فقه الحج (للصافي)

اشارة

سرشناسه : صافي گلپايگاني، لطف الله، 1298 -

عنوان و نام پديدآور : فقه الحج: بحوث استدلاليه في الحج/ تاليف لطف الله الصافي الگلپايگاني.

مشخصات نشر : قم: دفتر آيت الله العظمي شيخ لطف الله صافي گلپايگاني، 1390.

مشخصات ظاهري : 4 ج.

شابك : 250000 ريال: دوره 978-600-5105-54-4 : ؛ ج.1 978-600-5105-50-6 : ؛ ج.2 978-600-5105-51-3 : ؛ ج.3 978-600-5105-52-0 : ؛ ج.4 978-600-5105-53-7

وضعيت فهرست نويسي : فيپا

يادداشت : عربي.

يادداشت : ج. 2 - 4 (چاپ اول: 1390)(فيپا).

موضوع : حج

موضوع : فقه جعفري -- رساله عمليه

رده بندي كنگره : BP188/8/ص16ف7 1390

رده بندي ديويي : 297/357

شماره كتابشناسي ملي : 2693685

الجزء الأول

اشارة

فقه الحج

تأليف

المرجع الديني آية اللّٰه العظمي

الشيخ لطف اللّٰه الصافي الگلپايگاني (مد ظله)

المجلد الأول

الطبعة الثانية

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 7

المقدمة

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

الحمد للّٰه الذي اختبر الأولين إلي الآخرين بأحجار لا تضر و لا تنفع، و لا تبصر و لا تسمع، فجعلها بيته الحرام الذي جعله للناس قياماً، و ابتلاهم به ابتلاءً عظيماً، و امتحاناً شديداً، و اختباراً مبيناً، و تمحيصاً بليغاً، و جعله سبباً لرحمته، و وصلةً إلي جنته، و شعبهً من رضوانه.

و الصلاة و السلام علي أفضل من حج و اعتمر، نبي الرحمة، جمال هذا الكون، و صفوة الإنسان، و نفحة الديان، سيدنا أبي القاسم محمد خاتم النبيين، و علي آله الأولياء المرضيين المعصومين، لا سيما الإمام المبين، و الكهف الحصين، بقية اللّٰه في الأرضين، مولانا الإمام المهدي أرواح العالمين له الفداء، و اللعن علي أعدائهم و مخالفيهم أجمعين.

و بعد، فإن من أشرف ما يتقرب به العباد إلي اللّٰه تعالي و من أعظم شعائر اللّٰه جل و عز حج بيت اللّٰه الحرام، أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنّٰاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبٰارَكاً وَ هُديً لِلْعٰالَمِينَ، فيه آيات بينات، فقد أكرم اللّٰه تعالي عباده بأن أذن لهم بحجه و طوافه،

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 8

و الحضور في تلك المشاعر الشريفة، و المواقف الكريمة، ليرتفعوا من حضيض حظوظ النفوس الحيوانية و التعلقات المادية، إلي ذروة التشبه بالملائكة الروحانية، و يرتقوا من أدناس ما يمنعهم من العروج إلي المدارج العالية في الملكوت الأعلي، و ما يفتح علي قلوبهم أبواب المعارف الحقيقية، و الجلوس علي سرير العبودية الخالصة، و بساط التسليم المحض لأوامر اللّٰه تعالي، و نهيه الذي هو منتهي مراد الطالبين و السالكين.

قال مولانا أمير المؤمنين عليه الصلاة و

السلام:

«و فرض عليكم حج بيته الحرام، الذي جعله قبلة للأنام، يردونه ورود الأنعام، و يألهون إليه ولوه الحمام، و جعله سبحانه علامة لتواضعهم لعظمته، و إذعانهم لعزته، و اختار من خلقه سماعاً أجابوا إليه دعوته، و صدقوا كلمته، و وقفوا مواقف أنبيائه، و تشبهوا بملائكته المطيفين بعرشه، يحرزون الأرباح في متجر عبادته، و يتبادرون عنده موعد مغفرته، جعله سبحانه و تعالي للإسلام علماً، و للعائذين حرماً، فرض حجه، و أوجب حقه، و كتب عليكم وفادته، فقال سبحانه: «وَ لِلّٰهِ عَلَي النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَ مَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللّٰهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعٰالَمِينَ». «1»

______________________________

(1)- نهج البلاغة: الخطبة الاولي.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 11

[البحث في وجوب الحج]

اشارة

البحث في وجوب الحج

[مسألة 1- وجوب الحج من ضروريات الدين]

مسألة 1- وجوب الحج من ضروريات الدين، و منكر وجوبه كمنكر وجوب الصلاة من الكافرين.

ثمّ إن معناه و إن كان في اللغة القصد لكنه في متفاهم المتشرعة اسم لمجموع المناسك التي يؤتي بها في المشاعر المخصوصة. و لا ريب أنه فرض علي كل من اجتمعت فيه الشرائط المعلومة التي يأتي بيانها من الرجال و النساء و الخناثي.

[مسألة 2- لا يجب الحج بأصل الشرع إلا مرة واحدة]

مسألة 2- لا يجب الحج بأصل الشرع إلا مرة واحدة إجماعاً من المسلمين، و للنصوص الكثيرة الدالة عليه.

مثل صحيح البرقي في المحاسن عن علي بن الحكم، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «ما كلف اللّٰه العباد إلا ما يطيقون، إنما كلفهم في اليوم و الليلة خمس صلوات- إلي أن قال: - و كلفهم حجة واحدة و هم يطيقون أكثر من ذلك». «1»

و رواية فضل بن شاذان عن الرضا عليه السلام قال: «إنما امروا بحجة واحدة لا أكثر

______________________________

(1) وسائل الشيعة ب 3 من أبواب وجوب الحج و شرائطه ح 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 12

من ذلك، لأن اللّٰه فرض الفرائض علي أدني القوة» و يستفاد من تعليل الإمام عليه السلام أن أصل الحكم- و هو وجوب الحج مرة واحدة لا أكثر- مفروغ عنه.

مضافاً إلي ما في روايات باب التسويف من قوله عليه السلام: «إن مات و قد ترك الحج فقد ترك شريعة من شرايع الإسلام» «1» حيث قال عليه السلام: «شريعة»، لا «شرايع». «2»

و أما الآية «وَ لِلّٰهِ عَلَي النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا» «3» فيمكن أن يقال: إنه لا دلالة لها علي وجوبه أكثر من مرة واحدة، كما لا تدل علي نفي وجوب التكرار أيضاً، إلا أنه يكفي في نفي وجوبه

الأصل، مضافاً إلي النصوص، و لكن يستظهر من الآية الكريمة بمناسبة الحكم و الموضوع، و أن وجوب الحج في كل سنة حرج علي المكلفين، سيما علي النائين، أن الواجب ليس إلا مرة واحدة.

فإن قلت: ما الفرق بين الحج و الصوم، و الأول فرض في ذي الحجة، و الثاني في شهر رمضان و لما ذا تستفيدون وجوب الصوم في كل سنة و في كل شهر رمضان من قوله تعالي: «كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيٰامُ كَمٰا كُتِبَ عَلَي الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ،

______________________________

(1)- وسائل الشيعة ب 6 من أبواب وجوب الحج.

(2)- لا دلالة في قوله عليه السلام: «فقد ترك شريعة من شرايع الإسلام» علي ما نحن فيه، لأن المراد من الترك ترك طبيعة الحج و ماهيته و المرة و التكرار غير ملحوظ فيه أصلًا، و كما أن الصلاة برأسها شريعة من شرايع الإسلام فكذا الحج و الصوم و سائر العبادات كل منها برأسها شريعة من شرايع الإسلام. و الحج جزء من الشرائع و ليس بنفس الشرائع فلا يمكن أن يقول عليه السلام في كلامه: فقد ترك شرايع من شرايع الإسلام. مراده عليه السلام هنا: فقد ترك طبيعة و حقيقة و باباً من أبواب العبادات. و الحاصل: صيغة الإفراد هنا لا يدل علي المرة، بل علي الطبيعة و الماهية لا غير. إلا أن يقال: إن من أتي بالحج مرة واحدة لا يصدق عليه أنه ترك شريعة من شرايع الإسلام و هذا دليل علي وجوبه مرة واحدة بخلاف الصوم و الصلاة.

(3)- آل عمران/ 97.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 13

أَيّٰاماً مَعْدُودٰاتٍ» إلي قوله تعالي: «شَهْرُ رَمَضٰانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ» «1» و لا تستفيدون وجوب الحج في كل سنة و كل ذي

حجة من قوله تعالي: «وَ لِلّٰهِ عَلَي النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا»؟

قلت أولًا: إنه يمكن الفرق بأن الصوم كان قبل الإسلام من العبادات التي كانوا متعبدين بها في كل سنة، فقوله تعالي: «كَمٰا كُتِبَ عَلَي الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ» إشارة إلي ذلك. و أما الحج الذي عبر عنه في الإسلام بحجة الإسلام فكانوا ملتزمين بإتيانه في طول العمر مرة واحدة، ففهموا من الآية تقريرهم علي هذا الالتزام.

و ثانياً: أنه فرق بين قول القائل: (كتب عليكم حج ذي الحجة) و بين قوله:

(كتب عليكم حج الكعبة و بيت اللّٰه الحرام)، ففي الأول يجب الحج في كل سنة في ذي الحجة، و في الثاني يكفي في الامتثال الإتيان بالحج مرة واحدة، و هكذا الصوم فإن قال: (صم صوم الوصال، أو صوم الصمت، أو صوم الإمساك من المفطرات المعلومة) يكفي في الامتثال صوم واحد، بخلاف ما إذا قال: (صم شهر رمضان) أو (صم يوم النصف من شعبان) فإن إطلاقه يشمل صوم كل شهر رمضان.

و علي الجملة: أنّ الكعبة و البيت مستمر الوجود فيكفي في امتثال حج البيت مرة واحدة، بخلاف الشهر الكذائي فإن وجوده يتعدد بالسنين و يتجدد. و مثل ذلك (زر الحسين عليه السلام) فإنه يمتثل بزيارة واحدة، بخلاف (زر الحسين عليه السلام في ليلة الجمعة) فإنه لا يسقط الأمر بزيارته في جمعة واحدة.

و بعبارة اخري: الأمر في مثل (حج في ذي الحجة) أو (صم شهر رمضان) ينحل إلي أوامر متعددة، بخلاف الأمر بحج البيت فإنه أمر واحد.

و كيف كان فلا ريب في عدم وجوب تكراره بأصل الشرع، و أما الروايات

______________________________

(1)- البقرة/ 183 إلي 185.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 14

التي ظاهرها وجوب الحج علي أهل في كل

عام- مثل صحيح علي بن جعفر عن أخيه موسي عليه السلام قال: «إن اللّٰه فرض الحج علي أهل الجدة في كل عام، و ذلك قول اللّٰه عز و جل: «وَ لِلّٰهِ عَلَي النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَ مَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللّٰهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعٰالَمِينَ» قال: قلت: فمن لم يحج منا فقد كفر؟ قال: لا و لكن من قال: ليس هذا هكذا فقد كفر» «1» - فليس ظاهرها مراداً، و لعلها كانت محفوفة بالقرائن الحالية أو المقالية، و إن لم نعثر عليها، و فيها احتمالات:

منها: أن يكون المراد نفي ما يعملونه بالنسي ء، فقد قال اللّٰه تعالي: «إنما النسي ء زيادة في الكفر» «2» سواء كان نسيئاً في الحكم بإنساء حكم شهر و الإتيان به في آخر و لم يتعرضوا لحساب الأشهر و ترتيبها، أو كان نسيئاً في الموضوع بتبديل الشهور و تغيير بعضها مكان بعض.

و يستفاد النسي ء في الموضوع من خطبة الرسول صلي الله عليه و آله في حجة الوداع حيث قال:

«ألا إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق اللّٰه السماوات و الأرض، السنة اثنا عشر شهراً، منها أربعة حرم، ثلاثة متواليات: ذو القعدة و ذو الحجة و محرم و رجب» «3»

أو يكون المراد نفي كون فرض الحج بحساب السنوات الشمسية، فإنهم كانوا يعملون بالكبيسة فيزيدون علي كل سنة قمرية عشرة أيام، أو علي كل ثلاث سنوات شهراً واحداً لتتفق القمرية مع الشمسية. فالحديث تأكيد علي أن تشريع الحج يكون بحسب الأعوام القمرية.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة ب 2 من أبواب وجوب الحج و شرائطه ح 1.

(2)- التوبة/ 37.

(3)- بحار الأنوار: 15/ 252.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 15

و فيه: أن هذه الطائفة من الروايات لو كانت

صادرة في العصر الأول الذي كان الناس حديثي العهد بالإسلام فيمكن حملها علي ذلك، و أما بعد مضي أكثر من قرن علي ذلك فلا يفهم منها أنها لنفي ذلك.

و منها: بيان استحباب الحج علي أهل الجدة في كل عام كما عن الشيخ رحمه الله «1».

و فيه: أنّ هذا الحمل خلاف الظاهر، فإن استشهاد الإمام عليه السلام بقوله تعالي:

«وَ لِلّٰهِ عَلَي النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ» و قوله عليه السلام: «إن اللّٰه فرض الحج علي أهل الجدة» ظاهر في الوجوب.

و منها: حملها علي الوجوب في كل عام علي البدل، كما عن الشيخ رحمه الله «2»، و أنه إذا لم يأت به المكلف في العام الأول لا يسقط بالعصيان.

و قد يقال في تضعيف هذا الاحتمال: «إن الوجوب البدلي بهذا المعني من طبع كل واجب، فإن الواجب يجب الإتيان به متي أمكن و يجب تفريغ الذمة عنه، و لا يسقط الواجب بالعصيان» «3»

و منها: حملها علي الوجوب الكفائي، كما في الوسائل حيث جعل عنوان الباب: (باب أنه يجب الحج علي الناس في كل عام وجوباً كفائياً). «4»

و اورد عليه: بأن ظاهر الروايات وجوبه علي كل أحد لا علي طائفة دون اخري كما يقتضيه الواجب الكفائي «5»

______________________________

(1)- الاستبصار: 2/ 149.

(2)- الاستبصار: 2/ 149.

(3)- معتمد العروة: 1/ 15.

(4)- وسائل الشيعة ب 2 من أبواب وجوب الحج و شرائطه.

(5)- معتمد العروة: 1/ 15.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 16

و فيه: أن ذلك لا ينافي عينية الوجوب علي من لم يحج أصلًا. «1»

و منها: أن الحج واجب علي كل أهل الجدة في عام استطاعة الحج سواء في الصيف أو الشتاء، و لا يجوز تأخيره فراراً من الحر و البرد.

و منها: أنها من باب التقاء الجمع

بالجمع، كما في قوله تعالي: «فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ» «2» فكما لا يجب علي كل أحد غير غسل وجهه للوضوء دون غسل وجوه الجميع كذلك لا يجب علي واحد من أهل الجدة في كل عام غير حجه الذي عليه و هو حجة الإسلام «3». إلي غير ذلك من الاحتمالات.

و كيف كان فالإجماع و السيرة بل الضرورة قائمة علي خلاف ظاهر هذه الروايات، فالأولي رد علمها إلي أهلها.

فما عن الصدوق رحمه الله في العلل «4» من وجوبه علي أهل الجدة في كل عام ضعيف بإعراض الأصحاب، و ما عرفت من الاحتمالات في مستند فتواه. و الصدوق رحمه الله نفسه لم يفتِ بذلك في سائر كتبه، مضافاً إلي ما في صحة نسبة هذا القول إليه من الترديد، و قد نسب العلامة في المنتهي هذا القول إلي البعض «5». و قال السيد رحمه الله في العروة: (علي فرض ثبوته شاذ مخالف للإجماع).

هذا، و لو قيل بعدم كفاية إعراض الأصحاب عن هذه الأحاديث لترك العمل بها، كما هو اختيار بعض الأعاظم من المعاصرين- و إن لم يقل به هنا- فنقول: لو

______________________________

(1)- و هذا خلاف ظاهر الرواية، فإن ظهوره في عينية الوجوب وحدها.

(2)- المائدة/ 6.

(3)- اعتمد علي هذا الحمل في جامع المدارك: 2/ 255.

(4)- قال بعد نقل صحيح علي بن جعفر: (جاء هذا الحديث هكذا: و الذي أعتمده و افتي به أن الحج علي أهل الجدة في كل عام فريضة). علل الشرائع: 2/ 405.

(5)- منتهي المطلب: 2/ 642 قال ما هذا لفظه: (و قد حكي عن بعض الناس أنه يقول: يجب في كل سنة مرة، و هذه حكاية لا تثبت و هي مخالفة للإجماع و السنة).

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 17

قطعنا النظر

عن ترجيح الطائفة الاولي لاعتضادها بالشهرة تقع المعارضة بينهما فيتساقطان، و نرجع إلي الأصل الذي يقضي بعدم وجوب أكثر من حجة واحدة.

[مسألة 3] فورية وجوب الحج

مسألة 3- وجوب الحج فوري، فلا يجوز تأخيره عن عام الاستطاعة.

و ذلك لأن رابطة العبودية و المولوية تقتضي قيام العبد بإطاعة أمر المولي بمجرد أمره و طلبه، فالقعود عن الامتثال مع إمكانه تهاون بأمر المولي.

نعم لو كان الواجب موقتاً في تشريع المولي بوقت خاص أو بمدة العمر بحيث كان التوقيت إذناً منه بالتأخير لجاز للمكلف ذلك إذا لم يكن فوت الواجب منه مظنوناً بحسب حاله، و الحج ليس من الواجبات الموقتة مثل الصلاة، و ليس وقوعه مشروطاً بوقت خاص و سنة خاصة، بل هو أداء في أي وقت أتي به، فلا يجوز تأخيره عن سنة الاستطاعة.

و قد علل بعض الأعاظم رحمه الله فورية الوجوب بحكم العقل باحتمال الفوت و عدم الوثوق بالبقاء «1»، و اعتمد علي هذا الوجه أيضاً بعض العامة.

و فيه: أن هذا الاحتمال غير معتني به عند العقلاء، يردون في امور كبيرة، و شئون جليلة، و مشاغل مهمة التي لا تتحصل فائدتها لهم إلا بعد مضي السنين و الأعوام، و الظاهر أنه لا خلاف في هذا الحكم بين الأصحاب.

قال المفيد قدس سره في المقنعة: (و فرضه عند آل محمد صلي الله عليه و آله علي الفور دون «2»

______________________________

(1)- راجع معتمد العروة: 1/ 16.

(2)- هذا مطابق لما في التهذيب، و في المقنعة المطبوعة (بالتراخي) و هو غلط. راجع تهذيب الأحكام: 5/ 17 و المقنعة/ 385.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 18

التراخي بظاهر القرآن و ما جاء عنهم عليهم السلام). ثمّ ذكر حديث زيد الشحام و ذريح المحاربي و لفظه في حديث زيد: «عن

أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قلت له: التاجر يسوّف الحج؟ قال: إذا سوّفه و ليس له عزم ثمّ مات فقد ترك شريعة من شرايع الإسلام».

و الرواية بهذه العبارة لا تفي بمراد المفيد قدس سره لمكان قوله: «ليس له عزم»

إلا أن لفظه في الكافي هكذا: «التاجر يسوف الحج؟ قال: ليس له عذر فإن مات فقد ترك شريعة من شرايع الإسلام» «1» و الاعتماد علي نسخة الكافي.

و قال الشيخ قدس سره في النهاية: (و من حصلت معه الاستطاعة وجب عليه الحج علي الفور و البدار، فإن أخره و هو متمكن من تقديمه كان تاركاً فريضة من فرائض الإسلام) «2».

و صرح بذلك في الخلاف و استدل باقتضاء الأمر، و برواية ابن عباس عن النبي صلي الله عليه و آله و رواية عاصم بن ضمرة عن علي عليه السلام. «3»

و في المبسوط قال: (و وجوبهما- أي الحج و العمرة- علي الفور دون التراخي). «4»

و في الاقتصاد قال: (و عند تكامل شروط الوجوب يجب علي الفور و البدار دون التراخي، غير أنه متي أخره ثمّ فعله كان مؤدياً و إن فرط في التأخير). «5»

و بذلك نص السيد قدس سره في جمل العلم و العمل، و قال: (الحج علي الفور دون

______________________________

(1)- الكافي: 4/ 269.

(2)- النهاية/ 205.

(3)- الخلاف: 1/ 372.

(4)- المبسوط: 1/ 296.

(5)- الاقتصاد/ 297.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 19

التراخي لمن تكاملت شرائطه). «1»

و قال في الناصريات: (الذي يذهب إليه أصحابنا أن الأمر بالحج علي الفور). ثمّ استدل علي ذلك. «2»

و قال سلار رحمه الله في المراسم: (و الحج واجب علي الفور). «3»

و قال في السرائر: (و وجوبهما علي الفور دون التراخي بغير خلافٍ بين أصحابنا) «4»

و مع أن العلامة قدس

سره تختلف آراؤه في كتبه غالباً إلا أنه في هذه المسألة قال بوجوب الفور في جميع كتبه:

قال في التذكرة: (و وجوب الحج و العمرة علي الفور، لا يحل للمكلف بهما تأخيره عند علمائنا أجمع)، «5» و صرح بذلك في التبصرة «6» و القواعد «7» و الإرشاد «8» و التلخيص «9».

و قال المحقق قدس سره في الشرائع: (و يجب علي الفور)، «10» و نحوه كلامه في المختصر النافع. «11» إلي غير ذلك من أقوال غيرهم من الفقهاء رضوان اللّٰه عليهم. و الظاهر

______________________________

(1)- رسائل الشريف المرتضي: 3/ 63.

(2)- الناصريات/ 244.

(3)- المراسم/ 104.

(4)- السرائر: 1/ 519.

(5)- تذكرة الفقهاء: 1/ 296.

(6)- تبصرة المتعلمين/ 87.

(7)- قواعد الأحكام 1/ 72.

(8)- إرشاد الأذهان: 1/ 308.

(9)- التلخيص/ سلسلة الينابيع: 30/ 327.

(10)- شرايع الإسلام 1/ 163.

(11)- المختصر النافع/ 75.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 20

تحقق إجماع فقهائنا علي الفتوي بفوريته.

و أما فقهاء العامة فقد اختلفوا في فوريته، قال في الروض النضير: (و اختلفوا هل وجوبه موسع أو مضيق؟ فذهب القاسم و أبو طالب، و الأوزاعي و الثوري، و محمد ابن الحسن، و الشافعي إلي أنه علي التراخي و السعة. و حجتهم أنه فرض بعد الهجرة سنة خمسٍ أو ستٍّ لخبر (الصحيحين): أن قوله تعالي: «وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّٰهِ» نزلت في وقعة الحديبية و هي سنة ست إجماعاً، و فيها قصة كعب بن عجرة المشهورة، و نزل بعدها: «وَ لِلّٰهِ عَلَي النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا»، مؤكداً للوجوب. و في حديث ضمام في مسلم: و زعم رسولك أن علينا حج البيت من استطاع إليه سبيلًا، قال: صدق. و قدوم ضمام سنة خمس، و قيل: سنة سبع، و قيل: سنة تسع. و قد

صرح أهل الحديث و التاريخ أنه صلي الله عليه و آله انصرف من مكة بعد فتحها في شوال و استخلف عليها عتاب بن اسيد، فحج بالناس بأمره صلي الله عليه و آله سنة ثمان، و كان مقيماً بالمدينة هو و أزواجه و عامة أصحابه، و كانوا موسرين بغنائم حنين المقسومة في ذي القعدة، و اعتمر حينئذ من الجعرانة، فلو كان علي الفور لم يرجع من مكة إلي المدينة بهم مع يسارهم و قرب زمن الحج، ثمّ غزا تبوك سنة تسع و انصرف عنها).

إلي أن قال: «و ذهب الناصر و المؤيد باللّٰه و مالك و أحمد بن حنبل و بعض أصحاب الشافعي و رواية عن أبي حنيفة إلي أنه يجب فوراً. و حكي في الانتصار عن زيد بن علي و الهادي و المزني و اختاره المقبلي في (المنار). و حجتهم ظواهر الأخبار الدالة علي التشديد في تركه). إلي أن قال: (و اعتذروا عن حجة الأولين بوجوه: منها أنه صلي الله عليه و آله كان مهتماً قبل حجة الوداع بإظهار دين اللّٰه و إعلاء كلمته فكان عذراً له و لأصحابه صلي الله عليه و آله عن المبادرة بفعله. و منها كراهية أن يشاركه في موسم الحج حج أهل الشرك) إلي أن قال: (و منها أن تأخير الحج إلي سنة عشر إنما كان

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 21

للنسي ء المذكور في كتاب اللّٰه فهو تأخير الأشهر إلي أصله). «1»

و قد نقل العلامة قدس سره في التذكرة عن بعض القائلين بعدم فورية وجوب الحج من العامة: (أنّ فريضة الحج نزل سنة ستٍّ من الهجرة، و قيل: سنة خمس و أخره النبي صلي الله عليه و آله من غير مانع، فإنه

خرج من مكة سنة سبع لقضاء العمرة و لم يحج، و فتح مكة سنة ثمان و بعث الحاج سنة تسع، و حج هو عليه السلام سنة عشر، و عاش بعدها ثمانين يوماً ثمّ قبض صلي الله عليه و آله).

ثمّ أجاب العلامة قدس سره بالمنع أولًا من تمكنه من الحج، فإنه عليه السلام أحرم بالعمرة عام الحديبية فأُحصر. و ثانياً بالمنع من تأخير النبي عليه السلام عن عام الوجوب، فإن الآية نزلت- و هي قوله تعالي: «وَ لِلّٰهِ عَلَي النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا» الآية- سنة عشر و رسول اللّٰه صلي الله عليه و آله أتي بالحج من غير تأخير. «2»

و ثالثاً نقول: بأن القول بتأخير النبي صلي الله عليه و آله من غير مانع إنما يصح ممن كان عالماً بما يمكن أن يكون مانعاً من حجه بالفورية علي فرض التأخير عن عام نزول الآية، و قد سبق أيضاً بعض الوجوه لتأخيره في كلام الروض النضير. هذا بحسب الأقوال.

و أما بحسب الروايات و هي الأصل و العمدة فقد عقد في الوسائل باباً يكفي مما أخرجه فيه صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال: «إذا قدر الرجل علي ما يحج به ثمّ دفع ذلك و ليس له شغل يعذره به فقد ترك شريعة من شرايع الإسلام». «3»

ثمّ إن بعض الأعلام- بعد أن حكي الاستدلال برواية زيد الشحام «قال:

______________________________

(1)- الروض النضير: 3/ 120.

(2)- تذكرة الفقهاء: 1/ 296.

(3)- وسائل الشيعة ب 6 من أبواب وجوب الحج و شرائطه ح 3.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 22

قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: التاجر يسوف الحج، قال: ليس له عذر» و بصحيح الحلبي المتقدم آنفاً- قال: (و في

بعض الأخبار الدلالة علي أن من وجب عليه الحج ثمّ سوفه العام و العام الآخر ثمّ مات فقد ترك شريعة من شرايع الإسلام، و أنه المراد بقوله تعالي: «وَ مَنْ كٰانَ فِي هٰذِهِ أَعْميٰ فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْميٰ وَ أَضَلُّ سَبِيلًا».

ثمّ قال: (فإن كان إجماع و إلا فاستفادة الوجوب الفوري مما ذكر مشكلة، لأن الرواية الاولي يمكن حملها علي عدم المعذورية في ترك الراجح كما يقال للواجد للشرائط في أول وقت فضيلة الصلاة: لا عذر لك في التأخير، و أما الرواية الثانية فمحمولة بقرينة غيرها علي صورة الترك إلي وقوع الموت). «1»

أقول: أما حمل قوله عليه السلام: «ليس له عذر» الظاهر في عدم المعذورية في ترك الواجب علي عدم المعذورية في ترك الراجح فهو من حمل اللفظ علي خلاف ظاهره بغير وجه يستدعيه، و حمل قوله عليه السلام: «لا عذر لك في التأخير» علي خلاف ظاهره بقرينة المقام لا يوجه حمل مثله علي خلاف الظاهر في سائر المقامات، و إلا فيلزم حمل كل الألفاظ الظاهرة في معانيها الحقيقية علي المعاني المجازية بمجرد استعمالها في بعض المقامات بالقرائن الحالية أو المقالية.

و أما صحيح الحلبي فكأنه رحمه الله رأي أن الاستدلال به لفورية وجوب الحج يتوقف علي إطلاقه و شموله لصورة الترك و إن أتي به قبل الموت، فمنع هذا الإطلاق بقرينة غيره من الروايات، فخصه بصورة ترك الحج إلي وقوع الموت، فلا يدل علي حرمة التأخير و فورية وجوب الحج.

و فيه: أن الوجه في دلالة الصحيح و غيره من الروايات أنه لا وجه لعقاب من سوَّف الحج و أخره إلي أن مات إلّا حرمة تسويفه و فورية وجوب الإتيان به،

______________________________

(1)- جامع المدارك: 2/ 255

فقه الحج (للصافي)،

ج 1، ص: 23

و هذه الروايات قد دلت علي ذم من سوَّف الحج و مات علي ذلك، و أنه يحشر أعمي، و المسوَّف لا يستحق هذا العقاب إلا أن يكون الإتيان بالحج واجباً فورياً و تسويفه حراماً، و إلّا فلا وجه لهذا العقاب، و ليس هو إلّا كمن أخر الصلاة من أول وقتها فمات قبل خروج الوقت. «1»

[مسألة 4] تهيئة مقدمات الحج

مسألة 4- يجب بحكم العقل بعد حصول الاستطاعة الإقدام لتهيئة المقدمات التي يتوقف عليها إدراك الحج في سنة الاستطاعة بحيث لا يفوته الحج.

فلو انحصرت المقدمة في مورد تعين بلا شك، و لو وجد من مقدمة بعض أفرادها و علم عدم حصول غيره فلا ريب أنه يجب اختياره، بل إن احتمل حصوله بعد ذلك فلا يجوز العدول عما هو المعلوم وجوده إلي ما يحتمل حصوله بعد ذلك.

و إذا تعدَّد الأفراد كالرفقاء- مثلًا- فإن كانوا متفقين في زمان الخروج و كان الوثوق بالوصول و الإدراك بالجميع علي السواء يختار منها ما شاء، و إلّا فيختار منها ما يثق به بالوصول دون غيره.

و هل يجب أن يختار الأوثق منها في الوصول أو يكفي اختيار غيره من الأفراد التي يثق بها وثوقاً يعتمد عليه العقلاء؟

الظاهر أن العقلاء لا يلتزمون باختيار الأوثق إذا كان سائر الأفراد أيضاً مورداً للوثوق و الاطمينان، فيختارون في امورهم ما يثقون به مما يوافق سائر

______________________________

(1)- و توهم أنه يلزم علي ذلك كون العقوبة- أي الموت يهودياً أو نصرانياً- علي من أخر الحج و لم يأت بها فوراً و إن فعله قبل موته مندفع بالفرق بين مصحح العقوبة و موضوعها، كما لا يخفي.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 24

دواعيهم الكثيرة الراجحة بحسب العرف أو الشرع، فربما يتركون الأوثق و يأخذون

بما دونه حسب تلك الدواعي، مثلًا يركبون السيارة أو الطيارة الموثوق بها دون الأوثق منها، لكون الاولي أرخص قيمةً من الثانية.

و أما إذا اختلف زمان تلك الأفراد بالتقدم و التأخر فإن كانوا من حيث الوثوق بالوصول و الإدراك علي السواء فالمكلف يختار ما شاء.

و ما حكي عن الشهيد الثاني في الروضة من وجوب الخروج مع الأول و إن كان الثاني أوثق منه، لأن التأخير تفريط في أداء الواجب فوجب الخروج مع الأول،

ففيه: - مضافاً إلي أن الخروج مؤخراً لا يوجب تأخير الوصول و إدراك الحج مطلقاً، بل قد يمكن تقدم الورود و إدراك الحج لمن تأخر في الخروج، كما إذا ركب ما هو أسرع من غيره، كالطيارة في زماننا هذا بالنسبة إلي غيرها- منع كون ذلك تفريطاً، سيما إذا كان الثاني أوثق من الأول.

فما هو عليه عمل العرف و العقلاء ليس إلا الأخذ بما يثقون به، أما في الأخذ بالأوثق و المتقدم و المتأخر مما هو مورد الوثوق فيعملون علي طبق سائر دواعيهم الشخصية و غيرها. و ليس علينا في مقام امتثال الأوامر الشرعية أزيد من اتباع الطرق العقلائية التي لم يردع عنها الشارع المقدس، و لم يؤسس طريقة اخري. هذا بحسب وجوب تهيئة المقدمات.

و أما بحسب الحكم في استقرار الحج فإن سلك بعض هذه المسالك، و اختار بعض أفراد المقدمة و ترك البعض الآخر، و اتفق عدم إدراكه الحج بسبب التأخير أو التقديم، أو اختيار فرد مقارن لفرد آخر زماناً فهل يستقر عليه الحج بحيث لو سقط عن الاستطاعة وجب عليه الحج متسكّعاً، أم لا؟

لا ريب في أنه إذا أخذ بغير ما يثق به و اتفق عدم إدراكه الحج يستقر عليه

فقه الحج (للصافي)، ج 1،

ص: 25

الحج.

و أما إذا أخذ بأحد أفراد المقدمة التي كلها مورد للوثوق و إن كان بعضها أوثق، أو كان جميعها متوافقين في زمان الخروج و اتفق عدم الإدراك فالظاهر عدم استقرار الحج عليه، لأنه عمل بوظيفته الشرعية من غير تفريط و إهمال و إنما فاته الحج بسبب آخر لا يرتبط بإهماله. و إنما يستقر الحج علي من تنجز عليه التكليف و أهمل حتي فاته الحج.

و الظاهر أن الحكم كذلك إذا ترك في هذا الفرض الأخذ بالأوثق و أخذ بالموثوق به فإنه في هذه الصورة أيضاً لم يتسامح في امتثال أمر المولي، و أتي بما هو وظيفته بحسب سيرة العرف و العقلاء.

لا يقال: إنه صار مستطيعاً لتمكنه من الخروج و المسير مع الفرد الآخر الذي هو أوثق مما اختاره.

لأنا نقول: الملاك في استقرار الحج بالتفويت صدق عنوان الإهمال و التسامح و التفويت العمدي، و هو غير صادق في المقام، و إلّا فيلزم استقرار الحج عليه إن أخذ بالأوثق أو المساوي و اتفق عدم إدراكه الحج لكونه متمكناً من المسير مع غيره بالخروج معه، و هذا مما لا يقول به أحد.

و هكذا يجري الكلام فيما إذا أخذ بالفرد المتقدم الموثوق به و ترك المتأخر كذلك و اتفق عدم الوصول و الإدراك، أو ترك المتقدم و اختار المتأخر، ففي كل هذه الأمثلة لا يحكم باستقرار الحج. و اللّٰه تعالي هو العالم.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 29

شرائط وجوب حجّة الإسلام

[الأول: الكمال بالبلوغ و العقل:]

اشارة

الأول: الكمال بالبلوغ و العقل:

[مسألة 5- لا ريب في اعتبار البلوغ و العقل في الأحكام التكليفية الإلزامية]

مسألة 5- لا ريب في اعتبار البلوغ و العقل في الأحكام التكليفية الإلزامية، تحريمية كانت أو وجوبية، التي منها حجة الإسلام.

فلا تجب حجة الإسلام علي الصبي، سواء كان مميزاً أو لم يكن، و لا علي المجنون، سواء كان مطبقاً أو أدوارياً إذا كان تقصر نوبته عن أداء الواجب و ما في حكمه.

لكن ذلك لا يكفي في عدم مشروعية حجة الإسلام للصبي بناء علي مشروعية عباداته و صحتها، لأن عدم وجوب العبادة عليه لا ينافي صحتها و مشروعيتها.

و بعبارة اخري: لا يدل ذلك علي عدم كفاية حج الصبي المستطيع عن حجة الإسلام، التي هي واجبة علي المستطيع، المرفوع وجوبها عن الصبي، دون مشروعيتها و صحتها. فلا مانع من وقوع حجة الإسلام فيقع منه كذلك. كما أنه إذا أتي بالصلاة في أول وقتها ثمّ بلغ بعده أو بلغ في أثنائها يكتفي بها و لا يجب عليه إعادتها.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 30

و كذلك الوضوء و الغسل بل الاعتكاف فإنه إن شرع فيه الصبي و بلغ بعد إتمامه اليومين الأولين يجب عليه اليوم الثالث، كما لا يجوز له إبطال الصلاة بعد بلوغه في أثنائها.

غير أنه قد ادعي الإجماع علي عدم إجزاء حج الصبي المستطيع عن حجة الإسلام، و دلت روايات علي ذلك:

منها: ما رواه شيخنا الكليني قدس سره عن عدة من أصحابنا «1» عن سهل بن زياد «2» عن ابن محبوب «3» عن شهاب «4» عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث قال: «سألته عن ابن عشر سنين يحج؟ قال عليه السلام: عليه حجة الإسلام إذا احتلم، و كذلك الجارية عليها الحج إذا طمثت» «5».

و الظاهر بملاحظة جواب الإمام عليه السلام أن

السؤال عن الصبي الذي يحج هل

______________________________

(1)- مراده من (العدة): محمد بن الحسن الطائي الرازي، و محمد بن جعفر الأسدي نزيل الري أو محمد بن أبي عبد اللّه و محمد بن عقيل الكليني و علي بن محمد بن إبراهيم الكليني خال الكليني، و كلهم من الطبقة الثامنة.

(2)- سهل بن زياد من الطبقة السابعة. و ضعف سهل إن ثبت لا يضر باعتبار الحديث، لأن رواية عدة من أصحابنا عنه و اعتمادهم عليه يورث الاطمينان بصدور الحديث مضافاً إلي أنا نحتمل أن العدة أخذوا الحديث عن كتاب ابن محبوب الذي له كتب كثيرة بالوجادة و كانت نسبة الكتاب عندهم مشهورة معلومة لكنهم حيث كانوا يرجحون الرواية بالقراءة علي تلامذة صاحب الكتاب أو السماع منهم يأخذون ذلك منهم، و إن كان الراوي عنه ضعيفاً، و كان ذلك حفظاً علي السيرة المستمرة بين أهل الحديث، و علي عدم وقوع الاشتباه في الحديث، فلم يكتفوا بمجرد الوجادة.

(3)- الحسن بن محبوب من الطبقة السادسة و هو أشهر في الجلالة و الوثاقة من أن يحتاج إلي تعريفه.

(4)- الأقوي أنه شهاب بن عبد ربه الأسدي و هو الطبقة من الخامسة أو الرابعة.

(5)- وسائل الشيعة: ب 12 من أبواب وجوب الحج و شرائطه ح 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 31

عليه حجة الإسلام إذا بلغ أم لا؟ و إن احتمل في المستند أن يكون السؤال عن وجوب الحج، لا عن الحج الواقع. «1»

و منها: ما رواه أيضاً عن عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمد بن الحسن بن شمون «2» عن عبد اللّه بن عبد الرحمن الأصم «3» عن مسمع بن عبد الملك «4» عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث قال: «لو

أن غلاماً حج عشر حجج ثمّ احتلم كانت عليه فريضة الإسلام». «5» و دلالتها علي المطلوب أوضح من الاولي.

و أما سندهما

فقال بعض الأعاظم: (الروايتان ضعيفتان بسهل بن زياد). «6»

و فيه: أما الرواية الاولي فقد ظهر مما بيناه في الذيل أن الذي يظهر بالتدبر أنهم اعتمدوا علي رواية مثل سهل لكون الكتاب الذي اخرجت فيه الرواية معروفاً ثابتاً عندهم بالوجادة، و إلّا فكيف يمكن اعتماد هؤلاء الجهابذة في أكثر من ألفي حديث علي رواية رجل ضعيف؟ فالرواية معتبرة علي ذلك مورد للاعتماد.

و أما الرواية الثانية فهي- بعد ما عرفت في تضعيف سهل- ضعيفة بمحمد بن شمون و عبد اللّٰه بن عبد الرحمن.

و كيف كان فلو لم نعتمد علي إجماعهم في المسألة و علي هذين الخبرين يكفينا

______________________________

(1)- راجع مستند الشيعة: 2/ 154

(2)- كان من الطبقة السابعة ضعفوه و لكن لم يذكروا فيه غير رميه بالغلو و لعله لأمر يرونه غلواً.

(3)- من الطبقة السادسة و ضعفوه أيضاً.

(4)- مسمع بن أبي سيار، كردين بن عبد الملك، ثقة من الطبقة الخامسة.

(5)- وسائل الشيعة: ب 13 من أبواب وجوب الحج و شرائطه ح 2.

(6)- معتمد العروة: 1/ 24.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 32

رواية الصدوق المعبر عنها بالحسنة لوقوع؛ إبراهيم بن هاشم «1» في إسناد الصدوق إلي صفوان: محمد بن علي بن الحسين بإسناده عن صفوان «2» عن إسحاق بن عمار «3» قال: «سألت أبا الحسن عليه السلام عن ابن عشر سنين يحج؟ قال عليه السلام: عليه حجة الإسلام إذا احتلم و كذلك الجارية عليها الحج إذا طمثت» «4»

و دلالته علي عدم الإجزاء عن حجة الإسلام كسابقيه.

و لا يخفي عليك أن الدلالة علي ذلك في الاولي و الثالثة بترك الاستفصال، و في

الثانية بالإطلاق، فإن الصبي تارة يحج و هو غير مستطيع كما هو الغالب، و اخري يحج و هو مستطيع. «5»

ثمّ إن هنا رواية اطلق فيها حجة الإسلام علي حج الصبي «6»، و هي رواية

______________________________

(1)- إبراهيم بن هاشم هو والد علي بن إبراهيم المفسر المشهور، و هو من الطبقة السابعة لم أقف لأحد من أصحابنا علي قول في القدح فيه، و لا علي تعديل بالتنصيص و يكفي في الوثوق اعتماد الأجلاء عليه، و إنه كان أول من نشر حديث الكوفيين بقم.

(2)- هو صفوان بن يحيي من أعاظم الطبقة السادسة.

(3)- إسحاق بن عمار من الطبقة الخامسة.

(4)- من لا يحضره الفقيه: 2/ 435.

(5)- و توهم انصراف الرواية عن الصبي المستطيع لندرة وجوده، و قد كان جواب الإمام عليه السلام عنه لا عن الصبي المستطيع فلا تدل الرواية علي عدم إجزائه عن حجة إسلامه إذا كان مستطيعاً، مندفع بما حقق في الاصول من أن الانصراف إذا كان غير ناشئ من اللفظ بل كان من سبب خارجي كندرة وجود بعض الأفراد لا يمنع من التمسك بأصالة الإطلاق.

(6)- و الظاهر أن سند الحديث علي ما في وسائل الشيعة ب 13 من أبواب وجوب الحج و شرائطه ح 1 اشتباه، و الصحيح (أبان عن الحكم). لا (أبان بن الحكم) و لذا لا يوجد ذلك في مشيخة الفقيه، و الظاهر أنه هو حكم بن الحكيم أبو خلاد الصيرفي الثقة من الطبقة الخامسة، كما أن الظاهر أن أبان إما أبان بن عثمان أو أبان الأحمر البجلي الذي أيضاً من الطبقة الخامسة.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 33

شيخنا الصدوق قدس سره بإسناده عن أبان عن «1» الحكم، قال: «سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: «الصبي

إذا حج به فقد قضي حجة الإسلام حتي يكبر» «2» فالظاهر منها أن حجة الإسلام من الصبي هي حجه الأول في حججه حتي يكبر و هي له بمنزلة حجة الإسلام، و سيأتي الكلام في هذه الرواية.

[مسألة 6] حكم حجّ الصبيّ المميّز:

مسألة 6- يستحب للصبي المميز أن يحج و إن لم يكن مجزيا عن حجة الإسلام.

للروايات الدالة علي عدم إجزاء حجه عن حجة الإسلام، فإن الكلام في إجزائه عنها أو عدم إجزائه إنما يجري بعد الفراغ عن صحته منه، و مع القول بالبطلان لا مجال للبحث عن إجزائه عن حجة الإسلام و عدمه.

مضافاً إلي ما سيأتي من الروايات الدالة علي كيفية الصبي.

و لكن قد وقع الكلام في أنه هل يعتبر في صحته إذن الولي أم لا؟ نسب إلي المشهور اعتباره و إن لم نتحققه.

و استدل لذلك بوجهين:

أحدهما: أن الحج من العبادات التوقيفية التي لا بد أن تتلقي من الشارع المقدس علي نحو يعلم منه الإتيان به، فإن الأصل عدم ورود أقل من ذلك من

______________________________

(1)- كما اطلق علي غير الحجة الواجبة مثل ما رواه معاوية بن عمار قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل حج عن غيره يجزيه عن حجة الإسلام؟ قال: نعم» و رواية حكم بن حكيم قال: «سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: أيما عبد حج به مواليه فقد قضي حجة الإسلام».

(2)- من لا يحضره الفقيه: 2/ 435.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 34

الشارع.

و فيه: أنه يكفي في ذلك الإطلاقات الدالة علي استحبابه و رجحانه.

و لكن يمكن أن يقال: إن الدليل الدال علي استحبابه إن كان ما دل علي عدم إجزائه عن حجة الإسلام فليس له إطلاق يشمل فاقد الإذن، لأنه في مقام بيان أمر آخر و

هو عدم إجزاء حج الصبي عن حجة الإسلام، لا بيان استحباب الحج علي الصبي حتي يؤخذ بإطلاقه لنفي اعتبار إذن الولي.

و الظاهر أنه لا دليل غير ذلك الذي يدل بالإجمال علي استحباب حج الصبي ليستدل بإطلاقه فيما شك في اعتباره في صحة حج الصبي شطراً كان أو شرطاً.

نعم، إذا علم من الخارج كيفية الحج الذي كانوا يأتون به ينزل الاطلاقات عليه و يتمسك بها في نفي الزائد.

و لكن لا يعلم كيفية ما كانوا يأتون به في الخارج أولًا، و لا إطلاق لنا نتمسك به لنفي ذلك الزائد ثانياً.

و ثانيهما: أن بعض أحكام الحج متوقف علي تصرف الصبي في ماله الذي لا يجوز إلا بإذن الولي مثل الكفارات و الهدي.

و ردّ بأنه يمكن أن يقال في الكفارات بعدم وجوبها عليه، لأن عمد الصبي و خطأه واحد، و إتيانه ببعض المحرمات لا يوجب الكفارة.

بل يمكن أن يقال: إنه و إن جعل علي نفسه بإحرامه ترك المحرمات و الاجتناب عنها إلا أنه لا يحرم عليه شرعاً، و ليس محظوراً عليه، فلا كفارة عليه.

اللهم إلا أن يقال: إنه من الممكن أن لا يكون الإتيان بالمحرمات حراماً و منهياً عنه له، و لكن من حيث الحكم الوضعي كان ارتكابها سبباً لاشتغال ذمته بالكفارة.

هذا، مضافاً إلي أنه لو قلنا بثبوت الكفارة عليه فيمكن الاستيذان من الولي،

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 35

و إن امتنع تكون عليه يؤديها عند بلوغه.

إلا أن يقال: إن معني ذلك عدم ولاية الولي علي ما هو بمصلحته، و إلا فيقال مثل ذلك في سائر تصرفاته المالية و التزاماته، و إنها صحيحة لازمة ينفذها هو بنفسه بعد بلوغه.

و أما ثمن الهدي فإن أمكن الاستيذان من الولي يستأذن منه، و

إلا فهو كالعاجز، و قد أفاد بعض الأعلام- عليه الرحمة- في الجواب عن الوجه الثاني (أنه بعد ثبوت المشروعية من قبل الشارع، و صحة الحج و لو لم يأذن الولي لا بد للولي من صرف المال له لتتميم العمل، كما لو أتلف الصبي مال الغير). «1»

و هذا كلام وجيه، فإنه لو قلنا بدلالة المطلقات علي صحة حج الصبي مطلقاً لا بد للولي من صرف المال له، كما أفاد، فلا محل للوجه الثاني أصلًا فإنه مع الدليل علي صحة حجه لا مجال لهذا الاستدلال، و إن لم يدل فلا حاجة إلي هذا الوجه.

و يمكن أن يقال: إن تصرفات الصغير غير المالية في نفسه علي قسمين:

قسم لا فائدة و لا مصلحة في أن يكون في دائرة ولاية الولي مثل أكثر أفعاله العادية من الأكل و الشرب و غيرهما.

و قسم تقتضي مصلحته أن يكون في دائرة ولاية الولي، مثل انتخاب المسكن، و نوع اللباس، و نوع المعاشرة و السفر، فللولي النظر في ذلك كله، و منعه من أي نوع لا يري له ذلك. و الحج و العمرة و الإحرام لهما من هذا القسم، فمصلحة الصبي تقتضي أن لا يكون مستقلًا في أمثال هذه الأفعال، و أن يكون تحت نظر وليه، فليس له أن يسافر أو يحج إلا بإذنه.

و لو كان هناك إطلاق في مشروعية حجه و عمرته، لا بد و أن يقيد بذلك.

______________________________

(1)- راجع جامع المدارك: 2/ 258.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 36

فالأقوي ما نسب إلي المشهور من ثبوت ولاية الولي علي مثل هذه التصرفات المهمة التي فيها رعاية مصلحة الصبي، و تقتضي مصلحته جعل الولاية عليه لوليه.

و علي هذا حيث لا يكون اختيار هذه الأفعال بيد الصبي،

و لا استقلال له في إتيانه، لا تأتي منه عبادة، و محبوبا للّٰه تعالي إلا إذا كان بإذن الولي. و هذا بخلاف أعماله العادية مثل الصلوات اليومية و الطواف و الدعاء و غيرهما مما لا يري العرف أن يكون بإذن الولي، بل يري مصلحة الصبي أن يكون فيه حراً مستقلًا. و الولاية علي الصبي ليست من مخترعات الشارع و إن كان له دخل في تحديدها. و بهذا البيان يقال باعتبار إذن الولي في صحة اعتكافه.

و كيف كان فلو أتي بالحج أو العمرة بدون إذن الولي رجاءً لا بأس به، فإنه لو كان تصرفاً في ولاية الولي لا يحرم علي الصبي تكليفاً و إن جاز للولي منعه، و إن لم يكن كذلك فقد صدر من أهله. و اللّٰه العالم.

[مسألة 7] اعتبار إذن الأبوين في الحج:

مسألة 7- لا يعتبر في حج البالغ الواجب عليه إذن الأبوين.

و الحكم بذلك متسالم عليه بين الأصحاب، و ذلك لإطلاق الأدلة علي وجوب الحج علي المستطيع سواء أذن له الأبوين أم لم يأذنا.

استدل بعض الأعاظم قدس سره لذلك بعدم الدليل، و أن سلطنة الغير علي الشخص حتي الأبوين علي الولد خلاف الأصل، و نحتاج إلي الدليل و لا دليل «1».

و فيه: أنا تارة نشك في أنه هل للأبوين سلطنة علي منع الولد من إتيانه بالحج الواجب عليه، فيكفينا في نفي ذلك عدم الدليل و كون سلطنة الغير علي الشخص

______________________________

(1)- معتمد العروة: 1/ 28.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 37

حتي الأبوين علي الولد خلاف الأصل؟

و تارة نشك في أن ما هو الموضوع للوجوب في الحج الواجب هل اعتبر فيه إذنهما بحيث كان الواجب المناسك التي أذن الوالدان أو أمرا بإتيانها، فلا يتم حينئذ التمسك بعدم الدليل أو بعدم سلطنة

الغير علي الشخص لنفي اعتباره، لأن اعتبار ذلك في الحج الواجب و فيما هو الموضوع لوجوبه ليس منافياً لقاعدة السلطنة؟

و بعبارة اخري: إذن الوالدين محقق لما هو موضوع الحكم، و ليس في ذلك اعتبار سلطنة علي الشخص، و أن الحج واجب علي الولد و للوالدين أن يمنعاه منه، بل معناه أن الحج الواجب عليه هو ما كان مأذوناً فيه منهما، و هذا الشك يرتفع بإطلاق دليل وجوب الحج، فإنه يدل بإطلاقه علي وجوب الحج علي المستطيع سواء أذن له الأبوان أم لم يأذنا.

و كيف كان فالحكم معلوم لا اعتبار بإذن الوالدين في الحج الواجب، كما أنه لا يسقط وجوب الحج بنهيهما، لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

و أما الحج المندوب الذي يأتي به البالغ، ففي المسالك: أن اعتبار إذن الأبوين فيه أقوي. «1»

و في القواعد: اعتبار إذن الأب «2».

و عن الشيخ و الشهيد- قدس سرهما- عدم اعتبار استيذانهما.

و قال في المدارك و الذخيرة بعدم وجود النص فيه «3».

______________________________

(1)- مسالك الأفهام: 1/ 68.

(2)- قواعد الأحكام: 1/ 72.

(3)- مدارك الأحكام: 7/ 24 قال ما هذا لفظه: (و لم أقف في هذه المسألة علي نص بالخصوص).

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 38

و عن الحدائق: أن النص موجود «1».

قال بعض أعاظم المعاصرين قدس سره: (اعتبار إذن الأبوين أو خصوص الأب خلاف قاعدة السلطنة علي النفس، المستفاد من قاعدة السلطنة علي المال بالفحوي). «2»

و فيه: ما قدمنا في الحج الواجب بطريق أولي، لأن اعتبار إذن الأبوين في الموضوع و نفس المندوب لا يخالف قاعدة السلطنة علي النفس خصوصاً في المستحب فإن المكلف فيه بالخيار. و علي هذا ففي المندوب أيضاً يمكن التمسك بعدم اعتبار إذن الوالدين بالإطلاقات الكثيرة الدالة علي

استحباب الحج مطلقاً.

غير أن هنا رواية رواها الصدوق في العلل عن أبيه «3» عن أحمد بن إدريس «4» عن محمد بن أحمد «5» عن أحمد بن هلال «6» عن مروك بن عبيد «7» عن

______________________________

(1)- الحدائق الناضرة: 14/ 65.

(2)- مستمسك العروة: 10/ 17.

(3)- هو علي بن الحسين بن موسي بن بابويه شيخ القميين في عصره و متقدمهم. له كتب كثيرة و هو من الطبقة التاسعة.

(4)- كان ثقة فقيها من أصحابنا من الطبقة الثامنة.

(5)- محمد بن أحمد بن يحيي الأسدي الثقة من كبار الطبقة الثامنة.

(6)- أحمد بن هلال العبرتائي له كتاب اليوم و الليلة و كتاب النوادر، قد روي أكثر اصول أصحابنا و اعتمدوا علي رواياته، و الظاهر أنه لمكان روايته كتب شيوخه مما كان في يد الرواة عنه لا من جهة أنه المتفرد بالرواية. فهو مثلًا يروي كتاب ابن محبوب و نوادر ابن أبي عمير، و القوم كانوا يعرفون هذه الكتب و هو من الطبقة السابعة.

(7)- و في العلل المطبوعة (متروك) و الصحيح (مروك). قال الشيخ في الفهرست: (له كتاب رويناه بهذا الإسناد) و في الكشي ما يدل علي أنه ثقة شيخ صدوق. و طريق الشيخ إليه في الفهرست ضعيف، و في التهذيب صحيح و لعله من الطبقة السادسة.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 39

نشيط بن صالح «1» عن هشام بن الحكم «2» عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «قال رسول اللّٰه صلي الله عليه و آله: من فقه الضيف أن لا يصوم تطوعاً إلا بإذن صاحبه، و من طاعة المرأة لزوجها أن لا تصوم إلا بإذنه و أمره، و من صلاح العبد و نصحه لمولاه أن لا يصوم تطوعاً إلا بإذن مواليه و أمرهم، و

من بر الولد أن لا يصوم تطوعاً و لا يحج و لا يصلي تطوعاً إلا بإذن أبويه و أمرهما، و إلا كان الضيف جاهلًا، و المرأة عاصية، و كان العبد فاسداً عاصياً غاشاً، و كان الولد عاقاً قاطعاً للرحم». «3»

و رواه في الفقيه مرسلًا «4» إلا أنه لم يذكر الحج و الصلاة، و قال: «و من برّ الولد بأبويه أن لا يصوم إلا بإذن أبويه و أمرهما». و رواه في الكافي و لم يذكر الحج و الصلاة أيضاً «5».

و الرواية ردت أولًا: بضعف سندها بأحمد بن هلال العبرتائي الراجع عن عقيدته المستقيمة إلي النصب. و أظن أن توثيق النجاشي له بقوله: صالح الرواية إنما كان بملاحظة رواياته حال الاستقامة، أو بملاحظة أن كلما رواه عنه أصحابنا رووه عنه في حال الاستقامة، أو بملاحظة أن ما رواه كان من الكتب و الاصول المعتمدة المعروفة، و إلا فكيف يمكن أن يقال في مثل هذا الناصب العنيد: إنه لا تنافي بين فساد العقيدة و الوثاقة. نعم، بعض مراتب فساد العقيدة الذي يقع فيه الشخص لشبهة حصلت له لا ينافي الوثاقة، و أما من صار فاسد العقيدة طغياناً و كفراً و لجاجاً ففساد عقيدته من أظهر دلائل عدم وثاقته.

______________________________

(1)- عجلي ثقة من الطبقة السادسة.

(2)- هشام بن الحكم بياع الكرابيس ثقة من الطبقة الخامسة و هو معروف مشهور جليل.

(3)- علل الشرائع/ 385. وسائل الشيعة: ب 10 من الصوم المحرم ح 2 و 3.

(4)- من لا يحضره الفقيه: 2/ 99 باب صوم الإذن و لم يذكر النشيط في مشيخة الفقيه.

(5)- الكافي: 4/ 151 باب من لا يجوز له صيام التطوع إلا بإذن غيره.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 40

و علي الجملة يمكن

أن يقال: إن المراد كونه صالح الرواية في خصوص ما رواه أصحابنا عنه في حال استقامته، لأنهم تركوه بعد انحرافه و ظهور فساد عقيدته، و لا منافاة بين كون شخص ثقةً في حالٍ و كونه متهماً بالكذب و عدم الوثاقة في حال آخر. و كيف كان ليست الرواية من حيث السند كسائر روايات الثقات.

و ثانياً: قد عرفت وقوع الاختلاف في متن الحديث بحسب الروايات، فالصدوق في الفقيه و الكليني في الكافي لم يذكرا الحج و الصلاة، فالاعتماد عليهما دون العلل لكونهما أضبط.

لا يقال: إنه إذا دار الأمر بين النقيصة و الزيادة فأصل عدم الزيادة مقدم علي أصل عدم النقيصة؛ لأن الغالب وقوع الخلل في النقل من ناحية الإسقاط لا الزيادة.

لأنه يقال: هذان الأصلان يعتمد عليهما إذا لم يتعارضا، و أما في مورد التعارض فلم يثبت تقديم أصالة عدم الزيادة علي أصالة عدم النقيصة بقول مطلق، بل بملاحظة الموارد، ففيما نحن فيه بعد عدم وجود الزيادة في الكافي و الفقيه لا يطمئن النفس بوقوع النقص فيهما و عدم وقوع الزيادة في العلل.

و ثالثاً: ظاهر الحديث يدل علي عدم صحة الصلاة تطوعاً إلا إذا وقعت بإذن الأبوين، و هذا لم ينقل من أحد الفتوي به. كما أن دلالته علي اعتبار أمر الوالدين في صحة الصلاة و الصوم و الحج غير معمول بها، فلا يعتبر أمرهما في صحة هذه الثلاثة قطعاً، غاية ما يمكن أن يقال- لو لم نقل بأن عدم أذيتهما شرط في صحة الثلاثة، أو أن أذيتهما مانع عن صحتها-: إن رضاهما معتبر في صحتها، و أين هذا من اعتبار أمرهما؟

و علي هذا تحمل الرواية علي بيان الآداب و المراسم الأخلاقية، و علي كل حال فطريق

الاحتياط تحصيل إذنهما، أو ترك الحج المندوب لو امتنعا من الإذن، أو الإتيان به رجاءً لو لم يوجب أذيتهما و ترك الشفقة بهما.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 41

و يؤيد كل ذلك أن الصدوق في كتاب العلل الذي تفرد فيه بهذه الزيادة لم يعمل بالرواية و أفتي صريحاً بخلاف ظاهرها، فقال: (قال محمد بن علي مؤلف هذا الكتاب رحمه اللّٰه: جاء هذا الخبر هكذا، و لكن ليس للوالدين علي الولد طاعة في ترك الحج تطوعاً أو فريضة، و لا في ترك الصلاة، و لا في ترك الصوم تطوعاً كان أو فريضة، و لا في شي ء من ترك الطاعات). «1»

[مسألة 8] إحرام الولي بالصبي غير المميِّز:
اشارة

مسألة 8- يستحب للولي أن يحرم بالصبي غير المميز.

لا ريب في أن مقتضي الأصل عدم مشروعية إحرام الولي بالصبي غير المميز، و عدم كون ذلك عبادة شرعية. كما أنه لا ريب في أنه لا يجوز للعباد عبادته تعالي إلا بصورة و كيفية عبَّدهم بها، و إن ثبت ذلك بعدم ردعهم عن بعض العبادات. و كل ما في الدين من البرامج العبادية و خضوع العبد و تذلّله للّٰه تعالي بأنواع الخضوع و التذلل إرشاد إلي ذلك الصراط المستقيم؛ ليثبت عباد اللّٰه علي طريق التوحيد، و لا يتخذون ما لم يأذن به اللّٰه ديناً و عبادة، و لا يطلبون التقرب إلي اللّٰه بما لا يقربهم منه، و لا يصلح للتقرب به، و لا يخترعون من عند أنفسهم ما لا يعلمون أنه مناسب لأدب العبودية عند حضرة المعبود جلّ اسمه، و لئلا يتكثر الطرق و يتفرق العباد، و يفترقون باختلاف السلق و الآراء و غيرها. و هذا أمر عظيم لو تمسك به المسلمون و أخذوا فيه بكتاب ربهم و سنة

نبيهم صلي الله عليه و آله و هداية عترته عليهم السلام لم يفترقوا بهذه الفرق، سيما في المسالك العبادية. و علي كل حال فالامور التي يتعبد بها العبد و يجعلها وسيلة للتقرب إلي اللّٰه تعالي يجب أن تكون مأخوذة من الشارع، و إثبات ذلك محتاج إلي

______________________________

(1)- علل الشرائع: 2/ 385.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 42

الدليل.

و بناء علي ذلك يحرم التعبد و التدين بما لم يرد عليه دليل من الشرع، لأنه تشريع و تدين بما لم يُدِن اللّٰه تعالي به عباده و لم يعلم صلاحه لعبادته.

لا يقال: إن ذلك يقتضي حرمة عبادة اللّٰه تعالي بما ثبت عدم وروده من الشرع، و أن اللّٰه تعالي لم يدن به عباده، لكن لا يقتضي حرمة عبادته و التدين بما لم يثبت وروده منه، فهو محكوم في الظاهر بالجواز كسائر الشبهات الموضوعية.

فإنه يقال: إن المحرم في هذه المسألة ليس خصوص التدين بما لم يدن اللّٰه به عباده، حتي يقال: إن كون عبادة خاصة كذلك غير معلومة، بل المحرم التدين و الالتزام الديني بما لم يعلم أن اللّٰه تعالي أدان و تعبد عباده به، و ما أنزل اللّٰه به من سلطان. فكما لا يجوز الإخبار بأن الحكم الكذائي الذي لم نجد له دليلًا من الكتاب و سنة المعصومين عليهم السلام حكم اللّٰه تعالي لا يجوز التعبد و التدين بما لم يعلم أن اللّٰه تعالي تعبدنا بإتيانه، فالقول و العمل في ذلك سواء.

إذا عرفت ذلك فاعلم: أن من صغريات هذه المسألة استحباب إحرام الولي بالصبي غير المميز، فإن الأصل فيه علي ما ذكر عدم مشروعيته و الإتيان به تعبداً و متقرباً به إلي اللّٰه تعالي.

إلا أنه قد دل الدليل من الأحاديث المأثورة

عن النبي صلي الله عليه و آله و عن عترته الطيبة عليهم السلام الذين امرنا بالتمسك بهم علي مشروعيته و رجحان التعبد و التقرب به، و لم أجد في ذلك مخالفاً من أصحابنا الإمامية رضوان اللّٰه تعالي عليهم.

قال الشيخ قدس سره في الخلاف: (مسألة 129: يصح أن يحرم عن الصبي و يجنبه جميع ما يتجنبه المحرم، و كلما يلزم المحرم البالغ يلزم في إحرام الصبي مثله من الصيد و الطيب و اللباس و غير ذلك، و يصح منه الطهارة و الصلاة و الصيام و الحج. غير أن الطهارة و الصلاة و الصيام لا يصح منه حتي يعقل و يميز، و الحج يصح منه بإذن وليه

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 43

إذا كان مميزاً، و يصح له الحج بإحرام وليه عنه إن لم يكن مميزاً، و به قال الشافعي.

و قال أبو حنيفة: لا ينعقد له صلاة و لا صوم و لا حج فإن أذن له وليه فأحرم لم ينعقد إحرامه، و إنما يفعل ذلك ليمرن عليه، و يجنب ما يجتنب المحرم استحساناً، و إذا قتل صيداً فلا جزاء عليه. دليلنا إجماع الفرقة، و أيضاً ما روي أن امرأة رفعت إلي رسول اللّٰه صلي الله عليه و آله صبياً من محفة فقالت: يا رسول اللّٰه أ لهذا حج؟ قال: نعم و لكِ أجر) «1».

قال العلامة قدس سره في التذكرة: (مسألة: الصبي إذا كان مراهقاً مميزاً يطيق علي الأفعال أذن له الولي فيها، فإذا أذن له فعل الحج بنفسه كالبالغ، و إن كان طفلًا لا يميز: فإن صح من الطفل من غير نيابة كالوقوف بعرفة و المبيت بمزدلفة أحضره الولي فيها، و إن لم يصح من الطفل إلا بنيابة

الولي عنه فهو كالإحرام يفعله الولي عنه. قال جابر: خرجنا مع رسول اللّٰه صلي الله عليه و آله حجاجاً و معنا النساء و الصبيان فأحرمنا مع الصبيان و لبينا عن الصبيان و رمينا عنهم «2». و يجرد الصبي من ثيابه إذا قرب من الحرم، و روي علماؤنا: من فخ). «3»

ثمّ إنه يدل عليه من طرقنا طائفة من الروايات:

منها: ما أخرجه في الوسائل في ب 17 من أبواب أقسام الحج (باب كيفية حج الصبيان و الحج بهم و جملة من أحكامهم) و منها غيره.

فمن هذه الروايات: ما عن الكليني، عن أبي علي الأشعري «4» عن محمد بن

______________________________

(1)- راجع مسند أحمد: 1/ 219 عن ابن عباس و ص 244، 288، 243، 343 و صحيح مسلم و سنن أبي داود و سنن الترمذي و سنن النسائي و سنن ابن ماجة و موطأ مالك.

(2)- نحوه في سنن ابن ماجة: 2/ 244 باب الرمي عن الصبيان.

(3)- تذكرة الفقهاء: 1/ 298.

(4)- أحمد بن إدريس الأشعري القمي ثقة من صغار الطبقة الثامنة.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 44

عبد الجبار «1» عن صفوان «2» عن عبد الرحمن بن الحجاج «3» عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث قال: «قلت له: إن معنا صبياً مولوداً فكيف نصنع به؟ فقال: مر امه تلقي حميدة فتسألها كيف تصنع بصبيانها، فأتتها فسألتها كيف تصنع؟ فقالت: إذا كان يوم التروية فأحرموا عنه و جردوه و غسلوه كما يجرد المحرم، وقفوا به المواقف، فإذا كان يوم النحر فارموا عنه، و احلقوا رأسه، ثمّ زوروا به البيت، و مري الجارية أن تطوف به (بالبيت و) «4» بين الصفا و المروة» «5»

و منها: بالإسناد عن صفوان عن إسحاق بن عمار «6»

قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن غلمان لنا دخلوا معنا مكة بعمرة، و خرجوا معنا إلي عرفات بغير إحرام، قال: قل لهم يغتسلون ثمّ يحرمون، و اذبحوا عنهم كما تذبحون عن أنفسكم». «7» «8»

______________________________

(1)- محمد بن عبد الجبار القمي ثقة من كبار الطبقة السابعة.

(2)- صفوان بن يحيي البجلي بياع السابري ثقة من أعاظم الطبقة السادسة.

(3)- البجلي الكوفي من الطبقة الخامسة.

(4)- كما في التهذيب.

(5)- وسائل الشيعة: ب 17 من أبواب أقسام الحج ح 1.

(6)- الصيرفي الكوفي شيخ من أصحابنا ثقة من الطبقة الخامسة.

(7)- وسائل الشيعة: ب 17 من أبواب أقسام الحج ح 2.

(8)- و لا يخفي ما في الاستدلال بهذه الرواية علي استحباب الصبي غير المميز. فمورد الرواية حج الصبي لا إحجاجه، لأن قوله: «غلمان»، «دخلوا»، «خرجوا» «يغتسلون»، «يحرمون» يناسب الأول لا الثاني، و إن كان لفظ «الغلام» قد يطلق علي المولود أيضا قال في مجمع البحرين في مادة (غلم): الغلام الابن الصغير … قال في المصباح: يطلق الغلام علي الرجل الكبير مجازاً باسم ما كان عليه كما يقال للصغير: شيخاً مجازاً باسم ما يؤول إليه، و عن الأزهري: و سمعت العرب يقولون للمولود حين يولد ذكراً: «غلام».

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 45

و منها: بإسناده عن علي بن مهزيار «1» عن محمد بن الفضيل «2» «سألت أبا جعفر الثاني عن الصبي متي يحرم به؟ قال: إذا أثغر». «3»

و الظاهر أنه لا فرق في استحباب إحجاج الصبي بين كونه مولوداً أو أثغر، لإطلاق بعض الأخبار، و لخصوص رواية عبد الرحمن بن الحجاج، إذاً فالرواية محمولة علي تأكد الاستحباب.

و منها: ما رواه الشيخ بإسناده عن أحمد بن محمد بن عيسي «4» عن الحسن بن علي بن

بنت إلياس «5» عن عبد اللّه بن سنان «6» عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «سمعته يقول: مر رسول اللّٰه برويثة و هو حاج فقامت إليه امرأة و معها صبي لها فقالت: يا رسول اللّٰه أ يحج عن مثل هذا؟ قال: نعم و لك أجره». «7»

و الظاهر أن المشهور لم يفرقوا في هذا الحكم بين الصبي و الصبية و لا ينصون عليه.

إلا أن صاحب المستند قدس سره استشكل شمول الحكم للصبية «8» لاختصاص

______________________________

(1)- علي بن مهزيار الأهوازي جليل القدر، ثقة واسع الرواية، له ثلاث و ثلاثون كتاباً، من كبار الطبقة السابعة.

(2)- الأزدي الصيرفي، له كتاب، يرمي بالغلو و لم يذكر وجهه، و هو من الطبقة السادسة.

(3)- وسائل الشيعة: ب 17 من أبواب أقسام الحج ح 8 و ب 20 من أبواب وجوب الحج و شرائطه ح 2.

(4)- أحمد بن محمد بن عيسي الأحوص الأشعري شيخ القميين و وجيههم غير مدافع و الرئيس و هو من الطبقة السابعة.

(5)- الحسن بن علي بن زياد الوشاء كوفي كان من وجوه هذه الطائفة من الطبقة السادسة.

(6)- كوفي جليل من أصحابنا، كان خادماً للمنصور و المهدي و الهادي و الرشيد ثقة من الطبقة الخامسة.

(7)- وسائل الشيعة: ب 20 من أبواب وجوب الحج و شرائطه ح 1.

(8)- قال النراقي قدس سره في مستند الشيعة: (قيل: ما وقفت عليها في المسألة من الروايات

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 46

النصوص بالصبي و أنّ إلحاقها به محتاج إلي الدليل.

و دعوي دلالة رواية إسحاق بن عمار و شهاب علي ذلك مردود، لأن الظاهر منهما عدم كفاية حج الصبي و الصبية إذا حجا بنفسهما عن حجة الإسلام، لا ما إذا أحج بهما الآخر، فإن عدم إجزائه

عن حجة الإسلام مفروغ عنه لا يسأل عن مثله.

نعم استدل بعض الأعاظم قدس سره بمعتبرة يونس بن يعقوب «1» عن أبيه «2» قال: «قلت لأبي عبد اللّه: إن معي صِبية صغاراً و أنا أخاف عليهم البرد فمن أين يحرمون؟ قال: ائت بهم العرج فليحرموا منها، فإنك إذا أتيت بهم العرج وقعت في تهامة، ثمّ قال: فإن خفت عليهم فائت بهم الجحفة». «3»

قال: (فإن الصبية و إن كانت جمعاً للصبي و جمع الصبيَّة الصبايا إلا أن المتفاهم العرفي من الصبية الصغار من الأولاد أعم من الذكر و الانثي، و بذلك يظهر دلالة غيرها من الروايات أيضاً). «4»

______________________________

فمختص بالصبي و لا ريب أن الصبية في معناه. أقول: لأحد مطالبته بدليل كونه في معناه، و ربما يستدل للصبية برواية شهاب (في حديث عن أبي عبد اللّه عليه السلام «قال: سألته عن ابن عشر سنين يحج؟ قال: عليه حجة الإسلام إذا احتلم و كذلك الجارية عليها الحج إذا طمثت» و موثقة إسحاق «قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن ابن عشر سنين يحج؟ قال: عليه حجة الإسلام إذا احتلم و كذلك الجارية إذا طمثت» المتقدمتين. و في دلالتهما نظر، لأنهما إنما هي إذا انضمت حج الصبية و ليس فيها ذلك، بل ليس فيها حج الصبي أيضاً، لجواز أن يكون السؤال عن وجوب الحج فأجاب بأنه بعد الاحتلام و الطمث لا أن يكون السؤال عن الحج الواقع حتي يمكن التمسك فيه بالتقرير، و قد يستدل أيضاً بموثقة يعقوب «إن معي صِبيةً صغاراً … الحديث» و لا يخفي أن الثابت من هذه الرواية بل الأولتين هو حج الصبية، و هو يثبت بالعمومات أيضاً لا الحج به).

(1)- ابن قيس البجلي له كتب،

منها كتاب الحج، ثقة من الطبقة الخامسة.

(2)- يعقوب بن قيس من الطبقة الخامسة.

(3)- وسائل الشيعة: ب 17 من أبواب أقسام الحج ح 7.

(4)- معتمد العروة: 1/ 32.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 47

و فيه أولًا، أن المذكور في هامش النسخة المخطوطة- كما صرح به في الطبعة الجديدة- «1» (صبياناً) بدل (صبية).

و ثانياً: يرد عليه ما ذكره في المستند من أن الموضوع في الرواية حج الصبية لا الحج بها.

و ثالثاً: لا يظهر بما ذكره دلالة غيرها من الروايات، فإن لفظ بعضها «صبياً مولوداً»، و لفظ بعضها «سألنا أبا عبد اللّه عليه السلام عن غلمان لنا»، و بعضها «انظروا من كان معكم من الصبيان»، و بعضها «حج الرجل بابنه»، و بعضها «من أين يجرد الصبيان؟»، و في بعضها «و الصبي يُعطي الحصي فيرمي»، و في بعضها «يصوم عن الصبي وليه»، و في بعضها «إنما كان أن تذبحوا عن الصبيان»، و في بعضها «و معنا صبيان»، و في بعضها «لا بأس بالقبة علي النساء و الصبيان و هم يحرمون»، و في بعضها «الصبيان يطاف بهم و يرمي عنهم». و الغرض من الإشارة إلي ذلك كله أنه لا يظهر برواية يونس بن يعقوب دلالة سائر الروايات.

نعم، يمكن أن يقال: إنه يستظهر من التعبير بالصبي و الصبيان أن مراد السائل و المجيب عليه السلام أعم من الصبي و الصبية و الصبيان و الصبايا، و إنما عبر عن الكل بالتعبير المذكور تغليباً للذكور علي الإناث، كما يري مثله في موارد اخري، و ترك استفصال الإمام عليه السلام في مثل هذا المورد حيث كان احتمال إرادة الأعم قريباً مؤيد لهذا الاستظهار.

و التمسك بقاعدة الاشتراك لا بأس به، و ما يقال من أنها مختصة

بالخطابات الموجهة إلي الذكور دون أوليائهم «2» مندفع: بأنه ليس الملاك في ذلك كون الخطاب

______________________________

(1)- راجع وسائل الشيعة: 11/ 289.

(2)- مستمسك العروة: 10/ 20.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 48

موجهاً إلي الذكر، بل الملاك كون موضوع الحكم هو الذكر حتي إن كان الحكم موجهاً إلي المرأة و كان موضوعه أيضاً المرأة يمكن أن يقال بقاعدة الاشتراك بشمول الحكم للرجل، كما إذا قيل لها: أحسني إلي امك. نعم، المكلف بهذه الأحكام الولي و هو أعم من الذكر و الانثي، و الظاهر أن موضوع هذه التكاليف أيضاً هو الأعم منهما.

الكلام في قاعدة الاشتراك:

تارةً يراد من قاعدة الاشتراك اشتراك الغائبين عن مجلس الخطاب، و غير المشافهين مع الحاضرين في مجلس الخطاب و المشافهين، و إن لم يكونوا موجودين في عصر الخطاب، و صاروا موجودين في الأزمنة المستقبلة في حجية الخطاب علي الجميع، و جواز احتجاج الكل به، و هذا هو الذي يبحث عنه في اصول الفقه في مبحث (الخطابات الشفاهية).

و اخري يراد من قاعدة الاشتراك اشتراك غير المعاصرين لعصر الوحي و الرسالة من الذين يأتون في الأعصار المستقبلة إلي يوم القيامة مع الموجودين في عصر الرسالة و تبليغ الأحكام. و القاعدة بهذا المعني أشبه بالمسائل الكلامية دون الفقهية و الفرعية، و مفادها من الضروريات و هو حلال محمد صلي الله عليه و آله حلال إلي يوم القيامة، و حرامه حرام إلي يوم القيامة، و بقاء الدين إلي آخر الدهر، و إن مرور الأزمنة و الأعصار لا تؤثر في تغيير الأحكام الشرعية بأقسامها من الأولية و الثانوية، و الظاهرية و الواقعية، فكلها ثابتة إلي يوم القيامة، و هذا معني خاتمية الدين المبين، و ختم الشرائع بشريعة سيد المرسلين صلي الله عليه و

آله.

و ثالثةً يراد منها اشتراك النساء مع الرجال في الخطابات الموجهة إلي

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 49

الذكور، مثل «يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا» * و «اعْبُدُوا اللّٰهَ» * و «اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّٰهِ» و «أَقِيمُوا الصَّلٰاةَ» * و «آتُوا الزَّكٰاةَ» * و «وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ» فإن مثل هذه الخطابات يشمل النساء كما يشمل الرجال.

و السر في ذلك: أن الإتيان بالصيغ المختصة بالذكور ليس لاختصاصهم بهذه التكاليف، و لا اختصاص هذه القوانين الكلية الجامعة بهم، بل لأجل التغليب، و أنهم إذا أرادوا خطاب الجميع كانوا يوجهونه بصيغة التذكير، و الشارع المقدس أيضاً في مقام بيان أحكامه الكلية و خطاباته الجامعة سلك مسلك العرف.

و لذا في الخطابات الموجهة إلي (الناس) التي تشمل بنفس الكلمة الجنسين الذكور و الإناث نري الإتيان بصيغ التذكير مثل «يٰا أَيُّهَا النّٰاسُ اتَّقُوا» * و يا أيها الناس «إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمّٰا نَزَّلْنٰا عَليٰ عَبْدِنٰا» و «يٰا أَيُّهَا النّٰاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّٰهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً»، فلا يعد الإتيان بفعل الجمع المذكر قرينة علي إرادة الذكور من كلمة (الناس)، و مثله قوله تعالي: «وَ لِلّٰهِ عَلَي النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا» فلا يعد الإتيان بصيغة الماضي للمذكر (استطاع) قرينة علي إرادة الذكور من (الناس).

و بعبارة اخري: المفهوم العرفي من الأساليب المذكورة في الكلام هو الأعم من الرجال، و دلالتها علي خصوص الرجال يحتاج إلي القرينة، و لعل الاستقراء في الكتاب و السنة أيضاً يشهد بذلك.

هذا، مضافاً إلي أن المذكور في الدليل و إن كان رجلًا أو عبداً أو غيرهما إلا أنه يفهم في بعض الموارد بالقرينة المدلول الأعم، مثل «رجل شك بين الثلاث و الأربع» و «يٰا عِبٰادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَليٰ

أَنْفُسِهِمْ».

نعم، الخطابات الموجهة إلي الذكور مثل (يا أيها الرجال افعلوا كذا) فهي

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 50

مثل الخطابات الموجهة إلي النساء لا تشمل الجنس الآخر.

و ربما يكون الخطاب عاماً موجهاً إلي الذكور و الإناث، و لكن موضوعه في لفظ الخطاب كان الذكور، فإذا كان مثل (حجوا أو ائتوني بأبنائكم أو ذكوركم) فهو لا يشمل البنات و الإناث قطعاً.

و تارة يقول: حجوا بصبيانكم أو بصبيتكم، فهل يدل علي العموم و شمول مفهومه للصبية و الصبايا؟

فلا يبعد دلالته علي الأعم و اشتراك الإناث مع الذكور في الموضوعية للحكم. كما إذا قال: (ائتوني بالذين معكم) فإنهم يأتوه بكل من معهم من الذكور و الإناث، مع أن كلمة (الذين) للمذكر. و لا يبعد أن يكون مفهوم ايتوني بصبيتكم أو صبيانكم أيضاً هكذا.

و بعبارة اخري نقول: إذا كان المراد الأعم من الإناث يكتفون باللفظ الدال علي الذكور بعلامة التذكير و ضميره، دون اللفظ الذي هو بنفسه دال علي الذكور (كالرجال) و (الأبناء).

و علي كل حال نقول: إنا نستظهر من التعبير بالصبي و الصبيان أن مراد السائل و المجيب عليه السلام أعم من الصبي و الصبية، و الصبيان و الصبايا، كما نستظهر من «الَّذِينَ آمَنُوا» * كون النساء كالرجال طرفاً للخطاب، و إنما عبر عن الكل بصيغة التذكير تغليباً للذكور علي الإناث، كما رأيته في مثل «وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ» و في موارد كثيرة اخري، فكما أن المكلف بهذه الأحكام الولي الذي هو أعم من الذكر و الانثي موضوعها أيضاً يكون الأعم منهما.

و لا يبعد جريان السيرة علي ذلك و لذا لم يسأل أحد من الأئمة عليهم السلام عن ذلك.

و لعل فتوي المشهور باشتراك الصبية مع الصبي في ذلك، أو عدم

تنصيصهم علي

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 51

خلاف ذلك الظاهر في كونه ثابتاً عندهم، للاعتماد علي السيرة المعلومة. و اللّٰه هو العالم.

[مسألة 9] إحجاج الصبي غير المميز:
اشارة

مسألة 9- إحجاج الصبي غير المميز يكون بأمره إتيان أعمال الحج، من نية الإحرام و التلبية، و ترك ما يحرم علي المحرم، و الطوف و صلاة الطواف، و السعي و الحلق، و التقصير، و طواف النساء، فإن لم يتمكن من جميع ذلك أو من بعضه ينوب عنه فيما لا يتمكن.

يدل علي ذلك ما رواه الكليني عن عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد «1»، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر «2»، عن مثني الحناط «3»، عن زرارة «4» عن أحدهما عليهما السلام «5» قال: «إذا حج الرجل بابنه و هو صغير فإنه يأمره أن يلبي و يفرض الحج، فإن لم يحسن أن يلبي لبي (لبوا) عنه، و يطاف به، و يصلي عنه قلت: ليس لهم ما يذبحون؟ قال: يذبح عن الصغار، و يصوم الكبار، و يتقي عليهم ما يتقي المحرم من الثياب و الطيب، و إن قتل صيداً فعلي أبيه». «6»

و في قوله عليه السلام: «ليس لهم ما يذبحون؟» وجهان:

______________________________

(1)- الأقوي الاعتماد عليه، و قد عرفت وجهه بما لا مزيد عليه.

(2)- أبو علي المعروف بالبزنطي، كان عظيم المنزلة عند الإمامين الرضا و الجواد عليهما السلام و له كتب و روايات كثيرة في الاصول و الفروع، و هو من الطبقة السادسة.

(3)- مثنّي بن الوليد الحناط، كوفي ثقة من الطبقة الخامسة.

(4)- زرارة بن أعين و هو أشهر من أن يحتاج إلي تعريف، و هو من أصحاب الباقرين عليهما السلام و أكثر رواياته عنهما عليهما السلام من الطبقة الرابعة.

(5)- الإمام الباقر عليه السلام أو الصادق عليه

السلام.

(6)- الكافي: 4/ 303.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 52

الأول: ليس للأولياء ما يذبحون عن الصغار.

و الثاني: ليس للصغار ما يذبحون. و الثاني مطابق لأصالة عدم التقدير.

و أما وجه صوم الكبار و الذبح عن الصغار فيعلم مما ذكر في المرجحات من أن ما لا بدل له أهم مما له البدل و فيما نحن فيه الذبح عن الصغار لا بدل له، و أما عن الكبار فله البدل، و هو الصوم، كما قال اللّٰه تعالي: «فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيٰامُ ثَلٰاثَةِ أَيّٰامٍ فِي الْحَجِّ وَ سَبْعَةٍ إِذٰا رَجَعْتُمْ». «1»

و يدل علي ذلك أيضاً رواية عبد الرحمن بن الحجاج المتقدمة عن أبي عبد اللّه عليه السلام في المسألة السابقة.

و هل يجب الوضوء عنه للطواف إذا لم يتمكن هو من الوضوء، أو وضوؤه صورة إن أمكن؟ يمكن أن يقال بعدم وجوب الوضوء عنه، و لا إيقاع صورة الوضوء به؛ و ذلك لأن الذي يجب علي الولي أن ينوب عنه أو يوقعه به- إن لم يتمكن هو بإتيانه و لو بصورته- هو أفعال الحج، و أما ما يعتبر في الأفعال مثل الطهارة في الطواف مما لا يتحصل لا بالنيابة منه و لا بإيقاع صورته كالطهارة فلا يجب ذلك، فالوضوء شرط للطائف لا للطواف، و هو لا يتحصل للصبي، و الولي الذي يطوف به ليس الطائف حتي يجب عليه، و مع ذلك كله لا ينبغي ترك الاحتياط بإيقاع الوضوء به و الوضوء عنه.

الإحرام بالصبي غير المميز للعمرة المفردة:

و هل يُستحبّ للولي أن يحرم بالصبي غير المميز للعمرة المفردة، أو أن ذلك مختص بالحج، غاية الأمر أن يقال باستحبابه لمطلق الحج و إن

______________________________

(1)- البقرة/ 196.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 53

كان حج التمتع، فيستحب أن يحرم به للعمرة المتمتع

بها إلي الحج؟

مقتضي الأصل الاقتصار علي إحرام الحج، و لكن يمكن أن يستفاد التعميم بالنسبة إلي العمرة المفردة من بعض الأدلة، و ذلك مثل رواية علي بن مهزيار، عن محمد بن الفضيل قال: «سألت أبا جعفر الثاني عليه السلام عن الصبي متي يحرم به؟ قال: إذا أثغر» «1» يستفاد من ترك استفصال الإمام عليه السلام عن نوع الإحرام استحباب الإحرام بالصبي، حتي بإحرام العمرة المفردة.

إلا أن يقال: موضوع السؤال هو سن الصبي للإحرام، و أما نوع الإحرام فليس في نظر السائل حتي يستفاد من ترك استفصال الإمام عليه السلام التعميم بالنسبة إلي العمرة المفردة.

و خبر أيوب أخي أديم «2» قال: «سئل أبو عبد اللّه عليه السلام من أين يجرد الصبيان؟ فقال: كان أبي يجردهم من فخ» «3» «4».

و يرد علي الاستدلال بهذه الرواية أيضاً ما ورد علي سابقته، إلا أنه لا بأس بإحرام الصبي بإحرام العمرة المفردة رجاءً.

[مسألة 10] المراد بولي الصبي

مسألة 10- هل المراد بالولي الذي يستحب له الإحرام بالصبي غير المميز هو خصوص الولي الشرعي، من الأب و الجد الأبي، و الوصي

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 17 من أبواب أقسام الحج ح 8.

(2)- أيوب بن الحرِّ، كأنه من الطبقة الخامسة.

(3)- قال في مجمع البحرين: (في الحديث: «تجرد الصبيان من فخ» هو بفتح أوله و تشديد ثانيه: بئر قريبة من مكة علي نحو فرسخ، و ذلك رخصة لمن حج علي طريق المدينة).

(4)- وسائل الشيعة: ب 17 من أبواب أقسام الحج ح 6.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 54

لأحدهما، و الحاكم و أمينه، و وكيل أحد من المذكورين، أو أعم منه و من كل من يتكفل أمره من امه و إخوته و أعمامه، بل و غيرهم من المؤمنين؟

ربما يستدل لعموم

الاستحباب بإطلاق صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «انظروا من كان معكم من الصبيان فقدموه إلي الجحفة أو إلي بطن مر، و يصنع بهم ما يصنع بالمحرم، و يطاف بهم و يرمي عنهم، و من لا يجد الهدي منهم فليصم عنه وليه». «1»

قيل: إن إطلاقه يشمل الصبيان، سواء كان معهم أولياؤهم أم لا.

و فيه: أن الظاهر من الولي في قوله عليه السلام: «و من لا يجد الهدي منهم فليصم عنه وليه» هو الولي الشرعي الذي أحرم به، و لا يجوز أن يكون الذي أحرم به غير الولي، و يكون بدل هديه علي وليه.

مضافاً إلي أن الصحيحة ليست من هذه الجهة في مقام البيان أصلًا.

و الذي ينبغي أن يقال- مضافاً إلي أن مقتضي الأصل عدم الاستحباب، و عدم مشروعية الإحرام و الإحجاج بالصبي غير المميز من غير الولي الشرعي، فلا يترتب علي فعله ما يترتب علي إحرام الولي به-: إن تصرفات غير الأولياء في الصبي غير المميز (كما أشرنا إليه) إذا لم تكن من التصرفات العادية التي لا يري العرف لكونها تحت ولاية أحدٍ فائدةً و مصلحةً، بل كانت من التصرفات التي يري لزوم كونها تحت ولاية وليه، لما في ذلك من مصلحة المولي عليه و لو في الجملة يجب أن يكون صادراً بإذن الولي، و بعيد من حكمة الشارع تجويز هذا العمل و الحكم باستحبابه مطلقاً، إذاً فلا يجوز لغير الولي أن يحرم بالصغير، و لا أثر لإحرامه.

فما أفاده بعض الأعاظم قدس سره من عدم اختصاص إحجاج الصبي بالولي

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 17 من أبواب أقسام الحج ح 3.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 55

الشرعي لعدم استلزامه للتصرف المالي حتي يحتاج

إلي الإذن من الولي «1» منظور فيه.

نعم، قد ورد في خصوص الام رواية عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال: «سمعته يقول: مر رسول اللّٰه صلي الله عليه و آله برويثة «2» و هو حاج، فقامت إليه امرأة و معها صبي لها، فقالت: يا رسول اللّٰه أ يحج عن مثل هذا؟ فقال: نعم و لك أجره». «3» و لا بأس بدلالته. «4»

[مسألة 11] استحباب الإحجاج و الإحرام بالصبي:

مسألة 11- استحباب الإحجاج بالصبي غير المميز و الإحرام به معناه الإتيان بجميع أفعال الحج، لا مجرد الإحرام به و تركه علي حاله.

فما هو المستحب هو جميع تلك الأفعال التي من جملتها الهدي علي الولي دون الصبي؛ لأن هذا هو القدر المتيقن من استحباب الإحجاج به.

مضافاً إلي أن كونه علي مال الصبي خلاف مصلحته الدنيوية التي يجب علي الولي رعايتها، و علي هذا لو لم يكن الولي قاصداً إعطاء الهدي من ماله لا يصح إحرامه بالصبي، مثل أن لا يكون قاصداً الطواف به، أو الرمي عنه، فمجرد الإحرام به ليس مستحباً. «5»

______________________________

(1)- معتمد العروة: 1/ 36.

(2)- موضع بين الحرمين كما في القاموس.

(3)- وسائل الشيعة: ب 20 من أبواب وجوب الحج و شرائطه ح 1.

(4)- و لكن الرواية ظاهرة في نيابة الام عن الصبي لا إحجاجها، و إن كان ما في الجواهر هكذا: «أ يحج بمثل هذا؟» بدل «أ يحج عن هذا؟» و الاعتماد علي الأصل.

(5)- إن قلت: ما تقول في استحباب إخراج الزكاة من مال الصبي نقول به في إحجاجه. قلت:

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 56

مضافاً إلي أنه يمكن أن يقال: إذا أحرم به يجب عليه إتمام الحج به، لقوله تعالي: «وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّٰهِ».

و علي كل

حال فالهدي علي الولي دون الصبي، فكما أن إحجاج البالغ معناه إعطاء الهدي عنه أيضاً كسائر المصارف، فمعني إحجاج الصبي أيضاً هو إعطاء المحج الهدي عنه، هذا هو المتبادر منه. «1»

هذا، مضافاً إلي دلالة بعض الروايات علي ذلك:

مثل صحيح زرارة عن أحدهما عليهما السلام قال: «إذا حج الرجل بابنه و هو صغير فإنه يأمره أن يلبي و يفرض الحج، فإن لم يحسن أن يلبي لبوا عنه، و يطاف به و يصلي عنه، قلت: ليس لهم ما يذبحون؟ قال: يذبح عن الصغار و يصوم الكبار، و يتقي عليهم ما يتقي علي المحرم من الثياب و الطيب، و إن قتل صيداً فعلي أبيه». «2»

وجه الدلالة: أن قول السائل: «ليس لهم ما يذبحون؟» ظاهر في أنه ليس للذين يحجون به ما يذبحون، فقال عليه السلام: «يذبح عن الصغار و يصوم الكبار»، فكأن السائل كان يري أنه لا يجوز الذبح من مال الصغير فسأله عما إذا لم يكن للولي ما يذبح عنه.

فإن قلت: إن الغالب عدم تمكن الطفل من الهدي، و السؤال منصرف إلي هذه الصورة، فلا دلالة للحديث علي عدم كونه في مال الصبي إذا كان متمكناً.

______________________________

يمكن القول بالفرق بأن في الزكاة تكون عين المال الزكوي من أربابها فيستحب أداؤها علي الولي، و لو لم يؤدها يجب عليه بعد البلوغ، و تعلق الزكاة بمال الصبي لا يكون بتسبيب الولي بخلاف الهدي فإنه يكون بتسبيبه.

(1)- و توهم أن حج الصبي كسائر عباداته تمرينية، فالمستحب عليهم أعمال الحج بتمامها إلا ما لا يقدر عليه، و من جملتها الهدي مندفع بأن الكلام هنا في استحباب إحجاج الصبي غير المميز للولي لا للصبي الذي لا يتمشي منه قصد القربة، و هذا لا

ينافي وصول ثواب إلي الصبي أيضاً.

(2)- وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب أقسام الحج ح 5.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 57

قلت: الذي يجب إقامة الدليل عليه كون الهدي في مال الصبي، لأن المتبادر من جواز إحجاجه للولي كون الهدي علي الولي، و ما يحتاج إلي الدليل جواز تصرف الولي في مال الصبي بأداء الهدي منه.

مضافاً إلي منع كون الحديث منصرفاً إلي صورة عدم تمكن الصغار من الهدي، بل إطلاق قوله: «ليس لهم ما يذبحون؟» يشمل صورة تمكن الصغار، و بترك استفصال الإمام يتم المطلوب، فلا أثر للانصراف.

و منها: رواية إسحاق بن عمار، فإن ظاهر قوله عليه السلام: «و اذبحوا عنهم كما تذبحون عن أنفسكم» أن الكبار الذين أمروا الصغار بالاغتسال و الإحرام يجب عليهم الذبح عن الصغار من أموالهم لا من أموال الصغار.

و منها: ما رواه الشيخ قدس سره بإسناده عن موسي بن القاسم، «1» عن أبان بن عثمان، «2» عن عبد الرحمن بن أبي عبد اللّٰه، «3» عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «يصوم عن الصبي وليه إذا لم يجد له «4» هدياً و كان متمتعاً». «5»

و منها: ما رواه الصدوق- عليه الرحمة- بإسناده عن عبد الرحمن بن أعين «6» عن أبي جعفر عليه السلام قال: «الصبي يصوم عنه وليه إذا لم يجد هدياً». «7» و منها

______________________________

(1) موسي بن القاسم البجلي من كبار الطبقة السابعة، و شيوخه في الحديث أكثر من مائة و عشرين، منهم أبان بن عثمان، و في النسخة المطبوعة من التهذيب: (محمد بن القاسم هو و عمه و جده و أبوه من الثقات، و من يروي عن أبان هو موسي بن القاسم).

(2) أبان بن عثمان من الطبقة الخامسة، قيل: إن

العصابة أجمعوا علي تصحيح ما يصح عنه و إن قيل في مذهبه ما قيل.

(3) من الطبقة الخامسة، ثقة، روي عن أبي عبد الله عليه السلام سبعمائة مسألة.

(4) في النسخة المطبوعة لا توجد كلمة (له).

(5) وسائل الشيعة، ب 3 من أبواب الذبح ح 2.

(6) من الطبقة الخامسة، هو من بني أعين الذين قالوا: إنهم كانوا مستقيمين، له كتاب.

(7). وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب الذبح ح 5.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 58

غيرها.

هذا، و لكن يمكن أن يقال بدلالة رواية معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال: انظروا من كان معكم من الصبيان فقدموه إلي الجحفة أو إلي بطن مر، و يصنع بهم ما يصنع بالمحرم، و يطاف بهم و يرمي عنهم، و من لا يجد الهدي منهم فليصم عنه وليه»، علي كون الهدي في مال الصغير دون الولي. فهو معارض لما دل علي أنه علي الولي. و لذا عقد في الوسائل باباً بهذا العنوان في أبواب الذبح (باب أن الولي إذا حج بالصبي لزمه الذبح عنه إن لم يكن له هدي، و مع العجز الصوم عنه)، فكأنه أفتي بمضمونه، و جمع بين الروايات بحمل ما يدل علي أنه علي الولي علي صورة عدم كون الصبي موسراً.

و لكن يمكن الخدشة في دلالة قوله عليه السلام: «و من لا يجد الهدي منهم» أولًا بمناسبة الحكم و الموضوع أن المراد من عدم وجدان الصغير الذي لا مال له غالباً عدم وجدانه في مال الولي، و من لا يجد الهدي من الصغير هو الذي لا يجده وليه، كالصبي الذي لا يجد نفقته فإنه هو الذي لا يجد وليه نفقته.

و هذا نظير الصفة بحال متعلق الموصوف، فالصبي موسر

إذا كان وليه موسراً، و فقير و معسر إذا كان وليه معسراً و فقيراً، و إلا كان المناسب أن يقول: و من كان معسراً لا يتمكن من الهدي كان هديه علي الولي، و إن لم يكن الولي أيضاً موسراً يصوم عنه.

و بالجملة: حمل قوله عليه السلام: «و من لا يجد الهدي منهم» علي من لا يجد الهدي منهم وليه ليس ببعيد.

و ثانياً: يمكن أن يكون المراد من قوله عليه السلام: «و من لا يجد الهدي منهم» أن

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 59

من لا يجد من الأولياء الهدي من الصغار (لا من مال الصغار) فليصم عنه وليه.

و مما يدل أيضاً علي أن الهدي يكون علي الكبار ما رواه الكليني بإسناده عن إبراهيم بن مهزيار «1»، عن أخويه علي و داود «2»، عن حماد «3»، عن عبد الرحمن بن أعين «4» قال: «حججنا سنة و معنا صبيان، فعزت الأضاحي، فأصبنا شاة بعد شاة، فذبحنا لأنفسنا و تركنا صبياننا، فأتي بكير أبا عبد اللّٰه عليه السلام فسأله فقال:

إنما كان ينبغي أن تذبحوا عن الصبيان و تصوموا أنتم عن أنفسكم، فإذ لم تفعلوا فليصم عن كل صبي منكم وليه». «5»

فإنه يستفاد منه أن الهدي يكون علي الولي، و لو كان في مال الصبي و لم يجده هو كان المناسب أن يصوم عنه وليه، لا أن يتكفله من ماله.

[مسألة 12] كفارة صيد الصبي:
اشارة

مسألة 12- قد دلت صحيحة زرارة المتقدمة بقوله عليه السلام: «و إن قتل صيداً فعلي أبيه» علي كون كفارة صيد الصغير الذي حج به علي وليه.

و لا يقال: إن ظاهره كونه علي أبيه دون غيره من الأولياء.

فإنه يقال: الظاهر أنه لا خصوصية للأب، غير أنه متكفل لأمر الصغير و الحج به،

و لا فرق بينه و بين غيره ممن أحرم به و أمره بالإحرام.

______________________________

(1)- من صغار الطبقة السابعة، عده ابن طاوس في ربيع الشيعة من سفراء الصاحب عليه السلام.

(2)- هما من كبار الطبقة السابعة، علي بن مهزيار جليل القدر، و الظاهر أن داود أيضاً ثقة لرواية إبراهيم عنه.

(3)- هو حماد بن عيسي من الطبقة الخامسة و طال عمره و عاصر الطبقة السادسة.

(4)- من الطبقة الرابعة من أصحاب أبي عبد اللّٰه عليه السلام.

(5)- وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب الذبح ح 3.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 60

و علي هذا لا اعتناء بقول من قال: إنه في مال الطفل، لأن الكفارة من قبيل الإتلاف و الضمانات، لأن ذلك من قبيل الاجتهاد في مقابل النص. مضافاً إلي أن كون الكفارة من قسم الإتلاف و الضمانات أول الكلام، بل وجوبها حكم تكليفي ثبت في مورده، و لا موجب لثبوته في مال الطفل.

نعم، ما اختاره ابن إدريس من عدم الكفارة لا علي الطفل و لا علي وليه متَّجِه، لو لا النص الصريح الدال علي كونها علي الولي، فعلي كل ذلك الصحيح ما ذهب إليه المشهور من كون كفارة الصيد علي وليه.

بقية الكفارات علي الولي، أو في مال الصبي؟

و أما سائر الكفارات مما لا نص علي كونها علي الولي و لا علي الصبي فهل هي علي الولي، أو في مال الصبي، أو ليس علي واحد منهما شي ء؟ لما رواه الشيخ الطوسي رحمه الله بإسناده عن محمد بن أبي عمير «1»، عن حماد بن عثمان «2»، عن محمد بن مسلم «3»، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال: «عمد الصبي و خطؤه واحد». «4»

و ما رواه بإسناده عن محمد بن الحسن الصفار «5»، عن الحسن بن موسي

______________________________

(1)- من الطبقة

السادسة جليل القدر عظيم المنزلة عندنا و عند المخالفين، هو من أوثق الناس عند الخاصة و العامة و أنسكهم و أورعهم و أعبدهم، ذكره الجاحظ بهذه الصفة، و ذكر أنه واحد زمانه في الأشياء كلها.

(2)- من الطبقة الخامسة هو و أخوه عبد اللّٰه ثقتان.

(3)- من الطبقة الرابعة، أبو جعفر الطحان، فقيه ورع وجه أصحابنا بالكوفة ممن أجمعت العصابة علي تصديقهم.

(4)- وسائل الشيعة: باب 11 من أبواب العاقلة ح 2.

(5)- من الطبقة السابعة، مؤلف كتاب بصائر الدرجات، له كتب، ثقة.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 61

الخشاب «1»، عن غياث بن كلوب «2»، عن إسحاق بن عمار «3»، عن جعفر، عن أبيه قال عليهما السلام: «إن علياً عليه السلام كان يقول: عمد الصبيان خطأ (يحمل علي العاقلة)». «4»

يعني كما أن الخطأ في موارده يحمل علي العاقلة كذلك عمد الصبيان مطلقاً، سواء كان في باب الديات و الجنايات، أو غيرها كالكفارات حكمه حكم الخطأ في باب الديات يحمل علي العاقلة.

فتنزيل عمل الصبيان علي الخطأ لا ينحصر علي مورد يكون علي تقدير صدوره عمداً علي الفاعل، و علي تقدير صدوره خطأ علي العاقلة حتي يقال: إن في باب الكفارات ليس كفارة ما ارتكبه المحرم خطأ علي العاقلة، بل ليس في خطئه كفارة.

و بعبارة اخري: الحديث نزل عمد الصبيان منزلة الخطأ الذي حمل علي العاقلة، يعني ما يجب علي البالغ إن صدر عن الصبي عمداً يحمل علي العاقلة، و حكمه حكم الخطأ الذي يرتكبه البالغ في باب الديات و يحمل علي العاقلة، و إن لم يكن لخطأ الصبي و لا البالغ في مورد عمد الصبي حكم أصلًا. فيكون الفرق بينهما: أن الكفارة التي لم تجعل علي الصبي و لا البالغ إذا

صدر المحظور منهما خطأ جعلت علي البالغ نفسه، و علي عاقلة الصبي إذا ارتكباه عمداً.

و هذا الاحتمال و إن كان بالنظر إلي ظاهر الحديث و لكنه مردود بعدم القول في

______________________________

(1)- من الطبقة السابعة، من وجوه أصحابنا، مشهور كثير العلم و الحديث.

(2)- كأنه من الطبقة السادسة، البجلي له كتاب، و ذكر الشيخ في العدة أنه من العامة، و لكنه عملت الطائفة بأخباره إذا لم يكن لها معارض عن طريق الحق.

(3)- شيخ من أصحابنا، و كان فطحياً ثقة، و أصله معتمد.

(4)- وسائل الشيعة: ب 11 من أبواب العاقلة ح 3. في النسخة المطبوعة بدل (جعفر) (أبي جعفر)، و الظاهر أن الأصح جعفر عليه السلام، لأن إسحاق لم يروِ عن أبي جعفر عليه السلام.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 62

الكفارات بأنها تحملها العاقلة، و عليه تختص الرواية بباب الديات و الجنايات.

و أما في مثل قوله في صحيحة محمد بن مسلم: «عمد الصبي و خطؤه واحد»، فلا يتم الحكم بوحدتهما إلا إذا كان لخطأ الصبي حكم، حتي يجوز الحكم باتحادهما في الحكم، فهو أيضاً لا يشمل إلا باب الجنايات و الديات.

و قال في الحدائق: (و المسألة لا تخلو من إشكال لعدم النص في المقام، فإنّا لم نقف في ذلك إلا علي صحيحة زرارة المتقدمة الدالة علي الصيد و أنه تجب كفارته علي الأب، و الاحتياط واضح). «1»

و عن الشيخ قدس سره تقوية عدم الكفارة لا علي الولي و لا علي الصبي، لقوله عليه السلام:

«عمد الصبي و خطؤه واحد» فإذا لم تتعلق الكفارة بارتكاب محظور علي البالغين لا تتعلق بغيرهم إذا ارتكبوه عمداً «2».

و فيه: أنّ هذا الحديث مربوط بباب الجنايات و الديات التي يكون الحكم فيها ثبوت الدية في صورة

الخطأ، و ليس المراد به وحدة عمد الصبي و خطؤه مطلقاً، و إلا يلزم منه عدم بطلان عباداته من الصلاة و الصيام بارتكابه عمداً ما لا يفسدها خطأً و سهواً، مثل الأكل و الشرب في الصوم.

و أما رواية إسحاق بن عمار: «عمد الصبيان خطأ يحمل علي (تحمله) العاقلة» فإنا و إن تكلفنا شمول دلالتها للكفارات أيضاً إلا أنه يؤدي إلي ما لم يفتِ به أحد، و هو كون كفارة عمد الصبي علي عاقلته، فالروايتان أجنبيتان عن هذا البحث.

إذاً نبقي نحن و ما نقول به في حكم الكفارة، فإن قلنا بأنه حكم تكليفي

______________________________

(1)- الحدائق الناضرة: 14/ 71.

(2)- المبسوط: 1/ 329.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 63

صرف ليس علي الصبي شي ء لرفع قلم التكليف عنه، و لا علي الولي لعدم وجوب منعه من ارتكاب المحظورات بعد ما لم يكن هو مكلفاً بتركه، و علي فرض وجوب منعه عنه علي الولي فالكفارة لم تشرّع علي ترك منعه.

اللهم إلا أن يقال بمناسبة الحكم و الموضوع: إن معني إحرامه بالطفل التزام الولي بحفظه من ارتكاب المحظورات، و لازم ذلك كون الكفارة علي الولي إن ترك ذلك عمداً، فتأمّل.

و إن قلنا: إنه حكم وضعي باشتغال ذمة المحرم بارتكابه المحرمات عمداً و إنه دين عليه، فالظاهر أنه يكون في مال الطفل، فالولي يؤديه من ماله.

و لكن يمكن أن يقال: علي هذا أيضاً إن إحرام الولي بالطفل يقتضي أن يجتنب به عن المحظورات، و مقتضي ذلك كون الكفارة عليه دون الصبي إن ترك منعه عنها.

بل يمكن أن يقال: إن القدر المتيقن من مشروعية استحباب الإحرام بغير المميز هو ما إذا ضمن الولي الكفارة منه و جعلها علي عهدته إن صدر من الصبي ما يقتضي

ذلك.

فعلي هذا لا يبعد القول بكون كفارة ما يرتكبه غير المميز علي الولي مطلقاً أو إن ترك منعه عن المحرمات، و لا بأس بتأييد ذلك بحكم الإمام عليه السلام صريحاً في الصيد بأن الكفارة علي أبيه بإلغاء الخصوصية، و دعوي وحدة ملاك كون الكفارة علي أبيه في الصيد و غيره فتأمل.

ثمّ إن هنا رواية رواها في قرب الإسناد الشيخ الجليل المحدث عبد اللّه بن جعفر الحميري أبو العباس القمي، من كبار الطبقة الثامنة، عن عبد اللّه بن الحسن العلوي، عن جده علي بن جعفر، عن أخيه موسي بن جعفر عليهم السلام (قال): «و سألته عن الصبيان هل عليهم إحرام، و هل يتقون ما يتقي الرجال؟ قال: يحرمون، و ينهون

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 64

عن الشي ء يصنعونه مما لا يصلح للمحرم أن يصنعه، و ليس عليهم فيه شي ء». «1»

و دلالتها علي عدم الكفارة علي الصبيان إذا ارتكبوا ما يحرم علي المحرم ظاهرة لا مجال لإنكارها، كما أن دلالتها علي عدم شي ء علي الأولياء أيضاً لا بأس بها، لأنه لو كانت الكفارة عليهم كان المناسب التصريح به لا السكوت عنه، إذاً فلا شي ء علي الصبي و لا علي الولي بارتكاب الصبي المحظورات إلا في الصيد الذي يخصص بدليل كونه علي أبيه هذا الحديث، و لكن القول بذلك إذا كان وقوع المحظور من الصبي بفعل الولي و إيقاعه به مشكل، فالأحوط في هذه الصورة أداء الكفارة علي الولي.

هذا كله في حكم الصبي غير المميز، و أما المميز فلا ريب في عدم كون كفارته علي الولي، و كونها علي نفسه يدور مدار القول بكون حكم الكفارة وضعياً

______________________________

(1)- قرب الإسناد/ 105، وسائل الشيعة: ب 18 من أبواب المواقيت ح 2.

