ثلاث رسائل فقهية (للصافي)

اشارة

نام كتاب: ثلاث رسائل فقهية

موضوع: فقه استدلالي

نويسنده: گلپايگاني، لطف الله صافي

تاريخ وفات مؤلف: ه ق

زبان: عربي

قطع: وزيري

تعداد جلد: 1

تاريخ نشر: ه ق

ص: 1

مقدمة المؤلف:

ص: 2

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله الذي أمرنا بالعدل و الإنصاف، و نهانا عن الظلم و الاعتساف، و الصلاة و السلام علي النبي الذي شريعته عدل في كل باب، أبي القاسم محمد سيد أولي الألباب، و علي آله الطاهرين أعدال الكتاب، و هداة الخلق إلي طريق الصواب، سيما برهان الله الساطع، و نوره اللامع، كلمته التامة و آيته المحكمة، الحصن الحصين، و الإمام المبين، قامع المستكبرين الجبارين، و مفزع المستضعفين، مولانا الإمام الهادي المهدي صلي الله عليه و آله الطاهرين، و اللعن علي أعدائهم أجمعين. و بعد، فهذه ثلاث رسائل وجيزة فيما يتعلق بباب القضاء كتبتها تذكرة لنفسي، و رجاء أن تنفعني يوم شدة فقري و فاقتي و بؤسي و مسكنتي، يوم يقضي الله بين عباده بالحق. و إليك عناوينها:

الرسالة الأولي:

في حكم القضاء علي المدعي عليه إذا نكل عن اليمين و الرد.

الرسالة الثانية:

في حكم تداعي شخصين أو أشخاص في مال لم تكن لواحد منهم أو لغيرهم يد عليه، و كان دعواهما متقارنين، و لم تكن لواحد من المتداعيين بينة شرعية، أو كانت بينة كل واحد منهما معارضة ببينة الآخر.

الرسالة الثالثة:

فيما إذا كان مال معلوم معين بين شخصين أو أشخاص معلومين محصورين الذين يعلم كل واحد منهما أن المال إما يكون له أو لصاحبه، بحيث لم يكن لواحد منهم إلا العلم بأنه ليس لغيرهما، و احتمال كونه لنفسه دون صاحبه.

ص: 3

الرسالة الأولي في حكم نكول المدعي عليه عن اليمين و الرد

اشارة

ص: 4

بسم الله الرحمن الرحيم

المقدمة

و بعد لا ريب في أن العدل في القضاء و الحكومة بين الناس من أكبر الدعائم التي تقوم عليها التمدن الصحيح، و المجتمع الصالح فلا تحفظ بدونه الحقوق العامة، و لا مصلحة الجامعة. به يستقيم نظام المعاملات، و المناكحات، و تصان حرمة النواميس، و الأعراض، و تؤمن السبل، و تعمر البلاد، و فيه حياة الدين، و إصلاح أمور المسلمين، و نصرة المظلومين، و إجراء الحدود، و إعطاء الحقوق، و إيثار حق الله عز و جل و طلب الزلفة لديه، و القربة إليه. كما لا شك في أن انحطاط الآداب، و استبداد الأقوياء بالأمور، و فشل الحركات الإصلاحية، و غلبة الجهل و الهمجية و الرجعية، و وقوع التكالب و الحيف و الظلم بين الأمة ترجع إلي فساد نظام القضاء، أو ضعف القضاة في تنفيذ الأحكام، أو خيانتهم و جورهم و جهلهم بموازين القضاء. و من أعظم الجنايات، و الجرائم التي اتفق العقل و الشرع علي تقبيحه، و تشنيعه، تولية القضاء من ليس له أهلية ذلك، و الجور فيه، و الحكم بغير ما

ص: 5

أنزل الله قال الله تعالي وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمٰا أَنْزَلَ اللّٰهُ فَأُولٰئِكَ هُمُ الْكٰافِرُونَ (1) و قال عز من قائل وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمٰا أَنْزَلَ اللّٰهُ فَأُولٰئِكَ هُمُ الظّٰالِمُونَ (2) و قال سبحانه و تعالي وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمٰا أَنْزَلَ اللّٰهُ فَأُولٰئِكَ هُمُ الْفٰاسِقُونَ. (3)

و قد اعتني الإسلام بإصلاح نظام القضاء عناية تامة، فأقام سياسة الحكم علي أساس العدل من الحكام، و مساواة الجميع أمام القوانين و الأحكام. و قد كان القضاة في ظل هذه التشريعات الإلهية يقضون للفقير الضعيف علي الغني القوي، و للمأمور علي الأمير، و الأسود علي الأبيض، و المرأة علي الرجل، و السوقة علي السلطان و الخليفة، و يقتصون من الملوك و الأمراء. فيا من يريد التلمس بروح العدل الإسلامي راجع تشريعات الإسلام و أحكامه في ما يتعلق بالقضاء و فصل الخصومات و موازين الحكم، و آدابه و شرائط القاضي و الشاهد حتي تعرف كيف وطد الإسلام قواعد العدل، و وصل إلي منتهي الكمال في ذلك. و إليك نموذج من هذه التعاليم المقدسة حتي تعلم خطورة أمر القضاء و علو شأن هذا المنصب الرفيع الذي لا يجوز تولية إلا بجعل من الله أو بجعل من رسوله أو خلفائه عليهم السلام.7.

ص: 6


1- س 5 يه 44 قال في كنز العرفان: الحاكم بغير ما أنزل الله إن كان مع اعتقاده لذلك الحكم فهو كافر، و- إن كان لا- مع اعتقاده فهو ظالم أو فاسق.
2- س 5 يه 45.
3- س 5 يه 47.

قال الله تعالي يٰا دٰاوُدُ إِنّٰا جَعَلْنٰاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النّٰاسِ بِالْحَقِّ، وَ لٰا تَتَّبِعِ الْهَويٰ. (1)

و قال فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمٰا أَنْزَلَ اللّٰهُ وَ لٰا تَتَّبِعْ أَهْوٰاءَهُمْ (2) و استفادوا من الآيتين الكريمتين وجوب الحكم بالحق، و النهي عن اتباع الهوي و الاجتناب عما فيه حظ نفساني، فيجب عليه التسوية بين الخصمين بنظره و استفهامه، و لطفه و لحظه، و استماعه و إنصاته و السلام، و أنواع الإكرام، و قال: فَلٰا وَ رَبِّكَ لٰا يُؤْمِنُونَ حَتّٰي يُحَكِّمُوكَ فِيمٰا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لٰا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمّٰا قَضَيْتَ، وَ يُسَلِّمُوا تَسْلِيماً (3) فكما أوجب علي الحاكم الحكم بالحق أوجب علي المحكوم عليه التسليم و الانقياد. و أكد ذلك بالقسم المتبوع بعدم أيمانهم إن لم يحكموا و ينقادوا ظاهرا و باطنا للحق.

و قال عز شأنه إِنَّ اللّٰهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمٰانٰاتِ إِليٰ أَهْلِهٰا، وَ إِذٰا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النّٰاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ (4) و قال سبحانه إِنّٰا أَنْزَلْنٰا إِلَيْكَ الْكِتٰابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النّٰاسِ بِمٰا أَرٰاكَ اللّٰهُ (5).

و قال تعالي شأنه أَ لَمْ تَرَ إِلَي الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمٰا أُنْزِلَ إِلَيْكَ، وَ مٰا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحٰاكَمُوا إِلَي الطّٰاغُوتِ وَ قَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ. (6)0.

ص: 7


1- س 38 يه 26.
2- س 5 يه 48.
3- س 4 يه 65.
4- س 4 يه 58.
5- س 4 يه 105.
6- س 4 يه 60.

فنهي عن التحاكم إلي الطاغوت، و هو كما في التفسير المأثور حاكم الجور، و من يحكم بغير ما أنزل الله، و بغير ما صدر عن أهل البيت، و يدين بما أمرنا أن نكفر به و هو كل حاكم يقضي بغير حكم الله.

و يكفي في تعظيم أمر القضاء، و خطورته قول أمير المؤمنين لشريح

قد جلست مجلسا لا يجلسه إلا نبي أو وصي نبي أو شقي

(1) و قال الصادق عليه السلام

من حكم في درهمين بغير ما أنزل الله فهو كافر بالله العظيم

(2) و قال عليه السلام

أي قاض قضي بين اثنين فأخطأ سقط أبعد من السماء

(3). و قال النبي صلي الله عليه و آله

لسان القاضي بين جمرتين من نار حتي يقضي بين الناس فإما إلي الجنة و إما إلي النار

(4). و قال أمير المؤمنين عليه السلام: واس بين المسلمين بوجهك و منطقك، و مجلسك حتي لا يطمع قريبك في حيفك، و لا ييأس عدوك من عدلك (5) و قال عليه السلام: من ابتلي بالقضاء فليواس (فليساو خ ل) بينهم في الإشارة و النظر و المجلس. (6)

و قال النبي صلي الله عليه و آله: من ابتلي بالقضاء فلا يقضي و هو غضبان (7).6.

ص: 8


1- الوافي ج 9 ص 132.
2- الوافي ج 9 ص 132.
3- الوافي ج 9 ص 133.
4- الوافي ج 9 ص 133.
5- الوافي ج 9 ص 135.
6- الوافي ج 9 ص 136.
7- الوافي ج 9 ص 136.

و الأخبار في هذه المعاني كثيرة، و إنما ذكرت ذلك تنبيها علي خطورة أمر القضاء، و عظم شأنه، و تخويفا لمن يتصدي ذلك و ليس له بأهل، و يحكم بغير حكم الله تعالي. فإذا سقط القاضي أبعد من السماء إذا أخطأ فما ظنك بمن يقضي بغير حكم الله مع العلم بأنه ليس من حكم الله.

و الحاصل أن الإسلام قد جعل القضاء علي الدعائم القويمة، و الموازين الصحيحة المستقيمة.

و من هذه الموازين المحكمة ما شرع بقول رسول الله صلي الله عليه و آله

البينة علي من ادعي، و اليمين علي من ادعي عليه.

فانظر إلي إتقانه، و ما فيه من الحكم، و رعاية مصلحة المدعي و المدعي عليه، و فصل الخصومة بينهما فلا يتصور في هذا المقام قانون أصوب و أتقن منه، و انظر إلي ما يترتب علي الحكم من المفاسد لو كان علي عكس ذلك، أي كان المجعول البينة علي المدعي عليه، و اليمين علي المدعي (1) و قد استنبط الفقهاء من هذه القاعدة فروعا كثيرة مهمة ذكروها في كتب القضاء.ه.

ص: 9


1- من أكبر الواجبات علي المسلمين أن يأخذوا بهذه القواعد المحكمة في تحاكمهم و ترافعهم، و أن يتركوا القوانين المستحدثة التي اختلقها المستعمرون، و الفسقة و الكفرة ليذهبوا بكيان المسلمين و شوكتهم و مجدهم و قد ألغت قوانين المحاكمات في بعض الممالك الإسلامية مطلقا أو في الجملة ميزانية اليمين في فصل الخصومات مع أن العامة و الخاصة اتفقوا علي ميزانية الحلف. و روي عن النبي صلي الله عليه و آله و سلم إنه قال إنما أقضي بينكم بالبينات و الأيمان. و قال في الحديث المشهور البينة علي من ادعي إلخ، و كثيرا ما يتوصل بها صاحب الحق إلي حقه، و يفصل بين الخصمين مضافا إلي أن حلف المدعي عليه يمنع من الكبت، و يذهب بغيظ المدعي. فما يصنع طالب الحق المسكين العاجز عن إقامة البينة المطالب بمال كثير في عهدة المدعي عليه إن جعلناه محروما عن حق استحلاف خصمه فليس ظلم هذا القانون عليه بأقل من ظلم خصمه.

و من المسائل المترتبة علي هذه القاعدة مسألة نكول المدعي عليه عن اليمين و ردها إلي المدعي فاختلف فيها كلمات الفقهاء قد ذكرت أقوالهم و موارد اختلافهم و ما استدلوا بها أو يمكن أن يستدل عليها في هذه الرسالة و الرجاء ممن يراجعه إن عثر علي سهو أو خطأ، إن يسامحني فيه و يصلحه فإن الله يحب المصلحين.

ص: 10

بسم الله الرحمن الرحيم

مسألة: اختلف الفقهاء في أن المدعي عليه إذا نكل عن اليمين هل يحكم عليه بمجرد النكول أو يرد الحاكم اليمين علي المدعي

اشارة

فإن حلف يقضي له و إلا فيسقط دعواه؟

فقال مالك، و الشافعي، و فقهاء أهل الحجاز، و طائفة من العراقيين: إذا نكل المدعي عليه لم يجب للمدعي شي ء بنفس النكول إلا أن يحلف المدعي أو يكون له شاهد واحد، و قال أبو حنيفة و أصحابه و جمهور الكوفيين: يقضي للمدعي علي المدعي عليه بنفس النكول، و ذلك في المال بعد أن يكرر عليه اليمين ثلاثا، و قلب اليمين عند مالك يكون في الموضع الذي يقبل فيه شاهد و امرأتان و شاهد و يمين، و قلب اليمين عند الشافعي يكون في كل موضع يجب فيه اليمين، و قال ابن أبي ليلي: أردها في غير تهمة: و لا أردها في التهمة، و عند مالك في يمين التهمة هل تنقلب أم لا؟ قولان، فعمدة من رأي أن تنقلب اليمين ما رواه مالك من أن رسول الله صلي الله عليه و آله رد في القسامة اليمين علي اليهود بعد أن بدأ بالأنصار، و من حجة مالك أن الحقوق عنده إنما تثبت بشيئين إما بيمين و شاهد، و إما بنكول و شاهد، و إما بنكول

ص: 11

و يمين، أصل ذلك عنده اشتراط الاثنينية في الشهادة، و ليس يقضي عند الشافعي بشاهد و نكول، و عمدة من قضي بالنكول: إن الشهادة لما كانت لإثبات الدعوي، و اليمين لإبطالها وجب إن نكل عن اليمين أن تحقق عليه الدعوي قالوا: و أما نقلها من المدعي عليه إلي المدعي فهو خلاف للنص لأن اليمين قد نص علي أنها دلالة المدعي عليه (1).

