محمد علی و السلطان، فرجعت البلاد إلی حکم الترکی و جلاء الجیش المصری عن البلاد العربیة تنفیذا لمعاهدة لندن.

ولایة الإمام فیصل بن ترکی الأولی سنة 1250 ه

اشارة

قد ذکرنا فیما تقدم أن فیصلا سار إلی القطیف لإخماد حرکة بعض أهل القطیف، و بلغه خبر مقتل أبیه و هو هناک، فأخفاه عمن معه و قفل راجعا إلی الأحسا و کان الأمیر فیه عمر بن عقیصان، فلما وصل الأحسا فشا الخبر فی الناس و کان مع فیصل أمراء البلدان و رؤساؤهم فبایعوه، منهم عبد اللّه بن رشید، و عبد العزیز المحمد أمیر القصیم، و ترکی الهزانی رئیس الحریق، و حمد بن یحیی بن غیهب أمیر شقراء و غیرهم من رؤساء
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 202
البوادی فجمعهم فیصل و شاورهم فی الأمر فأجمع رأیهم علی السیر إلی الریاض و مناهضة العدو المعتدی و القضاء علیه فتزودوا ما یلزمهم من الأحسا من السلاح و العتاد و الطعام ثم رحل قاصدا الریاض، فنزل بالقرب منها فی محرم سنة 1250 ه و کان مشاری قد ضبط بروج البلد و حصونها و شحنها بالمقاتلة، و لکن کما قیل:
إذا لم یکن عون من اللّه للفتی‌فأعظم ما یجنی علیه اجتهاده
فقد رحب جنوده بجنود الإمام فیصل عند ما جاءت لیلا و أدخلوهم البلاد و مکنوهم من احتلال الحصون و البروج و البیوت حتی أطاحوا بالقصر و صاحبه و من معه، فلما تمکن جنود فیصل من احتلال ما یریدون أعلنوا أمرهم بأصوات البنادق التی یطلقونها فی الفضاء إرهابا، فبهت مشاری و من معه و علم أنه أحیط به و تحصن بقصره و لم یکن علم بقرب الإمام فیصل حتی فاجؤه و فی فجر تلک اللیلة دخل البلاد و نزل البیت و فرق أصحابه فی البیوت و أضرم الحرب علی مشاری و من معه فی القصر، و کان فیهم سوید بن علی رئیس جلاجل وافدا علی مشاری، فلما کان لیلة التاسع من صفر نزل بعض من مع مشاری فی القصر فأخذوا الأمان لمن فی القصر من رفاقهم فأعطاهم الإمام فیصل الأمان علی أن یخرجوا.

الاستیلاء علی القصر و قتل مشاری‌

و فی اللیلة الحادیة عشر من صفر أرسل سوید إلی الإمام فیصل یطلبه الأمان لنفسه و علی من معه فی القصر إلّا من باشر قتل الإمام ترکی أو اشترک فیه و وعد أن یعمل لهم الطریق للاستیلاء علی القصر فأعطاه
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 203
فیصل علی ما أراد، فرمی لهم الحبال من شرفة القصر فصعد فیه عبد اللّه بن علی بن رشید، و بداح رئیس آل حبیش من العجمان و معهما نحو أربعین رجلا، فلما تکاملوا فی القصر قصدوا مشاری و من معه فقتلوهم، و فتحوا القصر فدخله الإمام فیصل و استولی علی ما فیه.

إجماع أهل نجد علی مبایعة الإمام فیصل‌

لما قتل مشاری أقبل أهل الریاض و القری المجاورة و بایعوا الإمام فیصل، و توافدت الوفود من أمراء البلدان و رؤساء القبائل للتهنثة و المبایعة، و لم یختلف علیه أحد، فأخذ یرتب القضاة فی مراتبهم و أید أکثر الأمراء فی مراکزهم و استقرت الأمور، و لم یحدث فی هذه السنة غیر ما تقدم شی‌ء یستحق الذکر.

حوادث سنة 1251 ه

اشارة

و فی هذه السنة عزل الإمام فیصل صالح بن علی عن إمارة الجبل و نصب بدله عبد اللّه بن علی بن رشیدا أمیرا علی حایل مکافأة له علی ما بذله فی قتل مشاری و کان بین عبد اللّه هذا و آل علی أمراء حایل الأصلیین منافسة علی الإمارة فتقلبوا علیه و أجلوه عن البلاد، و قضی مدة فی العراق ثم التحق بالإمام ترکی و کان مع فیصل فی غزوته إلی القطیف و فی سطوته بالریاض و لم یزل معه حتی ولاه إمارة حایل، فسار إلیها و تولی الإمارة علی کره من آل علی، و لکن لم یسعهم إلّا الامتثال فاعتزلوا الأمر و بقوا فی البلد، و کان عبد اللّه مصمما علی القضاء علیهم فکان یتحداهم لیوجد الفرصة التی یجعلها وسیلة لغرضه فما زال بهم حتی حصل شجار بین أتباعهم فی المسجد، فانتصر کل فریق لأتباعه، و شهروا
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 204
السیوف فی المسجد فحال بینهم الناس و حجزوهم، فلما أنقضت الصلاة رجع آل علی إلی قصرهم فامتنعوا فیه فحشد علیهم عبد اللّه و أعوانه حتی أخرجوهم بالأمان و هدموا قصرهم و أجلاهم عن البلد فقصدوا بلد بریدة، فکتب عبد اللّه إلی الإمام فیصل أن آل علی هم الذین بدأوه بالشر فصدق و لم یعاتبه، ثم أرسل عبد اللّه رجالا إلی القصیم فقتلوا صالحا و من معه من آل علی و ثبت فی الإمارة، و هو جد العائلة التی قوضت أرکان دولة أولاد فیصل و حکموا نجد بعد ترکی.
حوادث سنة 1251 ه و فی هذه السنة سار محمد بن عون و أحمد باشا محافظ مکة بأمر محمد علی باشا والی مصر و معهما قوة کبیرة من عسکر مصر و قصدوا عایض بن مرعی لاستخلاص عسیر من یده، فوقع بینهم قتال شدید، فانهزم الجیش المصری هزیمة شنیعة و فتک بهم أهل عسیر، و لم ینج منهم إلّا القلیل و نجی الشریف محمد و أحمد باشا و معهما شرذمة قلیلة إلی الحجاز، فکتب کل منهما إلی محمد علی یرمی صاحبه بالتقصیر و ینسب هذه الهزیمة إلی أعماله، فدعاهما محمد علی إلی مصر و حقق معهما و أذن لأحمد باشا بالرجوع إلی مرکزه فی مکة و أبقی الشریف عنده مما یدل علی إدانته و لکنه لم یعاقبه بأکثر من حجزه فی مصر إلی أن وقع الصلح بین السلطان و محمد علی و من شروط هذا الصلح إخلاء الحجاز و الیمن و نجد من العساکر المصریة فأذن للشریف بالرجوع إلی منصبه فی الحجاز لیساعد العساکر المصریة علی الجلاء و یمنه الاعتداء علیهم و ذلک سنة 1256 ه.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 205

الحکومة المصریة تطلب خراجا من الإمام ترکی‌

کانت الحکومة المصریة منذ حوادث الدرعیة تتدخل فی شؤون الجزیرة العربیة خصوصا بعد ثورة محمد علی علی حکومة الترکی، فقد کان أمر الحجاز بیده و قد احتل قسم من تهامة و عسیر، و یتدخل فی شؤون نجد و یرسل إلیها العساکر کما تقدم و فی هذه السنة أراد أن یستولی علی نجد و یجعل فیها أمیرا من آل سعود من قبله، و کان عنده من عائلة آل سعود الذین أجلاهم من الدرعیة کثیر فاختار خالد بن سعود بن عبد العزیز، و کان ممن أجلی مع عائلته و هو صغیر السن فتربی فی مصر تحت کنف محمد علی، فرأی فیه الوسیلة الصالحة لتنفیذ مآربه، فأراد أن یوجد وسیلة لتنفیذ ذلک فأرسل إلی الإمام فیصل دوسری بن عبد الوهاب أبو نقطة یطلب منه خراجا و مطالب أخری، فأرسل إلیه الإمام فیصل هدیة مع جلوی عن ید محافظ مکة أحمد باشا و اعتذر إلیه أن نجدا لا تحتمل خراجا.
و فی هذه السنة طلب أهل القصیم من الإمام فیصل أن یبعث الشیخ عبد اللّه أبا بطین لیکون قاضیا عندهم و مدرسا فأرسله، و قدم بلد عنیزة و أقام عندهم و طلبوا منه أن ینقل أولاده و ینزل بهم عندهم فاستوطن عنیزة فاکرمواه غایة لإکرام و استقر عندهم.

خروج العساکر المصریة و معهم خالد بن سعود سنة 1252 ه

اشارة

و لما کان الإمام فیصل أبی أن یدفع الخراج الذی طلبه محمد علی باشا، جهز جیشا بقیادة إسماعیل آغا أمیر لوی و معه خالد بن سعود ابن
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 206
عبد العزیز لیقیمه حاکما فی نجد، فلما وصل الحناکیة أرسل الإمام فیصل محمد بن ناهض الحربی، یستطلع خبرهم و یتعرف قواتهم، فاستشار من عنده من رؤساء البلدان و کان فیهم عبد اللّه بن علی بن رشید فأشاروا علیه أن یجمع قواته و ینزل القصیم قبل وصول العسکر إلیه فاستنفر رعیته و خرج بمن عنده و نزل خفیة المهمری حتی تکاملت قواته، ثم رحل و نزل قرب التنومة و أقام بمنزله أکثر من شهر، و قد أقبل العسکر و نزلوا الرس فرحل فیصل و نزل عنیزة و استنفر أهلها و أهل بریدة، فرکب معه یحیی السلیم و عبد العزیز المحمد بغزوهما، ثم رحل و نزل ریاض الخبرا و أقام نحو عشرین یوما و لم و یحصل بینهما حرب، و کانت عساکر إبراهیم باشا و حوادث الدرعیة قد أزعجت الناس و أدخلت فی قلوبهم الرعب، فلما أراد الإمام فیصل أن یرحل إلی عنیزة داخل جیشه الفشل و الرعب، و بعد جهد شدید سکن بالهم و رحلوا و نزلوا عنیزة و لکن ما حدث فی الجیش من الفوضی جعلت الإمام فیصل یفضل الرجوع إلی الریاض فرحل من عنیزة، و أذن أهل النواحی أن یرجعوا إلی أوطانهم، و قصد هو و معه أهل الخرج و محمد بن هادی بن قرملة الریاض و نزل خارجها.

أهل الریاض یجاهرون الإمام فیصل بالعداء

و من أغرب الأمور أن یبدر من أهل الریاض ما أبدوه من العداء من لا نجد له تعلیل، فقد کان کریما عادلا محبوبا، و لکن فظائع العساکر المصریة التی جرت بحوادث الدرعیة و ما بعدها أدخلت الرعب فی قلوب الناس فلما أقبلت هذه العساکر و رجوع الإمام عنها بدون أن یجابهها زادت الناس خوفا و رعبا، لهذا لما دخل الإمام فیصل البلد علی خیله اعترضه
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 207
أناس من أهل البلد و جاهروه بالعداوة و أبدوا ما أوجب تخوفه. و حصل بینه و بین أناس آخرین مجادلات و مصادمات، فرأی من الحکمة أن یبذل لهم ما نبت بأعضادهم و یمکنه من نقل ما یرید أخف من القصر فبذل لکل من یحاذر منه من الدراهم ما أرضاه فسکتوا عذر، و أخرج جمیع ما فی القصر مما غلا ثمنه خفیة إلی مخیمه بالخارج، ثم خرج هو و أتباعه و رحل إلی الخرج فتبعته عائلته إلی هناک، ثم رحل إلی الأحسا و نزل هو و عائلته بقصر إبراهیم فی الکوت، و وفد إلیه رؤساء العجمان، و مطیر، و سبیع، و السهول، أما العسکر و خالد ابن سعود فقد نزلوا بالقرب من عنیزة و وصل بینهم قتال ثم أصلحوا و تابعهم بقیة أهل القصیم.

حوادث سنة 1253 ه

اشارة

دخلت هذه السنة و العسکر فی القصیم و عندهم عیسی بن علی من رؤساء حایل الذین أجلاهم ابن رشید، فطلب منه خالد أن یرسل معه قوة یستولی بها علی حایل فأرسل معه أربعمائة فارس رئیسهم إبراهیم المعاون، و أمروا علی یحیی السلیم أن یسیر معهم فسار و معه عدة رجال، و کانوا یریدون أن یأخذوا عبد اللّه بن رشید علی غرة فأرسل یحیی السلیم من ینذره سرّا فهرب من البلد قبل وصولهم و هرب معه أناس من أهل الجبل و فی جلوته هذه قال قصیدته المشهورة و سنوردها بعد سرد الحوادث.
دخل عیسی بن علی البلد و استولی علیها، و لما استقر فیها رجع یحیی السلیم و إبراهیم المعاون و من معه من العسکر و أبقی عند عیسی مائة من العسکر. و فی آخر محرم سار خالد و العسکر و دخلوا الریاض،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 208
و قدم إلیهم رؤساء البلدان و تابعوهم ما عدی أهل الجنوب، و کتب إلی الهزانی و أهل الحوطة یدعوهم إلی المتابعة فکتبوا له إن کان الأمر لک و لا دخل للعسکر فی أمورنا فنحن سامعین مطیعین و إن کان للعسکر تداخل قلیلا.

وقعة الفرع‌

فجهز إسماعیل آغا و خالد بن سعود جیشا کثیفا و ساروا إلیه الحوطة و الحریق قصد إخضاعهم فضلوا الطریق، و سلکوا طریقا کثیر الوعورة، و نزلوا فی حرة قرب بلد محارة، فصعد أهل البلد الجبل لقتالهم، فحصل بینهم وقعة من أول النهار إلی الظهر فأتت أمداد أهل الحریق مع ترکی الهزانی، و أهل الحوطة علی إبرهیم بن عبد اللّه، و أهل نعام مع محمد بن خریف هذا و القتال علی أشدّه فانهزم أهل الحلوة فسلم إبراهیم بن عبد اللّه و أهل الحوطة و قصد میسرة العسکر، و قصد الهزانی و أهل الحریق و نعام میمنة العسکر و حملوا علیهم حملة صادقة فاستولوا علی مدافع العسکر و رموها من أعلی الجبل إلی الأسفل فانهزم الأعراب الذین مع العسکر، ثم وقعت الهزیمة علی الباقین، و کانت هزیمة شنیعة فهلک أکثر الجیش قتلا و ظمأ و تفرقت الخیّالة فی شعاب لا یعرفون مسالکها فهلکوا، فبقی خالد و إسماعیل و معهما نحو مائتین و قصدوا الریاض. و استولی أهل الحوطة و الحریق جمیع مخیم العسکر و ما فیه و کثیر من السلاح و الذخیرة.

عبد اللّه بن رشید یستولی علی حائل‌

لما هرب عبد اللّه بن رشید من حائل قصد جبّة و أقام یترقب الفرصة و فی جلوته هذه قال أخوه عبید قصیدته الآتی ذکرها:
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 209 قال هیم یا لی لی من الناس و دادما ترحمون الحال یا عزوتی لیه
ما ترحمون الی غدا دمعه بدادقیله زمان حرق الدمع خدیه
من شوقتی للفرد منبوز الإنهادمتمشین حافی یا ماشی علی أقدام رجلیه
الشوک ما له عن مواطیه ردادإلا و لا سبت قوی یوقیه
حیه سقاه من أول الوسم رعادما حدرت خشم أم سمتات تسمیه
الی بها المهزوم بزین میعادمن لاذ برکن الملتزم لاین فیه
ابن رخیمی نازل هاک الأجرادقال انزلوا و أنتم هل الداریاقیه
اللّه یسود وجهکم یا هل الدارسود الملا کل الخلایق تراعیه
من باب خذام إلی باب عوادمن هو تسمی باسمنا ما تخلته
عیسی یقول الحرب للمال نقادو المال لمن هو للنسایس تواریه
عیسی یقول الحرب ما یبغی الزادانشد استاد السیف قل لیش حانیه
لا عاد ما ترویه من دم الأضدادکزوه کم العرفجیة ترویه
لا عاد ما مرّ بزغرت بالأکبادترا الموصی یذهل إلی موصیه
و اللّه لو أنی من وری جسر بغدادإنی لکم مثل العمل عند راعیه
ثم إن عبد اللّه بن رشید أقبل من جبة و نزل عند بنی تمیم فی بلد قفار و معه رجاله و أعوانه و عشیرته، و أقام فیها مدة، ثم مشی إلی حایل وسطا علی عیسی بن علی و تغلب علیه، و أخرجه من القصر، و أجلاه عن البلد، و استولی علیها و أتی عیسی لخالد بن سعود.

خروج الإمام فیصل من الأحسا

و لما بلغ الإمام فیصل هزیمة العسکر فی وقعة الفرع خرج من الأحسا بما عنده من القوة و نزل الخرج و أمر علی أهله أن یتجهزوا،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 210
و أرسل إلی أهل الحوطة و الحریف. ثم سار و قصد الریاض، و قبل أن یصل إلیها خرج إلیه خالد بن سعود بأهل الریاض و العسکر، فجعل الإمام فیصل له کمینا، فلما التحم القتال خرج علیهم الکمین فانهزم أهل الریاض و دخلوا منفوحة، فحاصرهم فیصل فیها، فلم یلبثوا أن طلبوا الأمان فأمنهم. ثم سار إلی الریاض و أحاط بها و حصل بینهم عدة وقعات. ثم إن فیصل أراد معاجلتهم فصعدوا علی السلالم و هاجموهم بمواقعهم داخل البلاد، و لکن أهل الریاض صدوهم بعد معارک شدیدة. و بقی الحصار مدة طویلة، إلی أن جاء الصیفی رئیس سبیع و قاسی بن عقیب رئیس قحطان مدد لخالد، فرحل فیصل و نزل عند منفوحة، ثم إن خالدا و فیصلا تراسلا فی طلب الصلح فاجتمعا بین البلدین من صلاة الظهر إلی بعد العصر و لم ینتظم بینهم أمر، و رجع الحرب علی حالته إلی أن خرج خورشید باشا و معه الشریف عبد اللّه، فتقدم الشریف إلی فیصل و معه هدایا و مراسلات، و قدم علیه فی منفوحة و قدم إلیه الهدایا و الکتب و فیها الادعاء بتقریره بمرکزه إذا هو ترک المقاومة، و نصحه الشریف عبد اللّه أن لا یتوغل فی المقاومة فإن القوة التی مع خورشید کبیرة و لا طاقة له بحربهم، فما زال به حتی خدعه فرحل فیصل من منفوحة و أذن لأهل النواحی یرجعون لأوطانهم، و قصدوا الدلم، و أرسل أخاه جلوی بهدیة إلی خورشید باشا و هو إذ ذاک بالمدینة بهدیة من الخیل و الجیش العمانیات و البشوت و الیقلان و أقبل معه إلی القصیم.

حوادث سنة 1254 ه

اشارة

و فی أول ربیع نزل خورشید باشا عنیزة و معه جلوی فوفد إلیه رؤساء أهل القصیم و رؤساء البوادی، و اتضح إلی لجلوی أن خورشید عازما
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 211
علی حرب فیصل بخلاف ما یتظاهر به فاستأذنه لیقضی حاجة له فی بریدة فأذن له، فهرب إلی فیصل و هو بالخرج.

الفتنة بین أهل عنیزة و العسکر

و سبب ذلک أنه سرق من جیش خورشید عمانیتین من رکابه فاتهموا بها أهل عنیزة زاعمین أنهم یأتون عند العسکر فی النهار و یسرقون فی اللیل فجعل خورشید حرسا یدورون باللیل، فصادفوا رجلا خارجا من البلد إلی نخله، فقال لهم: إنی من أهل البلد قاصدا نخلی فمشوا معه إلی نخله، فلما وصله تکلم لأبیه فجاء إلیه فقبض علیهما العسکر و قتلوهما و دفنوهما بالنقود، فلما فقدهما أهلهما تبعوا أثرهما فوجودهما مدفونین فأخرجوهما، فقال لهم یحیی السلیم: ارموهما عند خیمة خورشید، و خرج یحیی و قصده خورشید لیکلمه بشأنهما، فلما أراد الدخول إلی الباشا أخذ القواس السیف من یده کما هی العادة فهرب خادم یحیی إلی البلد و قال: إن العسکر قتلوا أمیرکم، و کان العسکر منبثین فی البلاد و یقضون حاجاتهم فثار علیهم أهل البلد یقتلون کل من یجدوا من العسکر إلّا رجلا دخل بیتا أو دکانا فأجاره صاحبه، فسمع الباشا الضوضاء فی البلد فقال. لیحیی: إن بلدکم حدث فیها شمطة، فأشار رجل لیحیی و غمض له عینه یحذره ففهمها بحجة و استغفل الباشا و ترک عباءته فی المجلس کأنه یقضی حاجة ثم هرب إلی البلد، فصادفه عسکر فی طریقه هاربین من البلد و هو یرکن فرموه ببنادقهم فلم یصبه منهم سوء، و دخل البلد و سکن أهلها و قد قتل من العسکر نحو تسعین رجلا، و نهض العسکر یتصیدون من کان خارج البلد فیقتلون من وجدوا. ثم حاصروا قریة الضبط
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 212
و استولوا علی القصر بعد حرب دام ثلاثة أیام، و قتل من أهل الضبط نحو خمسین رجلا، ثم وقع الصلح بینهم. و أقام خورشید فی عنیزة خمسة أشهر وفد علیه فی المدائن عبد اللّه بن رشید فأکرمه و أجزل له العطاء.

بین عبد اللّه بن رشید و عبد العزیز المحمد أمیر بریدة

لما رحل عبد اللّه بن رشید من عند الباشا راجعا إلی وطنه نزل البصیری الموضع المعروف، فأرسل رجالا من أعوانه علی ثلاث رکائب و کان فی بریدة رجل من أعوان آل علی خصوم ابن رشید فأمرهم أن یقتلوه و یرجعوا إلیه، فساروا و دخلوا بریدة و قصدوا بیتا و قرعوا علیه الباب فخرج إلیهم فأمسکوه و صاح ابن له صغیر ففزع علیهم أهل البلد و قتلوا منهم رجلین و أمسکوا الثالث و أخذوا رکائبهم، فأتوا به عبد العزیز المحمد فأخبروه بالأمر و أنهم مجبرین من قبل ابن رشید، و أخبروه بالوضع الذی فیه عبد اللّه بن رشید و قضی ابن رشید فی منزله بعد المغرب فأخذوهم و أخذوا جمیع ما معهم مما منحهم إیاه الباشا، و هرب عبد اللّه بن رشید علی فرسه و قصد خورشید باشا فکساه و أعطاه و رجع إلی بلده.

وقعة الدلم‌

و فی شهر رجب رحل خورشید باشا من القصیم بعد أن أعاد بناء قصر الصفا فی عنیزة و جعل فیه عسکرا و ذخیرة و قصد الریاض فخرج معه خالد بن سعود بأهل الریاض و قصدوا الدلم و فیها فیصل، فحصل بینهم قتال شدید کان النصر فیه للعسکر و دخل فیصل بلد الدلم و حصّنها و حصل فیها معارک شدیدة کانت سجالا، ثم أقبل عمر بن عفیصان بجنود من
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 213
الأحساء و أرسل إلی فیصل یخبره بقدومه، و واعده أنه یحمل علی العسکر من جهته و یحمل هو و من معه علیهم من جهتهم فحملوا علیهم فالتحم القتال بقوة عظیمة کادت تضعضع قوی العسکر و لکنهم ثبتوا و استمرت هذه المعرکة إلی ارتفاع النهار و انجلت عن توقف کل منهم بعد أن کلّ و رجعوا إلی مواضعهم دون نتیجة ظاهرة، ثم صار بعد ذلک عدة مناوشات و طال الأمر و بدأ الفشل یتعفلل صفوف فیصل، فکاتب أناس من أهل البلد الباشا یطلبون الصلح، و خرج من أهل الحوطة نحو ثلاثین رجلا إلی الباشا و أصلحوا و تبعهم الحامیة التی فی قصر مواقف من أهل الحرملة نحو مائة رجل فاستأنسوا لأنفسهم.

نهایة الحرب و إرسال فیصل ثانیة إلی مصر

و لما رأی فیصل ما دخل علی أصحابه من الفشل و التخاذل أرسل إلی خورشید یطلب الصلح و تأمین البلد و من فیها و من فیها و علی من معه من غیر أهل البلد فأعطاه خورشید علی کل ما طلب علی شرط أن یسافر هو إلی مصر، فتم الصلح علی ذلک و رحل فیصل و أخوه جلوی، و ابن أخیه عبد اللّه بن إبراهیم بن عبد اللّه، و ولدی فیصل عبد اللّه، و محمد و سار معهم حسین الیازجی و معه عسکر فقدموا مصر و أنزلوا فیصلا فی بیت و جعلوا غنده حراسا، ثم طلب من محمد علی باشا أن یبعث من یأتیه بعائلته، فکتب إلی خورشید باشا أن یبعث بهم فوصلوا مع ابنیه عبد اللّه و محمدا.

احتلال العسکر الأحسا و القطیف للمرة الثانیة

لما وقع الصلح بین الباشا و فیصل ذهب عمر بن عفیصان إلی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 214
الأحسا و قد کان أمیرا فیه قبل ذلک، فأرسل إلیه الباشا و إلی رؤساء الأحسا الأمان، و أمرهم بالقدوم إلیه و أن یحفظوا بیت المال، فأخذ عمر یتجهز و یجمع ما کان له من الأموال فی الأحسا و ما کان له من المال فیدفعه إلی وکیل الباشا، و أمر عمر أهل الحسا أن یتجهزوا للسیر، فلما فرغوا من ذلک خرجوا من الأحسا قاصدین الباشا إلّا ابن فإنه خاف علی نفسه و ذهب إلی البحرین و نزل علی آل خلیفة، ثم سار إلی الکویت و نزل فیه. و أما أهل الأحسا فقد وصلوا عند الباشا و أخذوا منه الأمان و أذن لهم بالرجوع.

إمارة أحمد السدیری فی الأحسا من قبل المصریین‌

ثم أرسل خورشید باشا أحمد السدیری أمیرا لأهل الأحسا، و نزل بیت الإمارة فی قصر الکوت و فرق العساکر و الرجال الذین معهم القصور و الثغور، ثم أرسل الباشا بعد ذلک خمسین رجلا من العسکر رئیسهم مغربی اسمه الفاخری و نزلوا فی قصر الکوت ثم [أرسل] إلی رؤساء القطیف فجاءه ابن عبد الرحیم أمیر سیهات، و ابن غانم، و أبو السعد، و بایعوا، و رکب معهم الکاشف مع بعض العسکر فی القطیف ثم أرسل الباشا رجلا یقال له أبو طاهر رئیسا لعسکر القطیف. و أخذ الباشا یکاتب أمراء البحرین و یدعوهم لأن یدخلوا تحت الحمایة الترکیة و یرفعوا علمها لیمنع تدخل الأجانب فی أمورها، فلم ینتظم بینهم أمر، و کان الساعی بینهما رجل من رجال الباشا یسمی محمد أفندی فلما فشل فی مفاوضته أقره فی الأحسا.

حوادث سنة 1255 ه

و فی هذه السنة عزل الباشا أحمد السدیری عن إمارة الأحساء و جعله
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 215
وکیلا لبیت المال، و جعل مکانه محمد أفندی المذکور فأسس محاکما ضج منها أهل الأحسا فقعد له ثلاثة رجال فی اللیل و قد علموا أنه خارج إلی عین نجم فترصدوا له فی الطریق و ثوروا علیه فقتلوه و کسروا السراج العالی کان بید خادمه برصاصة، فهرب من کان معه، فاتهموا بذلک آل عریعر الذین فی الأحسا فحبسهم لفاخری ثم أطلقهم، و أعادوا التهمة علی أحمد السدیری فعزله الباشا عن بیت المال و جعل مکانه عیسی بن علی من رؤساء حایل سابقا. ثم رحل خورشید من الریاض و نزل ثرمداء و بنی له قصرا فیها و نزل العسکر خارج البلد. ثم أمر علی جمیع البلدان أن یدفعوا له مبالغ من الحنطة و الثمر، فکان یأخذ من بعضهم النصف و الثلث و الربع من حاصلاتهم علی أنه یتقاضوا ثمنه، فاجتمع لدیه شی‌ء عظیم و لم یقضهم قیمة ما زاد عن الزکاة.

حوادث سنة 1256 ه

اشارة

و فی هذه السنة ورد الأمر إلی خورشید باشا من محمد علی باشا بالرجوع إلی مصر بمن عنده من العسکر، و ذلک تنفیذا لمعاهدة لندن التی أجبرت محمد علی علی سحب قواته من بلاد العرب و أرجعها إلی الحکومة الترکیة، و قبل مسیرة أخذ من أهل سدیر ثلث حاصل زروعهم و نقلوه إلیه فی ثرمداء، و أهل منیخ نقلوه إلی الزلفی، هذا فضلا عن الزکاة التی أخذوها عینا. ثم أخذ یجمع الرحائل للعسکر من القبائل فمنهم من أطاعه و منهم من أبی. ثم أرسل إلی عبد اللّه بن رشید یطلب منه رحائل فأرسل إلیه سبعمائة جمل. و فی ربیع الأول رحل من ثرمداء ببعض العسکر و نزل عین ابن قنور و تزوج بنت الصوینع الهتیمی. ثم کتب إلی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 216
العسکر الذین فی شقرا و الذین فی الزلفی أن یوافوه فی القصیم، ثم رحل و نزل الشنانة و أمر علی حرب أن ینقلوا العسکر و أثقالهم التی فی ثرمداء فجاؤوا بهم فی منتصف شهر جمادی الأولی. و لم یبق فی البلدان إلّا عدد قلیل عدی القوات التی فی الریاض و فی ضرمی فقد أبقاهم لتوطید مرکز خالد بن سعود. ثم أرسل الباشا إلی خالد أن یوافق فی الشنانة، فقدم إلیه فی آخر جمادی الثانیة و معه نحو مائتی رجل و أقام عنده أیاما لعله یلقی إلیه تعلیمات جدیدة، ثم رجع و دخل بریدة، ثم دخل عنیزة و منها قصد الریاض فوفد إلیه عبد اللّه بن علی بن رشید، و عبد العزیز ابن محمد أمیر القصیم و کان بینهما عداء شدید، فحصل بینهما نزاع علی إبل قد أخذها ابن رشید لأهل بریدة، و علی ما وقع من عبد العزیز علی ابن رشید حین هاجمه و أخذ برجوعه من عند الباشا و أدّی هذا النزاع إلی الحرب الآتی ذکرها.
و قبل سفر الباشا أرسل محمد بن مبارک رئیس حریملاء إلی الأحسا و جعله أمیرا فیها، و فیها توفی عیسی بن علی وکیل بیت المال فی الأحسا.
غادر خورشید باشا و عساکره الشنانة عائدا إلی الحجاز و منها إلی مصر، کما أجلیت العساکر المصریة التی فی الحجاز و تهامة، و الیمن، و استحل محلها العساکر الترکیة طبقا للمعاهدة المذکورة و لما رکب خالد إلی الباشا هرب عبد اللّه بن تشان من الریاض و قصد المنتفق عیسی بن محمد رئیس المنتفق و لما رجع خالد إلی الریاض أرسل إلیه و أعطاه آلات و لما رجع و لکنه قصد سبیع و أقام عندهم و فیها عزل خالد بن سعود محمد بن مبارک عن إمارة الحسا و جعل بدله موسی الحملی، و عیّن عبد الرحمن بن مانع وکیلا لبیت المال.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 217

وقعة بقعا بین أهل القصیم و ابن رشید

قد ذکرنا ما کان بین عبد العزیز المحمد أمیر القصیم و بین عبد اللّه بن علی بن رشید من العداء، و ما کان بینهما من الملاحات عند ما اجتمعا عند خالد بن سعود فی الریاض، و رجع کل منهما فی نفسه ما فیها علی الآخر، فلما رجع عبد العزیز بن محمد إلی بریدة أغار غازی بن ضبیان رئیس الدهامشة من عنزة و هو من أتباع أمیر بریدة علی ابن طوالة من شمر و أخذهم و معهم إبل لأهل الجبل، فما کان من ابن رشید إلّا أنه قابله بالمثل فأغار علی غازی بن ضبیان و عربانه و أخذ منهم إبلا کثیرة، فغضب له أمیر بریدة و اعتزم علی حربه، و کان بین عبد العزیز المحمد و بین یحیی السلیم معاهدة علی حرب کل من یقصدهم، فطلب من یحیی مساعدته علی حرب ابن رشید فاعتذر یحیی و قال: لیس بینی و بین ابن رشید عداوة، و العقد الذی بیننا هو دفاعی لا هجومی، و قد أغرت علی قبائل ابن رشید فأغار علی أتباعکم، و هذا لیس اعتداء منه. فما زال به حتی أقنعه فتجهّز عبد العزیز و خرج بأتباعه من أهل القصیم، و خرج یحیی السلیم بأتباعه من أهل عنیزة، و معهما غازی بن ضبیان و أتباعه من عنیزة، و قاعد بن مجلاد و أتباعه من عنیزة و ابن صبر من السلاطین، و الصقور من عنیزة، و ساروا قاصدین ابن رشید، فأغاروا علی و جمان الراسی من شمر و أخذوا منهم حتی ملؤوا أیدیهم، قال یحیی السلیم لعبد العزیز المحمد: دعنا نرجع و کفی ما لقینا من العز و الغنیمة، فحلف أنه لا یرجع حتی یقاتل ابن رشید فی بلده. و کما قیل: عاقبة البغی و الغرور و حین تقدموا حتی نزلوا «بقعا» المعروفة عند جبل شمر، و نزلت
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 218
بادیتهم علی (ساعدة) ماء بالقرب من بقعا فلما علم ابن رشید بمنزلهم أمر علی أخیه عبید بن رشید أن یغیر علی البادیة التی علی ساعدة بینما یلم شعثه و یتبعه بأهل حایل.

الغارة علی أتباع أهل القصیم من البادیة

فلما کان قبل الفجر أغار عبید بن معمر علی بادیة أهل القصیم علی ساعدة، و اشتبک القتال تارة بهزمهم العربان و مرة یهزموه هذا و عبد العزیز و یحیی السلیم و جنودهم فی بقعا ینتظرون إغارة ابن رشید علیهم، فلما ارتفعت الشمس و لم یأتهم أحد علموا أن الغارة وقعت علی بادیتهم فخف یحیی السلیم بخفیف الرجال و شجعانهم علی أرجلهم قاصدین مساعدة البوادی علی ابن رشید، فلما وصلوهم کان عبد اللّه بن رشید قد وصل نجدة لأخیه، فانهزم عربان أهل القصیم و تبعتهم خیول شمر و بقی یحیی السلیم و من معه لا ماء و لا رواحل، و کان عبد العزیز المحمد و کثیر من جماعته قد تخلفوا فی المخیم و عندهم الرحائل و الزاد و الماء.

هرب عبد العزیز عن یحیی و من معهم‌

فلما بلغه هزیمة بادیته انهزم بما لدیه من الرکائب و الماء و الطعام، و أخذ معه ما کان لیحیی و جماعته و ترکهم فی المیدان لا شی‌ء معهم، فوقع القتال بین یحیی و جنده القلیل و بین ابن رشید، فما کان صدر النهار و اشتدت هاجرة الشمس حتی أخذهم العطش و هلکوا ظمأ و قتلا، فجاء رجل من شمر إلی یحیی السلیم و قد عرفه فأعطاه فرسه و قال له: أنخ علیها، فقال: أوصلنی عبد اللّه بن رشید و أنت صاحب الفضل، فأوصله إیاه و کان بینهما صحبة قدیمة، و جلس عنده، فدخل علیه ولد له و قال:
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 219
إن عمی قتل، فظن عبد اللّه أنه یعنی أخاه عبید فتعجل و قتل یحیی السلیم صبرا، و کان المقتول أخا له من أمه. و کان القتلی من الطرفین نحو ثلاثمائة.

تولی عبد اللّه السلیم إمارة عنیزة

و کان عبد اللّه السلیم عند خالد بن سعود بالریاض فلما علم بالأمر رجع و تولی الإمارة فی عنیزة.

عبد العزیز المحمد یحاول أخذ الثأر و یفشل‌

بعد رجوع عبد العزیز المحمد جمیع الجموع و سار بهم و معه عنزة قاصدا أخذ الثأر من ابن رشید، و لما وصل الکهفة رجع علی غیر طائل.

قیام عبد اللّه بن ثنیان و تغلبه علی خالد بن سعود سنة 1257 ه

اشارة

ذکرنا ما کان من رجوع ابن ثنیان و بنزوله عند سبیع، فأظهر الخلاف علی خالد بن سعود، و أخذ یکاتب أهل البلدان و یدعو إلی نفسه. فکتب إلی أهل الحریق، و أهل الحوطة یدعوهم إلی الطاعة و یقول: إنه یقصد تطهیر نجد من العسکر، و کان الشیخ عبد الرحمن بن حسن و الشیخ عبد اللّه بن حسین آل الشیخ عندهم فأوعدوه بالمساعدة، و قدم علیه رجال من رؤساء البوادی فاشتد ساعده، فلما علم خالد أن ابن ثنیان مصمم علی حربه داخله الفشل، فکتب إلی أهل النواحی یأمرهم بالغزو فتثاقلوا و لم یأتمر إلّا القلیل، و کان الناس یکرهون ولایته بواسطة العسکر، لهذا لم یجد ابن ثنیان صعوبة باستمالة أهل نجد، فلما رأی خالد تثاقل الناس سار
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 220
بمن حضر عنده مع أهل الریاض، و قصد الأحسا، و أبقی بعض خدامه فی الریاض مع العسکر.

ابن ثنیان یستولی علی ضرما

ثم سار عبد اللّه بن ثنیان و نزل المزاحمیات فتابعوه. و أرسل إلی أمیر ضرما یدعوه إلی المتابعة فأبی علیه، و کان عنده عسکر فهاجمهم و هزمهم و دخلوا البلد و احتصروا فیها، ثم صالحوه علی أن یرحل العسکر إلی ثرمداء فأخرجهم و دخل البلد و استقر فیها و أتی إلیه أناس من أهل العماریة و أبا الکباش، و قدم إلیه سعد بن ترکی الهزانی فی سبعین رجلا، فخرج ابن ثنیان و قصد بلد عرقة و دعا أهلها إلی المتابعة فأبوا، فزحف إلی البلد و أخذها عنوة و نهبوها. و أرسل أهل منفوحة یدعوهم إلی متابعته و نصرته فأجابوه، فأرسل إلیها ثلاثین رجلا و دخلها.

أهل الریاض یستنجدون خالدا

فلما تقدم ابن ثنیان أخذ أهل الریاض یتابعون الرسل إلی خالد بن سعود یطلبون إلیه أن یخرج علی مقابلة ابن ثنیان أو یأذن لهم بالخروج إلیه، فأرسل إلیهم زوید العبد و معه أهل ثلاثمائة ذلول، فوصل الریاض، فخرجوا و معهم العسکر و قصدوا ابن ثنیان فی منفوحة، فحصل بینهم مناوشات، ثم رجعوا لیلا إلی الریاض، فتبعهم ابن ثنیان دون أن یعلموا به. فلما وصل قرب الریاض رافقه رجال من أهل دخنة و هو باب الریاض الشمالی فأدخلوه البلد و رتب جنوده فی البیوت و المرابیع، و لم یعلم به أهل الریاض لأنهم ما زالوا یعرضون و یلعبون بعد رجوعهم من منفوحة شأن کل جند یرجع منتصرا، فلم یفجأهم إلّا و أقبل علیهم ابن ثنیان شاهرا
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 221
سیفه و معه رجال من جنده الشجعان، فهرب أکثر الناس إلی بیوتهم و بقی العسکر و خدام خالد فهاجمهم و هزمهم، فدخلوا القصر و تحصّنوا فیه، فجلس ابن ثنیان فی أحذ البیوت، و أتی إلیه رؤساء البلد و بایعوه، و أرسل إلی من فی القصر من العسکر و أعطاهم الأمان علی أن یخرجوا من البلد فلم یجیبوا فهاجمهم من تلک البیوت المحیطة بالقصر، و فی الیوم التالی طلبوا الأمان فأعطی لهم و خرجوا من البلد، و استولی علی القصر و وفد إلیه أمراء البلدان و بایعوه.

هرب خالد بن سعود من الأحسا

لما بلغ خالد إخراج العسکر من الریاض و استیلاء ابن ثنیان علیها داخله الفزع، و خرج بمن معه من الأحسا و نزل الدمام، فهرب عنه أکثر خدامه و رجاله، و بالأخیر هرب هو إلی الکویت و منها إلی القصیم، ثم إلی الحجاز حیث أقام فیه یتقاضی راتبا کبیرا من محمد علی إلی أن توفی هناک.

سنة 1258 ه استیلاء ابن ثنیان علی الحسا و القطیف‌

لما خرج خالد بن سعود من الحسا أرسل ابن ثنیان إلیها عبد اللّه بن بتال المطیری فی عشرین رجلا، و أرسل بعده عمر بن حفیصان فی مائة رجل و جعله أمیرا فیها، فنزل قصر الکوت، ثم أرسل فهد بن عبد اللّه بن عفیصان فی رجال من أهل الخرج، و الوشم، و سدیر و جعل فهدا نائبا لابن عمه عمر بن عفیصان، و أمر علی عمر أن یذهب إلی القطیف، فسار إلیها و معه قوة من الجند و من البوادی، فأمر علی علی بن غانم رئیس
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 222
القطیف أن یرکب إلی ابن ثنیان، فرکب إلیه و وفد إلیه أیضا رؤساء الأحسا و هو علی الرمحیة، فأذن للوفود بالرجوع إلی أوطانهم ما عدا ابن غانم و خمسة من رؤساء أهل الحسا، فعاتب ابن غانم و قال: إنک تمالی صاحب البحرین علی البلاد، و أخذ منه أموالا، و کانت النتیجة وسیلة لأخذ المال، و کذلک حبس ابن مانع الذی جعله خالد بن سعود وکیلا لبیت المال، و عذبه و أخذ جمیع أمواله، و فعل بالباقین مثل ذلک حیث أخذ منهم أموالا. و أخذ من العربان خیلا و رکابا. و کان حدیث عهد فی الملک و فی حاجة إلی الأموال، فأخذ یتتبع الأغنیاء و یسلب ما یستطیع سلبه بشتی الطرق، و کان لا یتورع عن السفک و القتل علی غیر سبب إلّا المال. و أما أمیر سیهات ابن عبد الرحیم لما أقبل ابن عفیصان هرب هو إلی البحرین.
ثم أرسل أحمد السدیری أمیرا فی القطیف، و أمر ابن عفیصان أن یرسل معه مائتی رجل من الأحسا ففعل، و رجع ابن عفیصان من القطیف إلی الحسا، و رجع فهد بن عفیصان و من معه من الأحسا إلی أوطانهم، ثم أرسل عمر بن عفیصان سریة، إلی العقیر أخرجت من فیه من رجال آل خلیفة و کانوا قد استولوا علیه.
و فیها قتل محمد العلی بن عرفج الشاعر قتله ابن عمه صالح ابن مرشد فی دماء کانت بینهم.

سنة 1259 ه خروج الإمام فیصل من مصر للمرة الثانیة

اشارة

کان الإمام فیصل فی حبسه الأخیر غیر مضیق علیه، بل إنه فی بیت
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 223
فیه جمیع أسباب الراحة و مطلق الحریة، یذهب حیث یشاء من الأسواق و المساجد و غیرها، إلّا أن معه مراقبین یسیرون معه حیث سار، إلی أن یرجع إلی محله حیث یبقون عنده، و کان یغشاه بعض من یجب الاجتماع به. و کان عباس باشا بن باشا کثیر التردد إلیه و الأنس به، و لم یکن لعباس باشا شی‌ء من الأمر لوجود جده محمد علی و عمه إبراهیم باشا. و جاء ذات یوم عباس باشا عند فیصل کعادته و کان فدار الحدیث یومئذ عن نجد و حوادثها و هروب خالد بن سعود و استیلاء ابن ثنیان، فقال فیصل: لو تفضل أفندینا بمساعدتنا علی الرجوع إلی نجد لأمکننا الاستیلاء علیها و طرد المتغلب منها، فمال عباس إلی إجابة طلبه ثم غفل عنه أیاما، فلما کانت بعد ذلک قال له: هل لازلت تؤمل بحراک الأمل، قال: إذا تفضل أفندینا بذلک، قال: لا یکون إلّا خیرا. ثم إن عباس جهز جیشا و أعد علیه ما یلزمه و جعله خارج البلاد مسافة نحو ساعة، و أرسل إلی فیصل و قال:
أن الجیش مجهز بالمکان الفلانی، فإذا مضی شطر من اللیل فاخرج و لا تتوانی فی سیرک فإنی أخشی علیک الطلب، و قد أوصیت الحارس أن یتغیب وقت خروجک، و هکذا عطف اللّه علیه قلب هذا الشاب فجعله سببا لخلاصه. و لم یتجاسر عباس علی ذلک إلّا لأنه علم أنه لم یبقی لهما علاقة فی بلاد العرب سار فیصل، و أخوه جلوی، و ابنیه عبد اللّه و محمد، و ابن عمه عبد اللّه بن إبراهیم فواصلوا سیرهم حثیثا، و بعد یومین علم محمد علی بهربهم فأرسل وراءهم خیلا و جیشا و رکب معهم عباس باشا نفسه فلم یقفوا لهما علی أثر فرجعوا.

وصول الإمام فیصل إلی الجبل‌

و قد وصل الإمام فیصل و من معه الجبل، و قد أرسلوا إلی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 224
عبد اللّه بن رشید یخبرونه، فتلقاهم ابن رشید بالرجال و الرحائل و بذل ما یستطیع تقدیمه، و کان عبد اللّه بن ثنیان فی بریدة و قد تابعه أمیرها و أهل القصیم إلّا عنیزة فإنها عصت علیه و أبت متابعته فحاصرها. فجاءهم خبر وصول فیصل إلی ابن رشید، فأراد ابن ثنیان أن یخادعه فأرسل إلیه هدیة فقبلها و أرسل إلیه أهل عنیزة عبد العزیز بن الشیخ عبد اللّه أبا بطین یستدعونه للقدوم إلیهم و یعدونه بالنصرة، فوافاه الإمام فیصل فی الکهف، و قدم إلیه کتاب و أبلغه أن أهل عنیزة بالسمع و الطاعة، فرحل من مکانه و قصد عنیزة و أمر علی أخیه جلوی و عبید بن رشید و معهما مائة رجل محمد بن فیصل الدویش، و ینزلون عنده فی الحمادة، فساروا فی طریقهم، و سار الإمام فیصل إلی عنیزة، و معه عبد اللّه بن رشید و جنود ابن ثنیان حول البلاد، و أعمی اللّه عن الإمام و دخل البلاد آخر اللیل، فأخذ بعض رجال ابن ثنیان یتسللون منه و یلتحقون به، ثم رحل ابن ثنیان راجعا إلی الریاض، فلما علم به جلوی و الدویش ساروا إلیه فأدرکوه فی الوشم و أخذوا منه شیئا و رجعوا عنه، و تابع سیره حتی وصل الریاض و دخلها، ثم سار جلوی و عبید بن رشید إلی ثادق، و نزل الدویش و سار عبد اللّه بن إبراهیم إلی سدیر یدعوهم، إلی متابعة فیصل فأجابوه و تأهبوا إلی مجی‌ء فیصل.

مسیر فیصل إلی الریاض و الاستیلاء علیها و القبض علی ابن ثنیان‌

دخل ابن ثنیان الریاض فرق السلاح و الأموال و رتب الحصون و هدم البیوت التی حول القصر استعدادا للحصار، و رتب فی مواضعهم فی البلاد و فی الحصون و فرق الأموال.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 225
الإمام فیصل فی عنیزة أکثر من شهر و لم یقدم إلیه عبد العزیز أمیر بریدة و لا سار معه، ثم رحل من عنیزة فی شهر ربیع الأول عبد اللّه بن علی بن رشید، و سار معه عبد اللّه السلیم أمیر عنیزة و معه نحو مائتی مطیة، و نزل شقرا فتابعه أهلها و بایعوه أهل الوشم، ثم سار منها و رکب معه أمیر شقرا محمد بن عبد الکریم البواردی بغزوه، و نزل حریملاء فقدم علیه أمراء سدیر بغزوهم، به أخوه جلوی و عبید بن رشید و عبد اللّه بن إبراهیم و من معهم، و وفد علیه رؤساء سبیع، و السهول، و العجلة، و غیرهم، و کتب إلی عبد اللّه ثنیان یدعوه إلی الصلح و حقن الدماء، و أن یخرج من الریاض بما عنده من الخیل و الجیش و الأموال و السلاح و ینزل أی بلد شاء و له من الخراج کل سنة ما یکفیه، فأبی إلّا الحرب، فرحل فیصل و نزل سدوس و کتب إلی صاحب منفوحة یدعوه للمتابعین بذلک، فرحل فیصل من سدوس و نزل منفوحة، و أخذ یکاتب رؤساء الریاض سرّا فاتفق معهم و فی أواخر ربیع الثانی جهز رجالا من الشجعان مع أخیه جلوی، و أمرهم أن یدخلون البلد من باب دخنة حسبما اتفق علیه مع أهل البلد فدخلوا، و لما بلغ ابن ثنیان دخل قصره و احتضر فیه، و قصد جلوی و من معه البیوت القریة للقصر فأخذوا یشاغلون ابن ثنیان و من معه، ثم دخل الإمام البلد فوقع الحرب نحو عشرین یوما، فأرسل ابن ثنیان إلی عبید بن رشید و وسّطه فی الصلح فلم یتم، فخرج ابن ثنیان من القصر لیلا بنفسه فوقع بأیدی رجال فیصل فأتوا به، إلی فیصل فحبسه، و استولی علی القصر بما فیه، و بذلک تمت ولایة الإمام فیصل للمرة الثانیة و الأخیرة، و استقامت له الأمور و أذن لمن معه من الغزو بالرجوع إلی أوطانهم، و أقر أمراء البلدان فی مراکزهم و أرسل
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 226
عبد اللّه بن بتال إلی الأحسا أمیرا. و بعد شهر و نصف توفی عبد اللّه بن ثنیان فی حبسه رحمه اللّه.

استرجاع الدمام‌

[...] عبد اللّه أمراء البحرین قد استولوا علی قصر الدمام علی ساحل القطیف فخرج الإمام فیصل و حاصره اثنا عشر یوما حتی أخرجهم منه.

حوادث سنة 1260 ه

اشارة

لیس فی هذه السنة حوادث لها أهمیة إلّا تبدلات فی الموظفین، فقد أرسل الإمام أحمد بن محمد السدیری أمیرا فی الحسا و أرسل عبد اللّه المداوی إلی القطیف أمیرا فیه.

حوادث القصیم وقعة الجوی‌

و فی هذه السنة أغار عبد اللّه السلیم أمیر عنیزة علی إبل لعبد اللّه بن رشید و أخذها، فطلب من ابن رشید أداءها فلم یجیبه، سار عبید بن رشید فی ثلاثمائة من الخیل و الجیش و أغار علی غنم أهل عنیزة و أخذها و جعل جنده قسمین، قسم مع الغنم و قسم یعملهم کمینّا فخرج إلیه أهل عنیزة و قصدوا الغنم و من معها، فلما ناشبوهم القتال خرج إلیهم الکمین فانهزم أهل عنیزة، و قبض علی رجال منهم فیهم الأمیر عبد اللّه السلیم و أخوه عبد الرحمن السلیم، فقتلهما ابن رشید صبرا، و سیر الباقین إلی أخیه عبد اللّه فی الجبل، و قتل فی المعرکة محمد الشعیبی و محور الختینی،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 227
فرکب عبد العزیز بن الشیخ عبد اللّه أبا بطین إلی ابن رشید و طلب منه إطلاق الأسری فأطلقهم، و تولی الإمارة إبراهیم السلیم بعد أخیه.

أخذ ابن حثلین للحاج‌

و فی هذه السنة خرج من الحسا حاج کثیرا من أهل الحسا و القطیف، و البحرین، و من العجم، فأغار علیهم فلاح ابن حثلین و أخذ قدر نصف الحاج و هرب باقیهم و رجع الجمیع إلی الأحسا. و لما بلغ الخبر الإمام فیصل خرج فی طلبه فهرب ابن حثلین إلی دبرة بنی خالد ثم رحل فیصل من مجزل و نزل ربیدا فی دیرة بنی خالد فوفد إلیه رؤساء العجمان و سبیع و تنصلوا من عمل ابن حثلین و انسلخوا عنه، فهرب ابن حثلین إلی محمد بن هادی بن قرملة رئیس قحطان و کان نازلا فی العرمة، فرحل فیصل و قصد ابن قرملة، فهرب من عنده ابن حثلین فرجع فیصل إلی الریاض.

1262 ه القبض علی ابن حثلین و قتله‌

فما یزال ابن حثلین یتنقل من مکان إلی آخر خوفا من الإمام فیصل ثم قصد مندیل ابن غنیمان رئیس الملاعبة من مطیر و طلب منه أن یجیره فلم یقبل فطلب منه أن یجمع بینه و بین الدویش، فأرسل ابن غنیمان یخبر الدویش فرکب الدویش إلی ابن غنیمان و اجتمع بفلاح ابن حثلین فرحل به معه و أوعده أن یتکلم مع الإمام فیصل بشأنه، و أنزله مع مطیر و رکب الدویش، إلی الإمام فیصل برجال من فوقه، فبادأه فیصل بالقول عن فلاح ابن حثلین و عمله فی الحاج و وبخه علی إجارته رجلا هذی أعماله، فأراد
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 228
الدویش الکلام بحق ابن حثلین و الشفاعة له فألزم الإمام بحضور ابن حثلین علی أی حال، فأمر علی الدویش أن یرکب مع رجال أرسلهم معه و أمرهم بالقبض علی ابن حثلین، فلم یسعه المخالفة، فسار إلیه و قبضوا علیه و أرسلوه إلی أحمد السدیری فی الحسا و أدخلوه قصر الکوت و هناک قتلوه.

1263 ه عمار فیضة السر

اشارة

و فی هذه السنة، عمرت الفیضة القریة المعروفة الآن بالسر، عمرها فاهد بن نوفل من بنی حسین و یطی الصانع و إبراهیم و عبید، ثم انتقل النوافلة من قریتهم الریشیة، إلی الفیضة، و استوطنوها، و هم رؤساؤها إلی الآن.

خروج الشریف محمد بن عون إلی نجد

کانت نجد و لا تزال الشبح المخیف لدولة ترکیا فلا تکاد تسمع بحرکة فیها حتی تبادر إلی خنقها خوفا علی نفوذها فی بلاد العرب، بل خوفا أن تسری هذه الروح الاستقلالیة إلی العرب فی کافة البلاد، فما کادت تسمع برجوع فیصل ابن ترکی إلی منصة الحکم حتی أصدرت أمرها إلی الشریف محمد بن عون بأن یذهب إلی نجد و یقضی علی هذه الحرکة، و أمدته بالعسکر و الذخیرة و السلاح، فخرج الشریف إلی نجد امتثالا للأمر، و نزل القصیم فأطاعه أهله و لم یر عندهم مخالفة للأمر، و کاتب الإمام فیصل فلم یجد عنده إلّا السمع و الطاعة لحکومة الترک، و أنه لا ینوی أی حرکة ضدها، بل یساعد علی تأمین الطرق للحجاج، فاقتنع
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 229
بحسن نیته فأرسل إلیه ابن لؤی من الأشراف یطلب أن یعترف فیصل بخراج سنوی ضئیل یؤدیه للحکومة دلیلا علی طاعة الحکومة.
1263 ه

رجوع الشریف إلی الحجاز

فأبی أولا ثم وافق أخیرا، إذ علم أن لا قصد للشریف إلّا أن یبرر عمله عند حکومة الترک، فکان هذا الاعتراف بالخراج حبرا علی ورق إذ تقدر و لم تسلم.
أما ابن بشر فقد عزی خروج الشریف إلی أن رجال من أهل القصیم حملوه علی الخروج، کعادته فی مثل هذه الأمور، فهو لعدم اطلاعه علی مجاری السیاسة، و ضیق تفکیره، و قصور نظره، إذا أعیاه فهم أسباب الحوادث نسبها إلی أهل القصیم، لأنهم بنظره أقدر الناس علی الاتصال بالأمراء و الملوک، هذا من جهة و من الجهة الأخری اتهامه إیاهم بعدم الإخلاص للولایة، و أنهم دائما یسعون ضدهم، و لا غرابة فی ما یراه ابن بشر لأن لیس هذا رأیه وحده بل قد ظهر إثر ذلک فی سیاسة ملوکنا و أمرائنا کما تری فیما یأتی إن الإمام فیصل عزل أولاد سلیمان بن زامل عن إمارة عنیزة بحجة أن لهم یدا فی مجیی‌ء الشریف إلی نجد، و أنهم استقبلوه حینما نزل عنیزة، و لا نعلم ماذا یرید منهم أن یعملوا ما دام أنه لم یر أحدا فی مقاومة الشریف، و ما دام أن الشریف قد کتب لأهل البلدان أنه لم یأت محاربا و لکن هی السیاسة متی أرادت شی‌ء خلقت له ما یبرره و لو ظاهرا علی الأقل. و إن زمننا لم یتأخر عن زمن ابن بشر أکثر من خمسین سنة، فقد اتضح لنا فی هذه المدة الوجیزة کثیر مما جهله ابن بشر
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 230
أو تجاهله، کما اتضح لنا أن تاریخه علی ما فیه من الفوائد الجزیلة، لم یکن تاریخا بالمعنی المفهوم، فإذا ذکر حادثة لم یذکر حقیقتها و إنما یوجهها علی مقتضی ما یوافق السیاسة و إن کانت مخالفة للحقیقة، و هذا ما لا ینبغی للمؤرخ، و قد أیدینا بعض الملاحظات علی بعض النقط المهمة و ترکنا البقیة خوفا من الإطالة.

وفاة عبد اللّه بن علی بن رشید، و إمارة ابن طلال بعده‌

و فی جمادی الأولی من هذه السنة توفی الأمیر عبد اللّه بن علی الرشید أمیر جبل شمر وجد العائلة التی (قضت علی حکومة أولاد فیصل ابن ترکی المحسن إلیهم فی نزع الإمارة من آل علی أهلها الشرعیین، و تولیتهم إیاها، فقد قیل قدیما: اتق شر من أحسنت إلیه، و تولی بعده ابنه طلال) (تعرض الدویش لحاج أهل القصیم).
و فی هذه السنة اعترض الحمیدی بن فیصل الدویش حاج القصیم علی؟؟؟ الماء المعروف و أخذ منهم أموالا کثیرة.

عزل أولاد سلیمان بن زامل عن إمارة عنیزة، و إمارة ناصر السیحمی‌

فقد تقدم أن الإمام فیصل نقم علی آل سلیم أمراء عنیزة نزول الشریف عنیزة، و یتهمهم أن لهم بدّا فی خروجه من الحجاز، و هو ما قد تکلمنا عنه بما فیه الکفایة، لهذا السبب عزل إبراهیم السلیم و إخوته عن إمارة عنیزة و عین ناصر بن عبد الرحمن السحیمی أمیرا فیها.
فأخرج آل سلیم من القصر و أنزل منه أخوه مطلق السحیمی الضریر،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 231
و أخذ یتحدی آل سلیم و یهینهم و یضیق علیهم الخناق اعتزازا بمرکزه و مقامه عند الإمام فیصل، فضاقوا ذرعا من أعماله، فأرادوا أن یفتکوا به، فرصدوه فی أحد الطرق و رموه بثلاث رصاصات أخطأه اثنتان منها، و أصابه واحدة علی غیر مقتل، فهرب و دخل بیته و أغلقه فسار عبد اللّه الیحیی و من معه إلی الشمر فوجدوا أهله فانتظروا و أغلقوا بابه فرجعوا، و لما فشل سعیهم خافوا فهربوا إلی عبد العزیز أمیر بریدة، فکتب عبد العزیز و الإمام فیصل عنهم و یقول: إنهم لم یعملوا هذا العمل إلّا لأن السحیمی ألجأهم، إلی ذلک فطلبهم الإمام، فما زال الرسل تتردد بین الإمام المدینی و عبد العزیز بشأنهم حتی أعیاه الأمر و ألزم الإمام بمجیئهم فأرسلهم إلیه، فأنزلهم فی شیب و أکرمهم و عفا عنهم، و کتب السحیمی إلی الإمام شاکیا أعمال آل السلیم و یقول: إنهم اعتدوا علیه بلا جرم و لا سبب، فکتب إلیه الإمام أن أولاد یحیی عندنا و أنت فی بلدک و لا بأس علیک منهم. و لما بری‌ء ناصر السحیمی من جرحه أرسل إلی إبراهیم السلیم لأنه تخلف فی عنیزة و لم یشترک فی الحادثد فقتله و جرح أخاه علیا فهرب إلی المذنب ثم إن مطلقا الضریر أرسل إلی رجل من أعوان آل سلیم و ضربه حتی مات، فأرسل الإمام السحیمی و ألزمه بالحضور مع خصمه فحضر، فحکم بدیات الرجال و الجراحات فرضی عبد اللّه الیحیی و زامل العبد اللّه ظاهرا، و هیهات أن یترکوا دماءهم تذهب هدرا.

حوادث سنة 1264 ه

و لم یکن فی هذه السنة من الحوادث ما یستحق الذکر إلّا حوادث البادیة المعتادة.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 232
و فیها وقعة العاتکة التی فتک فیها ابن طحنون أحد رؤساء عمان بالسریة التی أرسلها الإمام فیصل بقیادة سعد بن مطلق المطیری إلی عمان، فرصد لهم ابن طحنون بالطریق و هاجمهم علی غرة ففتک بهم وفر من سلم منهم إلی بلد دبی و فیهم المطیر، و قام معه سلطان بن صقر صاحب الشارقة، و مکتوم صاحب دبی، و قصدوا ابن طحنون و حاصروه فی قصر البریمی، و أخرجوه منه و استولوا علی بقیة القصور التی بید ابن طحنون، و استردوا منه جمیع ما أخذ من السریة، و لکن الإمام غضب علی المطیری لسوء تدبیره و عزله و حرمه من الخدمة مدة حیاته.

1265 ه انتقاض عبد العزیز المحمد و أهل القصیم علی الإمام فیصل‌

اشارة

و من الغریب فی هذه القضیة انتقاض السحیمی أمیر عنیزة الذی ما کاد یستقر فی إمارته التی منحها إیاه الإمام فیصل، و لم نقف علی الأسباب التی أوجبت هذا الانتقاض و مما لا ریب فیه أنها لم یحدث بدون سبب و لکننا لم نقف علی تعلیل معقول و لیس لدینا من المصادر ما نعتمد علیه فی استخلاص الأسباب، فأما عبد العزیز المحمد فیمکننا أن نعزو الأسباب بالاستنتاج الذی نظن أنه یقرب من الحقیقة، و هو الفتور الواقع فی علاقاته مع الإمام فیصل منذ الیوم الأولی من قدوم الإمام فیصل من مصر، لأن عبد العزیز لما علم بوصول الإمام فیصل خایل استدعی عبد اللّه بن ثنیان إلی بریدة و تابعه و ساعده، و لما رحل ابن ثنیان من بریدة و الإمام فیصل فی عنیزة لم یقدم إلیه یهنیه بسلامة القدوم، و لا مد له ید المساعدة، و رحل من القصیم دون أن یواجهه، و عمل کهذا لا بد أن یبقی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 233
أثرا سیئا فی نفس الإمام علی رجل یعد من أمراءه الذین لهم الفضل علیه فی منصبه و حمایتهم إجماعه من أبناء عمه، الذین لو لا رعایة الإمام، إیاه لما قدر أن یقیم فی منصبه، و لکن الإمام لم یبادره فیما یکره، إلّا أنه لا یخفی نعمته علیه، و قد أراد أن یزیله أکثر من مرة فیعترض دون ذلک أناس یشفعون له، و لکن عبد العزیز داخله شی‌ء من الخوف و أخذ یتصور کل حرکة هی موجهة ضده، فأدخل الشک فی نفس الإمام سلوکه لأنه جمع جیشا و أخذ یغیر علی البوادی ذات الیمین و ذات الشمال، و هذا ما لا یحتمله، الحاکم الذی لا یرید أن یکون هنا، رایة غیر رایته، اجتمعت هذه و غیرها فحملت الإمام علی أن یعمل علی تخفیف غلوائه أو إزالته عن مرکزه إذا اضطرت الأمور هذا ما رأینا و استنتجنا من الأمور التی حملت عبد العزیز علی الذی لا یراه انتقاضا و إنما یراه دفاعا عن نفسه فإن کان تعلیلنا صحیحا فأمر مطلق السحیمی و موافقته عبد العزیز المحمد و إعلانه العصیان بالوقت الذی کان أخوه عند فیصل بالریاض، لا نری له تعلیا إلّا بأمر واحد و ربما کان هو السبب الوحید المعقول، و هو أن الإمام فیصل أرسل عبد اسمه المداوی و معه رجال فأمره أن ینزل القصر و کان فیه مطلق السحیمی، فأمره أن یخلیه فأبی أن یخرج من القصر، فرکب المداوی إلی بریدة و أقام فیها، و کان عبد العزیز فی أحد غزواته، ثم فهم عنها إخراج المداوی فاستدعاه و أنزله فی بیت من بیوت البلد فکتب فی المداوی إلی الإمام یخبره. و کأن السحیمی ظن أن الإمام لا یغتفر له هذا العمل فانضم إلی عبد العزیز المحمد و کاتبه، هذا ما رأینا من الأسباب و هی فیما نظن أقرب ما تکون من الصواب.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 234

تعلیل ابن بشر لأسباب هذا الانتقاض‌

و إذا رجعنا إلی ابن بشر لاستخلاص الأسباب رأیناه یضرب علی نغمته القدیمة التی قد ذهب إلیها أکثر من مرة إذ لا یتسع تفکیره إلی أبعد من ذلک، و إلیک ما قاله فی هذا الصدد.
و فیها جرت المحادثة العظیمة من رؤساء أهل القصیم بالخروج عن طاعة الإمام و منابذة أهل الإسلام، و ذلک أن أهل القصیم یحاولون هذا الأمر من قدیم، فأرادوه بالترک و العساکر المصریة، و کانت حوادث العساکر عن نجد و مسیرهم، إلیها عدیدا صاحب مصر، فلما أراد أن موته و هلکه و ضعف أمره و اختلاف ملکه و انقطعت أوامر الترک عن نجد و کفی اللّه المسلمین شرهم.
فقام رجال من رؤساء أهل القصیم یجادلون شریف مکة فهد بن عون بالخروج إلی نجد بالعساکر و الاستیلاء علیها، فظهر بعدته إلی نجد، و نزل القصیم، فلما رأی أن نجدا لن تحصل له إلّا بحرب شدید رحل من القصیم راجعا إلی بلده و شتمهم و مقتهم.
ثم إنهم نظروا إلی أنفسهم فأعجبهم کثرة من الأموال و صنادید الرجال الأبطال و البلدان القویة و القصور الشامخة العلیة و السلاح الثمین ... إلخ.
هذا هو المصدر الوحید الذی نستنیر منه ضوء الحوادث و هذا تعلیله فی أسباب انتقاض أهل القصیم، فهل نجاریه فی هذا التعلیل السخیف، أو نسلم له الأمر بإلقاء التبعة علیهم دون تمحیص، فنحن نجزم أن هناک أسبابا خطیرة أوجبت هذه الحرکة، و لکننا مع الأسف الشدید لا نملک
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 235
معرفة تلک الأسباب. إذا یرجع إلی سیاق الأخبار مضطرین إلی أخذها عن المصدر المذکور.

ناصر السحیمی یطلب من الإمام إطلاق سراحه‌

فلما جری من مطلق السحیمی من إنفراج مندوب الإمام فیصل من عنیزة و إعلانه العصیان، کان ناصر السحیمی عند فیصل بالریاض و کان هو الذی طلب من الإمام فیصل الإذن بالرجوع إلی عنیزة لإرجاع أخیه إلی الطاعة فأذن له الإمام فیصل و رجع، و لکن لم یرجع أخیه إلی الطاعة، بل انضم إلی رأیه و دخل فیما دخلوا به، و صمم علی الحرب، فهل یا تری أنه اقتنع و وجد أن هناک أسبابا توجب ذلک.
قال ابن بشر و کان عبد العزیز إذ ذاک قد غزا بأهل القصیم و نزل علی جراب الماء العروف و أقام علیه نحو شهر یخوف المسلمین.

أهل عنیزة یستدعون عبد العزیز المحمد

و أرسل أهل عنیزة إلی عبد العزیز یستدعونه فرحل من مکانه و قدم عنیزة و تعاهدوا علی الحرب.

الإمام فیصل یجرد الجنود لحرب أهل القصیم‌

خرج الإمام فیصل من الریاض و نزل الحسی و کتب إلی أهل النواحی یأمرهم بالغزو، فلما اجتمع علیه باقی غزاوته رحل و نزل الجمعة و أقام أیاما، ثم رحل و نزل ساجر و أقام علیه أیاما، و أمر علی عبد اللّه البجی، و زامل العبد اللّه السلیم أن یرحلوا برجال معهم و ینزلوا العوشزیة عند أرحام لهم هناک لعله یحصل لهم فرصة فی البلد ثم رحل هو و نزل المذنب
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 236
و کتب إلی أهل القصیم یدعوهم إلی الطاعة و ترک الحرب الذی لا یطولهم منه إلّا الدمار و الخراب. فأرسلوا إلیه مهنا الصالح أبا الخیل و قال للإمام أنه إنما جاء لطلب الصلح، و إن سبیلهم غیر سبیل عبد العزیز المحمد، ثم عرض نفسه للخدمة و أبدی له من الإخلاص ما جعله یثق به، و کان هذا أول اتصال دام، بعد ذلک سیأتی بیانه، فکتب معه الإمام لأهل القصیم بأن یدفعوا له الزکاة و یرکبوا معه غزاة و لا نعلم إذا کان جاء مهنا عن نفسه أو عن أهل البلاد، و لکننا نقول إنه أخذ یناهض عبد العزیز بعد ذلک سرّا و یرسل التقریرات للإمام فیصل عن أعمال عبد العزیز.
و کان مهنا الصالح من تجار بریدة و رؤسائها، و کان یسیر أمیرا علی الحاج الغریب فیأخذهم من أماکنهم و یتفق معهم ذهابا و إیابا علی قدر معلوم، و کان رجلا مادیّا فاجتمع عنده ثروة لا بأس بها، و کان یتطلع إلی الرئاسة فاتصل بالإمام فیصل فی الخلاف الذی وقع بینه و بین عبد العزیز، فاستمرت هذه الصلة، فکانت عاملا قویّا علی استمرار الوحشیة حتی انتهت بالحادث المؤسف الذی ستقف علیه سنوات.
و لما نزل الإمام فیصل المذنب کان عبد العزیز المحمد و جنوده فی عنیزة فجاءه الخبر أن عبد اللّه الفیصل أغار علی قبیلة الدهامشة فی عنزة علی العراقیة، و کانوا فی أتباع عبد العزیز المحمد فما لبث أن جاءه الصریخ منهم فرکب عبد العزیز ...
1265 ه

وقعة الیتیمة

و رصد لهم فی موضع یسمی الیتیمة بین الشماسیة و الطعمیة، فلما
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 237
قفل عبد اللّه راجعا بعد غارته علی عنیزة، وجد آثار جیش عبد العزیز المحمد، فأشار علیه من معه أن یسیر فی طریقه و یترکهم ما دام أنهم لم یعترضوه، فقال: لا و اللّه لا أرجع عنهم حتی یطأهم جیشی، فقصدهم فی موضعهم و جمع ما معهم من إبل الغنیمة کرادیس، و أمر أهل الخیل أن تسوقها علیهم و تجشمهم إیاها لتفرق جمعهم، فلما ثار القتال ساق علیهم الإبل و وراءها الفرسان و وراءهم المقاتلة فکروا عن وجد الإبل و صمدوا للقتال و حمی و طیسه، ثم انهزم عبد العزیز المحمد و من معه و ترکوا بالمیدان نحو مائة و خمسین قتیلا من الطرفین، و قصد عبد العزیز عنیزة و تلاحق علیه فلول جیشه. و کان یطن أن أهل عنیزة یساعدونه علی إعادة الکرة، و لکن الشیخ عبد اللّه أبا بطین ثبط عزمهم، و أشار علیهم بعدم الدخول فی أمر عبد العزیز، ثم ذهب إلی عبد العزیز المحمد و قال له:
یا هذا، إربأ بنفسک و جنّب أمور أهل هذه البلد، فإنها لیست بلادک و لیس لک أمر علی أهلها، فدعهم و شأنهم فإنهم یریدون أن یصلحوا أمرهم مع حاکمهم، فإما أن تسلک سبیلهم أو تترکهم، فرحل من عنیزة و قصد بریدة. و هرب السحیمی قاصدا ابن رشید، فوافاه فی القوارة مقبلا لنصرة الإمام فیصل.

صلح أهل عنیزة مع الإمام فیصل‌

فلما فارق عبد العزیز عنیزة و هرب السحیمی، انتدب أهل البلاد الشیخ عبد اللّه أبا بطین فرکب إلی الإمام فیصل، فأکرم وفادته، فأبدی لهم الشیخ مهمته، و قال: إن أهل البلاد یطلبون العفو عما مضی، و فوضونی أن أقدم لکم خضوعهم، و إنهم بالسمع و الطاعة. و کان عبد اللّه الیحیی،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 238
و زامل العبد اللّه مع الإمام فیصل، فاستشرفا للإمارة، و لکن الإمام فیصل أرسل محمد بن أحمد السدیری فی عدة رجال و أمره أن ینزل القصر، فدخل البلد و نزل القصر، و رحل الإمام فیصل و نزل خارج البلد، ثم دخلها بنفسه و حاشیته، فبایعوه علی السمع و الطاعة.

عبد العزیز المحمد

ثم أرسل الإمام فیصل إلی عبد العزیز المحمد یدعوه إلی الطاعة أو للحرب، فقالوا: إنه لم یمتنع مکابرة و لکن خجلا من سوء عمله، فما زالوا یعتذرون و یتوسلون له بالرضی عنه و إرجاعه لمنصبه، فلم یقبل الإمام إلا أن یکفلوه عن أی حدث و إلا فهو لا یقره، فکفلوا له کل ما یحدث منه، فعفی عنه و أقره بمنصبه فی بریدة فقط، و فصل عنه ولایة القصیم و أسنده إلی أخیه جلوی.

إدارة جلوی بن ترکی فی عنیزة

سنة 1265 ه و لما أقر الإمام فیصل عبد العزیز المحمد فی منصبه و لکنه حصر نفوذه فی بریدة فقط، و فوض أمر القصیم إلی أخیه جلوی بن ترکی و جعل مرکزه عنیزة، و أمر علیه أن ینزل القصر، و أبقی عنده قوة من أهل الریاض و غیرهم و قفل راجعا إلی وطنه.

1266 ه هرب عبد العزیز المحمد إلی الشریف‌

اشارة

استقام عبد العزیز المحمد فی بریدة و لکن لم یطمئن علی نفسه و ساورته الأفکار بعد فصل القصیم عن ولایته و مجاورة جلوی له فی عنیزة
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 239
و السلطة، و فی هذه الأثناء ورد الأمر من الإمام إلی أهل النواحی و منهم عبد العزیز، فخرج جلوی بغزو أهل القصیم و تجهز عبد العزیز بغزو بریدة. و لما خرجوا قاصدین الإمام فیصل صرف نظره عن مرافقتهم و أمرهم یتوجهون إلی قصدهم، و ذهب هو إلی الحجاز، و قصد الشریف محمد بن عون و معه أولاده و خواص رجاله، فلما علم فیصل قصد بریدة و نزلها، فالتمس منه إخوة عبد العزیز العفو عن أمواله فترکها لهم، و أسند الإمارة إلی عبد المحسن أخی عبد العزیز، و جعل علی بیت المال عبد العزیز ابن الشیخ عبد اللّه أبا بطین، أما عبد العزیز فقد استقام عند الشریف بضعة أشهر ثم سئم الإقامة هناک، فطلب من الشریف أن یتوسط له عند الإمام فیصل، فکتب الشریف إلی فیصل یطلب العفو عن عبد العزیز، فما زالت الرسل تتردد بذلک حتی أذن له أن یرجع إلی وطنه، و أن یکون أمیرا فی بلده، فرجع إلی بریدة. و کان فیصل غازیا إلی أطراف قطر حیث أن أمراء البحرین قد استولوا علی بعض قراه الساحلیة، فأمر علی عبد العزیز المحمد أن یرکب بغزوه مع جلوی بن ترکی، فرکب معه فی ربیع الأول، فلما قدم علی الإمام فیصل وبّخه و عاتبه علی أعماله، فقال: یا حضرة الإمام التوبة تغسل و لا تکدر صفو عفوک بالتأنیب علی ما مضی، و انظر إلا ما یأتی، قال: لا تثریب علیک. و أقام عنده حتی قفل راجعا إلی بلده و أیده فی مرکزه.

نهایة تاریخ ابن بشر

یعلم المطّلع أننا لخّصنا أکثر الحوادث مستمدین ذلک من تاریخ ابن بشر، ما عدا بعض الحوادث التی استقیناها من مصادر أخری، و هی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 240
معروفة، کما أن فیه تعلیقات و ملاحظات من تألیفنا لیست من تاریخ ابن بشر و لا غیره، و هی وصف النهضة الإصلاحیة، و نشأة الشیخ محمد بن عبد الوهاب، و علاقاته قبل اتصاله بمحمد بن سعود، و تراجم الأمراء الأربعة الذین قاوموا محمد بن سعود و حالوا دون توسع نفوذه، و تعلیقاتنا علی حوادث قتل المطاوعة و علی جلب الحکومة المصریة، و جلب الشریف علی نجد و ما شاکل ذلک.

المصادر الجدیدة للحوادث الآتیة

و بما أن تاریخ ابن بشر انتهی فی حوادث هذه السنة فقد اعتمدنا علی و ریقات منسوبة لإبراهیم بن عیسی، ذکر فیها: أربع أو خمس حوادث من حوادث القصیم فقط، و عن تاریخ ألفه إبراهیم المحمد القاضی استخلص منه جزء قلیل من حوادث البادیة التی لم نقف علیها و هی قلیلة جدّا، إنما یلزمنا التنویه بذلک. و ما عدا ذلک من حوادث نجد فهو من روایتنا و محفوظاتنا، إذ أننی قد عاصرت الحوادث من العقد الثانی من القرن الرابع عشر، و حرصت علی حفظها و تدوینها من مصادر الحوادث نفسها، و تتبّعت ما شذّ عنی، فأخذته ممن شاهده أو حضره من الثقات، و حرصت کل الحرص علی تمحیص الحقایق کما هی لا کما أشتهی أن تکون، و لم أرسم إلا ما ثبت عندی متجنّبا المیل جهد الطاقة، و لم أبخس العدو حقة من الحقیقة و لا أعطیت الصدیق منها أکثر ما یستحق، لأننی أکتب للتحقیق و للحقیقة وحدها، و ما توفیقی إلا باللّه.

حوادث سنة 1268 ه

و فی هذه السنة ساقت الحکومة الترکیة العساکر علی عایض بن
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 241
مرعی و معهم شریف مکة، ففتک بها أهل عسیر و لم یرجع منهم إلا القلیل، و قد ذکرنا ذلک فی کلامنا علی عسیر.

حوادث سنة 1269 ه

لم یستجدّ من الحوادث فی هذه السنة ما یستحق الذکر.

حوادث سنة 1270 ه

و فی هذه السنة حصل اختلاف بین أهل عنیزة و أمیرهم جلوی بن ترکی، فأخرجوه منها و نزل بریدة و کاتب أخاه الإمام فیصل، و أخبره بالأمر، و کتب أهل عنیزة إلی الإمام فیصل ینتقدون شدة و طأة الأمیر جلوی علیهم، و عدم مراعاته لذوی المقامات منهم، و تکلیفهم بأمور لیست من مقامهم، و إنه یتعمد اضطهاد الأعیان و إذلالهم مما لم یسعهم الصبر علیه، و إنهم اختاروا له العزلة إلی أن یأتی أمرکم بإرسال من یخلفه، و لکنه فارق البلاد، و نحن لم نخرج عن الطاعة، و لا زلنا بالسمع و الطاعة.
و لکن الإمام أرجع الرسول و رسالته لم یقرأها، و کأن عبد اللّه الفیصل قد أخذ یتدخل فی الأمور، و کان یمیل إلی الشدة فی أعماله، فصمم علی الحرب، فلما کان فی شهر الحجة من هذه السنة خرج عبد اللّه و معه غزو الریاض، و الخرج، و الجنوب، و المحمل، و سدیر، و الوشم، فأغار علی وادی عنیزة، فخرج إلیه أهل عنیزة و حصل بینهم قتال شدید قتل فیه سعد بن محمد بن سویلم، أمیر ثادق، فرحل عبد اللّه الفیصل و نزل العوشریة. ثم رحل و نزل روضة العربیین، ثم رکب الأمیر عبد اللّه الیحیی إلی الإمام فیصل و بسط له الأمر، و قال: إننا لا نزال علی السمع
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 242
و الطاعة و لا نحتاج إلی تجرید الجیوش و أمرک نافذ بدون هذه الوسائل التی حملک علیها أهل الأهواء، فرضی عنهم و أیده بمرکزه علی السمع و الطاعة، و کتب لابنه عبد اللّه یرجع مع عمه جلوی إلی الریاض، فرجعوا دون أن یکون مصادمة غیر الأولی، و بهذا رجع آل سلیم إلی إمارة بلدهم و لم یوجدوا هذه الحرکة إلا لهذا القصد لأنهم خشوا أن یطول الأمر فتکون عنیزة مرکزا لإمارة القصیم من قبل الحاکم بدلا من بریدة فتضیع إمارتهم بذلک.

حوادث سنتی 1271 ه- 1272 ه

لم نجد فی هذه السنین حوادث ذات بال.

حوادث سنة 1273 ه

و هذه السنة کسابقتیها لیس فیها من الحوادث؛ غیر أن ابن مهیلیب رئیس الوساما من مطیر نوخ حاج أهل القصیم عنیزة و بریدة و قراهما، و هو علی الداث الماء المعروف و طلب منهم أشیاء یدعی أن له علیهم حقوقا فامتنعوا عن إعطائه شی‌ء؛ لأن لیس له شی‌ء من عنیزة. و إنما أراد أنه یؤسس له لیدعیه بعد ذلک، فلما لم یجیبوه أغار علیهم و أخذهم و رجعوا لم یحج أحد منهم.

1275 ه قتل ناصر السحیمی‌

تقدم الکلام علی ما کان من أعمال ناصر السحیمی سنة 1265 ه و قتله إبراهیم السلیم، و لما دخل الإمام فیصل عنیزة 1270 ه، هرب منها إلی ابن رشید. و فی هذه السنة وصل إلی الهلالیة، فرکب الأمیر عبد اللّه
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 243
الیحیی، و زامل العبد اللّه و بعض رجالهما إلی الهلالیة، و قتلا ناصر السحیمی بعمهما إبراهیم و رجعا إلی عنیزة. و قد ذکرنا رجوع عبد العزیز المحمد إلی إمارته فی بریدة بعد أن استرضی الإمام فیصل، و لکن لم تکن الثقة بینهما تامة، فالوحشة لم تفارق عبد العزیز بل ازدادت. ذلک لأن الإمام لا ینظر إلیه بالعین التی کان ینظره فیها، و لا زال متهما عنده لکثرة نزعاته و عدم استقامته، و یزیده ما یتواتر علیه من مهنا الصالح من أخبار عن عبد العزیز لم تکن فی مصلحة، و مهنا کما قد ظهر أخبرا کالطامع بمرکز عبد العزیز، و لهذا فإن الأخبار التی یسوقها عن عبد العزیز لا یمکن الرکون إلی صحتها، و أنی لعبد العزیز أن یتقیها و هو لا یعلم عنها، و لکن ذلک أثر علی الإمام، فاستدعی عبد العزیز إلی الریاض فقدم و معه ابناه علی و عبد اللّه فأمرهم بالبقاء عنده و جعل عبد اللّه بن عبد العزیز بن عدوان أمیرا فی بریدة و هو من بنی عم عبد العزیز.

حوادث سنة 1276 ه

و فی هذه السنة، فی شهر صفر، قام بنو عم عبد العزیز المحمد، و هم: حسن العبد المحسن، و أخوه عبد اللّه، و محمد الغانم، و أخوه عبد اللّه، و قتلوا عبد اللّه بن عبد العزیز بن عدوان، أمیر بریدة، فلما بلغ الإمام فیصل الخبر جعل محمد الغانم أمیرا فیها، و بعد مدة قلیلة أطلق الإمام سراح عبد العزیز و أمره أن یرجع أمیرا علی بلده، و أبقی ابنه عبد اللّه فی الریاض کرهینة؛ لأن هذا الإطلاق لم یکن عن رضی و لکن رأی أن البلد لا یستقیم فیها أمیر بسبب آل ابن علیان، و کان عبد اللّه الفیصل لا یری رأی والده فی عبد العزیز و یود التخلص منه بأی وجه من الوجوه،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 244
و لکن الإمام فیصل یغلب علیه الحلم و الصفح، و فیما نری أن عبد اللّه قد صمم علی تنفیذ الأمر دون أن یراجع أباه.
و فی هذه السنة أغار عبد اللّه الفیصل علی العجمان و آل شامر و بنی حسین و آل عذبة من المرة و أخذهم علی الدوادمی الصبیحة، و ملأ یده من أموالهم، و قتل منهم خلقا کثیرا، و قد کانوا یعیثون فی أطراف الأحسا فسادا، و کان الشیخ أحمد بن مشرف یرسل القصیدة یحرضه علیهم و یبین له خطرهم علی نفس البلاد. و إلیک مقتطف من جوابه بعد هذه الإغارة:
لقد سرّنا ما جاءنا من بشارةفزال هموم النفس و انشرح الصدر
قیل عبد اللّه أقبل عادیّایقود أسودا فی الحروب لها زأر
فصبح قوما بالصبیحة اعتدواو قادهم للبغی من شأنه الغدر
إلی أن قال:
أساووا جمیعا فی الإمام ظنونهم‌فقالوا ضعیف الجند فی عزمه حصر
نغیر علی بلدانه و نخیفهالیعرفنا الوالی و ینمو لنا الوفر
فإن لم نصب ما قد أردنا فإنه‌صفوح عن الجانی و من طبعه الصبر
و ما أنکروا فی الحرب شدة بأسه‌و لکن بتسویل النفوس لها غروا
و قد قسموا الأحسا جهلا بزعمهم‌لعجمانها شطر و للخالدی شطر
أمانی غرور کالسراب بقیمةیری فی الفلا وقت الضحی أنه بحر
إلی أن قال:
و لا تبن للأعراب مجدا فإنهم‌کما قیل أوثان لها الهدم و الکسر
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 245 إذا أودعوا النعماء لم یشکروا لهاو إن رمت نفعا منهم أبدا ضرّوا
فوضح الندی فی البدء و ملخ و مفسدفأصلحهموا بالسیف کی یصلح الأمر

1277 ه وقعة کاظمة (و الکل یسمونها وقعة الطبعة)

اشارة

فی هذه السنة جرت الوقعة الکبری علی العجمان، و ذلک أن العجمان بعد وقعة الصبیحة انتزحوا إلی الشمال و نزلوا إلی کاظمة- الساحل المقابل إلی الکویت من الشمال- و ذلک لیبتعدوا عن عبد اللّه الفیصل الذی لا زال یطاردهم لإزالة شرهم. و فی شهر شعبان خرج عبد اللّه من الریاض و انضم إلیه سبیع و مطیر و بنی هاجر، فسار قاصدا من کان فی جبل، و من انضم إلیه من العجمان، فجاءهم من جهة الشمال، فجعلهم بینه و بین البحر، و کان ذلک الساحل غزیرا بحرّه، و لکن وقت جزر البحر، لما دهمهم عبد اللّه بجیوشه قابلوه و قاتلوه قتال المستمیت، لکنه تغلب علیهم و أخذ أموالهم و هربوا من وجهه و دخلوا البحر خوفا من عبد اللّه لعلمهم أنه سیفتک بهم، و لم یعرفوا حالة مد البحر و جزره و قد دخلوا وقت الجزر، و کانوا لا یحسنون السباحة، و لم یلبثوا أن مد البحر علیهم و جیش عبد اللّه لا زال فی موضعه، فهلک منهم خلق کثیر غرقا غیر من قتل منهم فی ذلک.
یقول؟؟؟
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 246

وقعة کاظمة أو کما یسمیها أهل نجد (کون الطبعة)

و فی ذلک یقول الشیخ أحمد بن مشرف فی قصیدة:
هموا حاولوا الأحساء و من دون نیلهازوال الطلی ضربا و قطع الحناجر
إلی أن قال:
و قدم فیهم نجله یخفق اللواعلیه و فی یمناه أیمن طائر
فأقبل من نجد خیل سوایت‌تری الأکم فیها سجدا الحوافر
فوافت فی الدفری جموعا توافرت‌من البدو أمثال البخار الزواجر
سبیعا و جیش من مطیر عرمرماو من آل قحطان جموع الأواجر
و لا ننس جمع الخالد فإنهم‌قبائل شتی من عقیل بن عامر
سار بجوار من أجیش أظلمت‌لم الأفق من نقع ثائر
فصبح أصحاب المفاسد و انحنابسمر القنا و المرهنات البواتر
بکاظمة حیث التقی جیش خالدبهرمز نفارا جاءنا بالتواتر
فما اعتصموا إلا بلحیة مزیدمن البحر یعلوه رحم غیر جازر
فغادرهم فی البحر للموت مطعماو قتلی لسرحان و نمر و طائر
ثم قفل عبد اللّه فی 15 رمضان فبلغه أن ابن سقیان و معه بنی عبد اللّه قد نزلوا (المنسف) فأغار علیهم و أخذهم، و قتل حمدی بن سقیان، ثم قصد بریدة یرید القبض علی عبد العزیز المحمد فانتذر به و هرب من بریدة و معه أولاده، فأرسل عبد اللّه خلفهم سریة مع أخیه محمد، فلما وصل محمد إلی بریدة و إذا عبد العزیز قد هرب و لم یستطع اللحاق به؛ لأن جیشه الذی أتی علیه قد کلّ. و جاء مهنا الصالح الذی ینتظر هذه الفرصة
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 247
فأعطاهم جیشا قویّا، فرکبوا خلف عبد العزیز، و یقال: إنه لو لا أن مهنا أبدل جیش السریة لما أمکنهم اللحاق به.

قتل عبد العزیز المحمد و أولاده‌

و أدرکوه بالشقیقة فقتلوه و قتلوا معه أولاده: حجیلان، و ترکی، و علیّا و خدامهم و رجعوا. و کان عبد اللّه بن عبد العزیز المحمد مع عبد اللّه الفیصل فی غزوته، فلما أحس بالسریة التی أرسلت للقبض علی أبیه هرب و اختفی فی غار فی أحد الجبال، فوجدوه و أرسلوه إلی القطیف، و هناک مات أو قتل، و أرسل عبد اللّه إلی أبیه یخبره بمقتل عبد العزیز و أولاده و یطلب أن یرسل إلی بریدة أمیرا علی نطره، ثم قام عبد اللّه الفیصل و هدم بیوت عبد العزیز المحمد و أولاده و أعوانه. ثم رحل عبد اللّه من بریدة و أغار علی، من عتیبة و أخذهم علی الدوادمی ثم قفل إلی الریاض و أذن لغزواته النواحی بالرجوع لأوطانهم.
ثم أرسل الإمام فیصل عبد الرحمن بن إبراهیم أمیرا فی بریدة.

1278 ه حرب عنیزة الثانی و هو بعد حادثة عبد العزیز المحمد مباشرة

اشارة

و فی هذه السنة حصل اختلاف بین الإمام فیصل و أهل عنیزة، و لم نعرف وجه هذا الاختلاف و لا أسبابه، و لکننا فهمنا أن أهل عنیزة قد بذلوا الأسباب لإزالة هذا الخلاف، و لکن لم یسمع لهم کلام، و لم یقبل منهم قول، و کانوا یرسلون الرسل بالکتب فترجع إلیهم کما هی، لم یقبلوا أن یطلعوا علی ما فیها، و کان الإمام فیصل قد تخلی عن الأمور لابنه
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 248
عبد اللّه، و کان عبد اللّه مائلا إلی الشهرة و الجبروت متّصفا بالغلظة و القسوة، فجرّد الجیوش علی إثر حادثة عبد العزیز المحمد بقلیل، و ساقها إلی ابن إبراهیم فی بریدة مقدمة لحرب عنیزة، فأرسل سریة مع صالح بن شلهوب إلی بریدة، ثم أرسل غزو أهل الوشم و سدیر و أمیرهم عبد اللّه بن دغیثر، فاجتمع فی بریدة عند ابن إبراهیم خلائق کثیرة، ثم أمر ابن إبراهیم علی غزو أهل القصیم فأتوه، فسار بالجمیع و نزل رواق.

وقعة رواق‌

فخرج إلیه أهل عنیزة و لم ینتظروا قدومه، فصادموه و هزموه حتی دخل بریدة، و قد قتل من جنوده نحو عشرین رجلا، منهم عبد اللّه بن دغیثر، أمیر غزو الوشم و سدیر، و لم یحدث بعد هذه الوقعة مصادمات إلا مناوشات عصابات من الطرفین، و کان عبد اللّه الفیصل یستحث غزو البلدان لیرسلها إلی عنیزة.

حوادث سنة 1279 ه

اشارة

دخلت هذه السنة و الحرب قائم بین أهل عنیزة و عبد اللّه الفیصل و جنوده، و فی هذه السنة سار محمد بن فیصل و معه غزو الریاض و من اجتمع عنده من غزو أهل الجنوب و قصد بریدة و انضم إلی من فیها و سار بالجمیع و نزل طرف الوادی.

وقعة الوادی‌

فخرج إلیه أهل عنیزة، و حصل بینهم قتال لم یتفوق فیه أحد من الجانبین، فلما قرب اللیل رجع أهل عنیزة إلی بلدهم.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 249

وقعة المطر

ثم رحل و نزل طرف الوادی من الشمال، فلما کان النصف من جمادی الثانی، خرج إلیه أهل عنیزة و صادموه و اقتتلوا قتالا شدیدا تأخر فیه جند محمد الفیصل، و وصل أهل عنیزة إلی المخیم، فبینما القتال دائر إذ هطلت الأمطار، فبطل سلاح أهل عنیزة؛ لأن سلاحهم الفتیل، فکرّ علیهم جند محمد الفیصل بالسلاح الأبیض الذی کان أهل عنیزة خالین منه یومئذ، فانهزم أهل عنیزة، و قتل منهم قتلی کثیر، و فی ذلک یقول شاعر هل عنیزة من قصیدة حربیة:
یوم الجدا قومک عدیناک الخیام‌رب العرش مدّک من سماه
یقول ما معناه: لما کان الأمر بیننا و بین جندک عدیناک- أی أبعدناک عن المخیم- لکن رب العرش أمدک بالمطر الذی أبطل مفعول البندقیة.
و بعد هذه الوقعة لم یخرج أهل عنیزة إلی القتال، بل اکتفوا بالدفاع من وراء الأسوار، ذلک لأن الإمدادات تواصلت من الحسا و من جبل شمر فما دونهما، عبد اللّه الفیصل بنفسه، فاستداروا علی البلاد و أخذوا یهاجمونها، و لکن أهل البلاد دافعوهم عنها دفاع الأبطال و لم یدرکوا منها أیة نتیجة، ذلک بأن اللّه حبا عنیزة بمیزة لم یشارکها فیها بلد من البلاد الأخری و ذلک أن نخیلها و مزارعها داخل السور مما یکفی حاجة أهلها مدة الحرب مهما طالت، و ذلک ما ساعدها علی تحمّل الحصار مدة سنة و نصف دون أن تتأثر، فلما طال الحصار و لم تفدهم المدافع التی جلبوها شیئا أمر عبد اللّه الفیصل تلک الجنود بقطع نخیل الوادی الذی یبعد عن عنیزة نحو ساعة لعلها تؤثر فی أهل البلاد، فقطعوا الشی‌ء الکثیر منها فلم یبال أهل البلاد بذلک، فرجعوا إلی الحصار، و أخذت المناوشات مجراها
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 250
کل یوم کلما قاربوا الأسوار خرج إلیهم أهل البلاد و أبعدوهم منها، و إذا کان اللیل أخذ شاعر أهل الریاض یساجل الخیاط من أهل عنیزة الشعر الحماسی الحربی و هم فی مراکزهم و یرد علیهم، و مع الأسف أنی لا أحفظ من ذلک إلا مبادی‌ء القصایده و لعلّی أقف علیها کاملة فازین بها هذه الصفحة و إن کانت من الشعر النبط.
قال شاعر الریاض:
وین انت یالخیاط عن حدب الجریدیوم العوارض قطعوا جمارها
قال الخیاط:
قطع النخیل ما هو ب فخر و الوقیدعیب علی الی ما تتم أقوالها
قال شاعر الریاض:
وین انت یالخیاط یا عفن العبیدیا لی تقول الدار نحمی جالها
قال الخیاط:
هذه عنیزة ما نبیعه بالزهیدلی بندق ترمی اللحم لو هو من بعید
ما وقفت بالسوق مع دلالها و له قصائد حماسیة قالها فی أثناء هذا الحرب و فی شؤونه، و لکن لم أقف منها علی شی‌ء، و سأحرص إن شاء اللّه علی جمعها و وضعها فی محلها.
و علی الخیاط: هو أبو حمد العلی، الذی مات فی العقد الثانی من هذا القرن، و علی هذا و إن کان من بیت غیر معروف بالأصالة، إلا أنه من رؤساء أهل عنیزة و أهل الکلمة فیهم، لوطنیته الصادقة، و شجاعته و کرمه،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 251
فهذه صفات ألحقته بمقام الرؤساء، و له أخبار فی هذه الحرب اشتهر فیها بصدق الوطنیة و الإخلاص.
و للمرحوم زامل العبد اللّه السلیم قصائد حماسیة حربیة مشهورة، إلا أنی- مع الأسف الشدید- لم أحفظها، و سأحرص علی جمعها و وضعها فی محلها إنشاء اللّه، إنها القصیدة التی یعاتب فیها الإمام فیصل و یذکر معه، منها: استقبالهم إیاه بعد رجوعه من مصر، و المسیر معه حینما کانت نجد کلها مع ابن شنیان، و یقول: إننا عادینا. ابن ثنیان من أجلک و الیوم هذا جزانا منک.
حوادث سنة 1279 ه و منها قصیدته التی ینصح فیها أهل القصیم و یحضهم علی جعل کلمتهم واحدة و یقول: إن القصیم قصر و عنیزة بابه فإذا فتح الباب لم یبق قیمة للقصر، یقول فی القصیدة الأولی و مطلعها:
سلام یا من سار لبلادی حریب‌الحکم للّه ثم له ما أحدث لنا
کزیت رسولی و عیاب تجیب‌و من الغضب ردة خطوطی ما قراه
یقول فیها معاتبا الإمام:
یوم أن نجد تختبط لک بالشعیب‌فی ظل شیخ کل نجد فی سناه
مع حاکم کل القبایل فی ذراه‌و الیوم یا فرز الوغی هذا جزاه
ثم أخذ:
و اللّه ما یجلی عن الکبد اللبیب‌إلّا أکثر فی یوم یطلع من خباه
و کصقلات معتبینة للحرب‌تصح إلی أوجست اللحم علو شباه
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 252
و یقول فی الثانیة: یخاطب أهل القصیم و یحثهم علی جمع الکلمة:
و بنی حبة رقطا بصدع له‌سهالین و السم بأنیابه
خبّر أهل القصیم و قل بکم علّةحار فیها الطبیب و ضاعت أطبابه
لو تعرفون أو تدرون بالخلّةإنکم قصر عزّ و إننا بابه
ثم أخذ یتحمس:
إن حربنا نحنا للعدو علّةو أن صفینا کما السکر لشرّابه
استمر الحرب ما یقرب من ثمانیة عشر شهرا و البلاد فی أشد الحصار دون أن یحصل فیها شی‌ء من الحاجة، و لا بدر ما یدلّ علی اضطرارهم للتسلیم، و کانت هذه الجنود الکثیرة المحاصرة تکلف عبد اللّه الفیصل مصاریف باهظة و لکن أخذته عزة الملک من أن یفک الحصار من نفسه و کان معه طلال بن رشید و کأنه تفرس فی عبد اللّه رغبته فی الصلح فأرسل سرّا إلی الأمیر عبد اللّه الیحیی، و زامل العبد اللّه یقول: إن الإمام لا یکره الصلح و وقف القتال إذا کان طلب منکم فجاوبوه: إنک مفوض من قبلنا بمخاطبة عبد اللّه ثم جاء إلی عبد اللّه و هو فی مجلسه العام و قال:
أن أهل عنیزة طلبوا منی التوسط لهم بالصلح، و ذلک بمسمع من کبراء و أعیان الذین معه، فقال عبد اللّه: إذا وافقتنا الشروط قبلنا منهم الطاعة، فقال طلال: إذا تسمحون بمقابلة مندوب عنهم لسماع ما ترغبون من الشروط، قال: لا بأس، فأرسل طلال یقول أرسلوا من قبلکم من تعتمدون لمواجهة ابن الإمام، فخرج زامل و معه رجل من أتباعه صباحا و نزل عند طلال بن رشید فجلس معه ینتظرون وقت جلسة عبد اللّه الفیصل و کانت هذه أول مرة تعرف بها طلال شخصیا بزامل و أخذا یتحدثان، فقال
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 253
طلال ممازحا: یقولون إنک من دهاة الرجال، و کنت أظنک کذلک أما الآن فقد ثبت عندی ضد ما سمعته عنک، قال زامل: إن النوایة دائما تکون أکبر من تحقیقه و لکن أخبرنی ما الذی رأیته منی حتی غیر اعتقادک قال: نعم و إلیک هذا إن ابن سعود قد بذل ما بذل فی هذه الحرب کله للوصول علی القبض علیک، و الآن تجی‌ء تدربی رأسک و تمکنه من نفسک علی غیر عقد، و أنت کما یقول المثل «عین حمرة»، فإذا قبض علیک انتهی الأمر و تمکن من کل ما یرید قال زامل: و هل هذا کل ما عندک و غیّر رأیک فقال نعم. قال زامل: إننی لست بالمحل الذی تراه، فقد خلفت من ورائی الکثیر ممن هو جدیر بالقیام بأکبر مما أقوم به أنا، و ما أنا إلّا واحد من جملتهم، لا یؤثر وجودی أو عدم وجودی بینهم و لا یعتبر شیئا من مجاری الأمور، و لکن ما دمت تفکر بهذا الأمر و تخشی وقوعه فکان الواجب أن تنکر فی ذلک فی شالتک فی الأخطار الذی تخشاه علی هی علیک أکبر منها علی، و مطامع ابن الإمام فی بلادنا لیست أکبر من مطامعه فیکم فأنا خرجت وحدی خلفت ورائی عشرات یقومون مقامی، و أما أنت فقد حشدت معک آل الرشید جمیعهم و لم تترک منهم أحدا من بلغ الحلم، فلو تراء لابن الإمام شی‌ء مما ذکرت و قبض علیکم و علی من معکم من آل الرشید فهل تری أن فی البلاد من یقدر أن یدفع عنها قال حسبک فقد نبرت واعیا، ثم قال طلال، إن ابن الإمام قد قرب وقت جلوسه و سنسیر إلیه للمقابلة و أعلم أنه سیتکلم علیک قدام أهل المجلس، و یؤنبک و یشدد فی المطالب فلا تعارضه بکلام یستدعی غضبه فهو [...] .
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 254
إلّا مظاهر عند أمراء و قواد جنوده، و مهما اشترط أو طلب فاقبله و علی تدبیر الأمر بعد ذلک فلما جلس عبد اللّه الفیصل بالمجلس العام تقدم إلیه الأمیر طلال و قال بعد السلام هذا خادمکم زامل أتی لتقدیم الطاعة و طلب العفو و الصفح من الإمام و منکم فقابله عبد اللّه بجفاء ظاهر ثم أخذ یتکلم علیه و علی أعماله، و قال: إنکم اغتریتوا بحلم الإمام عنکم و تغاضیه عن أعمالکم، فاجترأتم علیه، و نقضتم العهود، و جندتم الجنود، و شققتم عصا الطاعة، أکثر من مرة و لم تعتبروا بمصیر من قبلکم ممن کان عمله مثل عملکم ثم أخذ یتهم و یتوعد، و هنا اعترض الأمیر طلال و قال: یا طویل العمر کفی مسی‌ء عمله، و قد جاءه ما یکفیه، و هم بالسمع و الطاعة للإمام، و إنما ینتظرون صدور العفو، قال: لا حتی یؤدوا ما هو مطلوب منهم، و قد ذکر مطالبه من السلاح و المال، فقال طلال:
جمیع ما تطلبونه یحضر و أنا کفیل علیهم بذلک، فتم الأمر ثم استأذن طلال من عبد اللّه بأن یضیف زاملا فی هذا الیوم فأذن له و ذهبا إلی مخیم طلال، فقال زامل لماذا تکفل علینا بهذا المبلغ و أنت تعلم أننا لا نستطیع أن ندفعه و لا یقبل ذلک من ورائی، قال ألم أقل لک لا تهتم فی هذا الأمر، فما هی إلّا مظاهر یراد إشاعتها و لما جلس عبد اللّه الفیصل ذهبا إلیه و کان مجلسا خاصا فخاطب الأمیر طلال عبد اللّه الفیصل و قال: إن خدامک أهل عنیزة لا یستطیعون هذا الحمل الثقیل الذی فرضته علیهم، و قد أنهکهم هذا الحصار و ذهب بأموالهم، فهم یلتمسون أن تتفضلوا علیهم و تعفوهم من ذلک، قال: لا بد من أداء ما قررنا عقوبة لهم و ردعا لأمثالهم ممن تحدثه نفسه بشق عصا الطاعة، فقال طلال إن زاملا یقول إنه لا یجب أن یرجع إلیهم بهذه الشروط، و إذا کان لا بدّ من ذلک فهو یود أن
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 255
یبقی بخدمتکم و لا یرجع إلی بلاده، فما زال به طلال حتی اتفقا علی شی‌ء یسیر من السلاح یصحبه شیئا من الهدیة یؤتی به إلی المعسکر، فطلب طلال أن ینعم علی زامل بشی‌ء من الکسوة حتی تکون إعلانا لرضاکم، فأمر له بکسوة فاخرة و شی‌ء من الدراهم فلما کان الغد أقبلت حملة من عنیزة محملة بطعام و قهوة و سکر و شی‌ء من السلاح، فدفعت إلی مخیم عبد اللّه الفیصل و انتهی الأمر و کانت کلمة زامل إلی طلال قد أثرت فیه، فلما کان الغد جاء طلال إلی عبد اللّه الفیصل یستأذن بالقفول و قال له: إن أمر الإمام جاءنا و نحن نستعد لزواج أولادنا فأخرناه و قدمنا أمر الإمام فلما قضی اللّه الأمر علی ما تحبون نرجو أن تقفضلوا علینا بالإذن لأجل تزویج الأولاد فأذن له و کساه و أکرمه بإعانته علی زواج أولاده فقفل راجعا و أرخص عبد اللّه لأهل النواحی یرجعون إلی أوطانهم و ذهب هو إلی بریدة و أقام بها أیاما ثم رجع إلی الریاض فی أواخر سنة 1279 ه.
و من المفهوم أن الذی أثار هذه الحرب عبد اللّه الفیصل، رغبة منه بضم القصیم بأکمله لا أکثر و لا أقل لأن عبد اللّه قد استولی علی الأمور و استبد بها و لم یبق بید الإمام فیصل شی‌ء من الأمور لکبر سنه و ضعف بصره، فکانت أکثر الحوادث تجری دون أن یعلم عن أسبابها و لا یطلعونه إلّا علی ما یوافق خطتهم الذی یریدون و عبد اللّه معروف بنزعته الاستبدادیة و متصف بالغلظة و الشدة لا یفوقه بذلک إلّا عبد العزیز متعب الرشید، و هذه الخصال هی السبب التی أدت إلی إسقاط کل منهما عن منصة الحکم فعبد اللّه لم یتمتع بالحکم بعد أبیه أکثر من سنة واحدة حتی انتفض علیه إخوته، ثم انتفضت علیه الولایات الواحدة تلو الأخری لسوء أثره فیهم و لم یجد له مساعد إبان محنته، و کذلک کانت حالة ابن رشید فما کاد
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 256
یظهر ابن عبد الرحمن حتی انضمت إلیه أکثر الولایات و قامت ضد ابن رشید حتی اسنطوی.

حوادث سنتی 1280 ه- 1281 ه

لم یحدث فی هذه السنین شی‌ء یستحق الذکر إلّا وفاة الشیخ إبراهیم بن محمد بن محمد بن عیسی قاضی بلدان الوشم، توفی فی بلد شقرا فی التاسع من ذی الحجة سنة 1281 ه، کان له معرفة بالفقه أخذ العلم عن الشیخ عبد الرحمن بن حسن آل الشیخ و عن الشیخ عبد اللّه بن عبد الرحمن أبا بطین قاضی القصیم.

1282 ه وفاة الإمام فیصل بن ترکی بن عبد اللّه بن محمد بن سعود

اشارة

و فی 21 من شهر رجب من هذه السنة توفی الإمام فیصل بن ترکی و تولی بعده ابنه عبد اللّه.

ترجمة حیاة الإمام فیصل رحمه اللّه‌

حارب فی الدرعیة و أرسل إلی مصر مع أمراء آل سعود فتمکن من الهرب بعد تسع سنوات، و جاء إلی نجد بعد أن استولی والده علی نجد، ثم کان ساعد أبیه الأیمن فی مکافحة الأعداء و لما قتل أبوه کان هو فی غزوته إلی القطیف، ثم جاء و قتل قاتل أبیه و تولی الأمر بعده فجهزت الحکومة المصریة العساکر لحربه فکافحها حتی تغلبوا علیه و أرسلوه أسیرا إلی مصر سنة 1254 ه فبقی هناک إلی سنة 1258 ه، حیث قیض اللّه له عباس باشا بن طوسون باشا فسعی بتخلیصه و جهز له جیشا ساعده علی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 257
الفرار، فوصل نجد و استرد الملک من عبد اللّه بن ثنیان بعد حرب قصیرة، ثم تولی ولایته الثانیة و الأخیرة.

وفاة طلال بن عبد اللّه بن رشید

و فی هذه السنة حصل اختلال فی عقل الأمیر طلال بن عبد اللّه بن علی بن رشید، و قتل نفسه و کان یعد من أفضل رجال آل الرشید و حصل له شهرة واسعة بما عرف عنه.
1282 ه

عبد اللّه الفیصل‌

بویع له بعد وفاة أبیه و کانت الدولة فی إبان عزها و مجدها تسیطر علی نجد بأجمعها حاضرتها و بادیتها، تولی عبد اللّه زمام الأمور بأواخر أیام أبیه، و استبد بها، و کان متصفا بالشدة الخالیة من المرونة السیاسیة، و لما توفی الإمام فیصل اشتدت وطأته و زاد صلفه، و لم یلبث إلّا مدة یسیرة حتی أوجد له أعداء لا یستهان بهم، لا من الخارج فحسب بل من أهل بیته أیضا من ذلک ما حصل بینه و بین أخیه سعود بن فیصل من النفور الذی أوجده اضطهاد عبد اللّه لأخیه سعود، و تضییقه علیه، حتی إنه أمره أن لا یخرج من بیته و منع الناس من الدخول إلیه أو الاتصال، مما اضطر سعود إلی الثورة ضد أخیه تلک الثورة الهوجاء التی قوضت أمر الملک و أخرجته من بینهما کل ذلک نتیجة سوء السیاسة.

1283 ه ابتداء الحرب الأهلیة

و فی هذه السنة هرب سعود بن فیصل من الریاض مشاقا لأخیه
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 258
عبد اللّه، و قصد محمد بن عایض أمیر عسیر یستنجده فلم ینجده لأن آل عائض یخلصون الولاء للجمیع و لا یحبون الدخول فی أمورهم، فرجع سعود من أبها و قصد نجران للغرض نفسه، فانضم إلیه عدد کبیر من العجمان الذین قد أجلاهم عبد اللّه إلی وادی الدواسر، و انضم إلیه أیضا بعض الدواسر و آل مرة فأقبل بهم فجهز عبد اللّه جیشا سیره بقیادة أخیه محمد بن فیصل، فالتقوا بموضع یسمی «المعتلا» و حصل بینهم قتال، فجرح سعود و انهزم جیشه فأقام عند آل مرة، ثم سار إلی عمان یستنجد صاحبها فلم یجد عنده ما یحب، فرجع إلی البحرین و کان حاکمها یومئذ الشیخ محمد بن خلیفة فأمده بمساعدات مالیة و أدوات و حربیة، فکاتب العجمان و هو لم یزل فی البحرین فلباه منهم آل منجذ رؤساء آل سفران فاستدعوه و أوعدوه النصرة.

حوادث سنة 1284 ه

سار سعود من البحرین و قصد آل سفران و أقام عندهم نشدا و أزرة و قاموا بنصرته، فأخذ یشن الغارة علی قبائل خصمه و لم یحدث بین الأخوین تصادم.

حوادث سنة 1285 ه

اشارة

و فی هذه السنة لم یقع فیها حوادث مهمة إلّا حوادث البادیة، فإن سعود أخذ یشن الغارات المتوالیة علی القبائل الموالیة لأخیه عبد اللّه مما کان له أثر بعید فی البادیة، فانحاز کثیر منهم إلی سعود اتقاء لغاراته حتی کثر أتباعه.
و فی هذه السنة توفی الأمیر عبد اللّه الیحیی السلیم أمیر عنیزة،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 259
و خلف من الأولاد خالدا و عبد العزیز، و تولی الإمارة زامل العبد اللّه.

قتل متعب بن عبد اللّه الرشید

و فی هذه السنة قام أولاد طلال بن رشید علی عمهم متعب و قتلوه فی 2 ربیع الثانی و قیل فی 20 رمضان و تولی الإمارة بندر بن طلال الذی یقول فیه شاعر شمر:
یا من یبشر شمر شاخ بندرکل الخلایق من غلا أبوه تغلیه
و لم یکن لمتعب من الأعمال ما یستحق الذکر، و هرب محمد بن عبد اللّه بن رشید خوفا من أبناء أخیه، و قصد عبد اللّه الفیصل و أقام عنده نحو سنة، ثم توسط عبد اللّه بین أولاد طلال و عمهم محمد فأصلح بینهم و رجع إلی حایل و تولی إمارة الحاج العراقی کعادته، و فیها توفی محمد العبد اللّه القاضی الأدیب المشهور و من أعیان بلد عنیزة، و قد اشتهر بشعره أکثر مما اشتهر بغیره، مع أنه الشعر من أقل خصاله و لکن عفته و کرمه جعل لشعره هذه الشهرة.

1287 ه وقعه جودة

ذکرنا انضمام کثیر من القبائل إلی سعود، و کان أمره یزداد قوة و انتشارا بقدر ما یضعف نفوذ عبد اللّه. فرأی عبد اللّه أنّ أمر سعود قد استفحل فجهز جیشا سیره بقیادة أخیه محمد و معه بعض القبائل منهم، راکان بن حثلین زعیم العجمان، فالتقی الأخوان علی جودة الماء المعروف فالتحم القتال بینهما فمال اشتد القتال انقلب بعض جنود محمد من سبیع علی المخیم و أخذوه فانهزم جنود محمد و أسره سعود و حبسه فی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 260
القطیف و یقال: إن لهزیمة محمد سببا آخر و هو أن راکان بن حثلین لم ینس وقعة الطبعة التی أوقعها فیهم عبد اللّه سنة 1278 ه و ارتبط سرا مع سعود و لما اشتد القتال أغار علی جیش محمد و أخذه و انقلب سبیع علی المخیم و نهبوه جریا علی عادة الأعراب إذا کان لا بد للأعداء من نهب متاع الصدیق فالصدیق أولی به و فی هذه الحادثة یقول راکان بن حثلین و هو یرتجز:
یا یام یا سقم للحریب‌ردوا لعبد اللّه قضاه
من کان له حق مصیب‌یوم اسمنت یاخذ وفاه
کتب سعود إلی أهل الأحساء و القطیف یدعوهم إلی الطاعة فأجابوه و قدم إلیه کبراؤهم و أعیانهم فی جوده و بالقوة، فجعل عندهم أمراء من قبله ثم سار إلی الریاض و قد خرج منها عبد اللّه فدخلها و نهب رجاله المدینة ثم کتب إلی أمراء البلدان أن یقدموا إلیه فجاءه أهل الوشم، و سدیر و المحمل و الشعیب و بایعوه أما عبد اللّه فقد قصد قحطان و انسحب إلی وادی حنیفة و أخذ یستمیل بعض القبائل فاجتمع لدیه بعض من الحضر و شراذم من البدو.
أما القصیم لما حصل هذا الاختلاف بین آل السعود رجع أمره إلی أهله و لم یدخلوا فی هذا الصراع، فقام مهنا الصالح أبا الخیل و تولی إمارة بریدة و تبعه القصیم، إذ لم یکن فیها أمیر و مهنا یرشح نفسه لهذا الأمر من زمن طویل، فلما سنحت الفرصة بهذه الحروب بین آل السعود و اغتنمها و تولی الإمارة بعد مراجعة جماعته و کانت هذه أول إمارة آل مهنا فی بریدة.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 261

1288 ه وقعت البرّة

اشارة

عند ما استولی سعود علی الأحساء و القطیف اقتضی نظر عبد اللّه أن یکاتب حکومة الترکی یدعوها إلی احتلال الأحساء و القطیف نکایة بأخیه سعود فکتب، إلی والی ولایة بغداد و کان یومئذ مدحت باشا المشهور، و أرسل الکتاب بید عبد الرحمن أبا بطین یدعوه إلی احتلال القطر المذکور علی شروط شرطها فأجابه مدحت باشا إلی القسم الأول من الکتاب، و أرسل جیشا فاحتل البلاد و أطلق سراح محمد الفیصل من سجنه فی القطیف فعاد إلی أخیه.
و کانت نجد مجدبة فی هذه السنة و فیها غلاء شدید، و قد مات ناس جوعا و لکن ذلک لم یمنع الأخوین من متابعة الحرب، فجمع کل منهما ما یستطیع جمعه و اجتمعا فی البرة القریة المعروفة فی الوشم و حصل بینهم قتال شدید، قتل فیه من الطرفین عدد کبیر، فانهزم جند عبد اللّه و استولی سعود علی مخیم عبد اللّه بما فیه، و أقام بموضعه نحو شهر یستقبل الوفود من رؤساء القبائل و البلدان، ثم رجع إلی الریاض و تعتبر هذه الوقعة هی الحاسمة، و اجتمعت نجد لسعود ما عدا جبل شمر و القصیم، و لم یبق لعبد اللّه من الأنصار ما یؤمل به إعادة الکرة علی سعود بین القبائل.

قتل أولاد طلال بن رشید و إمارة محمد العبد اللّه الرشید

ذکرنا فیما سبق أن عبد اللّه الفیصل أصلح بین محمد بن رشید و أبناء أخیه طلال و رجع إلی حایل بعد أن أمنه بندر علی حیاته، تولی إمارة الحاج العراقی الذی یخرج من المشهد و کان علی ذلک أیام إمارة أخیه
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 262
متعب، و لما کان فی هذه السنة ذهب إلی المشهد لأجل مصاحبة الحاج کجاری العادة و لکن لم یجد أحدا من القبائل یحمل الحاج إلّا قبیلة الظفیر، فطلب ذلک منهم فامتنعوا خوفا من بندر بن طلال لعداوة بینهم، فضایق الوقت الحاج فرأی محمدا نفسه بین أمرین إما أن یرجع و یترک الحاج و ألّا یکفل للظفیر و لأنهم من سلوة ابن أخیه، ففضل الثانی و کفل للظفیر سلامة أنفسهم و أموالهم و عاهدهم علی ذلک.
1288 ه

قتل أولاد طلال و إمارة محمد العبد اللّه بن الرشید

فاتفق معهم و حملوا الحاج و ساروا من طریق حایل، فلما قاربوها تقدمهم محمد و دخل البلاد و أخبر الأمیر بقدوم الحاج و أنه لم یجد من یحملهم إلّا الظفیر و أنه اضطر إلیهم خوفا من فوات الحج، و ضمن لهم رضا الأمیر عنهم، فاستشاط الأمیر بندر غضبا و قال: أتجیر أعداءنا بدون أمر منا أو مراجعتنا، قال: یا ابن أخی لم یکن فی الوقت متسع للمراجعة، و أخذ یکرر فیها أسفه و یهدی‌ء من غضبه و بندر لا یزداد إلّا غضبا، ثم أخذ یتهدد و یتوعد، فما زال محمد طیلة ذلک الیوم یلاطف بندر و یرجو منه أن لا یقطع وجهه و یغفر له عمله هذه المرة و وعده بأن لا یعود لمثله، فلم یفده شیئا. و علم محمد أن بندرا صمم علی أخذ أموال الظفیر فرجع عنه و نفسه تجیش غضبا إذ أن بندر سیتخذ هذا الأمر وسیلة لیفتک به أیضا، فذهب إلی حمود العبید فأخبرهم بکل ما وقع و أخبر أنه صمم أن یفتک بالأمیر و إخوته إذا لم یغیر رأیه، فاتفقا علی أن حمود و أتباعه من آل عبید و أتباع متعب یهجموا علی القصر و یستولوا علیه، و أخذ محمد علی نفسه و أتباعه
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 263
قتل بندر و إخوته، فرتبوا أمورهم بتلک اللیلة و أحکموا تدبیر خطتهم، فلما کان الغد و هو یوم دخول الحاج إلی البلد خرج الأمیر بندر و إخوته و بعض خدمه لیستقبلوا الحاج، فخرج معه محمد و أتباعه و أخذ یباری بندرا و هما علی فرسیهما و استأنف محمد استعطاف بندر بالعفو عن الظفیر و بندر لم یزل مصرا علی رأیه، فلما أیس منه أخرج سیفه و أغمده برأس بندر و صرعه، فمال أتباع محمد علی إخوة بندر و خدمهم فقتلوهم، و استولی حمود العبید علی القصر و رجع محمد إلی البلد و أخذ یتتبع أتباع بندر و قتلهم إلّا من هرب، و تولی محمد إمارة حایل و توابعها و شمر. و کانت هذه الحادثة بعد وقعة البرّة، و کان الصراع بین آل سعود لا یزال قائما و دولتهم آخذة بالتلاشی و الاضمحلال.

حوادث سنة 1289 ه

اشارة

و فی هذه السنة، ثار أهل الریاض علی سعود بن فیصل لسوء أثره فیهم، و أخرجوه من الریاض و قد حموا عمه عبد اللّه بن ترکی أمیرا فیها، خرج سعود من الریاض و قصد الخرج و منها سار إلی الأحساء یستنهض العجمان و آل مرة علی الترک، فاجتمع لدیه خلق کثیر من البوادی و نزل الحویرث شمالی الحساء فخرج إلیه عسکر الترکی و هو فی منزله و هاجموه و هزموه، ثم رحل و قصد الأفلاج، فخرج إلیه عبد اللّه بن ترکی و محمد بن فیصل و معهما أهل الریاض، فقاتلوه فی الدلم عاصمة الخرج فانتصر علیهم و هزمهم و أسر عمه عبد اللّه بن ترکی، و سجنه و مات فی السجن بعد أیام قلیلة، فبقی فی الدلم لأنه قد بلغه أن عبد اللّه الفیصل دخل الریاض فمشی إلیه سعود فخرج إلیه عبد اللّه معه أهل الریاض فاتفقوا بموضع
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 264
یسمی الجزعة، فحصل بینهم قتال انهزم فیه جند عبد اللّه، فهرب من الریاض و لم یستطع الإقامة فیها، و قصده الصبیحیة و دخل سعود الریاض.

وقعة بین أهل شقرا و أهل أثیثیة

و فی هذه السنة حصل خلاف بین أهل شقرا و أهل أثیثیة، فخرج أهل شقرا و هاجموا أهل أثیثیة، فحصل بینهم قتال شدید فی وسط البلد قتل فیه من أهل أثیثیة عبد اللّه بن أمیرها سعد بن عبد الکریم بن زامل، و عبد اللّه بن عبد العزیز بن عبد اللّه بن زامل و رجع أهل شقرا إلی بلدهم، و لم نقف علی أسباب ذلک.

وقعة طلال 1290 ه

اشارة

فی هذه السنة خرج سعود بن فیصل من الریاض غازیا و قصد مسلط بن ربیعان رئیس الروقة من عتیبة، و کان ناقما علیه إلی عبد اللّه الفیصل علی أنه لم ینشغل فی أمورهم، و لکنه لم یفد علی سعود مع رؤساء القبائل الذین وفدوا للتهنئة بعد وقعة البرة و حملة الدویش و رؤساء مطیر فخرج و انضم إلیه العجمان و مطیر علوّا و بریم، و سبیع، و السهول، الدواسر.
و بلغ ذلک عقاب بن حمید رئیس برقا من عتیبة فأرسل من ینذر مسلطا فوصل النذیر قبل أن یصل سعود إلیهم و کانوا فی حرة کشب عند الجبل المسمی طلال، و منزلهم هذا من أحصن الحصون الطبیعیة لا مثیل لها.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 265

وقعة طلال‌

جمع ابن ربیعان رؤساء قومه فاستقر رأیهم أن یرسلوا أموالهم و عائلاتهم و معهم بعض القوة إلی محل بعید یتحصنون فیه و یبقی أهل النجدة علی أهبة الاستعداد، فأبعدوا أموالهم و أولادهم إلی وسط نجدة و بقی موضعهم ثمانمائة مقاتل من أهل النجدة، فلما أصبحوا استعدوا لمقابلة العدو، کل رئیس علی قسم منهم، فلم یلبثوا حتی بدت طلائع سعود، و کان مع سعود ما لا یقل عدده عن ثلاثة آلاف مقاتل، فوقع القتال الشدید من الصبح إلی وقت الظهر، ثم انهزم جیش سعود هزیمة شنیعة، و استولی الروقة علی جمیع مخیم سعود بما فیه و کثیرین من الخیل و الجیش، ثم تبعوا المنهزمین مسافة بعیدة و قتل من جند سعود قتلی کثیر، و هلک أناس ظمأ، و تفرق الباقون شذر منه، و لم تقم لسعود بعد هذه الوقعة قائمة، و دخل سعود الریاض ممن سلم من جیشه و قد أصیب بجرح بلیغ فحملوه إلی الریاض.
و فی هذه السنة توفی الشیخ عثمان بن عبد اللّه بن بشر صاحب التاریخ المشهور (عنوان المجد فی تاریخ نجد)، کانت وفاته فی جمادی الثانی من هذه السنة فی بلد جلاجل، و قد أدرک زمن عبد العزیز بن محمد أواخر حکمه، و عاصر سعود بن عبد العزیز معرفة علیم، و عاصر من بعده من آل سعود، و شاهد حوادث الحروب التی وقعت بین عبد اللّه و سعود، و لم یمت حتی شاهد دلائل انحلال الدولة، و لکنه لم یدخل فی تاریخه شی‌ء من ذلک بل وقف عند مسألة تخلی الإمام فیصل عن الأمر لابنه عبد اللّه، فلم یذکر حادثة قتل عبد العزیز، و لا ذکر حرب عنیزة الأول و الثانی، لأن ذلک کله من عمل عبد اللّه و ربما أن لم یر أمر مشروع یدعی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 266
إلیه ذلک فترکه لأنه لا یستطیع مشایعة عبد اللّه علی عمله و لا أن ینتقده ففضل إهمال ذلک.

احتلال عبد الرحمن الفیصل الأحساء سنة 1291 ه

اشارة

دخلت هذه السنة و سعود بن فیصل فی الریاض، و عبد اللّه بن محمد مع عتیبة و عبد الرحمن مع العجمان، و کان عبد الرحمن یطمح إلی الاستیلاء علی الأحساء فعرض الأمر علی العجمان فوافقوه، و شجعوه، و أوعدوه بالنجدة، فکاتب رؤساء الأحساء فأجابه أهل الفضائل و أهل الرفعة بالترحیب و أوعده بالمساعدة و فتح أبواب البلاد، أما أهل الکوت فاعتذروا أنهم لا یستطیعون عمل شی‌ء لوجود العسکر عندهم و بیدهم الحصون و المعاقل المحیطة بالبلاد، فرتب أمره مع أهل الفضائل، فجاءهم و فتحوا له الأبواب و دخل البلاد و أقام فیها، و حصر الترک فی الکوت نحو أربعة أشهر، و لم یدرک نتیجة لأن الکوت محاط بسور ضخم و فیه قصور حصینة لها أسوار خاصة غیر السور المحیطة بالبلاد، فرتب أمره مع أهل الفضائل، فجاءهم بسور ضخم و فیه قصور حصینة لها أسوار خاصة غیر السور المحیط، و فیها حامیات قویة لدیها من الأسلحة و المدافع ما عند عبد الرحمن. و لیس غریبا إذ لم یتمکن عبد الرحمن من التغلب علیهم و لکن الغریب أنهم لم یحاولوا أن یخرجوا عبد الرحمن من أقسام البلاد التی استولی علیها و لو حاولوا ذلک لأمکنهم التغلب علیه بسهولة، و لکن داخلهم الفشل و اکتفوا بالمحافظة علی ما بأیدیهم و کتبوا إلی حکومة العراق یستنجدونها.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 267

إخراج عبد الرحمن من الأحساء و نهب البلاد

جهزت حکومة بغداد جیشا کثیفا سیّرته بقیادة ناصر السعدون فسار ناصر باشا بقواته برا و بحرا فانضم إلیه قبائل عنزة فاحتلت القری البریة القطیف و توابعها للمحافظة و کانت لم تزل بأیدیهم أما القوة البریة التی یصحبها ناصر باشا فقد تابعت سیرها إلی الأحساء، فلما قاربوها خرج عبد الرحمن الفیصل من البلاد و قصد الریاض. و دخل ناصر باشا الأحساء دون أن یلقی مقاومة فأباحها ثلاثة أیام فنهبت جنوده البلاد، و فعل بأهلها أفعالا سوّدت صحیفته و تاریخه، من الفتک و السلب و النهب و هتک الأعراض مما یشمئز الإنسان من ذکره، و یتحاشی عن تسطیره، إذ لو کان فیه ذرة من الشهامة العربیة لما رضی علی قومه بمثل هذا مخالفا فی ذلک ما عرف عن بیت آل السعدون من الشهامة و العزة، و الشرف تارکا آثار أجداده الکرام و مقتفیا آثار سادته إلی الأتراک، مؤیدا لاستعمارهم لبنی دارته، و قد کانت فی جریانها علی یده أشد و أنکی من المصیبة نفسها ترسخت أقدام الترک فی البلاد و رجع ناصر باشا حاملا نیاشین الخزی و العار.

وفاة سعود بن فیصل‌

دخل عبد الرحمن الفیصل الریاض راجعا من الأحساء فوجد أخاه سعود مریضا و لم یلبث أن توفی فی ذو الحجة سنة 1291 ه و ولی الإمارة فیها عبد الرحمن.
و فیها توفی الشیخ محمد بن عبد اللّه بن محمد بن إبراهیم بن صالح بن إبراهیم بن حمدان بن محمد بن مانع بن شبرمة الوهیبی التمیمی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 268
فی عنیزة و هو والد الشیخ عبد العزیز القاضی فی عنیزة المتوفی سنة 1307 ه، و الشیخ عبد العزیز قد قضی فی عنیزة و توفی سنة 1307 ه.

حوادث سنة 1292 ه

اشارة

و کان عبد اللّه الفیصل مع عتیبة، فلما بلغه وفاة سعود و إمارة عبد الرحمن أقبل محمد الفیصل و معه جیش من عتیبة لإخراج عبد الرحمن من الریاض، فحشد عبد الرحمن جیشا من أهل الریاض و الخرج و انضم إلیه العجمان و مطیر، التقی الأخوان فی ثرمداء البلد المعروفة فی الوشم فحصل بینهما مناوشات، ثم تفاوضات و اصطلحا، و سلم عبد الرحمن الأمر لأخیه الأکبر و دخل فی الحاشیة، و کان معه أولاد سعود بن فیصل فأبوا أن یدخلوا تحت طاعة عبد اللّه و رجعوا إلی الریاض و استولوا علیها، فتوقف محمد عن الزحف علیهم، فجاء عبد اللّه الفیصل و معه جیش من عتیبة و التحق به محمد و انضم إلیه و سارا جمیعا إلی الریاض لمحاربة أولاد سعود، فلما قرب من البلد خرج منها أولاد سعود و قصدوا الخرج فأقاموا فیه فدخل عبد اللّه الریاض و ترک أولاد سعود فی الخرج لأن لیس لدیه قوة تمکّنه من إخراجهم، لأنه کان منهوک القوی و فی حاجة إلی لمّ شعثه. سکنت الأمور نوعا مّا وصفی لعبد اللّه القسم القلیل مما یلیه شمالا، و لکن هذا السکون لا یصحبه شی‌ء من هیبة الملک و لکن عبد اللّه قنع بما تحت یدیه و لو مؤقتا، و لکن هذا الضعف لم یمنع عبد اللّه من مطالبة الترک بالجلاء عن الأحساء و إرجاعها إلیه حسب الشرط الذی شرطه علیهم حینما دعاهم إلی احتلال الحساء و القطیف و قال: إنما وضعته بیدکم أمانة نکایة بأخی سعود، و الآن لما مات سعود یجب إرجاعه إلی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 269
و طلب کهذا لا نؤیده القوة مصیره إلی الفشل فإن الحقوق لا تسترجع إلّا بالسیف.

قتل مهنا الصالح أبا الخیل أمیر بریدة

و فی هذه السنة ثار آل ابن علیان محاولین استرجاع الإمارة، فقام منهم أحد عشر رجلا فرصدوا لمهنا یوم الجمعة و لما خرج إلی الصلاة قتلوه، و هو فی طریقه إلی المسجد و تحصّنوا فی القصر و أرسلوا إلی أهل عنیزة یستنجدونهم فلم ینجدوهم فقام علیهم حسن بن مهنا و جماعته آل أبا لخیل و ساعدهم أهل بریدة و حصروهم فی القصر أیاما ثم حفروا لغما و حشوه بارودا فأشعلوا فیه، فنسفوا علیهم القصر و مات کثیر منهم تحت الأنقاض، و هرب من سلم منهم إلی عنیزة و قتل من آل أبا لخیل علی بن محمد الصالح و حسن العودة. و تولی حسن المهنا إمارة بریدة بعد أبیه.

حوادث سنتی 1293 ه- 1294 ه

اشارة

لم یحدث فی هذه السنین حوادث توجب الذکر فالأمراء علی مراکزهم، فعبد اللّه الفیصل علی الریاض و نواحیها و أولاد سعود فی الخرج، و القصیم فیه أمراءه، و ابن رشید علی بلدانه و عربانه.

المحالفة بین ابن رشید و حسن المهنا

رجعت الأمور إلی ما کانت علیه بعد انحلال قوة دولة آل سعود، و صارت إمارات لا یرتبط بعضها ببعض، و کان ابن رشید أقوی هذه الإمارات فلدیه من قوة فی السلاح و ما یتجزء من القبائل، و کانت قد کثرت الانتفاضات فی نجد من المحاضر بعد ضعف الحکم فأخذ ابن
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 270
رشید علی نفسه عهدة تأدیبهم، و بدأ یعمل لتقویة سلطته، و لکن کان حسن المهنا حاجزا بینه و بین ما یرید و لدیه قوة لا یستهان بها. فأراد التقرّب من حسن و استخدامه لغایته، فعقد بینه و بین حسن محالفة علی أن تکون یدهما واحدة. و هذه المحالفة أطلقت ید ابن رشید فی العمل، فأخذ یشن الغارات علی القبائل و ساعده الأیمن فی ذلک حسن المهنا و أهل القصیم.
و کان فی کل غاراته موفقا کل التوفیق، فهابته القبائل، و قدم کثیر منهم إلیه، و لجأ إلیه بعض أهل الوشم و سدیر و قدموا له الطاعة. و بدأ نجمه یتلألأ فی سماء نجد، و کان عبد اللّه الفیصل فی الریاض و أولاد سعود بالخرج، لا یستطیع أحد منهم أن یعمل عملا بینما ابن رشید مجدا فی إضعاف نفوذهم و تأیید مرکزه بالرغم مما یتظاهر به من العطف علی عبد اللّه و أنه إنما یعمل لتأیید مرکزه أی مرکز عبد اللّه.

حوادث سنة 1295 ه

کانت عنیزة خارجة عن هذا التحالف و مسالمة للفریقین، و لکن هذه المسالمة لم تمنع عنها اعتداء البوادی الذین لا یفهمون لذلک معنی و لا یردعهم، إلّا القوة، فصاحب عنیزة لیس له بیرق (علم) یقویه علی البوادی فهو طعمة سائغة بنظرهم. فلا ابن سعود یحمیه و لا ابن رشید یدافع عنه.
علی هذه النظریة أغار حزام بن بشر رئیس آل عاصم من قحطان علی إبل لأهل عنیزة فأخذها. فأرسل إلیه زامل رسولا یطلب منه أداء ما أخذ من حلال أهل عنیزة فرفض ذلک، فجهز زامل جیشا لا یقل عدده عن ستمائة ذلول، فخرج من عنیزة قاصدا قبیلة حزام بن بشر. فأرسل رسولا ثانیا بکتاب إلی حزام یکرر فیه الطلب بإرجاع ما أخذه، و کان قصده یدخل
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 271
الطمأنینة فی نفسه لیأتیه علی غرة. و سار بأثر الرسول إلی البث زامل إلی أن صبحهم علی غرة فملأ یدیه من الغنائم و رجع إلی جهاده و قتل فی هذه الوقعة حزام و بشر رئیس القبیلة.

حوادث سنة 1299 ه

مضت الثلاث السنوات الأولی دون أن یجد فیها من الحوادث ما یوجب الشرح إلّا حوادث بوادی لا أهمیة لها. و فی هذه السنة حصل خلاف بین عبد اللّه الفیصل و أهل بلد المجمعة (قاعدة سدیر) و کانوا منحرفین عن عبد اللّه عن امتثال أوامره، فجهز عبد اللّه جیشا و انضم إلیه قبائل قلیلة فخرج قاصدا المجمعة لتأدیبهم، فأرسل أهل المجمعة إلی ابن رشید یخبرونه بتجهیز عبد اللّه علیهم و یستنجدونه، فخرج بأهل حایل و توابعها و معه شمر و حرب، فلما وصل القصیم انضم إلیه حسن المهنا بأهل القصیم. ثم ساروا و نزلا الزلفی، و کان عبد اللّه الفیصل لم یزل فی ضرما فلما بلغه نجدته ابن رشید لأهل المجمعة رأی أن القوة التی معه غیر کافیة فرجع إلی الریاض و رحل ابن رشید و نزل المجمعة و جعل فیها أمیرا من رجاله، و قفل إلی بلاده و فی بعض الروایات أن هذه الغزوة کانت سنة 1300 ه.

حوادث سنة 1300 ه

اشارة

و فی هذه السنة شرع أهل عنیزة فی حفر آبار بالبدایع لأجل الزراعة و لأنها أرض مخصبة و قابلة للزراعة و یکتنفها وادی الرمة و وادی النسا المعروف بالحجناوی، فهی حریة بکثرة المیاه فنجحوا فی ذلک، و کان أول من حفر فیها سلیمان الصالح ابن سلطان حیث حفر البئر الذی أسماه
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 272
العمیریة، ثم حفر غیرها ثلاثة آبار. و تابعه أهل عنیزة و حذی حذوهم بقیة أهل القصیم حتی بلغ عدد الآبار ما یقرب من مائة و خمسین علی أقل تقدیر. و کان الجانب الأکبر یملکه أهل القصیم و القلیل منها لأهل عنیزة، و لکنها جمیعها صارت تابعة لأمیر عنیزة لأنه أول من ابتدعها. و صارت الآن من أکبر مزارع القصیم التی یعتمد علی حاصلاتها. و بها استغنی القصیم عن استیراد الأطعمة من سدیر و من السر کما کان ذلک سابقا. ثم غرسوا فیها ما یقوم بحاجتهم من النخیل حیث کثر سکانها، و أسسوا لهم فیها ثلاث قری سکنوها.
1300 ه

البدایع‌

و اجتمعوا بها مما لا یقل عدد سکانها الآن عن الثمانمایة علی أقل تقدیر و هی فی ازدیاد عمران لأنها أصبحت الرکن الأهم للزراعة.

حوادث سنة 1301 ه

اشارة

ذکرنا ما کان من عزم عبد اللّه الفیصل علی غزو المجمعة عند ما خرجوا عن طاعته و رجوعه عن ذلک حینما بلغه نجدة ابن رشید لهم. و فی هذه السنة استأنف حشد القوات من حضر أهل الریاض و توابعها و بعض من أهل سدیر، و الوشم، و المحمل، و الشعیب و معه من القبائل بعض بادیة عتیبة مع رئیسهم عقاب بن حمید، و بعض من قحطان و الدواسر.
و سار بهم قاصدا المجمعة، و کان أهل المجمعة قد کتبوا إلی ابن رشید یخبرونه عن مسیر عبد اللّه إلیهم و یستنجدونه، فخرج و معه أهل حایل و توابعها و معه شمر و حرب، و لما وصل القصیم انضم إلیه حسن المهنا
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 273
معه أهل القصیم ما عدی أهل عنیزة، و کان عبد اللّه الفیصل قد تقدم و نزل أم العصافیر فی حمادة سدیر، فأقبل ابن رشید و حسن المهنا و نزلا بالقرب منه فتصافا للقتال و اقتتلوا قتالا شدیدا صبر فیه الفریقان، و قتل من الطرفین قتلی کثیرة، ثم انهزم جیش عبد اللّه الفیصل و دخل هو إلی الریاض.
و کانت هذه الوقعة هی آخر غرة. و من أشهر من قتل من جند عبد اللّه عبد العزیز بن الشیخ عبد اللّه أبا بطین و عقاب بن حمید رئیس برقا من عتیبة أقام ابن رشید فی موضعه و أرسل إلی أمراء بلدان الوشم و سدیر و رؤساءهم یأمرهم بالقدوم إلیه للمبایعة فأتوه و بایعوه، فعزل أمراءهم الذین من قبل عبد اللّه ابن الفیصل و جعل فی کل بلد أمیرا من قبله سواء أکان من أهل البلد أو من رجاله، فلما تم ترتیب الأمور قفل إلی بلاده.
و کان أولاد سعود بن فیصل لا یزالون متغلبین علی الخرج و لم یدخلوا فی شی‌ء من أمور عمهم عبد اللّه و لم یتعرض لهم ابن رشید، و مع ما بینهم و بین عمهم عبد اللّه من الاختلاف فقد ساءهم دخول خصم ثالث فی أمور نجد خصوصا و أن هذا الخصم أجنبی عنهم فخافوا أن یخرج الأمر عن آل سعود، فقام أحدهم محمد و طلب من إخوته الاتفاق مع عمهم و جعل یدهم واحدة علی هذا العدو الجدید فلم یوافقوه، فخرج بنفسه و قصد عتیبة یستنجدهم علی ابن رشید، فاجتمع علیه عتیبة الروقة و برقا لمیلهم قدیما و حدیثا إلی آل سعود، فبلغ ابن رشید اجتماعهم علی محمد بن سعود بن فیصل.

وقعة عروی‌

خرج ابن رشید من حایل فی قوة و معه بادیته، و انضم إلیه حسن المهنا بأهل القصیم، و قصدوا محمد بن سعود و من معه من عتیبة و التقوا
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 274
علی ماء یسمی عروی فی عالیة نجد، فاقتتلوا قتالا شدیدا. و ثبت محمد بن سعود و من معه و هزموا ابن رشید، و ثبت أهل القصیم. ثم تراجع جند ابن رشید لما رأوا ثبات أهل القصیم و کروا علی محمد بن سعود و هزموه و استولوا علی کثیر من غلالهم و إلی هذه الوقعة یشیر شاعر عتیبة و هو الحمد للّه خیر محمد بن هندی بن حمید شیخ برقا:
لو لا حسن بذر بین الإیمان‌صارت علیکم یا بو ماجد کسیره
رجع ابن رشید و ابن مهنا إلی بلادیهما، و بعث عبد اللّه الفیصل أخاه محمدا إلی ابن رشید یطلب منه أن یترک له الوشم و سدیر لیکتفی بهما مع ما هو تحت یده و یطلق یده فیما سوی ذلک. و کان ابن رشید بالرغم مما جری لم یزل یتظاهر بالعطف علی آل فیصل الأکثر عطف لا یتعدی الأمور، فهو یحسن المجاملة و یبالغ فی ذلک حتی أنه یجعل الإنسان یشکک فیما یعتقده فیه. و صل محمد بن فیصل فقابله ابن رشید مقابلة جمیلة للغایة و أبدی له ما یحفظ لهما من الود القدیم و الصداقة الخالصة و أجابه إلی کل ما قدم لأجله شفاها، و أصحبهم کتبا تضمن أوامره، و لم یشک محمد بن فیصل فی نجاح مهمته و أن تلک الکتب لم تکن إلّا الأوامر ذی المسئلة، و لکن عبد اللّه الفیصل عرف الحقیقة عند ما أراد إرسال أمراء من قبله یحلون محل أمراء ابن رشید، فإنهم صارحوه بأن لیس لدیهم اوامر من ابن رشید بالتخلی عن مراکزهم.

1302 ه استیلاء أولاد سعود بن فیصل علی الریاض‌

وقعة أم العصافیر التی انخذل فیها عبد اللّه الفیصل آنس أولاد سعود
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 275
من عمهم عبد اللّه الضعف حینما أوفد إلی ابن رشید، فحدثتهم أنفسهم القضاء علیه و ضم العارض إلی المخرج لأنهم یرون أنفسهم أقدر علی حفظ الباقیة بأیدیهم من البلاد. فساروا إلی الریاض بما عندهم من القوة و دخلوا البلد و استولوا علیها و قبضوا علی عبد اللّه و حبسوه فبلغ الخبر ابن رشید فأقام النکیر علی أولاد سعود و شنع علیهم عملهم بعمهم، و کتب بذلک إلی البلدان و خرج من حایل و معه أهل حایل و توابعها و قبائلها، و کتب إلی رؤساء البلدان فأجابوه و سار معه ابن مهنا بأهل القصیم، و انضم إلیه أهل الوشم و سدیر و قصد الریاض متظاهرا بنصرة عبد اللّه الفیصل.
و لما وصل الریاض خرج إلیه وفد من أهلها یرأسهم الشیخ عبد اللّه بن عبد اللطیف آل الشیخ و الإمام عبد الرحمن الفیصل بنوایاه فأخبرهم أنه لم یأت فاتحا و لا طمع له فی شی‌ء أو إنما جاء نجدة لعبد اللّه الفیصل و إخراجه من سجن أولاد سعود لیعود عبد اللّه إلی الحکم، فرجعوا و جرت المفاوضات بینه و بین أولاد سعود، فتم الاتفاق علی أمن أولاد سعود علی أنفسهم و أموالهم و أن یخرجوا من الریاض، فخرجوا منها و قصدوا الخرج، فدخل ابن رشید و أخرج عبد اللّه من السجن و بدلا من أن یردّه إلی الحکم فی بلاده کما زعم أرسله و أخاه عبد الرحمن و عشرة من آل السعود لحایل زاعما أنه لا یأمن علیه رجوع أولاد سعود، لهذا اختار له أن یکون عنده إلی أن تستقر الأمور السیاسیة الاستعماریة لا یختلف معناها سواء فی الإمارات البدویة أو الدول المتمدنة الاستعماریة للتظاهر بنصرة الضعیف للوصول إلی أغراضها. سار عبد اللّه الفیصل و من معه إلی حایل و نصب ابن رشید ابن علی السبهان أمیرا فی الریاض، و کان هذا جبارا ظالما شدید القسوة لا یعرف قلبه سبیلا إلی الرحمة.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 276

حوادث سنة 1303 ه

هذه السنة توفی الشیخ علی المحمد، قاضی عنیزة، کان رحمه اللّه فقیها متضلعا بعلم الفقه و له شهرة حسنة فی عنیزة و سبره، و لم یزل أثره فی البلاد.
تولی القضاء بعده الشیخ عبد العزیز المحمد فی مانع.

1304 ه- 1305 ه قتل أولاد سعود

استولی ابن رشید علی الریاض و ترک أولاد سعود فی الخرج مؤقتا و وکل إلی ابن سبهان أمر القضاء علیهم و إیجاد الفرصة المناسبة. و قد اختلفت الأخبار عن کیفیة الأسباب التی اتخذها ابن سبهان ذریعة إلی قتلهم فی السنة التی جرت فیها هذه الحادثة، و نحن نورد کلام کل منهم فیقول الریحانی: إنه قد جاء وفد من أهل الخرج إلی سالم السبهان یتظلمون من أعمال أولاد سعود، فبادر لنصرة هذا الوفد و سطی علی أولاد سعود فی الدلم، فهربوا منها و تبعهم و أدرکهم فی زمیقة القریة المعروفة جنوب الدلم و تبعد عنها نصف ساعة و قد تحصنوا فی قصرها، فحصرهم حتی سلموا، ثم أخفاهم و قتلهم، و هم محمدا، و سعدا، و عبد اللّه، أما عبد العزیز بن سعود فقد کان وافدا علی ابن رشید قبل الحادثة. و بلغ الخبر ابن رشید و عبد العزیز عنده فأمسکه و منعه من الرجوع و بقی هناک، إلی أن توفی، و یقول الریحانی: إن هذه الحادثة وقعت بعد إخراج أولاد سعود من الریاض بخمسة أشهر أی فی سنة 1202 ه- 1203 ه.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 277
و یقول إبراهیم المحمد القاضی فی تاریخه: إنها جرت بعد حادثة الریاض بثمانیة أشهر، و إن ابن سبهان خرج فأغار علی غنم لأهل الخرج و أخذها فخرج إلیه أولاد سعود و أهل الخرج، و قاتلوه و هزمهم و قتل محمدا و سعدا أولاد سعود. أما إبراهیم بن عیسی فقد ذکر الحادثة کعادته مجملا، حیث قال: و فی سنة 1305 ه قتلوا أولاد سعود بن فیصل و محمدا و سعدا و عبد اللّه، قتلهم سالم السبهان. و کان عبد العزیز بن سعود قد رکب قبل ذلک لابن رشید، و لما بلغ بن رشید قتل أولاد سعود حبس عبد العزیز عنده. و لم یزد علی ذلک.
و سواء أکان السبب هذا أو ذاک فقد نفذ ابن رشید سیاسته و أدرک مرامه بالقضاء علی البقیة الباقین من نفوذ آل السعود. و لیس أسهل علی ابن رشید من استرضاء الرأی العام حینما ضج و نقم علی ابن سبهان فخله بأولاد سعد، من أن یتظاهر بالغضب علی ابن سبهان و التبرأ من عمله، نعم عزل ابن سبهان و جعل مکانه فهاد بن رخیص من کبار رجال شمر و لکنه لم یغیر سیاسته. فقد أخذت السیاسة مجراها بتأیید نفوذ ابن رشید الذی مدّ نفوذه علی القسم الجنوبی العاملة، و لم یبق عنده من یعکر علیه صفو سیاسته غیر حلیفه العزیز حسن المهنا، الذی کان له الفضل الأکبر فی تأییده و مساعدته فی القضاء علی البقیة من نفوذ آل سعود. فعلم إن ابن رشید لا ینکر هذه الخدمات التی أداها حسن و لکن ابن مهنا یملک قوة لا یستهان بها، و هو فوق ذلک صار حاجزا بینه و بین مملکته الجدیدة، و أکبر من هذا کان یملک القصیم الذی هو سقام المملکة و ابن رشید لا بد و أن یتذرع بالوسائل للقضاء علی حلیفه و یضم القصیم فیتم بناء مملکته الجدیدة المستقبلة، و لیس هذا الأمر من تصویر الخیال بل هو الحقیقة
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 278
الواقعة. فقد ظهر ابن رشید من بلاده و کتب إلی أمراء القصیم و غیرهم یأمرهم إرسال غزوهم و موافاته بالمستوی- الموضع المعروف و خرج غزو عنیزة للمرة الأولی مع ابن رشید. و ظهر حسن بأهل القصیم و قصد ابن رشید و هو بالنبقی بأرض المستوی، و أقام فی منزله نحو شهر ثم رجع و أرخص لأهل النواحی الرجوع إلی أوطانهم، و بعد رجوع حسن من هذه الغزوة ظهرت الوحشة و التنافر بین ابن رشید و ابن مهنا لأن ابن رشید أخذ یعامل ابن مهنا غیر معاملته الأولی، و ینظر إلیه بغیر نظره السابق، فتبین لابن مهنا أنه مخدوع بهذه المحالفة التی لم یستفد منها شیئا، و علم أنه لم یکن إلّا مسیر لصالح ابن رشید، و لما لم یعد فی حاجة إلیه، تنکر له و طمع فیما تحت یدیه، و السیاسة لا قلب لها و لا عواطف و لا تنظر بعین المصاعة، و القصیم ضروری لا یرتاح حاکم ما لم یستولی علیه، و لیس محمد بن رشید أول من امتد نظره إلی ذلک و هو جری علی سیاسة من تقدمه و جری علی سیاسته من أتی بعده. استوحش حسن المهنا من ابن رشید و زادت الوحشة و النفور حتی انقلبت عداء ظاهرا، فتقرب ابن مهنا من زامل أمیر عنیزة و لم یزل به حتی تم بینهما محالفة، حتی أن ابن رشید حرص کل الحرص علی عدم دخول زاملا فی الأمور التی بینه و بین ابن مهنا و أکد له عدم مطامعه عنیزة و لکن لم یتوفق.

حوادث سنة 1307 ه

اشارة

فی هذه السنة أذن ابن رشید لعبد اللّه و عبد الرحمن الفیصل أن یرجعا إلی الریاض فرجعا، و بعد وصولهما الریاض توفی عبد اللّه الفیصل فی 2 ربیع الثانی، و المتوافر علی ألسنة الناس أنه مات مسموما و اللّه أعلم بحقیقة ذلک، و کان رحمه اللّه أکبر أولاد الإمام فیصل، و تولی الأمر بحیاة
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 279
أبیه، فکانت وطأته مستدیمة علی الناس، و فیه بعض الکبریاء و هی حالة الضرورة للحاکم لتثبیت هیبته خصوصا علی رؤساء البوادی الذین لا یؤمنون إلّا بالقوة، و الذین یرون أن المرونة فی الحاکم دلیل ضعفه.
و إلیک بعض الدلائل علی عقلیة أولئک البوادی. کان عبد اللّه رحمه اللّه مهیمنا جدّا علی رؤساء البوادی یرون فیه من الشرع و الترفع عند مقابلتهم إیاها، و صادف أن مر فی أواخر أیامه علی شبان وقفوا فی طریقه و معهم رؤساء البادیة، فلما حاذی الشبان تلطّف لهم بإلقاء السلام علیهم، فلما رجع هؤلاء الرؤساء قال بعضهم لبعض أمامکم أخذ یسلم علی الورعان و عدوا ذلک علیه من دلائل الضعف. و بالجملة فإنه لم یشرع فیما بعد وفاة أبیه أیامه کلها فتن و حروب بینه و بین أخیه، فأنهکت قواتهم و انتهت إلی الحالة التی تراها فی هذا الوقت عما قد مشی الدرعان أی الشبان الصغار.
1307 ه

إمارته عبد الرحمن الفیصل فی الریاض‌

تولی الإمارة فی الریاض عبد الرحمن الفیصل بعد وفاة أخیه عبد اللّه، و کتب إلی ابن رشید یخبره بوفاة عبد اللّه، و أن یعزل عامله علی الریاض حسب العهد الذی أعطاهما إیاه فأجابه ابن رشید إلی طلبه و عزل سالم بن علی السبهان فباد أولاد سعود، و لا یخفی باقی هذا التعیین من التحدی و لم یلبث مدة طویلة حتی أعلم لعبد الرحمن أن ابن رشید قد عهد إلی ابن سبهان بالقضاء علی عبد الرحمن بالفرصة المناسبة، و لکن ابن سبهان حصینا فی هذه المرة فقد اختار أیام العید للغدر بعبد الرحمن حینما یرید زیارة فی العید، فعفی عنه ابن سبهان فسبقه إلی العمل و وثب علیه
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 280
و عفی رجاله و قتلوا عددا منهم و اختفی ابن سبهان و رجاله فی القصر و أخرجوه من القصر بل من البلاد قبل أن یتمکن ابن رشید فی إیجاده- و دارت المراجعات بین الإمام عبد الرحمن و أمراء القصیم و تعهد کل منهم بمساعدة الآخر فیما لو دهمه ابن رشید، فلما بلغ ابن رشید ثورة الإمام عبد الرحمن أخذ یتجهز لنجدة ابن سبهان.

اجتماع حسن الهنا و زامل فی الوادی‌

کتب حسن المهنا، إلی زامل یطلب الاجتماع للمفاوضة فیما یجب عمله إزاء ابن رشید، فاجتمعوا فی وادی عنیزة یومین، و تعهدوا أن یقفوا بوجه ابن رشید و یصدوه عن المسیر إلی الریاض، تجهزوا فی الحال و خرج من عنیزة، نحو خمسمایة ذلول، و خرجوا یترصدون إلی رشید و قد بلغه خروجهم فسار من غربی القصیم و فاتهم فتابع سیره إلی الریاض فنزل فیها و حاصرها نحو أربعین یوما دون أن یدرک شی‌ء، و علم أنه یتعذر علیه الاستیلاء علی الریاض عنوة، و علم فوق ذلک أن أهل القصیم انضموا إلی الإمام عبد الرحمن فرأی أن یصالح الإمام عبد الرحمن، فصالحه علی ما تحت یده و رجع لیعالج أمور أهل القصیم أولا.
الریحانی فی ذلک روایة غریبة فندناها فی فصل عقدناه لهذا الغرض تحت عنوان (أغلاط المؤرخین).

حوادث سنة 1308 ه

اشارة

لجّ ابن مهنا فی عداءه مع ابن رشید، و کان ابن رشید قد عزم علی القضاء علی ابن مهنا، و لکنه أراد أن یفعله عن الإمام عبد الرحمن و یحول دون مساعدته إیاه، فکتب للإمام یقول: إن ابن مهنا قد حصل منه تعدیات
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 281
علی أننا لا نزال ندافعه بالتی هی أحسن و لکن تمادی فی غروره مما اضطررنا إلی القیام بالدفاع عن حقوق رعایانا و کتب إلی أمیر عنیزة قریب من ذلک و طلب منه أن لا یتداخل فی الأمور التی بیننا و بین ابن مهنا و یعطیه عهد اللّه و میثاق أن لا نتعرض إلی عنیزة و أطرافها و أنه یبقون علی ما أنتم علیه إذا تجنبتوا أمور ابن مهنا و لم یقتصر علی هذا الکتاب تابع مرسله و مکاتبه بهذا المعنی، و کانت بعض هذه الکتب ترد بواسطة عبد اللّه العبد الرحمن البسام، و کان عبد اللّه فی هذا الرأی و یشیر علی زامل أن لا یزج بنفسه بین ابن رشید و ابن مهنا، و یقول: إن لا مصلحة لنا بهذا الحرب بلادنا من فضل اللّه قویة، فإن رأینا ما یعجبنا ممن انتصر منهم، و إلّا فنحن بحول اللّه مقدرین علی بلادنا و الدفاع عنها فکان هذا هو الرأی بأن تحفظ قوات البلاد الدفاع عنها لا أن تدفع إلی حرب لا ناقة لها فیها و لا جمل فإن صاحب عنیزة لا یستفید شیئا سواء انتصر حلفاءه أو أعداءه، بل علیه الغرم و لغیره الغنم و لکن لا یکون إلّا ما قدر و قد فازت سیاسة حسن الجذب زاملا إلی صفه.

تحرش ابن رشید بابن مهنا

قام بعض بوادی ابن رشید علی أطراف القصیم و أخذوا بعض الإبل و الغنائم، فکتب حسن إلی ابن رشید یطلب إرجاع ما أخذ لأهل القصیم فأبی ابن رشید، إرجاع شی‌ء و صارح بالعداء.
1308 ه

استیلاء ابن رشید علی الرس‌

کان حسین بن عساف أمیرا فی الرس من قبل ابن مهنا، فعزله و جعل
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 282
مکانه صالح لعبد العزیز بن رشید و لما حصل الخلاف بین ابن رشید و ابن مهنا التحق ابن عساف بابن رشید، فجهز معه سریة و أمره أن یذهب إلی الرس لإخراج أمیر ابن مهنا و لما قرب من البلد هرب صالح بن رشید و دخل حسین بن عساف و استولی علی البلد.
ذهب أهل القصیم إلی الإمام عبد الرحمن یخبرونه عن أعمال ابن رشید و اعتداءه علی بلدانهم، و طلبوا منه النجدة العاجلة، و أخبروه بأنه سیخرجون لحفظ أطراف البلاد، و أنهم یتوقعون مسیر ابن رشید، إلیهم فی القریب العاجل، فجاء منه الجواب أنه سینجدکم ابن مهنا و معه نحو ألف رجل، و زامل و معه نحو خمسمائة أو ستمائة، و انضم إلیهم بعض البوادی المشایعة لهم و هم قلیل و الرس أخرجوا سریة ابن رشید، ثم رحلوا و نزلوا السعیبیة، لأجل المحافظة علی قری القصیم، و کانت مراسیلهم للإمام عبد الرحمن یستحثونه، فبلغ ابن رشید أن الإمام عبد الرحمن یتجهز لنجدة أهل القصیم فأراد أن یعاجلهم قبل دخول عبد الرحمن إلیهم، فخرج من بابها معه أهل حایل و أطرافها و شمر و حرب و قصد القصیم، و نزل العیون قریة تبعد عن بریدة سبع ساعات و نهب ما وصلت إلیه من أدباشهم، ثم رحل عنها و نزل القرعا و هی قریة تبعد ستة ساعات عن بریدة شمالا.

وقعة القرعا

کان أهل القصیم یتجنبون الاشتباک مع ابن رشید انتظارا لوصول الإمام عبد الرحمن، لأنه بلغهم خروجه من الریاض، و لکنه تأخر فی مسیره ینتظر بقیة غزواته من الحضر و البادیة، و لما نزل ابن رشید فی هذا
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 283
المنزل لم یسعهم التأخر عنه، رحلوا من منزلهم و نزلوا الشقة، و هی قریة تبعد عن بریدة ساعتین و نصف، ثم رحلوا و نزلوا بالقرب من منزل ابن رشید، فبدأت المناوشات فی ثالث من شهر جمادی الثانی، و لم یقع حوادث ذات بال، یریدون اکتساب الوقت، ففطن ابن رشید لمقصدهم، فمشی علیهم و حصل قتال کان الفوز فیه لأهل القصیم، لأن الخیل لم تشترک فی هذا القتال، لأن المیدان غیر صالح لها، و هی الرکن الأقوی الذی یتفوق منه ابن رشید علی خصومه فلما أقبل اللیل تحاجان فجمع ابن رشید کبار قومه و رؤساء البوادی و استشارهم فأشاروا علیه ینسحب إلی محل فسیح یکون فیه میدان صالح للخیل فلما أصبح رحل من موضعه و نزل طرف أغضمی من الشمال تتبعه أهل القصیم و نزلوا قبالته من الجنوب فأقاموا نحو ثمانیة أیام لم یجر بینهم إلّا مناوشات خفیفة، و قد مضی علی نزول ابن رشید نحو أربعین یوما و هم یتجنبون الاشتباک معه رجاء أن یصل الإمام عبد الرحمن أو یصل منه نجدة و لکن الإمام عبد الرحمن أخذ مسیره من الریاض إلی الزلفی نحو شهر، و فی الیوم الثانی عشر من جمادی الثانی رحل ابن رشید من أغضمی و نزله بالطرف الثانی من الملیدا، فظن أهل القصیم أنه سیرجع إلی بلاده، و أرادوا أن یمنعوه حتی یخرجوه من حدود القصیم، أما أهل الرأی فقالوا أرسلوا وراءه من یکشف خبره إن کان هو قصد الشمال فقد کفاکم اللّه شره و إن کان هذه خدعة منه یریده یستجذبکم بها فالتریث فی الأمر أوفق، و المطاولة فی صالحنا أکثر مما هی بصالحه، فقام نفر ینددون بهذا الرأی و یصفون قائلیه بالجبن، و ساعدهم الکثیر من الناس فتم لهم ما أرادوا و ساروا خلف ابن رشید.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 284

وقعة الملیدا

فما ساروا إلّا قلیلا حتی وجدوه نازلا أمامهم بالطرف الشمالی من الملیدا فنزلوا قباله من الجنوب یوم السبت الثالث عشر من جمادی الثانی، و کان قد استعد للحرب فلم یمهلهم حتی مشی علیهم، و التحم القتال بین الفریقین من الصبح إلی بعد الظهر و کل منهم یتقدم نحو الملیدا حتی التحم الفریقان، و صار القتال بالسلاح الأبیض ید بید، فقتل زاملا و ابنه علیا و المعرکة حامیة الوطیس، فجاء رجل و أخبر حسن بأن زاملا و ابنه قتلا فما کان منه إلّا أن رکب خیله و جیشه هو و خدمه و طوارفه و انهزموا ناجین بأنفسهم تارکین جماعتهم أهل بریدة، و أهل القصیم، و أهل عنیزة فی المیدان یقاتلون و لم یشعروا بهزیمة حسن و استمروا فی قتالهم إلّا و خیل ابن رشید قد طوقهم من خلفهم، ذلک لأن ابن رشید بلغه هزیمة حسن فأمر أهل الخیل أن یقطعوا علیهم الرجعة.
1308 ه

وقعة الملیدا

رجعوا فکانت الهزیمة العامة فی آخر نهارهم، فأشحن فیهم ابن رشید القتل، فقد تتبعت الخیل فلول المنهزمین و قتلوا منهم کثیر بعد أن ألقوا سلاحهم، و لو لا أن اللیل حال دونهم لاستأصلوهم، و کان مجموع القتلی کبیر جدّا و لم یجر علی أهل القصیم أعظم منها و لا أشد وقعا، و خصوصا أهل عنیزة لا لکثرة القتلی و لکن لأن الذین خرجوا کلهم من البیوت الکبیرة المشهورة یقال بحق أنه لم یبق فی عنیزة بیت لم تدخله المصیبة إلّا حمولة، آل البسام فلم یشهدها منهم أحد لأنهم أشاروا علیه
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 285
بعدم مساعدة ابن مهنا کما قدمنا، فلما لم یقبل منهم اعتزلوا هم أنفسهم و لم یخرج منهم أحد.
ابن رشید عملهم و شکر لهم صنیعهم و شورهم علی زامل و قد کان بینه و بینهم صلات و روابط قبلها لأمور و لکنها مصالح تطورت بعد ذلک حتی استحکمت، و تعدت المصالح المادیة و تناولت الأمور السیاسیة.
استولی ابن رشید علی مخیم أهل القصیم بما فیه و أقام بموضعه نحو أربعین یوما یستجلی الوقت لا یستقبل الوفود لأنه خشی أن ابن مهنا یتحصن فی القصر و یقاوم فیه، و لکن ابن مهنا عند ما وصل بریدة لم یر من أهل البلاد حاشیة و قیل له: الأوفق أن تلتحق بالإمام عبد الرحمن، و کان الإمام عبد الرحمن یومئذ بالزلفی قادم لنجدة أهل القصیم، فلما بلغه الوقعة رجع إلی الریاض و التحق به إبراهیم بن مهنا، أما عن ابن مهنا فقد مرکب خیله و جیشه و قصد عنیزة، رجاء أن یشفع فیه آل البسام، و هکذا إذا أراد اللّه تنفیذ أمره سلب ذوی العقول عقولهم، و لو أراد اللّه له السلامة فی طریقها، نعم نزل عنیزة علی هذا الأمل الخاطی‌ء، و ذهب عن باله أن آل البسام مهما سمی مقامهم عند ابن رشید لا یمکن أن یجیب طلبهم و یصفح لهم عن رجل قد جنّد علیه الجنود و ساق إلیه الجیوش، و أخذ ینازعه الملک إن هذا بعید عن المعقول بلغ ابن رشید أن ابن مهنا نزل عنیزة، ثم رحل ابن رشید و نزل الرفیعة بالقرب من بریدة یستقبل الوفود و یتلافی حالة البلاد، فتوافد إلیه رؤساء البلدان و وفد علیه عبد اللّه العبد الرحمن البسام و بعض أعیان الحمولة، و وفد إلیه أولاد یحیی الصالح عبد اللّه، و صالح، و محمد، و عبد الرحمن، و حمد، و کانوا ممن تخلف عن الحرب فأکرمهم ابن رشید و أقبل أهل الثری و لم یعاقب أو یعاتب
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 286
منهم أحدا، ثم جهز سریة مع سالم السبهان و أرسلهم إلی عنیزة للقبض علی ابن مهنا و أولاده فقبضوا علیهم و جاؤوا به إلی ابن رشید، فأخذ ما معهم من الخیل و الجیش و السلاح، و سیرهم إلی حایل فحبسهم فیها.
و تتبع ما کان لآل مهنا و خدمهم و طوارفهم فأخذه، و سبی و نکل من وجد منهم، و لم یعاتب غیرهم، و أقام مدة یرتب أمور البلدان و جعل حسین ابن جراد أمیرا فی بریدة، و نزل قصر مهنا، و جعل عبد اللّه الحیی الصالح أمیرا فی عنیزة، و عزل الشیخ صالح القرناس عن منصب القضاء فی عنیزة و عین بدله الشیخ عبد اللّه بن عایض، فلما رتب الأمور رجع إلی بلاده فی أواخر شهر رجب.

حوادث سنة 1309 ه

اشارة

لما تم لابن رشید الاستیلاء علی القصیم، لم یبق فی نجد له معارض إلّا الإمام عبد الرحمن الفیصل فی الریاض، و لیس له من القوة ما یستطیع بها مجابهة ابن رشید، أما ابن رشید فقد اعتزم تصفیة الحساب مع الإمام عبد الرحمن لیتم له الأمر فخرج من بلاده فی شهر ربیع و معه قوات کبیرة، و انضم إلیه أهل القصیم، و الوشم و سدیر، و سار قاصدا الإمام عبد الرحمن.

وقعة حریملاء

بلغ الإمام عبد الرحمن إقبال ابن رشید لحربه فخرج من الریاض و معه أهلها و غره و أطراف الریاض التابعة له و بعض البادیة فالتقی بابن رشید فی سهل حریملاء القریة المعروفة بالشعیب، فوقع القتال بینهم، فکان النصر بجانب ابن رشید و رجع الإمام عبد الرحمن إلی الریاض، فلم
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 287
یتبعه ابن رشید بل رجع إلی بلاده حیث ترک الإمام عبد الرحمن بشأنه، لعلمه أن لا یثبت فیها فترک له الفرصة و علم الإمام عبد الرحمن أنه لم یبقی أیة فائدة للمقاومة لأن ابن رشید تغلب علی جمیع نجد.
حوادث سنة 1309 ه فخرج من الریاض و معه عائلته و قصد الأحسا و کان متصرفها یومئذ عاکف باشا، فلما وصل بالقرب منها یقول الریحانی، أن المتصرف أرسل له وفدا اجتمع به فی عین نجم المعروفة غربی المبرز للمفاوضة، فعرض علیه ولایة الریاض یحکمها باسم الدولة علی خراج جزئی یؤدیه للحکومة علی شرط أن یعترف بسیادتها، فرفض ذلک محتجّا بتغلب العشائر و خیاناتهم، و أن لا یستطیع أن یثق بها أو یرکن إلیها- و الحقیقة أن الإمام عبد الرحمن یعرف أن الحکومة لا تملک هذا الأمر و لا تستطیع تأییده إذا فرضنا أنّ ابن رشید یوافق علی ذلک. فلم یسع الإمام إلّا الرفض مؤملا باللّه و واثقا من عنایته. رحل من الأحسا قاصدا الکویت کان أمیرها یومئذ محمد الصباح، فمنعه من الدخول إلی الکویت، فعاد إلی البادیة و أقام مع العجمان بضعة أشهر ثم رحل عنهم و قصد الشیخ قاسم بن ثانی فی قطر و أقام نحو شهرین، و کانت الحکومة الترکیة مهتمة بأمره و راغبة فی الاتفاق معه لتأمن حرکاته، فأوعزت إلی متصرف الأحسا أن یتفق معه، فأرسل إلیه المتصرف فلبی الدعوة، و تم الاتفاق علی أن یقیم و عائلته فی الکویت علی أن تدفع له ستین لیرة راتبا شهریّا، فسار إلی الکویت و استوطنها، و لم یعترض ابن صباح علی ذلک فأقام فیها إلی أن رد اللّه لهم ملکهم کما یأتی بیانه.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 288

أمراء القصیم‌

أما آل مهنا الذی لم یقبض علیهم، فهم: عبد اللّه بن مهنا و أولاد محمد و إبراهیم فقد وصلوا الکویت و أقاموا فیها، و أما إبراهیم فقد هرب بعد وقعة الملیدا إلی الإمام عبد الرحمن و حضر معه وقعة حریملاء، و قبض علیه ابن رشید و قتله صبرا و أما آل سلیم أمراء عنیزة فلم یعترضهم ابن رشید فبقوا فی عنیزة أحرارا فی أنفسهم، و لکن عبد العزیز العبد اللّه و صالح الزامل ذهبا إلی الکویت من أنفسهما و رغبا الإقامة هناک، و أقام بقیتهم فی عنیزة علی أملاکهم و بیوتهم و عائلاتهم.

حوادث سنة 1310 ه

و فی هذه السنة توفی عبد العزیز الزامل السلیم فی مکة بعد قضاء حجه، و کان رحمه اللّه علی جانب من التقوی، و له إطلاع علی الحدیث و الفقه.

حوادث سنة 1311 ه

فی هذه السنة، توفی محمد بن الإمام فیصل فی الریاض.

حوادث سنة 1312 ه

الکلام أن ابن رشید لم یعارض آل سلیم و لم یمنع أحدا منهم الإقامة فی عنیزة، و جعل لهم مطلق الحریة فی الذهاب و الإیاب حیث یریدون.
و ذکرنا أن عبد العزیز العبد اللّه، و صالح و حمد الزامل رغبوا الإقامة، فی الکویت و أقاموا، و لکن عبد العزیز سئم الإقامة و اشتاق إلی زیارة العائلة، فصمم علی ذلک و رکب من الکویت و قصد ابن رشید لیستأذن، و لم یخبر
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 289
بذلک. فوصل حایل و أکرمه ابن رشید و رحب به، فأقام أربعة أیام ثم جاءه رجل سرّا و نصحه أن ینجو بنفسه قبل أن یقبض علیه، فدبر أمره سرّا و هرب لیلا، و سافر مجدّا حتی وصل الکویت بعد خمسة أیام، فکتب اللّه له النجاة بعد أن ألقی بنفسه إلی التهلکة، و کانت خواطر آل سلیم و جماعته علیه حینما عملوا بمسیرة، و لما رجع لاموه و فندوا رأیه و حمدوا اللّه علی رجوعه سالما، فأخبرهم بالأمر الذی کانوا منتظرین وقوعه لو لا لطف اللّه.

حوادث سنة 1313 ه

اشارة

فی لیلة 25 ذی القعدة من هذه السنة قتل مبارک الصباح أخویه محمدا و جراحا لخلاف قدیم وقع بینهم، و قیل أن من أسباب الخلاف و تطوراته یجب أن نذکر مقدمات الأمور لنصلها بنتیجتها، لیکون المطلع علی إلمام بالمسألة، أولها فنقول: لما توفی صباح بن جابر سنة 1283 ه کان له أربعة أولاد، و هم: عبد اللّه، و محمد، و مبارک، و جرّاح.
1313 ه

الخلاف بین مبارک الصبّاح و إخوته، و قتله إیاهم‌

تولی الإمارة ابنه الأکبر عبد اللّه بن صباح، و کان أخیه مبارک نزاعا، إلی الشهرة و میالا إلی عیشة البداوة، فولاه أخوه الدفاع، فنزع إلی الغزوات، و تولی قیادة الجیش، فکان یمضی أکثر أوقاته فی البر بحکم وظیفته، و کانت هذه المهمة دائما فی حاجة إلی المال و کان بطبعه سخیّا، فما کان أخیه عبد اللّه یضن علیه بما یقوم بحاجاته، فاستمرا طیلة أیام عبد اللّه، فلما توفی عبد اللّه سنة 1309 ه، تولی بعده أخیه محمد لأنه هو الذی یلیه بالسن، و کان محمد السلیم طیب القلب و لکنه ضعیف الإرادة
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 290
یمیل إلی الهدوء و السکون، غیر مبال إلی الشهرة، فأخذ جراح یتقرب من ابن أخیه محمد حتی تمتع بثقته و شارکه فی حکمه مشارکة فعلیة لا رسمیة فأصبح جراح صاحب النفوذ الأکبر علی محمد فأخذ ینعی علی مبارک آراءه و أعماله، یساعده علی ذلک الشیخ یوسف بن عبد اللّه بن إبراهیم، الذی هو محرق محمد و موضع ثقته فأخذ بضع سنین حتی ضاق ذرعا.
فأخذ یناقشهما الحساب علی ما یستحق من ریع الأملاک الذی استولوا علیهما و طلب منهما حساب ما دخل علیهما، و إلیک تفصیل هذا الخلاف منقول عن تاریخ الکویت:

أسباب الخلف بین مبارک و أخویه‌

قال مؤرخ الکویت نقلا عن السید خلف باشا النقیب:
قال السید المذکور مما وقف علیه بنفسه و اطلع علیه دون کثیر من أقرانه:
قال: طلب مبارک من أخویه الاعتراف له بقسطه من الأملاک فامتنعا من إجابته و لم یصغیا لطلبه، حتی کاد الأمر یمضی إلی غیر محمود، لو لا أن سالما آل بدر و ثلة من أشراف البلد توصلوا إلی إقناع الأخوین بالنزول إلی حکم مبارک، و أن یکتبا ثلاث أوراق إحداهما: یحصی فیها لامة الحرب من أسلحة و ذخیرة و یبقی ذخرا للجمیع، و اثنتان فیهما الاعتراف له بما أراد، و تبقی إحداهما عنده و الثانیة بأیدیهما. توصلوا إلی ذلک و کتب الأوراق کلها یوسف بن إبراهیم طائعا مختارا، و بهذه رجعت المیاه إلی مجاریها، وصفا وجه الإخاء.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 291

تدخل یوسف و تعکیره صفوة الإخاء

احتاج مبارک بعد هذا إلی شی‌ء من المال (و الحاجة أم البلاء) فما وجد من أخویه، إلّا إعراضا و صدودا و هناک تساقطت شرفات السلم، و هدّ جانب الولاء، و ثارت الزوبعة بعد سکونها، فتدخل وجهاء البلد و تشفعوا إلی محمد بإرضاء أخیه و إعطاء ما یرید قطعا للنزاع، فما خیب لهم برجاء، و أمر فی الحال فهد الخالد الخضیر بقضاء دیونه التی بلغت ستة آلاف ریال و ستین ریالا أوشکت الأمور أن تنتهی بسلام لو لا الدور الذی مثله الشیخ یوسف بن إبراهیم عفی اللّه عنه، فما أحکم عقدة البغضاء، و شید أرکان العداء، فإنه منع فهد الخالد من إعطاء مبارک شیئا و أردفه بإرسال عبد العزیز السمیط إلی مبارک بطلب منه تسلیم الورقة التی بقیت بعیدة، فامتنع مبارک من تسلیمها لأنه حسّ بالمکیدة من یوسف.
و کان الأمر ظن فقد صارح یوسف السید خلف بقوله غرضنا من الإرسال علیها إنما هو لأجل تمزیقها لئلا تکون له حجة علینا. بلغ مبارک کل ما بدی من مراوغة یوسف فتمیز غیظا و طفق بسبّه سبّا شنیطا. عقد الأمور یوسف و ترکها و سار إلی البر یطلب الصید و ترویح النفس فرجع مبارک إلی أعیان البلاد یرجوهم أن ینصحوا أخیه محمد لعله یرعوی و لا یتمادی فی الإساءة. فأجابوا رجاء، و لا کنهم یعملون أن لا حل للإشکال بدون حضور یوسف إبراهیم، فکتبوا له کتابا یستقدمونه لعلم یشارکهم فی حل الإشکال، و انتدبوا لتبلیغه الأمر و إیصال الکتاب إلیه السید خلف باشا النقیب، و فهد الخالد، و عبد العزیز الفارس و عبد العزیز الصمیط، و کان یوسف إذ ذاک قد نزل الرقعی، فذهبوا إلیه و عرضوا علیه مهمتهم و ما یراد منه، فامتنع عن إجابتهم.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 292
1313 ه

السعی لحسم الخلاف بین مبارک الصباح و أخویه‌

و لکن النقیب قال له: إذا لم تجب فإن أحد الأخوین لا بد أن یقتل أخاه. قال: لماذا؟ قال: لأن محمدا بعد أن دعا مبارکا من البر، خشی أخوه مبارک أن یکون وراء هذا الاستدعاء شرّا فاستعد هو و خدامه بالسلاح اتقاء للحوادث الطارئة أثر ذلک فی یوسف، فقال: سأذهب أولا إلی الصبیة، ثم أذهب إلی الکویت، فوصل الکویت بعد ثمانیة أیام، و ما خفف مع هذا ویلا و لا حل إشکالا، بل زاد الطین بلة، و علم مبارک أن لیس فی استطاعة یوسف أن یکون واسطة فی حل النزاع، فانتدب السید خلف، و عبد العزیز الزین، و فهد الخالد الدویرج إلی أخیه یرجونه تصفیة الحساب الذی بینهما فلبوا طلبه و ساروا إلی أخیه فی داره، فأمرهم أن یذهبوا إلی یوسف بن إبراهیم فی بیته و هناک یکون الملتقی. ذهبوا إلی یوسف کما أمر محمد فرفض مقابلتهم رفضا باتّا، و أمر أن یرجعوا من حیث أتوا. جری هذا و هو لا یعلم بما جاءوا إلیه، و لا ماذا یریدون منه، فاقتضی رأی أحدهم أن یذهب إلیه وحده و یبین له الباعث لمجیئهم، فقابله و أخبره أنهم إنما جاؤا بأمر محمد. فأسف علی ما بدر و دعاهم إلی الحضور، فما کادوا یستقرون فی مقاعدهم حتی أقبل محمد، فسألهم عن غرض مبارک من أرسالهم، فقالوا: إنه یرید أن نقدم له حسابا إلی السید خلف لیقدمه إلی مبارک. و لما قرأ علی مبارک قال إن بلع الأمواس أهون من بلع هذا الحساب، فقال له السید خلف: إن کنت ترید خلع الشقاق فابلعه فقال حنا ما قلت و ها أنا بلعته و الذی یظهر لنا إن هذا قول من المجلس، لأن مبارکا أخیرا طلب حسابا آخر من أخیه مصحوبا (بیمن باللّه
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 293
أنه من الصادقین) فیما قدم، فأجابه و لکنه قدم إلیه نفسه. عرض النقیب علی الأخوین الاجتماع فی بیته لعلهما یتفاهمان و أخذ منهما العهد أن لا یجابه أحدهما الآخر بما یکره، فأجاباه إلی ما طلب و حضرا فی الوقت المعین ففاتح مبارک أخاه و عتب علیه بعض أمور حصن و اعتقرها ثم قال إنی لا أرید أن أکلفک شططا فأنا أطلب إشرافی علی الحساب الحقیقی لأعرف مالی و ما علی، و لک علی قبول ذلک إذا کان بیمین باللّه أنک لم تزد فیه و لم تنقص منه. رضی محمد بهذا الاقتراح و أظهر الارتیاح له و لکن مضت عدة أیام و هو یعد و یخلف و السید النقیب یتردد بین الاثنین، و أخیرا قال له محمد: أنا لا أجیب مبارکا إلی طلبه، إلّا بعد أن آخذ منه صکّا فی قبول ما أقدمه له مهما کان، فحاول النقیب إقناعه بأن مثل هذا الطلب بعید عن المعقول، فأصر علی رأیه: فذهب النقیب مصمما علی عدم الدخول فی شی‌ء من أمورهم و أبلغ مبارکا بکل ما جری. فاضطرمت النار فی قلبه، و کاد یقضی علی أخویه فی تلک الساعة و لکنه تجلد إلی الیوم الموعود، ثم بعد هذا صادف أن مبارکا صادف أخاه محمد فی الطریق فدنی منه و سلم علیه و أخذ یلاطفه فی الحدیث و یستعطفه فی إنجاز ما وعد، فلم یجد منه إلّا إباء و امتناعا فی نزوله علی حکم، و ما زال و إیاه فی هذا الجدال الطریف حتی وصل البیت و رجع عنه. ثم أعقب هذا أن أخاه جرّاحا دخل سوق اللحم فصاح بین أهله بقوله إیاکم أن تعطوا مبارکا شیئا، فقد تبین أنه من المفلسین و أن علیه دیونا عظیمة، و کان مبارک إذا احتاج إلی لحم أخذ منهم علی ذمة أخویه إلی هنا انتهت روایة مؤرخ الکویت عن أسباب الخلاف، ثم أخذ یشرح تفصیل بقیة القتل مما لا نری حاجة إلی شرحه.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 294

قال مؤلف هذا الکتاب‌

وصلت الکویت مع خالی مقبل العبد الرحمن الذکیر من عنیزة فی 25 ربیع الثانی من هذه السنة، و عمری إذ ذاک بالرابعة عشر، أبقانی خالی فی بیت الشیخ یوسف بن إبراهیم لتعلم الکتابة، فأفرد والی حجرة خاصة فی المجلس، و جرت هذه الحوادث کلها و أنا فی البیت المذکور، و کنت فی معیة أولادهم عبد الرحمن بن عبد العزیز و علی بن إبراهیم، و کان یومئذ فی الکویت، و مصطفی بن الشیخ یوسف و کنا منفارس فی السن فصحبناهم فی القنص، و التحقنا بمخیم الشیخ یوسف و أقمنا نحو شهر إلی أن جاءه الذی ذکره مؤرخ الکویت یطلبون حضوره للصلح بین مبارک و أخویه. و عند ما رجع لهذه الغایة رجعنا معه إلی الکویت.
حوادث سنة 1313 ه أذکر أننا بعد وصولنا وجدنا الشیخ محمد الصباح و وجهاء الکویت ینتظرون قدوم الشیخ یوسف علی الرصیف، أننی لصغر سنی لم أقف علی مجری الحوادث و لم أفهم أن هناک خلافا، و قد وقع القتل و أنا فی البیت المذکور، و لما کان عید الأضحی و قد مضی ما یقرب من نصف اللیل ما راعنا إلّا الخدم یوقظون من فی المجلس من الضیوف، و کنت و فهد العبد اللّه المحمد الخنینی من جملتهم فطلبوا أن نساعدهم فی نقل ما یریدون شحنه فی السفینة التی فی الحوض المقابل، فلما کمل الشحن رکب مشاری بن أحمد بن إبراهیم و معه المحرم و ساروا بساعتهم و سار معهم حمد الخنینی إلی الدوة و بقیت فی البیت مع من بقی، و بعد أیام توجهت إلی البحرین.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 295

رجوعا إلی سیاق الحوادث‌

الشیخ یوسف بن إبراهیم قد کان فی الصبیة وقت وقوع الحادثة، و قد کان له فیها قصرا علی ساحل البحر یقیم فیه بعض الأوقات لترویح النفس لأنه یحب العزلة و قلما یستقیم فی الکویت، فلما وقعت الحادثة هرب سعود بن محمد الصباح فورا عند یوسف فی الصبیة و لم یتمکن الباقون من الهرب فبقوا عند عمهم الذی أخذ یلاطفهم لیخفف عنهم ألم المصاب و هیهات.
صبیحة لیلة المحادثة بعد أن واروا جثتی القتیلین، استدعی مبارک وجهاء البلد و أشرافها فقال لهم: قد قضی الأمر لما قضاه اللّه- و الآن فما هو رأیکم و ماذا أنتم عازمون علیه- قال هذا و هو علی خوف من عدم تأییدهم- و لکن لا بد لهم من مبایعته، فبایعوه فاطمأن بالهم من هذه الجهة- فبقی علیه أن یسعی لیأمن عدوه الألد الشیخ یوسف إبراهیم، أن یفاوضه و یلاطفه و یستدعیه للقدوم مقدما التأکیدات اللازمة بأنه آمن علی نفسه و ماله، و أرسل إلیه رسولا، ثم أرسل وفدا من جماعة أهل الکویت ظاهر أمرهم یسترضون یوسفا و باطن أمرهم یستکشفون حالته و معرفته و من نظره و نوایاه وصل الوفد و عرضوا علی یوسف الرجوع إلی الکویت، و قدموا له ما أصحبهم مبارک من التأمینات، أجابهم و أظهر لهم القبول و أوعدهم أنه سیرجع بعد أن یقضی شؤون فرجعوا. و بعد یومین شحن ما عنده فی السفن بعد الدورة و أقام فیها و لکنه حافظ علی السکون و لم یبدر منه شی‌ء، ذلک لأن أولاد محمدا و جراحا لم یزالوا عنده فی البیت. و بهذا الأثناء طلب مبارک من أولاد أخویه أن یکتبوا له وکالة عامة بصفته عمهم و المحافظ علی حقوقهم، لیتسلح عند یوسف بن إبراهیم فتوقفوا، و لم یشأ
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 296
مبارک إجبارهم ظاهرا و أجل الأمر إلی فرصة أخری. و یقول یوسف فی بعض أن جابرا تهددهم بالقتل إذا لم یمضوا الوکالة. و بعد أیام رجع إلیهم مبارک لهذه الغایة فوجد خواطرهم منقبضة و کان حریصا علی تسلیتهم فلم یفاتحهم بشی‌ء. ثم بعد ذلک طلب صباح من عمه الرخصة لترویح النفس بأحد الأماکن، رخص له وحده و منح إخوانه، فأعاد الالتماس بالسماح لهم جمیعا فأجابهم و أرسل معهم رجالا من حاشیته لمراقبتهم للمحافظة علیهم، فذهبوا إلی الموضع الذی اختاروه. و بعد یومین من وصولهم استغفلوا الحراس و هربوا لیلا ماشین علی أرجلهم حتی وصلوا المعامر، فقام منهم صاحبها و أوصلهم إلی الدور حیث مقر الشیخ یوسف بن إبراهیم.

ابتداء النضال بین مبارک و یوسف‌

أخذهم الشیخ یوسف و ذهب بهم إلی البصرة، و أحضرهم عند الوالی حمدی باشا و قرروا حقیقة الواقع، و کان الوالی المذکور [...] عن مبارک، و قدم أولاد محمد و جراح دعواهم علی عمهم عند الوالی حمدی باشا، و طلبوا أنصافهم منه، فأصغی إلی دعواهم و عطف علیهم و لجأوا أیضا إلی قنصل الإنکلیز فی البصرة فنصرهم و سعی فی سبیلهم، و کادت تنجح مسألتهم إذ أمرت الدولة حمدی باشا والی البصرة بسوق العسکر إلی الکویت و إخراج مبارک منها، و لکن مبارکا لم یکن غافلا فقد رفع دعواه لباشا بغداد المشیر رجب باشا السریحی، فساعده و کتب إلی الدولة یقول إن هذه الحادثة من الحوادث العادیة التی ما زال یقع الکثیر مثلها و وخیر للحکومة أن لا تتدخل فی القضیة، فإن تدخلها قد یهدم
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 297
آمالها فی الکویت، فعدلت الحکومة عن اتخاذ الشدة، و أمرت من المحکمة أن تفاوض مبارکا، فأمرت حمدی باشا والی البصرة أن ینتدب من یعتمد علیه لمفاوضة مبارک فانتدب الوالی، ابن مشری أحد أعیان البصرة ففاوض مبارکا، و رجع یبلغ الحکومة نتیجة مفاوضته، و لعلها اقتنعت بنتیجة هذه المفاوضة فرکنت إلی السکون.

حوادث سنة 1314 ه مبارک یرمی یوسف بقتل أخویه‌

اشارة

استکتب مبارک مضبطة یرمی بها یوسفا بقتل أخویه و أجبر أهل الکویت علی إمضائها، فأمضوا فیها و لم یمتنع منهم إلّا بضعة أشخاص، و قدمها إلی حکومة البصرة و بما أن حمدی باشا صدیق لیوسف فقد تمکن یوسف من أخذ صورتها.

محاولة مبارک إرضاء یوسف لاستکفاء شرّه‌

کان مبارک فی مبتدإ أمره و لما یتأید مرکزه لأن قضیة قتله أخویه أوجدت له خصوما کثیرین، کراهة لعمله و عطفا علی أبناء أخویه المظلومین، حتی إن أهل الکویت أنفسهم کانوا یمیلون إلی الأولاد و یتمنون نجاح قضیتهم بأول الأمر. و کان مبارک یعلم أن أنصار أولاد أخویه و الذین یعطفون علیهم کثیرین، و لکن الذی یهم مبارکا من هؤلاء کلهم واحد فقط ذلک هو یوسف بن إبراهیم الخصم الألد، و صاحب الثروة العظیمة التی أوقفها لهدم کیان مبارک، فلهذا أخذ یعمل علی استرضاءه فأرسل جماعة من أهل الکویت یرأسهم حمود الصباح إلی الدورة حیث یقیم الشیخ یوسف، و اجتمعوا به و حسنوا له الرجوع إلی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 298
الکویت فلم یجدوا منه میلا إلی ذلک و ألح علیه حمود و بالغ فی ترغیبه، فما کان منه إلّا أن أخرج له صورة المضبطة التی قدمها مبارک بإلقاء تبعة القتل علیه، و قال: کیف تطلب منی الرجوع و الثقة علی نفسی منکم، و هذا عملکم معی تشهدون علی بأنی أنا القاتل، فهل بلغت بی البلاهة إلی هذا الحد الذی تریدون أن ألقی بنفسی بین أیدیکم، فما کان من حمود إلّا أن أنکر علمه بهذه المضبطة، و قال: قد یکون مبارک هو المزور لها علی ألسنتنا، قال یوسف: و ها أنتم تدعونی إلی الرجوع إلیه و هذا عمله، فهل تظن أن من أقدم علی سفک دم أخویه یتورع عنی، فهذا أمر لا سبیل إلی الکلام فیه فرجع الوفد.

محاولات أخری‌

و لما لم یفد مساعی مبارک مع یوسف أرسل یوسف الخمیس إلی بومبی لمقابلة الشیخ محمد و الشیخ عبد العزیز آل إبراهیم أصحاب البیت المشهور فی بومبی یرجوهم أن یکفّوا یوسف عن العمل ضده. و لم یلق نجاحا، فأرسل أخیرا إلیهم عبد العزیز الصمیط لهذه الغایة فأجابوه کما أجابوا الأول: بأن یوسفا حرّا فی تصرفاته، و لیس باستطاعتنا منعه، ففشلت أعمال مبارک من هذه الناحیة، فرکن إلی السکون و قد اطمأن باله من جهة الحکومة الترکیة فی العراق.

یوسف بن إبراهیم یحاول العمل‌

لم یکن فشله بالعراق بالذی یفت عضده عن العمل، و لکنه تظاهر بالسکون لیخدع خصمه، و أخذ یعمل سرّا، و جعل التکتّم سیاجّا لأمره، و کان من أقدر خلق اللّه علی التکتم، فکان الغموض یحیط به و بأعماله من
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 299
جمیع النواحی، فلا یعلم حتی أخص أقرباءه و أصدقاءه بشی‌ء مما یعمل.
فسافر و أشاع أنه یقصد الهند لترویح النفس و منها إلی أوروبا، و من أغرب الأمور أن تأتی البرقیات من الهند مخبرة عن وصوله إلیها و سفره إلی أوروبا، بینما هو قد نزل بلاد العجم و ذهب إلی هندیان العثور و ألف جیشا مسلحا.

هجوم یوسف علی الکویت‌

شحن أربعة عشر سفینة من الجنود المسلحین و سار بهم یقودهم بنفسه إلی الکویت، خرج بأسطوله البحری دون أن یعلم عنه أحد من أصدقائه و لا أعدائه إنه عمل غریب یشبه ما فی الروایات الخیالیة، و لکنها حقیقة واقعة لا ریب فی صحتها، کاد یفوز فی عمله لو لا غلطة بدرت منه هدمت آماله و أحبطت مساعیه من أساسها.

1315 ه حملة یوسف بن إبراهیم علی الکویت

اشارة

خزانة التواریخ النجدیة ؛ ج‌7 ؛ ص299
ان آمنا مطمئنا حینما فشلت مساعی خصمه فی العراق، بل وثق أن خصمه غادر هذه القارة إلی قارة أخری یندب حظه، فلم یرعه إلّا و علی أبو کحیل النذیر قد جاء ینبهه من غفلته، و یخبره أن عدوه الألد علی بضعة أمیال یقود أسطولا بحریّا أعده للهجوم علیه. و هذه الغلطة من یوسف هی التی أحبطت مساعیه، ذلک لأن یوسفا عند ما طاح بأسطوله من الشط صادف علی أبو کحیل شاحن حبوه إلی البحرین فأسروه و لکن تشفع فیهم أن یطلقوا سراحه، ذهب إلی البحرین فأطلقوا سراحه بعد أن عاهدهم علی أن لا یرد عنهم منبرا، فما کاد یختفی عن أنظارهم حتی سبقهم إلی الکویت و بلغ خبرهم، ذهب مبارک مذعورا فأمر بالنفیر العام،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 300
فخرج أهل البلد و تجمهروا بالساحل الشرقی الجنوبی من بلد الکویت یستعدون لاستقبال هذا الأسطول الذی شرفهم بزیارته لأول مرة، و لم یمض مدة طویلة حتی بدت طلائع السفن بانت النواظیر تعمل عملها بید قواد الأسطول یستطلعون حالة البلاد، فلما رأوا تجمهر الأهالی علی الساحل علموا أن الخبر سبق أهل البلد فعادوا من حیث أتوا، و کان طراد إنکلیزی یراقب سیرهم لیستفید من الحادثة حینما تدعوا الحاجة، فلما رجع الأسطول رجع الطرّاد لرجوعهم، و کان ذلک فی منتصف شهر محرم 1315 ه، و فی الیوم نفسه جاء مرکب عثمانی قادما من الفاو و القطیف فظنه الطراد الإنکلیزی الذی کان یراقب الأسطول ظن أنه آت فی مهمة سیاسیة، فتبعه متظاهرا احتجاج علی مبارک فی إخراجه السفن إلی البحر، فأراد قائد الطراد النزول فی البر فمنعه مأمور الحجر الصحی من قبل حکومة الترک للنزول إلّا بعد تطهیرهم بالحجر الصحی نحو خمسة عشر یوما، فخضع للقانون و اکتفوا بمقابلة محمد أو مندوب عنه فأبلغوه نجاحهم فأجابهم بعدم و جاهة هذا الاحتجاج، و کان علیهم أن یحتجوا علی من سیر الأسطول فی البحر لیغزوا به بلدا آمنا و یحتجوا علی الحکومة التی خرج الأسطول من موانیها، فانتهی بذلک الأمر و رجع الطراد بعد أن رجع المرکب العثمانی و تم سرد حوادث الکویت غیر مراعین ترتیب السنین لأننا کرهنا تقطیعها.

إلحاق بعض حوادث سنة 1314 ه القبض علی آل السلیم فی عنیزة و هدم بیوتهم و إجلاء عائلاتهم‌

شهر جمادی الأول من هذه السنة قدم عبد العزیز بن المحمد الذکیر
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 301
عنیزة من العراق بعد غیبة طویلة، فجاء عبد اللّه العبد الرحمن البسام قاصدا السلام علیه، و کان عبد اللّه مکفوف البصر بصحبة عبد الرحمن الخطیب، و کان طریقه علی بیت عبد اللّه الزامل السلیم، فلما حاذی بیته خرج عبد اللّه و بیده مسدس مزند خراب من الطراز القدیم فأخذ یطقطق فیه فلم ینطلق منه شی‌ء لأنه خراب، فلم یحس عبد اللّه العبد الرحمن بذلک، و لکن الخطیب أخبره أن هذا عبد اللّه بیده مسدس یحاول قتلک، و کان عبد اللّه الزامل معروف عند الخاص و العام بأنه مختل الشعور و تغلب علیه السوداء، و الذی بعثه إلی هذا العمل زعم أن آل البسام هم الذین قتلوا ولده بجدة، و کان قد توفی هناک فأراد بزعمه أن ینتقم منهم. بلغ الخبر آل السلیم الذین هناک فقصدوا عبد اللّه العبد الرحمن و أبدوا أسفهم علی عمل عبد اللّه، و اعتذروا له، و أقسموا الإیمان بأنهم لم یعلموا بذلک قبل وقوعه و لا رضوا به، و قالوا:
إن حالة عبد اللّه الزامل و اختلال عقله ثابت عندکم قبل هذه المسألة، فأجابهم عبد اللّه العبد الرحمن أنه ثابت عندی حالة عبد اللّه، و أنه خارج عن حدود المؤاخذة، و أعلم یقینا أن لیس لکم ید فی الأمر، و لکن أخشی أن تکون الفوائد أکبر من الحقیقة، و کان الأمیر یومئذ صالح الیحیی الصالح.
و یقال: إنه قبض علی عبد اللّه الزامل إثر الحادثة و ضربه و حبسه، و کتب إلی ابن رشید بالخبر، فأرسل سریة یرأسها حسین بن جراد فوصل عنیزة، و قبض علی أولاد زامل، عبد اللّه، و محمد، و عبد الرحمن، و أولاد حمد البراهیم السلیم: إبراهیم، و سلیمان، و أرسلوهم إلی حایل و حبسوا هناک، و هرب علیّ السلیم، و هو یومئذ شیخ کبیر یتجاوز عمره ثمانین سنة، خرج علی رجلیه، و قصد عین ابن فهید، و توفی هناک بعد أیام قلیلة، و هرب عبد اللّه العلی السلیم و ابنه سلیمان إلی الکویت.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 302
1314 ه

القبض علی السلیم و هدم بیوتهم و صادروا أملاکهم‌

و هدموا بیوت آل السلیم، و استولوا علی ما کان لهم من الأملاک و؟؟؟
بیدهم من الأوقاف، و أمروا بإجلاء عائلاتهم، آل السلیم الذین فی الکوی؟؟؟
مقبل العیسی مولی عبد الرحمن الذکیر آل عنیزة، فوصل عنیزة و دخل خفیة و ترک جیشه خارج البلد، و أخذ الأولاد الصغار الذین بقوا، و هم إبراهیم الزامل، و أولاد علی الزامل: عبد اللّه، و محمد، فوصل الکویت ثم أرسل آل سلیم إلی حرمهم فأتوهم و استقرّوا فی الکویت، فاجتمع آل السعود و آل السلیم و آل مهنا کلهم فی الکویت، و هم الذین نجوا من الأسر.

حوادث سنة 1315 ه

اشارة

بعد ما فشل یوسف بن إبراهیم فی حملته علی الکویت عقد أمله فی مساعدة محمد بن رشید و قاسم بن ثانی أمیر قطر فکاتب الأول و استغاث به و استنجده فوعده خیرا و أرضاه بکلام ظن فیه الإجابة، فاعتمد ذلک و سار من قطر ثم رحل إلی البحرین فی شهر صفر من هذه السنة و أقام فیها ثلاثة أیام فی بیت مقبل العبد الرحمن الذکیر، ثم سار إلی قطر قاصدا الأمیر الشیخ قاسم لما بینهما من الروابط التجاریة، و لما یعلم من نقمته علی مبارک و کراهته له، فأقام عنده خمسة أیام ثم رجع إلی البحرین و أقام فیها عشرة أیام، و رجع إلی قطر حیث استقبله الشیخ قاسم بالترحیب، و أوعده النصرة و المساعدة، و أخذ یتظاهر بنصرته، و کتب إلی الأمیر محمد بن رشید یستنجده و یحسن له احتلال الکویت. و أشاع قاسم أن
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 303
الأمیر محمد بن رشید وعده بالمساعدة و أنه بالوقت الذی یمشی هو من قطر یخرج ابن رشید من حایل و یکون الاتفاق بالقرب من الکویت، و لکن ظواهر الأمور لا تدل علی أن ابن رشید أوعدهم بشی‌ء لأنه لم یبدو علیه ما یدل علی ذلک، و لکن ابن ثانی ربما أراد بذلک استجلاب القبائل التی هو أرسل یستنجدها و مضی فی خطته العدائیة و هو یعلم أن ابن رشید لا یمکن أن یسعده ذلک، لأن الحکومة الترکیة أمرته بعدم التعرض للکویت و أطرافها، لأنها تعلم أن أقل حرکة تبدر علی صاحب الکویت تفقدها مرکزها فیه و هی لا یهمها أن یکون حاکم الکویت مبارکا أو غیره، و إنما یهمها أن یکون صاحب الکویت محافظ علی تابعیته لها، لهذا أصدرت أمرا حازما لابن رشید تحذره من التعرض للکویت و أهله. و کان لابن رشید من الأسباب ما یمنعه عن ذلک، غیر منع الدولة له، و یعلم أن عند ابن صباح حکام نجد الشرعیین و أمراءها الذین شرّدهم من بلادهم و اغتصب حقوقهم. فهو إذا أعلن عداءه لابن صباح فکأنما فتح علی نفسه أبواب الفتنة التی قد تزعزع مرکزه، و ربما تکون سببا للقضاء علیه، فرأی أن الحکمة تقضی علیه بالسکون، و یرضی یوسف و ابن ثانی بأن الحکومة لا ترضی بذلک، علم قاسم بسره: إنه لا یستطیع مهاجمة الکویت بدون مساعدة ابن رشید من عدة وجوه. أوّلا: أن بینه و بین الکویت مفازة واسعة یسکنها قبائل قویم یضطر إلی إخضاعهم قبل أن یجتاز بلادهم، و لیس لدیه القوة الکافیة التی تمکّنه من ذلک، و إذا فرضنا المستحیل و جعلنا اجتیازه هذه المفازات بما فیها من القبائل ممکنا، فماذا یمکن أن یعمل إزاء بلد لا یقل سکانها عن خمسین ألفا متوفرة لدیهم أسباب الحرب، من أطعمة و أسلحة و ذخیرة، و لها جیش مسلح مرابط، و یحوطها قبائل مخلصین
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 304
لا یقل مقاتلیهم عن ألفی مقاتل، ألا یکفی هؤلاء فقط للقضاء علیه و علی قوته. بلی إن فی أقل منها ما یکفی- بقطع النظر عما یعترضه من الصعاب، التی أهمها بعد المسافة بینه و بین بلاده، و عدم المراکز التی یمون منها جنوده، فالأحسا و القطیف مقفولة بوجهه و متصرّفها من ألدّ أعدائهم، نعم علم قاسم بکل هذا- و لکن لا یسعه النکوص عما تظاهر فیه إلا بعذر ظاهر.

السعی فی الإصلاح بین الفریقین‌

کانت بین مقبل بن عبد الرحمن الذکیر و الشیخ یوسف بن إبراهیم روابط ودیة قدیمة یرجع عهدها إلی أکثر من خمسة عشر سنة، قبل هذه الحوادث حینما کان یوسف یتعاطی تجارة اللؤلؤ، و کان مرکز إقامته أیام صید اللؤلؤ فی البحرین فی بیت مقبل الذکیر الذی یعتبره هو بیته، و لم تزل هذه الروابط لم یطرأ علیها تغییر حتی فرق بینهما الموت، و کان مقبل یهمه أمر یوسف و یشفق علیه من اندفاعه فی أمور الصباح، و کان دائما یراجعه فی الموضوع، و قد کتب له قبل أن یهاجم الکویت ببضعة أشهر یفاتحه فی مسألة موضوع الصلح فجاءه الجواب التالی:

کتاب من الشیخ یوسف بن إبراهیم مؤرّخ 25 رمضان سنة 1314 ه و هو بخط یده‌

یقول فیه بعد السلام: عرفت أن الأمور طالت من دون فائدة، و أنتم ترون ما منها خلاص، و مرادکم تدارکون [الأرب]، یا خی الصلح ما أحد من الأول و هو خیر. و لکن الصلح مع من یقع. هذا فاجر، و لأنا من منه و من ما یقف علی کلامه و لو أعطاه أخلفه. و حقیقة أن هذی مصیبة ابتلینا
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 305
بها و نحن ما لنا إلا الصبر. و عمل الذی لنا منه راحة لنا و له. یا خی الصلح نحن من أول ممنونین فیه، و لکن أجزم أنه یصیر علینا أکبر و بال، لأنه و لا نمسکه، و أنتم آخر الأمر ما تقدرون تعملون شی‌ء معه. و لکن بقاء الأمور منها و منه علی المحذر أوفق من اللّه. هذا الذی أری و رأیکم فیه البرکة. و لا تقول إنی معاند، حاشا و کلّا، إن عندی هذا حیث تعلم أن الصباح بینهم ینجازون. و لکن الأعمال الذی عملتها أنا مع العیال ما هی خافیتکم. و الشبیلی و سلیمان الصالح (المصالح) ما هم أقرب بأفعالکم مع مبارک، و ولد سالم و ابن بشر و السادة الرفاعیة کلهم ما عدّیته. کیف یکون عمل هؤلاء ما منه خلاف.
و عملی مع العیال الذی رابین عندی و زابنین عندی یکون منه خلاف و هو بطریق حق لجنابک لتعلم عدم ملاحظتی فی شی‌ء، غیر أنی لست أمیّزه من هذا الرجل. و کلامی یلزمنی و کلامه لا یلزمه و الأمر منه ثم لکم.
*** هذا أول بحث جری فی هذه المسئلة، مما یدل علی أن مقبلا مهتم للسعی فی المسئلة من أول الأمر. و لکن وقت الأمر هذه لمحمد، لأن یوسفا سافر بعد هذا الکتاب بمدة وجیزة سفره المجهول لیسعی فی تجهیز حملته التی حاول أن یهجم بها علی الکویت. و بعد وصوله البحرین و سفره إلی قطر اهتم مبارک الصباح لأمره و أخذ یستعلم عن حرکاته، فکتب إلی مقبل الذکیر یستفهم منه عن ذلک، و إلیک نص الکتاب:

کتاب من مبارک الصباح مؤرّخ 26 صفر سنة 1315 ه

یقول بعد المقدمة: ثانیا- لا بدّ بلغکم حرکة السفیه الشقی یوسف
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 306
إبراهیم، فمن سوء أعمالهم البطالیة الفاسدة زین لهم سوء أعمالهم. و لا شک هذی عقوبة أصابتهم اللّه راید تلافهم فی هالنوع، و نحن و بعد الحمد و المنة هکذا مجنون ما ندیر له بال. و لا هو قدّ و لا هو کفو، لکن الجنون یا خی فنون. و بما أن الشقی یوسف المذکور الآن بالبصرة تقید اسم رئیس الأشقیاء و البلشتیة و مطلوب حیّا میتا، کما أنه أیضا مطرود من جانب حاکم المحرة و حاکم شط فارس، و لا له ملجأ بتلک الأطراف. و الآن یذکر أنه أجنب إلی طرفکم، لأجل أن تعرفونا إن کان أنتم علی صلی به، حیث أن الشقی المذکور أینما توجه لا یأتی بجبر، و الشقاوة له قرین، و بمنّ اللّه قاصد الشر معقور و مخذول.
*** شرحنا هذین الکتابین عن الأصل حرفیا لم نتصرف فیهما، و من شعاراتهما یتضح للقاری‌ء رأی کل منهما بالآخر. و بهذا الأثنا وصل کتاب من الشیخ قاسم بن ثانی إلی مقبل الذکیر یفیده أن الشیخ یوسف وصل قطر و أنه أنعم له بالمساعدة. فلما وصل هذان الکتابان من مبارک و من قاسم جعلهما مقبل وسیلة لمفاوضة الطرفین بالصلح، و هذا نص الکتاب الوارد من قاسم حرفیا عن الأصل.

کتاب قاسم بن ثانی بخط یده مؤرّخ 22 سفر سنة 1315 ه

قال بعد المقدمة: الشیخ یوسف وصلنا و حصل الاجتماع معه، و هنا هو سابق معترفین الرخص علی الممشا إلی الکویت بر، و جمیع العشایر و القبایل أهل البر و البحر مجیبیننا علی ذلک، و ودهم حتی و إن جونا
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 307
و عاهدونا، و إذا أراد منه و مشانا ما بیبقی أحد إلا و یمشی ممشانا، و نرجو أن اللّه ینصفنا منه و هو و اللّه فیمن أمثاله اللّه بجعل تارهم علی أیدینا، و حنا إنشاء اللّه متوکلین علی اللّه، إلا أن یقضی اللّه فیه قبل حل ممشانا.
*** کتب مقبل إلی مبارک جواب کتابه یقول: إن یوسفا توجه إلی قطر لاستنجاد الشیخ قاسم، و الذی یظهر لنا أن المذکور سیسعی من وراء ذلک إلی فتن لا یعلم أحد مصیرها، و یحصل الضرر. و المصلحة لا تعود علیکم، و نحن کثیر مکدرتنا هذه الأمور من أول و لا نود اتساعها، فإن کان یقتضی نظرکم و توافقوننا أن نراجع الشیخ قاسم لعلنا ندرک بواسطته تلاقی الأمر علی ما یوافق مصلحة الطرفین، فنرجو إشعارنا بما ترون.
و کتب إلی الشیخ قاسم جواب کتابه، یقول فیه: إن الواجب یقضی علیه إن کان یرید منفعة الشیخ یوسف و القیام بحقه و حفظ حقوق أن یقنعه بفائدة الصلح لا أن یشجعه علی خطته التی یعود ضررها علیه أکثر مما هی علی خصمه.
و کتب أیضا إلی الشیخ الجلیل عبد الرحمن الفیصل و إلی عبد العزیز الدخیل بن صالح یستعین بهما علی السعی لدی مبارک فی هذه المسألة.
و کتب إلی الشیخ یوسف بن إبراهیم أیضا یقنعه بوجوب معالجة الأمور بالمفاوضات. و أخبره: إنه ساعی فی هذا السبیل یساعده الشیخ عبد الرحمن الفیصل، و یرجوه الموافقة علی ذلک. و لم یقف مسعاه عند هذا الحد، فقد استعان أیضا بالشیخ محمد بن عبد الوهاب قاضی أمیر
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 308
دارین، فانضم إلیه فی مسعاه، و إلیک الأجوبة التی وردت إلیه من الطرفین:

الجواب الوارد من الشیخ قاسم بن ثانی مؤرّخ 29 ربیع الأول سنة 1315 ه

من طرف مادة مبارک الصباح و سعواکم بالزین فالنفس ما هی قابلته و لا مقرته بالزین بموجب فعله، و سبب ذلک أنه ساقه فعله القبیح کسف و آسف علی ما مضی، و معروف فی عیال أخوه و جماعته سبی حلالهم، و قام یعطیه شیاطین من الکبار إلی الصغار، و حن (نحن) مستعینین علیه باللّه إنشاء اللّه، و راجین من اللّه أن یصرعه ببغیه. و أما من مثل ما قال. أری الناس مذ کانوا عبید الغاشم و خصما لمغلوب و جند لغالب.
(نحن) مقامنا أوّلا للّه، ثم نبیّه یبلغ عند السلطان و غیره و لا یزیدنا إنشاء اللّه إلّا عزّا و علوّا. و مقامنا ما هو بقوة علی الدولة بل حمیة علی هالمظلمة الشنعاء الذی حدثت علی منصوبهم و السلام.

الجواب الوارد من الشیخ یوسف إبراهیم بقلم یده مؤرخ 27 ربیع الأول سنة 1315 ه

خصوصا مادة ابن صباح أخی عرفناک أننا نحن ما تعرضنا له طریق غیر أننا ضفینا هالأولاد و لفّیناهم. و هو عمل معنا خسیس جزا عملنا ضفة عیال أخوه. أخی لو تطلع علی مکاتبته و تقابلها بأفعاله و أعماله لکان تقنع، أما قوله إنه ما أبقی من الزین ما عمله فهو کاذب، خطوطه و أوراقه محفوظة عندی، یکتب لی بالخط جواب و یحط بوسطه ورقة فیها جواب.
و حالاتهم. بالشکایات من عیال أخوه علیه و هو ما یتعرض منهم یجعل
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 309
شکایاته علی. کل هذا و أنا تارکه لعلمی أنها ما بها ثمة. و لکن کله هباء.
و نحن اللّه المطلع ما لنا بمداخلتهم، و أبرک الساعات البعد عنهم، و لا نود لهم إلا الخیر. لکن بلوا أنفسهم و عمّوا و لا بیدنا علی الأمر الذی مضی شی‌ء. و الآن أنا عرفتک ما لی معه أدنا مدخل. بل هو هدم الصبیة و نهب جمیع. حتی هنا ناس مکسورین اسمهم عندنا بالدورة بعد الذی سلموا علیه، نهب منهم ألف و مایتین قران و حبسهم، و مع ذلک نحن تارکینه و لا نحب أن یقال: ثم تشبث بأمور هی من مقامه و ینسبها لنا. کذلک ما عاملناه بمقابیل، و نحن نعامله علی قدرنا و هو یعاملنا علی قدره. و هو الذی أحب قومتنا و استعنّا علیه باللّه، و لا بعد جاه منا شی‌ء یذکر، إنه یرید الزین نحن ما نصدق و لا نأمن من حیث هالرجال ما کان له کلمة، عاهده أخوه الذی بمنزلة أبوه و قتله و هو شقیقه و أخوه الصغیر، فإذا کان الأمر کذلک، أخی کیف یکون أمرک به. نحن نعرف أن مطلبه هذا حیلة منه حتی یماطل بالأمر و لا تأخذ جوابه بالقبول، أما الشیخ عبد الرحمن الفیصل و عبد العزیز الدخیل معلوم أن مطلبهم الزین، الآتی من زیادة علی الذین غفلوا عن حالة رفیقهم الذی هو مترکب علیها. فیا أخی أجزم و اللّه إننا ما نکره الزین، و أهل البلد ما نرضی علیهم بالمغشة عامة ما هو خاصة و لکن هالرجال رکبه الشیطان، و استولوا علیه الأشرار الذی حاصروه، هو و اللّه یعرفهم بالسابق و یعترض علیهم، لکن أعمی اللّه بصره و عاقبه باعتراضاته، و إلّا یاخی نعرف نحن مالنا منهم مطامع، و نشفق علی هذا البیت أزید من غیرنا، بحسب القرابة من دون ملاحظة أمور دنیا و هو أشقاه بأفعاله و تصور له أننا لنا مطالب، ما یدری ثناة أنفسنا هی تبعدنا عن المطامع. و نحن و اللّه المطلع نحب لهم الزین و هم بعیدین، فلو أنّه بأول الأمر، قال: الأمر
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 310
قضاه اللّه، و حقوقهم یأخذونها و سنّ بها علی ید أحد من جماعته أو من أهل البصرة کان ما جری من هالأمور شی‌ء، لکن الطمع الذی حدّه علی إخوانه حدّه علینا، و حصل له أعوان سوء غرّوه و أغروه و حصلوا به الفرصة و لعبوا فی عقله. الآن أخی ما دام هو ملازم المغوین، فلا یمکن أخی صلح أبدا، حتی أن یرجع و یعرف حاله، و تبین له قصده إخوانه و الراحة و إعلال (کذا) و صار ملعبه لکل عدو و مطمع لکل الهیبی، کسلیمان الطالح (الصالح) و أصحابه الذی هم علی شاکلته، و الحذر أخی من الأمر الذی فیه ظهر هالأیتام و الیوم واصل من هو مساعدهم بالحث و هو الوالد الشیخ قاسم لما جاء مبارک زاد نشاطه و قومته للّه جهاد و لا عنده صدود إلّا إن کانت الحکومة قامت فعلی کل حال بعد هذا ما له مدخل و إلّا هو واعد عربانه و تابعه جمیع من یکره الشقی، و علیه إنشاء اللّه تدور الدوائر، إلّا أن اللّه ما یرید أمره، فذلک ما أحد یعطی علیه جواب، و إنشاء اللّه یشوف عذاب الدنیا قبل الآخرة، و السلام. انتهی.
أرسل هذا الکتاب و أتبعه بکتاب آخر مؤرخ سلخ ربیع الأول، و إلیک نص الکتاب الأخیر.

الجواب الثانی من الشیخ یوسف بن إبراهیم بقلم یده مؤرخ سلخ ربیع الأولی‌

أخی تقدم لکم منا کتاب، و عرفناکم عن حالة ابن الصباح، إن أفعاله کلها موحشة، و لکن من حیث إن رأیکم اقتضی ذلک عرفناکم، و أنا مالی مقصد إلّا مصلحة العیال، إن کان هو یجی علی المطلوب فالأمر لا یکون إلّا علی ید الولد الشیخ قاسم، و من دون تداخله فی الأمر أجزم
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 311
ما یصیر شی‌ء أبدا و مع ذلک الذی یجی یکون متوطی علی جمیع الشروط و بهذه الأیام بلغنا أفعاله الردیئة الذی عملها فی حرم جراح و هذه من سوء تدبیره. فإن کان صار لرأیکم الأول محل کون علی بصیرة. بموجب الخبر الوارد بهذه الدفعة من الأستانة أن الاتهامیة التی ألقی علینا الشقی ما صار لها قبول و الوالی أکد بقوله من طرفها إننا تحققنا و لا لقینا لها صحة، و أنت لا تکون من طرفها فی فکر، و خطوطهم یقولون إن الوالی یتأمل الدراهم من کل أحد عن جواب رفقاء الشقی، أما القرار الذی صدر بموجب أمر الداخلیة أنه یجری حجز علی الأملاک، و الوالی موعد لکن ما هو خافیک کل برید، الوالی مع الشقی و رفقاءه بخلاف الأول أما أمر سوق العسکر «أی علی الکویت» قد وصل و لکن المشیر نایم علیه بموجب تعریف سلیمان الصالح للشقی و صورة الورقة، کان أرسلتها لکن ما أمکن، أیضا موجب تمرینات من بغداد یفیدون أن الأمر لا بد یقع لکن بعده من قریه ما نعلم عنه و أهل البصرة یقربون و لکن الأحوال الماضیة ما تدعینا نقبل شیئا إلّا بالعیان، موعدین بعد هذا الجواب لأن القرار یکون یقضی أمره نهار السبت و إلّا هو القاضی أمضی علیه فقط یطلع من الإدارة علی موجب قرار عام الماضی یکون الحاج محمود وکیل کما هو فی العام الماضی، و إذا حصل هذا کثیر فیه الکفایة و السلام.
شرحنا الرسائل الواردة من قاسم بن ثانی و من یوسف إبراهیم، و ها نحن نشرح الرسائل الواردة من الطرف الثانی و نبدأها بالکتاب الذی ورد من مبارک الصباح، و نتبعه بالورق الذی داخل الکتاب المذکور ثم نتبعهما الکتب الواردة من الشیخ عبد الرحمن الفیصل و عبد العزیز الدخیل.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 312

الجواب الوارد من الشیخ مبارک الصباح مؤرخ ربیع الثانی سنة 1315 ه

وردنا کتابکم الشریف المؤرخ ربیع الأول، و کذلک کتاب الأخ محمد بن عبد الوهاب أطلعنا علی مضمونهم أیضا مکتوبکم إلی عبد الرحمن الفیصل، و عرفتو عن مجیئکم لطرفنا فاللّه یحییکم إذا وصلتوا و رئیتوا الذی عندنا ظاهر و باطن إنشاء اللّه یرضیکم.

مضمون الورقة الذی ضمن هذا الکتاب‌

ذکرکم أنکم متکدرین من هذه الحرکات فلا شک أنت و غیرک لأنه جابها فسق، و أنا مانی متکدر بل إنی مستر إنشاء اللّه، لأن الإحسان قتال، هذا المغرور أول أرسلت له أعز جماعتی و مکاتیب تحت المهر، و ثم لما جاء أخوی حمود من الحج أرسلته کذلک، أرسلت إلی إخوانه الذی فی بومبی أولا یوسف بن خمیس، و بعده عبد العزیز الصمیط، أرسلته وقت غلاق البحر، مصدر من ذلک أداء واجبات الرجال لأنهم محسوبین من الجماعة و علاوة علی ذلک اللّه المطلع بحقیقة أمری و نیتی. إنی مع کل و هم غیرهم سلیم النیة، فلهذا و اللّه الحمد کل أمورهم صارت عکس علیهم من أولها إلی آخرها و زیادة علی ما أتلفوا من الفلوس مثقال خواطرهم لأنهم مشوا فی أمر ما یعنیهم و کحملها فی هذه الحرکة الذی سوّاها ضربة و أسرنی و للّه الحمد، و تذکر أن [...] إلی قطر یثیر فتن فنحن یا خی من توفیق اللّه إنشاء اللّه قطعا ما له أهمیة عندنا فی کل مکان یکون. فأما هذا المکان هو الآن فیه راعیة الشیخ عیسی عنه: إنه هالشقی جاء إلی بلدکم، فالعاقل یعتبر و یشوف الدلائل یوم أنه فی البصرة و یعطی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 313
فلوس أهلها و غیر أهلها بالبصرة و الأستانة للّه الحمد ما ثمر شی‌ء، فالآن من لطف اللّه هو صار شقی مطلوب عند الحکومة و قطر و أطراقها معلوم عند الحکومة الذی یحببها تزید شقاوته، فنحن من فضل اللّه العرب ما نیالی، و لا لأحد علینا دلیل، و الذی یجیها من عیله اللّه یکفینا إیاه و ینعثر إنشاء اللّه و أما من حرکة هالشقی الذی سواها یا خی سرّتنی و ضرّته، لأنها صقلت أهل الکویت، و تبینت عند العالم، عاد هذا شی اللّه مریده علیهم فالفلوس الذی مجتمعة السود و الاغتشاش، تروح فی مثل هذا النوع، أما ذکرکم باقی أننا تنظر و المصلحة لغیرها، باقی الدنیا لها مدبر اللّه سبحانه و تعالی و المظره و النقص علی المسبب الباقی العایل و أما أنا من الأول إلی الآخر معتدل إنشاء اللّه و لا و فی بدنی و إنی أحمد اللّه و أثنی علیه علی ذلک، و لا بد یبلغک منطوقی من الأول إلی الآخر و إنی أود الزین لکن الذی أثنی علیه له حد محدود و إلّا أنا ما شحیت لا بالاحترام و لا بالأمنیة و لا بالمال. لکن هالشقی بقی له درب ما هو قادر علیه لا الیوم و لا ما دامت الأیام و اللیالی إنشاء اللّه، لأن یا خی من تردی برداء ما نراه أبیه یأتیه زمان الموت فیه، و مع هذا و اللّه یا خی ما خلیت قصور و إنی إلی الیوم و للّه الحمد لی عفة ولی مروءة و شوفة بعیدة ما یشوفها هذا و لا هی من حاجة لهم لکن هکذا شأن الرجال و إلّا فی الحاجة للّه و السلام.

الجواب الوارد من الشییخ عبد الرحمن الفیصل مؤرخ 4 ربیع الثانی سنة 2315 ه

کتابکم وصل فی خصوص اجتهاد جنابک فی إصلاح الأحوال هذا هو الواجب علی کل من به حمیة دین و دینا، و أنتم إن شاء اللّه من أهل
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 314
ذلک و مضانة. و أما أخی ما أشرت إلیه من أموال الدولة و العربان، فلیس خافی علی جنابک الحرکات من جهة البحر، فالدولة مجبورة علی اعتراض من أجری ذلک و منعه، و إن کان من جهة البحر فلا یمکن إلّا بواسطة العشائر المنسوبة إلی متصرف الحسا و قطعا إنه لا بد یعاکس من سعی بذلک. و ابن صباح فی دبرته و لا حدث منه حتی یصیر علیه اعتراض و معلوم جنابک أن الاعتراض یصیر علی من أحدث الحرکات. و أما العربان فلا ناس من عانتهم یتصدون طمع أو شبهه. فجمیع عربان دیرة بنی خالد مالهم درب یخالف درب الشیخ مبارک.

تابع کتاب الشیخ عبد الرحمن الفیصل‌

و لا هو قصدهم طمع، و لکن المتحقق بأذهانهم أن استقامة الشیخ مبارک و عزّة عزّ لهم و حنا مطلعین علی أکثر غایاتهم و مطیر کذلک فی هذه الأیام سلطان الدویش ملفی علی الشیخ مبارک و موافقة علی جمیع ما أراد و الکویت و توابعها من العشائر ما هی خافیة علی جنابکم إنها بید الشیخ مبارک، و لا یظن جنابکم أن هنا أحدا بیخلف الشوف و یظهر عن الإرادة و کذلک یا خی کل أهل وطن ما یرضون و لا تسمح أنفسهم أن أحدا یستذلهم و هذه الأمور لا تخفی علی شریف عملکم بقی سلمک اللّه ما نری لهذه الأمور إلّا الزین و السعی فیه، و الذی غیره تراه مسدود. أما عن الشیخ مبارک فالذی یعلم منه و متحقق عندنا أن نفسه سامحة بجمیع حقوق أبناء أخیه و یقول لنا و لغیرنا و اللّه إن أبخس من حق نفسی لهم، و هو ما یکره قدومکم إلیه و الاجتماع بکم. و کتابه یصل لجنابک و به کفایة، و الذی أنا أشوف عدم الغفلة عن هذا الأمر و المبادرة فیه و أن تجعلون ذلک من
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 315
جمیل مناقبکم المحمودة، لأنه واجب علی کل مسلم الاجتهاد فی هذا الأمر نرجو أن اللّه یجعلنا مفاتیح للخیر و یحسن العاقبة للجمیع و السلام.

الجواب الوارد من عبد العزیز الدخیل بن صالح مؤرخ 4 ربیع الثانی سنة 1315 ه

کتابکم وصل الیوم، و اجتمعنا مع الشیخ عبد الرحمن الفیصل و الشیخ مبارک و أشرفنا علی خطوطکم، فقط نحن لم یحضر أحد و الشیخ من صارت هذه الحرکات و هو کلامه ما تبدل إلی الیوم و اللّه یا خی إنه مرضینا کلنا و نفسه قویة و عزیزة ما هو ضعیف نفس، و لا یتبدل عن کلام یمضی منا، و منا کثیر مرضینا کلامه و إذا جیتوا إنشاء اللّه ترضون مثلما منا راضیین و اجزموا إنشاء اللّه علی کل علم غانم یحصلونه من الشیخ مبارک.
و الحرایب تراهی ما تکلفه و لا یخسر فیها شی‌ء أنتم مطلعین سبب إنی أشوف البدو و الحضر ألسنتهم معه و منا اللّه ما مقصدنا إلّا رفیقنا «یعنی یوسف» یتکلف و السبب أنه ضارب له درب لیل ما به مسری. و لا و اللّه لی قصد إلّا أبی راحة بدنه عن الشی الذی ما به صالح للجمیع و أنت یا ولد عبد الرحمن إنشاء اللّه من مفاتیح الخیر و لا بد تشرفون علی خطوط الشیخ عبد الرحمن، و الشیخ مبارک، و أبو فیصل اللّه یسلمه إنشاء اللّه فیه البرکة و السلام.
هذی هی الأجوبة الأولیة من الطرفین، و قد استمرت هذه المراجعات إلی شهر جمادی، و لدینا کثیر من رسائلهم فی هذا الموضوع ترکنا شرحها خوفا التطویل بما لا فائدة منه، إذ أن المراجعات مع الأسف لم تتقدم، و الأجوبة کلها علی و تیرة واحدة لا یختلف معناه عنه رسائلهم
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 316
التی شرحنا، خصوصا من جانب ابن ثانی و ابن إبراهیم أما یوسف فهو لم یزل سابح فی أحلام الآمال، و لم یقطع أمله من مساعدة الدولة و ابن رشید، بالرغم أنه یعلم أن الدولة قد حذرت ابن رشید من التعرض إلی الکویت و أطرافها و یعترف بکتبه بذلک، و لکن یقول فی أحد کتبه إن الأمیر محمد بن رشید لا بد یخدر بأول البراد و إن الدولة بالغها الأمر و لا زالت تکتب له لا یکون یقرب الکویت و لکن الأمیر ما له عن الذی بخاطره و إن کان ما یرضی الدولة هذا ما یقوله یوسف و یعتقده، و علی هذا الأمل اتخذ خطة سلبیة أثناء المفاوضات أما الشیخ قاسم فهو فی حیرة من أمره و قد تجسمت أمام عینیه الصعوبات و لکن لا یسعه النکوص عن أمر قد تظاهر فیه بأکثر من الوعد و الوعید إلّا بعذر واضح یعذر فیه، فأخذ یسوف و یؤجل المسیر من وقت لآخر و هو یرجو أن یحدث من الأمور ما یجعل لنکوصه مبرر لیحفظ هیبته فی البادیة علی الأقل، فکتب إلی متصرف الأحسا یخبره بعزمه علی المسیر لغزو الکویت انتصارا لأبناء محمد الصباح کما یقول و کان المتصرف سعید باشا منحرفا عنه و ناقما علیه کما قلنا و أسباب هذا الانحراف أن یوسف ابن إبراهیم لما علم بصداقة سعید باشا لمبارک الصباح أو عز إلی عبد الرحمن بن سلامة من أهل الأحسا أن یثیر علیه القبائل و أمده بالمال فلما حبط سعیه أمره أن یستکتب مضبطة من أهل الحسا یندرون فیها بأعمال سعید باشا و سوء إدارته الذی أوجدت عدم الأمنیة بالبلاد، و لکن مبارک اقتنصها قبل أن تصل إلی المراجع العلیا و أرسلها إلی سعید باشا، فاکتسب بذلک عطف سعید باشا، و شکره علی عمله لما وصله الکتاب فاستمر أن الحرکة هی ضد مبارکا کتب إلی ولایة البصرة، یخبرها بما عزم علیه ابن ثانی من إثارة الفتن و تحریک القبائل
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 317
علی الکویت اضطرت الحکومة أن ترسل السید رجب النقیب و معه محمد علی مدیر أوقاف السنیة فی مرکب زحاف، فوصلوا قاسما باسم الدولة، و أن الحکومة إذا لم یقلع عن عزمه تعتبر عمله خروجا منه عن الطاعة، فکان لهذا الإنذار و لعل هذا ما کان یتمناه فقد أخلد فی الباطن و علم یوسف أنه حبط مسعاه من هذه الناحیة، و لکنهما أخذا من ناحیة المفاوضات لعلهما یدرکان شی‌ء مما فاتهما، فلانت عریکتهما و أجابا بقبول المفاوضات فی کتبهما بعد ما أبدیا من التعنت الشی الکثیر و لما رأی مقبل و ابن عبد الوهاب قبولهما رأیا أن یتوجها إلی مقرهما لمفاوضتهما فسار و جرت المذاکرة بین الجمیع و لم نقف علی ما دار بینهم، فرجعا إلی البحرین و توجها إلی الکویت، و نزلا بضیافة الشیخ مبارک و کان الوفد أطلع مبارک علی سفر السید رجب باشا و مهمته إزاء قاسم بن ثانی و منعه فاطمأن، و الظاهر أنه قد تغیر فکره نحو هذه، و لکن لم یبد منه شی‌ء، فأخذ مقبل و ابن عبد الوهاب یتراجعان فی الأمور تمهیدا لمفاتحة مبارک بهذه المسئلة و بینما هم فی ذلک إذ أرسل إلیهما عبد الرحمن الفیصل، فلما حضروا قال مبارک لعبد الرحمن: إن قدوم الجماعة إلینا کله برکة، نبشرکم أن محمدا بن رشید قد مات، و هذا الرسول الذی قدم إلینا بهذا الخبر، و هکذا خدم الحظ مبارکا مرة أخری، و لما خرجوا قال عبد الرحمن الفیصل لجماعة إن وجه القضیة سیتغیر، فکان الأمر کما قال، لأنه أخذ بعد ذلک ینحی باللائمة علی یوسف، و یصفه بالمتطفل و قال إن هذا المغرور یظن أنه سیملی علینا إرادته و یرغمنی علی قبولها، و لو لا حرکات هذا السفیه الذی أخذتها بالعیال أکثر مما لفتتهم فلمت الأمور بأول سنة علی أسهل الأمور. علم الوفد أنه لم یبقی فائدة من
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 318
بقائهما، فرجعا دون نتیجة، و أبلغا بفشل مسعاهما بسبب وفاة الأمیر، فرکنا إلی السکون و سافر یوسف من قطر إلی الهند و سنلتقی به فی المیدان بعد بضع شهور.

ترجمة حیاة الأمیر محمد العبد اللّه الرشید

تولی الإمارة فی حایل و انفرد بها بعد أن ثار علی بندر ابن أخیه و قتله، و ألحق به أخوته سنة 1288 ه، کما قدمنا، و لم یزل أمره یعلو حتی استولی علی نجد بأسرها بعد وقعة الملیدا بینه و بین أهل القصیم، و وقعة حریملا بینه و بین عبد الرحمن الفیصل وصفی له الحکم حق توفی فی الثالث من شهر رجب من هذه السنة، و کان مرضه بذات الجنب، و کان واسطة عقد آل الرشید، و کان بعید النظر شدید الرمی حکیما حلیما عادلا، مبرزا فی سیاسة محمود السیرة، شدید الوطأة علی البادیة، عطوفا علی رعایاه من الحضر، محافظا علی حقوقهم عفیفا عن أموال رعیته، و کانت حکومته حکومة بدویة لا تحتاج إلی شی‌ء کثیر من المال، لهذا لم یفتح عینه لشی‌ء من الضرائب و المکوس و لا غیرها، فکانت مواردة مقتصرة علی زکواة الثمار و سوام الإبل و الغنم، و ما عدا ذلک فکل حر فی تصرفات التجارة تأتی القوافل من الکویت، و العراق و الشام، و الحجاز مثقلة فی الأموال، لا یسئل صاحبها من أین أتی بها و لا یعترض من آمر و لا مأمور، فلهذا کنت تجد فی نجد من بضائع الهند و أوروبا ما لا تجده فی الشام و الحجاز، و تجد فیها من بضائع الشام و مصر و الحجاز ما لا تجده فی العراق و الکویت، و کانت نجد تصدر أکثر مما تستهلک و اتّسع نطاق التجارة، و تأسست الروابط التجاربة بین أهل نجد و الأقطار المجاورة،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 319
و علی الأخص بینهم و بین أهل سوریة، و بینهم و بین أهل الکویت بصورة قویة جدّا لم یسبق لها مثیل فی تاریخ نجد، فتوفر لأهل نجد أسباب الرزق و توسعوا فی أمورهم، و کانت حاصلات نجد متوفرة جدّا لتتابع الحقیقة و هذه السنوات السبع، و صارت نجد تصدر من محصولاتها الشی‌ء الکثیر فکانت زراعة البلاد تکفی حاجات أهله من الحاضرة البادیة و لا یحتاجون إلی استیراد شی‌ء من الخارج إلّا الیسیر جدّا. و کان یصدر من السمن إلی سوریة و الحجاز و الکویت و البحرین ما یکفی لسد حاجتهم، و من أهم ما یصدر إلی سوریا الإبل، و الغنم فقد قدر ما یصدر من الإبل عشرین ألف متوسط قیمة ما یباع فیه الرأس الواحد عشر لیرات عثمانیة، فیکون مصلحة نجد نحو مائتی ألف لیرة عثمانیة، ما یصدر من الغنم، و السمن، و الصوف و غیره إلی الأقطار المجاورة الأخری. و بالإجمال فإن محمد بن رشید أفضل ما کان الرشید، أما سیاسته تجاه الحضر فیغلب علیها المرونة، و له طریقة طبیعیة تشبه سیاسة الأول استولی علی الکثیر من نجد بهذه الطریقة فإذا أراد جهة من الجهات أی البلدان و أراد الاستیلاء علیها أوجد الخلاف الزیقین حتی یبلغ قصده و أما سیاسته البادیة فالغالب علیها الشدة، لأنه یعلم طبیعة، یراول من أسس روابطه مع حکومة الترک، فاتصل بالسلطان عبد الحمید المشهور و تقرب من رضا السلطان، و کان یرسل فی کل سنة عددا کبیرا من الخیل للجیاد فحظی عند السلطان حظوة لم یبلغها أحد من أمراء العرب عندا تامّا فانتفع خلفه بهذه الخطوة و استغلها فی حربه مع ابن سعود، حیث أمدته بالجنود و العتاد، شمر و نجدا عدد من سیاح الإفرنج مثل البارون نوله، و بلونت، و هوبر، و أوتنغ و غیرهم.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 320

الساقط من الحوادث‌

1202 ه: ... من عنیزة.
1202 ه: الرشید مع حجیلات و قتله الدجان الرشید.
1203 ه: سطوة حجیلات و سعود فی عنیزة.
1276 ه: قتل آل أبو علیان و أسباب إمارة مهنا.
1324 ه: شیلة صالح الحسن لمهنا من بریدة و أسبابها.
***
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 321

سوابق‌

خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 323
بسم اللّه الرّحمن الرّحیم
و به نستعین و هو رب العرش العظیم
و فی سنة 1059 ه: توفی الشیخ الإمام العالم، محمد بن أحمد بن إسماعیل فی بلد أشیقر، و هو من البکر من سبیع رحمه اللّه تعالی، أخذ الفقه عن عدة مشائخ، من أجلهم الشیخ أحمد بن محمد بن مشرّف، العالم المعروف فی أشیقر. و أخذ عنه جماعة منهم أحمد بن محمد القصیّر، و الشیخ أحمد بن محمد بن بسّام، و الشیخ عبد اللّه بن محمد بن ذهلان و غیرهم.
و فی سنة 1097 ه: ظهر الشریف أحمد بن زید بن محسن إلی نجد، و نزل بلد عنیزة العقیلیّة المحلّة المعروفة بعنیزة، و فعل بأهلها من القبح و الفساد ما لا یفعله غیره.
و فی سنة 1110 ه: سطر آل بو غنام و البکر علی فوزان بن حمیدان بن حسن، الملقّب ابن معمر، من الفضل الجرّاح أهل عنیزة من سبیع، سطو علیه فی الملیحة و استنقذوا منه منزلتهم
و فی سنة 1115 ه: قتل الأمیر فوزان بن حمیدان بن حسن، الملقّب
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 324
ابن معمّر، من الفضل الجرّاح من سبیع، و استولوا الجناح علی عنیزة کلّها. و آل جناح من الجبور من بنی خالد.
و فی سنة 1116 ه: فی 11 ذی القعدة غرقة عنیزة، و تسی غرقة السلیمی- و هو رجل أعمی غرق فی بیته. و فی هذه السنة هدم قصر عنیزة، هدموه الجناح أهل بلد الجناح من بنی خالد.
و فی سنة 1143 ه: هدمت الجادة المحلّة المعروفة فی عنیزة.
و فی سنة 1153 ه: قتل حمود الدریبی رفاقه آل بو علیّان فی مسجد بریدة، قتل منهم ثمانیة رجال. و فی السنة التی بعدها قتل حمود الدریبی المذکور و آل أبو علیان من العناقرة من بنی سعد بن زید مناة ابن تمیم.
و فی سنة 1155 ه: قتل حسن بن مشعاب أمیر بلد عنیزة، و جلوا الجرّاح، و استولوا آل جناح من بنی خالد هم و الشختة المعروفون من المشاعیب من آل جراح من سبیع علی عنیزة کلها، و الشختة منزلتهم الجادة المعروفة فی عنیزة. و فی هذه السنة غرس نخل الجادة فی عنیزة.
و فی سنة 1156 ه: سطا رشید بن محمد بن حسن فی الملیحة و ملکها.
و فی سنة 1160 ه: رکدة عنیزة و غرس فیها أملاک الخننة و أملاک آل زامل و آل أبا الخیل، و الطعیمی فی المسهریة، و الهیفاء، و ذلک فی مدة عشر سنین، و فی هذه السنة توفی الشیخ عبد اللّه بن أحمد بن عضیب الناصری التمیمی، و دفن فی مقبرة الضبط فی عنیزة، رحمه اللّه تعالی، و مات بعده تلمیذه الشیخ علی بن زامل بشهرین رحمه اللّه تعالی.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 325
و فی سنة 1174 ه: قتل رشید بن محمد بن حسن رئیس بلد عنیزة من المشاعیب من آل جراح من سبیع، هو و فراج رئیس الجناح من بنی خالد، و رشید هذا هو ابن عم فوزان بن حمیدان بن حسن، المقتول سنة 1115 ه، کما تقدم، قتلوهما عیال الأعرج من آل أبو غنام هم و آل زامل، قتلوهما فی مجلس عنیزة، و سبب ذلک أن أهل عنیزة و آل جناح کانت بینهم حروب و فتن کثیرة یطول ذکرها، فلما استولی رشید المذکور علی عنیزة و تولّی فراج علی الجناح اتفقوا، رشید و رؤساء بلده، و فراج، و رؤساء بلده، و اصطلحوا علی وضع الحرب بینهم، و أقاموا علی ذلک نحو ثلاثین سنة، حتی امتدّ أهل عنیزة و أهل الجناح فی الفلاحة و غرسوا نخلا کثیرا، و کثرت أموالهم ثم إن الشیطان و أعوانه حرّشوا علی أهل عنیزة و أهل الجناح، فاتفق رجال من عشیرة رشید و رجال من عشیرة فراج علی قتلهما فقتلوهما، فثارت الفتن بین الفریقین بعد ذلک.
و فی سنة 1192 ه: فی 22 ذی القعدة جاء عنیزة سیل عظیم، أغرق البلد و محی بعض منزلتها، فخرج أهل عنیزة و ابتنوا بیوت الشعر و سکنوها حتی عمروا منازلهم.
و فی سنة 1195 ه: سطوا آل بو غنام و آل جناح فی العقیلیة المعروفة فی عنیزة، و استولوا علیها.
و فی سنة 1201 ه: هدم الجناح المعروف فی عنیزة، هدمه عبد اللّه بن رشید بن محمد بن حسن أمراء عنیزة.
و فی سنة 1225 ه: فی ذی الحجة توفّی الشیخ العالم العلامة
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 326
حمد بن ناصر بن عثمان بن معمّر، و کانت وفاته فی مکة المشرّفة رحمه اللّه تعالی، و العامرة من العناقر من بنی سعد بن زید مناة بن تمیم.
و فی سنة 1237 ه: بنی مسجد الجوز فی عنیزة و محلته.
و فی سنة 1257 ه: الوقعة المشهورة بین أهل القصیم و من معهم من عنزة، و بین عبد اللّه بن علی بن رشید فی بقعاء، صارت الهزیمة علی أهل القصیم و قتل فی هذه الوقعة یحیی بن سلیمان بن زامل أمیر بلد عنیزة و أخوه محمد.
و فی سنة 1258 ه: قتل محمد العلی بن عرفج قتله صالح المرشد من بنی عمه فی دم بینهم.
و فی سنة 1261 ه: أغار عبید بن رشید علی غنم أهل عنیزة ففزعوا علیه فجعل بینه و بینهم قتال، قتل فیه الأمیر عبد اللّه بن سلیمان بن زامل و أخوه عبد الرحمن و محمد الشعیبی، و مجور الخنینی، و صار بعد الأمیر عبد اللّه المذکور فی عنیزة أخاه إبراهیم بن سلیمان. و فیها فی ذی الحجة توفی الشیخ عبد الرحمن المحمد قاضی فی عنیزة رحمه اللّه تعالی.
و فی سنة 1262 ه: توفی الشیخ قرناس فی بلد الرمّة، رحمه اللّه تعالی، وفاته فی رجب من السنة المذکورة.
و فی سنة 1263 ه: عمرت بلد الفیضة من بلدان السر، بناها فاهد بن نوفل، و بطی الصانع، و إبراهیم بن عبید. ثم انتقل النوافلة إلیها من الریشیّة القریة المعروفة من قری السر و سکنوها، و هم رؤسائها الیوم، و هم من بنی حسین، و فی هذه السنة توخ آل عبیدی ابن فیصل ابن و طبان الدویش حاج القصیم علی الدّاث و أخذ منهم أموالا کثیرة.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 327
و فی سنة 1270 ه: قام أهل عنیزة علی جلوی بن ترکی، و کان قد جعله أخوه الإمام فیصل بن ترکی أمیرا فی عنیزة، فأخرجوه من القصر فخرج إلی بریدة، و ذلک فی شعبان من السنة المذکورة، فلما کان فی ذی الحجة منها تجهر عبد اللّه بن فیصل یغزو الریاض، و الخرج، و الجنوب، و المحمل، فلما کان منتصف ذی الحجة أغار علی الوادی، فخرج أهل عنیزة لقتاله، فحصل بینهم قتال شدید، فقتل سعد بن محمد بن سویلم أمیر ثادق، فرحل عبد اللّه و نزل العوشریة، ثم رحل منها و نزل روضة الربیعی. ثم إن عبد اللّه آل یحیی رکب إلی الإمام فیصل فی الریاض، فوقع الصلح بینهم، فکتب الإمام فیصل إلی ابنه عبد اللّه فأمره أن یرجع إلی الریاض، و کان إذ ذلک فی بریدة، فقفل راجعا إلی الریاض و معه عمه جلوی، و أذن لأهل النواحی بالرجوع إلی أوطانهم.
و فی سنة 1273 ه: نوّخ ابن مهیلب رئیس الوساما من مطیر حاجّ أهل عنیزة و من معهم من أهل القصیم علی الدّاث، و طلب أشیاء منهم یدعی أن له علیهم حقّا فامتنعوا من إعطائه، فأخذهم و لم یحجّ منهم أحد تلک السنة.
و فی سنة 1275 ه: قتل ناصر بن عبد الرحمن السحیمی فی الهلالیة، قتله عبد اللّه الیحیی السلیم و زامل العبد اللّه السلیم. و سبب ذلک أن ناصر بن عبد الرحمن المذکور فی إمارته فی عنیزة قام هو و أخوه مطلق الضریر علی إبراهیم السلیم فقتلوه ذلک سنة 1265 ه.
و فی سنة 1275 ه: أصر الإمام فیصل بن ترکی علی عبد العزیز المحمد أمیر بلد بریدة أن تقدم علیه فی الریاض، فقدم علیه و معه ابناه
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 328
علی و عبد اللّه، فأمرهم بالمقام عنده. و جعل فی بریدة عبد اللّه بن عبد العزیز بن عدوان أمیرا، و هو من آل أبو علیّان.
و فی سنة 1276 ه: فی صفر قتل عبد اللّه بن عدوان أمیر بریدة، قتله جماعة من بنی عمه آل أبو علیان و هم: عبد اللّه الغانم، و أخوه محمد، و حسن العبد المحسن المحمد، و أخوه عبد اللّه. فلما بلغ الإمام فیصل بن ترکی الخبر جعل فی بریدة محمد الغانم أمیرا، فلما کان فی جمادی الأول من السنة المذکورة أطلق الإمام فیصل عبد العزیز المحمد من الحبس و استعمله أمیرا فی بریدة و عزل محمد الغانم عن إمارة بریدة، و أمر الإمام فیصل علی عبد اللّه بن عبد العزیز المحمد أن یقیم عنده فی الریاض، و فی رمضان من هذه السنة أخذ عبد اللّه الفیصل العجمان علی الصبحیة، و قتل منهم نحو سبعمائة رجلا، و أخذ منهم من الأموال ما لا یحصی.
و فی سنة 1277 ه: أخذ عبد اللّه بن فیصل العجمان قریبا من الجهراء، و قتل منهم خلقا کثیرا فی البحر خلائق کثیرة، و هذه الوقعة یسمونها أهل نجد الطبعة، لأن العجمان انهزموا إلی البحر جازر فمد علیهم فهلک منهم خلق کثیر و ذلک فی 15 من رمضان من السنة المذکورة، ثم قفل عبد اللّه بن فیصل، لما وصل إلی الدهناء بلغه، أن ابن سقیان و من معه من بوادی ابن عبد اللّه علی المنسف، فأغار علیهم و أخذهم و قتل حمدی بن سقیان، ثم قصد بریدة و کان أمیرها عبد العزیز المحمد قد نقض العهد، فلما بلغه الخبر خرج من بریدة منهزما هو و أولاده حجیلان، و ترکی، و علی، و أناس من خدامه، فأرسل عبد اللّه بن فیصل خلفهم سریة مع أخیه محمد بن فیصل، فلحقوهم بالشقیقة
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 329
و قتلوهم، و ذلک فی شوال من السنة المذکورة، و أقام عبد اللّه بن فیصل فی بریدة، و کتب إلی أبیه الإمام فیصل یخبره بمقتل عبد العزیز الحمد و أولاده، و یطلبه أن یجعل فی بریدة، أمیر علی نظره فأرسل الإمام فیصل عبد الرحمن بن إبراهیم، و جعله أمیرا فی بریدة، و هدم عبد اللّه الفیصل بیوت عبد العزیز المحمد و أولادهم و أعوانهم.
ثم ارتحل عبد اللّه من بریدة و أخذ الرّوسان من عتیبة علی الدوادمی، ثم قفل إلی الریاض و أذن لأهل النواحی أن یرجعوا لأوطانهم. و کان عبد اللّه العبد العزیز المحمد قد أمر علیه الإمام فیصل بالمقام عنده فی الریاض لکن أذن لأبیه عبد العزیز المحمد بالمسیر إلی بریدة و یکون فیها أمیرا کما تقدم. فخرج مع عبد اللّه الفیصل فی هذه الفترة و علیه عیون مخافة أن یهرب. فلما کانوا بالقرب من الریاض هرب و اختفی فی غار هناک، فوجدوه فقبضوا علیه و أرسلوه إلی القطیف، فمات هناک.
و فی سنة 1278 ه: وقع الحرب بین الإمام فیصل و بین أهل عنیزة، و أرسل سریة مع صالح بن شلهوب و أمره بالقدوم علی عبد الرحمن البراهیم فی بریدة، فقدم علیه، ثم أمر علی غزو الوشم و سدیر أن یسیروا إلی بریدة و استعمل علیهم أمیرا عبد اللّه بن دغیثر، فساروا إلی بریدة، و اجتمع عند عبد الرحمن البراهیم خلائق کثیرة، و کثرت الغارات علی أهل عنیزة، ثم أنه حصل وقعة بین ابن إبراهیم و بین أهل عنیزة فی رواق، و صارت الهزیمة علی ابن إبراهیم و من معه، و قتل منهم نحو عشرین رجلا، منهم: عبد اللّه بن دغیثر.
و فی سنة 1279 ه: أمر الإمام فیصل علی ابنه محمد أن یسیر بغزو
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 330
أهل الریاض و الجنوب إلی بریدة، و یسیر بمن فی بریدة من غزو أهل الوشم و سدیر لقتال أهل عنیزة. فلما وصل إلی بریدة أمر علی من فیها من أهل الوشم و سدیر أن یسیروا معه إلی عنیزة، فساروا، فلما وصل الوادی خرج علیه أهل عنیزة و حصل بینهم قتال، فرجع أهل عنیزة إلی البلد.
ثم نزل محمد الفیصل بقطاع الوادی من الشمال فلما کان فی 15 جمادی آخر من السنة المذکورة خرج إلیه أهل عنیزة فحصل بینهم وقعة شدیدة، فانهزم أصحاب محمد بن فیصل، و وصل أهل عنیزة إلی خیام محمد، فأمر اللّه تعالی السماء بالمطر، و کان غالب سلاحهم الفتیل فبطل عمل البندق من المطر، فکرّ علیهم محمد و أصحابه فانهزم أهل عنیزة و قتل منهم قتلا کثیرا، و یسمونها وقعة المطر و فی شعبان من هذه السنة أمر الإمام فیصل علی ابنه عبد اللّه أن یسیر بنفسه عزما من الریاض و الجنوب إلی قتال أهل عنیزة، فسار بهم عبد اللّه و اجتمع بأخیه محمد بن فیصل و من معه، و حاصروا عنیزة، ثم أنه وقع الصلح بین أهل عنیزة و بین الإمام فیصل، و قفل عبد اللّه بن فیصل هو و أخوه محمد إلی الریاض، و رجع أهل النواحی إلی أوطانهم.
و فی سنة 1281 ه: فی آخر لیلة تسع الحجة توفی الشیخ إبراهیم بن حمد بن محمد بن عیسی، قاضی بلدان الوشم توفی فی بلدة شقراء رحمه اللّه، کان له معرفة فی الفقه، أخذ العلم عن الشیخ العالم عبد الرحمن بن حسن و العالم عبد اللّه بن عبد الرحمن أبا بطین.
و فی سنة 1282 ه: فی 21 رجب توفی الإمام فیصل بن ترکی بن عبد اللّه بن محمد بن سعود بن محمد بن مقرن بن مرخان بن إبراهیم بن
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 331
موسی بن ربیعة بن مانع الریدی رحمه اللّه تعالی فی بلد الریاض، و المردة من بنی حنبقة.
و فی سنة 1285 ه: فی ربیع أول توفی الشیخ عبد الرحمن بن محمد بن مانع بالأحساء رحمه اللّه. و فی رمضان من هذه السنة الوقعة المعروفة بین سعود بن فیصل و بین أخیه محمد بن فیصل فی حوادث صارت الهزیمة علی محمد و من معه، و قتل منهم عدد کثیر، و استولی سعود بن فیصل علی الأحساء و القطیف و قبض سعود علی أخیه محمد و حبسه بالقطیف.
و فی سنة 1288 ه: الوقعة المعروفة فی البر بین الإمام عبد اللّه و ابن فیصل و بین أخیه سعود بن فیصل، صار الهزیمة علی عبد اللّه، و قتل من الفریقین قتلی کثیرة.
و فی سنة 1289 ه: حصل بین أهل شقراء و بین أهل أثیفیة، قتال فی وسط بلد أثیفیة، قتل فیها من أهل أثیفیة عبد اللّه ابن الأمیر سعد بن عبد الکریم بن زامل، و عبد اللّه بن عبد العزیز العبد اللّه بن زامل، و آل زامل أهل أثیفیة المذکورین من عائد.
و فی سنة 1290 ه: فی ربیع آخر، سار سعود بن فیصل من بلد الریاض و معه غزو أهل نجد، و معه العجمان و الدوشان مطیر، و بریة، و معه الدواسر و سبیع، و السهول، فأغار علی الروقة من عتیبة، علی طلال، و رئیسهم إذ ذاک مسلطا و فی ربیع آخر من هذه السنة توفی الشیخ عثمان بن عبد اللّه بن بشر فی جلاجل، و هو صاحب عنوان المجد فی تاریخ نجد و هو من بنی زید.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 332
و فی سنة 1291 ه: توفی الشیخ محمد بن عبد اللّه بن محمد بن إبراهیم بن مانع بن إبراهیم بن محمد بن مانع بن شبرمة الوهیبی التمیمی، کانت وفاته فی بلد عنیزة رحمه اللّه و فی 18 من ذی الحجة توفی سعود بن فیصل فی بلد الریاض.
و فی سنة 1292 ه: قتل مهنا الصالح فی بریدة قتل و هو خارج لصلاة الجمعة، قتلوه آل أبو علیان رؤساء بلد بریدة فی الماضی، و هم من بنی سعد بن زید مناة تمیم، و أما آل أبا الخیل فهم من عنزة اجتمع لقتله أحد عشر رجلا و قصدوا قصر مهنّا المعروف فتحصنوا فقام علیهم آل أبا الخیل و أهل بریدة و حاصروهم فی القصر، فحصل بینهم رمی بالبنادق، فأخذ علی لمحمد الصالح أبا الخیل حزمة حطب و قصد بها باب القصر و أخذ معه نارا یرید أن یحرق باب القصر فضربوه برصاصة فوقع میتا، ثم ضربوا حسن العودة آل أبا الخیل برصاصة فوقع میتا ثم إن أبا الخیل و أهل بریدة حفروا حفرا تحت المقصورة الذی فیها آل بو علیان؟؟؟ المذکورین، فوطنوا؟؟؟ فیه بارودا و أغلقوا فیه النار فثار البارود، فسقطت المقصورة بمن فیها فمات بعضهم تحت الهدم و بعضهم أمسکوه فقتلوه.
و لم یسلم منهم إلّا إبراهیم بن غام، و زید الحائک، و تولّی إمارة بریدة حسن المهنّا الصالح.
و فی سنة 1295 ه: أخذوا أهل عنیزة آل عاصم من قحطان و قتلوا رئیسهم حزام بن حشر.
و فی سنة 1300 ه: شرعوا فی حفر قلبان البدائع التابعة إلی عنیزة
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 333
و حفر فی ذلک الموضع القلیب المسماة العمیریة.
و فی سنة 1301 ه: الوقعة المعروفة بین محمد بن رشید و بین الإمام عبد اللّه الفیصل فی أم العصافیر، و صارت الهزیمة علی عبد اللّه الفیصل فی هذه الوقعة، و قتل فی هذه الوقعة قتلا کثیرة منهم: عبد العزیز بن الشیخ عبد اللّه أبا بطین و عقاب بن حمید من عتیبة.
و فی سنة 1303 ه: توفی الشیخ علی بن محمد قاضی بلد عنیزة رحمه اللّه تعالی فی 5 رمضان.
و فی سنة 1305 ه: قتلوا عیال سعود بن فیصل و هم: محمد بن عبد اللّه و سعد قتلهم سالم بن علی السبهان، و کان عبد العزیز بن سعود قد رکب قبل ذلک لابن رشید فی الجبل فلما بلغ ابن رشید قتل عیال سعود حبس عبد العزیز عنده فی الریاض.
و فی سنة 1307 ه: توفی فیصل فی الریاض.
و فی سنة 1308 ه: فی 13 جمادی الأول وقعة الملیدا بین ابن رشید و أهل القصیم کانت الهزیمة علی أهل القصیم، و قتل منهم قتلا کثیرة، منهم: زامل العبد اللّه السلیم أمیر عنیزة، و ابنه علی، و استولی علیها و ربط حسن المهنا و أرسله إلی حائل فحبس هناک إلی أن مات.
و فی سنة 1311 ه: توفی الإمام محمد بن فیصل فی الریاض.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 334
و فی سنة 1310 ه: توفی عبد العزیز الزامل السلیم فی مکة رحمه اللّه تعالی.
و فی سنة 1313 ه: قتل محمد صباح و أخوه جراح، قتلهما أخوهما مبارک بن صباح، و استقل بولایة الکویت.
و فی سنة 1315 ه: توفی محمد بن رشید فی حائل، توفی فی 3 رجب و استولی الإمارة بعده ابن أخیه عبد العزیز بن متعب بن رشید فی حائل، و فی آخر رمضان سار الإمام عبد العزیز بن عبد الرحمن الفیصل من الزرنوقة ماء من میاه الأحسا و توجه إلی الریاض وسطا علی عجلان بن محمد نائب ابن رشید و من معه فی قصر الریاض، و قتل عجلان المذکور، و قتل معه اثنا عشر من أصحابه، و أخرج الباقین و توجهوا إلی حائل، و ذلک صبیحة الأربعاء رابع شوال، و استولی عبد العزیز بن سعود علی الریاض.
و فی سنة 1320 ه: فی ذی القعدة قام أهل شقراء علی عبد اللّه الصویغ و من معه من خدام ابن رشید و أخرجوهم من البلد، فتوجهوا إلی المجمعة. فلما علم بذلک مشاری بن عبد العزیز العنقری أمیر ثرمداء أرسل خلفهم من ردّهم و أمرهم بالقدوم علیه فی ثرمداء فرجعوا إلی ثرمداء، و کان ذلک سببا لهلاکهم و هلاک أهل شقراء طلبوا من الإمام سریة تکون عندهم فأرسل إلیهم مساعد بن عبد المحسن، و منه عدة رجال موطأة من بعض أهلها فقتلوا الصویغ و أصحابه، و هم ثلاث عشر رجلا و قبضوا علی مشاری العنقری فحبسوه هناک إلی أن مات فی حبسه ذلک و أقام ابن سویلم و من معه فی شقراء.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 335
و فی سنة 1321 ه: [...] خرج ابن رشید لمحاربة أهل شقراء، فنزل علی قصور شقراء المعروفة و ذلک فی یوم الصغر أقام هناک ثلاث أیام لم یدرک منهم شیئا، فقفل راجعا إلی بریدة. و فی هذه السنة قدم علی الإمام عبد العزیز بن عبد الرحمن من سدیر آل سلیم و آل بالخیل و من معهم من أهل القصیم من الکویت، فسار الإمام من سدیر إلی الزلفی سریة مع عثمان المحمد إلی الزلفی فدخلوه، و قتل الأمیر محمد بن راشد السلمان، و استولوا علی [...] من السنة المذکورة و لما علم بذلک أهل عنیزة طلبوا سریة من ابن رشید تکون عندهم، فأرسل إلیهم فهید السبهان سبعون رجلا و کان ابن رشید إذ ذاک فی بریدة. ثم کتب أهل عنیزة إلی الإمام و إلی السلیم أن لا تقدموا علینا و إلّا فنحن مستعدّون لحربکم. فلمّا وصلت خطوطهم إلی الإمام و إلی السلیم ارتحل الإمام من الزلفی و ذلک فی السنة المذکورة، و أمر من معه من أهل عنیزة و أهل بریدة أن یقیموا فی شقراء، و توجه إلی الریاض ابن رشید من بریدة، و توجه إلی بوادر علی حسین بن جراد، و معه نحو مائتین رجلا أن حرب فی أرض القصیم و أبو علی ماجد بن حمود العبید بن رشید و معه رجلا أن [...] ثم وجه من جراب إلی السماوة، و أخذ یکاتب الدولة و یطلب منهم النصرة فأعطوه سنة 2700 ه و اجتمع معه خلائق کثیرة من بادیة شمر و غیرهم، و أخذ یجهّز المسیر بتلک الجنود إلی نجد، و کان علیه بوادی حرب و بنی عبد اللّه، فتوجه بهم إلی السر و کان الإمام عبد العزیز قد بلغه ذلک خرج و استجرد عتیبة و أهل القصیم الذی فی شقراء، و خرج معه عدة رجال من أهل شقراء، و توجه إلی السر فلما نزل ابن جراد فیضة السر صبّحه الإمام بتلک الجنود فقتله و أکثر من معه، و لم یسلم منهم إلّا القلیل، و احتوی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 336
الإمام عن جراد و أخذ ما معه من الرکاب و الأمتعة و السلاح و الفرس، ذلک فی 28 القعدة من السنة المذکورة، ثم قفل الإمام إلی الریاض و أمر علی أهل القصیم أن یقیموا فی شقراء، و کان إذ ذاک ماجد: أن حمود علی البر یرید أن یلحق ابن جراد، فلمّا بلغه مقتل ابن جراد ارتحل من البربک و نزل الملقاء النخل المعروف خارج عنیزة و صارت الرسل تتردد بینه و بین ابن رشید، و هو إذ ذاک فینفة أرض السماوة یستحثه و یقول أدرک بلدان القصیم قبل أن تؤخذ من بین أیدینا.
و فی سنة 1322 ه: فی 5 محرم لیلة الأربعاء وصل الإمام عبد العزیز بن عبد الرحمن الفیصل، و معه أهل القصیم، و خلائق کثیرة من البادیة و الحاضرة إلی عنیزة و نوّخوا فی الجهمیة، و کان الخبر قد جاء أهل عنیزة بأنّ الإمام قد توجه إلیهم بمن معه من الجنود فارتحل ماجد بن حمود العبید و من معه من الملقاء و نزل باب السافیه، و خرج أهل عنیزة بسلاحهم خارج البلد فدخل السلیم و من معهم من أصحابهم البلد بمواطات من بعض أهلها، و قتلوا عدّة رجال منهم فهد السبهان و استولوا علی البلد، و أغار الإمام بخیله علی ماجد بن حمود و من معه، فانهزم ماجد و قتل من أصحابه عدة رجال منهم أخوه عبید بن حمود، و تولی إمارة عنیزة عبد العزیز بن عبد اللّه السلیم.
و لما کان بعد الوقعة بیومین ذهب آل أبا الخیل و أتباعهم إلی بریدة فدخلوها، و تولّی إمارة بریدة صالح الحسن بن مهناء أبا الخیل، فتحصن عبد الرحمن بن ضبعان و من معه من أهل الجبل فی القصر و امتنعوا فتوجه الإمام و من معه من الجنود من عنیزة إلی بریدة، و حاصروهم و استمر الحصار إلی سلخ ربیع الأول من السنة المذکورة ثم إنهم طلبوا الصلح
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 337
و الأمان فأعطاهم الإمام الأمان، فخرجوا و توجهوا إلی الجبل، و اتفق خروجهم فی الیوم الذی وصل فیه ابن رشید و من معه من العساکر و الربان إلی قصیباء فقدم علیه ابن ضبعان و من معه فی قصیباء، ثم ارتحل ابن رشید من قصیباء و نزل الشبحیّات فلما بلغ الإمام ذلک ارتحل من بریدة و نزل البکیریة، فحصل بینهم وقعة شدیدة و قتل من الفریقین خلق کثیر فصارت الهزیمة علی ابن رشید و علی الإمام و وصل الإمام إلی المذنب فبلغه هزیمة ابن رشید، و استلحقوه أهل عنیزة، فرجع من المذنب إلی عنیزة و أما ابن رشید فأتاه الخبر بهزیمة ابن سعود فرجع إلی البکیریة.
و کانت هذه الوقعة بعد الظهر من یوم الخمیس فی 29 ربیع آخر من السنة المذکورة، و قتل فی هذه الوقعة ماجد بن حمود العبید، و رمضان باشا. و من العساکر نحو خمسمائة رجل. ثم إن الإمام خرج من عنیزة و معه أهل القصیم البادیة و الحاضرة، و توجه إلی البکیریة، و کان ابن رشید إذ ذاک محاصرا بلد الخبراء، فلما نزل الإمام البکیریّة بمن معه و نزل الرّبن، فلما کان فی یوم 8 رجب من السنة المذکورة حصل بینهم وقعة شدیدة، و صارت الهزیمة علی ابن رشید و أتباعه، و غنم منهم الإمام أموالا کثیرة، ثم إن الإمام رجع إلی الریاض و أذن لأهل القصیم بالرجوع إلی بلدانهم.
و فی سنة 1324 ه: فی 17 صفر الوقعة المشهورة بین الإمام عبد العزیز الفیصل و بین عبد العزیز بن متعب بن رشید فی روضة مهنا قتل فیها عبد العزیز بن متعب بن رشید المذکور و عدّة رجال من أهل الجبل، منهم عبد الرحمن بن ضبعان و فی ذی القعدة من هذه السنة توفی الشیخ محمد بن عبد اللّه بن سلیم قاضی بلدة بریدة رحمه اللّه تعالی.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 338
و فی سنة 1331 ه: فی 28 جماد أول استولی الإمام عبد العزیز بن عبد الرحمن الفیصل علی الأحساء و القطیف و أخرج عسکر الترک الذی فی الکوت، و فی خزام و فی صاهود، و العقیر، و القطیف، و أعطاهم الأمان، و جهزهم إلی البصرة، و بذل العدل و الإحسان للرعیّة، و أقام فیه عدة أیام، و جعل فیه أمیرا عبد اللّه بن جلوی. ثم قفل إلی الریاض.
و فی سنة 1322 ه: فی سابع ربیع أول الوقعة المشهورة بین الإمام عبد العزیز الرحمن الفیصل و بین ابن رشید فی جراب، صارت الهزیمة علی الإمام، و توجه الإمام بعدها إلی بریدة و أقام بها، و قتل فی هذه الوقعة عدّة رجال، منهم: صالح الزامل السلیم، و محمد بن شریده.
و فی هذه السنة وقعت جراب بین ابن رشید و بین الإمام فتوجه الإمام إلی الحساء، و کان فی نفسه شی‌ء علی العجمان لأمور بدرت منهم، فحصل بینه و بینهم وقعة قتل فیها أخوه سعد بن عبد الرحمن بن فیصل، و ذلک فی شعبان من السنة المذکورة، و لما کان فی آخر رمضان من هذه السنة نقض ابن رشید العهد و أغار علی شوایا أهل القصیم علی الدویحرة، و أخذ منهم إبلا، و نزل الطرفیة، و أخذ یکاتب أهل القصیم فلم یلتفتوا له، و حصل بینه و بینهم قتال فهزموه، و قتلوا منه عدة رجال و رکابا، فلما أعیاه أمرهم ارتحل من الطرفیّة، و قفل راجعا إلی حائل، و الإمام عبد العزیز إذ ذاک فی الحساء و لم یزل مشمّرّا فی حربهم إلی أن مزّقهم اللّه شذرّا مذرّا و أجلاهم الإمام من الأحساء، فتوجهوا إلی جهة الشمال مخذولون، و صلّی اللّه علی نبیّنا محمّد و علی آل و صحبه أجمعین.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 339

إمارة عبد العزیز بن متعب الرشید

تولی الإمارة بعد وفاة محمد و أرسل إلی أمراء عمه فی البلدان و أقرهم علی أعمالهم، و أمرهم أن یأخذوا له البیعة علی من قبلهم فبایعوا و لم یختلف علیه أحد. و کانت ولایته مفتاح المصائب و النکبات و الفتن و القلاقل و الحروب، و کان طالعه نحس علی نفسه و علی أهل نجد عموما، فقد کان غشوما ظالما و جبارا لا تعرف الرحمة إلی قلبه سبیلا فکان فی خلقه و أخلاقه و سیاسته علی النقیض من عمه علی خط مستقیم.
تولی الإمارة و حالة نجد أشبه ما تکون فی حالتها وقت وفاة الإمام فیصل آمنة مطمئنة یأتیها رزقها رغدا من کل مکان، هادئة ساکنة حاضرتها و بادیتها کل منصرف إلی عمله من تجارة أو زراعة أو صناعة، فما کاد یتربع علی کرسی الإمارة حتی أخذ سوء سیاسته یفتح علی نفسه أبواب الشر و الفتنة.