و الحديث من حيث السند معتبر لا تدخل الخدشة فيه، لأن عبد اللّٰه بن الحسن بن علي و إن لم يذكر في كتب الرجال مما كان عندنا إلا أنه مذكور هو و أولاده و بيته في كتب أنساب العلويين، و عبد اللّٰه بن جعفر الذي عرفت جلالة قدره يروي الحديث عن جده علي بن جعفر بواسطته، و اعتمد عليه، و من المعلوم أنه كان معروفاً عنده بحسبه و نسبه و اعتمد عليه برواية أكثر من خمسمائة سؤالٍ مهمٍّ في الفروع الفقهية من أبواب كثيرة، و الظاهر أنها كتاب مسائل علي بن جعفر عن أخيه عليهم السلام، و مثل الحميري يعرف هذا الكتاب، فلا يضر باعتبار الحديث و اعتبار هذا القسم من قرب الإسناد عدم ذكر عبد اللّه بن الحسن في كتب الرجال، فالكتاب معتمد عليه، و الحديث معتبر لا ريب فيه و يؤيده نقل المجلسي و الشيخ الحر. مضافاً إلي وجود كتاب علي بن جعفر عند الحميري و إسناده إلي عبد اللّه بن الحسن العلوي يكون من باب حفظ السيرة المستمرة عند المحدثين كما عرفت. و لا يخفي عليك ما في الوسائل: فأولًا جعل رواية علي بن جعفر ذيل رقم 1 و جعل روايته بسند الحميري تحت رقم 2 مع أن المناسب جعل رواية الشيخ عن علي بن جعفر التي هي غير رواية أيوب عن أبي عبد اللّه عليه السلام تحت رقم 2 ثمّ الإشارة بأنه رواها الحميري. و ثانياً قال: و زاد، فكأنه توهم ما ذكره من الزيادة جزءاً من رواية قرب الإسناد في ميقات الفخ و الحال أنه سؤال آخر كسائر مسائل الكتاب و لم يكن هنا محل ذكره. و اللّٰه هو العاصم.

(المؤلف).

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 65

و ديناً علي المحرم، و إلا علي القول بالتكليف حيث لا تكليف عليه لا شي ء عليه أيضاً، و لا يترك الاحتياط بأدائه بعد التكليف و البلوغ. و اللّٰه العالم.

[مسألة 13] إجزاء حج الصبي لو بلغ و أدرك المشعر

مسألة 13- قد استثني «1» المشهور من عدم إجزاء حج الصبي عن حجة الإسلام ما لو بلغ و أدرك المشعر فإنه يجزيه عن حجة الإسلام.

قال الشيخ في الخلاف: «مسألة 226: إحرام الصبي عندنا جائز صحيح، و إحرام العبد صحيح بلا خلاف» إلي أن قال: «و إن كملا قبل الوقوف تغير إحرام كل واحد منهما بالفرض، و أجزأه عن حجة الإسلام، و به قال الشافي، و قال أبو حنيفة: الصبي يحتاج إلي تجديد إحرام، لأن إحرامه لا يصح عنده، و العبد يمضي علي إحرامه تطوعاً و لا ينقلب فرضاً، و قال مالك: الصبي و العبد معاً يمضيان في الحج و يكون تطوعاً. دليلنا: إجماع الفرقة و أخبارهم، فإنهم لا يختلفون في هذه المسألة، و هي منصوصة لهم، و قد ذكرناها و نصوصها في الكتاب المقدم ذكره». «2»

و قال في المبسوط: «فإن بلغ الصبي أو اعتق العبد أو رجع إليه العقل قبل أن يفوته المشعر الحرام فوقف بها و أتي بباقي المناسك فإنه يجزيه عن حجة الإسلام». «3»

و قال العلامة في التذكرة: «و إن بلغ الصبي أو اعتق العبد قبل الوقوف بالمشعر

______________________________

(1)- التعبير بالاستثناء صحيح بناءً علي المشهور، و سيأتي ما بنينا عليه من أن صحة حجة إسلام الصبي إذا بلغ قبل المشعر مطابق للأصل، و عدم صحتها إذا بلغ بعد الموقفين يحتاج إلي الدليل.

(2)- الخلاف: 1/ 424

(3)- المبسوط: 1/ 297.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 66

فوقف به أو بعرفة معتقاً و فعل باقي

الأركان أجزأ عن حجة الإسلام، و كذا لو بلغ أو اعتق و هو واقف، عند علمائنا أجمع». «1»

و قال في التبصرة: «فلو حج الصبي لم يجزه إلا إذا أدرك أحد الموقفين بالغاً». «2»

و قال في الإرشاد: «و لو حجا (الصبي و المجنون) ندباً ثمّ كملا قبل المشعر أجزأ». «3»

و قال في التلخيص: «و لو زال عذر الصبي و المجنون و العبد أجزأهم إن أدركوا أحد الموقفين» «4».

و قال في القواعد: «و لو أدركا المشعر كاملين أجزأهما». «5»

و قال الشهيد في الدروس: «و لو بلغ قبل أحد الموقفين صح حجه». «6»

و قال ابن حمزة في الوسيلة: «فإن بلغ قبل الوقوف بالموقفين أو بأحدهما أجزأ حجه عن حجة الإسلام» «7»، و هو ظاهر الصهرشتي في الإصباح.

و قال المحقق في الشرائع: «لو دخل الصبي المميز أو المجنون في الحج ندباً ثمّ كمل كل واحد منهما و أدرك المشعر أجزأ عن حجة الإسلام علي تردد». «8»

______________________________

(1)- تذكرة الفقهاء: 1/ 299.

(2)- تبصرة المتعلمين/ 86.

(3)- إرشاد الأذهان: 1/ 310.

(4)- التلخيص: من سلسلة الينابيع: 30/ 328.

(5)- قواعد الأحكام: 1/ 74.

(6)- الدروس الشرعية: 1/ 306.

(7)- الوسيلة/ 195.

(8)- شرايع الإسلام: 1/ 164 و لعل منشأ تردده وجود النص في العبد و عدم وجوده في الصبي.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 67

و قال الهذلي في الجامع: «فإن اعتق الرقيق و بلغ الصبي بعد إحرامهما و قبل الوقوف بأحد الموقفين أجزأهما، و الأولي أن لا يجزئ عن الصبي». «1»

و قال في الحدائق: «و إن كان قبل الوقوف بالمشعر فالمشهور أنه يدرك الحج بذلك، و يجزئه عن حجة الإسلام، ذكره الشيخ و أكثر الأصحاب، و نقل فيه العلامة في التذكرة الإجماع». «2»

هذا بحسب الأقوال و نقل الإجماع، و

لا يخفي عليك أن رد تحقق الإجماع في المسألة لا يتم بما ذكره بعض الأعاظم «3» من ترديد البعض في المسألة، كالمحقق في المعتبر و الشرائع، و العلامة في المنتهي، فإن ترددهم كان بعد عصر مثل الشيخ المدعي للإجماع.

نعم، لا بأس في المناقشة في حجية هذا الإجماع علي فرض التحقق، لأنه ليس كاشفاً عن رأي المعصوم، و لا عن وجود النص المعتبر في المسألة غير ما في أيدينا مما سنشير إليه إن شاء اللّٰه تعالي.

و أما بحسب الأدلة فأولًا: يمكن أن يقال- بناءً علي القول بصحة عبادات الصبي المميز-: إنه يصح منه حجة الإسلام و يجزي عنه إذا كان مستطيعاً، سواء بلغ في الأثناء أو لم يبلغ.

نعم لو حج و بلغ بعد الفراغ عنه نقول بعدم إجزائه عن حجة الإسلام بالدليل، و هو مثل رواية إسحاق بن عمار المتقدمة قال «سألت أبا الحسن عليه السلام عن ابن عشر سنين يحج؟ قال: عليه حجة الإسلام إذا احتلم و كذلك الجارية عليها الحج إذا طمثت».

______________________________

(1)- الجامع للشرائع/ 211.

(2)- الحدائق الناضرة: 14/ 60

(3)- راجع معتمد العروة: 1/ 43.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 68

فعلي هذا، قول المشهور بإجزائه إذا بلغ و أدرك أحد الموقفين مطابق للقاعدة، لا يحتاج إلي إقامة الدليل.

نعم يورد علي هذا البيان بلزوم القول معه بإجزاء حجه و إن بلغ بعد الموقفين، و لكن يمكن أن يجاب عنه بأن ذلك في العبد بدلالة النص و في الصبي بالإجماع فإنه لم ينقل عن أحد القول بالإجزاء في هذه الصورة.

فإن قلت: فما تصنع بإطلاق الروايات مثل صحيحة إسحاق بن عمار، حيث استدل بإطلاقها بعض الأعاظم فقال: «إن صدرها و إن كان وارداً بالنسبة إلي الصبي و هو ابن

عشر سنين، و تصوير البلوغ بالاحتلام في أثناء الحج في حقه بعيد جداً، و لكن ذيلها وارد في الجارية و إن عليها الحج إذا طمثت، و تصوير حدوث الطمث من الجارية أثناء الحج أمر ممكن، و بالجملة مقتضي إطلاق الصحيحة عدم الفرق في عدم الإجزاء بين حدوث الطمث بعد تمام الأعمال و بين حدوثه في أثناء الحج». «1»

قلت: لا إطلاق لهذه الرواية بعد ما كان مورد صدره المشتمل علي سؤال إسحاق و جواب الإمام عليه السلام مقصوراً علي حكم حج الصبي بعد تمام الأعمال، لعدم تصوير غير ذلك في حج ابن عشر سنين. فيحمل قوله عليه السلام: «و كذلك الجارية» علي ما هو موضوع سؤال السائل في الصدر، و هو حكم حج الصبي بعد إتمام الأعمال، فلا يصح أن نجعل ذيل الذي بيانه متفرع علي الصدر علي الأعم بعد ما كان المراد من الصدر الأخص، و هو خصوص الحج الواقع من الصبي فتدبر.

و ثانياً استدل علي ذلك بوجوه:

______________________________

(1)- معتمد العروة: 1/ 46.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 69

أحدها بالنصوص الواردة في العبد، مثل رواية معاوية بن عمار «1» قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: مملوك اعتق يوم عرفة؟ قال: إذا أدرك أحد الموقفين فقد أدرك الحج». «2» باستظهار عدم خصوصية للعبد من النصوص و أن المناط الشروع حال عدم استكمال شرائط الوجوب و استكمالها قبل المشعر.

و فيه: منع استظهار ذلك، لأن إلغاء الخصوصية محتاج إلي القطع بعدم دخالتها في الحكم، مثل رجل شك بين الثلاث و الأربع فإنه يلغي خصوصية الرجولية للقطع بعدم دخلها في الحكم، و أنا لنا ذلك فيما نحن فيه، مع أنه لو قلنا بإلغاء الخصوصية يلزم أن نقول به فيمن حج

متسكعاً ثمّ استطاع قبل المشعر مع أنهم لا يقولون به.

و ثانيها: ما ورد في أن من لم يحرم من مكة أحرم من حيث أمكنه قبل المشعر، مثل رواية الشيخ بإسناده عن محمد بن أحمد بن يحيي، «3» عن محمد بن أحمد

______________________________

(1)- معاوية بن عمار من الطبقة الخامسة، كان وجهاً من أصحابنا، متقدماً كثير الشأن عظيم المحل، ثقة، و كان أبوه عمار ثقة في العامة، و له كتب عن ابن أبي عمير و محمد بن سكين و صفوان بن يحيي، و طريق الصدوق إليه صحيح و من كتبه كتاب الحج. و أما والده عمار بن معاوية الدهني، قال في تهذيب التهذيب: يقال ابن أبي معاوية و يقال ابن صالح، و يقال ابن حبان أبو معاوية البجلي الكوفي، و روي عن أبي الطفيل و أبي سلمة بن عبد الرحمن و … و أبي جعفر الباقر عليه السلام و عبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر و طائفة، و عنه ابنه معاوية، و شعبة و سفيان و إسرائيل و جابر الجعفي و عبيدة بن حميد و شريك و آخرون. قال أحمد و ابن معين و النسائي: ثقة، و قال ابن المديني: عن سفيان قطع بشر بن مروان عرقوبيه في التشيع، و ذكره ابن حبان في الثقات، مات سنة ثلاث و ثلاثين و مائة.

(2)- وسائل الشيعة: ب 17 من أبواب وجوب الحج و شرائطه ح 2. و لا يخفي عليك أن الباب المذكور و إن كان متضمناً لخمسة أحاديث إلا أن الظاهر رجوعها إلي ثلاثة، بل عدم إثبات أزيد من اثنين به.

(3)- لعله هو من كبار الطبقة الثامنة، جليل القدر كثير الرواية.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 70

العلوي،

«1» عن العمر كي بن علي الخراساني، «2» عن علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام قال: «سألته عن رجل نسي الإحرام بالحج فذكر و هو بعرفات ما حاله؟ قال عليه السلام:

يقول: اللهم علي كتابك و سنة نبيك صلي الله عليه و آله فقدتم إحرامه، فإن جهل أن يحرم يوم التروية بالحج حتي رجع إلي بلده إن كان قد قضي مناسكه كلها فقد تم حجه». «3»

و لكن لا ارتباط لهذه الرواية بما نحن فيه لأنها تدل علي من قصد الحج و ذهب إلي عرفات لكن نسي الإحرام و ذكر و هو بعرفات يتداركه بهذا الدعاء، و أين ذلك ممن لم يكن بالغاً و أحرم للحج و بلغ في عرفات؟ و إلا فيجب أن نقول:

بأنه إذا بلغ بعد قضاء مناسكه يجزيه عن حجة الإسلام.

و من الروايات رواية إسحاق بن عمار المتقدمة، قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن غلمان لنا دخلوا معنا مكة بعمرة و خرجوا معنا إلي عرفات بغير إحرام؟ قال عليه السلام: قل لهم يغتسلون ثمّ يحرمون، و اذبحوا عنهم كما تذبحون عن أنفسكم». «4»

بدعوي إلغاء خصوصية ترك الإحرام في الحكم و شموله لكل من أدرك عرفات، سواء أدركها بدون الإحرام أو أدركها مع الإحرام و بلغ فيها.

و فيه: أن موضوع الحكم في الرواية الحكم بصحة الحج و كفاية الإحرام من عرفات لمن لم يحرم من مكة جهلًا أو نسياناً، و لا ارتباط لها بإجزاء حج من أحرم من مكة و وقع حجه صحيحاً غير أنه بلغ قبل المشعر عن حجة الإسلام.

______________________________

(1)- من الطبقة السابعة.

(2)- كأنه من الطبقة السابعة أو من السادسة، لأن علي بن جعفر من الخامسة، شيخ من أصحابنا، ثقة له

كتاب الملاحم.

(3)- وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب المواقيت ح 8.

(4)- وسائل الشيعة: ب 17 من أبواب أقسام الحج ح 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 71

ثالثها: الأخبار التي دلت علي أن من أدرك المشعر فقد أدرك الحج. «1»

بتقريب: أن ما هو المعتبر في الحج إدراك المشعر، فإذا أدركه بالغاً يكفي في وقوع حجه حجة الإسلام، و لا يضر إتيانه بالأعمال السابقة في حال عدم البلوغ.

و فيه: أن مفادها الحكم بصحة حج من أدرك المشعر و المفروض هنا صحة حج البالغ و مشروعيته و إتيانه بما قبل المشعر، و ما دل علي صحة الحج بإدراك المشعر لا يدل علي وقوع حج الصبي حجة الإسلام بالوقوف في المشعر بالغاً.

ثمّ إن هنا مسائل:

الاولي: أنه بعد الفراغ من إجزاء حج الصبي عن حجة الإسلام إذا بلغ و أدرك أحد الموقفين فهل يجب تجديد النية لقلب الحج إلي حجة الإسلام أو ينقلب قهراً إليها؟ مقتضي ما حققناه- من أن الأصل وقوع ما يأتي به المميز حجة الإسلام و أن عدم إجزائه عنها إذا لم يدرك أحد الموقفين بالغاً قد ثبت بالإجماع- لا قلب هنا حتي يقال باحتياج ذلك إلي النية أو حصوله قهراً.

الثانية: هل يعتبر في الإجزاء كونه مستطيعاً من حين دخوله في الإحرام أو يكفي استطاعته من المشعر و من حين البلوغ؟ الظاهر اعتبار الاستطاعة في الإجزاء من أول الأمر لاختلاف حقيقتهما.

الثالثة: هل يكفي في الإجزاء إدراك أحد الموقفين من غير فرق بين عرفات و المشعر؟ الظاهر أنه لا فرق في ذلك في الإجزاء. نعم لو أدرك الوقوف بعرفات و لم يدرك وقت المشعر الاختياري و لا الاضطراري فالمسألة تدخل تحت مسألة من أدرك وقت عرفات و لم يدرك

المشعر أصلًا.

الرابعة: هل الحكم بالإجزاء مختص بحج القران و الإفراد أو هو أعم منهما

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 22 من أبواب الوقوف بالمشعر.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 72

و التمتع؟ مقتضي ما قلنا في أصل المسألة من تحقق الإجماع علي عدم الإجزاء إذا لم يدرك أحد الموقفين بالغاً هو الأعم.

و بعبارة اخري: البحث هنا يجري في أن الإجماع القائم علي عدم الإجزاء إذا لم يدرك أحد الموقفين هل هو مطلق يشمل الحج بأنواعه الثلاثة أو مختص ببعض أنواعه؟ الظاهر أنه مطلق، و أما إجزاء حج من أدرك أحد الموقفين بالغاً فهو في الأنواع الثلاثة مطلق و علي وزان واحد.

[مسألة 14] إذا بلغ الصبي بعد الإحرام و صار مستطيعاً

مسألة 14- قد تعرض بعض الأعاظم قدس سره في ضمن مسائل هذا الباب بمسألة ما لو بلغ بعد الإحرام و قبل الشروع في الأعمال و أنه هل يتم ذلك ندباً، أو حين البلوغ ينقلب إلي حجة الإسلام فيعدل إليها، أو يستأنف و يحرم ثانياً من الميقات؟

و قال: «و إنما تعرضوا لحدوث الاستطاعة بعد الإحرام مع أن المسألتين من باب واحد» و قال: «و كيف كان فالاكتفاء بالإحرام الأول بدعوي انقلاب حجه إلي حجة الإسلام لا دليل عليه، و أما إتمامه ندباً فلا وجه له، إلا ما قيل من أن المحرم ليس له أن يحرم ثانياً، و هذا واضح الدفع فإن الإحرام الأول ينكشف فساده بالبلوغ المتأخر و الاستطاعة الطارئة، و لذا لو علم حال الإحرام بأنه يبلغ بعد يومين مثلًا أو يستطيع بعدهما ليس له أن يحرم و هو صبي، فلا بد من إعادة الإحرام و يرجع إلي الميقات و يحرم إحرام حجة الإسلام، و هكذا لو دخل في أفعال العمرة و أتمها ثمّ بلغ فإنه يجب عليه

الرجوع إلي الميقات و إتيان العمرة ثانياً إذا وسع الوقت، فإن البلوغ أو الاستطاعة يكشف عن بطلان ما أتي به من الإحرام أو

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 73

العمرة، فيشمله عمومات وجوب الحج من الآية و الرواية». «1»

أقول: هذا علي مبني من يقول بعدم إجزاء حج المميز عن حجة الإسلام و إن بلغ و أدرك أحد الموقفين، أما بناءً علي مبني المشهور الذي أيدناه بما قررناه فالملاك في الإجزاء هو إدراك أحد الموقفين، سواء بلغ بعد الإحرام و قبل الشروع بالأعمال أو بعد الشروع بها، و سواء أمكن له تجديد الإحرام أم لم يمكن له ذلك، و أما بناءً علي عدم الإجزاء مطلقاً فإذا بلغ في الموقف و أمكن له الرجوع إلي مكة للإحرام يجب عليه ذلك.

نعم، في الاستطاعة نقول: إن أحرم ثمّ حصل له الاستطاعة يجب عليه تجديد الإحرام؛ لأن إحرام غير المستطيع كحجه حقيقته غير إحرام المستطيع، و حيث إنه يكشف استطاعته عن عدم كونه مأموراً بالإحرام في الحال الذي يستطيع بعده و يجب عليه حجة الإسلام لحصول الاستطاعة يجب عليه الإحرام لحجة الإسلام.

و هكذا إذا حصل له الاستطاعة في الأثناء أو بعد العمرة و أمكن له تجديد الإحرام أو إتيان العمرة ثانياً، و إلا فيجب عليه الإفراد. و إذا كان جاهلًا بصيرورته مستطيعاً قبل الذهاب إلي عرفات فأحرم و ذهب إلي عرفات و لم يمكن له الرجوع إلي مكة للإحرام فالظاهر أنه كالناسي يحرم من هناك، و لعله يأتي لذلك مزيد بحث إنشاء اللّٰه تعالي. و اللّٰه هو العالم.

[مسألة 15] إذا حج ندباً باعتقاد أنه غير بالغ و غير مستطيع فبان الخلاف

مسألة 15- إذا حج البالغ أو المستطيع باعتقاد أنه غير بالغ أو غير مستطيع ندباً و بنية الندب فبان بعد الحج كونه بالغاً أو

مستطيعاً فهل

______________________________

(1)- معتمد العروة: 1/ 48.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 74

يجزي عن حجة الإسلام أولا؟ وجهان.

يمكن أن يقال: إن حجة الإسلام في الشرع هي الحجة التي تقع من البالغ المستطيع الصرورة و هي متميزة عن غيرها بنفسها، سواء قصد هذا العنوان أم لم يقصده، و سواء كان الذي يأتي بها عالماً باستطاعته أو بلوغه أو جاهلًا بهما، بل و إن قصد الحج الندبي، فإنه لا يخرجها عن حقيقتها إذا كان ذلك جهلًا أو نسياناً، كما لا يخرج قصد الإنسان نسياناً فعله الخاص من الأكل و الشرب و الجلوس فعلًا آخر إلي ما قصده.

إن قلت: نعم حجة الإسلام هي المناسك التي يأتي بها المستطيع و لكن مثل الصلاة يحتاج وقوعها عبادة إلي قصد القربة و امتثال أمرها الخاص، و الحال أنه لم يقصد بإتيانها امتثال أمر المولي بها.

قلت: يكفي في قصد القربة كون الداعي للعبد المطيع نفس أمر المولي دون خصوصية كون أمره المتعلق بما يأتي به أمراً وجوبياً أو ندبياً أو كان هو مخاطباً لأمره لأنه المستطيع أو غير المستطيع فهو و إن يقصد الأمر الندبي إلا أن داعيه إلي الفعل هو ذات الأمر لا بقيد ندبيته، كمن قصد صوم آخر يوم من شعبان و لا يثبت عنده الهلال ثمّ علم بعد ذلك برؤيته فإنه يكون له صوم شهر رمضان، فلا يخرج قصده صوم شعبان كون اليوم من شهر رمضان، و لا يضر قصده أمر صوم شعبان وقوع صوم شهر رمضان قربة إلي اللّٰه تعالي و امتثالًا لأمره.

نعم، لو كان عالماً بكونه من شهر رمضان و قصد شعبان لا يكون ممتثلًا بصوم شهر رمضان. و فيما نحن فيه أيضاً إذا قصد الأمر الندبي مع علمه

بالاستطاعة و أن عليه الحج الواجب لا يكفي في قصد القربة لعدم كون داعيه إلي الفعل ذات الأمر.

هذا إذا قصد الأمر الندبي بالفعل الذي تعلق به الأمر الوجوبي جهلًا أو

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 75

نسياناً.

نعم إذا قصد الأمر الوجوبي بدلًا عن الأمر الندبي يمكن أن يقال بعدم الاكتفاء به في حصول القربة بإتيان ما تعلق به الأمر الندبي كما لا يخفي.

[الثاني من شرائط وجوب حجة الإسلام الحرية]

الثاني من شرائط وجوب حجة الإسلام الحرية:

فلا تجب علي المملوك و إن أذن له مولاه و حصلت له الاستطاعة المالية إما بالملك بناءً علي القول بملكه، أو بذل له مولاه أو غيره الزاد و الراحلة، و هذا مما لا خلاف فيه، بل ادعي عليه الإجماع منا و من غيرنا. «1»

و يدل عليه ما رواه الشيخ بالسند الصحيح بإسناده عن موسي بن القاسم «2»، عن علي بن جعفر، عن أخيه موسي بن جعفر عليهم السلام قال: «المملوك إذا حج ثمّ اعتق فإن عليه إعادة الحج». «3»

و يدل عليه من هذا الباب (الباب 16 من أبواب وجوب الحج من الوسائل) ح 1 و 4 و هما حديث واحد، و ح 2 و 10 و المحتمل اتحاده مع الحديث 3 و الحديث 95 و هما أيضاً واحد (و الظاهر وحدتهما مع ح 2 من ب 13) و ح 6 و 8.

نعم في الباب حديث واحد صحيح ظاهره إجزاء حج العبد عن حجة الإسلام و هو الحديث السابع الذي رواه الشيخ بإسناده عن محمد بن أحمد بن يحيي، «4» عن السندي بن محمد، «5» عن أبان «6» عن حكم بن حكيم الصيرفي، «7»

______________________________

(1) جواهر الكلام: 17/ 241.

(2) إسناد الشيخ إلي موسي بن القاسم صحيح، و هو من كبار

الطبقة السابعة، ثقة جليل، واضح الحديث، حسن الطريقة، له ثلاثون كتابا. و أما علي بن جعفر عليهما السلام فهو من الطبقة الخامسة.

(3) وسائل الشيعة ب 16 من أبواب وجوب الحج ح 3.

(4) الأشعري القمي أبو جعفر جليل القدر كثير الرواية ثقة في الحديث، له كتاب نوادر الحكمة و هو كتاب حسن كبير يعرفه القميون بدبة شبيب، و هو من الطبقة السابعة.

(5)- أخو علي و اسمه أبان يكني أبا بشر، و هو ابن اخت صفوان بن يحيي، كان ثقةً وجهاً في أصحابنا الكوفيين، كأنه من الطبقة السابعة.

(6)- هو أبان بن عثمان الأحمر من الطبقة الخامسة، كان من الناووسية، و قيل: هو ممن أجمعت العصابة علي تصحيح ما يصح عنه، و قيل: صار من الإمامية، و اختص بالإمام الصادق عليه السلام.

(7)- أخو خلّاد الصيرفي، ثقة له كتاب، من الطبقة الخامسة.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 76

قال: «سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: أيما عبد حج به مواليه فقد قضي حجة الإسلام».

و لكن الظاهر أنه و الحديث الثاني واحد، و هو ما رواه الصدوق بإسناده عن أبان بن الحكم «1» قال: «سمعت أبا عبد اللّٰه عليه السلام يقول: الصبي إذا حُجّ به فقد قضي حجة الإسلام حتي يكبر، و العبد إذا حُجّ به فقد قضي حجة الإسلام حتي يعتق». «2» سقط منه قوله (حتي يعتق) كما أنه قد وقع التحريف في سند الحديث الثاني، فبدلت بعد أبان كلمة (عن) بابن، و الظاهر وحدتهما مع ح 1 من ب 13، و لو أغمضنا عن ذلك، فلا بد من طرحه لشذوذه و مخالفته لغيره من الأحاديث الكثيرة، أو حمل حجة الإسلام فيه علي حجة الإسلام خصوص العبد.

و مما دل علي

الحكم صحيحة شهاب عن أبي عبد اللّه عليه السلام «في رجل أعتق عشية عرفة عبداً له؟ فقال: يجزي عن العبد حجة الإسلام، و يكتب للسيد أجران ثواب العتق و ثواب الحج». «3»

و صحيحة معاوية بن عمار، قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: مملوك اعتق يوم عرفة؟ قال: إذا أدرك أحد الموقفين فقد أدرك الحج». «4» و زاد في المعتبر «فإن

______________________________

(1)- الظاهر أن الصحيح: أبان عن الحكم.

(2)- وسائل الشيعة: ب 16 من أبواب وجوب الحج و شرائطه ح 2.

(3)- وسائل الشيعة: ب 17 من أبواب وجوب الحج و شرائطه ح 1 و الظاهر اتحاده مع الحديث 4.

(4)- وسائل الشيعة: ب 17 من أبواب وجوب الحج ح 2 و الظاهر اتحاده مع الحديث 3 و 5.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 77

فاته الموقفان فقد فاته الحج و يتم حجه و يستأنف حجة الإسلام فيما بعد». «1»

و مما يدل أيضاً علي اشتراط الحرية في وجوب حجة الإسلام: طائفة من الروايات المخرجة في الباب 15 من أبواب وجوب الحج في الوسائل:

منها: ما رواه الصدوق بإسناده (الصحيح) عن الحسن بن محبوب «2» عن الفضل ابن يونس «3» قال: «سألت أبا الحسن عليه السلام فقلت: يكون عندي الجواري و أنا بمكة، فآمرهن أن يعقدن بالحج يوم التروية، فاخرج بهن فيشهدن المناسك أو اخلفهن بمكة؟ فقال: إن خرجت بهن فهو أفضل، و إن خلّفتهن عند ثقة فلا بأس، فليس علي المملوك حج و لا عمرة حتي يعتق». «4»

و الظاهر أنها و الحديث الثاني منه- الذي رواه الكليني عن محمد بن يحيي العطار «5» عن أحمد بن محمد، «6» و عن عدة من أصحابنا «7» عن سهل بن زياد، جميعاً عن ابن محبوب

عن الفضل بن يونس، عن أبي الحسن موسي عليه السلام قال: «ليس علي المملوك حج و لا عمرة حتي يعتق» و رواه الشيخ بإسناده عن الكليني- واحد.

و منها الحديث الرابع، غير أن في الحديث الثالث من هذا الباب الذي رواه الشيخ عن العباس «8» عن سعد بن سعد، «9» عن محمد بن القاسم، عن فضيل بن

______________________________

(1) وسائل الشيعة: باب 17 من أبواب وجوب الحج ح 5 راجع المعتبر: 2/ 750.

(2) من من السادسة.

(3) الكاتب البغدادي ثقة واقفي! له كتاب هو من من الطبقة الخامسة.

(4) وسائل الشيعة: باب 15 من أبواب وجوب الحج ح 1.

(5) القمي شيخ من أصحابنا في زمانه، ثقة عين من الطبقة الثامنة.

(6) شيخ القميين من الطبقة السابعة.

(7) و هم علي بن محمد بن علان، و محمد بن أبي عبد الله، و محمد بن الحسن، و محمد بن عقيل الكليني

(8) من الطبقة السابعة.

(9) الأشعري القمي، ثقة، و له كتاب، من الطبقة السادسة.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 78

يسار «1» عن يونس بن يعقوب «2» قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: إن معنا مماليك لنا قد تمتعوا، علينا أن نذبح عنهم؟ قال: فقال: المملوك لا حج له و لا عمرة و لا شي ء.» «3» و هو يدل علي عدم صحة حجه و عمرته مطلقاً.

و في الحديث الخامس عن الحسن بن محبوب عن رجل عن عبد اللّه بن سليمان «4» «قال سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام و سألته امرأة فقالت: إن ابنتي توفيت و لم يكن بها بأس فأحج عنها؟ قال: نعم، قالت إنها كانت مملوكة؟ فقال: لا، عليك بالدعاء فإنه يدخل عليها كما يدخل البيت الهدية» «5». فإنه أيضاً يدل علي عدم صحة

الحج عن المملوك مطلقاً و إن لم يكن حجة الإسلام.

و الحج في الروايتين محمول علي إرادة الحج من حجة الإسلام و في خصوص الرابعة علي إرادة العمرة الواجبة من العمرة علي ما إذا حجوا بغير إذن مواليهم.

و لعله الظاهر من سؤال الراوي حيث قال: «إن معنا مماليك لنا قد تمتعوا، علينا أن نذبح عنهم؟ قال: فقال: المملوك لا حج له و لا عمرة و لا شي ء».

و أما الحديث الثاني فمع ضعف سنده أيضاً محمول علي حجة الإسلام،

و كيف كان فلا إشكال في أن المملوك لو حج بإذن مولاه صح بلا إشكال، و إن كان لا يجزئه عن حجة الإسلام، و ما يدل بظاهره علي عدم صحة الحج مطلقا معرض عنه، لم يعمل به الأصحاب مضافاً إلي معارضتها بما يدل علي صحة الحج

______________________________

(1)- النهدي الكوفي البصري، ثقة، كان أبو عبد اللّه عليه السلام إذا نظر إلي الفضيل بن يسار مقبلًا قال: «بشّر المخبتين». قد أجمعت العصابة علي تصديقه و الإقرار له بالفقه، هو من الطبقة الرابعة.

(2)- البجلي الدهني الكوفي، له كتب، ثقة، هو من الطبقة الخامسة.

(3)- تهذيب الأحكام: 5/ 482، ح 361.

(4)- من الرابعة أو الخامسة.

(5)- وسائل الشيعة: ب 25 من أبواب النيابة في الحج ح 8.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 79

منه بإذن مولاه، و اللّٰه هو العالم.

[الشرط الثالث من شرائط وجوب الحج: الاستطاعة من حيث المال و صحة البدن و تخلية السرب]

اشارة

الشرط الثالث من شرائط وجوب الحج:

الاستطاعة من حيث المال و صحة البدن و تخلية السرب

لا ريب في اشتراط وجوبه بها، بل لا خلاف فيها، و إليك كلمات أعاظم فقهائنا فيها:

قال المفيد في المقنعة: «و فرضه علي كل حر بالغ مستطيع إليه السبيل، و الاستطاعة عند آل محمد صلي الله عليه و آله في الحج بعد كمال العقل و

سلامة الجسم … و التخلية من الموانع بالإلجاء و الاضطرار، و حصول ما يلجأ إليه في سد الخلة، من صناعة يعود إليها في اكتسابه، أو ما ينوب عنها من متاع أو عقار أو مال، ثمّ وجود الراحلة بعد ذلك و الزاد» «1».

و قال السيد قدس سره في الناصريات: «الاستطاعة هي الزاد و صحة البدن عندنا إن الاستطاعة التي يجب معها الحج صحة البدن و ارتفاع الموانع و الزاد و الراحلة …

و قال الشافعي مثل قولنا بعينه، و اعتبر صحة الجسم و التمكن من الثبوت علي الراحلة و الزاد، و نفقة طريقه إلي حجه ذاهبا و جائياً إن كان السفر من بلده، و نفقة عياله مدة غيبته». ثمّ حكي رواية ذلك عن جماعة من الصحابة و التابعين، و أبي حنيفة و أحمد و إسحاق، و حكي عن مالك أن الراحلة لا يعتبر في وجوب الحج- إلي أن قال-: «دليلنا علي صحة ما ذهبنا إليه بعد الإجماع المتكرر ذكره أنه لا خلاف في أن من حاله ما ذكرنا أن الحج يلزمه، فمن ادعي أن صحيح الجسم إذا خلا من سائر الشرائط التي ذكرناها يلزمه الحج فقد ادعي وجوب حكم شرعي في الذمة و عليه

______________________________

(1)- المقنعة/ 384.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 80

الدليل، لأن الأصل براءة الذمة، و أيضاً قوله تعالي: «وَ لِلّٰهِ عَلَي النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا» و الاستطاعة في عرف الشرع و أهل اللغة أيضاً عبارة عن تسهيل الأمر و ارتفاع المشقة فيه، و ليست بعبارة عن مجرد القدرة، أ لا تري أنهم يقولون: ما أستطيع النظر إلي فلان إذا كان يبغضه و يمقته، و يثقل عليه النظر إليه، و إن كانت معه قدرة

علي ذلك. و كذلك ما يقولون: لا أستطيع شرب هذا الدواء، يريدون أنني أنفر منه، و يثقل علي النظر إليه، و إن كانت معه قدرة علي ذلك و قال اللّٰه تعالي: «إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً» *. و إنما أراد هذا المعني لا محالة، فإذا تقرر ما ذكرناه، كان صحيح الجسم الذي يشق عليه المشي الطويل إلي الحج لم يكن مستطيعاً له في العرف الذي ذكرناه، و كذلك من وجد الراحلة و لم يجد نفقة لطريقه و لا لعياله يشق عليه السفر و يضعف و تنفر نفسه لا يسمي مستطيعاً، فوجب أن تكون الاستطاعة ما ذكرناه لارتفاع المشاق و التكلف معه. و مما يدل علي بطلان مذهب مالك أيضاً، ما روي من أن النبي صلي الله عليه و آله سئل عن قوله تعالي: «وَ لِلّٰهِ عَلَي النّٰاسِ» الآية، فقيل له: يا رسول اللّٰه صلي الله عليه و آله ما الاستطاعة؟ فقال: الزاد و الراحلة من استطاع إليه سبيلًا، فقيل له: يا رسول اللّٰه ما الاستطاعة؟ فقال: الزاد و الراحلة). «1»

و صرح بذلك أيضاً في جمل العلم و العمل، «2» و كذا أبو الصلاح في الكافي. «3»

و قال الشيخ في النهاية: «الاستطاعة هي الزاد و الراحلة و الرجوع إلي كفاية، و تخلية السرب من جميع الموانع» «4» إلخ و صرح بذلك أيضاً في الجمل

______________________________

(1)- الناصريات: 243.

(2)- رسائل الشريف المرتضي: 3/ 62.

(3)- الكافي/ 192.

(4)- النهاية/ 203.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 81

و العقود «1» و الاقتصاد، «2» و الخلاف «3» و المبسوط، «4» و العلامة في كتبه و المحقق و الشهيدان و غيرهم.

المراد من الاستطاعة
اشارة

إذا عرفت ذلك فنقول: المراد من الاستطاعة المذكورة في الآية الشريفة للحج و لكل فعل

من الأفعال هل هو كون الفعل متأتياً من الشخص عرفاً و بالسهولة العرفية و كان السبيل إليه مستطاعاً عرفاً بحيث يتأتي منه بدون المشقة سواء سمي ذلك بالاستطاعة اللغوية أو العرفية؟ أو المراد منه القدرة علي الفعل و وجود السبيل إليه عند العقل، بأن كان ممكن التحقق في الخارج عنده و مقدوراً عليه؟ حتي يكون الاستطاعة مستعملة في القدرة العقلية، و معني أعم من معناها اللغوي و العرفي، أو الاستطاعة هنا اصطلاح شرعي عرفنا الشارع به في الروايات المفسرة لمعني الاستطاعة و السبيل؟

الظاهر عدم كون المراد من الاستطاعة القدرة العقلية، لاشتراط جميع التكاليف بها عقلًا، و كلام الشارع أولًا و بالذات لا يحمل علي بيان المدركات العقلية التي يستقل العقل بالحكم بها إلا علي سبيل الإخبار، و ظاهر كلامه فيما يرجع إلي التكليف هو الإنشاء و بيان مراداته الخاصة، مضافاً إلي مخالفة ذلك للمعني اللغوي.

و الدليل علي عدم ظهور الآية الشريفة في ذلك أن الخاصة و العامة رووا بطرقهم أنه لما نزلت هذه الآية سألوا رسول اللّٰه صلي الله عليه و آله عن معني الاستطاعة و السبيل،

______________________________

(1)- الجمل و العقود: سلسلة الينابيع: 7/ 225.

(2)- الاقتصاد/ 297.

(3)- الخلاف: 1/ 147.

(4)- المبسوط: 1/ 296.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 82

و لو كانت معناها القدرة العقلية المشروط عليها التكاليف أو كانت ظاهرة فيها لما سألوا عنها.

فما عن بعض الأعاظم من أن الآية لو لا ما فسرت به ظاهرة في الاستطاعة العقلية و إرشاد إلي حكم العقل «1» بعيد من ظاهرها.

و هكذا ليس المراد من الاستطاعة معني شرعياً بحتاً و اختراعاً جديداً منه.

لأن كون الشخص ذا زاد و راحلة و صحيح الجسم، مخلي السرب هو الاستطاعة و السبيل المستطاع إلي

الحج عرفاً، و دون ذلك ليس منه عرفا كمن لم يكن له الزاد و الراحلة، أو لم يكن مخلي السرب.

نعم لو كان دون ذلك أيضاً من مصاديق السبيل المستطاع، و الشخص الواجد له مستطيعاً، يتم القول بتصرف الشارع في المعني و استعماله لفظ الاستطاعة في أحد مصاديقه.

هذا مضافاً إلي أن الأصل عدم نقل اللفظ عن معناه اللغوي إلي غيره، فالأقوي كما حققه مثل السيد المرتضي قدس سره الذي اعترف أعلام الأدب العربي بتحذقه و إمامته و إمامة أخيه في هذا الفن، هو الاستطاعة اللغوية العرفية التي لا يكون بها في العمل عند العرف للنوع مشقة و حرج زائد علي ما يقتضيه طبع التكليف و الفعل.

إلا أنه حيث ربما يقع الترديد و الشك في تشخيص بعض مصاديقه العرفية سألوا النبي و الأئمة- صلوات اللّٰه عليهم أجمعين- عن المعيار و الميزان الواضح لتشخيص ذلك و ليكون مرجعاً لهم في موارد الشك، و إلا لو لا هذه الأسئلة عنهم عليهم السلام لاكتفينا بالقدر المسلم و المتيقن من الاستطاعة، و هو ما جاء في الروايات.

أما في سائر الموارد حيث يكون الشك في التكليف نأخذ بالبراءة هذا كله بحسب

______________________________

(1)- معتمد العروة: 1/ 76.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 83

الأقوال، و تفسير الآية الكريمة،

و أما بحسب الروايات الواردة في ذلك تفسيراً للآية الشريفة، فمنها ما رواه الكليني عن علي «1» عن أبيه، «2» عن ابن أبي عمير، «3» عن محمد بن يحيي الخثعمي، «4» قال «سأل حفص الكناسي «5» أبا عبد اللّه عليه السلام و أنا عنده عن قول اللّٰه عز و جل «وَ لِلّٰهِ عَلَي النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا» ما يعني بذلك؟ قال:

من كان صحيحاً في بدنه، مخلي

سربه، له زاد و راحلة فهو ممن يستطيع الحج، أو قال: ممن كان له مال، فقال له حفص الكناسي: فإذا كان صحيحاً في بدنه مخلّي في سربه، له زاد و راحلة و لم يحج فهو ممن يستطيع الحج؟ قال: نعم» «6».

و منها ما رواه الصدوق قدس سره في كتاب التوحيد عن أبيه، عن علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن محمد بن أبي عمير، عن هشام بن الحكم «7» عن أبي عبد اللّه عليه السلام في قوله عز و جل: «وَ لِلّٰهِ عَلَي النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا» ما يعني بذلك؟ قال عليه السلام: «من كان صحيحاً في بدنه، مخلي سربه، له زاد و راحلة». «8»

______________________________

(1)- ابن إبراهيم بن هاشم المفسر و المحدث الشهير من صغار الطبقة الثامنة.

(2)- إبراهيم بن هاشم من الطبقة السابعة، له أكثر من مائة من الشيوخ، و هو أول من نشر حديث الكوفيين بقم، أدرك مولانا الجواد عليه السلام.

(3)- من الطبقة السادسة، بغدادي، من أوثق الناس عند الخاصة و العامة، له مصنفات كثيرة.

(4)- من الطبقة الخامسة أو السادسة عامي ثقة.

(5)- ابن عيسي الكناسي من الطبقة الرابعة أو الخامسة.

(6)- وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب وجوب الحج ح 4.

(7)- الشهير البغدادي، الثقة في الروايات، حسن التحقيق بهذا الأمر، روي عن الصادق و الكاظم عليهما السلام، له مدائح جليلة … من الطبقة الخامسة.

(8)- وسائل الشيعة: باب 8 من أبواب وجوب الحج و شرائطه ح 7.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 84

و منها ما رواه الكليني قدس سره عن محمد بن أبي عبد اللّه، عن موسي بن عمران، عن الحسين بن يزيد النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:

«سأله رجل من أهل القدر فقال: يا ابن رسول اللّٰه صلي الله عليه و آله أخبرني عن قول اللّٰه عز و جل: «وَ لِلّٰهِ عَلَي النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا» أ ليس قد جعل اللّٰه لهم الاستطاعة؟

فقال عليه السلام: ويحك! إنما يعني بالاستطاعة الزاد و الراحلة، ليس استطاعة البدن، فقال الرجل: أ فليس إذا كان الزاد و الراحلة فهو مستطيع للحج؟ فقال: ويحك ليس كما تظن قد تري الرجل عنده المال الكثير أكثر من الزاد و الراحلة فهو لا يحج حتي يأذن اللّٰه تعالي في ذلك». «1»

و هذا الخبر كسابقيه ظاهر، بل صريح في أن الاستطاعة المعتبرة إنما تكون بوجود الزاد و الراحلة، فلا تجب حجة الإسلام بمجرد القدرة علي المشي.

و إن نوقش في سنده من جهة وقوع موسي بن عمران النخعي الذي هو من الطبقة السابعة أو الثامنة، لأن علماء الرجال لم يذكروه لا بمدح و لا قدح، و كونه من رجال كامل الزيارات لا يكفي في توثيقه، و إن بني علي ذلك بعض الأعاظم إلا أنه بنفسه أيضاً رجع عن هذا البناء علي ما حكي عنه.

و لكن لا خدش في سائر رجال السند، فإن محمد بن أبي عبد اللّه علي ما حققه استاذنا الأعظم قدس سره هو محمد بن أبي عبد اللّه جعفر بن محمد بن عون الأسدي أبو الحسين الكوفي، شيخ الكليني، و هو من طبقة الثامنة، و من الأعاظم، و كذا حسين بن يزيد النوفلي (شيخ موسي بن عمران) الذي هو من طبقة السادسة، و شيخه السكوني هو إسماعيل بن أبي زياد السكوني من الخامسة الثقة أيضاً. «2»

______________________________

(1)- وسائل الشيعة ب 8 من أبواب وجوب الحج و شرائطه ح

5، الكافي: 4/ 268.

(2)- إن قلت: يمكن الخدشة في السند بشهادة النجاشي بأنه يروي عن الضعفاء.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 85

و عندي: أن العمل برواية رجل لم يرد ذمه من أحد من الرجاليين، بعد ما كان الراوي عنه مثل محمد بن أبي عبد اللّه الذي هو من الأكابر و من شيوخ الكليني، و بعد ما اعتمد علي روايته الكليني فأخرجها في كتابه يكفي في الاعتماد عليها، خصوصاً بعد ما كان متنها و مضمونها موافقاً للصحيحتين (صحيحة الخثعمي و صحيحة هشام).

و كيف كان فيستفاد من هذه الأحاديث عدم الاكتفاء بمجرد القدرة، و أن المعتبر في الاستطاعة الزاد و الراحلة التي يعبر عنها بالاستطاعة الشرعية، سواء كان الشخص محتاجاً إلي الراحلة لعدم قدرته علي المشي، أو كونه مشقة عليه، أو منافياً لشرفه، أو لا يحتاج إليها، و الظاهر أن هذا هو قول القدماء و جماعة من المتأخرين.

و هذه جملة من الروايات الدالة علي اعتبار التمكن من الزاد و الراحلة في الاستطاعة المشروط عليها وجوب الحج.

و لكن هنا روايات استدل بها علي عدم اعتبار الراحلة فيها، و هي علي أقسام: قسم منها الروايات التي ينتهي سندها إلي أبي بصير، مثل الرواية الثانية من الباب الحادي عشر من أبواب وجوب الحج من الوسائل، عن الشيخ قدس سره في التهذيبين، الحسين بن سعيد، «1» عن القاسم بن محمد، «2» عن علي، «3» عن أبي

______________________________

قلت: بعد التتبع يظهر عدم تمامية القول بأن جميع شيوخه من الضعفاء فإن (يروي عن الضعاف) فيه احتمالان: 1- الضعف في شيخه بلا واسطة. 2- مجرد الضعف في سنده. و الثاني لا يضر، و الأول لا يتم صغروياً.

و أما كتاب (الرد علي الاستطاعة) كان للرد علي التفويض

لا إثبات الجبر.

(1)- كوفي أهوازي، قمي جليل القدر، صاحب المصنفات، من كبار الطبقة السابعة.

(2)- كوفي بغدادي، واقفي، من الطبقة الخامسة أو السادسة.

(3)- ابن أبي حمزة البطائني الكوفي الواقفي المذموم، من الطبقة الخامسة.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 86

بصير «1» قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: «وَ لِلّٰهِ عَلَي النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا؟» قال: يخرج و يمشي إن لم يكن عنده ما يركب، قلت: لا يقدر علي المشي؟ قال: يمشي و يركب، قلت: لا يقدر علي ذلك أعني المشي؟ قال: يخدم القوم و يخرج معهم».

و روي في الفقيه نحوه عن علي، عن أبي بصير فهما رواية واحدة، و ما في تفسير العياشي «2» عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام (أبي جعفر عليه السلام) قال: «قلت له: رجل عرض عليه الحج فاستحيي أن يقبله أ هو ممن يستطيع الحج؟ قال: نعم، مُره فلا يستحيي، و لو علي حمار أبتر، و إن كان يستطيع أن يمشي بعضاً و يركب بعضاً فليفعل». «3»

و احتمال كون هذا الحديث و حديث الفقيه و التهذيبين واحداً ليس ببعيد، لو لا

______________________________

(1)- ليث بن البختري من أوتاد الأرض من الطبقة الخامسة.

(2)- أبو النضر محمد بن مسعود بن محمد بن عياش السلمي السمرقندي، من الطبقة التاسعة، ثقة، صدوق، عين من عيون هذه الطائفة، كان أول أمره عامي المذهب، و سمع حديث العامة فأكثر، ثمّ تبصر و عاد إلينا، أنفق علي العلم و الحديث تركة أبيه سائرها و كانت ثلاثمائة ألف دينار، و كان داره كالمسجد بين ناسخ أو مقابل أوقار. و قال ابن النديم: إنه من فقهاء الشيعة، أوحد دهره و زمانه في غزارة العلم، و لكتبه بنواحي خراسان

شأن من الشأن، و هو المؤلف لما يزيد علي مائتي كتاب، منها التفسير المعروف بتفسير العياشي الموجود المطبوع نصفه الأول إلي آخر سورة الكهف، محذوف الأسانيد.

قال المجلسي قدس سره: رأيت منه نسختين قديمتين، لكن بعض الناسخين حذف أسانيده للاختصار، و ذكر في أوله عذراً هو أشنع من جريمته.

(3)- تفسير العياشي: 1/ 192 الرقم 114 وسائل الشيعة ب 10 من أبواب وجوب الحج ح 9.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 87

أن في النسخة المطبوعة من المصدر ذكر بدل (أبي عبد اللّه) (أبي جعفر) عليهما السلام «1».

و أما الروايات الواردة في المحاسن و الفقيه و التوحيد عن أبي بصير فيأتي الكلام فيها، و أنها في مسألة اخري إنشاء اللّٰه تعالي.

و أما الثلاثة الاولي فمضافاً إلي ضعف سند ما في الفقيه و التهذيبين بعلي بن أبي حمزة البطائني فلم يفت أحد بهما لأنهما دلتا علي أن من لا يقدر علي المشي يخدم القوم و يخرج معهم.

و رواية العياشي أيضاً مضافاً إلي ضعفها، موضوعها هو من عرض عليه الحج و استحيي، و يمكن حملها علي من عرض عليه الحج و لم يقبل ففات عنه الحج، فقال عليه السلام: (مُره …) كما أنه يمكن حملها علي أنه يجب عليه القبول و ترك الاستحياء و لو كان علي حمار أبتر، إذا كان من حيث القوة البدنية بحيث يستطيع أن يمشي بعضا و يركب بعضاً، و عليه تدخل الرواية في روايات المسألة الاخري التي وردت فيها روايات المحاسن و الفقيه و التوحيد عن أبي بصير.

و قسم منها ما لا يأبي من استظهار معني آخر لها غير ما ادعي لها من الظهور في كفاية القدرة علي المشي في الاستطاعة، و ذلك مثل ما رواه

الشيخ بإسناده عن موسي بن القاسم بن معاوية بن وهب، عن صفوان بن يحيي عن العلاء بن رزين، «2» عن محمد بن مسلم «3» قال: «قلت لأبي جعفر عليه السلام: قوله تعالي: «وَ لِلّٰهِ عَلَي النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا»، قال: يكون له ما يحج به، قلت:

فإن عرض عليه الحج فاستحيي؟ قال: هو ممن يستطيع (الحج) و لم يستحي و لو علي

______________________________

(1)- راجع وسائل الشيعة: 11/ 42.

(2)- ثقة جليل القدر، له كتاب، من الطبقة الخامسة.

(3)- وجه أصحابنا بالكوفة، فقيه ورع، من الطبقة الرابعة.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 88

حمار أجدع أبتر، قال: فإن كان يستطيع أن يمشي بعضاً أو يركب بعضاً فليفعل». «1»

و سنده في التهذيبين موسي بن القاسم عن معاوية بن وهب عن صفوان «2»، و الظاهر أن الصحيح هو نسخة الوسائل، لأن معاوية بن وهب من ثقات الخامسة، و صفوان بن يحيي من ثقات الطبقة السادسة و لا يروي من هو في الطبقة المتقدمة (معاوية بن وهب) عمن هو في الطبقة المتأخرة عنه (صفوان بن يحيي).

و أما رواية موسي بن القاسم الذي هو من كبار السابعة و ثقاتهم عن صفوان بن يحيي الذي هو من السادسة فهي علي القاعدة.

و أما دلالته فيمكن أن يكون قوله: (فإن كان يستطيع أن …) بياناً لتكليف من عرض عليه الحج و استحيي و ترك القبول، فإنه يجب عليه أن يحج متسكعا و لو بالمشي بعضاً و الركوب بعضاً.

و مثله ما رواه الكليني قدس سره عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حماد بن عثمان، «3» عن الحلبي «4» عن أبي عبد اللّه عليه السلام في قول اللّٰه عز و جل: «وَ لِلّٰهِ

عَلَي النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا» قال: ما السبيل؟ قال: أن يكون له ما يحج به. قلت: من عرض عليه ما يحج به فاستحيي من ذلك أ هو ممن يستطيع إليه سبيلًا؟ قال: نعم، ما شأنه يستحيي؟ و لو يحج علي حمار أجدع أبتر فإن كان يطيق أن يمشي بعضاً و يركب بعضاً فليحج». «5» و هذا الحديث فيما

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب وجوب الحج و شرائطه ح 1.

(2)- راجع تهذيب الأحكام: 5/ 32.

(3)- من ثقات الطبقة الخامسة.

(4)- الظاهر أنه عبيد اللّٰه بن علي الحلبي من كبار الطبقة الخامسة و ثقاتهم، و بيته من بيوت الشيعة المعروفة.

(5)- وسائل الشيعة ب 10 من أبواب وجوب الحج ح 5.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 89

استظهرناه من سابقه أظهر منه كما لا يخفي «1».

و أما ما رواه الشيخ في التهذيب قال: الحسين بن سعيد «2»، عن فضالة بن أيوب «3»، عن معاوية بن عمار «4»، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال اللّٰه عز و جل: وَ لِلّٰهِ عَلَي النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا» قال: هذه لمن كان عنده مال و صحة، و إن كان سوفه للتجارة فلا يسعه، فإن مات علي ذلك فقد ترك شريعة من شرائع الإسلام إذا هو يجد ما يحج به، و إن كان دعاه قوم أن يُحجوه فاستحيي فلم يفعل فإنه لا يسعه إلا الخروج و لو علي حمار أجدع أبتر، و عن قول اللّٰه عز و جل:

«وَ مَنْ كَفَرَ» قال: يعني من ترك» «5».

فقد وقع مورداً للتقطيع في الوسائل:

فأورد صدره في الباب 6 الحديث 1 إلي قوله: «إذا هو يجد ما يحجّ به»، و أخرج ثانياً

صدره و ذيله في الباب 7 من أبواب وجوب الحج الحديث 2 قال:

قال اللّٰه تعالي: «وَ لِلّٰهِ عَلَي النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا»: قال: هذه لمن كان عنده مال- إلي أن قال: - «و عن قول اللّٰه عز و جل: «وَ مَنْ كَفَرَ» يعني: من ترك».

و أخرج ثالثاً وسطه في الباب 10 من أبواب وجوب الحج علي من بذل له

______________________________

(1)- معني الإطاقة هنا و في حديث معاوية بن عمار «أنّ حجة الإسلام واجبة علي من أطاق المشي من المسلمين» مغاير لما في الآية الكريمة «وَ عَلَي الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ» بل يكون بمعني القدرة و الاستطاعة ليس معناه إعمال الوسع مع المشقة، فلا وجه للأظهرية.

(2)- ثقة جليل من صغار الطبقة السادسة.

(3) «- الأزدي ثقة في حديثه، مستقيم في دينه، ممن أجمع أصحابنا علي تصحيح ما يصح عنه و هو … من الطبقة السادسة.

(4)- وجه من أصحابنا، مقدم كبير الشأن عظيم المحل، ثقة من الطبقة الخامسة.

(5)- تهذيب الأحكام: 5/ 18 ب 2 ح 52.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 90

زادٌ و راحلة و لو حماراً … الحديث 3، قال: «فإن كان دعاه قومٌ أن يحجوه فاستحيي فلم يفعل فإنه لا يسعه إلا أن يخرج و لو علي حمار أجدع أبتر». و هذا و إن لا يدل علي ما عنون الباب له إلا أنه يدل علي ما نحن بصدده، و هو أن الرواية شاهدة لما استظهرنا من هذه الروايات، و للجمع بينها و بين الطائفة الاولي، و ذلك لأن الإمام عليه السلام حكم علي من سوف الحج بأنّه إن مات علي ذلك فقد ترك شريعة من شرايع الإسلام، و حكم علي من دعاه قومٌ أن يُحجوه فاستحيي

فلم يفعل أنه: لا يسعه إلا الخروج و لو علي حمار أجدع أبتر.

ثمّ إنه لا يخفي عليك أن صاحب الوسائل أخرج تمام هذه الرواية مع زياداتٍ عن تفسير العياشي، عن إبراهيم بن علي «1»، عن عبد العظيم بن عبد اللّه الحسني «2»، عن الحسن بن محبوب «3»، عن معاوية بن عمار، و فيه أيضاً «فاستحيي فلم يفعل فإنه لا يسعه إلا أن يخرج و لو علي حمار أجدع أبتر». «4»

هذا، فقد ظهر من ذلك كله أن هذه الروايات قد وردت في حكم من ترك الحج اختياراً و حياءً بعد ما بذل له ما يحج به و استقر عليه الحج.

و إن بذل له ما يحج به في حال صحة البدن و تخلية السرب و لم يقبل ففات منه الحج فإن في هذه الصورة أيضاً يستقر عليه الحج، و يكون كمن أسقط نفسه عن الاستطاعة المالية، و حاله ذلك.

______________________________

(1)- الكوفي راو مصنف، زاهد عالم، فطن، بسمرقند، و كان نصر بن أحمد صاحب خراسان يكرمه و من بعده من الملوك، من الطبقة الثامنة بملاحظة المروي عنه.

(2)- ابن علي بن الحسن بن زيد بن الإمام السبط الأكبر عليه السلام، كان عابداً ورعاً مرضياً، من الطبقة السابعة، يظهر جلالة أمره و كمال عقيدته من حديث عرض دينه علي الإمام الهادي عليه السلام و عليه.

(3)- السراد أو الزراد، جليل القدر من الطبقة السادسة.

(4)- وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب وجوب الحج و شرائطه ح 11.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 91

و قد ظهر لك بذلك أنه لا فرق في الحكم بوجوب المشي إذا بذل له ما يحج به بين سنة البذل و ما بعدها، فلا وجه لقول بعض الأعاظم: (فالحكم المذكور في

النص حكم بعد الاستقرار لا حكم السنة الاولي)، لإمكان استقرار الحج في السنة الاولي كما ذكرناه «1».

و أما قوله رحمة اللّٰه عليه: (و لا يخفي أن القائل بعدم اعتبار الراحلة في الاستطاعة و بالاكتفاء بالتمكن من المشي لا يلتزم بمدلول هاتين الصحيحتين لأنه حرجي قطعاً و هو منفي في الشريعة المقدسة). «2»

ففيه أولًا: منع كون ذلك حرجياً مطلقاً.

و ثانياً: بعد ما تعلق التكليف بأمر حرجي لا ينفي بالحرج لأن ما هو المنفي بالحرج؛ التكليف الذي ليس حرجياً بذاته دون ما إذا كان التكليف متعلقاً بأمر حرجي مثل ما نحن فيه.

مضافاً إلي أنه ورد في الحج الذي ليس خالياً عن الحرج في الجملة. ففي مثل هذا التكليف إذا دل الدليل في بعض مصاديقه الحرجية بوجوبه لا ينفي بالحرج.

نعم، الحرج الزائد علي طبع الموضوع يكون منفياً بلا حرج لا محالة. و اللّٰه هو العالم.

بقي الكلام في صحيحة معاوية بن عمار التي رواها الصدوق في الفقيه «3»

______________________________

(1)- و السيد الخوئي قدس سره لم يقيد استقرار الحج بمضي سنة. قال المقرر في شرح المناسك: (فإن المستفاد من النصوص أنّ مورد الأسئلة رفض الحج بعد البذل فحينئذٍ يستقر الحج في ذمته، و لا بد من الخروج عن عهدته و لو متسكعا). راجع كتاب الحج: 3/ 42 و 74.

(2)- معتمد العروة: 1/ 81.

(3)- طريق الصدوق إلي معاوية بن عمار عن أبيه (من الطبقة التاسعة) و محمد بن الحسن عن سعد بن عبد اللّه الحميري (من الطبقة الثامنة) جميعاً عن يعقوب بن يزيد (من الطبقة السابعة) الثقة

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 92

و الشيخ «1» عليهما الرحمة في التهذيبين، و اللفظ للتهذيبين قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل عليه دين

أ عليه أن يحج؟ قال: نعم، إن حجة الإسلام واجبة علي من أطاق المشي من المسلمين، و لقد كان أكثر من حج مع النبي صلي الله عليه و آله مشاة، و لقد مرَّ رسول اللّٰه صلي الله عليه و آله بكراع الغميم «2» فشكوا إليه الجهد و العناء، فقال: شدّوا أزركم و استبطنوا ففعلوا ذلك فذهب عنهم» «3». و في الفقيه قال: «فشكوا إليه الجهد و الطاقة و الإعياء». «4».

و الكلام فيها: أن القائل بكفاية القدرة علي المشي إما أن يقول بكفايتها مطلقاً و لو كانت بتحمل المشقة و العناء فالرواية تدل عليه، لأن معني قوله عليه السلام: «واجبة علي من أطاق المشي» إن كان من يقدر علي المشي بصرف الطاقة و تحمل المشقة و الصعوبة فالرواية نص في وجوبها علي من لا يقدر علي المشي إلا بذلك،

______________________________

الصدوق من كتاب المنتصر عن صفوان بن يحيي (من أعاظم الطبقة السادسة) و محمد بن أبي عمير (من الطبقة السادسة) جميعاً عن معاوية بن عمار (من الخامسة).

(1)- طريق الشيخ إلي معاوية بن عمار: الحسين بن سعيد (من كبار الطبقة السابعة) عن فضالة بن أيوب (من الطبقة السادسة) عن معاوية بن عمار و إلي الحسين بن سعيد في التهذيب عن الشيخ المفيد (من الطبقة الحادية عشرة) و الحسين بن عبيد اللّٰه (من الطبقة الحادية عشر) و أحمد بن عبدون (من الطبقة العاشرة و عمّر حتي شارك الحادية عشرة) كلهم عن أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد (لعله من العاشرة) عن أبيه (من التاسعة) و طريقه الاخري عن أبي الحسين ابن أبي جيد القمي (من العاشرة و عمّر حتي عاصر الحادية عشرة) عن ابن الوليد عن الحسين الحسن بن

أبان (من الطبقة الثامنة).

(2)- و في مجمع البحرين: (و كراع الغميم- بالغين المعجمة وزان كريم- وادٍ بينه و بين المدينة نحو من مائة و سبعين ميلًا، و بينه و بين مكة نحو ثلاثين ميلًا، و من عسفان إليه ثلاثة أميال).

(3)- تهذيب الأحكام: 5/ 441، الاستبصار: 2/ 141، وسائل الشيعة: أبواب وجوب الحج ب 11 من ح 3.

(4)- من لا يحضره الفقيه: 2/ 259.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 93

و تدل علي وجوبه إذا تمكن من المشي من غير كلفة و إعياء بالأولوية القطعية، و هذا كما قيل في تفسير قوله تعالي: «وَ عَلَي الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعٰامُ مِسْكِينٍ» يعني، يقدرون عليه بالتكلف و المشقة كالشيخ و الشيخة.

و يمكن أن يؤيد ذلك- أي كون الحديث ظاهراً في كفاية التمكن من المشي بالمشقة و العناء- استشهاد الإمام عليه السلام بمُشاةٍ شكوا إلي رسول اللّٰه صلي الله عليه و آله الجهد و العناء.

إلا أن الظاهر أنه لم يقل أحد بكفاية هذا المقدار من القدرة في حصول الاستطاعة المشروط وجوب حجة الإسلام بها، حتي بالنسبة إلي القريب فضلًا عن البعيد، فلا بد علي هذا من رفع اليد عن هذا الظاهر.

و إما أن يقول: معني قوله عليه السلام: «واجبة علي من أطاق المشي» واجبة علي من يقدر علي المشي حتي يشمل القادر علي المشي بدون التكلف و القادر عليه بالتكلف، فيقيد إطلاقه باليقين بعدم وجوبه إذا كان المشي بالتكلف و العناء.

ففيه: أن ذلك ينافي استشهاد الإمام عليه السلام بمشاة شكوا إلي رسول اللّٰه صلي الله عليه و آله الجهد و العناء، فاستظهار كفاية القدرة علي المشي الذي لا كلفة و لا عناء فيه من الصحيحة في غاية الإشكال، بل يحكم عليها

بالإجمال، أو تُحمل علي بعض المحامل، مثل أن حجة الإسلام واجبة علي من يتكلف المشي و يمشي بالمشقة في منزله إذا كان له الراحلة فمثل هذا الضعف البدني لا يمنع عن حجة الإسلام لعدم دخل ذلك في الاستطاعة التي فسرت بالزاد و الراحلة، و القدرة علي المشي و عدمه سيان في حصولها إذ هو متمكن من الركوب علي الراحلة.

و أما بيان حال المشاة الذين كانوا مع رسول اللّٰه صلي الله عليه و آله فلعله لم يكن للاستشهاد علي هذا المعني بل لدفع أن يتوهم أحد أن المشي بالمشقة مانع عن صحة وقوع الحج مطلقاً و لو بالراحلة، حتي يكون مرجوحاً بالزاد لأنه لا ينفك عن الجهد و العناء غالباً كالذين كانوا مع رسول اللّٰه صلي الله عليه و آله.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 94

تذنيبان
الأول: لا يخفي عليك أن صدر صحيحة معاوية بن عمار لا يوافق واحداً من آراء الفقهاء

في مسألة ما إذا كان عنده ما يكفيه للحج و كان عليه دين.

فإنهم بين من يقول بأن الدين مطلقاً و بجميع أقسامه مانع عن وجوب الحج، و هذه الصحيحة تدل علي عدم منعه عنه، و بين من يقول: إن المانع من وجوب الحج هو الدين الحال المطالب به دون غيره، و هذا أيضاً مخالف لإطلاق الصحيحة.

و بين من يقول بالتخيير في بعض الصور و تقديم الحج في بعضها الآخر لوقوع التزاحم بين الأمرين إذا كان الدين حالًا مطالباً به، أما إذا كان مؤجلًا فلا تزاحم في البين فيقدم الحج، و هذا أيضاً لا يستفاد من الصحيحة. و بين من يقول بتعين سقوط الحج و تقديم أداء الدين للتزاحم و هذا أيضاً كسابقه.

و بين من يقول: إن الحج يسقط إذا كان أداء الدين واجباً عليه بالفعل أو كان مؤجلًا لا يثق بالأداء

في المستقبل.

و علي جميع الأقوال التي لعله يكون أكثر مما ذكرناه لا يستقيم الاستدلال لواحد منها بالصحيحة كما استدل به السيد الخوئي قدس سره فإن الصحيحة إنما يكون في مقام بيان أن الدين مطلقاً ليس مانعاً من حصول الاستطاعة، لأنها تحصل بالتمكن من المشي، فليس حصول الاستطاعة متوقفاً علي وجود الراحلة حتي يقال بعدم حصولها مع الدين، أو يقال بتزاحم الأمرين كما اختاره (رحمه اللّٰه).

إذاً فوجه الارتباط بين الجواب و هذا التعليل هو ما يستفاد من ظاهر الحديث، و هو بيان العلة لعدم منع ذلك من الحج و هي حصول الاستطاعة بالمشي دون المال مطلقاً، فإنها تحصل لمن لا يجد ما يحج به بالتمكن من المشي.

بل يمكن أن يقال: إن إطلاق السؤال و الجواب مشعر بعدم دخل الراحلة

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 95

أو ما يجدها به في الاستطاعة، و إنها تحصل منحصرةً بالتمكن من المشي، و ذلك لأن الإمام عليه السلام لم يُجب عما إذا كان عليه دين و لم يقدر علي المشي، فإن التعليل يشمل هذه الصورة لو كان حصول الاستطاعة منحصراً بالقدرة علي المشي.

هذا، و لكن يمكن أن يقال: إن مورد سؤال السائل هو خصوص صورة القدرة علي المشي.

الثاني: قد ظهر مما بيناه عدم كفاية الأخبار المستدل بها لإثبات حصول الاستطاعة بالمشي؛

لعدم دلالة لها يصح الاحتجاج بها لإثبات الحكم الشرعي، و لو أغمضنا عن ذلك و قلنا بتعارضهما فيمكن الجمع بينهما بالإطلاق و التقييد، فإن مقتضي الصناعة تقييد إطلاق مفهوم كلٍّ من الطائفتين بمنطوق الاخري، فإنه لا تعارض بين منطوقيهما، فمنطوق الطائفة الاولي حصول الاستطاعة لمن كان له زاد و راحلة، و منطوق الثانية حصولها لمن يقدر علي المشي، فمقتضاها حصول الاستطاعة بكلٍّ منهما، إلا أن مفهوم مثل قوله عليه السلام: «من كان صحيحاً في

بدنه مخلّي سربه له زاد و راحلة فهو ممن يستطيع الحج» أن من لم يكن له ذلك فهو غير مستطيع، سواء كان قادراً علي المشي أو عاجزاً عنه، فيقيد ذلك بمنطوق مثل قوله عليه السلام: «إن حجة الإسلام واجبة علي من أطاق المشي من المسلمين». كما يقيد إطلاق مفهوم هذه الجملة- و هو عدم وجوبها علي من لا يطيق المشي سواء كان له زاد و راحلة أم كان فاقداً لها- بمنطوق ما دل علي وجوب حجة الإسلام علي من كان له زاد و راحلة، فيتحصل من تقييد المفهومين بالمنطوقين وجوب الحج علي كل واجدٍ للزاد و الراحلة و إن لم يقدر علي المشي، و كل قادر علي المشي و إن لم يكن واجداً للراحلة، إذاً فلا يجب الحج علي من كان عاجزاً عن المشي و فاقداً للراحلة،

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 96

دون غيره. «1»

و هذا مقتضي صناعة حمل المطلق علي المقيد، و بعده لا يبقي مجال لحمل هذه الأخبار علي التقية، لأنه إنما يصح إذا لم يمكن الجمع بين الدليلين بالجمع العرفي، فلا بد إلا العمل بهذا الجمع أو تركه لإعراض المشهور عنها. و هذا المفيد في المقنعة، و السيد في جمل العلم و العمل، و أبو الصلاح في الكافي، و ابن زهرة في الغنية، و الشيخ في النهاية و الجمل و العقود و المبسوط و الخلاف و الاقتصاد، و ابن حمزة في الوسيلة، و الصهرشتي في الإصباح، و ابن إدريس في السرائر، و أبو الحسن علي بن الفضل في إشارة السبق، و الهذلي في الجامع، و ابن فهد، و المحقق، و العلّامة، و الشهيد و غيرهم كلهم قد صرّحوا باشتراط الزاد و الراحلة في

الاستطاعة، بل يمكن دعوي استقرار السيرة علي ذلك، و علي عدم وجوب الحج بمجرد القدرة علي المشي.

إذاً فالاعتماد علي هذه الأخبار الدالة علي كفاية القدرة علي المشي، و تقييد الأخبار الدالة علي اعتبار الراحلة بها، مع إعراض هؤلاء الأعاظم (رضوان اللّٰه تعالي عليهم) عنها و عدم معلومية عمل أحد بها مع وضوح إمكان الجمع بين الطائفتين بالإطلاق و التقييد في غاية الإشكال، و لا يوافق سيرة العرف و العقلاء، فالعمل علي المختار المشهور و هو اشتراط وجوب حجة الإسلام بالراحلة. و اللّٰه

______________________________

(1)- التعارض إنما يكون بين منطوق الثانية و مفهوم الاولي، و أما التعارض بين منطوق الاولي و مفهوم الثانية فهو فرع وجود مفهوم للثانية، و هو متوقف علي استفادة انحصار العلية في الشرط. و الظاهر أن هذه الصحيحة و غيرها المتعرضة للقدرة علي المشي في صدد بيان أقل ما به يتحقق الاستطاعة، فليست المسألة من صغريات تعدد الشرط و اتحاد الجزاء لعدم مفهوم المخالفة للثانية بل لها مفهوم الموافقة لأنه إذا كان من أطاق المشي مستطيعاً فصاحب الراحلة مستطيع بالأولوية فانحصر التعارض بين منطوق الثانية و مفهوم الاولي (المؤلف).

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 97

تعالي هو العالم.

[مسألة 16] هل تعتبر الراحلة في الاستطاعة للقريب أيضاً؟

مسألة 16- هل اعتبار الزاد و الراحلة في الاستطاعة في حق من يفتقر إليهما لبعد المسافة دون القريب الذي يمكنه المشي بدون المشقة أو من غير مشقة يعتد بها، أو أن اعتبارهما مطلق في حق القريب و البعيد وجهان.

حكي الأول في الجواهر عن غير واحد، بل قال: (لا أجد فيه خلافاً، بل في المدارك نسبه إلي الأصحاب؛ مشعراً بدعوي الإجماع عليه- إلي أن قال: - لكن في كشف اللثام: يقوي عندي اعتبارها أيضاً للمكي للمضي إلي عرفات و

أدني الحِلّ و العود). «1»

و الذي يظهر لنا بعد الفحص في كلمات الفقهاء- رضوان اللّٰه عليهم- أن ظاهرها بيان الاستطاعة للنائي دون المكي و القريب.

قال المفيد في المقنعة: (و الاستطاعة عند آل محمد صلي الله عليه و آله … و حصول ما يلجأ إليه في سد الخلة من صناعة يعود إليها في اكتسابه أو ما ينوب عنها من متاع أو عقار أو مال، ثمّ وجود الراحلة بعد ذلك و الزاد). «2»

و يستفاد ذلك من السيد في جمل العلم و العمل «3» و في الناصريات «4»، و قال أبو الصلاح في الكافي: (و العود إلي كفاية من صناعة أو تجارة أو غير ذلك). «5»

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 17/ 252.

(2)- المقنعة/ 384.

(3)- رسائل الشريف المرتضي: 3/ 62.

(4)- الناصريات/ 207.

(5)- الكافي/ 192.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 98

و قال الشيخ في النهاية: (و الرجوع إلي كفاية)، و في الجمل و العقود:

(.. و الرجوع إلي كفاية إما من المال أو الصناعة أو الحرفة) «1»، و نحوه قال في الاقتصاد «2» و في المبسوط «3».

و قال أبو المكارم ابن زهرة في الغنية: (و الاستطاعة يكون … و وجود الزاد و الراحلة و الكفاية له و لمن يعول، و العود إلي كفاية من صناعة أو غيرها بدليل الإجماع) «4».

و قال نظام الدين أبو الحسن سلمان بن الحسن الصهرشتي في إصباح الشيعة:

(و العود إلي كفاية من صناعة أو غيرها) «5».

هذا و قد صرح بذلك غيرهم مثل الحلي في السرائر «6» و أبي الحسن علي بن أبي الفضل الحلبي في إشارة السبق «7»، و المحقق في الشرائع «8» و الشهيد في الدروس. «9»

الذي ينبغي أن يقال: إنّ دلالة الآية بالمنطوق علي وجوب الحج علي مثل

المكي حتي بعموم قوله تعالي: «النّٰاسِ» قابلة للمنع، لإمكان دعوي صحة استظهار أن الآية تكون في مقام إيجاب الحج علي النائين و من بعد منزله عن مكة،

______________________________

(1)- النهاية/ 203، الرسائل العشر/ 223.

(2)- الاقتصاد/ 297.

(3)- المبسوط: 1/ 296.

(4)- غنية النزوع/ 573.

(5)- إصباح الشيعة/ سلسلة الينابيع: 8/ 458.

(6)- السرائر: 1/ 507.

(7)- إشارة السبق: 1/ 162.

(8)- شرايع الإسلام: 1/ 167.

(9)- الدروس الشرعية: 1/ 312.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 99

و ذلك لمكان قوله تعالي: «مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا» و لا يقال ذلك للمكي و من هو بمنزلته ممن هو حاضر عند البيت.

و الدليل علي ذلك أيضاً تفسير الاستطاعة بتخلية السرب و صحة البدن و وجود الزاد و الراحلة، فإن هذا مناسب لاستطاعة النائي، و إلا فلا يسأل المكي الذي هو غالباً في الذهاب و الإياب إلي عرفات بدون المشقة عن معني الاستطاعة، فالمراد من الناس: الذين يصح الإخبار عنهم بحج البيت و قصد الكعبة، و هم غير المكيين و من هو بمنزلتهم.

إن قلت: إذاً فما الدليل علي وجوب الحج علي القريب و المكي؟

قلت: الأولوية القطعية و إجماع المسلمين، و علي هذا فالأقوي وجوب الحج علي المكي و القريب من مكة الذي لا يشق عليه المشي و إن لم تكن له الراحلة. هذا، و لا يخفي أنه لو قيل بدلالة الآية علي وجوب الحج علي القريب و البعيد فلا بد من القول بإطلاق اعتبار وجود الزاد و الراحلة و شموله للقريب و المكي كالبعيد. و اللّٰه هو العالم.

[مسألة 17] تحقق الاستطاعة بالزاد و الراحلة عيناً و قيمة

مسألة 17- الأقوي أنه يكفي في حصول الاستطاعة وجود ما يتمكن به من تحصيل الزاد و الراحلة، فلا يلزم أن يكونا حاصلين عنده بعينهما، بل يكفي أن يكون عنده ما يتمكن من

تحصيلهما و لو في أثناء السفر و قطع المسافة.

و ذلك أولًا: للروايات الدالة علي عدم الفرق بين وجودهما عيناً و وجود ما يتمكن به من تحصيلهما.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 100

فقد روي الكليني قدس سره، عن محمد بن يحيي «1»، عن أحمد بن محمد «2»، عن محمد بن إسماعيل «3»، عن محمد بن الفضيل «4»، عن أبي الصباح الكناني «5»، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «قلت له: أ رأيت الرجل التاجر ذي المال حين يسوِّف الحج كل عام و ليس يشغله عنه إلا التجارة أو الدين؟ فقال: لا عذر له يسوف الحج، إن مات و قد ترك الحج فقد ترك شريعة من شرايع الإسلام».

و رواه عن علي بن إبراهيم «6» عن أبيه «7» عن ابن أبي عمير «8» عن حماد «9» عن الحلبي «10» عن أبي عبد اللّه عليه السلام مثله. «11»

و عن حميد بن زياد «12» عن الحسن بن محمد بن سماعة «13» عن أحمد بن الحسن الميثمي «14» عن أبان بن عثمان «15» عن أبي بصير «16» قال: «سمعت أبا

______________________________

(1) من الطبقة الثامنة، شيخ أصحابنا ثقة.

(2) من الطبقة السابعة، شيخ القميين.

(3) من الطبقة السابعة أو السادسة ثقة.

(4) من الطبقة السادسة، رمي بالضعف و غيره.

(5) كأنه من الطبقة الرابعة، اسمه ابراهيم بن نعيم، روي مرسلا أن الصادق عليه السلام قال له: «أنت ميزان لا عين فيه».

(6) من صغار الطبقة الثامنة، صاحب التفسير.

(7) من الطبقة السابعة، أول من نشر حديث الكوفيين بقم.

(8) من الطبقة السادسة، مشهور.

(9) من الطبقة الخامسة، ممن أجمعت العصابة …

(10) عبيد الله بن علي الحلبي، من كبار الخامسة و الثقات.

(11) وسائل الشيعة، ب 6 من أبواب وجوب الحج و شرائطه

ح 4.

(12) من الطبقة الثامنة، عالم جليل القدر.

(13) واقفي، من الطبقة السابعة ثقة.

(14) من الطبقة السادسة، صحيح الحديث سليم.

(15) من الطبقة الخامسة، ممن أجمعت العصابة …

(16)- من الطبقة الرابعة، ليث المرادي من أوتاد الأرض.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 101

عبد اللّه عليه السلام يقول: من مات و هو صحيح موسر لم يحج فهو ممن قال اللّٰه عز و جل:

«وَ نَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيٰامَةِ أَعْميٰ …» الحديث «1».

و عن الصدوق بإسناده عن محمد بن الفضيل قال: «سألت أبا الحسن عليه السلام عن قول اللّٰه عز و جل: «وَ مَنْ كٰانَ فِي هٰذِهِ أَعْميٰ فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْميٰ وَ أَضَلُّ سَبِيلًا»، فقال: نزلت فيمن سوف الحج حجة الإسلام و عنده ما يحج به …» الحديث. «2»

و في تفسير العياشي عن كليب «3» عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «سأله أبو بصير و أنا أسمع فقال له: رجل له مائة ألف فقال: العام أحج، العام أحج، فأدركه الموت و لم يحج حج الإسلام، فقال عليه السلام: يا أبا بصير، أما سمعت قول اللّٰه: «وَ مَنْ كٰانَ فِي هٰذِهِ أَعْميٰ» الآية؟ أعمي عن فريضةٍ من فرائض اللّٰه». «4»

و مثل هذه الأحاديث غيرها، مثل صحيحتي معاوية بن عمار و صحيحة الحلبي المتقدمتين و ما أخرجه في الوسائل في الباب الثامن.

و لا ريب في دلالة هذه الروايات علي أن الاستطاعة أعم من وجود عين الزاد و الراحلة أو ما به يتمكن من تحصيلهما، كما لا فرق في ذلك بين إمكان تحصيلهما من ابتداء إنشاء السفر أو في أثنائه.

و ثانياً: للقطع بكفاية وجود ما به يتمكن من تحصيلهما و عدم الفرق بينه و بين وجود عينهما عنده، إذ لا يمكن أن يقال بوجوبه

علي من لم يكن عنده إلا الراحلة و الزاد المتعارف، و سقوطه عن الذي هو صاحب الثروة العظيمة و المكنة الكبيرة

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب وجوب الحج ح 7 و.

(2)- وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب وجوب الحج ح 8.

(3)- الصيداوي أو الأسدي، من البقطة الخامسة، له كتاب.

(4)- وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب وجوب الحج ح 12.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 102

و ليس عنده الراحلة، فهذا مما لا إشكال فيه، و لذا قال بعضهم: ينبغي عدّه من الضروريات.

[مسألة 18] المراد بالزاد

مسألة 18- المراد بالزاد مطلق ما يحتاج إليه الشخص من المأكول و المشروب و الملبوس و ما هو محتاج إليه في السفر و ما يتوقف عليه حمل ما يحتاج إليه.

كل ذلك بحسب حاله و زمانه من القوة و الضعف و الحر و البرد و غيره، و ذلك يختلف باختلاف الأشخاص في هذه الجهات، و يكفي وجدانه في المنازل التي ينزل فيها، و لا يجب أن يكون واجداً له في بلده، و بالعكس يكفي في صدق وجدان الزاد وجدانه في بلده و إن كان فاقداً له في المنازل التي يحتاج إليه فيها، و لا فرق بين الطعام و الماء في صدق الوجدان و وجوب حملهما إذا فقدا في أثناء الطريق و كان واجداً لهما في بلده.

و الفرق بين الطعام و الماء بعدم صدق الوجدان و سقوط الوجوب إذا توقف المسير علي حمل الماء، لأن الزاد المذكور في النصوص معناه ما يتخذ من الطعام للسفر، و في لسان العرب: (طعام السفر و الحضر) و في المفردات للراغب: (المدخر الزائد علي ما يحتاج إليه في الوقت) «1» لا وجه يعتد به له، فإنه لا ريب أن المراد

من الزاد في المقام ليس خصوص الطعام، بل يشمل كل ما يلزم أن يدخره المسافر

______________________________

(1)- قال ما هذا لفظه: (الزاد المدخر الزائد علي ما يحتاج إليه في الوقت و التزود أخذ الزاد قال: و تزودوا فإن خير الزاد التقوي و المزود ما يجعل فيه الزاد من الطعام و المزادة ما يجعل فيه من الزاد من الماء).

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 103

لسفره مما يحتاج إليه طعاماً، كان أو لباساً أو شراباً.

و خصوصية الطعام- لأنه في الأكثر لا يوجد في الطريق، دون الماء فإنه كثيراً ما يوجد في الطريق- لا توجب الفرق بين الطعام و الشراب، و صدق وجدانه للطعام إذا كان واجداً له في بلده و عدم صدقه إذا لم يكن واجداً للشراب في المنازل و واجداً له في بلده، فالزاد و لو كان معناه الطعام فقد اريد منه ما هو أعم من كل ما يحتاج إليه المسافر في سفره.

و هكذا لا يصح الفرق بين الطعام و الماء في وجوب حملهما بعدم جريان العادة علي حمل الماء لنفسه و لراحلته فلا يكون واجداً له إذا لم يكن واجداً في المنازل دون الطعام، أو بوجود المشقة العظيمة في ذلك، فإن عدم جريان العادة علي حمل الماء كان لوجوده في المنازل علي حسب العادة، و مع فقدانه فيحمله المسافر كما يحمل طعامه و سائر ما يحتاج إليه في السفر، فلا يكون بذلك هو فاقد الماء.

و أما وجود المشقة العظيمة فهو غير مطّرد بالنسبة إلي جميع الأشخاص، بل يمكن منعها لإمكان حمل الماء علي الروايا، و في عصرنا علي السيارات. نعم، يجب عليه ذلك إذا كان موسراً و كان عنده مال يتمكن به من حمل الماء، و إلا لا

يجب عليه لفقد شرط الوجوب أي الاستطاعة، و كيف كان فالأمر واضح و الفرق ممنوع.

ثمّ إنه قال في المدارك: (المعتبر في القوت و المشروب تمكنه من تحصيلهما إما بالشراء في المنازل أو بالقدرة علي حملهما من بلده أو غيره) «1».

و قال العلامة في التذكرة: (و إن كان يجد الزاد في كل منزل لم يلزمه حمله، و إن لم يجد كذلك لزمه حمله، و أما الماء و علف البهائم فإن كان يوجد في المنزل التي ينزلها علي حسب العادة فلا كلام، و إن لم يوجد لم يلزمه حمله، و لا من أقرب البلدان إلي

______________________________

(1)- مدارك الأحكام: 7/ 39.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 104

مكة كأطراف الشام و نحوها؛ لما فيه من عظم المشقة و عدم جريان العادة به، و لا يتمكن من حمل الماء لدوابّه في جميع الطريق، و الطعام بخلاف ذلك). «1»

و قال في المنتهي: (الزاد الذي تشترط القدرة عليه هو ما يحتاج إليه من مأكول و مشروب و كسوة، فإن كان يجد الزاد في كل منزل لم يلزمه حمله، و إن لم يجده كذلك لزمه حمله، و أما الماء و علف البهائم فإن كان يوجد في المنازل التي ينزلها علي حسب العادة لم يجب حملهما، و إلّا وجب مع المكنة، و مع عدمها يسقط الفرض). «2»

و قال في موضع آخر: (و أما الماء فإن كان موجوداً في المواضع التي جرت العادة بكونه فيها كعبد و علبية و غيرهما وجب الحج مع باقي الشرائط، و إن كان لا يوجد في مواضعه لم يجب الحج و إن وجد في البلدان التي يوجد فيها الزاد، و الفرق بينهما قلة الحاجة في الزاد و كثرتها في الماء، و حصول

المشقة بحمل الماء دون الزاد) «3».

و ظاهر هذه الكلمات أن وجوب الحمل يدور مدار عدم المشقة التي كانت بالنسبة إلي الماء و علف البهائم في تلك الأزمنة، و لذا أفتي بعدم الوجوب فيهما، بخلاف الطعام.

و قال الشيخ قدس سره في المبسوط: (أما الزاد إن وجده في أقرب البلدان إلي البر فهو واجد، و كذلك إن لم يجده إلا في بلده فيجب عليه حمله معه ما يكفيه لطول طريقه إذا كان معه ما يحمل عليه، و أما الماء فإن كان يجده في كل منزل أو في كل منزلين فهو واجد، و إن لم يجده إلا في أقرب البلدان إلي البر أو في بلده فهو غير

______________________________

(1)- تذكرة الفقهاء: 1/ 301.

(2)- منتهي المطلب: 2/ 653.

(3)- منتهي المطلب: 2/ 654.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 105

واجد، و المعتبر في جميع ذلك العادة، فما جرت العادة بحمل مثله وجب حمله، و ما لم تجرِ سقط وجوب حمله، و أما علف البهائم و مشروبها فهو كما للرجل سواء إلي أن قال-: هذا كله إذا كانت المسافة بعيدة) «1».

و ظاهر كلامه أن وجوب الحمل يدور مدار جريان العادة بالحمل، فلا يكون هو مستطيعاً بحسب العادة إذا لم تجر العادة بحمله.

و لكن الظاهر أنه إذا كان عنده ما يحمل عليه فعلًا أو قوةً فهو مستطيع يجب عليه حمله، كما في مثل زماننا، فإنه يمكن حمل الماء و الطعام و الزيت و غيرها بسهولةٍ و من غير مشقّة.

فتحصل من ذلك أنه لو أمكن له حمل كل ذلك بالسيارة أو الطائرة يجب عليه، و عدم وجدانه في الطريق و إن كان علي خلاف العادة لا يوجب سقوطه من الاستطاعة. و اللّٰه العالم.

[مسألة 19] المراد بالراحلة

مسألة 19- المراد بالراحلة:

راحلة كل أحد بحسب حاله من القوة و الضعف.

و في مثل عصرنا مطلق ما يركبه عليه المسافرون من القطار و السيارة الطائرة و السفينة. ثمّ إذا لم يكن قادراً علي ركوب بعضها يشترط في استطاعته حصول غيره، و هل يختلف الحكم فيها من حيث الشرف و الضعة؟ فإذا كان أحد من حيث الشرف و العنوان أن يكون سفره بالطيارة أو الطائرة الكذائية و لا يجدها إما لعدم تمكنه المالي أو لعدم وجود ما يناسبه من الطائرة فهل يسقط عنه الحج لعدم

______________________________

(1)- المبسوط: 1/ 300.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 106

قدرته علي ما يحج به الذي هو شرط للاستطاعة، أو يجب عليه حجة الإسلام لحصول الراحلة التي هي شرط في الاستطاعة؟

يمكن أن يقال: إنه يستفاد من الأخبار تفسير الاستطاعة بالسعة المالية و اليسار التي تختلف بحسب شئون الأشخاص، مثل ما رواه في المحاسن: عن أبيه، عن عباس بن عامر «1» عن محمد بن يحيي الخثعمي «2» عن عبد الرحيم القصير «3» عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «سأله حفص الأعور «4» و أنا أسمع عن قول اللّٰه عز و جل: «وَ لِلّٰهِ عَلَي النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ …» قال: ذلك القوة من المال و اليسار، قال: فإن كانوا موسرين فهم ممن يستطيع؟ قال عليه السلام: نعم» «5».

و خبر أبي بصير المتقدم ذكره، قال: «سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: من مات و هو صحيح موسر لم يحج فهو ممن قال اللّٰه عز و جل: «وَ نَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيٰامَةِ أَعْميٰ» «6»

و هذه الأخبار تدل علي وجوب الحج علي من له المال و اليسار، فمن ليس له يسارٌ يتمكن به من راحلة يتعارف لمثله ركوبها ليس موسراً فهو

غير مستطيع.

بل يمكن أن يقال بدلالة ما دل بالإطلاق أو العموم علي كفاية حصول الاستطاعة بمطلق الراحلة علي حصول الراحلة المناسبة له بحسب حاله، فإن هذا هو الذي يستفاد منه بحسب مناسبة الحكم و الموضوع، و هذا ليس تمسكاً بالحرج

______________________________

(1)- الشيخ الصدوق الثقة، كثير الحديث، من الطبقة السابعة.

(2)- من الطبقة الخامسة أو السادسة ثقة.

(3)- كأنه من الطبقة الخامسة.

(4)- من الطبقة الرابعة أو الخامسة.

(5)- وسائل الشيعة ب 9 من أبواب وجوب الحج و شرائطه ح 3.

(6)- وسائل الشيعة ب 6 من أبواب وجوب الحج و شرائطه ح 7.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 107

و أن وجوب ركوب الراحلة التي لا تليق به يكون حرجياً فهو منفي بقاعدة نفي الحرج، بل هذا مقتضي دلالة الدليل الذي دل علي تفسير الاستطاعة بالمال و اليسار بل و الراحلة.

و أما ما أفاده بعض الأعاظم من أن الحج الذي افترضه اللّٰه علي العباد و جعله مما بني عليه الإسلام المسمّي بحج الإسلام في الروايات مشروط بعدم العسر بمقتضي قاعدة نفي الحرج، فما يصدر منه حال العسر و الحرج ليس بحجة الإسلام «1».

ففيه: أن ما ينفي بالحرج هو وجوب حجة الإسلام، و لا يثبت به اشتراطه بعدم العسر و الحرج، كما لا ينفي به ما اعتبر فيها، و لذا لو حج متسكِّعاً بالراحلة التي لا تليق به يجزيه عن حجة الإسلام. و بالجملة: فقاعدة نفي الحرج لا تشرح معني حجة الإسلام و ما به يحصل الاستطاعة، فوجوب حجة الإسلام إما مشروط باليسار بدلالة الأخبار فلا حاجة إلي قاعدة نفي الحرج لنفي وجوبها عن غير الموسرين، و إما ليس مشروطاً باليسار فقاعدة نفي الحرج لا ترفع إلا وجوبها دون صحتها و وقوعها حجة الإسلام.

ثمّ

إن هنا رواية تدل بظاهرها علي وجوب الحج و إن كان علي حمار أجدع مقطوع الذنب، و هي ما رواه الصدوق- عليه الرحمة- في الفقيه عن هشام بن سالم «2» عن أبي بصير قال: «سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: من عرض عليه الحج و لو علي حمار أجدع مقطوع الذنب فأبي فهو مستطيع للحج». «3»

و رواه في التوحيد: عن أبيه، عن سعد، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن خالد

______________________________

(1)- معتمد العروة: 1/ 89.

(2)- من متكلمي أصحابنا، من الطبقة الخامسة ثقة، و إسناد الفقيه إليه صحيح.

(3)- وسائل الشيعة ب 10 من أبواب وجوب الحج و شرائطه ح 7.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 108

البرقي، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم مثله.

و الظاهر أن هذه الرواية و رواية المحاسن عن علي بن الحكم «1» عن هشام بن سالم عن أبي بصير واحدة، إلا أن لفظها هكذا: قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: رجل كان له مال فذهب، ثمّ عرض عليه الحج فاستحيي؟ فقال: من عرض عليه الحج فاستحيي و لو علي حمار أجدع مقطوع الذنب فهو ممن يستطيع الحج» «2».

و موردهما و إن كان البذل إلا أنه من المعلوم أنه لا خصوصية له، و إطلاقه يشمل إذا كان الركوب علي حمار أجدع مقطوع الذنب خلاف شرف المبذول له.

و فيه أولًا: أن هذا الحديث معارض لكل ما دل علي أن القدرة المشروط عليها الحج التي يعبر عنها بالاستطاعة أو الاستطاعة الشرعية أوسع من القدرة المشروط عليها عقلًا مطلق التكاليف، فهي قدرة خاصة لا يقع المكلف باعتبارها في تعلق الوجوب بالحج في الحرج و المشقة الزائدة عما يقتضيه طبع التكليف، فروعي في ذلك يسر

الشريعة السمحة السهلة، و لا أظنّ أنّ أحداً يلتزم باعتبار مثل ذلك «3» (أي كفاية وجدان حمار أجدع أبتر) في الاستطاعة إلي الحج؛ لأن ذلك يرجع إلي اشتراط وجوب الحج بأمرٍ زائدٍ علي ما يقتضيه طبع سائر التكاليف، فإن المكلف إما أن يكون قادراً علي المشي فكون وجوب الحج عليه مشروطاً أن يكون له حمار أجدع، و الحال أن المشي عليه أهون من الركوب عليه و لا أقلَّ من أن لا يكون … لا يكون مهانته أكثر منه، مما لا نفهم له معني محصلًا و لا توسعة فيه علي المكلف. و إما أن يكون عاجزاً عن المشي فوجوبه عليه إن كان له حمار أجدع

______________________________

(1)- من تلامذة ابن أبي عمير، من الطبقة السادسة.

(2)- وسائل الشيعة: ب- 10 من أبواب وجوب الحج ح 7.

(3)- خلافاً لكشف اللثام: 1/ 289.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 109

يكون مؤكداً لوجوبه، إذاً فأين الاستطاعة الشرعية؟ و أين ما هو المغروس في جميع أذهان المتشرعة من أن الحج مشروط بالاستطاعة؟ و ما معني عقد الباب في مثل الوسائل بعنوان باب وجوب الحج علي كل مكلف مستطيع، و باب وجوب الحج مع الاستطاعة؟ إذاً فظاهر الحديث لا يوافق تلك الأخبار الكثيرة و الاتفاق علي اشتراط وجوب الحج بالاستطاعة.

و ثانياً: أنه لا شك في أن الركوب علي حمار أجدع حرجي علي ذوي الشرف و المنزلة الاجتماعية، فإطلاق دليله يقيد بأدلة نفي الحرج الحاكمة عليه.

إن قلت: لا منصب و لا شرف أعلي من شرف النبوة و الإمامة، و كان النبي و الأئمة- عليهم صلوات اللّٰه- ركبوا الحمير و الزوامل و حجوا عليها، و أي منقصة في الركوب علي الحمار و الزاملة بعد ذلك؟ و الحرج الذي

يحصل للشخص من ذلك ناشئ من نقص الأخلاق و حب العلو، قال اللّٰه تعالي: «تِلْكَ الدّٰارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهٰا لِلَّذِينَ لٰا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ» «1» و النبي و الأئمة عليهم السلام كان من دعوتهم و تربيتهم للناس إبطال هذه العادات و وضع أغلالها التي كانت علي الناس، فمثل هذا الحرج المذموم كالحرج الناشئ من الحسد لا يكون نافياً للحكم، و لا مراداً من مثل قوله تعالي: «مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ» «2»، و «يُرِيدُ اللّٰهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَ لٰا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ» «3» و لذلك كان رسول اللّٰه صلي الله عليه و آله ربما يركب الحمار العاري، و هو صلي الله عليه و آله الذي قال اللّٰه تعالي في خلقه مخاطباً إياه: «وَ إِنَّكَ لَعَليٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ» «4».

قلت: ربما يقع الإنسان في الضيق و الحرج لنقص التربية و سوء الأخلاق من

______________________________

(1)- القصص/ 83.

(2)- الحج/ 78.

(3)- البقرة/ 185.

(4)- القلم/ 4.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 110

الكبر و حب الجاه و الترفع علي عباد اللّٰه، كما قد يقع في الحرج لو جلس في مجلسٍ دون ما يريده، و يري الركوب علي الحمار دون شأنه لثروته و جاهه و منصبه، و هو مستصغر لغيره من المؤمنين الذين ليس لهم ذلك، فالحرج الحاصل من هذه الحالة الغير متواضعة ليس رافعاً للحكم، كالحرج الحاصل لهؤلاء من الجلوس مع الفقراء و الضعفاء و العمال و غيرهم، فلا بد له من الجهاد مع النفس لترك هذه الحالة السيئة، و تأديب نفسه بالتأسي بالرسول الأعظم صلي الله عليه و آله الذي كان يجلس جلسة العبد، و يأكل أكلة العبد، و لم يقبل ما عرضه عليه بعض الأغنياء و أهل الجاه و الاستعلاء

أن يختصهم بمجالس لا يدخل فيها الضعفاء و الفقراء و أهل الصفة.

و تارةً يقع الإنسان في الحرج لوقوعه معرض استصغار الغير و استحقاره عزته الإيمانية و كرامته الإنسانية، و لا شك أنه لا ينبغي للمؤمن قبول الاستذلال، فالعزة للّٰه و لرسوله و للمؤمنين، و لذا لا يقبل الهدية من غيره إذا كان فيه مظنة الاستحقار، و لا يسأل عن غيره لئلا يتحمل ذلة السؤال، و كذلك لا يجب عليه القبول إذا بذل له الحمار الأبتر استحقاراً به إذا كان قبول هذا الاستحقار حرجاً عليه، كما إذا فضل عليه غيره لأن له كذا و كذا من المال، مع أنه مفضل عليه بالعلم و السوابق الإسلامية و كما إذا صار ذلك سبباً لنظر الناس إليه بعين الحقارة فالحرج من هذه الجهات يكون رافعاً للتكليف.

و الحاصل: إذا كان الحرج حاصلًا من وقوعه في معرض توهين عزته الإيمانية و كرامته الإنسانية أو سبباً لاستحقار الناس شخصيته التي لا تقصر عن شخصية غيره من الناس الذين جعل اللّٰه أكرمهم عنده أتقاهم أو سبباً لاستحقار منصبه إذا كان من المناصب الإسلامية التي يجب حفظ عزتها و اعتبارها يكون رافعاً لوجوب الحج فهذا هو الملاك في الحرج الرافع للتكليف هنا. و اللّٰه تعالي هو العالم.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 111

[مسألة 20] من كان متمكناً من اكتساب المال في الطريق

مسألة 20- إذا لم يكن عنده بالفعل ما يحج به من الزاد و الراحلة أو المال الذي يتمكن به من تحصيلهما بالشراء أو الاستيجار و لكن كان كسوباً متمكناً من اكتساب المال في الطريق كما هو حاله في وطنه و منزله فهل يجب عليه الحج لحصول الاستطاعة له بذلك، أم لا يجب، للزوم كونه موجوداً بالفعل عنده لصدق الاستطاعة؟

و الظاهر اختصاص بحثهم

في ذلك بما إذا كان متمكناً من تحصيل الزاد بالاكتساب في الطريق دون الراحلة، فقد ادعي الإجماع و دلالة الأحاديث علي وجودها، أو وجود ما به يتمكن من تحصيلها بالفعل لا بالقوة و في الأثناء، إلا أن ذلك محل النظر، فإن الإجماع غير محقق، و علي تقدير تحققه في مسألتنا هذه غير حجة، و الأحاديث إن دلّت علي وجود الراحلة بالفعل فتدلّ علي لزوم وجود الزاد أيضاً كذلك، فالبحث ينبغي أن يكون أعمّ لمن كان له الزاد بالقوة أو الراحلة كذلك.

قال العلامة في التذكرة: (لو لم يجد الزاد و وجد الراحلة و كان كسوباً يكتسب ما يكفيه، و قد عزل نفقة أهله مدة ذهابه و عوده، فإن كان السفر طويلًا لم يلزمه الحج؛ لما في الجمع بين السفر و الكسب من المشقة العظيمة، و لأنه قد ينقطع عن الكسب لعارض فيؤدي إلي هلاك نفسه. و إن كان السفر قصيراً: فإن كان تكسبه في كل يوم بقدر كفاية ذلك اليوم من غير فضل لم يلزمه الحج؛ لأنه قد ينقطع عن كسبه في أيام الحج فيتضرر، و إن كان كسبه في كل يوم يكفيه لأيامٍ لم يلزمه الحج أيضاً للمشقة، و لأنه غير واجدٍ لشرط الحج، و هو أحد وجهي الشافعية،

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 112

و الثاني الوجوب و به قال المالك مطلقاً). «1»

و قال في المستند: (و لو لم يجد الزاد و لكن كان كسوباً يتمكن من الاكتساب في الطريق لكل يوم بقدر ما يكفيه و ظن إمكانه بجريان العادة عليه من غير مشقة وجب الحج لصدق الاستطاعة، و عن التذكرة سقوطه إن كان السفر طويلًا؛ لما في الجمع بين الكسب و السفر من المشقة، و

لإمكان انقطاعه من الكسب، و هو منازعة لفظية، لأن المفروض إمكان الجمع و جريان العادة لعدم الانقطاع، و إلا فالزاد أيضاً قد يُسرق). «2»

اعلم: أن الذي يقتضيه التحقيق: أن الكلام في هذه المسألة يقع في من لا يجد الزاد بالفعل، و لكن يكون كسوباً يكتسب ما يكفيه لقضاء العادة و الضرورة علي تحصيل الزاد المحتاج إليه، سواء كان في السفر أو الحضر.

و بعبارةٍ اخري: من يكتسب الزاد بما يعود إليه من شغله اليومي لإعاشته الشخصية اليومية بحيث لا يتمكن من ترك هذا الاكتساب عادة لاضطراره إليه، من غير فرقٍ في ذلك بين أن يكون مسافراً أو حاضراً في منزله فهل يجب عليه الحج لأنه يكتسب ما يكفيه لا محالة، كان في الطريق أو في المنزل، فهو و إن لم يكن واجداً للزاد بالفعل إلا أنه يكون عالماً بحصوله بالاكتساب الضروري الذي يتحمله بحسب العادة و الاضطرار المعاشي فهل هو كمن يكون واجداً للزاد بالفعل حتي يكون مستطيعاً للحج؟

ظاهر عبارة العلامة التردد في ذلك، فإنه تارةً يتمسك بنفي الوجوب بحصول المشقة العظيمة في الجمع بين السفر و الكسب، و هذا يقتضي كونه بمنزلة الواجد للزاد،

______________________________

(1)- تذكرة الفقهاء: 1/ 302.

(2)- مستند الشيعة: 2/ 156.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 113

غير أن الوجوب مرفوع عنه بالحرج و المشقة: و تارة يستدل علي عدم الوجوب بإمكان انقطاعه عن التكسب فيؤدي إلي هلاك نفسه أو انقطاعه عن كسبه في أيام الحج، و هذا يقتضي عدم كونه بمنزلة واجد الزاد فلا يجب عليه الحج، و إن كان في استدلاله علي عدم كونه بمنزلة الواجد بالفعل بإمكان انقطاعه عن الكسب نظر، كما أفاده النراقي؛ لأنّ المفروض إمكان الجمع و جريان العادة بعدم الانقطاع،

و إلّا فالزاد أيضاً قد يسرق.

و يمكن أن يقال: إن الزاد المذكور في أخبار تفسير الاستطاعة هو الزاد الزائد علي ما يكتسبه الشخص بالاضطرار و الضرورة لإعاشته، فإنه ليس محتاجاً إليه في الحج، بل محتاج إليه لضروريات حياته و يكتسبه لا محالة، فإذا كان يكتسبه بحسب شغله في السفر كالحضر و لا يحتاج الشخص للسفر للحج إلي أزيد منه فهو غير محتاج إلي الزاد للحج، و إنما يجب عليه السفر فقط، و هذا الذي رفع وجوبه العلامة بالمشقة.

و الحاصل: أن قوله عليه السلام: «له زاد و راحلة» منصرف عن مثل هذا الشخص الذي يحتاج إليه بالضرورة و يكتسبه علي كل حالٍ بحسب العادة.

ثمّ لا يخفي عليك الفرق بين قول العلامة: «و كان كسوباً يكتسب ما يكفيه» و بين قول الفاضل: (و كان كسوباً يتمكن من الاكتساب في الطريق)، فإن الأول معناه هو ما بيناه و أنه يكتسب ما يكفيه لا محالة، و الثاني معناه يتمكن من اكتساب زاد الحج بالكسب و إن كان زائداً علي ما هو مضطر إلي اكتسابه، و لذا كأنه دفع في ذيل كلامه إيراد من يورد عليه بأنه علي هذا إذا كان متمكناً من الاكتساب في الطريق فليكن الأمر في الراحلة أيضاً كذلك بقوله: «و أما الراحلة فعلي اشتراطها و توقف الاستطاعة عليها الإجماع …» «1»

و لا يخفي عليك أنه علي ما بيناه من مراد العلامة يختص البحث بما إذا كان

______________________________

(1)- مستند الشيعة: 2/ 162.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 114

كسوباً يكتسب ما يكفيه من الزاد دون الراحلة، فإنه لا يأتي فيها هذا البحث لعدم قضاء الحاجة و الضرورة و الاضطرار إلي اكتسابها مطلقاً.

هذا و بعد ذلك كلِّه و شرح ما أفاده

العلامة قدس سره بما لعله لا مزيد عليه نقول: إنّ الظاهر من قوله عليه السلام: «هذا لمن كان عنده مال» أن لوجدان الزاد و الراحلة أو المال بالفعل- سواء كان الشخص مكتسباً للزاد بالضرورة و الاضطرار، أو كان الزاد المحتاج إليه للحج زائداً علي ذلك- دخل في وجوب الحج و حصول الاستطاعة.

فمن يتشرف بتشريف أداء الحج ينبغي له أن يكون فارغ البال من جهة المأكل و الملبس و المشرب و سائر ما يحتاج إليه فلا وجه لرفع اليد عن ظاهر هذه الأدلة و القول بكفاية اكتساب الزاد في الطريق؛ لأنه محتاج إليه بالضرورة لا يمكن له عادة تركه. «1»

اللهم إلا أن يقال بعدم الفرق بين الحالتين، و إلغاء خصوصية وجدانه بالفعل، و كونه معلوم الحصول لاضطرار الشخص إلي اكتسابه، إلّا أنّ هذا محتاج إلي العلم بالغيب و بكل ما له دخل في الأحكام الشرعية. و اللّٰه العالم.

[مسألة 21] مبدأ الاستطاعة

مسألة 21- الأقوي أن المعتبر في الاستطاعة استطاعته من مكانٍ هو فيه، لا من بلده الذي يسكن فيه، و ذلك لصدق الاستطاعة.

و قد استدل له بصحيحة معاوية بن عمار التي رواها الصدوق في الفقيه، قال:

______________________________

(1)- و كأنّ العلامة قدس سره أيضاً ارتضي في آخر كلامه ذلك حيث قال: (لأنه غير واجد لشرط الحج) و ليس هو إلّا وجود الزاد بالفعل، سواء كان معلوم الحصول بالاكتساب الضروري أم لا (المؤلف).

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 115

«قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: الرجل يمر مجتازاً يريد اليمن أو غيرهما من البلدان و طريقه بمكة فيدرك الناس و هم يخرجون إلي الحج فيخرج معهم إلي المشاهد، أ يجزيه ذلك عن حجة الإسلام؟ قال عليه السلام: نعم» «1».

و لا بأس بدلالته علي ذلك-

و إن قال بعض أعاظم العصر قدس سره: إن الظاهر منه كون جهة السؤال عدم قصد الحج من البلد لا عدم تحقق الاستطاعة منه «2» - لإطلاق المجتاز المذكور و شموله لمن لم يكن من بلده مستطيعاً، و قد ترك الاستفصال من ذلك الإمام عليه السلام فأجاب بقوله عليه السلام: «نعم» بالإجزاء، و هو يشمل كلًّا من المستطيع من بلده و غيره، و كيف كان فيكفي في الكفاية صدق الاستطاعة.

و لو أحرم متسكِّعاً فاستطاع و أمكن له الرجوع إلي الميقات هل يجب عليه الرجوع و الإحرام لحجة الإسلام، أو يبني علي إحرامه الندبي؟ فيه وجهان:

من جهةٍ: أنه أحرم لغير حج الإسلام صحيحاً فوجوب حج الإسلام و إحرامه عليه يتوقف علي بطلان إحرامه، أو إبطاله، أو العدول به، و كلّها لا دليل عليه و خلاف الأصل، و العدول في بعض الموارد كالعدول عن عمرة التمتع إلي حج الإفراد لضيق الوقت أو عذر آخر إنما ثبت بالدليل و لا يشمل المقام.