و قال الشيخ في الخلاف (2): مسألة 58: إذا ادعي رجل علي رجل حقا، و لا بينة له فعرض اليمين علي المدعي عليه فلم يحلف و نكل ردت اليمين علي المدعي فيحلف، و يحكم له، و لا يجوز الحكم علي المدعي عليه بنكوله، و به قال الشعبي، و مالك، و الشافعي، و قال أبو حنيفة و أصحابه: لا ترد اليمين علي المدعي بحال فإن كان التداعي في مال كرر الحاكم اليمين علي المدعي عليه ثلاثا فإن حلف، و إلا قضي عليه بالحق بنكوله، و إن كان في قصاص قال أبو حنيفة: يحبس المدعي عليه أبدا حتي يقر بالحق أو يحلف علي نفيه، و قال أبو يوسف، و محمد: يكرر عليه اليمين ثلاثا، و يقضي عليه بالدية، و أما إذا كانت الدعوي في طلاق أو نكاح فإن اليمين لا تثبت في هذه الأشياء في جنبة المدعي عليه فلا يتصور فيهما نكول، و نحن نفرد هذا القول بالكلام، و قال ابن أبي ليلي: يحبس المدعي عليه في جميع المواضع حتي يحلف أو يقر، فالخلاف مع أبي حنيفة في فصلين أحدهما في الحكم بالنكول، و الثاني في رد اليمين.

هذه موارد اختلاف الجمهور علي ما في بداية المجتهد و الخلاف.1.

ص: 12


1- بداية المجتهد ص 457 ج 2.
2- ج 2 ص 621.

أقوال فقهاء الإمامية و أما فقهاؤنا رضوان الله عليهم فقد اختلفوا أيضا، قال العلامة في المختلف: قال الشيخ في النهاية: و إن نكل عن اليمين لزمه الخروج إلي خصمه مما ادعاه عليه و هو يعطي القضاء بالنكول من غير إحلاف المدعي و هو قول شيخه المفيد رحمه الله، و سلار، و أبي الصلاح، و به قال في القدماء من علمائنا ابنا بابويه.

و قال ابن الجنيد: يرد اليمين علي المدعي، و يحلف، و يقضي له، و هو اختيار ابن حمزة، و ابن إدريس، و نقله ابن إدريس عن الشيخ في المبسوط و الخلاف، و قال: إنه قد رجع عن قوله في النهاية، و لابن البراج قولان في الكامل كقول النهاية، و في المهذب كالمبسوط و الخلاف، و المعتمد أنه لا يحكم بالنكول بل بيمين المدعي (انتهي) و إن شئت زيادة علي ذلك فراجع المستند، و مفتاح الكرامة و إليك بعض عبائر فقهائنا القدماء في المسألة:

قال الصدوق في المقنع: و اعلم أن الحكم في الدعاوي كلها أن البينة علي المدعي، و اليمين علي المدعي عليه فإن نكل عن اليمين لزمه الحق، فإن رد المدعي عليه اليمين علي المدعي إذا لم يكن للمدعي شاهدان فلم يحلف فلا حق له إلا. إلخ.

و قال في الفقيه: قال أبي رضي الله عنه في رسالته: اعلم يا بني أن الحكم في الدعاوي كلها أن البينة علي المدعي، و اليمين علي المدعي عليه فإن نكل عن اليمين لزمه الحق.

ص: 13

و قال المفيد في المقنعة: و إن نكل (يعني المدعي عليه) عن اليمين لزمه الخروج إلي خصمه مما ادعاه عليه.

و قال الشيخ في النهاية: فإن نكل ألزمه الخروج إلي خصمه مما ادعاه عليه.

و قال السيد ابن زهرة في الغنية: و إن نكل المدعي عليه عن اليمين ألزمه الخروج إلي خصمه مما ادعاه.

و قال سلار في المراسم: و إن نكل عن اليمين ألزمه المدعي عليه.

و قال الشيخ في المبسوط: فإن لم يحلف، و نكل عن اليمين قال له الحاكم إن حلفت، و إلا جعلتك ناكلا، و رددت اليمين علي خصمك فيحلف، و يستحق عليك و يقول هذا له ثلاثا فإن حلف فقد مضي، و إن لم يحلف رددنا اليمين علي المدعي فيحلف و يثبت له الحق. و قد مر كلامه في الخلاف.

و قال ابن إدريس في السرائر: فإذا عرض اليمين عليه لم يخل من أحد أمرين إما أن يحلف أو ينكل، فإن حلف أسقط الدعوي و ليس للمدعي أن يستحلفه مرة أخري في هذا المجلس أو في غيره، فإن لم يحلف و نكل عن اليمين قال له الحاكم إن حلفت و إلا جعلتك ناكلا، و رددت اليمين علي خصمك فيحلف و يستحق عليك، و لا يجوز أن يحكم عليه بالحق بمجرد النكول بل لا بد من يمين المدعي ليقوم النكول و اليمين مقام البينة.

و قال ابن حمزة في الوسيلة: و إن نكل له قال ثلاثا إن حلفت و إلا جعلتك ناكلا فإن حلف فذاك، و إن رد فقد ذكرنا حكمه، و إن أصر رد علي خصمه فإذا حلف ثبت حقه.

ص: 14

فهذه جملة من فتاواهم في المسألة و قد عرفت منها أن المشهور بينهم إلي عصر الشيخ هو القول بالقضاء علي المدعي عليه بنفس النكول.

تحرير المسألة بحسب الأصل

و أما تحريرها بحسب الأصل كما استقر عليه دأب القوم ليكون هو المعول عليه عند عدم تمامية ما أقاموا من الدليل فنقول:

مقتضي الأصل عدم جواز القضاء تكليفا علي المنكر بمجرد النكول و عدم ترتب الأثر عليه، و لا يعارض ذلك بعدم جواز القضاء و عدم ترتب أثر عليه بعد رد الحاكم اليمين علي المدعي و حلفه، فإن جواز القضاء بكلا معنييه من التكليف و الوضع في صورة نكول المنكر، و حلف المدعي بعد رد اليمين عليه يقيني، و إن لم نعلم أنه جاء من قبل النكول أو الرد أو الحلف.

و لا ينافي ذلك أصالة عدم مشروعية رد اليمين من الحاكم فإن ذلك لا يثبت عدم جواز القضاء إلا بعدم القول بالفصل.

مضافا إلي أن المراد من عدم المشروعية إن كان عدم تشريع رد اليمين من الحاكم من قبل الشارع فالأصل عدم تشريعه بالخصوص، و إن كان المراد عدم جواز رد اليمين من الحاكم إلي المدعي مطلقا حتي احتياطا و استظهارا، و إذا توقف فصل الخصومة عليه فهو ممنوع، فإن الأقوي جواز ذلك، لأن فصل الخصومات أمر مطلوب مرغوب فيه شرعا لا يجوز إهماله، كما أن عدم ترتب الأثر علي رد الحاكم، و حلف المدعي أيضا، و إن كان مقتضي الأصل لكن لا

ص: 15

ينافي ذلك توقف فصل الخصومة، و جزم الحاكم في حكمه عليه فإذا حكم بعد ذلك يحصل القطع بنفوذ حكمه، و إن لم نعلم وجهه.

و مثل ذلك نقول في أصالة عدم توجه اليمين علي غير المنكر فإن ذلك إنما يكون بحسب الوظيفة الأولية لا إذا انحصر طريق فصل الخصومة، و جزم الحاكم في حكمه بيمين المدعي هذا.

و قد قيل في تأسيس الأصل وجوه لا تخلو من الضعف.

منها: أصالة براءة ذمة المدعي عليه من الحق بمجرد النكول فلا يحكم عليه. و فيه إنه كان المراد براءة ذمته واقعا فمجرد النكول لا يؤثر في براءة ذمة المدعي عليه فهي علي حالها الواقعي من الاشتغال أو البراءة و لا تنقلب عما هي عليه بمجرد النكول أو الحلف. و إن كان المراد براءة ذمته ظاهرا بحيث يسقط بالنكول دعوي المدعي فهو موقوف علي حكم الحاكم، و لا معني لتأثير نكول المنكر في سقوط دعوي المدعي، و هذا الأصل لم يتولد من نكول المنكر بل كان معه قبل النكول أيضا، و لم يؤثر في سقوط دعوي المدعي فكيف أثر بعد النكول.

و منها: أصالة براءة ذمة الحاكم من التكليف بالرد. و فيه أن هذا الأصل لا يثبت وجوب القضاء علي المدعي عليه للمدعي فلا فائدة للتمسك بها مع أنا نقول إذا توقف فصل الخصومة، و الجزم في الحكم علي الرد يجب ذلك علي الحاكم لعدم جواز توقيف الدعوي.

ص: 16

و منها: أصالة براءة ذمة المدعي من التكليف باليمين، و هذا الأصل أيضا لا ينفع، لإثبات وجوب القضاء للمدعي علي المدعي عليه، مضافا إلي أن يمين المدعي لم تجب عليه بالوجوب النفسي التكليفي الذي يصح للمولي مؤاخذة العبد في مخالفته، حتي يجري فيه أصالة البراءة بل إنما وجبت عليه بالوجوب الشرطي الإرشادي من غير أن يترتب علي مخالفته عقوبة و لا مؤاخذة، فلا معني للتمسك في نفيه بالبراءة.

إن قلت: إذا كان مقتضي الأصل عدم جواز القضاء بمجرد النكول، و عدم مشروعية رد اليمين من الحاكم، و عدم ترتب الأثر علي رده، و حلف المدعي، و عدم توجه اليمين علي غير المنكر، و لم يتم ما أقاموا من الأدلة علي جواز القضاء بمجرد النكول، و علي وجوب رد الحاكم اليمين إلي المدعي فكيف يفصل الخصومة بين المتخاصمين؟.

قلت: قد مر أنه لا بد للحاكم في مقام فصل الخصومة رد اليمين إلي المدعي، و القضاء علي المدعي عليه بحلفه، و هذا الحكم نافذ يقينا و إن لم نعلم أن وجه جوازه و نفوذه مجرد النكول أو رد اليمين و حلف المدعي.

إن قلت: إن هذا الاحتياط، و تحصيل الجزم بالحكم و فصل الخصومة إنما يمكن إذا كان المدعي باذلا لليمين و أما إذا كان ناكلا فلا يمكن الاحتياط لأن الأمر يدور بين القضاء علي المدعي عليه الناكل بمجرد نكوله، و علي المدعي الناكل بمجرد نكوله و لا ترجيح للطرفين.

قلت: نعم ما قلنا إنما يجري فيما إذا كان المدعي باذلا لليمين و أما إذا لم يكن باذلا فلا وجه لرد اليمين إليه و حينئذ لا بد إلا عن القول بحبس المدعي

ص: 17

عليه، حتي يختار اليمين أو الرد، بدعوي العلم بعدم رضا الشارع بتوقيف الدعوي أو القول بتوقيف الدعوي حتي يبذل المدعي اليمين أو يقيم البينة.

هذا تحرير المسألة بحسب ما يقتضيه الأصل.

أدلة عدم جواز الحكم بالنكول

اشارة

و أما بحسب الأدلة فاستدل لعدم جواز الحكم بالنكول، و وجوب رد اليمين إلي المدعي بوجوه:

الأول بالأصل

الذي ذكرناه.

و فيه أنه المعول عليه إذا لم يقم دليل علي جواز الحكم بالنكول، و مع قيام الدليل فلا معارضة بينه و بين الدليل.

الثاني بقوله تعالي ذٰلِكَ أَدْنيٰ أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهٰادَةِ عَليٰ وَجْهِهٰا أَوْ يَخٰافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمٰانٌ بَعْدَ أَيْمٰانِهِمْ

(1) فاستدل الشيخ بها في الخلاف قال: فأثبت الله يمينا مردودة بعد يمين فاقتضي ذلك أن اليمين ترد في بعض المواضع بعد يمين أخري.

فإن قيل: الآية تقتضي رد اليمين بعد اليمين و الإجماع أن المدعي عليه إذا حلف لم ترد اليمين بعد ذلك علي المدعي قيل: لما أجمعوا علي أنه لا يجوز رد اليمين بعد اليمين عدل بالظاهر عن هذه، و علم أن المراد به أن ترد أيمان بعد وجوب أيمان (انتهي) و فيه أن رد الأيمان كما أفاد في كنز العرفان هنا مجاز فإن رد اليمين عن شخص إلي شخص آخر يكون حقيقة إذا توجه اليمين علي شخص من الأول

ص: 18


1- س 5 يه 108.

ثم ردها إلي غيره أو ردها الحاكم إليه، و في المقام لم يتوجه اليمين إلي الوصيين بل إنما توجهت إلي ورثة الميت لأنهم وجدوا إناء الميت عندهما فطالبوهما به فادعيا شراءه من الميت فأنكر الورثة فتوجه اليمين إليهم لإنكار هم ذلك (فراجع ما ورد في سبب نزول الآية) و لو أغمضنا عن ذلك، و قلنا إن اليمين لو لم تكن هذه الآية تتوجه إلي الوصيين المنكرين لا بآخرين يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم الأوليان نقول: إن المستفاد من ظاهر الآية أن العدول عن يمين ذي اليد المنكر إلي من يقوم مقامه إنما كانت لأجل خصوصية في المورد، و هي إلزام الوصيين بحسب اليمين الأولي عرفا باليمين الثانية أيضا لأنهما لو امتنعا عنها و رداها إلي الورثة يظهر كذب يمينهما الأولي فيفتضحان، و مثل هذه اليمين لا ينبغي أن يكون من موازين فصل الخصومة، و مستند القاضي في قضائه فوجه الله تعالي اليمين إلي الورثة لأن ذٰلِكَ أَدْنيٰ أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهٰادَةِ عَليٰ وَجْهِهٰا، و أبعد من الكذب، و أن يخافوا أن ترد أيمان بعد أيمانهم فيظهر كذبهم، و يفتضحوا بين الناس فلا يجوز التعدي عن موارده إلي غيره.

الثالث ما دل علي حصر ميزان القضاء بما ليس النكول منه

كقوله صلي الله عليه و آله

إنما أقضي بينكم بالبينات و الأيمان،

(1) و خبر يونس عمن رواه قال

استخرج الحقوق بأربعة وجوه: شهادة رجلين عدل فإن لم يكونا رجلين فرجل و امرأتان فإن لم تكن امرأتان فرجل و يمين المدعي فإن لم يكن شاهد فاليمين علي المدعي عليه فإن لم

ص: 19


1- التهذيب ج 6 ب 89 ح 562 و 3 الكافي ج 2 ص 359.