سنة 1316 ه و سنة 1317 ه

فی هذه السنتین لم یحصل حوادث توجب الذکر إلّا غزوات علی البوادی لیس من کبیرها فائدة.
و فی هذه السنة قلّت الأمطار و ضعفت المواشی و حصل قحط غلت أسعار الأطعمة و کثر الحرب بالإبل و هو داء یکثر فی سنی الجفاف و قلة الأمطار و غالبا یصاحب ضعف المواشی، و فی هذه السنة توفی عبد اللّه الناصر البتیلی فی 17 رمضان، و أحمد عبد الرحمن الذکیر 20 رمضان و عائد المحمد التمیمی 23 شوال سنة 1318 ه.
و فی هذه السنة تمکن أولاد آل أبا الخیل المسجونین عند ابن رشید
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 340
من الهرب، و کان حسن المهنا قد توفی و هو بالحبس و عمل الأولاد الأسباب و نقبوا جدار السجن و خرجوا، فأطلبهم ابن رشید فلم یجد لهم أثرا منهم فرکتوا فی بعض الجبال حتی خف الطلب فوصلوا إلی الکویت.
و فی شهر صفر من هذه السنة وصل یوسف بن إبراهیم إلی حایل قاصدا ابن رشید یستنجده علی ابن صباح خصوصا بعد أن فشلت مساعیه لدی الترکی، و قاسم ابن ثانی أمیر قطر فرأی ابن رشید أن الفرصة سانحة له فی ابن صباح خصوصا بعد أن قدم علیه ابن مهنا الذی شرد من الحبس. أما ابن صباح فقد اضطرب لما علم أن ابن رشید استقبل یوسف بن إبراهیم و أنه یوشک أن یساعده، فکتب إلی ابن رشید یبین له أعمال یوسف و أنه لا یرید إلّا تکدیر العلاقات بیننا و بینکم و یرجوه أن ینفاه لأنه لا یسکن عن حرکاته و إفساده.
فجاوبه ابن رشید أن أعدائی عندک و تحت حمایتک فمنذ نحو عشر سنین لم أفی من طرفهم و لا طلبت منک أن نتفاهم، فلما وصل عندی هذا الرجل تطلب منی أن أنفاه، نعم إذا لقیت من عندک من جلویة أهل نجد و أخرجتهم من بلادک، فأنا أخرج هذا الرجل من عندی.
علم ابن صباح أن ابن رشید مصمم علی مساعدة ابن إبراهیم فأراد أن یعمل لیضطر ابن رشید إلی الصلح، فجهز جیشا من أهل الکویت یقوده حمود الصباح و التحق به بوادی الکویت و بعض بوادی نجد، فأغار علی شمر و أخذهم علی الرخمیة الماء المعروف، ثم جهز جیشا یقوده عبد الرحمن الفیصل و معه أمراء القصیم آل سلیم و آل مهنا فأغاروا علی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 341
قحطان و أخذوهم علی روضة سدیر، و قد بدا له بعد خروج عبد الرحمن الفیصل و من معه أن یکتب لابن رشید فکتب له یقول طلبت منی أن أنفی من عندی من الجلویة و تنفی أنت ابن إبراهیم فقد رجحت رأیک و فضلت صحبتهم و نفیت من عندی و أخرجتهم من الکویت و أمرتهم أن لا یعودوا إلیها و فعلا نفذ هذا الأمر و کانت حقیقة فکتب إلی عبد الرحمن الفیصل یقول إنی اتفقت و ابن رشید فلا ترجعوا إلی الکویت و لا تقربوا حولها، وصل إلیهم الکتاب بعد إغارتهم علی قحطان، فضاقت علیهم الأرض لا یعلمون أی جهة یسلکون فبلدان نجد و بوادیها کلها تحت أمر ابن رشید فاقتضی رأیهم أن یتعلقوا مع العجمان إلی أن یدبروا أمرهم فرجعوا معتمدین علی ذلک بعد أن أغلق عنهم ابن صباح أبواب الکویت فبینما هم فی طریقهم إذا برسول آخر من ابن صباح یستدعیهم للرجوع إلی الکویت، و یستحثهم علی ذلک لأن ابن رشید بلغه وقعة عبد الرحمن الفیصل علی قحطان، فغضب ابن رشید غضبا شدیدا، و قال: إن ابن صباح یهزأ بی، فکتب إلی مبارک کتابا شدید اللهجة یقول فیه: بینما أنت تراجعنی بالصلح و تقول إنک أخرجت من عندک من الجلویة و إذا أنت من الجهة الثانیة تجهزهم بمعدات الحرب و تأمرهم أن یغیروا علی رعایانا. نعم ثبت لدینا إنک أخرجتهم و لکن بعد أن جهزتهم فلم یبقی بعد هذا العمل محل للمراجعة، و لیس بینی و بینک إلّا السیف.
هذا الکتاب هو الذی دعی مبارکا لاستدعاء عبد الرحمن الفیصل، إذ علم أن لیس سبیل للصلح بعد هذا التهدید من ابن رشید. رجع عبد الرحمن الفیصل و من معه إلی الکویت، و أخذ ابن صباح یکاتب القبائل التی حوله، و یستدعیهم، و أخذ یجهز و یجند من الکویت، و جعل
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 342
موضع معسکره بالجهری خوفا من مهاجمة ابن رشید للکویت و حمایة لقبائله.
أما ابن رشید فقد خرج من حائل بشهر ربیع الثانی فبلغه أن ابن صباح یجند و أن معسکره علی الجهری، فأقبل قاصدا الهجوم علی ابن صباح، فلما وصل الحسن موضع فی الباطن قریب من الحفر نزل فیه و استدعی شمر فنزلوا عنده، و کتب إلی أمراءه البلدان یأمرهم بإرسال غزوهم، فأقام بموضعه إلی أن تکامل عنده جنوده، و أخذ ینتظر الفرصة بابن صباح، و کانت سبور ابن رشید عند ابن صباح تمده بالمعلومات عن جمیع حرکاته، فلما أجمعت قوات ابن صباح بالجهری عزم علی أن یغزو أحد القبائل الموالیة لابن رشید فجاء الخبر ابن رشید عن حرکة ابن صباح فظن أنه یریده، فاستعد و لکن بالیوم التالی جاءه الخبر أن ابن صباح أرخص للقبائل یرجعون إلی أهلهم، و ذلک لأن ابن صباح تکفی عن عزمه و لکنه استأنف العزم و استرجع القبائل، و سار من الجهری قاصدا شمر و رؤساء جیشه حمود الصباح و عبد الرحمن الفیصل، أما ابن رشید لما تحقق أن ابن صباح أرخص لغزو سار قاصدا سعدون لسابق عداوة بینهما و لحلفه مع ابن صباح.
أما جیش الکویت فقد أغار علی عرب ابن رشید الذین غزوا معه و لم یلقوا مقاومة إلّا أنهم قبل هجومهم رأوا نیران قد أوقدها ابن رشید لیهتدی بها من تخلف عنه من قومه فسألوا عنها فبلغهم أنها نیران ابن رشید فاستخفوا و استکفوا بما وصل إلیهم من الحلال خوفا أن یدرکهم ابن رشید، فرجعوا سراعا و بلغوا الجهری، أما ابن رشید فلم یعلم بما جری و سار بقصده و أغار علی سعدون و أخذه، و رجع. و کان سعدون قد
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 343
استصرخ ابن صباح لما علم أن ابن رشید یقصده فبادر ابن صباح لنجدة سعدون، و لکن بعد فوات الوقت، رجع ابن رشید بعد ما أخذه سعدون و نزل رجم الهیازع، و أرسل إلی أمراءه فی بلدان نجد یأمرهم بإرسال زیادة غزو فجاؤه و هو بمنزله. أما ابن صباح فقد کتب إلی سعدون یستنجده علی عدوهما المشترک فأجابه و لبی دعوعته، ثم استنفر القبائل و أخذ یعد العدة للغزوة الکبری، فانضمت إلیه مطیر بأجمعها و قسم کبیر من العجمان و آل مرة و جاء سعدون و معه قوة غیر قلیلة، فاجتمع عند مبارک جیش کبیر لا یقل عدده عن عشرة آلاف، زحف هذا الجیش الجرار فی شهر شوال من هذه السنة یقوده مبارک بن صباح بنفسه و معه عبد الرحمن الفیصل و ابنیه عبد العزیز و محمد و أمراء القصیم، آل سلیم، و آل مهنا، و عند ما وصل خبری الدویش (خبری الفضم) جاءه رؤساء البوادی یستأذنونه بتخلف أهلهم و أموالهم التی کانت معهم بحجة بعد المسافة المقصودة، و عدم وجود مراعی لإبلهم فی البلاد التی هم فارین علیها.
و أما الجیش و الخیل تمشی مع البیرق فأذن لهم فتخلف نصف المقاتلة بحجة المحافظة علی الأموال و العائلات، و کان ابن صباح یری أنه لا حاجة به إلیهم لما معه من العدد و العدد، فرحل و ما زال یتنقل من موضع إلی موضع إلی أن نزل الشوکی و هو ماء غیر بعید عن الریاض، فأقام علیه أیاما فاستأذنه عبد العزیز بن عبد الرحمن الفیصل أن یسیر بقسم من هذا الجیش إلی الریاض، فأذن له فأخذ معه ألف ذلول من البادیة و قلیل من الحضر، فزحف عبد العزیز إلی الریاض و استولی علیها إلا القصر، فإن الأمیر من قبل ابن رشید عبد الرحمن بن ضیعان قد تحصن فیه هو و السدیر التی معه، و حاصرها عبد العزیز مدة أیام و لم یدرک نتیجة
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 344
فابتدأ یحضر نفق علی القصر لینسفه علی من فیه، و باشر العمل، فلما کاد ینتهی فاجأه خبر هزیمة ابن صباح أمام قوات ابن رشید فانسحب و لم یتم عمله.
أما ابن صباح فقد وصل من الشوکی و قصد القصیم فلما قاربه استأذن آل سلیم و آل مهنا ابن صباح بالمسیر إلی بلدانهم فأذن لهم، فساروا معهم و رحل بعدهم ابن صباح و نزل قریب بلد بریدة، فدخل آل سلیم عنیزة و آل مهنا بریدة بدون مقاومة، و فتر أمراء ابن رشید سعد لمحاربی أمیر بریدة و صالح الیحیی الصالح أمیر عنیزة و رحب أهل القصیم بأمرائهم، ثم إن ابن صباح استدعی الأمراء و أعیان جماعتهم الموالین و المخالفین فخطب فیهم، و قال: إنی لم آتی فاتحا و لا مطمع لی ببلادکم، و إنما جئت مساعدة لحکامکم و أمراءکم لإرجاعهم إلی أوطانهم التی أخذها منهم هذا الظالم و شتت شملهم، و صادر أموالهم و أملاکهم، و بعد قضاء مهمتی سأرجع إلی بلادی تارکا شأنکم لکم و لحکامکم و أمراءکم.
فشکروه علی عمله فطلب منهم أن یبایعوا أمراءهم علی السمع و الطاعة، فبایعوهم علی ذلک فرجعت الوفود إلی بلدانهم ثم أذعن أهل القصیم أن یغزو مع أمراءهم لیسیروا معه إلی مطاردة ابن رشید فعرفه علیه غزو بریدة و توابعها من القصیم، و جاءه قسم من قبیلة عتیبة فانضم إلی ابن صباح فأخذ فی منزله نحو عشرة أیام یتجهز للمسیر إلی ابن رشید.
أما ابن رشید فقد انسحب بأول الأمر و ترک المیدان لخصمه، بینما یلم شعثه، لأنه لا یرید أن ینازل مثل هذا الجیش اللجب قبل أن یستکمل
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 345
استعداده، و ثانیا أراد أن یجر خصمه إلی قلب البلاد و یبعده عن بلاده، و لأن المطاولة فی الأمر تفیده و تضر بخصمه، لأن أکثر جنود ابن صباح بوادی و لا صبر لهم بالابتعاد عن أهلهم و أموالهم، فأرسل یستجیش شمر و حرب و هتیم، فأقبل إلیه منهم خلق کثیر، و إن قد بلغه استیلاء أهل القصیم علی بلدانهم، و رحل إلیه أمراءه الذین هو بدا منها، فأقبل قاصدا ابن صباح، فلما قارب القصیم شدید ابن صباح و نزل النبقیة قریة من قری بریدة فما راعهم إلّا ابن رشید ینزل قبالتهم فی الطرفیة و هی قریة من قری بریدة أیضا، و کان الوقت ظهرا و لم یظن ابن صباح أن ابن رشید سیهاجمه بذلک الیوم، و لکن ابن رشید أخلف ظنه فإنه لم ینزل إلّا و قد عبی‌ء جیشه و قرّن الإبل و جعلها صفا واحدا تتقدم الجنود، و ساقها علیهم و مشت الجنود من خلفها و کانت جنود ابن صباح مشتتة هنا و هناک، و لم یستعد استخفافا بابن رشید فداهمهم و هم علی هذه الحال فتلاحقوا علی غیر تعبئة و التحم القتال إلی آخر نهار ذلک الیوم 26 القعدة، فانهزم ابن صباح و جنوده، فانتحی بنفسه و معه عبد الرحمن الفیصل و شرذمة قلیلة، و خرج آل مهنا من بریدة و تبعوه، و کان غزو عنیزة قد خرج بتلک الیوم و رجعوا من عرض الطریق لما بلغهم الخبر، و بقی آل سلیم تلک اللیلة فی عنیزة یحاولون جماعتهم علی الحرب و الامتناع فی بلدهم فخذلوهم، فدخلوا صباح الیوم الثانی و التحقوا بابن صباح و أدرکوه قبل أن یصل الکویت، و أرسل عبد الرحمن الفیصل لابنه عبد العزیز فی الریاض یخبره بالأمر و یأمره بالاقبال إلیه، فخرج من الریاض و قد کاد أن یستولی علی القصر فلم یسعه إلّا أن یفک الحصار، و ینهزم بمن یتعد من قومه إلی الکویت.
أما فلول جیش ابن صباح فقد تفرقوا بالبلدان القریبة منهم و اختفوا
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 346
بها، و لکن ابن رشید أرسل السرایا تتبع فلول المنهزمین فمن وجدوا قتلوه حتی وصلوا الزلفی، ثم رجعوا و أخذوا یتتبعون الذین فی البلدان فأخرجوهم من البیوت و المساجد و قتلوهم، بقوا علی ذلک نحو ثلاثة أشهر و قد اشتهر بیوت فی عنیزة آوت إلیها عدد غیر قلیل من هؤلاء التعساء، و أخذوا یقومون بحاجاتهم، فلما أمنوا الطلب جهزوهم بما یحتاجون إلیه و أرسلوهم إلی أوطانهم.
أما عدد القتلی فقد اختلف فیه، و لکن القول المتوسط الخالی من المبالغة ألف و مائتین من الطرفین منهم ثمانمائة من جند ابن صباح، و الباقی من قوم ابن رشید، المشهور من قوم ابن صباح حمود الصباح، و عبد اللّه المنصور أخی سعدون و ابنه حمود. و من قوم ابن رشید سالم بن حمود العبید الرشید و أخاه.
و بعد هذه الوقعة تجلت نفسیة بن رشید فبدلا من أن یستمیل رعیته بالعقل أخذهم بالشدة العنیفة، رحل من موضعه و نزل بریدة و نکل بأهلها تنکیلا شدیدا قاسیا، فقد أخذ من الدیری أحد تجار بریدة خمسین ألف ریال و قتله، و أخذ من سلیمان الشبیلی أحد تجار عنیزة عشرة آلاف ریال، و فرض علی عموم بلدات القصیم ضرائب فادحة، و نزع السلاح من أهلها و عمل غیر ذلک أعمال بغایة القوة و الشدة، و هذا مثال قلیل من الواقع. ثم أرسل سالما ابن السبهان إلی الریاض و نواحیها، و عمل بهم مثل عمله بالقصیم و أعظم، فلما بلغ ما أراد من التنکیل و شفی ما بنفسه من الانتقام من أهل نجد عموما، رحل و نزل البطانیات ثم رجع و دخل بلاده فی أول سنة 1319 ه و کان یوسف بن إبراهیم مع کاظم باشا قبل الوقعة بأیام قلیلة، و کان کاظم باشا قد خرج لمواجهة ابن رشید.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 347

حوادث سنة 1319 ه

اشارة

رجع یوسف إلی العراق بعد أن بلغه کاظم باشا عفو الدولة عنه التهمة التی ألقاها علیه ابن صباح. فاستأنف عمله مع الدولة ضد ابن صباح، و أخذ یشحذ عزم مناصیب الدولة و اغتنم أولاد محمد الصباح الفرصة بعد خذلان عمهم فرفعوا شکواهم إلی الآستانة التی أخذت تصغی إلی دعواهم و تعطف علیهم، و قد رأت الفرصة سانحة بعد خذلان مبارک أمام ابن رشید فأخذت تمهد الأمور لاحتلال الکویت، فأصدرت أمرها إلی المشیر فی بغداد أن یجهز جیشا لا یقل عن عشرة طوابیر یکون علی أتم الأهبة و الاستعداد، فجهز ذلک بقیادة محمد باشا الاغستانی، و لکن المشیر أراد أن یستنیر برأی والی ولایة البصرة محسن باشا، فذهب إلی البصرة و قابل محسن باشا فأظهر له هذا عدم الارتیاح من هذا التدبیر خوفا من أن یضطر ابن صباح إلی الالتجاء للدولة الانکلیزیة، و رأی محسن باشا مفاوضة مبارک قبل الإقدام علی إجراء عمل ضده، فاستحسن المشیر رأیه و کلفه بمقابلة مبارک و مفاوضاته و إقناعه بوجوب انقیاده لأمر الدولة العثمانیة.
ذهب محسن باشا إلی الکویت و اجتمع بمبارک و أقنعه بوجوب الذهاب معه إلی الفاو و مخابرة الدولة فذهبا إلی الفاو، و عمل مبارک بنصیحة محسن باشا، لأنه یثق به و رفع إلی الدولة خضوعه و انقیاده.
عملت الدولة هذا العمل خوفا من تدخل الانکلیز، و لم تعلم أن مبارکا قد اتفق و رئیس الخلیج فی معاهدة سریة تخولهم حق الحمایة بعد أن أرسل مبارک التلغراف للحکومة العثمانیة عدلت عن إرسال العسکر الذی قد أعدته و لکنها طلبت تحقیق ما یدعیه [...] مبارک من التبعیة للدولة
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 348
فأرسلت تلغرافا من ربیع الثانی سنة 1319 ه من باشکاتب المابین إلی مشیر بغداد یقول: «بلغوا الشیخ مبارک أنه بموجب المعاهدة الدولیة إذا وجد فی إحدی المواضع سنجف (عثمانی أو مرکز عسکری أو مأمور للحکومة فلا لجمیع الدول تدخل فیلزم بأی صورة مشیسة تبلغون مبارکا باشا الأمر».
و لکن مبارک تغافل عن هذا و یقال إن حکومة الانکلیز. نصحت للحکومة العثمانیة أن لا تفتح بابا من الشر لا یستطاع إقفاله فعدلت عن رأیها لما تعلمه من مطامع الانکلیز.
و فی شهر ربیع الثانی خرج ابن رشید من بلاده و هو یقصد الزحف إلی أطراف الکویت، فلما قارب حدود الکویت، و هم بالهجوم علی مخیم ابن صباح بالجهری بلغه التجاء مبارک للانکلیز و أنهم أمدوه بمرکب حربی أقام فی میاه الکویت، فعدل ابن رشید عن عزمه و رجع و نزل حفر الباطن، و شرع یفاوض الترک بشأن مبارک الصباح، و یطلب منها نجدة تساعده علی احتلال الکویت و تدارکت رسله و شکاوته ضد مبارک و ساعده علی ذلک یوسف بن إبراهیم، فقطعت الحکومة علیه و لم تقرب و لم تبعد فدافعته بالأمل.
أما مبارک الصباح فقد کان جیشه مستعدا فی الجهری فاغتنم الفرصة و أغار علی قبیلة سالم بن طوالة من شمر بأطراف الخمیسیة و أخذهم و رجع إلی الجهری، و ذلک بشهر جمادی الأول، فلما بلغ ابن رشید خبر ابن صباح سار من الحفر و تعد أطراف الکویت، و أغار علی الصبیحیة الماء المعروف قرب الکویت، و کان أهلها قد انتذروا به و هجو فتابع مسیرة جهة
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 349
الکویت، فلما وصل (داره) صادفته قافلة کبیرة من مطیر خارجة من الکویت و حصل بینه و بینهم قتال قتل فیه کاتب ابن رشید الخاص (جار اللّه ابن یوسف بن عتیق) و لکنه بالأخیر تغلب علیهم، و استولی علی جمیع ما معهم، و رجع إلی الحفر و هکذا الرعایا دائما تکون هی الضحایا لمطامع الحکام، فابن صباح أخذ ابن طوالة انتقاما من ابن رشید و هذا أخذ مطیر انتقاما من ابن صباح و النقص علی رعایا الطرفین فلا ابن رشید عوض علی ابن طوالة ما أخذ منه بسبعین و لا ابن صباح عوض مطیر لکونهم أخذوا بجنایته. و فی شهر رجب سار ابن صباح و أغار علی الظفیر و أخذهم و رجع إلی الجهری.
و هنا حادث جری قبل الحوادث التی سردناها و هو أهمها لأنه محور لما سیحدث بعد هذا من الحوادث الجسام، أخرناه لأننا کرهنا قطفها ذلک أنه فی ربیع الثانی من هذه السنة بالوقت الذی خرج فیه ابن رشید من بلاده خرج رجلا آخر من الکویت و لکنه کان مجهولا بتلک الوقت فلم یکن لخروجه أهمیة، ذلک هو عبد العزیز عبد الرحمن الفیصل فإنه بعد وقعة الطرفیة لم یشأ الرکون و الخمول و نازعته نفسه أن یقذف بنفسه فی لجة هذا المحیط المضطرب فأما أن یدرک ما تفوق إلیه نفسه أو یموت، و لکن أبوه دافعه و منعه فامتثل، لکن النفس الجیاشة لا ترکن إلی الخمول فقد أعاد الکره علی أبیه بصورة جازمة فوافقه أبوه علی ذلک و أبلغ مبارکا بما عزم علیه، فشجعه علی ذلک و أمده بثلاثین بندقیة و أربعین ذلولا و مائتی ریال فقط. و شی‌ء من الزاد فسارو معه من إخوته و أبناء عمه و أتباعهم أربعون رجلا فقصد العجمان فتردد رؤساءهم بقبوله و لکن کثیر من عامتهم انضموا إلیه، و کذلک انضم إلیه جماعة من آل مرة و بیع و السهول فتکون عنده
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 350
جیش لا یقل عن ألفی ذلولا و من الخیل نحو أربعمایة نمشی من عوینة کنهر المعروفة بالعطف طف بنی خالد و بعد خمسة أیام ورد حفر القش و الماء المعروف بأطراف العارض علی حافة الدهناء من الغرب، و صدر منه و ورد الشمسین ماء معروف ثم صدر منه و جعل العرض عن یمینه و ورد الحفایر، و منها أرسل کشافته و رجعوا یخبرونه بمنازل القبیلة التی هو قاصد و لما أصبح عبی‌ء جموعه و أغار علی عتیبة و أخذهم علی الرفائع و رجع بیومه، و قصد قحطان و أغار علیهم و أخذهم قریب من التیه جنوبا، و رجع و نزل قریب من الحسا و أقام أربعة أیام و القوم یجلبون غنائمهم و یبیعونها فی الأحساء و یمتارون منه و یأخذون ما ینقصهم من اللوازم و الحکومة الترکیة تعلم ذلک، و لم تحاول منعهم لأنها لا ترغب فتح أبواب قد تؤدی إلی مشاکل بینهم و بین البادیة، و لا بینهم و بین ابن سعود.
و بعد هذه الغزوات الموفقة انضم إلیه کثیر من البادیة الذین یمیلون إلی الکسب من هذا الطریق فاجتمع لدیه قوة لا یستهان بها و بما أن جمیع بوادی نجد تابعة لابن رشید فقد أخذ یشن علیهم الغارات لیضمهم إلی جانبه، و هی الوسیلة الوحیدة لإذعان البادیة، و من حیث لیس عنده قوة لمقابلة ابن رشید وجها لوجه أخذ یشن الغارة علی أتباعه من البوادی لیکسب نفوذا فی البادیة و لیستمیلهم لجانبه، فکل من انضم إلیه من قبیلة زادت فی قوته و نقصت من قوات خصمه، و هذه هی المرحلة الأولی لطریقة الفتح فی نجد، ثم زحف من موضعه و سار قاصدا ما یلیه من بوادی ابن رشید فعلم و هو بطریقه أن أقرب من یلیه بریه من مطیر و معهم آل عاصم من قحطان فجد السیر نحوهم، و أغار علیهم فی مجدّل موقع شمالی بریدة و أخذ منهم حلالا کثیرا إبل و غنم، و رجع و نزل الحسین
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 351
مجمع الغنائم و عزل خمسة منها، ثم سار من موضعه و قصد الجنوب و أغار علی الدواسر و ملأ یدیه من الغنائم و رجع إلی الحساء، و أقام قریب منه، فجلبوا غنائمهم و باعوها و اشتروا ما یحتاجون إلیه ثم القهق و سار جنوبا و أقام علی حفاف الربع الخالی.
کل هذه الوقعات جرت و ابن رشید قابع فی موضعه علی حفر الباطن ینتظر مساعدة الدولة و یعلل نفسه بالآمال، فلما طال علیه الأمر و رأی أن ابن صباح یغیر فی الشمال و ابن سعود یغیر من الجنوب و هو لا یحرک ساکتا رأی أن یخابر الحکومة الترکیة بنفسه فرحل من موضعه و نزل قرب بلد الزبیر و خابر الحکومة بشأن ابن صباح و ابن سعود و حرکاتهما علی رعایاه و طلب منهما منعه من الإیثار من بلدانها أو تسمح له أن یجعل فی المراکز معتمدین من رجاله یراقبون منعهم فأجابته إلی ذلک. و جعل فی بغداد و السماوة و الزبیر ... معتمدین من قبله و أرسل سعد الحازمی معتمدا من قبله فی الأحساء لأجل مقاومة نفوذ ابن سعود و تثبیط بادیة النقرة عن مساعدته، و حمل حکومة الحساء علی منع طوارف ابن سعود عن التموین من الأحساء یقصد بذلک حصره فی الصحراء و جعلت الحکومة الترکیة مراکز عسکریة فی سفوان و الغبیشیة و الخمیسیة و فی بوبیان دام قصر، و ذلک موجب طلب ابن رشید إلّا المرکزین الآخرین، فقد وضعتهما الحکومة بحجة من حدود العراق، و کان صاحب الکویت یدعیهما فاحتج علی حکومة الترکی فی احتلالهما و علی وضعها مرکز فی سفوان الذی یعتبرها من حدود الکویت، فلم تضع الحکومة لاحتجاجه و أهملته و استعان برئیس الوکلاء السیاسی فی الخلیج فتعامت عنه.
أما بقیة المراکز فقد صارت السلطة فیها لرجال ابن رشید، و لکن
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 352
هذه التدابیر جاءت متأخرة، وصل سعدا الحازمی بشهر رمضان إلی البحرین و نزل بضیافة مقبل الذکیر، و سار إلی قطر لمواجهة أمیرها الشیخ قاسم بن ثانی لیسلم له کتب من ابن رشید یطلب منه منع ابن سعود عن التموین من بلاده، و رجع إلی البحرین لیسیر منها إلی مقر عمله فی الأحساء، حیث لم یستطع السفر إلیها من قطر لعدم وجود الآنیة، فما کاد یصل إلی البحرین حتی فاجأه خبر استیلاء ابن سعود علی الریاض، فأسقط فی یده و بینما هو یتجهز للسفر إلی الأحساء إذ بلغه أن بعض أهل الریاض و أهل الخرج المقیمین فی البحرین جهزوا لهم سفینة یریدون أن یتعقبوه فی البحر و یقتلوه حینما یبتعد عن حدود البحرین، فاضطرب، و کان الأمر حقیقة فاستعد بالسلاح و أخذ معه زیادة جند للمحافظة، فتوجه إلی العقیر و منها إلی الأحساء.

فتح الریاض‌

ذکرنا أن ابن سعود أقام علی حفاف رمال الربع الخالی طیلة أیام شهر رمضان و بلغه ترتیبات ابن رشید و أنه یرید أن یحصره فی الصحراء، صمم علی أن یشق لنفسه طریقا، فمشی من یبرین فی أواخر شهر رمضان فلما کان بمنتصف الطریق أخبر جنوده بأنه یقصد الریاض، فمن أراد أن یمضی معه أو یرجع عنه فهو بالخیار فرجع جمیع من کان معه من البادیة إلّا عشرون رجلا و لم یبق معه إلّا الذین خرجوا معه من الکویت و عشرون رجلا غیرهم، فوصلوا فی 4 شوال إلی حدود الریاض و نزلوا فی الساعة الثانیة من اللیل جبل یبعد عن الریاض ساعتین فترک عند الجیش عشرین من قومه و تقدم بالأربعین الآخرین و فیهم أخوه محمد و عبد اللّه بن جلوی،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 353
فلما وصل النخیل التی خارج السور أقام أخاه محمدا و معه ثلاثون رجلا کاحتیاطی و مشی بالعشرة الباقین إلی غرضه و لم یتمکن من الدخول إلی السور الخارجی إلّا من بیت محاز له و هو لفلاح یتجر بالبقر، فرع عبد العزیز الباب ففتح له صاحب البیت و قبض علیه و تهدده إذا هو تکلم، فعرفه أهل البیت فرکنوا إلی السکوت فأغلق علیهم الباب ثم تسلق الجدار إلی البیت الذی یلیه عند الحصن، فإذا فیه شخصان نائمان علی فراش واحد و إذا هما امرأة عجلان الأمیر و أختها امرأة أخیه فأیقظهما فاستوتا جالستین دون أن یراهما شی‌ء من الخوف فعرفته زوجة عجلان، و سألته من یرید قال: أرید زوجک قالت إنه بالقصر قال: متی یخرج قالت: إنه لا یخرج إلّا بعد طلوع الشمس فاکتفی بهذه المعلومة، و أقفل علیهما و استدعی رجاله، فاجتمعوا فی بیت عجلان و کانت الساعة قد بلغت الثامنة لیلا فاستراحوا و عند طلوع الفجر أخذوا یدبرون طریقة الهجوم علی الحصن الداخلی، فلما طلعت الشمس فتح ذاک الحصن، فأخرج بعض العبید الخیل إلی الشمس فلما رأی عبد العزیز البوابة مفتوحة خرج عادیا فتبعه من رجاله خمسة عشر رجلا فقط و اتفق أن الأمیر عجلان بن محمد کان قد خرج من الحصن عند هجومهم علیه و هو قادم إلی بیته، فلما رأی عبد العزیز و بیده السیف سلت عراه الدهش و الرعب، فنکص و رجاله علی أعقابهم، و هم یریدون الرجوع إلی القصر و لکن بعد ما خرج عجلان أغلق باب القصر، و لم یبق إلّا الخوخة (الباب الصغیر فیها) و بین کان و رجاله یدخلون مع خوخة الباب أطلق عبد العزیز البندقیة علیه فأصابه و لم یقتله ثم أدرکه و قد صار نصفه داخل الباب، فأمسکه و سحبه إلی الخارج فتصارع الإثنان برهة فرفس عبد العزیز علی کبده رفسة قویة فأغمی علیه
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 354
و أفلت منه، و بینما هو یحاول الدخول ثانیة من تلک الخوخة أدرکه عبد اللّه بن جلوی فضربه بالسیف فرده الباب و بقی أثر السیف بالباب فأفلت منه، فأطلق علیه ابن جلوی مسدسه و أصابه فدخل علیه و قتله، و کان عبد العزیز قد أخاف و کان رجال عجلان الذین قد دخلوا الحصن [...] رمدوا إلی أحد الأبراج المشرفة علی السوق و أخذوا یطلقون النار من المصالیت علی رجال ابن سعود فقتلوا اثنین و صوبوا أربعة فتراجع قوم ابن سعود إلّا عبد اللّه بن جلوی فإنه دخل وراء عجلان فنادی عبد العزیز برجاله و استنفرهم فامتنعوا أثر عبد اللّه بن جلوی فهجموا علی الحصن هجمة رجل واحد فقتلوا أکثر من فیه، و کان بعضهم قد تحصن فی أحد جوانب القصر و أرادوا المدافعة إلّا أن عبد العزیز دعاهم بالأمان فسلموا، و استولی علی القصر یوم الرابع من شوال أو بالأحری استولی علی الریاض فجاءه أهل البلاد مستبشرین فبایعوه علی السمع و الطاعة، بل علی الموت، ذلک لأن ابن رشید قد هیأ الأمور لابن سعود بأعماله فزرع بذور البغضاء فی قلوب أهل نجد عموما فلا عجب إذا استقبلوا ابن سعود هذا الاستقبال، فلما طهر ابن سعود البلاد من العدو أخذ یباشر بناء السور الخارجی فأحکمه و حصنه فتم بناءه لمدة لا تزید عن الشهر، و إلی هذا یشیر العونی بقصیدة طویلة منها:
و ادلج علیها بالمسیر و بالسوری‌لما غدت مثل الحنی ارقابها
و صلّه علی العارض بلیل دامس‌و لا حد من اوباش الأمیر دری بها
عجلان بامر بالریاض و ینتهی‌طیر العشا و کر المحرار اربابها
مقبوش رأسه بدیرة فیصل‌و طیور شلوی خما حسب بحسابها
خمسین شغموم ندبهم ضاری‌حدر الدجی ذیب الظلام سرابها
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 355 دخل بلیل و استکن بخفیةلما جلت شمس النهار حجابها
قام الفریر فک بابه و انتشرعمی البصر و النفس محی کتابها
طلع والی عبد العزیز بعینه‌مثل ارنب شافت خیال عقابها
و انکف الی قصره شیخ هارب‌و ادبح یبی الفتحة یخش ببابها
و ضمه خمی الوفدات قبل ادخوله‌تعیش بمنا جوده مخلابها
یعیش ابو ترکی شظاه بصارم‌من ناش بدوروحه یحل ذهابها
یتلونه المقرن و اخو محمدشندرة صقیل بالیمین اقضا بها
عند ابو ترکی ما یفاخت رایه‌هو و آل مقرن کلمته یمضی بها
هنادی یضرب بها روس العدامثل امس عند المعضلات صطابها
ستین ما فهم بعد لمسالم‌قبل ارتفاع الشمس جذ ارقابها
کله لعینی نجد هی و اطرافهایوم ان سکان الجبل ماشا بها
إلا ینهب ضعوفها و تجارهامن سنّها جنّابها نها بها
الی وری الجدران تاخذه العدی‌و هو آخذ ما کان داخل بابها
یا نجد طیبی و ابشری جاک الفرج‌باسباب ابو ترکی عریب انسابها
ان ساعف المعبود دور اللیلةخیله ترکز فی سماح حرابها

رجوع ابن رشید إلی بلاده‌

و کان ابن رشید لم یزل فی منزله علی الحفر فبلغه استیلاء ابن سعود علی الریاض فجمع کبار قومه و رؤساء شمر فأخبرهم بأمر ابن سعود و استشارهم فیما یجب عمله و کانوا قد سئموا طول الإقامة، و خشوا أن یجرهم إلی الریاض، فأشاروا علیه أن یرجع إلی بلاده، و یستعد استعدادا لحصار الریاض، فرجع و دخل بلاده.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 356
أما ابن سعود فقد أخذ یعزز مرکزه و قد وصله نجدة من ابن صباح مع أخیه سعد من الریاض و قصد الخرج و استولی علیها، ثم سار إلی الحوطة و الحریق و الافلاج.
فاستولی علیهن و إذا قلنا استولی معناه أنه فتح هذه الأماکن بقوة جنده بل إنهم هم الذین أدوا له السمع و الطاعة عن حب و إخلاص لمیلهم إلیه و محبتهم لهذا البیت و إخلاصهم لهم قدیما و حدیثا. و هذا المیل و المحبة هما اللتان ساعدتا عبد العزیز، علی فتح نجد، لأنه إذا توجه لبلد فلیس له فیها خصم إلّا أمیر بن رشید و رجاله القلیلین فیخذلونه أهل البلد و یساعدون عبد العزیز بتسهیل مهمته للقضاء علی خصمه کراهة منهم لابن الرشید و عماله و أعمالهم و محبة لآل سعود.
و کان صالح ابن حسن آل مهنا قد سار إلی الشام بعد حوادث الطرفیة و کان فیها جالیة کبیرة من أهل القصیم، فأخذ یستنجدهم لمساعدته و أرسل لهم محمد العبد اللّه العونی الشاعر المعروف قصیدة حماسیة یستنفر بها جماعته أهل بریدة و أهل القصیم عموما، فأخذتهم الحمیة و الشهامة فأقبل منهم نحو مائتین و خمسین من أهل بریدة مع صالح الحسن، و نحو خمسین من أهل عنیزة کبیرهم علی الصقیری و أخاه عاید، فوصلوا الکویت فی شعبان 1319 ه، و التحقوا بجیش ابن صباح الذین بالجهر تبع أمراءهم آل مهنا و صالح العلی آل سلیم، و هذه قصیدة العونی نقتطف منها ما یناسب الموضوع:
مطلعها:
خلوج تجذ القلب یأتلا عوالهاتکسر بصیرات یحطم سلالها
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 357
إلی أن قال:
و ابکی علی دار ربینا بربعهامعلومها خشم الرعن من شمالها
و من شرق لهین الأراضم تحدهابین اللوی و السر ما طیب اسهالها
دار بنجد جنة کان قبل ذاو من صکته غیر اللیالی عنالها
وصفه من الخضرات بیضا عفیفةیفوق کل البیض باهر جمالها
حصودها یغض إلی مرّ حولهامن خوف عیال تربوا بجالها
هن امنا و آحلو مطعوم درهاغذتنا و ربتنا و حنا عیالها
بدور بنا ما مثلها یکرم الظناوصول بنا لکن نسینا وصالها
تلقی علینا الجوخ و الشال فوقناو هن عاریة تبکی و لا احد بکی لها
و لا احد جزع من صحة یوم سلبت‌و لا أحد تشد من ذا ویش جالها
قلت الا واویلاه و آخیبة الربی‌کیف امنا تهفهم و منا قبالها
یا طاوش من فوق سراقة الوطی‌هیم الی سارت غیرها ظلالها
إلی أن قال:
أوصیک بامرسال بالسیر و السدی‌و احدرک نوم اللیل عینک ینالها
إلی سرتها عشر و خمس مغرب‌مرواحک المیدان منها منالها
الی جیت سوق العصر یأتیک غلمه‌تخثع بزنبات البرسیم نعالها
یقولون لک یا صح عطنا علومک‌بلدان نجد عتیناوش جرالها
کل بلدات القصیم و غیرهاعن الخوف زاموا دون جاله رجالها
حذا دارکم من عقبکم تندب الثری‌تبکی علی الماضین و اعترتا لها
لعبوبها الاجناب لا رحم حکیم‌و البیض بالبلدان شت لحالها
شیبانم تضرب علی غیر موجب‌من عقب کبر الجاه تنتف سبالها
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 358 أولاد علی الیوم ذا وقت نفعکم‌لا رحم ابد نفس تتاجر بمالها
اولاد علی فاللیالی قصیره‌و لا اللفتی غیدا الثنا من نوالها
اولاد علی الیوم ما هوب باکرقوموا بعزم اللیث ماضی فعالها
لا تتبعون الهوی و الفجر و العساأو ربما اولیت یتعب سوالها
جود اورجا یا ناس ما هیب عندکم‌هذیل ما لحقوا هل القول جالها
و ذی قالة ما یعظمه کودنادراولاد علی من بکم قال انا لها
تری مرکب الاخطار هو مصعد العلی‌و لا یدرک المقصود غیر احتمالها
تری بالسیوف المال و العزو البقاو الجنة الخضراء بخضرة ظلالها
ثم أخذ یمدح سعدون و یستفزه فی بقیة هذه القصیدة فقال:
أقسمت بالکرسی و بالنور و العمدو أشهد بسکان المطر من اخیالها
فلا جابت الخضرات سعدون اومش‌مثله علی وجه الوطی من رجالها
من مثل ابو ثامر الی ضبضب الفترو الخیل زاد من البنلترا جفالها
له هذه ما قیل ابا زید هدهاو لا غتر المشهور ما قیل نالها
علی سابق تعطی علی ما یریدهابیتیم ضعافین القبائل المیالها
ثم أخذ یستفز آل شبیب لعدم أخذهم بثأر عبد اللّه المنصور الذی قتل فی کون العریف:
أبا الحق انا بعض الشبیب ملامه‌و تکرم علی مشین الملامه سبالها
قل کیف عبد اللّه تعدون و ابنه ملحق قصیرات السبایا طوالها
خلیّ مساعیر العریف تزودهم‌و الضیعة العرما تنادی عیالها
و هم یؤرخون الحب مالی کارهم‌و بلاه یا عین تزاید اهمالها
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 359
ثم استأنف مدح سعدون المنصور:
لو لا ابو تامر یبرد بفعله‌فرض سنة المشغوم میتم طفالها
سنة مهلهل عن کلیب خلیعه‌فرضها ابو تامر و جدد شمالها
ذبح بعبد اللّه شیوخ کثیرةمصابیح ظلما بالدجی ینعتی لها
و من عتبهم ما ید و سبعین لجةنفسه و عنه ما قضی عشر مالها
و ان عاش ابو تامر و ساعف له الهوی‌کم خفرة ترمی الغطی من اهبالها
بتکن فصایرها فرقا حلیلهاو بتکن مشافیقه و ترمی دلالها
ثم أرسل قصیدة یستفذها و له فالح السعدون و یعیب علیه استقالة بالزراعة و انصرافه عن عادة آباءه و أجداده، فلم یحصل بتأثیر من ذلک، لأن آل منتفق لم یشترکوا فی حوادث نجد بعد وقعة الصریف إلّا ما کان ما شابههم مباشرة کبعض الحوادث التی ستقف علیها فیما یأتی، فیقف موقف الصدیق أحیانا و تارة موقف الخصم حسبما تقضیه مصلحة.
و فی هذه السنة وقع اختلاف بین العجمان و آل مرة فی الرقیعة بالأحساء، فوقع بینهم قتال قتل فیه من الطرفین رجال، و کان عبد اللّه بن یحیی الذکیر بومئذ بالأحساء یشتری إبل فخرج بالیوم الذی حصلت فیه الوقعة، و معه مائتان و خمسون ریالا لأجل مشتری إبل کالعادة، و کان معه رفیق من آل مرة من أعیال أولاد أبا لنفوس، فلما ثار القتال بین العجمان و آل مرة قال أزبن الدیرة و راح به من طریق جنوبی [...] بین النخیل و البلد خوفا علیه یزعمه، فلما توسط فی الطریق و اختفیا عن أعین الناس قتله المربی و أخذ الدراهم التی معه، و بقی لیومه ما یعلم عنه أحد، و بالیوم الثانی وجدوه مقتولا، فذهب دمه هدرا لأن حکومة الترکی عاجزة
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 360
عن تأدیب المجرم سیما إذا کان من البدو. و کان ذلک فی شهر [...] سنة 1319 ه.
دخلت هذه السنة و ابن رشید فی بلاده و ابن سعود فی الریاض، فلما تحققت ابن سعود أن ابن رشید فی بلاده و لیس عنده حرکة قریبة خرج غازیا و أغار علی قحطان و أخذهم، و بعد شهر واحد أعاد الکرة علی قحطان و غزاهم و أخذهم. و هم علی حلبان ماء معروف بعالیة نجد. ثم خرج أخوه محمد و معه أهل الریاض و بوادی النقرة ابن وبلان و ابن جمعة من العجمان و ابن نقاد أن من آل مرة و قصد قبائل مجتمعة بالشعری القریة المعروفة بعالیة نجد و هم بن بصیص رئیس بریه من مطیر، و فیصل ابن حشر رئیس آل عاصم من قحطان، و ابن حمید رئیس برقا من عتیبة، و أغار علیهم و أخذه منهم حلال، و انکفی إلی الریاض. و کان ابن سبهان و معه غزو أهل القصیم و أهل الوشم و سدیر قریب منهم و أراد أن یمدهم فسار بمن معه یقصدهم و لکنهم فاتوه.
و فی شهر ربیع الأول من هذه السنة خرج ابن رشید من حائل عاصمة ملکه و قد آلی علی نفسه أن لا یرجع إلیها حتی یخرج ابن سعود من الریاض أو یقتل دون ذلک، و شاء ربک أن لا یخرج ابن سعود من الریاض و أن لا یرجع ابن رشید إلی حائل فبر بیمینه، و جاهد جهاد الأبطال طیلة أربع سنوات قتل فی أثنائها.
خرج من حائل و معه أهل حائل و قراها و شمر و أهل القصیم و أهل الوشم و سدیر و أهل المحمل و الشعیب و نزل رغبة القریة المعروفة فی المحمل، فأرسل عبد العزیز بن سعود إلی أبیه فی الکویت یخبره بقدوم
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 361
ابن رشید و یستحقه علی المجی‌ء، و أرسل أخاه محمدا لیصحب والدهما، و کان ابن صباح قد أمر علی معسکره الذین فی الجهری بالغزو فوصل محمد بن عبد الرحمن و هم علی و شک المسیر، فانضم إلیهم من حف من هذا الجیش من الجهری، و بعد ثمان لیال أغار علی شمر و هم علی قبة الماء المعروفة قرب الأسیاح، و أخذوهم و قفلوا راجعین إلی الکویت، فبلغ ابن رشید خبرهم و کان یومئذ علی الحسی فرحل علی أثرهم لیحول دونهم و دون الکویت، و لکنهم فاتوه، فرجع إلی منزله، و بعد رجوع غزو ابن صباح خرج عبد الرحمن الفیصل من الکویت و معه ابنه محمدا فی مائة و سبعین ذلولا، فخرج عبد العزیز لاستقبالهم مسافة ثلاثة أیام عن الریاض، فدخلوا الریاض و ابن رشید فی منزله علی رغبة، و کان قد تفشی المرض فی جنده، فبلغت الوفیات فیهم نحو الخمسین یومیا، أخبرنی بذلک عبد العزیز بن دعیلج، و کان فی معسکر ابن رشید یومذ مع غزو أهل بلده، ثم رحل من رغبة و نزل الحسی و المرض لم یزل یفتک فی جنده، إلّا أنه تقاصر قلیلا، فکانت الوفیات یومیا نحو عشرین، أقام بموضعه نحو شهرین زال المرض فی أثنائها. فأرسل سالما السبهان، و معه أهل القصیم و بادیة قحطان و أمره أن ینزل فرمی ضرما لعتیبیة لیمتاروا من الوشم و سدیر و القصیم، و کتب إلی معتمده بالأحساء سعد الحازمی بأن یستنهض قبیلتی العجمان و آل مرة، و طلب من حکومة الترکی هناک موازرته، و لکن ابن سعود سبقه إلی مثل ذلک، فأرسل أخاه محمدا و ابن عمه عبد اللّه بن جلوی إلی الجنوب یستنهضان آل مرة و الدواسر، ففشلت محاولات الحازمی و فازت مساعی ابن سعود. رحل ابن رشید من الحسی و نزل حفر العتش ماء بین علی حافة الدهناء من الغرب شمال الریاض ثلاث رحلات،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 362
فلما بلغ ابن سعود نزول ابن رشید بهذا المنزل خرج من الریاض، و قصد حائر سبیع جنوبی الریاض، فرحل ابن رشید و نزل نبیان الماء المعروف شمالی الریاض، و کان لابن سعود سریة فی الدلم قاعدة الخرج بقیادة أحمد السدیری، فأمره ابن سعود أن یتأهب للزحف معه إلی الریاض فیما لو هجم علیها ابن رشید، أما إذا تجنبها و مشی إلی الخرج فأهل الریاض یتعقبونه من خلفه، و کان عبد العزیز بن سعود ننتظر هجوم ابن رشید بعد أن نزل منزله الأخیر، و لکن لا یعلم علی أی جهة یکون هجومه، فخرج یؤلب من حوله. ترک عبد اللّه ابن جلوی بمن کان معه من الجنود، و أمرهم أن یقیموا فی علیه- و هو جبل حصین بین الحریق و الحوطة- ثم أرسل أخاه سعدا إلی الحریق یستنجد أهلها، و راح هو إلی الحوطة للغایة نفسها.
أما ابن رشید فقد رحل من نبیان و نزل أطراف الریاض، و أغار علی ما کان خارج البلاد، و اتلف بعض ثمار النخیل، ثم هجم علی البلد، و لکنهم صدوه فرحل منها و قصد الخرج و هاجم الدلم قاعدة الخرج، فامتنعوا علیه، فبادر ابن سعود و جمع جیوشه من أهل الحوطة و الحریق فانضم إلیهم الجند الذین فی علیة مع عبد اللّه بن جلوی فکان مجموعهم نحو ألف و خمسمائة مقاتل، اجتمعوا فی مادان ماء یبعد عن الدلم قدر عشر ساعات و أسروا فی لیلتهم فوصلوا الدلم فدخلوها.

وقعة الدلم‌

قبل انبثاق الفجر و لم یشعر بهم ابن رشید و کان نازلا فی نعجان قریة
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 363
تبعد عن الدلم نحو ساعتین شمالا، فأرسل سریة تهاجم الدلم فخرجت لها خیل ابن سعود فتصادم الفریقان و حصل بینهما قتال شدید، فانهزمت سریة ابن رشید و خیله فعلم بعدئذ أن ابن سعود فی الدلم یظنه لم یرجع من الحوطة، و فی الیوم التالی خرج ابن رشید إلی النخیل کعادته، فأحسن ابن سعود بذلک فسار بقسم من جیشه، فکانت الوقعة الأولی التی قابل فیها ابن سعود ابن رشید وجها لوجه فکانت الوقعة شدیدة، تحمس فیها کل من الطرفین استمرت ستة ساعات إلی غروب الشمس، و لم تسفر عن نتیجة، و قد أسر ابن سعود جماعة من قوم ابن رشید من أهل لبدة، و لکنهم تمکنوا من الفرار لیلا.
و کان فی الیوم التالی مناوشة خفیفة طارد فیها ابن سعود ابن رشید فتقهقر إلی معسکره و کادت تفقد الذخیرة التی مع ابن سعود و جنوده فأرسل إلی الحوطة یطلب قسما منها، و لکن ابن رشید عند ما جاء اللیل أشعل نیرانه لیوهم أنه فی منزله، و سری فی لیلة و سار شمالا فنزل المسلمیة التی تبعد نصف نهار علی الدلم و لم یتمکن ابن سعود أن یتعقبه لقلة الجیش و الخیل عنده، ثم رحل ابن رشید من السلمیة و سار قاصدا القصیم و نزل فی أطراف بریدة.

غزو ابن سعود عتیبة

بعد ما رجع ابن رشید إلی القصیم کان بعض عتیبة الموالین لابن رشید نازلین بین سدیر و الوشم، فخرج عبد العزیز بن سعود و معه أهل الریاض و نواحیها و بعض القبائل، و سار قاصدا عتیبة، فأغار علیهم و أخذهم، و هم نازلین فی عرق رغبة بین الوشم و جیل طویق.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 364

غزو ابن رشید و عریب دار

ثم سار و نزل حفر الباطن، ثم سار منه قاصدا بوادی الکویت، فأغار علی عریب دار قرب الکویت، و أخذ الحلة و الغنم و سلمت الإبل، ثم رجع و نزل العزبیة و الرحیل، و منها شد و نزل رقبة الباطن، فتخوف ابن صباح من قرب ابن رشید، و کان سلطان الدویش قد مال إلی ابن رشید، فکتب ابن صباح إلی عبد العزیز بن سعود یستنجده فلبی طلبه، و أقبل و معه من الجیش ما ینوف علی خمسة آلاف مقاتل علی أقل تقدیر.
فتأمل فی قدرة اللّه سبحانه فقد صار منجدا من کان بالأمس مستنجدا، و قد خرج قبل سنة واحدة بأربعین جندیا وصل الکویت، و قد کان ابن صباح قد جهز ابنه جابرا فاتحد جیشهما و سارا قاصدین ابن رشید، و کان ابن رشید قد بلغه مسیر ابن سعود إلی ابن صباح فأراد أن یخالفه علی عربانه فرحل من موضعه، و سار جنوبا، فبلغ ابن سعود و ابن صباح خبر ابن رشید و أنه ارتحل من موضعه و لم یعلما إلی أی جهة قصد و کان سلطان الدویش رئیس مطیر قریب منهم، فأغاروا علیه فی موضع یسمی (جولبن) بالعمان، فحصل بینهم قتال شدید أبلی فیه مطیر بلاء حسنا، و لکنهم فی النهایة غلبوا علی أمرهم فأخذهم القوم و حصل منهم حلال کثیر و قتل من الطرفین عدد غیر قلیل لأن مطیر بتلک الوقعة استبسلوا و قاوموا مقاومة عنیفة، و کان حلالهم یومئذ بین أیدیهم فدافعوا عنه مدافعة شدیدة، و لکنه القوة التی هاجمتهم تفوقهم عدد و عدة، فتغلبوا علیهم و قتل یومئذ عماش الدویش و ابنه، و کانت هذه الوقعة فی أواخر شهر شوال.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 365
أما ابن رشید فقد قلنا إنه رحل من الباطن قاصدا الجنوب، و أغار علی سبیع و السهول و أخذهم و کانوا فی الدهناء ثم رجع و نزل حفر القش و رحل منه عادیا علی عتیبة الموالین لابن سعود فصبحهم علی البطانیات، و أخذ منهم بعض الحلال، و إلیک تفصیل ذلک من کتاب ابن رشید نفسه، و إن کان لا یدل علی الحقیقة التامة و الکتاب مؤرخ 20 القعدة سنة 1320 ه، یقول فیه بعد الاسم و السلام:
نخبرکم أننا ثورنا علی برکات اللّه من فوق حفر الباطن، و صار دربنا علی الطوال و خلینا حسین ابن جراد و غزوة، و قیامنا فوق القرعا عنده شمر و مطیر بأهلهم، و صار معدانا مع الصمان علی عربان الجنوب.
تابع کتاب ابن رشید مؤرخ 20 القعدة سنة 1320 ه.
و یسرکم أن اللّه أخذ علی أیدینا سبیع أبو اثنین و بن بحفل و السهول أجمعین، و معهم أخلاط آل شامر و غیرهم و صبحناهم بالدهناء من توالی حفر القش أخذهم اللّه نحمد اللّه و نشکره، و ردنا حفر القش و منه عدینا علی عربان عتیبة (الموالین لبنی سعود) و کنا علیهم بأطراف البطانیات و أخذهم اللّه و هم عربان واجد بن عقیل. و ابن جامع و العصمة، و معهم أخلاط من عتیبة کثیر و الجمیع رزقنا اللّه بحلالهم جاء منهم کسب واجد خیل و طرش و دبش و حلة و لا صار بهل اکوان إلّا الخیر للّه المحمد و منافعنا غزوات کثیر شمر کلهم و مطیر علوی و بریه و قحطان، و بعض الظفیر و کلنا رزقه اللّه من حلال العدو و لا و اللّه نقصوا لا برجال و لا بفرس، و وافقنا غزو لعتیبة الرغالبة مع المهدی أهل ثلاثین ذلولا، و أخذهم اللّه و قضی اللّه علیهم یا اللّه العافیة، هذا صفة ما أجر اللّه أرجوا أن
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 366
اللّه یعزنا و إیاکم بالطاعة، و لا یذلنا بالمعصیة و یخذل کل عدو اجینا اخیارکم بذلک لأن الذی یسرنا یسرکم و السلام (مهر).
هذا کتاب ابن رشید أما ما ذکر من کثر الغنیمة فلا تخلوا من المبالغة و هذه عادة اعتدنا سماعها فی کتب الأمراء و الحکام و أکثر ما تکون المبالغة حین یکون الفشل.
و بما أن هذه الوقائع جرت لوقعتنا و تحت سمعنا و بصرنا فلم نعتمد علیها فی نقلنا إلّا فی تعیین الزمان و المکان، و یندر أن یکون وقعة إلّا و عندنا فیها کتب من ابن سعود أو من ابن رشید أو منهما معا، و ستطلع علی مثال منه ذلک فی وقائع سیأتی ذکرها، نعود إلی سیاق الکلام.
بعد ما رجع ابن سعود من غزوته مع ابن صباح بلغه أن ابن سبهان و معه قحطان نازلین بأطراف الغاط، فخرج من الریاض، و قصدهم فانتذروا به و رحلوا من موضعهم و رجعوا إلی القصیم، فلم یشأ ابن سعود أن یرجع، فقسم جیشه قسمین سار هو علی رأس قسم و أخوه محمد علی القسم الثانی، فکانت وجهتهما مطیر.
فأما عبد العزیز فقد أغار علی ابن بصیص و القریعة و ابن عشوان من بریه، و أخذهم و نزل المنحة بالصمان، و أرسل مائتی بعیر للکویت للمیرة علیها.
و أما محمد بن عبد الرحمن فقد أغار علی ابن شقیر من علوی و أخذه، و سار قاصدا سلطان الدویش فانتذر به و هج و زین الکویت و طاح علی ابن صباح، و طلب منه أن یصلحه مع ابن سعود فأصلحه.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 367

ملاحظة

فإننا إن نذکر أنه بعد ما أغار ابن رشید علی عریب دار، و نزل رتبة الباطن قرب خلیج الشمالی، جاءه رسول من حکومة الترکی یحمل أمرا رسمیا تحذره فیه من التعرض إلی ابن صباح و طوارف الکویت، فعلم غایة الترکی و یئس من مساعدتها له، فأرسل ماجد بن حمود العبید إلی الأسلم و عبده من شمر یستنفرهم، و أرسل طلال بن نایف الرشید یستنفر شمر الجزیرة قصده أن یعید الکره علی الریاض، لعله یجد فیها فرصة أما ماجد فقد وجد الأسلم و عبده مشتبکین فی حرب مع عنزة، و هم علی الأجلال و الشبکة، و اعتذروا بما هم فیه. و أما طلال فلم یکن حظه أحسن من حظ ماجد، فرجعا دون فائدة.

حوادث خارجیة

فی شهر جمادی الأولی من هذه السنة، خرج مبارک بن عذبی الصباح بن الزبیر، و معه شرذمة بدو و حضر، و أغار علی غنم لأهل الصبیة، و أخذها و ظهر جابر المبارک الصباح و معه غزو من الکویت و العسکر الذی فی الجهر من أهل نجد، و طلبوا مبارک العذبی و انتذر بهم و دخل الزبیر و نزل جابر بوادی النسا، و أغارت خیله علی أطراف بلد الزبیر علی أمل أن یظهر منهم أحد من البلاد، فلم یظهر أحد و رجع إلی الکویت.

حرکات یوسف بن إبراهیم و أولاد محمد الصباح‌

کانت حرکة ابن عذبی بسعی یوسف بن إبراهیم و کان نجاحها نشطة علی العمل فجهز من الدورة سفینتین فیها نحو مائة و خمسون رجلا
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 368
یرئسهم أحد أولاد محمد الصباح و ولد جراح و ساروا قاصدین الهجوم علی الکویت، و قبل أن یخرجوا من الشط علم فیهم جابر الصباح أخی الصباح مبارک و کان یومئذ فی الفاو فرفع تلغرافا إلی أحد البوارج الإنکلیزیة المقیمة فی البصرة، یخبره بالأمر فسارت البارجة إلی الکویت، و کان جابر قد رفع الأمر إلی أبیه مبارک، فطلب رئیس البارجة من مبارک أن یرسل معه من یعرف هذه السفن، فأرسل معه عبد اللّه بن إبراهیم السمکة أحد النواخذة المشهورین فصادف السفن المذکورة عند خروجها من الشط فأحسوا بالأمر، فهربوا فطاردتهم البارجة و أدرکتهم بعد أن دخلوا الشط، و کاد یقبض علیهم، و لکنهم تمکنوا من الالتجاء إلی شاطی‌ء القصبة، فنزل ثلة من رجال البارجة الإنکلیزیة فی أحد زوارق البارجة لیتمکنوا من القبض علی من فی السفن قبل فرارهم، فلما قاربوا الشاطی‌ء عاجلهم أهل السفن بإطلاق الرصاص علیهم فقتلوا ضابطا إنکلیزیا و جندیا واحدا، و انهزم أهل السفن و ترکوها خالیة فقبضوا علی السفن و دخل بها البصرة، و خاطب والی البصرة فأنکر علمه بتجهیزها، و کذلک یوسف بن إبراهیم أنکر علمه بذلک، و لکن مبارکا اهتم لهذا الأمر و حاول أن یثبت الجریمة علی یوسف و خابر رئیس الخلیج، و أرسل شهود الاثبات إلی البصرة فی شهر رجب، و أحرق الانکلیز السفن المقبوض علیها، أما الحکومة الترکیة فقد علمت بسیرها و أن هذه الحرکة من صنع یوسف بن إبراهیم، و أنه لا یرکن إلی السکون، فأصدرت أمرها إلی ولایة البصرة، بأن إقامة یوسف بن إبراهیم بهذه الأطراف غیر مرغوب فیه، و أنها تستحسن له سکنی الحجاز. فبلغته الولایة أمر الحکومة، فکتب إلی ابن رشید یخبره، فأرسل له سریة فخرج
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 369
منها فی 28 رمضان من الزبیر، و قصد ابن رشید فی الباطن و معه أولاد الصباح الصغار و مبارک الغربی، و أقام عند ابن رشید.

ثورة أهل شقرا و إخراجهم منصوب ابن رشید

و فی شهر الحج من هذه السنة کان فی بلد شقرا کغیرها من البلدان حزبان مضادان فحزب یمیل إلی آل السعود، و حزب یمیل إلی آل الرشید، و لکن أعمال ابن رشید بعد وقعة الصریف وجوده و عسفه وحدت الکلمة و جمعت القلوب فصاروا کتلة واحدة، و قد صدق القائل بأن هذه الوقعة کان الظافر فیها مغلوبا لأنها فریدة فی نتائجها و عواملها، بل کانت هی السبب الأقوی لسقوط إمارة ابن رشید و تقلص نفوذه. و قد رأینا مبادی‌ء هذا الانقلاب حینما استولی ابن سعود علی الریاض أطاعت له البلاد الجنوبیة کلها دون أن یوجه إلیهم جندی واحد، بل قدموا طاعتهم بطوعهم و رضاهم عنه حب و إخلاص. و کانت أعمال أمراء ابن رشید فی البلدان قد زاد الخرق اتساعا، و من هؤلاء الأمراء عبد اللّه الصویغ الأمیر فی شقرا من قبل ابن رشید، فقد اشتدت وطأته علی أهل البلد، و ضیق علیهم الخناق، و أخذ یحاسبهم عن أقوالهم، فیزعم أن هذا یذم ابن رشید و هذا یمدح ابن سعود حتی سئمت نفوسهم من هذه السخافات، فاجتمع رؤساءهم و أعیانهم تذاکروا، ما وصلة إلیه الحالة و أنهم لا صبر لهم علی ذلک، فقر رأیهم إجماعا علی إخراج أمیر ابن رشید و خدامه من البلد، فلما أصبحوا استعدوا و أرسلوا للأمیر من یبلغه أن الجماعة قرروا خروجک من البلد، فأما أن تخرج و تحقن الدماء، و إلّا فنحن مضطرون لاستعمال القوة ضدک، و بما أن لیس لدیه قوة یدافع بها فقد خرج و رجاله و ساروا إلی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 370
المجمعة، و بلغ الخبر إلی مشاری بن عبد العزیز العنقری أمیر ثرمداء فأرسل رسولا إلی الصویغ یأمره بالرجوع إلی ثرمداء، فرفع إلیه و أقام عنده.
أما أهل شقرا فقد أرسلوا إلی ابن سعود یخبرونه أنهم أخرجوا أمیر ابن رشید الذی عندهم، و یطلبون منه أن یرسل سریة تکون عندهم فأرسل الإمام عبد الرحمن مساعد بن عبد المحسن بن سویلم و معه قوة فهاجم ثرمداء و دخلها بمواطأة من بعض أهلها، فقتل الصویغ و من معه من خدام ابن رشید، و هم ثلاثة عشر و قبض علی مشاری العنقری و أرسله إلی الریاض فحبسوه هناک، و مات فی سجنه. و دخل ابن سویلم شقراء و أقام فیها.
و بعد هذه الحوادث انضم أهل الوشم و المحمل و الشعیب إلی ابن سعود، و دخلوا تحت الطاعة، و لم یبق تحت نفوذ ابن رشید إلّا أهل سدیر الذین کانوا تحت نفوذ ابن عسکر أمیر المجمعة.
بلغ ابن رشید ثورة أهل شقراء و إخراجهم منصوبه، و انضمام أهل الوشم إلیه فزحف من القصیم قاصدا الهجوم علی الریاض لعله یجد فیها فرصة لغیاب عبد العزیز بن سعود عنها، لأنه لم یرجع بعد فی غزوته علی مطیر التی تقدم ذکرها، فنزل علی قصون؟؟؟ شقراء فی العاشر من شهر صفر و حاصرها ثلاثة عشر یوما، فلم یدرک نتیجة، فراسلهم و أوعدهم و توعدهم، فلم یدرک منهم مطلوبه، و کان قد أرسل أمیرا و معه قوة، فأغار علی فریق من سبیع و أخذ منهم خیل و رجع إلی ابن رشید، ثم رحل ابن رشید قاصدا الریاض فعدل عنها، و أغار علی الدواسر و القبابنة و القرینة و کان قد بلغهم خبره فاجتمعوا و زبنوا حلالهم، و لما أغار علیهم صدوه
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 371
و لم یدرک منهم إلّا شی‌ء قلیل (علی الرمحیة)، ثم أراد مهاجمة الریاض علی غرة فسار من الرمحیة، و نزل الجنادریة و صار الساعة اثنین من اللیل أسری من الجنادریة لیس معه الأخیل و جیش کان یرید مهاجمة فریق بادیة و ترک حملته مع سالم السبهان علی الجنادریة و قبل الفجر بساعة و نزل فی أبو مرزوق ضلع علی مسیرة ساعة من الریاض، و کان قد أرسل قبل مسیره خیل تکشف حالة البلاد، و لکن النذیر قد سبقهم و نبه أهل الریاض، فلما وصل الریاض وجدهم مستعدین فخرجوا و نازلهم خارج السور فصدوه، ثم انفهق و نزل نخیل تبعد عن البلد قدر ساعة، و أقامة فیها ثلاثة أیام دون أن یأتی بحرکة إلّا أنه قطع بعض النخیل و هدم بعض الآبار، ثم رحل إلی الوشم من طریق الحائر و ضرمی و نزل ثرمداء و بنی فیها قصرا و جعل فیه قوة أمیرهم حمد بن إبراهیم بن عسکر و وضع فیه طعام و ذخیرة و زودهم بما یلزمهم ، و رجع إلی القصیم، و أرسل قوة مع ماجد بن حمود العبید و قوة مع حسین ابن جراد.
أما ما جد فقد أغار علی عتیبة فی عالیة نجد و أخذهم فهم حلال أما حسین بن جراد فقد أغار علی عتیبة أیضا و هزموه و رجعا إلی بریدة، و إلیک ما یقوله ابن رشید فی هذه الحوادث.

کتاب ابن رشید مؤرخ 27 صفر

قال بعد الاسم و المقدمة:
صار منا عدة أکوان علی أهل الفساد من بوادی نجد و الحاضرة
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 372
بعد اکواننا الذی عرفناکم عنها، روحنا سریة مع جزاع ابن عجل و بیرق معه حضر و بوادی عتیبة علی شیوخهم ابن ربیعات و ابن حمید و قحطان و أخذ اللّه علی أیدیهم عربان بأطراف الریاض و بعد ذلک غزیت شمر و حرب و قحطان و عتیبة و أخذ اللّه علی أیدینا الدواسر و القبانیة و القرینیة ناس واجد طالعوا سبورنا قبل الکون بیوم، و اجتمعوا حسبوا أنها غزیة بدو و صبحناهم و قطعهم اللّه هالکون و خذ الحلال و ذبحوا الرجال صار علیهم الکون فوق الرعیة و عقبه غزیت علی بیات الریاض، توجهنا له عشینا بالجنادریة روضة تبعد عن الدیرة ستة ساعات، و رفت الخیل نجد البلاد هی متنبهة أم لا وحبت الخیل نخبرنا أن ما عندهم خبر و عند الساعة اثنتین من اللیل سریت من الجنادریة بسلة خیل و جیش و خلیت (الفود) عند سالم السبهان یصبح بالمراح و مشینا إلی أن جا قبل الفجر بساعة نوخنا (بابو مخروق)، و سرنا خیل و رجل و جعلت من القوم ثلاث عدوات لکل باب عدوه معهم سلاحهم و ما یحتاجون و یوم أننا قربنا الدیرة و یاهم مستحسین بنا عند مناخنا و منعت القوم عن قرب البلاد لأجل أن أکثر أهل الدیرة طالع البلاد بفلایحهم و منازله و أمرت القوم یوم أننا صبحنا إغارة علیهم و جمیع ما ظاهر السور انعدم الرجال ذبحوا و المال و خذ أقمت بالریاض عدة أیام هدمنا به منازل و قلبان و أذهبت الثمرة و شربنا و وطینا الحائر و ضرمی ولیا الوشم جاری به حوادث.
وصلتا ثرمداء و بیننا بها قصر و حطینا به رتبة أمیرهم حمد إبراهیم بن
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 373
عسکر و أهل الوشم حالهم من حاله کذلک و ملیام ذکرت لماجد یغزی و کان علی عتیبة النوقین، و أخذهم اللّه و عقبتهم حسین بن جراد و کان علیهم و أخذهم. اللّه یعزنا بالطاعة و لا یذلنا بالمعاصی أحببت أخبارکم، لأن الذی یسرنا یسرکم هذا ما لزم و صلّی اللّه علی محمد و آله و سلم.
هذا نص کتاب ابن رید بلفظه و معناه لم نغیر فیه شی‌ء بل کتبناه علی أصله.

ابن سعود

أما ابن سعود فبعد مغزاه علی مطیر سار إلی الکویت، و بلغه أن ابن رشید قصد الریاض فهمّ أن یرجع إلیها و لکن جاءه رسول من والده یخبره بهجوم ابن رشید علی الریاض و طرده عنها، فاطمأن باله و اهتم فی نقل عائلتهم التی لم تزل فی الکویت، فعاد بها و لم یکد یصل العاصمة حتی بلغه أن ابن رشید رجع عن الوشم و نزل شمالی الارطاویة، خرج عبد العزیز من الریاض و نزل شقراء، و أرسل عبد اللّه بن جلوی لمهاجمة سریة ابن رشید التی فی ثرمداء فبذل الأمان لأهل البلد فأبوا القتال فقاتلهم و هزمهم و تحصنت السریة فی القصر الذی بنی ابن رشید حدیثا فحاصرها و بدأ بضم علیهم فلما أحسوا به نقبوا الجدار و انهزموا منه لیلا فاستولی عبد اللّه علی ما فیه من طعام و ذخیرة فلما تم استیلاءه علی البلد و القصر أرسل عبد العزیز سریة مع أحمد السدیری لمهاجمة سریة ابن رشید فی روضة سدیر فهاجمتها و هزمتها، و استولی السدیر علی الروضة، ثم مشت سرایا ابن سعود علی بقیة بلدات سدیر، فسلمت له ما عدی المجمعة، فقد دافعت دفاعا شدیدا، فترکها ابن سعود لفرصة أخری، و قنع بما
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 374
أدرک، فترک سریتین أحدهما فی روضة سدیر، و الثانیة فی جلاجل، و أقر أحمد السدیری فی شقرا، و رجع ابن سعود إلی الریاض بشهر ربیع الأول.
و کان ابن رشید قد رحل من موضعه و نزل بریدة لأنه خشی علی القصیم لما رأی سرعة تقدم ابن سعود و فی شهر جمادی الأولی خرج ابن رشید غازیا من بریدة فأغار علی عتیبة الموالین لابن سعود فأخذهم و هم علی المخامر بعالیة نجد ثم رجع و جعل طریقه علی سدیر و حاصر قریة التقویم، فأمر ابن سعود أحمد السدیری و أهل الوشم أن ینجدوا أهل سدیر، و خرج هو أیضا من الریاض منجدا لهم، و لکن ابن رشید کان قد رجع عن القویم، و نزل بریدة، و سار ابن سعود و نزل جلاجل فأقام فیها عشرین یوما.

خروج أمراء القصیم من الکویت و انضمامهم إلی سعود

و کتب ابن سعود إلی آل سلیم و آل مهنا أمراء القصیم الذین لم یزالوا مع جیش ابن صباح المرابط فی الجهری، یأمرهم بالقدوم إلیه بمن عندهم من أهل نجد، فقدموا و معهم أربعمائة مقاتل من أهل القصیم، و کان ابن سعود قد عزم علی غزو القصیم، فأخذ یعد العدة و استلحق غزوان الجنوب و الوشم و سدیر و المحمل و الشعیب و بعض البوادی، فاجتمع لدیه خلق کثیر حضر و بوادی، و کانت السنة شهباء و الأرض مجدبة من قلة الأمطار، و البعیر ضعیف و الأطعمة غالیة، بل یکاد یکون بحکم المعدوم، و لیس هذا الوقت بالمناسب لجر مثل هذا الجیش اللحب، علاوة علی ذلک أن هذا الجیش الکثیف لا یوجد فیه أکثر من أربعمائة ذلول لا تکاد تکفی لحمل أمتعتهم، و بقیة الجند یمشون علی أرجلهم، و لکن رغما عن
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 375
هذه الموانع فقد زحف ابن سعود بهذا الجیش فی القصیم و نزل المجمعة و حاصرها دون نتیجة، و اتفق و أهلها علی التسلیم إذا هو استولی علی القصیم، فأرسل من موضعه سریة یرأسها عثمان المحمد (عثمین) إلی الزلفی، فدخله و قتل أمیره محمد بن راشد السلمان، و استولی علی البلد، ثم رحل ابن سعود إلی الزلفی و نزله.

ابن رشید یستشیر أهل القصیم‌

و کان ابن رشید قد نزل بریدة بعد رجوعه من سدیر، و رأی أن ابن سعود قد خالفه و استولی علی الوشم و سدیر و جمیع بلدان الجنوب، و لم یبق بیده إلّا القصیم و المجمعة من سدیر، فهاله سرعة تقدم ابن سعود، فعلم أنه لیس بإمکانه الاحتفاظ بما بقی فی یده، و اعتزم استنجاد حکومة الترک و لکن یخشی أنه إذا أبعد عن القصیم یستولی علیه ابن سعود، لما یعلم من میلهم إلیه، و لا یقدر علی تنفیذ ما اعتزم علیه قبل أن یطمئن باله علی القصیم، إذ أن بقاء نفوذه و رجحان کفته علی ابن سعود ببقاء القصیم تحت سیطرته، فاحتار فی أمره فاستدعی عبد اللّه العبد الرحمن البسام، و کان یتیمن برأیه و هو رجل القصیم دهاء و حنکه و روابطه قدیمة مع آل الرشید، و له میل إلیهم، فقدم علیه فی بریدة فأبدی له ما اعتزم علیه من استنجاد الحکومة الترکیة، و أنه لم یمنعه من ذلک إلّا تخوفه علی القصیم من ابن سعود فیما لو ابتعد عنه، و أنا محتار فی هذا الأمر، و أحببت آخذ رأیک، فما هو الرأی الذی تراه لی.
قال عبد اللّه: الذی أری أن تحفظ البلدان بالسرایا اجعل فی قصر بریدة أربعمائة رجل و اجعل علیهم إحدی رجالک الذین تعتمد علیهم،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 376
و جهزهم بما یحتاجون من طعام و ذخیرة، و أما عنیزة قیبین قصر الصفار، و یجعل فیه قوة ثلاثمائة أو أربعمائة رجل بقیادة فهیدا السبهان أو غیره ممن تقف به، و تجعل عندهم الکفایة من الطعام و الذخیرة، و بث السرایا بینک و بین ابن سعود، یکونوا ردأ دون القصیم و ابن سعود، فإذا رتبت هذا الترتیب فأنت و ما ترید، و بغیر هذا العمل لا یمکن أن تأمن جانب ابن سعود و أهل القصیم، قال ابن رشید: ما رأیت هو الصواب و لکن لا یمکن تنفیذ هذا إلّا فی استعمال الشدة و لا ودنا نوحشهم خوفا من تفاقم الأمور و مجاراتهم بالوقت الحاضر أوفق و قصدنا نراجعها، و نعرض علیهم الأمر لعل أنهم یوافقون علی ذلک.
و هذه هی المرة الأولی التی أخذ یعرف فیها للرأی العام حقه، فکتب إلی وجهاء أهل عنیزة و أمراءهم یستدعیهم، فأتوا إلیه و فی الیوم التالی جمعهم، و قال: من المحتمل أنی أتوجه إلی الشمال، و أخشی أن ابن سعود و السلیم یتغانمون الفرصة بابتعادی عنهم و یفتونهم و البلد مثلما تعلمون سورها بتهدم و نبی منکم المساعدة فی بنیانه لأجل یساعدکم علی صد العدو، و نبی نجعل عندکم سریة مساعدة لکم و العم عبد اللّه یشیر علینا فی بنیان قصر الصفا، و أن نجعل فیه قوة قدر أربعمائة رجل، لأجل راحة الجمیع عن المفسدین فی داخل البلاد و خارجها و لا نحب نمضی هذا الأمر دون مراجعتکم فما هو رأیکم بذلک. قالوا: إن کان الأمیر یری ذلک صالح و یری تنفیذه فنحن سامعون و مطیعون، و لا عندنا معارضة، و إن کان القصد مراجعتنا و أخذ رأینا فنحن نبدی ما عندنا، قال نعم و أنا ما جمعتکم إلّا لأخذ رأیکم. قالوا: نحن ما نری فی ذلک صلاح لنا و لا للأمیر، لأن بنیان السور یقتضی له عمل کبیر و نفقة باهظة
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 377
ترهق الناس فی تکالیفها، و أما السرایا فی وسط البلد فلا بد یحصل منها مضایقة لأهل البلد، و ربما یحصل تقربات توغر خواطر الناس و یحدث ما لا نحمد عقباه، خصوصا مثل هذا الوقت، فالمسألة بین وجهین و للأمیر علو الرأی فی اختیار أحدهما. قال: و ما هو هذان الوجهان. قالوا: إما أن الأمیر فی شک من إخلاص أهل البلاد و طاعتهم، فلو أن یعمل من التدبیر ما نقتضیه و مصلحته. و إما أن یکون واثقا من إخلاصهم و طاعتهم فیکل إلیهم أمر الدفاع عن أنفسهم. فلم یستحسن أن یجابههم بعدم الثقة فیهم، بل قال: إنی أثق فیکم الثقة الثابتة و أکل إلیکم أمر الدفاع عن البلاد و لا أعتقد إلّا أنتم خاصة لنا دون غیرنا، و لکن رغبة بزیادة تأکید ذلک، أحب أن تبایعونی من جدید، فبایعوه علی السمع و الطاعة، و أنهم سلم لمن سالم، و حرب لمن حارب، ثم أذن لهم فی الرجوع، ثم رحل من بریدة، و نزل البطانیات. و کان ابن سعود یومئذ فی سدیر و لما کان فی أواخر شعبان، و نزل ابن سعود الزلفی کما ذکرنا أننا أراد أن یجس نبض أهل القصیم لیعلم قبولهم و استعدادهم، فاستدعی ابن سلیم فسأله رأیه فی جماعة أهل عنیزة، فقال: إنی واثق منهم، و لکن أخشی أن یغلبوا علی أمرهم.

مکاتبة ابن سعود لأهل عنیزة فهید السبهان إلی عنیزة

کتب ابن سعود إلی جماعة أهل عنیزة و کتب آل سلیم کتاب إلی عبد اللّه العبد الرحمن و جماعة أهل عنیزة یخبرونهم عن دخولهم الزلفی، و أنهم سیتقدمون إلی القصیم و یرجون منهم المساعدة لتخلیصکم من حکم ابن رشید و جوره الذی أرهقکم بأعماله، و نؤمل أن تکونوا عند ظننا فیکم.
وصلت الکتب إلی عبد اللّه العبد الرحمن فجمع أعیان أهل عنیزة، و عرض علیهم کتب ابن سعود و السلیم، و قال: وش ترون فی هذا الأمر
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 378
قالوا: الرأی مشترک، و نحب أن نستنیر برأیک أولا، قال: الذی أنا أری أن هذه فتنة سیعم ضررها، فلا نحب أن نتعجلها و نحن الآن فی عافیة من الطرفین و الخلاف هو بین الحکام، فهذا ابن سعود بالزلفی و ابن رشید قریب منه، فنحن فی أرقابنا بیعة لابن رشید، لا یمکن أن نحلها بدون نقض منه، فإذا کان ابن سعود راغب فی القصیم فما علیه إلّا أن یقضی علی ابن رشید و إذا تغلب علیه فنحن سامعین و مطیعین، فوافقوا علی ذلک، و کتبوا إلی ابن سعود و السلیم جواب کتبهما یقولون: إن بأرقابنا بیعة لابن رشید و لا یمکن أن نحلها ما دام هو موجودا و لم یأتی منه ما ینقضها، و هذا ابن رشید قریب منهم إذا قضیتوا علیه فنحن بالسمع و الطاعة. أما الآن فلا تقدمون إلینا.
لما وصلت کتب أهل عنیزة إلی ابن سعود و عرف مضمونها رحل من الزلفی و دخل الریاض، أما أهل القصیم فقد نزلوا بلد شقراء بلغ ابن رشید کتب ابن سعود إلی أهل عنیزة و جوابهم له، أرسل لهم فهید السبهان و معه سبعون رجلا فنزل فهید فی بیت و نزل جنده فی القصر داخل الدیرة، و أقبل ابن رشید و نزل بریدة و أقام فیها شهر رمضان، و فی أول شوال خرج ابن رشید من بریدة، و نزل جراب الماء المعروف، و اعتزم المحدار لتنفیذ خطته التی أوضحنا فیما سبق، وجد من الحوادث ما جعله یزعج رأی عبد اللّه العبد الرحمن فی ضبط البلدان بالسرایا، فأرسل حسین ابن جراد و معه نحو مائتین و خمسین رجلا و أمره أن ینزل فی السر بین الوشم و القصیم و أمر بعض بوادی حرب أن ینضموا إلیه، نزل ابن جراد فیضة السر إحدی قراه لیحول دون تقدم ابن سعود إلی القصیم، و أرسل ماجد ابن حمود العبید و معه سریة عددها نحو خمسمائة مقاتل، فنزل الشقیة
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 379
و أمد عبد الرحمن ضبعان فی زیادة قوة، و نزل قصر مهنا فی بریدة لما رتب أمور القصیم رحل من جراب، و قصد السماوة، و معه شمر و حرب لأجل التموین، و أخذ یخابر الحکومة الترکیة، و یستنجدها فأقام هناک قدر خمسة أشهر فلنترکه فی موضعه لیتم عمله و نعود إلی سیاق الکلام لتتمیم الحوادث التی جرت أثناء غیابه.

الهجوم علی سریة ابن جراد و قتله 28 القعدة

فلما علم ابن سعود بارتحال ابن رشید إلی العراق خرج من الریاض فی 12 القعدة و نزل الوشم فانضم إلیه من فیها من أمراء القصیم، و أرسل طلائع تستکشف له، فنزل ابن جراد فرجعت الطلائع تخبره أنه مقیم فی قبضة السر فترک حملة بالجریفا فأسری تلک اللیلة و صبح ابن جراد فی منزله فقتله و انهزم قومه فاستولی ابن سعود علی جمیع بهائمهم و مخیماتهم بما فیه، ثم رجع إلی الریاض، و أهل القصیم نزلوا شقراء، و فی هذه الوقعة یقول علی الصغیری:
یا ذیب عیّد من فقار حسین‌من کف شغموم ذبح عجلات
فإلی شبعت من الغفار الذین‌فاقبل علی ماجد و ابن سبهات
أما فأول قدم ابن جراد فقد جنبوا بلدان القصیم و قصدوا ماجد بن حمود العبید، و کان یومئذ نازلا الشقیقة فأخبروه بالأمر فتخوف أن یکون هو الهدف الثانی فرحل من موضعه و نزل الغزیلیة ماء یبعد عن عنیزة ساعة واحدة جنوبا ثم رحل منه و نزل الملقی و هو نخل لعبد اللّه العبد الرحمن البسام یبعد عن الدیرة قدر نصف ساعة شمالا و حصل معه رهب و دخل
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 380
الدیرة و اجتمع بفهید السبهان و عبد اللّه العبد الرحمن البسام و أبدی لهما تخوفه من هجوم ابن سعود و السبب عدم ثقته بأهل البلاد لأنه رأی منهم ما یؤخذ ظنه، و قال: لا یمکننی الإقامة فی بلد هذه حالها، و سار نخل إلی بریدة و انضم السریة التی فیها جیش لیتمکن من المحافظة علی القصیم، أما اجتماع القوة فی عنیزة و ترک بریدة خالیة و هی مفتاح القصیم ما هو صلاح، فإذا کنا هناک نکون أقدر علی الدفاع، فإن قدم ابن سعود علی مهاجمة القصیم، فإن کان وجهه علی بریدة کفیناکم إیاه و إن کان وجهه علی عنیزة نمدکم، فقال عبد اللّه: هذا رأی ما یوافق، فالأمیر قد جعل فی بریدة قوة کافیة و لا هم فی حاجة إلی زیادة و الأمیر لم یرسلک إلی بریدة بل أرسلک محافظا لعنیزة، فإذا وقع أمر و أنت ببریدة فما هو عذرک عند الأمیر، و ساعده فهید السبهان علی هذا الرأی، فاقتنع ظاهرا بصواب رأی عبد اللّه، و لکن أعاد الکرة فی طلب بناء السور، أجابه عبد اللّه أن السور یحتاج إلی تکالیف باهظة، و لا نحب تشویش الناس، و لکن إذا کان لا بد من هذا الأمر فاجمع وجهاء أهل البلاد و راجعهم، فإن وافقوا فهو المطلوب و إلّا ترکه أولی، لأن الوقت یتقضی ذلک .
أقام ماجد بموضعه و هو علی أشد الحذر، و کان یرسل فی کل یوم طلائع و یجعلهم قسمین أحدهما من الجنوب، و الثانی من الشرق یتحسسون الأخبار عن ابن سعود لئلا یدهمهم علی غرة هذا من جهة.
و من جهة ثانیة کان یرسل الرسول إلی ابن رشید یخبره بحوادث القصیم، و یستحثه علی سرعة المجی‌ء، و یقول: أدرک بلدان القصیم قبل
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 381
أن تؤخذ من أیدینا، و لکن ابن رشید أصم أذنه عن إجابته، لأن حکومة الترکی قد أصغت لکلامه و أوجست خوفا من توسع سلطة ابن سعود فی نجد، فأملته بالنجدة، فترک المیدان لابن سعود یعمل ما یشاء ثقة منه أنه بمساعدة الترک لن یستطیع أن یسترد القصیم فقط، بل یستطیع أن یخرج خصمه من نجد جمیعها، و ما النصر إلّا من عند اللّه.

حوادث سنة 1321 ه

اشارة

وفاة سبهان السلامة 22 جمادی الثانیة.

فتح عنیزة و القصیم‌

و فی أواخر شهر ذی الحجة خرج عبد العزیز بن عبد الرحمن من الریاض، و لما وصل ثادق أرسل یستدعی أهل القصیم أن یوافوه فیها فأتوه و أشاع أنه یرید الکویت، فترک حملته و ثقیل ما معه فی قصر الجریفا من قصور الوشم، و اتجه شمالا بشرف، ثم عطف إلی القصیم، فلما وصل الشریمیة ماء بالنفوذ رجع عنه بعض البوادی الذین معه لما علموا أنه یقصد عنیزة و لا طمع لهم فیها، ثم أسری تلک اللیلة فضلوا الطریق طیلة ذاک اللیل، ثم وجدوا الطریق بعد أن خرجوا من النفوذ، و کانت کشافة ماجد یخرجون کل یوم یتحسسون الأخبار عن ابن سعود، فصادفوه حین خرج من النفوذ، فرجعوا یخبرون ماجد أن ابن سعود نزل الحمیدیة ماء یبعد عن عنیزة ثلاث ساعات، فرحل ماجد من الملقی و نزل عند باب مربیدة علی حد السور من الغرب، فأخبر أهل عنیزة عن نزول ابن سعود الحمیدیة فقام ابن سیهان و أمراء عنیزة آل یحیی الصالح و أمروا علی أهل الدیرة بالعرضة
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 382
و توعد کل من یتخلف عن ذلک، فلما اجتمع أهل عنیزة و استعدوا بسلاحهم أمروا علیهم أن یتفرقوا علی محیط السور فیجمعون الأربعین و الخمسین و یجعلوهم فی مکان، و یجعلوا علیهم أحد رجالهم الذین یثقون بهم، و یجعلون مثلهم علی بعد قلیل منهم، فرتبوا أهل البلاد الجنوبی علی طول السور و محیطه، و کان ظنهم أن ابن سعود سیأتی إما من باب شارخ الشقة الغربی أو من باب البابیة الشرقی، أو من بینهما فجعلوا فی هذه المراکز قوة أکثر مما سواها و علی الخصوص الشقة جنوبا لأنها هی التی تلی مناخ ابن سعود، و بقی فهید مع بعض من الجماعة؟؟؟ علی القهاوی لأنهم أمروا خواص کل فریق أن یستعدوا و یجتمعوا فی إحدی القهاوی لیکونوا رهن الأمر، و أما آل یحیی و أتباعهم فقد أخذوا به یدورون علی المراکز الخارجیة یشجعونهم خوفا من تسللهم.
بقوا علی هذه الحال إلی أن مضی کثیر من اللیل فترجح فی ظنهم أن ابن سعود أخر الهجوم فی هذه اللیلة و إن الکشافة لم یتأکدوا أن الذی رأواه هو ابن سعود ففترت مراقبتهم و تسلل الناس من مراکزهم، و لم یبق فی کل مرکز إلّا قلیل منهم، و کذلک الذی بالقهاوی قد تفرقوا أو راح کل منهم إلی بیته، فلما کانت الساعة السادسة لیلا زحف ابن سعود من الحمیدیة و نزل الجهمیة النخل المعروف یبعد عن السور قدر ربع ساعة جنوبا و لم یحس بهم أهل البلد فانتدب ابن سعود أمراء أهل القصیم أن یتقدموا إلی بلادهم، فتقدموا مشاة و لیس معهم أحد من غیر أهل القصیم، فلما قاربوا الشقة و فیها أکبر المراکز و أقواها و هو المرکز الوحید الذی لم یرجع من أهله أحد قبل المصادمة، و کانت الساعة نحو الثامنة و النصف من اللیل، تقدم المهاجمون و لم یشعر بهم حتی أخذهم الرصاص فاضطرب أهل
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 383
المرکز و ذعروا من هذه المهاجمة المفاجئة، و لم یکونوا علی استعداد، فلم یقاوموا مقاومة تذکر، لأن المهاجمین قد داخلوهم و الرمی لم یزل متواصلا، فانهزم أهل المرکز، و تفرقوا یمینا و شمالا، و دخل أکثرهم النخیل و ترکوا الطریق مفتوحا، و قتل لأول وهلة من أهل البلاد محمد بن عبد اللّه المحمد البسام، و تقدم آل سلیم و آل مهنا و من معهم منه طریق البویطن و لم یعترضهم أحد حتی وصلوا المجلس من تهم السریة التی کانت فی القصر لأنهم افترقوا فرقتین فرقة من طریق البویطن صار طریقها علی سوق المسوکف، و الثانیة صار طریقها من الجادة و کلا الطریقین.
یعود رهن القصر فاجتاز منهم قسم و تمرکز عند بیت علی السلیم علی طرق المجلس من الغرب، فقبضوا الطرق الثلاثة الغربی الذی یأتی من قبل العقیلیة الجنوبی الذی یأتی من قبل الجادة و الشرقی الذی یأتی من قبل سوق المسوکف و بقی الشمالی الذی یأتی من قبل المفرق مفتوحا و هنا بدأ إطلاق الرصاص من بیت عبد اللّه العبد الرحمن البسام من الشرق و بیت محمد العبد اللّه إبراهیم البسام من الشمالی مساعدة للسریة التی فی القصر فصارت مراکز المهاجمین مکشوفة لا یستطیعون التقدم فتقدم قسم من الذین عند بیت علی السلیم و دخلوا مسجد الجامع و تحصنوا فیه و صعد منهم رجال إلی منارة المسجد و کانت متسلطة علی القصر فأخذوا یرمون منها أهل القصر فتمکنوا من إسکاتهم فنزلوا من أماکنهم و تحصنوا بأسفل القصر، و لکنهم لا یتمکنون من صد المهاجمین فتقدم أهل المراکز الجنوبی الشرقی، و کان فهید السبهان یبیت فی البلد عند زوجته، فلما
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 384
سمع الرمی خرج علی فرسه یرید أن یخرج إلی ماجد، و لکنه أراد أن یعلم حقیقة الأمر فجاء قاصدا السریة التی فی القصر و عند ما وصل عند بیت علی السلیم و إذا فیه جماعة مسلحون، کان یظنهم من حزبه فسألهم عن الأمر، فأجابته البنادق التی صوبت إلی صدره فخر قتیلا، فأخذوا فرسه و سلاحه و ترکوه مجندلا.
أما بیوت البسام فقد سکتت لسکوت أهل القصر، خرج الأمیر حمد بن عبد اللّه الیحیی الصالح إلی ماجد یطلب منه أن یمدهم فأبی و سلم القصر بالأمان فخرجوا منه و استولوا علی جمیع ما کان لآل الرشید و أعوانهم و لم یبق فی البلاد معارضة فأرسل آل سلیم إلی ابن سعود یخبرونه أنهم استولوا علی البلاد، و أخرجوا من فی القصر، و قتلوا فهید السبهان، و لم یبق إلّا ماجدا بطرف الدیرة و کان ابن سعود قد تأهب لذلک فأغار علی ماجد مع طلوع الشمس فوجدوه قد تأهب للهزیمة و هو علی و شک الممشی فعاجلوه، فأخذ یداخلهم و هو ینهزم حتی أثخنوه و قتل من قومه نحو خمسین رجلا، فیهم أخاه عبید [...] هو و انهزم قومه علی غیر طریقه، فالتحق بعضهم بعبد الرحمن بن ضبعان فی بریدة أما ماجد فلم یقف دون حائل، و کان آل سعود المسجونین فی حائل کلهم مع ماجد فأسرهم الإمام عبد العزیز و استبقاهم معه، فأطلق علیهم یومئذ اسم العرائف.
رجع ابن سعود و دخل عنیزة و جاءه وجهاء البلاد و سلموا علیه و بایعوه و بایعوا السلیم، و لم یتخلف أحد ممن یشار إلیه إلّا البسام، فإنهم استوحشوا أولا أحبوا مجابهة الأمور بتلک الساعة إلی أن ترکز هذه الشوشة، و اختفوا بحیث لا یعلم بمکانهم، فأرسل إلیهم ابن سعود
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 385
یدعوهم لمواجهته، فلم یتصل بهم أحد، و أرسل إلیهم ثانیة و کذلک لم یحصل نتیجة، فغضب بن سعود و أمر من یقتحم علیهم من بیوتهم و یأتی بهم جبرا فما سمعوا هذا الأمر حتی حصل شوشة فی تلک الجنود الطائشة فاقتحموا بیوتهم و نهبوها، و ما کان ابن سعود و السلیم یقصدون هذا الأمر، و لکن دائما فی مثل هذه الحالة یصحبها حوادث لا یمکن إنقاءها.
و الحقیقة أن هذا الأمر ساء أهل البلاد جدا و یسؤنا أن نسطر مثل هذا العمل، و لکن التاریخ یتطلب الحقیقة، نعم إن آل سلیم قد عمل فیهم مثل هذا العمل و أکثر فقد صودرت أملاکهم و هدمت بیوتهم و جررت نساءهم بالأسواق بید رعاع من أهل البلاد مستخدمین عند أمراء البلاد من قبل ابن رشید، و لکن مع ذلک نری أن بعض آل سلیم قد تألموا من وقوع هذه المسألة، لا نقول ذلک اعتذارا عنهم و ما کانوا محتاجین إلی العذر، لأن مقدمات الأمور و توابعها أعظم من هذه و الدماء أعظم من جمیع ذلک، و لکنها حقیقة أردنا إیضاحها. قبض آل سلیم علی أولاد عبد اللّه الیحیی الصالح: حمد و صالح، حبسوهما. و فی الیوم الثانی قتلوا صالحا. و تشفع محمد بن عبد العزیز السبیع فی حمد، لأنه خال عیال حمد، فشفعوه به، و اختبر أحد أولاد السلیم، فدخل علیه و قتله و هو فی حبسه، و تتبع آل سلیم بعض خدام الأمراء السابقین الذین کانوا قد أساؤوا علی حرمهم أو أهانوا بعض رجالهم بوقت ما قبض علیهم ابن جراد فقتلوهم و نجی بعضهم فرارا کان ذلک الیوم الخامس من محرم سنة 1322 ه.
انتهی الدفتر الثانی من تاریخ مقبل الذکیر
و یلیه الدفتر الثالث
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 387
فلما کان یوم السابع من شهر محرم سنة 1322 ه قدم وفد من أهل بریدة یطلبون من ابن سعود أن یرسل آل مهنا معهم لإخراج سریة ابن رشید التی فی قصر بریدة، فأجابهم و أرسل معهم صالح الحسن و بنی عمه و جماعته، فاسقبلهم أهل البلد و رحّبوا بهم و باشر ابن مهنا حصار السریة، و کان رئیسها ابن ضبعان قد تحصّن فی القصر، و عند ما رأی حرکة أهل بریدة قال لهم: إنی لست فی حاجة إلی مساعدتکم و لکنی أحذّرکم من عواقب عملکم، فابن رشید قد أقبل و هو قریب عندکم، قالوا: مثلما أنت لست فی حاجة إلی مساعدتنا فنحن لسنا فی حاجة لهذا الإنذار منک، فإن تولی ابن رشید ترکنا البلاد لکم و له. ثم بعد ذلک سار ابن سعود و نزل بریدة، فباشر حصار السریة و شدد الحصار، و لکنها تمکنت من الدفاع نحو شهرین و نصف حتی نفد ما عندهم من الزاد، و طلبوا الأمان فأجیبوا، فخرجوا من القصر و جهزهم ابن سعود و ساروا إلی حایل، و قدمت وفود أهل القصیم إلی ابن سعود فی بریدة ما عدی حسین بن عساف أمیر الرس و العقیلی أمیر المذنب، فقد انهزما إلی ابن رشید.
أما محمد بن عبد الرحمن الفیصل من بعد ما تم فتح عنیزة سار منها غازیا و قصد الذی یلیه فی حرب، فأغار علیهم و هم علی الدلیمیة و أخذ علیهم إبلا کثیرة و رجع إلی القصیم.
و فی 14 محرم سنة 1322 ه: وقع مطار غزیرة فی عنیزة فی اللیل،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 388
و کان لإحدی القلاع الکبیرة مجری یباری الدیرة فی الشرق، بینها و بین النخیل یبتدی‌ء مدخله من شرقی باب البابیة، ثم یعرج من عند المداق علی الجعیفری و یمتد مسیره علی السویطی علی حیاله حمد الزامل شمالا، ثم یعطف شرقا علی الشریعة علی سوق الشملانیة، ثم یجعل مقبرتی الجمیدی و الطعیمیة شمالا، ثم یعطف شمالا علی الجناح.
و کان هذا المجری قدیما قبل أن تتسع البلد و بقی علی حاله، و کان له عرصات فی حیالة الجعیفری لها أبواب، و کانوا یسدونها أیام الفیض، و من الصدف أنّ السیل جاء لیلا و أبواب العرصات مسدودة، و لم ینتبه لها أحد، لأن أهل البلاد فی تلک الأیام مشتغلون عنها أیام دخول ابن سعود و السلیم، فجاء السیل علی مجراه العادی فحالت السدود دونه و مجراه، ففاض السیل من مجراه من عند الجعیفری و دخل البلاد من الجهة الشرقیة، فأحدث ضجة کبیرة لما دهمهم، و خرج الناس من بیوتهم هم و عائلاتهم و کان هم الناس النجاة بأنفسهم، و کان مقرة الهفوف تتهدم نحو مائة، و بیت طاحة من أساسها و مائة أخری حصل فیها خلل، و لکن لم یصب فیها نفوس.
استتب الأمر فی القصیم لابن سعود عدا قصر بریدة، فإنه لم یسلم.
و فی 17 محرم (عند ما هدأت الأمور): أرسل عبد اللّه العبد الرحمن و بقیة من اختفی من البسام إلی ابن سعود یطلبون الأمان، فطلب علیهم ابن سعود عشرة آلاف ریال، فسلموها فأمّنهم، و خرجوا إلیه و سلّموا علیه، و کان محمد بن عبد اللّه العبد الرحمن البسام قبل أن یدخل ابن سعود عنیزة علی و شک السفر إلی الشام کعادته، فخرج منها قاصدا
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 389
الشام لأجل تصریف الإبل التی قد اشتراها من أسواق الشام، و کان مجموع ما عنده فی تلک السنة نحو مائة بعیر، و خمس رعایا أو بالحری نحو عشرة آلاف رأس من الإبل، فعطف علی ابن رشید و هو فی العراق یخابر حکومة الترک، فأخبره باحتلال ابن سعود القصیم، فأرسل ابن رشید إلی تجّار الإبل من أهل القصیم و أخذ منهم ثمانین بعیرا انتقاما منهم علی عمل ابن سعود.

القبض علی آل بسام و إرسالهم إلی الریاض‌

کان ابن سعود قد أرسل لابن صباح یبشّره بفتح القصیم، فرجع الرسول من مبارک و معه کتاب لابن سعود یأمره بالقبض علی آل بسام، و یقول لأنهم أساس کل حرکة و هم عضد ابن رشید فی هذه الأطراف، و بقاؤهم فی عنیزة بالوقت الحاضر ما هو صلاح.
و یقول بکتابه: إنّ محمد العبد اللّه وصل عند ابن رشید، و بعد وصوله أخذ ابن رشید من تجار القصیم ثمانین بعیرا لأجل شیل رحلة العسکر، لأن الحکومة أمدته فی عسکر و أنه سیتوجه من السماوة عن قریب، و یحثّ ابن سعود علی الاستعداد لذلک.
جاء ابن سعود من بریدة إلی عنیزة و استدعی ابن سلیم و بعض جماعته و بلّغهم نجدة الترک لابن رشید، ثم أرسل إلی عبد اللّه العنبد الرحمن و ابنه علی و صالح الحمد المحمد و حمد المحمد العبد العزیز و حمد المحمد العبد الرحمن، و محمد العبد اللّه البراهیم آل بسام، و أخبرهم أنّ ابن رشید قد أقبل و قد أمدته حکومة الترک بعسکر
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 390
و لو وثقت أنا فیکم فالجماعة ما هم واثقین، و الذی أری أن تبعدوا أنفسکم عن مضان القیل و القال ما دام الأمور علی هذه الحال، و لا أری لکم أحسن من الاعتزال فی الریاض علی بساط الکرامة إلی أن تنقضی هالأمور، لأنی أخشی من هرج ینسبه عنکم عدو و یحملنا علی مقتلکم، نحن نودّ أن لا یصیر لأحد مدخل فی کلام، و أنتم فی وجهی و أمان اللّه ما یجی علیکم ما یکدرکم.
قالوا: حنا بالسمع و الطاعة، و إذا کان ترون فی إبعادنا شی‌ء من المصلحة لکم أو لنا فحنا حدر الأمر، إنما نطلب من اللّه ثم منکم تمهلونا یومنا هذا، و نطمئن خواطر عائلاتنا، و بکری إنشاء اللّه نکون مستعدین.
قال: ما هنا أمور إنشاء اللّه تدعی إلی مضته، فالذی تریدون یلحقکم و اکتبوا بخواطرکم لعائلاتکم و طمنوهم، و الجیش حاضر توکلوا علی اللّه و ارکبوا.
فرکبوا فی الحال و قدموا الریاض، فأنزلوهم فی بیت یلیق بهم، و ترکوا لهم حریتهم فی الخروج و الدخول، و رتبوا لهم کفایتهم و جعلوا عندهم خدّام یخدمونهم بصفة مراقبین، و لم یحصل علیهم تضییق.
ذکرت السبب فی القبض علی آل بسام و لم أذکر إلّا ما ثبت عندی، و اطّلعت علیه و عندی بذلک وثیقة من مبارک الصباح کتبها إلی مقبل بن عبد الرحمن الذکیر، مؤرّخة 18 محرم سنة 1322 ه، تتضمن کتابته لابن سعود بهذا الأمر فدوّنته إثباتا للحقیقة، لأن آل بسام اتهموا بعض الجماعة بأنهم هم الساعین بذلک عند ابن سعود، و لکنهم علی خطأ فی ضنّهم، فالأمر من ابن صباح مباشرة، و سیطلع القاری‌ء علی ما یؤید ذلک فی کتاب
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 391
الإمام عبد الرحمن للشیخ قاسم بن ثانی فی کلامنا هذا علی التوسط لإطلاق سراح آل بسام فی حوادث السنة التی بعد هذه.
و لکن- مع الأسف- أنّ هذا الظن صار عندهم بحکم الیقین، و حملوا ابن رشید علی أن یکتب للدولة فی إبعاد بعض الأشخاص من تجّار أهل عنیزة فی البصرة، فوقعت النکایة بأناس هم أبعد الناس عن أمور السیاسة، بل و أمور ابن رشید و ابن سعود، و ذلک أنّ الحکومة اعتقلت محمد العوید الشعیبی و أخاه عبد اللّه العوید، و حمد الحماد الشبل القائم بأعمال الشبیلی بالنیابة و أرسلتهم إلی قونیة فبقوا هناک مدة.

إقبال ابن رشید من العراق بالعسکر

ذکرنا أنّ ابن رشید سار إلی العراق فی شهر شوال الماضی و أخذ یراجع حکومة الترک فی الأستانة و یستنجدها علی ابن سعود، و أقام علی ذلک نحو خمسة أشهر و هو یرسل التلغراف تلو التلغراف، دون أن یظهر له بوادر من النجاح، و لکن الدولة أخیرا عطفت علی طلبه و أوعدته لأنها أوجست خوفا من امتداد سلطة ابن سعود فی نجد و أمدت ابن رشید بنجدة مؤلّفة من أحد عشر طابورا و أربعة عشر مدفعا، و شی‌ء کثیر من الذخیرة و المؤن و المال.
و قد ذکرنا مصادرته جمال تجّار أهل القصیم فحمل علیها العسکر و الذخیرة و استنفر شمر و حرب و الظفیر و بعض من عنزة و الشرارات و بنی عبد اللّه، فأقبل یزحف بهذا الجیش الجرار قاصدا ابن سعود فی القصیم، فلما وصل قصیبا التقی بعبد الرحمن بن ضبعان فیها، و کان قد سلم قصر بریدة قبل بضعة أیام عند ما نفد ما عندهم من الطعام،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 392
و کان ابن ضبعان مریضا، فتوفّی بعد مدة قلیلة، أخبره ابن ضبعان بقوات ابن سعود فأقبل ابن رشید، و کان ابن سعود قد کتب إلی بلدان نجد یطلب زیادة غزوه فجاءوا و انضموا إلی من معه فاجتمع عنده قوة ما هی قلیلة جاضرة و بادیة.

وقعة البکیریة

هذه الوقعة من أکبر الوقعات التی صارت فی نجد بل هی أکبرها علی الإطلاق بتاریخ نجد الحدیث الذی وصل إلینا علمه، لما توفر فیها من الاستعدادات الحربیة و الأسلحة الحدیثة الطراز عند الفریقین، و بکثرة ما حشد فیها من الجیوش، حیث إنّ نجدا شطرتها هذه الحوادث شطرین متضادین، فمن حدود القصیم الشمالیة إلی وادی الدواسر بید ابن سعود، و قد حشد غزوان هذه البلدان و بوادیها، و من حدود القصیم شمالا إلی جوف آل عمرو بید ابن رشید.
و قد حشد غزوان هذه البلدان و بوادیها غیر ما أمدته به نزل ابن رشید [...] جیشه، و کان ابن سعود فی (البصر) قریة من قری بریدة ثم شدّ ها؟؟؟، و نزل البکیریة و عبی‌ء جیشه ثلاثة أقسام، قلب و جناحان، فکان هو و من معه فی غزو الجنوب جمیعهم و بعض البادیة الجناح الأیمن. و کان الجناح الأیسر أهل بریدة و أهل القصیم و معهم بعض البادیة، و کان القلب أهل عنیزة و توابعها و معهم بعض من عتیبة.
أقبل ابن رشید و جنوده علی تعبئته، فوجّه معظم قوّاته علی جناح ابن سعود الأیمن الذی هو فیه، و جعل قبالة أهل بریدة و أهل القصیم بعض
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 393
من الحضر و شمر، و قبالة أهل عنیزة مثل ذلک، اصطدم الجیشان فی وسط النهار من ذاک الیوم و التحم القتال و حمی الوطیس، و بیعت الأرواح بیع السماح، و تزاحفوا حتی اختلط الفریقان و تجالدوا بالسیوف إلی وقت العصر، فانهزم جناح ابن سعود الأیمن، و انهزم هو فیمن انهزم، أما القلب و الجناح الأیسر فقد ثبتوا علی القتال و هزموا الجیش المقابل لهم قبل اللیل، ثم أغاروا علی شمر و أخذوهم و هم لم یعلموا بهزیمة ابن سعود، فظلوا یطاردون فلول ابن رشید الذی قد انهزم هو و أهل حایل علی جیشهم، و ترکوا العسکر لرحمة الأقدار، فصارت الملحمة و القتل فیهم، فلما أمسی اللیل رجع أهل القصیم إلی معسکرهم ظافرین، و صادفوا برجوعهم ثلث من العسکر، بأسلحتهم و أطوابهم منفردین، فقاتلوهم ثم تغلبوا علیهم و أسروهم و غنموا ما معهم من الأسلحة و الأطواب و الذخیرة.
فلما وصلوا إلی مخیمهم لم یجدوا فیه أحدا، فبلغهم حقیقة الواقع، و کان معهم عبد العزیز بن جلوی، و محمد بن صالح شلهوب، دخلوا فی معسکر أهل القصیم بعد ما التحم القتال و بقوا معهم إلی النهایة، و کان الخبر قد وصل إلی عنیزة بهزیمة ابن سعود، فظنّوا أنّ الهزیمة عامة، فلما کان الساعة السبادسة لیلا وصل رسول من صالح الزامل السلیم و معه کتاب للأمیر عبد العزیز العبد اللّه یخبره بهزیمة ابن رشید و یقول: إن کان ابن سعود قد جنّب البلاد فأرسلوا إلیه و ردّوه، فأرسل الأمیر عبد العزیز إلی ابن سعود کتابا مع مجاهد الحبردی یخبره فیه عن حقیقة الواقع، و أرسل له الکتاب الوارد من صالح الزامل، و طلب منه أن یرجع، و أنهم مستعدون إلی جمیع ما یلزم من المال و الرجال، و جاء عبد اللّه بن قعدان یخبر الأمیر
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 394
بعد أن صلی المغرب مع ابن سعود فی کریع قصور مزارع مسافة ساعتین و نصف عن عنیزة بالجنوب الغربی منها، وصل الحبردی إلی ابن سعود و سلمه کتاب ابن سلیم، و لکنه لم یصدق الخبر، فاستمر فی مسیره قاصدا إلی الریاض.
و کان الأمیر ابن سلیم قد جمع أعیان أهل عنیزة و کتبوا إلی ابن سعود کتابا أشد لهجة و أکثر حماسة، فطلبوا منه أن یرجع و لو وحده، و عاهدوه باللّه أن یقدموا له أموالهم و أنفسهم، فإذا لم یرجع فهم معتمدون علی حرب ابن رشید بأنفسهم، و کان ابن جلوی و ابن شلهوب قد وصلا عنیزة، فسار الرسول الثانی معهما، فلما وصل رسول أهل عنیزة الثانی سئل ابن سعود من ابن جلوی و شلهوب و کانا حاضران مع أهل القصیم فأخبراه، و صدّقا جواب أهل عنیزة، فرجع إلیها.
أما غزو القصیم الذی بالبکیریة فقد اعتزموا المبیت فی البکیریة، و فی الصباح یرجعون إلی بلدانهم بمن عندهم من الأسراء و الأطواب؛ و کان هذا رأی صالح الحسن المهنا، و أما صالح الزامل فقد کان یری الرجوع حالا فی لیلتهم قبل أن یختبر ابن رشید أنهم فی قلة، فیرجع إلیهم فلم یوافق ابن مهنا، فرکن ابن سلیم إلی رایة إلّا أن الجند الذین معهم تخوفوا و أخذوا یتسللون فی جنح اللیل، فلما کان نصف اللیل لم یبق من الجند إلّا قلیل، فاضطروا إلی الرجوع بلیلتهم و ترکوا ما معهم من الأسری و الغنائم، فرجع أناس من أهل البکیریة و أخبروا ابن رشید، فأرسل قوة استولت علی ما ترکه أهل القصیم من العسکر و الذخیرة، و کان عدد القتلی فی هذه المعرکة ینوف علی الألفین و خمسمائة من ذلک نحو ستمائة و خمسین من أهل الریاض.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 395

قنبلة فی یده الیسری

و قتل من أهل القصیم عموما نحو أربعمائة و خمسین، و قتل من عسکر الترک نحو ألف، و فیهم ثلاثة ضباط، و قتل من أهل حائل و نواحیها نحو أربعمائة، و فیهم ماجد بن حمود العبید، و عبد [...] لا یقل عن الثلاثة الآلاف .

رجوع ابن سعود إلی عنیزة

رجع ابن سعود بعد أن وصله کتاب أهل عنیزة الأخیر، و هو علی المربع، فدخل عنیزة فی الیوم الأول من شهر جمادی الأولی فاستقبله أهل عنیزة کبیرهم و صغیرهم خارج البلد استقبالا حماسیا، فاصطفّوا صفّین من باب البلد إلی مسافة بعیدة بأسلحتهم، و الخیل تجول بین الصفوف ترحیبا بقدومه، فدخل البلد و لم یکن معه یومئذ أکثر من خمسین هجّانا، فجهّز بیومه سریة و أرسلها إلی البکیریة، و لکن ابن الرشید قد سبقه إلیها، فرجعت السریة إلی عنیزة، و کان ابن رشید بعد هزیمته قد نزل الشیحیة، فتلاحق علیه فلول جیشه، فجمع قوته و تماسک بمن بقی عنده من العسکر، و بلغه رجوع أهل القصیم عن البکیریة فنزلها.
و أرسل ابن سعود إلی القبائل التی حوله من عتیبة و مطیر فأجابوه، فلما تکامل ورودهم و اجتمع عنده أهل القصیم، خرج فی السادس من شهر جمادی الأولی یرید ابن رشید، فبلغه أنه نزل الخبرا
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 396
(بلد من بلدان القصیم) و حاصرها، و کان قد وضع علی أهل البکیریة غرامة طعام نحو خمسة عشر ألف صاع، و أمرهم أن یطحنوه، و جعل عندهم سریة یقبضونه منهم فتعقبه ابن سعود و نزل البکیریة، و طرد سریة ابن رشید و استولی علی ما کان فیها لابن رشید من الطعام.
أقام ابن رشید علی حرب الخبرا عدة أیام، و لکنّ أهل البلد صمدوا لحربه و دافعوا عنها دفاعا شدیدا علی أنه قد ساعده علیهم من الداخل تفشّی الهواء الأصفر فیهم مرض (الکولیرا) الذی لم یعرف بنجد قبل ذلک، و کان قد سری إلیهم من جیش ابن رشید بعد أن تفشّی فیه من اختلاطه بعسکر الترک، فکانوا بین قبضة مرض داخلی و عدو خارجی، و لکن ذلک لم یفل عزمهم، فقد دافعوا دفاع الأبطال أحد عشرة یوما، کانت المدافع تشتغل علیهم لیلا و نهارا، [...] ، فحاصرهم فامتنعوا علیه، ثم دعاهم للتسلیم و علیهم أمان اللّه فاستوثقوا منه و نزلوا بعد أن أمنهم فقتلهم عن آخرهم، و سار و نزل الشنانة فی 16 جمادی الأولی فقطع جمیع نخیلها، و هدم بیوتها و ترکها قاعا صفصفا، و حاصر الرّسّ و نصب علیها المدافع و ضربها، فدافعوا عنها و قتل أمیرها أثناء الحصار، ثم رحل ابن سعود و نزل الرسّ فانقطع ابن رشید عن مهاجمتهم، فأخذت المناوشات بینهم یومیا ستین یومیّا دون أن یکون فیها وقعة حاسمة، فتذمّر أهل نجد و سئموا هذه الحالة التی لا هی حالة حرب و لا حالة سلم، فتفرقت بادیة ابن سعود عنه طالبة المرعی لمواشیها، و لم یبق معه غیر الحضر ثمانمائة و ثلاثمائة من رؤساء البوادی.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 397
و لم تکن حالة ابن رشید بأحسن من حالة ابن سعود، فقد قامت علیه البوادی فطلبوا منه أن یتوسع، فقد هلکت مواشیهم فی هذا المناخ، و کان ابن سعود قد ملک علیهم الطرق فلا یصل إلیهم من القوافل التی یستمدونها من العراق إلّا القلیل، فضاقت علیهم معیشتهم، فأجبروه إما أن یناجز ابن سعود أو یرتحل من موضعه هذا، و کان ابن سعود عند ما ترک البادیة أرسل فهد الرشودی من کبار أهل بریدة یعرض علیه أمر الصلح علی بقاء ما تحت ید کل منهما له، و لکن لم یشأ غرور ابن رشید أن یسمع مثل هذا الکلام، فأساء الردّ، و قال لا صلح قبل أن أضرب القصیم و الریاض ضربة لا ینسوها مدی الدهر، رجع فهد الرشودی یحمل هذا الکلام إلی ابن سعود فألقاه فی مجلسه، و ختمه بقوله: و اللّه یا أهل نجد إنی رأیت رجلا إن ولیکم و تمکّن منکم لیجعلنکم کأمس الدابر، و لا أزیدکم تعریفا بعبد العزیز بن متعب، فکلکم تعرفوه بحوادث الصریف، لا و اللّه لا یرضیه فیکم مثل عمله فی الصریف، و کان الرشودی رجلا حصیفا رصینا فأثّرت کلماته فی الناس تأثیرا شدیدا.

وقعة الحجناوی، أو القوعی‌

شدّ ابن رشید فی الشنانة فی 17 رجب تحت ضغط البادیة، و کان البادیة قد ارتخلوا قبله، و عند ما شد ابن رشید و مشی هجم علیه ابن سعود، فتصادموا و تقارعوا من طلوع الشمس إلی غروبها، و کان قصد ابن سعود بهذا الهجوم أن یحول دون ابن رشید اللحاق بشمر، فشاغله إلی اللیل، نصب ابن رشید خیامه للمبیت لیوهم ابن سعود أنه سیبیت فی مکانه، فانخدع ابن سعود بذلک و رجع إلی مخیمه و أقام حراسا یراقبون حرکات ابن رشید.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 398
عند ما علم ابن رشید برجوع ابن سعود شرع یتأهّب للرحیل، فانطلق أحد الحراس و أخبر ابن سعود أنّ ابن رشید قد رحل، و سارعوا إلی الخیل یتعقبون ابن رشید، فلما قربوا منه رأوا سوادا فأغاروا علیها، فإذا هی عسکر الترک فنازلوهم ساعة، فصمد لهم الترک و ردوهم، فرجع ابن سعود إلی مخیمه دون نتیجة، و لکنه ترک حراسا و کشافة فی مکان قریب من منزل ابن رشید، و قال لهم: إذا رحل إن کان صار طریقه علی الحنف، و هو درب بین جبلی أبانات، فاتبعوه لتکونوا عالمین بمسیره، و أرسلوا لی واحدا منکم یخبرنی.
أما إن مشی إلی قصر ابن عقیل فعلیکم أن تسبقوه إلیه لتشجعوا أهله، و تخبروهم أنی علی أثرکم لیشتد ساعدهم.
رحل ابن رشید من القوعی و نزل علی القصر، و نصب فی الحال مدافعه و شرع یضرب القصر، و کان الکشافة قد سبقوه و دخلوا القصر و أرسلوا یخبرون ابن سعود فخف بمن معه فی الساعة الأخیرة من نهار ذاک الیوم، فوصلوا إلی القصر منتصف اللیل و دخلوه و استراحوا بقیة تلک اللیلة، و فی صباح الیوم التالی 19 رجب شدّ ابن رشید فترکه ابن سعود یحمل أطوابه و یرحل إبله، و عند ما مشی هو و رجاله و عسکر الترک، خرجت علیه خیل ابن سعود و مشی الجند من ورائها فأدرکوه فی الحجناوی، أناخ ابن رشید و جمع جیوشه و نصب مدافعه، و بنی بیوت الحرب فتصادم الفریقان و تقارعا إلی نصف النهار فتقهقر الجناح الأیمن من جیش ابن سعود، فهجم ابن سعود و بقیة جنده هجمة الاستبسال و هدم بیوت الحرب التی نصبها ابن رشید، فحمی و طیس القتال فانهزمت عساکر الترک، ثم تبعهم ابن رشید و قومه و فرّوا هاربین، و أراد ابن سعود أن
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 399
یتعقّبهم و لکن الحملات و الأموال التی ترکها ابن رشید حالت دون ذلک، فشغلوا عنهم بها فاستولی ابن سعود و جنوده علی تلک الأموال التی لا تقدّر، فقد أخذوا أکثر من أربعة أیام ینقلون من هذه الغنائم من الأمتعة و الذخائر و الأسلحة و الفرش و الأثاث و الثیاب، حتی ضاقت أسواق عنیزة و بریدة من هذه الأشیاء حتی صارت تباع بأبخس الأثمان، ناهیک بالإبل و الغنم.
و قیل: إنهم وجدوا بین تلک الأحمال صنادیق من الذهب حملوها إلی ابن سعود، فلم یستأثر بها بل فرّقها علی الجند، و لسنا مبالغین فی وصف هذه الغنائم، فقد أخذت نقلها من مصادر عدیدة و اخترت أقلّها مبالغة إلّا الذهب فلم أسمعه إلّا نقل من کتاب الریحانی، و قد طبقت هذه الروایات علی ما اتفقوا علیه، و ترکت ما شذّ عنها إذ لا خیر فی المبالغة البعیدة عن الحقیقة.
انهزم ابن رشید فی قلّة من الخیل و الجیش، فبات تلک اللیلة فی النیهانیة القریة المعروف بسفح إیان الأسود من الشرق، و لم یکن معه شی‌ء من الطعام و تلافی علیه بتلک اللیلة بعض فلول المنهزمین من قومه فمشی منها و نزل الکهفة، و تلاحق علیه بقیة فلوله. و شرائد العسکر الذین سلموا و أقاموا فیها ثلاثة أشهر.
أما ابن سعود فقد أقام بموضعه حتی استکمل قومه حمل الغنائم فرجع إلی عنیزة، و أقام فیها بضعة أیام، ثم رجع إلی الریاض فی آخر رجب، و أرخص لجنوده یرجعون لأوطانهم، و دخل الریاض فی الخامس من شهر شعبان، فخشی أنّ حکومة الترک تستأنف مساعدة ابن رشید إذا
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 400
بلغها هلاک عسکرها فی هذه الوقائع، فأخذ یخابرها و یستعطفها و یتدخل علیها، و یبدی خضوعه، و أنه بالسمع و الطاعة، و یرجوها أن لا تسمع کلام الأعداء و المغرضین و الذین یصورونه عاصی علی الدولة، و خارج عن طاعتها لعله علی الأقل یکتفی شرها، و قد استنجد بالشیخ قاسم ابن ثانی أمیر قطر أن یساعده برفع البرقیات، و یزیل ما علق بذهن السلطات عن ابن سعود، لأن کلامه مقبول عند الدولة، و لها ثقة فیه، و أجابه ابن ثانی و أرسل عریضة خطیة لوالی ولایة البصرة، و أخری تلغرافیة إلی السلطان عبد الحمید من أربع نسخ أحدها بواسطة الوالی المذکور، و الثانیة بواسطة مجلس الوکلاء الخاص، و الثالثة بواسطة الکاتب الأول فی المابین، و الرابعة بواسطة أبی الهدی الصیادی.
و أرسل ابن سعود تلغرافین إلی السلطان عبد الحمید علی أربع نسخ الأولی نسخة من کل واحد من التلغرافین باسم السلطان بلا واسطة، و نسخة من التلغرافین بواسطة الکاتب الأول فی المابین، و نسخة بواسطة مجلس الوکلاء الخاص، و نسخة بواسطة أبی الهدی أفندی، و إلیک مضمون تلغرافات ابن سعود.

التلغراف الأول من ابن سعود إلی السلطان عبد الحمید

إلی أعتاب سیدی و ولی نعمتی سلطان البرین و خاقان البحرین، خلیفة رسول اللّه السلطان المعظم، السلطان عبد الحمید خان الثانی، أدام اللّه عرش سلطنته إلی آخر الدوران أمین.
أقدم عبودیتی و طاعتی و دخالتی إلی الأعتاب السامیة المقدسة
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 401
ممتثلا کل إرادة و فرمان لست بعاصی و لا خارج عن دائرة الأمر، بل أن العبد الصادق فی خدمة دولتی و جلالة متبوعی الأعظم، أرید الإصلاح ما استطعت قد ابتلانی سبحانه و تعالی بشرذمة یحسدون و یفسدون و لا یصلحون، قاموا یشوشون أفکار دولة جلالة ولی النعم، و یدخلون علی فکرة الشریف الأوهام الواهیة، یریدون تفریق الکلمة الإسلامیة و تقسیم الجامعة المقدسة العثمانیة، و إلجائی إلی الاحتماء بالدول الأجانب، فحاشا ثم حاشا عبد جلالتکم عثمانی صرف، أفدی السدّة العثمانیة بعزیز روحی، أجمع کلمة بادیة الخطة النجدیة بما أتانی اللّه، و منحتنی دولتی العلیة من النفوذ تحت رایة مولانا أمیر المؤمنین سلطان الإسلام و المسلمین السلطان عبد الحمید نصره اللّه، لکن هؤلاء الذین یریدون تفریق الجامعة العثمانیة لا یألون جهدا فی إلقاء الدسائس حتی تمکنوا من جعل الأمر فی غیر قالبه و استجلبوا لی انحرف الرضاء العالی، فساقوا علیّ العساکر الشاهانیة أولا، و استرحمت و قدمت طاعتی فلم أوفّق لإزالة الشبهة التی أدخلها المفسدون، و الآن بلغنی أنّ الحکومة السنیة ساقت علیّ عساکر غیر الأولی، فأنا أضرع إلی مرحمة و شفقة و ضأن و حمایة و دیانة مولانا أمیر المؤمنین أن لا یؤاخذنی بدسیسة ألقاها المفسدون، و لا شبهة احتج بها الحاسدون المزورون، فینظر إلیّ حفظه اللّه بعین العدالة و الشفقة المرحمة، و یحقن دماء ألوف من المسلمین الطائعین الداعین بدوام عرش جلالته.
و علی کل فلیس لی إرادة أو قول أو فعل یخالف الرضاء العالی، و تظهر الحقیقة بالاختبار، کما أنی استرحم من حکمة جلالة مولانا و متبوعنا الأعظم، و فطنته السامیة أن لا یروج مقاصد أرباب الفساد أعداء
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 402
الدین و الدولة، الذین یریدون إشغال دولتنا العلیة و تشتیت عساکرها المظفرة یمینا و شمالا، و إضعاف مالیتها فإن لهم بذلک مقاصد لا تخفی علی سموّ حکمة جلالة مولانا أمیر المؤمنین، و أنا عبد صادق خادم مطیع ملتجی‌ء لمرحمة و شفقة جلالکتکم.
1 رمضان سنة 1322 ه عبد الدولة العثمانیة عبد العزیز بن عبد الرحمن بن سعود.

التلغراف الثانی من ابن سعود إلی السلطان عبد الحمید

إلی أعتاب سیدی ... إلخ.
إنّ مرحمة جلالتکم و شفقة عظمتکم و عفو سلطتکم أجلّ و أعظم من أن یمنعوا (کذا) عن عبد صادق فی عبودیته لسدة أعتابکم مثلی، قدمت جملة دخالات علی أعتاب خلافتکم السامیة الإسلامیة معلنا إذعانی و انقیادی و طاعتی لإرضاء ولی نعمتی، متبوعی الأعظم، و مع هذا فلم تصدر إرادة المرحمة و الشفقة بإیقاف الحرکة العسکریة الموجهة ضدی، مولای أمیر المؤمنین عبد جلالتکم هذا یعلم علم الیقین ما یکلف سوق العساکر الشاهانیة إلی قطعة نجد من المشاق و الأضرار علی الملة الإسلامیة و الجامعة العثمانیة، و یعلم أن المسبب لهذه المشاق و الأضرار دسیسة من أعداء السلطنة السنیة، یریدون تفریق الجامعة المقدسة العثمانیة لیدرکوا مطالبهم.
و أما عبد جلالتکم هذا فسامع مطیع مسترحم عفو جلالتکم، و إن لم أذنب دخیل علی شفقتکم و مراحمکم فی عفوی (کذا) إن کان صدر منی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 403
ذنب، و حقن دماء ألوف من المسلمین من عبیدکم الطائعین الداعین بدوام عرش السلطنة الحمبدیة، و حاشا حکمة جلالتکم أن تصغوا بعد ذلک لزخارف دسائس أرباب المقاصد المفسدین، هذا عرضی و استرحامی و الفرمان العلی الشأن لحضرة جلالة أمیر المؤمنین 5 رمضان سنة 1322 ه.
عبد الدولة العثمانیة عبد العزیز عبد الرحمن بن سعود أرسل هذه التلغرافات علی الشیخ قاسم ابن ثانی أمیر قطر، و طلب منه أن یرسلها بواسطته إلی المراجع التی قدمنا ذکرها، و رجی منه أن یکتب معها إلی السلطان و من یری من مأموری الدولة ما یناسب ذلک، فأرسلها الشیخ قاسم و کتب کتابا إلی مخلص باشا والی ولایة البصرة و تلغرافا إلی السلطان عبد الحمید أرسله بواسطة الوالی المذکور، و بواسطة مجلس الوکلاء الخاص، و هذا نص کتابه إلی والی ولایة البصرة.

کتاب الشیخ قاسم ابن ثانی إلی والی ولایة البصرة

لجانب والی البصرة الجلیلة صاحب الدولة مخلص باشا الأفخم یقتضی علی کل عبد صادق صاحب وجدان و غیرة، و حمیة لدینه و دولته و سلطانه عند حدوث کل مشکلة سیاسیة فی داخل الممالک المحروسة أن یعرض فکره و نصیحته لأولیاء الأمور عساه أن یصادف قبولا، و یوفق لأداء واجب الخدمة بالنصیحة، فإنه لا یخفی علی دولتکم حدوث القلاقل و المشاکل فی قطعة نجد بین الأمیر ابن رشید و المترئس فی وطن آبائه و أجداده عبد العزیز بن سعود، حتی تحول نظر أرباب الحل و العقد من
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 404
أمراء و مأموری الدولة العلیة إلی هذه المسألة، فلبست غیر قالبها الحقیقی، فجعلوها محوجة التدخل العسکری، و یقینا أن ذلک غیر موافق للرضاء العالی، فإن رضاء أمیر المؤمنین حفظه اللّه و نصره فی حل کل مشکلة حلّا لا یخالطه وجود غائلة، و لا یلجی‌ء الدولة لتکبد المشاق و الخسائر و إهراق دماء ألوف من المسلمین، فإن کل حادث لا یحوج إلی التدخل العسکری، إذا صارت فیه المداخلة بادی‌ء بدء کانت نتائجه غیر محمودة، و موجب للتلف و تکبد الخسائر و المشاق و إهراق دماء المسلمین، و فی النهایة لا تأتی بفائدة، و لا تنتج نتیجة حسنة، و ما ذلک إلّا الخطأ السیاسی یتبع.
و نحن جماعة المسلمین لنا شریعة إللهیة تنهانا عن تفریق الکلمة و تأمرنا بتوحیدها و الطاعة الکاملة بجمیع معناها لخلیفة رسوله أمیر المؤمنین بنص وَ لا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَ تَذْهَبَ رِیحُکُمْ [الأنفال: 46]، نعم إنّ من دأبه بذر حب الشقاق و التفرقة بین جماعات المسلمین، یجدون لهم عند حدوث کل حادث بابا واسعا من الأوهام، یدخلون فیه علی متبوعهم الأعظم، لیجروا الأمور علی غیر وفق الرضاء العالی لینالوا بذلک مرکزا و ثروة.
و لیس علی غیر وفق الرضاء العالی لینالوا بذلک مرکزا و تروة.
و لیس قصدی من هذه بیان مساوی‌ء بعض الأمراء و المأمورین، بل قصدی أداء ما یجب علیّ ذمّة و حمیّة و دیانة من أداء النصیحة ببیان لزوم حل هذه المسألة حلّا یوافق للمصلحة بدون إحداث مشاکل أصعب ما هی فیه الآن، و ذلک امتثالا للشریعة الإلهیة ادْعُ إِلی سَبِیلِ رَبِّکَ بِالْحِکْمَةِ وَ الْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ [النحل: 125]، فیلزم علی من هو مثل دولتکم حائزا
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 405
هذا المقام متصفا بالصفات الحمیدة، أن یجعل اجتهاده فی حل هذه المشکلة حلا یوافق للمصلحة الحاضرة، و ذلک بطریق الإصلاح بین الفئتین المتشاجرتین بدون مساعدة أحد الطرفین علی الآخر حتی لا یوجب له المروق عن الطاعة حقیقة و فعلا، و ذلک بأن یکفّ الفریقان کفّا قطعیا عن إحداث القلاقل و إلزام کل منهما الراحة و السکون و إن کان ثمة اشتباه من ابن سعود و أمره أعطی التعلیمات اللازمة و أنذر الإنذارات المقتضیة، فإن أذعنوا و أطاعوا فلا تبغوا علیهم سبیلا، و إن عتوا و عصوا فسوق العساکر آخر علاج تستعمله الدولة لإخضاع الرعایا.
علی أن ابن سعود طلب هذا الأمر مرارا. و بحجة التوهب أدخل أرباب الأغراض علی الحکومة السنیة الأوهام و منعوها من استعمال الرفق الذی هو أوفق للمصلحة.
و مع هذا فإنی مقدم للأعتاب الملوکانیة و لمجلس الوکلاء الخاص تلغرافا هذه صورته أقدمها لفا لتعرض أیضا بواسطة دولتکم عساه أن یصادف قبولا فأفوز بخدمتی لدینی و دولتی و متبوعی الأعظم خلیفة رسول رب العالمین نصره اللّه و أیده، و علی کل حال الأمر و الفرمان لحضرة من له الأمر 8 رمضان سنة 1322 ه العبد الصادق المخلص: قائمقام قضاء قطر و رئیس عشائرها و قبائلها قاسم الثانی:

التلغراف الصادر من الشیخ قاسم بن ثانی‌

إلی السلطان إلی الأعتاب المقدسة و الرکاب المحروسة السلطانیة أثیر اللّه سریر سلطنته بالعزّ و النصر أمین.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 406
إنّ عبودیتی و صدقی و إخلاصی و صداقتی و غیرتی و حمیّتی لا یدعونی أن أترک النصح لدینی و دولتی و سلطانی سواء صادف قبولا أم لا، فقد سبق من هذا العبد الصادق العرض بعدم تنسیب سوق العساکر الشاهانیة علی ابن سعود و أن الأمر دون ذلک، حیث أن المشهور و المعروف عن سیاسة و حکمة مولانا أمیر المؤمنین خلیفة رسول رب العالمین نصره اللّه و أیده، المرحمة و الشفقة لعموم التبعیة السلطانیة، و أن لیس فی طبعه الشریف اتّباع آراء أرباب المقاصد و الأغراض الذین لا یقدرون عواقب الأمور حق قدرها، و الذین لا یهمهم إلّا منافعهم الشخصیة علی أنه لیس هناک سبب یستوجب سوق العساکر المنصورة علی ابن سعود سوی العداوة السابقة الثابتة بحکم الطبیعة بینه و بین الأمیر ابن رشید، و أن الأمیر ابن رشید وجد من یساعده علی مقاصده من أرباب الأطماع ببذل النقدین حبّا للانتقام.
و قد أعرضت بلسان الصدق و الصداقة و استرحمت عدم سوق العساکر الشاهانیة علی ابن سعود، و إن کل مطلب و مقصد یحصل بدون أن تطلقوا علی نجد و أهلها اسم العصیان الذی یکلف الحکومة السنیة من المشاق و المصاریف و الخسائر ما هی غنیة عنها بدون فائدة، علی أن ابن سعود لیس بعاصی و لا خارج عن رسم الطاعة.
نعم إنّ الذین أدخلوا فی أفکار مولانا أمیر المؤمنین سوء قصد ابن سعود و أنّ منه الخطر علی نجد و ما یلیها، هم أعداء الدولة و الملّة الذین یریدون تفریق الکلمة، حیث إن أمثال هؤلاء لا یستفیدون نقدا و جاها و موقعا إلّا بإحداث مثل هذه المشاکل و القلاقل، کما فعلوا فی غیر هذه القضیة، و کما فعلوا فی مبادی‌ء مسألة الکویت، و قد أعرضت أفکاری عند
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 407
حدوث کل حادثة، و الآن قد بلغنی أنّ الدولة العلیة صانها رب البریة قد عزمت علی إظهار عساکر مرة ثانیة لنجد و حیث إنّ هذا القصد مبنیّ علی أوهام لا وجود لها، أتیت أعرض ما یجب علیّ ذمة و دینا من أداء النصیحة، بأنّ سوق العساکر علی نجد و أهلیها لیس فیه صلاح و لا منه فائدة، و أجلّ الفائدة و أعظم الفوز بجمع الکلمة الإسلامیة العثمانیة، و أهل نجد بالتحقیق و ما خرجوا عن هذه الدائرة و لا صدر منهم سوی احتلالهم وطنهم بحکم المشیخة و الریاسة حسب القواعد العربیة، و حیث أن الذی کان مترئّسا فیها ابن رشید، قام هو و من هو مساعد له، و علی شاکلته یدخلون الأوهام علی الحکومة السنیة و لیس عندهم إلّا حب الانتقام بدون مصلحة و لا فائدة.
و الأولی و الأصلح أن ینذر ابن سعود و کبار نجد و علمائه بالنذر و یبلغوا البلاغات المقتضیة سیاسة و یوعظوا بالحکمة و الموعظة الحسنة، فإن أذعنوا و أطاعوا لإرادة سلطانهم.
[...] آخر علاج، علی أنه قد بلغنی أن ابن سعود قد استرحم مرادا بأن الحکومة تشکل لجنة لتحقیق أحواله و أحوال ابن رشید، و کفّ الطرفین، و ذلک أولی و أصلح و أحقن لدماء المسلمین، و أفود للدولة العلیة، و علی کل حال أسترحم باسم العدالة و الصداقة و الحمیة أن یصرف النظر عن سوق العساکر، و تنظر الدولة العلیة فی الأمر بجعل مشایخ نجد مأمورین رسمیین لا فرق بین ابن سعود و بین ابن رشید، کما أنی أسترحم أن لا تجعل نصیحتی فی زوایا الإهمال و الأمر و الفرمان لحضرة من له الأمر.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 408

8 رمضان سنة 1322 ه العبد الصادق قائمقام قضاء قطر و رئیس عشائرها و قبائلها: جاسم الثانی‌

و کانت الصحف العربیة یومئذ تتابع سیاسة الحکومة العثمانیة کما هو شأن الصحف التی تعیش فی الحکومات الاستبدادیة، و لم یکن لها من حریة الکلام ما یخولها تمحیص الحقائق، بل إنها تری و تعتبر ابن سعود عاص و خارج عن طاعة الحکومة، و یطعنون علیه أشد الطعن إرضاءا للباب العالی أو مدفوعین بدافع المصلحة من خصوم ابن سعود الکثیرین، و لم یکن لابن سعود یومئذ اتصال بالصحف، و لا یأبه لما یقال فیها، و لم یدرک فائدة الدعایة معتمدا علی قوة حقه.
و لکن بمناسبة رفع هذه التلغرافات و ظهور أثرها بإصغاء الحکومة إلیها، و اعتبار ما جاء فیها کتب بعض الکتاب مقالة نشرت فی إحدی الصحف بتاریخ 22 ذی القعدة بإیعاز من الشیخ قاسم، و لمناسبتها للموضوع أوردناها إتماما للفائدة، و هذا مضمونها تحت عنوان:

حقیقة الحال فی الحالة النجدیة

إنّ الفتنة التی حدثت فی هذه السنین الأخیرة فی القطعة النجدیة قد نظر إلیها الرأی العام من عقلاء المسلمین و حکمائهم، نظر الاهتمام کأنّها البداء العضال العادی الذی یهدد صحة الأعضاء الرئیسیة من الجسد الإسلامی، حیث إنّهم قد أدرکوا بثاقب أفهامهم المنورة بنور الأعیان، أنها إذا لم تتدارکها حکمة ضلالة خلیفة المسلمین بالحل السلمی السدید
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 409
لا تنتهی إلّا بمداخلة الأغیار المشتت لجموعها أولا و آخرا، و هذا ما عنینا به من قولنا کأنها الداء العضّال العادی ... إلخ.
و حقیقة إذا نظرنا نظرهم هذا أخذت بنا الدهشة کل مأخذ و استولت علینا الحیرة من کل جانب، حتی إذ ما تثبّتنا بعد الدهشة و اهتدینا غب الحیرة، و رجعنا لتلافی الأمر لا و لیس لنا من الأمر شی‌ء سوی استلفات و استعطاف أصحاب أهل الحل و العقد من أمراء الدولة العلیة، الذین هم لا یهمهم سوی الإصلاح لتلافی هذا الأمر، و إخماد ثورة هذه الحادثة و إطفاء نار هذه الفتنة بالإصلاح و التوفیق السدید، لا ببرق السیوف و رعد المدافع و تحشید العساکر و الضغط الموجب للانفجار و تخریب الدار و تدمیر الدیار و تداخل ید الأغیار، و لو بدون أهلیته و استحقاقه کما نعلم و تعلمون.
نعم قد ولی عبد العزیز بن عبد الرحمن آل سعود بلاد أبیه وجده بقاعدة الریاسة المعروفة بالمشیخة فی البلاد العربیة، متغلّبا علی الأمیر عبد العزیز بن رشید و کما تدین تدان. و تلک الأیام نداولها بین الناس، لکن نظرا لما جبل علیه الأمیر ابن رشید من إبایة الغبن، و لما هو متصف به من العناد، و لما له من نفوذ الکلمة و قبول القول لدی أمراء الدولة العلیة، اغترارا بما یرون منه من بهارج القول، و طمعا بما ینالونه من ثمین الهدایا، استمالهم لمساعدته فساعدوه غیر ناظرین لما یؤل إلیه أمر مساعدته من [...] و من [...] و من [...] و إذا لم یفکروا إلّا
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 410
فی أن فی نفس مساعدته و تقویته ذهاب قسم عظیم من ملک الدولة العلیة العثمانیة، فضلا عمّا یکلف الدولة العلیة من المشاق و الخسائر و إضعاف النفوذ و تلف مئات ألوف من المسلمین، و التدخل الأجنبی إلی غیر ذلک من أنواع المضرّات التی لا ثمرة لها غیر التفریق و التشتیت، لوجب أن یکون ذلک حاجزا قویا بین أرباب الحل و العقد، و بین المیل لمساعدة أحد الفریقین علی الآخر، فضلا عن المساعدة فعلا، بل لوجب جمع فکرهم علی اتخاذ الأسباب و الوسائل لإصلاح ذات بین الفریقین و جمع کلمتهم تحت الرایة المقدسة العثمانیة، علی أنّ الأمل الوطید و الحق الحقیق هو أن عبد العزیز بن سعود هو أطوع من غیره لإرادة جلالة متبوعة، مع أنه لم ینظر إلیه بعین الرضا کغیره، و لو نظر إلیه بعین الرضا و رأی المساواة بینه و بین غیره، لرأت الدولة العلیة من خدماته الصادقة ما یجعله أقرب إلیها، و لا تظن إلّا أنّ الذی أغمض عنه هذه العین الجلیلة هو مداخل الأوهام من خرافات المموهین، بأن الخطر علی الحرمین الشریفین و أطرافهما من عبد العزیز بن سعود محقق، لأنه وهّابی، و الحال أنّ التوهّب الذی یرمون به ابن سعود و عشائره أهل نجد هو اعتقاد السلف الصحیح فی توحید الذات الإلهیة و تقدیس صفات الربوبیة، و هذا شی‌ء لا دخل له بالملک و السیاسة، لکن المقاصد تغلب الحقائق.
و أما محافظة ابن سعود علی الحرمین و طریقهما و قصادهما وفود الحجاج و کسر شوکة الذین کانوا یتعرّضونهم من ثوار العشائر البادیة، فهذا محسوس و مشاهد بالعیان حتی رأی الحجاج منذ عامین فی طریقهم کل تسهیل موفرین و مقتصدین، لما کانوا یعطونه من الرسوم المقررة
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 411
لرؤساء العشائر عن ید و هم صاغرون، فکفّت أیدی البادیة، و رأی الحجاج من العزّة و الاحترام ما لم یروه قبل.
و هذه قضیة مسلّمة یقرّ و یعترف بها حتی الخصم نفسه، فنسأل اللّه جلّ جلاله أن ینصر دولتنا العلیة و رجاله الصادقین، و یلهمهم السلوک فی طریق الرشاد، فیصلحوا ذات بین الفریقین و تحفظ الدولة العلیة لنفسها حقوق سیادتها المقدسة فی الجانبین، کذی قبل، و إذا اختلف أحد منهم عن إرادتها و خالف رضاءها العالی إذ ذاک، فلها أنّ تؤنّب و تعنّف و تؤدب بما شاءت و کیفما شاءت و هی ذات السلطة المطلقة فی جمیع ممالکها المحروسة. انتهی باختصار.
أرسل ابن سعود هذه التلغرافات فأثمرت الثمرة المطلوبة، لأن الحکومة قبلتها و أصغت لما فیها، و أثر فی سیاستها نحو ابن سعود، ففی شهر شوّال، أی بعد شهر من إرسال التلغرافات، بعثت إلی عبد العزیز بن سعود بواسطة الشیخ مبارک الصباح تقول: إنها ترید أن تفاوض أباه عبد الرحمن الفیصل، و طلبت أن یوافی والی البصرة بالقرب من الزبیر، فأجابها الإمام عبد الرحمن إلی ذلک، و سیأتی ذکر المفاوضات بموضعه من هذا الکتاب إنشاء اللّه.
خرج ابن سعود من الریاض فی 13 رمضان غازیا و لیس معه إلا أهل الریاض، و قلیل من البادیة، فأغار علی برغش بن طوالة من شمر، و هو نازل فی (لینة) الماء المعروف، و أخذ علیه إبلا کثیرة، و عاد إلی الریاض و دخلها فی 2 شوال.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 412

ابن رشید

أما ابن رشید فقد قلنا إنه نزل الکهفة بعد وقعة الحجناوی و تلافی علیه فلول جیشه و من بقی من عسکر الدولة، و أقام فیها ثلاثة أشهر و رسله و تلغرافاته متواترة بواسطة بعض معتمدیه فی البصرة، و قد بالغ فی استنجاد الدولة و جسّم لها الأخطار التی تهدد الجزیرة من ابن سعود و حلفائه، و زعم أنّ ابن سعود لم ینقلب علیه إلّا بنجدات و عتادات حربیة، ترد إلیه من البحر بواسطة مبارک الصباح.
کانت هذه التلغرافات و الشکاوی من ابن رشید ترد بالوقت الذی ترد فیه استرحامات ابن سعود و تدخله علی الدولة، فحارت الدولة بالأمر و رابها عمل ابن رشید، و التزمت جانب الحیطة و التروی، فأرادت التثبت بالأمور و تحقیق الحالة، فطلبت عبد العزیز المتعب لما فشلت محاولاته مع الدولة، استأنف العمل بنفسه، فأرسل بعض رجاله یبتاعون إبلا للرحلة عوضا عما فقده فی وقعة الحجناوی، فاشتری له فرحلها و غزی علیها، و أغار علی هتیم و هم من قبائل الشمال، و لکنهم لم یذعنوا لطاعته فوجدهم قد انتذروا و احتموا عنه، فلم یدرک منهم طائل، فرجع عنهم و صار طریقه علی حماعة البشری من حرب، و کان من أتباعه مخفرة و أخذ منه إبلا و مالا فساقها معه، و نزل الکهفة کأنه لما خاب من عدوه أراد أن ینتقم من صدیقه، و کان ذلک فی أواخر شهر القعدة سنة 1322 ه.
و فی أواخر شهر ذی القعدة خرج الإمام عبد الرحمن الفیصل من الریاض قاصدا مواجهة والی البصرة، إجابة لطلب الحکومة العثمانیة،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 413
فوصل الکویت و سار معه الشیخ مبارک الصباح، فنزلا بموضع یبعد ساعتین عن الزبیر، فاجتمعا هناک بالوالی، و بعد المفاوضات فی أمور نجد طلب الوالی أن یکون القصیم علی الحیاد، أی أن یتکون من منطقة حیاد مستقلة تقوم حاجزا بین ابن سعود و ابن رشید، و أن یکون للدولة فیها مرکز عسکری و مستشارون، فلم یوافق الإمام عبد الرحمن، و صار مباحث فی شؤون أخری اتضح فیها للوالی کثیرا مما یجهل من أمور نجد، و لم یتّفقا علی شی‌ء، إلّا أنهما جعلا فصل الأمور مرتبط بمواجهة المشیر أحمد فیضی، لأنه قد تعیّن للنظر فی أحوال نجد و إصلاحاته، فرجع الإمام عبد الرحمن إلی الریاض.

حوادث الحجاز

حصل فی هذه السنة و الذی قبلها و الذی بعدها حوادث أثارت الرأی العام الإسلامی، و خاضت الجرائد فی هذه الحوادث، و ترکنا شرحها لموضعه من الکتاب عند کلامنا علی الحجاز.

حوادث سنة 1323 ه

و فی أول هذه السنة، بلغ ابن سعود أنّ المشیر أحمد فیضی باشا علی و شک المنسیر من العراق، و معه قوة، و أنّ صدقی باشا سیخرج من المدینة و معه عسکر، و کان یعلم أنّ فیضی باشا قد تعیّن للنظر فی أمور نجد و إصلاحاته، و لکن رابه الأمر فی سوق العساکر من العراق و من المدینة، فظن أنهم إنما جاؤوا لتنفیذ إرادتهم بالقوة، و خشی من التفاف ابن رشید معهم، فاحتاط للأمر، و کان یتّهم آل بسام فی أنهم هم الساعون فی إخراج العساکر إلی نجد مساعدة لابن رشید بما لهم من المقدرة
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 414
و النفوذ فی دوائر الحکومة، و قد ذکرنا فی حوادث السنة الماضیة قبضه علی رؤسائهم و إرسالهم إلی الریاض.
و فی 3 محرم سنة 1323 ه: أرسل ابن سعود حمود البراک أحد خدّامه، فقبض علی فهد بن عبد اللّه العبد الرحمن، و فهد العبد اللّه المحمد، و صالح المحمد آل محمد و ابنه عبد العزیز، و فهد الحمید، و محمد البراهیم، و عبد العزیز العبد اللّه المحمد، و محمد العبد المحسن، و سار بهم إلی الریاض، فلما وصلوها أرخص ابن سعود لفهد العبد اللّه المحمد، و محمد العبد المحسن فرجعا إلی عنیزة.
و فی شهر محرم فی هذه السنة سار ابن رشید من الکهفة غازیا، و أغار علی الحمید من ابن مطیر، و هو نازل بأطراف الأسیاح، و أخذه و رجع، و فی رجوعه صادف جمامیل من أهل بریدة یحشون، أی یقطعون الکلأ (العشب)، منهم أناس مستأجرون و منهم من یعمل لنفسه و یبیع ما یحصّل من العشب لیقتات بثمنه هو و عائلته، و هم نحو أربعین، فقبض علیهم و جعلهم صفّا واحدا، و أخذ یقتلهم، و فیهم شیخ کبیر و ابن له مراهق بعینه، فقال لابن رشید: أنا داخل علی اللّه ثم علی الأمیر أن تترک ابنی لیعول ثمانیة نسوة لیس لهن عائل غیری و غیره، فما کان منه إزاء هذا الاسترحام إلّا أن قتل الابن بین یدی أبیه و ألحقه به، فشاء اللّه أن یکون مصرعه فی مکان هؤلاء الشهداء علی دور السنة فانظر عاقبة الظلم.
ذکرنا فی حوادث السنة الماضیة مواجهة الإمام عبد الرحمن إلی والی البصرة و مفاوضتهما، و قلنا إنه توقف الفصل فی الأمور لمواجهة المشیر فیضی باشا، لأنه قد تعین للنظر فی أحوال نجد و إصلاحهم، و قد
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 415
اهتمت الحکومة الترکیة للأمر الواقع فی نجد، و لکنها راغبة فی السلم، و قد علمت بعد مفاوضة الإمام عبد الرحمن کثیرا مما کانت تجهل، فأرسلت المشیر أحمد فیضی باشا و معه ثلاثة طوابیر من العسکر و خمسة مدافع من بغداد، و أرسلت صدقی باشا و معه طابورین خرج الأول من العراق و خرج الثانی من المدینة.
و لم ترسل الحکومة هذه القوة رغبة فی الحرب، و إنما أرادت تعزیز جانبها عند المفاوضات السلمیة، و لکن ابن رشید ظنّ أنّ هذه العساکر لم تخرج إلّا لمساعدته، فشّد رجاله و قابل فیضی باشا بمنتصف الطریق الطریق علی خضرا و لینة الماءان المعروفان، فتفاوضا و اختلفا، فکانت خطة ابن رشید مخالفة للخطة التی جاء فیضی لأجلها، فرجع ابن رشید و زمّ مطایاه نحو صدقی باشا، فقابله و فاوضه فلم یجد عنده ما یحب، فرجع ساخطا علیهما، و تحقق لدی فیضی صدق ما قال الإمام عبد الرحمن فی مقاصد ابن رشید، و ثبت عنده أن لیس لابن رشید قصد إلّا الانتقام و البطش بأهل القصیم خاصة و بأهل نجد عامة، فنبذه و تقدم المشیر إلی القصیم، و کان عبد العزیز بن سعود قد خرج من الریاض عند ما سمع بخروج فیضی باشا، و نزل العمار القریة المعروفة فی ناحیة السر.
فکتب إلیه المشیر کتابا یوضّح له خطته، و یقول: إنه ما جاء محاربا بل مسالما و لست محققا مقاصد ابن رشید، و طلب منه أن یلزم مکانه و لا یتقدم، و یرسل أباه عبد الرحمن لیوافیه إلی عنیزة للمفاوضة، فأجابه عبد العزیز إلی ذلک.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 416
و کتب أهل القصیم إلی ابن سعود یخبرونه بقرب وصول المشیر و یستفهمون منه عما یجب أن یعملوه، فأجابهم أن یخلدوا إلی السکینة فلا یأتون عملا عدائیا أثناء المفاوضات.
و کتب المشیر کتابا إلی أهل بریدة، و آخر مع فهد بک الهذال لأهل عنیزة یطلب مواجهتهما، فأرسل صالح الحسن أبو الخیل الشیخ عبد اللّه بن عمرو، و محمد العلی أبو الخیل مندوبین من قبله، و أرسل أهل عنیزة عبد اللّه بن محمد العبد الکریم القاضی مندوبا من قبلهم لیروا ما عنده، فأراد مفاوضتهم فی مسألة القصیم، و رغبة الدولة بفصله عن ابن رشید و ابن سعود، و إبقائه علی الحیاد، فقالوا: إننا لا نملک المفاوضة بهذا الخصوص، فإن ذلک راجع إلی ابن سعود، فرجعوا من عنده بدون نتیجة.

قدوم الإمام عبد الرحمن إلی عنیزة و قدوم المشیر أحمد فیضی باشا إلی عنیزة

رحل المشیر و نزل قرب بریدة، و خرج إلیه صالح الحسن و وجهاء أهل بریدة و خاطبهم فی مهمته و مقاصد الدولة الإصلاحیة، فأجابوه إن کان الأمر بیننا و بین الدولة، و لا لابن رشید مدخل فی شی‌ء من الأمور، فنحن سامعین و مطیعین، و إن کان دولتکم، إنما أتیتم لتأیید سلطة ابن رشید، فهذا مما لا نقبله و لا نرضاه، فطمأن خواطرهم أنه لا یقصد شیئا من ذلک، ثم شدّ و نزل قرب عنیزة بین الوادی و الدیرة 4 صفر، فخرج إلیه الأمیر عبد العزیز آل سلیم، و أعیان جماعته و خاطبهم بمثل ما خاطب به أهل بریدة، و أجابوه بمثل جوابهم، و کان الإمام عبد الرحمن قد أقبل
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 417
و نزل قرب عنیزة، و نزل جنوبا عن البلد، و قد تواجه و المشیر فی البلد، فطلب المشیر أن یکون للدولة مرکزان عسکریان، إحداهما فی بریدة، و الثانی فی عنیزة، و ذلک مؤقّتا إلی أن یتم الصلح بین ابن سعود و ابن رشید.
فرفض أهل القصیم هذا الطلب، فاستمرت المفاوضات علی هذا النحو لم تتقدم، فبینما هم فی أخذ ورد، إذ ورد الأمر إلی فیضی باشا بالتوجّه إلی الیمن بوجه السرعة، فقد کان الإمام یحیی، قد شدّد نطاق الحصار علی صنعاء، و فیها ستون ألف من الترک العسکریین و المدنیین، و لیس عند الدولة قریبا من الیمن أقدر من فیضی باشا توکل إلیه إنجاد عسکرها المشرف علی الموت، لذلک صدر الأمر إلی أحمد فیضی بالإسراع إلی الیمن، فاکتفی من أهل القصیم أن یقبلوا نقطتان عسکریتان أحدهما فی عنیزة، و الثانیة فی بریدة، تحققان تبعیتهما للدولة، فأرادوا رفض ذلک أیضا. و لکن الإمام عبد الرحمن طلب منهم قبول ذلک مؤقّتا، فقبلوا فجعل فی بریدة نحو مائة نفر رفعوا علی محلهم العلم العثمانی، و جعل فی عنیزة ستون رجلا و رفعوا العلم العثمانی عند دخولهم فی مأذنة الجامع، ثم کانت ترفع فی یوم الجمعة من کل أسبوع، استمر ذلک نحو سنة، ثم ترکوا ذلک بعد أن رحل العسکر بأجمعهم من نجد، کما سیأتی بیانه فی حوادث السنة الآتیة.
رحل فیضی باشا و ترک القصیم و مشاکله لصدقی باشا یحلّها بالتی هی أحسن، و ترک عنده العسکر، ثم رحل صدقی و نزل الشیحیة و رجع الإمام عبد الرحمن إلی الریاض فی أواسط شهر صفر.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 418

إطلاق سراح آل بسام‌

فی أواخر شهر ربیع الآخر من هذه السنة أطلق الإمام سراح آل بسام إجابة لطلب و وساطة الشیخ قاسم بن ثانی، فأرسل عبد اللّه العبد الرحمن البسام و صالح الحمد، و حمد المحمد العبد العزیز، و حمد المحمد العبد الرحمن، و عبد العزیز العبد اللّه المحمد، و محمد العبد اللّه البراهیم مع رسول خاص حتی أوصلهم عند الشیخ قاسم فی قطر و بقیتهم رجع إلی عنیزة من الریاض.

المساعی التی بذلت‌

قد ذکرنا فی حوادث أول السنة الماضیة و حوادث أول هذه السنة، ما کان من القبض علی آل بسام و أسبابه فی الریاض. و کان مقامهم و مرکزهم فی الهیئة الاجتماعیة، یعتبر بالدرجة الأولی فی وطنهم فقط، بل فی عموم نجد و کان لهم محلات تجاریة فی العراق و الهند و الحجاز و الشام لها مقامها الممتاز بتلک الأقطار، و کان لهم صلات وثیقة مع بیت آل النقیب فی العراق و الأشراف فی الحجاز علاوة علی ما کان لهم من النفوذ فی نجد بواسطة علاقاتهم الوثیقة مع ابن رشید، و کان ابن سعود یتهمهم بأنهم هم الذین حرّکوا هذه الأمور و سعوا لدی الدولة و موظفیها بالعراق و الحجاز و الشام بإیعاز من ابن رشید، و أنهم بذلوا معظم ثروتهم للسعی فی هذا السبیل، و هذه التهمة تتجه بالأکثر علی بیت آل عبد اللّه العبد الرحمن البسام خاصة، و أما الباقون فلیسوا فی هذا السبیل، و إنما عمهم الأمر.
کل هذه المعلومات تتصل لابن سعود من مبارک الصباح الذی له
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 419
شبه دائرة استخبارات فی العراق بل فی نفس دوائر الحکومة، فکان هو العامل الأول علی حمل ابن سعود علی شیلهم من عنیزة و إبعادهم عنها.
سعی محلهم فی الحجاز لدی عون الرفیق شریف مکة، یومئذ و رجوا منه أن یبذل نفوذه، و یسعی فی سبیل إطلاقهم فأجابهم الشریف، و کتب لابن سعود کتابا أرسله مع رسول خاص یتشفّع فیهم، و یرجوا إطلاق سراحهم، فکتب إلیه ابن سعود کتابا رقیقا، و أوعده أنهم سیرجعون إلی وطنهم بعد انتهاء الحوادث الجاریة بیننا و بین ابن رشید.
فلما فشلت مساعیهم من هذه الجهة سعی محلهم بالبصرة لدی نقیب البصرة، و رجاه أن یتوسط لدی ابن سعود، فأجابهم و هو لا یعلم أنّ الشریف قد سبقه إلی ذلک، فکتب إلی ابن سعود، بهذا الخصوص و أرسله مع رسول خاص، فأمله ابن سعود و لم یبعده علی أن جعل الأمر إلی غیره، و قال أن أمرهم إلی جماعتهم أهل عنیزة، و سنراجعهم، فکتب إلی أمیر عنیزة و جماعته، یبلّغهم بوساطة النقیب و طلب أن یبدوا رأیهم فی ذلکد فجاءه الجواب منهم مفوّضین فیه الأمر لما یراه، و لا یسعهم غیر ذلک.
دفع النقیب بحجة المراجعة، و تغافل بعد ذلک لأنه خرج غازیا فی 13 رمضان بعد وصول الجواب بیوم، فشلت وساطة النقیب کما فشلت وساطة الشریف، و لکن ذلک لم یثن عزمهم، فکتبوا إلی الشیخ عبد العزیز ابن علی بن إبراهیم یرجونه أن یکتب إلی الشیخ قاسم بن ثانی أن یتوسط لدی ابن سعود، و کان بینهم و بین ابن إبراهیم روابط وثیقة من جهة ابن رشید، و بین ابن إبراهیم و الشیخ قاسم بن ثانی روابط تجاریة، قدیسة،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 420
فأجابهم إلی طلبهم، و کتب إلی الشیخ قاسم یرجوه أن یبذل نفوذه لدی ابن سعود، و یسعی فی إطلاقهم، فلبّی الشیخ قاسم طلب الشیخ ابن إبراهیم، و سعی فی هذا السبیل، و بالغ حتی أدرک مقصوده بعد مراجعات عدیدة، و بما أن لدینا بعض الوثائق أحببنا إثباتها هنا إتماما للفائدة:

وساطة الشیخ قاسم بن ثانی‌

کتب الشیخ قاسم إلی الإمام عبد الرحمن یرجوه أن یشفعه فیهم، و أن یهبهم له، و أن یکرمه بشرف القبول و إطلاق سراحهم، و لکن الإمام عبد الرحمن لم یقدر أن یجاوبه قبل أن یراجع مبارک بن صباح، لأن له بعض التداخل فی أمرهم، فکتب الإمام عبد الرحمن إلی مبارک یخبره أن الشیخ قاسم بن ثانی قد توسّط فی أمر البسام، و هو عزیز عندنا، و له معنا مقدمات حمیدة، و لا یسعنا العذر فی عدم إجابته و أخذنا جواب کتابه إلی أن نعرف رأیکم فی هذا الأمر.
و لا نعرف بماذا جاربه الشیخ مبارک، و لکن الذی أعلم أنّ مقبل بن عبد الرحمن الذکیر کتب إلی الشیخ مبارک الصباح یرجوه أن یکتب إلی الإمام عبد الرحمن کلمة طیبة بحق آل بسام، لأن مفبلا یعلم أنّ مبارکا هو السبب المباشر لحبسهم بموجب الملحاق الذی أرسله مبارک إلی مقبل مؤرخ 18 محرم سنة 1322 ه، یقول: إننا کتبنا إلی ابن سعود یشیل البسام إلی الریاض لأن ما فی بقائهم فی عنیزة صلاح، و من المعلوم أنّ البسام لم یقبض علیهم إلّا فی السادس من شهر صفر.
جاء الجواب إلی مقبل من مبارک مؤرخ 25 رمضان سنة 1322 ه یقول: من طرف جماعتنا آل بسام نحن من مدة ثلاثین یوما کتبنا إلی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 421
عبد الرحمن الفیصل و ابنه عبد العزیز أن رخصونهم یرجعون إلی وطنهم أیضا بتاریخه کتبنا عن هذا الخصوص.
أما الإمام عبد الرحمن فقد کتب إلی الشیخ قاسم کتابا مؤرّخا 15 شوال یقول: إنه راجع الشیخ مبارک و لم یصله الجواب بعد.
و هذا مضمون الکتاب:

کتاب الإمام عبد الرحمن إلی الشیخ قاسم بن ثانی‌

قال: أدام اللّه وجودک ما عرف جنابک، کان لدی مجیئک معلوم مخصوص من قبل أخبار الدولة و حرکاتهم، و أنتم کتبتوا عرض حال لوالی البصرة، و قیل إلی المابین، و اجتهادکم علی ما بصلح أحوال المسلمین و یکافی عنهم، نرجوا أن اللّه یدیم لنا وجودکم و یجعلنا و إیاکم من أنصار دینه.
و تعرف طوّل اللّه عمرک أنّ الیوم الدین و الحمیة ضاعت عند العرب، و أنا و اللّه ما أخبر الیوم من یطفی هالأسباب، و یجتهد فی إطفائها إلّا أسباب اللّه ثم أسبابکم، و هی إنشاء اللّه کل عمل لغیر اللّه باطل، و أنت أدام اللّه وجودک ما یحتاج من یوصیک من قبل هالمراد، لأنک أحرص علی المسلمین من أنفسهم و قومتک إنشاء اللّه للّه.
کذلک عرف جنابک من قبل آل بسام و تعرف أدام اللّه وجودک لو أنهم محبوسین فی دیرة بعیدة ما نطولها إلّا بأمر کاید اهفینا، أرقابنا و أموالنا فی الأمر اللی یلیق لجنابکم، و تطلبه أنفسکم، و نقول حلّة البرکة
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 422
و عرفتنا أن جنابکم عرف الشیخ مبارک، و تعرف أدام اللّه وجودک أن الأمر فیه بعض تداخل للشیخ ما هو خافی جنابک، و هنا حال وصول الخط و هنا مرکبین للشیخ طارش، و معرفینه أن جنابکم اعترض و توجه، و إن حنا ما نقدر إلّا أنتم لجنابکم، و معرفته أن لو أنتم طالبین أحد عیالنا أرسلناهم، و هو إنشاء اللّه ما یقصر و أنت أجزم، و اعتقد أنّ الأمر الذی تجی فیه إنشاء اللّه یتم و حنا أملنا البسام موجب و جاهتکم و أنتم بعد إنشاء اللّه اکتبو لهم و أملوهم، و حنا حال ما یصلنا خط الشیخ و حنا معرفین جنابکم بالذی بخواطرنا سوی أنهم یروحون من عندنا، أو یصیر مجیئهم إلیکم. و حنا قد توجهوا علینا النقباء، و توجهوا الأشراف بشی‌ء ما هو خافی جنابکم، و لا و اللّه أملناهم لکن أنتم ما نقدر، لأن الأمر الذی تبونه منّا إنشاء اللّه یتم و السلام 15 شوال 1322.
فهذه الرسالة الأولی و بالرغم من هذه التأکیدات فقد مضی ستة أشهر کاملة بعد هذا الکتاب لم یطلق سراحهم لاشتغال الإمام عبد الرحمن بمواجهة والی البصرة، فی أواخر شهر ذی القعدة، و بمواجهة المشیر فیضی باشا فی القصیم، و بعد أن تفرغ من هذه المهمات و الشیخ قاسم لم یزل یستحثه فی إنجاز وعده، فلما کان فی النصف من شهر ربیع الثانی جهّز الإمام عبد الرحمن، عبد اللّه العبد الرحمن، و صالح الحمد، و حمد المحمد العبد العزیز، و حمد المحمد العبد الرحمن، و عبد العزیز العبد اللّه المحمد العبد الرحمن، و محمد العبد اللّه إبراهیم، و أرسلهم إلی الشیخ قاسم فی قطر لأنهم اختاروا التوجه إلی العراق، و أرسل الإمام معهم خداما من قبله، و أما الباقون فقد اختاروا التوجه إلی عنیزة فرجعوا إلیها.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 423
و کتب الإمام معهم کتابا للشیخ قاسم هذا مضمونه:

کتاب الإمام عبد الرحمن الفیصل إلی الشیخ قاسم بن ثانی‌

قال: کتابکم المکرم الذی علی ید الابن عبد العزیز وصل، وصلکم اللّه إلی ما یرضیه، و أسرنا طیبکم و سلامتکم أدام اللّه تعالی ذلک لکم، و حنا سلمک اللّه قصرنا فی تأخیر جوابه، و المانع لنا عن ذلک ما أحبینا نکتب لکم حتی تنقضی مادتنا حنا و طوارف الدولة، و نذکر لکم المواد علی حقائقها، أما مادة والی البصرة فقد بیّناها لکم یوم حنا بأطراف الکویت، و صار انفصال الأمر مرتبط بمواجهة المشیر، لأنه قد تعین للنظر فی أحوال نجد و إصلاحاته، و تواجهنا حنا و المشیر فی عنیزة و سهل اللّه الأمور و هوّنها بلطف منه و رحمة للمسلمین، و صار الخیر فیما اختاره اللّه، صارت ظهرتهم إلی نجد هی عین الخیرة، أشرفوا علی نجد و أحوالها و أصابهم مشاق عظیمة کلفتهم غایة الکلافة، و تحقق عندهم تشبیهات و تزویر ابن رشید و غیره من المفسدین.
و من أعظم ما تبین فی هالأمر و قام و اجتهد فیه شریف مکة، و الحامل له علی ذلک آل بسام و ما ساقوه من الفلوس له أکثر من اثنی عشر ألف لیرة، و لا أحد قام فی هالأمر، و اجتهد و فتح لهم بیان حتی أمر هالرتب فی القصیم الأطوار منهم فی الشام و الحجاز و العراق، کل ما یقدرون علیه من الشین و الفساد ما ذخروه، و مع هذا فلا و اللّه لهم طاری‌ء عند والی البصرة، و لا عند المشیر إلّا أنهم یمقتونهم بأفعالهم، و شریف مکة ما زاد شرّه إلّا لأن حنا ما وجهناه فیهم، و جمیع ما ذکرنا
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 424
لکم من طرفهم مهرب ظن، لأن من طوارف الدولة الذی حنا واجهنا، و هم یلحقون العلم، و لکن من فضل اللّه عکس اللّه أمل کل مفسد، و أظهر اللّه نوره و لطف بالمسلمین و رحمهم، و صار الیوم جمیع الناس شبهوا علی الدولة صاروا عندهم أهل کذب و افتراء، و لا صاروا عندهم علی محل.
و أنت اللّه یسلمک و یبقیک عرضت وجهک علینا من طرف آل بسام، و تدری أنک بمنزلة الوالد، و لا یمکن الأولاد إلّا طاعة والدهم، علی کل حال آل بسام موجب أمرکم نجهزهم و نعمد معهم خدام، إلی ما یاصلون بهم إلی جنابکم إنشاء اللّه، و هم وارد علیهم لنا ثلاثة أمور:
الأمر الأول: أنی یوم ألغیت عنیزة جونی أهل القصیم کلهم، و تدخلوا علیّ صغارهم و کبارهم حتی یزورهم نساءهم مخصوص أهل عنیزة أن حنا ما نبلاهم بآل بسام، و إن کان المشیر مطریهم لک ظهرنا للمشیر حتی نساءنا نسوقهم علیهم نتدخل فیه عنهم ما یبلانا بهم.
الأمر الثانی: إنّ المسلمین تحملوا خسارة قویة، و حنا فی بدتنا خسرنا خسارة قویة، و الحقیقة اللّه یسلمک أنّ آل بسام هم الذین مستحقین لشیل هالحمل الثقیل، لأنهم أوجد أهل نجد و أقدرهم، و هم الذین حرکوا أسباب هالشر الذی ضرّ المسلمین.
و الأمر الثالث: أنّ هذی أمور کلها استکفینا باللّه ثم بک فیها، و حنا و المسلمین داخلین علی اللّه ثم علیک، و فی ذمتک، و أنت إنشاء اللّه أشفق منا علی ما یصلح للإسلام و أهله، و هم یاصلونک إنشاء اللّه، و الأمر للّه ثم لک.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 425
و عن المواد الذی صارت بیننا و بین المشیر أمّرنا علی جمیع بلداننا و عرباننا، إلّا أن یبقی فی القصیم قدر ستین نفر لأجل الرسمی، و تحقیق تبعیة نجد للدولة عند الدول و المشیر أحمد فیضی مشی إلی الیمن لأنه جایه أمر من اصطنبول أنه یاصله و ریقی الغریق معه باقی العسکریین یرحلهم أحد للعراق، و أحد للمدینة لکن مخل بهم قل الرحلة، و هو مجتهد فی تجمیع رحله، و ما حصل له مشاه منهم نرجو أن اللّه سبحانه یرزقنا و إیاکم شکر نعمته علی ما منّ به علی المسلمین من دفع الشر، و یجعلنا و إیاکم من أنصار دینه، و یوفّقنا و إیاکم لما یحب و یرضی، و دمتم محروسین، أول ربیع الثانی سنة 1323 ه.

کتاب الشیخ قاسم بن ثانی إلی مقبل الذکیر

قال بعد الاسم و السلام کتابکم العزیز وصل خصوصا عن الجماعة آل بسام الحمد للّه، و اللّه یاخی إن هذی نعمة ما نحصی شکرها للّه، و اللّه أن یهوّن علی لو نصف حلالی فی ما منّ اللّه علینا بسبب فکهم، و إلّا ما فکهم بهیّن علی، جمیع من له مدخل فیهم، و لکن مثل نزع الروح من الجسد، و آخر الأمر جا عبد العزیز منی کتب أوجب فکهم برضی الراضی و زعل الزاعل، ذکرته فی ملحاق للشیخ عبد اللّه بن عبد اللطیف فی ثلاثة طباق (أی ست صفحات)، مقامنا و فعلنا معهم من خمسین سنة، و یوم جاه الذی هو خابره، و الذی خابره غیره ما بلا بالذی زعل، و راضی، فما قصّر جزاه اللّه خیرا علی کل حال، و اللّه یلحقنا جزاه، و إلّا ما قصروا عنه العدوان و أهل الاعتراض، و اصلک ملحاقین، واحد من الشیخ مبارک اتلی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 426
ما جاهم منه ، و الثانی من عبد الرحمن الفیصل جای منه فی أیام ، الملاحیق ما أحبیت أحد یطلع بهم و أرسلتهم تنقلهم و ترسلهم للشیخ عبد العزیز بن إبراهیم و الحظ لأجل أنی تکلفت بکتبه، ما ودّی أحد یدری به غیرک و غیر الشیخ، و الملاحیق إذا أخذت نقلهم أرجعهم علینا مع ید صفیه.
و الجماعة طیبین کلهم و لا لحقهم تعب و تلقیناهم فی المرضیة مزرعة للولد خلیفة، أحبینا لهم الراحة یومین هناک، و بعد رکبنا معهم للوسیل و هم ودّهم بالسفر (حداکم) ، و هنا ودّنّا لهم بالراحة لو ستة سبعة أیام و الحمد للّه الذی أطلقهم و سلمهم.
و الشیخ عبد اللّه بن عبد اللطیف ما قصّر فأحل فیهم علی شاننا، و علمه طیب و غانم معهم من کثر ما أشرف علیه من حرصنا و السلام، 2 سلخ ربیع الثانی سنة 1323 ه.

وصول البسام إلی البحرین و سفرهم إلی البصرة

وصل آل بسام من قطر إلی البحرین، و نزلوا بضیافة فیصل بن عبد الرحمن الذکیر، و أکرمهم بما هم أهله، و دعاهم الشیخ عیسی بن علی آل خلیفة، و کان یومئذ بمصیفه فی قلعة الدیوان بالمنامة، و أقاموا بضعة أیام کانوا فیها محل حفاوة و إکرام، ثم سافروا بالمرکب إلی البصرة،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 427
و أقاموا فیها إلّا عبد اللّه العبد الرحمن، فإن سافر إلی الحجاز و أقام فیه إلی أن توفی رحمه اللّه.

رجع الکلام إلی تتمة حوادث هذه السنة

من بعد المفاوضات التی جرت بین الإمام عبد الرحمن الفیصل و المشیر أحمد فیضی، حصل اختلاف بین أهل القصیم بالنظریات، فمنهم من یمیل إلی طلب الدولة بفصل القصیم و استقلاله تحت سیادة الترک و منهم من یمیل إلی الصلح مع ابن رشید، و منهم من یمیل إلی ابن سعود، و أن یبقون علی ما هم علیه، و قیل إن الأمیر صالح الحسن یمیل إلی الرأی الأول و یؤید أهله، و لم ینکر علی أهل الرأی الثانی.
و قد کثر الکلام بین أهل بریدة فی هذا الخصوص، و تظاهروا به و لم یستقر أمرهم علی رأی واحد، و لم تکن حالهم متفقة، و قیل: إن صدقی باشا علی اتصال بإحدی هذه الأحزاب، و یشجعه علی عمله سرّا، و کان ابن سعود علی علم بما یجری و لا یجهل شی‌ء من أمورهم، و لکنه کعادته لا یحب التعجّل بالأمور، و یترک کل شی‌ء للوقت المناسب، فتجاهل الأمر ظاهرا، و لکنه نفض یده منهم، و رجع إلی بلاده و فی نفسه ما فیها علیهم، و ترک المیدان خالیا لأهل القصیم و ابن رشید و وکل إلیهم أمر الدفاع عن أنفسهم، و کان قد حدث فتنة بین الشیخ قاسم بن ثانی و أخاه أحمد فاستنجده الشیخ قاسم فرأی الفرصة سانحة له للابتعاد عن القصیم، و أهله، فصار لنجدة الشیخ قاسم و قضی علی خصوم الشیخ قاسم و هرب أحمد بن ثانی إلی البحرین.
أما ابن رشید عند ما علم أن ابن سعود رجع إلی بلاده لخلاف بینه
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 428
و بین أهل القصیم، أو بالأحری بینه و بین ابن مهنا جهّز سریة یقودها حسین ابن عساف و صالح بن عذل فدخلا بلد الرس و استولوا علیها، و أخرج أمیر ابن مهنا منها فاشتد ساعد أنصار ابن سعود من أهل بریدة علی خصمائهم، و بان عجز ابن مهنا عن الدفاع عن بلدان القصیم، فأرسل جماعة من الموالین لابن سعود کتابا إلی الشیخ مبارک یرجونه أن یصلح حالهم مع ابن سعود، فکتب ابن صباح إلی عبد العزیز بن سعود یرجوه أن یسمح عن أهل القصیم و أن لا یؤاخذهم، و کرر الرجاء أن یمدهم بالمساعدة قبل أن یتمکن ابن رشید من القصیم فتخسروه معا.
فوصل کتاب مبارک و ابن سعود فی أطراف الحسا راجعا من قطر، فرجع إلی الریاض.
أما صالح الحسن بن مهنا فقد جهّز سریة عدد رجالها نحو المائتین، یرأسهم أحد إخواته و أرسل إلی أهل عنیزة یرجوهم أن یمدوه، فأرسلوا له سریة یقودها صالح العلی السلیم، و عدد رجالها نحو المائة، فانضموا إلی سریة ابن مهنا، و نزلوا بوسط القصیم لحمایة بلدانه، و معهم من البوادی قبیلة عتیبة ضابطین أمواه القصیم شرقیهم ابن ربیعان علی الدویجرة، و جنوبهم ابن حمید علی البراکیة و البدائع، و معهم الحمیدانی من مطیر، و لکن البادیة لا یعتمد علیها فی الدفاع، فقد شد ابن حمید و الحمیدانی و نزلوا الشقیقة خوفا من ابن رشید، أن یهجم علیهم، و قد بلغهم أنه نزل الفوارة.
و فی الحقیقة أنه لم یقصد البادیة و إنما جلّ قصده أن یحول علی السریة و یقتلهم أجمعین.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 429
جاء صالح بن سلیم أمیر سریة عنیزة إلی ابن مهنا کبیر سریة بریدة، و قال: إن البادیة ابتعدت عنا و صرنا الآن شجرة شفا، و لا نأمن هجوم ابن رشید علینا، فالأولی أن نرتحل و ننزل أحد القری المجاورة لنا نتحصن فیها، و نکون مراقبین لما یجری حولنا، قال ابن مهنا: نحن ما خرجنا إلّا لحمایة أطراف البلدان، و لا یمکن أن نرتحل من موضعنا.
قال ابن سلیم: أما أنا و جماعتی حالا ماشین إلی أقرب قریة توالینا، و لا یمکن أن نکون لقمة سائغة إلی ابن رشید ارتحل ابن سلیم من موضعه و نزل الشقة قریة تبعد عن بریدة نحو ساعتین، و أقامو خارج البلد فی مزارع مسورة علی قدر القامة و باتوا لیلتهم.
أما ابن مهنا فقد قام علیه جماعته و أجبروه أن یرتحل و یتبع أهل عنیزة، فرحل فی أول اللیل و أسری فی لیلته، و من الصدف أن ابن رشید کان علی أثرهم لأنه بات قریبا منهم، و لم یشأ أن یهجم علیهم لیلا لئلا یفوته منهم أحد، فأخّر الهجوم إلی الصبح لیستحوذ علیهم، ثم بلغه رحیلهم، فرحل فی أثرهم و لم یدرکهم إلّا بعد أن أقبلوا علی الشقة، فأخذوا یقاتلون و هم سائرون کل ما قرب منهم أبعدوه إلی أن وصلوا البلد، فانضموا إلی أهل عنیزة، و کانوا علی غیر تعبئة، فمنهم من دخل القریة و تحصّن فیها، و منهم من نزل فی المزارع التی خارج البلد. خزانة التواریخ النجدیة ؛ ج‌7 ؛ ص429
بهم ابن رشید من کل جانب، و فصل أهل القریة عن السریة التی فی المزارع إذ جعل قوة تحول دون اتصال بعضهم ببعض، فأیقن الجمیع بالهلاک، و لکن الیأس یحدث قوة و شجاعة، فأبدت هذه السریة من الشجاعة و الاستبسال، ما یقصر دونه الوصف، و ساعدهم أهل القریة
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 430
فأشغلوا قسما لیس بالقلیل من قوات ابن رشید، و استمر القتال من طلوع الشمس إلی بعد الظهر، و هو علی أشد ما یکون، و لم ینل منهم منالا، فلما کان بعد الظهر ما راع ابن رشید إلّا و قد طلعت علیه الخیل، ثم تبعهم أهل الجیش و من بعدهم الرجالة، و کان قد انطلق أحد خیّالة السریة إلی بریدة یستنجدهم، فصاح بوسط البلد بأعلا صوته: النجدة النجدة، فإن ابن رشید قد أحاط بالسریة علی الشقة و ما أراکم تدرکونهم، و کان أکثرهم قد دخل مسجد الجامع لصلاة الجمعة، فخرجوا منه سراعا إلی بیوتهم و أخذوا سلاحهم، و رکبوا ما وجدوا من الخیل و الجیش، و من لم یجد سار ماشیا و لم یستغرق مسیرهم أکثر من ساعة.
فوصلوا و السریة لم تزل محافظة علی مراکزها، إلّا أنهم قد نهکهم التعب و العطش، و لو تأخرت النجدة قلیلا لهلکوا، و لکن لطف اللّه بهم بوصول النجدة إلیهم.
أما ابن رشید لما رأی النجدة قد أقبلت إلیهم انسحب و رجع من حیث أتی بعد أن تکبّد خسائر فادحة، و لم یقتل من السریة إلّا قلیل.
أخبرنی بهذا الخبر رئیس سریة عنیزة صالح العلی السلیم بعد هذه الوقعة بأقل من سنة، لأنی یومئذ فی البحرین، و وصلت عنیزة فی أثناء هذه السنة و وقفت علی هذا الخبر منه تفصیلا و هو یتفق مع ما رویته من مصادر أخری، و لکنی رجّحت روایة صالح لأنه هو أمیر السریة، و شاهد عیان، فدوّنتها عندی و لم أعلم أنی سأحتاج إلیها فوجدتها بین أوراق قدیمة.
بعد هذه الحوادث اضطر صالح بن حسن المهنا فأرسل أخاه مهنا
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 431
إلی عبد العزیز العبد اللّه بن سلیم أمیر عنیزة یرجوه أن یرسل معه أحد أولادهم و بعض أعیان أهل عنیزة لیساعدوه علی استرضاء ابن سعود، فأجابه إلی ذلک و أرسل معه وفدا من وجهاء أهل عنیزة، فوصلوا الریاض و عبد العزیز لم یزل فی قطر، و بعد أیام قلیلة وصل عبد العزیز بن سعود و استقبلهم و أکرمهم و أجاب ملتمسهم و عفی عن ابن مهنا، و أوعدهم بالمسیر إلی القصیم علی أثرهم، و فی أواخر شهر رجب خرج محمد بن عبد الرحمن علی رأس سریة، فأغار علی فریق حرب الموالین إلی ابن رشید و أخذهم، و عاد فنزل السر ثم رحل و نزل بریدة فی أول شعبان.
و فی عاشر شعبان وصل الإمام عبد العزیز و نزل عنیزة، فلما بلغ ابن رشید وصول ابن سعود القصیم خرج من الکهفة غازیا یرید قبائل القصیم، فلم یدرک مراما، و رجع خائبا و جعل طریقه علی بریدة فحفها، و أغارت خیله علی أطراف البلاد فخرج إلیه محمد بن عبد الرحمن و معه أهل بریدة، فحصل بینهم مناوشة بین أهل الخیل و طردوه، فبلغ الإمام عبد العزیز الخبر و هو فی عنیزة، فخرج فازعا و معه أهل عنیزة، فوجدوا ابن رشید قد انهزم فنزل عبد العزیز بریدة، و رجع أهل عنیزة إلی بلادهم، فأرسل ابن سعود إلی بلدان الجنوب، و أمر علی غزوانهم أن یوافوه إلی القصیم، فلما أقبل غزوهم خرج الإمام من بریدة بمن عنده و انضم إلیه غزو الجنوب، و سار قاصدا قبیلة عتیبة الموالین لابن رشید، و أغار علیهم فی عالیة نجد و أخذهم، فبلغ ابن رشید أن ابن سعود غزی فی قله، فسار علی أثره یرید أن یهاجمه بالوقت الذی هو یهاجم عتیبة لیضربه من خلفه، و لکن ابن سعود سبقة إلی مهاجمة عتیبة، و لما بلغ ابن رشید ذلک تهیّب مصادمة ابن سعود، و رجع عنه، و رجع ابن سعود إلی بریدة.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 432

وفاة الشیخ یوسف بن عبد اللّه بن إبراهیم‌

و فی شهر شوّال من هذه السنة، توفی المرحوم الشیخ یوسف بن عبد اللّه بن إبراهیم المشهور و الخصم الألدّ للشیخ مبارک الصباح.

1324 ه وقعة روضة مهنا و قتل ابن رشید

اشارة

ذکرنا فی آخر حوادث السنة الماضیة وفاة الشیخ یوسف بن إبراهیم، و احدثت وفاته تغیرا کبیرا فی سیاسة ابن صباح لأن ابن إبراهیم هو أصل، و سبب العداوة بین ابن رشید و ابن صباح، و لم یقم ابن صباح لحرب ابن رشید إلّا بعد أن نزل ابن إبراهیم بساحة ابن رشید و إنجاده علی خصمه، حینئذ بدأت مساعدة ابن صباح لابن سعود، لا محبّة فیه و لا رغبة منه فی استرجاع ملک ابن سعود، و إنما جعله وسیلة للانتقام به من ابن رشید، و من ابن إبراهیم.
أما و قد مات خصمه اللدود فقد قلب ظهر المجن لصدیقه الودود، و أخذ ینظر إلیه نظر العداء، و أخذ یحسب لعواقب امتداد نفوذ ابن سعود ألف حساب، فانقلب ظهرا لبطن و عکس خطته السیاسیة عکسا تاما، فأظهر الجفاء لابن سعود، و أخذ یتودد إلی ابن رشید و یستمیله، و کان ابن رشید فی أشد الحاجة إلی مثل هذا الصدیق الجدید حین انقطع أمله من حکومة الترک، ففی انضمام ابن صباح لجانبه یکتسب قوة جدیدة کانت الرکن الأقوی سابقا لخصمه، جرت المراجعات و تم الصلح بینهما، و لم یکتف ابن صباح بهذا العمل، بل أراد أن یسعی فی فصل ابن مهنا عن ابن سعود، و إدخاله فی حلفه مع ابن رشید، فکاتب ابن مهنا
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 433
بهذا الخصوص، و لکن شاء ربک أن یحبط عمله فکشف عن سوء نیه.
کان ابن صباح یجری هذه المفاوضات و هو علی عادته مع ابن سعود لم تتغیر لهجته و لم یدر بخلد ابن سعود أن مبارک الصباح بعد هذا العداء مع ابن رشید ینقلب بهذه السرعة، فلنترک ابن صباح و أعماله و نرجع قلیلا لنلحق ما سبق هذا الانقلاب من الحوادث.
ففی 25 من شهر الحجة سنة 1323 ه: خرج ابن سعود من الریاض و معه غزو الریاض و نواحیها، و نزل الأسیاح و انضم إلیه غزو القصیم أمیره صالح الحسن بن مهنا، و غزو عنیزة أمیره صالح الزامل السلیم، فأقام فیها عشرین یوما، ثم بلغه أن ابن رشید سار غازیا نحو الجنوب، فخشی أن یحصل من اعتداء علی بعض القری، فسار فی أثره فلما وصل الزلفی بلغه أن ابن رشید نزل المجمعة، التی لم تزل موالیة له، فتموّن منها، و رجع شمالا فرحل ابن سعود و نزل مجمع البطنان، فاستأذن صالح الحسن بن مهنا بالرجوع إلی بریدة فأذن له، فرجع بنفسه و بقی أخوه مهنا أمیرا علی الغزو مع ابن سعود، و کان نایف ابن هذال بن بصیص رئیس بریه من مطیر نازلا بموضع قریب من ابن سعود. و کان موالیا لابن رشید، فأراد أن یأخذه علی غرة، فسار إلیه و أغار علیه، و کان قد سبقه النذیر، فانهزم و تبعه ابن سعود، و أخذ علیه بعض من الحلال، و تزبن ابن رشید و انضم إلیه کما انضم إلیه قسم من قبیلة حرب کان قد استدعاهم.
أما ابن سعود فرجع و نزل النبقیة بالمستوی، و انضم إلیه قبیلة مطیر یرأسها فیصل الدویش، فجاءه نجاب من الشیخ مبارک یحمل کتابا کان عنوانه لابن سعود، و الکتاب باسم عبد العزیز بن رشید و یتضمن إمضاء
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 434
الصلح بینهما، و یقول فیه أنه کتب لابن مهنا یدعوه لیدخل فی صلحهما، و کان کتاب ابن صباح لابن مهنا مع رسول مبارک، فأخذه منه و أشرف علی ما فیه، فعلم حینئذ حقیقة الأمر، فکتم هذا الخبر.
و فی الیوم الثانی علم أن ابن رشید أغار علی ابن عشوان و مسمار، و هوامل معهم الجمیع من مطیر، و أخذهم علی أم جریف موضع قریب من جراب جنوبا عنه، و قد علم ابن رشید أن قافلة مقبلة من الکویت لأهل القصیم، فأخذ یرصد لها، و لکنه أخطأها و أغار علی العرب و أخذهم، و رجع و جاء الصریخ لابن سعود من القبیلة التی أخذها ابن رشید یستنجدونه، و صادف أن قافلة إلی أهل القصیم نزلت عند بن سعود لاجئة إلیه خوفا من ابن رشید، فأخذ منهم بعض لزاد و بعض الجیش، و أخذ من رجال القافلة عددا غیر قلیل، و استصفی من رجاله أهل ألف ذلول و أربعمائة خیال، و سار علی أثر ابن رشید و معه مطیر، فأسری تلک اللیلة و الیوم الثانی.
و فی لیلة الیوم الثالثة 17 صفر سنة 1324 ه: جاءت کشافیة تخبره أن ابن رشید نازل فی روضة مهنا شمالی المستوی، و لم یکن بینهما إلّا مسافة أربع ساعات، فنزل فی موضعه و ترک الجیش و الخیل، و أبقی عندها بعض رجاله، و مشی فی بقیة الجند مشاة، و معهم بعض الخیل، فلما کان الساعة السابعة لیلا، و إذا هم یطالعون مخیم ابن رشید و قد أخذ خبرهم، فتهیأ للقتال و عبّی جنده و أرسل أولاده متعبا و مشعلا إلی موضع بعید عن محل القتال، و معهم بعض خدامهم، و قال: راقبوا الأمور من بعید، فإن کانت لنا أرسلنا لکم و إلّا فانجوا بأنفسکم.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 435
فلما کانت الساعة الثامنة لیلا لیلة 18 من شهر صفر سنة 1324 ه: هجم ابن سعود علی ابن رشید فتصادم الجیشان و التحم الفریقان و اشتد و طیس القتال فتأخّر جیش ابن رشید و احتل جند ابن سعود مراکزه، و زحف بعضهم إلی بعض و اختلط الفریقان، و صار القتال بالسلاح الأبیض، فتجالدوا بالسیوف مدة ثم انهزم جیش ابن رشید، و کان ابن رشید راکبا حصانه یدور فی معسکره یحرضهم و یشجعهم، فجاء إلی موضع جیشه و کان قد احتله جیش ابن سعود و لم یعلم، فأخذ یحرضهم فعرفوه و صاح بعضهم علی بعض ابن رشید رأس الحیّة صوبت إلیه البنادق فخرّ قتیلا لوقته، و تمّت هزیمة جنده.
فأصبح ابن سعود فی معسکر ابن رشید و استولی علی ما فیه و أرسل إلی جیشه و خیله التی ترکها بموضع قریب منه، فجاءه و لم یتبع المنهزمین بل ترکهم، و قد أسر من جند ابن رشید نحو ستین رجلا فأحسن إلیهم و أطلقهم و جهزهم إلی بلادهم، و کان عدد القتلی فی هذه الوقعة نحو الثلاثمئة من الطرفین.

متعب ابن عبد العزیز ابن رشید

دخل متعب بن عبد العزیز الرشید بلاده، و لم یحضر الوقعة و تلافی علیه فلول جنده، و بایعه أهله و شکر عمل ابن سعود فی الأسری، فقابله بالمثل و أطلق سراح من عنده من المسجونین من آل سعود، و من آل سلیم أهل عنیزة و هم عبد اللّه و محمد أبناء زامل، و أما عبد الرحمن بن زامل فقد توفی فی السجن قبل عام، و إبرهیم و سلیمان ابنی حمد البراهیم السلیم، و من عنده من عائلات آل سعود.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 436

ابن سعود

أما ابن سعود فقد أرسل إلی مخیمه الذی ترکه فی مجمع البطنان فجاءه ثم رحل و نزل بریدة.
و فی الیوم الثانی من ربیع الأول خرج من بریدة غازیا و أغار علی ناهس الذویبی من حرب و أخذه عند أبانات الجیلان المعروفان فی القصیم، و قتل فی هذه الوقعة یحیی الخالد السلیم، و کان خرج مع ابن سعود رأسه، فقتله ابن ربیف من حرب صبرا رجع ابن سعود، و نزل قصر ابن عقیل فأرسل إلی حسین ابن عساف أمیر الرس یدعوه إلی الطاعة، فاستأمنه فأمنه، و خرج إلیه هو و صالح ابن عذل فبایعاه، و أراد إرجاعهما إلی موضعهما، فاختارا الإقامة بخدمته، ثم عیّن صالح بن عبد العزیز أمیرها السابق أمیرا فی الرس، و رجع و نزل بریدة فی 15 ربیع الأول ثم غزا و أغار علی قبائل من حرب و معهم بنی عبد اللّه من مطیر، و أخذهم علی أبی منیر، و فی غزوته هذه مر السبعان من قری حائل و نهبوه و رجع إلی بریدة.

القبض علی صالح الحسن ابن مهنا

کان ابن سعود ناقما علی صالح بن حسن أمورا کثیرة نجهل أسبابها. و سنورد جمیع ما وقفنا علیه من المصادر التی استقینا منها، و کنت أنا یومئذ فی عنیزة، و لکنی صغیر السن، و لا أقف علی بواطن الأمور. و أما الإشاعات التی راجت یومئذ فلا یعتمد علیها، و إنما علی طول الزمن أخذنا نبحث عن أسباب ذلک، فلم یقف علی شی‌ء یصح ترجیحه، و إنما أذکره کما تلقیة علی اختلاف فی الروایة قلیل.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 437
أما کیفیة القبض فإلیک بیانه:
ففی الیوم الثانی من شهر ربیع الثانی رتّب ابن سعود بعض الجنود بقیادة أحد آل سعود و أعطاهم التعلیمات اللازمة، و أظهر أنه یرید أن یرسل عمالا یستحصلون الزکاة من البوادی، فلم یسترب صالح الحسن فی أمره، فأرسل بعض الجند إلی القصر بحجة تجهیز العمال، ثم تبعهم هو و معه ثلة من الجند، فدخلوا القصر و أغلقوا أبوابه، و تفرّق الجند بالمواقع التی عیّنها لهم، و کان صالح بن مهنا و إخوته فی القصر عدی سلیمان الحسن، فإنه خارج القصر، ثم تقدم إلی صالح الحسن و إخوته فقبض علیهم و أرسل إلی ابن عمه محمد بن عبد اللّه المهنا، و أرسل إلی أعیان أهل بریدة، و أخبرهم بأعمال صالح و قبضه علیه، و أمرهم أن یبایعوا ابن عمه محمد العبد اللّه فبایعوه، و قد اضطرب عامة أهل بریدة لهذه المفاجأة، و کاد یحدث فتنة لو لا أن أعیانهم نبطوهم، و قالوا: الأمر بین آل مهنا فیما بینهم فما هو مدخلکم فی الأمر، و لم یقنعهم ذلک لأن صالحا کان محبوبا لدیهم، و لکنهم لم یجدوا لهم رئیسا یقودهم، و کان سلیمان الحسن قد هرب إلی صدقی باشا فی الشیحیة.
فأرسل ابن سعود صالحا الحسن و إخوته لیلا إلی الریاض و حبسهم هناک، و وقع الأمر علی أمراء عنیزة وقوع الصاعقة لأنهم خشوا علی أنفسهم، و استغربوا هذا الأمر من ابن سعود بعد تلک العهود التی کانت بین ابن مهنا و ابن سعود، و بین ابن سعود و آل سلیم علی ید الشیخ مبارک الصباح.
و فیما یظهر من حالة أهل عنیزة أمران: إما أنهم یجهلون أعمال ابن
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 438
مهنا التی اطلع علیها ابن سعود و لم یخبرهم عنها، أو أن الأمر حقیقة جری باتفاق بین محمد المهنا و ابن سعود، و هذه الإشاعات ضد صالح إنما هی تشویه لسمعته لیهون علی الناس أمر القبض علیه.
أما أمراء عنیزة فقد تمکّنت من قلوبهم الوحشة خوفا من أن یکون مصیرهم مصیر ابن مهنا. بعد أن رتب ابن سعود أمور القصیم و إجلاء آل حسن من بریدة عاد إلی الریاض و کتب لأمیر عنیزة عبد العزیز العبد اللّه و صالح الزامل یدعوهما لمواجهته خارج البلد، فازدادت ریبتهما من ابن سعود و لماذا لم یدخل البلد کعادته، و یفضی إلیهما بما یرید، فترددا فی إجابته و لکنهما أخیرا أجابا طلبه و خرجا لمواجهته، و لکن أهل البلد لم یطمئنوا علیهما فخرج منهم جمع غفیر متسللین مستعدین بسلاحهم فتفرقوا فی أماکن متعددة قریبة من محل الاجتماع دون أن یظهروا للعیان.
فجاء ابن سعود فی قلة من خدامه لأنه لم یدر بخلدة شی‌ء مما ظنوا إنما جاء لیشرح لهم الأسباب التی أوجبت هذه الإجراءات مع صالح الحسن، لأنه یعلم صدقهم و إخلاصهم له، فسلموا علیه و جلسوا یتحدثون، فرأی الناس زمرا هنا و هناک، و کان الوقت لیلا، فقال ابن سعود من هؤلاء الناس المجتمعین، هل داخلکم الریب منی، قالا: نعم یا طویل العمر إنّ دعوتک لنا فی مثل هذا الوقت من اللیل خارج البلد و بعد عملکم فی صالح الحسن مع ما بینکم و بینه و بیننا علی ید ابن صباح من العهود و المواثیق، جعلنا نرتاب، قال: أخطأتم فی ظنکم فطریقکم غیر طریق ابن مهنا، لأنکم وفّیتم بما بینی و بینکم و زیادة، و أما صالح الحسن فأنا ما جئت هنا إلّا لأبین لکم أعماله التی تعلمونها و التی خفیت علیکم، ثم أخذ یفیض بأعمال صالح و یشرح لهم موقفه مع المشیر و مع
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 439
صدقی بعده، ثم موقفه مع ابن صباح فی توسطه للتصالح بینه و بین ابن رشید، و عرض علیهم جمیع ما قام به صالح من الأعمال ضده بمستنداتها.
ثم قال أیضا: قد احتملت کل هذا من صالح و لم أفکر فی شیله، و لکن جاءنی وجهاء أهل بریدة و أعیانهم و محمد العبد اللّه المهنا و شکوا إلیّ أعمال صالح فیهم و جراءته علی أموالهم لسد نفقاته، و تدخلوا علی إما تشیل صالح عنّا فحنّا نترک بریدة له، و أنتم تعلمون أنی فی حاجة إلیهم الیوم، و خشیت إذا لم أوافقهم ینتقضون، و أنتم تعرفون أحوال أهل بریدة، فأنا ما أقدمت علی ما أقدمت علیه إلّا مراعاة للمصلحة العامة، لأننا غیر آمنین منه بوجود هذا العسکر مع ما تقدم بینه و بینهم، فالآن هذا ما جئت لأبیّنه لکم، و ها أنا راجع إلی الریاض، و قبل ذلک یجب أن نزیل هذه الوحشة بعهد جدید فقاموا فعاهدوه عهدا وثیقا أنهم لا یحولون عما بینهم و بینه من العهود السابقة، و أکد ذلک هو لهم و رکب راجعا إلی الریاض.

الأسباب التی غیّرت خاطر ابن سعود علی ابن مهنا و أوجبت القبض علیه‌

حرصت کل الحرص لتحقیق الأسباب، و أکثرت من سؤالات الرجال الذین أظن فیهم الاطّلاع علی مثل هذه الأمور، فلم أجد فی القصیم کله من یؤید التهم الموجهة إلی ابن مهنا کموالاته العسکر أو المیل إلی الصلح مع ابن رشید، و ینفون ذلک نفیا باتا، و یقولون لو کان عمل شی‌ء من ذلک لأخذ حذره من ابن سعود و احتاط لنفسه و لو سرّا، و لکن غفلته و انقیاده و جعله القصر بما فیه تحت تصرف ابن سعود و رجاله أی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 440
وقت شاءوا لیلا أو نهارا یدل علی أن ضمیره مرتاح، و نفسه مطمئنة لما بینه و بین ابن سعود من العهود، و أنه لم یأت ما ینقضها، هذا عذرهم و دفاعهم عن ابن مهنا.

سامی باشا الفاروقی‌

کانت حکومة الترک ناقمة علی صدقی باشا و خطته، و لا حرب و لا سلم و لا مفاوضات، فأرسلت سامی باشا الفاروقی الذی کان یومئذ فی المدینة إلی حائل للمفاوضة مع ابن رشید، فاجتمع و متعب فی سمیراء الماء المعروف قرب حائل، فاتفق و إیاه أن یکون القصیم فی حوزة الدولة، فوافق علی ذلک، ثم رحل الفاروقی إلی القصیم لیفاوض الفریق الثانی الذی قد ظن أنه کالفریق الأول، فلما وصل الشیحیة فی أواخر جمادی الأولی عزل صدقی باشا، و تولی قیادة الجیش، و أرسل إلی ابن سعود یطلب مقابلته للمفاوضة، فوافاه إلی البکیریة القریة المعروفة فی ناحیة القصیم، فکان الاجتماع بین مخیم أهل عنیزة و البلد بالرکن الجنوبی الغربی منها فی خیمة أعدت خصیصا لذلک، فاستمرت المفاوضة نحو ساعتین، فلم یحصل نتیجة لأن سامی باشا ذو نزعة عسکریة، و کأنه أراد أن یملی إرادته علی ابن سعود و أهل القصیم، و یجبرهم علی قبولها معتزا بقوته جاهلا مرکزه، فلو تأمل حالته التی هو فیها و مرکزه، و أنه فی وسط صحراء بعید عن العمران، و فی وسط بلاد معادیة و هو فی قلة من الجند، لو تأمل ذلک لما غالی فی مطالبه.
و قد أخطأ من قال أنه من أکبر رجال الدولة و ساستها، فلو کان کذلک لجری فی مفاوضته غیر مجراه، أما طلبه أن یکون القصیم تابعا
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 441
للدولة فهذا قد قاله من قبله فی جمیع المفاوضات التی تقدمته و لکن سامی باشا قال غیر ذلک، قال: بأن الأوامر التی لدیه تخوله أن یبنی قصرین فی عنیزة و بریدة، و یجعل فی کل منهما طابور عسکر و لما اعترض ابن سعود و أهل القصیم علی ذلک قال: إنکم تجهلون صالحکم، و تتوهمون حقوقا لیست لکم و ما جئنا لنسترضیکم، أو نأخذ رأیکم، و إنما جئنا لنعلمکم الطاعة و الإخلاص للدولة العلیة.
عندئذ احتدم ابن سعود غیظا و قال: إنی آسف أن الدولة توکل أمورها إلی مثلک ما کان العرب یا سامی لیطیعون صاغرین، و أقسم باللّه لو لا أنک ضیف عندنا لما ترکتک تقوم من مکانک، فانفض للاجتماع، و قام ابن سعود و خرج و هو لا یکاد یمیز طریقه من الغضب، و خرج سامی باشا و معه أربعة من ضباط العسکر و رجعوا إلی معسکرهم فی الشیحیة علی مسافة ساعتین من البکیریة.
رکب ابن سعود و من معه من إخوته و أبناء عمه علی خیلهم و استعرضوا الجند، فبدأ بمخیم أهل عنیزة و هو الذی یلیه غربی البلد، فاصطفوا صفین و أخذ ابن سعود و من معه یقبلون و یدبرون علی خیلهم بین صفی الجند یستحثونهم و یحرضونهم و الجند یجاوبه بالنلبیة بحماسة شدیدة، و کنت أنا یومئذ مع من خرج من الغزو و أخذ علی هذا الحال نحو نصف ساعة، ثم قصد مخیم أهل بریدة شمالی البلد و فعل مثل ذلک و لم یکن معه یومئذ غیر أهل القصیم.
و فی الحال أرسل إلی بریدة و عنیزة یطلب زیادة رجال و أکد علیهم بالسرعة، و أرسل سامی باشا بعد وصوله إلی الشیحیة ذیاب أبو بکر إلی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 442
ابن سعود یعرض علیه علی لسان سامی باشا أن یقبل عشرین ألف لیرة تدفعها لک الدولة مقابل اعترافک بسیادتها علی القصیم، فجنّ جنون ابن سعود، و أراد أن یفتک بذیاب، و قال: أتتجاسر یا خبیث أن تنقل إلی مثل هذا الکلام، فطار صواب ذیاب و لبّه، فرکب ذلوله هاربا و هو لا یصدق بالنجاة، عندئذ أرسل ابن سعود ثلاثة من رجاله إلی سامی باشا ینبئه أنه هاجم علیه فی الیوم الثانی بعد صلاة الفجر، و ما کان جادا فیما یقول، و لکنها کما یقول الریحانی تهویلة أتت بالفائدة.
و ما أظن ابن سعود یحاول الهجوم علی العسکر لأن عددهم یفوق عدد من معه ثلاثة أضعاف، و عندهم من الاستعداد الحربی ما لیس عنده، ثم إنهم بمدة إقامتهم الطویلة قد حصّنوا قصور الشیحیة و أحکموها و سکنوها فهم داخل قصور حصینة، و فیها من العدد و العدّة ما یصدّ عنها أکبر قوة، و لکن سامی باشا أدرک ما کان یجهل، و بدأ ینظر الأمور بعقله فرأی أنه فی منقطع من العمران و بعید عن المصادر التی یستمد منها قواته و أقواته، فأدرک خطأه فی ما بدا منه من المطالب.
فأرسل إلی ابن سعود ثلاثة من ضباطه یسترضونه، و یقولون: إن سامی باشا و من معه من العسکر ضیوف علیکم، و کان ابن سعود قد رحل من البکیریة فنزل طرف الملیدا من الغرب، فوافته الرسل هناک فأجابهم و طمّن خواطرهم و رجع إلی بریدة، ثم رحل منها و عاد إلی الریاض، و کان ذلک فی شهر جمادی الثانی.
و أخلد سامی باشا إلی السکوت الظاهری و لکنه بدأ یدسّ الدسائس و یحرک سلیمان الحسن المهنا الذی کان عندهم منذ أن قبض ابن سعود
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 443
علی أخیه صالح، فارتبط مع سامی باشا علی أن یهجم علی محمد العبد اللّه المهنا أمیر بریدة و یقبض القصر علی أن یرتحل سامی باشا و ینزل البصر، قریة تبعد عن بریدة ساعتین لیؤیده و یشد أزره، فیما لو قام أهل البلد ضده، فکتب سلیمان إلی بعض أشخاص فی بریدة یثق بهم، و فیهم عمه عبد الرحمن بن مهنا فأجابوه إلی مساعدته، و أمروه أن یقدم إلیهم.
و فعلا دخل سلیمان إلی البلد سرّا و اجتمع بحزبه، و تقرر عزم هذه العصبة علی أنّ عبد الرحمن المهنا یستدعی ابن أخیه محمد الأمیر علی القهوة کجاری العادة، ثم یفتکون به فنمی الخبر إلی الأمیر محمد بن عبد اللّه بهذه المؤامرة و أسماء المؤتمرین فأخذ حذره و اعتذر عن إجابة دعوة عمه، و لم یبد لهم أنه عالم بما أرادوا، فلما أصبح أمر علی أهل البلاد أن یعرضوا لیستعرض قواتهم، و هی عادة فی نجد یعملها أهل البلد عند توقع أی حادث، فلما تکاملوا أخذ الأمیر یقبض علی أفراد المؤتمرین و سجنهم ما عدی عبد الرحمن المهنا و سلیمان الحسن، فإنهما أحسّا بالأمر و انهزما إلی المعسکر قبل أن یتمکن من القبض علیهما.
استجوب المسجونین فأنکروا و کان فیهم أحد أولاد الربدی من أعیان أهل بریدة فجاءه وجهاء البلد یتشفعون بالعفو عن المسجونین، و کان قد رفع رفع الأمر إلی ابن سعود و أخبره بعملهم فأجابهم: إنی قد رفعت الأمر إلی ابن سعود و الأمر إلیه فرکب وفد من الأعیان إلی ابن سعود و طلبوا منه العفو عن المسجونین فأجاب طلبهم، و کتب إلی محمد بن عبد اللّه یأمره بإطلاق سراحهم فأطلقهم.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 444

مقاطعة أهل القصیم العسکر

بعد ما جرت هذه الحادثة علم أهل القصیم أنّ سامی باشا هو المحرک لها، فکتب أمیر بریدة بالتضامن مع ابن سلیم أمیر عنیزة إلی سامی باشا یلقون علیه بقصة ما حدث، فکتب إلیهم یقول: إنه لا علم له بهذه الحرکة، فکتبوا إلیه ثانیا إن کان الأمر کما تقول فانفی من عندک من آل مهنا و أبعدهم، و إلّا فنحن نلقی تبعة ما یحدث علیک، لأن وجودهم عندک موجب للریبة، فکبر علی سامی باشا أن یخاطبوه بمثل هذا الجواب و لم یجاوبهم، فقویت الشبهة علیه عند أهل القصیم، فقرروا مقاطعته و منعه من الامتیار من القصیم، و کتبوا إلی ابن سعود یقولون: إن بقاء العسکر بهذا الموضع مما یلی ابن رشید أمر ما هو صلاح، و لا ترتاح نفوسنا إلیه، لأننا غیر آمنین من دسائسهم، فهم الآن صائرون مرکزا للدسائس، فهذا سلیمان الحسن و عبد الرحمن المهنا بعد عملها فی بریدة رجعا إلی سامی باشا.

متعب بن عبد العزیز الرشید

تقدم الکلام أنه دخل حایل بعد الوقعة و بایعه أهل حایل و شمر بعد أبیه، و أطلق سراح المسجونین فی حایل من آل سعود، و آل سلیم کما تقدم، و کان راغبا فی السلم لأنه خشی أن یعاجله ابن سعود فیقضی علیه قبل أن یلم شعثة، و لکن ابن سعود لدیه من المشاکل ما یصده عن ذلک.
أرسل متعب إلی ابن سعود یطلب الصلح فأجابه إلی ذلک علی أن شمر و حایل و توابعها لابن رشید، و ما عدی ذلک فهو لابن سعود فقبله و تم الصلح بینهما، فبقی مرعیا مدة حکم متعب.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 445
رجوعا إلی تتمة الحوادث:
ذکرنا مقاطعة أهل القصیم إلی العسکر، و کان أحد تجار عنیزة فد التزم إحضار ما یلزمهم من الطعام شهریا بقیمة معلومة، و کانوا یأتون علی رأس کل شهر و یقبضون ذلک و یسلمون ثمنه، و لکن إمارة عنیزة منعت هذا التاجر من معاملتهم بعد الحوادث التی جرت، فتوسل سامی باشا بکل وسیلة فلم ینجح، لأن الشبهة قد تمکنت من نفوسهم و ساءت ظنونهم بنوایاه، فصاروا یراقبون حرکاته و أحاطوه بجواسیس یحصون علیه أعماله علی الخصوص! ابن مهنا أمیر بریدة، لأن الخوف علیه أکثر بسبب وجود سلیمان الحسن عند العسکر الذی هو خصمه.
أرسل سامی باشا بعض الضباط و معهم خدام إلی عنیزة فی أول شهر رجب یرید الامتیار للعسکر من بریدة و من عنیزة، و لکنهم ردوه محتجین أنّ البلاد خالیة من الطعام و لیس فیها ما یکفی أهلها، فتضایق سامی باشا و خشی أن یهلک و عسکره جوعا بوسط هذه الصحراء القاحلة، فکرر محاولته و أرسل ضابطا من ضباطه إلی عنیزة و معه خمسمائة لیرة و مائة و خمسین جندی، فدخل الضابط عنیزة بعد الظهر و ترک الجند بموضع یبعد عن البلد نحو نصف ساعة.

بلاغ کاذب‌

واجه الأمیر و طلب منه السماح لهم بأن یمتاروا من البلد فأجابه الأمیر أنی لم أمنعکم إلّا لأن البلد خالیة من الطعام و السعر الموجود أکبر شاهد علی ما أقول، قال الضابط: نحن لا نبالی بالزیادة، أجابه الأمیر إذا لم تبالی فنحن الذی نبالی فلسنا فی العراق، فهذی نجد زراعتها لا تقوم
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 446
بحاجة أهلها، و هذا المبلغ الذی أتیت لتشتری به هو مقابل لنصف قیمة حاصلات زراعتنا السنویة، فکیف تکون الحالة بعد أن تقضوا لازمکم و تترکوا البلد خالیة و موسم الزراعة بعید.
فبینما هم فی هذه المحاورة إذ ورد کتاب من محمد العبد اللّه بن مهنا أمیر بریدة یقول: إنه قد جاءه إحدی خدامه الذین قد جعلهم فی الشیحیة یخبره أنّ العسکر عندهم حرکة استعداد، و أنه أخذ خبر أنهم قد قرروا الهجوم لیلة النصف من رجب.
إما علی بریدة و إلا علی عنیزة فأنتم کونوا علی حذر و موعدهم اللیلة، فإن صار الهجوم علیکم أرسلوا لنا نمدکم، و إن صار الهجوم علینا أرسلنا لکم تمدوننا، و کان هذا البلاغ کاذبا، و لکن صادف وصول هذا الخبر بالوقت الذی کان فیه الضابط یطلب من الأمیر الإذن لدخول العسکر إلی البلاد لأجل المیرة، فقویت الریبة فی نفس أهل البلاد و زادها قوة، أن القوة التی مع الضابط بهذه الدفعة مضاعفة ثلاثة أضعاف عما هی علیه بالدفعات التی قبلها، فإذا أضفنا هذه القوة إلی القوة التی فی البلاد التی قد تضاعفت هی أیضا صار المجموع قوة لا یستهان بها.
أوجدت رسالة ابن مهنا إرجافات و شوائع أکبر من الحقیقة، فخرج خفیف الناس الذین لا یتقیدون بأمر حاکم، و لا أمیر و تبعهم سواقط من أهل البادیة التی لا معاش لدیهم إلّا من السلب و النهب، و ذلک بدون علم من الأمیر.
فأخذوا یشاغبون علی العسکر فیأخذون ما وصلت إلیه أیدیهم من السلاح بدون قتال، إذ لا سلاح مع المشاغبین، و إنما یستغفلونهم، بحیث
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 447
صاروا قسمین، قسم یشاغب العسکر لیشغلهم، و قسم یغیر فیأخذ ما تصل إلیه أیدیهم، فلما کان بعد العصر رأی العسکر أنّ اللصوص تتکاثر علیهم، و لم یستطیعوا أن یستعملوا السلاح خوفا من العواقب، فسار العسکر قاصدا البلاد لیحتمی بها.
هذا و الأمیر و أهل البلد لم یعلموا بما حدث فما راعهم إلّا و العسکر مندفع نحو البلد بسرعة، فرابهم الأمر؛ سیما و قد تکهرب الجو من الإشاعات السالف ذکرها، فجاء المستصرخ یقول: إن العسکر أقبلوا و سیهاجمون البلد فظهر أهل البلد و الأمیر بسلاحهم خارج البلد یستکشفون الخبر، و أرسل الأمیر إلی رئیس القوة العسکریة التی داخل البلد فأمره بمخابرة العسکر فخابرهم بواسطة البرزان فجاوبوه أنهم إنما جاؤوا مستأمنین، فأوقفهم بمکانهم، و أرسل لهم قوة تحوطهم و تدافع عنهم، فدخل أهل البلد و دخل العسکر بعدهم، و انضموا إلی العسکر الذی فی البلد فکساهم الأمیر و أخذ یتتبع ما فقد من سلاحهم، فأرجع إلیهم ما وجده.
و بالیوم التالی أمرهم بالرجوع إلی الشیحیة، فلما وصلوا إلیها قام سامی باشا یرغی و یزبد و یتهدد و یتوعد أهل عنیزة و أمیرها، فکتب أهل القصیم إلی ابن سعود بخبر العسکر و ما کاد أن یحدث من الفتنة من جراء أعمالهم، و أنهم لا راحة لهم و العسکر بهذا الموضع.
أما سامی باشا فإنه قد تأثّر مما حدث، و توتّرت العلائق بینه و بین أهل القصیم، فأخذ یفاوض متعب بن رشید نکایة بأهل القصیم من جهة، و اضطرارا للأطعمة من جهة ثانیة، لأن القصیم أوصدت أبوابها دونه،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 448
فتقرر الأمر بینه و بین ابن رشید أن یرسل له رحلة یرحل علیها العسکر إلی بلاد ابن رشید إلی أن تأتیه الأوامر من الدولة، إما بتعزیز قوته أو الانسحاب من نجد، و قدّم تقریرا عن حالة القصیم و حوادثه، و الحالة الراهنة التی هو فیها، و أرسل البرید من طریق المدینة فصادفه غزو من عتیبة و أخذوه، فعلم ابن سعود و أرسل من یسترجعه ممن أخذه، فجاؤوا به علی ختمه، فأرسله ابن سعود إلی سامی باشا، فصار له أحسن وقع فی نفسه و شکر ابن سعود عمله.

ترحیل العسکر من نجد إلی المدینة و إلی العراق‌

بلغ ابن سعود مفاوضة سامی باشا ابن رشید، فخشی من انضمام العسکر إلی ابن رشید، فخرج من بلاده و معه غزو إلی الریاض و أهل الجنوب، و أغار علی مطیر و أخذهم علی الأسیاح، و نزل عنیزة فی العاشر من شعبان، و کان ابن رشید قد خرج من بلاده غازیا، و أغار علی هتیم فسبقه النذیر إلیهم فامتنعوا علیه، و رجع عنهم و نزل سمیرا، و أرسل إلی سامی باشا ستمائة جمل لأجل ترحیل العسکر، فلما قاربوا الوصول إلیه بلغهم أن ابن سعود و أهل القصیم نزلوا البکیریة یریدون العسکر، و لم یکن الخبر صحیحا، و لکنهم تخوّفوا و رجعوا قبل أن یصلوا العسکر.
رکب ابن سعود إلی بریدة و جمع وجهاء و أعیان بریدة و أمیرها و أمیر عنیزة و جماعته، و راجعهم فی خصوص العسکر و ما یجب عمله معهم، فقرروا وجوب إبعادهم عن نجد إما بطریق المفاوضة أو بالقوة إن أحوج الأمر إلی ذلک.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 449
فلما کان فی آخر یوم من شعبان خرج أهل القصیم و معهم ابن سعود و حاشیته فقط، و أما جنوده فقد رجعوا إلی الریاض، فنزل البکیریة، القریة التی صار فیها المؤتمر الأول فی جمادی الثانی، فأرسل حرّاسا أحاطوا بمنزل العسکر بحیث لا یشعرون بهم، و أمرهم أن یمنعو أی اتصال یکون بین العسکر و غیرهم، و أرسل إلی سامی باشا یخبره بین أمرین، إما أن یرتحل من موضعه هذا و ینزل السر جنوبی القصیم لیقطع الصلة بینه و بین ابن رشید، و إما أن یرحل ابن سعود العساکر من نجد فیرسل الجنود العراقیة إلی العراق و الجنود الشامیة إلی المدینة. و إذا رفض کلا الأمرین فهو یلقی علیه تبعة ما سیحدث، و کان الجنود و الضبّاط قد سئموا الحالة، فأجبروا سامی باشا علی قبول ترحیل العساکر، و قیل إنهم تهددوه فیما لو رفض، فأذعن سامی باشا مکرها، و وافق علی الشرط الثانی علی أن یضمن ابن سعود سلامتهم و سلامة معداتهم فی الطریق.
فأجابهم إلی ذلک علی شرط اشترطه هو أیضا، و هو أن یحتفظ بالجنواد العراقیة إلی أن یصل خبر سامی باشا و من معه إلی المدینة خوفا من أن ینضم إلی ابن رشید لما یعلمه من میوله و نوایاه، و قد صارحه ابن سعود بذلک، ثم دعا ابن سعود شیوخ حرب و قال: أنتم الذین حملتم العسکر من المدینة إلی نجد، فعلیکم أن ترجعوهم إلی المکان الذی أتیتم بهم منه.
رحل سامی باشا (15) رمضان و من معه من عسکر الشام إلی المدینة بعد أن امتاروا من البکیریة و استبقی شیوخ حرب عنده رهینة إلی أن یصل العسکر إلی المدینة، و بعد أسبوعین جاء الخبر بوصول سامی باشا إلی الحناکیة، فأطلق مشایخ حرب.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 450
و أما عسکر العراق فقد رحلهم من موضعهم و نزلوا الشماس قریة قرب بریدة، فلما وصل سامی باشا إلی المدینة أمر بتجهیز عسکر العراق الذی تحت رئاسة میرالای بسیم بک، فرحلوا إلی العراق فی الثالث عشر من شوال من هذه السنة، و فارقوا نجد إلی الأبد إنشاء اللّه، و لم یبق منهم حتی الذین فی البلدان أخرجوهم و سیّروهم مع عسکر العراق، ثم رجع ابن سعود إلی الریاض و کتب إلی والی ولایة البصرة و قومندان العسکر یخبرهم بإجراءاته بترحیل العسکر، و ما بذله من الوسائل لتأمینهم و تأمین راحتهم، و الظاهر أنّ سامی باشا قد کتب بحق ابن سعود کلام جمیل.

شکر الحکومة العثمانیة لابن سعود

و فی شهر الحج ورد تلغراف من المابین موجب إرادة شاهانیة للأمیر ابن سعود، یتضمن شکر الحکومة عمله مع العسکر و تأمین راحتهم، و تحثّه علی تأمین الطرق و إصلاح العشائر، و تطلب أن یرسل ابن سعود أحد إخوانه أو من یعتمد علیه علی نفقة الحکومة إلی دار الخلافة العظمی لیحظی بالمثول لدی أمیر المؤمنین و تعطّفاته، و التلغراف مطوّل لم نقف علی کامل عبارته، ورد التلغراف عن ید أحمد عزو باشا و هذا سلمه إلی یوسف باشا المندیل معتمد ابن سعود، فأرسله إلیه مع ولد الأحیدب فی 6 محرم سنة 1325 ه، و فی 12 محرم ورد تلغراف ثانی من المقامات العالیة فی الآستانة إلی أمیر الأمراء و شیخ مشایخ عشائر الأقطار النجدیة عبد العزیز بن عبد الرحمن الفیصل آل سعود، تشکره علی خدماته التی قدمها للعساکر الشاهانیة، و إخلاصه لسدة الخلافة العظمی، و یطلبون منه أن یقدم مطالبه و یستحثونه علی سرعة إرسال وفد یمثله لدی أمیر المؤمنین لیحظی بتعطّفاته.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 451
فأسل هذا التلغراف إلی یوسف باشا المندیل، و هذا أرسله إلی ابن سعود، و کذلک صدر کتبا من والی ولایة البصرة، و من الفریق عزو باشا و صدقی باشا إلی ابن سعود یهنّؤونه بتعطّفات أمیر المؤمنین، و یشیرون علیه بالحضور شخصیا إلی نواحی البصرة لعرض مطلبه و رفع واجب الإخلاص للذات الشاهانیة لقطع ألسنة المفترین و المفسدین، و کذلک مبارک الصباح و سعدون حسّنا له الحضور إلی أطراف البصرة و الاجتماع بوالی البصرة.
أما ابن سعود فلم یعد یبالی فی الدولة بعد ذهاب ابن رشید و تشتیت أمره، سیّما بعد قتل أولاد عبد العزیز و اختلاف الرشید، و إنما لا یری بأسا من المجاملة، جاوب علی تلغرافات المابین بما یقتضیه الواجب، و کتب إلی الوالی و عزة باشا و صدقی باشا بما یقتضیه المقام و شکرهم، و أرسل وفدا یمثله إلی دار الخلافة رئیسه صالح بن عذل، فنال من عطف الحکومة فوق المأمول و منحتهم الألقاب و النیاشین، فرجع صالح بن عذل یحمل و سام الباشویة، فصار یدعی صالح باشا العذل.
أما سبب تغیّر سیاسة الحکومة مع ابن سعود فلم یکن خدماته للعسکر و تأمینهم فقط و إنما کثرة الجرایم فی بیت آل الرشید جعلها تنفض یدها منهم، و تتقرّب من ابن سعود.

قتل أولاد عبد العزیز المتعب‌

تقدّم الکلام علی ولایة متعب ابن رشید بعد أبیه، و ذکرنا ما کان من رکونه إلی السلم و انعقاد الصلح بینه و بین ابن سعود، و سکنت الأمور و جرت المواصلة التجاریة بین رعایا ابن سعود، و سکنت الأمور و جرت المواصلة التجاریة بین رعایا ابن سعود و رعایا ابن رشید.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 452
و لکن أولاد حمّود العبید الرشید أخذوا یطمحون بأنظارهم إلی الحکم و یرون أنفسهم أحق فیه، و کبر علیهم أن یذعنوا إلی متعب، و لکنهم لم یتظاهروا و کأن متعب أحسّ بما فی نفوسهم، فأخذ یعمل للتضییق علیهم سرّا.
ضاق ذرع کبیرهم سلطان بن حمود العبید، فذهب إلی الآستانة یتقرّب إلی السلطان، و لکن الأمیر متعبا کتب یخبر الدولة عن أعمال سلطان و مفاسده، فأعرضت عن سماع کلامه فرجع إلی الشام، و بلغ متعبا رجوعه إلی الشام، فالتمس من الدولة اعتقاله، فصدر الأمر لناظم باشا و الیها یومئذ بالقبض علیه، فجاء من أنذر سلطانا فی الحال ففرّ من دمشق إلی جبل الدروز، و أول قریة وصل إلیها الصورة الکبری قریة ابن ظهر الدین من مشایخ الدروز، و هی من وادی اللوخی علی مسافة سبع ساعات من دمشق، فأسرع ناظم باشا بإرسال خیل فی أثر سلطان فلم تدرکه إلّا فی الصورة فی منزل ابن ظهر الدین، و کان هذا لا یعرف أنّ ضیفه سلطان بن رشید، فلما علم بذلک طرد خیالة الدولة، و اجتمع الدروز حول سلطان و ساروا به إلی قریة شهبا، فنزل عند شیخها أبی طلال العامری، و من هناک ذهبوا به إلی المقرف القبلی عند مصطفی باشا الأطرش شیخ ذلک المقرف، فأقام بضیافة مصطفی باشا نحو شهر، ثم رغب أن یعود إلی نجد فزوّدوه بما یلزمه، و أرسل معه رفاقا یرأسهم الشیخ العبسی رتعات بن ماضی حتی وصلوا به إلی نجد.
رجع إلی حایل دون أن یظهر علیه أنه عالم بما کتب عنه متعب إلی الدولة، فأسرّها فی نفسه و حقدها علیه، و اختمرت رأسه فکرة الانتقام و حب الاستئثار، فأقر و أخویه علی قتل أولاد عبد العزیز و القیام مقامهم،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 453
فراق لهم الأمر و وافقوه و أخذوا یدبرون أمرهم و یعملون الوسائل، فأخذوا یتملقون الأمیر و یتودّدون إلیه و یتقرّبون منه لیزیلوا عنه أثر الوحشة منهم، فرکن إلیهم.
و فی یوم من أیام الربیع اقترحوا علی الأمیر متعب الخروج إلی الصید للأنس و الانشراح، فخرجوا فی الیوم العشرین من شهر ذی القعدة من هذه السنة أولاد عبد العزیز: متعب، و مشعل، و محمد. و أولاد حمود ثلاثة: سلطان، و فیصل، و سعود. و أتباع کل منهم، ساروا یطلبون الصید فکان فی طریقهم جبل من الجبال، فأشار أولاد حمود علی الأمیر متعب أن یترکوا المسیر مع الحملة و الخدام، و یسیروا علی حدتهم من الجانب الثانی لئلا ینفروا الصید، عطف الأمیر و إخوته و أولاد حمود من یسار الجبل و ترکوا الجملة تسیر من الجانب الثانی لیلتقوا بها عند نهایته، و حال الجبل بینهم و بین خویاهم فتأخر أولاد حمود قلیلا و صار کل واحد منهم یمشی خلف واحد من أولاد عبد العزیز، ثم حمل کل واحد منهم علی واحد من أولاد عبد العزیز و قتلوهم، أما متعب و مشعل فقد ماتا فی الحال، و أما محمد فکان صوابه غیر ممیت و لکنه تظاهر بالموت خوفا أن یجهزوا علیه، و کان معهم طلال بن نایف فقتلوه، و بالحال رجعوا إلی خویاهم و أخبروهم بالأمر، و قالوا: من أراد العافیة یلزم السکوت فلم یعترضهم أحد و سلموا الأمر، رجعوا بالحال إلی حایل و استولوا علی القصر بما فیه و علی جمیع ما کان لآل عبد اللّه.
أما ولد عبد العزیز محمد الذی قلنا أنه لم یمت فقد حمله أحد خدامهم و أدخله عند جده حمود العبید، فعلم أولاد حمود بذلک فدخلوا علیه و هو عند أمه التی هی أختهم و أرادوا أخذه منها، فتدخلت علیهم
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 454
و حالت بینهم و بینه و هی تناشدهم اللّه و الأخوة أن یترکوه لها بعد أن فجعوها بإخوته، فلم تجد الرحمة إلی قلوبهم سبیلا و لم یلتفتوا إلی توسّلاتها، فسحبوه من بین یدیها و قتلوه علی مرأی منها، و من والدهم، فکان مشهدا مریعا مخیفا تمثّلت فیه القسوة و الوحشیة بکامل معانیها.
و أجلی مظاهرها نسأل اللّه الحمایة من موجبات سخطه.
أما ولد عبد العزیز الرابع سعود بن عبد العزیز، فقد کان عند أخواله السبهان فمنعوه، و قالوا: هذا طفل لم یبلغ العاشرة من عمره، و لا محاذرة علیکم منه و نحن نکفله أی وقت تریدونه نسلمه لکم، فترکوه خوفا من شقاق یحدث بینهم و بین السبهان.
سکنت الزوبعة و استقر الأمر إلی سلطان الحمود، کتب إلی ابن سعود یخبره بالأمر و یطلب منه تقریر الصلح، و لم یکن راغیا فیه إنما یرید اکتساب الوقت یدل علی ذلک ما کتبه فی الوقت نفسه إلی أمراء القصیم، و إلی رؤساء البوادی یخطب ودّهم و یستنصرهم، فأرسل الأمراء و الرؤساء الکتب التی جاءتهم من سلطان إلی ابن سعود فاستشاط غضبا و همّ بطرد رسول سلطان لأنه رأی فی الکتب التی کتبها لغیره ما ینافی رغبته، و لکن والده الإمام عبد الرحمن أشار علیه بقبول ما جاء من أجله، فجاوبه ابن سعود و أعطاه ما أعطی سلفه علی حایل و توابعها و شمر و لم یقبل سلطانا بذلک لأنه آنس میل من بعض أهل القصیم إلی مخالفته، و بلغه مساعی فیصل الدویش و نایف بن بصیص و إغراؤهما ابن مهنا علی الخروج عن طاعة ابن سعود، و أوعدوه بمساعدتهما و شدهما أزره، و لکن ابن مهنا بقی متذبذبا و لم یتظاهر بشی‌ء ضد ابن سعود علی أنّ ذلک أبقی أثرا فی نفسه و أذکاه و زیّنه محمد العونی الشاعر المشهور.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 455
خرج ابن رشید و نزل مع شمر فی أول شهر الحج، ثم سار غازیا و أغار علی العواجی من عنزة و أخذه، فلما بلغ الأمر ابن سعود خرج من الریاض و نزل (المعز) غدیر قرب الشقة فی القصیم، ثم رحل و قصد شمر فانتذروا به و شردوا، فرجع ابن سعود و نزل مع مطیر فی الأسیاح و دخل هو بنفسه بریدة.
عدی ابن رشید و قصد مطیر فی الأسیاح فقبضوا علی بعض عیونه و رجع الآخرون و أبلغوا سلطانا أن ابن سعود مع مطیر، فرجع عنهم إلی بلاده.
أمّر ابن سعود علی أهل القصیم فخرجوا معه، و شدّ فنزل العاقلی، الموضع المعروف فی القصیم، فما کان من ابن رشید إلّا أن أغار علی أطراف القصیم من الشمال، و أخذ بعض أدباش لأهل الشیحیة، فأطلبه ابن سعود و لکنه فاته، فأرسل ابن سعود إلی أهل الوشم و أهل سدیر یطلب غزوهم فجاؤوه، ثم رحل قاصدا أطراف ابن رشید، فلما وصل العمون بلغه أن ابن رشید نزل العدوة و شمر انتذروا و زیّنوا (سلمی) أحد الجبلین المشهورین.

وفاة الشیخ محمد بن عبد اللّه بن سلیم قاضی القصیم‌

و فی هذه السنة توفی الشیخ محمد بن عبد اللّه بن سلیم، قاضی القصیم فی بریدة، و کانت وفاته فی شهر ذی القعدة رحمه اللّه.
و فی شهر شوّال من هذه السنة استعفی الشیخ إبراهیم بن جاسر عن قضاء عنیزة، فأعفی و بقت البلد نحو شهرین لیس فیها قاضی، ثم ألزموا
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 456
الشیخ صالح بن عثمان القاضی فی منصب القضاء بعد أن کاد لا یجیب، و عیّن الإمام عبد العزیز الشیخ صالح القرناس قاضیا فی بریدة.

1325 ه بوادر الخلاف بین أهل بریدة و ابن سعود

تقدمت الإشارة إلی مساعی فیصل الدویش و نایف بن بصیص و إغرائهما ابن مهنا بمساعدتهما له إذا هو خرج عن طاعة ابن سعود، و قلنا: إنه لم یبت فی الأمر بالرغم من لحاح وزیره محمد العونی، الشاعر المعروف، و کان أهل بریدة أو أکثرهم ناقمین علی ابن سعود عمله فی صالح الحسن و جارحة خواطرهم جدّا، فلما حصلت المساعی المذکورة ضد ابن سعود انقسم أهل بریدة قسمین:
الأول: الذین یفضّلون بقاء الحالة الحاضرة علی ما هی علیه محتجّین أنّ خروجهم علی ابن سعود غیر مشروع و أنه یثیر فتنا لیست من مصالحهم.
و الفریق الثانی: یؤید محمد العبد اللّه و یری رأیه فی الخروج علی ابن سعود و محالفة ابن رشید و الاتفاق معه.
و حجة هؤلاء أنّ مصالحهم مرتبطة مع ابن رشید و شمر و بادیته، لأن لیس لهم تجارة إلا ما یصدّرونه إلی سوریا من الإبل و الغنم و السمن، و لیس لهم طریق إلا من بلاد ابن رشید و عشائره.
الوجه الثانی: أنّ لهم مع شمر خاصة روابط و منافع متبادلة مع أهل بریدة و قراها عامة، و أنه قد انقطعت مصالحهم و توقفت تجارتهم و حصل لهم أضرار من ذلک جسیمة بسبب وقوف التجارة مدة الأربع السنوات
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 457
الماضیة، و ذهبت رؤوس أموالهم من کثرة الضرائب التی توضع علیهم أثناء الحرب التی استمرت نحو أربع سنین، و کان ابن مهنا الأمیر ضعیف الإرادة و لیس هو علی شی‌ء من الدهاء و قوة الإرادة، فتغلّب علیه أهل هذا الرأی و حملوه علی مفاوضة ابن رشید، فکتب له بهذا الخصوص بالوقت الذی کان ابن سعود غازیا علی شمر الذی قدمنا ذکره، و فی رجوعه صادف رسول ابن مهنّا إلی ابن رشید فقبض علیه، و بعد ما عرف مضمون الکتب قتل الرسول و أقبل راجعا.
و کان خبر أهل بریدة قد بلغ أمیر عنیزة، فرکب صالح الزامل إلی ابن سعود فوافاه، و قد وصل الشقة فسأل ابن سعود صالحا عن سبب قدومه، قال: جئت أسألک عما عزمت علی عمله، قال: لم أفهم المقصود من هذا السؤال، قال: المقصود أن أهل بریدة و أمیرهم علومهم ما هی طیبة، و بلغنا أنهم کتبوا إلی ابن رشید یفاوضونه بالصلح و یستجذبونه، و جئت أخبرک خوفا أن ترجع إلی بریدة، فأخرج ابن سعود الکتب التی وجدها مع رسول ابن مهنا لابن رشید منه و من جماعة، و عرضها علی صالح.
فلما قرأها أرجعها لابن سعود قال ابن سلیم و الآن ماذا ترید أن تعمل؟ قال الإمام: لم أقرر شیئا بعد و قصدی أواجه ابن مهنا لأری ما عنده، أرخص ابن سعود لمن معه من البوادی یرجعون إلی أهلهم و أظهر أنه یرید الرجوع إلی الریاض، و أسر لمحمد بن هندی رئیس برقا من عتیبة أن ینزل و جماعة الجعلة، و أما مطیر فقد رجعوا إلی أهلهم معلنین أن ابن سعود انکف إلی الریاض، و کان ابن سعود یرید إبعاد مطیر عنه خوفا أن ینذروا به، لأنه یرید غزوا الدویش.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 458
رکب ابن سعود و قصد بریدة و دخلها و لیس معه إلّا بعض حاشیة فوجد القصر مقفلا، قرع الباب فسأل من أنت؟ قال: أنا ابن سعود، فلم یسعهم إلّا أن یفتحوا له لأنهم حتی الآن لم یتظاهروا بالعداء، و کان معه صالح الزامل، فقال ابن سعود لابن مهنا: ما هذا الأمر الذی سمعته و ما هو الأمر الذی أوجب ذلک، قال ابن مهنا و أی أمر تعنی، فإنی لم أفهم معنی ذلک قال بل فهمت و لکنک تتجاهل و لکن اصدقنی الخبر قال لیس عندی علم بشی‌ء و لا شک أن الذی بلغک کله افتراء من الأعداء.
و کان ابن سعود یرغب فی لغة الأمور و لا یرید إخراجهم خوفا من انتفاص عام، و لم یبد علیه ما یدل علی أنه واقف علی ما دار بینهم و بین ابن رشید، و ظنوا أنه إنما بلغه إشاعات بادروا إلی تکذیبها، فتظاهر ابن سعود بتصدیقهم، و قال لابن مهنا: إذا کان الأمر کما تقول فقم جدد العهد و عاهدنی، فعاهده ابن مهنا علی السمع و الطاعة، و أنه عدو لعدوه و صدیق لصدیقه، و زیادة للتأکید أخذ ابن مهنا السیف و جعله علی عنق نفسه، و قال: إذا خنتک فأرجو أن تقتلنی بسیفی هذا، فقبل منه ابن سعود و خرج من بریدة و التحق بمعسکره، و انضم إلیه قبیلة برقا و الروق.

وقعة المجمعة

سار ابن سعود بقصد رأس الفتنة فیصل الدویش، و کان نازلا فی سدیر فانتذر به و رحل، و نزل المجمعة و کانت لم تزل علی ولائها مع ابن رشید، و لکن ابن سعود لم یقصد الدویش لأجل الطمع، و إنما أراد الانتقام فیه لخیانته مع ابن مهنا و ابن رشید، لهذا صمّم علی مطاردته و لم یکن معه یومئذ من البادیة إلّا قبیلة عتیبة، و أحبّ أن یختبرهم قبل أن یقدم
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 459
علی مهاجمة العدو، فأرسل إلی محمد بن هندی و أخبره أن الدویش انتذر بنا و نزل المجمعة، و أنه ربما یتحصّن فیها قال ابن حمید: امش و توکل علی اللّه.
و کان مع الدویش جمیع علوی و بعض من بریه اشتد ساعد ابن سعود، و لما أصبح أغار علی الدویش و من معه و حصل بینهم قتال شدید، أبلی فیها الطرفان بلاء حسنا، فساعد أهل المجمعة الدویش و أمدوه، استمر القتال علی أشده إلی الظهر ثم انهزم الدویش و من معه، و قتل منهم عدد کثیر منهم سبعة من الدوشان، أصیب فیصل الدویش إصابة بلیغة، أصابه فاخر بن شلیویح الروقی، طعنه عدة طعنات فی الرمح فی مجاولة الخیل و طرده حتی دخل بیته.
و استولی ابن سعود علی جمیع حلالهم و بیوتهم بما فیها، و لم یسلم لهم إلّا النزر الیسیر جدّا، و قتل من أهل المجمعة عدة قتلی، فخرج أهل المجمعة إلی ابن سعود و رجوا منه أن یتوسع عن البلاد لئلا تضر الجنود بأهل البلاد فأجابهم و انتزح عنهم قلیلا، و أرجع إلی أهل البلاد ما کان قد أخذ منهم ثم جاء الدویش إلی ابن سعود و استرضاه فرضی و عفی عنه و أعطی الدوشان علی أربع و خمس من الإبل یرتحلون علیها، ثم رحل عبد العزیز و نزل شقرا، ثم رجع إلی الریاض فی أواخر ربیع الثانی.

انتفاض أهل بریدة

تقدم الکلام علی ظهور بوادر الخلاف من أهل بریدة و ذکرنا ما کان من اجتماع ابن سعود و ابن مهنا، و إنکار هذا ما نسب إلیه و معاهدته إیاه من جدید تأکیدا لابن سعود بعدم صحة ما نسب إلیه، و لکن الحقیقة غیر
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 460
هذا فقد کانوا مصممین علی الانتفاض، و لکنهم أرادوا اکتساب الوقت إلی أن یکمل استعدادهم، فأخذت الرسل تتردد بینهم فأحکموا الرابطة مع ابن رشید و أرسلوا قافلة بإسم التجارة إلی الکویت، فتزودوا من الکویت ما ینقصهم من السلاح و الذخیرة تحت سمع ابن صباح و بصره، و یقال إنه هو الذی أحکم الأمر بینهم و بین ابن رشید لأنه قد أصلح هو الآخر مع ابن رشید، فخرجت القافلة من الکویت لیس معها غیر أحمال السلاح و الذخیرة، فوصلت بریدة فی أواخر شهر ربیع الثانی حینئذ أعلنوا انضمامهم و اتفاقهم مع ابن رشید ضد ابن سعود و کتبوا إلی ابن رشید یستدعونه لیشتد به ساعدهم علی انضمام أهل القصیم إلیهم.
بلغ الخبر عبد العزیز بن سلیم أمیر عنیزة فأرسل یحیی العلی السلیم و بعض أعیان أهل عنیزة لیتحققوا صحّة الخبر فلما وصلوا بریدة ثبت عندهم ذلک، و أراد یحیی مفاوضتهم و إقناعهم بخطأ رأیهم فوجدهم مصممین علی الحرب فرجع و أخبر الأمیر بذلک معه.

محاولة أهل بریدة جذب أهل عنیزة لجانبهم و فشلهم‌

و بعد ثلاثة أیام أرسل ابن مهنا ابن عمه محمد العلی و معه ابن جربوع لمفاوضة ابن سلیم أمیر عنیزة للدخول فیما دخلوا فیه، و أن تکون یدهم واحدة، فتفاوضوا مع الأمیر بهذا الخصوص.
فقال لهم: أولا أخبرونا بالأمر الذی حملکم علی هذا قالوا:
الأسباب التی حملتنا کثیرة.
منها أننا صایرین طعمة للحکام من تولانا منهم و طأنا و اذهبونا بکثر
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 461
الخسایر و سوق الرجال للحرب، فالغرم علینا و الغنم لهم و إذا اتحدنا علی حال أنفسنا و منعنا أنفسنا عن الطرفین أعز لنا عند الجمیع، و کل یاقف علی حدة و تشفق الذین منا.
قال ابن سلیم: لکن أنتم الآن ما اتحدتوا علی أنفسکم إنما صرتوا تبعا لابن رشید قالوا: لسنا تبعا لأحد و إنما أصلحنا مع ابن رشید علی شروط منها: أنه لیس له مدخل فی أمورنا و بلداننا، و إنما له علینا المساعدة و لنا علیه مثل ذلک فیما لو اعتدی ابن سعود علی أحد الطرفین، و لهذا جئنا نعرض علیکم أمرین:
إما أن تدخلوا معنا فیما اتفقنا علیه نحن و ابن رشید، و الأمر الثانی إذا ما ترغبون الاتفاق مع ابن رشید فیکون الاتفاق بیننا و بینکم و نتقی ابن رشید و ابن سعود و لا یکون لأحد منهما سلطة علینا، فإن نفوسنا قد سئمت أعمالهم فینا.
قال ابن سلیم: متی تکونت هذه الفکرة عندکم؟ و ابن سعود مش رایح من عندکم بعد أن أعطیتوه عهود اللّه و مواثیقه علی السمع و الطاعة، و إن عدوه عدوکم و صدیقة صدیقکم، و لم یمض علی ذلک إلّا مدة قلیلة، فهل جاءکم من بعد هذه المعاهدة أمر یوجب نقض البیعة؟ فإن کان قد جاءکم منه شی‌ء فبینوه حتی نعذرکم.
قالوا: ما جاءنا فیه شی‌ء لکن من قبضه علی صالح الحسن و إخوانه و الوحشة واقعة بیننا و بینه.
قال ابن سلیم مسألة صالح الحسن أنتم الذی حملتوه علیه و قد صارحکم بذلک، قالوا: ما حملناه و لا رضینا بذلک لکن ما نقدر نکذبه.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 462
قال ابن سلیم إذا فرضنا أنکم ما رضیتوا، ألستم تعلمون أن صالحا قد حاول الاتفاق مع المشیر ضد ابن سعود و ضدنا، و أراد أن یحتمی بالدولة و لما لم یفلح اتفق و ابن رشید بواسطة ابن صباح و أراد أن یطعن ابن سعود من ظهره بأشد الأوقات حرجا لو لا أن اللّه لطف بالمسلمین بذهاب ابن رشید.
قال أبا الخیل: کل هذه الأقوال غیر صحیحة و لکنهم أرادوا تشویه سمعة صالح لتبریر أعمالهم، نعم لا ننکر أنه یوجد من أراد أن یحمل صالحا علی مصالحة ابن رشید و لکنه رفض ذلک رفضا باتا، و قال: إن بیننا و بین ابن سعود عهود و مواثیق علی ید ابن صباح، و لا یمکن أن نحید عنها ما استقام علیها.
قال ابن سلیم: إذا سلمنا بما تقولون من هذه الناحیة یبقی علینا أن ننظر إلی المصلحة و نقارن بین أعمال ابن سعود و أعمال ابن رشید إزاء أهل القصیم بالماضی و المستقبل، فهل نسبتم أعمال ابن رشید بعد وقعة الصریف التی لا زالت ماثلة أمام أعینکم من قتل الرجال صبرا و سبی الأموال و استذلال الأشراف.
فهل عمل معکم ابن سعود شی‌ء من ذلک فاتقوا اللّه یا محمد العلی و ارجعوا إلی صوابکم لا تکونوا سببا لإشعال نار الفتنة بین المسلمین بعد أن أطفأها اللّه و استراحوا منها تردونها جذعة بدون مبرر.
قال أبا الخیل: و أی مبرر أکبر من هذا، فإذا کان ابن رشید أجری ما ذکرتم فقد أجری ابن سعود أکبر من ذلک فابن رشید من سنة الملیدا إلی الیوم لم یخرج معه منا غیر غزو العادة السنوی.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 463
و أما ابن سعود فقد حارب بأموالنا و رجالنا أکثر من ثلاث سنوات و لم یکفه ذلک منا بل الضریبة تلو الضریبة، بحیث لا یمر ثلاثة أشهر إلّا و یطلب منا ما لا نستطیع، کأنه یقول: إنما أحارب ابن رشید دفاعا عنکم فإذا لم تسلموا فأنا لا أستطیع أحارب ابن رشید، و شأنکم و أنفسکم، و شواهد ذلک ما هی بعیدة حتی نذکرکم إیاها، بل هی قریبة تعرفونها.
و تعرفون أیضا أنه مدة الحرب الذی وقع بینه و بین ابن رشید کل نفقات الحرب و التجنید کله من القصیم، و قد تحملنا ذلک علی حسب أنه یدافع عنا و یساعدنا علی عدونا و عدوه، و لکن لما قتل ابن رشید و ظن أن نجدا قد صفت له لم یمض شهر واحد حتی ظهرت نوایاه فینا، و قبض علی صالح الحسن و إخوته و سجنهم فی الریاض و لا بعد ذلک إلّا یقبض علی الباقین و یضم القصیم و یجعل عندنا عبد من عبیده یتحکم بنا.
قال ابن سلیم: و هل تؤملون أن ابن رشید یحارب ابن سعود لأجلکم لوجه اللّه و یترک لکم القصیم؟ قالوا: لا، و لکنه سیکون أخف علینا وطأة من ابن سعود و یرضی منا بالمحالفة و المساعدة عند اللزوم.
قال ابن سلیم: یا محمد العلی هذه کلها تصورات و أوهام فلا یغرکم بهرجة ابن رشید و أوعاده، فهو الآن ضعیف یبی یعطیکم علی ما تریدون لیستعین بکم و بأموالکم علی ابن سعود، فإن فشل و إذا هو ما خسر شی‌ء.
و إن نجح لا قدر اللّه ذلک فسترون منه ما لا یخطر لکم علی بال، انظر إلی أعمالهم معکم من مبادی‌ء الأمور إلی نهایتها، و انظروا الأعمال و المساعدات التی قدمها حسن المهنا إلی محمد بن رشید حینما تحالف و إیاه و ساعده علی تقویض أرکان حکومة آل سعود فماذا کانت النتیجة؟
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 464
کانت نهایتها الحرب الذی تعلمونها و القبض علی حسن و أولاده و زجّهم فی السجن حتی مات فیه.
و أما قولکم نقف معکم ضد ابن رشید و ابن سعود، فهذا أمر غیر معقول فهل فی استطاعة أهل القصیم أن یقفوا موقف العداء للإمارتین المجاورتین، ابن سعود من الجنوب، و ابن رشید من الشمال، و کل واحدة منهما أقوی من القصیم بما لدیها من القوات و ما یتبعها من العشائر.
فلا ابن سعود یترکهم و لا ابن رشید یترکهم هذه أمور لم تتدبروا عواقبها، و لکن حب النصیحة و المحبة نبدی لکم رأینا.
و هو أن لا تتعجلوا الأمور قبل أن تتدبروا عواقبها، و لا تفتحوا باب الشر علی أنفسکم و علی ضعفاء أهل القصیم، فإن ابن رشید قد أیس منکم، و لکن أنتم الذین أطمعتوه بأنفسکم، و ابن سعود الآن ما عنده لکم إلّا الزین، فإن کان قصدکم الوحشة التی وقعت بینکم فأنا أتعهد لکم بإزالتها من خاطره، و إن کان فی خواطرکم مطالب فأنا أعرضها علیه نیابة عنکم، و أؤمل أن یجیبکم إلی ما تریدون بشرط أن تعطونی عهود باللّه أن ننفون ابن رشید و تقطعون ما بینکم و بینه، و إن أجبتم أن یکون الأمر بینکم و بین ابن سعود فترسلون وفد من قبلکم لعرض مطالیبکم و أتعهد لکم أن ارکب معه أنا بابن سلیم و أساعده علی حصول کل أمر یوافق لکم من ابن سعود، فإن وافقتم علی ذلک فأنا مستعد لمساعدتکم بکل ما تریدون و إن أبیتم إلّا المضی فیما اعتزمتوا علیه فنحن لا نوافقکم علیه.
هذا آخر ما عندنا لکم من النصیحة، و لکم أن تختاروا إحدی الحالتین و تخبرونا إلی مدة ثلاثة أیام، فإذا لم یأت منکم خبر بهذه المدة
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 465
فنحن نضطر إلی رفع الأمر إلی ابن سعود و نخبره بحقیقة الواقع.
قال محمد العلی: نحن نعرض الأمر علی الأمیر و الجماعة، و نخبرکم بما یقتضی نظرهم، فرجع وفد أهل بریدة و مضت الأیام و لم یجاوبوا، فکتب ابن سلیم إلی الإمام عبد العزیز یخبره بما وقع بینهم و شرح له حقیقة الأمر و بین له مطالب أهل بریدة، و کان الإمام راغب فی تلافی الأمور و تسکین بوادر الفتنة، فکتب إلی ابن سلیم یقول: إن ابن مهنا و أهل بریدة مشتهین الفتنة شهوة و إلّا ما جاءهم منا أمر یوجب ذلک، بالحاضر الأمر الذی تبونه منا لهم نحن مفوضینکم فیه و أعطیکم عهد اللّه و میثاقه أن أتمم لهم الأمر الذی تعطونهم علیه.
فلما وصل کتاب ابن سعود لابن سلیم کتب إلی ابن مهنا و جماعته و أرسل لهم خط ابن سعود و قال لهم: هذا جواب ابن سعود و فیه قبول مطالبکم التی تزعمون أنها هی التی حملتکم علی هذا الأمر، فإن کان هی الطلب فقد أدرکتموها و إن کان المقصد أمور ثانیة و شهوة للحرب فهذا آخر عذرنا معکم، و لکن أهل بریدة قد صمموا و جرت المراجعات بینهم و بین ابن رشید ثانیة، و تم الاتفاق بینهم علی أن ینزل القصیم، و أخبروه أن أهل القصیم کلهم وافقونا ما عدی أهل عنیزة، فهم لم یزالوا مترددین، و نؤمل أن ندرکهم إذا أنت رحلت و نزلت القصیم.
فکتب لهم ابن رشید یؤملهم و أرسل حملة إلی العراق لجلب أطعمة فتعلقهم خلق کثیر من الحضر و البدو فبلغ عدد الحملة نحو ألفین و خمسمائة جمل، فلما خرجوا من العراق عارضهم ابن ضویحی و معه أربعمائة هجان من الظفیر، فلما أقبل علیهم هاله کثرتهم فنکص عنهم
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 466
و سبقهم، و رصد لهم علی الشبکة الماء المعروف بطریق العراق من حائل، و لما قربت الحملة من الماء رأوا أنه لا یکفیهم مجتمعین، فانقسموا قسمین: الحضر علی حدتهم، و البدو علی حدتهم.
فتقدم البدو إلی الماء حتی إذا فرغوا منه تبعهم الحضر، فلما وردوا الماء وجدوا ابن ضویحی نازلا علیه، فأغار علیهم و أخذهم، فاقبل الحضر الذین تخلفوا و لم یعلموا بما صار علی من قبلهم، فتلقاهم ابن ضویحی فقاتلوه و دافعوا دفاعا شدیدا، و لکنه تمکن منهم و أخذ ما یقارب من نصف الحملة.
و من أعجب الأمور و أغربها أن یقوم ابن صباح مقام المحامی عن حقوق ابن رشید فقد کتب إلی ابن سعود إذا لم تردوا أموال ابن رشید التی نهبها ابن ضویحی فإنی سأعلن الحرب علیک.
کثیرة هی غرائب مبارک و لکن لا أظن أن فیها علی کثرتها أشد غرابة من هذه فابن رشید، لما وصل إلیه فلول حملته خرج غازیا و أغار علی عتیبة و هم علی سبحا و عفیف الماءان المعروفان بطریق الحجاز، و أخذ علیهم بعض الحلال، و فی رجوعه أراد أن ینزل الشعب الماء المعروف فی عالیة نجد لیشرب منه، و کان علی ضمأ فوجد فیه فریقا من عتیبة، فأغارت علیهم خیل ابن رشید و هزموها، ثم هجم علیهم بخیله و جیشه فصمدوا له و اقتتلوا قتالا شدیدا قتل فیه رجال من الطرفین و صدوه عن الماء، فانسحب و نزل ماء قریبا من الشعب، ثم رحل منه و نزل الکهفة.
أما أهل بریدة فقد استبطأوا قدوم ابن رشید، و خافوا أن یصل ابن سعود إلی القصیم قبل مجی‌ء ابن رشید، فأرسلوا سلیمان بن عیسی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 467
الطمل أحد وجهائهم إلی ابن سلیم أمیر عنیزة یطلبون منه أن یتوسط بینهم و بین ابن سعود بالصلح، و ما کاد رسولهم یصل عنیزة حتی أرسلوا إلیه یأمرونه بالرجوع عن ذلک، لأنه بلغهم وصول ابن رشید الکهفة قادما إلیهم.
فأرسل أمیر عنیزة ابن سلیم محمد المرزوقی إلی ابن سعود یخبره بإقبال ابن رشید، و أنه علی وشک الوصول، و یستحثونه علی المجی‌ء قبل أن یتمکن ابن رشید فی القصیم، و یتابعه أهل القری. و لکن ابن سعود تباطأ فی المجی‌ء.
وصل ابن رشید فی 8 رجب و نزل أغضی، موضع معروف بوسط القصیم، و أقام فیه أیاما، ثم رحل و نزل الشقة، قریة تبعد عن بریدة نحو ساعتین شمالا، و أقام فیها خمسة عشر یوما، ثم رحل و نزل الهلالیة، إحدی قری القصیم، و أقام فیها نحو خمسة عشر یوما، فرکب إلیه وفود أهل الخبرا و أهل البدایع و أصلحوه.
أما أهل البکیریة فقد کانوا قسمین: ابن عمیر، و الرواجح و أتباعهما.
أما ابن عمیر، فقد رکب لابن رشید و أصلح معه؛ و أما الرواجح، فقد أبوا و حصّنوا محلّتهم.
فأرسل لهم ابن مهنا سریة هاجمت الرواجح بمساعدة ابن عمیر و جماعته، فتغلّبوا علیهم و قتلوا بعض الرواجح، و انهزم باقیهم إلی عنیزة.
و تابعه ابن رشید بقیة بلدان القصیم و قراه الشمالیة.
و هذا الذی تخوّف منه أهل عنیزة عند ما کتبوا إلی ابن سعود
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 468
و یستحثّونه علی المجی‌ء، و لکن ابن سعود تأخّر أکثر من شهر و نصف بعد وصول ابن رشید إلی القصیم، فاضطروا إلی متابعته، و لم یبق إلّا أهل عنیزة أخذوا یستعدون خوفا من مفاجأة ابن رشید قبل وصول ابن سعود، و لکن ابن رشید لم یقطع الأمل منهم و أراد أن یستمیلهم، فأمر ابن مهنا أن یرسل وفدا من جماعته یرأسهم أحد رجال ابن رشید لمفاوضة أهل عنیزة لعلهم یدخلون فیما دخل فیه أهل القصیم.
سار الوفد إلی عنیزة بدون علم من الأمیر ابن سلیم، فلما دخل الوفد من باب السور الشرقی الخارجی (باب الغرفانیة) الذی یبعد عن البلد نحو نصف ساعة، سبقهم رسول حارس الباب للأمیر فأخبره بقدوم أهل بریدة و معهم رجال ابن رشید، فأمر بالحال بعض من خدّامه أن یستقبلوهم و یرجعونهم من المحل الذی یجدونهم فیه، و لا یرجعون عنهم إلّا من بعد أن یجتازوا الوادی، فإن مانعوا فأرجعوهم فی القوة و لو باستعمال السلاح، فراحوا ینفذون الأمر فوافقوهم و قد أقبلوا علی البلد، فأمروهم بالرجوع فمانعوا و أرادوا إقناع الخدام بوجوب مواجهتهم للأمیر، فأبوا إلّا أن یرجعوهم، فطلبوا أن یسمح لواحد منهم بمواجهة الأمیر فرفضوا، فأخذ الخدام یسوقون رکائبهم بالرغم منهم، و قد اجتمع علیهم غوغاء من أهل البلد و من الصبیان فأخذوا یرجمونهم بالحجارة، و أصیب بعضهم بإصابات مختلفة و دعوهم الخونة، و لو لا أنّ الخدام حالوا دونهم و دون الوفد، و فرقوهم لأثخنوهم، امتنعوا عن رمی الحجارة، و لکنهم لم یمتنعوا من رمی قوارص الکلام الذی هو أشد من الحجارة، رجع الوفد بأسوأ الحالات عندئذ یئس ابن رشید من أهل عنیزة.
و کذلک أهل عنیزة عقدوا النیة علی الحرب و الدفاع، فأرسلوا رسولا
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 469
إلی ابن سعود یبلغونه بما وصلت إلیه الحالة، و أنهم یتوقعون هجوم ابن رشید و أهل بریدة فی کل لحظة، خرج عبد العزیز من الریاض و معه غزوا الجنوب و نزل عریف ببان، و أرسل أخاه محمد إلی عتیبة، فأقبل بهم و نزل الدواومی، القریة المعروفة بعالیة نجد.
و فی هذه الأثناء وصل عبد العزیز الحسن راعی طریف رسول من ابن صباح ظاهر أمره الصلح بین أهل بریدة و ابن سعود، و باطن أمره أنه واسطة لعقد الروابط بین ابن رشید و أهل بریدة، لأن ابن صباح هو أول من سعی باتفاق أهل بریدة و ابن رشید بعد أن أصلح هو مع ابن رشید، لأنه خشی من عواقب امتداد نفوذ ابن سعود، و أخذ یسعی لإضعافه و التألیب علیه لیجعله دائما فی حاجة إلیه، و هذه هی سیاسته منذ أن مات الشیخ یوسف بن إبراهیم عدوه اللدود الذی استخدم ابن سعود للقضاء علیه، و علی من ساعده، فلما قضی إربه انقلب ظهرا لبطن یظن أنه بمجرد رفع یده عن ابن سعود و مساعدة خصومه یبلغ إربه فی إضعاف ابن سعود.
رجع عبد العزیز الحسن من بعد قضاء مهمته فی بریدة إلی عنیزة، فسأله صالح الزامل عن نتیجة مسعاه عند ابن مهنا، فغمّی عنه الحقیقة، و قال: ما وجدت عندهم جواب ثابت و لم یستقر أمرهم علی شی‌ء، ثم رجع إلی الکویت. تقدم ابن سعود إلی القصیم و نزل السر و انضم إلیه أخوه محمد و معه عتیبة، و لما بلغ ابن رشید نزول ابن سعود السرّ رحل و نزل الشیحیة، ثم رحل منها و نزل المتنیات، قرب بریدة تبعد عنها ساعة واحدة، و أرسل إلی فیصل الدویش و نایف بن بصیص فأتوه و نزل الطرفیة.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 470

وقعة الطرفیة

رحل ابن سعود و نزل عنیزة فی 15 شعبان و أقام فیها یوما واحدا، ثم رحل منها قاصدا ابن رشید علی المتنیات و انضم إلیه من أهل عنیزة نحو الثمانمائة علی أربعمائة ذلول، أمیرهم صالح الزامل، و کان ابن رشید قد رحل و نزل بریدة أو رسل إلی فیصل الدویش و نایف بن هذال بن بصیص یستدعیهما، فأقبلا فی جریدة خیل و جیش.
فأغارت خیل ابن سعود علی أطراف بریدة و لما لم یظهر له أحد منهم عدل عنهم و قصد الدویش علی الطرفیة، فصادفه بالطریق آتیا لنجدة ابن رشید و ابن مهنا، فأغار علیه و أخذه و انهزم فلولهم إلی الطرفیة، فتبعهم ابن سعود و أغار علی الحی فی نزلهم و أخذهم، و نزل بالطرفیة فانهزم فلول مطیر و دخلوا بریدة، جری ذلک و ابن رشید قابع فی بریدة.
عقد العزم ابن رشید و أهل بریدة أن یأتوا ابن سعود علی غرة و یهاجموه لیلا، لأن جنود ابن سعود قد أصابهم التعب و الإعیاء من بعد طول مسیرهم ذلک الیوم و مطاردتهم الدویش.
و کان ابن سعود قد کبت به فرسه ذلک الیوم فکسر عظم من کتفه الیسری و أغمی علیه، رأی ابن رشید أنّ هذه الأسباب مشجعة له علی الهجوم فرتّب أمره استعدادا لذلک.
فلما کان أول اللیل رتّب ابن سعود الحرس خوفا من الهجوم، و لکن الحرس قد أصابه ما أصاب الجنود من التعب فناموا، خرج ابن رشید و أهل بریدة فی أول اللیل قاصدین الهجوم علی ابن سعود و سلکوا غیر الطریق المعروف لیأتوا من طریق مخالف لما یظن أنهم یسلکونه، و فی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 471
الساعة الثامنة من اللیل عند ما قاربوا منزل ابن سعود عبّی ابن رشید جنوده فجعل البادیة علی حده، و الحضر علی حده، و رتب لکل منهما خطة.
تقدموا هادئین لیباغتوا ابن سعود و جنوده و هم نیام، فهجمت البادیة من ناحیة و هجم ابن رشید و أهل بریدة من الناحیة الأخری، أطلقت البنادق فانتبه عسکر ابن سعود مذعورا لهذه المفاجأة و لکنهم صمدوا لهم، و التحم القتال و استمر إلی الفجر فانهزمت بادیة ابن سعود فی أول الأمر، و ثبت الحضر من جیش ابن سعود، و اشتد القتال و اختلط الفریقان و صار القتال بالسلاح الأبیض، فلما أسفر الفجر انهزم أهل بریدة و ابن رشید فتبعهم ابن سعود حتی دخلوا البلد و بلغ القتلی من الفریقین نحو المائتین أو یزیدون.
رحل ابن سعود و نزل الزرقا و أرخص لجنوده من أطراف بریدة فعاثوا فی القری التی ساعدت ابن رشید و نهبوا ثمار النخیل التی کانت قد أینعت، فرکب أهل القری و طاحوا علی ابن سعود، و طلبوا العفو فعفی عنهم و منع جنوده التعرض لهم.
أما ابن رشید فقد انهزم و معه قسم قلیل من أهل حایل، و لم یدخل بریدة، و أما أخوه فیصل فقد دخل بریدة لیشجع أهلها، و أما سلطان قصد حایل، و لکنه وجد برغش ابن طوالة فی العیون، إحدی قری القصیم الشمالیة، و نزل عنده، و استشاره فیماذا یفعل. قال ابن طوالة: ما یلیق بک أن تترک أهل حایل فی بریدة تحت رحمة ابن سعود، قال: إنی ترکت عندهم أخی فیصل و سأذهب إلی حایل لأستعد و أرجع إلیهم.
قال ابن طوالة: هذا ما هو رأی. الرأی أن ترسل من یکشف خبر ابن
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 472
سعود إن کان هو رجع إلی بریدة، فنحن نرجع إلیهم و نمدهم، و إن کان ابن سعود رحل عنها فنحن نرحل إلی بلادنا نحتمی بها، فأرسلوا من یکشف لهم الخبر، و کان ابن سعود یومئذ بأطراف بریدة فأخبرهم الرسول بذلک، فرجعوا و دخلوا بریدة لیلا فتشجّع أهل البلد بمجیئهم، فلما بلغ ابن سعود خبر دخول ابن رشید إلی بریدة رحل و نزل بموضع یبعد عن البلد نحو ساعة فخرج إلیه ابن رشید و أهل بریدة، و حصل بینهم قتال قتل فیه من أهل بریدة نحو عشرین رجلا، ثم انهزموا و دخلوا البلد و احتصروا فیها.
ثم رحل ابن سعود آخر یوم من شعبان و نزل عنیزة، و أقام فیها یوما واحدا، ثم رحل و نزل البکیریة و أقام فیها خمسة عشر یوما یترصّد إلی سلطان بن رشید لعله یخرج من بریدة فلم یخرج.
فرحل ابن سعود من البکیریة و نزل الرس، فخرج ابن رشید من بریدة و قد ترک فیها أخاه فیصلا و معه أهل ثلاثین ذلولا و عشرین خیّالا لیکون عونا لابن مهنا إلی أن یستعد و یرجع إلیهم.
و لکن ابن رشید بقی فی حایل و لم یرجع إلی بریدة، و اختلف فیصل و ابن مهنا فعاد إلی الجبل و اجتمع بأخیه فأغضبه رجوعه، فأرسله إلی الجوف بمهمة و ما قصده إلا إبعاده رضی فیصل بمنصبه الجدید و أقام فی الجوف.
أما ابن سعود فقد رحل من الرس و نزل قرب سواج، الجبل المعروف بطریق الحجاز، و أرسل من یستکشف له منازل مطیر، فرجع الرسول و أخبره أن الدویش نزل القرعا، ماء بمنتصف الطریق بین القصیم
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 473
و الکویت. و أما بریه فهم نازلین قبة الماء المعروف بفسح عروق الأسیاح من الشرق، فقصدهم ابن سعود فانتذروا به و ارتحلوا من موضعهم قاصدین بلاد ابن رشید، و نزلوا قصبا فتبعهم ابن سعود فرحلوا و نزلوا الکهفة، و هو علی أثرهم فارتحلوا و نزلوا سلمی، أحد جبلی طی‌ء، فرجع ابن سعود و لم یدرک منهم مراما، فنزل سقف ماء من أمواه الجبل، و کان قریبا منه قبائل من حرب، فأغار علیهم و ملأ یدیه من أموالهم، ثم رجع و دخل الریاض فی أوائل شهو شوال.
دخل ابن رشید بلاده و دخل ابن سعود بلاده و حالة أهل القصیم علی ما هی علیه، فاشتبک القتال بین أهل عنیزة و أهل بریدة فبدأ أهل بریدة یشنون الغارات علی الوادی و أطراف عنیزة، فقابلهم أهل عنیزة بالدفاع، و لم یحدث بینهم وقائع مهمة إلّا ما کان من الإغارات المتقطّعة، فلما استحکم الأمر أرسل ابن سلیم لابن مهنا یقول: رجع الأمر بیننا و بینکم و لا زلنا متّخذین خطة الدفاع، و مانعین أتباعنا من الاعتداء علی أطرافکم خوفا من أضرار تقع علی ضعفاء القصیم فیکونوا ضحیة طیش الجهال من الطرفین، فإمّا أن تمنعوا أتباعکم، و إلا سنضطر إلی مقابلتکم بالمثل فلم یرعو ابن مهنا، بل سار علی خطته العدائیة، و جهّز سریة من أهل بریدة و من بعض القری التابعة لها، و هاجموا البکیریة و کان ابن سعود قد نصب فیها عبد اللّه الراجحی و قتلوه و اثنین من حمولته، و هرب الباقون و زین بعضهم عنیزة، و بعضهم سار إلی ابن سعود، و بما أن البکیریة تبع إمارة بریدة، فقد استرجعها ابن مهنا فی آخر ذی الحجة سنة 1325 ه.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 474

حوادث سنة 1328 ه

بأواخر سنة 1328 ه کانت حذرة قافلة، لأهل عنیزة خارجة من الکویت، مشدودها- أی حمول البضایع التی معهم- قریب خمسمایة حمل، و عدد رجالها مایة و أربعون رجلا، منهم 45 رجلا فقط مسلّحین بالبنادق، و کبار رجال هذه القافلة صالح العبد العزیز السحیمی، و عبد اللّه الحمد القاضی، و سلیمان العلی الغماس، و غیرهم من الجماعة، فالتقوا بغزو من شمر عدد رجالهم قریب مایة و خمسون رجلا، عقیدهم عمش الفریر، و معهم غزو من قبیلة مطیر علی عقیرین: أحدهما الحمیدانی، و الآخر السّور، و مطیر آنذاک معادین لابن سعود و رعایاه التقوا بهم بمقطاع الدهناء من الغرب، قرب الأرطاویة قبل أن تسکن، أی یوم کانت موردا للبادیة و القوافل.
و کان مع أهل عنیزة رفق عن شمر هو راشد بن فهید العدیم شمری، فلما تراءت الفئتان أناخ کل منهما بمکانه، و خرج الرفق الشمری و قصد الغزو وقتها، منهم قال: هذول- أی هؤلاء- أهل عنیزة، و هم فی وجهی، فلم یلتفتوا له و لم یعبؤوا به طامعین بأموال القافلة، فرجع إلی رجال القافلة و أخبرهم بما ردّ علیه رجال الغزو، و صاح یستحثّهم علی الدفاع و المقاومة، فأمروه أن یرجع ثانیة و یقول لعقید القوم عمش الفرید أن أهل عنیزة مستعدین أن یعطوهم عشرة حمول رز، أی عشرون کیسا، و کیسین سکر، و کیسین قهوة، و ربطة عبی، و ربطة خام، فرجع إلیهم و عرض علیهم ذلک، فصاروا یستهزؤون به، و یقول عمش: و اللّه یا مقطباتهم هذه- أی حمولتهم- أن یخرج علیها لسوق حایل فلما تبین للجماعة أنّ شمر طامعین فیهم، و أنهم لم یعبؤوا بوجه الرفق حسبما هو
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 475
جار بقوانین البدو أنّ الرفق یرفق- أی یحمی- خویاه عن جمیع قبیلته لما تبین لهم ذلک استعانوا باللّه و رفعوا رایة الحرب، حملها حمد القطعی و صاروا یغنّون غناء الحماس.
أما المطران فقد أرسلوا إلی الجماعة أهل عنیزة و بلغوهم أنهم سیعتزلون عن شمر، و قالوا: کونوا آمنین منا، و شجّعوهم علی مقاومة شمر، فجاؤوا الشمامرة مغیرین هاجمین، و کان الجماعة قد استعدوا لمقابلتهم و جعلوا حمولهم متاریس لهم، فلما قرب منهم المهاجمون أطلق علیهم نیران بنادقهم فقتلوا من رجالهم و من رکائبهم، فرجع المهاجمون متشتتین، ثم أعادوا الکرّة و هجموا ثانیة فقابلوهم أهل عنیزة بنار حامیة من بنادقهم و حمی و طیس المعرکة، إلّا أنّ البدو لم یثبتوا لما رأوا کثرة القتل فیهم، و فی رکائبهم، ففرّوا هاربین لا یلوون علی شی‌ء و قد أعذروا و علموا أن لا طمع لهم بهذه القافلة، و کانت المعرکة بعد الظهر، و کان السماء متلبدة بالغیوم و بتلک الساعة هطل علیهم مطر غزیر، حجب رؤیة بعضهم البعض، و بعد أن أقلعت السماء و وقف المطر، و إذا هم لا یرون للبدو أثرا، حیث إنهم استمرّوا بهزیمتهم طامعین بالسلامة، بقوا الجماعة منتصرین و مأنوسین، و بقوا لیلتهم یغنّون أغانی النصر و خشیة من أن یعود البدو لمهاجمتهم لیلا، و قد ذبحوا من رکائب البدو التی وجودها محل المعرکة، و یقدرون قتل البدو قریب ثلاثین رجلا، و مثلهم جرحا و من رکائبهم التی ذبحت و التی أصیبت بالکسور قدر خمسین ذلولا، أما المطران فقد أتوا إلی الجماعة فی صباح الیوم الثانی فشکروا لهم الجماعة حیادهم و أکرموهم بشی‌ء أعطوه لهم و لم یفقد من الجماعة أحد و للّه الحمد.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 476
حرّرت هذه عن إملاء صالح السحیمی أحد رجال القافلة مع بعض التصرف.

1326 ه غدر ابن رشید فی أهل بریدة

اشارة

دخلت هذه السنة و الحالة کما أسلفنا ذکره، ابن سعود و ابن رشید فی بلدانهم، و أهل بریدة لم یزالوا موالین لابن رشید، و الحالة بینهم و بین أهل عنیزة علی ما هی علیه و المناوشات بینهم یومیا، و لم یزل أهل بریدة معلقین آمالهم برجوع ابن رشید، و لکن ابن رشید کافأهم مکافأة جمیلة.
فقد کان تجّار الإبل الذین یجلبون علی الشام من أهل بریدة قد وضعوا إبلهم فی دیار ابن رشید مع بوادیه، لکن إذا جاء أوان السفر إلی الشام تجهزوا من بریدة و أخذوا إبلهم و ساروا بها.
و لکن ابن رشید قد مدّ یده إلیها و أخذها فی أول هذه السنة و أرسلها إلی المشهد لجلب الطعام منها.
فرکب أصحاب الإبل لابن رشید یطلبون أداءها لکونهم حلفاءه، أو بالحری من رعیته، فقال لهم: إننا أخذناها ظنّا منا أنها لأهل عنیزة، و أرسلناها للمشهد، قالوا: نحن ننتظر رجوعها، قال لهم: الأمر مضی و لا سبیل إلیها، فرجعوا من عنده خائبین، و الظاهر أن هذه الحادثة غیّرت فکر کثیر من أهل بریدة، و انضموا إلی أنصار ابن سعود، و لم یبق فی بریدة من یمیل إلی ابن رشید إلا ابن مهنا و أنصاره القلیلین.
فتعجل بعض أنصار ابن سعود عند ما رأی کثرة الناقمین علی ابن رشید و ابن مهنا، و کتب إلی ابن سعود یخبره بالحالة و یقول: إنّ أهل البلد
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 477
إجمالا ناقمین علی ابن مهنا، و أظن أنهم [...] .