و من جهةٍ: أن شمول أدلة وجوب حجة الإسلام لمثل المقام يكشف عن بطلان إحرامه الأول و أنه ليس مأموراً به بالأمر الندبي، فهو في الواقع كان مأموراً بحجة الإسلام و يجب عليه الرجوع إلي الميقات و تجديد الإحرام لحجة الإسلام.

و الأقوي هو الوجه الثاني.

______________________________

(1)- من لا يحضره الفقيه: 2/ 264.

(2)- مستمسك العروة: 10/ 78.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 116

[مسألة 22] تحصيل الراحلة

مسألة 22- لا ريب في أنه إذا لم تكن الراحلة التي يكفيها خاصة موجودةً عنده يجب عليه تحصيلها بالشراء أو الاستيجار.

و أما إذا لم يكن عنده إلا ما هو معد لركوب أكثر من واحد، أو لا يمكن الشراء أو الاستيجار إلا ما يكون كذلك كأكثر السيارات و

الطائرات، فإذا لم يكن من يشاركه في الشراء أو الاستيجار، و لم يتمكن هو بنفسه أيضاً من الشراء أو الاستيجار فالحج ساقط عنه لعدم الاستطاعة، و أما إذا تمكن من الشراء أو استيجار تمام الطائرة أو القطار الحديدية فهل يجب عليه ذلك، أم لا؟

الظاهر الوجوب، لصدق الاستطاعة، سواء كانت هذه الوسائط النقلية موجودة عنده كمالك السفينة و مالك السيارة و الطائرة أو كان عنده من المال ما يتمكن به من شرائها أو استيجارها.

لا يقال: إنّ تحمل مصارف السفر بالقطار أو السفينة أو الطائرة إذا كانت هذا الوسائط ملكاً له، و كذا تحمل الاجرة الكثيرة ضرر عليه و هو مرفوع بحديث «لا ضرر».

فإنه يقال: إنما يرفع الحكم بحديث «لا ضرر» إذا لم يكن أصل التكليف بطبعه ضررياً، و أما إذا كان التكليف ضررياً فحديث «لا ضرر» لا يجري فيه؛ لأن جريانه مشروط بعدم كون الحكم من الأحكام الضررية، بل يجري في الأحكام التي لها فردان: فرد ضرري و فرد غير ضرري، فكما لا يرفع الحرج و الضرر حكم الجهاد الحرجي و الضرري كذلك لا يرفع بالضرر أيضاً حكم الحج الضرري.

إن قلت: الحج و إن كان ضررياً لكن الذي يجب تحمله من الضرر ما يقتضيه

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 117

طبع الحج مما يحتاج إليه المسافر من الزاد و الراحلة بحسب العادة، و الزائد علي ذلك مرفوع بلا ضرر.

و بعبارة اخري: للحج الضرري فردان: فرد فيه من الضرر ما يقتضيه طبع الإتيان بالحج، و فرد فيه من الضرر أكثر من ذلك، و ما يجب الإتيان به و ما لا يشمله حديث «لا ضرر» هو الفرد الأول، و أما الفرد الثاني فوجوبه بالضرر الزائد مرفوع بالحديث.

و بعبارةٍ اخري: الحديث

يرفع وجوب الفرد الذي فيه من الضرر ما لا يقتضيه طبع موضوع الحكم، سواء لا يقتضيه أصلًا أو يقتضيه بحسب طبعه، فوجوب الفرد الذي فيه من الضرر ما ليس في غيره مرفوع.

قلت: هذا الفرد ضرري، كما أن الفرد الآخر أيضاً ضرري، و كون ضرر أحد الفردين أكثر من الآخر لا يوجب شمول الحديث له و حكومته عليه بعد ما لم يشمل الفرد الذي ضرره أقلّ، فلا فرق بين عدم جريان الحديث في التكاليف الضررية بين أفراد المكلف به الضررية، و إن كان ضرر بعض الأفراد أكثر من البعض الذي تعذر.

و الحاصل: أنه إذا تعذر الفرد الضرري الذي ضرره أقل من غيره لا يرفع وجوب الإتيان بغيره الذي أكثر ضرراً منه:

و القول بأنه كما إذا كان للتكليف فردان: فرد غير ضرريٍّ و فرد ضرريّ يرفع الضرري بالحديث كذلك إذا كان للتكليف الضرري فردان: فرد فيه الضرر الذي يقتضيه بالطبع لأنه لا يمكن الإتيان به إلا بتحمله، و فرد آخر الضرر فيه أكثر من ذلك فهو أيضاً مرفوع به مدفوع بالفرق الواضح بينهما، فإنّ مورد الأول التكليف الذي لا يقتضيه بطبعه الضرر علي المكلف، و دليل نفي الضرر حاكم عليه دون الآخر.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 118

و بعبارةٍ اخري: أنّ دليل وجوب الحج علي المستطيع متضمن لصرف المال مطلقاً، و هو أخص من دليل نفي الضرر، و حكومة أدلة نفي الضرر علي سائر الأدلة مختصّة بالأدلة التي لها فردان دون ما ليس له فرد غير ضرري، فلا نظر لهذه الأدلة

إليه. هذا، مضافاً إلي أنه لأحد منع شمول قاعدة نفي الضرر للواجبات العبادية لعدم صدق الضرر بعد ما كان بإزائه من العوض الاخروي بأضعاف كثيرة، فاستيجار السيارة بمال

كثير لا يكون ضرراً عند العقلاء و من آمن بالثواب، و ربما يؤيَّد ذلك بصحيحة صفوان، قال: «سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل احتاج إلي الوضوء للصلاة و هو لا يقدر علي الماء فوجد بقدر ما يتوضأ به بمائة درهمٍ أو بألف درهمٍ و هو واجد لها يشتري و يتوضّأ، أو يتيمّم؟ قال: لا، بل يشتري، قد أصابني مثل ذلك فاشتريت و توضأت و ما يسرني (و ما يشتري) بذلك مال كثير». «1» و خبر الحسين ابن أبي طلحة نحوه. «2»

فتحصل من جميع ما ذكر وجوب شراء السيارة أو الطائرة أو استيجارها إذا كان متمكناً من ذلك كسائر المستطيعين. و اللّٰه تعالي هو العالم.

[مسألة 23] هل يسقط الحج عند غلاء الأسعار؟

مسألة 23- الظاهر أن غلاء أسعار ما يحتاج إليه في سفر الحج في سنته الحالية لا يوجب سقوط الحج عنه، لصدق الاستطاعة معه.

و في الجواهر: (أنّ هذا هو المشهور شهرةً عظيمة س سيما بين المتأخرين، فلا

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 26 من أبواب التيمم ح 1.

(2)- المصدر السابق: ح 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 119

يجوز له التأخر عن سنته هذه). «1»

و الإشكال برفع الوجوب بالضرر قد تقدم ما فيه في المسألة السابقة، و أن أدلة التكاليف الضررية أخص من حديث «لا ضرر»، سواء كان الضرر الكامن فيها متعارفاً أو أكثر من المتعارف، بل نقول: إن حديث لا ضرر منصرف عن التكاليف الضررية فلا يشملها حتي نحتاج إلي ملاحظة النسبة بينه و بين التكاليف الضررية.

هذا، مضافاً إلي أنه يمكن أن يقال: إن شراء الأجناس بالأسعار الغالية ليس ضررياً، فإنّ ما يقع في يده بالشراء مقابل لِمَا أدّاه من القيمة السوقية عند العرف، فليس شراء الخبز- مثلًا- بقيمته السوقية الغالية ضرراً علي المشتري.

نعم،

لو توقف الشراء علي بذل أزيد من ثمن المثل و القيمة المتعارفة أو علي بيع أمواله بأقلَّ من ثمن المثل يكون ضررياً، كما أن الحكم بلزوم بيع المال بأقل من ثمن المثل في المعاملات الغبنية ضرر علي البائع فيرفع بقاعدة نفي الضرر.

لكن قياس المقام بالتمسك بقاعدة نفي الضرر في خيار الغبن مع الفارق، لأن التكليف هنا بطبعه يكون ضررياً، فلا يرفع بلا ضرر وجوب الحج المتوقف علي شراء الزاد بأزيد من قيمته أو بيع المال بأقل من ذلك.

اللهم إلّا إذا آلَ الأمر في هذه الموارد المذكورة في هذه المسألة و المسألة السابقة إلي عدم صدق الاستطاعة، أو كان تحمل الضرر من جهة كونه فاحشاً جداً حرجاً عليه فيرفع الحكم بلا حرج. و اللّٰه تعالي هو العالم.

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 17/ 257.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 120

[مسألة 24] نفقة الإياب

مسألة 24- لا ريب في أنه يكفي في وجوب الحج و حصول الاستطاعة وجود نفقة الذهاب إلي مكة المكرمة إذا لم يرد العود منها و أراد السكني فيها.

بل إذا كان العود منها إلي محل سكناه و وطنه و السكني في مكة سيان، لعدم وجود أيِّ علاقةٍ له بوطنه فيعيش في مكة كما يعيش في بلده الذي كان ساكناً فيه، من غير أن يكون ذلك حرجاً عليه.

و أما إذا كان له السكني في مكة حرجياً لا بد له من العود إما إلي وطنه أو إلي مكان آخر، فإن أراد العود إلي وطنه يشترط في حصول الاستطاعة له وجود نفقة الإياب أيضاً.

و هل يكون ذلك لعدم حصول الاستطاعة بدونه لأنّ الظاهر من الزاد و الراحلة ما يقدر به من الذهاب و الإياب، فمن كان متمكناً من الراحلة للذهاب دون الإياب ليس مستطيعاً

و إن كان قادراً علي المشي في العود، أو لأنّ السكني في مكة أو غير بلده يكون حرجياً له فيكون وجوب الحج و الذهاب و الحال هكذا مرفوعاً بالحرج؟

ظاهر الأدلة هو الوجه الأول، فلا تصل النوبة إلي الاستدلال بنفي الحرج، و في هذه الصورة التي يكون له السكني في مكة حرجياً إن أراد الرجوع إلي غير بلده الذي كان ساكناً فيه و كان نفقة الذهاب إليه أقل من نفقة الإياب إلي وطنه لا يلزم أن يكون له نفقة الإياب إلي وطنه، بل يكفيه نفقة الرجوع إلي هذا البلد الثاني. و إن كانت نفقة الذهاب إليه أكثر من نفقة الإياب إلي وطنه فإن كانت إرادته الذهاب إليه حسب ميله الشخصي فيكفي في وجوب الحج وجود نفقة العود إلي وطنه، و أما لو

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 121

صار بالذهاب إلي مكة ملجأ إلي الذهاب إليه و لم يكن ذلك حرجاً له فاللازم وجود نفقة الذهاب إلي مكة و إلي البلد المذكور، و لا عبرة بأبعدية ذلك البلد من مكة و أقربيته إليه، كما لا يخفي. و اللّٰه العالم.

[مسألة 25] تحصيل الزاد ببيع ما يحتاج إليه

مسألة 25- لا يجب بيع ما يحتاج إليه من ضروريات معاشه و معاش عياله لتحصيل الزاد و الراحلة بحيث يقع ببيعه و صرفه في ذلك في العسر و الحرج.

فلا يجب عليه بيع دار سكناه و الأثاث و الثياب و الفرش و الأواني، و السيارة اللائقة بحاله للركوب، و آلات الصنائع المحتاج إليها، و رأس ماله للتجارة المتقوّم بها أمر معاشه و معاش عياله، و غير ذلك مما يقع ببيعه في الحال و الاستقبال في الحرج، و من ذلك الكتب المحتاج إليها، سواء كانت دينية أو غير دينية، كالكتب الطبية

للطبيب، و كذا حُليّ المرأة إذا كان ترك التزيّن بها حرجياً لها.

هذا، مضافاً إلي ما يستفاد من بعض الروايات من تفسير السبيل المذكور في الآية الشريفة بالسعة في المال و اليسار، مثل ما رواه الكليني بإسناده عن عدة من أصحابنا «1» عن أحمد بن محمد «2» عن ابن محبوب عن خالد بن جرير «3» عن أبي

______________________________

(1) إن كان المروي عنه هو أحمد بن محمد بن عيسي فالعدة الذين يروون عنه خمسة رجال، و هم محمد بن يحيي، و أحمد بن إدريس، و علي بن إبراهيم، و داود بن كورة، و علي بن موسي الكميداني، و إن كان أحمد بن محمد بن خالد البرقي فالعدة أربعة رجال، و هم: علي بن إبراهيم بن هاشم، و علي بن محمد بن عبد الله، و يقال لعبد الله: بندار بن بنت البرقي، و أحمد بن عبد الله بن أحمد البرقي ابن ابنه، و علي بن الحسين السعدآبادي المؤدب، تلميذه الذي تخرج عليه في الأدب.

(2) من السابعة.

(3)- هو ابن جرير بن يزيد بن جرير بن عبد اللّه البجلي، من الطبقة الخامسة أو السادسة.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 122

الربيع الشامي «1» قال: «سئل أبو عبد اللّه عليه السلام عن قول اللّٰه عز و جل: «وَ لِلّٰهِ عَلَي النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا»؟ فقال: ما يقول الناس؟ قال: فقلت له:

الزاد و الراحلة، قال: فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: قد سئل أبو جعفر عليه السلام عن هذا فقال:

هلك الناس إذاً لئن كان من كان له زاد و راحلة قدر ما يقوت عياله و يستغني به عن الناس ينطلق إليهم (إليه) فيسألهم (فيسلبهم) إياه لقد هلكوا إذاً، فقيل له: فما السبيل؟

قال: فقال: السعة في المال إذا كان يحج ببعض و يبقي بعضاً لقوت عياله، أ ليس قد فرض اللّٰه الزكاة فلم يجعلها إلا علي من يملك مائتي درهم». «2»

و ما رواه البرقي عن عبد الرحيم القصير في الرواية التي تقدم ذكرها قال عليه السلام في تفسير الآية الشريفة: «ذلك القوة في المال و اليسار».

و مقتضاهما عدم صدق الاستطاعة علي من يقع في الحرج ببيع ماله؛ لأنها مفسّرة فيهما بالسعة و اليسار.

و ممّا يدلّ أيضاً علي اعتبار الرجوع إلي الكفاية في الاستطاعة: ما رواه الصدوق في الخصال بإسناده عن الأعمش «3» عن جعفر بن محمد عليه السلام في حديث شرايع الدين قال: «و حج البيت واجب (علي من) استطاع إليه سبيلًا، و هو الزاد

______________________________

(1)- من الرابعة.

(2)- وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب وجوب الحج و شرائطه ح 1 و 2 إلا أنهما حديث واحد كما هو الظاهر.

(3)- هو سليمان بن مهران، من الطبقة الرابعة، و سند الصدوق إلي أعمش هكذا: أحمد بن محمد بن هيثم العجلي، و أحمد بن الحسن القطان، و محمد بن أحمد السناني، و الحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المكتِّب، و عبد اللّٰه بن محمد الصائغ، و علي بن عبد اللّه الوراق رضي اللّٰه عنهم، قالوا: حدثنا أبو العباس أحمد بن يحيي بن زكريا القطان، حدثنا بكر بن عبد اللّه بن حبيب، قال: حدثنا تميم بن بهلول، قال: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 123

و الراحلة و مع صحة البدن، و أن يكون للإنسان ما يخلفه علي عياله و ما يرجع إليه من حجه».

و الظاهر أن من يبيع الضروريات المذكورة لا يكون له ما يرجع إليه من حجه.

و أما الرواية الخامسة من هذا الباب عن مجمع البيان فالظاهر أنها ليست رواية مستقلة، بل هي نقل مضمون سائر الروايات. و اللّٰه هو العالم.

[مسألة 26] بيع دار مملوكة إذا كان بيده دار موقوفة

مسألة 26- إذا كان له دار مملوكة و كان بيده دار موقوفة تكفيه سكناه و سكني عياله الظاهر أنه يجب عليه بيع المملوكة لصرف ثمنه في الحج لصدق، الاستطاعة حينئذٍ إذا كان ثمنها وافياً لمصارف الحج أو متمِّماً لمصارفه.

نعم، إذا كان السكني في الدار الموقوفة منافياً لشأنه و كان ذلك حرجاً عليه لا يجب بيع المملوكة، و هكذا الحكم في سائر ما يحتاج إليه من الكتب و غيرها.

هذا إذا كانت الدار الموقوفة بيده، و أما إذا لم تكن فعلًا بيده و كان الوقف عاماً فإما أن يكون السكني فيها غير موقوفة بإذن أحد و يتمكن من السكني فيها بدون السؤال و تحصيل الإذن من أحد من غير تحمل مهانة و حرج فالظاهر حصول الاستطاعة له، فمثلًا ينتقل إلي المدرسة من داره.

و أما إذا كان للوقف قيّم و كان السكني فيه محتاجاً إلي السؤال و تحصيل الإذن من قيِّمه فالظاهر عدم وجوب الاستيذان منه؛ لأنه من تحصيل الاستطاعة كما، إذا علم أن شخصاً يبذل له ما يحج به إن سأله ذلك فإنه لا يجب عليه السؤال، بخلاف ما إذا بذل له ابتداءً من غير السؤال.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 124

[مسألة 27] لو أمكنه الاعتياض عمّا يملكه

مسألة 27- قال في الجواهر: (و الأقوي وجوب البيع (يعني وجوب بيع دار السكني و أمتعة منزله و غيرها من ضروريات معاشه) لو غلت و أمكن بيعها و شراء ما يليق به من ذلك بأقل من ثمنها، كما صرح به في التذكرة و الدروس و المسالك و غيرها، لما عرفت من أن الوجه في استثنائها الحرج و نحوه ممّا لا يأتي في الفرض، لا النص المخصوص كي يتمسك بإطلاقه). «1»

و ما ذكره هو الوجه في ذلك،

و منه يظهر وجه المناقشة فيما قيل من عدم وجوب الاستبدال إذا كانت لائقة بحاله، لحصول الاستطاعة، و انحصار الدليل لاستثنائها بالحرج دون النص الذي يمكن التمسك بإطلاقه.

كما يظهر المناقشة أيضاً في كونه كالكفارة التي لا يجب بيع خادمه المملوك بمن كان قيمته أقل من غير حرج عليه، فإن العتق له فيها بدل، بخلاف المقام.

نعم، في كفارة الجمع إن قلنا بعدم وجوب الاستبدال يمكن أن يقال بعدم الفرق بين المقامين، إلا أنه يمكن القول بوجوبه هناك أيضاً إن تعين العتق.

و أما التمسك بأصالة عدم وجوب الاعتياض و وجود الحرج ففيه ما لا يخفي.

و أما التفصيل بين كون الزيادة قليلةً جداً بحيث لا يعتني بها- كما في العروة- فلا أري له وجهاً؛ لأنه لا فرق بين الزيادة القليلة و الكثيرة إذا أمكن أن يحج بكل منهما، و إن لم يمكن بالقليلة فهي خارجة عن محل الكلام. و اللّٰه تعالي هو العالم.

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 17/ 254.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 125

[مسألة 28] من كان له ثمن المستثنيات

مسألة 28- إذا لم يكن عند الشخص أعيان المستثنيات المذكورة لكن كان له أثمانها فهل يستثني له أو يجب عليه الحج؟

مقتضي ما استظهرناه من الأدلة من التوسعة في أمر الاستطاعة و اعتبار السعة في المال و اليسار في حصولها، عدم حصولها إذا لم يكن له ما يزيد علي ضروريات معاشه التي يقع فيها بالحرج و المشقة ببيعها لتحصيل نفقة الحج من الزاد و الراحلة؛ لعدم كونه ذا سعةٍ و يسارٍ عرفاً، فمن ليس له إلا دار سكناه و أثاث بيته لا يعدّ عند العرف من أهل السعة و اليسار.

و الظاهر أنه لا فرق في ذلك بين أعيان هذه الضروريات و بين أثمانها، فمن لم يكن عنده

إلا ما يكفي شراء ضروريات بيته و معيشته ليس أيضاً من ذوي اليسار و السعة المالية، و لا يمكن له صرف هذه الأثمان في غيرها إلا بتحمل الضيق و العسر و الحرج، و لذا إن حج بصرفها في نفقته لا يجزيه عن حجة الإسلام، كما أنه إن لم يصرف هذه الأثمان في ضرورياته و ادخرها لا نقول بوجوب حجة الإسلام عليه، فهو ليس مستطيعاً و لم يجب عليه الحج؛ لعدم حصول الاستطاعة التي هي شرط للوجوب بما عنده.

و علي هذا لا تصل النوبة إلي التمسك بقاعدة نفي الحرج لرفع وجوب صرف أعيان هذه الضروريات أو أثمانها في الحج، لأن ذلك فرع وجود إطلاقٍ لدليل الوجوب يشمل صرفها في نفقة الحج.

هذا بحسب ما بنينا عليه في المسألة، أما بناءً علي ما بني عليه جماعة من الأعاظم من شمول أدلة الاستطاعة من كان عنده أعيان الضروريات المذكورة فلا بد من التمسك بقاعدة نفي الحرج لنفي وجوب بيعها لنفقة الحج؛ لوقوعه ببيعها في

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 126

العسر و الحرج.

و الظاهر أنه لا فرق بين أعيان الضروريات و أثمانها في الاستثناء، فلا يجب- كما عن الدروس «1» و المسالك «2» و غيرهما- صرفها فيها، و عن المدارك «3» أنه استجوده إذا دعت الضرورة إليه، إذاً لا فرق بين الصورتين لحصول الحرج و العسر بصرف الأثمان في نفقة الحج، كما يحصل ببيع الأعيان، فوجوب صرف كلٍّ منهما مرفوع بالحرج.

ثمّ علي هذا المبني هل يسقط الحج برفع وجوبه بالحرج إن تحمل المشقة و الحرج و ادّخر أثمان هذه المستثنيات؟ فيه وجهان:

من أنّ الحرج إنما يحصل بترك صرف الأثمان في هذه الضروريات، سواء حصل بادخارها أو بصرفها في الحج فهو مقدم

عليه و حاصل لا محالة، و إن لم يصرفها في الحج فلا يكون الحرج الحاصل له بنفقتها في الحج رافعاً لوجوبه، لأنه لو لم ينفقها في الحج يدخرها و يتحمل الحرج فالحرج حاصل علي كلتا الصورتين.

هذا، مضافاً إلي أن الحرج مستند إلي ترك صرف الأثمان في الضروريات، و هو يحصل بادخار الأثمان أو إنفاقها في الحج، و فرق ظاهر بين من ترك صرف الأثمان في المستثنيات بصرفها في الحج و بين من صرفها في الحج و تُرِكَ به صرفها في المستثنيات، فإنه في الأول المقصود بصرفها في الحج ترك صرفها في المستثنيات، و في الثاني المقصود صرفها في الحج الذي يترك به صرفها في المستثنيات دون أن يكون مقصوداً بالأصالة، و الحرج الحاصل من الأول غير مستند إلي الحكم

______________________________

(1)- الدروس الشرعية: 1/ 311.

(2)- مسالك الأفهام: 1/ 69.

(3)- مدارك الأحكام: 7/ 38.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 127

الشرعي و موضوعه، بل هو مستند إلي ما هو الجامع الذي يحصل بالادخار و بالصرف في الحج و هو ترك الصرف في المستثنيات الذي هو المقصود و يكون حرجياً دون الثاني، فإن الحرج حاصل من مقصوده، و هو صرف الأثمان في الحج.

نعم، الحكم بوجوب الحج في الصورة الاولي هو الحكم باختيار الصرف في الحج لحصول ما هو مقصوده، يعني ترك الصرف في المستثنيات دون الادخار.

و كيف كان فالحرج الحاصل من ترك صرف الأثمان ليس مستنداً إلي الحكم الشرعي؛ لأنه لم يتعلق به الحكم الشرعي، بل مستند إلي إقدام المكلف و عزمه بترك صرف الأثمان في الضروريات، فتأمّل.

و من أنّ عزم المكلف علي ترك صرف الأثمان في المستثنيات لم يكن لإرادته نفس الترك و تعلق قصده ابتداءً به، بل لادّخارها، و

لتكون الأثمان باقية عنده، فمتعلق إرادته هو ادخار الأثمان، فالحرج المتحمل منه يكون للادخار المذكور لا مطلقاً، و عليه يكون الحرج الحاصل بصرفها في الحج غير ما أقدم عليه و هو الحرج الحاصل من ادخارها و حفظ الأثمان باقية عنده، فعلي هذا يرتفع الحكم بوجوب الحج و صرف الأثمان فيه بقاعدة الحرج و إن تحمل الحرج و ادخر نقوده.

و علي هذا يمكن أن يقال: إنه إما لا يتمكن من صرف نقوده في ضرورياته لأمر من الامور كمنع مانع منه أو عدم وجودها بالفعل، مع أنه في الحال واقع في حرج عدمها بالضرورة، فلا ريب في أنه يجب عليه صرفها في الحج لعدم وقوعه به في حرج غير ما هو واقع فيه و الذي لا يستند إلي وجوب الحج عليه.

و إما يكون عازماً علي عدم صرف ما عنده من النقود في ضرورياته و تحمل حرجه لادخارها مع تمكنه من صرفها فيها، فهو يتحمل الحرج لتكون النقود باقية عنده، فإن لم يصرفها فيها و ادخرها يكون الحرج مستنداً إلي نفسها، و لكن لا يمنع

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 128

ذلك من كون حكم الشارع بصرفها في الحج حرجياً لوقوعه فيه به، و استناد الحرج الذي يقع فيه بصرف النقود في الحج إلي حكم الشارع فهو مرفوع عنه، فما يتحمل من الحرج لادخار النقود غير ما يقع فيه منه بصرفها في الحج.

و إما يكون عازماً علي عدم صرفها في ضرورياته. و بعبارةٍ اخري: كان عازماً علي عدم تحصيل هذه الضروريات، سواء كان ذلك بادخار النقود أو صرفها في غير الضروريات، فهو إن لم يصرفها في الحج لا يصرفها في ضرورياته علي كل حال، ففي هذه الصورة يمكن أن يقال

بوجوب الحج عليه؛ لعدم استناد الحرج الواقع فيه بحكم الشارع لإقدامه بنفسه عليه.

اللهم إلا أن يقال بأن إقدام المكلف بالأمر الحرجي لا يخرج الأمر به عن كونه أمراً بالأمر الحرجي، كما لا يخرج الإقدام في الصوم الحرجي بالإمساك عن كون الحكم بوجوبه حرجياً و أمراً بالفعل الحرجي، و لكن سيأتي الجواب عن ذلك إن شاء اللّٰه تعالي.

و بالجملة: فلا يمنع تحمله الحرج لإرادة ادخاره النقود من كون الحكم بوجوب الحج حرجياً و مرفوعاً بقاعدة الحرج، بخلاف ما إذا أراد عدم تحصيل الضروريات بأن يعيش بدونها عيشاً حرجياً ضنكاً مطلقاً، فإنه يمكن أن يقال في هذه الصورة بعدم رفع الوجوب بالقاعدة لأنه أقدم عليه، سواء كان صرف النقود في الحج واجباً عليه أم لا يجب.

[مسألة 29] إذا كان عنده مال لا يفي إلا بأحد الأمرين: الحج و النكاح

مسألة 29- إذا لم يكن له إلا قدر ما يحج به فنازعته نفسه إلي النكاح فهل يجوز صرفه فيه، أو يجب صرفه في الحج مطلقاً، سواء كان ترك

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 129

النكاح حرجاً عليه، أم لا، أو يجوز صرفه في النكاح إذا كان تركه حرجاً عليه فيرتفع وجوب الحج بالحرج الرافع للأحكام؟

قال الشيخ قدس سره في الخلاف: (إذا وجد الراحلة و لزمه فرض الحج و لا زوجة له بدأ بالحج دون النكاح، سواء خشي العنت أو لم يخش، و قال الأوزاعي: إن خشي العنت فالنكاح أولي، و إن لم يخف العنت فالحج أولي. و قال أصحاب الشافعي:

ليس لنا فيه نص، غير أن الذي قاله الأوزاعي قريب. دليلنا: قوله تعالي: «وَ لِلّٰهِ عَلَي النّٰاسِ …» و هذا قد استطاع، فمن أجاز تقديم النكاح عليه فعليه الدلالة؛ علي أن الحج فرض عند وجود الزاد و الراحلة و حصول كمال الاستطاعة بلا خلاف،

و هو علي الفور عندنا علي ما سنبينه، و النكاح مسنون عند الأكثر فلا يجوز له العدول من الفرض إلي النفل إلا بدليل) «1» و قال في المبسوط أيضاً نحوه مختصراً. «2»

و قال في التذكرة: (لو احتاج إلي النكاح و خاف علي نفسه العنت قدَّم الحج، لأنه واجب و النكاح تطوع و يلزمه الصبر، و قال بعض العامة: يقدَّم النكاح؛ لأنه واجب عليه و لا غني به عنه، فهو كنفقته، و نمنع الوجوب، و لو لم يخف العنت قدم الحج إجماعاً) «3». و في محكيِّ تحريره: (أما لو حصلت المشقة العظيمة فالوجه عندي تقديم النكاح). «4»

و قال في الشرائع: (و لو كان معه قدر ما يحج به فنازعته نفسه إلي النكاح لم يجز صرفه في النكاح و إن شق تركه، و كان عليه الحج). «5»

______________________________

(1)- الخلاف: 1/ 372.

(2)- المبسوط: 1/ 298.

(3)- تذكرة الفقهاء: 1/ 302.

(4)- تحرير الأحكام: 1/ 91.

(5)- شرائع الإسلام: 1/ 165.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 130

و قال الشهيد في الدروس: (لو لم يجد هذه المستثنيات و ملك ما لا يستطيع به صرف فيها و لا يجب الحج إذا لم يتسع المال. أما النكاح تزويجاً أو تسرياً فالحج مقدم عليه، و إن شق تركه إلا مع الضرورة الشديدة). «1»

و قال سيد المدارك: (و لو حصل له من ترك النكاح ضرر شديد لا يتحمل مثله في العادة أو خشي منه حدوث مرض أو الوقوع في الزنا قدم النكاح، كما صرح به العلامة في المنتهيٰ). «2»

و قال في الحدائق: (و لم أقف في المسألة علي خبر بالخصوص). «3»

أقول: لم أجد في كلام مَن تقدم علي الشيخ رحمه الله ذكراً لهذه المسألة، و الجمع بين كلمات من

تعرض لها و تحصيل مراداتهم لا يخلو من الإشكال- و إن تكلفه بعض أعاظم العصر «4» - فإنهم بين من قدم الحج مصرحاً بعدم الفرق بين خشيته العنت و عدمها أو حصلت له المشقة بترك النكاح، و بين من قيد ذلك بعدم الضرورة الشديدة و المشقة العظيمة، و منهم من قيده بحصول الضرر الشديد، أو خوف حدوث المرض، أو الوقوع في الزنا.

و يختلف استدلالهم علي ذلك أيضاً، فيظهر من بعضهم أن تقديم الحج علي النكاح لتقديم الواجب علي المسنون مع أن النكاح أيضاً قد يجب، و يظهر من بعضهم الاستدلال علي ذلك بحصول الاستطاعة، و كأنّ بعضهم تمسك بقاعدة نفي الضرر، و بعضهم بنفي الحرج لرفع وجوبه إذا حصل الضرر و المشقة بترك النكاح، و لعله لا يظهر دليل لاستثناء من استثني من وجوب الحج خوف الوقوع في الزنا

______________________________

(1)- الدروس الشرعية: 1/ 311.

(2)- مدارك الأحكام: 7/ 44.

(3)- الحدائق الناضرة: 14/ 108.

(4)- مستمسك العروة: 10/ 88.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 131

بترك النكاح، اللهمّ إلّا أن يكون دليله عدم حصول الاستطاعة، ثمّ إرجاع كلمات بعضهم إلي بعضٍ إن أمكن لا يتمّ في الجميع.

و أما دليل ما اختاره العامة فيظهر من كلماتهم، و لعلّ المتّجه منها علي رأي من يقول بحصول الاستطاعة بالمقدار المذكور هو ما اختاره الأوزاعي و قربه الشافعي لو حمل الأولوية المذكورة في كلامه علي التعيين و الوجوب، و العنت علي القدر الحرجي منه.

و كيف كان فبناءً علي حصول الاستطاعة بما يكفي الحج أو النكاح لا بد علي مختار جماعة من أعاظم المتأخرين الاستثناء من وجوب الحج إذا كان ترك النكاح حرجياً أو ضررياً، و إلّا فيقدم الحج علي النكاح إجماعاً كما ادعاه العلامة رحمه

الله إلّا أننا لم نتحققه.

و يمكن أن يقال: إنّه لا ريب في اشتراط وجوب الحج بالاستطاعة، و إنها ليست عقلية أو عرفية، بل هي استطاعة خاصة شرعية اشترط وجوب الحج بها:

إما لتعظيم أمر الحج، أو للتوسعة علي المكلفين، أو غير ذلك مما لا نعلمه، فلا بد في معرفة المراد منها الرجوع إلي الشارع المقدس، و لا ريب أن إطلاق مثل قوله عليه السلام:

«له زاد و راحلة» مقيد بامور اخري.

مضافاً إلي أن تفسير الاستطاعة بخصوص ذلك لا يزيد علي ما يستفاد من لفظها، فإن امتثال مثل هذا التكليف الذي يتوقف في الأكثر علي طيِّ المسافات البعيدة و السفر من البلاد النائية يحتاج إلي الزاد و الراحلة بحسب النوع فليس، اعتبار ذلك و اشتراط وجوب الحج به أمراً زائداً بزيادةٍ يعتني بها علي ما اشترط به سائر التكاليف.

و من جانب آخر فسِّرت الاستطاعة في الروايات بالسعة في المال و اليسار، و هي أعم من ذلك، و تقييد السعة في المال بالزاد و الراحلة أيضاً خلاف الظاهر؛

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 132

لعدم صدق اليسار عند العرف علي من لا يجد غيرهما، فإذا قلنا بأن السعة في المال لا تصدق علي من ليس عنده إلا المسكن الذي يسكن فيه و خادمه و ما يحتاج إليه في ضروريات معاشه أو أثمانها لا تصدق أيضاً علي من لا يجد أكثر من نفقة الزواج، و الحال أن الاحتياج إليه لا يقلّ من الاحتياج إلي بعض المستثنيات لو لم يكن أكثر.

إذاً يصير مفهوم الاستطاعة مجملًا لا إطلاق له، كما أن الأمر كذلك في السعة في المال و اليسار فإنه يختلف بنظر العرف فلا بد من الأخذ بالقدر المتيقن، و هو ما إذا كان

له ما يكفيه للحج زائداً علي ذلك، و نجري البراءة عن التكليف إذا لم يكن له هذه السعة المالية.

و مع ذلك حيث لم يذهب إلي هذا من تعرض من الفقهاء للمسألة، و اختار كلهم تقديم الحج علي النكاح إذا لم يكن تركه حرجياً بل مطلقاً فلا يجوز ترك الاحتياط إذا لم يكن ترك النكاح حرجياً فيأتي بالحج مقدماً له علي النكاح، ثمّ يأتي به بعد ذلك إن حصل له من المال ما يكفيه للحج بعد النكاح، أو يعمل علي صورةٍ يحصل له اليقين بوقوع حجه حجة الإسلام. و اللّٰه هو العالم.

[مسألة 30] من كان له دين و يستطيع لو اقتضاه

مسألة 30- إذا لم يكن عنده ما يحج به و لكن كان له علي شخص دين يكفيه مئونة حجه، أو بضم ما عنده من المال و كان الدين حالًّا و المديون باذلًا فالظاهر حصول الاستطاعة له بذلك، فيجب عليه اقتضاء الدين و الحج.

لعدم الفرق في صدق الاستطاعة بين أن يكون عنده نفس الأعيان الخارجية التي يحتاج إليها لأداء الحج أو قيمتها، كما لا فرق في ذلك بين أن يكون مالكاً لها في

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 133

وعاء الخارج أو في ذمة الأشخاص أو عند البنك، مثل أن تكون له في ذمة شخص سيارة أو طائرة يمكن له الحج بها.

[مسألة 31] إذا كان له دين حالّ و امتنع المديون الموسر من أدائه

مسألة 31- إذا كان الدين حالًّا و المديون موسراً ممتنعاً من أدائه فهل يجب علي الدائن إجباره علي الأداء بالرجوع إلي الحاكم الشرعي- سواء كان منكراً أو مماطلًا- و الفرض أنه يكفيه لأداء الحج، أم لا؟

الظاهر وجوب ذلك، لصدق الاستطاعة و أن له المال و تمكنه من التصرف فيه و صرفه في الحج بالرجوع إلي من يجبره علي الأداء، و لا فرق في ذلك بين الدين و بين ما كان ماله عنده أمانة، أو وقع في يده بسبب من الأسباب فإن عليه أن يستردّه و لو بالرجوع إلي الحاكم، و ليس ذلك من تحصيل الاستطاعة، فهو كمن يعلم أن له جوهرة نفيسة غالية مدفونة في مكان معلوم، أو مذخورة في الصندوق و لكن استخراجها متوقف علي تحصيل المعول و حفر الأرض أو تحصيل المفتاح و فتح الصندوق، فمثله مستطيع عند العرف له المال و اليسار، نعم إذا كانت تلك الجوهرة مشكوكة الوجود أو غير معلومة الحصول عند العرف فالظاهر أن الفحص عنها و طلبها من تحصيل

الاستطاعة فلا يجب.

[مسألة 32] إذا كان ماله ديناً مؤجّلًا و المديون يبذله مع الاستدعاء أو بدونه

مسألة 32- إذا لم يكن الدين معجّلًا و كان مؤجّلًا لكن يبذله المديون ابتداءً أو إن استدعي ذلك منه فهل يجب ذلك عليه؟

يمكن أن يقال: إن المسألة تطرح في صورتين:

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 134

إحداهما: أن يكون المديون باذلًا للدين ابتداءً كأن جاء به إياه، فقال فيه في الجواهر: (و لو كان مؤجلًا و بذله المديون قبل الأجل ففي كشف اللثام: وجب الأخذ، لأنه بثبوته في الذمة و بذل المديون له بمنزلة المأخوذ، و صدق الاستطاعة و وجدان الزاد و الراحلة عرفاً بذلك، و فيه: أنّه يمكن منع ذلك كله، نعم لو أخذ صار به مستطيعاً قطعاً). «1»

أقول: هذا من غريب الكلام؛ لأنّ بذل الدين لا يقل من البذل المجاني للحج، سيما إذا كان الدين قرضاً و قلنا بوجوب قبوله علي الدائن إذا أداه المديون قبل حلول الأجل، فالظاهر أنه لا إشكال في حصول الاستطاعة بذلك.

و ثانيهما: أن يكون بذلُه الدينَ باستدعاء الدائن، فهل تحصل الاستطاعة له فيجب عليه استدعاؤه، أم لا فهو من قبيل تحصيل الاستطاعة؟

بعض الأعاظم اختار وجوب المطالبة و الاستدعاء، لصدق الاستطاعة، و أن له ما يحج به بالفعل، و هو متمكن من صرفه فيه و لو بالمطالبة. «2»

و اختار سيد الأعاظم البروجردي قدس سره عدم وجوب الاستدعاء، و كأنه حمل كلام صاحب الجواهر قدس سره علي هذه الصورة دون الصورة الاولي أو الأعم منها و من الثانية. و كيف كان فقال- رضوان اللّٰه تعالي عليه- في توجيه ما اختاره صاحب الجواهر بناءً علي ما استظهره من كلامه و هو المنع من صدق الاستطاعة و وجدان الزاد و الراحلة إذا كان المديون باذلًا باستدعاء الدائن: (لأنه و إن كان

مالكاً للدين فعلًا لكنَّ استحقاق الغريم تأخير أدائه مانع من حصول الاستطاعة و هو غير واجب).

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 17/ 258.

(2)- معتمد العروة: 1/ 110.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 135

و هذا هو الأقوي، و فرق ظاهر بين ما إذا كان الدين حالًّا و كان للدائن استحقاق المطالبة به فإنه يتحقق به الاستطاعة و ما إذا كان الدين مؤجلًا لا يستحق الدائن مطالبته من المديون و كان المديون مستحقاً لتأخير أدائه 7 كالمالك الذي له بذل ماله و يبذل ماله للحج إن استدعي منه، فالاستدعاء من الغريم ترك حقه و بذل الدين مثل الاستدعاء من المالك بذل ماله تحصيل للاستطاعة، و هو غير واجب.

و اللّٰه هو العالم.

[مسألة 33] إذا كان المديون معسراً أو مماطلًا

مسألة 33- في صورة إعسار المديون أو مماطلته إذا لم يمكن إجباره أو إنكاره و لم يتمكن الدائن من إثبات ماله عليه.

ظاهر جماعةٍ عدم وجوب الحج عليه؛ لعدم حصول الاستطاعة، و اختار التفصيل بعض الأعاظم: بين ما إذا أمكن له بيع الدين نقداً بأقل منه فيجب عليه لحصول الاستطاعة، و أن عنده ما يحج به كما إذا كان له أعيان من الأموال يمكن له بيعها بأقل من قيمتها، و بين ما إذا لم يكن له ذلك فلا يجب الحج عليه لعدم حصول الاستطاعة. «1»

و مقتضي ذلك أنه إذا كان له علي أحد ديناً مؤجلًا يمكن له اقتضاؤه بإسقاط مقدارٍ منه كان مستطيعاً.

و يمكن الفرق بين هذه الموارد و بين ما إذا كان المال عنده و ما يحج به حاصل له و يمكن له التصرف فيه، و أما في الدين فحصوله له متوقف علي بيعه بأقل من قيمته فهو عند العرف ليس واجداً ما يحج به

______________________________

(1)- معتمد العروة: 1/ 111.

فقه الحج

(للصافي)، ج 1، ص: 136

و لكن مع ذلك الفرق بين المقامين مشكل، فالأحوط له بيع الدين أو إسقاط مقدارٍ منه و صرفه في الحج.

[مسألة 34] هل يفرق في الدين بين جائز المطالبة و غيره؟

مسألة 34- هل فيما ذكرناه في المسائل السابقة فرق بين الدين الذي

حصل في ذمة شخصٍ بالسلف أو النسيئة أو بالجناية أو الإجارة المؤجلة من الديون التي لا يجوز للدائن مطالبة المديون قبل حلول الأجل فصار معجلًا و حالًّا و بين الدين الذي حصل له في ذمة الغير بإقراضه ذلك و قلنا بأن القرض و إن كان من العقود اللازمة إلا أنه للمقرض عدم إنظار المقترض، فله مطالبته في القرض المؤجل قبل حلول الأجل فيجب عليه اقتضاء الدين مطلقاً، أم لا؟

الظاهر عدم الفرق؛ لأنه مالك لما يحج به في هذه الصورة قبل حلول الأجل، كما يكون مالكاً له في الصورة الاولي عند حلول الأجل. و اللّٰه هو العالم.

[مسألة 35] إذا كان ما يستطيع به مختلفاً فيه بينه و بين غيره

مسألة 35- إذا كان مال بينه و بين غيره يري كل واحد منهما كونه له من جهة اختلاف رأيهم في الحكم.

فإن كان المال تحت يده و يكفيه للحج فهو مستطيع به لأن له التصرف في ماله بما يشاء، و إن كان عند غيره كما إذا كانت تركة الميت تحت يد ورثته غير زوجته و هي تري أنها ترث الثمن من جميع تركة زوجها حتي الدور و المساكن و أراضيها لأنها ذات الولد من الميت، و الزوجة المحرومة من مطلق الأراضي أو خصوص أراضي الدور هي غير ذات الولد من الميت، و الحال أن ذلك لو كان تحت يدها

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 137

يكفيها للحج و أما سائر الورثة فرأيهم بالاجتهاد أو التقليد حرمانها من مطلق الأراضي أو خصوص أراضي الدور و المساكن و الباقي و إن حصل في يدها ما لا يكفيها للحج فهل يجب علي هذه المرأة بما تري لنفسها من الميراث الحج لأنها مستطيعة و لها

المال فيجب عليها- مقدمةً لصرفه في الحج- الرجوع إلي الحاكم الشرعي لانتزاعه من يد سائر الورثة، أو يكون ذلك من تحصيل الاستطاعة فلا يجب عليها الحج؟

و مثله ما إذا كان الدائن يري اجتهاداً أو تقليداً في القرض جواز مطالبة القرض من المقترِض قبل حلول الأجل، و المقترض لا يري ذلك، فيري أن له حق تأخير الدائن إلي حلول الأجل لذلك و يمتنع من الأداء، فهل في هذه الصورة يجب عليه الرجوع أيضاً إلي الحاكم لأنه مستطيع و ذو مال وجب عليه الحج كما كان يجب عليه الرجوع إلي الحاكم إذا كان الدين حالًّا و كان المديون الموسر مماطلًا أو منكراً، أم لا يجب؟ و بالجملة: فهل فرق في وجوب الرجوع بين الاختلاف في الموضوع و الحكم؟

يمكن أن يقال في وجه الفرق بين المقامين بأن الرجوع إلي الحاكم في الاختلاف في الموضوع يكون مقدمةً لصرف ما حصل به الاستطاعة في الحج، لا لتحصيل الاستطاعة، بخلاف ما إذا كان الاختلاف في الحكم فإنه من قبيل تحصيل الاستطاعة و بأن من كان له علي أحد أو عنده مال يكفيه للحج و هو يمتنع من أدائه بالمماطلة أو الإنكار و أمكن له إجبار من عنده الحق بالأداء بالرفع إلي الحاكم مستطيع للحج فهو يعلم أن القاضي يقضي بينه و بين خصمه بقواعد القضاء و الاعتماد علي البينات و الايمان و يحكم له دون خصمه لما عنده مما يثبت دعواه شرعاً، و مثل هذا الشخص مستطيع بما له من المال، كمن كان عنده مال مذخور في الأرض و يعلم أنه بالرجوع إلي صانع المعول يحصل له ما يحفر به الأرض و يستخرج ماله المذخور

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 138

فيها مستطيع

يجب عليه الرجوع إلي الصانع لتوقف صرفه في الحج علي تحصيل المعول.

و أما في مسألة الاختلاف في الحكم و الشبهة الحكمية فلا يحصل الاستطاعة المالية بمجرد اعتقاده كون المال الذي بيد غيره ملكاً له، قبال اعتقاد من بيده المال أنه له لتوقف الاستطاعة علي كون المال بحيث يتمكن من صرفه في الحج و هو في الاختلاف في الموضوع كان حاصلًا لتمكنه من إثبات ماله عند الحاكم و رفع الأمر إليه.

و هذا بخلاف الشبهة الحكمية فإنه ليس لذلك الذي يري المال الذي بيد غيره مالَه ما يثبت به دعواه، بل ليس عليه ذلك و لا دخل له فيه، و لا يطلب منه و لا من خصمه البينة و لا اليمين، فلا يعلم أن ما يقضي به الحاكم معتمداً علي رأيه الاجتهادي في المسألة يكون له أو عليه، فالذي يرفع أمره إلي الحاكم في الاختلاف في الحكم لا يكون رفعه ذلك مقدمة لصرف المال الذي اختلفا في حكمه في الحج، فلا يكون رفعه الأمر اليه إلا تحصيل الاستطاعة بل هو فعل ما فيه رجاء تحصيل الاستطاعة، فعلي كل ذلك لا يجب في الشبهة الحكمية الرجوع إلي الحاكم لعدم تحقق الاستطاعة. نعم، إن رجع إلي الحاكم و اتفق أنه حكم له تحصل له الاستطاعة فيجب عليه الحج.

و مثل ذلك في الشبهة الموضوعية ما إذا لم يكن للمدعي ما يثبت به دعواه عند الحاكم فهو مثل من كان له مال مذخور في الأرض و لا يجد ما يستخرجه به منها فلا يكون مستطيعاً.

و خلاصة الكلام: أن في كل مورد كان علي المدعي إثبات دعواه و كان معه ما يثبت به دعواه عند الحاكم تحصل له الاستطاعة بالمال، و في

كل مورد لا دخل للمدعي في إثبات دعواه و لا يجد ما يثبت به دعواه لا يحصل له الاستطاعة، و الأول يتحقق في الشبهة الموضوعية، و الثاني في الشبهة الحكمية و الموضوعية إذا لم يجد

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 139

ذلك. و اللّٰه هو العالم.

[مسألة 36] الاقتراض للحج

مسألة 36- لا ريب في أنه لا يجب الاقتراض للحج إذا لم يكن له مال و إن كان عالماً بقدرته علي وفائه بعد الحج بسهولة.

لأنه ليس له ما يحج به، و الاستقراض تحصيل للاستطاعة و هو غير واجب، لأنها شرط للوجوب لا للواجب.

ثمّ إنه لو استقرض و كان قادراً علي أدائه عند أجله من غير أن يكون ذلك حرجاً عليه يجب عليه الحج؛ لصدق كونه ذا مال و يسار و استطاعة.

نعم، بناءً علي جواز مطالبة الدائن طلبه من المديون قبل حلول الأجل و عدم الاطمينان بعدم مطالبته يشترط في حصول الاستطاعة أن يكون قادراً علي أدائه في أيِّ زمانٍ طالب المقرِض منه الأداء.

و ربما يتوهم دلالة ما رواه الشيخ عن الحسين بن السعيد عن محمد بن أبي عمير عن عقبة «1» قال: «جاءني سدير الصيرفي فقال: إن أبا عبد اللّه عليه السلام يقرأ عليك

______________________________

(1)- في كتب الرجال ذكر أكثر من عشرين رجلًا اسمهم عقبة بأسماء آبائهم، و عقبة هذا لم يذكر اسم أبيه فالظاهر أنه مجهول، إلا أنه يعتمد عليه برواية محمد بن أبي عمير عنه و الرواية عنه، أيضاً تزيد علي عشرين، و لذلك فالرواية معتبرة. و أما سدير الصيرفي فهو ابن حكيم، روي الكشي رواية معتبرة تدل علي علو رتبته. ثمّ إن في الوسائل ذكر (عقبة) بدل (جفينة) و في الذيل ذكر أن في المخطوطة (حقبة) و في هامشه

عن نسخة جفير، إلا أن الصحيح هو (عقبة)، كما جاء في طبقات السيد البروجردي قدس سره، و جفير ابن الحكم العبدي، و جفير ابن صالح مذكوران في كتب الرجال، و أما (جفينة) و (حقبة) فلم أجدهما فيما راجعت إليه من كتب الرجال. و لا يخفي عليك أن نفس الرواية أيضاً تدل علي كون الرجل مورداً لعناية الإمام عليه السلام.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 140

السلام ما لك لا تحج؟ استقرض و حج» «1» علي وجوب الاستقراض في الحج.

و لكنه محمول إما علي الحج التطوّعي بقرينة أن ظاهره مخالف لظاهر الكتاب الدال علي اشتراط وجوب الحج بالاستطاعة و لظاهر الروايات المتواترة، أو علي أن الإمام عليه السلام يعلم من حاله أن له ما يؤدي دينه به، فالمراد به ما نذكره بعد ذلك، أو علي أن الحج كان مستقراً عليه، مضافاً إلي أنه قضية في واقعة لا يمكن استفادة الإطلاق منها. «2»

هذا، و لو كان عنده مال لا يمكن الحج به فعلًا و لكن يمكن له الاقتراض و أداء قرضه بعد ذلك فهل يجب حينئذ عليه الاستقراض، أم لا؟

قال في التذكرة: (لا يجب الاقتراض للحج إلا أن يحتاج إليه و يكون له مال بقدره يفضل عن الزاد و الراحلة و مئونة عياله ذهاباً و عوداً، فلو لم يكن له مال أو كان له ما يقصر عن ذلك لم يجب عليه الحج، لأصالة البراءة، و لأن تحصيل شرط الوجوب ليس واجباً). «3»

و قال في المدارك: (و لا تجب عليه الاستدانة، و يحتمل قوياً إذا كان بحيث يمكنه الاقتضاء بعد الحج، كما إذا كان عنده مال لا يمكنه الحج به). «4»

و قال في الدروس: (و تجب الاستدانة عيناً إذا تعذر

بيع ماله و كان وافياً بالقضاء، و تخييراً إذا أمكن الحج بماله). «5»

أقول: البحث هنا يكون فيما إذا كان له مال يحصل به الاستطاعة إن أمكن

______________________________

(1)- تهذيب الأحكام: 5/ 441، الاستبصار: 2/ 329.

(2)- و يمكن أن يكون «مالك لا تحج؟ استقرض و حج» من كلام سدير الراوي.

(3)- تذكرة الفقهاء: 1/ 302.

(4)- مدارك الأحكام: 7/ 42.

(5)- الدروس الشرعية: 1/ 311.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 141

صرفه في الحج بعينه أو بتبديله بغيره و لكن تعذر ذلك له، لا ما إذا لا يمكن صرف عينه و أمكن تبديله بما يمكن صرفه في الحج، فإن هذا- أي إمكان صرف عينه- غير معتبرٍ في الاستطاعة إجماعاً.

أما إذا لم يمكن صرفه مطلقاً لا بعينه و لا بعوضه بالفعل في سبيل الحج و لكن يمكن له الاستقراض و صرفه في الحج ثمّ وفاؤه بعد ذلك به، ففي هذه الصورة أفتي الشهيد قدس سره بوجوب الاستدانة بالوجوب العيني قبال ما إذا أمكن الحج بما هو عنده و بالاستدانة، و قواه في المدارك، و استظهر وجوبه في العروة؛ لصدق الاستطاعة مع الوثوق بإمكان وفاء الدين به، و خالفه جمع من المحشِّين عليه.

و الأقوي عندي أيضاً عدم حصول الاستطاعة بذلك، سيّما بعد كونها مفسرةً في الأحاديث بأن يكون له زاد و راحلة، و له المال، أو إذا قدر علي ما يحج به- الذي هو ظاهر في القدرة الفعلية- أو كان عنده ما يحج به أو وجد ما يحج به، فإذا لم يمكن له الحج بما عنده من المال لا بعينه و لا باستبداله لا يكون مستطيعاً.

ثمّ إنه ربما يتوهم دلالة طائفةٍ من الأحاديث علي وجوب الاستقراض للحج و حصول الاستطاعة بإمكان ذلك إذا كان عنده

مال لا يمكن الحج به فعلًا و لكن يمكن أداء قرضه به بعد الحج:

منها: ما رواه الكليني قدس سره عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد اللّه «1»، عن محمد بن علي «2»، عن محمد بن الفضيل «3»، عن موسي بن بكر «4»، عن أبي الحسن

______________________________

(1)- من الطبقة السابعة.

(2)- محمد بن علي بن إبراهيم، وكيل الناحية، هو و ابنه القاسم و أبوه علي وجده من الطبقة السابعة.

(3)- من أصحاب الرضا عليه السلام مرمي بالغلو، من الطبقة السادسة.

(4)- من الطبقة الخامسة، واقفي.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 142

الأول عليه السلام قال: «قلت له: هل يستقرض الرجل و يحج إذا كان خلف ظهره ما يؤدّيٰ عنه إذا حدث به حدث؟ قال: نعم» «1».

و منها: ما رواه عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن عيسي «2»، عن البرقي «3»، عن جعفر بن بشير «4»، عن موسي بن بكر الواسطي قال: «سألت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل يستقرض و يحج؟ فقال: إن كان خلف ظهره مال إن حدث به حدث أُدّي عنه فلا بأس» «5».

و يحتمل كون هاتين الروايتين روايةً واحدةً رواها الكليني تارةً عن البرقي بلا واسطة، و تارةً بواسطة أحمد بن محمد بن عيسي، و إنما رواها موسي بن بكر مرةً بالنقل بالمعني و مرةً باللفظ أو بالمعني و المضمون أيضاً، و ثقة الإسلام أفرد كلًّا منهما بالرواية لاختلاف لفظهما، و إنّ ما هو الوجه لعدم البأس يستفاد من إحداهما من كلام الإمام عليه السلام، و في الاخري من كلام الراوي بمعونة جواب الإمام عليه السلام.

و منها: ما رواه عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن عيسي، عن علي بن الحكم

«6»، عن عبد الملك بن عتبة «7» قال: «سألت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل عليه دين يستقرض و يحج؟ قال: إن كان له وجه في مال فلا بأس» «8».

و أما وجه دلالة هذه الأحاديث علي وجوب الاستقراض فهو: أن قول

______________________________

(1)- الكافي: 4/ 278 ب الرجل يستدين و يحج ح 2.

(2)- من الطبقة السابعة.

(3)- هو أحمد بن أبي عبد اللّه.

(4)- من الطبقة السادسة من زهاد أصحابنا و عبادهم و نساكهم ثقة.

(5)- الكافي الباب المذكور ح 6.

(6)- ثقة جليل من الطبقة السادسة.

(7)- الهاشمي ملحق بالحسن من الطبقة الخامسة.

(8)- الكافي الباب المذكور ح 3.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 143

السائل: «يستقرض و يحج» مطلق يشمل حجة الإسلام و الحج التطوعي، و بترك استفصال الإمام عليه السلام يستفاد الإطلاق من الجواب.

و فيه أولًا: أنه لا دلالة لهذه الأخبار علي وجوب الاستقراض للحج و حصول الاستطاعة بإمكان الاستقراض إن كان له وجه في مال، بل غاية ما يستفاد منها جواز تحصيل الاستطاعة بالقرض، و لا ريب أن بعد حصولها يجب الحج.

و ثانياً: أن إطلاق قوله عليه السلام: «إن كان خلف ظهره مال إن حدث به حدث ادِّي عنه» يشمل ما إذا لم يكن عنده إلا مستثنيات الدين فإن دين الميت يؤدّي منها، و من كان حاله هكذا ليس بمستطيع قطعاً، فالحديث ظاهر في حج التطوع لا حجة الإسلام.

و أما ضعف بعض رجال أسنادها فلا يضر بالاعتماد عليها بعد وجود بعض ما يشهد لذلك فيها، و كون الثالثة حسنة، و رواية جماعة من الأجلّاء عن موسي بن بكر و اعتمادهم عليه، مثل أحمد بن محمد بن أبي نصر، و جعفر بن بشير، و الحسن بن علي الوشاء، و صفوان بن يحيي،

و العلاء بن رزين، و علي بن إبراهيم بن هاشم، و علي بن الحكم، و ابن أبي عمير، و غيرهم.

[مسألة 37] فيما إذا اشتبه ما يتمكّن به الحج بمال غيره

مسألة 37- إذا اشتبه مال يكفيه للحج بمال غيره: فتارةً تكون الشبهة في الموضوع، كما إذا علم أن المال الباقي من المالين الذين ضاع أحدهما إما يكون له أو لزيدٍ فالظاهر أنه لا يصدق عليه الاستطاعة.

لأنه فرع أن يكون له مال يحج به غير ممنوع من التصرف فيه، و مع اشتباهه

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 144

بمال الغير تنتفي الاستطاعة المذكورة؛ لزوال إمكان التصرف فيه إما لضياعه فهو كالسالبة بانتفاء الموضوع، و إما لاشتباهه بغيره فلا يمكن معه استصحاب وجوب الحج أو بقاء الاستطاعة لليقين بزوال الاستطاعة، فإنها دائرة مدار بقاء إمكان التصرف في المال و صرفه في الحج، و باشتباهه بمال الغير يزول هذا الإمكان و يكشف عن عدم حصول الاستطاعة له من الأول، كما إذا كان له مال ثمّ فُقد وضاع فإنه يكشف عن عدم الاستطاعة.

اللهم إلا أن يقال بحصول الشركة و المالكية القهرية فيدور وجوب الحج مدار حصول الاستطاعة بما يملكه بهذه الملكية القهرية، أو بغيرها من الوجوه المحتملة في المسألة، و الكلام فيها في محله.

و تارةً يكون الشك في الحكم، كما إذا حصل له بالمعاملة المعاطاتية مال يكفيه للحج و لكن رجع البائع إلي المبيع قبل قبضه الثمن و قبل تصرف المشتري في المبيع، إلا أنه لجهله بالحكم و أن المعاطاة هل هي لازمة كالعقود اللفظية أو أنها جائزة حتي يجوز لكلٍّ من المتبايعين الرجوع إلي ماله، شاك في استطاعته فالواجب عليه السؤال؟ و ليس مثل ذلك من تحصيل الاستطاعة، فإنها إما حاصلة لها في الواقع أو غير حاصلة، فإذا كانت حاصلة

يكون تركه للحج مستنداً إلي جهله بالحكم الشرعي الذي قصر في تعلمه فلا يكون معذوراً في ترك الحج، فشكه في الاستطاعة من جهة الجهل بالحكم الشرعي مثل من كان شاكاً في أن الاستطاعة تحصل بوجود الزاد و الراحلة أو اعتبر فيها أمر زائد علي ذلك، و ترك السؤال عن الحكم الشرعي و ترك الحج بعذر الشك في حصول الاستطاعة فهو غير معذور قطعاً.

نعم، بعد السؤال إذا علم أن الحكم في المعاطاة الجواز و كان الحال بحيث لو رجع إلي ماله يحصل له الاستطاعة، كما إذا غلت قيمة المبيع بعد البيع و قبل التصرف فالظاهر عدم وجوب رجوعه إلي المبيع؛ لأن ذلك تحصيل للاستطاعة. و اللّٰه تعالي

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 145

شأنه هو العالم.

[مسألة 38] إذا كان له ما يحج به و عليه دين بقدره فأيهما يقدم؟
اشارة

مسألة 38- إذا كان له ما يحج به و كان عليه دين و لا يفي ما عنده من المال إلا لأداء الدين أو الحج ففي المسألة وجوه بل أقوال:

الأول: تقديم الدين علي الحج مطلقاً، سواء كان الدين حالًّا مطالباً به أو غير مطالب به، أو كان مؤجلًا سواء كان واثقاً بقدرته علي الأداء بعد صرفه في الحج أم لا، حكي ذلك عن جماعة كالمحقق و العلامة و الشهيد رضوان اللّٰه تعالي عليهم.

قال المحقق في الشرائع: (و لو كان له مال و عليه دين بقدره لم يجب إلا أن يفضل عن دينه ما يقوم بالحج) «1».

و قال العلامة في الإرشاد: (و المديون لا يجب عليه شي ء إلا أن يفضل عنه دينه قدر الاستطاعة) «2»، و قال نحوه في التلخيص و غيرهما «3».

و قال الشهيد في الدروس: (و المديون ممنوع إلا أن يستطيع بعد قضائه مؤجلًا كان أو حالًّا) «4».

و يستدل لهذا القول بروايات

دلت علي أن الموضوع في وجوب الحج هو الموسر، فمن كان مديوناً ليس له إلا قدر ما يكفي أحدهما (الدين أو الحج) ليس بموسر.

______________________________

(1)- شرائع الإسلام: 1/ 165.

(2)- إرشاد الأذهان: 1/ 310.

(3)- التلخيص: من سلسلة الينابيع 30/ 327.

(4)- الدروس الشرعية: 1/ 311.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 146

ففي الصحيح عن أبي بصير قال: «سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: من مات و هو صحيح موسر لم يحج فهو ممن قال اللّٰه عز و جل: «وَ نَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيٰامَةِ أَعْميٰ».

الحديث «1».

و بما دل علي تفسير الاستطاعة باليسار، مثل ما رواه في المحاسن بإسناده، عن عبد الرحيم القصير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «سأله حفص الأعور و أنا أسمع عن قول اللّٰه عز و جل: «وَ لِلّٰهِ عَلَي النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا» قال: ذلك القوة في المال و اليسار، قال: فإن كانوا موسرين فهم ممن يستطيع؟ قال: نعم».

الحديث «2».

و فيه (أي في تقديم الدين علي الحج مطلقاً لعدم صدق الموسر وذي اليسر و اليسار علي المدين): منع كون كل من كان مديوناً غير موسر، فمن كان متمكناً من أداء دينه المؤجل عند حلول الأجل بالسهولة موسر عرفاً.

نعم، في حصول الاستطاعة للمديون الذي أنظره الدائن مع تمكنه من الأداء بعد ذلك إشكال، من جهة أنه و إن صار متمكناً عرفاً من الحج بإنظار الدائن إلّا أنّه لا يحصل بذلك اليسار و الاستطاعة الشرعية مع كون الدين عليه بالفعل، فكأنه حج بمال الناس الذي كان مأذوناً بالتصرف فيه بالضمان.

و من جهة أنه لا فرق عند العرف بين الدين المؤجل و الحالّ الذي أنظره الدائن إذا كان متمكناً من الأداء بعد ذلك فهو مستطيع للحج.

و

مع الشك في حصول الاستطاعة فالشك يكون في التكليف، و مقتضي الأصل البراءة منه.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة باب 6 من أبواب وجوب الحج و شرائطه ح 7.

(2)- وسائل الشيعة باب 9 من أبواب وجوب الحج و شرائطه ح 3.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 147

ثمّ إنه يستفاد من حاشية سيد الأعاظم السيد البروجردي قدس سره علي العروة في وجه تقديم الدين علي الحج: أن أداء الدين مع قطع النظر عن وجوبه مما يحتاج إليه الناس في معيشتهم، فمن لا يقدر مع الحج علي أدائه سواء كان الدين مؤجلًا أو معجلًا غير مستطيع للحج و إن لم يصرف ما عنده في أداء دينه، كمن كان محتاجاً إلي نفقة عياله و لم ينفق ما عنده فيها، و أما إن كان قادراً علي أدائه مع الحج فهو مستطيع، سواء كان الدين معجلًا أو مؤجلًا، فعلي هذا في الدين المؤجل إذا كان عند الأجل متمكناً من الأداء يكون بما عنده فعلًا مستطيعاً للحج، و لعله كان الأمر كذلك إذا أنظر الدائن و هو متمكن من أدائه بعد الحج لعدم الاحتياج إليه.

و لكن ينبغي أن يعدِّ ذلك القول بالتفصيل في تقديم الدين بين ما إذا كان أداؤه محتاجاً إليه فلا يجب الحج معه، و بين ما إذا لم يكن محتاجاً إليه بالفعل و قادراً عليه بعد ذلك فهذا قول مستقل فليكن القول الثاني، كما أن القول بكون المديون موسراً إذا كان متمكناً من أداء دينه عند حلول الأجل مع الإشكال في كونه كذلك إن أنظره الدائن قول آخر نجعله القول أو الوجه الثالث في المسألة.

و يقرب من هذين القولين قول سيد المدارك، و هو أيضاً تقديم الدين علي الحج إذا كان مؤجلًا

أو غير مطالب به و لكن لا يجد الوفاء به عند الأجل أو بعد الحج، و أما إذا كان مؤجلًا أو معجلًا غير مطالب به غير أنه يجد الوفاء به كذلك فهو مستطيع يجب عليه الحج، و هذه عبارته في شرح كلام المحقق: (و لو كان له مال و عليه دين بقدره لم يجب إلخ …) قال: (إطلاق العبارة يقتضي عدم الفرق في الدين بين أن يكون حالًّا أو مؤجلًا، و بهذا التعميم صرح في المنتهي، و استدل عليه بعدم تحقق الاستطاعة مع الحلول و توجه الضرر مع التأجيل فيسقط الحج)، ثمّ قال: (و لمانع أن يمنع توجه الضرر في بعض الموارد، كما إذا كان الدين مؤجلًا أو حالًّا لكنه غير مطالب به و كان للمديون وجه للوفاء بعد الحج، و متي انتفي الضرر و حصل

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 148

التمكن من الحج تحققت الاستطاعة المقتضية للوجوب. و قد روي الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل عليه دين أ عليه أن يحج؟

قال: «نعم، إنّ حجة الإسلام واجبة علي من أطاق المشي من المسلمين). «1» و كأنه حمل الصحيح علي المورد الذي ذكره في كلامه.

و استشكل عليه: بأنّه إذاً ينبغي له أن يقول بعدم وجوب الحج و عدم صدق الاستطاعة إذا كان الدين حالًّا و لم يأذن الدائن بالتأخير و إن لم يطالب المديون؛ لأن العبرة بوجوب أداء الدين و هو حاصل عند حلول الأجل «2»، و هذا ليس كثير فرقٍ في ذلك، و لعله يلتزم به. و لا يخفي أنه لا يرد هذا الإشكال علي الوجهين السابقين.

و كيف كان فهذه الوجوه كلها تفصيل في المسألة

و لا فرق بينها، غير أنّ علي الوجه الأول الذي ذكرناه استشكالًا علي القول بوجوب تقديم الدين مطلقاً قلنا:

إن في حصول الاستطاعة له للمدين بإنظار الدائن إشكال.

تذنيبان:
الأول: لا يخفي أن بعض الأعاظم [رحمه اللّٰه] استظهر من كلام صاحب المدارك [رحمه اللّٰه] اختيار عدم وجوب أداء الدين،

و وجوب الحج إذا كان مؤجلًا مطلقاً، سواء كان للمديون وجه للوفاء عند الأجل أم لا، و وجوب الحج أيضاً إذا كان الدين حالًّا لكنه غير مطالب به و إن لم يكن للمديون وجه للوفاء بعد الحج، فقال: (و منهم من ذهب كالسيد في المدارك إلي أن المانع من وجوب الحج هو الدين

______________________________

(1)- مدارك الأحكام: 7/ 43.

(2)- معتمد العروة: 1/ 116.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 149

الحالّ المطالب به، و أما غير الحالّ أو غير المطالَب به فغير مانع لتحقق الاستطاعة المقتضية للوجوب). ثمّ أورد عليه: بأنه لو تم هذا التفصيل فلا بد من التعميم للحال الذي لم يأذن له الدائن بالتأخير و إن لم يكن مطالباً. «1»

و لكن الدقّة في عبارة السيد صاحب المدارك تقتضي ما استظهرناه منها؛ و ذلك لأن المنتهيٰ إنما يستدل علي مانعية الدين عن وجوب الحج مع الحلول بعدم الاستطاعة، و استدل عليه بتوجه الضرر مع التأجيل، كأنه رأي أن مع التأجيل يمكن عدم تمكنه من الأداء عند حلول الأجل، و لذا أورد عليه المدارك بنفي الضرر في المؤجل إذا كان للمديون وجه للوفاء بعد الحج.

و علي هذا فما هو مختار المدارك أن المانع من وجوب الحج هو الدين الحالّ المطالب به و المؤجل الذي لا يكون للمديون وجه للوفاء به و غير المطالب به كذلك، و أما القول باختصاص مانعيته بالدين الحالّ المطالب به دون الدين المؤجل الذي لا وجه له للوفاء و غير المطالب به كذلك فلا يستند إليه، و لعلّه لا

يوجد قائل به.

الثاني: اعلم أن صاحب الحدائق أورد علي المدارك

حيث حمل كلام العلامة في المنتهي: (و لو كان له مال و عليه دين بقدره لم يجب عليه الحج، سواء كان الدين حالًّا أو مؤجلًا؛ لأنه غير مستطيع مع الحلول، و الضرر متوجّه عليه مع التأجيل فسقط فرض الحج) علي الإطلاق، و أن كون الدين مانعاً من وجوب الحج، أعم من كون المديون بالدين الحالّ أو المؤجل واجداً وجهاً للوفاء و عدمه-: بأنّ مراد العلامة قدس سره ليس هذا الإطلاق، بل فرضه كون الدين مانعاً من وجوب الحج، سواء كان مؤجلًا أو حالًّا إذا لم يتمكن المديون من الوفاء بعد الحج لا مطلقاً و إن تمكن منه، حتي يقال: إن مختاره كون الدين مانعاً و لو كان في صورة الحلول و عدم

______________________________

(1)- المصدر نفسه.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 150

المطالبة أو التأجيل و له وجه للوفاء بعد الحج. «1»

فعلي هذا الاستظهار يوافق مختار العلامة مختار غيره من المفصِّلين في المسألة، و لا أستبعد أن يكون ذلك مراده في غير المنتهي من كتبه كالإرشاد و التلخيص و غيرهما، و مراد غيره كالمحقق في الشرائع و الشهيد في الدروس رحمة اللّٰه عليهم.

فلا إطلاق قوي لكلامهم يشمل صورة منع الدين من الحج إذا كان المديون متمكناً بحسب حاله من الوفاء، و عليه يسقط هذا القول و يبقي مختار المفصلين.

و يؤيد هذا التفصيل: ما رواه الكليني رحمه الله بإسناده، عن علي بن الحكم، عن عبد الملك بن عتبة قال: «سألت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل عليه دين يستقرض و يحج؟ قال: «إن كان له وجه في ماله فلا بأس». «2»

الوجه الثالث: تقديم الحج علي الدين مطلقاً.

لا يخفي عليك أنَّا لم نعثر علي قائلٍ لهذا القول إلّا

ما حكي عن المستند «3» من حكايته عن المحقق الأردبيلي، و أنه الظاهر من مذهب القدماء حيث لم يتعرضوا لاشتراط الخلوّ عن الدين.

و لكن الظاهر من كلامه أن ما حكاه من القدماء و المحقق الأردبيلي هو خصوص ما إذا كان الدين مؤجلًا بأجلٍ يسع الحج، و لا أقلّ من أن كلامه غير ظاهرٍ في تقديم الحج بقولٍ مطلق.

و أما حكاية ذلك عن المحقق الأردبيلي و إن لم نتحققها من النراقي «4» يردها كلام المحقق المذكور في مجمع الفائدة، فإنه صريح في عدم وجوب الحج، بل عدم

______________________________

(1)- الحدائق الناضرة: 14/ 90.

(2)- الكافي: 4/ 279.

(3)- راجع مستند الشيعة: 2/ 159.

(4)- مجمع الفائدة و البرهان: 6/ 73.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 151

جوازه مع الطلب.

و قال: (أما إذا أذن الديّان خصوصاً مع القدرة علي تحصيله فيمكن جواز الحج- إلي أن قال: - أو يمكن الوجوب أيضاً لتحقق الاستطاعة المستلزمة له و الدين غير مانع؛ لأنه يجوز صرفه في غيره فيمكن فيه بالطريق الأولي خصوصاً مع كثرة الأجل).

و أما استظهار ذلك من مذهب القدماء حيث لم يتعرضوا لاشتراط الخلوّ عن الدين ففيه: أنه يمكن أن يكون عدم تعرضهم لوضوح المسألة عندهم، فإنّ كون وجوب الحج مشروطاً بالاستطاعة و عدم حصولها في بعض صور المسألة، مثل ما إذا كان حالًّا مطالباً به و حصولها في البعض الآخر مثل المؤجل الذي يجد الوفاء كان واضحاً عندهم و لا حاجة إلي تعرض موارده و جزئياته، سيما في الكتب التي كانوا ملتزمين فيها بتعرض ما في الروايات بلفظها.

و كيف كان فيمكن أن يقال بدلالة بعض الروايات علي هذا القول أو الوجه:

منها: صحيحة معاوية بن وهب، عن غير واحد، قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه

السلام:

يكون عليِّ الدين فتقع في يدي الدراهم، فإن وزعتها بينهم لم يبق شي ء، فأحج بها، أو اوزعها بين الغرّام؟ فقال عليه السلام: تحج بها، و ادع اللّٰه أن يقضي عنك دينك» «1».

و مثله أو عينه ما رواه الصدوق، عن ابن محبوب، عن أبان، عن الحسن بن زياد العطار قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: يكون عليَّ الدين فيقع في يدي الدراهم فإن وزعتها بينهم لم يقع شيئاً، أ فأحج أو اوزعها بين الغرماء؟ فقال: حج بها و ادع اللّٰه أن يقضي عنك دينك إن شاء اللّٰه تعالي». «2»

______________________________

(1)- وسائل الشيعة ب 50 من أبواب وجوب الحج و شرائطه ح 10.

(2)- من لا يحضره الفقيه: 2/ 268 ب 156 ح 6.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 152

و في الاستدلال بهما أولًا: أن الدين إذا كان حالًّا مطالباً به مانعاً عن حصول الاستطاعة بالإجماع و لم يقل أحد بتقديم الحج عليه فالسؤال إما يكون من الحج الاستحبابي و فرض رضا الديّان، و إما من الدين المؤجل أو الحالّ المأذون للمديون في تأخيره.

و ثانياً: أن عبارة السؤال محتمل لمعنيين: يمكن أن يكون سؤال السائل عن الحكم الكلي و كلامه جارٍ علي سبيل المثال حتي يكون مثل قوله: «الرجل يكون عليه الدين» فترك استفصال الإمام عليه السلام عن أفراد الحج الذي يشمل إطلاق كلام السائل و بيان الحكم يدل علي إطلاق الحكم.

و يحتمل أن يكون سؤال السائل عن حكم واقعته الشخصية و أجابه الإمام عليه السلام فيها بما يعرف من حالها، فلا يمكن الاستدلال بالحديث إلا بما هو القدر المتيقن منه.

و منها: ما رواه الشيخ بإسناده، عن الحسين بن السعيد «1»، عن القاسم بن محمد «2»، عن أبان «3»،

عن عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه «4» قال: «قال أبو عبد اللّه عليه السلام: الحج واجب علي الرجل و إن كان عليه دين» «5».

و فيه أيضاً: أنّ الأخذ بإطلاقها و إن كان الدين حالًّا مطالباً به ينافي اشتراط وجوب الحج بالاستطاعة التي لا تصدق إذا كان المال لا يفي إلا بأحدهما و كان الدين حالًّا مطالباً به، فهو محمول علي ما إذا كان الدين مؤجلًا أو غير مطالب به

______________________________

(1)- من الطبقة السابعة ثقة.

(2)- من الطبقة السادسة ضعيف.

(3)- من الطبقة الخامسة، أجمعت العصابة علي تصحيح ما يصح عنه.

(4)- من الطبقة الخامسة، ثقة.

(5)- وسائل الشيعة ب 50 من أبواب وجوب الحج و شرائطه ح 4.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 153

و كان المدين بحسب حاله قادراً علي أدائه بعد ذلك. و اللّٰه العالم.

الوجه الخامس: ما اختاره صاحب المستند رحمه الله.

قال: (المديون الذي له مال يسع أحد الأمرين من الحج و الدين داخل في الخطابين: خطاب الحج و خطاب أداء الدين، و إذ لا مرجّح في البين فيكون مخيراً بين الأمرين. فالوجه أن يقال: إن مع التعجيل أو عدم سعة الأجل هو مخير بين الحج و وفاء الدين، سواء علمت المطالبة أم لا. نعم، لو علم برضا الدائن بالتأخير فلا يكون مأموراً بالوفاء، فيبقي خطاب الحج خالياً عن المعارض فيكون واجباً، و أما إذا كان مؤجلًا بأجل يسع الحج و العود سواء ظن له طريقاً للوفاء بعد العود أم لا فلم أعثر للقدماء علي قول في المسألة- إلي أن قال: - و علي هذا فإن كان الدين معجلًا يجب قضاؤه و لا يجب الحج، و ليس من المتنازع فيه، و إن كان مؤجلًا فلوجود ما يقضي به الدين

عادةً بعد حلول الأجل يجب عليه إجماعاً و لا نزاع فيه أيضاً). «1»

أقول: صدر كلامه يدل علي التخيير بين أداء الدين و الحج؛ للتزاحم إذا كان الدين معجلًا أو مؤجلًا مع عدم سعة الأجل و وجوب الحج إذا كان مؤجلًا، و ربما يستفاد من ذيل كلامه تقديم الدين علي الحج للمزاحمة و أهمية الدين إذا كان معجلًا، بلا تنازعٍ فيه، و وجوب الحج إذا كان الدين مؤجلًا.

و استشكل عليه بعض الأعاظم: بأنّ الأمر كذلك، أي يقع التزاحم إذا كان المديون غير واثق بأداء الدين، بعد أعمال الحج، فإنه يجب عليه حفظ القدرة لأداء الدين، فليس له تفويت المال بحيث لا يتمكن من الأداء. «2»

و فيه: أنّ هذا ليس بإشكال كثير، فإنه يقول به أو يمنع وجوب حفظ القدرة

______________________________

(1)- مستند الشيعة: 2/ 159.

(2)- معتمد العروة: 1/ 117.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 154

فعلًا لأداء الدين المؤجل.

فلا فرق معتدّ به بين قول هذا المستشكل و ما اختاره الفاضل النراقي، و إن كان ظاهر كلامه أنه وجه جديد، و قال رداً علي الماتن: (إن الاستطاعة فسرت في النصوص بالتمكن من الزاد و الراحلة و تخلية السرب، و هي قدرة خاصة و المفروض في المقام تحققها حتي في صورة الدين الحالّ المطالب به، فإن الدين بنفسه لا يكون مانعاً من تحقق الاستطاعة المفسرة في الروايات، بل لأن الإطلاقات الدالة علي وجوب الحج تشمل المقام، فيقع التزاحم بين وجوب الحج و وجوب أداء الدين، لأن المفروض أنه لا يمكن الجمع بين امتثال الحكمين فلا بد من التخيير أو الترجيح، و لكن المتعين سقوط الحج و تقديم أداء الدين، و لا مجال للتخيير فيما إذا كان الدين حالًّا مطالباً به أو مؤجلًا

مع عدم الوثوق بالأداء بعد الحج؛ و ذلك للجزم بأهمية الدين فإن الخروج عن عهدة حقوق الناس أهم من حق اللّٰه تعالي، بل لو كان محتمل الأهمية تتقدم). «1»

و في كل هذا الوجه ما أشرنا إليه كراراً بأن المديون بالدين الحالّ الذي يجب أداؤه مضافاً إلي وجوبه الشرعي يعد من ضروريات معاشه ليس مستطيعاً، و من كان حاله هكذا لا يعد مستطيعاً و واجد السبيل إلي الحج.

و الأخبار المفسرة للآية لا تضيق مفادها بحيث لو كنّا و الآية كنّا نقول بعدم حصول الاستطاعة للمديون، فلو اعتذر هو بأنّي لا أستطيع الحج يقبل منه العرف و لا يقول له: أنت تستطيع، و بحسب الروايات نقول: إنه يكفيه مجرد المال و مجرد الزاد و الراحلة.

و لا يخفي أن علي القول بترجيح الدين عند التزاحم كما قال الفاضل النراقي:

______________________________

(1)- معتمد العروة: 1/ 117.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 155

إنه غير متنازع فيه لا يتفاوت الحكمين بحسب المبنيين إلا في صورة ترك المديون أداء الدين عصياناً و إتيانه بالحج، فإنه علي القول بالتزاحم و الترتب يقال بوقوع حجه حجة الإسلام دون القول الآخر، فإنه ليس مستطيعاً للحج فلا يقع حجه حجة الإسلام. و اللّٰه هو العالم.

[مسألة 39] في تقديم الدين أو الحج المستقر إذا كانا عليه و لا يفي المال إلا بأحدهما

مسألة 39- إذا وجد مالًا لا يفي إلا بأداء دينه أو حجة الإسلام بعد ما استقرت عليه سابقاً و كان الدين حالًّا مطالباً به فالحكم وجوب أداء الدين و الحج متسكِّعاً، و إن لم يتمكن من الحج إلا بصرف المال الموجود فهل الحكم التخيير لوقوع التزاحم بين وجوب الحج و وجوب أداء الدين و حيث لا يمكن له الجمع بين امتثال الحكمين، و لا مرجح في البين فلا بد من التخيير، أو الحكم هو

تقديم أداء الدين لأهميته أو لكونه محتمل الأهمية دون الحج، أو الحكم عكس ذلك فيقدم الحج كذلك؟ وجوه:

أمّا التخيير فالحكم به يدور مدار عدم ترجيح أحدهما علي الآخر.

و أما الحكم بتقديم الدين فربما يتمسك له بما رواه ثقة الإسلام في الكافي:

عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن أبيه، عن هارون بن الجهم «1»، عن المفضل بن صالح «2»، عن سعد بن طريف «3»، عن أبي جعفر عليه السلام قال:

______________________________

(1)- كأنه من الطبقة الخامسة، كوفي ثقة، له كتاب.

(2)- الأسدي من الطبقة الخامسة، ضعيف.

(3)- هو من كبار الطبقة الرابعة، قال النجاشي: (هو صحيح الحديث).

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 156

«الظلم ثلاثة: ظلم يغفره اللّٰه، و ظلم لا يغفره اللّٰه، و ظلم لا يدعه اللّٰه. فأما الظلم الذي لا يغفره فالشرك، و أما الظلم الذي يغفره فظلم الرجل نفسه فيما بينه و بين اللّٰه، و أما الظلم الذي لا يدعه فالمداينة بين العباد» «1» و في نهج البلاغة نحوه «2».

فإنه يستفاد من هذا الحديث أهمية حق الناس فإنه من الظلم الذي لا يدعه اللّٰه، بخلاف حق اللّٰه فإنه مغفور له.

و فيه: أنه لا يستفاد من الحديث كون حق الناس بالذات أهم من حق اللّٰه تعالي بحيث لو زاحمه حق اللّٰه كان الواجب تقديمه علي حق اللّٰه، فترك أداء الدين ليس أشد من الزنا، و إن كان الأول من الذنوب التي لا يدعها اللّٰه و الثاني من الذنوب التي يغفرها اللّٰه.

و يمكن أن يوجه أهمية أداء الدين: بأن في أدائه حفظ حيثيتين: حيثية حق اللّٰه تعالي، و حيثية حق الناس، و أما الحج فهو ذو حيثية واحدة و هي حق اللّٰه، فيجب تقديم أداء الدين حفظاً

للحيثيتين و المصلحتين.

و لكنّ فيه: أن هذا أشبه بالاستحسان، فإن المراد من دين اللّٰه هو الامور العبادية المأمور بها التي تمام قوامها ارتباط العبد باللّٰه تعالي و أداء العبودية إليه مثل الصلاة و الحج و الصوم، و من حق الناس ما هو مرتبط بالناس مما أمر اللّٰه تعالي برعايته و أدائه، و إثبات تقدم أحدهما علي الآخر يحتاج إلي دليل قوي شرعي.

و أما دعوي الجزم بأهمية الدين كما ادعاه بعض الأعاظم فإن الخروج عن عهدة حقوق الناس أهم من حق اللّٰه تعالي «3»، فلا يخفي ما فيها.

و أما الوجه في تقديم الحج علي الدين فربما يتمسك له بما في التذكرة من

______________________________

(1)- الكافي: 2/ 330.

(2)- نهج البلاغة: الخطبة 176.

(3)- معتمد العروة: 1/ 118.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 157

طرق العامة: «إن امرأةً من خثعم قالت: يا رسول اللّٰه، إن فريضة اللّٰه في الحج علي عباده أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يستطيع أن يستمسك علي الراحلة فهل تري أن أحج عنه؟ فقال: نعم، فقالت: أ ينفعه ذلك؟ فقال: أ فرأيت لو كان علي أبيك دين فقضيتيه أ كان ينفعه؟ فقالت: نعم، فقال: فدين اللّٰه أحق أن يقضي» «1».

وجه الاستدلال به: أن أحقية دين اللّٰه بالقضاء لا تكون إلا لكونه أهم من دين الناس، فإذا دار الأمر بينهما يرجح ما هو الأهم منهما و هو دين اللّٰه تعالي (الحج).

و في هذا الاستدلال أن الرواية و إن رواها في دعائم الإسلام عن مولانا الصادق عليه السلام إلا أنها ضعيفة السند لإرسالها، قال: «روينا عن جعفر بن محمد عليهما السلام أن رجلًا أتاه فقال: إن أبي شيخ كبير لم يحج فأُجهز رجلًا يحج عنه؟ فقال: نعم، إنّ امرأةً من خثعم سألت

رسول اللّٰه صلي الله عليه و آله أن تحج عن أبيها لأنه شيخ كبير؟ فقال رسول اللّٰه صلي الله عليه و آله: نعم، فافعلي إنه لو كان علي أبيك دين تقضينه عنه أجزأه ذلك». «2» مضافاً إلي أنه ليس فيها قوله: فدين اللّٰه أحق أن يقضي.

و روي نحوه في المستدرك عن تفسير أبي الفتوح قدس سره و في آخره «فدين اللّٰه أحق» «3».

و أما ما رواه- العلامة رضوان اللّٰه عليه- عن العامة فلم أجد فيما روي قصة

______________________________

(1)- التذكرة: كتاب الحج البحث الرابع في المئونة م 3. و قال الشيخ في الخلاف في كتاب الصوم المسألة 65: (و روي سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: جاء رجل إلي النبي صلي الله عليه و آله و سلم فقال: يا رسول اللّٰه إن امي ماتت و عليها صوم شهر أ فأقضيه عنها، قال: لو كان علي امك دين أ كنت قاضيه عنها؟ قال: نعم، قال: فدين اللّٰه أحق أن يقضي، و هذا الحديث في الصحيح و هو نص».

(2)- مستدرك الوسائل: 8/ 26 ب 18 ح 1.

(3)- المصدر السابق: ح 3.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 158

الامرأة الخثعمية مما عندنا من جوامعهم و صحاحهم قوله: «فدين اللّٰه أحق أن يقضي».

فهذا أحمد روي الحديث في مسنده تارةً في ج 1 ص 212 بسنده عن الفضل بن عباس قال: «أتت امرأة من خثعم فقالت: يا رسول اللّٰه، إن أبي أدركته فريضة اللّٰه عز و جل في الحج و هو شيخ كبير لا يستطيع أن يثبت علي دابته قال: فحجي عن أبيك».

و تارةً بلفظ آخر في ص 346 و في ص 359 مع زيادة في أوله، و في آخره:

(و ذلك في حجة

الوداع)، و روي في ص 212: أنّ رجلًا سأل النبي صلي الله عليه و آله، و ليس فيه «فدين اللّٰه أحق أن يقضي». و هذا مسلم رواه في صحيحه مثل ما رواه أحمد في المسند ص 359، و بسند آخر عن سليمان بن يسار عن ابن عباس عن الفضل (ص 101 ج 4) ليس فيها هذه الكلمة.

و كذا البخاري و أبو داود و النسائي و مالك و ابن الأثير في اسد الغابة و غيرهم و ليس فيها تلك الكلمة.

نعم، توجد هذه الجملة «فدين اللّٰه أحق بالقضاء» «فدين اللّٰه أحق أن يقضي» فيمن مات و عليه صوم شهر في صحيح مسلم و البخاري و غيرهما.

و علي ذلك فلم نعلم أن العلامة قدس سره عن أي مصدر من العامة أخذ هذا الحديث بلفظٍ رواه في التذكرة.

نعم، العبارة جاءت في حديث ابن عباس الذي رواه البخاري و النسائي في المرأة من جهينة التي «سألت النبي صلي الله عليه و آله أن امها نذرت أن تحج فلم تحج حتي ماتت؟

اقضوا اللّٰه فاللّٰه أحق بالوفاء».

و كيف كان فهذه الأحاديث كلها إما من المراسيل، أو هي ضعيفة الأسانيد لا يعتمد عليها، مضافاً إلي أنه يمكن الخدشة في دلالة قوله: «دين اللّٰه أحق أن يقضي»

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 159

علي أهمية أداء الحج، فإن ما يستفاد من هذه الكلمة أن قضاء دين اللّٰه لمن يقضي دين الناس أولي بالمراعاة، فكأنها تقول: يا من تهتم بدين الناس لا تترك الاهتمام بدين اللّٰه، فإذا أنت تعظم حق الناس عليك فاللّٰه أحق بتعظيم حقه، و أين هذا من أهمية حق اللّٰه عند الشارع علي حق الناس إذا دار الأمر بينهما؟ و بعبارة اخري، المعني: إذا

أنت تؤدي دين الناس للناس فالله أحق بالأداء و القضاء له. و أما إذا دار الأمر بين امتثال حكم اللّٰه بوجوب أداء الدين أو أداء الحج فإثبات تقديم أحدهما بأهميته علي الآخر محتاج إلي دليل غير هذا.

و يدل علي تقديم الحج علي الدين: ما رواه الكليني، عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن محبوب، عن ابن رئاب «1»، عن بريد العجلي «2» قال: «سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجل خرج حاجّاً و معه جمل له و نفقة و زاد فمات في الطريق؟ قال: إن كان صرورة ثمّ مات في الحرم فقد أجزأ عنه حجة الإسلام، و إن كان مات و هو صرورة قبل أن يحرم جعل جمله و زاده و نفقته و ما معه في حجة الإسلام، فإن فضل من ذلك شي ء فهو للورثة إن لم يكن عليه دين».

و إطلاقه يشمل صرورة لم يستقر عليه الحج، و أنه يجب الاستنابة من جمله مطلقاً و إن كان عليه دين، كما يشمل من استقر عليه الحج، فيستفاد منه أنه يصرف ماله في الحج بعد موته قبل أداء دينه، و هذا يدل علي تقديم الحج علي الدين.

لا يقال: هذا هو حكم تعلق الحج بالتركة بعد الموت، و كلامنا في تقديم الحج علي الدين قبل الموت «3».

______________________________

(1)- علي بن رئاب من الخامسة، الكوفي، له أصل كبير، ثقة جليل القدر.

(2)- ابن معاوية العجلي وجه من وجوه أصحابنا ثقة فقيه له محل عند الأئمة عليهم السلام و هو ممن أجمعت العصابة علي تصديقهم و انقادوا لهم بالفقه، و هو من الرابعة.

(3)- راجع معتمد العروة: 1/ 119.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 160

فإنه يقال: لو لم يكن الحج أهم من

الدين لا يقدم عليه بعد الموت، و لا خصوصية في ذلك لبعد الموت. نعم، لو كان هنا دليل علي تقديم الدين قبل الموت لو لم نقل بتعارضهما عند العرف يرفع اليد عن ظهور صحيحة بريد في كون الحكم بصرف المال في الحج لتقديم الحج علي الدين، و نحمله علي التعبد و اختصاص الحكم بما بعد الموت، و لكن بعده لم يكن لنا دليل ظاهر علي تقديم الدين علي الحج قبل الموت، فلا نرفع اليد عن هذا الظهور و نقول بتقديم الحج علي الدين مطلقاً.

و يمكن أن يقال: إن كان الدين مقدماً علي الحج فليس ذلك لخصوصية الحكم المتعلق بأداء الدين، بل إنما يكون لخصوصية في الدين و إن لم يجعل المال ممنوعاً من التصرف فيه قبل أداء الدين مثل التركة، فيجب أن يكون الدين مقدماً علي الحج بعد الموت أيضاً، و لكن يستكشف من حكم الشارع بتقديم الحج علي الدين تقديمه عليه قبل الموت، فافهم و تأمل.

[مسألة 40] لو حصل الدين قبل حصول ما يستطيع به أو بعده

مسألة 40- لا فرق في كون الدين مانعاً من وجوب الحج بين ما إذا حصل المال بقدر الاستطاعة بعد حصول الدين، أو قبل حصول الدين بأن حصل له مال بقدر الاستطاعة ثمّ صار مديوناً بأحد الأسباب القهرية كإتلافه مال الصغير من غير عمد.

و ذلك لعدم تأثير سبق الدين علي حصول المال في مانعيته عن الحج، فلو حصل الدين بعد حصول المال يستكشف بها عدم الاستطاعة، و لا فرق في ذلك بين القول بعدم صدق الاستطاعة مع الدين و القول بالتزاحم، فإنّ علي القول به أيضاً يقع التزاحم بعد حصول أي منهما مع بقاء الآخر الذي حصل قبله.

و إذا حصل الدين بالإتلاف العمدي يستقر الحج عليه؛ لأنه تفويت عمدي

فقه

الحج (للصافي)، ج 1، ص: 161

للاستطاعة كما إذا أتلف المال الذي عنده.

نعم، من جهة التكليف العقلي يقع التزاحم بين أداء الدين و الحج علي كلا المبنيين مثل المسألة السابقة، بخلاف ما إذا كان ذلك بالإتلاف الخطئيّ فإنه لا يوجب استقرار الحج.

[مسألة 41] لو لم يف المال بالجمع بين أداء الخمس أو الزكاة و أداء الحج

مسألة 41- إذا كان بذمته زكاة أو خمس و كان ما عنده من المال لا يفي بأن يجمع بين أدائهما و أداء الحج فالظاهر عدم الفرق بينهما و بين المسائل السابقة بجميع فروعها.

لأنه لا فرق في وجوب أداء الدين بين كون من له الدين فرداً خارجياً أو جهة من الجهات (شخصاً حقيقياً أو شخصيةً حقوقيةً)، كما إذا كان في ذمته اجرة الموقوفة، فمن كان حاله ذلك لا يصدق عليه عنوان المستطيع، و علي قول من يراه مستطيعاً يقع التزاحم بين الحكمين علي ما مر.

نعم، لو كان عين المال الذي فيه الخمس أو الزكاة عنده لا يجب عليه الحج؛ لعدم حصول الاستطاعة بما لأهل الخمس أو أرباب الزكاة لاشتراط الاستطاعة بأن يكون له المال، و ما لأهل الخمس و الزكاة ليس له، كما إذا كان عنده أموال غيرهم من الناس.

و إذا كان الحج مستقراً عليه و كان عنده عين المال الذي فيه الخمس أو الزكاة لا يجوز صرفها في الحج ايضاً قبل أداء الخمس و الزكاة.

و التعبير بتقديم الزكاة أو الخمس علي الحج في هذا الفرض و سابقه يكون بالمسامحة، بل التعبير بتقديم الدين علي الحج بناءً علي كون الدين مانعاً من حصول الاستطاعة أيضاً من المسامحة في التعبير، و إنما يكون هذا التعبير علي الحقيقة بناءً

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 162

علي حصول الاستطاعة بالمال و عدم كون الدين مانعاً و في صورة استقرار الحج سابقاً

كما مر تفصيله.

[مسألة 42] فيما اذا لم يكن الدين مانعاً

مسألة 42- قد ظهر مما مر أن الدين إذا كان مؤجلًا و كان المديون واثقاً بقدرته علي أدائه عند حلول الأجل لا يمنع من حصول الاستطاعة.

بل و إن كان غير واثق بذلك، إلا أن يكون غير قادرٍ علي الأداء عند حلول الأجل عرفاً، فهل يمنع الدين من الاستطاعة إذا كان الدين مؤجلًا بأجلٍ طويلٍ كخمسين سنة؟

الظاهر عدم كونه مانعاً منها، و كذا إذا كان الدين من الديون التي لا يطالبه الدائن بها بحسب العرف و العادة، أو يكون المتعارف فيه ابراء المديون، فإنّ في كلّ هذه الصور لا يكون الدين مانعاً من حصول الاستطاعة، كما لا يكون مانعاً من صرف المال في غير الحج، و إن لم يكن من ضروريات معاشه فلا يأخذ عليه أحد بصرف ماله في غير الدين.

[مسألة 43] الشكّ في كفاية المال للحجّ

مسألة 43- إذا شك في أن ما عنده من المال المعلوم مقداره يكفي للحج أم لا، أم شك في أن ما عنده من المال بلغ مبلغاً معيناً يكفي للحج أم لا فهل يجب عليه الفحص؟

مقتضي ما بنوا عليه من عدم وجوب الفحص في الشبهات الموضوعية عدم وجوب الفحص و إجراء الأصل.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 163

و ربما يستشكل في ذلك: تارةً بأنّ عدم وجوب الفحص في الشبهات الموضوعية ما ثبت منهم البناء عليه هو ما إذا لم يتوقف امتثال التكليف غالباً علي الفحص، كما إذا كان موضوع التكليف معيناً بالعدد مما لا يحصل العلم به إلا بالفحص عنه، و الاستطاعة في الحج و النصاب في الزكاة و الخمس و الربح فيه من هذه المقولة، و في مثلها ترك الفحص موجب للوقوع في مخالفة التكاليف الكثيرة، و تشريع الحكم بهذه الخصوصية التي لا تعرف غالباً إلا

بالحساب مع عدم إيجاب الحساب بعيد جداً و يكون نقضاً لغرض الشارع. فمن الممكن دعوي الملازمة بين إيجاب الزكاة بالنصاب أو الحج عند ما بلغ المال قدر ما يكفيه لأداء الحج و إيجاب الفحص.

و فيه أولًا: النقض بموارد الشك في الطهارة و النجاسة، فإن العمل بإطلاق دليل الطهارة لا ينفكّ عن الوقوع في خلاف الواقع.

اللهمّ إلّا أن يقال في باب الطهارة و النجاسة: لا نسلِّم كون إجراء الاصول مثل أصالة الطهارة سبباً للعلم بالمخالفة؛ لإمكان أن يكون ما يجب الاجتناب عنه و المحكوم بالنجاسة- مثلًا- هو الشي ء المعلوم بوليته، أو كونه ميتة، و معه لا يحصل العلم بالمخالفة أصلًا.

و ثانياً: بالمنع عن العلم بوقوع الشخص بعدم الفحص في المخالفات الكثيرة.

نعم، يعلم إجمالًا بوقوع بعض الناس في المخالفة إلا أنه لا أثر عملياً له، و مثل هذا العلم حاصل بالنسبة إلي جميع الاصول بل و الأمارات.

و اخري بأنه يمكن أن يقال: إنّ الفحص بهذا المقدار لا يعد من الفحص المتعارف، و هو مثل المراجعة إلي الدفتر، أو رفع الرأس و النظر إلي الافق، أو فتح العين و النظر إلي الماء المشكوك كونه خمراً.

و اجيب عنه: بأن الحكم بالبراءة لا يدور مدار الفحص، بل يدور مدار

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 164

صدق العالم و الجاهل و لا واسطة بينهما، فإن كان الشخص عالماً لا يجري في حقه الأصل، و إن كان جاهلًا يجري في حقه، و في المقام هو جاهل بوصول ماله إلي حد الاستطاعة فتشمله البراءة، و لا يجب عليه الفحص حتي بالرجوع إلي الدفتر، و النظر إلي الفجر؛ لإطلاق أدلة الاصول «1».

و فيه: أن الكلام في صدق الجاهل علي من إن رفع رأسه أو فتح عينيه

يري الفجر و ما في الظرف هو الكلام في صدق الفحص و عدمه، فلا يصدق عنوان الجاهل علي من كان حاله ذلك، كما لا يصدق الفحص علي نظره إلي ما في الظرف.

و بالجملة: الفرق بين الفحص بعدم صدقه علي مثل فتح العين و الجاهل بصدقه عليه مشكل جداً.

نعم، في الفحص الذي لا يحصل إلا بمئونةٍ زائدةٍ و لو كانت يسيرةً لا يجب الفحص.

ثمّ إنه ربما يستدل بخبر يزيد الصائغ الذي رواه الكليني: عن محمد بن يحيي «2»، عن محمد الحسين «3»، عن محمد بن عبد اللّه بن هلال «4»، عن العلاء بن رزين «5»، عن زيد الصائغ «6» قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: إني كنت في قرية من

______________________________

(1)- معتمد العروة: 1/ 126.

(2)- أبو جعفر العطار القمي، شيخ أصحابنا في زمانه، ثقة كثير الحديث من الطبقة الثامنة.

(3)- محمد بن الحسين ابن أبي الخطاب الهمداني الكوفي، جليل، من أصحابنا، عظيم القدر و كثير الرواية، ثقة عين، حسن التصانيف، مسكون إلي روايته، له تصانيف، من الطبقة السابعة.

(4)- كأنه من كبار الطبقة السادسة أو من السابعة.

(5)- روي عن أبي عبد اللّه عليه السلام، تفقه علي محمد بن مسلم، ثقة جليل القدر، وجه وجيه، له كتب، من الطبقة الخامسة.

(6)- كأنه من الطبقة الخامسة و يزيد الصائغ نسب بالاشتهار بالكذب.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 165

قري خراسان يقال لها بخاري- إلي أن قال: - فإن كنت لا أعلم ما فيها (يعني الدراهم) من الفضة الخالصة إلا أني أعلم أن فيها ما تجب فيه الزكاة؟ قال:

فاسبكها حتي تخلص الفضة و يحترق الخبيث ثمّ تزكي ما خلص من الفضة لسنة واحدة». «1»

و هذا الخبر بظاهره يدل علي وجوب تصفية الدراهم المغشوشة مع

الشك في مقدارها، و مورده و إن كان صورة الشك في قدر الواجب مع العلم بوجود النصاب لكن يمكن استفادة الحكم منه في غير هذه الصورة، كما إذا كان وجود أصل النصاب مشكوكاً؛ لأنه لا فرق بين الشك في وجود الزائد علي النصاب و في وجود أصل النصاب في وجوب التصفية لتعيين ما عليه، كما أنه يمكن دعوي عدم الفرق بين الزكاة و الخمس في الحج.

و ردّ ذلك أولًا: بضعف الخبر بزيد أو يزيد الصائغ و محمد بن عبد اللّه بن هلال «2».

و فيه: أن الخبر ضعفه منجبر بالعمل، مضافاً إلي أن من رجاله محمد بن الحسين ابن أبي الخطاب الذي وصف بأنه حسن التصانيف مسكون إلي روايته، و من كان شأنه هكذا لا يرد حديثه لضعف بعض مشايخه.

و ثانياً: بعدم جواز التعدي من مورده و هو الزكاة إلي الخمس فضلًا عن الحج.

و في هذا الرد أيضا نقول: أما بالنسبة إلي سائر الموارد فإنّ الحكم في الزكاة علي طبق القاعدة و عدم الفحص يكون علي خلاف القاعدة بالإجماع، فبعد ما ثبت

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: باب 7 من أبواب زكاة النقدين ح 1.

(2)- راجع معتمد العروة: 1/ 128.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 166

بالرواية في الزكاة وجوب الفحص و خروجه عن الإجماع نقول بخروج مثله أيضاً عنه و نأخذ بالقدر المتيقن منه و هو ما كان في غير هذه الموارد التي تحتاج معرفة الموضوع فيها غالباً إلي الفحص، و العقلاء أيضاً استقرت سيرتهم علي ذلك.

[مسألة 44] الرجوع إلي الكفاية

مسألة 44- إذا كان عنده ما يكفيه للذهاب إلي الحج و الإياب منه و لم يكن له لنفقة بعد العود إلا مال غائب لو بقي إلي بعد العود يكفيه غير أنه لا يعلم

بقاءه أو عدم بقائه إلي ذلك الزمان.

الظاهر أنه ينبغي تحرير المسألة بصورتين:

إحداهما: أن يكون له مال غائب لو حضره بعد العود يكفيه مئونته بعده فهو راجع إليه بالكفاية.

و ثانيتهما: أن يكون له مال لو بقي إلي بعد عوده يكفيه لمئونته و الرجوع إلي الكفاية، و لكن لا يعلم بقاءه و يحتمل تلفه.

أما الصورة الاولي فحصول الاستطاعة يدور مدار الوثوق بحضوره بعد العود، و إلا فالشك في حضوره شك في الاستطاعة فلا يجب عليه الحج، هذا حتي و لو علم ببقائه لا يكفي في حصول الاستطاعة فضلًا عن أن نتمسك باستصحاب بقاء المال الغائب في الزمان المستقبل إذا شككنا في ذلك؛ لعدم إثبات حضوره باستصحاب بقائه حتي علي القول بالأصل المثبت، مضافاً إلي أن حضوره بعد العود خلاف الاستصحاب، إذاً فالمدار في صدق الاستطاعة هو الوثوق بحضوره عند العود.

و أما الصورة الثانية فالظاهر أن العرف في محاوراتهم و امورهم و معاملاتهم

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 167

بانون علي البقاء، فيقدمون علي أعمال خطيرة و معاملات جليلة بهذا البناء، إلا إذا كان هناك قرينة أو أمارة علي الخلاف.

و إذا منعنا عن ذلك و قلنا: إن بناءهم علي البقاء يدور مدار الظن و الوثوق بالبقاء، فهل إذا كان البقاء مشكوكاً فيه جائز الطرفين يجوز التمسك باستصحاب بقاء المال إلي بعد العود بناءً علي صحة إجراء الاستصحاب لإثبات البقاء في الزمان المستقبل، كما إذا شك في بقاء الدم إلي ثلاثة أيام بناءً علي اعتبار التوالي الثلاثة للحكم بكون الدم حيضاً.

و استشكل في جريان هذا الاستصحاب في المقام: بأنه لا بد من مجري الاستصحاب أن يكون حكماً شرعياً أو موضوعاً لذي حكم شرعي، و استصحاب بقاء المال إلي زمان العود لا

يثبت حكماً شرعياً، لأن بقاء المال ليس من الأحكام الشرعية و لا يثبت موضوعاً ذا حكم شرعي، فإن ما هو الموضوع للحكم الشرعي هو الرجوع إلي الكفاية، و استصحاب بقاء هذا المال إلي زمان العود لا يثبت الرجوع إلي الكفاية إلا علي القول بالأصل المثبت «1».

و فيه: أنّ الرجوع إلي الكفاية خارجيته و تحققه في الخارج يكون بوجود المال الذي يكفيه، و وجوده خارجاً موضوع لحكم الشارع بالوجوب، و باستصحاب بقاء هذا المال ثبت الحكم الشرعي المترتب عليه.

و بعبارةٍ اخري نقول: للرجوع بالكفاية مصاديق و صغريات كثيرة فإذا حصل أحد مصاديقه يتحقق الاستطاعة المشروط عليها وجوب الحج، فإذا شك بقاؤه يستصحب بقاؤه.

______________________________

(1)- معتمد العروة: 1/ 129.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 168

[مسألة 45] هل يجب حفظ الاستطاعة الحاصلة قبل أوان الحج؟

مسألة 45- إذا حصل له مال يكفيه للحج فإن حصل له في أشهر الحج عند التمكن من المسير أو خروج الرفقة فلا ريب في وجوب الحج به و عدم جواز التصرف فيه بما يخرجه من الاستطاعة، و أما إن حصل له في أشهر الحج قبل التمكن من المسير أو قبل خروج الرفقة أو حصل له قبل أشهر الحج مع التمكن من المسير أو الخروج مع الرفقة عند أوانه فهل يجب عليه أيضاً حفظ الاستطاعة مطلقاً، أو يجوز التصرف فيه بما يخرجه من الاستطاعة فيما إذا حصل قبل أشهر الحج دون ما إذا حصل في أشهر الحج قبل التمكن من المسير، أو يجوز مطلقاً؟ في المسألة وجوه و أقوال.

و هنا وجه آخر، و هو القول بعدم جواز تعجيز نفسه إن حصل له الاستطاعة المالية و تمكن من المسير حتي في السنة الثانية.

و إليك كلمات بعضهم:

قال العلامة في التذكرة: (لو كان له مال (متاع) فباعه نسية

عند قرب وقت الخروج إلي أجل يتأخر عنه سقط الفور في تلك السنة عنه لأن المال إنما يعتبر وقت خروج الناس، و قد يتوسل المحتال بهذا إلي دفع الحج) «1».

و قال في المنتهي: (لو كان له مال فباعه قبل وقت الحج مؤجلًا إلي بعد فواته سقط الحج؛ لأنه غير مستطيع، و هذه حيلة يتصور ثبوتها في إسقاط فرض الحج علي الموسر، و كذا لو كان له مال فوهبه قبل الوقت أو أنفقه فلما جاء وقت الخروج كان

______________________________

(1)- تذكرة الفقهاء: 1/ 302.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 169

فقيراً لم يجب عليه و جري مجري من أتلف ماله قبل حلول الأجل) «1».

و في الدروس قال الشهيد: (و لا ينفع الفرار بهبة المال أو إتلافه أو بيعه مؤجلًا إذا كان عند سير الوفد) «2».

و في مجمع البرهان في شرح قول ماتنه: و لا يجوز صرف المال في النكاح و إن شق قال: (و اعلم أن الظاهر أن المراد بذلك وجوب الحج و تقديمه علي النكاح و عدم استثناء مئونته من الاستطاعة، و كون ذلك في زمان وجوبه و خروج القافلة و تهيؤ أسبابه، و إن كان قبله يجوز) «3».

و قال السيد في المدارك: (و لا يخفي أن تحريم صرف المال في النكاح إنما يتحقق مع توجه الخطاب بالحج و توقفه علي المال، فلو صرفه فيه قبل سفر الوفد (الذي يجب الخروج معه) أو أمكنه الحج بدونه انتفي التحريم) «4».

و قال في الجواهر: (و لا يخفي أن تحريم صرف المال في النكاح إنما يتحقق مع توجه الخطاب بالحج و توقفه علي المال، فلو صرف فيه قبل سفر الوفد الذي يجب الخروج معه أو أمكنه الحج بدونه انتفي التحريم قطعاً) «5».