يحلف رد اليمين علي المدعي، و هي واجبة عليه أن يحلف و يأخذ حقه فإن أبي أن تحلف فلا شي ء له.

(1) و ما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام قال

أحكام المسلمين علي ثلاثة: شهادة عادلة، أو يمين قاطعة، أو سنة ماضية من أئمة الهدي

(2) و قول النبي صلي الله عليه و آله

البينة علي من ادعي، و اليمين علي من ادعي عليه

(3) و في خبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام

إن البينة علي المدعي، و اليمين علي من ادعي عليه

(4). فإن التفصيل قاطع للشركة، و لازم ذلك عدم كون اليمين وظيفة المدعي إلا في صورة رد المنكر فإن ميزانية نكول المدعي في هذه الصورة قد ثبت بالدليل المخصص للعمومات فبناء علي هذا إذا حكم القاضي بمجرد نكول المدعي عليه ليس لحكمه مستند غير نكوله، مع أن ميزان القضاء انحصر بما يكون نكول المدعي عليه خارجا عنه.

و الجواب عن ذلك كله إن هذه العمومات يخصص بما ذكره القائل بالحكم مضافا إلي أنه يمكن أن يقال إن هذه العمومات إنما وردت لبيان الوظيفة في الحكم في أول الأمر، و عدم تعرضها لصورة النكول.4.

ص: 20


1- التهذيب ج 6 ب 562 89 و 13 الكافي ج 2 ص 360.
2- التهذيب ج 6 ب 92 ح 796 و 3 الكافي ج 2 ص 366.
3- التهذيب ج 6 ب 89 ح 4/ 553 الكافي ج 2 ص 360 خرج هذا الحديث علماء الجمهور في كتبهم أيضا و لفظ الحديث عندهم البينة علي المدعي. و اليمين علي المدعي عليه فراجع مصابيح السنة ج 2 ص 73 و 74 و الجامع الصغير ص 128 ج 1 و غيرهما.
4- التهذيب ج 6 ب 89 ح 554.

و لو أغمضنا عن ذلك يمكن أن يقال بدلالة قوله

البينة علي المدعي

إلخ علي جواز الحكم بالنكول، لأن رد اليمين علي المدعي مخالف لعكس القضية الأولي فإن مقتضي كل من القضيتين حصر مبتدئها في خبرها و بالعكس فمعني قوله

البينة علي المدعي

إلخ إنه لا بينة إلا علي المدعي، و لا مدعي إلا من عليه البينة، و هكذا الكلام في القضية الثانية فرد اليمين مخالف لعكس قوله

البينة علي المدعي،

و مخالف لأصل القضية الثانية،

و اليمين علي من أنكر.

لا يقال: القضاء بالنكول أيضا مخالف لحصر المستفاد من الخبر.

فإنه يقال: القضاء بالنكول موجب لرفع اليد عن قوله: البينة علي المدعي الذي يستفاد منه من جهة كون الرواية في مقام حصر ما يلزم به المدعي في إثبات حقه، و ما يلزم به المنكر في التخلص عن دعوي المدعي أن حق المدعي لا يثبت إلا بالبينة، و هذا بخلاف رد اليمين إلي المدعي فإنه مستلزم لرفع اليد عن عكس القضية الأولي، و أصل القضية الثانية.

و لا يخفي أنه إذا دار الأمر بين رفع اليد عن ظهور قضية واحدة أو ظهور قضيتين يكون الأول أولي، و هذا إنما يتم علي عدم القول بالفصل و الإجماع المركب و إلا فلو لم يكن هنا إجماع، و احتملنا توقيف الدعوي لا مجال لرفع اليد عن ظهور أصل القضيتين و عكسهما.

هذا مضافا إلي أنه علي تقدير رد اليمين إلي المدعي، و نكوله عن اليمين، و القضاء عليه يلزم رفع اليد عن الحصر المستفاد من عكس قضية اليمين علي من أنكر فإن المستفاد من عكسها و هو لا منكر إلا من عليه اليمين حصر رفع الخصومة عن المنكر باليمين مع أن في صورة نكول المدعي عن اليمين المردودة رفع الخصومة عنه بغير اليمين.

ص: 21

لا يقال: إن عموم حصر رفع الخصومة عن المنكر باليمين قد خصص بما دل علي جواز الحكم بنكول المدعي.

فإنه يقال: قد خصص هذا العموم بما دل علي جواز الحكم بنكوله إذا رد المدعي عليه إليه اليمين فنكل عنها، و أما إذا رد الحاكم إليه اليمين، و نكل فلم يعلم تخصيصه به.

الرابع من الوجوه التي استدل بها لعدم جواز القضاء بمجرد النكول خبر عبيد بن زرارة

عن أبي عبد الله عليه السلام

في الرجل يدعي عليه الحق، و لا بينة للمدعي؟ قال: يستحلف أو يرد اليمين علي صاحب الحق فإن لم يفعل فلا حق له

(1). بناء علي قراءة يرد بالبناء بصيغة المجهول.

و فيه: أن الظاهر كونه مبنيا للفاعل، و بصيغة المعلوم فهذا الخبر أجنبي عما نحن فيه.

الخامس خبر ابن أبي عمير عن هشام عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ترد اليمين علي المدعي

الخامس خبر ابن أبي عمير عن هشام عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ترد اليمين علي المدعي(2).

و فيه أن الظاهر كون هذه الجملة صدرت جوابا عن مسألة سألها عنه عليه السلام أو كان لها صدر أو ذيل، و لم ينقله الراوي لا تكاله علي قرينة حالية أو مقالية فيحتمل قويا أن يكون المراد اليمين المردودة من المنكر إلي المدعي، و لو

ص: 22


1- التهذيب ح 556 و 7 ب 89 ج 6 الكافي ج 2 ص 360.
2- 2) التهذيب ح 560 و 11 ب 89 ج 6 الكافي ج 2 ص 360.

أغمضنا عن ذلك، و قلنا بأنه عام فعمومه يخصص بما دل علي جواز القضاء بالنكول.

السادس ما أخرجه في الخلاف عنه صلي الله عليه و آله: المطلوب أولي باليمين من الطالب

السادس ما أخرجه في الخلاف عنه صلي الله عليه و آله: المطلوب أولي باليمين من الطالب.(1)

و ما روي عنه أيضا صلي الله عليه و آله

المدعي عليه أولي باليمين إلا أن تقوم عليه البينة

(2). فاقتضي النبويان أن الطالب و المطلوب، و المدعي عليه و المدعي يشتركان في اليمين لكن للمطلوب المدعي عليه مزيد مزية علي الطالب بالتقديم.

و فيه: أنه لم يثبت اعتبار الخبرين مضافا إلي أنه يستفاد من قوله

المدعي عليه أولي باليمين إلا أن تقوم عليه البينة

أولوية المدعي عليه باليمين، و إن اليمين علي من أنكره و يتخلص بها المنكر عن دفع دعوي المدعي إذا لم تكن مع المدعي البينة، و أما إذا كان معه البينة فهو أولي بها فيقيمها، و لا يبعد أن يكون المراد من قوله

المطلوب أولي باليمين من الطالب

أيضا أولويته باليمين إذا لم تكن البينة مع الطالب فليتدبر.

السابع ما روي عن النبي أيضا صلي الله عليه و آله و سلم: إنه رد اليمين علي طالب الحق

السابع ما روي عن النبي أيضا صلي الله عليه و آله و سلم: إنه رد اليمين علي طالب الحق. (3)

و فيه أنه ضعيف لم يخرج في جوامعنا في الحديث.

ص: 23


1- ج 2 ص 621 م 38.
2- الجامع الصغير ج 2 ص 185 عن البيهقي في السنن.
3- مختلف الشيعة ص 143 ج 2.

الثامن: من الوجوه التي استدل بها لجواز رد الحاكم اليمين إلي المدعي ولايته الشرعية

و إنه ولي الممتنع بتقريب أن الواجب علي المنكر الحلف أورده إلي المدعي للأخبار الدالة علي أنه مخير بينهما فإذا امتنع عنهما يرد الحاكم اليمين إلي المدعي لولايته علي ذلك.

و فيه: أن ولاية الحاكم علي مثله غير معلوم خصوصا إذا كان اليمين أو ردها حقا للمدعي عليه لا حقا عليه فيجوز أن يكون اليمين أوردها علي المدعي لتخلصه عما ادعي عليه فإن تخلص بواحد منهما فهو، و إلا فيلزم علي أداء ما ادعي عليه.

التاسع: ما استدل به بعض العامة

كما سمعت من ابن رشد في بداية المجتهد، و هو ما رواه مالك من أن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: رد في القسامة اليمين علي اليهود بعد أن بدأ بالأنصار.

و فيه: مضافا إلي أن أصل توجه اليمين علي المدعي في القسامة يدل علي أن حكمها ليس كأحكام سائر الدعاوي فلا يتعدي عنها إلي غيرها إن بعد التأمل في الروايات المأثورة عن طرق الخاصة و العامة في القسامة يظهر أن النبي صلي الله عليه و آله و سلم لم يرد اليمين في القسامة علي اليهود بل خير الأنصار بين اليمين، و ردها إلي اليهود، و لو كان رسول الله صلي الله عليه و آله رد اليمين إلي اليهود لم يكن لهم أن يقولوا: من يصدق اليهود؟ أو: و كيف يرضي باليهود. فيظهر من ذلك أنهم كانوا بالخيار في اليمين و الرد بل يظهر منه إن من توجه إليه اليمين إذا نكل عنها و عن الرد إلي صاحبه، و كان له عذر في الامتناع عن اليمين لا يجوز الحكم عليه بل يؤدي الوالي ما ادعاه من الحق من بيت المال، و علي كل حال لا يصح التمسك بمسألة القسامة علي حكم

ص: 24

مسألتنا هذه لأنهما لم ترتضعا من لبن واحد حتي يحكم بإلغاء الخصوصية، و يتمسك بمفهوم الموافقة، و الله أعلم.

العاشر: الشهرة المنقولة بل و الإجماع المنقول

و فيه أن المشهور بينهم إلي عصر الشيخ كما قد عرفت هو القضاء بمجرد النكول مضافا إلي أن في الاحتجاج بالشهرة المحققة بل و الإجماع المحصل في مثل هذه المسألة نظر فإن الشهرة و كذا الإجماع لا تكشف عن وجود نص في المسألة غير ما عثرنا عليه في ما بأيدينا من جوامع الحديث فإن من المحتمل بل المظنون أن المشهور أو المجمعين اعتمدوا في ما ذهبوا إليه بهذه الروايات، و الأحاديث المخرجة في كتب الحديث الباقية إلي عصرنا: حجج القول بجواز الحكم بمجرد النكول و قد استدل لهذا القول أيضا بوجوه:

الأول: رواية حماد عن محمد بن مسلم قال

سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الأخرس كيف يحلف؟

(فأجابه في حديث طويل)

أن أمير المؤمنين عليه السلام كتب له اليمين، و غسلها، و أمره بشربها فامتنع فألزمه بالدين

(1). و قد أورد علي الاستدلال بها بوجوه:

أحدها: إنها قضية في واقعة، و فيه أنه يتم إذا لم تكن نقل القضية مسبوقا بالسؤال عن الإمام عليه السلام.

ص: 25


1- راجع متن الحديث في التهذيب ج 6 ح 86/ 779 ب 92 و في الفقيه ج 3 ص 65.

ثانيها: أن السؤال إنما وقع عن حكم الحلف دون الامتناع عنه فليس الخبر واردا في مقام بيان هذا الحكم حتي يتم الإطلاق.

و أجيب عنه بأن من تأمل في الرواية يجد أن مراد السائل السؤال عن حكم حلف الأخرس مطلقا، و فيه: إنا تأملنا فيه فلم نجده إلا في مقام السؤال عن كيفية حلفه اللهم إلا أن يقال: إن ظاهر قوله: فامتنع فألزمه الدين دال علي تعقيب الإلزام للامتناع بغير مهلة لمكان الفاء، و هو ينافي تخلل اليمين بينهما.

ثالثها: أن القضاء للمدعي بمجرد امتناع المدعي عليه عن اليمين خلاف الإجماع لأن القائل بجواز القضاء يقيده بصورة عدم رد المنكر اليمين علي المدعي، و القائل بعدمه يقيده بصورة حلف المدعي فلا بد من تقدير عدم الرد أو حلف المدعي، و لا ترجيح لأحدهما علي الآخر.

و أجيب عنه: بأن مقتضي ظاهر الرواية كون مجرد امتناعه عن الشرب علة تامة لإلزامه بالدين، و القدر المتيقن تقييده بصورة عدم الرد، و تقييده بصورة حلف المدعي غير معلوم فيبقي الإطلاق بالنسبة إليه علي حاله، و سيجي ء توضيح ذلك عند الكلام عن رواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله.

رابعها: إعراض المشهور عن العمل بالرواية في موردها، و هو يمين الأخرس بل قيل: إن الإجماع قائم علي خلافه، و نقل عن الجمهور أنهم نقلوا عنه عليه السلام خلاف ذلك. (1)ف.

ص: 26


1- نقل العلامة في المختلف عن الجمهور أنهم نقلوا القول بعدم جواز الحكم بالنكول عن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام، و لم أجد ذلك فيما عندي من كتبهم، و علي كل حال فما نقل عن الجمهور ليس موضوعه بين الأخرس و الاشتباه إنما نشأ من عدم التأمل في كلام العلامة في المختلف.

الثاني: ما في خبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام

لو أن رجلا ادعي علي رجل عشرة آلاف درهم أو أقل أو أكثر لم يكن اليمين علي المدعي، و كانت اليمين علي المدعي عليه.

(1) و فيه: أن ظاهر الخبر كون هذا حكم اليمين في أول الأمر، و إنها لا تتوجه إلا علي المدعي عليه فلا ينافي توجهها علي المدعي إذا نكل المدعي عليه عن اليمين.

الثالث: الأصل المقرر بوجوه كأصالة عدم مشروعية رد اليمين من الحاكم، و أصالة عدم ثبوت الحلف علي المدعي، و أصالة براءة ذمة الحاكم من التكليف بالرد و غير ذلك.