غزو ابن رشید بوادی العراق‌

قلنا: إن ابن رشید أرسل حملة تمتار من العراق و تعلقهم کثیر من البوادی بلغ عدد الحملة نحو خمسة آلاف جمل، ثم تبعهم غازیا و أغار علی الزیّاد قبیلة من بوادی العراق، و أخذ الغنم و البیوت بما فیها، و سلمت الإبل «قرب السماوة» و لکن الزیاد انتقموا منه و ترصدوا للحملة التی فی المشهد، و لما أقبلت من المشهد أغاروا علیها و أخذوها، و لم یسلم منها إلّا القلیل.
لما وصلت کتب أهل بریدة إلی ابن سعود خرج من الریاض و معه غزو أهل الجنوب فی أوائل ربیع الأول، فلما وصل المستوی موضع یبعد عن بریدة مسافة یوم جاءه رسول من أهل بریدة یستقدمونه، فواصل سیره و نزل عنیزة، فجاءه، رسول آخر من أهل بریدة یقولون: إنهم لم یتمکنوا بعد من تهیئة الأمور فهم یستمهلونه أیاما أخر.
أما أهل القری فقد أرسلوا وفودهم إلی ابن سعود یطلبون الصلح فأجابهم و أمنّهم.
سار ابن سعود من عنیزة و خرج معه غزو من أهلها ثم نزل الخضر علی مسافة ساعة و نصف عن بریدة، فلم یخرج إلیه أحد من أهل بریدة لا محاربین و لا مصالحین، فعاث الجند فی زروع أهل الصباخ، ثم سار و نزّل الشقة إحدی قری بریدة الشمالیة تبعد عنها مسافة ساعتین.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 478
بلغه أن سلطان ابن رشید قد أقبل من حائل لنجدة أهل بریدة، فرحل من الشقة قاصدا ابن رشید لیصده عن نجدة أهل بریدة، فلما وصل الکهفة بلغه أنّ الخبر مختلق، و أن ابن رشید لم یخرج من بلده، و أن شمرا انتذروا و ساروا شمالا و لم یبق إلّا برغش بن طوالة نازلا «فیه» القریة المعروفة قرب سلمی أحد جبلی طی‌ء، فقصده ابن سعود فوجده قد تحصن فی القریة فنزل قبالته، و لما طلع الفجر أرکب ابن طوالة نساءه و بناته فی الهوادج یستعطفن ابن سعود، و کانت هذه عادة عند القبائل و هی آخر ما یلجأ إلیه المستعطف، و لیس بعد ذلک شی‌ء من الخضوع و قل [...] و أن یکون من رعایاه المخلصین.
فأراد ابن طوالة یتوسط الأمر بین ابن سعود و ابن رشید فأجابه إلی ذلک و أعطاه الشروط التی یریدها من سلطان و هی لا تخرج عن معنی ما تقدم. و هی أن حائل و توابعها و شمر إلی ابن رشید، و بقیة نجد و قبائلها إلی ابن سعود و ما کان سلطانا یطمح بذلک من ابن سعود، و لکن هذا تساهل معه لقطع الصلة بینه و بین أهل بریدة.
فقال ابن طوالة: إن قبل ابن رشید بهذه الشروط و إلّا سأقطع کل صلة بینی و بینه، رجع ابن سعود إلی القصیم و نزل البکیریة، و مضی ابن طوالة إلی ابن رشید و عرض علیه شروط ابن سعود فقبلها، و تم الصلح، و أرسل رسولا إلی ابن سعود یؤیّد قبوله ما تم علی ید ابن طوالة.
أما ابن سعود فقد نزل البکیریة و أخرج منها سریة ابن مهنا بالأمان و سیرهم إلی بریدة، و سار هو و بعض حاشیته و دخل عنیزة، فجاءه رسول
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 479
من أهل بریدة یستدعونه و قرروا له وقتا معلوما، فرجع إلی معسکره بالبکیریة، و سار منها قاصدا بریدة، فلما قرب منها خرج إلیه رسول من أهلها سرا و قرروا أن یکون عند الباب الشمالی الساعة الثانیة من اللیل، فانتخب ثلاثمائة من رجاله جعلهم بالمحل المعین، و أمرهم أن یقصدوا البیوت المجاورة للقصر و یحتلوها توّا، و أن لا یتعرضوا لأهل البلاد ما لم یروا منهم مقاومة.
فلما کان الوقت المقرر فتح الباب و دخل ابن سعود و رجاله الذین عینهم و عارضهم أعوان ابن مهنا و قاوموهم فی الأسواق، و رئیسهم محمد العلی أبا الخیل، و لم یساعدهم أحد من أهل بریدة، فتغلب علیهم رجال ابن سعود و تحصّن ابن مهنا و رجاله فی القصر و استولی ابن سعود علی البلد و بایعه أهلها، و بالیوم الثانی طلب ابن مهنا الأمان علی نفسه و من معه و ما معهم، فأجابهم ابن سعود و أمنه و من معه و ما معهم إلّا السلاح، فسلموا له القصر بما فیه من السلاح و الذخیره فاستولی علیه، و بالتالی استولی علی القصیم و أمر أحمد بن محمد السدیری علی القصیم، و نزل القصر ابن رشید و معه إثبات الصلح فجهز ابن مهنا و خدامه و أتباعه و سیرهم إلی العراق یصحبهم عبد العزیز الرباعی أحد خدام ابن سعود.
و کان التسلیم فی العشرین من ربیع الآخر من هذه السنة، فسکنت الفتنة، و استراح الناس، رتب ابن سعود أمور القصیم و سار من بریدة و نزل قصر ابن عقیل «بالتصغیر» و أرسل عماله إلی قبائل مطیر و عتیبة و بنو عبد اللّه و حرب و غیرهم من قبائل نجد عدی شمّر لجبیّ الزکاة، و قد جاءه رؤساء شمر یطلبون منه أن یرسل لهم عمالا فأبی، و قال: إنی قد تنازلت عنکم لصاحبکم و أنتم فی أمان منی.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 480
و لکن محسن العزم أحد رؤساء حرب لم تکن زکاته مرضیة حیث قد أخفوا کثیرا من إبلهم و لم یؤدّوا عنها الزکاة، فغزاهم ابن سعود و أخذهم فی العشر الأخیر من جمادی الأولی، ثم رکب إلیه العزم فطلب منه العفو فعفی عنه، و أصلحوا معه فرجع إلی القصیم، ثم رجع إلی الریاض فی أولی جمادی الثانیة.

قتل سلطان الحمود و قیام أخیه مقامه‌

بعد ما أصلح سلطان بن رشید و ابن سعود و انهزم آل السبهان و توابعهم، و معهم سعود بن عبد العزیز بن رشید إلی المدینة، و هو الوحید الذی نجا من أولاد عبد العزیز بن متعب لصغر سنه و لحمایة أخواله آل السبهان له.
کذلک حمود العبید استرخص من أولاده فی سکن المدینة محتجّا بکبر السن، و أنه قد ضعف عن الأمور و محتاج إلی الراحة فی آخر عمره، و التفرغ للعبادة، فأذنوا له، فسار إلی المدینة و أقام فیها مدة قلیلة و توفی فیها فی آخر هذه السنة، و قد تجاوز عمره الثمانین سنة، اللّه یعفوا عنا و عنه.
أما سبب رواحه إلی المدینة فهو کراهة لعمل أولاده فی أولاد عبد العزیز الذین هم أولاد ابنته، و قد جزع علیهم جزعا شدیدا لازمه حتی وفاته.
و قد قال فی ذلک أشعارا فلم یأبهوا به و جفوه، مما زاد علیه ألم المصیبة فاضطر إلی فراقهم و لکنه لم یمت حتی نکب أولاده.
أما أهل حایل فقد کرهوا إمارة آل عبید و استثقلوها، فالتحق کثیر من
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 481
وجهاء البلد بابن سعود، و قسم آخر التحق بالسبهان فی المدینة، و لم یبق فی حایل أحد یشار إلیه لأن أساطینها قد فارقوها.

أسباب قتل سلطان‌

اختلفت الروایات فی أسباب قتل سلطان، فمنهم من یقول: إنه تنازل عن الإمارة لأخیه سعود، و منهم من یقول: إنه لم یتنازل و إنما قتله سعود الحمود لیحل محله.
أما الحقیقة فإن سلطانا بعد ما انهزم آل السبهان من سعود ابن عبد العزیز إلی المدینة و رأی کثرة من هاجر إلیهم و إلی ابن سعود من أعیان أهل حایل، و لم یبق عنده من فیه خیر، تجسمت الأخطار فی عینیه، و علم أنه محاط بالأعداء بالداخل و فی الخارج، و اضطرب فکره فاقتضی نظره أن یأخذ ما یتمکن علیه من النقود و الجیش و ینهزم، و فعلا نفذ الأمر و خرج و ابنه علی و معه خمسون هجّانا، و قصد الجیش و أخذ منه خمسین ذلولا من خیار ما عندهم، و انهزم علیها هو و أتباعه، و فی الیوم التالی علم أخاه سعودا بما عمل فرکب و معه ثلة من أهل حایل، و أدرکهم فقبض علی سلطان و ابنه، و رجع بهما إلی حایل و حبسهما، ثم قتلها فی آخر جمادی الأولی، و تولی الإمارة أخوه سعود بن حمود العبید فکانت مدة ولایة سلطان سنة و ستة أشهر و أیاما.

قتل سعود بن حمود آل عبید و تولی حمود السبهان بالنیابة عن سعود الرشید

أرسل سعود الحمود إلی ابن سعود یخبره بالأمر الواقع و طلب منه
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 482
عقد الصلح علی ما کان بینه و بین سلطان فأجابه ابن سعود إلی ذلک، و انعقد الصلح علی ما کانوا علیه قبل ذلک.
أما سعود الحمود فلم یطل أمره فقد کان عرشه مزعزعا و ولایته ممقوتة، بل ضاق ذرع أهل حائل و شمر فی ولایة آل عبید. رأی آل السبهان الفرصة سانحة لهم باسترجاع الإمارة إلی بیت آل عبد اللّه و طرد آل عبید عنها، فکاتبوا أهل حائل فشجعوهم علی القدوم إلیهم لإنقاذ البلاد من هذه الفوضی، فتکررت المراجعات و تقرر وقت معین لقدوم آل سبهان، فجاء الوقت المذکور و استعد أهل البلاد لمساعدتهم.
فلما کان فی شهر رمضان من هذه السنة خرج آل سبهان و أتباعهم من المدینة و خرج معهم من هناک من المهاجرین من أهل حایل، فلما قاربوا البلد أرسلوا رسولا لأهلها یخبرونهم بقدومهم و یستنجزونهم و عدهم بالمساعدة فأجابوهم فدخلوا البلد و قام أهلها معهم و احتصر سعود فی القصر، ثم تمکنوا من الاستیلاء علی القصر بواسطة طوارف آل عبد اللّه، فقبضوا علی سعود و قتلوه و قتلوا معه تسعة من آل عبید، و لم ینج من آل عبید إلّا عبد اللّه ولد عبید الحمود الذی قتل فی عنیزة، و أولاد مهنا بن حمود آل عبید.
و فیصل الحمود الذی کان نصبه سلطان فی جوف أمیرا فیها علی ما قد منا، و کأنه قنع فی ولایته و بقی فیها و لم یشارک أخویه فی الحکم و لم یسترک فی الخلاف الذی وقع بینهما.
و لکن لما تولی آل السبهان أمر حایل خاف علی نفسه و خرج من الجوف و سار و رمی نفسه علی ابن سعود و بقی عنده إلی أن مات سنة 1342 ه فی الریاض.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 483
ثم استیلاء آل السبهان علی حایل و توابعها، و تولی أمر الإمارة حمود بن سبهان السلامة بالنیابة عن سعود بن عبد العزیز القاصر، فأرسل إلی ابن سعود یخبره بالأمر و ولایته بالنیابة عن سعود بن عبد العزیز، و یطلب منه تقریر الصلح بینهما علی ما کان علیه سلفه، فلم یوافقه بل اشترط علیه شروطا لم یقبلها.
خرج ابن سبهان من حایل و قصد القصیم، و أغار علی الحمیدانی من مطیر شمالی بریدة و أخذه.

وفاة حمود السبهان و تولی زامل بن سالم السبهان بالنیابة

و لم یلبث بعد رجوعه إلی حائل حتی مرض و توفی فی شهر الحج سنة 1326، فکانت إمارته أقل من أربعة أشهر، و تولی بعده أمر الإمارة فی حایل زامل بن سالم السبهان بالنیابة عن سعود بن عبد العزیز.
سنة 1327 ه: بلغ ابن سعود غزوة ابن رشید علی مطیر فخرج من الریاض فی أواخر شهر الحج، و قصد قبائل ابن رشید، فلما وصل الأجفر علم أن شمر انتذروا به و انهزموا قاصدین الشمال فرجع ابن سعود إلی القصیم و نزل بریدة.
و فی أواخر شهر صفر بلغه أن ابن رشید خرج من حایل غازیا و معه شمر و أنه قصد عتیبة فسار ابن سعود من بریدة إلی أطراف ابن رشید، و أغار علی قبائل مجتمعه من قبائل ابن رشید، و أخذ الجنفاوی و الوجفان و المذعور و العطاعطة، و النفعان و الشمیلی الجمیع من شمر، و ابن مضیان و المذهوب و ابن صمیم و ابن عیان، و ولد سویلم، و ابن ربیق الجمیع من حرب، و ملأ یدیه من أموالهم.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 484
أما ابن رشید فقد بلغه و هو بمنتصف الطریق أنه ابن سعود خالفه علی قبائله، فأجبره من کان معه من شمر و حرب علی الرجوع فرجع و علم أن ابن سعود بعد ما أخذ هذه البوادی و نزل الشعیبة فأراد أن یهاجمه لیلا، و کان ابن سعود قد رحل و نزل الأشعلی موضع فی النفود، یبعد عن الشعیبة مرحلة جنوبا، فتبعه ابن رشید.
و بلغ ابن سعود أن ابن رشید سیهاجمه فی هذه اللیلة فأخذ یتأهب و أبعد البدو عن المعسکر، و أخرج الحضر إلی رأس النفود و ترک الخیام خالیة، و أمر أن لا تقتل الإبل التی قد غنموها من شمر و حرب، أراد بذلک أن یغری البوادی الذین مع ابن رشید بالطمع فیتفرقوا عن ابن رشید، لأن الإبل متی سمعت طلق البنادق تفر هاربة إذا کانت غیر معقلة فیشتغل بها جند العدو، فلما کان منتصف اللیل هجم ابن سبهان و أهل حایل علی مخیم ابن سعود الفارغ، ففرت الإبل عند ما سمعت طلق البنادق فلحقتها بادیة ابن رشید، و هذا ما أراده ابن سعود، و کذلک فرت بادیة ابن سعود تحت ظلام اللیل محتفظین ببعض غنائمهم، فلم یبق غیر الحضر فی الجیشین، فأرسل ابن سعود قسما قلیلا لصدّ هجوم ابن رشید و أمرهم أن؟؟؟ بأنفسهم و ینسحبوا انسحابا تدریجا، و کمن هو و بقیة الجند فی أماکنهم، فلما التحم القتال فعل جند ابن سعود ما أمروا به، فطمع بهم ابن رشید و ظن أن هذه هی قوة ابن سعود أنه معهم.
فلما اجتازهم ابن رشید متعقبا جند ابن سعود المنهزم أطبق علیه ابن سعود و قطع علیه خط الرجعة و صدمه صدمة شدیدة، فانهزم ابن رشید بعد أن فقد عددا غیر قلیل من رجاله، و عادا إلی الشعیبة هو و من سلم من جنده. أقام ابن سعود فی موضعه ذلک الیوم ثم رحل عائدا إلی القصیم،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 485
و نزل قبة- الماء المعروف بسطح عروق الأسیاح من الشرق-، ثم رجع إلی الریاض و دخلها فی ربیع الأول من هذه السنة.

قتل أولاد آل مهنا الصغار فی الربیعیة

عند ما قبض ابن سعود علی صالح الحسن و إخوته ترک إخوته و أبناء عمومته الصغار، و لم یتعرض لأحد منهم، و أقام بعضهم فی بریدة و البعض الآخر فی الربیعیة، و هی قریة صغیره فیها نخل لآل مهنا، و کان [...] مقیم فی الربیعیة، و قد تزوج والدة بعضهم، و کأنه رأی منهم تطاول علیه و معاکسة له، فأراد أن یغض منهم فوشی بهم إلی ابن سعود أنهم یکاتبون ابن رشید، قصده بذلک أن ابن سعود یقبض علیهم و یبعدهم عنه، و لم یعلم أن الأمر یؤول إلی ما آل إلیه.
أرسل ابن سعود فهد الزبیری و معه سریة فقبض علی أولاد آل مهنا الذین فی الربیعیة، و هم سبعة أولاد أکبرهم لا یتجاوز الخمسة و عشرین من عمره، فسار بهم و لما وصل الشماسیة قتلهم، فذهبوا ضحیة و شایة سافلة دون أن یتحققوا صحة ما نسب إلیهم، و قد قال اللّه سبحانه و تعالی فی کتابه العزیز: یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِنْ جاءَکُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَیَّنُوا أَنْ تُصِیبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلی ما فَعَلْتُمْ نادِمِینَ [الحجرات: 6]، و الحقیقة أن الإمام حفظه اللّه قد تعجّل فی هذا الأمر مع هؤلاء الأطفال خلافا لما عرف عنه و اتصف به من الحلم و الأناءة، و اللّه المستعان، و کان ذلک لشهر جماد الأول سنة 1327 ه.
خرج ابن سعود من الریاض و نزل القصیم ثم سار منه غازیا و أبقی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 486
رحلته فی نفی القریة المعروفة من العالیة، و أغار علی فرقان من عتیبة و بنی عبد اللّه و حرب، و أخذهم علی الصلاة موضع معروف فی عالیة نجد، و عاد إلی نفی.
أما ابن سبهان فلم یخرج من حایل، و فی شهر رجب أمر ابن سعود علی بعض أشخاص من أهل بریدة أن یغادروا بریدة إلی أی محل یریدونه، و هم صالح الدحیم الربدی و علی الحمیدة، و سلیمان بن عیسی الطمل، و فهد الرشودی، و صالح الدخیل، لأنهم من أرکان الفتنة التی أشعلها محمد العبد اللّه المهنا علی ابن سعود، و خشی أنهم یحدثون مثلها فأمرهم بالجلاء.
أما صالح الدخیل فقد نزل عنیزة و رکب الباقون و معهم بعض أعیان بریدة، و قصدوا الریاض یسترضون ابن سعود فأکرمهم و رضی و عفی عنهم، فرجعوا إلی بلدهم مکرمین.
رحل ابن سعود من نفی و عاد إلی القصیم و عزل أحمد السدیری عن إمارة القصیم، و استعمل علیها عبد اللّه بن جلوی بن ترکی، ثم رجع إلی الریاض.
***
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 487
و کان ابن سعود یفکر دائما باحتلال الأحساء، و لکنه ینتظر الظروف الملائمة: و لیس فی هذا الوقت ما یشجع عبد العزیز لمثل هذا الأمر، لوجود حرکة العرائف، و حرکات الشریف الحسین، و لکن جواب جمال باشا عجل بوقوع الأمر، فصمم عبد العزیز علی المغامرة کعادته، و کانت مغامرة موفقة.
خرج من الریاض فی شهر ربیع الأول، و نزل الخفس- الماء المعروف- حتی آخر الشهر. ثم رحل من موضعه غازیا آل مرة، و قد حدث منهم مخالفات أوجبت تأدیبهم. فأغار علیهم و أخذهم، و نزل بالقرب من الأحساء بحجة الامتیار، و غرضه الحقیقی تمهید الأمور، و جس نبض أهل البلاد. فأرسلت حکومة الأحساء الترکیة تستطلع خبره و نرایاه، فقال: إنما قصدی الامتیار ثم ابتاع ما کان فی حاجة إلیه، و عاد إلی الریاض بعد أن علم ما یرید، و ترک حملته علی الخفس.
و لما هم بالهجوم علی الأحساء، أخذ یعمل لإبعاد قبیلة العجمان، خوفا من انضمامها لحکومة الترک، لما هو معروف من عداء العجمان لآل السعود قدیما و حدیثا، فهم یفضلون بقاء حکومة الترک فی الأحساء علی أن یستولی علیها ابن سعود، فضلا عن ما هو مشهور عن مطامعهم فی الأحساء. و لکن ابن سعود جعلهم أمام أمر واقع، فدبر إبعادهم عن منطقة الأحساء، و انقض علیها انقضاض العقاب علی فریسته رحل من الخفس، و لم یعلم أحد أین یقصد. و لم یکن معه إلّا أربعمائة من جنوده اختارهم، و نزل بالقرب من الأحساء یوم الأحد 26 جمادی الأولی.
و أرسل سرّا إلی إبراهیم القصیبی، و یوسف بن عبد العزیز بن
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 488
سویلم، و إبراهیم بالغنیم، یخبرهم بمکانه، و أنه هاجم علی البلد فی هذه اللیلة، و یأمرهم أن یجهزوا له الأسباب ما یمکنهم من تسلق السور، و أن یختاروا له المکان المناسب للهجوم. فأعلموه و أحضروا له ما یلزم له و جعلوه بالقرب من المحل المقصود خارج البلد.
فلما کان فی الساعة السادسة من لیلة الاثنین 28 جمادی الأولی، تسلقوا السلالم المعدة لهم، فتکامل عددهم نحو مائتین و خمسین، فسار کل فرقة منهم إلی موضعها الذی عینه لها عبد العزیز، و کان الحراس قد أحسوا بشی‌ء من الضوضاء، و لکنهم لم یجسروا علی تخطی أماکنهم، فصاروا یسألون: من أنتم و لم یجبهم أحد فأخذوا یرمون علی غیر هدی، و لم یجاوبهم أحد. فانتبه العسکر، فقاوموا مقاومة ضعیفة، فأخذهم الرعب عند ما علموا أن المهاجم لهم ابن سعود.
أما عبد العزیز، فلم یستطع الصعود علی السلم لعلو السور، ففتحوا له کوة فی أسفل السور، فدخل منها و ذهب توّا إلی بیت الشیخ عبد اللطیف الملا، و طلب مواجهته، فنبهوه و جاء، فسلم علی عبد العزیز، و بقی عنده و معه بعض أتباعه، و فی ذلک الوقت، کانت جنود عبد العزیز قد احتلت بعض الحصون من الجهة الشمالیة الغربیة و الجنوبیة، و بقیة الحصون التی علی أبواب المدینة و القصور: قصر إبراهیم، و قصر العبید، لم تزل فی ید الترک، و عدد العسکر نحو ألف و مائتی جندی، و عندهم من الأسلحة و الذخیرة و المؤن و الأطعمة ما یکفیهم مدة طویلة فیما لو حاصرهم ابن سعود و مع ذلک فقد أخذهم الرعب، و استسلموا المائتین و خمسین جندیّا، لا یملکون غیر بنادقهم، و بضعا من الخرطوش مع کل جندی.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 489
تحصن العسکر و المتصرف و موظفیه فی قصر إبراهیم، و بقی الحرس الذی فی الحصون التی علی أبواب المدینة محافظین علی مراکزهم فأصبحت مدینة الکوت فی حصار، و ابن سعود فی نفس البلد، و لیس معه قوة تدفع عنه فیما لو هاجمه الترک و أنی لهم ذلک، و قد ملؤا رعبا، و لم یکن عبد العزیز فی کل مغامرته بأشد خطرا مما هو فیه الآن إنها لجرأة غریبة خطرة، تفوق الروایات الخیالیة.
مضت تلک اللیلة و الیوم الذی بعدها و عبد العزیز فی المدینة، و المدینة مغلقة الأبواب و الحصون التی علی الأبواب لم تزل بید الترک، و العسکر و المتصرف داخل قصر إبراهیم، و لم یحرکوا ساکنا و لم یمدوا أهل الحصون، و مع ذلک، فلم یتمکن عبد العزیز من التغلب علیهم، فکیف لو تحرک العسکر؟ لکانت العاقبة و خیمة، و لکن اللّه لطف.
أما أهل البلد و أهل القری، فلم یتحرک منهم أحد، لا مع ابن سعود و لا ضده، أرسل عبد العزیز إلی أعیان البلد و أعیان أهل القبائل و الرفعة یدعوهم للحضور فجاؤوا مع الفتحة التی أحدثت فی السور، التی دخل منها عبد العزیز فی السور، لأن الأبواب الشرقی و الشمالی لم تزل بید الترک فاجتمعوا فی بیت الشیخ عبد اللطیف الملا، و طلب منهم أن یبایعوه، فبایعوه، ثم جاء محمد أفندی أحد موظفی الترک، و کان أمینا للصندوق فی حکومة الترک، فبایع ابن سعود، و سلم له المفاتیح، و کان بعد ذلک وکیلا لابن سعود إلی أن توفی.
تفاوض الإمام عبد العزیز مع الشیخ عبد اللطیف الملا و الشیخ إبراهیم بن عبد اللطیف آل مبارک، فاقتضی نظرهم أن یکتبوا کتابا إلی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 490
المتصرف، و قومندان العسکر، یدعوانهما إلی التسلیم، و یبینا لهما عدم جدوی مقاومتهما لأن ابن سعود استولی علی البلد و بایعه أهلها، و أرسلا الکتاب مع محمد أفندی، الآنف الذکر و سلم لهما الکتاب، و أخبرهم أن أعیان البلد قد بایعوا ابن سعود، و لم یبق فائدة للمقاومة بعد هذا. فجاء منهما القبول بالتسلیم علی شرطین:
أولا: أن یکتب المشائخ و أعیان البلد أنهم لا یرغبون فی بقاء العسکر، و أنهم یفضلون ولایة ابن سعود علی ولایة الدولة.
ثانیا: أن یبذل لهما و لمن معهما الأمان علی أنفسهم، و أموالهم، و أهلیهم، و جمیع ما لدیهم من الأسلحة و الذخائر و المؤن الحربیة التی للحکومة.
فقبل ابن سعود الشرط الأول، و عدل الشرط الثانی بأن یبذل لهم الأمان علی أنفسهم، و أموالهم، و أهلیهم، و أن یترک للعسکر، لکل نفر بندقیة و ما یتبعها، أما الأسلحة التی للحکومة من المدافع و الذخائر و غیرها، فهی له فقبلا بذلک و سلموا، فاستلم الإمام دوائر الحکومة أولا.
ثم أحضر بعض الجند لیستلم القصر بما فیه، فوقفوا عند بابه و أخذ العسکر یخرجون واحدا واحدا، کل منهم یحمل سلاحه. فلما تکامل خروجهم، احتل الجند القصر، و کان عدد العسکر ألف و مائتی جندی، فجهزهم و سیرهم إلی العقیر، یخفرهم أحد رجال ابن سعود، حتی وصلوا العقیر. و جهزهم بالسفن إلی البحرین. و لم یرجع أحمد بن ثنیان، حتی فارقت سفنهم العقیر بطریقها إلی البحرین.
و لما فرغ من ترتیب شؤون الحساء، استعمل علیه عبد اللّه بن جلوی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 491
أمیرا، و أرسل سریة إلی القطیف بقیادة عبد الرحمن بن عبد اللّه بن سویلم، فلم یجد له مقاومة؛ لأن الحامیة الترکیة التی فیه هربت إلی البحرین، عند ما علمت باستیلاء ابن سعود علی الأحساء. و استعمل عبد الرحمن بن سویلم أمیرا فی القطیف.

محاولة الترک استرجاع الأحساء

ذکرنا عبور العسکر الذین أجلاهم ابن سعود من الأحساء. و عند ما وصلوا البحرین، کان قد وصلها قوماندانا جدیدا آتیا من البصرة، فاتفقت بهم فی البحرین. و کان فیه نزعة عسکریة، فحاول الهجوم علی الأحساء و استرجاعها من ابن سعود. و کان فی میناء البحرین باخرة تجاریة لآل عبد اللّه البسام، قاصدا العقیر لتحمیل تمور منها، فاستأجرها القوماندان الجدید، و عاد فیها إلی العقیر. فنزل و عسکره من الجانب الجنوبی الغربی من میناء العقیر و کان بینهم و بین قصر العقیر برج مبنی لحمایة الماء و هو الوحید فی العقیر، و فیه حامیة قلیلة، أما قصر العقیر فلا تزید حامیته عن ثلاثین رجلا. مشی العسکر یریدون العقیر، و استولوا علی الحصن الذی علی الماء، و أقبلوا علی القصر، فانضم إلی حامیته الموجودة فیه من أهل نجد، المقیمین و المسافرین، و کان أمیر الحامیة قد طیر الخبر إلی ابن سعود فی الأحساء، فرکب و معه بعض الجند، و قدم قبله کوکبة من الفرسان لتشجیع الحامیة علی الدفاع إلی أن یصلهم المدد، فوجدوا الحامیة قد صدت هجوم مقدمة الترک، و أسرت منهم نحو ثلاثین جندیا.
و فی تلک الساعة، وصل مقدم الخیل فما کان من الترک، إلّا أن
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 492
انهزموا لیغتنموا السلامة قبل أن یحول ابن سعود بینهم و بین البحر فرکبوا السفن، و رجعوا من حیث أتوا و ألحقهم ابن سعود من أسر منهم، بعد أن أخذ منهم سلاحهم، و قد ظن ابن سعود أن العسکر لم یرجع إلّا بتشجیع من أناس فی البحرین فکتب إلی الشیخ عیسی بن علی آل خلیفة حاکم البحرین و إلی الوکیل السیاسی فیها لحکومة الإنکلیز، یقول: إنه لا یلیق بکم أن تحرضوا علینا، و نحن أصدقاءکم فجاءه الجواب من کل منهما:
علی أن العسکر رکبوا فی الباخرة علی أنهم سائرون إلی البصرة، و لا علم لنا برجوعهم إلی العقیر.
رجع ابن سعود إلی الأحساء و بعد أن رتب الأمور توجه إلی القطیف لتنظیم أموره، و لأجل النظر فی قضایا کانت بین الأهالی، و بین بنی خالد بخصوص أملاکهم، الذین یزعمون أن الأهالی تغلبوا علیها بواسطة حکومة الترک، فأقام فیها مدة، نظر فی خلالها الدعاوی المرفوعة إلیه من بنی خالد، و حسمها، و طلب منه أهل القطیف النظر فی رسوم الزکاة المفروضة علی النخیل فأجابهم و خفض لهم خمس بارات عن کل نخلة واحدة من الرسوم التی کان الترک یتقاضونها.
أما عبد الحسین بن جمعة، فقد خص بتخفیض خاص، حیث جعل له عشر بارات عن کل نخلة، و کان فی دفاتر حکومة الترک علی عبد الحسین ألفا لیرة، و مائتی لیرة، و أربعون لیرة متأخرة علیه من الزکاة فطلبها منه، فتضرر من ذلک، و ادعی أنه قد سدد الکثیر منها. فطلب الإثبات لما یدعیه، فلم یأت بما ینبت دعواه فطلب من الإمام النظر فی أمره، فوضع عنه سبعمایة و أربعین لیرة، و طلب منه تسدید الباقی فادعی أن لیس لدیه شی‌ء الآن، و طلب إنظاره، فأجابه.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 493
و لما فرغ من شؤون القطیف و ترتیبه، رجع إلی الأحساء، و لم یلبث عبد الحسین بعد رجوع ابن سعود، حتی هرب إلی البحرین، و لم یسلم ما علیه من متخلفات الزکاة و قبل هربه، نظم مضبطة تحت إمضائه هو و أخذ إمضاءات عن بعض الأهالی، قدمها إلی حکومة البصرة، طعن فیها طعنا مرا فی ابن سعود و یحث الحکومة الترکیة علی استرجاع الأحساء و القطیف من أیدی هؤلاء الخوارج و قال: إنه مجرد وصول طابور واحد من الجنود المظفرة، یتعهد لهم بثورة الأهالی ضد ابن سعود، و یسلمها إلی مأموری الدولة العلیة.
و لکن لحسن الحظ أن السید طالب النقیب قد أخذ علما عن هذه المضبطة من کتب جاءته من القطیف فاقتنصها قبل أن تصل إلی المراجع المختصة و أرجعها إلی ابن سعود فی شهر شوال. فعدها ابن سعود مع فراره من القطیف، مؤیدة لما قیل فیه، فأسر الأمر فی نفسه.
و کان مقبل بن عبد الرحمن الذکیر قد أراد أن یتوسط فی أمر ابن جمعة لدی الإمام عبد العزیز، و یستعطفه لیأذن برجوع ابن جمعة و لیسمع له، و کان ذلک قبل أن یعلموا بمساعیه لدی حکومة الترکی و فعلا کتب مقبل للإمام بهذا الخصوص، فجاءه الجواب مؤرخ 13 شعبان سنة 1331 ه، قال فیه: کتابکم وصل خصوصا من طرف ابن جمعة، أخی حنا یوم ألفینا القطیف، و إذا الناس أهل غرض فیه، و أهنّا أنفسنا، و نزلنا عنده، و أجرینا معه من الإکرام و الحشمة شیئا ما یخفی علی أحد. قصدنا کف الناس، إذا شافوا فعلنا به و صار لنا علیه ألفان و مئتان و أربعون لیرة بقایا، و ألف و خمسمایة ریال علیها سند من طرف الباج، و قام یعتذر أنه،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 494
مظلوم و أن الناس أهل غرض فیه، و سامحناه، ما خلینا إلّا ألف و خمسمایة لیرة و یوم طلبناها منه، فر إلی البحرین.
و الحقیقة أنه لئیم و إلّا کیف هذا فعلنا معه، و هذی مجازاته لنا؟ عاد أخی حنا ما لنا غرض فی الناس إلّا دورة الراحة و السکون و حنا کتبنا له خط، لا بد تشرف علیه عرفناه بما یلزم أن قبله، فالحمد للّه، و هو آخر ما عندنا فإن أبی، فلا یتأسف إلا فاعل السوء إن شاء منه هذا أما لزم.
انتهی.
أما کتاب ابن سعود، فلم أطلع علیه، و لا أعرف مضمونه و لکن الذی نستنتج من عباره ابن سعود أنه اشترط للإذن له بالرجوع أن یسلم ما علیه من متخلفات الزکاة و الباج کاملا، و ألفی السماح الذی کان منحه إیاه. و لم یمتنع ابن جمعة من الرجوع خوفا من تسلیم ما علیه، و إنما امتنع انتظارا لنتیجة المضبطة التی قدمها إلی حکومة العراق، و لم یعلم أن السید طالب حال دون وصولها، و لما یئس من حکومة العراق بعد انتظار طویل، رأی أن إقامته فی البحرین و ترکه أملاکه و أعماله فی القطیف غیر مجدیة. و لکن کیف السبیل، و قد أغضب ابن سعود بعدم قبول ما عرضه علیه.
و کان ابن سعود قد رجع إلی الریاض فی أواخر شهر رمضان، لهذا لم یجسر أن یتوجه إلی القطیف إلّا بإذن من ابن سعود، فاقتضی رأیه أن یتوجه إلی الأحساء و یراجع الإمام عبد العزیز، و فعلا سافر، و نزل بضیافة الأمیر عبد اللّه بن جلوی، و أنزله بیتا من بیوت الحکومة، و راجع الإمام بشأنه و کان السید طالب قد أرسل للإمام عبد العزیز المضبطة التی أرسلها
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 495
عبد الحسین لحکومة الترکی فی العراق، فأصدر أمره للأمیر عبد اللّه بن جلوی باعتقاله، فزجه بالسجن و صادر أملاکه فی القطیف من النخیل و البیوت و السفن، و أدخلها بیت المال.
تابعنا حوادث القطیف ذکر هنا قطعها، و حالت دون حوادث کانت قبلها.
و فی شهر شعبان، خرج العرایف بأمر من الشریف حسین، و أغاروا علی بنی عبد اللّه، و ابن سعیان، و ابن ضمته من یطردهم علی نقی- القریة المعروفة فی عالیة نجد- و أخذوهم، و رجع العرایف إلی وادی سبیع.

الصلح بین ابن سعود و الشریف حسین‌

و فی شهر شوال من هذه السنة، صار مفاوضة بین الإمام عبد العزیز و أمیر مکة الشریف حسین، و انعقد الصلح بینهما علی أن لا یتعدی أحد منهما علی حدود الآخر، و لا علی رعایاه فتوقف الحرکات العدائیة من الطرفین.

قتل آل عبید و آل رخیص‌

و فی 28 شعبان من هذه السنة، قتل ابن سبهان سبعة من أولاد آل عبید بن رشید، و أربعة من آل رخیص أخوال آل عبید بحجة أنهم یریدون الفرار، و حبسوا جماعة من آل رخیص الذین وقعت علیهم التهمة أن لهم یدافع المقتولین، و نهبوا أکثر من ثلاثین بیتا من بیوتهم، و بیوت أتباعهم نسأل اللّه الحمایة من موجبات غضبه.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 496

حوادث عامة

فتنة شقراء:
و فی أواخر هذه السنة، وصل عبد اللطیف المندبل، مندوبا من قبل حکومة الترکی من العراق، للتوسط فی أمر الصلح بینها و بین ابن سعود.
فقبل عبد العزیز الوساطة و أجل النظر فی المسألة إلی الربیع، و سنذکر نتیجة ذلک فی حوادث سنة 1332 ه.
و فی 14 من شهر شعبان: توفی المرحوم الشیخ قاسم بن ثانی، شیخ قطر.
دخلت هذه السنة، و الحالة بین ابن رشید و الشریف من جهة، و بین ابن سعود من جهة ثانیة صالحة، و فی شهر [...] خرج الإمام عبد العزیز من الریاض إلی الحسا، لمقابلة الوکیل السیاسی لحکومة بریطانیا فی البحرین، فقابله فی العقیر فلم تسفر هذه المقابلة عن نتیجة.
ثم عاد إلی الریاض فبلغه خبر دسیسه فی القطیف و قد أسلفنا الکلام علی خبر المضابط التی أرسلت إلی حکومة الترکی فی البصرة من أهل القطیف و أنها أرجعت إلی ابن سعود فخشی أن الأهالی استأنفوا عملهم، فخرج من الریاض فی النصف من ربیع الثانی، و معه أهل الریاض و غزوا أهل القصیم و غیرهم، فنزل لجبیل.
و کانت حکومة الترکی بعد أن تولی ابن سعود الحسا و القطیف تفکر فی أمر استرداد هذه البلاد، و لو أدی الأمر إلی الحرب، و لکن فی هذا الوقت الذی نحن بصدده، قد تولی نظارة الحربیة العثمانیة أنور باشا.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 497
و کان برنامج سیاسته اتحاد المسلمین تجاه الأخطار المحدقة بهم جمیعا، و لیس عنده کما یقال عنه، روح النفاسة لقوة العرب و لهذا أخذ یرسل الأسلحة و العدد الحربیة إلی ابن رشید و الإمام یحیی، قصد تقویتهما للدفاع عن أنفسهما، فیما لو وقعت حرب بین ترکیا و إحدی الدول تحول دون إمدادهما.
فلهذا وجه نظره إلی ابن سعود، فأرسل وفدا یرأسه بیاور من یاوریته، و من أعضائه: السید طالب النقیب فقابلهم ابن سعود فی الصبیحیة الماء المعروف قرب الکویت فطلب الوفد أن یکون للدولة معتمدون فی الأحساء و القطیف، فأبی ابن سعود و انتهی الأمر بالاتفاق علی الاعتراف بإمارة ابن سعود علی الأحساء و القطیف و سائر لواء نجد، و الاعتراف بإمارته علی ما کان فی یده من قبل، و ما دخل فیها من بعد علی شرط أن یعترف هو بسیادة السلطان.
ثم جاءت برقیة فیها التصدیق علی ما تقرر فی مؤتمر الصبیحیة، مقرونا بالشکر (ابن سعود و الإنعام علیه برتبة المشریة و لکنها قبل مفاوضة لابن سعود و الإنعام علیه برتبة المشریة، و الاتفاق معه بشهرین قد اتفق سلیمان کمالی باشا والی البصرة یومئذ و زامل السبهان بالنیابة عن سعود بن عبد العزیز الرشید. و تم الاتفاق بینهما علی أمور، لم نقف علی فحواها. و لکنها قدمت إلی ابن رشید عشرة آلاف بندقیة، و کثیرا من الذخائر، و مبلغا من المال، و لم یعلم ابن سعود بهذا الاتفاق، و المساعدات التی قدمتها إلی ابن رشید إلّا بعد رجوعه إلی الریاض، و فیما یقال: إن الحکومة الترکیة قد أمدت ابن رشید بهذه القوات للغرض الذی أسلفنا ذکره، و هو أن یتمکن من الدفاع عن نفسه.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 498
و لکن ابن رشید قد جعله وسیلة للقضاء علی ابن سعود، و استرجاع ما فقده من البلاد، کما ستقف علیه فی حوادث السنة التالیة.

قتل زامل السبهان الوصی علی الإمارة

کان زامل السبهان قائما بشؤون الإمارة بالنیابة عن سعود بن عبد العزیز، القاصر عن الاضطلاع بمهامها. فقام بها زامل خیر قیام، و استردت الإمارة شیئا من قوتها و هیبتها. و کان عاقلا حکیما رأی أن الإمارة قد تخلخلت أرکانها بتوالی الفتن و الحروب ممن تولی شؤونها قبله فرأی أن الحکمة تقضی علیه بمسالمة ابن سعود، و الاقتصار علی إصلاح ما بقی بیده من إمارة حائل و ما یتبعها من القری و القبائل التی اعترف له ابن سعود فیها، لیتفرغ لتنظیم شؤونها، و تثبیت قواعد مرکز الإمارة، و قد اتفق مع ابن سعود علی ما یحفظ حقوقها، التی کانت قدیما لآبائهم و أجدادهم. و لکن الجهل لا یدع المصلح یسیر فی طریقه، بل یقف حجر عثرة فی سبیله. و لکن سعود الرشید- کما قلنا- لم یزل قاصرا عن درجة بلوغ الرشد، فاستولی علی مشاعره أناس من طرازه بالعقل، لا بالسن، فما زالوا به حتی أوغروا صدره علی من کان له الفضل علیه فی تماسک أرکان الإمارة، و حفظها له، فلما قفل راجعا بعد مقابلة والی البصرة سلیمان شفیق کمالی، و اتفاقه معه، کان سعود قد صمم علی الفتک بزامل.
ففی نهایة المرحلة الثانیة بعد رجوعهم، رتب أمره بمساعدة سعود الصالح السبهان، الذی له الید الطولی فی حبک خیوط هذه الجریمة، و قتلوا زاملا، و أخاه عبد الکریم، و عمهما سبهان العلی، و ولد
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 499
عبید الحمود الذی أخواله السبهان، و بعض من خدام زامل المقربین.

قتل زامل السبهان الوصی علی إمارة آل الرشید

فلما دخل البلد قتل إبراهیم السبهان أخا زامل، و عبد من عبیده، و ولد الضعیفی من أتباع زامل المقربین منه و نهب ما فی بیوتهم، ثم استقل سعود فی شؤون الإمارة، و جعل سعود الصالح مستشارا، فکتب إلی ابن سعود یخبره بالواقع، و یطلب منه تأیید ما بینهما من الاتفاق السابق.
و کان ابن سعود قد علم بالاتفاق مع حکومة الترک، و ما أمدته به من الأسلحة و الذخائر و النقود، فظن أن هذه الاتفاقیة ضده، فکتب إلیه ابن سعود علی أی أساس یکون الاتفاق بیننا و بینک، و ما بینک و بین الترک من الاتفاقیة، فکتب إلیه ابن رشید: إنی من رجال الدولة، و المصالحة بیننا و بینکم لا تکون إلّا إذا وافقت علیه الحکومة العثمانیة، فکتب إلیه ابن سعود إذا کان الأمر کما تقول، فلا سبیل إلی الصلح، و فی هذه الأثناء، أخذ کل منهما حریة العمل ضد الآخر.

الأسباب التی دعت إلی قتل زامل السبهان‌

تضاربت الآراء فی الأسباب التی دعت سعود ابن رشید إلی الفتک بالسبهان أخواله، و أهل الفضل علیه فی إرجاعه إلی الإمارة، حینما تغلب علیه آل عبید، و طردوه، و شردوه إلی الحجاز.
ففریق من الناس: عزو هذه النکبة إلی دسائس سعود الصالح السبهان، الذی لا یزید عمره عن عمر سعود بن عبد العزیز أکثر من خمس سنوات، فقد داخل سعود بن رشید لتقاربهما بالسن، و استولی علی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 500
مشاعره. و کلاهما صنوان فی الجهل، و الغرور، و عدم إدراک عواقب الأمور، و إن الساعی قد أخذ مقابلة زامل لوالی البصرة ذریعة لتحکیم عقدة الوشا به، زاعما أن زاملا قد استأثر بالحکم دونک. فهو الذی یعقد، و یبرم، و ینقض بدون علمک، و أخذ یدلل علی صحة ذلک بمقابلته مع شقیق کمالی، و اتفاقه معه دون أن یرجع إلیک فی الأمر.
أما الفریق الثانی: فیزعمون أن شفیق کمالی باشا بعد مقابلته إیاه حذّره من آل سبهان، و أوضح له ممالئتهم مع الإنکلیز، و میلهم إلیهم و یستدلون علی صحة ذلک أن ابن رشید فتک بهم بعد یومین من هذه المقابلة فقط.
أما من یعرف حالة الأمیر ابن رشید بتلک الوقت، لا یستغرب وقوع هذا الأمر بسبب أو بدون سبب، فضلا عما اشتهر به أهل هذا البیت من القطیعة، و السفک، و الفتک فی بعضهم، و نظرة بسیطة فی تاریخ هذه العائلة، تؤید ما ذکرنا.

العرایف‌

لما انعقد الصلح بین ابن سعود و الشریف حسین علی ما تقدم ذکره، کان العرایف فی وادی سبیع یوالون الغارات علی قبائل ابن سعود قبل الاتفاق، فلما تم الاتفاق، منعهم الشریف منه ذلک. فلم یلبثوا إلّا مدة قلیلة، حتی بلغهم الاختلاف بین ابن سعود و ابن رشید، التحق سعود بن عبد العزیز بن سعود الفیصل- أحد العرایف- بابن رشید، فأکرم وفادته، و فی هذه الأثناء قدم الذویبی- أحد رؤساء قبیلة حرب- إلی ابن رشید، فأمره ابن رشید أن ینضم تحت قیادة سعود العرافة، سار العرافة و معه
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 501
الذویبی، فجهز معه قوة من حرب، و انضم إلیهم آخرون. فقصدوا بعض القبائل الموالیة لبنی سعود، فأغاروا علی ابن زریبة، و ابن جبرین و أخلاط معهم، فانتذروا بهم، و صمدوا لحربهم، فصدوهم و انسحب سعود العرافة و من معه من قبیلة حرب. فتسبقهم عتیبة، و أخذوا یعیثون فیهم طیلة یومهم، حتی حال بینهم اللیل، فرجعوا عنهم.
و بعد مدة قلیلة، رحل سعود العرافة من عند الذویبی قاصدا عتیبة، ملتجئا إلیهم، فلم یقبلوه، فرجع إلی ابن رشید، و انضم إلیه، و کانت العداوة قد استحکمت بین ابن سعود و ابن رشید علی ما تقدم، إلّا أنه لم یکن بینهما شی‌ء حتی الآن، غیر قطع العلاقات و عدم المواصلات بین الطرفین.
غیر أن ابن سعود أغار علی البیضان و الفیادین من قبیلة حرب الموالیة لابن رشید، و أخذهم و هم نازلون علی غول الماء المعروف فی عالیة نجد و رجع إلی بلاده فی أواخر شهر ذی القعدة.
أما ابن رشید، فقد خرج فی أواخر هذه السنة من بلده، و نزل مع شمر، و أخذ بالاستعداد و التجهیز، فبلغ ابن سعود خبر تجهیز ابن رشید، فقابله بالمثل، و أخذ بالتجهیز و الاستعداد، و أمر القبائل أن یوافوه علی الخفس- الماء المعروف قرب سدیر- و سیأتی تکمیل هذه الحوادث بأخبار السنة الجدیدة.

أخبار و حوادث عامة

فی أواخر رمضان من هذه السنة، ثار الحرب بین النمسا و ألمانیا من جهة، و بین الإنکلیز و فرنسا و روسیا من جهة ثانیة. و فی شهر الحجة من
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 502
هذه السنة، دخلت ترکیا الحرب منضمة إلی جانب ألمانیا، و تتابعت الدول بالانضمام إلی أحد الجانبین بالتدریج. و هذه مقدمة الحرب العظمی التی استمرت إلی صفر سنة 1337 ه، و هذه أسماء الدول المحاربة، و من انضم إلیها:
الفریق الأول: ألمانیا، النمسا، ترکیا، بلغاریا.
الفریق الثانی: إنکلترا، الصرب، فرنسا، روسیا، ثم انضم إلیها:
إیطالیا، و أمیرکا، و الیونان، و رومانیا، و البلجیکا. و ثار الشریف الحسین علی ترکیا، و انضم إلیهم.
و بالرغم من تفوق هؤلاء علی خصمائهم بالعدد و العدد، فإن الحرب استمرت من رمضان سنة 1332 ه إلی صفر سنة 1337 ه. و انتهی الأمر بهزیمة ألمانیا و حلفائها، و انهیار دولة النمسا و تقسیمها، و تقسیم ترکیا التی فقدت القسم الأکبر من أملاکها. و لو لا أن قیض اللّه لها مصطفی کمال و رفاقه الذین استرجعوا بعض بلدانهم، لما بقی لها أثر فی الوجود.
دخلت ترکیا الحرب فی شهر الحجة من هذه السنة، و أرسلت حکومة الترک فی العراق السید طالب النقیب، و السید محمود إلی ابن سعود الآلوسی، فاجتمعا به فی القصیم فردهما ردا حسنا، و قال لهما: إنه لا یمکننی مقاومة الإنکلیز، بعد احتلالهم البصرة، فرجعا دون نتیجة. أما الوفد الترکی الذی خرج من المدینة و معه 10000، فقد رجع منه قبله.
و کان ابن سعود قد أرسل للشریف کتابا علی أثر نشوب الحرب العظمی، کما أرسل إلی غیره من أمراء العرب، یطلب الاجتماع للمذاکرة، للنظر فی ما یقتضی لنا عمله إزاء الحالة الحاظرة، لصون
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 503
حقوقنا، و تعزیز مصالحنا فأرسل الشریف ولده عبد اللّه للنظر فی هذه المسألة، فاجتمع بوفد ابن سعود علی الحدود، و افترقا دون أن یتفقا علی شی‌ء. و ذلک أن الشریف کان قد عقد النیة علی ما أقدم علیه، مما ستراه بحوادث سنة 1334 ه.

حوادث سنة 1334 ه

اشارة

دخلت هذه السنة و العالم فی أتون من نار، لوقوع الحرب بین الدول الکبری. و ذکرنا ما کان من دخول حکومة الترکی فی هذا الحرب بجانب ألمانیا. و فی شهر محرم من هذه السنة، استولی الإنکلیز علی البصرة.
و فی شهر صفر، نزل ابن هدیب و من معه من قبیلة حرب فی غمیس عنیزة فی مراعی أدباشهم، فأرسل إلیه الأمیر عبد العزیز العبد اللّه بن سلیم، یأمره أن یرتحل عن مراعی البلاد، فلم یأبه لذلک، فکرر علیه الإنذار، و قال: إن لک متسعا عن مضایقة أهل البلاد فی مراعی سوامهم فلم یقبل، بل أقام مراغمة و استخفافا، فخرج إلیه الأمیر بقوة من أهل البلد، و نزلوا حیاله و أرسلوا إلیه یناشدونه أن یرتحل، و لا یحوجهم إلی استعمال القوة.
فما کان منه إلّا أن قابلهم بالسلاح، فلم یسعهم إلّا مقابلته، فاشتبک القتال بینهم. فانهزمت حرب بعد أن قتل رئیسهم علی بن هدیب و أربعة من جماعته، و قتل من أهل عنیزة إبراهیم بن سعد الحماد، و صوب منهم خمسة. و استولی أهل عنیزة علی کثیر من الإبل و الغنم، و رجعوا إلی بلادهم، فجاء وفد من حرب للأمیر عبد العزیز یستعطفونه لرد ما أخذ
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 504
منهم قبل أن یرتحلوا، فأرجع علیهم ما کان لهم، و ارتحلوا عن حمی البلد.

وقعة جراب‌

ذکرنا فی حوادث السنة الماضیة انتقاض الصلح بین ابن سعود و بین ابن رشید، و ذلک أن ابن رشید بعد ما أمدته الحکومة العثمانیة بالسلاح و الذخیرة، التی قدمنا ذکره، اشتد ساعده و رأی أن یستعمل هذه القوة لخضن شوکة ابن سعود، فأخذ یستعد و یجهز. و فی أول هذه السنة، استلحق قبائله من حرب و هتیم، و انضموا إلی شمر. أما ابن سعود لما بلغه استعداد ابن رشید، أمر علی أهل القصیم و الوشم و سدیر و أهل الجنوب أن یجهزوا غزوهم، و یوافوه فی الخفس- الماء المعروف فی القرب من سدیر- و أرسل إلی القبائل الموالیة، فوافاه منهم بعض من سبیع و السهول و قحطان، و بعض من قبیلة حرب و العجمان، و بلغه أن ابن رشید قد نزل قبة- الماء المعروف بسفح عروق الأسیاح من الشرق- فأقبل ابن سعود بجنوده، و أقبل ابن رشید بجنوده.
فالتقی الفریقان بین شعیب الأرطاوی و بین جراب- الماء المعروف- فی الیوم الثامن من ربیع الأول، فالتحم القتال بین الفریقین، و کان ابن رشید علی تعبئة تامة، فجعل معظم قوته تجاه رابة ابن سعود و أهل الریاض. فلما اشتد القتال، و حمی و طیسه، أغاروا شمر علی جیش ابن سعود، و أخذوا قسما منه. و أغاروا العجمان و بعض من حرب ممن کان مع ابن سعود، و أخذوا البقیة، أما مطیر، فلم یصلوا إلّا بعد اشتباک القتال، فأغاروا علی جیش ابن رشید، و أخذوه فصارت الغنیمة للبادیة من الطرفین.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 505
جرت هذه الأمور و الحضر فی ساحة القتال، إلّا أن شمرا بعد أن غنمت جیش ابن سعود، رجعت إلی ساحة القتال، فأسندت ابن رشید بعد أن بدأ التضعضع فی صفوفه. أما قبائل ابن سعود الخائنة، فإنها انهزمت بغنیمتها. و صارت الأمور فوضی فی جیش ابن سعود، فأخذت القبائل الموالیة و المعادیة، کل منهما ینهب من قبله. فعمت الهزیمة جیش ابن سعود، و انسحب ابن رشید متماسکا، و نزل قبة.
أما ابن سعود، فقد نزل الأرطاویة، و تلاحق علیه فلول جیشه. أما القتلی من الطرفین، فیقدر بین الثلاثمائة و الأربعمائة، المشهور منهم:
محمد بن عبد اللّه بن جلوی، و صالح الزامل السلیم- أمیر غزو عنیزة، و ولی عهد الإمارة- و محمد بن شرید من وجهاء أهل بریدة، و رجالهم المشهورین رحمهم اللّه تعالی.
أما ابن رشید، فقد رحل من قبة، و نزل الأسیاح بطرف القصیم من الشمال الشرقی، و کان قصده ینزل القصیم، حیث بلغه أن ابن سعود رجع إلی الریاض. و لکن ابن سعود قد سبقه، و نزل بریدة. فرحل ابن رشید قاصدا الشمال، ثم کر راجعا، و أغار علی فریق من العبیّات من مطیر، و لکنهم صدوه، فرجع من حیث أتی.
و قد فاتنا أن نذکر من بین القتلی: شکسبیر الإنکلیزی، الذی کان وقتئذ عند ابن سعود موفدا من قبل حکومته، فنصحه الإمام عبد العزیز أن یعتزل ساحة القتال، و یذهب إلی القصیم، ینتظره هناک، إلی أن یفرغ من أمر ابن رشید، فأبی، فقال له الإمام: إنی لا أتحمل مسؤولیة بقائک فی ساحة القتال، فأعطاه شکسبیر ورقة بخطه و إمضاءه أن بقاءه رغبة منه، و أن
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 506
یسقط کل حق له، أو لورثته، أو لحکومته فی إلقاء المسؤولیة علی ابن سعود.
فلما وقع القتال، جلس برابیة مرتفعة خلف صفوف القتال، و بیده آلة التصویر لیأخذ بها مشاهد القتال من البدایة إلی النهایة. و لکن جاءته رصاصة عاثرة، کان فیها حتفه.
أما ابن سعود بعد أن نزل بریدة أمر علی أهل القصیم أن یجهزوا غزوهم، و أرسل إلی قبائل عتیبة و بنی عبد اللّه من مطیر، أمرهم أن یوافوه بالقصیم. و کان قد فقد کل ما معه من الجیش و الراحلة، و الأمتعة تقریبا فی وقعة جراب. و یحتاج لمبلغ من المال لیستعید به ما فقد منه، و هذا المال لا یمکن حصوله إلّا بوضع ضریبة جدیدة علی أهل القصیم، کان یتحاشاها، لما أصابهم أیضا من الخسائر.
و فی هذه الأثناء، قدم صالح بن عذل من المدینة، و معه عشرة آلاف لیرة ترکیة من الحکومة العثمانیة، لتستمیل بها ابن سعود أو علی الأقل تأمن جانبه. و کانت قد دخلت الحرب مع الألمان، کما قدمنا، فاستعاد بها ما کان ینقصه من المعدات. فرحل من القصیم فی النصف من ربیع الثانی قاصدا قبائل ابن رشید، و أغار علی ابن صمیعر و الفریان من حرب، و ابن سعید من شمر، و هم علی الکهف- قریة علی حدود ابن رشید- فزینوا کثیرا من حلالهم، و أخذ ما بقی منها، و رجع إلی بریدة.

رجوع العرایف إلی ابن عمهم‌

تقدم الکلام عن خروج العرایف من الحجاز، و التحاقهم بابن رشید، فلم یزالوا معه إلی هذا الوقت. و لکنهم لم یجدوا من ابن رشید
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 507
المعاملة التی ترضیهم، فلم یروا أجدی من الالتحاق بابن عمهم، فرکب فیصل بن سعد، و قدم علی الإمام عبد العزیز بالقصیم، فأکرمه، و عفی عنه، فطلب منه العفو عن سعود بن عبد العزیز السعود، فأجابه لذلک، فأرسل ابنه ترکی بن عبد العزیز إلی سعود، و هو عند عتیبة، فأتی به، و أکرمه الإمام. أما فهد بن سعد، فقد التحق بالعجمان.
و أما سلمان بن محمد، فقد التحق بعمان، و قصد آل زاید، و غیرهم من أمراء عمان فاجتمع لدیه مبلغ من المال و السلاح، ثم قصد سلطان الحمادی حاکم لنجد، فأعطاه نحو أربعة آلاف ربیة، و مائة بندقیة، ثم جاء إلی البحرین، و نزل عند الشیخ عیسی بن علی آل خلیفة، فأکرم وفادته، و أقام عنده، و أعطاه نحو اثنی عشر ألف ربیة، و مائة بندقیة. و ذلک فی أواخر حرب العجمان فی الأحساء الآتی ذکره.
و عبر سلمان بن محمد جهة قطر، و أرسل ما تحصل معه من الدراهم و السلاح مع ثلاثة من خدامة من العجمان، و أوعدهم بمکان معلوم بین قطر و الأحساء، یوافیهم إلیه، فعبروا من البحرین، و کان عبد الرحمن بن سویلم أمیر القطیف قد وضع لهم الأرصاد، فلما فارقوا حدود البحرین، و دخلوا حدود ابن سعود، هجمت علیهم السفینة المشحونة بالجنود من ابن سویلم، فحجزوها، و أخذوا ما فیها، و أسروا خدام سلمان، و أرسلوا الجمیع إلی ابن سعود فی الأحساء. و ذلک أثناء هزیمة العجمان الآتی بیانها. و لکنا کرهنا قطع سیاق الکلام.

مقدمات حرب العجمان فی الأحساء

تقدم الکلام علی خیانة العجمان، و نهبهم جیش ابن سعود أثناء
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 508
وقعة جراب، المتقدم ذکرها، فهربوا بغنیمتهم، و علموا أن ابن سعود لا یغتفر لهم هذا العمل، و أبطنوا العداء، و نزلوا فی أمواه التربیة و النعبریة، و ملج، و نطاع، و کثرت اعتداءاتهم علی رعیة ابن صباح، و ابن سعود علی السواء، فقد أغارت سریة منهم علی محمد العبد المحسن الشملان من أهل عنیزة، و معه خیل للتجارة قاصدا بها الکویت، و قتلوا منهم رجلا، و رکب الباقون ظهور خیلهم، فنجوا بأنفسهم، و أخد العجمان رحلهم و أمتعتهم. و بعدها بأیام، أغارت سریة منهم و أخذت ثمانین بعیرا، لسلیمان ابن غملاس من أهل الزبیر، و کثر اعتداءهم علی أطراف الکویت، حتی کاد یقف الطریق لعدم الأمنیة.

محاصرة العجمان للأحساء

جهز ابن صباح سریة یرأسها علی بن خلیفة الصباح، و نزل بأطراف الکویت للمحافظة علی أموال رعایا الکویت، و لتأمین الطریق عن اعتداءات القبائل. و أرسل ابن صباح إلی ضیدان بن خالد بن حثلین- رئیس قبیلة العجمان- یطلب إرجاع المنهوبات التی أخذوها، فلم یجیبوه إلی ذلک فکتب إلی ابن سعود یقول: إن العجمان قد کثرت اعتداءاتهم، و نهبهم أموال أهل الکویت، و هم من رعیتک، فیجب أن تأمرهم بتأدیة أموال أهل الکویت فکتب إلیه ابن سعود: أن العجمان قد عملوا معی ما قد علمتم، و ضربوتی من ظهری أثناء وقعة جراب، و نهبوا جیشی أثناء القتال، فصبرت و تحملت خیانتهم. و نحن الآن فی وقت القیظ، و لا نتمکن من شدته أن نسیر إلی دیرة العجمان، و الأولی تأخیر المسألة إلی فصل الربیع.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 509
و فی شهر جمادی، خرج ابن سعود من بریدة، و نزل بالقرب من الزلفی. ثم أرسل إلی القبائل فجاءه بعض من عتیبة، و بنی عبد اللّه، و بریه من مطیر، و سار إلی الشمال، قاصدا ابن رشید و شمر. فبینما هو فی الطریق، بلغه أن ابن رشید دخل بلاده، و أن شمرا قصدوا إلی العراق، فرجع و دخل بلاده فی العشرین من جمادی الأول. و بعد وصوله الریاض، قدم إلیه وفد من ابن رشید یطلب الصلح، فتم بینهما. و جددت المعاهدة السابقة، و توقفت الغزوات بین الطرفین.
و یقال: إن حکومة الترکی هی التی أوحت إلیه بمسالمة ابن سعود، و أنه لیس من صالحه مقاومة ابن سعود، لتعده للأمر الذی هی ترید. و جعلت عنده بعد ذلک البکباشی عزیز بک الکردی معتمدا، ثم أرسلت الشیخ صالح التونسی بمأموریة، ثم جعلت عبد الحمید بک بن إبراهیم باشا سعید المصری، فبقی عند ابن رشید أکثر سنی الحرب، لیمنع الدسائس الأجنبیة من التأثیر علی ابن رشید، لا سیما و قد اشتهر عندهم ممالأة السبهان للإنکلیز باطنا. فبقی سعود معتصما بحبل حکومة الترکی و شد أزرها حتی دارت الدائرة علیها، ففقد النصیر.

رجوعا إلی ابن صباح و العجمان‌

ألحّ ابن صباح علی ابن سعود بوجوب استرجاع المنهوبات من العجمان و لو بالقوة، و تعهد بمساعدة ابن سعود مادیا و عسکریا. و لکن ابن سعود لم یکن علی ثقة من مبارک، لکثرة تقلّباته. و بالرغم من ذلک، فقد أجابه بعد أن أضاف شرطا ثالثا، فهو فضلا عن مساعدته المادیة و العسکریة، یجب أن لا یسلک بسیاسته نحوهم سیاسته غیر سیاسة ابن
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 510
سعود، و أن لا یستقبلهم إذا لجأوا إلیه، و لا یتوسط بالصلح بینه و بینهم.
فأجابه لذلک، و عاهده علیه.
أما العجمان، فلم یعملوا مع ابن سعود ما عملوا، إلا و هم مصممون علی تنفیذ خطة، طالما منوا أنفسهم بها، منذ أن تولی ابن سعود الأحساء و القطیف. و رأوا أن الفرصة سانحة لتنفیذها، فأجمعهوا أمرهم، و تعاقدوا علی ذلک. و لم یتخلف منهم أحد. و ساروا إلی الأحساء، و نزلوا بالقرب منه، و أخذوا یشنّون الغارات علی أطراف البلاد، و بما أنه لیس فی الأحساء قوة کافیة لصدّهم، أخذوا یعیثون فی القری.
ثم رحلوا، و نزلوا بالشمال الشرقی من النخیل هم و أدباشهم. و کان الوقت قیض، و قد أینع أول الثمار، فحصل منهم أضرار جسیمة علی البساتین و الثمار. و حصروا أهل البلاد، و حالوا بینهم و بین بساتینهم. طیر الخبر الأمیر عبد اللّه بن جلوی إلی الإمام عبد العزیز علی أول إقبالهم، فخف الإمام عبد العزیز بقوة ضئیلة من الحضر، و قلیل من البادیة، و انضم إلیه بنو هاجر. و أبقی أخیه محمدا فی الریاض لیتبعه بغزوان أهل نجد، و کان قد أمر علیهم بالتجهیز.
و لکن العجمان قد تغلغلوا فی قری الأحساء، و تحصنوا فی البساتین، و کثرت اعتداءاتهم علی الأهالی. فلم ینتظر عبد العزیز وصول النجدات من نجد، فجهّز جیشا من أهل البلاد، و زحف بهم علی العجمان. و کانوا بموضع یسمی کنزان، بالشمال الشرقی من النخیل.
و بما أن الوقت قیظا، و البلاد شدیدة الحر فی النهار، فقد اختار أن یکون الهجوم لیلا، فأسری بهم. فبلغ العجمان خبرهم، و ارتفعوا عن
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 511
منازلهم، و ترکوها خالیة. فلما قارب الجیش الأحسائی- الموضع المذکور-، رأوا کثرة الأشجار، فظنوها القوم. و أخذوا یطلقون الرصاص علی غیر هدی، و أسرفوا فی ذلک، و لیس عندهم أحد. فترکهم العجمان یستنفدون ذخیرتهم، ثم خرجوا علیهم من مکامنهم، و هاجموهم، فالتحم القتال بقیة تلک اللیة. ثم انهزم أهل الأحساء، و تبعهم بقیة جنود ابن سعود. و أسر من أهل الحسا خلق کثیر، افتدوا أنفسهم بمبالغ من الدراهم، تزید و تنقص تبعا لحالة الأسیر و مرکزه. و کان العجمان یعرفونهم تمام المعرفة، لکثرة اختلاطهم معهم.
أما القتلی فعددهم غیر قلیل. و قد قتل فی تلک اللیلة سعد بن عبد الرحمن الفیصل، جاءه سهم عائر، فأصابه، و جرح الإمام عبد العزیز.
رحل العجمان بعد هذه الوقعة، و نزلوا بالبساتین، و کثر عیثهم، و صاروا یتجولون فی النخیل، و یخربون الأثمار، و یعلفون أدباشهم من الثمار. و لم یزل ذلک دأبهم ثلاثة أشهر القیظ.
جاء محمد بن عبد الرحمن الفیصل بعد هذه الوقعة، و معه قوة من أهل نجد. و جاء فیصل الدویش، و معه غزو أهل الأرطاویة. و کذلک جاءت غذوان بعض الهجر الجدیدة، التی کانت قد تأسست، و اجتمع عند ابن سعود قوة لا بأس بها. و أخذ یبث السرایا لمهاجمة العجمان، و طردهم من النخیل. و أخذت المناوشات یومیا، إلا أنهم لم یستطیعوا زحزحة العجمان من مراکزهم.
و کان الإمام عبد العزیز قد استنجد مبارک الصباح، حسب تعهّده
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 512
بذلک. و لکن المذکور تباطأ فی إرسال النجدة، فکتب إلیه ابن سعود یستحثّه، فأرسل ابنه سالما و معه مائة و خمسون من الحضر، و مثلهم من البدو. فجاءوا إلی الأحساء، و انضموا إلی جیش ابن سعود. و بالرغم من اجتماع هذه القوات، قد ظل الأمر علی ما هو علیه فی الأشهر الثلاثة:
شعبان، و رمضان، و شوال، لتحصّن العجمان فی النخیل. فلما أینعت الثمرة، امتارت البوادی المعادیة و الموالیة من الأثمار.
ثم رحلوا العجمان، و نزلوا صویدرة- الموضع المعروف قرب قریة الکلابیة-، فخرج إلیهم ابن سعود، و قسم جنوده فرقتین: فرقة یرأسها محمد بن عبد الرحمن، و معه سالم ابن صباح. و زحف عبد العزیز بالفرقة الثانیة، و معه بضعة مدافع إلی القارة، إحدی قری الأحساء الشرقیة، و نصب المدفع فوق جبل القارة، و أمر أخاه محمدا و سالما بمطاردة العجمان، فیما لو انهزموا. و شرع هو یضربهم بالمدفع. و لم یکن یظن أنه یفید، و إنما قصده الإرهاب فقط. و لکن بواسطة ارتفاع الوضع الذی یوضع فیه المدفع أثّر فیهم أثرا بلیغا و اضطرهم إلی الرحیل من موضعهم.
فلما ارتحلوا، تبعهم محمد بن عبد الرحمن و ابن صباح، و أراد مهاجمتهم، حسب التعلیمات. و لکن ابن صباح أبی أن یساعده، زاعما أنه جاء مراقبا لا مقاتلا.
أرسل محمد یخبر أخاه بانقلاب سالم و میله إلی العجمان. فجاء الأمر بترکه و شأنه. أما العجمان، فقد رحلوا مطمئنین بصداقة ابن صباح، إذ کانوا قد علموا بخطته تجاههم من کتاب وقع بأیدیهم من مبارک لابنه، یأمره أن لا یساعد ابن سعود علی العجمان، و لعله عمل الأسباب لوقوع
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 513
هذا الکتاب بأیدی العجمان، فکتموا خبر هذا الکتاب، و رحلوا مسرورین ملتجئین إلی حمایة صدیقهم السری فجعلوا طریقهم إلی العقیر لیمتاروا ما یلزمهم من العیش فی العقیر، بعد أن أخذوا میرتهم من التمر.
و لکن الحامیة التی فی القصر ردتهم علی أعقابهم، فانقلبوا قاصدین الکویت، لعلمهم أن ابن سعود لا یستطیع أن یتبعهم، لأنه قد أرسل جیشه إلی نجد لقلة المرعی فی أطراف الأحساء. فواصلوا سیرهم، و کان معهم فهد بن سعود العرافة الذی أسلفنا ذکره، فأغاروا علی بنی خالد بأطراف الجبیل، فهزمهم الخوالد و طردوهم. و قتل فی هذه الوقعة فهد ابن سعد العراق. و لم یبق من العرایف خارج من الطاعة إلا سلمان بن محمد فی قطر، و عبر منها إلی أبو ظبی. و قد ذکرنا قصته فی أول حوادث الحسا.
و قد تابعنا خبر حرب العجمان خوفا من انقطاعه، و لم نراع سرد الحوادث علی حسب وقوعها، کما یقتضیه سیاق التاریخ. و إلا قد وقع حوادث فی نجد أثناء هذه الحوادث، أخرناها. و الآن قد آن لنا أن نلحقها.
تقدم الکلام عن الصلح الذی تمّ بین ابن سعود و ابن رشید بعد وقعة جراب. و لکن ابن رشید لیس من الذین یحترمون الاتفاقیات. فما کاد یبلغه خبر وقعة کنزان، و اشتغال ابن سعود فی قمع حرکة العجمان، حتی کشف عن أنیاب الغدر، و خرج غازیا فی أول شهر رمضان. و کان أهل القصیم مطمئنّین للصلح الذی بینه و بین ابن سعود، فأغار علی الصریف، القریة المعروفة بقرب بریدة، و أخذ اثنا عشر رعیة من الإبل. ثم أغار علی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 514
الهدیة، القریة المعروفة عند بریدة، و أخذ ستة رعایا من الإبل، و أربع فرق من الغنم. و أغار علی الشوایا علی الدویحرة، و أخذ منهم بعضا من الإبل، و شیئا من الأمتعة، و الجمیع لأهل بریدة. و کان أمیرها یومئذ فهد بن معمر.
رجع ابن رشید، و نزل الطرفیة، قریة تبعد نصف رحلة عن بریدة، و أشاع أن ابن سعود قتل، و هزم العجمان جنوده. و کتب إلی أمیر بریدة و أمیر عنیزة بهذا الخبر، و یدعوهم إلی الطاعة، و یعدهم و یمنیهم. فجاءه الجواب بما لا یحب، فأخذ یعیث فی أطراف بریدة و قراها. فکتب ابن معمر یخبر الإمام بعمل ابن رشید، و کتب إلی أهل عنیزة یستنجدهم. ثم خرج ابن معمر بقوة من أهل بریدة، و انضم إلیهم مئتا مقاتل من أهل عنیزة، رئیسهم عبد اللّه الخالد السلیم، أمیر عنیزة الحالی. فهاجموا ابن رشید، و هزموه، حتی أبعدوه عن القری. فرجع إلی الطرفیة، و قتل من مشاهیر قومه: ابن خشمان، و جرح سعود الصالح السبهان.
و فی هذه الأثناء، وصل سعود بن عبد العزیز العرافة فی قوة من أهل الجنوب، و نزل عنیزة، فلما بلغ ابن رشید قدوم سعود، رحل من الطرفیة و نزل الجعلة، ثم رحل قاصدا الشمال. أما سعود العرافة، فقد نزل بریدة.
و فی 15 شوال، خرج من بریدة و قصد قبائل ابن رشید و أغار علی شمر و هتیم، و هم علی الخفاصر، الماء المعروف، و أخذ منهم حتی ملأ یدیه.
و عاد إلی بریدة فی آخر الشهر.
ثم خرج فی الثامن من ذی القعدة، و معه ثمانمائة هجان، و ثلاثمائة من الخیل، قاصدا شمر. و لکنهم انتذروا به، و انهزموا من وجهه، فرجع.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 515
و صادف فی رجوعه قافلة لشمر نحو مائة جمل، فأخذها، و عاد إلی بریدة. و أقام فیها إلی آخر ذی القعدة، ثم قفل إلی الریاض.

رجوعا إلی العجمان‌

قد أسلفنا الکلام فی مبتدی‌ء الکلام علی عصیان العجمان: أن ابن صباح طلب من ابن سعود تأدیبهم، و تعهد له أن یمده مادیا و عسکریا، و عاهده أن لا یقبلهم إذا التجأوا إلیه، و لا یتوسط فی أمرهم بالصلح.
أعدنا ذکر هذه التعهدات، لئلا یضطر القاری‌ء إلی مراجعتها. فماذا کان؟
کتب ابن سعود إلی مبارک، یشکو إلیه عمل سالم فی عدم موافقته علی القضاء علی العجمان، فنسی حضرة الوالد تعهّداته، و جاء منه الجواب، یقول: إنی لم أقل لک حارب العجمان، و أبعدهم عن دیارهم.
حل العجمان ضیوفا کراما عند ابن صباح، و فتح لهم قلبه و خزانته.
و کان قبل ذلک قد أصلح مع ابن رشید. و لکن لحسن الحظ أنه لم یبق بعد هذه الأعمال، إلا أیاما یسیرة، حیث وافاه أجله المحتوم فی 17 محرم سنة 1334 ه، فطویت صحیفته.

الشریف الحسین‌

و فی شهر شوال، خرج الشریف حسین بن علی، أمیر مکة المکرمة، و معه الشلاوی و البقوم، و اجتاز دیار عتیبة دون أن یعترضه أو یتبعه أحد.
ثم أغار علی الدیاحین ذوی میزان من مطیر، و هم علی الرشاویة، الماء المعروف فی العالیة، فملأ یدیه غنائم من أموالهم، و نزل الشعری. ثم قفل راجعا إلی مکة.
و کان الشریف یزعم أن غزوته هذه مساعدة لابن سعود، عند ما هجم
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 516
ابن رشید علی القصیم، بالوقت الذی کان ابن سعود مشغولا بحربه مع العجمان. و لما بلغه رجوع ابن رشید عن بریدة، قفل هو راجعا.

حوادث عامّة

فی شهر شوال من هذه السنة، وصل إلی قطر بارجتان إنکلیزیتان، و أخرجتا الحامیة الترکیة التی فی قطر. و هربت الحامیة، و ضربت البوارج القلعة، و هدمتها، و استولت علی ما فیها من السلاح و الذخیرة، و عادت البوارج إلی البحرین.

وفاة الشیخ مبارک الصباح‌

فی 25 محرم سنة 1334 ه: توفی مبارک ابن صباح حاکم الکویت، و تولی بعده ابنه جابر.
و سنأتی علی ترجمة مبارک و أعماله و سیاسته فی ختام حوادث هذه السنة. و بما أنه أصبح فی ذمة التاریخ، فسنوفیه حقه. و إن تغاضینا عن بعض سیّئاته، فلا نتغاضی عنه ما نعلم من حسناته رحمه اللّه.
ذکر فی حوادث السنة الماضیة ما کان من الصلح بین مبارک الصباح، و بین سعود بن رشید. و ذکرنا التجاء العجمان إلی الکویت، و بسط مبارک حمایته علیهم، غیر عابی‌ء بما فی ذلک من التحدی لابن سعود. أما ابن سعود، فقد خرج من الریاض قبل أن یبلغه خبر وفاة مبارک الصباح، قصده تعقّب العجمان. فبلغه الخبر، و هو بمنتصف الطریق، فعدل عن ذلک، لیری ما یکون من سیاسة خلفه.
و فی هذه الأثناء جاءه رسول من السربرسی کوکس، ممثل دولة
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 517
بریطانیا فی الخلیج العربی، یرجوه أن یوافیه إلی القطیف للمفاوضة فی أمور هامة. و کان هم بریطانیا یومئذ أن تخرج الدولة الترکیة من البلاد العربیة، و تؤمّن لبواخرها و جنودها فی الخلیج العربی و فی البحر الأحمر، فاتفقت مع الإدرسی فی 15 جمادی الثانیة سنة 1333 ه اتفاق مصالح، و هو: أن یعلن الحرب علی ترکیا، و یمده الإنکلیز بالأموال و السلاح، دون أن یتقید الإدرسی بما یخل باستقلاله، أو یمکّن الإنکلیز من التدخل فی بلاده، لا أثناء الحرب، و لا بعدها. بل إنها تعهّدت له أن تصد الاعتداء علیه من الخارج أثناء الحرب فقط. فکان فی هذه الاتفاقیة أبعد نظرا و أشد تحرزا، و أعلم بسیاسات الدول و بواطنها من ابن سعود، فی الاتفاقیة الآتی ذکرها.
جاء ابن سعود إلی القطیف إجابة لدعوة السربرسی کوکس، فوافاه هذا فی جزیرة دارین، و جرت المفاوضة بینهما، و تمّ الاتّفاق، و أمضیت المعاهدة، و هی التی تعرف باتفاقیة دارین. تحتوی علی سبع مواد، کلها مجحفة بحقوق ابن سعود، و من یخلفه. بل کل حرف منها قید فی عنق ابن سعود، فأدخل نفسه تحت الحمایة البریطانیة، و قیدته و ورثاءه و خلفاءه عن أی تصرّف دون علم بریطانیا و إذنها. حتی ولیّ عهده یجب أن یکون من الموالین لإنکلترا. و منعته من الاتصال بأی دولة أجنبیة دون علمها، کما منعته أن لا یمنح و لا یعطی أی شبر، و لا یتفق مع أی شرکة اقتصادیة دون علم بریطانیا.
و لسنا بصدد تفنید هذه المعاهدة، لأنها غل من الأغلال. و لکن ابن سعود بذلک الوقت لم یدرک ما فیها من الحیف، إلا بعد ما فتح الحجاز، و احتک بالأجانب، و علم دخائل سیاسات الدول، علم خطأه الفاحش بعقد
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 518
هذه المعاهدة، التی یدرک ضررها أقل الناس إلماما بالسیاسة. فکان أول عمل عمله إلغاء هذه المعاهدة، فألغیت بمعاهدة عقدت سنة 1344 ه، استکمل فیها حقوقه، و جعلها معاهدة الند للند.
بعد أن تمّ الاتّفاق علی المعاهدة المشؤومة، رجع إلی الریاض فی أول ربیع الأول، و کان قصده یتعقب العجمان لتأدیبهم. و لکن السربرسی کوکس الذی کان یومئذ یتبع سیاسة التقریب بین أمراء العرب تعهّد له أن یتوسط لدی جابر المبارک، و یقنعه بوجوب إبعاد العجمان عن الکویت.
و کذلک کان، فإن جابرا أبعدهم إجابة لنصائح السربرسی کوکس، و رغبة فی إرضاء ابن سعود.

العرایف‌

و فی هذه الأثناء، قدم سلمان بن محمد العرافة إلی الإمام عبد العزیز تائبا، فقبله، و عفی عنه، و أکرمه. و هذا هو آخر من قدّم خضوعه من العرایف. و لا یزالون حتی الآن عند الإمام عبد العزیز علی بساط العز و الکرامة، کبقیة آل سعود. و قد غمرهم بإنعامه، و رتب لهم الرواتب الجزیلة، بعد معاهدة دارین، کتب الإمام عبد العزیز للشریف حسین یخبره باتفاقه و الإنکلیز، و لم یفک له صورة الاتفاقیة. و عرض علیه المؤازرة فی مساعدة الحلفاء، و أرسل الکتاب مع صالح بن عذل، و أرسل معه هدیة من الخیل و الجیش، فقبل الهدیة.
و کان الشریف قد ابتدأ بمفاوضة الإنکلیز، فعند ما علم باتفاق ابن سعود و الإنکلیز، خشی أنه قد سبقه لطلب الزعامة التی کان الشریف یسعی لها، فبادر إلی الاتفاق مع الإنکلیز، و قبل البنود الخمسة، التی دعاها فیما
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 519
بعد بقرارات النهضة، و تم هذا الاتفاق فی شهر جماد، أی بعد اتفاق ابن سعود و الإنکلیز بشهرین فقط و لکن لم یعلن الثورة إلّا بعد الاتفاق بأربعة أشهر، أی فی 10 شعبان من هذه السنة.
و لکن الوالی فی مکة غالب باشا قد أحسن ببعض ما یبطنه الشریف، و علم أن حکومته لا تستطیع أن تمده و هو بدون ذلک لا یستطیع المحافظة علی ما بیده، ففضل أن یسلم البلاد إلی ابن سعود، نکایة بالشریف أو علی الأقل إیجاد الخلاف بین ابن سعود، و الشریف، ففاوض ابن سعود فی الأمر، و لئلا یسی‌ء الظن الشریف، جعل إرسال الرسول و الکتاب و الهدیة بواسطة، مدعیا أنه إنما یرید بهذه الهدیة مهادنة ابن سعود خوفا من تحریکاته علی الحجاز.
و لکن الشریف أبقی الهدیة عنده، و أرسل الکتاب إلی ابن سعود، و فیه یخبره بأعمال الشریف و مفاوضة الإنکلیز لتسلیمهم البلاد المقدسة، و جعلها تحت حمایتهم، و یدعوه إلی القدوم لیسلم إلیه البلد الحرام، لحفظها و صیانتها من أعداء الإسلام. و قد فعل فخری باشا فی المدینة مثل ذلک. و لکن ابن سعود رفض الدعوتین لأمرین:
الأول: أنه لا یرید مثل هذا الأمر بمثل هذه الطریقة، و یری أن الوقت غیر مناسب.
الثانی: أنه یعلم ما وراء ذلک من الصعوبات، أهمها: التحدی للإنکلیز، الذی هو فی أشد الحاجة إلی مصادقتهم.
أما الحکومة الترکیة، فقد أخذت تدرک ما یحاوله الشریف، و أرادت تعزیز قواتها فی الحجاز، فأرسلت قوة لا نقل عن ثلاثة آلاف مقاتل،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 520
بحجة إرسالها إلی الیمن، فبقیت فی المدینة المنورة، و انضمت إلی القوة التی فیها تحت قیادة فخری باشا، و کان الشریف فیصل إذ ذاک فی الشام عند جمال باشا السفاح ثم غادر فیصل الشام بحجة قیادة القوة، التی ألفها أبوه لمهاجمة القناة. فأرسل جمال باشا إلی المدینة فخری باشا قائدا عسکریا بقوات المدینة، زاعما أنه، یتوقع ثورة الشریف.
و کان الأمر کما ظن، فإنه ما کاد یصل الشریف فیصل إلی المدینة حتی انضم إلی أخیه علی، قائد القوات المرابطة فی القرب من المدینة، و أعلنت الثورة، و قسم أولاد الشریف قواتهم التی تحت قیادة علی بن الشریف حسین إلی ثلاث کتائب أرسلها إلی جهات مختلفة، إحداها هاجمت السکة الحدیدیة شمال المدینة، تحاول قطع المواصلات بین المدینة و سوریا.
أما الشریف الحسین، فقد أمضی الأربعة الأشهر التی تقدمت الثورة، و التی تلی اتفاقیته مع الإنکلیز بالمفاوضة مع حکومة الترک، لیجد الوسیلة التی یتذرع بها لتبریر ثورته، فطلب من حکومة الأستانة الاعتراف باستقلاله فی سائر الحجاز، و جعل إمارته وراثیة فی ذریته، و أن تعدل الحکومة عن محاکمة أحرار العرب المتهمین الذین قبض علیهم جمال باشا- جمال المشانق-، و إعلان العفو العام فی سوریة و العراق، فلما لم تجر الحکومة الترکیة هذه المطالب أعلن ثورته فی مکة یوم 9 شعبان و هو الیوم الذی قرره لإشعال الثورة فی أنحاء الحجاز، فاستولی علی قوات الترک فی مکة.
و بالتالی استولی علی جدة، و حاصر ابنه عبد اللّه الطائف حتی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 521
استسلمت یوم 26 ذی القعدة، و أسر قائدها غالب باشا، و أرکان حربه و جنوده، و سلم أبوه جنود الترک إلی الإنکلیز کعربون للصداقة و الإخلاص، و أسس حکومته فی مکة فی 4 ذی الحجة من هذه السنة، و تقلد ابنه عبد اللّه وکالة الخارجیة، فأرسل البلاغات الرسمیة إلی الدول الأوروبیة و الشرقیة بإنشاء الحکومة الهاشمیة الجدیدة فی الحجاز، فسارعت حلیفته بریطانیا و فرنسا بالاعتراف به ملکا علی الحجاز فقط.
ذلک لأن ابن سعود قد اشترط علی الإنکلیز أن لا یتکلم الشریف حسین عن العرب، و قبل شرطه.
أما المدینة، فقد حاصرها ابناه علی و عبد اللّه، و لم یتمکّنا من الاستیلاء علیها إلّا فی 11 ربیع الثانی سنة 1337 ه.
بعد أن وضعت الحرب أوزارها، جاء الأمر لفخری باشا من حکومته بإخلائها فجاءه الأمر المشدد بوجوب إخلاءها، فسلمها إلی أولاد الشریف.
أما بقیة حوادث الحجاز، فقد ضربنا عنها صفحا لأنه خارج عن موضوعنا؛ و لأن له کتبه المختصة، إلّا ما یأتی عرضا مما له مساس فی حوادث نجد.

حوادث نجد

و فی شهر صفر من هذه السنة، خرج ابن رشید من حایل قاصدا عنیزة لخلاف بینه و بینهم، فصمدوا له فوقع بینهم مناوشات عدیدة، و استمرّ القتال مدة أیام دون أن یدرک منهم نتیجة فرحل عنهم، و قصد أطراف العراق، و أقام هناک إلی شهر شعبان. فأرسل الإمام عبد العزیز ابنه
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 522
ترکی إلی القصیم و معه قوة من الحضر و البادیة لمراقبة بادیة الشمال.
فخرج من بریدة و أغار علی شمر فی الشعیبة و أخذهم و عاد إلی بریدة.
أما الإمام عبد العزیز، فقد خرج من الریاض، و قصد بادیة النقرة و أغار علی آل مرة مجتمعین: آل فهیدة و رئیسهم لاهوم بن شریم، و آل جابر علی رئیسهم المرضف و ابن هماج، و آل بحیج علی رئیسهم متعب الصعاق، و آل عذبة علی رئیسهم سعود بن نقادان، و آل غقران علی رئیسهم صالح بولیلة، و من التف معهم من العجمان الذین لم یلتحقوا بجماعتهم، و هم: ابن خرصان، و القرینی، فأخذ الجمیع، و رجع إلی الحسا. فوقف علیه رؤساء آل مرة، و طلبوا العفو، فاشترط علیهم أداء جمیع المنهوبات، التی أخذوها من بنی هاجر و غیرهم، فأجابوه لذلک فعفی عنهم، و دخل هو إلی الحسا، بعد أن أرخص لمن معه من البادیة بالرجوع إلی أهلیهم.

العجمان‌

قد ذکرنا أن العجمان ساروا إلی جهة الشمال، و تخلف عنهم فرق ضعیفة، دخلوا مع آل مرة. و تخلف عنهم الدامر أیضا، أقام مع آل مرة، ثم بدا له أن یلتحق بنجران، و یلجأ إلی بنی عمه من یام. و فی مسیره حصل منه تعدیات علی رعایا ابن سعود، فأرسل ابن سعود خلفه سریة، یرأسها عبد العزیز بن عبد اللّه بن ترکی- أبو ذعار-. فلما وصل وادی الدواسر، فانضم إلیه قوة منهم، و ساروا یطلبون الدامر، فأدرکوه علی حدود نجران، ففتکوا به و بمن معه، و أخذوا ما معهم و رجعوا فی 15 رمضان.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 523

ابن رشید

و فی شهر شعبان، رجع ابن رشید إلی حایل، فبلغه أن حملة خارجة من المدینة لأهل القصیم، فاعترضها و أخذها. و کانت الأموال التی مع الحملة لأهل المدینة.
ثم عطف علی [...] ، و أخذ إبلا لابن سعدی، و أخذها و قفل إلی حایل، و دخلها فی النصف من رمضان.

استدراک‌

عند ما ثار الشریف علی حکومة الترک و تدفق علیه ذهب الإنکلیز، أخذ ینثره یمینا و شمالا لیستمیل به الأمراء و القبائل، فأرسل لابن سعود دفعتین مجموعها نحو من عشرین ألف جنیه دون أن یکتب له عنها.
فاستراب من هذه الهدایا، و لم یعلم ما هو المقصود منها، و کان ابن سعود قد رخص لمن أراد أن یلتحق بالشریف من أهل نجد. فأراد أن یسبر غور الشریف، و یعلم ما یرمی إلیه من هذه الهدایا فکتب إلیه کتابا رقیفا، أوضح له أنه علی استعداد لإرسال قوة لمساعدتهم تحت قیادة أحد إخوتی أو أولادی، و أنه مستعد لإزالة ما حصل سابقا من سوء التفاهم، إذا حددت الحدود بیننا و بینکم.
و لکن حضرته و هو فی زهوة الأمل، لم یستطع هضم هذه الجملة نعم إن ابن سعود إما أن یکون سکران، أو مجنون عند ما کتب هذه الجملة کما نقله عنه الریحانی فی کتابه و لو لا أنه متصف بإحدی هذه الخلال، لما
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 524
تجاسران یطلب تحدید الحدود، هی ضمن حدود قد اتفق علیها و حلیفته العظمی.
أما أمین سعید، فیقول فی کتابه «ملوک المسلمین و أمراؤهم المعاصرون»: أن الشریف أجابه بقوله: کل ما أنت علیه، فهو لک. و نحن نرجح الجواب الأول، لأنه ینطبق علی ما هو معروف عن الشریف، و لأن الریحانی قد نقل هذه العبارة من کتاب الشریف نفسه، فما کان ابن سعود لیسمح للریحانی أن ینقل عنه خلاف الحقیقة. و لکن ابن سعود بلعها، کما بلع غیرها منه، و من زمیله صاحب الکویت، عفی اللّه عنهما.
افتتحت هذه السنة، و اختتمت بهدوء و سکون تامّین فی نجد إلّا بعض حوادث تافهة، اتخذت لتأدیب بعض المشاغبین من البادیة. لأن الحرب الدولیة العظمی شغلت الأعداء عن المشاغبات، فالشریف الحسین، شغلته ثورته علی الترک، و انضمامه بجانب الحلفاء الذین ملؤا مخیلته من الآمال المذهّبة، و ملؤا یدیه من السلاح و الذخائر و الصنادیق الذهبیة، التی أخذ یبعثرها بغیر حساب، لیستمیل القبائل، و یجند بها الجنود لتأسیس إمبراطوریته المنتظرة.
أما ابن رشید، فقد رکن إلی السکون، و لعل أن حکومة الأستانة أوحت إلیه أن یحسن علاقاته مع ابن سعود، إما تقدیرا منها لعمله و وقوفه علی الحیاد إزاءها، و عدم انضمامه إلی حرکة الشریف. أو أنها ترشح ابن رشید للقضاء علی حرکة الشریف بمساعدة جنودها، أو علی الأقل یعرقل حرکاته. و هذا لا یتم إلّا إذا کان علی صلح و ابن سعود. و کان ابن رشید لم یزل یتبع إرشاداتها، و یستمد معونتها الی لا زالت تفیض علیه بسخاء کبیر.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 525
و بینما العالم فی الشرق و الغرب فی برکان ثائر کانت نجد فی خفض من العیش رغبة، و نعمة من الأمن، لم تتمتع به منذ زمان بعید، بفضل السیاسة الحکیمة التی اتبعها الإمام عبد العزیز فانصرفت الرعیة إلی أعمالهم الزراعیة و التجاریة، و اتسع نطاق التجارة و تأسست الروابط التجاریة بین أهل نجد و البلاد المجاورة، و علی الخصوص مع أهل الکویت، و ازدهرت الأعمال ازدهارا لم یکن مثله فیما سبق و لا أظن أن یعود مثله فیما یأتی.
ذلک لأن خمسین فی المائة من أهل نجد أخذ یتعاطی التجارة، و یحلبون الأموال من البلاد المجاورة، کالبحرین، و الکویت، و یصدرونها إلی سوریا من طریق البادیة، الذین فرضوا لأنفسهم ضرائب فادحة علی الأموال، لقاء السماح لهم باجتیاز بلادهم، و هکذا یفعل من یلیهم إلی أن یصلوا حدود سوریا، فلا یصل التاجر إلّا و قد سلم علی ماله ضعفی قیمة المال، أو ثلاثة أضعافه.
و بالرغم من هذه الضرائب الفادحة، فلا یکادون یصلون حدود سوریا، حتی یجدون عملاءهم ینتظرونهم، فیبتاعون منهم الإبل بأحمالها، فیسأل المشتری عن أصناف البضاعة التی معه، فیخبره، ثم یسألهم عن القیمة و المصاریف، فیقول: کان معی مثلا ألف جنیه ذهبا، اشتریت منها هذه البضاعة بجمالها، و أصرف البقیة فی طریقی فیتفق معه علی ضعفی المبلغ أو ثلاثة أضعافه حسب أهمیة البضاعة و رواجها، علی أنها لا تقل عن ضعفی رأس المال بحال من الأحوال، فینقده الثمن، و یرجع کل منهما من حیث أتی فیتکرر هذا العمل بالسنة ثلاثة مرات، أو أکثر و استمر ذلک إلی أن سقطت سوریا بید
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 526
الإنکلیز، بالرغم من کل التدابیر التی اتخذها الإنکلیز لمنع ذلک فی البنادر، أو فی البادیة.
أما الذین یجلبون علی معسکرات أولاد الشریف، فهؤلاء غالبا لا تزید أرباحهم عن 50 لقرب المسافة و الأنیة، و عدم وجود ضرایب و هذه أرباح لا تغری بمثل ذاک الوقت لأنها تعتبر أرباحا عادیة، قد یحصلون علی مثلها أهل المدن.
کان السیربرسی کوکس ممثل دولة بریطانیا فی الخلیج الفارسی قد دعا الإمام عبد العزیز إلی زیارة البصرة علی أثر اجتماع العقیر، فأجابه.
و فی 20 محرم من هذه السنة، وصل البحرین بطریقه إلی البصرة، و نزل بضیافة الشیخ عیسی ابن علی آل خلیفة حاکم البحرین، و أقام عنده یومین، و غادرها علی بارجة حربیة إنکلیزیة، و عرج فی طریقه علی الکویت، لتعزیة جابر المبارک بأبیه. ثم غادرها إلی البصرة، فلقی هناک حفاوة بالغة، و عنایة زائدة من الشعب العراقی علی الأخص و من الحکومة. و أقام فیها أیاما قلیلة، طاف فیها علی المعسکرات و محلات المؤن و الذخائر، و ما یتعلق بذلک، ثم رجع إلی القطیف، و کان قد رمی عنده وکیل بیت المال یوسف بن عبد العزیز بن سویلم، فاعتقله و استأصل ما عنده و ضبط ما لدیه من الدفاتر و المکاتیب، و أخذ یتتبع ماله فی الدیون فاستحصلها، ثم أفرج عنه. و أضاف وکالة بیت المال إلی عهدة ضامنی الجمارک علی بن منصور بن أخوان و علی بن حسین بن فارس من أهل القطیف. و بیت المال هنا لا یعنی بیت المال بالمعنی المفهوم، و إنما هی وکالة علی أملاک بیت المال من النخیل المسقفات فقط.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 527

وفاة جابر بن مبارک الصباح‌

و فی شهر ربیع الثانی توفی الشیخ جابر بن مبارک الصباح فکانت ولایته سنة و شهرین رحمه اللّه، و تجد ترجمته فی آخر حوادث هذه السنة.
و تولی بعده أخوه سالم بن مبارک الصباح.
لما رجع الإمام عبد العزیز إلی الریاض أرسل ابنه ترکی إلی القصیم لیراقب شؤون القبائل الشمالیة التی لا زالت تقلق راحة الرعایا کلما لاحت لها الفرصة. قام مدة قلیلة ثم خرج من بریدة و أغار علی ابن عجل من شمر، و ابن نحیت و الحنانبة من حرب و مخلط معهم و أخذهم علی (الشرته) ماء من موارد حایل و قفل راجعا إلی القصیم و علی أثر هذا التحق قسم بن شمر بابن سعود، و طلبوا منه أن یعیّن لهم منازل یسکنونها أسوة بغیرهم من أهل الهجر فأجابهم و عین لهم بعض الأمواه و نزلوها و عمروها و استقروا بها و نزل بعضهم فی الأرطاویة فبذلک القسم شمر شطرین بادیة، و حاضرة فأما البادیة فبقیت علی ولائها لابن رشید، و أما الذین دینوا و تحضروا فقد دخلوا برعویة ابن سعود.

حوادث عامة

و فی شهر رجب من هذه السنة تنازل الأمیر عبد العزیز العبد اللّه السلیم عن إمارة عنیزة لابن أخیه عبد اللّه الخالد السلیم و ذلک رغبة منه بالرکون إلی الراحة مراعاة لصحته. و الأمر الثانی أن یتمرن عبد اللّه معاناة منصبه تحت إشراف عمّه و الحقیقة أنه و إن کان عبد اللّه هو الأمیر فإن روح الإمارة لعمه لأنه هو العقل المفکر و القلب النابض، فلا یصدر أمر و یتم عمل إلا بإرشاده.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 528

الحج فی هذا العام‌

قد مضی سنوات ثلاث أو أربع لم یحج من نجد بسبب تعنت الشریف، و بعد مراجعات عدیدة أذن لأهل نجد بالحج، ففی هذه السنة حج محمد بن عبد الرحمن الفیصل و حج معه خلق کثیر من جمیع نواحی نجد لا یقل عددهم عن خمسین ألفا و قد أخبرنی صالح المنصور أبا الخیل و کان قد حج فی هذه السنة فقال: إن الشریف الحسین زار محمد بن عبد الرحمن ثلاث مرات فی أیام منی و کان کثیر المجاملة و الملاطفة فی محادثاته مع محمد و مما قاله فی أحد أحادیثه أنه أدرک فی إمارته ثلاثا لم یدرکهن أحد من الأشراف قبله.
الأولی: استقلال العرب و توحید کلمتهم.
«و کان ذلک بعد ثورته بسنة و الحرب علی أشده بین الدول و هو فی زهوة الأمل شدید الثقة بوفاء حلیفته. و لما یتذوق مرارة غدرهم و نکثهم بعهودهم له».
الثانیة: أنه لم یحج أحد من أمراء العرب الکبار إلّا فی زمنه هو «لعله یشیر إلی محمد بن عبد الرحمن» و إلی الخدیوی عباس حلمی الثانی.
الثالثة: قال صالح فی خبره: لما کان یوم النزول من منی أرسل محمد بن عبد الرحمن إلی جمیع أمراء حجاج أهل نجد و أمرهم أن یقدموا أثقالهم و أمتعتهم و من معهم من النساء إلی مکة و أن یحضروا أهل الجیش من کل بلد علی بیرتهم «أی علمهم» فانضم إلیه نحو من ستین لواء یبلغ هجانتهم عشرة آلاف تقریبا فلما تکاملوا سار لوار محمد بن عبد الرحمن
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 529
بالمقدمة و حفت به ألویة أهل نجد و مشوا کردوسا واحدا، فکان لهم نظر بدیع لفت إلیه أنظار سائر الحجاج و أهل مکة علی الخصوص فضاقت الطرق و نوافذ البیوت من المتفرجین علی حسن منظر و نظام هذا الجمع الزاخر الذی لم یروا مثله فیما سبق.

وفاة الشیخ جابر المبارک الصباح أمیر الکویت‌

دخلت هذه السنة و الحرب الدولیة علی أشدها و الفوز فیها حلیف الألمان و حلفائهم فی المیادین الغربیة حیث تمزقت روسیا بثورة أهلیة و قام فیها دولة بلشفیة انفصلت عن الدول الحلفاء و أصلحت مع دول الوسط الألمان و حلفائها: و دالت دولة القیاصرة بعبع الأتراک أمّا فی المیدان الشرقی فقد اندحرت ترکیا، و تقدم الإنکلیز فی العراق و احتلوه، و لا زالوا یتقدمون فی المیادین الشمالیة نحو سوریا بمساعدة الشریف و أبنائه.
أما حملتها علی القتال فقد دحرها الإنکلیز و اشتد نشاط الإنکلیز لحصار ترکیا فی سوریا من جهة البر کما أنها قد ضیقت علیها الخناق و حصرتها من البحر و عملت لهذا الغرض وسائل شتی فوضعوا لذلک حراسة خط یمتد من الکویت إلی الناصرة فلم یجد نفعا فارتبطوا مع بعض رؤساء العشائر و بذلوا لهم أموالا طائلة علی أن یصادروا ما یجتازهم من الأموال فالتزموا لهم بذلک فلم یجد هذا العمل نفعا أیضا، لأن المهربین أخذوا یبذلون الأموال لرؤساء العشائر بسخاء عظیم فاضطر الإنکلیز أن یحددوا وارد الکویت علی مقدار ما کانت علیه قبل الحرب و لکنّ هذا التدبیر جاء متأخرا حیث انتهت الحرب بعد ذلک بأشهر قلیلة علی أنه
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 530
بالرغم من ضابط الحصار الذی أقام فی الکویت لمراقبة التهریب، فإن ذلک لم یمنع تسرب الأموال بل استمر علی ما کان علیه إلی أن سقطت سوریا بید فیصل الشریف و الإنکلیز.
و کانت الحکومة الإنکلیزیة قد أرسلت مستر فلبی، و أقام عند ابن سعود بمهمة من حکومته و هی مراقبة ما یحدث فی نجد، و خوفا من أن یتصل أحد من أعدائها فی ابن سعود و حذرا من أن ابن سعود یعرقل حرکات الشریف کما أن حکومة الترک قد جعلت عند ابن رشید عبد الحمید بک بن إبراهیم باشا سعید المصری لیمنع الدسائس الأجنبیة من التأثیر علی ابن رشید، و لأنها ترشحه للقضاء علی حرکة الشریف.
فلما رأت تقدم الشریف فیصل استدعت ابن رشید و عهدت إلیه مهاجمة أولاد الشریف فکانت ثقتها فیه بغیر محلها لبی طلبها و لکن شمر لم یجیبوه للقیام بهذه المهمة، فرحل بقوة ضعیفة من أهل حایل و بعض من البادیة، و نزل الحجر و أقام فیه ستة أشهر دون أن یعمل عملا یذکر.
و فی هذه الأثناء خرج ابن سعود قاصدا شمر فلما قارب أماکنهم وفد إلیه رؤساؤهم مقدمین الطاعة فقبل منهم بعد أن تعهدوا له أنه إذ لم یتفق معک ابن رشید بعد رجوعه أن یفارقوه و یلحقوا برعیة ابن سعود فرجع عنهم و بلغ الخبر ابن رشید من کتب أرسلها له رؤساء شمر ینصحونه إن اتفاقک مع ابن سعود أجدی علیک من عملک مع الترک و أحفظ لکیانک و کیاننا. و لکن ابن رشید رفض هذه النصیحة و أقام بموضعه إلی أن رأی مقدمات انهیار الدولة الترکیة فرجع فی شهر القعدة أی قبل الهدنة بشهر لأن الترک سلموا قبل الألمان بنحو شهر.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 531

وقعة یاطب‌

و لما بلغ ابن سعود رجوع ابن رشید من الحجر جهز علیه و خرج فی أوائل شهر الحج من الریاض قاصدا قبائل ابن رشید، فلما وصل الأجفر الماء المعروف أرسل سریتان أحدهما رئیسها ابن معمر و أمره أن یکشف من یاطب إلی حایل و الثانیة رئیسها فیصل بن حشر رئیس قحطان و أمره أن یکشف ما بین السبعان إلی حائل فسار لمهمتهما و سار ابن سعود علی أثرهما و نزل الصدر ماء معروف بأطراف حایل فجاء رسول من ابن حشر یقول: إن ابن شریم [...] و معه خلط من شمر بالقرب من السبعان ثم جاءه رسول من ابن معمر علی أن شمر حایلین دون حایل و أن منازلهم من ضبیع إلی عکاش إلی السفیلن أماکن کلها لا تبعد عن حایل أکثر من ثلاث ساعات فسار من الصدر وصل یاطب الساعة السابعة لیلا و لما وصل عکاش صلّی صلاة الفجر و عبی جیشه.
و اختار منهم ثلاثمائة فارس و أربعمائة هجان علیها ثمانمائة مقاتل و أمرهم أن یغیروا علی بنی یهرف و هم الذین معهم جیش ابن رشید و بقی هو و من معه من الجند ردأ لهم فأغارت السریة صباحا و أخذوا ما عندهم من الحلال عدی جیش ابن رشید لأنه لم یکن مع العرب یومئذ ثم أغاروا علی العرب الذین علی السفیلین، و أخذوهم، و رجع ابن سعود بالغنائم، و نزل الصدر الساعة الحادیة عشر من النهار.
أما ابن رشید لما بلغه الخبر خرج فازعا بأهل حایل و بعض البادیة الذین أخذوا و أمر أن یتبعه بعض المعدات التی لم یتمکن من أخذها معه
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 532
من الذخیرة و الفشک و لحق ابن سعود و هو علی الصدر و کأنه تهیب مصادمة ابن سعود قبل أن یتلاحق علیه بقیة جنده و ذخیرته فسبقه و نزل أعیوج بقعا، و دخل بین الضلع و القصر و تحصن فیه و عقل جیشه، و تمرکز فی جبل أعیوج بقعا. و بلغ ابن سعود خبره، فأراد أن یهاجمه فرأی أنه لا سبیل إلیه و هو فی موضعه هذا، فعدل عن ذلک و رحل فی الصدر و هو علی جزر و نزل بین الصدر و رحیبه، و أحاط الجیش بمراکز استکشافیه خوفا من أن یهاجمهم ابن رشید لیلا، فلم یکن شی‌ء من ذلک، لأن ابن رشید رجع إلی بلاده، فرحل ابن سعود من وضعه و نزل الأجفر، ثم رحل منه؟؟؟ و نزل قصیبا، ثم رجع إلی بلاده فی أواخر الحج من هذه السنة.

طرد ابن صباح تجار أهل نجد من الکویت‌

و فی هذه السنة طرد سالم الصباح تجار أهل نجد المقیمین فی الکویت بحجة أن ابن سعود هو الذی أشار علی الانکلیز بتحدید وارد الکویت لما کان علیه قبل الحرب، و وضع ضابط الحصار، و لکنه تبین خطأ رأیه فسمح برجوعهم بعد مدة.

الخلاف بین الشریف خالد بن منصور لؤی و بین الشریف عبد اللّه بن الحسین!

و فی هذه السنة وقع خلاف بین الشریف عبد اللّه و خالد بن لؤی، و أسباب ذلک أنه وقع خصام بین خالد بن لؤی و بین فاجر بن شلیوبح من رؤساء الروقة من عتیبة و فارس من فرسانها المشهورین. فلطم هذا خالدا فاعتقله الشریف عبد اللّه بضعة أیام، ثم أطلقه فلم یقنع خالدا بهذه العقوبة علی فاجر فأسرها فی نفسه. فلما مضی أیام استأذن فی الرحیل إلی بلدة،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 533
فأجابه الشریف عبد اللّه بالرغم من تحذیر بعض الأشراف له، فشرط علیه أن یمر بمکة و یزور الملک حسین بطریقه إلی بلدة.
و ذلک أن الشریف عبد اللّه قد کتب إلی والده بمسألة خالد، و أبدی تخوّفه من انتفاضه، و أراد أن یکون لوالده ما یری من التدبیر و لکن خالدا لم یغب عن باله ما یدبره له الشریف، فرجع توا إلی بلدة الخرمة فجمع رجاله فیها، و أخبرهم بما کان بینه و بین الشریف، و أخبرهم بما عزم علیه من الخلاف للشریف، فوافقوه علی ما أراد، و کاتب الإمام عبد العزیز و أخبره ما کان من أمره مع الشریف، و ما اعتزم علیه و أنشأ معه علاقات ودیة ثم وفد علی ابن سعود فی آخر هذه السنة فأکرم الإمام وفادته، و استقبله استقبالا یلیق بمقامه، و أغدق علیهما الانسامات الکبیرة. ذلک لأن خالدا و آباءه و أجداده علی صلة حسنة مع آل سعود قدیما، و کان آل سعود یحفظون لهم هذا الولاء و یعرفونه لهم، فرجع إلی الخرمة مزودا بالصلات و مشبعا من الآمال.
و بعد رجوع خالد من الریاض خامرت الشکوک الملک حسین من نوایا خالد، فکتب إلیه یأمره بالحضور لدیه. فاعتذر بأسباب تقضی ببقائه فکرر الطلب، فکرر خالد الرفض فأصدر الملک حسین أمرا بعزله، و عیّن أحد ابنی عمه فی مکانه، و هو شریف من أهل الخرمة فلم یعارض خالد بذلک، فوصل الأمیر الجدید و لکن لم یبق له نفوذ و لا وجاهة، فلم یطق الأمیر الجدید البقاء طویلا، بل کتب إلی الملک حسین یستعفیه و یقول إن خالدا لم یبق لی کلمة مسموعة، فعلم الملک حین لا یفید من مثل هذه الأسالیب، لجأ إلی القوة فجهز حملة بقیادة الشریف حمود بن زید بن فواز، و معها مدافع رشاشة و مدفع جبلی فبلغ خبرها خالدا، فخرج بقوة
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 534
و کمن لهم فی بطن نخل قرب الخرمة، فلما وصلت حملة الشریف وقعت فی الکمین، فوضع السیف فیها و فتک برجالها، و غنم ما معهم من سلاح و معدات، فکبر ذلک علی الملک حسین، و جهز حملة ثانیة ضعفی الحملة الأولی فی عددها و عداها، فلما اقتربت هذه الحملة من الخرمة استعد لها خالد بمن عنده، و استنجد بعض البوادی التی حوله، فلما کان قبل الفجر هجدهم فی منزلهم، فأبادهم و غنم ما معهم و أصیب قائد الحملة فی فخذه، و کان لانتصارات خالد وقع عظیم فی البادیة، فالتف علیه کثیر من البوادی التی حوله.
أما الملک حسین فقد اضطرب من هذا الخذلان الجدید الذی أصابه من هذه الشرذمة القلیلة و ساءه، و هو ملک العرب الأکران یتجاوز عن هذه الإهانات المتکررة فأمر بإعداد حملة ثالثة، عقد لواءها للشریف شاکر بن زید، و عهد إلیه بالتنکیل بهذه العصابة الخارجة عن الطاعة. خزانة التواریخ النجدیة ؛ ج‌7 ؛ ص534
الشریف شاکر بقوة یتفاوت عددها بین الثلاثة و الأربعة آلاف، و مع قسم من قبیلة عتیبة، فبلغ خالدا مسیر هذه لحملة فلم یشأ أن یمهلها حتی تصل حدود بلاده، بل قصر الطریق علیها و هاجمها بعد مبارحتها و إن ما کادت المعرکة تبدأ حتی انهزم جیش الشریف و ترکوا ما معهم غنیمة لعدوهم، و رجعوا إلی مکة بعد أن ضاعوا جمیع ما معهم، فأضاع الملک حسین صوابه و أراد معاندة الأقدار التی حالفت عدوه و أبی إلّا أن المضی فی هوسه حتی ینتقم من خصمه أفظع انتقام فجهز علی الأثر حملة رابعة جمیها من بوادی الحجاز من بنی سفیان، و هذیل و ثقیف و بنی سعود حرب الحجازیة، و عسکر من أهل بیته، و کان عدد الجمیع یتراوح بین الخمسة و الستة آلاف و ولی القیادة صهره الشریف عبد اللّه بن محمد الشریف
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 535
شاکر بن زید، فسارت هذه الحملة، فلما وصلت (حصن) تلقت أمرا من الملک حسین بالتزام موقفها و عدم إجراء حرکة قبل وصول الشریف عبد اللّه بن الحسین الذی جعلت له القیادة العامة، فأقامت بموضعها نحو شهرین، فانتشرت الحمی بین رجالها، و مات منهم عدد کبیر، و أصبح الباقون فی حالة لا تساعد علی الأعمال العسکریة.
هذا آخر ما وجدناه من مسودة تاریخ مقبل بن عبد العزیز الذکیر بخطه بیده و یظهر أنه لم یکمل حیث إن حادثة تربه لم ینهها و قد استعرت الکتاب من الشیخ سلیمان بن عبید رئیس المحکمة الکبری بمکة وفد جاءه من محمد الحمد القاضی و المذکور وصل إلیه من المؤلف نفسه و قد انتهی نسخه بأمری فی سنة 22/ 4/ 1384 ه بمکة المکرمة.
***
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 537

أوراق تتعلق بالملک عبد العزیز و الحکومة أیام دخول الحکومة الحجاز

اشارة

بقلم مقبل بن عبد العزیز الذکیر
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 539
بسم اللّه الرّحمن الرّحیم‌

فی یوم الخمیس 23 محرم سنة 1352 ه:

اشارة

جرت أول مکالمة تلیفونیة لا سلکیة بین مکة و الریاض حیث خاطب الملک ابنه سعودا فی الریاض مدة لا تقلّ عن عشرین دقیقة.
اتفاقیة استخراج البترول‌

و فی الیوم الرابع صفر سنة 1352 ه- 29 مایو سنة 1933 م:

وقّعت اتفاقیة استخراج البترول، وقّعها عن الحکومة العربیة وزیر المالیة و وقّعها عن شرکة ستندرد أویل کالیفورنیا ل. ن. هاملتون- و هی لمدة ستین سنة، و تحتوی علی ثلاثة و ثلاثین مادة، و قد صادق علیها الملک فی 14 ربیع الأول سنة 1352 ه، و قد قال أحد أدباء الأحساء فی هذه المناسبة:
مندّ العدو لنا من کیده شبکةحتی تصیدنا فی هذه الشرکة
أضحی یعلمنا الدینار أن له‌سرّا یؤلّف بین الضبّ و السمکة

المعاهدة بین المملکة العربیة السعودیة و إمارة شرق الأردن‌

و فی 5 ربیع الثانی من هذه السنة: عقدت معاهدة صداقة و حسن
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 540
جوار بین المملکة العربیة السعودیة و بین إمارة شرق الأردن حددت علاقات و حقوق کل منهما إزاء الآخر و أوضحت ما یتبع کل منهما من البوادی و هی تحتوی علی أربعة عشر مادة، و بروتوکول تحکیم یتضمن تسعة مواد، و ملحق یتضمن سبع مواد أیضا فی توضیح الشهادات لإعادة المنهوبات، و الوساقة، و العرایق، و الدیة، و التعویض عن الخسائر و الخدمة، و تعریف البدو، و یتبعها کتب متبادلة ستة.
و قد صدق علیها الملک فی 12 رجب سنة 1352 ه- 30 أکتوبر سنة 1933 م، ثم صدق علیها الأمیر عبد اللّه و تبودلت النسخ المبرمة فی مدینة القاهرة بواسطة معتمد الملک (فوزان السابق) و فؤاد باشا الخطیب عن إمارة شرق الأردن فی 4 رمضان [...].

حادثة قتل سلیمان الدکماری‌

کان فی مدینة تدمر امرأة فرنساویة اسمها (مدام داندیران) تدیر فیها فندقا، فتعرفت بسلیمان الدکماری من عنیزة، و کان یتردد علی فندقها فمالت إلیه و فی أواخر شهر ذی القعدة سنة 1351 ه، اعتنقت الإسلام فی مدینة حیفا أمام [...] الإسلامیة المسؤلة عن النظر فی شؤون طالبی اعتناق الإسلام و استحصلت علی رخصة من حاکم لواء حیفا بالانتقال من طائفتها الدینیة الأصلیة إلی الطائفة الإسلامیة، و قد أتمّت الإجراءات اللازمة لذلک و تسمّت بزینب، ثم عقدت زواجها علی سلیمان الدکماری، و سافرت معه إلی جدة، فوصلا یوم 9 ذی الحجة، و نظرا للشروط فی البلاد علی الذین یعتنقون الإسلام حدیثا فإنه لم یسمح لها بالتوجه إلی مکة للحج مع زوجها بل بقیت فی جدة تنتظر عودته، و بعد الحج شرع الرجل
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 541
و زوجته فی اتخاذ التدابیر المفروضة نظاما علی معتنقی الإسلام حدیثا بقصد الحصول علی رخصة الحکومة للسفر فی بلدة سلیمان فی نجد، و بینما کانت الإجراءات سائرة فی مجراها المعتاد توفی الرجل علی [...] علاج ادعی أنه تناوله من زوجته، و قد اتهمها الرجل ساعة الاحتضار بأنها هی التی أعطته العلاج، فألقی القبض علیها و أودعت السجن رهن التحقیق و المحاکمة، و بعد ذلک جرت المحاکمة للمتّهمة فی جدة من 23 صفر، و استغرق أخذ إفادة المتّهمة و شهادات الشهود و الإجراءات القضائیة الأخری بضع جلسات، دوّن القاضی حکمه فی [...]، و نظرا لطوله اکتفینا بأخذ خلاصة فقرة الحکم و إلیک نصها:
نظر القاضی فی الدعوی الأصلیة و الدعاوی الفرعیة المتولدة منها، و أصدر قراره فی کل منها علی حدة، و هی: أولا: [...] صحة الزوجیة بین المتّهمة و المجنی علیه بالوثائق الکتابیة الصادرة من الجهات الاختصاصیة فی مکان [...].
حوادث سنة 1352 ه ثانیا: لم یتمکن المدعی من إثبات التهمة علی المذکورة، و لم یتمکن من إیراد أیة قرینة إلّا أقوال نسبت إلی المجنی علیه، و هو فی حالة النزع یلقی بها التبعة علی زوجته، و نظرا لعدم قیام الدلیل علی ذلک من جهة، و نظرا لأخذ القاضی بنظر الاعتبار، الخصام الذی کان واقعا بین الزوجین و خشیة من أن یکون قصد المجنی علیه الانتقام من زوجته و غیر ذلک من الأسباب الشرعیة الموضحة فی الصک، فقد أصدر القاضی حکمه ببراءتها من جریمة تسمّم زوجها و بعدم تعرّض الورثة لها.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 542
ثالثا: أصدر القاضی حکمه فی الإرث بعدم جواز إرث المتّهمة للمجنی علیه.
رابعا: و قد حکم علی المتّهمة بالتعزیز لثبوت خلوتها بأجنبی عنها.
و نظرا لأن المدة التی قضتها فی السجن هی المدة التی حکم بتعزیزها فیها فقد أطلق سراح المذکورة من السجن.

وفاة عبد اللّه بن أحمد العجیری «راویة الأدب فی جزیرة العرب»

فی شهر ربیع الأول من هذه السنة انتقل إلی دار البقاء راویة نجد و أخبار العرب و نوادرهم الشیخ عبد اللّه بن أحمد العجیری و قد وافاه أجله المحتوم فی بلده حوطة بنی تمیم عن عمر یبلغ سبعة و ستین سنة، فقد ولد فی الحوطة سنة خمسة و ثمانین و مائتین و ألف هجریة، کان رحمه اللّه آیة فی الروایة، و قد ذکرنا شیئا من حاله فی مسیره مع الإمام عبد العزیز إلی الحجاز لأول مرة سنة 1343 ه مما نقلناه عن الریحانی بروایته عن یوسف یاسین، نجد ذلک فی ص 95، 96 من هذا الکتاب مما لا حاجة إلی إعادته لأنه فی متناول الید.
و خلاصة القول إنه کان راویة حافظا، حسن الصوت حسن الإلقاء، فاهما لما یحفظ، عالما بأسرار المعانی، خبیرا بدقائق فنون البلاغة، و بدقائق النکت النحویة مما لا یفطن له إلّا العالم النحریر فی ذلک.
و یروی أن جده کان من العلماء.
أما المترجم فقد کان أکثر تحصیله کان من عکوفه علی الدرس
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 543
و المطالعة بنفسه، و لقد آتاه اللّه من قوتی الحافظة و الذاکرة ما ساعده علی النبوغ فی فنه الذی لم نر له ندا فیه بین الذین عرفنا من الرواة و الحفاظ، إذ یقال عنه: إنه إذا رغب فی حفظ قطعة منظومة و منثورة عمد إلی کتابتها علی القرطاس، فتنطبع فی ذهنه، بمجرد کتابتها مرة واحدة و کان یحفظ القرآن الکریم و بعض کتب الحدیث، لا سیما مسند الإمام أحمد بالروایة، و یقال عنه، إن یحفظ من کتب الأدب «أدب الکاتب» جزء «و الأمالی» ثلاثة أجزاء، و یحفظ قسما کبیرا من «الأغانی» و هو واحد و عشرین جزءا، «و البیان و التبیین» ثلاثة أجزاء، «و روضة المحبین» جزء، «و الآداب الشرعیة» ثلاثة أجزاء، و دواوین شعریة مختلفة کثیرة.
و هنالک کتب أخری دینیة تاریخیة و أدبیة یروی الشی‌ء الکثیر منها، و کان رحمه اللّه قد حج فی موسم السنة الماضیة و غادر مکة بصحبة الملک عبد العزیز و سافر، إلی الحوطة حیث وافاه أجله تغمده اللّه برحمته و عوض نجدا عنه خیرا، و أظهر فیها من یحیی آثار السلف الصالح باستظهار أخبارهم و نشر أخلاقهم العالیة، فقد فقدت نجد بفقده نابغة من نوابغ أبنائها الذی یضنّ الزمان بمثلهم.

الوفد الثالث إلی صنعاء

و فی شهر ربیع الأول من هذه السنة سافر وفد رئیسه خالد أبو الولید القرقنی إلی صنعاء لمفاوضة إمام الیمن بشأن الحدود، و لعقد معاهدة بین الحکومتین، و بینما الوفد فی طریقه إلی صنعاء احتلت جنود الإمام الیمن نجران السعودیة، و فتکوا بأهلها فتکا ذریعا، و لما وصل الوفد صنعاء حجز علی حریته نحو أربعین یوما، و لم یتقدم أحد لمفاوضته، و بعد مراجعات
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 544
عدیدة بین ابن سعود و إمام الیمن، عیّن هذا مندوبین من قبله و جرت المفاوضة و لم یصلوا إلی نتیجة، فرجع الوفد السعودی فی ربیع الثانی، و سافر إلی الریاض، و قدم تقریره إلی الملک، و اشتدت المخاوف بعد ذلک، فأمر ابن سعود بحشد قوات علی الحدود، و أمرهم یرابطون هناک إذ اتضح له سوء نیة إمام الیمن و أخذت المراجعات تدور بینهما.
و فی شهر شعبان نشبت تجهیزة الإدریسی و اتفاقة الثورة، مما أدی إلی مضاعفة التجنید، فأرسل ابن سعود الجنود یعزز قواته علی الحدود.
و فی شهر رمضان یأمر جلالتکم إلی الولد عبد اللّه الوزیر أن یشترک مع رجالکم لإکمال التحقیق للوصول إلی منبع، و أساس هذا العدوان الخبیث، و نرجو من جلالتکم الأمر بإنبائنا بنتایج البحث و نسأل اللّه حیاطتکم و أسرتکم عن کل سوء و مکروه و السلام.
*** من ملک الیمن الإمام یحیی محمد حمید الدین إلی جلالة حضرة الأخ الملک عبد العزیز بن عبد الرحمن إنه لیکاد القلب ینفطر لوصول جواب جلالتکم أمس السبت بصحبة رسولینا بتلک الرقة و اللطافة الأخویة الصادقة، و ما أخبر به الرسولان من حسن عواطف جلالتکم الوحیدة، و عواطف حضرة صاحب السمو ولی عهدکم حفظه اللّه، و لم یستقر لنا و اللّه قرار لهذه المکیدة العظمی المدبرة بید خاسرة، و زادنا أسفا و کذا وصولها فی الوقت الذی وصلنا فیه کتابکم المشار إلیه.
و لا بد یجتهد الأعداء لنسبة تلک الحادثة إلینا بکل صورة، و نحن و اللّه أبریاء براءة الذئب من دم یوسف، و إنّ ذلک مدبّر لإفساد
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 545
ذات البین، و بذر العداوة و البغضاء، و قد کتب اللّه، و للّه الحمد السلامة، و أخزی اللّه الأعداء و کبتهم، و إننا نکتب هذا و القلب ینفطر کمدا، و العین تذرف أسفا، و نرجوا اللّه أن یکشف الحقیقة بإظهار جلیة حال المعتدین، و أین کانوا قبل أن یحجوا و من أی طریق سلکوا، و نسأل اللّه أن یوفقکم لمعرفة ذلک، و تفضلوا برفع ما ألم بنا من أنواع الأحزان و لکم النظر.
*** أما برقیة وزیر خارجیة الیمن فقد أبدی فیها أعمق الأسف و التأثر، و صبّت اللعنات علی المعتدین، و یقول إن الزلات غیر ممکن لنا تسلیم شخصیة المتجاوزین یمینیون، و لکن إذا ثبت و تحقق نسبتهم إلی الیمن فلا شک و لا شبهة ذرة ماء إن صار اشتراؤهم من جهة خارجة الیمن.
جواب الملک عبد العزیز علی برقیات إمام الیمن.
حوادث سنة 1352 ه احتلت جنود الزیود بعض المواقع فی تهامة بقیادة عبد اللّه بن الوزیر عبد الوهاب الإدریسی، و کادت الحرب تقع بین الحکومتین لو لا أنّ إمام الیمن طلب عقد مؤتمر فی أبها للنظر فی الأمور المختلف علیها، فانعقد المؤتمر من أول شهر ذی القعدة إلی أواخره، و لم یتغیر موقف إمام الیمن و مطالبه، ففشل المؤتمر إزاء تعنّت الیمن، کما فشل ما قبله من المؤتمرات، فرأی ابن سعود أنّ الأمر لا یحل إلّا بالسیف فأعلن الحرب علی الیمن فی 6 ذی الحجة سنة 1352 ه الذی انتهت بخذلان إمام الیمن و احتلال بلدانه، فانعقدت المعاهدة التی أرجعت جمیع حقوق نجد،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 546
و حددت الحدود و قد فصّلنا ذلک و استوفیناه فی کلامنا علی الیمن فی أول هذا الکتاب فارجع إلیه.

حوادث سنة 1353 ه

اشارة

و فی شهر محرّم وصل هیئة من رؤساء العرب البارزین للسعی بالصلح بین الملک عبد العزیز و إمام الیمن و هم الأمیر شکیب أرسلان، و السید أمین الحسینی، و هاشم بک الأتاسی، و محمد علی علّوبه، و توجهوا إلی الطائف و قابلوا الملک فتدخلوا فی الرأی و تم الصلح، و توقف القتال و حررت المعاهدة و رجعت إلی أفضل مما کانت علیه، و قد فصلنا ذلک فی کلامنا علی الیمن.
23 دیسمبر 1934 م‌

نقابة التعدین‌

و فی 17 رمضان من هذه السنة عقدت اتفاقیة بین حکومة الملک عبد العزیز و بین کارل سابن لوتشل بالنیابة عن نقابة التعدین لاستخراج المعادن، و هذه الاتفاقیة تشمل ثمان مواد إلی مدّة ستین سنة شمسیة، و صادق علیها الملک فی الیوم الثامن من ذی القعدة سنة 1353 ه، 12 فبرایر سنة 1935 م.
وصل طلعت باشا حرب إلی الحجاز بطیارة لبعض شؤونه فطلب من بعض أعیانه الحجاز الرکوب بطیارته للتحلیق بهم علی جدة و ما حولها، و ممن حضر أحمد الغزاوی الشاعر، و قد طلب منه بعض أصدقائه الرکوب بالطیارة فتوقف و تهیب فسابقه أحد أصدقائه فی مقالة یمازحه فیها، فرد
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 547
علیه بالشعر الآتی یدافع فیها عن نفسه و یؤول تردده ذلک و امتنانه بما یراه القاری‌ء فی هذه القصیدة التی نشره تحت العنوان الآتی:

دعابة جادة

یؤنبنی علی خوفی جریئی‌تقحّم فامتطی الجو اختبارا
قدمت إلی المطار و فی فؤادی‌خواطر نقعها أمسی مثارا
تردد بین سمعی انتهاراأصخت إلیها کرها و اختیارا
تمهل و انظر الحمس ابتداءإذا ما النسر خفّ بهم و طارا
و فاجأنی الرفاق بکل جدأن أقدم قلت لا أجد اضطرارا
و لا أنا بالذی فی الجو أبدوکأکثر لا و لا أغدوا کنارا
و أشجانی التریث رغم أننی‌قد هالنی الأمر افتکارا
فرجحت التوقف فعاجلونی‌فضقت وعدت أدراجی فرارا
و لو یدری حقیقة ما بنفسی‌لبدل لومه منی اعتذارا
تحلق بی إلی الأفلاک عزماو تهبط إلی القاع ادّکارا
و ناجتنی الهواجس فی هدوءحذار فما تری إلّا اغترارا
و دأب العقل تفکیر و ریث‌و لا سیما إذا خشی العثارا
فلجوا حیث لا أدری النفس‌دعاء الزهد و یطلّ أغارا
و لکن جولة فیها جدیدکیوم غد من الرائی تدارا
و جا عربی الخیال علی التحایاو إن ألقن ما یرمع ابتکارا
و لست بأول النابتی عنهافکما لاقیت أمتالی جهارا
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 548

1351 ه المراکز اللاسلکیة

اشارة

المدینة المنورة- أبها- جبران- صبیا- القنفذة- ینبع- رابغ- العلا- الوجه- الجوف.

التلفون فی الریاض‌

أسست إدارة البرقق و البرید مرکزا عاما للتلفون فی بلدة الریاض، حیث تمّ ربط الدوائر الرسمیة و غیرها بشبکة من الأسلاک التلفونیة.

ثورة السید حسن الإدریسی فی عسیر

و فی هذه السنة ثار السید الحسن الإدریسی فی عسیر بإغراء الشریف عبد اللّه أمیر شرق الأردن، و ذلک بعد القضاء علی حرکة ابن رفادة الذی تقدم ذکرها، و قد هرب الإدریسی و التجأ إلی إمام الیمن یحیی حمید الدین و قد شرحنا منه هذه الثورة فی کلامنا علی عسیر، فلیرجع إلیه و قد استغرق إخماد الثورة و إرجاع الأمور إلی ما کانت علیه إلی أخر هذه السنة.

1352 ه المبایعة بولایة العهد للأمیر سعود بن عبد العزیز

اشارة

و فی شهر محرم من هذه السنة قرر مجلس الوکلاء و الشوری مبایعة الأمیر سعود بن عبد العزیز بولایة العهد، و قدموا إلی الملک عبد العزیز قرارهم بذلک للمصادقة علیه، فوافقهم و صدق علیه، و إلیک نص القرار المذکور بعد المقدمة.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 549
أما بعد فإن حضرة صاحب الجلالة ملکنا العادل الموفق ناصر السنة، قامع البدعة «عبد العزیز عبد الرحمن الفیصل آل سعود» ملک المملکة العربیة السعودیة أید اللّه ملکه و أمد فی عمره، و أدام تأییده و نصره، و وفقه إلی طاعته و مرضاته، لما رأی فی حکمته الساهرة علی راحة رعایاه، و العاملة علی تثبیت دعائم هذا الملک العربی الوطید، و تشیید أرکانه و إدامة تسلسله أن یجیب طلب رعایاه و یوافق علی تعیین شکل واضح ثابت لولایة العهد کما ورد فی أمره الملکی الکریم الصادر فی 17 جمادی الأولی سنة 1351 الموافق 18 سبتمبر سنة 1932 ه، و أن یسیر فی ذلک علی المنهاج الشرعی الذی سار علیه خلفاء المسلمین و ملوکهم، و أن یعقد: البیعة بولایة العهد علی ما کان مستجمعا للشروط الشرعیة المرعیة.
هذا و لما کان حضرة صاحب السمو الملکی الأمیر سعود النجل الأکبر لحضرة صاحب الجلالة، قد تحلی بکافة الأوصاف الشرعیة الواجب توافرها فیمن یخلف ولی الأمر أمدّ اللّه فی عمره، و قد اشتهرت عدالته و صفاته الممتازة بین الجمیع، فإننا عملا بالمأثور فی المبایعات نبایعه ولیا لعهد المملکة العربیة السعودیة نبایعه علی السمع و الطاعة علی کتاب اللّه و سنّة رسوله، و نسأل اللّه له الهدایة و التوفیق، و نضرع إلیه تعالی أن یمد فی عمره و عمر والده العادل الموفق خلّد اللّه ملکه، و قد أخذنا هذه البیعة لسموه عند أنفسنا و علقناها بأعناقنا، و نشهد اللّه علی ذلک، و اللّه خیر الشاهدین و ما هو الواقع یوم الخمیس المبارک 16 محرم سنة 1352 ه من هجرة سید المرسلین الموافق 11 مایو سنة 1933 م.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 550
رئیس الوکلاء و مجلس الشوری
فیصل
قاضی مکة المکرمة أحمد قاری
عضو هیئة التدقیقات محمد المرزوقی
رئیس القضاء عبد اللّه بن حسن بن حسین آل الشیخ
أعضاء مجلس الوکلاء و مجلس الشوری
یوسف یاسین، فؤاد حمزة، عبد اللّه السلیمان الحمدان، عبد اللّه المحمد الفضل، صالح شطا، محمد شرف رضا، عبد اللّه الشیبی، عبد الوهاب، محمد مغیری، عبد الوهاب عطار، أحمد إبراهیم غزاوی، عبد اللّه الجفالی، حسین عبد اللّه باسلامه، نائب محرم.

بماذا أکتب هذه المبایعة

و قد تم نسخ هذا القرار علی ورق من ورق الغزال الغامق، و تم التوقیع علیه یوم الخمیس المذکور، و حمله أعضاء المجلسین و قدموه إلی الملک عبد العزیز فی الساعة الثالثة من ذلک الیوم، فأصدر أمره السامی بالموافقة علیه، و قرر الاحتفال به یوم الإثنین.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 551

المملکة العربیة السعودیة

کانت المفاوضات بإعطاء امتیاز البترول جرت قبل هذا التاریخ، و لمّا تتم لأن من نظام الشرکات أن لا تتعاقد إلّا مع دولة لها نظام توارث العرش یعنی فیه ولی العهد للمملکة، و کان الملک عبد العزیز اعتزم تقریر هذا النظام و تعیین ولی العهد لیتم عقد الاتفاقیة المشار إلیها و لکن ثورة ابن رفادة أخرت ذلک، لما أخمدت لم یبق مانع یحول دون ذلک، فقرر أولا تغییر اسم المملکة و أن یجعله اسما شاملا لأجزاء المملکة، فأمر أن یکون الاسم الجدید «المملکة العربیة السعودیة» بدلا من اسمها السابق مملکة الحجاز و نجد و ملحقاتها- فأصدر أمرا رسمیا بذلک هذا نصه:

أمر ملکی رقم 2716

بعد الاعتماد علی اللّه، و بناء علی ما رفع من البرقیات من کافة رعایانا فی مملکة الحجاز و نجد و ملحقاتها، و نزولا علی رغبة الرأی العام فی بلادنا و حبا فی توحید أجزاء هذه المملکة العربیة- أمرنا بما هو آت:
المادة الأولی: یحوّل اسم المملکة الحجازیة و النجدیة و ملحقاتها إلی- اسم- المملکة العربیة السعودیة، و یبح؟؟؟ لقبنا بعد الآن «ملک المملکة العربیة السعودیة».
المادة الثانیة: یجری مفعول هذا التحویل اعتبارا من تاریخ إعلانه.
المادة الثالثة: لا یکون لهذا التحویل أی تأثیر علی المعاهدات و الاتفاقات و الالتزامات الدولیة التی تبقی علی قیمتها و مفعولها، و کذلک لا یکون له تأثیر علی المقاولات و العقود الأفرادیة بل تظل نافدة.
المادة الرابعة: سائر النظامات و التعلیمات و الأوامر السابقة
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 552
و الصادرة من قبلنا تظل نافذة المفعول بعذ هذا التحویل.
المادة الخامسة: تظل تشکیلات حکومتنا الحاضرة مؤقتا إلی أن یتم رفع تشکیلات جدیدة للمملکة کلها علی أساس التوحید الجدید.
المادة السادسة: علی مجلس وکلائنا العالی الشروع حالا فی وضع نظام أساسی للمملکة، و نظام لتوارث العرش و نظام لتشکیلات الحکومة و عرشها؟؟؟ علینا لاستصدار أوامرنا فیها.
المادة السابعة: لرئیس مجلس وکلائنا أن یضم إلی أعضاء مجلس الوکلاء أی فرد أو أفراد من ذوی الرأی حین وضع الأنظمة السالفة الذکر للاستفادة من آرائهم و الاستنارة بمعلوماتهم.
المادة الثامنة: إننا نختار یوم الخمیس الواقع فی 21 جمادی الأولی سنة 1351 ه، الموافق للیوم الأول من المیزان، یوما لإعلان توحید هذه المملکة العربیة و نسأل اللّه التوفیق، صدر فی قصرنا فی الریاض فی هذا الیوم السابع عشر من شهر جمادی الأولی سنة 1351 ه بأمر جلالة الملک نائب جلالة فیصل.
التوقیع- عبد العزیز

شبکة المواصلات اللاسلکیة فی أنحاء البلاد العربیة السعودیة

فی هذه السنة اهتم الملک عبد العزیز فی ربط أجزاء المملکة کلها بشبکة من الخطوط اللاسلکیة، و کان آخرها مرکز اللاسلکی الکبیر الذی تم ترکیبه فی الریاض فی أواسط شهر شوال فی هذه السنة، و بهذا یصبح فی المملکة ثمانیة و عشرین مرکزا لا سلکیا تجری علیها المخابرات لکافة
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 553
الأنحاء، و من هذه المراکز تسعة عشر مرکزا برقیّا و تلفونیّا فی آن واحد، أربعة منها نقّالة موضوعة علی سیارات لاستخدامها فی التنقّلات، و هذا المشروع یعتبر الأول من نوعه فی جزیرة العرب. و إلیک جدول بأسماء المراکز اللاسلکیة فی کافة أنحاء المملکة:

المراکز اللاسلکیة التلفونیة

مکة- الریاض- جدة- بریدة- الأحسا- حائل- القریات- تبوک- القطیف- جبیل- الطائف- اللیث- الدوادمی- القتیر؛ و هذا الأخیر نقل فیما بعد إلی نجران.
و فی یوم الاثنین 20 محرم سنة 1351 ه ازدانت البلاد بالزینة، و اجتمع جماهیر الأهلین من کافة الطبقات بالمسجد الحرام و اصطفت تلامذة المدارس الأمیریة و الأهلیة علی جانبی الطریق الممتدة من القصر الأمیری فی الغزة إلی جانبی مدرسة الفلاح و من هناک اصطفت الجنود و الشرطة حتی المسجد الحرام.

الأمیر فیصل‌

و فی الساعة الواحدة و الدقیقة الخمسین وصل الأمیر فیصل حیث المحل المخصص له عند المطاف، فافتتح رئیس المحکمة الشرعیة الکبری، و تلاه الشیخ محمد الشیبی صاحب مفتاح بیت اللّه الحرام، و قد کان واقفا فی مدخل الکعبة و کان رئیس الموقتین فی مشرقة التوقیت یردد التأمین علی الأدعیة للملک و سمو ولی العهد و الأمراء آل السعود و عند ذکر الملک أطلقت قلعة أجیاد إحدی و عشرین مدفعا.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 554

المبایعة

ثم سار الأمیر فیصل، و معه مندوبو کافة الطبقات من موظفین و أعیان، و تجّار و صنّاع، و جماعیر غفیرة إلی الرواق الواقع بباب الصفا، و أخذ المبایعون یتقدون إلی الأمیر فیصل بالبیعة الشرعیة، بولایة العهد بالنیابة عن الأمیر سعود و استمر ذلک مدة تقرب من الساعة.

سفر وفد المبایعة إلی الریاض‌

و فی لیلة الخمیس محرم سنة 1352 ه غادر الوفد الذی یحمل صک البیعة لولایة العهد، و هذا الوفد یتألف من الأمراء المذکورة أسماؤهم تحت رئاسة الأمیر فیصل، و معه أعمامه أحمد و مسلعد، و إخوته محمد و خالد، و أبناء عمه خالد بن محمد و فیصل بن سعد و فهد بن سعد و سعود بن سعد، و عبد اللّه بن الأمیر فیصل، و الأمراء ترکی بن عبد اللّه و سعود بن عبد اللّه و محمد بن سعود بن عبد اللّه ..
و غیرهم.

وفد الحجاز إلی الریاض‌

و قد رافق الأمراء وفد من مجلس الشوری یتألف من الشیخ عبد اللّه الشیبی، و السید عبد الوهاب نائب.

الاحتفال بالمبایعة فی الریاض‌

و فی 26 محرم وصل وفد البیعة إلی الریاض، و فی الیوم التالی الاثنین 27 محرم أقیمت حفلة إعلان البیعة بولایة العهد [...] هذا الیوم اجتمع الأمراء من آل السعود و العلماء و الأعیان فی القصر
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 555
الملکی، و تصدر المجلس الأمیر محمد بن عبد الرحمن و یلیه الأمیر سعود بن علی ثم سائر الأمراء من آل السعود الأکبر، فالأکبر ثم الأمراء من آل الرشید و جلس علی الیسار المشایخ و العلماء و الأعیان و وفد الحجاز [...] المجلس تلیت برقیة الملک، و کتابه الذی أرسله مع وفد البیعة و لما انتهی من تلاوته وقف الشیخ محمد بن عبد اللطیف فتکلم و نصح و شکر للملک ما قام به من أمر البیعة و عدد خدمات الملک للإسلام و المسلمین، ثم تکلّم الشیخ عبد اللّه الشیبی عن الشوری و هنأ الأمیر سعود بولایة العهد بالنیابة عن أهل الحجاز و تلاه أحمد إبراهیم غزاوی فألقی قصیدة هنأ بها الأمیر سعود ولی العهد ثم وقف الأمیر محمد بن عبد الرحمن الفیصل فتکلم بکلام مملوء بالعواطف النبیلة و الروح السامیة، و أثنی علی أخیه الملک و عدد خدماته للبلاد و مآثره، ثم صافح الأمیر سعود و بایعه بولایة العهد علی کتاب اللّه و سنّة رسوله و علی السمع و الطاعة، و موالاة من والاه و معاداة من عاداه، و أعطی علی ذلک عهد اللّه و میثاقه، ثم تلاه سعود بن عبد الرحمن و سعود بن عبد العزیز السعود ثم الشیخ محمد بن عبد اللّه و بقیة المشایخ ثم الأمراء من آل السعود، ثم الأمیر عبد اللّه المتعب و بقیة آل الرشید، ثم أعیان البلاد و کبار العائلات [...] البادیة الموجودون فی الریاض، و لما تمت المبایعة أدب الأمیر محمد بن عبد الرحمن مأدبة کبری حضرها الأمراء و المشایخ و الأعیان [...].
و فی الیوم التالی أقام سعود بن عبد الرحمن مأدبة أخری و بعده الأمیر خالد بن عبد العزیز، و بعده خالد بن محمد آل مهنا أقام مأدبة کبری.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 556

تابع المقتطف من اعترافات الجاسوس الذی قبض علیه فی الحجاز سنة 1351 ه

و کانت المحادثة تدور بین أیام الحسین و أیام آل سعود، و أفاضوا فی ما عمله النجدیون من تخریب الحجاز و قتل أبرارها بدعوی أن العالم کله کافر فی عرفهم و هم المؤمنون، ثم أفهمونی أنهم ألفوا رابطة حجازیة لجمع الحجاز تحت لوائها و العمل علی ردّ آل الحسین، و إخراج ابن سعود، و دعونی للارتباط بهذه الجمعیة فرضیت، و صرت أدفع شهریا عشرة قروش مصریة إلی الصندوق، ثم أوضح أسماء أعضاء هذه الرابطة من رئیس أو أمین صندوق أو عضو عامل، ثم قال إن لهم أعضاء یتبعونهم فی العراق و فی الحجاز من القاطنین فیها و من المطوفین الرؤساء ...
و غیرهم ...
و لم تذکر أسماءهم جریدة أم القری، ثم ذکر الاصطلاحات التی یتخاطبون فیها مع من بالخارج، و هی رموز لا معنی لها إلّا عند المصطلحین علیها، و لا یمکن أن یعرف المطلع علی کتاباتهم شی‌ء یدل علی معنی، و لا نری فائدة من شرحها.
ثم ذکر انتدابهم إیاه لاستطلاع حالة البلاد الحجازیة اقتصادیا و سیاسیا، و حالة السکان و میولهم و قال: إن الأمیر عبد اللّه أرسل إلی الرابطة بمصر علی لسان الحزب یطلب فیه إرسال شخص إلی الحجاز لیوافی الرابطة عن ثلاثة أمور.
الأول: عن ما تکون علیه الحالة المالیة من أزمة الحکومة الحالیة.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 557
و الثانی: عن ما یکون فیها من حوادث أو تعزیر سیحدث أو یصیر حدوثه.
الثالث: أن یوافیها بکل صغیرة و کبیرة حین جلوسه فی الحجاز لقاء ثمانیة و ستون جنیها أقساطا و عشرة جنیهات معاشا شهریا.
ثم ذکر تردده علی الحجاز و أعماله فیها، ثم قال: و حیث إن هذا الأمر من الأمیر عبیط نرید أن نشرح أنّ الأمیر عبد اللّه أرسل إلی زید أخیه، فأرسل إلی الرابطة یطلب منها أن ترسل إلیه أسلحة. فردّت علیه الرابطة أنه فی الإمکان، و قد عملت التدابیر اللازمة لإرسالها، و المطلوب إرسال المبلغ المراد به الشراء.
ثم جاء الجواب من الأمیر إلی الرابطة یفید بإرسال فلان من القدس الشریف إلی مصر یحمل أوراقا مصریة حیث إن الرابطة أبدت عدم رغبتها بالإرسال من طریق البرید أو حوالة حتی لا تحصل شبهات.
و علمنا من إدارة الرابطة بإخراج أسلحة عن طریق عدد 6 بالإسماعیلیة باتفاق مع قومندان خفر السواحل و عن طریق القنطرة باتفاق مع مفتشها، و الأسلحة هی عبارة عن بنادق و رصاص و خناجر و لم یکن فیها لا سیوف و لا مدافع و لا قنابل، و إن هذه الأسلحة قدیمة و مستعملة شتریت بأمر الأمیر عبد اللّه مباشرة، ثم خرجت عن طریق سیناء بحیث لا تصل العریش، إذ فیه القوة المصریة فتضبطها و خرجوا عن طریق الآبار المرة حیث تصل إلی العقبة برا فی صحراء نقرا.
*** هذا ما اخترنا نقله من التقریر المذکور و إننا نعلم أن ما أردنا
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 558
الاستدلال علیه أوضح من أن یحتاج إلی تدلیل أما الجاسوس المذکور فقد نفّذ فیه حکم الإعدام یوم الجمعة 16 ربیع الثانی سنة 1351 فی مکة.
و فی الیوم نفسه نفّذ حکم الإعدام أمام سرای الحکومة فی الرجل المدعو سعید نوری و الرجل المدعو محمد علی حمادة لارتکابهما جریمة القتل بإعطائهما فهد بن محمد الفهد الحمدان مسحوقا مخدرا لغایة سیئة، و وفاته من هذا المخدر و نظرا لإقرارهما فقد حکم علیهما الشرع الشریف بالقتل فنفّد فیهما بعد صدور الإرادة الملکیة.

وفاة قائم مقام جدة- فی الطایف‌

فی مساء یوم الأربعاء 21 ربیع الثانی توفی إلی رحمة اللّه فی بلدة الطائف علم من أعلام الحجاز الشیخ عبد اللّه علی رضا قائمقام جدة علی أثر أمراض اعترته فی صیف هذا العام بعد وصوله إلی الطایف، و بقی مدة شهرین و هو یعانی ألم تلک الأمراض إلی أن وافاه الأجل المحتوم، و قد شیّعت جنازته بکل وقار و احترام و صلی علیه فی مسجد ابن عباس و قد حضر الصلاة الملک عبد العزیز و ابنه فیصل، و لقد کان الحزن علیه عاما فی الحجاز لما یتمتع به من شهرة طیبة فی أعمال الخیر.
و نشرت جریدة هند جدید التی تصدر فی کلکته بعددها الصادر فی 29 ربیع الأول سنة 1351 ه مقالا طویلا نقتطف منه ما یأتی.

إخماد ثورة ابن رفادة

لا ریب أن آمال الإسلام کلها منوطة بأرض الحجاز المقدسة نظرا لأن الأنوار الإسلامیة لا تسطع إلّا من أرجاء الحجاز و أنحائه و لذا یتوقف نهوض الإسلام و تقدمه علی تقدم الحجاز و نهوضه، و هذه الحقیقة هی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 559
التی أقلقت بال الأعداء و حار من أجلها أولئک القوم فشرعوا فی اتخاذ التدابیر المقویة لقلب نظام الحکم الحالی و إبادة هذه الحکومة، حتی لا یتمکن الحجاز بعد ذلک من النهوض و القیام و هذه الدسائس العدوانیة لا تزال مستمرة فی أعمالها، فقد وجدوا من ابن رفادة الذی باع نفسه لقاء دراهم معدودة أن یکون أکثر بید الأجانب ضد بلاده و وطنه و دینه.
و ابن رفادة هذا کان من رؤساء قبیلة بلی، و قد کان ترک الحجاز بعائلته منذ سنوات و دخل فی الأراضی التابعة لحکومة بریطانیا، و من المعلوم أن شرق الأردن أصبح مرکزا منذ سنوات للدعایات الکاذبة و الدسائس و المؤامرات التی تعمل ضد الملک ابن السعود، دفعوا ابن رفادة و هم یعتقدون أنه بمجرد دخوله حدود الحجاز تقوم معه قبیلة بلی التی هو کان أحد رؤسائها و تساعده فی حرکته، بل ذهبوا إلی أبعد من ذلک حیث أملوا أن قبائل حرب و شمر و الحویطات لا تتأخر عن النهوض و إعلان العصیان، و بذلک تنشب الفتة و الاضطراب، و قد اختاروا هذه الظروف لتسییر علم البغاة لاعتقادهم أن الأزمة المالیة حلّت بحکومة الحجاز، و کذلک الحجازیون متضجرون، فأیقنوا أن الأهالی یقومون من أجل النهب و السلب بسبب حالتها المالیة لا تستطیع مقاومة الثوار.
و لکن هؤلاء المفسدین نسوا أو تناسوا عن حقیقة واحدة و التی هی فی الدرجة الأولی من الأهمیة و الاعتبار و نحن قبل التصریح بها نرغب أن ینصت لها مسلموا الهند و یسمعوها بالتفات خاص، لئلا یغتروا بالدسائس التی تعمل فی بعض الأحیان فی الهند من جانب بعض الأشرار لإلحاق السوء و الضرر بحکومة الحجاز، و تلک الحقیقة هی لا توجد علی وجه الأرض حکومة مثل حکومة جلالة الملک ابن السعود تلک الحکومة التی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 560
لا تحکم علی أجسام رعایاها فحسب، بل تحکم علی قلوبهم أیضا، و لا یخفی أننا لا نعنی بهذا قبائل نجد فقط بل إنّ قبائل الحجاز أیضا قد اشترکت فی نهضة جلالته الدینیة و لذلک لا یوجد فرق بین عقائد النجدیین و الحجازیین.
إلی إن قالت فمن هذا الإیضاح یتبین أن إزالة حکم جلالة الملک ابن السعود من الحجاز أمر صعب جدا، و محال تقریبا لعلمنا بأن عموم القبائل أصبحت تدافع و تحامی عن کافة مشاریعه الدینیة و السیاسیة و الحربیة بقلوبها و أرواحها، و هذه العقیدة التی رسخت فی أذهانهم و تمکّنت من قلوبهم لا یمکن لأکبر قوة فی العالم أن تزیلها.
ألا فلیتنبّه المفسدون لهذه الحقیقة الناصعة و لیطلع الأعداء و الأشرار و دعاة السوء عن دسائسهم، فإنها بحول اللّه تعالی لن تضر حکومة الملک ابن السعود أبدا و إنما تکون سببا لإراقة دماء بعض البدو المغفلین، و نعتقد أن حادث ابن رفادة یستفتح عیونهم و یکون مثالا و عبرة لمن اعتبر به، و یسرّنا إعلان حکومة الحجاز بهلاک المفسدین ابن رفادة مع ولدیه و تغلّبها علی الفتنة.
*** هذا ما اخترنا نقله من أقوال الجرائد العربیة و الهندیة کأنموذج لرأی العالم الإسلامی فی هذه الحرکة و استنکاره لمن قام بها أو دفعها، و قد تری من شتی التعلیقات أنهم مجمعون علی أنّ هذه الشرذمة مدفوعة من ید أجنبیة بواسطة بعض الآلات المسخّرة من صنائعها الذین قیّضهم اللّه لهدم شرف أمّتهم و أوطانهم، و إذا اقتصرنا فی الکلام عن أعمال هذه الحشرات
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 561
السامة فما ذلک عن جهل منّا بأعمالهم و لکن خوفا من أن نفهم بالتحیز، فأوردنا هذه التعلیقات لتکون أبلغ فی الدلالة علی أنّ أمیر شرق الأردن لم یتکتم فی عمله هذا و لکن هل اعتبر بنتیجة عمله، کلا فإن فشله من هذه الناحیة ضاعف قوته علی العمل فی الناحیة الجنوبیة، فأرسل هیئته .

حادثة الاعتداء علی الملک عبد العزیز فی الحرم أثناء طواف الإفاضة

أصدرت الحکومة بلاغا رسمیا فی حادثة الاعتداء علی الملک مختصرا قبل التحقیق بعد الاعتداء مباشرة لأجل تطمین الناس علی سلامة الملک و ولی العهد، ثم أصدرت بعده بلاغا رسمیا مستوفی نجد نصه أدناه:

بلاغ رسمی‌

فی الساعة الواحدة عربیة صباحا یوم الجمعة الواقع فی العشر من ذی الحجة شرع حضرة صاحب الجلالة الملک المعظّم و حضرة صاحب السمو الملکی ولی العهد و رجال حاشیتهما و حرسهما الخاص و ثلّة من الشرطة بقیادة مفوض شرطة الحرم فی طواف الإفاضة، و کان الحرس و الشرطة تواکب جلالة الملک و سمو ولی العهد من الأمام و الیمین و الخلف، و کان البیت علی الیسار و لا یفصل بینه و بین جلالته و سموه أحد من الحاشیة و الحرس و بعد انتهاء الشوط الرابع التزم جلالة الملک الحجر الأسود، و تقدم فی سیره إلی أن حاذی باب الکعبة، و إذا برجل یخرج من
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 562
فجوة حجر إسماعیل الشامیة منتضبا خنجره و هو یصیح بصوت مرتفع، و بکلام غیر مفهوم تماما، فقابل لدی خروجه أفراد الشرطة الذین یسیرون فی مقدمة الموکب الملکی فمسک به أحدهم قاصدا ردّه، و لکن المجرم عاجله بطعنة من خنجره فوقع الشرطی الشجاع أحمد بن موسی العسیری علی الأرض و دمه یقطر، فأمسک بالمجرم شرطی آخر مجدوع ابن شبابة و لکنه أصیب بطعنة من خنجر المجرم فمال إلی جانب رفیقه، و فی هذه اللحظة شوهد رفیق للمجرم الأول یتقدم من خلف الموکب و الظاهر أنه خرج من الفجوة الأخری لحجر إسماعیل و جاء من جهة الرکن الیمانی إلی قربة الحجر الأسود، فاستعد رجال الحرس الملکی ببنادقهم إلّا أن جلالة الملک أصدر أمره المطاع فی تلک الساعة الرهیبة الحرجة بأن لا یستعمل الحرس البنادق و الرصاص إلّا حین الضرورة القصوی، فلما تبین أن المجرم الأول قد طعن شرطیین باسلین، و أن المجرم الثانی علی وشک أن یصل إلی سمو ولی العهد تقدم عبید اللّه البرقاوی أحد الحارسین الشخصیین لجلالة لملک من المجرم الأول، و أطلق علیه بندقیته قبل أن یتمکن من ارتکاب جنایات أخری فخرّ صریعا عند مدخل حجر إسماعیل، و أما المجرم الثانی فإنه تقدم مشهرا خنجره أیضا و کاد أن یطعن سمو ولی العهد طعنة نجلاء إلّا أن خیر اللّه الحارس الشخصی لسموّه عاجله برمیة من بندقیته، فأردته قتیلا فی الوقت الذی لامس خنجره أسفل الکتف الیسری لسمو الأمیر سعود، فلم تحدث الطعنة سوی خدش بسیط و للّه الحمد و المنّة.
و حینما رأی المجرم الثالث ما حل برفیقیه و کان قد خرج علی ما یظهر من حجر إسماعیل مع المجرم الثانی و اتجه من جهة الرکن الیمانی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 563
إلی جهة الحجر الأسود أطلق رجلیه للریح قاصدا النجاة بنفسه فصرعه رصاص بنادق الشرطة و الحرس الملکی فسقط علی الأرض و هو ینازع، و ظل علی قید الحیاة ما یقرب من ساعة تمکن المحققون فی أثنائها من معرفة اسمه و هو علی.
و لم یمکن أن یعرف ساعة الحادث شی‌ء یدل علی هویتهم إلّا أن ملابسهم و خناجرهم تدل علی أنهم من الزیود الیمانیین، و تتراوح أعمارهم بین الخامسة و الثلاثین و الخامسة و أربعین.
و فی هذا الأثناء أخطر مدیر الشرطة العام مهدی بک بالأمر فی (منی) فحضر علی رأس قوة کافیة من الشرطة، و شرع فی إجراء التحریات و التحقیقات لمعرفة شخصیة الجناة و التحقیق عن الأسباب الدافعة لهم علی ارتکاب هذه الجریمة الشنعاء، وسط بیت اللّه الحرام و بقرب الکعبة الشریفة، و فی ذلک الیوم المبارک.
و قد حصل هیاج شدید بین حجاج بیت اللّه الحرام و اشتدت نقمة الشعب و الجند حینما عرف أن الجناة من أهل الیمن و کاد أن یحصل ما لا تحمد عقباه لو لا أن تدارک جلالة الملک الأمر بحکمته و أصدر أمره الکریم المشدد إلی قواد جنده الموجودین فی مکة و إلی مدیر الشرطة العام بالاهتمام بصیانة أرواح الحجاج الیمانیین من الاعتداء، و اتخاذ کافة التدابیر التی تقضی علی کل من تحدثه نفسه بتخدیش حرمة الحرم و إقلاق حجاج بیته الحرام، و کان لهذه التدابیر العاجلة حسن الأثر فی منع وقوع أی حادث من حوادث الاعتداء فقضی الناس مناسکهم و أتموا حجتهم بکل راحة و طمأنینة و للّه الحمد و المنّة، و قد بثّ مدیر الشرطة العام عیونه
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 564
و إرصاه بین حجج الیمن الذین ثبت أن الجناة منهم، فتوصل قبل کل شی‌ء إلی معرفة أن ثلاثة من زیود الیمن کانوا یقیمون بخلاف سائر رفاقهم الزیود مع الشوافع من الحجاج الیمانیین عند امرأة فی جبل أبی قبیس، فلفت ذلک الأمر نظره فحقق معهم فوجد أنهم متغیبون عن منزلهم و لم یعودوا إلیه منذ یوم الوقفة، و أرسل علی الفور قوة إلی المکان و فتش الغرفة التی کانوا فیها فعثر علی ملابسهم و فیها جوازات باسم ثلاثة أشخاص و هم:
1- النقیب علی بن علی بن حزام الحاضری مستخدم فی الجیش الیمانی المتوکلی و نمرة جوازه (98) تاریخ (1) شوال سنة 1353 ه و هو صادر من مأمور الجوزات بصنعاء و صدّق علیه من عامل صنعاء.
2- صالح بن علی الحاضری شقیق الأول جوازه رقم (34) بتاریخ شوال سنة 1353 ه و حرفة المذکور مزارع و الجواز صادر من مأمور الجوازات و مصدّق علیه من عامل صنعاء.
3- سعد بن علی سعد من حجر برقم (63) تاریخ ذی القعدة سنة 1353 ه و الجواز صادر من أمیر الحج الیمانی السید محمد غمضان و صاحبه عسکری فی الجیش الیمانی المتوکلی.
و لذا عرضت جثث القتلی علی الامرأة التی کانوا فی دارها عرفت أحدهم صالحا و میّزت ملابس الاثنین الآخرین نظرا لتغیر منظر الوجه فی الاثنین المذکورین، و ذکرت أن أخت مطوف الشوافع أسکنهم عندها ولدی التحقیق مع هذه صادقت علی أقوال الأولی.
و قد أجری مدیر الشرطة العام التحقیق من جهة أخری مع شیخ
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 565
الیمانیین بجدة فاعترف بأنه أعطی ورقة التصریح للسفر من جده باسم مبخوت، و ذلک بواسطة أخیه علی بن مبخوت الفرّان بجدة، و قد استجلب هذا و حقق معه و عرضت علیه جثث القتلی و صورهم الفوتوغرافیة، فعرفهم واحدا واحدا و ذکر أن أحدهم مبخوت بن مبخوت الحاضری هو شقیقه، بینما الاثنان الآخران هما صالح بن علی و علی بن الحاضری و کلاهما شقیقان، و شهد هذا الفران بأنه اجتمع مع أخیه بجدة و بات أخوه عنده، ثم حضر معه إلی مکة و لم یحجوا و لم یجتمع بهم إلّا فی یوم العید فی الطواف، و بعد الطواف ذهب هو إلی مقام إبراهیم بینما الثلاثة ذهبوا و مکثوا فی داخل حجر إسماعیل و لم یعثر للآن علی سعد العسکری المستخدم فی الجیش المتوکلی کما أنه لم یعلم للآن السبب الذی حدی به إلی ترک جوازه مع المجرمین، و قد دفنت جثث المجرمین أمس بعد أن عرفت شخصیاتهم و ما یزال الفران فی السجن 14 ذی الحجة 1353 ه.
*** بعد انتهاء الحادث خرج الملک و ابنه الأمیر سعود ولی العهد إلی منی یوم الجمعة و توافدت علیه الوفود إلی القصر فی منی لتقدیم واجبات التهنئة بنجاته و نجاة ولی العهد من محاولة الاعتداء الأثیم، و رفع آیات الشکر علی ما لقیه الحجاج من العنایة، فشکر لهم الملک عواطفهم النبیلة التی تجلّت بمناسبة هذا الحادث، و قال: إن الحجاج هم ضیوف اللّه و إخواننا فمن واجبنا أن نعنی براحتهم لیتمکنوا من أداء مناسکهم، و قد منّ اللّه علینا بأن ساد الهدوء فی جمیع أنحاء المملکة، و قد لعب الشیطان فی رؤوس بعض الناس، فحاولوا تعکیر صفو الأمن و تعطیل شعائر اللّه فی بیت اللّه، و لکن اللّه عزّ و جلّ الحافظ لدینه قد رد کیدهم فی نحرهم فأبطل
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌7، ص: 566
دسائسهم و وقی المسلمین فتنتهم و سیلقی المجرمون جزاء ما صنعت أیدیهم إن شاء اللّه.
ثم قام الشیخ أبو السمح و ألقی کلمة تناسب المقام [...] الشتی، ثم المحامی إبراهیم بک نور الدین، و الشیخ عبد الفتاح عکاشة المحامی الشرعی ثم ألقی الشیخ محمد القفقازانی أبیاتا قوبلت بالاستحسان، ثم ألقی أحمد الغزاوی قصیدة، و تلاه عبد اللّه عمر بالخیر فألقی قصیدة نقتطف منها الأبیات التالیة:
ألا إلها من أعظم النعم الکبری‌سلامة رب التاج و الرایة الخضرا
ألا إنها النصر المبین تهللت‌به جبهة التاریخ بحفظها ذخرا
ألا إنها البشری لکل موحدو للشرق و الإسلام أنعم بها بشرا
فقل لبنی الإسلام فی کل موطن‌لقد کتب اللّه العدی و قفی؟؟؟ الأمرا
و أنقذ رب التاج من شرک العدی‌و سلّمه ممن أراد به غدرا
و أبقی لأهل الهناء حامی ذمارهم‌فقرّت عیون المخلصین به طرا
*** إلی أن قال:
فقل للأولی قد دبروها مکیدةجرعها من بات ینسجها صبر
أبی اللّه إلا أن یتمم نوره‌و یخذلکم موتوا بغیضکموا قهرا
و ینصر حامی البیت نصرا مؤزراو یثبت فی أم الکتاب له النصرا
و یخفظ فخر العرب حارس مجدهم‌و رافع ریاة السلام علی الغبرا
و یبقی سعود الخیر والی عهده‌و رمز المعالی فی سجیاته الزهرا
و فیصلنا الحبوب و الأسرة التی‌هی الفخر للإسلام یسمو بها کبرا

[الجلد الثامن]

تاریخ صالح بن عثمان القاضی تألیف العلامة الشیخ صالح بن عثمان بن حمد بن إبراهیم القاضی (1282- 1351 ه)

اشارة

خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 7

ترجمة المؤرخ الشیخ صالح بن عثمان بن حمد القاضی (1282 ه- 1351 ه)

الشیخ صالح بن عثمان بن حمد بن إبراهیم بن عبد الرحمن آل قاضی، و قد ذکر نسب جد القضاة الذی جاء من المجمعة إلی عنیزة الشیخ إبراهیم بن صالح بن عیسی فقال: هو إبراهیم بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن عبد اللّه بن إبراهیم بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن محمد بن منیف بن بسام بن منیف بن عساکر بن بسام بن عقبة بن ریس بن زاخر بن محمد بن علوی بن وهیب، الوهیبی ثم التمیمی نسبا، العنزی وطنّا.
أما المترجم فقد ولد فی عنیزة فی شهر ربیع الآخر عام 1282 ه و کان فی شبابه مولعا بالشعر الشعبی و التاریخ و الأنساب و علم الفلک، حتی أدرک فی ذلک منزلة عالیة، ثم اتجه إلی طلب العلم الشرعی فسافر إلی القاهرة عام 1307 ه لطلب العلم، و شرع فی القراءة إلّا أنه لم یلبث إلّا ستة أشهر لأنه بلغه مقتل أخویه حمد و محمد فی (معرکة الملیدی)، فعاد عن طریق مکة المکرمة فوجد فی مکة أن خبر مقتلهما غیر صحیح،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 8
فأقام فی مکة حتی عام 1313 ه تقریبا، و وجد فی مکة العلامة الحنبلی الشیخ أحمد بن عیسی، فلازمه کما سیأتی ذکره فی عداد مشایخه، و أقام فی عنیزة مدة قصیرة، ثم عاد بعدها إلی مکة المکرمة.
حتی إذا کان حوالی عام 1317 ه عاد إلی عنیزة، و جلس فیها، فشرع یدرس الطلبة فی مسجد الجدیدة، کما قرأ علی علماء بلده أیضا، و مکث فی عنیزة حتی عام 1319 ه ثم رجع إلی مکة المکرمة، و شرع فی القراءة علی علمائها حتی عام 1323 ه، ثم عاد إلی عنیزة فقدمها و جلس یدرس فیها، و القاضی فیها یومئذ الشیخ إبراهیم بن جاسر، و قد رغب أهل البلد فی تعیین المترجم لأن القاضی الذی قبله الشیخ إبراهیم قد مل البلد و القضاء فیها بعد رحیل أعیان البسام منها، کما أن أمراءها قد ملّوا من صراحته و عدم مبالاته بهم، فراودوا المترجم علی القضاء فلم یقبل أول الأمر، و ألحوا علیه و کان الإمام عبد العزیز آل سعود یومئذ فی عنیزة، فطلب منه أمراء البلد أن یؤکد علیه بالتزام القضاء، فطلبه و أکد علیه فالتزم.

مشایخه:

1- الشیخ علی المحمد قاضی عنیزة.
2- الشیخ عبد العزیز المحمد المانع قاضی عنیزة.
3- الشیخ صالح بن قرناس قاضی عنیزة.
4- الشیخ عبد اللّه بن عائض قاضی عنیزة.
5- الشیخ علی بن محمد السنانی.
6- الشیخ محمد بن عمر بن سلیم.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 9
7- الشیخ محمد بن عبد اللّه بن سلیم.
8- الشیخ أحمد بن إبراهیم بن عیسی قاضی المجمعة.
9- الشیخ إسحاق بن عبد الرحمن آل الشیخ.
10- الشیخ شعیب المغربی الدکالی المحدث الکبیر.
11- الشیخ العلامة أبو الطیب شمس الحق العظیم آبادی الهندی صاحب المؤلفات الکثیرة، التی منها «عون المعبود شرح سنن أبی داود».
12- الشیخ السید محمد عبد الرحمن مرزوقی.

تلامیذه:

أما تلامیذه فکثیرون جدا، و لکننا نذکر النابهین منهم:
1- العلامة الشیخ عبد الرحمن السعدی.
2- العلامة الشیخ محمد بن عبد العزیز المانع.
3- ابن المترجم الشیخ عثمان بن صالح آل قاضی.
4- الشیخ صالح بن عبد اللّه الزغیبی.
5- الشیخ محمد العبد اللّه المانع.
6- الشیخ سلیمان السحیمی.
7- الشیخ سلیمان بن عبد الرحمن العمری.
8- الشیخ عبد العزیز بن عبد اللّه بن سویل.
9- الشیخ محمد العبد الرحمن العبدلی.
10- عبد العزیز الصعب التویجری.
11- عبد اللّه المحمد العوهلی.
12- الشیخ عبد اللّه بن إبراهیم بن صالح القاضی.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 10
وفاته:
أصیب بمرض فی غرة شهر رمضان عام 1350 ه و صار یتجلد و یقوم بأعماله علی عادته، و المرض یزداد معه حتی ألزمه الفراش قبل وفاته بنحو شهر واحد، و قد توفی فی الخامس و العشرین من ربیع الآخر عام 1351 ه.
و قد خلف ابنه الشیخ عثمان و له ترجمة فی هذا الکتاب.
***
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 11

[التشریح]

اشارة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ* قال الشیخ صالح بن عثمان القاضی: الحمد للّه ربّ العالمین و الصلاة و السلام علی نبیّنا محمد و علی آله و صحبه أجمعین.
أما بعد:
ففی سنة 1140 ه أربعین و مائة و ألف: عمرت الخبرا فی القصیم عمرها الفالق.

و فی سنة 1165 ه خمس و ستین و مائة و ألف:

توفی الشیخ العلّامة محمد حیاة السندی المدنی، کان له الید الطولی فی معرفة الحدیث و أهله، و صنّف فیه مصنفا سمّاه: «تحفة الأنام فی العلم بحدیث النبی علیه أفضل الصلاة و السلام»، و له مصنّفات غیرها، منها شرح الأربعین النوویة، سمّاه: «تحفة المحبین فی شرح الأربعین»، أخذ العلم عن جماعة، منهم الشیخ عبد اللّه بن سالم البصری صاحب «الإمداد فی علو الإسناد»، و أخذ عنهم جملة، أجلّهم: الشیخ محمد بن عبد الوهاب، و الشیخ علاء الدین السوری، و غیرهم.
حکی أنّ الشیخ محمد بن عبد الوهاب وقف یوما عند الحجرة النبویة عند أناس یدعون و یستغیثون، فرآه محمد حیاة فأتی إلیه، فقال له
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 12
الشیخ محمد بن عبد الوهاب: ما تقول؟ قال: إنّ هؤلاء متبرّ ما هم فیه و باطل ما کانوا یعملون.
و حکی أنّ الشیخ محمد بن عبد الوهاب لما قضی حجّه سار إلی المدینة، فلما وصلها وجد فیها الشیخ العالم عبد اللّه بن إبراهیم بن سیف بن عبد اللّه الشمری من آل سیف، رؤساء بلد المجمعة، و هو والد مصنّف «العذب القابض فی علم الفرائض»، فأخذ الشیخ محمد عنه.
قال الشیخ: کنت عنده یوما، فقال لی: ترید أن أریک سلاحا لی مددته إلی المجمعة؟ قلت: نعم، قال: فأدخلنی منزلا عنده فیه کتب کثیرة، و قال: هذا الذی أعددت لها، ثم إنّه مضی به إلی الشیخ محمد حیاة السندی المدنی فأخبره الشیخ محمد و عرّفه به و بأهله، فأقام الشیخ عنده و أخذ عنه، ثم سافر إلی البصرة و هو یرید الشام، فضاعت نفقته، فرجع إلی وطنه ثم سافر إلی الأحسا، فنزل عند الشیخ عبد اللّه بن عبد اللطیف الشافعی الأحسائی، ثم رجع.
و انتقاله من بلد العیینة إلی الدرعیة سنة 1158 ه ثمان و خمسین و مائة و ألف، (و هی السنة التی توفّی فیها الشیخ محمد بن ربیعة العوسجی) و کان عبد اللّه الشمری هو الذی بنی بلد المجمعة و غرسها، و ذلک سنة عشرین و ثمانمائة 820 ه.

و فی سنة 1180 ه:

توفی القاضی فی ناحیة القصیم صالح بن محمد بن عبد اللّه الصایغ، و کان له معرفة فی الفقه من عدة مشایخ، منهم الشیخ الفقیه عبد اللّه بن أحمد بن عضیب، و عبد اللّه بن سیف والد صاحب العذب الفایض.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 13

و فی سنة 1057 ه:

سار زید بن محسن شریف مکة علی نجد، و نزل روضة سدیر و قتل رئیسها ماضی بن محمد بن ثاری بن محمد بن مانع بن عبد اللّه بن راجح بن نرزوع بن حمید بن حماد الجمیدی التمیمی، جاء جدّهم الأعلی من نرزوع من قفار ونو و مفید جد آل مفید التمیمی، و اشتری مزوع هذا الموضع فی وادی سدیر و استوطنه، و تداولته ذریته من بعده، و أولاده سعید و سلیمان و هلال و راجح، و صار کل ابن جد قبیلة.
و ماضی هذا جد ماضی بن جاسر بن ماضی بن محمد بن ثاری، و ولّی الشریف فی الروضة رشیدان بن غشام من أبو سعید، و أجلا منها آل أبو راجح.

و فی سنة 1137 ه:

قتل فیها عثمان بن ناصر بن حمد بن إبراهیم بن حسن بن مدلج الزائکی فی وقعة بینهم و بین أهل المجمعة فی حرب آل دهیش بن عبد اللّه الشمری، هم و بنو عمهم آل سیف ابن عبد اللّه الشمری رؤساء بلد المجمعة، و کان أهل حرمة قائمین مع آل دهیش، منهم قد استجاروا بهم، و ساروا معهم لقتال آل سیف، و کانت أم عثمان بن ناصر بنت حرب بن دهیش، فتزوّجها محمد بن دهیش بعد ناصر بن محمد، فولدت له یحیی أبو یزیل و عقیل منهم أخوان عثمان لأمه، فلذلک قام آل ... .
لما دخل حمد بن علی و أجلاه، و کان عثمان هذا قد ثارت علیه بنو جماز بن حمد بن عسیر الملقب الحربی فی ملاقاة بینهم و بین أهل المجمعة، فرمی، و صار ریقه یسیل، فلذلک لقّب بلعبون، و صارت ذرّیّته
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 14
تلقّب بآل لعبون، و هم الآن أسرة کبیرة تفرقوا فی بلدان نجد، و أکثرهم فی بلد حرمة إحدی بلدان سدیر،

و فی سنة 1135 ه ألف و مائة و خمس و ثلاثین:

مقتل آل القاضی فی أشیقر، بنو عمهم آل بن حسن، و انتقل باقیهم إلی المجمعة، و انتقل منهم إبراهیم بأهله و أولاده من بلد المجمعة إلی بلد عنیزة، و استوطنها و هو جدّ جمیع القضاة الذین فیها، و بعد إبراهیم بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن حمد بن أحمد بن محمد بن منیف بن بسام بن منیف بن عساکر بن بسام بن عقبة بن دیّس بن زاخر بن محمد بن علوی بن وهیب.

و فی السنة ذاتها:

حصل فی سدیر وباء، و مات فیه خلق کثیر، منهم: الشیخ عبد اللّه بن عیسی المویس الرهیبی التمیمی، قاضی بلد حرمة، و الشیخ محمد بن عباد الدوسری، و الشیخ حماد بن شبانة الوهیبی التمیمی المعروف فی بلد المجمعة، و الشیخ عبد اللّه بن سحیم الکاتب المعروف فی المجمعة، و آل سمسم من اکجلان من عنزة، و الشیخ إبراهیم بن أحمد المنقور التمیمی قاضی حوطة سدیر.

و فی سنة 1179 ه:

توفی محمد بن سعود و تولّی بعده ابنه عبد العزیز، و فیها تقریبا انتقل حمد بن إبراهیم بن عبد اللّه بن الشیخ أحمد بن محمد بن عبد اللّه بن بسام من بلد حرمة، إلی بلد عنیزة و سکنها هو و أولاده.

و فی سنة 1188 ه:

سار عریعر بن دجین آل حمید رئیس الحسا و القطیف بالجنود العظیم من الحاضرة و البادیة، و قصد بلد بریدة، و معه
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 15
راشد الدریبی و حاصرها، ثم استدعی بأمیرها عبد اللّه آل حسن لمراجعته، فخرج إلیه، فلما وصل إلیه قبضوا علیه و دخلت الجنود البلد فنهبوها، و دخل راشد الدریبی قصر الإمارة و استولی علی البلد، و أقام عریر فی بلد بریدة أیّاما و أجلا آل زامل من عنیزة، و جعل فیها عبد اللّه بن رشید أمیرا، ثم ارتحل من بریدة و معه عبد اللّه آل حسن أسیرا و نزلا الخابیة المعروفة قرب النقیة، و استعد للمسیر للدرعیة، فعجّل اللّه له المنیّة و مات علی الخابیة المذکورة بعد ارتحاله من بریدة بشهر، و تولّی بعده ابنه بطین فلم یستتم له حاله، فقتله أخوه سعدون هو و أخوه دجین، و تولّی دجین فلم یلبث إلا مر بیده، و مات، قیل: إنّ سعدون سقاه سمّا.
و تولی بعده سعدون، و انطلق عبد اللّه آل حسن من الأسر و سار إلی الدرعیة فأکرمه عبد العزیز بن محمد بن سعود.

و فی سنة 1195 ه فجر یوم الخمیس خامس عشر من شوال:

صطوا آل بو غنام و آل جناح فی العقیلیة المعروفة فی عنیزة، و استولوا علیها.

و فی سنة 1196 ه:

أجمع أهل القصیم غیر بریدة و التنومة علی نقض بیعة ابن سعود، و قتل المعلمة للدیرة الذین عندهم، و أرسلوا إلی سعدون بن عریعر الخالدی یستحثونه بالقدوم علیهم، فأقبل إلیهم بجنوده، فلما قرب من القصیم قتل أهل کل بلد من عندهم من المعلمة، فقتل أهل الخبرا إمامهم منصور أبا الخیل، و قتل أهل الجناح رجلا عندهم یقال له: البکری، و عنّقوه بعصبة رجله فی خشبة، و قتل أهل الشماسیة أمیرهم علی بن هوشان، و نزل سعدون بریدة فارتحل أهل عنیزة إلیه، فیها
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 16
عبد اللّه القاضی و ناصر السبلی فقتلهما سعدون صبرا، و حاصر بریدة خمسة أشهر و أمیرها یومئذ حجیلان بن حمد من آل بو علیان، فظهر له من ابن عمه سلیمان الحجلانی خیانة فقتله.
فلما عجز سعدون عن بریدة رجع قافلا المذحلة، و تفرق أهل القصیم إلی بلدانهم فخرج حجیلان بأهل بریدة إلی القصیم فقتل من وجد فیها، و هرب هذا، ثم طلب أهل بلدان القصیم الأمان من حجیلان فأمنهم و وفدوا.

و فی نفس السنة:

وقع بنجد و باء عظیم، و قرضو سمی أبو دمغة، مات فیه خلق کثیر.

و فی شوال من تلک السنة:

مات قاضی حرمة، الشیخ عبد اللّه بن عیسی المویس.

و فی سنة 948 ه تسعمائة و ثمان و أربعین:

توفی الشیخ شهاب الدین أحمد بن یحیی بن عطوة بن زید التمیمی، و دفن فی بلد الجبیلة، و کان فی أیام أجود بن زامل العقیلی ملک الحسا و بوادیه.
الصماطا أهل الزبیر منهم محمد الصمیط، و کذلک آل عیسی أهل ألفاط الذین منهم الشیخ عثمان بن علی بن عیسی قاضی سدیر، و کذلک آل ربیعة أهل جلاجل، و کذلک آل جدعان أهل جلاجل، کل هؤلاء القبائل الأربع من بنی ثور من سبیع سوید آل باتل راعی الزلفی من الدواسر.
و ذکر عن محمد بن عبد المحسن أبا بطین أن عثمان بن سند أصله من آل أبو زباع من عنزة.

و فی سنة 1250 ه:

شاخ ... الثانیة فی عنیزة.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 17

و فی سنة 1258 ه فی المحرم:

قتل محمد بن علی بن عرفج فی بریدة، و هو من أمراء بریدة، و من آل أبو علیان من بنی ... ابن زید مناة بن تمیم. و فیها قتل محسن القوم رئیس بوادی حرب. و فیها مات محمد بن جلعود کبیر الجلاعید. و فیها قتل سلیمان آل غنام شیخ عقیل فی بغداد، و هو من أهل ثادق من الموالی لیس من صمیم العرب، قتله أهل القصیم. و فیها قتل علی السلیمان شیخ أهل القصیم فی بغداد، قتله محمد نجیب باشا بغداد، و أخذ أمرا لابن غنام، و صار کبیر أهل القصیم فی بغداد محمد التویجری.

و فی سنة 1261 ه:

أغار عبید بن رشید علی بلد عنیزة فی خامس رمضان فنزعوا علیه، قتل منهم عبد اللّه السلیم أمیر عنیزة، و أخوه عبد الرحمن، و محمد الشعیبی، و إبراهیم بن عمر، و ثلاثة عشر رجلا غیرهم، و ربط منهم عشرة رجال، ثم أطلقهم بعد ذلک لما وصل إلی الجبل.

و فی رمضان من تلک السنة:

توفی عبد الرحمن البسام، و فیها قتل أبو عمر محمد بن فیصل بن وطبان الدویش قتله شمر.

و فی سنة 1263 ه:

توفی عبد اللّه بن علی بن رشید أمیر الجبل فی جمادی الأولی.

و فی رجب من سنة 1263 ه:

توفی حمد بن سلیمان البسام فی عنیزة.

و فی سنة 1270 ه:

توفی عالم الأحسا الشیخ أبو بکر بمکة فی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 18
صفر، و فیها أظهر أهل عنیزة علوی بن ترکی بن عبد اللّه بن محمد بن سعود، و نزل بریدة.

و فی سنة 1273 ه فی آخر ذی القعدة:

أخذ ابن مهیلب حاج عنیزة.

و فی سنة 1276 ه:

أخذ عبد اللّه بن فیصل العجمان، و قتل منهم أکثر من خمسمائة رجل فی أرض الکویت، و تسمّی هذه الوقعة یوم ملح.

و فی سنة 1277 ه:

أخذ عبد اللّه الفیصل العجمان و من معهم من الخکرة فی (1) رمضان، و قتل منهم کثیرا، و أخذ منهم أموالا عظیمة، و غرق منهم فی البحر خلق کثیر، و تسمّی هذه الوقعة: الطبعة؛ لأنهم غرقوا فی البحر، و ذلک بقرب بلد الکویت.

و فی شوال منها:

توفی الشیخ عبد الرحمن الثمیری قاضی سدیر رحمه اللّه تعالی.

و فی سنة 1278 ه فی صفر:

سالت بلد أشیقر خریفا، و تسمّی سنة الخریف، و توفی فیها إمام أشیقر محمد بن عبد اللطیف.

و فی سنة 1285 ه:

توفی الشیخ عثمان بن علی بن عیسی قاضی سدیر و هو من سبیع.

و فی سنة 1286 ه:

توفی الشیخ عبد الرحمن بن عدوان الرزینی فی بلد الریاض، و أصله من الفراعین أهل و ثنینیة.

و فی سنة 1287 ه:

فی رمضان وقعة جودة، و فی سابع جمادی الأول وقعة البزة.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 19

و فی سنة 1290 ه:

وقعة الجزعة، و فیها أیضا وقعة طلال بین سعود بن فیصل و الزوقة من عتبة.

و فی ذی الحجة من سنة 1291 ه:

مات سعود بن فیصل (اسم أبی طالب عبد مناف). و قتل سعود عدة رجال من أصحاب محمد.

و فی المحرم سنة 1290 ه:

سار سعود إلی حریملا، فخرج علیه أهلها فهزمهم، و قتل أمیرهم ناصر بن حمد آل عباد و ابنه فی نحو سبعة و عشرین رجلا، ثم صالحوه فسار إلی الریاض، فخرج إلیه أخوه عبد اللّه بأهل العارض فالتقوا فی الجزعة، فانهزم عبد اللّه و أصحابه، و قتل منهم عدة رجال، و سار عبد اللّه إلی بوادی قحطان و دخل سعود الریاض.

و فی ربیع الثانی من هذه السنة:

سار سعود بجنوده من البادیة و الحاضرة، و أغار علی مصلط بن زبیطن من الودقة من عتبة علی طلال، فصارت الهزیمة علی سعود و جنوده، و قتل منهم خلق کثیر، منهم سعود بن حیثان، و محمد بن أحمد الدردیری.

و فی رمضان سنة 1291 ه:

قدم عبد الرحمن بن فیصل و فهد بن حیثان بلد الحسا، فقام معهم أهل الأحسا و قتلوا العسکر الذی عند أبواب البلد و الذین فی قصر حرا، و حضروا من فی الکویت، فلما کان فی آخر ذی القعدة أقبل ناصر آل راشد بن ثامر السعدون رئیس المنتفق و معه جنود عظیم من المنتفق و الترک، و کان باشا بغداد قد عقد ناصر الحسا و القطیف، فلما قرب من الحسا خرج عبد الرحمن بن فیصل و أتباعه من العجمان، و أهل الحسا، فحصل بینهم طراد خیل، و صارت الهزیمة علی عبد الرحمن و أتباعه، و انهزم عبد الرحمن إلی الریاض و دخل الحسا
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 20
و نهبوه، و أباحوا البلاد ثلاثة أیام و نهبت أموال عظیمة، و قتل خلائق کثیرة، و حصل محن جسیمة فلا حول و لا قوة إلا باللّه، ثم أقام ناصر بجنوده شهرین فی الحسا، و استعمل ابنه فریدا بعراقیه و رجع ناصر إلی العراق.

و فی سنة 1296 ه:

قتل عبد اللّه بن عثمان الحصینی أمیر أشیقر هو و ابن أخیه عبد العزیز بن إبراهیم بن عیسی بن عثمان الحصینی، قتلهما عبد اللّه بن سعود بن فیصل سنة 1296 ه.

و فی سنة 1299 ه:

حزب المجمعة.

و فی سنة 1300 ه:

وقعة عزوی بین ابن رشید و عتیبة، و صارت الهزیمة علی عتیبة.

و فی سنة 1188 ه:

حرب عریعر علی القصیم، و أخذ بریدة فضاها و اطلع آل زامل من عنیزة، و شیخ فیها ولد رشید، و مات عریعر فی صفر علی الخابیة.

و فی سنة 1151 ه:

قتل إبراهیم بن سلیمان العنقری عیال بداح العنتری فی شر مداق.

و فی سنة 1153 ه:

قتل حمود الدریبی رفقاته آل بن علیان فی مسجد بریدة، قتل منهم ثمانیة.

و فی سنة 1155 ه:

قتل حسن بن مشعاب و جلوا آل جراح و قضبوا آل جناح، و الشختة عنیزة کلها.

و فی سنة 1156 ه:

سطا رشید فی الملیحة و ملکها حویز بمنداد
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 21
بضم الحاء المعجمة و فتح المیم و سکون النون ... فأرشداه المخضوب قاضی الخرج و المخضب راعی الغاط کلاهما من بنی هاجر من قحطان آل عرار أهل الجنوبیة سدیر، و آخذین بثادق کلهم من الفراعین من بنی تمیم آل نویران أهل بلد الشقیق من بلد الحسا زال بلیهد أهل القراین، و آل عمار أهل القراین، و آل عوشن أهل القراین، و العفر راعی ثرمدا، و النویری راعی بلد حرمة المنتقل منها إلی الزبیر، کل هؤلاء من بنی خالد.
توفی الشیخ عبد اللّه بن إبراهیم بن غنیم النجدی الحنبلی، ساکن بلد الزبیر، بعد الظهر یوم الأربعاء سادس عشر ذی القعدة سنة 1338 ه.
آل سوید آل ترکی و آل محارب کل هؤلاء من ثم إنّ رشید خرج من بریدة و توجه إلی جراب و أقام فیه أیاما، ثم أمر حسین بن محمد بن جراد و معه عدة رجال من أهل الجبل أن یکون فی أرض القصیم، و أمر علی ماجد بن حمود و معه نحو خمسمائة رجل أن یکون فی أطراف عنیزة، ثم توجّه هو و من معه من الجنود إلی السماوة، و کاتب الدولة و طلب منهم عسکرا لإعانته، فأعطوه نحو ألفین و سبعمائة نفرا، و معهم ثمانیة مدافع، و اجتمع معه خلائق کثیرة من بادیة شمر و غیرهم، و کان ابن جراد قد اجتمعت علیه بوادی حرب و بنی عبد اللّه فی القصیم، فتوجه بهم إلی السر، و کان ابن سعود قد بلغه ذلک، فلما نزل ابن جراد فیضة السر صبّحه ابن سعود فی ثامن و عشرین من ذی القعدة سنة 1321 ه، و قتله هو و أکثر من معه، و لم ینج منهم إلا القلیل، و انهزمت بوادی حرب، و قفل ابن سعود إلی الریاض و أمر أهل القصیم بالإقامة فی تسعمل، و کان ماجد آل حمود إذ ذاک نازل علی البربک، فلما بلغه مقتل ابن جراد و من معه
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 22
ارتحل من البربک، و نزل الملقا خارج عنیزة، و صارت الرسل تتردد بین ماجد و بین ابن رشید، و هو إذ ذاک فی السماوة یجمع زحلة للعسکر یستحثه، و قول أدرک بلدان القصیم قبل أن تؤخذ من أیدینا.

و فی سنة 1322 ه آخر لیلة الأربعاء خامس من المحرم:

وصل ابن سعود و معه أهل القصیم إلی عنیزة و نزضوا فی المجمعة، و کان الجند قد جاء أهل عنیزة بعد عصر الثلاثاء، منهم قد أقبلوا علیهم، فارتحل ماجد و من معه من الملقا و نزلوا فی باب الساقیة، و خرج أهل عنیزة سلاحهم خارج البلد، فقال ابن سعود لأهل القصیم: عندکم البلد و أنا أکفکم ماجد و من معه، فدخل أهل القصیم البلد و حصل بینهم و بین أهلها مناوشة قتال، و قتلوا فیها فهید السبهان و استولوا علیها و أغار بن سعود علی ماجد و من معه فانهزموا، و قتل منهم عبید بن حمود آل عبید و عدة رجال، ثم إن آل سلیم قتلوا أمیر عنیزة حمد بن عبد اللّه آل عباد و أخاه صالح بن عبد اللّه صبرا، و تآمر بعنیزة عبد العزیز آل عبد اللّه بن سلیم بأمر ابن سعود، و توجه آل بالخیل و من معهم إلی بریدة، فتحصن أمیرها عبد الرحمن بن ضبعان فی قصرها، و معه مائة و خمسون رجلا و امتنعوا، فرکب ابن سعود و من معه من الجنود إلیها و حاصروا أهل القصر إلی سلح، ربیع الأول تلک السنة حتی نفذ ما عندهم من الزاد، ثم طلبوا الأمان ابن سعود فأمنهم علی دمائهم، فخرجوا و توجهوا إلی الجبل، و اتفق خروجهم فی الیوم الذی وصل فیه ابن رشید و من معه من العساکر و العربان إلی قصبا.

و فی یوم الخمیس تاسع و عشرین من ربیع الآخر من تلک السنة:

التقی ابن سعود و ابن رشید فی البکیریة و اقتتلوا قتالا شدیدا، و قتل من الفریقین خلائق کثیرة منهم ماجد بن حمود آل عبید، و قتل دخنان
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 23
باشا، و عدد کثیر من العسکر، ثم ارتحل ابن رشید بعد ذلک إلی الشنانة، و نزلها و قطع نخلها، و نزل ابن سعود و أهل القصیم الرس، فلما کان فی الیوم الثامن عشر من رجب سار بعضهم إلی بعض و اقتتلوا عند قصر بن عقیل و انهزم ابن رشید.

و فی ثامن و عشرین من المحرم سنة 1323 ه:

توفی الشیخ عبد اللّه بن محمد بن دخیل فی المد ...

و فی لیلة سابع عشر من صفر سنة 1324 ه:

الوقعة المشهورة بین عبد العزیز بن سعود، و عبد العزیز بن رشید فی روضة مهنا، قتل فیها عبد العزیز بن رشید، و قتل معه عدة رجال، منهم عبد الرحمن بن ضبعان، و تولی إمارة الجبل متعب بعد أبیه.

و فی هذه السنة و هی سنة 1324 ه:

قبض عبد العزیز بن سعود علی صالح بن حسن المهنا ... بریدة و علی أخوته: مهنا، و عبد العزیز، و عبد الرحمن، و أرسلهم إلی الریاض، و جعل فی بریدة أمیرا محمد بن عبد اللّه بن مهنا.

و فی رمضان من هذه السنة:

ارتحلت العساکر من الشجیعات إلی المدینة و إلی البصرة، و فی ذی القعدة من هذه السنة قتل متعب بن عبد العزیز بن متعب و أخوه مشعل بن عبد العزیز، و طلال بن فایق بن طلال فی حایل، قتلوهم آل عبید بن رشید، و تولّی الإمارة سلیمان بن حمود آل عبید.

و فی ذی القعدة من تلک السنة:

توفی الشیخ محمد بن عبد اللّه بن سلیم.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 24

و فی تلک السنة:

توفی الشیخ عبد العزیز بن صالح بن مرشد، قاضی الجبل فی حایل.

و فی سنة 1325 ه:

حصل اختلاف بین أهل بریدة و عبد العزیز بن سعود، و أصحب أهل بریدة صلطان بن رشید.

و فی ربیع الأول من هذه السنة:

أخذ عبد العزیز بن سعود فیصل الدویش علی المجمعة، و قتل منهم عدة رجال، منهم ابن الجبعا و ابن زریبان و ابن شوفان و صوب فیصل و بزی.

و فی هذه السنة:

وقع فی أشیقر وباء عظیم قتل خلق کثیر، منهم حمد بن محمد بن إسماعیل الشاعر، المعروف بالسبیعی.

و فی رجب من هذه السنة:

نزل صلطان بن حمود آل عبد القصیم، و قام معه أهل بریدة و مطیر و استعدوا للقتال، فبلغ الخبر عبد العزیز بن سعود، فأصر علی أهل نجد بالمغزا و خرج من الریاض فی أول شعبان، و قدم شقرا و اجتمع عنده غزو الوشم و سدیر و المحمل و استعد عتیبة و عدا من شقرا ثامن شعبان، فلما وصل عنیزة ترک ما ثقل معه فیها و استعد فخرج معه منهم عدد کثیر، و قصد ابن رشید و هو علی الهدیة، فجاءه النذیر فارتحل و نزل بریدة، و کان فیصل الدویش و نایف بن بصیص علی الطرخیة فعدا علیهم ابن سعود، فأخذهم و نزل فی نخلهم، فلما کان اللیل خرج ابن رشید من بریدة و معه خلق کثیر من أهل الجبل، و بریدة و معهم مطیر فحجزوا ابن سعود علی الطرفیة، و حصل بین الفریقین قتال شدید، و صارت الهزیمة علی ابن رشید و من معه من الجنود، و قتل منهم خلق کثیر، و أخذ منهم جیش و سلاح کثیر، و ذلک لیلة أربعة عشر من شعبان
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 25
من ...، ثم ارتحل من الطرفیة ابن سعود و نزل الجنوب، و ذلک الوقت القیظ، فصرموا النخیل، و نهبوا البیوت، و تحصن أهل بریدة فیها، و قتل فی هذه الوقعة سعود بن محمد بن ... بن فیصل، و أقام ابن سعود هناک مدة أیام، ثم ارتحل و نزل عنیزة، ثم نزل البکیریة، ثم نزل مع عتیبة فی أراضی القصیم، فلما کان فی ذی القعدة عدا علی الفزم من حرب و أقام بالقرب من المدینة، ثم قفل إلی الریاض فی أول ذی الحجة، و أذن لمن معه من الغزوان.

و فی سنة 1336 ه:

توفی الشیخ إبراهیم بن عبد الملک، و الشیخ صالح بن قرناس.

و فی سنة 1337 ه:

عمّ الوباء بلدان نجد، و مات فیه خلق لا یحصیهم إلّا اللّه، و فیها وقعة تربة، و ثارت الهزیمة علی الشریف.
توفی الشیخ عیسی بن عبد اللّه بن عکاس، و فی تلک السنة قتل عبد اللّه بن طلال سعود بن عبد العزیز بن متعب، ثم قتلوا عبید سعود و عبد اللّه بن طلال.
توفی الشیخ إسحاق بن عبد الرحمن یوم الأحد فی 27 رجب سنة 1319 ه.

و فی سنة 1388 ه:

ساق ابن سعود بن فیصل من الدلم بعد ما أخرجه أهل العارض منه، و بایعه عمه عبد اللّه بن ترکی، و کان عبد اللّه بن فیصل حینئذ عند الترک فی الحسا بعد وقعة البزة، فاجتمع عند ابن سعود جنود کثیرة من العجمان و غیرهم، فحصل بینه و بین عسکر الترک وقعة فی الحویزة المعروفة فی الحسا، فانهزم سعود و أتباعه، فلما کان فی رجب
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 26
فی تلک السنة رأی عبد اللّه بن فیصل من العسکر ما أوحشه، فخاف أن یقضوا علیه، فهرب هو و ابنه ترکی و أخوه محمد من الحسا إلی الریاض.

و فی سنة 1389 ه:

اشتد القحط فی نجد حتی أکلت المیتات و جبن الحمیر، و مات کثیر من الناس جوعا.
و فی هذه السنة ساد سعود بن فیصل بجنود عظیمة لقتال أخیه عبد اللّه، فلما وصل بلد الدلم إذا فیها أخوه محمد و عمه عبد اللّه بن ترکی و عدة رجال، فحصرهم سعود فخان أهل الدلم بمحمد و فتحوا باب البلد لسعود، فهرب محمد علی ظهر فرسه للریاض، و أمسک سعود عمه عبد اللّه بن ترکی فحبسه حتی مات فی الحبس بعد أیام قلیلة.
توفی عبد اللّه بن فرج فی الکویت سنة 1318 ه. و کذلک محمد أو حمد سنة.
توفی محمد بن قاسم بن غنیم فی الزبیر سنة 1324 ه. محمد بن هویدی سنة 1326 ه.
توفی السید عبد الجلیل الطباطبانی صاحب الدیوان سنة 1270 ه، فی بندر الکویت فی حسن بن مهنا محبوسا فی حایل سنة 1320 ه، فمدة حبسه 12 سنة.
و فی تلک السنة وقع الوباء فی نجد.

و فی سنة 1321 ه:

توفی الشیخ عبد العزیز بن محمد فی الریاض، و فتح حسین بن جراد.

و فی لیلة الأربعاء خامس محمد سنة 1322 ه:

سطوا إلیهم فی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 27
عنیزة و قتلوا فهید ...، و فی ثلاثة عشر من محرم تلک السنة صار غرق بعنیزة، و انهدم نحو 200.

و فی یوم الخمیس تاسع عشر من ربیع الآخر:

وقعة البکیریة بین ابن سعود و ابن رشید، و انهزم ابن سعود سنة 1322 ه.

و فی ثامن عشر من رجب:

وقع تلک السنة وقعة قصر ابن عقیل، و انهزم ابن رشید.

و فی 28 من محرم سنة 1323 ه:

توفی إبراهیم الصالح القاضی فی عنیزة، و فیها تعدت تلک السنة (1323 ه) توفی الشیخ عبد العزیز بن محمد بن دخیل فی المذنب، توفی حمد بن محمد بن [...] حسین بن رزق فی بلدة قزدلان، و خلّف من المال قیمة ألف ألف و مائة ألف ریال، و کانت وفاته سنة 1224 ه، و کانت ولادته سنة 1171 ه، و هو من بنی جبر من عقیل بن عامر من بنی خالد.

و فی سنة 1329 ه یوم الجمعة رابع من جمادی الثانی:

توفی أحمد بن إبراهیم بن عیسی فی المجمعة، و فیها فی ذی الحجة توفی قاضی الریاض إبراهیم بن عبد اللطیف.
و فی تلک السنة عمر الصعران قریتان و سکنوه.

و فی سنة 1330 ه:

عمار الغطغط.

و فی سنة 1331 ه فی ثانی و عشرین من جمادی الأولی:

استولی عبد العزیز بن عبد الرحمن علی الحسا و القطیف.

و فی ثانی شهر رمضان عصر الثلاثاء من تلک السنة:

توفی قاضی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 28
الوشم علی بن عبد اللّه بن عیسی، و فیها ابتدأ عمارة الداهنة و ساجر و مبایض.

و فی صفر من سنة 1332 ه:

توفی الشیخ محمد بن إبراهیم بن محمود فی الریاض.

و فی 3 محرم سنة 1333 ه:

استیلاء الإنکلیز علی البصرة، و فی سابع ربیع الأول منها واقعة جراب بین ابن سعود و ابن رشید.

و فی تلک السنة أیضا:

الوقعة المشهورة بین عبد العزیز بن سعود و العجمان فی الحسا، و صارت الدائرة علی العجمان، و قتل فیها سعد ابن عبد الرحمن.

و فی المحرم من سنة 1334 ه:

مات مبارک صباح و تولی بعده ابنه جابر، و فی تلک السنة ابتدأ عمارة دخنة و سکناها، و فی سابع جمادی الأولی استولی الإنکلیز علی بغداد من سنة 1335 ه و نواحیها، و فی ذلک الشهر من تلک السنة مات جابر و أولی ...
***
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 29

بیان بوفیات کبار شقراء النبط علی وجه التقریب‌

- وفاة الخلاوی تقریبا سنة 1010 ه ألف و عشر سنة.
- وفاة ابن عبد الرحیم راعی أشیقر سنة 1015 ه تقریبا.
- وفاة حمیدان الشویعر سنة 1088 ه تقریبا.
- وفاة السمیّن من أهل ملهم سنة 1079 ه، و کذلک رمیزان قتل تلک السنة (سنة 1070 ه).
- وفاة جبر بن سیار راعی القصب سنة 1085 ه.
- وفاة الجدر الخالدی سنة 1185 ه.
- وفاة قرینیس من الهزازنة سنة 1186 ه.
- وفاة عبد العزیز بن کثیر سنة 1188 ه.
- وفاة أحمد أبو غتا سنة 1219 ه.
- وفاة محسن الهزانی سنة 1220 ه.
- وفاة رجم الدوسنة 1239 ه.
- و کذلک وفاة الشریف راجح سنة 1239 ه.
- وفاة مشعان بن هذال شیخ عنزة سنة 1240 ه.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 30
- وفاة مهنا أبو عنقا سنة 1245 ه.
- و کذلک وفاة العبیدی راعی الزلفی سنة 1245 ه.
- وفاة ابن لعبون سنة 1247 ه.
- مشاری السعدون قتل سنة 1249 ه.
- وفاة فهد الصبیحی فی بریدة سنة 1255 ه.
- محمد العلی بن عرفج قتل فی بریدة سنة 1258 ه.
- وفاة عبد اللّه بن ربیعة سنة 1260 ه.
- وفاة عبد العزیز بن جاسر بن ماضی سنة 1267 ه.
- وفاة الشریف صلطان بن شرف سنة 1274 ه.
- وفاة رشید العلی بن العلا فی الزلفی سنة 1275 ه.
- وفاة محمد آل عبد اللّه القاضی سنة 1285 ه.
- وفاة ترکی بن حمید سنة 1287 ه.
- وفاة عبد اللّه بن ترکی السدیری عبد اللّه بن جابر، من أهل عنیزة، سنة 1292 ه.
- وفاة محمد الصالح القاضی فی عنیزة سنة 1293 ه.
- قتل ... قرب أشیقر سنة 1294 ه.
- وفاة صالح آل حمود الحسنی سنة 1291 ه.
- وفاة بدیوی العتبی، ساکن مکة سنة 1296 ه.
- وفاة سلیم بن عبد الحی فی الحسا سنة 1317 ه.
[انتهی ما عثرنا علیه من تاریخ الشیخ صالح بن عثمان القاضی رحمه اللّه تعالی]
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 31

تاریخ القصیم السیاسی تألیف المؤرخ الشاعر الشیخ إبراهیم بن محمد بن عبد اللّه القاضی (1284- 1346 ه)

اشارة

() ()
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 35
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ*

التّعریف بالمؤرخ و بنشأته‌

إنه الشاعر المؤرخ إبراهیم أحد أبناء الشاعر محمد بن عبد اللّه القاضی، و أصغرهم سنّا، ولد فی بلدة عنیزة عام 1284 ه، و توفی بها عام 1346 ه.
مات أبوه و هو فی سنّ الرّضاعة، و فقد أمّه و هو ابن ست سنوات، نشأ و ترعرع فی کنف إخوانه و أخواته، یلقی منهم العنایة و الرعایة و التربیة الحسنة، و قد خلّف لهم والدهم «رحمه اللّه» ما یغنیهم عن النّاس و یوفّر لهم الحیاة الکریمة، و أصبح عمهم علی- بعد رحیل أخیه بمنزلة أبیهم- یقدّرونه و یشاورونه فی شؤونهم الهامّة، و من لطف اللّه أن بیته ملاصق لبیتهم و یتداخلان و کأنهما بیت واحد مما سهّل علیه زیارتهم متی شاء للاطمئنان علی صحتهم و تفقّد أحوالهم.
و لما أکمل إبراهیم السادسة من عمره بادر أخوه عبد العزیز بإدخاله إلی أقرب «الکتاتیب» من منزلهم لیتعلم فیها مبادی‌ء القراءة و الکتابة و القرآن الکریم.
و بعد ما تجاوز الثّامنة عرف القراءة و الکتابة و ختم القرآن العظیم،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 36
و ببلوغه سن الرشد لازم إخوانه، یحضر جلساتهم و یسمع ما یدور فیها من أحادیث مع الضیوف و المدعوّین و الزائرین من الأقارب و الأصدقاء و الشعراء و ذوی الحاجات و غیرهم.
و أکثر ما کان یشدّ انتباهه و یملک علیه لبّه و حواسّه ما یقال فیها من أشعار، و قد اکتشف الشاعر عبد العزیز بفطنته و ثاقب نظرته أنّ أخاه إبراهیم موهوب، ولدیه الملکة الشعریة، کما أدرک من خلال تجربته الشخصیة أن ما یمرّ به أخوه إبراهیم حالة مشابهة تماما للحالة التی مرّ بها هو و هو فی مثل سنّة قبیل بدایته قرض الشعر.
فاستغلّ ولع أخیه بالشعر و تعلّقه به، و اختار له مجموعة کبیرة من عیون الشعر و طالبه بنسخها ثم حفظها لإثرائه بالمعلومات و تنمیة مدارکه و صقل مواهبه.
و قد نفّذ إبراهیم ما طلب منه، و بعد فترة وجیزة بدأ ینظم الشعر و یعرضه علی أخیه عبد العزیز الذی بارک بدایاته و شجّعه علی الاستمرار، و کان له نعم الموجّه و المعین، یصحّح ما یجده من أخطاء فی اللفظ أو الوزن أو القافیة، و یجیز ما کان مستقیما و صالحا و یزوّده بآرائه و إرشاداته من واقع خبرته.
و استطاع إبراهیم بعد برهة من الزّمن أن یشقّ بنفسه و لا عجب فالمثل یقول: من شابه أباه فما ظلم.

بعض صفاته و أشعاره‌

یتحلّی الشاعر إبراهیم بحسن الخلق و الکرم و عزة النّفس، فهو لا یتکسّب بأشعاره، و یعدّ من أبرز شعراء جیله، و لقد قال أشعارا کثیرة فی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 37
الوصف و الغزل و الحکمة و الأمثال و التفکر و الوصایا و الشکوی و الفخر و الحماسة و المدیح و الرّثاء ... إلخ.
و من المعروف أن أشهر ما تمیّز به أشعاره الوطنیة و الأهازیج الحربیة التی یشدی بها فی «العرضات» و تؤدّی عادة قبل خوض المعارک لإظهار القوة و رفع المعنویّات، و بعدها و فی الأعیاد و المناسبات.
و لا شک أن الفترة التی عایشها الشاعر إبراهیم ردحا من الزمن و ما صاحبه من الفتن و الاضطرابات و الحروب و عدم الأمن و الاستقرار کان لها الأثر المباشر فیما تفتّقت به قریحته من تلک الأشعار، فالشاعر حقّا هو الذی یتفاعل مع مجتمعه الذی یعیش فیه یؤثّر فیهم و یتأثّر بهم و یصوّر أحاسیسهم و یجسّد مشاعرهم، فهو کالمرآة- بعکس ما یختلج فی ضمائرهم و یجیش فی صدورهم من آمال و آلام و أفراح و أتراح.
و للشعراء قیمة کبیرة و مکانة رفیعة فی الماضی لما لأشعارهم من دور مهمّ و مؤثّر جدّا فی السلم و الحرب، فهم کوسائل الإعلام فی وقتنا الحاضر، و یعتبر الشاعر إبراهیم من الصنف الذی ذکرته آنفا فلقد دافع بنفسه و بأشعاره عن بلاده و أهلها، و عبّر عن وجهة نظرهم و أعلن عن مواقفهم الثابتة الشجاعة تجاه الأحداث و المستجدات، و کان یتوخّی الصّدق و الموضوعیة فی أشعاره- بعیدا عن الأهواء- و بما یراه للصّالح العام.
و لقد عاصر الشاعر إبراهیم- قیام الدولة السعودیة الثالثة الحدیثة بقیادة الملک عبد العزیز، و قلّ أن تخلو أشعاره الحربیة من الإشادة بشجاعة الملک عبد العزیز و انتصاراته فی مسیرته المظفّرة الهادفة لجمع
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 38
الکلمة و توحید البلاد و العباد تحت رایة التّوحید. و قد نشرت أشعاره فی دیوان له خاص.

الشاعر المؤرخ‌

یعد الشاعر إبراهیم (رحمه اللّه) من المؤرخین القلائل الذین اهتموا بتسجیل الحوادث المهمة التی وقعت فی نجد و الحجاز و الأحساء خلال فترة حیاته- و هی ما بین أواخر القرن الثالث عشر و قبیل منتصف القرن الرابع عشر الهجری، و قد عاصر تلک الحوادث بنفسه و خطّها بقلمه، بعنایة و أمانة فی نقل المعلومات دون زیادة أو نقصان.

صداقته للأمیر عبد العزیز بن سلیم‌

تربطه بالأمیر عبد العزیز بن عبد اللّه السلیم صداقة قدیمة تمتدّ جذورها- منذ عمر الطفولة و أیام الصّبا زمان اللعب (بالکعابة و الطّابة و الدوّامة) إلخ. و هما متشابهان فی الظروف فکلاهما مرّا بمرحلة الیتم فقد فقد أبویهما فی سنة واحدة عام 1285 و متقاربان فی السن فعبد العزیز أکبر من إبراهیم بعام واحد و مجلس عنیزة مکان التقائهما و تجمعهما مع أقرانها من أبناء الحیّ لممارسة الألعاب المتنوعة.
و یقع مجلس عنیزة و کذلک المسجد الجامع الذی یصلّیان فیه الوسط من منزلیهما- و قد توطّدت العلاقات بینهما و توثقت الصّلا مع مرور الأیام فکانا یجتمعان یومیا فی مزرعة الأمیر المعروفة (بالرّبیعیة) بعد الظهر حتی أذان العصر حیث یذهبان معا إلی الجامع لأداء الصلاة لا یحول بین اجتماعهما إلّا عارض من مرض أو کان أحدهما خارج البلد و کانا یتحدثان فی کل شی‌ء فی الشؤون الخاصة و العامّة و الأخبار المحلیة و الخارجیة و فیما یعنّ لهما دون تحفظ فلا أسرار بینهما و یتبادلان الآراء و الأفکار.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 39
و فی عام 1345 ه حجّ الأمیر عبد العزیز ثم سافر بعد الحج إلی مصر لعلاج إحدی عینیه فأقام فی القاهرة حوالی شهر و نصف و فی عودته إلی وطنه مرّ بمکة المکرمة لأداء العمرة فالتقی برجل الأعمال المعروف عبد اللّه بن إبراهیم الجفالی و سأله عن الجماعة فقال عبد اللّه کلهم بخیر و بصحة و عافیة ما عدا إبراهیم بن محمد القاضی- یطلبک الحلّ- فحزن الأمیر و استرجع و ترحّم علی الفقید و اتجه من فوره إلی بیت اللّه العتیق فطاف به سبعة أشواط کان فی کل شوط یدعو للرّاحل بالرحمة و المغفرة و بعد فراغه من الطّواف صلّی رکعتین وراء مقام أبینا إبراهیم الخلیل علیه و علی نبیّنا محمد أفضل الصلاة و أزکی التسلیم و دعا له.
و لما عاد الأمیر إلی عنیزة جاء محمد أکبر أبناء الشاعر إبراهیم إلی منزل الأمیر لیسلّم علیه و عند رؤیة کل منهما للآخر تذکّرا المرحوم فتأثرا و أغر و رقت عیونهما بالدموع ثم تمالک الأمیر أعصابه و صار یواسی محمدا ثم قال له أنا مثلکم بالمصیبة فوالدکم لم یکن بالنسبة لی صدیقا فحسب بل هو أخ و کم من أخ لک لم تلده أمک و لو کنت موجودا فی البلد حین وفاته لوقفت معکم بعد دفنه أتلقی العزاء فیه و تمثّل بهذا البیت:
سلام علی الدنیا إذا لم یکن بهاصدیق صدوق صادق الوعد منصفا
و طلب الأمیر من محمد أن یدلّه علی قبر والده لیزوره کلما خرج إلی المقبرة و یدعو له.
اللهم اغفر لهم و ارحمهم جمیعا و اغفر لنا و ارحمنا یا مولانا إذا صرنا إلی ما صاروا إلیه و والدینا و المسلمین أجمعین و صلوات اللّه علی عبده و رسوله محمد و سلامه علیه.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 40
ما تقدم لخصناه من ترجمة للمؤرخ کتبه حفیده الأستاذ إبراهیم بن محمد بن إبراهیم القاضی.

جمعه لأشعاره‌

علی مدی حیاة الشاعر إبراهیم- منذ أن کان یافعا فی العقد الثانی من عمره و حتی وفاته فی بدایة السابع و هو یقول الشعر و لقد قال أشعارا کثیرة فی مجالات شتی و مواضیع مختلفة و أغراض متعددة ذکرت جزءا منها فی الفقرة الثانیة.
و قد حرص الشاعر إبراهیم فی أواخر أیّامه علی جمعها فی دیوان اعتنی بتنظیمه و ترتیب أشعاره حسب تسلسل الحوادث و المناسبات التی قیلت فیها و قد جلّده تجلیدا محکما و احتفظ به لنفسه یرجع إلیه بین فینة و أخری و لیبقی له بعد مماته- ذکری- و یحضرنی بیت شعر مناسب من قصیدة للشاعر المصری المعروف محمود سامی البارودی یقول فیه:
خلّد لنفسک بعد موتک ذکرهافالذّکر للإنسان عمر ثانی
تغمّده اللّه بواسع رحمته و أسکنه فسیح جنته و والدینا و جمیع المسلمین اللهم آمین و صلّی اللّه علی عبده و رسوله محمد النبی الأمی الهاشمی و آله و صحبه و سلّم .
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 41
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ*

و منه نستمد الإعانة و التوفیق‌

اشارة

هذا تاریخ إبراهیم بن محمد العبد اللّه القاضی مبتدئین فی عام الألف و مائتین و تسعین 1290 ه، و قد أعثر عن الذی قبله، لأنه منقول، و المنقول لیس بمعقول بموجب الغرض و الشهوات و قصرته علی الذی ممکن و الدنیا مضبوطه من قبل بالتاریخ.
أولا لما کثروا أولاد آدم أرخوا من هبوط آدم إلی الطوفان، ثم من الطوفان إلی نار إبراهیم علیه السّلام، ثم إلی مبعث یوسف علیه السّلام، ثم إلی مبعث موسی علیه السّلام، ثم إلی سلیمان علیه السّلام، ثم إلی عیسی علیه السّلام، ثم إلی هجرة سیدنا محمد علیه أفضل الصلاة و السّلام.
کان قبل هالتاریخ حکم نجد بید السعود، فلما توفی فیصل بن ترکی عام ألف و مائتین و اثنین و ثمانین [...] الکویت، و أکان علیهم وحدهم علی البحر و أخذهم و عورهم بالذبح، و هو کون الطبعة المشهورة لأن الذی هرب منهم طبع، و أکان أرکب شوقه معه علی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 42
الفرس و ظرب القوم و طلع برأسه، و هو قوله:
یا ربنا ما من مطیرشطین و الثالث بحر
نفوج بالسربة طریق‌لعیون براق النحر
ثم رکب للبحرین و طب علی ابن خلیفة یسترفد، و عطاه ابن خلیفة ثم أرکب جواب نصاه عبد اللّه بن فیصل:
قال المعیض بالضحا عدل القاف‌فی دار سمحین الوجیه الکرامی
یعنی الخلیفة، إلی قوله:
إلی جیت مجلسهم و لا دوله أشراف‌فخص أبو ترکی برد السلامی
ثم ظهر من البحرین و طب علی العجمان و نحر عبد اللّه الفیصل و حسن له الجواب و أجدر إلی عبد اللّه خایف من المنیة مع سعود وثب عبد اللّه علی العجمان إن الذی ما ینزل مع راکان فلا هو بالوجه أو یکون أکثر العجمان و أما سعود جذبوه خواله و رقصوله، و قام عبد اللّه و استفزا أهل نجد و أظهر أخاه محمد و دفعهم علی سعود، العجمان صار معهم ملا یعنی خیانة فی عبد اللّه. فلما قرب محمد بن فیصل معه أهل نجد و صار نهار الکون فیه و تلاقت الطائفتان و لحم الکون افترکوا فیدین راکان وجوههم قفا ثم انکسر محمد و من معه و حصل ذبحة علی أهل العارض ما جاهم قبلها و لا بعدها أعظم منها و هی الذین یوم راکان یقول:
بایام یا سقم الحریب‌ردو لعبد اللّه أقضاه
من کان له حق مصیب‌یوم انبعث یأخذ قضاه
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 43
ثم انحط أمرهم و حکمهم و بتل الشتات إلی أن توفی سعود ثم أولاد سعود محمد و سعد و عبد اللّه بینهم و بین عمهم عبد اللّه مثل ما کان بینه و بین أبیهم.
محمد بن رشید ذبح أولاد أخیه طلال و هم خمسة أکبرهم بندر و هو الأمیر ذبحهم عام 1290 ه (ألف و مائتین و تسعین)، و شاخ فی حائل و قرایاه و عشیرته شمر، و وافق مرضه فی انحطاط السعود و لا فی نجد أحد معارض قام یغزی و یکین و یفرس العربان و صار مهیوب الجلال و الجیش و الخدم و صارت واجد و السنین ربیع، حسن ابن مهنا ذبح أبیه مهنا عام 1292 ه، ذبحه آل أبو علیان، ثم قام حسن هو و حاشیته و ذبح الآبق آل أبو علیان، و باقیهم شرد و شاخ فی بریدة، ثم صار بینه و بین محمد بن رشید عهد و التزام أنهم یتفقون العدو عدو للجمیع و الصاحب کذلک، و إن بریدة و القصیم ما عدی عنیزة لحسن، و ما حصل من نجد بادیه و حاظره لابن رشید اتفقوا عام 1294 ه و استمر أمرهم یزید کل عام یغزون جمیع، و العدو یلحقونه لو کان بعید و ذللو العربان و قهروهم أما عبد اللّه بن فیصل بعد ما صار الخلاف بینه و بین عیال أخیه، اندمر ثم تعیفوا الرعایا و طب علی ابن رشید مثل أهل الوشم و أهل سدیر، و صاروا صدر ابن رشید، و استمر سنین علی هالأمر ثم صار کون أم العصافیر بین عبد اللّه بن فیصل و ابن رشید و حسن و انکسر عبد اللّه الفیصل عام 1300 ه و من بعدها بعام نزل محمد بن سعود مع عتیبة و اجتمعوا برقا و الروقة و غزاهم ابن رشید هو و حسن و أکانوا علیهم علی عروی و انکسروا عتیبه.

و فی عام 1302 ه:

سطو أولاد سعود علی عمهم بالعارض و حبسوا عبد اللّه و شاخو، ثم غزاهم ابن رشید و حسن، فلما وصل الریاض قال:
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 44
أنا جایی فزاع لهذا الشایب، و الریاض ما أبیها لو تهیأ دون سبب و اللّه أعلم بالحقیقة، ظهر علیه الشیخ عبد اللّه بن عبد اللطیف و قال: لا توازینا، قال: أنا ما أخلی عبد اللّه محبوس و لا أخلی هال الفساق فوقه، أظهروهم و خلوا البلد بید عبد اللّه، و أنا و اللّه مالی طمع فی شی‌ء، فإن ما حصل فأنتم أسباب أنفسکم، تراود أهل العارض و صار القرار بینهم و بین ابن رشید، أن الریاض بید عبد اللّه و عیال سعود لهم الدلم یخرجون فی عزیزتهم و الخرج لهم و لا علیهم معارض، ثم راحوا أولاد سعود و أوادمهم و من تبعهم إلی الخرج.
ابن رشید لمّا طلع عبد اللّه الفیصل و واجهه قال: ما أقدر أبقیک بالریاض هذولا ما یوثق فیهم أخاف یذبحونک قبل أصل حایل، لکن أنت معی و أنا ولدک تریح و أنا أکفیک کل أمر و العارض تخلیه بید أخیک محمد هو الأمیر، و نبقی عنده سالم السبهان یذلل عنه و یشیل أکثر ما نابه من مصاریف و غیرها. شال عبد اللّه و راح فیه لحایل، صار بالعارض أخیه محمد و ابن سبهان، و من بعدها فی ثانی شهر ظهر ابن سبهان من الریاض معه جماعة، فیوم أقبلوا علی الخرج غار منهم أربعة خیاله، و أخذوا غنمهم و فزعوا أهل الخرج، و إذا محمد بن سعود و أخیه سعد أول القوم خیاله، غارت علیه خیل ابن سبهان و ذبحوا محمد و أخیه سعد، و رکب لابن رشید یخبره، و إذا أخیهم عبد العزیز عند ابن رشید قادما علیه، قال له ابن رشید: إخوانک اللّه یعافینا مفسده غزو علی ابن سبهان و ذبحهم اللّه و أنت مالک مراح عندنا و منا، و استقام عبد العزیز عندهم إلی أن توفی.
أما ابن سبهان فاستولی علی إمارة الریاض و صار الأمر بیده،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 45
ابن رشید قال لعبد اللّه الفیصل: العیال الذی ینخاف منهم قتلوا، إن کان ودّک بالرجوع إلی الوطن قال عبد اللّه: نعم ودّی قام ابن رشید و جهزه بالذی ینوبه من کل شی‌ء، و عطاه و أرکبه للعارض، فلما وصل فی هاک النهار الذی وصل فیه و قام ابن سبهان و ضف الذی هو جایب معه من کل شی‌ء.

و فی عام الألف و الثلاثمائة و الخمس:

أرسل محمد بن رشید خط لزامل السلیم بأن حنا غازین قاصدین الجند و نبی منکم غزو لأجل یکون الدرب واحد لعقد المحبة و الصداقة بیننا، زامل شاف أن موافقة تسبب أمن عظم فی نجد، و لا له قبیل جهز غزو من عنیزة، و أرکب أولاد السلیم و مجموعة معهم انحرف ابن رشید ظهر هو و حسن معه أهل القصیم، و نزل النبقی بالمستوی و خیّم فیه قدر شهر رخص و انکف و دخل دیرته.
ثم وقع بینه و بین حسن الشک و صار یزید معهم و کل خاف من الثانی و کل حضر للثانی حقد ابن رشید غار من حسن، لأنه حط خیل و جیش و فداویه و آلة حرب لأن الحکم عقیم، و حسن خاف علی نفسه، ثم حسن کاتب زامل و حسّن له الأمر، و إذا زامل هم خایف من حسن، و عقد و علم أن الدرب واحد.
ابن رشید تحقق أمرهم و استبطن منهم، و صاروا فی خاطره. مضت السنة الخامسة و السادسة ما حدث فیهم ما یهمّ ذکره.
و فی آخر السبع زامل و حسن کاتبوا عبد الرحمن بن فیصل و حسنوا له الأمر، و قام علی ابن سبهان و حبسه و أخذ العارض.

و فی أول سنة 1308 ه:

ظهر محمد ابن رشید قاصدا
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 46
عبد الرحمن بن فیصل و أحب أن یضرب علی وسط القصیم لأجل یشرف علی غابنهم، و ما عندهم من التحزب اختبروا فیه، و نبوا علی القصیم و ظهر زامل علی حد بلاد بینهم.
اطلع ابن رشید و أرکب لهم طارش، و قال: وش أمرهم؟ ثم أرکبوا له رجاجیل إلی ابن رشید، و صار الکلام و البحث وقر القرار لقول ابن رشید علی أنی ناحر ابن فیصل، و عهد علی أنی ما اعترض القصیم و أنکم بوجهی، و أمان اللّه، و هم عاهدوه علی أن حنا ما نعین عدو علیک و الکل منهم ما هو فاخر مطمئن من التالی و هم رجعوا علی بلادهم، و هو نحر العارض، فلما وصل و إذا هم حاربین و قاسهم فی کل أمر، و إذا هم ضاحکین و دخل دیرته ما اترشی.
ثم حدث من طوارف ابن رشید خمال صار عندهم نقیصة، و أرکب حسن و زامل لابن رشید یستفسران فلما طبوا علیه، قال: ما عندی لکم أداء و الوجه أبیض عود الرجاجیل و معهم رد النقی، و إذا حسین ابن عساف عند ابن رشید، زعل علی صالح ابن رشید أمیر الرس، و یبی إمارة الرس و حسن ما استدعی ابن رشید، و أرکب ابن عاف، و أرکب معه سریة و نحرهم الرس، وسطوا فیه و هرب صالح العبد العزیز، فیوم طبوا الرجاجیل فی رد النقی و إذ الأمر واقع بالرس.
قام حسن و زامل و ظهروا فی ظهر قصر الرس فی عاشر جماد الأولی، فیوم وصلوا الرس، قالوا أهل الرس نظهر السریة ما حنا متفقین و إیاکم، ثم ظهر حسین و سریته ما و خذ منهم شی، و نحروا ابن رشید أما أهل القصیم فعادوا إلی الخبرا، ثم نزلوها، و روّحوا سبور یکشفو عن ابن
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 47
رشید هو فی دیرته أم ظاهر عاد السبور و قام ظهر ثم شدوا و أخذوا لوجهه، أما ابن رشید جذب بوادیه و نحرهم.
فیوم صار فی ثالث جمادی الثانی ابن رشید، نزل القرعا معه خیل و جیش و تواجهوا هم و إیاه، فی ثالث جمادی الثانی، تکاونوا کون جید ثم انکسر ابن رشید مع أن خیل و جیش ما صار مثله فی الجزیرة، هو نزل حد غضی من شمال، و هم نزلوا حده من جنوب و استقاموا تسعة أیام، و فی الیوم العاشر شد ابن رشید، و أسباب شدته استلحق کبار العربان الذین معه، و قال: وش ترون أنا ما ناب مصابرها الربع هم علی جال دیارهم، و إنا کل شی‌ء ننال، ینقل إلی فقال بعض من معه مکانک هنا لیس مکانا للخیل، و أنت قوتک خیل، و لکن شد و استقبل مکان صالح للقتال و عندک قرایا القصیم البکیریة و ما عداه قبله، و إن کان لحقوک فأظهرهم للخد الزراج، و شد و شدوا بساقته.
فلمّا وصل الملیدا نزل شمالیها و هم نزلوا جنوبها، ثم مشت الجموع علی الجموع و صار کون ما وقع فی نجد أعظم منه علی الطرفین، و فی إیرادات العزیز الحکیم انکسروا أهل القصیم و وطا ساقتهم بالخیل کثر الذبح و صار ذبحة جیدة نهایة الذی ذبح فوق ألف رجال من ابن رشید فوق أربعمایة، و من أهل القصیم فوق ثمانمایة زامل ذبح رحمه اللّه، و حسن صوب ذبح من أهل عنیزة و بریدة خصایص رجال و هم طیّبین و الکون فی ثلاثة عشر جماد الثانیة 1308 ه.
و هذا تاریخه سنة 1308 ه
ألا لا عدت بایوم علینانهار السبت شهر جمادی الثانی
دجا غش و الحال و البةسنة ألف و ثلاث مع ثمان
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 48
بعد وصول بقایا القوم بلدانهم ابن رشید فی منزله طب علیه عبد اللّه العبد الرحمن البسام، و خبره ثم شد ابن رشید یبی قرب بریدة، أما حسن المهنا یوم طب بریدة تراخا أهلها و قیل له اجمع عزیز لک خیل و جیش و غیرها، و انحر عبد الرحمن الفیصل، و ظن أن ابن رشید ما یسقطه، و رکب هو و عیاله [...] و طبوا عنیزة و جزم أن البسام یعترضون دونه.
أما ابن رشید لمّا بلغه ظهرت حسن من بریدة شد و نزل الرفیعة قرب جدار الدیرة، و أرکب ابن سبهان و طب علی حسن فی عنیزة و قضبه و أولاده و أبناء عمه و نحر فیهم ابن رشید، فلما طبوا علیه بالرفیعة روحهم إلی حایل و حبسهم و استقام باله قدر أربعین، أما المجرم من أهل القصیم عاتبه فأما بریدة تهیأ فیها علی المهنا، و أودمهم و طوارفهم عقابا و سبی و نکال، رتب بالقصیم کله أمراء بریدة حط فیها حسین بن جراد، و عنیزة حط عبد اللّه بن یحیی الصالح و ابن عایض عبد اللّه قاضی و القاضی بذاک الوقت صالح القرناس، ثم شد و دخل دیرته فی رجب سنة 1308 ه.
ثم جاء باقی عام الثمان و أول التاسعة، ثم إن ابن رشید استفزا أهل القصیم و غزوا معه و ظهر ناحر عبد الرحمن الفیصل. عبد الرحمن الفیصل مجتمع عنده شاشة من أهل الجنوب مع الذی معه و ناطح ابن رشید و التقوا فی حریملا فی جماد أول عام 1309 ه، و تکاونوا و انکسر عبد الرحمن الفیصل، ثم أعاف من نجد و انحدر و فی هذا الکون قضب فیه إبراهیم بن مهنا و ذبح صبرا، و هو فی منهزامه من الملیدی و نحر عبد الرحمن الفیصل عود ابن رشید مستالی علی الجنوب، و مرتب فیه کله، و دخل دیرته أما عام العاشر و الحادی عشر و الثانی عشر و الثالث عشر ما جدت فیهن ما
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 49
یوجب الذکر إلّا أمان و ربیع و فی آخر العام الثالث عشر هم مبارک الصباح فی قتل إخوانه، و قتلهم فی ذی الحجة آخر العام المذکور محمد و جراح و شاخ بالکویت.

و فی شهر جماد الثانی فی عام 1314 ه:

قام عبد اللّه الزامل السلیم و هو ضریر و معه وسواس، و کان له ولد فی جده توفی و وقع بخاطره أن أولاد عبد اللّه العبد الرحمن البسام قاتلینه، و أخذ فرد و ناطح عبد اللّه بالسوق و رماه فیها و أکذب الفرد و قاموا علیه و قضبوه و دقوه و حبسوه، و أرکبوا الیحیی و البسام البکیری لابن رشید، و أرسل ابن رشید حسین ابن جراد معه سریة و دخلوا عنیزة و قضبوا أولاد السلیم الموجودین مع عبد اللّه و أرسلوهم لحایل و حبسوهم، و قضت بیوتهم و أخذت أملاکهم و روحت حراماتهم، إلی الکویت.
مضت السنة الرابعة عشر فی السنة الخامسة عشر بعد الألف و الثلاثمایة فی رجب توفی محمد بن رشید و تخلف بعده ولد أخیه متعب و هو عبد العزیز بن متعب، و لا صار فی نجد معارض، غزا فی آخر السنة الخامسة عشر جنوب و استقام یغزی و یکین و یهیب العربان.

و فی السنة السابعة عشر:

وقع فی نجد قحط و جرب و دهر.

و فی أول عام الثامن عشر:

هرب المهنا من حبس ابن رشید و حسن توفی بالحبس و نحروا الکویت و الکویت فیه عبد الرحمن الفیصل و أبناء عمه و السلیم و بقیة المهنا.
ابن رشید أرسل لابن صباح و قال الجلویة الذی عندک أظهرهم عن الکویت، و رد له مبارک بأن هؤلاء مدورة عافیة و أنا کافل کل ما یجی منهم
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 50
من التبعات و قاضب روسهم و ابن رشید یدور التحجرف علی ابن صباح.

و فی أول السنة الثامنة عشر:

طب یوسف بن إبراهیم علی ابن رشید، و إذا یوسف ما ذخر أمر ما فعله یدور علی مبارک بعد ما ذبح إخوانه أولا خرج یوسف من الکویت فی خفیه، ثم قام یجهز و یراود الدولة علی الکویت و تسببه فی أسباب قویة لکن ما أراد اللّه سبحانه یظهر له أمر.
فیوم طب علی ابن رشید قال مبارک: هذا السبب القوی یثور ابن رشید علی، و جزم الرجال فی هالأمر، ثم أمر علی الجلویة کلهم الذی بالکویت ابن سعود و السلیم و المهنا قال: شیلوا أرواحکم عن الکویت.
قال له عبد الرحمن الفیصل: علی ویش نروح؟ قال: کان فیکم لیاقه أو قوة فقاتلوا ابن رشید: قال عبد الرحمن: إذا رحنا و غزینا و اکنا یصیر لنا نعود علی الکویت أو طوارفه؟ قال: لا، أما صیروا مع العجمان و إلّا ارتکو علی أطراف الحساء و الکویت لا تعودون علیه.
ظهروا و استفزوا أهل الجنوب و عدو و أکانوا علی قحطان علی روضة سدیر و أخذوهم و أخذوا حلال واجد، و فی معداهم مروحین سبورهم شمال حذر عن ابن رشید، و هو فی دیرته لاکن معهم منه رهب عظیم؛ ثم انصرفوا بعد الکون، و هم کأن ابن رشید فی أثرهم، مضا نهار.
و فی الیوم الثانی نزل عبد الرحمن و استلحق السلیم و المهنا، و قال:
ماذا ترون وین نروح؟ قالوا: الکویت ما یحصل؟ قال: لاکثر الکلام بینهم منهم من قال ننزل مع العجمان و منهم من قال فی أطراف الحساء لأجل العوایز و نخفی أنفسنا بالسبور و شدوا و هم فی روجه.
ابن صباح من خوفه و شدة تحذره یوم ظهروا أرکب لابن رشید
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 51
و قال: أنت نبیتنی سابق أفی أظهر الجلویّة، و عطیتک عذر و هالحین أنت الزم علی منهم، و تعرف أن رضاک أبدا و أتم.
و من القدر أولا أن یوسف بن إبراهیم قد أنجح الأمر و الثانی أعظم منها یوم ظهروا الجلویة قام واحد من مطیر و رکب ذلوله و طفح لابن رشید، و یوم طب علیه قال له: من أین؟ قال: من الکویت، قال: ویش علومک؟ قال: ابن صباح استلحق الجلویة الذی عنده، و دفع علیهم رکاب و سلاح و زهبهم و حملهم و هدهم.
قال ابن رشید: العلم وکید؟ قال: إن تغیر فاذبحنی. قال یوسف:
أنا أقول لک ابن صباح مکار.
یوم صار آخر النهار طب رجال ابن صباح النظم ابن رشید و شتمه واجد، و قال: ارجع فی مکتوبک ترا الوجه أبیض و الوعد صفاة الکویت عود رجال ابن صباح علیه فی رد النقا و تحسف علی ترویحه الربع و ارکب فی ساقتهم طارش و قال بالمکان الذی أنت تدرکهم فیه قل لهم یعودون بالعجل.
فیوم شدو نهار ثانی من الکون متحیرین و صار الضحی، و إذا رجال ابن صباح یلحقهم یوم أخبرهم کأنهم توهم مولودین یوم لحمت بین ابن صباح ردوا و نزلوا الجهرا، و قام ابن صباح یعلن و یدفع علی الجهرا و یظهر زهبات و أذخره و لایم البادیة و نزلتهم الجهرا سلخ شهر ربیع أول سنة 1318 ه.
ثم صار بین ابن صباح و سعدون صحبه و عقدوها.
أما ابن رشید فقد ظهر من حایل فی أول شهر ربیع ثانی و جات إلیه
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 52
سبورة و قالوا ابن صباح بالجهرا یجمع غزوان، فلما وصل الحسة قرب الحفر نزل و حفض روحه بالسبور لأجل ما یدرا عنه یترقب الفرصة فیهم یبهم یزولون عن الجهرا، و استلحق شمر کلهم و نزلوا قریب منه ثم استفز أهل نجد و غزوا معه و خلاهم مع ابن سبهان لم البطانیات.
ثم إن ابن صباح استلحق البادیة و حضروا عنده و هم بالمعدا لأنه ما یدری عن ابن رشید إلّا أنه فی دیرته بروح سبور و لا یاصلون الحروة، لأن ابن رشید مهیب بعد ما اجتمعوا الجرود عند ابن صباح للمعدا استخار و رخص للغزوان. و بعد ما انکفوا صار معه عزم علی المعدا و أرکب رکاب تلحق المناکیف، قال الذی تلحقون ردوه و الذی فات ما حنا بحاله لحقوهم و عودوا، و عدو وروس القوم أخیه حمود الصباح و عبد الرحمن الفیصل و فی رخصته للغزوان بالنکوفه.
قام مطیری و سرق ذلول طیبة جدّا و فاز علیها و طب علی ابن رشید و قال: وش علمک؟ قال ابن صباح: هم بالمعدی فیوم تکاملو عنده الجرود استخار و رخص لهم قال: عطّنی العلم. قال: هذا هو و إن کذبت فاذبحنی، قال ابن رشید: إن وکد علمک، فالذلول لک و إلّا فأنت مذبوح. ثم صنف روحه و عدی فی سعدون فی رجب و أکان علیه و أخذه، و من تدبیر اللّه سبحانه و تعالی یوم ودوا غزوان ابن صباح علیه عدی، فیوم أقبل علی أهل الحفر و إذا هم یطالعون النیران الذی سبب ابن رشید لأجل تجذب الذی یبی یلحقه و ظنوا أنها نیران العرب و درو علی العرب، و إذا الحلال واجد أولی ما عنده رجال کلهم غازین مع ابن رشید، فیوم غطوا بالکسب سئلوا الحریم عن النیران الذی هم شافوا البارحة قالن هذه نیران ابن رشید عدی أول اللیل، ثم استخفف
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 53
بعضهم جدع کسبه و بعضهم شاله و انهزموا سریع الأول ما یناظر التالی خوفا یعود علیهم ابن رشید.
ابن رشید لحقه من العرب خیال یخبره و انسطحت الفرس و لا لحقه العلم إلّا بعد یومین و عرف أنهم انهزموا.
هم تغانموا الجهرا و وصلوها، و إذا المستغزی یجی من سعدون.
ابن رشید یوم أکان علیه قابله.
قام ابن صباح و نفض الکویت و کثر الجرود و نحر سعدون، فلما تحقق الأمر ابن رشید عرف أن المادة لحمت و هو فی وسط العراق انسحب مسند و نزل رجم الهیازع، و أرسل لنجد علیها فی لحیق و ظهروا من القصیم و نجد و نحروا ابن رشید هم و الغزو الذی بقوا مع ابن سبهان.
ابن صباح یوم شاف ابن رشید سند طمع و طمعوا القوالة ضف الغزوان البادیة و الحاضرة و سند و معه سعدون و ساروهو یتلفا ابن رشید، ثم وصل خبرا الفقم ما رأی ابن رشید و صار معه رهی [...] و قاموا علیه رعایا، و قالوا ابن رشید لو هو؟؟؟ یبی یجی جاء لاکن حنا بلشنا فی حرب حلالنا معنا و نبی، نبقیه علی الخبرا والدیره، التی قدامنا و حنا نبی نسیر معک خف و حافر دخل فکره و وافقهم و أبقوا حلالهم و قعد عنده نصف العرب ما هم مضیعین حلالهم.
مشا ابن صباح من الخبرا، فلما وصل الأسیاح أرسل السرایا السلیم و المهنا وصلوا یوم 13 من ذی القعدة، دخلوا عنیزة بلا معارض، أمیرها هاک الوقت صالح بن یحیی الصالح، هرب عنهم و أهل البلد ما بدر منهم من أحد شی، و هم منهم من حب ذا الأمیر و منهم من لا و لکن ما بیده
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 54
حیلة، و المهنا کذلک الدیرة قامت معهم، و سعد الحازمی هو الأمیر دخل القصر طلب المنع و عطوه و قبضوا القصر أما عبد العزیز بن سعود وصل العارض یوم 15 من ذی القعدة و دخل الدیرة و قاموا معه أهل العارض و ابن ضبعان هو الأمیر دخل القصر و طلبوا منه یوافق وعیا و حرب فی قصره.
ثم شد ابن صباح و نزل قرب من بریدة، و طبوا علیه أهل القصیم یعنی أمراهم، و کبارهم و الموالین من عتیبة، ثم استلحق کبار أهل عنیزة و طبوا علیه، و بعد اختصروا قال ابن صباح: إنا رجال من حسبة أهل البحر، و لا لی فی نجد مرام، و لکن ابن رشید حاکم جایر و ظالم و أنا أبی کل یرکد فی دیرته و الذی یحتاجن فأنا فزعته و ذولا و خذت أملاکهم، و طردوا عن بلاد أبیهم، و أنا دامی أقدر أرد الظالم ما أذخر، لکن أنتم وش تقولون یعنی أهل عنیزة قدر خمسة عشر رجال من کبار عنیزة، منهم عبد اللّه العبد الرحمن البسام، و هی بحظور عبد العزیز بن سلیم و صالح الزامل.
ثم قال: أخبرونی فیما ترون و تحبون، قالوا: نحب ذا الأمر، قال:
عاهدونی عاهدوا و السلیم، ثم عاهدوا ابن صباح و عاهدوا السلیم علی الخفیّة و البینة و إن الصدیق صدیق للجمیع و العدو کذلک. ثم رکبوا راجعین إلی عنیزة.
ابن صباح استغزا القصیم و غزو معه إلّا أهل عنیزة صار الکون و هم ما وصلوا ابن صباح و غزوان القصیم و الموالین من عتیبة طبوا علیه ثم وصله سعدون، ثم أقبل ابن رشید لما بلغه وصول ابن صباح القصیم،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 55
فیوم اختبر ابن صباح فی إقبالته شد و نزل النبقیة. و ابن رشید نزل الطرفیة فلما تقابلوا مشا بعضهم علی بعض.
و صار الکون فی یوم ستة و عشرین من ذی القعدة عام الألف و ثلاثمایة و ثمانیة عشر سنة 1318 ه: وقع الکون الذی یهیل من أعظم ما وقع فی نجد و هو وجوب الظهر، ثم حمی الکون و کثر الذبح من الجمیع و آخرها انکسر ابن صباح و جنوده، ثم وطا ابن رشید الجریرة، و ما لحقو ذبحوه صبر الذی بالبلدان و الذی بالخلا قوم ابن صباح راحوا طقیق ما أحد مع الثانی منهم هرب، و منهم من طاح بالبلدان.
و فی هاک النهار صار الفوات من الرجال قدر ألف و مایتین رجال منهم قدر ثمانمایة رجال من قوم ابن صباح و قدر أربعمایة من قوم ابن رشید، فیهم أعیان واجد عددهم یطول منهم حمود ابن صباح أخ مبارک.
و من قوم ابن رشید أولاد حمود العبید.
ابن رشید استالا علی الحلل جمیعها و أرکب سرایا فی أثر القوم تلحق و تذبح.
عبد الرحمن الفیصل لما وقع الأمر طفح لابنه عبد العزیز یخبره فلما وصله العلم ابنه بالعارض، و قال: هؤلاء فریق و صدیق لابن رشید نبی ناخذهم، و ابن ضبعان نحط علیه حرس لما نرجع، فرحوا القوم بالغنیمة و ظهروا معه و بعد ما ظهروا أخبرهم، و قال: هذا الذی أجری اللّه سبحانه و أنتم الذی یبی أهله یرجع و الذی یبّی یعانقنی و منهم من رجع و منهم من عانقه ثم انحدر للکویت.
أما السلیم یوم رکب غزو عنیزة هاک النهار و إذا الکون صایر و منکسر
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 56
ابن صباح و ناطحتهم الکسرة بالطریق و رجعوا و طب قدامهم ماطر بن عربید علی عبد العزیز بن سلیم، قال له: وش علمک؟ قال: قدام الحظور جمل الزهاب انکسر و نبی بداله، ثم قام فیه و اختصر فیه و أخبره، ثم قام ابن سلیم و نحر عبد اللّه العبد الرحمن البسام، و قال له: هذا الأمر وش عندک؟ و وش تری؟ قال: امرح فی خیر و العدو معثور، جاء ابن سلیم بعض الجماعة قالوا له: لا تبرد شب نار بالمجلس و عرضوا یغزو أهل الدیرة، و خلو المنهزم یزبنکم تفکونه، ثم قام و نحر عبد اللّه، و قال له:
نبی نفعل کذا، قال عبد اللّه: امرح فی خیر کان العلم، و کید فلا فینا طمع، و لا حنا ضعیفین لأحد، کان عفّ عنا ابن رشید فحب و کرامه، إلّا بیننا العقدة، و لا علینا مخافة.
رجع ابن سلیم و امرح، أما عبد اللّه یوم صار الصبح أرسل للجماعة وجوه السلیم و جاهم واحد، حاظر الکون و منهزم دخل علیهم و خبرهم، ثم قام عبد اللّه و کلم الجماعة من دون السلیم و اختصر فیهم، و قال: وش ترون؟ قالوا له: ویش تری أنت؟ قال عبد اللّه: تعلمون ابن صباح جابها من جنوب و شرق بادیه و حاظره و کسرهم ابن رشید، و لا مجتمع قوم کثرها القوم، و حنا وش حنا کفوه، حنا خایفین علی حرامتنا و أقرابنا، و السلیم یرجعون علی رکابهم سالمین و الدیرة ما فیها لیاقة للحرب، الیوم خالیة من الطعام و السلاح، قالوا: الجماعة صار ما من حرب عاد حنا هو علینا مخافة من ابن رشید ما دامنا بالسعة، قال: أنا أعاهدکم علی أنّ دربکم دربی، أنا و عیالی و أنا واثق من ابن رشید و لا تحاذرون من شی‌ء سبب أنی متجرد منه، و هذا مکتوب عن ابن رشید و هذا ردّی علیه، فلما أظهر المکاتیب و إذا خط ابن رشید لعبد اللّه العبد الرحمن و سبعة أو ثمانیة
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 57
رجال من جماعة أهل عنیزة، و إذا هو یقول: ابن صباح و صلکم و دخلوا السلیم علیکم، و أنا بالشمال فلما تحققت الأمر هذای جیت فی أثرهم، فأنتم أخرجوهم عنکم و أنتم فی وجهی و أمان اللّه، علی کل ما تقولون علیه، و إلّا لا تأمنون العتاب، و أنا یا عبد اللّه کتبت له هالمکتوب بأن مکتوبک وصل، و عموم الدیرة و جهالها طایش مع السلیم، و لا قویت أبین مکتوبک للجماعة محاذرة و مخافة، و حنا علی العلم الذی بیننا و بینک و إن قربت بان العلم، ثم رقا ابن سلیم علیهم، و قال: وش اللّه دبرکم علیه؟
قال له عبد اللّه العبد الرحمن: الجماعة کاربهم الأمر و متکاودین الأمر و لا فیهم لیاقة للحرب، و أنتم ما علیکم مخافة ارکبوا رکابکم و فی أمان اللّه، عرفوا العلم و رکبوا فی یومها.
أما المهنا بعد ما صارت الکرة هربوا منهم من جنب بریدة، و منهم من دخل و خرج بسرعة و الکل من الجمیع نحر الکویت.
أما ابن رشید و شدّ و نزل بریدة، ثم صار علی أهل القصیم معاتب کل یقص فیما قال، أما بریدة فصار فیها أمور عظیمة من الخسر و العتاب، ثم حط خسر فلوس علی أهل عنیزة و سلاح، و الدراهم کثیرة، ثم کل یعاتب بالذی هو فاعل أو قایل شی‌ء صدق و شی‌ء تزویر، و رکب سالم السبهان إلی العارض و فعل فیها مواد هایلة، و استقام فی بریدة قدر شهر ثم شدّ و انحدر، و یوم وصل البطانیات ندت علیه سبورة، قالوا: ابن صباح دخل دیریته و العربان ترفعوا عود دخل حایل.
فی إقبالة ابن رشید من شمال قبل الکون تمالأ هو و یوسف بن إبراهیم علی هالأمر، ابن رشید أقبل و یوسف انحدر و طب البصرة و جاوب
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 58
الدولة العثمانیة بأن أهل الکویت هذا هم معی أولاد محمد بن صباح و أولاد جراح و سکان الکویت راغبین هالأمر، و أبی أخذ منکم الکویت بالضمان، و مبارک ظهر إلی نجد، و الظاهر أنه ما یرجع الدولة رغبة فی هالعام، و عطوه جواب ثم جهزوا عسکر العراق و حارب قسمین قسم بحر، و قسم بر من طریق الزبیر، فلما ساروا و إذا مبارک یطب بعد الکسرة ثم بسرعة خابر الدولة الإنکلیزیة و دخل علیها، الإنکلیز حالا عجلوا مرکب و قدم الکویت قبل کل شی‌ء و قرع العثمانی ثم عودوا ما صار شی‌ء.
فی طبته مبارک الکویت قاموا أهل الکویت قومة تامة بالحیل مبارک أحرب و أظهر مخیم للجهرا، و أظهر فیه قوم و أرخی الأمر بالسلاح و الزهبات و الجیش، و نزلوا السلیم و المهنا الجهرا مع الذی أظهر مبارک.
ثم دخلت سنة 1319 ه فی ربیع ثانی: ظهر عبد العزیز عبد الرحمن الفیصل من الکویت معه مقدار عشرین ذلول، و نحر الجنوب و طب علی العجمان و ساعدوه، و عدی و أکان علی قحطان و أخذهم، و انفهق علی أطراف الحساء، ثم عدی بعدها مرتین و یکین و یأخذ، فلما صار فی سات من شوال سنة 1319 ه سطا بالعارض و دخله فی لیل و استکن فی بیت من بیوت أهل العارض، و قابل القصر، فلما صار الصبح و فتح القصر رکض هو و خویاه و دخلوا القصر و ذبحوا عجلان و خویاه، و قضبوا القصر و الدیرة، و إذا أهل الریاض جزعین من أفعال ابن رشید، قاموا مع عبد العزیز قومة شهوة و ضبطا الدیرة و بنا العقدة بسرعة.
أما ابن رشید و ظهر من حایل فی ربیع ثانی سنة 1319 ه و انحدر یرید ابن صباح و إذا مخیمه بالجهرا، منزله ابن رشید و سالم بن طوالة
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 59
رکب إلی ابن صباح و طب علیه و قضبه ابن صباح و عدی بأهله و أکان علیهم لم الخمیسیة، و أخذهم فی جماد أول و عود علی الجهرا، ثم عدی بالظفیر و أکان علیهم و تهیأ ثم أخذهم فی رجب ثم عود و دخل الکویت.
أما ابن رشید طال منزله بالباطن ما تهیأ له فرصة، ثم ورد علیه علم ابن سعود أنه أخذ الریاض و استلحق بشمر، و قال: هذا أمر ابن سعود و هذا الذی هو سوی وش ترون؟ و إذا شمر ما لیّن طول المناخ و یخافون یسحبهم ابن رشید إلی الجنوب؟ قالوا: هذا ضب وزا فی حجره و لاحقین علیه، لم انکف وکّل له کیلة غیر هذه و أمره یهون.
ثم شدّ ابن رشید و نزل الزبیر و خابر الدولة العثمانیة و دخل علیهم مواد و أجد منها. قال ابن صباح: ممالی الدولة الإنکلیزیة و معطیهم علی أنه یقضیهم هالجزیرة، و أنا خادم لدولتنا العلیة و محافظ علیها عن هالأمور. أخذوا مقالته علی القبول و عطوه علی ما یرید، عاد هو حط فی بنادر الدولة کلها أوادم یحبسون و یعاتبون و یسبون، و الدولة مساعدتهم علی هالأمر و ممشیة لهم معاشات، فعل هالأمر ثم شدّ و انکف دخل دیرته.
ثم دخلت سنة 1320 ه (العشرین بعد الألف و ثلاثمائة): فی ربیع الأول ظهر ابن رشید من حایل، و هی الظهرة الذی ما رجع منها علی حایل، استفزا أهل نجد کلهم، أهل القصیم خلّاهم مع سالم السبهان ابن سبهان نحر و الذی معه نحر أماکن عتیبة، و هو أهل الوشم و سدیر نزلوا الحسا، و کاتب أهل العارض و أظهر عداوتهم و لم تحصل نتیجة سبب ما هم آمنین بعد الذی جری. و فی استقامة ابن رشید بالحسا ظهر محمد بن
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 60
عبد الرحمن الفیصل و انحدر من العارض یستعین ابن صباح، و یوم أقبل علی أطراف الکویت و إذا أهل القصیم و عزوا ابن صباح یبون یعدون و عانقهم غزا معهم، و أکانوا فی رجب سنة 1320 ه علی شمر علی أقبه و أخذوهم، أخذوا علیهم أخیذ واجد، و عودوا راجعین، طب الخبر علی ابن رشید بالحسا و همّ یأخذ لمصادیرهم و لا مشاه اللّه، طال الأمر علی ابن رشید فی منزله و لا شاف نتیجة من ربیع ثانی إلی شعبان، ثم شدّ و نحر الریاض و أغار علی أطراف العارض، و الذی استطرف من نخله جده، و انقلب و نحر الخرج سبب ما هم زینین معه مکاتبین ابن سعود.
أما عبد العزیز بن سعود ظاهر من الریاض بخفیه و طاب علی أهل الحوطة و ناخیهم و مساعدینه و معطینه مایتین رجال، فیوم أقبل علی الریاض نطحه الخبرا بأن ابن رشید أغار علی الدیرة و انفهق و نحر الخرج، بتلها ابن سعود إلی الخرج، فیوم أقبل علی الخرج دخل البلد فی لیل لم یشعر فیه ابن رشید، فیوم وصل ابن رشید و صار الصبح و فاض علی الدیرة دفر جانب البلد متضاعف أهلها، و إذا ابن سعود و الذی معه مع أهل الخرج و المین ناطحوهم بسرعة، و تضاربوهم و إیاه و إذا الأمر غیر الذی هو حاسب فیه، انفهق ابن رشید ثم وطو ساقته هو شبّب نیران باللیل و سری و أشمل بتلها، لما وصل القصیم و نزل أطراف بریدة.
أما ابن سعود لما أشمل ابن رشید ظهر من العارض و انحدر لم الکویت، فلما وصل الجهرا و إذا فیها مخیم ابن صباح و أهل القصیم، و إذا بادیه الجنوب کلها مشملة بأطراف الکویت العجمان و المرّة و سبیع، هم بالمعدی و عدی و عدو معه ذولا، و إذا علوی نازلین علی جو لبن، فیصل الدویش و عماش أکان علیهم و تهیأ کون جید و فرسهم، و أخذ علیهم حلال
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 61
واجد، و ذبح فی هذا الکون عماش الدویش و ابنه فی شوال سنة 1320 ه ثم انکف علی العارض.
أهل شقرا ملّوا و جزعوا من أعمال مناصیب ابن رشید، و الأمر إذا انعکس ما فیه حیلة، صار الصویغ یکثر المعاتب، هذا یقول له: أنت مار الریاض و ذاک یقول له: أنت تهرج، کثر العتاب منه، و زاد الجزع من أهل شقرا.
الشیخ علی بن عیسی، قال: أنتم ما عندکم إلّا الهرج و أنا مالی طاقة بالصبر علی هالمواد، و أبی أروح إلی عنیزة إن کان صار عندکم همه، فأرسلوا لی و إلّا فأنا أبی أستقیم فی عنیزة. دبّر اللّه أنهم یقومون، و أرسلوا للشیخ علی وجاهم و حربوا فی أول شهر ذی الحجة سنة 1320 ه، و أظهروا الصویغ و نحر ثرمدا، و أرسلوا لابن سعود یطلبون منه سریة، و أرسل لهم ابن سویلم یوم ظهر من العارض، نحر الصویغ فی ثرمدا، وسطا علیه و ذبحه و هربوا خویاه، ثم نحر شقرا.
أما ابن رشید لما تحقق الأمر عظمت علیه المادة و شاف التفلت، غزی من بریدة و نحر الجنوب و أکان علی فریق سبهان، و لا تهیأ له فود، ثم انقلب علی العارض فی لیل یریده فی غرة من أهله فلما أقبل حسوا فیه، فیوم وصل و إذا هم واعین انقلب و نحر شقرا، و أرسل لهم نواب بأن هذا الأمر معی، علمه أنه من أشرار و جهّال، و إلّا ما إن شاء اللّه ترضون علی أنفسکم بالمضرة، و الیوم الذی فات من عقّال و جهّال مدموح و علیکم اللّه و أمان اللّه بالغرم و المجرم، و ما تریدون حاصل، إن بغیتوا أمیرکم منکم و إلّا من عندی، و أنتم خوفوا اللّه فی أنفسکم.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 62
فلما وصلهم المکتوب قطعوه و عرضوا إذا أراد اللّه أمر ما فیه حیلة، تحقق أمرهم و حربهم، و استمر الأمر و لکن ما حصل فوایت و لا وقعات، هم حکموا دیرتهم فی (عقدة) ، و صملوا فیها و هو ما حصل له شی‌ء من خارج، و استقام تقریب أربعین یوم، ثم بلغه وصول ابن سعود من الکویت، و خاف یعوره، بنی فی ثرمدا قصر و حکمه و ملّاه طعام و ذخیرة، و حطّ فیه رتبة، ثم انکف و نزل بریدة، لما أشمل ابن رشید طلع ابن سعود من الریاض و جا إلی ثرمدا، و أخذها و حاصر أهل القصر، و لما اختبروا أنه یلغم علیهم فتقوا أحد جدران القصر باللیل و هربوا، و استولی ابن سعود علی الذی فیه، ثم شدّ و نزل شقرا و استقام فیها قریب خمسة و عشرین یوم، ثم شدّ منها و رجع إلی الریاض فی ربیع الأول سنة 1321 ه.
ابن رشید دخل بریدة هو و قومه، و فی جمادی طلع و غزی علی عتیبة، أکان علیهم عند المخامر، و أخذ علیهم حلال و رجع و دخل بریدة، و فی شعبان دعی عبد اللّه العبد الرحمن و کبار أهل عنیزة، رکب عبد اللّه قبل الجماعة و لما وصل عند ابن رشید قال له: وش تری؟ قال عبد اللّه: یا عبد العزیز البلدان ما یحزمها إلّا السرایا، و عنیزة ما حنا آمنین من أهلها، ابن رشید یعرف أن عبد اللّه مصیب، و لکن ما یحب تشدید الأمور، لأنه شاف اختلاف الأحوال و رأی مجارات الناس أوفق، طبوا علیه جماعة أهل عنیزة و أبدی لهم الإکرام و المودة، و قال: أظن أنی أشمل و أخاف علیکم من ابن سعود، و السلیم واسطة الأشرار، و أنتم معی علم أنکم تحبون العافیة، و أنکم أجاوید کراهة للشر، و أنا أحب أن تکونوا خاصة لی من
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 63
دون غیرکم، و أبدی لهم من هذه الأمور شی‌ء کثیر و هم کذلک، ثم قال:
إن عبد اللّه العبد الرحمن یشیر علیّ بأن أبنی فی الصفا شمال عنیزة قصر و اجعل فیه قوة و أربعمایة رجال من أهل حایل، و أخذ مقابیلهم أربعمایة رجال من أهل عنیزة حتی یصیرون خزام عن المفسد فی داخل البلاد و الخارجی إذا علم فهم ما رام القدوم علیها، و قلت لعبد اللّه: أحب أتراجع الجماعة. فأخبرونی برأیکم؟ قالوا: إن کان هذا أمر أنت حابّه و مشتهیه: سمعا و طاعة. و إن کنت تسألنا عن رأینا أخبرناک، قال: أنا موقف المسألة إلی أخذ رأیکم و ما تقولون. قالوا: البلدان ما یفکها إلّا أهلها و أنت تبی تجعل فیها أربعمایة رجال، و عنیزة فیها أربعة آلاف رجال، إن کان إنهم معک فکوها من عدوک و لا احتاجوا للعونة، و إن کان أنهم علیک فالذی تحط ما یفیدون، قال: و أنا أقول کذلک، لکن عاهدونی عهد جدید، ثم عاهدوه باللّه و أمان اللّه أن حنا معک علی الخفیة و البینة، و إنّ عدوک عدو لنا، ثم عاهدهم هو بالذی لا رب سواه أنکم خصیصتی من کل أحد، و أنکم ما ترون منی ما تکرهون.
اللّه المطّلع سبحانه أنهم کلهم کاذبین، و لکن لیقضی اللّه أمرا کان مفعولا، و إذا حلّ القدر عمی البصر، جری ذلک فی آخر شعبان سنة 1321 ه.
بآخر الشهر المذکور شعبان أرسل ابن سعود إلی السلیم و المهنا و طلعوا من الکویت و طلع غزای، و استغزا الجنوب کله بادیه و حاظره، و عانقوه المذکورین من الکویت، و أشمل یرید القصیم، فلما وصل الزلفی و استحسوا فیه أهل عنیزة استلحق عبد اللّه العبد الرحمن کبار أهل عنیزة، و قال: هذا ابن سعود وصل هذا المکان و حنا نخاف، الأحسن
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 64
نطلب من ابن رشید سریة نهیب فیها العدو. قالوا: السرایا ما فیها خیر، و دخلت الأجناب علینا ما منها فایدة، و حنا نسدّ روحنا، و قاموا علی هذا العلم.
عبد اللّه و أولاده استحسنوا جلب السریة و أرسلوا إلی ابن رشید خفیة عن الجماعة، و طلبوا منه سریة، و أرسل لهم فهید بن سبهان و معه خمسین نفر، وصلوا عنیزة فی 15 رمضان.
ابن سعود یوم اجتمعوا عنده غزوانه و وصلوا إلیه أهل القصیم الذین خرجوا من الکویت، استحلق ابن سلیم و قال له: ماذا تری؟ قال ابن سلیم: جماعتنا معنا و مشتهیننا ما عدی البسام.
أرسل ابن سعود کتاب منه و کتاب من ابن سلیم إلی عبد اللّه العبد الرحمن و أهل عنیزة معناه أننا وصلنا الزلفی و النیة نتوجه إلی طرفکم أخبرونا عن رغبتکم، وصل الخط بید عبد اللّه و أرسل إلی الجماعة و لما حضروا قال: هذا خط من ابن سعود و ابن سلیم ماذا ترون؟
قالوا: ماذا تری أنت؟ و إذا عبد اللّه کاتب جواب الخط، عرضه علیهم و قال: هذا الذی عندی إن کان توافقونی علی هذا الجواب و إلّا هذا ابن رشید قریب، قالوا: الدرب واحد ما فیها تفرق، مضمون الخط الذی هو کاتب، إنه بأرقابنا بیعة لابن رشید، ما نحلها ما دام هو موجود فإن کان فیکم قوة، هذا ابن رشید عندکم، إن ظفرکم اللّه علیه فنحن و غیرنا لکم، أما ما دام هو موجود فلا تقدمون إلینا. أرسلوا الخط، و لمّا وصل إلی ابن سعود دعی ابن سلیم و عرضه علیه، و قال: هذا خط جماعتک الذی تقول مشتهیننا.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 65
شدّ ابن سعود قاصدا الریاض و دخلها، و السلیم و المهنا قصدوا شقرا و سکنوها یوم سبعة و عشرین رمضان.
ابن رشید لما رجع ابن سعود و أهل القصیم ترهی و استلحق شمر للمسناد، قالوا شمر: حنا خالین من الطعام، لکن أنت انحدر و نتحدر معک، حتی نکتال و تمتد معک بالأهل، دخل فکره و انحدر فی عاشر شوال سنة 1321 ه.
و بعد ما انحدر ابن رشید دبّر حسین بن جراد و مشا معه أربعمایة نفر من أهل حایل، و دبر حرب و مشا معه الذی هو وافق من حرب، و اتجه إلی غرب القصیم و أجنب، ثم تبعه ماجد الحمود معه ثلاثمایة رجال. ماجد ینهی ابن جراد عن التقلط للجنوب و ابن جراد یحب أنه یفوت.

و فی یوم اثنی عشر من ذی القعدة:

رکبوا السلیم و المهنا من شقرا إلی ابن سعود بالریاض، قالوا له: ما فیها مقعاد حقنا علیک تورینا دیارنا و حقک علینا أخذها إن شاء اللّه. قال: اتّکلنا علی اللّه. ثم ظهر هو و إیاهم، فلما وصلوا الوشم لاقتهم سبورهم، و قالوا لهم: هذا ابن جراد نازل فیضة السر، و معه هذا المقدار من القوم: قالوا: نبیها علیهم، ثم عدو بابن جراد فی 28 ذی القعدة و کانوا علیه صباح، و حصل کون جید من الجمیع ذبح ابن جراد و انکسروا قومه، و وطوا جریرتهم و ذبحوا منهم مقدار مایة و عشرین رجال، و أخذوا المخیم، بقیة القوم راح طقیق.
فی ذاک الیوم ماجد نزل الشقیقة، و رجع إلیه بعض الوقری، و أخبروه ما جری و استخف و رجع، و نزل الغزیلیة فی رکن عنیزة عن البلاد مقدار ساعة واحدة.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 66
ابن سعود بعد الکون عرف أن أهل القصیم انتذروا و هم یبونه فی غفلة، لهذا رجع و دخل الریاض، و السلیم و المهنا دخلوا شقرا.
ماجد صار معه رهب خوفا یجری علیه ما جری علی ابن جراد، لهذا دعی البسام و تراود هو و إیاهم، و شدّ و نزل الملقی قدر ربع ساعة عن البلاد فی 15 ذی الحجة، ثم استلحق جماعة أهل عنیزة و قال لهم: أنا أری أنه یبنی علی البلاد سور یحمی البلاد و یهیب العدو، قالوا الجماعة:
ما هو برأی، البلدان یحمونها أهلها. قال: نظرکم فیه الکفایة، لأنه ما یحب کرب الحبل خشیة تکدیر الخواطر بمثل هذا الوقت الحرج، و المذکور معه سیاسة، و لکن أمر اللّه ما فیه حیلة، و إلّا هو أبدی التودد لأکثر الجماعة، و أظهر الصداقة، و لکن ذلک خدعة، و إلّا الکل ممتلی‌ء غیض.

و فی یوم عشرین ذی الحجة:

ارکبوا السلیم و المهنا إلی ابن سعود یجذبونه علی القصیم و وافقهم، و ظهر و عانقوه من الوشم، و فی رابع محرم سنة 1322 ه نزلوا الحمیدیة عن عنیزة قدر ثلاث ساعات. استحس ماجد و أرسل لعبد اللّه العبد الرحمن البسام، و قال: ابن سعود نزل الحمیدیة تحذروا و أنا أبی أروح إلی بریدة، اختبط عبد اللّه و دعی آل الیحیی و جاءه صالح الیحیی و حمد بن عبد اللّه الیحیی، و أرکبهم إلی ماجد، و أرکب معهم ابنه علی العبد اللّه، لما وصلوا إلی ماجد قالوا له:
وش عندک وش همتک؟ قال: إنی أروح إلی بریدة هی دیرتی، و أنتم دبروا أنفسکم قالوا: کیف تروح یوم جاء اللزوم؟ عبد العزیز المتعب ما أرسلک إلّا لهذه و أمثالها. قال: یا ناس ما أنا بقاعد عنیزة علینا ما هیب معنا أنا أشرفت علی غایة الرجال، و إن کان فیکم خیر فکوا دیرتکم، و إن کان ما
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 67
فیکم قوة ما هو الذی أحمی عنیزة. قالوا: إذا قعدت هیبت الطالعی لأننا نحن حازمین الداخلیین، و الداخلی إذا علم بک هاب، و إذا رحت الطالعی طمع فینا، و الداخلی ما صار عنده ما یهیبه، و أنت وش تبی نساعدک علیه؟ قال: إذا کنتم ملزمین فأبی خمسة عشر رجال من عنیزة مفهومین أبی أحددهم و أرسلهم الصبح إلی بریدة. قالوا: ما یخالف، قال:
عاهدونی. و عاهدوه علی ذلک لأجل تصفی الدیرة، و اللّه غالب علی أمره سبحانه. ثم جذبوه من الملقی، و لما صارت الساعة وحده و نصف لیلا نزل باب السافیة علی حد الجدار، ثم نادی المنادی بالبلاد و اجتمعوا الناس و أمروهم بالعرضة، ثم فرقوهم علی المناظر. و ماجد و قومه یعرضون کل اللیل.
و لما صارت الساعة التاسعة من لیلة خامس محرم مبتدأ سنة 1322 ه: نزل ابن سعود و السلیم و المهنا الجهیمیة رکن من بلد عنیزة، ابن سعود و من معه من أهل الجنوب بقوا فی المکان المذکور. و السلیم و المهنا سطوا و دخلوا البلاد. صار مدخالهم مع- النتقة- المنطر الذی فیه البسام، حصل بعض رمی و قتل محمد بن عبد اللّه الحمد البسام، و دخلوا البلاد فصارت سریة فهید بالقصر و یرمون و بعض من بیوت البسام.
و الدیرة کلها أطاعت. فهید أراد یطلع لماجد ثم رجع خوفا من اللوم، و فی إقبالته علی فرسه مع مجلس عنیزة وافقوه و ذبحوه و قضبوا الدیرة.
قبل طلوع الشمس طلع صالح العبد اللّه آل یحیی إلی ماجد، و قال:
تکفی ساعدنا. قال له ماجد: وش صار؟ قال: الرجال وصلوا بیوتنا.
قال: وش فعلوا أهل عنیزة؟ قال: ما فعلوا شی‌ء. قال ماجد: شدوا الجیش یا عیال أنا دار إن الدیرة علینا ما هیب معنا، و لما ابتدوا یسبلون
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 68
علی الجیش و إذا ابن سعود یضربهم، شرّد ماجد سالم و مأخوذ و لحقه ابن سعود و ذبح علیه قدر خمسین نفر منهم، أخیه عبید الحمود، و أخذ بعض الجیش، و قضب أولاد السعود الأسرا عند ابن رشید. الذی ذبحوا السلیم فی دخولهم تقریب عشرین نفر. بعد طلوع الشمس اجتمعوا کل أهل البلاد عند السلیم یعرضون، و لا غاب أحد من أهل البلاد إلّا الذی یخاف علی نفسه.