و

نحوه حكي عن كشف اللثام «6» و الذخيرة «7».

و ظاهر كلماتهم- قدس اللّٰه أسرارهم- جواز تعجيز النفس عن الحج

______________________________

(1)- منتهي المطلب: 2/ 653.

(2)- الدروس الشرعية: 1/ 312.

(3)- مجمع الفائدة و البرهان: 6/ 74.

(4)- مدارك الأحكام: 7/ 45.

(5)- جواهر الكلام: 17/ 261.

(6)- راجع كشف اللثام: 1/ 290.

(7)- راجع ذخيرة المعاد/ 560.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 170

و التصرف في المال بما يخرجه عن الاستطاعة قبل سير الرفقة و الوفد.

و يمكن أن يقال: الذي يستفاد من كلام هذه الأجلة- رضوان اللّٰه عليهم- أن الاستطاعة المشروط عليها وجوب الحج تتحقق بحصول المال إذا كان وقت ذهاب الناس إلي الحج الذي يعبر عنه بالتمكن من المسير أو خروج الرفقة، سواء كان وقت الذهاب قبل أشهر الحج أو بعده، فإذا لم يكن المال عنده وقت الذهاب لا يجب عليه الحج، و لا يجب عليه حفظ المال إلي وقت الذهاب إن حصل له قبله لعدم وجوب الحج عليه قبل ذلك، فكأنهم يقولون: إن «مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا» ظاهر في أوان الحج و وقت الذهاب و التمكن الفعلي من المسير، لا من يستطيع إليه بالتمكن منه في سنة من السنين.

و بعبارةٍ اخري: لا يصدق كونه واجداً للسبيل إليه إن حصل له المال قبل أوان الحج أو التمكن من المسير، فكما لا يكون مستطيعاً للحج إذا كان متمكناً من المسير في السنوات الآتية و لا يجب عليه حفظ المال لا يجب عليه الحج إذا كان متمكناً من المسير بعد ذلك و في أوان الحج، و إلا فيجب أن نقول بحفظ المال إذا كان متمكناً من المسير بعد عشر سنين مثلًا.

هذا، مضافاً إلي أنه يمكن أن نقول: إنّ المستفاد من الأدلة ليس أزيد من تنجز

الوجوب عند التمكن من المسير أو خروج الرفقة و إن كان ذلك قبل أشهر الحج، إذ من المعلوم أن ذلك يختلف بحسب الأمكنة و قرب المسافة و بعدها، فمن كان بعيداً من مكة المكرمة بحيث لا يصل إليها إلا إذا خرج إليها قبل أشهر الحج بشهور بل بسنين فالمدار في جواز التصرف في المال بما يخرجه عن الاستطاعة و عدمه هو وقوعه قبل ذلك الأوان أو بعده.

و بعبارةٍ اخري: تنجز وجوب الحج عليه و عدم جواز تفويت الاستطاعة

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 171

يكون عند أوان الخروج و حلول الزمان الذي بحسب العرف يلزم السفر و الخروج إلي مكة فيه لمن أراد الحج، و أما قبل ذلك حيث لم يتنجز الوجوب فلا بأس بالتصرف في المال، و ذلك لأن القدر المتيقن من تنجز الوجوب و حصوله قبل زمان الواجب هو هذا، و قبل ذلك يكون من الشك في التكليف، و المرجع البراءة.

و ربما يظهر من بعض الأعاظم: أن الاستطاعة متي حصلت بالمال و صحة البدن و تخلية السرب يجب الحج، و لا يجوز له تعجيز نفسه عنه، سواء كان ذلك قبل أشهر الحج أو فيها، و سواء كان التمكن من المسير أو خروج الرفقة عند ذلك أو بعده، فالحج واجب عليه و إن حصل التمكن من المسير بعد حصول المال له.

و بعبارةٍ اخري يقول: الاستطاعة المشروط عليها وجوب الحج هي حصول المال عنده في أي زمان اتفق مع إمكان المسير إليه و إن اتفق بعد سنة أو سنتين «1».

و فيه: لازم ذلك أن نقول بوجوب الحج بحصول المال و إن لم يتمكن من المسير في سنة حصوله و تمكن في غيرها من السنين و لا أظن

أحداً يلتزم به.

و فرق ظاهر بين تمكنه من المسير و عدم تمكنه من أداء الحج في سنته لبعد المسافة و لتوقفه علي الخروج إليه من سنته و بين من لا يتمكن من المسير إليه في سنته و يتمكن منه بعدها، فإن في الأول يصح الخطاب بوجوب الحج فيجب عليه المسير لكونه شرطاً للواجب، دون الثاني فإن إيجاب الحج بمجرد حصول المال معناه عدم دخل تخلية السرب في الاستطاعة التي ظاهر دخلها فيها لسنته هذه.

و مما ذكر يظهر أن من لم يتمكن من أداء الحج في سنة الاستطاعة لعدم تمكنه من المسير فيها إلي الحج لا يستقر عليه الحج و إن كان متمكناً منه في السنوات المستقبلة، و لهذا نقول بعدم وجوب الحج علي من حصل له الاستطاعة المالية إذا لم

______________________________

(1)- راجع معتمد العروة: 1/ 131.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 172

تسمح له الحكومة بالمسير في عام الاستطاعة فلا يجب عليه تحصيل الإذن منها للسنوات المستقبلة؛ لعدم تنجز وجوب الحج عليه و إن بقيت استطاعته المالية في الأعوام التالية و الحال هذه.

و لا يقاس هذا بمن لا يحصل له الوصول إلي مكة في عام الاستطاعة لبعد المسافة لحصول الاستطاعة السربية له و تمكنه من المسير إليه في أوانه دون من لم تسمح الحكومة له للمسير إلي الحج.

اللهم إلا أن يقال بأنه يكفي في تنجز وجوب الحج الاستطاعة المالية و التمكن من المسير في عامٍ ما طول العمر، فيجب علي من يعلم بذلك في عام من الأعوام حفظ المال، و إن فرّط في ذلك استقر عليه الحج، و هذا مما لم يقل به أحد.

نعم، إن ثبت اسمه في سِجِلّ الحكومة و بقي استطاعته المالية إلي السنة التي تسمح

له الحكومة الحج فيها يتنجز عليه الوجوب في تلك السنة. و اللّٰه هو العالم.

[مسألة 46- لا يخفي أنه لا يتفاوت الحكم في ما إذا كان للشخص مال حاضر يكفيه للصرف في الحج إما بعينه أو بدله]

مسألة 46- لا يخفي أنه لا يتفاوت الحكم في ما إذا كان للشخص مال حاضر يكفيه للصرف في الحج إما بعينه أو بدله فقصر في حفظه أو تبديله حتي ضاع و تلف فإنه يستقر عليه الحج.

أو كان له مال غائب يمكنه صرفه في الحج بعينه بإحضاره عنده أو بتبديله بمالٍ آخر، عروضاً كان أو نقداً و لكن قصّر في ذلك حتي تلف أو زال تمكنه من التصرف فيه، بخلاف ما إذا لم يكن متمكناً من التصرف فيه و صرفه في الحج، سواء كان غائباً أو حاضراً فلا تحصل له الاستطاعة بمجرد ذلك، فالمسألة بكلتا صورتيها سواء كان المال حاضراً أو غائباً واضحة الحكم، و لا تحتاج إلي عقد مسألة مختصة بصورة كون المال غائباً.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 173

[مسألة 47] إذا كان جاهلًا بوجود الاستطاعة و تذكّر بعد الموسم و تلف المال

مسألة 47- من كان واجداً للاستطاعة المالية و لكنه كان جاهلًا بها جهلًا عذرياً، أو كان غافلًا عن وجوب الحج عليه و تذكر بعد مضيّ الموسم و تلف المال فهل الوجه استقرار الحج عليه و وجوبه في السنة الآتية؟

و كذا إذا تذكر بعد تلف المال و أمكنه أداء الحج متسكّعاً في هذه السنة فهل الحج مستقر عليه أم لا؟

هذا إذا كان واجداً لسائر الشرائط حين وجود المال.

و الفرق بين الفرض الأول و الثاني: أن في الأول لا فرق في أن يكون تلف المال بعد الموسم بإتلافه أو تلف بأسباب غير اختيارية، و في الثاني لا بد و أن يكون بإتلافه، فإنّ تلف المال بسبب غير اختياري يكشف عن عدم الاستطاعة.

و علي كلّ حال اختار السيد رحمه الله في العروة استقرار وجوب الحج عليه، و لعل الوجه عنده إطلاق أدلة وجوب الحج علي واجد المال و الزاد

و الراحلة.

و حكي عن المحقق القمي رحمه الله في أجوبة مسائله عدم الوجوب، لأنه لجهله لم يصر مورداً لوجوب الحج عليه، و بعد النقل و التذكر ليس عنده ما يكفيه فلم يستقر عليه.

و لعل وجهه عنده بما في بعض النصوص مما ربما يدل علي كون وجود العذر نافياً للاستطاعة و عدم كون تارك الحج للعذر تاركاً للواجب.

و ذلك مثل ما رواه الشيخ: بإسناده عن موسي بن القاسم، عن ابن أبي عمير، عن حماد، عن الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا قدر الرجل علي ما يحج به ثمّ دفع ذلك و ليس له شغل يعذره به فقد ترك شريعةً من شرائع الإسلام …»

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 174

الحديث «1».

و فيه: أنّ الظاهر منه المستطيع الذي يدفع الحج مع الالتفات بالاستطاعة لا لعذر يعذره اللّٰه به، لا من تركه لعدم الالتفات به للجهل أو الغفلة، و سائر الروايات في هذا الباب أيضاً موردها الذي يدفع الحج و المسوف الملتفت إلي استطاعته.

نعم، لو كان هنا ما يكون بلسان من فاته الحج لعذر، لا من ترك الحج يتم الاستدلال به.

و هنا قول ثالث، و هو التفصيل بين الجهل البسيط و الجهل المركب و بين كون الغفلة عن وجوب الحج مستندة إلي تقصير منه كترك التعلم، أو غير مستندة إليه لكثرة المشاغل و الابتلاءات، فيستقر عليه الحج في الجهل البسيط و في الغفلة المستندة إلي التقصير دون ما إذا كان ذلك للجهل المركب أو الغفلة غير المستندة إلي التقصير.

قال: (فإن كانت الغفلة غير مستندة إلي التقصير فلا يجب عليه الحج واقعاً، لأن حديث الرفع في حقه رفع واقعي، و قد ذكرنا في محله أن حديث الرفع بالنسبة

إلي غير ما لا يعلمون رفع واقعي، و في الحقيقة تخصيص في الأدلة الأولية، و الحكم غير ثابت في حقه واقعاً- إلي أن قال-: و إن كان الجهل جهلًا بسيطاً فالظاهر استقرار وجوب الحج عليه، لأن الحكم بعدم الوجوب في ظرف الجهل حكم ظاهري لا ينافي وجوب الحج و استقراره عليه واقعاً، فإذا انكشف و تبين الخلاف يجب عليه إتيان الحج لاستقراره عليه- إلي أن قال: - و أما في مورد الجهل المركب فلا يتوجه إليه التكليف واقعاً؛ لعدم تمكنه من الامتثال و لو علي نحو الاحتياط) «2».

______________________________

(1) وسائل الشيعة ب 6 من أبواب وجوب الحج و شرائطه ح 3.

(2)- معتمد العروة: 1/ 135.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 175

و يمكن أن يؤيد ما اختاره صاحب العروة: بأن اعتبار وجوب الحج علي المكلفين ليس من اعتبار التكليف و الالتزام عليه، بل الحج اعتبر كونه ديناً علي المكلف إذا صار مستطيعاً، فكما أن الدين لا يسقط عن المديون بجهله به فمثلًا لا يسقط الزكاة أو الخمس بجهل المكلف به إذا أتلفه لا يسقط الحج عن المستطيع بجهله أو غفلته عن الاستطاعة أو وجوب الحج عليه. و اللّٰه هو العالم.

[مسألة 48] إذا حج ندباً فبان كونه مستطيعاً

مسألة 48- إذا اعتقد أنه غير مستطيع و حج ندباً ثمّ ظهر أنه كان مستطيعاً فهل يكفيه عن حجّة الإسلام، أم يقع مندوباً؟

قال السيد في العروة: (إن قصد امتثال الأمر المتعلق به فعلًا و تخيل أنه الأمر الندبي أجزأه عن حجة الإسلام؛ لأنه حينئذ من باب الاشتباه في التطبيق، و إن قصد الأمر الندبي علي وجه التقييد لم يجز عنها و إن كان حجه صحيحاً).

و اختار بعض الأعاظم الإجزاء مطلقاً؛ لأن المقام ليس مما يقبل التقييد، لأن التقييد

إنما يتصور في الامور الكلية التي لها سعة و قابلية للتقسيم إلي الأنواع و الأصناف، كالصلاة حيث إن لها أنواعاً و أصنافاً كصلاة الفجر و نافلتها، نظير ذلك ما ذكروه من التفصيل في باب الائتمام إلي زيد فبان أنه عمرو لأن الائتمام قد تعلق بهذا الشخص المعين، و هذا غير قابل للتقسيم و لا سعة فيه حتي يتصور فيه التقييد و التضييق، و في الحج أيضاً الأمر به المتوجه إليه في هذه السنة أمر شخصي ثابت في ذمته و ليس هو إلا حجة الإسلام، و هو يقع كذلك و إن كان من يأتي به جاهلًا به فلا يعتبر في وقوعه حجة الإسلام قصد هذا العنوان، غاية ما في هذا الباب أنه تخيل جواز الترك و عدم الوجوب و هو لا يضر بصحة العمل و وقوعه علي ما يقع عليه،

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 176

كما لو فرضنا أنه صام في شهر رمضان ندباً بنية القربة و كان جاهلًا بوجوب الصوم فيه إذاً فلا يغير نية التقييد، و لا تمنع المناسك من وقوعها علي ما تقع عليه فليس ذلك باختيار المكلف، كما لا يغير أكل التفاح بنية أكل الرمان عما هو عليه «1».

و لكن يمكن أن يقال: إن الأمر يكون علي ما ذكر إذا كان العمل مثل الأكل و الشرب غير عبادي لا يعتبر فيه قصد القربة، أما إذا كان عبادياً فتقييد الإتيان به امتثالًا لغير أمره و إن لا يغيره عما يقع عليه من كونه صالحاً لانطباق عنوان حجة الإسلام عليه دون الحج المندوب، و لا يغير الأمر الخارجي المتعلق به إلي الأمر الندبي إلا أنه ملازم لعدم قصد امتثال الأمر الواقعي و عدم انطباق حجة

الإسلام التي صحتها مشروطة بقصد القربة علي تلك المناسك المأتي بها.

نعم، لا يقع ما أتي به بهذه النية مندوباً و مستحباً أيضاً و صحيحاً كما زعمه السيد رحمه الله، لعدم إمكان وقوعه ندباً، و عدم كونه مأموراً به كذلك فالأمر يدور بين وقوع المناسك حجة الإسلام أو بطلانها و عدم صحتها.

و الذي نقوله إتماماً للمطلب: إن المستطيع المعتقد أنه غير مستطيع إن أتي بالحج بقصد الندب و كون تركه مرخصاً فيه لا يمنع ذلك وقوع ما أتي به حجة الإسلام، كما لا يكون ذلك سبباً لكون ما أتي به غيرها، فما هو حج الإسلام الذي ليس إلا حصول المناسك من الصرورة المستطاع قد أتي به المكلف بداعي الأمر و قصد التقرب به، و لا يضر بقصد قربته اعتقاده أن الأمر المتعلق بأداء المناسك يكون ندبياً؛ لأنه لا يجعل أمره الوجوبي ندبياً.

و بالجملة: فالباعث نحو إتيان المناسك هو الأمر المتعلق به و كونها حجة الإسلام ليس منوطاً بالإتيان به بقصد الأمر الوجوبي، كما لا يمنع اعتقاده كون الأمر

______________________________

(1)- معتمد العروة: 1/ 137.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 177

ندبياً من كونه حج الإسلام، و هذا كمن لم يثبت عنده هلال شهر رمضان فصام بنية شعبان.

نعم، يمكن تحقق الترديد في حصول الامتثال إذا أتي به بقصد الأمر الوجوبي ثمّ علم أنه كان مأموراً به بالأمر الندبي، كمن نذر صوم الخامس عشر من شعبان و صام اليوم الرابع عشر باعتقاد أنه الخامس عشر؛ و ذلك لأن الإتيان بصوم الرابع عشر كان باعتقاد كونه صوم الخامس عشر فلعله إن كان عالماً به لا يصومه، و هذا بخلاف العكس فإن من يصوم الخامس عشر باعتقاد أنه الرابع عشر يصومه إن علم أنه

الخامس عشر بالطريق الأولي. و بالجملة فالأمر المتعلق بالصرورة المستطيع أمر بحجة الإسلام، سواء كان المستطيع عالماً باستطاعته أو جاهلًا بها، و لا وجه لوقوعه ندباً أصلًا، كما لا وجه لعدم وقوعه حجة الإسلام إلا إذا كان الشخص بانياً علي عدم إتيان حجة الإسلام و بني علي غيرها بدعةً و تشريعاً. و اللّٰه العالم.

ثمّ إنّه لو علم بالاستطاعة و وجوب الحج و لكن تخيل عدم فوريته و أتي به بقصد الندب فالظاهر أنه- كما ذكر في العروة- يرجع إلي التقييد، فلا يكون له القصد المطلق بامتثال الأمر بإتيان المناسك، بل مقيد بكونه ندباً، فانبعاثه نحو إتيان المناسك يكون مقيداً بتوهم الأمر الندبي، لا مجرد الأمر بها، فلا يكون ممتثلًا للأمر الوجوبي و وقوعه ندباً محل الإشكال كوقوعه وجوباً.

و أما ما يظهر من بعض الأعاظم من تصور الأمرين هنا: أحدهما وجوبي و الآخر ندبي في طول الأول لا في عرضه؛ لجواز الأمر بالضدين إذا كان علي نحو الترتب لأن الأمر الثاني مترتب علي عدم الإتيان بالأول و لو كان من عصيان، قال: (و قد ذكرنا في محله أن كل مورد أمكن جريان الترتب فيه يحكم بوقوعه؛ لأن إمكانه مساوق لوقوعه، فما حج به صحيح في نفسه إلا أنه لا يجزي عن حجة الإسلام؛ لأن الأمر الفعلي لم يقصد، و إنما قصد الأمر الندبي المترتب علي مخالفة الأمر

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 178

الفعلي، و لا يقاس هذا الفرض بالفرضين السابقين لوحدة الأمر فيها، بخلاف المقام الذي تعدد الأمر فيه علي نحو الترتب). «1»

ففيه: أنّ تصور الأمرين: أحدهما وجوبي و الآخر ندبي لا مانع منه و لكن أعم من الوقوع، فتعلق الأمر الندبي بالصرورة المستطيع عند عصيان الأمر

الوجوبي أول الكلام.

نعم، إذا كان هناك أمران: أحدهما وجوبي و الآخر ندبي في طول الأول لا مانع من صحة الإتيان به، و لكن هذا محتاج إلي الإثبات، و القول بأن كل مورد أمكن جريان الترتب فيه يحكم بوقوعه نقول به كما في التكليف بالأهم و المهم، حيث إن التكليف بالمهم ثابت و يكون الأمر بالمهم مشروطاً بعصيان الأهم، و أين ذلك فيما إذا لم يثبت لنا غير أمر واحد؟ و اللّٰه تعالي هو العالم.

[مسألة 49] حصول الاستطاعة بالملكية المتزلزلة، و عدمه

مسألة 49- هل تحصل الاستطاعة المالية بالملكية المتزلزلة كما إذا اشتري مالًا بالبيع المشروط فيه للبائع الفسخ إذا رد الثمن و كان المبيع وافياً لأداء الحج دون الثمن، أو صالحه شخص ما يكفيه للحج بشرط الخيار إلي مدة معينة، و كذا في الهبة لغير ذي رحم لو وهبه و أقبضه فإن للواهب الرجوع ما دامت العين موجودة عند المتهب؟ في المسألة وجهان:

يمكن أن يقال: إن ما هو الملاك في حصول الاستطاعة بحسب الأدلة أن يجد المال و يكون عنده ما يحج به، و هو معني حاصل له صادق عليه، و إن علم بالزوال فيجب عليه الحج. نعم، إن علم برجوع الواهب أو فسخ المالك و وقوعه في الحرج

______________________________

(1)- معتمد العروة: 1/ 139.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 179

لأداء بدله له لا يجب عليه للحرج.

و فيه: أنه يمكن منع صدق الاستطاعة بوجود مال يعلم برجوع مالكه إليه، فلا حاجة إلي التمسك بالحرج، بل يمكن دعوي ذلك و إن لم يكن عالماً بفسخ المالك.

قال سيدنا الأعظم قدس سره: (بل و مع الوثوق بذلك (أي بعدم الفسخ) أيضاً فإن استحقاق البائع محل العقد و استرداد العين أو قيمتها مانع من تحقق الاستطاعة).

و الظاهر أنه لا

فرق في ذلك بين الهبة و غيرها، فإنه و إن كان للمتهب التصرف في الموهوب و منع المالك من الرجوع إلا أن الظاهر أنه من تحصيل الاستطاعة، لا الاستطاعة، و مع ذلك لا ينبغي ترك الاحتياط.

[مسألة 50] بقاء المال الي تمام الأعمال
اشارة

مسألة 50- الظاهر أنه لا يكفي في الاستطاعة المالية و إجزاء حجه عن حجة الإسلام وجود الزاد و الراحلة و ما يحج به عنده في ابتداء الشروع في الحج، بل حصولها و إجزاء حجه عنها مشروط ببقاء المال عنده و إمكان صرفه إلي تمام الأعمال.

نعم، لا يجب العلم ببقائه كذلك، بل يكفي الوثوق و الاعتماد علي البقاء كما هو عليه بناء العرف في أعمالهم و معاملاتهم و إن كانوا شاكّين في ذلك.

مضافاً إلي جريان استصحاب البقاء علي القول بجريانه في الامور المستقبلة، و علي هذا فتلف المال و ما يحج به في الأثناء يكشف عن عدم استطاعته و عدم إجزاء حجه عن حجة الإسلام.

و هل يقع حجه مندوباً فيجب عليه إتمامه لوجوب إتمام الحج و العمرة، أم يكشف تلف المال عن بطلان إحرامه لأنه قصد به الإحرام الواجب عليه لحجة

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 180

الإسلام و أما الإحرام المندوب للحج المندوب فلم يقصده، فما قصده لم يقع و ما وقع لم يقصد؟

هذا، و لو أتلف المال و الزاد و الراحلة عمداً يستقر عليه الحج فيجب عليه الإتمام و لو متسكعاً و يجزيه عن حجة الإسلام.

و أما لو حصل له دين قهراً فيمنع عن الاستطاعة إذا كان حالًّا مطالباً به، أو غير واثق بالأداء عند المطالبة، أو الأجل علي تفصيلٍ مرّ ذكره.

تنبيه تفسيري

قال في المسالك: «وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّٰهِ»: ائتوا بهما تامّين بمناسكهما و حدودهما مستجمعي الشرائط لوجه اللّٰه، و بهذا التفسير وردت الروايات عن أئمة الهدي عليهم السلام- إلي قوله: - و يؤيد ذلك قراءة «و أقيموا الحجَّ و العمرةَ»، و مقتضي ذلك وجوبهما علي المكلف المستطيع ابتداءً بحسب أصل الشرع، و علي

هذا علماؤنا أجمع، و في أخبارهم دلالة علي ذلك، و وافقهم علي ذلك الشافعي في الجديد) «1».

و مراده من الروايات: مثل ما رواه الكليني: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن اذينة قال: «كتبت إلي أبي عبد اللّه عليه السلام بمسائل بعضها مع ابن بكير و بعضها مع أبي العباس، فجاء الجواب بإملائه: سألت عن قول اللّٰه عز و جل «وَ لِلّٰهِ عَلَي النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا» يعني به الحج و العمرة جميعاً لأنهما مفروضان، و سألته عن قول اللّٰه عز و جل: «وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّٰهِ» قال: يعني بتمامهما أداءهما و اتقاء ما يتقي المحرم فيهما» الحديث. «2»

______________________________

(1)- مسالك الأفهام إلي آيات الأحكام: 2/ 134.

(2)- الكافي: 4/ 262.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 181

و في تفسير العياشي: عن زرارة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في قوله: «وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّٰهِ» قال: «إتمامهما إذا أداهما، يتقي ما يتقي المحرم فيهما» «1».

و ما قاله صاحب المسالك هو الصحيح في تفسير الآية لدلالة الروايات، و بعدها حمل الآية علي معنيً آخر يكون من التفسير بالرأي، و يدل علي ذلك دلالة قوله تعالي: «فَأَتَمَّهُنَّ» و دلالة «ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيٰامَ إِلَي اللَّيْلِ» علي الأداء و الإتيان، فمعني «فَأَتَمَّهُنَّ» أداهن، و معني «ثُمَّ أَتِمُّوا» أي ائتوا بالصيام، كما صرح القرطبي و غيره «2».

و أما القول بكون المراد من الإتمام فيهما أن يبلغ آخر أعمالهما بعد الدخول فيهما فمردود:

أولًا: لِمَا أشرنا إليه من الروايات.

و ثانياً: لاستدلالهم عليهم السلام بوجوب العمرة بالآية ابتداءً، و لو كان المراد إتمامهما بعد الدخول فيهما لا تدل علي وجوبهما فإن الإتمام بهذا المعني

أعم من الوجوب.

و ثالثاً: هذا المعني لا يستقيم مع قوله: «لِلّٰهِ»، فإنه لا وجه لاختصاص الإتيان للّٰه بما يأتي منهما بعد الدخول فيهما، بل يجب الإتيان بهما كذلك من أول الشروع فيهما.

و الحاصل: أنه لا دلالة للآية علي وجوب الإتيان بما بقي من الأجزاء بعنوان الإتمام، و إن كان ذلك- أي الإتيان بكل جزء منهما- واجباً بوجوب أصل الحج و العمرة بأجزائهما في الحج الواجب و العمرة الواجبة الجامعَين لشرائط الوجوب.

______________________________

(1)- تفسير العياشي: 1/ 87.

(2)- الجامع لأحكام القرآن: 2/ 365.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 182

[مسألة 51] لو تلف مئونة عوده بعد الأعمال

مسألة 51- إذا تلف بعد الأعمال مئونة عوده إلي وطنه كما إذا تلفت راحلته فالظاهر أنه أيضاً يكشف عن عدم الاستطاعة.

لأن ظاهر «من له الزاد و الراحلة» هو من له زاد الذهاب و الإياب و راحلته كذلك، فإذا تلف يكشف عن عدم استطاعته و عدم إجزائه عن حجة الإسلام.

و ربما يقال: بأن ما به يتحقق الاستطاعة هو أن يكون واجداً لما يحج به و لزادٍ و راحلةٍ يبلغاه إلي الحج و هو يتحقق بوجدانه ذلك للذهاب، و أما مئونة الإياب فإنما تلزم إذا كان المقام له في مكة المكرمة حرجياً، فلا يجب الحج علي من لم يكن له مئونة الذهاب؛ لقاعدة نفي الحرج، أما إذا أتي بالحج بناءً علي بقاء وجود مئونة الذهاب إلي العود إلي وطنه و ظهر بعد إتمام الأعمال خلافه فلا مجال للتمسك بقاعدة نفي الحرج؛ لأنها امتنانية، و لا امتنان في نفي الوجوب بعد الإتيان بالأعمال، بل يكون خلاف الامتنان. «1»

و فيه: أن عدم كون المقام في مكة حرجياً لا يوجب عدم دخل وجود مئونة إيابه في حصول الاستطاعة، فلا يقال لمن كان في وطنه لا

يتمكن من السفر إلي مكان آخر إلا بالإياب إليه: إنه متمكن من هذا السفر إذا لم يتمكن من الرجوع إلي مكانه، و الغالب في الناس في أسفارهم ملاحظة نفقة الذهاب و الإياب، فالاستطاعة إلي السفر إلي مكان إنما تتحقق للشخص إذا كان متمكناً من العود، لا تغيير محل إقامته و وطنه، و لو سلَّمنا صدق الاستطاعة للسفر إلي مكة إذا كان المقام بها و الرجوع إلي وطنه علي السواء بحاله لكن لا يوجب صدق الاستطاعة لمن يلزم

______________________________

(1)- معتمد العروة: 1/ 141.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 183

عليه الرجوع عادةً إلي وطنه، و لا يأبي أن يكون صدق الاستطاعة متوقفاً عليه لكون الإقامة في غير بلده حرجياً.

و بالجملة: فالمستفاد من الأدلة هو وجود ما يسافر به إلي الحج ذهاباً و عوداً زاداً و راحلةً، فكما لا يجب الحج علي المتمكن من المشي و إن لم يكن له المشي حرجياً في الذهاب إلي الحج لا يجب عليه إذا كان متمكناً من الركوب و الراحلة في الذهاب دون الإياب.

و قد استشهد لتأييد إجزاء حج من تلف مئونة عوده عن حجة الإسلام بما دل علي إجزاء حج من مات بعد الإحرام و دخول الحرم عن حجة الإسلام: مثل صحيح ضريس الذي رواه الكليني: عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد «1»، عن ابن محبوب «2»، عن ابن رئاب «3»، عن ضريس «4»، عن أبي جعفر عليهما السلام قال: «في رجل خرج حاجّاً حجة الإسلام فمات في الطريق؟ فقال عليه السلام: إن مات في الحرم فقد أجزأت عنه حجة الإسلام، و إن مات دون الحرم فليقضِ عنه وليه حجة الإسلام». «5»

و الظاهر من الحديث بقرينة جواب الإمام عليه السلام أن

موضوع الحكم هو من استقر عليه الحج؛ لأن الإجزاء عن حجة الإسلام إنما يكون لمن كانت عليه و ليس هو إلا من استقر عليه الحج، و لأن الأمر بالقضاء إن مات دون الحرم سواء كان ذلك

______________________________

(1)- هو أحمد بن محمد بن عيسي من الطبقة السابعة، شيخ القميين و فقيههم و وجههم، وعدته: محمد بن يحيي، و أحمد بن إدريس، و علي بن إبراهيم، و داود بن كورة، و علي بن موسي الكميداني.

(2)- الحسن بن محبوب السراد من الطبقة السادسة، ثقة جليل القدر.

(3)- علي بن رئاب من الطبقة الخامسة، ثقة جليل القدر، له كتب و أصل كبير.

(4)- ضريس الكناسي ابن عبد الملك الشيباني، خير فاضل ثقة، صهر حمران بن أعين من بنته، هو من الطبقة الرابعة.

(5)- وسائل الشيعة: ب 26 من أبواب وجوب الحج و شرائطه ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 184

قبل الميقات و الإحرام أو بعده يدل علي استقرار الحج عليه، فإن الموت دون الحرم إذا لم يستقر عليه الحج يكشف عن عدم وجوب الحج عليه، و علي هذا الاحتمال لا وجه للاستشهاد به لمن لم يستقر عليه الحج بعد و فقد مئونة رجوعه و زال استطاعته.

مضافاً إلي أنه لو قلنا بإجزاء الحج عمّن لم يستقر عليه الحج بهذا الحديث إذا زالت استطاعته بعد الأعمال يجب أن نقول به أيضاً إذا زالت استطاعته بعد دخول الحرم و في الأثناء، كما يجب أن نقول به إذا زالت استطاعته قبل دخول الحرم، بل و قبل الإحرام.

ثمّ إنّ هنا احتمالًا آخر، و هو: أن يكون ما هو الموضوع في الحديث من لم يستقر عليه الحج و حج في سنة استطاعته، إلّا أنه لا يوجه إلا بالتكلف، و

حمل الحديث علي غير ظاهره بأن يقال: إن المراد من قوله عليه السلام: «إن مات في الحرم فقد أجزأت عنه حجة الإسلام» أنه كتب له ثواب حجة الإسلام علي نيته، أو لا يجب أن يقضي عنه، و يحمل قوله: «و إن مات دون الحرم فليقض عنه وليه حجة الإسلام» علي الاستحباب، أو علي أن علي المستطيع بالاستطاعة المالية السربية الحج ديناً، فيجب قضاءً عنه من ماله إن مات دون الحرم.

و علي كل حالٍ لو قلنا بدلالة الحديث علي إجزاء حج من لم يستقر عليه الحج عن حجة الإسلام و أمكن لنا تصحيح ذلك لا يمكن أن يقال بأولوية من فقد مئونة إيابه بعد تمام الأعمال بالإجزاء عن حجة الإسلام عمن مات قبل تمام الأعمال، لأنهما ليسا من باب واحد، فلا يمكن التمسك بالأولوية أو عدم الفرق بين الموردين، فإن من مات لا يتمكن من الحج دون من فقد مئونته.

مضافاً إلي أن هذه الأولوية أو التساوي توجد فيمن فقدها في الأثناء فيلزم علي القول بهذه الأولوية إجزاء عمله عن حجة الإسلام.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 185

و بالجملة: لم نتحقق وجهاً صحيحاً للاستدلال بهذه الصحيحة عليٰ اجزاء من فقد مئونته عن حجة الإسلام.

و مثل هذه الصحيحة في ضعف الاستدلال بها للإجزاء عن حجة الإسلام في مسألتنا صحيح بريد العجلي الذي رواه الشيخ بالإسناد، عن ابن رئاب، عن بريد العجلي «1» قال: «سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجل خرج حاجّاً و معه جمل له و نفقة و زاد فمات في الطريق؟ قال عليه السلام: إن كان صرورة ثمّ مات في الحرم فقد أجزأ عنه حجة الإسلام، و إن كان مات و هو صرورة قبل أن يحرم جعل

جمله و زاده و نفقته و ما معه في حجة الإسلام، فإن فضل من ذلك شي ء فهو للورثة إن لم يكن عليه دين» الحديث «2».

فإن المراد منها من استقر عليه الحج، سواء قلنا بأن قوله عليه السلام: «قبل أن يحرم» معناه قبل أن ينشئ الإحرام، أو أنه يكون من باب أنجد و أيمن إذا دخل في النجد و اليمن كما احتمله صاحب المستند «3». و الفرق بينهما: أن علي الأول لم يبين في الجواب حكم من أحرم و مات قبل الدخول في الحرم، و أما علي الثاني و إن كان خلاف الظاهر يكون الجواب تامّاً يشمل جميع فروع المسألة، و أنه إن مات الذي استقر عليه الحج في الحرم أجزأه عن حجة الإسلام، و إن مات قبل الدخول في الحرم يقضي عنه.

و كيف كان فاحتمال كون المراد من الصرورة من لم يستقر عليه الحج و الحكم بإجزائه عن حجة الإسلام التي لم يستقر عليه، ثمّ دعوي أولوية ما نحن فيه بذلك

______________________________

(1)- بريد بن معاوية العجلي من الطبقة الرابعة، وجه من وجوه أصحابنا، ثقة فقيه له محل عند الأئمة عليهم السلام.

(2)- وسائل الشيعة: ب 26 من أبواب وجوب الحج ح 2.

(3)- مستند الشيعة: 2/ 166.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 186

الحكم ضعيف جداً أصلًا و فرعاً.

ثمّ إن بعضهم- رضوان اللّٰه تعالي عليهم- تمسك بالقطع بالإجزاء إذا زالت الاستطاعة بعد الفراغ من أعمال الحج:

قال السيد في المدارك: (فوات الاستطاعة بعد الفراغ من أفعال الحج لم يؤثر في سقوطه قطعاً، و إلا لوجب إعادة الحج مع تلف المال في الرجوع، أو حصول المرض الذي يشق معه السفر، و هو معلوم البطلان). «1»

و قال في الجواهر: (قد يمنع معلومية بطلانه

بناءً علي اعتبار الاستطاعة ذهاباً و إياباً في الوجوب). «2»

مضافاً إلي أن لنا السؤال من السيد عن الفرق بينه و بين الأثناء و قبل الفراغ إذا تم أعماله و لا يحتاج في إتمامه إلي المال؟

و مضافاً إلي أن علي ما اختاره من الإجزاء يكون إجزاء ما أتي به من الأعمال عن حجة الإسلام من إجزاء غير الواجب بل غير المنوي، أو مجرد الأعمال عن الواجب لأنه نوي ما لم يكن عليه و هو حجة الإسلام و لم ينو غيره حتي يكون هو مجزياً عن حجة الإسلام، فإجزاء ما أتي به من حجة الإسلام محتاج إلي الدليل، فكما يكون فقدان مئونة الإياب في الأثناء كاشفاً عن عدم الاستطاعة و عدم إجزاء ما أتي به من حجة الإسلام فليكن فقدانه بعد الأعمال أيضاً كذلك و لا فرق بينهما، و ادعاء القطع بالإجزاء في الثاني دون الأول مجازفة.

هذا، و قد حكي عن العلامة قدس سره كشف زوال استطاعة العود بعد الأعمال عن عدم الوجوب، فقال علي ما حكي عنه: (إنّ من تلف ماله قبل عود الحاج و قبل

______________________________

(1)- مدارك الأحكام: 7/ 68.

(2)- جواهر الكلام: 17/ 301.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 187

مضي إمكان عودهم لم يستقر الحج في ذمته؛ لأن نفقة الرجوع لا بد منها في الشرائط). «1»

و مع ذلك يمكن أن يوجه ما ادعاه السيد في المدارك بكون الإجزاء في هذه الصورة مرتكزاً في الأذهان، و لذا لم يرد خبر في السؤال من ذلك عن الأئمة عليهم السلام مع كثرة الابتلاء به، فلعلهم لا يحتملون أن من قصد مكة من شقته البعيدة و تحمل مشاق السفر و نفقة الذهاب لأداء حج الإسلام و حج الواجد للشرائط ثمّ فقد

نفقة عوده إلي وطنه أنه لم يحج حجة الإسلام و يجب عليه إعادة حجه ثانياً إن حصلت الاستطاعة.

إن قلت: فما الفرق بين العالم بذهاب نفقة عوده قبل الحج فإنه لا يجب عليه حج الإسلام لعدم حصول الاستطاعة له و لا يجزيه عنها إن تكلف الذهاب إليه و بين من ذهب إليه معتمداً علي بقائها ثمّ اتفق زوالها؟

قلت: الفرق وجوب الحج علي الثاني اعتماداً علي بقاء الاستطاعة و عدم وجوبه علي الأول.

فتحصّل من ذلك: وقوع ما أتي به حجة الإسلام و عدم وجوب الإعادة عليه إذا حصلت له الاستطاعة.

و مع ذلك لا ينبغي ترك الاحتياط بالإعادة، فإن عدم التعرض للمسألة فيما بأيدينا من الأحاديث لا يدل علي العدم، فلعلّهم سألوهم عليهم السلام عن ذلك و اخفي علينا السؤال و الجواب، مضافاً إلي أن كثرة الابتلاء جارية في تلف المال في الأثناء فما

______________________________

(1)- هكذا في الجواهر: 17/ 300، و لكن قال في التذكرة: 1/ 311: (و لو ذهب ماله بعد رجوع الحاج أو مضيّ إمكان الحج؛ استقر الرجوع لأن نفقة الرجوع لا بد منها في الشرائط)، اللهم إلا أن يكون مراد الجواهر الاستدلال بمفهومه.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 188

الفارق بين الموردين؟

و يمكن تصحيح الحكم بالإجزاء، و تقريبه بأن نقول: الاستطاعة العرفية المشروط عليها وجوب الحج تحصل بوجود المال الوافي عنده للحج و لمئونة أهله و لمئونة عوده إلي وطنه و رجوعه إليه بالكفاية بالفعل بشرط أن يكون عرفاً صالحاً للبقاء عنده إلي تمام الأعمال، و ما يجب بقاؤه إلي تمام الأعمال المحتاج أداؤها إلي المال هو هذه الصلاحية، فانتفاؤها بعد الأعمال غير مخلّ بالاستطاعة المذكورة التي حصلت له و أتي بالأعمال مقرونة بها، و أما بقاء هذا

المال عنده إلي أن يرجع إلي وطنه و بعد ذلك فليس له دخل في حصول الاستطاعة.

نعم، لو علم عروض ذلك بعد تمام الأعمال أو لا يكون ماله وافياً بكل هذه الجهات لا يكون مستطيعاً، و علي هذا استقرّت سيرة العرف و العقلاء في امورهم التجارية.

و يمكن أن يقرر ذلك بوجهٍ آخر، و هو أن نقول: إن الاستطاعة عند العرف هي وجدان المال الذي يفي بأداء الحج و الذهاب إليه و عدم الحاجة الفعلية إلي صرفه أو حفظه لصرفه في ضروريات معاشه من العود إلي وطنه أو إدارة امور معيشته، فمن أتي بالحج و حاله هكذا أتي به و هو مستطيع؛ لأنه غير محتاجٍ إليه بالفعل لصرفه في مورد آخر، و من كان عالماً بتلفه بعد الفراغ من الأعمال يكون محتاجاً إلي حفظه لصرفه في هذه الموارد فلا يكون مستطيعاً عند العرف، و أما من صرفه في الحج بعد ما لم يكن محتاجاً إليه لمئونة عوده لا يخلّ حدوث الاحتياج بمئونة العود بعد ذلك باستطاعته الحاصلة عند أداء الأعمال.

و بعبارةٍ اخري نقول: الاستطاعة هي وجود ما يحج به عنده و عدم الحاجة العرفية الفعلية إلي حفظه لحاجةٍ اخري من مئونة العود إلي الوطن أو مئونة الأهل أو معاشه الضروري التي قد تحدث بعد فراغ الأعمال، فمثل هذا الشخص عند العرف

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 189

مستطيع قادر علي العمل يجب عليه الإتيان بالحج، و لا يكون وقوعه حجة الإسلام مشروطاً ببقاء مئونة عوده إلي وصوله إلي وطنه.

و يمكن أن يقرر ذلك بتقريب آخر، و هو أن نقول: إنّ الاستطاعة المعتبرة المشروط عليها وجوب الحج هي وجدان نفقة الذهاب إلي الحج و العود إلي الوطن و الرجوع إلي

الكفاية و بقاؤه إلي تمام الأعمال ممّا يحتاج أداؤه إلي المال و احتمال بقائه بعد ذلك، و هذا يكفي في حصول الاستطاعة عند العرف.

و بالجملة: فبهذه التقريبات التي المتقاربة في المضمون يمكن الذبّ عن إشكال منافاة القول بدخل وجود مئونة العود في الاستطاعة و القول بوقوع الحج حجة الإسلام بعد الفراغ من الأعمال و تلف مئونة العود.

ثمّ إنّ الكلام في فقد ما يرجع به إلي الكفاية إذا فقد في أثناء الأعمال أو بعد الفراغ منها هو الكلام في فقد نفقة الإياب في الأثناء أو بعد تمام الأعمال، و أما بعد العود فالقول بالإجزاء أقوي من القول به في صورة فقده بعد الأعمال أو قبل الوصول إلي وطنه.

و الذي يقوي حسب كل ما ذكرناه في المسألة هو الإجزاء مطلقاً، إلا في أثناء الأعمال التي يحتاج فعلها إلي المال. و اللّٰه تعالي هو العالم بالأحكام و الأحوال.

[مسألة 52] عدم اعتبار الملكية في الزاد و الراحلة

مسألة 52- هل يعتبر في حصول الاستطاعة ملكية الزاد و الراحلة، أو يكفي في حصولها الإباحة المالكية اللازمة أو الأعم منها و الجائزة أو الأعم من المالكية و الشرعية؟

ظاهر بعض أعاظم العصر اعتبار الملكية في حصولها؛ لِمَا ورد في تفسيرها من

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 190

قوله عليه السلام في حديث محمد بن مسلم: «يكون له ما يحج به» «1»، و كذا في حديث العلاء بن رزين «2»، و من قوله عليه السلام في حسنة الحلبي: «أن يكون له ما يحج به» «3»، و قوله عليه السلام في خبر الكناسي: «له زاد و راحلة» «4» و في خبر هشام بن الحكم «5»، و في خبر عبد الرحمن بن سيابة «6» ممّا ظاهره الملك و إن كان ظاهر غيره من الروايات مثل

صحيح الحلبي: «إذا قدر الرجل علي ما يحج به» «7»، و صحيح معاوية بن عمار: «هذه لمن كان عنده مال أو يجد ما يحج به» «8»، و خبر محمد بن الفضيل: «و عنده ما يحج به»، و علي بن حمزة «9»: «من قدر علي ما يحج به» «10» كونه أعم من الملك، فقال: (الجمع بينه و بين غيره يقتضي تقييده بالملك و عدم الاجتزاء بمجرد الإباحة) «11».

و رُدَّ بأنّ المطلق إنما يحمل علي المقيد إذا تحقق التنافي بينهما مثل «أعتق رقبة» و «أعتق رقبة مؤمنة» عند إحراز وحدة المطلوب، و هذا بخلاف ما إذا لم يكن منافاة بينهما مثل الحكم بنجاسة الخمر و نجاسة المسكر، و في المقام أيضاً لا منافاة بين

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب وجوب الحج و شرائطه ح 1.

(2)- وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب وجوب الحج و شرائطه ح 2.

(3)- الوسائل: ب 8 من أبواب وجوب الحج و شرائطه ح 3.

(4)- وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب وجوب الحج و شرائطه ح 4.

(5)- وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب وجوب الحج و شرائطه ح 7.

(6)- وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب وجوب الحج و شرائطه ح 10.

(7)- وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب وجوب الحج و شرائطه ح 3.

(8)- وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب وجوب الحج و شرائطه ح 1 و 11.

(9)- وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب وجوب الحج و شرائطه ح 8.

(10)- وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب وجوب الحج و شرائطه ح 9.

(11)- مستمسك العروة: 10/ 116.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 191

حصول الاستطاعة بالملكية و بين حصولها في غير مورد الملكية كالإباحة «1».

و فيه: أن

في المقام ظاهر قوله: «بأن يكون له زاد و راحلة» و سائر التعاريف القريبة منه هو حصر حصولها به و هو ينافي ما يدل علي الأعم من الملكية و الإباحة فمقتضي الجمع بينهما تقييد الثاني بالأول.

اللهمّ إلا أن يقال: إنّ ظهور الثاني في الأعم أقوي و أظهر من ظهور الأول في الحصر.

و أما التفصيل بين الإباحة اللازمة- كما مثّل لها في العروة بأن شرط أحد المتعاملين علي الآخر (في ضمن عقد لازم) أن يكون له التصرف في ماله بما يعادل مائة ليرةٍ مثلًا- و الإباحة الجائزة فالظاهر أنه لا فرق بينهما في حصول الاستطاعة.

نعم، الظاهر عدم حصول الاستطاعة بالإباحة الشرعية كالمباحات الأصلية و شبهها كالأنفال التي هي ملك للإمام عليه السلام؛ لعدم صيرورة المباح له مالكاً لها بمجرد إباحة صيد الأسماك و الأنفال له، و عدم صدق كونه واجداً لها إلا بعد صيد الأسماك و حيازة المباحات و الاستيلاء عليها، و هذه الأعمال تكون من تحصيل الاستطاعة.

و بعبارةٍ اخري: إباحة الصيد و إباحة حيازة الحطب لا يجعل المباح له واجداً للسمك و الحطب، كما لا يخفي.

[مسألة 53] تحقّق الاستطاعة بالوصية التمليكية

مسألة 53- لو أوصي لشخص بمالٍ يكفيه للحج و مات الموصي فهل يتحقق بذلك للموصيٰ له الاستطاعة، أم لا؟ وجهان:

أما علي القول بأن الوصية التمليكية إيقاع لا يحتاج وقوعها إلي القبول من

______________________________

(1)- معتمد العروة: 1/ 143.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 192

الموصي له و إن كان له ردّها لأن التمليك القهري مخالف لسلطنته، و هذا يقتضي سلطنته علي الرد فيجب عليه الحج، و إن اختار الرد يجب عليه الحج متسكعاً.

و أما القول بعدم جواز الرد فإن كان المراد منه الجواز الوضعي فهو باطل قطعاً، و إن كان المراد الجواز التكليفي

ففي حرمته إشكال؛ لأنه من إزالة الاستطاعة و تفويتها و حرمتها إذا كان متمكناً من أداء الحج متسكعاً محل إشكال، فمن باع دابته أو ذبحها و هو قادر علي المشي فهو مخيَّر بين إزالة استطاعته به و الحج ماشياً أو الحج راكباً عليها، كمن كان معه راحلته و اختار المشي. نعم، إذا انتهي ذلك إلي عدم تمكنه من الحج لا يجوز ذلك.

و أما علي القول بأن تحقق ملكية الموصي به للموصي له يحتاج إلي قبوله- علي ما قويناه في باب الوصية فيكون علي هذا الوصية التمليكية كالهبة- لا يجب عليه القبول و لا يحصل له الاستطاعة قبله فهو، قبل القبول غير واجد للزاد و الراحلة، و بعد القبول و إن صار واجداً و يجب عليه الحج إلّا أنّه لا يجب عليه القبول لأنه تحصيل للاستطاعة.

هذا، و لكنّ الظاهر من السيد صاحب العروة كفاية هذه الوصية لحصول الاستطاعة علي المبنيين، و لعلّ الوجه عنده علي المعني الثاني عدم الفرق بينه و بين الإباحة و البذل.

إلا أنه يمكن أن يقال: إنّ البذل يكون بالمال لخصوص الحج، و هذا أعم منه و إن كان بعد القبول تحصل له الاستطاعة و الوصية تكون مثل الإباحة علي المبني الأول، و أما علي الثاني فلا تحصل الاستطاعة إلا بالقبول، و هو محصّل للاستطاعة دون الإباحة فإنها لا تحتاج إلي قبول المباح له.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 193

[مسألة 55] لو نذر قبل أوان الحج كون مالٍ به يصير مستطيعاً صدقةً.

مسألة 54- إذا نذر قبل أوان الحج كون مالٍ معيّنٍ صدقةً للّٰه تعالي مطلقةً، أو لصرفه في يوم عرفة علي نحو نذر النتيجة.

فإن كان النذر نذراً تبرعياً لا يجب عليه الحج عند أوان الحج و إن بقي عنده هذا المال إلي هذا الزمان لخروجه

عن ملكيته و صيرورته صدقة بمجرد النذر فلا تحصل به له الاستطاعة المالية، و يكون من قبيل تعجيز نفسه و إزالة الاستطاعة المالية قبل تنجز وجوب الحج الذي مر الكلام فيه.

و إن كان نذره ذلك معلقاً علي أمرٍ فإن حصل المعلق عليه أيضاً قبل أوان الحج و تنجز الوجوب فالحكم فيه حكم الصورة السابقة، و إن حصل المعلق عليه عند الاستطاعة أو بعدها فحكمه يعلم مما يأتي إن شاء اللّٰه تعالي في المسألة اللاحقة، فإن صيرورته صدقةً تتوقف علي رجحانه و عدم استلزامه ترك الحج الواجب، و وجوب الحج أيضاً متوقف علي عدم منع النذر من استطاعته. هذا في نذر النتيجة.

و أما في نذر الفعل كأن نذر تبرعاً أو معلقاً أن يتصدق بألف تومانٍ و حصل المعلق عليه قبل تنجز وجوب الحج فلا ريب أنه يجب عليه التصدق به إن كان عنده، و إن لم يحصل له المال أو لم يحصل المعلق عليه إلا عند زمان تنجز الوجوب بالاستطاعة و الفرض أنه لا يفي إلا لأحدهما، و هذا الفرض أيضاً داخل في المسألة الآتية يعلم حكمه منها؛ لأنّ وجوب الوفاء بالنذر مشروط بعدم وجوب الحج و وجوب الحج أيضاً متوقف علي عدم انعقاد النذر و وجوب الوفاء به و مثله نذر التصدق بمال في يوم عرفة مع حصول الاستطاعة للحج به فهذه الفروع يعلم حكمه إن شاء اللّٰه مما سيبين في المسألة الآتية.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 194

[مسألة 55] لو حصلت الاستطاعة بعد نذر عملٍ راجحٍ لو حصلت الاستطاعة بعد ما نذر عملًا راجحاً و لا يمكن الجمع بينهما
اشارة

مسألة 55- إذا نذر عملًا راجحاً لا يمكن الجمع بينه و بين الحج ثمّ حصل له بعد النذر الاستطاعة، مثل أن نذر زيارة مولانا سيد الشهداء- روحي لتراب مقدم زواره الفداء- في كربلاء في كل يوم عرفة

أو في يوم عرفة سنته ثمّ حصل بعده الاستطاعة للحج،

فهل يجب عليه الحج لأن صحة النذر مشروطة بكون المنذور راجحاً قابلًا لأن يكون للّٰه تعالي، و أما إذا لم يكن كذلك و لو باستلزام الإتيان به ترك الواجب فلا ينعقد.

أو يجب الوفاء بالنذر لأن وجوب الحج مشروط بالاستطاعة و التمكن، فكما يمنع المانع العقلي من حصول الاستطاعة يمنع منها المانع الشرعي و هو وجوب الوفاء بالنذر.

أو يقع التدافع بينهما لأن وجوب الوفاء بالنذر مانع من تحقق موضوع وجوب الحج و هو الاستطاعة، و وجوب الحج مانع من تحقق موضوع وجوب الوفاء بالنذر و هو كون المنذور راجحاً صالحاً لأن يكون للّٰه تعالي، فكل منهما رافع لموضوع الآخر، فلا يمكن الحكم بوجوب واحد منهما، و حينئذ إن ثبت قيام الإجماع علي عدم سقوط كليهما فلا بد من علاج هذا التدافع و الحكم بوجوب أحدهما بالخصوص إن أمكن إقامة الدليل عليه، و إلا فالحكم هو التخيير إن لم يكن أحدهما أهم من الآخر؟

و الذي ينبغي أن يقال: إننا تارة نبحث في المسألة بناءً علي القول

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 195

بالاستطاعة الشرعية، و اخري علي القول بأن الاستطاعة هي القدرة العرفية علي الحج سواء زاحمه واجب آخر أم لا.

و الذي نقول به و يقتضيه ظاهر الأدلة هو الثاني، و عليه لا يكون وجوب الحج مشروطاً بعدم المانع الشرعي، فلا يضر في حصول الاستطاعة و تنجز التكليف بالحج كون المستطيع مكلفاً بواجب آخر، و هذا بخلاف النذر فإن صحته و وجوب الوفاء به مشروطة برجحان المنذور، و مع كونه مستلزماً لترك الواجب لا يكون راجحاً.

لا يقال: إن المنذور أيضاً بتعلق الأمر بالوفاء بالنذر يكون واجباً.

فإنه يقال: إن ما هو

المعتبر في رجحان متعلق النذر رجحانه بصرف النظر عن تعلق الأمر النذري به، و مع كونه بنفسه مانعاً من الإتيان بالحج يكون مرجوحاً لا يتعلق الأمر به و لا ينعقد عليه النذر، مضافاً إلي أن ذلك يجعلهما (الحج و النذر) كالمتزاحمين، و لا ريب في أن الحج بملاحظة ما ورد في تركه من التهديد أهم من النذر.

فإن قلت: إن الاستطاعة المشروط بها وجوب الحج أيضاً يلزم أن يكون حاصلًا بقطع النظر عن الأمر بالحج و هي لا تتحقق مع استلزامه ترك الوفاء بالنذر.

قلت: إن هذا الإشكال يرد علي القول باشتراط وجوب الحج بالاستطاعة الشرعية و أن المانع الشرعي كالمانع العقلي، و أما إن قلنا بعدم اعتبار ذلك و أن ما هو المشروط به وجوب الحج هو الاستطاعة العرفية، و كون المكلف واجداً عرفاً لما يتوقف عليه المسير إلي الحج فالوجوب عليه يتنجز بكونه متمكناً من المسير عرفاً فلا يمنع من وجوبه الواجبات الابتدائية فضلًا عن الإمضائية.

هذا، و قد ظهر بذلك كله عدم انعقاد النذر إذا كان الإتيان بمتعلقه مانعاً من أداء الحج.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 196

و أما الكلام في المسألة علي القول بالاستطاعة الشرعية و وقوع التدافع بين الحكمين (وجوب الحج و وجوب الوفاء بالنذر) لكون الأخذ بأحدهما رافعاً لموضوع الآخر فهل يقدم النذر، أو الحج؟

قال في المستند: (الرابعة: إذا نذر الحج فإما أن ينوي حجة الإسلام أو غيرها أو يطلق فلا ينوي شيئاً منهما- إلي أن قال: - فإن كانت الحجة المنذورة التي غير حجة الإسلام مقيدةً بسنة الاستطاعة ففي تقديم المنذورة أو الفريضة وجهان، أجودهما الأول، وفاقاً للمختلف و المسالك و المدارك و غيرها، لعدم تحقق الاستطاعة؛ لأن المانع الشرعي كالمانع العقلي،

و علي هذا يعتبر في وجوب حجة الإسلام بقاء الاستطاعة إلي السنة الثانية). «1»

و مراده: أنه كما في العلل العقلية يؤثر السابق و يذهب بموضوع اللاحق فلا محل لتأثير اللاحق بعد تحقق السابق و تأثيره في وجود معلوله، في العلل الشرعية أيضاً الأمر كذلك فلا يقع التدافع بينهما حتي يكون اللاحق رافعاً لموضوع السابق، و إن كان احتماله في نفسه في العلل الشرعية معقولًا لكن العرف لا يعتني به و يعمل معه معاملته مع المانع العقلي.

و فيه أولًا: أن قياس العلل الشرعية علي العلل العقلية قياس مع الفارق؛ لإمكان تخلف العلل الشرعية عن هذه القاعدة فإنها تدور مدار اعتبار المعتبر، و يمكن أن يعتبرها بعكس ذلك.

و ثانياً: أن تحقق النذر الذي هو العلة الاولي يكون متفرعاً علي كون المنذور راجحاً و صالحاً لأن يكون للّٰه، و هو متوقف علي عدم كونه ملازماً لترك حجة الإسلام أو واجب آخر، و إلّا فالنذر بصيغته ليس علةً لوجوب الوفاء به.

______________________________

(1)- مستند الشيعة: 2/ 167.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 197

و بعبارةٍ اخري: علّيته لوجوب الوفاء و وجوب الكون في مشهد مولانا سيد الشهداء- عليه آلاف التحية و الثناء- متوقفة علي عدم وجوب الحج، و عدم وجوب الحج متوقف علي علية النذر للوجوب، و هذا دور، و ذلك بخلاف العلل العقلية فإن علية العلة الاولي ليست متوقفة علي عدم علية اللاحق، بل معه لا يبقي مجال لتأثير اللاحق و إن كانت علية الثاني مشروطة بعدم حصول السابق قبله.

و بعبارةٍ ثالثة: تأثير ما هو السابق في العلل العقلية غير متوقف علي عدم اللاحق فيؤثر و يوجد العلة، و لا محلَّ لتأثير اللاحق، بخلاف المقام فإن شرط علّية النذر عدم كون المنذور

مانعاً من حجة الإسلام، و هو متوقف علي عدم وجوب الحج، و عدم وجوب الحج متوقف علي صحة النذر.

و يمكن أن يقال في الذبِّ عن هذا الإشكال: إنّ الواجب الذي يمنع من وجوب الحج و حصول الاستطاعة له هو الواجب الأصلي، لا ما يجب علي المكلف التزامه به علي نفسه و وجوبه بإمضاء الشارع، فالقدرة الشرعية المأخوذة في وجوب الحج تكون بالنسبة إلي الواجبات الابتدائية فيقدم غير الحج عليه و لا يحصل معه الاستطاعة، فلا يجب الحج؛ لعدم تحقق موضوعه و هو الاستطاعة الشرعية الفارغة من مزاحمة واجبٍ آخر لها، و أما الواجبات الإمضائية مثل النذر فوجوب الوفاء به إنما يكون في مورد كان قابلًا للإمضاء و تشمله أدلة الوفاء بالنذر، و ذلك بأن يكون قابلًا ليتحقق للّٰه تعالي، و في المقام لا قابلية للمنذور لكونه كذلك حتي يكون مورداً للإمضاء، لاستلزامه بنفسه (و لو لا النذر) ترك الواجب و هو الحج.

و مما يؤكد ذلك: أنه لو صح مثل هذا النذر يتمكن المكلف به الاحتيال لسقوط الحج و دفع وجوبه بنذر الصلاة النافلة في يوم عرفة في مسجد محلته في مدة عمره.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 198

هذا، و لا يخفي أنه ربما يتمسك لأخذ القدرة الشرعية في موضوع وجوب الحج بصحيح الحلبي الذي رواه الشيخ: عن موسي بن القاسم، عن ابن أبي عمير، عن حماد عن الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا قدر الرجل علي ما يحج به ثمّ رفع ذلك و ليس له شغل يعذره اللّٰه فيه فقد ترك شريعةً من شرايع الإسلام» «1»؛ لأن الظاهر منه رفع وجوب الحج لمطلق العذر، و الوفاء بالنذر عذر كسائر الأعذار.

و فيه: أن الاستدلال

به من قبيل التمسك بالعام في الشبهات المصداقية، فإن الصحيح لم يبين ما هو العذر، فلعله كان ناظراً إلي مثل الحرج و الضرر و المرض، و أما كون الوفاء بالنذر عذراً فلم يثبت من الشرع، كما لم يثبت كون أداء سائر الواجبات عذراً لترك الحج، بل يقع التزاحم بينهما و بين وجوب الحج و يقدم ما هو الأهم.

مضافاً إلي أن كلامنا في المسألة في تحقق النذر و وقوعه صحيحاً، و أنه لا يقع كذلك إذا كان متعلقه مرجوحاً، فالوفاء بالنذر قبال أمر الحج ليس كسائر الواجبات التي يقع التزاحم بينها و بين الحج، بل وجوبه يكون مشروطاً بعدم وجوب الحج، و وجوب الحج كما ذكر مشروط بعدم وجوب النذر، فهما متدافعان لا متزاحمان، فتدبر. و اللّٰه تعالي عالم بأحكامه.

فروع:

ثمّ إنّ هنا بعض الفروع الذي تعرض له في العروة في طيِّ المسألة.

منها: (لو نذر إن جاء مسافره أن يعطي الفقير كذا مقداراً فحصل له ما يكفيه لأحدهما بعد حصول المعلق عليه) فاختار فيه عدم وجوب الحج، و ظاهره

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب وجوب الحج و شرائطه ح 3.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 199

حصوله له بعد حصول المعلق عليه في أوان الحج.

و الظاهر أنه لا فرق بين هذا الفرع و بين زيارة سيد الشهداء- عليه سلام اللّٰه- يوم عرفة و حصول الاستطاعة له، فإنه علي القول بعدم اعتبار الاستطاعة الشرعية يجب عليه الحج و ينحلّ النذر لعدم رجحان المنذور، و علي القول باعتبارها أيضاً قلنا: إنّ أدلة وجوب الوفاء بالنذر لا تشمل مورداً يلزم منه ترك الواجب لو لا النذر.

نعم، هنا يشتغل ذمة الناذر بكلي المنذور الذي له أفراد متعددة لا بأمر شخصي، إلا

أن وجوب الوفاء بالنذر لا يشمل هذا الفرد الخاص الذي يستلزم الإتيان به ترك ما هو واجب لو لا النذر، فعليه يصرف ذلك المال في الحج و يبقي الوفاء بالنذر في ذمته.

و منها: إذا نذر قبل حصول الاستطاعة أن يصرف مقدار مائة ليرةٍ- مثلًا- في الزيارة و التعزية أو نحو ذلك فإنه أيضاً علي ما اختاره مانع من تعلق وجوب الحج به.

و الكلام فيه هو الكلام في الفرع السابق، فإنه إذا حصل ذلك عنده في أوان الحج لا يشمل أدلة النذر هذا الفرد من أفراد المنذور الذي يستلزم اختياره ترك ما يكون واجباً لو لا النذر. نعم، إذا حصل له قبل أوان الحج يجب عليه صرفه في الزيارة و التعزية.

و منها: ما إذا كان عليه واجب مطلق فوري قبل حصول الاستطاعة و لم يمكن الجمع بينه و بين الحج، ثمّ حصلت الاستطاعة فاختار أيضاً تقديم هذا الواجب علي الحج و إن لم يكن ذلك الواجب أهم؛ لأن العذر الشرعي كالعقلي في المنع من الوجوب، و أما لو حصلت الاستطاعة أولًا ثمّ حصل واجب فوري لا يمكن الجمع بينه و بين الحج يكون من باب المزاحمة فيقدم الأهم منهما، فلو كان مثل إنقاذ الغريق

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 200

قدم علي الحج.

أقول: كل ما اختاره في هذا الفرع مبني علي الاستطاعة الشرعية و أن المانع الشرعي كالمانع العقلي، إلّا أنّنا لم نفهم الفرق بين ما إذا حصلت الاستطاعة بعد ما كان عليه واجب مطلق فوري و بعد حصول الاستطاعة أولًا، ثمّ حصول واجب كذلك؛ لأنه إن كان واجب آخر مانعاً من حصول الاستطاعة فلما ذا لا يمنع بعدها؟

فإن الاستطاعة شرط للوجوب حدوثاً و بقاءً، و إن كان

لا يمنع ففي الصورتين تكون المسألة من باب التزاحم، فلا فرق بين حصول العذر الشرعي قبل الاستطاعة أو بعدها.

و علي أيِّ حالٍ فعلي ما اخترناه المسألة من باب التزاحم، فيقدّم الأهمّ منهما في الصورتين.

[مسألة 56] الاستطاعة البذلية
اشارة

مسألة 56- إذا لم يكن للشخص ما يحج به و لكن عرض عليه الحج فقيل له: «حج و عليَّ نفقتك و نفقة عيالك» أو قيل له: «حج بهذا المال» و كان المال كافياً له للحج ذهاباً و إياباً و لنفقة عياله فالكلام في المسألة يقع ضمن امور:

الأول: الظاهر أنه لا خلاف بين الأصحاب في حصول الاستطاعة و وجوب الحج بالبذل.

قال الشيخ رحمه الله في الخلاف: (إذا بذل له الاستطاعة لزمه فرض الحج.

و للشافعي فيه وجهان: أحدهما مثل ما قلناه، و الثاني و هو الذي يختارونه أنه لا يلزمه. دليلنا: إجماع الفرقة، و الأخبار الواردة في هذا المعني، و أيضاً قوله تعالي:

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 201

«مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا»، و هذا قد استطاع) «1»

و قال العلامة قدس سره في التذكرة: (لو لم يكن له زاد و راحلة أو كان له و لا مئونة له لسفره أو لعياله فبذل له باذل الزاد و الراحلة و مئونته ذاهباً و عائداً و مئونة عياله مدة غيبته وجب عليه الحج عند علمائنا) «2».

الثاني: يستدل علي هذا الحكم الذي ادعي عليه الإجماع قبله:

أوّلًا بالكتاب: بقوله تعالي: «مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا»؛ لصدق الاستطاعة علي بذل ما يحج به، و شمول إطلاقها للاستطاعة البذلية.

لا يقال: إن الاستطاعة قد فسرت في الروايات بأنها ليست مطلقها، و أنها هي ملكية الزاد و الراحلة، و ذلك مثل قوله عليه السلام: «له ما يحج به»، أو «له زاد و راحلة».

فإنه يقال: إنّ هنا رواياتٍ اخري تدل بالإطلاق علي كونها أعم من ذلك، مثل ما في صحيح الحلبي: «إذا قدر الرجل علي ما يحج به» و صحيح معاوية: «إذا هو يجد ما يحج به» و هي تشمل صورة بذل الزاد و الراحلة.

فإن قلت: إن مقتضي صناعة الإطلاق و التقييد و حمل المطلق علي المقيد حمل الطائفة الثانية علي الاولي.

قلت: قد مضي الكلام في ذلك، و قلنا: إنّ الحمل المذكور إنما يكون في مورد التنافي بين المطلق و المقيد، مثل «أعتق رقبة» و «أعتق رقبةً مؤمنة» مع العلم بوحدة المطلوب، و أما في مسألتنا فلا تنافي بين الطائفتين.

اللهمّ إلّا أن يقال باستفادة الحصر من الطائفة

الاولي.

______________________________

(1)- الخلاف: 1/ 373.

(2)- تذكرة الفقهاء: 1/ 302.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 202

و لكن يمكن دعوي أظهرية الطائفة الثانية في الإطلاق من الاولي في الحصر، فيؤخذ بالأظهر و يترك الظاهر.

مضافاً إلي أن دلالة الاولي علي الملكية من غير قرينة ممنوعة، غاية الأمر تدل علي الاختصاص و هو أعم من الملكية.

و لو فرضنا وقوع التعارض في الروايات المفسرة فالمرجع هو إطلاق الآية، فعلي هذا تكفي في حصول الاستطاعة بالبذل الآية الشريفة.

و ثانياً بالروايات:

منها: ما رواه الصدوق في كتاب التوحيد: عن أبيه و محمد بن موسي بن المتوكل، عن سعد بن عبد اللّه و عبد اللّٰه بن جعفر جميعاً، عن أحمد ابن محمد بن عيسي، عن الحسن بن محبوب، عن العلاء بن رزين قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن قول اللّٰه عز و جل: «وَ لِلّٰهِ عَلَي النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا» قال: يكون له ما يحج به، قلت: فمن عرض عليه فاستحيي؟ قال: هو ممن يستطيع». «1»

و منها: ما رواه الشيخ بإسناده، عن موسي بن القاسم بن معاوية بن وهب، عن صفوان، عن العلاء بن رزين، عن محمد بن مسلم، قال: «قلت لأبي جعفر عليه السلام:

قوله تعالي: «وَ لِلّٰهِ عَلَي النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا» قال: يكون له ما يحج به، قلت: فإن عرض عليه الحج فاستحيي؟ قال: هو ممن يستطيع و لم يستحي و لو علي حمار أجدع أبتر، قال: فإن كان يستطيع أن يمشي بعضاً و يركب بعضاً فليفعل) «2».

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب وجوب الحج و شرائطه ح 2.

(2)- تهذيب الاحكام: 5/ 3 و 4، وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب وجوب الحج ح 1.

إلا

أن في سند التهذيب الذي بأيدينا: موسي بن

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 203

و ظاهر قوله: «فاستحيي» أنه استحيي فلم يقبل البذل، و يشهد له صحيح معاوية بن عمار حيث قال عليه السلام: «فاستحيا و لم يفعل».

الثالث: هل يتحقق البذل للحج بعرض المال علي المبذول له و إباحة تصرفه فيه

إما مطلقاً أو بصورةٍ يكون البذل واجباً علي الباذل بنذر أو عهد أو يمين و نحو ذلك، أو لا يتحقق إلا بتمليكه للمبذول له، أو هو أعم من عرض المال و التمليك، سواء كان البذل واجباً علي الباذل أم لا؟ وجوه أو أقوال.

اختار صاحب العروة و جماعة من المحشِّين حصول البذل بكلٍّ من الإباحة و التمليك، و إليك جملةً من عبائر الأصحاب:

قال الشيخ في النهاية: (فإن لم يكن له ولد و عرض عليه بعض إخوانه ما يحتاج إليه من مئونة الطريق وجب عليه أيضاً الحج و من ليس له مال و حج به بعض إخوانه فقد أجزأه عن حجة الإسلام). «1»

و قال في المبسوط: (و إذا بذل له الاستطاعة قدر ما يكفيه ذاهباً و جائياً و يخلِّف لمن وجب عليه نفقته لزمه فرض الحج لأنه مستطيع) «2». و ظاهره تحقق البذل بعرض المال و إباحة التصرف.

و قال المحقق في المعتبر: (لو بذل له الركوب و الزاد وجب عليه الحج مع استكماله بقية الشروط لتحقق الاستطاعة، و كذا لو حج به بعض إخوانه- إلي أن

______________________________

القاسم، عن معاوية، و في الوسائل موسي بن القاسم بن معاوية، و الصحيح هو ما في الوسائل أولًا؛ لأن رواية موسي- و هو من السابعة- عن جده- و هو من الخامسة- بعيد. قال سيدنا الأستاذ: (كأنها مرسلة)، و في محل آخر (مرسلة)، و إن قال السيد الخوئي: (إنه قد يروي عن جده).

و ثانياً معاوية بن وهب

من الخامسة، و هو شيخ صفوان الذي هو من السادسة، فكيف يروي صفوان عنه؟

(1)- النهاية: 204.

(2)- المبسوط: 1/ 298.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 204

قال: - و لو بذل له هبة لم يجب القبول؛ لأنه تحصيل لشرط الوجوب و هو غير لازم) «1».

و مثله قال في الشرائع «2»، و ظاهره أيضاً تحقق البذل بالإباحة و بالضيافة و عدم تحققه بالتمليك.

و قال العلامة في التحرير في مسائل الاستطاعة: (ج: لو بذل له زاد و راحلة و نفقة له و لعياله وجب عليه الحج مع استكمال الشرائط الباقية، و كذا لو حج به بعض إخوانه … أما لو وهب له مال فإنه لا يجب عليه القبول)، «3» و ظاهره أيضاً مثل ما سبق.

و مثله قال ابن فهد في المحرر: (و لو بذل له الزاد و الراحلة فقد استطاع … و لو وهب مالًا لم يجب القبول) «4».

و قال الحلّي في السرائر: (بشرط أن يملكه ما يبذل له و يعرض عليه لا وعداً بالقول دون الفعال) «5».

و قال الشهيد في الدروس: (و يكفي البذل في الوجوب مع التمليك أو الوثوق به، و هل يستقر الوجوب بمجرد البذل من غير قبول؟ إشكال، من ظاهر النقل، و عدم وجوب تحصيل الشرط) «6».

أقول: أما من اختار تحققه بعرض المال و إباحة التصرف مطلقاً فيدل عليه

______________________________

(1)- المعتبر: 2/ 752.

(2)- شرايع الإسلام: 1/ 165.

(3)- تحرير الأحكام: 1/ 91.

(4)- المحرر: سلسلة الينابيع: 30/ 508.

(5)- السرائر: 1/ 517.

(6)- الدروس الشرعية: 1/ 310.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 205

ظاهر صحيح محمد بن مسلم و علاء بن رزين عن الصادقين عليهما السلام: «و إن لم يكن البذل علي الباذل واجباً» «1». بل و يدل عليه الآية لصدق الاستطاعة به.

و

من اختار تحققه بعرض المال و التمليك يقول: إن عرض الحج صادق علي كلتي الصورتين، فكما أن إباحة التصرف في المال بذل له فتمليكه المال أيضاً بذل له و عرض عليه.

و فيه: إن كان الدليل لحصول الاستطاعة بالبذل الآية فلا تشمل صورة التمليك؛ لأن حصول الاستطاعة به محتاج إلي التملك و القبول كالهبة.

و إذا كان الدليل إطلاق الرواية مثل قوله: «هو ممن يستطيع» ففيه: أن تصحيح شمول الاستطاعة مجرد التمليك الذي لا تتحقق الاستطاعة به إلا بعد القبول، و حصول الملك محتاج إلي تنزيل التمليك منزلتها موضوعاً أو حكماً قبل هذا الاستعمال حتي يشمل اللفظ بإطلاقه الاستطاعة العرفية و الاستطاعة التنزيلية، و لا يصحّ استعمال اللفظ في الأعمّ منهما قبل هذا التنزيل إلا بإطلاق اللفظ بقصد التنزيل و إرادة هذا المعني الأعم، و هو استعمال اللفظ في المعنيين، و يرجع إلي لحاظ الموضوع و الحكم بلحاظ واحد.

و أما القول بتحقق البذل بخصوص صورة التمليك فإما أن يقول القائل به بعدم الاحتياج إلي القبول و التملك فما الفرق بينه و بين صورة الإباحة حتي نقول باختصاصه بصورة التمليك؟

مضافاً إلي أن مثل قوله عليه السلام في صحيحة معاوية بن عمار: «و إن دعاه قوم أن يحجوه فاستحيي فلم يفعل فإنه لا يسعه إلا الخروج علي حمار أجدع أبتر» «2»

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب وجوب الحج ح 1.

(2)- المصدر السابق: ح 3.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 206

و قوله عليه السلام في صحيح محمد بن مسلم: «فمن عرض عليه الحج فاستحيي؟ قال: هو ممن يستطيع» «1» أظهر شمولًا لصورة الإباحة و العرض المجرد عن التمليك، فإن الظاهر منه دعوة الباذل المبذول له منه أن يكون ضيفاً له

و التزامه بأداء مصارف الحج.

و إما أن يقول باحتياجه إلي القبول، فعليه يجب أن يقول بحصول الاستطاعة بالهبة المطلقة أيضاً، فلو لم يقبل و ترك الحج يستقر عليه و يجب فعله متسكعاً.

و بالجملة: فالذي يظهر من بعض عبائر الأصحاب و الروايات أن البذل يتحقق بالإباحة، و حيث هو من الإيقاعات لا يحتاج إلي القبول، و يصير المبذول له بها مستطيعاً دون التمليك فإنه محتاج إلي القبول و هو تحصيل الاستطاعة لا عينها.

و مع ذلك فما يظهر من العروة و محشِّيها هو حصول البذل بالتمليك فلا بد لهم- مع اختيارهم عدم حصول الاستطاعة بمجرد الهبة و عدم وجوب قبولها- القول بالتعبد و التنزيل هنا؛ للفرق بين التمليك للحج و التمليك المطلق و هو بلا دليل. و اللّٰه تعالي شأنه هو العالم بجهات أحكامه.

الرابع: الظاهر أنه لا فرق في هذا الحكم بين كون الباذل موثوقاً به أو لا،

كما لا يعتبر في المال الوثوق بالبقاء؛ لعدم الفرق بين البابين، فمن كان شاكاً في تلف ماله أو رجوع الباذل من بذله لا يسقط عنه الواجب.

نعم، لو كان معتقداً عدم البقاء، أو عدم استمرار الباذل علي البذل، أو كان واثقاً به لا يجب الحج و يكون وعد الباذل له مجرد الكلام.

الخامس: قد ذكرنا فيما أسلفناه: أن وجود نفقة العود معتبر في حصول الاستطاعة،

و الظاهر أن الأمر في المقام أيضاً كذلك، فلا يصدق الاستطاعة و لا عرض الحج إلا بعرض نفقة الذهاب و الإياب.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب وجوب الحج ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 207

نعم، إذا قلنا بأن وجود نفقة العود لا يعتبر في الاستطاعة إلا إذا استلزم العود الحرج فيدور الأمر مدار الحرج علي ما أسلفناه في البحث عن ذلك.

السادس: لا يعتبر في حصول الاستطاعة بالبذل وجود نفقة العيال عنده،

فمن لا يجد نفقة عياله و عرض عليه الحج يستطيع به.

نعم، إذا كان كسوباً قادراً علي نفقة عياله بالكسب و كان الحج مستلزماً لترك الكسب و عدم تمكنه من الإنفاق فالظاهر أنه لا يحصل ببذل مجرد نفقة الذهاب و الإياب الاستطاعة، و لا يصدق علي مجرد ذلك عرض الحج.

السابع: الظاهر أنه لا فرق بين الأحكام المذكورة بين ما إذا عرض عليه تمام نفقة الحج أو كان عنده بعضها

و عرض عليه ما يتمها، أما إذا كان الملاك في وجوب الحج بالبذل حصول الاستطاعة فلا ريب أنها كما تتحصّل ببذل تمامها تتحصّل ببذل متمّمها، و أما إذا كان الحكم بالوجوب بالتعبد- كما لا بد من القول به علي بعض الأقوال- فالقول بكفاية المتمّم محتاج إلي إلغاء الخصوصية، و دعوي القطع بعدم الفرق بين بذل تمام النفقة و بين متممها، و هو لا يخلو من إشكال.

[مسألة 57] منع الدين من وجوب الحج البذلي

مسألة 57- هل يمنع الدين من وجوب الحج بالبذل، أم لا؟

فإن كان المبذول له معسراً لا يتمكن من أدائه بالكسب فيجب الحج عليه بالبذل، سواء كان ذلك من صغريات حصول الاستطاعة أم لا، و أما إذا كان متمكناً من أدائه بالكسب فعلي ما اخترناه من مانعية الدين الحالِّ المطالب به من حصول الاستطاعة لا تتحقق الاستطاعة بالبذل.

نعم، إن قلنا بأن وجوب الحج بالبذل يكون من باب التعبد لا دخول المبذول

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 208

له في عنوان المستطيع تدخل المسألة في باب التزاحم، و قد قلنا: إنّ أداء الدين الحالِّ مقدَّم علي أداء الحج.

[مسألة 58] الرجوع إلي الكفاية في الحج البذلي

مسألة 58- هل يشترط في وجوب الحج بالبذل أو الاستطاعة البذلية الرجوع إلي كفاية؟

قال في المستند: (لا يشترط في المبذول له الرجوع إلي كفاية؛ لأن الظاهر المتبادر من أخبار اشتراطه إنما هو فيما إذا أنفق الحج من كفايته لا مثل ذلك، مع أن الشهرة الجابرة غير متحققة في المورد، و مع ذلك تعارضها إطلاقات وجوب الحج بالبذل و هي أقوي و أكثر، فيرجع إلي عمومات وجوب الحج و الاستطاعة العرفية). «1»

و مراده: أن الدليل علي الرجوع إلي الكفاية إن كان الأخبار مثل رواية أبي الربيع الشامي التي رواها الكليني: عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد «2»، عن ابن محبوب «3»، عن خالد بن جرير «4»، عن أبي الربيع الشامي «5» قال: «سئل أبو عبد اللّٰه عليه السلام عن قول اللّٰه عز و جل: «وَ لِلّٰهِ عَلَي النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا»؟ فقال: ما يقول الناس؟ قال: فقلت له: الزاد و الراحلة، قال: فقال أبو

______________________________

(1)- مستند الشيعة: 2/ 160.

(2)- أحمد بن محمد بن عيسي، من الطبقة السابعة، وعدته:

محمد بن يحيي، و أحمد بن إدريس، و علي بن إبراهيم، و داود بن كورة، و علي بن موسي الكميداني.

(3)- الحسن بن محبوب من السادسة.

(4)- من الطبقة الخامسة أو السادسة، خالد بن جرير بن عبد اللّه البجلي، ممدوح بالصلاح.

(5)- من الطبقة الرابعة، اسمه خليد بن أوفيٰ، و يقال له: خالد.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 209

عبد اللّه عليه السلام: قد سئل أبو جعفر عليه السلام عن هذا فقال: هلك الناس إذاً، لئن كان من كان له زاد و راحلة قدر ما يقوت عياله و يستغني به عن الناس ينطلق إليهم فيسلبهم إياه لقد هلكوا إذاً، فقيل له: فما السبيل؟ قال: فقال: السعة في المال إذا كان يحج ببعض و يبقي بعضاً لقوت عياله، أ ليس قد فرض اللّٰه الزكاة فلم يجعلها إلا علي من يملك مائتي درهم؟» «1».

فهي فيما إذا أنفق الحج من كفايته دون ما إذا لم يكن كذلك و كان الحج بإنفاق غيره.

مضافاً إلي أن الرواية حيث تكون ضعيفة السند و إن كانت منجبرة بعمل الأصحاب بها إلا أن الشهرة المنجبرة بها لم تتحقق في مثل هذا المورد.

و لو سلِّم دلالتها للمورد فهي معارضة بإطلاقات وجوب الحج بالبذل التي هي أقوي و أكثر، فيرجع إلي عمومات وجوب الحج و الاستطاعة العرفية.

أقول: أما ما أفاده من أن المتبادر من أخبار الاشتراط إنما هو فيما إذا أنفق الحج من كفايته فصحيح في محله، و أما ضعف السند و جبر ضعفه بعمل المشهور بها و قصر عملهم في غير المورد.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: 11 ب 9 من أبواب وجوب الحج و شرائطه ح 1، راجع أيضاً الكافي: 4/ 267، من لا يحضره الفقيه: 2/ 139، الاستبصار: 2/ 139.

مرآة العقول: 17/ 147. و قال في المقنعة: (و روي أبو الربيع الشامي عن الصادق عليه السلام قال: سئل عن قوله عز و جل: «مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا» قال: ما يقول فيها هؤلاء؟ فقيل له: يقولون: الزاد و الراحلة، فقال عليه السلام: فقد قيل ذلك لأبي جعفر عليهما السلام فقال: هلك الناس إذا كان من له زاد و راحلة لا يملك غيرهما أو مقدار ذلك مما يقوت به عياله و يستغني به عن الناس فقد وجب عليه أن يحج بذلك ثمّ يرجع فيسأل الناس بكفه، لقد هلك إذاً، فقيل له: فما السبيل عندك؟ قال: السعة في المال، و هو أن يكون معه ما يحج ببعضه و يبقي بعض لقوت نفسه و عياله، ثمّ قال: أ ليس قد فرض اللّٰه الزكاة فلم يجعلها إلا علي من يملك مائتي درهم؟).

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 210

ففيه: يمكن أن يقال أولًا: إن ضعف السند يدفع برواية الحسن بن محبوب الذي أجمعت العصابة علي تصحيح ما يصح عنه.

و ثانياً: الظاهر أن المشهور في فتواهم اعتمدوا علي هذه الرواية، و هو شاهد علي ثبوت صدورها لديهم، و أما معارضة أخبار البذل معها فهي متوقفة علي كون وجوب الحج بالبذل من باب التعبد، و إلّا إن كان من باب حصول الاستطاعة المشروط بها الحج به يكون وزانه وزان الاستطاعة الغير بذلية لا يعارض أخبار الاشتراط، فالعمدة في ذلك هو أن اعتبار الرجوع بالكفاية إنما يكون فيما إذا أنفق الحج من كفايته، و في البذل لا ينفق منها فلا يشترط في وجوب الحج به الرجوع إلي الكفاية.

هذا، علي أن نقول بأن الرجوع إلي الكفاية معتبر في حصول الاستطاعة، و لو قلنا بأن اعتباره

من باب الحرج أيضاً فالحج البذلي غير مستلزم للحرج؛ لأنه لا يوجب فقد الرجوع إلي الكفاية لمن كان فاقدها.

نعم إذا كان الشخص كسوباً في مدة الحج بما يكفيه لبعد الحج و كان زمان كسبه زمان الحج و لا يقدر عليه في أثناء الحج يرفع عنه وجوب الحج بالحرج، فتأمّل.

[مسألة 59] إذا وهبه أحد ما يكفيه للحج

مسألة 59- إذا وهبه ما يكفيه لأن يحج به فهل يجب عليه القبول لصدق عرض الحج عليه، أم لا يجب لأنه من تحصيل الاستطاعة؟

يمكن أن نقول: إن وجوب الحج بعرضه علي المكلف إن كان لصدق حصول الاستطاعة به فيمكن منع حصولها بهبته ذلك لاحتياجه إلي القبول و هو تحصيل

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 211

للاستطاعة، فأيّ فرقٍ بين هبة ما يكفي للحج من غير تعيين مصرفه و بين هبته بشرط صرفه في الحج؟

نعم، إذا وهبه ما يكفيه للحج دون نفقة عياله و ما يرجع إليه لا يصير مستطيعاً به، و لو قبل الهبة فإنه محتاج إلي إنفاقه في نفقاته.

و أما إذا وهبه ما يكفيه للحج و لجميع نفقاته ذاهباً و جائياً و بعد ذلك فما الفرق بينه و بين البذل حتي يقال بصدق الاستطاعة في الثاني دون الأول.

و أما إن قلنا بكون وجوب الحج بالعرض في عرض وجوبه بالاستطاعة يمكن أن يقال بصدق العرض علي الهبة بشرط الحج، إلّا أنّ ذلك خلاف الظاهر، و ما يستفاد من الآية من حصر وجوب الحج بالاستطاعة.

و أولي بالإشكال ما إذا وهبه و خيّره بين أن يحج به، أوْ لا، فإنه أيّ فرقٍ بينه و بين ما إذا وهبه و لم يذكر الحج لا تعييناً و لا تخييراً؟ فإن في هذه الصورة أيضاً هو مخير بين صرفه في الحج و غيره،

و مع ذلك فالاحتياط حسن في كل حال.

[مسألة 60] الوقف للحج أو الوصية أو النذر له

مسألة- 60 لو وقف شخص لمن يحج، أو أوصي، أو نذر كذلك فإما أن يكون الوقف لإباحة التصرف فيه للحج أو الوصية أيضاً كذلك أو نذر ليبيح التصرف في ماله للحج فبذل ذلك له متولي الوقف أو الوصي أو الناذر فالظاهر أنه من عرض الحج يصير به مستطيعاً.

و كذا إن كان الوقف أو الوصية أو النذر للعموم كأن تكون السيارة وقفاً علي الناس للحج أو الوصية أو النذر كالخانات و المدارس التي يسكنها المسافرون و الطلاب من غير حاجة إلي إذن أحد فالظاهر حصول الاستطاعة به، و لا فرق بينه

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 212

و بين العرض من العارض الشخصي للشخص المعين، و يجي ء في الصورتين ما ذكرنا في المسائل السابقة من أنه لو لم يكن له بالفعل ما ينفق به علي عياله أو يرجع إليه بالكفاية و لكن يمكن له بترك الحج تحصيل ذلك بالكسب لا يجب عليه الحج و لا يحصل به الاستطاعة.

و إما أن يكون الوقف أو الوصية أو النذر علي أن يكون المال ملكاً له، فالظاهر أنه حيث يحتاج إلي القبول لا يحصل به الاستطاعة بدونه، و لا يجب عليه القبول لأنه تحصيل للاستطاعة، إلّا أن نقول بعدم اعتبار القبول في حصول الملكية في الوصية التمليكية و إن كان للموصي له رد الوصية.

و أولي بعدم حصول الاستطاعة و عدم وجوب القبول إن أوصي أو نذر أن يعطيه مالًا للحج بنحو نذر الفعل ففي هذه الصورة إن قلنا بأن وجوب الحج بالعرض يكون لحصول الاستطاعة به لا لكونه شرطاً مستقلًا آخر لوجوب الحج في عرض الاستطاعة لا يجب القبول لأنه تحصيل للاستطاعة.

[مسألة 61] لو حصل له من الخمس أو الزكاة ما يكفي و شرط عليه المعطي أن يحج به

مسألة 61- لو أعطاه ما يكفيه للحج خمساً أو زكاةً

و شرط عليه أن يحج به فهل يصح هذا الشرط فلا يجوز له إلا صرفه في الحج و إن كان محتاجاً إلي صرفه في نفقة عياله، أو لا يصح فلا أثر له و إن قبله المستحق فيعمل فيه ما يعمل في غيره من أمواله، فإن كان وافياً بزاده و راحلته و نفقة عياله و رجوعه إلي ما به الكفاية يجب عليه الحج لحصول الاستطاعة له،

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 213

و إلا لا يجب؟

و الذي يمكن أن يقال: إنّه لا ولاية علي حق السادة أو الفقراء لمن كان عليه بشرط ذلك عليهم و سلب ولايتهم عنه، فجواز كل شرط بالنسبة إليه متفرع علي الولاية عليه، فكما أنه ليس للوصي و لا لناظر الوقف و لا للناذر جعل شرط زائداً علي ما هو المقرر في الوقف و النذر و الوصية، و كما ليس للمديون أن يشترط علي الدائن صرف الدين في مورد خاص و لا يتجاوز كل ذلك و إن قبله الدائن و المنذور و الموقوف عليهم عن الوعد و الشرط الابتدائي الذي لا يجب الوفاء به، ليس لمن عليه الخمس أو الزكاة أيضاً ذلك.

هذا، مضافاً إلي ما يمكن أن يقال: إن الدفع الخارجي التكويني لهذه الأموال إلي أصحابها لا يقبل التعليق كسائر الامور التكوينية الخارجية مثل الأكل و الشرب، فلا يمكن أن يكون الأكل الخارجي معلقاً علي أمر؛ لأن تعليقه علي أمر ربما يحصل، و ربما لا يحصل، مثل صرف المال في الحج ينافي وجوده الخارجي؛ لعدم إمكان وجود المعلق قبل المعلق عليه، فتعليق الدفع الخارجي بشرط صرف المال في الحج أمر لا نتعقل معناه فإن الدفع حاصل، حصل الشرط أم لم يحصل.

اعلم: أن الشرط الذي

يجب الوفاء به هو الشرط المعامليّ المرتبط بالمعاملة ارتباطاً لا يتحقق مفاد المعاملة و ما يترتب عليها من الأثر إلّا بالالتزام به أو العمل به، كالبيع و النكاح و الملكية و الزوجية فإنها لا تتحقق إلا بالالتزام بالشرط و ما علقت به فلا يمكن أن تتحقق بدونه.

و أما الامور الخارجية التكوينية فلا تقبل مثل هذا التعليق و الارتباط بشي ء آخر، و لا يكون جعل الارتباط بين الشرط و المشروط فيه إلا مجرد الوعد بتقارن فعلٍ عند فعل آخر، و هذا ليس مشمولًا لأدلة الوفاء بالشرط، ففي ما نحن فيه تعليق

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 214

إعطاء الزكاة بمعناه المصدري الذي هو فعل الدافع علي صرفها في الحج لا يرتبط تحقق الدفع خارجاً بصرفها في الحج، فيمكن تحققه في الخارج معه و بدونه.

و بعبارةٍ اخري: أمر الدفع وجوداً و عدماً موكول إلي الدافع و ليس لالتزام المدفوع إليه بصرفها في الحج دخل في تحققه، فلا دخل لالتزامه في حصوله فهو يكون مجرد التزام مقارن له، لا فرق بينه و بين الشروط الابتدائية، و لا يرتبط بقوله:

دفعتها لك لتحج به أحدهما بالآخر، فلا يلتزم علي الدافع دفعه، و لا علي المدفوع إليه صرفه في الحج.

و هذا معني ما قلنا: إن الأكل و الشرب و الأفعال التكوينية و رفع هذه الأموال إلي أصحابها بما أنه من الأفعال الواقعية لا يقبل التعليق و لا يرتبط وجوداً و عدماً بالشرط بأمر آخر.

فإن قلت: إن الدفع معلق علي التزام المشروط عليه بالعمل بالشرط.

قلت: لا يرتبط بهذا الالتزام المعلق به بالمعلق عليه واقعاً و وجوداً و عدماً، فلا يتجاوز ما حصل بين الدافع و المدفوع إليه من مواعدة بينهما.

فإن قلت: يمكن أن يكون

الشرط من قبيل القيد للمدفوع إليه بأن يدفعه له مقيداً بكونه يحج بهذا المال، فجواز تصرفه فيه يدور مدار الحج به.

قلت: إن المستحق و هو الشخص الخارجي لا يتعدد بكونه- مثلًا- لابساً قميصاً أبيض أو يحج بهذا المال، فهو هذا الشخص الذي دفع له المال سواء كان بحال كذائي أو بصفة كذائية أو غيرها. و بالجملة: فالمال مدفوع للمستحق و كونه بصفة كذائية يكون من دواعي الإعطاء به، كما أن الائتمام يتحقق بالإمام الحاضر و كونه زيداً أو عَمراً يكون داعياً للائتمام به فالايتمام يتحقق به و قيد كونه كذا يكون لغواً.

نعم، إن قصد الائتمام بزيد و كان الإمام عَمراً لا يتحقق الائتمام، و هكذا فيما نحن فيه فإنه يدفع الزكاة إلي المستحق و لا يقيد بكونه يحج به لعدم دخله في

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 215

الاستحقاق، كما أن الائتمام بالإمام الحاضر لا يقيد بكونه زيداً لعدم دخله في صدق الائتمام بالإمام الحاضر.

[مسألة 62] لو يعطي من سهم في سبيل اللّٰه ليحج به

مسألة 62- إذا أعطي الفقير أو الغني من سهم في سبيل اللّٰه ليحج به و كان في ذلك مصلحة عامة للإسلام و المسلمين أو لم يكن، و قلنا بكفاية كون الفعل في ذاته محبوباً مرغوباً إليه في الشرع فهل يحصل له الاستطاعة بمجرد ذلك، أو محتاج إلي القبول؟

الظاهر أنه إذا كان بنحو الإذن في التصرف و إباحته يجب عليه الحج لحصول الاستطاعة به و عدم الاحتياج إلي القبول.

و أما إذا كان ذلك بنحو الإعطاء و التمليك فيمكن القول بعدم وجوب القبول، لأنه تحصيل للاستطاعة فلا يجب عليه الحج، و في هذه الصورة أيضاً إن قبل الإعطاء يصير مستطيعاً و يكون حجه مجزياً عن حجة الإسلام.

و القول بعدم إجزائه عن حجة الإسلام لعدم

صدق عرض الحج عليه؛ لأنّ الظاهر من عرض الحج هو عرضه لأن يحج لنفسه بحيث يضاف إليه، و هنا يضاف إلي من عرض عليه الحج كحج الأجير و النائب.

ساقط جداً، فإنه أولًا أن هنا أيضاً الحج يضاف إلي نفسه و هو ينوي الحج لنفسه، دون النائب و الأجير فإنهما ينويانه للغير، و إلا فيقال: في سائر صور البذل أيضاً يضاف الحج إلي الباذل دون المبذول له.

مضافاً إلي أن الملاك في العرض هو حصول الاستطاعة للحج، و هنا أيضاً تحصل الاستطاعة، و لا فرق بين الصور أصلًا.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 216

[مسألة 63] كفاية الحج البذلي عن حجة الإسلام

مسألة 63- هل الحج البذلي يجزي عن حجة الإسلام، أو يجب علي المبذول له حجة الإسلام إن صار موسراً و حصل له الاستطاعة بعد ذلك؟

اعلم: أنه قد ادّعي الشهرة العظيمة علي إجزاء الحج البذلي عن حجة الإسلام، خلافاً للشيخ في الاستبصار (في الباب 83) قال: (باب المعسر يحج به بعض إخوانه ثمّ أيسر هل تجب عليه إعادة الحج، أم لا؟

1- محمد بن يعقوب «1»، عن حميد بن زياد «2»، عن ابن سماعة «3»، عن عدة من أصحابنا «4»، عن أبان ابن عثمان «5»، عن الفضل بن عبد الملك «6»، قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل لم يكن له مال فحج به اناس من أصحابه أ قَضيٰ حجة الإسلام؟ قال: نعم، و إن أيسر بعد ذلك فعليه أن يحج، قلت: هل تكون حجته تلك تامة أو ناقصة إذا لم يكن حج من ماله؟ قال: نعم، قضي عنه حجة الإسلام و تكون تامة و ليست ناقصة، فإن أيسر فليحج».

2- فأما ما رواه الحسين بن سعيد «7»، عن فضالة بن أيوب «8»، عن معاوية

بن

______________________________

(1) محمد بن يعقوب الكليني قدس سره.

(2) من الطبقة الثامنة، كوفي، عالم جليل القدر، واسع العلم كثير التصانيف، روي الأصول أكثرها، له كتب كثيرة، مات سنة 313.

(3) الحسن بن محمد بن سماعة، من السابعة، من شيوخ الواقفية، كثير الحديث، ثقة.

(4) لم نعرف العدة منهم، و في ترتيب أسانيد الكافي غير واحد من أصحابنا.

(5) الأحمر، من الخامسة، من الناووسية، قيل في حقه: إن العصابة أجمعت علي تصحيح ما يصح عنه.

(6) هو أبو العباس البقباق، من الخامسة، ثقة له كتاب.

(7) من السابعة، ابن حماد الأهوازي، مولي علي بن الحسين عليه السلام، جليل القدر، صاحب

(8)- الأزدي، من السادسة، ثقة في حديثه مستقيم في دينه.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 217

عمار «1»، قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: رجل لم يكن له مال فحج به رجل من إخوانه أ يجزيه ذلك عنه من حجة الإسلام أو هي ناقصة؟ قال: بل هي حجة تامة».

فلا ينافي الخبر الأول الذي قلنا: إنه يعيد الحج إذا أيسر؛ لأنه إنما أخبر أن حجته تامة، و ذلك لا خلاف فيه أنها تامة يستحق بفعله الثواب، و أما قوله في الخبر الأول: «و يكون قد قضي حجة الإسلام» المعني فيه الحجة التي ندب إليها في حال إعساره فإن ذلك يعبر عنها بأنها حجة الإسلام من حيث كانت أول الحجة و ليس في الخبر أنه إذا أيسر لم يلزمه الحج بل فيه تصريح أنه إذا أيسر فليحج و ذلك مطابق للأصول الصحيحة التي تدل عليها الدلائل و الأخبار). «2»

و لكنه في التهذيب قال في رواية الفضل: (محمول علي سبيل الاستحباب، يدل علي ذلك الخبر الأول (يعني خبر معاوية بن عمار)، و قوله عليه السلام في هذا الخبر

أيضاً: «قد قضي حجة الإسلام و تكون تامة و ليست بنا قصة» يدل علي ما ذكرناه، و ما اتبع من قوله عليه السلام: «و إن أيسر فليحج» المراد به ما ذكرناه من الاستحباب؛ لأنه إذا قضي حجة الإسلام فليس بعد ذلك إلا الندب و الاستحباب). «3»

ثمّ إنّ هنا خبرين آخرين:

أحدهما: يدل أيضاً علي وجوب الحج إذا أيسر، و هو ما رواه الكليني رحمه الله:

عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد و سهل بن زياد جميعاً، عن أحمد بن محمد

______________________________

المصنفات، روي عن الرضا و الجواد و الهادي عليهم السلام أصله كوفي و انتقل مع أخيه الحسن إلي الأهواز، ثمّ تحول إلي قم فنزل علي الحسن بن أبان، توفي في قم.

(1)- البجلي، من الخامسة، كبير الشأن، عظيم المحل، ثقة، و أبوه ثقة في العامة وجهاً.

(2)- الاستبصار: 2/ 143، وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب وجوب الحج ح 6 و 2.

(3)- تهذيب الأحكام: 5/ 7.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 218

بن أبي نصر، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «لو أن رجلًا معسراً أحَجَّه رجل كانت له حجة، فإن أيسر بعد ذلك كان عليه الحج، و كذلك الناصب إذا عرف فعليه الحج و إن كان قد حج» «1».

و ثانيهما: ما ربما يستدل أو يستشهد به علي عدم وجوب الحج ثانياً، و هو ما رواه الصدوق رحمه الله: عن جميل بن دراج «2»، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «في رجل، ليس له مال حج عن رجل أو أحجه غيره ثمّ أصاب مالًا هل عليه الحج؟ فقال: يجزي عنهما» «3».

إلا أن ظهوره في ذلك محل إشكال لمكان قوله عليه السلام:

«يجزي عنهما» و تردد المراد منه بين معانٍ متعددة:

أحدها: كون المراد من الضمير في «عنهما» المنوب عنه و الذي أحج به، إلّا أنّ عليه قد أجيب عما لم يسأل عنه السائل و هو إجزاء الحج عن المنوب عنه.

و ثانيهما: أن يكون المراد من الضمير حجَّ كلِّ واحدٍ منهما، يعني يجزي حج النائب و حج المحج به عن نفسه، و فيه يأتي ما في الاحتمال الأول.

و ثالثها: أن يكون المراد من الضمير: المنوب عنه و النائب، و أنه يجزي عنهما، و يكون مثل ما رواه معاوية بن عمار عمن حج عن غيره «أ يجزيه ذلك عن حجة الإسلام؟ قال: نعم».

و رابعها: أن يكون المراد المنوب عنه و النائب يكون الإجزاء حقيقة بالنسبة إلي المنوب عنه و مجازاً بالنسبة إلي النائب.

و خامسها: أن يكون المراد من قوله: «أحجه غيره» أحجه عن الرجل

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 21 من أبواب وجوب الحج و شرائطه ح 5.

(2)- من الطبقة الخامسة، من الأكابر و الأعاظم.

(3)- وسائل الشيعة: ب 21 من أبواب وجوب الحج و شرائطه ح 6.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 219

غيره، و يكون المراد من الضمير: الرجلين المنوب عنهما، فالمعني يجزي عنهما و لا يجزي عن نفسه.

و سادسها: أن يكون قوله: «يجزي عنهما» علي سبيل الاستفهام الإنكاري.

و سابعها: ما احتمله بعض الأعلام من عود الضمير إلي ما أتي به من الحج يجزي و يكون صحيحاً و يجزي أيضاً عن الحج إذا استطاع و أيسر، أي لا يجب عليه الحج ثانياً إذا أيسر، و هذا الاحتمال غريب جداً.

و ثامنها: أيضاً ما في كلامه من عود الضمير إلي النائب و المبذول له فيدل علي إجزاء حج النائب عن نفسه و المبذول له،

قال: (لكن في مورد النائب نلتزم بالحج عليه إذا أيسر لأجل دليلٍ آخر دالٍّ علي عدم سقوطه عنه). «1»

و الحق أن الاعتماد علي واحد من هذه الاحتمالات و دعوي ظهور الرواية في بعضها ليس من الاعتماد علي ظهور الألفاظ في معانيها بشي ء، فنبقي نحن و رواية البقباق و أبي بصير من جانب، و صحيح معاوية بن عمار من جانب آخر.

أما رواية البقباق فدلالتها غير معمول بها؛ لأنها تدل علي قضاء حجة الإسلام تامة و غير ناقصة و وجوب حج آخر عليه، و لم يقل بذلك أحد، فإذاً يتجه ما حمله الشيخ عليه من أنه إذا لم تكن عليه حجة الإسلام و كانت تامة غير ناقصة فليس بعد ذلك إلا الندب و الاستحباب.

و أما خبر أبي بصير فيجوز حمله أيضاً علي الاستحباب، مضافاً إلي ما في ذيله من وجوب الحج علي الناصب بعد ما عرف الحق فإنه أيضاً محمول علي الاستحباب بناءً علي كون المراد من الناصب مطلق المخالف و إن لم يكن مبغضاً لهم عليهم السلام لعدم وجوب إعادة حجة الإسلام عليه.

______________________________

(1)- معتمد العروة: 1/ 176.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 220

فعلي كل ذلك المتجه هو الأخذ بصحيحة معاوية بن عمار الصريحة في إجزاء حجه عن حجة الإسلام، الموافقة لما هو المجمع عليه من عدم وجوب غير حجة الإسلام، و المؤيدة برواياتٍ من باب البذل دالّةٍ علي كون حج المبذول له حجة الإسلام.

و أيضاً يدل علي ذلك صحيح هشام بن سالم، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «ما كلّف اللّٰه العباد إلّا ما يطيقون، و إنما كلّفهم في اليوم و الليلة خمس صلوات- إلي أن قال و كلفهم حجةً واحدةً و هم يطيقون أكثر من

ذلك» «1».

و في خبر الفضل بن شاذان عن الرضا عليه السلام قال: «إنما امروا بحجةٍ واحدةٍ لا أكثر من ذلك» «2».

ثمّ إنه لا يخفي عليك أن مرادهم من الشهرة العظيمة أو عدم الخلاف بين الأصحاب في كفاية الحج البذلي عن حجة الإسلام إن كان الشهرة بين القدماء فلم نعثر علي مصرح بذلك غير الشيخ قدس سره في التهذيب «3»، و في النهاية حيث قال في الأخير: (و من ليس معه مال و حج به بعض إخوانه فقد أجزأه ذلك عن حجة الإسلام و إن أيسر بعد ذلك، إلا أنه يستحب له أن يحج بعد يساره فإنه أفضل) «4».

و غير الحلي فإنه أفتي بذلك في السرائر «5»، و ابن البراج فإنه قال في المهذب: (و من لا يكون متمكناً من الاستطاعة و مكّنه بعض إخوانه من ذلك وجب عليه

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب وجوب الحج و شرائطه ح 1.

(2)- المصدر السابق: ح 2.

(3)- تهذيب الأحكام: 5/ 7.

(4)- النهاية: 204.

(5)- السرائر: 1/ 515.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 221

الحج، فإن أيسر بعد ذلك كان عليه إعادة الحج استحباباً) «1».

نعم، تحقق الشهرة عليه من عصر المحقق إلي زماننا هذا، و أما دعوي عدم الخلاف في المسألة فينبغي أن يكون المراد به عدم الخلاف بين من تعرض لها إلّا الشيخ في الاستبصار كما تقدم.

و الحاصل: أن الاعتماد علي الشهرة و عدم الخلاف ليس في محله. نعم، يمكن تأييد عدم الخلاف في المسألة بين القدماء بعدم ذكرهم في كتبهم هذا الفرع، مع أنهم كانوا ملتزمين بالفتوي علي طبق الروايات. و اللّٰه تعالي عالم بأحكامه.

[مسألة 64] الرجوع عن البذل في الحج
اشارة

مسألة 64- هل يجوز للباذل الرجوع عن بذله، أم لا؟

الكلام في المسألة يقع في جهات:
الجهة الاولي: فيما إذا رجع عنه قبل أن يحرم المبذول له،

و الظاهر أنه يجوز له ذلك، لقاعدة السلطنة، و لأن مجرد البذل و إباحة التصرف للمبذول له لا يوجب عدم جواز الرجوع إليه.

نعم، إن كان ذلك بالهبة و التمليك و قلنا بحصول العرض و وجوب القبول إذا كانت بشرط صرف المال الموهوب في الحج فالمسألة تدخل في مسائل الهبة، فإن رجع الباذل قبل القبول أو بعده و قبل القبض أو بعد القبض و كان المال موجوداً و كانت الهبة لغير ذي رحمٍ فالرجوع جائز، و إلا إذا كان الرجوع بعد القبض و تصرف المتهب في المال أو قبل التصرف و كان المتهب ذي رحمٍ لا يجوز الرجوع.

و هذه الفروع تجري كلها في الجهة الثانية إن قلنا فيها بجواز الرجوع إلي البذل

______________________________

(1)- المهذب: 1/ 268.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 222

و كان البذل بالهبة.

الجهة الثانية: فيما إذا رجع عن بذله بعد دخول المبذول له في الإحرام،

قال السيد قدس سره في العروة: (و في جواز رجوعه بعده وجهان).

و الذي ينبغي أن يقال: إن مقتضي قاعدة السلطنة جواز الرجوع إليه؛ لأنّ المال لم يخرج عن ملكه بالإباحة و الإذن في التصرف، و جواز تصرف المبذول له يدور مدار بقاء الإذن و عدم رجوع المالك عن إذنه كسائر الموارد.

و لو كان البذل بالهبة فحكمه ما ذكرناه في الجهة الاولي. و بالجملة: لا وجه لالتزام الاذن و المبيح بالبقاء علي إذنه و إباحته و منعه من إعمال سلطنته في ماله، فعلي هذا عدم جواز الرجوع محتاج إلي الدليل.

و الذي يمكن أن يقال أو قيل في وجه عدم الجواز امور:

الأول: أنّه لا يجوز الرجوع لوجوب إتمام الحج علي المبذول له، و معه لا يجوز للباذل الرجوع إلي بذله؛ لأنه موجب لتفويت تمكن المبذول له و عدم قدرته من إتمام العمل الواجب عليه بتسبيب

الباذل، كما ليس لمن أذن لغيره في الصلاة في ملكه أن يرجع عنه بعد شروع المأذون له في الصلاة؛ لاستلزامه فعل الحرام و هو قطع الصلاة.

و فيه أولًا: أنّا نمنع أن يكون الأمر في المقيس عليه كذلك؛ لأن ما هو الحرام قطع الصلاة اختياراً، و هذا غير انقطاعه برجوع الآذن من إذنه و حصول غصبية المكان.

و بعبارةٍ اخري: دليل حرمة قطع الصلاة و إبطالها الإجماع، و القدر المتيقن منه الإبطال و القطع الاختياري، و بطلانها و انقطاعها ببعض الأسباب خارج عن ذلك، بل لا يمكن أن يشمله الإجماع، بل و لا قوله تعالي: «لٰا تُبْطِلُوا أَعْمٰالَكُمْ» «1» إن قلنا

______________________________

(1)- محمد/ 33.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 223

بأن المراد منه قطع الأعمال و إبطالها بالاختيار فإن الانبطال غير الإبطال و خارج عن موضوع الإجماع و الدليل.