و فيه: إن شيئا من هذه لا يثبت جواز الحكم علي المدعي عليه الناكل، و لا يفيد إثبات كفاية النكول في الحكم بثبوت حق المدعي مع أن الأصل عدمه فإن أمكن الأخذ بالقدر المتيقن كما إذا كان المدعي باذلا لليمين يستحلف، و يقضي له، و إلا يتوقف الدعوي.

الرابع: الإجماع أو الشهرة، و قد عرفت ما في الاستدلال بمحصلهما في مثل مسألتنا فضلا عن منقولهما.

الخامس: رواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله المخرجة في التهذيب في باب كيفية الحكم و القضاء (2) قال:

8.

ص: 27


1- التهذيب ج 10 ب 12 ح 3/ 663 و الكافي ج 2 ص 342 و الفقيه ج 4 ص 73
2- التهذيب ج 6 ب 89 ح 6/ 555 و الكافي ج 2 ص 360 و الفقيه ج 3 ص 38.

أحمد بن محمد بن عيسي (1) بن عبيد عن ياسين الضرير قال: حدثني عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال: قلت للشيخ (2)

أخبرني عن الرجل يدعي قبل الرجل الحق فلا يكون له البينة بماله؟ قال: فيمين المدعي عليه فإن حلف فلا حق له، و إن لم يحلف فعليه، و إن كان المطلوب بالحق قد مات فأقيمت عليه البينة فعلي المدعي اليمين بالله الذي لا إله إلا هو لقد مات فلان، و إن حقه لعليه فإن حلف و إلا فلا حق له لأنا لا ندري لعله قد وفاه ببينة لا نعلم موضعها أو بغير بينة قبل الموت فمن ثم صارت عليه اليمين مع البينة فإن ادعي، و لا بينة له فلا حق له لأن المدعي عليه ليس بحي، و لو كان حيا لألزم اليمين أو الحق أو يرد اليمين عليه فمن ثم لم يثبت عليه حق.

و الاستدلال بها من وجهين:

أحدهما: بصدرها علي ما في الكافي و التهذيب، و هو قوله

فإن حلف فلا حق له، و إن لم يحلف فعليه.

فإن المستفاد منه إلزام المنكر بالحق في صورة عدم الحلف.

و ثانيهما: قوله عليه السلام في ذيلها

و لو كان حيا لألزم اليمين أو الحق أو يرد اليمين عليه فمن ثم لم يثبت عليه حق.

فإن المستفاد منه أنه يرتب علي عدم البينة للمدعي مع حياة المدعي عليه أحد أمور ثلاثة:

إلزام المدعي عليه باليمين أو الحق أو رده اليمين إلي المدعي، و مع انتفاء اليمين و الرد يلزم بالحق، و ليس هذا إلا معني القضاء بمجرد النكول.ه.

ص: 28


1- الظاهر أنه سقط من هنا جملة (عن محمد بن عيسي) فراجع جامع الرواة ص 169 ج 2.
2- الظاهر أنه هو الإمام موسي الكاظم عليه الصلاة و السلام كما ذكره الصدوق قده.

و قد أورد علي الاستدلال بصدرها و ذيلها بعد تضعيف سندها بمحمد بن عيسي بوجهين:

أما بصدرها: فأورد عليه أولا بمعارضتها مع ما في الفقيه فإنه أخرج الحديث بسنده عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال: قلت للشيخ يعني موسي بن جعفر عليهما السلام

أخبرني عن الرجل يدعي قبل الرجل الحق فلا يكون له بينة بما له قال: فيمين المدعي عليه فإن حلف فلا حق له و إن رد اليمين علي المدعي فلم يحلف فلا حق له.

و ثانيا: بمخالفة ظاهره للإجماع فإن القضاء علي المدعي عليه في صورة عدم الحلف مقيد إما بعدم رده اليمين إلي المدعي أو برد الحاكم اليمين إلي المدعي و حلفه فلا بد من تقدير أحدهما، و حيث لا معين في البين لأحدهما يسقط الاستدلال به علي كل من الطرفين.

و الجواب: أما عن ضعف السند بمحمد بن عيسي فالأقوي كونه موثوقا به، و ما ذكروا في تضعيفه مخدوش بما في جامع الرواة و غيره مضافا إلي جبره بعمل المشهور به.

و أما الإيراد عليه بمعارضة صدره مع نسخة الفقيه فأجيب عنه بترجيح ما خرجه الشيخ و الكليني علي ما في الفقيه مع أن المعارضة بينهما ممنوعة فإنه لا مانع من العمل بكلتا النسختين، و لا منافاة بينهما.

و أما الإيراد الثاني ففيه أن تقدير عدم الرد لازم علي كل حال أما بناء علي القول بالحكم بمجرد النكول فمعلوم و أما بناء علي القول بالقضاء بحلف المدعي فلا يرد الحاكم إليه الحلف إلا في صورة عدم رد المنكر اليمين إليه فيبقي تقدير الحلف بلا وجه.

ص: 29

إن قلت: نعم تقدير عدم الرد يقيني لكن إذا كان تقدير شي ء في الكلام معلوما بالإجمال فما هو المعين لكون القدر المتيقن عدم الرد مجردا عن حلف المدعي فلعله كان عدم الرد و الحلف معا.

قلت: المقطوع تفصيلا تقديره هو عدم الرد، و أما رد الحاكم و حلف المدعي فتقديره غير معلوم لا يعتني باحتماله كما جرت به سيرة العرف في الأخذ بظواهر الألفاظ مع احتمال التقدير.

هذا و ربما قيل في مقام الجواب عن هذا الإشكال: إن الأمر دائر بين الأقل و الأكثر، و هو عدم رد المدعي عليه اليمين إلي المدعي، و عدم رده مع رد الحاكم و حلف المدعي فالأخذ بالأقل يقيني، و الأصل عدم الأكثر.

و فيه: إن هذا لا يثبت وجوب القضاء علي الحاكم، و جواز حكمه تكليفا و وضعا، و مجري البراءة في الأقل، و الأكثر إنما يكون إذا كان التكليف بالأقل معلوما، و شككنا في التكليف بالأكثر، و المقام ليس من هذا القبيل فإن الحاكم شاك في تحقق موضوع جواز القضاء فلا يحصل له العلم بوجوب الحكم عليه، و نفوذ قضائه إلا في صورة عدم رد المنكر اليمين إلي المدعي، و رد الحاكم، و حلف المدعي، و أصالة عدم وجوب الحلف لا يثبت وجوب الحكم عليه.

ثم إنه قد أورد بعضهم علي الاستدلال بصدر الحديث إيرادا ثالثا و هو كون المبتدأ المقدر لقوله: (فعليه) الحلف. و الضمير المجرور للمدعي أي فالحلف علي المدعي، و فيه: أن هذا الاحتمال خلاف الظاهر، و فتح باب هذه الاحتمالات يسد باب الاستظهار، و الاستدلال بظواهر الألفاظ.

ص: 30

و أما الإيراد علي ذيل الرواية فأورد عليه أولا: بأن الاستدلال به علي جواز القضاء بمجرد النكول يتم إذا كان يرد مبنيا للفاعل، و أما إذا كان مبنيا للمفعول فلا دلالة للحديث علي المدعي.

و ثانيا: بما حكي عن بعض الأجلة من أن التمسك به إنما يستقيم إذا كان المراد من إلزام المدعي بالحق إلزامه و القضاء عليه بسب النكول مع أن من الممكن أن يكون المراد إلزامه بسبب إقراره، و اعترافه و إذا تردد الأمر بينهما يسقط الاستدلال به.

و لا يخفي ما في الوجهين:

أما الأول: فإن ظاهر الرواية كون مورد الإلزام بالحق غير مورد الإلزام باليمين و الرد، و إذا كان يرد مبنيا للمفعول يصير مورد الإلزام بالحق مع مورد الرد المذكور في قوله: " أو يرد اليمين عليه" واحد إذ علي هذا يكون المراد من إلزامه بالحق إلزامه به بعد رده اليمين إلي المدعي و حلفه، و هو خلاف الظاهر.

هذا مضافا إلي كونه في مقام بيان ما يتوجه علي المنكر لو كان حيا لا بيان وظيفة الحاكم.

و أما الثاني: ففيه أن الظاهر من الإلزام بالحق إلزامه بما أنه منكر للحق و ناكل، و من أقر علي نفسه بالحق ليس منكرا و لا خصومة بينه، و بين المقر له حتي يلزم بالحق، و يؤيد ذلك قوله: " فمن ثم لم يثبت عليه حق". فإن إثبات الحق فرع الإنكار، و أيضا يؤيد ذلك قوله: " لألزم باليمين أو الحق". فإنه لو كان المراد من الإلزام بالحق إلزامه بإقراره كان الأولي ذكره أولا، و أن يقول: لألزم الحق أو اليمين أو يرد اليمين.

ص: 31

فالإنصاف: إن هذه الرواية كافية لإثبات الحكم و هو جواز الحكم بمجرد النكول، و لو قيل برفع اليد عن صدرها بسبب اختلاف النسخ فلا وجه لرفع اليد عن ذيلها.

و قد تم كتابة هذا البحث مختصرا بيد مؤلفه أقل أهل العلم علما و عملا و أكثرهم خطأ و زللا لطف الله الصافي الكلبايكاني غفر الله له و لوالديه، و لجميع أساتذته في 16 من ذي القعدة الحرام من شهور سنه 1374.

ثم أجلت النظر فيه حتي انتهيت نهاية البحث، و فرغت منه في اليوم السابع من شهر ربيع الآخر من سنة 1385 راجيا من الله تعالي أن يجعله في صحيفة حسناتي، و أن يتقبل مني بأحسن القبول إنه ولي الحسنات و غافر السيئات، و الصلاة علي سيدنا أبي القاسم محمد و آله الطاهرين سيما مولانا الإمام المنتظر بقية الله في الأرضين أرواح العالمين له الفداء، و كحل الله أبصارنا بتراب مقدم أصحابه و أعوانه.

ص: 32

الرسالة الثانية التداعي في مال من دون بينة و لا يد

اشارة

ص: 33

مسألة: إذا تداعي شخصان أو أشخاص في مال لم تكن لواحد منهم و لا لغيرهم يد عليه

اشارة

فادعي كل واحد منهم أن المال له و رفع الأمر إلي الحاكم و كانت الدعويان متقارنتين، و لم تكن لأحد من المتخاصمين بينة شرعية، أو كانت بينة كل واحد معارضة ببينة الآخر، حيث لا يكون لإحدي البينتين أو البينات ترجيح علي غيرها من حيث العدالة و العدد، فهل يحكم بالقرعة حتي يكون المال لمن خرجت القرعة باسمه. أو يحكم بتقسيم المال و توزيعه بين المتداعيين بالسوية. أو يبني علي حلف أحدهما و تعيين الحالف بالقرعة. أو علي التحالف، فإن حلف أحدهما دون الآخر يقضي للذي حلف، و إن حلف الجميع يقسم المال بينهما بالسوية. أو علي التحالف، و بعد حلف كل واحد منهما يرجع إلي القرعة. أو يفصل بينما إذا لم تكن لأحدهما بينة شرعية، و بين صورة معارضة بينة كل واحد منهما ببينة الآخر.

ففي الصورة الأولي قضي به بينهما نصفين، و في الصورة الثانية يبني إما علي الحلف و تعيين الحالف بالقرعة أو علي التحالف علي ما يأتي تفصيله إنشاء الله تعالي.

في المسألة احتمالات و وجوه و لا ريب أنه ليس هنا أصل و لا ظاهر يعول عليه في مقام الترافع و الحكم و فصل الخصومة، اللهم إلا قاعدة" البينة علي المدعي و اليمين علي المدعي عليه" و قاعدة" القضاء بالبينات و الأيمان"، و أن أحكام المسلمين علي ثلاثة:

" شهادة عادلة، أو يمين قاطعة، أو سنة ماضية من أئمة الهدي". فلا بد من النظر في الاحتمالات و الوجوه المذكورة و الأخذ بأقواها بحسب الدليل.

فنقول مستعينا بالله تعالي:

ص: 34

أما الاحتمال الأول: و هو الرجوع إلي القرعة ابتداء

اشارة

فوجهه كونها" لكل أمر مجهول"، و أنه" ليس من قوم تنازعوا ثم فوضوا أمرهم إلي الله إلا خرج بينهم المحق". و لا ريب أن ما نحن فيه من الأمور المجهولة التي تشملها قاعدة القرعة، و رواياتها الكثيرة المتواترة معني بل و إجمالا أيضا، لأن القدر المتيقن من الموارد التي تشملها أدلة القرعة هو الشبهة الموضوعية المحصورة المقرونة بالعلم الإجمالي التي وقع فيها التنازع و التخاصم، و ادعي كل واحد من المدعيين أن موردها حق له من غير أن يكون لواحد منهما و لغيرهما يد عليه و لا بينة لإثبات مدعاه عند الحاكم أو صارت بينته معارضة ببينة الآخر، و لو كان القدر المتيقن من أدلتها أوسع من ذلك فلا ريب أنها تشمل المورد.

هذا و قبل الكلام في رد هذا الاحتمال ينبغي التنبيه علي نكتة و هي أن أدلة القرعة أعم موردا مما ذكر فتشمل الشبهة الموضوعية التي وقع فيه التنازع، و ما لم يقع فيه ذلك، كما تشمل المبهمات الواقعية و الموضوعات الغير المعينة في الواقع، لا بمعني أن القرعة تصيب الواقع لأن إصابتها الواقع فرع وجود أمر في الواقع، بل بمعني أن ما خرج به السهم عند كون الموضوع مبهما و غير معين في الواقع يجب الأخذ به تعبدا، فليس مفادها علي ذلك مفاد الأمارة، بل يكون أوسع و أوثق منها لإمكان كشف الخلاف في الأمارة، و عدم إمكانه في القرعة إذا كان مجراها ما لا تعين له في الواقع كما إذا كان لمورثه ستون مملوكا و عتق ثلثهم، أو كان له مثل ذلك فأوصي بعتقهم و لم يكن له من المال غيرهم فلم يجز الورثة الوصية فإنه يعتق عشرون منهم بالقرعة، و هكذا إذا أوصي بعتق ثلث مماليكه، فإنه يستخرج ذلك بالقرعة.