و فی لیلة 14 محرم:

ضرب عنیزة سحابة نثرت ماء کثیر، و ضاق مجری التلعة. و دخل البلاد من شرق، و حذف تقریب مایة بیت، و أخل بقریب مایة بیت أخری و علی وسع هذا الأمر ما جری علی الأنفس خلاف.
السلیم قضبوا البلاد و رتبوها، و ابن سعود نزل فیها، عبد اللّه العبد الرحمن البسام و أولاده و بعض البسام تخفوا و لا یعلم بأی محل کانوا، ثم بعد ذلک بعد 12 أی فی 17 محرم 1322 ه، طلبوا الأمان من ابن سعود و السلیم فطلبوا علیهم عشرة آلاف ریال، و دفعوها و أمنوهم و ظهروا.
فی 7 محرم جاؤوا أهل بریدة عند ابن سعود فی عنیزة، و أرکب المهنا معهم إلی بریدة، و لما وصلوا استقبلوهم أهل بریدة و عرضوا معهم.
ابن ضبعان قطع علی باب القصر نحاس، و دخل فیه هو و ربعه و زبنوا بعد أن دعی أهل بریدة و أخبرهم بما جری، و قال: أنا ما أنا واثق فی أحد أبی حرب بالقصر، و أنتم خوفوا عتاب ابن رشید تراه باکر و إلّا
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 69
عقبه عندکم. ماجد فی منهزامه اتجه إلی العیون علی خیل و قلیل من الجیش، و السالم من ربعه نحر ابن ضبعان و دخل معه القصر.
ابن سعود رکب بأثر المهنا و حارب الذی بالقصر، و لا حصل نتیجة، ثم طلب من الکویت مدفع و رکبه علی القصر و لا سوی فیه حاله لأنه قصر جید.
أهل القصیم کلهم جاؤوا إلی ابن سعود و صار الدرب واحد، و لا بقی بالقصیم أحد، تأخر أما حسین بن عساف فنار من الرس و العقیلی کذلک.
لما کان ابن سعود نازل بالجهمیة قبل رواحه إلی بریدة، أرکب أخیه محمد و أهل المخیم و أکانوا علی حرب بقرب الدلیمیة، و أخذ علیهم حلال کثیر.
ابن رشید وصل إلیه خبر أخذة عنیزة و بریدة فغضب غضبا شدیدا علی أهل القصیم، و إذا المغربة حوله أرکب لهم و ضفهم کلهم، و أخذ رعایاهم کلها و هم عنده ما فعلوا شی‌ء. ثم أشغل الأمر مع الدولة العثمانیة، و قال ابن سعود و ابن صباح مسوین مقاولات مع الإنکلیز یریدون یسلمونهم الجزیرة و استنجد بالباشاوات، و أعطاهم بخاشیش و ساعدوه بالمقالات، ثم عطته الدولة علی ما یرید حیث التلغرافات وردت علی السلطان من کل جانب شمال، و حجاز کلها فزعة لابن رشید بأن ابن سعود و أهل نجد دخلوا الإنکلیز فی نجد، و مطلوبهم الإفساد علی الدولة العلیة، و أنا قایم و مستعد غیرة و حمیة لجلالة مولانا السلطان. ظهر الأمر من السلطان بأن یظهر مع ابننا عبد العزیز ابن رشید ستة طوابیر عسکر
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 70
مستعدین بالمهمات العالیات، ذخایر نظمه و أسلحة و ستة مدافع، ثلاث کروب، و ثلاث أکسیم جبلیّة لما علم عن تعین هذه الأشیاء له، و إذا محمد العبد اللّه البسام طاب علیه و مخبره بأفعال أهل عنیزة فی والده و فی بیوتهم، لهذا أخذ کل المغربة الذین قاصدین الشام فقط، عزل عنهم حلال البسام و من تعلّق علیهم، و أخذ الباقین وهم لهم قدر شهرین مجاورینه، ما حظروا، و لا نظروا الذی قبض من دبش المشومة ثمانین رعیة، جابها و حدجها و شال علیها العسکر.
ابن سعود لما تحقق إقبالة ابن رشید جا من بریدة إلی عنیزة و دعی الجماعة وحدهم، و البسام وحدهم. لما حظروا البسام فی مکان وحدهم قال لهم ابن سعود: ابن رشید أقبل و لو وثقت فیکم أنا فالجماعة ما هم واثقین فیکم، إنما أحب أن تروحون عند الوالد بالریاض ما دامت هالمسألة ما نجزت، و أنتم فی وجهی، و أمان اللّه ما تشوفون ما تکرهون، و هم الذی علیهم النص بهذا عبد اللّه العبد الرحمن البسام و ابنه علی، و حمد المحمد العبد الرحمن البسام و حمد المحمد العبد العزیز البسام، و محمد العبد اللّه البراهم البسام. فرکبوا إلی الریاض فی 6 سات من شهر صفر.
ابن سعود استمر بحصار القصر، و لا أدرکه حتی نفدت الأطعمة التی عندهم، و طلبوا الأمان و أمّنهم ابن سعود و فتحوا، حملهم و زملهم و نحروا ابن رشید، کان مقبل و قد وصل قصیبا. و لما وصلوه و إذا القوم فیهم مرضی و توفی ابن ضبعان حین وصوله.
أما ابن رشید توجّه من العراق معه هالقوة و سحب البوادی کل عرب
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 71
الشمال شمر و الظفیر، و بعض عنزة و الشرارات و حرب و بنی عبد اللّه.
صار معه قوة ما صارت مع حاکم قبله، و یقال: إنه لما لاقاه ماجد طالع بالباقین من حایل و عرضوا، عرضوا العسکر و الحظر و البدو علی الخیل أعجبوه جدا؛ و صار معه زود، و قاله: یا أسف فی هالکیله علی نجد ما تحمل نجد کل هالأمر، و الأمر بید اللّه سبحانه، لما وصل العیون أرکب بشیر إلی العراق و قال: الیوم أخذنا العیون، و بکرا نأخذ بریدة و عقبه نأخذ عنیزة.
أما ابن سعود لما تحقق بکثرة قوم ابن رشید أرسل إلی نجد یطلب لحیق، و کل جالحیقة و اجتمعوا عند ابن سعود فی بریدة خمسة آلاف بواردی حظر و کثرهم بدو. ابن رشید شدّ قاصدا البکیریة. ابن سعود شد أخذ لوجهه و نزل البصر (خب من قری بریدة).
ابن رشید نزل الشیحیة أول النهار. ابن سعود وصل البکیریة وسط النهار، و إذا ابن رشید معزل الجموع و الطوابیر.
ابن سعود قسّم جنوده ثلاثة أقسام: هو و أهل الجنوب قسم صاروا الغربیین المیسرة، و أهل بریدة و أهل القصیم قسم و صاروا الشرقیین المیمنة، و أهل عنیزة قسم و صاروا الوسطیین القلب.
ابن رشید جعل کل قسم له قبیل حظر و عسکر و بدو و القسم القوی جعله بوجه ابن سعود.
ثم مشی کل أقبل علی الثانی فی آخر یوم من ربیع الثانی سنة 1222 ه: وقع حرب عظیم ما وقع فی نجد قبله له مثیل: ابتدأ الحرب فی وسط النهار، و لما صار العصر و إذا القسم الذی مع ابن سعود مرهوکین
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 72
من قوة قبیلهم، لهذا انکسر ابن سعود، فمشا قبیلهم بأثرهم، أهل عنیزة و أهل بریدة کسرو قبلاهم من حظر و بدو و عسکر، و ساقوهم علی الذی کاسرین بن سعود، ثم استقفوا الجمیع و شالوهم بالبنادق، ثم بالسیوف أهل حایل انهزموا، و الذی صار بالملحمة العسکر.
أهل القصیم استمروا بحربهم مقتفین ابن رشید إلی أن جاء اللیل و هم یذبحون فیهم ما اطلعوا علی انکساره بن سعود، و ابن سعود ما اطلع علی فعلهم.
ابن رشید تلافوا قومه علی الشیحیة فی لیل، و أهل القصیم رجعوا إلی البکیریة فی لیل و معهم عسکر أسری و أطواب و عربیات و بغول.
فلما تحققوا کسرة بن سعود أرسل أمیر غزو عنیزة صالح الزامل خط مع مسما إلی أمیر عنیزة عبد العزیز العبد اللّه السلیم یخبره عما جری، و یقول: إن کان ابن سعود جنّبکم أدرکوه و ردّوه.
عنیزة جاها مجاهد الحبردی، و حجرف البواردی الساعة وحدة و نصف من اللیل منکسرین مع ابن سعود، ما علمو عن أمر أهل القصیم لهذا أهل عنیزة کل قصد منطقه، و عرضوا صابرین علی الذی یبی یصیر، و لما صارت الساعة ست من اللیل وصل معه مکتوب صالح الزامل فعلموا عن حقیقة الواقع، فأرکب الأمیر عبد العزیز بن سلیم مجاهد الحبردی یأخذ لوجه ابن سعود و یجذبه و معه خط صالح الزامل.
جا عبد اللّه بن قعدان و أخبر الأمیر أنه مصلی مع ابن سعود المغرب فی کریّع، لهذا قصده مجاهد و أعطاه خط الأمیر عبد العزیز و خط أمیر
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 73
الغزو صالح، لکنه ما تصامل الأمر و لا قبل یرجع، و استمر بممشاه مجنب.
لما صار الصبح (و قیل فی مثناة اللیل) أهل عنیزة و أهل بریدة الذی بالبکیریة لما رأوا خفیف القوم سروا، و ابن سلیم و ابن مهنا ما عندهم إلّا قلیل من القوم خافوا یرجع علیهم بن رشید لهذا شدوا و قصدوا عنیزة.
لما رجع مجاهد و أخبر أن ابن سعود ما قبل یرجع، و صار الصبح و إذا أکثر الغزو واصلین عنیزة راجعین، و إذا معهم عبد العزیز بن جلوی و شلهوب رجال ابن سعود.
عبد العزیز و مشاهدین فعل أهل القصیم، و الذی صار جمع ابن سلیم جماعته و کتبوا خط لابن سعود من الجمیع و حطوا رسومهم، و قالوا: هذا أمر اللّه الذی صار العز و الناموس لنا علی ابن رشید إن کان تبی نجد ارجع إلینا و نحن معاهدینک باللّه سبحانه لو ما یتبقی منا إلّا النساء أن نحارب ابن رشید، إن کان ما رجعت ترانا مستعینین باللّه و حاربین.
وصل إلیه طارش أهل عنیزة و هو بالمذنب عبد اللّه بن جلوی و شلهوب مع الطارش، لما رأی الخط من الجماعة کلهم احتضر بشلهوب و قال له: أخبرنی عن الأکید، أکّد له شلهوب ما ذکره الأمیر عن فعل أهل عنیزة فی ابن رشید، و قال: إن تغیر من الذی ذکروا لک شی‌ء من فعلهم أو قوتهم فاقطع رأسی، فرجع ابن سعود و دخل عنیزة فی أول یوم من جمادی الأول، بعد دخوله جمع سریة بیومه و أرسلها إلی البکیریة یرید یضبطها قبل ابن رشید.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 74
ابن رشید لما شدوا أهل القصیم عن البکیریة رکبوا إلیه أهل البکیریة، و قالوا له: إن أهل القصیم راحوا عنها، و إنه الذی بقی فیها العسکر و الأطواب لهذا شدّ ابن رشید و دخل البکیریة.
سریة ابن سعود لما أقبلت علی البکیریة أخبرتها سبورها أن ابن رشید دخل البکیریة فرجعت إلی عنیزة.
ابن سعود جمع غزوانه و مشی قاصدا الخبرا یرید یقبضها قبل ابن رشید، و لما وصل إلی الشبیبة و إذا غزوا أهل بریدة ما وصل إلیه، لهذا تضاعف نفسه و رجع و قیل الأمر منتکس فی 6 جمادی الأول.
ثم ظهر و نزل الملقا جانب من عنیزة و وصل إلیه جرود من عتیبة و مطیر، و أمر أهل القصیم، و مشی یرید ابن رشید بالخبرا.
ابن رشید لما وصل البکیریة حط فضة علی أهلها خمسة عشر ألف صاع حب بر، و حط کثرهن من عنده، و أمرهم بطحن ذلک و أبقی عندهم سریة، و هو راح إلی الخبرا و کتب لهم خط و قابلهم و أرکا علی نخل الریاض (ریاض الخبرا) الفواریع و البلاد رکب علیها الأطواب، و هم حربوه و ثبتوا و لا نال منهم شی‌ء.
ابن سعود لما مشی فی یوم ثامن 8 جمادی الأول قاصدا الخبرا شیر علیه یقصد البکیریة یستقوی بالذی فیها، و لا حق علی الخبرا، فرجع بالبیارق علی البکیریة.
ابن رشید جاعل سبور و أخبروه أن ابن سعود مشی علی البکیریة، لهذا أرسل خیله کلها فی لیل قال لهم: اسبقوا ابن سعود علی البلاد حتی تقبضونها و تشیخون علیه. رکبت الخیل من عند ابن رشید، و لما أقبل ابن
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 75
سعود علی جدار البکیریة و إذا الخیل تأصل و یتکاونون، و تنکسر خیل ابن رشید و تشرد السریة الذی بالبکیریة، و دخل ابن سعود البلاد و أخذ الذی لابن رشید کله.
ابن سعود لما أخذ الموجود بالبکیریة شدّ فی أثر ابن رشید، و لما علم بنزوله الشنانة نزل هو الرس، و تقابلوا حصل مناخ طویل، و کل یوم البندق تثور و الخیل تطارد، التف علی ابن سعود جنود من البادیة کثیرة، لأنهم کل ساعة یسحبون من حلال، هنا یرید الطمع ما أفاد حیث الحلال مالی البر، و القبائل کثیرة تجی من کل فج، استمروا علی هالحال إلی أن مضی لهم شهرین فی مناخهم أو أکثر، ثم قاموا العشایر و قالوا لابن رشید: یا عبد العزیز نحن نزلنا فی هذا المناخ و نحن أقوی العربان، و الیوم نحن أضعف العربان، الإبل تسحب و نحن نشوف، و الخیل هبت و الغنم ما بقی منها شی، و القوت نفد، و أنت تشکی قلته، و أهل القصیم منوخین فی بلادینهم تحتهم أرزاقهم کل یوم، و نحن مرزقنا من العراق، و عسکرک هذا هم یشحمون النخل و یأکلون الجمار، فشدّ فی یوم 1 رجب سنة 1322 ه، و قصد قصر ابن عقیل و رکب علبه المدافع.
ابن سعود لما علم برواحه شد باللیل، و لما صار الصبح و إذا هو مقابله الکل منهم جموعه و بأول النهار مشوا کل علی الثانی.
العسکر معهم غیضة علی ابن رشید عقب کون البکیریة یزعمون أنّ أهل حائل هربوا عنهم و خلو الذبح علیهم. ثم جاهم من ابن رشید ما یغیظهم بعدها بسبب کل الأمور الذی هو قال لهم و لغیرهم ما لقوا منها شی‌ء. قال حسنی للعسکر: انشب الکون نرید نهرب مثلما هربوا عنا.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 76
فلما سار بعضهم علی بعض و تقاربوا و ثار أول هیق انسحبوا العسکر هاربین، اتبعوهم الباقین. انکسر ابن رشید و لم یلتفت من قومه أحد، ابن سعود و أهل القصیم مشوا فی أثرهم یذبحون، و بعد ما رجعوا علی البویرة و إذا فیها أشیاء کثیرة جدّا من کل صنف، فاستولوا علیه، و صاروا یشیلون من البویرة قدر عشرین یوم، و ضاق القصیم من أشیاء العسکر کأنهم ساحبین الذی فی بغداد کله.
ابن رشید طب النبهانیة معه خمسة خیالة، و الباقین من الحضر و العسکر و البدو کل علی رأسه، و لا راح أحد فی شی، البدو و غیرهم، و هو بات تلک اللیلة فی النبهانیة خالی من الطعام، و هی القریة المعروفة تحت أبان الأسود، ثم سار فی لیلة یتصیّد المقبلین من الهاربین الذی معهم فی مکة، و أخذ من جا علی ذلول، و هم کل اللیل یتلافون علیه، فیوم مشوا و إذا العسکر و غیرهم یمشون رجلیه رجوعا و حافین، یمشون و یتکبکبون علی الشجر من الجوع و الهزل، و لا یدرون إلی أین یمضی فیهم، و صاروا یلعنون السلطان و ابن رشید، فلما وصلوا الکهفة طاحوا فیها و استقاموا فیها ابن رشید یاعدهم و یرکدهم بأنه سیأتی أرزاق و خرجیّة و قوات و هم یبکون و یدعون.
ابن سعود استقام بالبورة حتی استکمل الأشیاء کلها من مواشی و أذخرة و غیرها، ثم شد و رجع إلی عنیزة فی اثنین و عشرین رجب سنة 1322 ه، و استقام فیها سبعة أیام، و فی آخر یوم من رجب شد و انکف علی دیرة، و أمر الغزوان کل یرجع إلی أهله.
ابن رشید استقام بالکهفة شعبان و رمضان و شوال، ثم أرسل من
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 77
رجاله و اشتروا له رحله، و لما وصلته غزا و أکان علی هتیم، و لا حصل له فود، و فی نکوفته ضرب علی البشری من حرب و هو صدیق له، و تحجج علیه و خفره و أخذ منه مال و جملة أباعر و ارتحلها، ثم رجع علی الکهفة فی آخر ذی القعدة استقام فیها شهرین، و فی محرم غزا و کان علی الحمیدانی من مطیر بأطراف الأسیاح، و أخذ علیه أباعر و انکف علی الکهفة.
ابن سعود لما أنکف دخل دیرته فی 5 شعبان، و فی 10 رمضان غزا ما معه إلا أهل العارض، و أکان علی برغش بن طوالة علی لینه، و أخذ علیه مال عدید و انکف علی دیرته فی 2 شوال.
فلما قضی اللّه شأنه فی ما أراد و دبّر علی ابن رشید قاموا أعوانه بالعراق و أبدوا هممهم و أتلفوا أموالهم بخاشیش للدولة یریدون مساعدتها لابن رشید، و تسببوا لرواح آل عوید و حمد الحماد الشبل، و لبعض أهل نجد أهل القصیم خاصة.
السلطان عبد الحمید صار معه شک فی أمور ابن رشید حیث جاءه بعض نقض الکلام الفایت، و المناصیب الذین بالعراق، و غیره یبین لهم بعض الأمور، ثم صار معهم بعض وحشة من ابن سعود، السبب أنّ ابن رشید یعطیهم جواب علی أن عندی تحت الأمر لمولانا السلطان مایة ألف خیال، و من الجیش ما لها عدد قالوا إذا أنک تحظر فی أطراف الزبیر للمواجهة و البحث، فظهر عبد الرحمن الفیصل و انحدر و عانقه مبارک الصباح، و ظهر علیهم والی البصرة، و توافقوا و تباحثوا عن کل شی‌ء، فاطّلع الوالی علی الحقیقة، و بان له الأمر أن کل تلک المقالات تصویر و تزویر من الکاذبین فخابر الدولة بالأمر.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 78
ثم ورد من السلطان عبد الحمید أمرا بأن مشیر العراق و بغداد یظهر إلی نجد و یکشف عن الحقائق، و أمره و شدد علیه بأن یمشی بالصدق و یمشی مع صاحب الزین فی زین و صاحب الشین فی شین.
المشیر أحمد فیضی قبل أن یظهر حرص علی السؤال من أهل بغداد و غیرهم فبان له بعض الأمر.
ثم ظهر من بغداد معه عشرة طوابیر باستعدادهن و مهماتهن و أطوابهن، و عند ظهوره کثر علیه المخابرة من الأشرار الذین یریدون تلاف أهل نجد لا حب دین و لا دنیا إلّا نصره لابن رشید، المشیر ترک کل أمر و جواب موقوف إلی بعد المواجهة و ظهر من الشمال.
أیضا ظهر من طریق المدینة الفریق صدقی باشا.
فلما فرغ المشیر علی نجد و وصل خضرا- ماء قرب الدهنا- عارضه ابن رشید و قال له: أهل نجد اطلعوا علی مظهارک و عبولک عبوشین، و أنا فزعة لجنود مولانا السلطان.
قال المشیر: لسنا فی حاجة، قال له ابن رشید: أنت ما تطلع و لا عندک خبر عن خیانتهم، و هم عندهم الآن أنصارا و لا یقبلون قدومک.
قال المشیر: إما أن ترجع عنی و إلّا فأنا أعود و أخابر الدولة قال له ابن رشید: أنا محسوب من الدولة، و أنا أکبر منک رتبة و معی أمر علیک، قال له المشیر: أظهرها، فانبهت ابن رشید.
فلما عرف الحقیقة راح و قابل الفریق صدقی من طریق المدینة، و قال المشیر أخذ من أهل القصیم و عیا یقبل الصدق منی، و أنا و أنت
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 79
حضرة دولتنا العلیة أبیک تعیننی علیه، قال الفریق: أنا ماشی تحت أمره و هو أعلی و أکبر منی، و دربی دربه، انقلب ابن رشید ما حصّل شی‌ء.
و عند مظهار المشیر ابن سعود ما یعلم وش تفرع الأمور علیه، فأمر أن بقیة البسام یشالون من عنیزة إلی الریاض و طب حمود البراکی و شالهم فی 3 محرم سنة 1323 ه.
الفریق التقی بالمشیر و اتفق معه و أخبره فی ما قال ابن رشید، فصار معه غیضه علیه، و لما أقبل علی القصیم أرسل للعسکر الذی بالکهفة بقیة الذین حاربوا مع ابن رشید.
فلما وصوا؟؟؟ إلیه و إذا هم صفران غبران عریا حفیا، قال لهم المشیر:
ما شأنکم؟ قالوا: الجوع: قال المشیر: الدولة ما قصّرت فی حقکم ترسل لکم أرزاق فی کل وقت.
قالوا العسکر: یعترضها ابن رشید و یأخذها و یقسم علی قومه، و حنا یعطینا فی فناجیل کل نفر علی فنجال.
أقبل المشیر علی القصیم فی طوابیره و طوابیر صدقی، و الذی مع صدقی ثلاثة، ثم أرسل المشیر مندوب لأهل عنیزة، و لأهل بریدة معه مکتوبین یحثهم علی الطاعة و یتهدد، و الکلام فیها لین و قاسی، یرید یظهر أقصی ما عندهم.
من ذلک: أننا وصلنا إلی هذا المکان فی أمر مولانا السلطان، و لا نعلم عن أمرکم، و السابقون السابقون، فإن کنتم فی خانتنا و مسلمین للّه ثم لأمرنا غنمتم، و إن کان غیر ذلک فأنا مستعد لقتالکم.
ارکبوا له معتمدین واحد من عنیزة، و هو عبد اللّه المحمد العبد
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 80
الکریم القاضی، و واحد من بریدة، و هو عبد اللّه بن علی بن عمرو، و معهم مکتوبین فیهن کلام کثیر مفید من ذلک، إن کان إنک مقبل فی أمر مولانا السلطان، فنحن رعیة له و عبید ممالیک سامعین و مطیعین، و إن کان المسألة فیها ابن رشید أوله فیها دخل قلیل أو کثیر فنحن حاربین، و متکلین علی اللّه.
المشیر عرف الحقیقة و قبل و نزل جانب بریدة فی أول یوم من صفر سنة 1323 ه، و ظهر علیه صالح الحسن بن مهنا و جماعة أهل بریدة، و حصل البحث بینهم و اطلع علی الغایة ثم شدّ و نزل جانب عنیزة بین الوادی والدیرة فی رابع صفر، و ظهر علیه ابن سلیم أمیر عنیزة و جماعته، و حصل البحث المقبول و طلب مواجهة ابن سعود و أتاه عبد الرحمن بن فیصل، و حصل البحث، و قال المشیر: أما العارض و جنوبی نجد فهو لکم، و حایل شمالی نجد لابن رشید، و القصیم للدولة، قیل الأمر مقبول. خزانة التواریخ النجدیة ؛ ج‌8 ؛ ص80
صار البحث بین المشیر و بین أهل عنیزة، و قالوا له: إذا کنا صدر الدولة فنحن نحتاج إلی معاش و معاشات، و ابن سعود یجری لنا معاش، قال المشیر: لا من الدولة تبون و لا الدولة مقام تبی، و لکن عن تسمی الدولة فیکم نرید نجعل بندیرة و نقطه عسکر أربعین نفر، قالوا: ما یخالف، و أنتم علی ما أنتم علیه قبل و لا عندنا لکم تبدیل و لا تغییر فی شی.
أهل عنیزة قدّموا له ظیفة غنم، و المشیر طلب من ابن سلیم یظهر إلیه هو و جماعته و سوّی لهم زینة و نوروا لهم أطواب و أبدوا الإکرام التام، و ختموا الأمر علی هذه الصورة.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 81
فی 8 صفر ورد علیه أمر من الدولة بأنه یمشی بنفسه یریدون یعمدونه إلی الیمن مشی و بقی صدقی بمحله. استقام صدقی بمحله من بعده بیوم 9، و هلکت جمالهم و بغالهم، و حب أن یتوسع، ثم شدّ و نحر الشیحیة علی جانب البکیریة فی 17 صفر سنة 1323 ه.
فی قدوم المشیر علی القصیم ظهر ابن سعود من دیرته و نزل السر جانب القصیم من جنوب و أخبر أهل القصیم بمنزله، و قال: إن کان صار بینکم و بین المشیر أمر تحبونه جاکم علی ما تحبون فذلک المطلوب، و إلّا فأنا هذا مکانی و مستعد.
صدقی لما أراد التوجه إلی الشیحیة أرسل محمد آغا معه أربعین نفر و دخلوا البلد و نزل فی طرف النخیل و حط بندیرة فی منارة مسجد الجامع و راح.
ابن رشید صار مقهور من ذلک و معه من یقول أسفا علی الدولة صارت هاک [...] و التجاهیز القویة عوضها انفصلت علی خرقة.
ثم نزلوا فی بریدة مثلها و کفی اللّه المؤمنین القتال إن اللّه رؤوف رحیم.
ابن رشید صار ودّه یحرک بعض الأسباب، لما صار 15 جمادی الأول أرسل حسین بن عساف معه جماعة وسطا بالرس و أخذه، و کان أمیره ذاک الحین صالح بن عبد العزیز بن رشید [من أهل الرس]، یوم دخل حسین هرب صالح ثم قاموا أهل الرس مع حسین فی جمادی سنة 1323 ه.
أهل القصیم یریدون یبینون خمال ابن رشید علی صدقی و لم یفیدهم
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 82
قالوا: عرف أنه ما یرکد إلّا کان عجز ابن سعود فی دیرته، ثم استمرت المسألة علی هالحال.
و فی دخول شعبان سنة 1323 ه وصل محمد بن عبد الرحمن الفیصل إلی عنیزة، ثم رکب منها إلی بریدة، و فی عاشر منه وصل عبد العزیز عنیزة.
فی 14 شعبان حذف ابن رشید عادیّ و لم یفید، ثم حف بریدة و أغارت خیله علی طوارف بریدة، ثم فزع محمد و أهل بریدة و انفهق ابن رشید ما صار شی، إلّا رمی سهل بین أهل الخیل جنوب فیه ابن [...] وصل الخبر عبد العزیز فی عنیزة و ظنّ أن یصیر مقاضب، ظهر و ظهروا معه أهل عنیزة، و لما وصل إلی بریدة و إذا ابن رشید منفهق و مشمل، نزل ابن سعود بریدة و أهل عنیزة رجعوا.
ثم استغزا أهل الجنوب، و لما جهز غزوهم و مشی قاصدا ابن سعود فی بریدة، ظهر ابن سعود من بریدة وفوه بالنکوفة و ناطح الغزو و عدی و إیاهم فی عتیبة، و أکان و أخذ حلال.
ابن رشید جاءه خبر أن ابن سعود غزا ما معه من أهل القصیم أحد و لا معه، إلّا شرذمة قلیلة، رکب فی أثره عسی أن یأتیه علی غرة منه أو و هو ناشب بالکون، فاطلع محمد بن عبد الرحمن و هو فی بریدة، و لکن حاط سبور حافظ ابن رشید، فلما اطلع فی رکبة ابن رشید فی أثر أخیه، و إذا عنده ذلولهم المشهورة المسماة (مصیحة) فأرکبها بأثر أخیه، و وصلت إلی عبد العزیز نهار انفهق من الکون.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 83
ابن رشید اطلع أنه راح عبد العزیز بن سعود نذیر و عرف أن ما من غرّة، فرجع ما صار مواجهة، و ابن سعود انکف علی بریدة.

و فی 25 ذی الحجة سنة 1323 ه:

استغزا أهل القصیم و غزوا و ظهر و نزل الأسیاح، ثم جاءه خبر أن ابن رشید توجه للجنوب فخاف أن یفرص الضعیف من القوی فشدّ بطلبه، و لما وصل الزلفی جاءته سبورة أنه نذهب من الجمعة، و رجع مشمل السبب أن ابن رشید أضاعف نفسه عن ابن سعود و لا حب المواجه، یرید یمنحه الخدان، إذا صاروا معه غزا أهل نجد یزعم أنه یتلتلهم فی بعد المنازل لما یعیفونه و یرجعون، و یأخذ نجد بالغارات.
ابن سعود نزل مجمع البطنان فی قاعة الدهناء من غرب، و إذا نایف بن بصیص قریب منه و هو بذاک الوقت صاحب لابن رشید، فعدی فیه ابن سعود و انتذر نایف و شرد خمط منه ابن سعود أباعر قلیلة و سلم و راح لابن رشید.
ابن رشید أرسل إلی حرب، و قال لهم: اقبلوه ابن سعود و أهل نجد طاحو لی هالدیرة الحدریة و اللّه ما یقدرون ینجعون نبی نشد و نستقبل، و نفرش القصیم، و نفرص أهله و نتلف ما تضاعفنا، و ابن سعود فی مکانه.
ثم شدّ و إذا بریة قدامه فأکان علیهم و أخذهم، و فی کون ابن رشید جاء ابن سعود خبر أن ابن رشید أقبل فتهیّأ للقتال و أخذ لوجهه و لا وجده، و أرسل السبور بساعته، و رجعوا إلیه یقولون: إن ابن رشید أکان و نیته بعد الکون یقصد القصیم. قال ابن سعود طلبناه و اتکلنا علی اللّه. و رکب فی أثره نطع و جاعد و أبقی المخیم فی مکانه، مشوا نهارهم کله و اللیل، لما
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 84
صارت الساعة سبع من اللیل و هم یمشون جاءته السبور و قالوا: هذا ابن رشید ممرح قدامک، قال: اتکلنا علی اللّه کاوناه، و وصل سیره إلی أن صارت الساعة 8 لیلة 17 صفر سنة 1324 ه و أذاهم علیه.
ابن رشید لما أقبلوا علیه حسّ فیهم فقاموا و شببوا نیران الحرب و عزلوا الجموع و تهیّؤا للقتال، و لما وصلوا مخیم ابن رشید و إذا هو معزل جموعه و مروح أولاده متعب و مشعل من حینه خایف و روحهم ما حظروا الکون.
ابن سعود عزل جموعه و مشی و تضاربوا الساعة 8 من اللیل و حصل ملحمة عظیمة، و لما بان الصبح قتل عبد العزیز بن رشید، و إذا القوم دایخین من الهوش انکسروا قومه، و رکبوا أثرهم قوم ابن سعود یذبحون و یأخذون إلی الساعة أربع من النهار، ثم رجعوا و أخذوا جمیع الموجودات من حلل و أباعر و کثیر من الجیش و الخیل، و لقوا عبد العزیز بن رشید طایح بالمعارة فقطعوا رأسه و أرسلوه مع البشیر إلی عنیزة.
ابن سعود استلحق مخیمه من المجمع و جاه و شدّ و نزل بریدة یوم 2 ربیع الأول، ثم عدی فی حرب، و إذا هم مجتمعین کل بنی عمرو و الذویبی، علی وعد مع ابن رشید لما کان عازم یفرش القصیم، فأکان علیهم ابن سعود و قطعهم، و أخذ منهم حلال کثیرة، ثم رجع و نزل قصر ابن عقیل و أرسل إلی ابن عساف و أمنه، فجاءه حسین و نصب فی مکانه صالح العبد العزیز، ثم رجع و نزل بریدة فی 5 ربیع الأول، و استقام فی بریدة صالح الحسن المهنا ما غزا فی هذا المغزی، و لا حظر شی‌ء من أمر
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 85
هالعام الذی وقع فیه، و ابن سعود یسمع عنه بعض الأمور، و من الأسباب لما قتل عبد العزیز بن رشید شاخ بعده ابنه متعب.
و یذکر أن أهل بریدة قالوا لصالح الحسن المهنا: بریدة عمارها البادیة الشمالیة، و أهل بریدة علی اللّه، ثم علی ابن رشید، و دخل فکر صالح الحسن هذا ما نسب و اللّه سبحانه أعلم بالسرائر. أما ابن سعود فاطلع علی ما قیل و أکثر من تکلم فی حق صالح ابن عمه محمد بن عبد اللّه المهنا، ثم همّ ابن سعود بالقبض علی صالح، و لما صار یوم 2 ربیع الثانی 1324 ه.

و فی 2 ربیع ثانی سنة 1324 ه الصبح:

دخل ابن سعود قصر بریدة هو و فرقة ثلاث دفعات علی أنه یرید یروحهم یزکون العربان، و أنهم یبون یتزهبون من القصر، و لما تکاملوا بالقصر و إذا صالح الحسن نیم مصفر، فأغلقوا قوم ابن سعود القصر، و قبضوا علی صالح الحسن و إخوانه إلّا سلیمان تلک الساعة ما کان بالقصر، و لما اطّلع هرب. و أرسلوا صالح و إخوانه إلی الریاض.
ثم استلحق ابن سعود جماعة أهل بریدة و قال: هذا أمر صالح و بدال صالح محمد العبد اللّه فعاهدوه و نصب محمد العبد اللّه.
استمر محمد مع ابن سعود بالزین مدة قلیله، ثم وقع الشین من قریب.
و فی آخر جماد أول وصل المتصرف إلی العسکر بالشیحیة، و إذا معه أمر یرید یخالص أهل القصیم علی الأمر الذی هو یرید، فظهر ابن سعود و أهل القصیم لمواجهته و نزلوا البکیریة، و استلحق ابن سعود
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 86
المتصرف وجا إلیه معه بعض عسکر، و هو معطیة أمان. و قال له ابن سعود: وش أمرک. قال الأمر بینی و بین أهل القصیم أنت مالک فینا دخل.
و المتصرف مدخل فی فکره شی‌ء کثیر من طرف القصیم و منخی و مبخشش.
قالوا أهل القصیم للمتصرف: ماذا ترید؟ قال: أنتم تحت أمری و أرید أحط فی وسط عنیزة و بریدة علی قصر أحکمهن و أجعل فیهن علی طابور عسکر، و أطواب و ذخیرة و الإرادات قبضتها فی یدی و غیرها أشر منها.
أهل بریدة ما هم مخالفین فی هالأمر الذی أعظم منه یبون الدرب الذی یخلی دیرتهم تسابل هل الشمال و هم یغربون، و لکن أهل عنیزة قالوا: کل هذا منک بالمتصرف ما هو من السلطان و حنا نخابر و نراجع من دونک، ثم همّوا هم و ابن سعود بالهجوم علیه لیلا، و لما أرادوا یمشون علیه استحس بهم فرجعوا عنه، بعدها صار یتوقع عن الزوذ؟؟؟ بالکلام خاف علی نفسه. و رجعوا أهل القصیم کل دخل دیرته و ابن سعود انکف و دخل دیرته.
المتصرف استقام بالشیحیة ساکن و لکن الأشرار ما ادعوه یسکن، یحرکونه علی القصیم فی کل دفعة یجیه مکاتیب، و من الأسباب صار لابن مهنا رسیسة بالشیحیة حتی یشوف ما یفعلون و لکنه جاهل و کذاب.
فی 14 صفر سنة 1324 ه: طبّ الرسیسة علی ابن مهنا و قال:
المتصرف و ابن رشید عقدوا علم علی أنهم فی آخر هالنهار یمشون، و فی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 87
لیلة النصف یهجمون علی بریدة و إلّا عنیزة و العلم أکید- و هو کذاب- و ابن مهنا استخف.
و من قبلها بیومین أرسلوا العسکر یریدون طعام من عنیزة و قالوا: ما عندنا شی قطعا إلی حدّ أنهم قالوا: نشتری صاع الحنطة بلیرة، فقالوا لهم: ما عندنا شی أبدا؟ ثم طب عنیزة ظابط معه دراهم یرید الشراء فی کل حال، و قدم بخشیش للأمیر و لا حصل له شی، ثم أقبل جملة عسکر قدر مایة و خمسین نفر معهم نقود یریدون یشترون، و أن ما حصلوا فلو یأکلون بروسهم سبب أنهم ذهبوا بالشیحیة، و القصیم منع عنهم کله، و لما أقبلوا و وصلوا الوهلان عن البلاد قدر ساعة إلّا ربع أرسلوا طارفه لابن سلیم، و قالوا: وصلنا إلی هذا المکان و نرید ندخل البلد، نقضی بعض حاجات قاصرة علینا. أرسل لهم ابن سلیم قال: حدکم مکانکم هذا لا تقدمون البلد، تری إن قدمتم فأنتم مذبوحین، فامتنعوا بالوهلان أحسو فیهم أهل الطمع و ظهروا علیهم و قعدوا لهم بالشحر، و من قام من العسکر یقضی حاجة أخذوا سلاحه، بقوا یفتتون العسکر و لکن شافوا الأمر یزید علیهم، و لما صار آخر النهار قاموا ناحرین عنیزة یبون یزینون رؤوسهم و ذلک یوم 14 رجب 1324 ه.
بآخر ذاک النهار (14 رجب) ورد علی ابن سلیم کتاب من ابن مهنا یقول: إنه لنا بالشیحیة طارفه، و جانا وسط هالنهار فی هذا الأمر عبد العزیز یاعصابه و راسی إنه کان أنهم علیکم فحنا نمدکم، و إن کان أنهم علینا فمدونا، و العلم أکید، العسکر و متعب ابن رشید، و عدهم لیلة النصف، و هذه لیلة النصف. و لما فرغ من قراءة الخط، و إذا الصیاح، فسأل عن السبب قالوا: العسکر دخلوا الدیرة قال: إنا للّه و إنا إلیه راجعون
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 88
متباعد الأمر، رکضوا الناس کل أخذ سلاحه و ظهروا مسرعین، و لما تبینوا مع باب السافیة و إذا العسکر عنده مقبلین، و لما رفعوا علیهم السلاح، رموا العسکر سلاحهم و طلبوا الخفر، فصاح الصوت بین الناس امتنعوا لا تذبحون أحد. فامتنعوا الناس عن الذبح ثم أخذوا سلاحهم و الذی معهم من نقود و سلبوهم و وسروهم جعلوهم مع النقط التی من غرب بالبلد، و أدخلوهم جمیعا فی قصر (ملیحة). فأرکبوا خیل نشرف علی الأمر بعض الخیل، لما صارت الساعة (3) لیلا، رجعت ما عاینت أحد و بعض الخیل تمادت إلی أن وصلت أطراف الشیحیة، و إذا العسکر فیها و لا عنده حرکة.
عند ما قبضوا علی العسکر قال بعض الناس: یقتلون. و قال بعض:
لا نشوف الأمر قبل، و للّه لا بالید کان العلم زین، و إذا أنا ما تتلطنا إلی حقیقة أمرهم أخذوا سلاحهم و رجعوهم إلی الشیحیة.
بریدة بعد ما وقع هذا الأمر صار معهم شفقة علی الموافق مع المتصرف بالذی هو لما رأی رغبتهم تمسک فی ذاک الوقت سلیمان الحسن المهنا بالشیحیة ابن عمه محمد العبد اللّه، الموجب أن محمد من الذین أشاروا علی ابن سعود فی صالح الحسن و إخوانه. جمع سلیمان جماعة معه، و فی بریدة جماعة، و فی 25 رجب دخل بریدة بلیل، و دخل فی بعض البیوت یرتقب فجاء الخبر إلی محمد، و جمع جنده، فهرب سلیمان هو و الذی معه أما محمد فرد النظر بالمتهمین و صار یؤدب فیهم و یحبس و یجلی.
أما ابن سعود و ظهر و أکان علی مطیر فوق الأسیاح، و انکف
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 89
علی عنیزة فی شعبان سنة 1324 ه، و تراود هو و أهل عنیزة.
و قالوا أهل عنیزة: ما لنا نظر للمتصرف علی شی‌ء، کیف نفک بلادیننا منهم و من غیرهم بفعل و یسلمها بدون کل شی هذا محال. فرکب إلی بریدة.
و رکب ابن سعود إلی بریدة و لما وصل إلیها جمع أهلها و قال: ماذا ترون؟ قالوا: و له ما نتحالف، و لو أن ما هنا إلّا ذولا ما سئلنا، لکن یجی غیرهم تحت أسبابنا و أغلبها بالغربیة، و نرید نوافقهم و لا بأس لو حطوا قصر فیه طابور، و یصیر فی أیدیهم بعض الإرادات و الصغیرة أهون من الکبیرة ابن سعود و ابن سلیم، و لما وصل إلیه فی بریدة قال له: ماذا تری؟
أهل بریدة ما رأیهم. قال ابن سلیم: أهل بریدة یرقبون طول کرم و یافث و غزة ما هوب سائلین عن بریدة، بأی أمر یصیر و حنا و اللّه ما یمشی علینا هالأمر، إلّا إما فاکینها، و إلّا مخلینها، قال ابن سعود: و أنا أقول کذلک یا عبد العزیز لجماعتک، و تری وعدکم تالی نهار باکر الوهلان، و هو طرف عنزة ساعة الأربع، و اللّه و أنا أبو ترکی إن ما رجعوا مع الدروب التی جاؤوا تأکلهم الطیور ما یدفنون.
ابن سلیم طب علی عنیزة و نخا جماعته و إذا هم مشتهین و ظهروا و اتفقوا مع ابن سعود تالی النهار و هو آخر شعبان و قصدوا العسکر.
بعض الأشرار فی کل بندر ملحمین المادة بین المتصرف و متعب ابن رشید و الدرب واحد المتصرف حب هالمسألة، لسبب قصف القوت علیهم، لأنهم مکانهم و ابن رشید شفق علیها، لأجل یحطون علیها أهل الهوی ما لا یصیر و طف الدولة علی متعب کما وقع قبل.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 90
أقبل متعب للعسکر رحلة تشبهم، و لما أقبلوا علیهم و إذا هم بابن سعود مقبل لما اختبروا شردوا.
ابن سعود نزل البکیریة و العسکر صار معهم ضیق ابن سعود حط علیهم حرس ما یدخل علیهم و لا حبه و هم خالین من الطعام.
تصبروا و نفذ صبرهم، و طرشوا إلی ابن سعود قالوا: نرید نرسل من عندنا رجال نائب عنا یخاطب ابن سعود، قال: لا بأس فأرسلوا النائب، قال له ابن سعود: ماذا تریدون؟ قال: ما نرید شی‌ء، إنما أنت ماذا ترید أن نمشی علیه. قال ابن سعود: أنا أریدکم تفکوننا من شرکم و ترجعون إلی أهلکم، قالوا: یا حبّذا نحن تونا نعرف المسألة. و اللّه ما جابنا إلی هذا المکان إلّا افتری و تزویر الأشرار و البعید ما یدری، و أنت رجعنا و کل العسکر و اللّه ما فیهم واحد ما یتکلم عن ألف رجال، نحن وش لقینا فی نجد الأسباع و أخوال السباع. اللّه یشتم من دخل علی الدولة و حسن لها أمر نجد.
فهمّ ابن سعود یشیلهم إذا فی هاک الوقت حرب مقبلین کلهم یبون الکیل من القصیم، و إذا شیوخهم قادمینهم و طابین علی ابن سعود بالبکیریة، شیوخ عوف، و شیوخ بنی عمر، أکثر من خمسة عشر شیخ، ثم وصلت المداید عقبهم فقبض ابن سعود علی الشیخان کلهم، و قال: أنتم یا حرب الذی شلتوا العسکر من المدینة- شیلوهم و رجعوهم إلی المدینة صخرة، و أنتم یا الشیوخ مربوطین عندی و اللّه ما یفتخت منه العسکر واحد أو شی من أشیاهم إنی معاهد اللّه، إنی لا أقطع رؤوسکم کلکم یا هالشیوخ.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 91
فقربوا حرب أباعرهم و شالوهم کل الذی ظهروا من طریق المدینة، أی الذین جاؤوا مع الفریق صدقی باشا و ذلک خمسة عشر رمضان.
أما العسکر الذی مع المشیر الذین ظهروا من العراق فشالوهم أهل القصیم فی کروه مشوا من القصیم فی 13 شوال سنة 1324 ه و أوصلوهم الزبیر ثم ابن سعود انکف إلی بلدته.
إذا أراد العزیز الحکیم دمار شی‌ء فلو عجز عنه العدو فللّه سبحانه و تعالی یسلط علیه الصدیق.
أولاد حمود العبید هم بذاک الوقت سلطان و فیصل أرادوا الحکم، و أسباب قتل أولاد عبد العزیز من عادتهم إذا صار وقت ساکن یحبون القبض عقدوا رأی، و حسن القبض لمتعب و إخوانه فاستحسنوه.
أولاد عبد العزیز فی 12 ذی القعدة سنة 1324 ه ظهروا جمیع، و لما أقبلوا علی جبل، قالوا: أولاد حمود لمتعب خلونا نضرب هالشعب وحدنا لا ینبهون علینا القوم، فقال متعب للقوم: اضربو هالشعب و حنا نضرب هالشعب الثانی و الوعد مضهار هی و القوم مع شعبه، و أولاد عبد العزیز: متعب و مشعل و ثالثهم طلال النایف عبد العزیز مع شعبه، و استقفوهم أولاد حمود: سلطان و سعود و قالوا: کل یعرف قسمه لأجل ما یبقی أحد یقومون معه أهل حایل، ثم کل أولاد أهوی بواحد من ذولاک، و قتلوهم جمیع، و إذا ثالث أولاد عبد العزیز مخلینه مع الحملة، و هو اسمه محمد بعد ما ذبحوا إخوانه رکضوا علیه، ثم بندق أحد أوادم العبید، و صاح یحسبه فات و هو صواب.
رکبوا الخیل أولاد حمود و تبعوهم خدامهم، و رکضوا علی البلاد،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 92
و لما دخلو حایل قالوا: أولاد عبد العزیز فاتوا، و الذی یرید الأمان یقبل یأمن العتب. فأقبلوا أهل حایل و عاهدوهم، و أکثرهم کاره و السبب مشیخة أولاد حمود کثیر من أهل حایل، و من الرجال الطیبین، جلوا عن حایل منهم من راح إلی ابن سعود، و منهم من راح إلی المدینة.
و ابن عبد العزیز، شالوه و أدخلوه فی بیت جده حمود العبید، و لما دخلوا علیه فی بیت أبیهم و ذبحوه فی حجر أمه و هی أختهم، القضیة جرحت خاطر حمود جدا و لا شاف منه أولاده إلّا المعاسر لهذا راح إلی المدینة و سکنها إلی أن توفی فیها.
بقی من أولاد عبد العزیز واحد و هو الصغیر اسمه سعود خواله السبهان بلغهم أن آل حمود یبون یذبحونه، فحالوا دونه خواله السبهان قالوا: هذا طفل لا منه محذور، و حنا کافلینه إن عاش، أما دربه دربکم و إلّا سلمناکم إیاه.
ذهب سلطان إلی ابن سعود و أهل القصیم باذولا مفسده، و لا أمرهم طیب معکم فقتلناهم و حبینا نعرفکم، لأجل عقد المحبة و الصداقة معکم، أرسل ابن سعود الجواب علی شروط ذکرها لسلطان: جری ذلک فی ذی القعدة سنة 1324 ه.
و بعد ذلک بشهر بأول ذی الحجة ظهر سلطان و نزل مع شمر و هو یترقب الفرصة.
أما ابن سعود بآخر ذی الحجة و نزل جانب القصیم من شمال، ثم اجتمعت شمر یم سلطان و لما شاف ابن سعود هالحال عدی علیهم و انتذروا و دخل ابن سعود بریدة، و ترک مخیمه مع مطیر بالأسیاح.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 93
وصل الخبر لسلطان أن ابن سعود دخل بریدة فحذف علی أهل الأسیاح و قبض علی بعض سبوره، و الذی رجع من السبور علی سلطان فانقلب ابن سعود راجع.
ابن سعود عرف أنها لحمت استغزا القصیم و ظهروا و استقبل و نزل العاقلی و الذی معه من البادیة.
ثم حذف سلطان علی طرف القصیم، و أخذ علی أهل الشیحیة بقر و کم بعیر، و اطلبه ابن سعود و لا أدرکه. و رجع و استغزا الوشم و سدیر، و جاء غزوهم، ثم عدی شمال. فلما وصل العیون، رجعت إلیه سبوره، قالوا: ابن رشید دخل دیرته، و شمر انتذروا و هجوا. ثم صادف رجال لمحمد العبد اللّه المهنا معه مکاتیب لسلطان ابن رشید. المکاتیب من محمد العبد اللّه و بعض جماعة أهل بریدة، و إذا فیها عقد صحبة. و بعد ما تملاها، قال: انکفنا، و إذا فیصل الدویش عند معدی ابن سعود و قال هذا باین شینه، و هم فیه ابن سعود، و إذا قومه الذی معه من البادیة مطیر و عتیبة.
حظر کبار الغزو، و قال: وش ترون؟ و هو مدخل العلم مع محمد بن حمید و کبار عتیبة. قالوا: ما لک إلّا تنکف، ابن رشید دخل دیرته، و شمر هجو و أنت لاحق علیهم. قال: انکفنا، ثم انکف القوم.
و المقصد نکوفة مطیر لا ینتذرون، و واعد عتیبة یلتوون من قفا القصیم، و وعدهم الأسیاح.
ثم عود ابن سعود، و أراد یکشف عن أمر أهل بریدة، هل هم اطلعوا أنه قابض علی المرکوب. فأرسلوا إلیه رجال یقولون: نترجاه لا یقدم
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 94
علینا، حنا معنا علم أن حنا مسبوبین عنده، و نخاف یأخذ فینا الأقاویل.
ابن سعود یوم وازن بریدة أمر علی البیرق یبتل و بتل، و رکب فرسه معه أربعة خیالة، حداهم صالح الزامل، و دخل بریدة، و حظر ابن مهنا و جماعة أهل بریدة. قال: ما شأنکم وش حدکم علی هالأمر. ثم جحدوا کل علم، و لا أقروا بشی، لأنهم شافوا ابن سعود وده یلف المادة، ما وده بالذی یکشف الحال وده فی تلبید الأمور.
قال لهم ابن سعود: الغایة کان عندکم علم غیر هذا، أو دربکم غیر دربی، فها أنا جایکم وحدی، لا تلفونها علی شین. قالوا: یا عبد العزیز حنا من أعیال الیوم، و اللّه أن تشوف أمر یعجبک منا، و أثرها بالعکس.
قال: عاهدونی، فقاموا أهل بریدة، و عاهدوه العهد التام. ثم قام محمد العبد اللّه، و عاهد باللّه حط السیف علی رقبته، و قال: کان خنتک أن اللّه یسلط علی فی سیفی أنی تحت أمرک خفی و بین، و إنی معاهدک حتی علی أولاد عبد اللّه المهنا.
ثم رکب ابن سعود و سار مجنب، یودی أنه منکف إلی دیرته. ثم عارضوه عتیبة و عدی فی فیصل الدویش، و أغلب علوی معه هاک الوقت.
انتذر الدویش و زبن المجمعة، و هی فی هاک الوقت معادیة ابن سعود، و نزل تحت الجدار، و ظهروا أهل المجمعة مساعدین للدویش زحمهم ابن سعود و حصل کون جید.- و کسرهم ابن سعود، و حجرهم داخل الجدار البدو و الحظر و الطالعی، کلهم صوب فیصل الدویش الذی صوبه فاجر بم شلیویح صواب شین، انکف ابن سعود و دخل دیرته فی ربیع آخر سنة 1325 ه.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 95
أهل بریدة جزموا علی صحبة ابن رشید، و أرکبوا له خفیة، ثم قالوا لعلنا أننا نحصل أهل عنیزة معنا، حتی یصعب الأمر علی ابن سعود و نتقی فیهم. ثم أرکبوا رجال إلی أهل عنیزة، و اجتمعوا مع جماعة أهل عنیزة و ابن سلیم. قالوا أهل بریدة: حنا و إیاکم سوقین من بلد واحد، و مع أن حنا و إیاکم قویین صایرین طعم للحکام، أتلفونا و سبونا، و حنا قویین راع الجنوب و راع الشمال یتشفق الزین منا، و البخیت منهم الذی حنا نصاحبه.
یضلون علی أهل عنیزة بغیر تفسیر.
یرید أهل بریدة انفراد أهل عنیزة عن ابن سعود لأجل ینجیرون علی دربهم، قالوا أهل عنیزة: اللّهمّ إننا نعوذ بک من همزات الشیاطین، یا أهل بریدة خوفوا اللّه فی عهود حطیتوها علی أرقابکم، ثم خوفوا اللّه فی ضعفائکم. اللّه سبحانه أطفی الفتنة، و ریح العرب عقب هاک الدرک تبون منها جذعه. ثم أهل بریدة صاروا یعددون محاسن ابن رشید و مساوی ابن سعود، و أکثروا اللحاح. قالوا أهل عنیزة: ما لنا فی هالبحث و لا توردون علینا بشی، لکن أنتم وش الذی أخلفکم علی ابن سعود، و علینا یا ربعکم وش الذی یمنعکم عن دربکم الأول. قالوا: الیوم ما حنا آمنین من ابن سعود.
قالوا أهل عنیزة: صار معلوم أنکم خایفین. أما حنا فلا خفنا و لا حصل ما یوجب الخوف. و علیه حنا نبی نعطیکم عهد باللّه أن بریدة سوق سواق عنیزة، و نعاهدکم أنه ما یجری علی الطرق من أهل بریدة شی‌ء إلّا هو جاری علی الشرف من أهل عنیزة، و أن حنا مع ابن سعود فی کل أمر إلّا علیکم.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 96
فأنتم أعطونا عهد أن دربکم دربنا یا أهل عنیزة، و اترکوا عنکم أهل الشمال. قالوا: حنا ما ناثق بابن سعود، و لا نعطیکم علی هالجواب، ثم رکبوا إلی بریدة.
أهل عنیزة کتبوا إلی ابن سعود و طلبوا منه یوافق مع أهل بریدة بالذی هم یقولون ابن سعود رغب فی تلبید الأمور، و أرضا أهل عنیزة، و قطع حجه أن ما عنده إلّا الزین. ثم کتب خط و أرسله إلی أهل عنیزة فیه شروط طالبینها من أهل عنیزة و راضی فیها منها أن بریدة و خببتها بید أهل بریدة حکمهن و أمرهن. و لا فیهن أمر لابن سعود و أیضا أن ابن سعود إذا ظهر من دیرته ما یقرب بریدة قوم، و لا ینزل قرب البلاد، یعنی ما هم واثقین فیه ابن سعود راضی فی هذا الأمد بالخط، إنه علیکم عهد اللّه و أمان اللّه، و الخاین یعاقبه اللّه.
أنتم یا أهل عنیزة، یا الدرب الذی تدخلون فیه من طرف أهل بریدة کاید أوهین أنه تام و أجزموا بأنکم ماینین فی کل ما تجرون.
أهل عنیزة لما وصلهم المکتوب، أرسلوه إلی أهل بریدة، و قالوا:
هذا جواب ابن سعود، و نحن نعاهدکم. کان أخلف الأمر أننا معکم، و لکن الأمر ما فیه حیلة، الرجال جازمین علی العداوة، و قد انعقد العلم بینهم و بین سلطان. و مرادهم فی هذا الطمع بأهل عنیزة عسی أنهم یدخلون معهم فی هذا الأمر، و هیهات.
و لما أقبل القیض خافوا أهل بریدة من ابن سعود بموجب أشیاهم علی الغضا، و أرکبوا لسلطان و حسنوا له الأمر. و قالوا: أقبل انزل فی طرفنا لأجل یعظم الأمر علی ابن سعود، و یبین العیب فیه، و هو بالجنوب، و لا یشمل إلی طرفنا، لأننا مستعدین فی همة و قوات،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 97
و القصیم کله تبعنا و أهل عنیزة. و أعدیننا فی قدومک ما یحبون یتبینون الآن. و حنا نبی اسمک لأجل العربان، و الابن سعود ما هو همک إذا کلف نفسه وجا بألفین رجال، حنا ظهرنا بأربعة آلاف. أخذ هالجواب رأس مال و طمع و ظهر و نزل بریدة یوم (أربعة عشر) 14 رجب سنة 1325 ه.
بعد ما وصل سلطان إلی بریدة، سألهم عن عنیزة و القصیم قالوا:
عنیزة إلی الآن ما ندری عنها، و القصیم یهون أمره. قال لهم: وش الحیلة فی أهل عنیزة. قالوا: ننتخب ثلاثة أو أربعة من جماعتنا و واحد من رجالک، و نرسلهم یجاوبونهم و یحسنون لهم الأمر و نقول لهم: تونو فی عنیزة، لا تستعجلون بالرجوع إلینا، خابرونا و أنتم فیها لأجل ثقتهم فی عنیزة. تخلی أهل القصیم یرکبون إلیک و ابن سعود إذا علم فی مراودنا حنا و إیاهم و إن رجالک فیها توحش و لا و اللّه یتوجه إلی القصیم، أو یاصل الوشم مشمل.
ثم أرسلوا معتمدینهم معهم رجال سلطان، و هم من أکابر بریدة.
فلما صاروا قرب البلد، تراودوا. قالوا: ما نرسل قبلنا أحد نرید دخولنا فی غفلة لأجل إذا دخلنا، عظمت المادة عند کل أحد، القریب و البعید.
ثم تغانموا الدخول. فلما أقبلوا علی الباب الظاهری من بیبان البلد، طفح العلم إلی ابن سلیم. ثم اختبط و نخا رجاجیله و الزقرت، قال: انطحوهم و بالمکان الذی توافقونهم فیه رجعوهم لا یمشون من توالی البلاد و لا خطوة. و أنتم اللّه اللّه عصی فیهم، و عصی بأرکابهم انفروا جمیع. و لما وافقوهم فعلوا أعظم مما أمروا علیه، و استقفوهم لما وصلوهم الوادی، ثم أعرضوا أهل عنیزة فلما وصلوا بریدة، فإذا هم طقوق و مکسوریه
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 98
الخواطر، و رجال سلطان کذلک، من هالسبب تراوت روایة سلطان عن بعض الأمور.
أهل عنیزة شدو الحرب، و رکبوا لابن سعود، و أخبروه فیما صار.
ثم طب عبد العزیز الحسن مرکوب من ابن صباح، یرید یتوسط المادة. أهل بریدة لما رأوا ابن صباح متداخل فیها، زادت بهم و لا وافقوا علی شی‌ء، و سلطان کذلک، ثم ظهروا و غزو مع سلطان و شد و نزل البکیریة، و طاحوا علیه أهل البکیریة و الهلالیة و أهل الخبرا و البدایع و أسلموه. فلما وصل هذا الحد، وقف و رأی أن الأمر وقف علی أهل عنیزة یغیرون، و یکسبون من قومه من کل جانب.
فلما وصل الخبر إلی ابن سعود، استغزا الجنوب، و أقبل معه قوم عدیدة بدو و حضر. فلما وصل الوشم، اختبر سلطان شد و رجع إلی بریدة، و استلحق أهل بریدة، و قال لهم: أرید انکف. قالوا: کیف یوم جات الحاجة. قال: ابن سعود ما جا إلّا یدور فی أنا، و إذا رجعت و دخلت حایل أنتم ما فیکم لهم، و لا علی دیرتکم شرهه. و إذا شافنی داخل حایل، انکف. و أنا إذا انکف ظهرت. قالوا: کیف توهقنا، و تترکنا ما یصیر. قال: ما فی لیاقة لابن سعود. قالوا: أجل أثبت عندنا علی جال الدیرة، لأجل ما یروزنا بذلک مراح. و ما دمت فی طرف بریدة ما له فینا طمع و حنا نترقب الفرصة فیه لا بد تحصل، فبقی عندهم و هو کاره، حیث الذی و عدوه ما شافه فی شی‌ء، و هم سکنوه بالکلام، و خفوا أطرافهم.

و فی یوم 15 رجب سنة 1325 ه:

فی رجعة ابن رشید علی بریدة جا أهل عنیزة مقالات هزب و توعد علی عدم موافقتهم علی رأی أهل
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 99
بریدة الذی هم عملوا، ثم همو یمشون یم ابن رشید، و الذی معه من البادیة علی وادی عنیزة یریدون یجدونه عندهم لکن بر خواطر لأهل عنیزة.
أهل عنیزة بلغهم الخبر، و دفعوا قدر ستمایة بواردی إلی الوادی بساعة وصول الخبر فی لیل، و قالوا: أهل الدیرة یلحقون ضبطوا اللّثامة.
و لما أصبحوا شافوا أنه ریح و انفشت.
ابن سعود فی 15 شعبان 1325 ه وصل إلی عنیزة، معه غزو عدید حضر و بدو. استقام یوم واحد و مشی لیلة 17 منه الساعة أربع، و استغزا أهل القصیم، و مشی قبل یصلون إلیه. و أهل عنیزة ظهر منهم أربعمایة ذلول مردوفة سرّا یرید سلطان علی أطراف بریدة، فحس فیه سلطان و شد و دخل بریدة. و لما وصل ابن سعود إلی مکانه، و إذا هو داخل. و لما صار الصبح مشی ابن سعود علی الدیرة، و اظهروا أهل بریدة و ابن رشید. و إذا فیصل الدویش یقبل علی وعد مع سلطان، یرید نصرته طلبا للثأر.
و لا علم بوصول ابن سعود إلی هذا المکان. و لما طالعوا جردته، و وصل علی الطرفیة رکب ابن سعود علیها و لحقها، ثم هجوا عنه، و أخذ تالی جیشهم، ورد علی البیوت و أخذها، و قطع السوادین و نزل ابن سعود الطرفیة.
أما سلطان فأهل بریدة قالوا: ما لنا إلّا نأتیه بغتة، و عقدوا رأیهم علی ذلک، و نبهوا لأهل بریدة بالعرضة، و عرضوا خارج البلد، ثم أغلقوا الأبواب و مشوا فیهم، و أغلب الناس ما یعلم إلی وین. و لما صارت الساعة 8 لیلا، و إذا هم علی مخیم ابن سعود، و إذا ابن سعود و قومه سارین جنس البارجة. و الیوم کله أکاوین، و إذا هم حاطین نواطیر دون
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 100
المخیم، و إذا النواطیر و أهل المخیم دایخین و راقدین، فوصلوا إلیهم ما حسوا فیهم و هیقوا فیهم. قوم ابن سعود من انتبه اعتزا و انتخا، و نطح القوم. و لما شافوا حظور فتنتهم، و سرعة مقاظبتهم إیاهم، انکسر ابن رشید و قومه، ثم رکبوا أثرهم یذبحون و یأخذون الغنایم کثیرة. و الذبح ما هو کثیر، تقریب مائة رجل.
أهل بریدة دخلوا الدیرة و سلطان جنبها معه ستة، أو سبعة خیالة و أخیه فیصل تواسع الأمر، و دخل بریدة و قومهم منهم من زین بریدة و منهم من هج علی وجهه. و استقام ابن سعود هناک الیوم، و من باکر شدّ و نزل أطراف بریدة، الأثمار فی هاک الوقت یانعة، قری بریدة و خببتها کلها هجرها أهلها، و دخلوا بریدة فی عیالهم و نساهم، و الذی أدرکوا من المواشی.
قوم ابن سعود البدو و الحظر أقاموا اثنا عشر یوم و هم یجنون من کل شی‌ء، حتی استکلوا الأثمار و الذی بالقصور.
سلطان طب علی ابن طوالة بالعیون، و أخبره عما جری، و قال برغش: تبی نرکب الآن سبور، یکشفون عن ابن سعود هو وجه شمال فحنا نهج، و إن کان هو نزل علی بریدة.
فإذا حنا ما نسترکض أنفسنا. رجعوا السبور و قالوا: نزل بریدة سلطان حب یروح إلی حایل. إنما قال له برغش: ما یصیر و أنت ما تدری عن أهل بریدة هذی الخیل و الرجال، نبی نتغانم الفرصة من ابن سعود و ندخل بریدة فی لیل، و نشوف شو صار علیهم. لما دخلوا شافوهم آمرین.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 101
ابن سعود بعد ما استقام 12 یوم، انکف علی عنیزة فی آخر یوم من شعبان سنة 1325 ه، استقام یوم واحد، ثم شد و نزل البکیریة یوم 15.
ثم شدّ، و نزل الرس. ثم شد و انکف و دخل دیرته.
سلطان لما تحقق نکوف ابن سعود توجه إلی دیرته أما ابن سعود، و کان حاط سبور علی سلطان و بریدة إذا ظهر من بریدة.
ابن رشید ظهر من بریدة، و دخل دیرته.
تمت المسألة بین أهل عنیزة و أهل بریدة من رمضان سنة 1325 ه إلی ربیع سنة 1326 ه، و النهب بینهم حامی عنیزة صار فیها زقرت و قعدیة یحذفون بأنفسهم علی الطمع، و لو دونه خطر. و لا زال کل یوم الکسوب تلحی من أطراف بریدة.
أهل عنیزة خافوا من تلاف أهل بریدة و رکبوا إلیهم، و قالوا: نبی نتداخل المسألة بینکم و بین ابن سعود، حنا نمون علیه فی کل أمر، و أنتم ما نذخر الذین لکم، و أنتم تدرون أن عزکم عزلنا، و بقاکم کذلک. و حنا نقوی ابن سعود علی أن بریدة و طوارفها لکم، و لا یمشی علیها أمر ابن سعود، و ابن سعود تکفیه نجد دون بریدة، و لا قبلوا.
فی آخر شهر ذی الحجة سنة 1325 ه: جمع ابن مهنا شاشته زقرت بریدة، و من الجنوب و دفعهم إلی البکیریة، و الأمیر فیها عبد اللّه الراجحی منصوب ابن سعود، طبوا البکیریة و أهلها أجاوید ما هم یخالفون علی أحد. و لما شافوا الرواجح شغل أهل البکیریة شردوا و زبنوا الهلالیة، و إذا هی ذلیلة و لا زبنوهم، أما جماعة ابن مهنا دخلوا البکیریة، و سلمت لهم ثم لحقوا الرواجح بالهلالیة، و ذبحوا عبد اللّه، و اثنین من حمولته.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 102
و قبضوا علی البکیریة. ثم طبوا الرواجح عنیزة و بعضهم راح إلی ابن سعود، و بقیت الحال علی الصورة.
فی ربیع أول سنة 1326 ه: ظهر ابن سعود غزای معه أهل الجنوب البدو و الحظر، وصل المستوی عن بریدة یوم واحد، و إذا جماعة أهل بریدة متعیفین من ابن مهنا. و لما تحققوا ظهرة ابن سعود، نطحوه رجال یجذبونه، فواصل السیر إلی قرب بریدة. و لما وصل وادی عنیزة فی 25 ربیع أول لیلا، ناطحه رجال من أهل بریدة یقول: إنهم یقولون ما هو اللیلة لأنهم ما سنعوا الدرب، فانقلب إلی عنیزة و دخلها.
أهل الخبوب اختبروا و جاؤوا إلیه فی عنیزة، و طاحوا علیه وعی یقبلهم هو عنده. و قالوا: خف اللّه حنا لک، ما دربنا درب ابن مهنا. قال:
أنا لکم علی وحده أنکم أول تعاهدونی أنکم عدو لابن مهنا الثانیة أنکم الصبح تعارضنی فزعتکم، یا أهل الخبوب کلها بالخظر، و الذی یتأخر تری ما هوب بالوجه. قالوا: تم. و راحوا.
و لما مشی ابن سعود، عارضوه فی مثناة الدرب، و عرضوا عنده و قالوا: یا أول من یرکض علی بریدة، إنه حنا، رکب معه غزو عنیزة و غزوان القصیم تلافت علیه، و لما أقبل علی أطراف بریدة و إذا هو وقت حصاد الزروع.
عدموا زروع کثیرة و خربوا قلبان بالصباخ، ثم قصد شمال عن بریدة فی طرف الشقة، یرید منزل له فبلغه فی ذاک الیوم خبر أن ابن رشید ظهر، یرید نصرة أهل بریدة. ثم ثور یرید مقابلة ابن رشید. و لما وصل، إلی الکهفة، رجعت إلیه سبورة قالوا ابن رشید فی دیرته ما ظهر و شمرا
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 103
استنذروا و هجوا و الموالی منهم برغش ابن طوالة زبن فید- قریة بأطراف حایل- قال ابن سعود: انروح علیه، فواصلوا السیر إلی أن وصلوها و ابن طوالة، طق البیوت تحت الجدار والدیش، و غیرها بالقریة ابن سعود نزل و قابله و قال نبی نزحم علی القریة.
برغش خاف من ذلک، و أرکبوا لابن سعود النساء المغطیات منهن بنت برغش. و طاحن علیه، و تلفلفن علی رجلیه، فقبل. ثم رکبن من عنده و جاء إلیه برغش، و طاح علیه، فقبله، و صاحبه برغش، و طلب من ابن سعود أنه یرکب إلی سلطان، و یقول له: أنا قضیت أنا و ابن سعود فإن کان أنت رضیت بالعلم، فحنا ربعک أمس و الیوم، و إلّا فالوجه من الوجه أبیض، ما حنا قاعدین نلوف غیلاتنا، و عاهد ابن سعود علی هالعلم، أی برغش إن سلطان له حایل و شمر، و نجد ما له فیها اتصاله، فإن ما قبل فإنی معک علیه.
ابن سعود ثور و قصد القصیم، و لما أقبل علیه، قصد البکیریة طوارف ابن مهنا. دخلوا القصر، و طلبوا من ابن سعود الأمانة و أمنهم، و حولوا و روحهم إلی بریدة، و هو نزل البکیریة. ثم کثروا الذین مالوا مع ابن سعود، و رکبوا إلیه یجذبونه، فرکب قاصد بریدة، فقابله الرسیسة، و قالوا: الموعد الساعة واحدة و نصف لیلا، الباب الشمالی.
ابن سعود مشی علی هذا العلم، و لمّا أذن الأخیر، و دخلوا الناس المساجد نوخ قبال الباب الشمالی، و رکضوا أهل العارض علی الباب و إذا ربعهم و المین هجو الباب و دخلوا صاح الصیاح فی بریدة بالأسواق بعض رمی قلیل من الزقرت، ثم فکروا و إذا أهل بریدة کل داخل بیته و المهنا،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 104
کلهم دخلوا القصر و حکموه. بطلت الفتنة، و فتحوا قهاویهم أهل بریدة، و البخیت الذی یقهوی ابن سعود هاک اللیلة. لما صار الصبح، احظروا أهل بریدة کلهم، و بایعوا ابن سعود.
المهنا فکروا و إذا القصر خالیا من الطعام و غیره، فطلبوا الأمان من ابن سعود، فأمنهم و حولوا و واجهوه، ثم زملهم و حملهم و أرکبهم إلی الزبیر، و روح معهم الرباعی، و نزل القصر فی عشرین ربیع ثانی سنة 1326 ه، و أرسل بشیرا لکل محل من عرض البشرا واحد أرسله إلی سلطان. و لما وصل البشیر إلی العیون، و إذا مرکوب من سلطان یوافقه قاصد ابن سعود. هذا واصل سیره إلی حایل حذاک إلی ابن سعود، و إذا سلطان قابل العلم و صابر بالشروط، و علی ذلک صار الصلح.
ابن سعود بعد ما أخذ بریدة، أرکب العمال للعربان و زکاهم حرب عتیبة و مطیر و بادیة الجنوب، ثم انکف ابن سعود و دخل دیرته فی جمادی الثانی سنة 1326 ه، و نصب فی بریدة عبد اللّه بن جلوی.
أما سلطان ففی ربیع أول همّ بالمغزا شمال و لما وصل الجیش و رکبوا لغزو جو السبهان إلیه و قالوا: عندنا جنازة نرید نجهزها و نلحق، قال: سلطان ما یخالف، و لما ظهر سلطان لاحق البیرق ظهروا السبهان هم و طوارفهم، و أخذوا سعود ولد عبد العزیز المتعب الذی هم خواله، و قصدوا المدینة، و لما وصل الخبر إلی- سلطان همّ یطلبهم فقالوا أهل حایل: ما تدرکهم لأنهم عارفین أنک تبی تطلبهم و مدبرین أمرهم، قصد أهل حایل خایفین علیهم و متحسفین بهم.
فلمّا صار الصلح بینه و بین ابن سعود و إذا هو و أخوه سعود الحمود
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 105
ما هم زینین، و سعود ما هو راضی فی تدبیرات سلطان، ثم إن سلطان طابت نفسه من الإمارة، و من حایل و إذا أخیهم فیصل بالجوف، قال سلطان لسعود: أخوی أنا طابت نفسی من الإمارة و ودی أستریح، و أبی أروح إلی أخوی بالجوف هذی حایل و إمارتها. قال سعود: ما یخالف، ثم إن سلطان ضف النقود و رکب هو و ابنه معهم أهل خمسین ذلول و نحروا الدبش و عزل طیب الجیش و أخذه، بعد ما راح جو ناس من أهل حایل قالوا لسعود: سلطان ما علمه زین، و حنا مطلعین علی بعض الأمور و أخبروه بصدق و کذب ابن سعود و نبه علی أهل حایل بالمطلاب، و أطلبوا، ثم لحقوا سلطان و أکانوا علیه لیل و هرب سلطان و ابنه، و أخذهم سعود و روّح مدوایر فی ساقة سلطان وجدوهم مختفین فی غار، فقبضوا علیهم و جابوهم إلی سعود فحددهم و دخل بهم محددین، و جدعهم بالجس و قتلهم فی آخر جماد أول سنة 1326 ه.
فی شعبان صار بین أهل حایل و السبهان مواصل و أوروهم أهل حایل الشفقة و کرهان للعبید، و السبب أنه فی شیخه سلطان و سعود بعد ذبحت أولاد عبد العزیز الناس یجلون من حایل بالیومیة خفیة منهم من یقصد المدینة، و منهم من یروح إلی ابن سعود، ثم زاد الأمر و توثقوا السبهان و جمعوا قواتهم و طوارفهم و ظهروا من المدینة، و سطوا فی حایل، و إذا أهل حایل و المین فأخذوا الدیرة، و قبضوا علی سعود و ذبحوه، و شاخ حمود السبهان و حبوه أهل حایل و شمر، و فی رمضان غزا جنوب أکان علی الحمیدانی شمال بریدة و أخذه و أنکف، و لما وصل حایل مرض و توفی آخر سنة 1326 ه.
ثم شاخ زامل بن سالم السبهان فی آخر سنة 1326 ه.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 106

و فی ذی الحجة سنة 1326 ه:

ظهر ابن سعود بأهل العارض و عدی شمال، و أکان علی شمر و أطراف حایل و أخذهم، ثم جاءه بعد الکون أن ابن سبهان عدی قبله ناحر عتیبة و مخلی رحلته علی الشعیبة و راح إلیها، و أکان علی الذی معها، و أخذها فی أول محرم مبتدی‌ء سنة 1327 ه.
ابن سبهان لحقه الخبر عن أمر ابن سعود أنه عقبک و هذا ما فعل، فصاحوا شمر و قالوا الغنیمة، فکت محارمنا لا یدوسها ابن سعود، و المعادی لاحقین علیها، رجع ابن سبهان و طفح سبورة یتوکدون محل ابن سعود، و لما قرب منه رجعت إلیه سبورة، و قالوا: هذا ابن سعود، و إذا ما بینهم و بینه إلّا قدر ساعتین.
ابن سعود مروح سبور و مخبرینه أن ابن سبهان لحقه العلم، و رجع علیک و أخبروه عن مکانه، العلم وصلهم کلهم آخر النهار، ابن سبهان همّ یهجد ابن سعود لعله یجیه بغرة، و ابن سعود تهیأ للهجاد، و لما صارت الساعة ثمان لیلا ورد ابن سبهان و إذا ابن سعود صاحی، تضاربوا، فلما صار الکون و شافوا أن ابن سعود صاحی انکسروا، ثم وطا جریرتهم ابن سعود، و للیل کل شی‌ء یغدی فیه قتل علی أهل حایل خمسین رجال، و أخذ بعض جیشهم و بتلوا فی منهزامهم إلی حایل.
أما ابن سبهان فرجع إلی دیرته، و أما ابن سعود فرجع إلی القصیم.
فی أول عام 1327 ه: استغزا ابن سعود أهل القصیم و ظهروا معه، و أشمل، فلما وصل الأجفر جأته سبورة، قالوا: شمر کلهم هجو و لا قدامک أحد، ثم عود بأول صفر سنة 1327 ه، و انکف و دخل دیرته.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 107
فی هالسنة المذکورة سنة 1327 ه: وقع فی نجد قحط و دهر، و لا طاح أمطار بالسنة کلها المواشی تلف منها شی کثیر، و الأطعمة غالیة جدّا.
فی شعبان سنة 1327 ه: انقضوا العهد الهزازنة، و قاموا معهم أهل الحریق، فتوجه إلیهم ابن سعود و حاصرهم، ثم طاحوا علیه أهل الحریق، و أما الهزازنة و توابعهم بنو القصر و حربوا فیه. حاصرهم ابن سعود فیه قدر أربعین یوم، و هم معتصبین و فاکین أرواحهم.
ثم قام فرقة من أهل الحوطة و کاتبوا الهزازنة و هم بالقصر، و تمالوهم و إیاهم علی المساعدة، و أربطوا جواب بینهم علی أنهم یظهرون أهل الحوطة، و فی الوقت المعین یاصلون الوعد الذی بینهم، حتی أهل القصر و الهزازنة یظهرون و العلم الذی بینهم أن أهل الحوطة یرابطونه من شمال لما تثور البندق علیه منکم من جنوب، مشوا الرجال علی هالعلم، وجا الخبر لابن سعود، و لما صارت الساعة الذی هی و عدهم خلی أخیه محمد معه ربع یقفون بوجه أهل القصر، و عبد العزیز نطح أهل الحوطة، و لما ظهر من المخیم و شافوه هجموا قبل کل شی‌ء فلحقهم، و قتل منهم قدر أربعین رجل، و أخذ رحلتهم، و لما وصلوا إلی الحوطة رکبوا کبارها إلی ابن سعود و عاهدوه أن الأمر خافی علیهم، و الذی أجروه جهّال، فسمح عنهم ابن سعود و طلب السلاح الذی ظهر معهم، و سلموه له، و الهزازنة بعد ما نزلوا من القصر، و إذا الأمر صایر علی أهل الحوطة فتغنموا الرجعة.
بعد هذا الهزازنة تواسعوا الفرجة ثم طلبوا من ابن سعود المنع
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 108
و عطاهم علی أرقابهم، و حولوا و أخذ الذی بالقصر، و حط فیه ابن جابر و انکف إلی الریاض فی رمضان سنة 1327 ه.
و فی آخر هالسنة ظهر ابن سعود فی ذی الحجة یرید المرباع للدیش، و إذا فی ذاک الوقت العرایف سعود بن عبد العزیز، و سلمان بن محمد صایر معهم هرج بینهم فی عبد العزیز، و الذی مدخل فی أفکارهم سعود بن عبد العزیز، یقول: إن عبد العزیز- أی عبد العزیز بن سعود- یرید یقتلکم، ارفعوا عمارکم تراکم غنم عند جزار و من هذا القبیل من الکلام.
و لما ظهر عبد العزیز بن سعود هاک الیوم توخروا عنه العرایف بعذر أن لهم شغل، و لما فات عن دربهم ظهروا و قصدوا الکویت، و سعود بن عبد العزیز قصده الشیخة لا سواها و لکن اللّه ما أراد، و إلّا هو ما ترک سبب ما فعله، ثم وصلوا الکویت نزلوا علی مبارک الصباح و إذا فی هاک الوقت بینه و بین سعدون و الضفیر عداوة، و المذکور ابن صباح جاعل فی الجهرا عرضی و ظنوا أنه یحتاج إلیهم، و لکنه ما التفت لهم مجاملة لعبد العزیز لأنه محتاجه.
أما ابن سعود فانحدر و قرب من الکویت، ثم أرسل إلیه ابن صباح یطلب قدومه إلیه لأجل السلام، و انحدر عبد العزیز و طب الکویت و واجه ابن صباح، و سأله مبارک بن صباح عن سبب رواح العرایف، قال ابن سعود: ما عندی خبر أسألهم، و أراد ابن صباح یصلح ذات بینهم، و لکن العرایف ما قبلوا، یقولون القلوب شانت و لا ناثق. قال ابن صباح: أجل هم عندی مقروعین و ممنوعین الحرکات، و لما شافوا أن هذا الذی عند
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 109
ابن صباح ارتقبوا الفرصة و شردوا بلیل و طبوا علی العجمان.
ابن صباح عرض علی ابن سعود المعدی علی سعدون و الضفیر، و لما شاف شهرته وافقه، و إذا بادیة النقرة کلها حاظبة مطیر و أهل الجنوب کلهم، و أظهر ابن صباح أهل الکویت کبیرهم ابن جابر و ابن سعود معه قومه المذکورین، صاروا قوم کثیر ما قط تلی حاکم کثرهم، و صار معهم زود و رهی، و قالوا مقالة الصحابة فی غزوة حنین: لن نغلب الیوم من قلة، و الحقیقة و مالنصر إلّا من عند اللّه سبحانه.
عدو من الجهرا و وردوا علیهم و إذا هم منوخین، لما فاضوا علیهم و مشا بعضهم علی بعض قبل یتقاربون انکسروا أهل الکویت و ابن سعود من غیر فعل، و انهزموا و لحقوهم قبلاهم، و أخذوا أغلب جیشهم و حملاتهم و الذبح من الجمیع قلیل، رجعوا علی الجهرا. و أظهر ابن صباح لهم عوض عن الفایت أحسن منه من جیش و غیره و خیام و شرع، و استقاموا ینتظرون الفرصة، و لکن قبلاهم انفهقوا و سعدون دخل و نزل، ثم انکف ابن سعود و دخل دیرته فی جمادی الثانی سنة 1328 ه.
فی ربیع ثانی سنة 1328 ه: ظهر ابن سبهان و کان علی عتیبة بقرب الشعرا و أخذها و رجع مع غرب القصیم من توالی صبیح و النبهانیة، و أرسل دخیل أبا الصفا معه خط لابن سلیم و فیه یقول: تعلمون ما أجری اللّه علی ابن سعود بعد انکسارته. یعنی یوم سعدون، و فی هاک الوقت و ابن سعود بالجهرا یقول: ما أجری اللّه سبحانه علینا و هذا من مکره و حوزه بالرعیة، و هو طاح و لا هو حروة الثورة، جتنا الحقایق عنهم و أنا إلی عقد الصحبة معکم، و أنا أطیب لکم من ابن سعود، أما عنیزة فو اللّه إنی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 110
معاهدکم باللّه أنها لکم، و لا یدخلها أحد و لا یظهر منها أحد إلّا بأمرکم، و إن کان فیها مصلحة تکافیکم فما طلبتوه منی جاکم کثیر أو قلیل، و خذوا منی توثیق باللّه و أمان اللّه، أنا جنبت القصیم کله أدور الزین.
أرسل له ابن سلیم جواب قال: أما تجنیبک القصیم فتعلم أن کل شی‌ء وراه أخبث منه، و أما إعطاک عنیزة إیانا فالذی معطینا إیاه اللّه سبحانه، و أما ابن سعود فاللّه سبحانه و تعالی بیننا و بینه، و لا إن شاء اللّه نغیر نعمة اللّه علینا. ثم رجع ابن سبهان و دخل دیرته.
ابن سعود ظهر فی رجب و عدی فی شمر و انتذروا و رجع إلی القصیم، ثم جاء خبر أن الشریف حسین بن علی یرید نجد، فأظهر أخیه محمد و نزل مع عتیبة، شدّ منکف و جذب أخیه محمد و سار إلی الریاض، فلما أقبل علی البلاد قابله الخبر أن العرایف سطوا بالخرج و أخذوه، و المنصوب فیه ابن معمر دخل القصر و هرب فیه دعوة، وعیا أما ابن سعود بتلها ما دخل الریاض.
و لما أقبل علی الخرج هرب العرایف. فی توجه ابن سعود للخرج رجع أخیه سعد یستلحق عتیبة ابن سعود أخذ الخرج. العرایف بتلوها ناحرین الحریق معهم عزیز الهزانی فلما وصلوه سطوا فیه و أخذوه، الذی بالقصر ابن جابر یوم أخذ الحریق طلب منها المنع و عطوه، و نزل و ضبطوا القصر.
ابن سعود هم بالمناجزة معهم، و إذا الخبر یرد علیه بأن الشریف نزل القویعیة. و قبض علی سعد أخو عبد العزیز و ربطه و أخذ جیشهم و خیلهم، فقال ابن سعود: هذا الأمر أبدی و رجع من الخرج و أرکب رجال استغزا
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 111
الجنوب، و غزو کلهم أهل الوشم و سدیر و المحمل و الجنوب الأقصی، و أومأ لبادیة الجنوب، و قاصد الشریف.
الشریف سبب مظهاره الأشرار کثروا علیه الأشوار، و قالوا: أهل نجد مالین من ابن سعود لکن ما جاهم أحد یرتکون علیه و الاهم و المین لأی أحد، و أنت لو تظهر و تأصل رکبه أو یعلمون فیک ألا نوخت علیک رکابهم، فإذا وصلت نجد طاحوا یبینوا الذی عندهم علی ابن سعود، و أخذ هالجواب رأس مال، ثم کاتب ابن سبهان مشی فی هالوقت نرید نأخذ نجد، أما ابن سبهان فکّر و إذا أهل بیشة هم فوه الشریف.
أما الشریف بعد ما وصل نفی أرسل لأهل شقرا یرید طعام یشتری، قالوا ما عندنا شی‌ء، ثم أرسل للرس قالوا: کذلک، ثم أرسل خط لأهل عنیزة قال: إنی وصلت و المقصد أن رعایا ابن سعود مستاذین منه و مالین، و هو أتلف الرجال و أذهب الأموال، و أنتم یا أهل عنیزة خصیصة لنا و عندنا وصیة ابن عون لأهل عنیزة، و أنا أبی منکم السمع و الطاعة، حتی الذی غرکم یقتدی فیکم و یأخذ رواتکم، و لا تکفیه، و أنا ما لی فیها حاجة یکفینی منکم السمع و الطاعة حوزتنا و أنا أکفیکم ابن سعود.
وصل الخط إلی أهل عنیزة و استلحق الأمیر و تراودوا علی مجاوبته و جاوبوه فی رمضان سنة 1328 ه مضمونه: مکتوبکم وصل و ما عرف جنابک کان معلوم، و لکن أنت مغرور لأهل نجد عندنا ما اشتکوا و لا استأذوا من ابن سعود، و هذا تزویر من الأشرار الذین یحبون إثارة الفتن و أن تشیع الفاحشة بالمسلمین، و هؤلاء إذا بغیتهم ما لقیهم، أما حنا فحنا و ابن سعود متساعدین علی طاعة اللّه و رسوله و بیننا و بینه عهود اللّه
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 112
سبحانه، و أرقا بنا فیها بیعة له و لا نحللها لأحد، و الدین النصیحة حنا نشیر علیک قبل کل أمر شین أنک ترجع و إلّا ابن سعود تراه یأتیک بساعة ما یبلغه الخبر، و حنا متحسفین و السلام.
وصله الخط و دعی بعض من الذین حسنوا له المظهار، و قال: أنتم تقولون: ما تظهر من الریعان، و رکاب أهل نجد تلاقیک، و إذا وصلت نجد طاحوا کلهم، و الآن نرید طعام و لا ظیفه، و لا عزیمة منهم، و نرید بثمن و إذا قرعنا باب قالوا علی اللّه، و هذا خط أهل عنیزة و أنا أعلم عن صدقهم علیه. کلام انبهتوا و هو شق علیه الأمر.
أما ابن سعود بعد ما جهز أهل نجد البادیة و الحاضرة مشی قاصدا الشریف، و لما وصل، و إذا الشریف مشتری منهم طعام و مخلیه یطحن، و بقی عنده [...] ، و لما أقبل علیه ابن سعود هرب ابن معتق، و أخذه ابن سعود و ذهبه إلی الشریف فی نفی، و لما قرب منه أرسل له خط، و قال: کان أنت ظاهر ترید القتال فأنا وصلت و أبرز للقتال، و إن کان أنت ظاهر للفرجة فأطلق سعد و أرکب رکابک و انحر مکة ساعة وصول الخط إلیک، و اللّه إنک ما تأخر إنی لأهجم علیک بالقصر، و اللّه إنی معاهدک ما امتنع و یا منداة قومک أن یحیل الحول ما جفت، لکن انحر مکة و أنت بوجهی و أمان اللّه و ترانی متحسف فیک یوم اکتب لک الخط، و إلّا کان هاجم علیک بلا مراجعة .
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 113
و لما وصل الخط إلی الشریف ارتعدت مفاصله و أرسل لعتیبة الذین و صلوه هالمیصال و تفلتوا عنه، ثم أطلق سعد و کسی خویاه و حشمهم و دفعهم لابن سعود، و انکف و نحر مکة و صار یشتم ابن سبهان حیث إنه و هقه و خلاه، و ابن سبهان شاف المادة ردیة و إلّا ما هوب ذاخر أما ابن سعود رجع و نزل عنیزة فی آخر یوم من رمضان سنة 1328 ه، ثم شد و نحر الجنوب و لا أرخص للغزو من الریاض و بتلها ما دخله ناحر الحریق.
لما أقبل علیهم استحسوا فیه و إذا هم جازمین علی مکاونه، لما قرب البلد ظهروا العرایف و أهل الحریق و تقابلوهم و إیّاه، و صار کون جید ذبحت فرس عبد العزیز من تحته فی هاک الکون، انکسر و العرایف و أهل الحریق و دخل ابن سعود البلد و استولی علیها و عاتب بعض أهل البلد، و خسر و سبا و جلا منهم.
العرایف هربوا ترکی بن عبد اللّه قصد البحرین، و سعود بن عبد اللّه العزیز و عزیز الهزانی و خمسة و عشرین نفر طبوا وادی الدواسر الفوعلی، راع السیح، فقبض علیهم راع السیح و أرسل لأحمد السدیری منصوب لابن سعود بالبوادی، بأن هؤلاء قدموا علینا و هذا أمرهم و هم مخفین الأمر و قبضنا علیهم إلی أن نراجعکم فالآن ماذا تأمرنا علیه؟ قال السدیری: وثقهم و أرسلهم لنا ففعل راع السیح بأمرهم، و بعد ما وصلوا إلی السدیری أرکب لابن سعود یخبره بذلک، و أجابه ابن سعود: عزیز
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 114
الهزانی و خمسة و عشرین النفر إذبحوهم و سعود بن عبد اللّه أرسلوه إلینا، ففعل السدیری بأمره، و بعد ما وصل سعود إلی ابن سعود سأله: إیش الذی جاکم یا سعود؟ ماذا شفتوا منی؟ أخبرنی الذی جاکم و لا تستحی و أنت فی وجهی، قصدی أشوف هالأمر الذی جاکم خافی علی، و الذی حملکم علی القضیة لازم تخبرنی بالصحیح قدام هالحظور.
قال سعود: إنی أخبرک، و اللّه العظیم فلا شفنا منک إلّا الوفا و العون و الحشیمة، و لکن هذا من همزات الشیطان و لا شک، و الیوم العفو یابو ترکی، قال ابن سعود: ما نویتک فی شر، و الیوم کان تبی ربعک فأنت فی وجهی و أمان اللّه حتی تأصلهم فی أی محل کانوا، و إن کان تبینی أنا فاللّه یحییک، فقام سعود و طاح علی عبد العزیز بن سعود، و قال: و اللّه إنی معاهدک باللّه إنی معک و الحمد للّه الذی ردنی علیک.
سعود بن عبد العزیز و سلمان بن محمد و بقیتهم فی منهزامهم وافقوا نزعه لأهل الحوطة جایین یریدون نصرة العرایف و أهل الحریق، و لما وافقوهم انصرفوا أهل الحوطة عنهم و رجعوا إلی أهلهم و خلوا العرایف، العرایف تغانموا المبادر و نحروا الحوطة.
أهل الحوطة لما اطلعوا علی الأمر و أقبلوا العرایف علی البلد، ردوهم و لا خلوهم یدخلون، ثم العرایف سندوا إلی مکة و طبوا علی الشریف.
أهل الحوطة رکبوا إلی ابن سعود و تعذروا منه، و عاهدوه، ثم حطّ علیهم نکال و صبروا فیه و سمح عن العتاب، و رتب بالحریق، و انکف علی العارض فی آخر سنة 1328 ه.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 115
فی صفر سنة 1329 ه: ظهر ابن سعود غزای و استغزی أهل نجد، و لما اجتمعوا انحدروا عدی بالضفیر، و إذا الضفیر طایحین علی ابن صباح و قابلهم، اختبر ابن صباح فی معدی بن سعود بالضفیر، و أرکب رجال، و قال: أمکن ابن سعود قبل یکین و خبره بأمر الضفیر، رکب رجال ابن صباح و عارض ابن سعود بقرب الضفیر و بلغه و امتنع عنهم، ثم عدی فی ساهود ابن لامی و أنذروه الضفیر، و نزل الزبیر و نحره ابن سعود، فلما أقبل علیه ظهروا أهل الزبیر و توجّهوا علی ابن سعود، و عفی عنه، و رجع و نزل الجهرا، و تواجه هو و ابن صباح و من قبلها بشهرین ابن صباح و سعدون زاینین.
شمر و عنزة تقاربوا، و ذلوا شمر منهم، و جدبوا ابن سبهان و ظهر علیهم و نزل الحجرة، و إذا سعدون خاطره ملیان علی الضفیر یوم زان هو و ابن صباح حب التحجرف علیهم، ثم رکب و طبّ علی ابن سبهان و شکا الضفیر، و إذا کبارهم طابّین علی ابن سبهان جودهم ابن سبهان و حطّ علیهم ألفین ناقة، نکال، و صار و جاهه و طاح خمسمایة، و ساقوا ألف و خمسمایة ناقة، و أطلقهم، و طبّوا علی أهلهم، ثم انکف ابن سبهان و دخل حایل.
لما فات بعد ذلک شهرین تقریبا و إذا الضفیر و سعدون متقاربین، و فی یوم دبش الجمیع مختلط، و إذا الضفیر رابطین علی جواب، ثم رکضوا علی الدیش و أخذوه کله و ضفوه دبشهم و دبش سعدون، یوم شافوه [قالوا حلالکم] بالضفیر، و صارت واحدة بواحدة.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 116
أما ابن سعود فشد من الجهرا و جنب و عدی و أکان علی ابن منیخر، و إذا هو صدیق فأدّی علیه، ثم نحر الحسا و فیه هاک الوقت ترکی بن عبد العزیز و مفسدة معه من أهل الجنوب، مدورة الأطماع من طیحا البوادی، فلما نزل ابن سعود حولهم شدّوا و نزلوا الرقیقة، و دخلوا فی قرایا الحسا، ثم طلبهم ابن سعود من الدولة و من أهل الحسا، قال هؤلاء مفسدة و یخربون البقع الذی یأوون إلیها انفضوا علیهم، ثم اطلعوا علی هالجواب المتلفقة [...] .
حنا بین إیدیه، و لا یریدنا، لکنه یریدکم أنتم و شافنا عندکم، و حب یزتنا عنکم لأجل یتوحد فیکم، دخل فکرهم هالجواب، و ظنوا أن هؤلاء فزعة لهم، و عیوا علی ابن سعود ثم أحربهم و حاصرهم قدر شهرین و نصف، ثم قاموا هالذی مجتمعین بالرقیقة، و جهّزوا علی ابن سعود فی وسط النّهار، و قومه هاک الساعة متفرقین بالقرایا ما حسب هالحساب، قابلهم بالذی بالمخیم من القوم و لما أقبل بعضهم علی بعض و إذا ترکی بأول القوم، و یسوق اللّه علیه سهم و یقتله، و ینکسرون القوم ما صار کون و لا مقارب و لا فقاید من الطرفین إلّا هو، ثم أرسل ابن سعود للدولة و لأهل الحسا، و قال: المقصد هالولد و عثرة اللّه، و البادیة ألقاها بأی محل، ثم شد و انکف و دخل الریاض و أرخص للغزوان.
فی جمادی الأول سنة 1329 ه: جا أمر من الدولة للشریف أن یمشی علی الإدریسی فمشی من مکة بالعرب، و الدولة جهّزت أطواب و ذخائر و مهمات عدیدة من بحر ثم ظهروا علی الشریف، فلما وصل إلی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 117
الإدریسی صار الحرب بینهم و طال، و لم یدرک مقصد، فرجعوا و الإدریسی تفاهم و صار یأخذ الذی یخفون عنه، فلما وصل مکة صار مع الشریف فکروهم فی حرب نجد، و أرسل إلی بادیة عتیبة، و صار یعطیهم و یمنیهم و خف معه جملة الروقة و بعض برقا، و فی رمضان نبه فی مکة بأن لا یقدم علینا أحد من نجد تری الذی یجی مأخوذ.
ثم فی هالوقت توحشوا عتیبة من ابن سعود و رکبوا إلیه و حسنوا له الجواب، و ظهر غزای فی رمضان، و غزوا عتیبة معه، و أکان علی مخلط حروب و عبادل فوق الصفویّة و أخذهم، ثم ثاروا عتیبة فی کسوبهم کل قام یعزل، و لا بقی منهم إلّا الشیوخ، ثم انفهق و نزل نفی، ثم أبقی رحلته و عدی فیهم ما معه إلّا أهل العارض و أکان علی بوخشیم، و إذا العرب متنازلین و متقاربین، فلما صار الکون جهزوا کلهم علی ابن سعود الصدیق منهم و القومانی، و صکّوا فیه و تواسع الأمر و انفهق، بانهزاعه و خمطوا علیه بعض الجیش، و انتقص فی قدر أربعین فرس بین الذبح و القلع.
و رجع و قصد القصیم، ثم رکب من القصیم و عدی فیهم و انتذروا فیه و هجوا و لا حصل منهم إلّا غنم قدر تسع فرقات، ثم نحر دیرته فی آخر شوال سنة 1329 ه و عند معداه روح سریتین یرید بداید عتیبة وجه إلی الحوطة، و لا أمکنتهم له قد قضوا و أقفوا و نوجه للوشم و أمکنوهم و أخذوا علیهم قدر ألفین بعیر.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 118
فی شعبان سنة 1329 ه: همّت الدولة فی سعدون و أظهروا إکرامه و إتمام أمره بالذی یرید، ثم استلحق والی البصرة، و لما وصل إلیه حبسه ثم أرسله إلی بغداد، ثم إلی حلب، هذا و هم یمنونه و یستخصلون الذی عنده، فلما استکملوها عطوه سقوه و أرخصوا له بالرجوع، ثم استقام ثلاثة أیام و توفی فی ذی الحجة، ثم أن الشریف أظهر العرایف مع عتیبة و بعد ما طبّوا علیهم غزوهم و إیاهم و [...] علی فریق قحاطین و أخذوهم.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 119

و فی محرم سنة 1330 ه:

ظهر ابن سعود و استغزا أهل نجد و ظهروا و تزل لهم، [...] إلیک و تکاملوا علیه، و فی عشرین صفر عدی فی عتیبة و انتذروا و هجوا و أسرو و أکان مخلط شیابین و غیّرهم، و أخذهم علی عروی فی 25 صفر، ثم دخلوا قومه بأطراف ضرما و دخل الریاض، و أرکب بن عذل للشریف أربع أفراس و أربع عمانیات هدو للشریف، و ظهر و نزل علی المخیم، و فی آخر ربیع أول عدی علی عتیبة الذین نازلین مع العرایف، ثم وطی‌ء فرقان عتبان فیهم یبی العرایف و لا مکّنه اللّه منهم، العرایف هجوا و زبنوا شعبا، ثم [...] و أکان علی ابن محیا فی ثالث ربیع الثانی و أخذه و ذبح عفاس، و ذبحت فرسه و هی غالیة علیه جدا، لأنه بلغ ابن سعود أن عفاس معاهد اللّه أنه إن شافت عینی قوم ابن سعود إنی لأحذف عمری علی عبد العزیز لو یجمع قوته و لا أقف دونه فلا أحرف راسها عنه، فقال ابن سعود: و اللّه و نعم یصل ظفر منی لکن و اللّه لو یدش البحر عفاس إنی لأصلها علیه و ینطحه أحد العبید، و کونه علیهم بین الخنوقة و الشعرا، ثم انکف إلی الریاض و أرخص للغزوان.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 120

و فی محرم سنة 1331 ه:

ظهر- ابن سبهان و انحدر و نزل بوغار، و جا إلیه ولد [...] ینحاه علی الضفیر، ثم ابن سبهان استلحق شمر و نزلوا علیه کلهم و استلحقوا الزیاد و البدور و تناوخوهم، و ابن سبهان قدر خمسة و أربعین یوم ثم ابن سبهان استلحق علیهم مطیر و جاؤه، و لما وصلت قلوطهم إلیه کاونهم هاک النهار و کل منفهق علی حمیاه.
ابن سبهان أرسل رجال یقابل مطیر، و قال لهم: هذا ما وقع الیوم، لکن امسکوا [...] إذا صار باکر نجهز علیهم، و أنتم صیروا علی و لم إذا مشینا علیهم و مشوا فأنتم غیروا علی البیوت، ثم فعلوا ذلک، لما تناشبوا غاروا مطیر علی البیوت لما شافوا الضفیر أن الغارة علی البیوت تنکسر و انکسروا، ثم أخذ ابن سبهان له بعض الحلال، ولد سعدون جنب الطمع و خلا وجهه لإناثی ما مسک منهن قص شعر رأسها، و الکون حصل فیه ملحمة جیدة و فقاید قتل من قوم ابن سبهان قدر ستین رجال، و من الضفیر قدر ثمانین، ابن سبهان عنده قدر خمسة و عشرین رجال صوبا و روحهم إلی السماوة [...] ، و لما علموا فیهم الضفیر و إذا هم مجروحین بالذی فعل بنسائهم [...] .
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 121
فلحقوهم و قتلوهم کلهم صبر، و الکون وقع فی خمسة و عشرین ربیع الأول سنة 1330 ه، ثم شدّ ابن سبهان و انکف و دخل دیرته فی ربیع الآخر.
***
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 122
و غیرهم و العقیلات أکثرهم کسر و سلم سلاحه، و هو علی صمصمته ما یقبل أحد منهم یجی إلی مکة من نجد.
ثم العرایف غزو من وادی سبیع و دهجوا العتبان، و غزوا معهم و أکانوا علی الذویبی علی خل البواهل من نواحی السر فی صفر سنة 1331 ه، و أخذوا علیه قدر ثمانیة قطعان، و فرسوا الحلة، ثم ترایعوا الحروب و رجعوا علیهم، و صار بینهم فقاید و ردوا قدر خمسین ذلول من العتبان، ثم انکفوا العرایف، و أکانوا علی العبادل العلوین بجهة الحرة، و أخذوا علیهم أباعر و بعض الحلة، و قلع علیهم خیل و الکون فی آخر ربیع الأول.
ابن سبهان ظهر غزای و جذب أهل الجزیرة و جاه منهم خیل کثیرة، و عدی و أکان علی البرقاویة بجهة عکلیّة فی عاشر جمادی الأول سنة 1331 ه، و أخذ علیهم طرش کثیر و غنم و حلة، و قلع علیه خمسین فرس، و کوّنه علی ابن عقیل و ابن سحمان و فرقان معهم.
ثم انفهق و عدی فی خمسة و عشرین جمادی الأول علی ابن نجم، و انتذروا العرب فیه و هجوا ثم ورد علی المنزل، و إذا العرب هاجین ثم أطلبتهم الخیل و لا لحقتهم، و رجع و انکف و دخل دیرته، و فی هالوقت و زامل السالم و سعود الصالح ما هم زینین و ذلک بزعة من سعود الصالح، و ردی عقل عشق أمر دمار علیه و علی أبناء عمه، طغی و نفر من أبناء أخیه زامل و إلّا هو عزیز و محشوم بواسطة أبناء عمه. و حشد زامل علی الإمارة و هی إن راحت عن زامل فلا هی له راعیها موجود، و عنده جدته فاطمة تنثر علیه حملة الشی‌ء عندها و معه ربع یأکلون علیه،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 123
و یجرونه علی مواد نقصها علیه و یظن أن قتلة زامل أطیب له و هی أردی له.
ابن سبهان استقام فی دیرته من جمادی عام 1331 ه إلی ربیع عام 1332 ه ثم ظهروا انحدر شمال وصل إلی المشهد، و اکتال منه هو و شمر، ثم أکان هو و ولد سعدون علی الزیاد، و أخذوهم فی آخر ربیع الثانی 1332 ه.
ثم نزلوا بوغار و إذا سعود الصالح ملیان و بینه و بین سعود بن عبد العزیز مملاة، و لما شافها سعود بن عبد العزیز أوهفت ماکرة قام و قتل زامل و أخیه عبد الکریم و عمهم سبهان العلی، و ولد لعبید الحمود خواله السبهان و رجال زامل. ثم شاخ سعود بن عبد العزیز المتعب، و هذاک یحسب أنه شریک معه بالإمارة و الحکم عقیم.
قبلها زامل مدخل علی الدولة و محسن لها الأمر من کل وجه یرید یتوجهون علیهم مثل قبل، و بعد قتلة زامل ظهر والی البصرة کشاف لیری هو فیهم لیاقة أن احتاجوهم تواجه هو و إیاهم سعود و سعد، و إذا هم معظمین أمرهم و مکبرین دعواهم، فلما تواجهوا ما شاف الوالی شی‌ء یعجبه قنع و طابت نفسه منهم، و لا صار بینهم ربط جواب علی شی‌ء قبل الدولة نفسها شینه علی ابن سعود، و بعد المواجه ردّوا علیه و وافقوه علی ما یرید.
ابن رشید بعد المواجه انکف و دخل دیرته فی ثامن جماد ثانی، فلما وصلوا حایل قتلوا إبراهیم أخو زامل و ولد الضعیفی و عبد لزامل، و ضبطوا البیوت و قبضوا الذی فیها الحکم، صار لولد عبد العزیز المتعب، و هذا حوله لکن ما له شی.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 124
ابن سعود ظهر من دیرته کأنه عدای علی البادیة، و نزل الخفس و فی عشرین من جماد أول سنة 1331 ه عدی من الخفس قاصدا الحسا. و فی لیلة ثمان و عشرین من جماد أول سطی بالحسا فی لیل و لا صار عند العسکر و لا أهل الحسا خبر، و لا حس فیه صار مهواه علی الکوت محل العسکر، تسوروا العقدة و حولوا و العسکر و أهل الحسا نوما، و ضبطوا الکوت، العسکر دخلوا الصرایا و حاصرهم ابن سعود و إذا ما عندهم طعام أبد و طلبوا الأمان و المنع من ابن سعود و أعطاهم علی أرقابهم و سلاحهم الذی بینهم و نزلوهم، و العسکر الذی بالمبرز و غیره و رحلهم و دفعهم إلی العقیر ثم إلی البحرین.
أهل الحسا استبشروا بذلک لأن الحسا مهمل قبل البادیة لاعبة فیه و غاثین أهلا، و الخوف داخل البلد و خارجه، و الأمان معدوم فیه و بأطرافه. فقاموا مع ابن سعود قومة تامة بعضهم خوفا و بعضهم محبة، ثم أخذ القطیف بأدنا سبب و دفع عسکره علی البحرین، فلما تکاملوا بالبحرین عسکر الحسا و عسکر القطیف، و إذا قمندار جدید یقدم من البصرة ظن القمندار أنها خیانة من العسکر، و أن ما فی ابن سعود قوة لهذا الأمر، فقام و جهز العسکر یرید یمشی علی ابن سعود، و قنصل الإنکلیز الذی بالبحرین ساعدهم و هو له مقصد یرید، لعل ابن سعود یکربه الأمر و عساه یحتاج إلیه فی شی‌ء.
فی عشرین جماد ثانی: مشوا العسکر من البحرین، فلما أقبلوا علی القطیف قابلتهم رتبة ابن سعود الذی فیه و طردتهم، ثم رکبوا الخشب و راحوا إلی العقیر، و لما أقبلوا علیه أرسلت رتبة ابن سعود الذی بالعقیر إلیه خبر بالأحسا، و فزع و طفح خیل قدامه، و لما أقبلت الخیل و إذا
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 125
العسکر نازلین من الخشب و یتضاربون هم و الرتبة، و العسکر داحمین بسرعة قصدهم یتغانمون الفرصة، و لما فاضت الخیل انهزموا العسکر و رکضوا علی خشبهم، و رکضوا علیهم و قتلوا منهم قدر سبعین رجال، و قبضوا علی الذی ما أمکنه الرکوب قدر مایة و عشرین رجال، و أخذوا سلاحهم و دشروهم ثم رجع ابن سعود إلی الأحسا و أخذ أشیاء الدولة کلها قدر عشرین طوب، و قدر ألفین بندق، و الفلوس کثیرة، و الذی لهم من بغول و غیرها، و استولی علی الأحسا و نصب فیه عبد اللّه بن جلوی و رتب، بالقرایا کلها و استقام بالأحسا إلی عشرین من رمضان و انکف و دخل دیرته فی خمسة و عشرین رمضان سنة 1331 ه.
و فی شوال تراسل هو و الشریف، و إذا الشریف معیف من نجد و زانوا فی هاک الوقت و لا طالت المادة علی أن الشریف ما له دخل فی نجد و ابن سعود خلی له عتیبة.
و فی آخر ذی القعدة ظهر ابن سعود من الریاض و وصل القصیم فی أول ذی الحجة و استقام فیه أیام، و رجع و دخل الریاض فی خمسة و عشرین ذی الحجة.

و فی خامس محرم سنة 1332 ه:

ظهر من الریاض و وصل الأحسا، و تواجه هو و القنصل الإنکلیزی و استقام 12 یوم و رجع إلی الریاض.
العرایف اتفقوا مع ولد الشریف بعد رجوع ولد الشریف من صفینة و السویرقیة و هموا بالمعدی و استلحق عتیبة، و خلوا ثقلتهم علی دغیبجة مران، و عدوا و أکانوا علی العبادل ابن سقیان و ابن درویش و ابن ظمه،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 126
و هم علی نفی فی 8 شعبان، و حصل کون جید من الصبح إلی وسط النهار، و أخذوا علیهم قدر نصف الغنم و نصف الحلة، و قدر سبعة أو ثمانیة قطعان أباعر، ثم رجعوا مسندین و العرب بقوا علی ما هم، و لما صار الصلح رکبوا العرایف من مکة إلی وادی و سبیع.
ابن سعود استغزا أهل نجد و غزو معه، و ظهر فی ربیع ثانی 15 منه و بعد ما تکاملوا عنده انحدر و نزل الجبیل، ثم توجه إلی القطیف، ثم رجع و راح إلی الکویت علی وعد بینه و بین الدولة، فلما وصل أطراف الکویت نزل الصبیحیة طبوا علیه موامیر الدولة، معهم السید طالب، و هم وکلاء مفوضین بما یجرونه مع ابن سعود تواجهوا هم و ابن سعود و تباحثوا، و أخر الجواب صلحوهم و إیاه فی 10 جماد ثانی ثم شد و رجع، و لما وصل حفر العتک أرخص للغزوان، و انکف و دخل الریاض فی رجب سنة 1332 ه.
ابن رشید بعد قتلة السبهان أرکب لابن سعود و قال: هذا ما أجری اللّه و حنا علی الصحبة ورد له ابن سعود، و تشرط علیه. و قال: إن تممتوا هالشروط فحنا علی الصحبة، ورد علیه جواب بأن حنا قابلین، ثم صارت الصحبة و استمرت.
فی عشرین رجب هم ولد سعدون حمد و ابن مشری راع الزبیر و العصیمی هموا فی طالب و جمعوا لهم شاشة وسطوا علیه فی محلة بالبصرة فی لیل، ثم استحس فیهم و قابلهم برجاله الذی حوله، ثم ذلوا هذولا عنه و رجعوا ما صار شی. و لما صار الصبح قام طالب و جمع له شاشة و طابوری عسکر، و مشی علی الزبیر فی یومه، و ظهروا علیه أهل
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 127
الزبیر و ناطحوه، و المذکورین معهم هم روسهم، و تکاونوا و انکسروا أهل الزبیر ولد سعدون و ابن شری و العصیمی، هربوا علی خیلهم و جنبو الزبیر و قصدوا عجمی علی الخمیسیة، و طالب و العسکر دخلوا الزبیر و فضوا بیوت هالربع المذکورین و بیوت ناس متهمین معهم، و تهیأ هوشه وقع فیها أمر شین فضی فی هاک الیوم دکاکین و عم الشر، ثم نصبوا أولاد عبد اللّه إبراهیم و ضبطوا الزبیر فی رجب سنة 1332 ه.
أما ابن رشید فظهر فی رمضان و أکان علی هتم العلوین و إذا هم منتذرین و متوخین و لا تهیأ له فود، و صار خسر علی الجمیع و رجع إلی دیرته.
أما الشریف ظهر من مکة فی رجب و نزل مران، و فی شعبان رجع علی مکة و أرسل ابنه غزای، و أکان علی قحطان و أخذهم بجهة تربة و رجع.

و فی ذی القعدة سنة 1332 ه:

ابن سعود و ابن رشید تناقضوا، و فی عاشر منه عدی ابن سعود و أکان فی 16 منه علی البیضان، و الغیادین من حرب و هم علی غول، و أخذهم و انکف علی دیرته العرافة سعود طب علی ابن رشید و بعد ما صارت القوامة بین ابن رشید و ابن سعود ثم طبوا أهل الذوبة علی ابن رشید و ظهروا، و ظهر معهم سعود العرافة، و بعد ما طلوا علی أهلهم غروهم و إیاهم معهم بن [...] و بعض حرب، و أکانوا علی ابن زریبة و ابن جبرین و فرقان من عتیبة، و لما أقبلوا علی العرب و إذا هم منتذرین و قابلتهم الفزعة لما شافوا أن العرب منتذرین
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 128
رجعوا عنهم، ثم توسعوا لعتبان و أخذوا من تالیهم، ثم رجعوا العرایف علی حرب، ثم تعیفوا من حرب و رجع علی عتیبة و لا قبلوه عتیبة، ثم رجعوا علی ابن رشید رجعتهم علی عتیبة فی 15 ذی الحجة.
فی عشرین ذی الحجة ظهر ابن سعود و استغزا أهل نجد و غزو و نزل الخفس جانب من سدیر و تلافوا علیه الغزوان.
ثم ظهر ابن رشید و نزل علی شمر و جذب البعید منهم وجا. و فی صفر سنة 1333 ه ابن سعود استجرد أهل نجد و ظهر منهم أکثر من الغزو الأول ثلاث مرات.
و من قبل ذلک بشهرین طبّ السید طالب علی ابن سعود و هو فی بریدة، مرسول منه الدولة العثمانیة یهدونه هو و ابن رشید و یستفزعه بالعانیة مع الدولة، و یجذبه علی العراق لیصیر حد اللازم.
موجب ذلک فی رمضان سنة 1332 ه ثار حرب عظیم بین الدول [انتهی فی آخر سنة 1337 ه] استقام خمس سنین.
طالب ما شاف من ابن سعود الذی یرید، و الأمر أخلفه ثم رجع و طب الکویت و جذبه الإنکلیزی و وصل البصرة روحوه إلی الهند.
ابن سعود تلافوا علیه غزوانه الأولین و التالین، و ابن رشید جذب شمر و الجمیع أقبلوا کل قاصد الآخر، و لما نزل ابن سعود جراب نزل ابن رشید أقبه شدّ ابن سعود قاصد ابن رشید و شد ابن رشید قاصد ابن سعود.
و لما صار فی ثامن ربیع أول سنة 1333 ه، و جا ابن سعود یمشی ظان أن ابن رشید بقبه بعض قومه متفرقین و أحد یروی واحد یمشی علی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 129
مهله. و صار الضحی من النهار و هم یطالعون ابن رشید نازل قدام وجیههم، و لا أمکنهم ینتظمون.
نوخ ابن سعود و مشی ذاک علیه، و صار کون عظیم، و لما استمر الکون و إذا قبلا ابن سعود و أهل الجنوب أهل لبدة و بعض من شمر، ثم انکسروا أهل لبدة، أما أهل القصیم قبلاهم أهل القصر و أهل مفیضة بعد ما اشتد الکون انکسروا أهل القصیم أهل لبدة معهم سعود بن رشید، لما انکسروا و ابتلوها یحسبونهم ملحوقین و إذا هم ما وراهم أحد، أهل الجنوب لما انکسروا أهل القصیم انکسروا معهم و عمرت الکسیرة علی ابن سعود شمر لحقوا ابن رشید النایر من شمر، و أخبروهم و رجعوهم ابن سعود أکثر من نهبه، و أخذ حلله و ما استطرف من قومه بدون الذی معه، و هم حرب و بادیة الجنوب و مطیر ما أمکنوا الکون.
لما أقبلت جرود مطیر لاحقین ابن سعود و إذا الأمر قد وقع و إذا هم یشوفون ابن سعود و ابن رشید کلهم منکسرین، صار مهواهم علی طرف قوم ابن رشید الذی منکسرین، ثم ورد و علی جیش ابن رشید و شالوا غلبه و انفهقوا.
أما الکون صار فیه ملحمة جیدة و فقاید عظیمة و خسایر، و قتل کثیر علی الطرفین. قتل فی ذاک الکون صالح الزامل بن سلیم.
ابن سعود فی منهزامه لما وصل الأرطاویة ریع. و تلافوا علیه بعض القوم، ثم شدّ قاصدا القصیم و دخل بریدة، و ابن رشید نزل أقبه و الکون علی الأرطاوی و ابن رشید فاه علیه أن ابن سعود مقتول بالکون، و شد و نزل الأسیاح شمالی القصیم یرید یدحم القصیم.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 130
ابن سعود لما وصل بریدة و بلغه خبر إقبالة ابن رشید استجرد القصیم و غزو و طبوا علیه، ثم استغزا عتیبة و بنی عبد اللّه ما هم بعیدین و جاؤه.
و لما تحقّق ابن رشید الخبر شدوا شمل ثم عدی یبی مطیر، و صار فی وجهه فریق من البیات قدر خمسة و عشرین بیت، و أکان علیهم و أخذهم، و إذا مطیر قریب منه فزعوا علیه، و ضربوا علی طرف القوم، و فکوا بعض الحلال و أخذوا بعض جیوش و قلعوا قدر خمسین فرس. ثم انفهق شمال.
و فی 15 ربیع ثانی عدی ابن سعود من بریدة شمال أکان علی ابن ضمیعر و الغربان من حرب بطرف الکهفة، و إذا العرب مستحسین و منیرین الحلال، و أخذ الحلة و دیش قلیل و انکف علی بریدة.
فی ثانی جماد أول ظهر ابن سعود من بریدة مجنّب، فلما وصل الزلفی جاءه خبر کون ابن رشید و ظن أنه بعد الکون ینکفون شمر علی أهلهم، و ابن رشید یبقی وحده ثم استجرد مطیر و بریة و العبادل و بعض عتیبة، و لحق ابن رشید بریدة، و یرید تالی عربه، ثم استنذر ابن رشید.
ابن سعود لما وصل جراب وقف و نزل علیه قدر عشرة أیام ثم انفهق و نزل الأرطاویة، ثم شدّ و قصد الریاض، دخلها فی 20 جماد أول و أخیه محمد یرجع إلی بریدة ثم شدّ محمد و قصد الریاض.

فی دخول جمادی أول سنة 1333 ه:

عدی ابن رشید المعدی الذی أطله فیه ابن سعود و هو لما عدی وافقت سبورة أقضوب لمشاری بن بصبص، و رموا السبور یحسیون ذولا من طرف العرب، ثم غارت الخیل
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 131
و تبعها البیرق، و لما فاضت الخیل ما شافوا أحد ثم رجع البیرق، و لما رجع منفهق و إذا القضوب یوم شافوا سبورة ابن رشید رجعوا مع أهلهم، و إذا منازلهم من العربان العبادل ابن نحیت، ثم رکبت الخیل علی ابن رشید و لما ضربت علی القوم نوخ البیرق و طردهم، و إذا ثوّر رشقوه کل هاک النهار إلی اللیل هم و إیاه علی هالحال، ثم رجعوا معهم قدر خمسین قلاعة و هو راح و بتلها و نزل البدع. بدع خضرا، ثم شدّ و انکف و دخل حایل.

و فی خامس رجب سنة 1333 ه:

ظهر ابن سعود و نزل الوشم و تراسل هو و ابن رشید بالصلح، و أصلحوا و انعقد الصلح بینهم ثم کل اطمئنت رعیته.
بعد ذلک انحدر ابن سعود للأحسا العجمان مضیقین علی الأحسا و معهم بقیة العرایف، سلمان بن محمد، و فهد بن سعد، و لما وصل ابن سعود أطراف الأحسا، و إذا هم علی هالحالة دخل الأحسا و استغزا أهله مع أهل الریاض، و مشی علی العجمان و لما أقبل علیهم یریدهم هجاد، و إذا هم منتذرین شببوا نیرانهم و انفهقوا عنها، فلما وصلها ابن سعود و ورد علی البیوت اضربوه قافی، ثم انکسروا أهل الحسا و تبعوهم أهل الریاض. و لا صار جریرة، قتل فی هاک الکون سعد بن عبد الرحمن و الکون المذکور یوم 15 شعبان.
ثم رجع إلی الأحسا و روح مستغزی لابن صباح و لأخیه محمد بالریاض أما ابن صباح فجهز قدر أربعمایة رجال حظر مع عریب دار و من خالطهم و دفعهم مع ابنه سالم و طبوا علی ابن سعود. و محمد استغزی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 132
أهل الوشم و سدیر و مطیر و بعض عتیبة و طبوا علی عبد العزیز.
أما العجمان شافوا الأمر توعر ابن سعود جهز و استجرد علیهم قومان ما ینطحونها، ثم قضبوا مقاضب من قرایا الحسا، و ابن سعود قابلهم و الطراد کل یوم یصیر، و استمروا علی هالحال شعبان و رمضان و شوال، ثم تعیفوا العجمان و تلفوا و ذهب الحلال و کل یوم النقص فیهم من کل وجه، و ظنوا أن ما یبقی من الحال شی أبد، و فی آخر ذی القعدة شدّوا العجمان و أشملوا معیفین من الأحسا و أطرافه هاربین عن ابن سعود، و إذا بنی خالد و بعض من عریب دار فی وجیههم، ثم جهزوا علی العجمان مجراه، و أکانوا علیهم، ثم انکسروا العجمان و أخذوا علیهم جیش و خیل و سلاح، و قتل منهم فهد بن سعد و راحوا و طبّوا الکویت و طاحوا علی ابن صباح، ثم مشی ابن سعود فی ساقتهم و إذا هم واصلین الکویت، و نصفهم أو أکثر ذاهب حلاله، و لا بقی له شی‌ء، و حظر الکویت ابن سعود و قال لابن صباح: انفض علیهم لا یزبنون الکویت و لا تلفیهم، و بغاها ابن صباح قالوا: ما نقدر و ابن سعود حولنا خله ینفهق هنا و نتوسع و نروح، انفهق ابن سعود و دخل دیرته و هم شدوا و أشملوا.
ابن رشید لما صار الأمر علی ابن سعود و شاف أنه نشب و جاءه علم انکسارته مع العجمان کبروها عنده بعض الأشرار، قالوا له: إنه قتل ابن سعود.
أما ابن رشید فشانت نیته و ظهر من حایل بأول یوم من رمضان، و ظن أنه یأخذ نجد فی سهولة بموجب ما حسّن له من الأمر، و دهج حرب و أخذ علیهم أباعر و غنم، ثم ضرب علی شمالی القصیم لا رد نقا و لا
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 133
أخبر عن شی، ثم وافق اثنا عشر رعیة أباعر علی الصریف و ست رعایا أباعر علی الهدیة، و أربع فرقات غنم کلها لأهل بریدة، فأخذهن و عدی و هم مطمئنین، و لا تحفظوا و لا حاذروا من شی، ثم عدی فی ثوایاهم و أکان علیهم فوق الدویحرة، و أخذ الحلة و نصف البل و نصفها سلم هذا، و کل راتع بعد الصلح ما صار رونقا و لا إنذار، ثم رجع و نزل الطرفیة بالنصف من رمضان ثم أرسل کتابین واحد لعبد العزیز بن سلیم، و واحد لأهل بریدة، فلا یمر فیها هاک الوقت فهد بن معمر مضمون الکتابین واحد. معناه: أنا ما بینی و بین ابن سعود تجاوید علی الصلح، و هو مات.
و جاینا رجال مع الذی صلوا علی جنازته، کان تریدون تصیرون تبع لنا، فأنا أحسن لکم من ابن سعود أنا أعطیکم ما أخذ منکم، و الذی أخذت منکم أرجعه علیکم، فلا و اللّه ترون ما تکرهون.
ثم ردوا له جمیع جواب متقارب بعضه من بعض، قالوا: أما الصلح فهو واقع بینکم و یشهد علیها اللّه سبحانه ثم البادیة و الحاظرة، و نحن و ابن سعود ولینا طوارفک و جبناه خوفا من اللّه ثم النقود، و البدو و الحظر کل مطمئن بالصلح و راغب الزین و ابن سعود کلما جا منه خط و إذا هو ینخا و یحذر عن الخمال، و لو کان عند العرب خبر ما أدرکت شی مثلما تخبر قبل، و إن شاء اللّه تشوف عقب، و لکن هذه خیانة بالخالق و المخلوق و علیک عون من اللّه تعالی.
و ابن رشید موصی حامل خطة لابن سلیم لیبلغه من رأسه، قال له:
یسلم علیک سعود بن عبد العزیز و یقول: و للّه یا ما أراد منی أنه یتم دیرته له و أعطیه الزود من عندی، یعرف العلم و ترای أحسن له و إلّا و اللّه إنی معاهد اللّه یاعج الخیل أن یغطی عنیزة و إلّا بریدة. قال ابن سلیم للوصی:
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 134
قل له: و للّه و نعم، لکن تری الکریم إذا وعد وفی ترانا دفنین راس أبوه تحت العقدة، و الحروة إن شاء اللّه إن حنا نحطه معه.
ثم ابن رشید قرب من بریدة فطلبوا أهل بریدة من أهل عنیزة عابنه و أرسلوا لهم أهل عنیزة مایة و عشرین رجال معهم بیرق فی 10 شوال.
أما ابن رشید فجهّز خیله و جیشه علی جانب من أطراف بریدة یبی مادة تنومة و تروع أهل بریدة و تلین رؤوسهم، و حسو فیه أهل بریدة و ظهروا هو حذف علی خب القبر شرقی بریدة، و لما وصله و صار و قومه یجدون بالنخل و إذا هم یفیضون علیه یوم ثوروا أول هیق، و الثانی:
انسحبوا قومه و خلوا الطایح من القش بالأرض و رجع علی الطرفیة.

و فی 8 شوال طب عنیزة سعود بن عبد العزیز العرافة،

ثم راح إلی بریدة معه قوم مطران و عتبان، فلما اطلع ابن رشید خاف یصیر مقاضب و یجیه أمر ما حسب حسابه فی لیل أو غیره، و هم بالدیرة ما علیهم خوف، ثم شدّ ابن رشید و نزل الجعلة ثم عدی سعود و أکان علی شمامرة، وهنمان علی الخناصر فی 22 منه و صار کونه علی البل، و هی عزب و قطعها و رجع علی بریدة.
أما ابن رشید فشدّ و انکف علی دیرته فی سلخ شوال و شمر أشملوا ثم عدی سعود بأثرهم و ردوا إلیه سبورة، قالوا: شمر انتذروا، و وافق قافلة لشمر قدر مائة حمل و أخذهم و رجع علی بریدة فی 8 ذو القعدة سنة 1333 ه، و استقام فی بریدة، و فی ذی الحجة رجع إلی الجنوب فلما نزل المذنب و إذا الغرم قریب منه، ثم سیّر علیه و ربطه معه سبعة من بنیخیة ثم أخذ منه الحمدانیة و أطلقه.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 135

و فی هالسنة المذکورة سنة 1333 ه:

الشریف صار یجند عقیلات صار معه من أهل القصیم قدر أربعمایة نفر عقیلی، و فی شوال ظهر من مکة غزای معه الشلاوا و البقوم، و وطی‌ء دیرة عتیبة، و غزو معه عتیبة کلهم، و أکان علی الدیاحین و ذی میزان علی الرشاویة فی 19 ذی القعدة و قطعهم، و انفهق و نزل الشعرا و طلب عقیلات من القصیم زیادة، و جاه من أهل عنیزة و أهل بریدة قدر خمسین نفر فی آخر ذی القعدة، ثم جاه من أهل عنیزة قدر خمسین نفر، فی شهر ذی الحجة سنة 1333 ه ثم شدّ و انکف و دخل مکة.
العجمان کان ابن صباح رغب بقاهم و شافوا شهوته و رجعوا و نزلوا الصبیحیة و بین ابن صباح لابنه سالم و انکف و صاحب ابن رشید فی الوقت المذکور.
ابن سعود صار معه غیضه علی مبارک فی صحبته ابن رشید و قبوله العجمان و کظم علیه و هی باینة، و بعد وصول سالم منکف بأمر والده ما بقی مبارک إلّا أیام قلایل، و توفی فی 17 محرم سنة 1334 ه، ثم شاخ ابنه جابر، و فی أول سنة 1336 ه توفی ثم شاخ سالم المبارک.

و فی سنة 1339 ه:

توفی سالم و شاخ ابن أخیه أحمد الجابر، یوم یتوفی سالم و المذکور أحمد عند ابن سعود رسول من عمه و من أهل الکویت یطلبون الزین، ثم صار ربط جواب بحظور أحمد عند ابن سعود.
بعد وفاة مبارک و تخلف أولاده جابر و سالم خابرین جزع ابن سعود من تلفاة العجمان ثم ارکبوا لابن سعود یطلبونه الآن مع العجمان و لا قبل. ثمّ الصباح استلحقوا کبار العجمان و قالوا لهم: هذا ما راجعنا فیه
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 136
ابن سعود من طرفکم وعیا یقبل و حنا دربنا درب ابن سعود فی کل أمر، و لکن ترفعوا عن الکویت و طوارفه، و لا یصیر لکم فینا التفات ثمّ شدّوا العجمان الذی معهم حلال أشملوا و الذی ذاهب حلاله طاح بالکویت.
ابن سعود رخص لغزو ابنه الذی معه، و انکفوا و هو شد و نزل القطیف و تواجه هو و معتمد الأنکلیز ثم رجع و دخل دیرته فی 5 ربیع الأول سنة 1334 ه.
ثم صار منه المرة بعض الاختلاف، و ظهر من دیرته فی 5 جمادی الثانیة و استغزا مطیر و بادیة الجنوب و أکان علی المرة بأطراف الأحسا، و قطعهم و رخص للبادیة و دخل الأحسا.
ثم ترکی ولد عبد العزیز بن عبد الرحمن طب بریدة فی 10 جمادی الأولی معه قوم، ثم ارکب سریة و عدو شمال و أکانوا علی عریبة ما هی واجد قرب حایل، و أخذوها و رجعوا إلی بریدة.
و بالنصف من جمادی الثانیة استغزا مطیر و غزو، و ظهر من بریدة، و عدی شمال، و أکان علی عرب قرب الشعیبة، و أخذهم مخلط بأطراف حایل و انکف عن بریدة أما ابن رشید فظهر من حایل فی صفر سنة 1334 ه و انحدر شمال، و صار و عنزة فی وجهه و تصار هو و إیاهم و حصل بینهم وقعات و فقاید ما هی کبیرة، و انفهق علی العراق و استقام فیه إلی شعبان سنة 1334 ه.
و بعد أن وصلهم خبر ترکی و کونه بأطراف حایل سند ابن سبهان المتوقد و طب حایل ثم جذب علی حمل لأهل القصیم و أغلبه لأهل المدینة و ظهر معه قدر ثلاثین رجلا حضریا، و قدر مائتین رجل بدوی،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 137
و اعترض لهم و أخذهم فی شعبان سنة 1334 ه، ثم قعد لأباعر ابن سعدی و خطفها و هی عزب و رجع و دخل حایل فی 15 رمضان.
أما ابن سعود فبعد ما دخل دیرته جاءه خبر أن الدامر محدث، و أنه یبی یسند جهة نجران علی شین، فأظهر سریة و أطلبته و لحقوه ثم استجردوا أهل وادی الدواسر و جردوا و صحبوه و قطعوه فی رمضان 15 سنة 1334 ه.
فی هالوقت و الشریف و الدولة ما هم زینین و المقصد أن الشریف أمروا و زامروا هو الانطلاق من الدولة العثمانیة، و أنه ما یصیر فوقه أحد.
ثم کاتب الإنکلیز یکشف عنه و قالوا له الإنکلیز أخرج الترک و أنت ملک الحجاز و لا علیک منا و لا من غیرنا، و لا أنت حدر أحد و حنا مطلبنا تخرج الترک، و مطلبک منا یتم بالمساعدة فی کل أمر من فلوس و قوة و غیره. ثم تزاید الأمر و الشریف علی الدولة و صار المنافس ثم تزاید حتی انکشفت المسألة قالوا: ویش أمرک؟. و إذا هو قاضی شغله، قال: أمری اخرجوا من الحجاز و إلّا الحرب قالوا: ما نخرج، و صار الحرب بینهم بوسط مکة، ثم بالطائف، ثم دحم الإنکلیز جدّه و إذا ما دونها أحد و رکب الأطواب فی 2 شعبان و استقامت ستة أیام، ثم سلمت برضی من أهلها و استولی علیها الشریف أضیق علی العسکر ثار علیهم فی عاشر شعبان.

و فی 28 منه سلموا العسکر و استولی الشریف علی أشیاء الدولة کلها، و العسکر قال لهم:

أنتم عندی أسلم لکم و الدولة ترید توردکم مهالک و أنتم عندی و تبعی أکثرهم قبل و قعد سنة 1334 ه.
الشریف دفع أولاده إلی المدینة یرید أخذها، و صاروا یعلفون فی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 138
ماهیة جیدة و انکسروا علیهم أهل نجد لأجل الطمع. و اجتمع عندهم أمم ما تحصی و حارب کلّهم أهل الوعر و السهل، و الإنکلیز یدفعون علیهم خراج کل شهر ملایین من النقود. و قوات الدولة العثمانیة نظرها قبل تظهر من المدینة إلی مکة لإخراج الشریف و لکن صار الهوش الآن عند المدینة، و جهزوا للمدینة قوات و عساکر و حصنوا المدینة صاروا فاکین المدینة، و الذی غیرها مأخوذ أولاد الشریف أخذوا الخارج عن المدینة بعید و قریب، و حاصروا المدینة و استمر الأمر علی هذه الحال من سنة 1334 ه إلی سنة 1337 ه. الدولة أظهرت علی العوالی و قتلوا ما وجدوا فیه صغیر و کبیر، ذکر أو أنثی، و أخذ أملاک العوالی بیت مال فجزعوا حرب من فعل الدولة و البعید قرب، العسکر صار یظهر من المدینة قریب منها للمبارزة و یصیر مناوش و لا هو کاید.
ثم أولاد الشریف تشطروا و خلوها حصار و الدولة أخلت المدینة و أطلقت أطرافها ثم قاموا الدولة یخرجونه أهل المدینة منها خوفا من ثنتین: واحدة الخیانة، و الثانیة قصف القوت شی‌ء فشی‌ء حتی أخرجوهم الإنکلیز لا یزل یدفع قوة، و طعام و سلاح ما له نهایة، و صار الحرب علی المدینة و الشام. ثم استعظم الأمر علی الدولة و صار یجذبون من قوة المدینة، و عساکرها حتی خلو فیها کفایتها و أبقوا فخری باشا.

و فی ذی الحجة سنة 1337 ه:

سقط الشام راحت الإنکلیز و معه ولد الشریف فخری عیا یصغی، قال: لو ما یبقی إلّا أنا ما سلمت و لما أوجبت الأمور قاموا العسکر و أخذوا أمان بدون ما یدری فخری، و فتحوا أبواب المدینة و دخلوها و فخری ما دری العسکر آخذین علی أنفسهم و علی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 139
فخری أمان فخری راح و العسکر کل صار حتی فی نفسه، و أکثرهم، صاروا عند أولاد الشریف.
سقوط المدینة صار فی ربیع الآخر سنة 1337 ه.
فی نجد سنة الخمسة و الثلاثین و الستة و الثلاثین ما صار حرکات توجب الذکر ابن رشید طلبوه الدولة یقرب للشام لأجل المساعدة و ظهر و نزل ذی الحجة قدر ستة أشهر و لا نفع الدولة بشی و هم کذلک ما نفعوه و تعیف و انکف و دخل حایل.

و فی ذی الحجة آخر سنة 1336 ه:

ظهر ابن سعود و طب بریدة ثم عدی و أکان علی شمر و أخذهم قریب فی حایل. ثم فزع ابن رشید فی حایل و نزل الشعیبة تحراه ابن سعود أنه یجی‌ء و لا جاء ابن سعود رجع علی بریدة، و ابن رشید رجع إلی حایل. و فی آخر سنة 1336 ه و مبتدأ سنة 1337 ه بعد ما کان ابن سعود هالکون الشام أخذ من الترک حب ابن رشید الصلح مع ابن سعود و تواصلوا و أصلحوا فی محرم سنة 1337 ه و کل دخل دیرته و صار کل یمشی بالأمان.

و فی هذه السنة 1337 ه المذکورة:

أوقع اللّه بالجزیرة کلها البادیة و الحاظرة مرض و انتقصت الجزیرة بنفوس عدیدة. و فی کل مکان الأغلب النقص بالنساء مبتداه من جنوب من جهة الأحسا و أشمل إلی عنزة و الأسلم الوفیات بلغت فی عنیزة قریب الألف نفس و فی بریدة کذلک قریب الألف نفس. ابتدأ هذا المرض فی عنیزة فی سلخ صفر و خف فی عشرین ربیع الأول، و ارتفع بآخر الشهر ما بقی له أثر.

و فی ربیع الأول سنة 1336 ه:

خالد بن لوی دین و زعل علیه
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 140
الشریف حسین و نزل خالد الخرمة و التفّ علیه الذی دینوا و کثروا عنده، ثم قام الشریف حسین یجهز علیه قوم و یدفعهم و من جاءهم ذبحوه و لا زالوا علی هذا الأمر. ثم جهز علیه قوة مع ابن أخیه شاکر و دفعهم علی خالد بالخرمة و تکاونوا و أخذهم خالد ثم تزاید الأمر و صاروا الإخوان یطبّون علی خالد کل یوم أفواجا و الموالی من أهل نجد یمدونهم مثل أهل الغطغط فی کل کون و کل موجب فعظم الأمر علی الشریف حسین.
و لما أوضع حرب المدینة جهز الشریف من الحجاز الذی یمکن علیه من حظر و بیشة و بدو و أرسل لابنه عبد اللّه و جاء معه أربعة آلاف عسکری و هم عسکر المدینة الذین استولوا علیهم و معهم کثیر غیرهم. فظهر الشریف حسین و نزل فی عشیرة، و نزل علیه ابنه عبد اللّه، ثم شد عبد اللّه قاصدا الخرمة، و والده رجع إلی مکة، و ینسب أن الشریف حسین لما شاف القوم و إذا هم أکثر منه أهل نجد و معهم قوات أطواب، و مکاین، و عساکر عدیدة و لا قدامها أحد فیه لیاقة لمقابلتهم. یقال إنه حینما أوصی ابنه عبد اللّه، قال:
لا تعطل اجعل الخرمة بیوم واحد و لا تتأخر بتلها إلی الریاض و خل عیدک یصیر بالأحسا .. ما یعلم أن أمر اللّه غالب علی کل أمر.
خالد بن لؤی اختبر و أرسل لابن سعود و ظهروا لکنه ما أمکن أهل الغطغط جردوا و طبوا الخرمة.
الشریف عبد اللّه دخل تربه و یذکر أنه لما أخذها فعل فیها أفعال قبیحة ما تنذکر. ابن سعود أرسل للشریف یشیر علیه و یعظه و یقول له:
لا یزین هذا الأمر بعینک، تری العاقبة و خیمة، و اتق اللّه بالإسلام و المسلمین، و الذی أنت تبغی و ترید و اللّه إن شاء اللّه أن یتم.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 141
الشریف ردّ علیه جوابا شین کلام و هو:
الأخوان بالخرمة اطلعوا بالجواب الأول و ردّه و تلاوموا، و ظهروا من الخرمة تصدوه فی تربه. و لما أقبلوا علیه بلیل اختبر (الشریف) و تهیأ للکون رتب عساکره و قومه، و رکب الأطواب و المکاین، ثم وردوا علیه، و ذلک لیلة سبعة عشر شعبان سنة 1337 ه. الأخوان الذین کاونوا؟؟؟ الشریف ألفین، و عساکر الشریف و قومه أحد عشر ألف نفر، و معهم قوات عظیمة کما سبق ذکرها و لما تقابلوا صارت معرکة هائلة ما وقع بالجزیرة لها مثیل و لا إن شاء اللّه یقع: الذی بین الجبلین شبت نار و احترق، أحرق الذی فیه ثم انکسر الشریف و عسکره، و لا الشریف هرب عن عسکره و غیرهم:
و استولوا الإخوان علی کلّ الدقیق و الجلیل.
ابن سعود لما تحقّق أمر الشریف و شین کلامه و نیته شد یرید یمکن الکون و الأمر قد قضی، و قابله البشیر من الإخوان ثم قصدهم ابن سعود و نزل علی البدو و مخیم الشریف أباعرهم قدر عشرة آلاف بعیر و شیلهن صار بحوزة ابن سعود ولد الشریف بتلها إلی مکة و لا لحقه إلّا القلیل، لأنه فاقت نفوس عدد فی وقتها أظهر الشریف حسین ابنی أخیه ابن عریف، و ضاری بن رشید، قال: روحوا إلی دخنة تری أهلها غازین مع خالد و لا فیها أحد هدموها و فرشوا نجد ما عندکم أحد، و ظهروا یریدون هذا الأمر، و إذا منه التوفیق هتیم أهل الحرّة مغیرین و آخذین طرش لأهل الشبیکیة للإخوان، ثم استفزعوا أهل دخنة و عزو و وطو الشبیکیة و اطلبوا الجمیع صاروا أهل ألفین و من التوفیق لما أقبلوا، و إذا ضاری و ابن عریف یغلطون علیه، فاتفقوا و تکاونوا و انکسر ضاری و الشریف و قتل منهم جملة نفوس و أخذوهم جمیع فی 10 رمضان.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 142
أما ابن سعود و هو فی تربة لما أراد النکوفة أرکب ابنه سعود غزای، و نحر العقبان الذین ساعدوا الشریف و أکان علیهم و أخذهم و انکف.
الشریف لما تحقق الأمر، و شاف ما وقع و هو قبل یظن أنه یأخذ نجد بسهولة خشی أنهم یجونه فی مکة، و شکی حاله إلی الإنکلیز و طلب أن یمنعوا ابن سعود عنه وضعوا الإنکلیز ابن سعود علی أن له نجد و رعایاها. و للشریف الحجاز و رعایاه و رکدوا علی هذا الأمر.
فی أول سنة 1338 ه: أهل سکاکا قتلوا عبدا لابن شعلان و ارکبوا لابن سعود یجذبونه و ظهر قاصدهم.
و أهل الجوف أرکبوا لابن شعلان و طب علیهم، و قضب الجوف و ابن رشید أم سکاکا و صار الکل منهم یسترد رعایاه و تقابلوا و تصابروا قدر أشهر و کل یوم یحصل طراد و الأکوان البینة ما وقع شی‌ء، ثم وصل ابن شعلان و انسحب و ترک الجوف و قضبة ابن رشید و رتب فیه رتبه و انکف إلی حایل، دخلها فی جمادی الأولی سنة 1338 ه، استقام شهرین.
عبد اللّه الطلال النایف الرشید: له مدة و هو معیف و غضبا له علی سعود بن عبد العزیز بن رشید و المذکور سعود ما علم بذلک أی أنه واصلة معه و عبد اللّه إلی أن قضی اللّه الأمر.
ظهر سعود بن عبد العزیز بن رشید یتمشی و معه ولد أخیه متعب، و خمسة عبید، ثم ظهر عبد اللّه الطلال معه عبد له، و لما وصل إلیهم طبوا عن الخیل و رزولهم شاهدن یترامون علیها. ثم قام عبد اللّه الطلال و قتل سعود و اثنین من العبید ثم العبید الباقین قتلوا عبد اللّه الطلال و عبده و رکبوا الخیل مع ولد متعب و عمره اثنا عشر سنة، و دخلوا البلد و قام عندهم
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 143
سعید المحمد و أحظر العبید کلهم، و عطفوا علی ولد متعب و أهل حایل کذلک، و ذلک فی 8 رجب سنة 1338 ه.
محمد الطلال، أخو عبد اللّه لما اختبر ظهر، و دخل علی أهل لبدة ثم أرسلوا إلیهم أهل القصر أنکم تسلموننا محمد وعیو أهل لبدة. ثم صار بینهم خلاف و قاموا معهم أهل مفیضة (أی مع أهل لبدة)، و شافوا أهل القصر أنه الأمر عظم. و قالوا أهل القصر الذین تبعوا ولد متعب لأهل لبدة، الأمر الذی تریدون یتم و لا تفکون لحام البلد یدخلوننا الحکام، ثم اشترطوا أهل لبدة شروط صبروا فیها أهل القصر: منها أن المشاهدة یجلون، و الأمور لها ستة رجال بعینون و ینظرون فی کل أمر و قبلوا.
ثم ارکبوا لابن سعود رجالا مخصوصین بأمر الجمیع منهم خدام الفایز و الشغدلی، و طبوا علی ابن سعود، و لما صار البحث و إیذاهم یریدون علودهم الأولی و الذی طلب علیهم ابن سعود ما صبروا فیه.
فراحوا من عنده ما صار صلح.

و فی عاشر شوال:

ظهر سعود بن عبد العزیز بن سعود معه قدر عشرة آلاف من الإخوان و أکان علی شمر علی الشعیبة، و قطعوهم و رجعوا علی أبیه.
ابن صباح سنة 1338 ه صار یحشم طوارف ابن رشید، و یحتقر طوارف ابن سعود و ذلک علی شیخه سالم المبارک عذل فیه ابن سعود و لا قبل. ثم ابن صباح جهز قوما یریدهم یدمرون قریة التی بثه فیها الدوشان و سکنوها و لما اختبروا استجردوا فیصل الدویش، و ظهر و قصدهم و إذا الذی لفق ابن صباح من القوم قرب الکویت فیصل لما وصل بنیخیه علی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 144
قریة غزو جمیع و أکانوا علی قوم ابن صباح أهل البیرق لما صار الکون انکسروا. ثم أخذوهم المطیر.
ثم عدی الدویش شمال، و أکان علی شمر علی أم رضمه، و قطعهم و أخذ حلالا کثیرا و انکفأ.
ابن صباح صار معه غیضه و أهل الکویت کذلک ثم صار یراسل ابن رشید و قام یعلن و احتمع عنده قوم کثیر حضر و بدو، ثم ظهر الدویش قاصدهم و انتذروا و اجتمعوا بالجهرا و جزموا أن الدویش ما یرد علیهم سبب أنها بلاد الدویش لما تحقق اجتماعهم بالجهرا ورد علیهم یوم 26 محرم سنة 1339 ه و صار بینهم کون عسیر و عظیم بموجب أنهم قضبوا متارس و جدران و قصور و وردوا علیهم، و لما حمی الکون و اشتد انکسر ابن صباح و دفروهم الإخوان و قبضوا علی الجهرا و أخذوا جمیع ما فیها من کل شی‌ء، و السالم من أهل الکویت هرب ابن صباح بنفسه حاظر و صایر فی قصر له حصین فلما وقع الأمر حجروه بالقصر و خشی أنهم یدفرونه علیهم، و طلب الأمان من الدویش و إنی تحت الأمر أرسلوا لی منکم معتمدا أمالیه علی ما تبغون بالذی أنا أقدر علیه.
أرسلوا له شیخهم ابن سلیمان و عاهده ابن صباح بأنی صدر أمر ابن سعود فی کل الأمور و لا لی شوفة تخلف شوفته، و اللّه أعلم بالوفاء و الصواب.
أما الغنائم ما لها قیاس، و القتلی قدر ألف و ستمایة نفس منهم قدر ثلاثمایة نفس من الإخوان، و الباقی قدر ألف و ثلاثمایة من قوم ابن صبّاح الدویش انکف و دخل دیرته و ابن صباح رجع و دخل دیرته فی صفر
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 145
سنة 1339 ه الدویش بن ماجد فی هالوقت قومانی لابن سعود و یدور الإمارة علی الإخوان بعد کون الجهرا فی شهرین فی ربیع الأول ظهر فیصل الدویش غزای و إذا ابن ماجد نازل و قوم ابن صباح معه کلهم. و فی هالوقت أهل طوارق حایل مجتمعین و منحدرین جمیع و طابین الکویت و حاشمهم ابن صباح و مظهرین دبشهم مع ابن ماجد قریب تسعمایة بعیر فأکان الدویش علیهم و تهیأ کون جید، و قتل أعظم من قبل و غنائم عظیمة منها أباعر أهل حایل ما سلم منها شی‌ء و نصف أهل حایل قعد بالکویت ما صار له زمله.
ثم انفهق عنهم الدویش و عدی و أکان علی شمر لم الحنیة و أخذهم و رجع و انکف و دخل دیرته فی ربیع الثانی سنة 1339 ه.

و فی دخول جمادی الأولی سنة 1339 ه:

غزو الإخوان أهل الهجر القبلیة، أهل نفحة و أهل الشبیکیة أکانوا علی مخلط بأطراف حایل و أخذوهم و انکفو و أهل دخنة و أهل الدلیمیة لما أشملوا و إذا ابن رشید ناوی المظهار و مروح رجاله یحوشون شمر و یقبلون فیهم و راحوا و جو شمر معهم.
فلما وصلوا الإخوان إلّا جفر جاءتهم سبورهم و قالوا هذا و لا شمر أقبلوا کلهم جمیع و إذا الأخوان ما هم کثیرین أهل ثلاثمایة و ستین ذلول من دخنة، و أربعین ذلول من الدلیمیة الجمیع أربعمایة بغو یذلون و هونوا و جزموا و عدوا فیهم فوق الجثبانة فلما وردوا علیهم تکاونوا و تهیأ کون جید، و انکسروا شمر فلما مطو ساقتهم و بدوا یجدعون البیوت و إذا ابن رشید ما هو بعید عنهم یجذبه الرمی و فزع و ورد علی الإخوان و إذا هم
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 146
قلیلون و دایخون و تالفون من الکون. فلما ناظروه و إذا بیرق ابن رشید یغیض علیهم تناخوا و قابلوه و تکاونوهم و إیّاه ثم انکسر ابن رشید. اللّه أکبر الأمر إذا تنکس ما فیه حیلة. و هو ساقته و الکون المذکور فی عشرین جمادی الأولی سنة 1339 ه.
أما ابن سعود لما شاف الأمر علی هالحال طمع بالدیرة.
ثم غزا و استغزا کل الإخوان و مشوا معه و لما وازن القصیم روح ابنه سعود معه نصف القوم. و أخوه محمد معه نصف القوم. و قال لهم:
افرشوا الشمال إلی الحزول الذی تجدون خذوه، ثم رجعوا کلهم علی حایل و حاصروه و ابن سعود بنفسه دخل بریدة. ثم طبوا علیه أهل حایل و لا سانعوه و رجعوا ما صار شی، و هو دخل دیرته ثم استمر الحصار خمسة أشهر ما أدرکوا فی حایل مرام.
أهل حایل کثر بینهم الکلام یقولون هذا ولد جاهل- یعنون ولد متعب- و الأمر الآن بأیدی العبید. ثم أرسلوا أهل حایل لمحمد الطلال و جذبوه، و لما وصل جانب الدیرة خاف ولد متعب و خافوا العبید علیه، ثم ظهر هاربا و قصد سعود بن عبد العزیز. و لما وصل إلیه استقبله و أکرمه ثم شد سعود و انکف و الولد معه و لما وصل الریاض جزع عبد العزیز بن سعود من نکوف ابنه ثم ظهر حالا و استغزا الإخوان کلهم و قصد حایل.
الدویش وصل طرف حایل قبل ابن سعود وصل فی 20 محرم أهل حایل لما تحققوا قبالة ابن سعود حبو یظهرون علی الدویش ما دام ما اجتمع علیه غزوان عسی أنهم یدقون هالشوکة، و یتنومون فیها. ثم ظهروا و أکانوا علی الدویش یوم الخمیس الموافق عشرین محرم مبتدأ سنة
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 147
1340 ه، و تهیأ کون جید قتل من أهل حایل جملة، و أکثرهم خواص، ثم انکسروا أهل حایل.

و فی ثانی نهار الکون وصل ابن سعود إلی الدویش‌

ثم رتب القوم کلهم فی لیلة الجمعة و اتصل بأهل حایل، و أعطی ابن سعود للقوم وعد إذا بان الفجر کل یصیر و الم، و إذا سمعوا الرمیة فهی الوعد من هو فی مکان یقوم و یرکض و مع تبینة الفجر رکضوا علیهم بعض الناس بغو یهوشون و یوم شافوا، و إذا القوم یفیضون علیهم من کل جانب، فکانت علیهم الکسیرة، و قتل منهم جملة، و منهم خواص رجال طیبین، ثم قرب ابن سعود إلی الدیرة و حاصرهم قدر ثلاثین أو خمسة و ثلاثین یوما.
الحصار کاد مع أهل حایل البلاد خالیة من الطعام، و أهل البلاد تلغو من کثرة المصائب و الحقیقة ما صبر صبرهم أحد.
ثم إبراهیم السبهان خرج هو و بعض من أهل حایل و قالوا: الذین ذهبوا أهلها و خاف یلحقهم القوم بسبب هالرجل العنید محمد الطلان و ماذا ترون؟ قالوا: نضرک. قال: نبی نسلم لابن سعود و اللّه سبحانه ما ینحارب، ثم أرسلوا لابن سعود و واعدوه جانب البلد. ثم دفع ابن سعود علیهم قوم و دخلوها، و إذا باقی أهل البلاد ممنوعین من هالفعل.
محمد بن طلال بالقصر جاه الخبر قالوا: قدم ابن سعود دخلوا و هذاهم هم و أهل حایل جمیع. قال للذی عنده: ویش الحیلة قالوا له:
مالک ألا تروح إلی ابن سعود تطیح علیه المهزام الیوم ما یحصل قوم ابن سعود محیطه، و لا تسلم فرکب و رکب مع خیالین أو ثلاثة، و ظهر و طاح علی ابن سعود. قبله ابن سعود و قال دمک سالم و أنت عندی و لا علیک
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 148
أذیة، ثم دخل ابن سعود البلاد. و لا قاتل و لا مقتول فی 27 صفر سنة 1340 ه.
أهل حایل حمد اللّه الذی وضع عنهم الحرب و الأذیة، و إذا وارد لابن سعود حملة جیدة علی أنه یبی یبطی. و لما وصلت قال: اکتبوا أهل حایل کلهم، و فرّق علیهم الطعام من کیس إلی ثلاثة أکیاس.
ثم أخذ الذین خاص للرشید و ترک الذی لغیرهم و استقام قدر شهر و أخذ الذی بالبلاد من مهمات و سلاح و نصب إبراهیم السبهان أمیرا فیها و شال بقیة الرشید و محارمهم، و انکف علی الریاض فی أخر ربیع الأول سنة 1340 ه.
مضی عام الواحد و الأربعین و الإثنین و الأربعین ما حدث فیها ما یهم ذکره.
فی آخر عام الإثنین و أربعین غزو أهل دخنة و الشبیکیة و شمر الشمالیین و أشملوا و وردوا علی عربان مجتمعین ما لهم عداد، و الإخوان کذلک کثیرین. ثم أکانوا علیهم بجهة البلقا و أض، و أخذوهم، و قتلوا جملة نفوس و بعد ما انتهی الکون جاءهم من عبد اللّه الشریف مواتر، و حاشهم و ترکوا کسبهم و هربوا و قتل منهم قدر ثلاثمایة نفس، و هم قاتلین قدر ستمایة نفس و انکفوا علی أهلهم فی 3 محرم سنة 1343 ه.
فی رمضان سنة 1342 ه: عزل إبراهیم السبهان و نصب فی محله عبد العزیز بن مساعد بن جلوی.
فی صفر سنة 1343 ه: غزی فیصل الدویش معه أهل الأرطاویة و الباقیة الذی فی 7 تموز، ثم انتذروا العربان الحدریین منهم من عبر
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 149
الشط و منهم من نزل علی حاله ثم رجع الدویش و انکف علی دیرته ما أکان.

و فی آخر سنة 1342 ه، مبتدأ سنة 1343 ه:

غزی خالد بن لؤی و سلطان بن بجاد ایراع الغطغط معهم بادیة الجنوب و استقبلوا قاصدین الطائف و إذا فیه علی بن الشریف حسین معه حرب، ثم قصدوا قری الطائف و فدی حوله و أکانوا علیهن و أخذوهن إما خمس أو ست قلع.
أخذوا فیهن أشیاء کثیرة فی آخر محرم سنة 1343 ه.
ثم رجعوا علی الطائف و حاصروهم و حاربهم ولد الشریف أیاما، ثم صار فیه محمد عنه عتبان کاتبوا ابن بجاد. ثم دفروا الإخوان و دخلوا بدون علم أحد من أهل الطائف و لا ولد الشریف و أخذوه عنوة.
ولد الشریف هرب معه سبعة خیالة، و دخل مکة. و استولی الإخوان علی الطائف.
الشریف حسین بعد ما وصل ابنه جرّد عروبیة الحجاز کلها مع أهل مکة، و لا أبقی أحدا، و دفعهم علی الطائف معهم قوة عظیمة و استعدادا تامّا.
و لما وصلوا الهدا قریب الطائف، عنه قدر خمس ساعات اختبروا الإخوان فی إقبالته، و إذا جیشهم عزیب فظهروا علی زمایل و بغول و رجلیه و مشوا قاصدین الشریف. و فی لیلة أربعة و عشرین صفر وصلوا إلیه بلیل و أکانوا علیه.
الشریف بلغه خبر إقبالتهم و تهیا لکون و رکب المدافع و الکاین، ثم وردوا علیه و صار کون هایل عظیم احترقت الجبال ثم انکسر الشریف
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 150
و السالم من قومه هرب و دخل مکة. ثم استولوا علی البورة و أخذوا الذی فیها من أطواب، و مکاین، و مهمات، و بغول، و أثاث ما له نهایة، و آلات الحرب.
ثم رجعوا علی الطائف و استقاموا فیه 15 یوم، ثم ظهروا قاصدین الشریف فی مکة. و لما وصلوا الشرایع وصل الخبر إلی الشریف فی مکة و لما تحقق ذلک جمع خزنته و الغالی علیه و رکب فی لیل و قصد جدة، و ابنه ظهر بعده استقام تلک اللیلة یشیل الذی ینشال و الذی ما ینشال مدافع و غیرها أمر فی تخریبها ثم اتبع أبیه لما صار الصبح و إذا الشریف هارب ظهروا أهل مکة و قابلوا الإخوان قالوا الشریف هرب و أنتم أوضعوا أوزار الحرب ما قدامکم أحد.
و دخلوا فی 12 ربیع الأول بلا قاتل و لا مقتول، أهل مکة صار مع بعضهم خوف، و لما فات أول یوم کل فاض و بسط علی عادته، و لا حدث خلاف علی أحد من أهل مکة لا خاص و لا عام و الإخوان کل قضب حده، ثم صار مع أهل مکة فرح، لأنه الشریف مذیهم خالد بن لؤی نزل بیت الشریف و الإخوان حط لهم مخیم.
ابن سعود ظهر و استغزا أهل القصیم خاصة من دون أهل نجد و ظهر و ظهروا له أهل عنیزة، و أهل بریدة، و مشی بالنصف من ربیع الثانی سنة 1343 ه و نزل الشعرا و نزلوا علیه أهل القصیم، ثم مشی و دخل مکة فی 7 جمادی الأولی.
أهل المدینة کتبوا جملة خطوط، و أرسلوها إلی ابن سعود یطلبون الأمان و أن یرسل لهم طارفه، ثم أرسل صالح بن عذل معه أهل خمسة
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 151
و عشرین ذلولا، و رکب فی 12 ربیع الثانی، و لما وصل المدینة و إذا الذی عندهم العلم ما هم راضین. لما وصل أطراف المدینة أرسل لهم رجال، و قال: هذا أنا وصلت هالمکان: کان تریدون العافیة أخبرونی، قالوا: حنا بأرقابنا بیعة للشریف إذا عدم فحنا سامعین و مطیعین. أما ما دام هو موجودا فلا نسلم، الأمر صار لطوارف الشریف الباقین ما صار لهم کلام.
ابن عذل استجلب البادیة کلها، و حظبوا عنده و حاصر المدینة.
ابن سعود وصل مکة فی 7 جمادی الأولی سنة 1343 ه استقام فیها إلی نهایة الشهر. و فی دخول جمادی الثانیة ظهر قاصدا جدة للحرب.
الشریف حسین بعد رواحه من مکة وصل جده و لا استقام فیها إلّا یومین ثم رکب إلی العقبة و سکن فیه هو و عائلته، ابنه علی نزل الرویس الأخوان رکبوا فی مکة و ابن سعود ما وصل، ثم قام الشریف و أولاده علی و عبد اللّه یؤلفون عسکر ملفقة دروز و غیرهم، و ادخلوا فی جدة کل آلات الحرب: مدافع، و مکاین، و مواتر، و طیارات و أسلحة و ذخیرة و أطعمة، و حظبها فی خنادق له شباک.
أما ابن سعود و لما ظهر قاصدا جدة استلحق العشائر و مشوا معه و نزلوا بحرة قریب أربع ساعات عن جدة، الشریف ظف روحه و ابن سعود مشت جنوده و الذی خارج عن جدة أخذوه و ضربوه قری و قلاع، و عشاش، و صار الحصار و طال الشریف صار یطلق علیهم طیارات، و إذا أقبلت علیهم ضربوها بالرصاص، و خربوها و بعضها یهرب.
ثم شد ابن سعود و قرب من جدة و حمی الحصار، ثم جاهم ثلاث طیارات و رموها واحدة طاحت و الأخری خربوها، و الثالثة هربت. ثم
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 152
أظهر الشریف مواتر و قابلوهن الأخوان، و خربوا و أخذوا و الثانیات رجعن، ثم استمروا علی هذا الأمر المدافع من الجمیع حامیة ابن سعود یرسلها علی الجدار، و الشریف یرسلها علی من قرب الماء الطالعی قطع علی جدة.
الأخوان صاروا یغزون بأمر ابن سعود جنوب و شمال بالحجاز، و یکسبون و یرجعون علی المخیم، ثم أذعنت البادیة، و أطاعت من ینبع إلی المدینة و جدة السابلة توقفت عن مکة، و کل شی‌ء غلی، ثم مشی درب البحر من رابغ و من اللیث، و من القنفذة، و من عدن و تواجد کل شی‌ء فی مکة.
و بالنصف من شعبان ظهر واحد من جدة یزعم أنه قاتل نفس، و أنه هارب و هو کذاب، و نزل عند ابن سعود، و هو کشاف، و قال له ابن سعود معنا علم عن أمرک، و لکن ما حنا قاتلینک ارجع إلی جدة، نحن ما نؤی محدث، و رجع إلی جدة و أخبرهم عن مقاضبهم و مراکزهم و عن وقت غرتهم، و بعد دخوله جدّة بیوم 3 جمع الشریف قوته کلها، و ظهر الساعة أربع من النهار من یوم الثلاثاء 18 شعبان یرید الهجوم علی أحد جنود ابن سعود، و لما ظهر صار مفیضة علی أهل دخنة، و ابن سعود الذی معه ما هم بعیدین، و لما ناخوا علیهم قاتلوهم أهل دخنة، و ثارت الرماة بینهم جنود ابن سعود سمع الرماة رکض علیها الشریف یوم شاف الفزوع هرب و لا مانع ثم قضبوا أثرهم حتی دخلوا البلاد، قتل من قوم ابن سعود قدر عشرة أنفار، و مثلهم جرحا و من قوم الشریف قتل منهم نفوس کثیرة لأنهم منهزمین أخذوا منهم سلاحا و مواتر کثیرة و دخلوا جدة.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 153
و فی شهر ذی القعدة أرسل ابن سعود خالد بن لوی، و سعود بن عبد العزیز العرافة أهل القصیم أهل عنیزة و أهل بریدة دفعهم شمال وصلوا رابغ و تزهبوا منه ثم اتجهوا شمال.

و فی سنة 1343 ه:

حجوا العرب محملین البادیة و الحاضرة کل یمشی علی مهله، لأنه بالجزیرة أمان عام من سنة 1341 ه إلی سنة 1343 ه، و اللّه أعلم بالذی بعده صار فی الطریق علی ظهر ذلوله محملها دراهم من الکویت إلی مکة و من قطر إلی الشام ما یعارضه أحد و لا یخشی إلّا اللّه و حقوق البادیة قطعت و الأخاوة رفاق و الطراقی إذا توافقوا القوی و الضعیف یتسالمون ما أحد یتعدی علی أحد.
ابن سعود بعد ما أرسل السرایا و صار فی آخر ذی القعدة نزل إلی مکة المشرفة و حجوا المسلمین حجة هنیة و صحة و أمان الطرق ماشیة و السبل آمنه، و فی أیام الحج وصلوا إلیه البشری من السرایا بأن ابن لوی أکان علی بدر و ضبطه بسهولة ثم جاءه خبر أن ماشی فی ینبع البحر قافلة ذخیرة و دراهم و روح رجالا و أخذها.
سعود بن عبد العزیز و أهل القصیم صار مهواهم علی البادیة، و إذا هم کثیرون و هم الأحامدة کلهم و من دخل فیهم و معهم الشریف شاکر و أکانوا و استقام الکون من الصبح إلی الظهر، ثم انکسروا حرب و من معهم و وطوا ساقتهم فقتلوا فیهم، لما انتهی الکون و إذا المقتول من حرب قدر ستمایة نفس ابن سعود، و أهل القصیم ثمانیة رجال و الصوبا قدر عشرة. و أخذوا الغنائم بالشمال بعد ما انسحب ابن سعود من جدة صار مع أهل جدة نفس توسع علی ابن سعود ما أبقی بعده قوة. فی ثالث الحجة
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 154
ظهر من جدة خیالة و أنفار ما هم کثیرة کشافة و شافوهم الأخوان، و کمنوا لهم و بعد ما تمادوا تبینوا لهم و تضاربوا معهم و قتل علی الأخوان رجلان و فرسان، و قتل علی أهل جدة خمسة و عشرین نفس و کل انکف، و کلهم ما هم کثیرون، و لما صار یوم رابع جزموا أهل جدة أن ما هنا إلّا الذین جاؤوهم أمس و جمعوا قوة و أظهروها، و هی أربعمائة رجال و موتر، و الذی عندهم من الخیل و أظهروها.
ابن سعود فی مکة طب علیه ابن حشر شیخ قحطان معه ألف و خمسمایة رجال و قال لهم ابن سعود من سعی و أطاف یظهر، و ظهروا بیومه إلی خطة الحرب، و لما وصلوا ربعهم الذی محاصرین أخبروهم بما جری بأول النهار، و أنهم سیعودون، قال ابن حشر: الترتیب منی الیوم، و خلی کل خمسمائة فی جانب، و أمرهم یخفون أنفسهم و لما صار من باکر ظهروا أهل جدة قاصدین مکان بن سعود الذی شال منهم، و خلوا خیل تشورف و ترقب، و لا شافوا أحدا و تمادوا ثم فاعوا علیهم الذی قدامهم، و لما صار أول الکون انهزموا و إذا الرتبتین الثانیات خاطمات لهم و حایلین بینهم و بین جدد، و قتلوهم عن آخرهم، و لا سلم منهم إلّا عشرة رجال و أربعة جرحی و بعض الخیل الذی هرب بالسرعة، و ذلک فی 3 و 4 ذی الحجة 1343 ه.
ابن سعود بعد أیام الحج حضروا عنده أهل نجد و أهل الجزیرة کلها و شمال و جنوب و حظبوا تحت الدیرة.
أهل نجد البدو و الحظر بعد الحج کل انکف، و رجع إلی وطنه ما صار علی أحد خلاف و صحه للّه الحمد ابن سعود بعد ما روح سعود بن
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 155
عبد العزیز و الذی معه و آکانوا علی بدر و خیموا فیه جاهم لحیق من ابن سعود، و أمرهم یحاصرون ینبع، ثم أرسل فیصل الدویش معه جملة قوم، و أرسل الغرم الجمیع یحاصرون المدینة و وصلوها کلهم، الغرم نزل العوالی، و الدویش نزل الحسا، و صار علی المدینة حصار شدید و لا بدّ الضرر یصیر علی أطراف المدینة فی کل یوم.
ثم روح أخیه عبد اللّه بن عبد الرحمن معه العتبان، و قحطان، و أهل دخنة و بادیة الجنوب یحاصرون جدة.
الدویش نزل العوالی و استولی علی أملاکها، و استلحق العربان الکیل و مدد و أکالوا من العوالی، و فی عاشر ربیع الأول سنة 1344 ه وصل للمدینة بابور بغرة من الدویش فیه طعام و ذخیرة و عسکر، و فی آخر الشهر المذکور تضمن الذی بالمدینة من الحروب و جنود الشریف و ظهروا علی الأخوان بغرة منهم و هجدوهم بلیل ثم قاموا علیهم الأخوان و یوم تضاربوا انکسروا أهل المدینة، و وطوا ساقتهم، و قتلوا علیهم قدر مائتین نفس و الأخوان قتل منهم قدر خمس نفوس، ثم استمر الحصار.
أما ابن سعود فی ربیع الأول سنة 1344 ه استغزا أهل نجد جمیعهم بدل عن الأولین ثم غزوا من حایل إلی الحساء.
و فی ربیع الأول جاه مندوب من الإنکلیز و من حکومة العراق و ظهر علیهم فی بحرة قریب مکة و المسألة من قبل الحدود الذی بینهم و بین ابن سعود.
فی منزل الدویش العوالی و العیون حصل علی قومه مرض، و استنکروا الهوی و کثر المرض معهم و استرخص الدویش و قومه و أرخص لهم ابن سعود، و انکفوا فی ربیع الثانی سنة 1344 ه و استمر الحصار من
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 156
جنود ابن سعود الباقین بعد الدویش و طالت الشدة علی أهل المدینة و استأذوا من قلة الطعام و غیره، و حصل علیهم ضرر عظیم و أغلب أهل المدینة هرب عنها.
ثم أرسل شحاذ مصطفی الصعیدی معه مکتوب لابن سعود یطلب الإمان فأرسل ابن سعود ابنه محمد معه قوة.

و فی لیلة أربعة و عشرین ربیع الأول سنة 1344 ه:

هب عاصوف هوی غربی بإذن اللّه ضرب علی القطیف یبالغون بالذی جدع من النخیل یقدر الذی طاح من النخیل قریب عشرین ألف نخلة، و أتلف نفوس من سکان النخل أیضا، ثم وصل الهوی إلی داخل البحر و ضرب علی الغوص و قلب بأمر اللّه أسفر البحر أعلاه صار الذی فی جهة أهل البحرین، و أهل الدمام، و أهل دارین قلب بعض سفنهم الذی غطس قدر خمسمایة سفینة بأهلهنّ. و أمّا أهل البحرین فهم بعد ما طبّوا البحرین و رجعوا أهل الردة صادفوا الحادثة، أما أهل قطر، و أهل الکویت و أهل الجبیل سالمین تقدر السفن التی غطست بالبحر بأسباب الهوی قدر خمسمایة أو ستمایة سفینة، و الأنفس التی هلکت قدر ألف نفس.
محمد بن عبد العزیز بن سعود: بعد ما وصل أطراف المدینة، [...] و قطع رأسهم علی أنهم یسلمون طلبوا من ولد ابن سعود المواجه، و أمنهم و خرجوا إلیه، و واجهوه و سلموا له الأمر أن یعطیهم علی الذی لهم خاصة، و الذی خاص الشریف من کل شی فهو لابن سعود فوافقهم علی ذلک و أجابهم علی مطلبهم فدخل المدینة و استولی علی ما فیها، و ذلک فی 10 جمادی الأول سنة 1344 ه.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 157
ابن سعود بعد ما وصلوا الغزوان من نجد مع ابنه فیصل، وجههم إلی حصار جدّة مع أخیه عبد اللّه بن عبد الرحمن و حاصروا جدة.
الأشراف بعد فتح المدینة صار معهم رعب عظیم، لأن المدینة حصینة و فیها قوة عظیمة، و صار الخوف یزید معهم کل یوم.
و فی دخول شهر جمادی الثانیة أشراف فی جدة کاتبوا ابن سعود خفیة علی الشریف علی و جذبوه.
ابن سعود طمع فیهم و رکب من مکة، فلما وصل العرضی فی الرغامة و نزل علیه و إذا الشریف علی شایف الأمر، و طایبة نفسه، و مکاتب ابن أخیه شاکر و جاذبه من ینبع بخیله عن عسکر ینبع.
الشریف علی دعی القناصل، و قال أنا قضیت لکن أصلحوا بینی و بین ابن سعود فجاوبه قنصل الإنکلیز و أخذ العلم کله، و ظهر إلی ابن سعود بالرغامة و أخبره أنه جای یطلب الصلح، و إنّ الشریف علی مفوضة بالذی یجری، و الکل اشترط شروطا قبلها قبیلة، أما شروط القنصل فهی أن ابن سعود یرفع یده عن الذی للأشراف ورث أب عن جد، و یعفی عن المجرم و المغرم، و یشیل عسکر علی إلی ابن بندر یریدون و یزهبهم.
و شروط ابن سعود هی أن الذی خاص الشریف حسین و الذی هو تملک من شاخ إلی الآن مع جمیع الأشیاء، و استولی علیه بعد الترک و الذی اشتری من مراکب و غیرها أنها لابن سعود، ثم کتبوا ورقة و ختم فیها ابن سعود و أخذها القنصل و دخل بها إلی جدة، و عرضها علی الشریف و ختم فیها.

و فی 6 جمادی الثانیة سنة 1344 ه:

ظهر الشریف من جدة معه
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 158
نفر واحد فی مرکب صغیر للإنکلیز و حرمه و خدامه، و العقیلات، ظهروا فی مرکب من مراکب الشریف کفل علیه القنصل أنه یروح بهم و یرجع إلی ابن سعود، و فی یوم سابع 7 جمادی الثانیة دخل ابن سعود هو و جنوده، و استولی علی جمیع الأشیاء أربعة مراکب، و طیارات، و مواتر، و دبابات و آلات حرب عدیدة.
و بعد فتح جدة بساعة واحدة فتحت ینبع و استولی ابن سعود علی ما فیها لئلا یبقی للأشراف علاقة.
بدخول ابن سعود جدة استقبلوه الأهالی فأکرم القوی، و فرق علی الضعفاء دراهم، و القنصل قابلوه و هنّؤوه، و تشکروا منه علی عفوه، و حقنه الدماء و صدرت البرقیات إلی جمیع الأطراف بذلک.
فی خروج الشریف علی من جدة خرج ما معه إلّا الشریف شاکر فی مرکب صغیر للإنکلیز و ینسب عنه عبد اللّه زینل (قایم مقام جدة سابقا)، و قد أیّده ابن سعود بوظیفته أنه خرج مع الشریف علی یسیرة جبرانا لخاطره، و أنه لما خرجوا من جدة، نظروا إلی المذکور و إذا هو یبکی فسأله عن السبب و لامه علی بکاه، و أن المذکور علی أجابه أنه لا یبکی علی الملک الذی فات بل إنی أبکی علی حالتی الخاصة أمس و الیوم:
کنت أصرف علی خمسة عشر ألف نفس. و الآن ما أملک إلّا ثوبی الذی علی، و لا أجد و لا غیره، و لا فلس. و الآن یا عبد اللّه أنا أستعین اللّه ثم أستعینک. فقلت: الآن ما معی شی حاضر لکن ترغب أکتب لک حوالة.
قال: نعم، فکتبت له حوالة علی عدن. و المذکور ما أحسن معی و لکنی رحمته. فسبحان الذی ما تضعف قوته.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 159
ابن سعود أمر إبراهیم السبهان فی المدینة و المذکور رجال مهیب، و نظمها حرب الذی کانوا بالمدینة لهم حقوق و إخاوات، و أمرهم نافذ صار و الآن مثل الغنم ما أحد یرفع رأسه ابن منصور و باشة المدینة، و باشة مکة رکبوا إلی ابن سعود فی مکة.
ابن سعود أمر فی ینبع ابن سعید، و رتب القمارق البحر، و البر و رتب بالوجه و العلا مناصیب.
و فی دخول رجب نصب ابن سعود ابنه فیصل أمیر فی مکة، و حضروا عنده أهل مکة الأعیان، و المشایخ، و عاهدوه. کذلک نصب ابنه محمد أمیر فی جدة و أرخص لغزوان البدو بالنکوفة.

و فی سنة 1344 ه:

حجوا المسلمون حجة هنیة، و أمان الذهب یسقط من صاحبه و یبقی فی مکانه ما یحرک حتی یرجع هو یاجده و یاخذه.
و بهذه السنة أجملوا الناس علی الحج یقدر الحاج من العرب قدر تسعین ألفا، و کل رجع إلی وطنه بأمان و صحة فقط فی لیلة الوقفة حدث ثورة من الإخوان علی المصریین، و عند أول رمیة ثارت رکب ابن سعود و خدامه و تدارکوا الأمر و أطفوها، قتل من الإخوان بذلک سبعة أنفار.
و فی شهر ذی القعدة ابن سعود استفتی المشایخ عن القبب المبنیة علی القبور و أخبروه أنها ما تجوز، و هدم الذی بالبقیع کلها و لا بقی شی‌ء.

و فی ربیع الأول سنة 1345 ه:

سافر فیصل بن عبد العزیز إلی أوروبا و تخلف فی إمارة مکة مشاری بن سعود بن جلوی.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 160

و فی ربیع الثانی سنة 1345 ه:

توجه ابن سعود إلی المدینة للزیارة وصلها فی 25 و استقام فیها شهرین و عشرة أیام، و ظهر فی 5 رجب قاصدا الریاض، و نصب بالمدینة مشاری بن سعود بن جلوی أمیر، لأن فیصل رجع إلی مکة و ابن سبهان عزل.
بأول سنة 1345 ه: صار مع الإخوان جهل، و تعصب زاید بالدین و عابوا علی ابن سعود فی بعض مسائل و أرسل لهم ابن سعود مشایخ باحثوهم و وعظوهم و استعاضوا وردوا علی حالتهم السابقة، و عاهدوا ابن سعود، و قضبوا الطریق بهن ابن سعود استقام بالریاض أربعة أشهر و توجه إلی مکة وصلها بخامس ذی القعدة.
و السنة 1345 ه: المذکورة حج البیت الشریف حاج عظیم، بلغ قریب لکین و خمسین ألف نفس. و من کرم الباری ما وقع أمر یکره، الجمیع حجو حجة هنیة و صحة و أمان. و الماراهی الغریب و العرب کل قضی حجه و رجع إلی وطنه ما رأی مکروه.
***
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 161

العنیزیة قصیدة تضم مختصر تاریخ (عنیزة) منذ تأسیسها حتی وقتنا الحاضر

اشارة

نظم المؤرخ الشیخ عبد العزیز بن محمد بن حمد بن عبد اللّه القاضی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 163
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ*

ترجمة الناظم‌

هو الأستاذ: عبد العزیز بن محمد بن حمد بن محمد بن عبد اللّه بن محمد بن إبراهیم القاضی من بطن الوهبة من قبیلة بنی تمیم.
کانت أسرة المترجم تقیم فی بلدة أشیقر فی الوشم، ثم انتقلوا- علی أثر فتنة- إلی المجمعة عاصمة بلدان سدیر، و ذلک عام 1135 ه.
ثم انتقل جدّ الأسرة المقیمة فی مدینة عنیزة من المجمعة إلی عنیزة، و ذلک عام 1165 ه، و المنتقل هو: إبراهیم، الذی بأعلی هذا النسب، و الذی تنسب إسرة إلیه آل قاضی فی عنیزة.
أما جد أبیه: محمد، فهو شاعر نجد الکبیر الشهیر، و قد توفی 1285 ه.
و أما جده: حمد، فهو شاعر، و قد قتل شابا فی معرکة الملیدا التی دارت بین محمد بن رشید و بین أهل القصیم فی عام 1308 ه.
و أما والده: محمد، فهو أحد المثقفین المطلعین علی الأنساب
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 164
و الأخبار و الأشعار، و کان صاحب محل تجاری فی بلد البحرین و أخیرا استقر فی بلده مدینة عنیزة حتی توفی فیها رحمه اللّه.
أما الناظم فقد ولد فی عنیزة عام 1343 ه، و بعد سنّ التمییز أدخله والده فی کتاب لموذجی یدیره الأستاذ صالح آل صالح فی عنیزة.
و کان یدرس فیه القرآن الکریم بالتجوید، و یدریس فیه قواعد الحساب، و یدرس فیه أنواع الخطوط، کما یتلقی فیه الطلاب الدروس الأدبیة و التدرب علی الإنشاء و الخطابة، فأخذ من هذه العلوم و من هذا الکتاب قسطا جیدا، ثم سافر إلی والده فی البحرین عام 1353 ه.
ثم أدخله والده فی البحرین مدارس نظامیة، فتعلّم فیها حتی صار له مدخل جید فی العلوم الأدبیة و التاریخیة و الثقافیة.
ثم عاد إلی وطنه عنیزة و هو الآن یقیم فیها وقت کتابة هذه الأسطر عام 1417 ه، وفّقه اللّه.
أما النّظم فهو أمام القرّاء، سجّل فیه أهم حوادث بلدة عنیزة، و هو یدلّ علی شاعریته و لو نماها الأستاذ عبد العزیز لفاقت، لکنّه شغل بأعمال والده التجاریة، و له کتاب آخر سمّاه: «رحلة الفتیان فی مرابع البیان»، و الکتابان ألّفهما فی صباه المبکر، وفّقه اللّه تعالی.
المحقق
عبد اللّه بن عبد الرّحمن آل بسّام
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 165

قال المؤرخ الناظم:

الإهداء

إلی أبناء عنیزة شیبا و شبّانا، أهدی هذه النفحة الشعریة التی ضمت موجز تاریخ بلادهم، و لعلهم أن یستعیدوا علی صفحات هذا التاریخ فی ثنایا أبیات هذه القصیدة ذکریات الکفاح المجید، الذی تخطّت مراحله لإثبات وجودها و تدعیم کیانها، وسط الصحراء العربیة الکریمة، هذه الصحراء التی أنجبت و لا تزال تنجب أکرم النفوس و أطبعها علی الخیر و أشدها مساسا بالفظرة السلیمة، و لعل فی هذه الذکری للمجد ما «یبعث فی نفوسهم الحنین إلی هذه الفطرة السلیمة بعد أن کادت الأهواء تمزّقها أشلاء، و تبعث بها تقلبات الزمن، و هی الأساس الذی لا یزول للخلق الکریم، و الرکن الذی لا ینهد إلّا الفضائل القویمة.
إلی من ینبعث فیهم هذا الحنین، و یتألق فی قلوبهم من نور الإیمان ما یبلّغهم المحجة، و یوفّقهم علی سواء السبیل أهدی نفحة الشعر و تاریخ الوطن.
عبد العزیز بن محمد القاضی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 166
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ*

المقدّمة

الحمد للّه رب العالمین، و الصّلاة و السّلام علی محمد خاتم المرسلین.
حدانی إلی نظم هذه القصیدة فی تاریخ «عنیزة» حرصی علی هذا الوطن العربی الکریم أن یحیط أبناؤه- و أنا أحدهم- بالمعلومات التاریخیة عنه، مجموعة فی سفر واحد تناولها سهل لدی الجمیع، و لا یخفی استعصاء الشعر علی النظم فی تفصیل الحوادث تفصیلا مسهبا، لذا فتجد هذه الحوادث المنظومة أشبه بالترتیب الأبجدی، لذلک فقد وجدتنی مضطرّا إلی التعلیق علیها نشرا لإیضاح ما قد یشتبه علی القاری‌ء، و رغم ذلک فأعمد فی ذلک کلّه إلی التفصیل المسهب لضیق نطاق الشعر إن أردته شعرا، و الخروج بالنثر عن کونه شرحا للشعر إن أردته نثرا.
و تاریخ بلدة فی قطر کعنیزة فی نجد لا بد و أن یتطرق المتعرض له إلی حوادث تتعلق بغیره فی شتی أنحاء القطر ثم تندمج بحوادثه، و یکون من اللازم إیرادها لتمام انتظام حوادثه و عدم انفصال بعضها عن بعض، لذا
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 167
فقد تعرضت لبعض حوادث نجد و أمرائها، و لکن هذا التعرض هو أشبه باللمحة الخاطفة، فلم أعمد إلی تفصیل شی‌ء منها، بل و لا إلی ترتیب حوادثها لأن هذا شی‌ء خارج عن قصدی فی نظم هذه القصیدة، و لأنه موجود فی الکتب التی ألّفت عن تاریخ نجد مفصّلا یرجع إلیه من شاء.
و لما کانت هذه القصیدة و شرحها تاریخا موجزا لعنیزة لا یتطرق إلی التفصیل، فقد رأیت أن أورد فی هذه المقدمة نبذا موجزة جدا، بقدر ما یتسع لها المجال عن هذا التاریخ، مجتهدا فی تضمینها علی الأخص الحوادث التی لم ترد فی خلال القصیدة و شرحها، و لکن قبل أن أورد هذه النّبذ أودّ أن أورد قبلها نبذة مقتضبة عما وصل إلیّ من أخبار هذا الوطن فی أخبار العرب الأقدمین.
***
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 168

عنیزة فی أخبار العرب الأولین‌

سمّیت (عنیزة) بهذا الاسم بأکمة سوداء بینها و بین مطلع الشمس، و نقل یاقوت فی المعجم عن ابن الأعرابی علی ما أخبره به الفزاوی، أنّ عنیزة تنهیة للأودیة، ینتهی ماؤها إلیها و هی علی میل من (القریتین) ببطن ولدی الرّمة، و هی لبنی عامر بن کریز، و القریتان هما المعروفتان عند أهل عنیزة الآن ب (الجوی) و (العیاریة)، و کانتا عامرتین بالسکان فی ذلک الوقت، و کانوا یستقون مائهم من عنیزة.
قال أبو عبید السکونی: إنّ الذی استخرج عنیزة هو محمد بن علی بن عبد اللّه بن عباس، و هو أمیر علی البصرة، و البئر التی حفرها محمد بن سلیمان هذا هی المعروفة عند أهل عنیزة الآن (أمّ القبور) سمّیت بهذا الاسم بعد زمن طویل من حفرها. لکثرة من دفن حولها من أموات الحاج، و ممن یقطن حولها من العرب أیام الصیف.
و فی روایة أخری أنّ الحجّاج بن یوسف بعث رجلا یحفر المیاه بین
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 169
البصرة و مکة فقال له: احفر بین عنیزة و الشجا مستثیرا بقول امری‌ء القیس :
تراءت لنا بین النقا و عنیزةو بین الشجا ما آحال علی الوادی
فقال الحجاج: و اللّه ما تراءت له إلّا علی ماء. و قال امرؤ القیس أیضا:
تراءت لنا یوما بسفح عنیزةو قد حان منها رحلة و قلوص
و قال عبد المسیح بن عسلة العبدی:
لعمری لا شبغنا ضیاع عنیزةإلی الحول منها و النسور القشاعما
و من أیام العرب المشهورة فی حرب البسوس یوم (عنیزة) فیه یقول المهلهل أخو کلیب:
غداة کأننا و بنی أبینابجنب عنیزة رحیا مدیر
و یقول الفرزدق:
أنخنا إلیها من حیضیض عنیزةثلاثا کذود الهاجری رواسیا
و یقول جریر:
و سقی الغمام منازلا بعنیزةأما تصاف جدی و أما تربع
حیّوا الدیار و سائلوا أطلالهاهلا ترجع الخبر الدیار البلقع
و لقد حبست بها المطی فلم یکن‌إلّا السلام و وکف عین تدمع
لما رأی صحبی الدموع کأنهاسح المرذاذ علی المرداء استرجعوا
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 170 قالوا: تعزّ فقلت: لیس بکائن‌منی العزاء و صدع قلبی یقرع
هل تذکرین زماننا بعنیزةو إلّا برقین و ذاک ما لا یرجع
و قال جریر أیضا:
هل تبصرین ظعاثنا بعنیزةأم هل تقول لنا بهن لحاقا
حث لحداة بهم وراء حولهم‌بزلا تجاسر لم یکن حقاقا
***
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 171

نبذ عن عنیزة فی التاریخ الحدیث

1- تأسست (عنیزة) فی أواخر القرن السابع الهجری، و أول ما تأسس منها قسمها الشمالی المعروف باسم (الجناح) و هو اسم القبیلة التی نزلته و تنتهی إلی الجبور من بنی خالد القبیلة المعروفة.
2- نزل فریق من سبیع روضة عنیزة و کانوا أول أمرهم ینزلونها فی الصیف و یظعنون عنها فی الشتاء ثم اتخذوا بعد ذلک البیوت.
3- فی سنة 1097 ه: خرج شریف مکة، و نزل عنیزة و أوقع فی أهل (العاقلیة) المحلة المعروفة فی عنیزة، و انتهک فیها الحرمات و أعمل القسوة.
4- فی سنة 1115 ه: قام أهل (الجناح) و قتلوا الأمیر فوزان بن حیدان بن حسن الملقب بابن معمر من الفضل ثم من الجراح ثم من سبیع.
5- فی سنة 1116 ه: هطلت فی عنیزة أمطار غزیرة أربت علی التلال و المجاری و هدمت بعض المنازل و تسمی (غرفة السلیمی) و هو رجل أعمی دخل علیه السیل فأغرقه.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 172
6- فی سنة 1155 ه: قتل حسن بن مشعاب أمیر عنیزة و جلا آل جراح و تولی الجناح علی عنیزة جمیعها.
7- فی سنة 1156 ه: تولی رشید بن محمد بن حسن آل الجراح علی (الملیحة) المحلة المعروفة فی عنیزة و أرسل إلی فرج رئیس آل جناح یهادنه فاصطلحوا و هدأت الفتن.
8- فی سنة 1160 ه: توفی الشیخ عبد اللّه بن غضیب الناصری التمیمی صاحب النبذ التاریخیة.
9- فی سنة 1165 ه: نزل إبراهیم بن عبد الرحمن القاضی و أولاده محمد و عبد اللّه و ماجد و علی بلد عنیزة، و إبراهیم هذا جدّ عائلة آل قاضی المعروفین فی عنیزة.
10- فی سنة 1174 ه: قتل الرشید آل جراح و فراج آل جناح.
11- فی سنة 1183 ه: نزل جود الدریبی أمیر (بریدة) باب شارخ فی عنیزة و قاتل أهلها و لم یفز منهم بطائل، و ذلک لمساعدة أهل عنیزة لآل علیان علیه.
12- لما ثار یحیی بن سلیمان بن زامل السلیم علی عبد اللّه الجمعی سنة 1239 ه ثار علیه آل بکر و آل غنام سنة 1240 ه، و دام حربهم ثلاثة أیام ثم أصلح بریدة بینهم.
13- فی سنة 1248 ه: عزل الإمام ترکی بن سعود یحیی السلیم عن إمارة عنیزة، و نصب مکانه محمد بن ناهض صاحب قصر ابن بسام (البرود) و لکن یحیی رجع إلی إمارة عنیزة بعد أن قتل الإمام ترکی.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 173
14- فی سنة 1251 ه: عیّن الإمام فیصل بن ترکی آل سعود الشیخ عبد اللّه بن عبد الرحمن أبا بطین قاضیا فی القصیم، فنزل الشیخ عبد اللّه عنیزة و استوطنها.
15- فی سنة 1254 ه: أقبل خورشید من المدینة و نزل عنیزة و قاتله أهلها.
16- فی سنة 1265 ه: تأمّر جلوی بن ترکی فی عنیزة و سکنها ثم أخرجه أهلها سنة 1269. خزانة التواریخ النجدیة ؛ ج‌8 ؛ ص173
- فی سنة 1295 ه: أغار حزام بن حشر رئیس آل عاصم من قحطان علی إبل لأهل عنیزة و أخذها (و أمیر عنیزة یومئذ زامل بن عبد اللّه السلیم) فخرج أهل عنیزة إلی حزام و قومه، و أتوهم علی غرّة، و قتل فی هذه الموقعة حزام رئیس القبیلة و تسمی (وقعة دخنة).
18- فی سنة 1300 ه: شرع أهل عنیزة فی حفر الآبار و زرع الأراضی فی الموضع المسمی (البدایع).
19- بعد وقعة (الملیدا) سنة 1308 ه لجأ حسن بن مهنا أمیر بریدة- و عدو محمد بن الرشید الألد- إلی آل بسام فی عنیزة ثم قبض علیه ابن الرشید.
20- فی سنة 1312 ه: خرج عبد العزیز بن عبد اللّه السلیم من الکویت أیام لجوئهم إلیها و ذهب إلی ابن الرشید لیستأذنه للإقامة فی عنیزة، و کاد ابن الرشید أن یفتک به لو لا أن انتذر و رجع إلی الکویت.
21- بعد أن فتح ابن سعود عنیزة محرّم سنة 1233 ه کتب إلی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 174
مبارک الصباح شیخ الکویت یبشره بالفتح، فأجابه مبارک و أشار علیه بالقبض علی آل بسام، فاستدعی ابن السعود عبد اللّه بن عبد الرحمن البسام و بعض أفراد أسرته استصحبهم معه إلی الریاض.
22- فی شهر ربیع الثانی سنة 1323 ه: أطلق ابن سعود سراح آل بسام المعتقلین فی الریاض، و کان ذلک بوساطة شیخ قطر قاسم بن ثانی.
عبد العزیز بن محمد القاضی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 175

العنیزیة

قصیدة تضم مختصر تاریخ «عنیزة» منذ تأسیسها حتی وقتنا الحاضر:
سلو عن بلادی رائد الشعراءو قس أیاد سیّد الخطباء
سلوه امرأ القیس بن حجر و طرفةو عنترة أربی علی البلغاء
رهیرا و عمرا أو لبیدا و حارثاو حاتم من عفی علی الکرماء
و ذا الإصبع المبسوط فی الناس حکمةله الفضل معروف لدی الحکماء
و یوم خزازی سائلوا فیه رأسه‌کلیبّا و أوفی حقه المتنائی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 176 و طعنة جساس فأین مکانها؟عانت لها بکر أشدّ عناء
و فارس عبس إذ جری داحس به‌و فارس غبراء جری بمضاء
فکانت لقیس غیر أنّ خدیعةجرت لهم حربا و سفک دماء
و ذا السؤدد المعروف قیس بن عاصم‌تناهت إلیه رأفة الحکماء
و حاجب ذا البیت الرفیع و قوسه‌رهین لکسری دون کل عداء
و من قلّد الثوبین بردی محرق‌أحمیر سعد أشرف النجباء
سلوا المعامریین: الملاعب رمحه‌و إخوته المبلین خیر بلاء
سلوا الحارث المرّی و هو ابن ظالم‌هو الضارب العادی بکل فناء
و أکثم ذا الرأی السدید و قوله‌هو الفصل معروف لدی الجلساء
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 177 عتیبة صیّاد الفوارس فاسألواو عمرو زبید مرهب الجبناء
سلوهم جمیعا أنهم خیر أمةتسامی لها فی المجد خیر سناء
سلوهم بما قالوا و ما عرفوا به‌من الشعر إنّ الشعر غیر خفاء
سلوها لقد کانت بلادی مرتعالهم بلادی مرتع العظماء
سلوهم فقد بانوا قدیما و أنهم‌لخیر أباة أعقبوا بثناء
بنو أسد کانت قدیما منازلالهم و بربوعا أوطنت لرعاء
و ذلک عصر الجاهلیة حقبةتلته عصور تنتهی بسواء
و لمّا أتی القرن الذی هو سابع‌لهجرة خیر الخلق و النظراء
تأسس مبناها و کان شمالهالآل (جناح) أول المترائی
بها نزلوا حتی أقامت قبیلةسبیع من (الجراح) ذات دهاء
أقاموا لهم فی (العاقلیة) مرتعاو هم آل (غنام) جروا لعداء
و إخوتهم من (آل بکر) توسّموا(ملیحة) دارا أی دار نجاء
(مشاعیب) منهم أسسوا لمقامهم(بجادة) دارا خیر ذات بقاء
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 178 توالت حروب بینهم تستفزّهامطامع ملک تنتهی بکفاء
و ما زال تسجال الحروب علیهم‌تشب و تخبو غیر ذات عفاء
إلی أن أرادوا للسلام علیهم‌إقامة خیر غیر ذات صفاء
فکان سلام قد تسالم بعده‌بنو الوطن المعروف بالنجباء
علی أنّ هذا السلم أدبر قائلالقد طال فیکم مرتعی و ثوائی
فنادی موالی کل بیت و حزبه‌لنا فی قصور الحکم کل فناء
فآلت أخیرا (للرشید) و رأسهم‌هو البطل الحامی لخبر خباء
یسمی (بعبد اللّه) و هو و قومه(الرشید) من (الجراح) أهل حباء
و فی الألف بعد المائتین و واحدأبی من (جناح) أهله ببقاء
فصارت (لعبد اللّه) و هو أمیرهاو صارت أخیرا تزدهی برخاء
و دعوة شیخ المسلمین محمدقد امتد منها الأمر بعد خفاء
و أقبل من (آل السعود) إمامهم‌لیجمع (نجدا) تحته بلواء
فسار شمالا (للقصیم) فقاومت(عنیزة) حتی انصبت لعناء
تولّی (سعود) و الإمارة قبله(لعبد العزیز) أعدل الأمراء
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 179 و هذا (سعود) ابن له و هو کفؤه‌یطول علی الأکفاء و القرناء
تولّی علی أرض (القصیم) و أقبلت(عنیزة) تعطیه أعزّ ولاء
و کان (حجیلان) أمیر (بریدة)یکنّ (لعبد اللّه) شرّ عداء
فأضمر خبثا و استثار ضغینةو کاد أمورا أبرمت بدهاء
فآل به الکید الدفین لقتله‌حفید (رشید) قتلة الجبناء
فأقبل (عبد اللّه) نحو إمامهم(سعود) و أبدی ما جری بجلاء
فأغضبه حتی تهدد قائلا:حجیلان هذا أخبث الخبثاء
و لکنّ أعوانا له بلغوا به‌إلیه رضیا بعد ذول جفاء
فدس بثوب النصح حبل عدائه‌لآل رشید و انتهی بولاء
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 180 و أقبل جیش ابن السعود یقوده‌حجیلان یحکی مشیة الخیلاء
تولی حمی بیت (الرشید) و جردواعلی کل بیت سطوة الخصماء
تولوا فتاة شد فوق قرونهامصاغ فساقوها لشر بلاء
هی ابنة (عبد اللّه) خیر کریمةتصب علیها شقوة البؤساء
أیا (عرف) جاد الغیث قبرک إنمارأیت عظیما نکبة العظماء
وفیت و هاجتک الشجون فأذرفت‌جفونک دمعا فیه بعض عزاء
و نادیت لو أنّ القروم شواهدو لو أن لیث الغاب لیس بنائی
لما انتهکت یوما لبیتک حرمةو لا أهرقت فیه أعز دماء
ثوی العرف و المعروف لیس بذاهب‌و إلا الثأر مدفون لطول ثواء
قفوا قبل سیری فی الحوادث و اشهدواجرائر أیدی الطغمة اللؤماء
تولّت حماة السوء أفظع مصرع‌لأکرم بیت شید فوق بناء
إلا أنّ رب العرش عالم أمرهم‌مقیدهم من فعلهم بسواء
حجیلان: أنسیت المکارم کلها؟و لم ترع إلا خطة الرعناء خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 181 لقد ظل عبد اللّه فی درعیةعند الإمام مکرما بحباء
أما عنیزة فالإمارة أسندت‌فیها لإبراهیم بعد عناء
و لقد نحا خیر المسالک إنه‌من صفوة الرؤساء و الأمراء
ما زال حتی مات غیر مذمم‌موت الکرام معقبا بثناء
و إذا الإمام سعود یسلک نهجه‌و الموت آخر مبلغ الأحیاء
لما ثوی ولی الإمامة نجله‌فأقام بین طاعة و ولاء
و إذا بجیش الترک یقدم غازیامن مصر بین ضغینة و عداء
و الحاکم المصری أرسله نجله‌لیقود هذا الجیش تحت لواء
ما کان إلا طامعا بمناله‌عند الخلیفة حظوة القرباء
فأتی إلی نجد و أمطر وابلامن جوره فاجر شر بلاء
أسروا الإمام و هدموا درعیةو البغی شر جرائر الأعداء
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 182 و أتو عنیزة فاتحین فسلمت‌لهم البلاد فأصبحت بنجاء
و القصر قاوم أهله و تمنّعواحتی تهدّم منه بعض بناء
فتواثقوا صلحا بحقن دمائهم‌فصفت عنیزة دونما استثناء
قتلوا الأمیر ابن الرشید و أمروام (الجمعی) هو دخیلة الدخلاء
طردوه لکن عاد بعد شکاته‌مشامرا من بعد طول جفاء
حسن ابن ظاهر قد أتی متآمراو مفتّشا لسرائر الأنباء
طلب الجبایة من (عنیزة) فانتدبوابعض المیسر منهم لعطاء
لم یقتنع منهم بما بذلوه، من‌مال، فثاروا، فانثنی لنجاء
قد ثار (یحیی) فاسمعوا تاریخه:(یختار یحیی) خطة الرؤساء
قتل (الجمیعی) البغیض لقومه‌لمکائد منه علی القرناء
قد کان (یحیی) أول الأمراء من‌أبناء (زامل) صفوة الأنباء
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 183 ولّی الإمارة فی (عنیزة) حقبةو ثوی (ببقعا) مصرع الشهداء
و أخوه (عبد اللّه) أمر بعده‌و (جوی) مصرعه مع الکرماء
قد أرّخوا یوما طواه بکلمة:(غرس) الغریس حق بالأنواء
و أخوه (إبراهیم) ولّی بعده‌و ثوی صریع اللیلة النکراء
من بعده ولّی الإمارة (ناصر)إنّ الإمارة مطمع الأمراء
قد کان أوصلة الإمارة (فیصل‌آل سعود) فرغ بعد ولاء
قد ظل بین ولائه و عدائه‌ما بین خشیة نقمة و رجاء
فرماه (زامل) و هو یطلب ثأره‌و الثأر للموتور خیر عزاء
مرّت بذلک فترة لعنیزةکانت کفترة ماثل للشفاء
و إذا (بعبد اللّه) صار أمیرهالکن (زامل) مرجع الآراء
ثارت لحرب (عنیزة) أعداؤهامن کل نجد غیر ما استثناء
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 184 قد حاصروها مدة نافت علی‌سنة و نصف دون أی غناء
ظلت تصادمهم و تسخر منهم‌حتی أرادوا الصلح بعد عناء
تاریخ هذا الحرب فاسمع شرحه‌عما قرأت بمحکم الأنباء
ألف إلی مائتین یتبع بعدهاتسع و سبعون انتهت بصفاء
و إذا (عبد اللّه) یلقی ربه‌من بعد خمس سنین ذات هناء
صفت الإمارة بعد ذاک (لزامل)و سعی لمجد (عنیزة) بمضاء
قد کان (زامل) ذا الصرامة و الحجی‌حزب الأمور بحکمة و دهاء
فی عصره بلغت (عنیزة) أوجهافی المجد بین مضارب الأعداء
لما ثوی فی القبر (فیصل) انضوت‌نجد (لعبد اللّه) تحت لواء
لکنه قد کان فیه فضاضةفقسا علی الأعداء و القرباء
فاضطر إخوته لنقمتهم علی‌أعمالهم و جهارهم بعداء
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 185 و إذا حروبهم تشتت شملهم‌فتفرقوا کتفرّق الأشلاء
ابن الرشید (محمد) قد کان ذاحزم و کان مسدد الآراء
قد ظل یرقب فرصة لبلوغه‌حکما بنجد واسع الأرجاء
حتی إذا ما الأمر أقبل طائعاکشف الحقیقة بعد طول جفاء
و أتی یطوع کل نجد بدوهاو الحاضرین لطاعة و ولاء
حتی تمادی سائرا بغزاته‌فأتی (عنیزة) و هو بالأثناء
عرفوا بأن مروره متحیّزالعدائهم فتآمروا لعداء
ظهرت إلیه (عنیزة) و (بریدة)لکریهة حفت بشر بلاء
رحلوا إلیه و ناوشوه (بشقة)حتی انثنی متظاهرا بنجاء
و إلی (الملیدا) سار بین جموعه‌لما أشار علیه ذو الآراء
قالوا له: إنّ (الملیدا) أرضهافیها مجال واسع الأنحاء
الخیل تطرد فیه و هی نجیةفتحول دون تقدم الأعداء
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 186 أهل (القصیم) أتوا إلیه بجمعهم‌و تناذروا و تهیّؤوا للقاء
حتی إذا حمی الوطیس لحربهم‌و الأرض سال أدیمها بدماء
کرّت خیول ابن رشید علیهم‌من خلفهم فتناذروا لنجاء
لکن أحیط بهم و شتت شملهم‌و قضی الإله علیهم بفناء
فقضوا علی حدّ السیوف و قد أبواأن ینثنوا بهزیمة الجبناء
لهفی علیهم یوم شتت جمعهم‌بین الخیول و جولة الأعداء
أعداؤهم کثر و کانوا قلةفهل المطوق آمل بنجاء
ولی الإمارة (آل یحیی) بینما(آل السلیم) قد انثنوا لجلاء
نزلوا (الکویت) مجاورین لأهلهامترقّبین تقلّب الأنواء
و کذا الإمام (ابن السعود) أتی لهامن بعد طول تنازل و عناء
ابن الرشید (محمد) تمّت له(نجد) جمیعا تحت ظل لواء
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 187 حتی قضی و بذاک ولی، و بعده(عبد العزیز) و کان فتح بلاء
قد کان ظلّاما غشوما صارمامتقمّصا فی الحکم ثوب ضقاء
حتی أثار خصومه من حوله‌متخبّطا کتخبّط العشواء
ثارت علیه (من الصباح) خصومةلما قسا و دعا إلی الهیجاء
خرجا لبعضهما و فی (طرفیة)قد کان بینهما أشد لقاء
ابن الرشید أتاهم فی غرّةفی حین ظنّوا أنه متنائی
و إذا هم متفرّقین و جیشهم‌متشتت بمفاوز البیداء
فعدا علیهم غیر منتذرین فی‌معداه فانهزموا علی الأثناء
نجم تلألأ بعد ذاک بریقه‌فی الشرق من نجد ببعض سناء
قد ظلّ هذا النجم یرسل ضوءه‌فیشیعه فی أوسع الأرجاء
هو من سنا (آل السعود) و إنه‌لسناء ملک ضاء فی الأجواء
خرج الفتی (عبد العزیز) بجیشه‌فی قلة من واهب لولاء
فغزا و کان مظفرا و مؤیّدامن ربه بالنصر و الإعلاء
فتح (الریاض) مقرّ حکم جدوده‌لکنه لم یقتنع بثواء
فسعی إلی (نجد) یتمّ فتوحه‌فأتت إلیه طاعة و ولاء
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 188 آل السلیم من الکویت تقدموالیؤازروه بحریة الشعواء
و اللّه ألّف بینهم فتآزرواو تظافروا لهزیمة الأعداء
لما أجازوا الوشم فی مغزاهم‌وصلوا القصیم و هم علی الأنضاء
و صلوا إلی الزلفی ثم بقوا به‌مترقّبین تحقق الأنباء
آل السلیم تراسلوا و عنیزةلیروا حقیقة أهلها بجلاء
کتبوا إلیهم أن اقفوا إنا علی‌عهد و لسنا الیوم بالطلقاء
ابن الرشید دعا القصیم جمیعه‌لیبایعوه بطاعة و ولاء
ثم انثنی نحو العراق میممالیحوز من ترک بنیل عطاء
قد کان أرسل للقصیم موزعافیه السرایا خشیة الأعداء
لعنیزة قد کان أرسل ماجدافأقام حول السور لیس بنائی
لکنه قد ظلک یوجس خیفةمن صولة الأعداء فی استخفاء
و لذا فقد بث العیون تجسسالتقدیم الأعداء علی البیداء
أما الإمام ابن السعود فکان قددخل الریاض بعزّة الأمراء
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 189 ابن الرشید نواه قد شطت به‌نحو العراق تعللا بحباء
خرج الإمام ابن السعود میممانحو القصیم بغرة و خفاء
و إذا العیون لماجد بعنیزةقد أبلغته تقدّم الأعداء
فتقسموا الأسوار و اعتزموا علی‌دفع العدو بهمّ و بلاء
علموا بأنّ بنی عنیزة جلهم‌لابن السعود علی أتم ولاء
فتوعدهم للنفیر بجمعهم‌لیساهموا لجهادهم بسخاء
فترقبوا لیلا هجوم عدوهم‌حتی تراخت سجفة الظلماء
فتشککوا فیما توارد عندهم‌من أنّه آت و لیس بنائی
هی الحقیقة لم یکن متنائیالکنه قد کان فی استخفاء
و مضوا علی استخفائهم حتی أتوطرف البلاد علی أتم خفاء
(آل السلیم) و من یضم رکابهم‌قربوا إلی الأسوار دون عناء
فرموهم بالنار دون تناذرمنهم، فماجوا، فانثنوا لنجاء
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 190 دخلوا البلاد مهللین و أسرعواللقصر بین تحمّس و نداء
قد أصبحوا و العزّ یرفل حولهم‌و البشر عطّر سائر الأرجاء
نجم السعود مع (السعود) و أهلها(آل السلیم) أضاء فی الأجواء
الفتح شهر محرم تاریخه(خیر یبث) بنعمة و هناء
دخل الإمام ابن السعود عنیزةو البشریات تعمّ فی الأنحاء
و إلیه أقبل أهلها و جمیعهم‌یبدی السرور معقبا بثناء
و إلیه أقبل من (بریدة) وفدهم‌یدعونه لتعقب الأعداء
تم (القصیم) له بذاک جمیعه‌و السعد فیهم حلّ کل فناء
(ابن رشید) و قد أمدّ بجحفل‌من آل عثمان و حسن حباء
قد سار بین مدافع فی عدةجعلته رهن مظاهر الخیلاء
وصل (القصیم) معبأ أجناده‌و تقابل الجیشان فی البیداء
و قل (بکیریة) و کانت وقعةجعلت مکان الحرب نهر دماء
قد کان قلب الجیش أهل عنیزةو ابن السعود یمینهم بإزائی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 191 قتلاهم نافوا علی الألفین بل‌نحو الثلاثة فی آخر بلاء
رجع الإمام ابن السعود مظفراقد حاز کل ذخائر الأعداء
ابن الرشید و ماله من بعد ماآلت ممالکه إلی الخصماء
إلّا الوشایة و النکایة فیهم‌و هما لقلب الخصم خیر شفاء
فوشی بهم عند الخلافة أنهم‌أهل لکل صنیعة نکراء
قد قال إنهم عصاة دأبهم‌بث الشرور و نصرة الدخلاء
لما تعدده الوشایة عندهم‌منه، أوردوا الأمر باستجلاء
خرج (المشیر) إلی القصیم مفاوضاأهلیته مجتمعا مع الأمراء
طلب (المشیر) بأن تکون بلادهم‌تحت الحمایة دونما استیلاء
و بأن تکون علی الحیاد فلا لذاحکم، و لیس لذاک أی ولاء
و بأن تظلّ جیوشه (بعنیزة)و (بریدة) ردعا عن الأعداء
رفضوا مطالبه و قالوا: إنهالا تستوی و مکانة الکرماء
ذهب (المشیر) و جاء (سامی) بعده‌و کذاک لم یتوفقوا لسواء
کتب الإمام ابن السعود رسائلاکانت وسائله إلی استرضاء
حتی إذا استرضی الخلافة أصبحت‌تولیه حسن تعطف و رضاء
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 192 و ابن الرشید و قد تقطع دونه‌حبل المودة بعد جهد عناء
قد ظل یمطر وابلا من جوره‌متجولا فی سائر البیداء
خرج الإمام فی أجناده‌متعقبا منه علی الأثناء
و إذا بحماسة الوقائع تنجلی‌و ابن الرشید ثوی لدی الهیجاء
قد کان فوق جواده متجوّلاو اللیل یرخی هیدب الظلماء
و إذا الإمام ابن السعود و قد أتی‌فی غرة لمخیم الأعداء
و ابن الرشید علی الجواد محرضاإذ کان یجهل أنهم بإزاء
عرفوه إذ نادی فصاحوا کلهم‌هذا العدو، فذاق شر فناء
قد کان (متعب) ابنه فی نجوةفی حربهم متحیزا لنجاء
فنجاه و من معه و صار (لحائل)و غدا أمیرا دون أی مراء
لکن إخوة (ماجد) قد أضمروالأمیرهم هذا أشر عداء
قتلوه (یوم الصید) ثم تحمّلواتبعات هذا الأمر دون عناء
(سلطان) قد ولّی الإمارة بعد ماثالث یداه جریرة السفهاء
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 193 قد کان أهل (بریدة) فی قلب‌من أمرهم کتقلّب الأهواء
نقضوا العهود و أبرموا ثم انثنواللنقض مثل تلوّن الحرباء
فتضامنوا و ابن الرشید، و حاولواإقناع أهل (عنیزة) بسواء
فأبوا علیهم أن یمیلوا میلهم‌إنّ الوفاء سجیة الکرماء
علم الإمام ابن السعود بأمرهم‌فأتی یحقق صحة الأنباء
و ابن الرشید أتی و فی (طرفیة)نادت قراع الحرب للهیجاء
نصر الإله ابن السعود علیهم‌و تحمّلوا ثقلا من الأعباء
بیت الرشید غدا تزعزع رکنه‌حرب العدو و فتنة القرباء
و (عنیزة) ظلّت تقر وفاءهالابن السعود علی أتم ولاء
و (جراب) موقعة لقد أبلوا بهافی حربهم معه أشد بلاء
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 194 و ثوی بها نجل الأکارم (صالح)و هو ابن (زامل) أکرم الآباء
قد کان- یرحمه الإله- حمیدةمنه السجایا صائب الآراء
و هو الشجاع إذا الفوارس أحجمت‌فی الحرب یوم تطاعن الأکفاء
ظل الإمام ابن السعود مظفرافی الحرب یطفی‌ء نخوة الأعداء
حتی أتم اللّه فتح بلادهم‌و أتم وحدتهم بظل لواء
کان (الحجاز) نهایة لفتوحه‌إذ تم أصبح سید الأمراء
تمّت له (نجد) و تم (حساؤها)و (حجازها) فی أوسع الأرجاد
و هو (الملیک) و کان أکرم مالک‌لرعیة فی أکرم الأنحاء
و بکل ناحیة أقام إمارةترنوا إلیه بطاعة و ولاء
و (عنیزة) ظلت إمارتها إلی(آل السلیم) تناط بالأکفاء
(عبد العزی) ظل و هو أمیرهاحتی تنازل و هو لیس بنائی
و إذا (بعبد اللّه) أصبح بعده‌متأمّرا فی نعمة و هناء
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌8، ص: 195 (عبد العزیز) فارق الدنیا و ماحی علیها فائز ببقاء
ما زال (عبد اللّه) حتی یومناهذا أمیرا مکرما بولاء

[الجزء التاسع]

اشارة

مجموع فی التاریخ النجدی تألیف
الشیخ إبراهیم بن صالح بن عیسی و الشیخ عبد اللّه بن محمد البسام
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 7

[المقدمه المؤلف]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ الحمد للّه، و الصلاة و السلام علی محمد رسول اللّه، أما بعد:
فقد تصفحت هذا المجموع، و قرأت موضوعاته، و إذا به مجموع قیمة فی التاریخ النجدی، و فی أسماء بلدان، و میاه، و جبال، و أودیة فی نجد، نقلها المؤلف من مصادرها الموثوقة، و أضاف إلیها ما دوا؟؟؟
بالمشاهدة و السماع.
فأما التاریخ، فمن أوله الذی هو عام 70 ه، و ذلک حینما عرض فی أول الکتاب نسب (آل مدحج)، و استمر إلی عام 1319 ه، فهو قل؟؟؟
المؤرخ الشیخ إبراهیم بن صالح بن عیسی.
و بعد ذلک أتمه الشیخ عبد اللّه بن محمد بن بسام، إلی ع؟؟؟
1323 ه، بأخبار هامة حول أحداث القصیم، و کذلک عرض الأسما؟؟؟
البلدان، فبعضها بقلم الشیخ إبراهیم بن عیسی، و بعضها بقلم الشیخ عبد اللّه البسام، و أنا بصفتی فی هذه (الطبعة الأولی) لهذا التراث النجد:
أبقیته علی وضعه الذی وجدته علیه، لیکون مرجعّا فی التاریخ و الأنساب، و التراجم، و الرسائل، و الإجازات، و الفتاوی، و الوثائق و المعاجم، و غیرها.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 8
فأبقیت کل ما وجدت علی وضعها الذی وجدته علیه، و علی وضعها الذی کتبت فیه أولا، فإنه یمکن بعد ذلک منی أو من غیری، تنسیقها و ترتیبها و جمع کل فن فی باب واحد.
مع ملاحظة ورود قسم منه فی تاریخ الشیخ إبراهیم بن عیسی الخاص به.
و هذا المجموع الذی بین یدی الآن، بعضه بخط الشیخ إبراهیم بن عیسی، و بعضه بخط الشیخ عبد اللّه بن بسام، فنسبته إلیهما کلیهما، و اللّه من وراء القصد، و صلّی اللّه علی نبینا محمد.
کتبه عبد اللّه بن عبد الرّحمن بن صالح آل بسّام فی 7/ 12/ 1417 ه بمکة المکرمة
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 9
هذه الصحیفة بقلم الشیخ إبراهیم بن عیسی المشارک فی تألیف هذا المجموع
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 10
هذه الصحیفة بقلم الشیخ عبد اللّه بن محمد البسام المشارک فی تألیف هذا المجموع
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 11

ترجمة الشیخ ابن عیسی تقدمت مع تاریخه‌

أما ترجمة الشیخ عبد اللّه بن محمد بن بسام فستأتی مع نبذة تاریخی؟؟؟
له إن شاء اللّه تعالی.
- نقلا عن الهلال غرة 2 من السنة 11 وجه 59 أنه قد أنجز کسیم؟؟؟
فکان فی شیکاغو اختراع الدرع التی یتقی بها حاملها رصاص المسدسات (ریقولغر)، و عرضها للبیع فی الأسواق، و ثمنها خمسون ریالا أمیرکان؟؟؟
(نحو عشرة جنیهات)، و هی عبارة عن ثوب ثخانته ربع قیراط لا یخرق؟؟؟
رصاص المسدسات.
- لمنع الإسهال العارض من دون سبب أو بسبب، یؤخذ رمان و یخط فوقه غلاء و عجین [...] قدر ثلث ساعة، ثم تخرج، و یأکل المریض جمیع ما بداخل الرمانة [...] .
- المسافة من الشام إلی تبوک 681 کیلومتر.
- و من تبوک إلی المدینة المنورة 479 کیلومتر.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 12
و قد وصل الخط الحدیدی بین الشام إلی تبوک بتاریخ [...] و هذا تفصیل [...] أنا یا عبد اللّه بن محمد البسام و ذلک من بلد عنیزة إلی البصرة بتاریخ 9 ربیع أول ... معی حدرة ممشا [...] لا دون، و لا جود، بل هو للدون أقرب، و هذا تفصیله فی الساعات و هذا الطریق أحسن ما یکون للمسافر فی شدة الحر، لقرب أمواهه من بعضها، و حلاوتها، و سهولة طریقة، و قد وضعته رجاء أن قد ینتفع به من یرید السفر.
دقیقة/ ساعات
00/ 05/ من عنیزة إلی النقیبد فمشاجید، و فیه درهام.
45/ 01/ من النقیب إلی الطرفیة ماها أبیار و شط فی الحلاوة.
45/ 11/ من الطرفیة إلی عشیران، و هو بطرف أبا الدود.
15/ 11/ من عشیران إلی الطلحی بمقطاع العرق.
00/ 17/ من الطلیحی إلی طلحا، و هی من میاه البشوک.
20/ 23/ من طلحی إلی الوقبی أبیار معتدل فی الحلاوة.
25/ 31/ من الوقبی إلی بصیّة، و بینها و بین بصرة 2 ساعة.
00/ 27/ من بصیة إلی البرجسیة، و دونها الرافعیة تصلها من بصیّة 22 ساعة.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 13
00/ 01/ من البرجسیة إلی الزبیر.
ثم سرنا من البصرة صباح الخمیس الموافق 23 رجب سنة 1321 ه، فوصلنا المحمرة الساعة 3
و منها إلی الفاو، و المسافة من الفاو إلی البصرة میل.
12/ 00/ ثم سافرنا من الفاو الساعة 11 من النهار، فوصلنا أبو شهر الساعة 11 صباح الجمعة.
أطول الأیام منقولا من أحد الجرائد:
دقیقة/ ساعة
00/ 14/ أطول یوم فی بیروت و نواحیها.
32/ 16/ و فی لندن أو بریمن، و أقصره 7 ساعات و 44 دقیقة.
00/ 17/ و فی استوکهولم من نرووج، دانتریک فی بروسیا 17 ساعة، و أقصره 75 ساعات.
00/ 19/ فی توبولسک فی سیبیریا أطول نهار 19 ساعة و أقصره 5 ساعات.
00/ 212/ و فی تورینا، و أقصره 22 ساعة.
و فی واردنس (فی أسوج، یدوم النهار من 21 أیار إلی 25 تموز بدون انقطاع، و هذه المدة نحو 65 یوم کلها نهار.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 14
و ذکر فی جریدة البصیر، غرة 1078، مؤرخ 2/ 1318 أن أرض الذهب بلاد کاون دیک، التی لم تعرف إلّا منذ خمس سنین، هی أرض قفر کثیرة الثلج و المطر، یحدها جنوبا کولومبیا، و من الغرب ألاسکا، و من الشمال الأوقیانوس الشمالی المتجمد، و فی الشرق إقلیم ماسکلزی، إنها تغیب عنها الشمس أشهرا، فلا یری فیها إلّا شفق ضعیف، تظهر فیها الشمس زمن الربیع أربعة أشهر متوالیة.
و فی منطقة الشمس التابعة لأسوج، الواقعة شمالا فی عرض درجة 66 دقیقة و 33 ثانیة 45، یکون النهار بها متصلا، لا لیل فیه، ثمانین یوما یبتدی‌ء فی 20 [...] و ینتهی فی أول لا قست، و یکون بها لیلا متصلا مدة 69 یوما یبتدی‌ء فی 18 نوفمبر، و ینتهی فی 25 جنوری.
و سافرنا من زابو شهر الساعة 11 من یوم الجمعة، فوصلنا مسکة الساعة 7 یوم الاثنین، و سافرنا من مسکة الساعة اللیلة [...] فوصلنا کراجی الساعة 52 یوم الربوع، و نزلنا بها آخر نهار الربوع، و منها مشینا فی الریل علی طریق مروا إلی سورة ساعة 43، و من سورة فی الریل إلی بمبی ساعة 6 فصار وصولنا ساعة 7 من نهار 29 رجب، و إلی سورة فی الساعة 7 من لیلة 2 شعبان.
و فی سنة 317 ه: دخل أبی طاهر القرمطی مکة المشرفة، و قتل الحجّاج، و نهب الأموال، و کان ابتداء ظهورهم سنة 278 ه، و أول من ظهر منهم رجل قدم من خوبستان إلی سواد الکوفة، یظهر الزهد و لا یأکل إلّا من کسب یده.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 15
سنة 581 ه: مات فی جوف الکعبة من الزحام 84 نفس.
سنة 670 ه: مات فی الزحام بباب العمرة 80.
سنة 744 ه: تولی الشریف عجلان بن ریشة إمارة مکة.
سنة 798 ه: إمارة الشریف الحسن بن عجلان.
سنة 817 ه: حصل فتنة فی الحرم الشریف بین القواد و المصریین و انتهکت حرمة الحرم لما حصل فیه من سفک الدماء، و تلویث الخیل له، بسبب طول مقامها فیه، و سبب ذلک، أن أمیر حج المصری أدّب بعض العبید علی حمل السلاح المنهی عنه و حبسه، فطلب من موالیه إطلاقه، فلم یجب، فهجم القواد یوم الجمعة علی الحرم و الناس فی الصلاة من باب إبراهیم علی [...] لهم، و علیهم السلاح، فقابلهم الأتراک و الحجاج [...] و انتهب السوق و بعض البیوت.
سنة 818 ه: تولی أمارة مکة [...] .
سنة 821 ه: تولی الشریف برکات بن حسن.
سنة 827 ه: تولی الشریف عنان بن مقامس.
سنة 828 ه: تولی الشریف حسن.
سنة 832 ه: تولی الشریف علی بن حسن بن عجلان.
سنة 844 ه: وقع فتنة بین الأشراف و الأتراک، و اقتتلوا فی المسعی، و قتل جماعة من الطرفین.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 16
سنة 842 ه: صار أمیر مکة أبی القاسم بن حسن.
سنة 851 ه: صار أمیر مکة الشریف برکات بن حسن.
سنة 859 ه: صار الأمیر الشریف محمد بن برکات.
[...] داخل الکعبة من الزحام عدد 25 نفر.
سنة 903 ه: صار أمیر مکة الشریف برکات بن محمد بن برکات.
سنة 904 ه: صار الأمیر هزاع بن محمد بن برکات.
سنة 907 ه: الشریف أحمد بن محمد بن برکات، ثم عزل بسنته.
سنة 907 ه: و تولی الشریف برکات بن محمد.
سنة 909 ه: صار الشریف حمیضة بن محمد بن برکات.
سنة 923 ه: تولی ابتداء مجی‌ء المحمد الرومی، و معه کسوة للکعبة و صدقات و هی [...] .
سنة 931 ه: صار الأمیر الشریف أبی نمی بن برکات.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 17

[التحریریه]

الحمد للّه هذا ما وقف و حبس و أبّد العبد الفقیر إلی اللّه تعالی، صبیح عتیق عقبة حیطانة فی عکل ، علی بئر الغطفان، و لهن فی الماء ثلاث وقعات و نصف علی بئر الغطفان بحدودهن و حقوقهن فی أرضهن، و نخلهن، و مائهن، و نمائهن، و کل حق هو لهن داخل فیهن أو طالع عنهن، یحدهن فی الغرب سور القریة، و فی الشمال البئر و طریق المسلمین، و فی الشرق حویط أبا شقیر، و فی الجنوب الجفرة و القطیعة و الأحیمری، وقف حبسا مؤبدا محرما بجمیع محارم اللّه تعالی، التی حرم بها الزنا و شرب الخمر، و أکل المیتة و الدم، و لحم الخنزیر، و قتل النفس بغیر حق، وقفا قائما علی أصوله جاریا علی رسومه، قائما علی سبیله، ماض لأهله، جائزا لهم، لا یزده مرور الأیام إلّا تأکید، و لا یکسبه تقلب الأوقات إلّا تمهید و تأیید و لا یحله تطاول أمد و لا تقاوم عهد، و کلما تطاول علیه من زمان أبده، و کلما أتی علیه عصر جدده، و أکده لا یزال ذلک کذلک، حتی یرث اللّه الأرض و من علیها، و هو خیر الوارثین.
و لیجدّد فی کل عصر ذکره، و تسمع الأسماع ما ذکر فیه من تجدید
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 18
حکمه لینقله الخلف عن السلف، و لا یتعرض لإبطاله التلف، و تنقبض عنه الأطماع الکاذبة، و تقصر عن تناوله الأیدی الظالمة، لا یزال هذا الأمر جاریا فی هذا الوقت المذکور علی شرائطه المذکورة، و الأحکام الموصوفة إلی أن یرث اللّه الأرض و من علیها، و هو خیر الوارثین.
و ولی الوقف المذکور إمام الجامع، و له سدس حائط و نصف سدس حائط، فإن کان الإمام فیه ضعف فیساعده المصلح من آل عقبة و إن ترک الإمام الولایة، و کان الولی غیره، فلیس له شی‌ء، و یبدأ الولی بعمارة الوقف، و کلما یزید فی نمائه، ثم ما حصل منه، فیخرج منه دلو و حبلها علی بئر العصامیة، فإن تعطلت بئر العصامیة جعلت علی بئر غیرها مما ینتفع به المسلمون، و فیه أیضا ستون صاعا تکون أکفانا لمن یموت، و لم یخلف ما یکفنه من أهل عکل، و أهل الفرعة، و أهل شقرا، و ما فضل بعد ذلک أطعمه الولی فی شهر رمضان المعظم، و یکون سماطا فی لیالی الجمعة، و لیالی الخمیس، و لیالی الاثنین، و یفرق منه ثلاثون صاعا علی الأرامل اللائی یستحین و یشتهین، و لا حرج علی من حضره فی الأکل منه، سواء کان غنیا أو فقیرا، أو بدویّا، أو حضریّا.
و إن أصاب الناس مجاعة فی غیر شهر رمضان أطعمه الولی فی ذلک الوقت، إذا رأی الصلاح فی ذلک، و لا حرج علی الولی، و من حضره، فیما یأکلون عند الجذاذ، و لا یحل لأحد من خلق اللّه تعالی، یؤمن باللّه و الیوم الآخر أن یعترض هذا الوقف بظلم أو نقصان، و لا تغییر و لا تحریف فمن فعل ذلک، أو أعان علیه بقول أو عمل أو مشورة فاللّه حسیبه و طلیبه و مجازیه و معاقبه، و مسائله یوم لا ینفع مال و لا بنون إلّا من أتی اللّه بقلب سلیم، یوم تذهل کل مرضعة عما أرضعت، و تضع کل ذات حمل
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 19
حملها، و تری الناس سکاری و ما هم بسکاری و لکن عذاب اللّه شدید، یوم الواقعة، یوم الآزفة، یوم الراجفة، یوم الحاقة، یوم یکشف عن ساق و یدعون إلی السجود، فلا یستطیعون خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة و قد کانوا یدعون إلی السجود و هم سالمون، یوم العرض، یوم النشور، یوم الطامة، یوم الحسرة و الندامة، یوم یعض الظالم علی یدیه، یوم لا یجزی والد عن ولده، و لا مولود هو جاز عن والده شیئا، یوم یقول الکافر یا لیتنی کنت ترابا، یوم لا ینفع الظالمین معذرتهم، و لهم اللعنة، و لهم سوء الدار، یوم تقوم الروح و الملائک صفا لا یتکلمون إلّا من أذن له الرحمن و قال صوابا، یوم نقول لجهنم هل امتلأت و تقول هل من مزید، و من یعمل مثقال ذرة خیرا یره و من یعمل مثقال ذرة شرّا یره، و علی المتعرض لهذا الوقف لعنة اللّه و الملائکة و الناس أجمعین، و لا یقبل اللّه منه صرفا، و لا عدلا، و لا فرضا، و لا نفلا، و عجل اللّه فضیحته فی الدنیا، و ضاعف له العذاب فی الآخرة و جعله من الأخسرین أعمالا، الذین ضل سعیهم فی الحیاة الدنیا، و هم یحسبونه أنهم یحسنون صنیعا، فمن بدّله بعد ما سمعه فإنما إثمه علی الذین یبدلونه من إن اللّه سمیع علیم.
کملت وثیقة الأصل بالتمام من غیر تحریف، و هجرتها سبع و أربعین و سبعمائة، و هذه النسخة مکتوبة من وثیقة کتبها علی بن شفیع بیده رحمه اللّه، من وثیقة الأصل، و کانت الأولی قد فنیت من طول الوقت، فسبحان من لا یفنی و لا یموت.
و تاریخ الوثیقة التی کتبها علی بن شفیع رحمه اللّه، من وثیقة الوقف کانت یوم النصف من رمضان المعظم سنة 890 ه تسعین و ثمانمائة من الهجرة النبویة علی مهاجرها أفضل الصلاة و السلام.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 20
ثم قال علی بن شفیع رحمه اللّه: حضر عبد اللّه بن بسام علی هذه النسخة المبارکة و کتب بیده، حضر أحمد بن سلیمان بن منیف بن بسام و کتب بیده، و حضر عبد اللّه بن شفیع و کتب بیده، حضر محمد بن دهمش علی ذلک و کتب بیده، حضر علی بن شفیع و کتب بیده، حضر حسن بن عبد اللّه بن بسام و کتب بیده، حضر علی بن أحمد بن ریس و کتب بیده، حضر عبد اللّه بن غملاس بن حجی و کتب بیده، حضر أحمد بن محمد بن منیف بن بسام و کتب بیده، حضر حسن بن کلبی بن منیف بن بسام و کتب بیده، و صلّی اللّه علی خیر خلقه محمد و آله و صحبه و سلم.
و کتبت هذه الوثیقة من الوثیقة الثانیة بعد ما فنیت الأولی، و خشی من فناء الثانیة أو ذهابها، کتبها حرفا بحرف بما احتوته معانیها، و بما اندرجت علیه مثانیها، محمد بن أحمد بن محمد بن منیف بن بسام القاضی الحنبلی . منصوب الشرع الشریف المطهر بتاریخ تاسع عشر من شهر رمضان المعظم، من شهور سنة ثمانین و تسعمائة من الهجرة النبویة، علی مهاجرها أفضل الصلاة و السلام.
و نقله من أصله حرفا بحرف، الفقیر إلی اللّه تعالی إبراهیم بن صالح بن إبراهیم بن عیسی، و ذلک فی خامس من صفر أحد شهور سنة 1321 ه، و صلّی اللّه علی أشرف المرسلین و خاتم النبیین سیدنا محمد و علی آله و صحبه و سلّم تسلیما کثیرا.
نحن سلیمان بن [...] و ولده محمد الساکنین فی عنیزة داخل
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 21
نجد، قد وکلنا من قبلنا و أنبنا منابنا عبد اللّه التاجر الساکن فی محلة المقام فی العشار، بإدارة أملاکنا، و جبایة حاصلاتها، و بنصب السراکیل و الفلاحین، و بعزلهم و إخراجهم من الملک و ببیع ما یراه مناسبا من أملاکنا، و برهنها، و بتقریر فراغ البیع، و الرهن فی دائرة الطابو لدی المأمور المخصوص، و بقبض و أخذ بدل الرهن أو البیع و إیصاله لنا، أو إدخاله فی حسابنا، و بالأقراض و الاستقراض و بإعطاء سندات الکیمبیالة و الحوائل عنا، و بأخذهم لنا، و بجمیع الدعاوی القائمة، أو ستقام لنا أو علینا فی جمیع المحاکم و الدوائر الرسمیة فی البصرة أن یکون بصفة المدعی و المدعی علیه و الشخص الثالث، و بطلب جمیع حقوقنا التی بذمة أی شخص کان، و بأداء دیوننا التی بذمتنا للناس، و بالتبلیغ و التبلغ، و بالتحلیف و التحلف، و بانتخاب المخبرین و المحکمین و أهل الخبرة و عزلهم، و بالإحضار و الإخطار، و بالحجز و رفعه، و باستحصاله الإعلامات فی الدعاوی الشرعیة، و الحقوقیة، و الجزائیة، و التجاریة فی جمیع المحاکم علی اختلاف درجاتها و طبقاتها، و ذلک بدایة، و اعتراضا، و استثنافا، و إعادة، و تمییزا، و تصحیحا، و بالأخذ، و القبض، و الصلح، و الإبراء، و رؤیة الحساب، و تدقیق الدفاتر و القسمة و الإفراز، و فی کل أمر و فی کل حق لنا أو علینا، بأن یقوم مقامنا، و باستعمال جمیع الحقوق و الصلاة التی نحن حائزیها بأنفسنا فی الجزئیات و الکلیات، و له أن یوکل عنا من یشاء بالصلاحین المشروحة بعضها أو کلها، و یعزل من یشاء أیضا.
و قد أعطینا ورقة الوکالة العمومیة هذه تحریرا فی عنیزة بالیوم الثامن و العشرون من شهر جمادی الأول سنة 1334 ه.
و هذه صفة عزل الوکیل:
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 22
بحمد اللّه بحضور المحکمة الشرعیة بالبصرة.
حیث کنا وکلنا (فلان) الساکن الآن فی البصرة لقضاء أشغالنا، بموجب الوکالة العمومیة المصدقة من حاکم الشرع فی بلد عنیزة، المؤرخة 11 ربیع الثانی سنة 337 ه التی سجلته فی قیودات محکمة البصرة الشرعیة بتاریخ 2 رجب سنة 337 ه و بما أنه حصل الاستغناء عنها، فعزلنا عنها، فنسترحم من المحکمة الشرعیة المحترمة بالبصرة أن تبلغه خبر العزل لکی یکف یده عن الأشغال الخاصة بنا حسب الأصول المتخذة الشرعیة و الأمر لولیه.
حرر فی شعبان سنة 1338 ه
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 23
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ‌

أحوال البصرة التاریخیة

بنیت البصرة فی زمن سیدنا عمر بن الخطاب سنة 14 من الهجرة علی أنها من فاتح العراق سعد بن أبی وقاص رضی اللّه عنه، اختطها أبو الحرباء عاصم بن دلف بأمر عمر و رأی من سعد رضی اللّه عنهما، و أول تشکلها بیوت من القصب و أکواخ، ثم لما کثر فیها الحریق استؤذن من عمر رضی اللّه عنه فی بناء البیوت من الطین تخلصا من الحریق، فأمر أن یبنی البیوت من الطین، بشرط أن لا یزید الرجل عن بناء ثلاث حجر.
و أن لا یتطاول فی البنیان.
و هی قریبة من قصبة الزبیر، و أما البصرة المسکونة الآن فهی بنیت سنة 375 هجریة، و فی سنة 210 ه أمر الخلیفة أن یحصی من فی البصر القدیمة من المدرسین و العلماء و طلبة العلم، فظهر أن فیها 700 مدرس و 11000 من طلبة العلم.
و فتح مصر سنة 20 ه، ظهور بنی أمیة سنة 41 ه.
أول ما ضربت السکة الإسلامیة سنة 75 ه، و أول إیجاد الکاغد سنة
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 24
120 ه، انقراض بنو أمیة سنة 133 ه، إیجاد الساعة سنة 516 ه.
وجدان الششمة سنة 686 ه، إیجاد الطوب سنة 762 ه، إیجاد المطابع للکتب سنة 851 ه، کشف أمریکا سنة 862 ه، فتح حلب و الشام سنة أول استعمال الدخان فی الممالک الإسلامیة سنة 1012 ه، و النشوق سنة 1050 ه أول إیجاد القازینات فی أوروبا سنة 1051 ه.
إیجاد البالون سنة 1199 ه، إیجاد التلغراف سنة 1206 ه، إیجاد الدائدرات سنة 1222 ه.
إیجاد التوربیدو سنة 1278 ه، إیجاد القبقلی سنة 1283 ه [...] .
حفر ترعة مصر سنة 1286 ه، محاربة البروسیا و فرنسة سنة 1287 ه، محاربة الترک مع الروس الأخیرة سنة 1293 ه.
و استنبط بعضهم فن التاریخ من قوله تعالی: وَ کُلًّا نَقُصُّ عَلَیْکَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَکَ وَ جاءَکَ فِی هذِهِ الْحَقُّ وَ مَوْعِظَةٌ وَ ذِکْری لِلْمُؤْمِنِینَ [هود: 120].
قال الثعالبی إعلاما بأخبار الأمم الماضیة و القرون الخالیة، و إحیاء لذکرهم و مآثرهم، و التثبیت له علیه السلام و التنویه بقدره، و شرف أمته.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 25
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ*

و ذلک فی محرم سنة 1331 ه

الحمد للّه جامع الخلائق لمیعاده، و موقف من ثناء من عباده للصواب فی تحریره و إیراده. أحمده سبحانه و تعالی علی جزیل الإنعام، أن علّم الإنسان ما لم یعلم، فأتقن و أحکم أیّ إحکام، و أشهد أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شریک له رب الأرباب، الذی عنت له الوجوه، و خضعت لعظمته الرقاب، و أشهد أن سیدنا محمدا عبده و رسوله المصطفی المختار، صلّی اللّه علیه و علی آله و أصحابه فاتحی الفتوح، و ممصری الأمصار، و سلّم تسلیما کثیرا، أما بعد:
فیقول العبد الفقیر إلی مولاه راجی عفو ربه و رضاه، إبراهیم بن صالح بن إبراهیم بن عیسی ساکن بلد أشیقر، أنه قد سألنی بعض الاخوان المحبین، أن أجمع له نبذة من التاریخ تطلعه علی بعض الحوادث الواقعة فی نجد، و وفیات بعض الأعیان، و بعض شی‌ء من أنسابهم، و بناء بعض بلدان نجد فاستخرت اللّه تعالی، و جمعت له هذه النبذة من تواریخ علماء نجد، مثل تاریخ الشیخ أحمد بن محمد بن عبد اللّه بن بسام. و هو نحو کراس ابتدأه من سنة 1015 ه و هی سنة انتقاله من بلد ملهم إلی بلد العیینة، حتی وصل إلی سنة 1039 ه، لأنه
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 26
توفی سنة 1040 ه تقریبا فی بلد العیینة رحمه اللّه تعالی.
و تاریخ الشیخ أحمد بن محمد المنقور التمیمی، و هو نحو کراس و نصف ابتدأه من وفاة الشیخ شهاب أحمد بن یحیی بن عطوة التمیمی النجدی الحنبلی ساکن بلد الجبیلة سنة 1048 ه رحمه اللّه تعالی إلی أن وصل إلی سنة 1125 ه، و هی السنة التی توفی فیها فی حوطة سدیر رحمه اللّه تعالی، و تاریخ ابن یوسف من أهل أشیقر و هو نحو عشر ورقات، و تاریخ حمد بن محمد بن لعبون ساکن بلد التویم، ثم من بعد ذلک ما رأیناه و سمعناه من ثقاة أهل عصرنا، و ما رأیت فی هذه النبذة فإنی لم أذکره إلّا بعد التحریر، و التحقیق، و البحث، و التدقیق من التواریخ المذکورة و غیرها مما وقفت علیه من تواریخ أهل نجد و لم أذکر فیها شیئا إلّا ولی فیه مستند، و العهدة علی من ذکرت. و ما توفیقی إلّا باللّه علیه توکلت و إلیه أنیب و هو حسبنا و نعم الوکیل، و لا حول و لا قوة إلا باللّه العلیّ العظیم، و الصلاة و السلام الأتمّان الأکملان علی أشرف المرسلین و خاتم النبیّین، سیدنا محمد و علی آله و صحبه أجمعین ...

ذکر نسب آل مدلج أهل بلد التویم و حرمة

اشارة

نقلته من تاریخ حمد بن محمد بن لعبون، المعروف فی بلد التویم خطه بیده، قال: أول من سمی لنا من أجدادهم حسین أبو علی، و هو من بنی وائل، ثم من بنی وهب من الحسنة، و کان لوهب ولدان، و هما منبّه و علی، و هو جد ولد علی، المعروفین الیوم، و لمنبّه ولدان، و هما حسن جدّ الحسنة، و صاعد جدّ المصالیخ، و لصاعد ولدان، و هما یعیش و قرشی، و النسل لهما، فنزل حسین أبو علی المذکور فی بلد أشیقر،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 27
و نزل علیه بعد ذلک فی بلد أشیقر عدة رجال من بنی وائل، منهم یعقوب أخو شمسیة جدّ آل أبو ربّاع، أهل حریملا من آل حسنی من بشر رحتائت جدّ آل حتائت، المعروفین من وهب من النویطات، و سلیم جد آل عقیل منهم أیضا.
و توسعوا فی أشیقر بالفلاحة، و صار لهم شهرة، و کثرت أتباعهم، و نزل عندهم جدّ آل هویمل، و آل عبید المعروفین الآن فی التویم من آل أبو ربّاع، و اشتهر حسین أبو علی فی أشیقر بالسخاء و المروءة و إکرام الضیف.
و فی أثناء أمره أقبل غزو من آل مغیرة معهم أموال کثیرة، قد أخذوها من قافلة کبیرة بین الشام و العراق، فألقاهم اللیل إلی بلد أشیقر، فنزلوا قریبا من نخل أبو علی، و کانوا متبرزین عن ضیافة البلد، فأمر أبو علی بجذاذ جملة من نخله، و وضعه فی الأرض بین أسطار النخل، ثم دعی الغزو و المذکورین و أمیرهم حینئذ مدلج الخیاری المشهور فی نجد بالشجاعة و کثرة الغزوات، و هو رئیس عربان آل مغیرة، فدخلوا إلیه، و أجلسهم علی التمر، فأکلوا حتی شبعوا عن آخرهم، و هم نحو خمسمائة رجل، ثم أمر علی مدلج المذکور، و رؤساء الغزو بالمبیت عنده، و ذبح لهم، و صنع لهم طعاما، و خصّهم به. فلما کان آخر اللیل و عزموا علی السیر، وضع مدلج تحت الوسادة صرة کبیرة فیها مال کثیر مما أخذوه من القافلة، و ساروا، فلما کان بعد صلاة الصبح، و طووا الفرش وجدوا الصرة تحت الوسادة، فرکب أبو علی فرسا له، فلحقهم ظنّا أنهم قد نسوا الصرة المذکورة، فأبی مدلج أن یأخذها، و قال إنما وضعتها لک، علی سبیل المعاونة لک علی مروءتک، فرجع أبو علی بها، و کانت امرأته حاملا
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 28
فقال لها: إن ضیفنا البارحة من أهل المروءة و الکرم، فإن رزقنا اللّه ولدا ذکرا أسمیناه علی اسمه مدلج، فولدت ذکرا، فسمّاه مدلج.
و نشأ مدلج فی بلد أشیقر فی حجر أبیه، ثم صار له بعد أبیه شهرة عظیمة، و اجتمع علیه جماعات من قرابته، و من بنی وائل، و تمکنوا فی أشیقر بالمال و الرجال و الحراثة، فخافوا منهم الوهبة أهل أشیقر أن یطمعوا فی البلد، فتمالؤوا الوهبة علی إجلائهم من البلد، بلا تعد منهم فی دم و لا مال.
و کان أهل أشیقر قد قسموا البلد قسمین، یوم یخرجون الوهبة بأنعامهم و سوانیهم للمرعی، و معهم سلاحهم، و ذلک أیام الربیع، و یقعد بنو وائل فی البلد یسقون زروعهم و نخیلهم، و یوم یخرج فیه بنو وائل بأنعامهم و سوانیهم و یقعدون الوهبة، یسقون زروعهم و نخیلهم، فقال بعض الوهبة لبعض، إن الرأی إذا کان الیوم الذی یخرج فیه بنو وائل للمرعی، و انتصف النهار، أخرجنا نساءهم، و أموالهم، و أولادهم خارج البلد، و أغلقنا أبواب البلد دونهم، و أخذنا سلاحنا، و جعلنا فی البروج بواردیة یحفظون البلد ببنادقهم، فإذا رجع بنو وائل منعناهم من الدخول.
ففعلوا ذلک، فلما رجع بنو وائل آخر النهار منعوهم من الدخول، و قالوا لهم: هذه أموالکم، و نساؤکم، و أولادکم قد أخرجناها لکم، و لیس لنا فی شی‌ء من ذلک طمع، إنما نخاف من شرور تقع بیننا و بینکم، فارتحلوا عن بلدنا، ما دام نحن و أنتم أصحاب، و من له زرع، فیوکل وکیلا علیه منا، و نحن نقوم بسقیه حتی یحصد.
و أما بیوتکم و نخیلکم، فکل منکم یختار له وکیلا منا، یوکله علی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 29
ماله، فإذا سکنتم فی أی بلاد، فمن أراد القدوم إلی بلادنا لبیع عقاره فلیقدم، و لیس علیه بأس، و لیس لنا طمع فی أموالکم، و إنما ذلک خوفا منکم أن تملکوا بلدنا، و تغلبونا علیها.
تم الأمر بینهم علی ذلک، ثم رحل بنو وائل مدلج و بنوه وجد آل أبو رباع أهل حریملا، و سلیم جد آل عقیل وجد آل هویمل، الذین منهم آل عبید المعروفون فی الزبیر، فاستوطنوا بلد التویم، و القصاری المعروفون فی الشقة من قری القصیم، و آل نصر اللّه المعروفون فی الزبیر، فاستوطنوا بلد التویم، و کان أول من سکنها مدلج، و بنوه، ثم اجتمع علیه قرابته، و کانت بلد التویم قبل ذلک قد استوطنها ناس من عایذ بن سعید بادیة و حاضرة، ثم أنهم جلوا عنها، و دمرت، و عمرها مدلج و بنوه ، و ذلک 700 تقریبا، و نزل آل حمد آل أبو رباع فی حلة، و آل مدلج فی حلة البلد، ثم إنه بدی لآل حمد الانتقال و التفرد لهم فی وطن.
فسار علی بن سلیمان بن حمد الذی هو أبو حمد الأدنی و راشد، و توجه إلی وادی حنیفة، فقدم علی ابن معمر رئیس بلد العیینة، و کان قد صار طریقه علی أرض حریملا، و فیها حوطة لآل أبو ریشة الموالی قد استوطنوها قبل ذلک، ثم ضعف أمرهم، و ذهبوا و استولی علیها ابن معمر، و ذلک بعد دمار ملهم، و انتقال شرائد أهله إلی بلد العیینة، فساوم علی بن سلیمان المذکور، ابن معمر رئیس العیینة فی حوطة حریملا ، و اشتراها منه بست مائة أحمر. و انتقل إلیها من التویم و سکنها هو و بنو
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 30
عمه سوید و حسن ابنا راشد آل حمد، وجد آل عدوان، وجد البکور و آل مبارک و غیرهم من بنی بکر بن وائل، و ذلک سنة ألف و خمس و أربعین. ثم إن سلیم جد آل عقیل قدم علی ابن معمر من بلد التویم، فنزل عنده فی بلد العیینة، فأکرمه و نشأ ابنه عقیل بن سلیم، و صار أشهر من أبیه، و له ذریة کثیرة.
و أما مدلج فإنه تفرد فی بلد التویم هو و أتباعه و جیرانه، و عمّروه و غرسوه، ثم نشأ ابنه حسین بن مدلج، و عظم أمره، و صار له شهرة، و له أربعة أولاد، إبراهیم، و إدریس، و مانع، و حسن، و صار لهم صیت.
فأما إدریس، فإنه أعقب زامل أبو محمد، الفارس المشهور، الذی قتل فی وقعة القاع سنة 1084 ه، و هی وقعة مشهورة بین أهل التویم و بین أهل جلاجل، قتل فیها محمد بن زامل بن إدریس، رئیس بلد التویم المذکور، و إبراهیم بن سلیمان بن حماد بن عامر الدوسری رئیس بلد جلاجل، و محمد المذکور هو أبو فواز جدّ عبد اللّه بن حمد بن فواز، و مغیر جد مغیر بن حسین بن مغیر بن حسین، هم من آل زامل.
و أما مانع فهو جد آل حزیم بن مانع، المعروفین، و أما حسن، فهو جد آل جطیل و المفارعة.
و أما إبراهیم بن حسین فإنه انتقل فی حیاة أبیه إلی موضع بلد حرمة المعروفة، و هی میاه و آثار منازل قد تعطّلت من منازل بنی سعید من عائذ، و نزلها إبراهیم المذکور و عمرها و غرسها، و نزل علیه کثیر من قرابته و أتباعه، و تفرّد بملکها عن أبیه و إخوته، و کان نزول إبراهیم بن حسین بن
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 31
مدلج المذکور بلد حرمة و عمارته لها تقریبا سنة سبعین و سبعمائة .
و عمارة بلد المجمعة سنة عشرین و ثمان مائة، ثم إنه توفی حسین بن مدلج فی بلد التویم، و صارت رئاسة بلد التویم لابنه إدریس، و أما إبراهیم بن حسین فإنه استقر فی بلد حرمة، و کان لأبیه فداوی فارس یقال له عبد اللّه الشمری من آل و یبار من عبدة من شمر. فلما مات حسین المذکور قدم علی ابنه إبراهیم فی حرمة، و طلب منه قطعة من الأرض لینزلها و یغرسها، فأشار أولاد إبراهیم علی أبیهم أن یجعله أعلی الوادی، لئلا یحول بینهم و بین سعة الفلاة و المرعی، فأعطاه موضع بلد المجمعة المعروفة، و صار کلما حضر أحد من بنی وائل، و طلب من إبراهیم و أولاده النزول عندهم، أمروه أن ینزل عند عبد اللّه الشمری طلبا للسعة، و خوفا من التضییق علیهم فی منزل و حرث و فلاة، و لم یخطر ببالهم النظر فی العواقب، و أن أولاد عبد اللّه الشمری و جیرانهم لا بدّ أن ینازعوهم بعد ذلک، و یحاربوهم، فیکون من ضمّوه إلیهم تقویة لهم علیهم، فأتاهم جد التواجر، و هو من جبارة من عنزة، و وجدت فی بعض التواریخ أن التواجر من بنی وهب من النویطات، من عنزة، و جدّ آل بدر و هو من آل اجلاس من عنزة، و جد آل سحیم من الحبلان من عنزة، وجد الثماری من زعب و غیرهم، فأنزلوهم عند عبد اللّه الشمری، و کان أولاد عبد اللّه الشمری ثلاثة: سیف، و دهیش، و حمد.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 32
فأما حمد فهو أبو سوید و ذریته فی الشقة المعروفة، من قری القصیم.
و أما سیف فهو أبو علی و غانم و إبراهیم، فأما غانم فهو أبو محمد جد آل محمد المعروفین. و أما إبراهیم بن سیف فهو أبو الشیخ عبد اللّه بن إبراهیم بن سیف، العالم المشهور فی المدینة علی ساکنها أفضل الصلاة و السلام. و الشیخ عبد اللّه هذا هو أبو الشیخ العالم العلامة إبراهیم بن عبد اللّه بن إبراهیم بن سیف بن عبد اللّه الشمری المتوفی فی المدینة المنورة سنة 1189 ه رحمه اللّه تعالی، و هو مصنف کتاب العذب الفائض شرح ألفیة الفرائض، و له عقب فی المدینة المنورة.
و أما علی بن سیف، فهو أبو حمد بن علی المشهور، و عثمان جد آل فایز، و آل فوزان و أما حمد بن علی بن سیف، فهو أبو عثمان و منصور و ناصر، الشیوخ المعروفون فی بلد المجمعة و عثمان بن حمد بن علی بن سیف بن عبد اللّه الشمری، هذا هو الذی عناه حمیدان الشویعر بقوله:
الفیحاء دیرة عثمان، و مقابلتها بلاد الزیرة، و هو جد آل عثمان شیوخ بلد المجمعة فی الماضی، الذین من بقیتهم الیوم فی المجمعة آل مزید المعروفین، و باقی الیوم من آل سیف آل محرج و الحمادی، و آل جبر، و آل فایز، و آل مغیز، و آل محمد.
و أما دهیش بن عبد اللّه الشمری، فله عدة أولاد، و صار بینهم و بین بنی عمهم آل سیف بن عبد اللّه الشمری حروب عظیمة، عند رئاسة بلد المجمعة، و صارت الغلبة لآل سیف، فانتقل آل دهیش إلی بلد حرمة، و سکنوا عند آل مدلج، و کانوا أصهارا لهم، فقاموا معهم فی حرب
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 33
آل سیف، و وقع بینهم حروب کثیرة، و قتل من الفریقین عدة قتلی منهم عثمان بن ناصر بن حمد بن إبراهیم بن حسین بن مدلج الوائلی الشجاع المشهور، و هو الملقّب بلعبون، و هو جد آل لعبون، و سبب ذلک أن بندق ابن عمه حمد بن حسین، قد ثارت علیه، فنظمت شدقیة، لم بری‌ء و صار لعابه یسیل، فلقّب بلعبون، و صارت ذریته یلقبون بآل لعبون.
و قد انقطع آل دهیش بن عبد اللّه الشمری، و ما نعلم الیوم منهم أحدا.
و أما إبراهیم بن حسین بن مدلج الوائلی، صاحب بلد حرمة، فأولاده أربعة: محمد، و عبد اللّه، و إسماعیل، و حمد.
فأما محمد فأولاده حمد، و إبراهیم، و مانع، و لحمد بن محمد ولدان محمد و ناصر، و أولاد محمد بن حمد بن محمد خمسة: إبراهیم، و ناصر، و محمد، و عثمان، و عبد اللّه.
و أما إبراهیم بن محمد بن إبراهیم، فهو جد آل مانع و المشهور منهم الیوم ذریة مانع بن إبراهیم، و هم إبراهیم أبو عودة، و مانع، و محمد و عثمان و محمد، فیکون عودة و أخوه عبد العزیز أبناء إبراهیم بن عودة بن إبراهیم بن مانع بن إبراهیم بن محمد بن إبراهیم بن حسین بن مدلج بن حسین الوائلی.
و أما محمد فهو جد آل المعیّی، هؤلاء آل محمد.
و أما آل عبد اللّه بن إبراهیم بن حسین فهم المعروفون الیوم بالحسانا، غلب علیهم الاسم، و إلّا فهم و قبیلتهم فی النسبة إلی حسین سواء، و الموجود منهم آل حمد بن عبد الوهاب بن حمد،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 34
و آل حمد بن جاسر بن حمد بن عبد اللّه بن إبراهیم بن حسین.
و أما إسماعیل بن إبراهیم بن حمد بن حسین، فله من الولد، مانع، و الباقی من ذریتهم الیوم ذریة محمد بن إبراهیم بن عون بن إبراهیم بن إسماعیل، و حمد بن عبد اللّه بن مانع بن إسماعیل منهم ضاحی بن محمد بن عون بن إبراهیم بن عون بن إبراهیم بن إسماعیل التاجر المشهور المتوفی فی بلد بومبای من بلاد الهند 1230 ه.
و أما حمد بن إبراهیم بن حسین بن مدلج فهو أبو ناصر، و إبراهیم و حسین. و لناصر خمسة أولاد: حمد، و عثمان، و عبد اللّه، و عون، و إبراهیم، فأما حمد، فمات، و لم یعقب، و أما عون بن ناصر، فله إبراهیم قتل فی مغیرة و أما إبراهیم فله عبد اللّه إلیاس الشجاع البواردی المشهور، و مبارک، و أما عثمان فله ناصر و حمد و عبد اللّه، و لناصر ستة أولاد: محمد و علی و عبد اللّه و عثمان و فراج و فوزان، فأرّث محمد بن ناصر حمد، و أرّث عبد اللّه ناصر، و لناصر ثلاثة أولاد: عبد اللّه، و إبراهیم، و محمد ..
و لفراج بن ناصر ثلاثة أولاد: فراج، و ناصر، و زید.
و أما فوزان بن ناصر، و عثمان بن ناصر، فانقطعوا، و مات محمد بن ناصر أبو کاتب هذه الشجرة سنة 1182 ه، و أما حمد بن عثمان بن ناصر فله ثلاثة أولاد: عثمان، و فوزان و محمد. و أما حسین بن حمد بن إبراهیم بن حسین بن مدلج، الملقّب بابن لعبون، ولد و هو حمد بن محمد کاتب هذه الشجرة، و لحمد بن محمد کاتب هذه الشجرة ثلاثة أولاد:
محمد الشاعر المشهور المولود فی بلد ثادق سنة خمس و مائتین و ألف فی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 35
وقت بلوتنا، و ذلک أن عبد العزیز بن سعود لما ملک بلد حرمة، أمر بهدم بعض بیوتها، و قطع بعض نخیلها، و جلاء بعض أهلها و ذلک سنة 1193 ه.
و کان ممن جلی حمد بن محمد کاتب هذه الشجرة، و عمه فراج و أولاده، و سکنوا فی القصب ثم انتقلوا منه إلی ثادق، و ولد الابن محمد بن حمد فی بلد ثادق کما ذکرنا، و حفظ القرآن و تعلم الخط، و کان خطّه فائقا، و تکلم بالشعر فی صغره، و مدح عمر بن سعود بن عبد العزیز بقصائد کثیرة، ثم انتقل من ثادق، و قصد بلد الزبیر، و هو ابن سبعة عشر سنة، و صار نابغة وقته فی الشعر، و له أشعار مشهورة عند العامة، نرجو اللّه تعالی أن یسامحه، و لم یزل هناک إلی أن توفی فی بلد الکویت سنة 1347 ه فی الطاعون العظیم الذی عم العراق و الزبیر و الکویت، هلکت فیه حمائل و قبائل، و خلت من أهلها منازل و بقی الناس فی بیوتهم صرعی، لم یدفنوا، فلا حول و لا قوة إلّا باللّه العلی العظیم، فیکون عمره اثنتین و أربعین سنة، و لیس له عقب رحمه اللّه.
و إخوته زامل و عبد اللّه ساکنان الآن مع أبیهما کاتب هذه الشجرة فی بلد التویم، و ذلک أن إبراهیم باشا لما أخذ الدرعیة سنة 1233 ه. انتقلت أنا و العلم فراج من ثادق، و معه أولاده فسکن العم فراج هو و أولاده فی بلد حرمة، و أما أنا فسکنت فی حوطة سدیر، فلما کان سنة 1238 ه انتقلت بأولادی إلی بلد التویم، و سکنت فیه، و جعلته وطنا، و الحمد للّه رب العالمین.
نقلته من خط من سمی نفسه وجه هذه الورقة حمد بن محمد بن
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 36
ناصر بن عثمان بن ناصر بن حمد بن إبراهیم بن حسین بن مدلج الوائلی، الملقّب بابن لعبون، و الحمد للّه وحده.
و فی سنة خمسین و ثمان مئة اشتری حسن بن طوق جدّ آل معمر العیینة من آل یزید من بنی حنیفة أهل الوصیل، و النعمیة، الذین من بقیتهم آل دغیثر المعروفین فی بلد الریاض، و رحل من ملهم و نزلها و عمّرها، و تداولها ذریته من بعده، و المعامرة من العناقر من بنی سعد بن زید مناة بن تمیم.
و فیها قدم مانع بن ربیعة المریدی من بلد الدروع المعروفة بالدرعیة من نواحی القطیف، و معه ولده ربیعة علی ابن درع رئیس الدروع، أهل وادی حنیفة و کان بینهم مواصلة لأن الکل منهم ینتسب إلی حنیفة، فأعطاه ابن درع الملیبید و غصیبة، فعمر ذلک هو و ذریته و استوطنوه.
و کان ما فوق الملیبید و غصیبة لآل یزید من بنی حنیفة، و کان جمیع الوصیل مما فوق سمحة لآل یزید، و من الجبیلة إلی الأبکّین الجبلین المعروفین.
و موضع حریملا لحسین بن طوق جدّ المعامرة من العناقر من بنی سعد بن زید مناة بن تمیم، ثم إنه لما مات مانع المریدی تولّی بعده ابنه ربیعة و صار له شهرة، و کثرت جیرانه من الموالفة و غیرهم، و حارب آل یزید ثم ظهر ابنه موسی بن ربیعة، و صار أشهر من أبیه فی حیاته. ثم
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 37
إنه احتال علی قتل أبیه، و جرحه جراحات، فانفلت منه و قصد حمد بن حسن بن طوق رئیس بلد العیینة، فأکرمه و صار عنده.
ثم إن موسی بن ربیعة المذکور، جمع جموعا من المردة و الموالفة و غیرهم، و صبح بهم آل یزید فی النعمیة و الوصیل، و قتل منهم أکثر من ثمانین رجلا، و استولی علی منازلهم و دمرها، و لم یقم لهم بعد هذه الوقعة قائمة، و هی التی یضرب بها المثل فی نجد. یقال صبحهم فلان صباح الموالفة لآل یزید.
و استمر موسی بن ربیعة فی الولایة إلی أن مات، و لما مات تولّی بعده ابنه إبراهیم بن موسی، و کان لإبراهیم بن موسی عدة أولاد، منهم عبد الرحمن، الذی نزل ضرما وجو و نواحیها و سکنها ذریته من بعده و هم المعروفون بالشیوخ فی ضرما، و آخر من تولّی منهم إبراهیم بن محمد، الذی قتلوه آل سیف السیایرة هو و ابنیه هبدان و سلطان فی ولایة محمد بن سعود فی سنة 1134 ه.
و من أولاد إبراهیم بن موسی سیف جد آل ابن یحیی أهل أبا الکباش، و من أولاد إبراهیم أیضا عبد اللّه، و له ذریة منهم آل و طیب، و آل حسین، و آل عیسی، و غیرهم، و من أولاد إبراهیم بن موسی أیضا:
مرخان و أولاد مرخان ربیعة و مقرن. فأما ربیعة، فهو جد آل ربیعة رؤساء بلد الزبیر، و ولده وطبان، و لوطبان عدة أولاد ذکور، قیل أنهم أربعة عشر منهم: إدریس جد آل إدریس و منهم مرخان أبو زید بن مرخان، الذی تولی فی الدرعیة، و غدر به محمد بن حمد بن عبد اللّه بن معمر الملقّب خرفاش فقتله هو و دغیم بن فائز الملیحی السبیعی، و ذلک فی سنة 1139 ه
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 38
و منهم موسی بن ربیعة الذی شاخ فی الدرعیة، و قتل فی العیینة، و هو جلوی فیها عند ابن معمر الملقّب خرفاش، أصابه بندق فمات فی المجادلة التی صارت بین رفقة زید بن مرخان، حین غدر به خرفاش کما تقدم، و قتله و بین أهل العیینة، و کان ذلک یعنی مقتل زید بن مرخان، و مقتل موسی بن ربیعة سنة 1139 ه کما تقدم.
و من أولاد وطبان إبراهیم أبو حمد جد ربیعة التالی، و محمد و ثاقب و زید و عبد اللّه و موسی، و هو أعنی إبراهیم أبو حمد أوّل من أوقع القطیعة، و سفک الدماء، قتل أخاه شقیقه مرخان بن وطبان فی سنة 1100 ه.
و منهم ربیعة، و منهم محمد ولد وطبان جد ثاقب بن عبد اللّه المطوع، و من أولاد وطبان عبد اللّه جد محمد بن إبراهیم بن عبد اللّه الذی فی العیینة، و سبب نزول وطبان بن ربیعة بن مرخان بلد الزبیر إنه قتل ابن عمه مرخان بن مقرن بن مرخان، فهرب من نجد و وقع بین ذریة وطبان قطیعة، و سفک دماء، و إبراهیم أبو حمد المذکور قتله یحیی بن سلامة أبا زرعة رئیس بلد الریاض، و إدریس بن وطبان کان رئیسا فی بلد الدرعیة، و قتل و هو فی الولایة و شاخ بعده سلطان بن حمد القبس، و ذلک سنة ثمان و مائة و ألف، ثم قتل سلطان بن حمد القبس فی سنة عشرین و مائة و ألف، و شاخ بعده أخوه عبد اللّه بن حمد، ثم قتل. و آخر من شاخ منهم زید بن مرخان، و موسی بن ربیعة، اللذین قتلا فی بلد العیینة سنة 1139 ه کما تقدم.
و استقل محمد بن سعود بن محمد بن مقرن بولایة الدرعیة، و کانت
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 39
ولایة الدرعیة قبل ذلک لذریة وطبان، و أما آل مقرن فلهم عقیبة. و أجلی محمد بن سعود بن محمد بن مقرن بقیة آل وطبان، و کان محمد بن سعود بن محمد بن مقرن قد قتل عمه مقرن الملقّب فهاد بن محمد بن مقرن، و استقل بولایة الدرعیة.
و أما مقرن بن مرخان بن إبراهیم بن موسی بن ربیعة بن مانع بن ربیعة المریدی، فله من الولد: محمد و عیاف و عبد اللّه جد آل ناصر و مات محمد بن مقرن سنة ست و مائة و ألف.
فأما محمد بن مقرن فله من الولد: مقرن و سعود، و مقرن هذا لیس له ذریة إلّا عبد اللّه الذی جعله عبد العزیز بن محمد بن سعود أمیرا فی الریاض حین أخذها، و أما سعود بن محمد بن مقرن فله أربعة أولاد، و هو محمد و مشاری و ثنیان و فرحان، و مات سعود المذکور فی سنة 1137 ه.
فأما محمد بن سعود بن محمد بن مقرن، فهو الذی قام فی نصر الشیخ محمد بن عبد الوهاب، و کانت له الولایة بعد أبیه، و توفی محمد بن سعود المذکور فی سنة 1179 ه، و تولی بعد، ابنه عبد العزیز و کانت وفاته یوم الاثنین الثانی و العشرین من رجب سنة 1318 ه. عم؟؟؟
إلیه رجل من أهل العراق قیل إنه رافضی من أهل بلد الحسین، و هو فی أثناء صلاة العصر فی جامع بلد الدرعیة، فطعنه بسکین فی خاصرته، و؟؟؟
یلبث إلّا قلیلا حتی مات، و جرح أخوه عبد اللّه بن محمد، و عافاه اللّه و أمسکوا الرجل و قتلوه.
و تولی بعد عبد العزیز ابنه سعود بن عبد العزیز، و توفی فی ل؟؟؟
الاثنین حادی عشر جمادی الأولی سنة 1339 ه، و تولی بعده ابنه؟؟؟
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 40
عبد اللّه بن سعود بن عبد العزیز، و أمسکه إبراهیم باشا فی الدرعیة، و أرسله إلی مصر و قتل، و کان لسعود بن عبد العزیز عدة أولاد غیر عبد اللّه المذکور، و هم فیصل قتل فی حرب الدرعیة، و ناصر، و ترکی ماتا قبل أبیهما، و إبراهیم قتل فی حرب الدرعیة، و سعد، و فهد، و مشاری، و عبد الرحمن، و عمر، و حسن، نقلهم إبراهیم باشا إلی مصر بأولادهم و نسائهم.
و من أبناء محمد بن سعود أیضا: عبد اللّه بن محمد بن سعود .
و ترکی بن عبد اللّه بن محمد بن سعود و أولاد ترکی ثلاثة و هم: فیصل بن ترکی، و عبد اللّه بن ترکی، و جلوی بن ترکی، و کان لعبد اللّه بن محمد بن سعود عدة أولاد، غیر ترکی و إبراهیم نقلهم إبراهیم باشا إلی مصر، و ماتوا هناک.
و لإبراهیم بن عبد اللّه بن عبد اللّه بن إبراهیم بن عبد اللّه بن محمد بن سعود، و کان مؤازرا لابن عمه فیصل بن ترکی بن عبد اللّه بن محمد بن سعود فی الریاض.
و أما مشاری بن سعود بن محمد بن مقرن فولده حسن بن مشاری، و عبد الرحمن بن مشاری فأما حسن بن مشاری بن سعود فمات و له أولاد قتلوا فی حرب الدرعیة، و أما أخوه عبد الرحمن بن مشاری فله من الولد مشاری بن عبد الرحمن بن محمد بن سعود بن محمد بن مقرن و هو الذی قتل خاله ترکی بن عبد اللّه بن محمد بن سعود بن محمد بن مقرن بعد صلاة الجمعة فی بلد الریاض، و هو خارج من المسجد فی آخر یوم من ذی الحجة تمام شهور 1349 ه.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 41
و أما ثنیان بن سعود بن محمد بن مقرن، فإنه ضریر البصر، و من ذریته عبد اللّه بن ثنیان بن إبراهیم بن ثنیان بن سعود، و فیصل بن ناصر بن عبد اللّه بن ثنیان بن سعود، و محمد بن یوسف بن ثنیان بن سعود.
و أما فرحان بن سعود بن محمد بن مقرن، فمن ذریته سعود بن إبراهیم بن عبد اللّه بن فرحان، فالباقون الیوم من آل مقرن کلهم من ذریة محمد بن مقرن بن مرخان بن إبراهیم بن موسی بن ربیعة بن مانع المریدی. و أما ذریة أخیه عیاف بن مقرن بن مرخان جد آل عیاف فالموجود منهم الآن: حمد و أخواه مشاری و سعود.
و أما آل وطبان أهل الزبیر فهم أولاد وطبان بن ربیعة بن مرخان بن إبراهیم بن موسی، و وطبان المذکور، هو ابن أخی مقرن بن مرخان جد آل مقرن، فیجتمع آل وطبان، و آل مقرن فی مرخان بن إبراهیم بن موسی، و یجتمعون هم و أهل خرما، و أهل أبا الکباش فی إبراهیم بن موسی بن ربیعة بن مانع بن ربیعة المریدی. و اللّه سبحانه و تعالی أعلم.
ذکر راشد بن خنین فی تاریخه أن المردة من بنی حنیفة، و اللّه أعلم و صلّی اللّه علی سیدنا محمد و آله و صحبه و سلّم.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 42

و فی سنة 913 ه:

حج أجود بن زامل العامری العقیلی ملک الأحساء و القطیف، فی جمع عظیم، یقال أنهم یزیدون علی ثلاثین ألفا.
و فی عام 948 ه: توفی الشیخ شهاب الدین أحمد بن یحیی بن عطوة التمیمی الحنبلی، و دفن فی بلد الجبیلة المعروفة فی وادی حنیفة ضجیعا لزید بن الخطاب رضی اللّه عنه. و کان ابن عطوة المذکور فی أیام أجود بن زامل العامری العقیلی ملک الأحساء و القطیف، و کان معاصرا لقاضی أجود عثمان ابن القاضی علی بن زید، و القاضی عبد القادرین برید بن مشرّف، و القاضی منصور بن یحیی الباهلی، و معاصرا للقاضی أحمد بن فیروز بن بسام، و لسلطان بن ریس بن مغامس، و قد سجلوا علی رده علی عبد اللّه بن رحمة، و کان ابن عطوة کثیر النقل عن شیخه العسکری و صنف [التحفة البدیعة و الروضة الأنیعة]، و له مصنفات غیر ذلک کثیرة رحمه اللّه تعالی. و کان له الید الطولی فی الفقه، أخذ العلم عن عدة مشایخ أجلّهم الشیخ شهاب الدین أحمد بن عبد اللّه العسکری الحنبلی، و أخذ عنه کثیر من العلماء فی بلاد نجد منهم الشیخ أحمد بن محمد بن مشرف الأشیقری و غیره.

و فی سنة 1000 ه:

استولی الترک علی بلد الأحساء و نواحیه، و رتّبوا فیه عساکر و بنوا فیه حصونا، و استقر فی بلد الأحساء فاتح باشا نائبا من جهة الترک. و انقرضت دولة آل أجود الجبری العامری، فسبحان من لا یزول ملکه.

و فی سنة 1015 ه «خمسة عشر و ألف»:

ظهر الشریف محسن بن حسین بن حسن بن أبی نمی إلی نجد، و قتل أهل بلد القصب، و نهبهم،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 43
و فعل الأفاعیل العظیمة و دمر بلد الرقیبیة المعروفة من بلد القصب من بلد الوشم، و قتل أهلها، و قتل رئیس البلد المذکورة راشد بن سعد الجبری الخالدی، و کان راشد هذا رئیسا فی بلد القصب و هو من الجبور من بنی خالد.
و فی هذه السنة انتقل الشیخ أحمد بن بسام من ملهم إلی بلد العیینة، و سکنها، و کان قبل ذلک قد انتقل من بلد أشیقر، فی افتتاح سنة عشر و ألف إلی بلد القصب قاضیا فیه، فلم یرغب فی سکنی بلد القصب، فطلبه أهل بلد ملهم قاضیا لهم، فانتقل من بلد القصب إلی بلد ملهم قبل تمام السنة، و صار قاضیا فی ملهم إلی أن انتقل إلی بلد العیینة فی التاریخ المذکور، و أقام فی بلد العیینة إلی أن توفی بها، سنة أربعین و ألف تقریبا، کما سیأتی رحمه اللّه تعالی و الشیخ أحمد المذکور جد آل بسام أهل عنیزة.
استولی آل حنیحن محمد و عبد اللّه، و هم من الدواسر علی بلد البئر، أخذوه من العرینات من سبیع، و عمروه و غرسوه، و تداوله ذریة محمد- المذکور-.
و فیها غرست بلد الحصون المعروفة من بلدان سدیر غرسوها آل تمیّم من بنی خالد غارسهم علیها رئیس بلد القارة المعروفة بصبحاء من بلدان سدیر.
و فی سنة أربعین و ألف استولوا الهزازنة من عنزة علی نعام و الحریق
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 44
أخذوه من القواودة من سبیع، و الذی بنی بلد الحریق، و غرسه هو رشید بن مسعود بن سعد بن سعیدان بن فاضل الهزانی الجلاسی، الوائلی، و تداولوه ذریته من بعده، و هم آل حمد بن رشید المعروفون.
و فی سنة إحدی و أربعین و ألف ، مقتل آل تمیّم فی مسجد القارة فی سدیر.

و فی سنة 1044 ه:

الحرب العظیم الذی قام بین أهل قارة سدیر و بین بلدان سدیر، قتل فیه محمد بن- أمیر بلد القارة- عثمان بن عبد الرحمن الحدیثی التمیمی، و غیره.

و فی سنة 1045 ه:

نزلوا آل أبو رباع حریملا، و عمروها و غرسوها، و ذلک أن آل حمد من بنی وائل حین وقع بینهم و بین آل مدلج فی التویم بعض الاختلاف، خرج سلیمان آل حمد و قبیلته و ابن عمه راشد، و اشتروا حریملا من ابن معمر رئیس بلد العیینة، و استوطنوها.

و فی سنة 1048 ه:

کانت وقعة بغداد حین سار إلیه السلطان مراد، و استنقذه من أیدی العجم، و قتل منهم مقتلة عظیمة، و کان استیلاء العجم علی بغداد فی سنة اثنین و ثلاثین و ألف، و فعلوا الأفاعیل العظیمة حتی قدر اللّه فتحه علی ید السلطان مراد فی السنة المذکورة.
و فی هذه السنة یعنی 1048 ه، و قیل فی 1049 ه و هو الصحیح توفی الشیخ العالم العلّامة قاضی بلد الریاض أحمد بن الشیخ ناصر بن الشیخ محمد بن عبد القادر راشد بن یرید بن مشرّف الوهیبی التمیمی رحمه اللّه تعالی.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 45
و فیها حج الشیخ سلیمان بن علی بن مشرّف.
و فی سنة إحدی و خمسین و ألف فی شهر المحرم وقع ظلمة عظیمة، و حمرة شدیدة، حتی ظن الناس أن الشمس قد غابت، و هی لم تغب.

و فی سنة 1052 ه:

سار أحمد بن عبد اللّه بن معمر، رئیس بلد العیینة إلی سدیر، و أخرج رمیزان بن غشام التمیمی رئیس روضة سدیر من أمّ حمار المعروفة فی أسفل بلد حوطة سدیر، و هی خربة الیوم لیس بها ساکن.

و فی سنة 1056 ه:

کان مقتل أبو هلال فی سدیر، منهم محمد بن جمعة المشهور و غیره، و هذه الوقعة هی المسماة بوقعة البطحاء.

و فی سنة 1057 ه:

سار الشریف زید بن محسن، شریف مکة المشرفة إلی نجد، و نزل روضة سدیر، و فعل بأهلها من القبح و الفساد ما لا یعلمه إلّا رب العباد، و قتل رئیس بلد الروضة، ماضی بن محمد بن ثاری، و أجلی آل أبو راجح، و ماضی هذا هو جد ماضی بن جاسر بن ماضی بن محمد بن ثاری بن محمد بن مانع بن عبد اللّه بن راجح بن مزروع بن حمید بن حماد الحمیدی التمیمی جاء جدّهم مزروع التمیمی هو و مفید التمیمی جدّ آل مفید من بلد قفار المعروفة فی جبل شمر، و اشتری هذا الموضع فی سدیر، و استوطنه، و تداولته ذریته من بعده، و أولاده أربعة: سعید و سلیمان، و هلال، و راجح، و صار کل واحد منهم جدّ قبیلة، و لما قتل الشریف المذکور ماضی، جعل فی بلد الروضة أمیرا رمیزان بن غشام من آل أبو سعید، و المعروف الیوم من آل أبو سعید، آل فارس أهل روضة سدیر الذی منهم الشیخ محمد بن عبد اللّه بن فارس
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 46
المعروف فی الکویت، و هم غیر آل فارس أهل الرفیعة المعروفین أیضا فی الروضة، فإنهم آل فارس بن بسام من أهل أشیقر من الوهبة.
و من آل أبو سعید أیضا: آل فوزان فی الروضة، و آل عبد اللطیف بن سیف، و آل قاسم فی الروضة، و آل هویشل فی تمیر، و آل عطیة، و آل عساف فی بلد المجمعة، و آل بکر المعروفین فی حائل. و أما آل أبو راجح فالمعروف منهم الیوم آل ماضی رؤساء بلد الروضة، و آل راجح فی الروضة، و فی ثادق، و آل دجین فی الروضة، و آل موسی الذین منهم سلیمان آل مطلق بن موسی المعروف فی الزبیر.
و أما آل أبو هلال، فالمعروف منهم الیوم الکلابا فی الروضة، و آل رافع فی الروضة و فی عنیزة، و آل نمی فی العودة، و القصب ، و أیضا آل أبو حیمد فی العودة، و فی عشیرة، و آل أبو وهیّب فی المجمعة و الزبیر و الهلالات فی بلد عرقة و المجامجة.
و أما آل أبو سلیمان، فانقطعوا، و لم نعلم الیوم منها أحدا.
و فی هذه السنة- أعنی سنة 1057 ه- نزل الشریف زید بن محسن، علی بنبان، و طلب من أهل بلد العیینة مطالب کثیرة، فأعطوه ما طلب.
و فی هذه السنة قتل مهنا بن جاسر آل غزّی رئیس بوادی الفضول.