و ثانياً: أنّ قياس البذل و الحج بالإذن للصلاة في الملك مع الفارق؛ لأن المصلِّي برفع الإذن لا يتمكن من إتمام صلاته في المكان المأذون فيه، سواء بنينا في مبحث اجتماع الأمر و النهي علي الامتناع أو علي الجواز علي ما ذكرناه في تقريراتنا لأبحاث سيدنا الاستاذ الأعظم قدس سره الاصولية، و أما في الحج فالمبذول له متمكن من الإتمام متسكعاً و بالاستدانة أو غير ذلك.

و ثالثاً: نمنع وجوب إتمام العمل، لأنّ وجوبه مشروط حدوثاً و بقاءً بالاستطاعة، فلا وجوب مع زوال الاستطاعة، فلا يجب عليه الإتمام بل يجوز له رفع اليد عن الإحرام و الرجوع عن الحج، كما إذا سرق مال الاستطاعة.

الأمر الثاني: كما أن إذن المالك للشروع في الصلاة إذن للإتمام؛ لأن الإذن في الدخول في الصلاة الصحيحة مستلزم للإذن بإتمامها في ملك المالك؛ لأن الإذن في الشي ء إذن في

لوازمه كذلك بذل الباذل المال للشروع في الحج بذل للمبذول له و إذن له لإتمامه.

و فيه: أن البحث ليس في أن إذن المالك في الدخول في الصلاة في ملكه هل هو إذن لإتمامه فيه: حتي نحتاج إلي إثباته بأن الإذن في الشي ء إذن في لوازمه.

بل البحث في أن المالك بعد إذنه، بالدخول في الصلاة و إتمامها في ملكه هل يجوز له الرجوع من إذنه أم لا؟ فلا ارتباط لما نحن فيه بقاعدة الإذن في الشي ء إذن في لوازمه؛ لأن البحث عن القاعدة بحث في استلزام الإذن في الشي ء الإذن في لوازمه و تحقق الإذن في اللازم بتحقق الإذن في الملزوم.

و هنا بحث في جواز العدول عن الإذن سواء كان الإذن، في الشي ء أو في لوازمه، و سواء ثبت الإذن بالقاعدة المذكورة أو بدليل آخر.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 224

و هذا مثل رجوع المالك عن إذنه في البناء في ملكه فإنه عين الإذن في بقائه أو مستلزم له، إلا أنه له أن يرجع عن إذنه و يزيل البناء لقاعدة السلطنة، إلا إذا كان موجباً للضرر فالمرجع هو قاعدة الضرر الحاكمة علي قاعدة السلطنة.

و هل يجب علي المأذون إخلاء الارض لو طلب ذلك منه المالك؟ الظاهر عدم الوجوب؛ لأن إشغال الأرض كان بإذن المالك، و هذا مثل أن يأذن المالك غيره بنقل ماله إلي مكان آخر للانتفاع منه و رجوعه منه فإنه لا يجب للمأذون نقله إلي مكانه الأول.

الأمر الثالث: كما أنه ليس للمالك الذي أذن غيره في رهن ملكه أن يرجع عنه و لا أثر لرجوعه في فك الرهن كذلك لا أثر لرجوع المالك عن إذنه و بذله في الصلاة و الحج بعد الشروع في الصلاة

و بعد الإحرام.

و فيه: أنه فرق بينهما: فإن الرهن سواء كان العين ملكاً للراهن أو رهنها بإذن مالكه يوجب حقاً للمرتهن متعلقاً بالعين لا يؤثر رجوع الراهن أو المالك في إزالة ذلك الحق و سلطنة المرتهن عليه، بخلاف الإذن في التصرف و الإباحة فإنه لا يفيد حقاً للمأذون له علي المأذون فيه.

و وجه ذلك كما صرح به بعض أعاظم العصر: كون عقد الرهن المأذون فيه من المالك من الامور الغير قارّة التي تحدث و تنعدم فإذا حدث بإذن من له الإذن يحدث أثره و هو صيرورة العين رهناً لمال المرتهن، و هي توجد في عالم الاعتبار غير منوطة بالإذن، و المأذون فيه و هو العقد حدث و انعدم لا يقبل الانعدام برجوع المالك عن إذنه، بخلاف الرجوع إلي البذل فإن الرجوع فيه موجود يدوم بدوام الإذن و بقائه كحدوثه محتاج إلي بقاء الإذن. «1»

______________________________

(1)- راجع مستمسك العروة: 10/ 141.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 225

و بعبارةٍ اخري: ما هو الموضوع للإذن تارةً يكون أمراً حادثاً لا بقاء له و لا استمرار مثل العقد حتي يكون في البقاء محتاجاً إلي الإذن و ينعدم برجوع الآذن عن إذنه، و تارةً يكون أمراً صالحاً للبقاء و الاستمرار كالمال المبذول إباحة و التصرف في المكان، و مثله إذا كان موضوعاً للإذن يكون محتاجاً إليه في الحدوث و البقاء و قابلًا لرجوع المالك عن إذنه فيه، و عقد الرهن يكون من قبيل الأول لا محل لرجوع المالك فيه عن إذنه، و البذل و إباحة التصرف من الثاني يحتاج بقاؤه إلي بقاء إذن الباذل.

لا يقال: إنّ المأذون فيه في الرهن ليس العقد الصادر من الراهن و المرتهن فإن وجوده لا يحتاج إلي

إذن المالك، بل المأذون فيه يكون ما هو المسبب من عقد الرهن، أي صيرورة المال رهناً عند المرتهن و له البقاء في عالم الاعتبار، و هو يدور مدار بقاء إذن المالك.

فإنه يقال: إنّ صيرورة المال رهناً لا يتحقق إلّا بأن لا يكون للمالك الرجوع عن إذنه و لا يقبل الانعدام برجوعه، بخلاف ما نحن فيه فإن إباحة التصرف و الإذن فيه لا تتوقف علي أن لا يكون للمالك الرجوع عن إذنه تكليفاً أو وضعاً.

الأمر الرابع: التمسك بقاعدة الغرور، إلّا أنّ التمسّك بها لعدم جواز الرجوع إلي البذل ليس في محله، نعم للتمسك بها لضمان الباذل ما أنفق المبذول له لإتمام الحج إذا قلنا بإتمامه أو ما أنفقه قبل رجوعه عن البذل في ذهابه أو ما يلزم عليه من نفقة عوده وجه يأتي بيانه.

و قد ظهر بذلك كله عدم وجود ما يمنع من جواز رجوع الباذل إلي بذله بعد الإحرام.

الجهة الثالثة: بناءً علي جواز رجوع الباذل إلي بذله، هل يضمن للمبذول له مصاريف عوده إلي وطنه،

أو مصاريف إتمام حجه إن قلنا بوجوب إتمامه

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 226

بالشروع لإطلاق مثل قوله تعالي: «وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّٰهِ»؟ إن قلنا: إن المراد منه الأمر بإتمام الحج و العمرة لا أداؤهما بآدابهما و أجزائهما تامّاً لقاعدة الغرور و النبوي المرسل: «المغرور يرجع علي من غره» المنقول في بعض الكتب مثل الجواهر في كتاب الغصب، و حكي عن المحقق الثاني في حاشية الإرشاد و عن ابن الأثير في النهاية و إن لم نجده فيه، كما لم نجده في ما عندنا من المعاجم و فهارس كتب حديث الخاصة و العامة، و لعله كان من العمومات الملتقطة و قد التقط من طائفة من الروايات في موارد خاصة.

و كيف كان لا ريب في حجية القاعدة في

الجملة، و الظاهر أنه إذا كان الحال بحيث يعتمد العرف علي وعد الباذل و يصدق اغتراره بإباحته و إذنه إن رجع عنه يكون هو ضامناً لما يقع فيه المبذول له من الضرر و يصدق علي المتضرر عنوان المغرور.

و لكن مع ذلك في النفس شي ء من ذلك، لأنّ الظاهر من «غرّه» و «الغارّ» و «المغرور» هو ما إذا كان الغار عالماً بالضرر و العيب و دلّس علي المغرور و أخفاه عنه أو سكت، أو و إن لم يكن عالماً به كان المورد ضررياً حين إقدام الغار و المغرور.

و أما إذا لم يكن كذلك مثل الإذن في التصرف و إباحته ثمّ رجع الآذن بعد ذلك فليس من هذه الأمثلة بشي ء، و لا تشمله قاعدة الغرور، اللهم إلا أن يدّعي بناء العرف و العقلاء في مثل ذلك علي ضمان الآذن للمأذون له، و حيث لم يردع الشارع منه فهو المتبع.

فإن قلت: فلما ذا لم نَدّعِ بناء العقلاء علي عدم جواز الرجوع عن الإذن في مثل ذلك؟

قلت: هذا الارتكاز العقلائي إنما يكون لعدم قبولهم وقوع المبذول له في الضرر، و أما عدم جواز رجوع الباذل في ماله فلا بناء لهم عليه لكونه ناقضاً

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 227

لسلطنته علي ماله، فعلي هذا كله الأقوي هو وجوب تدارك ضرر المبذول له علي الباذل الراجع عن إذنه.

بيان في قاعدة الغرور

اعلم: أن الغرور هو انخداع الشخص عن آخر بترغيبه ذلك الشخص إلي فعل يترتب عليه الضرر. و التغرير هو ترغيب الغير إلي الفعل المذكور، و القدر المتيقن منه الذي تشمله القاعدة هو صورة علم المرغِّب بالحال و جهل المنخدع بذلك.

و أما صدق الغرور و التغرير علي صورة جهلهما بذلك فالإشكال فيه ينشأ من عدم

صدق عنوان التغرير و الخدع و الغار علي فعل المرغب الجاهل و علي نفسه سيما إذا كان مشتهياً و مريداً لإيصال النفع إلي الآخر.

و اجيب عنه: بأنّ صدق عناوين الأفعال عليها إذا لم تكن قصدية لا يتوقف علي قصدها، فإذا ضرب أو أكل أو مشي أو تكلم يصدق علي فعله عنوان الضرب و الأكل و المشي و التكلم و إن لم يقصدها و صدرت منه غافلًا و ناسياً، و لذا قالوا: إن الطبيب ضامن و إن كان حاذقاً، فإذا كان الحال علي نحو يعتمد في العرف علي ترغيب الشخص مثل الطبيب يكون المرغب هو دافع الفاعل إلي الضرر و موقعه فيه و إن كان جاهلًا بترتب الضرر علي الفعل، فعلي هذا يكون مثله داخلًا في عنوان الغار و يصدق علي ترغيبه التغرير.

هذا بحسب الموضوع، فالمرغب الجاهل بالضرر غار، كما أن العالم به غار، إلّا أن كون الأول ضامناً للمغرور كالثاني يدور مدار شمول ما يدل علي القاعدة له، و ذلك يختلف باختلاف المباني و ما يستند إليه للقاعدة.

فإن كان الدليل لإثبات الحكم و ضمان الغار ما عبر عنه بعضهم بالنبوي و هو

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 228

«أنّ «المغرور يرجع علي من غره» فهو يشمل صورة جهل الغار كما يشمل صورة علمه به إلّا أنّه راجعنا ما عندنا من المعاجم و فهارس كتب حديث العامة و الخاصة فلم نجده في واحد منها.

نعم، في مورد من الجواهر «1» ذكره بقوله: بل لعل قوله عليه السلام: «المغرور يرجع علي من غره» ظاهر في ذلك، و لا يستفاد من كلامه أنه من النبويات أو غيرها، و حكي عن ابن الأثير في النهاية و لم نجده فيه، كما حكي عن

المحقق الثاني في حاشية الإرشاد و لعله كان من العمومات الملتقطة من الروايات.

و إن كان المدرك لها الإجماع فهو علي تقدير حجيته و كونه إجماعاً تعبدياً لا يحتج به إلا فيما هو القدر المتيقن منه و هو صورة علم الغار.

و إن كان الدليل هو الأخبار فهي ظاهرة فيما إذا كان الغار عالماً بالضرر، مثل ما ورد في باب تدليس المرأة و رجوع المحكوم عليه إلي شاهد الزور.

و إن كان المدرك أن الغار أتلف علي المغرور ما خسر و تضرر، و أنه هو السبب لوقوع المغرور في الضرر لكونه أقوي من المباشر فعليه و إن كان خرج القاعدة عن كونها قاعدة مستقلة و تدخل في قاعدة «من أتلف» تشمل الغار الجاهل بوقوع الضرر علي المغرور إذا كان هو عند العرف أقوي من المباشر مثل الطبيب و المريض.

و إن كان الدليل علي القاعدة سيرة العقلاء و استقرارها علي تضمين الغار إذا تضرر بفعله المغرور الجاهل فالظاهر أنه لا فرق في ذلك عندهم بين الغار العالم و الجاهل، و لذا يرجعون إلي من بايع مالا اشتراه من غير مالكه و إن كان جاهلًا بالحال، و علي هذا فالأقوي بحسب النظر ضمان الغار سواء كان عالماً بالضرر أو

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 37/ 145.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 229

جاهلًا به إذا كان المغرور جاهلًا.

و أما الكلام في المقام و أنه هل يكون رجوع الباذل عن إذنه تحت هذه القاعدة و يكون هو كالغار أم لا؟ من جهة أن ترغيب الغير إلي فعل يترتب عليه الغرر يكون تغريراً إذا كان الفعل ملازماً لذلك ضررياً علي الفاعل فيرجع المغرور إلي الغار إن كان جاهلًا بالحال.

و أما الترغيب و الإذن إلي فعل لا يلازمه

يترتب الضرر عليه، بل يكون بحيث قد يترتب عليه الضرر و قد لا يترتب ليس من التغرير إليه بشي ء، مضافاً إلي أن الإذن في التصرف و إباحته ليس الترغيب إليه.

و الحاصل: أنّ الباذل لا يضمن ما يتضرر المبذول له من رجوعه إلي بذله، فهل تري أنه إذا بذل له الراحلة فتلفت بعد الإحرام و وقع هو فيه في مئونة العود أو إتمام الحج يجب علي الباذل تدارك ضرره؟ فما الفرق بين هذه الصورة و بين ما إذا احتاج هو بنفسه إلي بذله و رجع عن إذنه؟ و بالجملة: فلم يقع هنا تدليس و إخفاء أمر عليه أو السكوت عنه. هذا، و لكن ادعي بعض الأعاظم استقرار سيرة العقلاء علي الرجوع إلي الباذل و ضمانه ضرر المبذول له. «1»

هذا، و يمكن أن يتمسك لإثبات الضمان علي الباذل بقاعدة التسبيب و كون السبب أقوي من المباشر؛ و ذلك لأن الذي يعرض الحج علي المعروض عليه يوقعه في محذور وجوب الحج و ينجز عليه وجوبه فلا بد له إلا الحج، فلو رجع عما بذله يكون هو السبب لما يرد عليه من الضرر، و لا ريب أنه في الفرض أقوي من المباشر لأنه لا بد له إلا الأخذ بإذن الباذل و إباحته، و ليس له مع الحكم الشرعي اختيار في ترك الأخذ بالبذل، فلو وقع في خسارة و ضرر يكون الضامن له الباذل فهو أوقعه

______________________________

(1)- معتمد العروة: 1/ 179

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 230

في الضرر و يجب عليه تداركه، و علي هذا كله فالأقوي وجوب تدارك ضرر المبذول له علي الباذل الراجع عن إذنه. و اللّٰه تعالي شأنه هو العالم.

[مسألة 65] إذا كان البذل عن غير واحد

مسألة 65- لا ريب في أنه لا فرق في

وجوب الحج بالبذل و حصول الاستطاعة به بين ما إذا كان الباذل واحداً أو أكثر و لا بين كون البذل ملكاً لواحد أو أكثر إذا كان جميع المالكين باذلين له لصدق العرض و حصول الاستطاعة.

و أما إذا بذل الحج لأكثر، من واحد فتارةً يبذله لأحد اثنين أو أكثر كما عنون به المسألة في العروة، و تارةً يعرض لاثنين بإباحة التصرف لهما في ماله أو سيارته.

فالبحث يقع علي صورتين:

أما الصورة الاولي و هي أن يبذل حجة واحدة لأحد اثنين أو ثلاثة …

فقد اختلفت فيها الأنظار:

فاختار السيد في العروة و بعض المحشِّين- عليهم الرحمة- وجوب الحج كفايةً، فلو تركه الجميع استقر عليهم. و اختار بعضهم لغوية هذا البذل. كما منع الوجوب سيدنا الاستاذ الأعظم البروجردي قدس سره. و تأمل البعض في الوجوب. و أفتي سيدنا الاستاذ الفقيه الكُلپايكاني رحمه الله بوجوب الحج علي كل واحد منهم مع القطع بإعراض غيره من المعروض عليهم و عدم مزاحمتهم له لكنه حينئذ يتعين عليه.

و قال الفقيه الكبير السيد الحكيم أعلي اللّٰه مقامه: (المستفاد من النصوص أن

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 231

الاستطاعة نوعان ملكية و بذلية و كلتاهما في المقام غير حاصلة الي آخره «1»).

و الظاهر أن من اختار الوجوب عليهم كفايةً أراد من الوجوب الكفائي هنا، و وجهه: أن الاستطاعة تتحصل لكل واحد منهم بترك الآخرين، فإن تركه الجميع استقر علي الجميع الحج، و إن أتي به واحد منهم يسقط عن الجميع. و قريب من ذلك أو عينه ما اختاره السيد الكُلپايكاني قدس سره.

و علي هذا فيمكن أن يقال: إنه و إن لم يصدق علي مثل هذا البذل العرض المذكور في الأخبار إلا أنه في حصول الاستطاعة به لا فرق

بينه و بين عرض الحج لشخص معين إذا لم يأخذ به واحد منهم.

و أما وجه قول من منع الوجوب: أن ما في الأخبار و به يتحقق الاستطاعة و العرض هو عرض الحج و البذل لشخص معين، و أما البذل لأحد اثنين لا يكون منه و لا تحصل به الاستطاعة، و حصول الاستطاعة لكل واحد منهم إذا تركه الآخرون أمر آخر ليس من عرض الحج الذي يجب بمجرده الحج، إذ لم يمكن لكل واحد منهما الحج به، و الواحد المردد بينهما لا وجود له في الخارج، و كما لا يحصل العرض بذلك لا تحصل الاستطاعة به، فعلي هذا منعهم عن الوجوب في محله لاشتراط الوجوب بالاستطاعة المالية أو البذلية، و كلتاهما- كما أفاد في المستمسك- غير حاصلة، فلا يقاس المقام بالتيمم فإن القدرة علي الماء حصلت لكل واحد منهم إذا لم يزاحمه الآخرون، نعم إن تسابقوا و سبق واحد منهم بطل تيمّمه دون غيره.

لكن فيه: أنّ هذا صحيح لو لوحظت المسألة علي النحو الذي عنونت في العروة، و أما إن قلنا بحصول الاستطاعة للجميع إذا كان كلهم تاركين للأخذ بالبذل فقياسها بباب التيمم في محله نعم، فرق بين ما نحن فيه و بين باب التيمم بأنّ في المقام

______________________________

(1)- مستمسك العروة: 10/ 146.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 232

لا يجب التسابق و السبق إلي أخذ البذل بالتسابق و الغلبة علي الآخرين؛ لأن الاستطاعة مشروطة بترك الآخرين، و أما في باب التيمم يجب السبق إلي أخذ الماء إن كان متمكناً منه بالغلبة و التسابق.

هذا، و قد صار بعض الأعاظم قدس سره بصدد تصحيح كفاية هذا البذل لوجوب الحج فقال: «إن البذل للجامع بما هو جامع و إن كان لا

معني له لعدم إمكان تصرف الجامع في المال و إنما التصرف يتحقق بالنسبة إلي الشخص إلا أن البذل في المقام يرجع في الحقيقة إلي البذل إلي كل شخص منهما أو منهم غاية الأمر مشروط بعدم أخذ الآخر لعدم الترجيح في الفردين المتساويين» «1» إلي آخر كلامه.

و فيه: أنّا لم نفهم معنيً محصلًا لهذا البذل و الإذن في التصرف و العرض بأن يقول: مباح لك التصرف فيه، و إن لم تتصرف فيه فصاحبك مباح له التصرف فيه أيضاً.

و بعبارةٍ اخري: يكون جواز تصرف أحدهما فيه مشروطاً بعدم التصرف الجائز من الآخر فيه، و جواز تصرف الآخر مشروط بعدم التصرف الجائز من الآخر، و هذا شبيه بالدور إن لم يكن عينه، فتأمَّل.

و علي هذا فالأقوي هو ما اختاره السيد من الوجوب الكفائي بالمعني الذي فصّلناه، لا من جهة صدق العرض عليه، بل من جهة حصول الاستطاعة كما مَرّ.

و أما الصورة الثانية فإباحة التصرف لكل واحد منهما أو منهم و إن كان يتحقّق بها بذل المال للحج و إباحة التصرف للجميع إلا أنها أيضاً ليست من العرض الذي يجب الحج به، لأن تصرف كل واحد من الأفراد منوط بترك الآخرين.

نعم، تتحقق الاستطاعة لكل واحد منهم إذا تركه الآخرون فإن أتي به واحد

______________________________

(1)- راجع معتمد العروة: 1/ 181.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 233

منهم يسقط عن الآخرين، و إلا فيستقر علي الجميع.

[مسألة 66] إذا بذل لأحد اثنين أو أكثر
اشارة

مسألة 66- قال في العروة: (إذا بذل لأحد اثنين أو ثلاثة فالظاهر الوجوب عليهم كفاية فلو ترك الجميع استقر عليهم الحج فيجب علي الكل لصدق الاستطاعة بالنسبة إلي الكل نظير ما إذا وجد المتيممون ماءً يكفي لواحد منهم فإن تيمم الجميع يبطل).

أقول: يمكن تحرير المسألة بأن نقول: إن

كان المراد من البذل لأحد اثنين أن يبيح لهما أو يأذن لهما التصرف في البذل و إنما عبر بذلك لعدم كفاية البذل إلا لحج واحد فهذا معقول يتحقق لهما ذلك، إلا أن حصول الاستطاعة يتحقق لمن يتمكن من التصرف فيه قبل الآخر، فإن هو ترك التصرف حتي أخذ به الآخر يستقربه الحج و يجزي عن الآخر الذي حج به، و إن كان نسبتهما إليه علي السواء.

فيمكن أن يقال: إن حصول الاستطاعة لكلٍّ منهما مشروط بترك الآخر، فإن تركه أحدهما للآخر يحصل له الاستطاعة دونه، و إن تركه كل واحد منهما فالحج يستقر علي كليهما لحصول الاستطاعة لكل واحد منهما، و عدم إمكان إتيان كل واحد منهما بالحج بذلك البذل لا ينافي حصول الاستطاعة لهما في صورة ترك كلٍّ منهما له.

نعم، لا يتم البذل إذا كان بالهبة لهما للحج و إن قلنا بوجوب قبولها و تحقق الاستطاعة بها لرجوعه هنا إلي الهبة لغير المعيَّن؛ لأن الهبة لهما لا تكفي لإحجاج كلٍّ منهما، و غير المعيَّن منهما لا وجود له في الخارج، و علي هذا يمكن أن يحمل فتوي من أفتي بوجوب الحج عليهما كفايةً علي هذا المعني.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 234

و إن كان مراده البذل لأحد منهما أو منهم مبهماً و لا علي المتعين فالظاهر أنه لا يجب به علي واحد منهما الحج؛ لعدم حصول الاستطاعة له بذلك، فلا يترتب عليه أثر، سواء كان المراد من البذل الإذن في التصرف و الإباحة أو الهبة، فكما أنه لو وهب أحداً من اثنين مالًا ليحج به لا يتحقق الهبة بذلك و إن قبلاها جميعاً؛ للزوم كون المتهب معيَّناً في الخارج موجوداً في تحقق الهبة، و الواحد من

الاثنين لا تعين له و لا وجود له في الخارج، كذلك لا يتحقق البذل بالإذن و إباحة التصرف لواحد من الاثنين مبهماً.

و لعلّه إلي هذا نظر من ذهب إلي لغوية هذا البذل و عدم ترتب أثر عليه و منع وجوب الحج به، و من قال: إنه ليس من الاستطاعة المالية أو البذلية.

و أما تنظير المسألة بباب التيمم فيتم علي تحرير المسألة بالصورة الاولي. نعم، فرق بين ما نحن فيه و بين باب التيمم، فإن في المقام لا يجب التسابق و السبق إلي أخذ البذل بالغلبة علي الآخر؛ لأن الاستطاعة مشروطة بترك الآخر، و أما في باب التيمم يجب السبق إلي أخذ الماء إن كان متمكناً منه بالتسابق.

و أما علي تحرير المسألة بالصورة الثانية فلا وجه لتنظيرها بمسألة التيمم، كما لا يخفي.

ثمّ إنّ بعض الأعاظم قدس سره أفاد في المقام: (أن البذل للجامع بما هو جامع و إن كان لا معني له لعدم إمكان تصرف الجامع في المال و لكنّ البذل في المقام في الحقيقة يرجع إلي البذل إلي كل شخص منهم، غاية الأمر مشروط بعدم أخذ الآخر، فمعني البذل إليهم تخييراً أن من أخذ المال منكم يجب عليه الحج و لا يجب علي الآخر، و أما إذا لم يأخذه واحد منهم فالشرط حاصل في كل منهم فيستقر عليهم الحج) «1».

______________________________

(1)- معتمد العروة: 1/ 181.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 235

و فيه: أنّا لم نتحصّل معنيً لتعليق البذل لكل واحد منهم بعدم أخذ الآخرين المال المبذول؛ لأن ترك الآخرين أخذ المال المبذول لهم متوقف علي صيرورته مبذولًا للجميع، لا لكونه لكل واحد منهم مشروطاً بترك الآخرين.

و أيضاً يمكن أن يقال: إن هذا من أخذ ما هو المتأخر

عن الشي ء في الشي ء؛ لأن ترك البذل من الآخر رتبة متأخرة عن البذل فكيف يجعل تركه شرطاً لتحقق البذل الذي حصل للجميع ببذل واحد؟

لا يقال: إنّ البذل لكل واحد منهم ليس مشروطاً بأخذه أو تركه به حتي يستلزم ما ذكر.

فإنه يقال: نعم، و لكنّ البذل للجميع كالبذل لواحدٍ و إنشاءٍ واحدٍ بلفظٍ واحدٍ، و في مثله و إن قلنا بانحلاله له بالبذل لكل واحد منهم إلّا أنّ جعله مشروطاً لكل واحد منهم بترك الآخرين الأخذ به لا يستقيم في كلام واحد و إنشاء واحد، فتأمل، و الأمر بعد ما حققناه في تحرير المسألة سهل لا غبار عليه. و اللّٰه هو العالم.

فروع:
الأول: لو كان المكلف مالكاً لما يفي بالحج الاضطراري و لا يفي بالاختياري،

مثل أن كان مالكاً لنفقة الذهاب و الإياب و نفقته و نفقة عائلته و الرجوع إلي الكفاية و لكن لا يفي ما عنده بثمن الهدي الذي بدله لمن لا يجد الصيام فهل تحصل له الاستطاعة بذلك و يجب عليه الحج و يجزيه عن حجة الإسلام، أم لا؟

مقتضي الأصل في صورة الشك عدم الوجوب، كما أنه لو حج و حصل له الاستطاعة للحج الاختياري الأصل أيضاً عدم الوجوب. لكن يمكن أن يقال: إنه كما يكون واجد ثمن الهدي مستطيعاً للحج يكون فاقده الواجد لسائر النفقات أيضاً مستطيعاً له. كما أن من لم يكن قادراً علي كل ماله بدل في الحج يكون مستطيعاً له

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 236

و يجب عليه حجة الإسلام.

و علي هذا يكفي لبذل الحج بذل ما يفي بنفقاته غير ثمن الهدي فيتحقق البذل بدونه، و لو بذله يجوز له الرجوع إليه و لا يضمنه.

و يمكن أن يقال: إنّ الاستطاعة المالية للحج المشروط بها وجوبه هي الاستطاعة للحج الاختياري، و هي لا تتحصل

إلا بكونه واجداً لجميع نفقاته التي منها ثمن الهدي، و لا يقاس ذلك بغيره مما له البدل فلا تتحقق الاستطاعة البذلية إذا لم يكن ثمن الهدي مبذولًا به.

فإن قلت: فعلي هذا يسقط عن الاستطاعة إن فقد ثمن الهدي في أثناء الحج فلا يكون حجه مجزياً عن حجة الإسلام.

قلت: نعم، هذا علي طبق القاعدة، و لكن يدل علي إجزائه عن حجة الإسلام و وقوعه كذلك قوله تعالي: «فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيٰامُ ثَلٰاثَةِ أَيّٰامٍ فِي الْحَجِّ وَ سَبْعَةٍ إِذٰا رَجَعْتُمْ» فإنه يدل علي انتقال الوظيفة إلي الصيام إذا لم يجد الهدي في الأثناء.

و لعلّ هذا هو الأظهر، و يدل عليه بعض ما في الروايات من قولهم عليهم السلام:

«يجد ما يحج به» من التعبيرات الدالة علي اعتبار ما يفي بجميع مصارف الحج التي منها ثمن الهدي في حصول الاستطاعة.

الثاني: لو بذل لمن عنده بعض نفقات الحج ما يتم به استطاعته،

كما لو بذل لمن كان واجداً لثمن الهدي سائر نفقاته أو بالعكس يجب عليه الحج، فإنه لا فرق في وجوب الحج بالاستطاعة المالية و البذلية بين حصولها بهما مستقلة أو ملفقة منهما.

الثالث: لو وجب البذل عليه بالنذر و شبهه يجب عليه بذل ثمن الهدي أيضاً،

سواء كان المبذول له واجداً له أم لا.

الرابع: يجوز للباذل الرجوع إلي ثمن الهدي

كما مر جوازه في سائر نفقات الحج، و هل يضمن به للمبذول له شيئاً و يشتغل ذمته له؟ الظاهر عدم كون شي ء عليه

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 237

له؛ لأن المبذول له بعد رجوع الباذل إلي ثمن الهدي ينتقل وظيفته إلي الصيام فلا يتضرر بذلك حتي يكون عليه تداركه.

الخامس: لو أتي المبذول له عمداً بما هو المحظور علي المحرم مما يوجب الكفارة

فلا شك في أنها ليست علي الباذل؛ لعدم استلزام بذله بذل ذلك.

و أما لو صدر منه بعض المحظورات خطأً فإن كان مما ليس في ارتكابه خطأً كفارة فلا كلام فيه كأكثر المحظورات.

و إن كان مما لا فرق في تعلق الكفارة به بين ارتكابه عمداً أو خطأً مثل الصيد فيمكن أن يقال: إنه علي الباذل؛ لأنه هو الذي أوقعه في هذا الخطأ، أو كفارته ببذله الحج له و إيجابه عليه و سبب اختياره في تركه، و لذا يضمنه ما وقع فيه من الضرر، سواء رجع عن إذنه في الأثناء أم لم يرجع، و من جملة ذلك كفارة الخطأ، فوقوعه في ارتكاب الصيد خطأً كان بتسبيب الباذل و مستنداً إليه، و هو أقوي من المباشر في ذلك، فيضمن ما تعلق به من الكفارة لو لم نقل: إنّها من أول الأمر تتعلق بالباذل.

و يمكن أن يقال: إنها ليست علي الباذل كصورة العمد، و ليس ضمانه من البذل بشي ء، و الباذل إنما يبذل نفقات الحج و أداء الكفارة، بل ترك ما يوجبها ليست من أجزاء الحج و لا يتوقف وقوع الحج بأدائها و لا حصول الاستطاعة بتمكنه له، فهي علي المبذول له إن كان متمكناً من أدائها يؤديها، و إلّا فليس عليه شي ء.

[مسألة 67] نوع الحج الواجب بالبذل

مسألة 67- لا يجب بالبذل علي المبذول له إلا الحج الذي يجب عليه علي تقدير حصول الاستطاعة المالية له.

فلو بذل للآفاقي الذي يجب عليه حج التمتع حج القران أو الإفراد أو العمرة المفردة لا يجب عليه واحد منها، و كذا إن بذل للمكي لحج التمتع لا يجب عليه، نعم إن

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 238

بذل له ما يكفيه للحج بأنواعه و أطلق يستطيع به و يجب

عليه حجه الذي هو وظيفته.

[مسألة 68] البذل لمن استقر عليه الحج

مسألة 68- لو استقر عليه الحج و وجب عليه الإتيان به و لو متسكعاً لا يجب عليه قبول البذل لو كان قادراً علي أدائه بالتكلف و التسكع.

و ذلك لأن وجوبه بعد استقراره عليه ليس مشروطاً بقدرة خاصة مثل أن يكون له زاد و راحلة، بل يكفي في وجوبه القدرة العقلية، و هي حاصلة إذا كان قادراً علي أدائه متسكعاً.

نعم، لو كان عاجزاً عنه يجب عليه القبول، لا لأن ما دل علي وجوب الحج بالبذل يشمله فإنه يدل علي وجوب الحج ببذلٍ خاصٍّ تحصل به الاستطاعة الخاصة المشروط بها وجوب الحج، بل لأن المعتبر في وجوب الحج علي من استقر عليه ليس إلا القدرة العقلية، و هي تحصل له ببذل ما يجعله قادراً عقلًا علي أداء الحج و إن كان أقل من البذل المعتبر في الاستطاعة البذلية، فلو كان ذلك الشخص- مثلًا عاجزاً عن المشي و لكن يقدر علي أداء الحج بالمشي و الركوب و بذل له الركوب بمقدار يتمكن به من الحج ماشياً و راكباً يجب عليه القبول، و كذا لو أمكن له تحصيل القدرة العقلية بالكسب و بقبول الهبة و لو كانت مطلقة و بغير ذلك يجب عليه.

و بالجملة: فالاستطاعة الخاصة التي يعبَّر عنها بالاستطاعة الشرعية إنما تعتبر في حجة الإسلام لمن لم يستقر عليه الحج، أما في غيرها من الحجج الواجبة فلا يعتبر فيها إلا القدرة العقلية، و لذا لا فرق فيما ذكر بين الحج المستقر عليه و بين الحج المنذور و الواجب بالعهد و اليمين و غيرها. نعم، في الحج المنذور و ما يشابهه لو كان النذر مشروطاً بحصول الاستطاعة المشروط بها حجة الإسلام لا يجب الوفاء

بالنذر إلا

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 239

بعد حصولها له.

[مسألة 69] إذا بذل و خيره بين الحج و زيارة الحسين عليه السلام

مسألة 69- قال في العروة: (إذا قال له: بذلت لك هذا المال مخيراً بين أن تحج به أو تزور الحسين عليه السلام وجب عليه الحج).

أقول: قد أحال بعض المحشِّين من الأعاظم البحث في هذه المسألة بما أفاده في المسألة السابعة و الثلاثين، فقال: (تقدم الكلام في ذلك في المسألة السابعة و الثلاثين فلا نعيد) «1»، و مراده ما ذكره فيما إذا وهبه ما يكفيه للحج و خيره بين أن يحج به أوْ لا، قال: (و أما القول بوجوب القبول علي تقدير الهبة مع التخيير بين الحج و غيره فهو مبني علي دعوي صدق الاستطاعة حينئذٍ، فإن عرض شي ء آخر لا يضر بصدق عرض الحج لأن عرض الحج؛ غير مشروط بعدم عرض غيره، إذ لا معني لعرض الحج إلا بذل مال يفي للحج، و التعيين لا خصوصية له. و لكن الظاهر عدم صحة ذلك، فإن التخيير يرجع إلي أن بذله للحج مشروط بعدم صرفه المبذول في جهة اخري أو الإبقاء عنده، و لا يجب علي المبذول له تحصيل الشرط. و إن شئت قلت: إن موضوع الوجوب هو البذل للحج و الهبة مع التخيير المزبور بذل للجامع بين الحج و غيره، و البذل للجامع لا يكون بذلًا للحج بشخصه، و إلّا، وجب القبول في الهبة المطلقة أيضاً فإنها لا تنفك عن التخيير في صرف الموهوب في الحج أو غيره) «2».

أقول: أما في المسألة المحال عليها ففيما أفاده فيها: أن عدم صدق عرض الحج

______________________________

(1)- معتمد العروة: 1/ 187.

(2)- المصدر السابق: 168.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 240

المذكور في الروايات علي الهبة و البذل المذكور ليس لأنه ليس بذلًا للحج بشخصه،

و إنما هو بذل للجامع بين الحج و غيره، بل لأنه ليس هبة و لا بذلًا لأمرٍ ما، لا الحج و لا الجامع بينه و بين غيره، بل هي هبة مطلقة، أو إباحة التصرف في المال تحصل بها ملكية المتهب للموهوب، و إباحة التصرف للمباح له لا يفيد قيداً و لا شرطاً بحيث لو لم يكن القيد و الشرط لا يوجد المقيد و المشروط به، فلا غاية و لا شرط للهبة و الإذن و الإباحة إلا ما يفيد نفس الهبة و الإباحة، بخلاف ما إذا وهبه أو أباحه له لأمر خاص كالحج أو لأمرين مثل الحج و الزيارة فعلي هذا حصول الاستطاعة بذلك البذل سواء تحقق بالهبة أو بإباحة التصرف مشروط بشروط تحصل بها الاستطاعة المالية دون البذلية، و ليس بذلًا للحج لما ذكرناه، لا لما أفاده أعلي اللّٰه مقامه.

و أما في مسألتنا هذه فمعني التخيير في صرف المال المبذول أو الموهوب في الحج أو زيارة مولانا سيد الشهداء- روحي لتراب روضته الفداء- اشتراط عدم صرفه في غيرهما فمباح له صرفه في أي منهما، و به يحصل للمبذول له استطاعة ليست من الاستطاعة البذلية المصطلحة، إلا أنها شبيهة بها، فهي استطاعة مالية لا يعتبر فيها وجود نفقة العيال و ما يرجع به إلي الكفاية علي ما فصلناه في الاستطاعة البذلية.

[مسألة 70] البذل للملِّي المستطيع

مسألة 70- لا ريب في أن البذل للملِّي المستطيع الذي لم يحج حجة الإسلام لا يترتب عليه أثر إلّا جواز تصرف المبذول له في المال المبذول به، فإن رجع الباذل إلي بذله لا يترتب عليه أثر من ضمان الباذل.

نعم، إن بذل لمن حج حجة الإسلام سواء كان ملياً أو فقيراً للإتيان بالحج

فقه الحج (للصافي)، ج 1،

ص: 241

المندوب و رجع إليه بعد الإحرام فهل يضمن الضرر الوارد علي المبذول له؟

الظاهر عدم ثبوته عليه حتي علي قاعدة الغرور، و القول بشمولها لإذن الجاهل بترتب الضرر؛ لأنه أعم من أن يكون المأذون فيه ضررياً عند الإذن أو لم يكن كذلك و حصل بعد ذلك، و ما نحن فيه من القسم الذي ليس ضررياً عند البذل، و التمسك بالتسبيب هنا لا يثبت الضمان؛ لعدم حصوله من الباذل بعد ما كان المبذول له بالخيار في الأخذ بالبذل لعدم وجوب الأخذ بالبذل عليه، فلا يقاس المستطيع بالاستطاعة البذلية الذي يجب عليه الحج بالبذل، فليس هنا إلّا الوعد، اللهمّ إلّا أن يكون الوعد و الإذن مقروناً بما يفيد الاطمينان بعدم رجوعه إلي البذل حتي يقال بتحقق السيرة العقلائية علي ضمان الباذل في مثل ذلك.

[مسألة 71] رجوع الباذل عن بذله في أثناء الحج

مسألة 71- لو رجع الباذل عن بذله في الأثناء فإن رجع قبل أن يحرم المبذول له فوجوب الحج علي المبذول له موقوف علي كونه بالفعل مستطيعاً، سواء كان له المال من أول الأمر أو تجدد له بالفعل.

و إذا لم يكن مستطيعاً لا يجب عليه الحج، و ليس علي الباذل ضمان من ذلك إلّا ضمان مصارف عوده إلي بلده إن بذل له الحج منه و هو خرج مريداً للحج منه.

و إن رجع بعد إحرام المبذول له فإن كان متمكناً في مكانه من إتمام الحج و الإتيان بما بقي منه لأجل مال كان له في ذلك المكان فرجوع الباذل فيما بذله لا يكشف عن عدم استطاعة المبذول له؛ لحصولها بما صرفه من البذل إلي مكان الرجوع عنه و بما عنده من المال إلي تمام الأعمال، و إن كان جاهلًا به عند الإحرام فلا يكون الباذل

الراجع ضامناً له لما يصرفه لإتمام الأعمال.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 242

و أما إن تجدد له حصول المال في هذا المكان أو بذل له للإتمام شخص آخر فهل يجب عليه الإتمام و يجزيه ذلك عن حجة الإسلام؟ يمكن أن يقال بالإجزاء في هذه الصورة أيضاً؛ لأنه في علم اللّٰه تعالي كان مستطيعاً للحج، و هو كمن أحرم لحج الإسلام بظن وجود مالٍ له في مكان خاصٍّ ثمّ تبين عدم وجوده و لكن ظهر له وجود مال آخر له في مكان آخر فلا يبطل إحرامه، و لا يكشف ذلك عن عدم استطاعته لكونه في الواقع مستطيعاً.

و الحاصل: أنّ الاستطاعة التدريجية كافية لوجوب الحج و إن اشتبه الأمر علي المستطيع و ظنها استطاعةً فعلية.

[مسألة 72] إذا بذل له و خيّره بين الحج و عدمه

مسألة 72- إذا بذل له مالًا و خيره بين أن يحج أولا، فإما أن يكون ذلك بهبته إياه لأن يحج به أوْ لا بناءً علي القول بتحقق عرض الحج بهبة ما يكفيه للحج به. فهذا يتصور علي وجهين:

لأنه إمّا يبذله و يهبه له و يخيره بين أن يحج به أو يفعل فيه ما يشاء من صرفه فيما يريد أو إبقائه عنده، فالظاهر أنه لا فرق بينه و بين الهبة المطلقة، فلا يحصل له به الاستطاعة، و لا يجب عليه القبول لأنه تحصيل الاستطاعة، فالهبة بهذه الكيفية لا شي ء فيها أزيد من الهبة المطلقة، و لا خصوصية لها إلا ذكر إمكان صرفه في الحج كإمكانه في سائر الموارد أمر حاصل في الهبة المطلقة أيضاً، و مثل هذا ليس من عرض الحج شي ء.

و إمّا يبذله و يخيره بين جعله نفقةً للحج أو جعله في سائر نفقاته بحيث لا يكون له إمساكه و إبقاؤه عنده، ففي

هذه الصورة ربما يقال بصدق العرض و البذل و وجوب

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 243

القبول و الحج به؛ لأن صدق عرض الحج عليه ليس مشروطاً بعدم عرضه لأمر آخر.

و فيه: منع صدق العرض و البذل إذا لم يكن مختصاً بالحج، فلا يصدق عرض الحج عليه، و لا تحصل الاستطاعة و إن قبل الهبة إلّا إذا لم يكن محتاجاً إلي صرفه في نفقاته. هذا، مضافاً إلي أن هذا التمليك و الهبة بذل و تمليك لأجل الجامع بين الحج و غيره، و هو ليس بذلًا للحج فلا يجب علي المتهب القبول و إن قلنا بوجوبه في الهبة للحج الشخصي.

و يجري الكلام علي مثل هذا فيما إذا وهبه للحج أو لزيارة مولانا سيد الشهداء- أرواحنا لتراب روضته الفداء- لأنه أيضاً ليس بذلًا وهبة تعييناً لخصوص الحج، بل بذل للجامع بين الحج و الزيارة لا للحج بشخصه للزيارة، بشخصها، و ما يجب به القبول هو العرض و البذل للحج بشخصه.

نعم، في الصورة الاولي و إن قبل الهبة لا يجب عليه الحج، و في الثانية إذا قبل يجب عليه لحصول الاستطاعة به، اللهمّ إلّا أن يقال: إنّه حيث ينتهي مثل هذه الهبة إلي وجوب صرف الموهوب في الحج بعد القبول تحصل الاستطاعة بها و يجب قبولها لأنه بمنزلة البذل للحج، و إما أن يكون بذله المال بالتخيير المذكور علي وجه الإذن في التصرف و إباحته علي المبذول له.

فإن كان ذلك بالتخيير له التصرف فيه للحج و لما يشاء من غيره فلا يجب به الحج؛ لعدم حصول الاستطاعة به إذا كان هو محتاجاً إلي التصرف في المبذول لنفقاته اللازمة كالاستطاعة الملكية.

نعم، تحصل له الاستطاعة إن كان واجداً لتلك النفقات، فوجوب الحج

عليه بهذه الاستطاعة الإذنية يكون شبيهاً بوجوبه بالاستطاعة الملكية يعتبر فيها كونه واجداً لسائر نفقاته، و مع عدم كونه واجداً لها لا يجب عليه، بخلاف ما نعبر عنه

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 244

بالاستطاعة البذلية فإنه يجب عليه الحج مطلقاً و إن لم يكن واجداً لهذه النفقات.

و إن كان الإذن في التصرف مقصوراً بالتصرف في المال للحج أو الزيارة فهو و إن كان الإذن للتصرف الجامع بين الحج و الزيارة و ليس عرضاً للحج بخصوصه إلّا أنه يجب به الحج علي وزان الحج البذلي، و إن لم يكن واجداً للنفقات التي لا تحصل له الاستطاعة المالية مع كونه فاقداً لها.

هذا، و قد ظهر من ذلك الفرق بين ما إذا كان عرض الحج و بذل نفقته بالهبة أو بالإذن في التصرف، و الفرق بين الإذن في التصرف للحج و لغيره من التصرفات و بين قصر الإذن بخصوص الحج و الزيارة، فتأمّل. و اللّٰه تعالي هو العالم بأحكامه.

[مسألة 73] إذا تبيَّن كون المبذول به مغصوباً

مسألة 73- إذا تبيَّن بعد الحج أنّ المال المبذول به كان مغصوباً فهل صحة حجه و استحقاقه الثواب و خروجه عن الإحرام بأداء المناسك يدور مدار إجزائه عن حجة الإسلام، أم لا فيكون حجه محكوماً بالصحة مطلقاً و إن لم يكن مجزياً عن حجة الإسلام؟

ادّعيٰ البعض عدم الإشكال في صحته و خروجه عن الإحرام بأداء المناسك، و قال بوجوب الهدي عليه ثانياً مع بقاء الوقت، و يظهر ثمرة الخلاف في ذلك بوجوب الهدي عليه ثانياً مع بقاء الوقت علي القول بالصحة مطلقاً و إن لم نقل بكونه مجزياً عن حجة الإسلام؛ و عدم وجوبه عليه علي القول بعدم الإجزاء و عدم صحة الحج.

و يمكن أن يقال بعدم صحته إذا لم

يقع حجة الإسلام لأن ما نواه و هو حجة الإسلام لم يقع، و ما وقع لم ينوهِ، فالحكم بالصحة و وجوب هديٍ آخر عليه مع بقاء الوقت مشكل و إن كان أحوط.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 245

و في كفايته عن حجة الإسلام وجهان، بل قولان، فاختار صاحب العروة و جمع من محشّيها عدم الكفاية. و نفي البعد عنها السيد الشيرازي قدس سره منهم. كما اختار السيد الكُلپايكاني قدس سره الكفاية فقال: (الأقوي الكفاية). و قال بعضهم: (إن القول بعدم إجزائه عن حجة الإسلام غير سديد).

أقول: أما وجه القول بعدم الإجزاء هو أن ظاهر ما يدل علي اشتراط وجوب الحج بالاستطاعة أو البذل هو الاستطاعة الواقعية، و كونه واقعاً ذا مال و راحلة و واجداً لما يحج به، و في البذل البذل بماله الواقعي، و كشف الخلاف عن جميع ذلك يكشف عن عدم حصول الاستطاعة و عدم تحقق البذل الواقعي.

و فيه: أن هذه العبارات متنزّلة علي معانيها العرفية، فمن كان واجداً ظاهراً للمال جائزاً تصرفه فيه يكون مستطيعاً للحج عند العرف و يجب عليه الحج بما هو محسوب عند العرف بالاستطاعة و البذل، و كشف كون المال للغير لا يكون كاشفاً عن عدم حصول هذه الاستطاعة العرفية.

و أما وجه كفايته عن حجة الإسلام فهو أنه يكفي لتحقق البذل و تحقق الاستطاعة جواز التصرف في المال اعتماداً علي الحكم الظاهري الحاصل من أمارية اليد، سواء انكشف بعد الأعمال عدم كون المال له أو لم ينكشف فلا ملازمة بين انكشاف ذلك و انكشاف عدم الاستطاعة، فهو كان مستطيعاً عند العرف مباحاً له التصرف في المال لم يكن مانع له من صرفه في الحج، و بعد صرفه في الحج

و وقوع الحج به لا ينقلب عما وقع عليه، و لا ينفي انكشاف كونه مال الغير الاستطاعة التي حصلت له عند العرف و البذل الذي حصل له، فحصول الاستطاعة للحج غير مشروط بكون المال ملكاً للمستطيع أو للباذل، بل هي إنما تحصل بجواز التصرف في المال و صرفه في الحج.

و بالجملة: إذا لم يكن حكم حرمة التصرف في مال الغير منجزاً و كان محكوماً

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 246

بجواز التصرف فيه فالواجد له مستطيع عرفاً، و القاعدة علي هذا يقتضي كفاية حجه عن حجة الإسلام، بل وقوعه حجة الإسلام.

ثمّ إنّه علي القول بعدم كفاية الحج المذكور عن حجة الإسلام فهل يمكن القول بكفايته لو قال: «حجّ و عليَّ نفقتك» ثمّ بذل له مالًا، فبان كونه مغصوباً فيقال بالإجزاء و الكفاية، و ذلك للفرق بين البذل الشخصي و بين البذل الكلي، ففي الأول لا يستطيع بالبذل لأنه ملك الغير، فلو حج به ليس حجه عن استطاعة، و أما في الصورة الثانية يستطيع المبذول له بعرض المبذول الكلي، و إنما يعينه الباذل في المال المغصوب جهلًا بالموضوع، فحاله يكون كحال من استطاع بالاستطاعة المالية و صرف جاهلًا بل و عامداً المال المغصوب في الحج فلا شك في أن حجه يجزي عن حجة الإسلام؟

نعم، لو كان الباذل هنا عالماً بالغصبية و أعطي المعروض له الحج المال المغصوب يكشف ذلك عن عدم كونه باذلًا، و أما إذا عرض الحج بهذا القول و الوعد و بعد ذلك أعطي المال المغصوب جاهلًا بغصبيته فليس هو إلّا مثل المستطيع الذي صرف نفقة حجه من المال المغصوب جاهلًا به فحكمهما واحد.

و الدليل علي تحقق البذل بذلك: أولًا أنّ البذل و عرض الحج أعم

من تسليم المال المبذول به إلي المبذول له فإنه يتحقق بدعائه لأن يكون ضيفاً عليه.

و ثانياً: لأنّه ليس له بعد وعد العارض الباذل و قول: «حجّ و عليَّ نفقتك» تعجيز نفسه عن الحج، فلا يجوز له أن يؤاجر نفسه للسفر إلي مقصدٍ آخر أو عملٍ لا يجتمع مع الحج، و إلّا فيستقر عليه الحج.

و الحاصل: أنه لا يتوقف صدق الاستطاعة علي عرض الحج بالبذل الخارجي، فيجب عليه تهيئة مقدمات الحج التي لا تحتاج إلي صرف المال، فإن تهاون في ذلك حتي خرج وقته و كان هو باذلًا يستقر عليه الحج.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 247

نعم، إذا كان الباذل غير موثوق به لا يعتد بكلامه يمكن أن يقال بعدم تحقق البذل بمجرد وعده، أما إذا كان موثوقاً به جاداً في قوله فالبذل يتحقق بوعده و يجب علي المبذول له الحج، و دفع المال المبذول به بخصوص دفع هذا أو هذا دفع لأحد أفراد ما حصل به الاستطاعة و المال الكلي الذي يكفي للحج، و لا يكشف دفعه المال المغصوب جاهلًا به عن كونه راجعاً عن وعده، كما لا يكون كاشفاً عن عدم استطاعته.

و بذلك كله يمكن ردّ ما أفاده غير واحد من الأعلام من أن البذل الموجب للاستطاعة لا يتحقق إلا بالبذل و الإعطاء الخارجي، فما دام لم يتحقق ذلك لم يتحقق الاستطاعة.

و الجواب: أنّ الحاكم في ذلك العرف، و هو حاكم بكون العرض بالمال الكلي عرضاً و بذلًا للحج موجباً للاستطاعة و وجوب الحج.

ثمّ إنّ هنا قد وقع البحث في ضمان هذا المال الذي أتلفه المبذول له، فلا ريب أنه يجوز للمالك الرجوع إلي الباذل و المبذول له؛ لقاعدة اليد، و لخصوص من أتلف للرجوع

إلي المبذول له، و أما رجوع المبذول له إلي الباذل إن رجع المالك إليه فهو لقاعدة التسبيب، و كون السبب أقوي من المباشر، فإنّ الباذل ببذله اضطرّ المبذول له إلي تفويت مال الغير ببذله له فهو ضامن له، كما لا يخفي.

[مسألة 74] إيجار النفس للخدمة في طريق الحج

مسألة 74- قال في العروة: (لو آجر نفسه للخدمة في طريق الحج بأُجرة يصير بها مستطيعاً وجب عليه الحج، و لا ينافيه وجوب قطع الطريق عليه للغير؛ لأن الواجب عليه في حج نفسه أفعال الحج، و قطع الطريق

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 248

مقدمة توصلية بأيّ وجهٍ أتي بها كفي الي آخره).

أقول: حيث إن الإشكال في حصول الاستطاعة بها و إجزاء حجه عن حجة الإسلام و عدم حصولها نشأ من دخول السير في الحج و كونه جزءاً من أفعاله، فإذا كان السير واجباً بالإجارة لا يصح وقوعه في أفعال حجة الإسلام، فلا بأس بصرف عنان الكلام إلي البحث عن دخول السير في الحج و عدمه، و أنّ السير هل هو جزء من المناسك و أعمال الحج التي يجب الإتيان بها بقصد العبادة و التقرب، أو هو خارج عنه و إنما هو مقدمة له؟

فنقول: لا ينبغي الريب في أن السير من المنزل و الوطن إلي الميقات ليس من أعمال الحج، مندوباً كان أم واجباً، فإذا حصل الشخص في الميقات بأي صورة و كيفية يقع منه الحج بالإحرام من الميقات تامّاً مجزياً عن حجة الإسلام، و إمكان التعبد بالسير و بالمشي- كما دل عليه الروايات- لا ينافي عدم دخوله في الحج؛ و ذلك لجواز الإتيان بمقدمة الواجب التعبدي بقصد القربة، كما يدل عليه قوله تعالي:

«ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ لٰا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَ لٰا نَصَبٌ وَ لٰا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ

اللّٰهِ وَ لٰا يَطَؤُنَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفّٰارَ وَ لٰا يَنٰالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلّٰا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صٰالِحٌ» «1».

إلّا أنّه يقع الكلام في السير من الميقات إلي البيت، و أنه هل هو داخل في الحج أو خارج عنه؟

فعلي الأول إن وقع ذلك منه غافلًا أو نائماً أو بقصد غير البيت- زاد اللّٰه تعالي في شرفه- كزيارة الأحبة و الأرحام لا يصح منه و لا يجزي عنه و إن أتي بالمناسك كلها و علي الثاني- حيث إنّ ما هو تمام الموضوع في الخروج عن التكليف و صحة الحج سواء كان واجباً أم مندوباً ليس إلّا أداء المناسك- فإن أحرم أحد في الميقات

______________________________

(1)- التوبة/ 120.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 249

و نام هناك لأن يشرع في السير بعد نومه أو بعد يوم فجاء أحد فحمله علي سيارته و ذهب به حتي البيت يكفيه ذلك، و لا يجب عليه الرجوع إلي مكانه ليسير هو بنفسه و بقصد القربة، في المسألة وجهان بل قولان: الأول خروج السير عن أعمال الحج، و الثاني عدم خروجه.

وجه القول الأول: أنّ السفر و السير إلي البيت ليس من أفعال الحج و داخلًا فيه، بل هو من مقدماته التي لا يتوقف حصولها علي قصد التقرب، بل يمكن حصول ذيها بدونها، كأن اختطفه أحد أو أنامه و ذهب به إلي الميقات، و هذا ما يفهمه العرف من قوله تعالي: «وَ لِلّٰهِ عَلَي النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ» بمناسبة الحكم و الموضوع، فلا موضوعية لحج البيت و ما وجب إلا غيرياً و لأداء المناسك فكأنه قال: «علي الناس حج البيت لأداء الحج» و حذف غاية وجوب قصد البيت و السير إليه؛ لوضوح ذلك لأنه يُسار إليه لأداء المناسك

و الحج، و إنما أوجب السير لتوقف الوصول إلي البيت و أداء المناسك عادةً و غالباً عليه لا من جهة دخل السير في تحقق الحج و حصول الواجب.

و ربما يستدل علي ذلك بروايات لا ظهور لها في ذلك، مثل صحيح معاوية بن عمار الذي رواه الصدوق قدس سره بإسناده عنه قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: الرجل يمر مجتازاً يريد اليمن أو غيرها من البلدان و طريقه بمكة فيدرك الناس و هم يخرجون إلي الحج فيخرج معهم إلي المشاهد أ يجزيه ذلك عن حجة الإسلام؟ قال: نعم» «1».

إلّا أنّ الاستدلال به لما نحن فيه ليس في محله، فإن سؤال السائل راجع إلي أنه هل يعتبر في وقوع الحج حجة الإسلام أن يكون الشخص من بلده قاصداً للحج، و إذا لم يكن قاصداً من بلده هل يجزيه ذلك عنها؟ فأجاب عليه السلام بقوله: «نعم».

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: 11 ب 22 من أبواب وجوب الحج و شرائطه ح 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 250

و صحيحه الآخر الذي رواه الكليني- رضوان اللّٰه تعالي عليه- عن محمد بن يحيي، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن فضالة بن أيوب، عن معاوية بن عمار قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: الرجل يخرج في تجارة إلي مكة أو يكون له إبل فيكريها، حجته ناقصة أم تامة؟ قال: بل حجّته تامة «1»».

و مقتضاه تمامية حج من خرج في تجارة إلي مكة أو لكونه صاحب الإبل يكريها يلزم عليه أن يخرج معها، سواء كان سيره من الميقات إلي مكة للحج و قصد به القربة أو للتجارة و كراء الإبل، فلا دخل لكيفية وقوع سيره في الحج و لأصل سيره فيه

و تمامية حجه، إلّا أنّ الإنصاف أنه لا ظهور له معتدّ به في ذلك؛ لاحتمال كون السؤال فيه من خروجه إلي مكة لا من سيره بعد الإحرام و حال كونه حاجّاً.

و برواية الفضل بن عبد الملك- التي عرفت حالها فيما مضي و تعبير البعض عنها بالإرسال لمكان العدة المجهولة فيها- قال: «و سئل- يعني أبا عبد اللّه عليه السلام- عن الرجل يكون له الإبل يكريها فيصيب عليها و يحج و هو كراء تغني عنه حجته، أو يكون يحمل التجارة إلي مكة فيحج فيصيب المال في تجارته أو يضع تكون حجته تامة أو ناقصة، أو لا تكون حتي يذهب به إلي الحج و لا ينوي غيره، أو يكون ينويهما جميعاً أ يقضي ذلك حجته؟ قال: نعم حجته تامة» «2».

و الظاهر أن السؤال فيها أيضاً راجع إلي اعتبار الخروج من منزله للحج في الحج و عدمه، فلا ارتباط لها بسيره و هو حاج محرم.

فالعمدة في الوجه لعدم دخول السير في الحج هو عدم فهم العرف ذلك من الأدلة، بل ما يفهمه منها هو عدم دخل ذلك في الحج. هذا في وجه القول الأول.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 22 من أبواب وجوب الحج و شرائطه ح 4.

(2)- وسائل الشيعة: ب 22 من أبواب وجوب الحج و شرائطه ح 5.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 251

أما وجه القول الثاني فهو: أنّ المستفاد من ظاهر الآية الكريمة وجوب السفر إلي البيت، فإن المراد من حجه هو الذهاب إليه و السعي نحوه، فهو واجب نفسي كسائر أفعال الحج، و ظاهره و إن كان يقتضي كون وجوب سير كل أحد من مكانه في أوان الحج داخلًا في أفعال الحج إلّا أنّه خرج منه بالاتّفاق

و الإجماع سير ما قبل الميقات، و لأن دخوله فيه قبل الميقات و وجوب الإحرام مستلزم لدخل ما ليس من الحج؛ في الحج لأنه لا ريب في أن الدخول في الحج إنما يتحقق بالإحرام.

و أما ما اختاره بعض أعاظم العصر من تعيين مبدأ السير من الميقات من باب القدر المتيقن لإجمال الدليل «1»، ففيه: أن الظاهر من الدليل هو كون مبدأ سير كل أحد في أوان الحج و عند تنجز وجوبه بحسب حاله من مكانه الذي هو فيه فيلزم عليه الخروج إلي الحج منه.

و ربما يرد دلالة الآية علي وجوب السعي نفسياً بتنظيرها بآية التيمم قوله تعالي: «فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً» * «2» لأنه لا ريب في عدم وجوب السعي إلي التراب وجوباً نفسياً.

و اجيب عنه: بأن كون الوجوب فيه غيرياً و إرشادياً معلوم من القرينة، ضرورة أن التطهير يحصل بالتراب لا بالسعي إليه، و أين ذلك مما نحن فيه؟ فإن السير و السعي إلي بيوت ذوي المقام و الشرف و الشأن من مظاهر التعظيم و التجليل لهم فضلًا إذا كان البيت بيت اللّٰه الذي يتقرب إلي اللّٰه بالسعي إليه ماشياً، فعلي هذا يجب أن يكون السفر من الميقات إلي مكة علي وجه التقرب و التعبد.

و مع ذلك كله و إن كان الأدب و كمال الخضوع للرب و توقير بيته- زيد في

______________________________

(1)- مستمسك العروة: 10/ 153.

(2)- النساء/ 43، المائدة/ 6.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 252

شرفه- يقتضي ذلك إلّا أن الالتزام بوجوب ذلك و دخول السير في أعمال الحج مشكل، كأنّه خلاف ما هو المرتكز في الأذهان، و لأنه يلزم أن نقول: إنّه إذا نسي و غفل عما هو فيه و مشي مقداراً من الطريق لا بقصد

التقرب يجب عليه الرجوع إلي مكانه لتجديد السير، و الالتزام بمثل ذلك مشكل جداً.

فالأقوي هو عدم دخول السير و السعي و المشي في أفعال الحج غير المشي في حال الطواف و السعي. و اللّٰه هو العالم بأحكامه.

ثمّ إنّه بعد ما ظهر أن الأقوي خروج السير إلي مكة عن أفعال الحج و إن كان بعد

الإحرام و الميقات فاعلم أن غير المستطيع إن آجر نفسه للخدمة في الطريق أو لنفس طي الطريق بأُجرة يصير بها مستطيعاً يجب عليه الحج، و لا يمنع من حصول الاستطاعة بها كون السير واجباً علي الأجير بنفسه أو مقدمة للخدمة في الطريق لخروج السير عن المناسك و إن كان مقدمة لأداء المناسك أيضاً فلا يخرجه عن مقدميته لأداء المناسك الإتيان به لنفسه أو لغيره مثل الخدمة في الطريق؛ لأن المقصود من المقدمة التمكن من ذيها سواء حصلت بقصدها له أو لغيره، فالسير مقدمة للتمكن من الخدمة و من أداء المناسك و من غيرهما من الأفعال، سواء قصد به التمكن من جميع هذه الامور أو بعضها أولم يقصد شيئا منها، فلا فرق في ذلك بين كون الإجارة للخدمة في الطريق أو لنفس السير وطي الطريق كما مر. هذا إذا لم يكن مستطيعاً و آجر نفسه للخدمة في الطريق أو طيّ الطريق.

و أما إذا كان مستطيعاً للحج فهل يجوز له إجارة نفسه للخدمة في الطريق أو لطيّ الطريق، أم لا؟ الظاهر أنه لا مانع منها أيضاً علي ما اخترناه من خروج السير عن المناسك، و لزوم السير عليه غيرياً لا يمنع من تعلق الإجارة به.

فإن قلت: يعتبر في صحة الإجارة قدرة الأجير علي متعلقها، و هي متقومة

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 253

بالطرفين بأن يكون

الأجير قادراً علي الفعل و الترك، فالمستطيع الواجب عليه المشي و السير لا يقدر علي تركه شرعاً، فكما أن التحريم الشرعي للفعل المقدور عليه عقلًا مانع من صحة الإجارة للحرام كذلك الإيجاب الشرعي مانع من تعلق الإجارة بالواجب، فالأول سالب لقدرته علي الفعل، و الثاني سالب لقدرته علي الترك، فلا يكون ترك الواجب مقدوراً عليه، كما لا يكون فعل الحرام مقدوراً عليه، فإذا لم يكن الأجير قادراً فيما نحن فيه علي ترك متعلق الإجارة تكون الإجارة باطلة.

قلت: لا يعتبر في صحة الإجارة أمر أزيد من القدرة علي التسليم، و هي في الإجارة للفعل المحرم مفقودة لعجزه عن التسليم شرعاً، و في الإجارة للفعل الواجب موجودة لقدرته علي التسليم شرعاً و عقلًا أمّا عقلًا فواضح، و أما شرعاً فإنّ تأكيد الشرع و أمره بالتسليم لا يوجب العجز عن التسليم، و هذا كالشرط في ضمن العقد أو النذر أو العهد أو اليمين إذا تعلق بالواجب مع اعتبار القدرة في متعلقاتها.

[مسألة 75] هل يجب قبول الإجارة لتحصيل الاستطاعة، أم لا؟

مسألة 75- قال في التذكرة: (لو طلب من فاقد الاستطاعة إيجار نفسه للمساعدة في السفر بما تحصل به الاستطاعة لم يجب القبول؛ لأنّ تحصيل شرط الوجوب ليس بواجب. نعم، لو آجر نفسه بمالٍ تحصل به الاستطاعة أو ببعضه إذا كان مالكاً للباقي وجب عليه الحج) «1».

و قال في المستند: (و هل يجب إجابة المستأجر و قبول الإجارة قبله القبول (كذا) أم لا؟ المصرح في كلام الأكثر الثاني؛ لأنه مقدمة الواجب المشروط و تحصيلها

______________________________

(1)- تذكرة الفقهاء: 1/ 302.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 254

غير واجب، و الحق الأول إذا كان ما استؤجر له مما لا يشق عليه، و يتمشي منه، لصدق الاستطاعة، و لأنه نوع كسب في الطريق، و

قد مر وجوبه في مثله، و ليس القبول مقدمة للواجب المشروط، بل للمطلق؛ لأن مع الفرض تحصل الاستطاعة العرفية فيصير الحج واجباً عليه، و إن توقف إيقاعه علي القبول كاشتراط عين الزاد و الراحلة. و التحقيق: أنّ هذه ليست تحصيل الاستطاعة؛ لأنه بعد تمكنه مما استؤجر له يكون له منفعة بدنية مملوكة حاصلة له قابلة لإيقاع الحج به فيكون مستطيعاً. لا يقال: فعلي هذا يجب تحصيل مئونة الحج علي كل من قدر علي الاكتساب و تحصيل الاستطاعة فيكون الحج واجباً مطلقاً. لأنا نقول: إن كان اقتداره بحيث يصدق معه الاستطاعة العرفية فليسلم الوجوب، و لا يصدق وجوب تحصيل الاستطاعة، و لا ضير فيه، و إلّا فلا دليل علي وجوب الاكتساب؛ لأن ما نقول بوجوبه هو ما اجتمع مع صدق الاستطاعة العرفية) «1».

و يستفاد من تمام كلامه اختلافه مع المشهور في بيان معني الاستطاعة المالية، و أنها حاصلة إذا كان له الاقتدار و التمكن بالسهولة علي تحصيل الزاد و الراحلة و لو ببيع أمواله أو إجارتها أو إجارة نفسه، فالتاجر الذي تحصل له الفائدة بحضوره المعتاد و المتعارف في السوق مستطيع يستقر عليه الحج إن جلس في بيته و ترك ما كان مستمراً عليه ملتزماً له بحسب العادة.

و مثله من كان شغله شراء الأمتعة و بيعها نقداً و نسيئةً و أمكن له أن يشتري متاعاً بألف نسيئةٍ و يبيعه بألفين فهو مقدم علي ذلك عادة و تركه خلاف العرف و العادة، فإن كان مثل هذا البيع و الشراء وافياً لمصارف الحج يعد في العرف مستطيعاً بنفس حصول إمكان ذلك له يجب عليه، كما يجب بيع ماله المملوك لصرفه في الحج.

______________________________

(1)- مستند الشيعة: 2/ 161.

فقه الحج (للصافي)،

ج 1، ص: 255

و أيضاً ما الفرق بين وجوب إجارة مالِه و عبده و دابته و بين وجوب إجارة نفسه؟ فإن كان في الأول مستطيعاً فليكن في الثاني أيضاً كذلك، و كيف لا يكون من كان له حرفة و صنعة يملك ببذلها بالسهولة أضعاف ما يفي للحج مستطيعاً عند العرف؟ فالأقوي القول بالتفصيل و إحالة الأمر في حصول الاستطاعة إلي العرف.

و يمكن أن يقال: إن الاستطاعة المشروط بها وجوب الحج ليست عرفيةً و لا عقلية، بل هي استطاعة خاصة مستفادة من الأدلة، و هي أن يكون الشخص واجداً لما يحج به عيناً كالزاد و الراحلة، أو بدلًا كأن كان له من النقود ما يمكن له شراء الزاد و الراحلة به، أو من العروض ما يمكن له مبادلته بعين الزاد و الراحلة، أو بنقد يشتريهما به. فإن كنا نحن و الآية الكريمة فيجوز لنا أن نحملها علي الاستطاعة العرفية، و لكن بعد ما فسرت الآية- من الذين لهم عليهم السلام دون غيرهم كان من كان- بمن كان له زاد و راحلة، أو من كان له مال، أو ما يحج به، أو القدرة في المال، أو اليسار في، المال أو عرض المال له فالاستطاعة المالية و البذلية لا تشتمل علي من لم يكن عنده المال بالفعل و إن كان قادراً علي تحصيله بالكسب و الصنعة و إجارة نفسه للخدمة.

و أمّا ما قيل من أن منافع الأبدان كمنافع الأعيان فكما يكون الشخص مالكاً لمنافع عقاراته و سياراته و غيرها يكون مالكاً لمنافع بدنه فيؤجره و يتصرف فيه كما يؤجر داره و يتصرف فيها، فكما إذا كان له مال لا يمكن له تبديل عينه ببيعه بما يفي للحج، و لكن

يمكن إجارته بما يفيه يكون مستطيعاً يجب عليه الحج و يجب عليه إجارة ذلك المال كذلك يجب عليه إجارة نفسه لسلطانه عليها كسلطانه علي

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 256

إجارة ماله. «1»

فيمكن أن يجاب عنه: بأنّ سلطان الشخص علي نفسه و كونها تحت اختياره لا يعني به مالكيته لها كمالكيته لداره و دابته، و ليس ملكيتها له ملكية اعتبارية تتبعها ملكية منافعها، كذلك فليس له بيعها كما يكون له بيع داره و دابته، فهذه الملكية و السلطنة ليست كملكية الدار و الدابة، و ليس صاحبها مالكاً و واجداً لشي ء خارجي عند العرف كواجد المال الذي يفي بالحج.

و الحاصل: أن قياس منافع الأبدان بمنافع الأموال المملوكة و ترتيب حكم الثانية علي الاولي قياس مع الفارق، و إلا فلا ينحصر حصول الاستطاعة بأن يستأجره أحد للخدمة، بل هي تحصل للقادر علي الخدمة مطلقا، و يجب عليه عرض نفسه للإجارة علي الأشخاص، كما يجب عليه عرض ماله للبيع لتحصيل ما ينفقه في الحج.

و علي كل ذلك فالأقوي ما هو مختار المشهور، و إن لا ينبغي ترك الاحتياط في بعض موارده، كما إذا كان الشخص شغله خدمة المسافرين في الأسفار فطلب منه الخدمة في سفر الحج فإنه لا ينبغي له رده، و قبول ذلك من الآخرين للسفر إلي صقع آخر سيما إذا كان ما يعطي للخدمة في طريق الحج أكثر و كانت الخدمة عليه أسهل.

[مسألة 76] إيجار النفس للنيابة عن الغير في الحج بأُجرة تفي للحج،

مسألة 76- يجوز لغير المستطيع إيجار نفسه للنيابة عن الغير بأُجرة تفي للحج غير أنه لا يصير بها مستطيعاً لحجة الإسلام.

و ذلك لعدم إمكان حصول الاستطاعة بها؛ لأنها متوقفة علي صحة الإجارة،

______________________________

(1)- معتمد العروة: 1/ 196.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 257

و صحة الإجارة متوقفة علي

عدم وجوب الحج عليه، و هو متوقف علي عدم حصول الاستطاعة، فحصول الاستطاعة متوقف علي عدمه، و هو محال.

نعم، لو كانت الإجارة مطلقةً غير مقيدةٍ بهذه السنة تحصل له الاستطاعة، و لا يجوز له تأخير الحج، و أما حكم العام القابل في الصورة التي يجب عليها الحج النيابي فظاهر؛ لأنه يدور مدار بقاء الاستطاعة أو تجددها له.

[مسألة 77] من حج متسكِّعاً

مسألة 77- لا ريب في عدم إجزاء حج المتسكِّع عن حجة إسلامه.

لأنّ إجزاء غير المأمور به عن المأمور به يحتاج إلي دليل و هو مفقود، مضافاً إلي أن الادلة الدالة علي وجوب الحج بالاستطاعة المالية أو البذلية تدل بإطلاقها علي وجوب حجة الإسلام عند حصولها، سواء حج متسكعاً أم لا.

و الظاهر أنهم لم يختلفوا في عدم إجزاء حج النائب أيضاً عن حجة اسلام نفسه، إلّا أن الأخبار قد اختلفت بظاهرها في ذلك، فإنها علي طائفتين:

الاولي: ما دلت علي عدم الإجزاء الذي هو مقتضي القاعدة أيضاً:

فمنها: ما رواه الشيخ: بإسناده، عن موسي بن القاسم «1»، عن محمد بن سهل «2»، عن آدم بن علي «3»، عن أبي الحسن عليه السلام قال: «من حج عن إنسان و لم يكن له مال يحج به أجزأت عنه حتي يرزقه اللّٰه ما يحج به و يجب عليه الحج» «4». و ظاهره عدم الإجزاء و وجوب الحج عند الاستطاعة.

______________________________

(1)- من كبار الطبقة السابعة.

(2)- ابن اليسع الأشعري، من السادسة أو السابعة.

(3)- من السادسة، لم يذكر فيه مدح و لا ذم.

(4)- وسائل الشيعة: ب 21 من أبواب وجوب الحج و شرائطه ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 258

و منها: ما رواه الكليني: عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد و سهل بن زياد جميعاً، عن

أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «لو أن رجلًا معسراً أحجّه رجل كانت له حجة، فإن أيسر بعد ذلك كان عليه الحج» «1». بناءً علي أنّ المراد من الإحجاج فيه النيابة لا البذل، و هو خلاف الظاهر.

فالعمدة في ذلك هو خبر آدم بن علي، و سنده مطعون فيه بآدم بن علي فإنه مجهول، و بمحمد بن سهل لأنه لم يوثق و لم يرد فيه مدح، و إن ذكره البهبهاني قدس سره بالوثاقة و ورود المدح فيه لعدم إثبات ذلك.

و فيه: أن ضعف سنده منجبر بعمل الأصحاب، مضافاً إلي أن محمد بن سهل هذا هو محمد بن سهل بن اليسع بن عبد اللّه بن سعد الأشعري القمي، أبوه ممدوح بأنه ثقة ثقة، و هو من أصحاب الإمامين الكاظم و الرضا عليهما السلام، بل له الرواية عن أبي عبد اللّه عليه السلام، و محمد بن سهل هذا ابنه من أصحاب الرضا عليه السلام، و له مسائل عنه، و له كتاب، و هو من رواة النصّ علي أبي جعفر عليه السلام، و في شيوخه طائفة من الأعاظم، كأبيه، و إبراهيم بن أبي البلاد الثقة من أصحاب الأئمة: الصادق و الكاظم و الرضا عليهم السلام، و له أصل يرويه عنه محمد بن سهل هذا و من شيوخه زكريا بن آدم بن عبد اللّه بن سعد الأشعري القمي الموصوف بجلالة القدر و عظم المنزلة، و هو ابن عم سهل والد محمد، و من شيوخه عبد اللّه بن بكير الذي هو ممن أجمعت العصابة علي تصحيح ما يصح عنه، و من شيوخه الحسن بن سري من

شيوخ الحسن بن محبوب و غيرهم، و من تلامذته و ممّن أخذ الحديث منه أحمد بن محمد بن عيسي شيخ القميين و وجههم، و … و محمد بن علي بن المحبوب أيضاً شيخ القميين، و … و موسي بن القاسم البجلي الثقة من أصحاب الرضا عليه السلام و غيرهم، و كل ذلك مدح له و الوجه لصحة الاعتماد

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 21 من أبواب وجوب الحج و شرائطه ح 5.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 259

علي حديثه، فلا ينبغي رد حديث مثله أو التردد في اعتباره.

نعم، يبقي في السند آدم بن علي، و يكفي في جواز الاعتماد عليه رواية محمد بن سهل عنه، و رواية موسي بن القاسم عن محمد روايته الظاهرة في أنهما كانا يعرفانه فاعتمدا علي روايته، مضافاً إلي أنّ ضعف السند به منجبر بعمل الأصحاب.

هذا بعض الكلام في الطائفة الاولي.

و أما الطائفة الثانية أي ما ورد في إجزاء الحج النيابي عن حجة الإسلام:

فمنها: صحيحتا معاوية بن عمار، إحداهما عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «حج الصرورة يجزي عنه و عمن حج عنه» «1».

و ثانيتهما: أيضاً عنه عليه السلام قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل حج عن غيره يجزيه ذلك عن حجة الإسلام؟ قال: نعم» «2».

و منها: صحيحة جميل بن دراج عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «في رجل ليس له مال حج عن رجل، أو أحجه غيره ثمّ أصاب مالًا هل عليه الحج؟ فقال: يجزي عنهما جميعاً» «3».

و منها: ما رواه الشيخ في التهذيب قال: روي أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة الحافظ «4»، قال: حدثني القاسم بن محمد بن الحسين الجعفي «5»، قال: حدثنا

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب

21 من أبواب وجوب الحج و شرائطه ح 2.

(2)- وسائل الشيعة: ب 21 من أبواب وجوب الحج و شرائطه ح 4.

(3)- وسائل الشيعة: ب 21 من أبواب وجوب الحج و شرائطه ح 6.

(4)- أبو العباس، جليل القدر، عظيم المنزلة، أمره في الثقة و الجلالة و عظم الحفظ أكثر من أن يذكر، حكي عنه أنه قال: أحفظُ مائة و عشرين ألف حديث بأسانيدها و اذاكر بثلاثمائة ألف حديث، و هو زيدي جارودي، و هو من شيوخ الكليني، و من الثامنة.

(5)- من السابعة، لم يذكر ترجمته في جامع الرواة.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 260

عبد اللّه بن جبلة «1»، قال: حدثنا عمرو بن إلياس «2»، قال: «حج بي أبي و أنا صرورة و ماتت امي و هي صرورة، فقلت لأبي: إني أجعل حجتي عن امي، قال: كيف تكون هذا و أنت صرورة و امك صرورة؟ قال: فدخل أبي علي أبي عبد اللّه عليه السلام و أنا معه فقال: أصلحك اللّٰه، إني حججت بابني هذا و هو صرورة و ماتت امه و هي صرورة فزعم أنه يجعل حجته عن امّه فقال: أحسن، هي عن امه فضل و هي له حجة» «3».

أقول: الذي ينبغي أن يقال في هذه الروايات: منع صراحتها علي الإجزاء و إن صرح بعض الأعلام «4» بصراحة صحيحتي عمار علي الإجزاء، و إليك تفصيل ذلك:

أما صحيحة عمار الاولي فيمكن أن يكون المراد منها: أن الصرورة إذا حج عن نفسه يجزيه، و إذا حج عن غيره أيضاً يجزي عن ذلك الغير، و كأنّ هذا لدفع كراهة نيابة الصرورة، أو عدم إجزاء حجه عن المنوب عنه، أو يكون أنه يكتب له و يثاب عليه، أو يجزي عن الحج المندوب

الثابت عليه إذا تركه و أتي به للغير، لا أنه يجزي عن حجه الواجب الثابت عليه إذا تركه و أتي به للغير، و ظاهر الإجزاء هو الإجزاء عما ثبت عليه لا ما يثبت عليه في المستقبل، و لذا يحمل علي المندوب.

و أما صحيحته الثانية فلا دافع؛ لاحتمال أن يكون المراد من الضمير في «يجزي عنه» الغير المذكور قبله و راجعاً إليه مضافاً، إلي أنه لو أخذنا باحتمال دلالتها علي إجزائه عن حجة إسلام النائب يلزم أن نقول به و لو كان عليه حجة الإسلام بالفعل و لم يقل به أحد.

______________________________

(1)- من السادسة، ثقة.

(2)- من الخامسة، روي عن الصادقين عليهما السلام، له كتاب.

(3)- تهذيب الأحكام: 5/ 8 ح 21.

(4)- راجع معتمد العروة: 1/ 199.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 261

و علي هذا لا يقال: إنّ مقتضي الجمع بينهما و بين خبر آدم بن علي حمل خبر آدم علي الاستحباب و حمل الصحيحتين علي الإجزاء؛ لمنع صراحتهما بما ذكر.

و أما خبر جميل فاشتماله علي اضطراب متنه يمنع عن الاحتجاج به، فإن السؤال راجع إلي إجزاء حج الرجل عن الآخر عن حج نفسه، و هو- أي السائل- يعلم إجزاءه عن الآخر، و إلي كفاية حج من أحجه غيره ليحج لنفسه من الحج ثانياً، و بعد حصول الاستطاعة فهل قوله: «يجزي عنهما جميعاً» يكون جواباً عن كلا الشقين، أي إجزاء حج من حج عن غيره عن حج نفسه، و حج من أحجه غيره لنفسه عن الحج ثانياً؟ فقوله: «يجزي عنهما جميعاً» لا يكون جواباً عن كليهما، و إن كان جواباً عن أحد الشقين يبقي الجواب عن الآخر بحاله، لأنه إن كان جواباً عن حج من حج لغيره يبقي الشق الآخر

و هو السؤال عن الإحجاج بلا جواب، و لو كان الجواب بدل قوله: «يجزي عنهما جميعاً» «لا» أو «ليس عليه الحج» كان تامّاً و عن تمام السؤال.

و علي كلّ حالٍ فالظاهر أن الراوي نقل السؤال و الجواب بالنقل بالمضمون و أجمل في نقل السؤال، و لعله لم ينقل أيضاً كلام الإمام عليه السلام بلفظه فصار الحديث مضطرب المتن.

و أما حديث عمرو بن إلياس فمضافاً إلي ضعف سنده فلا يدل علي إجزائه عن حجة الإسلام، مضافاً إلي أنه معارض بصحيح ابن مهزيار «1» و مكاتبة بكر بن صالح «2» و مكاتبة إبراهيم بن عقبة «3».

هذا، و قد ظهر من جميع ما ذكر عدم وجود حديث ظاهر الدلالة علي

______________________________

(1)- من الطبقة السابعة، لم يذكر ترجمته في جامع الرواة.

(2)- من السادسة، ثقة.

(3)- من الخامسة، روي عن الصادقين عليهما السلام، له كتاب.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 262

الإجزاء دلالةً يخرج بها عن القاعدة و إطلاق ما دل علي وجوب حجة الإسلام لنفسه علي المستطيع، فضلًا عن أن يكون صريحاً في ذلك، فالحكم ما عليه المشهور أو المجمع عليه أخذاً بالإطلاق المذكور و بخبر آدم بن علي. و اللّٰه هو العالم.

[مسألة 78] اعتبار مئونة العيال في الاستطاعة

مسألة 78- يعتبر في حصول الاستطاعة المشروط بها وجوب الحج أن يكون واجداً لما يمون به عياله حتي يرجع، و إلّا لا يصدق الاستطاعة، سواء كان المعتبر الاستطاعة العرفية، أو الاستطاعة الشرعية الخاصة المستفادة من الأحاديث المفسرة للآية الكريمة.

أمّا بحسب العرف فإنه لا يعدّ عند العرف من كان فاقداً لنفقة عياله و واجداً لمال يفي للسفر و للحج مستطيعاً له و للسفر.

و أمّا بحسب الأحاديث فإنها دلت علي اعتبار كون الشخص ذا يسر و يسار و ذا مال، و من

كان فاقداً لما يموّن به عياله ليس موسراً و لا ذا مال، و ما يدل علي كونه واجداً للزاد و الراحلة يستفاد منه أن يكون الشخص من جهة الملاءة بحيث كان له زائداً علي ضروريات معاشه مصارف الحج من الزاد و الراحلة.

هذا، مضافاً إلي دلالة خبر أبي الربيع الشامي علي ذلك، و إليك لفظه من الكافي الشريف: عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن خالد بن جرير، عن أبي الربيع الشامي قال: «سئل أبو عبد اللّه عليه السلام عن قول اللّٰه عز و جل:

«مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا» فقال: ما يقول الناس؟ قال: فقيل له: الزاد و الراحلة قال: فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: قد سئل أبو جعفر عليه السلام عن هذا فقال: هلك الناس إذاً، لئن كان من كان له زاد و راحلة قدر ما يقوت عياله و يستغني به عن الناس ينطلق

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 263

إليه فيسلبهم إياه لقد هلكوا، فقيل له: فما السبيل؟ قال: فقال: السعة في المال إذا كان يحج ببعض و يبقي بعضاً يقوت به عياله، أ ليس قد فرض اللّٰه الزكاة فلم يجعلها إلا علي من يملك مأتي درهم؟». «1»

و رواه الشيخ في التهذيب «2» و فيه «ينطلق إليهم»، و في الاستبصار «3» «ينطلق إليه» و الصدوق في الفقيه «4» و لفظه «ينطلق إليه».

و في المقنعة «5» بعد قوله: «و يستغني به عن الناس»، «يجب عليه أن يحج بذلك ثمّ يرجع فيسأل الناس بكفه لقد هلك إذاً» و أيضاً: «يقوت به نفسه و عياله».

ثمّ إن الظاهر أنه لا فرق في دخالة ذلك في حصول الاستطاعة بين من يجب نفقته و غيره ممن يكون نفقته

عليه عرفاً، فالمدار علي العيال العرفي.

[مسألة 79] اعتبار الرجوع إلي الكفاية في حصول الاستطاعة

مسألة 79- هل يكون الرجوع إلي الكفاية من صنعة أو زراعة أو تجارة معتبراً في حصول الاستطاعة، أم لا؟

الظاهر أنه إذا كان بصرفه ما عنده في الحج يرجع و ليس له ما يمون به نفسه و عياله يكون حاله حال من كان فاقداً لمئونة عياله مدة ذهابه و إيابه ليس ذا يسر و يسار و السعة في المال، فلا يكون من كان مثلًا ذا ضيعة يصرف غلته في نفقة أهله

______________________________

(1)- الكافي: 4/ 265.

(2)- تهذيب الأحكام: 5/ 5.

(3)- الاستبصار: 2/ 137.

(4)- من لا يحضره الفقيه: 2/ 256.

(5)- المقنعة: 385.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 264

و عياله لا يجد مالًا غيرها مستطيعاً للحج ببيع هذه الضيعة، و ليست هي إلا مثل دار سكناه.

و يدل علي ذلك مضافاً إلي ما ذكر: رواية أبي الربيع الشامي بإلغاء الخصوصية و الدلالة المفهومية، بل و بالدلالة المنطوقية علي رواية المقنعة: «يجب عليه أن يحج بذلك ثمّ يرجع فيسأل الناس بكفه لقد هلك إذاً» فإن هذه الزيادة تدل علي اعتبار الرجوع بالكفاية حتي لا يرجع و يسأل الناس.

و خبر الأعمش المروي عن الخصال الذي رواه الصدوق عن أربعة من مشايخه في الحديث و ترضي عليهم بالسند المتصل إلي الأعمش (سليمان بن مهران) و هو حديث شرايع الدين الطويل، قال الصادق عليه السلام فيه: «و حج البيت واجب علي من استطاع إليه سبيلًا، و هو الزاد و الراحلة مع صحة البدن، و أن يكون للإنسان ما يخلفه علي عياله و ما يرجع إليه بعد حجه».

و لا يضر بالاعتماد عليه شمول سنده علي ما قاله البعض علي عدة من المجاهيل، و قد اعتمد الصدوق قدس سره عليهم في روايات

متعددة في الفقيه و الخصال و الأمالي.

و قد استند بعض الأعلام لعدم وجوب الحج إذا صار سبباً لعدم الرجوع إلي الكفاية إلي قاعدة «نفي الحرج» لزعمه حصول الاستطاعة لمن لم يرجع إلي الكفاية. «1»

و فيه: ما سمعت من نفي حصول الاستطاعة بدون الرجوع إلي الكفاية، مضافاً إلي أن لازم هذا نفي الوجوب، فيلزم إن تحمل المكلف الحرج و أتي بالحج أن يكون مجزياً عن حجة إسلامه، و لا أري أنه يلتزم بذلك. و اللّٰه هو العالم.

______________________________

(1)- معتمد العروة: 1/ 203.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 265

[مسألة 80] هل تتحقق الاستطاعة بأخذ الحقوق الشرعية؟

مسألة 80- إذا كان الشخص ممن يعيش بالوجوه المنطبقة عليه كالأخماس و الزكوات و الصدقات و عوائد الأوقاف و الوصايا فهل يجب عليه الحج إذا حصل له مئونة الذهاب و الإياب و نفقة العيال؟

الظاهر حصول الاستطاعة لمن كان معنوناً ببعض العناوين المأخوذة في مصارف الأوقاف و الوصايا مما لا يعتبر في استحقاقه له الفقر، مثل الوقف علي الأولاد، أو سكان المدرسة، أو مؤذن المسجد، و نحو ذلك فإنه يرجع إلي الكفاية مثل من كان له ضيعة أو حرفة.

و أما إذا كان المعتبر لمن يأخذها الفقر و الحاجة كالأخماس و الزكوات فهل يجب عليه الحج بحصول نفقة الذهاب و العود و نفقة العيال عنده لأنه يستمر إعاشته بما كان يعيش به و لو بالاستعطاء و السؤال؟ وجهان، بل قولان.

و الظاهر أن المسألة تبني علي المختار في وجه اعتبار الرجوع إلي الكفاية، فإن كان وجهه عدم حصول الاستطاعة به فيقال بعدم حصولها له، و إن كان وجهه وقوع الشخص في الحرج و نفي وجوب الحاصل بالاستطاعة بقاعدة نفي الحرج فيمكن أن يقال: إنه يدور مدار وقوعه في الحرج، فمن لم يقع فيه

بواسطة اعتياده بصرف الزكوات و أخذ الصدقات و أخذ الأخماس يجب عليه الحج، فيلاحظ في نفي الوجوب و عدمه حصول الحرج و عدمه، و يختلف ذلك بحسب الأشخاص.

[مسألة 81] هل يجوز للوالد أن يأخذ ما يحج به من مال ولده؟

مسألة 81- لا إشكال في أنه لا يجب علي الوالد بذل ما يحج به لولده كما لا يجب علي الولد أيضاً أن يبذل ذلك لوالده و لا يجوز له أن يأخذه

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 266

من مال والده.

كل ذلك للأصل، و في خصوص الأخير للنصوص الخاصة مثل صحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «في كتاب علي عليه السلام: إنّ الولد لا يأخذ من مال والده شيئاً إلّا بإذنه». «1»

و صحيحة سعيد بن يسار، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «و ليس للولد أن يأخذ من مال والده إلا بإذنه» «2»، فلا إشكال في هذا الحكم. إنما الكلام في حكم أخذ الوالد من مال ولده، و الكلام فيه يقع في مقامين:

الأول: في جواز تصرفه في غير مورد الحج و غير نفقته الواجبة عليه، فاعلم أنه قد ادعي الاتفاق من الجميع علي عدم الجواز.

و في الحدائق (إنّ ظاهر كلمات الأصحاب الاتفاق علي عدم القول بها). «3»

فعلي هذا الروايات الدالة علي جوازه لا يحتج بها فإنها مضافاً إلي معارضة ما دل علي المنع لها معرَض عنها لم يعمل بها الأصحاب.

فعمدة الكلام تجري في المقام الثاني، و هو أخذ الوالد من مال ولده ليحج به، و فيه قولان:

القول الأول: ما اختاره الشيخ قدس سره في النهاية و الخلاف و التهذيب و المبسوط، و القاضي في المهذَّب، و هو الجواز، بل الوجوب.

قال في النهاية: (و من لم يملك الاستطاعة و كان له ولد له مال وجب عليه

أن

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 78 من أبواب وجوب الحج و شرائطه ح 1.

(2)- وسائل الشيعة: ب 36 من أبواب وجوب الحج ح 1. و سعيد بن يسار ثقة، له كتاب، من الطبقة الخامسة.

(3)- الحدائق الناضرة: 14/ 112.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 267

يأخذ من مال ابنه قدر ما يحج به علي الاقتصاد و يحج). «1»

و قال في الخلاف: (إذا كان لولده مال روي أصحابنا أنه يجب عليه الحج و يأخذ منه قدر كفايته و يحج به، و ليس للابن الامتناع منه، و خالف جميع الفقهاء في ذلك، دليلنا: الأخبار المروية في هذا المعني من جهة الخاصة قد ذكرناها في الكتاب الكبير، و ليس فيها ما يخالفها تدل علي إجماعهم علي ذلك. و أيضاً قوله عليه السلام: «أنت و مالك لأبيك»، فحكم له أن ملك الابن مال الأب و إذا كان له فقد وجد الاستطاعة و وجب عليه الحج). «2»

و قال في التهذيب: (فإن كان الرجل لا مال له و لولده مال فإنه يأخذ من مال ولده ما يحج به من غير إسراف و تقتير، يدل علي ذلك ما رواه موسي بن القاسم)، «3» ثمّ ذكر الحديث، و يأتي تمامه إن شاء اللّٰه.

و قال في المبسوط: (و قد روي أصحابنا أنه إذا كان له ولد له مال وجب عليه أن يأخذ من ماله ما يحج به و يجب عليه إعطاؤه). «4»

و قال القاضي ابن البراج في المهذب: (و من لم يقدر علي الزاد و الراحلة و كان له ولد له مال جاز أن يأخذ من ماله مقدار ما يحج به علي الاقتصاد) «5».

و قال المفيد في المقنعة- علي ما حكي عنه في الحدائق إلا أنا لم نجده

في كتاب حجه-: (و إن كان الرجل لا مال له و لولده مال فإنه يأخذ من مال ولده ما يحج به

______________________________

(1)- النهاية: 204.

(2)- الخلاف: 1/ 373.

(3)- تهذيب الأحكام: 5/ 15.

(4)- المبسوط: 1/ 299.

(5)- المهذب: 1/ 267.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 268

من غير إسراف و تقتير). «1»

القول الثاني: ما لعلّه هو المشهور بين المتأخرين، و هو عدم جواز أخذ الوالد من مال الولد.

أقول: وجه القول بالجواز: صحيح سعيد بن يسار الذي رواه في التهذيب، عن موسي بن القاسم، عن صفوان، عن سعيد بن يسار قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: الرجل يحج من مال ابنه و هو صغير؟ قال: نعم، يحج منه حجة الإسلام، قلت: و ينفق منه؟ قال: نعم، ثمّ قال: إنّ مال الولد لوالده، إنّ رجلًا اختصم هو و والده إلي النبي صلي الله عليه و آله فقضي أن المال و الولد للوالد».

و قد روي عن أحمد بن محمد بن عيسي، عن علي بن حكم، عن عمرو بن حفص، عن سعيد بن يسار عن أبي عبد اللّه عليه السلام مثله. «2»

و هذا الحديث رُدَّ أولًا: بأنه أخص من مدعي القائل بالجواز؛ لأن مورده الولد الصغير.

و يردّ ذلك ما في ذيل الرواية من الاستدلال بقول النبي صلي الله عليه و آله، غير أنه يُردّ أيضاً برواية الحسين بن أبي العلاء قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: ما يحل للرجل من مال ولده؟ قال: قوته بغير سرف إذا اضطر إليه، قال: فقلت له: فقول رسول اللّٰه صلي الله عليه و آله للرجل الذي أتاه فقدم أباه فقال له: أنت و مالك لأبيك؟ فقال: إنما جاء بأبيه إلي النبي صلي الله عليه و آله فقال:

يا رسول اللّٰه صلي الله عليه و آله هذا أبي و قد ظلمني ميراثي من امّي فأخبره الأب أنه قد أنفقه عليه و علي نفسه، فقال: أنت و مالك لأبيك و لم يكن عند الرجل شي ء، أو كان رسول الله صلي الله عليه و آله يحبس الأب للابن». «3»

______________________________

(1)- الحدائق الناضرة: 14/ 109.

(2)- تهذيب الأحكام: 5/ 15.

(3) وسائل الشيعة: ب 78 من أبواب ما يكتسب به ح 7.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 269

قال في الحدائق: (و هذا الخبر و إن كان سنده ضعيفاً في الكتابين المذكورين (الكافي و الفقيه) إلا أن الصدوق رواه أيضاً في كتاب معاني الأخبار عن أبيه، عن أحمد بن إدريس «1» قال: حدثنا محمد بن أحمد عن محمد بن عيسي عن علي بن الحكم عن الحسين ابن أبي العلاء و هو ظاهر الصحة إلي الحسين و حسن به). «2»

و ثانياً: بحمله علي أخذه من مال ابنه قرضاً و استدانةً كما في الدروس.

و ثالثاً: بأن هذا الحديث من جملة الروايات الدالة علي جواز أخذ الوالد من مال الولد المعارضة بالروايات الدالة علي عدم الجواز و الطائفة الاولي معرض عنها.

و قال في الحدائق: (اتّفاق الطائفة المحقة قديماً و حديثاً علي عدم العمل بأخبار جواز الأخذ، مضافاً إلي مخالفتها لمقتضي القواعد الشرعية) «3»

و اشتمال هذا الخبر بالحج ليس لخصوصية الحج، بل ذكر الحج فيه تمثيلًا، كخبر الجارية، و خبر العتق ذكر هذا أيضاً في الحدائق.

و أما وجه القول بعدم الجواز فيكفي فيه إطلاق ما يدل من الكتاب و السنّة علي حرمة مال الغير إلا بطيب نفسه، و بالتجارة عن تراضٍ، مضافاً إلي الإطلاقات الدالة علي حرمة أخذ الوالد من مال ولده.

فإن قلت: إذا كان

الخبر واجداً لشرائط الاعتبار فسقوطه عن الحجية بالإعراض كلًّا أم بعضاً يدور مدار ذلك، فإن كان بكل مضمونه معرضاً عنه فهو، و إلّا فحجيته بالنسبة إلي المضمون الذي لم يثبت الإعراض عنه باقية علي حالها.

و إن شئت قلت: إن ما ثبت من عدم عمل القوم بالطائفة المجوزة هو في غير

______________________________

(1)- من صغار الطبقة الثامنة، ثقة فقيه، كثير الحديث.

(2)- الحدائق الناضرة: 14/ 113.

(3)- الحدائق الناضرة: 14/ 115.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 270

حج الوالد من مال الولد و إنفاقه منه في معيشته علي وجه الاقتصاد، و علي هذا فيقيد إطلاق الأدلة المانعة بذلك.

و بالجملة: أن كان رفع اليد عن الأخبار المجوزة لأجل الإعراض عنها فنقول: لم يثبت إعراضهم بقول مطلق، بل الثابت خلافه.

قلت: نعم، الأمر كما ذكر لو لم تكن إلا الطائفة المجوزة، أما مع وقوع التعارض بينها و بين الطائفة المانعة فلم يعلم أن عدم العمل بالطائفة المجوزة كان لإعراضهم عنها، بل ربما كان ذلك من أجل تعارضهما و تساقطهما عن الحجية به، أو لترجيح الطائفة المانعة علي الاخري لكونها موافقةً للكتاب و السنّة، و لكون الطائفة المجوزة موافقةً للتقية و علي هذا تسقط المجوزة بتمامها عن الحجية. و اللّٰه العالم.

[مسألة 82] إذا حج المستطيع بغير ماله أو متسكعاً

مسألة 82- لا يجب علي المستطيع أن يحج من ماله، فلو حج ببذل الغير و بنفقته أو متسكعاً يجزيه، بل لو غصب مال الغير و أنفقه في سبيل الحج أو غصب عين ما يحتاج إليه من الزاد و الراحلة لا يضر ذلك بصحة حجه إذا لم يكن عين ثوب طوافه و سعيه و هديه مغصوباً و إن كان ثمنها مغصوباً و لكن اشتراها بالذمة و بالثمن الكلي، فلا يصحّ إذا كان عين ثوبه في الطواف

و السعي مغصوباً أو اشتراها بعين الثمن المغصوب، سواء قلنا في مسألة اجتماع الأمر و النهي بالامتناع أو بالجواز.

أما علي القول بالامتناع و ترجيح جانب النهي فلا ريب في بطلان الطواف و السعي و الحج، و علي القول بالجواز أيضاً الحكم هو بطلانها؛ لعدم صلاحية ما يكون ملازماً لما يبعد عن المولي للتقرب به إليه.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 271

و يمكن أن نقول في خصوص الساتر في الطواف- بناءً علي اعتبار الستر فيه كالصلاة بل و في لباسه بناء علي اعتباره في الطواف-: إنّ ما هو المأمور به في الطواف لا يمكن أن يكون بالمحرَّم، فلا يكون مصداقاً للواجب، فهو خارج عن كونه مأموراً به و عن محلّ النزاع في مبحث اجتماع الأمر و النهي، و أما اللباس غير الساتر- علي القول باعتبار خصوص الساتر في الطواف- و لباس الساعي و ساتره فهما واردان في المبحث المذكور، فنبحث فيه أن مثل الطواف المأمور به أو السعي مع اللباس المغصوب هل يتّحد مع الغصب، أو يسري النهي عنه إلي الطواف و السعي المأمور بهما، أم لا؟

نعم، يدخل تمام المسألة في النزاع إن قيل بعدم اعتبار الساتر في الطواف مطلقاً، أو كفاية ستر العورة بمثل اليد أو الحشيش أو غيرهما.

و أما لباس الإحرام فالظاهر أن غصبيته لا تمنع من تحقق الإحرام فيه فلا يضر بصحة الإحرام، كما يأتي- إن شاء اللّٰه تعالي- في المسائل الآتية، كما لا يضر بصحة الحج، إلا أنه حيث يكون واجباً من واجبات الحج يجب الإتيان به بالثوب المباح.

اللهمّ إلّا أن يمنع ذلك أيضاً، غير أن ستر العورة حيث يكون واجباً علي الرجال، بل و ستر سائر البدن إذا كان في معرض نظر

الناظر المحترم و حيث لا يجوز لهم المخيط وقع العادة علي لبس ثوبي الإحرام. و سيأتي تمام الكلام في ذلك إن شاء اللّٰه تعالي.

[مسألة 83] الاستطاعة البدنية
اشارة

مسألة 83- لا ريب و لا خلاف في الجملة في اشتراط وجوب الحج بالاستطاعة البدنية، فالمريض الذي لا يقدر علي الركوب علي المركب

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 272

المحتاج إليه للسير إلي الحج لا يجب عليه الحج بالمباشرة.

غير أنه وقع الكلام بينهم في أن عدم الوجوب عليه هل هو أعم من المباشرة و التسبيب، أو أنّه مختصّ بصورة المباشرة؟ أما إذا أمكن له التسبيب بالاستنابة يجب عليه أن يستنيب.

نعم، لو كان له الاستطاعة المالية بما يكفي للحج بمباشرته و لا يكفي للاستنابة فلا كلام في سقوطه عنه مطلقاً.

و أما وجوبه علي العاجز من المباشرة إذا حصلت له الاستطاعة المالية للاستنابة دون المباشرة فلعلّ حكمه يظهر ممّا نذكره في المباحث الآتية.

ثمّ إنّ مقتضي الأصل في المسألة عدم وجوب الاستنابة علي العاجز من المباشرة كسائر التكاليف، و علي هذا لا حاجة إلي إقامة الدليل علي عدم الوجوب إن لم يتم الاستدلال للوجوب بما استدل له.

و حيث إنّ للمسألة ربطاً تامّاً بمسألة وجوب الاستنابة علي من استقر عليه الحج ثمّ عجز عن إتيانه بالمباشرة ربما يقال بأنّ الأولي تقديم البحث عن هذه المسألة، ثمّ البحث عن مسألتنا هذه إن انتهينا في تلك المسألة إلي وجوب الاستنابة، و إلّا فلا يبقي مجال للبحث عن وجوبها في مسألتنا هذه لأن القول بعدمه فيها أولي.

و لكن يجري في تقديم البحث عن مسألتنا هذه علي الاخري أيضاً أن البحث إن انتهي فيها إلي وجوب الاستنابة لا يبقي مجال للبحث عنه في تلك المسألة؛ لأولوية القول به فيها عن مسألتنا.

مضافاً

إلي أن القول بعدم الوجوب في المسألتين موافق للأصل، و إنما نفحص فيهما عن الدليل علي الوجوب، فإن وصلنا إليه في مسألتنا يكفينا في المسألة الاخري، بخلاف إن وجدناه في تلك المسألة فإنه لا يغنينا عن الفحص عن الدليل

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 273

علي الوجوب في مسألتنا، و علي كلِّ حالٍ فكلامنا يقع في مقامين:

المقام الأول: في من حصل له الاستطاعة المالية الوافية للحج بالمباشرة و الاستنابة و عجز عن الحج في سنة الاستطاعة، و الكلام فيه يقع في موضعين:

الأول: في أقوال الأصحاب رضوان اللّٰه تعالي عليهم:

فنقول: حكي في الجواهر القول بالوجوب: عن الإسكافي و الشيخ و أبي الصلاح و ابن البراج، و الحسن في ظاهره، و الفاضل في التحرير و الميل إليه في منتهاه، و ظاهر المحقق في الشرائع، و الإجماع من الخلاف «1».

و إليك عبائر بعضهم: قال أبو الصلاح في الكافي: (و من تعلق عليه التمكن بالسعة في المال و منعه مانع فليخرج عنه نائباً يدفع إليه من ماله ما يكفيه لنفسه و أهله). «2»

و قال الشيخ في النهاية: (فإن حصلت الاستطاعة و منعه من الخروج مانع من سلطانٍ أو عدوٍّ أو مرضٍ و لم يتمكن من الخروج بنفسه كان عليه أن يُخرِج رجلًا يحج عنهُ فإذا زالت عنه بعد ذلك الموانع كان عليه إعادة الحج … و إن لم تزل الموانع عنه و أدركه الموت كان ذلك مجزئاً عنه). «3»

و قال في الخلاف: (مسألة: الذي لا يستطيع الحج بنفسه و أيس من ذلك إما بأن لا يقدر علي الكون علي الراحلة، أو يكون به سبب لا يرجي زواله و هو العضب و الضعف الشديد من الكبر، أو ضعف الخلقة بأن يكون ضعيف

الخلقة في بدنه لا يقدر أن يثبت علي مركب يلزمه فرض الحج في ماله بأن يكتري من يحج عنه، فإن فعل ذلك سقط الفرض، و به قال في الصحابة علي عليه السلام- إلي أن قال: - دليلنا: إجماع

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 17/ 281.

(2)- الكافي للحلبي: 219.

(3)- النهاية: 203.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 274

الفرقة، و طريقة الاحتياط). «1»

و قال في المبسوط: (المعضوب الذي لا يقدر أن يستمسك علي الراحلة من كبر أو ضعف إلّا بمشقة عظيمة و له مال لزمه أن يحج عنه غيره). «2»

و قال ابن البراج في المهذّب: (إذا وجب الحج علي المكلف و منعه من الخروج لأدائه مانع من سلطانٍ أو مرض أو عدوٍّ- علي وجهٍ لا يمكنه معه الخروج لذلك بنفسه كان عليه إخراج نائبٍ عنه). «3»

و قال المحقق في الشرائع: (و لو منعه عدو أو كان معضوباً لا يستمسك علي الراحلة أو عدم المرافق مع اضطراره إليه سقط الفرض، و هل يجب الاستنابة مع المانع من مرضٍ أو عدوٍّ؟ قيل: نعم، و هو المروي، و قيل: لا). «4»

و قال الشهيد في الدروس: (و سادسها: الصحة من المرض و العضب، و هو شرط في الوجوب البدني لا المالي، فلو لم يتضرر بالركوب وجب). «5»

و قال في اللمعة: (و في استنابة الممنوع بكبرٍ أو مرضٍ أو عدوٍّ قولان، المروي عن عليٍّ عليه السلام ذلك). «6»

القول الثاني: عدم وجوب الاستنابة: و هو علي ما في الجواهر «7» مختار ابني إدريس و سعيد، و المفيد في ظاهره، و الفاضل في القواعد، و المختلف و غيرهم. و إليك أيضاً بعض كلمات هؤلاء رضوان اللّٰه تعالي عليهم:

______________________________

(1)- الخلاف: 10/ 372.

(2)- المبسوط: 1/ 299.

(3)- المهذب: 1/ 268.

(4)- شرايع الإسلام:

1/ 165.

(5)- الدروس الشرعية: 1/ 313.

(6)- اللمعة/ 53.

(7)- جواهر الكلام: 17/ 284.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 275

قال في السرائر- بعد نقل وجوب الاستنابة عن الشيخ-: (هذا غير واضح؛ لأنه إذا منع فما حصلت له الاستطاعة التي هي القدرة علي الحج، و لا يجب عليه أن يخرج رجلًا يحج عنه، لأنه غير مكلف بالحج حينئذ بغير خلاف، و إنما هذا خبر أورده إيراداً لا اعتقاداً). «1»

و قال العلامة في القواعد: (فلا يجب علي المريض المتضرر بالركوب و السفر، و لو لم يتضرر وجب، و هل علي المتضرر الاستنابة؟ الأقرب العدم). «2»

و قال في الإرشاد: (لا يجب علي الممنوع لمرضٍ أو عدوٍّ الاستنابة علي رأي). «3»

القول الثالث: الاستحباب: قال الهذلي في الجامع: (و من كان مريضاً أو منعه ذو سلطان أو عدوّ من الحج استحب له أن يحج عنه غيره، فإذا زال المانع وجب عليه بنفسه). «4»

و قد ظهر أن المسألة من حيث الأقوال مختلف فيها لم يقم علي واحدٍ منها إجماع و اتفاق، و إن كان لا يبعد صحة دعوي الشهرة بين المتقدمين علي الوجوب.

و يحتمل أن يكون القول الثالث في خصوص العذر المرجوّ الزوال دون غيره، فتكون المسألة علي قولين.

الموضع الثاني: فيما استدل به أو يمكن الاستدلال به علي وجوب الاستنابة من الكتاب و السنة.

أمّا الكتاب فيستدل به أنّ الحج المجعول علي الناس أعم مما يقع بالمباشرة أو

______________________________

(1)- السرائر: 1/ 516.

(2)- قواعد الأحكام: 1/ 75.

(3)- إرشاد الأذهان: 1/ 311.