ص: 35

ثم إنه بعد التنبيه علي ذلك نقول إنه يرد علي ما وجه به احتمال الرجوع إلي القرعة في المسألة:

إنه إنما يجوز الرجوع إلي القرعة إذا لم يندرج المورد في قاعدة من القواعد الشرعية مما يرفع به الإعضال و الحيرة، و أما الموضوع المتنازع فيه المذكور في عنوان المسألة لا إعضال فيه عند العرف بحيث لا يمكن للحاكم فصل الخصومة فيه إلا بالقرعة.

و ذلك أولا لحكم العرف و العقل بالنصف و العدل، و الجمع بين ما يقتضيه الدعاوي الواردة علي مال واحد في الجملة إذا لم يكن لأحدهما البينة فيشمله قوله تعالي وَ إِذٰا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النّٰاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ بعد حكم العرف بما يقتضيه العدل و النصف، و شمول مثل الآية له.

و ثانيا: لا موضوع للقرعة و لا إعضال حتي يرجع إليها لدفعه لأنه إذا أقام كل منهما البينة يندرج تحت قاعدة: " القضاء بالبينات و الأيمان" فيرجع إليها و يحكم بحلف أحدهما أو كليهما، نعم يرجع إلي القرعة في تعيين الحالف إذا قلنا بأن الوجه حلف أحدهما أو القرعة إذا حلف كلاهما، و أين هذا من الرجوع إلي القرعة ابتداء.

أقول: أما ارتفاع الإعضال و الإشكال بالحكم بالنصف ففيه أن ذلك فرع كون موضوع القرعة مجرد الإعضال و الإشكال كما توهمه بعض المعاصرين، و لذلك مع ذهابه إلي أمارية القرعة اختار تقدم الأصول عليها إذا كان موردها مجري لأصل من الأصول لارتفاع موضوع الحكم بالقرعة، و هو الحيرة و الإعضال من البين، و هذا توهم فاسد، لأنه مع البناء علي كون القرعة في الموارد المتنازع فيها و الشبهات الموضوعية مطلقا أمارة و طريقا إلي الواقع كما

ص: 36

دلت عليها أدلتها (1) لا مجال للرجوع إلي مثل قاعدة العدل و الإنصاف و تقديمها عليها، و لا يصح أن يقال إنها أمارة و طريق إذ لم يكن أصل لرجوع ذلك إلي التهافت و تأخر ما رتبته التقدم، و تقدم ما رتبته التأخر.

هذا مضافا إلي أنه إن قلنا بأن موضوعها كما يستفاد من الأحاديث، الجهل بالواقع مثل موضوع سائر الأمارات، لا مجرد الإعضال و الإشكال فالجهل بالواقع باق لا يرتفع بالجمع بين الدعويين و العمل بالنصف و العدل.

و الحاصل: أن الحكم بالنصف و العدل بالجمع بين الدعويين رتبته رتبة الأصل لا نظر له إلي الواقع بخلاف القرعة، فإن لها مرتبة الأمارة و الطريقية، و النظر إلي الواقع فالقرعة أمرها أوسع و أشمل من سائر الأمارات لأنها طريق إلي الواقع، و ترشد إليه، و القرعة ترشد إلي الواقع في موارد و إلي ما ينبغي أن يكون العمل به و يختاره الله تعالي فيما ليس معينا في الواقع فكما لا يقدم الأصل علي سائر الأمارات لا يقدم عليها أيضا.

فإن قلت: قد روي ثقة الإسلام الكليني قدس سره عن محمد بن يحيي، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن يحيي، عن غياث بن إبراهيم، عن أبي عبد الله عليه السلام

أن أمير المؤمنين عليه السلام اختصم إليه رجلان في دابة، و كلاهماع.

ص: 37


1- هذا إذا كان لمورد الشبهة نفس الأمرية الواقعية اشتبه لأمور خارجية، و أما فيما ليس له ذلك فالظاهر أن الحكم بها فيه تعبدي صرف، و إن شئت قلت: علي حسب قاعدة العدل و الإنصاف و طلب تعيين ما ليس في الواقع من الله تعالي و من باب التسليم لاختياره و قضائه، فموضوع القرعة الحيرة في أمر من الأمور من جهة التكليف الشرعي، سواء كان سببها الشك و الاشتباه في موضوع معين في الواقع، أو كان سببها عدم تعينه في الواقع.

أقاما البينة أنه أنتجها فقضي بها للذي في يده و قال: لو لم تكن في يده جعلتها بينهما نصفين.

و روي أيضا عنه عن أحمد عن ابن فضال، عن أبي جميلة، عن سماك بن حرب، عن تميم بن طرفة

أن رجلين عرفا بعيرا و أقام كل واحد منهما بينة فجعله أمير المؤمنين عليه السلام بينهما نصفين

، و موردهما و إن كان صورة تعارض البينتين إلا أن جعل المال بينهما نصفين مع إمكان الرجوع إلي القرعة يدل علي أنه لا تصل النوبة إلي القرعة، و لا اعتبار لها شرعا إلا عند فقد جميع ما يرتفع به الإشكال الذي منه قاعدة العدل و الإنصاف فلا بد من الرجوع إليها.

قلت: إن الخبرين يردان الرجوع إلي القرعة يحكمان بالتنصيف عند تعارض البينتين لا مطلقا و إن لم تكن لواحد منهما البينة فيمكن أن يكون الحكم بالتنصيف لخصوصية إقامة كل واحد منهما البينة و عدم إمكان الحكم باليمين إذا لم يكن المال تحت يدهما لعدم المدعي عليه الذي عليه اليمين، فلا يرد بهما الرجوع إلي القرعة إذا لم يكن لواحد منهما البينة.

إن قلت: فما تقول في رواية الصدوق و الشيخ قدس سرهما في الفقيه و التهذيب عن عبد الله بن المغيرة، عن غير واحد من أصحابنا، عن أبي عبد الله عليه السلام

في رجلين كان معهما درهمان فقال أحدهما: الدرهمان لي، و قال الآخر: بيني و بينك، قال: فقال أبو عبد الله عليه السلام: أما الذي قال: هما بيني و بينك فقد أقر بأن أحد الدرهمين ليس له فيه شي ء و إنه لصاحبه يقسم الدرهم الثاني بينهما نصفين.

فليس تنصيف الدرهم بينهما نصفين إلا بقاعدة العدل و الإنصاف.

ص: 38

قلت: إن الحكم بالتنصيف للعمل بمقتضي اليد في صورة عدم البينة، أو تعارض البينتين أو تحالفهما أو نكولهما عن اليمين حسب ما يقتضيه الجمع بينهما و بين سائر الأخبار فيحكم بكون المال لهما لكونه تحت يدهما و فيما نحن فيه ليس لأحدهما يد علي المال.

لا يقال: إن الحكم علي طبق قاعدة اليد إنما يتم إذا كان يد كل منهما علي النصف لا علي كل المال لعدم تعقل كون اليد علي النصف المشاع إلا بكونها علي كله فالظاهر أن الحكم بالتنصيف مبني علي سقوط أمارية يد كل واحد منهما علي المال بمعارضتها بيد الآخر، فالحكم بكون المال بينهما نصفين حكم بالعدل و الإنصاف.

فإنه يقال: هذا إذا كان المراد من اليد، الجارحة، و أما إذا كان المراد التسلط علي المال يكون تسلط كل منهما عليه بالنصف اعتبارا لضعف سلطنتها خارجا عليه لا عدمها رأسا فتدبر.

ثم إنه يمكن أن يقال في رد القاعدة الموسومة بالعدل و الإنصاف: إن الحكم بالعدل ليس إلا الحكم بالحق المأمور به في قوله تعالي فَاحْكُمْ بَيْنَ النّٰاسِ بِالْحَقِّ و الحكم بما زعم أنه حكم بالنصف و العدل ليس حكما بالحق، للعلم بعدم وصول صاحب الحق إلي حقه و إبطال حقه في نصفه بهذا الحكم.

بل يمكن أن يقال: إن الحكم بالعدل مورده الأحكام الحكومية و النظامية التي يحكم بها الحاكم حسب ما يقتضيه مصالح النظام و الإدارة، لطرو بعض العوارض و حدوث بعض الحوادث التي لا استمرار لها، بل بقاؤه يدور مدار بقاء المصلحة التي اقتضته، أو دفع مفسدة لا يرضي الشارع بوقوعها، و أما ما

ص: 39

يتعلق بحقوق الناس و الماليات مما يقع فيه بينهم التنازع و التخاصم فالحكم فيه يجب أن يكون حكما بالحق أو يقال: بأن الحكم بالعدل أعم مما ذكر و الحكم بالحق، فكل حكم بالحق حكم بالعدل دون العكس، لا لأن الحكم بالعدل في بعض الموارد حكم بغير الحق حتي يكون الحكم بالعدل و الإنصاف منه، بل لعدم كون الأحكام النظامية أحكاما حقوقية فالحكم بها حكم بالعدل و ليس حكما بالجور و لا بالباطل كما أنه ليس حكما بالحق بخلاف الأمور الحقوقية و المالية مما يقع فيه بين الناس التنازع، فالحكم فيها يجب أن يكون بالحق حسب ما يقتضيه قواعد القضاء من البينة و اليمين و الإقرار و علم الحاكم و هو حكم بالعدل أيضا، نعم حكم الحاكم في الأمور النظامية حكم حق و ليس حكما بالحق فتدبر.

و لكن يمكن أن يقال: إن ما هو الواجب في مقام القضاء هو الحكم بالعدل لا الحكم بالواقع الذي يعبر عنه بالحكم بالحق، كما يصح أن يعبر عن الحكم بالعدل أيضا بالحكم بالحق لا بما أنه حكم بالواقع، لأنه يحتاج إلي العلم بالغيب و إعماله ممن كان عنده بإذن الله تعالي، بل لأنه حكم بالقانون و القواعد القضائية، و بأحكام الله الحقة، فالحكم بالواقع حكم بالحق بكلا معنييه، و إن كان الحاكم غير عالم بكونه حكما بالواقع، و يجوز أن يكون المراد من قوله تعالي خطابا لداود إِنّٰا جَعَلْنٰاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النّٰاسِ بِالْحَقِّ الحكم بالواقع كما خص الله بذلك أيضا علي حسب ما يستفاد من الأخبار مولانا المهدي عليه السلام، فإنه مأذون بالحكم بالواقع كما كان داود مأذونا به.

ص: 40

و لعل قوله صلي الله عليه و آله

إنما أقضي بينكم بالبينات و الأيمان

إشارة و توطئة لبيان أنه لا يقضي بعلمه بالواقعيات بل يقضي كغيره بالبينات و الأيمان.

فعلي هذا يمكن تصحيح القول بقاعدة العدل و الإنصاف في الجملة في الموارد التي لا يمكن الحكم فيها بالبينة و اليمين و اليد، كما إذا كان مال بين شخصين كل واحد منهما يعلم أنه إما له أو لصاحبه، و لا يد لأحدهما عليه، فالحكم في ذلك، التنصيف دون القرعة عملا بقاعدة العدل و الإنصاف.

و كذا إذا كان المال بيد المتنازعين و لا بينة، و قلنا بعدم كون كل منهما مدعيا للنصف الآخر و مدعيا عليه في نصفه، فعلي هذا تنحصر موارد القرعة بما إذا لم يمكن في المورد الحكم بالبينة أو اليمين أو اليد، حيث لا علم للقاضي بالواقع و لا يمكن العمل بقاعدة العدل و الإنصاف.

هذا، و قد ظهر من ذلك كله بطلان احتمال الرجوع إلي القرعة إذا لم تكن لواحد منهما البينة و أن الحكم هو القضاء بينهما نصفين، و إذا كانت بينة كل واحد منهما معارضة ببينة الآخر فالقضاء بالحلف و تعيين الحالف بالقرعة أو بالتحالف علي تفصيل يأتي إنما يتم إذا كان لهما أو لواحد منهما يد علي المال، و مع عدم ذلك فلا بد من القضاء بكون المال بينهما.

فإن قلت: إذا آل أمر القرعة إلي هذا الضيق مع كونها طريقا إلي الواقع، فكيف يرتفع التهافت بين كونها كذلك و حصر جواز الرجوع إليها في موارد لم تكن مجري لقاعدة من القواعد أو أصلا من الأصول.

قلت: إن القرعة ليست بنفسها و من غير إذن الشارع و تضمينه طريقيتها طريقا إلي الواقع، و ليس فيها مطلقا و بالذات جهة كشف ناقص يتمها الشارع

ص: 41

و يعتبرها كالكشف التام، بل هي كالاستخارة، استعلام الرشد و الصلاح من الله تعالي، لأنه أذن بها و ضمن هدايتها إلي الرشد و الصلاح، إلا أن هذا الإذن و التضمين من الله تعالي لم يثبت إلا في موارد خاصة مما لم يكن لرفع الجهل و الشك و الحيرة طريق أو أصل عملي في البين، فلذا يصح إن قلنا إنها في مواردها دائمة الموافقة للرشد و الصلاح كما لا يخفي، فإنها ليست من الأمارات التي كان اعتبارها و جعلها حجة بغلبة إصابتها الواقع، و كانت حجيتها بمنزلة تتميم جهة كشفها و تنزيلها منزلة القطع الذي حجيته ذاتية، بل جعلها الشارع سببا للهداية إلي الرشد و كشف الواقع بعنايته و رعايته الخاصة، كجعل الشكر سببا لزيادة النعمة أو الدعاء سببا للإجابة، أو الصدقة سببا لدفع البلاء.

و بعبارة أخري قد أخبر الله تعالي عباده و وعدهم و شرط لهم أنهم إن عملوا بالقرعة في الموارد التي عينها و عرفها لهم يهديهم إلي ما فيه السداد، فإذا كان موردها الشك في أمر له نفس الأمرية الواقعية يهديهم إلي الواقع و إلا فيهديهم إلي الرشد و السداد.

فشأن القرعة ليس شأن الأصول و لا الأمارات العرفية التي أمضاها الشارع، فلا يقع التعارض بينها و بين القواعد و الأصول و الأمارات أصلا.