و فی سنة 1059 ه:

توفی الشیخ الجلیل محمد بن أحمد بن
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 47
إسماعیل فی بلد أشیقر فی الثامن من ذی الحجة رحمه اللّه تعالی ، أخذ الفقه عن عدة مشایخ، من أجلهم الشیخ أحمد بن محمد بن مشرف، العالم المشهور فی بلد أشیقر و أخذ عنه جماعة من العلماء منهم الشیخ أحمد بن محمد بن عبد اللّه بن بسام جدّ آل بسام أهل عنیزة، و الشیخ أحمد بن محمد القصیّر العالم المعروف فی أشیقر.

و فی سنة 1063 ه:

الوقعة المشهورة بین الشبول هم و أهل بلد التویم، قتل من أهل التویم عدد کثیر.

و فی سنة 1065 ه:

القحط الشدید المسمی هبران.

و فی سنة سبعین و ألف «1070 ه»:

تولی عبد اللّه بن أحمد بن معمر فی بلد العیینة.
و فیها ظهر جراد کثیر فی أرض الحجاز و الیمن، أعقبه دباء أکل جمیع الزروع، و الأشجار، و حصل بمکة غلاء شدید، و فی الیمن غلاء شدید، و أرخه بعضهم بقوله: غلاء و بلاء.

و فی سنة 1072 ه:

سار عبد اللّه بن أحمد بن معمر رئیس بلد الغیینة إلی بلد البیر، و کانوا قد أخذوا قافلة لأهل العیینة و مع ابن معمر جنود کثیرة فبات بعضهم تحت جدران بلد البیر، فسقط الجدار علیهم، فمات منهم خلق کثیر، ثم إن ابن معمر تصالح هو و أهل البیر، و رجع عنهم.

و فی سنة 1076 ه:

هدمت شمالیة القارة المعروفة فی سدیر، و فیها
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 48
عمرت منزلة آل أبو راجح فی سدیر ، و هی بلد روضة سدیر المعروفة.

و فی سنة 1077 ه:

توفی الشریف زید بن محسن، و هی أول القحط و الغلاء العظیم المسمی صلهام، هلک فیه بوادی عدوان و غیرهم، و استمر إلی سنة ثمان و سبعین، و أکلت المیتات و الکلاب، و اشتد الحال علی أهل مکة المشرفة، و منهم من باع أولاده.

و فی سنة 1078 ه:

قتل جلاجل بن إبراهیم رئیس آل ابن خمیس من الدواسر فی سدیر قتله أهل بلد العطار من العرینات من سبیع.

و فی سنة 1079 ه:

أرخص اللّه الأسعار، و کثرت الأمطار، و أخصبت الأرض، و سمّوا أهل نجد هذه السنة دلهام رجعان صلهام.
و فی هذه السنة توفی الشیخ العالم، العلامة، سلیمان بن علی بن محمد بن أحمد بن راشد بن برید بن محمد بن برید بن مشرف بن عمر بن معضاد بن ریّس بن زاخر بن محمد بن علوی بن وهیب الوهیبی التمیمی، کانت وفاته فی بلد العیینة، رحمه اللّه تعالی.
و فیها قتل البطل الضرغام رمیزان بن غشام من آل أبو سعید التمیمی، رئیس روضة سدیر، قتله سعود بن محمد من آل أبو هلال التمیمی.
و فی هذه السنة بنی أهل بلد رغبة بلادهم الأولی .
و فیها عمرت بلدة ثادق، بلد آل عوسجة، من الدواسر، و غرس فیها
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 49
نخل کثیر، و الذین عمروها و غرسوها آل عوسجة من الدواسر.
و فی سنة ثمانین و ألف استولوا آل حمید من بنی خالد علی بلد الحساء و القطیف ، و أولهم براک بن غریر بن عثمان بن مسعود بن ربیعة آل حمید، و معه محمد بن حسین بن عثمان بن مسعود بن ربیعة آل حمید، و مهنا الجبری، و قتلوا عسکر الترک الذی فی الکوت، و ذلک بعد قتلهم لراشد بن مغامس أمیر الشبیب، و أخذهم لبوادیه، و طردهم لهم عن ولایة الحساء من جهة الترک.
و کان الترک قد استولوا علی الحساء قدر ثمانین سنة، و أول من تقدّم فیه منهم فاتح باشا، ثم علی باشا أبا الوند، ثم محمد باشا، ثم عمر باشا، و هو آخرهم.

و فی سنة 1081 ه:

ظهر براک آل غریر بن عثمان بن مسعود بن ربیعة بن حمید الخالدی، رئیس الحساء و القطیف إلی نجد، و أخذ آل نبهان من آل کثیر علی سدوس.
و فیها وقعة الاکثیال بین الضفیر و الفضول فی نجد.

و فی سنة 1082 ه:

وقعة الملتهبة، بین الفضول و الضفیر أیضا.
و فی هذه السنة وقع اختلاف بین بنی خالد، و حصل بینهم قتال، قتل فیه محمد بن حسین بن عثمان بن مسعود بن ربیعة بن حمید.

و فی سنة 1082 ه:

سار إبراهیم بن سلیمان بن حماد بن عامر الدوسری رئیس بلد جلاجل و معه آل تمیّم من بنی خالد، من أهل بلد
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 50
الحصون، و سطوا فی بلد الحصون علی مانع بن عثمان الحدیثی التمیمی، و أخرجوه من البلد، و صارت الریاسة فیه لآل تمیّم من بنی خالد، و قیل أن ذلک فی 1084 ه، و اللّه سبحانه و تعالی أعلم، و صلّی اللّه علی سیدنا محمد و آله و صحبه و سلم.

و فی سنة 1084 ه:

وقعة القاع المشهورة، بین أهل جلاجل، و بین أهل التویم، قتل فیها محمد بن زامل بن إدریس بن حسین بن مدلج الوائلی، رئیس بلد التویم، و إبراهیم بن سلیمان بن حماد بن عامر الدوسری رئیس بلد جلاجل، و ناصر بن برید، و غیرهم.
و فیها الوقعة المشهورة بین جماعة أهل أشیقر فی المغدر، قتل فیها عریف بن دیحان، و عبد اللّه بن فیروز بن محمد بن بسام، و غیرهم.

و فی سنة 1085 ه:

القحط و الغلاء المسمی جرمان.
و فی هذه السنة حدروا الفضول من نجد إلی الشرق .
و فی هذه السنة، حرب أهل بلد أشیقر بینهم، قتل فیه أولاد محمد بن حسن، و هم إبراهیم، و مانع، و جوینان، و غیرهم، و آل ابن حسن المذکورة من رؤساء بلد أشیقر، و من آل بسام بن منیف من الوهبة، من تمیم، و هم غیر آل ابن حسن الذین انتقلوا من أشیقر و سکنوا بلد حرمة، فإنهم آل حسن بن مقبل من الرواجح من الوهبة من تمیم.

و فی سنة 1086 ه:

القحط الشدید المسمی جرادان.
و فیها کثرت الأمطار، و أعشبت الأرض، و لکن الغلا علی حاله من سبب عدم الزاد.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 51
و فی هذه السنة ربط براک بن تحریر آل حمید سلامة بن صویط رئیس بوادی الظفر.

و فی سنة 1087 ه:

جلا مانع بن عثمان الحدیثی التمیمی، هو و عشیرته آل حدیثة من سدیر إلی الحساء، بسبب الحروب التی بینهم و بین أهل سدیر.

و فی سنة 1088 ه:

مناخ الضلفعة بین الشریف محمد الحارث و بین الظفیر، و صارت الهزیمة علی الظفیر.

و فی سنة 1092 ه:

وقعة دلقة بین عنزة، و الظفیر، قتل من عنزة خلق کثیر منهم لاحم بن خشرم النبهانی، و حصن بن جمعان، و أخذ الشریف محمد الحارث الدواسر حول المردمة.
و فیها قتل محمد بن بحر الناصری التمیمی فی المنیزلة- أی بلد الداخلة-.

و فی سنة 1093 ه:

مات برک بن غریر آل حمید، رئیس الحساء و القطیف.
و فیها مقتل آل حمد بن مفرج الجلالیل فی مسجد بلد منفوحة، قتلهم دواس بن عبد اللّه بن شعلان.
و فیها قتل راشد بن إبراهیم من العناقر من بنی سعد بن زید مناة بن تمیم، و هو رئیس بلد مرات، و تولی فیها عبیکة بن جار اللّه من العناقر.

و فی سنة 1095 ه:

قتل دواس بن عبد اللّه بن شعلان المزاریع فی بلد منفوحة.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 52
و فی هذه السنة استولوا أهل بلد حریملاء علی بلد القرینة و ملهم.
و فی هذه السنة أغاروا أهل حریملا علی أهل ثرمدا، و قتلوا من أهل ثرمدا عبد اللّه بن ذبّاح، و ابن مسدّر، و ابن عون، و سبب ذلک، أن أهل ثرمدا قبل ذلک أغاروا علی أهل حریملا، و أخذوا إبلا لهم، و قتلوا منهم رجالا.

و فی سنة 1096 ه:

تولی عبد اللّه بن محمد بن معمر فی العیینة، و حج أبوه فی تلک السنة.
و فی هذه السنة سار عبد اللّه بن محمد بن معمر المذکور و معه سعود بن محمد بن مقرن رئیس بلد الدرعیة إلی بلد حریملا، فحصل بینهم و بین أهل حریملا قتال، قتل فیه خلق کثیر من أهل حریملا.
و فی هذه السنة قتل عبیکة بن جار اللّه من العناقر رئیس بلد مرات.
و فیها قتل محمد بن عبد الرحمن رئیس بلد ضرما.
و فی هذه السنة کثرت الأمطار، و رخصت الأسعار، و تسمی هذه السنة عند أهل نجد دیدبا.

و فی سنة 1097 ه:

ظهر الشریف أحمد بن زید بن محسن إلی نجد، و نزل بلد عنیزة و فضة العقیلیة، و هدمها، و فعل بهم من القبح و الفساد ما لا یعلمه إلّا رب العباد، فلا حول و لا قوة إلّا باللّه العلیّ العظیم.
و فی هذه السنة استولی عبد اللّه بن محمد بن معمر رئیس العیینة علی بلد العماریة، و أخذ آل عساف من آل کثیر، عند بلد عرقة.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 53

و فی سنة 1098 ه:

أغار ابن معمر رئیس بلد العیینة علی أهل حریملا، و قتل منهم عدة رجال.
و فی هذه السنة وقعت المحاربة بین ابن معمر رئیس العیینة، هو و أهل الدرعیة، بسبب أخذه لبلد العماریة.
و فیها مشوا أهل حریملا و معهم محمد بن مقرن راعی الدرعیة، و زامل آل عثمان العائذی رئیس الخرج، و قصدوا بلد سدوس، و هدموا قصر سدوس و خربوه.
و فی هذه السنة الوقعة المشهورة بین آل مغیرة، و بین آل عساف فی الحائر قتل من الفریقین عدد کثیر، منهم محمد الخیاری رئیس بوادی آل مغیرة.
و فیها قتل حمد بن عبد اللّه رئیس بلد حوطة سدیر من بنی العنبر بن عمرو بن تمیم، و تولی علی الحوطة هدلان القعیساء من بنی العنبر بن عمرو.
و فی هذه السنة هبّت فی سدیر ریح عاصف، طاح من نخیل حوطة سدیر نحو ألف نخلة.
و فیها سطوا آل امحدث من بنی العنبر بن عمرو بن تمیم علی الفراهید من الأساعدة من الروقة من عتیبة فی بلد الزلفی، و قتل فوزان بن زامل فی الزلفی.
و فیها غزا محمد بن غریر آل حمید و صبّح آل مغیرة و عائذ.

و فی سنة 1099 ه:

کثرت الإمطار و السیول، و رخصت الأسعار،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 54
حتی بیع التمر عشرین الوزنة بمحمدیة، و الحنطة خمسة أصواع بمحمدیة، و بیع التمر فی العارض ألف وزنة بأحمر.
و فیها ملک یحیی بن سلامة أبا زرعة بلد مقرن المعروفة فی الریاض و آل زرعة من بنی حنیفة، و سمعت من بعض الناس أنهم من الدواسر، و بلد مقرن محلة الیوم من بلد الریاض، کانت فی الماضی بلد متّحدة، و أما الیوم فقد أدخلها سور بلد الریاض.
و فی هذه السنة الوقعة المشهورة بین عنزة و بین أهل بلد عشیرة المعروفة فی سدیر قتل فیها من الفریقین عدد کثیر.
و فیها قتل جساس رئیس بوادی آل کثیر.
و فی هذه السنة ظهر محمد آل غریر آل حمید رئیس الحساء و القطیف، و نزل بلدان الخرج و حصل بینه و بین آل عثمان رؤساء بلد الخرج من عائذ قتال شدید، ثم إنهم تصالحوا، و رجع عنهم.
و فیها توفی الشریف أحمد بن زید بن محسن.
و فی آخرها حصل وباء فی العارض، مات فیه الشیخ عبد اللّه بن محمد بن ذهلان و أخوه الشیخ عبد الرحمن بن محمد بن ذهلان، کانت وفاتهما فی تاسع ذی الحجة من السنة المذکورة رحمهم اللّه تعالی.
و فی هذه السنة توفی الشیخ محمد بن عبد اللّه بن سلطان بن محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن سلیمان بن جمعان بن سلطان بن صبیح بن جبیر بن راجح بن خترش بن بدران بن زاید الدوسری قاضی بلد المجمعة.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 55
و فیها توفی الشیخ عبد الرحمن بن بلیهد فی القرائن.
و فیها قتل مرخان بن وطبان [أو فی السنة التی بعدها] رئیس بلد الدرعیة، قتله أخوه إبراهیم غدرا، فلا حول و لا قوّة إلّا باللّه العلی العظیم.

و فی سنة 1100 ه:

مائة و ألف مات عبد اللّه بن إبراهیم بن خنیفر العنقری رئیس بلد ثرمدا، و تولی بعده فی ثرمدا أخوه ریمان بن إبراهیم بن خنیفر العنقری.
و فیها حصل برد شدید و مطر دقیق، و جمد المطر علی جرید النخل من شدة البرد.
و فیها أخذ الظّفیر و الفضول حاج العراق بالقرب من بلد التنومة.

و فی سنة 1101 ه:

واحد و مائة و ألف عمرت بلد القرنیة المعروفة بالقرب من حریملا لأنها قد تخربت بعد عمارها الأول، و دثرت فعمروها آل صقیة فی هذه السنة و غرسوها و هم من أهل بلد أشیقر من الوهبة من تمیم.
و فی هذه السنة توفی جاسر بن ماضی رئیس بلد روضة سدیر، و تولی بعده فی الروضة ابنه ماضی بن جاسر بن ماضی.
و فیها توفی أحمد بن علی إمام أهل حوطة سدیر.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 56

و فی سنة 1103 ه:

مات محمد آل غریر آل حمید رئیس الحساء و القطیف، و بوادی بنی خالد.
و فیها قتل ثنیان بن براک آل غریر آل حمید.
و فیها سطوا آل جمّاز المعروفین من بنی العنبر بن عمرو بن تمیم علی آل غنام المعروفین من العناقر من تمیم فی بلد الجنوبیة من قری سدیر، و قتلوهم، و استولوا علی بلد الجنوبیة.
و فی هذه السنة تولی رئاسة الحساء و القطیف سعدون بن محمد آل غریر بعد موت أبیه محمد آل غریر فی السنة المذکورة.

و فی سنة 1104 ه:

قتل مصلط الجربا.

و فی سنة 1105 ه:

قتل سلامة بن ناصر بن برید بن مشرف أولاد ابن یوسف بن مشرف فی الحریّق.
و فیها حرابة أهل سدیر قتل فی هذه الحرب محمد بن سویلم بن تمیم من بنی خالد رئیس بلد الحصون و غیره.

و فی سنة 1106 ه:

ملک مانع بن شبیب رئیس بوادی المنتفق البصرة.
و فیها توفی محمد بن مقرن بن مرخان رئیس بلد الدرعیة، و إبراهیم بن راشد بن مانع رئیس بلد القصب، و تولی بعده ابنه عثمان.
و فیها قتل إبراهیم بن وطبان رئیس الدرعیة، قتله یحیی بن سلامة أبا زرعة رئیس بلد الریاض.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 57

و فی سنة 1107 ه:

ظهر الشریف سعد بن زید إلی نجد، و نزل روضة سدیر، و قری التویم، و جلاجل، و ربط ماضی بن جاسر رئیس بلد الروضة .
و فیها قتل إدریس بن وطبان رئیس الدرعیة، و استولی علیها سلطان بن حمد القبس.
و فیها جلوا آل عبهول رؤساء بلد حوطة سدیر، و هم من بنی العنبر بن عمرو بن تمیم و ذلک بعد غدرهم فی آل شقیر من رؤساء بلد الحوطة من بنی العنبر بن عمرو بن تمیم و صارت رئاسة بلد حوطة سدیر للقعاساء من بنی العنبر بن عمرو بن تمیم.

و فی سنة 1108 ه:

ملک فرج اللّه بن مطلب رئیس الحویزة البصرة.
و فیها توفی الشیخ عبد الملک العصامی الشافعی فی مکة المشرفة رحمه اللّه تعالی.

و فی سنة 1109 ه:

توفی الشیخ محمد بن عبد اللّه بن محمد بن أحمد بن إسماعیل، من آل بکر من سبیع العالم المشهور فی بلد أشیقر رحمه اللّه تعالی.
و فیها- فی ربیع الأول- قتل فی أشیقر أحمد بن عبد الرحمن بن حماد بن شبانة، و هو من رؤساء بلد أشیقر من آل محمد من الوهبة، و هدمت عقدة المنیّخ، و غزیة فی أشیقر، و جلوا آل محمد و الخرفان
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 58
و آل راجح بعد أیام قلیلة إلی أشیقر. و أما آل محمد فلم یرجع منهم إلّا القلیل، و تفرق باقیهم فی البلدان.
و فیها فضی فوزان بن حمیدان رئیس عنیزة بلد بریدة.

و فی سنة 1110 ه:

سطو آل بکر، و آل أبو غنام علی فوزان بن حمیدان بن حسن الملقّب بابن معمر من آل فضل آل جراح من سبیع أهل عنیزة سطوا علیه فی الملیحة و استنقذوا منه منزلتهم، و أخرجوه من بلد عنیزة، و رأیت فی بعض التواریخ أن ذلک سنة 1107 ه، و اللّه سبحانه و تعالی أعلم.
و فی هذه السنة «یعنی سنة 1110 ه»: قتل علی بن مانع، و عثمان بن رحمة فی أشیقر و اصطلحوا أهل أشیقر بینهم فی ربیع الأول من السنة المذکورة.

و فی سنة 1111 ه:

توفی الشیخ عبد الرحمن بن إسماعیل من آل بکر من سبیع، العالم المعروف فی بلد أشیقر رحمه اللّه تعالی.
و فی هذه السنة استنقذوا الروم البصرة من فرج اللّه بن مطلب رئیس الحویزة، و طردوه عنها.
و فیها ملکوا القعاساء بلد حوطة سدیر، و ملکوا آل مدلج أهل التویم من بنی وائل، بلد الحصون، و أخرجوا منه آل تمیّم من بنی خالد، و ولّوا فی بلد الحصون ابن نحیط، من بنی العنبر بن عمرو بن تمیّم.
و فی هذه السنة ملکوا آل أبو راجح ربع آل أبو هلال، فی روضة سدیر، و ذلک أن ماضی بن جاسر بن ماضی رئیس بلد الروضة من آل أبو راجح من بنی عمرو بن تمیم، استفزع فوزان بن زامل المدلجی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 59
الوائلی رئیس بلد التویم، و طلب منه النصرة علی آل أبو هلال المعروفین أهل روضة سدیر من بنی عمرو بن تمیم، فساروا آل مدلج أهل بلد التویم مع ماضی المذکور، و استخرجوا آل أبو هلال من منزلتهم المعروفة فی روضة سدیر، و قتلوا منهم عدة رجال، و هدموا منزلتهم، و استقر ماضی بن جاسر بن ماضی فی ولایة الروضة.
و فیها أقبل محمد و ناصر آل شقیر من رؤساء حوطة سدیر من بنی العنبر بن عمرو بن تمیم من العیینة، یریدون حوطة سدیر، فاعترضهم أهل بلد عودة سدیر، و قتلوهم.
و فیها سطا دبوس بن دخیل الناصری رئیس بلد الفرعة، هو و أهل الفرعة فی بلد أشیقر یوم الجمعة، فقتلوه أهل أشیقر فی الموضع المسمی بالجفر فی أشیقر، و انهزم أهل الفرعة إلی بلدهم، بعد أن قتلوا منهم أهل أشیقر عدة رجال، و النواصر أهل الفرعة من بنی عمرو بن تمیم.
و فیها قتل علیّان بن حسن بن مغامس بن مشرف فی قصر الحریّق، قتلوه آل راشد بن برید بن مشرّف، هم و آل امحیوس بن مشرّف، و المشارفة من الوهبة، و جلی ابن یوسف رئیس بلد الحریّق، و هو من المشارفة، و قصد بلد القصب.

و فی سنة 1112 ه:

سطوا أهل القصب هم و ابن یوسف فی بلد الحریّق، و قتلوا محمد بن راشد بن برید بن مشرّف، هو و أخوه، و استقر ابن یوسف أمیرا فی بلد الحریّق.

و فی سنة 1113 ه:

سطوا الفراهید المعروفین بآل راشد من آل ساعدة من الروقة من عتیبة فی بلد الزلفی، و أخرجوا منه آل مدلج من
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 60
أهل بلد حرمة من عنزة، و کانوا قد سطوا فیه علی الفراهید، و أخرجوه منه، و ملکوه، فسطوا علیهم الفراهید فی هذه السنة، و أخرجوهم منه، و استولوا الفراهید علیه.
و فی هذه السنة توفی سلامة بن مرشد بن صویط رئیس بوادی الظفیر، و دفن فی بلد الجبیلة.

و فی سنة 1114 ه:

الوقعة المشهورة بین أهل أشیقر فی سوق المدینة المعروف فی بلد أشیقر، قتل فی هذه الوقعة دبوس بن حسن، و ابن کنعان من آل بسام، و جمیعان و إبراهیم بن سلیمان من الخرفان.
و فی آخرها اصطلح أهل أشیقر بینهم. و هذه السنة هی أول القحط الشدید و الغلاء العظیم، المسمی سمدان، فسمد فیه أهل الحجاز، و أکثر البوادی.

و فی سنة 1115 ه:

قتل رئیس بلد عنیزة فوزان بن حمیدان بن حسن، الملقّب ابن معمر من آل فضل آل جراح، أهل عنیزة من سبیع، و استولوا آل جناح أهل بلد الجناح علی عنیزة کلها، و آل جناح جبور خوالد.
و فی هذه السنة غدروا آل بسام فی آل عساکر، و قتلوا إبراهیم بن یوسف، و حمد بن علی فی أشیقر، و هدمت المدینة السوق المعروف فی أشیقر، و جلوا الخرفان، و آل راجح.
و فی آخر هذه السنة سطوا الخرفان فی أشیقر، و ملکوا محلتهم المعروفة، و هی سوق الشمال فی أشیقر، و قتلوا عبد الرحمن القاضی من آل بسام.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 61
و فی هذه السنة قتل محمد القعیساء رئیس حوطة سدیر، و تأمّر فیها ابن شرفان.
و فیها اشتد الغلاء و القحط، و هلکت بوادی هتیم، و أکثر بادیة الحجاز.
و فیها استولوا العزاعیز علی وثیفیة، و استولی إبراهیم بن جار اللّه العنقری علی بلد مرات.
و فی هذه السنة ولد الشیخ محمد بن عبد الوهاب فی بلد العیینة .

و فی سنة 1116 ه:

فی ذی القعدة غرقت بلد عنیزة من السیل، و تسمی غرقة السّلیمی، و هو رجل أعمی دخل السیل فی بیته، و أغرقه فمات، و قد رأیت بعض المؤرخین ذکرها سنة 1080 ه، و أرّخها بقوله:
طغی الماء، و اللّه أعلم.
و فیها قتل ریمان بن إبراهیم بن خنیفر العنقری رئیس بلد ثرمدا، قتلوه آل ناصر بن إبراهیم بن خنیفر العنقری، و استولوا علی بلد ثرمدا.
و فی هذه السنة هدم قصر عنیزة، هدموه آل جناح.

و فی سنة 1118 ه:

وقعة السمیراء علی آل بسام فی أشیقر، قتل فیها ترکی بن ناصر بن مقبل و حمیدان بن هبدان، و غیرهما.
و فی هذه السنة قتل دبوس بن حمد بن حنیحن، رئیس بلد البیر، و استولوا آل إبراهیم علی البیر.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 62

و فی سنة 1119 ه:

أغاروا أهل ثرمدا علی أهل وثیفیة، و قتلوا من أهل وثیفیة عدة رجال.
و فی هذه السنة قتل حمد بن ونیس فی أشیقر، و هو من رؤساء بلد أشیقر من آل بسام بن منیف.

و فی سنة 1120 ه:

قتل حسین بن مفیز رئیس بلد التویم.

و فی سنة 1121 ه:

خرج إبراهیم بن جار اللّه العنقری، بلد مرات منها، و استولی علیها مانع بن ذبّاح العنقری.
و فیها وقع وباء فی سدیر، مات فیه الشیخ عبد الرحمن بن عبد اللّه بن سلطان بن خمیس أبا بطین العائذی، العالم المعروف فی روضة سدیر.

و فی سنة 1122 ه:

کثر الجراد، و أعقبه دباء أکل الزروع، و الأشجار.

و فی سنة 1123 ه:

کثرت الأمطار، و السیول، و أخصبت الأرض، و رخصت الأسعار، فللّه الحمد و المنّة.
و فیها استولوا أهل حریملا علی بلد ملهم.

و فی سنة 1124 ه:

وقع وباء فی بعض بلدان الوشم، و بعض بلدان سدیر، مات فیه خلائق کثیرة.

و فی سنة 1125 ه:

توفی الشیخ أحمد بن محمد المنقور التمیمی العالم المشهور فی حوطة سدیر، کان فقیها و له کتاب مفید، جمع فیه فتاوی فقهاء نجد، و جملة من فتاوی غیرهم رحمه اللّه تعالی.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 63
و فی هذه السنة کثرت الأمطار و السیول، و رخصت الأسعار، بیع التمر مائة الوزنة بأحمر.

و فی سنة 1126 ه:

وقع وباء فی العارض، مات فیه الشیخ سلیمان بن موسی الباهلی، و الشیخ محمد بن عبد الوهاب بن عبد اللّه المشرّفی الوهیبی التمیمی، و الشیخ محمد بن علی بن عبد، رحمهم اللّه تعالی.

و فی سنة 1127 ه:

جاء برد شدید جمد الماء فی أقاصی البیوت.

و فی سنة 1128 ه:

سطوا أهل المجمعة علی الفراهید آل راشد أهل الزلفی، و لا حصلوا علی طائل.
و فیها سطا إدریس بن شائع بن صعب شیخ بلد الجناح، هو من آل جناح، من بنی خالد فی الملیحة، المحلة المعروفة فی عنیزة و ملکها، فلما کان فی رمضان من السنة المذکورة سطوا آل فضل من آل جراح من سبیع علی إدریس المذکور فی الملیحة، و أخرجوه منها، و استولوا علیها.

و فی سنة 1120 ه:

غدر خیطان بن ترکی بن إبراهیم الدوسری فی ابن عمه محمد بن عبد اللّه بن إبراهیم بن سلیمان بن حماد بن عامر الدوسری، رئیس بلد جلاجل، و أراد قتله، فسلّمه اللّه منه.

و فی سنة 1121 ه:

قتل سبهان بن حمد رئیس بلد البیر، و جاء سیل عظیم، انهدم فی حریملا و ثادق بیوت کثیرة.

و فی سنة 1122 ه:

وقع الطاعون العظیم بالعراق، و هلک خلق لا یحصیهم إلّا اللّه تعالی.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 64

و فی سنة 1133 ه:

فی سابع جمادی الأول، ذبحة آل جناح من بنی خالد، أهل بلد الجناح، فی الدار فی الخریزة فی عنیزة، و رأیت فی بعض التواریخ أن ذلک سنة 1138 ه، و اللّه سبحانه و تعالی أعلم.
و فیها ولد عبد العزیز بن محمد بن سعود.
و فیها کثرت الأمطار و السیول، و رخصت الأسعار، بیع التمر بمائة و عشرین وزنة بأحمر، و الحنطة خمسة و أربعین صاع بالأحمر.

و فی سنة 1124 ه:

جلو آل عفالق من الحساء.
و فی آخرها توفی الشیخ منیع بن محمد بن منیع العوسجی الدوسری قاضی بلد ثادق.

و فی سنة 1125 ه:

توفی سعدون بن محمد بن غریر آل حمید الخالدی رئیس الحساء و القطیف، کانت وفاته فی الجندلیة.
و فیها استولی محمد بن عبد اللّه الدوسری رئیس بلد جلاجل علی روضة سدیر، و بنی منزلة آل أبو هلال، و منزلة آل أبو سلیمان، و منزلة آل أبو سعید، و أخرج العبید من حوطة سدیر، و أسکن فیها أهلها آل أبو حسین من بنی العنبر بن عمرو بن تمیم، و کانوا قد جلوا عنها، و عزل ابن قاسم عن إمارة بلد الجنوبیة، و ولی فیها آل ابن غنام من العناقر و هذه السنة هی مبتدأ القحط الشدید و الغلاء العظیم المسمی سحّی.
و فی هذه السنة قتلوا آل القاضی فی بلد أشیقر، قتلوهم بنو عمهم آل ابن حسن، و آل ابن حسن المذکورون هم رؤساء بلد أشیقر فی ذاک الوقت، و هم من آل بسام بن منیف من الوهبة من تمیم، و هم غیر آل ابن
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 65
حسن الذین انتقلوا من أشیقر و سکنوا بلد حرمة، فإنهم من آل حسن بن مقبل الرواجح من الوهبة من تمیم.

و فی سنة 1126 ه:

اشتد الغلاء و القحط، و عم الشام و الیمن و الحجاز و نجد، و هلک کثیر من البوادی، و غارت الآبار، و جلا کثیر من أهل سدیر إلی البصرة و الزبیر و الکویت و الحساء، و لم یبق فی العطار إلّا أربعة رجال، و غارت آباره و لم یبق فیه غیر رکیتین فیهما ماء، و جلی کثیر من أهل بلدان نجد إلی البصرة و الزبیر و الکویت و الحساء، فی هذه السنة و فی التی بعدها، و هلک کثیر من بوادی حرب، و العمارات من عنزة و غیرهم.
و قال بعض أدباء أهل سدیر فی ذلک قصیدة منها:
غدی الناس أثلاث، فثلث شریدةیلاوی صلیب البین عار و جائع
و ثلث إلی بطن الثری دفن میّت‌و ثلث إلی الأریاف جال و ناجع
و فی هذه السنة هدموا آل أبو راجح منزلة آل أبو هلال، فی روضة سدیر.
و فیها توفی بداح بن بشر بن ناصر بن إبراهیم بن خنیفر العنقری رئیس بلد ثرمدا، و تولی فیها إبراهیم بن سلیمان بن ناصر بن إبراهیم بن خنیفر العنقری.
و فیها- فی ربیع الأول- قتل سلطان بن ذبّاح، و ولده، و أخوه، و إبراهیم بن جار اللّه رئیس بلد مرات، و هم من رؤساء العناقر، قتلهم إبراهیم بن سلیمان بن ناصر بن إبراهیم بن خنیفر العنقری رئیس بلد ثرمدا.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 66

و فی سنة 1127 ه:

أنزل اللّه الغیث، و کثر الأمطار و السیول، و أخصبت الأرض بالنبات و لم تزل الشدة و الموت من الجوع من سبب عدم الأقوات.
و فی هذه السنة ماتت الزروع من شدة البرد، و کثر الجراد، أعقبه دباء، و أکل غالب الثمار، فنعوذ باللّه من غضبه و عقابه.
و فیها توفی سعود بن محمد بن مقرن رئیس بلد الدرعیة، و تولی فیها زید بن مرخان.
و فیها أکل السعر فی بلد العنیزة اثنین و أربعین نفسا، من بین ذکر و أنثی.

و فی سنة 1128 ه:

کانت وجبة العیینة، حلّ بهم وباء أفنی غالبهم، و مات فیه رئیس بلد العیینة، عبد اللّه بن محمد بن معمر، الذی لم یذکر فی زمنه، و لا قبله فی نجد من یدانیه فی الرئاسة، وسعة المملکة، و العدد، و العقارات، و الأثاث، و تولی بعده فی العیینة ابن ابنه محمد بن حمد بن عبد اللّه بن محمد بن معمر، الملقّب خرفاش.
و فی هذه السنة توفی منصور بن حمد رئیس بلد المجمعة.
و فیها قتل إبراهیم بن عثمان بن إبراهیم، رئیس بلد القصب، قتله أبوه عثمان بن إبراهیم، لطلب الرئاسة فلا حول و لا قوة إلّا باللّه العلی العظیم.

و فی سنة 1129 ه:

غدر محمد بن حمد بن عبد اللّه بن محمد بن معمر، الملقّب خرفاش رئیس العیینة یزید بن مرخان رئیس بلد الدرعیة، و دغیم بن فائز الملیحی.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 67
و فیها توفی دواس بن عبد اللّه بن شعلان، رئیس بلد منفوحة.
و فیها توفی ماضی بن جاسر بن ماضی رئیس روضة سدیر.
و فیها وقع وباء فی أشیقر، توفی فیه خلق کثیر، منهم الشیخ محمد ابن الشیخ أحمد بن محمد بن حسن بن أحمد بن حسن بن سلطان.
الملقّب بالقصیّر الوهبی، التمیمی، و عمه محمد بن محمد بن حسن بن أحمد بن حسن بن سلطان، و الشیخ أحمد بن عثمان بن عثمان بن علی الملقّب بالحصینی، و هو من آل بسام بن منیف من الوهبة، رحمهم اللّه تعالی.
و فیها عزل محمد بن حمد بن عبد اللّه بن معمر الملقّب بخرفاش رئیس العیینة الشیخ عبد الوهاب ابن الشیخ سلیمان بن علی عن قضاء بلد العیینة، و ولّی قضاء العیینة الشیخ أحمد بن عبد اللّه، و انتقل الشیخ عبد الوهاب ابن الشیخ سلیمان بن علی إلی حریملا، و سکنها.
و فی هذه السنة کثرت الأمطار و السیول، و أخصبت الأرض و رخصت الأسعار بیع التمر مائة الوزنة بأحمر، و سمیت هذه السنة رجعان سحّی.

و فی سنة 1140 ه:

عمرت بلد الخبرا المعروفة من بلدان القصیم عمروها آل عفالق، و آل عفالق من قحطان، و کانت منزلتهم قبل ذلک البویطن المعروفة فی عنیزة.
و فی هذه السنة سار الشریف محسن بن عبد اللّه بن حسین و معه؟؟؟
عنزة، و عدوان و کثیر من بادیة الحجاز، و قصدوا الظفیر، و هم علی ساق؟؟؟
الخرج، و تفاوضوا، و أقاموا فی مناخهم شهرا کاملا، فاستفزع الشریف
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 68
محسن علی آل محمد آل حمید رئیس الحساء و القطیف، فخرج من الحساء بجنود عظیمة من الحاضرة و البادیة، و اجتمع بشریف محسن و من معه، و حصل بینهم و بین الظفیر وقعة عظیمة، و صارت الهزیمة علی الظفیر، و قتل فیها من الفریقین عدد کثیر.

و فی سنة 1142 ه:

خزانة التواریخ النجدیة ؛ ج‌9 ؛ ص68
روا أهل جلاجل، و شهیل بن صویط رئیس الظفیر إلی التویم، و معهم عبد اللّه بن حمد بن فواز المدلجی الوائلی رئیس بلد التویم فی الماضی، و کان ابن عمه مفیز بن حسین بن مفیز بن زامل، قد غلب عبد اللّه المذکور علی رئاسة بلد التویم، فجلی عبد اللّه إلی بلد جلاجل، و تأمّر مفیز فی التویم، فلما وصلت تلک الجنود إلی بلد التویم، و کان بعض أهل البلد قد کاتبوا عبد اللّه، خاف مفیز علی نفسه، و هرب من البلد، و دخلت تلک الجنود البلد و نهبوا جملة من بیوتها، و استقر عبد اللّه أمیرا فیها.
و فیها أخذوا مطیر حاج الحساء علی الحنو.
و فی هذه السنة قتل محمد بن حمد بن عبد اللّه بن محمد بن معمر الملقّب خرفاش، رئیس بلد العیینة، قتلوه آل نبهان من آل کثیر، و تولی فی العیینة أخوه عثمان بن حمد بن عبد اللّه بن محمد بن معمر.

و فی سنة 1142 ه:

هدمت الجادة المحلة المعروفة فی عنیزة.
و فی هذه السنة الوقعة المشهورة بین عنزة و الظفیر علی قبة، و صارت الهزیمة علی عنزة.

و فی سنة 1144 ه:

مات شهیل بن صویط رئیس الظفیر.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 69
و فیها حرب أهل أشیقر بینهم قتل فیه عبد اللّه أبا حسین، و علی بن خضیر.

و فی سنة 1145 ه:

هوشة أهل أشیقر بینهم فی الغطفاء، قتل فیها عثمان البجادی، و خلف البجادی، و عبد اللّه بن یوسف و غیرهم.

و فی سنة 1146 ه:

قتل زید بن أبا زرعة رئیس بلد الریاض، قتلوه عنزة فی وقعة بینهم هم و أهل الریاض، و تولی فی الریاض العبد خمّیس عبد آل زرعة.

و فی سنة 1147 ه:

قتلوا الروم محمد آل مانع بن شبیب القرشی الهاشمی العلوی رئیس بوادی المنتفق.
و فی هذه السنة سطا محمد بن عبد اللّه بن شبانة الملقّب بالرقراق، من رؤساء أهل أشیقر، من آل محمد من الوهبة فی بلد أشیقر، و معه عدة رجال من أهل جلاجل، و استولی علی محلة آل محمد، و هی المعروفة بسوق الشمال فی بلد أشیقر، و استولی علیها، و صار أمیرا فیها، و أما آل بسام بن منیف، فهم أمراء محلتهم المعروفة جنوبی بلد أشیقر.

و فی سنة 1139 ه:

اصطلح أهل أشیقر هم و النواصر، أهل الفرعة.
و فی هذه السنة الوقعة المشهورة بین أهل أشیقر فی سوق المدینة المعروف فی أشیقر، قتل فیها عیال محمد بن أحمد البجادی، و عبد اللّه الخراشی، و غیرهم.

و فی سنة 1151 ه:

خرج خمّیس عبد آل زرعة من الریاض، و استولی علیها دهام بن دواس بن عبد اللّه بن شعلان، بسبب أنه خال ولد زید أبا زرعة، و أنه ضابط له، حتی یتأهل للملک، و کان دهام قد جلی من
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 70
منفوحة، و صار فی بلد الریاض عند زید أبا زرعة، فلما قتل زید کما تقدم، استولی العبد خمیّس علی الریاض، و بدرت منه أمور غیر مرضیة، فقام علیه أهل الریاض و معهم دهام بن دواس، و أخرجوه من البلد، و قال دهام لأهل الریاض: أنا الذی أقوم فی الولایة حتی یکبر ابن أختی، فإذا کبر عزلت نفسی، فلما استوثق فی الولایة، و کثرت أعوانه أخرج ولد زید بن أبا زرعة من بلد الریاض، و استولی علیها.

و فی سنة 1151 ه:

قتل إبراهیم بن سلیمان العنقری رئیس ثرمدا، أولاد بداح العنقری فی ثرمدا.

و فی سنة 1152 ه:

قتل حمود الدریبی رئیس بلد بریدة بنی عمه آل حسن من آل أبو علیان فی مسجد بریدة، قتل منهم ثمانیة رجال.
و فی السنة التی بعدها قتل حمود الدریبی المذکور، و آل أبو علیان من العناقر من بنی سعد بن زید مناة بن تمیم.
و فیها- فی ذی الحجة- توفی الشیخ عبد الوهاب ابن الشیخ سلیمان بن علی فی حریملا، رحمه اللّه عالی.

و فی سنة 1154 ه:

الوقعة المشهورة بین المنتفق، و بین عساکر الترک، صارت الهزیمة علی المنتفق، و قتل رئیس المنتفق سعدون بن محمد بن مانع بن شبیب القرشی الهاشمی العلوی الشبیبی.

و فی سنة 1155 ه:

قتل حسن بن مشعاب رئیس بلد عنیزة، و جلوا آل جراح من عنیزة و استولوا آل جناح أهل بلد الجناح من بنی خالد هم و الشختة من المشاعیب من آل جراح من سبیع علی عنیزة کلها، و الشختة منزلتهم الجادة المعروفة فی عنیزة.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 71
و فی هذه السنة غرس نخل الجادة فی عنیزة.
و فیها- لیلة الأربعاء ثانی عشر رجب- توفی أمیر بلد أشیقر محمد بن عبد اللّه بن شبانة، الملقّب بالرقراق، و کان شجاعا فاتکا.
و فی هذه السنة کثرت الأمطار و السیول، و أخصبت الأرض، و سموا أهل نجد هذه السنة، سنة خیران، و عم الحیاة و الخصب جمیع بلدان نجد فللّه الحمد و المنّة.

و فی سنة 1156 ه:

فی شعبان حصروا الشماس، و معهم رشید رئیس بلد عنیزة، و بوادی الظفیر الدریبی فی بریدة، و نهبوا الظفیر جنوبی بریدة، و طردهم الدریبی عنها، و رجعوا.
و فی هذه السنة قتل الهمیلی بن سابق شیخ الشماس فی الدواسر، و رأیت فی بعض التواریخ أن مقتل الهمیلی سنة 1158 ه. و اللّه سبحانه و تعالی أعلم.

و فی سنة 1158 ه:

توفی الشیخ محمد بن ربیعة العوسجی الدوسری قاضی بلد ثادق رحمه اللّه تعالی.
و فیها توفی محمد بن عبد اللّه الدوسری رئیس جلاجل، و تولی بعده سوید بن محمد الدوسری.
و فیها أو فی التی قبلها، أعنی 1157 ه انتقل الشیخ محمد بن عبد الوهاب من العیینة إلی الدرعیة.

و فی سنة 1159 ه:

سطا دهام بن دواس، و معه الصمدة من الظفیر فی بلد منفوحة، فحصل بینه و بینهم قتال، قتل فیه عدة رجال من الفریقین، و رجع إلی الریاض.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 72

و فی سنة 1160 ه:

رکدة عنیزة، و غرس فیها أملاک الخننیة، و الزامل، و آل أبا الخیل، و الهیفاء، و الطعیمی فی المسهریة، و ذلک فی مدة عشر سنین.
و فی هذه السنة توفی الشیخ عبد اللّه بن أحمد بن عضیب الناصری التمیمی و دفن فی الضبط المعروف فی عنیزة رحمه اللّه تعالی.

و فی سنة 1161 ه:

مات الشیخ علی بن زامل بعده بشهرین.
و فی هذه السنة کانت وقعة البطین علی أهل ثرمدا، قتل منهم نحو سبعین رجلا، و ذلک أنه سار إلیهم عبد العزیز بن محمد بن سعود بأهل الدرعیة، و عثمان بن معمر رئیس العیینة، فأغاروا علی بلد ثرمدا، فخرج إلیهم أهل ثرمدا، و حصل بینهم قتال عظیم فی البطین، قتل فیه من أهل ثرمدا من ذکرنا.

و فی سنة 1162 ه:

مبتدأ القحط، و الغلاء المسمی شیته.
و فیها قتل دباس رئیس بلد العودة، هو و حمد بن سلطان من الدواسر، قتلهم علی بن علی الدوسری و استولی علی بلد العودة.

و فی سنة 1163 ه:

اشتد الغلاء و القحط.
و فیها قتل إبراهیم بن محمد بن عبد الرحمن، و ابنه هبدان المعروفین بالشیوخ فی ضرما. و فی بعض التواریخ أن مقتل إبراهیم بن محمد بن عبد الرحمن، فی السنة التی بعدها أعنی 1164 ه، قتلوهم السیائرة أهل ضرما، و السیائرة من بنی خالد.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 73
و فیها قتل عثمان بن حمد بن عبد اللّه بن محمد بن معمر رئیس العیینة.
و فیها توفی الشیخ أحمد بن یحیی بن محمد بن عبد اللطیف بن الشیخ إسماعیل بن رمیح العرینی السبیعی، قاضی بلد رغبة رحمه اللّه تعالی.

و فی سنة 1164 ه:

أغار عبد العزیز بن محمد بن سعود، و مشاری بن معمر رئیس العیینة علی ثرمدا، فحصل بینهم و بین أهل ثرمدا قتال، قتل فیه من أهل ثرمدا عدة رجال، و سمی الوقعة، وقعة الوطیّه .
و الوطیة موضع معروف بالقرب من بلد ثرمدا.

و فی سنة 1165 ه:

أنزل اللّه الغیث، و أخصبت الأرض، و رخصت الأسعار، و تسمی هذه السنة رجعان شیتة.
و فی هذه السنة قتل علی بن علی، و ابنه سند رؤساء بلد العودة.
و فیها توفی الشیخ عبد اللّه بن فیروز بن محمد بن بسام رحمه اللّه تعالی.

و فی سنة 1169 ه:

أنزل اللّه الغیث فی الوسمی، و أخصبت الأرض.
و فیها مقتل آل سلطان رؤساء بلد العودة، و استولی علیها عثمان بن سعدون.
و فیها جلاء فوزان بن ماضی من بلد الروضة، و استولی علیها عمیر بن جاسر بن ماضی.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 74

و فی سنة 1174 ه:

قتل رشید رئیس بلد عنیزة من سبیع، هو و فراج رئیس الجناح من بنی خالد، قتلوهم عیال الأعرج من آل أبو غنام، هم و آل زامل، و معهم غیرهم، قتلوهم فی مجلس عنیزة، و سبب قتلهم أن أهل عنیزة و أهل الجناح کانت بینهم حروب، و فتن کثیرة، یطول ذکرها، فلما استولی رشید علی عنیزة، و استولی فراج علی الجناح اصطلحوا علی وضع الحرب بینهم، و أقاموا علی ذلک نحو ثلاثین سنة، حتی امتد أهل عنیزة، و أهل الجناح فی الفلاحة، و أکثروا من غرس النخیل، و کثرت أموالهم. ثم إن الشیطان و أعوانه، حرشوا بین أهل عنیزة، و بین أهل الجناح، فاتفق رجال من عشیرة رشید، و رجال من عشیرة فراج علی قتلهما، فقتلوهما. فثارت الفتن بین الفریقین، فلا حول و لا قوّة إلّا باللّه العلیّ العظیم.

و فی سنة 1175 ه:

أنزل اللّه الغیث، و أخصبت الأرض، و رخصت الأسعار، و حصل فی بلدان سدیر وباء، مات فیه خلق کثیر منهم الشیخ عبد اللّه بن عیسی المویس الوهیبی التمیمی قاضی بلد حرمة، و الشیخ محمد بن عباد الدوسری، و الشیخ حماد بن شبانة الوهیبی التمیمی المعروف فی بلد المجمعة، و الشیخ عبد اللّه بن سحیم الکاتب المعروف فی بلد المجمعة و السحیم من أهل المجمعة الحبلان من عنزة، و الشیخ إبراهیم ابن الشیخ أحمد المنقور التمیمی قاضی حوطة سدیر رحمهم اللّه تعالی.
و فی هذه السنة کثر الجراد، و أعقبه دباء أکل غالب الثمار و الأشجار.

و فی سنة 1177 ه:

ملک ابن سعود بعض بلدان سدیر.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 75

و فی سنة 1179 ه:

تقریبا انتقل حمد بن إبراهیم بن عبد اللّه بن الشیخ أحمد بن محمد بن عبد اللّه بن بسام هو و أولاده من بلد حرمة إلی بلد عنیزة و سکنوها.
و فیها توفی محمد بن سعود بن محمد بن مقرن رئیس بلد الدرعیة، و تولی بعده ابنه عبد العزیز بن محمد بن سعود.

و فی سنة 1180 ه:

تقریبا عمرت بلد البکیریة المعروفة من بلدان القصیم.

و فی سنة 1181 ه:

قتل عثمان بن سعدون، رئیس العودة، و استولی علیها منصور بن حماد.
و فی هذه السنة توفی إبراهیم بن سلیمان بن ناصر بن إبراهیم بن خنیفر العنقری رئیس ثرمدا، و هذه السنة هی أول القحط الشدید، و الغلاء العظیم المسمی سومّه، مات فیه خلائق کثیرة جوعا و وباء، و جلا کثیر من أهل نجد إلی البصرة و الزبیر و الحساء فی هذه السنة و فی التی بعدها.

و فی سنة 1182 ه:

توفی الشیخ محمد بن إسماعیل الصنعانی.
و فیها سار سعود بن عبد العزیز و معه راشد الدریبی رئیس بریدة، و قصدوا بلد عنیزة، و نزلوا بالقرب من باب شارخ، فحصل بینهم و بین أهل عنیزة قتال، قتل فیه من أهل عنیزة ثمانیة رجال منهم عبد اللّه بن حمد بن زامل.

و فی سنة 1182 ه:

أنزل اللّه الغیث، و أخصبت الأرض، و رخصت الأسعار، فللّه الحمد و المنّة.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 76
و فیها سار عبد العزیز بن محمد بن سعود إلی القصیم، و نزل بلد الهلالیة و أخذها عنوة، و قتل من أهلها عدة رجال، و بایعه غالب أهل القصیم علی السمع و الطاعة، ثم رجع إلی وطنه.

و فی سنة 1182 ه:

سطوا آل أبو علیان علی ابن عمهم راشد الدریبی فی البریدة، و أخرجوه منها، و استولوا علیها.
و فیها توفی الشریف مساعد بن سعید فی مکة المشرفة، و تولی بعده أخوه الشریف أحمد.

و فی سنة 1186 ه:

ثارت الحرب بین أولاد الشریف مساعد، و بین عمهم الشریف أحمد، و صارت الغلبة لأولاد مساعد، و أخرجوا عمهم من مکة المشرفة، و استولی علیها سرور بن مساعد.
و فی آخر هذه السنة و أول التی بعدها وقع الطاعون العظیم ببغداد، و البصرة، و الزبیر، و الکویت، و عم العراق، و هلک فیه خلائق کثیرة، و لم یبق من أهل البصرة إلّا القلیل، أحصی من مات فیه من أهل البصرة، فبلغوا ثلاثمائة و خمسین ألفا، و من أهل الزبیر نحو ستة آلاف.

و فی سنة 1187 ه:

خرج دهام بن دواس بن عبد اللّه بن شعلان من بلد الریاض، و قصد الحساء، و استولی عبد العزیز بن محمد بن سعود علی الریاض، و ذلک بعد قتال عظیم، و وقائع عدیدة، أحصی من قتل فیه من أهل الریاض فی مدة حربهم، فبلغوا ألف و ثلاثمائة، و من أهل الدرعیة و أتباعهم ألف و سبعمائة.

و فی سنة 1188 ه:

سار عریعر بن دجین آل حمید رئیس الحساء
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 77
و القطیف بالجنود العظیمة من الحاضرة، و البادیة، و قصد بریدة، و معه راشد الدریبی، فنزلها، و حاصرها، ثم أخذها عنوة، و ذلک أنه استدعی أمیرها عبد اللّه آل حسن لمواجهته، فخرج إلیه، فلما وصل إلیه قبض علیه، و دخلت تلک الجنود البلد، و نهبوها، و دخل راشد الدریبی قصر الإمارة، و استولی علی البلد، و أقام عریعر فی بریدة أیاما، و أجلی آل زامل من عنیزة، و جعل فیها عبد اللّه بن رشید أمیرا، ثم ارتحل من بریدة، و معه عبد اللّه آل حسن رئیس بریدة أسیرا، و نزل الخابیة المعروفة قرب النبقیة، و استعد للمسیر إلی الدرعیة، فمات علی الخابیة بعد ارتحاله من بریدة بشهر، و تولّی بعده ابنه بطین، فلم یستقم له حال، فقتله أخوه سعدون، هو و أخوه دجین، و تولی دجین، فلم یلبث إلّا مدة یسیرة و مات، قیل أن سعدونا سقاه سمّا، و تولی بعده سعدون، و انطلق عبد اللّه آل حسن من الأسر، و سار إلی الدرعیة، فأکرمه عبد العزیز بن محمد بن سعود.

و فی سنة 1189 ه:

حاصروا العجم البصرة، و رئیسهم کریم خان الزندی، و استمر الحصار سنة و نصف سنة، و متسلم البصرة حینئذ سلیمان باشا، و معه فیها ثوینی بن عبد اللّه الشبیب رئیس بوادی المنتفق، ثم إن العجم استولوا علیها صلحا فی سنة تسعین، و نهبوها غدرا بعد المصالحة و الأمان، و ساروا إلی بلد الزبیر، فنهبوها و دمروه و هرب أهله إلی بلد الکویت.
و فیها سار سعود بن عبد العزیز بجنود عظیمة من الحاضرة و البادرة، و قصدوا بلد بریدة، و معهم عبد اللّه آل حسن من آل أبو علیّان، فحصروا راشد الدریبی فی بریدة، و امتنع علیهم، فلما أعیاهم أمره، اقتضی رأی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 78
سعود أن یبنی تجاههم حصنا، فبناه فی مقامه ذلک، و جعل فیه عدة رجال رئیسهم عبد اللّه آل حسن من آل أبو علیان، ثم رجع سعود إلی وطنه، و صار أهل القصر یغادون أهل بریدة و یراوحونهم الغارات، فبعث راشد الدریبی رئیس بریدة إلی عبد اللّه آل حسن یطلب منه الأمان لنفسه، فأعطاه الأمان، فخرج إلیه، و دخل عبد اللّه آل حسن و من معه بریدة، و ملکوها، و انقاد أهل القصیم، و وفدوا علی الشیخ هو- و عبد العزیز بن محمد بن سعود، و بایعوا علی السمع و الطاعة. و صار عبد اللّه آل حسن أمیرا علی القصیم.
و فیها مات فیصل بن شهیل بن سلامة بن مرشد بن صویط رئیس الظفیر.

و فی سنة 1190 ه:

أغار عبد العزیز بن محمد بن سعود علی آل مرة فی الخرج، فصارت الهزیمة علی عبد العزیز و من معه، و ألجؤوهم البدو إلی عقبة و عرة تسمی مخیریق الصفا، و قتل من جنود عبد العزیز نحو خمسین رجلا، منهم عبد اللّه آل حسن أمیر القصیم، و هذلول بن ناصر.

و فی سنة 1192 ه:

فی ثانی و عشرین من ذی القعدة، جاء عنیزة سیل عظیم أغرق البلد، و محی بعض منزلها، و خرج أهل عنیزة إلی الصحراء، و ابتنوا بیوت الشعر، و أقاموا فیها، حتی عمروا منازلهم.

و فی سنة 1192 ه:

سار سعود بن عبد العزیز إلی بلد حرمة، و ملکها، و جلی بعض أهلها إلی بلد الزبیر.

و فی سنة 1194 ه:

توفی الشیخ أحمد التویجری قاضی المجمعة رحمه اللّه تعالی.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 79

و فی سنة 1195 ه:

مقتل جدیع بن هذال و معه سبعة من رؤساء بوادی عنزة، قتلوهم الدوشان رؤساء مطیر فی وقعة بینهم فی کیر.
و فیها- فجر یوم الخمیس، خامس و عشرین من شوال- سطوا آل أبو غنام، و أهل الجناح فی العقیلیة المعروفة فی عنیزة.

و فی سنة 1196 ه:

أجمع أهل القصیم علی نقض البیعة لابن سعود و الحرب، سوی أهل بریدة، و الرس، و التنومة، و قتل المعلّمة الذی عندهم، و أرسلوا إلی سعدون بن عریعر آل حمید رئیس الحساء و القطیف، یستحثونه بالقدوم علیهم فأقبل إلیهم بجنوده، فلما قرب من القصیم، قام أهل کل بلد، و قتلوا من عندهم من المعلمة، فقتل أهل الخبرا إمامهم منصور أبا الخیل، و ثنیان أبا الخیل، و قتل أهل الجناح رجلا عندهم یقال له: البکری، و علقوه بعصبة رجله فی خشبة، و قتل أهل الشماس أمیرهم علی بن حوشان، و أقبل سعدون بجنوده، و نزل بریدة، فلما نزلها أرسل إلیه أهل عنیزة عبد اللّه آل قاضی، و ناصر الشبیلی، و هما من أهل الدین، فقتلهم سعدون صبرا، و حاصر بریدة، و أمیرها حینئذ حجیلان بن حمد من آل أبو علیان، فلما اشتد الحصار، تحقق حجیلان من ابن عمه سلیمان الحجیلانی خیانة فضرب عنقه، و أقام سعدون علی بریدة خمسة أشهر محاصرا لها، فعجز عنها، و رجع قافلا إلی وطنه، و تفرق أهل القصیم الذین معه إلی بلدانهم، فخرج حجیلان بأهل بریدة إلی بلدة آل شماس، فقتل من وجده فیها، و هرب أهلها، ثم إن أهل بلدان القصیم طلبوا من حجیلان الأمان، فأمنهم، و وفدوا علیه، و کان حجیلان المذکور من أشد الناس حمیة لأهل القصیم.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 80
و فیها أخذ سعود بن عبد العزیز الصهبة من مطیر علی المستجدة، و قتل رئیسهم دخیل اللّه بن جاسر الفغم.
و فیها قتل زید بن زامل العائذی رئیس بلد الدلم، قتلوه سبیع فی وقعة بینه و بینهم.
و فیها- فی ذی الحجة- توفی الشیخ عبد اللّه بن أحمد بن إسماعیل فی عنیزة رحمه اللّه تعالی.

و فی سنة 1197 ه:

مبتدأ القحط و الغلاء المسمی دولاب، و استمر ثلاث سنین، إلی سنة المائتین.

و فی سنة 1199 ه:

قتل براک بن زید بن زامل رئیس بلد الدلم، قتله أولاد عمه.

و فی سنة 1200 ه:

أنزل اللّه الغیث، و رخصت الأسعار، و هذه السنة هی رجعان دولاب.

و فی سنة 1201 ه:

فی المحرم سار ثوینی بن عبد اللّه بن محمد بن مانع آل شبیب رئیس المنتفق إلی نجد، و معه جنود عظیمة من الحاضرة و البادیة، و قصد القصیم، فلما وصل التنومة أخذها، و نهبها، و قتل أهلها، ثم ارتحل منها، و نزل بریدة، و حصرها، فبلغه الخبر بأن سلیمان باشا بغداد، ولّی حمود بن ثامر بن سعدون بن محمد بن مانع آل شبیب القرشی الهاشمی العلوی الشبیبی علی بادیة المنتفق، فقفل ثوینی راجعا إلی وطنه، و دخل البصرة، و نهب منها أموالا عظیمة، و عصی علی الباشا، فسیّر إلیه سلیمان باشا وزیر بغداد العساکر العظیمة، فحصل بینهم و بین ثوینی وقعة عظیمة، و صارت الهزیمة علی ثوینی و أتباعه من المنتفق
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 81
و غیرهم، و قتل منهم خلائق کثیرة، و انهزم ثوینی، هو و مصطفی آغا إلی بلد الکویت، و استولی حمود بن ثامر علی المنتفق، و رجعت تلک العساکر إلی بغداد، فلما تحقق ثوینی و من معه رجوعهم تجهزوا من الکویت لقتال حمود بن ثامر، فالتقوا فی البرجسیة بالقرب من بلد الزبیر، و حصل بینهم قتال عظیم، و صارت الهزیمة علی ثوینی و من معه، و قتل منهم عدد کثیر، و انهزم ثوینی و معه عدة رجال إلی بلد الدرعیة، و أقاموا عند عبد العزیز بن محمد بن سعود مدة أشهر، ثم خرجوا من الدرعیة، و قصد ثوینی بغداد، و دخل علی الباشا سلیمان، و استرضاه، فرضی عنه و أکرمه.
و فی هذه السنة هدم الجناح المعروف فی عنیزة، هدمه عبد اللّه بن رشید رئیس بلد عنیزة تجملا مع ابن سعود بسبب مکاتبة أهل الجناح لثوینی.

و فی سنة 1202 ه:

غزی سعود بن عبد العزیز و قصد عنیزة، و نزلها و أجلی الرشید منها، و استعمل فیها عبد اللّه بن یحیی أمیرا.
و فیها توفی الشریف سرور بن مساعد، و بها تولی شرافة مکة المشرفة الشریف غالب بن مساعد.
و فیها توفی الشیخ حسن بن عبد اللّه بن عیدان الوهیبی التمیمی قاضی بلد حریملا و الشیخ حمد بن قاسم، و الشیخ حمد الوهیبی، و الشیخ عبد الرحمن بن ذهلال رحمهم اللّه تعالی.

و فی سنة 1202 ه:

توفی الشیخ حمیدان بن ترکی المعروف فی بلد عنیزة، کانت وفاته فی المدینة المنورة علی ساکنها أفضل الصلاة و السلام.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 82

و فی سنة 1205 ه:

خرج الشریف غالب بن مساعد إلی نجد، فلما وصل ضریة نهبها و هدمها، ثم نزل بلد الشعراء و حصرها، فلم یقدر علیها، ثم رحل عنها، و نزل البرود و حصرها، فلم یقدر علیه، فقفل راجعا إلی مکة المشرفة.
و کان خروج الشریف غالب لقتال سعود بن عبد العزیز، فرجع إلی مکة قبل أن یصل إلیه، و کان ذلک فی أول ظهور أمر الشیخ محمد بن عبد الوهاب، و انتشار دعوته، و قد منعهم الشریف غالب عن الحج فی ذلک العام أی سنة 1205 ه.
و فیها أغار سعود بن عبد العزیز علی شمر و مطیر، و هم علی العدوة، فأخذهم و قتل منهم عدة رجال، منهم مصلط بن مطلق الجربا، و حصان إبلیس، و أبو هلیبة و سمرة العبیوی.

و فی سنة 1206 ه:

توفی الشیخ الإمام محمد بن عبد الوهاب بن سلیمان بن علی بن محمد بن أحمد بن راشد بن برید بن محمد بن برید بن مشرف بن عمر بن معضاد بن ریس بن زاخر بن محمد بن علوی بن وهیب الوهیبی التمیمی. کانت وفاته فی الدرعیة رحمه اللّه تعالی.

و فی سنة 1207 ه:

جلوا آل عریعر من الحساء، و استولی علی الحساء و القطیف براک بن عبد المحسن بن سرداح الخالدی.
و فی رجب من هذه السنة أغار سعود بن عبد العزیز بن محمد بن سعود علی بنی خالد و هم فی الشیّط قریبا من وبرة، فأخذهم و قتل منهم
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 83
مقتلة عظیمة، و استولی عبد العزیز بن محمد بن سعود علی الحساء و القطیف بعد هذه الوقعة، و زالت ولایة آل حمید من بنی خالد عن الحساء و القطیف، و کانوا قد استولوا علی الحساء و القطیف سنة ثمانین و ألف کما تقدم. و أرّخ ذلک بعض أدباء القطیف، فقال:
رأیت البدو، آل حمید لماتولوا أحدثوا فی الخط ظلما
أتی تاریخهم لما تولواکفانا اللّه شرّهم طغی الما
و ذیّل ذلک بعض أدباء نجد، فقال مؤرخا زوال ولایتهم عن الحساء و القطیف:
و تاریخ الزوال أتی طباقاإذا انتهی الأجل المسمی

و فی سنة 1208 ه:

خسف القمر لیلة الخمیس رابع عشر المحرم، و کسفت الشمس فی آخره یوم الخمیس.
و فی السابع عشر رجب من هذه السنة توفی الشیخ سلیمان بن عبد الوهاب أخو الشیخ محمد بن عبد الوهاب، کانت وفاته فی الدرعیة رحمه اللّه تعالی.
و فی أول رمضان من هذه السنة توفی الشیخ أحمد بن عثمان بن شبانة فی بلد الجمعة.

و فی سنة 1211 ه:

عزل سلیمان باشا بغداد حمود بن ثامر بن سعدون بن محمد بن مانع آل شبیب عن ولایة المنتفق، و ولّاها ثوینی بن عبد اللّه بن محمد بن مانع آل شبیب، و جهزه لقتال عبد العزیز بن سعود، فسار ثوینی بالجنود العظیمة من البادیة و الحاضرة، و قصد الحساء، فلما وصل إلی الشباک المعروف من میاه الطف، أقام علیه إلی دخول سنة 1212 ه،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 84
و هو یستلحق العربان، و یحشد الجنود، فلما علم بذلک عبد العزیز بن محمد بن سعود، جهز ابنه سعود بن عبد العزیز لقتال ثوینی المذکور، فسار سعود بجنود کثیرة من البادیة و الحاضرة، فلما وصل بعض میاه الطف بالقرب من ثوینی، نزل بجنوده، و بینه و بین ثوینی قریبا من یوم فلما کان فی رابع المحرم افتتاح 1212 ه تسلط علی ثوینی عبد أسود یقال له طعیس من عبید الجبور من بنی خالد، فطعنه بحربة کانت معه فمات، فانهزمت تلک الجنود إلی البصرة، و کان ذلک الوقت فی شدة الحر، فمات منهم خلائق کثیرة عطشا، و لما علم بذلک سعود و من معه اقتفوا آثارهم، و قتلوا من لحقوه منهم.
و فیها غزی سعود بن عبد العزیز و قصد العراق، و أغار علی زوبع من شمر، و من معهم و غنم منهم أموالا کثیرة، و قتل منهم عدة رجال منهم مطلق الجرباء.
و فیها حصل وقعة بین الشریف غالب. و سعود بن عبد العزیز قرب الخرمة، صارت الغلبة فیها لسعود، و قتل فیها من الفریقین نحو ألفی نفس، و انهزم الشریف إلی مکة المشرفة.

و فی سنة 1212 ه:

وفد علی عبد العزیز بن محمد بن سعود أهل بیشه و بایعوه علی السمع و الطاعة، و رئیسهم حینئذ سالم بن محمد بن شکبان آل رمتین.

و فی سنة 1214 ه:

حج سعود بن عبد العزیز بالمسلمین، و هی أول حجة حجّها.
و فی هذه السنة توفی فارس بن بسام الوهیبی التمیمی، ساکن بلد التویم.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 85

و فی سنة 1215 ه:

حج سعود بالمسلمین.

و فی سنة 1216 ه:

سار سعود بن عبد العزیز بالجنود العظیمة من الحاضرة و البادیة، و قصد بلد الحسین، و نهبها، و أخذ منها من الأموال ما لا یعدّ و لا یحصی، و قتل من أهلها عدّة رجال.

و فی سنة 1217 ه:

توفی سلیمان باشا بغداد.
و فیها انتقض الصلح بین الشریف غالب و بین عبد العزیز بن محمد بن سعود.

و فی سنة 1218 ه:

یوم الاثنین ثانی و عشرین من رجب توفی الإمام عبد العزیز بن محمد بن سعود بن محمد بن مقرن قتیلا فی مسجد الدرعیة، قام إلیه رجل من أهل العراق و هو فی صلاة العصر فی المسجد، فطعنه بسکین معه فی خاصرته، و لم یلبث إلّا قلیلا حتی مات رحمه اللّه تعالی، و طعن معه أخوه عبد اللّه بن محمد بن سعود، فجارحوه و عافاه اللّه، و أمسکوا الرجل و قتلوه، و تولی بعد عبد العزیز ابنه سعود بن عبد العزیز.

و فی سنة 1219 ه:

قتل سلطان بن أحمد بن سعید رئیس مسقط، قتلوه القواسم، و تولی بعده ابنه سعید بن سلطان.

و فی سنة 1220 ه:

أمر سعود بن عبد العزیز ببناء قلعة بوادی فاطمة، فبنیت.
و فیها وقعة السعدیة بین عبد الوهاب أبو نقطة، و بین الشریف غالب بن مساعد.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 86
و فیها اشتد القحط و الغلاء، و هلک کثیر من بادیة الحجاز و الیمن، و نجد، و ماتت إبلهم و أغنامهم، بیع التمر سبع أوزان بالریال، و فی القصیم خمس وزان بالریال، و العیش ثلاثة أصواع، و أما مکة المشرفة، فالأمر فیها عظیم لأجل الحصار، و قطع المیرة بسبب الحرب التی بین الشریف غالب، و بین عبد الوهاب أبو نقطة و من معه من أتباع سعود بن عبد العزیز، قیل أن کیلة الأرز بیعت بستة أریال، و الدهن بیع الرطل منه بریالین، و بیعت لحوم الحمیر و أکلت الجیف و لحوم الکلاب، فلا حول و لا قوة إلّا باللّه العلیّ العظیم. فلما اشتد الحال بالشریف غالب و أهل مکة، وقعت المصالحة بین الشریف و بین عبد الوهاب أبو نقطة و من معه علی المبایعة لسعود، فبایع الشریف غالب بن مساعد عبد الوهاب أبو نقطة لسعود بن عبد العزیز علی السمع و الطاعة، و تم الصلح علی ذلک.
و فی هذه السنة قدم وفد أهل المدینة علی سعود بن عبد العزیز فی الدرعیة و بایعوا علی السمع و الطاعة.

و فی سنة 1221 ه:

توفی بدای بن بدوی بن مضیان من رؤساء جرب بعلة الجدری، و تولّی بعده أخوه سعود.
و فی هذه السنة حج سعود بن عبد العزیز بالناس، و منع الحاج الشامی من الحج.

و فی سنة 1222 ه:

قدم سعود بن عبد العزیز المدینة المنورة و رتّبها، و جعل فیها عدرة رجال مرابطة.

و فی سنة 1223 ه:

حج سعود بن عبد العزیز بالناس، و لم یحج أحد من أهل الأقطار تلک السنة.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 87

و فی سنة 1224 ه:

وقع وباء فی الدرعیة مات فیه خلق کثیر منهم الشیخ حسین بن الشیخ محمد بن عبد الوهاب، و سعد بن عبد اللّه بن عبد العزیز بن محمد بن سعود.
و فی هذه السنة توفی التاجر المشهور أحمد بن محمد بن زرق فی بلدة قردلان بعد ما استوطنها، قیل أنه خلف من الأموال ما قیمته ألف ألف و مائة ألف ریال.

و فی سنة 1225 ه «فی ذی الحجة»:

توفی الشیخ أحمد بن ناصر بن عثمان بن معمر من المعامرة أهل العیینة من العناقر، کانت وفاته فی مکة المشرفة رحمه اللّه تعالی، صلّی علیه المسلمون تحت الکعبة المعظّمة، ثم خرجوا به إلی البیاضیة، و خرج سعود بن عبد العزیز من قصر البیاضیة و صلّی علیه بعدد کثیر من المسلمین، و دفن فی مکة المشرّفة، رحمه اللّه تعالی.
و فیها أرسل سعود بن عبد العزیز مطلق المطیری، و عبد اللّه بن مزروع بجنود کثیرة من حاضرة نجد و بادیتها إلی عمان و استولوا علی بلدان عمان غیر مسقط و نوحیها.
و فیها أرسل سعود بن عبد العزیز، محمد بن معیقل و إبراهیم عفیصان بسریة إلی البحرین، و ضبطوا أموال آل خلیفة فقدم رؤساؤهم إلی بلد الدرعیة للشکایة علی سعود بن عبد العزیز علی ما فعل بهم ابن معیقل و ابن عفیصان، فأمر سعود بحبس رؤسائهم، و هم سلمان بن أحمد بن خلیفة و أخیه عبد اللّه، و محمد بن عبد اللّه، و أرخص لأولادهم و لمن معهم من الخدام و غیرهم أن یرجعوا إلی البحرین، و جعل سعود علی بن
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 88
محمد بن خلیفة أمیرا فی البحرین، و أرسل سعود فهد بن عفیصان ضابطا للبحرین، ثم إن أولاد آل خلیفة نقلوا أهلهم، و ما قدروا علیه من مالهم من الزبارة فی السفن إلی مسقط و طلبوا من رئیس مسقط هو و من عنده من النصاری النصرة، فساروا إلی البحرین و أحاطوا بفهد بن عفیصان و من معه و هم فی قصر المنامة، ثم أخرجوهم بالأمان، و أمسکوا فهد بن عفیصان هو و خمسة عشر رجلا من أعیان أصحابه رهینة فی آل خلیفة المحبوسین فی الدرعیة و أطلقوا الباقین، و فی هذه السنة حج سعود حجته السابعة.
فلما رجع من الحج أطلق آل خلیفة من الحبس، و رجعوا إلی البحرین فلما وصلوا إلیها أطلقوا فهد بن عفیصان، و أصحابه، و قاموا آل خلیفة فی قومهم و أتباعهم من أهل البحرین، و غیرهم، و حرضوهم علی حرب سعود بن عبد العزیز، فلما علم بذلک سعود أمر علی رحمة بن جابر الجلهمی من الجلاهمة من بنی عتبة رؤساء بلد الزبارة و رؤساء بلد الکویت، و کان رحمة بن جابر هذا شجاعا، و مسکنه فی بعض قری قطر، و کان محاربا لآل خلیفة من بنی عتبة، و له معهم وقائع عدیدة، و أرسل إلیه سعود جنودا کثیرة من أهل نجد و الحساء و القطیف، و جمع رحمة من أهل قطر و غیرهم خلائق کثیرة، و کانت یومئذ سفنه تبلغ ستین سفینة ما بین الکبیرة و الصغیرة، فرکب هو و من معه فی السفن، و ساروا القتال آل خلیفة و من معهم، و کان آل خلیفة قد کتبوا إلی آل صباح من بنی عتبة من عنزة أهل الکویت، یطلبون منهم النصرة، فرکب جابر بن عبد اللّه بن صباح، و دعیج بن سلمان بن صباح بجنود کثیرة من أهل الکویت فی السفن لنصرة آل خلیفة أهل البحرین، و رکبوا آل خلیفة بأتباعهم من أهل البحرین، و غیرهم فی السفن، و رئیسهم إذ ذاک عبد اللّه بن أحمد بن خلیفة، و التقوا
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 89
فی خویر حسان المعروف بین البحرین و القطیف، و ربطوا السفن بعضها ببعض، و کانت سفن آل خلیفة و أتباعهم نحو مائتی سفینة، ما بین کبیرة و صغیرة و اقتتلوا قتالا عظیما لم یسمع بمثله فی تلک الأطراف، ثم اشتعلت النار فی کبار السفن، فاحترقت بمن فیها، و هلک خلائق کثیرة قتلا بالسیف و غرقا فی البحر، و من أعیان القتلی دعیج بن سلمان بن صباح من رؤساء الکویت و راشد بن عبد اللّه ابن أحمد بن خلیفة.
و فی سنة 1226 ه قام محمد علی، باشا مصر، فی قتال أهل نجد ، فبعث عساکر کثیرة فی البحر، علیهم ابنه أحمد طوسون، فقدموا الینبع، فلما علم بذلک سعود بن عبد العزیز، جهّز ابنه عبد اللّه لقتالهم، و أرسل معه الجنود الکثیرة من الحاضرة و البادیة، فقدم عبد اللّه بن سعود و من معه المدینة المنورة علی ساکنها أفضل الصلاة و السلام، ثم خرج عبد اللّه من المدینة، و نزل الخیف، و سار أحمد طوسون و من معه من العساکر، و نزلوا بالقرب من عبد اللّه بن سعود، ثم إنهم اقتتلوا قتالا عظیما، و صارت الهزیمة علی أحمد طوسون و من معه من العساکر، و قتل منهم نحو ثلاثة آلاف، و قتل من قوم عبد اللّه بن سعود نحو ثمانمائة، منهم مقرن بن حسن بن مشاری بن سعود، و برغش بن بدر الشبیب من رؤساء المنتفق، و مانع بن وحیر من رؤساء بادیة العجمان، و عبد الرحمن بن محمد الحصیّن الناصری التمیمی من رؤساء بلد القرائن، و تویم بن بصیص رئیس الصعران من بریة، و انحاز أحمد طوسون، و من معه إلی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 90
ینبع، و هذه الوقعة هی المعروفة بوقعة الجدیّدة فی ذی القعدة من السنة المذکورة.
و فی هذه السنة حج سعود بن عبد العزیز بالناس، و اجتمع بابنه عبد اللّه فی مکة المشرفة بعد انقضاء وقعة الجدیّدة المذکورة.

و فی سنة 1227 ه:

قدم أحمد بونابرت بالعساکر العظیمة علی أحمد طوسون بن محمد علی، و هو إذ ذاک بینبع، فلما قدموا علیه ساروا إلی المدینة، فوصلوا إلیها منتصف شوال، و حصروها، و فیها نحو خمسة آلاف من أهل الیمن و الحجاز و نجد، جعلهم سعود فیها مرابطة، ثم حفروا علیهم سربا فی الأرض من جهة البقیع، فلما وصلوا إلی السور حشوه بالبارود، و أشعلوا فیه النار، فانهدم من السور نحوا من ثلاثین ذراعا، و دخلت العساکر البلد، و انحازوا المرابطة إلی القلعة، و قد هلک منهم خلق کثیر قتلا و وباء، ثم إنهم أخرجوا من بقی منهم بالأمان، قیل أن من هلک منهم قتلا و وباء نحو أربعة آلاف.
و فی هذه السنة حج سعود بن عبد العزیز بالناس، و هی آخر حجة حجّها، فلما خرج من مکة المشرفة أمر علی ابنه عبد اللّه أن یقیم بمن معه من الجنود بوادی فاطمة، فأقام به أیاما، و جاءت مراکب فیها عساکر من مصر، فنزلوا فی جدّة، ثم ساروا منها و قدموا مکة المشرفة، فلما علم بذلک عبد اللّه بن سعود و من معه، ارتحلوا، و نزلوا العبیلاء بالقرب من الطائف، و لأیام ثم قفل إلی نجد.

و فی سنة 1228 ه:

خرج عثمان المضایفی من الطائف، و استولی علی الطائف الشریف غالب ابن مساعد.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 91
و فی رمضان من هذه السنة سار عثمان المضایفی بجنود کثیرة إلی الطائف و استولی علی بعض قصورها، فبلغ الشریف الخبر، فسار إلیه بالجنود العظیمة، و حصره فی القصر، و حاصل الأمر، أن عثمان انهزم، و قتل من قومه نحو سبعین رجلا، فأمسکوه العصمة من عتیبة، و جاؤوا به إلی الشریف غالب، فأوثقه، و بعث به إلی محمد علی.
و فی هذه السنة حجّ أهل الشام، و أهل مصر، و حج محمد علی، علی طریق البحر، فلما قدم مکة المشرفة، و جاءه الشریف غالب للسلام علیه، أوثقه هو و أولاده، و استولی علی جمیع أمواله، و أرسلهم إلی مصر، فحبسوا هناک، ثم إنه بعد مضیّ خمسة أشهر کتب عرض حال للدولة، فیما فعله به محمد علی، فورد الأمر من الدولة بأن یکون فی سلانیک، و یجری علیه ما ینوبه، فبقی هناک إلی أن توفی بالطاعون سنة 1231 ه.

و فی سنة 1229 ه:

توفی الإمام سعود بن عبد العزیز بن محمد بن سعود بن محمد بن مقرن لیلة الاثنین حادی عشر جمادی الأولی من السنة المذکور، رحمه اللّه تعالی.
و کانت ولایته عشر سنین و تسعة أشهر، و ثمانیة عشر یوما، و تولی بعده ابنه عبد اللّه بن سعود.
و فی هذه السنة توفی إبراهیم بن عفیصان فی عنیزة، و کان قد جعله سعود بن عبد العزیز بن محمد بن سعود أمیرا فی عنیزة، بعد ما عزله عن إمارة الحساء، و ابن عفیصان المذکور من آل عفیصان المعروفین فی الخرج من عائذ.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 92
و فی هذه السنة توفی عبد اللّه بن صباح العتبی رئیس بلد الکویت.
و فیها توفی الشیخ علی بن ساعد قاضی سدیر رحمه اللّه تعالی.
و فیها توفی الشیخ سعید بن حجی قاضی حوطة بنی تمیم رحمه اللّه تعالی.
و فیها- فی الیوم التاسع و العشرین من رجب- کسفت الشمس، و أظلمت الدنیا، و ظهرت النجوم.

و فی سنة 1230 ه:

توفی أمیر بلد شقرا رحمه اللّه تعالی.
و فیها وقعة بسل بین محمد علی، و بین فیصل بن سعود، و صارت الهزیمة علی فیصل بن سعود و من معه، و قتل منهم عدد کثیر، و استولی محمد علی علی بیشة ورنیة.
و فیها قدم أحمد طوسون بن محمد علی بالعساکر العظیمة، و نزل الرس و الخبراء، و کان عبد اللّه بن سعود إذ ذاک فی المذنب، فلما علم بذلک، رحل من المذنب و نزل بلد عنیزة و أمیرها إذ ذاک من جهة عبد اللّه بن سعود، إبراهیم بن حسن بن مشاری بن سعود، ثم رحل عبد اللّه بن سعود، و نزل الحجناوی، و أقام علیه نحو شهرین یصابر عساکر الترک، و یقع بینهم مقاتلات، و مجاولات من بعید، ثم إن الصلح وقع بین أحمد طوسون، و بین عبد اللّه بن سعود علی وضع الحرب، و أن عساکر الترک یرفعون أیدیهم عن نجد، و یرفع عبد اللّه بن سعود یده عن الحرمین، و کل منهم یحج آمنا، و کتبوا بذلک سجلات، فرحل أحمد طوسون و من معه من العساکر غرة شعبان من هذه السنة، و توجهوا إلی المدینة المنورة، علی ساکنها أفضل الصلاة و السلام.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 93

و فی سنة 1231 ه:

سار عبد اللّه بن سعود بجنوده، من الحاضرة و البادیة، و قصد القصیم فنزل الخبراء، و هدم سورها، و هدم سور البکیریة، و ربط ثلاثة من رؤساء الرّس و الخبراء منهم الأمیر شارخ آل فوزان أمیر الرس، و سار بهم إلی الدرعیة بسبب استدعائهم لعساکر الترک، و سمیت هذه الغزوة، غزوة محرّش، لأنه انتقض الصلح الذی بین عبد اللّه بن سعود، و بین محمد علی بسببها، و ذلک أنه رکب رجال من أهل القصیم إلی مصر، و أکثروا القول لمحمد علی، فتلقی قولهم، و شمّر فی تجهیز العساکر إلی نجد مع ابنه إبراهیم باشا.
و فی هذه السنة توفی أحمد طوسون بن محمد علی فی مصر، فی آخر شوال من السنة المذکورة.
و فی آخر هذه السنة سار إبراهیم باشا بالعساکر العظیمة من مصر، متوجها إلی نجد، فقدم المدینة، و ضبطها، ثم سار منها، و نزل الحناکیة، ثم دخلت السنة 1232 ه، و إبراهیم باشا فی الحناکیة، و کان عبد اللّه بن سعود قد أمر علی أهل سدیر، و الوشم أن یسیروا إلی القصیم، فساروا إلی بریدة، و أمر علی حجیلان بن حمد، أمیر القصیم أن ینزل بأهل القصیم و الوشم و سدیر، الغمیس، فنزلوا فیه، و أقاموا نحو أربعة أشهر، ثم إن عبد اللّه بن سعود، خرج من الدرعیة لعشر بقین من جمادی الأولی من السنة المذکورة، و استنفر جمیع بلدان نجد، و البادیة، و سار بهم، و نزل بالقرب من الرس، و استدعی بحجیلان ابن حمد، و من معه، فأتوا إلیه، و توجه عبد اللّه بن سعود بجنوده لقتال إبراهیم باشا و من معه من العساکر، و هو حینئذ علی الحناکیة، فلما بلغ إبراهیم باشا خبر عبد اللّه بن سعود أمر
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 94
علی علی أزن أن یسیر بجملة من العساکر، و جمیع البادیة من حرب و غیرهم، و ینزلوا ماویة- الماء المعروف بینه و بین الحناکیة، مسافة یومین-، فسار علی أزن، و من معه، و نزلوا ماویة، فلما علم بذلک عبد اللّه بن سعود، و هو علی خبراء نجخ، سار منها و ترک ثقله علیها، فلما وصل ماویة، حصل بینه و بین علی أزن قتال عظیم، و صارت الهزیمة علی عبد اللّه بن سعود و من معه، و قتل من أصحابه نحو مائتی رجل، و ذلک یوم الجمعة منتصف جمادی الآخرة من السنة المذکورة.
ثم إن عبد اللّه بن سعود، سار هو و من معه، و قصد بلد عنیزة، و نزلها، و أما إبراهیم باشا فإنه سار بعساکره، و نزل بلد الرس، لخمس بقین من شعبان من السنة المذکورة، فحاربوه، ثم إنه حاصرهم إلی ثانی عشر من ذی الحجة، ثم إنه صالحهم، و رحل عنهم، و نزل الخبراء، فتفرقت البوادی عن عبد اللّه بن سعود، فلما کان بعد عید النحر من السنة المذکورة، جعل عبد اللّه بن سعود، فی قصر الصفاء المعروف فی عنیزة عدة رجال مرابطة، و استعمل علیهم أمیرا، محمد بن حسن بن مشاری بن سعود، ثم رحل من عنیزة، و نزل بریدة، و استعمل فی بریدة أمیرا إبراهیم بن حسن بن مشاری بن سعود، و جعل عنده عدة رجال مرابطة فی بریدة.
ثم إن إبراهیم باشا رحل من الخبراء، و نزل عنیزة، فأطاعوا له أهل البلد، و امتنع الذین فی قصر الصفاء، فحاصرهم إبراهیم باشا، و رماهم بالمدافع رمیا هائلا، فطلبوا منه المصالحة، فصالحهم علی دمائهم و سلاحهم، فخرجوا من قصر الصفا، و توجهوا إلی أوطانهم، و أمر إبراهیم باشا بهدم قصر الصفا، فهدم، فلما بلغ عبد اللّه بن سعود الخبر
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 95
و هو فی بریدة رحل منها إلی الدرعیة، و أذن لأهل النواحی یرجعون إلی أوطانهم.
ثم دخلت سنة 1233 ه: و إبراهیم باشا إذ ذاک فی عنیزة، ثم سار منها إلی بریدة، و أمیرها حینئذ حجیلان بن حمد من آل أبو علیان، فأطاعوا له أهل بریدة، ثم رحل من بریدة، و أخذ معه عبد اللّه بن حجیلان، و رجالا من رؤساء بلدان القصیم، و کان یأخذ من کل بلد استولی علیها إذا أراد الرحیل منها رجلین، و ثلاثة من رؤسائها رهینة عنده، ثم إنه سار من بریدة، و نزل شقراء یوم الخمیس سادس عشر ربیع الأول من السنة المذکورة، فحاربوه ثم إنه وقع الصلح بینه، و بینهم، و أقام فی شقراء نحو شهر، ثم ارتحل منها، و أخذ معه عشرة من رؤسائهم، و قصد بلد ضرما فحاربوه، فأخذها عنوة، فی سابع و عشرین من ربیع الثانی من السنة المذکورة، و قتل من أهلها نحو ألف و ثلاثمائة رجل، و نهب البلد، و أخلاها من أهلها، ثم ارتحل منها إلی الدرعیة، فنزلها فی ثالث عشر من جمادی الأول من السنة المذکورة، و جری بینه و بین أهلها عدة وقعات، أولها وقعة المغیضیبی قتل فیها عدة رجال من الفریقین، ثم وقعة غبیراء، صارت الهزیمة علی أهل الدرعیة، ثم وقعة سمحة، استولوا عسکر إبراهیم باشا علی مدافه أهل الدرعیة، ثم وقعة السلمانی قتل فیها عدة رجال من الفریقین، ثم وقعة الصنع، ثم وقعة البلیدة، ثم وقعة عند المغترة، ثم وقعة قری عمران الأولی، ثم وقعتین بعدها فیه، ثم وقعة المحاجی، ثم وقعة کتلة، ثم وقعة عرقة، ثم وقعة قری عمران الأخیرة، و کانت فی عاشر شوال من السنة المذکورة، ثم وقعة المحجا الثانیة، ثم وقعة عرفة الثانیة، و استولوا علیها العسکر، و کل وقعة من هذه الوقعات،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 96
یقتل فیها عدة رجال من الفریقین، ثم وقعة مشیرفة و المحاجی، ثالث ذی القعدة من السنة المذکورة و کانت الهزیمة علی أهل الدرعیة.
و فی الیوم السادس من ذی القعدة من السنة المذکورة قربت العساکر من السهل، و ضیقوا علی أهله، و طلبوا المصالحة من الباشا، و خرج فی طلب الصلح، عبد اللّه بن عبد العزیز بن محمد بن سعود، و علی بن الشیخ، و محمد بن مشاری بن معمّر، فصالحهم الباشا، و أعطاهم الأمان، و دخلت العساکر فی السهل صبیحة الیوم السابع من ذی القعدة، و بقی الطریف فیه عبد اللّه بن سعود محاربا ثلاثة أیام، ثم إنهم تصالحوا علی أن عبد اللّه بن سعود یخرج من البلد إلی إبراهیم باشا، و یرسله إلی السلطان، فیحسن إلیه أو یسی‌ء، فخرج عبد اللّه بن سعود من القصر إلی إبراهیم باشا، فلما وصل إلیه أمسکه، و ذلک یوم الأربعاء، تاسع ذی القعدة من السنة المذکورة.
و لما کان بعد المصالحة بیومین، أمر الباشا علی عبد اللّه بن سعود بالتجهّز للمسیر إلی السلطان، فتجهز، ثم أرسله مع رشوان آغا، و الدویدار، و معهم عدد کثیر من العسکر، و لیس مع عبد اللّه بن سعود من قومه إلّا ثلاثة رجال، فساروا بهم إلی مصر، ثم إلی استنبول، فقتل عبد اللّه بن سعود هناک رحمه اللّه تعالی.
قیل إن الذی هلک فی مدة حرب الدرعیة من عسکر الترک، نحو تسعة آلاف، و من أهل الدرعیة نحو ألف خمسمائة، و اللّه سبحانه و تعالی أعلم.
و فی الیوم الرابع عشر من ذی القعدة من السنة المذکورة، استولی ماجد بن عریعر علی الحساء و القطیف.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 97
و فی آخر الشهر المذکور، قدم عبد اللّه بن مطلق الأحسائی بلد الحساء، و کان أیام الحرب محبوسا فی الدرعیة، فلما تولّاها إبراهیم باشا، أطلقه، و أرسل معه عسکرا مقدمهم محمد کاشف، فقدموا الأحساء، و نفوا ماجد بن عریعر عنها.
و کانت هذه السنة کثیرة الاضطرابات، و نهب الأموال، و سفک الدماء، و قد أرّخها محمد بن عمر الفاخری من المشارفة من الوهبة، و هو ساکن بلد حرمة فقال:
عام به الناس جالوا، حسب ما جالواو نال منا الأعادی فیه ما نالوا
قال الأخلّاء: أرّخه، فقلت لهم:أرخت، قالوا: بماذا قلت غربال
ثم دخلت سنة 1224 ه: و إبراهیم باشا فی الدرعیة، ثم إنه أمر علی أهلها أن یرتحلوا منها، فارتحلوا منها، فأمر بهدمها، و قطع أشجارها، فهدموها، و أشعلوا فیها النیران و ترکوها خاویة، و تفرّق أهلها فی البلدان، و أمر بنقل آل سعود، و آل الشیخ بأولادهم و نسائهم إلی مصر، فنقلوا إلیها.
ثم إن إبراهیم باشا لما فرغ من هدم الدرعیة، رحل منها و قصد المدینة، فلما وصل القصیم أخذ معه حجیلان بن حمد رئیس بلد بریدة، و سار به معه إلی المدینة المنورة، علی ساکنها أفضل الصلاة و السلام.
فتوفی حجیلان بها، و عمره فوق ثمانین سنة.
و فی هذه السنة، سالت عنیزة، و بعض بلدان نجد، خریفا و مشی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 98
وادی الرمة أربعین یوما، و لما رحل إبراهیم باشا من نجد، وقعت الحروب بین أهلها، و تقاطعوا الأرحام، فوثب رشید بن سلیمان الحجیلانی، من آل أبو علیان أهل بریدة، علی عبد اللّه بن حجیلان بن حمد فقتله، و ذلک أن حجیلان بن حمد قد قتل سلیمان الحجیلانی، لما حاصر سعدون بریدة کما تقدم، ثم إنه بعد أربعین یوما سطا رجال من آل أبو علیان علی رشید المذکور فی بریدة، کانوا قد جلوا إلی عنیزة، فحصروا رشید المذکور و من معه فی قصر بریدة، ثم إن الجبخان الذی فی القصر سقطت علیه رصاصة، فثار، فاشتعلت النار فی القصر، و أحیط برشید و من معه فی القصر قتلا و احتراقا.
و کان إبراهیم باشا لما أراد المسیر من نجد إلی مصر، أمر بهدم أسوار بلدان نجد فهدمت، و کثر القال و القیل، و السعایات عنده من أهل نجد فی بعضهم بعضا، و ممن رمی عنده الشیخ سلیمان بن عبد اللّه بن الشیخ محمد بن عبد الوهاب، فأمر بقتله فقتل، و الشیخ علی العرینی قاضی بلد الدلم، و الشیخ رشید السردی قاضی حوطة بنی تمیم، و الشیخ عبد اللّه بن محمد بن سویلم، و الشیخ عبد اللّه بن أحمد بن کثیر رحمهم اللّه تعالی. و قتل أیضا عدة رجال من أعیان أهل نجد، منهم عبد اللّه بن رشید أمیر بلد عنیزة، و فهد بن عفیصان، و أخوه عبد اللّه، و ابن أخیه متعب رؤساء بلد الخرج من عائذ، قتلهم حسین جوخدار منصرفة من حوطة بنی تمیم، و قتل محمد بن علی رئیس جبل شمر.
و هلک فی هذه السنة و فی التی قبلها- من أهل نجد- خلائق کثیرة.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 99
و فی رمضان من هذه السنة استولی محمد بن عریعر آل حمید الخالدی علی الحساء، و أخرج من فیها من عساکر الترک، و أرسل ابنه سعدون إلی القطیف فملکها.
و فی رجب من هذه السنة توفی عبد اللّه بن عیسی بن مطلق الأحسائی رحمه اللّه تعالی.

و فی سنة 1225 ه:

نزل محمد بن مشاری بن معمر بلد الدرعیة، و أطاعوا له أهل العارض، و المحمل، و سدیر، و الوشم.
و فی جمادی الآخر من هذه السنة، قدم مشاری بن سعود علی ابن معمر، فهمّ بالامتناع و المحاربة، فعجز عن ذلک، و جنح إلی الصلح، و عزل نفسه، و استقام الأمر لمشاری بن سعود، و ذهب ابن معمر إلی بلده سدوس، و نزلها و قد أظهر أنه مریض، و کان یکاتب من یثق به، و یطلب منهم النصرة، یرید استرجاع الأمر لنفسه، و کاتب أهل حریملا، فوعدوه النصرة فقدم علیهم، و قاموا معه، فلما استوثق أظهر المخالفة لمشاری بن سعود، و کاتب فیصل الدویش رئیس بوادی مطیر، فأتی إلیه، فلما اجتمعوا عنده، سار بهم إلی الدرعیة، و قبض علی مشاری بن سعود، و حبسه، ثم سار إلی الریاض، و ملکها، و أرسل مشاری بن سعود إلی بلد سدوس، فحبسوه بها.

و فی سنة 1236 ه:

ظهر حسین بیک إلی نجد، و نزل عنیزة.
و فیها سطا ترکی بن عبد اللّه بن محمد بن سعود علی محمد بن مشاری بن معمر فی الدرعیة، و قبض علیه و حبسه، و ذلک فی خامس ربیع الأول من السنة المذکورة، ثم سار ترکی و من معه إلی الریاض ... و بها
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 100
ولده مشاری بن محمد بن مشاری بن معمر قد جعله أبوه أمیرا فیها، فقبض علیه ترکی و حبسه، و قال لابن معمر أطلق ابن عمی مشاری بن سعود من الحبس، فإذا أطلقته، أطلقتک أنت و ابنک، فأرسل محمد بن مشاری بن معمر إلی بنی عمه المعامرة أهل سدوس أن یطلقوا مشاری بن سعود، و کان مشاری بن سعود محبوسا عندهم فی قصر سدوس، فلم یتفق لهم ذلک، لأن محمد بن مشاری بن معمر قد کتب لعسکر الترک أنه قد حبس مشاری بن سعود، و هو عنده محبوس تحت الأمر، فقدم خلیل آغا و فیصل الدویش بلد سدوس و ساروا بمشاری بن سعود، و بقی عندهم محبوسا إلی أن مات فی الحبس فی بلد عنیزة، فی آخر هذه السنة رحمه اللّه تعالی.
فلما تحقق ترکی بن عبد اللّه بن محمد بن سعود ذلک، قتل محمد بن مشاری ابن معمر هو و ابنه، و استولی علی بلد الریاض، فسار خلیل آغا، هو و من معه من العساکر، و فیصل الدویش. و بوادی مطیر إلی بلد الریاض، فوقع بینهم و بین أهل الریاض قتال عظیم، فلم یدرکوا شیئا و رجعوا إلی ثادق، ثم ساروا منه إلی ثرمدا.
ثم إن حسین باشا سار بعساکره من عنیزة، فقدم علی من فی ثرمدا من العساکر، ثم سار إلی الدرعیة، و معه ناصر بن حمد العائذی، و حمد آل مبارک رئیس حریملا، و سوید بن علی رئیس بلد جلاجل، و عبد العزیز بن ماضی رئیس روضة سدیر، فلما وصل إلی الدرعیة، أمر علی أهلها الذین نزلوا بعد ارتحال إبراهیم باشا عنها، أن یرتحلوا منها، فارتحلوا منها، و أمرهم بالمسیر إلی ثرمدا، فساروا إلیها، ثم أمر بهدمها و قطع أشجارها، فهدموها و أشعلوا فیها النیران، و ترکوها خاویة، ثم سار
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 101
إلی الریاض، و بها ترکی بن عبد اللّه، و کان بعض أهل الریاض قد کاتب ناصر بن حمد العائذی، فلما علم بذلک ترکی هرب من بلد الریاض، و استولی حسین علی بلد الریاض، و قتل من فی مقر الریاض من أتباع ترکی بن عبد اللّه، و هم نحو سبعین رجلا، منهم مبارک السلمة، و ناجم بن دهنیم الحساوی و أقام حسین فی بلد الریاض نحو شهرین، و ضرب علی أهل الریاض و أهل المحمل ألوفا من الدراهم، و هرب کثیر من أهل نجد بسبب الذی طلبه علیهم من الدراهم، و أخذ من أهل الریاض و الخرج و المحمل من الأموال شیئا کثیرا، و قطع نخل أبا الکباش.
فلما کان فی رجب من السنة المذکورة، قدم عبد اللّه بن حمد الجمعی، أمیر بلد عنیزة من جهة عسکر الترک، جاء من مصر، و قدم علی حسین و هو فی الریاض، و کان الجمعی هذا من سبیع رؤساء بلد عنیزة، و قد جعله إبراهیم باشا أمیرا فیها. فلما رحل إبراهیم باشا من نجد، أخرجوه أهل عنیزة منها، و تأمّر فی عنیزة محمد بن حسن بن حمد، المعروف بالجمل.
فلما قدم الجمعی علی حسین و هو فی الریاض، و أعطاه المکاتیب التی له معه من محمد علی، ارتحل منها إلی ثرمدا، فلما قرب من ثرمدا، و کان معه محمد آل حسن الجمل أمیر بلد عنیزة، أمر بقتله فقتل.
و لما وصل إلی ثرمدا، و بها خلیل آغا، و معه قطعة من العسکر، أمر علی أهل الدرعیة الذین فی ثرمدا أن یقتلوا، و کان خلیل آغا قد أنزلهم فی موضع و بنی علیهم بنیانا، و جعل له بابا واحدا، لا یدخلون و لا یخرجون إلّا منه، و عددهم مائتین و ثلاثین، فقتلوا، و ذلک فی آخر رجب من هذه
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 102
السنة، و ترکوا نساءهم و أطفالهم، و تسمی هذه ذبحة الحظیرة.
و فی شعبان من هذه السنة أرسل حسین جملة من العسکر إلی سدیر مع أبوش آغا، و ضرب علی أهل سدیر ألوفا من الدراهم، و أخذ منهم ما أمکن أخذه من دراهم و سلاح و متاع، و حبسوا رجالا، و قتلوا آخرین، و هرب خلائق کثیرة إلی البادیة، و إلی الجبال، و البراری، و أصاب الناس محن عظیمة، فلا حول و لا قوة إلّا باللّه العلی العظیم.
و ضرب حسین علی أهل الوشم من الدراهم ألوفا عدیدة، و قبض منها ما أمکنه قبضه منهم، و هرب منهم رجال، و حبس منهم آخرون.
و فی یوم عید الفطر من هذه السنة ارتحل حسین من ثرمدا، و قصد المدینة المنورة، علی ساکنها أفضل الصلاة و السلام. و منها سار إلی مصر و ترک فی ثرمدا عسکرا فی القصر، و فی الریاض عسکرا رئیسهم أبو علی المغربی، و جعل فی عنیزة أمیرا عبد اللّه بن حمد الجمعی، و معه عدة من العسکر.

و فی سنة 1227 ه:

بنی مسجد الجوز هو و محلته المعروفة فی بلد عنیزة.
و فیها قتل سلیمان بن عرفج فی بریدة و هو من آل أبو علیان، قتلوه رفاقته آل أبو علیان، ثم بعد ذلک بأیام سطا علیهم محمد العلی بن عرفج، و قتل منهم فهد بن مرشد. خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 103
و فی هذه السنة قتل عثمان بن إدریس، و إبراهیم بن عجلان فی جلاجل، قتلهما سوید بن علی، علی روضة سدیر، و هرب منها ابن ماضی إلی عشیرة.
و فی جمادی الآخر من هذه السنة، سطا ابن ماضی هو و أهل عشیرة فی الروضة، فقتل هو، و ناصر بن برخیل.
و فی هذه السنة سطوا أهل عشیرة فی الروضة، و ملکوها.
و فی هذه السنة قدم حسن بیک أبو ظاهر من المدینة، و معه نحو ثمانمائة فارس من الترک، فنزلوا بلد عنیزة و رئیسها یومئذ عبد اللّه بن حمد الجمعی، فقام معه، ثم وفد علیه أمیر بلد المجمعة، و سوید بن علی أمیر بلد جلاجل، و قدم علیه أکثر رؤساء بلدان نجد، و أقام فی عنیزة، و بعث من یقبض الزکاة من أهل بلدان نجد.
و أرسل سریة مع إبراهیم کاشف للریاض، و سریة مع موسی کاشف، و عبد اللّه بن حمد الجمعی رئیس بلد عنیزة إلی بلد المجمعة، فنزلوا قصر المجمعة، و کثرت منهم المظالم، و قتلوا حمد بن ناصر بن جعوان، و إبراهیم بن حمد العسکر فی المجمعة، و ذلک فی عاشر رجب من السنة المذکورة، و کان قد اتفق قبل ذلک جماعة من أهل المجمعة، فی جمادی الآخر، و هم ولد الحمضی، و ولد ابن سحیم، و عیال ابن جماز، وسطوا علی عبد اللّه ناصر بن حمد بن عثمان فی قصره، و قتلوه و هو رئیس بلد المجمعة ذاک الوقت، و کان عمه إذ ذاک وافدا علی حسن بیک أبو ظاهر فی بلد عنیزة، فلأجل ذلک أرسل حسن بیک أبو ظاهر هذه السریة مع موسی کاشف، و أمره بقتل الذین قتلوا عبد اللّه بن ناصر، أمیر
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 104
بلد المجمعة المذکور. و کانوا قد هربوا من المجمعة، فلما وجدهم قد هربوا من المجمعة، قتل إبراهیم بن حمد العسکر هو و حمد بن ناصر بن جعوان المذکورین، معتقدا أن أمیر بلد المجمعة عبد اللّه بن ناصر لم یقتل إلّا بأمرهما. ثم إنهم بعد ذلک قتلوا أمیر بلد الجنوبیة فی سدیر.
فلما کان فی آخر رجب من هذه السنة، رکبوا غزاة من المجمعة، و آغاروا علی فریق من السهول فی مجزّل، فصارت الهزیمة علی موسی کاشف و الجمعی و من معهما من العسکر، و قتلوا منهم السهول عدة رجال، و لم ینج إلّا القلیل، و قصد شریدتهم بلد المجمعة، و معهم عبد اللّه بن حمد الجمعی و قتل فی هذه الوقعة موسی الکاشف، ثم إن عبد اللّه الجمعی لما قدم المجمعة، أقام بها یومین، ثم سار بمن بقی معه من العسکر إلی عنیزة.
و کان حسن بیک أبو ظاهر لما أرسل موسی الکاشف إلی المجمعة، أرسل أیضا أخاه إبراهیم کاشف، و معه سریة إلی الریاض، فقدموا بلد الریاض علی من بها من العسکر الذین مع أبی علی المغربی، و کان أمیر الریاض حینئذ ناصر بن حمد بن ناصر العائذی، فلما قدموا علیه أکرمهم، و رحل حسن أبو ظاهر من القصیم، و قصد جبل شمر، و ضرب علیهم جملة من الدراهم و أخذها. ثم سار إلی موقف القریة المعروفة من قری الجبل، فنهبها و قتل أهلها.
و فی ذی الحجة من هذه السنة، سارت العساکر من الریاض مع إبراهیم کاشف، و معهم أمیر الریاض ناصر بن حمد بن ناصر العائذی، و أغاروا علی سبیع، و هم بالقرب من الحائر، فوقع بینهم قتال عظیم،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 105
و صارت الهزیمة علی إبراهیم کاشف و من معه من العساکر، و قتل فی هذه الوقعة إبراهیم کاشف، و ناصر بن حمد بن ناصر، أمیر الریاض، و قتل معهم من العسکر نحو ثلاثمائة، و رجع باقیهم إلی بلد الریاض.

و فی سنة 1228 ه:

رجع حسن بیک أبو ظاهر من جبل شمر إلی عنیزة، و جلس أمیر عنیزة، و عدة رجال من رؤسائها، و طلب علیهم أموالا، فقام علیه أهل عنیزة، و أخرجوه من البلد هو و من معه من العسکر.
فارتحل إلی المدینة، و ترک فی قصر الصفا المعروف فی عنیزة نحو خمسمائة من العسکر، رئیسهم محمد آغا، فلما رحل أبو ظاهر من عنیزة بمن معه من العساکر، قام أهل عنیزة علی العسکر الذین فی قصر الصفا، و أخرجوهم منه، و هدموا القصر، فلحقوا بأصحابهم، و لم یبق فی نجد من العسکر غیر الذین فی قصر الریاض.
و فی رجب من هذه السنة مناخ الرخیمة فی العرقة بین فیصل بن وطبان الدویش رئیس مطیر، و معه العجمان، و غیرهم، و بین ماجد بن عریعر رئیس بنی خالد و معهم عنزة و سبیع، و صارت الهزیمة علی بنی خالد و أتباعهم، و قتل عدة رجال من الفریقین، و من المشاهیر مغیلش بن هذال من رؤساء عنزة، و من مطیر حباب بن قحیصان رئیس البرزان.
و فی شعبان من هذه السنة، قتل عبد اللّه بن حمد الجمعی، أمیر عنیزة، قتله یحیی السلیم فی مجلس عنیزة، و شاخ یحیی المذکور فی بلد عنیزة.

و فی سنة 1229 ه:

سطوا أهل الروضة، و أتباعهم علی سوید بن
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 106
علی فی جلاجل، و صارت الغلبة لأهل جلاجل، و قتل من أهل الروضة و أتباعهم إحدی و عشرون رجلا، منهم إبراهیم بن ماضی، و محمد بن عبد اللّه بن ماضی، و محمد بن ناصر بن عشری، و قتل من أهل جلاجل ستة رجال.

و فی سنة 1240 ه:

حصل مشاجرة بین یحیی السلیم و أتباعه، و بین أهل الخریزة و العقیلیة، و حصل بینهم قتال، قتل فیه أربعة رجال من الفریقین، فدخل رؤساء الرس و رؤساء بریدة و أصلحوا بینهم.
و فیها حاصر ترکی بن عبد اللّه بن محمد بن سعود العسکر الذین فی الریاض، و رئیسهم إذ ذاک أبو علی المغربی، و أخرجهم علی دمائهم، و سلاحهم، فساروا من الریاض إلی بلد ثرمدا، ثم رحلوا من ثرمدا إلی المدینة المنورة، علی ساکنها أفضل الصلاة و السلام، و منها ساروا إلی مصر.
و استولی ترکی علی الریاض، ثم خرج منها، و قصد بلد شقرا، و أقام بها مدة شهر، قدم علیه فیها یحیی بن سلیمان بن زامل رئیس بلد عنیزة، و بایعه علی السمع و الطاعة.
و فی رمضان من هذه السنة قصد الإمام ترکی بن عبد اللّه بلد الخرج و حاصر زقم بن زامل فی الدلم، و أخرجه هو و من معه من عشیرته و أتباعهم علی دمائهم، و استولی ترکی علی جمیع أموالهم، و سار ترکی بزقم بن زامل معه إلی الریاض.
و أرسل ترکی سریة إلی السلمیة، فحاصروا رئیسها مشعی بن براک فی قصره، ثم أخرجوه بالأمان هو و من معه فی القصر علی دمائهم و أموالهم.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 107
و قدم علیه کلیب البجادی العائذی رئیس بلد الیمامة المعروفة من بلدان الخرج، فبایعه علی السمع و الطاعة.
و فی هذه السنة أخذ مشعان بن مغیلیث بن هذال العنزی حدرة کبیرة لأهل نجد، خارجة من الزبیر و من الکویت، و لم یمتع مشعان المذکور بعدها إلّا نحو خمسین یوما حتی قتل.

و فی سنة 1241 ه:

قدم مشاری بن عبد الرحمن بن مشاری بن سعود بلد الریاض، هاربا من مصر فأکرمه خاله الإمام ترکی بن عبد اللّه بن محمد بن سعود غایة الإکرام، و جعله أمیرا فی بلد منفوحة.
و فیها توفی الشیخ عبد اللّه بن سلیمان بن محمد بن عبد الرحمن بن عبید، قاضی سدیر، کانت وفاته فی جلاجل رحمه اللّه تعالی.
و فیها قدم الشیخ عبد الرحمن بن حسن بن الشیخ محمد بن عبد الوهاب بلد الریاض من مصر، فأکرمه الإمام ترکی غایة الإکرام.
و فی هذه السنة توفی ناصر آل راشد، أمیر الزلفی.
و فیها توفی عبد الرحمن بن زبن التاجر المشهور فی الکویت، و آل زبن من بنی خالد.

و فی سنة 1242 ه:

توفی رحمة بن جابر بن عذبی رئیس الجلاهمة من بنی عتبة من عنزة، و ذلک فی جمادی الأول من السنة المذکورة، و کان نادرة عصره بأسا و سطوة و إقداماو هیبة، و کان مع قلة أعوانه محاربا لبنی عتبة آل خلیفة، أهل البحرین مدة عمره مع قوتهم، و کثرتهم، و کثرة أتباعهم و رعایاهم، إلّا أنه یقع بینه و بینهم الصلح أحیانا. و کان قد استعمله سعود بن عبد العزیز فی الخویر و الدمام محاربا فی البحر،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 108
فحارب أهل البحرین، و أهل مسکة، و غیرهم حربا شدیدا، و سبب قتله أن آل خلیفة ساروا بجنودهم فی السفن، قاصدین الدمام، فلما علم بهم رحمة رکب بجنوده فی السفن، و اعترضهم، فحصل بینهم قتال عظیم، و ربطوا السفن بعضها ببعض و ربطوا المنصوریة السفینة المشهورة لآل خلیفة، و بها أحمد بن سلمان بن خلیفة فی السفینة التی فیها رحمة بن جابر بن عذبی، و تجالدوا بالسیوف من أول النهار إلی قریب وقت العصر، فاشتعلت النار فی السفینتین، و احترقتا، فطرح من فیهما أنفسهم فی البحر، و جعل من فی سفن آل خلیفة یلتقطونهم من البحر، فمن عرفوه من فوم رحمة قتلوه، و من هو من قومهم حملوه معهم، و فقد رحمة بن جابر بن عذبی المذکور فی هذه الوقعة رحمه اللّه تعالی، ثم سار أحمد بن سلمان بن خلیفة إلی قصر الدمام، و به بشر بن رحمة بن جابر بن عذبی، فأخرجه منه بالأمان، و سار به هو و من معه إلی البحرین، و ضبط ابن خلیفة قصر الدمام بعدة رجال، جعلهم فیه مرابطة، ثم رجع إلی البحرین.
و فی هذه السنة توفی الشیخ عثمان بن عبد الجبار بن شبانه الوهیبی التمیمی قاضی بلد المجمعة رحمه اللّه تعالی.
و فی هذه السنة قام عقیل بن محمد بن ثامر بن سعدون بن محمد بن مانع آل شبیب القرشی الهاشمی العلوی الشبیبی فی طلب ولایة المنتفق لنفسه، فولاه إیّاها داود باشا بغداد، و أرسل معه عساکر کثیرة، فسار بهم لمحاربة عمه حمود بن ثامر بن سعدون بن محمد بن مانع آل شبیب، فوقع بینهم قتال عظیم، و صارت الهزیمة علی عمه حمود بن ثامر و أتباعه، فأمسکه عقیل و حبسه، و أمسک عمه راشد بن ثامر و حبسه، ثم أرسلهما إلی داود باشا بغداد، و استقل عقیل بولایة المنتفق، و مات
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 109
حمود بن ثامر فی بغداد عند داود باشا فی الحبس فی سنة 1246 ه.

و فی سنة 1242 ه:

قتل ناصر بن راشد من آل راشد من أهل جریملا من عنزة، رئیس بلد الزبیر قتله محمد بن فوزان الصمیط، و الصماط من أهل بلد حرمة من سبیع، و سبب ذلک أنه وقع بین سلیمان بن عبد اللّه الصمیط، و بین عبد الرحمن بن مبارک بن راشد رئیس أهل حریملا، الذین فی بلد الزبیر، سباب و کلام عند حفر بئر فی بیت الصمیط فوثب رجال من آل راشد علی سلیمان الصمیط فقتلوه، فکمن محمد الصمیط لناصر بن راشد فی بیت فی النهار، فلما خرج ناصر من بیته للسوق اعترضه محمد الصمیط فقتله.
و فیها قدم فیصل بن ترکی علی أبیه فی الریاض هاربا من مصر.
و فیها عزل ترکی بن عبد اللّه بن محمد بن سعود، محمد آل علی بن عرفج عن إمارة بریدة و جعل مکانه عبد العزیز بن آل محمد آل عبد اللّه بن حسن.

و فی سنة 1244 ه:

توفی الشیخ عبد العزیز بن الشیخ أحمد بن ناصر بن عثمان بن معمر من المعامرة أهل العیینة من العناقر من بنی سعد بن زید مناة بن تمیم، کانت وفاته فی البحرین رحمه اللّه تعالی، و کان أدیبا لبیبا، له أشعار رائعة، و رثاه الشیخ أحمد بن علی بن حسین بن مشرف بقصیدة مشهورة.
و فیها وقع وباء فی بلدان الوشم مات فیه خلق کثیر، منهم سلطان بن عبد اللّه العنقری أمیر بلد ثرمدا.

و فی سنة 1245 ه:

أخذ الإمام ترکی بنی خالد، و قتل منهم عدة
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 110
رجال، و تسمی هذه الوقعة السبیّة، و لم یقم لآل حمید بعدها قائمة، و استولی الإمام ترکی علی الحساء و القطیف.

و فی سنة 1246 ه:

خرج مشاری بن عبد الرحمن بن مشاری بن سعود من الریاض مغاضبا لخاله الإمام ترکی، و قصد الشریف محمد بن عون فی مکة المشرفة.
و فی رمضان من هذه السنة توفی الشیخ محمد بن علی بن سلوم الوهیبی التمیمی، کانت وفاته فی سوق الشیوخ، رحمه اللّه تعالی، و کانت ولادته فی العطار من قری سدیر سنة 1161 ه.
و فیها وقع الطاعون العظیم فی مکة المشرفة، قبل قدوم الحاج إلیها، فلما قدمها الحاج عظم الأمر، و مات خلائق کثیرة، قیل إنه مات من أهل مکة ستة عشر ألف نفس، و مات فی هذا الطاعون محمد آل بسام، کانت وفاته فی مکة المشرفة رحمه اللّه تعالی.
ثم دخلت سنة 1247 ه: و الوباء فی مکة المشرفة، ثم وقع فی بغداد، و جمیع العراق إلی البصرة، و سوق الشیوخ، و الکویت، و الزبیر، و هلک خلائق لا یحصیهم إلّا اللّه تعالی، و انقطع حمائل و قبائل، و خلت من أهلها منازل، و بقی الناس فی بیوتهم صرعی لم یدفنوا، و أموالهم عندهم لیس لها والی، و أنتنت البلدان من جیف الموتی، و بقیت الدواب و الأغنام سایبة، لیس عندها من یعلفها و یسقیها، حتی مات أکثرها، و بقیت المساجد لا تقام فیها جماعة، فلا حول و لا قوة إلّا باللّه العلی العظیم، و مات فی هذا الطاعون، علی بن یوسف الزهیر رئیس بلد الزبیر، و هو آخر من مات فیه، و لم یمت بعده فی بلد الزبیر أحد، و مات فی هذا
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 111
الطاعون محمد بن حمد بن محمد بن لعبون المدلجی الوائلی، الشاعر المشهور، کانت وفاته فی الکویت.
و فی هذه السنة، أغار فیصل بن ترکی علی عتیبة، و هم علی طلال، الماء المعروف، فحصل علی فیصل و جنوده هزیمة.
و فی هذه السنة، قدم علی باشا والیا علی بغداد، و أذن لعیال حمود بن ثامر السعدون بالرجوع إلی أهلیهم، و ولّاهم علی المنتفق، و عزل عقیل بن محمد بن ثامر السعدون، فلما وصلوا إلی أهلیهم، اجتمع إلیهم جنود کثیرة من المنتفق و شمرو الظفیر و غیرهم، و جمع عقیل بن محمد بن ثامر جنودا کثیرة من المنتفق و غیرهم، فالتقی الفریقان بالقرب من سوق الشیوخ، و صارت الهزیمة علی عقیل و أصحابه، و قتل عقیل فی هذه الوقعة، هو و عدة رجال من أتباعه، و استقل ماجد بن حمود بن ثامر بالولایة، فلم یلبث إلّا مدة قلیلة، و مات بالطاعون فی آخر هذه السنة، فنهض عیسی بن محمد بن ثامر بن سعدون، أخو عقیل لحرب عیال حمود بن ثامر، و کتب لعلی باشا بغداد، یطلب منه التقریر علی ولایة المنتفق، فجاءه التقریر من علی باشا، فاستقل عیسی بولایة المنتفق.

و فی سنة 1248 ه:

لیلة الثلاثاء تاسع عشر جمادی الثانیة، تناثرت النجوم آخر اللیل، و دامت إلی طلوع الشمس.
و فی شعبان من هذه السنة، حارب رئیس المنتفق عیسی بن محمد بن ثامر بن سعدون بن محمد بن مانع آل شبیب بلد الزبیر، و قام معه محمد بن إبراهیم بن ثاقب، و أتباعه من أهل الزبیر من أهل حرمة، و غیرهم الذین أجلوهم الزهیر من بلد الزبیر، فحصل بین عیسی و بین أهل
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 112
الزبیر وقعة، قتل فیها علی بن ثامر عمّ عیسی المذکور، و علی بن ثامر المذکور، هو أبو فهد آل علی المشهور، المعروف بالدوای، و یعرف أیضا بأبو شلفا، و کان رئیس الزبیر حینئذ، عبد الرزاق الزهیر، و حاصل الأمر، أنه لما کان فی صفر سنة 1249 ه، اشتد الحصار علی أهل الزبیر، و عدمت الأقوات عندهم، فطلبوا الأمان من عیسی بن محمد بن ثامر، و من محمد بن إبراهیم بن ثاقب و أتباعه، فأعطوهم الأمان، إلّا آل زهیر، فدخلوا بلد الزبیر، و قتلوا آل زهیر، و استولی علی بلد الزبیر محمد بن إبراهیم بن ثاقب.
و فی هذه السنة مناخ عنزة، و مطیر علی العمار، بالقرب من المذنب، و صارت الهزیمة علی عنزة.
و فی هذه السنة «أعنی 1249 ه»: توفی علی بن مجثل، رئیس عسیر، و تولی بعده عایض بن مرعی.
و فی آخر یوم من ذی الحجة من هذه السنة قتل الإمام ترکی بن عبد اللّه بن محمد بن سعود، فی بلد الریاض، بعد صلاة الجمعة، قتله ابن عمه مشاری بن عبد الرحمن بن مشاری بن سعود، و هو خارج من المسجد، و استولی مشاری علی الخزائن، و طلب الرئاسة، فلم یمهله اللّه تعالی.

و فی سنة 1250 ه:

فی صفر قتل مشاری بن عبد الرحمن بن مشاری بن سعود، هو و ستة من أعوانه فی قصر الریاض، و ذلک بعد مقتل ترکی بأربعین یوما، قتلهم فیصل بن ترکی، و استقل فیضل بالولایة.

و فی سنة 1251 ه:

سار الشریف محمد بن عون بجنوده إلی بلدان
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 113
عسیر، فحصل بینه و بینهم وقعة عظیمة، و صارت الهزیمة علی الشریف، و من معه من عساکر الترک، و قتل منهم خلائق کثیرة.
و فی هذه السنة فی رمضان جاء برد، و هلکت جملة مواشی أهل نجد بردا و جوعا، بحیث أن المطر یجمد فی الجو من شدة البرد.

و فی سنة 1252 ه:

خرج إسماعیل باشا من مصر، و معه خالد بن سعود إلی نجد، فلما بلغ فیصل بن ترکی الخبر، خرج من الریاض بجنوده من الحاضرة و البادیة، فنزل الصریف، و أقبل إسماعیل باشا، و خالد بن سعود، فنزلوا الرس، فی ثانی ذی الحجة من السنة المذکورة، فرحل فیصل من الصریف، و نزل بلد عنیزة، و أقام بها أیّاما، ثم رجع إلی الریاض، ثم سار من الریاض إلی الحساء.
و فی هذه السنة قتل محمد بن إبراهیم بن ثاقب أمیر بلد الزبیر.

و فی سنة 1252 ه:

فی المحرم، نزل إسماعیل باشا، و خالد بن سعود بلد عنیزة، و قدم علیهم بعض رؤساء بلدان نجد، و بایعوا علی السمع و الطاعة، ثم سار خالد بن سعود، هو و خالد باشا إلی بلد الریاض، فملکوه، ثم خرجوا من الریاض لقتال أهل حوطة بنی تمیم، فحصل بینهم و بین أهل حوطة، و أهل الحلوة وقعة عظیمة، و ذلک فی خامس عشر ربیع الأول من السنة المذکورة، و کان یوما شدید الحر، فصارت الهزیمة علی إسماعیل باشا، هو و خالد بن سعود و من سلم معهم من العساکر إلی بلد الریاض، فدخلوه، فلما بلغ فیصل بن ترکی الخبر، و هو فی الحساء، خرج من الحساء بجنوده، و حصر إسماعیل باشا، هو و خالد بن سعود فی الریاض، فأعیاه أمرهم، فارتحل من الریاض، و نزل الدلم.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 114

و فی سنة 1254 ه:

خرج خرشد باشا من مصر إلی نجد بالعساکر العظیمة، و نزل بلد عنیزة، لعشر بقین من صفر، ثم بعد نزوله بأیام، و حصل بینه و بین أهل عنیزة وقعة من غیر قصد، قتل فیها من العسکر نحو تسعین، و من أهل عنیزة عدة رجال، ثم تصالحوا ثم سار منها إلی الریاض، و بها خالد بن سعود، و ذلک فی رجب من السنة المذکورة ثم سار خرشد باشا هو، و خالد بن سعود بالعساکر العظیمة، و قصدوا بلد الدلم، و بها فیصل بن ترکی، و قد استعد لقتالهم، فنزل خرشد باشا هو، و خالد بن سعود فی ظاهر بلد الدلم، و جری بینهم و بین فیصل عدة وقعات، و آخر الأمر أنهم استولوا علی بلد الدلم، و أمسکوا فیصل بن ترکی بسبب الخیانة من بعض جنود فیصل، و ذلک لثمان بقین من رمضان، من السنة المذکورة، و أرسلوه إلی المدینة المنورة، علی ساکنها أفضل الصلاة و السلام، و منها إلی مصر.
و فی هذه السنة استعمل خالد بن سعود هو، و خرشد باشا، أحمد بن محمد السدیری أمیرا فی الحساء، فسار إلیه أحمد بن محمد السدیری المذکور، و معه عدة رجال من أهل نجد و ضبطه، و استقام له الأمر فیه.

و فی سنة 1255 ه:

ارتحل خرشد باشا من الریاض، و نزل ثرمدا، و أقام فی بلد ثرمدا، إلی انقضاء السنة المذکورة.

و فی سنة 1256 ه:

ارتحل خرشد باشا من نجد إلی مصر، و ترک خالد بن سعود فی الریاض، و معه عساکر کثیرة.

و فی سنة 1257 ه:

قام عبد اللّه بن ثنیان بن إبراهیم بن ثنیان بن
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 115
سعود علی خالد بن سعود، و من معه من عسکر الترک فی الریاض، و حصل بینه و بینهم قتال شدید، فهرب خالد بن سعود من الریاض إلی الحساء، و استولی عبد اللّه بن ثنیان المذکور علی الریاض، و أخرج عسکر الترک الذی فی الریاض إلی مصر، و بایعه أهل نجد، و استقام له الأمر، و کان سفاکا للدماء.
و فی هذه السنة توفی الشیخ عبد الرزاق بن الشیخ محمد بن علی بن سلوم الوهیبی التمیمی النجدی أصلا، الزبیری مسکنا، کان قاضیا فی سوق الشیوخ، و کانت وفاته فیه رحمه اللّه تعالی.
و فی ثانی جمادی الأول من هذه السنة، وقعة بقعا بین أهل القصیم، و بین ابن رشید، و صارت الهزیمة علی أهل القصیم، و قتل منهم عدة رجال، منهم یحیی السلیم، أمیر بلد عنیزة، و أخوه محمد.
و فی هذه السنة قتل عبد اللّه بن ثنیان بن إبراهیم بن ثنیان بن سعود، عبد اللّه بن إبراهیم الحصین الناصری العمروی التمیمی، و هو من أهل بلد القرائن، و کان خالد بن سعود قد استعمله فی بلد المجمعة، أمیرا علی بلدان سدیر، و قتل معه عبد اللّه بن عثمان المدلجی الوائلی، أمیر بلد حرمة، و زامل بن خمیس بن عمر الدوسری، من رؤساء روضة سدیر.

و فی سنة 1258 ه فی المحرم:

قتل محمد آل علی بن عرفج فی بلد بریدة.
و فیها قتل محسن الفرم، من رؤساء بادیة حرب.
و فیها توفی جریس بن جلعود رئیس الجلاعید من عنزة.
و فیها قتل سلیمان آل غنام رئیس عقیل أهل العارض فی بغداد، و هو
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 116
من أهل بلد ثادق لیس بعقیلی، قتلوه أهل القصیم فی بغداد.
و فیها قتل علی السلیمان من أهل الجناح من بنی خالد فی بغداد، رئیس عقیل، أهل القصیم فی بغداد، قتله محمد نجیب باشا بغداد، و صار رئیس أهل القصیم بعده فی بغداد محمد التویجری.

و فی سنة 1259 ه:

قدم فیصل بن ترکی بن عبد اللّه بن محمد بن سعود، من مصر إلی بلد الجبل، فقام معه رئیس الجبل، عبد اللّه بن علی بن رشید، ثم سار من الجبل، و قدم بلد عنیزة، لعشر بقین من ربیع الأول، من هذه السنة، و قام معه أهل عنیزة، ثم سار منها إلی الریاض، و حصر عبد اللّه بن ثنیان فی قصر الریاض حتی ظفر به فی ثانی عشر جمادی من هذه السنة، فحبسه، و توفی فی الحبس، فی منتصف جمادی الآخر من السنة المذکورة، و استقل بالملک فیصل بن ترکی بن عبد اللّه بن محمد بن سعود، و کان فیصل المذکور، عادلا، حسن السیرة.
و فی هذه السنة احترق رئیس المنتفق، عیسی بن محمد بن ثامر السعدون فی بیته، و هو حریقة قصب، احترق هو و زوجته فی فراشهم، و لم یجدوه إلّا رمادا، و کان رجلا ظالما، و تولی بعده أخوه بندر بن محمد بن ثامر السعدون، و أقام نحو ثلاث سنین، ثم مات، و تولی بعده أخوه فهد، فأقام نحو سنة، ثم مات، ثم مرج حکم المنتفق، فتارة فی أولاد راشد بن ثامر السعدون، و تارة فی أولاد عقیل بن محمد بن ثامر السعدون، و تارة فی أولاد عیسی بن محمد بن ثامر السعدون.

و فی سنة 1260 ه:

توجه الإمام فیصل بن ترکی بجنوده من حاضرة نجد و بادیتها إلی الحساء و القطیف، و رتّبها.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 117
و فی هذه السنة توفی ضاحی بن عون المدلجی الوائلی، و هو من أهل بلد حرمة- التاجر المشهور- لخمس بقین من ربیع الأول، کانت وفاته فی بومبای من بلد الهند، رحمه اللّه تعالی.

و فی سنة 1261 ه:

قتل محمد بن فیصل بن وطبان الدویش، المکنّی أبو عمر، شیخ مطیر قتلوه شمر.
و فی خامس رمضان من هذه السنة، أغار عبید بن علی بن رشید، علی بلد عنیزة، و أخذ أغنامهم، ففزعوا علیه، فحصل بینه و بینهم وقعة فی مقطاع الوادی، و صارت الهزیمة علی أهل عنیزة، و قتل منهم عدة رجال، منهم عبد اللّه السلیم، أمیر بلد عنیزة، و أخوه عبد الرحمن، و محمد الشعیبی، و محمود الخنینی، و إبراهیم بن عمر.
و فی رمضان من هذه السنة شاخ إبراهیم السلیم فی عنیزة.
و فیها- فی أول یوم من ذی الحجة- توفی الشیخ عبد الرحمن بن محمد القاضی فی عنیزة، رحمه اللّه تعالی.

و فی سنة 1262 ه «فی سادس و عشرین من رجب»:

توفی الشیخ قرفاس بن عبد الرحمن بن قرفاس، فی الرس، رحمه اللّه تعالی.
و فیها وقع وباء فی مکة المشرفة، و فی المدینة المنورة، علی ساکنها أفضل الصلاة و السلام، و فی العراق إلی البصرة، و هلک خلائق کثیرة.

و فی سنة 1262 ه:

توفی عبد اللّه بن علی بن رشید، رئیس جبل شمر، و ذلک فی جمادی الأول من السنة المذکورة، رحمه اللّه تعالی، و تولی بعده ابنه طلال.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 118
و فی رجب من هذه السنة توفی حمد السلیمان بن حمد آل بسام فی عنیزة، رحمه اللّه تعالی.
و فی هذه السنة نوخ الحمیدی بن فیصل بن وطبان الدویش، حاج القصیم علی الداث، و أخذ منهم أشیاء کثیرة.
و فی هذه السنة ظهر الشریف محمد بن عون بعساکره إلی نجد، فلما قدم بلد عنیزة، أرسل إلیه الإمام فیصل بن ترکی هدیة، مع أخیه جلوی بن ترکی، و رجع الشریف محمد بن عون المذکور إلی مکة المشرفة.
و فی هذه السنة بنیت بلد الفیضة المعروفة فی بلدان السر ، بناها فاهد بن نوفل هو، و بطی الصانع، و إبراهیم بن عبید، ثم انتقلوا إلیها النوافلة من الریشیة، المعروفة من قری السر، و سکنوها، و هم رؤساؤها الیوم، و هم من بنی حسین.

و فی سنة 1264 ه:

استعمل الإمام فیصل بن ترکی، محمد بن أحمد السدیری، أمیرا فی بلد المجمعة.

و فی سنة 1265 ه:

سار الإمام فیصل بن ترکی بجنوده من البادیة و الحاضرة، و توجه إلی القصیم، و نزل بین عنیزة و المذنب، و أغار عبد اللّه بن فیصل ببعض القوم علی بعض البوادی الذین بالقرب من منزلهم، فلما بلغ أهل عنیزة و من عندهم من أهل القصیم، غارة عبد اللّه بن فیصل، خرجوا للقائه، فالتقوا فی الیتیمة، و حصل بینهم وقعة،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 119
و صارت الهزیمة علی أهل القصیم، و قتل منهم عدد کثیر، و استعمل أخاه جلوی بن ترکی أمیرا فی عنیزة، ثم رجع إلی وطنه، و أذن لأهل النواحی یرجعون إلی أوطانهم.

و فی سنة 1266 ه:

سار الإمام فیصل بن ترکی بجنوده من البادیة و الحاضرة، و قصد القصیم، فلما قرب من بریدة، هرب منها الأمیر عبد العزیز آل محمد إلی مکة المشرفة، و نزل الإمام فیصل بلد بریدة، و استعمل فیها عبد المحسن آل محمد أمیرا، مکان أخیه عبد العزیز آل محمد.

و فی سنة 1267 ه:

وقع الحرب الشدید بین بدیه، و بین علوی.
و فیها عزل الشریف محمد بن عون عن ولایة مکة المشرفة، و جعل مکانه الشریف عبد المطلب بن غالب.

و فی سنة 1268 ه:

استعمل الإمام فیصل بن ترکی، الشیخ عثمان بن علی بن عیسی قاضیا علی سدیر، و ابن عیسی المذکور من سبیع.

و فی سنة 1269 ه:

کثرت الأمطار و السیول، و أخصبت، و رخصت الأسعار، فللّه الحمد و المنّة.

و فی سنة 1270 ه:

توفی الشیخ العالم العلّامة، أبو بکر بن محمد الملا الحنفی الإحسائی، کانت وفاته فی مکة المشرفة، فی صفر من هذه السنة المذکورة، رحمه اللّه تعالی.
و فی هذه السنة قتل عباس، باشا مصر.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 120
و فی هذه السنة قام أهل عنیزة علی جلوی بن ترکی بن عبد اللّه بن محمد بن سعود، و أخرجوه من عنیزة، و کان أخوه الإمام فیصل قد جعله أمیرا فیها سنة 1265 ه کما تقدم فخرج جلوی، هو و من معه من الخدام من بلد عنیزة، إلی بلد بریدة، و أقام بها، فلما علم بذلک الإمام فیصل، أرسل ابنه عبد اللّه بن فیصل لمحاربة أهل عنیزة، فسار عبد اللّه بن فیصل، لغزو أهل نجد من البادیة و الحاضرة، و قصد بلد القصیم، و نزلوا الوادی، فی ذی الحجة من السنة المذکورة، و قطع جملة من نخل الوادی، فخرج علیه أهل عنیزة، فحصل بینه و بینهم وقعة فی الوادی، قتل فی هذه الوقعة سعد بن محمد، أمیر بلد ثادق، و ستة رجال غیره.
ثم دخلت سنة 1271، و عبد اللّه آل فیصل بجنوده فی القصیم، و حاصل الأمر، أنه وقع الصلح بینه و بین أهل عنیزة، و رحل هو و عمه جلوی إلی بلد الریاض، و رکب عبد اللّه آل یحیی السلیم أمیر عنیزة إلی الإمام فیصل، و استقر الصلح، و هدأت الفتنة، فللّه الحمد و المنّة.

و فی سنة 1273 ه:

نوخ ابن مهیلب حاج عنیزة علی الداث، و طلب منهم أشیاء، فامتنعوا فأخذهم.
و فی رابع عشر من شوال من هذه السنة، توفی الشیخ عبد العزیز بن عثمان بن عبد الجبار الوهیبی التمیمی، قاضی بلد المجمعة، رحمه اللّه تعالی.

و فی سنة 1274 ه:

کسفت الشمس، ضحوة یوم الجمعة، فی ثامن و عشرین من المحرم.
و فیها- فی جمادی الأول- توفی الحمیدی بن فیصل بن وطبان الدویش رئیس مطیر.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 121
و فی شعبان منها توفی الشریف محمد بن عون فی مکة المشرفة، رحمه اللّه تعالی.

و فی سنة 1274 ه:

فی جدة فتنة بین المسلمین و النصاری.
و فیها تولیة الشریف عبد اللّه بن محمد بن عون، لأمارة مکة المشرفة.
و فی شهر رمضان، بعد وفاة والده، و هو- أی الشریف عبد اللّه- إذ ذاک فی استنبول، و توجه إلی مکة فی ربیع أول سنة 1275 ه، أما سبب وقوع فتنة جدة.

و فی سنة 1275 ه:

قتل ناصر بن عبد الرحمن بن عبد اللّه السحیمی، فی بلد الهلالیة، قتله عبد اللّه آل یحیی السلیم، هو و زامل العبد اللّه السلیم، و أعوانهم، و سبب ذلک أن ناصر بن عبد الرحمن السحیمی المذکور فی إمارته فی بلد عنیزة، قام هو و أخوه مطلق بن عبد الرحمن السحیمی الضریر و أعوانهم علی إبراهیم السلیم فقتلوه.
و فی هذه السنة تصالحوا، علوی و بریه، بعد حروب بینهم.

و فی سنة 1276 ه:

فی سابع عشر رمضان، أخذ عبد اللّه بن فیصل العجمان، فی أرض الکویت، و قتلوا منهم نحو خمسمائة رجل، و تسمی هذه الوقعة، وقعة ملح، و تفرق بقیة بوادی العجمان، بعد هذه الوقعة، فمنهم من صار فی الکویت، و منهم من نزل مع بادیة المنتفق، و انهزم رؤساؤهم إلی البحرین، یطلبون الرفد من آل خلیفة، ثم رجعوا من
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 122
البحرین، و نزلوا مع بادیة المنتفق، و صاهروهم، و تحالفوا علی من قصدهم بحرب، و وعدوهم رؤساء المنتفق علی أنهم شرکاء لهم فیما یأکلونه من البصرة، فصار لهم و المنتفق شوکة عظیمة، و خافوا منهم أهل البصرة، و الزبیر، و الکویت، و کان المنتفق لهم ید علی البصرة، من نحو مائة سنة، و هم رؤساؤها، و یأکلون جملة من نخیلها، بسبب أن آباءهم، قد جعلوهم أهل البصرة، حفّاظا للنخیل، و صار کل قبیلة من المنتفق لهم نخیل معروفة، و قری معروفة من قری البصرة، أیدیهم علیها، و استمرت بعدهم إلی أیدی أولادهم، و أولاد أولادهم، إلی أن صارت ملکا لهم، یفعلون بها ما أرادوا، و عجز عنهم ملوک بنی عثمان، و کانت الرئاسة فی المنتفق، لآل سعدون من الشبیب، و صاروا ملوکا، ملکوا البصرة، و سوق الشیوخ، و ما بین البصرة و سوق الشیوخ من باد و حاضر، فهو تحت أیدیهم.
و فیها وقعت الفتنة فی الشام، بین المسلمین و النصاری.

و فی سنة 1277 ه:

دبّر والی بغداد الحیلة فی بناء قصر فی البصرة، و ذلک أن أمر المنتفق قد ضعف، بسبب تفرقهم، و اختلاف رؤسائهم، فأرسل والی بغداد رجلا اسمه حبیب باشا إلی البصرة لذلک، و شرع فی بناء قصر فی أبو مغیرة، فساعده علی ذلک سلیمان بن عبد الرزاق الزهیر، فبنوه، و أحکموه، و کان المنتفق، و أتباعهم من العجمان غیرهم، قد نزلوا الجهراء، و ذلک أیام الربیع، فلم یفاجئهم إلّا الصائح قد أتاهم یقول: إن باشا البصرة، و ابن زهیر، قد بنوا قصرا فی أبو مغیرة، و مرادهم أن یمنعوکم عن البصرة، و لا یصیر لکم فیها أمر، و لا نهی، فرحلوا من الجهراء، قاصدین البصرة، فلما وصلوا المطلاع، إذا
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 123
عبد اللّه بن فیصل معه غزو أهل نجد من البادیة و الحاضرة، فحصل بینهم و بینه وقعة شدیدة، و صارت الهزیمة علی المنتفق و العجمان و من معهم، فقتل منهم خلائق کثیرة، و غرق منهم فی البحر خلق کثیر، و ذلک لأنهم قد دخلوا و هو جازر، فمدّ علیهم فغرقوا، و تسمی هذه الوقعة «الطّبعة»، و ذلک یوم خامس عشر من رمضان من السنة المذکورة.
و احتوی عبد اللّه بن فیصل، و من معه علی أموالهم، و ذلک شی‌ء لا یحصی، و وصلت البشائر إلی الزبیر و البصرة و بغداد، لأن أهل الزبیر و البصرة، قد دخلهم الرعب من المنتفق حین أقبلوا علیهم، و هلک فی هذه الوقعة من المنتفق أمم عظیمة، و أکثر ذلک علی بنی نهد، و الشریفات، و عتیبة، من المنتفق، و الجواری من الأجود، ثم بعد هذه الوقعة، نزل عبد اللّه بن فیصل الجهراء، ثم ارتحل منها، و عدا علی عرب بن سقیّان من بدیه، و هم فی أرض الزلفی، فی الموضع المسمی بالمنسف، فأخذهم، و قتل منهم عدة رجال، منهم حمدی بن سقیّان، ثم رحل من المنسف، و نزل روضة الربیعی، فلما بلغ عبد العزیز آل محمد أمیر بریدة الخبر، خرج من بریدة هاربا، و دخل بلد عنیزة، ثم خرج منها و معه أولاده، ترکی و حجیلان و علی، و عدة رجال من خدامه، نحو خمسة و عشرین رجلا، و قصدوا مکة المشرفة، و کان عبد اللّه آل فیصل، لما بلغه خبر خروج عبد العزیز آل محمد، هو و أولاده، و من معهم، قد أمر علی أمر علی أخیه محمد بن فیصل، أن یسیر بسریّة فی طلب عبد العزیز المذکور و من معه، فسار محمد بن فیصل، و معه سریة فی طلب عبد العزیز، و من معه، فلحقوهم فی أرض الشقیقة، قتلوا عبد العزیز آل محمد المذکور هو و أولاده الثلاثة: ترکی و حجیلان و علی، و عثمان
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 124
الحمیضی من آل أبو علیّان، و العبد جالس بن سرور و أخوه ناصر بن سرور، و ترکوا الباقین.
ثم نزل عبد اللّه بن فیصل، بلد بریدة، و أقام فیها نحو شهر، و هدم بیت عبد العزیز آل محمد، و بیوت أولاده، ثم رحل من بریدة، و عدا علی فرقان من عتیبة منهم ابن عقیّل و الحساوی و النفعة و غیرهم، و هم علی الدوادمی، فأخذهم، ثم قفل راجعا إلی الریاض، و أذن لأهل النواحی، یرجعون إلی أوطانهم.
و کان مقتل عبد العزیز آل محمد المذکور و أولاده، و من معهم فی ثامن شوال من السنة المذکورة، و کان عبد اللّه بن عبد العزیز آل محمد قد قدم مع أبیه عبد العزیز آل محمد، بلد الریاض، و ذلک دخول رجب سنة 1275 ه.
فلما قدم هو و أبوه بلد الریاض، أمر علیهم الإمام فیصل بن ترکی بالمقام فی الریاض، و استعمل فی بریدة أمیرا، عبد اللّه بن عبد العزیز بن عدوان، و هو من آل أبو علیان.
فلما کان فی صفر فی 1276 ه قام رجال من آل أبو علیان علی عبد اللّه بن عبد العزیز بن عدوان المذکور، فقتلوه، فلما بلغ الإمام فیصل الخبر، جعل فی بریدة أمیرا، محمد آل غانم، و هو من الذی قتلوا عبد اللّه بن عبد العزیز بن عدوان، ثم إن الإمام فیصل، أطلق عبد العزیز آل محمد من الحبس، و استعمله أمیرا فی بریدة، و أخذ علیه العهد و المیثاق علی السمع و الطاعة، فسار عبد العزیز آل محمد من الریاض إلی بریدة، و ذلک فی جمادی الأول سنة 1276 ه، و أمر الإمام فیصل علی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 125
عبد اللّه بن آل عبد العزیز آل محمد، بالمقام عنده فی الریاض، فأقام فی الریاض، و غزی مع عبد اللّه آل فیصل فی هذه السنة، أعنی 1277 ه، فلما قفل عبد اللّه آل فیصل من الدوادمی و أقبل علی بلد الریاض، هرب عبد اللّه بن عبد العزیز آل محمد، و اختفی فی غار فی وادی حنیفة، فبعث الإمام فیصل رجالا فی طلبه، فوجدوه و جاؤوا به إلی الریاض، فأرسله الإمام فیصل إلی القطیف، فمات هناک.
و فی شوال من هذه السنة توفی الشیخ عبد الرحمن الثمیری، قاضی سدیر، رحمه اللّه تعالی، و الثماری من زعب.
و فی هذه السنة، استعمل الإمام فیصل، عبد الرحمن بن إبراهیم أمیرا فی بریدة، و ابن إبراهیم هذا من أهل أبا الکباش، و هو من الفضول.
و فی شوال من هذه السنة، توفی أحمد بن محمد السدیری فی الحساء رحمه اللّه تعالی.

و فی سنة 1278 ه:

سالت بعض بلدان نجد خریفا.

و فی سنة 1279 ه:

حصل وقعة بین محمد آل فیصل و من معه من غزو أهل نجد، و بین أهل عنیزة فی الوادی، و صارت الهزیمة علی أهل عنیزة، و قتل منهم عدد کثیر، و تسمی هذه الوقعة، وقعة المطر، و ذلک فی خامس عشر من جمادی الآخر من السنة المذکورة.
و فی هذه السنة، ظهر الجراد، و کان قد انقطع عن أهل نجد نحو سبعة عشر سنة لم یروه فیها.
و فی هذه السنة، بعد وقعة المطر المذکورة، أمر الإمام فیصل بن ترکی، علی محمد بن أحمد السدیری، أن یکون أمیرا فی بلد بریدة، حتی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 126
تسکن الأمور، کان محمد بن أحمد السدیری حینئذ أمیرا علی الأحساء، و قد خرج بغزو أهل الأحساء، و سار مع محمد آل فیصل، لقتال أهل عنیزة، فصار محمد بن أحمد السدیری المذکور فی بلد بریدة، و عزل ابن إبراهیم عن بریدة، و رجع إلی بلدة أبا الکباش.

و فی سنة 1281 ه فی ربیع الأول:

استعمل الإمام فیصل بن ترکی أمیرا فی بریدة، مهنا الصالح آل حسین، أبا الخیل، و أمر علی محمد بن أحمد السدیری أن یرتحل من بریدة إلی الحساء، و یکون أمیرا فیه.

و فی سنة 1281 ه:

آخر لیلة عرفة، التاسع من ذی الحجة، توفی الشیخ إبراهیم بن حمد بن محمد بن حمد بن عبد اللّه بن عیسی، قاضی بلدان الوشم فی شقراء، رحمه اللّه تعالی.

و فی سنة 1282 ه فی ربیع الأول:

توفی الشیخ عثمان بن عبد العزیز بن منصور الناصری العمروی التمیمی، قاضی سدیر، کانت وفاته فی حوطة سدیر، رحمه اللّه تعالی.
و فی سابع جمادی الأول من هذه السنة توفی الشیخ العالم العلامة عبد اللّه بن عبد الرحمن بن عبد العزیز بن عبد الرحمن بن عبد اللّه بن سلطان بن خمیس أبا بطین العائذی، کانت وفاته فی بلد شقراء، رحمه اللّه تعالی، و کانت ولادته لعشر بقین من ذی القعدة سنة 1194 ه.
و فیها- لتسع بقین من رجب- توفی الإمام فیصل بن ترکی بن عبد اللّه بن محمد بن سعود بن محمد بن مقرن بن مرخان بن إبراهیم بن موسی بن ربیعة بن مانع بن ربیعة المریدی، و المردة من بنی حنیفة، کانت
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 127
وفاته فی بلد الریاض رحمه اللّه تعالی، و کان عادلا، حلیما، حسن السیرة، و تولی بعده ابنه عبد اللّه بن فیصل بن ترکی.

و فی سنة 1282 ه:

هرب سعود بن فیصل من بلد الریاض، مغاضبا لأخیه عبد اللّه بن فیصل، و قصد بلدان عسیر، فلما کان فی آخر هذه السنة، أقبل سعود بن فیصل و معد جنود کثیرة من العجمان و غیرهم، و قدم وادی الدواسر، فقاموا معه فلما علم بذلک عبد اللّه بن فیصل، جهز أخاه محمد بن فیصل، و معه غزو أهل العارض و الجنوب، و سار بهم إلی وادی الدواسر لقتال أخیه سعود بن فیصل فحصل بینهم وقعة شدیدة فی المعتلا، و صارت الهزیمة علی سعود بن فیصل و أتباعه، و قتل منهم عدد کثیر، و جرح سعود بن فیصل جروحا شدیدة؟

و فی سنة 1285 ه:

توفی الشیخ سعود بن محمد قاضی بلد القویعیة.
و فیها سار عبد اللّه بن فیصل بجنوده من البادیة و الحاضرة، و قصد وادی الدواسر، و قطع نخیلا، و هدم بیوتا بسبب قیامهم مع أخیه سعود بن فیصل، کما تقدم.
و فی هذه السنة، فی ثامن أو تاسع من ذی القعدة، عشیة یوم السبت، توفی الشیخ عبد الرحمن بن حسن بن الشیخ محمد بن عبد الوهاب، کانت وفاته فی بلد الریاض رحمه اللّه تعالی.
و فیها توفی الشیخ عثمان بن علی بن عیسی قاضی سدیر، و هو من سبیع.
و فیها توفی أمیر عنیزة عبد اللّه بن یحیی السلیم رحمه اللّه تعالی.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 128
و فی هذه السنة قتل متعب بن عبد اللّه بن علی بن رشید، رئیس جبل شمر، قتلوه عیال أخیه طلال بن عبد اللّه بن علی بن رشید، و صارت الولایة لبندر بن طلال، العبد اللّه بن رشید.

و فی سنة 1286 ه:

أغار بندر بن طلال الرشید علی الصعران من بریه فی الشوکی، و أخذهم و قتل رئیسهم هذال بن علیّان بن غریر بن بصیّص صبرا، بسبب أن علی آل عبید قتل فی هذه الوقعة.
و فیها توفی الشیخ عبد الرحمن بن عدوان، قاضی بلد الریاض، و هو من العزاعیز أهل بلد أثیفیة، من بنی تمیم.
و فی هذه السنة سار عبد اللّه آل فیصل بجنوده من البادیة و الحاضرة، و حفر الصعران، و من معهم من بریه، و أخذ خیلا و إبلا کثیرة، ثم قصد جهة الحساء، و خیم علی دعیلج- المعروف بالقرب من بلد الحساء-، و سعود بن فیصل إذ ذاک فی بلد عمان، و أقام عبد اللّه آل فیصل علی دعیلج نحو أربعة أشهر.
فلما کان فی ذی القعدة من السنة المذکورة، ارتحل عبد اللّه آل فیصل من دعیلج، و أغار علی الصهبة من مطیر، و هم علی الوفراء، فأخذهم ثم رجع قافلا إلی بلد الریاض، و أذن لأهل النواحی أن یرجعوا إلی أوطانهم.

و فی سنة 1285 ه:

تمالؤوا أولاد طلال بن عبد اللّه بن علی بن رشید. علی قتل متعب بن عبد اللّه بن رشید، فلما قتلوه، تولی الإمارة بندر بن طلال قتلة متعب.

و فی سنة 1287 ه:

قتل صلطان بن قنور فی عین الصوینع
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 129
قتله بنو عمه محمد بن عوید بن قنور، و رجال معه من بنی عمه.
و فیها قتل محمد بن عوید بن قنور المذکور هو، و ثلاثة من بنی عمه، و فوزان الصوینع، قتلوهم بنو عمهم العطیفات فی السر.
و هذه السنة هی مبتدأ الحرب الذی بین أهل أشیقر بین محمد بن إبراهیم بن نشوان و أتباعه من النشوان من- المشارفة، و بین الحصانا و الخراشا و أتباعهم من آل بسام بن منیف و غیرهم.
و فی هذه السنة أقبل سعود بن فیصل من عمان، و قدم علی آل خلیفة فی البحرین فساعدوه ثم سار إلی قطر، فحصل بینه و بین المرابطة الذین فیه من جهة أخیه عبد اللّه بن فیصل وقعة، و صارت الهزیمة علی سعود و أتباعه، و قتل منهم عدة رجال، منهم محمد بن عبد اللّه بن ثنیان بن إبراهیم بن ثنیان بن سعود، و رجع سعود إلی البحرین، فلما کان فی رجب من السنة المذکورة سار من البحرین، و معه جنود کثیرة من العجمان و غیرهم، و قصد الحساء، فخرج أهل الحساء لقتاله، فحصل بینه و بینهم وقعة عظیمة فی الوجاج، و صارت الهزیمة علی أهل الحساء، و قتل منهم عدة رجال، و تحصنوا فی بلدهم الهفوف، فحصرهم سعود فی بلدهم، و کان عبد اللّه بن فیصل حین بلغه مسیر أخیه سعود من البحرین للحساء، قد جهز أخاه محمد بن فیصل، بجنود کثیرة من البادیة و الحاضرة لقتال أخیه سعود بن فیصل، فسار محمد بن فیصل بجنوده، و نزل علی جودة- الماء المعروف-، فلما بلغ سعود بن فیصل الخبر، و هو محاصر بلد الهفوف، ارتحل و سار بجنوده لقتال أخیه محمد بن فیصل، فحصل بینهم وقعة شدیدة، و ذلک فی رمضان من هذه السنة، و صارت الهزیمة علی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 130
محمد بن فیصل و أتباعه، و قتل منهم نحو خمسمائة رجل، و أسروا محمد بن فیصل، فأرسله أخوه سعود بن فیصل إلی القطیف، و حبسوه فیه، إلی أن أطلقه عسکر الترک کما سیأتی إن شاء اللّه تعالی.
ثم رجع سعود بعد هذه الوقعة إلی الحساء، و استولی علیه، فلما بلغ عبد اللّه بن فیصل الخبر خرج من الریاض، و قصد ناحیة جبل شمر، و أرسل عبد العزیز ابن الشیخ عبد اللّه أبا بطین، بهدایا، لباشا بغداد، و البصرة، یطلب منهم النصرة.
و فی هذه السنة اشتد الغلاء و القحط فی نجد سوی القصیم، و استمر إلی تمام 1289 ه، فلا حول و لا قوة إلّا باللّه العلی العظیم.

و فی سنة 1288 ه:

فی المحرم، خرج سعود بن فیصل من الحساء، و ترک فیه فرحان بن خیر اللّه أمیرا، و توجه إلی الریاض، و کان عبد اللّه بن فیصل قد رجع إلی الریاض بعد خروجه منه، و قام معه بوادی قحطان و غیرهم، فلما قرب سعود من الریاض، خرج عبد اللّه من الریاض، و صار مع بوادی قحطان، و دخل سعود بن فیصل بلد الریاض، و استولی علیه، و انحل نظام الملک، و کثر الهرج و المرج، و اشتد الغلاء و القحط، و أکلت المیتات، و جیف الحمیر، و مات کثیر من الناس جوعا، و حل بأهل نجد من القحط و الجوع، و القتل، و النهب، و الفتن، و المحن، و الموت أمر عظیم، و خطب جسیم، فنعوذ باللّه من غضبه، و عقابه.
و لما کان فی ربیع الأول من هذه السنة، خرج سعود بن فیصل بجنوده من الریاض، و حصل بینه و بین أخیه عبد اللّه بن فیصل، وقعة عظیمة فی البرة، و صارت الهزیمة علی عبد اللّه آل فیصل و من معه من
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 131
قحطان و غیرهم، و قتل منهم خلق کثیر، و انهزم عبد اللّه آل فیصل مع قحطان، و نزلوا رویضة العرض.
و فی ربیع الآخر من هذه السنة، أقبلت العساکر من البصرة، و معهم عبد العزیز بن الشیخ عبد اللّه أبا بطین، و استولوا علی الحساء و القطیف، و أخرجوا فرحان بن خیر اللّه من الحساء، و أطلقوا محمد آل فیصل من الحبس، و أظهروا أنهم جاؤوا لنصرة عبد اللّه آل فیصل، و کتبوا لعبد اللّه آل فیصل، و هو مع قحطان علی رویضة العرض، بعد وقعة البرة المذکورة، یحثونه بالقدوم علیهم فی الحساء، فتوجه عبد اللّه إلی الحساء، و قدم علیهم.
و أما سعود بن فیصل فإنه قفل راجعا إلی الریاض بعد وقعة البرة المذکورة، و أذن لأهل النواحی یرجعون إلی أوطانهم، فلما تفرقت عنه جنوده، قام علیه أهل الریاض، و حصروه هو، و من معه فی قصر الریاض، ثم أخرجوه منه، و قصد بلد الخرج.
و بایعوا عمه عبد اللّه بن ترکی لعبد اللّه بن فیصل، لأن عبد اللّه بن فیصل حینئذ فی الحساء عند الدولة، کما ذکرنا، ثم إن سعود بن فیصل خرج من بلد الخرج، و قصد بوادی العجمان فی أرض الحساء، فاجتمع علیه جنود کثیرة من العجمان و غیرهم، و نزل الخویرة- المعروفة-، بالقرب من الحساء، فخرج علیه أخوه عبد اللّه آل فیصل، و عساکر الترک، و أهل الحساء، فحصل بینهم و بین سعود بن فیصل وقعة شدیدة، و صارت الهزیمة علی سعود و أتباعه، و قتل منهم عدة رجال.
و لما کان فی رجب من هذه السنة، رأی عبد اللّه بن فیصل ما یریبه
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 132
من عساکر الترک، فخاف علی نفسه منهم، فهرب هو و ابنه ترکی، و أخوه محمد بن فیصل من الحساء، و قدموا بلد الریاض.
و فی رجب المذکور من هذه السنة المذکورة، وقع وباء فی شقراء، مات فیه خلق کثیر منهم حمد بن عبد العزیز بن منیع، و محمد بن إبراهیم بن سدحان المطوع، و الأمیر عبد العزیز بن محمد بن عبد الکریم البواردی، و کانت وفاته فی عین الصوینع، سار إلیها من شقرا لحاجة له، فمات بها، رحم اللّه الجمیع.
و فی شوال من هذه السنة الوقعة المشهورة بین أهل شقراء و بین السهول فی النفوذ الشرقی، صارت الهزیمة علی السهول، و قتل رئیسهم، ثقل بن رویضان، و قتل من أهل شقرا محمد بن سعد البواردی.

و فی سنة 1289 ه:

اشتد الغلاء و القحط فی نجد، و أکلت المیتات، و جیف الحمیر، و مات کثیر من الناس جوعا فی هذه السنة و فی التی قبلها- کما ذکرنا-، و جلی أکثر أهل نجد للحساء و الزبیر و البصرة و الکویت و القصیم، و استمر ذلک إلی دخول السنة التی بعدها، ثم أنزل اللّه تعالی الغیث، و أخصبت الأرض، و رخصت الأسعار، فللّه الحمد و المنة.
و فی المحرم من هذه السنة الوقعة المشهورة التی بین حاج أهل شقرا، و بین قحطان، قتل من أهل شقرا عبد اللّه بن عبیّد.
و فی ربیع الأول من هذه السنة الوقعة التی بین أهل شقرا، و بین أهل بلد أثیفیة فی وسط بلد أثیفیة، قتل فی هذه الوقعة من أهل أثیفیة عبد اللّه بن أمیر أثیفیة سعد بن زامل، و عبد اللّه بن عبد العزیز بن عبد اللّه بن زامل.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 133
و فی آخر هذه السنة أقبل سعود من وادی الدواسر، و معه جنود کثیرة من البادیة و الحاضرة، و قصد بلد الخرج، و کان عبد اللّه آل فیصل لما بلغه مسیر أخیه سعود بن فیصل المذکور، أمر علی أخیه محمد بن فیصل، و علی عمه عبد اللّه بن ترکی، و عدة رجال من أهل الریاض، أن یسیروا إلی بلد الدلم، و یضبطونها خوفا من سعود بن فیصل أن یستولی علیها، فلما وصل سعود بلد الدلم، فتحوا له أهل الدلم أبواب البلد، و أدخلوه هو، و من معه فیها، فانهزم محمد بن فیصل علی فرسه للریاض، و أمسک سعود بن فیصل عمه عبد اللّه بن ترکی، و حبسه و قتل من أصحابه عدة رجال.
و بعد أیام قلیلة، توفی عبد اللّه بن ترکی بن عبد اللّه بن محمد بن سعود فی حبسه ذلک، و کان شهما شجاعا، رحمه اللّه تعالی.
و فی هذه السنة، قتلوا عیال طلال بن عبد اللّه بن علی بن رشید، قتلهم عمهم محمد العبد اللّه بن علی بن رشید، و استولی علی الملک. خزانة التواریخ النجدیة ؛ ج‌9 ؛ ص133

و فی سنة 1290 ه:

سار سعود بن فیصل بجنوده من الخرج، و قصد بلد ضرما ثم سار منها إلی حریملا، فحصل بینه، و بین أهل حریملا قتال، و صارت الهزیمة علی أهل حریملا، و قتل منهم عدة رجال، منهم الأمیر ناصر آل حمد آل مبارک، و ابنه، ثم صالحوه، و رحل عنهم، و قصد بلد الریاض، فخرج علیه أخوه عبد اللّه آل فیصل بأهل الریاض، و التقوا فی الجزعة، فانهزم عبد اللّه آل فیصل هو و من معه، و قتل منهم عدة رجال، و سار عبد اللّه آل فیصل إلی قحطان ، و دخل سعود بلد الریاض، و استولی علیه.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 134
و فی ربیع الثانی من هذه السنة سار سعود بن فیصل بجنوده من البادیة و الحاضرة و أغار علی الروقة من عتیبة، و هم علی طلال- الماء المعروف-، و صارت الهزیمة علی سعود و من معه، و قتل منهم خلائق کثیرة، منهم سعود بن صنیتان، و محمد بن أحمد السدیری، و علی بن إبراهیم بن سوید، أمیر جلاجل.

و فی سنة 1291 ه:

وقعة الجمیعیة فی أشیقر، بین آل نشوان، و بین آل بسام، قتل فیها ولد ابن مقحم من أتباع آل نشوان.
و فی رمضان من هذه السنة، قدم عبد الرحمن بن فیصل، هو و فهد بن صنیتان بلد الحساء، و قام معهم أهل الحساء، و قتلوا عسکر الترک، الذین عند أبواب البلد، و الذین فی قصر خزام، و حصروا من فی الکویت.
فلما کان فی آخر ذی القعدة من السنة المذکورة، أقبل ناصر بن راشد بن ثامر السعدون رئیس المنتفق و معه جنود عظیمة من المنتفق، و من الترک، و کان باشا بغداد قد ولّی ناصر المذکور علی الحساء و القطیف، فلما قرب من الحساء، خرج عبد الرحمن بن فیصل و أتباعه من العجمان، و أهل الحساء، لقتاله فحصل بینهم مناوشة من بعید، و صارت الهزیمة علی عبد الرحمن و من معه، و دخل ناصر هو، و جنود بلد الهفوف، و نهبوه و أباحوا البلد ثلاثة أیام، و قتل خلائق کثیرة، و نهبت أموال عظیمة، و حصل محن عظیمة، فلا حول و لا قوة إلّا باللّه العلی العظیم.
ثم إن ناصر بن راشد بن ثامر السعدون المذکور، أقام فی الحساء نحو شهرین، ثم استعمل ابنه مزید أمیرا فی الحساء، و رجع إلی العراق.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 135
و فیها- فی ثامن عشر من ذی الحجة- توفی سعود بن فیصل أصابه المرض فی صوار- المعروف فی أسفل البیر-، فحملوه إلی الریاض، فمات حین وصوله إلیها رحمه اللّه.

و فی سنة 1292 ه:

قدم محمد بن فیصل بلد ثرمدا من جهة أخیه عبد اللّه بن فیصل، و معه عدة رجال من أهل العارض و المحمل و الوشم، فحصروهم فیها عیال سعود بن فیصل، هم و عمهم عبد الرحمن بن فیصل، ثم أمسکوا محمد بن فیصل، و هرب من کان معه إلی أهلیهم، و قتل فی هذا الحصار من أهل ثرمدا ستة رجال، ثم إن عیال سعود و عمهم عبد الرحمن بن فیصل ارتحلوا من ثرمدا، و قصدوا بلد الشعراء، و معهم الدویش، و قبائل مطیر و العجمان، و حصروا بلد الشعراء، فعجزوا عنها، ثم رجعوا.
و فی هذه السنة، فی رجب سطا محمد بن إبراهیم بن نشوان فی أشیقر، و معه نحو ثمانین رجلا من أهل الحریق و غیرهم، و دخلوا فی دار محمد بن إبراهیم بن نشوان المذکور المعروفة تلی مجلس أشیقر، المسماة دار آل حمیدان بن بسام، فحصروهم آل بسام هم و أتباعهم فی الدار المذکورة، و قتلوا منهم ولد الطویل، و ولد ابن حسن من المشارفة من الوهبة، فلما کان بعد غروب الشمس من ذلک الیوم، خرجوا من الدار المذکورة، و الناس فی صلاة المغرب و قصدوا بلد الحریّق.
و فی هذه السنة قتل فهد بن صنیتان، فی جامع بلد الریاض، یوم الجمعة قتله محمد بن سعود بن فیصل.

و فی سنة 1292 ه:

توفی الشیخ عبد اللطیف بن الشیخ
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 136
عبد الرحمن بن الشیخ محمد بن عبد الوهاب فی بلد الریاض رحمه اللّه تعالی.
[...] و فی سنة 1294 ه: توفی الشریف عبد اللّه بن عون.

و فی سنة 1296 ه:

قتل عبد اللّه بن عثمان الحصینی، أمیر بلد أشیقر، هو و ابن أخیه عبد العزیز بن إبراهیم بن عثمان الحصینی، قتلهما عبد اللّه بن سعود بن سعود بن فیصل، عند باب العقلة المعروف شرقی بلد أشیقر، و کان عبد اللّه بن عثمان الحصینی المذکور من الشجعان المشهورین، و کان عاقلا حازما رحمه اللّه تعالی، و سبب قتلهما أن ابن بصیّص و من معه من بریه قاطنین علی جوّ أشیقر، و معهم عبد اللّه بن سعود المذکور، و کان آل نشوان حینئذ و معهم عدة رجال من أهل الحریّق فی بلد أشیقر، و قد تصالحواهم و آل بسام، و استقبلوا آل بسام بدیة ولد الطویل، و ولد ابن حسن من المشارفة المقتولین فی وقعة الدار، کما تقدم، و بدیة ولد ابن مقحم المقتول فی وقعة الجمعیة کما تقدم، و آل مقحم هم المعروفون فی القصب و فی الحریّق من آل علی من السعید من الظفیر، فدخل عبد اللّه بن سعود البلد و معه عدة رجال من خدامه، و طلب من عبد اللّه الحصینی الزکاة و الجهاد، فقال له الأمیر عبد اللّه بن عثمان الحصینی، قد أعطینا ذلک عمک عبد اللّه آل فیصل فسار عبد اللّه بن سعود، یرید الخروج إلی أصحابه، و هم علی الجوّ، و معه عبد اللّه الحصینی، و عبد الرحمن بن إبراهیم الخراشی الملقب بالطویسة، و عبد العزیز بن إبراهیم بن عثمان الحصینی، و هم یتحدّثون، فلما وصلوا
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 137
باب العقلة المذکور أمر عبد اللّه بن سعود أصحابه بقتلهم، فقتلوا الأمیر عبد اللّه الحصینی، هو و ابن أخیه عبد العزیز المذکورین، و جرحوا عبد الرحمن الخراشی المذکور، جروحا شدیدة، و انهزم عنهم إلی بیت ماجد بن بصیّص، ثم إن آل بسام أعطوا ماجد بن بصیّص مائتی ریال، و أطلقوا عبد الرحمن الخراشی المذکور من الحبس.

و فی سنة 1297 ه:

البرد الشدید أصات حاج الوشم، و هم علی العبسة، و ماتت الأشجار من شدة البرد.
و فی هذه السنة الوقعة المشهورة، بین شقراء و بین الغیثیات من الدواسر، قتل فیها محمد بن عبد اللّه بن حمد بن عیسی، و عبد العزیز بن إبراهیم البواردی، و عبد اللّه بن محمد بن عقیل.
و فی هذه السنة فی ربیع الثانی، حصل وقعة من أهل أشیقر، و بین الغیثیات من الدواسر فی النفود الشمالی، قتل فیها من أهل أشیقر عبد اللّه بن سلیمان بن منیف، و کان مشهورا بالرمایة بالبندق، لم یکن فی زمنه مثله، و کان مولعا بالقنص، شجاعا رحمه اللّه تعالی.
و فی شوال من هذه السنة توفی عثمان بن عبد اللّه بن إبراهیم بن نشوان، فی الحریّق، و کان شجاعا فاتکا، فهدأت الفتنة التی بین النشوان من المشارفة، و بین آل بسام، أهل أشیقر قلیلا بعد موته، رحمه اللّه تعالی.

و فی سنة 1298 ه:

وقع فی مکة المشرفة، وباء عظیم أیام الحج، مات فیه خلائق کثیرة، منهم أمیر حاج الوشم حمد بن عبد العزیز بن حمد بن عیسی، رحمه اللّه تعالی.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 138
و فیها صارت فتنة عرابی باشا بمصر.

و فی سنة 1299 ه:

حاصر عبد اللّه آل فیصل بلد المجمعة، و قطع جملة من نخیلها، فاستنجدوا بالأمیر محمد العبد اللّه بن رشید، فأقبل بجنوده إلیهم، فلما وصل بلد الزلفی ارتحل عنها عبد اللّه بن فیصل، و رجع إلی الریاض، ثم إن الأمیر محمد العبد اللّه بن رشید نزل بلد المجمعة، و جعل فیها سلیمان بن سامی أمیرا، ثم رجع إلی حائل.

و فی سنة 1300 ه:

قتل محمد بن إبراهیم بن نشوان، أمیر بلد أشیقر و النشوان من المشارفة من الوهبة، قتلوه آل بسام فی أشیقر بعد صلاة العصر فی الموضع المعروف بالمشراق، و ذلک فی رابع عشر شوال من السنة المذکورة، و کان من الأسخیاء الکرام رحمه اللّه تعالی.
و فی هذه السنة وقعة عروی بین الأمیر محمد العبد اللّه بن رشید، و معه حسن آل مهنا الصالح، أمیر بریدة، و بین عتیبة، و معهم محمد بن سعود بن فیصل، و صارت الهزیمة علی عتیبة.
و فی هذه السنة بدعة أول قلبان البدائع التابعة لبلد عنیزة فی القصیم، فی رکن وادی الرمة، المسماة العمیریة، و هی عن عنیزة مسافة نحو میل.

و فی سنة 1301 ه:

قتل محمد بن الحمیدی بن فیصل بن وطبان الدویش، قتلوه آل صویط.
و فی صبیحة یوم الاثنین، ثامن و عشرین من ربیع الآخر، من السنة المذکورة، الوقعة المشهورة فی الحمادة فی أم العصافیر، بین الإمام عبد اللّه بن فیصل، و بین الأمیر محمد العبد اللّه بن رشید، و صارت الهزیمة
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 139
علی عبد اللّه آل فیصل، و من معه، و قتل منهم خلائق کثیرة، منهم عبد العزیز ابن الشیخ عبد اللّه أبا بطین، و فهد بن سویلم، و عقاب بن شبنان بن حمید، من رؤساء عتیبة.
و فی جمادی الأول من هذه السنة قتل سلیمان بن حمد بن عثمان الحصینی خارج بلد أشیقر، قتلوه آل نشوان.
و فی ربیع الثانی من هذه السنة، الوقعة التی بین آل ماضی، و بین آل عمر فی روضة سدیر، و صارت الغلبة لآل ماضی.

و فی سنة 1302 ه:

کثرت الأمطار و السیول، و أخصبت الأرض، و رخصت الأسعار، فلله الحمد و المنة.

و فی سنة 1303 ه:

توفی الشیخ علی آل محمد قاضی بلد عنیزة، کانت وفاته، فی خامس رمضان، من السنة المذکورة فی عنیزة، رحمه اللّه تعالی.
و فی خامس ذی الحجة، صبیحة یوم الخمیس، من هذه السنة، قتل عبد الرحمن بن إبراهیم الخراشی، الملقب بالطویسة، فی أشیقر، قتله عثمان بن محمد بن نشوان، الملقب بالفهد، و هرب إلی بلد الحریّق، و کان عبد الرحمن المذکور، شیخا شجاعا، رحمه اللّه تعالی.

و فی سنة 1305 ه:

فی ثالث المحرم، حصل وقعة بین حاج أهل الوشم، و بین هذیل فی المرخ، قتل فیها عبد العزیز بن إبراهیم الجمیح، و کان سخیّا کریما، رحمه اللّه تعالی.
و فی آخر المحرم من السنة المذکورة، سطوا عیال سعود بن فیصل، فی بلد الریاض، و قبضوا علی عمهم عبد اللّه آل فیصل، و حبسوه،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 140
و استولوا علی بلد الریاض، فسار إلیهم الأمیر محمد العبد اللّه بن رشید من الحائل، و نزل خارج بلد الریاض، فخرج إلیه رؤساء أهل الریاض، و تصالحوا علی أن عیال سعود، یخرجون من الریاض إلی الخرج، فخرج عیال سعود إلی الخرج، و دخل الأمیر محمد العبد اللّه بن رشید بلد الریاض، و استولی علیه، و استعمل فی الریاض سالم السبهان أمیرا، ثم رجع إلی حائل، و معه عبد اللّه آل فیصل.
و فی صبیحة یوم الخمیس، أول شهر ذی الحجة، من هذه السنة، قتلوا عیال سعود بن فیصل الثلاثة فی الخرج، و هم محمد و سعد و عبد اللّه، قتلهم سالم السبهان و کان عبد العزیز بن سعود، قد رکب من الخرج إلی حائل قبل ذلک بأیام، فأعلمه الأمیر بذلک، و أمره بالمقام عنده فی حائل.
و لما قتل سالم السبهان أولاد سعود الفیصل، وجد عندهم کتابا من حسن المهنا، یرغبهم فیه بالقیام علی محمد بن رشید، و لما علم حسن أن الأمیر محمد بن رشید قد تحقق خیانته، خاف منه، و تظاهر بالخلاف ضد ابن رشید، و کان قد رمی فی التقرب من زامل العبد اللّه، أمیر عنیزة، و صاهره، سنة 1302 ه، لیستعین بعضهم ببعض علی ابن رشید، و أما کتاب حسن المهنا، فقد أخفاه محمد بن رشید، و لم یعاتب حسن رغبة منه بعدم نفوره عنه، و لکن کما قیل: کاد المریب أن یقول خذونی.

و فی سنة 1306 ه:

توفی سعود بن جلوی بن ترکی بن عبد اللّه بن محمد بن سعود فی الریاض، رحمه اللّه تعالی.

و فی سنة 1307 ه:

توفی ترکی بن عبد اللّه بن فیصل بن ترکی بن
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 141
عبد اللّه بن محمد بن سعود و کانت وفاته فی حائل رحمه اللّه تعالی.
و فی ربیع الأول من هذه السنة، خرج عبد اللّه بن فیصل من حائل هو و أخوه عبد الرحمن بن فیصل، و قصدوا بلد الریاض، و کان عبد اللّه إذ ذاک مریضا، فتوفی بعد قدومه بلد الریاض بیوم، و ذلک یوم الثلاثاء، ثانی یوم من ربیع الثانی من هذه السنة.
و فی ربیع الثانی من هذه السنة، توفی الشیخ زید بن محمد العائذی- العالم المعروف-، فی حریق نعام رحمه اللّه تعالی.
و فی سابع و عشرین من جمادی الأولی من هذه السنة، توفی الشیخ عبد العزیز بن محمد بن مانع، قاضی بلد عنیزة رحمه اللّه تعالی.
و فی حادی عشر من ذی الحجة، من هذه السنة، قبض عبد الرحمن بن فیصل، علی سالم السبهان، و من معه من أصحابه فی بلد الریاض، و حبسهم.

و فی سنة 1308 ه:

سار الأمیر محمد العبد اللّه بن رشید، بجنوده من البادیة و الحاضرة و قصد بلد الریاض، و حصرهم، و قطع جملة من نخل الریاض، و أقام محاصرا للریاض، نحو أربعین یوما، ثم إنهم تصالحوا، و أطلقوا سالم السبهان، و أصحابه، ثم رجع الأمیر محمد العبد اللّه بن رشید إلی حائل.
و فی جمادی الأولی من هذه السنة، سار الأمیر محمد العبد اللّه بن رشید، لقتال أهل القصیم، و خرج حسن آل مهنا الصالح، أبا الخیل أمیر بریدة، و زامل العبد اللّه السلیم أمیر عنیزة، و معهم جنود کثیرة من أهل القصیم و من البادیة، فحصل بینهم، و بین ابن رشید وقعة فی القرعاء، قتل
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 142
فیها عدة رجال من الفریقین، و ذلک فی ثالث جمادی الآخر من السنة المذکورة، ثم التقوا بعدها فی الملیداء، فی ثالث عشر من جمادی الآخر من هذه السنة، و حصل بینهم قتال عظیم و صارت الهزیمة علی أهل القصیم، و أتباعهم، و قتل منهم خلائق کثیرة، منهم زامل العبد اللّه السلیم، أمیر عنیزة رحمه اللّه تعالی.
و انهزم حسن آل مهنا الصالح أبا الخیل، فأدرکوه، ثم جی به إلی الأمیر محمد العبد اللّه بن رشید، فأرسله إلی حایل، و جلس هناک، و استولی الأمیر محمد العبد اللّه بن رشید علی جمیع بلدان القصیم، و لما بلغ عبد الرحمن بن فیصل خبر الوقعة، و کان قد أقبل من العارض و معه جنود کثیرة قاصدا القصیم، و قد وصل إلی الخفس، رجع إلی الریاض، و تفرقت تلک الجنود.
ثم خرج من الریاض، و صار مع بادیة العجمان، و استولی الأمیر محمد العبد اللّه بن رشید علی مملکة نجد.
و قبل وقعة الملیداء بستة أیام توفی الشیخ محمد بن عمر بن سلیم فی بریدة رحمه اللّه تعالی، و ذلک یوم السبت سابع جمادی الآخر من السنة المذکورة، و له من العمر ثلاث و ستون سنة.

و فی سنة 1309 ه:

أقبل عبد الرحمن بن فیصل، هو و إبراهیم آل مهنا الصالح، و معهم جنود کثیرة و قصدوا بلد الدلم، و أخرجوا من فی قصرها من خدّام الأمیر محمد العبد اللّه بن رشید، و استولوا علیها، ثم ساروا منها إلی بلد الریاض و أمیرها حینئذ محمد آل فیصل، فدخلوها بغیر قتال.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 143
ثم ساروا إلی المحمل، و کان الأمیر محمد العبد اللّه بن رشید حین بلغه خبر سیرهم قد خرج من حائل بجنود عظیمة لقتالهم، فلما وصل القصیم مشوا معه غزو أهل القصیم، ثم قدم بلد الوشم، و سار معه غزو أهل الوشم و سدیر و قصد عبد الرحمن بن فیصل هو و إبراهیم آل مهنا و هم علی بلد حریملا، فانهزموا و قتل منهم عدة رجال منهم إبراهیم آل مهنا.
ثم سار الأمیر محمد العبد اللّه بن رشید، و نزل بلد الریاض، و أمر بهدم سور البلد، فهدموه و هدم القصر العتیق و القصر الجدید، و جعل فی بلد الریاض أمیرا محمد بن فیصل بن ترکی بن عبد اللّه بن محمد بن سعود، ثم قفل راجعا إلی حائل، و أذن لأهل النواحی یرجعون إلی أوطانهم، و ذلک فی آخر صفر من السنة المذکورة.
و فی هذه السنة تناوخوا عتیبة هم و مطیر علی الحرملیة- الماء المعروف بالقرب من القویعیة-، و أقاموا فی مناخهم شهرین، فلما کان فی ثالث ذی الحجة من السنة المذکورة حصل بینهم وقعة شدیدة، و صارت الهزیمة علی عتیبة، و قتل عدة رجال من الفریقین.

و فی سنة 1310 ه:

حصل وقعة بین عیال سعد بن زامل و أتباعهم و بین آل عبد اللّه بن زامل و أتباعهم أهل وثیفیة، و آل زامل المذکورون من عائذ، قتل من الفریقین ثمانیة رجال.
و فی هذه السنة وقع فی مکة وباء، أیام الحج مات فیه خلائق کثیرة.

و فی سنة 1311 ه:

توفی محمد بن فیصل بن ترکی بن عبد اللّه بن محمد بن سعود فی بلد الریاض رحمه اللّه تعالی.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 144

و فی سنة 1212 ه:

قتل نایف بن شقیر الدویش، قتله فیصل بن صلطان الدویش.

و فی سنة 1313 ه:

قتل محمد بن صباح هو و أخوه جراح بن صباح فی بلد الکویت، قتلهما أخوهما مبارک بن صباح.
و فی هذه السنة ابتدأ زود الماء الذی أتلف کثیرا من نخیل أهل البصرة، إلی حد أنه أتلف الذی مغروسا من ذی ثمان سنین، و استقام الماء جذر النخیل سبعة أشهر استمر إلی سنة 1314 ه، و مقدار تلفیاتها لانقاس، و لا یعلم أنه أتاها مثله فی السنین الماضیة.

و فی سنة 1314 ه:

توفی فهد آل علی بن ثامر السعدون من رؤساء المنتفق. رحمه اللّه تعالی.
و فی هذه السنة توفی راکان بن حثلین من رؤساء العجمان.

و فی سنة 1315 ه:

حصل وقعة بین آل سیف و بین بنی عمهم آل راشد أهل العطارة و هم من العرینات من سبیع قتل فیها إبراهیم بن راشد.
و فی لیلة الأحد ثالث رجب من هذه السنة توفی الأمیر محمد العبد اللّه بن علی بن رشید فی حائل رحمه اللّه تعالی.
و تولی بعده ابن أخیه عبد العزیز آل متعب بن عبد اللّه بن علی بن رشید.
و فی شوال من هذه السنة توفی الشیخ صالح بن حمد المبیّض قاضی بلد الزبیر. رحمه اللّه تعالی.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 145

و فی سنة 1317 ه:

فی المحرم توفی الشیخ نعمان أفندی الألوسی الحنفی البغدادی. رحمه اللّه تعالی.
و فی جمادی الأول من هذه السنة توفی الشیخ عبد اللّه بن حسین المخضوب قاضی بلد الخرج، و هو من بنی هاجر رحمه اللّه تعالی.

و فی سنة 1318 ه:

خرج مبارک بن صباح من الکویت إلی نجد و معه عبد الرحمن بن فیصل و آل أبا الخیل و السلیم، فلما وصلوا إلی العرمة سار عبد العزیز بن عبد الرحمن بن فیصل بسریة إلی بلد الریاض، و أمیرها حینئذ من جهة الأمیر عبد العزیز بن متعب بن رشید، عجلان بن محمد، فحصل بین عبد العزیز المذکور و بین أهل الریاض وقعة قتل فیها عدة رجال من الفریقین، ثم استولی عبد العزیز المذکور علی بلد الریاض.
و تحصن عجلان بن محمد هو و من معه فی القصر، و حاصرهم عبد العزیز بن عبد الرحمن بن فیصل المذکور، و لما وصل ابن صباح و من معه بلد القصیم دخلوا السلیم بلد عنیزة و استولوا آل أبا الخیل علی بریدة، فأقبل علیهم الأمیر عبد العزیز آل متعب بن رشید، فساروا من بریدة للقائه، فحصل بینهم و بینه وقعة شدیدة فی الطرفیة، و ذلک فی سابع و عشرین من ذی القعدة من هذه السنة المذکورة، و صارت الهزیمة علی ابن صباح و أتباعه، و قتل منهم خلائق کثیرة، و انهزم ابن صباح و آل أبا الخیل و السلیم إلی الکویت، و انهزم عبد الرحمن آل فیصل إلی الریاض، فلما قرب منها أرسل إلی ابنه عبد العزیز بالخبر، فخرج عبد العزیز بن عبد الرحمن المذکور إلی أبیه هو و من معه من الریاض، و توجهوا إلی الکویت.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 146

و فی سنة 1319 ه:

فی رابع شوال سطا عبد العزیز بن عبد الرحمن بن فیصل فی الریاض و قتل عجلان بن محمد و عدة رجال من أصحابه و استولی عبد العزیز المذکور علی بلد الریاض.
و فی هذه السنة وقع فی مکة المشرّفة وباء أیام الحج، مات فیه خلق کثیر.
و فی هذه السنة صار ابتداء العمل فی سکة حدید الحجاز من الشام إلی المدینة المنورة، و المسافة بینهما 1159 کیلومتر.

و فی سنة 1320 ه:

وقع فی بلدان نجد وباء، مات فیه خلائق کثیرة حتی فی البوادی.
و فی آخر هذه السنة سار الأمیر عبد العزیز بن رشید إلی العارض، فی جند عظیم، و فیها عبد الرحمن بن فیصل بقصد الإیقاع فیهم، فلما رآهم منتبهین عدل عنهم إلی نخیلهم، و قطع منها کثیرا، و هدم أبیارا، و قتل خلق کثیر من أهل النخیل.
و فی جماد آخر من هذه السنة دخل مبارک الصباح أمیر الکویت تحت حمایة دولة الإنکلیز.
و فیها توفی حسن المهنا فی حائل محبوسا عند ابن رشید، و مدة حبسه إلی أن مات اثنا عشر سنة.
و فی آخر سنة 1320 ه: حصل مهاب قویة فی نجد، و فی جهات عدیدة طاح بسببها نخیل کثیرة فی القصیم، و الذی طاح من نخیل الأحساء نحو ثلاثین ألف، و فی عمان طاح جملة نخیل و أشجار، و فی الهند طاح عدة أشجار و نارجیل.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 147

و فی سنة 1321 ه:

حاصر الأمیر عبد العزیز بن رشید بلد شقراء من بلدان الوشم و فیها سریة لعبد الرحمن الفیصل هم و جلاویة معهم قریبا من 150 نفس، و ذلک فی محرم و قطع منها عدة نخیل، و هدم قصورا فی الخارج، و لم یقدر علی البلد و رجع منها إلی القصیم، فی سلخ صفر دون أن یحصل له معهم مناوشة، و وصل القصیم فی 2 ربیع أول.
و فی اثنا محرم من هذه السنة وصل إلی بریدة الشیخ یوسف بن عبد اللّه بن إبراهیم، قادما من الحج، و أقام فیها یوما تقریبا، و فی أثناء ذلک أتی إلی بلد عنیزة لزیارة بعض الأصحاب أقام بها یومین.
و فیها حصل فی البصرة فی جمادی الأول قبل أیام الباحورة، و بعدها حرّ شدید هلک بسببه من مدینة البصرة فقط قدر 120 نفس، و حصل فی کثیر من نواحی البصرة ارتجاف فی الأرض، أطول ما بقیت الهزة قدر دقیقة فی المحمرة و الدورة و الفاو و القطعة و أبو الخصیب و حمدان، و استمرت إلی مدة أسبوع تقریبا، و لم یحدث منها ضرر، و ذلک فی أواخر جماد الآخر، فیسمع عند حدوثها دوی کدوی الأطواب.
و فیها- فی أواخر رجب- خرج عبد العزیز بن عبد الرحمن الفصیل بجنوده من العارض و نواحیها إلی الوشم و المحمل و سدیر و أخذ معه غزو القری المذکورة و سار بهم، فلما وصل قریبا من الزلفی، و أرسل عثمان بن ناصر من أهل الزلفی و معه عدة رجال فقتل أمیر الزلفی محمد بن راشد السلمان، ثم إن عبد العزیز الفیصل نزل الزلفی و معه من أهل القصیم السلیم و من تبعهم، و أهل بریدة آل أبا الخیل، و من تبعهم،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 148
و الذی بلغنا أن عدد غزوه من الحضر یبلغ 2500 نفر تقریبا، و ذلک فی أول رمضان.
ثم إن عبد العزیز بن عبد الرحمن بن سعود خابر أهل عنیزة بأن قصده یوجه آل سلیم إلیهم و یجعل معهم من جنده قوة کافیة، بحسب رغبة أهل عنیزة فی القلة أو الکثرة، و قصده أنهم یخونون العهد الذی بینهم و بین عبد العزیز من متعب الرشید، فأبوا ذلک، و أجابوه بأننا ما لنا لازم فی مجی‌ء أحد إلینا، و لا نسمح أن یدخل بلدنا لا السلیم و لا غیرهم ما دام فی أرقابنا بیعة لابن رشید فإن کان أقدرکم اللّه علیه فنحن أول سامع و مطیع لأمرکم، و أما الآن فلا فلم یعذرهم عبد العزیز بن سعود بذلک و تهددهم، فلم یبالوا به فلما یأس منهم ارتحل فی 25 رمضان راجعا إلی العارض، و أبقی فی شقراء جمیع أهل القصیم، و هو و من معه فی جهد جهید من الجوع و ضعف الزملة لأن جهاتهم ممحلة و الطعام فی المحمل و سدیر و الوشم غالی الحنطة الصاعین و التمر خمس وزان أو أقل من هذا السعر فی بعض الجهات.
و کان إذ ذاک الأمیر عبد العزیز بن رشید فی نواحی بریدة لم یصل إلیه الغزو من حائل و لا عنده قوة کافیة للهجوم علی ابن سعود فی الزلفی.
و فی أواخر شوال وصل ماجد آل حمود من حائل و معه غزوهم، و جعل منهم نحو 300 نفر مع حسین الجراد، و نزل حسین بمن معه من الحظر و حرب فی فیضة السر، فی اثنا ذی القعدة فلما کان فی 20 ذی القعدة خرج عبد العزیز بن سعود و معه من أهل العارض و نواحیه نحو 500 نفر و توجه إلی شقراء و أخذ الذی فیها من أهل القصیم و هم نحو 300 و توجه بمن معه.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 149
قصده الإیقاع بحسین الجراد و من معه، فلما کان نهار 28 ذی القعدة کان علی حسین و حرب معه و الحضر الذی معه نحو 300 نفر من أهل حائل، و انهزم حرب و استولی ابن سعود علی ابن جراد و قتله و کثیرا من قومه.
ثم إن ابن سعود رجع من وقعته و وصل شقراء فی 2 ذی الحجة.
و فی وقت السکون کان عبد العزیز بن رشید یلم الشوک و ماجد آل حمود فی بریدة و بعد یأس ابن سعود من أهل عنیزة، أخبر مبارک الصباح بذلک.
و فی أول شوال غدر ابن الصباح بمن عنده من أهل عنیزة و أخذ منهم نحو ستمائة بعیر، و حجته بذلک إما أنکم تساعدوننی علی ابن رشید أو أنی آخذ کل ما وجدت لکم، و جاوبوه بأن أهل عنیزة لا یساعدون ابن رشید و لا یساعدونک، هم یریدون سلامة دینهم و دنیاهم، و لکن هذا جزاک لأهل عنیزة الذین زبنو قومک یوم وقعة الصریف، و هم نحو 700 نفر و زمّلوهم و نهبوهم إلی أن وصلوا إلیک.
و آخر ما کان، صمم ابن صباح علی أکل ما أخذ، و قد حصل علی أهل الوشم و سدیر و المحمل فی هذه السنة کلها بلاء عظیم، من الجوع و القتل و النهب و تلف أکثر القری، و ذلک بسبب الفتن و الضرائب التی یجبرون علی تسلیمها، و توجه منهم خلق کثیر إلی الأحساء و الزبیر مع أن ابن سعود منعهم من الذهاب، و لکن فی الخفیة یرحلون، نسأل اللّه أن یلطف بعباده بمنّه و کرمه.
و فی أول ذی الحجة ابتدأ الحرب بین دولة الروس و الیابان، و هذه
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 150
الدولتین أول من استعمل المناطید الحدیدیة التی تطیر فی البخار فی الجو لکشف حرکات الأعداء.
ثم دخلت سنة 1322 ه «و فی خامس محرم»: أقبل عبد العزیز بن عبد الرحمن بن فیصل بن سعود إلی عنیزة و معه السلیم عبد العزیز بن عبد اللّه الیحیی و صالح بن زامل العبد اللّه و أتباعهم و آل أبا الخیل و أتباعهم، و نوخوا عند الجهیمیة و دخلوا السلیم بمن معهم و معهم آل أبا الخیل للبویطن الساعة لیلا، و تراموا هم و الذین من أهل عنیزة هناک، قتل محمد بن عبد اللّه بن حمد آل محمد البسام و رجل غیره بمناوشة الرمی من بعید، و وصلوا إلی داخل البلد دون معارض، لکون عامة أهل البلد هواهم معهم، و قتل صالح العبد اللّه الیحیی صبرا، و فهید السبهان و اثنین من أتباعه، و نهبوا بیت عبد اللّه آل الرحمن البسام و بیت فهد آل محمد البسام، و بیت محمد العبد اللّه آل إبراهیم البسام، و بعض بیوت قلیلة لناس من أهل البلد.
و أما عبد العزیز بن سعود فإنه جعل بلد عنیزة عن یمینه، و سار بقصد الإیقاع بماجد بن حمود الرشید، و هو إذ ذاک نازل برکن البلد عند باب الحساء، و کان ماجد قد علم بذلک و معه قومه نحو خمسمائة نفر، فأخذ ما خف حمله، و انهزم و تبعه عبد العزیز بن سعود، و حصل بینهم رمی، قتل فیها من قوم ماجد عدة رجال منهم عبید الحمود الرشید.
ثم سار آل مهنا إلی بریدة، و استولوا علیها، و کان فی القصر الأمیر زامل بن رشید بن ضبعان و معه عدد 150 نفر، امتنع عن التسلم لعبد العزیز بن سعود، و أقام محاصرا له مدة ثلاثة أشهر.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 151
و فی آخر ربیع أول سلموا لابن سعود القصر علی أرقابهم، و راحوا إلی ابن رشید، و أسروا حمد بن عبد اللّه الیحیی أمیر عنیزة، و شردوا بقیة آل یحیی الصالح إلی المدینة المنورة، علی ساکنها أفضل الصلاة و السلام.
و طلب آل سلیم من البسام أموالا سلموها لهم هم و عموم أهل البلد و کان إذ ذاک الأمیر عبد العزیز بن متعب الرشید فی السماوة له مخابرة مع الحکومة، و بعد دخول ابن سعود عبد العزیز عنیزة أمّن جمیع آل بسام علی دمائهم و أموالهم، ثم سعوا ببناء سور عنیزة، فلما أتموه و حصنوا البلاد من هجمات ابن رشید.
و فی 13 محرم لیلة الخمیس ثالث عشر حصل فی عنیزة و نواحیها أمطار عظیمة زمن الحصاد، و انهدمت فیها من البیوت 250 بیتا.
و فی 18 محرم قتلوا آل سلیم حمد العبد اللّه الیحیی الصالح غدرا، بعدما عاهدوه أنه إذا سلم لهم 8000 ریال یخلون سبیله، و الذی قتله بعد تسلیم الدراهم صالح العلی السلیم.
و فی 11 صفر من هذه السنة غدر عبد العزیز بن عبد الرحمن السعود فی آل بسام لما رأی تمام سور البلد قبل ارتحاله من عنیزة، و هو مقیم فی رکن السور مما یلی الجنوب، و أرسل علی عبد اللّه العبد الرحمن البسام و ابنه علی و حمد آل محمد العبد العزیز و حمد المحمد العبد الرحمن و محمد العبد اللّه البراهیم، و قال لهم: أریدکم أن تذهبوا للریاض تقیمون عند والدی إلی أن تنتهی هذه الفتنة، أجابوه: لا إن هذا غدر منک بنا بعد العهد، جاوبهم ما هو غدر و لکن جماعتکم و أمیرکم یقولون: ما نقدر
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 152
نحارب ابن رشید و هم عندنا، فأنتم تروحون محشومین مکرومین، و روّحهم حالا علی هذه الصورة.
و قد ورد إلینا الأخبار من طریق الإحساء و البصرة، أنه حصل لهم غایة الإکرام من عبد الرحمن الفیصل، و آل الشیخ و أهل العارض عموما، و قال لهم عبد الرحمن کما قال لهم ابنه عبد العزیز، أن القصد من مجیئکم إلی انتهاء هذه الفتنة.
و لما بلغ الشریف علی بن عبد اللّه بن عون و والی الحجاز أحمد راتب ذهاب آل بسام إلی العارض حالا أرسلوا إلی ابن سعود واحدا من الأشراف، بقصد فکاک الربع و مجیئهم إلی مکة بطریق الترجی، و لکن لم یقبل رجاءهم ابن سعود.
و فی هذه السنة حدثت الکولیرا فی بغداد و البصرة و البحرین و نجد و لکنها خفیفة الوطئة، أما البصرة فالوفیات من 4 إلی 20 یومیا و استمر ذلک نحو شهرین.
و فی محرم و صفر و ربیع الأول حصل فی الهند و مصر جراد و خیفان عظیم أضرّ علی مزروعاتهم ضررا عظیما خصوصا الهند.
و فی سلخ محرم من هذه السنة حصل فی البصرة مطر و برد عظیم أضرّ علی الثمر فی أکثر جهاته، أعنی ثمر النخل، و حصل معه ریح عظیم أطاح فیها من نخیل البصرة شی‌ء کثیر حتی إن الإنسان عند، جریبین طاح منهن عدد 80 نخلة.
و فی ربیع الأول من هذه السنة حدث فی البصرة بسوق السیمر و ما والاه حریق عظیم قدرت خسارته بقدر ستین ألف لیرة.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 153
و فی أول ربیع الأول من هذه السنة مشی الأمیر عبد العزیز بن متعب الرشید من السماوة بمساعدة الدولة له، حیث أمدته بالعساکر، فالذی سار معه 2500 و خیالة عدد 170 و مدافع عدد 8، و ساروا قاصدین القصیم، و کان وصولهم إلیه فی أول ربیع الآخر، فلما قرب من القصیم و علم به عبد العزیز بن سعود و أهل القصیم، خرجوا إلی لقائه، و نزلوا بلد البکیریة، و قرب إلیهم الأمیر عبد العزیز بن رشید- بمن معه من العساکر و أهل حائل و بادیة شمر و حرب، و التحم القتال فیما بینهم یوم الخمیس سلخ ربیع الآخر، قابل ابن سعود و من معه من غزو بلدان المحمل و الوشم و سدیر، العسکر و معهم عبد العزیز بن رشید و بعضا من البادیة، و أما ماجد و معه أهل حائل و بعض البادیة قابلوهم أهل القصیم، و حصل علی ابن سعود کسیرة عظیمة بقدر قتلا قومه عدد کبیر، و أما أهل القصیم فإنهم هزموا ماجد و من معه، و قتل فی هذه الوقعة ماجد بن حمود الرشید، و قمندار العسکر، و قتل من العسکر بعض العسکر و من قوم ابن رشید أیضا.
و بعد هذه الوقعة رجعوا أهل عنیزة و من معهم إلی بلدهم، و کان عبد العزیز بن عبد الرحمن السعود قد أصیب فی یده، و انهزم إلی بلد المذنب، و بعد یومین من الواقعة علموا به أهل عنیزة أنه فی المذنب، فأرسلوا إلیه و أعلموه أن قصدهم الحرب ضد ابن رشید إلی آخر رمق، و رجع إلیهم.
و أما ابن رشید و العسکر فإنهم ساروا إلی نواحی الرس، و نزلوا بلد الشنانة و قصدهم الإیقاع بأهل الرس، فلما علم عبد العزیز بن سعود بذلک، أرسل أخیه محمد و معه جملة من أهل عنیزة و بریدة و غیرهم مددا
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 154
لأهل الرس، أما ابن رشید فإنه قطع نخل الشنانة و هدم بیوتها، و کان نزوله فیها بتاریخ جمادی الأول تقریبا من السنة المذکورة.
و کان بکل هذه المدة یحصل بینه و بین أضداده الذین فی الرس مناوشات سهلة، فلما کان بتاریخ 17 رجب شد ابن رشید بجمیع قوته، قصده التوجه إلی نواحی بریدة، و عندما قرب من قصر ابن عقیّل، رموه و کان به سریة من طرف ابن سعود، و نوّخ قریبا منهم ابن رشید، و رماهم بالطوب و لم یحصل له نتیجة، فلما کان اللیل روّح ابن عقیل خیالا إلی ابن سعود بقول له: إما أن تمدوننا و إلّا نسلم الأمر لابن رشید، و راحت قوة کافیة من الرس، و دخلت قصر ابن عقیل بدون اطلاع ابن رشید باللیل، و فی الصباح صار بینهم رمی، انهزم فیه ابن رشید و العسکر الذی معه، و الذی قتل من جمیع قومه عدد 12 و من قوم ابن سعود و أهل القصیم عدد 8، و أخذوا من ابن رشید جملة دبش و خیام و أسباب و بعد ذلک رجع ابن سعود إلی عنیزة مع جمیع قومه.
و بتاریخ 2 شعبان انکف ابن سعود عبد العزیز بن عبد الرحمن بجمیع غزوه الذی معه من أهل الوشم و سدیر و الحوطة و الحمل إلی العارض، و کان ابن رشید بوقته متوجه إلی جهة الکهفة، و هذه صورة المخابرة التی صارت لقمندار العسکر مع عبد العزیز بن عبد الرحمن بن فیصل بن سعود حین کان هو و قومه فی عنیزة، و جواب عبد العزیز له حرفیّا و ذلک قبل أن یقع بینهم قتال.
فهذا ما کتبه القمندار و نشر فی جریدة اللواء غرة رجب 1322 ه.
جناب المکرم عبد العزیز بن عبد الرحمن الفیصل بعد السلام
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 155
و السؤال عن خاطرکم، نفید جنابکم أن جلالة الخلیفة الأعظم بلغه اضطرام الفتنة فی بلاد النجد، و أن یدا أجنبیة محرکة لها، فلهذا السبب بعثنی إلیکم حقنّا للدماء، و منع تداخل الأجنبی فی بلاد المسلمین، فأنا أنذرک إذا لم تأتنا و تبین الأسباب التی حملتک علی اضرام هذه الفتنة بدون مراجعة أی ولایة من ولایات الدولة، و اقتصارک علی مراجعة صاحب الکویت و أخذ المدد منه، و أنت تعلم علم الیقین أنه خارج عن طاعة الدولة، ناکث لعهد الخلیفة الأعظم، و خائن له فی بلاده، و ما کان ینبغی منک الالتئام معه، و إن قلت أن مجیئی هذا هو فقط لمساعدة ابن رشید فلا تظن هذا الظن، بل اصرفه عن فکرک، و لو فعلت کما فعل ابن رشید و طلبت من الدولة نجدة تقمع شرار الفتنة لکانت الدولة أرسلت عساکرا لمعاونتک حتی تری الصالح و تؤیده، و سواء أنت و ابن الرشید، و أنا الآن لیس لی وظیفة غیر الإصلاح و تقریر ما فیه صلاح البلاد، و أمان العباد، طبقا للحدیث الشریف: إذا تقاتلت فئتان من المسلمین، فأصلحوا بین أخویکم، فإن بغت إحداهما فقاتلوا التی تبغی حتی تفی‌ء إلی أمر اللّه.
فهذا أنا مقیم بأطرافکم إما أن تقدموا إلیّ، و إما أن تستقدمونی و تعرضوا علی ما عندکم لأنظر فیه مع أمراء عساکری، و أسیر بالحکم طبق إرادة مولانا الخلیفة.
فإیاکم و المخالفة، فبذلک تکونوا ممن عصی اللّه و رسوله، و اعلم أنی لم أبرح عن خطة العدل، و الإنصاف، فإن کنت محسنا فالدولة تزیدک إحسانا، و إن کنت مسیئا فتدخل فی مراحم الدولة العثمانیة، و أعطیک مدة عشرة أیام تشاور بها البعید و القریب، و تختار لنفسک ما یصلح لها، و قد
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 156
قال اللّه تعالی: «أَطِیعُوا اللَّهَ وَ أَطِیعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِی الْأَمْرِ مِنْکُمْ»، فمتولی أمرکم الذی تجب له الإطاعة بنص الآیة الشریفة هو خلیفة اللّه و رسوله سلطان آل عثمان.
فأنصحک نصیحة مسلم لمسلم أن تسرع إلی الطاعة، و أحذرک العصیان، و اللّه علی ما نقول وکیل.
تحریره فی 10 ربیع الآخر سنة 1322 ه، کاتبه أمیر الای حسن شکری و هذا جوابه:
جناب المحترم الأمیر الای حسن شکری، فهمنا خطابکم إلی آخره، أما قولک أن أمیر المؤمنین بلغه أمر هذه الفتنة فی البلاد العربیة، و ما هان علیه إلّا إصلاحهما فسبحان اللّه هل تخفی علیه حقیقة الأحوال، أنه هو المضرم لها، و هی غایة مقاصده، و ما الحامل لمبارک الصباح علی التحیز إلی دولة أجنبیة إلّا سوء أفعال محسن باشا والی البصرة، فهو الذی أغراه و أضرم هذه الفتنة، و لذلک لم تبق لی شقة بوالی أو مبعوث ترکی، و إننی مختار لنفسی ما اختاره مبارک الصباح، و الأحسن رجوعک من هذا المکان، و أما قولک أن الخلیفة المعظم بعثک لتنظر الخلاف الواقع بینی و بین ابن الرشید فلیس إلّا لأنکم تریدون غدر إمارتی، و لو کان الأمر کما زعمت لکنت نظرت فی بادی‌ء الأمر لمن تکون بلاد نجد، و لمن کان الأمر علیها من قدیم، و متی کان ابن الرشید أمیرا فیها، و کیف دخل هذه الإمارة، و أحواله لا تخفی علیکم، و لیس له حق فی المنازعة، و کان یمکنکم التداخل منذ أربع سنوات فی بادی‌ء الأمر، قبل اسفحاله، و قبل أن یداخلنا الشک فی سوء أفعالکم، و أما الآن فلم نقبل لکم نصیحة، و لا
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 157
نعترف لکم بسیادة، و الأحسن أنک ترجع من هذا المکان، إذا کنت لا تود سفک الدماء فإن تعدیت مکانک هذا مقبلا إلینا، فلا شک أننا نعاملک معاملة المعتدین علینا، و قد قال اللّه تعالی: فَمَنِ اعْتَدی عَلَیْکُمْ فَاعْتَدُوا عَلَیْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدی عَلَیْکُمْ [البقرة: 194]، فإن کنت حرا منصفا فلا یخفاک أن سبب عدم إطاعتی هو عدم ثقتی بکم، انظر إلی ولایة البصرة و کیف فرّطت فی الکویت و انظر إلی والی الیمن کیف سلوکه فی الیمن، فإنه أضرم فیها الفتنة، و انظر إلی الحجاز و أهله التعساء و ما یلاقونه هم و حجاج بیت اللّه الحرام من السلب و النهب فی نفس البلاد من الحکام، فأی نصیحة تبدیها لی یا حضرة الأمیر مع ما أراه من سوء المقاصد فی البلاد و خبث نیات العمال.
و أمنیة عموم المسلمین و هی أن یهی‌ء اللّه لهم من یحمی صنیعتهم و یعلی شأنهم، و أظن أنک لا تجهل جمیع الأموال التی عرضتها علیک، و خلاصة القول: أن کل العمال الذین رأیناهم خائنون منافقون، فلا طاعة لکم علینا، بل نراکم کسائر الدول الأجنبیة.
عبد العزیز بن سعود.
و فی هذه السنة اشتد البرد فی جمیع الجهات فی أوروبا و العراق و الهند و غیرها، بحیث إنه أضر علی المزروعات الشتویة فی الجهات المذکورة، و علی عسبان النخیل فی البصرة، و ذلک فی شوال و ذی القعدة سنة 1322 ه، مات فی البصرة من شدة البرد عدد 6، و مات فی طریق بغداد عدد 30، و مات فی أوروبا خلق کثیر من شدة البرد و جمد کثیر من الأبحر.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 158
و فی شهر ذی القعدة من هذه السنة توفی الشیخ عبد اللّه بن عایض فی بلد عنیزة رحمه اللّه تعالی.
و فی 3 ذی القعدة سنة 1322 ه، ورد نیل لوالی البصرة أحمد مخلص باشا من السلطان أمره فیه بالقبض علی محمد و عبد اللّه أولاد عوید الشعیبی، و علی خادم سلیمان الشبیلی حمد الحماد، و لزمهم بوقته و سفّرهم إلی الآستانة فی 11 ذی القعدة من طریق بغداد حذر الحفض، و ذلک من سبب فتن نجد مشتکی علیهم عبد العزیز بن رشید.
و فی ذی القعدة توجهت العساکر من السماوة إلی نجد عدد 6 طابور مع مشیر بغداد فیضی باشا.
و فی 3 ذی الحجة وصل عبد الرحمن الفیصل، و مبارک الصباح إلی عند الرافضیة عن الزبیر قدر 4 ساعات، لأجل مواجهة والی البصرة، و ظهر إلی عندهم فی 5 ذی الحجة استقام عندهم 4 ساعات، و رجع إلی البصرة، طلب منه عبد الرحمن أن الدولة تجعله قیم مقام فی نجد، و تضع عنده من العسکر الذی هی ترید، و قدم له جملة مکاتیب من أهالی نجد علی زعمه، یطلبون فیها من الدولة رفع سلطة ابن رشید عنهم.
و جاوبه الوالی بعدم إجابة طلبه، و رجع عبد الرحمن الفیصل و مبارک الصباح من عند الوالی عن غیر رضا و أقام عبد الرحمن عند ابن صباح اثنا محرم سنة 1323 ه یراجع ابنه عبد العزیز و عبد العزیز فی العارض، ثم توجه من عنده دون أن ینال مرغوبه من الحکومة، لا معاش و لا غیره.
و فی 8 ذی الحجة 1322 ه وصل البحرین أربعة مراکب انکلیزیة حربیة، و طلبوا علی بن أحمد بن علی بن خلیفة، فانهزم إلی قطر خوفا
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 159
منهم بسبب دقته الجرمین، و نهبوا الإنکلیز جمیع ما فی بیته و خیله و رکابه .
و فی 24 ذی الحجة سنة 1322 ه ظهر عسکر من المدینة طابور 3 و 2700 نفر إلی القصیم مع صدقی باشا.
و فی 15 محرم 1323 ه وصل سلیمان الشبیلی شارد من عنیزة، هو و أهل ثلاث رکائب معه إلی الکویت، محاذرة من المشیر و الأمیر عبد العزیز بن رشید و عنیزة إذ ذاک محاصر.
و فی 22 محرم سفّرت الحکومة إلی الآستانة حمد العسافی و شکری و ثابت أولاد الألوسی، و عفت عنهم عند وصولهم الموصل، و رجعوا لبغداد فی سلخ ربیع الآخر.
و فی سلخ محرم من السنة 1323 ه حصل زلازل عظیمة فی نواحی بانجاب من دتی إلی لاهور إلی سملاء، انهدم فیها مبانی کثیرة، و هلک نتیجة الهدم خلق کثیر، و استمرت مدة أیام، و الذی هلک فیها 25000 نفس تقریبا.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 161

ذکر ما اشتملت علیه جزیرة العرب من الأقسام و النواحی‌

قال المدائنی: جزیرة العرب تشمل علی خمسة أقسام: تهامة، و نجد، و الحجاز، و عروض، و یمن.
فتهامة: هی الناحیة الجنوبیة عن الحجاز، و نجد: هی الناحیة التی بین الحجاز و العراق، و الحجاز: هو ما بین نجد و تهامة، و هو جبل یقبل من الیمن حتی یتصل بالشام، و سمی حجازا لحجزه بین نجد و تهامة، و العروض: هی الیمامة التی إلی البحرین. و قال أبو عبیدة: الحجاز هو ما بین الجحفة و جبل طی‌ء، و إنما سمی حجازا لحجزه بین النجد و الغور.
و حکی ابن قتیبة عن الریاشی عن الأصمعی أنه قال: إذا خلّفت حجازا صعداء فقد أنجدت فلا تزال منجدا حتی تنحدر من ثنایا ذات عرق، فإذا فعلت فقد اتهمت إلی البحر. و إذا عرضت لک الحرار و أنت منجد فتلک الحجاز، و إذا تصوبت من ثنایا العرج، و استقبلک المرخ و الآراک فقد اتهمت.
و قال محمد بن عبد الملک الأسدی: حد الحجاز الأول بطن نخلة، و ظهر حرة لیلی، و الحد الثانی: مما یلی الشام شعب و بداء. و الحد
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 162
الثالث: مما یلی تهامة بدر و السقیاء و رهاط و عکاظ. و الحد الرابع: شابة و ودّان، ثم ینحدر إلی الحد الأول.
و أما الشام و الیمن فمن الید الیمنی و اید الشومی، و هی الشمال، لأن الذی یستقبل الشمس یکون الیمن عن یمینه و الشام الشمال.
ذکر بعض بلدان جزیرة العرب و مسافاتها، و عدد نفوس رجالها تقریبا، و تحریر ذلک فی 1320 ه و قیاس المسافات بالمیل الذی هو عن أربعة آلاف ذراع بالتقریب.
فأقول أولا القصیم:
عنیزة: هی أکبر بلاد بنجد و أغناها، و هی أشهر بلاد فی القصیم، نفوس رجالها 3000. بعدها عن مکة المشرفة نحو 500 میل، و عن المدینة المنورة 350 میل، و عن البصرة 400 میل.
- بریدة و ملحقاتها:/ عدد رجالها:/ بعدها عن عنیزة
5000/ 20 میل
البکیریة/ 500/ 25
الهلالیة 150/ 25
الخبراء/ 400/ 27
البدائع/ 400/ 20
الرس و ملحقاته/ 700/ 35
المذنب/ 500/ 30
النبهانیة/ 200/ 60
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 163
- بریدة و ملحقاتها:/ عدد رجالها:/ بعدها عن عنیزة
قصیباء عن عنیزة شمالا/ 000/ 35
عین بن فهید عن عنیزة شمالا/ 150 40
- سدیر: قاعدة سدیر المجمعة، و یقال لها هی و حرمة منیخ:
آل المجمعة بعدها عن عنیزة جنوبا/ 700/ 100
جلاجل مع حلال فیه جنوب المجمعة عنها مسافة/ 500/ 25
التویم جنوب جلاجل عن جلاجل/ 200/ 008
الداخلة عن التویم جنوب مسافة/ 030/ 004
الروضة عن الداخلة شرق/ 300/ 00
الحصون عن الروضة/ 070/ 004
الحوطة شرق الحصون عنها و هی حوطة سدیر/ 200/ 004
الجنوبیة جنوب الحوطة/ 100/ 002
العطار شرق الجنوبیة عنها/ 100/ 004
العودة عن العطار شرق عنها/ 250/ 008
الخطامة عن التویم مطلع عنها/ 050/ 008
عشیرة شرق الخطامة عنها/ 250/ 008
تمیریم مجزّل عن عشیرة/ 300/ 024
حرمة شمال المجمعة/ 200/ 01
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 164
- بریدة و ملحقاتها:/ عدد رجالها:/ بعدها عن عنیزة
الخیس عن المجمعة هیف عنها مسافة/ 050/ 20
الرویضة عن الخیس/ 070/ 02
الغاط عن المجمعة/ 200/ 20
الزلفی عن الغاط شمال نفوسه مع ملحقاته العقل/ 900/ 20
و هذه بلدان الوشم قاعدة الوشم شعراء، و الوشم جنوب سدیر:
شقراء بعدها عن بلد عنیزة
مسافة جنوب/ 1000/ 160
أشیقر عن شقراء و عن الحریفة
5 ساعات/ 300/ 08
الفرعة عن أشیقر جنوب مسافة
رمیة سهم/ 140/ 00
القرائن الدقف و غسله عن
شقراء مسافة/ 350/ 05
وثیفیة عن القرائن/ 200/ 20
ثرمدا عن وثیفیة/ 400/ 08
مرات عن وثیفیة/ 250/ 08
القصب عن شقراء شرق/ 350/ 18
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 165
- بریدة و ملحقاتها:/ عدد رجالها:/ بعدها عن عنیزة
الحریق عن روضة سدیر جنوب/ 150/ 20
الجریفة عن جلاجل/ 040/ 20
البرّة عن ثرمدا جنوب/ 070/ 36
ضرما عدة قصور و مزارع یقال
المزاحمیات/ 1000/ 28
- المحمل: اسم لبلد ثادق و الصفرات و البیر و یقال لها اللهزوم.
ثادق عن القصب و عن عودة
سدیر مرحله/ 400/ 24
الصفّرات بلا دین عن ثادق/ 150/ 08
البیر جنوب الصفرات/ 070/ 04
رغبة جنوب ثرمدا/ 200/ 20
الشعیب اسم لما یأتی
حریملا عن ثادق/ 500/ 24
القرنیة عن حریملا/ 150/ 06
ملهم عن القرنیة/ 400/ 08
- العارض: اسم لعدّة بلدان و قاعدته.
الریاض مسافته عن بلد عنیزة
أمیال جنوب/ 3000/ 320
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 166
- بریدة و ملحقاتها:/ عدد رجالها:/ بعدها عن عنیزة
منفوحة عن العارض مسافته جنوب/ 250/ 04
المصانع جنوب منفوحة/ 250/ 04
حائر سبیع جنوب العارض/ 200/ 24
عرقة شمال العارض/ 200/ 08
الدرعیة عن العارض/ 400/ 12
العماریّة عن العارض/ 050/ 12
أبا الکباش عن العارض/ 050/ 12
الجبلیة عن الدرعیة خاربة/ 000/ 12
العینیة خاربة و هی لحام الجبیلة/ 000/ 12
سدوس شمال العارض/ 120/ 45
- بلاد الخرج الدلم عن العارض جنوب بعده نحو 80 میل:
الدلم عن الیمامة/ 900/ 20
زمیقة عن الدلم/ 050/ 02
نعجان عن الیمامة/ 100/ 08
الیمامة جنوب السلمیة/ 250/ 04
السلمیة هی أول بلاد الخرج عن العارض/ 300/ 35
الحریق بعده عن الحوطة
6 ساعات/ 600/ 24
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 167
- بریدة و ملحقاتها:/ عدد رجالها:/ بعدها عن عنیزة
نعام عن الحریق/ 250/ 24
الفیجر عن الحریق/ 100/ 04
وادی الدواسر: قرّی عدیدة، منها الأفلاج، و هی لیلی و عویرض فیه قری عدیدة و نخل کثیر:
لیلی عن عویریض/ 300/ 08
مسیح آل حامد عن لیلی/ 300/ 08
و الوادی اللدام عن السیح/ 300/ 20
السّلیّل عن اللدام/ 500/ 22
فرعة الوداعین عن السّلیّل/ 300/ 22
تمرة عن الفرعة/ 150/ 08
حوطة بنی تمیم جنوب الدلم
عنها مسافة/ 4000/ 48
الحلوة/ 600/ 00
العرض قرّی کثیرة جنوب شقراء
أشهره القویعیة/ 1000/ 80
الرویضة غرب القویعیة/ 300/ 30
الشعراء عن الدوادمی قبله/ 300/ 40
الدوادمی قبلة شقراء/ 250/ 96
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 168
اعلم أن مساکن العرب القدیمة التی درجوا منها إلی سائر الأقطار، کانت بجزیرة العرب الواقعة فی أوسط المعمورة، و أعدل أماکنه، و أفضل بقاعه، حیث الکعبة المعظّمة و المدینة المنورة، و ما حول ذلک من الأماکن، و هذه الجزیرة متسعة الأرجاء، ممتدة الأطراف، یحیط بها من جهة الغرب بعض بادیة الشام، حیث البلقاء إلی أیلة، ثم بحر القلزم الآخذ من أیلة، حیث العقبة الموجودة بطریق حجاج مصر إلی الحجاز إلی أطراف الیمن، حیث طی‌ء و زبید و ما داناهما، و من جهة الجنوب إلی عدن إلی أطراف الیمن، حیث بلاد مهرة من ظفار و ما حولها. و من جهة الشرق بحر فارس الخارج من بحر الهند إلی جهة الشمال إلی بلاد البحرین، ثم إلی البصرة، ثم إلی الکوفة من بلاد العراق، و من جهة الشمال الفرات آخذا من الکوفة علی حدود العراق إلی بالس من بلاد الجزیرة الفراتیة، إلی البلقاء من بریة الشام، حیث وقع الابتداء.
و الحاصل أن السائر علی حدود جزیرة العرب، یسیر من أطراف بریّة الشام من البلقاء جنوبا إلی أیلة، ثم یسیر علی شاطی‌ء بحر القلزم و هو مستقبل الجنوب و البحر عن یمینه إلی مدین إلی ینبع إلی الیروة إلی جدة إلی أول الیمن إلی زبید إلی أطراف الیمن من جهة الجنوب، ثم یعطف مشرقا و یسیر علی ساحل الیمن، و بحر الهند علی یمینه حتی یمر علی عدن، و یجاوزها حتی یصل إلی سواحل ظفار من مشاریف الیمن إلی سواحل مهرة، ثم یعطف شمالا، و یسیر علی سواحل الیمن و بحر فارس علی یمینه، و یتجاوز سواحل مهرة، ثم یعطف شمالا، و یسیر علی سواحل الیمن و بحر فارس علی یمینه، و یتجاوز سواحل مهرة إلی عمان إلی جزیرة أوال إلی القطیف إلی کاظمة إلی البصرة إلی الکوفة، ثم یعطف إلی الغرب
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 169
و یفارق بحر فارس، و یسیر و العراق عن یمینه إلی سلیمة إلی البلقاء، حیث بدأ کذا فی نهایة الإرب.
و قال أبو عبیدة: جزیرة العرب فی الطول ما بین حفر أبی موسی إلی أقصی الیمن، و فی العرض ما بین یبرین إلی السماوة.
و قال الأصمعی: هی ما بین نجران و العذیب، حکاه ابن قتیبة عن الریاشی عنه قال. و حکی عنه أبو عبیدة أنها فی الطول من أقصی عدن إلی ریف العراق، و فی العرض من جدة و ما والاها من طران البر إلی طران الشام، و أنت تعلم أن هذه الأقوال کلها متقاربة.
***
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 171

مختصرات مساحة جزیرة العرب‌

اشارة

دور هذه الجزیرة علی ما ذکره السلطان عماد الدین صاحب حماة فی تقویم البلدان. سبعة أشهر و أحد عشر یوما تقریبا بسیر الأثقال، فمن البلقاء إلی الشراة نحو ثلاثة أیام، و من الشراة إلی أیلة نحو ثلاثة أیام، و من أیلة إلی الجار و هی فرضة المدینة المنورة نحو عشرین یوما، و من الجار إلی ساحل الجحفة نحو ثلاثة أیام، و من ساحل الجحفة إلی جدة، و هی فرضة مکة المشرفة ثلاثة أیام، و من جدة إلی عدن نحو من شهر، و من عدن إلی سواحل مهرة نحو من شهر، و من مهرة إلی عمان نحو من شهر، و من عمان إلی هجر نحو من شهر، و من هجر إلی عبادان من العراق نحو خمسة عشر یوما، و من عبادان إلی بصرة نحو یومین، و من البصرة إلی الکوفة نحو اثنتی عشر مرحلة، و من الکوفة إلی بالس نحو عشرین یوما، و من بالس إلی سلمیة نحو سبعة أیام، و من سلمیة إلی مشاریف غوطة دمشق نحو أربعة أیام، و من مشاریف غوطة دمشق إلی مشاریف حوران نحو ثلاثة أیام، و من مشاریف حوران إلی البلقاء نحو ستة أیام، فهذا هو الدور المحیط بجزیرة العرب.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 172

وجه تسمیة هذه الجزیرة بجزیرة العرب‌

اعلم أن الجزیرة فی أصل اللغة ما ارتفع عن الماء، آخذا من الجزر الذی هو ضد المد، ثم توسع فیه، فأطلق علی کل ما دار علیه الماء، و لما کان هذا القطر یحیط به بحر القلزم من جهة الغرب، و بحر الهند من جهة الجنوب، و بحر فارس من جهة الشرق، و الفوات من جهة الشمال.
أطلق علیه جزیرة و إن کان له اتصال بالبر، و ذلک علی سبیل التشبیه و المجاز المشحون من کلام الفصحاء، لأن العرب لم یفرّقوا بین الجزیرة و شبهها کما زعمه بعض المؤلّفین الذین لم یقفوا علی أسرار کلامهم، و أضیفت إلی العرب لنزولهم بها ابتداء و سکناهم فیها.
قال فی کتاب لسان العرب:
- و اللّهاب، و اللهباء: موضعان، اللهیب موضع، قال الأفوه:
و جرّد جمعنا بیضا خفافا،علی جنبی تضارع فاللهیب
- و اللهابه: واد بناحیة الشواجن، فیه رکایا عذبة یخترقه طریق فلج.
- و الوقبی: ماء لبین ماء ون، قال أبو الغول الطّهویّ:
هم منعوا حمی الوقبی بضرب‌یؤلّف بین أشتات المنون
- المرّوت: بلد لباهلة و عزاه الفرزدق و البعیث إلی کلیب فقال الفرزدق:
تقول کلیب حین متّت جلودهاو أخصب من مرّوتها کلّ جانب
و قال فی الصحاح المروت بالتشدید: اسم واد.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 173
و قال البعیث:
أن أخصبت معزی عطیّة و أرتعت‌تلاعا من المرّوت أحوی جمیعها
- هرامیت: آبار مجتمعة بناحیة الدهناء، زعموا أن النعمان بن عاد احتفرها، و قال الأصمعی: أنها عن یسار ضریّة، و هی قریة رکایا یقال لها هرامیت و حولها حفار و أنشد: بقایا جفاد من هرامیت نزّح.
الحارث قلّة من قلل الجولان، و هو جبل بالشام، فی قول النابغة الذبیانی یرثی النّعمان بن المنذر:
بکی حارث الجولان من فقد ربّه‌و حوران منه خائف متصائل
- الداث: أنشد ابن الأعرابی:
أصدرها عن طثرة الدّات‌صاحب لیل خرش التبعات
- مغیث: ماوان (ماء ملح، محلّه بین معدن النقرة و الربذة)، و مغیثة رکیة أخری عذبة الماء، و هی إحدی مناهل الطریق مما یلی القادسیة، و أنشد أبو عمرو:
شر بن من ماوان ماء مرّاو من مغیث مثله أو شرّا
- ترج مأسدة: ناحیة الغور، قال أبو ذؤیب:
کأن [...] ینازلهم لنابیه قبیب
و وفد إلی النبی صلّی اللّه علیه و سلم من الیمن. فقالوا: یا رسول اللّه، أحیانا اللّه ببیتین من شعر امری‌ء القیس ابن حجر. قال: و کیف ذلک، قالوا: أقبلنا
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 174
نریدک، فضللنا الطریق فبقینا ثلاثا بغیر ماء، فاستضللنا بالطلح و السّمر، فأقبل راکب متلثّم بعمامة و تمثل الرجل ببیتین و هما:
و لمّا رأت أن الشریعة همّها،و أنّ البیاض من فرائضها دامی
تیممت العین التی عند ضارج،یفی‌ء علیه الطّلح عرمضها طامی
فقال الرکب من یقول هذا الشعر، قال امری‌ء القیس بن حجر، قال و اللّه ما کذب، هذا ضارج عندکم، قال فجثونا علی الرّکب إلی ماء کما ذکر، و علیه العرمض یفی‌ء علیه الطّلح، فشربنا ریّنا، و حملنا ما یکفینا و یبلغنا الطریق.
فقال النبی صلّی اللّه علیه و سلم: ذاک رجل مذکور فی الدنیا، شریف فیها، منسیّ فی الآخرة، خامل فیها، یجی‌ء یوم القیامة معه لواء الشعراء إلی النار.
و ضارج موضع فی بلاد بنی عبس.
و قال امرؤ القیس:
بعینیّ ظعن الحیّ لما تحمّلوالدی جانب الأفلاج من جنب تیمرا
- وجّ: بلد بالطائف. و قیل هی الطائف. قال أبو الهندی و اسمه عبد المؤمن بن عبد القدوس:
فإن تسق من أعناب وجّ فإننالنا العین تجری من کسیس و من خمر
الکسیس نبیذ التمر. و قال لبید:
لمن طلل تضمّنه أثاک،فرحة، فالمرانة، فالخیاک
قال ابن مقبل:
فأضحی له جلب بأکناف شرمةأجشّ سماکی من الوبل أفضح
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 175
الأجش الذی فی رعده غلظ، و السماکیّ الذی مصر بنوء السماک، و شرمة موضع بعینه، و أکنافها نواحیها، و الجلب السحاب، و الأفضح الأبیض.
- أضاخ: موضع، قال امرؤ القیس یصف سحابا:
فلما أن دنا القفا أضارخ‌وهت أعجاز ریقه فحارا
- دمخ: اسم جبل، قال طهمان بن عمرو الکلابی، و هو فی ناحیة ضریّة:
عذرتک یا عینی الصحیحة بالبکافمالک یا عوراء و الهملان
خلیلی لیس الرأی فی صدر واحدأشیرا علی الیوم ما تریان
کفی حزنا أنّی تطاللت کی أری‌ذری قلّتی دمغ فما تریان
- ثرمداء: موضعات، قال حاتم طی‌ء:
إلی الشّعب من أعلی مشار، فثرمد،فیلدة، مبنی سنبیس لابنة العمر
و قال علقمة:
و ما أنت أمّا ذکرها ربعیّةیخطّ لها من ثرمداء قلیب
قال أبو منصور ثرمداء: ماء لبنی سعد فی وادی السّتارین، قد وردته یسقی منه بالعقال لقرب قعره، و ثرمد موضع فی دیار بنی أسد.
- رامة و العاقلی: قال ذو الرمّة:
لمن الدیار برامتین فعاقل‌درست و غیّر آیها القطر
- فید: قال فیه زهیر:
ثم استمرّوا، و قالوا: إنّ مشربکم‌ماء بشرقیّ سلمی فید اورکک
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 176
- الأمراج: موضع فی مشعر الأسود بن یعفر:
بالجوّ فالأمراج حول مفامر،فبضارج، فقصیمة الطّرّاد
و قال فی الکامل یوم الشقیقة بین بنی شیبان و ضبة بزاد، قتل فیه بسطام بن قیس، سید بنی شیبان، و لم یبق فی بکر بن وائل بیت إلّا و ألقی لقتله لعلو محله، و الشقیقة أرض صلبة بین جبلی رمل، و الحسنان نقوا رمل کانت الوقعة عندهما، و هما فی القصیم، و قال شمعلة بن أخضر بن هبیرة الضنی بذکره:
و یوم شقیقة الحسنین لاقت‌بنو شیبان آهالا قصارا
شککنا بالرماح، و هن زورصماخی کبشهم حتی استدارا
و أوجزناه اسمر ذا کعوب‌یشبّه طوله مسدا مغارا
- بطن ساق: موضع قال زهیر:
عفا من آل لیلی بطن ساق‌فاکبثة العجالز فالقصیم
- الجرد: بالتحریک جبل فی دیار بنی سلیم، و جرد القصیم فی طریق مکة من البصرة علی مرحلة من القریتین، و القریتان دون رامة بمرحلة، ثم أمّرة الحمی، ثم طخفة، ثم ضریة، و أنشد ابن السکیت فی جرد القصیم:
یا زیّها الیوم علی مبین‌علی من جرد القصیم
- جمع: هو المزدلفة، و هو قزح، و هو المشعر، سمی جمعا لاجتماع الناس فیه و قیل:
تمنّی أن یری لیلی بجمع‌لیسکن قلبه مما یعانی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 177 فلما أن رآها خوّلته‌بعادا فتّ فی عضد الأمانی
إذا سمح الزمان بها و ضنّت‌علیّ فأی ذنب للزمانی
- الحویّاء: قال أبو محمد الهمدانی: وادی الحویّاء: واد فی رمل عبد اللّه بن کلاب، و الحویاء ماءة فی حقف رملة لعبد اللّه بن کلاب. قال أعرابیّ:
قلت ناقتی ماء الحویّاء و اعتدت‌کثیرا إلی ماء النقیب حنینها
و لو لا عداة الناس أن یشمتوا بناإذا لرأتنی فی الحنین أعینها
- الحیرة: مدینة کانت علی ثلاثة أمیال من الکوفة، علی موضع یقال له النجف، زعموا أن بحر فارس کان یتصل به، و بالحیرة الخورنق بقرب منها مما یلی الشرق علی نحو میل، و السدیر فی وسط البرّیّة التی بینها و بین الشام کانت مسکن ملوک العرب فی الجاهلیة، من زمن نصر، ثم من لخم النعمان و آبائه، قال عاصم بن عمر:
صبحنا الحیرة الروحاء خیلاو رجلا فوق اثباج الرکاب
حضرنا فی نواحیها قصورامشرّفة کأضراس الکلاب
- خزار و خزاری: قال بعضهم هو جبل بین منعج و عاقل بإزاء حمی ضریة، قال: و مصعدهم کی یقطعوا بطن منعج فضاق بهم ذرعا خزاز و عاقل. و قال النمیری هو رجل من بنی ظالم یقال له الدهقان، فقال:
أنشد الدار بعطفی منعج‌و خزاز نشدة الباغی المضل
قد مضی خولان مذ عهدی بهاو استهلّت نصف حول مقتبل
فهی خرساء إذا کلّمتهاو یشوق العین عرفان الطّلل
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 178
قال أبو عبیدة: یوم خزاز بعقب السّلان و کیر و خزاز و متالع أجبال ثلاثة قریب من بعضها، و قال أبو زیاد هما خزازان، و هما هضبتان طویلتان بین أبانین جبل بنی أسد، و بین مهب الجنوب علی مسیرة یومین بواد یقال له منعج، و هما بین بلاد بنی عامر، و بلاد بنی أسد.
- رامة: هی منزل بینه و بین الرّمادة لیلة، و منه إلی إمّرة و هی آخر بلاد بنی تمیم، و بین رامة، و بین البصرة اثنا عشرة مرحلة، و قال جریر:
حی الغداة برامة الأطلالارسما تحمّل أهله فأحالا
إن السوارة و العوادی غادرت‌للریح مخترقا به و مجالا
لم ألق مثلک بعد عصدک منزلافسقیت من سبل السّماک سجالا
أصبحت بعد جمیع أهلک دمنةقفرا، و کنت محلّة محلالا
الرّسّ: و قال الزمخشری، قال علیّ: الرس من أودیة القبلیة، و قال غیره الرس ماء لبنی منقذ بن أعیاء من بنی أسد. قال زهیر:
لمن طلل کالوحی عاف منازله‌عفا الرس منه فالرّسیس فعاقله
و قال الأصمعی الرس و الرسیس، فالرس‌أعیاء رهط حمّاس، و الرسیس لبنی أسد قرب الرس
- روضة عنیزة:
خلیلیّ أنا یوم روض عنیزةرأینا الهوی من کل جفن و محجر
و قال کعب بن زهیر:
و زحزحن بین أدانی الغضی‌و بین عنیزة شوطا بطیئا
***
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 179
قال السید السمهودی، نزیل المدینة المنورة، فی کتابه «خلاصة الوفی فی أخبار دار المصطفی صلّی اللّه علیه و سلم»: الشّرف: حماه عمر رضی اللّه عنه و هو موضع بکبد، قال نص الشرف کبد نجد، و قال الأصمعی: الشرف کبد نجد، و کانت منازل بنی آکل المرار، و فیها الیوم حمی ضریّة، و ضریة قریة سمیت باسم بئر یقال لها ضریة. و قال ابن الکلبی: سمیت ضریة بضریة بنت نزار و هی أمّ حلوان بن عمران بن الحافی بن قضاعة.
و قال الأصمعی: و یقال ضریة بنت ربیعة بن نزار، و نقل المجد أن أشهر الأحماء حمی ضریة، و کان حمی کلیب بن وائل فیما یزعم بعض البادیة، قال و ذلک مشهور عندنا بالبادیة، یرویه کابر عن کابر، و فی ناحیة منه قبر کلیب معروف إلی الآن.
البکرة: ماء من میاه بنی ضبة، اشتراه عثمان بن عفان رضی اللّه عنه لأجل الصدقة، کان أدنی میاه غنی، إلی ضریة عند هضبات یقال لها البکرات، علی نحو عشرة أمیال من ضریة، و حفر عثمان عینا فی ناحیة أرض غنیّ خارجة عن الحمی، بناحیة الماء الذی یقال له نفی علی نحو خمسة عشر میلا من أضاخ، و ابتنی عماله عندها قصرا أثره بیّن قرب واردات، فقیل إنها لم تجر فترکها العمال، فلم یحرک ذلک السبخ إلی الیوم، و دفنت غنیّ فی فتنة ابن الزبیر عنصر العین.
و کلما سفل من أضاخ فی شرقیها تمیمی، و أدنی میاه بنی تمیم إلی أضاخ ماء یقال له أضیّح، لبنی الهجیم دفن منذ دهر، فقال ناس من بنی عبد اللّه بن عامر لأصحاب لهم من بنی الهجیم: نحن نستسقی لکم آل عثمان بنفی فرغبوا فی ذلک فأجابهم آل عثمان، و بلغ الخبر من یلیهم
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 180
من غنی، فتواعدوا أن ینزلوا أدنی منازلهم من نفی، فاجتمع منهم جمع کثیف، و علم بنو الهجیم أنهم إن ثبتوا یعظّم البلاد، فظعنوا لیلا إلی بلادهم، و خاف بعضهم أن یدرک، فترکوا الرحی و ما ثقل و بهما فی أرباقة یعنی العری التی یشدّ بها البهم، فغضب أصهار الهجیمیین فقالوا لآل عثمان بن عفان: نحن نجی‌ء لکن بخیار تمیم و مشایخ أضاخ یشهدون لکم، فاستعدی آل عثمان الحسن بن زید علی غنی، و سألوه المحاکمة باضاخ لقربها من بنی تمیم، و وکلّ آل عثمان عبد اللّه بن عمرو بن عنبسة العثمانی، فاجتمعوا عند أبی مطرف عامل الحسن بأضاخ و ولی الخصومة من غنی رجل یقال له ابن ثعلبة أحد بنی عمرو، فصار کلما جاء العثمانی بشاهد من تمیم جاءه الغنوی بشاهدین یجرحانه من قیس، فلحق العثمانی بأهله فلم یزل نفی مواتا. و هذه الخصومة فی سنة خمسة أو إحدی و خمسین و مائة و احتفر عبد اللّه بن مطیع حفیرة بشعبی و ماؤهم یسمی الثریا.
- جبل البستان: علی طریق البصرة أحمر مستطیل فیه ثنایا تسلک، و منه طریق البصرة بینه و بین امّرة خمسة أمیال، و هو فی دار غنی فی ناحیة هضب الأشیق، و بالأشیق میاه منها الریان فی أصل جبل أحمر طویل، و من هضب الأشیق هضبة فی ناحیة عرفجاء یقال لها الشیماء، و فی غربی الأشیق سواج.
و متالع جبل أحمر عظیم عن یمین امّرة علی ثلاثة أمیال منها، و النتأة بینهما من أکرم أعلام العرب، و لما ولی خلید العبسی خال الولید عمل ضریة نزلها و حفر فی جوف النتأة فی حق غنی حفیرة، فلما ولی بنو العباس هدمت غنی تلک الحفیرة، و سووها بالأرض.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 181
و لبنی عبس ماءة فی شعب یقال له الأسودة، و لهم بالحمی ماء یقال له صحح، و لهم الحساءة بها تحل کثیر، و لهم میاه أخر، ثم الأقعسی ثم تلیه هضبات تدعی قطیات فی إقبال النیر، ثم یلیها هضبات یقال لها العرائس فی بلد کریم کم الوضح فی إقبال النیر ثم بین العرائس جبل یقال له عمود الکود، ثم شعر جبل عظیم فی ناحیة الوضح و عنده ماء یقال له الشطون، أکثر الشعراء ذکره، قال الحضری:
سقی اللّه الشطون شطون شعرو ما بین الکواکب و الغدیر
و عن یسار العرائس بالوضح جبال بینهن أرباء صغار سود علاهن الرمل مشرفات علی واد یقال له مهزول، و هو فی إقبال النیر، و هنّ یسمّین الغثاغث، ثم یلی الغثاغث ذو غثث، واد یصب فیه وادی مدعی، و هو بناحیة الحمی، ثم یلیه نضاد، و هو بطرف النیر الشرقی فی حقوق غنی، ثم النیر جبال کثیرة سود بعضها إلی بعض.
- أضاخ: کغراب آخره معجمة، و قد تبدّل همزته واوا، سوق علی لیلة من عرفجاء.
- زرود: بالفتح ثم الضم آخره دال مهملة موضع بقرب أبرق العزاف.
- السّر، بالکسر: موضع بنجد لبنی أسد، و موضع فی بلاد بنی تمیم، و السر بالضم موضع بالحجاز فی دیار مزینة.
- سواج: بالضم آخره جیم، من جبال ضریة، تأویه الجن، و یقال له سواج طخفة.
- کشب: بالمعجمة، ککتب، جبل أسود تعرف به ناحیته.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 182
- منعج: بفتح المیم و سکون النون و کسر العین المهملة، و روی بفتحها، و سماه الهجری منجع بتقدیم الجیم علی العین، واد فیه أملاک لغنی بین أضاخ و أمّرة بناحیة حمی ضریة. و قال المجد: هو موضع بحمی ضریة: و واد لبنی أسد کثیر المیاه.
- أبرق العزاف: بعین مهملة، ثم زای مشددة، و آخره فاء بین المدینة و الربذة علی عشرین میلا منها، به آبار قدیمة غلیظة الماء، سمی بذلک لأنه کان یسمع به عزیف الجن، أی أصواتهم.
- الداث: واد عظیم بین أعلاه و بین ضریة نحو ثمانیة أمیال.
***
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 183
الحمد للّه‌

[منقول من معجم البلدان لیاقوت الحموی، المتوفی سنة 226 ه:]

- أباتر: بالتاء فوقها نقطتان مکسورة وراء، کان جمع أبتر، و ربما ضم أوله، فیکون مرتجلا أودیة و هضبان بنجد فی دیار غنی لها ذکر فی الشعر، قال الراعی:
ألم یأت حیّا بالجریب محلناو حیّا بأعلی غمرة فالأباتر
و قال ابن مقبل:
جزی اللّه کعبا بالأباتر نعمةو حیّا بهبّود جزی اللّه أسورا
- أباض: بضم الهمزة، و تخفیف الباء الموحدة و ألف و ضاد معجمة، اسم قریة بالعرض، عرض الیمامة لها نخل، و عندها کانت وقعة خالد بن الولید مع مسیلمة الکذاب، قال شبیب بن یزید بن النعمان بن بشیر یفتخر بمقامات أبیه.
أتنسون یوم النّعف نعف بزاخةو یوم أباض إذا عتا کل مجرم
- أبام: بضم أوله و تخفیف ثانیه، أبام و أبیّم، هما شعبان بنخلة الیمامة لهذیل، قال السعدی:
و إن بذاک الجزع بین أبیّم‌و بین أبام شعبة من فؤادیا
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 184
- أبان: بفتح أوله، و تخفیف ثانیه، و ألف و نون، أبان الأبیض و أبان الأسود، فأبان الأبیض شرقی الحاجز فیه نخل و ماء، یقال له أکرة، و هو العلم لبنی فزارة و عبس، و أبان الأسود: جبل لبنی فزارة خاصة، و بینه و بین الأبیض میلان.
و قال أبو بکر بن موسی: أبان جبل بین فید و النبهانیة أبیض و أبان جبل أسود و هما أبانان و کلاهما محدّد الرأس کالسنان، و هما لبنی مناف بن دارم بن تمیم.
و کان بعض الأعراب یقطع الطریق، فأخذه والی الیمامة فحبسه فقال من أبیات:
فلا تحسبا سجن الیمامة دائماکما لم یدم عیش لنا بأبان
قال الأصمعی: وادی الرمة یمر بین أبانین، و هما جبلان یقال لأحدهما أبان الأبیض، و هو لبنی فزارة خاصة، و أبان الأسود و هو لبنی أسد و بینهما ثلاثة أمیال.
- الأبرق و البرقاء: حجارة و رمل مختلطة، و کذلک البرمّة، قال کثیّر:
لمن الدیار بأبرق الحنّان‌فالبرق فالهضبان من أدمان
أقوت منازلها و غیّر رسمهابعد الأنیس تعاقب الأزمان
فوقفت فیها صاحبیّ و ما بهایا عزّ من نعم و لا إنسان
و قال رجل یهجو بنی سعید بن قتیبة الباهلی:
أبنی سعید إنکم من معشرلا یعرفون کرامة الأضیاف
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 185 قوم لباهلة بن أعصر إن هم‌غضبوا حسبتهم لعبد مناف
قرنوا الغداء إلی العشاء و قرّبوازاد العمر أبیک لیس بکاف
و کأننی لما حططت إلیهم‌رحلی نزلت بأبرق العزّاف
بینا کذاک أتاهم کبراءهم‌یلحون فی التبذیر و الإسراف
- أبرق الکبریت: موضع کان به یوم من أیام العرب، قال بعضهم:
علی أبرق الکبریت قیس بن عاصم‌أسرت و أطراف القنا قصّد حمر
- أبرق المردوم: بفتح المیم و سکون الراء، قال الجعدی:
عفا أبرق المردوم منهاو قد یری به مخضر من أهلها و مصیف
- أبرق النعّار: بفتح النون و تشدید العین المهملة و هو ماء لطی‌ء و غسان قرب طریق الحاج، قال بعضهم:
حی الدیار قد تقادم عهدهابین الهبیر و أبرق النعار
- أبضع و ضبیع: ماءان لبنی أبی بکر، قالت امرأة تزوجها رجل فحنت إلی وطنها:
ألا لیت لی من وطب أمی شربةتشاب بماء من ضبیع و أبضع
- أبکّین: بلفظ التثنیة بفتح أوله و ثانیه و تشدید الکاف، و هما جبلان یشرفان علی رحبة الهدار بالیمامة.
- أتیّم: بضم الهمزة و فتح التاء المثناة فوق و یاء مکسورة مشدّدة و میم، و هو ماء فی غربی سلماء أحد الجبلین اللذین لطی‌ء.
أثیفیة: بضم أوّله و فتح ثانیه و یاء ساکنة وفاء مکسورة و یاء خفیفة،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 186
تصغیر أثفیة القدر، قریة لبنی کلیب بن یربوع بالوشم، من أرض الیمامة و أکثرها لولد جریر بن عبد اللّه بن الخطفی الشاعر، و قال محمد بن أدویس بن أبی حفصة: أثیفیة قریة واکیهات، و أنها شبهت بأثافی القدر، لأنها ثلاث أکیمات، و بها کان جریر، و بها له مال، و بها ینزل عمارة بن عقیل بن بلال بن جریر.
- أجاء: قال الزمخشری: أجاء و سلمی جبلان عن یسار سمیراء.
و قال أبو عبید السکونی: أجاء أحد جبلی طی‌ء، و هو غربی فید و بینهما مسیر لیلتین، و فیه قری کثیرة، قال و منازل لطی‌ء فی الجبلین عشر لیال من دون فید إلی أقصی أجاء إلی القریّات من ناحیة الشام [...] بأخبار العرب، أن أجاء سمّی باسم رجل، و سمّی سلمی باسم امرأة، و کان من ضیرهما أن رجلا من العمالیق یقال له أجاء بن عبد الحی عشق امرأة من قومه یقال لها سلمی، و کان لها حاضنة یقال لها العوجاء، و کانا یجتمعان فی منزلها، حتی نذر بهما أخوة سلمی و هم الغمیم و المضل و فدک و فاید و الحدثان و زوجها، فخافت سلمی و هربت هی و أجاء و العوجاء، و تبعهم زوجها و أخوتها، فلحقوا سلمی علی الجبل المسمی سلماء فقتلوها هناک، فسمی الجبل باسمها، و لحقوا العوجاء علی هضبة بین الجبلین فقتلوها هناک، فسمی المکان بها، و لحقوا أجاء بالجبل المسمی أجاء فقتلوه فیه فسمی الجبل باسمه، و أنفوا أن یرجعوا إلی قومهم، فسار کل واحد إلی مکان فأقام به، فسمی ذلک المکان به، و اللّه أعلم.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 187
- أجبال صبح: أجبال جمع جبل، و صبح بضم الصاد المهملة، ضد المساء موضع بأرض الحناب لبنی حصن بن حذیفة، و هرم بن قطبة، و صبح رجل من عاد، کان ینزلها علی وجه الدهر، قال الشاعر:
الأهل إلی أجبال صبح إلی الغضاغضاء الأثل من قبل الممات معاد
بلاد بها کنا و کنا نجهاءإذ الأهل أهل و البلاد بلاد
- الأجفر: بضم الفاء، جمع جفر، و هو البئر الواسعة لم تطو، موضع بین فید و الخزیمیة، بینه و بین فید ستة و ثلاثون فرسخا نحو مکة.
- أجلی: بفتح أوله و ثانیه و ثالثه اسم جبل فی شرقی ذات الأصاد، أرض من الشّربّة.
و قال ابن السکیت: هو هضبات ثلاث علی مبدأة النعم من الثّعل بشاطی‌ء الجریب الذی یلقی الثّعل، و هو مرعی لهم معروف، قال الشاعر:
صلّت سلیمی جانب الجریب‌بأجلی محلة الغریب
محل لا دان و لا قریب و قال الأصمعی: أجلی بلاد طیبة مریئة، تنبت الصلیّان و الحلّی.
و قال السکری فی شرح قول القتّال الکلابی:
عفت أجلی من أهلها فقلیبهاإلی الدوم فالرفقاء قفرا کثیبها
أجلی: هضبة بأعلی نجد.
الأجیفر: موضع فی أسفل السبعان، قال الشاعر:
و من الحوادث لا أبا لأبیکم‌إن الأجیفر ماؤه شطران
- الأحیسی: موضع قرب العارض بالیمامة، قال الشاعر:
و بالجزع من وادی الأحیسی عضابةشحیمیة الأنساب شتی المواسم
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 188
و منها طلع خالد بن الولید علی مسیلمة الکذاب.
- الأخارج: جبل لبنی کلاب بن ربیعة بن عامر بن صعصعة.
- الأخاشب: بالشین المعجمة و الباء الموحدة، جبال بالصمان، و الأخاشب جبال مکة و جبال منی، و الأخاشب جبال سود قریبة من أجاء.
- الأخراب: بفتح الهمزة و سکون الخاء المعجمة، جمع خرب بالضم، و هو منقطع الرمل، قال ابن حبیب: الأخراب: حمر بین سجاء و الثعل، و هی لبنی الأضبط و بنی توالة، فما یلی الثعل لبنی توالة، و ما یلی سجاء لبنی الأضبط بن کلاب، و هما من أکرم میاه نجد و أجمعه لبنی کلاب، و سجاء بعیدة القعر عذبة الماء، و الثعل أکثرهما ماء.
- أخرب: بفتح الراء و یروی بضمها فیکون أیضا جمعا للخرب المذکور قبل، و هو موضع فی أرض بنی عامر بن صعصعة، و فیه کانت وقعة بنی نهد و بنی عامر، قال امرؤ القیس:
خرجنا نریغ الوحش بین ثعالةو بین رحیّات إلی نبج أخرب
إذا ما رکبنا قال ولدان أهلناتعالوا إلی أن یأتنا الصید الخطب
- أخزم: جبل بقرب المدینة، قال إبراهیم بن هرمة:
ألا ما لرسم الدار لا یتکلم‌و قد عاج أصحابی علیه فسلموا
بأخزم أو بالمنحنی من سویقةألا ربما أهدی لک الشوق أخزم
و غیّرها العصران حتی کأنهاعلی قدم الأیام برد مسهّم
و أخزم أیضا جبل نجدی.
- أرمام: اسم جبل فی دیار باهلة، و قیل: أرمام واد یصبّ فی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 189
التّلبوبّ من دیار بنی أسد، و قیل: أرمام واد بین الحاجر و فید و یوم أرمام من أیام العرب، قال الراعی:
تبصّر خلیلی هل تری من ظعائن‌تجاوزن ملحوباء فقلن متالعا
جواعل أزماما شمالا و صارت‌یمینا فقطّعن الوهاد الدوافعا
- أروم: بالفتح ثم الضم و سکون الواو و میم، جبل لبنی سلیم، قال مضرّس بن ربعی بن کلاب:
قفا تعرفا بین الدحائل و البرّمنازل کالخیلان أو کتب السّطر
عفتها السّمیّ المدجنات و زعزعت‌بهنّ ریاح الصیف شهرا إلی شهر
فلما علی ذات الأروم ضعائن‌حسان الحمول من عریش و من جذر
- أساهم: بالضم و کسر الهاء، موضع بین مکة و المدینة، قال الفضل بن العباس اللهبی:
نظرت و هرشی بیننا و بصاقهافرکن کساب فالصّوی من أساهم
إلی ضوناء دون سلع یشبّهاضعیف الوقود فاتر غیر سائم
قوله بصاقها: بکسر الباء و هی حرّة.
- أسود الدم: جبل، قال الشاعر:
تبصّر خلیلی هل تری من ظعائن‌رحلن بنصف اللیل من أسود الدم
- أشیقر و شقراء: من قری الیمامة لبنی عدی بن عبد مناة من الرباب، أشیقر بالضم ثم الفتح و یاء ساکنة و کسر القاف وراء: واد بالحجاز. قال الحفصی: أشیقر جبل بالیمامة و قریة بالوشم لبنی عکل من الرباب، قال مضرّس بن ربعیّ:
تحمّل من وادی أشیقر حاضرةو ألوی بریعان الخیام أعاصره
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 190 و لم یبق بالوادی لأسماء منزل‌و حوراء إلّا مزمن العهد داثره
و لم ینقض الوسمی حتی تنکرت‌فعالمه و اعتّم بالنبت حاجره
فلا تهلکنّ النفس لوما و حسرةعلی الشی‌ء سدّاه لغیرک قادره
- الأصافر: جمع أصفر ثنایا سلکها النبی صلّی اللّه علیه و سلم فی طریقه إلی بدر و قیل الأصافر جبال مجموعة تسمی بهذا الاسم، و قد ذکرها کثیّر فی شعره فقال:
عفا رابغ من أهله فالظواهرفأکناف هرشی قد عفت فالأصافر
فعان یهیّجن الحلیم إلی الصباو هنّ قدیمات العهود دواثر
للیلی و جارات للبلی کأنهانعاج الملا تحدا بهن الأباعر
- أضاخ: بالضم و آخره خاء معجمة من قری الیمامة لبنی نمیر، قال الأصمعی أضاخ سوق و بها بناء و جماعة ناس، و هی معدن البرم، و قد نسب الحافظ أبو القاسم إلیها محمد بن زکریا أبا غانم النجدی، و یقال الیمامی الأضاخی من قریة من قری الیمامة سمع محمد بن کامل العمّانی بعمّان البلقاء و غیره.
أضراس: موضع، قال بعض الأعراب:
أیا سدرتی أضراس لا زال رائحارویّ عروق منکما و ذراکما
لقد هجتما شوقا علیّ و عبرةغداة بدا لی بالضحی علما کما
فموت فؤادی أن یحن إلیکماو محیاة عینی أن تری من یراکما
- بتر أجبل: من الشقیق مطلّات علی زبالة، قال مالک بن الصمصامة الجعدی: و اجتازت به صاحبته التی یهواها و أخوها حاضر فأغمی علیه، فلما أفاق قال:
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 191 ألمّت و ما حیّت و عاجت فأسرعت‌إلی جرعة بین المخارم فالنحر
خلیلی إن حانت وفاتی فاحفروابرابیة بین الحاضر فالبتر
لکیما تقول العبدلیة کلّمارأت جدثی حییت یا قبر من قبر
و قیل: البتر أکثر من سبعة فراسخ عرضا و طولا أکثر من عشرین فرسخا من بلاد بنی عمرو بن کلاب، قال القتّال الکلابی:
عفا النّجب بعدی فالعریشان فالبترفبرق نعاج من أمیمة فالحجر
إلی صفرات الملح لیس بجوّهاأنیس و لا ممن یحل شفر
قوله شفر أی إنسان.
- برقة ایر: بالکسر، قال بعضهم:
عفت أطلال میة من حفیرفهضب الوادیین فبرق ایر
- برک: بوزن قرد، ناحیة بالیمن، و برک أیضا ماء لبنی عقیل بنجد، و برک أیضا واد بحذاء شواحط من نواحی المدینة، و السوارقیة به میاه و برک أیضا، و یروی بفتح أوله واد لبنی قشیر بأرض الیمامة یصبّ فی المجازة، و قیل: هو لهزّان، و یلتقی هو و المجازة بموضع یقال له: و حضوضی، فأما برک فیصب فی مهب الجنوب، قال الشاعر:
ألا حبّذا من حب عفراء ملتقی‌نعام و برک حیث یلتقیان
قال نصر: برک و نعام وادیان و هما البرکان أهلهما هزّان و جرم.
- بریک: بلد بالیمامة یذکر مع برک بلد آخر هناک، و هما من أعمال الخضرمة.
- بریدة: تصغیر بردة ماء لبنی خبینة، و هم ولد جعدة بن غنیّ بن اعصر بن سعد بن قیس عیلان.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 192
- بسل: بالتحریک و لام واد من أودیة الطائف، أعلاه لفهم و أسفله لنصر بن معاویة.
- بهدی: بوزن سکری، قریة ذات نخل بالیمامة، قال جریر:
و أقفر وادی ثرمداء و ربماتدانی بذی بهدی حلول الأصارم
- جمران: بضم الجیم و سکون المیم، جبل- بحمی ضریة قال ربیعة:
أمن آل هند عرفت الرسومابجمران قفراء أبت أن تریما
و قال مالک بن الرّیب المازنی:
سرت فی دجا لیل فأصبح دونهامغاون جمران الشریف و غرّب
تطالع من وادی الکلاب کأنهاو قد أنجدت منه فریدة ربرب
- الجناح: بالفتح جبل فی أرض بنی العجلان.
- الخرج: بفتح الخاء المعجمة و سکون الراء و آخره جیم واد فیه قری من أرض الیمامة لبنی قیس بن ثعلبة بن عکابة من بکر بن وائل و هو خیر واد بالیمامة أرضه أرض نخل و زرع.
- الخرج: بضم الخاء المعجمة و سکون الراء و آخره جیم، واد فی دیار بنی تمیم لبنی کعب بن العنبر بأسافل الصمان، و قیل فی دیار عدی من الرّباب، و قیل: هو عند یلبن، قال کثیّر:
ء أطلال دار من سعاد بیلبن‌وقفت بها وحشا کأن لم تدمنّ
إلی تلعات الخرج غیّر رسمهاهمائم هطال من الدلو مدجن
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 193
- و خرج: هجین موضع آخر، قال الشاعر:
تبصّر خلیلی هل تری من ظعائن‌بروض القطا یشغفن کل حزین
جعلن یمینا ذا العشیرة کلّه‌و ذات الشمال الخرج خرج هجین
- الخضارم: بفتح أوله و کسر رائه واد بأرض الیمامة، أکثر أهله بنو عجل و هم أخلاط من حنیفة و تمیم، و یقال له: جوّ الخضارم، قال ابن الفقیه: حجر هو مصر الیمامة، ثم جوّ و هی الخضرمة و هی من حجر علی یوم و لیلة، و بها بنو سحیم، و بنو ثمامة.
- خضرمة: بکسر الخاء المعجمة و سکون الضاد المعجمة و کسر الراء المهملة، الخضرمة بلد بأرض الیمامة، و قال الحازمی: جوّ الیمامة قصبة الیمامة، و یقال لبلدها خضرمة بکسر الخاء و الراء، و ینسب إلیها نفر منهم، خصیف بن عبد الرحمن الخضرمی و أخوه خصّاف.
- الخطامة: من قری الیمامة.
- الخنوقة: واد لبنی عقّیل، قال القحیف العقیلی:
تحمّلن من بطن الخنوقة بعد ماجری للثریا بالأعاصیر بارح
- الخوّار: بتشدید الواو، قال کثیّر:
و نحن منعنا من تهامة کلهاجنوب نقاء الخوّار فالدّمث السّهلا
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 195
الحمد للّه وحده‌

[منقول من کتاب أسماء الجبال و المیاه و المعادن التی فی بلاد نجد]