(4)- الجامع للشرائع/ 173.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 276

التسبيب، فيجب علي كل مكلف مستطيع أن يأتي بهذه المناسك بالمباشرة إن كان قادراً بنفسه، و إن كان عاجزاً عنه فبالتسبيب، و ليس معني ذلك التخيير بين المباشرة و

التسبيب، كالإنفاق علي الفقراء، و إشباع الجائع، و إكساء العاري يكون المكلف في فعل هذه الأفعال مخيراً بين الإتيان به بالمباشرة أو التسبيب، بل معناه وجوبه علي القادر بالمباشرة، و علي العاجز بالاستنابة كالقادر علي الطواف و صلاته و العاجز عنهما، و هذا القيد إنما جاء من قبل نفس الحج النيابي حيث لم يشرع للقادر عليه بالمباشرة، بخلاف إطعام المسكين فيحتمل أن يكون معني «وَ لِلّٰهِ عَلَي النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ»: أن الحج علي عهدتهم، فعلي القادر عليه بالمباشرة الحج بنفسه، و علي العاجز عنه القادر عليه بالتسبيب الحج بالتسبيب، فالمراد بالناس أعم من القادرين علي الحج بأنفسهم و من القادرين عليه بالاستنابة، فليس المراد بالناس هنا من هذه الجهة طائفة خاصة دون غيرهم بعد ما ثبت بالأدلة إمكان الإتيان بالحج بالاستنابة.

لا يقال: هذا خلاف الظاهر، فإن القدرة علي الفعل بالمباشرة شرط لتعلق التكليف به. و بعبارةٍ اخري: الظاهر أن الفعل المباشري متعلق للتكليف دون الأعم منه و من التسبيبي.

فإنّه يقال: هذا إذا لم يعلم جواز تحقق الفعل بالاستنابة، و لا شك في أن المكلف إذا كان عاجزاً عن المباشرة يجوز له الاستنابة و حج البيت بها، إذاً فيجب عليه حج البيت كما يجب علي القادر، و لتكن الروايات أيضاً كالشرح و التفسير للآية.

قد فسرت الاستطاعة في الروايات تفسيراً للآية الكريمة تارةً بأن يكون له مال أو زاد و راحلة أو ما يحج به، و اخري بأن يكون صحيحاً في بدنه مخلي سربه له زاد و راحلة.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 277

فيمكن أن يقال في مقام التوفيق بين الطائفتين بقرينة أخبار جواز الحج النيابي: إنّ المشروط بوجوده وجوب الحج بحيث لا يتخلف وجوبه نيابياً أو مباشرة

عنه هو الاستطاعة بالمال، و أما صحة البدن و تخلية السرب فهما معتبران في القدرة العقلية للحج المباشري الذي هو فرض الواجد لهما.

و عن تفسير غرائب القرآن: (إن الاستطاعة نوعان: استطاعة مباشرته بنفسه، و استطاعة الاستنابة). «1»

و ما ذكرناه يمكن استفادته من كلام العلامة قدس سره في التذكرة، فإنه أجاب عمّن يقول بعدم وجوب الاستنابة بعدم حصول الاستطاعة للمنوب عنه بأنّا نمنع عدم الاستطاعة؛ لأنّ الصادق عليه السلام فسّرها بالزاد و الراحلة. «2»

فهذا الذي قلناه يستفاد من ملاحظة الروايات و التأمل فيها و التوفيق بينها، إذاً لا وجه لردّ احتمال أن يكون المراد من حج البيت: الأعم من المباشري منه و النيابي.

هذا، مضافاً إلي أن ما يحتاج إلي التفسير بل إلي التنبيه إليه في الآية هو الاستطاعة المالية الشرعية، و إلا فاشتراط الحج و غيره بالقدرة البدنية و تخلية الطريق داخل في القدرة العقلية، و الإشارة إليهما في الروايات أيضاً لا تكون تفسيراً للاستطاعة المذكورة في الآية، بل بيِّن إيضاحاً، فعلي هذا يجب علي العاجز المستطيع الاستنابة.

و في الختام ننقل ما في مجمع البحرين في هذا الموضوع، قال: (قوله تعالي:

«وَ لِلّٰهِ عَلَي النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا» أي من قدر علي ذلك. قيل:

______________________________

(1)- غرائب القرآن للنيشابوري القمي: 1/ 345 قال ما هذا لفظه: (و الاستطاعة نوعان: استطاعة مباشرته بنفسه، و استطاعة تحصيله بغيره).

(2)- تذكرة الفقهاء: 1/ 303.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 278

إنها شاملة للمستطيع بنفسه و غيره، فيدخل المعضوب الواجد من يحج عنه وجه التناول، علي ما قيل، مع أن قيام فعل الغير مقام فعل الشخص مجاز مبنيّ علي إعراب الآية و فيه ثلاثة أوجه: أحدها إضافة «حج» الذي هو مصدر إلي المفعول

«من» هو الفاعل، و تقديره: أن يحج المستطيع البيت. و الثاني كذلك، إلا أنّ «من» شرطية جزاؤها محذوف، التقدير: من استطاع إليه سبيلًا فليفعل. الثالث بدل بعض من كل. و التقدير: علي المستطيع من الناس حج البيت، فعلي الأول يكون الحمل علي الأمرين جمعاً بين الحقيقة و المجاز. و علي الثاني و الثالث لا يكون جمعاً بينهما).

و هذا غير ما قلناه، فإنّا نحمل الآية علي الوجه الثالث، و نقول: إن حج البيت مباشري و استنابي، و الأول يتأتّي من الصحيح القادر، و الاستنابي من العاجز، فالصحيح القادر علي المباشرة يجب عليه الحج بنفسه، و المستطيع العاجز يجب عليه الاستنابة. و ينبغي أن يحمل الروايات علي هذا المعني حتي يرتفع كل تهافتٍ ظاهريٍّ بينها. و اللّٰه أعلم.

و مع ذلك نقول: اللّٰه و حججه عليهم السلام هم العالمون بأحكامه تعالي و تفسير كتابه، و نعوذ باللّٰه من أن نفسّر القرآن بالرأي و الاجتهاد و نقول فيه ما ليس ظاهراً فيه أو لا يدل عليه تفسيرهم، إذاً فلم نقل ما قلناه إلّا علي سبيل الاحتمال و جواز كون روايات الباب تفسيراً للكتاب، فلنرجع إلي الروايات:

فمنها: صحيح الحلبي الذي رواه الكليني: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن: أبي عمير عن حماد عن الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام و لفظه: قال: «إن كان رجل موسر حال بينه و بين الحج مرض أو أمر يعذره اللّٰه- عز و جل- فيه فإن عليه أن يحج عنه صرورة لا مال له» «1». و رواه الصدوق (بإسناده الصحيح عن طريقين

______________________________

(1)- الكافي: 4/ 273 ح 5، من لا يحضره الفقيه: 2/ 260 ح 148.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 279

عن الحلبي و

لفظه: «إن كان موسراً حال بينه».

و رواه الشيخ في التهذيب

بإسناده الصحيح إلي موسي بن القاسم «1» عن ابن أبي عمير عن حماد عن الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا قدر الرجل علي ما يحج به ثمّ رفع ذلك و ليس له شغل يعذره اللّٰه فيه فقد ترك شريعة من شرايع الإسلام فإن كان موسراً و حال بينه و بين الحج مرض أو حصر أو أمر يعذره اللّٰه فيه فإن عليه أن يحج عنه من ماله صرورة لا مال له» إلي آخر الحديث. «2»

و الحديث حسنة بسند الكليني و صحيح بسند الصدوق و الشيخ، و إطلاقه يشمل ما استقر عليه الحج و من حصلت له الاستطاعة في سنته إن لم نقل بأنه ظاهر فيه، و اشتماله علي ما لم يعملوا بظاهره- و هو وجوب استنابة الصرورة، بل ادعي الإجماع علي كفاية استنابة غيره- لا يضر بأصل وجوب الإحجاج و الاستنابة.

مضافاً إلي أنه قابل للحمل علي أن المراد منه أن النائب يجب أن لا يكون مستطيعاً و لا تكون ذمته مشغولة بحج نفسه، أو يحمل علي أفضل الأفراد، و إلا فنأخذ به؛ لأن عدم إفتائهم بذلك يمكن أن يكون لكونه عندهم ظاهراً فيما ذكرنا.

هذا، و لكن التأمل في لفظ رواية الشيخ في التهذيب يوجب ظهور الرواية في من استقر، فلا يبقي مجال للاستدلال بصحيح الحلبي علي ما نحن فيه.

تنبيه:

(1) تستفاد من بحثنا هذا نتائج مهمة تفيد الباحث و الذي في صدد الاستنباط، و لعله لا يستغني عنها في كثير من المباحث:

______________________________

(1)- ابن معاوية بن وهب من أصحاب الرضا عليه السلام ثقة ثقة، له ثلاثون كتاباً. و هو من الطبقة السابعة.

(2)- تهذيب الأحكام: / 403

ح 51.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 280

1- اللازم علي الفقيه أن لا يكتفي بالمراجعة إلي كتاب واحد من الجوامع الأولية الأربعة دون سائرها إذا احتمل رواية الحديث في غيرها، فلعل للرواية لفظ غير لفظ هذا الكتاب يوضّح معني الحديث و يوجب قلب استظهارنا من لفظه في كتابنا المشار إليه.

و الدليل علي هذه الحاجة و عدم تمامية الاستنباط بقصر المراجعة إلي جامع واحد هو هذا الصحيح، فقد رواه في الكافي كحديث مستقل، مع أنّا وجدناه في التهذيب قطعةً مما رواه الحلبي أسقط عنه صدره و ذيله.

هذا، و الصدوق أيضاً لم يذكر منه غير هذه القطعة، إلّا أنّ الناقد البصير يفهم من لفظه أن الحديث ليس بتمامه ما أخرجه.

و قد ظهر في ضمن البحث اختلاف ما يستفاد مما رواه الكليني و الصدوق- قدس سرهما- مع ما يستفاد مما رواه الشيخ.

2- ينبغي أن لا يغترّ الباحث الفقيه بعدم التقطيع بمجرد كون صورة الحديث تامّةً من دون تقطيع، فهذه رواية الكافي لا يظهر منها أي تقطيع مع أن الظاهر أنها قطعة من رواية الشيخ في التهذيب، فمع احتمال التقطيع يجب الفحص و لا يجوز التسرع إلي الفتوي.

3- لا ينبغي الاعتماد علي قولهم: «مثله» أو «نحوه» لأنه ربما يدخل في ذلك الاجتهاد من صاحب الكتاب كما نري في هذا الحديث في الوسائل، و إن كان ظاهر قولهم: «مثله» كون الحديث بتمامه و بألفاظه عين الحديث السابق.

4- لا ينبغي الاتّكال علي عناوين أبواب مثل الوسائل فإنها حصيلة ما استفاده صاحبه من الأحاديث بضمها إلي بعض، و غير ذلك من الوجوه.

و أما خبر علي بن أبي حمزة الذي رواه الكليني عن محمد بن يحيي، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد،

عن القاسم بن محمد، عن علي بن أبي حمزة قال: «

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 281

سألته عن رجل مسلم حال بينه و بين الحج مرض أو أمر يعذره اللّٰه فيه فقال: عليه أن يُحجَّ عنه من ماله صرورة لا مال له» «1»، فهو مضمر، مضافاً إلي ضعفه بابن أبي حمزة و القاسم بن محمد.

و ربما يقال بأن ظاهر الخبرين هو وجوب الإحجاج لا الاستنابة، فهما بظاهرهما معرض عنهما.

و لكن يردّ ذلك: بأن ظاهر هذا التعبير في مثل المقام بمناسبة الحكم و الموضوع هو الاستنابة و نيابة الغير عنه، و كون حجه بدلًا عن حجه و قائماً مقامه، و قوله:

«فعليه أن يحج» مثل قوله في الخبر الآتي: «فليجهز».

و من الروايات: ما رواه الكليني: عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد «2»، عن الحسين بن سعيد عن فضالة بن أيوب «3» عن القاسم بن بريد «4» عن محمد بن مسلم «5» عن أبي جعفر عليه السلام قال: «كان علي عليه السلام يقول: لو أن رجلًا أراد الحج فعرض له مرض أو خالطه سقم فلم يستطع الخروج فليجهز رجلًا من ماله ثمّ ليبعثه مكانه». «6»

و ظاهره حجة الإسلام فيدل علي الوجوب؛ لأن جواز الاستنابة و التجهيز

______________________________

(1)- الكافي 4/ 273 ح 3.

(2)- المرويّ عنه إن كان أحمد بن محمد بن عيسي فعدّته خمسة، و هم: محمد بن يحيي، و أحمد بن إدريس، و علي بن إبراهيم، و داود بن كورة، و علي بن موسي الكميداني. و إن كان أحمد بن محمد بن خالد فهم أربعة: علي ابن إبراهيم، و علي بن محمد بن عبد اللّه بن بندار ابن بنت البرقي، و أحمد بن عبد اللّه ابن ابنه، و

علي بن الحسين السعدآبادي.

(3)- من السادسة و ممن أجمع أصحابنا علي تصحيح ما يصح عنهم …

(4)- ابن معاوية من الخامسة ثقة له كتاب.

(5)- محمد بن مسلم من الرابعة أمره أجل من أن يذكر.

(6)- الكافي: 4/ 273 ح 4.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 282

للحج- سواء كان الشخص مريضاً أو صحيحاً- أمر مفروغ عنه و ما هو محتاج إلي البيان تكليف من أراد حجة الإسلام فعرض له المانع.

و بالجملة: فالظاهر أن الحديث الشريف وارد في بيان حكم المستطيع العاجز عن حجة الإسلام بالمرض.

و منها: ما رواه الكليني: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن عبد اللّه بن المغيرة، عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إن أمير المؤمنين- صلوات اللّٰه عليه- أمر شيخاً كبيراً لم يحج قط و لم يطق الحج لكبره أن يجهز رجلًا يحج عنه» «1». و رواهما الشيخ و الصدوق.

و مثله صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إن علياً عليه السلام رأي شيخاً لم يحج قط و لم يطق الحج من كبره فأمره أن يجهز رجلًا فيحج عنه». «2»

فالظاهر أن موردهما هو من استقر عليه الحج، أو أنهما في قضية واقعة لا نعلم أن الشيخ المذكور في الروايتين قد استقر عليه الحج قبل عجزه عنه، أو حصلت الاستطاعة المالية بعد عجزه.

اللّهم إلّا أن يقال: إن الإمام عليه السلام في حكايته تلك القضية حيث لم يذكر حال الشيخ من حيث استقرار الحج عليه و عدمه يستفاد منه الإطلاق، و أن ما هو الموضوع لوجوب الحج هو أعم ممن استقر عليه و من عجز عنه في سنة استطاعته.

و لكن يمكن أن يقال: إن هذا يتم لو

بقيت الحكاية بدون هذا الإطلاق بلا فائدة و لا يكون الإمام عليه السلام في مقام بيان حكم من استقر عليه الحج، و أما إذا احتملنا كونه في مقام بيان خصوص هذا الحكم يسقط التمسك بالإطلاق.

______________________________

(1)- الكافي: 4/ 273 ح 2.

(2)- تهذيب الأحكام: 5/ 14 ح 38.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 283

إذاً نبقي نحن و خبر علي بن أبي حمزة و صحيح محمد بن مسلم، و الأول ضعيف بسنده، و الثاني فدلالته موقوفة علي كون المراد من الحج فيه حجة الإسلام و هو ما قربنا و لا يبعد البناء عليه. فعلي ذلك كله يجب الاستنابة علي العاجز في سنة حصول الاستطاعة المالية له.

فإن قلت: إطلاق هذه الرواية و شمولها لمن لم يستقر عليه الحج معارض بإطلاق ما ورد في تفسير الاستطاعة «من كان صحيحاً في بدنه مخلي سربه له زاد و راحلة و هو ممن يستطيع الحج» فإنه يدل بمفهومه علي أن من لا يكون كذلك ليس بمستطيع، مضافاً إلي دلالة سياقه فإنه كما لا يكون من ليس له الزاد و الراحلة مستطيعاً كذلك من لم يكن صحيحاً في بدنه أيضاً لا يكون مستطيعاً.

قلت أولًا: لا يقاس عدم الزاد و الراحلة بعدم صحة البدن و عدم تخلية السرب، فإن مع عدم وجود الزاد و الراحلة و وجودهما لا يتمكن الشخص من الحج لا مباشرةً و لا استنابةً، و مع عدمهما و وجود الزاد و الراحلة يكون متمكناً من الاستنابة، فلا دلالة للسياق علي عدم كون غير الصحيح مطلقاً غير مستطيع للحج.

و ثانياً: أن ظهور المنطوق في الإطلاق أقوي من ظهور المفهوم، فيقيد إطلاق مفهوم قوله: «من كان صحيحاً في بدنه» بالنسبة إلي من يستطيع الحج بالاستنابة

و هو أولي من حمل صحيح محمد بن مسلم علي من استقر عليه الحج و تقييد إطلاقه بالنسبة إلي من لم يستقر عليه بإطلاق مفهوم من كان صحيحاً في بدنه، الشامل للقادر علي الاستنابة و العاجز عنها.

و بالجملة: رفع اليد عن المفهوم بإطلاق المنطوق مقبول عند العرف بكونه من مصاديق حمل الظاهر علي الأظهر.

هذا تمام الكلام في وجوب استنابة الحج علي المستطيع العاجز عن المباشرة الذي لم يستقر عليه الحج، و قد ظهر به أن الأظهر هو الوجوب. و اللّٰه تعالي هو العالم.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 284

المقام الثاني: في من استقر عليه الحج ثمّ عجز عنه بعد ذلك.

اعلم: أن وجوب استنابة الحج في هذه الصورة أولي من الصورة الاولي، و بعد إثبات وجوبها فيها لا نحتاج إلي إقامة الدليل لإثبات وجوبها في هذه الصورة، و مع ذلك نقول: لو لم نذهب إلي وجوب الاستنابة علي المستطيع الذي عجز عن الحج في سنة استطاعته، فمقتضيٰ صحيح الحلبي الذي مر الكلام فيه، و صحيح معاوية بن عمار، و صحيح عبد اللّه بن سنان، و إطلاق صحيح محمد بن مسلم هو وجوب الاستنابة عليه.

هذا، مضافاً إلي أنه لم يعلم من أحد خلاف في ذلك، بل حكي المستند عن المسالك و الروضة و المفاتيح و شرحه و شرح الشرائع للشيخ علي و غيرها الإجماع عليه «1».

ثمّ إنّ هنا روايتين حاكيتين عن حكم أمير المؤمنين عليه السلام قيل بأنه يظهر منهما استحباب الاستنابة و كون المستطيع المستقر عليه الحج مختاراً فيها، لتعليقها علي المشيئة.

إحداهما: ما رواه الشيخ في التهذيب بسنده، عن سلمة أبي حفص، عن أبي عبد اللّه، عن أبيه عليهما السلام: «أنّ رجلًا أتي علياً عليه السلام و

لم يحج قطّ فقال: إني كنت كثير المال و فرطت في الحج حتي كبر سني قال: فتستطيع الحج؟ قال: لا، فقال له علي عليه السلام: إن شئت فجهز رجلًا ثمّ ابعثه يحج عنك». «2»

ثانيتهما: ما رواه الكليني بسنده، عن عبد اللّه بن ميمون القداح، عن جعفر، عن أبيه عليهما السلام: «أنّ علياً- صلوات اللّٰه عليه- قال لرجلٍ كبيرٍ لم يحج قط: إن شئت

______________________________

(1)- مستند الشيعة: 1/ 166.

(2)- تهذيب الأحكام: 5/ 360 ح 1599.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 285

أن تجهز رجلًا ثمّ ابعثه أن يحج عنك». «1»

و الجواب عنهما: أنّ هذا غير ظاهر في نفي الوجوب؛ لاحتمال عدم إرادة مفهوم الشرط، و احتمال أن يراد: إن شئت أن تأتي بالحج الواجب، أو إن شئت فراغ ذمتك.

هذا، مضافاً إلي ضعف سند الخبرين، أما الرواية الاولي فضعفه بسلمة أبي حفص حيث لم يذكر تعريفه في كتب الرجال. و أما الرواية الثانية فضعفه بسهل بن زياد علي ما قاله بعض، و إن قوينا جواز الاعتماد عليه في السابق. و قيل: بجعفر بن محمد الأشعري، لأنه لم يعلم أنه هو جعفر بن محمد بن عبيد اللّٰه الذي هو من رجال كامل الزيارة أو غيره، و لكنه كان هو أو غيره لم يذكر بمدح و لا قدح، و الظاهر كما أثبته سيدنا الاستاذ- أعلي اللّٰه مقامه- أنهما واحد.

و ينبغي التنبيه علي فروع:
الفرع الأول: لا ريب في أنه لا يجوز الاستنابة إذا تيقن بزوال العذر و إمكان الإتيان به بالمباشرة،

و الظاهر أن هذا مورد الاتفاق و الإجماع. و أما إذا لم يعلم ذلك فإما أن يعلم عدم زوال العذر فلا ريب في وجوب الاستنابة و عدم جواز التأخير، و في حكمه اليأس من زواله.

و هل يجب عليه إذا لم ييأس من الزوال و احتمله احتمالًا عقلائياً، أم لا؟ قيل:

إنّ المشهور اختاروا عدم

الوجوب. بل قيل: ربما ادعي الإجماع عليه.

و ربما يوجه الوجوب بظاهر بعض الروايات مثل صحيح الحلبي: «و إن كان موسراً و حال بينه و بين الحج مرض أو حصر أو أمر يعذره اللّٰه تعالي فيه فإن عليه أن يحج عنه من ماله صرورة لا مال له»، و مضمر ابن أبي حمزة: «حال بينه

______________________________

(1)- الكافي: 4/ 272 ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 286

و بين الحج»، و صحيح ابن مسلم: «لو أن رجلًا أراد الحج فعرض له مرض أو خالطه سقم فلم يستطع الخروج فليجهز رجلًا من ماله ثمّ ليبعثه مكانه».

و يمكن أن يجاب عنه: أما عن الصحيح و المضمر بأنهما يدلان علي حيلولة العذر بينه و بين طبيعة الحج فمن، حال بينه و بين حج سنته لا يقال: حال بينه و بين الحج بقول مطلق، و الظاهر أن هذا هو المتبادر إلي الذهن في مثل هذه الأحكام، فمثل قولنا: العاجز عن القيام يصلي قاعداً، أو من حال بينه و بين القيام في الصلاة العجز عن القيام فالمتبادر منه العجز في تمام الوقت عن جميع أفراد الصلاة قائماً.

و أما صحيح ابن مسلم فقد أجاب عنه بعض الأعاظم بأنه أجنبي عن المقام؛ لأن مورده الحج التطوعي الإرادي فلا يشمل ما لو وجب عليه الحج و لكن لا يتمكن من إتيانه مباشرة «1».

و فيه: أن الظاهر منه كما قلنا هو الحج الواجب، و أما بيان جواز الاستنابة ممن أراد الحج التطوعي بالمباشرة و لم يتمكن منه فهو أمر معلوم بين المسلمين لا يدور جوازه مدار إرادة الحج بالمباشرة و العجز عنها، و لا يحتاج بيانه إلي مثل هذا التعبير المفهوم منه مشروطية صحة الاستنابة بعروض المرض و السقم

المانع عن الحج. إلّا أنّ المستفاد من قوله عليه السلام: «و لم يستطع الخروج» هو مطلق الخروج.

و علي هذا كله فما يدل عليه هذه الروايات هو وجوب الاستنابة في صورة العجز المطلق عن الحج و عن الخروج إليه، فيجب الاستنابة في صورة العلم بعدم التمكن من المباشرة أو اليأس منها، نعم لا بأس به رجاءً و إن لم ييأس من زوال العذر.

______________________________

(1)- معتمد العروة: 1/ 246.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 287

الفرع الثاني: إذا حصل له اليأس من زوال العذر أو قام طريق إلي عدم زواله

كاستصحاب بقاء العذر، أو إخبار الطبيب فاستناب و بعد إتمام العمل ارتفع العذر فهل يجزيه ذلك عن حجة الإسلام، أو يجب عليه الحج مباشرة؟

قال في العروة: (المشهور أنه يجب عليه مباشرةً و إن كان بعد إتيان النائب، بل ربما يدعي عدم الخلاف فيه، لكن الأقوي عدم الوجوب؛ لأن ظاهر الأخبار أن حج النائب هو الذي كان واجباً علي المنوب عنه فإذا أتي به فقد حصل ما كان واجباً عليه، و لا دليل علي وجوبه مرةً اخري، بل لو قلنا باستحباب الاستنابة، فالظاهر كفاية فعل النائب بعد كون الاستنابة فيما كان عليه، و معه لا وجه لدعوي أن المستحب لا يجزي عن الواجب، إذ ذلك فيما إذا لم يكن المستحب نفس ما كان واجباً و المفروض في المقام أنه هو. بل يمكن أن يقال: إنه إذا ارتفع العذر في أثناء عمل النائب بعد الإحرام يجب عليه الإتمام و يكفي عن المنوب عنه. بل يحتمل ذلك و إن كان في أثناء الطريق قبل الدخول في الإحرام).

أقول: المكلف بإتيان الحج المباشري هو المستطيع المتمكن من إتيانه مباشرة، و المكلف بإتيان الحج بالتسبيب و بالاستنابة هو المستطيع العاجز عن المباشرة واقعاً، فإذا استناب من ليس عاجزاً واقعاً و

يكون متمكناً منه فانكشف الخلاف لا يجزيه حج النائب و يجب عليه الإتيان بالحج. و الأخبار إنما تدل علي أن حج النائب حج المنوب عنه إذا كان المنوب عنه عاجزاً عنه واقعاً بقول مطلق.

فالحق ما عليه المشهور. بل عن المستند: (من غير خلاف صريح منهم أجده، بل قيل: كاد أن يكون إجماعاً، و عن التذكرة أنه لا خلاف فيه بين علمائنا». «1»

هذا فيما إذا زال العذر بعد العمل و أما إذا زال عذر المنوب عنه في أثناء عمل

______________________________

(1)- مستند الشيعة: 2/ 164.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 288

النائب فعدم إجزائه عن حج المنوب عنه أولي من الفرع السابق، كما لا يخفي.

الفرع الثالث: في الصورتين المذكورتين اللتين يزول العذر فيها بعد العمل أو في الأثناء هل يكشف ذلك عن بطلان العمل و انفساخ الإجارة،

لتعلق الإجارة بعمل الحي الذي يطيق الحج و لا تقبل النيابة، كما اختاره بعض الأكابر و ادعي قطع الأصحاب به، و علي هذا يستحق النائب علي المستنيب أقل الأمرين من اجرة مثل عمله و اجرة المسمّي، و لا يجب في فرض زوال العذر في الأثناء إتمام العمل للخروج عن الإحرام؛ لأن إحرامه وقع باطلًا فله أن ينصرف من مكانه.

و في الدروس: (فالأقرب الإتمام) «1» و في المدارك احتمل الإتمام و التحلل أي بعمرة مفردة. «2»

أو نقول: بأنّ العمل لم يقع باطلًا، و الإجارة لا تنفسخ حتي و لو لم يشرع في العمل؛ و ذلك لأن النائب إنما يقبل النيابة عن المنوب عنه غير مقيد بكونها النيابة عنه لحجة الإسلام حتي يقال: إنها لا تجوز عن الحي، بل هو يستأجر و يستنيب لإتيان الحج بالنيابة عن المنوب عنه فإن كان ما في ذمته حجة الإسلام يقع حجة الإسلام، و إلّا فيقع مندوباً بالنيابة عنه فلا تنفسخ الإجارة علي كل حال حتي و إن زال العذر قبل

الشروع في العمل؟

نعم، إن كان وقوع المناسك حجة الإسلام مشروطاً بنيته ذلك تنفسخ الإجارة و يكون الحكم كما ذكرناه.

أما إذا اخترنا أن في وقوع الحج حجة الإسلام لا يعتبر أمر إلّا وقوعه من المستطيع و عدم قصده نية آخر، و وقوعه مندوباً أيضاً إذا صدر من غير المستطيع

______________________________

(1)- الدروس الشرعية: 1/ 313.

(2)- مدارك الأحكام: 7/ 58.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 289

لا يحتاج إلي أزيد من قصد القربة فعلي هذا استنابة الغير لأداء الحج نيابةً عن المنوب عنه يصح، و يجب علي النائب إتمامه و علي المنوب عنه اجرة المسمي فلا تنفسخ الإجارة و إن لم يشرع الأجير بعد في العمل، لأنه استنيب للحج النيابي الذي أتي أو يأتي هو به.

الفرع الرابع: الظاهر اختصاص الدليل علي وجوب الاستنابة بالعذر الطارئ،

فمن كان معذوراً خلقة إذا حصلت له استطاعة الاستنابة لا يجب عليه، فلا وجه للقول بوجوبه و إن كان الاحتياط لا ينبغي تركه.

الفرع الخامس: إذا لم يتمكن المعذور من الاستنابة

لفقد النائب، أو لعدم رضاه إلّا بمالٍ كثيرٍ لا يقدر عليه المستنيب، أو كان أداؤه إجحافاً و حرجاً عليه أو ضرراً أكثر مما يقتضيه طبع الاستنابة فهل يجب عليه الاستنابة بعد ذلك إذا وجد النائب و لو زالت استطاعته؟ و كذلك هل يجب الاستنابة من ماله إن مات في سنته هذه أو قبل وجود النائب، أم لا يجب مطلقاً سواء استقر عليه الحج أم لم يستقر، أو يجب عليه إذا كان الحج مستقراً عليه؟

أما إذا لم يجد النائب في سنة استطاعته فمات بعد ذلك أو زالت استطاعته قبل وجود النائب فلا يجب الاستنابة من ماله بعد موته، كما لا يجب عليه ذلك بعد سقوطه من الاستطاعة؛ لأنه لا وجه لوجوب الاستنابة عليه في صورة عدم الاستقرار، كما لا يجب عليه الحج المباشري إن زالت استطاعته قبل التمكن من الحج، و لا يجب الاستنابة له إن مات في سنة استطاعته.

الفرع السادس: إذا استناب مع رجاء الزوال ثمّ حصل اليأس منه بعد عمل النائب فهل يكتفي بذلك، أم يجب عليه إعادة الاستنابة؟

يمكن أن يقال: إن ما هو المعتبر في وجوب الاستنابة هو حيلولة المرض بينه و بين الحج واقعاً، و اليأس من زوال المرض طريق إليه لا دخل له فيما هو الموضوع

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 290

لوجوب الاستنابة، و مقتضي ذلك إجزاء عمل النائب عن المنوب عنه لتحقق ما هو موضوع الواجب و وجوبه واقعاً، و تحقق الواجب و إن لم يعلم المكلف بتحققه واقعاً و أتي به برجاء تحققه.

فما عن المدارك من القول بعدم الإجزاء لعدم وجود اليأس حين الاستنابة «1» إنما يتم لو كان ما هو الموضوع للوجوب اليأس من زوال العذر حتي لا يكون الوجوب إذا لم يكن اليأس، و قد عرفت عدم دخل اليأس في وجوب الاستنابة، كما لم يذكر في الروايات أيضاً.

الفرع السابع: إذا كان المريض العاجز عن المباشرة فاقداً لمالٍ يحتاج إليه في الذهاب إلي الحج

و لكن كان واجداً لما يكفي للاستنابة فهل يجب عليه الاستنابة، أم لا؟

الظاهر أن الاستطاعة المالية المعتبرة في وجوب الحج هي الاستطاعة للحج المباشري، و وجوب الاستنابة حكم المستطيع العاجز عن الحج بالمباشرة لا المريض الغير مستطيع، فلا يجب عليه الاستنابة و إن كان متمكناً منها، كما أنه يسقط عنه الحج إذا كان ماله وافياً للحج المباشري دون النيابي، و هذا ممّا يستفاد من الأدلة بمناسبة الحكم و الموضوع، و لذا إن كان إطلاق يشمله بظاهره يكون منصرفاً عنه.

الفرع الثامن: هل الحكم الجاري في حجة الإسلام في مسألتنا يجري في سائر أقسام الحج الواجب كالحج الواجب بالإفساد أو النذر، أم لا؟

أما الحج الواجب بالإفساد فإن كان هو الحج الواجب بالأصل فلا شك في أن حكمه وجوب الاستنابة إذا عجز عن المباشرة. و أما إذا كان عقوبة علي ما ارتكبه

______________________________

(1)- مدارك الأحكام: 7/ 57: (و لو حصل له اليأس بعد الاستنابة وجب عليه الإعادة؛ لأن ما فعله أوّلًا لم يكن واجباً فلا يجزي عن الواجب).

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 291

من المحظورات فالظاهر أنه لا يشمله هذا الحكم، فلا يجب عليه الاستنابة إذا كان عاجزاً عن الحج بالمباشرة.

نعم، إذا تمكن بعد ذلك يجب عليه، و مثل قوله عليه السلام: «عليه الحج من قابل»، لا يدل علي أكثر من وجوب الإتيان به فوراً.

و هكذا النذر إن كان موقتاً بسنة معينة و عجز عنه بالمرض فإن مقتضي القاعدة بطلانه، لعدم القدرة علي الإتيان بالمنذور، و لا وجه لوجوب الاستنابة.

و هكذا إذا كان غير موقّت و عجز عنه و يئس عن زوال عذره، فإنه إذا عجز عنه قبل وقتٍ يفي بإتيانه يكشف أيضاً عن بطلانه، و إذا عجز عنه بعد ذلك و تنجز عليه النذر بتركه عصياناً أو اختياراً حتي عجز عنه فالظاهر أيضاً عدم وجوب الاستنابة، و هذا حكم النذر

سواء كان متعلقاً بالحج أو غيره.

نعم، في الصوم إذا نذر مثلًا صوم يوم الخميس فصادف يوم العيد أو السفر، الحكم هو القضاء للنص، و هو أيضاً لا يرتبط بالاستنابة. و اللّٰه هو العالم.

الفرع التاسع: الظاهر كفاية الاستنابة من الميقات؛

لإطلاق الروايات مثل قوله عليه السلام في صحيح الحلبي: «فإنّ عليه أن يحج من ماله صرورة لا مال له «1»». و الإحجاج كما يصدق إذا كان من البلد يصدق إذا كان من الميقات. و قوله عليه السلام في صحيح ابن سنان و معاوية بن عمار: «أن يجهز رجلًا يحج عنه» «2» أيضاً صادق علي التجهيز من البلد و من الميقات.

و أما قوله عليه السلام في صحيح ابن مسلم: «فليجهز رجلًا من ماله ثمّ ليبعثه

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 24 من أبواب وجوب الحج و شرائطه ح 2.

(2)- المصدر السابق: ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 292

مكانه» «1»، فلا دلالة فيه علي لزوم كون البعث و الإرسال من بلد خاص، فهو أيضاً مطلق في ذلك.

الفرع العاشر: قال السيد رحمه الله في العروة: (و الظاهر كفاية حج المتبرع عنه في صورة وجوب الاستنابة

- إلي أن قال (: - الأحوط عدم كفاية التبرع عنه لذلك أيضاً). يشير إلي أن القدر المتيقن من أخبار الاستنابة عدم كفاية حج المتبرع عنه.

أقول: إن كان المراد من التبرع إتيان النائب العمل مجّاناً بإذن المنوب و باستنابته فلا ريب في كفايته، و إن كان المراد التبرع بالعمل من دون أن يأمره من عليه الاستنابة ففيه وجهان، و الأقوي عدم الإجزاء.

[مسألة 84] الاستطاعة الزمانية

مسألة 84- قال في العروة: (و يشترط أيضاً الاستطاعة الزمانية، فلو كان الوقت ضيقاً لا يمكنه الوصول إلي الحج أو أمكن لكن بمشقة شديدة لم يجب، و حينئذٍ فإن بقيت الاستطاعة إلي العام القابل وجب، و إلّا فلا).

أقول: إن كان المراد بالاستطاعة الزمانية استطاعة أزيد مما يتوقف عليه الحج، بأن يكون بحيث لا يقع من جهة الزمان في الحرج و المشقة فاعتبارها في الاستطاعة المشروطة عليها وجوب الحج وجيه مقبول، و ذلك لما قلنا و كررنا التصريح به: إن الاستطاعة المشروط عليها وجوب الحج ليست الاستطاعة اللغوية و العقلية التي هي شرط عام لجميع التكاليف، بل هي نحو من الاستطاعة العرفية التي يكون المكلف عند العرف غير مستطيع لإتيان العمل، كأن يقع في الحرج و المشقة

______________________________

(1)- المصدر السابق: ح 5.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 293

الشديدة.

و أما إذا كان الوقت ضيقاً بحيث لا يمكنه الوصول عادة أو عقلًا إلي الحج فوجوب الحج و إن كان مشروطاً بعدم مثل هذا الضيق إلا أنه من الشرائط العامة للتكاليف لا تندرج تحت الاستطاعة العرفية المأخوذة في لسان الدليل و الاستطاعة العرفية و الشرعية ما يدور مدار وجودها وجوب الحج علي القادر علي الحج بالقدرة العقلية. فذكر مثل هذه الاستطاعة هنا لا ينبغي إلا استطراداً، و لا حاجة

إلي نسبته إلي علمائنا علي ما حكي من التذكرة، و لا بالإجماع كما حكي عن كشف اللثام.

نعم، نسبته إليهم باشتراط الاستطاعة الزمانية لنفي حصولها إذا وقع في الحرج و الضيق الشديد في محله.

ثمّ إنه لا يخفي عليك أنه قد عنون العلامة هذا الفرع في مسألة مستقلة، و قال في ضمنه: (فلو حصلت الشرائط و قد ضاق الوقت بحيث لو شرع في السير لم يصل إلي مكة لم يجب الحج في ذلك العام عند علمائنا، و به قال أبو حنيفة و الشافعي و أحمد في إحدي الروايتين؛ لأنّ اللّٰه إنما فرض الحج علي المستطيع و هذا غير مستطيع، و لأن هذا يتعذر معه فعل الحج فكان شرطاً كالزاد و الراحلة. و قال أحمد- في الرواية الثانية-: إنه ليس شرطاً في الوجوب و إنما هو شرط للزوم الحج، لأنه فسر الاستطاعة بالزاد و الراحلة، و هو ضعيف). «1»

و في كلامه الشريف مواقع للتأمل و النظر، غير أن الظاهر أنه عنون الفرع للإشارة إلي خلاف أحمد فيه.

ثمّ إنه هل يجب عليه حفظ الاستطاعة إلي العام القابل؟ فيه تردد، و إن قلنا

______________________________

(1)- تذكرة الفقهاء: 1/ 306

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 294

بوجوب حفظ الاستطاعة المالية في سنتها إلي أوان الحج إذا كانت مقرونة بالاستطاعة البدنية و السربية، و الأقوي عدم الوجوب.

[مسألة 85] الاستطاعة السربية

مسألة 85- من جملة ما قالوا باشتراط وجوب الحج عليه الاستطاعة السربية، فلا يجب الحج إذا كان في الطريق مانع من الوصول إلي الميقات أو إلي تمام الأعمال، سواء كان الطريق منحصراً بواحدٍ أو كان أكثر و كان جميعه كذلك.

أقول: الظاهر أن هذا أيضاً داخل في ما هو شرط لعامة التكاليف و هو القدرة العقلية.

نعم، إذا كان المانع بحيث

لا يمكن معه الوصول إلّا بتحمل الحرج و المشقة الشديدة يمكن أن يقال: إنّ انتفاءه شرط لحصول الاستطاعة المعتبرة في وجوب الحج.

لا يقال: إن الاستطاعة المعتبرة في لسان الدليل فسِّرت بالزاد و الراحلة و كون الشخص ذا مال، لا ما هو الأعم منه و من انتفاء الحرج، و إنما ينفي الوجوب بالحرج بالتمسك بالقاعدة.

فإنه يقال: الظاهر أن مورد السؤال و الجواب عن الاستطاعة في الأخبار هو الاستطاعة المالية، فليس المراد في تفسير الآية قصر اشتراط وجوب الحج بالاستطاعة المالية، بل الآية ظاهرة في مضمونها و هو الاستطاعة العرفية التي يكون معها الفعل مستطاعاً عند العرف، و من ذلك- أي الاستطاعة المشروط عليها وجوب الحج و تحقق السبيل إليه- كون الطريق مأموناً عليه من جهة النفس

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 295

و العرض و المال.

[مسألة 86] إذا مات الحاج في الطريق
اشارة

مسألة- 86 من خرج حاجّاً فمات في الطريق فإما أن يموت قبل الوصول إلي الميقات، و إما أن يموت بعد وصوله إلي الميقات و عبوره منه ناسياً، فيموت قبل دخوله في الحرم أو بعده، و إما أن يحرم من الميقات فيموت قبل دخول الحرم أو بعده، و في جميع هذه الصور إما يكون الحج مستقراً عليه، أو يكون ذلك في سنة استطاعته. ثمّ إما يكون الحج لنفسه، أو يكون نائباً عن غيره.

و قبل بيان حكم هذه الصور ينبغي أولًا بيان ما هو مقتضي الأصل عند الشك، ثمّ ملاحظة روايات الباب و مقدار دلالتها علي حكم هذه الصور.

فنقول: أما مقتضي الأصل فيما إذا كان الحج مستقراً عليه أو كان نائباً عن غيره فهو عدم إجزاء ذلك عن الحج المستقر عليه، و لا عن حج المنوب عنه، فيجب أن يقضي عن المستقر عليه من

ماله و يجدد الاستنابة عن المنوب عنه إن كان الحج واجباً عليه.

و إذا كان الحج لم يستقر عليه و كان سنة استطاعته فمقتضي الأصل عدم وجوب القضاء عنه، لكشفه عن عدم قدرته و عدم كون الحج واجباً عليه.

و أما الروايات الشريفة:
اشارة

فمنها: صحيح ضريس الذي رواه الكليني- رحمه اللّٰه تعالي- عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن ابن رئاب، عن ضريس، عن أبي جعفر عليه السلام قال: «في رجل خرج حاجّاً حجة الإسلام فمات في الطريق؟ فقال: إن

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 296

مات في الحرم فقد أجزأت عنه حجة الإسلام، و إن (كان) مات دون الحرم فليقضِ عنه وليه حجة الإسلام». «1» و رواه أيضاً في الفقيه عنه. «2»

أقول: ظاهر هذا الحديث بقرينة قوله عليه السلام: «فليقض عنه وليه حجة الإسلام» كون مورد السؤال من استقر عليه الحج. و أما قوله عليه السلام: «إن مات في الحرم» و إن كان يشمل بإطلاقه من دخل في الحرم بدون الإحرام ناسياً له، إلّا أنّ الظاهر من عبارة السؤال و الجواب أن موردهما من أحرم و مات في الطريق، و لذا قوله عليه السلام:

«إن مات دون الحرم» أيضاً ظاهر في من مات دون الحرم بعد الميقات و الإحرام منه.

اللهمّ إلّا أن يقال بإطلاق السؤال و الجواب، لأن الخروج حاجّاً أعم من أن يكون أحرم من الميقات أو ما دونه أو نسي الإحرام، فما يستفاد من هذا الصحيح أن من استقر عليه الحج إن أحرم أو نسي الإحرام و خرج حاجّاً فمات في الحرم يجزيه عن حجة الإسلام، و من مات دون الحرم فلا يجزيه، و إطلاقه يشمل أن من مات بين الإحرامين إن مات في الحرم

يجزيه عن حجة الإسلام.

و أما القول بدلالة الصحيح علي وجوب القضاء عنه إن مات دون الحرم مطلقاً و إن كان خرج من سنة استطاعته في غاية الإشكال. و يبعده لزوم الفرق بينه و بين من مات في بيته فإنه لا يقضي عنه بالاتفاق.

اللهمّ إلا أن يقال: لا بأس بذلك؛ لاحتمال أن يكون الحكم بالقضاء عنه إن مات في الطريق مبنياً علي تحصيل نيته.

و بالجملة، فبمثل هذا الفرق لا يجوز رفع اليد عن ظاهر الدليل.

و منها: ما أخرجه أيضاً الكليني (: عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد

______________________________

(1)- الكافي: 4/ 276 ح 10.

(2)- من لا يحضره الفقيه: 2/ 269 ح 1314.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 297

و سهل بن زياد، عن ابن محبوب عن ابن رئاب عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال:

«إذا احصر الرجل بعث بهديه، فإذا أفاق و وجد من نفسه خفة فليمضِ … قلت:

فإن مات و هو محرم قبل أن ينتهي إلي مكة؟ قال: يحج عنه إن كانت حجة الإسلام و يعتمر إنما هو شي ء عليه». «1»

و ظاهر هذا الحديث عدم الإجزاء قبل أن ينتهي إلي مكة و إن كان قد دخل في الحرم، فيقع التعارض بينه و بين صحيح ضريس، فإن مقتضاه إجزاء حجه إن مات في الحرم و لو لم يصل إلي مكة.

و اختار بعض الأعاظم تقديم سائر الروايات عليه لكونها أقوي منه، لأن دلالتها بالمنطوق و دلالة خبر زرارة يكون بالمفهوم، و لا ريب أن دلالة المنطوق أقوي. «2»

و فيه: أنّ دلالة صحيح زرارة علي عدم الإجزاء قبل أن ينتهي إلي مكة سواء دخل في الحرم أم لم يدخل أيضاً يكون بالمنطوق كدلالة صحيح ضريس، فيتعارضان في الداخل في

الحرم و لم يدخل مكة، فإن مقتضي صحيح ضريس إجزاؤه عن حجة الإسلام، و مقتضي صحيح زرارة عدم إجزائه فيتساقطان بالتعارض؛ حيث لا ترجيح لأحدهما علي الآخر، إلّا إعراض المشهور عن ظاهر صحيح زرارة.

و لكن يمكن أن يقال: إنّ المراد بمكة ما يعم نفس البلد و الحرم الذي يكون قريباً منه أو يحسب منه، كما يقال: قم و يراد منه البلد و رساتيقه و مزارعه و قراه التي

______________________________

(1)- الكافي: 4/ 370 ح 4، تهذيب الأحكام: 5/ 422 ح 1466، و لفظه: «إن كانت حجة الإسلام يحج عنه و يعتمر فإنما هو شي ء عليه».

(2)- معتمد العروة: 1/ 255.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 298

تحف به، و بناءً عليه فمدلول الروايتين واحد، لدلالة صحيح زرارة علي هذا علي وجوب الحج عنه إن مات قبل أن ينتهي إلي الحرم (مكة)، و هذا ما يدل عليه ذيل صحيح ضريس: «إن مات دون الحرم».

و منها: مرسلة المفيد- رحمه اللّٰه تعالي- و هي ما رواه في المقنعة علي ما أخرج عنه في الوسائل و الحدائق قال: «قال الصادق عليه السلام: من خرج حاجّاً فمات في الطريق فإنه إن كان مات في الحرم فقد سقطت عنه الحجة، فإن مات قبل دخول الحرم لم يسقط عنه الحج و ليقض عنه وليه». «1»

و هي أيضاً تدل علي الإجزاء إن كان مات في الحرم، و علي عدمه إن كان مات قبل الدخول فيه «2».

و منها: ما رواه في الكافي في الصحيح: عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن ابن رئاب، عن بريد العجلي قال: «سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجل خرج حاجّاً و معه جمل له و نفقة و زاد فمات في الطريق؟ قال:

إن كان صرورةً ثمّ مات في الحرم فقد أجزأ عنه حجة الإسلام، و إن كان مات و هو صرورة قبل أن يحرم جعل جمله و زاده و نفقته و ما معه في حجة الإسلام، فإن فضل من ذلك شي ء فهو للورثة» الحديث. «3»

و رواه الشيخ في التهذيب «4» مع تقديم و تأخير في بعض الكلمات، و رواه

______________________________

(1)- المقنعة: / 445.

(2)- وسائل الشيعة: ب 26 من أبواب وجوب الحج و شرائطه ح 4، الحدائق الناضرة: 14/ 150.

(3)- الكافي: 4/ 276 ح 11.

(4)- تهذيب الأحكام: 5/ 407 ح 1416.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 299

الصدوق في الفقيه «1»، و إطلاق السؤال فيه يشمل من استقر الحج عليه و من لم يستقر عليه و كان سنة استطاعته، إلّا أن يقال بقرينة الجواب و ترك الاستفصال: إنّ السؤال أيضاً كان عمّن استقر عليه الحج، فلا وجه لاستنابة الحج عمن مات قبل الإحرام فتأمل.

و هذا الحديث مفاد صدره مفاد حديث ضريس. نعم، قوله: «قبل أن يحرم» يدل بمفهومه علي أنه إن مات بعد الإحرام و قبل الدخول في الحرم يجزيه، فيقع التعارض بين مفهوم الشق الأول من الجواب: «إن كان صرورة ثمّ مات في الحرم» و بين شقه الثاني: «إن كان مات و هو صرورة قبل أن يحرم» في من أحرم و مات قبل الدخول في الحرم.

و احتمل في المستند دفعاً لهذا التعارض أن يكون معني قوله: «قبل أن يحرم» قبل أن يدخل الحرم من باب أيمن و أنجد لمن دخل اليمن و النجد «2»، و هو خلاف الظاهر لا يعتمد عليه.

و قد أنكر بعض الأعاظم دلالة الصحيح بمفهومه علي الإجزاء، فقال: (إن صحيح بريد لا يدل بمفهومه علي الإجزاء إن

مات بعد الإحرام و قبل الدخول في الحرم، و إنما يدل علي أنه لو مات قبل الإحرام جعل جمله و زاده و نفقته في حجة الإسلام، و أما إذا مات بعد الإحرام فهذا الحكم و هو جعل جمله و زاده و نفقته في حجة الإسلام مرتفع. و بعبارةٍ اخري: يدل الصحيح علي أنه لو مات في الطريق قبل الإحرام يصرف أمواله التي معه في حجة الإسلام، و أما لو مات بعد الإحرام فلا دلالة له علي الإجزاء، و إن لم يكن له مال و لا جمل و لا نفقة و إنما غايته أن الحكم

______________________________

(1)- من لا يحضره الفقيه: 2/ 440.

(2)- مستند الشيعة: 2/ 166.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 300

بصرف الأموال في حجة الإسلام مرفوع. و أما الإجزاء بعد الإحرام أو عدمه فهو ساكت عنه فلم ينعقد له إطلاق من هذه الناحية، فلا بد من الرجوع إلي ما يقتضيه القاعدة و الأدلة الأولية، و هو إخراج حجه من صلب ماله و من أمواله الاخر غير ما أخذ معه في الطريق). «1»

و فيه: أنه كيف لا يستفاد حكم ما لو مات بعد الإحرام و قبل الدخول في الحرم و يحكم بسكوت الحديث عن الإجزاء، و أن غاية ما يستفاد منه أن الحكم بصرف الأموال مرفوع؟ فإنه إما أن يكون ارتفاع الحكم بصرف الأموال لإجزاء إحرامه عن الحج و هو عين تعارضه مع الصدر. و إما أن يقال بعدم إجزائه و مع ذلك يقال بارتفاع الحكم المذكور، و هذا أمر لا يقبله الوجدان؛ لأولوية هذه الصورة لصرف المال فيه من صورة موته قبل الإحرام.

و بالجملة: فرفع التعارض بين الصدر و الذيل مشكل، و الظاهر أن بعض رواة الحديث

لم يضبطه و لم يحفظه حق الضبط و الحفظ، و علي هذا يسقط الاحتجاج به علي الإجزاء لو مات بعد الإحرام و قبل دخول الحرم.

و أما دلالة الصدر علي الإجزاء بعد دخول الحرم فهو باقٍ علي حاله. نعم، لا يستفاد منه عدم الإجزاء لو مات قبل الحرم، غير أنه يكفينا في ذلك الأصل لو كنا و هذا الحديث. و اللّٰه تعالي هو الهادي إلي الصواب و ما فيه الرشاد و السداد.

ثمّ إنه قد ظهر مما ذكر حكم فروع:
الأول: ما إذا مات بعد الإحرام في الحرم،

و لا ريب في إجزائه.

الثاني: ما إذا مات بعد الإحرام خارج الحرم قبل الدخول فيه.

و هذا لا يجزي و حكي أن عليه المشهور، بل لم يعرف الخلاف فيه إلا من الشيخ في الخلاف

______________________________

(1)- معتمد العروة: 1/ 256.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 301

و ابن إدريس.

الثالث: ما إذا مات بين الإحرامين،

و الظاهر فيه أيضاً الإجزاء.

الرابع: ما إذا مات بعد الإحرام و الدخول في الحرم، خارج الحرم

كما لو خرج من إحرامه للعمرة المتمتع بها ثمّ خرج من الحرم و مات في خارجه، و في إجزائه إشكال.

إلا أن يقال: إنه ليس للموت في الحرم دخل في الإجزاء و التعبير بأنه «إن مات في الحرم» يكون باعتبار مدخلية الدخول فيه في الإجزاء، و إلّا هل تري من نفسك أنه إن دخل في الحرم و رجع لأمر إلي خارجه فمات فيه لا يجزيه؟ و علي هذا فمن خرج حاجّاً و دخل في الحرم يجزيه عن حجة الإسلام، سواء مات في الحرم أو في خارجه.

و يؤيد ذلك قوله في صحيح زرارة: «فإن مات و هو محرم قبل أن ينتهي إلي مكة» و قوله في مرسلة المفيد: «فإن مات قبل دخول الحرم لم يسقط عنه الحج» فإنه يستفاد من الأول أن للانتهاء إلي مكة دخل في سقوط الحج عنه. و من مفهوم الثاني أن الموت بعد دخول الحرم موضوع للحكم بالإجزاء سواء مات فيه أو في غيره.

الخامس: ما إذا نسي الإحرام للحج فمات بعد الدخول في الحرم

فالظاهر أنه لا يجزي عنه، و ذلك لظهور قوله: «خرج حاجّاً» في من تلبس بالحج، و هو لا يتحقق إلّا بدخوله في أفعال الحج التي أولها الإحرام من الميقات، و كون المراد منه الخروج مريداً للحج و قاصداً له حتي يشمل من نسي الإحرام من الميقات و من خرج قاصداً للحج من منزله و مات في الطريق قبل الوصول إلي الميقات خلاف الظاهر، و حمل اللفظ الظاهر في معناه الحقيقي علي المعني المجازي بلا قرينةٍ خلاف الظاهر لا يجوز.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 302

السادس: لا فرق بين حج التمتع و القران و الإفراد

في الحكم المذكور.

السابع: يكفي في الإجزاء عن حج التمتع الموت بعد دخول الحرم

في عمرته.

الثامن: في إجزاء الموت أثناء حج القران و الإفراد عن عمرتهما و بالعكس إشكال؛

لأنّ كلًا منهما و عمرتهما واجبان مستقلان. نعم إذا مات أثناء العمرة الواجبة الظاهر إجزاؤه عنها.

التاسع: لا يجري هذا الحكم في الحج الواجب بالعرض

مثل النذر و الإفساد، و في العمرة المندوبة و الواجبة بالعرض لاختصاص الحكم حسب النصوص بحجة الإسلام. نعم، لو قلنا في الحج الواجب بالإفساد أنه حجة الإسلام يجري الحكم فيه.

و سيأتي- إن شاء اللّٰه تعالي- حكم الحج النيابي علي جميع أقسامه.

العاشر: هل الحكم المذكور مختص بمن استقر عليه الحج، أو هو أعم منه

و ممن لم يستقر عليه؟ قولان:

من أن الموت يكشف عن عدم الاستطاعة و عدم وجوبه عليه فلا موجب للقضاء، و يستكشف من حكم الإمام عليه السلام بالقضاء كون مورد السؤال من استقر عليه الحج، أو يحمل قوله عليه السلام: «فليقض عنه وليه» علي مجرد الرجحان الجامع بين الوجوب و الاستحباب، و الالتزام بوجوب القضاء عمن استقر عليه يكون بدليل آخر.

و من أن قوله: «خرج حاجّاً» مطلق ليس دلالته علي من استقر عليه الحج أظهر ممن لم يستقر عليه لو لم يكن هذا أظهر منه. فلا وجه لرفع اليد عن هذا الإطلاق المعتبر بترك استفصال الإمام عليه السلام بعد كون الحكم تعبدياً، و بعد دلالة النص علي وجوب القضاء يكون القول بعدم وجوبه لما ذكر من قبيل الاجتهاد قبال النص.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 303

لا يقال: هذا فيما إذا اختل الاستطاعة ببعض العوارض غير الموت.

فإنه يقال: إن دل الدليل عليه نقول به، و إنما نحن أصحاب النص لا نتعدّي عنه.

[مسألة 87] إذا استلزم الذهاب إلي الحج تلف مالٍ معتدٍّ به

مسألة 87- الظاهر أنه لا يجب الحج إذا استلزم الذهاب إليه تلف مالٍ معتدٍّ به منه في بلده أو غيره.

و ذلك أما علي البناء بأن المراد من الاستطاعة المشروط عليها وجوب الحج هي الاستطاعة العرفية كما مضي منا كراراً و قلنا: إنها أوسع من الاستطاعة العقلية و مما عبر عنه بالاستطاعة الشرعية- أي تخلية السرب و صحة البدن و وجود الزاد و الراحلة- فلعدم حصول الاستطاعة في هذا الحال، فإن من كان ذهابه إلي السفر حجّاً كان أو غيره مستلزماً لتلف رأس ماله لا يعدّ عند العرف متمكناً من السفر و واجداً للسبيل إليه.

و يدل أو يشير إلي ذلك أي اعتبار مثل هذه الأعذار في الاستطاعة

العرفية ما يدل علي جواز ترك الحج بالعذر العرفي و الشرعي مثل صحيح الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «إذا قدر الرجل علي ما يحج به ثمّ دفع ذلك و ليس له شغل يعذره به فقد ترك شريعة من شرايع الإسلام». «1» و معني ذلك ليس سقوط وجوب الحج بالعذر، بل معناه عدم وجوب الحج لعدم الاستطاعة المشروط عليها وجوبه.

و أما علي البناء علي أن المراد من الاستطاعة هي الاستطاعة المقصورة علي

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب وجوب الحج و شرائطه ح 3.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 304

صحة البدن و تخلية السرب و وجود الزاد و الراحلة فرفع الوجوب في جميع الموارد التي أفتوا برفعه مع حصولها لا بد أن يكون بإعمال قاعدة الحرج، أو الضرر، أو الأخذ بالأهم إذا زاحم الحج واجب آخر. و في ما نحن فيه يكون المرجع قاعدة نفي الضرر.

لا يقال: إن هذه القاعدة إنما تجري و يعمل بها في التكاليف التي ليست بطبعها ضررية، فلا يجري في مثل الحج المبنيّ علي الضرر.

فإنه يقال: هذا صحيح بالنسبة إلي الضرر الذي يقتضيه طبع العمل، أما الضرر الزائد عليه فيرفع التكليف به.

ثمّ إنه علي المبني الأول إذا استلزم الحج ترك واجب، سواء كان فورياً أو غير فوري، أو سابقاً علي حصول الاستطاعة المالية أو لاحقاً بها يمنع من حصول الاستطاعة.

نعم، لو لم يكن الواجب فورياً و لم يستلزم الحج تركه بعد الحج لا يمنع من حصول الاستطاعة، و إذا كان الحج مستلزماً لترك الواجب و كان المكلف جاهلًا بذلك و علم بعد أداء الحج استلزامه لذلك فالظاهر أنه يجزيه عن حجة الإسلام لأنّ المانع الشرعي الذي يمنع من حصول الاستطاعة هو

المانع المنجّز المعلوم الذي يجب علي المكلف ترتيب الأثر عليه و الإتيان به أو تركه دون ما لم يكن كذلك. و كيف كان فالمسألة لا ترد في باب التزاحم و ملاحظة الأهم.

و أما علي المبني الثاني فيقع التزاحم بين وجوب الحج و ما يزاحمه من التكليف الوجوبي أو التحريمي المنجّز، فلا بد من ملاحظة مرجّحات باب التزاحم.

و علي أي حالٍ ليس من ذلك لو توقف إتيان الحج علي الركوب علي الدابة الغصبية لعدم حصول الاستطاعة معه علي المبنيين، بل و كذا المشي في الأرض

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 305

المغصوبة، كما لا يخفي.

[مسألة 88] إذا ظهر عدم وجود ما تتوقف عليه الاستطاعة بعد الحج

مسألة 88- إذا اعتقد وجود ما يتوقف عليه حصول الاستطاعة و حج و ظهر فقد جميعه أو بعضه.

فما يكون دخيلًا في حصول الاستطاعة- علي كلا المبنيين الاستطاعة العرفية و الاستطاعة الشرعية- فلا شك في أنه لا يكون مأموراً به و منطبقاً علي عنوان حجة الإسلام فلا يجزي عنها.

و ما يكون وجوده رافعاً لوجوب الحج كالحرج و الضرر و اعتقد عدمه و حج ثمّ بان خلافه الظاهر أنه يجزي عن حجة الإسلام؛ لأنّ نفي الحرج و الضرر مبنيان علي الامتنان، فلا بد في الحكم بالإجزاء و عدم الإجزاء ملاحظة المبنيين، فمن يري الاستطاعة، الاستطاعة الشرعية ففي فقد مثل الزاد و الراحلة يحكم بعدم الإجزاء، و في فقد عدم الحرج و الضرر يحكم بالإجزاء.

و لا فرق في ذلك بين كون اعتقاده بوجود الاستطاعة و شرائط الوجوب مبنياً علي اليقين أو الظن المعتبر الشرعي، غير أنه علي الثاني يكون مأموراً بالحج بالأمر الظاهري الشرعي، و في الأول بالأمر العقلي، فلا يقع منه في الصورتين إلا الانقياد و إجزاء الأمر الظاهري الشرعي عن الأمر الواقعي علي القول

به، إنما يكون في أجزاء المكلف به و شرائطه، لا فيما يتحقق به الوجوب و أصل التكليف، لأن كشف الخلاف فيه يكشف عن عدم التكليف و الأمر.

و أما علي ما بنينا عليه من الاستطاعة العرفية فالأمر واضح؛ لأن الضرر مانع عن حصول الاستطاعة.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 306

[مسألة 89] إذا زعم فقدان ما يعتبر في الاستطاعة

مسألة 89- إذا اعتقد فقد بعض ما يعتبر في الاستطاعة مع وجوده في الواقع، فإن أتي بالحج بقصد ما عليه من حجة الإسلام، أو الحج الندبي، أو برجاء حجة الإسلام بل و بقصد الحج الندبي، فالظاهر وقوعه حجة الإسلام، و إن ترك الحج به حتي مضي آخر أزمنة الإتيان بواجبات الحج أو أركانه و زال استطاعته بعد ذلك فهل يستقر عليه الحج بذلك، أم لا؟

لا ريب في أن ترك الحج عصياناً و إهمالًا من غير عذر إلي أن ينتهي زمان الإتيان بتمام أعماله أو أركانه أو زمان الرجوع إلي وطنه جامعاً لشرائط الاستطاعة موجب لاستقرار الحج عليه و إن زال استطاعته قهراً بعد ذلك. و هل تركه بدون ذلك باعتقاد فقد ما هو شرط لوجوبه كلًا أم بعضاً موجب لاستقرار الحج عليه، فيجب عليه الحج متسكعاً إن زال استطاعته قبل كشف فساد اعتقاده أو قبل زمان يمكن له الحج مستطيعاً أم لا؟

حكي عن المحقق القمّي قدس سره في جامع الشتات عدم وجوب الحج، سواء اعتقد عدم كونه مستطيعاً، أو غفل عن ذلك، أو كان غافلًا عن وجوب الحج حتي زالت استطاعته. ظاهر عبارة المحقق في الشرائع أيضاً ذلك؛ لأنه قيد استقرار الحج عليه بالإهمال، قال: (و يستقر الحج في الذمة إذا استكملت الشرائط فأهمل)، «1» و هذا ظاهر الجواهر. «2».

و ذهب السيد قدس سره في العروة و

أكثر المحشِّين لها إلي استقرار وجوب الحج عليه

______________________________

(1)- شرائع الإسلام: 1/ 166.

(2)- جواهر الكلام: 17/ 298.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 307

بحصول الاستطاعة الواقعية و إن اعتقد خلافها و ترك الحج.

و الذي يمكن أن يكون وجهاً لعدم الاستقرار بغير الإهمال مضافاً إلي الأصل امور:

الأول: كما عليه بعض الأعاظم: أن موضوع وجوب الحج هو المستطيع، و شرط وجوبه هو الاستطاعة، فمتي تحقق عنوان الاستطاعة صار الحكم بوجوب الحج فعلياً، و إذا زالت الاستطاعة و ارتفع الموضوع يرتفع الحكم بارتفاع موضوعه حتي بالإتلاف و العصيان، نظير القصر في الصلاة الذي موضوعه المسافر فإذا زال هذا العنوان زال الحكم.

و بالجملة: الأدلة إنما تدل علي وجوب الحج ما دام المكلف مستطيعاً، فإذا انتفي هذا العنوان انتفي الوجوب، سواء زال بالاختيار و العصيان أو قهراً و من غير اختيار، و عليه ينبغي أن نقول بعدم الوجوب و لو كان زوال الاستطاعة بفعل المكلف عصياناً، إلا أننا نقول به في صورة زوال الاستطاعة بعد عصيان المكلف و تركه الحج مع تنجزه عليه بدلالة الأخبار كروايات التسويف. «1»

و فيه: أنه لو تم هذا الوجه يلزم أن نقول به في صورة ترك الحج إذا كان جاهلًا بالاستطاعة و دل الدليل مثل البينة علي عدمها، أو قام الدليل علي عدم الوجوب، فيلزم منه قصر الحكم بالاستقرار علي صورة الترك عصياناً و تسويفاً، و لا أظن أن يلتزم القائل بذلك، و لذا قال بالتفصيل بين الجهل البسيط و الجهل المركب كما يأتي كلامه. هذا أولًا.

و ثانياً: فرق بين قولنا: «يقصر الصلاة في السفر» أو «المسافر يقصر صلاته» فإنه يستفاد منه أن تكليفه في السفر تقصير ما يتمه في الحضر و بين قوله تعالي: «وَ لِلّٰهِ عَلَي

النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا»، فإنه يستفاد منه أن

______________________________

(1)- معتمد العروة: 1/ 218.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 308

الاستطاعة للحج شرط لوجوب طبيعة الحج، سواء تحققت في ضمن فردها الخاص الواقع في زمان الاستطاعة أو ما يقع بعد هذا الزمان.

و بعبارةٍ اخري: الاستطاعة شرط لحدوث الوجوب دون بقائه، و هذا مثل أن يقال: «من سافر يجب عليه التصدق» أو «من أفطر في شهر رمضان يجب عليه الكفارة» فإنه لا يستفاد منهما خصوصية وقوع التصدق أو الكفارة في السفر أو في شهر رمضان،، فعلي هذا ترك الفرد الذي يقع في زمان الاستطاعة عمداً و عصياناً أو جهلًا و عذراً لا يوجب سقوط وجوب الطبيعة لإمكان الإتيان بسائر أفراده، و هذا هو الدليل علي استقرار الحج عليه إذا سوَّف و تركه في حال الاستطاعة لا أخبار التسويف، فعلي هذا إذا كان المكلف في حال الاستطاعة جاهلًا بها بالجهل البسيط أو المركب ثمّ حصل له العلم بها يجب عليه الحج و إن كان بعد زوال الاستطاعة.

الأمر الثاني: أنه إنما يستقر الحج عليه إذا تركه لا عن عذر، و أما إذا كان تركه لعذر فلا موجب له، و الاعتقاد بالخلاف من أحسن الأعذار.

و فيه: أنه إن استفدنا من الدليل أن الحج الواقع في حال الاستطاعة هو المشروط وجوبه بالاستطاعة فلا وجه لاستقراره عليه إن تركه إلي بعد حال الاستطاعة، و إن كان غير مقيد بذلك فهو يستقر عليه و إن تركه في حال الاستطاعة عن عذرٍ و اعتقادٍ بالخلاف.

الامر الثالث: و هو الوجه للتفصيل الذي اختاره بعض الأعاظم، و هو الفرق بين الجهل البسيط و المركب، قال: (فإن كان الجهل جهلًا بسيطاً و كان شاكاً فالظاهر استقرار وجوب

الحج عليه، لما حقق في محله من أن رفع الحكم في مورده حكم ظاهري لا ينافي وجوب الحج و استقراره عليه واقعاً، إذ العلم بالاستطاعة لم يؤخذ في موضوع وجوب الحكم، و لا مانع من توجه التكليف إليه لتمكنه من الإتيان به علي سبيل الاحتياط.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 309

و بعبارةٍ اخري: في مورد الجهل البسيط الذي كان يتردد و يشك في أنه كان مستطيعاً أم لا إذا كان اعتماده علي أصل شرعي يعذره عن ترك الواقع ما دام جاهلًا به إذا انكشف الخلاف و بانَ أنه مستطيع تنجز عليه التكليف الواقعي كسائر موارد انكشاف الخلاف في الأحكام الظاهرية، بخلاف ما لو كان جاهلًا بالجهل المركب و كان معتقداً بالخلاف فإن التكليف الواقعي غير متوجه إليه؛ لعدم تمكنه من الامتثال حتي علي نحو الاحتياط، فإنه من كان قاطعاً بالعدم لا يمكن توجه التكليف إليه لعدم القدرة علي الامتثال- إلي أن قال: - ففي هذه الصورة فالحق مع المحقق القمي … و كذلك الحال في الغفلة). «1»

و فيه: أنه ان كان الحج المشروط وجوبه بالاستطاعة هو الحج الواقع في حال الاستطاعة فلا فرق في عدم استقراره عليه بتركه في حال الاستطاعة بين تركه بالجهل البسيط أو المركب أو عصياناً أو غفلة، و إن كان ما هو المشروط وجوبه بالاستطاعة طبيعة الحج، فلا فرق بين أن يكون سبب تركه في حال الاستطاعة الجهل المركب أو البسيط أو الغفلة أو العصيان.

و قد ظهر لك من ذلك كله عدم قيام واحد من هذه الامور لنفي استقرار الحج علي من تركه في حال الاستطاعة بمطلق العذر أو بالجهل المركب، فلا شي ء هنا إلا الأصل و البراءة التكليف لو لم يكن

ما يدل علي الاستقرار في البين.

و أما وجه الاستقرار عليه لو تركه في حال الاستطاعة مطلقاً و في جميع الصور فيمكن تقريبه بوجوه:

الأول: ما ظهر ممّا أوردناه علي الوجوه التي ذكرناها وجهاً للقول الأول و هو: أنّ ما يستفاد من قوله تعالي و سائر الأدلة أن الحج يجب بالاستطاعة الكافية لأدائه، فحصول هذه الاستطاعة موجب لوجوب الحج حدوثاً، و أما بقاؤه فليس

______________________________

(1)- المعتمد في شرح المناسك، كتاب الحج: 3/ 72.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 310

مشروطاً ببقاء الاستطاعة كما أوضحنا لك.

و بعبارةٍ اخري: الاستطاعة شرط لوجوب طبيعة الحج دون ما يقع في حال الاستطاعة و علي هذا فإن تركه جهلًا أو غفلةً أو نسياناً في حال الاستطاعة يأتي به بعده، فضلًا عن أن تركه عصياناً و إهمالًا، فلا حاجة إلي أخبار التسويف للاستدلال علي الاستقرار في صورة الترك عن عذر لأنها لا تدلّ علي أكثر من فورية وجوب الحج و عدم جواز التأخير، و أنه إن مات علي ذلك ترك شريعةً من شرايع الإسلام.

الثاني: أن اعتبار الحج علي المكلفين ليس كاعتبار سائر التكاليف العبادية مثل الصوم و الصلاة، و إنما اعتبر كالزكاة و الخمس ديناً علي المكلف و لذا يجب أداؤه و قضاؤه عنه، و في مثله لا يضر جهل المكلف به فهو دين عليه علم به أم لم يعلم به

نعم، لا يجب أداؤه عليه ما دام جاهلًا به، أما بعد العلم يجب أن يؤديه و إن تركه حتي مات يقضي عنه، فالاستطاعة الواقعية سبب لاشتغال ذمة المكلف بالحج، فتفويت الاستطاعة عمداً أو جهلًا و تركه كذلك لا يوجب براءة ذمته.

الثالث: إطلاق بعض الروايات مثل صحيح محمد بن مسلم، و هو ما رواه الشيخ: عن موسي

بن القاسم، عن النضر بن سويد، عن عاصم بن حميد، عن محمد بن مسلم، قال: «سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجل مات و لم يحج حجة الإسلام يحج عنه؟ قال عليه السلام: نعم».

و رواه أيضاً، عن أحمد، عن الحسين، عن النضر، عن عاصم، عن محمد بن مسلم قال: «سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجل مات و لم يحج حجة الإسلام و لم يوص بها أ تقضي عنه؟ قال عليه السلام: نعم» «1». و الظاهر أنهما رواية واحدة.

______________________________

(1)- تهذيب الأحكام: 5/ 492 ح 415.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 311

تقريب الاستدلال بهما: أن إطلاق السؤال فيهما يشمل من لم يأتِ بحجة الإسلام عصياناً إلي أن مات مع بقاء استطاعته، أو بعد زوال استطاعته، أو تركه في حال الاستطاعة و عدم تنجز التكليف عليه نسياناً أو جهلًا بالحكم أو الموضوع جهلًا بسيطاً أو مركباً. و المراد من قوله: «يحج عنه» أو «تقضي عنه» هو السؤال عن وجوب القضاء عنه، و لا يشمل من لم يأتِ به، لعدم حصول الاستطاعة عليه.

و بعبارةٍ اخري: السؤال يكون عن المستطيع الذي لم يحج حجة الإسلام دون من لم يحصل له الاستطاعة أصلًا.

فإن قلت: الظاهر من السؤال و الجواب أنّ مورد السؤال هو القضاء عمن ترك حجة الإسلام الواجب عليه، فالاستدلال علي وجوب قضائها علي من لم يثبت وجوبها عليه يكون من قبيل التمسك بالعامّ في الشبهات المصداقية.

و بعبارةٍ اخري: صدق كونه تاركاً لحجة الإسلام و لم يحجَّها يدور مدار تنجز وجوبها عليه، و أما بدون ذلك فتركه من قبيل السالبة بانتفاء الموضوع و الرواية لا تشمله.

قلت: يكفي في صدق الترك أنّه لو علم بالاستطاعة و بالوجوب تجب عليه حجة الإسلام

و لو كان آتياً بها رجاءً كان آتياً بحجة الإسلام، و إلّا يلزم قصر دلالة الحديث علي خصوص صورة العصيان، مع أن الظاهر منه شموله لصورة تركه عذراً.

[مسألة 90] من حج بغير استطاعة

مسألة 90- إذا حج مع عدم الاستطاعة المالية قال في العروة: (فالظاهر مسلّمية عدم الإجزاء، و لا دليل عليه إلا الإجماع، و إلّا فالظاهر أنّ حجة الإسلام هو الحج، الأول و إذا أتي به كفي و لو كان ندباً، كما إذا أتي

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 312

الصبي صلاة الظهر مستحباً بناءً علي شرعية عباداته فبلغ في أثناء الوقت فإن الأقوي عدم وجوب إعادتها، و دعوي أن المستحب لا يجزي عن الواجب ممنوعة بعد اتحاد ماهية الوجوب و المستحب. نعم، لو ثبت تعدد ماهية حج المتسكع و المستطيع تم ما ذكر، لا لعدم إجزاء المستحب عن الواجب، بل لتعدد الماهية).

أقول أولًا إنّ مطلوبية الحج تكون بنحو مطلق الوجود فجميع أفراده مطلوب علي حدة، فلا يجزي فرد منه عن الآخر، فإذا استطاع الشخص يجب عليه غير ما أتي به قبل الاستطاعة، فلا يسقط هذا الفرد بإتيانه بالفرد الأول، كما لا يسقط به و بالفرد الأول مطلوبية غيرهما من أفراده.

نعم، ما يجب بالاستطاعة يكون مطلوبيته المؤكدة علي نحو صرف الوجود يسقط بالإتيان بأول الأفراد بعد حصول الاستطاعة وجوب غيره من الأفراد.

و لا يقاس المقام بالصلاة التي أتي بها الصبي حيث إنه يجزيه إن بلغ في الوقت فإن المطلوب فيها طبيعة الصلاة في الوقت علي نحو صرف الوجود، فالإتيان بها في ضمن فرد ما يجزيه و يسقط به الطلب و لا يمكن الإتيان به ثانياً.

و ثانياً: نقول بتعدد ماهية الحج المستحب و الحج الواجب، فإن متعلق الطلب و الأمر في الأول

مطلق الوجود، و في الحج الواجب صرف الوجود، و لا يمكن أن يكون طبيعة واحدة مطلوبة بنحو صرف الوجود و مطلق الوجود، فيكشف من تعدد متعلق الطلب تعدد ماهية المطلوب، و هذا بخلاف الصلاة في الوقت فإنها متعلقة للطلب علي نحو صرف الوجود.

ثمّ إنّه ربما توهم دلالة بعض الروايات علي عدم الإجزاء مثل رواية أبي بصير التي رواها المحمدون الثلاثة- رضوان اللّٰه تعالي عليهم- في الكتب الأربعة،

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 313

و إليك سندها و لفظها برواية الكليني قدس سره: عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد و سهل بن زياد جميعا، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «لو أنّ رجلًا معسراً أحجّه رجل كانت له حجة، فإن أيسر بعد كان عليه الحج» الحديث. «1»

قال المحقق في المعتبر في مسائل الشرط الرابع و الخامس من شرائط حجة الإسلام: (و لو حج ماشياً لم يجزه عن حجة الإسلام، قال الباقون: يجزيه. لنا: أن الوجوب لم يتحقق، لأنه مشروط بالاستطاعة، فمع عدمها يكون مؤدياً ما لم يجب عليه، فلا يجزيه عما يجب فيما بعد. و تنبه علي ذلك روايات عن أهل البيت عليهم السلام، منها:

رواية أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «لو أن رجلا معسراً أحجه رجل كانت له حجة. فإن أيسر بعد كان عليه الحج». «2»

[مسألة 91] من حج مع المرض، أو مع عدم أمن الطريق

مسألة 91- لا ريب في عدم وجوب الحج مع عدم أمن الطريق، أو مع المرض و عدم صحة البدن، أو مع الضرر، أو الحرج و إن كانت تلك الامور مقترنةً بما هو قبل الميقات فضلًا عما إذا كانت مقترنةً بما بعد

الميقات و الأعمال و المناسك.

و لو حج مقترناً بهذه الامور فإن كانت المقدمات قبل الميقات مقترنة بها دون الأعمال فلا ريب في إجزاء حجه عن حجة الإسلام، لأنه بعد وصوله إلي الميقات يكون مستطيعاً للحج، فلا وجه لعدم وجوب الحج عليه بعد وصوله إلي الميقات، و لا

______________________________

(1)- الكافي: 4/ 273 ح 1.

(2)- المعتبر: 2/ 752.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 314

عدم إجزاء حجه عن حجة الإسلام.

و أما إذا كانت الأعمال مثل الطواف و السعي و الوقوفين مقترنةً بالضرر أو الحرج أو عدم صحة البدن أو عدم أمن الطريق فهل الحكم هو الإجزاء مطلقا، أو عدم الإجزاء، أو التفصيل بالإجزاء في بعض هذه الامور و عدمه في البعض الآخر؟

وجوه.

و الذي ينبغي أن يقال: إنّه إذا حج مع عدم كون نفسه في حال الإتيان بالأعمال مأموناً من الخطر و الضرر فالحكم فيه عدم إجزاء حجه عن حجة الإسلام، بل الظاهر بطلان عمله، هذا في الضرر البدني.

و أما في الضرر المالي فإن قلنا بأن وجوده مانع من الاستطاعة و أنّ من يتضرر بسفر سواء كان الحج أو غيره لا يكون عند العرف مستطيعاً له فإن تحمَّل الضرر و حج لا يجزيه عن حجة الإسلام، و إن قلنا بنفي وجوب الحج بعد حصول الاستطاعة بقاعدة لا ضرر فحيث إنها امتنانية يكون معناها ترخيص المكلف للترك، فإن حج و تحمل الضرر يجزيه عن حجة الإسلام.

اللهمّ إلّا أن يقال بوجوب الأخذ بالترخيصات الشرعية مثل قوله تعالي:

«فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنٰاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلٰاةِ» «1» فلا يجوز الإتمام، و لكن ذلك علي النحو الكلي لم يثبت، بل الثابت خلافه، و لذا يجوز الاحتياط في مثل البراءة الشرعية.

و يمكن أن يقال: إن الضرر إذا كان

لازماً للحج مثل كونه مستلزماً لتلف ماله فالحكم ما ذكر علي المبنيين، أما إذا كان تخلية السرب متوقفة علي ضرر مثل أن يكون الطريق من جانب الظالم مسدوداً و لا يسمح لأحد العبور منه إلا بدفع المال

______________________________

(1)- النساء: 101.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 315

الكثير له فيمكن أن يقال بعدم حصول الاستطاعة؛ لعدم تخلية السرب علي المبنيين و دفع المال إليه تحصيل للاستطاعة. و المسألة بعد محل إشكال.

و أما إذا حج مع عدم صحة البدن فالظاهر أن حجه ليس مصداقاً للواجب، فيجب عليه الحج إذا صح بدنه مع استكماله لسائر الشرائط.

هذا، و قد ظهر مما ذكر حكم الحرج، و أنه علي البناء علي منعه من الاستطاعة لا يجزيه عن حجة الإسلام، و علي البناء علي أنه رافع لوجوب الحج يجزيه إن تحمل الحرج و أتي بالحج. و اللّٰه هو العالم.

[مسألة 92] إذا ترك الحج خوفاً من اللصّ فبان الخلاف بعد زوال الاستطاعة

مسألة 92 إذا خاف من وجود اللص في الطريق علي نفسه أو علي ماله خوفاً يعتني به العرف و العقلاء و ترك الحج و بعد زوال استطاعته بان عدم وجود اللص فهل هذا ليس من عدم تخلية السرب، فإذا بانَ خلافه يجب عليه الحج، أو أن الخوف من وجود اللص مانع من حصول الاستطاعة فلا يكون الخائف من اللص مستطيعاً للحج، و لا يجوز عند العرف سير الطريق المخوف و إن ظهر بعد ذلك خلافه، فلا يستقر عليه بذلك الحج لعدم الاستطاعة، لأن ما هو المانع من صدق الاستطاعة هو الخوف العقلائي من اللص، لا وجود اللص واقعاً؟

و الأقوي أن الخوف مانع من حصول الاستطاعة، و القول بأن الخوف طريق عقلائي إلي وجود اللص لم نفهم معناه، فإن الخوف العقلائي و إن كان يحصل من الطريق

العقلائي إلّا أنّه بنفسه و واقعه مانع من حصول الاستطاعة، و ليس من قبيل قيام الطريق علي مانعٍ في الطريق مما يوجب الخوف من سلوكه.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 316

[مسألة 93] إتيان الحج مع استلزامه ترك واجب أو ارتكاب حرام

مسألة 93- إذا حج مع استلزامه لترك واجب أو ارتكاب حرام فهل يجزيه عن حجة الإسلام، أم لا؟

لا ريب في أنه إذا كان هذا الاستلزام في خصوص ذهابه إلي الميقات دون ما بعده فحجه يقع حجة الإسلام، و أما إذا استلزم المناسك و الأعمال ترك الواجب أو فعل الحرام فعلي القول باعتبار الاستطاعة الشرعية في وجوب الحج بمعني عدم مزاحمته لواجبٍ آخر و أن المانع الشرعي كالمانع العقلي أو العرفي فلا يجزي عن حجة الإسلام؛ لعدم تحقق الاستطاعة المشروط عليها وجوب الحج.

و علي القول بأن الاستطاعة المذكورة ليست إلّا ما فسِّرت في الروايات بتخلية السرب و صحة البدن و الزاد و الراحلة، فالقول بعدم الإجزاء وجيه إن كان الواجب الذي استلزم الحج تركه أهم من الحج و لم نقل بالترتب و لا بكفاية وجود الملاك، و هكذا علي القول بالاستطاعة العرفية الإجزاء و عدمه يدور مدار أهمية الحج، أو القول بالترتب، أو كفاية وجود الملاك.

فإن قلت: قد قلتم في الحرج و الضرر: إنّهما مانعان من حصول الاستطاعة العرفية فليكن ترك الواجب أو فعل المعصية مثلهما.

قلت: الظاهر أن المانع من الاستطاعة العرفية هو ما يكون بنظر العرف مانعاً من الاستطاعة للحج.

و بعبارةٍ اخري: ما يكون من الموانع العرفية و ترك الواجب أو فعل المعصية ليسا منه إلّا علي القول بالاستطاعة الشرعية الذي لا دليل عليه. و اللّٰه هو العالم.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 317

[مسألة 94] وجوب الحجِّ علي الكافر المستطيع
اشارة

مسألة 94- قال في العروة: (الكافر يجب عليه الحج إذا استطاع؛ لأنه مكلف بالفروع لشمول الخطابات له أيضاً، و لكن لا يصحّ منه ما دام كافراً كسائر العبادات و إن كان معتقداً بوجوبه و آتياً به علي وجهه مع قصد القربة لأن

الإسلام شرط في الصحة.

أقول: تفصيل الكلام في هذه المسألة يقع في جهات:

الجهة الاولي و في تكليف الكفار بالفروع إمّا مطلقاً، أو في خصوص الحج

، أما بالنسبة إلي الحج فيدل عليه قوله تعالي: «وَ لِلّٰهِ عَلَي النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ» فإنه يشمل المسلم و الكافر علي السواء.

و أما في سائر التكاليف فيدل عليه مثل قوله تعالي: «يٰا أَيُّهَا النّٰاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّٰهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً» «1»، و لا ريب أن من جملة ما ارسل به رسول اللّٰه صلي الله عليه و آله الأحكام و الفروع، فالناس كلهم مكلفون بها. و مثل قوله تعالي: «إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللّٰهِ الْإِسْلٰامُ» «2»، و الإسلام اسم لجميع ما انزل علي النبي صلي الله عليه و آله اصولًا و فروعاً.

و خصوص جملة من الآيات مثل قوله تعالي: «وَ وَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لٰا يُؤْتُونَ الزَّكٰاةَ» «3»، و قوله تعالي: «قٰالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَ لَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ» «4» و غيرها من الآيات و الروايات و ادُّعي الإجماع علي ذلك.

و لكن بعض الأعلام أفاد بأن (محل الكلام في تكليف الكفار بالفروع إنما

______________________________

(1)- الأعراف: 158.

(2)- آل عمران: 19.

(3)- فصِّلت: 6 و 7.

(4)- المدَّثّر: 44.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 318

يكون في الأحكام المختصة بالإسلام، و أمّا المستقلات العقلية التي يشترك فيها جميع أرباب الشرائع كحرمة القتل و قبح الظلم و أكل مال الناس عدواناً فلا إشكال، كما لا كلام في تكليفهم بها، و أما في الأحكام المختصة فما هو الصحيح عدم تكليف الكفار بها).

و استشهد بما ورد من أن «الناس يؤمرون بالإسلام ثمّ بالولاية»، فإن ظاهر العطف ب (ثمّ) هو عدم تعلق الأمر بالولاية إلا بعد الإسلام، فإذا كان هو الحال في الولاية و هي من أعظم الواجبات و أهم الفروع، بل إنّه لا يقبل عمل

بدونها كما ورد في غير واحد من النصوص فما ظنّك بما عداها من سائر الواجبات كالصلاة و الصيام و نحوهما. «1»

أقول: أما في المستقلات العقلية فشأن العقل ليس إلّا إدراك حسن بعض الأفعال و قبح بعضها و حسن مدح فاعل الأول و ذم تارك الثاني، لا تكليف له و لا أمر و لا نهي مولوياً له، فلا شأن له إلّا درك الحسن و القبح الذي يترتب عليه الميل و الرغبة إلي فعل الحسن و ترك القبيح، و هذا غير التكليف المولوي الصادر من الشارع المقدس الذي يستحق المكلف بامتثاله الثواب و بمخالفته العقاب.

و لعلّ هذا مرادهم من أن الواجبات الشرعية ألطاف في الواجبات العقلية، غير أن الوجوب الشرعي غير الوجوب العقلي لترتب الثواب علي موافقة الأول و العقاب علي مخالفته دون الثاني، و المبحوث عنه في مسألة تكليف الكفار بالفروع هذا الوجوب الشرعي، و لا فرق في ذلك بين الأحكام المختصة بالإسلام و غيرها.

و أما ما ذكر وروده من أن الناس يؤمرون بالإسلام ثمّ بالولاية فلم نجده فيما راجعنا إليه بالعجالة، و لو كان فليس معناه أن من لم يؤمن بالإسلام ليس مكلفاً

______________________________

(1)- مستند العروة، كتاب الصلاة: 5/ 111.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 319

بالإيمان بالولاية، بل معناه أن الدعوة إلي الولاية في طول الدعوة بالنبوة و أن الإيمان بالرسالة يكون قبل الإيمان بالولاية كما أن الإيمان بالالوهية يكون قبل الإيمان بالرسالة لأنه لا يعقل الإيمان بالنبوة بدون الإيمان بالألوهيّة، و لكن ليس معني ذلك أن من لم يؤمن بالالوهية ليس مكلفاً بالنبوة و من لم يؤمن بهما ليس مكلفاً بالولاية فالناس كلهم مكلفون بالإيمان بهذه الثلاثة، غير أن الإيمان بالالوهية واجب نفسي بنفسه و غيري

لتوقف الإيمان بالنبوة و الولاية عليه، و هكذا الإيمان بالنبوة نفسي و غيري لتوقف الإيمان بالولاية عليه. و بالجملة ليس معني ذلك أن التكليف بالولاية لا يتعلق بالمكلف إلا بعد الإيمان و الاعتقاد بالنبوة.

نعم، تحقق الإيمان بالولاية خارجاً موقوف علي تحقق الإيمان بالرسالة كالظهر و العصر فإنّ ترتب العصر علي الظهر لا يمنع من التكليف بهما، و لا يمنع من التكليف بالعصر قبل الإتيان بالظهر.

و هنا رواية ربما تدلّ علي ذلك، و هي ما رواه شيخنا الكليني- رحمه اللّٰه- في الصحيح: عن محمد بن يحيي، عن أحمد بن محمد، عن الحسن بن محبوب، عن هشام بن سالم عن زرارة، قال: «قلت لأبي جعفر عليه السلام: أخبرني عن معرفة الإمام منكم واجبة علي جميع الخلق؟ فقال: إنّ اللّٰه عزّ و جلّ بعث محمداً صلي الله عليه و آله إلي الناس أجمعين رسولًا و حجةً للّٰه علي جميع خلقه في أرضه، فمن آمن باللّٰه و بمحمدٍ رسول اللّٰه صلي الله عليه و آله و اتّبعه و صدّقه فإنّ معرفة الإمام منا واجبة عليه، و من لم يؤمن باللّٰه و برسوله و لم يتبعه و لم يصدقه و يعرف حقهما فكيف يجب عليه معرفة الإمام و هو لا يؤمن باللّٰه و رسوله و يعرف حقهما؟ قال: قلت: فما تقول فيمن يؤمن باللّٰه و رسوله و يصدق رسوله في جميع ما أنزل اللّٰه يجب علي اولئك حق معرفتكم؟ قال عليه السلام: نعم، هؤلاء يعرفون فلاناً و فلاناً؟ قلت: بلي، قال: أ تري أن اللّٰه هو الذي أوقع في قلوبهم معرفة هؤلاء؟ و اللّٰه ما أوقع ذلك في قلوبهم إلا الشيطان، لا و اللّٰه ما ألهم المؤمنين

فقه الحج (للصافي)، ج 1،

ص: 320

حقنا إلّا اللّٰه عز و جل». «1»

يمكن أن يقال بدلالته علي عدم وجوب معرفة الإمام عليه السلام علي من لم يؤمن باللّٰه و رسوله، فيكون سائر الأحكام مثله.

و لكن لأحدٍ أن يقول: إنّ المستفاد من الحديث سؤالًا و جواباً و صدراً و ذيلًا عدم وجوب معرفة الإمام عليه السلام بالانفراد و استقلاله عنهما، أو عدم تحققه كذلك، فيكون معناه أن معرفة الإمام عليه السلام لوحظ فيها معرفة النبي صلي الله عليه و آله فكيف يمكن إيجاب معرفته بدون معرفة النبيّ صلي الله عليه و آله، و ليس معناه أن معرفة الإمام عليه السلام الذي لا تتحقق إلّا بمعرفة النبي صلي الله عليه و آله و معرفة اللّٰه تعالي لا يمكن إيجابها قبل معرفتهما و علي من لم يؤمن بهما.

قال العلّامة المجلسي قدس سره: (قوله عليه السلام: «فكيف تجب عليه معرفة الإمام» أي علي الانفراد، بل يجب عليه أن يؤمن باللّٰه و رسوله أولًا، ثمّ بالإمام، و الغرض أن معرفتهما أوجب عليه، بل لا سبيل له إلي معرفته إلّا بمعرفتهما، فلا ينافي أن يعاقب بتركها أيضاً إذا ترك الجميع). «2»

و الحاصل: أنه لا ظهور معتدّ به للرواية علي عدم كون الكفار مكلفين بمعرفة الإمام عليه السلام بالمعني الذي ذكر، فيسقط الاستدلال به علي عدم كون الكفار مكلفين بالفروع.

مضافاً إلي ما يعارض هذا الاستدلال من الروايات، و سيما الآيات الدالة علي المؤاخذة بالفروع و هي لا تصح من غير تكليفٍ بهما.

الجهة الثانية: علي القول بكون الكفار مكلفين بالفروع لا ريب في سقوط التكليف عنهم في صورة موافقتهم للأحكام بترك المحرمات و فعل الواجبات التوصلية،

______________________________

(1)- الكافي: 1/ 180، ح 3.

(2)- مرآة العقول: 2/ 302.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 321

لكن لا يوجب ذلك تقرّبهم إلي اللّٰه و استحقاقهم للثواب، فإنهما مشروطان بالإسلام، و لمانعية الكفر من تقرب صاحبه إلي اللّٰه،

فلا يؤثّر عملهم في تقربهم و إن أتوا به بقصد التقرب لقبحه الفاعلي.

و أما في العبادات فإتيانهم بها لا يوجب تقرّبهم؛ لعدم صحتها منهم لاشتراطها بالإسلام، فلا يسقط بالعصيان بها تكليفهم، فهم معاقبون علي تركها و إن أتَوا بها في حال الكفر؛ لأنها بدون الإيمان لا يؤتي بها علي وجه الصحيح، بخلاف غير العبادات حيث إن الإتيان به مسقط للتكليف و مانع من استحقاق اللوم و العقاب.

الجهة الثالثة: بعد ما ظهر عموم التكاليف الشرعية و شمولها للكفار أيضاً فهل جميعهم معاقبون علي ترك امتثالها

و لو كانوا في كفرهم معذورين لقصورهم و عدم التفاتهم أو لجهلهم المركب إذا لم يكن بتقصيرهم في مقدماته، أو أن المعاقب عليها يكون خصوص الكفار الجاحدين الذين ذمّهم اللّٰه تعالي بقوله جلّ شأنه:

«وَ جَحَدُوا بِهٰا وَ اسْتَيْقَنَتْهٰا أَنْفُسُهُمْ» «1»، و من ترك الفحص و بقي في الجهل البسيط أو حصل له الجهل المركب بتقصيره في مقدماته و تعلمه ما ينتهي إلي الضلال و الإلحاد؟

الظاهر أن المستحق للعقاب هو الثاني؛ لتنجز التكليف عليه، و لعلّ أن يكون في حكم الأول من لم تستقر له العقيدة الإسلامية لقصوره.

إلّا أنّ السيد الخوانساري نفي البعد عن القول بلزوم الأعمال عليه رجا قال:

«أمّا الوجوب عليه فادعي عليه الإجماع، و أدلة الفروع تشمله، و أما عدم الصحة فلكون الإسلام شرطاً في الصحة، و يشكل الأمر بالنسبة إلي العاجز كمن لم يسلم

______________________________

(1)- النمل/ 14.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 322

لقصوره من دون تقصير منه، فمثل هذا كيف يكون مكلفاً بالعبادات مثل الصلاة و الصوم و الحج مع عدم تمكنه من الإتيان بها صحيحة؟ و مجرد الإقرار باللسان و إن كان مقدوراً لكنّه لا يكفي في صحة العبادات؛ لاشتراط الإيمان الغير المتحقق هنا بدون الاعتقاد و إن قلنا بكفاية مجرد الإقرار باللسان في الإسلام، و لا

يبعد أن يقال بلزوم الأعمال عليه رجاءً و إن لم يترتب عليه ثواب، نظير وجوب الخمس علي الذمّي إذا اشتري أرضاً من مسلم) «1».

الجهة الرابعة: إذا مات الكافر في حال الاستطاعة أو بعد انقضائها فهل يجب القضاء عنه تبرعاً أو من ماله؟

قال السيد- رحمة اللّٰه تعالي عليه- في العروة: (لو مات لا يقضي عنه؛ لعدم كونه أهلًا للإكرام و الإبراء).

قال بعض الأعاظم: (لو مات كافراً لا يقضي عنه و لا يخرج من تركته؛ لعدم وجوب الحج عليه مباشرةً لأن الإسلام شرط في الصحة، و لا نيابة؛ لعدم الدليل علي ذلك). «2»

أقول: أما كون الإسلام شرطاً في الصحة لا يلزم منه عدم وجوب الحج عليه مباشرةً كالطهارة المشروط عليها صحة الصلاة، فيجب تحصيل الإسلام كما يجب تحصيل الطهارة. فلا ينافي ذلك وجوب الحج عليه مباشرة و نيابة. و لو قال: لعدم كونه مكلفاً بالحج كان أبعد من الإشكال علي ما اختاره من عدم كون الكفار مكلفين بالفروع.

و أما عدم كونه أهلًا للإكرام و الإبراء فيمكن أن يوجه الاستدلال به إذا كان متبرعاً به، لقوله تعالي: «لٰا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللّٰهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ يُوٰادُّونَ مَنْ حَادَّ اللّٰهَ

______________________________

(1)- جامع المدارك: 2/ 278.

(2)- معتمد العروة: 1/ 265.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 323

وَ رَسُولَهُ وَ لَوْ كٰانُوا آبٰاءَهُمْ» «1»، و هذا من أظهر آثار الموادة، و أما القضاء عنه من ماله فيمكن أن يقال: إنه من قبيل أداء ما عليه من الديون المالية المتعلقة بمال المديون، و إلّا يلزم، كما أفاده السيد الخوانساري قدس سره من عدم صحة التخميس عنه.

اللهمّ إلّا أن يقال في خصوص المشركين بدلالة الآية الكريمة: «مٰا كٰانَ لِلنَّبِيِّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَ لَوْ كٰانُوا أُولِي قُرْبيٰ مِنْ بَعْدِ مٰا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحٰابُ الْجَحِيمِ» «2»، فإذا لم يكن لهم

أن يستغفروا لهم كيف يجوز النيابة عنهم أو الاستنابة لهم للحج؟

و أما في غير المشركين فلعدم إثبات مشروعية القضاء عن غير المسلم، و ما يدل علي مشروعيته يختص بالمؤمن المتوقع منه الحج، إلّا أن ذلك لا ينفي جوازه برجاء إبراء ذمته و تخفيف عذابه.

نعم، ورد في الناصب عدم جواز النيابة عنه إلّا إذا كان أباً للنائب، و الفرق بين التخميس و الحج: أن الخمس يؤخذ من الكتابي و يجبر علي أدائه، و أما الحج فلا يجبر عليه و يترك بحاله.

الجهة الخامسة: الظاهر أنه لا ريب في أن الكافر إذا استطاع و لم يسلم حتي زالت استطاعته ثمّ أسلم لا يجب عليه الحج متسكعاً،

كما أنه لا ريب في أن الكافر الذي لم يسلم و فات منه الصلاة و الصيام في الوقت ثمّ أسلم بعده لا يجب عليه القضاء.

إلّا أنّ الكلام في أن عدم وجوب الحج عليه و عدم وجوب قضاء الصلاة و الصوم هل يكون لعدم تكليفه بالحج بعد زوال الاستطاعة و عدم تكليفه بقضاء

______________________________

(1)- المجادلة/ 22.

(2)- التوبة: 113.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 324

الصلاة و الصوم بعد الوقت، فلا يكون معاقباً بترك الحج و الصلاة لو لم يتنجز عليه التكليف في الوقت و في حال الاستطاعة إن مات كافراً، أو أن الكفار مكلفون بذلك كله كسائر الفروع و إن لم يتنجز عليهم التكليف في حال الاستطاعة و في الوقت، غير أن بالإسلام يسقط عنهم وجوبها بقاعدة الجبّ المسلّمة، سواء كان دليلها الخبر العامي المشهور الذي قيل بأنه المنجبر بعمل الأصحاب، أو السيرة المستمرة عليها من عصر النبي صلي الله عليه و آله و بعده إلي هذا الزمان؟

ظاهر القائلين بقاعدة اشتراك الكفار مع غيرهم في التكليف بالفروع أنهم مكلفون بالحج و قضاء الصوم و الصلاة، و يجب عنهم ذلك بالإسلام، فإن ماتوا علي الكفر فهم معاقبون علي ترك الحج

و الصلاة و إن لم يتنجزا عليه في حال الاستطاعة و في الوقت.

إلّا أنّه قد اورد عليهم: بأنّه لا يعقل وجوب القضاء و الحج علي الكافر مع البناء علي سقوطه بالإسلام، فإن الإتيان بهما صحيحاً و امتثال التكليف بهما مشروط بالإسلام و به يسقط عنهم التكليف.

و بعبارةٍ اخري: لا يتمكن من الامتثال إلّا بالإسلام، و به يسقط موضوع الامتثال، لأنه إذا أسلم يسقط به الوجوب.

و بعبارةٍ ثالثة: في حال الكفر لا يصح منه، و إن أسلم يسقط عنه التكليف، و لذا حكي عن صاحب المدارك قدس سره: أنه اختار عدم تكليفهم بالقضاء حال الكفر و إن كانوا مكلفين بغيره من التكاليف.

و قد تُفُصِّيَ عن هذا الإشكال: بأن تكليف الكافر بالحج بعد زوال الاستطاعة يمكن تصوره بنحو الوجوب المعلق، بأن نقول بوجوب الحج عليه في حال الاستطاعة مستطيعاً، و إن تركه فمتسكّعاً فهو في حال الاستطاعة مأمور به في هذا الحال و في ما بعده إن تركه، فإن هو ترك الإسلام في حال الاستطاعة فوَّت علي

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 325

نفسه بتركه الإسلام الحج في الحالتين حال الاستطاعة و حال عدمها. و هكذا يقال بالنسبة إلي الصلاة في الوقت فإنه مأمور بالصلاة فيه أداءً، و إن تركه فبقضائها بعده، فهو مكلف بقضاء الصلاة إن ترك أداءه في الوقت، و حيث إنّ القضاء بعد الوقت مقدور له بإسلامه في الوقت لا مانع من إيجابه عليه في الوقت.

و اورد علي هذا الجواب: بأنّ الوجوب المعلق و إن كان ممكناً في نفسه لكنّ ثبوته يحتاج إلي دليل، و لا دليل في المقام، بل الدليل علي عدمه، لأنّ القضاء موضوعه الفوت و ما لم يتحقق الفوت لم يؤمر بالقضاء. «1»

و

فيه: أنّ هذا يتمّ في قضاء الصلاة و الصوم الذي يحتاج الأمر بهما إلي تحقق موضوعه و هو الفوت، أما في الحج فهو أداء سواء وقع في حال الاستطاعة أو بعدها، و عليه فالكافر كالمسلم مأمور بالحج في حال الاستطاعة و بعدها، غير أنه يجب عليه الإسلام ليتمكن من الإتيان به، فهو مأمور بالحج بعد الاستطاعة كما كان مأموراً به في حال الاستطاعة، غير أنه إذا لم يسلم في حال الاستطاعة و إن لم يتمكن من الحج بعدها إن أسلم فلا يصح عقابه بتركه الحج في هذا الحال إن مات كافراً، إلّا أنه يصح عقوبته بتركه الحج في حال الاستطاعة.

نعم، إن لم يتنجز عليه الحج في حال الاستطاعة لا يتنجز عليه بعدها، و لا يصح عقوبته و إن مات كافراً.

و الذي ينبغي أن يقال: إنّ الوجوب المعلق و إن كان ممكناً في نفسه إلّا أنّه إذا كان مشروطاً بترك الصلاة و فوتها في الوقت أو ترك الحج في حال الاستطاعة كيف يمكن تصوير الوجوب المعلق- بالنسبة إلي القضاء- في الوقت و الحج في حال الاستطاعة فيمكن وجوب الصلاة بعد الوقت في الوقت بأن يكون الوجوب فعلياً

______________________________

(1)- معتمد العروة: 1/ 267 راجع أيضاً كتاب الزكاة من المستند: 1/ 128.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 326

و الواجب استقبالياً، كما يمكن وجوب الصلاة بشرط مضي الوقت بأن يكون كليهما استقبالياً.

و بعبارةٍ اخري: ترك الصلاة في الوقت و ترك الحج في حال الاستطاعة لا يمكن أن يكون من شرائط الواجب، فلا بد أن يكون من شرائط الوجوب. و مع ذلك لا يمكن تصوير الوجوب المعلق في الوقت قبل تحقق الترك فيه و في حال الاستطاعة قبل تحقق الترك فيها.

ثمّ إنّه

قد أجاب الشيخ المؤسِّس المحقّق الحائري قدس سره في كتاب الصلاة «1» - الذي سمعت من سيدنا الاستاذ الأعظم رضوان اللّٰه عليه (إنّه قلَّ فيما رأيت مثله قليل اللفظ و كثير المعني)-: بأن الكافر مكلف بإتيان الصلاة أداءً إن دخل الوقت، و بإتيانها خارج الوقت قضاءً إن تركها في الوقت، و التكليف الأول بدخول الوقت يصير مطلقاً، و الثاني المشروط بتركها في الوقت يصير مطلقاً بتركها، إلّا أنه غير متمكن منه لتركه الإسلام في الوقت، و حيث إنّ تركه مستند إلي ترك غير ما علق عليه الطلب لا عدم ما هو شرطه يصح المؤاخذة علي تركه.

لا يقال: إنه علي هذا يصح المؤاخذة علي تركه و لو أسلم خارج الوقت.

فإنه يقال: إنه مكلف بالصلاة في الوقت، و بقضائها إن تركها في الوقت و ترك الإسلام في خارج الوقت، إلّا أنّ تركها في خارج الوقت مستند إلي تركه الإسلام في الوقت، فهو إن مات تاركاً للإسلام يعاقب بتركه قضاء الصلاة في خارج الوقت الذي هو مستند إلي تركه الإسلام في الوقت.

و أما إسلامه إن كان يتحقق في خارج الوقت فهو بدل عن الصلاة في الوقت الذي ترتب علي تركها وجوب القضاء خارج الوقت، فلا يجوز أن يكون مؤاخذاً

______________________________

(1)- كتاب الصلاة/ 557.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 327

بترك القضاء و هو أسلم بعد الوقت و آتياً بما هو بدل عن الصلاة في الوقت التي كان تركها شرطاً لوجوب القضاء خارج الوقت، فتدبّر جيّداً.

هذا بالنسبة إلي قضاء الصلاة، أما بالنسبة إلي الحج- الذي هو مأمور به بعد الاستطاعة بالأمر الأول و أداءً له لا قضاءً- يبقي الإشكال علي حاله؛ لأنه لا يعقل تكليفه بالحج الذي شرط صحته الإسلام الذي إن

تحقق يسقط التكليف به.

نعم، إن كان مأموراً بالحج في حال الاستطاعة و به مشروطاً بتركه في حال الاستطاعة يأتي ما ذكر في دفع الإشكال، لأن تركه الحج بعد الاستطاعة يكون مستنداً إلي بترك الإسلام في حال الاستطاعة، فيصح مؤاخذته عليه، لأن تركه مستند إلي غير ما هو شرط للتكليف و هو الترك في حال الاستطاعة، بل مستند إلي تركه الإسلام في حال الاستطاعة.

[مسألة 95] الكافر إذا أسلم بعد الميقات

مسألة 95- لو أسلم الكافر بعد المرور علي الميقات يجب عليه العود إليه و الإحرام منه، سواء كان أحرم منه أو لم يحرم منه، و لو لم يتمكن من العود إليه فهل يحرم من موضعه، أو يسقط عنه الحج في سنته، فإن بقي علي الاستطاعة إلي السنة المستقبلة يأتي به، و إلّا فلا شي ء عليه؟

ظاهر الفتاوي أنه يحرم من موضعه، و عن المدارك: أنه علّله بأن ذلك حكم الناسي و الجاهل، و المسلم في المقام أعذر منهما، فإذا كان حكم الإحرام من الميقات مرفوعاً عنهما للنسيان و الجهل فالذي أسلم أولي بذلك «1».

______________________________

(1)- مدارك الأحكام: 7/ 69. قال ما هذا لفظه: (فلأنّ من هذا شأنه أعذر من الناسي و الجاهل و أنسب بالتخفيف مع ثبوت ذلك بالنسبة إليهما).

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 328

مضافاً إلي أنه يمكن أن يقال: إنّه يجب بالإسلام عنه أصل الحج، فحكم الإحرام من الميقات أولي بذلك. إلّا أن ذلك يتمّ لو قلنا بعدم جبِّ أصل وجوب الحج في هذه السنة عنه بالإسلام و وجوبه عليه في القابل، و إن لم تبقَ استطاعته فلا شي ء عليه أصلًا، إذاً فمقتضي القاعدة براءة ذمته عن الحج.

اللهمّ إلّا أن يقال بإلحاقه بالجاهل و الناسي إذا لم يكن مقصِّراً في تركه الإسلام، و

لا يبعد التفصيل بين أن يكون أمامه ميقات آخر فيكفيه الإحرام منه و بين أن لا يكون كذلك فليس عليه الحج في سنته. و لعلّه يجي ء بعض الكلام بعون اللّٰه و توفيقه في أحكام المواقيت.

[مسألة 96] فيمن ارتد بعد الحج ثمّ تاب

مسألة 96- قال في الجواهر: (و لو حج المسلم ثمّ ارتد بعده ثمّ تاب لم يعد علي الأصح، للأصل بعد تحقق الامتثال، و عدم وجوب حج الإسلام في العمر إلّا مرة و قد حصلت، خلافاً للمحكي عن الشيخ بناءً منه علي أن الارتداد يكشف عن عدم الإسلام في السابق، لأن اللّٰه لا يضل قوماً بعد إذ هداهم. و فيه: أنه مخالف للوجدان و لظواهر الكتاب و السنة، و آية الإحباط إنما تدل علي عدم قبول عمل الكافر حال كفره، لا ما عمل سابقاً حال إسلامه، و مع التسليم فهو مشروط بالموافاة علي الكفر، كما هو مقتضي الجمع بينها و بين الآية الاخري الدالة علي ذلك. هذا كله، مضافاً إلي قول الإمام أبي جعفر- عليه سلام اللّٰه- في خبر زرارة: «من كان مؤمناً فحج ثمّ أصابته فتنة فكفر ثمّ تاب يحسب له كل عمل صالح عمله و لا يبطل

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 329

منه شي ء»، و نحوه غيره) «1».

أقول: أما الاستدلال المحكيّ عن الشيخ قدس سره ب «إنّ اللّٰه لا يضلّ قوماً بعد إذ هداهم» فالمراد منه الاستدلال بقوله تعالي: «وَ مٰا كٰانَ اللّٰهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدٰاهُمْ حَتّٰي يُبَيِّنَ لَهُمْ مٰا يَتَّقُونَ إِنَّ اللّٰهَ بِكُلِّ شَيْ ءٍ عَلِيمٌ» «2».

و فيه: أنّه لا دلالة للآية الكريمة علي عدم وقوع الكفر و الارتداد بعد الإيمان، بل قوله تعالي: «حَتّٰي يُبَيِّنَ لَهُمْ مٰا يَتَّقُونَ» يدل علي وقوع ذلك، فيمكن أن يكون المراد من

إضلاله قوماً خذلانهم و تركهم علي ما هو عليه، فهذا لا يقع منه بعد إذ هداهم بالهداية التكوينية بعقولهم و فطرتهم حتي يبين لهم ما يتقون بوسيلة الأنبياء عليهم السلام، فلا يتركهم علي حالهم، بل يهديهم بإنزال كتبه و إرسال رسله إليهم.