هذا تمام الكلام في الاحتمال الأول في المسألة، و قد ظهر مما ذكرناه بطوله عدم جواز الرجوع إلي القرعة ابتداء دون ما يأتي في بيان سائر الاحتمالات، كما ظهر لك مورد الرجوع إلي القرعة و إلي قاعدة النصف و الله تعالي هو العالم.

ص: 42

تذنيب:

مما يدل في الجملة علي عدم جواز الرجوع إلي القرعة إذا أمكن العمل بالنصف و العدل هو صحيح أبي بصير

سأل الباقر عليه السلام عن رجل تزوج أربع نسوة في عقد واحد، [أو قال في مجلس واحد]، و مهورهن مختلفة قال: جائز له و لهن، قال: أ رأيت إن هو خرج إلي بعض البلدان، فطلق واحدة من الأربع، و أشهد علي طلاقها قوما من أهل تلك البلاد، و هم لا يعرفون المرأة، ثم تزوج امرأة من أهل تلك البلاد بعد انقضاء عدة التي طلق، ثم مات بعد ما دخل بها كيف يقسم ميراثه؟ قال: إن كان له ولد فإن للمرأة التي تزوجها أخيرا من أهل تلك البلاد ربع ثمن ما ترك، و إن عرفت التي طلق من الأربع نفسها و نسبها فلا شي ء لها من الميراث و عليها العدة، و إن لم تعرف التي طلق من الأربع نسوة اقتسمن الأربع نسوة ثلاثة أرباع ثمن ما ترك بينهن جميعا و عليهن العدة جميعا.

فإن مورده و إن كان اشتباه الأمر علي الأربع نسوة أنفسهن و ليس من باب التنازع و ادعاء كل واحد منهن زوجية المطلق حين موته، إلا أنه يدل في الجملة علي الرجوع إلي قاعدة العدل و الإنصاف حيث أمكن الرجوع إلي القرعة.

نعم اختار ابن إدريس الرجوع إلي القرعة و استخراج المطلقة بها لأنه لا يعمل بخبر الواحد.

و ربما يستشهد لذلك أيضا برواية السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام عن أبيه عن علي عليهم السلام

في رجل استودع رجلا دينارين و استودعه آخر

ص: 43

دينارا فضاع دينار منها فقضي لصاحب الدينارين و يقسمان الدينار الباقي بينهما نصفين.

و في دلالته علي قاعدة العدل و النصف إشكال، لأن الأمر لا يخلو من صورتين:

الأولي: أن يكون ضياع دينار منها بعد ما خلط الدنانير و حصل الاشتراك القهري في الجميع لمالك الدينارين و لمالك دينار واحد، ففي هذه الصورة الحكم ضياع ثلث الضائع من مال مالك دينار واحد و ثلثيه من مال مالك دينارين فيبقي لمالك دينار واحد ثلث كل من الدينارين الباقيين.

و الثانية: أن يحصل الضياع حال كون الدينار الواحد ممتازا من الدينارين ثم اشتبه الأمر بين كون الضائع دينار مالك الواحد أو دينارا من ديناري مالك الدينارين، فالحكم بالعدل و الإنصاف يقتضي أن يكون لصاحب الدينار الواحد ثلثي دينار من الدينارين الباقيين، و لصاحب الدينارين ثلثه الآخر، و ذلك لأن احتمال كون الضائع من مال صاحب الدينارين اثنان، و احتمال كونه من صاحب الدينار الواحد واحد، و هكذا يقل احتمال كون الضائع ممن له دينار واحد كلما زيد في دنانير الآخر فإذا كان له مثلا تسعمائة و تسع و تسعون، و للآخر واحد فمقتضي العدل و الإنصاف أن يكون لمالك الدينار الواحد تسعمائة و تسع و تسعون منه و لمالك الدنانير واحد من الألف منه، فمقتضي العدل و الإنصاف أن يكون لصاحب الدينار الواحد ثلثان و لصاحب الدينارين الثلث.

ص: 44

فالرواية من هذه الجهة بعد الحكم باعتبار سندها لا تدل علي القاعدة المذكورة، فلا بد أن يحمل علي التعبد و إلا لو أخذ بها يجب أن نحكم به إذا كان لأحدهما ثلاثة أو أربعة أو أزيد، و للآخر دينار واحد.

و لا ريب أن الحكم به لا يوافق العدل و النصف، أما علي ما قلنا إنه يوافق العدل و النصف إذا كان لأحدهما ثلاثة أو أربعة و للآخر دينار واحد يحكم بكون ثلاثة أرباع، أو أربعة أخماس من دينار واحد من الدنانير الباقية لمالك الدينار الواحد و الباقي لمالك الدنانير.

و أما الاحتمال الثاني و هو الحكم بتقسيم المال و توزيعه بين المتخاصمين

فوجهه كون نسبة كل واحد من المتداعيين إلي المال متساوية لا ترجيح لأحدهما علي الآخر، فالعدل و الإنصاف يقتضيان القضاء بالتنصيف و كون المال بينهما إذا لم يكن لأحد منهما يد علي المال و لا بينة.

و يظهر من الجواهر إنه المتسالم عليه بين الأصحاب و تدل عليه روايتا غياث و تميم بل و رواية ابن المغيرة.

لا يقال: لم لا يقضي بينهما باليمين؟

فإنه يقال: إن اليمين علي المدعي عليه و مع عدم كون يد واحد منهما علي المال لا وجه لاستحقاق كل منهما اليمين علي الآخر، ضرورة عدم كون من لا يد له علي المال مدعي عليه يراد رفع يده عنه، فقول كل منهما: المال لي دعوي بلا مدعي عليه.

هذا و لا فرق في ذلك بين ما إذا لم يكن لأحدهما البينة أو كان لكل منهما البينة و سقطتا بالتعارض.

ص: 45

لا يقال: فرق بين عدم إمكان العمل بالبينتين و تساقطهما و انتفاء ميزانية البينة، ففي المقام و إن لم يمكن العمل بالبينتين إلا أن إعطاء كل منهما نصف المال مستند إلي بينته، فإنها شهدت له بالكل و إنما منعه عن نصفه معارضة بينته بينة صاحبه، فصار كل واحد من عقدي الإيجاب و السبب و الإعطاء و المنع مستندا إلي البينة، و هذا معني الأخذ بميزانية البينة و الحكم بالتنصيف بالبينة.

فإنه يقال: عدم الحكم لكل منهما بالنصف الآخر مستند إلي تعارض البينتين و سقوط دعوي كل منهما بالنسبة إليه و ليس هذا إلا تعذر القضاء بالميزان و تساقط البينتين فالحكم بالتنصيف لا يكون إلا بميزانية قاعدة العدل و الإنصاف.

اللهم إلا أن يقال: إن العرف لا يري سقوط البينتين بالنسبة إلي كل المال، و لذا لو ادعي ثالث كون المال له و لا بينة له لا يقضي بالتثليث علي كل حال، و لا فرق بين الصورتين لو لا النص الذي سيأتي عند ذكر الاحتمال الثالث و الرابع.

و أما الاحتمال الثالث: و هو البناء علي حلف أحدهما و تعيين الحالف بالقرعة

ففيما إذا لم يكن لأحد من المتخاصمين بينة شرعية لا محل للرجوع إلي اليمين علي ما ظهر وجهه مكررا فيما أسلفناه، و يكون القضاء علي التنصيف لميزانية القضاء بالنصف في مثله.

و أما إذا كان لكل واحد منهما البينة و لا يد لأحدهما علي المال علي الفرض فلو لا النص و إن كان الحكم هو القضاء بالنصف أيضا، لكن يستدل للبناء علي يمين أحدهما و تعيين الحالف بالقرعة بمثل صحيح داود بن سرحان عن أبي عبد الله عليه السلام

في شاهدين شهدا علي أمر واحد، و جاء آخران فشهدا

ص: 46

علي غير الذي شهدا عليه و اختلفوا قال: يقرع بينهم فأيهم قرع عليه اليمين و هو أولي بالقضاء.

لا يقال: إن اليمين المذكور فيه ظاهر في اليمين الذي علي المدعي عليه، و عليه يلزم أن يكون التنازع بينهما علي نحو يكون كل منهما مدعيا و مدعي عليه بأن يكون المال تحت يدهما، حتي يكون توجيه اليمين إلي كل واحد منهما علي القاعدة، نعم يقتصر بمقتضي الحديث علي يمين أحدهما و تعيين الحالف بالقرعة.

فإنه يقال: إن ذلك خلاف الظاهر، فإنه يوجب حرمان الآخر من حقه، و إسقاط دعواه علي صاحبه بدون يمينه و بقاء حقه في يده، و الظاهر أنه ميزان آخر للقضاء في موارد لا يشملها ميزان" البينة علي المدعي و اليمين علي المدعي عليه" و هو ما إذا أقام كل منهما البينة و لم يكن لأحدهما يد علي المال، و هذا الميزان هو حلف أحدهما و تعيين الحالف بالقرعة، و لو فرض كون مورد هذا الميزان أوسع و أشمل من ذلك فلا ريب لشموله له فالحكم القضاء بيمين من جاءت القرعة به، فإن نكل ترد اليمين إلي الآخر.

و يمكن أن يوجه ذلك بأن ميزانية اليمين لفصل الخصومات و القضاء يقتضي الحكم باليمين بعد سقوط البينتين عن الميزانية بالتعارض، و هذه تحصل بيمين أحدهما، و حيث لا مرجح لأحدهما علي الآخر يقرع بينهما ليعلم أيهما يكون الحالف و بعد حلف من جاءت القرعة به يحكم له باليمين عملا بميزانية اليمين.

فإن قلت: لم لا يحلفان جميعا، فإن حلفا يجعل المال بينهما نصفين أو يعمل بالقرعة.

ص: 47

قلت: لازم ذلك رفع اليد عن ميزانية اليمين و الأخذ بما ميزانيته بعد ميزانية اليمين و هو القرعة، أو قاعدة العدل و الإنصاف، و أما البناء علي تعيين الحالف بالقرعة الذي معناه جعل من يجي ء القرعة به منكرا فالحكم بيمينه يكون من الحكم بالأيمان، و بالجملة يكفي في الحكم باليمين يمين واحد منهما، و يعين ذلك بالقرعة، بخلاف ما إذا حلفا جميعا و حكمنا بالقرعة أو بقاعدة النصف، فإنه ليس حكما باليمين، بل حكم بالقرعة.

و علي كل حال فالنصوص المعتبرة تدل علي البناء علي الحلف و تعيين الحالف بالقرعة، فالعمل يجب أن يكون علي تلك النصوص، و لا يعارضها خبر إسحاق بن عمار الذي سنذكره في وجه الاحتمال الرابع لصحة تلك النصوص و أقوائيتها بحسب السند و الشهرة الروائية.

إن قلت: فقولوا مثل ذلك في الصورة الأولي التي ليس لأحدهما البينة أيضا لإمكان القضاء بينهما باليمين و تعيين الحالف بالقرعة، فلا يجوز الخروج عن قوله صلي الله عليه و آله

إنما أقضي بينكم بالبينات و الأيمان

و عما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام

أحكام المسلمين علي ثلاثة: شهادة عادلة، أو يمين قاطعة، أو سنة ماضية من أئمة الهدي.

قلت: لا بأس بذلك لو لم يثبت تسالم الأصحاب فيه علي الحكم بالتنصيف، فنقول به و نقيد بمثل رواية داود إطلاق روايات غياث و تميم و ابن المغيرة.

فعلي هذا يستقر النظر في مسألتنا هذه بصورتيها علي الحكم بحلف أحدهما و تعيين الحالف بالقرعة، سواء كانت لهما البينة المتعارضة ببينة الآخر أو لم يكن لأحدهما البينة. و علي ذلك ينحصر مورد العمل بقاعدة العدل و الإنصاف

ص: 48

بمثل مورد صحيح أبي بصير مما لا يمكن فيه الحكم بالبينات و الأيمان، و يعمل بالقرعة في غير ذلك مما لا يمكن فيه إجراء قاعدة العدل و الإنصاف، أو ورد النص فيه بالخصوص بالعمل بالقرعة.

و أما الاحتمال الرابع، و هو البناء علي التحالف فإن حلفا جميعا يقسم المال بينهما بالسوية

سواء كان التداعي بين اثنين أو أكثر، و إن حلف أحدهما و نكل الآخر يقضي للذي حلف فمستنده خبر إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام

إن رجلين اختصما إلي أمير المؤمنين عليه السلام في دابة في أيديهما و أقام كل واحد منهما البينة أنها نتجت عنده فأحلفهما علي عليه السلام فحلف أحدهما و أبي الآخر أن يحلف فقضي بها للحالف فقيل له: و لو لم تكن في يد واحد منهما و أقاما البينة، فقال: أحلفهما فأيهما حلف و نكل الآخر جعلتها للحالف، فإن حلفا جميعا جعلتها بينهما نصفين، قيل: فإن كانت في يد أحدهما و أقاما جميعا البينة؟ قال: أقضي بها للحالف الذي هي في يده.

و الظاهر في الصورة الأولي أيضا أن الحكم بحسب هذا الخبر جعل المال بينهما نصفين اعتناء بحلفهما كما في الصورة الثانية، بل يمكن أن يكون قوله: " فإن حلفا جميعا جعلتها بينهما نصفين" حكم الصورتين، كما أن الظاهر عدم الفرق بين صورة وجود البينة لهما و عدمها لإلغاء تلك الخصوصية عرفا أولا، و ثانيا لإمكان فصل الخصومة بالحلف فيجب أن يقضي به.

و هذا الاحتمال أيضا و إن كان يساعده الاعتبار و يقتضيه القضاء بالبينات و الأيمان إلا أنه معارض للاحتمال الثالث الذي دل عليه الروايات الصحيحة التي هي أقوي من خبر إسحاق بن عمار سندا و شهرة، فالعمل يكون عليها،

ص: 49

و يمكن استفادة تخيير القاضي بين الحكم بهما حملا للظاهر علي الأظهر لظهور كل منهما لفظا علي جواز الحكم به دون نفي جواز الحكم بالآخر، فإن دلالته علي ذلك إنما يكون بالسكوت في مقام البيان فتأمل.