و غیرها من جزیرة العرب، لأبی علی الأصفهانی رحمه اللّه تعالی، علی طریق الاختصار، و قیل الفارسی کما فی لسان العرب.
قال أبو علی الأصفهانی رحمه اللّه تعالی، قال الورد العقیلی من میاه بنی عقیل بنجد.
- القلب: و هی لعامر لا یشارکهم فیها أحد غیر رکیتین لبنی قشیر، و هی ببیاض کعب، و منها البیضاء و هی لبنی معاویة بن عقیل و هو المنتفق معهم فیها عامر بن عقیل.
- برک و نعام: و هما لعقیل ما خلا عبادة، و لهم الحصیص و هو لعقیل، و فیه لعجلان و قشیر، و لهم بالحجاز البردان بینهم و بین هلال بن عامر، و لهم ذو عزایل و هی لعبادة خاصة. و لهم المیثب، و قال بعض بنی عقیل أن جمیع بنی خفاجة یجتمعون ببیشة و رنیة، و هما وادیان. أما بیشة فیصب من الیمن، و أما رنیة فیصبّ من السراة، سراة تهامة.
قال: و عامر بن عقیل مرتفعون بأعلی الحجاز و أدانی الیمن. خزانة التواریخ النجدیة ؛ ج‌9 ؛ ص195
أما أرض المنتفق فالمیثب، و أرض بقیة عامر صعید، و معاویة بن عقیل منقطعة بأرض الیمن.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 196
قال: و منزل بنی ربیعة الجزیرة أرض بنی عامر بن ربیعة بن عقیل الجوفاء، و هی لمعاویة و عوف ابنی ربیعة، و غضیّ لعامر بن ربیعة جمیعا ما خلا بنی البکاء و لهم بریم، و هم شرکاء جشم فیه. و تصلّب لبنی اسنان من بنی جشم بن معاویة بنجد، و لهم حراضة و الکحلة. و لبنی نصر بن معاویة بالحجاز البردان و لبنی جشم فیه شی‌ء قلیل لبطن منهم یقال له عصیمة، یزعمون أنهم من الیمن، و هم ناقلة فی بنی جشم، و لهم فوق ذلک عدامة، و هی أبعد ماء نعلمه بنجد قعراء، و لهم عتائد، و لهم أوقح بالشراج، شراج بنی جذیمة بن عوف، من نصر، و هذه الأمواه الأربعة لعوف بن نصر خاصة لیس لبنی دهمان فیها شی‌ء، و لهم بنجد برکبة الرکایا میاه بینهم و بین بطون نصر کلها، و هم عوف و دهمان.
و المدراء برکبة لهم جمیعا، و لدهمان خاصة الذویب، و لهم کلاش، و لهم من الجبال حضن لجشم خاصة، و السود لهم أیضا، و لهم هؤلاء و المقامة.
قال الأصمعی بسّ و بسیان و رهوة فی أرض بنی جشم و نصر ابنی معاویة بن بکر بن هوزان، و لبنی نصر من الجبال الجمد و بسّ، و أما بنو سعد بن بکر فلیست لهم أعداد، إنما میاههم أوشال بمنزلة میاه هذیل، و هم جیران هذیل، إلّا أنهم ربما جلسوا إلی فروع نجد، و هذیل لا تفارق تهامة و الحجاز من تخوم صنعاء من العبلاء إلی تخوم الحجاز، و إنما سمی حجازا لأنه حجز بین تهامة و نجد، فمکة تهامیة، و المدینة حجازیة، و الطائف حجازیة.
و قال عمارة ما سال من حرة بنی سلیم و حرة لیلا فهو الفور حتی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 197
یقطعه البحر، و ما سال من ذات عرق مغربا فهو الحجاز إلی أن تقطعه تهامة و هو حجاز أسود یحجز بین نجد و تهامة. و ما سال من ذات عرق مقبلا فهو نجد إلی أن یقطعه العراق.
و قال الأصمعی إنما سمیت الحجاز حجازا لأنها احتجزت بین الجبال، قال: و لیس لفهم و عدوان میاه، إنما بلادهما جبال و أوشال.
قال: و لکنانة بتهامة ماء یقال له خذراق لجماعة کنانة، رخمة لبنی الدیل خاصة، و هو جبل یقال له طفیل و شامة جبیل بجنب طفیل، و لهم محدث. و مجنة لبنی الدیل خاصة، و لهم من الجبال تضرّع و تضارع، و هما جبلان و جبل یقال له سروعة، و جبل یقال له ضاف، و لهذیل جبل یقال له کبکب، و جبل یقال له عسیب، و لقریش جبل یقال له عسیب أیضا، و لقریش و هذیل جبل یقال له المشقر، و لهم جبال غیر ذلک.
و من بلاد بنی أسد السلامیة لبنی حزم و هی ماءة إلی جانب الثلماء، و لهم الثلماء أیضا لبنی قرة، و الناجیة لبنی قرة، فأما الثلماء ففی عرض القنة، و هی فی عطف الحبس، و الحبس جبل لهم، و القنة و القنان متصلان، و هی فی عرض القنة، و أما الناجیة فأسفل من الحبس و هی من الرمث، و کفة العرفج منقطعة، و کفة العرفج هی العرفة، عرفة ساق، و ساق جبل هضبة واحدة شامخة فی السماء، و هی لبنی وهب، و الرس ماء لبنی منقذ بن أعیاء به نخل لبنی برثن بن منقذ، و لهم صبیح و شرک و خصلة، فهذه الأمواه الثلاثة لبنی أبی الحجاج بن منقذ قال الشاعر فی الحبس:
سقی الحبس و سمی السحاب و لا یزل‌علیه روایا المزن و الدیم الهطل
و لو لا ابنة الوهبی ریدة لم أبل‌طول اللیالی أن یحالفه المحل
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 198
و قال غیرة: العرف ثلاث، عرفة ساق، و عرفة صارة، و عرفة الأملح. و قال العامری: العرف ببلاد أسد، فقلت ما هی، فقال: بها قفاف و رمال و غیر ذلک، قال: و هن أربع عرف، عرفة ساق، و عرفة صارة، و عرفة رقد، و عرفة أعیار، قال و هن أجارع وقفاف، إلّا أن کل واحدة منهن تماشی الأخری کما تماشی حبال الرمل، و أکثر عشبهنّ الشقادی و الصفران و القلقلان و الخزامی، و هن من ذکور العشب.
قال العامری: و قد هضبة بین ساق الفروین و بین حبس القنان، قال و النبهانیة قریة ضخمة أهلها بنو والبة، قال و بالداث مریهة یقال لها العلبة و بقرب الداث جبل یقال له عبد، و العبد بالسبعان أیضا ببلاد وطی‌ء.
و قطن لبنی عبس.
و من میاه ثادق النمیلة و خصلة، ثم خوّة و الرجیعة و الذنبة، ثم الشبکة و هی ماء محوطة کلها لبنی أسد، و الثلبوت لبنی نصر، و هو واد فیه میاه عظیمة. قال عباس بن عم معاویة النصری ینوح بنی جذیمة بن مالک بن نصر من قصیدة:
و لقد أری الثلبوت یألف نبته‌حی کأنهم ألوا سلطان
و لهم بلاد طالما عرفت بهم‌صحر الملا و مدافع السنان
من الحوادث لا أبا لأبیکم‌إن الأجیفر قسمة شطران
و الثّلبوت اسم واد بین طی‌ء و ذبیان، قال لبید:
بأحزّة الثّلبوت یربأ فوقهاقفر المراقب خوفها آرامها
و قیل إنه لبنی أسد، و لبنی أسد ماء بطریق المدینة یقال له العتاب، قال الأفوه:
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 199 فأبلغ بالجنابة جمع قومی‌و من حلّ الهضاب علی العتاب
و الثلبوت ینحدر فی الرمة، و بأسفل الثلبوت ماء یقال له الحلوة و السبعان واد یجی‌ء من الجبلین، و الأجیفر فی أسفل هذا الوادی، و أعلاه الملاء و أسفله الأجفر، و هو لسواءة و نصر، و کان الأجفر لبنی یربوع، فحلت علیه بنو جزیمة و ذلک فی أول الإسلام فانتزعتها منهم.
و یصب فی الثلبوت واد یقال له ارمام، و بأسفل ارمام ماءة یقال لها الطریفة. قال الفقعسی:
رعت سمیراء إلی ارمامهاإلی الطریفات إلی أهضامها
و فوق ذلک ماءة یقال لها الفناة لبنی جذیمة، و هی بجنب جبل یقال له فناء، ثم الرس و الرسیس، و الرس لبنی أعیاء و الرسیس لبنی کاهل، و فوق متالع صحراء یقال لها الشهبة، و بغربها واد یقال له الداث، به میاه لبنی أسد، و بها هضاب حمر یقا لها هضاب صفیة، هذا کله لأسد، و فوق ذلک أبان الأبیض لعبس و أبان الأسود لبنی أسد، و به قریة لبنی أسد، و البراعیم أعلام صغار قریبة من أبان الأسود، و بین أبانین جبل یقال له شطب. فیها بین أسود الرمة، و الرمة واد یمر بین أبانین یستقبل المطلع و یجی‌ء من المغرب، و هو أکبر واد نعلمه بنجد، و یزعمون أن الرمة هی الأرض، و أسافل الرمة ینتهی إلی القصیم رمل لبنی عبس، و فیما بین الرمة من وسطها فوق أبانین، و بین الشمالی الحمة یقال له الخیمة، و ببطن الرمة حذاء الحمة الخیة ماء یقال له جفر الشحم لبنی عبس، و هناک جبل یقال له قطن به میاه لبنی عبس، و شمالی قطن أعلام صغار منها المشحاذ و الجثوم و تیاساء علمان کلاهما یسمی تیاساء و هذا کله فی خط بنی عبس.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 200
و أسفل من ذلک فیما یلی المشرق الجریر واد لبنی أسد به ماءة یقال لها الجریرة یفرع فی ثادق، و ثادق واد ضخم یفرغ فی الرمة أعالیه لبنی أسد و أسفله لبنی عبس، و هو الذی ذکره عقبة بن سوداء فقال:
ألا یا لقومی للهموم الطوارق‌و ربع خلاء بین السلیل و ثادق
و بین أسفل الرمة و أعلاها سبع لیال من حرة فدک إلی القصیم، و قال العامری: الجریب واد لبنی کلاب به الحموض، و الرمة أعظم منه، و الرمة یجی‌ء من الغور و الحجاز، فأعلی الرمة لأهل المدینة و بنی سلیم، و وسطها لبنی کلاب و غطفان، و أسفلها لبنی أسد و عبس، ثم ینقطع فی الرمل رمل العیون.
قال الغنوی: و من میاه غنی بأعلی نجد الجرولة، و هی ماءة شرقی جبل یقال له المنیر؟؟؟، و شرقی هذا الجبل لغنی و غریبة لغاضرة بن صعصعة و حذاءها الأحساء بواد یقال له ذو بحار و هذا الوادی ینقض من أقاصی النیر، و جذاء لجرولة ماءة یقال لها حلوة، و کل هذه المیاه شرقی النیر متقارب ما بینها، ثم جبل أیضا یقال له نضاد، و لیس بینه و بین النیر إلّا قلیل، و بشرقی نضاد الجثجاثة ثم اللقیطة، و بینها و بین فدعاء یومان إلّا قلیلا، و هی ماء لغنی حذاها قنة یقال لها کبد، و هی التی یقول فیها الغنوی: تربعت ما بین فدعاء و کبد، و هی و العناقة بواد یقال له الخنوقة، ثم الحنابج، ثم الأودیة، ثم جدعة، و هذه المیاه کلها لبنی عثریف بن سعد من غنی.
و من میاه بنی ضبیة بن غنم بن غنی الفریة، و هی أغزر ماء لغنی، و هی قرب جبة ثم الجعموسة، ثم بریدة، ثم القادمة، ثم هرامیت، فهذه
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 201
میاه بنی ضبینة. ثم میاه بنی عمیلة منها الممهاء، و هو فی جوف جبل یقال له سواج، ثم الشتأة، ثم أمّرة، و هی علی متن الطریق، و الرابغة علی متن الطریق أیضا، و هی بین أمّرة و طخفة، ثم متالع و هو جبل و فیه عین یقال لها الخوارة، و متالع الذی یقول فیه صدقة بن نافع العقیلی، و کان بالجزیرة:
أرقت بحران الجزیرة موهنالبرق بدالی ناصب متعالی
بدا مثل تلماع الفتاة بکفهاو من دونه نای و غبر قلال
فبت کأن العین تکحل فلفلاو بی عسّ حمّی بیّن و ملال
فهل یرجعن عیش مضی لسبیله‌و اظلال سدر یانع و سیال
و هل ترجعن أیامنا بمتالع‌و شرب بأوشال لهن ظلال
و بیض کأمثال المها یستبیننابقیل و مانع قیلهن فعالی
و من میاه ضبینة أمواه معتزلة مامة و ناصر.
فهذه میاه غنی بنجد، ثم میاه العنباب، و هی غول و الخصافة، و هی کثیرة النخل و معروف، و هو جبل یقال له البشات، قال العامری: غول و الخصافة جمیعا للضباب، و هما جبلان مطلع الشمس من ضریة فی أسفل الحمی. أما غول فإنه واد فی جبل یقال له إنسان، و إنسان ماء فی أسفل الجبل سمی الجبل به. و غول واد فیه نخل و عیون.
و من میاه بنی جعفر الصفیة و النامیة و الأبرقان، و من أسماء الجبال التی بحمی غول، للضباب و طخفة و شعباء للضباب، و بعضها لبنی جعفر، قال الشاعر:
إذا شعباء لاحت ذراها کأنهافوالج بخت أو مجللة دهم
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 202 تذکرت عیشا قد مضی لیس راجعاعلینا و أیام تذکرها سقم
و بیدان، و هو لبنی جعفر، و کبشات، و هن أجیل کبشة، لبنی جعفر، و کبشة لبنی لقیطة، و کبشة و قطیات و هن هضبات، و قال بعضهم شعباء جبال منیعة متدانیة بین أیسر الشمال و بین مغیب الشمس من ضریة، علی قریب من ثمانیة أمیال، و غول جبل للضباب- حذاء ماء یسمی الجبل هضب غول هو الماء.
و البهائم جبال و ماؤها المنبجس، و عاقر جبل و ماؤه الثریا، و حسلات أجبال بیض إلی جنب رمل الفضاء، قال الشاعر:
أکل الدهر قلبک مستعار،تهیّج لک المعارف و الدیار
علی أنی أرقت، و هاج شوقی‌بحسلة موقد و هناء و نار
فلما أن تضجع موقد وهاءو ریح المندلی لهم شعار
و من جبالهم الذهلول الأسود، قال الشاعر:
إذا جبل الذهلول لاح کأنه‌من البعد زنجی علیه جوالق
و له معدن یقال له معدن الشجرتین، و ماؤه البردان، و هو ماء ملح کثیر النخل.
و غرور جبل و ماؤه الثلماء، و هی ماءة علیها نخل کثیر، و أشجار.
واحامر جبل أحمر، و أحامرة ردهة و البغیبغة ماءة، و یقال لأحامر أحامر البغیبقة. ثم المحدثة ماء له نخل، و لها جبیل یقال لها العمود، عمود المحدثة و لهم الداث و الایم، و هو جبل أسود حذاء الأکوام. قال جامع بن عمرو:
تربعت الدارات، دارات عسعس‌إلی أجلی، أقصی مداها فنیرها
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 203 إلی عاقر الأکوام، فالایم فاللوی‌إلی ذی حساء روض مجود یصورها
- عسعس: جبل من بلاد بنی جعفر خاصة، و أجلی هضبة فی فلاة ماء یقال له الثعل، و الثعل لبنی توالة، ثم طخفة، و هو جبل أحمر طویل، و الرجام جبل طویل أحمر. و قال العامری الرجام هضبات حمر فی بلادنا نسمیها الرجام، و لیست بجبل واحد، و عمود الحفیرة و الرمیلة، رمیلة إنسان، و هی رمل، و الریان واد بین الجبال و الرمل.
و من میاههم البکرة، و هی ماءة لها جبال شمخ، یقال لها البکرات فهذا کله للضباب بنجد، و لهم غیر ذلک.
و من میاه بنی جعفر و جبالها و بلادها الناصفة، ماء عادی، و جبل الناضفة عسعس، و من جبالهم الموفیات، قال الشاعر:
الأهل إلی شرب بناصفة الحمی‌و قیلولة بالموفیات سبیل
و من میاههم حفیرة العلجان، ثم العمودان. و عرفجاء واد، و مخمّر واد. قال الشاعر:
خلیلی بین المنحنی من مخمّرو بین اللّوی من عرفجاء المقابل
و مذعاء ماء، قال الشاعر:
أشاقتک المنازل بین شعرإلی مذعاء فأکناف الکؤود
و الرملة رملة قنیع، و هی قدر فرسخ، و قشراء و وسط علم لبنی جعفر، و قنیع ماءة لهم. قال الضبابی:
دعوت اللّه إذ سغبت عیالی‌لیرزقنی لدی وسط طعاما
فأعطانی ضریة خیر أرض‌تمج الماء و الحب التواما
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 204
و لهم النامیة، ماء و جبال، یقال لها النامیة. و ذبذب ماء، ثم معروف و هو ماء له جبال یقال لها جبال معروف، و لهم رملة یقال لها رملة الیتیمة، ثم بطن اللوی، و هو واد ضخم، ثم الستار جبال صفار متقاودة، ثم ذات الأصبع، ثم سواج، ثم جبل المضباعة، جبل یسمی مضباعا، ثم الحمّة جبیل صغیر، ثم الحمتان، حمتا الثویر، و الثویر أبیرق أبیض، و هذا کله فی مصادر المضباعة، ثم المحدثة، محدثة سواج، و العفلانة ماء، و عندها جبل یقال له عفلان. و أریکة و هی ماء لبنی کعب بن عبد اللّه بن أبی بکر، و هی حفیرة خالد بن سلیم مولی لهم، و فی جانب النیر ماءة یقال لها تنضبة، و هی لبنی سعید، و النیر جبل کثیر المیاه، و هی لغاضرة بن صعصعة، و من میاه نملی و هی جبال کثیرة، قال العامری نملی جبل حوالیه، جبال متصلة به سود لیست بطوال ممتنعة.
و من میاه نملی الخنجرة و الشبکة و الجفر و الودکاء و تنضبة و محدث و مطلوب. و لقریط ماءة یقال لها الحفائر ببطن واد یقال له مهزول إلی أصل علم یقال له ینوف، و ینوف جبل منیع أحمر، قال و المضجع من بلاد بنی کلاب فیه جبال و رمال و میاه، و هو لبنی أبی بکر خاصة، و هو بسرّة نجد.
قال و لیس ببلادنا قفاف، إنما هی جبال و رمال، و إنما القفاف ببلاد بنی تمیم. قال أبو مریم ینوف جبل، و البتولة ماء، و هما مکتسفان ینوف إحداهما یلی مهب الجنوب من ینوف، و الآخر مغیب الشمس، و هما جمیعا فی أصله، و هما لبنی قریط بن عبد اللّه بن أبی بکر. قال الشاعر:
یضی‌ء لنا العناب إلی ینوف‌إلی هضب السنین إلی السواد
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 205
قال أبو مهدی، السنین بلد. فیه رمل و هضاب، و هو من بلاد بنی عوف بن عبد اللّه أخی قریط بن عبد اللّه بن أبی بکر، و العناب و الحوأب و الحزیز جبال سود، و من جبال نملی صباح و صبیح، و لبنی قریط الحنیظلة و راهص، و بظهر نملی ماءة لربیعة بن قریط یقال لها الثلماء و الخاتنة و الباطنة، ثم الدماجة، و هی ماءة فی رمل لبنی قریط، و عن یمین ذلک القتادة ماء لکعب بن عبد اللّه، و الحفر لهم ثم الجباجیة، و هی ماءة لربیعة بن قرط علیها نخل، و لیس علی شی‌ء ممن سمینا نخل غیرها، و غیر الجرولة فإن علیها نخلا محدثا.
ثم الحامضة ماءة جامعة لأبی بکر و هی لبنی قریط، ثم العرقوبة ردهة فی سواج، ثم الکرشة ماءة لبنی قریط حذاء کرش، و کرش جبل عظیم أحمر و هو لبنی قریط، و حذاءة ماءة تسمی الصحائف، و هی لقریط، ثم ماءة تسمی المحازة لأخلاط من بنی أبی بکر، ثم السّعیدیّة و هی عشرون فما لبنی سعید بن قرط، ثم ماءة مما یلی الینوفة یقال لها الحؤب لبنی قریط، ثم البجادة و الکهفة و الحصاء لکعب بن عبد اللّه، ثم الأراسة ماءة لبنی أبی بکر لکعب بن عبد اللّه بن أبی بکر، و فوق هذا رمل عبد اللّه بن کلاب.
و بلادها و من بلادها ماءة تسمی حوضا، و فوق ذلک کله حرملاء، و هی ماءة لبنی قریط تلهن دار کعب بن عقیل، و هی فی فیحاء ماء کعب و کلاب، و هی أعلی شی‌ء من دار کلاب. قال و حوضاء جبل و له ماءة و هی لعبد اللّه بن کلاب. و خوّ ماء فی واد لبنی قریط بن عبد اللّه بن أبی بکر، و قال معقل بن ریحان الکعبی من بنی کعب بن عبد اللّه بن أبی بکر:
جلبنا الخیل من حوضاء و خوّتجوب اللیل دائبة النقال
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 206 و من ظلم و من جنبی شرات‌و مما بین ذاک من المطالی
و من هضب القلیب و جانبیه‌تخبّ شطائبا جنب السعالی
شری جبل، و المطالی بجنوحة بلاد أبی بکر، و هضب القلیب بلاد منقطعة لعمرو بن عبد اللّه بن کلاب، و ماحیة منها لبنی سلیم. و قوله شطائبا: أی قطعا فرقا. قال العامری: شرایان جبلان یقال لأحدهما شرا البیضاء و للآخر شرا السوداء، و هضب القلیب تصف فیما بین بنی عامر و بنی سلیم حاجز فیما بیننا و بینهم، و القلیب الذی ینسب إلیه هضبة لهم، و ظلم جبل أسود لعمرو بن عبد اللّه بن کلاب. قال العامری و من جبال بنی أبی بکر و منح و القشراء و الأبوار، و الأبوار من أطراف نملی، و قال حزم النمیرة کانت قریة لعمرو بن کلاب، و لباهلة، قال: و لیس لأحد من ولد کلاب یعادی أبا بکر غیر عمرو بن کلاب. قال سعید بن عمرو، و کان ساعیا علیهم:
إن یکن لیلی طال بالنیر أو سجافقد کان بالجماء غیر طویل
ألا لیتنی بدلت سلعا و أهله‌بدمخ و اصراما بهضب دحمول
و من جبالهم عوارم. قال الشاعر:
علی غول و ساکن هضب غول‌و هضب عوارم منی السلام
و قال ابن حفص الکلابی فی ذقان:
و لو لا بنو قیس بن جزئی لما مشت‌بجنبی ذقان حرمتی و ادلت
فاشهد ما حلت بهم من ظعینةمن الناس الا أو منت حیث حلّت
یقول لو لا جوارهم، و إنی أتعزز بهم ما قدرت حرمتی أن تمشی بجنبی ذقان، و لما أدلت من الدلال.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 207
شزوری لبنی سلیم، و العمق منهل علیه الطریق من الکوفة إلی مکة.
و قال عمارة بن عقیل فی طمیة و شطیب و ذقان:
سری برق فارقنی یمانی‌یضی‌ء اللیل کالفرد الهجان
أیأمل أن یری رقمات فلج‌زیارة من یری علمی ذقان
یضی‌ء ذری طمیة أو شطیب‌و فلج من طمیة غیر دان
و دون مزارها بلد یزجّی‌به الفوج المنوق و هو دانی
یزجّی یساق، و الفوج المنوق الجمل المؤدب المروض، الفوج الواسع الجلد، و نوقت هذا الجمل روضته و أدبته، و أنشد حترش فی الضمرین و هما الضمر و الضائن.
لقد کان بالضمرین و النیر معقل‌فی نملی و الآخر جین منیع
قال العامری: الضمر و الضائن فیما مضی السلول، و هما جبلان لبنی کلاب، و هما قبلة معدن الأحسن، و من جبال بنی کلاب الأخارج و البتیل، قال موهوب بن رشید القرطی فی رجل مات و رثاه:
مقیما ما أقام ذری سواج‌و ما بقی الأخارج و البتیل
و قال عبد العزیز بن زرارة:
قفا بین الشطون، شطون شعرو مذعاء فانظرا ما تأمرانی
فإن لم تعربالی غیر شک‌لعمر أبیکما لم تنفعانی
و البقرة ماء لبنی کعب، و هو علی یمین الحوأب، و لهم ماء یسمی الستار بحذائها، و من میاه بنی توالة سجاء و الثعل، و سجاء لبنی الأضبط إلّا أنها مرتفعة فی دار بنی أبی بکر، و لم تزل فی أیدی بنی الأضبط و هی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 208
جاهلیة، و قال العامری: سجاء ماء لبنی الأضبط بن کلاب، و هو فی شعب جبل یقال له شعر، و هو فی بلاد مذعاء، و مذعاء ماءة لبنی جعفر، و هی فی فلاة المحدثة. و قال مرة أخری سجاء ماءة لنا و هی حرور بعیدة القعر، و التلیان ماءان لنا أیضا، بالقرب من سجاء، و هما جمیعا لبنی الأضبط منا، یعنی سجاء و التلیین، و أنشد:
ألا حبذا برد الخیام علی سجاءو قول علی ماء التلیین أمرس
و قال العامری أیضا و قطعیات هضاب لنا، و هن هضاب حمر ملس بالوضح وضح الحمی متجاورات ینظر بعضها إلی بعض، و هی فی فلاة میاه کعب بن کلاب، و هؤلاء الهضاب یناوحهن هضب بالوضح تسمی العرائس إلی جنب أجبل سود عظام للضباب یقال لهن کبشات، و هذا کله بالوضح وضح الحمی، و بین هؤلاء الأجبل المذکورة یأخذ طریق الیمامة من ضریة حتی یرد الأحسن، و الأحسن قریة للضباب بها حصن، و بها معدن للذهب، و هی طریق أیمن الیمامة، و الوضح أرض بیضاء سهلة أنف ...
و العناب و خنثل، جمیعا لبنی أبی بکر، و هما بالمضجع و الحزیز عن یسار ضریة، و هو من جوانب الحوأب، و الحوأب ماء لبنی أبی بکر، قال الشاعر:
نظرت بذی الأرام یوما و عادنی‌عداد الهوی بین العناب و خنثل
قال العامری: العناب أبارق فی بلادنا، و فیها ماءة یقال لها العنابة.
و خنثل واد لنا ینبت الرمث قال الشاعر:
أرقت و صحبی بحیال صبح‌لخافقة بعردة و العناب
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 209
صبح جبل من جبال فزارة و العردة من بلاد بنی أبی بکر.
أورال برقة سوداء فی الرمل من بلاد بعد اللّه بن أبی بکر. قال العامری قال عبد لبنی قریط یقال له مطیر اشتاق و هو بالبیاض، و البیاض بلد بین سعد بن زید مناة بن تمیم و کعب بن ربیعة، یصدر فیه فلج جدة و هو أرض فلاة لا ماء بها إلّا مویهات یقال الصداءة المروة فقال و هو یغنی:
ألا لیت شعری هل أبیت لیلةو صداء منی و البیاض بعید
بواد من اللعباء أدناه عوسج‌و أسفله رمث أحم جهید
و هل أسمعن الدهر أصوات فتیةبذی الهوزراء من ناشی‌ء و ولید
ذو الهوزراء واد لقریط ینبت الحمض و الصلیان و النمی، و قال یقال مرعی جهید إذا کان الماشیة تجهده، و إنه جعله جهیدا لأنه أراد أنه مرعی طیب رمث، و الرمث تجهده الماشیة، قال العامری: المطالی أماکن من بلادنا، و لیست بمیاه و لا جبال و لکنها أماکن طیبة المرعی، و خرب لبنی ذنباع و هو ماء ملح فی بلاد تنبت الحمض فی موضع یقال له اللغباء، و خرب العقاب ضلع أی جبل لیس بضخم بینه و بین أجلی نحو من خمسة فراسخ أو ستة قال العامری: النطوف و الزباء ماءان لبنی سلیم من وراء الدثینة، قال: و نحن لا نقول إلّا الدثینة و لا نقول الدفینة، قال: و بلاد محازب ما بین الخیالات إلی أریک إلی جنب الداهنة إلی جوف الربذة، و الخیالات جبال النعرة التی بینها و بین مطلع الشمس إلی جنب طمیة، و من بلاد محارب هضب صراد، و هی هضاب حمر صغار فی أرض سهلة، و فیها یقول الشاعر:
فإن یبد ماوان فقد طال شوقناإلی الرکن من ماوان لو کان بلایا
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 210
و مثلثة الوضح جبل بجنبه مویهة یقال لها الحمیریة، و بینهما و بین ماوان الظفریة ثم البیضة ماء، و هی أبیار کثیرة، ثم السکینة و هی ماءة لیس لها جبل، و الغمیم و هو لجنب ضلع العداس و العکلیة و هی ماءة لا جبل لها إلّا برق صغار، و الصخیبرة ماءة، و الخضریة ماءة، و للخضریة جبل حمر یقال له مثلثة، و العمود عمود المحدث و المحدث ماء بینه و بین مطلع الشمس کانت تنزله بنو نصر، و ذو نجب واد یقول فیه الشاعر:
رب عجوز من نساء محارب‌بذی نجب بئست مناخ الرکاب
و من جبالهم قوان، قال الشاعر:
ذکرتک یا حسین و دون قومی‌ذری هضب الستار و نعف قان
و من میاههم الصلصلة و النقیب، و کان أوله معدنا و آخره بیرا أنبطت ماء عذباء و لمحارب الشعیبة و هی واد ضخم، و فی أوضاح محارب الحرقانة ماءة، و الحفیر ماء و الأرطأة و البرکة و حفیر و البیر میاه کلها، فهذه جبال محارب و میاهها، و لبنی محارب فی شرک الضباب ماء یقال له غبیر، و المنبجس و العرفطانة، و لهؤلاء فی شعب من شعباء، و هذا کله من بلاد نجد. و ذو طلال جبال سود لمحارب قریب من تیمن، و تیمن هضبة حمراء لمحارب، و لبنی ربیعة بن الأضبط من الجبال و المیاه المضیح، و هو جبل علی شاطی‌ء الجریب کان حصنا فی الجاهلیة، و فی رأسه ماء یقال له الشقیف، و لهم البزی و هو جبل، و مهدة الضمران و هی أرض تنبت الضمران و هو نبت و لها ماءة یقال لها البزة و علیه مبهل و ماء مبهل الحفیر و صبیح و جبلان یقال لهما أریکتان ثم یلیهما الستار جبل فیه مصانع تمسک الماء، و یلیه الجثوم ماء محفوف بالجبال، و من جبالهم طحال
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 211
و عویمر و اشرفاء و الجلحاوان و الخشناء و ذات فرقین و واسط و الربوض و الجناح، و هو جبل أسود قال فاید بن حکیم الربعی، و کان بمصر:
خلیلی إن حانت بمصر منیتی‌و أزمعتما أن تحفرا لی بها قبرا
فلا تنسیا أن تقرءا لی علی الفضاو نجد سلاما لا قلیلا و لا نزرا
فمات بمصر و ولده بها ظیم شأنهم.
و من جبالهم جزجز، و ماء جزجز بئر عادیة، و من أودیتهم ذو لباح و ماؤه شبیب و الأحص و نوانح کلیب منصوبة علی ماء شبیب، و هن صخور کأنها رجال، و من میاههم بئر الضلوع، و کانت فی الجاهلیة لبنی تغلب، و المؤخرة و هی معدن ذهب، و من أعلام بلادهم القشراء معدن ذهب و کلا المعدنین کان سوقا.
و من میاههم شبکة اللوی، و جبلها الرجلاء بین أسود العین و مطلع الشمس و من بلادهم موقوع، و أقرب المیاه إلیه قرن ظبی، قال الشاعر:
عفی قرن ظبی فالبراق الرواعف،فرجلاء شعر أقفرت فالعوارف
و اقفرن من أسماء إلّا مغارفایهجن البکاء سقیا لتلک المعارف
و من میاه بنی وبر الرتقاء، و جبلها الأرتق، و حفیرة قاع الجثجاثة، و حفیرة، سماخ، فهذه میاه اللوی، و اللوی واد و هو أسود العین. قال العباس بن محمد الحاکم الوبری:
ألا لیت شعری هل أبیتن لیلةبصحراء ابین الجثوم إلی شعر
و هل أردن العین، و الشمل جامع‌مقیم النوی قد حان ذاک إلی قدر
و هل ارینّ الرمل یا أم خالددمیث اللوی من قصد مطّلع الفجر
فکیف و لم أصبح أحدّث فتیةکرام الساعی من ربیعة أو وبر
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 212
و من أجبالهم أسود العین و محجّر. قال الشاعر:
لمن الدیار کأنها لم تعمربین الستار و بین برق محجّر
و من بلادهم التناضیب، و هی جبال و ماؤها العقیلة، و من أودیتهم الشعیبة، و من جبالهم قرناء عنیزة، و عنیزة ماءة کانت لربیعة فیها بئر یقال لها أست الکلب. و قالت الوهبیة و کانت قد تزوجت بالعراق:
لماء من عنیزة لم یضج‌أحب إلی من عسل العراق
ثم الجدیلة، و لهم ذو العوسج ماء کان أوله معدنا، و لبینة ماءة عادیة، و جمیع بلاد بنی الأضبط ما بین الجریب، و هو واد فیه حموض، و میاه من عند المضیح إلی الجونیة إلی العکلیة إلی شعر إلی شعباء إلی البزة، و ولد و بر وهب و وهیب و وهبان و واهب، و من بنی وهبان عطان منظور الشاعر المشهور.
و أما کعب بن کلاب، فلهم الغدیر و الطائر ماء و الأخرجة ماء فی جنب الأخرج و لهم البرقانیة ماء، و من بلاد بنی کعب بن ربیعة بن عامر بن صعصعة الفلج- قریة عظیمة-، و بالفلج مزارع و نخیل و أنهار، و هو من قری الیمامة بینه و بین حجر مسیرة عشر مراحل و به عین یقال لها الزباء یخرج منها سبعة عشر نهرا، و أسفل الفلج لجعدة و لهم فیه سیح یقال له الزهدمی، و قد بنوا فیه حصنا و هو فی أسفل الفلج بفضی إلی صحراء قشیر و جعدة، و هی فلاة بین الفلج، و یبرین لیس بها ماء حتی یبرین، و منازل
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 213
جعدة فیما بین الزهدمی، و سوق الفلج و سوق الفلج ببطحاء واد یسمی کوز، و السوق مدینة عظیمة، و منازل بنی قشیر فی ناحیة السوق علی شاطی‌ء الوادة، و یسمی منزلهم الزرنوق، و لبنی قشیر أیضا قریة علی فرسخ من الزرنوق، یقال لها قرن، فیها نخیل و دور و مزارع و فی ناحیة قرن سیح إسحاق الذی اقتتلت فیه جعدة و قشیر، لأنه کان لقشیر لإسحاق بن فلان فاشترته جعدة بثلاثمائة ألف درهم، فمنعتها قشیر، فوقعت بینهم فیه حرب، و هو نهر مخرجه من قناة، و هو بطیحة واسعة و علیه نخیل کثیرة، و القاع أیضا قریة لقشیر حذاء قرن، و حذاء قرن قریة أخری یقال لها صدی لبنی الحریش، و للحریش واد یدفع علی صداء یسمی الهدار، و حذاؤه الشطبتان، و هما وادیان فیهما نخیل، و هما للحریش و بنی قشیر، ثم ترجع إلی الفلج، و هذا الوادی الذی یسمی کرزاء بینه و بین الفلج مسیرة لیلة نحو من عشرة فراسخ، و الرکمة قریة بها منبر و سوق و هی لجعدة إلّا قلیلا من أعلاها لبنی قشیر و هی بین جبال.
و الفلج بصحراء مغضیة تصب علیه الأودیة، و لجعدة واد یقال له الفیل بین جبلین ملان نخیل و بین الفیل و الفلج سبعة فراسخ أو ثمانیة، فهذه قری الفلج، و ما بین الفلج و المجازة أربع مراحل، و هی لهزّان، و ما بین المجازة و الفلج لجعدة، و فیه میاه ماشیة، فمن تلک المیاه النضح بواد یقال له العرجون و لهم اطلحاء و هو ماء بواد یقال له وادی اطلحاء، و بلادهم هذه أودیة و قفاف و جبال، و لهم الحزاء و هو ماء، قال الشاعر:
یوم علی الحزاء یوم نحس‌لیس کیوم الفتیات اللعس
و لهم أیضا ماء یقال له دلامیس، و بینه و بین الفلج مسیرة لیلة، و لهم
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 214
أیضا ماء یقال له الوره، و هو ماء للماشیة، و لهم واد یسمی فلفل فیه نخل کثیر، و لهم أیضا حراضة، و فیه میاه ماشیة و نخیل، و لهم الصدارة، و هی أعلی وادی الفیل، و هی کثیرة النخل، فهذه میاه جعدة، و هذه کلها بقفاء العارض تصب سیولها مستقبلة مطلع الشمس، و العارض جبل فصل الیمامة جمعاء، و وجه العارض مستقبل مغیب الشمس، و فیه أودیة و شعاب، فإذا انحدرت من العارض مستقبلا مغیب الشمس وقعت فی الدبیل بمقابلة العارض، و فی العارض ثنایا، فمنها ثنیة الهدار، و ثنیة الحمة، و ثنیة برک، و ثنیة نساح، و ثنیة الأحیس، و بهذه الثنایا میاه لقشیر منها الجازیة و الخضرة و الصجیة و الضبیعاء و العشیرة و الرابعة و الجنادیات، أمواه متقاربة، و السلمیة فهذه میاه الدبیل، و لهم بین الدبیل و العارض ماء یقال له أوّان، و لهم الرجلاء و الثادقة، و لهم میاه کثیرة لا تحصی، و لبنی قشیر و غیرهم من الجبال عمایتان إحداهما للحریش و الأخری لهم هم و بنو عبد اللّه بن کعب أخو العجلان، و یذبل لبنی قشیر و هو بین الینکیر و دمخ، و به ماءة یقال لها حلیمة و به السلمیة.
و ثهلان لبنی نمیر، و هو بناحیة الشعراء من بلاد بنی نمیر، و فی ثهلان ماء و نخیل لبنی نمیر، و السواد سواد باهلة، و هی جبال سود، و أبناء شمام بالسواد یدفع علیها عرض السواد، و هو غیر عرض الیمامة.
قال الأصمعی یذبل و القعاقع و ابنا شمام لباهلة.
و لبنی قشیر النقر، و هی فی رملة معترضة ذاهبة دون جراد مخیط، و فیها نخیل و میاه منها الحاجر و واسط، و بین النقر و قرقری مسیرة لیلتین، و بین قرقری و حجر مسیرة لیلة، و لهم الشبیکة من معادن الیمامة، و لهم
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 215
شعبعب و هی بحائل، و هی ماءة من وراء النقر بیوم تهبط من النقر حائلا.
قال: و إذا جاوز الحاج قائلا و المرّوت مقبلین صاروا فی قری الیمامة، قال الراجز:
إذا قطعنا حائلا و المرّوت‌فأبعد اللّه السویق الملتوت
و ببطن الرمة من المیاه العرنیة و جلیجلة.
و العذیب ماء لبنی تمیم، قال کثیر:
لعمری لئن أمّ الحکیم ترحّلت‌و أخلت لخیمات العذیب ظلالها
و هو علی مرحلة من الکوفة.
و أما منازل بنی عدی بن جندب بن العنبر بن عمرو بن تمیم، فبطن فلبح من طریق مکة، و ملکهم من الطریق ما بین ذات العشر إلی الرقیعی، و الرقیعی ثمد لهم ینسب إلی بنی رقیع، فهذه محاضرهم فی قیظهم و سقاء أموالهم، و یتبددون فی الصحراء بین الدّوّ و الصمان، قال عبد الرحمن بن قشیر:
أقمنا بفلیح و اللهابة للعدابضرب کإحراق الیراع المسند
و أما بنو عمرو بن جندب بن العنبر بن عمرو بن تمیم، فمنازلهم الجفار. و أما بنو مالک بن جندب بن العنبر بن عمرو بن تمیم فلهم الینسوعة و الوقبی. و بنو عوف بن مالک یسکنون الفقی و جرمة و جلاجل و الفقی بالکرمة و الکرمة بالیمامة. و أما بنو کعب بن جندب فلهم قاع یزرعون یقال له الجثجاثة ، و أما کعب بن العنبر فمنزلهم اللهابة و هی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 216
قریبة من طویلع و ینزل ناس منهم بالفقی من بنی العنبر بن عمرو بن تمیم و یجاورهم بالفقی حمان و عکل و ضبة و عدی و تیم و غیرهم. قال أبو حممة یمدح بنی کعب بن العنبر بن عمرو بن تمیم:
ألم یأت کعبا باللهابة مدحتی‌و کانوا لما أثنیت من صالح أهلا
هموا نزلوا بین الرباب و دارم‌و سعد علی رغم العدا منزلا سهلا
و من میاه الرباب بالوشم إلی الفقی المرفیة و هی بقنّة الکرمة و السبراة، ثم العادیة ثم الجنینة ثم الظلیف ثم حرمة ثم الخیس ثم المظلومة، فکل هذه المیاه للتیّم بن عبد مناة بن أدّ بن طابخة بن إلیاس بن مضر ثم مبایض و الکوکبة ثم أشیقر و غبیراء ثم الخرزة ثم تمیر ثم تمیة ثم بطن مهزول ثم الاعشاشة ثم القلت ثم وادی الکلب ثم قطار ثم برقاء، و وادی الکلب فیه ماء لبنی التیم ثم القلعة ثم أشی و هو واد لبنی العدویة، ثم العنابة و ذات النصب للتیم و العکرشة لبنی عدی، و لهم الجرفة ثم بطن الحریم و هو واد لبنی العنبر بالفقی ثم زلفة و لهم جلاجل و معزل و مجزّل ثم الروضة و هی لبنی العنبر بن عمرو بن تمیم ثم البرقاء ثم التویم لبنی حمان من بنی سعد، و موسم لقوم من حنیفة و هو بالفقی أیضا، ثم القارة و هی لرجل من أهل الیمامة، ثم الأملحان و هما ماءان لبنی ضبة، و لفاط واد لبنی ضبة، ثم أسیلة و هی لهم ثم الجثجاثة لبنی ضبة، ثم السمیریة، ثم الأجیفر و زعبل و الهدملة، ثم الشبکة ثم السلیع ثم الطحیل ثم أراب و هو ماء لبنی العنبر، ثم جزرة و هی لهم أیضا، ثم الضحاکة ثم القنیفذة ثم النبقة و هی لطهیة و الشقوق لبنی أسیّد بن عمرو بن تمیم، ثم حفیر ثم أضم
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 217
و هی لبنی الهجیم من بنی تمیم و السمینة لهم أیضا، و الحنظلة و قصر فرحان.
و ببلاد بنی یربوع بالقوارة رنقب و الخف و لحیاء جمل، و أثال لعبس و هو واد فیه نخل و جوّ مرامر لعبس أیضا، و ضارج لبنی الصیداء من بنی أسد و لقوم من بنی السبیع، و هم فخذ من حنظلة الونعة و الروحاء و الأخضر و الرمادة و الطرفة و وادی الحمیر و الحمارة و الوحرة و القنفذة، هذه کلها لبنی سبیع، فهذا ما سمعناه من التیمی.
و قال أبو المسلم من قری الوشم ثرمدا، و هی بین مرات و وادی الجمل و فیها نخل، و بالرغام قری کثیرة و جل الوشم لبنی امری‌ء القیس بن زید مناة بن تیم، و من قری الوشم مرات و أثیفیة و القصب و ذات غسل و شقراء و أشیقر.
قال: و أعظم بلاد بنی تمیم الوشم و الدهناء و الجواء و الصمان و الدوّ و السیّدان و اللهابة و یبرین و فلج و فلیج و الحزن.
و الدهناء رملة تنبت الأرطی و أنواع الشجر ما خلا الحمض، و هی طویلة جدا، و أحد طرفیها یبرین، و یقال طرفها الآخر بالشام و عرضها مسیرة ثلاثة أیام، و الجواء موضع سهلة ذات شجر، و الصمان خشن ذو حجارة وقیعان، و الدوّ مستو لیس فیه رمل و لا جبل، و الصمان لأخلاط تمیم و الرباب، و هی هجول و جواء و رضام و هی بلاد حموض.
و أما الدوّ فلا ینبت إلّا الحلّی و الثعام و الصخبر و الصلیان و الفرز.
قال: و الحزن حزن بنی یربوع و هو قف غلیظ مسیرة ثلاث لیال فی مثلها.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 218
و قال العامری: الحزون ثلاثة، حزن بنی یربوع، و حزن غاضرة من بنی أسد، و حزن کلب من قضاعة، فهذه الحزون المعروفة، و کلها قفاف و هی مرئیة، و دار یربوع الحزن، و میاههم أعشاش و الفردوس، و أعظم ماء للرباب الحفر. و للتیم بن عبد مناة بن أدّ بن طابخة بن إلیاس بن مضر، الحفرة و هی بالوشم، و لهم قریة یقال لها تمیر، و لهم مبایض، و لهم القصب أو القصیبة، و هی علی طریق المکندر، و هی من الوشم و أعظم موضع لبنی عدی، بعد الحفر شقراء و هی قریة من الوشم عظیمة، و لعکل بالعالیة میاه منها الحفیرة و میاه عدیدة، و لهم بالوشم أشیقر و هی قریبة من شقراء، و المکندر من طریق البصرة، أهله تمیم، و کان الحاج یأخذونه فترکوه لقلة الماء.
و للتیم بین الصمان و الدهناء مویهة یقال لها الوهواهیة.
و أما بنو ثور فهم بالحجاز عند جبل یقال له اطحل ینسبون إلیه، و أقصی ماء بالعالیة لضبة الورکة، ثم یلیها مبین، و هو من أعظم میاه بنی ضبة، و مبین قریب من القصیم، و الرتماء ماءة لضبة و ساجر، لأخلاط ضبة و النبوان، و یسمی أیضا جوّ مرامر نصفه لعبس و نصفه لبنی کرز.
و زنقب لبنی سلیط بن یربوع، قریب من النبوان ثم أعظم ماء لضبة بالبادیة الدجنیتان و هما ماءتان عظیمتان لیس بینهما میل، یقال لأحدهما الدجنیة و للأخری القیصومة و یسمیان جمیعا الدجنیتین، و تعشار قوتهما، و هو ماء لبنی ثعلبة خاصة، و هذا کله فی ناحیة الوشم، و بالوشم قریتان
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 219
یسمیان الشمسین لبنی ثعلبة خاصة ثم لبنی مبذول، و لبنی مبذول قریة یقال لها الغزیز بالوشم، و بین تعشار و الدجنیتین خبراء، و هی قاع یکون فیها سدر، و ینقع فیها الماء، تسمی الحقلة لبنی ضبة، و الدجنیتان وراء الدهناء، قریب منها.
و قال الضبی: الرغام رمل لبنی ضبة و لعمرو بن تمیم، و هو رمل مطل علی الحمادة، و الحمادة فرش بین الکرمة و الرغام، ثم لهم بالحفر حفر الرباب ماءة عظیمة یقال لها الحفیرة، ثم تقطع الدهناء، فهی من ذاک الوجه لبنی ضبة، ثم تصیر إلی الجواء من ناحیة الدجنیتین و الحفر، و الأحفار ثلاثة، حفر بنی العنبر بن عمرو بن تمیم، و حفر الرباب، و حفر بنی سعد بن زید مناة بن تمیم.
و لضبة بالجواء مصنعة یقال لها القلات، و شارع نقاء من الدهناء فإذا خرجت من الجواء فأنت فی الصمان و هو لضبة و کعب بن العنبر و عبد اللّه و نهشل ابنی دارم، و لبنی عبد اللّه بن دارم مصانع، منها مصنعة تسمی الخمة لیس بالبادیة أعظم منها، ثم لبنی ضبة دون الصمان ماء یقال له طویلع لهم قریب من نصفه، و نصفه الآخر لبنی فقیم بن دارم. و لبنی مناف بن دارم به رکیة، و لبنی ربیع بن مالک بن دارم به رکیتان، فإذا جزت طویلعا و أنت ترید البصرة وقعت فی بلد تسمی الشیّطین، بهما کانت الوقعة لبنی بکر بن وائل علی تمیم، و هو مر عن الأهل طویلع ثم تأتی الوریعة، قال الشاعر:
فما کان بین الشیطین‌و لصلع لنسوتنا إلّا مناقل أربع
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 220 فجئنا بجمع لم یر الناس مثله‌یکاد له ظهر الوریعة یظلع
ثم تأتی الدوّ، ثم تنحدر علی بطن السیدان، و بالسیدان میاه منتظمة منها لعبد اللّه بن بکر بن سعد بن ضبة ماءة یقال لها المنقاشیة، و ثمد یقال له المنقاش و أثماد لهم هناک. قال الراجز:
صبّحن أثماد أبی منقاش‌خوص العیون ذبل
المشاش و أبو منقاش رجل من بنی ضبة من بنی عبد اللّه بن بکر بن سعد بن ضبة، کان صاحب الأثماد، و به سمینا.
و لبنی ضرار ماءة یقال لها مسلمة، و لهم شرب بالرحیل علی طریق فلج.
قال الضبی: إذا خرجت من حجر الیمامة ترید البصرة، فأول ماء ترده الحرملیة، و هی فی قف فی شعب فیه نخل یکون فیه موالی لبنی مسلمة یقال لهم أحمر، ثم ترکب القف، و هو أرض خشنة فتأخذ علی واد یقال له ذو جراف، و هو یفرغ فی السّلیّ، ثم ینتهی إلی موضع عند منقطع القف یقال له المدیدان، و هما أکمتان، و هناک ماء، و بین منقطع القف و الحرملیة نحو خمسة عشر فرسخا، ثم تجزع أنف الحرملیة، و هی رملة یکون بها بنو سعد بن زید مناة بن تمیم، ثم تجزع وادی بنبان، و هو واد یفرع فی ریاض یقال لها السّلیّ، و تدع ریاض السلی عن یمینک و أنت جازع وادی بنبان ترید البصرة، فأول ما یسقی وادی بنبان من ریاض السلی روضة یقال لها السویس، فیها قبتان مبنیّتان یسکنهما الزارعون، ثم تخرج من سویس فتصیر إلی روضة البدیع، ثم من وراء البدیع روضة الطنب، و من ورائها روضة الجرداء، و هی تشرب من وادی أجراف، و جمیع هذه
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 221
الریاض من السلی تدعها عن یمینک إذا کنت ترید البصرة من الیمامة، ثم تنهض من ثنیة الجرداء فتصیر فی قاع یقال له الراح، فإذا أجزته وقعت فی العرمة، فتمر فی وادی خرج و خرج خشن کثیر الوعور، حتی ینتهی إلی ماءة لبنی سعد یقال لهات الجرباء، و علی یسارها فی العرمة ماء یقال له الرداع لبنی الأعرج من بنی سعد بن زید مناة بن تمیم، و عن یمین الطریق ماء یقال له الغیلانة لبنی سعد، و هو من العرمة، و بالعرمة میاه کثیرة، فإذا فصلت من العرمة من جبال الجرباء صرت إلی واد یقال له مجمع الأودیة، أهله بنو سعد، ثم تصیر إلی روضة ذات الرئال، و هی کثیرة السدر، و الجثجاث و هی التی ذکرها أعشی قیس بن ثعلبة، حیث یقول:
ترتقی السفح فالکثیب، فذاقار فروض القطا، فذات الرثال
و هذا السفح الذی ذکره الأعشی هو الذی ینتهی إلیه المشیعون الذین یشیعون من یخرج من الیمامة إلی البصرة، و الکثیب الذی ذکره رمل مشرف علی السلی، و روض القطا قریب من السلی، ثم تجوز ذات الرئال حتی تنتهی إلی الحفر، حفر بنی سعد بن زید مناة بن تمیم، و هو ماء عذب خفیف بعید القعر واسع الأعطان و هو فی جرعاء سهلة لینة مواصلة الدهناء، و بین الحفر و حجر یومان و لیلتان، ثم تصدر مقوزا من الحفر مستقبلا الدهناء، و فی الدهناء یقول الشاعر:
لقد کان بالدهناء حیاة لذیذةو محتطب لا یشتری بالدراهم
الدهناء سبعة أجبل، و لکل جبل منها اسم، و بین هذه الجبال سهوب من الأرض تدعی الصرائم، بین کل جبلین صریمة، و بین کل صریمتین
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 222
حبل، و من صرائم الدهناء الجردة و الصبیغاء، و هی برقااء منقطع الدهناء، فإذا أجزت الصبیغاء وقعت فی أبرق یقال له القنفذ، و الأبرق رمل مختلط بالکام، فإذا جزت القنفذ استقبلت أول الصمان، و عن یسارک قبل ذاک الزرق التی ذکرهن ذو الرمة، و هی أجارع من الرمل من أرض بنی سعد من الدهناء، فأول ما تستقبلک من الصمان حین تدخله دحل یقال له خریشیم، و هو علی الطریق. و ربما دخلته الواردة إذا احتاجوا إلی الماء، و الصمان قف خشن، فیسمی منه ذاک الصلب، و فیه ریاض بین جبال تنبت الکماة، فتمضی فی الصمان حتی تنتهی إلی بلد یقال له المعاء، و هو رمل بین جبال، ثم تجوز المعاء حتی ترد طویلعاء، و هو ماء علیه قباب مبنیة، و هو المنصف بین حجر و بین البصرة، و هذا الماء أفواه کثیرة بعضها لضبة و بعضها لبنی فقیم من بنی تمیم، و فیها لبنی سعد بن زید مناة بن تمیم میاه و فیه تجار، و هو قریة و قباب مبنیة، و فیه نخل واثل و حصن، ثم تجوز طویلعاء إلی بلد یقال له الشیّطین، و هما وادیان لتمیم، و هما الشیّطان، فإذا انحدرت من عقبة الشیّط وقعت فی طرق سهلة بین الجبال و بینها طرق فی أرض سهلة تسمی المتأمل، فتأتی الوریعة، و هی لسعد و ضبة، و الوریعة جبل معترض، و به قتل عامر بن حاجب من بنی حنیفة حین لقیته لصوص بنی ضبة و بنی سعد، و فیه یقول الشاعر:
سقی اللّه قبرا بالوریعة حلّه‌فتی من بنی هفان حلو الشمائل
فإذا جزت الوریعة استقبلت الدوّ، و الدوّ أرض مستویة مفازة لا ماء
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 223
بها و لا شجر و لا جبال، مسیرة أربعة أیام قبعان لا تنبت إلّا النصی و الصخبر و ما أشبهها لا تری به شجرة مرتفعة لا عرفجة و لا غیرها، إنما ترله مبیاضا کله، فإذا فصلت من الدو صرت إلی کفة العرفج و فی منقطع الدوّ حین تجوزه و أنت ترید البصرة واد یقال له وادی السیدان به میاه لأفناء تمیم، علی کل ماء قباب مبنیة، و کلها بعید قعرها لا یخرج ماؤها إلّا بالغروب و السوانی، و لا یخرج الغرب من قعر البیر إلی فمها حتی یجر الجمل الرشاء فی الأرض من بعد مذهبه، ثم تجوز ذاک منحدرا ترید البصرة فعن یمینک میاه من ثماد منها ثمد یسمی الرقاعی، و عن یمینک حین تجوز النحیحیة منحدرا إلی البصرة جبل یقال له تیاس، و قریبا منه ثمد یقال له الفارسی علیه قبتان مبنیتان، و هما لبنی الحرماز، و عن یمین ذاک جبل یقال له الرحاء، و قریب من الرقعی ثمد الکلب، و فی تلک المخارم ثماد عامتها لبنی الحرماز، ثم تجوز المخارم حتی تهبط إلی کاظمة ، و کاظمة علی ساحل البحر، و بها حصن و دور مبنیة و تجار، و عامتهم تمیم، ثم تسند فی النجفة فتمضی فیها إلی الصلیب، و هو جبل، و النجفة طریق بین أجبال فیها ریاض، ثم تهبط فی أدویة سهلة حتی تنتهی إلی إیرسی الرکبان، و هو علم مبنی من حجارة للطریق و هو شبه شخص إنسان، ثم تجوز إلی الخزیز، فتمضی فی الخزیز، حتی تهبط ماء یقال له سفوان، فیه بیوت مبنیة کثیرة فیها شرک لبنی ضبة بن أدّ، و بنی سعد بن زید مناة بن تمیم، و به تجار و بین سفوان و البصرة بیاض یوم
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 224
أو أقل، ثم تخرج من سفوان و تمضی حتی تهبط الأحواض، و الأحواض موضع تبصر فیه بعض قباب البصرة، و هو ماء علیه قصر و قبتان، ثم تخرج من الأحواض منحدرا فی الطریق و أنت تنظر إلی البصرة حتی تدخلها عمل الیمامة.
قال الضبی إن عامل الیمامة یجبی بجوف مربد البصرة، و یجبی برکبة، و رکبة عن مکة ثلاثة أیام، و یجبی برمال الیمن قریبا من صنعاء، و قال إنه یدعی لصاحب الیمامة علی منبر أحساء، هجر و یجبی بجبلی طی‌ء، و ذلک أن جمیع قیس جبایتها إلی الیمامة ما خلا بنی کلاب فإن جباتهم إلی المدینة، و أما عقیل و العجلان و قشیر و نمیر و باهلة و کل قیس فإلی الیمامة و أما جمیع بنو سعد بن زید مناة بن تمیم و ضبّة و الرباب و بنی یربوع و غیرهم فإلی الیمامة.
قال: و إذا خرجت من حجر ترید الکوفة فأول ماء ترده یقال له الحبل، و هو فی ناحیة القف، و بینه و بین حجر نحو خمسة فراسخ، ثم تخرج منه، فترد القف و هو أرض خشنة، حتی تأخذ بین بنبان و العرض، تدع بنبان یمینا و العرض یسارا، ثم تمضی حتی ترد البالدیة بالدیة بنی غبر و هی قریة فیها نخیل و مزارع و بین البالدیة و حجر لیلتان، فإذا خرجت من البالدیة وردت ماء یقال له الغمیم لبنی سعد، ثم تجزع بطن واد یقال له العتک لبنی سعد بن زید مناة بن تمیم، و هو واد یجی‌ء أعلاه من ناحیة الفقی حتی تنتهی إلی ناحیة الغمیم و لیس لسعد عن یمینه و لا عن یساره شی‌ء، إنما لهم بطن الوادی، أما إذا کنت مصعدا فیه کأنک ترید الفقی فإنما عن یمینک و عن یسارک لعدی و التیم و بنی سحیم، و إن أردت ورد تمیز و تمیرة وردتهما و هما ماءان لعدی و التیم ابنی عبد مناة بن أدّ بن
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 225
طابخة بن إلیاس بن مضر علیهما نخیل، و إلّا مضیت فوردت مبایض، و هو لبنی ضبة بن أدّ.
ثم تجوز مبایض، فأول ماء ترده تعشار و هو لضبة فی سند جبل و حوله أبارق ثم تمضی فإن أحببت وردت مویهة لضبة فی قبل جبل یسمی الرحاء، و بین هذا الجبل و بین الماء نحو من فرسخین، ثم تجوزه فترد ماء لبنی فقیم یقال له تلعة، ثم تجوزه فترد ماء یقال له السقیاء، و هو ماء فی رأس رملة، و هو فی إبط الدهناء، و من دونه فیما بینه و بین تلعة ثماد لبنی العنبر بن عمرو بن تمیم مغطاة رؤوسها فی قاع دون تلک الرملة، و السقیاء لبنی العنبر.
ثم تجوز الدهناء فتعلوا قفاء غلیظا، ثم تجوز ذلک فترد المجازة، و هی من طریق مکة الذی علیه یأخذ علیه البصریون المنار من بطن فلج، و هی منهل من مناهل السوق یکون بها ناس تجار فی أیام الحج، و علیها آبار للسلطان، و أکثر أهلها بنو العنبر و بنو یربوع من تمیم، و لیست هذه بالمجازة التی کانت فیها الوقعة، ثم تجوز المجازة فتقع فی اللور و عن یمینه قف غلیظ یفضی إلی حزن بنی یربوع، و عن یساره رملة عظیمة یقال لها الشیخة، فإذا جزت اللوی صرت إلی لینة و هی ماءة لبنی غاضرة، و هی من أعظم میاه بنی أسد، ثم تجوز لینة فتسیر غباء و الغب یومان و لیلتان حتی ترد زبالة، و ذاک کله لبنی أسد و زبالة ماء لبنی أسد، و هی سوق عظیمة من أسواق طریق الکوفة بها قصر و بناء للسلطان، فإذا خرجت من زبالة، وردت القاع، ثم تخرج من القاعه فترد العقبة، و بین القاع و العقبة ماء لبنی عجل، فإذا خرجت من العقبة وردت الشقوق، ثم ترد و اقصة، و هی ماء لطی‌ء، ثم تصیر إلی العذیب، و علیه نخل لطی‌ء، و هذه
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 226
المیاه کلها من زبالة إلی الکوفة عظام علیها أسواق و تجار و قصور للسلاطین و هی طریق الکوفة من مکة، قال بعض الأعراب:
أقول لصاحبیّ من التاسی‌و قد بلغت نفوسهما الحلوقا
إذا بلغ المطی بنا بطاناو جزنا الثعلبیة و الشقوقا
و خلفنا زبالة، ثم رحنافقدوا بیک خلفنا الطریقا
قال العامری بطان دون الثعلبة. و قال ابن الأعرابی نجد اسمان السافلة و العالیة، فالسافلة ما ولی العراق، و العالیة ما ولی الحجاز و تهامة.
قال الأصمعی إذا جاوزت عجلز من ناحیة البصرة فقد انجدت، و إذا بلغت سمیراء من ناحیة الکوفة أو دونها فقد انجدت، إلی أن تبلغ ذات عرق، فإذا تصوبت فی ثنایا ذات عرق فقد اتهمت، قال: و للبصرة إلی مکة طریقان، أما أحدهما فالصحراء عن یسارک و أنت مصعد إلی مکة، فإذا ارتفعت و خرجت من فلج فأنت فی الرمل، فإذا جاوزت النباج و القریتین فقد أنجدت، و إذا أخذت طریق المکندر إلی کاظمة فثلاث إلی کاظمة و ثلاث فی الدو و ثلاث فی الصمان و ثلاث فی الدهناء و عن غیره قال: إذا جاوزت حفر أبی موسی الأشعری و هو حفر بنی العنبر بن عمرو بن تمیم، کان أبو موسی الأشعری احتفر فیه رکیة، فأنت فی نجد.
و قال بعضهم حد نجد من النباج و هو لبنی عبد اللّه بن عامر بن کریز، و یقول بعضهم إذا جزت القصیم فأنت فی نجد إلی أن تبلغ ذات عرق، ثم تتهم.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 227
و القصیم موضع ذو غضی فیه میاه کثیرة و قری، منها قریتا ابن و هما الیوم لولد جعفر بن سلیمان، أحدهما یقال لها العسکرة، قال: و أهل القصیم یسکنون فی خیام الخوص و فیه نخل کثیرة، و هو من عمل المدینة. و یقال حدّ القصیم قاع بولان، و هی مفازة قال: و القصیم رمل و بالقصیم ماء لبنی أسد فی الرمل علیه خیام من الخوص کثیرة یقال له الحویرثیة. قال الشاعر:
علی الربع الذی بحویرثات‌من اللّه التحیة و السلام
و بالقصیم عجلز، و هی ماءة لبنی مازن، و هی المنصف بین مکة و البصرة.
و بالقصیم لبنی عبد اللّه بن غطفان میاه، منها ماءة یقال لها الجحدوة، و ماء یقال له الرکیات، و لبنی ضبة بالقصیم ماء یقال له کنیف، و کانت عجلز فی أول الدهر لضبة فوهبها ابن جفنة لملحم بن سویط.
و أما بنو سعد بن زید مناة بن تمیم فأقصاها یبرین ینزله منهم بنو عوف بن سعد و ناس من بنی عوف بن کعب و أخلاط سعد، ثم هم متصلون إلی الأحساء و الأحساء من هجر علی میلین ینزلها أخلاطهم.
فإذا خرجت من الأحساء أتیت الأجواف، و هی قری و میاه، ثم تصیر إلی بطن غر، و هو بطن فیه میاه و قری و عیون، فیها ماءة یقال لها کنهل، ثم تخرج من بطن غر فتقع فی الستار، و فیه لهم أکثر من مائة قریة لأفناء سعد بن زید مناة بن تمیم، و لامری‌ء القیس بن زید مناة بن تمیم، و من قراها ثاج، و بها سوق. قال ذو الرمة:
نحاها لثاج نحیة ثم إنه‌توخی بها. العینین عینی متالع
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 228
و عینا متالع منها، و قریة یقال لها ملج، و قریة یقال لها نطاع، فإذا خرجت من الستار وقعت فی القاعة، و فیها میاه کثیرة منها ماء یقال له الطریفة لبنی مالک بم سعد اقتتلوا فیها هم و بنو عوف بن کعب، فصارت لبنی مالک، و لبنی مالک من ناحیة طویلع قریتان، یقال لهما ثیتل و النباح، و لهم بناحیة الیمامة قری کثیرة و لهم وراء الدهناء ماءان عظیمان، یقال لهما وسیع و دحرض، و هما الدحرضان، و فیهما یقول الشاعر:
شربت بماء الدحرضین فأصبحت‌زوراء تنفر من حیاض الدیلم
و لهم وراء الدهناء بجنب حفر بنی سعد ماء یقال له البیر، و لهم ببطن السیدان الحمانیة، و هی ماءة لبنی حمّان و الربیعیة لبنی ربیع بن الحارث، و هم مختلفون بالصعاب، و الصعاب أسفل من الدو و السیدان، هم و بنو الحرماز بن مالک فی میاه کثیرة منها مسلحة و الوفراء و کاظمة، و هم متصلون إلی سفوان من یبرین، و ذلک أکثر من مسافة عشرین یوما، و عرضهم من البحرین إلی الدهناء.
و أما بنو عبد اللّه بن دارم فلیس لهم بالبادیة إلّا القرعاء، و هی ماء أسفل من الصمان و هی بینه و بین الدوّ ما لهم غیرها، و غیر مصنعة یقال لها الحمة فی الصمان و بجنب القرعاء لصاف، و هی لنهشل من بنی تمیم.
و فی ناحیة الدو ماءة عظیمة یقال لها الربادة لبنی فقیم، و لهم ماءة قریبة من طویلع و ما حولهن یسمی الشاجنة.
و لبنی الهجیم علی طریق مکة ماءة یقال لها السمینة و ذو أضم و الحناظل، و فیها یقول شاعرهم:
ألا لیت شعری هل یعودن مربع‌بذی أضم أو قبلها بالحناظل
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 229 بأجرع من ماء السمینة طیب‌به اللیل ناء عن بعوض السواحل
و لبنی أسیّد بن عمرو بن تمیم ماء من النباج یقال لها الجعلة قریبة من الطریق، و لهم العوشزیّة و میاه أخری.
و أما حجر فهو سرة الیمامة و هو منزل السلطان و الجماعة، و جلّ أهل حجر بنو عبید بن ثعلبة من بنی حنیفة و وتر فیه نخل و منازل لبنی سیار بن عبید بن ثعلبة من بنی حنیفة، و بین وتر و السوق نحو ثلاثة أمیال.
و منفوحة لبنی فلیس بن ثعلبة من بنی حنیفة، قیل أنهم أتوا عبید بن ثعلبة الحنفی، فقالوا له انفح لنا مما أصبت، أی هب لنا، فأعطاهم هذه القریة، فسمیت منفوحة من أجل قولهم انفح لنا، و هی من سوق حجر علی میلین.
قال أبو المسلم: إذا خرجت من حجر فأول ما یستقبلک یایه، و هی لأخلاط من الناس من بنی حنیفة و غیرهم، و فیها من آل سوید، و هم من طی‌ء، ثم عن یمین یایه القری قری آل کرمان، و هم موالی لبنی سلمة، و هو قریة فی جزیرة من الوادی أهلها بنو تغلب، ثم عن یسارک ذا محرقة، و هی قریة ثم أسفل منها عن یسارها جلیجلة، فیها أخلاط من کل أحد، ثم عن یسار ذاک منحدرا مع الوادی إذا استقبلت الجنوب نمیلة و نمار فی بطن واد فمه یفرغ فی العرض و أعلاه یذهب مغربا و أکثر نمیلة لبنی قیس بن ثعلبة. و أما نمار ففیه أخلاط من کل أحد، و إذا خرجت من حجر ترید مکة و ترکت المنار و أخذت الطریق الأیمن، فإنک آخذ بطن العرض فإذا خرجت من العرض و أقصی العرض سیح آل إبراهیم بن عربی وصلت إلی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 230
موضع یقال له الراحة، و هی قاع لمراتع الیمامة، ثم تصیر إلی ثنیة الأحیس و بها نخیل، ثم تجوزها فتقع فی قرقری، فترد المنفطرة و هی لبنی عدی من بنی حنیفة ثم تجوز ذلک فترد الغزیز، و هو لبنی سعد بن زید مناة بن تمیم، فتأخذ علی رملة یقال لها الورکة، و هی رملة طویلة فیها قشیر و غیر و غیرهم، فإذا جزت عنها وردت أهوی و هو ماء لبنی حمان، إن شئت إذا خرجت من أهوی وردت العفافة و هی لباهلة و کثیرا ما یتخطونها إلی عکاش، و أهل المروت بنو حمان، و فیه میاه و مراتع، فمنها السحامة لبنی حمان و علیها طریق المنار، و بناحیة المروت تبراک ماء لبنی نمیر فی أدنی المروت لاذق بالورکة، و بین أهوی و حجر أربع لیال، فإذا جزت أهوی فمن ورائها مویهة یقال لها الأسورة، ثم تعبر رملة جراز و هی رملة عظیمة، فإذا جزت جراز فی مکان من حائل یقال له الهلباء و حائل فلاة واسعة لقشیر و باهلة و نمیر و غیرهم، و عن یسارک إذا کنت بأعلی الهلباء میاه لباهلة من السواد و علیها نخیل منها فریفق و جزالاء و العوسجة، و هی معدن و ذو طلوح ماء علیه نخیل، فإذا جزت الهلباء وقعت فی وادی خرج، ثم تجوز ذلک فترد عکاشا، و هو ماء لبنی نمیر علیه نخیل فإذا جزت عکاشا وردت العیصان و هو معدن و به تجار، و هو لبنی نمیر، ثم تجوز العیصان فترد معدن الأحسن و هو لبنی کلاب، ثم بعده ترد العلکومة، و هی ماءة لبنی کلاب، ثم ترد الدثینة، ثم ترد قباء، ثم حرة بنی سلیم، ثم مران و هو ماء و قریة عظیمة و نخیل، ثم تجوز مران فترد الشبکة و هی ماء، ثم بسیان ثم أوطاس ثم ذات عرق، ثم تستقبل نخلة الشامیة و أنت فی تهامة فلا تزال فی واد بها حتی ترد بستان ابن عامر ثم من البستان إلی مکة.
و قال أبو المسلم من معادن الیمامة خزبة و ابنا شمام بسواد باهلة
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 231
و التمیرة لبنی أبی بکر بن کلاب، و هبّود لبنی نمیر و العیصان من حجر علی مسیرة ستة أیام و هو قریة کبیرة فیها معدن لبنی نمیر و الکوکبة و هی لنمیر، و معدن الأحسن معدن ذهب لبنی کلاب بینه و بین العیصان مسیرة لیلتین أو ثلاث، و بینه و بین ضریة لیلتان.
و قال غیره إذا جزت رامة صرت إلی بطن عاقل، و هو ماء لبنی أبان، و لهم ماء یسمر منعج و بجنب منعج حزاز و هو جبل، و الانعمان ببطن عاقل و هما جبیلان صغیران. قال مهلهل:
بات لیلی بالأنعمین طویلاأرقب النجم ساهرا أن یزولا
و کانت منازل ربیعة هناک، و تنظر إذا أشرفت رامة إلی خزاز و الأنعمین و متالع و هو جبل عظیم قریب من أمّرة الحمی، و أمّرة الحمی لبنی غنی و بنی أسد قال الشاعر:
ألا هل إلی شرب بأمّرة الحمی‌و تکلیم لیل خالیین سبیل
و هو أدنی حمی ضریة، و إنما سمیت الحمی لأنه عثمان بن عفان رضی اللّه عنه حماه لإبل الصدقة، و هو لبنی عامر بن صعصعة، و تنظر من رامة إلی أبانین و قطن و ساق و هو جبل دقیق طویل کأنه قلّة، و هو لبنی أسد و غطفان.
قال و ضریة سرة الحمی و هی قریة عظیمة فیها بنو عامر، و عامتها لآل جعفر بن سلیمان.
و أسود العین لبنی وبر، و هو ماء. قال الشاعر:
علی أسود العینین من جانب الحمی‌عذاب الثنایا من سراة بنی وبر
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 232
و بالحمی ماءة یقال لها الحفیرة عن یسار ضریة لبنی جعفر بن سلیمان أیضا.
قال و بغربی حرة النار خیبر و وراء خیبر برمة و هی قریة لقریش و الأنصار و عن یمین ذلک قریة یقال لها حرضة موسی، و فوق ذاک ذو المروة، قریة لأخلاط من الناس. و اللّه سبحانه و تعالی أعلم، و صلّی اللّه علی سیدنا محمد و علی آله و صحبه و سلّم.
*** فید بلد مشهورة فیها عین ماء، و ینزلها عمال طریق مکة، و أهلها طی‌ء و هم فی سفح جبلهم المعروف بسلمی، و قد ذکره زهیر بقوله:
ثم استمرّوا و قالوا: إن مشربکم‌ماء بشرقی سلمی فید أو رکل
قال الزجاجی: سمیت بفید ابن حام، و هو أول من نزلها، قال ابن جریر رضی اللّه عنه: أنه خرج من مدینة رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بضحوة یوم السبت ثامن من محرم سنة 97 مع أمیر الحاج، و صبحوا فید یوم الأحد فی الیوم الرابع عشر من خروجهم ثم وصفها فقال: هی مصر کبیرة منعرج فی بسیط من الأرض ممتد حوله ربض لطیف به سور عتیق، و هو معمور سکان من الأعراب یعیشون من الحجاج فی التجارات و المبایعات و هی نصف الطریق من بغداد إلی مکة المشرفة أو أقل، و منها إلی الکوفة 12 یوما فی طریق سهلة، و هی فی غایة من القوة و العمارة و الیسار و کثرة السکان.
و أما الشام فقسمت خمسة أقسام، الشام الأول، و أول حدها من طریق مصر أبح ثم غزة ثم الرملة، و مدینته العظمی فلسطین و عسقلان، و فلسطین هی الشام الأولی، و بها بیت المقدس.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 233
الشام الثانیة: الأردن و مدینته العظمی طبریة، و هی بشاطی‌ء البحیرة، و یرموک بین فلسطین و الأردن.
و الشام الثالثة: الغوطة و مدینتها العظمی دمشق و من سواحلها طرابلس الشام.
الرابعة: أرض حمص.
و الشام الخامسة: قنسرین و مدینتها العظمی حلب و هی من قنسرین علی أربع فراسخ، و ساحلها انطاکیة مدینة عظیمة علی شاطی‌ء البحر داخلها المزارع و البساتین و الأنهار.
- و هذا عدد نفوس أهل سوریة علی آخر تقدیر، و ذلک سنة 1326 ه فی الولایات:
اسم الطائفة/ ولایة بیروت/ الشام/ لبنان/ ولایة حلب/ المجموع
المسلمون/ 173، 30، 0/ 196، 347/ 20422/ 449، 768/ 440، 396، 1
المسیحیون/ 443، 166/ 698، 065/ 319296/ 369، 183/ 746، 734
یهود/ 136، 25/ 342، 6/-/ 000، 30/ 478، 51
دروز/ 575، 001/-/ 49812/-/ 887، 51/
نصیریة/ 720، 95/-/-/ 000، 24/ 740، 119
إسماعیلیة/ 000، 9/-/-/-/ 000، 9
أجانب/ 007، 55/-/-/-/ 007، 55
المجموع:/ 054، 583/ 236، 389/ 398953/ 995758/ 2387578
***
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 235
الحمد للّه وحده‌

[هذا ما نقلت من خط الشیخ علی بن عبد اللّه بن عیسی،]

قال هذا ما نقلت من خط عثمان بن عبد العزیز بن منصور، قال هذا ما نقلت من خط الشیخ عبد المحسن بن علی بن عبد اللّه بن نشوان الشارخی الملقب بالتاجر، من التجار المشارفة أهل الفرعة نزیل أشیقر، ثم الزبیر، کان قاضیا فیه إماما، قال: هذا ما نقلت من خط الشیخ عالم بلد أشیقر فی زمانه فی نسبه فی الوهبة.
قال عن نفسه: أحمد بن عثمان بن عثمان بن محمد بن علی بن عثمان بن عثمان بن عبد اللّه بن بسام بن منیف بن عساکر بن بسام بن عقبة بن ریّس بن زاخر بن محمد بن علوی بن وهیب بن قاسم بن مسعود بن عقبة بن بهیش بن مسعود بن حارثة بن عمرو بن ربیعة بن ساعدة بن کعب بن عوف بن ثعلبة بن ربیعة بن ملکان بن عدی بن عبد مناه بن أدّ بن طابخة بن إلیاس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، هذا خطه بحروفه.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 236
فقد رأیت علی هذا النسب أن الوهبة یکونون من الرّباب من بنی عدی بن عبد مناة بن أدّ و یکون مسعود بن عقبة بن بهیش جدّ وهیب بن قاسم بن مسعود هو أخو غیلان ذی الرّمة الشاعر المشهور، و غیلان قد ذکر ترجمته ابن خلّکان فی وفیات الأعیان، فقال: هو أبو الحارث غیلان بن عقبة بن بهیش بن مسعود بن حارثة بن عمرو بن ربیعة بن ساعدة بن کعب بن عوف بن ربیعة بن ملکان بن عدی بن عبد مناة بن أدّ بن طابخة بن إلیاس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان الشاعر المشهور المعروف بذی الرمة کانت وفاته سنة سبع عشر و مائة. انتهی باختصار.
و کثیر من النسابین ینسبون الوهبة فی هذا النسب المذکور أعلاه، فیقولون وهیب بن قاسم بن مسعود، و مسعود هو أخو غیلان ذی الرمة، و یعدون الوهبة من الرباب، و بعض النسابین یقولون أن الوهبة من بنی حنظلة بن مالک بن زید مناة بن تمیم، و یقولون هو وهیب بن قاسم بن موسی بن مسعود بن عقبة بن سنیع بن نهشل بن شداد بن زهیر بن شهاب بن ربیعة بن أبی سعود بن مالک بن حنظلة بن مالک بن زید مناة بن تمیم، و اللّه أعلم.
قال الشیخ محمد بن عبد اللّه بن مانع فی نسب الشیخ أحمد بن إبراهیم قاضی بلد مرات هو الشیخ أحمد بن إبراهیم بن أحمد بن عبد الوهاب بن عبد اللّه بن عبد الوهاب بن موسی بن عبد القادر بن راشد بن برید بن محمد بن برید بن مشرف بن عمر بن معضاد بن ریّس بن زاخر بن محمد بن علوی بن وهیب بن قاسم بن موسی بن مسعود بن عقبة بن سنیع بن نهشل بن شداد بن زهیر بن شهاب بن ربیعة بن
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 237
أبی سود بن مالک بن حنظلة بن مالک بن زید مناة بن تمیم بن مرّ بن أدّ بن طابخة بن إلیاس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان. انتهی.
ثم قال الشیخ محمد بن عبد اللّه بن مانع المذکور. هذا النسب من ریّس إلی عقبة منقول من خط محمد بن أحمد بن محمد بن منیف بن بسام بن منیف القاضی، و من خط علماء الوهبة المعروفین المعتبرین مثل الشیخ أحمد بن محمد بن بسام، و الشیخ أحمد بن محمد بن حسن القصیّر، و الشیخ سلیمان بن علی، و الشیخ أحمد بن محمد البجادی، و الشیخ عبد المحسن بن شارخ المشرّنی، و غیرهم، و من عقبة إلی مرّ منقول عن ابن الکلبی و یاقوت الحموی قال ابن الکلبی و کان عقبة شریفا.
قال فی القاموس السّنع الجمال و کزبیر عقبة بن سنیع فی نسب طحیّه من الأشراف و أبوه سنیع مشهور بالجمال المفرط، و من الذین کانوا إذا أرادوا الموسم أمرتهم قریش أن یتلثموا مخافة فتنة النساء بهم، و اللّه أعلم.
قال الشیخ حسن بن عبد اللّه أبا حسین الوهیبی التمیمی الأشیقری هذا ما نقلت من حظ الشیخ العالم القاضی محمد بن أحمد الذی ولّاه شریف مکة المشرفة علی قضاء عالیة نجد من وثیقة کتبها بیده، قال و کتبها و أثبتها و حکم بصحتها و موجبها الفقیر محمد بن أحمد بن محمد بن منیف بن بسام بن منیف بن عساکر بن بسام بن عقبة بن ریّس بن زاخر بن محمد بن علوی بن وهیب بن قاسم بن مسعود، هذا خطه بحروفه، ثم قال الشیخ حسن بن عبد اللّه أبا حسین، فمحمد بن علوی له من الولد زاخر
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 238
جدّ آل بسام بن عقبة و آل مشرف و الریاسیة زآل راجح و آل عساکر و آل بسام بن منیف و له أیضا من الولد محمد بن علوی المسمی علی اسم أبیه جدّ آل محمد، و الخرفان، و هکذا وجدنا بخط الشیخ العالم أحمد القصیّر سواء بسواء حتی أوصله إلی مسعود و اللّه سبحانه و تعالی أعلم.
فائدة من خط الشیخ محمد بن عبد اللّه بن مانع رحمه اللّه تعالی.
اعلم أن الوهبة یجمعهم محمد بن علوی بن وهیب بن قاسم بن مسعود لأن محمد بن علوی المذکور أولاده اثنان زاخر بن محمد بن علوی بن وهیب، و محمد بن محمد بن علوی بن وهیب المسمی علی اسم أبیه.
فأما زاخر بن محمد بن علوی فهو جدّ آل بسام بن عقبة، و آل بسام بن عساکر، و آل بسام بن منیف و الریائسة و آل راجح و آل مشرف.
و أما محمد بن محمد بن علوی بن وهیب المسمی علی اسم أبیه فهو جدّ آل محمد و الخرفان.
هذا الذی أدرکنا علیه آباءنا و أهل العلم بالنسب من أهل بلدنا أشیقر کابرا عن کابر بالکتابة و النقل، و اللّه أعلم. انتهی بزیادة توضیح. قال غیلان ذو الرمة من قصیدته التی هجا بها هشام بن امری‌ء القیس بن سعد بن زید مناة بن تمیم صاحب بلد مرات من بلاد الوشم التی أوّلها:
نبت عیناک عن طل بحزوی‌عفته الریح و امتنح القطارا
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 239
إلی أن قال:
یعدّ الناسبون إلی تمیم‌بیوت المجد أربعة کبارا
یعدّون الرباب و آل سعدو عمرا ثم حنظلة الخیارا
و یهلک بینها المرئی لغواکما ألفیت فی الدیة الحوارا
قال ابن الأثیر فی الکامل و الرباب تمیم و عدی و ثورا طحل و عکل بنو عبد مناة بن أدّ و ضبة بن أدّ، و إنما سموا الرباب لأنهم غمسوا أیدیهم فی الرب حین تحالفوا لغوا علی بنی تمیم.
قال الترمذی فی الشمائل الرباب بکسر الراء خمس قبائل ضبة بن أدّ و ثور و عکل و تیم و عدی بنو عبد مناة أدّ غمسوا أیدیهم فی رب و تحالفوا علیه فصاروا بدا واحدة. انتهی.
*** قال فی الجزء الثانی من شرح مقامات الحریری للشریشی عندما قال و خندف بفخرها وجه 232. و أما خندف فهی لیلی بنت حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة و هی امرأة إلیاس بن مضر، ولدت من عمرا و هو مدرکه و عامرا و هو طابخة و عمیرا و هو قمعة، فندّت لهم إبل فخرجوا فی طلبها، فأدرکها عمرو فسمی مدرکة، و اقتنص عامر أرنبا فطبخها فسمی طابخة، و انقمع عمیر فی بیته فسمی قمعة فلما أبطؤوا علیها خرجت فی أثرکم، فقالت ما زلت أخندف فی أثرکم، فلقبت خندف. و الخندفة الهرولة، و هی أم عرب الحجار. و جمیع ولد إلیاس من خندف، و لخندف
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 240
ینسبون، و جمیع ولد مضر من إلیاس و خندف، فمن مدرکة کنانة و أسد ابنا خزیمة و من طابخة ظبة بن طابخة و مزینة و الرباب، و هم عدی و تمیم بن مریّن أدّ بن طابخة و ثور و عکل بن مدرکة و قریش و هو فی کنانة. و منها سید ولد آدم محمد رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم. إلی ما فی کنانة من الشجعان المشاهیر فی الجاهلیة و من طابخة تمیم، و هی أکبر قبیلة فی العرب و أشجعها و هی عدد لا یحصی و عزلا یدرک.
قال المنذر بن ماء السماء ذات یوم و عنده و فود قبائل العرب، و دعا ببردین فقال لیلبس هذین البردین أکرم العرب و أشهرهم حسبا و أعزهم قبیلة، فأحجم الناس، فقام الأحمر بن خلف بن بهدلة بن عوف بن کعب بن سعد بن زید مناة بن تمیم فلبس أحدهما و ارتدی الآخر، فقال له المنذر ما حجتک فیما ادّعیت. قال الشرف من نزار فی مضر ثم فی تمیم ثم فی سعد ثم فی بهدلة. قال: هذا أنت فی أصلک، فکیف أنت فی عشیرتک، قال: أنا أبو عشرة، و عم عشرة، و خال عشرة، قال: هذا أنت فی عشیرتک، فکیف أنت فی نفسک، فقال: شاهد العین شاهدی، ثم قام فوضع قدمه فی الأرض، و قال: من أزالها فله مائة من الإبل، فلم یقم إلیه أحد و فی ذلک یقول الفرزدق:
فما تم فی سعد و لا آل مالک‌غلام إذا ما قیل لم یتبهدل
لهم وهب النعمان بردی محرّق‌بمجد معدّ و العدید المحصل
فلخندف هذا الفخر فی الجاهلیة، ثم النبوة، ثم الملک إلی یوم القیامة، و فیها یقول الراجز: و خندف هامة هذا العالم.
و کان الأحنف بن قیس السعدی جالسا عند معاویة بن أبی سفیان،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 241
فذکره بصحبته لعلی بن أبی طالب رضی اللّه عنهما، فقال یا أمیر المؤمنین إن القلوب التی أبغضناک بها بین جوانحنا، و السیوف التی قاتلناک بها علی عواتقنا، فإن شئت رددناها جذعة و إن شئت استصفیتنا بحلمک، قال:
أجل.
توفی الأحنف بالکوفة سنة 69 ه و خرج مصعب بن الزبیر فی جنازته ماشیا بغیر أزار و هو أول أمیر صنع ذلک فی جنازة کبیر، و لما وضع فی لحده جاءت امرأة فقالت: للّه درک من مدرج فی کفن نسأل اللّه الذی فجعنا بک أن یوسع لحدک، و یکون ذلک یوم حشرک أما و الذی کنت من أمره الوحدة، لقد عشت حمیدا و مودودا، و مت شهیدا مفقودا، و لقد کنت من الناس قریبا و فی الناس غریبا، فرحمة اللّه علیک، و إنما المرء حدیث بعده لکن حدیثا حسنا لمن روی.
***
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 242
الحمد للّه‌

[بیان معرفة نسب الشیخ أحمد بن محمد بن عبد اللّه بن بسام]

، جدّ آل بسام أهل عنیزة کان قد انتقل من بلد أشیقر إلی بلد القصب قاضیا فیه، فی افتتاح سنة عشر و ألف، فلم یرغب لسکن القصب، فطلبه أهل بلد ملهم قاضیا لهم فانتقل من القصب إلی بلد ملهم، قبل تمام السنة المذکورة، و صار قاضیا فیه، فلما کان سنة خمسة عشر و ألف انتقل الشیخ المذکور من بلد ملهم إلی بلد العیینة و سکنها إلی أن توفی سنة أربعین و ألف تقریبا، رحمه اللّه تعالی.
و کان عالما فاضلا أخذ العلم عن الشیخ الجلیل محمد بن أحمد بن إسماعیل العالم المشهور فی بلد أشیقر من بنی ثور من آل جراح من سبیع، و أخذ عن غیره من العلماء فی نجد، و أخذ عن الشیخ أحمد بن محمد بن بسام المذکور عدد کثیر من فقهاء نجد منهم الشیخ عبد اللّه بن عبد الوهاب المشرّفی الوهیبی التمیمی.
و هذا نسب الشیخ أحمد بن محمد بن عبد اللّه بن بسام المذکور علی قول بعض النسابین:
إن الوهبة من بنی حنظلة بن مالک بن زید مناة بن تمیم، و یقولون هو وهیب بن قاسم بن موسی بن مسعود بن عقبة بن سنیع بن نهشل.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 243
هو الشیخ أحمد بن محمد بن عبد اللّه بن بسام بن عقبة بن ریّس بن زاخر بن محمد بن علوی بن وهیب بن قاسم بن موسی بن مسعود بن عقبة بن سنیع بن نهشل بن شداد بن زهیر بن شهاب بن ربیعة بن أبی سور بن مالک بن حنظلة بن مالک بن زید مناة بن تمیم بن مرّ بن أدّ بن طابخة بن إلیاس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، و اللّه سبحانه و تعالی أعلم.
و أما علی قول بعض النسّابین أن الوهبة من الرباب من بنی عدی بن عبد مناة بن أدّ. و یقولون هو وهیب بن قاسم بن مسعود بن عقبة بن بهیش، و مسعود هذا هو أخو غیلان ذی الرمة الشاعر المشهور.
فیکون الشیخ المذکور علی هذا النسب: أحمد بن محمد بن عبد اللّه بن بسام بن عقبة بن ریّس بن زاخر بن محمد بن علوی بن وهیب بن قاسم بن مسعود بن عقبة بن بهیش بن مسعود بن حارثة بن عمرو بن ربیعة بن ساعدة بن کعب بن عوف بن ثعلبة بن ربیعة بن ملکان بن عدی بن عبد مناة بن أدّ بن طابخة بن إلیاس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، و اللّه سبحانه و تعالی أعلم.
حرره العبد الفقیر إلی اللّه تعالی إبراهیم بن صالح بن إبراهیم بن محمد بن عبد الرحمن بن حمد بن عبد اللّه بن عیسی الزیدی، نسبا الشقراوی أصلا الأشیقری مولدا و منشئا، غفر اللّه ذنوبه، و ستر عیوبه، و رحمه اللّه و والدیه و جمیع المسلمین برحمته، إنه هو أرحم الراحمین و صلی اللّه علی سیدنا محمد و علی آله و صحبته و سلم تسلیما کثیرا.
***
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 244
الحمد للّه‌

[بیان نسب آل ابن إبراهیم المعروفین فی بندر الکویت]

من العناقر من بنی سعد بن زید مناة بن تمیم، الذی ذکره النسابون من أهل نجد أن ریمان بن إبراهیم بن خنیفر العنقری الذی صار أمیرا فی ثرمدا بعد وفاة أخیه عبد اللّه بن إبراهیم بن خنیفر سنة مائة و ألف و استمر فیها أمیرا إلی أن قتلوه آل ناصر بن إبراهیم بن خنیفر العنقری، و استولوا علی ثرمدا و ذلک سنة 1116 ه له ولدان و هما زید بن ریمان و إبراهیم بن ریمان، و انتقلوا من ثرمدا بعد مقتل أبیهما، فسکن زید المذکور بلد أثیفیة، و هو جدّ آل ابن زید بن ریمان بن إبراهیم بن خنیفر العنقری المعروفین فی بلد أثیفیة، و أما إبراهیم بن ریمان فإنه سکن فی بلد الحریّق و مات إبراهیم بن ریمان المذکور فی الحریّق و له ولدان و هما محمد و عبد اللّه فأما محمد بن إبراهیم بن ریمان المذکور فإنه سافر من الحریّق و سکن الکویت، و هو جدّ ابن إبراهیم المعروفین فی الکویت، و أما أخوه عبد اللّه بن إبراهیم بن ریمان بن إبراهیم بن خنیفر العنقری فإنه سکن الحریّق و هو جدّ آل إبراهیم المعروفین فی الحریّق و اللّه أعلم.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌9، ص: 245
و صار لمحمد فی بلد الکویت من الأولاد علی و عیسی و عبد الوهاب و عبد اللّه فأولاد علی: محمد و عبد العزیز و أحمد، و أولاد عیسی:
عبد اللّه، و أولاد عبد الوهاب: إبراهیم و عبد الرزاق و عبد اللطیف، و أولاد عبد اللّه: صالح.
***

الجزء العاشر

إفادة الأنام بتاریخ بلد الله الحرام‌

اشارة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ‌

[المقدمة]

هذا التاریخ لمؤلفه الشیخ [عبد اللّه بن محمد غازی] من أصل هندی و هو من علماء مکة المکرمة المجاورین بها و هو بحاثة مطلع.
و قد صنف کتابا باسم: [إفادة الأنام بأخبار بلد اللّه الحرام] لا یزال مخطوطا و یقع فی [خمسة] أجزاء ضخام و یوجد منه نسختان:
إحداهما فی مکتبة الشیخ محمد حسین نصیف رحمه اللّه.
و النسخة الأخری فی مکتبة الشیخ محمد سرور الصبان و قد تصحفت أجزاء الکتاب [الخمسة] وجدتها منقولة من تواریخ متوجدة مطبوعة متوفرة و أخبارها متداولة إلّا الجزء [الرابع] منها فهو حلقة مفقودة یکاد یکون مقتصرا علی أعمال و ترتیب الحکومة السعودیة حینها دخلت الحجاز عام [1343 ه] و قد انفرد المؤلف بتدوینها و حرص علی تتبعها.
و هذه میزة هذا الجزء من هذا الکتاب، و هذا ما دعانی إلی نشره ضمن هذه المجموعة التاریخیة النجدیة.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 8
فالمؤلف و إن لم یکن نجدیا و مواضیع الکتاب و إن تکن فی نجد.
إلّا أنها تتعلق بحکومة نجدیة فلها مساس قوی و علاقة متینة بتاریخ نجد و نسأل اللّه تعالی الإعانة و التوفیق.
کتبه عبد اللّه بن عبد الرّحمن آل بسّام
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 9

بسم اللّه الرّحمن الرّحیم ترجمة الشریف حسین بن علی‌

ولد فی إستانبول عام 1270 هجریة یوافق 1854 م، و مات فی عمان عام 1350 ه، فی یوم الخمیس 18 محرم سنة 1350 ه، الموافق 4 یونیو سنة 1931 م، عمان من بلاد الشام، أو من فلسطین علی الاصطلاح الجغرافی العصری.
کان رحمه اللّه مقیما للصلوات الخمس فی أوقاتها مع سننها الرواتب، یصوم رمضان، أخرج من البلاد تجار الخمور من الیونانیین الأروام و الإغریق، و أدّب شرّاب الخمر و أهل الفجور تأدیبا شدیدا، و کان فی حالة الرضا أنسا یجذب جلیسه و یدخل السرور علیه، بتواضع جم.
یحترم البیوتات القدیمة من الوطنیین، یفرح بمصنوعات الوطن، و إن کانت حقیرة، محبّا للتفاخر و أبهة الملک، حریصا علی المال یحبه حبّا جمّا، مقتصدا فی معیشته، شحیحا بتصرف المال و إن اقتضی الحال.
معجبا برأیه غایة الإعجاب، یکره الانتقاد علیه و إن کان فی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 10
مصلحته، حقودا علی من یغضب علیه فی الحقیر و الجلیل، محبّا للمتملقین الجهّال.
لا یثق بأحد فی الأعمال، هو کل شی‌ء، یتشبه بالسلطان عبد الحمید العثمانی و إن کان عبد الحمید مشتغلا بالمحافظة علی حیاته، و لکن بقیة الأعمال موکولة لوزرائه، و کانت جریدة القبلة الصادرة بمکة أکثر مقالاتها من إنشائه المعروف، و کان یثق بوعود الإنجلیز غایة الوثوق، و کانت آخرته معهم أن نفوه من العقبة إلی قبرص.
کتبه محمد نصیف
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 11

قال مؤلف هذا الکتاب الشیخ عبد اللّه غازی:

ولایة سیدنا الشریف حسین بن علی و بعد ما توفی عبد اللّه باشا فی الأستانة، و جهت الدولة الإمارة إلی صاحب الدولة و السیادة مولانا الشریف حسین بن علی بن الشریف محمد بن عبد المعین بن عون یوم 7 شوال سنة 1326 ه، و ورد الخبر تلغرافیّا إلی مکة من حضرة سیدنا المشار إلیه إلی أخیه الشریف ناصر، و من الدولة رسمیّا إلی الوالی، و لکن الوالی أخفاه عن الشریف علی باشا توهما أن تحدث منه إثارة فتنة، و اتفقت فتنة القبوری فی 18 شوال من عامه، و فی ذلک أظهر الوالی عزل الشریف علی باشا و تولیة الشریف حسین باشا، و نودی باسمه، و صار أخوه الشریف ناصر بن علی وکیلا عنه، فجاء من الطائف إلی مکة فی 22 شوال، کذا ذکره الشیخ جعفر لبنی رحمه اللّه.
قال الفاضل الأدیب خیر الدین الزّرکلی فی کتابه المسمی «بما رأیت و ما سمعت»:
انتقل الشریف علی والد صاحب الترجمة من الأستانة إلی مکة، و معه ابنه حسین، و هو یومئذ طفل فی الثالثة من عمره، فرباه فی بیته
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 12
و خالف سنة غیره من الأشراف، فلم یبعث به إلی إحدی القبائل المجاورة لمکة، و لم یربه تربیة بدویة خالصة یتلقن فیها أخلاق البداوة فی معایشتهم، و یتمرن علی رکوب الخیل و احتمال المشاق.
فنشأ حضریا مدنیا، و أولع بالدرس و المطالعة، فحفظ مبادی‌ء العربیة، و تفقه فی شی‌ء من أصول الدین و فروعه، و أخذ عن بضعة أشیاخ أشهرهم: الروایة العلامة الشیخ محمد محمود الترکزی الشنقیطی، تلقی عنه المعلّقات السبع، و هو لا یزال حتی الیوم یذکر قلیلا من بقایا ما لقنه إیاه هذا الأستاذ، و واصل القراءة علی العالم المؤرخ الشیخ أحمد بن زینی دحلان صاحب «الفتوحات الإسلامیة»، «و الجداول المرضیة» و غیرهما.
و حفظ القرآن الکریم قبل أن یتجاوز العشرین من سنیه و رافقه فی طلب العلم الشیخ یاسین البسیونی الذی لم یفتأ ملازما له، و هو إمامه فی صلواته الخمس، و اتفق أن کانت فی ذلک العهد إمارة عمه الشریف عبد اللّه، فأحبه و قربه منه، و عامله معاملة الأب لابنه، ثم جعل یسیره فی المهمات، و یوجهه لتذلیل الصعاب.
فسافر فی أیامه إلی نجد و طاف أکثر ما یلی الحجاز من شرقه، و عرف قبایل تلک الأنحاء و عشائرها، و اختبر خفایاها و ظواهرها ثم کان الصلة الدائمة بین إمارة مکة و القبائل الحجازیة و غیرها. و زوجه عمه ابنة له اسمها عابدیة هانم، هی أم الأمراء: علی، و عبد اللّه، و فیصل، و أما زید فأمه ترکیة من أکبر عائلات الترک هی عدیلة بنت صالح بک بن الصدر الأعظم رشید باشا السیاسی الترکی العظیم، و هو الذی رفع القتل بأقل الجنایات، لأن فی عصره و قبل عصره کانت الحکام تقتل من حتی أقل
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 13
جنایة، فهذا الصدر الأعظم رئیس الوزراء زمن السلطان عبد الحمید العثمانی، منع ذلک و نظم أحکام الدولة و قد ترجمه السید محمود الألوسی المفسر الشهیر فی کتابه «غرائب الاغتراب» ص 119.
تزوج بها بعد وفاة عابدیة هانم، و من فضلیات النساء یستشیرها الیوم فی أکثر شؤونه، و یعتمد علیها فی کتمان أسراره.
و مارس رکوب الخیل فولع بدخول میادین السباق، و عرف بالقوة و المقدرة علی رکوب أقسی الجیاد و اصلها.
حدثنی من لا شک بخبره أن الملک لم ینفک یبارز أشد الفرسان طردا، حتی شغلته شواغل الملک، و لقد رأیته ذات یوم واقفا یرید الرکوب، و ثلاث عبید من الأشداء الأقویاء یقودون جوادا، کلما خطوا به خطوة ثار و شخر و انتفض، فلم یزالوا یغالبونه حتی اقتربوا به من موقف الملک، و هو الشیخ المسن، فتقدم من الجواد فوضع إحدی رجلیه فی رکاب و وثب وثبة غیر المبالی، فعاد الجواد إلی زمجرته و زهوه، فلم یکن من الملک إلّا أن لطمه بقبضة یده لطمة واحدة فی عنقه، فذل الجواد و مشی هادثا ساکنا، کأنما أبدل به غیره.
و تمکن منه فی أیام صباه حب اصطیاد النمور و الضباع و الغزلان، و قبض کواسر الطیر و بواشقه، فکان یکثر من التجوال فی رفقة له یرحلون لرحیله و ینزلون لنزوله، فیتوغل فی الجبال النائیة و القفار الخالیة، و یعود بعد أیام و أسابیع حامل الوطاب تتبعه غنائمه من وحش و طیر.
و لم یزل فی مکة إلی أن أو عزت إلیه الحکومة الترکیة بمغادرتها فی سنة 1309 ه، فبرحها إلی الأستانة و تقلب هناک فی مناصب رفیعة استمر
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 14
فیها إلی أن توفی عمه عبد اللّه باشا فی 3 شوال سنة 1326 ه، و انتهت نوبة إمارة مکة إلیه، فولیها جلالته سادس شوال من السنة نفسها، و أقام یتهیأ للسفر حتی کان یوم 28 شوال، فأبحر قاصدا الحجاز و بلغ فی 9 ذی القعدة سنة 1326 ه. انتهی.
و قال فی جریدة الحجاز: و لمّا وصل جلالة الملک سیدنا الشریف حسین جدة فی یوم الخمیس 3 شوال الرومی سنة 1326 ه هرعت لتهنئته و تقبیل یده جموع من أهالی جدة و من أهالی مکة الذین حضروا إلی جدة لاستقباله، فاستقبل دولته جمیع تلک الوفود بکل هشاشة و بشاشة، متلطفا بهم سائلا عن أحوالهم مطیبا لخواطرهم، ثم ارتجل خطبة هی الغایة فی السلاسة و الإیجاز و البلاغة، التی إذا لخصت کانت زبدتها هذه العبارة الثمینة:
إننی بکل قوای أعترف بعجزی عن الإتیان بعبارات أوضح فیها عظیم امتنانی و تشکراتی من هذه الهیئة العلیة، التی استقبلتنی بمثل هذا الاحترام الفائق و الاحتفال الشائق، نعم، إننا جمیعا خدم لحکومتنا و عبید لدولتنا، و إننا جمیعا بلا استثناء مأمورون و مجبورون بإجراء و تنفیذ أوامر حکومتنا العادلة حرفیّا، تلک الأوامر التی هی ضمن دائرة القانون المنیف، أو الشرع الشریف، و إن کان کل صادق ناصح یلازم هذه الخطة القویمة السدیدة أنا ساعده القوی و معینه، کما أنی العدو الألد و الخصم الکبیر لکل خائن یعمل علی عکس هذه الخطة الحمیدة، لذلک أطلب إلیکم و أنا لکم ناصح أمین أن نرسم خط السیر علی الوجه المشروع، و أن نجتهد جمیعا یدا واحدة فی رفع شأن الدولة و شرفها.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 15
و قد کانت تشکلت هیئة من خیرة الأهالی بجدة بقصد البحث و التنفیذ عن منابع المیاه التی تکون بقرب جدة، رفعا للضرورة الشدیدة المستمرة بها، من جراء فقدان الماء الصالح للشرب، و کانت هذه الهیئة تبذل کل جهودها فی تشکیل شرکة وطنیة یناط بها جلب ما یظهر من الماء الصالح للشرب إلی جدة، و إنها استحضرت مهندسا لهذه الغایة.
و لمّا وصل سمع الأمیر الکریم و هو بجدة خبر هذه الهیئة سر کثیرا بها و بأعمالها المهمة الوطنیة، و فی الوقت ذاته تبرع بالقسط الذی یخص دولته من رسم التخریجیة، و هو غرشان، بأمل التسهیل لهذه الهیئة و الوصول إلی الغرض المطلوب بما أمکن من السرعة، و مجموع ما یتحصل من هذا المقدار فی السنة یبلغ حوالی 3500 أو 3000 من الجنیهات، فتبرع أمیرنا الجلیل بمثل هذا المبلغ المهم لمثل هذه الغایة الشریفة هو من الأریحیات العربیة العالیة التی تعهدها الأمة و یعهدها تاریخها فی بیت النبوة الکریم.
و لمّا بلغت الأخبار إلی مکة المکرمة أن تشریف الأمیر سیکون یوم الأحد، قصد جهة جرول دولة الیاور الشاهانی الهمام و الی الحجاز المشیر کاظم باشا، و معه عموم الموظفین: ملکیین و عسکریین، و الأهالی من علماء، و صلحاء، و أئمة، و خطباء، و أشراف، و سادات، و أهل مکة من صغیر و کبیر و رفیع و وضیع، و یتبع الجمیع ألوف من الحجاج.
و جرت مراسم الاستقبال فی الصواوین الخصوصیة التی أقیمت بهذه الحجة لتلک الغایة، و قد ملأ الأمین أسعد اللّه قلوب تلک الألوف الحاشدة نورا و سرورا، بما أبدی لهم من جمیل التعطف و التلطف، ثم رکب دولته
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 16
العربة مع دولة الوالی، و قد أحاط بها الجنود الشاهانیة المظفرة، یتقدم الهیئة طقم موسیقی عسکری، و علی هذه الصفة دخل الجمیع بلد اللّه الحرام، و قد قصد الأمیر نوا حرم اللّه الأمین أعزه اللّه بخلیلیه الکریمان سعادة الشریف عبد اللّه بک، و سعادة الشریف زید بک أفندی.

[و فی الساعة الثالثة من یوم الخمیس 16 ذی القعدة سنة 1326 ه:]

جرت مراسیم فرمان الإمارة الجلیلة، و منشور الوزارة السامیة بالمسجد الحرام، قرأهما فرتلوا أبو الندیا سامی بک مکتوبی الولایة الجلیلة، ثم بعد إتمام القراءة قصدت هیئة الاحتفال وجهة باب کعبة اللّه المعظم، الذی کان مفتوحا، و هنالک قام الداعی بتلاوة دعاء بلیغ أمّن الجمیع علیه.
***
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 17

صورة تقریب فرمان وزارة أمیر مکة المکرمة السامیة

بما أن اللّه سبحانه و تعالی جلّ شأنه و عم نواله، قد نظّم خلق کونه و أحسنه، و جعل کل شی‌ء عنده بمقدار، فقد اختص ذاتی بکمال قدرته الأزلیة، لتکون خلیفته للإسلام و سلطانا للأنام، و جعلنی سبحانه و تعالی بکمال عدله شرف الملوک، و جعل سدتی ملجأ للخاص و العام، لذا کان من الواجب علی ذاتنا الشاهانیة تأدیة الشکر العظیم لجناب الرب الکریم، و من المتقین أیضا علی ذاتنا الشاهانیة، و المهتم علی دولتنا العلیة أن یجعل أبواب عواطفنا الملوکانیة مفتحة لکل من قام بحسن خدمتنا، و برهن بعمله علی صداقته لدولتنا العلیة.
و حیث إن أنواع مکارمنا التی لا غایة لها متهیئة لتروی الصدق من رجالنا، و أنت أیها الشریف المحترم من أعظم رجال سلطتنا، کما أنک سابقا من أعضاء لجنة شوری دولتنا، و متخلق بحسن السیرة و الفطانة و النجابة، و أن آمالنا الشاهانیة تؤمل فی نجابتک حسن الخدمة، و إظهار مآثر الصدق لدولتنا العلیة.
و بناء علی هذا الأمل فقد أعربت عن عواطفنا المثیرة السلطانیة فی الیوم السادس من شوال عام السادس و العشرین بعد الثلاثمائة و الألف
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 18
مصحوبة بکمال توجهاتی السنیة، و تمام عنایتی الشاهانیة فأحسنت و وجهت الرتبة السامیة الوزارة إلی عهده استعدادک و تأهلک بموجب إرادتنا الملوکانیة.
أخص بتوفیقنا هذا الملوکانی الرفیع القدر، حائزا النیشانین العثمانی و المجیدی، المرصعین، الدستور المکرم الوزیر المفخم، نظام العالم، مدیر أمور الجمهور بالفکر الثاقب، متمم مهام الأنام بالرأی الصائب، ممهد بنیان الدولة و الإقبال، مشید أرکان السعادة و الإجلال، المحفوظ بصون الملک الأعلی، وزیری المختص بالسیادة الشریف حسین باشا أدام اللّه إجلاله، و أعطیتک هذا المنشور الفاثق السرور، و أصدرت أمری الملوکانی بتفویض رتبة الوزارة الجلیلة إلیک من تاریخ فرمانی هذا الملکانی الفاثق.
علی أمثاله و أقرانه و أنت أیها الوزیر یلزمک أن تثبت علی الصدق و حسن الخدمة فی سائر الأقوال و الأفعال، لتستجلب مرضاتی الملوکانیة، و کذا یلزمک أن تبذل الشفقة و الرأفة علی کل من کان دونک بقدر مقامهم و حسب درجاتهم.
و أطلب منک أن تعمل بشرائط الوزارة بتمام الاهتمام جاریا علی قسطاس الشرع القدیم، و مقیاس القوانین المؤسسة علی العدل، و أن تجعل کل أمرک و نهیک دائرین علی مدار الأمرین المذکورین، و أن تبذل طاقتک فی إجراء کل ما ذکر، و أن توفی بکل ما هو من شرائط الوزارة، کما ینبغی علی النهج الشرعی و الطریق النظامی.
حرر فی السادس من شهر شوال المکرم عام 1326 ه.
***
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 19

صورة فرمان الإمارة الواردة من السلطنة السنیة لأمیر مکة سیدنا الشریف حسین‌

إنه لمّا تجلی صاحب القدرة الأزلیة القائل سبحانه للشی‌ء کن فیکون، ناظم أمور الکون و المکان، تحیرت عن إدراک أسرار حکمته عقول الخلائق و الأذهان، الذی جعل عتبة مرحمتنا مرجع المحتاجین، و باب خلافة سلطتنا متکأ لأصحاب العرف و الشأن، و زین طفراء مناشیر إجلالنا إلیها، یوتی بوجوب الطاعة و الانقیاد، لأجل أحکام الشرع المتین، و دوام معالم الدین المبین، و مکن الحق المعین أوامرنا العلیة غایة التمکین، و جعل مناقب دولتنا العلیة و مفاخر سلطتنا السنیة حمایة للدین المبین، و إعلاء للواء شرع سید المرسلین، و لا سیما بالخدمة الشریفة للبلدتین المنیفین، منزل أنوار الوحی المبین و مهبط جناب جبریل الأمین المتضمن الآیة الکریمة بسم اللّه الرحمن الرحیم وَ آتاکُمْ ما لَمْ یُؤْتِ أَحَداً مِنَ الْعالَمِینَ [المائدة: 20]، ذلِکَ فَضْلُ اللَّهِ یُؤْتِیهِ مَنْ یَشاءُ وَ اللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِیمِ [الحدید: 21، و الجمعة: 4].
فشکرا بهذه النعم تحتم علی إحسان مکرمتنا الشاهانیة إنالة أمانی و آمال کافة رعیة سلطتنا الملوکانیة، و خصوصا تلطیف و تسدید الأشراف
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 20
الکرام، و السادة ذوی الاحترام المتصل نسبهم إلی العرق الأطهر، الحائزین علی المناقب و المفاخر، و بناء علی ذلک و لوقع انفصال أمیر مکة الشریف علی باشا اقتضی الحال له إلی إحالة الإمارة الشریفة المذکورة لذات من الأشراف، ذوی الاحترام.
و من حیث إن وزیری سمیر السیادة الحائز النشان العثمانی و المجیدی المرصعین، رافع توقیعی رفیع الشأن الملوکانی، و ناقل أمری بلیغ الآمال السلطانی فی جناب إمارة مآب سعادة اکتساب، سیادة انتساب ذو النسب الطاهر، و الحسب الظاهر، مستجمع جمیع المعالی و المفاخر، کابرا عن کابر جمال السلالة الهاشمیة، فرع الشجرة الزکیة النبویة، طراز العصابة العلویة المصطفویة، عمدة آل الرسول قوة عین الزهراء، التبدل المحفوف بصنوف عواطف الملک الأعلی: الشریف حسین باشا، أدام اللّه تعالی إجلاله، و أدام سعده و إقباله.
علم لدینا أنه اتصف بالأوصاف الحسنة الممدوحة، و أبرز روابط خالص وجدانه لطرف أشرف خلافتنا، و استحق لباقة للإمارة الشریفة المذکورة، تلألأت أمواج بحر مکرمتنا الذی لیس له نهایة نحو ذاته الهاشمیة، فأحلنا و فوضنا الإمارة الشریفة المذکورة إلی عهدة أهلیته، و أعطیناه منشورنا فائض المسرور المشتمل علی کمال البهجة و الحبور، و حسب شرایط الإمارة.
و بموجب رضائنا و نخبة أفکارنا الشاهانیة، أمرنا المشار إلیه أن یستقبل الحجاج ذوی الابتهاج المتوجهین من سائر ممالکنا الشاهانیة، و یوصلهم إلی مکة المکرمة سالمین آمنین، و بعد آدائهم مناسک الحج
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 21
الشریف علی الوجه اللائق أیضا، یشیعهم و یستکمل أسباب عزیمتهم بکل اعتناء ورقة إلی الشام، و أن یکون الناظر علی توزیع و تقسیم الصرة الهمایونیة المرسلة من طرف سلطتنا السنیة إلی أربابها، بواسطة المأمورین بموجب الدفاتر الموجودة، و أن یستجلب من العموم الدعوات الخیریة لجانبنا الشاهانی، و أن یهتم فی توفیق الأمور و المصالح الواقعة و الجاریة بالعدل و الحقانیة، متحدا مع وزیرنا سمیر المعالی، الحامل للنیشان المرصع العثمانی و المرصع المجیدی، أحد یاتورتنا الکرام الشاهانیة، والی ولایة الحجاز و قومندان فرقتنا الهمایونیة، کاظم باشا أدام اللّه تعالی إجلاله ..
و یشمر عن ساعد الجد فی حسن إبقائها و تسویتها، و أن لا یمکن تعدی فرد من الأفراد علی أحد بما یخالف الشرع الشریف، و أن تکون حرکته دائما وفق الشرع القویم، فیلزم علی کل من الأشراف الکرام و السادات ذوی الاحترام و العلماء و الصلحاء و الأئمة و الخطباء، و سائر من یأتی من کل فج عمیق لزیارة البیت العتیق، و الأهالی، و الصغیر و الکبیر، و الوضیع و الرفیع.
إن علی سیادة الشریف المشار إلیه أن یعتنی مزید الاعتناء لرعایة إمارة مکة المکرمة، و أن یحترموه و یوقروه، و أیضا یلزم علی سیادة المشار إلیه أن یعتنی مزید الاعتناء لرعایة أصحاب السداد و الصواب بحسب درجاتهم، و أن یداوم فی الغدو و الآصال بالدعاء لدوام عمر دولتنا العلیة، و ارتقاء شوکتنا الملوکانیة. فاعلموا هذا و اعتمدوا علی علامتنا الشریفة.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 22
تحریرا فی الیوم السادس من شهر شوال المکرم السنة ستة و عشرین و ثلاثمائة و ألف. انتهی.

[و فی سنة 1327 ه:]

غزا سیدنا الشریف حسین بمن معه مدن الأطراف و العربان قبائل مطیر لتمردهم و عصیانهم، فأنکی فیها و رجع سالما، إلّا أن ابنه الغطریف الشریف عبد اللّه بیک أصیب فی رحلة برصاصة، و لکن سلمه اللّه من ذلک، ذکره فی «نزهة الأفکار و الفکر».

[و فی شهر رجب سنة 1328 ه:]

توجه الشریف حسین من الطائف إلی نجد بجیش عظیم، و أسباب ذلک أن قبائل عتیبة التابعین لإمارة مکة شکوا إلی دولة الأمیر وقوع التعدی علیهم من أمیر نجد عبد العزیز بن سعود التجؤا إلیه، فخرج بنفسه قاصدا نجد لقمع الفتن.
و أسفرت النتیجة عن قبول ابن سعود للشروط التی اشترطها علیه دولة الأمیر، و علی ذلک تم الصلح و الاتفاق ثم توجه دولة الأمیر إلی مکة، و وصل الطائف فی ثالث شوال من ذلک العام.
ذکر السید محمد رشید رضا فی «مجلة المنار» فی المجلد الثالث عشر صفحة 793 هذه الواقعة، و هذه عبارته:
علمت منذ أشهر و أنا فی الأستانة، أن أمیر مکة المکرمة الشریف حسین سافر من الطائف إلی نجد فی عسکر لجب من العرب، و الخضاعین له، و أن قصده من ذلک منع أمیر نجد عبد العزیز بن سعود من أخذ الزکاة من قبائل عتیبة التابعین للشریف و الاعتداء علیهم، لأن أمیر مکة هو الذی کان یأخذ زکاتهم، ثم عقد الصلح بین ابن السعود و ابن الرشید، و بلغنا أن والی الحجاز عرض یومئذ علی الشریف أن یأخذ بما معه من شاء من
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 23
العسکر، فأبی، و کان ذلک حکمة منه تدل علی بعد نظره، و سعة علمه بأخلاق العرب و طباعهم و قد ظهر أثر ذلک، فإنه أدرک ما أراد و لم یسفک دما، و لا زاد القبائل خلافا و عدوانا فیما بینهم، و بعدا عن الدولة و تنکرا منها، و سوء ظن بها کما کانت تفعل بعثات الدولة العسکریة، بل أصلح إصلاحا لم یسبق إلی مثله.
قرأنا فی الجرائد أن الشریف فاز و أفلح فیما أراد، و نحن نعلم أن عبد العزیز ابن سعود کان قد استعد للقتال لمّا سمع بزحف الشریف علی نجد ظنا منه أنه زحف بعسکر نظامی للقتال و إخضاعه بالقوة القاهرة.
ثم علم أن نیة الشریف صالحة، و مطلبه حق، و أن القبائل الموالیة تحارب معه کل أحد إلّا الشریف، و أنه انضم إلی عسکر الشریف ألف خیال عربی من القبائل التی مر بها فی الطریق إلی نجد، فعلم أن الخبر له فی السمع و الطاعة .
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 24
یقول محمد نصیف: إن الذی سمعته من المطلعین علی الحقائق أن ابن سعود کان یظن أن الدولة العثمانیة هی التی أمرت الشریف الحسین بالزحف علی نجد أو التحرش بها، لذلک لم یهاجم جیش الشریف و قبل شروطه، ثم کتب للدولة معاتبا لها فأنکرت الدولة أنها لم تأمر الشریف بالزحف علی نجد أو التعرض لقبایل عتیبة، فاطمأن ابن سعود أن الدولة لا ترید فتح باب حرب بینها و بینه تسوق لها الجیوش أیام محمد علی باشا والی مصر.
ثم إن الشریف أسر أخاه سعدا فعظم علیه ذلک، و لو لا ثقته بوفاء الشریف لتهور و أقدم علی الحرب بمن معه، فإنه ما ذکر عرب الجزیرة من رجال الدولة و قواد عسکرها إلّا عدم الوفاء، و الوفاء هو الخلق الذی کانت تدین به فی جاهلیتها وزارة الإسلام تأکیدا عندها. و قد خضع ابن سعود له و أجابه إلی کل ما طلبه، و أرسل إلیه أخاه عبد اللّه آل سعود بهدیته النفیسة، و هی الصقلاویة و المحمدانی و کحیلان، و هی أکرم الخیل العربیة فی نجد.
و جاءنا من أخبار الحجاز و نجد أنه قد تم الاتفاق بینهما علی الأمور الآتیة، کتب بها ابن سعود (تعهدا) أمضاه و ختمه و أرسله إلی الشریف و هی:
1- عدم التعرض لعتیبة کافة بحال من الأحوال من تنزیل أو ترحیل، أو کل ما یحسب و یعد من التعرض علیهم من زکاة أو خلافة.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 25
2- عدم أخذ الباج (المکس) منهم بأی صورة کانت، من أی قریة أمدوها، و إذا وقع منهم ما یخالف یخبر عنه.
3- إطاعة أمیر مکة فی کل ما یأمر به حسبما تقضیه حقوق و منافع الدولة العلیة.
4- القصیم و هو بریدة و توابعها علی خیرة أهله إن جاءت مضبطة منهم بأنهم یختارون إمارة عبد العزیز بن سعود، و صاحب هذا التعهد، یبقون تحت یده و یدفعون ثلاثة آلاف مجیدی سنویّا باسم الخزینة العامة السلطانیة بمکة المکرمة، و إن لم یجی‌ء منهم مضبطة یعیّن أمیرهم برضاهم و یدفعون المبلغ المذکور علی کل حال و موعد المطبقة یمتد إلی آخر شوال.
هذا ما تقرر و تعهد به ابن سعود، و کتبه و أمضاه و ختمه و أشهد علی نفسه فیه کبار قومه و هم: محمد بن عبد الرحمن السعود، و سعد بن عبد الرحمن السعود، و الشیخ عبد اللّه بن عبد اللطیف و محمد بن سعود بن عیسی، و عبد اللّه بن العسکر و إمضاء ابن سعود هکذا.
و خادم الدولة و الملة و الوطن.
أمیر نجد و رئیس عشائرها.
عبد العزیز السعود.
و قد أطلق الشریف سراح أخیه سعد، فعاد معززا مکرما یثنی أطیب الثناء علی عنایة الأمیر الشریف. و وضع محمد بن هندی شیخ قبائل عتیبة وکیلا له فی نجد، و کذلک خضع ابن الرشید و أرسل الهدایا إلی الشریف،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 26
و دان لأمره فی عدم التعرض لعتیبة و فی الکف عن محاربة ابن السعود.
انتهی.

[و فی «جریدة الحجاز»: إن فی شوال سنة 1328 ه:]

حضر من الأرض المتراکبة بها من السیل من باب جیاد إلی باب السلام الصغیر، و نفس الجهة التی علی الصفاء، و صار تنظیف أطراف المشعر الحرام. و قد حصل من ذلک السیل هناک أتربة و أحجار یبلغ شی‌ء منها مترا، و شی‌ء نصف متر عمقا، و مقدار ما حضر أربعة و خمسون مترا طولا و عشرون مترا عرضا، و تساوت الطرق و امتلأت المحلات الفارغة من الأتربة المتحصلة، و ستجری هذه العملیات فی القسم الذی من باب السلام إلی جهة المروة فی هذه الأیام. انتهی.
و فیه أیضا فی العدد الصادر من أربعة و عشرین ذی القعدة سنة 1328 ه: أعداد الحجاج الواصلین إلی مکة المشرفة بحرا لغایة یوم ثمانیة من شهر تشرین الثانی خمسة و خمسون ألف و تسعمائة و ثلاثة و سبعون نفرا، و من المستخبرات الرسمیة حجاج کثیرون واردون من طریق المدینة المنورة. و فی العدد الصادر فی ذی الحجة سنة 1328 ه الحجاج الکرام التی بادرت للاجتماع بمکة المکرمة إلی الآن أعدادها بالغة المائة ألف، و کثیر من قوافل الحجاج التی سترد برّا و بحرا هی موجودة بالطریق.
انتهی.
و لمّا بغی الإدریسی علی الدولة العلیة فی سنة ألف و ثلاثمائة و ثمان و عشرون و شتت عساکرها من جهة الیمن، و حاصر أبها عاصمة عسیر، و استمر الحصار مدة عشرة أشهر و منعوا عنهم المأکل و المشرب و جمیع
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 27
الأرزاق، صدر الأمر السلطانی إلی دولة أمیر مکة الشریف حسین بالتوجه إلی الیمن لدرء فساد الإدریسی و فک حصار أبها، فامتثل الأمر الشاهانی و توجه بجیشه، و کان بمعینته الفاضل الشریف شرف عبد المحسن البرکاتی فکتب رحلته و ما آل إلیه أمر الإدریسی و جنوده تفصیلا و سماه «الرحلة الیمانیة»، و نحن نذکر هنا ملخصا ما ذکره الفاضل المذکور.
کان قیام دولة أمیر مکة المکرمة یوم الأحد السادس عشر من شهر ربیع الثانی سنة تسع و عشرین و ثلاثمائة و ألف من الهجرة، الساعة التاسعة نهارا، و معه جیش مؤلف من جند الأشراف و العرب من قبائل عتیبة، و مطیر، و ابن الحارث، و البقوم، و سبیع، و قبائل حرب، و هؤلاء سوی الجیش المنظم الذی سار مع دولة الأمیر، و هو مؤلف من جندرمة و جند أتراک النظامیة.
و أناب عنه فی تولی إدارة شؤون إمارة مکة نجله الأکبر صاحب العطوفة و السیادة الشریف علی بک، و لمّا وصل السعدیة، و هی المرحلة الثانیة من مکة، و فد هناک علی دولة الأمیر ثلاثة أشخاص من قبائل غامد و زهران بکتب من کافة مشایخ قبائلهم تتضن تقدیم الطاعة لأمیر المؤمنین السلطان المعظم، و لدولة أمیر مکة.
و لمّا وصل فی وادی الشاق الیمانیة التی هی لذوی حسن، و هی المرحلة السادسة من مکة المکرمة، أقبل علیه جمیع أشراف ذوی حسن و معهم رؤساؤهم و هم الشریف أحمد بن عبد العزیز: رئیس آل غسان، و الشریف عایض أبو جمح، و الشریف محمد أبو عصبة، و هما شیخا النصرة، و الشریف رمیثة شیخ آل هاشم، و الشریف مهدی شیخ آل عبدة،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 28
و الشریف أحمد أبو راسین شیخ آل سنبوک، و الشریف محمد أبو خیار شیخ آل [...] و آل مهدی و الشریف محمد شیخ المرایة، و الشریف أحمد أبو خزاعة شیخ آل أبی سند، و الشریف أحمد أبو حار شیخ آل رمینة و آل مهدی، و الشریف حسین بن یحیی.
فلمّا تکامل جمیعهم طلبوا جمیعا العفو عنهم من دولة الأمیر بسبب دخولهم فی طاعة الإدریسی و عصیانهم الدولة العلیة، و أظهروا للدولة أنهم کانوا مخدوعین منه. فلمّا رأی الأمیر صدقهم عفا عنهم و أنعم علیهم بالکساوی، فلمّا رأوا ذلک منه دبت فی رؤوسهم النخوة الهاشمیة، و جهزوا من عندهم أربعمائة مقاتل بأسلحتهم و أمتعتهم لینضموا إلی جیش دولة الأمیر.
و لمّا وصل فی وادی دوقة و هو سابع مرحلة من مکة حضر بین یدی دولة أمیر مکة الشیخ محمد بن مرزوق شیخ مشایخ قبائل زبید التابعین لقائم مقامیة القنفدة، التابعة للواء عسیر، و هذه القبائل فرع من قبائل حرب القاطنین بین مکة و المدینة، خاضعا نادما علی موالاة الإدریسی، فلمّا ظهر لدولة الأمیر صدق هذا الشیخ فی مقاله عفا عنه و عمن معه و أمرهم بجمع الزکاة و إرسالها لقائم مقام القنفدة فامتثل الشیخ و من معه من الرؤساء.
و لمّا وصل فی وادی قنونا بحمل یسمی أم الجرم، و هو تاسع مرحلة من مکة حضر الشیخ حسن شیخ مشایخ قبائل بنی زید، و طلب مقابلة دولة الأمیر، فلمّا قابله قدم له الطاعة و أظهر الندم علی ما فرط منه من متابعة
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 29
الإدریسی، و طلب الأمان له و لبعض قبائله الطائعین لأمره، فأمنه دولة الأمیر هو و من طلب له الأمان.
ثم إن هذا الشیخ اجتمع مع شیوخ الأشراف ذوی حسن السابق ذکرهم، و طلبوا من دولة الأمیر الإذن لهم بالتوجه إلی وادی حلی و یباوقوز أبو العیر لنصیحة السیدین خرشان عامل الإدریسی و أعوانه مشایخ الجهات الموجودین معه، و إلزامهم بتقدیم الطاعة للدولة العلیة و لأمیر مکة، و بالامتثال لأداء ما علیهم من الزکاة المفروضة شرعا للدولة العلیة لتحقن دماء المسلمین، فأذن لهم، فتوجهوا فی الحال و المسافة بین المکان الذی فیه الجیش و بین القریة التی یقیم فیها ابن خرشان عشرون کیلو مترا تقریبا.
فلمّا وصلوا هناک قصدوا منزل الشیخ علی بن مدینی، شیخ قبائل فوز أبی العیر، و کلفوه بإحضار باقی مشایخ وادی یبا، فأرسل لهم، فحضروا، و لمّا کمل جمع مشایخ وادی یباوقوز أبی العیر نصحهم الوفود، و أمرهم بعدم الخروج علی دولة أمیر المؤمنین السلطان محمد رشاد، و بالطاعة لنائبه صاحب الدولة و السیادة حسین باشا أمیر مکة المعظم، فلم یجیبوا و أظهروا استعدادهم التام للحرب، فلمّا رجعوا لدولة الأمیر و أخبروه بذلک أمرهم بالرجوع إلیهم ثانیا، فلمّا رجعوا لهم و قابلوهم أصروا علی عنادهم و لم یزدادوا إلّا عتوّا و نفورا.
و مکث دولة الأمیر مع جیشه فی هذه الجهة شهرا، رجاء حصول الصلح و جمع الکلمة بین القبائل بدون إراقة دم، و فعل کافة الطرق الموصلة لذلک، فلم یفد شیئا.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 30
و لمّا یئس دولة الأمیر منهم و علی إصرارهم علی الحرب و معاداة الدولة، أمر بإرسال سریة لهم لتغزوهم، فسارت فی لیلة الاثنین التاسع من جمادی الأول، فسارت السریة و أصبحت فی دیارهم و غنمت منهم تسعة عشر رأسا من البقر و سبعین من الغنم، و جملین، و أسرت اثنین من قبیلة بنی شهر و رجعت فلمّا حضر الأسیران أمام دولة الأمیر أمر بإطلاقهما بعد أن کساهما لأجل أن هذه القبیلة موالیة للدولة.
و فی لیلة الثلاثاء العاشر منه ذهبت سریة أخری قدرها ثلاثمائة فارس من الأشراف و العرب، و ألف من أرباب الهجان، و أرسلت أمامها العیون الذین تعهدوا لدولة أمیر مکة بضبط ابن خرشان، فلمّا وصلت السریة قریة ابن خرشان أغارت علیهم صباحا، ففر هاربا قاصدا حبیا مقر الإدریسی، و استمر القتال ثلاث ساعات، ثم انهزم الأعداء عن ثلاث و عشرین قتیلا و سبعة أساری من قبیلة النواشرة و من قبیلة بنی زید، الذین لم یطلبوا الأمان مع شیخهم حسن بن خضر، بل اتبعوا الإدریسی.
أما الغنائم فکانت خمسة آلاف رأس بین ضأن و معز، و خمسمائة من الإبل، و مثلها من البقر و مائتین من الحمیر، و ستّا و ثلاثین من الرقیق بین ذکر و أنثی.
و فی الیوم التالی أتی باقی قبائل بنی زید الموالون للإدریسی و أظهروا الندم علی ما حصل من شق عصا الطاعة، و طلبوا الأمان، فآمنهم و أطلق المسجونین منهم.

[و فی یوم الخمیس ثانی عشر جمادی الأولی:]

حضر الشیخ راشد بن قوش شیخ کافة قبائل زهران، و قابل دولة الأمیر و أظهر الطاعة
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 31
و الموالاة له و لأمیر المؤمنین، و قال: إننا سنکون من الآن أخلص العرب للدولة العلیة، و من أشد المحافظین علی طاعة أمیر المؤمنین، و إننا مستعدون لأداء الزکاة الشرعیة.
و أنعم الأمیر علیه بالکساوی الفاخرة، و مقر هذا الشیخ جبل الحجاز الکائن بین أبها عاصمة عسیر و بین الطائف، و هو إلی الطائف أقرب و القریة المقیم بها هذا الشیخ تبعد عن بندار القنفدة و هو المکان الذی نحن فیه ثمانیة مراحل.

[و فی لیلة الأربعاء الثامن عشر منه:]

أمر دولة الأمیر بإرسال سریة ثالثة لتغزو قبائل أهل وادی یباوقوز أبی العیر و حلی، و تکون مؤلفة من ألف من الأشراف و العرب أرباب الهجان، و من ثلاثمائة فارس من العرب أیضا، و ثلاثة طوابیر من الجند النظامیة، و جمیعهم تحت قیادة أصحاب السیادة: عبد اللّه بک، و فیصل بک، نجلی دوبته، فتوجهت الحملة فی الساعة الحادیة عشر من الیوم المذکور قاصدین وادی یبا لإخضاع القبائل الموجودة تحت قیادة ابن خرشان عامل الإدریسی.
و عند ما أقبلوا علی واد یقال له عجلان: و یبعد عن واد یبا من جهة الشام بساعة، تقابل الجیشان، و ابتدأ القتال بینهما صباح یوم الخمیس التاسع عشر منه، و استمر أربع ساعات، و انتهت الواقعة و لم یقتل من قومنا، و للّه الحمد سوی نفر من عساکر بیشة الجندرمة، و نفر من عساکر عقیل الجندرمة، و هو ولد إبراهیم ناصر من أهل المدینة، و شخص من قبائل الحیان، و من عساکر الأتراک خمس و عشرون، منهم عشرة قتلوا أثناء القتال، و خمسة عشر ماتوا ظمأ لأن المیاه کانت محملة علی ظهور
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 32
البغال، و قد نفرت أثناء القتال فأبقت أوعیة الماء علی ظهورها، و لم یبق منه شی‌ء، و کان الیوم شدید الحرارة.
أما الجرحی من جیشنا فهم: واحد من قبیلة المجانین، و آخر من قبیلة الروقة التی هی من قبائل عتیبة، و واحد من أتباع الأمیر سعود ابن عم الأمیر عبد العزیز أمیر نجد الحالی، الذی کان مع أتباعه مقیما عند دولة الأمیر فی مکة، فلمّا أراد الخروج لقتال الإدریسی خرجوا معه.
و قتل من الدواب أربع من الهجین و أربع من الخیل.
أما القتلی من قوم الإدریسی فخمس و ستون، و الجرحی خمسون.

[و فی یوم الاثنین و الثلاثاء منه:]

أمر دولة أمیر مکة عموم الجیش من أشراف و عرب و عساکر نظامیة، بالقیام لمحاربة ابن خرشان و من معه، فسار الجیش تحت قیادة نجلیه الکریمین، و سار بمیتهما الشریف زید بن فواز أمیر الطائف، و جمیل بک نجل عطوفة ناصر بک شقیق أمیر مکة و أحد أعضاء مجلس الأعیان، و کافة الأشراف، و فیهم أشراف المدینة المنورة برئاسة الشریف شحات بن علی بن راضی.
و کان عدد الجیش الذی سار للقتال خمسة آلاف و مائتین، منهم ألفان و خمسمائة من العرب و الباقی من العساکر النظامیة، و کان معهم ثمان مدافع جبلیة، و مدفعان مترلیون و نزلنا لیلة الثلاثاء غرة جمادی الآخر علی بئر یقال لها أم الدبا، و قیّلنا هناک.
و فی آخر الیوم المذکور أمر أنجال الأمیر الجیش بالسیر إلی وادی یبا، و أرسلوا أمامهم العیون لیهتدوا إلی مکان العدو، فساروا ثم عادوا و أخبروا الجیش أن العدو کامن فی وادی عجلان، و هم منتشرون من
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 33
الجبل إلی البحر، من أعلی الوادی المذکور إلی أسفله، و عددهم عشرة آلاف مقاتل، و قد حصنوا أنفسهم تحصینا تاما بین أشجار الأثل و المرخ و السمسر، و أقاموا جسورا من الأتربة حصنا لهم عند القتال.
فرتب الأمیران الجیش ترتیبا تامّا، و سرنا حتی قربنا منهم، فأمر الأمیران أرباب المدافع بإطلاقها علیهم، و لم تزل تقذف علیهم نارها حتی أخرجتهم من مکانهم و ولوا میممین قاصدین وادی یبا، فصاح القائدان الخیل الخیل یا أهل الخیل، فاقتفی أثرهم الفرسان و أرباب الهجان، و استمر القتال بینهم، فصاروا تارة ینهزمون و طورا یفرون و یقاتلون، حتی ملکنا وادی عجلان، و انهزم قوم الإدریسی إلی وادی یبا و معهم قائدهم ابن خرشان.
و أقمنا بقیة لیلتنا هناک و لم یصب منا أحد بأذی، و قد قتل منهم سبعة. و بعد صلاة الصبح أمر قوادنا بالزحف علی یباوقور أبی العیر، و المسافة بین وادی عجلان و وادی یبا، واحدة، فزحف الجیش علی وادی یبا، و کان قوم الإدریسی کامنین فیه، و معهم حلی الذین حضروا لنصرة قوم الإدریسی، و معهم مشایخهم و هم: أحمد الصمی، و ابن الصقیر، و ابن عجی، حتی بلغ عدد المقاتلین من الأعداء اثنی عشر ألف مقاتل، و جمیعهم کامنون لنا وسط الوادی و قد صنعوا لهم حصنا عظیما وسط غابات الأثل و الأراک و الطرفاء.
و الأشجار فی هذا الوادی متلاحمة حتی یخیل للرائی أنها شجرة واحدة، فلمّا قربنا منهم أمرنا قوادنا و هم عبد اللّه بک و فیصل بک بترتیب الجیش للقتال، و رتب نظیف بک قومندان العساکر النظامیة جنده، و بعد
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 34
الترتیب صدر الأمر بزحف عموم الجیش علی العدو، فزحفنا علیهم فی منتصف الساعة الثانیة صباح یوم الأربعاء الثانی منه، و أخذت الجنود النظامیة تصوب مقذوفات مدافعها إلی مکان العدو فی الغابات، و هجم علیهم عموم الجیش من عرب و ترک، و فی المقدمة نجلا الشریف.
و استمر القتال إلی الثامنة، ثم صدر الأمر من عموم القواد بالهجوم فی المقدمة أربعمائة فارس، و اقتفی أثرهم عموم الجیش، و صار القتال بالسلاح الأبیض، و ما وافت الساعة العاشرة حتی انهزم العدو و انکسروا شر کسرة، و وجهتهم هو وادی حلی الذی هو فی جهة الیمانیة من وادی یبا، و بینهما خمسة عشر کیلو مترا.
و ترکوا فی المیدان ستمائة قتیل، منهم من قبیلة بنی یعلی مائة و عشرون، و من أهل صبیا و الشقیق الذین أرسلهم الإدریسی مددا لأهل یبا مائة و عشرون، و کانوا أربعمائة، و من قبائل وادی حلی مائة و خمسون، و من قبیلة النواشرة أربعون، و الباقی من قبائل متفرقة.
و امتلکنا الوادی من أعلاه إلی أسفله، و نزل الجیش فی قریة المراریق، و بتنا لیلة الخمیس بوادی یبا مکللین بالنصر و معنا سبعون أسیرا.

[و فی صباح یوم الخمیس:]

ذهب الجیش لیفتش أکواخ الأعداء، فوجدنا فیها صنادیق کثیرة من أنواع الرصاص، و وجدنا ما ینوف عن خمسمائة بندقیة من أنواع المارتین الفرنساوی و الإنکلیزی و الطلیانی، و هی من الأسلحة التی وردت لهم من الإدریسی، أما الغنائم التی غنمناها فی هذه المعرکة، فهی تزید عن خمسة عشر ألف أردب من الحبوب،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 35
و کانت دواب الجیش جمیعها تأکل منها، أما الأثاث کحلی النساء و السلاح الأبیض من سیوف و جنابی و خناجر و ما شاکلها، فکثیرة جدّا.

[و فی لیلة الجمعة الرابع منها:]

سرنا من أسفل وادی یبا إلی أعلاه، و نزلنا فی فوز أبی العیر، و هو مرتفع عن سطح وادی یبا بخمسة عشر مترا تقریبا، و أرضه رملیة لاثقة للإقامة فیها، بخلاف نفس الوادی، فإن أرضه من الطینة الصفراء التی تصلح للزراعة.
فلمّا استقر بنا المقام أرسل لنا دولة الأمیر رسولا من طرفه یمنع الجیش عموما من الاعتداء علی ما تبقی من الأکواخ و القری و ما فیها، و ذلک رحمة و شفقة منه علی أهل الیمن، فمن ضمن هذه القری قریتان إحداهما لأشراف المنادیل، و الثانیة من أشراف الرواجحة، الذین اصطدهم ابن خرشان نائب الإدریسی و ألجأهم إلی المهاجرة عن أوطانهم و الإقامة فی وادی الأحسبة عند الأشراف العبادلة، و هم منضمون إلی جیشنا لمحاربة الأعداء.
و فی صباح الجمعة الرابع من جمادی الآخر سنة تسع و عشرین و ألف: سارت سریة عددها ألف مقاتل تقریبا إلی وادی حلی، و المسافة بینه و بین فواز أبی العیر أربع ساعات بالهجین، و کانوا فرسانا و أرباب هجان ألفی رأس من الغنم و أربعمائة من البقر، و ثلاثمائة من الإبل، و قتلوا سبعة من أهالی حلی، و أخذوا خمسة من العبید، و أسروا ثلاثة و رجعوا إلی المعسکر و قصد دولة الأمیر التوجه إلی أبها، فأمر عموم الجیش بالمسیر إلی فواز أبو العیر، فسرنا فی یوم الاثنین سابع من جمادی الآخر الساعة العاشرة نهارا، و کان عدد الجند المنظمین أربعة آلاف
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 36
و ثمانمائة، و نزلنا وادی عجلان، و بتنا هناک، و بعد صلاة الصبح سار الجیش بقیادة دولة الأمیر، و أقبلنا علی فواز أبو العیر فی منتصف الساعة الثانیة من الیوم المذکور، فقابلنا الجیش المظفر الموجود هناک من العرب و الأتراک، و کان الجمیع فرحین مسرورین بقدوم دولة الأمیر علیهم.

[و فی یوم الأربعاء التاسع منه:]

وفد علی دولته عربان تهامة الذین کانوا یحاربوننا بالأمس و معهم مشایخهم، و هم فی غایة الخضوع و الذلة، مظهرین ندمهم علی ما حصل منهم طالبین العفو، مستعدین لأداء ما علیهم من الزکاة المفروضة شرعا، فعفا عنهم دولته حفظه اللّه، و کسا مشایخهم، و ولی أمیرا من الأشراف من طرفه و هو الشریف شنیر لجمع الزکاة منهم، و تسلیمها إلی قائمقام القنفدة.

[و فی یوم الخمیس العاشر منه:]

حضر مشایخ وادی جنی و هم أحمد الصمی و ابن الصقیر و الشیخ عجی، و معهم مشایخ وادی یبا و هم علی بن مدینی و ابن خیرة و البیطلی السابق ذکرهم، و هم کانوا من أعظم أنصار الإدریسی، و طلبوا العفو عما مضی، و قالوا سنکون من الآن من أشد المخلصین للدولة العلیة، فعفا عنهم و أمرهم بأداء الزکاة للدولة العلیة، فامتثلوا خاضعین، و انضموا بجیشنا لمحاربة العصاة.
و فی هذا التاریخ قدم علینا باخرتان حربیتان عثمانیتان، و أصدر دولة الأمیر لهما التوجّه بضرب ثلاث جهات علی شاطی‌ء البحر الأحمر، و هی الشقیق، و الوسم، و البرک، لأن هذه الجهات الثلاث هی مصدر السلاح الأوروبی الذی یرد من مصوع و جیبوتی و عدن من الدول الأجنبیة المعادیة للدولة العلیة باسم الإدریسی، و هو یوزعه علی القبائل الموالیة له، و شیخ
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 37
هذه القبائل هو علی بن عبدة المقیم بالبرک. و کان دولة الأمیر قد أرسل له نصیحة بعدم العصیان، و یأمره بالطاعة لدولتنا العلیة، فلم یزد إلّا عتوّا و نفورا.
فلما یئس الأمیر منهم و تحقق عنده تلک الجهات هی منبع الفساد، و لعموم أهل الیمن، أمر قائد البواخر الحربیة بالتوجّه لها و ضربها، فتوجّهت البواخر و ابتدأت بضرب البرک المقیم بها رئیس هؤلاء العصاة، فخربها البواخر بقذوفاتها، و هرب هو إلی ضبیا، و بعد ذلک توجهت البواخر إلی مرفأ الشقیق، فقتل من قتل و هرب منهم من هرب.
ثم ذهبت البواخر إلی الوسم بضربها أیضا، فاجتمع أهلها من رجال و نساء و أطفال علی شاطی‌ء البحر أمام البواخر، و صاروا یکبرون و یهللون و یضربون البواخر بالرصاص، فأمر رئیس البواخر بإطلاق نارها علیهم، فأطلقت علیهم حتی حرقتهم، و مات منهم ما یزید عن ستمائة شخص، و فرّ الباقون هاربین. فأمر رئیس البواخر بنزول الجیش إلی البلد.
فلما شعر أهلها بنزول العسکر الشاهانیة فیها، رفعوا علما طلیانیّا علی منزل کائن وسط البلد، فصوّبت باخرة نارها علیه فألقته و هدمت المحل الذی نصب علیه ذلک العلم.
و مکثنا بفوز أبو العیر من الیوم العاشر من جمادی الآخرة إلی یوم الحادی و العشرین منه. و فی هذا الیوم أمر دولة الأمیر بالرحیل، فقام الجیش و معه قبائل یبا و حلی الذین انضموا لجیشنا، و کان عدد الإبل الحاملین للذخیرة ألفی جمل قبیلة حرب القاطنین من أهلها بین مکة و المدینة.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 38
و فی مدة إقامتنا فی وادی یبا کانت الإبل، و هی ألفان و الهجان، و هی أربعة آلاف، و الخیل، و هی خمسمائة، و البغال و جمیع الدواب التی مع العرب تأکل من الحبوب المتروکة من العصاة، حتی ارتحلنا و هی لم تنفذ لکثرتها.
و فی صبیحة یوم الثلاثاء الرابع و العشرین منه، بینما نحن سائرون إذ شعرنا أن القوم کامنون لنا فی مضایقة المسماة بریع الحجایة، و قد حصّنوا أنفسهم تحصینا تامّا، فلما علم دولة الأمیر بذلک رتّب الترتیبات اللازمة و جمع الجیش کله من عرب و أتراک، و أخذ الکشاف بیده لاکتشاف القوم حتی عرف مکانهم، فلما عرفنا تماما، أمر باتجاه المدافع إلیهم، و کان دولته قائدا لها و بجانبه نشأت باشا.
ثم أمر کافة الأشراف و العربان و العساکر النظامیة الجندرمة أن یتسلقوا الجبل المقابل للعدو، و أمر بإطلاق المدافع، فصارت ترسل مقذوفاتها علی استحکاماتهم حتی دمرتها، ثم هجم الجیش بأجمعه علیهم، و دام القتال بیننا و بینهم إلی أن انهزم بعد ساعتین من الزمن، وجدنا من قتلاهم سبعة، خلاف الذین حملوهم، و قتل من قومنا نفر من عساکر بیشة و آخر نظامی.
ثم نزلنا الساعة الرابعة من یوم الثلاثاء المذکور، و رتّب دولة الأمیر علی کل جبل کمینا یراقب القوم خوفا من هجومهم علینا لیلا، ثم بتنا فی مکاننا و سرنا منه منتصف الساعة الثانیة عشر صباح یوم الأربعاء الرابع و العشرین منه، و قیلنا فی مکان اسم الزبارة وسط الوادی، و هو المرحلة الثانیة عشر من مکة، و بتنا به.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 39

[و فی صباح الخمیس الخامس و العشرین منه:]

سرنا إلی الساعة الحادیة عشر، و فیما نحن سائرون وسط الوادی و الجبال الشاهقة تحفّنا من الجانبین، و نحن فی مضایق عسرة المسالک، إذ حضر العیون الذین فی المقدمة لکشف مکامن العدو، و أخبروا دولة الأمیر أن القوم عند ما انهزموا فی القتال جمعوا أنفسهم و کمنوا لنا فی مکان یقال له سهول، و هو من عسر المضایق، و عددهم یزید عن سبعة آلاف مقاتل، و القائد لهم السید عرار نائب الإدریسی بتلک الجهة، فرتّب دولة الأمیر الترتیبات اللازمة.
و لما أقبلنا علی مکامن القوم بادأناهم من بعد بضرب المدافع، و لما کشفنا المضایق الکامنین فیها وجدنا الطریق یمر وسطها و لا یوجد لنا طریق خلافه، فهنالک أیقنّا بالهلاک، و تعاهد الجیش بأجمعه علی اقتحام هذا الطریق الذی لا یوجد غیره للوصول إلی أبها الذی نرید فک حصارها، إذ لو سقطت فی أیدیهم لا یمکن ردّها إلّا بعد تضحیة آلاف من الأنفس، لذلک صار دولة الأمیر یشجّع القوم علی القتال.
و قد استمر تسع ساعات، و المدافع الجبلیة و المترلیون تقذف علیهم نیرانها، و الأشراف و العرب تهجم علیهم من کل جانب، حتی انجلوا عن مکانهم و انکسروا شر کسرة، و ولوا مدبّرین و تتبعهم أبطالنا، و لم یزالوا وراءهم حتی أجلوهم من کافة مضایق سهول، و ذهبوا إلی واد فسیح اسمه بارق. و لما برحوا من الوعر إلی السهل اقتفی أثرهم الفرسان من جیشنا، و ساروا یضربونهم بالسلاح الأبیض حتی دارت الدائرة و ترکوا هذا المکان أیضا.
و بعد ذلک نزلنا فی وادی بارق المذکور عند قریة تسمی العجم،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 40
و بتنا لیلتنا و قیلنا فیه الیوم الثانی. و فی الساعة العاشرة مساء یوم الجمعة السادس و العشرین منه سرنا حتی وصلنا أعلا قریة وادی بارق، فانتشرت الجیوش بالوادی للغنیمة، فوجدوا من الجنوب ما لا یحصی، فأخذوا ما أخذوا و ترکوا. و أهل تلک القری قبائل شتی، و هی قبائل حمیصة، و بنی النیم، و بالقرن، و آل موسی، و آل جبلی، و بعض قبائل ربیعة.
و بعد استقرار الجیش فی هذا المکان بساعة حضر الشیخ هیازع شیخ قبیلة آل موسی، و وقف بین یدی دولة أمیر مکة نادما علی طاعته مع قومه للإدریسی و خروجهم علی أمیر المؤمنین، فعفا عنه و عن قبیلة آل موسی فی الحال، و أمر برفع السلب عن باقی قری بارق إکراما لهذا الشیخ، و بعد ساعة حضرت هذه القبیلة أمام سرادق دولة الأمیر و شرع أهلها یلعبون بأسلحتهم الناریة فرحین بالعفو عنهم، و انضم إلی الجیش لمقابلة الأعداء.

[و فی یوم السبت السابع و العشرین منه:]

حضر الشیخ عبد الرحمن شیخ قبائل بنی شهر من أهل تهامة و طلب من دولة الأمیر یکون مرور الجیش من قبیلته، و کذلک صعود جبل الحجاز مع العقبة المسماة ساقین إذ هی لبنی شهر أیضا، فاستحسن دولة الأمیر برأیه و أجابه إلی طلبه، و ذلک لأن عقبة محائل التی هی للحکومة و هی الطریق الرسمی الموصل إلی أبها عاصمة عسیر هدمت من أسفلها إلی أعلاها بواسطة السید مصطفی عامل الإدریسی بتلک الجهة، و ذلک لأنه حاصر قلعة شعار الواقعة فی رأس العقبة.
و امتد الحصار ستة أشهر حتی اضطرت العساکر الشاهانیة فأخذهم
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 41
الساری و أرسلهم إلی حبیا مقر رئیسه، و أخذ ما کان فی القلعة من بنادق و مدافع، ثم هدمها حتی لم یبق لها أثر یذکر، و بهذه الأسباب ترک دولة الأمیر عقبة محائل و سار بجیشه إلی عقبة ساقین.

[و فی یوم الأحد الثامن و العشرین من سنة تسع و عشرین و ثلاثمائة و ألف:]

أمر سیدنا بالرحیل من وادی بارق، فارتحل الجیش بأجمعه و سار معنا الشیخ عبد الرحمن بن ذهیل و معه قوم کثیرون من بنی شهر، و لم نزل سائرین حتی وصلنا وادی بقرة و بتنا هناک فی ضیافة بنی شهر، و قمنا منه الساعة الحادیة عشر صباح یوم الاثنین التاسع و العشرین منه، قاصدین عقبة ساقین.
و فی منتهی الساعة الواحدة صباح هذا الیوم ابتدأنا فی صعود العقبة المذکورة، و هی عقبة عظیمة جدّا، و لبثنا جمیع یومنا فی صعود، ثم بتنا أثناء العقبة فی محل یقال له صلبة، و فی الساعة الحادیة عشرة صباح یوم الثلاثاء غرة رجب الفرد واصلنا الصعود مجدین المسیر حتی أدرکنا القیلولة، فقیلنا فی روضة یقال لها براد تحت أشجار متنوعة الأشکال، ذوات روائح زکیة. و بعد القیلولة نهضنا و أخذنا فی الصعود إلی أن وصلنا سطح العقبة منتهی الساعة الثالثة من لیلة الأربعاء ثانی رجب، و نزلنا فی واد یسمی تنومة لبنی و قبیلة بنی شهر، من أعظم قبائل الیمن، و عددهم یزید عن ستین ألف مقاتل، و مکثنا هناک إلی الیوم السادس حتی وردت جمیع الإبل و الدواب الصاعد بالذخائر مع العساکر النظامیة، لأن صعود هذه العقبة شاق جدّا إذ یبلغ ارتفاع وادی تنومة عن سطح البحر ثلاثة آلاف مترا تقریبا.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 42

[و فی الیوم الثانی من وصولنا من وادی تنومة المذکورة، و هو یوم الخمیس ثالث رجب:]

وفد علی دولة الأمیر قبائل بنی شهر تحت رئاسة نجل شیخهم المسمی فائز و رئیسهم الأکبر هو سعید بن قرم و الدفائر المذکور لم یحضر لأنه کان محصورا بأبها. و هذه القبیلة هی المخلصة للدولة العلیة، و لم تمل للإدریسی أصلا، بل رفضت طاعته، و ذلک لکثرة المراسلات بینه و بین دولة أمیر مکة، حتی صد الإدریسی عن جهتهم.
و الشیخ سعید بن قرم المذکور أشرف أهالی جبل الحجاز جاها و نسبا، حتی إن سیدنا الشریف محمد بن عون أمیر مکة صاهرهم، فأعقب من هذا البیت دولة سیدنا الشریف علی والد دولة الشریف حسین أمیر مکة، و کان الإدریسی تمکن من خداع قبیلة من بنی شهر یقال لها بنی ثیلاف، شیخهم شبیلی بن عریف، فوالوا.
و لما وصل دولة الأمیر وادی تنومه امتنع هذا الشیخ من مقابلة دولته خجلا، أما قبیلته فقد امتثلت جمیعها بطاعة دولة الأمیر، و عین الأمیر الشیخ سعید بن عزم بک قائمقام لقضاء بلدة النماص، و جعله شیخ مشایخ کافة بنی شهر، و عنده نیشان من الدولة العلیة بخدماته الجلیلة، و نجله فراج بک مبعوث بمجلس المبعوثات بالدولة عن قبیلة بنی شهر.

[و بعد صلاة صبح الیوم الثامن من رجب:]

حضرت العیون و أخبرت دولة الأمیر أن قوم الإدریسی کامنون فی عقبة تسمی دهماء تحت قیادة الشیخ محمد بن دلیم شیخ قبائل قحطان، و هذه العقبة من أعسر العقبات، إذ لا یمکن الصعود لها إلّا فردا فردا من الطریق العمومی، و عدد قومه
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 43
الکامنین خمسة آلاف، فأمر دولة الأمیر بترتیب الجیش من عرب و غیرهم، و أمر بتقدیم المدافع أمام الجیش.
و لمّا أقبل الجیش علی العقبة اشتبک القتال، فأمر دولة الأمیر بإطلاق المدافع علی مکامن العدو، و قسم الجیش قسمین: قسما فی الجناح الأیمن و قسما فی الجناح الأیسر، و بقی هو حفظه اللّه فی قلب الجیش، و معه الأشراف. و دام القتال أربع ساعات، و المقذوفات من المدافع و البنادق متوالیة، حتی تزلزلت الجبال، و بعد ذلک انکسر العدو شر کسرة، و انهزموا تارکین فی ساحة الوغی ثمانین قتیلا، منهم ثلاثون من قحطان، و أربعة و عشرون من قبائل بالأحمر، و اثنا عشر من قبائل عسیر، و سبعة من قبیلة بنی ثیلا الشاذة من قبائل بنی شهر، و عشره من قبائل بالأسمر.
و تمّ لنا- و للّه الحمد- النصر، و دخلنا دیار بالأسمر بعد أن جلونا الأعداء عن عقبة دهماء و عقبة سدوان، و انتشر الجیش فی قری بالأسمر لکسب الغنائم، فغنم من المواشی و الحبوب و الأثاث شیئا کثیرا، فلما رأی أصحاب القری ذلک، وفدوا علی دولة الأمیر و معهم شیخهم علی بن جعدان، و صاروا یذرفون دموع الندم علی ما حصل فیهم من العصیان حتی لحقهم ما لحقهم من التلف، و صاروا یصرخون طالبین العفو و الرحمة من دولة الأمیر، و عفا عنهم. و فی الحال أمر برجوع ما أخذ منهم، و أنعم علی شیوخهم بالکساوی. و قد انضم الشیخ و بعض جیوشه إلی الجیش المنصور.
و کان دخولنا فی هذا الوادی المسمی بوادی حوراء فی منتهی الساعة
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 44
الحادیة عشر من یوم الأربعاء مساء تاسع رجب، و قد قتل من جیشنا فی هذه المعرکة ثلاثة: اثنان من العساکر النظامیة، و واحد من العرب.
و لما استقر بنا المقام بهذا الوادی أقبل علینا رجال قبائل الأسمر نادمین علی ما حصل منهم، قائلین: إننا بلا شک نستحق ما حل بنا من الذل و الهوان، و سنکون من الآن من أخلص رعایا جلالة أمیر المؤمنین، و سیادة دولة الشریف. و إننا مستعدون لدفع الزکاة الشرعیة علی التمام، فأمرهم دولة الأمیر بإحضارها و إرسالها معه إلی أبها عاصمة عسیر، فأحضروا الزکاة التی کانت مؤخرة علیهم، و محمولة علی إبلهم لتوصیلها إلی أبها، و تسلیمها للمتصرف.
ثم أمر دولة الأمیر بالرحیل صباح یوم الخمیس عاشر رجب سنة تسع و عشرین و ثلاثمائة و ألف، فسرنا حتی نزلنا فی قری بالأسمر فی مکان یسمی سوق الاثنین، و أقمنا یومین، ثم رحلنا صباح یوم السبت ثانی عشر رجب قاصدین قری قبیلة بالأحمر، فوصلنا الساعة التاسعة مساء الیوم المذکور، قری واد سمی عمق. و فی الجهة الجنوبیة من هذا الوادی عقبة یقال لها بیحان.
و لمّا نزلنا فی هذا المکان قدم العیون علی دولة الأمیر و أخبروه بأن قوم الإدریسی کامنون فی عقبة بیحان تحت قیادة الشیخ بن دلیم القحطانی، الذی کان فرّ منا فی الوقعة الأولی، و معه الشیخ الحفظی من مشاهیر رجال المع، و الشیخ الغویه من شیوخ شهران القاطنین فی الجهة الشرقیة من عسیر، و معهم أربعة آلاف و ثلاثمائة مقاتل، منهم سبعمائة من أهالی عسیر، و ألف من رجال المع، و سبعمائة من قبائل بالأحمر،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 45
و ثمانمائة من محایل و الشقیق و صبیا و وادی أبو عریش و هؤلاء من أهل تهامة، و خمسمائة من قبائل قحطان التی هی أکبر قبیلة فی جزیرة العرب، و ستمائة من قبیلة شهران.
فلمّا سمع الأمیر بذلک رتّب الجیش الترتیب اللازم لمقابلة العدو، و أخذ أربعة طوابیر نظامیة، و أربعة مدافع جبلیة، و رشاشات من صنف المترلیون، و جعلهم تحت قیادة دولته، و لزم الجبل الأوسط، و أمر طابورین آخرین و الأشراف و ألفا من العربان بالسیر إلی الجناح الأیمن تحت قیادة نجله عبد اللّه بک. و أرسل معنا مدفعین جبلیین و واحد مترلیون، و أمر طابورین أیضا من العساکر النظامیة و ألفا من العربان بأن یکونوا فی الجناح الأیسر تحت قیادة نجله فیصل بک، و أرسل معهم مدفعین جبلیین و واحد مترلیون.
و بعد أن تمت الترتیبات، و وقف کل قائد منهم فی مرکز، و أطلقت المدافع علی استحکامات العدو، و صار الجیش یتقدم إلی الأمام، و کان مبدأ القتال الساعة السابعة من مساء یوم الأحد ثالث عشر رجب، و استمر منتهی الساعة الأولی من لیلة الاثنین الرابع عشر منه، و افترق الجیشان علی غایة من التعب.
و فی صباح یوم الاثنین وقت الإسفار اشتبک القتال بالبنادق و المدافع، فلم یأت آخر الساعة العاشرة من الیوم المذکور حتی انکسر شر کسرة، و لم نزل وراءهم نقتل فیهم حتی ملکت العقبة من شرقها إلی غربها.
ثم أمر دولة الأمیر العساکر النظامیة و الجندرمة بالصعود إلی أعلا
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 46
العقبة، و هی عسرة المسالک، کثیرة الأشجار، و منظرها من أجمل المناظر، و بها قری کثیرة، فأخذ الجیش ما کان بها من المتاع، و لم نزل سائرین حتی وصلنا قری من أملاک بالأحمر فی وادی یسمی صبح، و کان ذلک فی الساعة التاسعة آخر الیوم المذکور نزلنا هناک.
و لمّا استراح دولة الأمیر فی سرادقه، و نزل الجیش بأجمعه أقبلت قبائل بالأحمر تحت قیادة شیخهم محمد بن محیص، و الکل خاضعون ممتثلون، و طلب شیخهم من دولة الأمیر الأمان و الرحمة له و لهم، فأمنهم دولته و کسا شیخهم و کبارهم، و تعاهدوا بأداء الزکاة للدولة و إرسالها لمرکز عسیر العمومی أبها، فأمر جیشه برد أموالهم، فلما رأوا ذلک من دولة الأمیر انضموا لجیشه و رغبوا فی محاربة الإدریسی و من معه.
و فی صباح یوم الخمیس سابع عشر رجب سنة تسع و عشرین و ثلاثمائة أطلق العدو نیرانه، فاشتبک القتال بیننا و بینهم ساعتین، ثم انکسروا و قد قتل منهم عشرة، و قتل من جیشنا عسکری نشامی، و جرح واحد من اتباع الأمیر.
و بعد ما قطعنا العقبة لم نزل سائرین حتی وصلنا وادیا یقال له عیل، فنزلنا فیه الساعة التاسعة مساء یوم الخمیس المذکور.
و فی صباح یوم الجمعة ثامن عشر رجب رحلنا و وجهتنا شعار، عند منتصف الساعة الثانیة حضر عیون جیشنا و أخبروا الأمیر بأن قوم الإدریسی کامنون بعقبة یقال لها عقبة الدرجة تحت أعلام أربعة، مع کل علم ألفان و خمسمائة مقاتل، تحت قیادة أربعة مشایخ منتدبین من قبل السید مصطفی المحاصر أبها عاصمة عسیر، و هو نائب الإدریسی علی جبل الحجاز،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 47
و القواد الأربعة المذکورین هم: السید عبد الرحمن، و محمد بن دلیم القحطانی، و الغویه شیخ شهران، و واحد من رجال شیوخ المع، و هم ممتدون فی العقبة مسافة ثلاثة آلاف متر من المشرق إلی المغرب.
فأمر دولة الأمیر بالجیش بأن یکمن فی سد جبل أمام العقبة المذکورة، و أن لا یسیر إلی الأمام، ثم رتّب الجیش ترتیبا شاملا، و وضع أمام کل علم من أعلام العدو مدفعین جبلیین و مدفعا مترلیون و طابورین من العساکر النظامیة، و قسم الجیش العربی و الأشراف قسمین: قسما فی الجناح الأیمن تحت قیادة عبد اللّه بک، و قسما فی الجناح الأیسر تحت قیادة فیصل بک.
و أمر العساکر النظامیة بالصعود علی رؤوس الجبال و معهم المدافع لمقابلة العدو، و ثم أمر أرباب المدافع بضرب الاستحکامات التی شیّدها العدو بالعقبة، و وضع فوقها أعلامه، فاشتبک القتال بیننا و بینهم و دام ست ساعات، و المدافع تقذف نیرانها علیهم، و جیشنا یتقدم بین نار الرصاص من الطرفین.
و لمّا رأی دولة الأمیر أن القتال سیطول أشار علی رجال المدافع بأن یوجهوا مقذوفاتها نحو الرایة المنصوبة من العبو تجاه دولة الأمیر فجر أحدهم مدفعه علی رایة العدو المذکور، فرماها و قتل تحتها ثمانیة أشخاص، فلما سقط العلم ولّی الأعداء هاربین، و انتشر القتل بینهم، فانکسروا شر کسرة، و تشتت شملهم و انجلوا عن العقبة، و صعد جیشنا سطحها و اقتفی فرسان العرب أثر العدو یقتلون فیهم حتی انجلوا عن مکانهم انجلاء تامّا.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 48
و قتل منهم فی هذه المعرکة ما یزید عن مائتین، و ولّی السید مصطفی هاربا من حل الحجاز إلی تهامة، و ترک أمواله و جمیع ما یملکه فی قصره الموجود فی قریة من قری عسیر، و لمّا شعر أهل القریة بفرار أمیرهم أطلقوا المسجونین من العثمانیین و من العرب غیر «موالین لهم، و یربو عددهم عن خمسمائة شخص.
و بعد أن کمل صعود جیشنا إلی سطح عقبة الدرجة، حثثنا السیر قاصدین شعر، فوصلناها الساعة العاشرة مساء الجمعة ثامن عشر رجب، فوجدنا القلعة الواقعة أعلا عقبة محایل قد ضربها السید مصطفی بواسطة أعوانه، و شعار موضع متوسع تحفه الجبال، و سرنا حتی وصلنا الساعة الحادیة عشر آخر النهار وادیا لقبیلة بنی مالک من عسیر.
فلما دخلنا تفرّق الجیش للغنیمة، فأخذ ما وجده فی القری، و بعد ذلک حضر مشایخهم لدولة الأمیر و طلبوا منه الأمان لهم و لقبائلهم، فأمنهم و أمر برد ما أخذ منهم، و أمر مشایخهم بأن یصحبوه إلی أبها، ففرحوا بذلک فرحا تامّا.
و فی یوم السبت تاسع عشر رجب رحلنا صباحا قاصدین أبها، فلما قربنا منها سمعنا أصوات المدافع بجهتها، فأرسل دولة الأمیر الرسل لیکشفوا لنا الخبر، فلما حضروا أخبروا أن مصطفی عامل الإدریسی حینما أیقن بقدومکم ترک حصار أبها، و إن هذه المدافع هی من قبل سلیمان باشا متصرّف عسیر الذی کان محصورا، و قد خرج من أبها بعد فک حصارها، و ها هو قادم و معه طابوران من العساکر لملاقاة دولة الأمیر. و کانت المسافة بیننا و بین أبها ثلاث ساعات.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 49
فلما تحقق دولة الأمیر قدوم سلیمان باشا المذکور أمر جیشنا بإطلاق المدافع إکراما له، و شمل السرور جمیع الجیش لخلاص أبها من الحصار. و لما حضر سلیمان باشا سلّم علی دولة الأمیر، و هنّأ الجیشان بعضهما بالنصر، و اختلطا معا.
و فی الساعة التاسعة مساء هذا الیوم دخلنا أبها و جمیع الجیش و الأهالی مسرورون.
و فی الیوم التالی من دخولنا حصل الرخاء فی الأسعار، و أتت وفود العربان من جمیع الجهات و معهم الأرزاق الکثیرة بکثرة، و کان المدّ من البرّ و هو اقتان قد بلغ ثمنه قبل دخولنا بیوم جنیها عثمانیّا و ریالا فرنسیّا، و کان قمع السکر ثمنه جنیهان، و ثمن الشاة أربعون ریالا، و التنکة من السمن ثمانیة جنیهات عثمانیة و أقة الدخان المهرب بأربعة جنیهات.
فلما أتت الوفود بالأرزاق نزلت الأسعار، فصار کل خمسة أمداد من البر بریال، و قمع السکر بریال، و الشاة من ثلاثة إلی أربعة، و التنکة السمن بجنیه، واقة الدخان بریالین، و صارت القبائل ترد تباعا إلی أبها لمقابلة دولة الأمیر، و الکل نادمون.
و کان القائد لعموم من حضر من العربان الشیخ حسن بن علی بن محمد بن عایض، و محمد بن عایض هذا کان ملکا للیمن، و حصل بینه و بین الدولة منافسات أدت إلی الحرب، فأرسلت الدولة العلیة له جیشا عظیما بقیادة ممتاز باشا الغازی، فتغلب علی ابن عایض و قهره، و اضمحل ملکه، و قبضت علیه الدولة العلیة و استولت علی مقر ملکه، و هو أبها.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 50
و الشیخ حسن هذا کان نافرا من الدولة نفورا تامّا، و کان دائما بینه و بین الدولة مشاغبات، فلما وصل دولة الأمیر إلی أبها حضر الشیخ حسن بن علی المذکور و أحضر معه جمیع الأسلحة التی کان قد أخذها مصطفی عامل الإدریسی من قعلة شعار، فأمر الأمیر حفظه اللّه سلیمان باشا باستلامها، و قد حضر مع الشیخ حسن المذکور کافة شیوخ عسیر، و هم: الشیخ عبد العزیز بن محمی، و الشیخ محمد بن عبده، و هما مشایخ ربیعة من عسیر، و الشیخ أحمد بن حامد شیخ قبیلة علکم، و الشیخ علی بن معدی شیخ قبیلة بنی مالک، و الشیخ علی بن محمد بن محمود شیخ قبیلة تضیر و رفیدة. و رئیس الجمیع حسن بن علی المتقدم. و جمیع هؤلاء القبائل یقال لهم عسیر أهل السراة.
و الشطر الثانی من عسیر هم رجال المعة، و دیارهم تهامة من جبل الحجاز، و مشایخهم الشیخ علی معرافی، و الشیخ یحیی محیانی، و الشیخ علی کیبی، و حضر أیضا مشایخ بالأحمر، و مشایخ بالأسمر، و مشایخ قبائل شهران تحت قیادة شیخهم الأکبر الشیخ عبد العزیز بن مشیط. و قدم أیضا جمیع مشایخ قحطان، لم یتخلف منهم سوی محمد بن دلیم.
و لمّا تکامل جمیعهم فی سرادق دولة الأمیر سألهم عن سبب طاعتهم للإدریسی و خروجهم عن طاعة مولانا أمیر المؤمنین، و لمحاربتهم لرجال الدولة العلیة، فأجابوه قائلین: إننا لم نطع الإدریسی إلّا بعد أن أرسل سعید باشا لنا و لکافة القبائل أوراقا محتویة ممضاة منه و من الإدریسی، و فیها نص الاتفاق الذی تم بین الإدریسی و بین الوفد، المأووس للشیخ توفیق الذی حضر من الأستانة لمقابلة الإدریسی،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 51
و للاتفاق معه علی ما فیه الصلاح، و أرسلوا لنا و لکافة القبائل هذه الأوامر، و بعد ذلک بزمن قلیل أمر جمیع قبائل تهامة و الحجاز بطاعته و أظهر لهم أنه ساع فی إصلاح الیمن.
فلما تمت له السیطرة کلّف أهل الحجاز بإطاعة السید مصطفی الذی جعله أمیرا من قبله علی الجبل المذکور، و أقام ابن خرشان أمیرا علی قبائل تهامة، و أقام ابن عرار أمیرا علی قبائل بارق، و أقام الفصال أمیرا علی قبائل المخواة، و أصدر أوامره لنا و لکافة القبائل بتسلیم الزکاة لهؤلاء الأمراء، فأطعناهم لما عندنا من الأوامر من قبل الدولة.
و بعد ذلک سولت له نفسه أن یکون ملکا مستقلا علی الیمن، فأمر عامله مصطفی بحصار أبها لیأخذها و تکون مقرّا لملکه، و قد استمر الحصار عشرة أشهر حتی أراد اللّه إنقاذ أهلها، و ها نحن الآن مستعدون لدفع الزکاة، فکلفهم بإحضار الزکاة الماضیة فأحضروا کافة ما علیهم منها من أموالهم التی کان أخذها منهم السید مصطفی مدة إمارته علیهم، و صارت الزکاة کل یوم ترد بکثرة من نقود و حبوب و بقر و غنم و عسل.
و أقمنا بأبها خمسة عشر یوما أولها یوم السبت التاسع عشر من رجب سنة تسع و عشرین و ثلاثمائة و ألف. و فی یوم الأحد السابع و العشرین منه أمر دولة الأمیر بالاحتفال فیه، لأنه یوم المعراج و یوم عید الحریة و الدستور، فاحتشد الجمع. أمام دار الحکومة و ثکنة العساکر، و أطلقت المدافع.
و بعد انتهاء الاحتفال قام دولة الأمیر فی هذا الجمع العظیم و نصح جمیع من حضر خصوصا أهل الیمن بخطبة کان تأثیرها عظیما جدا، و من جملة ما ذکر فیها قوله:
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 52
«أیها الإخوان، اعلموا علم الیقین أنه لو لا وجود هذه الدولة العثمانیة و شدة اعتناء خلفائها بالأمة الإسلامیة- خصوصا مولانا أمیر المؤمنین الحالی- لاختطفتکم الدول الأجنبیة اختطاف الذئاب للغنم المنفردة، فإن جمیع الدول ساعیة من زمن بعید فی اضمحلال الشریعة المحمدیة بواسطة هؤلاء المغرورین الذین یخدمونها لأغراضهم الشخصیة.
إخوانی، هل یرضیکم أفعال هؤلاء القوم الساعین فی تخریب بلادکم باسم الحق؟ و لا أدری کیف اعترافکم لهؤلاء و أمثالهم و أنتم أولوا العقول الراجحة و النخوة العربیة الأصیلة، آباؤکم الأولون کانوا عز العرب، و عنهم و رثتم الهمم العالیة، ألستم أبناء التتابع؟ ألستم الذی قال فیکم جدی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم: «العلم یمان و الحکمة یمانیة»؟ ألستم أبناء أسلافکم الکرام الذین اشتهروا بالذکاء الفطری و المجد المؤثل؟
فاللّه اللّه- یا أمناء الأمة العربیة- فی دینکم لا تضیعوه: بل احفظوه و استظلوا بظل الرایة العثمانیة التی هی شعار الإسلام، و لا تغتروا بأقوال المفسدین الساعین فی تنفیذ أغراض المحرکین لهم أعداء الدین الإسلامی، و أنتم لطیب عنصرکم و عدم معرفتکم بالسیاسة الأجنبیة تظنون أنهم إنما یخدمون الدین، مع أنهم و اللّه عن الدین بمعزل، لا یخدمون إلّا لأغراضهم الشخصیة مستترین باسم الدین.
فأحذرکم أن لا تعثروا بمثل هؤلاء المارقین من الدین، بل کونوا مطیعین لأمیر المؤمنین. و لتعلموا أن من خالفه فقد خالف اللّه و رسوله، و من خالفهما فقد باء بغضب من اللّه و خسر الدنیا و الآخرة،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 53
ذلک هو الخسران المبین. و ختم خطبته بالدعاء لأمیر المؤمنین».
و أطلقت المدافع من القلاع و الحصون، ثم انصرف کل منا إلی مکانه المعدّ له فی مدینة أبها.
و فی الیوم الرابع من شهر شعبان سنة تسع و عشرین و ثلاثمائة و ألف أمر دولة الأمیر بالرحیل إلی مکة، فتریضنا الساعة الثانیة صباح یوم الأحد الرابع من الشهر المذکور، و أمسینا فی قری بنی مالک من قبائل عسیر، و بتنا بها. و فی الساعة الحادیة عشر صباح یوم الاثنین الخامس منه سرنا حتی وصلنا الساعة السادسة وادیا یقال له الحنقور، و هو الحد الفاصل بین دیار عسیر و شهران، و هو ملک لبنی مالک أیضا، فإن قراهم أکثر من عشرین قریة، و سرنا بعده إلی الساعة الثامنة من الیوم المذکور، و نزلنا فی واد لقبائل شهران یقال له وادی راشد، و هو المرحلة الثانیة من أبها، و هو واقع فی الجهة الشرقیة من أبها و منخفض عنها بنحو ماثتی متر تقریبا.
و لما نزلنا فی الوادی المذکور حضر بعض قبائل شهران و قدموا الطاعة لدولة الأمیر و أتوا معهم بضیافة کبیرة من الغنم و ما یتبعها، و عاهدوه علی أداء الزکاة للدولة فی کل عام، و أنهم یکونون خاضعین لجلالة أمیر المؤمنین، و أظهروا ندمهم علی الانضمام للإدریسی و أعوانه، و طلبوا من دولة الأمیر العفو عنهم، فعفا عنهم و أخذ علیهم العهود و المواثیق، و بقی من شیوخهم ثمانیة فی خدمة الأمیر، و انصرف باقیهم راجعا إلی دیاره.
و فی صباح یوم الثلاثاء السادس من شعبان نهض الجیش المؤلف من
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 54
العربان و الأشراف فقط، و إن العساکر النظامیة التی کانت ستة عشر طابورا بجمیع لوازمها الحربیة بقیت بأبها.

[و فی الساعة الواحدة من صباح الاثنین التاسع عشر منه:]

دخلنا وادی کلاخ، و هو المرحلة الخامسة عشر من أبها. و فی الساعة الثامنة نهارا قدم علینا من مکة بقیة أنجال دولة الأمیر و هم عطوفة علی بک وکیل دولة الأمیر بمکة، و الشریف زامل بک، و الشریف جعفر بک: أنجال عطوفة ناصر بک شقیق دولة الأمیر، و فی معیتهم من الفرسان و أرباب الهجان ما یزید عن الثلاثمائة، و الکل قادمون لمقابلة دولة الأمیر فرحین مهنئین لنا بقدومه السعید، و حضر کذلک أهل وادی کلاخ، و صاروا یطلقون بنادقهم أمام سرادق دولة الأمیر، و هم قبیلة یقال لها النفعة من قبائل عتیبة، و قدموا ضیافة لدولة سیدنا.
ثم سرنا و نزلنا فی محل یقال له نخب لقبیلة و قدان اسمه الحقیقی وادی النمل. و فی صباح یوم الخمس الثانی و العشرین من شعبان قمنا من هذا الوادی و سرنا، حتی إذا کان بیننا و بین الطائف سیر ساعتین و نصف وجدنا حضرة الوالی حازم بک و القومندان منیر باشا و فضیلة قاضی مکة المشرفة و مدیر الحرم المکی و الدفتر دار و جمیع هیئة الحکومة و جمیع العساکر النظامیة، قد أتو لمقابلة صاحب الدولة و السیادة أمیر مکة المکرّمة.
و کان الوالی و مجلس البلدیة قد أعد سرادقا من أفخر ما یکون لاستراحة دولة الأمیر عند قدومه علیهم، و فرح جمع کثیر من أهالی الطائف و أهالی مکة، و علامة السرور بادیة علی وجوههم، و لما استقر
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 55
دولته بسرادقه الخاص قدم الناس علیه مهنئین له بالنصر المبین علی الإدریسی و قومه، و کان من جملة المهنئین حضرات العلماء الأعلام تلا بعضهم قصائد لتهنئة دولته بالقدوم، فمن ذلک ما تلاه حضرة الأستاذ الجلیل الشیخ أحمد النجار المدرّس بمسجد سیدنا عبد اللّه بن عباس رضی اللّه عنهما.

[و فی خامس ذی الحجة الحرام من السنة المذکورة:]

قدم مکة لأداء الحج الأمیر محمد بن عبد الرحمن شقیق السلطان عبد العزیز بن عبد الرحمن بن سعود و فی معیته الأمراء: عبد العزیز بن ترکی، و مشاری بن جلوی، و محمد بن ناصر الفرحان، و معهم عائلات الأمراء و ما ینوف علی مائتین و خمسین من رجالهم غیر الحجاج و قرایا نجد.
و کان الأمیر عبد الرحمن بن سعود والد السلطان عبد العزیز قد عزم علی أداء فریضة الحج فی هذا العام، و سعی لذلک بضع مراحل، و لکن حالته الصحیة حالت دون إتمام أمنیته فی هذه السنة، فآثر العودة اضطرارا. و قد خرج لاستقبالهم وفد من الأشراف و الرؤساء فی مرحلة العشیرة، و هی المرحلة الخامسة عن مکة المکرّمة، و أمر جلالة الملک بإرسال ما یلزمهم من السرادقات و الخیام و وسائل الضیافة فی محطة السیل.
و لمّا دخلوا مکة المکرمة خرج لاستقبالهم وفد برئاسة سمو الأمیر عبد اللّه بن محمد و الشریف شرف قائمقام مکة المکرّمة و غیرهما من الأشراف و الرؤساء، و فی معیتهم فرقة من الهجانة و الفرسان، فدخلوا مکة
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 56
المکرّمة بغایة الإکرام، و قد أعدت لهم المنازل اللازمة لهم و لعائلتهم المحرتمة فی شعب عامر الخاص بنزول حجاج نجد.

[و فی شهر صفر سنة 1337 ه:]

ورد من قائد المسلحة العسکریة المقیمة بجوار الخرمة ما یشعر بوصول إمداد من الوهابیة لإخوانهم لها، یتجاوز عدد فرسانهم الخمسة و الثلاثین، و الهجانة منهم نحو الأربعمائة، یرأسهم فیحان بن محیاط و ابن ریعان. و إنه بعد مواقعتهم لقتال کانت قتلانا فیه ثلاثة من الأشراف و هم محمد یحانی بن سلطان و ابن أخیه عبد اللّه بن سلطان و الحسین بن محمد الشنبری، و ستة من البقوم، و ثلاثة من العتیبة، و اثنین من بنی الحارث، و ثلاثة من العقیلات، و سبعة معاون رئیس صف الهجان المخصوص، و ستة من الأفراد المجموع (24)، و کانت الجرحی أربعة و قتلی العدو ثلاثة و سبعون من ضمنهم سلطان ولد الشریف خالد.

[و فی أواخر صفر من السنة المذکورة:]

وصل لمکة المکرمة وفد فخیم أرسله الأمیر سعود بن عبد العزیز بن رشید، مؤلفا من نحو ستین شخصا من أماثلة رجاله و حاشیته، لتوثیق روابط الإخلاص بجلالة الملک، و قد أرسل مع هذا الوفد خمسة من الخیول العربیة المطهمة هدیة للإصطبل العامر.

[و فی 9 جمادی الثانیة سنة 1337 ه:]

ورد إلی مکة وفد تهائم الیمن من قبیلة بعیر، مؤلف من نحو عشرین من کبارهم، و منهم الشیخ عمر بن شیبة و الشیخ علی ابن مدین، و الشیخ عبد الکریم بن أحمد بن خیرة، و الشیخ محمد شعوان بن یوسف، و الشیخ عبدة بن علی المزعی،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 57
و الشیخ یوسف بن أحمد، و الشیخ أحمد بن لاحق، و الشیخ معدی بن صاحب، و الشیخ هادی بن محمد، و الشیخ علی بن حمدان، و الشیخ علی بن موسی، و الشیخ إبراهیم الفقیه، و مع هذا الوفد اثنان من أشراف ذوی حسن و هما الشریف عبد العزیز، و الشریف أحمد بن لافی، و قد استقبلوا بما یلیق بهم من الحفاوة و الإکرام.

[و فی شهر جمادی الثانیة سنة 1337 ه:]

توجّه الأمیر عبد اللّه من المدینة المنوّرة و معهم ثمانمائة جندی منظّم معظمهم من السوریین و العراقیین و الفلسطینیین، و عدد کبیر من الضباط و المدفعیة، و عدد عظیم من البدو و أهل الحجاز، قاصدا احتلال تربة و الخرمة.
قال الریحانی: بعد ما سلمت المدینة کتب الأمیر عبد اللّه بن الملک حسین إلی أمراء العرب یخبرهم بذلک، و أرسل إلی ابن سعود الکتاب الآتی:
إلی حضرة المکرّم المحترم الأمیر عبد العزیز بن سعود الفیصل.
و بعد، فإنی أحمد اللّه إلیک الذی لا إله إلّا هو، و أصلی و أسلم علی خاتم الأنبیاء و المرسلین سیدنا محمد و آله و صحبه أجمعین.
ثم أخبرک بأن اللّه فتح لنا أبواب مدینة خیر البریة، و إن حامیتها قد أسرت و استولینا علی جمیع ما فیها من السلاح الثقیل و الخفیف، و جمیع الأملاک و الآلات و الأدوات العائدة للحکومة الغابرة، کما أن فخری باشا قد اعتقل فی بئر درویش.
و أما العساکر فبادرنا بنقلهم إلی بلادهم، و لا یخفی علی مدارککم
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 58
بأنه لم یبق- و الحالة هذه- شاغل ما یشغل حکومة صاحب الجلالة- أدامه اللّه و أیده- عن الالتفات لإصلاح داخلیه و شؤونها و التنکیل بمن یسعی للإفساد و التخریب من العشائر لها.
و السلام علیکم و رحمة اللّه.
فی ربیع الآخر سنة 1337 ه.
قائد الجیوش الشرقیة الختم الأمیر عبد اللّه
و قد کتب بن سعود إلیه کتاب تهنئة، دعاه فیه للتفاهم بخصوص العشائر، و أکد أنه لا ینبغی غیر السلم إذا کان هو من المسالمین.
فجاءه الجواب بالآتی:
إلی جناب سامی الرحاب، الشهم الأوحد، و الهمام الأمجد، الأمیر عبد العزیز بن عبد الرحمن الفیصل السعود بسم اللّه.
و بعد الدیباجة المفعمة بالتودّد و التبجیل یقول: إنی منکف (راجع) إن شاء اللّه تعالی إلی الوطن فی الأسبوع القادم، لأکون نجدته صاحب الجلالة الهاشمیة أدام اللّه نصره.
و إنی أرجوکم أن تبلّغوا سلامی إلی معالی والدکم الجلیل و الأنجال و الإخوان الکرام، و من لدینا حضرة صاحب السمو الملکی سیدی الأمیر علی نصره اللّه، یهدیکم جزیل السلام، قائد الجیش الشرقی الهاشمی.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 59
و مع هذا الکتاب کتاب مثله لهجة من لالة الحسین (و ملحق خیر) من سمو الأمیر فیه ما یأتی: إنی أخوکم الصادق و مستعد لمساعدتکم بما تأمرون، و لا یجوز أن یفرّق بینکم و بین والدی أمور البادیة التی لا أهمیة لها. و کیف یمکن أن یحدث خلاف بین رجلین کبیرین بخصوص تربة و الخرمة و البادیة؟ ها أنا متوجّه إلی مکة، فأرجوکم أن ترسلوا أحد رجالکم، و إن ارتأیتم أن یکون أحد أنجالکم، فذلک أولی، و أنا کفیل النجاح بحسم الخلاف و الاتفاق مع سیدی الوالد.
و لکن أحد العقیلات الذین کانوا فی الحجاز جاء یخبر عبد العزیز أن الأمیر عبد اللّه یتأهّب للزحف إلی تربة، ثم جاءه آخر یقول: إن الأمیر خرج من المدینة و وجهته تربة، فکتب عبد العزیز إلی حکومة بریطانیا العظمی بواسطة مندوبها فی العراق یخبرها بمقصد الملک حسین و قائد جیشه ابنه عبد اللّه، فجاءه الجواب أن ذلک من الإشاعات التی لا صحة لها.
کتب ابن سعود ثانیا یقول ما معناه: إنّی متحقّق ما أخبرتکم به، و ما أخبرتکم خوفا أو شکایة بل لتکونوا عالمین بالحوادث و بما قد یعقبها.
و کتب ثالثا یخبر المندوب السامی أن الأمیر عبد اللّه مشی بجیشه من المدینة، و وجهته تربة، فلم یجئه جواب الکتاب الأخیر. و کان قد جهّز سریّة مؤلّفة من ألف و مائتین هجان، بقیادة سلطان ابن بجاد أمیر الغطغط، فأمر إذ ذاک بالسیر إلی الخرمة و تربة للمحافظة علی أهالی تلک الناحیة، و أن یکون خطته الدفاع لا غیر.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 60
ثم أرسل بعض العقیلات مجسسین و أمرهم بأن یخبروه خصوصا بما یفعله الأمیر عند ما یصل إلی عشیرة، فإذا ترک عسکره هناک و دخل مکة کان فیما کتب صادقا، و إذا استمر سائرا کان جوابه خدعة.
زحف الأمیر عبد اللّه بجیشه من المدینة جنوبا إلی عشیرة، فوافاه إلیها جلالة الملک والده جنوبا، فخیّم فی شعب یدعی (البدیع)، فی جبل حضن.
قال الریحانی: حدثنی سمو الأمیر قال: لم یکن من رأیی مهاجمة تربة، و قد حاولت أن أقنع جلالة الوالد بالعدول عن عزمه، و لکنی کقائد الجیش الهاشمی مطیع لأوامر مولای، حتی إنی کتبت إلیه بعد أن تذاکرنا فی عشیرة، و لبثت فی البدیع انتظر جوابه، فلم یکن غیر الأمر بالزحف.
و بعد ما خیم فی البدیع جاء ابن سعود أحد عقیلات یخبره بذلک، فکتب إلی الأمیر کتابا فی 10 شعبان قال فیه:
قد تحقق عندی خلاف ما خبرتنی به سابقا، أی أنک عائد إلی مکة المکرمة، و الظاهر أنک مهاجم تربة و الخرمة، و ذلک مخالف لما أبدیتموه للعالم الإسلامی عموما، و العربی خصوصا، و اعلم رعاک اللّه أن أهل نجد لا یخذلون إخوانهم، و أن الحیاة فی سبیل الدفاع عنهم لیست بشی‌ء. نعم، و إن عاقبة البغی و خیمة، خیر لک إذن أن تعود إلی عشیرة، و أنا أرسل إلیک أحد أولادی أو إخوانی للمفاوضة، فتتم الأمور علی ما یرغب به الفریقان إن شاء اللّه .. إلی آخر ما ذکر، و الکتاب طویل.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 61
ثم تقدم الأمیر مع جیشه إلی تربة، و قد بلغ الرواة فی تقدیر الجیش، فقال بعضهم: إنه کان مؤلفا من سبعة آلاف من النظام و ثمانیة آلاف من البدو، و أما الحقیقة فهی أنه لم یتجاوز کله السبعة آلاف، منهم ألفان من النظام و الباقی من البدو، و لکنه کان کافیا لفرض الأمر، فقد دخل تربة بدون قتال یذکر.
و کان دخوله فی 24 شعبان، و الذی مکنه من ذلک هو أنه کان قد استخدم بعض عربان البقوم فی جبل حضن لیدخلوا البلدة، مدعین أنهم جاؤا مع من یحذرون أهلها من الأمیر یستنهضونهم علی المحاربة، بل قالوا لمدافعین أنهم جاؤا یحاربون معهم، فأنزلهم فی الحصون مع من تحصنوا فیها، فما لبثوا أن انقلبوا علیهم، فاستولوا علی أسباب الدفاع، و صاحوا بالناس الملک للشریف.

[و فی تلک الساعة فی صباح الرابع و العشرین من شعبان سنة 1337 ه:]

دخل الأمیر بجیشه، فصادف لأول الأمر بعض المقاومة، فأمر بإطلاق المدافع و الرشاشات علی المقاومین، فتشتتوا، ثم فروا هاربین إلی الحرة جنوبی البلد، و وزع جیشه فی جوار تربة و حولها، و کانت ساعة لرجاله إباحیة، فنهبوا البلدة و أفسدوا فیها ما شاءت الشهوات و الأهواء، و قد أمر فی ذلک الیوم بقتل بعض المشایخ و اثنین من التجار النجدیین، و بمصادرة أموالهم.
ثم کتب من مخیمه فی الجهة الغربیة إلی رؤساء البادیة فی تلک النواحی، خصوصا فی رنیة یخبرهم بما بتربة و یهددهم بمثل ذلک، إذا کانوا لا یجیؤونه طائعین صاغرین، و من هذه الکتب الکتاب التالی:
قیادة الجیوش الغربیة الشریفة
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 62

بسم اللّه الرّحمن الرّحیم‌

من عبد الملک بن أمیر المؤمنین الحسین بن علی إلی المکرم بن فیحان بن صامل.
أما بعد:
فإنی أحمد اللّه العلیم .... ثم أخبرک بأنا وفقنا الباری سبحانه و تعالی فأطفأنا نار الخارجة التی فی تربة، و مزقناها کل ممزق، و ضربنا أعناق أرباب الزیغ و النفاق، و من جملتهم المطاوعة و ابن مسبب نزیل قریتکم، و إن هذه الفتنة التی أثارها خالد بن منصور بلا لازم ینعاه أو حق یطلبه، و أدخلکم فیها، نأمرکم بترکها و الإسراع بالرکوب إلینا، و کف کافة سیبیع أهل رینیه بدو و حضر، عن الاستمرار فیها، و نأمرکم بجلب شیوخ المذکر- قبیلة من القبائل- معکم إلینا فی ست لیال، للاستئمان من سطوتنا، و إن لم تفعلوا فأمیل میمنة البیرق المنصور علیکم مستعینا باللّه تعالی مستنجدا عظیم قدرته و لا تکتم إنذاری هذا عن کل صغیر و کبیر، لأنی سأسألک عنه حین لا تنفعک الندامة، و السلام علی من اتبع الهدی.
و فی سنة 24 شعبان سنة 1337 ه قائد الجیوش الشرقیة الهاشمیة

[و فی کتاب ماضی بن قاعد و محمد البرق نفیش یقول:]

ما خفی علیکم ما حل بتربة من ذبح الرجال و تدمیر المال بعد أن طغی أهلها و بغوا، و أنتم یا أهل رنیة بدو و حضر، إن ما کفیتم طوارقکم و رکبتم إلیّ فی ست لیال مع شریفکم و إلّا خرمتکم خرمة السلم، و طردتکم طرد غرائب البل (إبل)، و ما قلکم بعلم جاهلکم، و لو لا
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 63
مشاری بن ناصر و غازی بن محمد لکان صباحی یسبق کتابی إلیکم و السلام علی من اتبع الهدی.
استقر الأمیر ذاک النهار فی المخیم، و بعد إرساله کتب التهدید إلی رؤساء القبائل أذن لنجاب ابن سعود أن یعود بالجواب الذی کتب له و کان قد علم بأن السریة التی جاءت إلی الخرمة أی جیش ابن بجاد و خالد قد مشت منها إلی مکان یدعی القرنین و هو مسیر أربع ساعات من توبة.
فزود النجاب برسالة شفاهیة أیضا، أخبر الخوارج و من التف حولهم فی القرنین بما جری، قل لهم: إننا سنکفیهم مؤونة القدوم إلی تربة، قل لهم: ما جئنا تربة من أجل تربة و الخرمة فقط سنصوم فی الخرمة إن شاء اللّه، و سنعید عید الأضحی فی الأحساء.
رکب النجاب الظهر، فوصل إلی القرنین بعد صلاة العصر، فأحاط به الإخوان مستخبرین سق النجاب جیبه و أخبرهم بما جری و بما و افاه الشریف، فما کاد یتم کلامه حتی صاحوا صیحة واحدة: إیاک نعبد و إیاک نستعین، و هم یریدون الهجوم.
و شدوا تلک الساعة الرحال و مشوا قبل صلاة المغرب بساعة، و هو من أهل الحجاز، جاء الأمیر عبد اللّه فی ذلک الیوم رجل من البادیة یقول:
تحذر یا شریف المتدینة فی الخرمة هاجمون علیکم، فغضب الأمیر و أمر بقطع عنقه و فی روایة أخری أنه أمر دخنا کبیر عبیده بضربه، فضربه حتی الموت.
نام الأمیر تلک اللیلة خالی البال مطمئنا، و کان الإخوان قد علموا من رسول ابن سعود کیفیة توزیع جیش الأمیر، فانقسموا إلی ثلاثة فرق
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 64
قبل أن یصلوا إلی نخیل تربة، أی فرقة الخیالة، و فرقة خالد، و فرقة ابن بجاد، و عند ما وصلوا البلد فی منتصف لیلة 25 شعبان، هجموا هجمة واحدة ساکتین مستشهدین تقدم خالد و رجاله، و فیهم من شردوا من تربة، فدخلوا الباطن و قصدهم الاستیلاء علی مخیم الأمیر. مشوا و سلاحهم الأبیض یلوح فی ظلام شفاف، فاصطدموا بالسریة الأولی من الجیش الحجازی، و کلهم من أهل الغطغط علی الجنود النظامیة وراء المتاریس و الأطواب، فکانت السیوط تشتغل کالمقاصل، و کان ابن الغطغط ینب علی المدافع فیذبح الضابط المقید وراءه بالحدید، و لکن هول الفوضی و الظلام کان أقطع من التذبیح، فبطش الجنود بعضهم ببعض و هم یظنون أنهم یبطشون الإخوان.
أما فرقة الخیل، فقد قطعت خط الرجعة خصوصا علی حرس الأمیر، فلم ینج منهم غیر الأمیر بنفسه، و بعض الضباط.
و نجا ابن سعود الثانی، فرّ الأمیر عبد اللّه قبل أن یصل خالد و رجاله إلی سرایا المخیم، فثبت بعضهم فی النضال لیردوا العدو عن تعقیبه، و سقط من حاول الفرار حریصا بین سنابک الخیل.
أما الذین نجوا من الذبح تلک اللیلة و لم یستطیعوا الفرار فقد لجؤا إلی حصن من حصون البلد، فهجم الإخوان علیهم فی الیوم التالی، و جعلوا فاتحة المذبحة کأولها، فتراکمت الجثث بعضها فوق بعض، و کان من اللاجئین فی ذلک الحصن الشریف شاکر، فکتب له النجاة و نجا معه شاب من الأشراف اسمه عون بن هاشم.
و لم ینج من جیش الأمیر النظامی غیر ستة ضباط و اثنی عشر جندیّا،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 65
و لم ینج من البدو غیر من سلموا أو انضموا إلی جنود خالد، و أکثرهم من عتیبة، و عددهم لا یتجاوز الألف.
لم یعلم ابن سعود هذه الواقعة إلّا بعد مضی خمسة أیام، فإنه کان قادما من نجد بجیش عدده اثنا عشر ألف مقاتل، فالتقی و هو فی الطریق بین ماء القنصلیة و الخرمة بالنجاب الشارد، فقص علیه الخبر، و استمر عبد العزیز سائرا إلی الخرمة، و منها إلی تربة فبکی عند ما شهد فیها حصاد الموت، و عند ما صاح جنود خالد و ابن بجاد: إلی الطائف، إلی الطائف.
رخص لنا بالطائف منهم قائلا: کفی الباغی جزاء بغیه.
أقام عبد العزیز خمسة عشر یوما فی تربة، و قد جاء فی الیوم العاشر برقیة من الحکومة البریطانیة بلندن بواسطة وکیلها السیاسی بجدة، تسأله فیها ألا یتقدم إلی الطائف. فعلت ذلک إکراما للملک حسین و إجابة لطلبه.
انتهی ما ذکره الریحانی.
و فی «مجلة الشرق الأدنی» فی ضمن مقالة شؤون بلاد العرب.
کان مع الأمیر عبد اللّه فی واقعة تربة ثمانمائة جندی منظم، معظمهم من السوریین و العراقیین و الفلسطینیین و عدد کبیر من الضباط و المدفعیة، و عدد عظیم من البدو و أهل الحجاز.
و قد بیت النجدیون هذا الجیش العظیم صبح 25 شعبان سنة 1337 ه بعدد قلیل تحت قیادة الشریف خالد بن لؤی، فأفنوه تقریبا و أبادو الجند و قتلوا 96 ضابطا من ضباطه، و هم الذین ثبتوا فی أثناء المعرکة و خسر رجال القبائل ما لا یقل عن عشرة آلاف قتیل، و قد نجا
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 66
الأمیر عبد اللّه بأعجوبة و قتل من الأشراف فی هذه المعرکة 64 شریفا.
و غنم النجدیون فیها 20 رشاشا و 18 مدفعا و کمیة کبیرة من البنادق و مبلغا کبیرا من المال المرصد لنفقات الحملة مع الآلاف من الإبل، و ظل القتال دائرا نحو خمس ساعات، ابتدأ عند الفجر و انتهی نحو الظهر، و بینما کان النجدیون یستعدون للتقدم إلی الطائف و مکة إذ لم تبق قوة تحول دون تقدمهم، توسطت إنکلترا عند ابن السعود بأن أرسلت لمستر لورانس الإنکلیزی بالطیارة من لندن إلی الریاض، و دعته باسم المصلحة العربیة إلی الرجوع إلی بلاده فعادوا فورا. انتهی.

[و فی سابع ذی الحجة:]

وصل رکب حجاج شمر أهل حائل قاعدة حکومة آل الرشید یبلغ عدده نحو ألف و خمسمائة راحلة، و فی سابع ذی الحجة سنة 1338 ه أیضا وصل وفد من قبل السلطان عبد العزیز بن عبد الرحمن بن سعود، رأس هذا الوفد الشیخ أحمد بن شینان مصحوبا بالفاضلین، عینتهما الحکومة البریطانیة أحدهما معتمد فی البحرین و الآخر أحد رؤساء عشائر العراق و مأمورتها به لرغبة إعادة المناسبات و إزالة الخلاف الواقع بینها و بین الحکومة، فأوضح جلالة الملک أن قصده عودة الحالة إلی ما کانت علیه من سائر وجهاتها قبل الحرب المادة و المعنی، ثم بین ذلک بقوله: أی ما کانت علیه الحالة مع جدی و جد حضرة الأمیر و عمی عبد اللّه و عم حضرته عبد اللّه الفیصل، ثم باقی أعمامی مع والده و حضرته، و کنت و سموه إلی آخر ساعة علیه.
***
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 67

بسم اللّه الرّحمن الرّحیم‌

و أقیمت معالم الاحتفالات فی العاصمة سرورا بمقدم جلالته ثلاث لیال متوالیات و نصبت کل محلة من العقود و الأرائک الفخمة المزدانة بالدیباج المزرکش المطرز، و رفعت علی کل قوس و عقد (أریکة) ألواح کتب فیها البیتان التالیان:
أهلا أمیر المؤمنین و مرحباسدّت الوری و رقیت أعلا منصبا
هذی الخلافة قد تسامت عزةو تسنمت فی المجد أعلا موکبا
و فی محلة الشبیکة علقت لوحة علی عقد ریکة مکتوب فیها:
تهلل وجه السعد و انشرح الصدربمقدمک المیمون حق لنا الفخر
خلیفتنا لا زال سیفک رافعالواء المعالی العز یخدمک النصر
و فی محلة المسفلة نصب قوس کبیر مزدان بالأعلام العربیة و مت تحته لوحة کتب علیها الأبیات الآتیة:
بشری أمیر المؤمنین لنا الهنافقد عاد رکبک ظافرا منصورا
یا أیها الملک المعظم فی الوری‌لا زلت خیر موفق مشکورا
دم للخلافة و الإمامة سیداترقی علی هام العلاء دهورا
و أمدّک الباری بنصر دائم‌و حیّاک ربک نصرة و سرورا
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 68
و فی محلة أجیاد نصب قوس (ریکة) کبیر ذو ثلاثة عقود العقد الأسط یسع الموکب الملوکی إذا مر به، و عقدان من الجانبین: أصغر من الأول ملبسة بالدیباج المزرکش، و قد علق فیه لوح مکتوب فیه هذان البیتان:
خلیفة اللّه هذا البیت و الحرام‌و المشعر الزاهر المیمون یبتسم
فعش و دم یا أمیر المؤمنین لناذخرا بأکنافک الإسلام یزدحم
و فی محلة القرارة علقت لوحة علی قوس مکتوب علیها البیتان التالیان:
دار الخلافة عم البشر نادیهاو حقق اللّه بالحسین أمانیها
و هللت مرحا مذ حل ساحتهالهف الخلافة محییها و حامیها
و فی محلة الشامیة نصبت أقواس النصر المزدانة بالأعلام العربیة فی ثلاثة أزقة، و قد نصب فی رأس کل واحدة من الجهات الثلاث عقد ریکة و علق فی وسط واحد منها لوح مکتوب علیه البیتان الآتیان:
تبارک اللّه أعطی القوس باریهاو عاد للعرب مجد خالد فیها
هی الخلافة قد قرت بمرکزهاهذا الحسین سلیل المجد حامیها
و علق فی وسط آخر لوح کتب فیه هذان البیتان:
قدوم کریم له بهجةیفوق سناه علی النیرین
فأهلا و سهلا بخیر الوری‌إمام تقر به کل عین
***
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 69

منشور جلالة الخلیفة الذی أرسله إلی مکة قبل سفره من عمان‌

بسم اللّه الرّحمن الرّحیم‌

الحمد للّه رب العالمین، و الصلاة و السلام علی خاتم الأنبیاء، و علی آله و صحبه أجمعین.
أما بعد:
فقد عقدت النیة بعد استخارة اللّه علی العودة إلی بلده الحرام، بضرورة دواعی الإنقلاب الأخیر، لمباشرة ما یقتضی مباشرته، علاوة علی ما منّ به الباری سبحانه، و اختص حکمته بشرف ما نهضت بأعبائه من خدمة العرب و الإسلام، و فی سبیل ذلک تجشمت حتی هذه الرحلة، راجیا عمیم منّه و عنایته بالتوفیق و العون للقیام بجمیل أقوامی و من بایعنی، کما یتأکد حسن هذا الظن و تحقیق هذا الأمل من اللّه و توفیقه ..
و إن أول ما أرمی إلیه الآن من المساعی المبذولة فی خدمة الأمة هو أن یؤلف مجلس شوری للخلافة به دائرتان الأولی للبحث فیما یتعلق بالشعائر الدینیة و مضاعفة تشبع حسیات البلاد بفرائضها و سننها و مندوباتها، و اجتناب ما فی التساهل من نتائج الأقوام علی نواهیها،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 70
و تشکیل ما یقتضی من المدارس العلمیة و الدینیة فی أنحاء البلاد أنار اللّه بصائرنا جمیعا.
و الهیئة الأخری لاتخاذ ما یقتضی لترقی موارد البلاد الاقتصادیة من زراعة و صناعة و کل ما هو فی معنی ذلک، و تشکیل المدارس الفنیة و العصریة فی المناطق المقتضیة فی البلاد.
علی أن یکون أعضاء هاتین الهیئتین من أفاضل نجباء سائر أبناء البلاد، بحیث تکون الهیئة الأولی من علمائها و أتقیائها، و الثانیة من المتقنین و المفکرین من أبنائها، و ستتخذ الأسباب الفعلیة لتشکیلها بصفة رسمیة و تبلیغ أنحاء البلاد ببعث مندوبین إلیها من کلا الصنفین تقدم الحکومة المرکزیة بنفقاتهم.
و هذا أول تثبت فی سبیل تلک الغایة المنشودة التی نعتبرها أول مادة تقریبا من رضاء الباری سبحانه و تعالی، و سعادة الدارین، فإنها و لا شک مساع مفروضة علی کل فرد من أفراد العالمین، أبسطها ما فی قوله تعالی:
وَ تَعاوَنُوا عَلَی الْبِرِّ وَ التَّقْوی [المائدة: 2] و ما فی قوله صلی اللّه علیه و سلم: «لا یؤمن أحدکم حتی یحب لأخیه ما یحب لنفسه»، و ما فی معنی قوله صلوات اللّه علیه: «لا یزال العبد مع مولاه ما زال فی خدمة أخیه المسلم».
و ضرورة الحال تفرض المسارعة بالعودة إلی المرکز للمبادرة باتخاذ ما ینبغی من الوسائل المؤدیة إن شاء اللّه تعالی إلی رقیّ البلاد و عمرانها، فإن تأسیسنا للمواصلات و تسهیلها جعلنا فی نهایة الاطمئنان إلی أنه یمکننا فی خلال أسبوع القدوم إلی أی نقطة أردنا بزیارتها من البلاد، و ما توفیقی إلّا باللّه علیه توکلت و إلیه أنیب.
فی 13 شعبان سنة 1342 ه
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 71
و لمّا شرف جلالته مکة المکرمة دعا نخبة من العلماء و الأفاضل یبلغ عددهم نحو السبعین من أبناء الحرمین الشریفین و المجاورین فی السابع و العشرین من شهر شعبان سنة 1342 ه فی القصر العالی، فلمّا اجتمعوا ألقی علیهم الخطاب العالی و هو هذا:
لا شک أن هذه الساعة خیر و برکة باجتماعکم أیها الأفاضل، و إننی لا أقصد من وراء هذا الاجتماع سوی المذاکرة معکم فی أن تألیف مجلس شوری الخلافة حسبما تبین فی المنشور الذی أذعته حین سفری إلی هذا المرکز، و لا بد أنکم اطلعتم علیه و منه تعلمون أننی لیس لی مقصدا و لا غایة إلّا خدمة الإسلام و المسلمین، و کل ما یقربنا جمیعا إلی رحمته و رضوانه، و کل ما یبلغنا سعادة الدارین مما فی مواصلة بذل الجهود فی إقامة الشعائر الدینیة فی جمیع الأقطار الإسلامیة، و السعی فی کل ما یرقی بشؤون البلاد علمیّا و اقتصادیّا من وسائل الحیاة.
و إن دستور أعمالنا و القاعدة التی نتمشی علیها فی جمیع شؤوننا هو العمل بکتاب اللّه و سنّة رسوله صلی اللّه علیه و سلم.
و من اللّه نستمد العون و التوفیق، و بما أن من قواعد شریعتنا الإسلامیة قاعدة الشوری، بادرت إلی جمعکم یا حضرات الأفاضل لتنتخبوا من بینکم أعضاء هذا المجلس الذی یقوم بهذه المهمة الإسلامیة العظمی، التی هی أجلّ عمل یستوجب رضاء اللّه و رسوله.
و هذا المجلس إذا تألف تکون له الحریة التامة و الصلاحیة الکاملة فی کل ما یتعلق بالمصالح الإسلامیة العامة و بشؤوننا الخاصة أیضا فتکون هیئة هذا المجلس الموقر هی الوحیدة المختصة المنفردة بصفة الاستشارة
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 72
و الرأی فی عموم الشؤون و المؤسسات و نحو ذلک، و لهذا المجلس الحق أن یخابر من یراه من عقلاء و أتقیاء عموم الأقطار الإسلامیة للحضور إلی هذا المرکز للنظر فیما لهم من کل ما یدخل تحت قوله تعالی: وَ تَعاوَنُوا عَلَی الْبِرِّ وَ التَّقْوی [المائدة: 2].
و الحکومة أخذت علی عهدتها القیام بنفقاتهم فی ذهابهم و إیابهم و مدة إقامتهم، و قد عینت من الآن لهذا المجلس مرکزا خاصّا یکون علی أحسن طراز، فما علیکم سوی أن تسرعوا بانتخاب الهیئة العلیة الفنیة من الاختصاصیین فی الأقطار العربیة، و سیکون هذا المجلس المؤلف من الهیئتین المشار إلیهما هو المرجع الوحید الذی علیه المعول فی جمیع الشؤون.
فأرجو من کمالات فضائلکم و شعور تقواکم المبادرة بانتخاب من ترونه من أفاضل إخوانکم و أتقیائهم لاغتنام الاستعاضة عما فات من الزمن بکل ما تجب مدارکته لإحیاء تلک الشعائر المقدسة، و تطبیق جمیع تشبثاتنا علی تلک الأحکام المشتملة علی إحصاء کل صغیرة و کبیرة، المستلزمة لأنواع السعادة و العزة فی الدنیا و الآخرة، مما یغنینا وقوفکم علی مشتملاته عن الإطالة به، و ما فی الإرشاد و العمل بتلک المبادی‌ء المقدسة التی تعلم من معنی قوله صلی اللّه علیه و سلم: «لأن یهدی اللّه بک رجلا واحدا خیر لک من حمر النعم».
فکیف بنا و نحن نشاهد کل ما نحن فیه مما لا حاجة لبیانه، فإن اللّه لا یغیر ما بقوم حتی یغیروا ما بأنفسهم، و کفی بما فی قوله صلی اللّه علیه و سلم: «الساعی فی الخیر کفاعله» و ها هی مساعینا أرجو من فضائلکم و کمالاتکم
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 73
المساعدة باشتراککم معنا بالسعی فی جادتها الموصلة لسعادة الدارین، «و إنما الأعمال بالنیات»، و هذه بیاناتی توضح نیاتنا.
و إنی غیر مرتاب بأنکم ستسبقوننا إلی ما فیها مما لا ریبة فی نتائجه التی تضاعف رضوان اللّه و رحماته علی الجمیع، راجیا کل الرجاء أن لا یتم ثالث یومنا هذا إلّا بانتخابکم من ترونه أهلا لهذه المسألة، و الفوز بأداء واجباتها.
ثم إن کلا منکم علیه أن یشعر أبناء وطنه الخارج عن هذه البلاد بأن من له رغبة من الأفاضل فی نیل هذه المأثورة علیه أن یقوم علینا و یکون هو أیضا من أعضاء هذا المجلس، لنستفید جمیعا بخدمة کل منهم بما هو مشاهدة فی وطنه من کل ما یقتضی تطبیقه علی أحکام إسلامیتنا، کما أشیر إلیه آنفا. و اللّه یتولانا و إیاکم بالتوفیق. انتهی.
ثم اجتمع کل فریق من الطوائف الإسلامیة القاطنة فی هذه الأراضی المقدسة فانتخبوا سبعة أعضاء عن أهل مکة المکرمة، و أربعة أعضاء من أهل المدینة المنورة، و عضوا واحدا عن أهل الطائف و عضوین عن السوریین، و عضوا واحدا عن الداغستانیین و عضوا واحدا عن النجاریین و عضوین عن الهنود، و ثلاثة أعضاء عن الأتراک، و عضوا واحدا عن الأفغانیین، و عضوا واحدا عن الجاویین و عضوین عن السودانیین، و ثلاثة أعضاء عن المغاربة، و عضوا واحدا.
و قدمت أوراق الانتخاب لنائب رئیس الوکلاء مولانا قاضی القضاة، فلمّا علم أن المنتخبین کلهم من العلماء وافقهم علی ذلک.

[و فی لیلة الثلاثة رابع رمضان:]

استدعی صاحب الجلالة الهیئة
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 74
التأسیسیة لمجلس الشوری الخلافة المؤلفة من الناخبین و المنخوبین لعضویة هذا المجلس، فلمّا اجتمعوا ألقی جلالته خطابا عالیا هذا خلاصته.
یا حضرات الأفاضل، إننی دعوتکم هذه اللیلة لأبین لکم ضرورة السرعة فی تألیف مجلس شوری الخلافة و مباشرة أعماله، لأن الوقت ثمین جدّا، و لا تخفاکم حالة المسلمین الحاضرة التی تلزمنا بالسرعة فی القیام بما یوجب تشبعهم بالشعائر الإسلامیة و إقامة حدودها، و مقاومة المحدثات و البدع التی أحدثت بهم من کل جانب، و مواصلة المساعی و الجهود لتحقیق کل ما ینیلهم سعادة الدارین، و لا تحتاجون إلی زیادة فی بیان الغایة المقصودة من هذا المجلس، فإن ما ورد من منشوری الأخیر و خطابی الذی ألقیته علیکم فی الجلسة السابقة، فیه الکفایة.
و قد أخبرنی قاضی القضاة بنتیجة انتخابکم الأعضاء اللازمین لهذا المجلس، فاستوجب شکری لکم علی مبادرتکم إلی القیام بهذه المهمة الإسلامیة العظیمة الشأن، و إننی أدعوکم أن تباشروا بالأعمال و توالوا الجلسات فی الدائرة المؤقتة التی عینتها لکم الحکومة، ریثما ینتهی تعمیر الدائرة الرسمیة الدائمة التی شرعت الحکومة فی بنائها، و إحضار جمیع معداتها و لوازمها. نعم، أدعوکم إلی سرعة القیام بمباشرة الأعمال لأن أنظار العالم الإسلامی انجهت إلیکم.
و ها هی (شبه جزیرة ملقة) أوفدت إلیّ بعثة علمیة تحمل معها خطابا باسم خمسة ملایین مسلم، لیستنجدوننا لدفع الجهل عنهم و نشر تعالیم الإسلام الصحیحة بینهم و دفع غوائل و المحدثات عنهم، و إن هذا یبین
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 75
لکم أهمیة تألیف هذا المجلس الذی من أهم وظائفه تحقیق رغبات هذه الملایین من إخواننا المسلمین فی تلک الأقطار النائیة و أمثالها.
و هل هناک أعظم من هذه الوظیفة التی تتبین أهمیتها من قوله صلی اللّه علیه و سلم:
«لأن یهدی اللّه بک رجلا واحدا خیر لک من حمر النعم». فاعرفوا أهمیة وظیفتکم، و اقدروها حق قدرها و ما ینتج عنها من النتائج العظیمة مما فی تأسیس المواد التی لا شک أنها تضاعف رضوانه و رحماته، و تکون صیانة مما فی قوله: إِنَّ اللَّهَ لا یُغَیِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّی یُغَیِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ [الرعد: 11]، فیجب علینا جمیعا أن نشکر اللّه الذی وفقنا لهذا و ما کنا لنهتدی لو لا أن هدانا اللّه.
و قد تعین فی هذه الجلسة أن یکون رئیس مجلس شوری الخلافة قاضی القضاة و شیخ العلماء الشیخ عبد اللّه سراج، و تقرر أیضا أنه سیبدأ المجلس جلساته فی لیلة الأحد بالدائرة المختصة به تحت رئاسة الرئیس المذکور، و قد علم من تقریر الأمین العام لمجلس شوری الخلافة الإسلامیة بمکة المکرمة أن هذا المجلس المحترم مواصل أعماله و موال جلساته التی بلغت إلی تاریخ 16 ذی القعدة سنة 1342 ه اثنا عشر جلسة قرر فی خلالها قرارات هامة، و نظر فی مسائل خطره، و إن لجانه و هیئاته مجدّة فیما عهد إلیها من الأعمال.
و فی 10 رمضان سنة 1342 ه أصدر البلاغ الرسمی من لجنة مراقبة شؤون الحجاج المؤسسة بثغر جدة هذا صورته:
إن لجنة مراقبة شؤون الحجاج المؤسسة بثغر جدة تعلق التعریفة الآتیة لکافة من یرید أیضا فریضة الحج من إخواننا الهنود و البنغالة مبینة
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 76
فیها مصاریفهم و نفقاتهم الضروریة، زیادة فی حفظ حقوقهم و تسهیلا لأسباب راحتهم، و ذلک لکل من یرید أن یجعل نفقاته السفریة و ما هو فی معناها من وصوله إلی جدة و توجهه منها إلی مکة المکرمة، بمعرفة وکیل مطوفه بحسب المواد التی قررتها الهیئة العالیة من ذوی الاختصاص، و علی کل أحد من إخواننا الحجاج المذکورین إذا رأی من یکلفه زیادة علی ما تقرر فی الجدول الآتی أن یراجع الحکومة المحلیة إلّا إذا أراد أن یتبرع بشی‌ء من تلقاء نفسه، أما من یرید أن یجعل النفقات المذکورة بمعرفته، فله الخیار فی ذلک:
آله روبیة
4/ 1/ أجرة سنبوکه خارج المرسی علی کل نفر.
15/ 1/ أجرة سنبوکه وسط المرسی علی کل نفر.
10/ 1/ أجرة سنبوکه داخل البناء علی کل نفر.
8/ 1/ حمالة أشیاء شخص قلیلة کانت أو کثیرة إلی المقر، هذا علی الحجاج الهنود.
6/ 1/ حمالة أشیاء شخص قلیلة کانت أو کثیرة إلی المقر، هذا علی الحجاج البنغالة.
4/ 1/ أجرة سکنی جدة فی الثلاث اللیالی الأولی إن بقی علی کل نفر.
2/ 1/ ما زاد علی الثلاثة اللیالی.
4/ 1/ رسوم البلدیة علی کل شقدف.
8/ 1/ إکرام وکیل جدة.
/ 10/ إکرام مطوف مکة.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 77
8/ 12/ أجرة بیت مکة علی کل نفر.
2 إکرام الزمزمی علی کل شخص.
2 أجرة خیمة لأیام الحج علی کل شخص من الهنود و البنغالة.
4 أجرة الصبی لسفر المدینة المنورة علی النفر الهنود و البنغالة.
و بما أن أجرة الجمل و الشقدف إلی مکة المکرمة و عرفة و المدینة وجدة تابعة لقلة الجمال و کثرتها و قیمة الحضف أیضا، فلا یمکن تعیینها إلّا فی وقته حسب ما تقتضیه الحالة، و لذلک لم یذکر بیانها.
لجنة مراقبة شؤون الحجاج سنة 1342 ه

[و فی هذه السنة أیضا جلبت آلة کهربائیة لإنارة مشعر الحرم، أی:]

المسعی خاصة فوضعت فی بنایة خاصة فی وسط المسعی بجوار مرکز البلدیة.

[و فی لیلة الجمعة 14 رمضان:]

أنیر المشعر الحرام بالکهرباء، و قد استمدت من هذه الکهرباء دوائر الحکومة، فمدت إلی بعضها الأسلاک الکهربائیة، و جری تنویرها بذلک.
و فی 13 ذی القعدة توجه الأمیر علی من المدینة المنورة، و توجه الأمیر عبد اللّه أیضا من عمان قاصدین مکة المکرمة.

[و فی 26 ذی القعدة:]

وصل الأمیران المذکوران إلی العقبة، ثم توجها منها علی الباخرة رضوی الهاشمیة إلی جدة.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 78
و فی یوم الجمعة 2 ذی الحجة وصلت الباخرة إلی جدة، و قد جری لسموهما استقبال فخم فیها.
و فی یوم السبت أقلت سموهما السیارات الخاصة من جدة، فوصلا إلی العاصمة فی العشیة، و قد جری لسموهما استقبال فخم خارج العاصمة إزاء ثکنة جرول العسکریة، و أطلقت المدافع أداء لمراسم الاستقبال.

[و فی 14 ذی القعدة سنة 1342 ه:]

أبلغت الحکومة المصریة الصحف البلاغ الرسمی التالی:
إن الصعوبات التی قامت فی الصیف الماضی بین الحکومة المصریة و حکومة الحجاز و التی بسببها منع المحمل من السفر، قد تذللت الآن، و قرر قیام المحمل کالمعتاد، و عند الحکومة تأکیدات أنه سیقابل فی الأراضی الحجازیة بما یلیق به من الحفاوة و الإکرام.

[و فی 15 ذی القعدة:]

أعلن رسمیّا أن الاحتفال بعرض الکسوة الشریفة فی القاهرة، یکون یوم الثلاثاء القادم، و الاحتفال بطلعة المحمل الشریف فیها یکون یوم السبت القادم بعده، و أن المحمل الشریف یسافر فی صباح الاثنین 30 یونیو الحالی إلی السویس، و یحتفل باستقباله فیها.

[و فی یوم أول یولیو القادم:]

سیبحر منها إلی جدة، فیصل إلیها فی یوم الخمیس منه.

[و فی 2 ذی الحجة:]

وصل المحمل المصری جدة، فاستقبل بها استقبالا فخما، و أجریت له الحفاوة اللائقة المعتادة.

[و فی یوم 4 ذی الحجة:]

تحرک من جدة و معه قوة راکبة من الهجانة العربیة لحراسته تحت قیادة أحد الأشراف کالمعتاد.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 79

[و فی 6 ذی الحجة:]

وصل إلی مکة و استقبل استقبالا فخما کالمعتاد.

[و فی 27 ذی القعدة سنة 1342 ه:]

أذیع فی «جریدة القبلة» تحریر هذا نصه:
بیان من أهالی مکة المکرمة إلی العالم الإسلامی: عن موقف الحجاز من النهضة العربیة و الخلافة الإسلامیة:

بسم اللّه الرّحمن الرّحیم‌

الحمد للّه الذی هدانا لهذا و ما کنّا لنهتدی لو لا أن هدانا اللّه، و الصلاة و السلام علی سیدنا محمد المنزل علیه قوله تعالی: وَ لا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَ تَذْهَبَ رِیحُکُمْ [الأنفال: 46]، و علی آله و صحبه و تابعیه أبطال الإسلام و حماته، و قادة العلم و هداته ..
أما بعد:
فإن الترک کانوا فیما مضی من أشد الأمم تمسکا بالدین و احتراما لشعائره، و کانت لهم دولة قویة حفظت للإسلام هیبته، و کان لدیها مکانة بین الأمم، لذلک نال الترک عطف العالم الإسلامی علیهم، و ثقته بهم، و لکن سرعان ما استدار الزمان، فنشأت فی الترک ناشئة من الشبیبة المتفرنجة التی خدعتها مظاهر المدنیة الکاذبة، و بهرها زخرفها، فاسترسلت فی التفرنج علی غیر هدی، و جهلت فضائل الدین الإسلامی، فصدقت قول أعدائه فیه، و صارت تراه عقبة فی سبیل التقدم.
و لم تقف عند هذا الحد، بل سوّل لها تفرنجها و إلحادها أن الإسلام
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 80
و شعائره عبارة عن احتلال أجنبی تحتل به القومیة العربیة فی نفوس الترک، فأکوا علی أنفسهم أن یقاوموا الإسلام بکل ما أوتوا من قوة.
تلک عقیدة تأصلت فی نفوس کثیرین من ناشئة الترک منذ عشرات السنین، غیر أن الخطب لهذه الفئة کان یسیرا یوم لم تکن مقالید الحکم فی أیدیها، فکان ضرر کفرها مقصورا علیها و علی من ینقاد إلیها. و مما کان ینقمه هؤلاء الشبان علی السلطان النازی عبد الحمید جنوحه إلی السیاسة الإسلامیة، و شدة بنیان الدولة العثمانیة باستمالة العالم الإسلامی لتأییدها، فجعل فتیان الترک یقاومون السلطان عبد الحمید من رحل خطته هذه، و یستغلون نفوذ العثمانیین من الأحوال الإداریة فی الإدارة، بدلیل أنهم صاروا فیما بعد أشد وطأة علی الأمة العثمانیة من العهد الحمیدی، فصدق علیهم قول الشاعر:
کان عبد الحمید بالأمس فردافغدا الیوم ألف عبد الحمید
بدلوا حربهم للإسلام بسلب الخلیفة کل سلطة، و تجریده من کل عمل، فخلعوا السلطان عبد الحمید، و أجلسوا فی مکانه السلطان محمد رشاد الذی سلبوه حتی حق اختیار حرسه و خدامه، ثم بثوا شیوخ السوء فی المساجد یعملون علی هدم ما بقی فی قلوب العامة من الاحترام للسلف الصالح و العقائد السلیمة، و لیس العهد بعیدا بالشیخ عبید اللّه صاحب کتاب «قوم جدید» الذی استأجروه للتدریس فی جامع آیا صوفیا اثنی عشر عاما، و کان البولیس یحمیه و هو فی الجامع من اعتراض أحد علیه أثناء إلقائه الدروس، ثم طبعت له الحکومة خلاصة دروسه علی نفقتها فی کتاب «قوم جدید» المذکور، و إلی القاری‌ء نموذجا من تلک الدروس و هو
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 81
ما ننقله بالحرف عن کتاب (قوم جدید) صفحة 89 المطبوع بالأستانة علی نفقة الحکومة الترکیة سنة 1331 ه.
یا لها من جهالة و ما أعظمها من غفلة أنکم أیها الأتراک تعلقون فی جوامعکم أسماء خلفاء العرب، یعنی أسماء أبی بکر و عمر و عثمان و علی رضی اللّه عنهم، و لا تذکرون بالاحترام أسماء خلفاء الترک الذین وردت الأحادیث النبویة الکثیرة بتقدیسهم، و إذا ذکر فی الخطبة اسم الخلیفة الترکی ینزل الخطیب درجة من درجات المنبر تنزیلا بقدره و إذلاله، و تصلون صلاة الظهر بعد صلاة الجمعة، مع أن هذه الأمور کلها ابتدعها العرب سیاسة لیحطو من شأنکم، و ینزلوا قدرکم، و لم تقف الحال عند ذلک بل ترکتم قومکم المبجلین و صرتم تقدسون المشایخ الأجانب عنکم، مثل السید عبد القادر الجیلانی، و السید البدوی و غیرهما، و قلتم: إن لسان أهل الجنة عربی، و لسان منکر و نکیر و سائر الملائکة عربی، و لسان الحق جل جلاله عربی أیضا. و قلتم: إن الشام أرض المحشر و المنشر. هذه أقوال خدعکم بها العرب، و أوهموکم أنه سیظهر منهم مهدی إلی غیر ذلک من الخرافات إلی آخره.
«فالقوم الجدید» من الأتراک لا یعد نفسه مسلما، و لذلک یشعر بأن الخلفاء الراشدین و السید عبد القادر الجیلانی و السید البدوی أجانب عنهم، بل یرون أن تدین قومهم بالدین الإسلامی إنما هو احتلال من قومیة أجنبیة فی قومیتهم.
و من الغریب أن یذکر الشیخ هذه الخرافات ثم یزعم أن الأحادیث وردت فی تقدیس خلفاء الترک، و أغرب من ذلک و أعرق فی قلة الأدب
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 82
قول هذا الشیخ فی صفحة 90 من کتاب: «إن خیل الجیش الترکی التی نزلت فی تقدسها آیة: وَ الْعادِیاتِ ضَبْحاً [العادیات: 1].
هی أعظم شرفا و حرمة بأضعاف مضاعفة ممن تقدسونهم من الأشراف و الرؤساء الذین لیسوا من جنسکم یعنی الخلفاء الراشدین و الرجال الصالحین المذکورین أیضا».
هذا نموذج من وعظهم فی المساجد الذی تؤیده الحکومة بقوتها، و أقبح منه خطة الوقاحة التی سار علیها مدّعوا الإصلاح من رجالهم کالدکتور عبد اللّه جودت الذی زعم فی مجلة «الاجتهاد» أن سیرة النبی صلی اللّه علیه و سلم (شر السیر)، و أن ما نراه من حرصهم علی تتریک القرآن للاستغناء عن نظمه العربی المبین و نصه النازل علی الصادق الأمین بترجمة ترکیة مملوءة بالخطأ و الختل، لیس حدیث العهد عند الترک بل هم یدعون إلیه منذ سنین طویلة. و قد ردد عبید اللّه صدی ذلک فی کتابه الآنف الذکر صفحة 15.
و اعتقاد القوم فی العالم الإسلامی و العلوم الإسلامیة أبان عنه الرجل فی صفحة 38، 39 من کتابه حیث غیر المسلمون باعتقادهم أن أرکان الدین خمسة أشیاء: الصوم و الصلاة و الزکاة و الحج و کلمة الشهادة.
و عاب علیهم أیضا أخذهم بأحکام الفقه المدونة فی کتب «البرکوی» «و الحلبی» «و الکنز» «و منیة المصلی»، و غیرهما من فقه الشافعیة و المالکیة و الحنابلة ... الخ. قال هذا الخاسر: «و إن هذه الکتب مملؤه فی الواقع بالاختلافات الکثیرة، و بالنفاق و بالتنافر، و لا یجوز العمل بها».
هذه النزعة الخبیثة کانت موجودة فی الترک من قبل عهد جمهوریتهم
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 83
المشؤومة، بل من قبل نهضتنا العربیة، و من قبل الحرب العظمی یعرف هذا جیدا کل من خالط القوم إذ ذاک، أو کان تحت سلطتهم کالعرب عموما، و جلالة زعیمهم الأکبر (الحسین بن علی) خصوصا، لما کان له بهم من الصلة العظمی و الوقوف التام علی نیاتهم و ما یضمرون.
و لمّا اضطرمت نار الحرب العالمیة و أراد الأتراک الدخول فیها أدرک الحجازیون ما یصیبهم من الضرر المادی و المعنوی من الاشتراک بها، فأعربوا للدولة بلسان زعیمهم (الشریف حسین) عن کل ما یحاذرونه منها، و طالبوها أن تفکر فی الأمر و تراعی مصالحهم، فلم یکن من فتیان الاتحادیین إلّا أن قابلوا النصح بالعداء، و دخلوا الحرب فعلا دون أن یعبروا أقوالهم و مصالحهم شیئا من العنایة و الاعتبار.
فرأی الحجازیون إذ ذاک أن الواجب یدعوهم إلی مجاراة القوم و الاستسلام لأوامر الدولة، و أن یضحوا بکل شی‌ء من مصالحهم فی سبیل جمع الکلمة و الاتحاد، راجین اللّه لهم بالهدی و الإصلاح.
فظن الاتحادیون ذلک جبنا من الحجازیین و خالوا العرب فی حالة ضعف لا یخشی معها بأسهم، فاعتبوا تلک فرصة سانحة لتنفیذ خططهم و قراراتهم التی رسموها لمحو الدین و إبادة أنصاره العرب، فقتلوا و صلبوا کثیرا من الزعماء و العلماء و المفکرین فی سوریا و العراق، و أرسلوا جیشا مخصوصا للتنکیل بالحجازیین و القضاء علی الإسلام فی مهده، فأدرک الحجازیون أن القوم لا یزالون فی ضلالهم یسترسلون، و فی طغیانهم یعمهون، فأوجسوا بالخطر الداهم للإسلام و العرب، و أیقنوا بسوء المصیر، فقاموا بنهضتهم المبارکة بدافع الغیرة علی الإسلام و الخشیة علی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 84
شعائره أن تمحی، و أحکامه أن تبید، و عمدوا إلی تحریر الأراضی المقدسة و إنقاذ أبناء [...] من أیدی أولئک القوم الجبارین، و لکنهم عجزوا بکل أسف إذ ذاک عن إقناع العالم الإسلامی بتأیید حجتهم فی سوء نیة فتیان الأتراک نحو الإسلام و المسلمین بالرغم عن بیانات کبرائهم و کتابهم و منشورات زعیمهم الأکبر، و کلها تنص علی أن العرب لم یخرجوا علی مقام الخلافة، و لم یعلنوا الحرب إلّا علی تلک الفئة الباغیة من الاتحادیین الذین جردوا الخلیفة المعظّم من سلطته و أضاعوا حقوق الخلافة، و عقدوا النیة علی محو الإسلام تحت ستار الغش و الخداع.
و ربما کان هناک فریق کبیر من المسلمین لا یزال ناقما علی النهضة العربیة مبغضا لزعیمها الأکبر (الحسین بن علی)، و لا نتولی مؤاخذة هذا الفریق علی عقیدته و بغضه، و لا نتصدی للدفاع عن الملک حسین، و لکننا نجادل هذا الفریق بالتی هی أحسن لتمحیص الحقیقة و معرفة الحق، سواء کان لنا أو علینا، خشیة الزلل رغبة فی إنارة طریق الهدی، و لذلک نقول:
إن هذا الفریق لا یخلو بغضه للنهضة و الملک (حسین) عن أحد سببین؛ فإما أن یکون ذلک لأغراض شخصیة، و هذا مما لا شأن لنا به إذ لا قیمة لذلک فی مثل هذه الشؤون، و إما أن یکون ذلک الباعث دینیّا، و سببا إسلامیّا محضا، و هو أن هذا الفریق رأی أن العرب و ملکهم قد أساؤا إلی الدین بعداوتهم للخلیفة، و خروجهم علی دولته، فأبغضهم مدفوعا إلی ذلک البغض بدافع الغیرة الإسلامیة فقط، کما رأی أن
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 85
متفرنجی الترک هم الذین یذبون عن حیاض الخلافة و یسمون ذمار الخلیفة فی سبیل الإسلام و إعلاء شأن المسلمین، و ظن فیهم خیرا فأحبهم من أجل ذلک، مدفوعا إلی هذا الحب بدافع الغیرة الإسلامیة أیضا.
و إذا کان الحب و البغض إنما هو للّه، و فی سبیل اللّه، فهو حینئذ فی محله، بل إنّ ذلک الفریق یشکر علیه، لأن حبه و بغضه ناشی‌ء عن غیرة إسلامیة و حمیة دینیة، و لکنا و إن شکرنا لهذا الفریق غیرته علی الإسلام، فإننا و إیاه لا نختلف فی أن الواجب یقضی علیه بالتثبّت أولا و قبل کل شی‌ء، حتی یعرف الحقیقة من أساسها لیبنی حبّه أو بغضه علی أساس صحیح.
هنا یجدر بنا أن نقول: لقد ظهر من شبان الترک ما أثبت للملأ بأجلی وضوح أن العالم الإسلامی کله علی خطأ واضح فی حسن ظنّه بهم و عقیدته فیهم بما صاحوا به الیوم جبرا، فما کان العرب یذکرونه عنهم بالأمس و یحذرون العالم الإسلامی من سوء عواقبه، فلا بدع إذا ما رأینا العالم الإسلامی الیوم و فی مقدمته ذلک الفریق المحترم قد انقلب علیهم و تحولت عقیدته فیهم، و تبدّل حبّه لشبان الترک بغضا، و احترامه لجهادهم امتهانا و ازدراء.
و بذلک أثبت أنه إنما یحب و یبغض للّه، و فی سبیل اللّه وحده، لا لغرض أو مرض. و لقد کان من مقتضی هذا أن یکون العکس أیضا من جهة بغضه للعرب. ما دامت علة البغض قد زالت، بما وضّح من أمر الکمالیین، و مقدار عسفهم و صدق العرب و حسن نیتهم، و جلیل خدمتهم للإسلام و المسلمین.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 86
عام بأمر من الباری جل و علا، تقویة لروابط الاتحاد بین المسلمین، و لیشهدوا منافع لهم و یذکروا اسم اللّه.
5- إن الحجاز الیوم هی البلاد الوحیدة التی استطاعت أن تحافظ علی استقلالها التام المطلق المعترف به من جمیع الدول، کما هو مشاهد، خلافا لما یتوهمه الغافلون أو یشیعه ذووا الأغراض غیر مؤیّد بدلیل.
6- إن الجالس علی عرش الحجاز الیوم قد توفّرت فیه أسباب و شروط عدیدة لم تجمع فی أحد سواه فی عصرنا هذا، منها أنه حائز فی شخصه الصفات المطلوبة شرعا فی الخلیفة. و منها أنه عربی قرشی، و قد قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم: «الأئمة من قریش»، و فی روایة: «لا یزال هذا الأمر فی قریش ما بقی اثنان»، و منها أنه من بیت النبوّة، و قد قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم: «إنی تارک فیکم الثقلین: کتاب اللّه و عترتی»، و فی روایة:
«و آل بیتی»، و قال أیضا: آل بیتی کسفینة نوح من لجأ إلیها نجا».
و منها أنه خادم الحرمین الشریفین، و کانت هی أعظم صفات الخلیفة العثمانی.
و منها أنه تقی ورع صالح یغار علی الإسلام، و یحرص علی مصالح المسلمین بحسب ما نعلم و نعتقد، و منها أنه ملک و مستقل فی بلاده تمام الاستقلال یأمر بالمعروف و ینهی عن المنکر، و یقیم حدود اللّه و أنه ذو شوکة و أمر مطاع، و لا عبرة بما ینقص شعبه قلیلا من مال و قوّة إذ لم تکن حالة العرب و ما لدیهم من القوّة المادیة فی صدر الإسلام أحسن منها الآن وَ لَیَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ یَنْصُرُهُ [الحج: 40].
و بالجملة، فإنه لاعتبارات شتی لیس من یشک فی أنه أقرب من
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 89
یسهل جمع الکلمة علیه فی وقتنا الحاضر إذا شاء المسلمون ذلک، و إذا کان یهمهم رفع شأن الإسلام و الاحتفاظ بمقام الخلافة، و بما أن أهالی مکة المکرّمة، و فی مقدمتهم الأشراف و السادة و العلماء من ذوی الحل و العقد، قد أخذوا علی عاتقهم أن یسعوا إلی جمع کلمة المسلمین و توحید صفوفهم ما استطاعوا، رأوا أن ینشروا للعالم الإسلامی هذه الحقائق الثابتة عن أسباب نهضة العرب و وجهة نظرهم و تبریر موقفهم إزاء مسألة الخلافة العظمی، خدمة للحقیقة و رغبة فی تنویر الأفکار، عملا بقوله تعالی: وَ ذَکِّرْ فَإِنَّ الذِّکْری تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِینَ [الذاریات: 55] و رحم اللّه امرءا سمع الذکر فأصغی إلیه، و عرف الحق فکان من أنصاره، و لم تأخذه مع اللّه لومة لائم.
تحریرا فی مکة المکرّمة یوم الخمیس 4 شوال سنة 1342 ه.

[و فی تاسع ذی الحجة یوم عرفة سنة 1342 ه:]

انقطع ماء عین زبیدة من وقت الظهر إلی آخر لیلة العاشرة حتی تصب الماء من حیض عرفة، و حصل للناس تعب شدید فی ذلک الموقف، و مات خلق کثیر من العطش و خفی علی الناس سبب قطع الماء، و قال بعضهم وضع فی مجاری عین زبیدة أکیاس من الرمل فوق عرفة تعلیلا لسد الماء، و ذلک لمصلحة دنیویة و اللّه أعلم بحقیقة الحال.

[و فی 29 ذی الحجة سنة 1342 ه:]

أعلن إعلانا رسمیّا من مقام نیابة رئاسة الوکلاء لیعلم کافة المستأجرین و أرباب العقارات أنه قد تقرّر أن تکون الإجارات فی سنة 1343 ه القادم باعتبار إجارة العام الماضی تماما، علی أن إیجار القهاوی و الدکاکین و الأفران و الطواحین یسلم دفعة
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 90
واحدة، و أما البیوت فیدفع إیجارها الثلثان مقدما و الباقی فی شهر رجب سنة 1343 ه، و لا یمکن إخراج ساکن من سکنه، و أما الدفع فیکون الثلاثة الأرباع منه ذهبا و الربع فضة کالمعتاد، و من لم یتبع هذه الأوامر المشروحة آنفا سیجری بحقه الجزاء بموجب القانون المخصوص لعقوبة من یخالف أوامر الحکومة. و لإعلام العموم بذلک صار الإعلان.

[و فی تاسع محرم الحرام سنة 1343 ه:]

احتفل الناس احتفالا عظیما فی البلاد بمناسبة عید البیعة، و قد قررت الحکومة أنه فی یوم البیعة یصیر تعمیم التداول فی البلاد بالنقود العربیة الهاشمیة، فما أصبح صباح یوم الأحد تاسع محرّم إلّا و الجماهیر مجتمعة یحملون الرایات العربیة أمام دار ضرب النقود الهاشمیة، و فی مقدمة هذه الجماهیر رئیس الشرکة الوطنیة و رئیس مرکز البلدیة و هیئته.
و لقد کانت هذه الجماهیر ألوفا مؤلّفة، و لما رأی وکیل المالیة الشیخ أحمد [...] اجتماع هذه الجماهیر انتخب من أعیانهم و وجهائهم، فدخلوا بمعیته إلی دار ضرب النقود و حملوا علی أکتافهم أطباقا مملوءة بکمیة وافرة من الدنانیر و الریالات الهاشمیة و أجزائها، فساروا بها بمعیة وکیل المالیة و هیئته فی موکب فخم تنقدمه مجامر الطیب، و صعدوا بها إلی غرفة نائب رئیس الوکلاء بدار الحکومة السنیّة، و قد اجتمعت هناک هیئة الوزارة و مجلس الشیوخ.
فوضعت هناک أطباق النقود و تبادل الجمیع عبارات التهانی و التبریک و الفرح و السرور، بتعمیم تداول النقود الهاشمیة فی هذا
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 91
الیوم. ثم تقدم رئیس کتاب وکالة المالیة فألقی خطابا یناسب المقام.
و بعد ذلک توجّهوا جمیعا إلی المسجد الحرام، فوقفوا اتجاه الکعبة و وضعوا أطباق النقود علی سدة بها الشریف، و تلا أحد أئمة و خطباء المسجد الحرام دعاء مناسبا للمقام أمّن علیه الحاضرون، ثم خرجوا من باب الصفا بموکبهم مناجین بالهتاف العالی للنقود الهاشمیة و لجلالة أمیر المؤمنین حتی وصلوا إلی قصر الخلافة العظمی، و تشرّفوا بالمثول بین یدی جلالته، فألقی علی مسامعهم من جواهر حکمه ما انشرحت به الصدور، و امتلأت به النفوس همة و نشاطا.
ثم ساروا جمیعا بهتافهم إلی مرکز البلدیة و هنالک تبادلت عبارات التهانی و التبریک و أدیرت کؤوس المرطبات، و وزعت النقود فی البلدة، فتداولها الناس، و راحت فی الأسواق و زالت بذلک عن الأمة أزمة النقود، و هبطت الأسعار و نادی منادی الحکومة فی کافة أرجاء العاصمة بالنداء الآتی، لیکن معلوما لدی کافة الأهالی و التجّار و البیاعین و المشترین أن سعر النقود یکون من یوم تاریخه کما یلی: الدینار الهاشمی بمائة قرش هاشمی، الجنیه العثمانی بمائة قرش هاشمی، الجنیه الإنکلیزی بمائة قرش هاشمی، الجنیه البنتو بسبعة و ثمانین قرشا هاشمیّا و نصف قرش هاشمی، الریال الهاشمی بعشرین قرشا هاشمیّا، الریال المجیدی بعشرة قروش هاشمیة. و إن عموم الأسعار علی حسب الأوراق الملصقة فی عموم الشوارع من طرف البلدیات، و من تجرّأ علی التلاعب فی شی‌ء مما ذکر یعرّض نفسه للجزاء الشدید.
9 محرم سنة 1343 ه
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 92

تسعیر الحاجیات بالنقود الهاشمیة

بیان أسعار الحاجیات طبق أوراق البلدیات الملصقة فی الشوارع، و التی تضمّنها النداء الرسمی و ها هی کما یلی:
الرّز النبوری: الکیس بمائة و اثنین و ستین قرشا- الرّز الهوره:
الکیس بمائة و ثمانیة و سبعین قرشا- الرز المزة: الکیس بمائة و تسعین قرشا، الرز البراری: الکیس بمائة و اثنین و خمسین قرشا.
العدس الهندی: الکیس بمائة و اثنین و ثلاثین قرشا- العدس الصعیدی: الکیس بمائة و اثنین و ثمانین قرشا.
الحنطة الکراش: الکیس بمائة و اثنین و ثلاثین قرشا- الحنطة السّندیة: الکیس بمائة و اثنین و خمسین قرشا- الحنطة البصراوی: الکیس بمائة و سبعة و عشرین قرشا.
الدخن: الکیس بمائة و اثنین و ثلاثین قرشا.
الشعیر: الکیس بمائة و قرشین.
الذرة: الکیس بمائة و اثنین و أربعین قرشا.
الدقیق الخشن العدلة: بمائة و خمسة و ثمانین قرشا- الدقیق الناعم العدلة: بمائة و ثمان و تسعین قرشا.
السکر الدبارة: القنطار بمائة و ثمانیة و ثمانین قرشا.
القاز: الصندوق بمائة و سبعة قروش.
السمن الحجازی: المن بمائتین و أربعة و أربعین قرشا- السمن البحری بمائة و خمسة و تسعین قرشا.
الزیت السمسم: التنکة بمائة و اثنین و عشرون قرشا.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 93

أسعار المبیعات بالتفرقة

الرّز النبوری: الکیلة بسبعة قروش- الرز الهورة: الکیلة بثمانیة قروش- الرز المزة: الکیلة بتسعة قروش- الرز البراری: الکیلة بستة قروش و نصف.
العدس الهندی: الکیلة بستة قروش و نصف- العدس الصعیدی الکیلة بعشرة قروش.
الحنطة الکراش: الکیلة بستة قروش- الحنطة السندیة: الکیلة بستة قروش و نصف- الحنطة البصراوی: الکیلة بخمسة قروش و نصف. الدخن الکیلة بأربعة قروش.
الشعیر: الکیلة بأربعة قروش و نصف.
الذرة: الکیلة بأربعة قروش و نصف.
القول الصعیدی: الکیلة بأحد عشر قرشا- الفول المصوعی:
الکیلة بثمانیة قروش.
الدقیق الخشن: الکیلة بأربعة قروش و نصف- الدقیق الناعم: الأقة بثلاثة قروش و نصف.
العدس أبو جبة: الکیلة: بثمانیة قروش.
الحمص المدشوش: الکیلة بعشرة قروش.
السکر الدبارة: الأقة بخمسة قروش و نصف.
الغاز: الأقة بخمسة قروش و نصف- الشاهی الأسود: الأقة بثلاثین قرشا- الشاهی الأخضر الأقة بخمسة و أربعین قرشا.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 94
السمن الحجازی: الأقة باثنین و عشرین قرشا- السمن البحری الأقة: بثمانیة عشر قرشا.
الزیت السمسم: الأقة بأحد عشر قرشا.
القرص العیش: بنصف قرش. منقول من «تاریخ نجد الحدیث».

[و فی غره ذی القعدة من سنة 1342 ه:]

بعد أن عاد جلالة الملک حسین من عمان إلی مکة، عقد فی الریاض اجتماع عام برئاسة الإمام عبد الرحمن بن فیصل، حضره العلماء، و رؤساء القبائل، و السلطان عبد العزیز، فافتتح حضرة الإمام الجلسة قائلا: قد جاءنی کتب عدیدة من الإخوان و هم یبغون الحج، و قد أرسلت هذه الکتب فی حینها إلی ولدنا عبد العزیز، و ها هو أمامکم فسألوه عما یبدو لکم.
قال السلطان عبد العزیز: وصلنی کل ما کتبتموه و احطت علما بکل ما شکوتموه، إن لکل شی‌ء نهایة، فلا تیأسوا و إن الأمور مرهونة بأوقاتها.
قال سلطان بن بجاد: یالامام حنا نبغی الحج و لا نرید أن نصبر أکثر مما صبرنا علی ترک رکن من أرکان الإسلام مع قدرتنا علیه، لیست مکة ملکا لأحد و لا یحق لأحد أن یمنع المسلمین أو یصدّ المؤمنین عن أداء فریضة الحج، نرید أن نحج یا عبد العزیز، فإذا منعنا الشریف حسین، دخلنا مکة بالقوة، و إذا کنتم ترون أن من المصلحة تأجیل الحج فی هذا العام، فلا بد من غزو الحجاز لتخلیص البیت الحرام من أیدی الظالمین و المفسدین.
قال السلطان عبد العزیز: إن مسألة الحج من المسائل التی یرجع الفضل فیهنا إلی علمائنا، و ها هم حاضرون فلیتکلموا.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 95
قال الشیخ سعد بن عتیق: إن الحج من أرکان الإسلام، و مسلمو نجد و الحمد للّه یستطیعون أن یؤدوا هذا الرکن علی الوجه الأتم بالرضا أو بالقوة، و لکن من أصول الشریعة النظر إلی المصالح و المفاسد، فالأمر الذی قد یؤدی إلی ضرر أو مفسدة یدفع- یؤجل من أجله الحج- فهل هناک من مفسدة أو مضرة قد تنتج عن الترخیص لمسلمی نجد بالذهاب إلی بیت اللّه الحرام، ذلک ما نرید أن نقف علیه من الواقفین علی السیاسة.
قال السلطان عبد العزیز: نحن لا نودّ أن نحارب من یسالمنا، و لا نمتنع عن موالاة من یوالینا، و لکن شریف مکة کان دائما کما تعلمون یزرع بذور الشقاق بین عشائرنا، و هو الوارث من أسلافه بغضنا، و مع ذلک قد بذلت کل ما فی وسعی لحل المشاکل التی بیننا و بین الحجاز- بالتی هی أحسن- و کنت کلما دنوت من الحسین تباعد، و کلما لنت له تجافی، إی و رب الکعبة. و لست أری فی تطور الأمور ما ینعش الأمل، بل أری الأمور تزداد شدة و ارتباکا، و لا یحق الاستمرار فی خطة لا تعزز حقوقنا و مصالحنا.
وقف السلطان عند هذه الکلمة، فهتف الجمیع: توکّلنا علی اللّه إلی الحجاز إلی الحجاز.

[و فی الشهر الأول من سنة 1343 ه الموافق شهر آب سنة 1924 ه]

أمر السلطان بغزو الشرق العربی قبل الزحف إلی الحجاز، فمشی الإخوان من أطراف وادی السرحان، و عددهم یتراوح بین الألفین و الثلاثة آلاف، فالتقوا بطریقهم بثلة من جنود شرق الأردن، عددهم مع رجال الحملة خمسة و عشرون، و هم سائرون إلی قصر الأزرق یحملون المؤن و الذخیرة
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 96
إلی الحامیة فیه، فذبحوهم إلّا واحدا و غنموا الحملة کلها، ثم تقدموا غربا فهجموا علی الطنیب، و أم العمدة، و القسطل و بادودة، و کادوا بعد أن اجتاز فریق منهم سکة الحدید أن یصلوا العاصمة، فصدرت أوامر الحکومة بالدفاع فباد العربان، و فی مقدمتهم الصخور و الحویطاب إلی محاربة أعدائهم، فاشتبکوا و إیاهم فی معرکة دامیة دامت بضع ساعات.
و کان بیک باشا القائد الإنکلیزی للجند النظامی قد أرسل الطیارات و السیارات المدرعة علی الاخوان فحلّقت الطیارات فوق العربان المتلاحمین و شرعت ترمیهم کلهم بالقذائف، کما أنّ السیارات أطلقت علیهم جزافا مدافعها الرشاشة.
و کان عدد القتلی من الإخوان و عربان عمان قد تجاوز الخمسمائة، و لو لا هذه القوة الهائلة التی کانت تدیرها الأیدی الإنکلیزیة لاکتسح النجدیون الشرق العربی و رفعوا فوق ربی عمان علم ابن سعود.

[و فی سنة 1343 ه:]

خزانة التواریخ النجدیة ؛ ج‌10 ؛ ص96
یضا سلطان بن بجاد، الملقب بسلطان الدین و الشریف خالد بن منصور بن لؤی أمیر الخرمة زاحفین إلی الطائف بجیش من الإخوان مؤلف من خمسة عشر لواء من ألویة الغطغط، و الخرمة، و تربة، و رنیة، و عتیبة، و قحطان و بنی تمیم، علی أن هذا الجیش مع من انضم إلیه بعدئذ من عربان الحجاز و أشرافه کالحرث، و بنی ثقیف لم یتجاوز الثلاثة آلاف مقاتل؛ مشی الإخوان من مرکز الاجتماع فی تربة، و لم یعلم بهم أحد فی مکة أو فی الطائف قبل أن اجتازوا الحدود، و لم تعلم الحکومة بهجومهم قبل أن وصلت سریاهم فی الیوم الأول من صفر سنة 1343 ه، الموافق سبتمبر سنة 1924 م إلی قریة الحویة التی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 97
تبعد بضعة أمیال عن الطائف فاستیقظت عندئذ الحکومة و أصدر ناظر الحربیة الهاشمیة أمیر اللواء صبری باشا أوامره إلی جنود النظام بالدفاع، فخرجوا من الطائف و هم نحو أربعمائة، و معهم بعض المدافع الجبلیة و الرشاشة إلی الحویة یصدون الإخوان، فاشعرت بینهم و بین سرایا الجیش هناک معرکة دامت بضع ساعات، کانت الغلبة فیها للإخوان، و تقهقر النظامیون إلی جهة الطائف، فانضم إلیهم جند من البدو و رابطوا معهم فی الهضاب الغربیة من البلد إلی الشمال و الشمال الغربی منه. هناک وقفوا ثانیة و شرعوا یطلقون علیهم المدافع فاستمروا فی مناوشتهم دون أن یتمکنوا من ردهم ثلاثة أیام.
و عند ما وصلت أخبار الهزیمة الأولی إلی مکة أمر جلالة الملک ابنه علیّا بإنجاد الجیش المدافع، فجاء الأمیر مسرعا بسریة من الخیالة و أخری من الهجانة، أما النجدة التی مشت فی طریق السیل فلم تصل إلّا بعد سقوط الطائف، وصل الأمیر یوم الخمیس 5 صفر فدخل الطائف لیلا و خرج منها فی عصر ذلک الیوم لیعسکر فی الهدی، و کان الجیش النجدی یزداد عددا و قوة فاضطر الجند النظامیون أن یتقهقروا إلی المدینة.

[و فی صباح یوم الجمعة 6 صفر:]

تقدّم الإخوان و صار رصاصهم قرب الظهر من ذاک النهار یقع داخل السور، فاستحوذ الذعر و الخوف علی الأهالی، و کان الأشراف فی مقدمة الهاربین، فقد خرج فی أصیل یوم الجمعة أمیر الطائف الشریف شرف بن راجح، و وزیر الحربیة و جنوده النظامیون، و سائر الأمراء و الموظفین.
و بعد خروج الأشراف و الجیش بساعة أو ساعتین فی غسق ذاک الیوم
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 98
السادس من صفر 7 سبتمبر دخل الإخوان الطائف کالسیل الجارف و هم یکبرون و یعتزون و یطلقون بنادقهم فی الفضاء، ثم طفقوا یطلقونها فی الأسواق و هم یطوفون فی المدینة فقتلوا هناک أناسا کثیرا.
و فی صباح یوم السبت دخل سلطان ابن بجاد ببقیة الجیش فکف الجنود عن القتل و لکنه أمر بجمع السلاح و بتفتیش البیوت، فاضطر لذلک أن یخرج الأهالی منها فسیقوا نساءا و رجالا إلی حدیقة شبری، و حبسوا هناک ثلاثة أیام ثم أطلق سراحهم و قالوا: إن أهل مکة یخرجون و یذهبون إلی مکة کلهم ماشون علی أرجلهم جیاعا و عطاشا، حتی إذا نزلوا من کرا و أقاموا فی الکر و وصلت الأخبار إلی مکة بادر أهالیهم و أصحابهم برکوب، و مأکول و مشروب، فجاءوا بهم إلی مکة و من لم یکونوا لهم أقارب و لا أصحاب تعبوا غایة التعب.
فخرج أهل مکة جمیعا إلی مکة من طریق کرا و ابقوا عندهم سبعة أشخاص من أهل مکة، هم: عبد القادر الشیبی، و إسماعیل الدهلوی، و قازی إسحاق، و صادق المجددی، و بکر البوقری، و أحمد عدس، و محمد نور ملائکة، و قالوا: هؤلاء یقیمون عندنا حتی یدفعوا لنا سبعة آلاف جنیه، فإذا سلموها نفکهم، و أودعهم فی القشلة.
و أما أهل الطائف فبعد ما نهبوا ذهب بعض منهم إلی الحجاز و بعضهم إلی مکة.
و أما الأمیر علی فنصب العرض فی الهدا ثم بعد أیام تقهقر إلی البازان التی بین عرفة و المزدلفة، فأقام هناک مع عسکره.
و لمّا وصل أخبار الطائف إلی مکة أمر جلالة الملک الشریف
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 99
الحسین أن یجتمع الناس فی الحرم الشریف فی الساعة الرابعة من النهار، فلمّا اجتمع الناس صعد الخطیب علی المنبر الموضوع عند باب المحکمة- و الخطیب هو عمر شاکر محرر جریدة الفلاح- و أخبر الناس قصة الطائف و ما وقع فیها من النهب و القتل، و حرّض الناس علی الخروج لمدافعتهم و خوفهم علی أنهم إن دخلوا مکة فهم یفعلون کفعلهم فی الطائف، فمن اللزوم مدافعتهم و عدم تمکنهم من الدخول فی مکة.
و أثّر کلامه فی قلوب الأهالی فتهیئوا من جمیع الحوایر أناس متطوعین و کذلک جماعة من المغاربة و التکارنة و أعطوا السلاح و خرجوا إلی الرض، و کذلک اجتمع کثیر من العربان.
فلمّا استکمل الجیش تقدم الأمیر علی إلی الطائف من طریق کرا و معه قوی المشاة المؤلفة من الجنود النظامیة و من الجیش المکی المتطوع، من أهل الحوایر و المغاربة و التکارنة و أقاموا العرض فی الهدا.
و تقدم صبری باشا من طریق الیمانیة و معه القوی الراکبة من الخیل و الهجانة، و تقدمت طلائع الشریف علی تحت قیادة الشریف هزاع إلی وادی محرم الذی یبعد عن الطائف بنحو ساعة و نصف.
ثم تقدم العساکر و المتطوعون إلی وادی محرم و صارت المقاتلة بین الفریقین فوقعت الهزیمة علی الإخوان، و کادوا أن یدخلوا الطائف فجاءت قبیلة بنی سفیان و قبیلة أخری معه من بین الجبال علی العساکر و أحاطوهم من کل جانب، فوقع الفشل بینهم و قتل کثیر من العساکر و الأهالی و جرحوا کثیرا منهم.
و یقال: إن أهل الحوایر و المغاربة و التکارنة و بعض العساکر کانوا
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 100
فی أول صف القتال، و وراءهم قبائل من البدوان و العساکر، فکانوا فی غایة الهمة من القتال إذ غدرت القبائل التی کانت فی وسط الصف فرمت علی من قدامهم من العساکر، ففنوا و أهلکوا و هرب العساکر الباقیة.
و أما العساکر التی مشت من طریق الیمانیة تحت قیادة صبری باشا فتقدموا و حاربوا بقوة و همة و کادوا أن ینتصروا فغدرت قبیلة طویرق و غیرها أیضا، فوقع علیهم مثل ما وقع فی عساکر الأمیر علی، فرجعوا جمیعا منکسرین، و قد کان لارتداد الجیش علی هذا المنوال السوء تأثیر، فضعفت القوة الأدبیة فی نفوس الحجازیین، و کثر المنضمون إلی السعودیین، و فی جملتهم بعض الأشراف، و علی رأسهم الأشراف الحرث.
و لمّا وصلت الحالة إلی هذه الدرجة من الخطورة جمع الحسین الأشراف و سألهم عن رأیهم فی الحالة فقرروا الإنسحاب إلی جدة، و بدأوا فأرسلوا النساء و الأطفال، و بینهم عائلة الحسین نفسه، و اجتمع الشریف عبد اللّه باشا بن محمد و الشیخ عبد اللّه سراج قاضی القضاة، و السید أحمد السقاف رئیس الدیوان العالی فی مکتب الأخیر و بحثوا الحالة، و قرروا أن یقترحوا علی الحسین إرسال برقیة إلی الحکومة البریطانیة لطلب تدخلها و قد وضعوها فعلا.
و خلاصتها: أن الدولة الهاشمیة هوجمت من قبل السعودیین من دون استعداد، و أنهم باسم الصداقة القدیمة یرجون تدخل الحکومة البریطانیة لکف الأذی و صیانة البلاد من الأخطار. و قد کتبت البرقیة و وقعت و أرسلت إلی مکتب البرق، و لکن الحسین أوقفها و منع إرسالها
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 101
- کذا فی کتاب «الثورة العربیة» لأمین سعد- و أقاموا فی البازان أیاما ثم تحولوا فی رابع ربیع الأول من هناک و أقاموا العرض فی الأبطح.
و لمّا رأی أهل مکة زحف العساکر، و شاع فی البلد أن الإخوان خرجوا من الطائف و قصدهم مکة، خرج الناس إلی جدة أفواجا، رجالا و نساءا، رکبانا و مشاة، لیلا و نهارا.
و قد خرج قبل هذا حینما سمعوا قصة الطائف کثیر من مشاهیر الناس من التجار و العلماء الأئمة و الخطباء و المطوفین و غیرهم، و هؤلاء الجماعة الذین خرجوا أخیرا مشاة حصل لهم التعب الشدید من المشی و حرارة الشمس و قلة الماء، حتی مات بعضهم فی الطریق من الظمأ.
و لمّا وصلوا البحرة خابر إلی جدة مدیر البرقیة أن أهل مکة قریبا من الألف وصلوا البحرة مشاة و هم تعبانون غایة التعب، و لا قدرة لهم علی المشی، فأرسل أهل الخیر من أهالی جدة حینما سمعوا هذا الخبر بالسرعة المراکب و الأکل و الشرب، حتی وصلوا جدة. و بعد وصولهم هناک عینوا لهم محلا واسعا نزلوا فیه.

[و فی أوائل ربیع الأول خرج کبار الموظفین إلی جدة مثل:]

الشریف عبد اللّه باشا، و قاضی القضاة الشیخ عبد اللّه سراج، و یوسف القطان، و ناناجه، و عبد الوهاب قزاز، و موظفی الحمیدیة، و محرری الجریدة، و غیرهم.
و ذکر الشریف عبد اللّه باشا صهر الملک حسین حوادث الطائف حین قدم القاهرة فی سابع ربیع الأول سنة 1343، وزارة أحد فضلائها و هذا خلاصته:
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 102
اجتاز الوهابیون حدود الحجاز بقوات لا تقل عن خمسة آلاف مقاتل، و قد کان عملهم هذا منتظر لأسباب کثیرة أهمها العداء المستحکم بین ملک الحجاز السابق- الشریف حسین- و سلطان نجد أما عدم استعداد الحجاز لهذا الهجوم الاستعداد الکافی فناشی‌ء عن اعتقاد الملک حسین بأن سلطان نجد لا یهاجمه إلّا بما لدیه من القوات الحجازیة التی انضمت إلیه و اعتنقت مذهبه، و بأن حامیة الطائف تکفی وحدها لصدّ مثل هذه الغارات البسیطة التی تکررت فی السنوات الماضیة، علی أن هذا الاعتقاد لم یکن فی محله، کما ظهر من الهجوم الأخیر.

الهجوم علی الطائف‌

أقامت الحکومة الهاشمیة عدة مراکز عسکریة شمال الطائف و شرقها بعد اعتداء الوهابیون الأول، و أهم هذه المراکز وادی کلیخ الواقع شرقی الطائف، و علی بعد ثمانی ساعات منها و کان الوهابیین أدرکوا ذلک فلم یهاجموها، بل هاجموا المراکز الثانویة فی وادی جلیل و وادی، الأخیضر، و وادی مسرة، و استولوا علیها بعد ما سلم قسم من حامیتها، و فر الباقون ثم زحفوا علی الطائف من وادی القیم و وادی العرج، فاحتلوا شویحط و الحویة، و ساروا بطریق وادی القیم و وادی العرج بدون أن یتعرضوا لوادی کلیخ الذی کانت تقدر حامیته بنحو مائة و خمسین جندیّا و أربعمائة متطوع من الهجانة.
و لمّا علم أهالی الطائف بسقوط شویحط و الحویة استولی الرعب علیهم، فلجأ کثیرون منهم إلی قرایا الشغابین الحجاز و تهامة. و کان صبری باشا وزیر حربیة الحجاز و الشریف شرف قائمقام الطائف قد خرجا
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 103
بمائتی جندی قبل سقوط شویحط و الحویة لإمداد المراکز الأمامیة للجیش الحجازی و قد ظلت هذه القوة نحو نهار و لیلة ترابط فی شویحط.
و لمّا رأی الشریف شرف أن قوة العدو عظیمة جدّا و أنها أوشکت أن تحدق به أرسل إلی قیادة الطائف یحثها علی الإسراع فی اتخاذ التدابیر اللازمة للدفاع، فعمدت فی الحال إلی تجنید متطوعین، و تسلیح الأهالی، و عاد الشریف و صبری باشا فی الیوم التالی و معهما حمایة شویحط إلی الطائف، حیث اجتمعت القوات التی أمکن إعدادها و قسمت علی المراکز الأمامیة استعدادا لمقابلة الوهابیین.
و بعد ما ظلت هذه القوة بمراکزها یومین کاملین و لم یحدث فیها سوی مناوشات بسیطة سمعت بأن الوهابیین هجموا علی جبل شرقرق، حیث رابطت قبیلة الطلحات من هذیل، و علی المدهون، و لمّا سقط هذان الجبلان فی قبضة الوهابیین، أصبحوا مسیطرین علی مراکز الجیش الحجازی حول الطائف، فاستحسن وزیر الحربیة حینئذ الجلاء عن هذه المراکز و الالتجاء إلی داخل أسوار المدینة للدفاع عنها.
و قد عد هذا العمل من جملة الخطیئات التی اقترفت فی هذه الحرب و أحدث اضطرابا عظیما فی المدینة و قضی علی قوة المقاتلین المعنویة القضاء المبرم.
و کان الأمیر علی قد وصل حدیثا إلی الطائف بقوة من الفرسان أما المدفعیة و المشاة و غیرهم فقد ترکهم فی الطریق بعد ما أبلغه وزیر الحربیة حقیقة الحال، و رجا منه أن یسرع لإمداده، فتعذر علیه الوصول بکل القوات التی کانت معه، و لا سیما أنه اختار طریق الثنیة الوعرة التی یتعذر
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 104
علی الجنود السیر فیها بأثقالهم و مدافعهم، و لمّا وصل سموه إلی الطائف رأی القوات التی کانت معه لا تکفی، فأرسل رشدی بک الصفدی لیأتی بالقوة التی ترکها بین مکة و الطائف، و أوصاه بأن یجی‌ء بها بطریق القدیرین، أی بالطریق المأمونة و لکن الذعر الذی استولی علی سکان الطائف بعد سقوط شرقرق و المبعوث، و ما بدا من سلوک بعض القبائل اضطر الأمیر علی إلی الجلاء عن الطائف بحمایة قوة من بنی سفیان، کانت مرابطة فی جبل السکاری، و رجع الأمیر علی بجیشه إلی الهدی (دخول الوهابیین الطائف).
لم یبق فی الطائف بعد جلاء الجیش عنها سوی أهلها، و قد جعلوا یفکرون فی الخطة التی یجب علیهم اتباعها، فکان رأی الأکثریة الدفاع أو التسلیم بشروط، و بینما معظم رجال المدینة یترصدون تقدم الوهابیین فی الشرق و الجنوب و إذا بالباب الشمالی قد فتحه للغزاة فریق من السکان بدون علم من الفریق الآخر الذی فوجی‌ء بالخبر مفاجأة، لمّا رأی نفسه بین ناریین.
و قد دامت حالة الفوضی اللیل بطوله، لأن الوهابیین الذین دخلوا المدینة لم یکن علی رأسهم قائد کبیر بل إن قوادهم کانوا علی بعد ثلاثة أرباع الساعة من الطائف فی مکان یقال له (دما).
و قد احتلت الطائف بعد خروج الأمیر علی منها بنحو ساعتین، و قبل دخول القواد الوهابیین إلیها بثمانی ساعات، فعمل الظافرون فیها السلب و النهب.
و المفهوم أنهم لم یمسوا الأعراض، و لم یتعمدوا قتل النساء،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 105
و لکنهم جمعوا أهل الطائف نساء و رجالا و أطفالا فی قصر شبرا الخاص لدولة الشریف علی باشا أمیر مکة سابقا، و الواقع شرقی الطائف، و أعادوا الحال إلی مجراها الطبیعی، و بعد أن أقام الأمیر علی فی الهدی أربعة أیام طلب أن یعود إلی مکة، فرفض والده ذلک فانتقل حینئذ إلی البازان التی تبعد ساعتین و نصفا عن مکة، حیث قضی نحو أسبوعین یعد معدات الدفاع.
فلمّا ظن أن قوته صارت کافیة لذلک، عاد إلی الهدی و نظم خطوط الدفاع فیها، و دارت هناک معرکة شدیدة وقع فیها کثیر من القتلی و الجرحی.
و الغریب فی هذه المعرکة أن الوهابیین وصلوا إلی الخط الثانی قبل سقوط الخط الأول فی یدهم، و بلغوا معسکر الأمیر علی و کادوا یحدقون به قبل أن یخترقوا خطوط الدفاع الحجازیة، و ذلک بحرکات التفاف غریبة أوقعت الرعب فی الجیش، و بما زاد فی خطة العداء التی اتخذها بعض أهالی الهدی إزاء الجنود الفارین، فاضطر الأمیر علی حینئذ أن یذهب إلی بازان، لأن والده لم یسمح له بالعودة إلی مکة، و بدأت المهاجرة و بشدة لم یسبق لها مثیل.
و ساءت الحال فی مکة وجدة، و أدرک الشعب سوء المصیر، فجعل یفکر فی طریقة للخروج من هذا المأزق، فعسی أن یکون قد وجدوها بحمل الملک حسین علی التخلی عن العرش. انتهی ما ذکره الشریف عبد اللّه باشا.

[و فی رابع ربیع الأول سنة 1343 ه:]

جاءت البرقیة الآتیة من جدة
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 106
إلی الشریف الحسین بتوقیع مائة و أربعین من الأعیان و العلماء و التجار و الحجازیین.

بسم اللّه الرّحمن الرّحیم‌

صاحب الجلالة الملک المعظم بمکة.
بما أن الشعب الحجازی بأجمعه، الواقع الآن فی الفوضی العامة بعد فناء الجیش المدافع و عجز الحکومة عن صون الأرواح و الأموال، و بما أن الحرمین الشریفین خاصة، و عموم البلاد مستهدفة لکارثة قریبة ساحقة، و بما أن الحجاز بلد مقدس یعنی أمره جمیع المسلمین، لذلک قررت الأمة نهائیّا طلب تنازل الشریف حسین و تنصیب ابنه الأمیر علی ملکا علی الحجاز فقط، مقیدا ذا دستور، و علی شریطة أن ینزل علی رأی المسلمین و أهل الحجاز فی تحقیق آمالهم و رغائبهم فی إصلاح شؤون البلاد المادیة و المعنویة، و أن یکون للبلاد مجلسان: أحدهما نیابی وطنی لإدارة الأمور الداخلیة و الخارجیة، و الآخر شوری یکون من أعضاء نیابیین منتخبین من المسلمین علی اختلاف بلادهم، و مهمته الإرشاد و المساعدة علی شؤون الداخلیة و الخارجیة.
و اللّه الموفق لما فیه الصلاح 4 ربیع الأول سنة 1343 ه

فجاءهم الجواب التالی:

إدارة برقیات الحکومة الهاشمیة فی 4 ربیع الأول سنة 1343، بواسطة قائمقام جدة.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 107
إلی الهیئة الموقرة مع الممنونیة و الشکر.
و هذا أساس رغبتنا التی أصرح بها منذ النهضة و إلی تاریخه، و قد طرحت قبله ببضع دقائق أنی مستعد لذلک بکل ارتیاح إذا عینتم غیر علی، و إنی منتظر هذا بکل سرعة و إلحاح. لم یرض المجلس بهذا الجواب، فعمد إلی الهاتف و أناب أحد أعضائه لیکلم الملک، فرفض جلالته الکلام و قال: «أنت رجل من رجال حکومتی فلیکلمنی غیرک»، و رفض کذلک أن یکلم الثانی، ثم تناول الشیخ طاهر الدباغ الهاتف، فکان مسموعا.
الدباغ: مولای بناء علی المرکز الحرج الذی وصلت إلیه البلاد، قررت الأمة طلب تنازل جلالتکم لسمو الأمیر علی.
الملک: (مقاطعا) أنا و ابنی واحد، و إذا کنت أنا قد صرت عندکم بطّالا، فلا بأس، و لکنی لا أفهم ما القصد من هذا، لا یهمنی أمر الملک فی أی شخص کان و لکنی لا أتنازل لولدی علی أبدا، لأنی إذا کنت أنا بطالا، فولدی بطال.
الدباغ: یا مولای، کلا، لا ننسب لجلالتکم شیئا من ذلک، و إنما نرید أن نسلک سیاسة غیر السیاسة التی سرتم علیها، عسی أن نتمکن من تخلیص البلاد من مأزقها الحرج، و الأمة قد أجمعت علی طلب ذلک، و نرجوا إجابة رغبتها.
الملک: یا ابنی لکم أن تفعلوا ما تشاؤون، أما أنا فلا أتنازل لولدی علی أبدا، عندکم الشریف علی أمیر مکة السابق، و أخی ناصر، و عندکم خدیوی مصر عباس حلمی، و عندکم الأشراف کثیرون، اختاروا أی واحد تشاؤون، و أنا مستعد للتنازل له، أما ولدی فلا یمکن، لأنی أنا و هو شی‌ء واحد خیره و شره عائد إلیّ:
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 108
الدباغ: قد أجمعت الأمة یا مولای علی اختیار الأمیر علی.
بعد المحادثة بالهاتف أرسلت البرقیة التالیة و فیها البلاغ النهائی:
صاحب الجلالة المعظم بمکة: الحالة حرجة جدّا، و لیس الوقت وقت المفاوضات، فإذا کنتم لا تتنازلون للأمیر علی فنسترحم بلسان الإنسانیة أن تتنازلوا جلالتکم لتتمکن الأمة من تشکیل حکومة مؤقتة، و إذا تأخرتم عن إجابة هذا الطلب، فدماء المسلمین ملقاة علی عاتقکم.
مکة فی 4 ربیع الأول الساعة الرابعة لیلا
لا بأس قد قبلنا التنازل بکل ارتیاح، إذ لیس لنا رغبة إلّا فی سکینة البلاد و راحتها و سعادتها، فالآن عینوا لنا مأمورین هنا یستلموا البلاد بکل سرعة، و نحن نتوجه فی الحال إذا تأخرتم، و وقع حادث، فأنتم المسؤولون، و الأشراف عندکم کثیرون، و أرسلوا واحدا منهم أو من سواهم، و علاوة علی هذا أو أقبل منکم علی الأمر عینوه رأسا.
الإمضاء، حسین‌

تشکیل الحزب الوطنی بجدة و أعماله‌

لمّا رأت الأمة امتناع الشریف الحسین عن التنازل و عدم قبول علی الملک، اجتمعت أعیانها فی دار الشیخ محمد نصیف، و نشرت دعوة إلی الأهالی تدعوهم إلی الحضور لینتخبوا حزبا یمثلهم، فانتخب اثنا عشر شخصا بأغلبیة الأصوات. و ها هی أسماؤهم: محمد طویل، محمد طاهر الدباغ، سلیمان قابل، قاسم زینل، عبد اللّه رضا، محمد نصیف، محمد صالح نصیف، (هؤلاء من أهالی جدة). صالح شطا، عبد الرؤوف
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 109
الصبان، محمود شلهوب، شرف بن راجح، ماجد کردی (هؤلاء من أهالی مکة). و رئیس الحزب محمد طویل.
و بعد ما تأسس هذا الحزب جاءه الخبر بالتلیفون من رئیس الحزب:
أن الأمیر علیّا قبل الملک، فأجاب الحزب بأن المسألة قد تمت، و لا لزوم لعلی أو خلافه، و أن الحزب یکفی لإدارة الأمور إلی حین انتهاء الحال.
فلم یقبل الطویل و أدلی لهم بحجج و أقوال یشعرهم بالخطر، فخاف الحزب و خشی أن یصطدم بفوضی أخری، فآثر الذهاب إلی المبایعة، فذهب إلی دار الحکومة، و هناک بایع الملک علی، و خطب سکرتیر الحزب طاهر الدباغ خطبة البیعة و هی هذه:

خطبة البیعة

یا صاحب الجلالة، بناء علی طلب الأمة قد تنازل جلالة والدکم، و ذلک بموجب البرقیة المؤرّخة فی 4 ربیع سنة 1343 ه عدد 69، و قررت الأمة نهائیّا البیعة لجلالتکم ملکا دستوریّا علی الحجاز فقط، علی شریطة أن تنزلوا علی رأی الأمة فی تحقیق آمالهم و رغائبهم فی إصلاح شؤون البلاد المادیة و المعنویة، و أن یکون للبلاد مجلس نیابی وطنی، تنتخب أعضاؤه من عموم الأقطار الحجازیة، بموجب قانون أساس، تضعه جمعیة تأسیسیة، کما هو جار فی الأمم المتمدّنة، و مهمة إدارة الداخلیة و الخارجیة بواسطة دستوریة مسؤولة أمام المجلس، و حیث إن الوقت ضیّق الآن لا یمکن لها إجراء أی عمل بدون تصدیق الهیئة و موافقتها.
و إننا نبایعک علی ذلک و علی العمل بکتاب اللّه و سنّة رسوله صلی اللّه علیه و سلم.
جدة، ربیع الأول سنة 1343 ه
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 110

البرقیة إلی مکة من الهیئة (فی 5 ربیع الأول)

صاحب الشرف الأسنی: الشریف حسین المعظم: جواب برقیتکم رقم 17: بحمد اللّه و مساعی مولای قد تمّت البیعة لجلالة نجلکم المعظّم، و قد فاوض جلالته من یلزم فی استلام البلاد و إدارة شؤونها، فالمنتظر من مولای مبارحتها بکل احترام تهدئة للأحوال.
عن الرئیس محمد طاهر الدباغ
و فی خامس ربیع الأول نادی المنادی بمکة بعد صلاة الظهر، بأن جلالة الملک الشریف حسین تنازل عن الإمارة و انتخبت الأمة علی بن الشریف الحسین ملکا.

برقیة الشریف علی إلی السلطان عبد العزیز بن عبد الرحمن السعود

أرسل الشریف علی بعد أن بویع بالملک برقیة عن طریق البحرین إلی السلطان عبد العزیز جاء فیها:
إن أقصی رغبتی أن یسود السلام فی الجزیرة و أن تعود السکینة ما بین نجد و الحجاز، و إنی باسط لک رأیی فی السلم، و مقترح علیک عقد مؤتمر للرجوع إلی إتمام المفاوضات التی بدأت فی مؤتمر الکویت، و لإزالة بواعث الخلاف، علی أنه اشترط فی عقد المؤتمر جلاء الجنود النجدیة عن الحجاز.

جواب السلطان علی برقیة الشریف علی‌

أجاب السلطان علی برقیة الشریف بالإجاز: إن شروطی الأخیرة هی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 111
أن لا صلح بیننا ما دام أبناء أبیکم یتوارثون الملک فی الحجاز، و أنتم تعلمون أن الحجاز للعالم الإسلامی، فلا میزة لطائفة من المسلمین علی طائفة أخری.
و بعد ما تمت البیعة للشریف علی توجه من یومع بعد العصر إلی مکة راکبا علی السیارة و معه ثمانیة أنفار، و بقی الحزب یعمل بما یراه صالحا، و کان یوالی جلساته.

مبادی‌ء الحزب‌

1- السعی بکل الوسائل لحفظ البلاد من الکارثة الساحقة المحدقة بها.
2- المحافظة علی جعل البلاد دستوریة إسلامیة سالمة من کل شوائب الدسائس.
3- النزول علی ما یرتأیه العالم الإسلامی لمصلحة البلاد و العباد، و کیفیة إدارة البلاد.

قسم الحزب للحزب‌

أشهد اللّه و آیاته و ملائکته و رسله، و أقسم باللّه الکریم أن أکون مخلصا للوطن، و أن أدافع عن کل فرد من أفراد الحزب کدفاعی عن نفسی، و إنی أعاهد اللّه علی ذلک، و أحلف بکتابه العظیم هذا، و اللّه علی ما أقول شهید.

قسم الأمة للحزب‌

نعاهد الحزب الحجازی الوطنی معاهدة طوع و إیثار و إخلاص من طویتنا، و صدق من نیتنا، طائعین غیر مکرهین، و نحلف باللّه العظیم و آیاته
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 112
أن نکون طائعین للحزب فی کل ما یوافق هذه المبادی‌ء لمصلحة البلاد، و أن لا نخفی علیه ما نعلمه من کل ما ینفع الأمة، و أن نحفظ أسراره و نکون له عینا علی کل أعدائه: نعادی من عاداه، و نوالی من والاه.
علینا بهذا العهد عهد اللّه، إن عهد اللّه کان مسؤولا، و ما أخذه اللّه علی أنبیائه و رسله علیهم السلام، و علی من أخذ من عبادة و کیدات و مواثیق و محکمات عهوده، أن نتمسک بهذا العهد، لا نبدّل، و نستقیم و لا نمیل.
و إن نکثنا هذا العهد و بدّلنا شرطا من شروطه، معلنین أو مسرّین، أو محتالین أو متأوّلین، خذلنا اللّه یوم نحتاج إلیه، و برأنا حوله و قوته و ألجأنا إلی حولنا قوتنا. و اللّه عز و جل بذلک شهید، وَ کَفی بِاللَّهِ شَهِیداً*.
لیلة الاثنین 7 ربیع الأول سنة 1343 ه

أعمال الحزب‌

نشر الحزب نشرتین مطبوعتین وزّعت علی الأمة مجانا:
النشرة الأولی:

بسم اللّه الرّحمن الرّحیم الحزب الوطنی الحجازی بجدة

دعوة عامة إلی الاتحاد و التضامن:
لحمده تعالی و نستعینه، و نصلّی و نسلّم علی نبیّه الکریم صلی اللّه علیه و سلم، و علی آله و صحبه الأکرمین.
و بعد، فإن المأزق الحرج الذی وقعت فیه البلاد قد دفع الأمة إلی التفکیر فیما یجب عمله، لدرء الخطر المزاحم، و أن تتولّی الأمر نفسها
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 113
بنفسها، و أن تسعی بکل الوسائل لحفظ البلاد و العباد، و لأجل أن تکون الأعمال فی ید قادة صالحین للعمل، مفکرین فیما یجب علیهم نحو وطنهم المحبوب، تشکل حزبنا الوطنی الحجازی من کل ذوی الأفکار السامیة و النظر الثاقب، و انتخبوا من بینهم اثنی عشر عضوا للقیام بالأعمال التی توجبها الحالة الحاضرة.
و قد باشروا- و الحمد للّه- عملهم بهمة لا تعرف الکلل، و عزیمة لا یعرض لها الملل، و إنهم یسیرون علی مبادی‌ء الحزب القویمة التی تقبلها و یتفانی لأجلها کل من فی قلبه مثقال خردلة من إیمان و حب للوطن، غیر هیابین و لا وجلین، متدرّعین بالصبر و الحزم و الثبات.
و قد عاهدوا اللّه سبحانه و تعالی و أقسموا بعظیم آیاته أن لا یدعوا صغیرة و لا کبیرة من الأعمال العائدة لمصلحة البلاد و العباد إلّا فعلوها بقدر استطاعتهم، و إن کل ما یرغبونه من الأمة الحجازیة التی أشرق نور الإسلام من ربوعها، أن یتدرّعوا بالصبر و العقل، و أن یضعوا ثقتهم التامة بالحزب و رجاله المخلصین، و أن لا یلتفتوا إلی ما قیل و ما یقال من الأراجیف الباطلة، و أن ینکبّوا علی أعمالهم خاصة، و علی ما یعود للنفع العام.
فإن هذا خیر وسیلة لحفظ البلاد مما یحیق بها، و إنه مما یمکّن رجال الحزب من العمل علی القیام بواجباتهم من النیابة عن أمتهم، و اللّه المؤمل أن یوفق الجمیع لما فیه الخیر و الصلاح. آمین.
حرر فی 9 ربیع أول سنة 1343 ه.
رئیس الحزب الوطنی الحجازی محمد طویل بجدة
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 114

النشرة الثانیة: بسم اللّه الرّحمن الرّحیم الحزب الوطنی الحجازی بجدة

دعوة عامة إلی الاتحاد و التضامن: الحمد للّه رب العالمین، و الصلاة و السلام علی سید المرسلین، و علی آله و صحبه أجمعین:
أما بعد، فیا أیها المسلمون، قد وصفکم اللّه تعالی بقوله عز و جل:
کُنْتُمْ خَیْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ تَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْکَرِ وَ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [آل عمران: 110] و قال عز و جل من قائل حثّا علی التفواض و الاتحاد: وَ لا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَ تَذْهَبَ رِیحُکُمْ وَ اصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِینَ [الأنفال: 46]، و قال تعالی: وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِیعاً وَ لا تَفَرَّقُوا وَ اذْکُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَیْکُمْ إِذْ کُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَیْنَ قُلُوبِکُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً وَ کُنْتُمْ عَلی شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَکُمْ مِنْها کَذلِکَ یُبَیِّنُ اللَّهُ لَکُمْ آیاتِهِ لَعَلَّکُمْ تَهْتَدُونَ (103) وَ لْتَکُنْ مِنْکُمْ أُمَّةٌ یَدْعُونَ إِلَی الْخَیْرِ وَ یَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ یَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْکَرِ وَ أُولئِکَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104) وَ لا تَکُونُوا کَالَّذِینَ تَفَرَّقُوا وَ اخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَیِّناتُ وَ أُولئِکَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِیمٌ [آل عمران: 103- 105]، و قال علیه الصلاة و السلام: «المؤمن للمؤمن کالبنیان یشد بعضه بعضا».
فامتثالا لأوامر اللّه تعالی و أوامر نبیّه الکریم، قد رأت الأمة الحجازیة، الممثلة فی خیرة رجالها الموجودین فی جدة، أن تلم شعثها و تجمع کلمتها، و تخلّص نفسها من الکارثة الساحقة المحدقة بها، فشکلت حزبا وطنیّا حجازیّا، تتجلی فیه إرادتها، و تظهر فیه قوتها و عظمتها و اتحادها، لما یعود بالنفع العام للعباد و البلاد.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 115
فیا عباد اللّه، إن الواجب الدینی و الوطنی یدعوکم لمعاضدة الحزب، و شد أزره، و الالتفاف حوله، و الأخذ بناصیته، لیتمکن بالقیام بالأعمال العظیمة الملقاة علی عاتقه.
و قد رسم الحزب لنفسه خطة واضحة جلیلة یسعی لأجلها، و یتفانی فی الحصول علیها، و رأی أنها السبیل الوحید لتخلص البلاد مما دهمها و یداهمها من الکوارث. و بادناه بیان لنظام إدارة الحزب و مبادئه.
و إن الهیئة الإداریة قد تشکلت و للّه الحمد من رجال لا شک فی إخلاصهم و نزاهتهم و رغبتهم الصادقة فی الأخذ بید البلاد إلی أسمی مراقی السعادة و الهناء، و إنه یدعو جمیع المسلمین من حجازیین و مجاورین، کبیرهم و صغیرهم، للدخول فیه و العمل بمبادئه، و السعی لنتائجها، بکل الوسائل بقید أسمائهم فی سجلات الحزب، و حلف الیمین علی العمل ضمن مبادئه القویمة.
و قد جعل الحزب مرکزا له محل حضرة الشیخ محمد نصیف، و اللّه یعلم أن لیس قصدنا سوی تخلیص البلاد من مأزقها الحرج و سعادتها، (فمن بدله بعد ما سمعه فإنما إثمه علی الذین یبدّلونه).
هذا، و إنّا قد بذلنا النصح لکافة المسلمین امتثالا لأمر النبی صلی اللّه علیه و سلم بقوله: «الدین النصیحة» قالها ثلاثا، قالوا: لمن یا رسول اللّه؟ قال صلی اللّه علیه و سلم:
«لأئمة المسلمین و عامتهم» أو کما قال.
و نسأل اللّه أن یکلّل الأعمال بالنجاح و التوفیق. آمین.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 116

نظام الحزب و مبادؤه‌

المادة الأولی: یدعی هذا الحزب الوطنی الحجازی، و مرکزه الأساسی بجدة.
المادة الثانیة: یکون فی الحزب فروع فی کامل البلاد الحجازیة، لبث الدعوة، ترجع فی جمیع مخابراتها للمرکز الأساسی بجدة.
المادة الثالثة: غایة الحزب:
1- السعی بکل الوسائل الممکنة لحفظ البلاد من الکارثة الساحقة بها.
2- المحافظة علی جعل البلاد ذات حکومة شرعیة نیابیة مقیّدة سالمة من کل شوائب الدسائس و النفوذ الأجنبی.
3- النزول علی ما یرتئیه العالم الإسلامی فی مصلحة البلاد و العباد.
4- إرشاد الحکومة لما فیه الصالح العالم للبلاد.
المادة الرابعة: یتألف المجلس الإداری من اثنی عشر عضوا، ینتخبهم الأعضاء المشترکون فی الحزب، و ینتخب الأعضاء من بینهم کاتب أسرار الحزب (سکرتیر)، و أمین صندوق، و للحزب أن یعیّن کتبة من غیر الأعضاء المنتخبین، علی شرط أن یکون من المشترکین فی الحزب.
المادة الخامسة: یجتمع أعضاء المجلس الإداری للحزب رسمیّا فی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 117
الساعة الثانیة من لیلة کل اثنین، و إذا اقتضت الضرورة فلکاتم أسرار الحزب، بالاتفاق مع ثلاثة من الأعضاء، أن یدعو مجلس الإدارة للاجتماع.
المادة السادسة: لا یعمل أی عمل باسم الحزب، و لا تکتب أی کتابة باسم الحزب لأی جهة من الجهات، ما لم یکن بقرار کتابی من مجلس إدارة الحزب.
المادة السابعة: تکون الجلسة قانونیة و نافذة المفعول إذا اجتمع من أعضاء المجلس الإداری الثلثان.
المادة الثامنة: إذا کان لدی الحزب أمر هام، فلمجلس إدارته أن یختار خمسین شخصا من الأعضاء المشترکین فی الحزب، و یدعوهم للاجتماع معه فی وقت محدد، و یعرض علیهم الأمر، و یکون القرار نافذا إذا وافق علیه ثلثا المجتمعین من الأعضاء.
المادة التاسعة: لا تکون قرارات الحزب نافذة المفعول ما لم تحز أغلبیة الأصوات و إذا تساوت الأصوات، فالجهة التی فیها الرئیس تکون نافذة المفعول.
المادة العاشرة: جمیع هذه المواد ابتدائیة للحزب و سیوالی فی جلساته التی ستعقد عمل المواد اللازمة حسب المقتضیات.