و أما آية الإحباط فهي مثل قوله تعالي: «وَ مَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمٰانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَ هُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخٰاسِرِينَ». «3» و قوله تعالي: «وَ لَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مٰا كٰانُوا يَعْمَلُونَ». «4»

و لكن الظاهر منهما و غيرهما حبس ثواب الأعمال و آثاره الحسنة عنهم ما داموا باقين علي الكفر و الشرك. و يدل عليه قوله تعالي: «وَ مَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَ هُوَ كٰافِرٌ فَأُولٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمٰالُهُمْ فِي الدُّنْيٰا وَ الْآخِرَةِ». «5»

و أما خبر زرارة فهو ما رواه الشيخ بإسناده: عن الحسين بن علي، عن علي

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 17/ 303.

(2)- التوبة: 115.

(3)- المائدة: 5.

(4)- الأنعام: 88.

(5)- البقرة: 217.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 330

بن الحكم، عن موسي بن بكر، عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: «من كان مؤمناً فحج و عمل في إيمانه ثمّ أصابته في إيمانه فتنة فكفر ثمّ تاب و آمن قال: يحسب له كل عمل صالح عمله في إيمانه و لا يبطل منه شي ء» «1».

و تعبير الجواهر عنه بالخبر «2»، و هكذا السيد في العروة مشعر بالضعف، و قيل في وجه ذلك: إنّ طريق الشيخ إلي الحسين بن علي غير مذكور في الفهرست و لا في المشيخة.

و لكن حكي السيد الخوئي قدس سره عن رجال الشيخ، أنه ذكره فيمن لم يروِ عنهم عليهم السلام، و قال: (الحسين بن علي بن سفيان البزوفري خاصّي، يكنّيٰ أبا عبد

اللّه، له كتب، روي عنه التلعكبري، و أخبرنا عنه جماعة، منهم محمد بن نعمان، و الطريق إلي كتبه صحيح، فالرواية صحيحة). «3»

أقول: قد أشرنا مسبقاً إلي أن رواية الشيخ من مثل البزوفري رواية كُتُبِه التي كانت في يد أهل الحديث عنه بواسطة الرواة كان جرياً علي ما هو المتعارف بينهم. فمثل هذه الأحاديث إن رواها مثل الشيخ عن أصحاب الكتب يدل علي وجودها في كتبهم المعلومة نسبتها إليهم فلا ينبغي أن يعد مثلها من المراسيل، و من هذه الأحاديث روايات كثيرة في النصوص علي الأئمة الاثني عشر و مولانا صاحب الأمر- صلوات اللّٰه عليهم- كلها مأخوذ من كتب أرباب الاصول.

و كيف كان فهذه الرواية تدل علي عدم بطلان الصادر من المؤمن إن أصابته فتنة فكفر ثمّ تاب.

بل يمكن أن يقال: إنّه لا يحكم ببطلانه و إن لم يتب من الكفر، لا بمعني تأثيره في تقرّبه إلي اللّٰه تعالي، فإنه منعه كفره من ذلك، بل بمعني أنه لا يعاقب بترك ما أتي به،

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 30 من أبواب مقدمة العبادات ح 1.

(2)- جواهر الكلام: 17/ 303.

(3)- معتمد العروة: 1/ 268.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 331

إلّا أن يقال بكون عدم الموت علي الكفر من شرائط صحة العبادة علي نحو الشرط المتأخر.

و لو ارتدّ ثمّ استطاع في حال ردّته يجب عليه حجة الإسلام، و لا يجري فيه ما ذكرنا في الكافر الأصلي، فيجب عليه الإسلام و لا يجب عنه بالإسلام ما وجب عليه في حال ردّته و قبلها، حتي علي قول من لا يري الكفار مكلفين بالفروع، فإن ذلك إن قيل به مختص بالكافر الأصلي دون المرتد، سواء كان ملياً أو فطرياً.

نعم، في المرتد الفطريِّ تترتب الأحكام

الثلاثة عليه، و هي: تقسيم أمواله بين ورثته، و قتله، و بينونة زوجته منه، نعم، لا يجزي عنه الحج و الإحرام في حال ردته، فإن حج أو أحرم في تلك الحال يجب عليه إعادته لعدم صحته من الكافر.

و لو أحرم مسلماً ثمّ ارتد ثمّ أسلم لا يجب عليه تجديد إحرامه علي الأصح، كمن ارتد في أثناء الغسل أو الوضوء، فليس الفصل مضرٍّ المضر بالموالاة فيهما مانعاً من الوضوء و الغسل، فلا يخرج المحرم بالارتداد من الإحرام، فحرام عليه ما يحرم علي المحرم، و يجب عليه الكفارة فيما فيه الكفارة.

[مسألة 97] إذا حج المخالف ثمّ استبصر

مسألة 97- إذا حج المخالف ثمّ استبصر فهل يجب عليه الإعادة و إن لم يُخِلَّ بشي ء، أو لا تجب إلّا أن يخلَّ بركنٍ من أركان الحج؟

فعن ابن الجنيد و ابن البراج الحكم بوجوب الإعادة، قال ابن البراج في المهذَّب: (و إذا كان الإنسان مخالفاً للحق و أتي بجميع أركان الحج لم تُجزِهِ هذه الحجة عن حجة الإسلام، و عليه الإعادة لذلك إذا صار من أهل الحق، و قد ذكر أنها مجزئة

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 332

له). «1» و المشهور الذي لم يعرف الخلاف فيه عن غيرهما عدم الوجوب إلّا في صورة الإخلال بركنٍ من أركانه).

قال الشيخ في النهاية: (و من حج و هو مخالف لم يعرف الحق علي الوجه الذي يجب عليه الحج و لم يُخِلَّ بشي ءٍ من أركانه فقد أجزأه عن حجة الإسلام، و يستحب له إعادة الحج بعد استبصاره، و إن كان قد أخلَّ بشي ءٍ من أركان الحج لم يجزئه ذلك عن حجة الإسلام و كان عليه قضاؤها فيما بعد). «2»

و قال في الشرائع: (و المخالف إذا استبصر لا يعيد الحج إلّا أن يُخِلَّ

بركنٍ منه). «3»

و قال في المختصر النافع: (المخالف إذا لم يُخِلَّ بركنٍ لم يعد لو استبصر، و إن أخلَّ أعاد). «4»

و قال العلّامة في القواعد: (المخالف لا يعيد حجه بعد استبصاره واجباً إلّا أن يخل بركن، بل يستحب). «5»

قال في الحدائق: (و الروايات بذلك- يعني القول المشهور- متظافرة، منها:

صحيحة بريد بن معاوية العجلي، قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل حج و هو لا يعرف هذا الأمر، ثمّ مَنَّ اللّٰه تعالي عليه بمعرفته و الدينونة به عليه حجة الإسلام أو قد قضي فريضته؟ فقال: قد قضي فريضته، و لو حج لكان أحبَّ إلي، قال: و سألته

______________________________

(1)- المهذب: 1/ 268.

(2)- النهاية: 205.

(3)- شرايع الإسلام: 1/ 165.

(4)- المختصر النافع: 77.

(5)- قواعد الأحكام: 1/ 76.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 333

عن رجل حج و هو في بعض هذه الأصناف من أهل القبلة ناصب متدين ثمّ من اللّٰه عليه فعرف هذا الأمر يقضي حجة الإسلام؟ فقال عليه السلام: يقضي أحب إلي، و قال: كل عمل عمله و هو في حال نصبه و ضلالته ثمّ منّ اللّٰه عليه و عرَّفه الولاية فإنه يؤجر عليه، إلّا الزكاة فإنه يعيدها، لأنه وضعه في غير مواضعها، لأنها لأهل الولاية، و أما الصلاة و الحج و الصيام فليس عليه قضاء». و صحيحة الفضلاء: زرارة، و بكير و الفضيل، و محمد بن مسلم، و بريد، أو حسنتهم علي المشهور، عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السلام أنهما قالا: «في الرجل يكون في بعض هذه الأهواء الحرورية و المرجئة و العثمانية و القدرية ثمّ يتوب و يعرف هذا الأمر و يحسن رأيه أ يعيد كل صلاة صلاها أو صوم صامه أو زكاة أو

حج، أو ليس عليه إعادة شي ء من ذلك؟

قال: ليس عليه إعادة شي ء من ذلك غير الزكاة لا بد أن يؤديها … الحديث».

و صحيحة ابن اذينة أو حسنته: «كتب إليَّ أبو عبد اللّه عليه السلام: إنّ كل عمل عمله الناصب في حال ضلاله أو حال نصبه ثمّ مَنَّ اللّٰه عليه و عرَّفه هذا الأمر فإنه يؤجر عليه و يكتب له إلّا الزكاة … الحديث». «1»

و أما مستند ابن الجنيد و ابن البراج يمكن أن يكون الأخبار الدالة علي بطلان عبادة المخالف. و ما رواه الشيخ: عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «لو أن رجلًا معسراً أحجه رجل كانت له حجة، فإن أيسر بعد ذلك كان عليه الحج، و كذلك الناصب إذا عرف فعليه الحج و إن كان قد حج». «2»

و رواية علي بن مهزيار قال: كتب إبراهيم بن محمد بن عمران الهمداني إلي أبي جعفر عليه السلام: «إني حججت و أنا مخالف و كنت صرورة فدخلت متمتعاً بالعمرة إلي الحج؟ قال: و كتب إليه: أعد حجك». «3»

______________________________

(1)- الحدائق الناضرة: 14/ 159.

(2)- وسائل الشيعة: 11 ب 21 من أبواب وجوب الحج و شرائطه ح 5.

(3)- وسائل الشيعة: ب 31 من أبواب مقدمة العبادات ح 3 و ب 23 من أبواب وجوب الحج

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 334

و اجيب عن هذا: أما عن الأخبار الدالة علي بطلان عبادة المخالف بأنه لا منافاة بينها و بين هذه الأخبار التي قد دلت علي تفضّل اللّٰه تعالي عليه بقبول ذلك لدخوله في الإيمان، و عن الروايتين بالجمع بينهما و بين سائر الروايات بحملهما علي الاستحباب، و يشهد لذلك الجمع قوله عليه السلام في عدة من هذه الروايات:

«يحج أحب إليَّ و الحج أحبّ إليَّ، و لو حج لكان أحب إليَّ».

ثمّ إن بعد ذلك يقع الكلام في تعيين ما هو موضوع الحكم بالإجزاء. فنقول:

لا ريب أنه لا يصح أن يقال: إن المستفاد من الروايات اختصاص الحكم بالإجزاء إذا كان صحيحاً عندنا- بدعوي أن النظر فيها إلي تصحيح عمله الصادر منه قبل استبصاره من جهة فقدان الولاية فيجزيه بعد قبولها، و أما إذا كان فاسداً من جهات اخري فلا يشمله و لا يدل علي عدم وجوب إعادته- لأن ذلك موجب لحمل هذه الروايات الكثيرة علي الفرد النادر، بل علي ما لا يتفق أصلًا لعدم صحة حجهم، لا أقلَّ من جهة فساد وضوئهم.

اللهمّ إلّا أن يقال بإتيانه علي طبق مذهب الحق معتقداً جواز العمل به، كما بني عليه بعض أكابرهم، و لعله كان مبني لبعض متقدميهم أيضاً.

كما لا ريب أنه لا يستفاد منها عدم وجوب الإتيان بالحج و غيره من العبادات إن لم يأتِ بها أصلًا، أو أتي به فاسداً عمداً.

إذاً فالظاهر من النصوص بيان حكم كل مورد يوجب تحويل عقيدته إلي العقيدة الحقة تدارك ما أتي به و إعادته فحكم بالإجزاء إلّا في مورد الزكاة.

و لكن ربما يسأل عن وجه اشتراط الإجزاء في كلماتهم بعدم الإخلال بشي ء من الأركان، فإن حاصله هو إجزاء عمل المستبصر الذي أتي بالحج في مذهبه

______________________________

ح 6.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 335

السابق بقصد الإتيان بالوظيفة، فمثله إن لم يقع في ترك الركن و ما يبطل الحج بتركه الغير العمدي في مذهبنا كإدراك الموقفين يجزيه ذلك عن إعادة الحج، فإنّ ذلك تقييد إطلاق ما يدل علي الإجزاء من غير دليل.

مضافاً إلي أنه يلزم منه الفرق بين الصلاة و الحج في الحكم،

فإنّ في الصلاة الحكم هو الإجزاء مطلقاً و إن ترك الجزء الركني منها، و هو خلاف الظاهر.

إلا أنه يمكن أن يقال: إنّ ما يستفاد من بعض الكلمات أن ما هو الركن في الحج عندنا ركن عندهم، و عليه يصح هذا الشرط؛ لأن الظاهر من الروايات إجزاء ما عمله المستبصر قبل استبصاره عن الإعادة و القضاء إن صار استبصاره سبباً لوقوعه في كلفة الإعادة فلا يجب عليه الإعادة، أما فيما هو ركن بحسب المذهبَين يجب عليه الإعادة، لأنه يلزم عليه تدارك ما فات منه استبصر أم لم يستبصر.

نعم، إن كان فيما هو عندنا من الأركان ما ليس عندهم منها لا يستقيم اشتراط الإجزاء بعدم الإخلال بالأركان.

و بالجملة: فالقدر المتيقن مما هو الموضوع للحكم بالإجزاء ما يقع المستبصر باستبصاره في كلفة الإعادة، لا ما يلزم عليه و إن بقي علي مذهبه. و اللّٰه تعالي هو العالم.

[مسألة 98] إذن الزوج للزوجة المستطيعة

مسألة 98- الظاهر عدم الخلاف بينهم في أن الزوجة المستطيعة تجب عليها حجة الإسلام و لا يشترط في وجوبها عليها إذن الزوج.

و ذلك لعدم وجوب إطاعة الزوج عليها إذا كانت معصية للخالق، فليس وجوب واحد من الواجبات المجعولة علي المكلفين بالجعل الإلهي الأولي مشروطاً

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 336

بإذن المخلوق و «لا طاعة للمخلوق في معصية الخالق» بترك هذه الواجبات، فأدلة هذه الواجبات بعمومها تشمل الجميع: الولد و الوالد و الزوج و الزوجة.

نعم، فيما هي تجعل علي نفسها بالنذر و العهد و اليمين و الإجارة و غيرها لا يجوز جعله مطلقاً أو في خصوص ما كان منافياً لحق الزوج عليها.

لا يقال: إن علي القول بمنع الواجب الشرعي من حصول الاستطاعة و إنه كالمانع العرفي و العقلي لا تحصل لها الاستطاعة بدون

إذن زوجها، و هذا بخلاف سائر الواجبات، مثل الصوم و الصلاة فإن وجوبها عليها ليس مشروطاً بالاستطاعة الشرعية أو العرفية، فيتحقق فيها بتركها إطاعةً للزوج معصية الخالق، أما في الحج فحيث إنه مأخوذ في دليله اشتراط وجوبه بالاستطاعة التي لا تتحقق إلّا بعدم المانع الشرعي و العقلي لا موضوع لمعصية الخالق فيه.

فإنه يقال: إن هذا الإشكال إنما يرد علي القول بالاستطاعة الشرعية بمعني كون وجوب الحج مشروطاً بعدم واجب عليه مطلقاً، و نحن إنما قلنا بالاستطاعة العرفية المتحققة للزوجة و إن لم يأذن لها زوجها فلا يرد هذا الإشكال علي هذا القول، و لا علي قول من يقول بالاستطاعة الشرعية المفسرة في الأحاديث بتخلية السرب و صحة البدن و وجود الزاد و الراحلة.

و كيف كان فالعمدة في المسألة الأحاديث المعتبرة.

فمنها: ما رواه الشيخ: عن موسي بن القاسم، عن عبد الرحمن «1»، عن علاء، عن محمد (يعني ابن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام قال: «سألته عن امرأة لم تحج و لها زوج و أبي أن يأذن لها في الحج، فغاب زوجها فهل لها أن تحج؟ قال عليه السلام: لا

______________________________

(1)- ابن أبي من السادسة نجران ثقة ثقة، له كتب كثيرة.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 337

طاعة له عليها في حجة الإسلام». «1»

و منها: ما رواه عن محمد بن الحسين، عن علي بن النعمان، عن معاوية بن وهب، قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: امرأة لها زوج فأبي أن يأذن لها في الحج و لم تحج حجة الإسلام فغاب عنها زوجها و قد نهاها أن تحج؟ فقال: لا طاعة له عليها في حجة الإسلام و لا كرامة، لتحج إن شاءت». «2»

و منها: ما رواه الصدوق بإسناده عن

أبان، عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: «سألته عن امرأة لها زوج و هي صرورة و لا يأذن لها في الحج؟ قال: تحج و إن لم يأذن لها». «3» و غيرها من سائر الأحاديث.

فعلي هذا لا شبهة في هذا الحكم سواء استقر الحج عليها أو كانت أول سنة استطاعتها.

هذا بالنسبة إلي حجة الإسلام، و هل يجوز له أن يمنعها من الخروج مع الرفقة الاولي؟ يمكن أن يقال بعدم جواز ذلك له، لدلالة هذه الأخبار علي أن لها أن تحج مطلقاً، فلها السفر إليه و إن اختارت الخروج مع الرفقة الاولي. و يمكن أن يقال: إن الجمع بين الحقَّين يقتضي جواز منعها، مضافاً إلي أن الأحاديث ليست إلا في مقام بيان عدم جواز إطاعته في ترك حجة الإسلام.

ثمّ إنّ الظاهر كون المطلّقة الرجعية كالزوجة في عدم اشتراط إذن الزوج لها في حجة الإسلام فتجب عليها و إن نهاها عنها زوجها، و ارسل هذا الحكم علي ما في المستمسك إرسال المسلَّمات.

______________________________

(1)- تهذيب الأحكام: 5/ 400 ح 37.

(2)- تهذيب الأحكام: 5/ 474 ح 317.

(3)- من لا يحضره الفقيه: 2/ 268 ح 1305.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 338

و يدل عليه ما رواه الشيخ بإسناده، عن أحمد بن محمد بن عيسي، عن أبي عبد اللّه البرقي، عمن ذكره، عن منصور بن حازم «1» قال: «سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن المطلقة تحج في عدتها؟ قال: إن كانت صرورة حجت في عدتها، و إن كانت قد حجت فلا تحج حتي تقضي عدتها». «2»

و التعبير عنه بالصحيح عن البعض و نسبة روايته إلي الفقيه وهم، و الخبر كما تري مرسل و لم يروِه الصدوق في الفقيه، و إنما رواه

الشيخ في التهذيب و الاستبصار مرسلًا.

و يدل عليه بالإطلاق أو بحمله علي خصوص من لم تحج حجة الإسلام و هي مستطيعة ما رواه الصدوق: بإسناده، عن العلاء، عن محمد بن مسلم، عن أحدهما عليهما السلام قال: «المطلقة تحج في عدتها». «3»

و لكن هنا رواية رواها الشيخ بإسناده عن موسي بن القاسم، عن صفوان عن معاوية بن عمار فيها: و قال (يعني أبا عبد اللّٰه عليه السلام): «لا تحج المطلقة في عدتها» «4» لكنها محمولة علي الحج المندوب من غير إذن الزوج.

فإن قلت: خبر منصور بن حازم لا يحتج به لإرساله، فنبقي نحن و صحيح محمد ابن مسلم و صحيح معاوية بن عمار، و هما بظاهرهما متعارضان، و لكن صحيح معاوية ابن عمار موافق لإطلاق الآية المباركة: «لٰا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَ لٰا يَخْرُجْنَ» «5».

قلت: إنا نعلم أن كليهما غير مرادين بظاهرهما، أما «المطلقة تحج في عدتها»

______________________________

(1)- من الخامسة من أجلة أصحابنا.

(2)- تهذيب الأحكام: 5/ 402 ح 45.

(3)- من لا يحضره الفقيه: 2/ 269 ح 1311.

(4)- تهذيب الأحكام: 5/ 401.

(5)- الطلاق/ 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 339

فظاهرها أنها تحج حتي بغير إذن زوجها، و لا ريب في أنه ليس لها الحج المندوب بغير إذن زوجها فدلالته نص في الحج الواجب. و أما «لا تحج المطلقة في عدتها» فظاهرها أنها لا تحج في عدتها و لو بإذن زوجها و هو بظاهره غير معمول به، فيكون ظاهراً في عدم جواز حجها بغير إذن زوجها و يكون نصاً في الحج المندوب و ظاهراً في الحج الواجب، فنترك ظاهر «لا تحج» في الحج الواجب بنص «تحج في عدتها».

و بعبارةٍ اخري: نجمع بينهما بالأخذ بما هو كل منهما نص فيه و

نترك ظاهر كل منهما بنص الآخر، و هذا جمع مقبول لدي العرف.

هذا، و لا يجوز للزوجة الحج المندوب بدون إذن زوجها، و هكذا المعتدة بالعدة الرجعية علي إشكال في جوازه لها إن أذن لها.

و أما المعتدة عدة الوفاة فيجوز لها الحج، واجباً كان أو مندوباً، و يدل علي ذلك الموثق الذي رواه الشيخ بإسناده، عن موسي بن القاسم، عن أبي الفضل الثقفي «1»، عن داود بن حصين «2»، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «سألته عن المتوفّي عنها زوجها؟ قال: تحج و إن كانت في عدتها».

و الموثّق الآخر بإسناده، عن موسي بن القاسم، عن عبد اللّه بن بكير «3»، عن زرارة قال: «سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن المرأة التي يتوفي عنها زوجها أ تحج؟ فقال عليه السلام:

نعم» «4»

و أما المعتدة عدة بائنة فهي في حكم الأجنبية تحج متي شاءت، قال في الحدائق: (و لم أقف علي رواية في ذلك، إلّا أنّ الظاهر أنه لا إشكال في الحكم

______________________________

(1)- العباس بن عامر الصدوق الثقة، من الطبقة السادسة.

(2)- واقفي، ثقة من الخامسة.

(3)- فطحي، إلّا أنه ثقة، من الخامسة.

(4)- وسائل الشيعة: ب 61 من أبواب وجوب الحج و شرائطه ح 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 340

المذكور؛ لانقطاع سلطنته عليها، و انقطاع العصمة بينهما، و صيرورته أجنبياً منها فيكون كسائر الأجانب) «1».

[مسألة 99] أذن الزوج للزوجة في الحجّ الواهب بالنذر

مسألة 99 ألحَقَ في العروة بحجة الإسلام في عدم اشتراط إذن الزوج للزوجة الحج الواجب بالنذر و نحوه إذا كان مضيقاً، فيشترط إذنه في الموسّع قبل تضيّقه.

أقول: هذا يكون إذا نذرت الحج بإذن الزوج فهو حينئذٍ يكون كحجة الإسلام لا يشترط فيه إذن الزوج، إلّا إذا كان موسعاً فيشترط فيه إذنه قبل ضيق الوقت، فالحكم

فيه حكم الصلاة في أول الوقت أو وسطه فإن للزوج منعها منه إذا زاحم حقه دون آخر الوقت.

نعم، الفرق بين مثل الصلاة و الحج: أنّ الصلاة لا تشترط بإذن الزوج، فإن أتت بها و زوجها غائب عنها أو لم يمنعها تصح منها و إن كان له منعها عنها حتي عن إتمامها، و في الحج يشترط فيه إذن الزوج، لأنه لا يجوز لها الخروج من بيتها إلّا بإذن زوجها.

فقد روي الكليني رحمهم الله في الصحيح: عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن مالك بن عطية «2»، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام قال: «جاءت امرأة إلي النبي صلي الله عليه و آله فقالت: يا رسول اللّٰه، ما حق الزوج علي المرأة؟ فقال:

(لها) أن تطيعه و لا تعصيه، و لا تصدّق من بيته إلّا بإذنه، و لا تصوم تطوّعاً إلّا بإذنه،

______________________________

(1)- الحدائق الناضرة: 14/ 147.

(2)- من الثقات و من الطبقة الخامسة، له كتاب.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 341

و لا تمنعه نفسها و إن كان علي ظهر قتب، و لا تخرج من بيتها إلّا بإذنه، و إن خرجت بغير إذنه لعنتها ملائكة السماء و ملائكة الأرض و ملائكة الغضب و ملائكة الرحمة حتي ترجع إلي بيتها، فقالت: يا رسول اللّٰه، من أعظم الناس حقاً علي الرجل؟ قال:

والده، فقالت: يا رسول اللّٰه، من أعظم الناس حقاً علي المرأة؟ قال: زوجها، قالت:

فما لي عليه من الحق مثل ماله عليّ؟ قال: لا، و لا من كل مائة واحدة، قال: فقالت:

و الذي بعثك بالحق نبياً لا يملك رقبتي رجل أبداً». «1»

و ما رواه علي بن جعفر في كتابه عن أخيه قال: «سألته عن المرأة

أ لها أن تخرج بغير إذن زوجها؟ قال عليه السلام: لا» الحديث. «2»

و في خبر عمرو بن جبير العرزمي عن أبي عبد اللّه عليه السلام عن رسول اللّٰه صلي الله عليه و آله:

«… و لا تخرج من بيتها إلا بإذنه (بغير إذنه)». «3»

و في حديث المناهي: «نهي رسول اللّٰه صلي الله عليه و آله أن تخرج المرأة من بيتها بغير إذن زوجها، فإن خرجت لعنها كل ملك في السماء و كل شي ء تمرّ عليه من الجن و الإنس حتي ترجع إلي بيتها». «4»

فعلي هذه الأحاديث الشريفة لا يجوز لها الخروج من بيتها للحج الواجب بغير إذن زوجها إلّا إذا تضيق وقته، و أما في سعة الوقت فيشترط إذنه فيه.

هذا كلّه إذا نذرت بإذنه، أما إن نذرت بغير إذنه فلا ينعقد نذرها، بل إن نذرت قبل أن تزوج فإن لم يأذن لها الزوج يكشف ذلك عن عدم انعقاد نذرها، لأن صحته مشروطة بكون الفعل المنذور راجحاً حين العمل.

______________________________

(1)- الكافي: 5/ 506 ح 1.

(2)- وسائل الشيعة: ب 79 من أبواب مقدمات النكاح ح 5.

(3)- وسائل الشيعة: ب 79 من أبواب مقدمات النكاح ح 1.

(4)- من لا يحضره الفقيه: 4/ 3 ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 342

و هل يجب عليها الاستئذان منه؟ الظاهر عدم الوجوب؛ لأنّ الحج مستلزم لخروجها عن بيتها و هو محرَّم عليها في حالها الذي هي عليه و هو حال عدم إذنه لها، و الاستئذان منه تحصيل لما هو شرط للوجوب و لانعقاد النذر.

اللهمّ إلّا أن يقال: كما أن الناذر إذا نذر- مثلًا- الحج مع زيدٍ يجب عليه إحجاجه إن أمكن و الحج معه فكذلك المرأة إن نذرت الحج في كلَّ سنةٍ و كان

مقدوراً لها بالاستئذان من الزوج و لو بإرضائه بإعطائه مالًا كثيراً يجب عليها ذلك.

[مسألة 100] هل تتوقّف استطاعة المرأة للحج علي وجود مَحرَمٍ معها؟

مسألة 100- هل حصول الاستطاعة إلي الحج للمرأة يتوقف علي وجود المحرم لها، فمن لم يكن لها محرم ليست بمستطيعة عرفاً، سيما إذا كانت شابة و كانت المسافة بعيدة؟

الظاهر عدم توقفها عليه بقول مطلق، بل يختلف بحسب الأشخاص و الأحوال و الأزمنة، فتوقف استطاعة كل امرأة علي وجود المحرم و عدمه يختلف عند العرف حسب هذه الجهات، فإذا كانت ممن لا تحتاج إلي المحرم يجب عليها الحج بدونه و إن كان ذلك لوجود بعض الثقات أو جمعٍ من النساء معها في السفر، أو كانت بنفسها غير محتاجة إليه، و إذا كانت ممن تحتاج إليه يكون ذلك لها بمنزلة الزاد و الراحلة، فإن كانت واجدة له مجاناً أو متمكنةً من أداء نفقته يجب عليها الحج، و إلّا لا يجب لعدم الاستطاعة.

و هذا- مضافاً إلي كونه علي حسب القاعدة- مستفاد من الروايات:

مثل ما رواه الصدوق- رحمه اللّٰه تعالي- بإسناده الصحيح إلي البزنطي عن

صفوان الجمال قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: قد عرفتني بعملي، تأتيني المرأة

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 343

أعرفها بإسلامها و حبها إياكم، و ولايتها لكم ليس لها محرم، قال: إذا جاءت المرأة المسلمة فاحملها، فإن المؤمن محرم المؤمنة، ثمّ تلا هذه الآية: «وَ الْمُؤْمِنُونَ وَ الْمُؤْمِنٰاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيٰاءُ بَعْضٍ». «1»

و ما رواه الكليني رحمهم الله عن عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد عن الحسين بن سعيد عن النضر بن سويد «2» عن هشام بن سالم «3» عن سليمان بن خالد عن أبي عبد اللّه عليه السلام «في المرأة تريد الحج ليس معها محرم هل يصلح لها الحج؟ فقال عليه

السلام:

نعم، إذا كانت مأمونة». «4»

و ما رواه الشيخ رحمهم الله في الصحيح: بإسناده عن صفوان، عن معاوية بن عمار قال: «سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن المرأة تحج إلي مكة بغير ولي؟ فقال عليه السلام: لا بأس، تخرج مع قومٍ ثقات». «5»

و ما رواه أيضاً بإسناده، عن صفوان عن معاوية بن عمار قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن المرأة تحج بغير ولي؟ قال: لا بأس، و إن كان لها زوج أو أخ أو ابن أخٍ فأبوا أن يحجوا بها و ليس لهم سعة فلا ينبغي لها أن تقعد، و لا ينبغي لهم أن يمنعوها …» حديث «6». و غيرها من الأخبار فراجع.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 58 من أبواب وجوب الحج ح 1.

(2)- كوفي ثقة صحيح الحديث من السادسة.

(3)- صحيح الولاية معروف العقيدة من الخامسة.

(4)- وسائل الشيعة: باب 58 من أبواب وجوب الحج و شرائطه ح 2.

(5)- وسائل الشيعة: ب 58 من أبواب وجوب الحج و شرائطه ح 3.

(6)- وسائل الشيعة: ب 58 من أبواب وجوب الحج و شرائطه ح 4، و لفظ التهذيب: «فلا ينبغي لها أن تقعد عن الحج، و ليس لهم أن يمنعوها» و لفظه في الكافي: 4/ 282: «سألته عن المرأة تخرج مع غير ولي؟ قال: لا بأس فإن كان لها زوج أو ابن (أو) أخ قادرين علي أن يخرجا معها و ليس لها سعة فلا ينبغي لها أن تقعد، و لا ينبغي لهم أن يمنعوها».

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 344

و لا فرق في ذلك بين كونها ذات بعل أولا، نعم إذا لم تكن بذات بعل و لم تكن لها محرم أو كان ممتنعاً من مصاحبتها أو لم يكن

متمكنة من أداء نفقته و كانت محتاجة إلي المحرم هل يجب عليها التزويج تحصيلًا للمحرم؟ الظاهر عدم الوجوب لكون ذلك من تحصيل الاستطاعة، كما أنه لا يجب عليها التزويج بصداق تستطيع معه، و قياس ذلك بوجوب استصحاب المحرم إذا كان لها كأنه مع الفارق لأنه حاصل لها و هذا تحتاج إلي تحصيله.

[مسألة 101] إذا ادّعي الزوج وجود خوفٍ علي الزوجة و أنكرت هي

مسألة 101 قال الشهيد- رفعت درجته-: (فلو ادّعي الزوج الخوف و أنكرت عمل بشاهد الحال أو بالبينة، فإن انتفيا قدم قولها، و الأقرب أنه لا يمين عليها، و لو زعم الزوج أنها غير مأمونةٍ علي نفسها و صدّقته فالظاهر الاحتياج إلي المحرم، لأن في رواية أبي بصير و عبد الرحمن: تحج بغير محرم إذا كانت مأمونة، و إن كذّبته و أقام بينةً بذلك أو شهدت به القرائن فكذلك، و إلّا فالقول قولها، و هل يملك الزوج محقاً منعها باطناً؟

نظر). «1»

أقول: يقع الكلام حول ما ذكره في موارد:

الأول: أن يدّعي الزوج خوفه عليها دون أن يدّعي خوفها علي نفسها، و لا ريب أنه لا يسمع دعواه، لأنه لا يترتب عليه- علي فرض إثباته- أثر، كما لا يترتب أثر علي خوف غيره من الأب و الأخ و الابن عليها أيضاً، نعم، له أن يصاحبها إن شاء.

______________________________

(1)- الدروس الشرعية: 1/ 315.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 345

الثاني: أن يدعي الزوج خوفها علي نفسها مع ادّعائها الأمن و عدم الخوف، فالزوج يدعي عليها ما تنكره.

و فيه يمكن أن يقال: إن المانع من حصول الاستطاعة إن كان هو الخوف النوعي فيمكن أن يقع النزاع فيه بين الزوجين بإنكاره من الزوجة و ادعائه من الزوج، فعلي الزوج إثباته، و إلّا فالزوجة و تكليفها، لأنها تري عدم ذلك، و ليس للزوج

تحليفها إلّا أن يدعي عليها أنها تري ذلك، أي الخوف النوعي.

و أما إن كان الملاك في حصول الاستطاعة عدم الخوف الشخصي فإثباته حيث إنه من الكيفيات النفسانية و لا يعلم إلّا من قبلها مشكل. نعم، له أن يحلِّفها علي عدم خوفها إن كان مدّعياً كذبها.

الثالث: ظاهر كلام الشهيد- أعلي اللّٰه درجته- التأمل في جواز منع الزوج (إذا يري نفسه محقاً) الزوجة عن الحج باطناً بعد رفع الأمر إلي الحاكم و حكم الحاكم للزوجة بحلفها علي الزوج. فالمبحوث عنه في المسألة: أن الزوج إذا ادّعي خوف المرأة علي نفسها و كذبها في دعوي كونها آمنةً، و أحلفها لمَّا لم يتمكن من إثبات دعواه بالبينة فهل يجوز له بعد ذلك حيث يري نفسه محقاً الأخذ بحقه باطناً فيمنعها باطناً من الخروج إلي الحج، أم لا؟.

يمكن أن يكون وجه التأمل في جواز المنع أن جواز أخذ المحق بحقه باطناً إنما يكون إذا حكم الحاكم بالبينة أو بعلمه، لا بحلف المدعي أو المدعي عليه، و في المقام بعد ما لم يقم الزوج المدعي البينة و أحلف الزوجة لا يجوز له منعها باطناً، كما هو الحال في سائر موارد حكم الحاكم باليمين.

هذا، مضافاً إلي أن الحكم بجواز أخذ المحق حقه باطناً في مورد الحكم بالبينة إنما يكون إذا أمكن للمحق أن يأخذ حقه عيناً أو مقاصّةً باطناً و من غير أن يلتفت به من عليه الحق فلا يرد به حكم الحاكم خارجاً و ظاهراً، أما في مسألتنا هذه فمنع

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 346

الزوجة عن الحج و حبسها عنه لا يمكن تحققه بغير التفاتٍ منها، فيتحقق به رد حكم الحاكم.

اللهمّ إلّا أن يكون المراد من منعها منعها ببعض التمهيدات، مثل

أن يعمل ما لا تتمكن به من السفر حتي تسقط من الاستطاعة، و الظاهر أن ذلك يجوز له و لغيره، و هذا غير ما نبحث عنه في هذه المسألة.

[مسألة 102] إذا حجَّت المرأة مع عدم الأمن

مسألة- 102 إذا حجت المرأة بلا مَحرم مع عدم الأمن: فإن كان ذلك في الطريق إلي الميقات فلا ريب في صحة حجها بعد الوصول إلي الميقات و أمن الطريق فيما بعد الميقات، لأنها إما كانت متمكنة من استصحاب المحرم و حجت بدونها فهي كانت مستطيعة للحج باقية عليها بعد الوصول إلي الميقات و إن عصت بالخروج بلا محرم، و إن لم تكن متمكنة منها فهي كانت قبل وصولها إلي الميقات غير مستطيعة، و لكن بعد وصولها إليه و زوال خوفها و استغنائها عن المحرم تصير مستطيعة.

و إن كان عدم الأمن لها من الميقات فالظاهر فساد حجها؛ لحرمة أعمالها من الوقوف في عرفات و المشعر و غيره، فإن كانت متمكنة من استصحاب المحرم و لم تفعل أ تستقرّ عليها الحج، و يجب عليها أن تحجَّ في القابل و لو متسكعة، و إن لم تكن متمكنة من استصحاب المحرم فوجوب الحج عليها في السنة الآتية يدور مدار استطاعتها له.

هذا إذا كان الخطر و عدم الأمن موجوداً في الواقع، و أما إذا ظهر بعد ذلك عدم الخوف و فرض تمشّي قصد القربة فيمكن أن يقال: إن المشروط عليه في

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 347

وجوب الحج هو الاستطاعة الواقعية التي تحصل بعدم وجود الخطر في الواقع، و إن شئت قلت: بوجود الأمن الواقعي و الخوف يكون طريق إلي وجود الخطر أو عدم وجود الأمن، فإذا حجت و الحال هذا حجت مستطيعةً و مع الأمن الواقعي «1».

و استشهد لذلك بقوله عليه

السلام في صحيح معاوية بن عمار المتقدم: «عن المرأة تحج إلي مكة بغير وليّ؟ فقال: لا بأس تخرج مع قوم ثقات»، حيث يستفاد منه أنها إذا خرجت مع قوم ثقات لا خطر لها، و كونهم ثقات طريق إلي عدم الخطر، و ليس كونهم كذلك موضوعاً للحكم.

و لكن يمكن أن يقال: إنّ الخوف من عدم أمن الطريق إذا كان عقلائياً مانع من حصول الاستطاعة عرفاً، فإن العرف لا يري من يخاف من الخطر في الطريق مستطيعاً واقعاً، و إن لم يكن في الطريق خطر واقعاً يذم سالك هذا الطريق، و ليس ذلك مثل من لا يري نفسه مستطيعاً مالًا أو طريقاً و حج ثمّ انكشف استطاعة. و أما قوله عليه السلام: «لا بأس تخرج مع قوم ثقات» فإشارة إلي أنها لا تخاف إذا خرجت مع

قوم ثقات. هذا. و أمّا توهّم صحة حجها في هذا الفرض بالترتب حيث إن المقام وارد في باب التزاحم، و لا بد من إعمال قواعد بابه و تقديم الأهم- و هو في المقام عدم الخروج- علي المهِمّ إلّا أن في فرض العصيان و إتيان الحج يحكم بصحته بناء علي الترتب.

ففيه: أنّ الاستطاعة علي ما قلناه لا تتحقق مع عدم أمن الطريق، فما هو موضوع لحرمة الخروج مشروط علي عدمه تحقق الاستطاعة و وجوب الحج.

و التزاحم يقع بين فعلين كواجبين أو واجب و حرام، فبعد ملاحظة الأهم منهما يجري الترتب في صورة عصيان الأهم منهما أو بنسيانه و إتيان المهم، و في المقام

______________________________

(1)- كما قال في معتمد العروة: 1/ 268.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 348

ما يأتي به المكلف مصداق للحرام، فلا يمكن أن يكون مصداقاً للواجب حتي يأتي به بالأمر الترتّبي.

إلا أن يقال

تتميماً للترتب: لو حجت بدون المحرم مع إمكان استصحابه فمع أمن الطريق يمكن صحة حجها بالأمر الترتبي.

[مسألة 103] البحث في الحج المستقر

مسألة 103- قال في العروة: (إذا استقر عليه الحج بأن استكملت الشرائط و أهمل حتي زالت أو زال بعضها صار ديناً عليه و وجب الإتيان به بأيِّ وجهٍ تمكن، و إن مات فيجب أن يقضي عنه إن كانت له تركة، و يصحّ التبرّع عنه).

أقول: الظاهر أن مراده من استكمال الشرائط حصول الاستطاعة الفعلية له، و المراد من زوالها زوال تمام ماله دخل في حصولها، و من زوال بعضها بعض ذلك كتخلية السرب أو ذهاب المال.

و أما صيرورته ديناً عليه يجب الإتيان به بأي وجه تمكن فالدليل عليه ما قدمناه من دلالة الآية الكريمة علي وجوب الحج لحصول الاستطاعة له إلي تمام المناسك، فلا يستفاد منه اعتبار حال الاستطاعة في وقوع الحج، و علي هذا إن أتي به في حال الاستطاعة فهو، و إلّا فيجب أن يأتي به بعده.

و تدل علي ذلك مضافاً إلي الإجماع الروايات، فلا يقاس المستطيع بالمسافر و الحاضر ليرتفع الوجوب بزوال موضوعه، لأن السفر مأخوذ في موضوع حكم القصر، فلا يحتمل من مثل «المسافر يجب عليه القصر و الحاضر يجب عليه الإتمام» إلا تنويع التكليف بحسب الحالين.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 349

مضافاً إلي أنه يمكن أن يقال بوجوب القصر علي المسافر بالسفر فلا يسقط عنه صلاته إن لم يأت بها في السفر. نعم، بالنسبة إلي حاله الحضري لا يجب عليه القصر؛ لأنه موضوع لوجوب الإتمام.

و كيف كان فوجوب الحج عليه مورد الاتفاق و الإجماع، و الظاهر من قوله:

(بأيّ وجه تمكن) ليس مراده و إن صار حرجياً عليه، بل المراد أنه يجب عليه و لو ماشياً

و فاقداً للاستطاعة المشروط عليها أصل وجوب الحج.

و أما وجوب القضاء عنه إن كانت له تركة فثابت بالنصوص المعتبرة، كما أنه يكفي التبرع عنه؛ لعدم الدليل علي دخل الاستئجار في فراغة ذمته، بل إنما يلتزم لتفريغ ذمته، فإن حصل بالتبرع فقد برئت ذمته.

ثمّ إنّ الأقوي استقرار الحج عليه إذا بقيت استطاعته المالية و السربية و البدنية إلي زمانٍ يمكن له العود إلي وطنه. (نعم، في مثل بقاء العقل و الحياة يكفي بقاؤهما إلي زمانٍ يمكن فيه الإتيان بجميع أفعاله مستجمعاً لجميع الشرائط، و هو إلي اليوم الثاني عشر من ذي الحجة) و ذلك لأنه لو لم يكن مستطيعاً للذهاب إلي الحج و العود إلي وطنه لم يجب عليه الحج، فمن كان عالماً بأن استطاعته تختلّ بعد الإتيان بأركان الحج أو بعد تمام الأعمال و لا يتمكن من العود لا يجب عليه الحج، فليكن الجاهل بذلك أيضاً كذلك.

غاية الأمر أن يقال في خصوص من ترك الذهاب إلي الحج و مات في زمان يكفي لذهابه و دخوله في الحرم محرماً: إنه يستقر به الحج عليه فيقضي عنه من تركته، إلّا أنه يلزم من ذلك أن نقول بوجوب الذهاب إلي الحج إن علم موته بعد الإحرام و دخول الحرم، و قد نفي البعد عن وجوبه في هذه الصورة و عن استقراره عليه في الصورة السابقة سيد الأعاظم السيد البروجردي قدس سره.

ثمّ إنّه قد ذهب بعضهم إلي أن الحج يستقر عليه إذا بقيت استطاعته إلي حين

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 350

خروج الرفقة، فلو أهمل و ترك الخروج معهم يستقر عليه الحج و إن زالت استطاعته بعد ذلك.

و فساد هذا القول غنيّ عن البيان، فإن الحكم بوجوب الخروج مع الرفقة

حكم ظاهري يكشف بزوال الاستطاعة خلافه، و لذا لا يجب عليه الخروج إذا علم زوالها قبل خروج الرفقة و لم يخرج معهم ففات منه إدراك الحج.

و حكي عن البعض استقراره عليه إذا بقيت استطاعته إلي زمانٍ يمكن فيه الإتيان بالأركان جامعاً للشرائط.

و فيه: أنّ الاستطاعة المشروط عليها وجوب الحج معتبرة في جميع أفعال الحج و مناسكه حتي بعد الأعمال، فمثل وجود الزاد و الراحلة و تخلية السرب معتبر في إيابه كما هو معتبر في ذهابه.

و القول الآخر في المسألة ما نسب إلي المشهور، قال في الجواهر: (فالمشهور نقلًا و تحصيلًا تحققه بمضي زمان يمكن فيه الإتيان بجميع أفعال الحج مختاراً مستجمعاً للشرائط علي حسب ما مر في استقرار وجوب الصلاة، من غير فرقٍ بين الأركان و غيرها). «1»

و عن المدارك «2» و الذخيرة «3» و المستند «4» نسبة هذا القول إلي الأكثر، و ظاهر هذا القول عدم اعتبار بقاء نفقة العود و الرجوع إلي الكفاية. و استدل له بعدم الدليل علي اعتبار بقائها بعد تمامية الحج حتي يكون فقدهما بعد زمان الإتيان بالأعمال كاشفاً عن عدم وجوب الحج.

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 17/ 298.

(2)- مدارك الأحكام: 7/ 67.

(3)- ذخيرة المعاد/ 563.

(4)- مستند الشيعة: 2/ 166.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 351

و فيه: أن الظاهر أن هذا رجوع عن اشتراط نفقة العود في حصول الاستطاعة فإن معناه اعتبار وجود نفقة العود في حال الأعمال لا بعده و للعود و هو معلوم الفساد، فالأمر يدور بين البناء علي عدم اعتبار نفقة الإياب في الاستطاعة فيجب الحج من أول الأمر بدونها و البناء علي اعتبارها في الاستطاعة، فلا بد من القول بعدم إجزائه عن حجة الإسلام و إن فقدها بعد الأعمال.

ثمّ

إنّه قال في العروة: (هذا إذا لم يكن فقد الشرائط مستنداً إلي ترك المشي و إلا استقر عليه، كما إذا علم أنه لو مشي إلي الحج لم يمت أو لم يقتل أو لم يسرق ماله مثلًا فإنه حينئذ يستقر عليه الوجوب، لأنه بمنزلة تفويت الشرط علي نفسه، و أما لو شك في أن الفقد مستند إلي ترك المشي أولًا فالظاهر عدم الاستقرار للشك في تحقق الوجوب و عدمه واقعاً).

أقول: إذا حصلت له الاستطاعة و شك في بقائها سواء خرج إلي الحج أو ترك يجب عليه الخروج إليه، و ذلك لاستقرار سيرة العقلاء و بنائهم علي بقاء سلامته، مضافاً إلي استصحاب بقائها، فلو ترك المشي و اتفق زوال الاستطاعة به لا يكون معذوراً في ترك الحج، و يشمله أخبار التسويف.

و كذا لو علم أنه إن ترك المشي يفقد الاستطاعة و شك في بقائها لو خرج يجب عليه الخروج، و لو ترك يستقر عليه الحج، و ذلك أيضاً لأصالة السلامة أو لاستصحاب بقاء الصحة. و إذا علم أنه يفقد الاستطاعة في أحد الحالين: إما في صورة خروجه إلي الحج، و إما في صورة تركه و لا يعلم الحال الذي يفقد فيه استطاعته فالظاهر أنه لا يعتني فيه بمثل أصالة السلامة.

نعم يمكن البناء علي استصحاب السلامة و الاستطاعة في صورة المشي، و لا يعارضه استصحابه في صورة الترك لعدم ترتب أثر عليه.

هذا كله في تكليفه قبل فقد الاستطاعة، و أما بعده فالظاهر أن فقدها في

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 352

صورة ترك الخروج إلي الحج لا يكشف عن عدم كونه مستطيعاً له إن خرج، فلعلّه لا يفقدها في هذه الصورة، فحاله يكون كمن علم بفقد الاستطاعة إن ترك المشي

و شك في بقائها إن خرج.

ثمّ إنه تعرَّض السيد قدس سره لفرعٍ آخر، و هو ما لو كان واجداً للشرائط حين المسير فسار ثمّ زال بعض الشرائط في الأثناء و أتم الحج علي ذلك الحال، قال: كفي حجه من حجة الإسلام إذا لم يكن المفقود مثل العقل، بل كان هو الاستطاعة البدنية أو المالية أو السربية و نحوها علي الأقوي.

و فيه: أن القول بذلك محل إيراد و إشكال، سيّما في فقد ما يكون وجوده معتبراً في الاستطاعة كصحة البدن و تخلية السرب و الزاد و الراحلة و غيرها مما قلنا إنه معتبر في حصولها مثل نفقة العود، فإن زوال مثل هذه الشرائط في الأثناء يكشف عن عدم الاستطاعة، و فيما إذا كان وجوب الحج مزاحماً بواجب آخر كان أهم من الحج فتحقق ذلك في الأثناء فهو يكشف عن عدم فعلية وجوب الحج من الأول، و عدم وجوب إتمامه إلّا بالأمر الترتبي و في ما هو مانع من الوجوب من جهة الحرج، فحدوث الحرج في أثناء العمل رافع لوجوب إتمامه و كاشف عن عدم وجوبه من الأول.

نعم، إذا كان الحج حرجياً و لم يلتفت إليه و أتي به و زال الحرج في الأثناء يتم حجه، لأن رفع الحرج امتناني لا يشمل رفع الحكم بعد العمل.

هذا حكم المسألة فيما إذا زال بعض الشرائط في الأثناء، و أما إذا زالت الاستطاعة بعد الأعمال و قبل العود إلي الوطن فالمسألة لا تخلو من إشكال، من جهة أن الحكم بعدم الإجزاء و وجوب حجة الإسلام ثانياً كأنه مخالف للارتكاز و لسماحة الشريعة السهلة السمحة.

و يمكن أن يوجَّه الإجزاء: بأنّ المعتبر في وقوع الحج حجة الإسلام أن تقع

فقه الحج (للصافي)، ج 1،

ص: 353

المناسك في حال وجود الاستطاعة التي منها القدرة علي العود إلي الوطن، من صحة البدن، و تخلية السرب، و وجود المال و لو بالحكم الظاهري.

و بعبارةٍ اخري: نقول- في الاستطاعة المعتبرة في وجوب الحج بالنسبة إلي مئونة العود و الرجوع إلي الكفاية- بالاستطاعة الظاهرية المحرزة حال الإتيان بالمناسك، فلا يضرّ كشف خلافها بعد الإتيان بالمناسك، و هذا هو المناسب للحكم و الموضوع، و هكذا نقول بالنسبة إليها في حال الإتيان بالمناسك.

فنقول: إنه يجب أن يكون في حال الإتيان بكلٍّ منها محرزاً لبقاء استطاعته إلي العود إلي وطنه، فإذا زالت استطاعته في الأثناء يكشف عن عدم إجزائه عن حجة الإسلام، لا لعدم وقوع ما وقع في حال عدم الشرطُ بل لعدم إمكان وقوع ما بقي بالشرط، فلا يجزي الجميع عن حجة الاسلام، و هذا وجه، بخلاف ما يختل من شرائط الاستطاعة بعد الأعمال فإنه نرجع في وجوب الحج ثانياً إذا حصلت الاستطاعة من جديد بالبراءة، فالإجزاء إذا زال بعض الشرائط في الأثناء بحيث يقع بعضه الآخر فاقداً للاستطاعة الظاهر أنه لا وجه له، و الوجه في المسألة التفصيل بين الأثناء و بعد العمل.

و لكن يمكن الإشكال و الإيراد فيما ذكر بمنافاة القول بالإجزاء إذا زالت الاستطاعة بعد العمل و قبل العود إلي وطنه مع الالتزام بعدم وجوب الحج إن لم يخرج و زالت استطاعته للعود بعد اليوم الثاني عشر، و يدفع ذلك بالفرق بين الصورتين ففي: الصورة التي أتي بالأعمال ثمّ زالت استطاعته للعود عمل بالحكم الظاهري، و مقتضاه كون عمله مجزياً عن الواقع لا أن يكون مراعيً بظهور الحال إلي أن يعود، فإنّ مقتضي الجمع بين هذا الحكم و ما يدل علي اعتبار الاستطاعة

في وجوب حجة الإسلام و وقوعها هو أن ما أتي به بالحكم الظاهري فرد لحجة الإسلام، نظير من أتي بالصلاة بغير السورة عملًا بالحكم الظاهري فإنها تجزيه بعد

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 354

كشف الخلاف، أما إذا لم يعمل بالحكم الظاهري فهو و تكليفه يجب عليه الصلاة مع السورة.

و في المقام أيضاً إن لم يخرج و زال استطاعته للعود بعد اليوم الثاني عشر و إن لم يستقر عليه الحج إلّا أنه إن صار مستطيعاً يجب عليه أن يحج، بخلاف صورة إتيانه بالحج و زوال استطاعته للعود بعد الأعمال فإنه علي هذا إن صار مستطيعاً بعد ذلك لا يجب عليه الحج، فتأمّل و تدبّر. و اللّٰه تعالي هو العالم.

[مسألة 104] لا فرق في استقرار الحج بين أقسامه

مسألة 104- الظاهر أنه لا فرق بين أقسام الحج من التمتع و القران و الإفراد في استقراره علي المستطيع إذا أهمل و ترك الحج حتي زالت استطاعته، فيجب عليه الإتيان به بأيّ وجهٍ تمكن، و كذا في وجوب القضاء من تركته إذا لم يأتِ به حتي مات؛ و ذلك لشمول الأدلة لها علي السواء.

و هل الحكم في من استطاع للحج فقط كالذي وظيفته حج الإفراد أو القران و في من استطاع للعمرة فقط أي عمرة القران و الإفراد، بل العمرة الواجبة علي النائي إذا استطاع لها و لم يستطع للحج التمتع علي القول بوجوبها كذلك فتستقر علي هؤلاء الحج أو العمرة إن استطاعوا لخصوص الحج أو للعمرة؟

الظاهر أن حكمهم و حكم من استطاع للنسكين سواء، فكما لا فرق في حصول الاستطاعة لواحد من النسكين أو لهما في الوجوب فيجب عليه ما استطاع له إذا استطاع لواحد منهما و يجب عليه النسكان إذا استطاع لهما يستقر عليه النسكان أيضاً

كذلك، فمن أتي بأحدهما و ترك الآخر و هو مستطيع لهما حتي زالت استطاعته يستقر عليه ما تركه.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 355

و أما ما قيل من أن نفس الروايات الدالة علي استقرار حجة الإسلام تشمل العمرة المفردة لحج القران و الإفراد، «1» فإن اريد أن منها يستفاد عدم كفاية الإتيان بالحج لمن استقر عليه القران أو الإفراد بل تستقر عليه عمرتها أيضاً لاستطاعته لهما فهو صحيح، و إن اريد منه أن الاستطاعة لأحدهما (الحج أو العمرة) و تركه حتي زالت الاستطاعة له موجب لاستقراره عليه فهو أول الكلام.

نعم، علي البناء علي كفاية حصول الاستطاعة الباقية إلي تمام العمل في الوجوب يستقر عليه ما استطاع له، و بالجملة: العرف لا يفرِّق في هذه الأحكام بين الموارد المذكورة.

و استدل علي وجوب قضاء العمرة كالحج بصحيح زرارة الذي تقدم الكلام فيه مفصلًا، و فيه: «قلت: إن مات و هو محرم قبل أن ينتهي إلي مكة، قال: يحج عنه إن كان حجة الإسلام و يعتمر، إنما هو شي ء عليه».

[مسألة 105] الحجّ المستقرّ عن الميت من أصل تركته

مسألة 105- قال المحقق: (إذا استقر الحج في ذمته ثمّ مات قضي عنه من أصل تركته). «2»

و قال في الجواهر: (كسائر الديون لا من الثلث، بلا خلاف أجده فيه بيننا، بل الإجماع بقسميه عليه أيضاً، خلافاً لأبي حنيفة و الشعبي و مالك و النخعي). «3»

و قال الشيخ في الخلاف: (من استقر عليه وجوب الحج فلم يفعل و مات

______________________________

(1)- معتمد العروة: 1/ 259.

(2)- شرايع الإسلام: 1/ 165.

(3)- جواهر الكلام: 17/ 314.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 356

وجب أن يحج عنه من صلب ماله، مثل الدين و لم يسقط بوفاته، هذا إذا أخلف مالًا، فإن لم يخلف مالًا كان وليّه بالخيار في

القضاء عنه، و به قال الشافعي و عطاء و طاووس. و قال أبو حنيفة و مالك: يسقط بوفاته، بمعني أنه لا يفعل عنه بعد وفاته و حسابه علي اللّٰه حين يلقاه، و الحج في ذمته، و إن كان أوصي حُجَّ عنه من ثلثه و يكون تطوعاً لا يسقط الفرض به عنه، و هكذا يقول في الزكوات و الكفارات و جزاء الصيد كلها تسقط بوفاته و لا تفعل عنه بوجه، دليلنا: إجماع الفرقة، و الأخبار التي ذكرنا في الكتاب الكبير، و يدل عليه خبر الخثعمية أيضاً). «1»

أقول: من الروايات: صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديثٍ قال عليه السلام:

«يقضي عن الرجل حجة الإسلام من جميع ماله». «2»

و صحيح محمد بن مسلم قال: «سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجل مات و لم يحج حجة الإسلام يحج عنه؟ قال: نعم». «3»

و صحيحته الاخري: «سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجل مات و لم يحج حجة الإسلام و لم يوصِ بها أ يقضي عنه؟ قال: نعم». «4»

و الظاهر أنهما رواية واحدة- و إن اشتمل الأخيرة علي جملة «و لم يوصِ بها» رواهما النضر بن سويد، عن عاصم بن حميد، عن محمد بن مسلم.

و منها: موثقة سماعة بن مهران قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يموت و لم يحج حجة الإسلام و لم يوصِ بها و هو موسر؟ فقال: يحج عنه من صلب ماله لا

______________________________

(1)- الخلاف: 1/ 374.

(2)- وسائل الشيعة: ب 28 من أبواب وجوب الحج و شرائطه ح 3.

(3)- المصدر السابق: ح 2.

(4)- المصدر السابق: ح 5.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 357

يجوز غير ذلك». «1»

و منها: صحيح معاوية بن عمار، قال: «سألت

أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يموت و لم يحج حجة الإسلام و ترك مالًا؟ قال: عليه أن يحج عنه من ماله رجلًا صرورة لا مال له». «2» و غيرها من الأخبار فراجع الوسائل.

و ما هو ظاهر أو صريح في الوجوب هو صحيح الحلبي و موثقة سماعة و صحيح معاوية بن عمار، و أما غيرها فيمكن الخدشة في دلالته بأن المراد منه بيان المشروعية، إلا أنه يكفي في الحكم الثلاثة المذكورة.

و لا يعارض هذه الأحاديث صحيح معاوية بن عمار الآخر عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «في رجل توفي و أوصي أن يحج عنه، قال: إن كان صرورة فمن جميع المال، إنّه بمنزلة الدين الواجب، و إن كان قد حج فمن ثلثه، و من مات و لم يحج حجة الإسلام و لم يترك إلا قدر نفقة الحمولة و له ورثة فهم أحق بما ترك، فإن شاءوا أكلوا، و إن شاءوا حجوا عنه». «3»

لعدم دلالته علي عدم وجوب القضاء مطلقاً، بل يدل علي عدم الوجوب إذا لم يترك مالًا يكفي للحج بتمام نفقاته، أو يكون إشارة إلي عدم حصول الاستطاعة له و إنه كان فقيراً لم يترك من المال إلا قدر نفقة الحمولة.

و لا فرق في هذا الحكم بين كون ما عليه حج التمتع أو القران أو الإفراد أو عمرتها.

و هكذا يخرج الحج من أصل التركة إن أوصي به و لم يقيده بالثلث، لصحيح

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 28 من أبواب وجوب الحج و شرائطه ح 4.

(2)- تهذيب الأحكام: 5/ 15 ح 42.

(3)- الكافي: 4/ 305 ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 358

معاوية بن عمار و إطلاق صحيح الحلبي المتقدمين.

إلّا أنّه قلنا بظهور الوصية بالحج في

الحج البلدي يؤخذ ما زاد علي الحج الميقاتي من الثلث، و إن قيده بالثلث يجب إخراجه من الثلث، إلا إذا لم يفِ الثلث بالحج الميقاتي فإنه يكون كما إذا لم يوص به يخرج كله من التركة.

و إن أوصي معه بامورٍ اخر أيضاً و لا يفي الثلث للجميع يقدَّم الحج علي غيره إن كان مستحباً، و ذلك لروايات اخرجت في الوسائل (بعضها في كتاب الحج ب 3 من أبواب وجوبه و شرائطه و بعضها في كتاب الوصايا ب 65) معلّلًا فيها بأن الحج فريضة.

منها: ما رواه المشايخ الثلاثة بإسنادهم، عن ابن أبي عمير، عن معاوية بن عمار قال: «أوصت إليَّ امرأة من أهل بيتي بمالها (بثلث مالها) و أمرت أن يعتق عنها و يحج و يتصدق فلم يبلغ ذلك، فسألت أبا حنيفة فقال: يجعل ذلك أثلاثاً: ثلثاً في الحج و ثلثاً في العتق و ثلثاً في الصدقة، فدخلت علي أبي عبد اللّه عليه السلام، فقلت له: إن امرأة من أهلي (أهل بيتي) ماتت و أوصت إلي بثلث مالها و أمرت أن يعتق عنها و يحج عنها و يتصدق، فنظرت فيه فلم يبلغ، فقال عليه السلام: ابدأ بالحج فإنه فريضة من فرائض اللّٰه عز و جل، و اجعل ما بقي طائفة في العتق و طائفة في الصدقة، فأخبرت أبا حنيفة بقول أبي عبد اللّه عليه السلام فرجع عن قوله و قال بقول أبي عبد اللّه عليه السلام». «1»

و رواه أيضاً موسي بن القاسم، عن زكريا المؤمن، عن معاوية بن عمار قال:

«قال: إنّ امرأة هلكت فأوصت بثلثها: يتصدق به عنها، و يحج عنها، و يعتق عنها، فلم يسع المال ذلك، فسألت أبا حنيفة و سفيان الثوري فقال كلّ

واحدٍ منهما: انظر إلي رجل قد حج فقطع به فيقوي، و رجل قد سعي في فكاك رقبته فيبقي عليه شي ء فيعتق و يتصدق بالبقية، فأعجبني هذا القول، و قلت للقوم يعني أهل المرأة: إني قد

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: 19 ب 65 من أبواب الوصايا ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 359

سألت لكم، فتريدون أن أسأل لكم من هو أوثق من هؤلاء؟ قالوا: نعم، فسألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن ذلك فقال: ابدأ بالحج فإن الحج فريضة، فما بقي فضعه في النوافل، قال: فأتيت أبا حنيفة فقلت: إني قد سألت فلاناً فقال لي كذا و كذا؟ قال: فقال:

هذا و اللّٰه الحق، و أخذ به و ألقي هذه المسألة علي أصحابه، و قعدت لحاجة لي بعد انصرافه فسمعتهم يتطارحونها، فقال بعضهم بقول أبي حنيفة الأول، فخطّأه من كان سمع هذا و قال: سمعت هذا من أبي حنيفة منذ عشرين سنة». «1»

و ما ورد في هذه الأحاديث هو مقتضي القاعدة؛ لأن توزيع الثلث بالسوية علي الموارد إذا كان بعضها واجباً و بعضها مستحباً، بل إذا كان الجميع واجباً إنما يكون فيما إذا كان كل مورد منها غير مرتبط الأجزاء، و أما إذا كان أحدها من المركبات الارتباطية دون غيره كالحج و العمرة فإن الإحرام المجرد عن سائر الأفعال أو الطواف كذلك لا يكون حجّاً حتي يوزَّع الثلث عليه و علي غيره، إذاً فلا بد من تقديم الحج علي غيره من المستحبات لأنه فريضة، و هو ما صدر عن الإمام العالم بالأحكام عليه الصلاة و السلام-.

و بعد هذه الروايات التي صدرت علي طبق القاعدة لا وجه للتكلم في القاعدة و القول بأن مقتضاها هو التوزيع بالسوية حسب موارد الوصية،

كما أفتي به أبو حنيفة و سفيان الثوري قولًا لم يقل به أبو حنيفة بعد ما أخبره عمار بما قاله الإمام عليه السلام، بل قال: هذا هو الحق و أخذ به.

و الوجه فيه: أن مقتضي القاعدة و إن كان هو توزيع الثلث علي الثلاثة:

الصدقة و الحج و العتق إلّا أن معني عدم بلوغه: عدم إمكان الحج و العتق و الصدقة عنها، و ذلك ليس إلّا لوجود الحج فيها، فإن كان بدله الصلاة أو الصوم يمكن التوزيع

______________________________

(1)- تهذيب الأحكام: 5/ 407 ح 1417.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 360

فيجعل شي ء منه في الصوم و شي ء منه في الصدقة و شي ء منه في العتق و لو بالاشتراك مع الغير، أما في الحج فعلي التوزيع لا يفي ثلث الثلث به، و لا يجوز المشاركة في الحج الواجب مع الغير، إذاً فيقع المزاحمة بين الواجب و المستحب، و لا ريب في أن الواجب يقدم عليه، فالرواية في موردها ليست علي خلاف القاعدة، بل صدرت علي طبق القاعدة.

لا يقال: لم لا يوزع علي الثلاثة و يكمل ما يصيب الحج من الأصل؟

فإنه يقال: إن معني ذلك الخروج عن الوصية؛ لأن الموصي أراد أن يكون الحج أيضاً داخلًا في ثلثه و مأخوذاً منه و يصرف ما بقي منه في سائر الموارد.

و بعبارةٍ و اخري: أوصي بأن يؤخذ من ثلثه ما يزيد علي ما يعادل نفقة الحج، فمثلًا: إذا كان المال ثلاثين و كان نفقة الحج ستةً 630 فوصيته تكون في 430، و هذا بخلاف ما إذا أخذنا الستة من المجموع ثمّ أخذنا الثلث من الباقي فإنه يكون 830، فإذا كان الثلث عشرةً و كانت نفقة الحج خمسة عشر فعلي مقتضي التوزيع يجب أن

يجعل لكلٍّ من العتق و الصدقة و الحج العشرة، و هي لا تفي بالحج، و تكميلها من الزائد علي الثلث مخالف للوصية، فلا بد من ترجيح بعض الموارد علي البعض، و ليس هو إلا الحج؛ لأنه فريضة، و ليس هذا مثل صورة عدم وفاء الثلث بالحج فإنه يجب عليه تكميله، لأن إنفاذ الوصية فيه و ترك الحج بتكميله مخالف لحكم الشارع.

و بالجملة: الوصية بالحج و غيره من الثلث الوصية بالحج و غيره علي الترتيب الواقعي الذي بحسبه يكون الواجب مقدماً علي المستحب.

[مسألة 106] هل تخرج نفقة الحج النذري من أصل التركة؟

مسألة 106- هل الحج الواجب بالنذر مثل حجة الإسلام في الأحكام المذكورة، فيجب إخراجه من التركة من أصلها أو من الثلث و إن

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 361

لم يوص بها الناذر، و إن أوصي به فهل يقدم علي سائر الموارد إن كانت مستحبة و لم يفِ الثلث للجميع، أو يوزع عليها بالسوية؟

فنقول: إذا مات الناذر بعد التمكن من أداء الحج و لم يوصِ به فظاهر أكثر الأصحاب وجوب القضاء عنه من أصل تركته، و ذهب جمع من الأصحاب علي ما في الجواهر «1» إلي وجوب قضاء الحج المنذور من الثلث، و القول الثالث عدم وجوب القضاء.

أما وجه القول الثالث: الأصل، و افتقار وجوب القضاء إلي أمر جديد، و لعدم كونه واجباً مالياً، فإنه عبارة عن أداء المناسك، و ليس بذل المال داخلًا في ماهيته و لا من ضرورياته.

و فيه: أما الأصل فإنه حجة علي عدم الوجوب ظاهراً حيث لا حجة عليه، و افتقار القضاء إلي أمر جديد فيما لم يثبت علي ذمة المكلف ديناً عليه و كونه واجباً مالياً ليس معناه أن أداءه متوقف علي صرف المال حتي يقال: إنه يوجد في غيره

من الواجبات أيضاً ما يتوقف أداؤه علي ذلك و لا يجب قضاؤه عن الميت، بل معناه أن النذر اعتبر كالحج ديناً علي الناذر للّٰه تعالي، كما يستفاد ذلك من قوله تعالي:

«وَ لِلّٰهِ عَلَي النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ» و من قول الناذر: «للّٰه عليّ كذا».

و وجه القول الثاني: مفهوم صحيحة ضريس: «سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجل عليه حجة الإسلام نذر نذراً في شكر ليحجنّ به رجلًا إلي مكة، فمات الذي نذر قبل أن يحج حجة الإسلام و من قبل أن يفي بنذره الذي نذر؟ قال عليه السلام: إن ترك مالًا يحج عنه حجة الإسلام من جميع المال و اخرج من ثلثه ما يحج به رجلًا لنذره و قد وفي بالنذر، و إن لم يكن ترك مالًا إلّا بقدر ما يحج به حجة الإسلام حج عنه بما

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 17/ 408.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 362

ترك و يحج عنه وليه حجة النذر، إنما هو مثل دين عليه». «1»

و صحيحة ابن أبي يعفور: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: رجل نذر للّٰه إن عافي اللّٰه ابنه من وجعه ليحجّنّه إلي بيت اللّٰه الحرام فعافي اللّٰه الابن و مات الأب؟ فقال: الحجة علي الأب يؤديها عنه بعض ولده، قلت: هي واجبة علي ابنه الذي نذر فيه؟ قال:

هي واجبة علي الأب من ثلثه أو يتطوع ابنه فيحج عن أبيه». «2»

قال في كشف اللثام: (فإنّ إحجاج الغير ليس إلا بذل المال لحجه فهو دين مالي محض بلا شبهة فإذا لم يجب إلا من الثلث فحج نفسه أولي) «3».

و فيه: ما قيل من أنه لم يفتِ به أحد في موردهما، بل أخرجوه من الأصل؛ لما دل علي وجوب الحق المالي من

الأصل، و نزَّلوا الصحيحين تارةً علي وقوع النذر في مرض الموت، و اخري علي وقوعه بغير صيغته و علي غير ذلك «4».

هذا، مضافاً إلي أن الروايتين موردهما الإحجاج، و أولوية حج نفسه منه غير معلوم، و كذا عدم وجود خصوصية في الإحجاج غير ظاهر.

و أما وجه القول الأول فهو في خصوص الحج إنّ الخطاب به سواء كان متعلقاً بحجة الإسلام أو الواجب بالنذر خطاب ديني، لا من جهة أن الحج يحتاج إلي المال الذي لا يخرج من أصل التركة، بل يخرج من الثلث إن أوصي الذي عليه به، بل لأن التكليف بعبادة الحج سواء كان بالأمر النذري أو الأمر الأصلي اعتبر ديناً علي المكلف، فالنذر إنما يتعلق به علي كونه ديناً للّٰه تعالي علي العبد، فإذا لم يؤده هو بنفسه يخرج من تركته، فقول المولي: «فِ بنذرك» في مورد الحج مثل قوله: «فِ

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 29 من أبواب وجوب الحج و شرائطه ح 1.

(2)- وسائل الشيعة: ب 29 من أبواب وجوب الحج و شرائطه ح 3.

(3)- كشف اللثام: 1/ 296.)

(4)- كما في مستند الشيعة: 2/ 167.)

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 363

بعقد الإجارة»، و «أدِّ الأجير أجره.

و قوله عليه السلام: «إنما هو مثل دين عليه» إشارة إلي ذلك، بل كما في الجواهر إيجاب المال في الصحيحين (صحيح ضريس و ابن أبي يعفور) في نذر الإحجاج أيضاً من ذلك «1».

و ربما يستشهد علي ذلك بما في الصحيح عن مسمع بن عبد الملك: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: كانت لي جارية حبلي فنذرت للّٰه تعالي إن هي ولدت غلاماً أن احجه أو أحج عنه فقال: إنّ رجلًا نذر للّٰه في ابن له إن هو أدرك أن

يحجه أو يحج عنه فمات الأب و أدرك الغلام بعد، فأتي رسول اللّٰه صلي الله عليه و آله له فسأله عن ذلك فأمر رسول اللّٰه صلي الله عليه و آله أن يحج عنه مما ترك أبوه». «2»

و لكن الاستدلال به يتم علي إلغاء خصوصية الإحجاج، و علي كون الترديد في قوله: «أن يحجه أو يحج عنه» من الناذر لا من الراوي، و إلّا فعلي ما احتمله صاحب الحدائق قدس سره في صحيح ابن أبي يعفور و ضريس يمكن أن يكون المراد مباشرة الناذر ذلك بنفسه فيمضي به إلي الحج حتي يوصله إلي المناسك.

قال في الحدائق: (يحتمل أن يكون المراد إنما هو أن يمضي بذلك الرجل حتي يوصله المناسك و يأتي بجميع أفعال الحج و هو قائم بمئونته، بل هذا هو الظاهر من اللفظ، إذ المتبادر من مادة الإفعال هو المباشرة لا السببية، فإذا قلت: أخرجته أو أدخلته يعني تولّيت إدخاله و إخراجه و باشرت ذلك لا بمعني أمرت بذلك من يفعل به، و حينئذٍ فتكون هذه الأخبار باعتبار الاحتمال الذي استظهرناه دالةً علي وجوب قضاء حجة النذر في الجملة). «3»

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 17/ 342.)

(2)- وسائل الشيعة: ب 16 من أبواب العتق ح 1.

(3)- الحدائق الناضرة: 14/ 205.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 364

[مسألة 107] إذا قصرت التركة عن أداء الدين و قضاء حجة الإسلام

مسألة 107- إذا كان علي من مات و عليه حجة الإسلام دين أو خمس أو زكاة و قصرت التركة فإن كان المال الذي تعلق به الزكاة أو الخمس موجوداً قدم لتعلقهما بالعين، فلا يجوز صرفه في غيرهما؛ لأنه تضييع حق أربابهما. و أما إن كانا متعلقين بالذمة فهل يوزع التركة علي الحج و غيره، أو يقدم الحج علي غيره، أو يقدم الديون علي

الحج مطلقاً، أو خصوص الديون الشخصية؟

في المسألة وجوه، و لا يخفي عليك أنّ محلّ البحث في المسألة هو ما إذا كان علي من مات و عليه حجة الإسلام دين أو زكاة أو خمس، لا من مات و عليه دين و خمس و زكاة كما هو ظاهر من عبارة العروة: (و لو كان عليه دين أو خمس أو زكاة و قصرت التركة)، فلا وجه لإدخال البحث عن تلك المسألة في هذه المسألة و الاستدال بموثقة علي بن رئاب هنا كما فعله البعض. «1»

فعلي كلَّ حالٍ ففي المسألة وجوه أو أقوال:

الأول: توزيع التركة علي الحج و غيره بالنسبة، كما في غرماء المفلَّس، كما في الشرائع و غيره.

و فيه: أن التوزيع إنما يتصور إذا لم يكن فيما بين الموارد ما كان أجزاؤه ارتباطياً كالحج، و أما إذا يوجد فيها ما كان كذلك فتوزيعه بالسوية يمنع من صرفه فيما كان هكذا أي ارتباطياً، و القول بسقوطه و صرف التركة في غيره عدول عن التوزيع و تقديم جانب ما لم يكن ارتباطياً علي ما كان كذلك بالتزاحم؛ لأن الأمر

______________________________

(1)- معتمد العروة: 1/ 300.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 365

يدور بين أن نصرف التركة في الحج و ما زاد عليه في غيره أو في غيره، و نترك الحج، و علي هذا يعامل بينهما معاملة المتزاحمين و يقدم الأهم منهما إن كان في البين، و إلّا فنقول بالتخيير.

الثاني: تقديم الحج علي الدين سواء كان الزكاة أو غيره، و ذلك لصحيح معاوية ابن عمار الذي رواه شيخنا الكليني قدس سره، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير عن معاوية بن عمار قال: «قلت له: رجل يموت و عليه خمسمائة درهمٍ من

الزكاة و عليه حجة الإسلام و ترك ثلاثمائة درهمٍ و أوصي بحجة الإسلام و أن يقضي عنه دين الزكاة؟ قال: يحج عنه من أقرب ما يكون و تخرج البقية في الزكاة». «1»

و نحوه خبره أو صحيحه الآخر الذي رواه الشيخ قدس سره بإسناده عن علي بن الحسن ابن فضال، عن محمد بن عبد اللّه، عن ابن أبي عمير، عن معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السلام «في رجل مات و ترك ثلاثمائة درهمٍ و عليه من الزكاة سبعمائة درهم و أوصي أن يحج عنه؟ قال: يحج عنه من أقرب المواضع و يجعل ما بقي في الزكاة». «2»

و استشكل في الاستدلال بهما: أولًا بقصور سند الثاني، و ثانياً باختصاصهما بالزكاة، و ثالثاً بإمكان كون ما ذكره عليه السلام مقتضي التوزيع، و رابعاً بكونهما في مورد الوصية بالحج، و خامساً بإعراض الأصحاب عنهما كما في الجواهر. «3»

و أجاب بعض الأعلام عن قصور سند الثاني بأنّه أيضاً صحيح السند؛ لأن منشأ الضعف إمّا من جهة محمد بن عبد اللّه بن زرارة الذي روي عنه ابن فضال،

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: 9 ب 21 من أبواب المستحقين للزكاة ح 2.

(2)- وسائل الشيعة: ب 42 من أبواب أحكام الوصايا ح 1.

(3)- جواهر الكلام: 17/ 315.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 366

و يروي هو عن ابن أبي عمير، و هو ممن لم يوثق. و إمّا من جهة طريق الشيخ إلي ابن فضال لضعفه بابن الزبير القرشي، و لكن لا يضر ضعف طريق الشيخ إلي ابن فضال بعد ما كان طريق النجاشي إليه صحيحاً، و الكتاب واحد مع ما فصّلنا الكلام فيه في محله.

و أمّا محمد بن عبد اللّه بن زرارة فقد نقل

النجاشي في ترجمة الحسن بن علي بن فضال عن علي بن الريان في قصة عدول الحسن بن فضال إلي الحق: أن محمد بن عبد اللّه بن زرارة عندي أصدق لهجةً من أحمد بن الحسن بن علي بن فضال، فإنه رجل فاضل دين، مضافاً إلي أنه من رجال كامل الزيارات «1».

أقول: أما علي بن الريان فهو ابن الصلت الأشعري القمي الثقة، وكيل الإمام أبي الحسن الثالث عليه السلام، له مع أخيه محمد كتاب مشترك بينهما، و هو من الطبقة السابعة.

و أما أحمد بن الحسن بن علي بن فضال فهو ابن محمد بن فضال كان فطحياً، إلّا أنه ثقة، و مات سنة ستين و مائتين، و هو من الطبقة السابعة، فإذا كان محمد بن عبد اللّه بن زرارة أصدق لهجةً منه فهو أوثق منه.

و أما ضعف طريق الشيخ إلي ابن فضال بابن الزبير فقد قلنا مراراً: إن ضعف مثل هذه الطرق إلي كتابٍ لا يضر بالاعتماد علي الحديث، و لا يعتمد بضعفه، فإنهم كانوا يأخذون الكتب المعلوم انتسابها إلي مؤلفيها من الشيوخ بالسماع منهم و القراءة عليهم أو بالمناولة، و لا يكتفون بمجرد الوجادة في كتبهم، و إلّا كان وجود الرواية في الكتاب و رواية صاحب الكتاب ما فيه عن مشايخه معلوماً عند هم مفروغاً عنه، و لذا لا حاجة إلي الاستناد بصحة طريق النجاشي إلي ابن فضال

______________________________

(1)- معتمد العروة: 1/ 203.)

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 367

لإثبات اعتبار طريق الشيخ إليه بحجة أن الكتاب واحد.

هذا، و لا يخفي عليك أنهم لم يشيروا إلي ضعف الحديث الأول أيضاً بإضماره، فإنه لم يذكر فيه المروي عنه الحديث، فلعلّه كان شخصاً آخر غير الإمام من أصحابه عليه السلام.

إلّا أنّ هذا

الاحتمال أيضاً مردود أوّلًا بقرينة الخبر الثاني الذي هو بالظن القويّ متحد مع الأوّل.

و ثانياً: بأن مثل معاوية بن عمار لا يأخذ إلّا من الإمام، و مثل ابن أبي عمير أيضاً لا يأخذ منه إلّا ما كان عن الإمام، فالظاهر أن معاوية بن عمار أخرج الحديث في كتبه في طيِّ ما سأله عن أبي عبد اللّه عليه السلام ثمّ روي عنه ابن أبي عمير الراوي لكتبه هذه القطعة من سؤالاته، و كيف كان فالأمر واضح لا ريب في أن الحديث مروي عن أبي عبد اللّه عليه السلام.

هذا كلّه في الجواب عن الخدشة في سندهما، أما الإيراد باختصاصهما بتقديم الحج علي خصوص الزكاة دون غيرها من الديون كالخمس و الدين الشخصي ففيه:

أن الظاهر أن ما كان سبباً للسؤال عن المسألة عدم وفاء التركة بالحج و غيره، و عدم إمكان التوزيع عليهما؛ لوجود الحج فيهما الذي لا يمكن ورود النقص عليه، بخلاف الزكاة و الخمس و الدين.

و أما كون ذلك- أي الحكم بالحج- من أقرب ما يكون مقتضي التوزيع فهو خلاف ظاهر السؤال و الجواب، فليس مورد السؤال قضية خارجية وقعت لشخص خاص، و إلّا فكان الجواب أنه يصرف نصف ما تركه في الحج و نصفه الآخر أو البقية في الزكاة. و بالجملة مصبّ السؤال هو عدم وفاء التركة بالحج و غيره، كما هو الظاهر من ألفاظ الحديث.

و أما الإشكال الرابع فجوابه: أنّ السؤال- كما قلنا- تمامه يرجع إلي عدم

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 368

وفاء التركة بحج الإسلام و غيره، و لا فرق في ذلك بين الوصية بهما و عدمها.

و أما إعراض الأصحاب كما في الجواهر «1» ففيه: أنه لم يثبت إعراضهم عنهما.

و علي هذا فهذا القول

هو الظاهر من الدليل، و معه لا وجه للقول بتقديم الدين لتقديم حق الناس علي حق اللّٰه، مضافاً إلي عدم ثبوت ذلك لو لم نقل بثبوت خلافه و هو تقديم حق اللّٰه لكونه- كما في خبر الخثعمية- «أحق أن يقضي».

و مما يمكن أن يكون مؤيداً لذلك بل يدل عليه صحيح بريد العجلي المتقدم، ففيه: «و إن كان مات و هو صرورة قبل أن يحرم جعل جمله و زاده و نفقته و ما معه في حجة الإسلام، فإن فضل من ذلك شي ء فهو للورثة إن لم يكن عليه دين». «2»

هذا، و إن وفت التركة بالحج فقط أو العمرة فقط ففي حج القران و الإفراد قيل بالتخيير بين صرفها في الحج أو العمرة، و جعل بعضهم الاحتياط في صرفها في الحج، و لا يجوز ترك هذا الاحتياط، بل قال سيدنا الاستاذ قدس سره: (لا يخلو من قوة).

و أما في حج التمتع فمقتضي الأصل السقوط و صرفها في الدين، إلا أنه قال سيدنا الاستاذ قدس سره: محل إشكال، و ترجيح الحج لا يخلو من وجه.

و لعل كان وجه نظره الشريف ما رواه المشايخ الثلاثة بإسنادهم، عن محمد بن أبي عمير، عن زيد النرسي، عن علي بن زيد (مزيد- فرقد) صاحب السابري قال:

«أوصي إليّ رجل بتركته فأمرني أن أحج بها عنه، فنظرت في ذلك فإذا هي شي ء يسير لا يكفي للحج، فسألت أبا حنيفة و فقهاء أهل الكوفة فقالوا: تصدق بها عنه- إلي أن قال: - فلقيت جعفر بن محمد عليهما السلام في الحجر فقلت له: رجل مات و أوصي إليَّ بتركته أن أحج بها عنه فنظرت في ذلك فلم يكف للحج، فسألت- من عندنا من

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 17/

315.

(2)- وسائل الشيعة: ب 26 من أبواب وجوب الحج و شرائطه ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 369

الفقهاء فقالوا: تصدق بها، فقال: ما صنعت؟ قلت: تصدقت بها، قال: ضمنت-، إلّا أن لا يكون يبلغ ما يحج به من مكة، فإن كان لا يبلغ ما يحج به من مكة فليس عليك ضمان، و إن كان يبلغ ما يحج به من مكة فأنت ضامن». «1»

و ضعف سنده بزيد النرسي صاحب الأصل و الكتاب، أو علي بن فرقد لا يعتني به بعد ما كان الراوي عنهما مثل ابن أبي عمير المعروف عند العامة و الخاصة بجلالة القدر في العلم و الزهد و الورع، صاحب المصنفات الكثيرة و كتاب النوادر الكبير، و الذي روي عنه أحد تلاميذه أحمد بن محمد بن عيسي: كتب مائة رجل من رجال أبي عبد اللّه عليه السلام، و هو ممن أجمعت العصابة علي تصحيح ما يصح عنه.

إلا أنه نظر في دلالته بعض أعاظم العصر بأن (ظاهره أنه أوصي أن يحج الوصي بنفسه، فالحج الموصي به بلدي بمباشرة الوصي، و الإمام عليه السلام أمره بالحج الميقاتي في قبال البلدي، لا الحج الذي يكون إحرامه من مكة في مقابل العمرة التي يكون إحرامها من الميقات) «2»، و الظاهر أنه لا بأس بما أفاد، و اللّٰه هو العالم بالمراد.

[مسألة 108] التصرف في التركة قبل الاستئجار للحج

مسألة 108- لا إشكال في أنه لا يجوز للورثة التصرف في التركة قبل استئجار الحج إذا كانت التركة لا تكون أزيد مما يلزم أن يصرف في الحج.

من غير فرقٍ بين أن نقول في ما إذا كان دين الميت مستغرقاً لتركته بعدم انتقاله إلي الورثة، كما هو مختار جماعة علي ما حكي عنهم كالحلّي و المحقّق و العلّامة في

بعض كتبه و غيرهم.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 37 في أحكام الوصايا ح 2.

(2)- راجع مستمسك العروة: 10/ 250.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 370

و الذي هو ظاهر الآيات الشريفة: «مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهٰا أَوْ دَيْنٍ»، «مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهٰا أَوْ دَيْنٍ»، «مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهٰا أَوْ دَيْنٍ، مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهٰا أَوْ دَيْنٍ» الترتيب.

مضافاً إلي بعض النصوص، منها: ما رواه المشايخ الثلاثة بإسنادهم، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي «1»، عن السكوني «2»، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال: «أول شي ء يبدأ به من المال الكفن، ثمّ الدين، ثمّ الوصية، ثمّ الميراث» «3»

و ما رواه أيضاً: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، و عن عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد جميعاً، عن ابن أبي نجران «4»، عن عاصم بن حميد «5»، عن محمد بن قيس «6»، عن أبي جعفر عليه السلام قال: «قال أمير المؤمنين عليه السلام: إنّ الدين قبل الوصية، ثمّ الوصية علي إثر الدين، ثمّ الميراث بعد الوصية، فإن أول (أولي) القضاء كتاب اللّٰه». «7»

و ما رواه الشيخ بإسناده، عن علي بن الحسن «8»، عن عمر و ابن عثمان «9»،

______________________________

(1)- الحسين بن يزيد بن محمد بن عبد الملك، من الطبقة السابعة، كان شاعراً أديباً، و سكن الري و مات بها، قال قوم من القميين: (إنه غلا في آخر عمره)، و ما رأينا له رواية تدل علي هذا، (راجع جامع الرواة).

(2)- إسماعيل بن أبي زياد الشعيري، له كتاب عن النوفلي، كان عامياً، من الطبقة الخامسة.

(3)- وسائل الشيعة: ب 28 من أبواب الوصايا ح 1.

(4)- عبد الرحمن، كوفي ثقة ثقة، من الطبقة السادسة.

(5)- الحناط الكوفي، ثقة عين صدوق،

له كتاب، من الطبقة الخامسة.

(6)- الظاهر أنه محمد بن قيس البجلي، أبو عبد اللّه الكوفي الثقة، صاحب الكتاب، من الطبقة الرابعة.

(7)- وسائل الشيعة: ب 28 من أبواب الوصايا ح 2.

(8)- علي بن الحسن بن فضال، فقيه أصحابنا بالكوفة و وجههم، كان فطحياً، من السابعة.

(9)- الثقفي الكوفي الثقة، من الطبقة السادسة.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 371

عن الحسن بن محبوب، عن عباد بن صهيب «1»، عن أبي عبد اللّه عليه السلام «في رجل فرط في إخراج زكاته في حياته فلما حضرته الوفاة حسب جميع ما فرط فيه مما لزمه من الزكاة، ثمّ أوصي أن يخرج ذلك فيدفع إلي من يجب له؟ قال: فقال: جائز يخرج ذلك من جميع المال، إنما هو بمنزلة الدين لو كان عليه ليس للورثة بشي ء حتي يؤدي ما أوصي به من الزكاة، قيل له: فإن كان أوصي بحجة الإسلام؟ قال: جائز يحج عنه من جميع المال». «2»

فإن ظاهر الجميع الترتيب، فلا يتعلق الميراث بما يتعلق به الدين أو الوصية، كما لا يتعلق الوصية بما تعلق به الدين، فتصرّف الورثة في التركة تصرّف في مال الغير، سواء قلنا بأنها تنتقل إلي الديان أو قلنا بأنها باقية في ملك الميت.

و بين أن نقول بانتقال التركة إلي الورثة، فحيث إن حق الديان يتعلق بالتركة لا يجوز للوارث التصرف فيه بما ينتفي به موضوع حقهم كإتلافها، و أما في التصرفات الناقلة مثل البيع فالجواز و عدمه يدور مدار كون تعلق حق الديان كتعلق حق الرهانة الذي يكون التصرف في المال موجباً لانتفائه لتعلقه بالمال بما أنه ملك للراهن، و التصرف الناقل موجب لانتفاء هذا القيد، فعلي هذا لا يجوز التصرف الناقل أو كونه متعلقاً بالمال مطلقاً، نظير

حق الجناية القائم بالعبد الجاني فإنه لا يبطل بحصوله في ملك غير مالكه. هذا، و ظاهر الأدلة تأخر تعلق الميراث بالتركة عن الدين و الوصية.

و علي القول الثاني أيضاً الظاهر أن تعلقه يكون كتعلق حق الرهانة بالمال فلا يجوز التصرفات الناقلة في المال، و لو شككنا في أن تعلق حق الديان يكون مثل تعلق حق الرهان أو حق الجناية فمقتضي الأصل عدم جواز التصرف الناقل.

______________________________

(1)- بصري ما زني عامي، من الخامسة.

(2)- وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب الوصايا ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 372

و أما التصرفات المتعارفة مثل السكونة في البيت و غيرها مما لا يمنع من حق الديان فالظاهر جوازها؛ و ذلك لاستقرار السيرة علي ذلك.

هذا كلّه إذا كانت نفقة الحج مستغرقة للتركة، و أما إذا كانت التركة تزيد عليها فالظاهر أنه يجوز التصرف فيها في مقدار الزائد علي الدين و مصارف الحج، سواء قلنا بعدم انتقال مقدار الدين أو نفقة الحج من التركة إلي الوارث، أو بانتقال جميعها إليه. فالمسألة تكون نظير بيع صاع من الصبرة فإن المشتري يملك كلياً معيناً منها و يجوز للبائع التصرف فيها بالمقدار الذي يملكه و تطبيق الكلي علي أي فرد من أفرادها الخارجية.

و يشهد لذلك ما رواه المشايخ الثلاثة و اللفظ للكليني: «محمد بن يحيي، عن أحمد بن محمد، عن ابن أبي نصر بإسنادٍ له أنه سأل عن رجل يموت و يترك عيالًا و عليه دين أ ينفق عليهم من ماله؟ قال عليه السلام: إن استيقن أن الدين الذي عليه يحيط بجميع المال فلا ينفق عليهم و إن لم يستيقن فلينفق عليهم، من وسط المال». «1»

و موثق عبد الرحمن بن الحجاج الذي رواه الكليني: عن حميد

بن زياد، عن ابن سماعة، عن الحسين بن هاشم و محمد بن زياد جميعاً، عن عبد الرحمن بن الحجاج، عن أبي الحسن عليه السلام مثله، إلّا أنّه قال: «إن كان يستيقن أن الذي ترك يحيط بجميع دينه فلا ينفق عليهم، و إن لم يستيقن فلينفق عليهم من وسط المال». «2»

فرع:

(1) لا يخفي أن المنع من التصرف الناقل علي القول بانتقال التركة إلي الوارث إنما يكون إذا لم يرد الوارث بتصرفه أداء الدين أو العمل بالوصية، بل علي القول بعدم

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 29 من أبواب الوصايا ح 1، الكافي: 7/ 53.

(2)- وسائل الشيعة: ب 29 من أبواب الوصايا ح 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 373

انتقاله إلي الوارث و بقائه في ملك الميت، فالظاهر أيضاً أن المتكفل لصرف المال في الحج إن لم يكن للميت وصي هو وارثه فهو وليه في ذلك.

نعم، بالنسبة إلي الديان علي القول بانتقاله من الميت إلي الغرماء يشكل الأمر في بيع الوارث و لو لأداء دينه و إن كان له أن يؤدي ديون الميت من مال آخر ليتملك به المال، و علي هذا فإمّا يتكفل ذلك الوارث بإذن الغرماء أو يتكفّلونه هم بأنفسهم، أو يتكفله الحاكم في بعض الموارد. و تمام الكلام في محله.

[مسألة 109] إذا أقرّ بعض الورثة بوجوب الحجّ علي مورثهم

مسألة 109- قال- رحمة اللّٰه عليه- في العروة: (إذا أقرّ بعض الورثة بوجوب الحج علي المورث و أنكره الآخرون لم يجب عليه إلّا دفع ما يخصّ حصته بعد التوزيع، و إن لم يف ذلك بالحج لا يجب عليه تتميمه من حصته. كما إذا أقر بدين و أنكره غيره من الورثة فإنه لا يجب عليه دفع الأزيد. فمسألة الإقرار بالحج أو الدين مع إنكار الآخرين نظير مسألة الإقرار

بالنسب، حيث إنه إذا أقر أحد الأخوين بأخٍ آخر و أنكره الآخر لا يجب عليه إلا دفع الزائد عن حصته فيكفي دفع ثلث ما في يده، و لا ينزل إقراره علي الإشاعة علي خلاف القاعدة للنص).

أقول: حيث إنه مثل مسألة الحج في المقام بمسألة الدين و قال: (مسألة الإقرار بالحج أو الدين مع إنكار الآخرين نظير مسألة الإقرار بالنسب) ينبغي إجراء الكلام في هذه المسائل فنقول: أما مسألة الإقرار بالنسب فهي كما لو أقر أحد الأخوين بأخٍ آخر و أنكره الآخر فهل مقتضي القاعدة اشتراك المقرّ و المقِّر له فيما بيد المقرّ علي السواء، فيرجعان في الباقي من سهمهما من التركة إلي الأخ الآخر، أو

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 374

يعطي المقر المقر له ثلث ما عنده و يرجع المقر له إلي الأخ الآخر في بقية ميراثه و هي ثلث ما عنده؟ وجهان:

أما الأول فلأن ذلك مقتضي اشتراك الورثة في التركة و وقوع يد الأخ الآخر علي نصيب الأخوين؛ لأنه لا يعين قصد المقر أن ما تحت يده له كونه له حتي يعطي المقر له ثلث ما عنده، فما في يد المقر من المال يكون بينه و بين المقر له علي السواء.

و أما الثاني فهو: أن مفاد إقرار أحد الأخوين بأخٍ آخر أن ما بيده و بيد الأخ الآخر ثلثه من نفسه و ثلثه من المقر له و ثلثه من الأخ الآخر، فما بيد الآخر ثلثه من المقرّ له لا محالة، كما أن له مما بيد المقر أيضاً ثلثه، و لا يمكن أن يكون له ثلثان من خصوص ما بيد المقر، و علي هذا يكون للمقر ثلثان مما في يده ثلث من نفسه و ثلث من

أخيه الذي أخذه بالتراضي بينهما.

و فيه: أن هذا التراضي لا يتم إلّا إذا وقع بين الثلاثة، فلا يكون للأخوين لكلٍّ منهما ثلثان مما في يدهما إلا برضا المقر له أن يكون ثلثاه بين ما بيد هذا و هذا، و حيث إنّ المقر اعترف له بأنه أخ لهما فلا يتم ذلك إلا برضاه و إلّا فمقتضي الإشاعة كون ما بيد المقر بينه و بين المقرّ له علي السواء.

ثمّ إن هنا رواية رواها الشيخ و الصدوق و الحميري بإسنادهم، عن أبي البختري وهب بن وهب، عن جعفر بن محمد عن، أبيه عليهما السلام قال: «قضي علي عليه السلام في رجل مات و ترك ورثة فأقر أحد الورثة بدين علي أبيه أنه يلزم (يلزمه) ذلك في حصته بقدر ما ورث، و لا يكون ذلك في ماله كله، و إن أقر اثنان من الورثة و كانا عدلين اجبر ذلك علي الورثة، و إن لم يكونا عدلين الزما في حصتهما بقدر ما ورثا،

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 375

و كذلك إن أقر بعض الورثة بأخٍ أو اخت إنما يلزمه في حصته». «1»

و الرواية ضعيفة جداً بأبي البختري، بل بأبي عبد اللّه المشترك بين أبي عبد اللّه الرازي الجاموراني أحمد بن أبي عبد اللّه، و أبي عبد اللّه السياري أحمد بن محمد بن سيار، و هما من الضعفاء، و متنها يمكن أن يكون المراد منه أن إقراره يلزمه في حصته، و إلزامه به يمكن أن يكون علي الوجه الأول أو علي الوجه الثاني، فإذا اقتضت القاعدة إلزامه علي الوجه الأول تحمل الرواية عليه. نعم، في الدين كلام يأتي إن شاء اللّٰه تعالي.

هذا كلّه في الإقرار بالنسب، و أما الإقرار بالدين فإذا أقر

بعض الورثة بدين علي الميت فإن كان الدين مستوعباً للتركة فلا ريب في أنه يجب عليه دفع تمام حصته إلي الدائن، و إن لم يكن مستوعباً فهل يوزّع الدين علي الورثة حسب ما يرثونه من الميت، فإن كان المقر ورث منه الثلث يلزمه ثلث الدين و الباقي يكون علي غيره منهم، أو يلزمه تمام الدين إن كانت حصته تفي تمامه، و إلّا فعلي قدر ما تفيه؟

الأوفق بالقاعدة هو الثاني؛ و ذلك لأنّ الدين متعلق بالتركة بنحو الكلي في المعين، فإذا لم يبقَ من التركة بواسطة غصب الغاصب أو التلف العادي إلا ما ينطبق علي الدين يجب أداؤه به، و علي التنازل من ذلك لا يجوز لمن عنده هذه البقية التصرف فيها.

لا يقال: إن الحكم في الكلي في المعين جواز التصرف في بعض الكل ما دام فيه ما يكون فرداً للكلي، و في صورة غصب الغاصب أو إنكار سائر الورثة ما ينطبق

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 26 من أبواب الوصايا ح 5.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 376

علي الكلي من مال الميت يكون باقياً علي حاله عند سائر الورثة، فلا مانع من تصرف المقر فيما بيده.

لأنه يقال: إن ذلك إنما يكون إذا كان عنده أكثر من فرد واحد، أو كان من كان عنده البقية قاصداً للأداء.

و بالجملة: هذا مقتضي القاعدة و تعلق الدين بتركة الميت بنحو الكلي في المعين، و إذا كان بنحو الإشاعة يكون المال مشتركاً بين المقر و المقر له، كما هو الحال في صورة الإقرار بالنسب.

و أما لزوم ذلك فيما بيد المقر بحسب حصته من التركة فقط فما يتصور في الوجه فيه: أن ذلك مقتضي قاعدة العدل و الإنصاف، فإن المقر لم يتصرف في التركة

إلّا بقدر حصته و إجباره علي أداء ما للمقر له عند سائر الورثة خلاف الإنصاف و حيف علي المقر عند العرف، و بذلك يمكن أن يوجه القول الثاني في الإقرار بالنسب أيضاً.

و يقرب ما استظهروه مما رواه الصدوق، عن أبيه و محمد بن الحسن الصفار، عن سعد بن عبد اللّه و الحميري جميعاً، عن أيوب بن نوح و إبراهيم بن هاشم و يعقوب بن يزيد و محمد بن عبد الجبار جميعاً، عن ابن أبي عمير، عن محمد بن أبي حمزة و حسين بن عثمان، عن إسحاق بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السلام «في رجل مات فأقر بعض ورثته لرجل بدين فقال عليه السلام: يلزمه ذلك في حصته». رواه الكليني و الشيخ أيضاً. «1»

و الاحتمال الآخر في الحديث: أنه يلزمه تمام الدين في حصته، و لذا حمله الشيخ علي أنه يلزم بقدر ما يصيب حصته لما يأتي و أراد به خبر أبي البختري المتقدم.

و علي هذا كله يخرج الحكم بذلك من الاستبعاد، و كونه علي خلاف القاعدة لما ذكرنا، و لرواية أبي البختري التي اعتمد عليها الأصحاب (الصدوق و الشيخ

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 26 من أبواب الوصايا ح 3.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 377

و الحميري) بإخراجه.

ثمّ إن بعد ذلك يستقيم الفتوي في مسألة إقرار بعض الورثة بوجوب الحج علي المورث بأنه لا يجب علي المقر إلّا دفع ما يخص حصته بعد التوزيع. و اللّٰه هو العالم.

[مسألة 110] إذا لم تفِ التركة بالحج فهل تنتقل إلي الوارث؟

مسألة 110- هل يمنع الحج من انتقال التركة إلي الوارث إذا لم تكن وافية به كما يمنع منه إذا كانت كذلك؟

قال في العروة: (الظاهر كونها للورثة و لا يجب صرفها في وجوه البر).

و قال في المستمسك: (لأن المانع

عن الميراث هو وجوب الحج، فإذا فرض عدم الوجوب لعدم كفاية المال لم يكن مانعاً عن الميراث). «1»

و فيه: أن ذلك يتم لو كان الأصل في تركة الميت كونها ميراثاً إما بإمضاء الشارع و لو بعدم ردعه عما استقر عليه سيرة العرف و العادة، أو بدلالة عمومٍ أو إطلاقٍ من الأدلة، إلا أن بناء العرف و إن كان علي كونها ميراثاً في الجملة لكنّ أن الشارع لم يمض ذلك في كلها، بل استثني منها ما إذا كان للميت دين أو وصية، و كذلك عمومات الإرث أيضاً مخصصة بالمخصص المتصل بها لا يشمل ما إذا كان للميت دين أو وصية لا تفي التركة به.

و يمكن أن يدّعيٰ أن التركة لا تنتقل إلي الوارث ما دام بقاء الدين علي ذمته أو لم يعمل بوصيته، فعلي هذا لا دليل علي انتقال التركة إلي الميت، فيجب إبقاؤها علي حالها لعلها تفي به فيما بعد أو صرفها فيما ينفع الميت. و نحوه قال بعض الأعاظم علي ما

______________________________

(1) مستمسك العروة: 10/ 256.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 378

في تقريرات بحثه قال: (لأن المانع عن الانتقال إلي الوارث هو الحج، و المفروض عدم إمكان الحج به فلا مانع و ينتقل ما ترك إلي الوارث حسب الإطلاقات، و لا يقاس الحج بالدين، لأنه انحلالي غير ارتباطي، بخلاف الحج فإنه واجب ارتباطي لا يمكن فيه التبعيض، و لا دليل علي وجوب التصدق بالمال المتروك إذا لم يفِ المال للحج) «1»

و فيه: أما التفصيل الذي ذكره بين الحج و الدين فهو معلوم، و أما ارتفاع المانع عن الانتقال إلي الوارث بعدم إمكان الحج فهو غير معلوم، لجواز أن يكون المانع منه كون الحج علي ذمته، و

لذا يجب إبقاء المال أو صرفه في وجوه البر.

و الحاصل: أن القول بانتقال التركة إلي الورثة في هذه الصورة يحتاج إلي دليل من عموم أو إطلاق، فإن كان فهو و إلّا فالأحوط التصدق بها عن الميت بإذن الورثة.

هذا، و في العروة: (لكنّ الأحوط التصدق عنه؛ للخبر عن الصادق عليه السلام) ثمّ ذكر لفظ الخبر مختصراً، و هو ما رواه المشايخ الثلاثة عن ابن أبي عمير. ففي الكافي:

علي بن إبراهيم، عن أبيه، و حميد بن زياد «2»، عن عبيد اللّٰه بن أحمد «3» جميعاً، عن ابن أبي عمير عن زيد النرسي «4» عن علي بن فرقد (زيد، مزيد في التهذيب و الفقيه) صاحب السابري «5» قال: «أوصي إليَّ رجل بتركته و أمرني أن أحج بها عنه، فنظرت في ذلك فإذا بشي ء يسير لا يكفي للحج، فسألت أبا حنيفة و فقهاء أهل

______________________________

(1)- معتمد العروة: 1/ 314.

(2)- من الثامنة عالم جليل القدر واسع العلم كثير التصانيف ثقة.

(3)- من السابعة عبد اللّه شيخ الصدوق ثقة.

(4)- من الخامسة، له كتاب يرويه جماعة.

(5)- من الخامسة.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 379

الكوفة فقالوا: تصدق بها عنه، فلما حججت لقيت عبد اللّه بن الحسن في الطواف فسألته و قلت له: إن رجلًا من مواليكم من أهل الكوفة مات و أوصي بتركته إليَّ و أمرني أن أحج بها عنه، فنظرت في ذلك فلم يكف للحج، فسألت مَن قبلنا من الفقهاء فقالوا: تصدق بها، فتصدقت بها فما تقول؟ فقال لي: هذا جعفر بن محمد عليهما السلام في الحجر فائته و سله، قال: فدخلت الحجر فإذا أبو عبد اللّه عليه السلام تحت الميزاب مقبل بوجهه علي البيت يدعو، ثمّ التفت إلي فرآني فقال: ما حاجتك؟ قلت: جعلت

فداك، إني رجل من أهل الكوفة من مواليكم قال: فدع ذا عنك، حاجتك؟ قلت: رجل مات و أوصي بتركته أن أحج بها عنه فنظرت في ذلك فلم يكف للحج، فسألت من عندنا من الفقهاء فقالوا: تصدق بها، فقال عليه السلام: ما صنعت؟ قلت: تصدقت بها، فقال: ضمنتَ، إلّا أن يكون لا يبلغ أن يحج به من مكة، فإن كان لا يبلغ أن يحج به من مكة فليس عليك ضمان، و إن كان يبلغ به من مكة فأنت ضامن» «1»

و بيان الاستناد إليه للاحتياط المذكور، بل للقول بوجوب صرفها في التصدق عن الميت أنّ ما هو المانع من انتقال التركة إلي الورثة هو الدين أو الوصية المالية، سواء كانت التركة وافية بأداء الدين أو الوصية أو لم تكن، و هذا ما يستفاد من الحديث، فإنه يستفاد من تصديق الإمام عليه السلام عمله و عدم ضمانه بصرفه في التصدق عنه إن لم يبلغ أن يحج بها من مكة أن المال لا ينتقل إلي الورثة بمجرد وصيته في ماله سواء أمكن العمل به أوْ لا، فلا فرق في ذلك بين الحج الذي هو من الديون و الوصية، و ليس هذا الحكم إلّا لأن المستفاد من أدلة المواريث هو مانعية وجود الدين علي الميت و الوصية منه في ماله بقول مطلق من انتقاله إلي الوارث، و هذا ليس ببعيد.

و يحتمل أن يكون هو الوجه لحكم الإمام عليه السلام، فعلي هذا يتجه القول بلزوم

______________________________

(1)- الكافي: 7/ 21 ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 380

الاحتياط بصرفها في الصدقة إن لم نقل بأنه الأقوي.

نعم، يبقي الإيراد بالاستناد بالخبر لضعف سنده بعلي بن فرقد بناءً علي عدم الاعتماد بما بنوا عليه من تصحيح

ما يصح عن أصحاب الإجماع الذين منهم ابن أبي عمير، و أما بناءً علي الاعتماد عليه سيما إذا لم يكن من يروي عنه مجروحاً و كان متنه قوياً فيعتمد عليه.

[مسألة 111] التبرع بالحج عن الميت

مسألة 111- لا ريب في صحة التبرع بالحج عن الميت إن مات و لم يكن له مال و كان عليه حجة الإسلام.

و ذلك لدلالة النصوص علي ذلك: مثل صحيح معاوية بن عمار الذي رواه الشيخ: بإسناده، عن موسي بن القاسم، عن صفوان، عن معاوية بن عمار قال:

«سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل مات و لم يكن له مال و لم يحج حجة الإسلام فحج (فأحج) عنه بعض إخوانه هل يجزي ذلك عنه أو هل هي ناقصة؟ قال عليه السلام: بل هي حجة تامة». «1»

علي أن يكون المراد من قوله: «و لم يكن له مال» حين الموت لا قبله، فإنه إذا لم يكن له مال لا حين الموت و لا قبله لا يكون حجة الإسلام عليه، و السؤال عن الإجزاء و أنها هل هي ناقصة أو تامة؟ يناسب حجة الإسلام، و لو أغمضنا عن ذلك فإطلاقه يدل علي جواز التبرع بحجة الإسلام.

و مثله غيره مما أخرجه في الوسائل في ب 31 من أبواب وجوب الحج و شرائطه مما يدل علي جواز التبرع عنه و إن كان له مال، و ذلك مثل رواية عامر بن

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 31 من أبواب وجوب الحج و شرائطه ح 1 و 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 381

عميرة (عمار بن عمير) قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: بلغني عنك أنك قلت: لو أن رجلًا مات و لم يحج حجة الإسلام فحج عنه بعض أهله أجزأ ذلك عنه؟ فقال:

نعم، و اشهد بها علي أبي أنه حدثني أن رسول اللّٰه صلي الله عليه و آله أتاه رجل فقال: يا رسول اللّٰه، صلي الله عليه و آله إن أبي مات و لم يحج فقال له رسول اللّٰه صلي الله عليه و آله: حج عنه فإن ذلك يجزي عنه».

و صحيح محمد بن مسلم «عن رجل مات و لم يحج حجة الإسلام يحج عنه؟ قال عليه السلام:

نعم» و غيرهما.

نعم، في رواية سماعة بن مهران قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يموت و لم يحج حجة الإسلام و لم يوص بها و هو موسر قال: يحج عنه من صلب ماله لا يجوز غير ذلك» «1». أي غير الحج من صلب ماله فيدل علي عدم جواز التبرع عنه إذا كان موسراً، إلّا أن يكون ذلك إشارةً إلي أنه لا يجوز غير الحج عنه، يعني تركه و صرف ماله في سائر صنوف البر.

و الظاهر أن المسألة اتفاقية، و إنما يقع البحث في أنه إذا استأجر الولي أحداً ثمّ تبرع متبرع قبل أن يأتي الأجير بالحج، و ذلك يحصل بشروع المتبرع في الحج قبل شروع الأجير، فالظاهر أنه يكشف عن بطلان الإجارة، فليس علي المستأجر الاجرة، و إن أخذها الأجير يستردّ منه المستأجر، سواء كان هو الوارث أم غيره، و سواء أوصي الميت باستئجار شخصٍ معيَّنٍ أم لم يوصِ بذلك، ففي جميع الصور لا يستحق الأجير الاجرة.

و هل يجب صرف اجرة مثله في وجوه البر، أم لا؟ الظاهر عدم الوجوب، و لا تقاس المسألة بالمسألة السابقة، لأداء الحج في مسألتنا هذه دون السابقة، لعدم أدائه و بقاء الحج في ذمة الميت.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 28 من أبواب وجوب

الحج و شرائطه ح 4.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 382

و اختار البعض وجوب صرفه في البر؛ لأن المستفاد من الوصية تعدد المطلوب، كما إذا أوصي بصرف ثلثه في مسجد أو حسينية و لم يوجد فيهما محل لصرفه فإنه يصرف في مسجد آخر أو حسينية اخري.