و أما الاحتمال الخامس: و هو الحكم بالتحالف و القرعة إن حلفا جميعا فلا أري مستندا له

مضافا إلي أن الحكم بالتحالف إنما يكون للحكم لهما بكون النصف لكل واحد منهما، و الرجوع إلي القرعة بعد حلف الجميع رد للحلف، و يلزم منه لغوية الحكم به، و إن قيل بأن الحكم ليس التحالف بل حلف واحد منهما، فالرجوع إلي القرعة يجب أن يكون لتعيين الحالف بعد حضور كل واحد منهما للحلف فلا محل للرجوع إلي القرعة بعد حلفهما أصلا.

و أما الاحتمال السادس: و هو التفصيل بينما إذا لم تكن لأحدهما بينة شرعية و بين صورة معارضة بينة كل واحد منهما ببينة الآخر

اشارة

ففي الصورة الأولي يقضي به بينهما نصفين و في الصورة الثانية يبني إما علي الحلف و تعيين الحالف بالقرعة أو علي التحالف، فقد ظهر أيضا بما ذكرناه في وجه الاحتمال الثالث ضعفه، و إن حكم الصورتين واحد.

هذا ما تيسر لنا من الكلام حول هذه المسألة و الاحتمالات الستة المذكورة مع عدم المجال و تشتت البال و الله هو المستعان. و قد ظهر منه أن أقوي الاحتمالات فيها هو الاحتمال الثالث، و يليه الرابع بحمل ما يدل عليهما علي تخيير القاضي في القضاء بأيهما شاء، و حيث إن الروايات الواردة في الاحتمال الثالث أكثر و أشهر فالعمل بها أولي و أحوط، لا ينبغي العدول عنها.

ص: 50

تنبيه:

قد ظهر لك من مطاوي ما ذكرناه أنه لا فرق في القضاء بما ذكر بين ما إذا كان المال بيد المتداعيين أو لم يكن بيد واحد منهما، و لا بين أن تكون لهما البينة و بين أن لا تكون لواحد منهما البينة، فمقتضي الأحاديث المذكورة و الجمع بينها و كون فصل الخصومات بالبينات و الأيمان و عدم اختصاص ذلك بكون أحد طرفي التخاصم مدعيا و الآخر مدعي عليه هو القضاء في جميع هذه الصور بالحلف، و تعيين الحالف بالقرعة.

نعم يمكن أن يقال فيما إذا كان المال بيدهما جميعا أن العرف حاكم بكون المال تحت يدهما بالمناصفة، و أن لكل منهما نصفه لكونه تحت يده، فكل منهما مدع للآخر ما تحت يده، و محكوم بملكيته بحسب اليد و هو منكر له، فدعوي كل منهما و إن كانت دعوي ملكية كل المال إلا أنه بالنسبة إلي النصف الذي تحت يده و محكوم بملكيته ليس مدعيا للآخر، و لا يطالبه منه فيرجع دعواه إلي النصف الآخر الذي هو تحت يد الآخر، فكل منهما منكر دعوي الآخر، و إذا حلفا جميعا لقاعدة" البينة علي المدعي و اليمين علي المدعي عليه" تسقط دعواهما علي الآخر و يبقي المال بينهما بالتنصيف، و ليس هذا من باب تعارض اليمينين، و الحكم بتساقطهما بل حكم بسقوط دعوي المدعي بيمين المنكر فتأمل.

و كيف كان نحن لا نري اختصاص الحكم بالبينات و الأيمان علي مورد كان المال بيد أحد و طلب الآخر منه تسليمه و رفع يده عنه حتي يكون الثاني الطالب هو المدعي و المطلوب منه مدعي عليه، بل يعم ما نحن فيه و الله هو العالم.

ص: 51

كما قد ظهر لك عدم جواز الحكم في مسألتنا بما سمي بقاعدة العدل و الإنصاف، و بقاعدة القرعة إلا لأجل تعيين الحالف، و هي في هذه الصورة ليست طريقا إلي المعين الواقعي المجهول في الظاهر، بل مؤداها تعيين الحلف المجعول علي واحد منهما مبهما بالقرعة. و صلي الله علي محمد و آله الطاهرين و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

ص: 52

الرسالة الثالثة في المال المعلوم معين بين شخصين أو أشخاص معلومين محصورين

اشارة

ص: 53

بسم الله الرحمن الرحيم

مسألة: إذا علم بكون مال معلوم العين و المقدار لواحد من اثنين معلومين

أو لأشخاص معلومين محصورين، و كان نسبة كلهم إلي هذا المال سواء، بحيث لا يعرف أحد منهم من له الحق بشخصه، فلا يدري غير أن المال إما له أو لصاحبه فتارة يكون بينهما الاختلاف في حكم القضية فيرفعان الأمر إلي الحاكم ليحكم بينهما، و أخري يكون المهم لهما أن يعلما حكم الشارع المقدس في المسألة، فلا تخاصم بينهما لا في الموضوع فإنه مبين عندهما و لا في الحكم لجهلهما به فليس عند كل منهما إلا احتمال كون المال له و إنه ليس لغيرهما.

و لا ريب أنه لا تأثير للعلم الإجمالي هنا حتي يجب بمقتضاه علي كل واحد منهما الاحتياط بالاجتناب عن التصرف فيه مثلا: إذا علم أن أحد الإناءين نجس، أو أحد المالين مغصوب يجب عليه الاجتناب من كليهما لأن النجس أو المغصوب لو كان في أي الطرفين يجب الاجتناب عنه، و بعبارة أخري يجب الاجتناب عما هو النجس أو المغصوب في البين.

و هذا بخلاف ما لو علم إجمالا أن هذا المال ملك له أو لغيره، فإنه لا يحرم التصرف فيه مطلقا، أي سواء كان له أو لغيره فلا يمكن أن يتعلق الأمر بالاجتناب عما هو الحرام في البين.

و علي هذا يمكن أن يقال بعدم حرمة التصرف فيه تكليفا لقوله عليه السلام

كل شي ء لك حلال حتي تعرف الحرام بعينه

، فلو أكله أو تصرف فيه بأمر آخر لم يرتكب حراما، كما لا يحكم بضمانه، لأن الحكم به في الظاهر يدور مدار إثبات وضع اليد علي مال الغير أو إتلافه.

ص: 54

اللهم إلا إذا بنينا علي أصالة الحظر في الأموال، و معها لا يجوز التصرف فيه تكليفا، و أما ضمانه فهو تابع لحصول أسبابه واقعا و الحكم به يدور مدار إحرازها و إثباتها ظاهرا.

نعم لا يجوز بعض التصرفات مثل البيع و الإجارة وضعا لأنه مقتضي القول بأصالة الفساد في المعاملات باستصحاب بقاء المال في ملك مالكه و عدم نقله إلي المشتري.

و أما بحسب الأدلة فيمكن أن يستدل بتوزيع المال بين الأفراد الذين هم أطراف الشبهة، أولا بأن ذلك حكم بالعدل المأمور به في قوله تعالي وَ إِذٰا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النّٰاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ فالعدل توزيع المال بينهم.

لا يقال: إن الواجب هو الحكم بالحق و هذا ليس منه بل حكم بغير الحق.

فإنه يقال: الواجب علي الحاكم هو الحكم علي طبق الموازين الشرعية و هو الحكم بالعدل، و أما الحكم بالواقع و بما هو الحق في الواقع، فلا يتأتي إلا ممن كان عالما بالواقعيات بإذن الله تعالي.

و الظاهر أن الله تعالي لم يأذن لهم بالقضاء بعلومهم اللدنية الموهوبة إليهم منه إلا لداود علي نبينا و آله و عليه السلام، فقال الله تعالي يٰا دٰاوُدُ إِنّٰا جَعَلْنٰاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النّٰاسِ بِالْحَقِّ و إلا لمولانا و مولي الكونين الإمام المهدي أرواح العالمين له الفداء حسبما جاء في بعض الروايات، هذا مضافا إلي أنه يستفاد من الأخبار أن الحكم علي طبق الموازين، سواء أصاب الواقع أم لم يصب حكم بالحق.

لا يقال: إن الحاكم علي طبق الموازين معتمدا عليها له العلم العادي أو الظن المعتبر بالواقع، و أين ذلك مما نحن فيه، فإن الذي يحكم بالتنصيف عالم بعدم إصابة حكمه إلي الواقع لا محالة.

ص: 55

فإنه يقال: نعم و لكن العدل و النصف يقتضي ذلك و الحكم به مأمور به.

فإن قلت: لما ذا لا يحكم بالقرعة التي بالحكم بها يحصل الظن بإصابة الواقع.

قلت: إن القدر المتيقن من الحكم بالقرعة هو الموارد المشكلة التي ليس عند العرف طريق لرفع الإشكال، و الحكم بالتنصيف رافع للإشكال يحصل به رضا الطرفين لا يعترض عليه أحد، بخلاف القرعة فإنها مع إمكان الحكم بالتنصيف لا يرجع إليها العرف، و قد مضي بعض الكلام في ذلك في المسألة السابقة.

و ثانيا بروايات أسدها و أتمها سندا و دلالة هي رواية أبي بصير التي رواها الكليني و الشيخ، رضوان الله عليهما بإسنادهما عن الحسن بن محبوب، عن ابن رئاب، عن أبي بصير قال

سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجل تزوج أربع نسوة في عقد واحد [أو قال: في مجلس واحد،] و مهرهن مختلفة قال: جائز له و لهن، قلت: أ رأيت إن هو خرج إلي بعض البلدان فطلق واحدة من الأربع، و أشهد علي طلاقها قوما من أهل تلك البلاد، و هم لا يعرفون المرأة، ثم تزوج امرأة من أهل تلك البلاد بعد انقضاء عدة تلك المطلقة ثم مات بعد، فأدخل بها كيف يقسم ميراثه؟ فقال: إن كان له ولد فإن للمرأة التي تزوجها أخيرا من أهل تلك البلاد ربع ثمن ما ترك، و إن عرفت التي طلقت من الأربع بعينها و نسبها فلا شي ء لها من الميراث و (ليس) عليها العدة قال: و يقتسمن الثلاثة النسوة ثلاثة أرباع ثمن ما ترك

و عليهن العدة، و إن لم تعرف التي طلقت من الأربع (قسمن النسوة) ثلاثة أرباع ثمن ما ترك بينهن جميعا و عليهن جميعا العدة.

وجه الاستدلال بها تساوي نسبة الأربع نسوة إلي ثلاثة أرباع ثمن ما ترك، فيقسم بينهن أرباعا عملا بالرواية و العدل و الإنصاف، و لذا يتعدي عن مورده كما في الجواهر إلي ما لو اشتبهت المطلقة في اثنتين أو ثلاثة خاصة أو في

ص: 56

جملة الخمس، أو كان للمطلق دون الأربع، فطلق واحدة و تزوج بأخري، و حصل الاشتباه بواحدة أو أكثر أو لم يتزوج فاشتبهت المطلقات بالباقيات أو بعضهن، أو طلق أزيد من واحدة و تزوج كذلك حتي لو طلق الأربع و تزوج الأربع اشتباها أو فسخ نكاح واحدة لعيب أو غيره، و تزوج غيرها أو لم يتزوج. فالاقتصار علي مورد النص، و الإشكال في التعدية المذكورة كما حكي عن القواعد جمود بظاهر اللفظ لا يقبله العرف، لعدم احتمال وجود خصوصية للمورد غير ما ذكر أصلا.

و لعله كان من ذلك حصول الشركة بامتزاج أحد المالين بالآخر حيث لا تميز لأحدهما من الآخر، فإن الامتزاج الرافع للتميز صار سببا لتساوي نسبة الشركاء إلي كل واحد من حبات الحنطة أو الشعير مثلا، و قد اتفقت كلماتهم علي حصول الشركة، و ادعي دلالة الروايات عليه، و ذلك ليس إلا لتساوي النسبة و اقتضاء العدل و الإنصاف ذلك.

إلا أنه يمكن أن يقال: إن بين المثالين فرقا ظاهرا، ففي المثال الأول يعلم إجمالا أن واحدة من النسوة الأربع ليس لها من ثلاثة أرباع الثمن شي ء، و مع ذلك يؤخذ مما لهن و يعطي التي ليست لها من الثمن شي ء، و في المثال الثاني ما يعطي من أحدهما الآخر يعطي عوضه منه، فلا ينقص من حق أحدهم شي ء، فالحكم بالشركة إعطاء كل ذي حق حقه بخلاف المثال الأول، فإن الحكم بالتوزيع بين النسوة يكون بقاعدة العدل و الإنصاف.

و لكن يجاب عن ذلك بأن مثل هذا الفرق ليس بفارق بين هذه الأمثلة في حكم العرف في كل مورد بالعدل و الإنصاف ففي كل هذه الأمثلة عندما

ص: 57

يعرض علي العرف حكمه من سنخ واحد، ليس عند أحد حكم أعدل منه، كما أن الحكم في موارد القرعة أيضا بالقرعة الذي قرره الشارع هو الحكم بالعدل عند العرف.

و علي كل حال فرواية أبي بصير هي الحجة للحكم بالتوزيع في مسألتنا، فكما أنه يحكم بتوزيع ثلاثة أرباع ثمن ما ترك الزوج في المثال المذكور في الرواية بين النسوة الأربع يحكم بتوزيع المال المعلوم كونه من واحد من الاثنين أو الثلاث أو الأربع بين الاثنين أو الثلاث أو الأربع. هذا و ربما يستدل للحكم بالتوزيع المذكور برواية السكوني عن مولانا أبي عبد الله عليه السلام عن أبيه عن علي عليهم السلام

في رجل استودع رجلا دينارين و استودعه آخر دينارا فضاع دينار منها فقضي لصاحب الدينارين دينارا و يقتسمان الدينار الثاني بينهما نصفين.

و قد ادعي عمل الأصحاب بها و جبر ضعف سندها بالسكوني إن قيل بضعفه به (1) إلا أن الكلام في أنه هل يستفاد منها قاعدة كلية يعمل بها في سائر الموارد التي ترددت ملكية المال بين أشخاص كانت نسبهم إلي المال سواء بإلغاء الخصوصية و تنقيح المناط القطعي بدعوي أن العدل و الإنصاف يقتضي هذا الحكم، و العقل يأبي اختصاص مثل هذا الحكم بخصوص مورده، فمفهومهع.