الهیئة الإداریة للحزب‌

الشیخ محمد طویل الرئیس الحاج قاسم زنیل أمین الصندوق
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 118
الشیخ عبد اللّه رضا عضو
السید صالح شطا عضو
الشیخ عبد الرؤوف صباد عضو
الشریف شرف بن راجح عضو
السید محمد طاهر الدباغ عضو
الشیخ سلیمان قابل عضو
الشیخ محمد نصیف عضو
الشیخ محمد شلهوب عضو
الشیخ ماجد کردی عضو
و قد تعیّن کاتبا للحزب أحد الأعضاء المشترکین فی الحزب: الشیخ محمد باجسیر.
رئیس الحزب الوطنی الحجازی محمد الطویل‌

کتاب الحزب إلی سلطان نجد

بسم اللّه الرّحمن الرّحیم
إلی حضرة صاحب العظمة سلطان نجد السلطان عبد العزیز بن السعود.
السلام علیکم و رحمة اللّه و برکاته.
و بعد، فإننا معاشر العرب أمة واحدة، شرفنا اللّه بدین الإسلام، و إن البلاد الحجازیة التی هی منبع النور الإسلامی، هی البلاد المقدّسة عند
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 119
عموم الناس أجمعین، و فیها حرمه الأمین و قبلة المسلمین و المشاعر العظام، و قد حدث بینکم و بین الشریف الحسین من النفور و المنازعات ما هو معلوم بأسباب عائدة لشخص الشریف الحسین، و لیس للأمة و البلاد أدنی دخل فی الأمر، لأن السلطة المطلقة کانت فی یده، و لا یعمل إلّا بما یریده، بل قد احتکر الکلام علی لسان أهلها بما لا یریدونه، و نسب لهم ما لا یوافقون علیه، و أوجد العداء بینهم و بین الأمة المجاورة لهم من سکان نجد، و خلافها بلا سبب مع اتحادهم فی الدین و المذهب، حتی أدی ذلک إلی سفک الدماء البریئة.
فلما بلغ السیل الذی هب الشعب الحجازی المجتمع فی جدة من أهلها و أهل مکة و الطائف و الأشراف و العربان و الأعیان، بالتنازل عن مکة، لما ظهر من امتناعه عن تلافی هذا القتال بالطرق السلمیة، و بایعوا ابنه سمو الأمیر علی ملکا علی الحجاز فقط، بشرط أن ینزل علی رأی الأمة الإسلامیة.
فبلسان هذه الأمة و باسم الإسلام الذی قمتم لنصرته و أوقفتم حیاتکم لرفعة شأنه و علو مکانته، نخاطبکم و نرغب من شهامتکم العربیة بإیقاف الجیوش عند آخر نقطة وصلت إلیها، و الموافقة علی إرسال المندوبین من طرفنا للمفاوضة معکم، فیما یجب عمله نحو هذه البلاد المقدسة، لحفظ الأرواح و الأموال و تأمین البلاد التی قال فیها سبحانه و تعالی: أَ وَ لَمْ نُمَکِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً یُجْبی إِلَیْهِ ثَمَراتُ کُلِّ شَیْ‌ءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا وَ لکِنَ [القصص: 57] و قال فیها صلی اللّه علیه و سلم: «إن مکة حرمها اللّه، و لم یحرمها الناس، و إنما أحلت لی ساعة من نهار، فلا یحل لامری‌ء یؤمن باللّه و الیوم الآخر یسفک بها دماء أو یعضد بها شجرة». إلی آخر الحدیث. أو کما قال.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 120
و قد قال صلی اللّه علیه و سلم لعتاب بن أسید حین ولّاه مکة أتدری علی من ولیتک، و لیتک علی أهل اللّه، فاستوصی بهم خیرا.
و نحن نقر بما تقرون به من الإیمان و الإسلام و التوحید، و التمسک بالکتاب و السنّة، و ترک البدع و المنکرات، و کل ما خالف التعالیم الإسلامیة إلیها فیما تکون علیه حالة الحرمین الشریفین.
هذا، و نلتجی‌ء إلی اللّه تعالی ثم إلی عدلکم و شهامتکم أن تأمروا بإجابة رغائب الأمة الحجازیة المستعد لقبول طلباتکم العادلة. و اللّه علی ما نقول وکیل. و إنا نحمد اللّه إلیکم أولا و آخرا، و السلام.
ربیع الأول سنة 1343 ه الحزب الوطنی الحجازی
و لمّا أبطأ الجواب عن الحزب أبرق إلی عظمته السلطان عن طریق البحرین البرقیة التالیة:
جدة فی 15 أکتوبر وکیل سلطان نجد القصیبی بحرین.
بعد الانکسار التام الذی أصاب الجیوش، أصبحت الحکومة عاجزة عن المحافظة علی الأمور و الأرواح. إن الفوضی سادت الحجاز و صارت الأمة فی حالة ثورة.
لقد خلع الحجازیون الشریف حسین و کلّفوه أن یذهب حیث شاء، و بایعوا الأمیر علیّا علی أن یکون ملکا فقط للحجاز، علی أن یسیر وفق آراء و أفکار العالم الإسلامی. لقد أرسل الحجازیون کتابا رسمیّا إلی الإمام ابن سعود و طلبوا منه أن یرسل مندوبا لعقد الصلح. إن الحجازیین بعد نشرهم هذا الإعلان العام سیلقون تبعة ما یحصل علی عاتق العالم
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 121
الإسلامی، إذا کان لا یسعی لتخلیص الأرض المقدّسة و أهلها، و یمنع جند نجد من التقدّم. إن أهل الحجاز یطلبون من سلطان نجد أن یرسل مندوبه سریعا للمفاوضة. و إنها المشکلة الخطیرة.
السکرتیر العام طاهر الدباغ‌

جواب حکومة نجد

وصلت برقیتکم العامة، أما رسالتکم الرسمیة الخاصة المتعلقة بالصلح، فلم تصل و لا یمکن نشر روح السلام فی الجزیرة ما دام الحسین و أنجاله حکاما علی الحجاز. إن نجدا لا تطمع فی امتلاک الحجاز. أو التسلط علیه، و لذا فهی تترک للعالم الإسلامی وضع ما یراه من النظامات لتلک البلاد المقدسة، فإذا خرج الحسین و أولاده من الحجاز، فأنتم آمنون فی بلادکم، أرسلنا التعلیمات اللازمة المتعلقة بذلک إلی رؤساء الجیش.
17 ربیع الأول السکرتیر الخاص‌

برقیة جمعیة الخلافة الهندیة إلی حکومة نجد

دهلی 17 أکتوبر سلطان نجد- بحرین.
أفادنا أهل الحجاز ببرقیة وصلت إلینا أنهم خلعوا الشریف حسین و أخلوا مکانه ولده الأمیر علیا، علی أن یکون ملکا علی الحجاز فقط، بعد أن تحدد قوته الإداریة و المعنویة، و بشرط أن یخضع لحکم المؤتمر
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 122
الإسلامی أیضا، و إن أهل الحجاز طلبوا منا التدخل فی الأمر، فأجنباهم بأن مسلمی الهند مع سائر الشعوب الإسلامیة بعد المخابرة معهم، و الوقوف علی آرائهم لا یوافقون علی بقاء الشریف الحسین و لا أبنائه فی الحجاز، بسبب الأعمال السیئة التی عملوها مدة ثمان سنوات فی الحجاز، إن حکومة الحجاز یجب أن تکون دیمقراطیة حرة خاضعة لرأی العالم الإسلامی فلهذا، فإن جمعیة الخلافة الممثلة لمسلمی الهند لا تعترف بإمارة الشریف علی، و قد قررت أن ترسل مندوبین من قبلها إلی الحجاز.
رئیس جمعیة الخلافة دهلی شوکت علی‌

جواب حکومة نجد

شوکت علی، رئیس جمعیة الخلافة دهلی:
أخذت برقیتکم، و إنی أشکرکم و مسلمی الهند علی أفکارکم الصائبة، إنه ما دام الحسین أو أحد أولاده حاکما علی مکة، فلا أمل فی نشر السلام أن یتبعه ما وقع من الحوادث تقع علی الحسین وحده، و أهل الحجاز برآء من عمله، إن الکلمة الأخیرة للعالم الإسلامی.
سلطان نجد عبد العزیز
و فی عاشر ربیع الأول بعد صلاة الصبح غادر الشریف حسین مکة و توجه إلی جدة، و أقام فیها ستة أیام، و لم یقابل فی أثنائها أحدا من الناس، و أرسل فی هذه المدة بلاغا إلی رئیس وکلاء الحکومة العربیة
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 123
الهاشمیة یعلن فیها تنازله، و یحتج فیه علی الحکومة الدستوریة.

وثیقة تنازل الملک حسین عن عرش الحجاز و الاحتجاج علی الدستور

وقفت علی بلاغ فخامتک البرقی الصادر بتاریخ ربیع الأول سنة 1343 ه، عدد 4 لقائم مقام القصر العالی المتضمن: أن هیئة جمعیة جدة تشیر إلی رغبة اعتزالی عن المصلحة، الأمر الذی حرجت بإنفاذه عند رغبة الأهالی، أو أبسط مقتضی بکل ارتیاح و انشراح من أول عام نهضتنا، و لم أزل أحرج به إلی تاریخه.
إن رغباتی و مقاصدی هی محصورة فی أسباب راحة عموم البلاد و رفاهها و سعادتها باستقلالها التام، و لا یهمنی تقلد أمر ریاستها لأی شخص، و إنها وجهت مقامها لابنی علی علی شرط أن یکون أمر حکومتنا الحجازیة و نفوذها محصورة فی منطقة الحجاز فقط، و أن تکون حکومة دستوریة، و علیه لکون أن نهضتنا مؤسسة أولا علی استقلال البلاد العربیة المصرح بحدودها ثم و العمل فی أوطار الحرمین الشریفین بأحکام کتاب اللّه و سنّة رسوله، فتحدید سلطة الحجاز الجاری مخابرات أولی الشأن معه إلی هذه الساعة فی شؤون استقلال العرب ببلادهم.
و لو لم یکن فی هذا التحدید إلّا تأملنا ما فی مساعی الحضرة السعودیة لاستیلائها علی حائل قاعدة إمارة الرشید و الجوف مقر آل الشعلان و تشبثه بضبط الکویت، و تعرضه لعسیر إماة آل عایض، بل تجاوزه علی مکة المکرمة و مساعی إمام صنعاء بضم بلاد حاشد و تهامة و الشوافع، و حضرة الإدریسی علی الحدیدة و ما حولها، و جعله (أی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 124
الحجاز) حکومة دستوریة، ینبذ فیها العمل، سیما فی الحرمین الشریفین بأحکام کتاب اللّه و سنّة رسوله للعمل فیها بالقوانین البشریة، مما تأباه شعائر الإسلام و فرائض الدین و الأخلاق الشریفة مادة و معنی، و هذه علاوة علی مخالفة ذلک لأساس نهضتنا التی سفک فی سبیلها الحجاز خصوصا و العرب عموما دماءهم و أموالهم و أنفسهم، لنیل هاتین الغایتین الشریفتین المقدستین.
و علیه فبلغوا هیئة الجمعیة الموقرة المؤقتة و کل من یقتضی إبلاغه احتجاجی القطعی أولا علی تحدید نفوذ الحجاز، کما ذکر لمّا ینشأ من قطعیة العرب و حرمانهم من حقوقهم الحیاتیة الأساسیة الثانی: ما فی إبدال العمل بکتاب اللّه و الشریعة، و لذا فإنی أحفظ حقوق اعتراضی و إنکاری بالمادة و المعنی بکل ما ذکر، و لذا تحرر فی 15 ربیع الأول سنة 1343 ه.
حسین
و فی لیلة العاشر من شهر ربیع الأول: وصلت جدة القافلة الحاملة أمتعة الشریف حسین، و فیها عشرون جملا تحمل أربعین صفحة من صفائح البترول مملوءة ذهبا، و قد قدر هذه الأحمال أحد العاملین بالتخزین بمائة و ستین ألف لیرة- ذکره الریحانی-.
و فی «جریدة المقطم» کتبت جریدة الطان أنه لمّا غادر الملک حسین جدة علی یخته الرقمتین، حمل معه نحو ثمانیة ملایین جنیه إنکلیزی، و إنه لا بد أن یکون للملک المتنازل أموالا طائلة فی البنوک الأجنبیة فی الخارج، و أن مندوبه فی رومیة سحب أخیرا ثلاثة تحاویل فی ثلاثة أیام خمسمائة ألف جنیه.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 125
ثم بعد ما أقام الشریف حسین بجدة ستة أیام أعلن الحسین قبل سفره من جدة أنه لم یستنجد بالإنکلیز، و لم یطلب مساعدتهم فی القتال الدائر بینه و بین ابن سعود، و قال: إن کل ما فی الأمر هو أنه کلف وکیله فی لندن أن یلفت نظر ولاة الأمور البریطانیة إلی أعمال ابن سعود، لیقابلوها بما کانوا یقترحونه علیه من عدم إزعاجه أو مبادئته بالعدوان. کذا فی الثورة العربیة، ثم توجه إلی العقبة علی یخته الرقمتین، و مکث هناک إلی 28 مارس سنة 1925.
و فی التاریخ المذکور جاءه الأوامر من الحکومة البریطانیة علی مغادرة العقبة، فرفض التسلیم أولا، و أصر علی مقامه هناک، ثم شددوا علیه، فطلب من الحکومة أن یسمح له بالإقامة فی حیفا أو یافا، فجاء الجواب بالرفض، و أمرته الحکومة بالسفر إلی قبرص، فطلب أن یسمح له برکوب باخرته الرقمتین، فقیل له: إنه لا بد له من رکوب البارجة (دلهی)، التی خصصت لرکوبه.
و لمّا نزل جلالته إلی البارجة استقبل استقبالا رسمیا حافلا، و أنزل و حاشیته فی جناح خاص أفرد لهم، و کان برفقته فی هذه الرحلة الملکة حرمه، و الأمیرات کریماته، و اللواء جمیل باشا یاور الملک علی، و سکرتیره الخاص، و طاهیه الخاص، و خدمه و حاشیته، و مؤذن یؤذن علی ظهر البارجة بالأوقات الخمسة کل یوم، ثم تقام الصلاة جماعة.
و لمّا وصلت البارجة دلهی إلی السویس صعد إلیها بعض العرب المقیمین فیها.
و لمّا دخلوا علی الملک للسلام علیه اغرورقت بالدموع عیون
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 126
بعضهم فقال: (لا) لا تیأسوا، فهذا قدر اللّه، و إرادته. و مما قال الملک حسین فی سیاق حدیثه مع زائریه أنه یعترف قبل کل شی‌ء بأنه کان مخطئا و بأنه لم یکن یعرف حقیقة أخلاق الأوروبیین، و ما ینطوون علیه.
قال: و إننی أشهد اللّه أننی لم أفعل شیئا مما فعلته إلّا علی حسن نیة، و لمّا وصلت البارجة إلی بورسعید صعد إلیها دولة حسین رشدی باشا، و السیدة حرمه، لزیارة الملک حسین و الملکة قرینته، و فی صباح الیوم التالی أقلعت البارجة إلی قبرص.

الحسین و عرش الهاوی

نظم شاعر دمشق الشهیر خیر الدین أفندی الزرکلی فی سقوط عرش الحسین ملک الحجاز هذه القصیدة العصماء، و قد أودعها حکمة الدهر و حقائق الأمور، فکانت مصباحا متوهج النور و العصائب عن عیون الکثیرین.
قال لافض فوه:

جبار زمزم و الحطیم اسمع أنین القبو

صبر العظیم علی العظیم‌جبار زمزم و الحطیم
إن القضاء إذا تسلطضاع فیه حجی الحکیم
و النفس جامحة فخذما اسطعت منها بالشکیم
انهض فقد طلع الصباح‌و لاح محمر الأدیم
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 127 ألق السلام علی الطلول وحی شاخصة الرسوم
و دع قصور أبی نمی‌لست فیها بالمقیم
راعتک رائعة الملوک و نؤت بالخطب الجسیم
سهم رماک الأقربون به فغلغل فی الصمیم
لم یجدک الحذر الطویل الموالی و الخصیم
إیاک کنت تسی‌ء ظنک‌بالرضیع و بالعظیم
ما کنت تحفل بالنصیح‌و کنت أحفی بالنموم
للنعمیات ید الوشاة و للأباة لظی الجحیم
ریع الکرام بقصرک العالی فذق روع الکریم
اسمع أنین القبو و یح‌القبو من خنق کظیم
أعددت للأحرار فیه عقاب منتقم ظلوم
أکلت حیاة القبو من‌أرواحهم و من الجسوم

الحسین و الإنکلیز

طال انقیادک للخصوم و أنت أدری بالخصوم
الإنکلیز و ما أراک بأمرهم غیر العلیم
ما فی جموعک و إن‌حدبوا علیک سوی غریم
ذؤبان و ادیک الفسیح‌و آفة الملک العقیم
قد یستنیم أذاهم‌حینا و لیس بمستنیم
کالنار تذکیها الریاح فکیف تطفی بالنسیم

الخلافة

عجب لمن طلب الخلافة و الخلافة فی النجوم
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 128 أین الخلافة لا خلافة فی الحدیث و لا القدیم
تلک التی ذهبت مع الأیام قبل ذوی سلیم

أخلاق الحسین‌

أولست أعجب للزعیم‌یفوته سهر الزعیم
الجامع المتناقضات من‌الغرائز و الفهوم
الغافل الیقظ الحریص‌الباذل العالی الرحیم
المدره العیّ العصی‌الطیع الشرس الحلیم
الصادق الظن الصحیح‌الفاسد الرأی السقیم
الطیب النفس الأنیس‌السی‌ء الخلق السؤوم

الحسین و عبد اللّه‌

یا ناظم العقد النئیرو ناثر العقد النظیم
لم ألف قبلک هادماما کان یبنی من أطوم
کانت تخومک لاتنال فهل حمیت حمی التخوم
هذا ولیدک فی الرقیم‌یعیث فی أهل الرقیم
یحبو یهوذا ما حبوت و لیس غیرک من ملوم
خسروا رضی موسی الکلیم‌فناب عن موسی الکلیم
العرب قومک یا حسین‌و أنت منهم فی الصمیم
کم علموک و ما علمت‌و حاولوا بک من مروم

الحسین و عبد الکریم‌

هلا اقتدیت و أنت تشهدبالفتی عبد الکریم
المستعز بقومه‌و المستبد علی الغشوم
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 129 و المسترد علی حماو بحد مرهفة الصروم
التارک الإسبان طائشة المدارک و الحلوم
و المشهد الأقوام أن‌الحق محمیّ الحریم
و المبلغ الأسماع أنّ‌الحق ضم ینهض بالمیم
رفع الضفیرة فی الجموع و أنت لاه بالنعیم
و نفی الهموم عن الربوع و أنت تبعث بالهموم
و شفی الصدور من الکلوم و أنت کنت من الکلوم

ماذا ادخرت‌

ماذا ادخرت لمثل یومک و النذیر نذیر شوم
أعددت خمسا سابحات فی الفضاء بلا رحوم
و سفاثنا النسیم یحیلهن إلی هشیم
و مدارسا ما کان ینقص‌حسنهن سوی العلوم
أعددت أجنادا و ماعودتها صد القروم
ما فی الذین دعیت منقذهم سوی شال هضیم

عصیر البداوة

یا عبرة لأولی البصائر فی الحمید و فی الدمیم
قل للذین سیخلفونک من عدو أو حمیم
الواردین علی التربع‌فی الدستور ورد هیم
شر الممالک ما یساس‌سیاسة البغی الوخیم
ما فی العروش علی الجهالة و البغاء بمستقیم
و من استدام الملک منا فلیس بمستدیم
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 130 عصر البداوة قد تواری عهده بین الغیوم
العرش منهار إذالم یحمه علم العلیم

ابن سعود

لهفی علی أهل الجزیرة فی السهول و فی الحزوم
یتخبطون من العمایة فی دجی حلک یهیم
أتری ینم ابن السعود استوی عن طیب خیم
فیؤلف الوحدات طیّبة المنابت و الأروم
و یهیب بالآحاد یوقظها و بالحشد الجمیم
أم یستبد کما استبدمجانب السنن القویم
فیبیت بجرح ما تجرعه سواه من السموم
ما کان و اللّه الحسین بالشییخ الغؤوم
لکن من خاف الهزیمة و مدته صاعقة الهزیم
من حاد عن شرک الغموم‌اصطاده شرک الغموم
طلب السلامة بالونی‌فإذا به غیر السلیم

بین مکة و الریاض‌

هذه القصیدة من غرر الشعر، جادت بها قریحة الشاعر الأدیب شفیق جبری، أحد شعراء سوریة الکبار قال:
ماذا جنیت فأنت الیوم مسلوب‌تاج الملوک و أنت الیوم مغلوب
قد کان قصرک محدودا سرادقه‌علی الحطیم فرب القصر مثلوب
و کان تاجک مرهوبا معاقده‌فماله معه بالخیف مرهوب
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 131 قد لقبتک جماهیر بمنقذهافما أفادک یوم الروع تلقیب
یبنی الملوک علی الآمال عرشهم‌و للسیاسة تهدیم و تخریب
و العرش إن لم یؤشب بالسیوف فماینجیه بالأمل الخلاب تأشیب
أبا علی لقد جاحتک جائحةیحار ضدک فیها و الأصاحیب
هبت علیک أعاریب یبلغهاشهاب مکة ادلاج و تأدیب
شنوا علی الطائف المخصاب غارتهم‌بنانهم بنجیع القوم مخضوب
فقد کنت تطلبهم فی عقر دارهم‌فأنت بعد انتقاض الملک مطلوب
رمی بک البیت عن أرکان کعبته‌و اللیل مضطرب الظلماء غربیب
ففزت بالذهب الإبریز تحمله‌ما أنت بعد ضیاع العرش محروب
قد کان للملک أیام فضیعهاحرص الحریص فعز الملک مغصوب
ما الملک فتح بلاد لا حدود لهاو إنما الملک تدبیر و ترتیب
فما أقیمت علیه البیض مصلته‌و لا أحاطت به الحرد السراحیب
*** و لنرجع إلی ذکر الشریف علی، فنقول: أما الملک علی، فبعد دخوله مکة أرسل برقیة لأخیه الأمیر عبد اللّه، هذا نصه:
عمان.
سمو الأمیر عبد اللّه: بناء علی تنازل جلالة سیدی و مولای الوالد عن
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 132
عرش الملک، فقد اجتمعت الأمة علی البیعة و بایعتنی بالملک، و قبلت بیعتهم، و أسأله التوفیق و النجاح.
من مکة، 5 ربیع الأول، سنة 1343 ه.
أخوکم علی
و أقام بمکة أسبوعا، ثم أدرک أن قوة الدفاع لدیه لا تکفی لرد جیش نجد، بل رأی جنوده مشتتین شاردین، و لم یبق منهم غیر مثتین، کانوا فی الدفاع مترددین، و کان الإخوان قد وصلوا فی 15 ربیع الأول إلی قریة الزیمة، و هم مصممون علی الحصار، فأمر بإخلاء المراکز من العساکر.
ففی الساعة السابعة من لیلة السادس عشر من ربیع الأول أخلیت جمیع المراکز من العساکر و السلاح، و قیل لهم: من أراد منکم الذهاب إلی جدة فلیذهب، فمن ذهب منهم، و من لم یذهب، أخذ منه السلاح، و أخلیت الحمیدیة و القشلة، و ترکت أبواب الجمیع مفتحة.
و فی الساعة الثمانیة من اللیل خرج الملک علی أیضا، و قال للناس حین مروره فی الطریق: أوصیکم علی أنه لا یثیر أحد منکم البندق.
و فی الساعة التاسعة من اللیل نهب أهل الجیاد و المسفلة الحمیدیة، و لهب أهل جرول القشلة.
و فی الیوم السادس عشر عند شروق الشمس أراد بعض العتبان نهب بیت الشریف فمنعهم أهل الشعب. فلمّا أصروا علی ذلک، قابلوهم بالبنادق حتی قتلوا منهم ستة أو سبعة فهرب الباقی و بعد قتل هؤلاء، امتنعت بقیة القبائل التی أرادت نهب البلاد.
و فی الساعة الرابعة من ذلک الیوم دار المنادی فی البلد، و قال: یا أهل مکة
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 133
و مجاوریها، أنتم أمان اللّه و رسوله و إمامکم عبد العزیز بن عبد الرحمن السعود و وکیله إلی مجیئه الشریف حمزة الفعر. و الحذر عن التعدی، و من تعدی، فلا یلو من إلّا نفسه.
و فی الساعة الثامنة من ذلک النهار دخلت خیالة الإخوان فی مکة محرمین، فطافوا و سعوا حاملین السلاح، و بعد صلاة العصر طلع رجل منهم علی المنبر، فقال: لا إله إلّا اللّه وحده لا شریک له، له الملک، و له الحمد، و هو علی کل شی‌ء قدیر. أیها المسلمون، یا أهل مکة، و المجاورین، و الذین جاؤا من البلاد و أقاموا بمکة: أنتم آمنون فی أمان اللّه فی مالکم، و دمکم، و عرضکم، و حلالکم أنتم فی أمان اللّه، و أمان إمام المسلمین. لا یجیئکم خلاف فی قلیل و کثیر، لا فی المال، و لا فی العیال، و لا فی الحلال. هذا بیت اللّه الحرام، و مفتاح البیت یکون علی ما هو علیه، و مصابیح الحرم توقد علی ما هو علیه، و أهل الدکاکین یبسطون دکاکینهم ما علیهم خلاف، علیهم أمان اللّه و الذی جاء علیه خلاف، یجی‌ء عند أمیر الجیش فی بیت الشریف. انتهی.
و فی الساعة السادسة من لیلة السابع عشر من ربیع الأول دخلت عساکر کثیرة، و معهم الأسری الذین کانوا فی الطائف الشیخ عبد القادر الشیبی، و إسماعیل الدهلوی، و غیرهم و هؤلاء الأسری بعد وصولهم مکة، أطلقوهم و عفوا عنهم علی ما طلبوا منهم فی الطائف، و هو سبعة آلاف جنیه.
و بعد صلاة الصبح من یوم السابع عشر، جاء فی الحرم الشریف الشیخ عبد القادر الشیبی، و طاف و بعد فراغه من الطواف، قال: أیها الإخوان، عندی منشور من قبل الإمام عبد العزیز بن عبد الرحمن بن فیصل، أرسله مع الأمراء الذین جاؤا من عنده فی الطائف، و أعطونی ذلک المنشور لأقرأه علیکم،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 134
فاجتمع الناس فی المطاف، و وقف هو فی المقام الحنبلی، و قرأ المنشور علیهم، و هذا نصه.

بسم اللّه الرّحمن الرّحیم‌

من عبد العزیز بن عبد الرحمن آل فیصل إلی کافة من یراه من إخواننا أهالی مکة، و جدة، و توابعها من الأشراف، و الأعیان، و المجاورین و السکان، وفقنا اللّه و إیاهم لما یحبه و یرضاه آمین.
سلام اللّه علیکم و رحمته و برکاته.
أما بعد، فالموجب لهذا الکتاب هو شفقتنا علی المسلمین، لصلاح أحوالهم فی أمور دینهم و دنیاهم. و لم نزل نکرر علی الحسین بن علی النصائح، و نحرضه علی ما یجمع شمل العرب، لتکون کلمتهم واحدة، و لکن الطبع یغلب علی الطبع، و لا یحتاج تطویل الشرح بما انطوی علیه، لأن أکبر شاهد علی ذلک ما رأیتموه و شاهدتموه من أقواله و أفعاله فی هذه البقعة المبارکة، التی هی مهابط الوحی، بما ینکره عقل کل مسلم، و علاوة علی ذلک ینکره کل من یحب المسلمین، و لو لم یکن منهم.
فلرجل ترک مزایا الإنصاف، و هی ما انتسب إلیه فی هذا البیت الکریم خصوصا، و شرف العرب عموما. و لا شک أن من ترک ما کان علیه النبی الکریم علیه أفضل الصلاة و أتم التسلیم، و خلفائه، و أصحابه، و هو یتسمی باسم الإسلام، و بالخصوص السکان من أهل البیت الشریف، و طمع إلی غیرها فی الزخارف التی هی أکبر شؤم علی الإسلام خصوصا، و علی العرب عموما، فهو لا خیر فیه.
منذ دخل الحجاز جعل أکبر همه الإیقاع بنجد و النجدیین، و قد تظاهر
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 135
بذلک واضحا منذ تفرد بالحکم، و قبض علی زمام الأمور فیها. و قد بلغ فی الشهور أن قد منع أهل نجد قاطبة من حج بیت اللّه الحرام، و هو أحد أرکان الإسلام الخمس، فهذه فضلا عما یأتیه هو و عماله من المظالم و المعاملات القاسیة تجاه حجاج بیت اللّه الحرام، الذین یأتون من مشارق الأرض و مغاربها فی هذه المدة.
ترکنا التداخل فی أمور الحجاز لأجل احترام هذا البیت، و رجاء السلم و الأمان، و لکن من الأسف أننا لم نحظ بذلک منه.
و فی هذه الأیام الماضیة، فی سفر إلی الأردن بانت نوایاه و مقاصده للمسلمین نحونا، حیفا طلب تجزئة و تشتیت شملنا، حتی لقد أیسنا فی الوصول إلی حسن التفاهم معه لجمع کلمة العرب. و لا و اللّه لا نعلم شیئا له من النقم علینا، إلّا کما قال اللّه سبحانه و تعالی: وَ ما نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ یُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِیزِ الْحَمِیدِ [البروج: 8].
و لکننا و للّه الحمد- لسنا متأسفین علی شی‌ء إذا سلم لنا شرفنا فی أمور دیننا و دنیانا. فلیس لنا قصد فی زخارف الحسین و أتباعه، و لا فی ملک، و لا خلافة، و لکن غایة قصدنا، و ما ندعوا إلیه هو أن تکون کلمة اللّه هی العلیا، و دینه هو الظاهر، و لسلم شرف العرب، فلذلک لحقتنا الغیرة الإسلامیة، و الحمیة العربیة، أن نفدی بأموالنا و أنفسنا فیما یقوم به دین اللّه، و یحمی به حرمه الشریف، الذی أمر اللّه بتطهیره و تعظیمه و احترامه، کما قال اللّه: وَ إِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِیمَ مَکانَ الْبَیْتِ أَنْ لا تُشْرِکْ بِی شَیْئاً وَ طَهِّرْ بَیْتِیَ لِلطَّائِفِینَ وَ الْقائِمِینَ وَ الرُّکَّعِ السُّجُودِ [الحج: 26].
و قد أرسلنا سریة من المسلمین لاحتلال الطائف- لأجل القرب-
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 136
للتفاهم بیننا و بین إخواننا، فأحببت أن أعرض علیکم ما عندی. فإن أجبتمونا، فنعم المطلوب، و إن أبیتم الذی یعذرنا عند اللّه و عند المسلمین، فأبرأ إلی اللّه أن أتجاوز إلی شی‌ء من حرمته الشریفة، خصوصا فی هذا الحرم الشریف، الذی قال اللّه تعالی فیه: وَ مَنْ یُرِدْ فِیهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِیمٍ [الحج: 25]، و حرمة هذا البیت معلومة حتی عند المشرکین الأولین، کما قال الشاعر:
إن الفضول تعاهدوا و تعاقدواأن لا یقر ببطن مکة ظالم
و أما الأمر الذی عندی لکم، فهو أنی لأقول: علیکم یا أهل مکة و أتباعها من أشراف، و أهل البلد، و المجاورین، و الملتجئین من جمیع الأقطار، عهد اللّه و میثاقه علی أموالکم و دمائکم، و أن تحرموا بحرمة هذا البیت، کما حرمه اللّه علی لسان خلیله إبراهیم و محمد، علیهما أفضل الصلاة و التسلیم و أن لا نعاملکم بعمل تکرهونه، و أن لا یمضی فیکم دقیق أو جلیل إلّا بحکم مشروع، لا فی عاجل الأمر، و لا فی آجله، و أن نبذل جدنا و جهدنا فیما یؤمن هذا الحرم الشریف، و سکانه، و طرق الوافدین إلیه، الذی جعله اللّه مثابة للناس و أمنّا، و أن لا نولی علیکم من فی الأبطح، و یبیت هناک.
و بعد یومین أو ثلاثة، نادی المنادی من قبل الأمیر خالد بهذه العبارة: یا إخواننا، أول قول بسم اللّه الرحمن الرحیم اسمعوا یا إخواننا یا مسلمین الأمر الصادر من الأمیر خالد بن منصور: أن المعاملة تجری فی الأسواق؛ المجیدی بعشرین قرش فضة صغیر، و القرش الصغیر بقرش، و القرش الکبیر بقرشین. و القرش المعدن الکبیر الأبیض بواحد هلله. و ما
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 137
عدا هذا من أنواع التفاریق باطلة .. و الحاضر یعلم الغائب، و اللّه ولی التوفیق. انتهی.
و نهب بیت الشریف حسین، و ولده الشریف علی، و بیت الشریف محسن بن منصور، قائمقام الإمارة سابقا و دکان عبد الوهاب قزاز و منعوا من التراحیم، و التذکیر، و التصلیة التی بعد الأذان، و کانت صلاة الإخوان جماعة فی المطاف، و إمامهم منهم، و لا یصلون مع الجماعة فی المسجد.
و فی خامس ربیع الثانی، دار المنادی فی البلد من قبل الأمیر علی منع شرب الدخان، و ترک السب و الشتم، و حضور الناس فی الصلوات مع الجماعة فی أول الوقت، و الأمر بالمعروف، و النهی عن المنکر.
و فی سابع عشر ربیع الثانی أیضا، دار المنادی علی أن لا یتخلف أحد من أهل السوق عن الجماعة بعد نداء الصلاة و من خالف هذا الأمر، فیجازی أشد الجزاء.
و فی ثامن عشر من ربیع الثانی، خربوا سقف مسجد أبی قبیس.
و فی أوائل هذا الشهر أیضا، ذهبت جماعة من الإخوان إلی وادی مر، و غزت من فیهم من الأشراف، و غیرهم الذین لم یدخلوا فی الطاعة، و خربوا النخیل و العیون، ثم تقدموا إلی عسفان و ما فوقه، و حاربوا قبیلة الحرب الموالین للشریف، و قتلوهم، و نهبوا أموالهم و صیغهم و مواشیهم، حتی باعوا الصیغة بالأکوام و کانوا یحرصون یحرجون الکون بثمانیة أو عشرة جنیهات، و الصیغة تکون قدر أربعة أو خمسة اقه.
و فی أواخر ربیع الثانی أیضا، أغاروا علی قبیلة بنی حسن- جهة
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 138
اللیث- و ضربوهم ضربا شنیعا، و أخذوا أموالهم من النقود و المواشی شیئا کثیرا. و هدموا أیضا فی هذا الشهر قبة جبل حراء، و قبة أبی بکر الصدیق فی المسفلة.
و من ابتداء جمادی الأولی، انقطع طریق جدة بالکلیة، و یسببها صار الغلاء جدا. فصار کیلة الحب أربعین قرشا، و الرز بستین قرشا، و الدخن بثلاثین قرشا، واقه السکر بتسعین قرشا، واقه الشاهی بثمانیة مجیدی، واقه القاز بثمانیة و أربعین قرشا. ثم ورد أرزاق فی أثناء الشهر من طرف الیمن و الطائف، فنزل سعرها قلیلا، فصار الحب باثنین و ثلاثین قرشا، و الرز بأربعین قرشا، و الدخن بأربعة و عشرین قرشا، و الذرة باثنین و عشرین قرشا. ثم لطف اللّه علی عباده، و وردت القوافل من الشرق و اللیث و القنفدة و رابغ، فنزل أسعار جمیع الأشیاء، فصار الحب بخمسة عشر قرشا، و الرز بأربعة و عشرین قرشا، و الدخن و الذرة باثنا عشر قرشا، واقه الشاهی بخمسة مجیدی، واقه السکر باثنا عشر قرشا، واقه القاز بعشرة قروش.

صورة الکتاب الذی أرسله قناصل الدول من جدة إلی قوی النجدیة بمکة

من طرف معتمدی حکومات جلالة ملک بریطانیا العظمی، و جلالة ملک هولنده، و جلالة شاه إیران، و الجمهوریة الأوروبیة إلی حضرة قائد الجیوش الوهابیة العاملة فی البلاد الحجازیة.
نحن الموقعون أدناه.
اعتبارا للحوادث الحربیة الواقعة الآن بالقطر الحجازی، و نظرا
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 139
لوجود عدد عظیم من رعایانا القاطنین بهذه الأراضی المقدسة، نری من واجباتنا، و من حقوقنا أن تدعوکم حکوماتنا جمیعا إلی احترام رعایانا فی أموالهم، فی أی مکان، و فی أی وقت کان.
و لهذا الباعث نری لزوم إعلامکم أن حکوماتنا لا یسعها إلّا أن ترمی علی عاتق جیشکم، و عاتق کل من هو عامل باسمه مسؤولیة جمیع ما یقع من قتل، و نهب یمسان رعایانا و السلام.
معتمد قنصل جلالة ملک بریطانیا الإمضاء/ الختم الرسمی
قنصل جنرال جلالة ملک إیطالیا الإمضاء/ الختم
وکیل قنصر الجمهوریة الفرنسیة الإمضاء/ الختم الرسمی
وکیل قنصل جلالة شاه إیران الإمضاء/ الختم
قنصل جلالة ملک هولنده الإمضاء/ الختم‌

الجواب علیهم بسم اللّه الرّحمن الرّحیم‌

من قواد الجیوش الوهابیة إلی قنصل بریطانیة، و قنصل ملک إیطالیا، و وکیل الجمهوریة الإفرنسیة، و نائب ملک هولنده، و وکیل قنصل شاه إیراه.
أمّا بعد: فقد وصلنا کتابکم، و علمنا ما فیه. و لا یخفاکم إنا معاشر العرب لم نقصد ملککم و لا رعایاکم، بل قصدنا محاربة من حال بیینا و بین هذا البیت الذی جعله اللّه مثابة للناس و أمنا، و هو شرف العرب عموما. و نبذل فی حمایته إن شاء اللّه- أموالنا و أنفسنا- و أهل مکة و سکانها مؤمنین علی دمائهم، و أموالهم، و جدة و أقطارها ما لنا فیها
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 140
الغرض فإن حصل علی شی‌ء منها تعدی، فعرفونا نمنعه، یکون معلوم، و صلی اللّه علی محمد و آله و صحبه و سلم.
14 أکتوبر سنة 1934 ه

جواب خالد بن منصور و سلطان بن بجاد علی کتاب القناصل‌

من خالد بن منصور بن لؤی، و سلطان بن بجاد إلی حضرة قنصل بریطانیة، و قنصل فرنسا، و قنصل إیطالیا، و قنصل هولنده، و قنصل ابن إیران.
أما بعد: صار لدیکم علم أن لیس لنا فی رعایاکم غرض بقی مسألة، و هی مکث بن الحسین فی جدة، و هو ساع علینا، و علی رعایاکم بالفساد و لا محالة ویشن حربا علی قطع السبل، و منع الأرزاق بین مکة و جدة الآن إن کان لکم قدرة علی إخراجه من جدة، فأخرجوه، و أخرجوا رعایاکم و من التحق بهم، و عرفونا بمحلهم، و حنّا بهم أبصر.
و منشور السلطان عبد العزیز بن سعود إلی أهل جدة بعزلة الحسین، و تقدیم ولده علی مضمونه: أنه لا یقبل الحسین، و لا أولاده و المنشور لا بد أن یصل جده عن قریب، و الجواب مطلوب بحال السرعة.
و لا حول و لا قوة إلّا باللّه. و صلی اللّه علی محمد و علی آله و صحبه و سلم.
الختم خالد بن منصور/ سلطان بن بجاد
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 141

الجواب علی کتاب خالد و سلطان‌

إلی خالد بن منصور، و سلطان بن بجاد.
و بعد الاحترام.
وصلنا کتابکم، و لا یخفاکم أن حکوماتنا ملتزمة الحیاد التام فی الحرب القائمة بین نجد و الحجاز و علی ذلک، فنحن محایدون، و لا یمکننا التدخل بأی وجه کان فی هذا الخصام، و قد أخذنا علما بأن لیس لکما نظر فی رعایانا، و نؤید مضمون کتابنا الأول المختص بهم و السلام.
معتمد قنصل جلالة ملک بریطانیا العظمی نائب قنصل جلالة ملک هولندا وکیل قنصل جنرال الجمهوریة الفرنسیة قنصل جنرال ملک إیطالیا وکیل قنصل جلالة شاه إیران
و بعد: ما أرسل الجواب قواد الجیش إلی جدة، أرسلوا کتاب القناصل إلی السکان، و ذلک بعد خروجه من الریاض فلمّا وصل النجاب إلی المصلوم- و کان إذ ذاک نازلا هناک- ناوله الکتاب، فأرسل إلیهم السلطان الجواب الآتی:

بسم اللّه الرّحمن الرّحیم‌

السلطنة النجدیة و ملحقاتها فی 24 ربیع الثانی سنة 1343 ه 22 نوفمبر سنة 1924 م، عدد 114.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 142
من عبد العزیز بن عبد الرحمن الفیصل آل سعود إلی حضرات الکرام قناصل الدول العظام فی جدة معتمد الدولة البهیة البریطانیة، و قنصل جنرال الدولة الإیطالیة، و وکیل قنصل جنرال الجمهوریة الفرنسیة، و نائب قنصل ملکة هولندا، و وکیل قنصل شاه إیراه المحترمین.
بعد إهداء ما یلیق بجنابکم من الاحترام، نحیط علمکم بأننا أحطنا علما بکتابکم المؤرخ فی 4 نوفمبر، المرسل إلی أمراء جیشنا خالد بن منصور، و سلطان بن بجاد بخصوص موقف حکوماتکم إزاء الحرب الواقعة بین نجد و الحجاز.
کنت أود من صمیم قلبی أن تحقن الدماء، و تنفذ رغائب العالم الإسلامی الذی ذاق المتاعب فی السنوات الثمانیة الأخیرة، و لکن الشریف علی بن حسین بموقفه فی جدة لم یجعل لنا مجالا للوصول إلی أغراضنا الشریفة. و لذلک فإنا حبّا فی سلامة رعایاکم و محافظة علی أرواحکم و أملاکهم، و ما قد یحدث لهم من الأصرار، واجبنا أن نعرض علیکم ما یأتی:
أولا: أن تخصصوا مکانا ملائما لرعایاکم فی داخل جدة و خارجها، و تخبرونا بذلک المکان، لنرسل إلیهم من رجالنا من یقوم بحفظهم و رعایتهم.
ثانیا: إذا رأیتم أن ترسلوهم إلی مکة لیکونوا فی جوار حرم اللّه، بعیدین عن غوائل الحرب و أخطارها، فإننا نقبلهم علی الرحب، و ننزلهم المنزلة اللائقة بهم.
و إننا نرجوکم أن ترسلوا کتابنا هذا إلی أهل جدة، لیکونوا علی بینة
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 143
من أمرهم. و إننا لا نعد مسؤولین عن شی‌ء بعد بیاننا هذا، و تقبلوا فی الختام تحیة خالصة منی.
الختم‌

هذا نص الکتاب إلی أهل جدة

من عبد العزیز آل فیصل آل سعود إلی أهالی جدة کافة.
السلام علیکم و رحمة اللّه و برکاته.
و بعد، فلا بد أنه بلغکم أن أغلب العالم الإسلامی قد أبدی عدم رضاه عن حکم الحجاز بواسطة الحسین و أولاده. و إنا حبا بسیادة الإسلام، و حقن الدماء، نعرض علیکم أنکم فی عهد اللّه و أمانه من أموالکم و أنفسکم، إذا سلکتم مسلک أهل مکة.
و بالنظر إلی وجود الأمیر علی بین أظهرکم، و خروجه علی الرأی الإسلام، فإنا نعرض علیکم الخروج من البلد، و الإقامة فی مکان معین، أو القدوم إلی مکة سلامة لأرواحکم و أموالکم، أو الضغط علی الشریف علی، و إخراجه من بلادکم فإن فعلتم غیر ذلک بمساعدة المذکور أو بولائه، فنحن معذرون أمام العالم الإسلامی، و تبعة ما قد یقع من الحوادث تکون من المسبب. و السلام.
الختم‌

جواب القناصل علی کتاب السلطان‌

من ممثلی الدول الموقعین أدناه إلی حضرة صاحب العظمة عبد العزیز بن عبد الرحمن آل فیصل آل سعود سلطان نجد الأکرم.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 144
بعد تقدیم واجبات الاحترام، فقد وصلنا کتابکم المؤرخ فی 24 ربیع الثانی عدد 114، و ما ذکرتموه صار معلوما لدینا.
أما بخصوص الاقتراحات المتعلقة بحفظ رعایانا، و تأمینهم من خطر الحرب، نری من اللازم أن نذکر عظمتکم بأن احترام رعایانا علی حقوق دولیة متبعة فی أیام الحرب فبناء علیه ندعوکم باسم حکوماتنا جمیعا إلی احترام أشخاص رعایانا مع أموالهم، و أن لا تکونوا مسؤولین بجمیع ما یقع علیهم فی أی وقت و أی مکان کان.
أما بخصوص الکتاب المرسل باسم أهل جدة، فنحن لا یمکننا تسلیمه، نظرا لقاعدة الحیاد التی نتبعها، و التی لا تسمح لنا بالتدخل فی أی وجه کان. فعلیه نعیده إلیکم.
و فی الختام تقبلوا فائق الاحترام.
نائب قنصل هولندا القائم بشؤون القنصلیة الفرنسیة وکیل قنصل جلالة شاه إیران معتمد و قنصل بریطانیا العظمی قنصل جنرال ملک إیطالیا

صورة الکتاب الذی أرسله الحزب الوطنی إلی الأمیر خالد بمکة

بسم اللّه الرّحمن الرّحیم
من عموم أهالی جدة و أهالی مکة الموجودین بجدة إلی حضرة الأمیر خالد بن منصور بن لؤی قائد الجیوش السعودیة.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 145
السلام علیکم و رحمة اللّه و برکاته.
و بعد: فقد وصل إلینا کتاب الإمام عبد العزیز بن سعود الذی یخاطب به جمیع أهل مکة وجدة، و یؤمنهم فیه علی أرواحهم و أموالهم.
فأما ما ذکر الشریف الحسین، و ما هو واقع بینهما، فنفیدکم أن المذکور قد تنازل عن الملک، و أجابه بطلب الأمة، و بارح البلاد. و بایع الناس ولده الشریف علی، لما یعرفونه من حسن أخلاقه، و حبه للمسالمة لعموم من فی جزیرة العرب. و اشترطوا علیه النزول علی رأی المسلمین فیما یقررونه لسعادة البلاد و استقرارها.
و حیث إن الإمام عبد العزیز قد ذکر فی کتابه أنه سیجعل أمر هذه البلاد المقدسة شوری بین المسلمین، فقد اتفقنا- و الحمد للّه- نحن و إیاه فی نقطة واحدة، لا شک أن فیها المصلحة العامة لهذه البلاد المحترمة المقدسة. فنری أنه لم یبق موجب للقتال، و سفک الدماء، و أصبح الحال المطلوب من الطرفین واضحا جلیا.
و حیث الأمر ما ذکر، نکلف سیادتکم بالموافقة علی إرسال مندوبین من طرفنا إلیکم، یکونون فی أمان اللّه، و أمان الإمام عبد العزیز بن سعود، و أمانکم، لعقد هدنة توفق القتال، و تصون الطرفین من سفک الدماء، إلی أن تحضر الوفود التی طلبنا حضورها من جمیع الأقطار الإسلامیة، و علی الخصوص من جمعیة الخلافة بالهند. و بعد اجتماع الوفود، تنزل علی ما تقرره و تراه.
هذا ما ندعوکم و نکلّفکم بقبوله طبقا لما جاء بکتاب الإمام عبد العزیز بن السعود، و لا شک أنکم توافقون علیه. و اللّه ولی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 146
التوفیق، و صلّی اللّه علی سیدنا محمد و علی آله و صحبه و سلم.
رئیس الحزب الوطنی الحجازی محمد طویل‌

الجواب علیه‌

بسم اللّه الرّحمن الرّحیم
من خالد بن منصور بن لؤی إلی محمد طویل و کافة الأعضاء.
السلام علی عباد اللّه الصالحین.
أما بعد: خطابکم وصل، و فهمنا مضمونه بعده من طرف بیت اللّه الحرام و أتباعه جاء اللّه به عنوة للمسلمین، و طهر اللّه بیته من الحسین و أولاده بسبب إلحادهم فی حرم اللّه، و تعدیهم حدود اللّه، و ظلمهم فی کل قطر. و الذی یبقی یتعلق بمحبته و معاونته ماله عندنا إلّا القوامة بحول اللّه و قوته. و إن بغی علی بن الحسین الأمان، فیقبل و یواجهنا مأمون المجالس. و المخابرة لها راعی، و هو الإمام عبد العزیز- حفظه اللّه و رعاه- مع وصول الخبر یستوی علم زین. و مقام علی عندکم من غیر مواجهة بیننا و بینه نتیجة الفساد، یکون معلوم.
و صلی اللّه علی محمد و آله و صحبه و سلم.
22 ربیع الأول 1343 ه

الکتاب الثانی للحزب الوطنی إلی الأمیر خالد

من محمد طویل و جمیع الأعضاء إلی حضرة الأمیر خالد بن منصور بن لؤی قائد الجیوش.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 147
السلام علیکم و رحمة اللّه و برکاته. و بعد، فقد وصل کتابکم، و جمیع ما به علم. و سنرسل لکم بعد باکر أربعة أشخاص بالنیابة عن جمیع الأهالی الموجودین بجدة للسلام علیکم، و إفهامکم الحقائق، و أخذ الحقائق منکم رأسا.
و أما ما ذکرتوه من المحبة و التعلیق فی الرحل، فلیس عندنا من هذا شی‌ء، لا لنا تعلّق إلّا لما فیه مصلحة المسلمین.- و اللّه علی ما نقول وکیل.
و صلّی اللّه علی سیدنا محمد و آله و صحبه و سلم.
23 ربیع الأول سنة 1343 ه
سلیمان قابل، صالح أبو بکر شطا، محمد طویل، محمود شهلوب، عبد الرؤوف صبان، عبد اللّه علی رضا
و قد جاء الجواب بالقبول.

توجه ستة أشخاص من الحزب إلی مکة

و فی یوم الأربعاء سنة 1343 ه توجّه الحزب من جدة إلی مکة، و هم ستة أشخاص: الشیخ محمد نصیف و الأعضاء: عبد الرؤوف الصبان، علی سلامة، سلیمان غرایة، محمود شهلوب و صالح شطا، حاملا تخویلا و توکیلا من الحزب الأساسی فی کل مفاوضة تعود بحقن الدماء. و بعد ما توجّهوا إلی مکة وصلهم کتاب فی أثناء الطریق من الحزب الأساسی، هذا نصه:

صورة الکتاب الذی أرسله الحزب إلی الوفد المتوجه إلی مکة

تحریرا بجدة 24 ربیع الأول سنة 1343 ه.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 148
جناب محترم المقام حضرات الشیخ محمد نصیف و رفقائه- حفظهم اللّه-.
السلام علیکم و رحمة اللّه و برکاته. نفیدکم أن کافة الأهالی حرروا بعد توجهکم مضبطة، تحتوی علی عدم الدفاع بتاتا، و عرضوها علی رئیس الوکلاء لتقدیمها إلی الملک رأسا. و دار بینهم الحدیث الطویل، و أخیرا وعدهم بالجواب النهائی باکرا. و بما أننا وعدناکم بالإفادة، نبادر تقدیم هذا، و سنفیدکم بعده بما یحدث. و ها نحو مقدمین لکم طیة صورة المضبطة للاطلاع علیها، و دمتم.
رئیس الحزب الوطنی محمد طویل‌

صورة المضبطة التی قدمها الأهالی إلی الشریف علی‌

صاحب الإقبال رئیس وکلاء الحکومة الحجازیة بجدة: نحن الموقعین أدناه، الممثلین لکافة الشعب الحجازی، المتکوّن من عناصر مختلفة، نصرّح علنا بأنه بالنسبة لما بیدنا من التحاریر الواردة من مصادر یوثق بها من مکة، علاوة علی الإنذار النهائی، و التهدید و الوعید الذی نص علیه التحریر الوارد من قائد الجیوش السعودیة، بناء علی ما بلغه من تشیید الخنادق و المعاقل و الحصون، و الاستعداد للحرب، و تحضیر کل ما یلزم من الحنجانة و آلات الحرب، و هو ما أوردت الهیاج فی قلوب الأهالی و غیرهم، بأنه سیضطر لاقتحام هذا الشعب الهادی فی هذا البلد الذی هو مفتاح الحجاز، و دار المرابطة، و باب البلد الأمین المنحصر
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 149
ضمن دائرة طبیعیة، لیس بعدها إلّا بحر زاخر آخر، المشتمل هذا البلد علی عناصر مختلفة من سفراء الدول الأوروبیة و غیرهم، و النزلاء و الوطنیین، و أهل الحرمین الملتجئین العزل عن سلاح المدافعة، نصرّح جمیعا مؤیدین من الشعب الحجازی برمته علی المطالبة من الحکومة الحجازیة العدول عن خطط الدفاع القائمة بتأسیسها الآن، لعدم رضائنا عن ذلک، و سخطنا عن کل مشروع کهذا، یکون أقل نتائجه إراقة الدماء، و إزهاق الأرواح البرئیة، خصوصا بعد أن أصبحنا علی وثوق تام، و اعتقاد راسخ بالتحری من الفنیین بالحرکات العسکریة، و الواقفین تماما علی أصولها و فروعها، بأن القوة المراد المدافعة بها لیس فی استطاعتها الثبات بأی وجه من الوجوه، کما و أنه لیس هنا وقت یخوّل لنا، أو یمکننا من الاستعداد للمدافعة بأصولها التی یمکن بها نوال الظفر علی نتیجة مرضیة، تجعلنا فی أمن علی أرواحنا و أموالنا.
و بما أن التحریر المشار إلیه بأعلاه یحتوی علی أعظم تهدید و وعید خاص ببقاء جلالة الملک علی الأول ملک الحجاز بین ظهرانینا، فقد رأی الشعب الحجازی وجوب التوسل إلی جلالته باسم الإنسانیة بأن ینزل علی رأی المسلمین الحجازیین، بالرجوع عن الدفاع الذی استعد له، حالة کونه مشمولا بالإجلال و الاحترام و العواطف الشریفة من هذا الشعب الحانی علی جلالته حنوة الأبوّة، بأسرع ما یمکن حقنا للدماء، و دراء لما ینشأ من اقتحام الجیوش السعودیة، و دخولها بالقوة و بالصفة التی وقعت بالطائف و أکثر. و ذلک هو ما دعانا إلی المطالبة بوجوب الإسراع فی العدول عن الخطط الدفاعیة، و الجنوح إلی الطرق السلمیة المطلقة. و إن لنا وطید الأمل فی قبول جلالته لالتماسنا هذا.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 150
و لحرصنا العظیم علی تلک الأمنیة المقدسة، رأینا أن نبادر بالإسراع، و بتقدیم هذه العریضة لوجاهتکم، ملتمسین عرضها علی جلالة الملک المعظّم. و لکم من اللّه الجزاء، و من الشعب الامتنان.
23 ربیع الأول سنة 1343 ه الإمضاء: جمیع الأمة
قدمت هذه العریضة إلی رئیس الوکلاء، و هو قدمها إلی الشریف علی، فکان جوابه: أنه لا بد من الدفاع مهما صار. و هددهم بأن البلاد بلاد أجداده، و أن جمیع الأمة أخلاط، لیس لهم الحق فی إسداء أی رأی، أو طلب أی شی‌ء. فحینما علم الحزب الأساسی بذلک، أرسل إلی الحزب الموفد هذا الکتاب.

الکتاب الثانی من الحزب إلی الوفد

من جدة تحریرا فی الساعة الثالثة من لیل 25 ربیع الأول سنة 1343 ه.
جناب محترم المقام حضرات المشائخ محمد حسین نصیف و رفقائه، أعضاء الوفد- حفظهم اللّه- السلام علیکم و رحمة اللّه و برکاته.
و بعد: فقد تقدمت المضبطة بإمضاء الأهالی بطلب عدم الدفاع من أمس، و کان الجواب الیوم نهائیا بأن لا بد من الدفاع، و لا سبیل لغیر ذلک. و بعد عجزنا عن إقناعه بالنسبة لضعفنا و قوّته، طلبنا منه أن یکتب کتابا للأمیر خالد بن منصور بإمضاء الملک بالموافقة علی توقیف الحرب، و الأخذ فی أسباب التفاهم بینه و بین الأمیر خالد، إن کان مفوضا. و إن لم یکن مفوضا، یمهلنا بدون حرب، و بدون حرکة من الجانبین بحیث یبقی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 151
کل فی محله إلی حضور الإمام عبد العزیز بن السعود، و بعد دخوله یحصل التفاهم معه. و إن لم یوافق علی هذا أیضا، فالذی هنا أخذ فی أسباب الدفاع بکل همة و نشاط، و لا یرجع عن هذه الفکرة مهما کانت النتیجة. و علاوة علی هذا، یأمل أن یصله عسکر و دبابات و طیارات.
فبعد وقوفکم علی هذه الحقیقة، تعرفون أن الأمیر خالد یوافق علی هذا، کان فیها. و إن لم یلزم، تأخذوا فی أسباب رجوعکم إلی جدة حالا قبل وصول کتاب الملک للأمیر خالد. و الحذر من التأخیر و الإهمال، و الأمر للّه و لکم. و قد أوقفناکم علی الحقیقة، فاتبعوا ما فیه سلامتکم، و توکّلوا علی اللّه بسرعة التوجّه، و اللّه یرعاکم. نحرر هذا بحضور عموم الهیئة.
سلیمان قابل، عبد اللّه رضا، محمد طویل
و بعد وصول الحزب مکة، وضع المسألة علی بساط البحث مع الأمیر خالد. و لکن الأمیر تصلّب، و خیّرهم ما بین ثلاث: إما أن یقبضوا علی الأمیر علی، أو یجبروه علی الخروج من الحجاز. و إن لم یقدروا لضعفهم، فلدیهم خارج البلد قوة من البدو المتطوعین فی الجیش النجدی لیساعدوهم علی ما یریدون.
فتوجّه الوفد إلی جدة حاملا هذه الشروط، لیعرضها علی الأمة لتری المصلحة التی تتلائم لها، و المخرج الذی ینفعها. و وصل جدة یوم السبت 26 ربیع الأول، و اجتمع فی الیوم نفسه- الساعة اثنین لیلا- مع أعیان البلدة و الأمة، و عرض علیهم الشروط، و أخبرهم أن لهم مهلة إلی عشرة أیام. فاجتمعت الأمة، و قررت أن تذهب إلی دار الملک، و تجبره علی التنازل. و لکن الرئیس محمد طویل ما وافقهم علی ذلک، بل هددهم، ثم
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 152
قال: من الآن أعد نفسی منفصلا عن الحزب، و أعد أن الحزب ألغی.
فصارت الأمة فی وجل العضاء فی جدال. و أخیرا خرج الحزب.
فمن تلک الساعة ألغی الحزب بتاتا، و ذلک فی یوم الأحد 27 ربیع الأول سنة 1343.

سجن بعض رجال الحزب و نفی بعضهم‌

أمر الملک علی وزیر الحربیة أن یقبض علی بعض أشخاص فی جدة، و هم: قاسم زنیل، علی سلامة، سلیمان غرایة، عبد الرحمن باجنید، صالح شطا، و یحاکمهم. ثم یأمر بسجنهم، و یعقد محکمة بإعدامهم، و کان ذلک یوم الخمیس 9 ربیع الثانی سنة 1343 ه.
ثم بعد ستة أیام أحضرهم الملک فی قصره، و عفا عنهم بعد النصح لهم بعدم التعرّض، أو التکلم فی الحکومة، فأطلقوا یوم الخمیس 16 ربیع الثانی سنة 1343 ه.
و فی یوم الخمیس 11 رجب سنة 1343 ه أمر الملک بسجن الشیخ محمد نصیف، و ذلک بعد وصول فرس إلی جدة- قد أوصی الشیخ محمد نصیف لبعض أهل سوریا إلی إرساله- فلما وصل الفرس إلی جدة، قالوا: إن هذا الفرس موفدة من علی باشا- أمیر مکة سابقا- هدیة إلی ابن سعود بواسطة الشیخ محمد نصیف. و بعد ثلاثة أیام، أمر بتسفیره إلی العقبة، فأخذوه لیلا- الساعة السادسة من لیلة الأربعاء 14 رجب سنة 1343 ه- علی الباخرة رقمتین.
و نفی معه أیضا الشیخ سلیمان غرایة، و الشیخ سعید باخشوین، و الشیخ عبد الرحمن باجنید، و باداود. فلما وصلوا إلی العقبة، أدخلوهم
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 153
فی قبو لا منفذ منه و لا نور و لا فراش، و وجدوا فیه من الضیق، و ضنک العیش ما لا مزید علیه. و لما سمع أحمد زکی باشا باعتقال الشیخ محمد نصیف، کتب إلی الأمیر عبد اللّه- أمیر شرق الأردن- هذه البرقیة:
صاحب السمو الأمیر عبد اللّه: أرجو أن یتجلی حکم الرسول، و یتجدد عفو المأمون بشخصکم المحبوب، فتتوسطون لصدیقی الوحید السید محمد حسین نصیف. فقد ساءنی جدا ما بلغنی الیوم بنفیه من جدة «للعقبة»، مع تضییق الخناقة علیه، و الإساءة إلیه من والیها. و آمالی عظیمة فیمن هو أعظم فیها، و هو سیدی الأمیر، بقبول شفاعتی و تنازله- بالتوسل بوالد الجمیع- لإرساله بمصر بمنزلی، و أنا أتعهّد بامتناعه مطلقا عما لا یرضیکم. و أنتم تعرفون صدق إخلاصی لسموّکم و لبیتکم الکریم.
أحمد زکی باشا
فلما وصل التلغراف لسمو الأمیر، أبرق للأستاذ الباشا ما یلی:
عطوفة أحمد زکی باشا مصر: سأرفع ملتمسکم لمحل اللزوم، و أوصل غیرتکم فی العقبة، کما وجهتمونا، لحبکم الملتمس الذی هو خیر و نعمة.
عبد اللّه
و بعد أیام قلائل أطلق الشیخ محمد نصیف و رفقائه، و توجهوا من العقبة إلی جدة، فوصلوا جدة یوم الأربعاء 8 رمضان سنة 1343 ه. و لما واجه الشیخ محمد نصیف الملک علیا، قال له: قد ثبت إنک بری‌ء، و إن سفرک کتب علیک. ثم تمثل بقول الشاعر:
مشیناها خطا کتبت علیناو من کتبت علیه خطا مشاها
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 154
کل ذلک یدل علی أن جلالته أصبح قانعا بإخلاص الحقیة لشخصه المحترم المحبوب، و إن ما عزی إلی بوشایة الواشین. و بالختام ألتمس من عطوفکم قبول خالص شکری، و فائق احترامی.
محمد حسین نصیف‌

کتاب الشریف علی إلی الأمیر خالد

المحترم الشریف خالد بن لؤی.
و بعد، اطلعنا علی عدة کتب منکم لأهالی جدة عموما و خصوصا، و فیها التهدید و الوعید. و حیث إن أهالی جدة محکومین بحکّام رؤساء، لیس فی استطاعتهم تنفیذ ما تطلبون منهم، و لیس من شیمتهم إجراء ذلک، رأینا أن نحرر لک کتابنا هذا:
بأنک إن کنت مفوضا من قبل حضرة الأخ السلطان عبد العزیز فی المذاکرة فیما یختص بحقن دماء المسلمین، و یدفع السحق و المحق عن البلاد، فعیّن لنا مندوبین من طرفک، و مندوبین من طرفنا نعیّنهم، و یجتمعوا عندک فی مکة، أو فی بحرة. و إن کنت غیر مفوّض من الأخ سلطان نجد، فتخبر عظمته یفوّضک، أو یفوّض من یراه للمذاکرة فی ذلک، و تکون الحرکات الحربیة موقوفة من طرفک و من طرفنا، إلی أن یأتی الجواب من حضرة الأخ السلطان عبد العزیز. و إن تقول لا هذا و لا هذا، فالأمر مفوض لمن بیده العزة و القدرة فی کل حال.
علی
و فی 19 ربیع الأول وصلت باخرة رضوی فی جدة، تحمل نجدة من شرق الأردن، عددهم ثلاث مئة و مئة من عرب شمر النازحین إلی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 155
الشرق الغربی، بقیادة أمیر اللواء تحسین باشا الفقیر، و قد جندهم الأمیر عبد اللّه، بمساعدة بعض الأنصار فی فلسطین.
و فی غرة ربیع الثانی جاء کتاب مؤرخ 17 ربیع الأول من السلطان عبد العزیز بن عبد الرحمن، فجمع الأمیر خالد العلماء و الأئمة و غیرهم، و قرأ الکتاب علیهم، و هذا نصه:

بسم اللّه الرّحمن الرّحیم‌

من عبد العزیز بن عبد الرحمن آل فیصل إلی أهالی مکة وجدة.
السلام علیکم و رحمة اللّه و برکاته.
أما بعد، فقد أخذنا تلغرافا عن لسانکم، یفید أنکم خلعتم الحسین بن علی، و ولیتم ولده مکانه. و لما کنّا نحب أن یود بیننا و بینکم روح التفاهم، أحببنا أن نکتب إلیکم هذا الکتاب بعد کتابنا الأول.
إننا لا نرید أن نحتل بلادکم، أو التسلّط علیکم. و لیس بیننا و بینکم أدنی خصومة. فأنتم سکان البلد المقدسة، لکم علینا حق الاحترام و الإکبار، إننا لا نقبل بحال من الأحوال أن یتسلط علی الحجاز الحسین، أو أحد أولاده. فإن طریقة إدارة البلاد سیترک الفصل فیها للعالم الإسلامی، الذی سیکون بقراره الکلمة الأخیرة. و إن کل من خرج عن طاعة الشریف و أولاده، فهو فی أمان اللّه و دمه. و من سلک غیر سبیل المسلمین، و أعان الحسین و أولاده علی عسفه و جوره، فنحن معذورون أمام العالم الإسلامی، إذا ما أصابه ضرر أثناء وصولنا إلی غایتنا الشریفة التی ننشدها.
یا أهل مکة وجدة، إننا لا نقصد إلّا النهوض بالعرب، و إعلاء شأن
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 156
الإسلام و المسلمین، و جعل البلاد المبارکة حرة لمن یقصدها من الوافدین. نسأل اللّه أن یبصرکم بمصالحکم، و یهدیکم إلی سبیل الرشاد.
17 ربیع الأول سنة 1343 ه
و فی شهر ربیع الأول من سنة 1343 ه کتب الشیخ عبد الرحمن بن محمد بن داود، و محمد بن عثمان الشاوی الرسالة الآتیة، و عرضوها علی علماء مکة. فکتبوا علیها بالموافقة، و وضعوا أسماءهم فیها، هذا نصه:

و هذا نص الرسالة

من عبد الرحمن بن داود، و محمد بن عثمان الشاوی إلی من یراه من أهل مکة المشرفة، وفقنا اللّه و إیاهم لفعل الخیرات، و ترک المنکرات.
و استعملنا و إیاهم بالباقیات الصالحات. آمین.
سلام علیکم و رحمة اللّه و برکاته.
فالموجب لتحریر هذا الکتاب هو النصیحة لکم، و الشفقة علیکم، و المعذرة إلی اللّه فی إبلاغکم. فاعلموا- وفقنا اللّه و إیاکم- أن اللّه سبحانه خلق عباده- جنّهم و إنسهم- لعبادته وحده لا شریک له، کما قال تعالی: وَ ما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلَّا لِیَعْبُدُونِ [الذاریات: 56]. و قال تعالی:* وَ اعْبُدُوا اللَّهَ وَ لا تُشْرِکُوا بِهِ شَیْئاً [النساء: 36]. و قال تعالی:* وَ قَضی رَبُّکَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِیَّاهُ [الإسراء: 33].
فعبادته هی توحیده و طاعته، بامتثال ما أمر به علی ألسنة رسله. فإذا علم الإنسان أن اللّه سبحانه إنما خلقه لعبادته، فحق علیه أن یسأل عن معنی العبادة التی خلق لها، حتی یتصف بها علما و عملا. و أعظم الفرائض، و أوجب الواجبات توحید اللّه تبارک و تعالی، الذی اتفقت علیه
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 157
دعوة جمیع الرسل، من أولهم إلی آخرهم، کما قال تعالی: وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِکَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِی إِلَیْهِ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ [الأنبیاء: 25].
و التوحید إقرار اللّه تعالی بجمیع أنواع العبادة، کالدعاء، و الخوف، و الرجاء، و الرغبة، و الرهبة، و الخشوع، و الخشیة، و الالتجاء، و الاستعانة، و الاستعاذة، و الذبح، و النذر. فکل هذه الأنواع، و ما فی معناها عبادات لا تصلح إلّا للّه تبارک و تعالی. فمن حرف منها شیئا لغیر اللّه، فهو مشرک کافر، کما قال تعالی: وَ مَنْ یَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّما حِسابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا یُفْلِحُ الْکافِرُونَ [الحج: 117]. و قال تعالی: فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً [الجن: 18]. و قال تعالی: وَ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ یَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا یَسْتَجِیبُ لَهُ إِلی یَوْمِ الْقِیامَةِ وَ هُمْ عَنْ دُعائِهِمْ غافِلُونَ [الأحقاق: 5]. فقول: یا رسول اللّه، أو: یا بن عباس، أو: یا خدیجة، هو من دعاء غیر اللّه، و هو من الشرک الأکبر. إذ العبادة خالص حق رب العالمین، و لا یجوز صرفها إلی غیره، لا ملک مقرب، و لا نبی مرسل، فضلا عن غیرهما من الأولیاء، و الأشجار، و الأحجار. و النبی صلی اللّه علیه و سلم حقه علینا هو تعظیمه باتباع أمره، و اجتناب ما نهی عنه، و تعزیزه و توقیره، و تقدیم محبته علی محبة النفس و الأهل و المال، و أن یکون هو کالعبد تابعا لما جاء به صلی اللّه علیه و سلم. و حق الصالحین الدعاء لهم، و اتباع آثارهم، لا دعاؤهم و التمسح بقبورهم.
فلیحذر الإنسان کل الحذر أن یقع فی الشرک، الذی لا یغفره اللّه، کما قال تعالی: إِنَّ اللَّهَ لا یَغْفِرُ أَنْ یُشْرَکَ بِهِ وَ یَغْفِرُ ما دُونَ ذلِکَ لِمَنْ یَشاءُ [النساء: 48]. و قال عن المسیح علیه السلام: إنه من یشرک باللّه فقد حرم اللّه علیه الجنة و مأواه النار و ما للظالمین من أنصار. فمن دعا غیر اللّه، فهو
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 158
مشرک لو قال: إنی أقول ذلک علی سبیل المجاز. و لو سماه ما سماه، إذ العبرة بالحقائق و المعانی، لا بالأسماء.
و من الأمور المنکرة البناء علی القبور، و الصلاة عندها، و لو کان المصلی إنما یصلی للّه، لقول النبی صلی اللّه علیه و سلم: «لعنة اللّه علی الیهود و النصاری، اتخذوا قبور أنبیائهم مساجد». یحذر ما صنعوا. و نهی النبی صلی اللّه علیه و سلم عن البناء علی القبور و تجصیصها فی عدة أحادیث، و کذلک السراج علی القبور. و لعن النبی صلی اللّه علیه و سلم زائرات القبور، و المتخذین علیها المساجد و السرج. فعبادة اللّه عند القبور بدعة، و عبادة أصحابها شرک أکبر ینافی التوحید.
و کذلک من البدع: سؤال اللّه بجاه المخلوقین. فإن هذا لم یشرعه اللّه و لا رسوله، و لا ورد بسند صحیح صریح، لا عن النبی صلی اللّه علیه و سلم، و لا عن أحد من الخلفاء الراشدین المقتدی بهم. و نحن متبعون لا مبتدعون. و إنما المشروع: أن یسأل العبد ربه بأسمائه و صفاته کما قال تعالی: وَ لِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنی فَادْعُوهُ بِها [الإسراء: 18].
و من أقسام الشرک الأصغر: الحلف بغیر اللّه، لقول النبی صلی اللّه علیه و سلم: «من حلف بغیر اللّه، فقد کفر أو أشرک». و ذلک کالحلف بالأمانة، و البیت، و غیر ذلک.
فافهموا ما ذکرنا و من أشکل علیه شی‌ء من ذلک، فلیسأل اللّه أن یهده الصّراط المستقیم، و لیراجع تفاسیر الکتاب العزیز، کتفسیر ابن جریر، و ابن کثیر، و البغوی، و غیر ذلک من تفاسیر أهل السنّة. و لیراجع کلام المحققین کالأئمة الأربعة، فمن بعدهم من علماء السنّة، و لیراجع
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 159
تصانیف شیخنا محمد بن عبد الوهاب رحمه اللّه، فإنه إن کان منصفا طالبا للحق، رأی ما یثلج الصدور، و یزیل الإشکال من الاستدلال بالآیات القرآنیة، و الأحادیث النبویة، و الآثار السلفیة، و الحق ضالة المؤمن.
ثم بعد ذلک الاهتمام بشأن الصلوات فی أوقاتها فی الجماعات، و المحافظة علی شرائطها، و الطمأنینة فیها، و ترک مسابقة الإمام، فإنها محرمة فی الأحادیث. قال بعض الصحابة لمّا رأی رجلا یسابق الإمام:
لا وحدک صلیت، و لا بإمامک اقتضیت و الصلاة هی عمود الإسلام، و آخر ما یفقد من الدین، و آکد شرائع الإسلام بعد الشهادتین من حفظها، فقد حفظ دینه من ضیعها لما سواها أضیع. فاهتموا بشأنها، و تناصحوا فیما بینکم، و من رأیتم منه خللا أو تأخرا، افعلوه و ازجروه فإن لم یقبل، فارفعوا أمره إلی الولاة فإنه ورد: أن المحسن شریک المسی‌ء إذا لم ینهه.
و کذلک الزکاة، فاهتموا بها، فإنها قرینة الصلاة فی الکتاب و السنّة، و هی طهرة للمال و تعاونوا علی البر و التقوی، و امروا بالمعروف، و انهوا عن المنکر امتثالا لقوله تعالی: وَ لْتَکُنْ مِنْکُمْ أُمَّةٌ یَدْعُونَ إِلَی الْخَیْرِ وَ یَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ یَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْکَرِ وَ أُولئِکَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [آل عمران: 104].
و قال تعالی: لُعِنَ الَّذِینَ کَفَرُوا مِنْ بَنِی إِسْرائِیلَ عَلی لِسانِ داوُدَ وَ عِیسَی ابْنِ مَرْیَمَ ذلِکَ بِما عَصَوْا وَ کانُوا یَعْتَدُونَ (78) کانُوا لا یَتَناهَوْنَ عَنْ مُنکَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ ما کانُوا یَفْعَلُونَ [المائدة: 78، 79]. و ورد:
«إن الناس إذا رأوا المنکر، فلم یغیروه أوشک أن یعمهم اللّه بعقاب من عنده».
إذا تقرر ذلک، فأعظم المنکرات: الشرک و وسائله و ذرائعه الموصلة
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 160
إلیه، کالبناء علی القبور، و إسراجها، و اتخاذها عیدا، و تحری الصلاة عندها، کما استفاض الحدیث عن النبی صلی اللّه علیه و سلم فی النهی عن ذلک، و لعن فاعله.
و کذلک ارتکاب ما حرمه اللّه من الزنا، و السرقة، و شرب المسکرات علی اختلاف أنواعها، و خیانة الأمانة، و أکل أموال الناس بالباطل، کالمعاملة الربویة، و الغش، و بخس المکاییل و الموازین، و کذلک شهادة الزور، و الیمین الغموس الذی یقتطع بها مال امری‌ء مسلم بغیر حق، و قذف المحصنات الغافلات المؤمنات.
و بالجملة فأهم ما علی الإنسان معرفة ما خلقه اللّه له، و ما أوجبه علیه، أو العمل بذلک، و اجتناب ما نهاه اللّه عنه فی کتابه، و علی لسان رسوله صلی اللّه علیه و سلم. و أنتم جیران بیت اللّه، و سکان مهابط وحیه، فینبغی لکم الاهتمام بتطهیره ممّا یسخط اللّه، کما أمر اللّه بتطهیره و توعد علی الإلحاد فیه، فقال تعالی: وَ مَنْ یُرِدْ فِیهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِیمٍ [الحج: 25].
فنسأل اللّه أن یهدینا و إیاکم الصراط المستقیم، و أن یجنبنا طریق المغضوب علیهم و لا الضالین. آمین و صلی اللّه و سلم علی سید المرسلین، و إمام المتقین، و قائد الغر المحجلین، نبیّنا محمد و آله و صحبه أجمعین.

و هذا ما کتبه علماء مکة علی هذه الرسالة

بسم اللّه الرّحمن الرّحیم
و الصلاة و السلام علی من لا نبی بعده.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 161
فقد اطلعنا نحن الواضعون أسماءنا فیه أدناه علی الرسالة المنسوبة لحضرة الشیخ عبد الرحمن بن داود، و حضرة الشیخ محمد بن عثمان المشاوی، فوجدناها مشتملة علی الحق و الصواب، و اعتقادنا أن دعاء الأموات، و طلب الحوائج منهم بقوله: یا فلان أغثنی، أو أنقذنی و أنا فی حسبتک، أو طلب جلب نفع منهم، أو دفع ضر، إن هذا شرک و کفر یحل الدم و المال، و کذلک جمیع ما فیها من إخلاص أنواع العبادة للّه تعالی، و تحریم البناء علی القبور و إسراجها، و ما یتبع جمیع ذلک، هو عین الحق و الصواب و صلی اللّه علی سیدنا محمد و علی آله و صحبه و سلم.
تحریرا فی الیوم الحادی و العشرین من شهر ربیع الثانی من عامنا هذا عام الثالث و الأربعین و الثلاث مئة و الألف.
عمر باجنید، حسین بن محمد عابد المالکی، جمال بن محمد الأمیر المالکی، عباس بن عبد العزیز المالکی، درویش بن حسن العجمی الحنفی، حسین بن عبد الغنی الحنفی، عبد الملک میرداد، عباس بن عبد إله عطی میرداد، محمد سعید أبو الخیر میرداد، المرزوقی أبو حسین، محمد حبیب اللّه الشنقیطی، علی بابصیل، أبو بکر بابصیل، سید علی کتبی، سلیمان غزاوی، عبد اللّه حمدوة، خلیفة قسام الماء، عمر جان، یحیی أمان، زینی کتبی.
وصل إلی مکة کتاب مؤرخ فی 2 ربیع الآخر 1343 من السلطان عبد العزیز بن عبد الرحمن، هذا نصه:
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 162
من عبد العزیز بن عبد الرحمن آل فیصل السعودی إلی إخواننا أهالی مکة المکرمة، عبد القادر بن علی الشیبی، و محمد حبیب اللّه الشنقیطی، و حسین بن محمد عابد، و محمد بن عبد اللّه باجنید، و جمال بن محمد الأمیر، و نائب الحرم سلیمان، و عقیل بن محمد السقاف، و عباس بن عبد العزیز، و محمد عباس بن عبد المعطی، و أبی بکر بابصیل، و شرف حجی، و محمد صالح قطب، و محمد سعید أبو الخیر، و إبراهیم عبد الرحمن آغا، و قاسم آغا، و کافة العلماء، وفقنا اللّه و إیاهم لما یحبه و یرضاه، و جعلنا و إیاهم من عبیده و أولیائه آمین سلام علیکم و رحمة اللّه و برکاته.
أما بعد، وفقنا اللّه و إیاکم الصواب، لا یخفی علیکم أن الخیر کله بحذافیره فی طاعة اللّه و رسوله، و اتباع ما أمرت به الشریعة الغراء، و اجتناب ما نهت عنه و الشر کله بحذافیره فی ضد ذلک. و معلوم حضراتکم أن هذا أمر متعین علی کل مسلم. و أیضا، و اللّه ما أعلم شیئا یرجی به النجاة من غضب رب العزة، و أمرا یستعین به المسلمون علی نوائبهم فی أمور دینهم و دنیاهم إلّا بطاعة اللّه، و السیر علی صراطه المستقیم الذی أمرنا اللّه سبحانه و تعالی باتباعه و اجتناب ضده، کما قال سبحانه و تعالی: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِیمَ (6) صِراطَ الَّذِینَ أَنْعَمْتَ عَلَیْهِمْ غَیْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَیْهِمْ وَ لَا الضَّالِّینَ [الفاتحة: 6، 7].
فالمسلم واجب علیه:
أولا: أن یعرف ربه حقا، و یعرف ما خلق له، کما قال تعالی:
وَ ما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلَّا لِیَعْبُدُونِ [الحجر: 56].
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 163
و ثانیا: یقتدی بالسلف الصالح، الذی یفتخر بهم، و یذب عنهم، و ینفر من کل أمر یباعد عنهم، و أن یتأسی بأقوالهم و أفعالهم. و لیس لنا قدوة و أسوة إلّا بهذا النبی الکریم صلوات اللّه و سلامه علیه و علی آله و أصحابه و من حذا حذوهم إلی یوم الدین، کما قال تعالی: لَقَدْ کانَ لَکُمْ فِی رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ کانَ یَرْجُوا اللَّهَ وَ الْیَوْمَ الْآخِرَ [الأحزاب: 21].
فهذا أمر متعین علی کل مسلم، و بالأخص أنتم یا إخواننا المجاورین لحرم اللّه، لأنکم أحق لذلک، لأمور کثیرة منها: مجاورتکم لهذا البیت الشریف، و منها: إذ من اللّه علیکم باتباع هذه الشریعة الغراء، إنکم تکونون رکنا لجمیع المسلمین فی هذا الحرم، الذی جعله اللّه مثابة للناس و أمنا، و أملی باللّه إنکم أزود مما أظن، و یظن به إخوانکم. و إننا نعذرکم عما فات للمانع القوی، و هم الأتراک و الأشراف الذین شنعوا باسم الوهابیة عند إخوانهم المسلمین، لأجل إمضاء لوازمهم، و لکن کما قال اللّه سبحانه و تعالی: یُرِیدُونَ أَنْ یُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَ یَأْبَی اللَّهُ إِلَّا أَنْ یُتِمَّ نُورَهُ وَ لَوْ کَرِهَ الْکافِرُونَ [التوبة: 32].
و الآن أحببت أن أشرح لکم بعض المواد التی إن شاء اللّه تعالی تریح خاطرکم، و أعتقد أن کل مسلم علی الفطرة یسر بذلک.
أولا: إننا ما سعینا فی هذا الأمر إلّا لأجل أن تکون کلمة اللّه هی العلیا، و دینه هو الظاهر، و أن یصیر مرجعنا و إخواننا المسلمین عموما إلی کتاب اللّه و سنّة رسوله، خصوصا فی هذه البقعة المبارکة التی هی مهبط الوحی.
و ثانیا: دفاعا عن الظلم و الجور الذی فعل لجمیع المسلمین
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 164
المجاورین لحرم اللّه، و الوافدین لأداء فرائضهم التی أوجبها اللّه علیهم.
و ثالثا: دفاعا عن أنفسنا و أوطاننا عما فعله هذا الرجل المغرور و أعوانه.
و الحمد للّه الذی أقر أعیننا، و أعین المسلمین لجمع کلمة المسلمین، و بقمع الملحدین المعاندین، فلهذا السبب الواجب أن أعرفکم أن تتقوا إن شاء اللّه تعالی باللّه، و أننی أبذل جهدی و جدی فیما یأمن اللّه به بیته الحرام، و یریح جمیع الوافدین إلیه، و أن یکون الأمر شوری بین المسلمین علی ما شرع اللّه و رسوله، و أن لا یستبد فیه إن شاء اللّه تعالی بشی‌ء من المظالم و الزخارف، التی تنهی الشریعة، و تجحف بحقوق المسلمین.
فأنا أحببت أن أقدم لکم ما عندی مع هذه النسخ التی هی عقیدة إخوانکم النجدیین، لتنظروا فیها بعین البصیرة، و هی مجموعة الحدیث و الهدیة السنیة. فما وجدتم مطابقا لما فی کتاب اللّه و سنّة رسوله صلی اللّه علیه و سلم، فأقروه. و أرجو أنه صالحنا نحن و إیاکم و إن وجدتم مخالفا لکلامنا من کتاب اللّه و سنّة رسوله، فنبهونا علیه، و نحن إن شاء اللّه تعالی أقرب عن کل أحد إلی الرجوع إلی الحق، إذا قام الدلیل علیه من کتاب اللّه، و سنّة رسوله، و کلام العلماء من سلف هذه الأمة و أئمتها. و نتبرأ إلی اللّه من اتباع الهوی و الغی، و أن نعمل عملا مخالفا لکتاب اللّه و رسوله، و تعجیل هذا الجواب من تلک النسخ المذکورة رجاء إن شاء اللّه- أن تطمئن به نفوسکم، و تعلموا- إن شاء اللّه تعالی أن ما عندنا إلّا الصدق و الإخلاص.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 165
نرجوا أن اللّه یلهمنا و إیاکم الصواب، و أن یعیذنا و إیاکم من شرور أنفسنا، و سیئات أعمالنا، و صلی اللّه علی سیدنا محمد و علی آله و صحبه و سلم.
2 ربیع الآخر سنة 1343 ه
و کتب جواب هذا الکتاب الشیخ عبد القادر الشیبی فی 26 ربیع الثانی من مکة، و هذا نصه:

بسم اللّه الرّحمن الرّحیم‌

الحمد للّه وحده، و الصلاة و السلام علی من لا نبی بعده إن أشرف ما یهدی من البیت و الحرم، و أحسن ما یسدی من الحطیم و الملتزم سلام اللّه الأتم، و رضوانه الأعم، نخص بذلک قدوة السلاطین العظام، و عمدة الملک ذوی الاحترام، من منّ اللّه علیه بخدمة البیت و الحرم، و جعله قدوة و رحمة لجیران بیت اللّه المحترم، جناب المقام العالی، الإمام عبد العزیز بن عبد الحمن آل فیصل آل سعود، أدام مجده الملک المتعال، و وفقه لما یحبه و یرضاه من صالح الأعمال. آمین.
و بعد: فإنا رافعون أکف الابتهال إلی اللّه ذی الجلال أن یمن علینا بسرعة قدومکم إلی البلدة المشرفة، فإن الشدة زادت لتعدی المغتصبین بجدة، و منع الأرزاق من جیران بیت اللّه، و لذا تجاسرنا و رفعنا إلی الهند تلغرافا من الیمن، من ثغر اللیث، الذی هو الآن من أعمالکم، و هذه صورته فی طی هذا. و مثله إلی الجامعة الإسلامیة بمصر، هذا و نأمل من جانب الإمام مساعدتنا بما تقتضیه الأنظار الملوکیة، لا زالت بعنایة اللّه محمیة.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 166
و قد أسرنا التفاهم بجوابکم، المتضمن رضاکم عن جیران بیت اللّه الحرام. و قد ظهر لنا من نوایاکم الطیبة ما هدیتموه إلینا من الهدیة السنیة، و المجموعة العلمیة الحدیثیة، فشکرنا هذا الاعتناء، و لم نزل نهتم بالمطالعة فیما احتویتا علیه من التوحید، الذی هو الأصل فی سعادة الدارین.
لا زالت أیام دولتکم طوال، محفوفة بالصحة و العد و الإقبال، و دمتم فوق ما رقم، و السلام فی المبدأ و الختام 26 ربیع الثانی سنة 1343 ه.
عن عموم جیران بیت اللّه الحرام عبد القادر الشیبی‌

صورة تلغراف التی أرسلت باتفاق أعیان مکة إلی مصر و هند إلی الهند بمبی ... إلی مصر القاهرة

جمیعة الخلافة الإسلامیة، بناء علی أن کلمة التوحید هی الجامعة بیننا، نستصرخ، باللّه، ثم بکم فی إزالة ما حل بنا من منع الأرزاق من جدة إلی جیران بیت اللّه الحرام، حتی فقدنا القوت و النقود أسرعوا أثابکم اللّه تعالی.
عن عموم جیران بیت اللّه الحرام عبد القادر الشیبی
و وصل کتاب إلی مکة من السلطان عبد العزیز، المؤرخ 24 ربیع ثانی سنة 1343 ه، هذا نصه:
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 167
من عبد العزیز بن عبد الرحمن آل فیصل آل سعود إلی حضرة الأخ الشیخ عبد القادر الشیبی، سلمه اللّه آمین.
السلام علیکم و رحمة اللّه و برکاته.
و بعد، فقد أخذ بید السرور کتابکم المملوء حکمة الفائض إخلاصا، فأشکرکم علی بعد نظرکم و حمیتکم نسأل اللّه تعالی أن یوفقنا إلی خدمة البیت الشریف و أهله الخدمة الجدیرة به، و إننا قریبا نصل إلی بلدکم المبارکة، و نقوم بما یجب علینا من الواجب، و لقد عمدنا إلی طرفکم حضرة الشیخ حافظ وهبة، و الدکتور عبد اللّه بیک الدملوجی، لإبلاغکم غایتنا، و إخبارکم بقدومنا، و الوقوف علی رغائبکم و أمانیکم، وفقنا اللّه و إیاکم لما یحبه و یرضاه، و دمتم محفوظین.
فی 24 ربیع الثانی سنة 1343 ه عبد العزیز بن عبد الرحمن آل فیصل‌

خطبة السلطان فی الریاض قبل سفره إلی مکة

و فی العشرة الأولی من ربیع الثانی سنة 1343 ه تأهب السلطان عبد العزیز السفر إلی الحجاز، و قد حضر فی ذلک الحین رؤساء القبائل و الأعیان لیودعوه، فخطب فیهم قائلا:
إنی مسافر إلی مکة، لا للتسلط علیها، بل لرفع المظالم التی أرهقت کاهل العباد إنی مسافر إلی مکة مهبط الوحی، لبسط أحکام الشریعة و تأییدها، إن مکة للمسلمین کافة، و سنجتمع هناک بوفود العالم الإسلامی، فنتبادل و إیاهم الرأی فی الوسائل التی تجعل بیت اللّه بعیدا عن
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 168
الشهوات السیاسیة. و سیکون الحجاز مفتوحا لکل من یرید عمل الخیر من الأفراد و الجماعات.
کتاب السلطان عبد العزیز إلی الإمام یحیی و غیره من أمراء الإسلام المستقلین.
أرسل السلطان عبد العزیز إلی الإمام یحیی و غیره من أمراء الإسلام المستقلین الکتاب الآتی:
أمّا بعد، فقد استقبلت الطریق إلی مکة غیر باغ و لا آثم، فلیتفضل الأخ العظیم بإرسال من یمثله فی مؤتمر مکة حبّا بنشر السلام بین أمم الإسلام.
سلطان نجد عبد العزیز
و فی أول شهر جمادی الأولی سنة 1343 ه وصل الشیخ حافظ وهبة، و الدکتور عبد اللّه الدملوجی مکة المشرفة محرمین بالعمرة، و بعد ما أدیا مناسکها، نزلا فی دار الحکومة الحمیدیة. و بعد صلاة المغرب، اجتمعا بالشیخ عبد القادر الشیبی، فاتح بیت اللّه الحرام، فی داره بالصفا، و کان حاجزا هناک جملة من العلماء و الأماثل و أخبرا الحاضرین بمقاصد الإمام ابن سعود فی هذه النهضة. قالا: إن عندنا بعض أمور نرید أن نقرأها علی العموم من أهالی مکة و مجاوریها فی الساعة الثالثة صباحا، فأمر الشیبی بتبلیغ ذلک للعلماء، و السادات، و الأشراف و الأئمة و الخطباء، و خدمة الحرم، و المطوفین، و غیرهم من أهل الحرف و الصنائع فاجتمعوا زهاء خمسمائة أو أکثر فی دار الحکومة المذکورة، فی الساعة المذکورة، و کان ذلک الیوم یوم الاثنین. و ازدحمت الأماکن، و انتظروا
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 169
حتی کانت الساعة الرابعة و النصف حضر المذکوران: حافظ وهبة، و الدکتور عبد اللّه الدملوجی، فرحبوا غایة الترحیب. و بعد لحظة قام الشیخ حافظ وهبة و افتتح مقاله، و قال:
السلام علیکم و رحمة اللّه و برکاته، نعلمکم أیها الإخوان أننا وفدنا من عند الإمام ابن سعود، ترکناه من مدة عشرة أیام، و سیطل إن شاء اللّه عن قریب طرفکم، و هو یبلغکم جزیل تحیاته، و یقول: إنه یتأسف کثیرا مما حصل من جیشه الذی تقدم إلی الطائف، و إنه یرجوکم السماح فی ذلک، و نحن من هذا الیوم علی حد سواء، إلّا فیما یخالف کتاب اللّه و سنّة رسوله.
و إن الإمام لم یقصد بهذا القیام سلطة علی بلادکم، و إنما قصد إخراج الشریف الحسین و أولاده من أرض الحجاز، و نفیهم بحیث لا یکون تسلط فی هذه البلاد المقدسة، و الحمد للّه علی ذلک، فإن جیشه المنصور، دخل هذه البلدة، و لم یحصل منهم أدنی خلاف علی الأهالی و المجاورین، إلّا علی من کان فی خدمة الشریف الحسین، أو کان موالیه و موافقا علی ظلمه و اعتدائه علی حجاج بیت اللّه الحرام، و الأهالی، و المجاورین.
الآن الإمام سیجمع لدیه من لدن العالم الإسلامی- بحوله تعالی- وفود من جمیع الجهات، و سیکون لکم فی ذلک شأن و کلمة، لأجل انتخاب من یقوم بشؤون هذه البلاد المقدسة. و یکون ذلک کجمهوریة، لا دخل لأحد من الأشخاص، خاصة فی أمور البلاد. بل تکون بحریة خالصة لجماعة المسلمین، لا تؤخذ منهم جبایة علی أشخاصهم، و لا علی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 170
جمالهم، و لا شیئا من الأمور الذی کان یفعلها الشریف حسین، کما هو معلوم لدیکم. و سترون إن شاء اللّه ما یسرکم، و جمیع المسلمین فی خصوص هذه البلدتین المحترمتین، و أن لا یکون ذلک الانتخاب لأحد من أولاده مطلقا، بل من أی عائلة تکون، و یرضی به عموم المسلمین، و یکون تعیینه لمدة سنة واحدة لا غیر، فإن استقام، فیکون انتخاب جدید آخر له، فیبقی هکذا، و نسأل اللّه سبحانه و تعالی أن یوفقنا جمیعا لصالح الأعمال آمین.
و انقضی المجلس علی ذلک، و تفرق ذلک الجمع کل فی شأنه.
انتهی.
نقل الکتاب الذی أرسل السلطان عبد العزیز إلی الأمیر خالد بن منصور من الشعری، و هذا نصه:

بسم اللّه الرّحمن الرّحیم‌

من عبد العزیز بن عبد الرحمن الفیصل إلی جناب الأخ المکرم الأفخم خالد بن منصور سلمه اللّه و أبقاه. آمین.
السلام علیکم و رحمة اللّه و برکاته علی الدوام بعد ذلک، نعرفکم بأن حنا حالا مثورین من الشعری، متوجهین إلیکم نسأل اللّه التسهیل و الذی أخرنا هذه الأیام موجبه منتظر ثوار الإخوان أهل دخنة و الشبیکة و هجرها القصیم، کذلک ثوار الإخوان أهل دخنة و أهل نضر و غزو القصیم، فهم معنا. و أهل الدخنة و الشبیکة و هجرها القصیم، فهم تواروا کلهم، مواعیدهم علی العشیر و حنا قدمناها لحظ قدامنا و الاحنا علی إثره الأخبار من الرأس عجل إن شاء اللّه تعالی.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 171
نرجوا اللّه أن ینصر دینه، و یعلی کلمته، و یوفقنا و إیاکم لما به الخیر. هذا ما لزم تعریفه، مع إبلاغ السلام إلی المشایخ و الإخوان، و من عندنا العیال یسلموا علیکم.
20 ربیع الآخر سنة 1343 ه

وصول عظمة السلطان عبد العزیز إلی أم القری‌

و فی لیلة الجمعة ثامن من جمادی الأولی سنة 1343 وصل السلطان عبد العزیز بن عبد الرحمن آل فیصل بجیوشه إلی مکة، و خیم فی الأبطح.
و فی الساعة الثالثة من لیله طاف و سعی، و فی تلک اللیلة أسرجت الکهرباء فی الحرم الشریف من المغرب.
بعد ما ترک تسریجها مدة عشرة أیام، بسبب غلاء القاز. و کذلک أسرجت الأتاریک أیضا بعد العشاء. و لمّا وصل السلطان إلی باب السلام، مشت المشدیة و الأغادات بالبخور و الأتاریک قدامه، فطاف و أغوات الحرم قدامه، حاملین الأتاریک، ثم بعد فراغه من الطواف، خرج للسعی من باب الصفا، فسعی ماشیا علی قدمیه. و بعد فراغه من السعی، طلع فی بیت باناجة، حیث کان الناس بانتظاره فیه فجلس هناک حصة، و حل إحرامه، ثم سار إلی المخیم.
و فی صباح یوم الجمعة، خرج أعیان مکة من الأشراف، و العلماء، و التجار، و المطوفین، و غیرهم فی الأبطح للقاء السلطان عبد العزیز، فجلسوا ینتظرون فی السرادقات المنصوبة هناک خروج الإمام، و لمّا سار الموکب السلطانی من مقره استعرض قسم الخیالة من جنده، فکنت تراهم یعدون، و کل واحد یصیح: أنا خیال التوحید، أخو من طاع اللّه و یضرب
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 172
برصاصة فی الفضاء. و لمّا انتهت الخیالة، تقدم الرکب قلیلا حتی صار علی بعد بضعة أمتار من السرادق المنصوب، أناخ الإمام راحلته و ترجل، فأحاط به الإخوان من کل جانب، و أقبلوا علیه یهنئونه بالسلامة، و یصافحونه، و یقبلون جبهته، و ازدحموا علیه ازدحاما کثیرا، و لم یستطع الإمام أن یقطع خمسة عشر مترا إلی السرادق بأقل من نصف ساعة. خزانة التواریخ النجدیة ؛ ج‌10 ؛ ص172
ا دخل السرادق، أذن لوفود الأهلین بالدخول علیه، فقدموا فی مقدمتهم الشیخ عبد القادر الشیبی- أمین مفتاح بیت اللّه الحرام- فتقدم، و حمد اللّه إلی الإمام وصوله بالسلامة، ثم قدم له الناس. یعرف بهم الشیخ بنی شیبة واحدا واحدا، و کلهم یصافح بیده، و لم یشأ أن یقبلوا یده، قال: إن المصافحة من عادات العرب، و من فعل الصحابة مع الرسول صلی اللّه علیه و سلم، و مع بعضهم بعضا، و عادات تقبیل الید جاءتنا من الأعاجم.
ثم تکلم عظمة السلطان عن غایته من حرکته الأخیرة فی الحجاز، و لخص القول عن حقیقة معتقد الوهابیین. ثم انتقل القول عن بعض حوادث الطائف، فأظهر أسفه الشدید لما وقع، و قال: إن جنده اتخذ جمیع الأسباب لمنع وقوع الحرب داخل مدینة الطائف، و لکن الشریف علیا لم یشأ إلّا أن یحارب فی داخل المدینة، فحصل ما حصل، مما أسف له أشد الأسف. و قد واسی قلوب بعد الموتورین من تلک الحادثة. و بعد أن أتم الإمام أقواله هذه، طلب شیخ بنی شیبة أن یجتمع بعلماء البلد الحرام فی وقت متّسع، فیحدثهم بالحدیث الذی ذکر فی السرادق، فضرب له الإمام الموعد فی الساعة الثامنة من الغد- السبت-، و انصرف القوم مسرورین فرحین مستبشرین.
و ما أزفت الساعة المعینة حتی غصّ بهو الحمیدیة بعلماء البلد الحرم
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 173
من أهله، و من المجاورین فیه. و لما أخذ القوم مجالسهم، نهض الأستاذ الشیخ حافظ وهبة، فتکلم بما خلاصته: نکرر علیکم فی هذا الموقف ما کنا ذکرناه لکم من قبل فی اجتماع سابق، و هو أن عظمة السلطان عبد العزیز بن سعود یری أن هذه البقعة المبارکة من أقدس بلاد اللّه، و أن قلوب مثات الملایین من المسلمین تهفوا إلیها، و یحجونها. فإذا کانت هذه البلاد التی هی مسطح النور، و مهبط الوحی، و منشأ الهدی للناس أجمعین، یرجع الأمر فیها کما بدی‌ء به أول مرة، و تتطهر من البدع و الضلالات، یزداد مقامها فی لقوب المسلمین أضعافا مضاعفة. و علی العکس، إذا بدلت معالم الدین. إنکم تعلمون أن أکثر البلاد الإسلامیة قد کثرت فیها البدع، و السبب فی ذلک أن أکثر الإمارات الإسلامیة ظهرت فیها بدعة عمت، و هی ما یسمونه بطلب الترقی المدنی.
أما نحن، فلا نرید الارتقاء الذی یدعون إلیه. و إنما ندعو، و نرید الارتقاء الدینی. و نعتقد أنه لا یمکن إرجاع الرقی للمسلمین إلّا برجوعهم للسیر علی السنن الذی سنّها لهم اللّه من قبل فی کتابه، و علی لسان نبیّه.
و هذا هو الذی یریده عبد العزیز بن السعود- أصوات: وفقه اللّه- و هذا هو الأول.
الأمر الثانی: هو أن عبد العزیز یرید أن یرجع لهذه البلاد عهد الشوری الذی نشأ فیها، و هو لا یرید أن یستبدکم، و لا أن یجری فی بلادکم إلّا ما یوافق شرع اللّه- أصوات جزاه اللّه خیرا- إنه یرید أن یستفید من تجارب المجرمین. و بابه مفتوح لسماع نصیحة کل ناصح.
و أکره الأخلاق عنده التملّق، و کل من أراد التقرّب إلیه بالتملّق، فلا یعکس الأمر إلّا علی نفسه- أصوات: هذا هو المطلوب-.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 174
الأمر الثالث: هو أن عبد العزیز، و کما ستسمعون منه لا یرید هذا البیت ملکا لأحد، بل مشاعا بین المسلمین، و لکل شعب من الشعوب الإسلامیة، و لکل فرد من أفراد العالم الإسلامی حق فیه.
و الأمر الرابع: و هو أن التجارب السابقة دلت علی أن الحسین و آله غیر صالحین لإدارة هذه الأمور، لذلک سنضحّی نفوسنا و أموالنا فی تطهیر البلاد المقدّسة.
ثم تکلم الشیخ حبیب اللّه الشنقیطی، فقال: قال اللّه تعالی فی کتاب اللّه العزیز: وَ لَیَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ یَنْصُرُهُ [الحج: 40]، و ما دامت غایة السلطان عبد العزیز نصرة الإسلام، فاللّه ینصره.

خطاب عظمة السلطان‌

و بعد ذلک أقبل عظمة السلطان علی الناس، فقال ما ملخّصه بما یلی:

آداب القرآن‌

إن الأمور کلها بید اللّه، و إن اللّه قد ضرب الأمثال فی القرآن، و لم یترک شیئا یؤدی لتأدیبنا إلّا ذکره فی کتابه. و لقد کان رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم الذی من أحبه، فقد أحب اللّه. و من أطاعه، فقد أطاع اللّه، یأخذ نفسه بآداب القرآن الذی أنزل به أمین السماء جبریل علی أمین الأرض محمد صلی اللّه علیه و سلم. و لا أظن رجلا عنده ذرة من عقل، و عرف ما جاء فی الکتاب الکریم من الآداب العالیة، إلّا قدّر هذه الآداب حق قدرها، و رأی أن الخیر کله فی اتباع هذا الهدی الحکیم. و مع ذلک، فلا حول و لا قوة إلّا باللّه. فقد أعطی اللّه الناس أمورا، و سلط علیهم أحوالا، فکل یعمل لما هو موفق
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 175
له، لیتمیز الخبیث من الطیب: لِیَبْلُوَکُمْ أَیُّکُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا [هود: 7].
قال تعالی: لَئِنْ شَکَرْتُمْ لَأَزِیدَنَّکُمْ [إبراهیم: 7].
و تتفاوت درجات الناس بمقدار کبحهم لجماح أهوائهم. و ما جاءت الرسل إلّا لیبیّنوا للناس طریق الهدی، حتی یسیروا فیها. و یحذروهم من الطرق الشیطانیة، فیبتعدوا عنها. و أنتم تعلمون أن رسولنا و نبیّنا محمدا علیه الصلاة و السلام ما جاء إلّا لیدلنا علی طرق الخیر، و یبیّن لنا السبیل الأقوم. جاء الرسول علیه الصلاة و السلام بهدیه، فتقبله الناس، و عملوا به. و لکنکم تعلمون أن الزمان طویل، و أن الأهواء قد لعبت. و لو لا أن اللّه قد حفظ کتابه، لما وجدنا من هدی الرسول الذی جاءنا به شیئا. و لکن الرسول قال: «لا تزال طائفة من أمتی علی الحق، لا یضرهم من خذلهم، حتی یأتی أمر اللّه و هم علی ذلک».

الشرف بالعمل الصالح‌

إن أفضل البقاع هی البقاع التی یقام فیها شرع اللّه، و أفضل الناس من اتبع أمر اللّه، و عمل به. و هذا ثابت محقق. فهل تعلمون قبیلة من العرب خیر من قریش؟ و لو لم یکونوا أفضل العرب، لما بعث الرسول منهم. و هل فی البلاد أفضل من مکة؟ و لو لم تکن کذلک، لما کان بیت اللّه فیها، و لما نشأ الإسلام و الرسول فیها. أو لیس کذلک؟ أو لم یقاتل الرسول علیه السلام قریشا، و هم أهله و ذوو قرباه؟ أو لم یهاجر إلی المدینة؟ أو لم یقاتل من کان بمکة؟ نعم کان هذا، و ذلک أن قریشا عصوا اللّه و أعرضوا عن الحق. أو لم یشرف بلال الحبشی، و سلمان الفارسی بالإسلام؟ و الأول عبد حبشی، و الآخر رجل فارسی. أو لم یذل أبو جهل،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 176
و أبو لهب بالکفر، و هما عما رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم؟ فالشرف لیس بالحب، و لا النسب، و إنما هو بالعمل الصالح. نعم إن هذا البیت هو شرف الإسلام الخالد. و ما عمل فیه من الأعمال الحمیدة، یضاعف اللّه أجرها. و ما عمل فیه من السیئات، یضاعف اللّه وزرها.
و نتمنی لجمیع من فی هذا البیت و جواره من أهله، أو ممن جاوره أن یهدی اللّه قلبه للإیمان، و العمل الصالح. فإن هؤلاء المجاورین إذا صلحوا و علموا الحقائق، استفادوا و أفادوا المسلمین عامة.
إن لهذا البیت شرفه و مقامه منذ رفع سمکه بید سیدنا إبراهیم علیه السلام. و قد عظم العرب أمره فی جاهلیتهم، فتحالفوا و تعاقدوا أن لا یقر ببطن مکة ظالم، صیانة لهذا البیت أن یقع الظلم فیه. و أولئک کانوا علی الشرک و الضلالة، فهل یلیق بنا و نحن المسلمون أن نقر فیه ظلما؟
أو نتعدی فیه حدود اللّه؟

دین اللّه وحدة

إن العقائد التی جاء الأنبیاء بها من قبل ذات أصل واحد، و هی إخلاص العبادة للّه وحده. و ینحصر ذلک فی قول: لا إله إلّا اللّه. فلفظ إلّا اللّه، معناه: إثبات العبادة للّه وحده. فکل عمل صالح إذا لم یکن مبنیا علی هذا الأساس، فهو باطل. قال تعالی: فَمَنْ کانَ یَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْیَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً وَ لا یُشْرِکْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً [الکهف: 110]. فدلت هذه الآیة الکریمة علی أن النجاة لا یکفی بها العمل الصالح وحده، بل لا بد فیها من إخلاص العبادة و الدعاء للّه وحده من جمیع المخلوقات.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 177

ما کان یتمناه للحسین‌

و و اللّه، و باللّه، و تاللّه، و رب هذا البیت، و المقدر کائن، لقد کان من أحب الأمور عندی أن الحسین بن علی فی هذا البیت المبارک یقیم شرع اللّه، و لا یعمل لإبادتنا من الوجود. و إننی قد أفد علیه من الوافدین أحب أقبل علی یده، و أساعده فی جمیع الأمور علی کل شی‌ء یریده، و لکن هکذا شاءت إرادة اللّه. و لو لم یلحق الأمر الأدیان و النفوس، لما أقدمنا علیه. فقد قرر الحسین تقسیم بلادنا و توزیعها، و أصر علیه، و أخذ یعمل له. و هذه جریدة القبلة عندکم تعرفکم عن نوایاه بنا. فإذا کان الحسین أتی بهذه الدیار مؤمرا من قبل الترک، و أقام فیها، ثم خلع طاعتهم، فنحن فی دیارنا، لم یؤمرنا غیر سیوفنا، و اتباع ما أمر اللّه به. إن هذا المحل لیس بالذی یبحث فیه بالسیاسة، و لکن أذکرکم بما کان یسعی له الحسین، حتی اضطرنا لأن نقوم بما قمنا به نحوه من الأعمال.

ما یطلبه و یرجوه‌

وصلنا لهذا الحد- و الحمد للّه- و لا ینفعنا غیر الإخلاص فی کل شی‌ء، إخلاص العبادة للّه وحده، و الإخلاص فی الأعمال کلها. و لیس عندنا مما یتعلق بحقیقة معتقدنا غیر ما رأیتموه فی الهدایة السنیّة، و قد بعثت لکم بنسختین منها. و الذی أبتغیه فی هذه الدیار، هو أن یعمل بما فی کتاب اللّه و سنّة نبیّه فی الأمور الأصلیة. أما فی الأمور الفرعیة الأخری، فاختلاف الأئمة فیها رحمة، و الکلام فی هذا طویل.
و الآن أنا بذمتکم، و أنتم بذمتی، و الدین النصیحة، و أنا منکم، و أنتم منی. و الکلام غیر الصحیح لا یلیق فی هذا المقام، و هذه عقیدتنا
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 178
فی الکتب التی بین أیدیکم. فإن کان فیها خطأ یخالف کتاب اللّه، فردونا عنه. و ما أشکل علیکم منها، فاسألونا عنه. و الحکم بیننا و بینکم کتاب اللّه، و ما جاء فی کتب الحدیث الستة: (فإن تنازعتم فی شی‌ء فردوه إلی اللّه و الرسول إن کنتم تؤمنون باللّه و الیوم الآخر ذلک خیر و أحسن تأویلا) إننا نطع ابن عبد الوهاب و لا غیر، إلّا مما أیّدوه بقول من کتاب اللّه، و سنّة نبیّه محمد صلی اللّه علیه و سلم. أما أحکامنا، فنشیر فیها طبق ما اجتهد فیها الإمام أحمد بن الحنبل.

دحض الأکاذیب‌

لقد أشاع الترک الشی‌ء الکثیر عن عقائدنا، و شنعوا علیها من قبل.
و کذلک فعل من جاء بعدهم. و بلغنی أنهم قالوا فی جملة ما کذبوه عنها:
إننا لا نصلی علی محمد، و إننا نعد الصلاة علیه شرکا باللّه- نعوذ باللّه من ذلک-، و لیست الصلاة علی محمد صلی اللّه علیه و سلم رکنا من أرکان الصلاة، و إنها لا تتم بغیرها. و یقولون: إننا ننکر شفاعة محمد صلی اللّه علیه و سلم یوم القیامة- معاذ اللّه أن نقول هذا-، و إنما نطلب من اللّه أن یشفع فینا نبیّنا محمدا صلی اللّه علیه و سلم، نقول: اللّه شفع فینا نبیّنا محمدا صلی اللّه علیه و سلم، مَنْ ذَا الَّذِی یَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ [البقرة: 255]. و ندعوا اللّه أن یشفع فینا الولد الصغیر، و نقول: اللهم اجعله فرطا لأبویه، و لا نطلب الشفاعة من الطفل. و أما محبة الأولیاء و الصالحین، فمن ذا الذی یبغضهم منا. و لکن محبتهم الحقیقیة هی العمل بما عملوا به، و اتباع سنتهم فی التقوی، و منهم أولئک الأولیاء هم الذین قال اللّه فیهم: الَّذِینَ إِنْ مَکَّنَّاهُمْ فِی الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَ آتَوُا الزَّکاةَ وَ أَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَ نَهَوْا عَنِ الْمُنْکَرِ [الحج: 41]. فهؤلاء هم الذین نحبهم
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 179
و نقتفی آثارهم، و لکننا لا نرفعهم فوق المرتبة التی یریدونها لأنفسهم، و لا یریدها لهم اللّه.
هذا الذی نحن علیه، و هذا الذی ندین اللّه به. فإن کان عندکم ما ینقضه فی کتاب اللّه، أو سنّة، فأتونا به لنرجع عنه.

تعالوا لکتاب اللّه‌

فإن کان هذا مقبولا عندکم، فتعالوا نتابع علی العمل بکتاب اللّه و سنّة رسوله، و سنّة الخلفاء الراشدین من بعده- فتعالت الأصوات: کلنا نتابع، کلنا نتابع-. قال الإمام: قولوا لنا بصریح القول ما عندکم- ما عندنا غیر هذا-، ثم قال: أعندکم باللّه من التقیة، فلا تکتموا علینا شیئا.
و کانت قد دنت ساعة العصر، فآذن الإمام الشیخ عبد اللّه بن حسن بوقت الصلاة، و طلب تأجیل البحث لاجتماع آخر. فقال الشیخ حبیب اللّه الشنقیطی: إذا أردنا المناظرة فی بعض المسائل مع علماء نجد، فیقتضی أن یعرف کل واحد طبیعة الآخر، حتی إذا أقیمت علیه الحجة یذعن لها، و لا زعل. فقال الإمام: ما دام المرجع کتاب اللّه، فلا نزعل فی شی‌ء.
ثم انفض الاجتماع علی أن یجتمع نخبة من علماء نجد مع نخبة من علماء مکة للتفاهم و التعارف. و لما أراد الإمام السیر للحرم، قال له الشنقیطی: إن أمور البدع فی الدین کنا نحذّر الناس عنها فی دروسنا، و لکن الأمر لیس بیدنا لنزجرهم عنها. فقال له الإمام: إننا خدام طلبة العلم، و کل ما أفتونا به أنفذناه علی وجهه، فهم المسؤولون المبینون و نحن المنفذون. بذلک انفرط عقد الاجتماع، و ذهب الناس إلی صلاتهم.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 180

ذکر بعض من وفدوا علی السلطان فی مخیمه من رؤساء القبائل‌

وفد علی عظمة السلطان فی مخیمه ابن مبیریک- صاحب رابغ- و وفد من حرب المقیمین بین رابغ وجدة و فی قادتهم ابن حمادی، و ابن جاسم، و سلمان النتاق، و المصباحی، و عطیة بن عبد العزیز، و صالح بن عجیب، و حفیظ بن حتیرش، و عبد اللّه بن محمد، و الشریف عبد اللّه بن عبید، و مبرک بن مبارک بن سلیم. و قدموا طاعتهم لعظمته، و عاهدوه علی السمع و الطاعة، و مولاة من ولاه، و معاداة من عاداه، و أن یحموا الطریق بین جدة و رابغ. و أقسموا الأیمان علی ذلک، ثم ساروا إلی دیارهم، بعد ما أمّنهم السلطان علی ما عندهم.

ذکر من کانوا فی معیة عظمة السلطان فی هذا السفر من الرجال‌

قد کان فی معیة عظمته من آل بیته و ذوی قرابته: أخو السلطان الأمیر محمد، و الأمیر عبد اللّه و ولداه: الأمیر محمد، و الأمیر خالد، و ناصر بن السعود، و مساعد بن سویلم، و مشاری بن جلوی آل السعود.
و من العلماء: الشیخ عبد اللّه بن حسن- قاضی جیش الإمام و إمامه فی الصلاة، و الشیخ عبد الرحمن بن عبد اللطیف- و هما من آل الشیخ محمد بن عبد الوهاب- و الشیخ عبد الرحمن بن علی بن الشیخ، و أخوه سلیمان، و کذلک محمد بن عبد العزیز، و الشیخ عبد اللّه العجیری- أحد رواة العرب- و الشیخ حمد الخطیب، و الشیخ عبد الرحمن النفیسة، و أخوه حسین، و عبد الرحمن بن مشاری بن سویلم، و عبد اللّه بن سعد
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 181
السدیری، و عبد العزیز آل إبراهیم، و محمد بن حوبان. و من آل سبهان:
عبد اللّه الناصر، و إبراهیم السبهان- أمیر حائل السابق-، و فی صحبته حمد الشویعر- صاحب بیت المال فی حائل- و خدام بن فائز، و مبارک آل حماد العمیم، و سلیمان العبید، و محمد ابن عبد الکریم السبهان، و فهد آل عبد اللّه السبهان، و محمد الصالح، و عبد العزیز آل حمود. و من آل طلال: الرشید فهد، و رشید، و سلطان. و من آل عساف: حسین و ولده سلیمان، و عساف الحسین آل منصور، و حشر البواردی، و محمد بن حجرف البواردی، و عبد الرحمن بن عبد اللّه السبیی. و حضر فی معیته عظمة السید حمزة، من أهل المدینة المنورة، و هو من رجال خاصة عظمة السلطان. و کذلک طبیب عظمته الخاص الدکتور محمود حمدی، و محمد بک النحاس، و بشیر بک الأمین.

أهل الألویة

و قد لحق بعظمته و هو فی الطریق خمسة عشر لواء، کل لواء ینقسم تحته فریق من جنده، منهم لأهل الحضر خمسة ألویة: لواء أهل بریدة، و لواء أهل عنیزة- أهل القصیم- و لواء أهل البکیریة، و لواء أهل المذنب، و لواء أهل الخبراء. و منهم عشرة ألویة لسکان الهجر: لواء أهل هجرة الداهنة، و لواء أهل دخنة، و لواء أهل هجرة الدلیمیة، و لواء هجرة مسکة، و لواء أهل البدع، و لواء أهل نفس، و لواء أهل هجرة الشبیکة، و لواء عبد المنعم بن شمس، و لواء أهل خبریة، و لواء أهل شریفة.
و فی 12 جمادی الأول سنة 1343 ه وزع البلاغ المطبوع فی البلد الحرام بأمر سلطانی، هذا نصه:
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 182
لمن فی مکة و ضواحیها من سکان الحجاز، الحاضر منهم و الباد، نحمد إلیکم اللّه الذی لا إله إلّا هو، رب هذا البیت العتیق، و نصلّی و نسلّم علی خاتم أنبیائه محمد صلی اللّه علیه و سلم.
أما بعد، فلم یقدمنا من دیارنا إلیکم إلّا انتصارا لدین اللّه الذی انتهکت محارمه، و دفعا لشرور کان یکیدها لنا و لدیارنا من استبد فی الأمر فیکم قبلنا. و قد شرحنا لکم غایتنا هذه من قبل، و ها نحن أولاء بعد أن بلغنا حرم اللّه نوضح لکم الخطة التی سنسیر إلیها فی هذه الدیار المقدّسة، لتکون معلومة عند الجمیع فنقول:
1- سیکون أکبر همّنا تطهیر هذه الدیار المقدّسة من أعداء أنفسهم، الذین مقتهم العالم الإسلامی فی مشارق الأرض و مغاربها، لما اقترفوه من الآثام فی هذه الدیار المبارکة، و هم: الحسین، و أنجاله، و أذهابهم.
2- سنجعل الأمر فی هذه البلاد المقدّسة بعد هذا شوری بین المسلمین. و قد أبرقنا لکافة المسلمین فی سائر الأنحاء أن یرسلوا وفودهم لعقد مؤتمر إسلامی عام، یقرر شکل الحکومة التی یرونها صالحة لإنفاذ أحکام اللّه فی هذه البلاد المطهّرة.
3- إن مصدر التشریع و الأحکام لا یکون إلّا من کتاب اللّه، و مما جاء عن رسوله علیه الصلاة و السلام، أو ما أقره علماء الإسلام الأعلام بطریق القیاس، أو أجمعوا علیه، مما لیس فی کتاب و لا سنّة. فلا یحل فی هذه الدیار غیر ما أحلّه اللّه، و لا یحرم فیها غیر ما حرم.
4- کل من کان من العلماء فی هذه الدیار، أو من موظفی الحرم
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 183
الشریف و المطوفین، ذو راتب معین، فهو له علی ما کان علیه من قبل.
إن لم نزده، فلا ننقصه شیئا، إلّا رجلا أقام الناس علیه الحجة أنه لا یصلح لما هو قائم علیه، فذلک ممنوع مما کان له من قبل. و کذلک کل من کان له حق ثابت سابق فی بیت مال المسلمین أعطیناه حقه، و لم ننقصه منه شیئا.
5- لا کبیر عندی إلّا الضعیف، حتی أخذ الحق له. و لا ضعیف عندی إلّا الظالم، حتی أخذ الحق منه. و لیس عندی فی إقامة حدود اللّه هوادة، و لا یقبل فیها شفاعة. من التزم حدود اللّه، و لم یعتزلها، فأولئک من الآمنین. و من عصی و اعتدی، فإنما إثمه علی نفسه، و لا یلومن إلّا نفسه.
و اللّه علی ما نقول وکیل و شهید، و صلّی اللّه علی سیدنا محمد النبی الأمی، و علی آله و صحبه و سلم ..
فی 12 جمادی الأولی سنة 1343 ه عبد العزیز بن عبد الرحمن الفیصل آل سعود
و فی صباح یوم الإثنین 12 جمادی الأولی سنة 1343 ه اجتمع علماء نجد مع علماء مکة، لیشرح کل فریق ما عنده من العقائد لأخیه، فدار البحث بینهم فی المسائل الفرعیة، و بعد تمام البحث اتفقوا علی نشر البیان الآتی:

بسم اللّه الرّحمن الرّحیم‌

الحمد للّه وحده، و الصلاة و السلام علی من لا نبی بعده. من
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 184
علماء حرم اللّه الشریف و أئمته: الشیخ حبیب اللّه الشنقیطی، و الشیخ عمر باجنید- أبی بکر- و الشیخ درویش عجیمی، و الشیخ محمد مرزوقی، و الشیخ أحمد بن علی النجار، و الشیخ جمال المالکی، و الشیخ عباس مالکی، و الشیخ حسین بن سعید عبد الغنی، و الشیخ حسین- مفتی المالکیة- و الشیخ عبد اللّه حمودة، و الشیخ عبد الستار، و الشیخ سعد وقاس، و الشیخ عمر بن صدیق خان، و الشیخ عبد الرحمن الزواوی، إلی من یراه من علماء الحکومات الإسلامیة، و ملوکهم و أمرائهم.
أما بعد، فقد اجتمعنا نحن المذکورون مع مشائخ نجد حین قدومهم إلی الحرم الشریف مع الإمام عبد العزیز حفظه اللّه- و هم: الشیخ عبد الرحمن بن عبد اللطیف، و الشیخ عبد اللّه بن حسن، و الشیخ عبد الوهاب بن مزاحم، و الشیخ عبد الرحمن بن محمد بن داود، و الشیخ محمد بن عثمان الشاوی، و الشیخ مبارک بن عبد المحسن بن باز، و الشیخ إبراهیم بن ناصر حسین فجری بیننا و بین المذکورین و المحترمین مباحثة، فعرضوا علینا عقیدة أهل نجد، و عرضنا علیهم عقیدتنا، فحصل الاجتماع بیننا و بینهم، و بعد البحث و المراجعة، فی مسائل أصولیة، منها:
إن من أقر بالشهادتین، و عمل بأرکان الإسلام الخمسة، ثم أتی بمکفر، بنقض إسلامه- قولی، أو فعلی، أو اعتقادی- إنه یکون کافرا بذلک، یستتاب ثلاثا، فإن تاب، و إلا قتل.
و منها: من جعل بینه و بین اللّه و سائط من خلقه یدعوهم و یرجوهم فی جلب نفع، أو دفع ضر، أو یقربونه إلی اللّه زلفی إنه کافر، یحل دمه و ماله، و من طلب الشفاعة من غیر اللّه فیما لا یقدر علیه إلّا اللّه، إن ذلک
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 185
شرک، فإن الشفاعة ملک للّه، و لا تطلب إلّا منه إلیه، و لا یشفع أحد إلّا بإذنه، کما قال تعالی: مَنْ ذَا الَّذِی یَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ [البقرة: 255]، و هو لا یأذن إلّا فیمن رضی قوله و عمله، کما قال تعالی: وَ لا یَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضی [الأنبیاء: 28]، و هو لا یرضی إلّا التوحید، و الإخلاص.
و منها: تحریم البناء علی القبور، و إسراجها، و ترک الصلاة عندها.
إن ذلک بدعة محرمة فی الشریعة.
و منها: إن من سأل اللّه بجاه أحد من خلقه، فهو مبتدع مرتکب حراما.
و منها: إنه لا یجوز الحلف بغیر اللّه، لا الکعبة، و لا الأمانة، و لا النبی، و لا غیر ذلک، لقول النبی صلی اللّه علیه و سلم: «من حلف بغیر اللّه، فقد أشرک».
فهذه المسائل کلها لمّا وقعت المباحثة فیها، حصل الاتفاق بیننا و بین المذکورین، و لم یحصل خلاف فی شی‌ء، فاتفقت بذلک العقیدة بیننا معشر علماء الحرم الشریف، و بین إخواننا علماء نجد، نسأل اللّه أن یوفق الجمیع لما یحبه و یرضاه، و صلی اللّه علی محمد و آله و سلم.
و فی 20 جمادی الأولی سنة 1343 ه: کتب أهالی مکة إلی عظمة السلطان کتابا، هذا مضمونه:.

بسم اللّه الرّحمن الرّحیم‌

إلی مقام السلطنة السنیة، الإمام عبد العزیز دام جلاله. آمین.
أما بعد، سلمک اللّه، ما یخفاکم أن أهل البلد- جیران بیت اللّه- حصل علیهم بعد الضیق فی هذه الأیام، و لو أنکم لم تقصروا علیهم فی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 186
السعی لجلب الأرزاق من الیمن و غیرها، و لکن معلومکم کبر البلد و کثرة سکانها، و لا یخفاکم ذلک. و بموجب أنکم أجرتمونا و أعطیتونا أمان اللّه، و إنکم تسعون لتأمین هذا البیت و أهله، کما فی منشوراتکم، و أقوالکم، ثم بعد ذلک شاورتمونا فی مسألة جدة، و أشرنا علیکم بالتوقف عن العجلة، لعل اللّه یفتحها بهدوء و سکون، و أجبتمونا علی ذلک، فالآن نعرض لحضرتکم أن تنظروا بهذا الکتاب المقدم طیة، لتسعوا فی دفعه لعلی فإن أجاب، فالحمد للّه، و إن أبی فنرجو الإغاثة من اللّه، و الفرج لبیته الحرام و جیرانه، نرجوا اللّه أن یوفقکم و السلام.
20 جمادی الأولی سنة 1343.
من عموم جیران بیت اللّه الحرام عبد القادر الشیبی، عقیل بن محمد بن یحیی، أبو بکر بابصیل، عبد الرحمن الزواوی، عباس المالکی، صالح بن سلیمان حجازی، محمد نور إبراهیم ملائکة

جواب عظمة السلطان علی ذلک الکتاب‌

من عبد العزیز بن عبد الرحمن الفیصل إلی حضرات الکرام، عبد القادر الشیبی، و عموم جیران بیت اللّه الحرام.
السلام علیکم و رحمة اللّه و برکاته. مکتوبکم المکرم کان معلوما.
أما من خصوص بعض الأمور التی تشعرون بها من قبل المعیشة، فتعلمون أن الذی یؤلمکم یؤلمنی کثیرا، و ما أقدر علیه من الأمور باذل جهدی فیه.
و هذه الواردات من الأرزاق ترد یومیا کما ترون، إننی خوفا من الضیق علی البلد أرسل فأجلب الأرزاق لجندنا من الخارج.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 187
و أما من جهة جدة، فنحن لم یمنعنا عنها إلّا رجاء سلامتها، و سلامة أهلها فی دمائهم و أموالهم. و لکننی ما أری علیا و جماعته یرغبون فی سلام البلد، و عدم التضیق علی بیت اللّه و أهله، و هم لا یزالون فی طغیانهم یعمهون، حیث إنهم جماعة اللّه ربنا و ربهم- تلعب بهم التخیلات، و عدم المبالاة بأحوال المسلمین.
و أما الکتاب الذی طلبتم منّا إرساله إلیه، فإجابة لطلبکم نرسله إلیه، و لکن لا أظن القوم یوفقون للرشاد، و لا أظن أن هذا الکتاب یفید فیهم شیئا، بل ربما أولوه علی معنی ثان و لکن نظرا لاعتمادنا علی اللّه، ثم التماسنا لصالح المسلمین، نجیبکم إلی ذلک، و نرسله إن شاء اللّه.
إنه بعد وصول مکتوبکم هذا إلیه لا نکون مسؤولین من قبل اللّه، و لا من قبلکم، و لا من قبل عموم المسلمین، نرجو من اللّه تعالی أن یوفقنا و إیاکم و کافة المسلمین لما فیه الخیر، و أن ینصر دینه، و یعلی کلمته و صلی اللّه علی سیدنا محمد و آله و صحبه و سلم.
20 جمادی الأولی سنة 1343.

کتاب الأهلین للشریف علی‌

بسم اللّه الرّحمن الرّحیم
صاحب السمو حضرة الأمیر علی وفقه اللّه.
و بعد السلام علیکم اللائق بالمقام، إنه لا یخفاکم إننا جیران بیت اللّه الحرام، الذی قال اللّه تعالی فی حقهم: الَّذِی أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَ آمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ [قریش: 4]. ذلک البیت الذی قال تعالی فیه: أَ وَ لَمْ*
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 188
نُمَکِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً یُجْبی إِلَیْهِ ثَمَراتُ کُلِّ شَیْ‌ءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا [القصص: 57].
فأین عملکم هذا، من منع القوت، و الإضرار بسکان بلد اللّه الحرام، من توصیة اللّه. فما هو السبب الذی جعلکم تقدمون علی فعل ما فعلتم به؟ إن کان السبب دخول قوة نجد و جیوشها مکة المشرفة، فهذا شی‌ء لسنا بالمسؤولین عنه. بل أنتم المسؤولون عنه عند اللّه، و عند خلقه.
أولا: إنکم ما فعلتم الأسباب الموجبة لإصلاح ذات بینکم و بین أهل نجد و إمامها و غیرهم، حتی یکون حرم اللّه آمنا مطمئنا.
ثانیا: عند دخول جیوش حکومة نجد للطائف، طلبنا منکم تخلیص عائلاتنا و محرمنا و أموالنا من الطائف، فأبیتم ذلک، و أعطیتمونا الجواب بالمحافظة علی عائلاتنا و أموالنا، و شردتم و ترکتمونا. لا أنتم حافظتم علینا، و لا سمحتم لنا بالخروج، حتی جری علینا ما قدر اللّه- و الحمد للّه- ثم بعد لمّا قدمتم مکة، راجعناکم أنت و والدک مرارا، لحفظ الأمن و حفظ بیت اللّه، فأجبتمونا: إننا برقابکم تدافعون عنا بکل وسیلة. و لکنکم شردتم و ترکتمونا فوضی، لا أصلحتمونا، و لا نبأتمونا حتی نصلح أنفسنا.
و لکن من فضل اللّه، و برکة هذا البیت، منعنا اللّه بحرمته، و قام ابن السعود و جنده بالواجب لبیت اللّه، و إلّا فلیس لنا علیه شی‌ء من الحقوق إلّا ما قدمنا من حرمتهم لبیت اللّه. و إننا نخشی علیکم عقوبة ما جری علی جیران بیت اللّه الحرام من الخوف و الهلع، التی یأسف لها البعید و القریب. و بعد ذلک أعلنتم إنکم ما خرجتم من مکة إلّا حقنا للدماء.
فسموکم تورعتم عن قتل أهل نجد، و حقن دمائهم، و لکنکم أحلتم
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 189
المصیبة علی جیران بیت اللّه الحرام، فمنعتم الأرزاق عنهم، و حجزتم علیهم معایشهم.
فالآن نسأل سموکم، إن کان جیران بیت اللّه مجرمین، فأنبئونا، حتی نستغفر اللّه و نتوب إلیه، و إن کنا فقراء ضعفاء ملتجئین إلی بیته، فما السبب فی التضییق علینا فی أرزاقنا و أنفسنا؟ فإن کنا مجرمین من جهة الحکومة النجدیة، فلیس لنا أی سبب فی دخولهم، و لیس لنا قوة علی إخراجهم. و لکننا نرجوا من اللّه، ثم من سموکم أن تفعلوا أحد أمرین: إما تقدمون بجیوشکم، و تخرجون الحکومة النجدیة، حتی تنفتح لنا طرق أرزاقنا و معایشنا، و تترکونا نحن و محل معیشتنا، التی هی جدة أو ترأوا لنا شیئا من الأسباب التی نتمکن بها من جلب معائشنا و أرزاقنا، و لیس لنا فی غیر ذلک حاجة، فإن أجبتونا، فذلک المطلوب باللّه، ثم بکم، و إن أبیتم إلّا الظلم، فنحن نرفع أکفنا للّه تعالی، و نتضرع إلیه أن یحارب محارب بیته، و یضیق علی من ضیق علیه و علی جیرانه. و نستعین باللّه، ثم نستغیث بکافة المسلمین، الحاضر منهم و الغائب، أن یغیثونا، و ینقذونا من الظلم و أهله. وفق اللّه الجمیع لما فیه الخیر و الصلاح.
حرر فی جمادی الأولی سنة 1343 ه.
صاحب مفتاح بیت اللّه الحرام عبد القادر الشیبی محمد بن یحیی بن عقیل، عقیل بن محمد السقاف، حسین بن أحمد، عباس بن عبد اللّه المالکی، سعد وقاصی بخاری، عمر جان، محمد سعید أبو الفرج، یوسف المؤذن، رئیس المجلس البلدی أحمد سجی، عبد الستار، أبو بکر بابصیل، عبد الرحمن، علی بن محمد حجازی،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 190
أحمد بوقری، علی محضر، مصطفی الشقیر، أحرار خوجة، عیسی بوقری، تاج قطب، عبد الرحمن عدس، عاید عوض، أحمد عاشو، محمد عجیمی بن درویش، حسن بن عبد الرحمن کابلی، أحمد ناقرو، محمد عبد الکریم، حامد مکاوی، أحمد المنصور الباز، أحمد بن محمد المدابغی، محمد علی قل السندی، علی مرقوش، صالح بن سلیمان حجازی، محمد نور ملائکة، جمال سقا، محمد أش، حسین جابر، أحمد باحمد بن علی باعیسی، محمد الصالح غزاوی، بکر عساس، عبد اللّه شیخ الصیارفة. انتهی.

جواب الشریف عن کتاب أهل مکة

إلی الأفاضل أصحاب الکتاب، و کافة أهل مکة المکرمة، بعد السلام: وصلنا کتابکم المعلوم، و نحن علی یقین إنکم لم تحرروه إلّا مرغمین، و علمنا من ماله أیضا أن عدو الجمیع لم یضطرکم إلی هذا، إلّا لضعفه و عجزه، و أراد أن یتخذ هذا وسیلة یتقوی بها أمامنا، و أن یوقع البغضاء بینکم و بین أبناء وطنکم، و یسجل علیکم عار الضعف و الخور لدی العالم. و أنتم تعلمون- رعاکم اللّه- إننی لم أترک مکة المکرمة إلّا لأمرین:
أولهما: عدم القتال فیها، حرمة لها.
و الثانی: حفاظکم من مثل ما حصل فی الطائف علی إخوانکم من قتل و سلب و رجحنا أخف الضررین، و هو قلة الزاد، و أما بعده خصومنا و من جاراهم من منافقی البلاد و یقولونه، فلا نجیبهم إلّا بقوله تعالی:
* لا یُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ [النساء: 148]، و کل یعمل علی شاکلته.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 191
و أما أنا، فإنی عاهدت اللّه علی الموت فی سبیلکم أو أنقذکم، بإذن اللّه و عونه- من أیدی أولئک الذین لا یرقبون فیکم إلّا و لا ذمة، و مهما کانت الحالة، فأنا أعلم علم الیقین أن أقوال المنافقین و المفسدین لا تؤثر فیکم، و أعلم کذلک أنکم ستصبرون علی کل تعب فی سبیل خلاصکم فاصبروا صبر الکرام، و قریبا إن شاء اللّه، یکون الاجتماع بکم فی حرم اللّه علی أسر حال.
و أما عبد العزیز بن سعود، فإننی کما کلفته من سابق أکلفه الآن، إن کان مریدا للصلاح، فنحن مستعدون للمفاوضة معه دفعا لسفک دماء، و أشهدکم، و أشهد اللّه علی هذا، و إن أبی، فاللّه المستعان، و لا یمکننا بقاء بلادنا فی یدیه، لیدخلها فی ضمن البلاد التی أدخلها تحت الحمایة الأجنبیة، بموجب معاهدة سنة 1915، التی نشرتها عموم صحف العالم، و لم یکذبها.
و أما الرأی الإسلامی، فقد أنکرته جمیع الأمم الإسلامیة، و أعلنت ذلک فی الصحف، و بالطرق الرسمیة. و لم یبق سوی ستة أشخاص من جمعیة الخلافة، لا یزالون یطلبون إعانة تمکنهم من رکوب الباخرة للقدوم إلی جدة. و بقیة مسلمی الهند غیر مشترکین فی ذلک، کما یعلم حضرته.
فإن کان هو و أذنابه یحترمون حرم اللّه و جیرانه، و یعملون مثل عملی، و یخرجون إلی خارج الحرم، فهنالک تظهر حقائقهم إن شاء اللّه و یرون کیف یکون الذود عن الحیاض، و الدفاع عن الحوذة. و إن لم یخرجوا، و لبثوا فی مکانهم جامدین، فإننا سنوافیهم إن شاء اللّه من بین أیدیهم، و من خلفهم، و من فوقهم، حتی تکون کلمة اللّه هی العلیا، و یعلم الناس
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 192
قاطبة أنهم هم السبب فی انتهاک أطراف الحرم، لأن قتال أمثالهم جائز، و لو کانوا فی صمیم مکة. أعرف الیوم بحقائقهم، و قد رأیتموهم عیانا.
و السلام.
فی 25 جمادی الأول سنة 1343 ه علی بن الحسین
و فی 26 شعبان سنة 1343 ه: کتب الأهالی الاستدعاء الآتی، و أرسلوه إلی ملکة بهوفال، و إلی أمراء الهند، و إلی ملک مصر، و کان الاستدعاء مختوما بختم سبعة و خمسین شخصا من أئمة الحرم، و الخطباء، و المدرسین، و الأشراف، و السادة، و الأعیان، و خدمة الحرم.

صورة الاستدعاء الذی أرسله الأهالی إلی ملکة بهوفال، و غیرها من أمراء الهند، و إلی ملک مصر

بسم اللّه الرّحمن الرّحیم
الحمد للّه الذی لا یحمد علی الضراء سواه، و لا یقع فی ملکه إلّا ما قدر و قضاه، الذی حث الأنام للسعی إلی ما ینفعهم فی معاشهم و معادهم، بما أنزله من الآیات البینات، و وعد المحسنین بمضاعفة الأجر و المثوبات، فقال عز من قائل: مَنْ ذَا الَّذِی یُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَیُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً کَثِیرَةً [البقرة: 245]. و أکده جلّ و علا بقوله: إِنَّ الْمُصَّدِّقِینَ وَ الْمُصَّدِّقاتِ وَ أَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً یُضاعَفُ لَهُمْ وَ لَهُمْ أَجْرٌ کَرِیمٌ [الحدید: 18]. و قال تعالی: فَکُّ رَقَبَةٍ (13) أَوْ إِطْعامٌ فِی یَوْمٍ ذِی مَسْغَبَةٍ (14) یَتِیماً ذا مَقْرَبَةٍ (15) أَوْ مِسْکِیناً ذا مَتْرَبَةٍ [البلد: 13- 16].
و نصلی و نسلم علی سیدنا محمد صاحب المعجزات، القائل:
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 193
«المؤمن للمؤمن کالبنیان، یشد بعضه بعضا». «و الساعی فی الخیر، کفاعله». و «اللّه فی عون العبد، ما دام العبد فی عون أخیه».
و بعد، فنبتدی‌ء أولا بالاستعانة و الاستمداد من اللّه، الذی هو ولی التوفیق و الإرشاد، ثم نعرض لمقامکم السامی، إننا معاشر جیران بیت اللّه الحرام، قد قضت علینا المقادیر الربانیة بالوقوع فی أزمة اقتصادیة شدیدة، تحتم علی کل مسلم بلغته أن یبادر إلی بذل المستطاع للاشتراک فی تخفیف و طأتها عن إخوانه فی الإسلام، لا سیما المکرمین بجوار البیت الحرام، الذین قال اللّه تعالی فی حقهم حکایة عن خلیله سیدنا إبراهیم علیه السلام: رَبَّنا إِنِّی أَسْکَنْتُ مِنْ ذُرِّیَّتِی بِوادٍ غَیْرِ ذِی زَرْعٍ عِنْدَ بَیْتِکَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنا لِیُقِیمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِی إِلَیْهِمْ وَ ارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ یَشْکُرُونَ [إبراهیم: 37].
و لا نری أیتها الملکة المعظمة لروفا للإسهاب فی هذا الباب نظرا، لعلمنا بأن مقاصدکم الحسنة الأساسیة الجاریة بالحرمین الشریفین مبنیة علی الأعمال الخیریة، و لا شک أنکم تعدون ما عرضناه من الفرص الثمینة، لا نطابقها علی رغائبکم و نوایاکم الحمیدة، فاعتمادا علی ذلک، نکتفی بالالتماس من إحساناتکم المشهورة، و مساعیکم العلیة المشکورة لمدید المعاونة إلینا، بما تتفضلون به علینا من المعاونات الإحسانیة، و إرسالها إلی طرفنا مسارعة بالواسطة المؤتمنة التی تستحسنونها، لإیصالها إلی مستحقیها من طریق رابغ و اللیث حیث إنه بحمد اللّه تعالی قد استتب الأمن و الانضباط التامان فی هذه الطرق، بصورة کافلة لتأمین المواصلات الجاریة، و الوفود من الحجاج و الزوار، کما هو مشهود فی ظل صاحب السلطنة السنیة، القائم بخدمة الحرم الشریف و جیرانه، الإمام
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 194
عبد العزیز بن عبد الرحمن الفیصل آل السعود، الذی لا یزال منذ وصوله إلی هذا الطرف باذلا کل مجهوداته، و مساعیه الخیریة فی سبیل ما یؤمن مصالح البلاد، و یؤدی إلی راحة و اطمئنان العباد. و لا نشک إنما لدونه من المکارم العلیة و العواطف الرحیمة یصادف- بمشیئة اللّه تعالی- عبد اللّه قبولا حسنا، و یطوق أعناقنا شکرا جزیلا و مننا. لا زلتم موفقین لما یقربکم من اللّه زلفی، بالغین فی الدارین الأمل الأقصی وَ ما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِکُمْ مِنْ خَیْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ [البقرة: 110]، و صلی اللّه علی سیدنا محمد خاتم الأنبیاء، و علی آله و سلم، و السلام علیکم و رحمة اللّه و برکاته.
26 شعبان سنة 1343 ه عن عموم طوائف جیران بیت اللّه الحرام‌

طلب الأهالی من عظمة السلطان الاجتماع معه فی یوم معین من الأسبوع‌

طلب بعض علماء البلد الحرام و أعیانه من عظمة السلطان أن یجعل لهم یوما من الأسبوع یجتمعون به معه، فضرب لذلک موعدا بعد صلاة عصر الجمعة من کل أسبوع، و لمّا حان الوقت المعین فی یوم الجمعة، خامس عشر جمادی الأولی، حضر العلماء و الأعیان إلی منزل آل باناجة، حیث کان عظمة السلطان ینتظرهم فیه یتقدمهم شیخ بنی شیبة، الشیخ عبد القادر الشیبی، و کثیر من العلماء، و وجوه المدینة، و لمّا استقر بهم المجلس، أقبل علیهم عظمة السلطان، و قال ما خلاصته:
إننی مشتاق للاجتماع بکم فی کل وقت و حین، و أحب أن أتحدث معکم کثیرا مما تحبون، و إنی أقدر الأتعاب التی تقسونها، و یقاسیها عموم
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 195
الأهالی بمناسبة انقطاع ورود الأقوات، عن طریق جدة بالعسیر علینا دخولها بحول اللّه و قوته، و لکن الذی أسعی علیه أن یتم انضمامها لهذه الدیار بغیر إهراق دماء، و إتلاف أنفس، و قد کتب الشریف علی یطلب الصلح، و توسط فی ذلک بعض من لیس لهم علاقة فی هذه الدیار المقدسة من غیر المسلمین.
أما أنا، فقد أجبته بأن الأمر معلق علی مشیئة العالم الإسلامی، و أن علیه أن یترک جدة، و یفسح الطریق لوفود المسلمین لیجتمعوا فی البلد الحرام، و ینتخبوا من یرون فیه اللیاقة و الجدارة لإدارة شؤون هذه البلاد المطهرة.
و إنی آسف أشد الأسف، و أتألم أشد الألم لحالتکم أنتم أهل البیت من انقطاع الأقوات عنکم من جدة. أما نحن أهل نجد، فلا یهمنا هذا، و لا یؤثر علینا شیئا، فقد تعودنا الصبر و الجوع. و عندنا من وسائط النقل ما یسهل لنا طول الإقامة بغیر تعب و لا نصب. و ما شفقتی إلّا علیکم أنی رغبت الاجتماع بکم، لتبلغونی ما تشاءون، فقد تعاقدنا علی المناصحة فإن کان لأحدکم حاجة، فلیقلها و لیطلبها. إننی لست من الملوک المتکبرین، و إن بابی مفتوح علی مصرعیه لسماع نصیحة کل ناصح، فلا تؤخروا نصائحکم. فمن شاء منکم، فلیسائل بما یرید غبّا، و من شاء فلیکتب لنا حاجته لننظر فیها. فأجابوه بأنهم لا یتأخرون فی شی‌ء، و إنهم سیکتبون لعظمته بما یحتاجون إلیه. ثم انصرفوا من مجلسه، و هم شاکرون لرقته و رأفته لهم.
و فی 24 جمادی الأولی سنة 1343 ه: أخرجت البلدیة منادیا فی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 196
الناس، فناداهم یا معشر المسلمین، و سکان البلد الأمین علی کل واحد منکم إذا سمع المؤذن أن یجیب داعی اللّه، و یبادر إلی الصلاة فی الحرم الشریف مع أحد الأئمة الأربعة و من کان بعیدا عن الحرم، فلیصل فی أقرب مسجد منه و قد جعلنا من رجال البلدیة و غیرها من یناظر المتأخر عن الصلاة، لتقریر الجزاء الشرعی علیه. و اللّه ولی التوفیق.
24 جمادی الأولی سنة 1343 ه

الدعوة للشوری‌

و أعد عظمة السلطان علماء البلد الحرام و علیة القوم، لیوافره بعد صلاة الجمعة فی دار آل باناجة، لیحدثهم فیما عقد العزیمة علیه من الشکل الذی اختاره لتمشیة أمور البلد الحرام علیه. و بعد أن خرج الناس من صلاتهم، قدموا المنزل المعهود، فاستقبلهم عظمة السلطان ببشاشة و وجه طلق، و تکلم عظمته مما نلخّصه فیما یلی:
إننی کثیر الاهتمام براحتکم، و أفکر دائما فی الطرق التی تمکّننی من خدمتکم الخدمة الحقیقة، و التی تؤمن لکم و لعموم أهل هذا البلد المطهّر الراحة و الاطمئنان. و إن کثرة مشاغلی بتنظیم الأمور فی هذه الدیار، و فی غیرها من بلداننا، تجعل وقتی یقصّر عن سماع شکاوی کل فرد منکم، و معرفة حاجاته. و لا شک أن بلدا کهذا البلد الکبیر الواسع یحتاج لکثیر من الأمور و الأحوال، و لا یمکننی الوقوف علیها بنفسی منفردا. و لا أرید أن أستأثر بالأمر دونکم، و إنما أرید مشورتکم فی جمیع الأمور. و تقول العرب: الرجال ثلاث: رجل، و نصف رجل، و لا رجل.
فأما الرجل، فهو الذی عنده رأی، یستشیر الناس فی أموره. و نصف
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 197
الرجل من لیس عنده رأی، و یستشیر الناس، و لیس الرجل من لیس عنده رأی، و لا یستشیر الناس.
و إن دیارکم دیار لا تحتاج لاهتمام زائد فی إدارة شؤونها، و عندنا مثل یعرفه الناس جمیعا، و هو: إن أهل مکة أدری بشعابها. فأنتم أعلم ببلدکم من البعیدین عنکم. و ما أری لکم أحسن من أن تلقی مسؤولیات الأعمال علی عواتقکم. و أرید منکم أن تعیّنوا وقتا یجتمع فیه نخبة من العلماء، و نخبة من الأعیان، و نخبة من التجّار جمیعا، و ینتخب کل صنف من هؤلاء عددا معینا کما ترضون و تقرّون، و ذلک بموجب أوراق تمضونها من المجتمعین، بأنهم ارتضوا أولئک النفر لإدارة مصالحهم العامة، و النظر فی شؤونهم. ثم هؤلاء الأشخاص یستلمون زمام الأمور، فیعیّنون لأنفسهم أوقاتا معینة یجتمعون فیها، و یقررون ما فیه المصلحة للبلد.
و جمیع شکایات الناس، و مطالباتهم یجب أن تکون مرجعا لهؤلاء النخبة من الناس. و یکونون أیضا الواسطة بین الأهلین و بینی، فهم عیون لی و آذان للناس، یسمعون شکاویهم، و ینظرون فیها، ثم یراجعوننی. إنی أرید من الهیئة التی ستجتمع لانتخاب الأشخاص المطلوبین أن یتحروا المصلحة العامة، و یقدموها علی کل شی‌ء، فینتخبوا أهل الجدارة و اللیاقة، الذین یغارون علی المصالح، و لا یقدمون علیها مصالحهم الخاصة، و یکونون من أهل الغیرة و الحمیة و التقوی.
تجدون بعض الحکومات تجعل لها مجالس للاستشارة، و لکن کثیرا من تلک المجالس تکون و همیة، تشکل لیقال: إن هناک مجالس و هیئات، و یکون العمل بید شخص واحد، و ینسب العمل للمجموع. أما أنا، فلا أرید من هذا المجلس الذی أدعوکم لانتخابه أشکالا و همیة، و إنی أرید
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 198
شکلا حقیقیا، یجتمع فیه رجال حقیقیون، یعملون جهدهم فی تحرّی المصلحة العامة. لا أرید أوهاما، و إنما أرید حقائق، لا أرید رجالا لا یعملون. فإذا اجتمع أولئک المنتخبون، و أشکل علی أمر من الأمور رجعت إلیهم فی حله، و عملت بمشورتهم، و تکون ذمتی سالمة، و المسؤولیة علیهم. و أرید منهم أن یعملوا بما یجدون فیه المصلحة، و لیس لأحد من الذین هم أطرافی سلطة علیهم، و لا علی غیرهم. و أرید الصراحة فی القول، لأن ثلاثة أکرههم، و لا أقبلهم: رجل کذاب یکذب علی عن تعمّد، و رجل ذو هوی، و رجل ممالق، فهؤلاء أبغض الناس عندی.
فأرجوکم بعد هذا المجلس أن تجتمعوا بالسرعة الممکنة، و ذلک بعد أن تقدموا إلی قائمة بأسماء الذین سیجتمعون من کل صنف من الأصناف الثلاثة، لأقابلها علی القائمة التی عندی، فأتحقق أن جمیع أهل الرأی اشترکوا فی انتخاب المطلوبین. و أرجوکم العجلة فی العمل، لأمتّع نفسی برؤیة هذه البلاد المطهّرة تتمشّی فی حیاة جدیدة، و یسرّنی أن یکون ذلک بواسطتنا.
فقابل المجتمعون خطاب عظمة السلطان بالشکر و الثناء، و قالوا: إن هذا حکم الشوری الذی جاء به القرآن الکریم. ثم انصرف القوم، مودعین بمثل ما استقبلوا به من الحفاوة و الإکرام، علی أن یعلموا عظمة السلطان الوقت الذی سیجتمعون فیه.
و فی مساء السبت بعث عظمته لرئیس البلدیة لیدعو خاصة الناس، لیجتمعوا الساعة الخامسة، لسماع ما سیعرض علیهم عظمته. و لما أزفت الساعة المعینة، ورد إلیهم الکتاب الآتی:
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 199

کتاب عظمة السلطان بسم اللّه الرّحمن الرّحیم‌

من عبد العزیز بن عبد الرحمن الفیصل إلی کافة الإخوان الکرام، علماء مکة، و أعیانها، و تجّارها سلمهم اللّه. السلام علیکم و رحمة اللّه و برکاته.
أما بعد، فبارک اللّه فیکم، و وفقنا و إیاکم لما یحبه و یرضاه. تفهمون أن جل مقاصدنا إظهار دین، و اتباع طریقة السلف الصالح علی ما کان فی کتاب اللّه و سنّة رسوله علیه الصلاة و السلام، و تطهیر هذا البیت من المظالم، و تنفیذ أمر الشریعة فی جمیع الأحوال، کما قال سبحانه و تعالی:
وَ مَنْ یُرِدْ فِیهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِیمٍ [الحج: 25]. و تعلمون أن اللّه سبحانه و تعالی أمرنا بأمر، من عمله و قام به علی الوجه المشروع، فهو مسلم و بحوزة المسلمین. و من ترکه، أو ترک شیئا منه، أو جاء بناقض من نواقضه، خرج من ذلک. کل علی قدر فعله، کما هو مذکور فی کتاب اللّه و سنّة رسوله صلی اللّه علیه و سلم، و ما اتفق علیه علماء المسلمین، و هی: شهادة أن لا إله إلّا اللّه، و أن محمدا رسول اللّه، و إقام الصلاة، و إیتاء الزکاة، و صوم رمضان، و حج البیت لمن استطاع إلیه سبیلا.
فأما شهادة أن لا إله إلّا اللّه و أن محمدا رسول اللّه، و واجباتها و أرکانها و توافقها، فقد صار التناظر فی ذلک، و اتفقت العقیدة- و الحمد للّه- و نرجوا من اللّه أن ینوّر بصیرتنا، و بصیرتکم لما یحبه و یرضاه.
و أما الصلاة التی هی من أقوی أرکان الإسلام، کما قال علیه الصلاة
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 200
و السلام: «أول ما تفقدون من دینکم الأمانة، و آخر ما تفقدون من دینکم الصلاة». و کما قال: «العهد الذی بیننا و بینهم الصلاة». و نحن ما نظن- إن شاء اللّه- فی مسلم ینکر ذلک، و علی الأخص أهل هذا البیت الشریف. و لکن الناس معهم کسل فی الصلاة، بل تأخّر زائد. و معلومکم أنه إذا تکلم إنسان بکلام لا یلیق بحق المسلم، و أردنا تأدیبه، حججنا بقوله: إنهم لا یصلون. و بما أن الأمر واجب من قبل اللّه، و نحن و أنتم ملزمون به، و لا حجة لأحد یدعی الإسلام و هو تارک للصلاة، فالرجاء أن تنظروا فی هذا الأمر، و تعیّنوا رجالا من إخوانکم المنتسبین للخیر، یمشون فی کل سوق و مجمع، یأمرونهم بالصلاة کلما أذّن المؤذّن، حیث یعزل أهل الدکاکین و یصلّون. و إن کان التعزیل علیهم مشقة، فیرتب لکل سوق حرس یحافظون علیه وقت الصلاة، حتی یرجع إلیه أهله. و یلزم أن لا تقوموا من مقامکم هذا- إن شاء اللّه- و أنتم ناظرون فی هذه المسألة، لأن فیها قوام الدین و الدنیات، و اتفاق الکلمة. و لا حجة بعد ذلک لأحد.
و أما الأمر الثانی، فتعلمون أننا بحول اللّه و قوّته نرید أن تصدّق أفعالنا أقوالنا. و حیث أنه لا بد للبلد من قوام فی أمورهم اللازمة التی لا تخفی علیکم، و لا بد من ترتیب فی معاملاتها، و أوقافها، و جمیع أحوالها. و فی ترکها مشقة، و خراب فی أمر دیننا و دنیانا. و تقدیم الأمور لا یکون إلّا بمعرفة أهلها، و للرجال الذین عندهم خوف من اللّه، و عندهم شرف و حمیة علی الوطن.
فالرجاء أن تختاروا فی مجالسکم هذا من العلماء فی وظیفتهم، و من التجّار، و من الأعیان رجالا ینظرون فی جمیع الشؤون المذکورة أعلاه، و تکون البلد و أهلها برقابهم، یسعون فی مصالحهم، و یذبون عما
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 201
یضرها. فإذا اخترتم المذکورین، فاکتبوا علی ذلک سندا ممضیا من العلماء، و الأعیان، و التجّار برضاهم بذلک. و بعد هذا یقترحون ما یصلح للبلد و أهلها، و نتراجع و إیاهم فیه. و أرجو أن لا تقوموا من مجلسکم هذا- إن شاء اللّه- إلّا و أنتم متممون ما ذکرته لکم. نرجوا من اللّه أن یسلک بنا و بکم البلاد و العباد. و صلّی اللّه علی سیدنا محمد و علی آله و صحبه و سلم.
فی 24 جمادی الأولی سنة 1343 ه
و لما وصل الکتاب للأهلین فی اجتماعهم الذی عقدوه بدائرة البلدیة، و تداولوا فی الأمر لتطبیق منطوق الکتاب السلطانی، بعثوا بنتیجة ما صنعوا لعظمته، و هذا نص الجواب الذی رفعوه:

کتاب الأهلین إلی عظمة السلطان بسم اللّه الرّحمن الرّحیم‌

إلی مقام عظمة السلطان، تناولنا محررکم الکریم، و علمنا ما به.
أما من خصوص الصلاة و الحض علیها، حیث إن الإخوان یتفقدون علی الناس عدم الصلاة. فإجابة لأمرکم الکریم، ألزمنا البلدیة بإطلاق منادی ینادی فی الناس بوجوب القیام إلی الصلاة فی أوقاتها جماعة حسب المطلوب. و نحب أن الإخوان یزول سوء التفاهم معهم بواسطتکم السنیّة، حیث إن المسلمین یعتقدون أن الصلاة فرض واجب علی کل مسلم، و أن حضور الجماعة سنة مؤکدة، کما علیه الأئمة الأربعة، و للإمام أحمد قول بوجوبها، و کل هذا دلت علیه نصوص الأحادیث. و رأفتکم بالمؤمنین یقتضی عدم کتم شی‌ء من الحق، و اللّه یؤیدکم علیه.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 202
و أما من خصوص الانتخاب، فقد اجتمع الناس و انتخبوا عددا ممن یقدم بما یلزم من وظیفتهم، و جمعت أوراق الانتخاب فی البلدیة. و اتفق رأی الجمیع أنه فی غد تاریخه یجتمعون، ینظرون فیمن یجوز أکثریة الأصوات، نعرضهم علی عظمتکم، لیتم ما ترونه الانتخاب. و لذلک نسترحم تنظیم مواد تشتمل علی عمل المنتخبین، و مدتهم. و اللّه ولی التوفیق و السلام.
24 جمادی الأولی سنة 1343 ه عن عموم علماء و أعیان و أهالی مکة المکرمة رئیس المجلس البلدی
و فی الیوم الثانی بعث رئیس المجلس البلدی کتابا یخبر عظمته بالذین نالوا أکثریة الأصوات فی الانتخاب، و هم حضرات السادة- مع حفظ الألقاب-: عبد القادر الشیبی، و محمد بن یحیی بن عقیل، و عقیل سقاف، و عرابی سجینی، و بکر بابصیل، و عباس المالکی، و أمین عاصم، و محمد نور فطانی، و عبد اللّه الدهلوی، و سلیمان- نائب الحرم- و تاج قطب، و محمد نور ملائکة، و عمر جان، و عمر علوی.
و قد طلب الرئیس فی کتابه من عظمة السلطان أن یعیّن للأعضاء مدة أیام انتخابهم، و یوضح لهم درجة صلاحیتهم فی الأعمال التی یرغب أن ینظروا فیها. و قد وافق عظمته علی انتخاب الأعضاء، و تقرر الشیخ عبد القادر الشیبی رئیسا للمجلس.
و فی یوم السبت أول جمادی الثانیة، اجتمع المجلس الأهلی فی غرفة أعدّت له فی الحمیدیة، فتقرر بعد البحث أن یشتغل الأعضاء فی وضع مواد أساسیة، تکون دستورهم و برنامجهم فی الأعمال. و فی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 203
الاجتماع الثانی الذی عقد نهار الأربعاء، نظر فی بعض المواد الأساسیة، و قرر قبولها. و انتخب الشیخ عباس المالکی رئیسا ثانیا، و قبلت استقالة الشیخ عبد اللّه الدهلوی.

العهد علی قبیلة حرب‌

و فی شهر جمادی الثانیة سنة 1343 ه، وفد علی عظمة السلطان إسماعیل بن مبیریک- صاحب رابغ- فی جمع مشائخ قبائل حرب، یعرضون الطاعة، و یطلبون الأمان. فقبل طلبهم، و أعطوا الأمان، و أخذ علیهم العهد و المیثاق بذلک فی جمع حافل، و خلاصة ذلک العهد:
أن محمد بن حمادی، و سلیمان بن هادی النثاق، و عویض بن بریکان المعبدی، و عویضة بن منیع اللّه المعبدی، تعهدوا عن بسر و معبد، الذی هم ضمن الحدود الآتیة: من الجنوب: أم الذبیح، و مسند. و من الشرق: علی قود المحیط. و من الشمال: نصف ثنیة عسفان. و کذلک تعهد عن الصحاف من حرب: محمد بن حامد بن نفاع، و الشیخ وکیل عبد الوکیل ضمن حدودهم المعروفة: من الجنوب: نصف ثنیة عسفان إلی حمد المغربی. و من الشمال و الشرق: المعبدی، و البشری. و من الغرب: حرة نقرا. و کذلک تعهد عن القراقرة من حرب: حمید بن مبیریک، و محمد بن فالح، و ثواب بن حمد القراقرة فی حدودهم: جنوبا:
حرة ریا. و من الشرق: رقم السفری. و من الشمال: حرة قدید. و من الغرب: رقم الخفیف.
و قد تعهّد هؤلاء عن جمیع قومهم ضمن حدودهم المعنیة: إنهم یلتزمون السمع و الطاعة، و یکفلون منع جمیع ما یعیب بهم فی دیارهم،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 204
فیمنعون السرقة و العدوان علی الحجاج و عابری السبیل من طرفی أو غیره، و یؤدون الزکاة المشروعة فی جمیع ما أوجب اللّه فیه الزکاة، و أنه لیس لهم فی مقابل ذلک شی‌ء من الحقوق علی الحجاج أو غیرهم، إلّا ما تفضّل به عظمة السلطان علیهم، بإعطائهم فی مقابل خدماتهم ما یعطیه کبار رعایاه علی جاری عاداته. و تعهدوا أنه إذا فعل أحد منهم، أو من غیرهم فی حدودهم ما ینقض هذا العهد، وجب علی الباقیة القیام علیه.
و إن لم یفعلوا، برأت منهم ذمة المسلمین.
و قد عاهدوا اللّه علی ذلک، و عاهدهم عظمة السلطان علیه، و علی أن یتعاضدوا مع إسماعیل بن مبیریک علی عدو المسلمین. و قد غلظوا الأیمان علی ذلک، و أشهدوا اللّه علیهم، و هو خیر الشاهدین. و انصرفوا من المقر السلطانی فرحین جزلین.

عهد زبید و بنی عمر و الأشراف‌

و فی شهر جمادی الثانی سنة 1343 ه، قدم من قبیلة زبید رئیسها، و المتقدم فیها صالح بن عبد اللّه بن عسم. و من بنی عمر و الأشراف:
عبد اللّه بن ماضی، و وارد بن سند. فتعهّد الأول ابن عسم، و من بنی عمر و الأشراف عبد اللّه بن ماضی بکفالة قومه من قبیلة زبید، المقیمین ضمن الحدود الآتیة: من الجنوب: الحرة البهیمیة التی بینهم و بین بنی حسین، و درب الغزیة. و من الشرق: درب الزائر، الذی تفصل النهیمیة و الجابریة.
و من الشمال: من موقف ابنی حمادی المحیطة. و من الغرب: إلی البحر.
و قد تعهّد کل منهم ضمن حدوده المعینة علی أن یمنع کل معیب فیها من سرقة، أو تعدی علی الحجاج أو عابری السبیل، و أن یؤدوا الزکاة
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 205
من جمیع الأموال: المبذورات، و الإبل، و الغنم، و غیرها علی الوجه المشروع. و أن لیس لهم مقابل ذلک شی‌ء من الحقوق علی الحجاج، و لا علی غیرهم، إلّا ما تفضّل به علیهم الإمام عبد العزیز مقابل خدماتهم علی جاری عادته مع کبار رعایاه. و إنهم مسؤولون فی کل ما یقع فی حدودهم من المحذورات، حتی لو وقع من غیر أهل قبیلتهم، الذین یدخلون فی حدود دیارهم، فهم المکلفون بمنع کل اعتداء یقع فی دیارهم.
و قد أعطاهم الإمام عهد اللّه و میثاقه، و إنه لهم ما للمسلمین، و علیهم ما علیهم علی شرطین: الأول أن یقیموا بمقتضی تعهدهم هذا.
و الثانی: أن یتعاضدوا مع إسماعیل بن مبیریک علی عدو المسلمین من حرب غیرهم. فإذا أخلّوا بشرط من شروط هذا العهد، فتکون ذمة المسلمین منهم بریئة. و أشهدوا علی أنفسهم.
فی جمادی الثانی سنة 1343 ه: انتهی.

عهد بنی حسن‌

وفد علی عظمة السلطان بعض رؤساء بنی حسن فی شهر جمادی الثانیة سنة 1343 ه طائعین، یطلبون السلامة و الأمان لأنفسهم، و لمن یؤخذ منهم، بعد و قد قطعوا علی أنفسهم عهدا بذلک، و هذا خلاصة هذا العهد.
هذا ما أقر به عبد العزیز بن محمد بن حاتم الصعب، و حسن بن هاشم العیافی، و تکلفوا به للإمام عبد العزیز بن عبد الرحمن الفیصل، بأنهم یکلفون جمیع قبائل بنی حسن من فی بطنهم، و هم: أولاد إبراهیم، و أولاد أبی القاسم، و ذوی برکات من آل مهدی، و جمیع بادیتهم فی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 206
بطنهم من أی قبیلة کانوا، من جمیع المعایب، و من أمن الطرق برا و بحرا، ضمن حدود دیرتهم التی تمتد من الشوف إلی اللیث، و من البحر إلی الجبل، ثم یسیرون بهذا إلی قبیلتهم، و یبلغونهم ما کان بینهم و بین الإمام، فإن قبلوا العهد، جاء رؤساؤهم إلی الإمام، و عاهدوه، و إلّا فالکفلاء المعاهدون بهذا العهد لهم أمان عشرین یوما من تاریخ هذا العهد، حتی یعودوا للإمام، فیخبرونه بالمطیع و العاصی.
و تعهدوا أیضا بالسیر علی مقتضی أوامر الشرع و أحکامه، و أن یسلموا للإمام جمیع حقوق اللّه فی أموالهم من إبل، و غنم، و مرزوقات، و غیرها من جمیع ما أوجب اللّه فیه الزکاة و أن لیس لهم فی مقابل ذلک شی‌ء من الحقوق علی أحد من الناس، و علی ذلک أعطاهم الإمام عهد اللّه و أمانه علی أموالهم، و أنفسهم و جمیع مالهم من الحقوق التی یوجبها الشرع. و أما رؤساؤهم، فیأتون ظالمین، و یرجعون سالمین، و لهم ما للمسلمین، و علیهم ما علیهم، بما فی کتاب اللّه و سنّة رسوله صلی اللّه علیه و سلم و إنهم إذا أخلوا بشرط من شروط هذا العهد، فتکون ذمة المسلمین منهم بریئة.
و قد طلب إلیهم عظمة السلطان أن یعاهدوا عقاب النصر، لأنه أمره علیهم فی اللیث. ثم انصرفوا إلی قومهم لیأتوا بهم طائعین.

دخول القبائل التی جهة ینبع و الوجه و أملج فی العهد فی شهر صفر سنة 1343 ه

وردت إلی عظمة السلطان قبائل من جهة ینبع، و الوجه، و أملج فی شهر صفر سنة 1343 ه تطلب الأمان و الدخول فی العهد، و هذه أسماء الذین دخلوا فی الطاعة، و أدوا الزکاة أبو العسل شیخ رفاعة، و عوادة بن
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 207
عواد و قبیلته، و سلیمان بن عدیوان و جماعته، و حمود بن محمد و قبیلته، و مرشد بن زوید و جماعته، و حدود هؤلاء من وادی ینبع إلی نبط أملج و قد دخل فی الطاعة، و أدی الزکاة من قبائل جهینة: عبد اللّه بن عبید و جماعته العلاویین، و راشد الحمیدی بن سلامة و جماعته الحمدة، و عابد بن جلدة و جماعته المحیا، و عبد اللّه بن فیاض السمیری و جماعته السمرة، وعید بن برکی و جماعته الغوابدة، و عبد المعطی و جماعته حبیش، و هؤلاء کلهم من جهینة. و کان من حاضرة جهینة: القاضی مسعد و قبائله، و عیسی بن صاید و جماعته، و محمد العزیری أمیر السوید، و جابر العیاشی، و کان من حرب- زیادة علی الأولین- حمید بن ربیع و جماعته الصخور، و سلیمان السویس و جماعته السرحة، و شیلة الوافی و جماعته الوفیان، و عبد الرحمن بن عمران الحیدری و جماعته الحیادرة.

عهد حرب و جهینة

و فی شهر ربیع الثانی سنة 1344 ه: وفد قسم کبیر من مشائخ جهینة و حرب، یعرضون الطاعة، و یطلبون الدخول فیما دخل به الناس و اجتمعوا بعظمة السلطان فی مکة. و قدمهم مقدمهم الشیخ إسماعیل بن مبیریک، و هم: بخیت بن بنیان، و عبد المعین بن حصانی، و عبد اللّه بن عبید بن ناهض، و بدر بن شفیع الغایدی، و عودة بن مسفر الذراعی.
و هؤلاء من مشایخ حرب و کان من مشائخ جهینة: الشریف جابر العباش، و حمد بن جبارة الصلیطی، و عبد الرحمن بورقیبة، و مسعد بن عودة القاضی، و دخیل اللّه بن طلال الحصینی، و سلامة بن أحمد الشطیری، و عوض بن عسفان الکلبی، و محارب بن فهد المنشل، و عطیة اللّه
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 208
القرعانی، و عابد الهذلی، و مسلم بن سلیمان، و حمید بن سلیمان المسیفری فأخذ عظمة السلطان علی مشائخ الفریقین عهد اللّه و میثاقه.
1- إنهم یکونون فیما بینهم إخوانا، و إن جمیع ما کان بینهم من الأمور التی تجری فی البادیة مدفون لا باعث له و کل ما کان من غزو، أو قتل، أو سلب سابق من قبل، فلا یبحث فیه، و لا یطالب به. اللهم إلّا أن یکون هناک عقود دیون، أو معاملات تجاریة، فمرجع ذلک إلی الشرع، یفصل فیه بحکم اللّه.
2- یتعهدون بأنهم یدعون الشاذ من قبائلهم الذین لم یدخلوا فی الولایة إلی الدخول فیما دخلوا به فمن أجاب و أطاع و قبل العهد الذی قبلوه و عاهدهم علیه، فهو أخوهم: له مالهم، و علیهم ما علیهم، سواء فی حکم الولایة و الطاعة، أو ترک ما کان من أمور الجاهلیة، و من عصی من قبائلهم فیکون المعاهدون من حرب و جهینة کلهم یدا واحدة علیه، یقاتلونه حتی یفی‌ء إلی أمر اللّه، سواء کان من حرب أو جهینة و إن هؤلاء الشاذین یدعون للمعاهدة عند الأمیر سعود بن عبد العزیز السعود، لیعاهدوه بالنیابة عن عظمة السلطان.
3- یساعدون جمیعهم علی دین اللّه و دین رسوله، و السمع و الطاعة للإسلام و المسلمین، باطنا و ظاهرا، و علی معاداة من عادی المسلمین، و موالاة من والاهم و علی أن یکونوا فیما بینهم إخوانا، یتناصحون، و لا یغش بعضهم بعضا، و یقومون بالنیة الصادقة، و إذا خرج أحد من حرب أو جهینة علی الولایة، فیناصحونه فإن أبی، فیتعهد الفریقان علی مناجزته، سواء کان حربیا أو جهنیا.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 209
4- قطعوا علی أنفسهم العهد علی أن لا یغیروا علی أحد من الموالین المسلمین، و أن یحافظوا علی طرق المسلمین الوافدین لبیت اللّه الحرام، سواء کانوا حجاجا أو التجار. و إنه لیس لهم حق علی أحد یأخذونه منه لقاء أمن الطریق أو المرور فیه إلّا ما تقرره الولایة لهم من الأعطیات، حسبما تقدره لهم بحسب منازلهم و مقاماتهم، فیأخذونها من الولایة، لا من الناس.
5- التزموا أیضا أن کل واحد منهم یتعهد عن قبیلته و أرضه و حدوده التی فیها، بأن جمیع ما یقع فیها من الحوادث المخلة من دقیق الأمور أو جلیلها، فهو الملتزم به، و المسؤول عنه. و إن جمیع الذین ینزلون بأرضه و حدوده من حرب أو جهینة أو غیرهم، فهو مسؤول عنهم، و عن أی حرکة تقع منهم.
6- إن جمیع ما یقع بین حرب و جهینة، أو بین بعضهم بعضا، من المنازعات أو المخالفات، فلا یمضون فی شأن من شؤونها، حتی یرفعوا أمرهم لولایتهم. إلّا أن یکون خلفا جزئیا، یتعرض لهم مشائخهم، و أهل الخیر فی إصلاحه، فذلک مباح لهم إذا کان ذلک الفصل لا یخالف الوجه المشروع، و لا یخل بهذا العقد، و قد أعطوا عهد اللّه و میثاقه و أمانه علی ذلک، و انصرفوا آمنین غانمین. انتهی.

عهد جهینة

حضر إلی مکة المکرمة فی ربیع الثانی سنة 1344 ه أیضا بعض من رؤساء قبائل جهینة، لأخذ الأمان من عظمة السلطان و یعاهدونه، فتعهد کل منهم ضمن الحدود التی له أن یکون فیها سامعا مطیعا، مؤدیا للزکاة،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 210
مقیما لحدود اللّه، مسؤولا عن کل عیب یقع فی حدود منازل عشیرته، و أنه لیس له مقابل ذلک شی‌ء علی الحجاج، و لا علی التجار، إلّا ما یتفضل به عظمة السلطان علیهم، مما جرت عادته بالتفضل به علی رؤساء قبائله.
أما الذین قدموا، فهم: عبد المعین بن حصانی. و حدود دیرته التی تعهد عنها من الشرق: اللهیبة، و من الشمال: البدیع إلی الواسطة، و من الواسطة إلی القارعة إلی أبیار ابن حصانی، و من الیمن وادی الفراش من شفا الضلع إلی أبیار حصانی، و من مغیب الشمس قرایا صیح و دیرتهم.
و قدم أیضا بدر بن شقیع، فتعهد بالنیابة عن نفسه، و عن رؤساء عشیرته: حمود بن معیقل، و حمود بن عبد الحمید، و عودة بن حازم، و حمود بن کافل، و معتق بن عواد، و محمد بن حمزة، و سالم الباحث، و محمد أبو قیس، و علی بن رویجح، و حدود هؤلاء من الشرق: الراجحة السویف، و من القبلة الحربیة و دیرة الربیادی.
و قدم أیضا کبار بنی إبراهیم: الشریف جابر بن أحمد العیاش، و محمد بن جبارة الصلیطی، و عبد الرحمن بن عواد أبو رقیة، و عبد اللّه بن مطلق. و تعهدوا بالعهود السابقة ضمن حدودهم، من الشرق الذبیانی، و من الشمال: الربیاوی، و من الغرب: الجایدی، و من الیمن:
النجیوی.
و قدم أیضا مسعد القاضی، و تعهد ضمن حدوده: من القبلة، رضوی و منه یمر الموالی النعمی و من الشرق: الزائد و تعردی، و من الغرب العنبری البلوی. و قد تعهد هؤلاء بالمحافظة علی الأمن و حراسة
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 211
الرکبان للذین یمرون بهم، و قد ذهبوا من لدی عظمته سالمین غانمین.
انتهی.

مجلس الشوری لحرب جدة

فی الساعة الثامنة بعد ظهر الثلاثاء، الرابع من جمادی الثانی سنة 1343 ه، اجتمع العلماء، و أمراء الجیش، و وجوه رجال العسکریة فی المقر السلطانی بدعوة من عظمة السلطان، فغص بهم نادیه علی رحبه.
و بعد أن أخذوا مجالسهم، تکلم عظمة السلطان بما خلاصته.
إنی ما زلت منذ نزلنا هذا المنزل یبلغنی عنکم الکثیر من الأخبار، بأنکم تلومونی فی إقامتی، و عدم التجهیز علی جدة. و تعلمون- إن شاء اللّه- أن أمری هذا لیس بخیانة و لا رأفة بالعدو، و لکن الأمر هو ما تعلمون من أن جدة بین صنفین من الناس: صنف هم رعایا الأجانب، و الصنف الثانی أغلبه من أهل مکة، و فیها أموالهم و أمتعتهم. هذا من جهة. و من جهة ثانیة، فإنی أرأف بکم، و لا أحب أن یصیب المسلمین أقل ضرر، لذلک ترونی قد تأخرت فی الأمر، کما تنظرون. و الحقیقة أن ابن آدم یسیر، و أمره بید اللّه، و لیس باختیاره. و قد أحضرتکم، و شرحت لکم السبب الذی أخرنی إلی هذا الحین، فأشیروا علیّ بما ترون- فساد السکوت بعد هذا قلیلا-.
ثم انبری للکلام أحد أمراء الجیش، سلطان ابن بجاد، فقال: و لو أن فی إخوانی من هو أکبر منی، و أحق منی بالکلام، أتقدم جرأة علیهم، و معرفة بما فی نفوسهم، فأقول لکم عنی و عنهم: إننا لم نصل هذه المواصیل طمعا فی دنیا و ملک. فأما طمع الدنیا، فاللّه رازقنا من قدیم
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 212
الزمان. و أما الملک، فهو للّه، ثم لک، و أنت أحرص منّا علیه، و ما نقصد فی موقفنا هذا غیر أمرین: الأول: أن تکون کلمة اللّه هی العلیا، و دینه هو الظاهر. الثانی: هو أننا ما نعلم أن للمسلمین عموما، و لهذا البیت و أهله خصوصا، بوجود الحسین أو أحد أولاده صلاح فی أمر دین و لا دنیا. فإذا کان هذا ثابت عندنا، و نعتقده دینا، فما المانع من قتالهم، و الزحف علیهم. فإن کنت تخاف علی أحد من رعایا الأجانب، أو واحد من أهل جدة، فلک منا العهد و المیثاق بأننا لا نمسهم بشر، و لا نصیبهم بأذی، إلّا من برز منهم لقتالنا، أو بلانا بنفسه.
و نحن کما تعهد أن الأمر الذی تنهانا عنه، نتجنبه. و لو لا ذلک، لما منعنا من عدو اللّه- علی- مانع یوم انهزم إلی جدة، و هو فرد، و لم یجتمع علیه أحد، و الآن، فلا بد لنا من أمرین:
الأمر الأول: هو أن تتوکل علی اللّه، و لتریح نفسک، ثم تأمرنا بالدرب الذی نسیر علیه، و نحن بحول اللّه و قوته نکفیک مؤنة الأمر.
الأمر الثانی: هو أنه إذا کان رأیک لا یوافق علی هذا لما تراه من الأمور التی أنت أعلم بها منا، فلا یجوز أن نظل بعیدین عن أعداء اللّه هذا البعد، بل یجب أن نقترب منهم، و نضیق علیهم الخناق، حتی یحکم اللّه بیننا و بینهم.
فأما الأمر الأول، فهو مرامنا. و أما الأمر الثانی، فلیس إلّا مرضاة لخاطرک، لأن اللّه أوجب علینا طاعتک. و لمّا بلغ السلطان بن بجاد مقاله هذا، حشرجت الدمعة فی عینه، و أعیاه الکلام، فبکی و بکی الناس معه، حتی بل الدمع أردیتهم.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 213
ثم تکلم الأمیر خالد بن لؤی، فقال: یا عبد العزیز، إنی أقول کلمة، و لو زعلت علی ما فیها: إننا نتحدث فیما بیننا، و نقول: إن عبد العزیز قد بدل بالشجاعة جبانة، و کنا قبل قدومه نتمنی قدومه. أما الیوم، فصرنا نقول: لیته ظل بعیدا فی بلده. فإن کان هناک دلیل شرعی یؤخرنا عن هؤلاء القوم، فبینه لنا حتی نتبعه، و ما نحن إلّا خدام للشرع، و إن کان لیس لک قصد إلّا الشح بأنفسنا من الموت، فما من أحد یموت قبل یومه. و ما نتمنی و اللّه أن نموت إلّا شهداء إن شاء اللّه تعالی فأی قتال تراه أفضل من قتال الحسین و أولاده، و أی عمل جاء منه الضرر للإسلام و المسلمین أکثر من الأعمال التی عملها الحسین و أولاده.
و لمّا انتهی خالد من مقالته، التفت عظمة السلطان إلی القوم، فوجدهم یبکون جمیعا، فقال لهم: و أنتم یا معشر المسلمین، لیتکلم من شاء منکم بما یبدو له من الرأی، فقالوا: ما عندنا کلام غیر ما تکلم به إخواننا سلطان و خالد، و القوم لا یحسنون الکلام لما بلغ بهم من البکاء.
ثم ساد السکوت نصف ساعة، لم یکلم أحد أحدا.
و لمّا رأی عظمة السلطان حالتهم هذه، و ما یحملون من الضیق فی صدورهم، أقبل علیهم، و قال: نحن إن شاء اللّه قد عزمنا علی الشدة نهار الخمیس، و لکن المنزل منزلان: منزل یذکرون أنه وهیم- أی ردی‌ء المناخ-، و سمی منزلا آخر یمدحونه. فقال خالد: أما الوهیم، فقد نزلناه مع الشریف أربعین یوما، عند ما حصرنا جدة، فأمرضنا. فقال عظمة السلطان: إن ذلک متحقق عندی، و عرفت ذلک من أهل مکة. ثم أراد البعض أن یتکلم فی أمر بعض الخطط الحربیة، فقال عظمة السلطان: بأنه لا یسمح لأحد یتکلم إلّا فی أمر الرحیل. أما البحث فی التدابیر الحربیة،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 214
فینظر فیه بعد منزلنا هذا، و نتراجع فیه، و نتشاور. ثم قال عظمته: و اللّه العظیم، و باللّه الکریم، إنی ما أجد، و لا أخبر سببا کان یمنعنی عن القدوم علی القوم إلّا ما ذکرته لکم فی أول الکلام، و عندی- و الحمد للّه- من الأخبار عن حالة العدو، و ضعفه فیما یفرحکم عنه فیما بعد. ثم تفرق القوم علی هذا العزم، و أخذ کل إنسان یتخذ الأهبة للرحیل.

الأوامر السلطانیة

صدرت الأوامر السلطانیة للجند بأن لا یدخل البلد- و لو فتحت له أبوابها- بغیر استئذان من مرکز القیادة العلیا، و أن یحیط بالمدینة، و أن یمنع وصول أحد من العربان إلیها، و أن یشغل العدو بمناوشات و لیستدرجه، لعله یجسر علی الخروج من مخابئه التی اختبأ فیها.

الزحف علی جدة

ذهب نهار السبت من مرکز القیادة العلیا سرایا من الجیش نحو جدة، و لمّا وصلت قرب مدینة جدة، عسکرت فرقة غطغط فی الجناح الأیمن، و عسکر فی الجناح الأیسر فرقة أهل دخنة، و عسکر أهل ساجد فی جهة معاونة للجناح الأیسر، و عسکر فی القلب لواء قحطان من أهل الهیایثم، و وراء هؤلاء کلهم سریة من الخیالة. ثم التحق بهم الجیش الذی کان فی الیمن من أهل الداهنة و رکبة، فأصبح فی الجبهة نحو أربعة آلاف مقاتل. وصلت أوائل الجیش آخر اللیل، فاستولوا علی روابی و مواقع تشرف علی حصون العدو، فتترسوا بها. ثم اقتربوا من الأسلاک الشائکة حتی صاروا بالقرب منها، و باشروا إطلاق النار علی الحصون فی أطراف المدینة، و لکن لم یخرج من المقاتلة إلیهم أحد. و عند ذلک أخذت
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 215
المدافع توالی إطلاق النار علیهم بشدة من داخل البلد، و دام إطلاقها حتی المساء، و لکن لم تصب أحدا من الإخوان بأذی، إلّا جرحا طفیفا أصاب رجلا منهم.
ثم هجمت سریة من الجیش علی جهة جدة، فاستولت علی النزلة و الرویس، و ذلک فی أواخر جمادی الثانیة. و هجمت سریة أخری علی قصر بن منصور، علی بعد غلوة من جدة، فاستولت علیه، و أقامت فیه، و سافرت سریة أخری إلی منابع المیاه التی یستقی منها أهل جدة، فوجدت علیها حامیة صغیرة من الجند، فرّ منهم من فرّ، و قتل منهم من قتل، و استولت علی ماء الحفر و الصهاریج، و أقامت حامیة لها علیها.
و بعد أن استولی الإخوان علی هذه المراکز خارج خط الدفاع، تقدموا فی العراء، و باشروا حفر الخنادق. ثم أقاموا عندها استحکامات، حصنوها بأکیاس من الرمال، فصاروا یحاربون الجنود النظامیة بالرشاشات و البنادق. فعاد فی الثالث و العشرین من جمادی الثانیة طارت الطیارة التی کان یسوقها الطیار الروسی تشاریکون، فیها المراقب الضابط اللازقی، و الکاتب عمر شاکر، فعند ما دنوا من المعسکر فی الرغامة، انفجرت القنبلة فی الطیارة و هی تعلو نحو ألفین قدم عن الأرض، فتحطمت فی الجو. قد کان الإخوان یهجمون غالبا هجمات هوجاء، مستبسلین، مستشهدین فی اللیالی المظلمة. و کانوا یقربون حدا من الخط، حتی إن رصاص بنادقهم وقع قرب قصر الملک، و حتی إنهم قطعوا بعض الشریط، و أخذوه إلی المعسکر العام.
أما الأهالی، فقد کان الرعب سمیرهم، و الذعر جلیسهم فی تلک
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 216
اللیالی، لأنهم جهلوا القصد الحقیقی من الإغارات، فظنوا أن الإخوان یحاولون اختراق الخط. نصبت المدافع السعودیة فی شرق الکندرة، و علی طریق مکة، فکانت تصل قنابلها فی البدء إلی ما بین مائة و مائتی متر من الأسلاک، ثم داخل الأسلاک، و هی تنقل إلی الأمام بعد حفر الخنادق، ثم عند سور المدینة، ثم داخل السور. حلقت القنابل فوق خط الدفاع، فتساقطت فی قلب البلد. و قد أصیب مرتین بیت الوکالة البریطانیة، فاخترقت جدار غرفة النوم، و قنبلة دخلت مکتب الوکیل. و قد أصیب أیضا بیت وکالة السوفیت، فتکسر العلم فوق السطح. و استمرت تتقدم فی تقدم المدفعیة، حتی وصلت الإفرنسیة، و تفجرت فی مخیم الهلال الأحمر.
کان الضرب یبدأ صباحا، فیصلی الفریقان الفجر، و یتبادلان بالقنابل ساعتین، أو ثلاث ساعات. ثم یستأنف العمل بعد الظهر، فیستمر حتی غروب الشمس عند ما اشتدت هذه الحرب المدفعیة فی شهر رجب و شعبان، نصب النجدیون مدفعا فی الرویس، فصارت قنابلهم تقع فی الجهة البحریة من المدینة، و فی قلبها. فخرج، و قتل عدد من الناس، و استولی الرعب علی الأهالی، فشد کثیر منهم للرحیل. بدأت الهجرة إلی سواکن، و مصوع، و عدن فی المراکب التجاریة. ثم طفق الناس یرحلون فی السنابیک إلی اللیث، و منها إلی مکة.

وقعة کبیرة بین الفریقین‌

و فی ضحی الیوم الثانی عشر من شهر شعبان- 14 مارس 1925- شرع الخط یطلق مدافعه الکبیرة علی السردیس. و بعد نصف ساعة من هذا
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 217
القرب الشدید المتواصل، خرجت خمس مصفحات من أولیة الکندرة، فسارت ثلاث منها تجاه نزلة بنی مالک، و اثنان اتجاه الرویس. ثم مشی من مرکزی الکندرة و إلی بضیلة نحو ألف جندی من جنود النظام و البدو، مقسومین إلی ثلاثة أقسام، تبعتهم سریة من الخیالة.
أما الإخوان، فقد کانت فرقة من أهل دخنة فی الرویس، و فرقة أخری فی بنی مالک، و کان أهل العارض و الفطفط فی الخط الثانی. کما أنه کان من الفریقین فی الجهة الأمامیة، أی فی الخنادق، و عدد الجمیع لم یتجاوز یوم ذاک الألفین. عند ما خرجت المصفحات، تدفقت القوة الاحتیاطیة النجدیة نحو مراکز الجیش المرابط. و لکنهم لم یباشروا الرمی، لا هم و لا المخندقون، حتی خرجت العساکر الهاشمیة کل إلی السهل. و کانت المصفحات تصل إلی النزلة، فدارت عندئذ رحی الحرب فی الناحیتین، تجاه الرویس، و تجاه بنی مالک، و دوت البنادق و الرشاشات. أما المصفحات، فقد کان من مهمتها أن تمنع وصول المدد إلی الجهة الأمامیة، فسارت شرقا بشمال، تارکة النزلة إلی یسارها، لتصد أهل الفطفط و العارض عن الهجوم، فاشتبکت و إیاهم فی قتال عنیف، و لکنها لم تتمکن من صدهم. و قد رأی ممن شاهد المعرکة من جدة کیف کان الإخوان یصارعون هذه المصفحات، مستشهدین. فیدورون حولها، و هم یطلقون البنادق علیها، و علی من فیها، و هی ترش الرصاص من شاشاتها فی کل جانب. حتی إن عبدا من العتاریس دنا من إحداها بعد أن جال حولها، کأنه فارس من الفرسان، فتمسک بها، و صعد إلی سطحها و هو یطلق مسدسه، فأصیب و هو هناک برصاصة، فهوی إلی الأرض.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 218
ظل الإخوان یعارکون هذه المصفحات حتی أبطلت الرشاشات، فصار الجنود داخلها یطلقون الرصاص من مسدساتهم. و قد أصیب بعضهم برصاص العدو، الذی کان یدخل من الکوی. تراجعت المصفحات، و قد تمزقت، و تکسرت جوانب بعضها، و سارع أهل الفطفط و العارض إلی نجدة إخوانهم فی ضوء معرکة دامت ساعتین، فی أشد حالاتها، ثم ساعتین فی قتال، حتی انتهت الساعة الثالثة بعد الظهر فی رجوع الجنود الحجازیة و المصفحات إلی داخل الأسلاک، و رجوع الإخوان إلی مراکزهم.
أما من بقی فی ساحة القتال و هم القتلی، فلا یقل عددهم عن الثلاثمائة. جاء فی التقریر النجدی الرسمی: قد تحقق أن خسارة العدو کانت فی الأقل ثلاثمائة و عشرین قتیلا، بدلیل بنادقهم التی غنمها رجال جیشنا، و أحضروها إلی المعسکر العام. أما خسائرنا، فقد کانت خمسة قتلی، و خمسة جرحی فقط. و بعد هذه الواقعة، خمدت فی الجانبین نار الحرب: خف حرب المدافع، و قل الهجوم فی اللیل و کان فی شهر رمضان شبه هدنة، یتبعها شوال مناوشات فی اللیالی المظلمة.

الوفد الهندی بجدة

وصل إلی جدة صباح یوم الجمعة 7 جمادی الآخر سنة 1343 ه کل من حضرات الأفاضل: السید سلیمان الندوی، و الأستاذ عبد القادر القصوری، و الأستاذ عبد الماجد القادری، الموفدین من قبل جمعیة الخلافة بالهند ثم أرسلوا کتابا إلی السلطان ابن سعود، و هذا نصه:
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 219

کتاب الوفد إلی السلطان بسم اللّه الرّحمن الرّحیم‌

أحمد اللّه الذی لا إله غیره، و الصلاة و السلام علی النبی الذی لا نبی بعده إلی جناب صاحب العظمة السلطانیة، و الإمامة الشریفة، سلطان نجد و ما ولاها أدام اللّه سعده.
السلام علیکم و رحمة اللّه و برکاته، نحن نزلنا قبل أمس فی میناء جدة، و شغلنا معلوم لدی عظمتکم. و ما ندبتنا جمعیتنا- جمعیة الخلافة- إلی هذه البلاد العربیة إلّا رغبة فی حقن الدماء، و الدعوة إلی الوفاق و الوئام و الصلح و السلام، علی مبدأ ینفع البلاد العربیة، و یلائم العالم الإسلامی، و یجعل البلاد الحجازیة مصونة عن النفوذ الأجنبی فإن وقع هذا المبدأ من عظمتکم موقع الاستحسان، فأذنوا لنا بالتمثیل بین یدی عظمتکم، و عرض ما عندنا للأمور الصالحة للأمة العربیة علی مسامعکم الشریفة. و علی کون الطریق بین جدة و مکة محفوفا بالخطر، شرفونا بالإحاطة علما بهذه الأمور المهمة، لنکون علی بصیرة من أمرنا:
1- المعاهدة البریطانیة النجدیة الواقعة سنة 1916 م، التی ینسب إلی سلطنة نجد إبرامها مع الحکومة البریطانیة، و التی هی قاضیة علی استقلال الحکومة النجدیة، و ما یدخل فی حوزتها من البلاد بعد، و هی نشرت بنصها فی الجرائد العربیة، أهی صحیحة، أم مزورة، أم حصل فیها تحریف ما من الخصوم؟
2- هل أعطت الحکومة النجدیة إحدی الشرکات الأجنبیة امتیازا ما فی داخل بلادها.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 220
3- أیصح ما جری علی الألسنة من هدم البنایات، و القبب، و القبور التی لا ینبغی هدمها، مصلحة و سیاسة عند عامة الناس، و دینا عند أکثر المسلمین. و للآن یلزم الجنود النجدیة فیه التحذیر التام.
4- و هل لنا أن نتوسط بین الفریقین المتحاربین- أی بین عظمتکم، و جلالة الملک علی باسم جمعیة الخلافة علی مبادی‌ء تفید الإسلام و العرب، و لا تمس باستقلال الحجاز، و حریة الشعب الحجازی.
5- و هل توافق الحکومة النجدیة علی هذه القرارات التی أقرتها جمعیة الخلافة، و بعثت بها إلی حکومتی نجد و الحجاز و نرجوکم عدم تأخیر الجواب.
الإمضاء: السید سلیمان الندوی رئیس الوفد الهندی إلی البلاد الحجازیة و النجدیة

جواب السلطان علی کتاب الوفد

السلطنة النجدیة و ملحقاتها، فی 14 جمادی الثانیة سنة 1343 ه عدد 126.

بسم اللّه الرّحمن الرّحیم‌

من عبد العزیز بن عبد الرحمن آل الفیصل السعود إلی حضرة الأخ الفاضل السید سلیمان الندوی، رئیس وفد جمعیة الخلافة الهندیة.
السلام علیکم و رحمة اللّه و برکاته. و بعد، فإنی أهنئکم أولا بوصولکم جدة سالمین، سائلا المولی تعالی أن یمتعکم بما تحبون من الصحة و العافیة و إنی أشکرکم، إخواننا الهنود عامة، و جمعیة الخلافة
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 221
خاصة، علی حسن نیاتکم نحو العرب، و سعیکم الصادق لخدمتهم و رفع شأنهم، و تجشمکم المشاق العظیمة فی سبیل السلم العام إنی مستعد أتم الاستعداد لمقابلتکم، و مذاکرتکم فیما تریدون و تودون، و قد عملت الترتیبات اللازمة لتأمین راحتکم. و لکن أحب قبل مغادرتکم جدة أن ترسلوا النجاب، کی یحیط علم جندنا بخبر سفرکم هذا، و إنا لقدومکم لمنتظرون.
أما ما کتبتموه عن الأسئلة، فلا نحب الإطالة من الکتابة ما دمتم قادمین إلینا، حیث إننا نحب أن تروا و تطلعوا بأنفسکم علی کل شی‌ء و لا نقول فیما یتقوله خصومنا إلّا ما قال اللّه عز و جل: بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَی الْباطِلِ فَیَدْمَغُهُ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ [یوسف: 18].
أرسلنا مع هذا النجاب خدام لمقابلتکم، و القدوم مع حظراتکم إلینا، و أمرناهم بالبقاء عند جندنا الذی بجهة جدة، حتی یرد إلیهم خبر خروجکم إلیهم، و یقدمون بصحبتکم و خدمکم. و إذا جاء نهار الاثنین الساعة السادسة، و لم یأتهم أحد منکم، فیرجعون إلینا. أحببنا إحاطتکم علما بذلک.
عبد العزیز الختم‌

طلب الوفد السفر إلی السلطان‌

جدة 16 جمادی الثانیة سنة 1343 ه الموافق 11 ینایر سنة 1925 م ..
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 222

بسم اللّه الرّحمن الرّحیم‌

إلی معالی وزیر الخارجیة للحکومة الحجازیة- أعزه اللّه- السلام علیکم و رحمة اللّه و برکاته. و بعد، و قد بدا لنا أن نخرج من جدة للسفر إلی مکة المکرّمة صباح یوم الاثنین، مخلّفین وراءنا متاعنا بجدة، و هل یمکن لکم أن تسألوا جلالة الملک للسیارة تبلغنا إلی الغایة؟
السید سلیمان الندوی‌

جواب الحکومة الحجازیة علی طلب الوفد السفر إلی مکة

رئاسة الوزراء: حضرات الجهابذة الأماثل، وفد جمعیة الخلافة المحترمین، السلام علیکم و رحمة اللّه و برکاته.
أما بعد، فقد عرضت علینا تذکرة فضیلتکم بشأن رغبتکم فی السفر، للوقوف علی النوایا، و المعاهدات، و المطالب، و لمقابلة الأمیر عبد العزیز بن سعود، رئیس عشائر نجد. و تعلمون فضیلتکم أن الحکومة الحاضرة، الراغبة فی الاتفاق مع جمیع أمراء العرب خاصة، و مع جمیع الهیئات الإسلامیة عامة، أعلنت أنها ترحّب بالمتوسطین لحقن الدماء، و إیجاد السلام فی البلاد، لیعلم العالم براءتها من الوحشیة، و جریمة الاعتداء. و سمحت بالتوسّط، لا بالمداخلة فی شؤونها التی تمسّ استقلالها لجمیع الأفاضل الذین جاؤوا إلی هذه الدیار لتلک الغایة النبیلة الحمیدة، و أن یجزلوا ذلک بأنفسهم، لیعرفوا المجرم الأثیم من المحسن البری‌ء. فنقترح أن تخاطبوا الأمیر ابن سعود، رئیس عشائر نجد، المذکور قبل کل شی‌ء، و تسألوه عن النقطتین الآتیتین:
أولا: هل یقبل حضرته وسائط فضیلتکم.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 223
ثانیا: أن تصرّحوا له، و یصرّح لکم بالکتابة، أن المقصود بالوساطة هو إیجاد الصلح بین صاحب الجلالة علی المعظّم، و بین حظرة الأمیر ابن سعود رئیس عشائر نجد بالأصالة عن نفسیهما، و بالنیابة عن بلادیهما.
فإذا قبل حضرته هذین المبدأین، سهل النظر فی کل أمر بعد ذلک. و لا شک حضرتکم تعذرون الحکومة الحجازیة فی کل احتیاط تتخذه بمناسبة ظروف الحرب الاستثنائیة، التی لم تکن هی المسبّبة لها. و إن هذا الاحتیاط لا یجب أن یظن فیه أنه من قبیل التهمة لأحد من المتوسطین الکرام، بل لمعرفتها بطرق و أحوال حضرة الأمیر المومی‌ء إلیه، و متی أجابکم حضرته عن النقطتین المذکورتین أعلاه بالکتابة، و أجابکم أیضا عن أسئلتکم الثلاثة السابقة فی کتابکم الأول. و اطلعت الحکومة الحجازیة علی ذلک، و اقتنعت بأنه صادق فی هذه المرة فی قوله و نیّته. فإن الاتفاق بعد ذلک سهل علی جمیع الشؤون. و لکی لا یقع سوء تفاهم، بادرنا بتسطیر هذا الخطاب، لتکون جمیع الأمور جلیة واضحة، و یحصل المطلوب من التفاهم، و إزالة المصائب بالبلاد. و کانت لکن الفرصة الکافیة بعد ذلک للدرس، و الوقوف علی کل شی‌ء، و الاتفاق مع الفریقین أو أحدهما، کما ترون المصلحة فی ذلک لخیر الحرمین الشریفین، و أهلها و سائر المسلمین. و أقدم لحضرتکم فی الختام فائق التحیة و الاحترام.
رئیس الوزراء و قاضی القضاة

کتاب الوفد إلی السلطان‌

الحمد للّه الذی لا إله إلّا هو، و الصلاة علی النبی الذی لا نبی بعده.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 224
إلی حضرة صاحب العظمة، السلطنة المتّبعة، و الإمامة الکریمة الشریفیة، السلطان عبد العزیز بن عبد الرحمن الفیصل آل السعود، أدام اللّه عزه و جلاله.
تشرّفنا بکتابکم الکریم الأول، و کنا نودّ بصمیم أفئدتنا أن نتشرف بالمثول بین یدی عظمتکم، و نعرض علیکم ما یجول بخاطرنا. و کنا تابعنا بالسفر إلی جنابکم، و لکن ولاة الأمور هنا لم یأذنونا به، حتی نعترف بشروط عرضوها علینا. و لکن لم یکن قبولها بیدنا، حتی نرد الأمر إلی المجلس المرکزی لجمعیة الخلافة الهندیة، و ننال منها أمرا و حکما آخرا، و لها الأمر فی نقض و إبرام ما بأیدینا. فأبرقنا إلیها نسأل حکمها، و إلی الآن لم یصل إلینا شی‌ء منها، و نحن له من المنتظرین. و لکن الأحوال فی کل یوم فی تقلّب و تحوّل، و صایرة من سی‌ء إلی أسوأ، فنسأل اللّه أن یوفّقنا لما فیه خیر العباد، و منفعة البلاد.
و لم نتمالک السکوت، فأحببنا أن نقدم علی کلا الفریقین کلمات خرجت من أعماق قلوب، ترق للأبریاء أهل البلاد، و العجز، و الضعفاء.
إن الأشهر الحرام قد کادت أن تدخل، و وفود اللّه من حجاج بیت اللّه العتیق علی أهبة السفر، و أهل البلدتین: مکة الکرّمة، و المدینة المنورة، و مدینتی الطائف، و جدة فی بلاء عظیم، و قلق مستدیم، من کساد الأسواق، و غلاء الأرزاق. فلا بد من الإسراع إلی التفریج عن المکروبین، و الإسداء إلی المنکوبین. و الطریق بین مکة وجدة مسدودة مصکوکة، و أموال أبناء السبیل منهوبة، و دمائهم مسفوکة. فالمسالک محفوفة بالمهالک، لا یستطیع الحجاج و الحال هذه أن یعبروها. فإن حرم المسلمون فی هذه السنة النحسة عن الإتیان بفریضة الحج، و لم ترد
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 225
القوافل من أقطار الإسلام، یکن له أعظم وقع فی المسلمین، و یلم بالإسلام ما لم یلم به قبل. و تکون فی الإسلام طامة کبری، لم یسبق لها نظیر. و الضعفاء العجز من أهل البلاد، الذین أرزاقهم بموسم الحج و مورد المسلمین، تکون لهم هذه السنة التعساء سنة قاحلة شهباء، و لا یملکون ما یتبلغون به. و یصبح منظر هذا الفقر الموقع و الکرب العظیم ما یذیب القلوب، و یفیض الدموع.
أصلح اللّه أحوال المسلمین، و وفقهم للنظر فی عواقب الأمور، و الاستبصار بوقائع الدهور. فأعداؤهم بالمرصاد، ساعون فی تضلیل آراء العباد، فهل من فریق یجیب داعی السلم، و یسارع إلی إنهاء الوغی، و إزاحة الوجی؟ و هل إلی إخماد نار الحرب، و تسکین فتنتها، و تخفیف أحوالها من سبیل؟ و اللّه المستعان، و هو نعم المولی، و نعم الوکیل.
المخلص الصادق: السید سلیمان الندوی رئیس وفد الخلافة الهندی‌

جواب السلطان عبد العزیز علی کتاب الوفد الهندی‌

من عبد العزیز بن عبد الرحمن الفیصل آل السعود إلی حضرة الأخ المکرم السید سلیمان الندوی، رئیس وفد جمعیة الخلافة العظمی حفظه اللّه.
السلام علیکم و رحمة اللّه و برکاته. و بعد، فقد أخذت بید السرور کتابکم، و وقفت علی أسباب تأخرکم بعد سماحنا لکم بالقدوم إلینا، و استعدادنا للمذاکرة و المباحثة فی کل ما أردتم. و لکن ولاة الأمور فی جدة منعوکم من السفر إلیّ بشروط وضعوها لکم، و هذا لیس بجدید فی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 226
تاریخ القوم، فهم یودّون تأیید باطلهم بما یلقفونه من الإفک و البهتان، و لکن نور الحق یخترق حجب الباطل مهما کنفت، و سیتبین الصبح لذی عینین. إن ما أظهرتموه فی کتابکم من الأسف علی ما یقع، و حبّکم للسلم و عملکم إلی التآخی و التصافی، لیس بمستکثر علی أمثالکم، ممن تمکن الإیمان فی قلوبهم، و استنارت بصائرهم بنور الحق و إنی أکثر الناس أسفا و حزنا، و لکن ما کل ما یتمنی المرء یدرکه.
إن ما تعرفونه و یعرفه المسلمون فی سائر أنحاء العالم، مما أتاه الحسین و أبناءه فی هذه البلاد الطاهرة، لا یحتاج إلی شرح. و إن ما قاساه العالم الإسلامی من طغیان هذه العائلة، و تحکمها فی حرم اللّه، و استغلالها مرکزها فی سبیل أغراضها الضارة، مما لم یترک لنا مجالا لحسن النیة بهؤلاء القوم. إن ما سننشره من الوثائق الرسمیة علی العالم الإسلامی، مما عثرنا علیه من أوراق القوم، سیکشف حقائقهم، و یظهر ما کانوا یکیدون للإسلام و العرب. و هی لم تزدنا إلّا استمساکا بالطریقة المثلی، التی احتطناها لأنفسنا فی أول یوم أعلنا فیه الجهاد علی أولئک الأشرار. إننا فی أول یوم قمنا فیه بواجبنا، أعلنّا للملأ بأننا لا نقصد التوسّع فی الملک، و لا التسلط علی بلاد اللّه المقدسة، و لا التحکم فی رقاب أهلها، کما کان یفعله الحسین و أولاده. و إنما قصدنا تأمین حرم اللّه، و تسهیل الطرق لجمیع الوافدین، و تطهیر أطهر بقعة فی الأرض مما دنّسها به القوم من الأعمال التی تأباها الشریعة الطاهرة. إننا لا نرید إلّا الرجوع إلی سیرة السلف الصالح، فلا یصلح آخر هذه الأمة إلّا ما أصلح أولها. و إننا سوف لا نجری إلّا علی المنهاج الذی یضعه العالم الإسلامی، فلا غرض لنا فی هذه الحیاة إلّا إعلاء کلمة اللّه، و إظهار دینه.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 227
إننا لا نحب سفک الدماء، و لا نمیل إلی إثارة الفتن. و لکن أولئک المتطوعین الذین جاؤوا لجهادنا، و أتوا من بلادهم التی اغتصبها الأجانب لتأیید الباطل و أهله، نری قتالهم واجبا علینا، بل و علی کل مسلم أبی، و کل عربی لم یعمّه الغرض. إننا نری جهاد الحسین و شیعته من الآخذین بأسباب الهوی، العادمین لأرکان الدین، المؤیدین للبدع، الصارفین الناس عن سبیل اللّه، نری جهادهم فرض علینا، لم نترکه فیما مضی إلّا لأسباب لا تخفی علی أمثالکم، أهل الغبطة، و النظر الصائب.
و إننا سنسیر فی طریقنا، معتمدین علی تأیید اللّه و معونته. و هو ولیّنا، و نعم النصیر.
فی 2 رجب سنة 1343 ه

نقل البرقیة التی أرسلها الوفد الهندی من جدة إلی مرکز الجمعیة فی بمبائی الخلافة بمبائی‌

جرت مفاوضة تامة فی عدة اجتمعات عن جمیع النقط مع الملک و وزرائه، و أخذنا أجوبتهم النهائیة یرون الجمهوریة غیر ممکنة، و إن المؤتمر غیر مفید، و غیر ممکن. و هم یوافقون علی إنشاء حکومة دستوریة، یرأسها الملک الحالی. لا بد من شخصیة فی نظرهم، و هم یقبلون استشارة البلدان الإسلامیة فی الأمور الدینیة و هم یمیلون للوصول إلی تفاهم مع جمعیة الخلافة. الطریق إلی مکة مقفلة بسبب الحرب.
وصلنا جواب ابن سعود خلال المفاوضة علی ید الحکومة بالکتابة: إن الشریف علی الملک الشرعی للحجاز، أبرقوا لنا بالتعلیمات.
إمضاء: آدم سلیمان
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 228

جواب جمعیة الخلافة

السید سلیمان: الوفد الهندی- جدة ..
الجواب علی تلغرافکم تأخر، لأننا رأینا من اللازم أن یجتمع فی دهلی ممثلوا اللجنة التنفیذیة من کل البلاد، و قد قرر ما یأتی: لیست اللجنة مستعدة لتغییر شی‌ء مما قررته من مؤتمر العالم الإسلامی، لازم لتقریر مستقبل إدارة مرکزیة إسلامیة، یتبادل فیها ممثلو الشعوب الإسلامیة للبحث فی الحالة الحاضرة، و ما یحتاج إلیه، و تحقیق ما نشر بخصوص الحوادث الناشئة عن الحرب.
حقن الدماء، و تأسیس السلم غیر ممکن إلّا إذا سافر الوفد فی الحال لیفاوض ابن السعود أیضا. إن الأمیر علی فی منعه الوفد من السفر للمفاوضة فی المسائل المختلف علیها، یوجد موقفا یستحیل معه حل المشکلة.
اللجنة تتأسف لهذه الخطة من الأمیر علی، و الشروط التی عرضت غیر مقبولة. أملی أن یعید النظر، و یتخذ الخطة اللائقة لیرضی العالم الإسلامی.
إذا کان الوفد حتی الآن لم یؤذن له بالتقدم، فوقفوا المفاوضات، و أبرقوا بالنتیجة.
الرئیس: شیلة کجلو.
أما قرارات جمعیة الخلافة فیما یتعلق بالحجاز، فهی: أن تکون حکومة جمهوریة شرعیة مستقلة فی داخلیتها، و تکون سیاستها الخارجیة موضع رضی العالم الإسلامی، و لا سیما من جهة براءتها من النفوذ الأجنبی. و أن یتولی عقد الجمهوریة مؤتمر، تشترک فیه الجمعیات الإسلامیة. و لا یکون للحجاز علاقة بالشریف حسین و أسرته. و یتولی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 229
السلطان ابن سعود و الإمام یحیی الدعوة إلی هذا المؤتمر قبل حلول موسم الحج الآتی- إن أمکن- و تأسیس اتحاد تام بین الإمارات العربیة.

کتاب الوفد إلی رئیس الوزارة الحجازیة برفض جمعیة الخلافة شروط الحجاز جدة

3 رجب سنة 1343 ه
إلی فخامة رئیس الوزراء الأمجد الأکرم، السلام علیکم و رحمة اللّه.
و بعد، فقد نتشرّف بإحاطتکم علما بأن البرقیة المنتظرة من اللجنة التنفیذیة لجمعیة الخلافة المرکزیة، المنعقدة بدهلی تحت ریاسة رئیسها الدکتور سیف الدین کجلو وصلتنا صباح الیوم، فیها:
أن نسأل حکومة فخامتکم إرجاع النظر فی أمر المؤتمر الإسلامی، للنظر فی مصیر مهد الإسلام، فی حکمکم علینا بقبول شرائط معلومة مذکورة فی کتابکم- المؤرخ 18 جمادی الثانیة سنة 1343 ه- إلینا.
فاقبلوا معذرتنا عن قبولها.
و أن تسمحوا لنا بمقبالة عظمة سلطان نجد، لنعرض علیه قبول صلح أو مشارکة تؤدی إلی السلم، و نشافهه فی أمر جزیرة العرب، و المبانی القدسیة فی الحرمین الشریفین، و تحقق أمر الطائف. و نأخذ منه جوابا کتابیّا رسمیّا عن نیاته و معاهداته. فحیث إن المرکب المسافر إلی السویس یصل هنا بعد أیام، نسألکم رد الجواب علینا سریعا، لنقطع الأمر فی سفرنا أو بقاءنا هنا. و فی الختام اقبلوا منا غایة الاحترام.
سید سلیمان الندوی رئیس وفد الخلافة الهندی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 230

جواب رئیس الوزارة الحجازیة

حضرة الأمجد الأکرم السید سلیمان الندوی رئیس وفد جمعیة الخلافة. السلام علیکم و رحمة اللّه و برکاته. و بعد، فإن البرقیة الواردة إلیکم من جمعیة خلافتکم المنعقدة تحت ریاسة الدکتور سیف الدین کجلو، کما ذکرتم فی کتابکم المؤرّخ 3 رجب سنة 1343 ه، و رفضها بشرائطنا المعلّقة إلیکم من مقامنا فی کتابنا السابق المؤرخ فی 18 جمادی الآخرة سنة 1343 ه، التی هی فی نظرنا الوسیلة الوحیدة لتأیید قواعد السلم، الممکن بها المذاکرة، و أن تکون أساسا للتفاهم، یوجب علینا عدم الطمأنینة بحسن نیة الجمعیة، التی رفضت قبولها.
و إن مذاکرتنا و المخابرات التی دارت إنما هی لکم بصفة کونکم أفراد من هیئة إسلامیة. و إن کان لا یمکن الاعتراف بأنها تمثل العالم الإسلامی، حتی و لا المسلمین فی الهند، الذین أکثرهم یکاتبنا، و مرتبط بنا. فإنه من خطتنا أن نجیب کل من خاطبنا من إخواننا المسلمین و خلافهم، لإظهار الحقائق، و قیاما بواجب المجاملة المعتادة. و کما إن جمعیتکم لا یمکنها العدول عن قرارتها المستحیل تطبیقها، فإننا کذلک لا یمکننا الرجوع عن قراراتنا التی أبلغناکم إیاها، و أفهمناکم بها الحقیقة، و کیف تکون سلامة الأراضی المقدسة من شوائب المداخلة، و الإخلال بقدسیتها و استقلالها، و أن ما فعله الأمیر عبد العزیز بن سعود رئیس عشائر نجد فی الطائف من النهب، و السلب، و قتل الأبریاء، و سفک الدماء فی الحرمین، و هدم المبانی المقدّسة. کما یفعل الیوم من قطع السابلة، و سرقة المواشی للأهالی المسلمین، و تجاوزه علی حدودنا و أراضینا بغیر حق، فسوف یحققه المسلمون- إن شاء اللّه- فی حج هذا
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 231
العام، بعد تعریف المعتدی الأثیم بحول اللّه و قوته، و حد سیوفنا.
و أما المؤتمر الذی تشیر إلیه جمعیتکم، فلا نعترف به. و إن حکومتنا قد قبلت الاشتراک فی المؤتمر الذی سیعقد فی المملکة المصریة الجلیلة، للبحث فی شؤون الخلافة الإسلامیة. و نتمنی لحضراتکم السفر السعید فی الباخرة التی ذکرتم إنها مسافرة إلی السویس بعد أیام، و اللّه یحفظکم.
4 رجب سنة 1343 ه رئیس الوزارة
ثم سافر الوفد إلی مصر، و من هناک إلی الهند.
و فی خامس شعبان سنة 1343 ه، وصل مکة العالم الفاضل النبیل و المجاهد الکبیر الجلیل السید أحمد الشریف السنوسی، و نزل فی ضیافة عظمة السلطان. و کان قدومه- لأداء فریضة الحج- من الدیار الترکیة إلی سوریا. سافر من دمشق راکبا علی السیارة إلی جوف، و منه علی الرواحل إلی مکة. و فی ثامن عشر شعبان، توجه السید للقاء عظمة السلطان إلی مقره العالی فی طریق جدة. ثم بعد ستة أیام، رجع إلی مکة المکرّمة.

قدوم بعض القناصل مکة المکرمة لأجل الاعتمار

أرسل معتمد و قنصل جنرال السوفیات عبد الکریم حکیموف- و هو من مسلمی القازان-، و وکیل قنصل هولاندا الرادین یاراوبرا- و هو من مسلمی جاوا-، و وکیل قنصل دولة إیران أحمد لأری کتابا لعظمة السلطان، یطلبون فیه السماح لهم بالقدوم إلی مکة المکرمة للاعتمار بمناسبة شهر رمضان المبارک. و اشترطوا علی أنفسهم أنهم لا یتدخلون بشأن من الشؤون السیاسیة، لأن دولهم علی الحیاد إزاء النزاع الحاصل.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 232
فأذن لهم عظمة السلطان بالقدوم یوم الجمعة 15 رمضان المبارک سنة 1343 ه إلی المقر العالی، فأقاموا هناک یوما. ثم قدموا مکة المکرمة، و نزلوا بها فی مکان خاص أعدته الحکومة لنزولهم ثم بعد فراغهم عن العمرة، عادوا إلی المقر العالی، و قبل مغادرته جری بین بعضهم و بین السلطان الحدیث الآتی:
القناصل: إن بعض الأصحاب طلبوا منّا أن نبحث مع عظمتکم فی شأن الصلح، فما رأیکم؟.
عظمة السلطان: إنی أعلم بأنکم مندوبی دول محایدة، لا تتدخلون فی هذه الأمور، فکیف الیوم تتکلمون بهذه المسألة؟.
القناصل: إننا نتکلم مع عظمتکم فی هذه المسألة بصفتنا الشخصیة، لا بلسان حکوماتنا، لأننا شرقیون، و یهمنا الإصلاح و الاتفاق بین الشرقیین.
عظمة السلطان: إن القوم لم یدرکوا حتی الیوم مرامنا و لا غایتنا، و لا شک إنه لا یوجد شی‌ء مستحیل.
القناصل: هل تؤذنون بقدوم الشیخ فواد الخطیب وزیر خارجیة الحجاز إلیکم؟.
عظمة السلطان: من أراد القدوم إلینا، فأهلا و سهلا، سواء کان الشیخ فؤاد أو غیره.
ثم بعد رجوعهم، تبودلت بین عظمة السلطان و الشیخ فؤاد الخطیب عدة رسائل، و هذا نصها:
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 233

بسم اللّه الرّحمن الرّحیم‌

حضرة صاحب العظمة السلطان عبد العزیز بن عبد الرحمن الفیصل، السعود، عزه اللّه. أرفع إلی مقامکم الأثیل أجزل الاحترام و التبجیل.
أما بعد، فقد أنبأنی بعض الأصحاب بما حقق الأمل المعقود بمقابلة عظمتکم السلطانیة مساء الثلاثاء الواقع فی 27 رمضان سنة 1343 ه، أو فی یوم آخر تسمحون به عظمتکم و إنی لأرجو أن تأمروا من ینتظرنی من رجالک الکرام أثناء الطریق، و التفضل بالجواب السامی. و أدام اللّه عظمتکم بالخیر و منه و کرمه.
جدة یوم الاثنین 27 رمضان المخلص فؤاد الخطیب‌

جواب عظمة السلطان‌

حضرة صاحب الوجاهة و الفضیلة الشیخ فؤاد الخطیب المحترم.
بعد أن أهدی لحضرتکم أزکی التحیات، أخبرکم بوصول کتابکم الکریم المؤرخ 26 رمضان، الذی ترغبون فیه أن نضرب لملاقاتکم موعدا، بعد أن حقق أملکم، بعض الأصحاب بالمقابلة فأجیب سعادتکم لمّا سافر من عندنا هؤلاء الأصحاب، عقدت مجلسا من المسلمین و شاورتهم فی الأمر، فإذا هم یرجوننی التریث فی الأمر، و التبصر فیه، و النظر إلیه من جمیع جهاته فی الحال، و فی المستقبل. و قد أدلوا بحججهم، و إذا هی صحیحة، و جدیرة بالاهتمام. فلا یسعنا أن نکلفکم أو ندعوکم قبل أن نحیطکم علما بهذه الشروط، کی تجاوبوننا
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 234
علیها بصراحة، لیحصل لنا اطمئنان وثقة، و إلیک هی:
الأول: هل سعادتکم علی استعداد للموافقة علی ما نملیه علیکم من الشروط الضروریة، ثقلت و طؤتها أو خفت؟
ثانیا: ما هی جنس التعهدات و الضمانات التی فی استطاعتکم تقدیمها لنا، و التی فی وسعها أن تکفل تطبیق هذه الشروط، و تمضی بمفعولها فی المستقبل، و یجعلنا نثق بها، و نطمئن بحرمتها؟
أکون مسرورا إذا تفضلتم و أجبتمونا فی بادی الأمر بما تقدرون علیه من الصراحة و الوضوح علی هاتین المسألتین، اللتین هما فی نظرنا المحور الأساسی الذی یدور علیه الأمر کما أکون مبتهجا أن أهدی لسعادتکم خالص التحیة، و جزیل الإکرام.
27 رمضان سنة 1343 ه
الختم‌

جواب فؤاد الخطیب‌

حضرة صاحب العظمة السلطان عبد العزیز بن عبد الرحمن الفیصل السعود أعزه اللّه. أرفع لعظمتکم السلطانیة أجزل التعظیم و الاحترام، و وافر الشکر و الامتنان علی تفضلکم بکتابکم السامی المؤرخ فی 27 رمضان المبارک، و أعرض علی مسامعکم أن المأمول من قدومی ما یأتی:
أولا: شرف التعرف إلی شخصکم الجلیل المعظم.
ثانیا: التمهید لإیجاد جو صالح تسود فیه الطمأنینة المنشودة، لتکون محور الأعمال فیما یحسن التفاهم علیه، و یصون کرامة العرب
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 235
أجمع فی الحال و الاستقبال و أدام اللّه ذاتکم العلیة المعظمة بفضل اللّه و توفیقه.
جدة الأربعاء 28 رمضان سنة 1343 ه المخلص: فؤاد الخطیب‌

جواب عظمة السلطان‌

حضرة صاحب الوجاهة و الفضیلة الشیخ فؤاد الخطیب المحترم بعد أن أهدی لحضرتکم جزیل التحیة و الإکرام، أخبر حضرتکم بوصول کتابکم المؤرخ 28 رمضان إلینا. و أفید سعادتکم: لمّا کانت إیضاحات الأصحاب المحترمین لحضرتکم لم تکن مستوفیة، و لم یکن من شأنها أن تعبر لکم عن رغائبنا فی الوقت الذی ترغبون فیه، و لذا أرجوکم أن تخبرونا عن وقت توجهکم إلینا، و عن المحل الذی تحبون أن یستقبلکم فیه رجالنا هذا، و أهدیکم جزیل التحیة و الإکرام.
28 رمضان سنة 1343 ه الختم‌

جواب فؤاد الخطیب‌

حضرة صاحب العظمة السلطان عبد العزیز بن عبد الرحمن الفیصل السعود أعزه اللّه، أقدم بین یدی عظمتکم السلطانیة أوفر الاحترام و الإجلال، و أتشرف بأن أعرض لعظمتکم أنی عقدت النیة بإذن اللّه تعالی علی الخروج من هنا غدا الجمعة، الساعة السابعة عربیا بعد الظهر، من جهة النزلة الیمانیة. فأرجو أن تتفضلوا عظمتکم بإرسال من ینتظرنی من رجالکم الکرام فی قهوة القائم. و سأحضر علی دابة خاصة، و معی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 236
خادمان. و ربما حملت مظلة فوق رأس، تکون بمثابة العلامة. و أدام اللّه ذاتکم بالعز و التوفیق بمنه و کرمه.
29 رمضان سنة 1343 ه فؤاد الخطیب‌

جواب عظمة السلطان‌

صاحب الوجاهة و الفضیلة الشیخ فؤاد الخطیب الأکرم بعد إهداء التحیة و الإکرام، أفیدکم بوصول کتابکم المؤرخ فی 29 رمضان سنة 1343 ه و علیه، لقد أمرنا من یقوم بواجب استقبالکم من رجالنا، و أن یحضروا محل قهوة القائم علی طریق النزلة الیمانیة، الساعة سبعة عربیة بعد الظهر و إنی أهدیکم جزیل التحیة.
29 رمضان سنة 1343 ه الختم
و فی یوم الجمعة، آخر یوم فی رمضان، قدم الشیخ فؤاد الخطیب إلی المقر العالی، و اجتمع بعظمة السلطان عدة اجتماعات، و هذه خلاصة ما کان من الحدیث فی تلک الاجتماعات:

المفاوضة مع الشیخ فؤاد

الخطیب: لقد قدمت إلیکم لأمرین: الأول: للتعرف بکم، الثانی:
للسعی فی إصلاح ذات البین.
السلطان: ما نعرفک بشخصی، فالحمد للّه و إنی أحب کل عربی مخلص لدینه و وطنه، و أما إصلاح ذات البین، فإننی أحب
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 237
ذلک، و لکن ما هو الطریق الذی یوصلنا لذلک؟ إننا لم نجدها لعدم وجود الأمان فی العاجل و الآجل. هذا من جهة. و من جهة ثانیة، فمن تکون صداقتنا بعد الإصلاح.
الخطیب: إن الصداقة المطلوبة ستکون بینکم و بین علی.
السلطان: و لکن ألیس علی ولد للحسین؟.
الخطیب: نعم.
السلطان: ألیس الحسین لا یزال فی العقبة یرقب الفرصة، لیرجع إلی ما کان علیه؟
الخطیب: ما أظن ذلک، و لکن الحسین ترک فی العقبة لیعاون الحکومة ببعض المعاونات.
السلطان: کلا إن الحسین لم یقم فی العقبة لأجل هذا، و إنما جلس یراقب الفرص. و أما المعاونات، فلیس منها شی‌ء، إذ لو کان هناک مساعدات، لأغنتکم عن ظلم العباد، و سلب الأموال، و ذلک ما فعلتموه مع أهل جدة، فقد جعلتموهم شذر مذر، أخذتم الأموال، و أجلیتم النفوس.
الخطیب: إن الحکومة أدری بأمور رعایانا.
السلطان: نعم أنت صادق، و لکن الناس ینظرون لما تفعله الحکومة فی رعایاها.
فإن ساءت، فمعاملتها للأبعد أسوأ. ثم ألیس علی ولد الحسین و أخا لعبد اللّه و الفیصل؟.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 238
الخطیب: نعم إنه ولد الرجل، و أخو الرجلین و لکن أبرأ اللّه أن یکون مثلهم، أو أن أفعاله تشبه أفعالهم.
السلطان: ألا تعلم أن أفعال الثلاثة کلها سیئة؟
الخطیب: نعم أعرف ذلک، و لا یخفانی منها شی‌ء، و علی الأخص أعمالهم معکم.
و لکن أکفل بأن علیا لا یکون مثلهم، و أن له نیة صالحة.
السلطان: إنی لم أقل فی الرجل شیئا، و أبرأ اللّه أن أتکلم فیه شیئا ما أعلمه. و لکن یکفی فیه أنه ولد الرجل و أخو الرجلین، و الذی أعلمه عنهم هو ما یعلمه جمیع الناس. و لست آمنا منه. کما أنه لیس هناک من یضمن لی شیئا من الأمور التی أشترطها علیه.
الخطیب: الضامن هو أنت، لأنک أنت الغالب. و العادة أن الغالب هو الضامن.
السلطان: هذا شی‌ء مستحیل، و لا یوجد أحد یضمن من نفسه لنفسه.
الخطیب: أجل، أطلب الضامن من الذی تریده، و نحن نقدمه لک.
السلطان: إننی لا أعلم ضامنا له سلکه، یتکفل بما أطلب، و أثق به، فالدول کلها علی الحیاد، و لا نقبل مداخلتهم فی الأماکن المقدسة، و أمر العالم الإسلامی کما تری.
الخطیب: إن ضمنت، فأنت خیر ضامن، و نحن تحت سیطرتک و إن ابتغیت ضامنا غیر ذلک، فنحن نفکر به.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 239
السلطان: إنی أقول لک بصراحة إن المسلمین من قومنا اجتمعوا و تفکروا فی أمر دینهم و دنیاهم، فلم یجدوا للصلح مع الحسین و أولاده- کائنا من کان- أمرا یوافقهم فی دینهم و شرفهم و هذا أمر أرجوک ترکه و نسیانه: فإن کان هناک أمر غیر ذلک، فأنا مستعد له.
الخطیب: ما هو ذلک الأمر؟
السلطان: إذا کان علی یرید شیئا من أمور الدنیا، فأنا أتعهد له به فی العاجل أو بالآجل. و لکننی أرید أن أسألک سؤالا عن الأمر الذی دعاک للرجوع إلی جدة بعد ذهابک منها؟ و ما الذی أوجب علی بعض السوریین و الفلسطینیین أن یأتوا إلی جدة لقتالنا، هل قتالهم دینی أو حمیة وطنیة، أم أن الحسین و أولاده قاموا بأمر منتظم، یرونا أننا أتینا لتخریبه؟.
الخطیب: إنی لا أعلم شیئا من ذلک، إلّا أن الجماعة یدعون أن الحجاز مستقل، معترف باستقلاله و باستقلال العرب، و یرجون منه نفوذ ذلک.
السلطان: هل یجوز للناس الدخول فی أمر لم یعلموا حقیقته، و هل یجوز لهم محاربة أحد قبل ما یسعون فی إصلاح ذات البین؟
الخطیب: لا یجوز.
السلطان: ألم تعلموا حربنا مع الحسین قبل هذا بتسع سنوات، فمن ذا الذی سعی بیننا بالإصلاح؟ و من ذا الذی اجتهد لیعلم المخطی‌ء من المصیب فی دین أو دنیا؟.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 240
الخطیب: نعم إنهم لم یفعلوا ذلک، و لکننی أعلم أن بعض الأشخاص طلبوا ذلک من الحسین، و کان یجیب علی طلبهم: بأننی أحب ذلک، و لکنه لا یعمل شیئا، و لا یجیب الطالبین إجابة تامة. و إننی قد عرفتک بالحسین و أفعاله، و لم أنکر أفعال الحسین.
السلطان: الحمد للّه بهذه حجة، ثم هل اطلعتم أو اطلع أحد علی المعاهدة التی بین الحسین و الحکومة الإنجلیزیة؟.
الخطیب: لا، و لکننا نسمع عن ذلک، و اطلعنا علیه فی الجرائد لما اطلع الناس.
السلطان: یا سبحان اللّه، هل یجوز لأحد أن یعتمد علی شی‌ء لم یعرفه و لم یعرف حقیقته؟
الخطیب: إننی قد رأیت بعض الأمور التی تحقق استقلال الحجاز، و من ذلک برقیات وردت من الدول اعترفت باستقلال الحجاز، أولها من المسفوف، و آخرها من الإنکلیز. و هذا مما یزید استقلال الحجاز، و هو الثابت عندی.
السلطان: و هل لا تنقض الأفعال الأقوال إذا کانت مخالفة لها؟.
الخطیب: و کیف کان ذلک؟.
السلطان: هناک أمران: الأول أن الحسین ادعی أن الحکومات اعترفت له باستقلال جزیرة العرب من الأناضول إلی أقصی الیمن، ما خلا عدن و البصرة، فهل حصل شی‌ء من ذلک؟ أین الجزیرة؟ أین العراق؟.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 241
أین سوریا؟ أین فلسطین؟ أین أین ...؟ لقد صار کل ذلک أحلام. أفلیس هذا أکبر شاهد علی أن الأفعال تکذب الأقوال؟.
الخطیب: إننی لم أر فی هذا إلّا کما رأیتم، و لیس لدی جواب علی هذا.
السلطان: الأمر الثانی، ألم یطلب فیصل المعاهدة من أبیه، فلم یجبه أبوه لطلبه، و لم یرسلها له. فهل بعد هذین الأمرین تحقیق معاهدة؟ و هل الحکومات تأخرت عن أی عمل تریده فی البلاد المنتدب علیها، سواء کان قلیلا أو کثیرا، أو فعلت بها کما یفعل الملوک فی البلاد المحتلة؟.
الخطیب: إن هذه المسائل لیس لی فیها تداخل، و لا أعلم حقیقتها.
السلطان: سبحان اللّه، إن کنت لا تدری فتلک مصیبة، أو کنت تدری فالمصیبة أعظم. ألم تکن وزیرا للخارجیة؟ و هل یخفی علیک شی‌ء من ذلک؟ و من الذی یجبنا بعدک عن هذا؟.
الخطیب: إننی وزیر خارجیة للإمضاء، لا للفعل، و أغلب الأخبار لم أطلع علیها إلّا بالسماع من الناس. و لقد أقمت عدة سنوات فی المدة الأخیرة اشتغل بالأدب، و هذه وظیفتی.
السلطان: لدی شاهد علی ما تقول، و لقد وجدنا فی أوراق الدیوان کتابا من بعض القناصل للحسین، یقول فیه: وصلنا کتاب باسم وزارة الخارجیة ممضیا باسم فؤاد الخطیب. و لکن
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 242
الإمضاء لیس إمضاء الشیخ فؤاد، المعروف فما هی حقیقة الأمر؟.
الخطیب: نعم، لقد وقع مثل هذا کثیر.
السلطان: فإذا کانت الحجج هذه، و الدولة المنظمة هذه شؤونها، فلا شک أن هذا یدل علی أن الأمور کلها قائمة علی التمویه و الباطل، فکیف تؤید مثل هذه الحکومة؟.
الخطیب: إننی لم أقل شیئا فی الحکومة البائدة، و إننی إذا لم أصدق ما تقولون لا أکذبه. و لکننی أحدثکم من جهة الشریف علی.
السلطان: أما من جهة علی، فقد أجبتک عنه بما یکفی عن الإعادة.
و لکننی أسألک سؤالا، فأجبنی عنه. هل ولایتکم و حکومتکم حکومة إسلامیة دینیة، أو ملوکیة تسیر طبق النظام المدنی؟ فإن کانت دینیة إسلامیة، فالشرع یقضی بتأیید من اتفقت الکلمة علیه، و یکون هو ولی الأمر. و إننی لا أزکی نفسی، و لکن فضل اللّه یؤتی من یشاء. و إن کانت حکومتکم و ولایتکم ملوکیة مدنیة، أفلیس قوام مثل هذه الحکومات علی رأس الأکثریة الغالبة؟ فإذا کان الأمر فیها کذلک، فما رأیک فی حکومة عربیة یقر لها الناس من العرب، و یطیعون من قریات الملح إلی أبها، و من خلیج فارس إلی جدة. ثم ما رأیک فی حکومة لم یقر لها غیر أشرار الناس من کل بلد، یعدون بالأصابع! و أهل القریة
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 243
نفسها شردوا، و خلوها تارکین و رائهم أموالهم و عیلاتهم، فهل فی شرعة الإسلام، أو فی قانون المتمدینین أن تؤید هذه الحکومة الضعیفة، و تخذل تلک الحکومة التی رضی بحکمها الملایین من الناس فإن کنتم جاعلین الأصول الإسلامیة، و الأساسات المدنیة وراء ظهورکم، فما الذی تتمسکون به؟!
الخطیب: لیس لدی جواب لهذا، و غایة ما فی الأمر أن فی هذه البلدة، یعنی: جدة رجل یدافع عنها.
السلطان: إننی أعذرک فی عدم الجواب علی هذا السؤال. و جل قصدی أن أتخلص من المسؤولیة، و أضعها علی عاتق جمیع العرب، بل المسلمین عامة.
الخطیب: و کیف تکون المسؤولیة علی هؤلاء.
السلطان: إن جمیع المسلمین عامة یعلمون الحرب التی وقعت بیننا و بین الحسین منذ عدة سنوات، و لم أر أحدا تداخل فی هذه المسألة، و اجتهد فی إصلاح ذات البین، فحملت ذلک علی ثلاثة أمور:
الأول: أن یکون الناس تواطؤا مع الحسین علی قبول جمیع أفعاله.
الثانی: أن یکون الناس مهملین لشأننا، و لیس لنا أهمیة فی نظرهم.
الثالث: أن یکون الناس عاجزین، و لیس لدیهم قدرة علی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 244
العمل، و إن کلامهم عبارة عن أقوال. فإذا کان الأمر کذلک، فالمسؤولیة علی المسلمین و نحن خالین عنها لأننا صبرنا علی مضض أیاما و کلما عیل صبرنا، وجددناه یطول الرجاء و الأمل، و لکننا لم نر نتیجة لصبرنا، و لم نر أحدا ممن یدعی الإسلام و الحمیة العربیة یتداخل فی الأمر، و ظل الحسین و أولاده یسرفون فی الإساءة إلینا. و لمّا استولت جیوشنا علی الطائف، تأخرت فی القدوم، و أخرت جندی عن مواصلة التقدم، و بعثت للعالم الإسلامی أنادیه لیکون الحکم فی أمر هذه الدیار المقدسة، و أعلنت استعدادی لمقابلتهم، و صبرت علی الضرر الذی تکبدته، حیث تترس علی فی جدة، و فعل أسبابه التی تخصنی بها، و أعانه علی ذلک البعض بالجند و القوة. فلم أر نتیجة لذلک، و لم یعرف فی الناس لندائی مسمعه سوی جمعیة الخلافة فی الهند، التی أرسلت وفدها إلی الحجاز، فوصل إلی جدة، ثم عاد منها، و لم أعلم بما جاء من أجله و لا بما راح به و اعتذر عن وصوله إلی بمنع حکومة جده له، و علی ذلک فالمسؤولیة مرتبة علی من بلغته دعوتی و لم یجبها فإن کان القوم عاجزین فلیس لعاجز قدرة، و إن کانوا ینتظرون و هم ینظرون فقد خالفت أفعالهم أقوالهم، و أما المسؤولیة الآن فی هذا المجلس فعلیک لأنی دعوتکم أنتم المحافظین علی جدة إن کنتم مسلمین فهذا أمر الإسلام و إن کنتم تسیرون علی النظم المدنیة فهذه أصولها، و إن کنتم ملحدین معاندین فاللّه یعین المؤمنین علی الظالمین.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 245

قدوم بعض الأشخاص إلی جدة للسعی فی الصلح‌

قدم السید طالب النقیب و المستر فلبی و أمین الریحانی بجدة للسعی فی الصلح بین الشریف علی و السلطان عبد العزیز، و أرسل کل واحد منهم کتابا فی هذا الشأن إلی السلطان، فجاء الجواب منه إلی السید طالب هذا مضمونه: حضرة الأخ المحترم السید طالب النقیب، لقد ذکرتم أنکم تودون مقابلتنا فنحن نرحب بکم، و لکن یجب أن نعرف هل المقابلة شخصیة و دیة أم هی للوساطة فی مسألة الحجاز فإذا کان الغرض من الزیارة التوسط فی هذه المسألة فإنی لا أری فائدة من ذلک، و إذا کان الشریف علی یود حقیقة حقن الدماء فعلیه أن یتخلی عن جدة، أما إذا قبله العالم الإسلامی حاکما و انتخبه الحجاز فمحله غیر مجهول.
و جاء جواب المستر فلبی بهذا المضمون: إلی الصدیق العزیز المستر فلبی إذا کنتم حضرتم لمقابلتنا و مباحثتنا فی بعض الشؤون الخاصة بنا فعلی الرحب و السعة و سنسهل الطریق للاجتماع بکم خارج الحرم، أما إذا کنتم تنوون الدخول فی مسائل الحجاز فلا أری للبحث فائدة. و إنه لیس من مصلحتی الخاصة و مصلحتک یا صدیقنا جعلکم وسیطا فی هذه المسألة الإسلامیة المخصصة.
و جاء فی جواب أمین الریحانی: ذکرتم أنکم موفدون من قبل جماعة فی سوریا، و أنکم تحملون کتابا منهم إلینا، أرحب فی کل حال بصدیقنا العزیز أمین الریحانی، و لکن أحب أن ألفت نظرکم إلی أمر هام، و هو إذا کان البحث یتناول المسألة الحجازیة فلا أری فیه فائدة، لأن مشکل الحجاز یجب أن یحله المسلمون، و ترک الأمر لهوی أنفسنا لیس مما تجیزه المصلحة الإسلامیة و لا العربیة، و فی کل حال إنی أحب توضیح الأمر و جلاءه قبل المقابلة.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 246
ثم کتب السید طالب کتابا طلب منه القدوم إلیه لیزوره زیارة شخصیة و دیة و ألحّ بالإسراع لأنه مضطر أن یعود إلی مصر قریبا. فجاءه الجواب: الأخ المحترم السید طالب، إن مکة فی حال من الاضطراب لا تجوز معها المخاطرة براحته و ستصلکم و أنتم فی مصر أخبارنا الطیبة إن شاء اللّه، و کتب المستر فلبی کتابا آخر مودعا فجاءه الجواب بأمان اللّه، و کتب الریحانی کتابا ذکر فیه أن لصدیقی حسین العوینی التاجر السوری فی جدة علاقات تجاریة فی مکة المکرمة و هو یحضر للتجارة و للزیارة فیتشرف بمقابلتکم إذا أذنتم، و یحمل إلی عظمتکم بعض خبری إنی أثق بحسین أفندی کل الثقة و فی الیسیر الذی سینوب عنی به ما یغنی عن البیان فإذا أذنتم بقدومه مروا من یلاقبه إلی منتصف الطریق و یصحبه محافظا إلی مقامکم العالی، فجاءه الجواب قد سمحت لصدیقکم حسین العوینی بالقدوم إلینا، فزودوه بکل ما لدیکم من الکتب و الأفکار و الآراء، و إننا نرجو أن یحسن نقل أفکار صدیقنا أمین الریحانی و إنی أشکرک علی تجشمک المشاق الجسیمة فی خدمة العرب و فی سبیل قضیتهم.
فخرج العوینی من جدة محرما راکبا علی بغلته یصحبه خادمه و النجاب و رفیق آخر، فوصلوا فی ظهر الیوم التالی إلی المخیم السلطانی بالشهداء. و کان العوینی رسولا مکرما و فی أحادیثه مع السلطان مقنعا، ثم رجع العوینی إلی جدة بعد ثلاثة أیام حاملا معه کتاب السلطان باسم الریحانی. ثم کتب الریحانی جوابه إلی السلطان و لم یجی‌ء له الجواب من السلطان مدة أسبوع فکتب الریحانی کتابا آخر هذا نصه:
جدة 7 جمادی الثانیة سنة 1343 ه
مولای العزیز المعظم السلطان عبد العزیز أطال اللّه بقاءه و أدامه،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 247
أحییکم أشرف التحیات و أبثکم أحر الأشواق عسی أن تکونوا فی أحسن حال، منذ أسبوع أرسلت إلی عظمتکم کتابا أجیبکم فیه علی کتابکم الکریم الذی أرسلتموه إلی مع رسولی و صدیقی العوینی و إنی أخشی أن یکون قد حدث حادث للنجاب فلم یصل کتابی أو لم یصل جوابکم إلی، لذلک أرسلت صورة الجواب إلیکم و ألتمس منکم أن تتفضلوا علیّ بالجواب العاجل لأن الأمر یتعسّر کلما تأخرنا فی معالجته فعسی أن یعود إلیّ النجاب قریبا و هو یحمل الجواب الذی فیه الخبر المسرّ حفظکم اللّه و أمدّ بأیامکم.
صدیقکم المخلص أمین الریحانی
و قد ألحق بالکتاب ما یأتی: الطیارة التی أشرفت علی مکة یوم السبت الماضی تجاوزت الأوامر و عوقب الطیّار بالحبس مساء الجمعة علمت فی هذه الساعة بأن رجالکم وصلوا إلی جدة فی صورة حربیة فأخذنی من ذلک العجب و عسی أن یکون الخبر کان. فی کل حال أرجوکم سرعة الجواب و إنی لا أزال مرتابا بما سمعت لأنی أعتبر وعدکم لی اعتباری أقدس الأمور. و قد ألحق الریحانی بکتابه هذا أیضا قوله الحکومة و الجند و أصحابی فی قلق و ارتیاب مما شاع هذا المساء بخصوص تقدمکم إلی جدة و هم یأبون التربّص و الامتناع عن الحرکات العسکریة الحربیة، و لکننی تمکنت من توقیفهم یومین آخرین أی إلی مساء الأحد، فأرجوکم إذا أن تخابرونی حالما یصلکم کتابی لیصلنی الجواب مع النجاب آخر من عندکم فی کل حال أنتظر جوابکم مساء الأحد فی 19 الجاری فلا تخیّبوا أملی.
أمین
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 248

جواب عظمة السلطان‌

من عبد العزیز بن عبد الرحمن الفیصل إلی أمین الریحانی کتابک وصل و ما عرضت کان معلوما من خصوص کتابک السابق فقد تقدم لک جوابه و هذا مضمونه تراه طی الکتاب، و أما کونه وصل إلیکم أو ما وصل فلا بد أنک تتحقق عن ذلک من أصدقائک الموجودین عندک. و أما ما ذکرت فی الملحق عن تحمّس الجنود لما بلغهم منزلنا جدة و إغارة بعض السرایا علیهم و أنک طلبت منهم أن یتأخّروا، فلا نقول إلّا کما قال اللّه سبحانه و تعالی: الَّذِینَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَکُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِیماناً وَ قالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَ نِعْمَ الْوَکِیلُ [آل عمران: 173] و نقول أیضا یا مالک یوم الدین، إیاک نعبد و إیاک نستعین و أما رجاؤک أنهم یتأخرون کما قال الشاعر:
إن کنت لا تدری فتلک مصیبةأو کنت تدری فالمصیبة أعظم
إن کنت تعرف الحقیقة کما نظن أنک تعرفها عن القوم و عنا و تتجاهلها فتلک مصیبة، و إن کنت لا تعرف الحال و أن القوم یتهکمون علیک فالمصیبة أعظم، و لکن رجاءک لتوقیفهم عن الزحف علینا لا نری لجنابک به فضلا و إنما نرجوک أن ترخص لهم کما رجوتهم، و کما نرجوک أن تبلّغ الأمیر علیّا أنه بلغنی أنه یستحرمنا حرمة للحرم و إننا إذا لم نخرج منه یقاتلنا فیه و لیس بذلک حرج فیه أما نحن فقد خرجنا و الرجاء فیه أن الکریم إذا قال وفی و نرجو من اللّه أن ینصر جند الرحمن علی جند الشیطان، و السلام علی من اتبع الهدی.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 249

منشورات الشریف علی الملقی إلی أهل مکة بواسطة الطیارة

بسم اللّه الرّحمن الرّحیم و صلّی اللّه علی سیّدنا محمد و علی آله و صحبه و سلّم.
إلی مهبط مهبط الوحی المحمدی و منبع النور الإسلامی، إلی جیران بیت اللّه الحرام و زمزم و المقام، إلی حماة الذمار و أباة الضیم، إلی ذوی الغیرة و الشهامة، إلی ذوی الأیادی البیضاء و الخصال الحمیدة، إلی ذوی الحمیة و النخوة العربیتین، إلی وارثی المجد کابر، إلی إخواننا و أبناء أبینا سکان مکة المکرمة نوجّه نداءنا و نبدؤهم بخطابنا، السلام علیکم و رحمة اللّه و برکاته؛ أما بعد فقد قضی اللّه سبحانه و تعالی أن تری هذا الدور المؤلم للمحزن یمثل فی بلادنا و فی عاصمة حکومتنا، قضی سبحانه و لا راد لقضائه أن یمثل عدونا و عدوکم أشرف بقعة فی الأرض و أعلاما لدینا، قضی سبحانه أن یفرق بیننا و بینکم هذه الأیام التی نری یومها سنة و ساعتها شهرا، قضی سبحانه و تعالی بذلک، کما قضی أن العاقبة للمتقین، و أن قوة الحق لا تقاومها قوة، و أن الباطل یضمحل أمام قوة الحق مهما بلغ من المناعة و الاستعداد. یا ورثة المجد و یا سلالة الکرام اعلموا أننا لم نتخل عنکم زهدا فیکم و لا رغبة عنکم. و لقد کنا نودّ أن نفدی البلدة المقدسة بأرواحنا و مهجنا، و لکن خوفنا من أن یقع بکم ما وقع بإخوانکم بالطائف من التعدی المریع و لنحافظ علی البقیة من وطنکم العزیز اضطررنا علی الانسحاب کما یقتضی الفن الحربی، و لقد جمعنا الشعب و أقبل إخوانکم إلینا من کل حدب وصوب حتی أصبح لدینا و الحمد للّه من الرجال و العتاد
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 250
ما یرد کید العدو فی نحره، و لقد جهزنا جندنا بکل الوسائل الفنیة و المعدات الحربیة و ها نحن علی أهبة الرحیل و تطهیر بلادنا من المغتصب لها، و ستبدأ طیاراتنا بالتحلیق فی جوّکم لتمطر العدو و ابلات من القذائف الناریة تصیب المعتدین و نجازیهم علی اعتدائهم، فلتکونوا علی ما نعهد فیکم من الثبات و الطمأنینة و الشجاعة. و رباطة الجأش، و لا یغرنکم العدو بترهاته و یخدعنکم بوعوده، فالعدو لا یکون صدیقا و لا یأتی الإصلاح ممن فعل بکم و بإخوانکم فی الطائف ما فعل، مما سیسجل التاریخ علیه بالخزی و العار، و ما سینال عقابه علیه فی الدنیا قبل الآخرة علی ید جیران بیت اللّه و حرمة المقدس، و اعلموا أنه کلما یخبرکم عنه أو یعدکم به إنما هو مجرد تزویق و تلفیق لا یصدق من له ذرة من عقل أو مسکة من إدراک، فتمسکوا بحبل اللّه الأقوی و اعتمدوا علیه سبحانه و تعالی و تیقّنوا أن النصر مع المظلوم علی الظالم و علی الباغی تدور الدوائر.
و سیلجأ العدو حینما تشتت شمل جموعه نیران طائراتنا إلیکم فلا تجعلوا له إلی ذلک سبیلا، و اعملوا لتخلیص وطنکم لکل ما أوتیتم فإن فی هذا عزکم و شرفکم و مجدکم و لیس ذلک بمستنکر علیکم، و لا یسوءنکم أنّا منعنا إرسال الأرزاق إلیکم فاللّه المطلع أنّا لم نفعل ذلک إلّا مکرهین لما تقتضیه القواعد الحربیة و لیس لنا قصد من ذلک إلّا إحراج مرکز العدو و عدم تموین جیوشه، و لئلا یغدرکم العدو بوضع یده علیها و أخذها بغیر حق، و إنّا علی یقین إنکم قابلتم ذلک بصدر رحب و جأش ثابت و أنکم تحملتموه فی سبیل الوطن بقلوب مطمئنة للحق، فالوطن أغلی من کل شی‌ء لدیکم و لن یضرکم تحمّل الشدة أیاما معدودة فی سبیل راحة دائمة و هناء مستمر، و هذا ما نرجوه لنا و لکم.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 251
و لیس منشورنا هذا لکم إلّا علی سبیل التذکرة، فإن شهامتکم و غیرتکم و تقدیسکم للوطن أمر مشهور عنکم فاثبتوا ثبات الأبطال و افعلوا ما تبیض وجوهکم بذکره و إیاکم و الاسترسال لقول عدو منافق خائن للوطن. انبذوا أقوالهم ظهریّا و تمسّکوا بمبدئکم القدیم و حقکم الصریح، و افعلوا ما توجه إلیکم ضمائرکم الطاهرة لا یملیه علیکم المرقة الخائنون و الأعداء الملحدون و العاقبة للمتقین، اثبتوا رعاکم اللّه فقد قربت ساعة الخلاص و دنت أیام السرور و حلت أوقات الانتقام من الباغی المعتدی، فالثبات الثبات و الحمیة الحمیة و الوطنیة الوطنیة و اللّه المسؤول أن یکلل أعمالنا و أعمالکم بالنجاح، فابتهلوا إلی اللّه بذلک یستجیب دعاءکم و صلّی اللّه علی سیدنا محمد و علی آله و صحبه و سلم.
جدة فی 19 جمادی الأولی سنة 1343 ه علی بن الحسین‌

منشور آخر الملقی إلی أهل مکة بواسطة الطیارة

إلی جیران بیت اللّه الحرام- السلام علیکم و رحمة اللّه و برکاته، أما بعد فلم یحملنا علی خطة السکوت هذه إلّا رغبتنا فی عدم سفک الدماء و الأمل فی أن یرعوی العدو الباغی عن غیّه و أن یقبل النصائح التی بعث بها إلیه محبّو السلام، و لقد فضّلنا هذه الخطة لرغبتنا الخالصة فی فضّ کل المشاکل بالطرق السلمیة و لتضاف لنا حجة أخری إلی أمثالها من حججنا القویة، و لکن أبی اللّه إلّا أن یستمر العدو فی طغیانه. و نشب القتال بیننا و بینه فی هذا الیوم فباء و الحمد للّه بالخسران و رجع بالخذلان و لم یثبت أمام قوة الجند أکثر من ساعة و انهزم شر هزیمة و أدی إلی کهوف الجبال
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 252
بعد أن خسر الخسارة الفادحة و نکص علی أعقابه، و لذلک عقدنا النیة بعون اللّه و توفیقه علی اقتفاء أثره و الأخذ بخناقه، و إننا لننتظر أن تقوموا بما توجبه علیکم الوطنیة و الإسلامیة، و إنّا له و للخائنین بالمرصاد و لا تأخذنا فی ذلک هوادة. فهبوا رعاکم اللّه و اقطعوا خطّ مواصلة حتی یتم استئصالهم بحول اللّه و قوته و لتکون هذه الأراضی المقدسة التی دنّسوها بأعمالهم الدنسة قبورا لهم، و لا تثبطکم أقوال المنافقین و المرجفین منهم و من أذنابهم، و لا شک أن ذلک من بعض ما ینتظر من غیرتکم و شهامتکم، کلل اللّه أعمالنا و أعمالکم بالنجاح، و ما توفیقنا إلّا باللّه علیه توکلت و إلیه أنیب.
9 جمادی الثانی سنة 1343 ه علی بن الحسین‌

قوة الشریف علی فی جدة و استعداده للحرب‌

قال الریحانی فی تاریخ نجد الحدیث: عند ما بویع الأمیر علی بالملک بعد تنازل الملک حسین أرسلت الحکومة الهاشمیة الإسلامیة فی عمان أربعین ألف لیرة لیبذلها فی التجنید و فی شراء العدد الحربیة من أوربة خصوصا الطیارات و السیارات المصفحة. باشر الأمیر التجنید بمساعدة بعض الزعماء بفلسطین، فجاءت فرقة المتطوعین الأولی فی ربیع الأول من هذا العام أی عام (1343) و تلتها فرقات أخری حق بلغ الجند النظامی نحو ألف جندی یوم کنت هناک، ثم جاء فی شهر رجب فرقة عددها مائتان و ثلاثون و فی رمضان فرقة أخری عددها خمسمائة، و اجتمع من البدو نحو ألف و خمسمائة مقاتل، و قد شاع فی الجیش مرض الملاریا و الزنتاریا مات بسببه عدد کثیر من الجیش.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 253
أما المال فلم یکن للحکومة بعد أن نفذت خزینتها غیر مصدر واحد هو الحسین فی العقبة فقد جاءت الرقمتین فی شهر رجب تحل صندوقین فیها خمسة عشر ألف لیرة، و جاءت فی رمضان بخمسة آلاف لیرة فی شوال أبحرت رضوی من العقبة و هی تحمل المساعدة للجیش عشرین ألفا من الذهب و فی هذه الأثناء فرضت الحکومة علی التجّار قیمة اثنا عشر ألف لیرة. ثم نقل الحسین من العقبة فلم یرسل بعد ذلک غیر خمسة آلاف لیرة فأخذ العسر المالی منذ ذلک الحین یشتد یوما فیوما حتی اضطر الملک علی أن یرهن أطیانه الخاصة فی مصر بمقابلة قرض قیمته خمسة عشر ألف جنیه.
و اشترت الحکومة ثلاث طیارات من لندن بقیمة سبعة آلاف لیرة انکلیزیة و کانت قدیمة و قبل أن جاءت هذه الطیارات کانت عند الحکومة الهاشمیة خمسة طیارات إیطالیات لا یصلح منها للعمل غیر واحدة، ثم جاءها من ألمانیا ستة طیارات جدیدة تحمل الواحدة من البنزین ما یکفیها لتطیر ست ساعات و هی مجهّزة بالمدافع الرشاشة و معها قنابلها الخاصة بها. أما الطیارون فقد کانوا فی أول الحرب القیصری و کانوا فی آخرها من الألمان، و لم یکن لدی القیادة العامة فی بادی‌ء الأمر قنابل خاصة ما اصطنعت من القذائف ما لا تأثیر کبیر لها اللهم إذا انفجرت طبق الحساب و لکن أکثرها قبل الوقت المعیّن أو بعده، و أما البنزین فلم یکن لدی الحکومة دائما الکمیة الکافیة منه.
أما السیارات فقد اشترت الحکومة أولا خمس سیارات و کانت قدیمة، جاءت و صفائحها مفککة فظل العمال فی الورشة یشتغلون شهرا فی تألیفها و ترکیبها، و هی لا تسیر غیر ساعتین سیرا متواصلا فتحتاج إذ
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 254
ذاک علی الماء، ثم جاءت سیارتان جدیدتان مجهّزتان بالرشاشات، و قد کانت القیادة تبنی علیهما آمالها العالیة. أما المدفعیة فقد کان فی الاستحکامات أولا اثنا عشر مدفعا صغیرا و کبیرا و عشرة رشاشات و ألف و خمسمائة بندقیة مع حرابها فأصبح علی الخط نحو عشرین مدفعا و أکثر من ثلاثین رشاشا.
و قد کان لدی الجیش الهاشمی القنابل الکشافة التی تنیر المکان الذی تنفجر فیه، کما أنه استخدم الأنوار الکشافة لکشف حرکات العدو فی اللیل أضف إلی ذلک کله ما وضع عند أبواب خط الدفاع أمام الأسلاک الشائکة من الألغام ثم الأسلاک نفسها و قد مدّت هذه الأسلاک علی عمد من خشب طولها متر واحد فی خط مفرد من البحر شمالا إلی الکندرة شرقا بجنوب و منها جنوبا ثم غربا بجنوب إلی البحر فبلغ طوله هی هذا الشکل شکل الهلال نحو ستة أمیال، ثم حفرت وراء الشریط الخنادق و أقیمت الاستحکامات و بین الخنادق و وراءها و مکامن استخدمت للکشف و الدفاع. و قد قسم هذا الخط إلی مراکز ستة مرتبطة کل بواسطة الهاتف بالقیادة العامة فی القشلة، و هذه المراکز هو أبو بصیلة و الشرفیة و الکندرة و المشاط العقم و الطابیة الیمانیة، فالطابیة هی جناح الجیش الأیمن، و أبو بصیلة جناحه الأیسر، و هناک خارج الخط النزلة الیمانیة و هی قریة مهجورة علی مسافة میلین من جدة إلی السوق الجنوبی و فیها حامیة من البدو صغیرة مائة نفر لا غیر، و نزلة بنی مالک، و علی مسافة میلین من جدة إلی الشمال الشرقی و فیها حامیة أخری صغیرة من البدو، ثم الرویس و هی أقرب القری إلی جدة من الشمال. هذه هی قوات الجیش الهاشمی و عدده فی الدفاع.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 255

قوة الجیش النجدی و استعدادهم للحرب‌

أما عدد الجیش النجدی فقد کانت محصورة بالمدفعیة و البنادق و الرشاشات، إن فی القصر بالریاض مدافع کثیرة من أنواع مختلفة و لکن السلطان عبد العزیز لم یأمر بجلب شی‌ء منها إلی الحجاز أما المدافع التی استخدمها فی هذه الحرب فقد غنم جیشه بعضها فی الطائف و الهدی و وجد أکثرها فی مکة و کلها صالحة للعمل و هی من المدافع الصحراویة و الجبلیة من عیار (62) و (72) و عددها لا یقل عن العشرین مدفعا، کانت تظهر تدریجا أو بقدر ما یمکن الاستعمال منها فی وقت واحد، و کان لدی الجیش النجدی رشاشات کثیرة و کمیة وافرة من الذخیرة وجدوا أکثرها فی قلعة جیاد بمکة.
أما الجنود فقد کانت القوة فی المعسکر و یوم الزحف الأول أربعة آلاف و القوة الزاحفة أمثلها و فیها من الإخوان الغطغط و أهل ساجر و أهل دخنة، و قحطان، و الداهنة، و رکبة، و غیرهم، و فیها من الحضر ألویة من أهل القصیم و أهل العارض. ثم جاء فی رمضان فیصل الدویش أمیر الأرطاویة بجیش من مطیر و تلاه أهل سبیع و السهول، و بعد هؤلاء وصل الأمیر فیصل عائدا من نجد بنجدة کبیرة فبلغ عدد الجیش فی الجبهة و ورائها نحو عشرة آلاف، أضف إلی ذلک الجنود الذین کانوا محاصرین المدینة و السرایا التی کانت مرابطة حول ینبع و الوجه و العلا، فیدنو مجموع الجیوش النجدیة فی الحجاز من الاثنی عشر ألف مقاتل.

مجلس الشوری فی المقر العالی بمناسبة الحج‌

و فی أواخر ذی القعدة عقد مجلس الشوری فی المقر العالی بمناسبة
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 256
الحج و تباحثوا فیه هل بقاؤهم فی الجبهة الحربیة أولی أم ذهابهم إلی الحج، فقال عظمة السلطان: أما رأیی فی الحج فأری أنه لا یوجد مانع یمنعنا من أداء فریضة الحج فی هذا المقام لأمرین: الأول أن المسلمین و الحمد للّه أقویاء باللّه، و العدو ضعیف، فإن کان هناک ظن بأن العدو سیخرج من أوکاره و یتبعنا فذلک ما کنّا نبغی، و لیس هذا باحتقار له و لا محبة فی القتال و لکن استعانة باللّه، و إننا علی یقین بأننا علی الحق و أنهم علی الباطل و رجاؤنا باللّه النصر و العاقبة للمتقین. الأمر الثانی هو أنه لا یمنعنا من قتالهم فی أماکنهم إلّا شبکهم الذی اختبؤوا فیه فإذا أخرجهم اللّه ناجزناهم و المقدر کائن، و أما اتخاذ الاحتیاطات أیام الحج و لا حول و لا قوة إلّا باللّه فهذه سرایانا مبثوثة فی الجبال و الشعاب من جنودنا الذین سبق لهم الحج من قبل و من بعض القبائل الأخری یحافظون علی أطراف جدة فیمنعون الدخول، إلیها و الخروج منها، فکونوا علی اطمئنان من هذا القبیل و العدو مخذول و معثور بحول اللّه و قوته.
ثم فی 27 ذی القعدة یوم السبت صدرت الأوامر السلطانیة إلی حامیة الرویس بالانسحاب عنها و أمر جنده بالإحرام یوم الأحد من أماکنهم و ترک فی أطراف الجبهة بعض القوی لتحافظ علی جدة و تمنع الدخول و الخروج منها. و قد رتب القوی فی المنطقة الحربیة علی خطوط أوسع من الخطوط الأولی بحیث یسهّل علی المقاتلین الاشتباک فی معارک غیر قصیرة المدی. و عند عصر الأحد بتاریخ 28 ذی القعدة رکب عظمته سیارته الخاصة و رکب فی معیته فضیلة الشیخ عبد اللّه بن حسن و ولداه الأمیر محمد و الأمیر خالد فوصل مکة المکرمة الساعة الحادیة عشر من النهار و طاف و سعی ثم توجه إلی الأبطح و نزل فی دار السقاف.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 257

واقعة جدة بعد قدوم عظمة السلطان إلی مکة

عند صلاة العصر من یوم الثلاثاء خرجت کوکبة من الخیل من جدة و معها سیارة و مشت من جدة علی طریق مکة المعتاد و کان جند السلطان کامنا لهم فی المنعطفات وراء القلعات فلما صاروا بین الوزیریة و القشیلات الحمراء هاجمهم فریق الجند و سبق فریق آخر و قطع علیهم ساقتهم و ما هی إلّا برهة حتی قتل من جیش الحجازی خمسة و عشرین فارسا و خمسة عشر من الخیل و غنم جند السلطان عشرة أخری من الخیل و فر من بقی من العدو لا یلوی علی شی‌ء و قد لحق بالفارین فریق من الخیّالة حتی أدخلوهم أسلاکهم و فی یوم الأربعاء 3 ذی الحجة خرج جند الشریف علی من جدة و کان من الیمانیین الساکنین بجدة بعضهم کان فی الجندیة و بعضهم کان یشتغل فی البلاد فی مهن حقیرة حتی بلغ القشیلات الحمراء بین الوطایا و الوزیریة فکن فیها فصبر الإخوان علیهم ساعة لعله یلحق بهم غیرهم فلم یبصروا من ورائهم أحدا فقرروا إشعال نار الحرب مع الحاضرین و أمر قائدهم الفرقة الیمنی و التی تلیها و فرقتان فی الیسار أن یحتفظوا بمواقعهم و أن لا یتعدوها، و سارت فرقة إلی الأمام حیث مکامن جند العدو و لما التفت بالعدو فی مکمنه لم یکن غیر ثلاث دقائق حتی فرّ العدو من أمامها قافلا إلی مخابئه فسدت قوة الأیمنین و الأیسرین الخیّالة دونهم الطرق ثم وقع القتل فیهم و کانوا أربعمائة، فلم ینج منهم إلّا عشرة تمکّنوا من النجاة و الفرار و اثنان وقعا فی الأسر و قد أتی بواحد منهما إلی مکة و هو الذی أخبر أن الجند الذی خرج من جدة کان أربعمائة جندی و الأسیر الآخر مجروح بقی فی الجبهة الحربیة، أما خسائر الإخوان فی هذه المعرکة فرجلین و فرسین و أربعة من الجرحی.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 258

ترتیب الجیش النجدی بعد الحج‌

و بعد ما فرغ الناس من الحج أمر عظمة السلطان قسما من الجند بالرجوع إلی أوطانها و جعل الباقی من الجنود ثلاثة أقسام؛ قسم یرسل برئاسة فیصل الدویش فیقصدون الوجه و المدینة و یدعون الناس، فمن أجابهم سالموه و من لم یجبهم قاتلوه، و القسم الثانی یحاصر جدة، و القسم الثالث یقیم فی جدة بین جدة و مکة.

قدوم الحجاج‌

قد وصل النداء الذی نشره عظمة السلطان علی العالم الإسلامی یدعوهم فیه لأداء فریضة الحج فی هذه السنة فأحدث تأثیرا عظیما فی النفوس و وردت من الهند برقیات مختلفة علی مندوب عظمة السلطان فی عدن و أن ألوفا من الهنود قرروا الوفود لقضاء فریضة الحج فی هذا العام، و هم یسألون فی برقیاتهم أی السواحل أحسن لنزولهم؛ رابغ أم القنفذة أم اللیث، و قد اتخذت الحکومة التدابیر الفعّالة لتأمین راحة الحجاج و أمنهم فی الحل، و رتّب الجمال الکافیة علی ذلک الطریق لنقلهم إلی البلد الأمین. و فی أواخر ذی القعدة وصل إلی مکة من طریق القنفذة و اللیث للحج بعض المغاربة من بلدة طوالة فی الغرب الجوانی و قسم من الأتراک من بلاد الروملی و بعض نفر من السنغال.

إعلان الشریف علی بمحاصرة رابغ‌

أعلن الشریف علی فی طول البلاد و عرضها أن جنوده احتلت بدرا و حاصرت رابغ و أن بواخره أحرقت بنار مدافعها مدینة رابغ و أصبحت و لیس فیها محل لنزول الحجاج فخاف الناس فی الخارج أن یکون الخبر
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 259
صحیحا، فجاءت بارجة حربیة إنکلیزیة أمام رابغ فاستأذنت بالنزول ثم نزل منها بعض الموظفین و سألوا رجال حکومة السعودیة هناک عن تلک الإشاعات فنفوها لهم. و اطلعوا علی الاستعدادات و التدابیر التی اتخذت فی رابغ لاستقبال الحجاج و قد سرّ ربان البارجة من تلک الترتیبات ثم عادوا إلی سفینتهم فأطلقوا بضعة مدافع یحیّون فیها قلعة عظمة السلطان فأجابتهم القلعة بالمثل. و قد أبرقت البارجة بحقیقة الخبر إلی سائر الأنحاء و أخبرت أن الحجاج سیصلون بعد أربعة أیام من تاریخ وصولها. و قامت البارجة أمام رابغ حتی تصل بواخر الحجاج. و فی 26 ذی القعدة وصلت باخرة (جهانکیر) فی رابغ و علیها ألف و مائة و ثلاثة و خمسین حاجّا و علیها من البضائع ما بین سکر و دقیق و شعیر و خلافه (6353) طردا، و بالتاریخ نفسه وصلت باخرة (فرجستان) و علیها (895) حاجّا و من البضائع (828) طردا.
و لقد کان فی جملة الحجاج مندوب من قبل رئیس جمعیة الخلافة شوکت علی الزعیم الهندی المشهور و وفد مؤلّف من مندوبی جمعیة الخلافة، و مندوبی جمعیة العلماء فی الهند برئاسة حضرة المکرم محمد شفیع و عضویة الأخ عبد الحلیم الصدیقی مندوب الجمعیة المرکزیة لعلماء الهند و حضرة أبو المعارف محمد عرفان مدیر جریدة الجمعیة و مندوب جمعیة الخلافة فی دهلی و حضرة وجیه أحمد المستشار الخاص للرئیس و حافظ محمد عثمان مندوب ولایة آقرة و الشیخ عبد المجید السندی و رئیس جمعیة الخلافة بالسند، و حضرة أمین الدین بن نجم الدین من تجّار حیدر أباد و مندوب جمعیة الخلافة بالسند و قمر الدین أحمد ثابت مدیر جریدة الخلافة و مندوب جمعیة الخلافة فی بومبای، و قد حلّوا ضیوفا
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 260
علی عظمة السلطان. عدد الحجاج- بلغ عدد الحجاج فی هذا العام مائة ألف من أهل نجد و ما یقرب من السبعة آلاف حاج من خارج الدیار العربیة و فی صباح یوم عید الأضحی کسیت الکعبة الشریفة کسوة جدیدة من صنع الأحساء فی الدیار النجدیة.