ص: 58


1- قال السيد الداماد ص 57 ذلك (أي ضعف السكوني) غلط من مشهورات الأغاليط، و الصحيح أن الرجل ثقة، و قال في ص 58: لم يبلغني من أئمة التوثيق و التوهين في الرجال رمي السكوني بالضعف و قد نقلوا إجماع الإمامية علي تصديق ثقة العمل بروايته، فإذن مروياته ليست ضعافا، بل هي من الموثقات المعمول بها و الطعن فيها بالضعف من ضعف التميز و قصور التتبع.

بالموافقة بل في بعض الموارد بالأولوية هو القاعدة الكلية، و ليست هي إلا قاعدة العدل و الإنصاف.

و لكن في دلالة هذه الرواية علي القاعدة و عدم اختصاص الحكم بمضمونه بمورده تأمل، و ذلك لأن الحديث إن كان واردا لحكم مورد كان دينار صاحب دينار واحد مشخصا مميزا من ديناري الآخر، و الاشتباه حصل بعد ضياع دينار من الدنانير الثلاثة، فالحكم بالعدل و الإنصاف يقتضي أن يكون لصاحب دينار واحد ثلثي دينار من الدينارين الباقيين، و لصاحب الدينارين ثلثه، و ذلك لكون احتمال الضائع من مال صاحب الدينارين ضعف احتمال كونه من صاحب الواحد، و يوضح هذا إن فرض أن يكون لصاحب الدينارين ثلاثة دنانير و أكثر إلي ألف و أزيد، و كان للآخر دينار واحد، و ضاع دينار من الجميع، فهل العدل و الإنصاف يقتضي أن يكون لصاحب الألف تسعمائة و تسع و تسعون ثم ينصف الدينار الباقي بينه و بين صاحب الدينار الواحد مع كون نسبة احتمال أن الضائع من صاحب الواحد بالنسبة إلي كونه من صاحب الألف نسبة الواحد إلي الألف، فكلما زادت دنانير صاحب الأكثر يقوي احتمال كون التالف منه بنسبة دنانيره، و يضعف احتمال كونه من صاحب الواحد، فالعدل و الإنصاف يقتضي أن يكون لصاحب الواحد من دينار واحد بنسبة احتمال كون الضائع من مال الآخر.

و إن كان الحديث واردا لمورد اشتباه الدنانير قبل ضياع الدينار الضائع، فالحكم فيه بالعدل و الإنصاف حصول الشركة القهرية في الدنانير الثلاثة بين صاحب الدينارين و صاحب الواحد، فيكون لصاحب الدينارين من كل واحد من الدنانير الثلاثة ثلثاه و لصاحب الواحد ثلثه، و بعد ضياع دينار من الدنانير

ص: 59

يبقي لصاحب الدينارين من كل واحد من الدينارين الباقيين ثلثاه و لصاحب الواحد الثلث من كل واحد منهما، فإذا تلف مائتان من ألف كان مثلا ثمانمائة منه لشخص و مائتان منه لشخص آخر بالإشاعة فالعدل و الإنصاف يقتضي أن يكون من الباقي بالإشاعة لصاحب المائتين مائة و ستون، و لصاحب الثمانمائة ستمائة و أربعون، و القول بأن لصاحب الثمانمائة ستمائة، ثم يقسم المائتان بينهما بالتنصيف خلاف العدل و الإنصاف.

فالإنصاف أن هذه الرواية لا تصلح لأن تكون دليلا لهذه القاعدة، بل قد ظهر لك أن نسبة الرجلين ليست إلي المال سواء حتي يحكم بينهما بالتنصيف، فالحكم فيها بالتنصيف إما أن يحمل علي التعبد أو بعض محامل صحيحة أخري، أو يرد علمه إلي أهله.

و يمكن أن يقال في توجيه الحكم بالتنصيف: إن احتمال أن يكون الضائع لصاحب الدينارين و إن كان ضعف احتمال أن يكون لصاحب الواحد، إلا أن مقتضي العلم الإجمالي بكون الضائع إما كان من مال صاحب الدينارين أو من الآخر، أو العلم الإجمالي بكون الدينارين الباقيين إما يكونان لصاحب الدينارين أو يكون أحدهما لصاحب الدينار، كون الدينار بينهما نصفين.

فالعمل يكون علي مقتضي العلم الإجمالي لا علي مقتضي الاحتمالات، و كيف كان فلا يتعدي إلي غيره.

و مما استند عليه لإثبات القاعدة المسماة بقاعدة العدل و الإنصاف ثم الحكم بها في مسألتنا بتوزيع المال بين الشخصين أو الأشخاص المعلوم كون المال لواحد منهم: خبر إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام الذي رواه المشايخ الثلاثة، و حكي عن الشيخ رحمه الله تعالي العمل به

في الرجل

ص: 60

يبضعه الرجل بثلاثين درهما في ثوب، و آخر عشرين درهما في ثوب فبعث بالثوبين فلم يعرف هذا ثوبه و هذا ثوبه؟ قال عليه السلام: يباع الثوبان فيعطي صاحب الثلاثين ثلاثة أخماس الثمن و الآخر خمسي الثمن، قلت: فإن صاحب العشرين قال لصاحب الثلاثين: اختر أيهما شئت قال: قد أنصفه.

و الظاهر أن الحكم المذكور في الرواية إنما يستقيم و يكون علي طبق العدل و الإنصاف إذا بنينا علي كون نسبة قيمة كل من الثوبين إلي الآخر في حال كونهما متميزين عين نسبة ثمن كل منهما إلي الآخر، ثم بقاء هذه القيمة لهما في حال صيرورتهما مشتبهين أيضا بحيث كان شراؤهما بأي ثمن بملاحظة كون قيمة أحدهما ثلاثة أخماس قيمتيهما و الآخر خمسي قيمتيهما.

فلا فرق بين الحالتين في القيمة، و ما يقع من الثمن عوضا من كل من الثوبين إلا أنهما في الحال الأول متميزان عن الآخر، و في الحال الثاني صارا مشتبهين، فالحكم بالعدل بشركة كل منهما في الثوبين بهذه النسبة، و حيث لا يمكن إفراز الثوبين بهذه النسبة إلا ببعض الصور التي لا يرغب فيها فالحكم هو بيع الثوبين و تقسيم الثمن بينهما بالنسبة المذكورة. و هذا الحكم موافق للعدل و الإنصاف، و إنما حكم بذلك لأن الظاهر إن تفاوت ثمنيهما إنما كان بملاحظة تفاوت قيمتهما.

و الحاصل أنه لا ريب أن الحكم علي هذا موافق للعدل و الإنصاف فلا يشمل الخبر غير هذه الصورة، كما إذا نقص قيمة الثوب الذي كان أغلي و صارت قيمتاهما بسبب الاشتباه متساويتين و تغيرت النسبة بغير ذلك، فالحكم بالعدل و الإنصاف يكون علي نحو آخر.

ص: 61

و بالجملة فيجب بدلالة هذا الحديث في غير هذه الصورة أيضا الحكم بالعدل و الإنصاف، لأنه لا خصوصية لهذا المورد في الحكم به، نعم يختلف الحكم بحسب الموارد كما لا يخفي.

لا يقال: إن هذا ليس من قاعدة العدل و الإنصاف، و إنما هو إعطاء كل ذي حق حقه، و الحكم بالعدل و الإنصاف إنما يكون في مورد اشتباه المالك في الشخصين مثل مورد رواية أبي بصير و السكوني، أو اشتباه المالين علي نحو لا يمكن تشخيص أن أيا منهما لأي المالكين.

فإنه يقال: لا فرق في ذلك بعد ما يري العرف الحكم في الكل موافقا للعدل و الإنصاف، فالعدل و الإنصاف يقتضي في اشتباه المالين باستخراج ما لكل منهما بالمحاسبات الدقيقة كما يقتضي توزيع المال في مورد اشتباه المالك بشخصين أو أشخاص و الحكم بالشركة في اشتباه المالين.

و لكن الإنصاف أن الفرض خارج عن قاعدة العدل و الإنصاف، فلو كان الخبر ناظرا إلي الفرض يكون صادرا علي طبق القواعد الأصلية القاضية بإعطاء كل ذي حق حقه، و لا ارتباط له بمسألتنا.

نعم لو فرض كون الخبر ناظرا إلي صورة الجهل بقيمة الثوبين و عدم إمكان بيع كل منهما منفردين، فالحكم هو بيعهما و إعطاء كل منهما من ثمنيهما بنسبة ما أديا ثمنا لكل منهما، و لكن هذا فرض نادر جدا، و أما إذا كانت قيمتهما معلومة و كانت نسبتهما إلي الأخري متساوية فالحكم شركتهما في الثوبين بالنسبة، أو كون أحدهما لواحد منهما و الآخر للآخر، و إذا اختلف نسبة قيمتيهما فالثوب الذي قيمته الأكثر لمن أدي الثمن الأكثر، و الآخر للآخر، و هذا موافق للعدل و الإنصاف.

ص: 62

و علي كل، تعيين المراد من الخبر في غاية الإشكال، و الاستناد به لقاعدة العدل و الإنصاف أشكل، فنبقي نحن و رواية أبي بصير بإلغاء الخصوصية بين الموارد كما نبه عليه في الجواهر و عدم الفرق بين اشتباه المالكين و هو منطوق الرواية و بين اشتباه المالين.

فإن قلت: مثل رواية أبي بصير معارض بأخبار القرعة المتواترة الدالة علي أن منزلتها منزلة الأمارة و إنها الطريق لمعرفة الواقع و الوصول إليه تصيب و لا تخطئ، و معها كيف يوجه العمل بما ليس له شأنية الطريق و لا نظر له إلي رفع الشك و الوصول إلي الواقع بل العمل به موجب للقطع بمخالفة الواقع في الجملة.

قلت: قد عرفت أنه ليس طريقية القرعة كطريقية سائر الطرق العرفية الظنية، مثل خبر العادل و البينة و ظواهر الألفاظ التي نزلها الشارع منزلة القطع بالواقع بل هي كما يستفاد من الأخبار تصيب و لا تخطئ بعناية الله تعالي و رعايته في موارد خاصة عينها الشارع، و ليس منها ما ارتفع إعضاله و إشكاله، بل و جهالته بحكم الشارع، و إن كان ذلك تعبدا و بحسب الظاهر، فمثله خارج عن تحت أدلة القرعة تخصيصا أو تخصصا.

و الذي يظهر من أخبار القرعة أنه يعمل بها في كل مورد لا يرتفع الشجر الناشي من الإعضال و الإشكال و الجهالة عملا إلا به، و في غير ذلك لا يعمل بها إلا بالدليل الخاص.

و لا فرق في ذلك بين ما إذا كان الأمر الذي صار موردا للإعضال و الإشكال غير معين في الواقع أو كان معينا في الواقع مجهولا في الظاهر، و من ذلك ما إذا سقط بيت علي قوم و بقي منهم صبيان أحدهما حر و الآخر مملوك، فإنه يقرع بينهما فمن أصابته القرعة فهو حر فيعتق الثاني و يجعل مولي له، و أما إذا سقط بيت علي أهل بيتين و بقي منهما صبيان حران كل واحد منهما من أهل بيت و لا

ص: 63

يعرف أي منهما من أي أهل بيت، فالعمل فيه علي قاعدة العدل و الإنصاف سواء كان الوارث منحصرا بهما أم غير منحصر. و كذا إذا سقط بيت علي أهل بيتين و بقي صبي منهما لا يعرف أنه من أي البيتين فالعمل أيضا علي طبق القاعدة، فإذا لم يكن معه أحد من الطبقة الأولي من أي البيتين كان فتركة كل من البيتين تنصف بين الصبي و من يكون في الطبقة الثانية.

و من الموارد التي يعمل فيها بالقرعة، الوصية بعتق ثلث مماليكه.

و منها: ما إذا قال شخص: أول مملوك أملكه فهو حر، و منها غير ذلك. و لا يخفي عليك أن القرعة تارة يعمل بها لفصل الخصومات فهي لا تقع إلا بحكم القاضي الشرعي، و لعل قوله عليه السلام

القرعة لا تكون إلا للإمام

راجع إلي هذا القسم، فالإمام عليه السلام و المنصوب من قبله خاصا أو عاما يعمل بها لقطع الدعاوي و المرافعات.

و تارة تكون لرفع الشبهة التي حصلت لشخص واحد أو للاثنين أو الأكثر، مثل بعض الأمثلة في الروايات التي اشتبهت الأمر عليهم، سواء كان الأمر معينا في الواقع مشتبها في الظاهر، أو كان مبهما غير معين في الواقع، فلا ريب في جواز العمل بها إذا تراضيا عليها، و إن لم تقع عند الحاكم، و لكن هل يجب العمل بها و لا يجوز العدول عنها، ثم هل للحاكم أن يحكم بها إذا ثبتت عنده أو وقعت بحضوره أو بأمره؟ ظاهر الأخبار وجوب العمل بها مطلقا و وجوب حكم الحاكم بها إذا طلبها واحد من الذين اشتبه عليهم الأمر و الله هو العالم.

هذا و لا يخفي عليك أن الحكم بالرجوع إلي القرعة في الأخبار في بعض مواردها أيضا ينطبق علي قاعدة العدل و الإنصاف، كما في بعض الوصايا المبهمة كالوصية بعتق عشرين من ستين عبيده.

ص: 64

و بما ذكرنا ظهر لك مورد القاعدة المسماة بقاعدة العدل و الإنصاف و مورد قاعدة القرعة، و أنهما لا تتعارضان، كما قد ظهر لك وجه كون الأول مع أنه بمنزلة الأصل مقدما علي الثاني الذي هو بمنزلة الأمارة بل أقوي منها.

و ظهر لك حكم مسألتنا التي عنونا بها البحث و أنها من صغريات قاعدة العدل و الإنصاف. و الله العالم.

و الصلاة و السلام علي سيدنا أبي القاسم محمد و آله الطاهرين و اللعن علي أعدائهم أجمعين.

و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

جددنا النظر في المسألتين في المشهد المقدس الرضوي علي صاحبه سلام الله و أزكي تحياته في رجب الحرام 1400.

ثم جددنا النظر فيهما في محرم الحرام 1416 و أنا أقل من أناخ مطيته بفناء شيعة أهل البيت عليهم السلام لطف الله الصافي حشره الله مع أوليائه المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين.

ص: 65

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.