بلاغ عام من طرف عظمة السلطان‌

من عبد العزیز بن عبد الرحمن الفیصل السعود إلی إخواننا المسلمین فی مشارق الأرض و مغاربها الحمد للّه الذی لا إله إلّا هو و الصلاة و السلام علی رسوله محمد الشفیع المشفع یوم المحشر، و بعد فقد تفاوضت أنا و الوفد الهندی الموفدین من جمعیة الخلافة الهندیة و جمعیة العلماء فی المسائل التی یهم المسلمین الإطلاع علیها و الوقوف علی حقیقة أفکارنا تجاهها و کان رائد الجمیع الإخلاص فی العمل و الصراحة فی القول و النصح للّه و لرسوله و المسلمین، و إنی أحمد اللّه علی أن انتهی البحث علی اتفاق فی جمیع المسائل التی دارت المفاوضة فیها. و إنی دحضا لما یفتریه أعداء الحق و نصراء الباطل ممن یستغلون التفرقة بین المسلمین و یحاولون أن یطفئوا نور اللّه بسعیهم الباطل للتنویه علی قلوب السذج من المسلمین الذی یجهلون حقیقة ما نحن علیه أعلن ما یأتی لیهلک من هلک عن بینة و یحیی من حی عن بینة.
1- أشکر الشعوب التی وقفت تجاهنا موقف المدافع عن الحق و أشکر الشعب الهندی خصوصا علی موقفه تجاه العرب و قضیتهم فی الوقت الذی اشتغل العرب بالمشاحنات و المخاصمات و نسوا واجبهم نحو
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 261
دینهم و وطنهم، و إنی أشکر أهل الهند لأنهم کانوا أول من لبی الدعوة، فجزاهم اللّه عنا و عن الإسلام خیر الجزاء.
2- إنی لا أزال عند قولی فیما دعوت العالم الإسلامی إلیه من وجوب عقد مؤتمر عام ینظر فی الأمور التی تهم سائر المسلمین فی الحجاز من إصلاح الطرق و تأمینها و توفیر وسائل الراحة لکل وافد و تسهیل المواصلات بقدر ما یمکن، و بذلک نتحمل نحن و إیاهم مسؤولیة إدارة الحجاز، و ستجدد الدعوة لهذا المؤتمر الإسلامی متی تمهدت وسائل المواصلات.
3- إننا نحافظ علی استقلال الحجاز الاستقلال التام محافظتنا علی أرواحنا و إننا لا نسمح أن یکون لغیر المسلمین أی نفوذ فیه محافظة علی دیننا و شرفنا.
4- إن الشریعة الإسلامیة هی القانون العام الذی یجری العمل علی وقفه فی البلاد المقدسة و إن السلف الصالح و أئمة المذاهب الأربعة هم قدوتنا فی السیر علی الطریق القویم و سیکون العلماء المحققون عن جمیع الأمصار هم المراجع لکل المسائل التی تحتاج إلی تمحیص و نظر ثاقب.
5- إنی أؤکد لکم القول أن المدینة المنورة لا تزال حرما آمنا لا یصح أن یحدث فیه حدث من قتل أو سلب أو نهب وصونا لشرفها اکتفیت بحصارها علی ما فی ذلک من طول وقت و خسائر مالیة و إنی أستطیع بحول اللّه و قوته أن أفتحها فی ساعة واحدة و لکنی حریص علی سلامة البلاد و العباد، و إنی مشدد الأوامر علی الجنود أن لا یهاجموا حرم
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 262
المدینة بأی صورة و لا یدخلوها حتی یستسلم العدو. و إن ما فیها من المبانی و المآثر یکون العمل فیه علی ما تقدم فی المادة السابعة، إن أعداءنا یشیعون أننا إذا استولینا علی المدینة نهدم روضة الرسول صلی اللّه علیه و سلم و حاشا أن تحدث نفس مسلم بذلک، إنی افتدیتها بنفسی و ولدی و مالی و رجالی و إنی لا أجد فرقا بین ما حرم اللّه و رسوله من حرم مکة و المدینة، فإنه صلی اللّه علیه و سلم حرّم بین لابتیها کما حرم سیدنا إبراهیم علیه السلام حرّم مکة و أسأل اللّه أن یوفقنا لما یحبه و یرضاه.
28 ذی الحجة سنة 1343 ه

قرار بشأن إجارات سنة 1343 ه قرر مجلس الشوری الأهلی إیجار عام 1344 ه بهذه الصورة:

1- یعتبر مقدار عموم أجرة العقارات فی عام (44) کعام (43).
2- إیجارات الدور و القهاوی و المکورات یسقط نصفها فی عام (44) و یدفع ربعها حالّا و الربع الباقی تؤجل إلی غرة شعبان سنة 1344 ه.
3- یسقط الثلث من کامل أجرة الدکاکین و الأفران و الطواحین و یدفع الثلث من کاملها حالّا و یؤجل الباقی إلی غرة شعبان سنة 1344 ه.
4- الدور و الدکاکین و سائر الأماکن المشغولة بأمتعة الغائبین یجری فیه الإیجار الشرعی لدی الحاکم الشرعی.
5- إذا امتنع المستأجر عن دفع الأجرة المقررة أعلاه یجبر بالإخلاء.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 263
6- یقتضی تشکیل لجنة بعنوان مجلس العقار مؤلفة من خمسة أنفار، واحد من أعضاء مجلس الشوری الأهلی و واحد من دائرة الأوقاف و واحد من أعضاء مجلس هیئة البلدیة و واحد من التجّار و واحد من أرباب العقار، لتکون مرجعا للنظر فی الدعاوی المتعلقة بالعقارات، و عند وقوع اختلاف بین المؤجر و المستأجر تقرر ما یلزم إجراؤه فی ذلک بموجب المواد المشروحة أعلاه ثم ترفع الکیفیة إلی مرجع التنفیذ و یعین لها غرفة مخصوصا بدائرة الحکومة لاجتماعها یومیّا.
28 ذی الحجة سنة 1343 ه
و فی شهر محرم سنة 1344 ه وصلت إلی اللیث خمس سواعی تحمل رکابا من جدة فیهم قسم من أهل مکة و قسم من بدو الحجاز- و فی 8 محرم سنة 1344 ه صدر البلاغ السلطانی فی انتخاب المجلس الأهلی- و هذا نصه- من عبد العزیز بن عبد الرحمن الفیصل السعود إلی کافة من بمکة من السکان نحمد إلیکم اللّه الذی لا إله إلّا هو و نصلّی و نسلم علی سیدنا محمد، و بعد فإن رغبتنا الأکیدة کانت و لا تزال منذ أخذنا علی عاتقنا إدارة الأمور فی هذه البلاد هو السیر بها وفق رغبة أهلها و مراعاة مصالحهم و المحافظة علی العرف الصالح لهم، و قد رأینا من قبل انتخاب مجلس من الأهلین ینظر فی الشؤون المحلیة فکان المجلس السابق و اشتغل بقدر الإمکان فی بعض الشؤون، و الیوم رغبة منّا فی اشتراک الأمة اشتراکا فعلیّا فی الأمور رأینا أن المصلحة العامة تقضی بحل المجلس السابق و تشکیل مجلس آخر یکون انتخابه علی الشکل الآتی:
1- تنتخب کل حارة من الحارات مندوبا عنها من أهل الخبرة و المعرفة.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 264
2- ینتخب العلماء عنهم اثنان من کبارهم. خزانة التواریخ النجدیة ؛ ج‌10 ؛ ص264
تخب التجّار عنهم مندوبا من بینهم.
4- أوراق الانتخابات یجب أن تقدم یوم الاثنین لدائرة الحکومة بالحمیدیة.
5- یجب أن تکون الانتخابات حرة و للجمیع حق الاشتراک فیها و کل من یتلاعب بأوراق الانتخاب یجازی أشد الجزاء.
6- یجتمع مندوبوا الشعب بعد ظهور نتیجة الانتخابات فی التاریخ الذی یعیّن بعد ذلک و ستلقی مسؤولیة إدارة البلاد علی عاتق هؤلاء المندوبین. و اللّه ولی التوفیق لما فیه الخیر.
8 محرم سنة 1344 ه عبد العزیز بن عبد الرحمن الفیصل السعود
ثم وزعت إدارة البلدیة بیانا علی الأهلین فی کیفیة ترتیب أمر الانتخاب فکانت نتیجة الانتخاب بالصورة الآتیة:
أعضاء المجلس من العلماء الشیخ عباس مالکی و الشیخ محمد المرزوقی و من التجار عبد اللّه الدهلوی و قد اعتذر فکان الذی بعده محمد نور ملائکة، و أما الذین انتخبوا من الأحیاء فهم عبد الفتاح فدا و عبد القادر الشیبی و علی الکتبی و علوی تونس و سلیمان أزهر و جمال مشرفة و عبد اللّه مخلص و محمد سرور الصبان و حمزة البرکاتی و إبراهیم مطر و عبد اللّه الزواوی، و صالح قطب، و قد عین عظمة السلطان ثلاثة من أعیان البلد لیکونوا أعضاء فی المجلس و هم الشریف شرف باشا عدنان و الشریف حمزة الفعر و الشریف هزاع، و عین بالانتخاب رئیس المجلس
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 265
الشیخ المرزوقی (قاضی مکة الحالی) و الشیخ عبد القادر الشیبی نائبا للرئیس و الشیخ محمد سرور الصبان کاتبا للمجلس أمینا للسر.

أعمال المجلس الأهلی‌

1- ألف المجلس الأهلی لجنة للنظر فی ترتیب القضاء الشرعی و الأوقاف مؤلفة من الأفاضل رئیس المجلس الأهلی الشیخ محمد المرزوقی و الشریف شرف عدنان و الشیخ عباس مالکی و الشریف حمزة البرکاتی و الشیخ محمد جمال شرف.
2- و قد عهد المجلس لهذه اللجنة أیضا بالنظر فی أمر التعلیم و التربیة.
3- ألف لجنة للنظر فی المسائل التی تعود إلی العرف مما لا یخالف نصّا شرعیّا حسب أمر عظمة السلطان، و قوامها الشریف حمزة و الشیخ محمد بن حسن اللحیانی و الشیخ عبد اللّه المخلص.
4- بدأت اللجنة المخصصة للنظر فی تنظیم أمر الشرطة توالی، اجتماعاتها فی ترتیب ذلک.

الدعوة الرسمیة لعقد المؤتمر الإسلامی‌

و فی شهر ربیع الثانی فی سنة 1344 ه کتب عظمة السلطان کتابا و أرسله إلی جلالة ملک مصر و أمیر الأفغان و لحکومة إیران و لحکومة العراق و لجمعیة الخلافة و لجماعة أهل الحدیث و جمعیة العلماء فی الهند و للمجلس الإسلامی الأعلی فی فلسطین و للشیخ بدر الدین المحدث فی دمشق و بعض ملوک المغرب و أمرائه و إلی جمیع من یعنیهم أمر هذه الدیار
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 266
المقدسة من علماء المسلمین و أمرائهم و زعمائهم، و هذا خلاصة ما جاء فی ذلک الکتاب:

بسم اللّه الرّحمن الرّحیم‌

من عبد العزیز بن عبد الرحمن آل فیصل آل سعود ...
السلام علیکم و رحمة اللّه و برکاته، و بعد فإنی أرجو لکم دوام الصحة و العافیة و إنی سعید أن أمد یدی لیدکم و لکل ید عاملة لخیر الإسلام و المسلمین و إنی مملوء ثقة أنه بتعاوننا علی الخیر سیکون المستقبل السعید لجمیع الشعوب الإسلامیة إنی لست من المحبین للحرب و شرورها و لیس لدی شی‌ء أحب إلیّ من السلم و السکون و الصفاء و الهناء و التفرغ للإصلاح، و لکن جیراننا الأشراف أجبرونی علی امتشاق الحسام و خوض غمرات الحرب خمس عشرة سنة، لا فی سبیل شی‌ء سوی الطمع علی ما بأیدینا، فقد صددنا عن سبیل اللّه و المسجد الحرام الذی جعله اللّه للناس سواء العاکف فیه و الباد، و دنسوا البیت الطاهر بکل أنواع الموبقات مما لا یتحمله مسلم لقد رفعنا علم الجهاد و لتطهیر بلاد اللّه الحرام و سائر بلاد اللّه المقدسة من هذه العائلة التی لم تترک سبیلا لحسن التفاهم و حسن النیة بما اقترفت من الشرور و إنی و الذی نفسی بیده لم أرد التسلط علی الحجاز و لا تملکه و إنما الحجاز ودیعة فی یدی إلی الوقت الذی یختار الحجازیون لبلادهم والیا منهم یکون خاضعا للعالم الإسلامی تحت إشراف الأمم الإسلامیة و الشعوب التی بدأت غیرة نذکر فی هذا السبیل کأهل الهند و أمثاله، إن الخطة التی عاهدنا علیها العالم الإسلامی و التی لم نزل نحارب من أجلها مجملة فیما یلی:
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 267
1- إن الحجاز للحجازیین من جهة الحکم و للعالم الإسلامی من جهة الحقوق التی لهم من هذه البلاد.
2- سیجری الاستفتاء التام باختیار حاکم الحجاز تحت إشراف مندوبی العالم الإسلامی و یحدد الوقت اللازم فی ذلک لما بعد و سنسلم الودیعة التی فی أیدینا لهذا الحاکم علی الأسس الآتیة:
1- یجب أن یکون السلطان الأول و المرجع للناس کافة الشریعة الإسلامیة المطهرة.
2- حکومة الحجاز یجب أن تکون مستقلة فی داخلیتها و لکن لا یصح لها أن تعلن الحرب علی أحد و یجب أن یوضع لها النظام الذی یمکنها من ذلک.
3- لا تعقد حکومة الحجاز اتفاقات سیاسیة مع أی دولة کانت.
4- لا تعقد حکومة الحجاز اتفاقات اقتصادیة مع أی دولة غیر إسلامیة.
5- تحدید الحدود الحجازیة و وضع النظم المالیة و القضائیة و الإدایة للحجاز موکول للمندوبین المختارین من الأمم الإسلامیة، و سیحدد عددهم باعتبار المرکز الذی تشغله کل دولة للعالم الإسلامی و العربی، و سیضم لهؤلاء مندوبین من جمعیة الخلافة و جمعیة العلماء فی الهند و مندوبین من قبل الجمعیات و الهیئات الإسلامیة التی تمثل المسلمین فی الدیار التی لیس فیها حکومة إسلامیة، هذا ما نویناه لهذه البلاد و ما سنسیر إلیه فی المستقبل إن شاء اللّه تعالی، ولی الأمل العظیم فی أن
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 268
تسرعوا فی إرسال مندوبیکم، و إخبارنا عن الوقت المناسب لعقد هذا المؤتمر، هذا ما لزم بیانه انتهی.

الوفد الإیرانی‌

وصل الوفد الإیرانی المرسل من قبل الحکومة الإیرانیة لزیارة الأماکن المقدسة و النظر فی شؤون هذه البلاد المقدسة بجدة فی أوائل ربیع الثانی سنة 1344 ه یرأس ذلک الوفد سعادة السفیر المفوض لدولة إیران فی مصر غفار خان و معه سعادة حبیب اللّه خان عن الملک قنصل جنرال دولة إیران فی سوریا و لبنان، و حضر محمد رضا أفندی سکرتیر الوفد و لما قصدوا مکة أرسل عظمة السلطان صباح الأربعاء 3 ربیع الثانی قسما من رجال حرسه الخاص لاستقبال الوفد المذکور فوصلوا فی المقر السلطانی محرمین بالعمرة و قد أبدی رئیس الوفد الغایة من قدومه ثم بعد العصر سافر الوفد بالسیارات إلی مکة المکرمة و فی معیته عبد اللّه الفضل رافقه السلطان لتسهیل راحته فی مکة المکرمة.

وفد جمعیة الخلافة

وصل أم القری صباح الثلاثاء جمادی الأولی سنة 1344 ه وفد جمعیة الخلافة الهندیة قادما علی طریق رابغ، و الوفد مؤلف من حضرات الأعضاء ظفر علی خان رئیس مجلس الخلافة لولایة بنجاب و صاحب جریدة زمیندار و أحد أعضاء مجلس الخلافة المرکزیة، و حضرة أبو المعارف محمد عرفان بدر شعبة التبشیر الإسلامیة لعلماء الهند و مدیر جریدة الجمعیة و عضو فی مرکز جمعیة الخلافة، و حضرة محمد شعیب قرشی سکرتیر مجلس جمعیة الخلافة المرکزیة.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 269

مرور طیارة من فوق سطح الکعبة

فی الساعة الثانیة عربیة من صباح الخمیس جمادی الأولی سنة 1344 ه وصلت طیارة من قبل الشریف علی فیها ضباط من غیر المسلمین فدارت حول مکة المکرمة ثم خرجت من جهة جبل أبی قبیس و مرت فی خط مستقیم من فوق سطح الکعبة المشرفة و ألقت بضع أوراق تخاطب الأهلین: أن حکومة جدة منصورة فی جمیع ساحات الحرب.

احتجاج الوفد الهندی علی مرور الطیارة

فی الساعة الثانیة من صباح الخمس 10 جمادی الأولی سنة 1344 ه رأینا منظرا غریبا جدّا و محیرا للعقول فی الأرض المقدسة و بلد اللّه الحرام، و ذلک أن طیارة تطیر و ترمی بعض الأوراق، سبق أن وقعت حوادث خطیرة فی هذه البقعة المبارکة، و کنا نظن أن دور الإهانة لبیت اللّه الحرام قد انتهی و لم یعد أحد یجسر علی ارتکاب هذه الجریمة، و لکن مع الأسف رأینا الأمر بعکس ذلک إن الذین یطیرون الطیارات فوق الکعبة المطهرة یهتکون حرمة بیت اللّه المقدس من أجل مصالحهم الشخصیة و أغراضهم الذاتیة و أن الشریفین بإرسالهم هذه الطیارة قد ارتکبوا جریمة لا تتوقع من أی مسلم، و إننا بالنیابة عن مسلمی الهند ننظر إلی هذا العمل بغایة النظرة و الاحتقار، و أن تطیر طیارة هوائیة من فوق الکعبة المشرفة عملا غیر جائز و یجرح قلوب المسلمین عامة، و یقال: إن فی الطیارة بعض ضباط مسیحیین اشترکوا فی هذا العمل، و علی ذلک فإن الشریفیین قد أهانوا الإسلام و ارتکبوا جرما عظیما لا یسمح به مطلقا و إننا نعلن سخطنا و نفورنا من ذلک 10 جمادی الأولی سنة 1344 ه.
شعیب القرشی أبو المعارف محمد عرفان ظفر علی خان
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 270
و فی مساء یوم الخمیس 11 جمادی الأولی سنة 1344 ه سافر الوفد المذکور إلی المدینة المنورة .. و فی أواخر جمادی الثانی من السنة المذکورة وصل الوفد جدة قادما من المدینة المنورة ثم سافر منها إلی الهند.

حصار المدینة المنورة

أقام عظمة السلطان قائدا عامّا لجهة المدینة صالح بن عدل، فتوجه إلی المدینة و حاصرها من جمیع الأطراف و أخذ علیها المسالک من جمیع الجهات و منع إلیها و منها الصادر و الوارد و ذلک لیضطر الحامیة التی فیها علی التسلیم لأن القیادة العلیا تحاذر إهراق الدماء فی حدود المدینة المنورة. ثم إن القائد العام أقام قوة من الجند لحصار المدینة و توجه ببیارق (عنزة) إلی السکة الحدیدیة و نزلوا فی مکان منها و خربوها و قطعوا جمیع المواصلات بین معان و المدینة بذلک أصبحت المدینة المنورة محاصرة من جمیع الجهات، ثم توجه فیصل الدرویش بجیشه إلی المدینة المنورة و لما وصل قریبا من العوالی جاء وفد من أهل العوالی من حرب و شکوا إلیهم ما یلاقیه أهل العوالی و أهل المدینة من ظلم الحکام فیها و جورهم و طغیانهم، و ما أصاب البلاد من الجوع و الضنک و الضعف، و طلبوا أن تذهب معهم قوة لاحتلال العوالی لعلها ترهب الجند الذی فی المدینة فیمیل إلی التسلیم، فأجابهم فیصل الدویش بأن الأوامر التی لدینا من القیادة العلیا أننا لا نتوجه لقتال المدینة و أهلها و لکن إجابة لطلبکم فنحن ننزل العوالی و نفاوض أهل المدینة بالتسلیم و علی ذلک فقد وصل الجیش إلی العوالی بغیر قتال و نزل فی ملک الشریف شحات و أخیه محمد و دخلوا مسجد قباء و أرسلوا بما تم علیه إلی مرکز القیادة العلیا.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 271

خروج أهل المدینة إلی مکة

بما أن فی المدینة المنورة بعد الحصار حصل ضیق شدید و تعب کبیر علی أهل البلد طفقوا یخرجون زرافات و وحدانا من تلک البلدة فإذا خرجوا تلقاهم الجیش السلطانی بالترحاب، و أکرموا مثواهم و أنزلوهم فی منازل خاصة لهم و قدموا ما یحتاجون من طعام و شراب و کساء، و قد أمر عظمة السلطان بأن من شاء القدوم إلی مکة فلیقدم و قد أمر بتهیئة أماکن خاصة لنزولهم، و عمل الترتیبات لتأمین راحتهم، و قد وفدوا أفواجا إلی أم القری.

تسلیم المدینة المنورة

قدم بحره یوم کان عظمة السلطان فیها، رجل من تجار المدینة المنورة، یدعی: مصطفی عبد العال و هو یحمل رسالة من رجال حکومة المدینة و أهلها، یعرضون تسلیم المدینة المنورة لعظمة السلطان، مشترطین نوال الأمن علی أرواحهم و أموالهم، و نوال بعض أشیاء خاصة للموظفین، و أن یذهب لاستلام المدینة أحد أفراد عائلة السعودیة فأجابهم عظمة السلطان إلی طلبهم. و لما عاد عظمة السلطان من بحره إلی مکة أمر نجله الأمیر محمد بالتهیؤ للذهاب إلی المدینة المنورة لاستلامها، فأعد عدته ببضعة أیام و سار من مکة مساء الاثنین 23 ربیع الثانی فی عدد غیر قلیل من جند المحضر و قد رافقه فریق من خاصة عظمة السلطان من العائلة السعودیة و من غیرهم و قد منح عظمة السلطان الأمان لجمیع أهل المدینة و بعث إلی فقرائهم بألف کیس من الأرز، و أرسل کتابا بالأمان لجمیع الموظفین و لما وصل الأمیر محمد إلی أسوار المدینة عرض علی الحکومة
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 272
و الأهالی ما کان قادما من أجله فأبت قیادة الحامیة التسلیم لأنها کانت تنتظر المدد من جدة و قد أبرقت فی 5 جمادی الأولی إلی الملک علی تقول الذی یهمنا الأرزاق للجند وعدتمونا بإرسال الدراهم المتیسرة بالطیارة إلی الآن لم نر أثرا لها، دبروا و أرسلوا لنا دراهم و لو ببیع إحدی البواخر فترون مناما یسرکم ثم أبرقت القیادة فی 13 من هذا الشهر إلی الملک بجدة تقول انقضی الأمر و لم یبق فی الید حیلة بالجنود ما عندهم أرزاق إلّا لثلاثة أیام إذا لم تصل الطیارة غدا الظهر سنفاوض العدو.
الإمضاءات عزت عبد اللّه عمیر عبد المجید حمد
فجاء الجواب أنه یستحیل إرسال الطیارة قبل عشرة أیام لعدم وجود بنزین، مرت الأیام الثلاث فنفذت مؤونة الحامیة و مع ذلک فقد صبر الجنود ثلاثة أیام أخر، ثم فی صباح الجمعة بعث القائد عزت و رئیس دیوان الإمارة عبد اللّه عمیر کتابا إلی الأمیر محمد بن عبد العزیز سعود یطلبان ملاقاته فأرسل الأمیر خیالة لاستقبالهما، و قد فاوضاه بالتسلیم علی شرط أن یعطی الجنود و الضباط و الأهالی الأمان و یعلن العفو العام، و فی صباح السبت 19 جمادی الأولی دخل الأمیر ناصر بن سعود و عبد اللّه الفضل و عزت قائد الخط إلی المدینة مع فریق من الجنود فاستلموا قلعة سلع و ما فیها من ذخائر و عتاد و وضعوا فیها قوة عسکریة، ثم مروا بجمیع المراکز العسکریة و الملکیة للحکومة فاستلموها و وضعوا فی کل منها قوة من الجیش النجدی، و لم یأت مساء السبت حتی استلموا کل شی‌ء فی البلدة و أمن الناس أجمعین. و فی صباح الأحد دخل الأمیر المدینة بجنوده
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 273
و رایاته و أمر بمواساة الأهلین و قد استحضر من رابغ ثلاثة آلاف کیس دقیق و أرز لتوزع علی الأهلین. و فی شهر ربیع الأول سنة 1344 ه وصلت إلی البیت سفن شراعیة فیها ما یزید عن أربعمائة من أهل مکة و کانوا بین أولئک القادمین الشیخ ماجد کردی من الشیخ صالح شطاء و السید هاشم سلطان.

صورة العفو العام من عظمة السلطان بلاغ سلطانی فی أول ربیع الأول سنة 1344 ه

إننی منذ دخلت جنودی هذه البلدة المطهرة أمنت أهلها علی أرواحهم و أموالهم، و لما وصلت بنفسی إلی حرم اللّه هذا أکدت ذلک الأمان و أصدرت عفوّا عاما عن جمیع ما کان فی أی إنسان کان فیما سلف، و الیوم أعود و أکرر لکافة الناس أن کل إنسان کان فی خدمة الحسین و تحت طاعته فهو فی أمان اللّه و مغفور له جمیع ما تقدم من ذنبه متی عاد لهذا البلد الطاهر و أخلد للراحة و السکون، فالبلد بلد اللّه و الأمن أمن اللّه و لکننی لا أسمح لأحد بوجه من الوجوه أن یقوم بأی دعایة للذین أکثروا فی هذه البلاد الفساد، و إننا سنوقع أشد أنواع الجزاء علی أی إنسان کان یأتی بأی حرکة فی ذلک السبیل، فمن کان یرید السلامة لنفسه فحبّا و کرامة و من کان یرید السوء فلا یلومن إلّا نفسه.
عبد العزیز عبد الرحمن الفیصل
و فی جمادی الأولی سنة 1344 ه أمر عظمة السلطان نشر البلاغ الآتی لبراءة الذمة علی من فی جدة من ضباط و جنود، و قد وزع علیهم فی حینه من عبد العزیز بن عبد الرحمن الفیصل آل سعود إلی جمیع من فی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 274
جدة من ضباط و جنود؛ أما بعد فلقد وصل إلی ما تلاقونه و تقاسونه من ضنک و جوع و عراء و فقدان راتب و أعتقد أنکم بعد أن قمتم هذه المدة الطویلة قد ظهر لکم من بواطن الشریف ما یدعوکم للرجوع إلی الحق بعد التنکر عنه، و علمت أن الکثیر منکم ما یمنعهم من الخلاص من ذلک المأزق الحرج إلّا ما یکذب علیکم به من أنکم إذا ترکتم جدة و قدمتم إلینا أن جندنا یعتدی علیکم أو یقتل أحدا منکم لذلک أرسلت إلیکم بلاغی هذا لأعلمکم فیه بما یأتی:
1- إن کل جندی أو جنود و ضابط أو ضباط یخرجون من جدة صالحین بغیة الانضمام إلینا أو بغیة الفرار من جدة للذهاب إلی دیارهم فهو آمن علی نفسه و متاعه و سلاحه و ماله لا یمس بأذی و لا یؤخذ منه شی‌ء.
2- إن کل قادم سواء من الضباط و الجنود إن کان من أهل الحجاز أوصلناه إلی أهله و إن کان من غیرها من البلدان و أحب اللحاق بأهله فإننا مستعدون لإعطائه مبلغا من المال یوصله إلی أهله مع إکرامیات أخری، فإذا وصلکم کتابنا هذا أو اطلعتم علیه فأنتم فی أمان اللّه ثم فی ذمتنا من وقت خروجکم من جدة حتی تصلوا إلی أهلیکم مطمئنین سالمین غانمین و من کان منکم یرید البقاء عندنا فحبّا و کرامة إننا لم نرسل لکم هذا البلاغ إلّا رغبة منّا فی حقن دمائکم و ما أنتم بحول اللّه و قوته بمعجزیننا فإذا تقاعستم عن اللحاق فما تضرون إلّا أنفسکم لقد صبرتم کل الأیام الماضیة فماذا أفادکم ذلک الصبر غیر العذاب الدائم تدافعون عن غیر غایة و تقتلون من غیر جزاء، إننا لم یمنعنا عنکم إلّا تحین الفرص التی قرب سنوحها و الحمد للّه و نرید أن نبری‌ء الذمة من دمائکم بإنذارکم، فمن قدم
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 275
آمنا و استسلم قبل الیوم المقدور فقد آمن علی نفسه و حافظ علیها، فارتقبوا الیوم الموعود و کل آت قریب و قد أمرنا جندنا فی الخطوط الأمامیة بأن یتلقوا کل قادم منکم بالقبول، و أمرناهم أن یقوموا بجمیع التسهیلات الممکنة من أجلکم فإن أحسنتم فلأنفسکم و إن أسأتم فعلیها و السلام علی کل من سمع مقالتنا فوعاها و رأی الحق حقّا فاتبعه.
5 جمادی الأولی سنة 1344 ه عبد العزیز

حالة الحکومة الحجازیة بجدة و معاملتها مع أهل البلد

قد حصل لأهل البلد ضیق شدید و تعب کبیر بسبب تشدید الحکومة علیهم و بعدم ورود الحاجات اللازمة لهم، فقد امتنع التجار من إحضار الأرزاق و البضائع لما یتقاضاه الشریف علی منهم من الضرائب، فهو یقاسمهم نصف بضائعهم، یأخذ قسما منها باسم الرسوم الجمرکیة و القسم الآخر یأخذ باسم التکالیف الحربیة، و قد وردت بعض قطعات من الغنم من جهة ینبع فانجلت بذلک بعض العسرة اللحمیة، و لکن کثرة ما یؤخذ من الضرائب علیها منع قدومها أیضا، و أکثر ما یأکلون من اللحوم فی جدة لحوم الجمال الضعیفة التی دخلت جدة و لم تتمکن من الخروج منها و أصحابها یذبحونها و یبیعون لیستریحوا من علفها.
و أما الماء فأزمته عصیبة شدیدة و صاحب النفوذ القوی الذی یستطیع أن یتحصل علی تنکة من الماء و یشتریها من الکنداسة بستة قروش.
و کان الناس یشترون الماء من بایعیه الذین یحملونه من الحوض الواقع وراء النزلة الیمانیة، و لکن بعد أن احتل جند الإخوان أطراف الماء
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 276
أصبحت جدة فی ضنک عظیم من قلة المیاه و قد رحل من جدة کثیر من الأغنیاء من أول یوم أحاطت مدفعیات الإخوان البلدة و أخذت تمطر جدة وابلا من قنابلها و بقی بها ضعیف فقیر لا یملک ما یحمله عنها و قد طلب من بقی فی جدة من الأهلیة أن یرخص لهم الشریف بالقدوم إلی مکة فأبی السماح لهم إلّا من طریق البحر. و قد احتلت الحکومة کثیرا من البیوت بالرغم عن أصحابها، و هم لا یزالون فی کل یوم یفرضون ضرائب جدیدة علی الأهالی و یحصلونها منهم بالجبر و الضغط و آخر ضریبة فرضوها باسم تکالیف عسکریة ثلاثة آلاف لیرة، و قد امتنع الناس عن دفعها، و أصاب واحدا من آل الفضل خمسمائة لیرة و کذلک أصاب رجلا یسمی توفیق خمسمائة لیرة فامتنع عن الدفع و قال لهم ما عندی غیر دم رقبتی فخذوه فزجوا الرجل فی السجن لامتناعه، و أما باقی الأهلین فمنهم من یذهب للسجن و منهم من یفر و قلیل منهم الذین دفعوا و سلموا.
و لسد عورة الحربی باع الشریف علی البیوت التی لأبیه علی الشارع الجدید الذی فتحه من قبل و ذلک بأبخس الأثمان، و قد بلغ ثمن مجموعها خمسة آلاف جنیه و إن الجنود الیمانیین أعلنوا العصیان و خرجوا بجمعهم یطوفون أحیاء جدة و هم یطلقون نار البنادق فی الأسواق، حتی إذا وصلوا بیت الشریف علی داوموا إطلاق بنادقهم ففزع الشریف علی من تجمهرهم و أرسل من یسألهم خبرهم، فخرج إلیهم عبد اللّه باشا رئیس الوزراء فعرف أمرهم و هو أنهم یشکون من الجوع و فقدان راتبهم، فقال لهم: بأننا قد کذبنا علیکم جمیع المدة الطویلة و نرجوکم أن تصبروا علینا عشرة أیام فقط فإن أجبنا طلبکم فنعما و إلّا فأنتم أحرار تفعلون ما تشتهون، فقبلوا ذلک علی شرط أن یعزل تحسین باشا من القیادة.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 277
و فی منتصف جمادی الأولی بلغت الحالة فی جدة أشدها فنفذ المال و نفذ الزاد و نفر الجنود فسرحت القیادة الهاشمیة عددا کبیرا من الجنود الفلسطینیین الذین سافروا فی الباخرة الطویلة فی العقبة، و سافر أیضا فی الشهر المذکور إلی مصر الشیخ عبد اللّه سراج رئیس وزارة جدة و السید أحمد السقاف رئیس الدیوان و محمد علی الکاتب الخاص لعبد اللّه سراج
أربعة و عشرون ضابط.
و باعت حکومة جدة قهوة المنتزه بخمسمائة جنیه و دفعتها للجنود الذین سافروا إلی سوریا و صادرت أربعمائة کیس رز لإعطاء الجنود الیمانیین، و قد أخذ الیمانیون یبیعون هذا الأرز بنصف القیمة و قال فی أمر القری فی برقیة للأهرام من مکاتبها فی لندن أن جریدة دیلی کرونیکل نشرت تلغرافا من مکاتبها فی جدة جاء فیها ما یأتی: أحبطت مساعی جمیع الخطط التی وضعها الملک علی لاسترداد مکة بواسطة الطیارات و الدبابات شر حبوط.
أمّا قوة الحجاز الحیویة فتتألف من ثلاثة طیارین و ستة مهندسی طیران و جمیعهم من الروس أنصار الملکیة ما عدا إنکلیزی واحد و هو لیس من الطیارین بل إن مهمته مختصرة فی الحرص علی بقیة الطیارات الثلاث التی استجلبت أخیرا فی حالة حسنة، و للحجاز ست طیارات سقطت منها ثلاث و جمیعها غیر صالحة لعمل عسکری، و قد بذلت جمیع المساعی للحصول علی قنابل جویة من إنکلترا أو فرنسا أو إیطالیا و مصر فذهبت أدراج الریاح فالقوة الجویة و الحالة هذه بدون ذخیرة، علی أن الحکومة الحجازیة تسعی الآن لمشتری قنابل جویة بستة آلاف جنیه من برلین و لکنها أیضا لم تنجح،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 278
أما فاجعات فأدهی من فاجعة الطیارات التی لا قنابل لها و قد تعذر الحصول علی دبابة أو علی سیارة مدرعة فأنشأ القائد تحسین باشا شبه سیارة مدرعة بمحرک قدیم مصفحة بالتنک و جعل لها فوهات للمدافع الرشاشة و قد طافت منتصف المدینة لأنها لم تصلح للسیر فجی‌ء بجمل جرها إلی کراج السیارات و لا ینتظر أن تخرج منه ثانیة. انتهی.

تسلیم جدة

فلما یئس الشریف علی بعد الأمانی الطوال و ترک علائم الفشل بادیة فلم یر بدّا غیر التسلیم، فخابر معتمد بریطانی فی جدة بصفة خصوصیة أن یتوسط فی الصلح و یعرض شروط التسلیم لسلطان نجد، فقبل المعتمد البریطانی هذه المهمة بعد أن أخذ الرخصة من حکومته فأرسل أحد موظفی دائرته منشتی إحسان اللّه بکتاب إلی السلطان و کان السلطان قد أتی من مکة قاصدا مقره الحزبی متقابلا و عرض الکتاب و هذا نصه:

کتاب المعتمد البریطانی إلی سلطان نجد بشأن الصلح جدة فی 6 دیسمبر سنة 1935 م:

حضرة صاحب العظمة السلطان عبد العزیز بن عبد الرحمن الفیصل السعود سلطان نجد ..
بعد الاحترام مراعاة للإنسانیة و لأجل تسهیل عودة السلام و الرفاهیة فی الحجاز أکون مسرورا، إذا تفضلتم عظمتکم بالموافقة علی مقابلتی بالرغامة غدا یوم الخمیس قبل الظهر أو بعد ذلک بأسرع ما یمکن هذا و تفضلوا بقبول وافر التحیة و عظیم الاحترام.
نائب معتمد و قنصل بریطانیا العظمی وکیل قنصل جوردن
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 279

جواب سلطان نجد علی کتاب المعتمد البریطانی‌

الرغامة 30 جمادی الأولی سنة 1344 ه:
من عبد العزیز بن عبد الرحمن الفیصل إلی سعادة المعتمد البریطانی المستر جوردن المفخم ..
تحیة و سلاما أتشرف أن أخبر سعادتکم بأنی تناولت المؤرخ 16 دیسمبر سنة 1935 م، و فهمت ما تضمنه حالا حصرنا فی العرض لمقابلة سعادتکم فی المحل الذی یخبرکم المنشی‌ء إحسان اللّه. هذا و تفضلوا فائق احتراماتی.
الختم السلطانی
و فی الساعة الرابعة من نهار الخمیس وصل المعتمد البریطانی إلی مقر عظمة السلطان و أخبره بأن الحکومة البریطانیة لا تزال علی موقفها الحیادی فی قضیة الحجاز و لکن بالنظر لما علیه الموقف الحاضر فی جدة و لمعرفتی بمحبتکم للسلم و راحة المسلمین فی حقن دمائهم و حقن دماء الأجانب تقدمت إلیکم بناء علی طلب الشریف علی و حکومته فی التسلیم و أن توسطی فی تقدیم هذه الشروط لغایة إنسانیة بحتة، لیس إلّا، فأجاب عظمة السلطان علی ذلک بأننی ممنون فی هذا علی شرط أن تکون الشروط موافقة لنا فأجاب المعتمد بأن الشروط نعرضها علیکم حتی إذا وافقت رغباتکم یمکنکم قبولها. و بعد أن اطلع عظمة السلطان علیها قبلها مبدئیّا بعد إدخال شی‌ء من التعدیل علیها و هذا نصّها.

اتفاقیة التسلیم‌

1- بالنظر لتنازل الملک علی و مبارحته للحجاز و لسلم بلدة جدة
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 280
یضمن السلطان عبد العزیز لکل الموظفین الملکیین و الحربیین و الأشراف و أهالی جدة عموما و العرب و السکان و القبائل و عوائلهم سلامتهم الشخصیة و سلامة أموالهم.
2- یتعهد الملک علی أن یسلم فی الحال جمیع أسری الحرب الموجودین فی جدة إن وجد.
3- یتعهد السلطان عبد العزیز بمنح العفو العام لکل المذکورین أعلاه.
4- یجب علی جمیع الضباط و العساکر أن یسلموا فی الحال إلی السلطان عبد العزیز جمیع أسلحتهم من بنادق و رشاشات و مدافع و طیارات و خلافه و جمیع المهمات الحربیة.
5- یتعهد الملک علی و جمیع الضباط بأن لا یخربوا أو یتصرفوا فی أی شی‌ء من الأسلحة و المهمات الحربیة جمیعها.
6- یتعهد السلطان عبد العزیز بأن یرحل کافة الضباط و العسکر الذین یرغبون فی السفر إلی أوطانهم و یتعهد بإعطائهم المصاریف اللازمة لسفرهم.
7- یتعهد السلطان عبد العزیز أن یوزع بنسبة معتدلة علی کافة الضباط و العساکر الموجودین بجدة مبلغ خمسة آلاف جنیه ..
8- یتعهد السلطان عبد العزیز بأن یبقی جمیع موظفی الحکومة الملکیین فی مراکزهم الذین یجد فیهم الکفاءة فی تأدیة واجباتهم بأمانة.
9- یتعهد السلطان عبد العزیز أن یمنح الملک علی فی أن یأخذ
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 281
الأمتعة الشخصیة التی فی حوزته بما فی ذلک أوتوموبیله و سجاجیده و خیوله.
10- یتعهد السلطان عبد العزیز أن یمنح عائلة الحسین جمیع ممتلکاتهم الشخصیة فی الحجاز بشرط أن هذه الممتلکات تکون فعلا من الورثة و لا تشمل علی الأملاک الثابتة الممولة من الأوقاف بمعرفة الحسین إلی شخصیة و لا علی المبانی التی یکون بناها فی أثناء ملکه لما کان ملکا علی الحجاز.
11- یتعهد الملک علی أن یبارح الحجاز قبل یوم الثلاثاء المقبل مساء.
12- جمیع البواخر التی فی ملک الحجاز و هی الطویل و رشدی و رقمتین و رضوی تعتبر ملکا للسلطان عبد العزیز و لکن السلطان یصرح إن لزم الأمر للباخرة رقمتین أن تستعمل لنقل الأمتعة الشخصیة التابعة للملک علی المتنازل ثم ترجع.
13- یتعهد الملک علی و رجاله و سکان جدة بألا یبیعوا و لا یخرجوا و لا ینصرفوا فی أی شی‌ء من أملاک الحکومة مثل اللنشات و السنابیک و خلافه.
14- یتعهد السلطان عبد العزیز أن یمنح جمیع السکان و الضباط و العساکر الموجودین یتبع الحقوق و الامتیازات المذکور بعالیه فیما یختص بتوزیع النقود.
15- یتعهد السلطان عبد العزیز أن یمنح العفو للأشخاص المذکورین أسماؤهم أدناه أیضا ضمن العفو العام و هم عبد الوهاب
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 282
و محسن و بکری أبناء یحیی فواز و عبد الحی بن عابد قزاز و أحمد و صالح أبناء عبد الرحمن قزاز و إسماعیل بن یحیی قزاز و الشیخ محمد علی صالح بتاوی و إخوانه إبراهیم و عبد الرحمن بتاوی أبناء محمد علی صالح بتاوی و أبناءهم و أبناء عمهم حسن وزین بتاوی أبناء محمد نور و الشیخ یوسف خشیرم و الشیخ عباس ولد یوسف خشیرم و الشیخ یاسین لسیونی و السید أحمد السقاف و عوائل و أموال جمیع المذکورین أیضا.
16- إن کان الملک علی أو رجاله فی حال من الأحوال یخالف أو یقصر فی تنفیذ أی مادة من المواد المذکورة بعالیه فإن السلطان عبد العزیز لا یعتبر نفسه فی تلک الحالة مسؤولا عن تأدیة ما علیه من هذه الاتفاقیة.
17- یتعهد الطرفان السلطان عبد العزیز و الملک علی أن یکفا عن أی حرکة عدائیة أثناء سیر هذه المفاوضة.
و فی عصر الخمیس أول جمادی الثانیة سنة 1344 ه أمضی عظمة السلطان هذه الاتفاقیة، و فی الساعة السادسة لیلا من هذه المساء أمضاها الشریف علی و اعتبرت نافذة من ذلک الوفت. و فی 3 منه کتب الملک علی إشعار القناصل الدول عن سفره هذا نصه معتمد بریطانیا، معتمد السوفییت، قنصل إیطالیا قنصل فرنسا قنصل هولندا قنصل إیران قنصل مصر حضرة صاحب السعادة بعد التحیة و التکریم حبّا للإسلام و صیانة الأموال و الأرواح و حقنا للدماء و تقصیر المدة الحرب التی نال البلاد منها شقاء و خربا و عناء رجحت الانسحاب و قررت السفر من جدة یوم الثلاثاء الموافق 6 جمادی الثانی سنة 1344 ه و 2 دیسمبر سنة 1935 م و شکلت
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 283
حکومة مؤقتة أهلیة لأداء الشؤون و الأمور تحت رئاسة قائم مقام جدة الشیخ عبد اللّه علی رضا مع بقاء کبار الموظفین الأهلیین و لإحاطة علم سعادتکم سارعنا بتحریره.
3 جمادی الثانیة سنة 1344 ه علی
و فی صباح الأحد 4 منه رکب الشریف علی زورقا إلی البارجة البریطانیة (کان فلاور) و هی الباخرة التی أقلت والده من العقبة إلی قبرص و قد نشر الملک علی عند سفره علی الأهالی هذا المنشور.

إلی جیشی الباسل و شعبی الکریم‌

إنی أحمد اللّه حمدا کثیرا و أشکره شکرا جزیلا فی السراء و الضراء و منذ تشرفت بالقدوم، إلی هذه البلاد المقدسة مع جلالة والدی حرسه اللّه و أنا أعتبر نفسی فردا من أفرادها العاملین لخدمة وطنی و بلادی، و عند ما قضت إرادته جل شأنه بتحول مرکز البلد من الحکومیة إلی الحاکمیة بنهضتها المعلومة التی نالت بها استقلالها التام و دخلت فی صفوف الدول المستقلة من الحقوق فی الداخل و الخارج بفضل جهاد أبنائها و ما سفکوه فیها من الدماء الغالیة کنت منتقلا فی فیافیها و صحاریها مفارقا لأهلی و أولادی مدة بعد مدة و فرقة إثر فرقة مجاهدا کجندی یؤدی واجباته لوطنه و بلاده و عاملا لطمأنینتها و راحة سکانها متبعا کل مسلک یوصل إلی الوفاق و الاتفاق و الاتحاد ما استطعت، یعلم کل ذوی الشؤون العالیة، من ذوی الاختصاص فی الداخل، حتی جاء الیوم الثانی تنازل فیه جلالة والدی عن الأمر فکلفتمونی بتولی الأمر بعده.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 284
و فی ذلک الیوم العصیب و الخطب العظیم و العدو علی الأبواب أصررتم علیّ کل الإصرار بالقبول و رغما عن إرادتی بعدم قبول هذا الأمر و تحمل أعبائه الثقیلة الخطیرة لما عرفته من فقدان کل الوسائل اللازمة لمثل هذا الموقف الشریف الرهیب و تکرر رفضی لتولیه قبلته مستعینا بحول اللّه تعالی و قوته، قیاما بواجبی أمام بلادی و أهل بلادی و وطنی و شعبی الکریم، و معتمدا علی غیرتکم و حبکم لبلادکم و تعهدکم بمعاضدتی و مساعدتی بالمادة و المعنی، و نهضت مستمدّا من لدن العزة الأحدیة المعونة و التوفیق مشمرا عن ساعد الجد، مرتدیا برداء الثبات و الصبر.
و أعددت للحرب عدتها و أحضرت کل ما فی إمکانی مما رأیتموه من جند و أسلحة، و سهرت اللیالی الطوال، و صابرت هذا الحرب و ما انتابها من العقبات داخلا و خارجا حتی فزتم و الحمد للّه و انهزم عدوکم من عموم ساحات القتال التی نازلکم فیها، بفضل ثبات و جهاد جندکم الباسل الصادق الأمین و صبرتم یا أهل هذه البلاد معی علی الکوارث و شارکتمونی فی ویلاتها مشاقها و شقاقها و حسائرها مما جعلنی مدیونا لواجبکم إلی الممات و مسارعا لإزالة هذه الحالة السیئة التی سببها حرب العدو الذی لا ناقة له فیها و لا جمل، و بعد أن حاولت قطعها لکل الوسائل السلیمة و لم یرد عدوکم إلّا أنه تملککم و یغتصب بلادکم و یقضی علی استقلالکم صممت علی التجاوز علی عدوکم، لإخراجه من بلادکم و قطع دابر هذه الحرب التی جعل البلاد فی حالة البؤس و الشقاء، و لکن نفذ کل ما فی الید من المال مما أملکه و أعنتمونی و جلالة والدی به و استهلک کلما فی القدر و المستطاع، و لم نجد مساعدا علی دفاعنا عن أوطاننا و بلادنا و حرم
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 285
اللّه المقدس و قبر نبیه الشریف مما حل بها لا بالمال و لا بالعمل بقوله تعالی: وَ إِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ اقْتَتَلُوا [الحجرات: 9]، إلی أن آل الأمر الذی أعجزنی عن إتمام واجبی أمام اللّه و أمامکم و أمام جندکم الباسل و أمام بلادی العزیزة و وطنی الشریف المقدس.
فها أنا الیوم مضطر لأن أصرح لکم بأن لهذه الاعتبارات حبّا فی رفع ما سببته هذه الحرب من الضرر و الوبال علی البلاد و حقنا لم تسببه إن طالت من سفک الدماء و الأنفس الغالیة و فتحا للباب الذی أوصد بسببها فی وجه الوفاد و القصاد، رجحت الإنسحاب من الحرب و دخلت فی مفاوضة تضمن السلام و تصون الحقوق لکم جمیعا، فکونوا علی معلوم فآمرکم و أرجوکم تطبیق کل ما جری علیها القرار و تنفیذه لحفظ السکینة و الحقوق العمومیة و الشخصیة، و إنی أرجوکم مستقبلا حمیدا و راجیا منکم الصفح عن الزلات و الخطأ و الهفوات، و إنی أشکرکم من صمیم فؤادی و خصوصا من وقف إلی الآن بهذه البلدة التی لها الصفحة البیضاء فی تاریخها المجید، بل الأمة العربیة أجمع. نشکرکم علی ثباتکم الشریف و دفاعکم الحمید و نضالکم الحسن دون استقلال بلادکم و تمتع شعبکم و تطلبکم فی قضیتکم المقدسة التی لا تنسی لکم بین دفتی التاریخ تلک القضیة التی ستبقی لکم لؤلؤة بیضاء تلمع فی جبین الدهر و جوهرة نقیة تضی‌ء فی تاج هذا النصر. و لن یضیع اللّه أجر من أحسن عملا. و قد شکلت حکومة مؤقتة أهلیة للنظر فی الأمور، یرأسها قائم مقام الشیخ عبد اللّه زنیل مع بقاء کبار جمیع الموظفین الأهلین. نسأله تعالی أن یلطف بنا و بعباده المسلمین فی مشارق الأرض و مغاربها إنه علی ما یشاء قد یرد و إنی أستودع اللّه و أودکم بعینه التی لا تنام و قد قمت بواجبی و اللّه ولیی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 286
و ولیکم فی کل حال و صلّی اللّه علی سیدنا محمد و علی آله و صحبه و سلم.
علی بن الحسین
و فی مساء الأحد عاد القنصل الإنکلیزی إلی السلطان و أخبره أن الشریف علی طلع إلی الباخرة و سافر إلی العراق، و أن وظیفته الإنسانیة انتهت. و فی صباح الاثنین قدم إلی المقر العالی المعتمد البریطانی و معه رئیس الملکیة و رئیس العسکریة، ثم تکلم المعتمد مع عظمة السلطان- و هذا خلاصته: إن المهمة الإنسانیة التی سعیت لها و هی التوسط فی حقن الدماء و قد انتهت، و إننی أقدم بصورة رسمیّة رئیس الملکیة و رئیس العسکریة لبکونا مسؤولین أمام عظمتکم، فأجاب عظمة السلطان شاکرا مثنیّا علی همة المعتمد التی بذلها فی هذا السبیل، ثم رجع المعتمد إلی جدة و أقام الرئیسان یتذاکران مع عظمة السلطان فی الترتیب الذی رتب من أجل ضبط جمیع ممتلکات الحکومة و الأشیاء و التابعة لها و انقضی ذلک النهار باستقبال الوفود التی قدمت من جدة لتهنئة عظمته، و لقد کان فی جملتهم الأشراف و العلماء و الأعیان و فی جملتهم بعض رجال دیوان الشریف علی کبار الموظفین عنده و فی صباح الثلاثاء من جمادی الثانیة أمر السلطان خالد بن الحکیم و حسن بک وقفی و عبد العزیز العتیقی و یوسف یاسین للدخول إلی جدة و المباشرة باستلام المهمات العسکریة و ترتیب إنفاذ الاتفاقیة التی وضعت من أجل الجنود و ضباطهم، و النظر فی الحالة العامة بالإجمال، و فی صباح الأربعاء 7 جمادی الثانی سار عظمة السلطان بمواکبه إلی جدة حتی وصل الکندرة و نزل هناک فی سرادق خاص قد أعد لاستقبال المستقبلین، و رفع العلم النجدی و أطلق مائة مدفع
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 287
و مدفع، و استقبله الأهلون و قناصل الدول و الجالیات الأجنبیة، و فی صباح الخمیس 8 منه دخل عظمة السلطان فی البلدة و نزل فی دار الفاضل الشیخ محمد نصیف و هرع له الأهلون أفواجا أفواجا لمقابلته، و ألقت الخطباء أمامه الخطب و الأناشید و قدم عظمته عن آرائه نحو البلاد و دعی الناس للوئام ثم نشر بلاغا عامّا هذا نصه:

بلاغ عام بسم اللّه الرّحمن الرّحیم‌

من عبد العزیز بن عبد الرحمن آل فیصل آل السعود إلی إخواننا أهل الحجاز سلمهم اللّه تعالی و السلام علیکم و رحمة اللّه و برکاته و بعد:
فإنی أحمد اللّه إلیکم وحده الذی صدق وعده و نصر عبده و أعز جنده و هزم الأحزاب وحده، و أهنئکم و أهنی‌ء نفسی بما منّ اللّه به علینا و علیکم هذا الفتح الذی أزال اللّه به الشر و حقن دماء المسلمین و حفظ أموالهم، و أرجو من اللّه أن ینصر دینه و یعلی کلمته و أن یجعلنا و إیاکم من أنصار دینه و متبعی هداه، إخوانی تفهمون أنی بذلت جهدی و ما تحت یدی فی تخلیص الحجاز لراحة أهله و أمن الوافدین إلیه إطاعة لأمر اللّه، قال جل من قال: وَ إِذْ جَعَلْنَا الْبَیْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ وَ أَمْناً وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِیمَ مُصَلًّی وَ عَهِدْنا إِلی إِبْراهِیمَ وَ إِسْماعِیلَ أَنْ طَهِّرا بَیْتِیَ لِلطَّائِفِینَ وَ الْعاکِفِینَ وَ الرُّکَّعِ السُّجُودِ [البقرة: 125] و قال تعالی: وَ مَنْ یُرِدْ فِیهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِیمٍ [الحج: 25].
و لقد کان من فضل اللّه علینا و علی الناس أن ساد السکون و الأمن فی الحجاز من أقصاه إلی أقصاه بعد هذه المدة الطویلة التی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 288
ذاق الناس فیها من الحیاة و أتعابها و لما منّ اللّه ما منّ من الفتح السلمی الذی کنا ننتظره و نتوخّاه أعلنت العفو العام عن جمیع الجرائم السیاسیة فی البلاد، و أما الجرائم الأخری فقد أحلت أمرها للقضاء الشرعی لینظر ما تقتضیه المصلحة الشرعیة فی العفو. و إنی أبشرکم بحول اللّه و قوته أن بلد اللّه الحرام فی إقبال و خیر و أمن و راحة. و إننی إن شاء اللّه تعالی سأبذل جهدی فیما یؤمن البلاد المقدسة و یجلب الراحة و الاطمئنان بها.
لقد مضی یوم القول و وصلنا إلی یوم البدء فی العمل، فأوصیکم و نفسی بتقوی اللّه و اتباع مرضاته و الحث علی طاعته، فإنه من تمسک باللّه کفاه و من عاداه و العیاذ باللّه باء بالخیبة و الخسران، إن لکم علینا حقوقا و لنا علیکم حقوقا فمن حقوقکم علینا النصح لکم فی الباطن و الظاهر، و احترام دمائکم و أعراضکم و أموالکم إلّا بحق الشریعة، و حقنا علیکم المناصحة و المسلم مرءآة أخیه، فمن رأی منکم منکرا فی أمر دینه و دنیاه فلیناصحنا فیه فإن کان فی الدین فالمرجع إلی کتاب اللّه و سنّة رسوله صلی الله علیه و سلم و إن کان فی أمر الدنیا فالعدل مبذول إن شاء اللّه للجمیع علی السواء إن البلاد لا یصلحها غیر الأمن و السکون، لذلک أطلب من الجمیع أن یخلدوا للرأفة و الطمأنینة و إنی أحذر الجمیع من نزعات الشیاطین و الإنس وراء الأهواء التی ینتج عنها إفساد الأمن فی هذه الدیار فإنی لا أراعی فی هذا الباب صغیرا و لا کبیرا، و لیحذر کل إنسان أن تکون العبرة فیه لغیره، هذا ما یتعلق بأمر الیوم الحاضر و أما مستقبل البلد فلا بد لنقریره من مؤتمر یشترک المسلمون جمیعا فیه مع أهل الحجاز لینظروا فی مستقبل الحجاز و مصالحها و إنی أسأل اللّه أن یعیننا جمیعا
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 289
و یوفقنا لما فیه الخیر و السداد و صلّی اللّه علی سیدنا محمد و علی آله و صحبه و سلم.
تحریرا بجدة فی 8 جمادی الثانیة سنة 1344 ه عبد العزیز بن عبد الرحمن الفیصل آل السعود
قد أتمت الهیئة التی عینها عظمة السلطان لاستلام ما فی جدة استلام العتاد الحربی، و وزعت علی الجنود و العساکر الخمسة آلاف جنیه التی وهبها السلطان لجنود الشریف علی و ضباطة، و قد سافر آخر جندی الذی کان من الجهة الجنوبیة صباح الخمیس 13 جمادی الثانیة، و یسافر آخر جندی الذی کان قادما من جهات الشمال فی 24 جمادی الثانیة، و أما الجنود و الضباط الذین کانوا من أهل البلاد فقد ذهب کل منهم إلی أهله و قد زار عظمة السلطان صباح الثلاثة 20 جمادی الثانیة مدرسة الفلاح فألقی طلابها بین یدیه بعض الخطب و الأشعار و الأناشید و تبرع عظمته لها بمائة جنیه و أمر للمعلمین و التلامذة بأربعة أکیاس من الأرز و عشرة خرفان من الغنم. و فی یوم الأربعاء تفقد بعض الدوائر الرسمیّة فزار دائرة الکمرک و الورشة و دائرة البرید و البرق و إدارة البلدیة و إدارة اللزتینات ثم دار الحکومة.

اللجنة الأهلیة

اختار عظمة السلطان بعد استشارة أرباب الرأی فی جدة أربعة عشر نفرا من القوم للنظر فی بعض مصالح البلدة، و هم مع حفظ الألقاب (الرئیس) القائم مقام عبد اللّه علی رضا (و الأعضاء) محمد نصیف و سلیمان قابل و أحمد المشاط و قاسم زنیل و محمد باعشن و عبد اللّه الترکی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 290
و أحمد باعشن و محمد ألماس کابلی و علی سلامة و محمد علی قابل و محمد هزازی و محمد صالح جمجوم و ناصر الترکی. و فی 21 جمادی الثانیة قدم عظمة السلطان من جدة إلی مکة فکان له استقبال عظیم و ألقیت بین یدیه الخطب و القصائد، ثم قرر أهل البلد أن یراجعوا عظمة السلطان فی أن یترک لهم حق تقریر مصیرهم و اختیار حاکمهم کما وعدهم به غیر مرة فأطلق لهم حریة القول و أمر بنشر بلاغ عام فی هذا الشأن و هذا نصه:

بلاغ عام بسم اللّه الرّحمن الرّحیم‌

إن الحمد للّه نحمده و نشکره و نصلّی و نسلّم علی خیر أنبیائه و أشرف مخلوقاته سیدنا محمد صلّی اللّه علیه و علی آله و صحبه و سلّم، أما بعد:
فلقد بلغ القاصی و الدانی ما کان من أمر الحسین و أولاده و أمرنا إلی أن اضطر و بالامتشاق الحسام دفاعا عن أرواحنا و أوطاننا، دفاعا عن حرمات اللّه و محارمه، و لقد بذلت النفس و النفیس فی سبیل تطهیر هذه الدیار المقدسة، إلی أن یسر اللّه الکریم بفضله فتح البلاد و استتاب الأمن فیها، و لقد کانت عزیمتی منذ باشرت العمل فی هذه الدیار أن أنزل علی حکم العالم الإسلامی و أهل الحجاز رکن منه فی مستقبل هذه الدیار المقدسة، و لقد أذعت الدعوة للمسلمین عامة غیر مرة أدعوهم لعقد مؤتمر إسلامی یقرر فی مصیر الحجاز ما یری فیه المصلحة، ثم عززت ذلک بدعوة عامة و خاصة فأرسلت کتابا للحکومات و للشعوب الإسلامیة فی 10 ربیع الثانی سنة 1344 ه، و قد نشر ذلک الکتاب فی سائر صحف العالم و مضی علیه ما یزید عن الشهرین لم أتلق علی دعوتی جوابا من أحد ما عدا جمعیة
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 291
الخلافة فی الهند، فإنها بارک اللّه فیها عملت و تعمل کل ما فی وسعها لراحة الحجاز و هنائه. و لما انتهی الأمر فی الحجاز إلی هذه النتیجة التی نحمد اللّه علیها جاءنی أهل الحجاز جماعات و وحدانا یطلبون منی أن أمنحهم حریتهم التی وعدتهم بها فی تقریر مصیرهم فلم یسعنی أمام طلباتهم المتکررة إلّا أن أمنحهم هذه الحریة لیقرروا فی شأن بلادهم ما یشتهون بعد ما ظهر من العالم الإسلامی هذا الصد و الإعراض عن مثل هذه القضیة الهامة إِنْ أُرِیدُ إِلَّا الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَ ما تَوْفِیقِی إِلَّا بِاللَّهِ عَلَیْهِ تَوَکَّلْتُ وَ إِلَیْهِ أُنِیبُ [هود: 88].
22 جمادی الثانیة سنة 1344 ه عبد العزیز بن عبد الرحمن الفیصل آل السعود
و بعد ما نشر البلاغ نشطوا للعمل و خابروا إخوانهم من أهل جدة فی الأمر فأرسلوا وفدا منهم کان فیه حضرات الأفاضل عبد اللّه رضا و محمد مضیف و قاسم زنیل و سلیمان زنیل و محمد باعشن و حمزة جلال و محمد حسن قابل و عبد السلام رضوان و محمد صالح نصیف و عمر محمد نصیف و أبو بکر عیسی و أحمد بادکوک و محمد ألماس و محمد صالح جمجوم و علی سلامة و محمد الهزاری و عبد اللّه الترکی و عبد الرحمن شیخ محلة الیمن و شیخ المظلوم و أحمد حماد و سعید باخشوین و فی مساء الخمیس 22 جمادی الثانیة سنة 1344 ه قدم أهل مکة لعظمة السلطان صورة البیعة و هذا نصه:

بسم اللّه الرّحمن الرّحیم‌

الحمد للّه وحده و الصلاة و السلام علی من لا نبی بعده، نبایعک یا
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 292
عظمة السلطان عبد العزیز بن عبد الرحمن الفیصل آل السعود علی أن تکون ملکا علی الحجاز علی کتاب اللّه و سنّة رسوله صلی اللّه علیه و سلم و ما علیه الصحابة رضوان اللّه علیهم و السلف الصالح و الأئمة الأربعة رحمهم اللّه، و أن یکون الحجاز للحجازیین و أن أهله هم الذین یقومون بإدارة شؤونه، و أن تکون مکة المکرمة عاصمة الحجاز و الحجاز جمیعهم تحت رعایة اللّه ثم رعایتکم- و قد رفعوا مع کتاب البیعة الکتاب الآتی:-
حضرة صاحب العظمة السلطانیة أیده اللّه تعالی المعروض إلی عظمة السلطان الموفق و المعان إنه قد اجتمع الداعون الموقعون أدناه من أهل الحل و العقد بمکة المکرمة و تذاکروا فی الأمر و قابلوا بارتیاح کل ما جری بین عظمتکم و بین الهیئة المتمثلة فی مجلسکم العالی صباح أمس من خیرة الأهلین، و بمناسبة اهتمامهم بذلک و مزید بشرهم به سارعوا جمیعا إلی تقریر عقد البیعة علی المنوال المسطور أعلاه، راجین أن ینزل ذلک من رغبات عظمتکم منزلة القبول و أن تتفضلوا بتتویجه بالإشارة السلطانیة لیکمل لهم مقصدهم التوحید بحصول رضائکم العظیم مسترحمین الإنعام علیهم بتعیین عقد البیعة، و اللّه یدیم بالتوفیق أیام دولتکم 19 جمادی الثانیة سنة 1344 ه.
عبد القادر الشیبی، حسن عدنان، محمد المرزوقی، أبو حسین، محمد سعید أبو الخیر، عبد اللطیف عالم، محمد شرف رضا، محمد علی کتبی، حسین بن عبد العزیز رئیس، عمر جان، أحمد مفتی، عبد الرحمن بشناق، صالح سطا بکری قزاز، عبد اللّه حمدوه، عبد اللّه أحمد زواوی، عمر علی بوقری، محمد عرابی سجینی، عایش ریس، محمد نور عقیل عیدروس بن عقیل السقاف، عمر أحمد فقیه، محمد
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 293
فقیه، محمد نور فطانی، صدقة عبد الجبار، عبد اللّه باسلام، أحمد أمین سراج، محمود شلهوب، عبد الرحمن، محمد یاسین، محمد علی خوقر ..
و قد وقع عظمة السلطان علی صورة البیعة بما یأتی:
بسم اللّه الرّحمن الرّحیم
من عبد العزیز بن عبد الرحمن آل فیصل إلی إخواننا الموقعین أسماءهم سلام علیکم. و بعد فقد أجبناکم إلی ما طلبتم و نسأله سبحانه و تعالی المعونة و التوفیق للجمیع.
22 جمادی الثانیة سنة 1344 ه الختم الملکی‌

حفلة البیعة

و فی 25 جمادی الثانیة بعد صلاة الجمعة اجتمع الناس فی المسجد الحرام عند باب الصفا حیث فرشت الطنافس و أعد مجلس خاص لعظمة السلطان و أقیم منبر أمام مجلس للخطیب و لم تأزف الساعة السابعة و الثلث حتی أقبل الموکب السلطانی و أخذ عظمة السلطان مکانه فاعتلی المنبر الشیخ عبد الملک میرداد و تلی هذا الخطاب:

بسم اللّه الرّحمن الرّحیم‌

أحمد رب هذا البیت العظیم و أشکر اللّه علی ما أنعم علینا و تکرم سبحانه و تعالی و منّ علینا بنعم لا تحصی و منن لا تستقصی، أبدل خوفنا بالأمن العام، و أمرنا بالتآلف و التعاضد و الوئام، فأحمده جل و علا حمد
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 294
عبد یعرف مقدار نعمته، و أشکره شکر من تدارکه اللّه بإزالة نقمته.
أیها الإخوان إن اللّه سبحانه و تعالی قد أنعم علینا بالأمن بعد الخوف و بالرضاء بعد الشدة، و قد انقشعت عنا غمة الحروب و العناء و أقبلت علینا بفضل اللّه عز و جل أوقات المسرة و الهناء و قد توحدت الکلمة بحول اللّه و قوته و تعطفت علینا عظمة هذا السلطان المحبوب بقبول البیعة المشروعة الواجبة علینا بعد طلبنا لها من عظمته، و ها أنا أذکر لکم صورة البیعة مع القبول حرفیّا.
[و تلی ما ذکرناه قبل هذا] و لما وصل الخطیب إلی تلاوة نص البیعة باشرت قلاع مکة إطلاق المدافع إعلانا لتلک البیعة فأطلقت مائة مدفع و مدفع، و ما انتهی الخطیب من خطبته حتی هرع الناس للمبایعة، و قد کان ترتیب المبایعة علی الشکل الآتی الأشراف، فشیخ السادة، فالوجهاء و الأعیان، فالمجلس الأهلی، فالمحکمة الشرعیة، فالأئمة و الخطباء، فالمجلس البلدی، فأهل المدینة المنورة فأهل جدة فبقیة حدود الحرم فأتی رفیق و الزمازق فمشائخ الجاوة و أهل الحرف و مشائخ الحارات فأهل المحلات، و قد دامت حفلة المسجد الحرام ما یقرب من الساعة.
ثم بعد ذلک قام جلالة الملک و طاف بالبیت سبعا ثم شرف دار الحکومة و اجتمع هناک جمع کثیر من الناس و خطبوا خطبا متعددة، و بعد فراغهم من الخطب أقبل جلالة الملک علی الحاضرین فحمد اللّه و أثنی علیه ثم شرع یعضهم و یرشدهم و یدعوهم للاعتصام بکتاب اللّه و إلی التوحید الخالص و بالغ فی ذلک ثم انفض المجلس و توجه جلالة الملک إلی منزله راکبا سیارته، و فی المساء دعا لمجلسه الملکی أعضاء المجلس
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 295
الأهلی و الوفد الذی قدم من جدة و بعض أهل الوجاهة من أم القری و لما اکتمل مجلسهم الساعة الثانیة و النصف قال لهم جلالته ما ملخصه، إننا الیوم فی أوقات العمل و فی ساعات التأسیس و لا یستقیم الأمر إلّا بالتدبیر، و أمامنا عدو و صدیق ینظرون إلینا فإذا لم نضع لنا أساسا متینا بینا ضاعت أمورنا، و قد أعددت لکم مواضیع هامة للنظر فیها و تقریرها و أنتم أرباب الرأی و الفکر فی بلادکم.
أمر جلالته الدکتور عبد اللّه الدملوجی یتلو علی الجمیع البیان الملوکی فتلا علیهم .. و هذا نصه:
المطلوب أن یشکل من مندوبی مکة و جدة هیئة تسمی هیئة تأسیسة ینضم إلیها مندوبو باقی بلدان الحجاز لیبحثوا فی المسائل الآتیة:
1- وضع اسم رئیس حکومة الحجاز.
2- وضع ترتیب لتحدید العلاقات بین نجد و الحجاز.
3- تعیین شکل الحکومة و وضع أساسات لتشکیلاتها الداخلیة و البحث فی الموقف الذی یجب أن یکون للحجاز و الوجهة الدولیة.
4- تعیین شکل العلم و النقود.
و قد تداول الحاضرون النظر فی هذه المسائل الهامة فقرروا فی المسألة الأولی أن یلقب رئیس حکومة الحجاز ملک الحجاز و سلطان نجد و ملحقاتها ثم قرروا إحالة المسائل الأخری للهیئة التأسیسیة حضرها واحد و خمسون عضوا من جهات مختلفة من بلدان الحجاز و قد تذاکروا طویلا .. ینوع الجمعیة التأسیسیة و صلاحیتها و تقریر نظامها، فتقرر أن یعقد اجتماع آخر بعد عصر الیوم الثانی (الأحد) لانتخاب لجنة خاصة
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 296
لوضع البرنامج، الأساسی لعرضه علی الهیئة العامة لتقریرة ثم رفعه لجلالة الملک لینظر فیه و یقرره، و فی الیوم الثانی اجتمع الأعضاء و قرروا أن یکون أعضاء اللجنة ثمانیة أفراد، یکون انتخابهم بالاقتراع السری، و بعد إجراء الانتخاب حاز الأکثریة حضرات الأفاضل الآتیة أسماؤهم: علی کنبی، صالح شطا، محمد نصیف، محمد المرزوقی، محمد سعید أبو الخیر، الشریف عدنان حسین باسلامة، محمود شلهوب و قد أمر جلالة الملک بعد ذلک أن یرأس هذه اللجنة الشیخ عبد القادر الشیبی و أن یضاف إلیها عبد اللّه الدهلوی و الشریف حسین عدنان و سلیمان قابل و ماجد الکردی و عبد اللّه زینل و قد جاءت برقیات من المدینة و من ینبع و من وجه و علا علی مبایعتهم للإمام عبد العزیز مالک علی الحجاز و وردت برقیات التبریک و التهانی من کل الجهات ...

إعلان البیعة فی جدة

قد تقرر أن تکون حفلة إعلان ملکیة الحجاز بجدة فی الساعة الثامنة من النهار یوم الاثنین 26 جمادی الثانی فی دار الحکومة، فبعد ما اجتمع الناس علی اختلاف طبقاتهم فی الوقت الموعود، و فیهم طلاب المدارس وقف قاضی جدة و دعا دعاء بلیغا بتوفیق جلالة الملک و تأییده، ثم تقدم خالد بن الحکیم و تلا بلاغ جلالة الملک (و هذا نصه):
من عبد العزیز بن عبد الرحمن الفیصل آل السعود ملک الحجاز و سلطان نجد و ملحقاتها إلی کافة من یسمع کتابنا هذا و یراه و السلام علیکم و رحمة اللّه و برکاته، و بعد فقد عینا نائبنا عنّا لیقوم بإعلان ملکیتنا للحجاز فی جدة نسأل اللّه أن یتولانا جمیعا بتوفیقه إنه ولی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 297
التوفیق. ثم تقدم الدکتور عبد اللّه بک و تلی الخطاب هذا نصه:
أیها السادة أحمد إلیکم اللّه بما هو أهله و أصلّی علی النبی العربی سیدنا محمد و علی آله و صحبه و سلم، أما بعد: فإنه لما منّ اللّه علینا و علی هذه البلاد المقدسة من إنهاء أیام الکوارث و المحن فیها قد أجمع أهلها علی مبایعة سیدی و مولای عبد العزیز بن عبد الرحمن الفیصل آل السعود ملکا شوریّا علی بلاد الحجاز، و بایعوه البیعة الشرعیة العامة، فی المسجد الحرام الساعة السابعة و النصف من یوم الجمعة الواقع 23 جمادی الثانیة سنة 1344 ه الموافق 8 ینایر سنة 1926 م، و قد قبل مولای هذه البیعة متوکلا علی اللّه جلّ شأنه، و هو عازم بحول اللّه و قوته علی القیام بأعباء الحکم فی هذه الدیار المقدسة علی أساس الشریعة الإسلامیة الغراء، مع القیام مما تحتاج إلیه هذه البلاد و الإصلاحات الفنیة و توفیر أسباب راحة الآهلین و حجاج بیت اللّه الحرام و زوار نبیّه علیه الصلاة و السلام علی اختلاف مللهم و نحلهم، و تأمین رفاهیتهم و أمنهم، و اللّه ولی التوفیق، و صلّی اللّه علی سیّدنا محمد النبی الأمی و علی آله و صحبه و سلم. و فی الساعة العاشرة من النهار حضر معتمدو الدول و قناصلهم فی جدة و معهم رجال الجالیات الأوروبیة فی جدة، و لما استقر بهم المقام قام الدکتور عبد اللّه بک و تکلم بعض کلام یناسب المقام، ثم نهض قنصل إیطالیا فتکلم بالنیابة عن قناصل الدول و الجالیات الأوروبیة مهنئا حکومة جلالة الملک بهذا الیوم السعید و تمنی لجلالة الملک التوفیق و النجاح فی مهمته و أطلقت المدافع من الثکنة العسکریة مائة مدفع و مدفع إیذانا بإعلان البیعة:
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 298

رئیس حکومة مکة

صدر أمر جلالة الملک إلی نجله سمو الأمیر فیصل أن یتولی رئاسة الحکومة فی مکة، و یکون مع سموه مجلس استشاری مؤلف من الشریف حمزة العفر و الشیخ صالح شطا، و الشیخ عبد العزیز العتیقی، و قد استلم سموه زمام الأمور اعتبارا من صباح الأربعاء 28 جمادی الثانیة. ثم صدر الأمر الملکی بتعیین الشریف حسین عدنان و السید حسین نائب الحرم عضوین فی مجلس الأمیر فیصل فی دار الحکومة.

زیارة الملک للمدارس‌

زار جلالة الملک یوم الأربعاء الموافق 28 جمادی الثانیة، مدرسة الفلاح و مدرسة النجاح و المدرسة الفخریة و قد تبرع جلالته لمدرسة الفلاح بمائة جنیه و بعشرة ذبائح و بستة أکیاس رز، و منح النجاح و الفخریة کل واحدة منهما خمسین جنیها و ست ذبائح و أربعة أکیاس من الأرز.
و فی أواخر رجب سنة 1344 ه وصل جدة عدد من المهاجرین الذین کانوا قد ترکوا البلاد فی الأیام الأخیرة و فی جملتهم الشیخ یوسف قطان و عبد القادر غزاوی و غیرهم من رجال الحکومة السابقة.
و إزاء إعلان بیعة أهل الحجاز وردت عدة برقیات من جهات متعددة تسأل عن صحة ما وقع و عن أسبابه، فأرسل الجواب علی تلک الأسئلة بما مآله: إعلان أهل الحجاز ملکیتنا علی الحجاز صحیح، أما العهود المتکررة للعالم الإسلامی فلم نخلفها و قد دعونا العالم الإسلامی دعوات عامة و دعوات خاصة متکررة فلم یصل جواب من أحدهم فی تلبیة دعوتنا، و مع ذلک فإننا علی استعداد لقبول آراء العالم الإسلامی فی کل شأن له
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 299
مساس براحة الحجاج و الزوار و رفاهیتهم و إجراء أعمال الخیر فی الحجاز. أما السرعة فی أمر النداء لملکیتنا علی الحجاز فکنت أود من صمیم قلبی أن لو تأخر ذلک، و لکنا ألجأنا إلی ذلک مضطرین، فإن أهل الحجاز قاموا قومة رجل واحد یلزموننا بقبول البیعة، فطلبنا منهم التریث ریثما یجمع المسلمون أمرهم فأجابوا بأنک أعطیتنا الحریة فی اختیار حاکم لنا لا یشارکنا فیه أحد و نحن لا نبغی بک بدیلا، و مع ذلک توقفت فی الجواب، فبلغ أهل نجد توقفی فقامت قیامهم علیّ أعلنوا لی أن حربهم الحجاز لم یکن، إلّا لحفظ استقلال الحجاز و منع أی تدخل أجنبی فیه، و لتکون کلمة اللّه هی العلیا، و لیعمل فی هذه الدیار بکتاب اللّه و سنّة رسوله، و لتأمین الطرق و منع الإلحاد فی الحجاز و هذا ما وعدتنا به و أن توقفک عن قبول البیعة، یجعلنا نعتقد بأنک لم تقاتل إلّا لأغراضک و لا تسعی لاستقلال الحجاز، و إنک إذا لم تقبل البیعة فقد فعلت معصیة، و لا طاعة لمخلوق فی معصیته الخالق، فإزاء هذا الموقف الحرج الذی یتوقف علیه أمن الحجاز فی الحالة الحاضرة و استقرار الأمر فیه لم أجد بدّا من تلبیة ما دعیت إلیه، و إلا کانت فتنة لا نعرف نتائجها، فقلبت متوکلا علی اللّه، و إنی لا أزال علی عهدی من رعایة ما للمسلمین من الحقوق المشروعة فی هذه الدیار المقدسة و اللّه ولی التوفیق.

الاعتراف بملکیة الحجاز و سلطنة نجد و ملحقاتها اعتراف السوقییت‌

ورد علی جلالة الملک بتاریخ 3 شعبان 1344 ه، من معتمد و قنصل جنرال حکومة اتحاد الجمهوریات السوقییت بجدة الکتاب الآتی:
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 300
صاحب الجلالة ملک الحجاز و سلطان نجد و ملحقاتها الأفخم- بعد التحیة و التوقیر استنادا علی أمر حکومتی، أتشرف أن أبلغ جلالتکم أن حکومة اتحاد الجمهوریات السوقییت بموجب المبدأ الأساسی نحو استقلالیة و حریة الأمم و احتراما لإرادة أهل الحجاز التی ظهرت فی مبایعتهم لجلالتکم ملکا للحجاز، نعترف بجلالتکم ملکا للحجاز و سلطانا لنجد و ملحقاتها، فعلیه حکومة السوقییت تعد نفسها فی الحالة المناسبة السیاسیة الملائمة مع حکومة جلالتکم و ختاما تفضلوا بقبول عظیم توقیراتی و احتراماتی:
3 شعبان سنة 1344: 16 فبرایر سنة 1926
معتمد و قنصل جنرال حکومة اتحاد الجمهوریات السوقییت بجدة کریم حکیم‌

اعتراف بریطانیة

فی صباح أول مارس ورد من نائب معتمد و قنصل بریطانیا بجدة وکیل القنصل لجلالة الملک و الکتاب الآتی:
جدة فی أول مارس سنة 1926 م جلالة ملک الحجاز و سلطان نجد:
بعد، إبداء عظیم الاحترام أتشرف بأن أخبر جلالتکم أنی قد کلفت من قبل حکومة جلالة ملک بریطانیة أن أعرف جلالتکم بأن حکومة جلالة الملک تعترف الآن بجلالتکم ملکا علی الحجاز، علی أنه یقتضی لی أن أضیف علی ذلک أنه بینما تعترف حکومة جلالة الملک بسلطتکم علی الحجاز تداوم علی اعتبارها بأن أسلوب الحکم فی الأماکن المقدسة الإسلامیة و جمیع المسائل الدینیة المتعلقة بذلک و هی من المسائل التی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 301
تختص بالمسلمین فقط و التی لا یجب علی حکومة جلالة الملک أن تبدی رأیا فیها، کما و أنها لا ترغب فی ذلک، و تفضلوا بقبول فائق التحیة، و عظیم الاحترام.
نائب معتمد و قنصل بریطانیة، بجدة وکیل قنصل جورادن‌

اعتراف فرنسا

قدم مساء الثلاثاء 7 شعبان قنصل فرنسا فی جدة إلی القصر العالی بجدة، و أخبر جلالة الملک بأنه تلقی برقیة من حکومته تأمره أن یبلغ جلالة الملک بأن حکومة الجمهوریة الإفرنسیة الفخیمة تعترف بجلالته ملکا علی الحجاز.

اعتراف هولاندا

فی صباح یوم الاثنین 1 رمضان سنة 1344 ه، ذهب للقصر الملکی فی مکة وکیل قنصل هولاندا و معه ترجمانه الخاص، و قدم لجلالة الملک کتابا خاصا من قنصل هولاندا فی جدة یخبر فیه بأنه تلقی من حکومة جلالة ملکة هولاندا اعترافا بملکیة جلالة الملک علی الحجاز و سلطانه علی السلطنة النجدیة و ملحقاتها.

اعتراف حکومة سویسرا

جاء لمدیر أم القری من إدارة المطبوعات البلاغ الآتی: ورد علی إدارة الشؤون الخارجیة من مندوب الحکومة فی سویسرا برقیة تفید بأن حضرة المندوب تسلم من عضو حکومة الاتحاد السویسری کتابا باسم إدارة شؤون خارجیته تعترف به حکومة الاتحاد السویسری بملکیة جلالة
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 302
الملک عبد العزیز بن عبد الرحمن الفیصل آل السعود علی الحجاز و سلطانه علی سلطنة نجد و ملحقاتها، و قد قابل مندوبنا ذلک الاعتراف بالشکر و الامتنان للحکومة السویسریة المتحدة، و ذلک فی شهر رجب سنة 1344 ه.
قدوم رؤساء القبائل الحجازیة إلی الملک و تعهدهم علی حفظ الطریق و غیر ذلک استدعی جلالة الملک جمیع رؤساء قبائل الحجاز من حرب و جهینة و بلی و خلافهم، و کان موعد اجتماعهم فی حضرته أواخر رجب سنة 1344 ه، فأتوا جمیعا فی الوقت المطلوب و قد قابلهم جلالة الملک فی منزله فوعظهم و نصحهم نصحا بلیغا ثم قسم لهم الطرق فی الحجاز إلی مناطق و حددها و تعهد کل فریق منهم ضمن الحدود التی التزمها أنه یحمل المسؤولیة عن قبیلته بأن کل عیب أو مخالفة یقع منه أو من واحد منهم فهو المسؤول عنه. اشترط علیهم جلالة الملک.
[أولا] أن یلتزموا شرائع الإسلام و یعملوا بها.
[ثانیا] أن یؤدوا ما فرض اللّه علیهم من الزکاة من جمیع ما أوجب اللّه الزکاة فیه من إبل أو غنم أو حبوب أو نخیل أو خلافها، یؤدونها إلی عامل جلالة الملک فی أوقاتها.
[ثالثا] الجهاد فی سبیل اللّه و أن یبادروا إلیه مع المسلمین متی ورد علیهم الأمر من جلالة الملک.
[رابعا] المحافظة علی عابری السبیل من حجاج أو جمال أو طرقی أو غیرهم، و أنه لیس لهم شی‌ء من الحقوق، لا علی الحجاج و لا غیرهم من عابری السبیل، و أن جمیع الحقوق السابقة باطلة و لیس لهم إلّا ما
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 303
یتفضل به علیهم جلالة الملک من بیت مال المسلمین علی عادته من أعطایته لرعایاه من غیرهم، و اشترطوا علی أنفسهم أن عدو المسلمین عدوهم و صدیق المسلمین صدیق لهم فإذا أتموا جمیع ما ذکر فلهم ما للمسلمین و علیهم ما علیهم و قد أعطوا علی ذلک عهدا للّه و أیمانه و أن الخائن علیه لعنة اللّه و أن یسلط اللّه علیه المسلمین، و قد أعطاهم جلالة الملک إذا أوفوا بما ذکر الأمان علی أنفسهم و أموالهم و أن لا یمشی فیهم، إلّا ما تأمر به الشریعة و أن یقوم بحقوقهم الواجبة فی جمیع الأمور.

انتظام لمنع تهریب البضائع من غیر دفع الرسوم‌

أبلغت الحکومة رؤساء القبائل الملتزمة بحمایة الطرق و مراقبة البضائع المهربة من السواحل بغیر دفع الرسوم الجمرکیة علیها، و عینت لکل جماعة حدودا جعلتهم مسؤولین عنها و عما یقع فیها، و قد کان تقسیم الحدود علی الشکل الآتی. فمن ضبا و شماله إلی حدود الوجه من الجنوب تکفل به أحمد أبو طقیقة، و من حدود الوجه إلی حدود أملج تعهد به ابن رفادة، و من أفلج إلی حدود ینبع تکفل به کبار جهنیة، و من حدود رابغ و شماله، إلی حدود جدة من جنوب تعهد به ابن مبیریک، و من جدة و جنوب إلی حدود اللیث تعهد به عطیة اللّه و سلیمان القرشی و الثعالبة، و تعهد بحدود اللیث أمیرها عبد العزیز بن هاشم، و تعهد بحدود القنفذة أمیرها صالح السلیم و رؤساء القنفذة.

و قد أمرت الحکومة الجمیع بما یأتی:

1- علی کل ملتزم مقاطعة من المقاطعات أن یراقب جمیع البضائع التی تهرب من المراسی الخارجة عن المدن و جمیع البضائع التی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 304
تهرب من المدن و لا یحمل أصحابها الکوشان الرسمی المطلوب.
2- إذا لاقوا شیئا من هذه الأموال المهربة علیهم أخذها لأقرب مرکز رسمی من مراکز الحکومة و تسلیمها مع أصحابه للحکومة.
3- إن کل من یقبض علی شی‌ء من الأموال المهربة و یسلمها للحکومة یعطی مکافأة له ربع البضائع التی یأتی بها.
4- إذا بلغت الحکومة أنه مر فی قطعة من المقاطعات الملتزم بضائع مهربة و لم یخبر الحکومة فیها فالحکومة تعطی المخبر قیمة ربع البضائع أولا و ثانیا یأخذ قیمة هذا الربع من الملتزم، و یجازی الملتزم بجزاء صارم یوازی عذره أو غفلته، ثم یعزل الملتزم من وظیفته و تبدله بمن هو خیر منه هذا ما یتعلق بمن التزموا محافظة الطرق، و أما الذین یهربون البضائع فتعلق الحکومة لهم أن کل من یهرب شیئا من الأموال من أی جنس کان سواء کانت داخلة البلاد أو خارجة منها و قبضت الحکومة علیه أو علمت به و تحققت ذلک فإنها تصادر جمیع المال و تحبس المهرب ستة أشهر و تمنعه من البیع و الشراء فی الحجاز.

القرارات الصادرة بشأن الحجاج فی رجب سنة 1344 ه

تعلن الحکومة أنه بعد البحث مع أهل الخبرة لتنظیم رفاهیة الحجاج و راحتهم تقرر وضع مهمة قیم للخدمات التی تؤدی للحجاج من قبل الجمیع، و قد روعی فیها مصلحة الفریقین، و الغرض من إعلانها أن یطلع علیها الجمیع فلا یعتدیها أحد، و إن الحکومة تنذر و تحذر کل موظف أو غیر موظف من تجاوز الحد الموضوع فی هذه التعریفة لأن العقبات عن تجاوزها هذه الحدود سیکون بمنتهی الشدة.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 305

و هذا نص ما تقرر

بارة/ جنیه/ ریال
مصری مجیدی
70 علی کل حاج دفع سبعین قرشا مصریّا أو ما یساویها من العملة، و ذلک رسم الکرنتینة و رسم الدخول و الخروج و یستوفی ذلک من شرکة البواخر.
1 مجیدی و نصف إکرام الوکیل و خدمة و حمالة الأمتعة من البیت إلی المبرز فی جدة.
1 مجیدی واحد أجرة السنبوک من خارج المینا.
15 خمسة عشر قرشا أجرة السنبوک من وسط.
بارة/ جنیه/ ریال/ جنیه
10 أجرة السنبوک من داخل عشرة قروش.
10 أجرة الحمال من السنبوک إلی البیت عشرة قروش.
20/ 2/ قرشان و نصف القرش أجرة البیت کل لیلة إلی ثلاث لیال، و ما زاد یدفع عنه ثلاثة قروش و نصف کل لیلة.
4 رسم البلدیة عن کل شقدف أربعة قروش.
6 ستة قروش أجرة الحمال من البیت إلی السنبوک عند الرجوع.
7 سبعة قروش للوکیل فی جدة عند الرجوع.
2 قرشان أجرة البیت فی جدة عند الرجوع.
1 قرش واحد أجرة البیت فی جدة عند الرجوع إذا زاد المبیت عن ثلاثة أیام هذا ما یتعلق بالرسوم و الأجور التی تؤخذ من الحجاج کافة علی السواء، و هناک
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 306
أجور خاصة رتبت بالنسبة لبعض الحجاج لم تشأ الحکومة أن تترکها فوضی بل قیدتها بما یأتی:
لحجاج جاوة
1/ 42 أربعة جنیهات و نصف تدفع عن کل حاج إیجار البیت و ضیافة مکة و عرفات و منی و نقل الأمتعة فی مکة و إکرام المشائخ و لماء زمزم، و تدفع هذه القیمة موزعة علی الجهات المذکورة کما هو متعارف و مقرر.
لحجاج الهنود و البنغالة
انه روبیة هندی
10 عشرة ربیات إکرام مطوف مکة.
12 اثنا عشر روبیة و نصف أجرة البیت عن کل نفر.
2 إکرام الزمزمی ربیتان.
2 أجرة خیمة لأیام الحج عن کل نفر ربیتان.
أما أجور الجمال فتقرر فی وقتها و تعلن.

قدوم وفد الإدریسی إلی مکة

و فی أوائل شعبان سنة 1344 ه وصل من السید حسن الإدریسی إلی مکة وفد برئاسة محمد بن هادی البغی لمقابلة جلالة الملک، و قد حل الوفد ضیفا علی جلالته و حظی بالمثول بین یدی جلالته و عرض علی جلالة الملک باسم السید حسن السمع و الطاعة لجلالته، و أنهم مستعدون لتلقی أی أمیر یأمرهم به فأجابهم جلالته بما خلاصته: أنه لا مطمع لنا فی دیارکم و لا أرید إلّا الإصلاح و تفهمون أم أمر بلدکم یهمنی لقربها من
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 307
حدودنا، و إن الإمام یحیی لیس بیننا و بینه إلّا الصداقة و الوداد، و الذی أری أن نسعی بینکم بالصلح و منع سفک الدماء. و أما الشروط التی ینبغی أن تکون بیننا و بینکم فإنها سنقدمها لکم لتحملوها للسید حسن حتی یتم الاتفاق علیها، و لیکن لدیکم معلوما أن لیس لنا غرض من الأغراض فی أی بلاد کانت إلّا لثلاث مسائل:
الأول: أن نکون إخوانا مسلمین نمشی علی کتاب اللّه و سنّة رسوله و ما کان علیه السلف الصالح و الأئمة الأربعة.
و الثانی: أن نتعاون علی البر و التقوی و نترک النزاع الذی یؤدی بنا إلی الخذلان.
و الثالث: أن نحفظ حدودنا و معاملاتنا و حقوق رعایانا، فالقادر علی ذلک یکون أحق ببلاده و العاجز عنه نتناظر معه فیما یصلح ذات البین و یمنع الشقاق. انتهی.

الصدقة المصریة لأهل الحرمین‌

قدم مکة المکرمة فی شهر رمضان المبارک سنة 1344 ه حضرة البکباش عبد الرحمن بک إبراهیم مساعد أمیر الحج المصری بمبلغ خمسة آلاف جنیه لتوزیعها علی فقراء الحرمین. و قد تعین ثلاثة آلاف جنیه لمکة و ألفان للمدینة المنورة و تشکلت لجنة من فضیلة الشیخ حافظ وهبة و من سعادة البکباش و من ناظر التکیة المصریة أحمد صابر بک و صالح حسن بک القائم بأعمال القنصلیة المصریة فی جدة و الدکتور عبد الهادی بک لتوزیع هذه الأموال، فانتخبت اللجنة من کل حی من أحیاء مکة المکرمة أشخاصا فقدموا کشوفا بأسماء العائلات المستحقین، فوزعوا علیها
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 308
و أرسلت ألفین جنیه إلی المدینة المنورة فتشکلت هناک أیضا لجنة و وزعت.

تشکیلات القضاء بیان الوظائف و أسماء القائمین بها

عیّن الأستاذ الشیخ عبد اللّه بن سلیمان بن بلیهد رئیسا للقضاء، و الشیخ محمد أمین فودة وکیلا للرئیس، و أحمد إبراهیم الغزی رئیسا لکتاب دیوان رئاسة القضاة، و الشیخ محمد بن علی التویجری کاتبا للفتوی، و الشیخ بکر بن عبد اللّه کمال کاتبا ثانیا للفتوی، و السید حسن داغستانی کاتبا لدیوان رئاسة القضاء و الشیخ محمد بن سالم عجیمی کاتبا ثانیا لدیوان رئاسة القضاء، و ثلاثة آخرون أحدهم رسولا و الثانی فراشا و الثالث بوابا. و أما القضاء فی مکة فکان علی الشکل الآتی: قاضی مکة المکرمة السید محمد المرزوقی أبو حسین حنفی و نواب قاضی مکة المکرمة السید عباس مالکی و الشیخ أحمد نافرین شافعی و الشیخ حسن عبد الغنی حنفی و وکیل النائب الحنبلی و رئیس کتاب المحکمة الشرعیة السید مرزوقی کتبی، و معاون رئیس کتاب المحکمة الشرعیة السید إبراهیم زواوی، و وکیل بیت المال الشیخ عرابی سجینی، و الکاتب الشیخ عمر جمال، و المسجل السید أحمد مالکی، و کاتب ضبط السید محمد کتبی، و الشیخ سراج بنا، و الشیخ عثمان بنا کتابا من الدرجة الأولی، و الشیخ عبد اللّه مالکی، و الشیخ یحیی کروی، و السید محضار بن عقیل، و الشیخ بابصیل کتابا من الدرجة الثانیة و ستة محضرین و فرّاش و بوّاب.
و فی شهر رمضان المبارک سنة 1344 ه سافر الشیخ عبد اللّه بن
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 309
بلیهد رئیس القضاة إلی المدینة المنورة لزیارة مسجد الرسول علیه الصلاة و السلام و الصلاة و النظر فی بعض الشؤون الدینیة و القضائیة هناک، و لما وصل هناک اجتمع بعلمائها و تباحث معهم فی أمور کثیرة ثم وجّه فضیلته لعلماء المدینة بعض أسئلة أجابوا علیها- و هذا نص الأسئلة و أجوبتها.

بسم اللّه الرّحمن الرّحیم‌

ما قول علماء المدینة المنورة زادهم اللّه فهما فی البناء علی القبور و اتخاذها مساجد هل هو جائزا أم لا؟ و إذا کان غیر جائز بل ممنوع منهی عنه نهیا شدیدا فهل یجب هدمها و منع الصلاة عندها أم لا؟ و إذا کان البناء فی سبله کالبقیع و هو مانع من الانتفاع بالمقدار المبنی علیه فهل هو غصب یجب رفعه لما فیه من ظلم المستحقین منعهم استحقاقهم أم لا؟ و ما یفعله الجهّال عند هذه الضرایح من التمسح بها و دعائها مع اللّه و التقرّب بالذبائح و النذر بها و إیقاد السرج هل هو جائز أم لا؟ و ما یفعله عند حجرة النبی صلی اللّه علیه و سلم من التوجّه إلیها عند الدعاء و غیره و الطواف بها و تقبیلها و التمسّح بها؟ و کذلک ما یفعل فی المسجد الشریف من الترحیم و التذکیر بین الأذان و الإقامة و قبل الفجر و یوم الجمعة هل هو مشروع أم لا؟ أفتونا مأجورین و بیّنوا لنا الأدلة المستند إلیها، لا زلتم ملجأ المستفیدین.
الجواب: نقول و باللّه التوفیق أما البناء علی القبور فهو ممنوع إجماعا لصحة الأحادیث الواردة فی منعه، و لهذا أفتی کثیر من العلماء بوجوب هدمه مستندین علی ذلک بحدیث علی رضی اللّه عنه أنه قال لأبی الهیاج: أبعثک علی ما بعثنی علیه رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم «ألا تدع تمثالا إلّا طمسته و لا قبرا مشرفا إلّا سویته». رواه مسلم، و أما اتخاذ القبور مساجد
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 310
للصلاة فیها فممنوع مطلقا، و إیقاد السرج علیها ممنوع أیضا، لحدیث ابن عباس «لعن رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم زائرات القبور و المتخذین علیها المساجد و السرج». رواه أهل السنن. و أما ما یفعله الجهّال عند الضرائح من التمسح و التقرّب لها بالذبح و النذر و دعاء أهلها مع اللّه فهو حرام ممنوع شرعا لا یجوز فعله أصلا. و أما التوجّه عند حجرة النبی صلی اللّه علیه و سلم عند الدعاء فالأولی منعه کما هو معروف من معتبرات کتب المذهب، و لأن أفضل الجهات جهة القبلة، و أما الطواف بها و التمسح بها و تقبیلها فهو ممنوع مطلقا، و أما ما یفعل من التذکیر و الترحیم و التسلیم فی الأوقات المذکورة فهو محدث، هذا ما وصل إلیه فهمنا السقیم و فوق کل ذی علم علیم.
وکیل رئیس القضاة و أمین الفتوی بالمدینة المنورة:
محمد شویل
نائب القاضی و مفتی المالکیة:
محمد صادق العقبی
قاضی المدینة المنورة:
إبراهیم بری
نائب القاضی و مفتی الشافعیة:
السید زکی برزنجی
وکیل مفتی الحنابلة و نائب القاضی، مدرس، نائب الحرم:
حمیدة بن الطیب، الفاهاشم مدنی، محمد الأخمیمی الأزهری، مغربی مدنی، محمد العمری، محمد بن
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 311
ترکی، محمد صقر أحمد بساطی، عمر کردی، أحمد کماخی، المیلود بن أبی بکر، محمد البشیر أخو الفاهاشم، الطیب التومبوکتی، خلیل الفلاتی صدیق سعید، محمود شعبان.

الدعوة للمؤتمر الإسلامی‌

و فی شهر رمضان سنة 1344 ه أرسل جلالة الملک البرقیة الآتیة إلی ملک مصر و ملک الأفغان و للجمهوریة الترکیة و لشاه إیران و لملک العراق و للأمیر عبد الکریم أمیر الریف و للإمام یحیی و لرئیس المجلس الإسلامی الأهلی فی القدس و لرئیس جمعیة الخلافة فی بومبای و لجمعیة الحدیث فی أمر تسر و لجمعیة العلماء فی دهلی و لبائی تونس و لرئیس حکومة طرابلس الغرب، و للشیخ بدر الدین الحسینی و للشیخ بهجت البیطار فی دمشق و للنظارة الدینیة المرکزیة فی بلدة أورفا من بلاد روسیا و إلی القاضی مصطفی شرشلی فی بلدة تیزی أوزو بالجزائر و لرئیس شرکة الإسلام فی بلدة جوکن کارنا من بلاد جاوا و للشرکة المحمدیة فی جاوا أیضا.

و هذا نص البرقیة

خدمة للحرمین الشریفین و أهلهما و تأمینا لمستقبلیهما و توفیرا لوسائل الراحة للحجاج و الزوار و إصلاحا لحال البلاد المقدسة من سائر الوجوه التی تهم المسلمین جمیعا و وفاء بعهودنا و وعودنا التی قطعناها علی أنفسنا و میلا منا فی تکاتف المسلمین و تعاضدهم فی خدمة هذه الدیار الطاهرة رأینا الوقت المناسب لانعقاد مؤتمر عام یمثل البلاد
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 312
الإسلامیة و الشعوب الإسلامیة یکون فی 20 ذی القعدة سنة 1344 ه، و قد أرسلنا الدعوة لکل من یهم أمر الحرمین من المسلمین و ملوکهم، و أملی أن مندوبیکم یکونون حاضرین فی التاریخ المحدود و اللّه یتولانا جمیعا بعنایته.
12 رمضان سنة 1344 عبد العزیز
و قد تقرر عقد المؤتمر فی قشلة جیاد فهیئت إدارة البلدیة الوسائل اللازمة لراحة الوفود و قد أعطیت التعلیمات اللازمة لحکومة جدة لتأمین راحة الوفود القادمین. و فی 15 ذی القعدة سنة 1344 ه وصل مکة وفد جمعیة الخلافة المؤلف من رئیسه السید سلیمان الندوی و أعضاؤه الزعیمین الشهیرین شوکت علی و محمد علی، و سکرتیر الوفد شعیب قرشی، و وفد جمعیة العلماء الهندیة المؤلف من مولوی کفایت اللّه رئیس الوفد و رئیس جمعیة العلماء فی دهلی و مستشاره الخاص مولوی عبد الحلیم صدیقی و مولوی أحمد سعید سکرتیر الجمعیة و أحد أعضاء الوفد و مولوی شبیرا بن أحمد من کبار علماء دیوبند، و محمد عرفان سکرتیر الوفد. و فی 22 ذی القعدة قدم الوفد الفلسطینی مکة و هو مؤلف من العلامة أمین الحسینی مفتی الدیار المقدّسة و رئیس المجلس الإسلامی الأعلی و الأستاذ الشیخ إسماعیل الحافظ وکیل مفتش المحاکم الشرعیة فی فلسطین و رئیس الکلیة الإسلامی، و عجاج أفندی نویهضی سکرتیر الوفد، و قدم أیضا الأستاذ الفاضل الشیخ بهجت البیطار أحد علماء السلف فی دمشق الشام و مندوب حیدر آباد و حضرة الصدر قاضی حیدر آباد الدکن و الأستاذ الشیخ موتر إبراهیم و الشیخ أبو القاسم أحمد هاشم شیخ العلماء
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 313
بالسودان، و الشیخ عبد الواحد الغزنوی من أهل الحدیث و توفیق بک الشریف.

افتتاح الجلسة للمؤتمر الإسلامی العام‌

فی یوم الاثنین الموافق 26 ذی القعدة سنة 1344 ه اجتمع الوفود صباحا فی قصر المؤتمر و فی الساعة شرّف حضرة جلالة الملک فدخل الحجرة الخاصة التی أعدّت لجلالته فاستراح قلیلا، ثم طلع إلی المؤتمر و جلس فی کرسی الرئاسة، و افتتحت الجلسة بتلاوة بعض آیات الکلام المجید و بعد الفراغ منها أودع جلالته خطابه الملوکی إلی صاحب الفضیلة الشیخ حافظ وهبة فتلاه و هذا نصه:

خطاب جلالة الملک الافتتاحی للمؤتمر الإسلامی بسم اللّه الرّحمن الرّحیم‌

الحمد للّه الذی هدانا لهذا و ما کنا لنهتدی لو لا أن هدانا اللّه.
و الصلاة و السلام علی سیدنا محمد رسول اللّه و آله و صحبه و من والاه. أما بد فإنی أحییکم و أرحّب بکم و أشکر لکم أجابتکم الدعوة إلی هذا المؤتمر. أیها المسلمون الغیورون لعل اجتماعکم هذا فی شکله و فی موضعه أول اجتماع فی تاریخ الإسلام و نسأله تعالی أن یکون سنة حسنة تتکرر فی کل عام عملا بقوله تعالی: وَ تَعاوَنُوا عَلَی الْبِرِّ وَ التَّقْوی وَ لا تَعاوَنُوا عَلَی الْإِثْمِ وَ الْعُدْوانِ [المائدة: 2] و بإطلاق قوله عز و جل: وَ أْتَمِرُوا بَیْنَکُمْ بِمَعْرُوفٍ [الطلاق: 6] إنکم تعلمون أنه لم یکن فی العصور الماضیة أدنی قیمة لما یسمی فی عرف هذا العصر بالرأی العام الإسلامی و لا بالرأی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 314
العام المحلی بحیث یرجع إلیه الحکام للتشاور فیما یجب من الإصلاح فی مهد الإسلام و مشرق نوره الذی عمّ الأنام، و قد تولّی أمر الحجاز دول کثیرة کان من خلفائها و سلاطینها من عنوا عمرا من العنایة ببعض شؤونه و منهم من أراد أن یحسن فأساء بجهله، و منهم من لم یبال بأمره البتة فترکوا الأمراء المتولین لإدارته بالفعل یلحدون فی الحرم و یفسدون فی الأرض و یظلمون السکان و الحجاج ما شاءت مطامعهم و أهواؤهم.
و قد تفاقم البغی و العدوان بعد زوال سیادة الدولة العثمانیة عن هذه البلاد و خلوص أمرها إلی الشریف حسین بن علی آخر أولئک الأمراء، فاضطرب العالم الإسلامی کله من استبداده و ظلمه، و من عجزه عن توطید الأمن فی البلاد و من جعلها تحت السیطرة الأجنبیة غیر الإسلامیة کما هو منصوص فی مقررات نهضته الرسمیة و فیما نشره فی جریدة القبلة و لدینا مما ترک من أوراقه الخاصة بخطه ما هو أدل مما ذکر علی جعل نفسه عاملا موظفا لبعض الدول الأجنبیة. و قد کنّا معشر النجدیین جیران الحجاز عرضة لبغیه و إیذائه لنا فی دیننا و دنیانا من رمی بالکفر و منع من أداء فریضة الحج و إغراء لبعض رعایانا بالخروج علینا و غیر ذلک مما لا محل لبسطه فی هذا الخطاب، فلما بلغ السیل الربی و ثبت بالتشاور بین أهل الحل و العقد عندنا أنه یجب علینا شرعا إنقاذ مهد الإسلام من بغیه و ظلمه عزمنا علی ذلک و توکلنا علی اللّه فی تنفیذه و بذلنا أموالنا و أنفسنا فی سبیله، فأیدنا اللّه بنصره و طهرنا البلاد المقدّسة من بغیه و بغی ولده.
کما عاهدنا اللّه و وعدنا المسلمین و کان مما وعدنا به و شرعنا فی تنفیذه الدعوة إلی عقد مؤتمر إسلامی و قد بینا فی کتاب الدعوة إلیه خطتنا و رأینا الشخصی فی حکومة الحجاز المستقبلة فلم یجبنی علی دعوتی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 315
الأولی أحد من المسلمین غیر بعض جمعیات إخواننا من مسلمی الهند، و لکن مع ذلک الإعراض لم أیأس من اهتمام المسلمین فی هذه الدیار المقدّسة فوجهت الدعوة الثانیة إلی عقد هذا المؤتمر.
أیها الإخوان إنکم تشاهدون بأعینکم و تسمعون بآذانکم ممن سبقکم إلی هذه للحج و الزیارة أن الأمن العام فی جمیع البلاد الحجاز حتی بین الحرمین الشریفین بدرجة الکمال التی لم یعرف مثلها و لا ما یقرب منها منذ قرون کثیرة، بل لا یوجد ما یفوقها فی أرقی ممالک الدنیا نظاما و قوة و للّه الفضل و المنّة، ففی بحبوحة هذا الأمن و الحریة التی لا تتقید إلّا بأحکام الشرع أدعوکم إلی الائتمار و التشاور فی کل ما ترون من مصالح الحجاز الدینیة و العمرانیة و النظم التی یطمئن بها العالم الإسلامی بإقامة شرع اللّه و التزام أحکامه و آداب دینه فی مهد الإسلام و مهبط الوحی، و تطهیره من البدع و الخرافات و الفواحش و المنکرات التی کانت فاشیة فیه بدون نکیر، و باستقلاله المطلق و سلامته من کل نفوذ أجنبی.
أدعوکم إلی تدارک کل ما قصّر فیه من قبلنا من المسلمین بترکهم وطن دینهم الذی بزغ منه نور الهدی و العرفان فی ظلمات حالکة من الجهل و فساد الأخلاق و الآداب، أدعوکم إلی النظر فی کل وسیلة لجعل حرم اللّه و حرم رسوله أرقی معاهد العلوم علما و عرفانا و خیر معاهد التربیة تهذیبا و أدبا و أکمل بلاد اللّه صحة و نظافة و أولی البلاد الإسلامیة بإحیاء دعوة الإسلام. کل شی‌ء یحتاج فی هذه البلاد إلی الإصلاح و حکومته و أهله فی أشد الحاجة إلی مساعدة العالم الإسلامی لهما علی هذا الإصلاح لأن فیه من یعلم ما لا یعلمون و یقدر علی ما لا یقدرون. أیها المؤتمرون الکرام إنکم أحرار الیوم فی مؤتمرکم هذا و لا تقیدکم حکومة
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 316
البلاد بشی‌ء وراء ما یقیدکم به دینکم من التزام أحکامه إلّا بشی‌ء واحد سلبی و هو عدم الخوض فی السیاسة الدولیة و ما بین بعض الشعوب الإسلامیة و حکوماتها من خلاف فإن هذا من المصالح الموضعیة الخاصة بتلک الشعوب.
إن المسلمین قد أهلکهم التفرّق فی المذاهب و المشارب فأتمروا فی التآلف بینهم و التعاون علی مصالحهم و منافعهم العامة المشترکة و عدم جعل اختلاف المذاهب و الأجناس سببا للعداوة بینهم وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِیعاً وَ لا تَفَرَّقُوا وَ اذْکُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَیْکُمْ إِذْ کُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَیْنَ قُلُوبِکُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً وَ کُنْتُمْ عَلی شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَکُمْ مِنْها کَذلِکَ یُبَیِّنُ اللَّهُ لَکُمْ آیاتِهِ لَعَلَّکُمْ تَهْتَدُونَ (103) وَ لْتَکُنْ مِنْکُمْ أُمَّةٌ یَدْعُونَ إِلَی الْخَیْرِ وَ یَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ یَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْکَرِ وَ أُولئِکَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104) وَ لا تَکُونُوا کَالَّذِینَ تَفَرَّقُوا وَ اخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَیِّناتُ وَ أُولئِکَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِیمٌ [آل عمران: 103- 105]. و أسأل اللّه عز و جل أن یوفقنی و إیاکم لإقامة دینه الحق و خدمة حرمه و حرم رسوله صلوات اللّه و سلامه علیه و التآلف بین جماعة المسلمین و الحمد للّه رب العالمین.
26 ذی القعدة سنة 1344
فلما انتهی فضیلة الأستاذ من إلقاء الخطاب الملوکی قام جلالة الملک و حیّا المؤتمرین قائلا نسأل اللّه تعالی التوفیق لنا و لکم و لکافة المسلمین و أن یکون هذا المؤتمر مسرا للصدیق و مکبتا للعدو و أن ینصر اللّه الإسلام و یعلی کلمته إلی یوم الدین و السلام علیکم جمیعا- فأجاب الجمیع و علیکم السلام- و انصرف جلالته مودعا بمثل ما استقبل به من الحفاوة و الإکرام.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 317

ذکر أسماء أعضاء المؤتمر الذین حضر هذه الحفلة

جمعیة الخلافة الهندیة الرئیس- السید سلیمان الندوی- أعضاؤه محمد علی شوکت علی شعیب قرشی.
[جمعیة العلماء الهندیة]: رئیس محمد حمید اللّه عبد الواحد کفایت اللّه، أعضاؤه:- أحمد سعید عبد الحلیم صدیقی شبیر أحمد ثمان-.
[جمعیة أهل الحدیث]: رئیس ثناء اللّه أعضاؤه:- الغندی، إسماعیل الفزنوی-.
[جمعیة الخلافة بوادی النیل] رئیس:- السید محمد ماضی أبو العزائم- أعضاؤه: السید کامل عثمان الغندی.
[من مصر] من علماء مصر: الشیخ عبد السلام هیکل، و الشیخ عبد الظاهر أبو السمح، و محمود علی منصور.
[عن جاوا] رئیس:- محمد سعید شکر و لومنیتو- أعضاؤه: حاج منصور محمد باقر جناب طیب.
[جمعیة الإرشاد الحاویة] عمر ناجی، محمد بن طالب-.
[الوفد الفلسطینی] رئیس:- أمین أفندی الحسینی، أعضاؤه:
إسماعیل أفندی، الحافظ عجاج أفندی نویهض.
[عن جمعیة بیروت] عبد الغنی أفندی الکعکی، حسن أفندی المکی.
[من سوریا] بهجت البیطار منح هارون.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 318
[من السودان] أبو القاسم أمین إبراهیم مدثر.
[الوفد النجدی] رئیس- الشیخ عبد اللّه بن بلیهد- أعضاؤه: حافظ وهبة، الدکتور عبد اللّه الدملوجی حمد الخطیب یوسف باسین.
[الوفد الحجازی] رئیس: الشریف شرف عدنان. أعضاؤه: الشریف هزاع أبو البطین، الشریف علی بن حسین الحارثی، عبد اللّه الشیبی، عبد اللّه الفضل، سلیمان قابل، مسعود دشیشة، عارف الأحمدی، إسماعیل بن بیریک، محمد نصیف بخیت بن بنیان، إبراهیم عایج محمد المغربی.
[و وفد عسیر] توفیق الشریف، محمد أبو زید، عبد العزیز العتیقی.

وفد مسلمی روسیا و ترکستان‌

رئیس- کشاف الدین بن قوام الدین- أعضاؤه: مصلح الدین بن خلیل، عبد الواحد بن عبد الرؤوف، مهدی بن مقصور، عبد الرحمن بن إسماعیل، طاهر إلیاس.
و انتخب فی هذه الجلسة رئیس المجلس الشریف شرف عدنان، ثم تتابعت الجلسات إلی 24 ذی الحجة حضر فیها جمیع الأعضاء المذکورین أسماؤهم و اشترک معهم السید رشید رضا و الأستاذ أمین بک الرافعی مندوبا عن جریدة السیاسة فی المؤتمر، و الأستاذ موسی جار اللّه: أحد أعضاء وفد مسلمی روسیا فی المدة الأخیرة و وفد الأفغان، رئیس:
جیلانی خان، أعضاؤه: عطا محمد خان عبد الصمد خان إسماعیل بک و وفد الترکی أدیب ثروة بک و مساعده حامد ظافر بک، و وفد مصری مؤلف من فضیلة الأستاذ الشیخ أحمد الظواهری رئیس معهد أسیوط
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 319
الدینی، و الأمیر آلای محمد أحمد بک مدیر إدارة الحج و الکرنتینات و الکسوة فی وزارة الداخلیة و أمین بک توفیق قنصل المملکة المصریة بجدة و مندوب الإمام یحیی السید حسین عبد القادر و مندوب السید الإدریسی، و قد ذکر فی جریدة أم القری فی عدد 82 و 83 خلاصة أعمال المؤتمر بعد ما ذکر أولا أعمال بالتفصیل فنذکرها هنا [خلاصة أعمال المؤتمر].

تقریر کاتب المؤتمر

ابتدأت أعمال المؤتمر بحضور من فی دعوة جلالة ملک الحجاز و سلطان نجد من وفود الحکومات المستقلة و ممثلی الشعوب الإسلامیة یوم الاثنین المبارک 26 ذی القعدة سنة 1344، و اجتمع الساعة الثانیة و الدقیقة الخامسة صباحا و اختتمت بخیر فی الساعة الثانیة من یوم الاثنین المبارک الموافق 24 ذی الحجة سنة 1344، و اجتمع المؤتمر خلال هذه المدة عشرین اجتماعا عقد بها ثمانیة عشر جلسة استغرقت من ساعات العمل 77 ساعة و 15 دقیقة و تفرغ لأداء فریضة الحج من الیوم السادس من ذی الحجة سنة 1344 ه و لم یعمل فی أیام الجمع إلّا یوم الجمعة الأخیرة. و قد سجلت أعماله فی مضابط الجلسات جمعت تفصیل ما کان من المناقشات و المباحث ملأت فراغ خمس صفحات بعد المائة من القطع الکبیر جدّا، کما سجلت خلاصات الجلسات جلسة جلسة فی سجل خاص ملأت فراغ ثلاثین صفحة، منه.
و قد تمثل فی المؤتمر من الممالک و الشعوب الإسلامیة الجمهوریة الترکیة و مصر و الأفغان و الیمن و الحجاز و نجد و عسیر و الهنود یمثلون فی ثلاثة وفود، الجاوا، و فلسطین و سوریا، و فیها بیروت و اللاذقیة و بعض
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 320
علماء السودان غیر المصری و مسلمو روسیا و الترکستان و الحکومة الإدریسیة، و کانت آخر من حضر. و قد حضر وفود الممالک المستقلة أخیرا علی الترتیب الآتی: الیمن فالأفغان فالأتراک فمصر بسودانها. و کان عدد الأعضاء ستین ثم وصلوا إلی السبعین ثم رجع إلی الخمسة و ستین بعد استقالة من کان فیه من المصریین الذین حضر منهم عن جماعة الخلافة بوادی النیل و من اختارهم جلالته بصفتهم مصریین، و قد سافر بعض الأعضاء أثناء العمل منهم حمید اللّه الدهلوی من الوفد الهندی و الشیخ عبد السلام هیکل المصری و محمود علی منصور کذلک، کما سافر أخیرا علماء السودان إلی المدینة المنورة.
و قد کان متوسط من واظب علی حضور الجلسات بنسبة 49 من ستة و عشرین من الأعضاء.
و قد تشکلت اللجان الآتیة:
1- لجنة تدقیق الوثائق المثبتة لصحة العضویة و قد أتمت عملها فی یومین.
2- لجنة لوضع النظام الداخلی النظام الأساسی، و قد أتمت عملها فی نحو ثمان جلسات انتهت فیها من وضع نظام یشتمل 32 مادة، و قد اعتبر هذا النظام الأساسی نافذا علی من أقروه و موقوفا بالنسبة لمن لم یحضروا عند بحثه و مناقشته. هذا و لما کان النظام الأساسی ینص علی وجوب انتخاب اللجنة التنفیذیة فی آخر المؤتمر و قد رأی العموم فی آخر جلساته أنه من سداد الرأی تأجیل انتخاب هذه اللجنة إلی ما بعد حتی یکون لدی حضرات المؤتمرین الوقت الکافی للتذاکر فی حسن الاختیار
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 321
قررت هیئة المؤتمر أن ترتب مادة استثنائیة فی النظام تخرج المؤتمر من القید السابق و هذا نص الذی استقر الرأی فی هذه السنة یؤجل انتخاب أعضاء اللجنة التنفیذیة و الکاتب العام ثلاثة أشهر، و تؤلف لجنة مؤقّتة من الرئیس و الشیخ حافظ وهبة و الشیخ عبد العزیز العتیقی و الشیخ سلیمان قابل و الشیخ محمد نصیف لتنفیذ الأعمال الضروریة مؤقتا و تنتهی وظیفتهم بوصول الأعضاء الستة و الکاتب العام أو أکثرهم. و یکون انتخاب الأعضاء علی الوجه الآتی: مهندس سکة حدید من ترکیا- معماری من مصر- خبیر مالی من الهند- اختصاصی للتربیة و التعلیم من سوریا و فلسطین- اختصاصی فی الأمور الصحیة و الحقوقیة من نجد و الحجاز و لا یحق لعضو اللجنة التنفیذیة أن یقوم بعمل آخر، أو وظیفة أخری و أن یقوم بوظیفة السکرتیر العام الأمیر شکیب ارسلان و إن لم یقبل فیعهد إلی لجنة مؤلفة من مولانا شوکت علی و السید رشید رضا و المیرالای مسیری بک و الشیخ عبد العزیز العتیقی و السید أمین الحسینی للإتفاق علی اختیار السکرتیر العام.
3- انتخب المؤتمر لجنة لفحص الاقتراحات، و قد کانت أکثر اللجنة أعمالا و قد نظرت من الاقتراحات ما یأتی بیانه و جملة الاقتراحات (51) اقتراحا (24) نظرتها اللجنة و عرضتها علی المؤتمر و أبدی رأیه فیها.
4- لم تعرض علی المؤتمر (3) تقرر تأجیلها (13) تقر حفظها و رفضها (7) لم تمض بعد علی اللجنة.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 322

الاقتراحات التی عرضت علی المؤتمر

المقترح/ الوفد/ المضمون/ القرار
أمین الحسینی/ فلسطین/ بخصوص الحال الصحبة/ الموافقة علیه و وقعه للحکومة
یوسف یاسین/ نجدی/ أوقاف الحرمین/ الموافقة علیه و وقعه للجنة التنقیذیة
عبد العزیز العتیقی/ عسیر/ أوقاف الحرمین/ الاکتفاء بما سبق
من کثیر مصیرین و هنود/ بخصوص التعلیم/ قبل و رفع إلی اللجنة التنفیذیة
محمد نصیف و آخرین/ حجازی/ إصلاح الحرم و دور للأیتام/ قبل و رفع إلی اللجنة التنفیذیة
الحسینی/ فلسطین/ استرجاع الخط
الحجازی الحدیدی/ قبل و رفع إلی اللجنة التنفیذیة
و الحکومیة/ أبو زید عسیر/ ذبائح النسک و آخر/ قبل و رفع إلی اللجنة التنفیذیة
للسکة الحدیدیة
الندری و شرکت علی/ الخلافة الهندیة/ سکة حدیدیة من مکة إلی جدة/ قبل و رفع إلی اللجنة التنفیذیة و الحکومة
شعیب قرش/ الخلافة الهندیة/ تحریم إعطاء امتیازات للأجانب/ قبل و رفع إلی اللجنة التنفیذیة
کفایت اللّه/ العلماء الهندیة/ التسامح الدینی/ قبل و رفع إلی اللجنة التنفیذیة بعد تعدیل
توفیق الشریف/ عسیر/ بتعدیل لجنة الاقتراحات/ تقرر صحة اجتماعها بوجود ستة منها
محمد علی/ الخلافة الهندیة/ بمقاومة الارتداد عن الإسلام/ قبل و رفع إلی اللجنة التنفیذیة
کفایة اللّه/ العلماء الهندیة/ الرمد/ تقرر أن تسعی حکومة الحجاز فی منع الرمد غیر الشرعی
أدیب ثروة/ ترکیا/ بخصوص تأجیل الصادقة/ فنقرر اعتبار القانون علی من
علی القانون الأساسی/ أقروه و موقوفا علی من لم یحضره
الوفد المصری/ مد سکة حدیدیة/ قبل و تقرر أن تنفذ تحت إشراف الحکومة المحلیة
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 323
المقترح/ الوفد/ المضمون/ القرار
الوفد المصری/ رغبات/ قبل و تقرر أن تنفذ تحت إشراف الحکومة المحلیة
الوفد الترکی الأفغانی/ بخصوص شؤون صحیة
و مسلمو روسیا/ و إصلاحات عمومیة/ قبل
ثناء اللّه/ أهل الحدیث/ بخصوص إدارة شؤون الحج/ قبل و رفع للحکومة
شعیب قرشی/ الصلاة فی الحرم/ قبل و رفع للحکومة
رشید رضا الندوی/ بخصوص منطقة العقبة و معان/ قبل و تقرر
شوکت علی/ المآثر/ أحیل لجنة من العلماء
بهجة البیطار/ المادة الثانیة من اقتراح/ قبل و أقره المؤتمر
(34) بخصوص تعلیم العربیة
الشیخ بن بلبهد/ بخصوص تحدید لرم
لانتهاء المؤتمر/ قرر یوم 24 من ذی الحجة
و أما باقی الاقتراحات فلأنها لم تعرض علی هیئة المؤتمر لم تکن ثم حاجة لتبیانها.
4- الهیئة العامة لجمع التبرعات و لمناسبة ما سبق تقریره فی مشروع مد خط السکة الحدیدیة الذی سیبدأ به من جدة إلی مکة و هو أن یکون مصدر نفقات هذا المشروع هو ما یتبرع به المسلمون من کافة أنحاء الأرض و أن یکون الخط الذی ینشأ و ما یتبعه من ملحقات وقفا إسلامیّا بحث المؤتمر فی کیفیة جمع هذه التبرعات و علی ید من و هل تؤلف بهذا
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 324
العمل لجنة خاصة أم ماذا، فتقرر بعد البحث و تبادل الرأی أن تکون هیئة المؤتمر نفسها هی الهیئة العامة لجمع التبرعات بحیث یتسنی لکل عضو أن یشکل لجنة فی الجهة التی هو فیها و یکون علی اتصال بالهیئة العامة التی تقرر أن یکون حضرة رئیس المؤتمر هو رئیسها العامل و قد تقرر بالإجماع أن یکون سمو الأمیر فیصل نجل جلالة الملک و نائبه رئیس شرف لهذه الهیئة العامة. و کان انتخاب هذه الهیئة هو آخر أعمال المؤتمر قام علی أثرها الرئیس و ألقی کلمته الختامیة و فی أواخر شوال سنة 1344 صدر بلاغ رسمی هذا نصه:

الدعوة لانتخاب المجالس الاستشاریة

امتثالا لأمر اللّه تعالی فی استشارة أهل الرأی و الخبرة و الرجوع إلی آرائهم فیما یهم من الأمور، و رعایة لحقوق الأمة و أداء للأمانة التی حملنا إیاها أمرنا بما هو آت:
1- یؤلف مجلس استشاری فی کل من مکة و المدینة و جدة و ینبع و الطائف للنظر فی المسائل الهامة المحلیة، و تکون هذه المجالس بالانتخاب بدرجة واحدة.
2- یؤلف مجلس مکة من عشرة أعضاء سوی الرئیس الذی تختاره الحکومة، و مجلس المدینة من ستة أنفار سوی الرئیس، و مجلس ینبع من أربعة أعضاء سوی الرئیس، و مجلس الطائف من أربعة أعضاء سوی الرئیس.
3- یؤلف مجلس عام یدعی بمجلس الشوری العام ینتخب أعضاؤه من قبل المجالس الاستشاریة المحلیة و یؤلف أعضاؤه من ثلاثة
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 325
عشر عضوا أربعة من مکة و إثنان من المدینة و إثنان من جدة و آخرین من ینبع و واحد من الطائف و ثلاثة من رؤساء العشائر.
4- للذین لهم حق الانتخاب هم طوائف العلماء و أعیان البلاد و التجار و رؤساء الحرف و المهن.
5- الأعضاء المنتخبون یجب أن تتوفر فیهم الشروط الآتیة و هی إجادة القراءة و الکتابة و حسن السیرة و عدم صدور أحکام مخلة بالدین و الشرف.
6- مدة عضویة هذه المجالس سنة واحدة.
7- علی نائبنا العام تنفیذ أمرنا هذا:
ملک الحجاز و سلطان نجد و ملحقاتها عبد العزیز

مجلس الشوری‌

قد انتخب بمجلس الشوری من أهل مکة حضرات الأفاضل الشریف شرف عدنان و عبد اللّه الشیبی، و حسین باسلامة، و ماجد الکردی و محمد الألفی، و عبد الرحمن الزواوی، و عبد الوهاب عطار، و من أهل المدینة الشیخ عبد الجلیل مدنی، و الشیخ سعید دشیشة، و من أهل جدة عبد اللّه الفضل، و سلیمان قابل. و قد صدر الأمر الملکی بإسناد رئاسة المجلس للشریف شرف عدنان.

قرار العلماء فی خصوص زیارة مقبرة المعلا

و فی 17 ذی القعدة سنة 1344 ه اجتمع علماء کل جنس و قرروا
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 326
فی خصوص زیارة مقبرة المعلا أمورا و وقعوا علیها و هذا نصّ القرار:

بسم اللّه الرّحمن الرّحیم‌

الحمد للّه رب العالمین و الصلاة و السلام علی خاتم النبیین و علی آله و صحبه أجمعین. أما بعد فقد اجتمع حضرات الموقعین فی ذیله و قرروا فیما بینهم بعد المذاکرة و المشاورة الأمرین الآتیین.
الأول: أن تؤلف لجنة من علماء نجد و الهند و مصر و جاوة و عددهم ثمانیة من کل قطر عالمان اثنان لیقفوا فی مقبرة المعلا و یعلّموا الناس الزیارة الشرعیة فیقتصروا علیها و ینهوا عما عداها من بدع الزیارة.
الثانی: أن یعرض علی ولی الأمر أن یوقف قسما کافیا من الشرطة لیمنعوا الناس من التعدی عن الزائرین و یحفظوا الأمن هناک، و قد قرروا أن یرفعوا هذا القرار الموقّع من حضراتهم إلی ولی الأمر، و کتب لیلة الثلاثاء فی 17 ذی القعدة الحرام سنة 1344 ه.

دعاء زیارة القبور

هذا دعاء زیارة القبور الذی کان النبی صلی اللّه علیه و سلم یقوله و یعلّم أصحابه إذا زار القبور، و هذا الدعاء من الصحصحین، و ورد عنه صلی اللّه علیه و سلم غیر ذلک فمن أتی بما صح عنه صلی اللّه علیه و سلم فقد أتی بالسنة: «السلام علیکم أهل الدیار من المؤمنین و المسلمین یرحم اللّه المتقدمین منا و منکم و المستأخرین و إنّا إن شاء اللّه بکم لاحقون أسأل اللّه لنا و لکم العافیة، اللهم لا تحرمنا أجرهم و لا تضلنا بعدهم و اغفر لنا و لهم».
محمد المرزوقی أبو حسین، عبد اللّه بن سلیمان بلیهد، محمد
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 327
الباقر، عبد اللّه بن حسن آل الشیخ، عبد العزیز بن عبد الرحمن آل بشر، محمد بن عبد اللطیف آل الشیخ، سلیمان الندوی، إسماعیل الغزنوی، محمد عبد التواب الملقانی بن نور الجاوی، عبد الواحد بن عبد اللّه الغنزوی، محمد ماضی أبو العزائم، عبد اللّه بن إبراهیم حمدوه، محمد أمین الحسینی، أبو الوفا ثناء اللّه، محمد بهجت البیطار، مدثر بن إبراهیم، عمر بن سلیمان بن ناجی، محمد بن عثمان الشاوی، محمد أمین فوده، محمد بن حسین ناصیف عبد الواحد القاری، محمد أبو زید أبو القاسم، أحمد هاشم، عبد الرحمن بن إسماعیل العمری، محمد کفایت اللّه، محمد رشید رضا.

أوقات زیارة القبور

من ساعة (11) إلی ساعة (3) صباحا و من ساعة (9) إلی الغروب مساء و أیام الجمعة من الفجر إلی الساعة الثالثة.
و فی شهر ذی القعدة صدر البلاغ الرسمی هذا نصه:
إن الحکومة لتحمد اللّه تعالی علی استتاب الأمن و الراحة فی هذه الدیار و قد أعلنت غیر مرة بالفعل و القول عن عزمها بالسیر فی إدارة هذه الدیار بالتی هی أحسن لما فیه مصلحة البلاد المقدسة و لکن نفرا من أتباع الحسین و أبنائه الذین أوقعوا الأذی فی هذه البلاد و کان الضریبة التی یضعها الحسین فی رقاب الناس لتعذیبهم لم یسرّهم ما آلت إلیه الحالة من أمن و سکون لأن أیدیهم أصبحت مغلولة عن ظلم الناس کما اعتادت من قبل فأخذوا یعملون لإحداث الفساد تحت إمرة و غایات خفیة، و قد اطلعت الحکومة علی أمرهم و علمت ما کانوا یعقدونه من اجتماعات سرّیة
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 328
و اتخاذ قرارات مضرّة و مخابرات مع أفراد مفسدین فی الخارج. و کانت الحکومة تعاملهم بالعفو و النصیحة فی کل مرة حتی حسبوا ذلک وهنا من الحکومة و ضعفا. فصیانة للأمر العام و محافظة علی الأمن و السکیة فی هذه الدیار و لا سیما فی أیام الحج التی تعمل الحکومة بجد لصیانة الأمن فیه فقد قبضت الحکومة علی المتهمین فی هذه الأعمال الإفسادیة و الذین توجهت إلیهم التهم بصورة جلیة و أبعدتهم إلی الطائف فی الوقت الحاضر حیث تجری محاکمتهم و تجازی کل إنسان بما یستحقه، و قد عثرت الحکومة علی کمیة من الأسلحة التی کانوا یخفونها و هذه أسماء المتهمین: محمد بن علوی السقاف. أحمد بن علوی السقاف. محمد التلم. صالح قزاز. جمیل مقادمی. عباس فقیها. علی عباس. عبد اللّه بن عشان. إبراهیم سقا. عبد القادر غزاوی. سعید حمد. حسین الصبان.
إبراهیم الرمل. عمر الصیرفی. عبد الحی قزاز. عبد الوهاب قزاز. علی هلیکة. یوسف مکاوی. خلیل غبرا. محمد العشر. صبحی طه.
عبد الکریم الخطیب. محمد العوفی. محمد سعید باخدلق. و کانت الحکومة ألقت القبض قبل القبض علی هؤلاء علی الشریف محسن بن منصور. و فی شهر صفر سنة 1345 ه صدر الأمر بإخراج اثنی عشر شخصا من المتهمین المذکورین من الحجاز و هم عباس فقیها. حسین الصبان. علی عباس. محمد العوفی عمر صالح صیرفی. محمد علوی السقاف. أحمد علوی السقاف. یوسف مکاوی. عبد الوهاب قزاز.
عبد الحی قزاز. صبحی طه محمد سعید باخدلق.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 329

قدوم الإمام عبد الرحمن الفیصل والد جلالة الملک لأداء فریضة الحج‌

و فی أول ذی القعدة سنة 1344 ه تحرک رکّاب الإمام عبد الرحمن من الریاض إلی مکة فی السیارة و کانت سیارته تمشی علی الهوین مع الرکب فوصل عشیرة صباح الأربعاء الثامن و العشرین من ذی القعدة و کان بمعیته إخوان جلالة الملک و صاحب السمو الأمیر محمد و الأمیر أحمد و الأمیر ساعد و الأمیر سعد، و قد خرج لاستقبال الإمام فی العشیرة جلالة الملک و أخوه الأمیر عبد اللّه و بعض أنجال جلالة الملک بالسیارات، و وصل مکة المکرمة فی الساعة الثالثة من مساء الجمعة فطاف و صلّی ثم سعی علی سیارته الخاصة ثم ذهب إلی مدرسة الداودیة المتصلة بالحرم و کانت قد هیئت لنزوله، و فی الصباح أقبلت وفود المهنئین تفد علی منزله العامر تحییه و تهنئه بسلامة الوصول.

حادثة منی الواقعة بین رکب المحمل المصری و بین النجدیین‌

توجه المحمل المصری من مکة مساء الثامن من ذی الحجة سنة 1344 ه قبل الغروب قاصدا عرفات و کان یحیط به بعض نفر من حرس جلالة الملک [...] الناس من المرور فی طریق المحمل لیکون رجال المحمل فی راحة من الزحام حتی بلغ آخر منی و نزل هناک، و کان النجدیون [...] کثرة قرب ذلک المکان. فشرع رجال الرکب تضرب الأبواق فلما وصل أصوات تلک الأبواق إلی مسامع النجدیین أقبل بعض منهم، إلی جهة المحمل ینکرون بألسنتهم ضرب الأبواق فردهم رجال
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 330
الحرس الملکی الخاص بعنف و شدة فلم ینتهوا، و کان ذلک قریبا من بهو جلالة الملک فأوصل الجند الخبر لجلالة الملک فأمر نائبه سمو نجله الأمیر فیصل السیر إلی محل المحمل لیمنع أی اعتداء هناک، و لکن سموه سار مسرعا بغیر أن یأخذ قوة معه فلما وصل المکان وجد بعض البدو یتنابذون ألفاظ السباب و یتبادلونها، و تجاوز بعضهم إلی رمی الحرس ببعض الحجارة، فطلب من رجال المحمل أن لا یتجاوزوا موقفهم و انکفأ علی البدو یعرفهم بنفسه لأن اللیل کان قد أقبل و یطاردهم بمن معه من حرسه و حرس جلالة والده و أرسل لجلالة الوالد یطلب منه زیادة علی ما معه ففی الحال أمر جلالة الملک أکبر أنجاله الأمیر سعود أن یذهب نجدة لأخیه بقوة من الجند.
و بینما الأمیر سعود یسرع بجمعه و الأمیر فیصل یکافح بنفسه و هو یهدی‌ء روع رجال المحمل لم یشعر الناس إلّا و الرصاص ینفذ من أفواه بنادق جنود المحمل، و وراء ذلک قنابل المدافع تضرب یمنة و یسرة و لو تریث رجال المحمل حتی تصل القوة لما أصابهم شی‌ء و لا وقع ما وقع هناک عظم الشر و قوة المحمل لا یزید عددها عن الأربعمائة جندی و عدد الذین کانوا هدفا لنیران حرس المحمل لا یقلون عن التسعین ألفا من الحجاج النجدیین و کلهم أولوا قوة و أولوا بأس شدید و قد حصدت النیران بعضهم و لم یبق علیهم، إلّا أن یقابلوا الشر بمثله، فی تلک الساعة الرهیبة فی ذلک الخطر المحدق الذی لم یکن لیحتاج إلّا لقدح زناد بسیط فی ذلک الموقف المرعب المزعج عرف الناس جلالة الملک و سمع جلالته إطلاق البنادق و المدافع فخرج بساعته من سرادقه حیث النار ترمی بشررها فی ذلک اللیل البهیم وفد معه هو و أولاده و أخوته و أبناء عمومته و کل من یدلی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 331
إلیه بقرابة أو نسب مشی بهم إلی حیث النیران تطلق.
فلم یقترب من المحمل إلّا وقد أناخ علیه من کل جمع من الإخوان رکب یسألونه أمره، و أخبروه أن قتلاهم یضرجون بدمائهم، و کان جلالته، إذ ذاک فی أشد درجات التأثر. فالتفت إلی الإخوان و قال: أذکرکم اللّه و هذا الموقف أذکرکم دینکم حمیتکم الإسلامیة و شیمتکم العربیة، إن حجاج بیت اللّه ضیوفنا و هم فی وجوهنا فلا تمد إلیهم ید بأذی إننی سأقف أمام رکب هذا المحمل [و اعلموا أنه لا تمد إلیه ید بسوء و فی هذا العنق دم یجری] سمع الإخوان هذا الکلام و کانت النار تکاد تخرج من أنوفهم و کان ذلک النداء بردا و سلاما، و حملوا سیوفهم و کرّوا علی المجتمعین حول المحمل یردونه بسیوفهم، و أخذت الجموع ترجع و لقد کان فی جملة أولئک القادة الذین ذهبوا لرد القوی المجتمعة حشر بن مقعد بن حمید من مشائخ غطغط، لم یکن بعد أن سمع الإخوان کلام إمامهم و نداءه غیر دقائق معدودات حتی رجع کل منهم إلی مکانه و قد وتر منهم من وتر و قتل من قتل و لم یصب أحد من جند المحمل غیر رجل أصیب بحجر فی أنفه و رجل أصابته رصاصة طائشة فی یده، و قد بلغ عدد الذین قتلوا من أهل نجد خمسة و عشرین و قتل من الإبل أربعون بعیرا و بعد أن سکنت الفتنة سار المحمل تحف به قوة الحرس حتی وصل عرفات بسلام. ثم عاد من عرفات إلی منی و منها إلی مکة المکرمة بکل سکون و هدوء، و لو لا طول الأناة و موقف جلالة الملک الذی لا یقفه إلّا الأبطال من الرجال لکان للحادث وجه غیر وجهه الحاضر، و لکن الحمد للّه الذی أنهی هذه الفتنة عند هذا الحد بعد أن کادت تلتهم الناس ظلما و عدوانا.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 332

عدد حجاج سنة 1344 ه

حجاج سنة 1344 ه الذین قدموا من البحر یتجاوز السبعین ألفا و الذین قدموا من جزیرة العرب ما یقرب من السبعین ألفا أیضا فیکون مجموع من حضر عرفة من الحجاج ما یقرب من المائة و الخمسین ألفا، بقیة الأخبار المتعلقة سنة 1343 ه و سنة 1344 ه.
تعین للقضاء فی شهر جمادی الأولی سنة 1343 ه، الشیخ محمد المرزوقی، و تعین لإدارة الأوقاف محمد سعید أبو الخیر، و تعین لرئاسة البلدیة الشیخ أحمد السجی، و فی سابع و عشرین من شعبان سنة 1343 ه، تعین الشیخ عبد الرحمن بن داود من علماء نجد إماما بالمصلین فی مقام الحنبلی فکان یصلی بالناس فی الأوقات الأربع أی الظهر و العصر و المغرب و العشاء ثم یصلی الإمام الشافعی و أما الصبح فکان یصلی الإمام الشافعی أولا ثم الحنبلی ثم المالکی ثم الحنفی، و فی شهر رمضان سنة 1343 ه صدر الأمر أنه بعد صلاة العشاء یصلی بالناس التراویح إمام واحد یقرأ فیه القرآن العظیم و من أراد أن یصلی التراویح إماما بجماعة فلیتحر فراغ الإمام فإذا فرغ صلاها بجماعة فصلّی العشاء بالناس فی أول لیلة رمضان الشیخ عبد اللّه بن حسن فی المقام الحنبلی ثم صلّی التراویح فی المقام المذکور الشیخ خلیل العجیمی عدة لیالی، ثم بعد ذلک صلّی الشیخ جمال میرداد التراویح إلی آخر رمضان و کان هو یصلی الوتر بالناس جماعة ثلاث رکعات بتسلیمتین، یقرأ فی الثالث دعاء القنوت بعد الرکوع جهرا و فی 23 شوال سنة 1343 ه أعلنت الحکومة بلاغا هذا صورته:
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 333

بلاغ عام فی عدم شرب الدخان بسم اللّه الرّحمن الرّحیم‌

تعلن الحکومة أن أهم ما یجب علی الجمیع الحرص علیه هو تطهیر هذا البیت من جمیع ما یدنسه و عمل کل ما فیه مصلحة للعباد فی أمر دینهم و دنیاهم و أبدانهم، و علی ذلک فجمیع المسکرات ممنوع استعمالها منعا باتّا و من ثبت أنه استعملها أقیم علیه الحد الشرعی، و کذلک الدخان فلا شک فی تحریمه لأنه فیه نوع مما یسکر و إنه مضرا للبدن و تبذیر للمال و علیه فکل من شوهد و هو یشربه فیجازی علی الوجه الآتی:
[1] یسجن الشارب لأول مرة ثلاثة أیام و بعد انتهائها یقوم بدفع مجیدی واحد یسلم للسجان عند خروجه.
[2] إذا شوهد الشارب للمرة الثانیة یحبس عشرة أیام و یؤمر بدفع عشر ریالات مجیدیة یسلمها إلی البلدیة بمقابل وصل یأخذه منه.
[3] إذا شوهد و هو یشرب الدخان للمرة الثالثة یضاعف له الجزاء و اللّه یتولی الجمیع بتوفیقه.
و فی أواخر ذی القعدة سنة 1343 ه أرسل عظمة السلطان کتابا من مخیمه باسم الأهالی ذکر فیه أن حجاج الشرق فی هذه السنة قادمون إلی مکة بکثرة و فیهم بعض القبائل جلوف و فیهم تعصب شدید و فی اعتقادهم أن أهل مکة قائمون علی ما هم علیه فأصلحت اعتقادهم إلی الآن، فخوف عن وقوع الفتنة تری المصلحة أنه فی شهر الحج یصلّی الجمعة بالناس فی الحرم الشریف رجل من علماء نجد ثم بعد رجوع الحجاج إلی بلدهم
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 334
ترجع الوظیفة إلی أهله، فأرسلوا له جوابا نحن مطیعون لأمر السلطان غیر مخالفین له و الإمامة و الخطابة و طبقة السلطان فیقودهم بنفسه أو یعطی لمن یشاء من رعایاه ما نتعرض فی هذا الأمر بشی‌ء.
و فی یوم الجمعة، رابع ذی الحجة سنة 1343 ه، أمر المؤذن أن یؤذن أذان الجمعة قبل دخول الوقت بساعة فأذن المؤذن فی منارة باب الوداع، ثم بعد دخول الوقت طلع الخطیب و هو الشیخ محمد بن عبد اللطیف آل الشیخ أحد علماء نجد علی المنبر و بعد ما جلس أذن الریس فوق قبة زمزم و بعد تمام الأذان خطب الخطیب ثم صلّی الجمعة و بعد ما مضی شهر الحج طلب الأهالی من الحکومة إرجاع وظیفة الجمعة إلیهم فأجابت بأنه ما دام الحرب قائما فصلاة الجمعة یصلّی بالناس إمامنا لا غیره، ثم سافر الشیخ محمد بن عبد اللطیف إلی نجد و عیّن الشیخ عبد اللّه بن حسن خطیبا، و فی تاسع عشر من شهر صفر سنة 1344 ه یوم الجمعة عاد أذان الجمعة مثل العادة الأولی فأذن المؤذن علی المنائر بعد دخول الوقت ثم بعد برهة من الزمن طلع الخطیب علی المنبر و معه المؤذن، فلما جلس الخطیب أذن المؤذن أمامه و خطب الخطیب.
و فی 18 ربیع الأول سنة 1344 ه، هطلت أمطار غزیرة فی جهة وادی نعمان و قد دام هطولها بشدة مدة خمس ساعات، فسالت الأودیة التی تصب فی وادی النعمان من کل جهة، فکان منها سیل عظیم هجم علی بعض فوهات و بل العین فهدم جانبا منها و دخل إلی باطن البرمل کثیر من الأتربة حتی ملأت ما یقرب من خمس فوهات و لما اتصل الخبر بعظمة السلطان أمر لهیئة إدارة العین أن یتخذوا التدابیر اللازمة لتلافی الضرر، فأجمعت الهیئة و تذاکروا فیما یجب علیهم إجراؤه من التدابیر و قد قاموا
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 335
ینفذون ما تقرر بهمة قد أمر عظمة السلطان بصرف ما تحتاج إلیه العین من النفقات من ماله الخاص الذی یخصه من ربع أملاکه فی نجد و فی 1 جمادی الأولی رکب عظمة السلطان إلی نعمان حیث یشتغل العمال فی أصل العین و قد تفقد ما هنالک و أمر بإجراء ما تحتاج إلیه العمل، و قد بلغ مقدار ما صرفت فی هذا السبیل من الدراهم عدا ما صرف من طعام للعمال ما یزید علی الألف و مائتین جنیه.
و فی شهر رجب سنة 1344 ه قدم مکة المکرمة صاحب الدولة سلیمان شقیق کمالی باشا و قد حظی بالمثول بین یدی جلالة الملک فاستقبله أحسن استقبال و نزل ضیفا علی جلالته. و فی شهر رجب أیضا قدم من سوریا وافدا علی جلالة الملک نوری الشعلان شیخ مشائخ الرولة و الضابط أدیب أفندی رمضان. و فی شهر شعبان سنة 1344 ه عین حضرة الشریف رضا رئیسا لإدارة المالیة العامة فی مکة المکرمة. و فی شهر شعبان أیضا صدر الأمر بتعیین حضرة الفاضل الطیب الهزازی رئیسا لدیوان جلالة الملک فی الحجاز، و فی شهر رمضان المبارک سنة 1344 ه صدر الأمر بإسناد وظیفة مدیریة المعارف فی الحجاز للأستاذ صالح شطا و فی شهر ذی القعدة سنة 1344 ه قدم مکة العلامة الفاضل الأستاذ أبو السمح عبد الظاهر و الشیخ محمود منصور و هما من العلماء الأفاضل.

تعویض منکوبی الطائف‌

و فی شهر رمضان المبارک صدر الأمر الملکی بتعیین کل من حضرات الأفاضل الشیخ عبد اللّه الدهلوی، و محمد نور خطانی، و عرابی سجینی، و سعد وقاص، و حامد عبد المنان، و أحمد بوقری،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 336
و عبد الرحمن الزواوی لیکونوا لجنة تنظر فی أمر منکوبی الطائف و تقدیر أضرارهم و کیفیة توزیع المعونة التی سیقدمها جلالة الملک لهم. و فی شهر ذی القعدة سلمت الحکومة المبلغ الأکثر من مطالیب منکوبی الطائف و الجاویین و الهنود و کذلک لفریق من الأهلین.

بلاغ بشأن الإیجارات لسنة 1345 ه

نحن ملک الحجاز و سلطان نجد و ملحقاتها قد أمرنا بتنفیذ هذا النظام:
[1] یجب إسقاط ربع إیجار المثل من إجارات المساکن و القهاوی و إسقاط الخمس من إجارات الدکاکین و الأفران و الطواحین بشرط أن یکون المستأجر یستعملها لنفسه و أما إذا أجرها لغیره فعلیه دفع أجرة المثل کاملا و لصاحب الملک طلب التخلیة فی أول السنة بشرط أن لا یؤجر لغیره.
[2] یجب دفع نصف الإجارة المتحققة بموجب هذا النظام فی أول رجب.
[3] علی مدیر الشرطة مساعدة المؤجر فی تحصیل حانوته من المستأجر عند حلول الأجل المعین بموجب هذا النظام.
[4] یعتبر هذا النظام للعام الخامس و الأربعین بعد الثلاثمائة و الألف فقط.
[5] علی نائبنا تنفیذ هذا النظام.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 337

تبلیط شارع المسعی‌

و فی شهر محرم الحرام سنة 1345 ه أمر جلالة الملک بتبلیط شارع المسعی، أی: ترصیفه بالحجارة من جیبه الخاص فاهتمت إدارة البلدیة فی إنفاذ الأمر الملکی، فباشر العمال فی شهر جمادی الثانی تسویة التراب فی المشعر الحرام و تأبید الطریق من جهة ثانیة. و فی 20 جمادی الثانیة سنة 1345 ه، أقامت البلدیة حفلة فی الصفا بمناسبة وضع الحجر الأساسی فی طریق المسعی حضرها جمهور کبیر من الشرفاء و الأعیان و الموظفین فی منتصف الساعة الثالث عربیة شرف الأمیر فیصل نائب جلالة الملک و أخذ حجرا بیده- و قد نقش علیه هذه العبارة: أمر بترصیف المشعر جلالة ملک الحجاز و سلطان نجد و ملحقاتها عبد العزیز آل السعود وضع هذا یوم السبت عشرین من جمادی الثانیة عام 1345 ه و وضعه فی الحضرة الأستاذ الشیخ أبو السمح إمام الحرم المکی بما یناسب المقام، و دعا لجلالة الملک و أصحاب السمو الأمراء بطول العمر، ثم شرف سموه و المدعوون إلی بیت الشیخ عبد القادر الشیبی و جلسوا هناک ساعة یشرفون علی الأعمال، و قد فرغوا من هذا العمل فی شهر ذی القعدة من السنة المذکورة.

هیئة الأمر بالمعروف و النهی عن المنکر

صدر الأمر السامی فی أواخر صفر سنة 1345 ه بتعیین هیئة یقوم بمهمة الأمر بالمعروف و النهی عن المنکر و أن تکون أعمالها تتبع الأمور من جهة المعاملات و العادات فما وافق الشرع منها تقره و ما خالفه تزیله و أن تمنع البداءة اللسانیة التی تعود بها السوقة، و أن تحث الناس علی أداء
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 338
الصلوات الخمس جماعة و أن تراقب المساجد من جهة أئمتها و مؤذنیها و مواظبتهم و حضور الناس و غیر ذلک من دواعی الإصلاح، و أن تتخذ فی سبیل الأمر بالمعروف و النهی عن المنکر الوسائل الموصلة إلی ذلک بالحکمة و إذا أعیاها أمر من الأمور رفعت فیه إلی أولی الأمر لإجرائه، فعین رئیس تلک الهیئة الشیخ عبد اللّه الشیبی و نائبه السید حسین نائب الحرم و کاتب الهیئة عباس عبد الجبار و أعضاء الهیئة من أهل مکة محمد عقیل، حسین باسلامة و من أهل نجد محمد بن مضیان، علی المنصور آل هدیان أحمد بن رکبان عبد اللّه السلیمان آل مهنا، تعیین مرکزها بمدرسة السید أحمد عببدید بباب الصفا.

نظام التابعیة الحجازیة

صدر الأمر الملکی العالی العمل بما هو آت:
[المادة الأولی] یعتبر حجازیّا کل من کانت تابعیته عثمانیة قبل الحرب العامة من أهل الحجاز الأصلیین أو المقیمین.
[المادة الثانیة] یعتبر حجازیا کل من ولد من أبوین حجازیین أو أب حجازی.
[المادة الثالثة] یعتبر حجازیّا کل من یولد بالأراضی الحجازیة.
[المادة الرابعة] یجوز لکل مسلم بالغ سن الرشد أقام فی البلاد الحجازیة مدة ثلاث سنوات متوالیات أن یتحصل علی الجنیسة الحجازیة إذا قدم طلبا بذلک إلی الحکومة الحجازیة، بالذات أو بالواسطة.
[المادة الخامسة] یجوز منح التجنس بالجنسیة الحجازیة بمقتضی إرادة ملکیة خاصة لکل مسلم یؤمل منه فائدة جلیلة للحجاز.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 339
[المادة السادسة] لا یجوز لحجازی أن یتجنس بجنسیة أخری فی الداخل أو فی الخارج بدون أن یرخص له بذلک من الحکومة الحجازیة، و هذا الترخیص لا یکون إلّا بإرادة ملکیة، و کل حجازی تجنس، و یتجنس بجنسیة أخری بغیر هذا الطریق فلا یعتبر جنسیته الأخیرة بوجه من الوجوه فی کافة الأحوال.
[المادة السابعة] یجوز إسقاط الجنسیة الحجازیة عمن یقبل الدخول فی خدمة عسکریة لدی حکومة أجنبیة بدون ترخیص من الحکومة الحجازیة، و یجوز أن یتبع هذا الإسقاط منع الإقامة فی الأقطار الحجازیة أو منع العودة إلیها.
[المادة الثامنة] المرأة الأجنبیة المتزوجة بحجازی تصیر حجازیة و لا تفقد الجنسیة الحجازیة عند انتهاء الزوجیة إلّا إذا جعلت إقامتها فی الخارج و استردت جنسیتها الأصلیة، و تسترد المرأة الحجازیة المتزوجة بأجنبی جنسیتها إذا انتهت الزوجیة.
[المادة التاسعة] إذا تجنس الحجازی بجنسیة أخری فإن أولاده الصغار لا یتبعونه فی جنسیته ما داموا مقیمین فی الأرض الحجازیة.
[المادة العاشرة] یعتبر حجازیّا کل ساکن فی الأقطار الحجازیة، یوم نشر هذا القانون ما لم یکن حاملا وثائق رسمیة صحیحة تثبت تابعیته لجنسیة أخری.
[المادة الحادیة عشرة] إن هذا القانون یکون نافذا من یوم نشره، و إن نائبنا العام مأمور بتطبیق هذا القانون.
22 ربیع الأول سنة 1445 ه
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 340

المدارس الحجازیة

و فی شهر صفر سنة 1345 ه قدم مکة المکرمة الأستاذ الفاضل الشیخ کامل القصاب بدعوة من جلالة الملک للنظر فی مسائل التعلیم و فی شهر ربیع الأول قدم الأستاذ المذکور البرنامج و المیزانیة التی وضعها لمعارف الحجاز علی مجلس الشوری فوافق علیه، و رفعت الأوراق لجلالة الملک فاقترنت بالتصدیق العالی، و قد بلغت عدد المدارس الابتدائیة التی أسست و ستؤسس فی مکة و المدینة و جدة و الطائف و العرجة إحدی و عشرین مدرسة تکون علی الترتیب الآتی:
فی مکة (1) دینیة عالیة (1) ابتدائیة (5) تحضیریة.
المدینة (1) ابتدائیة (3) تحضیریة.
جدة (1) ابتدائیة (2) تحضیریة.
الطائف (1) ابتدائیة (1) تحضیریة.
و کذلک فی کل من العرجة و ینبع و قد فتحت أکثر هذه المدارس و بدأ التعلیم فیها و إدارة المعارف تفکر فی فتح مدارس للتحصیل الثانوی و متی وجدت الفرصة و الطلاب لذلک باشرت عملها.

اتفاقیة مکة المکرمة بین جلالة الملک و السید الإدریسی‌

و فی شهر ربیع الأول سنة 1345 ه وقعت المعاهدة بین جلالة الملک و السید حسن ابن علی الإدریسی و هذا صورة المعاهدة:
الحمد للّه وحده: رغبة توحید الکلمة و حفظا لکیان البلاد العربیة
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 341
و تقویة الروابط بین أمراء جزیرة العرب، قد اتفق صاحب الجلالة ملک الحجاز و سلطان نجد و ملحقاتها عبد العزیز بن عبد الرحمن الفیصل السعود و صاحب السیادة إمام عسیر السید الحسن بن علی الإدریسی علی عقد الاتفاقیة الآتیة:
[المادة الأولی] یعترف سیادة الإمام السید الحسن ابن علی الإدریسی بأن الحدود القدیمة الموضحة فی اتفاقیة سنة 1339 ه المنعقدة بین سلطان نجد و بین الإمام السید محمد بن علی الإدریسی و التی کانت خاضعة للأدارسة فی ذلک التاریخ تحت سیادة جلالة ملک الحجاز و سلطان نجد و ملحقاتها بموجب هذه الاتفاقیة.
[المادة الثانیة] لا یجوز لإمام عسیر أن یدخل فی مفاوضات سیاسیة مع أی حکومة و کذلک لا یجوز أن یمنح أی امتیاز اقتصادی إلّا بعد الموافقة علی ذلک من صاحب الجلالة ملک الحجاز و نجد و ملحقاتها.
[المادة الثالثة] لا یجوز لإمام عسیر إشهار الحرب أو إبرام الصلح إلّا بموافقة صاحب الجلالة ملک الحجاز و سلطان نجد و ملحقاتها.
[المادة الرابعة] لا یجوز لإمام عسیر التنازل عن جزء من أراضی عسیر المبینة فی المادة الأولی.
[المادة الخامسة] یعترف ملک الحجاز و سلطان نجد و ملحقاتها بحاکمیة إمام عسیر الحالی علی الأراضی المبینة فی المادة الأولی مدة حیاته و من بعده لمن یتفق علیه الأدارسة و أهل الحل و العقد التابعین لإمامته.
[المادة السادسة] یعترف ملک الحجاز و سلطان نجد و ملحقاتها بأن
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 342
إدارة بلاد عسیر الداخلیة و النظر فی شؤون عشائرها من نصب و عزل و غیر ذلک من الشؤون الداخلیة من حقوق إمام عسیر علی أن تکون الأحکام وفق الشرع و العدل کما هما فی الحکومتین.
[المادة السابعة] یتعهد ملک الحجاز و سلطان نجد و ملحقاتها بدفع کل تعد داخلی أو خارجی یقع علی أراضی عسیر المبینة فی المادة الأولی و ذلک بالاتفاق بین الطرفین حسب مقتضیات الأحوال و دواعی المصلحة.
[المادة الثامنة] یتعهد الطرفان بالمحافظة علی هذه المعاهدة و القیام بواجبها.
[المادة التاسعة] تکون هذه المعاهدة معمولا بها بعد التصدیق علیها من الطرفین السامیین.
[المادة العاشرة] دونت هذه الاتفاقیة باللغة العربیة من صورتین تحفظ کل صورة لدی فریق من الحکومتین المتعاقدتین.
[المادة الحادیة عشرة] تعرف هذه المعاهدة بمعاهدة مکة المکرمة وقعت هذه المعاهدة فی تاریخ 14 ربیع الآخر سنة 1345 ه الموافق 21 اکتوبر سنة 1926، قال فی کتاب ملوک المسلمین بعد ذکر هذه المعاهدة:
الحالة تحولت فی عسیر بعد ذلک فقد ثار الأدارسة علی ابن السعود فی شتاء سنة 1932 شهر رجب سنة 1351 ه بزعامة السید حسن فسیر هذا القوی من الحجاز و نجد فأحدقت بالثائرین و أطفأت الفتنة و أعادت الأمن إلی نصابه و أعلن ابن السعود انتهاء حکم الأدارسة و إنشاء إدارة جدیدة فی هذه المقاطعة و هی تدار مباشرة الیوم، و خصص للسید الحسن راتبا شهریّا قدره ألفین ریال یتناولها من خزینة ابن السعود بشرط أن لا یقیم فی عسیر
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 343
کما خصص خمسمائة ریال راتبا شهریّا للسید عبد الوهاب نجل السید محمد علی الإدریسی انتهی.
ملک الحجاز و سلطان نجد و ملحقاتها إمام عسیر تم ذلک بحضور راقم هذه الأحرف.
عبد العزیز بن عبد الرحمن الفیصل آل سعود الحسن بن علی الإدریسی
خادم الإسلام: أحمد الشریف السنوسی الختم الملکی الختم الرسمی‌

نظام الهیئة العلمیة

صدر الأمر الملکی مصدقا علی ما هو آت:
1- أمر جلالة الملک المعظم بتألیف لجنة علمیة برئاسة سماحة قاضی القضاة الشیخ عبد اللّه آل بلیهدو، أعضاؤها مدیر المعارف العمومیة الشیخ محمد القصاب و مدیر المعهد الإسلامی السعودی الشیخ بهجة البیطار و مدیر معهد الفلاح الشیخ عبد اللّه حمدوه السفاری، و نائب رئیس القضاة الشیخ أمین فودة، و یدعی هذه الهیئة الهیئة العلمیة.
2- وظیفة هذه اللجنة الإشراف علی سیر الدروس فی الحرم المکی و انتقاء الکتب النافعة و تعیین الأساتذة المشهود لهم بالکفاءة و حسن السیرة و السیر علی طریقة السلف الصالح.
3- تجتمع هذه الهیئة کل خمسة عشر یوما مرة واحدة فإذا اقتضت الحال أکثر من ذلک تجتمع بعد الحاجة.
4- تغییر مادة من هذه المواد أو تقدیمها أو الزیادة علیها من حقوق الهیئة العلمیة بعد التصدیق علیها من جلالة الملک المعظم.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 344

نظام التدریس العام فی المسجد الحرام‌

صدر الأمر الملکی مصدقا علی ما هو آت:
1- یقرأ فقه المذاهب الأربعة و العلوم العربیة بکرة و أصیلا و درس التوحید و التفسیر و الحدیث و الوعظ بین العشائین.
2- یجب علی المدرسین أن یبنوا فی تقاریر العقائد و مباحث الصفات مذهب السلف الذی أجمع علیه أئمة أهل السنّة علی أنه أسلم المذاهب و أحراها بالقبول.
3- یجب علی المدرسین أن یبنوا للناس أثناء درسهم أنواع البدع التی شوهت سمعة الدین الحنیف و أنواع الخرافات التی أضرت بالمسلمین و هبطت بهم إلی الحضیض.
4- مدة الدرس ساعة علی أقل.
5- علی حضرات المدرسین أن یثابروا علی الدرس بلا انقطاع، و لا یجوز لأحد منهم أن یتخلف عن الدرس بغیر عذر شرعی حذرا من ضیاع الفائدة المتوخاة.
6- إذا عرض لأحد المدرسین عذر شرعی یمنعه من إلقاء الدرس فعلیه أن یبین ذلک للجنة کتابة أو مشافهة.
7- إذا أخلّ أحد المدرسین بشی‌ء من هذه المواد فللجنة الحق أن تقرر فی شأنه ما تراه موافقا للمصلحة العامة بعد التدقیق و التمحیص و تقدیم نتیجة مطالعتها إلی جلالة الملک.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 345
8- ترجو الهیئة العلمیة من کل فاضل من حاضر أو باد أراد أن یلقی درسا فی الحرم الشریف أن یعلمها ذلک قبل الشروع.
9- یعمل بهذا النظام ابتداء من غرة ربیع الثانی سنة 1345 ه.

سفر جلالة الملک إلی المدینة المنورة

و فی شهر ربیع الثانی سنة 1345 ه توجه جلالة الملک إلی المدینة المنورة فنزل جدة و أقام فیها أیاما لتفقد شؤون البلاد و النظر فی أمور الرعیة ثم فی یوم الأربعاء 20 ربیع الثانی بعد صلاة الظهر امتطی سیارته و من ورائه جمع من السیارات بلغت تسعة عشر سیارة، و قد سار فی معیة جلالته نائب الأمیر عبد اللّه و نجلاه خالدا و محمدا و أنجال أخیه المرحوم سعود رئیس الدیوان و المفتش العام و مدیر الصحة العامة و بات فی القصیم و سار فی الصباح حتی بلغ رابغا و جلس هناک یوما ثم واصل السیر حتی وصل المدینة المنورة ظهر الأحد فتکون المسافة التی قضاها فی الطریق أربعة أیلم، جلس منها یوما فی رابغ و بعض یوم فی محطات الطریق حیث کان یدعی عند بعض شیوخ القبائل فیلبی طلبهم و قد استقبل فی المدینة المنورة بکل احتفاء و ترحاب، فقد خرج کبار موظفی الحکومة و أعیان البلاد و رجالاتها خارج البلدة لاستقبال جلالته، و حیته ثلة من الجنود و الشرطة ثم ذهب توّا إلی القصر المعد لنزول جلالته و هناک هرع الأهلون أفواجا لتحیة جلالته و السلام علیه.
و فی أثناء قیام جلالة الملک فی المدینة المنورة اجتمع فیه
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 346
العلماء و الأعیان و التجار و غیرهم فخطب جلالة الملک خطابا بلیغا نوه فیه بمسألة القضاء و لزوم صیانته من کل ما یمس کرامته، و قسم الأمور القضائیة بنسبة الحال فی المدینة إلی قسمین قسم یتنازل الضعفاء و المساکین فی الدعاوی البسیطة و قال: إن هؤلاء الضعفاء أحب أن أکون أنا المسؤول عن أمرهم فأنتخب لهم قاضیا منفردا من قبلی ینظر فی مصالحهم و یجلس فی مکان بارز للناس، أما القضاء فی الأمور الکبیرة التی تقع فی المدینة فأرید أن أبری‌ء ذمتی منها و أفوض إلیکم انتخاب قضاة تثقون بأمانتهم و دینهم و عفتهم یتولون القضاء فی أمورکم، فأجاب بعضهم أن تولیة القضاء حق من حقوق ولی الأمر و نحن لا نخلو من هوی فی النفوس، فیجب أن تستعملوا جلالتکم حقکم فی التعیین و تکونوا أنتم المسؤولون عن حقوقنا فأجاب جلالته أن هذا الحق الذی هو لی قد أعطیتکم إیاه لأبری‌ء ذمتی من هذا الموقف و تتحملوا أنتم مسؤولیة أعمالکم.
و بعد أخذ ورد فی هذا الموضوع و إصرارا من جلالة الملک علیهم أخذ بعضهم یرشح أشخاصا للقضاء و یسمیهم بأسمائهم فتکلم ثلاثة أو أربعة و سمی کل واحد اثنین، و الناس محبذ و ساکت، ثم لم یشعر الحاضرون إلّا و رجل منهم وقف بین یدی جلالة الملک و قال: إن هذا المجلس یتکلم الناس فیه بالهوی و الأغراض فلا أحب أن أجلس فیه، و لم یسم أحد من الجالسین رجلا صالحا ثم أدار نفسه و هم بالخروج فلم یکن من جلالة الملک إلّا أن ابتسم للرجل و قال له: جزاک اللّه خیرا دعهم یتکلمون بالهوی و تکلم أنت بالحق و ما علیک منهم فقال:
إذا کان لا بد من القول فلا یصح للقضاء غیر محمد بن علی الترکی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 347
و السید محمود أحمد، و جمیع من ذکروا لا یشبهون هذین فی القضاء عفة و أمانة و دیانة، قال هذا و هم بالخروج، فأمره جلالة الملک بالرجوع فرجع و جلس، فقال الحاضرون: لقد صدق فی قوله، فسکت جلالة الملک قلیلا ثم قال ما رأیکم فی أن یکون إبراهیم بری مع هذین الاثنین فیکون قاضیا و لا یمضی فی أمر إلّا بمشورة الاثنین فوافق الجمیع علی رأیه، و لکن قام رجل من طرف المجلس و قال لا نرضی بإبراهیم بری فالتفت جلالة الملک إلی الجالسین و قال هل فیکم من هو علی رأی القائل فقالوا لا فقال له جلالة الملک: کنت منفردا فی رأیک و رأی الجماعة خیر من رأی الفرد.
و بالنظر لأن محمود أحمد هو رئیس کتاب المحکمة الشرعیة فقد رؤی من المصلحة بقاؤه فی وظیفته و أن یظل الشیخ إبراهیم بری و الشیخ محمد بن علی الترکی هما القاضیین، فانتهی المجلس علی هذا، و لکن محمد بن علی الترکی لم یکن حاضرا فی المجلس فقیل لجلالة الملک: ربما أن محمد بن علی الترکی لا یرغب وظیفة القضاء فقال: نحن نخیره علی القبول و بعد یوم أو یومین استدعی جلالة الملک الشیخ و مجلسه حافل بالعلماء و الأعیان فأقبل علی الشیخ یخبره بما تم علیه الرأی فی أمره و أنه قرر أن یکون قاضیا فی المدینة مع إبراهیم بری و أنه لا مناص من قبول هذه الوظیفة، و بعد أن تم جلالة الملک مقاله استأذن الشیخ منه بالکلام فقال: إننی لا أجد من حقی، إلّا السمع و الطاعة لک و الدعاء لک، و لکن أؤکد لک أننی لا أصلح لهذه الوظیفة و لیس لی قدرة علیها و عندی أدلة واضحة علی هذا إذا شئت سردتها لک، فأجابه جلالة الملک: علی المرء أن یسعی جهده فی عمله و لا
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 348
یمکننا أن نقبل لک عذرا فی التخلف و أنت محمول علی هذا العمل بالرغم عنک و لیس لک إلّا السمع و الطاعة، و أنت معذور أمام اللّه فیعد تعلّل و اعتذار لم یسع الشیخ أن یقول: إذا کان الأمر کذلک فلیس إلّا أن أقول سمعا و طاعة، ثم قال: إن لی شروطا لا بد من ذکرها، فقال جلالة الملک هات ما عندک فأبان الشیخ بعض ملاحظات فی طریقته و معاملاته الرسمیة و جری بینه و بین الأستاذ الشیخ عبد اللّه بن بلیهد مذاکرة طویلة، ثم قال الشیخ: إن الواجب یقضی أن تتناول الحدود جمیع الناس علی السواء، و أنه إذا کانت تقام الحدود علی عامة الناس و السوق و یستثنی منها رؤساء الجند و کبار الموظفین ضاعت الأمور، فأجابه جلالة الملک علی الفور: إذا کانت الحدود لا تقام إلّا علی الضعفاء و ترک أرباب الوظائف الکبیرة فلا شک بأن الأمور ضائعة و إنی أبرأ إلی اللّه من ذلک، و اللّه إنی لأقیم الحدود علی أبناء السعود قبل أن أقیم علی عامة الناس، و لو خرج عن حد الشرع أقرب المقربین إلیّ و لو کان عبد الرحمن الفیصل لما رضیت و لما قبلت، نعم نعم تقام الحدود علی الجند و علی رؤساء الجند و الکبیر و الصغیر و القوی و الضعیف ثم جری حدیث طویل بعد هذا و علی ذلک.

مبرة ملوکیة لفقراء المدینة

أمر جلالة الملک قبل مغادرته المدینة المنورة، بتوزیع ألف جنیه و ألف کیس من الأرز علی فقرائها و فی ثالث رجب سنة 1345 ه غادر جلالة الملک المعظم المدینة المنورة قاصدا الدیار النجدیة علی السیارة و وصل الریاض فی ثلاثة أیام.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 349

العوائد المقررة أخذها علی الحجاج لعام 1345 ه

و قد أصدر الأمر العالی بموجبه:
قرش مصری
70/ رسم کرنتینة
باره/ قروش أمیری
10/ أجرة السنبوک من خارج المیناء
20/ إکرامیة الوکیل بجدة
20/ 7/ أجرة السنبوک من وسط المیناء
5/ أجرة السنبوک من داخل المیناء
5/ أجرة الحمال من السنبوک إلی البیت
20/ 2/ أجرة البیت لکل لیلة
بارد/ قروش أمیری خزانة التواریخ النجدیة ؛ ج‌10 ؛ ص349
/ ما زاد عن کل لیلة من الثلاث اللیالی
2/ رسم البلدیة علی کل شقة
2/ للنقیب
30/ 0/ لهیئة المراقبة
20/ 0/ تنجیل العفش من السنبوک إلی الرصیف
14/ أجرة السنبوک إلی الجزیرة لمدة ثلاثة أیام
20/ 2/ و ما زاد یؤخذ عن کل نفر یومیّا
5/ خدمة الوکیل عند الرجوع
20/ 2/ أجرة البیت لکل لیلة عند الرجوع
20/ 1/ و ما زاد عن ثلاثة لیالی
ریال تینکو/ جنیه إفرنجی یراجع/ علی کل جاوی مقابل إیجار البیت
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 350
و ضیافة مکة و عرفات و منی و إکرام الشیخ، و مقابل توسیع منازل الحجاج و تحدد العدد الذی سیوضع لکل أرضه و رسم التنمیر للبلدیة.
روبیة هندی
15/ علی کل هندی و بنغالی إکرامیة مطوف مکة
یراجع/ أجرة البیت و کذلک أضیف مقابل توسیع المنزل و رسم التنمیر للبلدیة
3/ إکرام الزمزمی
4/ أجرة الخیم لإمام الحج
قرش مصری
120/ علی کل مصری إکرامیة للمطوف فی نظیر خدمته أما جدة فهی عائد علی الحاج المصری
ریال مجید/ جنیه افرنکی
2/ 1/ علی کل سوری و مغربی إکرامیة،
و المنزل عائد إلیه
یراجع الحجاج الأتراک و الأیرانیون علی عادتهم القدیمة
اختیاریّا أما کراوی الجمال فتقرر من قبل الحکومة
لکل جهة فی وقتها و لما ذکر اقتضی الشرح.
ربیع الثانی سنة 1345
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 351

إعلان ملکیة نجد و ملحقاتها

صورة البلاغ الذی أذاعه نائب جلالة الملک بإعلان ملکیة جلالة الملک المعظم علی مملکة نجد و ملحقاتها.

بسم اللّه الرّحمن الرّحیم‌

الحمد للّه رب العالمین و الصلاة و السلام علی رسول اللّه و آله و أصحابه و بعد فبمناسبة تشریف حضرة مولای صاحب الجلالة ملک الحجاز و سلطان نجد و ملحقاتها عبد العزیز بن عبد الرحمن الفیصل آل السعود إلی الریاض عاصمة السلطنة النجدیة و ملحقاتها تقاطرت إلیها الوفود من سائر أنحائها، و عقدت هذه الوفود من أهل الحل و العقد مجلسا حافلا ضم ممثلی کافة مقاطعات السلطنة النجدیة و ملحقاتها فی 25 رجب سنة 1345 ه تحت رئاسة الإمام الجلیل عبد الرحمن الفیصل والد جلالة الملک المعظم و قرر المجتمعون و هم أهل الحل و العقد حبل السلطنة النجدیة و ملحقاتها مملکة باسم المملکة النجدیة و ملحقاتها، و المناداه بحضرة صاحب الجلالة الملک المعظم ملکا علیها ثم رفعوا الأمر إلی جلالته ملتمسا قبول ما تم القرار علیه فوافق جلالته علی مقرراتهم و أصدر أمره الکریم الآتی:
و فی یوم الاثنین 9 شوال أقامت الحکومة فی قاعة الدیوان الملوکی فی أجیاد حفلة رسمیة لإعلان ملکیة نجد و ملحقاتها فکانت حفلة بدیعة و أطلقت المدفعیة من قلعة جیاد مائة مدفع و مدفع، و زینت البلدة ثلاثة أیام ..
و فی 7 ذی القعدة سنة 1345 ه: شرف جلالة ملک مکة المکرمة
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 352
من الریاض و قد اهتمت البلدیة اهتماما بلیغا فی الأبطح لاستقبال جلالته فاستقبل هناک استقبالا یلیق بجلالته، ثم قصد قصره الملوکی و استراح هناک قلیلا، ثم توجه إلی بیت اللّه الحرام و طاف و سعی. و فی شهر ذی القعدة أیضا أصدر جلالة الملک أمره علی جمیع أهل نجد یمنعهم من حمل السلاح حین دخولهم الحجاز للحج و أبلغ سمو النائب العام لمنع حمل السلاح فی البلاد لأن البلد المقدس بلد سلم و أمان لجمیع السکان و الحجاج.

بقیة الحوادث المتعلقة لسنة 1345 ه

فی ابتداء محرم سنة 1345 ه: تعین الشیخ عبد الوهاب نائب الحرم رئیسا للبلدیة، و فی شهر محرم الحرام سنة 1345 ه صدر الأمر الملکی بتعیین سلیمان شفیق باشا کمال مفتشا عاما لکافة الدوائر الرسمیة و عین مکتب سعادته فی الدیوان الملکی فی جیاد.
و فی شهر محرم سنة 1345 ه أیضا استقال قاضی جدة الشیخ أحمد القاری من وظیفة القضاء و عین مکانه الشیخ عبد اللّه جداوی.
و فی شهر ربیع الثانی سنة 1345 ه: اجتمع فریق من العلماء و الحجازیین النجدیین و قرروا أن تکون الجماعة التی تقام فی المسجد الحرام جماعة واحدة و انتخب من کل مذهب ثلاثة أئمة و من الحنابلة، إمامان یتناوبون فی أوقات الصلوات الخمس، فکان من الحنابلة الشیخ أبو السمح و الشیخ أحمد الخطیب، و من الشافعیة الشیخ عبد الرحمن الزواوی، و الشیخ محمد علی خوقی، و الشیخ عمر فقی، و من الحنفیة الشیخ عباس عبد الحمید، و الشیخ عبد الملک میرداد، و الشیخ جمال
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 353
میرداد، و من المالکیة الشیخ أمین فوده، و الشیخ عبد اللّه حمدوه، و الشیخ عباس مالکی و قد وافق جلالة الملک علی هذا الترتیب و جری العمل بمقتضاه و أصبحت الجماعة فی الحرم المقدس جماعة واحدة.

برنامج مراسم المعابدة

أعلن هذا البرنامج فی أواخر رمضان سنة 1345 ه:
[المادة الأولی] یجلس سمو الأمیر المعظم للمعایدة فی بهو الاستقبال بدار الحکومة الساعة الواحدة و النصف صباحا.
[2] تصطف أفراد العسکریة من الهجانة تحت رئاسة قوادها من باب السلام الکبیر إلی باب جیاد و تصطف أفراد الشرطة بقیادة ضباطها من باب جیاد إلی مدخل دار الحکومة السنیة علی جانبی الشارع.
[3] الدخول للمعایدة؛ (أولا): المفتش العام وکیل رئیس القضاة قاضی مکة. مدیر و الدوائر محافظ بیت اللّه الحرام و قائمقام مکة.
(2) أعضاء مجلس الشوری.
(3) نواب الشرع و العلماء.
(4) الأعیان و الوجهاء.
(5) هیئة الأمانة.
(6) المأمورون العسکریون.
(7) المأمورون الملکیون.
(8) خدم الحرم الشریف.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 354
(9) المطوفون و مشائخ الجاوه.
(10) التجار.
(11) رؤساء الحوائر.

تعیین الأئمة فی مساجد مکة و فرشها و تنویرها

صدر أمر جلالة الملک و هو فی الریاض بفرش إحدی و ثلاثین مسجدا و تنویرها و إقامة أئمة فیها برواتب شهریة تصرف کلها من جیبه الخاص و کانت هذه المساجد فی أحیاء مکة مهملة بسبب قلة موردها و قد تم فرشها و فتحت أبوابها لإقامة الصلاة فی أوقاتها الخمس.
و فی شهر شوال سنة 1345 ه: أزیلت جمیع الدکک و النواتی الواقعة علی جانبی الشوارع الموجودة فی مکة المکرمة و تمر منها قوافل الحجاج و تزدحم الناس فیها بصورة عامة:

أمر ملکی فی تخفیض الرسوم‌

من عبد العزیز بن عبد الرحمن الفیصل آل سعود إلی نائبنا ولدنا فیصل حفظه اللّه نظرا لمصلحة المملکة و شفقة علی الرعیة قد قررنا و أصدرنا الأوامر الآتیة: تنزیل الجمرکیة علی الداخل من الأشیاء المندرجة أدناه و هی:
[1] کافة الأطعمة و الغلال من الدقیق و الحبوب و الشعیر و الحنطة و الأرز و الذرة، و الدخن و البقول التی کان فی الأصل علیها فی المائة 12، فیکون الآن 10.
[2] النخالة و السمسم و الزیت و السمن و الثمود، هی و السکر کان علیها فی الأصل فی المائة 15 فیکون الآن 12.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 355
[3] الأقمشة القطنیة و الصباغات فی الأصل علیها فی المائة 20 فیکون الآن 15.
[4] المفارش و الحنابل الصوفیة وارد إیران فی الأصل علیها فی المائة 25 فیکون الآن 20.
[5] الحنابل القطنیة وارد الهند کان علیها فی المائة 20 فیکون الآن 15.
[6] الغاز و البنزین فی الأصل علیها فی المائة 15 و الآن 12.
[7] إلغاء کوشان الحجارة.
[8] إلغاء جمرک مکة علی الأشیاء الخارجة منها إلی داخلیة المملکة.
[9] الریال الفرنساوی یجب أن یؤخذ علیه رسم جمرک فی المائة 10.
[10] یجب علیکم تنفیذ هذه الأوامر و تبلیغها لمن یلزم و أن یکون العمل لها ابتداء من 15 ربیع الأول سنة 1345 ه و لما ذکر تحرر.

إحصاء عدد حجاج سنة 1345 ه

قد بلغ الحجاج القادمون عام 1345 عن طریق البحر إلی تاریخ 2 ذی الحجة 126363 و هذه جدول أجناس الحجاج.
جاویون/ 64133/ شنکال/ 34
هنود/ 24871/ صین/ 96
أفغان/ 4836/ مصریون/ 14782
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 356
نجادیة/ 2261/ صومال/ 363
عجم/ 1466/ أتراک/ 1093
کاب/ 100/ من البحرین/ 233
مغاربة/ 2270/ حضارم و عترم/ 2432
سوریون/ 1362/ أطفال لم تذکر/ 3261
یمنیون/ 1189
سودانیون/ 1581/ 126363
ثم زاد عددهم و وصل إلی ثامن من ذی الحجة: هذا بطریق الإحصاء الرسمی و قدر عددهم من قدم من نجد و ملحقاتها بخمسین ألفا من قدم من الیمن بعشرة آلاف و من بادیة الحجاز بعشرین ألفا و علی هذا فیکون مجموع من سهد حج هذا العام .

إنجازات عقار سنة 1346 ه

صدر من دیوان النیابة العامة صورة القرار الصادر بشأن الإیجارات سنة 1346 ه، و قد صار المصادقة علیه من جلالة الملک و العمل بموجبه و هو هذا: نعلن للجمهور أنه تقرر أن تکون إیجارات العقار للسنة الحالیة عام 1346 کما یأتی.
(أولا) تکون أجرة هذه السنة کما کانت فی عام 1342 ه، و 1343 تماما متی کانت الأماکن المؤجرة معدة لاستعمال الشخص المستأجر.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 357
(ثانیا) یکون دفع الإیجارات کما یأتی: البیوت التی تستأجر الآن لأجل الانتفاع بإیجارها فی الموسم تدفع أجرتها فورا حین العقد، أما البیوت التی تستأجر لأجل الاستعمال الشخصی فیکون دفع أجورها علی قسطین الأول حین العقد، و الثانی بعد مرور شهرین من تاریخ العقد.
(ثالثا) أما البیوت الخالیة التی تستأجر لأجل الاستفادة من إیجارها إلی الغیر فلا تدخل ضمن التحدید المذکور فی المادة الأولی بل یکون بالاتفاق بین المؤجر و المستأجر.
(رابعا) لصاحب الملک الذی یرید استعمال ملکه بنفسه أن یخرج المستأجر منه و إذ أثبت أن لم یستعمله بنفسه بل أخرج المستأجر لأجل الإضرار به یجازی و یجبر علی إرجاع المستأجر الأول.
(خامسا) إذا تظلم أحد أصحاب الأملاک مدعیا أن أجرة عقاره منذ بضع سنوات هی أجرة بخسة یقدم ظلامته إلی النائب العام لجلالة الملک فیحیله علی لجنة خاصة تعینها الحکومة للکشف علی مثل هذه العمارات و تعیین الأجرة المحققة.

لجنة الإیجارات‌

شکلت الحکومة لجنة مؤلفة من الشیخ عبد الوهاب العطار و الشیخ محمد سعید باسلامة للنظر فی الخلافات التی تحدث بین المؤجرین و المستأجرین و فصلها.

لجنة التفتیش و الإصلاح‌

صدر أمر جلالة الملک بتشکیل لجنة تدعی لجنة التفتیش و الإصلاح، و سیکون من اختصاص هذه اللجنة.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 358
[1] النظر فی جمیع الشکایات التی ستقدم ضد أی إدارة من إدارة الحکومة، أو أی موظف فی هذه الدوائر.
[2] درس الحالة الإداریة العامة و إقرار ما ثبت بالتجربة و إصلاح ما یدعو الحال لإصلاحه، و اختار جلالة الملک أعضاء اللجنة المذکورة من الأفاضل الآتیة أسماؤهم، الشریف شرف عدنان، یوسف قطان صالح شطا عبد الرحمن القصیبی، محمد صالح نصیف، حافظ وهبة، سفیان باناجه فؤاد حمزة سکرتیرا، ثم سافر الشیخ عبد الرحمن القصیبی إلی مصر و تعین بدله عبد اللّه السلیمان الحمدان. و فی افتتاح سنة ست و أربعین صدر الأمر الملوکی بحل مجلس الشوری و انتخاب أعضائه الجدید.

و فی تاسع محرم سنة 1346 ه: صدر بلاغ بتعیین أعضاء المجلس المذکور هذا نصه:

نحن عبد العزیز بن عبد الرحمن الفیصل آل سعود بعد اطلاعنا علی الأمر الصادر لحل مجلس الشوری بتاریخ 7 محرم سنة 1346 ه، و بعد استشارة أهل الفضل و الخبرة بشأن انتخاب أعضاء المجلس الجدید فقد أصدرنا أمرنا بما هو آت:
[المادة الأولی] یعین کل من الذوات الآتیة أسماؤهم بعد أعضاء فی مجلس الشوری لسنة 1346 ه: الشیخ یوسف قطان، الشیخ أحمد سبحی، السید صالح شطا، الشیخ عبد اللّه الزواوی، السید محمد بن یحیی بن عقیل، الشیخ عبد اللّه إبراهیم الجفالی، الشیخ عبد العزیز بن زید، الشیخ عبد الوهاب العطار الشیخ عبد الوهاب نائب الحرم.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 359
[المادة الثانیة] یشرع المجلس الجدید بعقد جلساته اعتبارا من منتصف شهر محرم الحالی.
[المادة الثالثة] یسیر المحلة بأعماله وفقا للنظام الجدید المعدل للقسم الخاص بمجلس الشوری من القسم الرابع من التعلیمات الأساسیة.
[المادة الرابعة] علی نائبنا العام تنفیذ أمرنا هذا صدر بأمرنا فی الیوم التاسع من شهر محرم سنة 1346 ه.

نظام مجلس الشوری‌

نحن عبد العزیز بن عبد الرحمن الفیصل آل سعود بعد الاطلاع علی القسم الرابع من التعلیمات الأساسیة و بعد الاطلاع علی أمرنا الصادر فی غرة محرم بشأن تشکیل لجنة التفتیش و الإصلاح، و بناء علی ما عرضه علینا اللجنة المذکورة أصدرنا أمرنا بما هو آت:
[المادة الأولی] یتألف مجلس الشوری من ثمانیة أعضاء ینتخبون وفقا للأصول المشروحة فی المواد الآتیة:
[المادة الثانیة] رئیس مجلس الشوری هو النائب العام الذی له أن یحضر معه أحد مستشاریه للجلسات بدون أن یکون للمستشار رأی فی المناقشات، و فی غیاب الرئیس یترأس المجلس إما معاونه و إما أحد مستشاریه.
[المادة الثالثة] یکون انتخاب أعضاء مجلس الشوری علی الصورة الآتیة.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 360
(أولا) أربعة أعضاء تنتخبهم الحکومة بعد استشارة أهل الفضل و الخبرة.
(ثانیا) أربعة أعضاء تختارهم الحکومة بمعرفتها و یکون اثنان من هؤلاء من أهل نجد.
[المادة الرابعة] مدة العضویة فی مجلس الشوری سنتان و یغیر نصف الأعضاء فی کل سنة، سواء المنتخب منهم و المعین، و لکن یمکن إعادة انتخاب الذین انتهت مدتهم.
[المادة الخامسة] یجب أن یکون عضو مجلس الشوری متصفا بالصفات الآتیة:
(أولا) أن لا یقل سنه عن خمس و عشرین سنة.
(ثانیا) أن یکون من ذوی المعرفة و الخبرة.
(ثالثا) أن لا یکون محکوما علیه بأحکام تخل بالشرف.
(رابعا) أن یکون حسن السلوک.
[المادة السادسة] الأعمال التی تعرضها الحکومة علی المجلس هی:
(أولا) موازنات دوائر الحکومة و البلدیة و موازنة عین زبیدة.
(ثانیا) الرخص للشروع فی عمل مشاریع اقتصادیة و عمرانیة.
(ثالثا) الامتیازات للمشاریع المالیة و الاقتصادیة.
(رابعا) نزع الملکیة للمنافع العمومیة.
(خامسا) سن القوانین و الأنظمة.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 361
(سادسا) الزیادات التی تضاف إلی موازنات الدوائر فی بحر السنة.
(سابعا) النفقات العارضة التی تعرض لدوائر الحکومة فی بحر السنة، إذا زاد المطلوب عن مائة جنیه.
(ثامنا) قرارات استخدام الموظفین الأجانب.
(تاسعا) العقود مع الشرکات و التجار لمشتری أو مبیع لوازم دوائر الحکومة إذا زاد المبلغ عن مائتی جنیه ...
[المادة السابعة] ینقسم المجلس إلی لجنتین تتولی کل واحدة منها درس المعاملات التی یحیلها إلیها سکرتیر المجلس، و تبدی رأیها فیها، ثم تتبادل اللجنتان الأوراق التی فی ید کل واحدة و تدرس الواحدة ما کان بید الأخری، ثم تعرض النتیجة فی جلسة عامة من جلسات المجلس لوضع قراره النهائی.
[المادة الثامنة] ینعقد المجلس بحضور أربعة أعضاء و الرئیس، و تصدر القرارات بموافقة ثلثی مجموع أصوات المجلس.
[المادة التاسعة] ینعقد المجلس مرتین فی الأسبوع بصورة اعتیادیة و یمکن أن یجتمع أکثر من ذلک بناء علی دعوة من رئیسه کلما دعت الحاجة، و یمکن أن تجتمع اللجنتان فی غیر أوقات الاجتماع المعینة للمجلس.
[المادة العاشرة] یمکن للمجلس أن یلفت نظر الحکومة إلی أی خطأ وقع فی تطبیق القوانین و الأنظمة المعروفة.
[المادة الحادیة عشر] إذا عرضت الحکومة مشروعا علی المجلس
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 362
فرفضه أو عدل فیه تعدیلا لم توافق علیه الحکومة فللنائب العام أن یعید المشروع إلی المجلس مع ملاحظة کافیة لإقناعه بصواب رأی الحکومة و ضرورة تغییر قراره، فإن رفض المجلس ثانیة أو أصرّ علی تعدیله السابق یکون القول الفصل فی الأمر لجلالة الملک، و للمجلس أن یراجع جلالة الملک بواسطة رئیسه لأجل التصدیق علی مشروع قرره المجلس و مضی علیه شهر قبل صدور إرادة الملک بالموافقة علیه.
[المادة الثانیة عشر] یجب أن یدعی رئیس الدائرة ذو العلاقة حینما یبحث المجلس فی مسألة لها علاقة بدائرته و یجب أن تراعی هذه القاعدة دوما.
[المادة الثالثة عشر] یعین لمجلس الشوری سکرتیر أمین سر قدیر واقف علی تنظیم المعاملات و ترتیبها لیتلقی الأوراق و ینظمها و یلخصها، و لکی یضع جدول الأعمال لکل جلسة و یقدمه للأعضاء قبل انعقاد الجلسة بیوم واحد علی الأقل، و یکون للمجلس کاتب أو اثنان علی قدر اللزوم غیر أمین السر.
[المادة الرابعة عشر] للملک حق مجلس الشوری و تغییر أعضائه أو عزلهم.
[المادة الخامسة عشر] تحل هذه القرارات محل القسم الخاص بمجلس الشوری من القسم الرابع من التعلیمات الأساسیة صدر بأمرنا فی الیوم التاسع من شهر محرم الحرام سنة 1346 ه.

نظام مجلس المعارف‌

نحن عبد العزیز بن عبد الرحمن الفیصل آل سعود بعد الاطلاع علی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 363
المواد 33+ 24+ 25 من التعلیمات الأساسیة و بعد الاطلاع علی أمرنا الصادر فی غرة المحرم الحرام سنة 1346 ه بشأن تشکیل لجنة التفتیش و الإصلاح و بناء علی ما عرضه علینا اللجنة المذکورة فقد أصدرنا أمرنا بما هو آت:
[المادة الأولی] یؤلف مجلس للمعارف تحت رئاسة مدیر المعارف العمومیة یسمی مجلس المعارف.
[المادة الثانیة] یتألف مجلس المعارف من ثمانیة أعضاء ما عدا الرئیس یعینون بأمر ملکی علی أن یکون أربعة منهم من کبار الموظفین و أربعة من أرباب الکفاءة و المعرفة من غیر الموظفین.
[المادة الثالثة] ینعقد مجلس المعارف مرة فی الأسبوع و عند الضرورة أکثر.
[المادة الرابعة] تعطی للعضو من غیر الموظفین مکافأة جنیه واحد عن کل جلسة.
[المادة الخامسة] صلاحیة المجلس معینة فیما یلی: (1) الموافقة علی موازنة إدارة المعارف، (2) الموافقة علی تعیین المعلمین الذین یرشحهم المدیر، (3) الموافقة علی عزل المعلمین متی حصلت ضرورة لعزلهم، (4) الموافقة علی برامج التعلیم و مناهجه، (5) النظارة علی حالة المدارس و درس تقاریر المدیر عنها، (6) النظارة علی لجنة امتحان المعلمین السنویة، (7) الاقتراحات بتوحید برامج التعلیم فی الحجاز، (8) انتخاب الکتب المدرسیة و المدارس الحکومیة، (9) السعی لتألیف لجنة لوضع و ترجمة الکتب المدرسیة الموافقة للمحیط الحجازی و مکافأة
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 364
مؤلفی و مترجمی تلک الکتب، (10) سن الأنظمة للمدارس و المدیرین و المعلمین، (11) سن نظام لامتحانات المعلمین السنویة و لتدریبهم و إلقاء المحاضرات علیهم، (12) النظر فی حالة الکتاتیب الخصوصیة من الوجهتین العلمیة و الصحیة، و وضع التقاریر بخصوص إصلاحها.
[المادة السادسة] علی نائبنا العام تنفیذ أمرنا هذا صدر فی 27 محرم سنة 1346 ه.

أعضاء مجلس المعارف‌

و فی صفر سنة 1346 ه صدر بلاغ بتعیین أعضاء مجلس المعارف هذا نصه: نحن عبد العزیز بن عبد الرحمن الفیصل آل سعود بعد الاطلاع علی أمرنا رقم 7 المؤرخ 27 المحرم سنة 1346 ه بشأن تشکیل مجلس المعارف أصدرنا بما هو آت:
[المادة الأولی] یعین کل من الذوات الآتیة أسماؤهم أعضاء فی مجلس المعارف، السید صالح شطا، الشیخ عبد اللّه حمدوه، الشیخ أمین فورة، الشیخ ناصر الترکی، الدکتور عبد الغنی، الشیخ محمد نور فطانی، الشیخ ماجد الکردی، الشیخ علی مالکی.
[المادة الثانیة] یباشر الأعضاء أعمالهم من تاریخ صدور أمرنا هذا.
[المادة الثالثة] علی نائبنا العام تنفیذ هذا الأمر.
صدر فی 2 صفر سنة 1346 ه
فی شهر ربیع الأول سنة 1346 ه سافر الشیخ محمد کامل للنصاب مدیر المعارف العام إلی مصر للتداوی و المعالجة و تعین الشیخ ماجد الکردی وکیلا عن إجازته.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 365

نظام تشکیلات المحاکم الشرعیة

و فی شهر صفر سنة 1346 ه صدر بلاغ فیه نظام تشکیلات المحاکم و هذا نصه: نحن عبد العزیز بن عبد الرحمن الفیصل آل سعود بناء علی ما عرضته علینا الجمعیة العمومیة المکلفة بالنظر فی أوضاع المحاکم الشرعیة و الأوقاف و الحرم الشریف و المعارف و هیئة الأمر بالمعروف قد أصدرنا بما هو آت:

الفصل الأول فی تشکیل المحاکم الشرعیة و وظائفها

[المادة الأولی] تنشأ فی مکة المحاکمة الآتیة: (أولا) محکمة الأمور المستعجلة و مرکزها الحمیدیة و تنظر فی الجنح و التعزیزات الشرعیة و الحدود التی لا قطع فیها و فی الدعاوی المالیة التی لا تزید عن ثلاثین جنیها و أحکامها لا تقبل النقص ما لم یخالف نصّبا أو إجماعا، (ثانیا) محکمة الأمور المستعجلة الثانیة، و مرکزها فی دائرة القائمقام و تنظر فقط فی أمور البادیة و ما یتعلق بها و تکون فی صلاحیتها کالمحکمة الأولی و ذلک فیما عدا العقار حیث أنه من اختصاص المحکمة الشرعیة الکبری، (ثالثا) المحکمة الشرعیة الکبری تنظر فی جمیع الدعاوی التی تقدم لها مما هو خارج عن اختصاص المحاکم المستعجلة و تقسم الدعاوی علی قضاة هذه المحکمة لینظر کل منهم الدعوی علی انفراد و قبل الحکم یجتمع قضاة المحکمة کلهم لإصدار الحکم بموافقتهم جمیعا أو بالأکثریة و هذا فی غیر الدعاوی التی تکون فیها قطع أو قتل فإنها لا تنظر ابتداء إلّا بحضور هیئة المحکمة.
[المادة الثانیة] تنشأ فی جدة و المدینة المحاکم الآتیة: (أولا)
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 366
محکمة الأمور المستعجلة و تکون فی اختصاصها کالمحکمة المستعجلة فی مکة، (ثانیا) المحکمة الشرعیة تنظر فی جمیع الدعاوی الخارجة عن اختصاص المستعجلة:
[المادة الثالثة] فی سائر الملحقات یقضی سائر الأحکام قاضی واحد.
[المادة الرابعة] عدد القضاة فی المحاکم المختلفة کما یأتی: (أولا) فی مکة قاضیان للأمور المستعجلة لکل منهما کاتب و ثلاثة قضاة للمحکمة الشرعیة الکبری أحدهم رئیسا، و یتکون دیوان المحکمة الشرعیة الکبری من الموظفین الآتیین، رئیس کتاب، و مسجل، و مقید، و ثلاثة کتاب ضبط و کاتب خصوصیات، و رئیس، و أربعة محضرین، و فراش و بواب. (ثانیا) فی جدة و المدینة قاضی للأمور المستعجلة، و کاتب و خادم و قاضی واحد و نائب له للمحکمة الشرعیة [...] الموظفون الآتیة أسماؤهم، رئیس کتاب، و مقید، و مسجل، و کاتب ضبط، و رئیس، و محضران، و بواب.
(ثالثا) فی ینبع و الطائف و العرجة قاضی و کاتبان و محضر و فراش. (رابعا) فی أملج و اللیث و سائر الملحقات قاضی و کاتب و محضر و فراش.

الفصل الثانی [هیئة المراقبة القضائیة]

[المادة الخامسة] تؤلف هیئة للمراقبة القضائیة تکون وظیفتها الإشراف علی سائر المحاکم الشرعیة، و التفتیش من آن إلی آخر علی سیر القضایا و تدقیق الإعلانات الصادرة و نقضها و إبرامها و إعادة القضایا التی نقض حکمها إلی المحکمة التی صدر منها الإعلام لعمل ما یجب نحوه من إعادة المحاکمة، أو غیرها، و من الضروری أن تبین هیئة المراقبة
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 367
القضائیة أسباب نقضها مع الأدلة، و علی کل قاضی إذا خالف الحکم الصادر بالأکثریة أن یبین وجه مخالفة بالدلیل.
[المادة السادسة] تتألف هیئة المراقبة القضائیة من رئیس و معاون و ثلاثة أعضاء ینتخبهم صاحب الجلالة من کبار العلماء و یکون مرکزها فی عاصمة المملکة الحجازیة أما مکتبها فیتألف من رئیس کتاب و کاتبین آخرین و خادم.
[المادة السابعة] وظائف هیئة المراقبة معینة فیما یأتی (أولا) النظر فی جمیع الحدود الشرعیة ما عدا حدّی الشرب و القذف، (ثانیا) النظر فی المنازعات المالیة إذا طلب أحد المتداعین عرضها علیها و ذلک فی القضایا التی لا یکون الحکم فیها مبینا علی الإقرار (ثالثا) النظر فی الأحکام التی تمس حقوق المحجوز علیه لصغر أو غیره و کذلک الأحکام التی تمس حقوق الوقف (رابعا) المراقبة علی المعارف و المحاکم و الأمر بالمعروف و النهی عن المنکر، (خامسا) الإفتاء فی المسائل التی لا یرجع النظر فیها إلی المحاکم الشرعیة (سادسا) إرشاد قضاة المحاکم إلی الحکم إذا رفعوا للهیئة قضیة اختلفوا فیها و لم تحصل فیها أکثریة لاستیفائها فیها قبل الحکم أما إذا اختلفت هیئة المراقبة فی الحکم و لم تحصل فیه أکثریة فیعاد إلی الحکومة.

الفصل الثالث تعلیمات خاصة لسرعة إنجاز القضایا

[المادة الثامنة] علی القاضی أن یستفسر و یستوضح من المدعی عبر نقط تصحیح الدعوی إذا کان فیها نوع جهالة أو ما فی معناها حتی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 368
یستکمل شرائطها الشرعیة سواء کانت الدعوی تحریریة أو شفاهیة.
[المادة التاسعة] إذا حضر المدعی علیه و لم یحضر المدعی فی الوقت المحدود لسماع الدعوی بغیر عذر شرعی یقدمه للمحکمة یشطب دعواه و له أن یطلب رؤیة دعوا، فی وقت آخر باستدعاء جدید.
[المادة العاشرة] إذا حضر المدعی و لم یحضر المدعی علیه فی الوقت المحدود لسماع الدعوی بغیر عذر شرعی یقدمه للمحکمة أحضر للمرة الثانیة بواسطة الشرط، فإذا اختص اعتبر غائبا و أجری علیه حکم النائب.
[المادة الحادیة عشر] لا یجوز قبول الوکالة عن أحد الخصوم إلّا بعذر شرعی، سفر. أو مرض، أو امرأة مخدرة، و لا مانع من قبول وکالة الأقارب بعضهم عن بعض.
[المادة الثانیة عشر] لا یجوز تأخیر إخراج الإعلامات بعد صدور الحکم أکثر من خمسة أیام و تسلم الإعلامات لأربابها بالترتیب الأول.
[المادة الثالثة عشر] علی القاضی أن یری الدعاوی بترتیب تقدیمها إلیه و لا یجوز تقدیم بعض الدعاوی علی البعض الآخر.
[المادة الرابعة عشر] لا یجوز للقضاة أن یقبلوا زائرین أثناء المحاکمة.
[المادة الخامسة عشر] المدة التی یسوغ فیها عرض القضایا علی لجنة المراقبة للنظر فیها هی عشرون یوما من یوم تبلیغ صورة الإعلام للمحکوم علیه ما عدا یوم التبلیغ و التقدیم.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 369
[المادة السادسة عشر] تعفی معاملات المحکمة الشرعیة من الرسوم علی اختلاف درجاته.
[المادة السابعة عشر] إذا اتفق القضاة علی نوع الحکم فیجری حکم ما تم الاتفاق علیه من دون خلاف، و إن حصلت أکثریة یجری حکمها و إن لم تحصل هذه الأکثریة ترد القضیة إلی هیئة مراقبة القضاة لترشد إلی الحکم حسبما جاء فی البند السادس من المادة السابعة.

الفصل الرابع فی وظائف کاتب العدل‌

[المادة الثامنة عشر] وظائف کاتب العدل کما یلی: (أولا) تحریر الوثائق التجارة و التصدیق علیها، (ثانیا) تحریر السندات المالیة و التصدیق علیها، (ثالثا) تحریر الوکالات و الوصایا و التصدیق علیها، (رابعا) تحریر العقود العقاریة، (خامسا) تحریر الإنذارات.
[المادة التاسعة عشر] یسیر کاتب العدل فی الأعمال الداخلة فی اختصاصه طبقا لنظام یضعه مجلس الشوری.
[المادة العشرون] یکون مکتب کاتب العدل فی مکة من رئیس و کاتب مساعد له و فی جدة و المدینة من کاتب و فی الملحقات یتولی القاضی الشرعی کتابة العدل.

الفصل الخامس بیت المال‌

[المادة الحادیة و العشرون] یکون مأمور بیت المال مرتبطا من جهة الإدارة المالیة بوکالة المالیة و من جهة القضائیة بالمحکمة الشرعیة.
[المادة الثانیة و العشرون] وظائف مأمور بیت المال المحافظ علی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 370
حقوق الغائبین و حقوق الذین لیس لهم و لی و لا أهل و لا وکیل و لا وارث معلوم.
[المادة الثالثة و العشرون] یتکون بیت المال بمکة و جدة و المدینة من مأمور و معاون و کاتب و فی الموسم یزاد عدد الکتاب حسبما تقتضیه الحاجة أما فی ینبع فیقوم مأمور بیت المال بکل الأعمال، و فی سائر الملحقات یتولی کاتب المحکمة الشرعیة وظیفة مأمور بیت المال.
[المادة الرابعة و العشرون] علی نائبنا العام تنفیذ أمرنا هذا، صدر بأمرنا هذا فی 14 صفر سنة 1346 ه و فی 18 صفر سنة 1346 ه، صدر بلاغ بتعیین موظفی المحاکم الشرعیة و هذا نصه: نحن عبد العزیز بن عبد الرحمن الفیصل آل سعود بعد الاطلاع علی أمرنا الصادر فی 14 صفر سنة 1346 ه بخصوص تشکیل المحاکم الشرعیة، قد أصدرنا أمر بما هو آت:
[المادة الأولی] تشکل هیئة مراقبة القضاء من الذوات الآتیة أسماؤهم الشیخ عبد اللّه بن حسن [رئیسا]، محمد علی الترکی (معاونا)، علی المالکی (عضوا)، محمد الباقر (عضوا)، سعید أبو الخیر (عضوا).
[المادة الثانیة] تتألف المحکمة الشرعیة الکبری بمکة من الذوات الآتیة أسماؤهم: الشیخ المرزوقی أبو حسین (رئیسا) بهجت البیطار (عضوا) أمین فودة (عضوا).
[المادة الثالثة] یعین الشیخ محمد [...] قاضیا للأمور المستعجلة فی دائرة قائمقام مکة، و الشیخ حسین عبد الغنی قاضیا للأمور المستعجلة و مرکزه فی الحمید.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 371
[المادة الرابعة] علی نائبنا العام تنفیذ أمرنا هذا.
صدر أمرنا فی 18 صفر سنة 1346 ه

تعلیمات هیئة الأمر بالمعروف و النهی عن المنکر

و فی 18 صفر سنة 1346 ه صدر البلاغ بتعلیمات هیئة الأمر بالمعروف و النهی عن المنکر هذا نصه: صدر الأمر الملوکی السامی بالمصادقة علی التلیمات التالیة:
(أولا) تنشأ هیئة تأمر بالمعروف و تنهی عن المنکر و تکون مراکزها فی مکة و جدة و المدینة و ینبع و الطائف و بقیة الملحقات.
(ثانیا) یکون عدد أعضاء کل هذه الهئیة علی قدر اللزوم.
(ثالثا) یشترط فی أعضاء هیئة الأمر بالمعروف أن یکونوا من أرباب العلم بالشریعة و من ذوی الأخلاق الطیبة و الصفات الحسنة.
(رابعا) یعین لکل هیئة من الهیئات عدد کاف من الجنود للقیام بالواجبات الملقات علی عاتق الهیئة علی أن یکون هؤلاء الجنود من المتصفین بالتقوی و المعاملة بالحسنی.
(خامسا) تجتمع هذه الهیئة مرتین فی الأسبوع.
(سادسا) الأمور التی تنظر فیها هیئة الأمر بالمعروف و النهی عن المنکر (هی):
1- تنبیه الناس إلی أوقات الصلاة و سوق المتخلفین منهم إلیها بالحسنی إلی أقرب مسجد.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 372
2- مراقبات المحلات التی تجری فیها أمور مخلة بالشرع و الآداب.
3- دعوة الناس بالحسنی إلی ترک المعاصی و المخازی و البدع و الخرافات و الإلحاد.
4- منع البدع فی المآتم و الأفراح.
5- منع العوام عن السباب الشتائم.
6- الأخذ بید الضعیف و الرفق بالأرامل و العجزة فی أخذهم و عطائهم.
7- الرفق بالحیوان.
8- نقوم هیئة الأمر بالمعروف بإزالة کل ما هو مجمع علیه من المنکر و ترجع فیما هو مختلف فیه إلی هیئة مراقبة القضاء.
9- یقتضی تشکیل فرعین لهیئة الأمر بالمعروف بالمرکزیة فی مکة فرع فی حارة المعلی و فرع فی حالة الباب.
10- یشدد علی جنود الهیئة فی الامتناع عن استعمال العنف و الشدة مع أفراد الذین یجلبون إلی الهیئات.
و فی التاریخ المذکور من السنة المذکورة صدر أیضا بلاغ بتعیین أعضاء هیئة الأمر بالمعروف و النهی عن المنکر هذا نصه:
نحن عبد العزیز بن عبد الرحمن الفیصل آل سعود بعد الاطلاع علی أمرنا الصادر فی 16 صفر سنة 1346 ه بشأن تشکیل هیئات الأمر بالمعروف و النهی عن المنکر قد أصدرنا أمرنا بما هو آت:
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 373
[المادة الأولی] [...] کلا من الآتیة أسماءهم بعد أعضاء فی هیئة الأمر بالمعروف و النهی عن المنکر- الشیخ عبد الرحمن بشناق (رئیسا) عمر فقیه، محمد نور کتبی، محمد شروانی، أسعد مشفع، عبد اللّه بن عمار، عبد اللّه بن مطلق، سلیمان الصنیع، محمد الخضری، محمد عبد الرحمن العقل هؤلاء کلهم أعضاء.
[المادة الثانیة] علی نائبنا العام تنفیذ أمرنا هذا صدر بأمرنا فی 18 صفر سنة 1346 ه.
و فی شهر محرم الحرام سنة 1346 ه صدر الأمر الملوکی بإصلاح طریق بین مکة و الطائف للسیارات و انتهی العمل من الإصلاح فی شهر ربیع الأول من عامه و بدأت السیارات بالسیر بین البلدین.

تعیینات جدیدة فی سنة 1346 ه

تعین الشریف شرف عدنان و ناصر الترکی مستشارین لنائب جلالة الملک، و تعین توفیق الشریف رئیسا للدیوان، و تعین الدکتور عبد الهادی خلیل طبیبا لجلالة الملک، و تعین الشیخ عبد الظاهر أبو السمح عضوا فی هیئة المراقبة القضائیة بدلا من الشیخ محمد الباقر المستقیل، و الشیخ محمد نور فطانی عضوا فی هیئة المحکمة الشرعیة الکبری بدلا من الشیخ بهجت البیطار المستقیل، و یعین الشیخ عرابی سجینی کاتبا للعدل فی مکة، و الشیخ سلیمان أزهر رئیسا لمجلس إدارة الحرم، و الشیخ هاشم سلیمان نائب الحرم، و عبد العزیز الریّس عضوین فی مجلس إدارة الحرم- و فی شهر ربیع الآخر سنة 1346 ه عیّن عبد العزیز بن إبراهیم أمیر الطائف السابق أمیرا فی المدینة المنورة و عیّن یاسین الرواف وکیل
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 374
الحکومة فی سوریا معاونا للأمیر لمدة مؤقتة- و فی شهر ربیع الآخر سنة 1346 ه عیّن الشیخ أحمد کماضی قاضیا لمحکمة جدة الشرعیة.

کسوة الکعبة

صدر الأمر السامی فی شهر صفر سنة 1346 ه بتشیید البناء لنسیج کسوة الکعبة بجیاد و قد طلب جلالة الملک نساجین من الهند، لنسیج کسوة الکعبة فوصلوا جدة فی 8 جمادی الأولی سنة 1346 ه و فی أواسط جمادی الأولی سنة 1346 ه وصلت أنوال الحیاکة و ما تحتاج إلیه من آلات و أدوات معمل نسیج الکسوة، و شرع العمال فی ترکیبها و ترتیبها فی البنایة الخاصة، و قد باشر عمال النسیج فی حیاکة قماش الکسوة فی أواخر الشهر المذکور و فی منتصف ذی القعدة من السنة المذکورة تم نسج الکسوة و وصل مکة فی أواخر ذی القعدة من السنة المذکورة من الهند حزام الکعبة و ستارة البیت المنسوجین المطرزین فإن: جلالة الملک کان قد أصدر أمره السامی بها فی الهند علی حساب جلالته الخاص، و فی یوم الخمیس رابع ذی الحجة أقیمت حفلة شاهی فی الدیوان العالی بجیاد للاحتفال بالکسوة دعی إلیها مئات من حجاج بیت اللّه الحرام و من الأعیان و الأشراف و الأهلین علی اختلاف طبقاتهم، و فی الساعة العاشرة بدأ المدعوون یصلون زرافات و وحدانا و فی مقدمتهم صالح بن غالب القطیعی و السید أحمد السنوس الکبیر و حمد باشا الباسل و عبد الرحمن بک عزام من أعضاء المجلس النیابی المصری و أعضاء الوفد الیمانی و بعض أمراء البحرین و فریق من أنحاء الهند و غیرهم و قد ضاقت القاعة الکبری علی سعتها فبلغ عدد الجماهیر التی اجتمعت ما یقارب الألف نسمة، و فی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 375
الساعة العاشرة و الدقیقة (45) شرّف صاحب الجلالة الملک المعظم فاستقبل استقبالا یلیق بجلالته و جلس فی المکان الخاص، و بعد أن استراح قلیلا وقف الشیخ إبراهیم بن معمر رئیس الدیوان الخاص و افتتح الحفلة بأمر من جلالة الملک فألقی الکلمة الآتیة:

سادتی و إخوانی‌

أحییکم بتحیة الإسلام و أرحّب بمقدمکم المیمون و أقدم لکم جزیل الشکر و أوفر الثناء علی تلبیتکم لهذه الدعوة، أیها السادة إن هذه الحفلة التی تقام ابتهاجا بصنع کسوة الکعبة المشرّفة فی مکة المکرمة فی عهد صاحب الجلالة ملیکنا المحبوب حفلة لأشرف عمل قام فی الحجاز علی ید الإمام عبد العزیز لخدمة البیت المعظم، کما أن هذا العمل لیس أول برکات جلالة الملک فی هذه البلاد الطاهرة بل هو إحدی حلقات سلسلة من الأعمال الدینیة و الدنیویة النافعة لا أرانی فی حاجة إلی تعدادها فهی مائلة إلی العیان و لا خبر بعد عیان و من شاهد استغنی عن البرهان، و سیتلوها إن شاء اللّه تعالی من ضروب الإصلاح ما هو أعظم و أفخم [...] هذه البلاد فی عهدها الزاهر مزدانة لکل ما تقربه عین الإسلام و یبهج نفوس المسلمین ثم ألقی الأدیب الشیخ أحمد الغزاوی خطابا، و تلاه الشیخ إسماعیل الغزنوی فبحث فی مسألة الکسوة و کیفیة صنعها فی هذا العام. و بعد الانتهاء من الخطابات بوشر بعرض الکسوة الشریفة و الحزام و السجف علی الحاضرین و قد نالت استحسان الجمیع لمتانتها و حسن صنعها و العنایة بحیاکتها، ثم شرّف جلالة الملک و تبعه المدعوون إلی الموضع الذی أعد فی شقة المؤتمر العلیا فجلس جلالته فی رأس
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 376
الخیوان و عن یمینه و شماله کبار رجال المدعوین، فبقیة المدعوین، و کانت السفرة تحتوی علی ما لذ و طاب من فواکه و حلویات و شاهی و حلیب و غیرها و منظمة تنظیما بدیعا، ثم ألقی عبد الرحمن بک عزام عضو المجلس النیابی بمصر خطابا بلیغا. ثم أفاض جلالة الملک موضوع محافظته علی الدین و رعی المسلمین للإسنمساک بما جاء به الرسول صلی اللّه علیه و سلم.
و بعد الانتهاء من ذلک عاد جلالته الدیوان العالی و خرج المدعوون و هم یلهجون بشکر جلالة الملک و اهتمامه بهذه الدیار المقدسة.

ظهور بئر قدیم بجبل عرفات‌

و فی شهر ربیع الثانی سنة 1346 ه عثرت إدارة لجنة عین زبیدة علی آثار بئر فی جبل عرفات فرفع العمال الأتربة و الحجارة الموجودة فیه فظهر آثار رماد، و البئر المذکور منقور بین الصخور و یقدر قطره بسبعة أمتار. أما عمقه فثلاثة و عشرون مترا، و قد وجد بین الأتربة حجر منقوش علیه ما نصه: [لا إله إلّا اللّه عز شأنه] بسم اللّه الرحمن الرحیم:- أدام اللّه مولانا الإمام الناصر لدین اللّه أمیر المؤمنین- أمر الأمیر الإصفهلار مظفر الدین بن زید الدین رضی اللّه عنه بإبداع هذه البئر فی موقف عرفة و مهبط الرحمن منهلا لحاج بیت اللّه الحرام و سبلا محبسا علی کافة المسلمین عامة ابتغاء مرضاة اللّه تعالی و طلبا فی أیام عدل مولانا الأمیر الشریف أمیر الحرمین عز الدین أبی عزیز قتادة بن إدریس بن مطاعن الحسنی خلد اللّه ملکه [...] عمارة البئر العبد الفقیر إلی اللّه تعالی عمر بن إبراهیم بن خلکان غفر اللّه له و عبد العزیز بن أبی بکر الأربلی و قمر الدین الحلبی فی سبعة و ستمائة. انتهی.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 377

إصلاح طریق جدة للسیارات‌

و فی شهر ربیع الآخر سنة 1346 ه أصدر الأمر الملوکی بإصلاح طریق جدة للسیارات، فباشروا العمل فی أوائل جمادی الأولی من السنة المذکورة و قد صدر الأمر بتعیین لجنة لمراقبة الأعمال مؤلفة من سلیمان شقیق کمالی باشا و الشیخ عبد اللّه الجفالی و ثلاثة من المهندسین.

سفر جلالة الملک إلی الریاض‌

و فی 22 ربیع الآخر سنة 1346 ه توجه جلالة الملک إلی الریاض و وصل هناک فی 28 من الشهر المذکور.

تعیین عمد الحوائر

و فی شهر جمادی الثانی سنة 1346 ه عینت الحکومة عمد أو معاونین للحوائر بهذا التفصیل:
[1] محلة جرول: محمد سعید نقاحة (عمدة) السید عبد اللّه مخرج (معاون) صلاح بن عابس (معاون).
[2] محلة المسفلة: محمد زین العابدین (عمدة) أحمد دبلول (معاون) أحمد حمودة (معاون).
[3] محلة الشامیة: عباس علاء الدین (عمدة) عبد اللّه صنعانی (معاون) أحمد الیاس (معاون).
[4] محلة جیاد: عبد القتاح فدا (عمدة) عمر جاد (معاون) عمر عجاج (معاون).
[5] محلة الشبیکة: محمد علی سمیلان (عمدة) السید حامد شیخ (معاون) أحمد أزهر (معاون).
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 378
[6] محلة السعت: محمد نور خوقر (عمدة) خلیل عبرة (معاون) محمد علی الشقیری (معاون).
[7] محلة النقا: صالح برجیس (عمدة) محمد الیتیم (معاون) عبد اللّه مخلص (معاون).
[8] محلة سوق اللیل: بکر مرحولی (عمدة) عیدروس جفری (معاون) سلیمان رجب (معاون).
[9] محلة حارة الباب: سلیمان حسب اللّه (عمدة) عبد الغنی بشیر (معاون) أحمد حمام (معاون).
[10] محلة السلیمانیة: محمد جمال مشرفة (عمدة) محمد علی شامی (معاون) عمر غریب (معاون).
[11] محلة القشاسیة: محمد نصار (عمدة) محمد عایش ریس (معاون) سلیمان أبو غلیة (معاون).
[12] محلة القرارة: أحمد جستانیة (عمدة) علی سحرنی (معاون) أمین حملی (معاون).
و فی 27 ربیع الثانی سنة 1346 ه وجد مأمور مرکز شرطة بحرة الشاویش موسی بن عبد اللّه کیس بطریق جدة فی ضمنه ألف جنیه و نیف فحفظ فی دائرة الشرطة و بعد یوم تبین أن هذا المبلغ لرجلین من أهل مکة هما محمد محمود عطار و صالح موسی کتبی الصیرفیان فسلمت إلیهما بعد إعطائهما الأمارات اللازمة و قد کافأت الحکومة الشاویش المذکور بمبلغ من المال تقدیرا لعمله هذا.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 379

إصلاح طریق ینبع للسیارات‌

و فی شهر جمادی الأولی سنة 1346 ه. أصلح طریق المدینة من ینبع للسیارات و قد سارت السیارة الأولی بین البلدین فقط المسافة التی بینهما فی مدة ست ساعات و نصف.

إحصاء السیارات التی تسیر فی الحجاز

بلغ عدد السیارات التی تسیر فی البلاد الحجازیة و سجلت عند الحکومة إلی شهر ذی القعدة سنة 1346 ه (575) سیارة و لم یدخل فی هذا الإحصاء عدد سیارات القصر الملکی و الحکومة و الخصوصیة.
و فی شهر رمضان سنة 1346 ه وصلت مکة المکرمة بیکم جونیور سر أمیرات الهند لأداء فریضة الحج و عقبتها (35) شخصا من حاشیتها و فی غرة شهر الحج سنة 1346 ه وصل مکة المکرمة السلطان صالح بن غالب القصیطی سلطان الشجر و المکلا لأداء فریضة الحج و معه بضعة رجال من حاشیته.

مظلات الحرم‌

و فی شهر شوال سنة 1346 ه نصبت أعمدة خشبیة فی صحن الحرم و وضع ستائر من قماش علیها لوقایة الحجاج لفح الشمس وقت الظهر.

تشریف جلالة الملک من الریاض‌

و فی 16 ذی القعدة سنة 1346 ه شرّف جلالة الملک مکة المکرمة من الریاض و کان خروجه منها فی 15 شوال متوجها إلی بلاد القصیم ثم إلی حائل ثم إلی المدینة المنورة ثم إلی جدة و منها إلی مکة، و قد أعدّ
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 380
البلدیة لاستقبال جلالته استعدادا عظیما فی جرول حیث نصبت السرادق الکبیرة فی الساحة الکبری الواقعة أمام الثکنة العسکریة و أقاموا أقواس النصر من جرول حتی القصر الملوکی فی ساحة العدل و أمام قصر الأمیر فیصل نائب جلالة الملک و من ساحة العدل حتی نیابة الدیوان الملوکی فی جیاد- و فی ثالث عشر ذی الحجة سنة 1346 ه توفی الإمام عبد الرحمن ابن فیصل والد جلالة الملک المعظم فی الریاض جاء خبر وفاته بالنبأ البرقی من طریق البحرین.

حل مجلس الشوری‌

و فی 25 ذی الحجة سنة 1346 ه أصدر البلاغ بحل مجلس الشوری و هذا نصه: من عبد العزیز بن عبد الرحمن الفیصل السعود بناء علی ما رآه نائبنا العام من وجوب الاستئناس برأی شعبنا الکریم فیما یراد إجراؤه من الإصلاحات و الإنشاءات أمرنا بما هو آت:
[المادة الأولی] یحل مجلس الشوری.
[الثانیة] یجری انتخاب المجلس الجدید فی ظرف أسبوع.
[الثالثة] علی نائبنا العام تنفیذ أمرنا هذا.
الختم الملوکی 25 ذی الحجة سنة 1346 ه

إحصاء عدد الحجاج الواردین من طریق البحر سنة 1346 ه

الحجاج الذین وردوا فی عام 1346 ه من طریق البحر للحج هذا تفصیلهم.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 381
الیکون/ الکبار/ الصغار/ الأجناس
49394/ 45528/ 3866/ جاوه
14099/ 13784/ 315/ مصریون
13781/ 13492/ 289/ هنود
68/ 67/ 1/ سنغال
2825/ 2807/ 18/ مغاربة
3122/ 3117/ 25/ أفغان
341/ 334/ 7/ مسقط
3403/ 3392/ 11/ إیرانیون
522/ 512/ 10/ حضارم
74/ 72/ 2/ نجدیون
1987/ 1959/ 28/ نجاریة
875/ 869/ 6/ أتراک
112/ 105/ 7/ کینیون
34/ 34/ 0/ زنجبار
108/ 106/ 2/ جینا
1109/ 1089/ 20/ سوریون
528/ 527/ 1/ عراقیون
1242/ 1235/ 7/ یمانیون
2051/ 1791/ 260/ تکارنة
1104/ 1076/ 28/ سودانیون
239/ 239/ 00/ جبوت و صومال
1169/ 1112/ 57/ أهالی
98735/ 93793/ 4942/ الیکون
2128/ 2092/ 36/ الواردین من ینبع
و هم سوریون
و سودانیون و مصریون
100863/ 95885/ 4978/ الیکون الفحومی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 382

قرار إیجارات عقار سنة 1347 ه

و فی أوائل محرم سنة 1347 ه، أصدرت الحکومة بلاغا فی إیجار عقارات سنة 1340 ه هذا نصه: بناء علی حلول عام 1347 ه تقرر أن تکون إیجار العقار للعام الحالی سنة 1347 ه کما یأتی:
1- لا یجوز للمؤجرین أن یزیدوا فی أجور العقارات لهذا العام الحالی أکثر من عشرین فی المائة عن إیجار العام الماضی.
2- البیوت الخالیة التی یستأجر لأجل الاستفادة من إیجارها للغیر لا تدخل ضمن التحدید المذکور فی المادة الأولی بل یکون بالاتفاق بین المؤجر و المستأجر.
3- لصاحب الملک الذی یرید استعمال ملکه بنفسه أن یخرج المستأجر منه و إذا أثبت أنه لم یستعمله بنفسه بل أخرج المستأجر للإضرار به یجازی و یجبر علی إرجاع المستأجر الأول و یلزم بدفع تعویض عن الأضرار التی تلحق به.

تنسیقات جدیدة لعام 1347 ه

صدر الأمر العالی لإحداث بعض تنسیقات فی دوائر الحکومة و موظفیها و هذا نصه: بناء علی ما عرضه علینا نائبنا العام قد أصدرنا أمرنا بما یلی:
[المادة الأولی] یعین الذوات الآتیة أسماؤهم بعد أعضاء فی مجلس الشوری: الشیخ عبد اللّه الشیبی، السید صالح شطا، السید عبد الوهاب، نائب الحرم الشیخ عبد الوهاب عطار، الشیخ محمد صالح نصیف، الشیخ قاسم إسماعیل، الشیخ سعود دشیشة، الشیخ دیاب الناصر، الشیخ محمد
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 383
إبراهیم القفیدی، الشیخ عبد اللّه الجفالی، و شخص ینتخب من ذوی الحل و العقد فی مدینة ینبع.
[المادة الثانیة] یعین الشیخ حافظ وهبة مستشارا لنا و یکلف فی نفس الوقت بإدارة المعارف العمومیة.
[المادة الثالثة] یعین الشیخ حامد رویحی کاتب عدل جدة الحالی رئیسا لدیوان النیابة العامة و یعین سعید الهزازی کاتبا للعدل فی جدة.
[المادة الرابعة] یعین الشیخ ماجد الکردی مدیرا للأوقاف و عمر فقیه معاونا له و سلیمان أزهر و عباس مالکی هو و عضوین فی مجلس إدارة الأوقاف.
[المادة الخامسة] یعین الشیخ عباس قطان رئیسا لأمانة العاصمة و یثبت الشیخ أمین سجینی معاونا له و یثبت الأعضاء فی وظائفهم.
[المادة السادسة] یعین السید علی سلطان مدیرا للبرید بجدة.
[المادة السابعة] علی نائبنا العام تنفیذ أمرنا هذا و علی الموظفین المعنیین آنفا المباشرة بوظائفهم اعتبارا من الیوم العاشر من شهر محرم الحرام سنة 1347 ه، صدر بأمرنا فی الیوم السابع من محرم سنة 1347 ه.

رئیس مجلس الشوری‌

و فی شهر محرم سنة 1347 ه عقد مجلس الشوری جلسة فوق العادة فی دار الدیوان الملکی برئاسة الأمیر النائب العام و بحث فیها عن وکیل رئیس لمجلس الشوری ینوب عنه سمو الأمیر فی إدارة الجلسات
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 384
فتقرر ترشیح الشیخ عبد اللّه الفضل لوکالة رئاسة المجلس و انتخب الاقتراع السری الشیخ صالح شطا وکیلا ثانیا لرئاسة المجلس.

مجلس المعارف‌

و فی شهر المذکور من السنة المذکورة صدر الأمر الملکی بهذه الصورة: نحن عبد العزیز بن عبد الرحمن الفیصل السعود نأمر بما هو آت:
[المادة الأولی] یعین الشیخ محمد أمین فودة، و الشیخ محمد علی خوقیر معاونین لمدیر المعارف العمومیة.
[المادة الثانیة] یعین حضرات الذوات الآتیة أسماؤهم أعضاء لمجلس إدارة المعارف: الشیخ ماجد الکردی، و الشیخ بهجت البیطار، و الشیخ محمد حامد الفقی، و الشیخ محمد نور قطانی.
[المادة الثالثة] علی نائبنا العام تنفیذ أمرنا هذا.

التدریس فی الحرم المکی‌

و فی شهر محرم سنة 1347 ه صدر الأمر الملکی بهذه الصورة.
نحن عبد العزیز بن عبد الرحمن الفیصل السعود أمرنا بما هو آت:
[المادة الأولی] تتألف هیئة المراقبة الدروس و التدریس فی الحرم.
[المادة الثانیة] تکون هذه الهیئة تابعة لإدارة المعارف.
[المادة الثالثة] یعین حضرة الأستاذ الشیخ عبد اللّه بن حسن رئیسا لهذه الهیئة و یعین حضرات المشایخ الآتیة أسماؤهم أعضاء مراقبین و هم:
الشیخ عبد الظاهر أبو السمح و الشیخ بهجت البیطار، و الشیخ عباس
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 385
صدقة، و الشیخ جنان طیب، و الشیخ عبد الرحمن مظهر، و الشیخ محمد سیاد، و الشیخ محمد حامد الفقی، و الشیخ عبد الرحمن أبو حجر، و الشیخ محمد نور الهندی.
[المادة الرابعة] یعین حضرات المشائخ الآتیة أسماؤهم مدرسین فی الحرم الشریف حسب النظام الذی یوضع و هم: الشیخ محمد علی الترکی، الشیخ عبد الظاهر أبو السمح، الشیخ بهجت البیطار، الشیخ عیسی رواس، الشیخ محمد حامد الفقی، الشیخ حسین عبد الغنی، الشیخ محمد سیاد، الشیخ جمال المالکی، الشیخ حسن یمانی، الشیخ محمد نور الهندی، الشیخ عبد الرحمن مظهر، الشیخ عباس مالکی، الشیخ عبد اللّه الحملطی، الشیخ محمد الضوء، الشیخ جنان طیب، الشیخ عباس صدقة، الشیخ حسن فلمبان، الشیخ عبد الرحمن أبو حجر، الشیخ سلیمان أباظة، الشیخ عبد اللّه السندی، الشیخ عبد الستار اللیثی، الشیخ عبد الحلیم السلفی، الشیخ علی مالکی.
[المادة الخامسة] العلوم التی تدرس فی الحرم هی التوحید و التفسیر و الفقه و العلوم العربیة بأنواعها.
[المادة السادسة] تعین مرتبات کافیة للعلماء و غیر الموظفین و مکافآت للموظفین منهم.
[المادة السابعة] یرتب لکل طالب خمسة ریالات عربیة فی کل شهر و تمنح جوائز فی آخر السنة للناجحین من الطلبة و ذلک حسب النظام الذی تضعه مدیریة المعارف.
[المادة الثامنة] علی نائبنا العام تنفیذ أمرنا هذا:
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 386
و فی أوائل شهر ربیع الثانی سنة 1347 ه أصدر جلالة الملک أمره العالی حین کان فی الطائف بتوزیع أربعة آلاف جنیه علی الفقراء المستحقین فیها و قد تشکلت علی إثر ذلک لجنة قامت بإجراء هذا التوزیع.

تعمیر بئر بعرفة عند مسجد نمرة

و فی الشهر المذکور من السنة المذکورة تبرع أحد أعضاء عین زبیدة الفخری الشیخ محمد سعید خوجة بإیجاد بئر عند مسجد نمرة بعرفة من ماله الخاص ابتغاء لوجه اللّه الکریم، تکون موردا لعموم الحجاج و المسافرین الذین یتبوءون المسجد فی یوم عرفة، و یؤدون صلاة الجمع لوقتی الظهر و العصر، و قد صار الشروع فی حفره و تعمیره بنظر و مراقبة الهیئة، و فی الشهر المذکور أیضا تم تعمیر الصهریج الکائن عند الجمرة الوسطی بمنی، و السبیل الذی بجانبه، و تعمیر عدة بزابیر من البازان العمومی بمنی ظهر فیها خراب.

رسوم الحجاج سنة 1347 ه

صدر الأمر السامی بالموافقة علی العوائد المقرر أخذها من الحجاج سنة 1347 ه و هی کالعوائد التی أخذت فی العام السابق بدون زیادة و لا نقص.

سفر جلالة الملک إلی الریاض‌

و فی 20 ربیع الأول سنة 1347 ه سافر جلالة الملک من الطائف إلی الریاض و کان عدد رجال الرکب یقرب من خمسمائة راکب و فیهم من أخوة جلالة الملک الأمیران محمد و عبد اللّه، و من أنجال جلالته الأمراء
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 387
محمد و خالد و منصور و سعد و بندر و مشعل، و من أبناء إخوة جلالته الأمیر خالد بن محمد و الأمراء فیصل و فهد و سعود أبناء المرحوم سعد أخیه، و فی رجال الرکب الأستاذ الشیخ عبد اللّه بن حسن و حضرات الأعیان عبد العزیز بن ترکی و ناصر بن سعود، و عبد الرحمن بن سویلم أمیر القطیف و رئیس دیوان جلالته الخاص إبراهیم بن معمر، و سائر کتاب دیوان جلالته الخاص و هم: حمد المضیان و محمد الدغیثر و عبد اللّه بن عثمان و محمد بن مانع و محمد بن ناصر بن ضاوی و محمد بن حمد القاضی و کذلک رجال دیوان الإدارة النجدیة محمد أبو عبید، و إبراهیم بن عبدان، و عبد الرحمن بن عبد العزیز الشعبی، و محمد صالح العرامی و هیئة صحیة مؤلفة من طبیّین و هما الدکتور عبد الحمید و الدکتور محمود الهندیان و معهما صیدلی و کذلک طبیب جلالته الخاص الدکتور مدحت شبیخ الأرض و یوسف یاسین و هناک عدد من رجال الحرس الخاص و الخدم و قد کان عدد سیارات القافلة الملکیة اثنتین و ستین سیارة.

تعمیر مستشفی فی بحره‌

و فی شهر جمادی الثانیة سنة 1347 ه شرع العمال فی تشیید مستشفی الصحة فی قریة بحره الکائن بمنتصف الطریق بین مکة و جدة و قد تقرر أن تبنی بجانب المستشفی دائرتان أحدهما لإدارة الشرطة و الثانیة لإدارة البرق و البرید.

مدرسة فی الصفا

و فی شهر المذکور من السنة المذکورة أیضا أسست دائرة المعارف مدرسة ذات عشرة صفوف فی شارع الصفا بمکة المکرمة:
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 388

القصاص‌

و فی شهر رجب سنة 1347 ه صدر من دیوان النیابة العامة البلاغ التالی نظرا لارتکاب سلیمان دوسی من أهالی جیاد جنایة قتل عبد الرحمن بن السید علی البخاری و ثبوت ذلک بالوجه الشرعی تقرر قتله تعزیرا و نفذ القرار المذکور و لذا حرر.
و فی شهر رجب سنة 1347 ه صدر الأمر السامی بتعیین الشیخ أحمد الغزاوی سکرتیرا لمجلس الشوری.

صناعة السجاد

جلبت الحکومة أخصائیین فی سنة 1347 ه لصناعة السجاد من الهند لتعلیم من یشاء من الأهلین هذه الصناعة و قد أسس فرع فی دار الکسوة لهذا الغرض و وصل العمال المذکورون إلی مکة المکرمة و باشروا أعمالهم فی الدار المذکورة.

برنامج مراسم التبریک بعید الفطر لسنة 1347 ه

[المادة الأولی] یجلس سمو الأمیر المعظم بعد صلاة العید مباشرة للمعایدة فی بهو الاستقبال بدار الحکومة السنیة.
[المادة الثانیة] تصطف أفراد العسکریة من الهجانة تحت رئاسة قوادها من باب علی إلی باب جیاد إلی مدخل دار الحکومة السنیة علی جانبی الشارع.
[المادة الثالثة] الدخول للمعایدة یکون علی الترتیب الآتی:
1- رئیس و أعضاء هیئة المراقبة القضائیة قاضی مکة مدیر و الدوائر محافظ مفتاح بیت اللّه الحرام قائم مقام العاصمة.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 389
2- أعضاء مجلس الشوری.
(3) نواب الشرع و العلماء.
(4) الأعیان و الوجهاء.
(5) المأمورون و العسکریون.
(6) المأمورون الملکیون.
(7) خدمة الحرم الشریف.
(8) المطوفون و مشائخ الجاوی.
(9) رؤساء الحوائر.
[المادة الرابعة] یجلس المهنئون قبل دخولهم علی سمو الأمیر فی غرف مجلس الشوری و النیابة العامة و الخارجة و الأوقاف و الشرطة.
[المادة الخامسة] یکون الدخول من الباب الجانبی و الخروج من الباب الوسط.
[المادة السادسة] مدیر الشرطة و أمین العاصمة مکلفان بتنفیذ هذا البرنامج.

تشریف جلالة الملک من الریاض إلی المدینة المنورة ثم منها إلی مکة

وصل رکب جلالة الملک إلی المدینة المنورة فی یوم السبت الموافق 25 ذی القعدة سنة 1347 ه فاستقبل أهلها لجلالته استقبالا جمیلا و ألقی الخطباء و الشعراء بین یدیه خطبا و قصائد فی یوم الأحد 27 منه توجه جلالته من المدینة المنورة إلی مکة فوصلها فی الساعة الرابعة من لیلة
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 390
الأربعاء فطاف و سعی لیلا، و فی صباح الأربعاء شرف جلالته فی جرول حیث أعدت البلدیة لاستقباله هناک سرادقات فخمة و نصبت أعلام الزینة علی طول الخط تتصل بأقواس النصر الجملة و اصطفت الجنود و الشرطة علی جانبی الشوارع و وقفت طلاب المدارس الأمیریة و الأهلیة أمام السرادقات فألقی الشیخ عباس قطان خطابا بلیغا باسم الأهلّین، ثم شرعت الجماهیر بالدخول فردا فردا إلی السرادق للسلام علی جلالته، و عند الانتهاء من مراسم السلام تشرف جلالته إلی خارج السرادق حیث شاهد استعراض الخیل الذی جری فی المیدان الفسیح ثم غادر المکان قاصدا القصر الملکی بالعدل و فی أوائل شهر ذی الحجة سنة 1347 ه قدم مکة المکرمة لأداء فریضة الحج الشیخ عبد الرحمن بن قاسم بن ثانی أخو أمیر قطر، و الشیخ أحمد بن علی آل خلیفة من أمراء البحرین- و فی رابع ذی الحجة قدم مکة المکرمة کاتب الشرق الأکبر الأمیر شکیب أرسلان و قابل جلالة الملک فلقی منه کل إکرام و حفاوة.

الاحتفال للکسوة الشریفة فی سنة 1347 ه

احتفل فی 7 ذی الحجة فی الساعة الثانیة صباحا فی دار الکسوة الشریفة بنشر ستائر الکعبة المعظمة التی قام بنسجها الصباغ الهنود الذین صدر الأمر الملوکی بجلبهم لأجل نساجة هذه الشقق الحریریة الطرز و العصب التی تلقی علی الکعبة الشریفة کل سنة و کان یرأس هذا الاحتفال الأمیر فیصل نائب جلالة الملک المعظم فلما اکتمل عقد الاجتماع ابتدأت إدارة معمل الکسوة بعرض هذه المنسوجات الفاخرة فشاهد الحاضرون منها ما بهر الأنظار فی دقة الصنعة وجودة النسیج و تمام الرونق و حسن النقش و کیفیة بروز الآیات الکریمة کأنها مکتوبة بالید بأبدع أقلام
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 391
الخطاطین فلم یبق أحد فی ذلک المجلس إلّا و أعجب بما رأی و أحمد هذه الهمة الملوکیة التی أسست فی البلد الأمین معملا کهذا یتم فیه من هذا الطراز الباهر، و مما یحسن وقفه أن هذا العمل شرع بنسیج من البسط البدیعة غیر ما هو مخصص بالکعبة و المسجد الحرام و أن کثیرین من الصنّاع هم من أهالی مکة الذین تعلّموا علی أیدی الأساتذة و فی صباح یوم عید الأضحی (الأحد) رفعت الکسوة القدیمة و وضعت الکسوة الجدیدة مکانها.

إحصاء حجاج سنة 1347 ه

بلغ عدد الحجاج الذین قد وقفوا فی عرفات ما یقرب من مائتی ألف نسمة منهم تسعون ألفا و نیفا جاؤا عن طریق البحر و الآخرون من أطراف البلاد العربیة المجاورة.

قرارات الإیجار لسنة 1348 ه

بناء علی حلول العام الثامن و الأربعین تقرر أن تکون الإجارة لعموم الدور و الدکاکین و الأفران و الطواحین و القهاوی و المخازن و غیرها کالسنة الماضیة سنة 1347 ه علی أن تدفع علی قسطین قسط فی أول السنة عند عقد الإجارة، و هو النصف و القسط الثانی و هو النصف یدفع فی نهایة رجب سنة 1348 ه، و الذی یتخلف عن الدفع فی هذا الموعد یجبر علی ذلک من طرف الحکومة و الأشخاص الذین تکون لهم مساکن مملوکة یسکنونها و لهم غیرها من الأوقاف و الأملاک الکاملة و الحصص الشائعة مؤجرة علی آخرین شرکاء أو غیرهم و یریدون إخلاء المؤجر لاستغلاله إضرارا بالمساکن فلا یجابون إلی طلبهم و لکل شخص صاحب محل
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 392
مملوک أو موقوف مشغول من قبل غیره بالأجرة و لیس له غیره یسکنه إلّا بطریق الإجارة و تحقق ذلک لدی الجهة المختصة إخلاء محله المملوک بالذات و یؤخذ علیه سنة بعدم تأجیر من غیر الساکن الأول، و کذلک لصاحب الدار الخربة أن یطلب إخلاء محله للتعمیر بعد تحقق حصول الخراب و لزوم الإخلاء ثم تکون أجرتها بعد التعمیر و التحسین کما تقتضیه أجرة المثل و یکلف المؤجرون بترمیم ما هو ضروری فی جمیع المؤجرات، و هذا القرار ینطبق علی عموم الأماکن باختلاف أنواعها و لذا حرر فی غرة محرم الحرام سنة 1348 ه.

سفر جلالة الملک المعظم إلی الریاض‌

و فی 22 محرم سنة 1348 ه توجه جلالة الملک إلی الریاض و قد بلغ عدد السیارات التی سارت مع الرکب الملوکی إلی نجد مائة و ثلاثین سیارة من مختلف الأجناس، و عدد رکابها ما یقارب من الخمسمائة نسمة، و فی شهر محرم سنة 1348 ه تبرع المحسن الکبیر الحاج محمد أمین من سکان مملکته بالهند بمبلغ ألف جنیه تصرف فی إنشاء خزانین أحدهما بجانب الحرزة الکائنة بجوار الشیبیة و الثانی بجانب الحرزة الکائن بجوار البیاضیة، و لما بلغ مسامع صاحب الجلالة الملک المعظم نبأ ما تبرع به المحسن المشار إلیه لم یشأ جلالته أن تبقی الحرزة الثالثة بلا خزان فأصدر أمره الکریم إنشاء الخزان الثالث بجانب الخزمة الکائنة بجوار الشرقاویة علی حسابه الخاص إتماما لهذا المشروع النافع، و قد شرع العمال فی البناء و ستخصص هذه الخزانات لاستقاء العربان فتوفر المیاه فی القناة العمومیة.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 393

هیئة الأمر بالمعروف‌

و فی شهر صفر سنة 1348 ه صدر الأمر السامی بتألیف هیئة الأمر بالمعروف بمکة المکرمة من الذوات الآتیة أسماؤهم [الرئیس] الشیخ محمد نور [الأعضاء] عبد الرحمن بن مبارک، عبد اللّه بن عمار، عبد اللّه بن یحیی الحمیدی، محمد الخضیری عبد اللّه خیاط. فیصل بن محمد بن مبارک. حسین بن نفیس.

التدریس فی الحرم المکی‌

و فی شهر صفر سنة 1348 ه أصدر الأمر السامی بالموافقة علی تألیف هیئة التدریس و المراقبة فی الحرم المکی علی الصورة التالیة، الشیخ عبد الظاهر أبو السمح وکیلا للرئیس و مدرسا للمطوفین و مراقب الدروس، و الشیخ بهجت البیطار مدرسا للمطوفین، و الشیخ محمد حامد الفقی مدرسا للمطوفین و مراقبا للدروس، و الشیخ محمد عبد الرزاق مدرسا للمطوفین، و الشیخ محمد الهلالی مدرسا، و الشیخ سلیمان أباظة مطوفا للمدرسین، و الشیخ عبید اللّه السندی مدرسا، و الشیخ عمر حمدان مدرسا للمطوفین، و الشیخ عبد الحلیم السلفی مدرسا، و الشیخ سلیمان حمدان مدرسا و مراقبا للدروس، و الشیخ محمد نور کتبی مدرسا و مراقبا للدروس، و الشیخ جنان طیب مدرسا و مراقبا للدروس، و الشیخ عباس صدقة مدرسا، و الشیخ محمد المدنی مدرسا، و الشیخ إبراهیم الشنقیطی مدرسا، و الشیخ محمد بن سیاد مدرسا و مراقبا، و الشیخ محمد بن راشد مراقبا، و الشیخ عبد الرحمن مظهر مراقبا، و الشیخ جمال المالکی مدرسا للمطوفین، و فی شهر ربیع الأول سنة 1348 ه، ابتدأت البلدیة فی هدم
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 394
النواتی و الرکک البارزة فی الشوارع و المنعطفات بصورة فنیة لأجل توسیع الشوارع و تخفیف حرکة الازدحام زمن الموسم.

إنشاء خزان کبیر فی المسفلة

شرعت هیئة عین زبیدة فی إنشاء خزان کبیر فی المسفلة، و فی شهر ربیع الأول تم تعمیره و أخذوا فی مد المواسیر ذات الثلاث بوصات إلیه من رکن دار الحکومة السنیة، و یبلغ طول المساحة ثلاث مائة متر، کما أن طول الخزان خمسة عشر مترا و عرضه عشر أمتار و عمقه خمسة أمتار و قد صنع له تسعة فتحات و وضع له من الجهة الشامیة حنفیة ذات بزابیز و طوق بالجدار، و سیوضع له قریبا سبابیکا من الحدید. و فی عشیة یوم الخمیس الموافق 4 رجب من السنة المذکورة أقامت الهیئة حفلة جمیلة، فوق سطح الخزان المشار إلیه حضر فیها النائب العام لجلالة الملک و عدد کبیر من رجال الدولة و أعضاء مجلس الشوری و فریق من الأعیان و التجار.

شوارع منی‌

و فی أواخر شهر ذی الحجة سنة 1347 ه أصدر جلالة الملک أمره السامی إلی أمانة العاصمة بفتح أربعة شوارع فی منی منعا للإزدحام أیام الحج. یخصص واحد منها للمشاة و آخر للشقادق و ثالثا للبهائم و رابع للسیارات و العربات، فباشرت أمانة العاصمة فی شهر ربیع الثانی سنة 1348 ه فی إتمام هذا المشروع، فذهبت لجنة إلی منی و فحصت الشوارع الموجودة فیها و طریقة إصلاحها، و قد رأت أن شارعین من هذه الشوارع تحتاج إلی ترمیم فقط و أما الآخران فیحتاجان إلی بعض الإصلاحات و فتح منافذ لها، و فی شهر رجب شرعت فی العمل و أتمت فی ذی القعدة و فی
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 395
رابع ذی الحجة وزعت أمانة العاصمة الإعلان الثانی بمناسبة افتتاح شوارع منی و قد سمت الشارع الأول الجدید شارع الملک عبد العزیز الأول حبّا براحة الوفود حجاج بیت اللّه الحرام کان صاحب الجلالة الملک المعظم ملک الحجاز و نجد و ملحقاتها عبد العزیز بن عبد الرحمن الفیصل آل سعود و قد لاحظ کل أمر یعود بالنفع العمیم علی البلاد و وافدیها، و بفضل سعیه الجلیل قد أخذت البلاد تظهر بالتقدم فی الرقی العمرانی، و لما رأی جلالته أیده اللّه أن من اللزوم إیجاد شوارع بمنی تقلیلا للإزدحام أصدر إرادته الملوکیة باتخاذ اللوازم نحو فتح شارعین علاوة علی الشارعین الموجودین لما رآه جلالته من تأمین راحة العموم حیث و للّه الحمد قد قامت أمانة العاصمة بإحداث الشارعین فی عهده و تحت رعایة ملک البلاد المعظم و غایة سمو نائبه الأفخم و نظرا إلی أن عملها قد انتهی و أصبحت فی حیز الوجود رأت الأمانة أن تعلن للعموم ذلک لمراعاة السیر فیها کما یلی: [الشارع الأول الجدید] من عین الصاعد إلی عرفات خاص بمرور الشقادق، [الشارع الأعظم] خاص بالمشاة و رکاب الدواب ذات الحوافر البغال، الخیل، الحمیر، [الشارع المعروف بسوق عرب] خاص بمرور الشقادق و هو عن یسار الصاعد فی عرفات [الشارع الرابع الجدید] الذی یبدأ من أول المدرج الواقع خلف حجرة العقبة خاص بمرور أهل الجیش و المحامل.

عید جلوس الملکی‌

و فی شهر جمادی الثانیة سنة 1348 ه صدر بلاغ من قلم المطبوعات هذا نصه: فی الیوم السادس عشر من شهر جمادی الثانی سنة 1345 ه قرر مجلس الشوری الموقر رفع استعطاف لحضرة صاحب الجلالة الملک بشأن موافقة جلالته علی جعل یوم مبایعة جلالته بالملک
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 396
یوما وطنیّا تحیی الأمة ذکراه سنة بعد سنة، و لکن جلالته لم یجز ذلک الاستعطاف رغبة من جلالته عن مظاهر الأبهة و الفخفخة ثم مجلس الشوری الموقر رفع استعطاف آخر بتاریخ التاسع من رمضان سنة 1347 ه یعضده فیه جمع غفیر من الأهلین و الهیئات الرسمیة و استرحم المستدعون من جلالته أن یجیب رجاءهم و أن یسمح بعدّ ذلک الیوم السعید عیدا وطنیّا فأجاز جلالته هذا الاستعطاف فبناء علی ذلک أصدر حضرة صاحب السمو الملکی النائب العام للأمر الآتی:
النائب العام لحضرة صاحب الجلالة الملک المعظم بعد الاطلاع علی قرار مجلس الشوری الموقر رقم 64 بتاریخ 16 جمادی الثانی سنة 1345 ه و رقم 257 تاریخ 9 رمضان سنة 1247 ه و بما أن حضرة صاحب الجلالة الملک المعظم قد تفضل بإصدار موافقة الملکیة علی إجازة الاستعطاف المرفوع إقامة الملوکی بتاریخ 7 ربیع الثانی وفق القرارین المذکورین بشأن مراسم عید جلوس الملکی یأمر بما یلی:
[المادة الأولی] یعتبر الیوم الذی یوافق الیوم السابع عشر من برج الجدی من کل سنة عیدا وطنیّا تعیده البلاد لإحیاء ذکری جلوس الملکی.
[المادة الثانیة] تعطل دوائر الرسمیة فی ذلک الیوم و تجری فیه مراسم العایدة و تطلق المدافع 21 طلقة.
[المادة الثالثة] یصادف العید الأول لعامنا الحالی فی الیوم الثامن من شهر شعبان سنة 1348 ه صدر هذا فی الیوم الأول من شهر جمادی الثانیة سنة 1348 ه و فی 25 جمادی الثانی تألفت لجنة خاصة باسم لجنة تنظیم الاحتفال بعید جلوس جلالة الملک عهد إلیها النظر فی ترتیب الاحتفالات
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 397
فی البلاد و إقامة معالم الزینة و أرسلت اللجنة تدعو فریقا من محبی البلاد و أصدقائها و مراسلی الصحف للاشتراک مع الشعب فی هذا الاحتفال فورد منهم برقی بأن هذه الدعوی لاقت قبولا حسنا و ورد الخبر أیضا أنه یصل علی الباخرة الخدیویة یوم الأحد القادم لأجل هذه الغایة کل من حضرات العلامة أحمد زکی باشا و الوطنی المفضال نبیه بک عبد العظمة و الشاعر الکبیر خیر الدین أفندی الزرکلی و الأدیب المفضال عبد الوهاب أفندی خضیر و یصل أیضا علی الباخرة نفسها کل من حضرات الأدباء الأفاضل محمود أفندی أبو الفتح مندوبا من قبل جریدتی الأهرام و التایمز، و عبد الحمید أفندی حمدی مندوبا من قبل جریدتی البلاغ، و عبد القادر أفندی المازنی مندوبا عن جریدة السیاسیة و محیی الدین أفندی رضا مندوبا عن جریدة المقطم و أنطوان أفندی یعقوب، و ریاض أفندی شحاتة مندوبا عن الجرائد المصورة و أنیس أفندی حصلب مندوبا عن بعض المجلات، و أصدر الأمیر فیصل النائب العام لجلالة الملک أمره السامی بالعفو عن المسجونین المحکومین بمدد صغیرة و بتنقیص ثلث المدة عن المحکومین بمدة کبیرة ...

برنامج الاحتفال فی مکة المکرمة بعید الجلوس‌

(1) ستجری الحفلة فی صباح یوم الأربعاء الموافق 8 شعبان سنة 1348 ه.
(2) فی الساعة الثانیة و النصف من الیوم المذکور قصده الجنود النظامیة ابتداء من دار الحکومة إلی مخفر الصفا علی جانبی الطریق لأداء التحیة العسکریة لسمو النائب العام.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 398
(3) یصطف قسم من تلامیذ المدارس بالمسجد الحرام ابتداء من باب الصفا إلی الملتزم الشریف علی الجانبین و یصطف القسم الآخر من مخفر الصفا إلی مرکز أمانة العاصمة علی الجانبین، و من مرکز أمانة العاصمة تصطف الجنود علی جانبی الشوارع إلی قصر سمو النائب العام.
(4) فی الساعة الثالثة صباحا من الیوم المذکور یجتمع عموم رجال الحکومة السنیّة و کافة مأموریها الملکیین و العسکریین و الوجهاء و الأعیان من الأهالی فی المسجد الحرام برواق باب الصفا.
(5) هیئة إدارة الحرم الشریف تنتظر سمو النائب العام عند باب الصفا للسیر بمعیته حین تشریفه.
(6) فی الساعة الثالثة و النصف یشرف سمو النائب العام من قصره العالی إلی الملتزم الشریف و یسیر فی معیته سموه عموم الحاضرین، و بعد الوصول إلی الملتزم یتقدم خطیب المسجد الحرام لترتیب الدعوات لجلالة الملک المعظم و لسمو نائبه الأفخم و أنجال جلالته الفخام، و فی أثناء الدعاء عند ذکر اسم جلالة الملک المعظم تطلق من قلعة أجیاد مائة طلقة و طلقة واحدة.
(7) بعد الفراغ من الدعاء یشرف سموه النائب العام دار الحکومة السنیة ثم یتوجه عموم الحاضرین لتقدیم التهانی لسموه هنالک بعد أن یتناولوا کؤوس المرطبات فی الغرف المعدة لجلوسهم.
(8) تعطل الدوائر الرسمیة فی ذلک الیوم.
(9) یرفع عموم أهل البلدة الأعلام العربیة علی حوانیتهم احتفاء
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 399
بهذا الیوم السعید کما و أنهم یزینون أماکنهم فی البلد التی تلی ذلک الیوم بالمصابیح.
(10) لجنة الاحتفال مسؤولة عن تطبیق هذا البرنامج.

حفلة وادی فاطمة

أقیمت اللجنة احتفالا فی الوادی و أقامت السرادقات الفخمة المزینة بأبهی المناظر لملکها وسط الغابات الکثیفة [...] و الأشجار و علی مقربة من هاتیک العیون الجاریة و ما وافت الساعة الرابعة صباحا حتی توافد حضرة المدعوین من أهالی مکة وحده، و فی الساعة السادسة تشرف حضرة الأمیر النائب العام مع حاشیته فتقدم أمیر العاصمة الشیخ عباس قطان فشکر سمو الأمیر ثم الضیوف الکرام و أصحاب السعادة ممثلی الدول و قناصلها، ثم تقدم شاعر الحجاز أحمد غزاوی و شاعر الکویت الشیخ محمود شوقی الأیوبی و الشاعر النجدی الشیخ محمد بن بلیهد فألقوا قصائد [...] أخذ [...] نفوسهم و فی الساعة السابعة قام سمو الأمیر و ممثلو الدول و قناصلها حلقة و تبعهم المدعوون جمیعا إلی سرادق عظیم یزید عن الستین مترا و ارتفاعه عن العشرین یقیم فیه سماط عربی مخیم کبیر علی شکل بیضاوی منظم یبلغ طوله خمسین مترا تقریبا یسع أکثر من خمسین و مائتین مع الراحة و السعة، فأخذ سمو الأمیر مکانا و عن یمینه و شماله حضرات الضیوف و ممثلی الدول ثم أخذ المدعوون أمکنتهم بنظام تام، و بعد ما تناولوا الطعام أدیرت القهوة العربیة و الشای علی جمیع الحاضرین، ثم قام حضرة الأمیر و المدعوون و تلامیذ المدارس ینشدون أناشیدهم إلی مشاهدة لعبة نجدیة ظریفة (عرضه) فوقف سموه و النظارة
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 400
علی الجانبین و قد اصطفت حرس الأمیر الخاص علی شکل دائری حلقی منتظم کل قد سل سیفه و شهره فی یده ینشدون الأغانی الحربیة الوطنیة و یرددونها بصوت شجی و حماسة عظیمة، و فی وسط الحلقة صفان متقابلان یذهبان روحة و جیئة أمام سمو الأمیر تخلل ذلک صوت الطلقات فی الهواء و بذلک انتهت الحفلة:

کسوة الکعبة المعظمة لسنة 1348 ه

و فی أواخر ذی القعدة سنة 1348 ه انتهت دار الکسوة و الصناعة من حیاکة کسوة الکعبة المعظمة لعام 1348 ه.

وصول جلالة الملک من الریاض إلی مکة

و فی یوم الأربعاء 1 ذی الحجة سنة 1348 ه قبیل الغروب وصل الرکب العالی إلی مکة المکرمة، و فی منتصف الساعة الثانیة لیلا مشی جلالته إلی بیت اللّه الحرام فطاف و سعی، و فی صباح الخمیس کان موعد الاحتفال باستقبال جلالته فی جرول، و قد أعدت هناک سرادقات کبیرة فخمة فی الساحة الفسیحة الواقعة أمام مقهی المعلم، خصص واحدة منها لجلوس جلالته و بجانبها سرادقا أخری [...] للاستقبال من موظفین و الأهلین .. هذه السرادقات .. فرفرفت حولها الأعلام العربیة و اصطفت علی جانبی المیدان إلی مسافة مائة و خمسین مترا رجال الجنود و الشرطة و وقف إلی جانبهم تلامذة المدارس الأمیریة و الأهلیة فأرباب الحرف و الصناعات من الأهلین علی الجانبین حتی بنایة الثکنة العسکریة، فی الساعة الواحدة شرف جلالة الملک من قصره العالی فبدأت المدفعیة بإطلاق مائة مدفع و مدفع نخبة و إیذانا بتشریف جلالته و جلس فی سرادق
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 401
الخاص المعد لجلوسه، فبدأت الجماهیر فردا فردا علی السرادق الملوکی الخاص لتقدیم التهانی بین یدی جلالته، و فی الساعة الثانیة و الدقیقة عشرة غادر جلالته السرادق فودع بمثل ما قوبل به من الحفاوة و الإکرام.

قدوم بعض الأمراء و الأعیان لأداء فریضة الحج‌

قدم مکة المکرمة لأداء فریضة الحج سنة 1348 ه حضرات الشیخ علی بن محمد آل خلیفة، و الشیخ راشد بن عبد اللّه بن عیسی آل خلیفة، و الشیخ محمد بن إبراهیم آل خلیفة من أمراء البحرین، و الشیخ عبد العزیز القصیبی من تجار اللؤلؤ فی الهند و البحرین، و السید عبد الرحمن بک النقیب من أعیان الکویت، و الشیخ عبد الوهاب النجار من علماء مصر، و الشیخ محمود علام قاضی محکمة طنطا الأهلیة، و الأدیب محمد شقیق أفندی مصطفی صاحب جریدة الریاض المصریة و الأدیب سعید أفندی الرشاش سکرتیر وکالة حکومة جلالة الملک فی سوریة.

إحصاء الحجاج القادمین من طریق البحر سنة 1348

أرسلت إلی أم القری رئاسة الکرنتینات بجدة جدولا بأجناس الحجاج الذین قدموا عام 1348 ه عن طریق البحر و هذا بیانه:

الیکون/ کبار/ أطفال/ أجناس‌

35771/ 33507/ 2264/ جاویون
17136/ 16739/ 397/ مصریون
11457/ 11092/ 365/ هنود
3337/ 3315/ 22/ إیرانیون
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 402

الیکون/ کبار/ أطفال/ أجناس‌

1613/ 1588/ 25/ نجاریون
1218/ 1215/ 3/ أفغانیون
715/ 710/ 5/ سوریون
1581/ 1576/ 5/ مغاربة
383/ 381/ 3/ فلسطینیون
42/ 42/ ../ أکراد
82/ 82/ ..
99/ 98/ 1/ أهل مسقط
85/ 82/ 3/ أهل کیب تون
69/ 69/ ../ أهل زنجبار
28/ 28/ ../ سنغال
236/ 235/ 1/ عراقیون
125/ 124/ 1/ أتراک
1055/ 1045/ 10/ یمانیون
659/ 656/ 3/ حضارم
3520/ 3022/ 498/ تکارنة
1149/ 1133/ 16/ سودانیون
208/ 206/ 2/ جیبوت و صومال
1279/ 1242/ 33/ أهالی
1274/ 1262/ 12/ الذین نزلوا ینبع
83721/ 80064/ 3670/ الیکون
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 403

إیجار العقارات لسنة 1349 ه

صدر الأمر السامی بالموافقة علی قرار للجنة الخاصة المتعلق بإیجار العقارات لعام 1349 و هو- لدی اجتماعنا و تداول الآراء نحو إیجارات الدور و الدکاکین و القهاوی و الطواحین و کافة المستملکات تقرر أن تکون إیجاراتها علی حسب ما کان فی العام الماضی إلی عام 1348 ه غیر تقسیطه الأجرة فإنه یدفع علی ثلاثة دفعات و تکون فی الدور خاصة فأول قسط منها و هو النصف یدفع فی أول محرم و النصف الثانی قسط فیه یدفع فی أول شعبان و الثانی فی آخر ذی القعدة و أما القهاوی و الطواحین و ما شاکلها یکون علی قسطین طبق مما أجری فی العام الماضی فی دفع الأقساط و علی الهیئة المنتخبة تطبیق هذا النظام علی المؤخرین و المباشرین حسب ما کان فی العام الماضی و علی ذلک جری متفقا.

تعیینات فی سنة 1349 ه

أمر جلالة الملک فی تألیف لجنة هیئة مراقبة إداریة تکون وظیفتها إجراء التفتیش علی أعمال الدوائر المختلفة، و قد صدر الأمر السامی بإسناد ریاستها إلی الشریف ابن عبد المحسن، و عین لعضویتها کل من السید هاشم سلطان و الشیخ محمد صالح بن حسین نصیف و الشیخ علی العجالی، و عین الشیخ عبد اللّه السلجانی البسام مفتشا للرسوم، و کان الشیخ علی العماری الذی انتقل إلی هیئة المراقبة الإداریة، و عین الشیخ محمود شلهوب سکرتیر وکالة المالیة رئیسا [...] فکان السید هاشم سلطان الذی کان عضوا فی هیئة المراقبة الإداریة أیضا، و أعرض الشیخ حسن یمانی من وظیفته فی عضویة هیئة مراقبة القضاء و أحیل الشیخ محمد
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 404
المرزوقی أبو حسین رئیس المحکمة الشرعیة الکبری بمکة المکرمة علی التقاعد نظرا لکبر سنه و قد عین الشیخ، حمد کماضی قاضی المحکمة الشرعیة، و عین الشیخ محمود أحمد (و هو السید محمد أحمد الفیض آبادی الهندی أخو العلامة السید حسین أحمد مدنی الدیوبندی) رئیس کتاب المحکمة الشرعیة بالمدینة المنورة قاضیا للمحکمة الشرعیة بجدة.

مدرسو الحرم المکی فی سنة 1349 ه

صدر الأمر السامی بتعیین الأساتذة الآتیة أسماؤهم مدرسین فی بیت اللّه الحرام، الشیخ عبد الظاهر أبو السمح، و الشیخ محمد عبد الرزاق حمزة، و الشیخ سلیمان أباظة، و الشیخ محمد تقی الهلالی، و الشیخ أبو بکر خوقر، و الشیخ عبد الستار الهندی، و الشیخ عبد الحلیم السلفی، و الشیخ عباس صدقة، و الشیخ محمد المدنی، و الشیخ إبراهیم الشنقیطی، و الشیخ عثمان الهندی، و الشیخ سعد وقاص، و الشیخ جنان طیب.

اعتناق الدیانة الإسلامیة للمستر فلبی‌

فی 9 ربیع الأول سنة 1349 ه اعتنق الدین الإسلامی المستر فلبی و سمی باسم عبد اللّه و أرسل کتابا إلی جلالة الملک فی الطائف- هذا نصه: إلی حضرة صاحب الجلالة الإمام عبد العزیز بن عبد الرحمن الفیصل السعود المحترم: یا صاحب الجلالة السلام علیکم و رحمة اللّه و برکاته أما بعد فإنه قد حصل لی الشرف لأن أعرض علی أنظار جلالتکم فیما سبق رغبتی فی اعتناق الدیانة الإسلامیة و ترک ما عداها من الأدیان و الآن جئت مرة أخری أبین لجلالتکم أن اللّه قد شرح قلبی بقبول الإسلام و هدانی إلی قبول هذه الدیانة عن عقیدة راسخة و قناعة وجدانیة تامة،
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 405
و لهذا فإننی أشهد أن لا إله إلّا اللّه و أشهد أنّ محمدا عبده و رسوله، و أعتقد أن ما جاء فی کتاب اللّه و سنّة رسوله، و ما کان علیه السلف الصالح التی أعرب عن اقتناعی بصحة ذلک جمیعه و رغبتی فی اتباعه و من حیث التفاصیل باتباع کلما جاء فی کتب السلف الصالح و بالأخص ما جاء به الشیخ ابن تیمیة و ابن القیم و فی الأعصر المتأخرة ما جاء به الشیخ محمد بن عبد الوهاب غفر اللّه له و لسائر المسلمین هذا و إننی أرجو منکم أن تقبلوا إسلامی هذا الصادر منی عن عقیدة و دویة و عقل و حسن نیة و اللّه تعالی الهادی إلی الصواب هذا ما لزم بیانه و تقبلوا احتراماتی لشخصکم و السلام فی 19 ربیع الأول سنة 1349 ه.
المخلص لجلالتکم:
فلبی
و قد أذن له بعد ذلک بدخول مکة المکرمة فطاف و سعی و قابل من فیها من العلماء، ثم حضر للطائف فتشرف بمقابلة جلالة الملک و لقی من الحفاوة و الإکرام من جلالة الملک و من سائر الأمراء ما هو أهل له.

مجلس التجار

و فی شهر ربیع الثانی سنة 1349 ه صدر الأمر السامی بتألیف مجلس للتجارة ینظر فیها برقی شؤون التجارة و یحفظ المصالح التجاریة، کما ینظر فی الاختلافات التی تقع بین التجار مما یکون الفصل فیها للعرف و العادة التی لا تخالف أحکام الشرع، و قد صدر الأمر السامی بالموافقة علی أن یکون أعضاء المجلس المشار إلیه المشائخ الآتیة أسماؤهم محمد علی العقیدی مندوبا للحکومة فی المجلس و سلیمان قابل، و أحمد باعشن و محمد بن حمد
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 406
و عبد اللّه إبراهیم الفضل و محمد إسماعیل (أعضاء) و سیعین أحد العلماء لیراقب أحکام المجلس حتی لا یکون فیها ما یخالف الشرع.

تشکیل مجلس الشوری سنة 1349 ه

و فی شهر ربیع الأول سنة 1349 ه صدر الأمر الملکی بتشکیل مجلس الشوری المکون من الأعضاء الآتیة أسماؤهم: عبد اللّه الفضل (نائبا للرئیس) صالح شطا (نائبا ثانیا) عبد اللّه الشیبی، عبد الوهاب نائب الحرم، عبد الوهاب العطار، سعود دشیشة، عبد اللّه الجفالی، محمد علی القفیدی، محمد المغیری، مصطفی الخطیب الهزاری، محمد علی قابل.

الرخصة فی دخول الحجاز للمسفرین‌

و فی شهر ربیع الأول سنة 1349 ه صدر أمر جلالة الملک بالعفو عن الأشخاص الآتیة أسماؤهم من المبعدین من الحجاز، و رخص لهم العودة إلی هذه البلاد، و قد صدر الأوامر إلی الجهات المختصة بعدم الممانعة فی دخولهم حیثما یریدون ذلک، و هم: أحمد السقاف، محمد علوی السقاف، سعید باخدلق، عبد الوهاب قزاز، عباس فقیها، یوسف مکاوی، عمر صیرفی، صبحی الحلبی.

الطیارات العربیة

فی 21 ربیع الثانی سنة 1349 ه وصلت إلی جدة الطیارات العربیة الأربعة التی هی قسم من قوة الطیران لحکومة جلالة الملک قادمة من جزیرة دارین عن طریق البصرة، و قد کان فی استقبالها جماهیر کبیرة من موظفی الحکومة و الأهلین علی اختلاف طبقاتهم فی جانب المطار المعد لنزولها فی خارج السور بجدة.
خزانة التواریخ النجدیة، ج‌10، ص: 407

وصول الطیارات العربیة فی الطائف‌

و فی الساعة التاسعة من مساء یوم الخمیس 3 جمادی الأولی سنة 1349 ه غادرت جدة ثلاث طیارات من قوة الطیران العربیة قاصدة الطائف عن طریق جدة مجرة وادی فاطمة، وادی اللیمون، الطائف، و بعد مضی ساعة، و نصف، أی فی الساعة العاشرة و النصف، وصلت الطیارات المذکورة إلی الطائف، و قد کان أعد لها مکان لنزولها خلف الثکنة العسکریة، فبکر الأهلون لاستقبالها من المکان المذکور، و أحاطت بأطرافه الأربعة ثلة من القوة العسکریة للمحافظة علی النظام، و أعد سرادق فخم لجلوس المستقبلین و لما ظهرت الطیارات فی الأفق، شرف صاحب الجلالة الملک المعظم و الأمراء الکرام إلی المطار حیث استقبل الأهلون استقبالا فخما و أدت الجند التحیة لجلالته، نزلت الطیارات إلی الأرض تشرف ضباطها بمقابلة جلالة الملک فی السرادق الخاص ثم شرف جلالته إلی مکان الطیارات حیث تفقدها و اطلع علی ترتیباتها، و فی الیوم التالی رکب کل من أنجال جلالته الأمیر سعود و الأمیر فیصل و الأمیر محمد و الأمیر خالد طیارة حلقت لهم فی أفق الطائف مدة طویلة من الزمن و فی یوم الأحد عادت الطیارات المذکورة إلی مطارها فی جدة. هذا و قد طال بناء الکلام فی هذا المقام فلنکتف بهذا القدر.
تم الجزء الرابع من کتاب [إفادة الأنام]
***

تعريف مرکز القائمیة باصفهان للتحریات الکمبیوتریة

جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ في سَبيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (التوبة/41).
قالَ الإمامُ علیّ ُبنُ موسَی الرِّضا – علـَیهِ السَّلامُ: رَحِمَ اللّهُ عَبْداً أحْيَا أمْرَنَا... َ يَتَعَلَّمُ عُلُومَنَا وَ يُعَلِّمُهَا النَّاسَ؛ فَإِنَّ النَّاسَ لَوْ عَلِمُوا مَحَاسِنَ كَلَامِنَا لَاتَّبَعُونَا... (بَــنـادِرُ البـِحـار – فی تلخیص بحـار الأنوار، للعلاّمة فیض الاسلام، ص 159؛ عُیونُ أخبارِ الرِّضا(ع)، الشـَّیخ الصَّدوق، الباب28، ج1/ ص307).
مؤسّس مُجتمَع "القائمیّة" الثـَّقافیّ بأصبَهانَ – إیرانَ: الشهید آیة الله "الشمس آباذی" – رَحِمَهُ اللهُ – کان أحداً من جَهابـِذة هذه المدینة، الذی قدِ اشتهَرَ بشَعَفِهِ بأهل بَیت النبیّ (صلواتُ اللهِ علـَیهـِم) و لاسیَّما بحضرة الإمام علیّ بن موسَی الرِّضا (علیه السّلام) و بـِساحة صاحِب الزّمان (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرجَهُ الشَّریفَ)؛ و لهذا أسّس مع نظره و درایته، فی سَنـَةِ 1340 الهجریّة الشمسیّة (=1380 الهجریّة القمریّة)، مؤسَّسة ًو طریقة ًلم یـَنطـَفِئ مِصباحُها، بل تـُتـَّبَع بأقوَی و أحسَنِ مَوقِفٍ کلَّ یومٍ.
مرکز "القائمیّة" للتحرِّی الحاسوبیّ – بأصبَهانَ، إیرانَ – قد ابتدَأَ أنشِطتَهُ من سَنـَةِ 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریّة القمریّة) تحتَ عنایة سماحة آیة الله الحاجّ السیّد حسن الإمامیّ – دامَ عِزّهُ – و مع مساعَدَةِ جمع ٍمن خِرّیجی الحوزات العلمیّة و طلاب الجوامع، باللیل و النهار، فی مجالاتٍ شتـَّی: دینیّة، ثقافیّة و علمیّة...
الأهداف: الدّفاع عن ساحة الشیعة و تبسیط ثـَقافة الثـَّقـَلـَین (کتاب الله و اهل البیت علیهـِمُ السَّلامُ) و معارفهما، تعزیز دوافع الشـَّباب و عموم الناس إلی التـَّحَرِّی الأدَقّ للمسائل الدّینیّة، تخلیف المطالب النـّافعة – مکانَ البَلاتیثِ المبتذلة أو الرّدیئة – فی المحامیل (=الهواتف المنقولة) و الحواسیب (=الأجهزة الکمبیوتریّة)، تمهید أرضیّةٍ واسعةٍ جامعةٍ ثـَقافیّةٍ علی أساس معارف القرآن و أهل البیت –علیهم السّلام – بباعث نشر المعارف، خدمات للمحققین و الطـّلاّب، توسعة ثقافة القراءة و إغناء أوقات فراغة هُواةِ برامِج العلوم الإسلامیّة، إنالة المنابع اللازمة لتسهیل رفع الإبهام و الشـّـُبُهات المنتشرة فی الجامعة، و...
- مِنها العَدالة الاجتماعیّة: التی یُمکِن نشرها و بثـّها بالأجهزة الحدیثة متصاعدة ً، علی أنـّه یُمکِن تسریعُ إبراز المَرافِق و التسهیلاتِ – فی آکناف البلد - و نشرِ الثـَّقافةِ الاسلامیّة و الإیرانیّة – فی أنحاء العالـَم - مِن جـِهةٍ اُخرَی.
- من الأنشطة الواسعة للمرکز:
الف) طبع و نشر عشراتِ عنوانِ کتبٍ، کتیبة، نشرة شهریّة، مع إقامة مسابقات القِراءة
ب) إنتاجُ مئات أجهزةٍ تحقیقیّة و مکتبیة، قابلة للتشغیل فی الحاسوب و المحمول
ج) إنتاج المَعارض ثـّـُلاثیّةِ الأبعاد، المنظر الشامل (= بانوراما)، الرّسوم المتحرّکة و... الأماکن الدینیّة، السیاحیّة و...
د) إبداع الموقع الانترنتی "القائمیّة" www.Ghaemiyeh.com و عدّة مَواقِعَ اُخـَرَ
ه) إنتاج المُنتـَجات العرضیّة، الخـَطابات و... للعرض فی القنوات القمریّة
و) الإطلاق و الدَّعم العلمیّ لنظام إجابة الأسئلة الشرعیّة، الاخلاقیّة و الاعتقادیّة (الهاتف: 00983112350524)
ز) ترسیم النظام التلقائیّ و الیدویّ للبلوتوث، ویب کشک، و الرّسائل القصیرة SMS
ح) التعاون الفخریّ مع عشراتِ مراکزَ طبیعیّة و اعتباریّة، منها بیوت الآیات العِظام، الحوزات العلمیّة، الجوامع، الأماکن الدینیّة کمسجد جَمکرانَ و...
ط) إقامة المؤتمَرات، و تنفیذ مشروع "ما قبلَ المدرسة" الخاصّ بالأطفال و الأحداث المُشارِکین فی الجلسة
ی) إقامة دورات تعلیمیّة عمومیّة و دورات تربیة المربّـِی (حضوراً و افتراضاً) طیلة السَّنـَة
المکتب الرّئیسیّ: إیران/أصبهان/ شارع"مسجد سیّد"/ ما بینَ شارع"پنج رَمَضان" ومُفترَق"وفائی"/بنایة"القائمیّة"
تاریخ التأسیس: 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریة القمریّة)
رقم التسجیل: 2373
الهویّة الوطنیّة: 10860152026
الموقع: www.ghaemiyeh.com
البرید الالکترونی: Info@ghaemiyeh.com
المَتجَر الانترنتی: www.eslamshop.com
الهاتف: 25-2357023- (0098311)
الفاکس: 2357022 (0311)
مکتب طهرانَ 88318722 (021)
التـِّجاریّة و المَبیعات 09132000109
امور المستخدمین 2333045(0311)
ملاحَظة هامّة:
المیزانیّة الحالیّة لهذا المرکز، شـَعبیّة، تبرّعیّة، غیر حکومیّة، و غیر ربحیّة، اقتـُنِیَت باهتمام جمع من الخیّرین؛ لکنـَّها لا تـُوافِی الحجمَ المتزاید و المتـَّسِعَ للامور الدّینیّة و العلمیّة الحالیّة و مشاریع التوسعة الثـَّقافیّة؛ لهذا فقد ترجَّی هذا المرکزُ صاحِبَ هذا البیتِ (المُسمَّی بالقائمیّة) و مع ذلک، یرجو مِن جانب سماحة بقیّة الله الأعظم (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرَجَهُ الشَّریفَ) أن یُوفـِّقَ الکلَّ توفیقاً متزائداً لِإعانتهم - فی حدّ التـّمکـّن لکلّ احدٍ منهم – إیّانا فی هذا الأمر العظیم؛ إن شاءَ اللهُ تعالی؛ و اللهُ ولیّ التوفیق.