و فيه: أن تعدد المطلوب يفهم من القرائن الحالية كما في المثال المذكور، فإنه لو تعذر صرف الموصي به في مثله يصرف في غيره كبناء القنطرة أو المستشفي، و أما إذا أوصي بأداء واجب عنه و زال موضوعه مثل أداء الحج الواجب عليه و برئت ذمته بتبرع متبرع منه فلا قرينة علي تعدد المطلوب فيه.

و من الفروع التي يأتي البحث عنها في هذه المسألة: أنه إذا استؤجر أحد من البلد بوصية الميت أو بتبرع الورثة علي القول بكفاية استئجار الحج الميقاتي فذهب الأجير إلي أن وصل إلي الميقات، لكن تبرع عن الميت بالحج شخص آخر فالظاهر أنه مستحق لُاجرة ذهابه من بلد الميت إلي الميقات اجرة المثل. و اللّٰه تعالي هو العالم.

[مسألة 112] كفاية التبرع عن الميت من الميقات

مسألة 112- هل يكفي التبرع عن الميت من الميقات فيجزي عن حجة الإسلام التي عليه؟

الظاهر كفاية ذلك و إجزاؤه عنه، و يترتب علي ذلك كفاية الاستئجار من الميقات من تركته، فإن الذي عليه إن كان مجرد الحج يكفيه الميقاتي في الصورتين، و إن كان خصوص البلدي منه لا يجزيه إلا البلدي سواء كان بالتبرع أو الاستئجار، فلا تأتي الأقوال الثلاثة المذكورة في العروة في هذه الصورة إلا القول الأول و هو كفاية الاستئجار من أقرب المواقيت إلي مكة إن أمكن، و إلا فمن الأقرب

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 383

فالأقرب. «1»

بل يمكن أن يقال بكفاية التبرع و الاستئجار من دون

الميقات إذا كان النائب منزله دون الميقات، فإن ميقاته هو دويرة أهله، و إن تيسر استنابة النائب الذي كان مقامه أقرب إلي الميقات و أبعد من مكة، بل و إن تيسّرت الاستنابة من الميقات، إذاً فلا وجه للقول الثاني و هو الاستئجار من البلد، و القول الثالث و هو التفصيل بين سعة المال فيجب من البلد و عدمها فمن الميقات.

هذا إذا لم يوصِ من عليه الحج، فإن هو أوصي بذلك فإن كان هناك انصراف إلي البلد لا بد و أن يؤخذ به، و إلّا فالحكم كما ذكر في صورة عدم الوصية، و لا فرق في صورة عدم الانصراف إلي البلد بينما إذا كان المال وافياً للبلدي أو لا يكفي إلا للميقاتي.

نعم، في صورة الانصراف إليه لا يكفي إلا البلدي إذا كان المال وافياً له، و إلّا فمن الأقرب إلي الميقات من البلد ثمّ الأقرب فالأقرب. هذا بحسب القاعدة.

و أما بحسب الروايات: فمنها: ما رواه الكليني، عن عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن زكريا بن آدم قال: «سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل مات و أوصي بحجة أ يجوز أن يحج عنه من غير البلد الذي مات فيه؟ قال: أما ما كان دون الميقات فلا بأس». «2»

______________________________

(1)- و القولان الآخران: أحدهما وجوب الحج من البلد، و ثانيهما الوجوب من البلد مع سعة المال، و إلا فمن الأقرب إليه فالأقرب، و احتمل هنا قول رابع عبر عنه بالقول الثالث في العروة، مع أنه في كلامه أيضاً القول الرابع و هو الوجوب من البلد مع سعة المال، و إلا فمن الميقات، و إن أمكن من الأقرب إلي البلد

فالأقرب.

(2)- وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب النيابة ح 4.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 384

و الظاهر أن السؤال فيه واقع عمن مات في غير بلده، فإن اللفظ يدل علي حصر ارتباطه بالبلد بوقوع وصيته و موته فيه و لو كان البلد بلد إقامته أيضاً يذكره السائل، فأجاب الإمام عليه السلام عنه: أما ما كان دون الميقات فلا بأس، و ذلك لعدم انصراف الوصية في مثل هذا البلد بالحج منه و لا من بلده حتي و إن وقع موته في بلده، فهذا الحديث يدل علي كفاية الحج من الميقات إذا لم يكن هناك انصراف، و يدل علي أن الحكم هو كفاية الحج الميقاتي إذا لم تكن الوصية منصرفة إلي البلدي، و علي هذا فالقاعدة التي ذكرناها تنطبق عليه، و إن شئت قلت: الحديث يرشد إلي هذه القاعدة.

و أما الخدشة فيه بضعف السند بسهل ففيه: أن ذلك لا يضر بصحة الاعتماد عليه بعد ما كان الراوي عنه العدة من مشايخ الكليني، و هم: علي بن محمد بن إبراهيم الكليني (علان الرازي) خال شيخنا الكليني صاحب كتاب أخبار القائم عليه السلام، و محمد ابن جعفر الأسدي الرازي أحد أبواب الإمام- أرواحنا فداه- و لعله متحد هو مع محمد بن أبي عبد اللّه، و محمد بن عقيل الكليني، و محمد بن الحسن الطائي الرازي، و بعد ما كان الرجل يروي عن جمع من الشيوخ تزيد عدتهم عن مائةٍ و عشرين رجلًا و بعد ما كان هو واقعاً في أسناد تزيد علي ألفين و ثلاثمائةٍ من الأحاديث المخرجة في الكتب الأربعة في الفروع و الاصول، و علي كلٍّ فالرواية موافقة للقاعدة.

و لا يخفي أن الإشكال في دلالة هذه الرواية بعدم

ظهورها في حجة الإسلام ليس في محله؛ لإطلاقها أولًا، و ثانياً: لأن الحكم في الحج المندوب ليس حكماً تعبدياً محضاً، بل منشؤه عدم وجهٍ لعدم كفاية الحج من غير البلد الذي مات فيه.

و منها: صحيح علي بن رئاب، قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام: رجل أوصي أن يحج عنه حجة الإسلام و لم يبلغ جميع ما ترك إلا خمسين درهماً؟ قال عليه السلام: يحج

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 385

عنه من بعض المواقيت التي وقتها رسول اللّٰه صلي الله عليه و آله من قرب». «1»

و مورده هو ما إذا لم يبلغ ما تركه للحج البلدي، نعم ليس خالياً من الإشعار، علي أنه لو كان وافياً بالحج البلدي يجب الحج منه، و عليه تكون موافقةً للقاعدة، و أن الحج الموصي به منصرف إلي البلدي، و إن لم تف التركة به فمن الأقرب إلي البلد ثمّ الأقرب إليه.

و نحوه صحيح علي بن رئاب و خبر أبي سعيد، عمن سأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل أوصي بعشرين درهماً في حجةٍ قال: «يحج بها (عنه) رجل من موضع بلغه». «2»

و نحوه رواية أبي بصير و خبري عمر بن يزيد «3»، لكن خبري عمر بن يزيد واحد كما هو الواضح، و علي كلٍّ دلالة هذه الطائفة علي حكم حجة الإسلام بالإطلاق.

و منها: خبر البزنطي أو صحيحه، عن محمد بن عبد اللّه، عن مولانا الرضا عليه السلام قال: «سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن الرجل يموت فيوصي بالحج من أين يحج عنه؟ قال عليه السلام: علي قدر ماله، إن وسعه ماله فمن منزله، و إن لم يسعه ماله فمن الكوفة، فإن لم يسعه من الكوفة فمن المدينة». «4»

و

الظاهر أن دلالته أيضاً لا تختلف عن دلالة الأخبار السابقة، فإنه ظاهر في السؤال عن الذي يوصي و يموت في منزله، و حيث إن وصيته منصرفة إلي الحج

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب النيابة ح 6، 7، 8.

(2)- وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب النيابة ح 1.

(3)- وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب النيابة ح 6، 7، 8.

(4)- وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب النيابة ح 5.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 386

البلدي أرشده الإمام عليه السلام إلي أنه يحج عنه علي قدر ماله.

و لا تعارض بينه و بين خبر زكريا بن آدم و إن ذهب إليه بعض الأعاظم «1»، فإن الظاهر من صحيح البزنطي السؤال عمن مات و أوصي في منزله، و في خبر زكريا بن آدم السؤال يكون عمن مات في غير بلده و أوصي بالحج، و في مثله لا تنصرف الوصية بالحج من منزله (الحج البلدي) فيجوز الحج عنه من دون الميقات، اللهم إلا أن يكون هنا انصراف إلي غيره، فالروايات كلها صادرة علي حسب ما تقتضيه الوصية.

و أما الإشكال في صحيح البزنطي: تارة أيضاً في السند، و اخري في الدلالة، فقد استشكله بعض الأعاظم، أما في السند فضعفه بمحمد بن عبد اللّه الأشعري القمي الذي لم يمدح بمدح في كتب الرجال.

و فيه: ما مرّ منّا مراراً أنّ هذا التضعيف يعتد به إذا لم يكن الراوي عن الرجل ممن أجمع أصحابنا علي تصحيح ما يصح عنه، أو نبني علي خلاف هذا البناء و الإجماع، و لكن بعد البناء علي ذلك كما كان هو ديدنهم في الفقه لا نرفع اليد عنه، سيما إذا لم يكن من يروي عنه بعض هؤلاء مجروحاً في كتب

الرجال.

فغاية ما يمكن أن نقول مماشاةً مع هذا العَلَم المعاصر: ترك الأخذ بهذا البناء إذا كان ذم من يروي عنه أصحاب الإجماع و قدحه مصرحاً به، دون ما إذا كان مدحه غير مذكور في لسانهم، فيكفي في الاعتماد علي الحديث هذا البناء عن مشايخنا السالفين رضوان اللّٰه تعالي عليهم أجمعين.

مضافاً إلي أن محمد بن عبد اللّه الأشعري القمي أو ابن عبيد اللّٰه- كما حققه سيدنا الاستاذ أعلي اللّٰه مقامه- و هو من الطبقة السادسة و ابنه جعفر بن محمد الأشعري أيضاً من المشايخ، و البزنطي الذي هو أيضاً من السادسة و هو و محمد بن

______________________________

(1)- معتمد العروة: 1/ 322.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 387

عبيد اللّٰه من أصحاب الرضا عليه السلام يعرفه بصحابته له فاعتمد علي روايته و يكفي ذلك في الاعتماد علي الحديث.

و أما إشكاله في دلالته فقال: (اشتمل الخبر علي أمر لم يقل به أحد، إذ لو كانت العبرة بصرف المال في المقدمات فلا بد من ملاحظة البلاد الأقرب فالأقرب، لا الطفرة من بلد الموصي- الظاهر أنه (خراسان) بقرينة روايته عن الرضا عليه السلام- إلي الكوفة و منها إلي المدينة، بل اللازم بناءً علي ملاحظة الأقرب فالأقرب من البلاد ملاحظة البلاد الواقعة في الطريق، كنيسابور و سبزوار و طهران، و هكذا لا أنه يحج عنه من الكوفة و إن لم يسعه فمن المدينة مع تحقق مسافة بعيدة بين ذلك، و بالجملة: هذا النحو من ملاحظة البلاد لا قائل به أصلًا، و لا يساعده الاعتبار). «1»

أقول: هذا منه قدس سره غريب، فإن الظاهر من الكلام في هذه المسألة أن ذكر الكوفة و المدينة في مثل هذه يكون من باب المثال، فهو يأتي بالحج علي قدر

ماله إن وفي به من خراسان و من طهران فمن طهران و من الكوفة فمن الكوفة و من المدينة فمن المدينة، و لا يلزم ذكر جميع المنازل بين الكوفة مثلًا و المدينة، كما لا يلزم أن يكون من المدينة إن أمكن الذهاب إلي مكة مثلًا من جدة أو جحفة، لا موضوعية للكوفة و لا المدينة و لا خراسان و لا طهران في هذا الحكم، و هذا في الوضوح بمكان.

و قد تلخص مما ذكرناه علي طوله: أن في صورة الوصية بالحج إن كان هناك ما تنصرف الوصية إليه كما إذا مات و أوصي به في بلده و منزله، فإنها تنصرف إلي الحج من منزله، فيجب الإتيان بالحج البلدي إن كان المال وافياً له، و إلّا فمن الأقرب إلي البلد ثمّ الأقرب، و إن لم تكن منصرفة إلي كيفية خاصة يكفي حتي الميقاتي و ما دون الميقات، كما إذا أوصي به في أثناء أسفاره فمات.

______________________________

(1)- معتمد العروة: 1/ 321

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 388

ثمّ إنه لا يخفي عليك أنه لو أوصي بحجة الإسلام من البلد و إن كان استفادة الوصية بها كذلك من انصرافها إلي الحج البلدي يؤخذ الزائد علي الاجرة الميقاتية من الثلث.

[مسألة 113- في كل مورد قلنا بكفاية استئجار حجة الإسلام من الميقات إن لم يمكن إلا من البلد وجب الاستئجار منه]

مسألة 113- في كل مورد قلنا بكفاية استئجار حجة الإسلام من الميقات إن لم يمكن إلا من البلد وجب الاستئجار منه و يخرج جميع ما يلزم صرفه فيه من أصل التركة، و ذلك لإطلاق ما يدل علي الحج من ماله إذا مات و عليه حجة الإسلام.

[مسألة 114- فعلينا في جميع الموارد متابعة ما يستفاد من الوصية عند العرف]

مسألة 114- بعد ما استظهرنا من الروايات أن الحكم بكفاية الحج من غير البلد الذي مات فيه الموصي و عدم كفايته من غير البلد الذي هو منزله و مات فيه يكون علي طبق القواعد العرفية و الاعتماد علي القرائن و الاستظهار من لفظ الموصي و ليس الحكم بوجوب الحج البلدي تعبداً من الشارع و إن لم تكن وصيته منصرفة إليه، بل و إن علمنا بإطلاقه واقعاً، فعلينا في جميع الموارد متابعة ما يستفاد من الوصية عند العرف، و إلّا فالأصل براءة الذمة عن التكليف و هو وجوب الاستئجار من البلد.

و أما من حيث الحكم الوضعي فقد قلنا: إنّ النيابة عن الميت تجزي عنه من الميقات و إن أوصي هو بالاستنابة له من البلد، فوجوب العمل بالوصية أمر و الحكم بالإجزاء و انتفاء موضوع العمل بالوصية أمر آخر، و لكن مع ذلك لا يبعد دعوي انصراف الوصية الصادرة في منزله إلي البلدي لو لم تكن هناك قرينة علي خلافه.

و علي هذا لا حاجة إلي البحث عن المراد من البلد في الروايات و أنه هل هو البلد الذي مات فيه- كما قيل و ادعي إشعار حديث زكريا بن آدم به و إن قلنا: إنه

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 389

لا دلالة له إلا علي كفاية الحج من أيّ مكان عمن أوصي في غير منزله و مات فيه دون من أوصي في منزله

و مات فيه- أو هو البلد الذي هو محل إقامته، كما يدل عليه صحيح البزنطي أو يقال غير ذلك مما قيل في المسألة من التخيير بين البلدان التي كان فيها بعد الاستطاعة؟ و الأقوي ما عرفت. و اللّٰه هو العالم.

[مسألة 115- بناء علي عدم وجوب حجة الإسلام عن الميت من البلد إن تعين بلدة غير بلده كالنجف أو كربلا، تعين ذلك البلد]

مسألة 115- بناء علي عدم وجوب حجة الإسلام عن الميت من البلد إن تعين بلدة غير بلده كالنجف أو كربلا، تعين ذلك البلد، و أما إن قلنا بوجوب حجة الإسلام عنه من البلد فوصيته غير نافذة، لأنها علي خلاف المشروع، فلا بد من العمل بالوظيفة و هي الحج عنه من بلده. و لكن مع ذلك في الصورة الاولي هل يمكن أن يقال بعدم التعين إذا كان البلدي أفضل من غيره و تبرع الوارث به؟

[مسأله 116- في كل مورد تكفي الحجة الميقاتية لا يلزم أن يكون من خصوص الميقات أو الأقرب إليه فالأقرب]

مسأله 116- في كل مورد تكفي الحجة الميقاتية لا يلزم أن يكون من خصوص الميقات أو الأقرب إليه فالأقرب.

فيكفي من كل بلد كان قبل الميقات و هذا واضح، غير أن اجرة الزائد علي الميقات إذا أمكن الاستئجار منه لا يخرج من الأصل أو الثلث إذا لم يوص بالاستئجار من ذلك البلد.

نعم، للوصي إن أوصي الميت بثلث ماله للصرف في وجوه البر أن يصرفه في الحج من أيّ بلد شاء إذا كان فيه جهة فضل أو مزيد ثواب. و اللّٰه هو العالم.

[مسألة 117- قد مر حكم ما إذا مات و كان عليه الحج و دين الناس أو الخمس أو الزكاة]

مسألة 117- قد مر حكم ما إذا مات و كان عليه الحج و دين الناس أو الخمس أو الزكاة و أنه إن وفت التركة بالجميع فهو، و إلّا فيقدم الحج علي

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 390

سائر الديون، للروايات.

و أما التوزيع عليهما بالنسبة فلم نتصوره بعد ما كان الحج واجباً ارتباطياً لا يمكن استئجاره بالتوزيع المذكور، فمثلًا إذا كان مديوناً بألف دينار و كانت تركته ألف دينار و اجرة الحج أيضاً ألف دينار فبتوزيع التركة بينهما و دفع نصفها للحج و نصفها للدين لا يفي ما للحج اجرة الحج، و هذا بخلاف ما إذا كان مديوناً لشخصين أو كان عليه دين الناس أو الخمس أو الزكاة فإنه يمكن توزيع التركة علي الجميع.

[مسألة 118- قلنا: إن الظاهر أنه يجزي عما علي الميت إن تبرع بالحج عنه من كان ميقاته دويرة أهله]

مسألة 118- قلنا: إن الظاهر أنه يجزي عما علي الميت إن تبرع بالحج عنه من كان ميقاته دويرة أهله.

فلا يلزم أن يذهب إلي أحد المواقيت الخمسة، فهو يهل بالحج عنه من مكانه، و لازم ذلك جواز استئجاره أيضاً و إن أمكن استئجاره أو استئجار غيره من بعض المواقيت.

و أما استئجاره غيره ممن كان عليه الإحرام من الميقات و اضطر إلي الإحرام من غيره كمكة أو أدني الحل فيجزي عن الميت في صورة عدم وجود شخص آخر.

و هل يجزي عنه إذا تبرع هو عنه بالحج أو أتي به بالإجارة مع وجود شخص آخر؟ فيه وجهان، و لا يبعد كفايته، كما إذا استأجر من وظيفته التيمم أو أتي به من وظيفته التيمم تبرعاً، و بالجملة: فالحج من الميقات الاضطراري أحد أفراد الحج و مصاديقه، كما يجزي من الشخص عن نفسه يجزيه تبرعاً عن غيره، و مع ذلك الاحتياط لا ينبغي تركه.

[مسألة 119- لا فرق في حكم كفاية الميقاتية عمن عليه الحج بين ما إذا كان المنوب عنه حيّاً أو ميتاً.]

مسألة 119- لا فرق في حكم كفاية الميقاتية عمن عليه الحج بين ما

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 391

إذا كان المنوب عنه حيّاً أو ميتاً.

فيجوز الاستيجار للحي المعذور بعذرٍ لا يرجيٰ زواله من الميقات أو دويرة أهله، بل أو الميقات الاضطراري، و لا يلزم استئجاره من بلد النائب و إن كان أحوط، بل لا يترك الاحتياط بالاستيجار من خصوص الميقات دون دويرة الأهل و سيما دون الميقات الاضطراري.

[مسألة 120] هل تجب المبادرة إلي استئجار الحج للميت؟

مسألة 120- هل تجب المبادرة إلي استئجار الحج للميت كأداء دينه في أول أزمنة إمكان أدائه؟

الظاهر وجوب ذلك، سواء كان تركه واقعاً بتسويفه أوْ لا عن التقصير و التسويف، و ذلك لأن المال بيد الوارث أمانة شرعية، و حبسه عنده من غير مجوز و ترك الاستئجار و التسامح فيه خيانة في الأمانة عند العرف، و لذا لو قصر و ترك الاستئجار و تلفت التركة عنده يكون ضامناً يجب عليه الاستئجار من ماله خروجاً عما في عهدته، و هذا المعني ربما يكون أظهر إذا كان الميت مقصراً في ترك الحج، لأن رفع العقاب عنه يدور مدار أداء الحج عنه، فالذي ماله بيده يجب عليه بمقتضي الأمانة المبادرة إلي الاستئجار عنه، و علي هذا لا يجوز التأخير إلي السنة القادمة و إن علم بإمكان ذلك لرعاية مصلحة الوارث و إن كان صغيراً، حتي إذا كان الميت معذوراً في ترك الحج و لا يمكن الحج من الميقات إلا بأزيد من الاجرة المتعارفة في حين أنه يمكن بها في السنة القادمة.

لا يقال: إنه تارةً يؤخر الاستئجار لإبقاء التركة في يد الوارث حتي يستوفي منافعها إلي السنة القادمة، ففي هذه الصورة لا يجوز له التأخير، و ليس للورثة

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 392

التصرف

في التركة قبل استئجار الحج، و هل لهم ذلك بعد تحقق التأخير إلي زمان إمكان الاستئجار في السنة الآتية إذا كانوا بانين علي الاستئجار؟ الظاهر أنه يجوز لهم ذلك إذا لم يكونوا سبباً للتأخير كما إذا أخر الوصي ذلك، و إلا ففي جواز التصرف إشكال، يحتمل أن يقال بالرجوع إلي الحاكم و المصالحة معه علي نحو ينتفع منه الميت. و تارةً يؤخره؛ لأن الاستئجار في السنة الحالية لا يمكن إلا بأزيد من اجرة المثل المتعارفة دون السنة القادمة، فيؤخر ذلك لدفع الضرر عن الوارث، ففي مثله يجوز التأخير دفعا للضرر عنه.

فإنه يقال: إن في الصورة الثانية أيضاً لا ضرر علي الوارث، فإنه لم ينتقل إليه المال قبل استيجار الحج و تفريغ ذمة الميت حتي كان ذلك ضررا عليه، كما إذا كان الدين الذي علي الميت مالًا مثليا و لا يمكن تحصيله فوراً إلا بشرائه بأزيد من ثمن المثل. و بالجملة فالحج و الدين يتعلقان بتركة الميت بموته يجب أداؤها في أول أزمنة الإمكان غير مشروط بشي ء، بخلاف حق الوارث فإنه يتعلق بالتركة بشرط أداء الدين و الوصية.

[مسألة 121] ضمان الوصي أو الورثة إذا تلفت التركة بإهمالهم

مسألة 121- في صورة إهمال الوصي أو الورثة الاستئجار إذا تلفت التركة ضمن، كصورة كون الدين علي الميت و تلفت التركة بإهمال الوصي أو الوارث.

أما إذا أهمل حتي نقصت قيمتها إلي أن لا تفي بالحج، فإن كان ذلك بسبب حدوث عيب أو زوال صفة من صفاتها فيضمن و يجب عليه تداركه بأداء تفاوت قيمة المعيب مع الصحيح. و إذا كان النقص الحادث نقصاً في قيمته السوقية فالظاهر

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 393

أنه لا ضمان عليه، لأن ما وقع تحت يده و هو العين و الصفة باقٍ علي حاله

عيناً و صفة و هو يؤديها، و أما القيمة السوقية فلم تقع تحت اليد حتي يجب عليه أداؤها، و هذا كما هو الحال في سائر الموارد، فمن غصب داراً، أو دكاناً أو سيارةً و نقصت قيمتها عنده لا يجب عليه أداؤها.

و هنا مسألة ترتبط بمسألتنا هذه، و هي: أنه إذا كانت تركة الميت من الأثمان المتعارفة التي تكون ماليتها يكون باعتبار من له اعتبار ذلك كالحكومة و المؤسسات كالبنوك إذا نقص اعتبارها المالي- مثلًا كان الدينار العراقي عند موت من عليه الحج يباع بألف ريالٍ عربي يفي بنفقة الحج و لكن نقصت ماليتها بهذا الاعتبار فلا يشتري إلا بمائة ريال عربي لا يفي بنفقة الحج- فهل ذلك يوجب ضمان الوارث أو الوصي للحج عن الميت إن تسامح في الاستئجار و أخّره مثلًا إلي سنة اخري، أو ليس عليه شي ء؟

و الذي يمكن أن يقال: إنه إما أن يكون عدم وفاء الأثمان لنفقة الحج بعد ما كان كذلك في السنة الاولي من جهة كثرة تعدد الأفراد الذين يعرضون أنفسهم للحج الإجاري و قلة المستأجرين و صيرورة الأمر في السنة الثانية بالعكس، فقل الأجير و كثر المستأجر، ففي هذه الصورة إذا لم يف المال الموصي به أو مال الميت للحج في السنة الثانية لا ضمان علي الوصي أو الوارث، فلم ينقص من المال شي ء حتي يقال بضمان الوصي أو الوارث.

نعم، إذا آل الحال إلي صيرورة المال تالفاً عند العرف، كالثلج الذي كان علي المديون في الصيف فأخر أداءه إلي الشتاء يكون ضامناً لقيمته للدائن لإضراره به.

و بالجملة: فقدرة الثمن لشراء الأمتعة و ضعفه إذا كان بعلل خارجية لكثرة المتاع و وفرته أو قلته لا يوجب ضماناً و تدارك

ما يدخل بذلك علي الدائن بعد ما كان المال باقياً علي حاله. و إما إذا كان للثمن باعتبار ما يفرضه العرف وجهاً له

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 394

صفة خاصة و قيمة و اعتبار خاص، مثلًا يشتري به طن من الحنطة ثمّ صار بسبب ضعف الوجه المذكور و طروء بعض الحالات عليه بحيث لا يمكن الشراء به إلّا عشراً من مثلًا أو أقلّ من ذلك، أو يصير هذه الكيفية فيه أقوي فيشتري به طنان أو أكثر، أو الجهات الاخري مثل ذلك تتصاعد ماليته أو تتنازل ففي هذه الصورة أيضاً لا يتفاوت الحكم، إلا إذا كان من عليه الحق مقصّراً في أداء ما عليه فيجب عليه تدارك ضرر صاحب الحق.

لا يقال: إذا كان المال بعينه باقياً لا يوجب تأخير أدائه إلا تفويت منفعة لصاحبه كما هو الحال في غيره من الأمتعة.

فإنه يقال: هذا إذا كان المال من الأمتعة و ما يستفاد منه بعينه أو منافعه، أما إذا كان المال لا يقصد منه إلا بما لَه من المالية و لا ينتفع منه إلا بما لَه من القيمة ففي مثله حبسه عن صاحبه إن تنزلت قيمته يعد عند العرف ضرراً عليه، فيجب تداركه، فالتجار الذين كان عندهم ملايين من الملايين من العُملة الكويتية وقعوا- بعد الهجوم العراقي علي الكويت و سقوط العملة الكويتية عن قيمتها- في الضرر.

و بالجملة: فيمكن أن يقال: إن مثل ذلك يوجب الضمان. و اللّٰه تعالي هو العالم.

[مسألة 122 إذا كان له وطنان الظاهر وجوب اختيار الأقرب إلي مكة]

مسألة 122- قال في العروة: (علي القول بوجوب البلدية و كون المراد بالبلد الوطن إذا كان له وطنان الظاهر وجوب اختيار الأقرب إلي مكة، إلا مع رضا الورثة بالاستئجار من الأبعد، نعم مع عدم تفاوت الاجرة الحكم التخيير).

و

قال في المستمسك: (المراد من الأقرب الأقل قيمة كما يظهر ذلك من ملاحظة مجموع العبارة، و حينئذ يكون قرينة علي المراد من عبارة المشهور المتقدمة

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 395

في صدر المسألة الثامنة و الثمانين). «1»

أقول: المراد معلوم، فإنه إذا كان له وطنان يكفي اختيار ما هو الأقرب إلي مكة أي الأقل قيمة، فلا يجب عليه اختيار الأبعد و الأكثر قيمة، و إن كان يجوز ذلك إذا كان المستأجر هو الوارث أو كان ذلك برضا الورثة إن لم يكن كلهم أو بعضهم صغيراً أو أوصي الميت بصرف ثلثه في الحج فإنه يجوز، بل ربما يجب علي الوصي أن يصرفه في الأبعد، فظهر من ذلك أن الحكم بوجوب اختيار الأقرب في صورة الوصية علي إطلاقه كأنه ليس في محله، للفرق بين ما إذا أوصي بحجة عنه أو أوصي مثلًا بصرف ثلثه في الحج عنه. فتدبّر.

[مسألة 123- بناءً علي وجوب الاستئجار من البلد الظاهر- كما في العروة- أنه لا فرق بين حجة الإسلام و الحج الواجب بالنذر]

مسألة 123- بناءً علي وجوب الاستئجار من البلد الظاهر- كما في العروة- أنه لا فرق بين حجة الإسلام و الحج الواجب بالنذر إذا لم يقيده الناذر بالبلد و لا بالميقات فيجب حينئذٍ الحج من البلد.

بل يمكن أن يقال- علي ما اختاره ابن إدريس-: لو كان النذر مقيداً بالميقات يجب الاستئجار له من البلد؛ و ذلك لأنه استدل علي وجوب الحج من البلد بأنه (كان تجب عليه نفقة الطريق من بلده، فلما مات سقط الحج عن بدنه و بقي في ماله

تبعة ما كان يجب عليه لو كان حيّاً من مئونة الطريق من بلده «2»). و علي هذا الاستدلال- و إن كان لا يخفي ما فيه- لا فرق بين الحج الواجب بالنذر المطلق أو المقيد بالبلد.

______________________________

(1)- مستمسك العروة: 10/ 272.

(2)- السرائر: 1/ 516.

فقه

الحج (للصافي)، ج 1، ص: 396

[مسألة 124] إذا اختلف تقليد الميت و الوارث أو الوصي

مسألة 124- في صورة اختلاف تقليد الميت و الوارث أو الوصي في وجوب أصل الحج علي الميت أو وجوب البلدي منه أو غير ذلك فهل المدار علي تقليد الميت أو الوارث و الوصي؟

فالكلام يقع في مقامين:

الأول: في اختلاف الميت و الوارث إذا لم يوصِ بالحج، فإن كان اختلافهما في أصل الوجوب: فإما أن يري الوارث وجوبه علي الميت فيجب عليه حسب رأيه استئجار الحج عنه؛ لأنه علي رأيه يري عدم انتقال تركة الميت إليه و وجوب استئجار الحج عنه عليه.

و إما لا يري وجوبه علي الميت و كان رأي الميت وجوبه عليه، كما إذا كان الميت لا يري الرجوع إلي الكفاية معتبراً في الاستطاعة و الوارث يراه معتبراً فلا يجب عليه استئجار الحج عنه، و يجوز له التصرف في تركة الميت و البناء علي انتقالها إليه.

نعم، لا يجوز لغيره الذي رأيه رأي الميت ترتيب أثر انتقال التركة إلي الوارث.

و أما إن كان اختلافهما في وجوب الحج من البلد فالظاهر أن حكمه لا يختلف عن حكم الاختلاف في أصل وجوب الحج. فظهر من ذلك كله أن المدار علي تقليد الوارث. هذا إذا كان الوارث واحداً أو كان رأي الورثة واحداً.

و أما إذا كان الورثة مختلفين في الرأي فقال في العروة: (يعمل كلّ علي تقليده، فمن يعتقد البلدية يؤخذ من حصته بمقدارها بالنسبة، فيستأجر مع الوفاء

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 397

بالبلدية بالأقرب فالأقرب إلي البلد، و يحتمل الرجوع إلي الحاكم ليرفع النزاع فيحكم بمقتضي مذهبه، نظير ما إذا اختلف الولد الأكبر مع الورثة في الحبوة).

أقول: الاحتمال الأول مبني علي ثبوت الحج في التركة علي سبيل الإشاعة، فإن عليه يعمل كل واحد من

الورثة علي طبق وظيفته فيؤخذ من حصته و يصرف المأخوذ في شئون الميت، أما وفاء ما عليه بحسب حصته بالبلدية فلا يتصور، بل وفاؤه بالميقاتي أيضاً علي القول بأن الواجب الاستئجار من الميقات لا يتصور.

نعم، يمكن ذلك بالنسبة إلي تمام حصته بأن يكون الحج متعلقاً بالمال علي سبيل الكلي في المعين و لكنّ أصل هذا الاحتمال ضعيف، لأن لازمه انتقال بقية التركة إلي الوارث بموت المورث قبل أداء الحج و الدين و الوصية، و جواز تصرف الوارث في التركة في الجملة إذا كان بمقدار الحج باقيا منها.

و أما الاحتمال الثاني فوجهه: أن التركة حيث لا تنتقل إلي الوارث إلا بعد أداء الدين و العمل بالوصية فلا يجوز للوارث التصرف المالكي فيها قبل ذلك، و حيث إن بعض الورثة يمتنع من ذلك فله أن يرجع في ذلك إلي الحاكم، سواء قلنا بأن الإحجاج وظيفة الوارث، أو قلنا بأنه يرجع في أمره إلي الحاكم ليتداخل فيه من باب الحسبة.

و كيف كان فإنْ حكم الحاكم له يستأجر الحج من صلب مال الميت، و إنْ حكم عليه فهل يجوز له التصرف في حصته قبل أداء الحج؟ القول بالجواز في غاية الإشكال.

المقام الثاني: في اختلاف الوارث و الميت في الرأي إذا أوصي الميت بالحج، و اختلاف الوصي و الميت، و اختلاف الوارث مع الوصي إذا كان رأي الوصي موافقاً لرأي الميت.

فنقول: لا ريب أنه في جميع الصور يجب إنفاذ الوصية إذا لم تزد علي الثلث، و

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 398

لا يؤثر فيه مخالفة رأي الوارث أو الوصي أو كليهما مع الموصي، و أما إذا زاد علي الثلث: فإن خالف رأي الوصي رأي الميت، كما إذا كان رأي الميت عدم

اعتبار الرجوع إلي الكفاية أو وجوب الحج من البلد و كان رأي الوصي اعتبار الرجوع إلي الكفاية و كفاية الحج الميقاتي إلا أن رأي الورثة موافق لرأي الميت فلا ريب أنه يجب إنفاذ الوصية بتمامها؛ لعدم مانع من إنفاذه بعد كون الورثة باذلين لتمام نفقتها.

و إذا كان الورثة أيضاً مخالفين للميت في الرأي فلا يجب علي الوصي إلا إنفاذها بقدر الثلث إذا لم يكن الوارث باذلًا لما زاد علي الثلث، و لا يجب عليه إقامة الدعوي علي الورثة من جانب الميت، كما أن الأمر كذلك إذا لم يعين الموصي الوصي، فالوارث يعمل فيما زاد علي الثلث حسب رأيه.

و إذا كان الوصي يري العمل بتمام الوصية من الأصل كالموصي و الوارث لا يري ذلك فالظاهر أنه يجب عليه رفع الأمر إلي الحاكم لأخذ الزائد علي الثلث من الوارث.

[مسألة 125 الأحوط بل الأقوي في صورة وجود أكثر من واحد ممن يعرض نفسه للنيابة عن الميت استئجار من هو أقل اجرة من غيره مع الوثوق بصحة عمله]

مسألة 125- الأحوط بل الأقوي في صورة وجود أكثر من واحد ممن يعرض نفسه للنيابة عن الميت استئجار من هو أقل اجرة من غيره مع الوثوق بصحة عمله إذا كان المستأجر الوصي و لم يرض الورثة باستئجار غيره، أو كان بعضهم قاصراً، سواء قلنا بوجوب استئجار البلدي أو الميقاتي.

نعم لو كان في استئجار من هو أقل قيمة هتك لحرمة الميت عند العرف تنصرف الوصية إلي غيره ممن لا يوجب استئجاره ذلك، بل يمكن أن يقال في صورة عدم الوصية أيضاً: يجب اختيار من لم يكن استنابته عن الميت هتكاً له

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 399

بدعوي انصراف الأدلة إليه و لو كان أكثر قيمة من غيره.

[مسألة 126- إذا علم بتحقق الاستطاعة المالية للميت و شك في تحقق الاستطاعة الطريقية و لم يكن هنا أمارة أو أصل يؤخذ بها]

مسألة 126- إذا علم بتحقق الاستطاعة المالية للميت و شك في تحقق الاستطاعة الطريقية و لم يكن هنا أمارة أو أصل يؤخذ بها لا يجب القضاء عنه؛ لبراءته و براءة الولي عنه بمقتضي الأصل.

[مسألة 127] إذا علم استقرار الحج علي الميت و جهل أداؤه له

مسألة 127- إذا علم استقرار الحج علي الميت و لم يعلم أنه أتي به أم لا فالظاهر وجوب القضاء عنه؛ لاقتضاء الأصل بقاءه في ذمته، و احتمال عدم وجوبه عملًا بظاهر حال المسلم ضعيف.

لأن ذلك الاحتمال يعتد به إذا صدر من المسلم فعل أو قول أو تحقق منه حال يخبر عن أمر، كما إذا صلّي فظاهر فعله يخبر عن طهارته و إحراز ما هو شرط للصلاة، أو قال كلاما فيحمل علي معناه الصحيح لا الفاسد، أو ترك أمراً مثل الصلاة في وقته فيحمل علي عدم تركه عمداً. أما إذا شك في فعل مثل الصلاة أنه أتي بها أم لا فظاهر حاله لا يقتضي إتيانها لإمكان نسيانها لها، نعم ظاهر حاله أنه لم يتركها عمداً.

اللهمّ إلّا أن يقال: إنّ الظاهر من حال كل أحدٍ عليه أن يأتي بفعل إتيانه به، و حيث إن الواجب إتيان الحج فوراً فظاهر الحال يقتضي إتيانه و البناء علي إتيانه، و هذا هو قاعدة المقتضي و المانع التي لم تثبت حجيته، لأنها ليست من مصاديق الاستصحاب الثابت حجيته، لأن اليقين في قاعدة المقتضي و المانع متعلق بشي ء هو المقتضي، و الشك متعلق بشي ء آخر هو المانع، و في الاستصحاب يلزم أن يكون

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 400

الشك متعلقاً بعين ما تعلق به اليقين، كما إذا علمنا بطهارة شي ء بصب الماء عليه و عدم وجود مانع من وصول الماء إليه ثمّ شككنا في بقاء طهارته فإنه يجري فيه

استصحاب الطهارة، فالشك في مثله قد تعلق بعين ما تعلق به اليقين و هو طهارة ذلك الشي ء، و أما في قاعدة المقتضي و المانع كما إذا صببنا الماء علي شي ء لغسل الخبث منه الذي لا يحصل إلا بالعلم بعدم وجود المانع و شككنا في وجوده و عدمه فعدم ترتيب آثار الغسل ليس من نقض اليقين بالشك لعدم حصول اليقين بالغسل.

لا يقال: في موارد قاعدة المقتضي و المانع نتمسك باستصحاب عدم المانع، فبإحراز صب الماء بالوجدان و عدم المانع بالأصل نحكم بالغسل و حصول الطهارة.

فإنه يقال: إن الأثر الشرعي يترتب علي حصول الغسل و لا يمكن إثباته بعدم المانع إلا علي القول بالأصل المثبت.

ثمّ إنّه ربما يستدل لإثبات هذه القاعدة بالسيرة العقلائية و استقرار بناء العقلاء علي الحكم بوجود المقتضي بعد العلم بوجود المقتضي مع الشك في وجود المانع.

و فيه: أنه لم تثبت هذه السيرة من العقلاء، بل نري منهم خلاف ذلك، فلو رمي أحد سهماً إلي شخص إن أصابه يقتله و شك في إصابته و عدمها لمانع لا يحكمون بوقوع القتل و القصاص علي الرامي.

و الحاصل: أن التمسك بظاهر الحال هنا لعدم وجوب قضاء الحج عن الميت لا يفيد، سواء فسرنا ظاهر الحال بما ذكر أو بقاعدة المقتضي و المانع، فعلي الأول ما نحن فيه ليس من صغريات ظاهر الحال المعتبر، و علي الثاني الاستدلال ممنوع من جهة عدم صحة كبري الدليل. فتأمّل جيّداً.

نعم، ربما يقال: إن في باب قضاء الواجبات العبادية عن الميت- كما قالوا به في باب قضاء الصلوات- موضوع الحكم بوجوب القضاء هو فوت الصلاة، و أصالة

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 401

عدم إتيانه بالصلاة لا يثبت به فوت الصلاة إلا علي القول

بالأصل المثبت، و هكذا نجري الكلام في الحج و نقول: إن قضاء الحج عن الميت يدور مدار فوت الحج عنه، و أصالة عدم إتيانه بالحج لا يثبت ذلك.

و فيه: أن الحج كالدين من الواجبات المالية التي إذا علم الوارث اشتغال ذمة مورثه به يجب عليه أداؤه، كما كان يجب علي المورث أداؤه فكما أنه لا يفوت من المورث و هو أداء في أيِّ زمانٍ أدّاه و لا يفوت بتأخيره من سنته إلي السنوات المستقبلة لا يفوت منه بموته، و ذمته مشغولة به حتي يؤدي من تركته أو يتبرع به متبرع بنيابته.

و بعبارةٍ اخري: في باب الصلاة حيث إنها موقّتة بوقتٍ خاصٍّ يصدق الفوت بتركه في الوقت فيحتاج وجوبه إلي أمر جديد، و أما في الديون التي منها الحج و في كل واجب غير موقت لا يصدق الفوت، لأنه في كل زمان أدي يقع أداءً للمأمور به فالأمر بالحج لا يسقط بالتأخير و لا يفوت عن المكلف.

و بعبارةٍ ثالثةٍ: في باب الصلاة وجوب القضاء يدور مدار العلم بفوت الصلاة عن الميت و وجوب القضاء عليه، فإن علمنا بوجوب القضاء عليه و اشتغال ذمته بالقضاء نستصحب اشتغال ذمته و نحكم بوجوب القضاء عنه. و وجوب الصلاة في الوقت كان موقتاً به، بخلاف الحج فإن وجوبه علي المكلف ليس موقتاً، بل هو أداء في كل حال، و الحج كقضاء الصلاة الثابت علي الميت لا يسقط بموته و يستصحب اشتغال ذمته به.

فإن قلت: مقتضي بعض النصوص في باب الدين علي الميت عدم إثباته باستصحاب عدم الإتيان إلا إذا ضم إليه اليمين، فما دل علي اليمين في باب الدين يكون مخصِّصا للاستصحاب، و حاصل ذلك عدم حجية الاستصحاب في باب

الدين و الحج من الديون.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 402

أقول: أخرج الكليني: عن محمد بن يحيي، عن محمد بن أحمد، عن محمد بن عيسي بن عبيد، عن ياسين الضرير، عن عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه قال: «قلت للشيخ عليه السلام: خبِّرني عن الرجل يدّعي قِبَل الرجل الحق- إلي أن قال: - و إن كان المطلوب بالحق قد مات فاقيمت عليه البينة فعلي المدعي اليمين باللّٰه الذي لا إله إلا هو لقد مات فلان و إن حقه لعليه، فإن حلف و إلا فلا حق له، لأنا لا ندري لعله قد أوفاه ببينة لا نعلم موضعها، أو غير بينة قبل الموت فمن ثمّ صارت عليه اليمين مع البينة، فإن ادعي بلا بينة فلا حق له، لأن المدعَي عليه ليس بحي، و لو كان حيّاً لُالزم اليمين أو الحق أو يرد اليمين عليه فمن ثمّ لم يثبت الحق». «1»

و هذا الحديث يدل علي أن بقاء حق المدعي علي الميت بعد إثبات كونه عليه لا يثبت بالاستصحاب، بل لا بد من اليمين.

إلّا أنه يمكن أن يقال: إنّ هذا يكون في موارد يمكن عدم اطلاع الوارث حسب المتعارف بوفاء من عليه الحق كالديون المالية، لا فيما إذا كان عدم علم الوارث بالوفاء خلاف المتعارف كالحج، ففي مثل الديون المتعارفة يمكن أن يقال بعدم الاكتفاء بالاستصحاب و إن علم الوارث سبق اشتغال ذمة المورث به، و يمكن أن يدعي أن هذا، الحكم مختص بباب الدين و القضاء فلا يرتبط بالوارث المطلع عن حال مورثه.

هذا مضافاً إلي احتمال الإرسال في هذا الخبر لبعد رواية ياسين الضرير الذي كأنه كان من الطبقة السادسة عن عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه و هو

من الرابعة، و مضافاً إلي ما قيل بضعف السند أيضاً من جهة ياسين الضرير لأنه لم يوثق.

و هنا مكاتبة للصفار محمد بن الحسن القمي الملقب بممولة صاحب المسائل و الكتب إلي مولانا أبي محمد العسكري- عليه الصلاة و السلام- فيها: و كتب: «أو

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب كيفية الحكم ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 403

- تقبل شهادة الوصي علي الميت مع شاهدٍ آخر عدل؟ فوقَّع: نعم، من بعد يمين». «1» قال بعض الأعلام: (إنها مخصصة لحجية البينة، كما ورد التخصيص عليها في مورد ثبوت الزنا فإنه لا يثبت إلا بضم عدلين آخرين، فالحلف في المقام جزء المثبت للدين فلا تخصيص علي الاستصحاب). «2»

بل يمكن أن يقال: إن فيها إشعاراً باعتبار الاستصحاب فإن مقتضاها قبول البينة مع اليمين و إن شك في أن الميت أدي ما ثبت عليه بالبينة و اليمين.

و أما ما أفاده قدس سره من أنه يظهر من الصدوق أن الراوي هو الصفار و المكاتب شخص آخر فلا يظهر منه، و إليك لفظ الكافي (علي ما في الوسائل): «كتب محمد بن الحسن- يعني الصفار- إلي أبي محمد عليه السلام» «3» و هذا لفظ الفقيه: «كتب محمد بن الحسن الصفار- رضي اللّٰه عنه- إلي أبي محمد عليه السلام». «4»

ثمّ إنه لا يخفي عليك أن الكلام يجري علي ما ذكرناه إذا علم أنه قد تعلّق بالميت خمس أو زكاة أو قضاء صلوات أو صيام و لم يعلم أنه أدّاها أم لا.

[مسألة 128- براءة ذمة الميت عن الحج و الوارث من الاستئجار تتوقف علي أداء الحج]

مسألة 128- براءة ذمة الميت عن الحج و الوارث من الاستئجار تتوقف علي أداء الحج، فلو علم الوارث أن الأجير لم يؤدِّهِ وجب الاستئجار ثانياً إذا بقي من التركة ما يفي به.

نعم،

إن أمكن استرداد الاجرة من الأجير يجب استردادها إذا لم يفِ ما بقي منها للحج. و هكذا الحكم في الوصي الذي أوصي إليه باستئجار حجة الإسلام، و أما

______________________________

(1)- الوسائل: ب 28 من أبواب الشهادات ح 1.

(2)- معتمد العروة: 1/ 339.

(3)- وسائل الشيعة: ب 28 من أبواب الشهادات ح 1.

(4)- من لا يحضره الفقيه: 3/ 73.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 404

الحج المستحبي فالظاهر أنه يجب الاستئجار ثانياً ما دام بقي من الثلث ما يفي به، و إلّا فالأمر موكول إلي الورثة. و اللّٰه هو العالم.

[مسألة 129- في صورة كفاية الميقاتية إذا استأجر غفلة أو جهلًا بالحكم البلدية]

مسألة 129- في صورة كفاية الميقاتية إذا استأجر غفلة أو جهلًا بالحكم البلدية فالإجارة بالنسبة إلي الزائد علي الميقاتية تكون فضولية، فإن أمضاها الوارث فهو، و إلا فإن علم الأجير بذلك قبل الحج فهو بالخيار، إن شاء يأتي بالميقاتية بأُجرتها من الاجرة المسماة، و إن شاء يفسخ العقد من الأصل، و إن علم بعد ذلك فالوصي ضامن للزائد علي الميقاتي.

هذا إذا استأجر الوصي الأجير بعين التركة، و أما إذا استأجره علي ذمته بداعي أخذ الاجرة من الورثة فالإجارة صحيحة و ليس له مطالبة أزيد من الميقاتية من الورثة، و هو ضامن للزائد، سواء علم بالحال بعد إتيان الأجير بالحج أو قبله.

[مسألة 130] هل يجوز لمن استقر عليه الحج أن يحج عن الغير؟
اشارة

مسألة 130- من استقر عليه الحج و تمكن من أدائه يجب عليه أن يحج عن نفسه و لا يجوز له تأخيره، و إن أخّره و أتي بالحج عن الغير إجارةً أو تبرعاً منه أو تطوعاً من نفسه فهل يجزي ذلك عن الغير و يقع صحيحاً نيابةً أو تطوّعاً، أم لا؟ فالكلام في المسألة يقع في فروع:

[الفرع] الأول: ما إذا كان عالماً بوجوب الحج علي نفسه و فوريته و مع ذلك أتي بالحج النيابي أو المستحبي

ففي هذه الصورة لا ريب أنه يكون عاصياً بترك الحج الواجب علي نفسه فيعاقب بتركه ذلك، لكن لا بفعله الحج النيابي أو المستحبي فهو لا

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 405

يعاقب عليه.

نعم، يأتي الكلام في وقوع ما أتي به صحيحاً أم لا؟ فالمنسوب إلي المشهور البطلان. و عن صاحب الجواهر: عدم الخلاف في بطلان الحج النيابي. كما حكي عن بعضهم التفصيل: فاختار البطلان في الحج النيابي و الصحة في الحج التطوعي عن نفسه. و عن الشيخ في الخلاف الصحة مطلقاً و إن كان عاصياً بتركه حجة الإسلام.

دليل من اختار الفساد، أولًا: أن الأمر بالشي ء يقتضي النهي عن ضده، و النهي يدل علي الفساد و هذا مبني علي مقدمتين: إحداهما: إثبات مقدمية ترك أحد الضدين لوجود الضد الآخر. و ثانيتهما: إثبات الوجوب الشرعي للمقدمة.

و فيه: منع كون ترك أحد الضدين مقدمةً لوجود الضد الآخر حتي يكون الأمر به مقتضياً للنهي عن الآخر، ففي باب الضد ليس إلا استحالة اجتماعهما في الوجود، لا مقدمية عدم أحدهما لوجود الآخر، و مضافاً إلي منع الوجوب الشرعي للمقدمة علي فرض كون ترك أحد الضدين مقدمة لوجود الآخر.

نعم، عن شيخنا البهائي- رحمة اللّٰه عليه- أن الأمر بالشي ء و إن لم يقتضِ النهي عن ضده و لكن يقتضي عدم الأمر بضده لعدم إمكان الأمر بالضدين، و ذلك

يكفي في فساد الحج النيابي أو التطوعي لعدم الأمر به.

و اجيب عنه: بأنه يكفي في وقوع الحج النيابي صحيحاً و كذا التطوعي محبوبيتهما بنفسهما.

و قيل في جواب ذلك: إن المحبوبية تعرف من جانب تعلق الأمر فإذا فقد الأمر من أين يعرف المحبوبية؟

إن قلت: إنا نعرف المحبوبية الذاتية من الأوامر المتعلقة بالحج فإنه لم يؤمر به إلا من جهة المحبوبية الذاتية.

قلت: إن الفعل لو خلّي و طبعه محبوب بذاته إذا لا يقارن لمبغوض المولي، أما

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 406

إذا كان مقروناً بأمرٍ هو مبغوض لا يكون محبوباً، و لا معني لمحبوبيته بذاته المقرونة بالأمر المبغوض.

نعم، ينفع ذلك في مثل ما إذا رخص المولي عبده في ترك ما هو ضرر علي ماله أو عسر فيه و هو أتي به لمحبوبيته الذاتية.

و بعد ذلك اجيب عن الإشكال علي القول بالترتب، و أن عدم إمكان الأمر بالضدين إنما يكون محالًا إذا كانا عرضيين، و أما الأمر بالضد طولياً و علي سبيل الترتب في ظرف تحقق العصيان بالضد المأمور به أوّلًا ممكن، فيصح الإتيان بالحج

النيابي و الاستحبابي. و ثانياً: أن الزمان لمن لم يأت بحج نفسه و هو مستطيع له غير قابل لإتيان حج آخر فيه، نظير شهر رمضان الذي اختص بصوم نفس هذا الشهر فلا يصح صوم غيره فيه.

و فيه: أن غاية ما يمكن أنّ يقال: إن المستطيع إذا حج و إن لم ينوِ خصوص حجة الإسلام في هذا الزمان يقع عنه حجة الإسلام، و أما أنه إن نوي خصوص غيره من النيابي أو الاستحبابي فلا دليل علي عدم جواز وقوعه فيه.

نعم، تصور تعلق الأمر الاستحبابي بالحج في زمان تعلق الأمر الوجوبي به مشكل، و ذلك لما بيّناه

سابقاً من أن المناسك إذا صدرت عن المستطيع الذي نوي الحج بها تقع حجة الإسلام لا محالة فنية الاستحباب إذا كان جاهلًا بالموضوع أو الحكم لا يضر بوقوعها حجة الإسلام، و إذا كان عالماً بها يوجب البطلان لا محالة، لعدم استحبابها، فنيته تشريع محرم لا يصحّ التقرب بها.

ثمّ إنّه قد حكي بعض الأعاظم عن المحقق النائيني قدس سره: (أن الترتب لا يجري في الحج؛ لأن الترتب إنما يجري في الواجبين المقيّدين بالقدرة العقلية، و أما إذا كان أحد الواجبين مقيداً بالقدرة الشرعية فلا يجري فيه الترتب، لأنه في فرض العصيان لا يبقي موضوع للواجب المقيد بالقدرة الشرعية، و لا أمر له أصلًا، كما هو

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 407

الحال في الوضوء فإنه مقيد بالقدرة الشرعية بالتمكن من استعمال الماء شرعاً، فلو وجب صرف الماء في واجب آخر أهم و عصاه و توضأ به لا يحكم بصحة وضوئه بالأمر الترتبي، لأنه في فرض العصيان لا موضوع لوجوب الوضوء أصلًا، و العصيان لا يحقق موضوع الوضوء. و هكذا الحج فإنه المأخوذ فيه القدرة الشرعية، بمعني أنه اخذ في موضوعه عدم عصيان واجب آخر أهم، فإذا عصي لا يتحقق موضوع الحج أصلًا) «1».

و اورد عليه: بأن (فيه أولًا: أن القدرة الشرعية غير مأخوذة في الحج، و إنما المأخوذ فيه امور خاصة مذكورة في النصوص من الزاد و الراحلة و خلو السرب و صحة البدن، و لذا ذكرنا أنه لو زاحم الحج واجباً أهم و تركه و أتي بالحج كان الحج صحيحاً، و لا فرق بين الحج و سائر الواجبات المقيدة بالقدرة العقلية. و ثانياً: لو سلَّمنا أخذ القدرة الشرعية في الحج فإنما هي مأخوذة في حج الإسلام لا

في سائر أقسام الحج من التطوعي و النيابي و النذري، فلا مانع من جريان الأمر الترتبي في الحج التطوعي أو النيابي و الحكم بصحته). «2»

أقول: يمكن أن يقال: إن الكلام هنا ليس في الواجبين اللذين أحدهما يكون مشروطا بعدم عصيان الآخر أو يكون كل واحد منهما مطلقاً غير مشروط بذلك، بل الكلام في صحة الحج المستحبي سواء كان عن نفسه أو عن غيره إذا كان عليه حج الإسلام. فالإشكال غير وارد علي ما نحن فيه من الأصل. و هكذا إذا كان الحج واجباً عليه بالنذر فيمكن تصحيح الحج المستحبي معه بالأمر الترتبي.

و ثالثاً: صحيح سعد بن أبي خلف (من الخامسة) قال: «سألت أبا الحسن

______________________________

(1)- معتمد العروة: 1/ 348.

(2)- معتمد العروة: 1/ 349.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 408

موسي عليه السلام عن الرجل الصرورة يحج عن الميت؟ قال: نعم إذا لم يجد الصرورة ما يحج به عن نفسه، فإن كان له ما يحج به عن نفسه فليس يجزي عنه حتي يحج من ماله، و هي تجزي عن الميت إن كان للصرورة مال و إن لم يكن له مال». «1»

تقريب الاستدلال به: أن الضمير في قوله عليه السلام: «فليس يجزي عنه» راجع إلي المنوب عنه.

و مثله صحيح سعيد الأعرج (ابن عبد الرحمن من الخامسة) أنه «سأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن الصرورة أ يحج عن الميت؟ فقال: نعم إذا لم يجد الصرورة ما يحج به، فإن كان له مال فليس له ذلك حتي يحج من ماله، و هو يجزي عن الميت كان له مال أو لم يكن له مال». «2»

و محلّ الاستدلال به: قوله عليه السلام: «فإن كان له مال فليس له ذلك» يعني لا يصح منه،

و في الاستدلال بهما أنهما علي الصحة و إجزائه عن المنوب عنه أولي. أما الصحيح الأول فقوله عليه السلام: «هي تجزي عن الميت إن كان للصرورة مال و إن لم يكن له مال» صريح في الإجزاء عن الميت مطلقاً، فلا بد أن يكون الضمير في «فليس يجزي عنه» راجعاً إلي نفسه. و أصرح منه الصحيح الثاني «فإن كان له مال» يدل علي الحكم التكليفي الوجوبي، أي يجب عليه أن يحج عن نفسه، و قوله: «هو يجزي عن الميت» يدل علي الإجزاء عنه مطلقاً. فالروايتان تدلّان علي أن الصرورة إن كان له مال إن حج عن الميت لا يجزي عن نفسه و يجزي عن الميت و إن كان يجب عليه أن يأتي به عن نفسه.

هذا، و قد تحصّل من ذلك إجزاء الحج النيابي عن المنوب عنه و إن كان النائب

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب النيابة ح 1 و 3.

(2)- وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب النيابة ح 1 و 3.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 409

صرورة مستطيعاً له لم يحج لنفسه بعد، و أما الحج الاستحبابي فإن كان عن نفسه و كان هو جاهلًا بالحكم أو الموضوع يجزي عن حجة الإسلام، و إن كان عالماً بهما فلا نتصور الاستحباب بالنسبة إليه إلا علي وجه التشريع المحرم، و أما الحج النيابي الاستحبابي عن الغير فالكلام فيه هو الكلام عن الحج الوجوبي عن الغير.

و أما الاستدلال لفساد غير حجة الإسلام بالآية المباركة: «وَ لِلّٰهِ عَلَي النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ» لظهورها في الملك و أن الحج مملوك للّٰه تعالي، فلا يجوز التصرف فيه إلا علي نحو يكون مأذوناً فيه من قبل اللّٰه تعالي، فحجه عن غيره أو تطوعاً تصرف

في ملكه تعالي بغير إذنه فيكون باطلًا.

ففيه: أن المراد من الآية: أن اللّٰه مالك لحجة الإسلام في ذمة العبد، كما إذا كان الشخص مالكاً لخياطة ثوب في ذمة الآخر أو مالكاً لصلاة في ذمته، فكما أنه لا يمنع من فعلها لغيره لا يمنع ملكية الحج للّٰه تعالي عن فعله لغيره.

اللهمّ إلّا أن يقال: إن الآية تدل علي ملكية طبيعة الحج للّٰه تعالي و أنها له، فلا يجوز فعله إلا بإذنه تعالي، و لكنّ هذا مخالف لظاهرها فإنها تدل علي أن للّٰه علي ذمم الناس حج البيت لا أن الحج ملك للّٰه تعالي.

الفرع الثاني: علي القول بصحة الحج عن الغير في صورة التمكن من حجة الإسلام و العلم بفورية وجوبها هل تصحّ إجارة نفسه لها، أم لا تصحّ؟

قال في العروة: (الظاهر بطلانها؛ و ذلك لعدم قدرته شرعاً علي العمل المستأجر عليه، لأن المفروض وجوبه عن نفسه فوراً، و كونه صحيحاً علي تقدير المخالفة لا ينفع في صحة الإجارة، خصوصاً علي القول بأن الأمر بالشي ء نهي عن ضده، لأن اللّٰه إذا حرَّم شيئا حرَّم ثمنه».

و أورد عليه بعض الأعاظم: (بأن القدرة التكوينية حاصلة وجداناً، و النهي الشرعي لا ينفي القدرة التكوينية، و أما القدرة الشرعية فيكفي حصولها

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 410

بالأمر الطولي الترتبي و لو لم يكن مقدوراً أصلًا لما تعلق به الأمر، فالعمل بنفسه ليس بمنهي عنه، و إنما وجب تركه مقدمةً لواجبٍ أهم). «1»

و فيه: يكفي في عدم قدرته علي العمل و بطلان الإجارة ذلك.

نعم، الإيراد علي الوجه الثاني- بأن النهي علي تقدير كون الأمر بالشي ء النهي عن ضده- وارد، لأن النهي عنه نهي تبعي غيري لا يدل علي الفساد، فلا يشمله قوله عليه السلام: «إن اللّٰه إذا حرَّم شيئاً حرّم ثمنه». «2»

و أما ضعف سند الحديث فمعارض بقوة متنه و مضمونه، و للبحث عنه مجال آخر.

ثمّ إنه

قد ذكر لبيان وجه فساد الإجارة تقريب آخر، و هو: (أن الإجارة في المقام إما تتعلق بالحج مطلقاً، أو تتعلق به علي فرض العصيان للحج الواجب علي نفسه. أما الأول فغير قابل الإمضاء؛ لأن المفروض أن الأمر بالحج عن نفسه غير ساقط، و التكليف به باقٍ علي حاله فكيف يأمره بإتيان الحج المستأجر عليه؟ و كيف تنفذ الإجارة في عرض ذلك الواجب الأهم الذي لم يسقط الأمر به؟ و الحكم بنفوذ الإجارة و صحتها يستلزم الأمر بالضدين في عرض واحد. و أما الثاني و هو تعلق الإجارة علي نحو التقييد بفرض العصيان فأمر ممكن في نفسه و لكن يبطل العقد من جهة التعليق. و الحاصل: الإنشاء المطلق غير قابل للإمضاء، و ما هو قابل له و هو الإنشاء في فرض العصيان غير صحيح لأنه من التعليق الباطل). «3»

و فيه: يمكن أن يقال: إنّ في الفرض الثاني يمكن اعتبار العصيان مفروض الوجود و إنشاء الإجارة غير معلق بالعصيان، فمن يؤجر نفسه للحج يؤجرها منجزاً

______________________________

(1)- معتمد العروة: 1/ 352.

(2)- بحار الأنوار: 103/ 55.

(3)- معتمد العروة: 1/ 354.

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 411

لبنائه علي عصيان الأمر الراجع إلي حج نفسه فلا تعليق في الإنشاء أصلًا. و الوجه الأسدّ لفساد الإجارة عدم قدرة المؤجر علي العمل شرعاً.

قد أورد السيد صاحب العروة قدس سره هنا علي نفسه بقوله: (فإن قلت: ما الفرق بين المقام و بين المخالفة للشرط في ضمن العقد مع قولكم بالصحة هناك، كما إذا باعه عبداً و شرط عليه أن يعتقه فباعه، حيث تقولون بصحة البيع و يكون للبائع خيار تخلف الشرط؟ قلت: الفرق أن في ذلك المقام المعاملة علي تقدير صحتها مفوتة لوجوب العمل بالشرط، فلا

يكون العتق واجباً بعد البيع لعدم كونه مملوكاً له، بخلاف المقام حيث إنه لو قلنا بصحة الإجارة لا يسقط وجوب الحج عن نفسه فوراً، فيلزم اجتماع أمرين متنافيين فعلًا فلا يمكن أن تكون الإجارة صحيحة).

و غرضه من الإيراد، أنّه ما يمنعكم من القول بصحة الإجارة و أن يكون للمستأجر الخيار أو أخذ اجرة المثل إذا تخلّف الأجير عن العمل، مع أنكم تقولون بصحة بيع العبد المشروط علي البائع عتقه، و أنه للبائع الأول الخيار، فكما أن البائع المشروط عليه العتق لا يتمكن من العتق بعد البيع المؤجر الذي يؤجر نفسه للحج لا يتمكن شرعاً من العمل بعد الإجارة، و مع ذلك تقولون بصحة البيع فلم لا تقولون بصحة الإجارة هنا؟

و غرضه من الجواب: أن في صورة البيع لا يتمكن البائع من العتق، فبيعه مفوِّت لوجوب العمل بالشرط فلا يجب العتق بعد البيع، و في المقام مع صحة الإجارة لا يسقط وجوب الحج عن نفسه و يلزم اجتماع أمرين متنافيين.

و بعبارةٍ اخري: الأمر بالعتق في صورة البيع يسقط به، و في صورة الإجارة لا يسقط الأمر بالحج عن نفسه فهو باقٍ علي حاله يلزم من الحكم بصحة الإجارة الأمر بالمتنافيين.

الفرع الثالث: الظاهر جواز استئجار غير المتمكن من أداء الحج عن نفسه

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 412

و إن استقر عليه من السابق، كما إذا لم يجد ما يفي بالحج و لو متسكعاً؛ و ذلك لسقوط الأمر بالحج عن نفسه بعدم قدرته عليه فلا مانع من إجارته للحج و أن يؤجر نفسه له.

الفرع الرابع: قال السيد: (و إن تمكن بعد الإجارة عن الحج عن نفسه لا تبطل إجارته)

و حكي عن الدروس أنه قال: (و لا يقدح في صحتها تجدد القدرة).

و هذا غير ظاهر، لاستكشاف تجدد القدرة عن عدم القدرة علي الحج الإجاري من أول الأمر، اللهمّ إلا أن يكون تجدد القدرة بأُجرة الحج و أيضاً العبرة بمشروعية العمل في الإجارة مشروعيته حين العمل لا حال الإجارة، و بعد كونه حين العمل قادراً علي أدائه لنفسه لا يشرع الإتيان به عن غيره.

الفرع الخامس: الظاهر صحة الإجارة إذا كان الأجير و المستأجر جاهلين بالاستطاعة،

أو بفورية الوجوب و لم يتذكّرا إلي أن فات محل استدراك الأجير الحج عن نفسه، و أما إن علما قبل ذلك فيكشف عن بطلان الإجارة. و هل إذا كان الأجير جاهلًا و المستأجر عالماً بالحال تصح الإجارة و تبرأ ذمة المنوب عنه، أم لا؟ الظاهر صحتها و براءة ذمته، سواء كان جهل الأجير مركباً أم بسيطاً و لكنه كان معذوراً فيه.

الفرع السادس: علي القول بصحة الحج النيابي و لو بالأمر الترتبي لا إشكال في عدم إجزائه عن نفسه؛

لأنهما واجبان مستقلّان لا يكتفي بأحدهما عن الآخر، و كذا علي القول بفساد الحج النيابي في المسألة فإنه لم ينوه لنفسه، و لا وجه لوقوعه عن نفسه بعد ما نواه عن غيره.

الفرع السابع: هل يجزي الحج التطوعي عن حجة الإسلام، أم لا؟

نسب إلي الشيخ أنه يقع عن حجة الإسلام، و الأقوي فيه التفصيل: فمن لم يعلم بوجوب الحج عليه نوي التطوع فالظاهر إجزاؤه عن حج الإسلام، و من كان عالماً بوجوب الحج و عدم جواز التطوع فالحكم فيه البطلان. بل إن كان عالماً بوجوب الحج

فقه الحج (للصافي)، ج 1، ص: 413

و بفوريته و تخيل جواز التطوع فأتي به بقصد الأمر الاستحبابي فالظاهر فيه أيضاً البطلان؛ لعدم وجود الأمر الاستحبابي، فما نواه لم يكن و ما كان لم ينوه.

الجزء الثاني

اشارة

المرجع الديني سماحة آيت اللّٰه العظمي

الشيخ الطف اللّٰه الصافي الكلپايكاني

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 7

الحج الواجب بالنذر

[مسألة 1] شرائط الناذر

مسألة 1- لا شك في وجوب الحج بالنذر و أخويه إذا كان الناذر واجداً لشرائط انعقاده من البلوغ و العقل و القصد و الاختيار، و لذا لا ينعقد واحد منها من الصبي المميز الذي لم يبلغ و إن بلغ عشراً و قلنا بصحة عباداته و شرعيتها، و كذا من المجنون و الغافل و الساهي و السكران و المكرَه، و الأقوي صحتها من الكافر.

و الإشكال في صحة نذره باعتبار القربة في النذر، و الكافر لا يتقرب بعمله مردود: بأن المعتبر في صحة النذر كون المنذور راجحاً محبوباً للّٰه تعالي و لم يشترط في صحته الإتيان به بقصد القربة و التقرب إليه، فما هو المعتبر في صحة النذر أعم من كون المنذور قربياً معتبراً في صحته و وقوعه قصد القربة، و فيما هو كذلك الإتيان به مقدور للكافر لإمكان إسلامه و الإتيان به كسائر الواجبات.

و أما أصل النذر فلا يعتبر في صحته القربة و الرجحان فإنه مرجوح و مكروه لظاهر موثق إسحاق بن عمار: قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: إني جعلت علي نفسي شكرا للّٰه تعالي ركعتين … إلي أن قال: إني لأكره الإيجاب: أن يوجب الرجل علي

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 8

نفسه» «1».

[مسألة 2] إذن المالك و الوالد و الزوج في انعقاد اليمين بالحج

مسألة 2- هل يشترط في انعقاد يمين المملوك إذن مالكه و في يمين الولد إذن والده و في يمين الزوجة إذن زوجها أم لا يشترط، غير أن للمالك و الوالد و الزوج حل يمينهم فيه قولان:

و العمدة في وجه القولين الاستظهار من الأخبار.

فمنها: ما رواه الكليني: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن منصور بن يونس «2»، عن منصور بن حازم «3»، عن أبي عبد اللّه عليه

السلام قال: «قال رسول اللّٰه صلي الله عليه و آله و سلم: لا رضاع بعد فطام … و لا يمين للولد مع والده، و لا للمملوك مع مولاه، و لا للمرأة مع زوجها». «4»

و منها: ما رواه الكليني أيضاً: عن عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن جعفر بن محمد الأشعري «5»، عن أبي القداح «6»، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «قال: لا يمين لولد (للولد) مع والده، و لا للمرأة مع زوجها، و لا للمملوك مع سيده». «7»

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب النذر ح 1.

(2)- من الطبقة الخامسة، قال النجاشي: كوفي ثقة، له كتاب، و قال العلامة: واقفي.

(3)- من الخامسة، البجلي كوفي من أجلة أصحابنا.

(4)- وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب ما يحرم بالرضاع ح 1، وسائل الشيعة: ب 10 من كتاب الأيمان ح 2.

(5)- من السادسة أو السابعة، كثير الرواية.

(6)- عبد اللّه ثقة من الخامسة.

(7)- وسائل الشيعة: ب 10 من كتاب الأيمان ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 9

و منها: ما رواه الصدوق بإسناده، عن حماد بن عمرو «1» و أنس بن محمد، عن أبيه «2»، عن جعفر بن محمد، عن آبائه في وصية النبي صلي الله عليه و آله و سلم لعلي عليه السلام قال: «يا علي، و لا يمين في قطيعة رحم، و لا يمين لولد مع والده، و لا للمرأة مع زوجها، و لا للعبد مع مولاه». «3»

و ظاهر هذه الأحاديث هو نفي يمين المملوك مع سيده و أنه ليس له ذلك معه.

و الظاهر أن ذلك مستفاد منها من غير حاجة إلي تقدير كلمة «وجود»، فإن المملوك مع سيده لا يكون إلا بوجودهما، فمعية المملوك

مع سيده مانع من تحقق يمينه.

لا يقال: إنه علي ذلك يجب أن لا تتحقق اليمين حتي بإذن سيده أخذاً بعموم النفي.

فإنه يقال: نعم، و لكن مناسبة الحكم و الموضوع- و أن هذا الحكم مجعول تقديماً لجانب السيد علي عبده- تدل علي انعقادها إذا كانت بإذن السيد، فعلي هذا إن حلف بدون إذنه و لم يعلم بها سيده حتي مات لا تنعقد.

و هل تنعقد بالإذن اللاحق عليها؟ الظاهر أيضاً عدم انعقادها؛ لأن نفي اليمين- بعد ما لم يكن علي سبيل الحقيقة بمقتضي إذا تعذرت الحقيقة فأقرب المجازات يتعين- يكون بنفي صحتها و صلاحيتها لترتب الآثار عليها، و لازم ذلك عدم صلاحيتها للحوق الإذن عليها.

و القول بأن الاتفاق علي عدم جريان الفضولية في الإيقاعات هو فيما إذا كان الإيقاع واقعاً علي مال الغير مثل العتق دون مال نفسه لا يفيد صحة اليمين بلحوق

______________________________

(1)- لعله من السابعة مجهول.

(2)- لعله من الخامسة و ابنه أنس من السادسة. و كلاهما مجهولان.

(3)- من لا يحضره الفقيه: 4/ 265.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 10

الإذن، إلا أن يدعي أن الأصل جريان الفضولية في العقود و الإيقاعات إلا ما خرج بالدليل، و من جانب آخر لا مجال لاختصاص هذا الحكم بما إذا كانت اليمين منافية لحق السيد أو الزوج أو موجبة للعقوق، فإن عدم انعقاد النذر فيما يتعلق بحق الغير لا يختص بهذه الموارد الثلاثة، و ظاهر الحديث أن عدم الانعقاد مختص بيمين هؤلاء.

هذا كله الوجه للقول الأول، و هو عدم انعقاد اليمين و أن انعقادها مشروط بالإذن السابق عليها.

و أما وجه انعقاد يمينه بدون الإذن و أن للسيد أو الزوج أو الوالد حل يمينهم أنه لا بد من تقدير كلمةٍ بعد قوله: «مع»

و هي كما يمكن أن تكون «وجود» يمكن أن تكون «منع» أو «معارضة»، و ليس أحد التقديرين أولي من الآخر، بل يمكن أن يقال: إن المراد من مثل هذه الأحكام عدم صدور فعل يريد المولي تركه من العبد، و عدم وقوع معارضة بينهما فيريد هذا غير ما يريد هو، فالمراد من مثل هذا الكلام أن الأمر بيد السيد إن شاء يحلها و إن شاء يتركها.

و قيل: إنه يؤيد ذلك بأنه لو كان المراد وجود السيد يكون قوله: «مع مولاه» زائداً، إذ المملوك و العبد لا يكون بدون السيد و المولي، كما لا تكون الزوجة بدون الزوج و الولد بدون الوالد، فذكر المولي و الزوج و الوالد لا يكون إلا بملاحظة المعارضة و الممانعة.

و الجواب: أن ذلك كله كالاجتهاد في مقابل النص الظاهر في اعتبار إذن المولي في صحة يمين عبده، و هكذا الوالد و الزوج. و قد قلنا: إن عدم صحة يمين المملوك مع المولي يستفاد من نفس ألفاظ الجملة من دون حاجة إلي التقدير، بخلاف دلالته علي عدم صحتها في فرض الممانعة و المعارضة فإنه لا بد فيه من التقدير، و هو خلاف الظاهر.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 11

و أما ما قيل من أنه لو كان المراد من الحديث وجود السيد و الزوج و الوالد يلزم كون قوله: «مع مولاه» زائداً.

ففيه: أن الإنصاف أن مثل ذلك في ألفاظ المحاورات العرفية لا يجعله حشواً و زائداً، مضافاً إلي أن هذه الجملة تنص علي أن المملوكية أو الزوجية و الولدية ليست تمام الخصوصية في الحكم، بل مولوية المولي و زوجية الزوج و والدية الوالد أيضاً ملحوظة في الحكم.

ثمّ لا يخفي عليك أن ظاهر النصوص و كلمات

الفقهاء: أن اليمين بما هي و مطلقةً سواء كان متعلقها حق المولي أو الزوج أو الوالد لم تكن متوقفة علي إذنهم، فلا وجه للقول بأنها تتوقف علي إذنهم إذا كانت متعلقة بفعل هو كان متعلقاً لحق المولي أو الزوج أو تعلق به إرادة الوالد و أمره أو نهيه، و مما يبعد هذا الاحتمال مضافاً إلي ظهور النصوص في الاحتمال الأول أن علي هذا الاحتمال لا يكون الحكم تأسيسياً، بل يكون من صغريات قوله عليه السلام: «و لا يمين في معصية» «1»، و لا وجه لاختصاص يمين المملوك و الزوجة و الوالد بالذكر. و اللّٰه هو العالم.

[مسألة 3] نذر المملوك و الزوجة و الولد

اشارة

مسألة 3- هل نذر المملوك و الزوجة و الولد كاليمين في الحكم، فلا نذر لهم بدون إذن المولي و الزوج و الوالد سواء كان متعلقا بحقهم، أم لا، أم يقع منهم مطلقاً فيما لا يتعلق بحق الثلاثة و فيما يتعلق بحقهم؟ مقتضي الأصل عدم انعقاد نذرهم، و عدم ترتب حكم تكليفي أو وضعي عليه.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 11 من أبواب كتاب الأيمان ح 9.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 12

نعم، مقتضي الاصول اللفظية انعقاده و وجوب الوفاء به، فعلي هذا لا بد للحكم بعدم الانعقاد و الإلحاق باليمين من دليل:

فالكلام يجري في مواضع.
الأول: في نذر الولد

فنقول: إن الحكم بعدم إلحاقه باليمين و انعقاده بدون إذن الوالد مطابق للأصل الثانوي، نعم، ينحل نذره إذا نهاه الوالد عن العمل بالنذر لا لأن له حله، بل لأن الوالد إذا نهاه عن العمل بالنذر يصير مرجوحاً، و حيث إن المعتبر في النذر رجحان المنذور حين العمل ينحل نذره به.

و إن شئت قل: يستكشف به عدم انعقاد نذره، فعلي هذا لا مدخلية لإذن الوالد في انعقاد نذر الولد لا حدوثاً و لا بقاءً، و إن يستكشف بتعلق نهي الوالد عنه و صيرورته مرجوحاً عدم انعقاده، و علي ما ذكر فالحكم بإلحاقه باليمين و أنه لا ينعقد إلا إذا كان مسبوقاً بإذن الوالد محتاج إلي الدليل.

نعم، علي القول بأن المستفاد من قوله عليه السلام: «لا يمين للولد مع الوالد» أنه لا يمين له مع منع الوالد لا بأس بالتعبير بإلحاق النذر باليمين، فلا ينعقد النذر بالنهي السابق عليه، كما يستكشف عدم انعقاده بالنهي اللاحق به، و ما هو محل الكلام في الإلحاق و عدم الإلحاق هو علي البناء علي القول المختار بأن اليمين بنفسها صحتها مشروطة بإذن

الوالد، كما لا يخفي.

و احتج من يقول بإلحاق النذر باليمين مطلقاً و إن لم ينه عنه الوالد كاليمين:

أولًا: بتنقيح المناط، بتقريب أن المناط في نفي اعتبار يمين الولد كالزوجة و المملوك ليس إلا رعاية حق الوالد و لحاظ كرامة قدره، و لا خصوصية لليمين في ذلك، و لا فرق بينها و بين النذر، فما هو الملاك في الحكم في اليمين موجود ايضاً في النذر علي حدٍّ سواء.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 13

و فيه: أن استكشاف المناط القطعي بما ذكر في غاية الإشكال، فيمكن أن يكون الحكم مختصا باليمين لخصوصية تكون فيها، مثل كون الابتلاء بها أكثر أو انعقادها علي المباح و متساوي الطرفين.

و ثانيا: بدعوي أن المراد باليمين في الأحاديث الشريفة ما هو أعم منها و من النذر بدليل إطلاقها عليه، كما اطلق الحلف علي النذر في بعضها.

فمنها: مضمرة سماعة، و فيها: «لا يمين في معصية، إنما اليمين الواجبة التي ينبغي لصاحبها أن يفي بها ما جعل للّٰه عليه في الشكر إن هو عافاه اللّٰه من مرضه، أو عافاه اللّٰه من أمر يخافه، أو رد عليه ماله، أو رده من سفر، أو رزقه رزقاً، فقال: للّٰه عليّ كذا لشكر (في المصدر شكراً) فهذا الواجب علي صاحبه (الذي ينبغي لصاحبه) (في المصدر ينبغي له) أن يفي به». «1»

و منها: خبر السندي بن محمد، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «قلت له: جعلت علي نفسي مشياً إلي بيت اللّٰه، قال: كفِّر عن يمينك، فإنما جعلت علي نفسك يميناً، و ما جعلته للّٰه ففِ به». «2» و في دلالته علي ما ذكر تأمل، و ظاهر المستمسك «3» أنه أحد الخبرين اللذين أشار إليهما السيد، و هذا غير

ظاهر، و لعلّ مراده غير هذا الخبر.

و منها: ما رواه الحسن بن علي، عن أبي الحسن عليه السلام قال: «قلت له: إن لي جارية ليس لها مني مكان و لا ناحية و هي تحتمل الثمن، إلا أني كنت حلفت فيها بيمين، فقلت: للّٰه عليَّ أن لا أبيعها أبداً، ولي إلي ثمنها حاجة مع تخفيف المئونة، فقال:

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 17 من كتاب النذر و العهد ح 4.

(2)- وسائل الشيعة: ب 8 من كتاب النذر و العهد ح 4.

(3)- راجع مستمسك العروة: 10/ 306.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 14

فِ للّٰه بقولك له». «1» و نحو حديث الحسين بن بشير (بشر- يونس). «2»

و منها: ما في رواية مسعدة بن صدقة قال: «سمعت أبا عبد اللّٰه عليه السلام و سئل عن الرجل يحلف بالنذر و نيته في يمينه التي حلف عليها درهم أو أقل، قال: إذا لم يجعل للّٰه فليس بشي ء». «3»

و بالجملة: إطلاق اليمين علي النذر شائع في الأحاديث إما في كلام الأئمة أو في كلام الرواة مع تقرير الأئمة.

و اجيب عن هذا الاستدلال: بأن الإطلاق و الاستعمال أعم من الحقيقة، و لا يوجب صرف ما هو ظاهر في معني عن ظاهره.

و مع ذلك قال في الجواهر: (الأصحاب جزموا علي اتحاد الجميع و هو الظاهر) «4»، و استشهد بخبر الحسين بن علوان الذي يأتي، و بما في ضمن صحيح منصور بن حازم بعد قوله عليه السلام: «لا يمين لولد مع والده، و لا لمملوك مع مولاه، و لا للمرأة مع زوجها، و لا نذر في معصية، و لا يمين في قطيعة رحم» فإنه لا فرق في نفي اليمين و النذر في المعصية و قطيعة الرحم، فنفي النذر

في المعصية لم يرد منه خصوص نفي النذر، بل يشمل اليمين و العهد، و نفي اليمين في قطيعة الرحم لم يرد منه خصوص اليمين بل أعم منها، و من النذر و العهد و الأمر في «لا يمين لولد مع والده» أيضاً هكذا.

و هذا الاستظهار ليس ببعيد من سياق العبارة، و علي هذا الحكم بعدم إلحاق النذر باليمين في الحكم في نذر الولد مشكل.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 17 من كتاب النذر و العهد ح 11.

(2)- وسائل الشيعة: ب 18 من كتاب الأيمان ح 5.

(3)- وسائل الشيعة: ب 1 من كتاب النذر و العهد ح 4.

(4)- جواهر الكلام: 17/ 337.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 15

الموضع الثاني: في نذر المملوك بدون إذن سيده:

و الكلام فيه مضافاً إلي ما مر في نذر الولد أنه يدل علي إلحاق نذره باليمين ما رواه في قرب الإسناد: عبد اللّٰه بن جعفر «1»، عن الحسن بن ظريف «2»، عن الحسين بن علوان «3»، عن جعفر بن محمد، عن أبيه عليهما السلام أنّ علياً عليه السلام كان يقول: «ليس علي المملوك نذر إلا أن يأذن له سيده». «4» إلا أنه يدل علي أن العمل بالنذر ليس علي المملوك إلا أن يأذن له سيده، و عليه ينعقد نذره و يترتب عليه الأثر بالإذن اللاحق، أما أنّ نذره لا يترتب عليه الأثر و إن تعقبه الإذن فلا يدل عليه، و لا ينافي ذلك دلالة لفظ «الإذن» علي كونه سابقاً علي المأذون فيه دون الإجازة؛ لأن المأذون فيه علي ذلك هو العمل علي طبق النذر لا أصل النذر، فتأمّل.

الموضع الثالث: في نذر الزوجة

و الكلام فيه أيضاً يجري علي ما أجريناه في نذر الولد، و استدل علي إلحاق نذرها باليمين بخصوص صحيح ابن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «ليس للمرأة مع زوجها أمر في عتق و لا صدقة و لا تدبير و لا هبة و لا نذر في مالها إلا بإذن زوجها، إلا في حج أو زكاة أو بر والديها أو صلة رحمها (قرابتها)». «5» و محل الاستدلال فيه قوله: «و لا نذر في مالها».

______________________________

(1)- من كبار الطبقة الثامنة، شيخ القميين و وجههم.

(2)- ابن ناصح من السادسة أو السابعة، ثقة له كتاب.

(3)- يستفاد من تعاريفهم كونه ثقة، و هو من الخامسة.

(4)- وسائل الشيعة: ب 15 من كتاب النذر و العهد ح 2.

(5)- من لا يحضره الفقيه: 3/ 109 ح 277، وسائل الشيعة: ب 15 من كتاب النذر

و العهد ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 16

و اورد علي الاستدلال به أولًا: بكونه أخص من المدَّعيٰ، فإن مفاده نذرها في مالها، أما في غيره مما يتعلق بها كالأُمور العبادية و نحوها فلا دلالة له، و إسراء الحكم إليها لا يجوز إلا بالقياس الذي ليس في مذهبنا.

و ثانياً: باشتماله بما لا قائل به من الأصحاب و هو عدم جواز عتقها و صدقتها وهبتها و تدبيرها من مالها، فليست هي ممنوعة من التصرف في مالها دون إذن زوجها، فلا بد من حمل الصحيحة علي التعاليم الأخلاقية.

اجيب عنه: باشتمال النص علي ما لم يعمل بظاهره لا يوجب سقوطه عن الحجية في غيره، و قد وقع مثله في كثير من النصوص.

و فيه: أنّ هذا صحيح إذا كان هناك جمل متعددة، و أما إذا كان جميع الفقرات بياناً و صغرياتٍ لكبري و جملةً واحدة فلا يمكن التفكيك بينها بترك بعضها و حملها علي بيان التعليم الأخلاقي، و الاحتجاج ببعضها الآخر و حملها علي بيان الحكم الوضعي و الصحة و الفساد.

فإن قلت: فما تقول في قوله عليه السلام: «اغتسل للجمعة و الجنابة» مع أنهم أفتوا باستحباب غسل الجمعة و وجوب غسل الجنابة؟

قلت: الأمر فيه استعمل لمطلق التحريك و البعث و طلب الفعل، و استحباب غسل الجمعة و وجوب غسل الجنابة يستفاد من دليل آخر من العقل أو النقل، و ظهور الأمر في الوجوب إنما يكون إذا لم تكن قرينة في البين، و هي هنا عدم وجوب غسل الجمعة، و لكن هذه القرينة لا تجعل الأمر ظاهراً في الاستحباب حتي ينافي وجوب غسل الجنابة، بل يمنع عن ظهوره في أزيد من مفاده و هو مطلوبية الفعل، فلا ينافي استفادة استحباب

غسل الجمعة من دليله و وجوب غسل الجنابة أيضاً من دليله.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 17

و هذا بخلاف قوله عليه السلام: «ليس للمرأة مع زوجها أمر» فإنه لا يحتمل ذلك؛ لظهوره علي هذا الاستدلال في نفي ولايتها علي مالها في الامور المذكورة، و مع بنائهم علي ولايتها في غير واحد من هذه الامور لا بد من حمل الصحيح علي ما لا ينافي ذلك و هو الجهة الأخلاقية.

و المحصَّل من جميع ذلك: أنه لا دليل بالخصوص أو بالعموم في النذر يدل علي توقف انعقاده علي إذن السيد و الزوج و الوالد، فنبقي نحن و قوله عليه السلام: «لا يمين لولد مع والده …» و قلنا: إن استظهار شموله للنذر في الموارد الثلاثة ليس ببعيد، و مع ذلك الاحتياط في المسألة لا ينبغي تركه.

ثمّ إن هاهنا فروعاً:
الأول: هل الزوجة تشمل المنقطعة، أم لا؟

وجهان:

وجه عدم الشمول: انصراف الزوجة إلي الدائمة، و أن إطلاقها علي المنقطعة مجاز لكونها حقيقة في الدائمة، و كون المنقطعة كما جاء في بعض الروايات مستأجرة.

و أما الاستدلال بقوله تعالي: «فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ» «1» فليس في محلّه؛ لإطلاق الأجر علي مهر الدائمة أيضاً.

و وجه الشمول: أن إطلاق الزوج علي الزوجين لأنهما قرينان، و يقال لكل اثنين قرينين: زوجان، و لكل واحد منهما زوج، و في ذلك لا فرق بين الدوام و الانقطاع، و التعبير بالمستأجرة ليس من باب الحقيقة، و لذا لا يقع العقد به من دون إنشاء الزوجية و العلقة الخاصة التي تترتب عليه الآثار من حلية الوطي و غيرها.

و الحاصل: أن أحكام الزوجية التي لا تنفك عنها تترتب علي المنقطعة

______________________________

(1)- النساء/ 24.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 18

كالدائمة، و إن كانت للدائمة أحكام تخص بها مثل الإرث و مقدار

العدة، و لذا دعوي انصراف الزوجة عنها أيضاً ليس في محله.

الفرع الثاني: هل ولد الولد ملحق به في الحكم فلا ينعقد عليه بدون إذن جده، أم ينعقد؟

الظاهر هو الثاني؛ و ذلك لا لعدم صدق الولد علي ولد الولد، بل لأن الوالد منصرف عن الجد، فعلي الولد و ولد الولد مهما تنازلا يقال: الولد و الأولاد، و أما الآباء و الامهات فإن علوا يقال لهم: الآباء و الأمهات كما يقال لهم: الأجداد و الجدّات، و لا يقال لهم: الوالدون و الوالدات.

الفرع الثالث: إذا أذن المولي لعبده أن يحلف أو ينذر الحج،

لا يجب إعطاء ما زاد عن نفقته الواجبة عليه من مصارف الحج و هل إذنه في الحلف و نذر الحج إذن له لتحصيل نفقته؛ لأن الإذن في الشي ء إذن في لوازمه، فلو أذن المالك لشخص أن يتوضأ من حوض داره و هو متوقف علي الدخول فيها فالإذن في الوضوء إذن له في دخول الدار؟

الظاهر أن المقام ليس منه؛ لأن حج العبد لا يتوقف علي تحصيل نفقته بنفسه و كسبه لإمكان وجدان من يبذل له مصارف الحج، فإذن المولي له لا يستلزم إذنه له بالتكسب.

اللهم إلا أن يقال: إن إطلاق الإذن يشمل ما إذا كان حجه متوقفاً علي كسبه، بل يمكن ادّعاء ظهوره في الإذن له بالتكسب، كما أن إطلاق الإذن في الصورة الاولي أيضاً يشمل الدخول في الدار مجاناً لا بأُجرة المثل.

ثمّ إنه هل للمولي العدول عن إذنه؟ فإن كان المراد منه أن له حل نذره بعد الانعقاد بإذنه و إبطال انعقاده بالعدول عن إذنه فالظاهر أنه ليس له ذلك، فقد انعقد نذره و وقع صحيحاً، و لا أثر لعدوله عن إذنه بعد وقوع نذره تحت أدلة وجوب

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 19

الوفاء بالنذر. و إن كان المراد أنّ له أن يرجع عن إذنه للعبد في التكسب فهذا له يرجع عنه متي شاء، فيصير العبد عاجزاً عن التمكن من الوفاء بالنذر

فعلًا، و يبقي نذره علي حاله فيفي به مهما تمكن للوفاء.

و بالجملة: فالعدول عن أصل الإذن المتعلق بالنذر لا يجوز، و عن الإذن المتعلق بالتكسب المستفاد من الإذن في النذر أو بالإذن المستقل يجوز.

الفرع الرابع: إذا كان الوالد كافراً فهل يتوقف انعقاد يمين الولد علي إذنه أم لا؟

الظاهر اختصاص الحكم بالوالد المسلم؛ لأن مثل هذا الحكم تشريعه مبني علي احترام الوالد، و ليس للكافر حرمة، فالدليل منصرف عنه.

و استدل في العروة بقاعدة نفي السبيل.

و اورد عليه: بأن المراد من قوله تعالي: «وَ لَنْ يَجْعَلَ اللّٰهُ لِلْكٰافِرِينَ عَلَي الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا» «1» إما نفي السبيل في أمر الآخرة، أو عدم السبيل للكافر من جهة الحجة و السلطان في المعارف الإلهية.

[مسألة 4- إذا نذرت المرأة أو حلفت حال عدم الزوجية ثمّ تزوجت]

مسألة 4- إذا نذرت المرأة أو حلفت حال عدم الزوجية ثمّ تزوجت، أو نذرت أو حلفت بإذن الزوج فمات عنها و تزوجت بالآخر فهل لزوجها الحالي حل نذرها و يمينها؟ و بعبارة اخري بقاء نذرها أو حلفها يحتاج إلي إذن زوجها أم لا؟

الظاهر أنهما باقيان علي الانعقاد و ليس للزوج حلّهما، و عليه فتعمل الزوجة بهما فيما لا يكون منافياً لحق الزوج، و فيما يكون منافياً لحق الزوج حيث إنه يعتبر في

______________________________

(1)- النساء/ 141.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 20

متعلق النذر الرجحان حين العمل، و في متعلق اليمين عدم مرجوحيته كذلك، و مع منافاته لحق الزوج يكون متعلقهما مرجوحاً يكشف ذلك عن عدم انعقاد حلفه و نذره بالنسبة إلي خصوص هذا الفرد المنافي لحق الزوج.

[مسألة 5] من نذر الحج من مكان معين

مسألة 5- إذا نذر الحج من مكان معين يجب عليه الوفاء به و إن لم يكن لهذا المكان رجحان علي سائر الأمكنة؛ و ذلك لرجحان كل فرد من أفراد الحج من كل مكان، فالحج من هذا المكان راجح، فإن حج من غيره لم تبرأ ذمته و يجب عليه الإتيان بخصوص هذا الفرد، و إن عينه في سنة معينة و حج من غير ذلك المكان يتحقق الحنث و يجب عليه الكفارة لعدم إمكان التدارك.

هذا إذا كان نذره واحداً، و أما لو كان النذر متعدداً كأن نذر الحج من غير تقييد بمكان ثمّ نذر ثانياً أن يأتي به من مكان خاص فإن لم يكن لذلك المكان رجحان علي سائر الأمكنة لا ينعقد نذره؛ لاشتراط الرجحان في متعلق النذر، و ذلك مثل أن ينذر الإتيان بحجة الإسلام من هذا المكان فلا ينعقد لعدم الرجحان، و أما إذا كان الإتيان به من هذا المكان راجحاً

فإن أتي به من هذا المكان فهو، و إلّا إن أتي به من مكان آخر فقد وفي بنذره الأول و خالف الثاني فيجب عليه الكفارة.

و ربما يقال ببطلان العمل و عدم تحقق الوفاء بالنذر الأول أيضاً؛ و ذلك لأن نذره الثاني بأن يأتي بالنذر الأول من مكان كذا أو بصورة كذائية يرجع إلي النذر بأن لا يأتي بالعمل إلا من مكان كذا، فإذا أتي به من غير هذا المكان يقع عمله مبغوضاً و فاسداً و لا يقع مصداقاً لنذره الأول؛ لأنه لا يمكن أن يكون الحرام مصداقاً

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 21

للواجب فالنذر باقٍ علي حاله. «1»

و فيه: أن نذره الثاني قد تعلق بإتيان العمل في ضمن فرده الخاص، و لم يتعلق بعدم إيقاعه في ضمن سائر أفراده، نعم تحققه في ضمن ذلك الفرد الخاص ملازم لترك سائر الأفراد؛ للملازمة بين وجود أحد الضدين و عدم الآخر، و هذا غير تعلق النذر بترك سائر الأفراد، مضافاً إلي أنه لا ينعقد النذر بترك سائر الأفراد؛ لعدم رجحان ترك الحج من هذا المكان و من هذا المكان، أو ترك الصلاة في هذا المكان و في هذا، فليس معني فعل الصلاة المنذورة- مثلًا- أولًا في المسجد إلا الإتيان بها فيه لا ترك الصلاة في سائر الأمكنة، فلا يستلزم نذر الصلاة في المسجد مبغوضية الصلاة في البيت و سائر الأمكنة، و كذا الحج و غيره.

لا يقال: إن إتيانه بالمنذور و هو حجة الإسلام من غير المكان الذي عينه بالنذر تعجيز لنفسه عن الحج الواجب بالنذر، و هو مبغوض لا يمكن أن يكون مصداقاً للواجب.

فإنه يقال: إن كون حجة الإسلام من غير ذلك المكان معجزاً لإتيانه منه متوقف علي وقوعه

صحيحاً، و وقوعه كذلك متوقف علي عدم كونه معجزاً، فيلزم من وجوده عدمه، و من ذلك يعلم أن الإتيان بكل منهما ليس معجزاً عن الإتيان بالآخر، غاية الأمر أن وجود أحدهما ملازم لعدم الآخر ككل واحد من الضدين فإن وجود كل واحد من الضدين ليس مقدمة لعدم الآخر و لا تعجيزاً عن الإتيان بالآخر.

و بعبارةٍ اخري: وجود أحد الضدين لا يجتمع مع وجود الآخر، لا أن

______________________________

(1)- راجع مستمسك العروة: 10/ 317.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 22

اجتماعهما ممكن و وجود أحدهما مانع و معجز عن وجود الآخر، إذاً فلا مانع من تحقق حجة الإسلام من غير هذا المكان.

[مسألة 6- فيها مسائل]

اشارة

مسألة 6- فيها مسائل:

الاولي: إذا نذر الحج و لم يقيده بزمان فهل يجوز له التأخير مطلقاً، أو لا يجوز مطلقاً،

أو يجوز إلي الظن بالوفاة، أو يجوز إذا كان ظاناً أو مطمئناً بالأداء في آخر الوقت؟ وجوه.

أما القول بجواز التأخير مطلقاً فمقتضي الأصل و البناء علي عدم دلالة الأمر إلا علي طلب الطبيعة و إيجادها من دون دلالته علي الفور أو التراخي، و عدم دلالة ما يدل علي الفور من العقل و ادعاء قطعهم بجواز تأخير النذر المطلق إلي ظن الوفاة

و فيه: أن التمسك بالأصل يتم إن لم يوجد دليل علي الفور، و ادعاء قطعهم بذلك ادعاء إثباته علي مدعيه، نعم عدم جواز التأخير من زمان الظن بالوفاة كأنه مقطوع به.

و أما عدم الجواز فلا بد أن يكون إما مبنياً علي القول بدلالة الأمر علي الفور، أو لانصراف المطلق إلي الفورية، أو لأنّا إن لم نقل بها لم يتحقق الوجوب لجواز الترك ما دام حيّاً، أو لإطلاق بعض الأخبار الناهية عن تسويف الحج أو علي حكم العقل بذلك، فإن مقتضي حق مولوية المولي إطاعة أمره و إيجاد مطلوبه إذا لم يكن للعبد عذر في التأخير، فيجب عليه أن يأتي به و لا يجعل المولي منتظراً لتحقق مراده، بل يمكن أن يكون مثل قوله تعالي: «وَ سٰارِعُوا إِليٰ مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ» «1» «فَاسْتَبِقُوا*

______________________________

(1)- آل عمران/ 133.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 23

الْخَيْرٰاتِ» * «1» إرشادا إلي ذلك، فلا يجب عليه المسارعة و المبادرة شرعاً بأن يكون عاصياً في تأخيره مطلقاً، بل العقل يلزم ذلك عليه و يراه مقتضي أدب عبودية العبد للمولي بأن يتحذر من الوقوع في ترك الطاعة بالتأخير.

و بعبارةٍ اخري: يلزم عليه تحصيل مطلوب المولي فوراً نفسياً أو حذرا من الوقوع في ترك الامتثال (لا فعل المعصية)، فهو مع الاطمئنان بالأداء

و بقاء إمكان الامتثال أو الظن بالبقاء، بل و الاحتمال العقلائي إن لم يتمكن من الامتثال لم يكن عاصياً لأمره، إلّا أنه فات منه إطاعته و الفوز بقربه، و لذا لا يأذن له العقل في التأخير، فما هو الموضوع للعقاب هو عصيان أمر المولي و نهيه، و هو لا يتحقق هنا إلا إذا أفرط في التأخير و سوَّف علي نحو الاستخفاف و عدم الاعتناء، و ما هو الموضوع لإلزام العقل جلب منفعة الامتثال و الإتيان بمطلوب المولي و دفع الوقوع في فوته منه.

و في هذا القول أيضاً منع انصراف المطلق إلي الفورية، و عدم تحقق الوجوب إنما يلزم لو قلنا بجواز التأخير المطلق، لا إلي زمان الظن بالموت و صدق التسامح و التهاون، و الأخبار الناهية عن التسويف موردها حجة الإسلام دون مطلق الحج الواجب و مطلق النذر.

و ما ذكر من التوجيه العقلي لجواز التأخير يرجع إلي القول بلزوم دفع ما يحتمل من وقوعه فوت المنفعة، و الظاهر أن العقل لا يستقل بدفعه كاستقلاله بدفع ما يحتمل من وقوعه الوقوع في الضرر و المفسدة، إذاً فيكفي في جواز التأخير عدم وصوله إلي حد يصدق عليه التسامح و الاستخفاف و جعل النفس في معرض المخالفة

______________________________

(1)- البقرة/ 148.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 24

و العصيان، و هو يتحقق بالظن بعدم القدرة سواء كان بالموت أو بغيره، فإذا وصل التأخير إلي هذا الحد و وقع في المخالفة ليس معذوراً و يجب عليه الكفارة.

إذاً فالقول بجواز التأخير ما دام لم يحصل له الظن بالعجز و لم يقع المأمور به في معرض الفوت و عدم صدق التسامح في الإطاعة و الاستخفاف بأمر المولي هو الأقوي.

و قد يقال بعدم جواز التأخير إلا

إذا كان مطمئناً بإمكان الإتيان في المستقبل بحسب الحال؛ و ذلك لأن بعد اشتغال ذمته بالمنذور يجب عليه الخروج عن عهدة التكليف به، و لا يجوز له التأخير ما لم يكن هناك مؤمن من العذر في التأخير، أو حصول الاطمينان له بإمكان إتيانه في آخر الوقت، و إن لم يحصل له أحد الأمرين فليس له التأخير بعد حكم العقل بلزوم تفريغ الذمة و تسليم ما عليه إلي المولي، فجواز التأخير يدور مدار اطمينانه بالبقاء و إمكان الإتيان به، فإذا لم يكن له هذا الاطمينان يجب عليه المبادرة إلي الامتثال «1».

و فيه: أن معني تنجز التكليف هنا و وجوب كون المكلف في مقام إفراغ ذمته أن لا يكون متسامحاً في الأداء مستخفا بأمر مولاه، و إلّا فمن أين يحصل الاطمينان بالبقاء؟ مضافاً إلي أنه لا وقت لمثل النذر المطلق غير المقيد بالوقت.

المسألة الثانية: في النذر المطلق غير المقيد بالوقت إذا ظن بالعجز و الموت و تهاون في إتيان المنذور

حتي حصل العجز و الموت فيجب عليه الكفارة فهل يجب عليه القضاء فيوصي هو به، و إن لم يوص به يجب قضاؤه عنه من ماله من ثلثه أو من أصله كحجة الإسلام؟

______________________________

(1)- معتمد العروة: 1/ 396.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 25

حكي في الجواهر نقلًا عن المدارك: أن وجوب القضاء من أصل تركته مقطوع به في كلام أكثر الأصحاب. بل حكي عن كشف اللثام نسبته إلي قطعهم، و إن قال: للنظر فيه مجال للأصل و افتقار وجوبه إلي أمر جديد تبعاً لما في المدارك، حيث إنه بعد ما حكي عنهم بأنه واجب مالي ثابت في الذمة فيجب قضاؤه من أصل المال كحج الإسلام قال: (و هو استدلال ضعيف، للأصل بعد احتياج القضاء إلي أمر جديد، و لمنع كونه واجباً مالياً، فإنه عبارة عن أداء المناسك،

و ليس بذل المال داخلًا في ماهيته و لا من ضرورياته). «1»

و الذي ينبغي أن يقال: إن ما استدل به في كلامهم لإثبات وجوب القضاء من أصل ماله وجوه:

أحدها: دعوي بعضهم قطع الأصحاب به، و لا ريب أنه لا يثبت بذلك إجماعهم علي ذلك.

ثانيها: أن الحج المنذور كحجة الإسلام من الواجبات المالية، و لا ريب أنها تؤدَّيٰ من أصل التركة بالإجماع.

و فيه: أن الواجب المالي عبارة عما تعلق الوجوب فيه بأداء المال كالزكاة و الخمس و ديون الناس، لا ما يتوقف أداؤه علي صرف المال مثل الحج للنائي، فصرف المال فيه يكون من مقدمات تحققه، و اشتماله علي الهدي و إن كان هو واجباً مالياً لا يدخل الحج الذي من الأصل ليس موضوعه أداء المال تحت معقد الإجماع.

و ثالثها: أن النذر اعتبر في صيغته ديناً للّٰه علي ذمة الناذر كالحج، و التعبير

______________________________

(1)- مدارك الأحكام: 7/ 96، جواهر الكلام: 17/ 340.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 26

عنه بتلك الصيغة و الخصوصية كالتعبير بوجوب حجة الإسلام بقوله تعالي: «لِلّٰهِ عَلَي النّٰاسِ» ليس إلّا لإفادة كونه ديناً علي المكلف، فلو مات الناذر يكون علي عهدته و كالدين يؤدَّي من تركته.

اورد عليه: بأن هذا يتم لو كان مفاد قول الناذر: «للّٰه عليَّ» جعلَ حق وضعي له سبحانه، بدعوي أن الظاهر من اللام كونها للملك، و من الظرف كونه مستقراً، نظير قولك: «لزيد عليّ مال» فمقتضي أدلة نفوذ النذر و صحته هو ثبوت مضمونه، فيكون فعل المنذور ملكاً له تعالي نظير ملك المستأجر لفعل الأجير، و ديناً عليه كسائر الديون المالية يؤدي من تركته إن مات أو عجز عنه، و أما إذا كان مفاد النذر مجرد الالتزام بالمنذور بأن يكون معني

«للّٰه عليّ كذا»: التزمت للّٰه عليّ فيكون اللام متعلقة بالتزمت و الظرف لغو، فليس هناك ما يقتضي ثبوت حق له تعالي، فلا موجب لإطلاق الدين عليه إلّا علي سبيل التجوز كسائر الواجبات الشرعية، إلا أن يقال بقول السيد: إن جميع الواجبات الإلٰهية ديون للّٰه تعالي، سواء كانت مالًا أو عملًا مالياً أو غير مالي، و لذا جاء في بعض الأخبار: «دين اللّٰه أحق أن يقضي».

و فيه أن الوجوب إما يكون متعلقاً بفعل ابتداءً كصلاة الظهر- مثلًا- أو صيام شهر رمضان، فهذا و إن كان يشتغل ذمة المكلف بأدائه إلّا أنّه مستقلّ لم ينتزع من اعتبار أمر وضعي عليه، فليس عليه إلا أداؤه، و إن فات منه لا شي ء عليه و لا قضاء له. و إمّا يكون الواجب منتزعاً من الوضع كما إذا اعتبر أمر أولًا في عهدة المكلف، ثمّ ينتزع من ذلك وجوب أدائه ففي مثل ذلك عليه القضاء إن فاته.

و بعبارةٍ اخري: إذا كان التكليف منشأً لانتزاع الأمر الوضعي فما ينتزع منه من اشتغال الذمة به لا يوجب القضاء، و إذا كان الوضع منشأً لانتزاع التكليف فيجب القضاء بالنسبة إليه، أي إلي الوضع.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 27

و أما استدلاله بخبر «دين اللّٰه أحق أو هو أحق أن يقضي» ففيه: أن الخبر بإرساله ضعيف لا يحتج به هذا ما به، يرد قول السيد.

و أما في أصل المسألة فالإنصاف أن قوله: «للّٰه عليَّ» يدل علي الوضع، و كون الظرف مستقراً كقوله تعالي: «وَ لِلّٰهِ عَلَي النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ».

لا يقال: هذا يرجع إلي اعتبار ملكية شي ء للّٰه تعالي ملكية اعتبارية، و هي لا تتصور للّٰه تعالي؛ لأنه مالك الملوك و الأكوان و جميع الامور طرّاً بيده

و تحت سلطانه و قدرته و مشيئته من دون اعتبار أيّ جاعل، و ملكه تعالي و سلطانه ليس بالاعتبار، فإن إحاطته إحاطة وجودية لارتباط جميع الوجودات بنفس ذواتها به بنفس وجودها، فهي ثابتة له بذواتها من دون حاجة إلي اعتبار ثبوتها له، و هي محاطة له تعالي بنفس وجودها الارتباطي و مقهورة تحت قهره و سلطانه، و الاعتبار في مورد الثبوت الحقيقي لغو واضح، فالملكية الاعتبارية لا معني لها بالنسبة إليه سبحانه إلا بمعني التكليف و الإلزام و الإيجاب و وجوب الوفاء، و وجوب الوفاء بالشي ء بمعني لزوم إنهائه و نحو ذلك، و إلا فالملكية الاعتبارية الثابتة للأشياء الخارجية غير ثابتة للّٰه تعالي. «1»

فإنه يقال: إن المالكية الحقيقية للّٰه تعالي بأن وجود كل شي ء منه و كل شي ء خاضع له، و مطيع له محكوم بأمره لا يملك لنفسه أمراً مع أمره، و ما يملكه لنفسه فإنما هو بأمره و تقديره، فكما أن حدوثه و وجوده كان بإرادته كذلك بقاؤه أيضاً يكون بإرادته، ناصية الكل بيده يفعل فيهم ما يشاء بقدرته و يحكم فيهم ما يريد بحكمته، ليس لأحدٍ من الأمر شي ء إلا به، فهو القاهر فوق عباده و هو الحكيم، كل ذلك

______________________________

(1)- معتمد العروة: 1/ 401.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 28

صفاته العليا الحقيقية. إلا أن كل ذلك لا يمنع من اعتبار الملكية الاعتبارية التي لا أثر لها إلا انتزاع بعض الآثار له، فالفعل الذي في مراتبه المتأخرة ملك للعبد يكون له أن يفعله أو يتركه يجعل له حتي لا يكون له في عالم التشريع تركه و يجب عليه فعله.

و بعبارةٍ اخري: يجعل العبد بهذا الاعتبار ما كان له قدرة تكوينية في فعله و تركه للّٰه

تعالي و يجعله له حتي لا يكون مختاراً في تركه أو في فعله حسب الموارد.

و لا ندري ما المنافاة بين مثل ذلك و مالكيته الحقيقية عز اسمه؟

و بعبارةٍ ثالثةٍ: يعتبر هنا عدم مالكية نفسه و اختياره بالنسبة إلي الفعل و الترك فيعتبر اختياره التكويني اعتباراً لا اختياراً.

و بالجملة: فبمثل ذلك و اعتبار ضد الأمر التكويني و هو اختياره بالنسبة إلي الفعل و الترك كلا اختيار يصحح المالكية الاعتبارية للّٰه تعالي.

و أما سائر ما أفاده من إحاطته إحاطةً كذائيةً و ارتباط جميع الموجودات بنفس ذواتها به و أمثال هذه الكلمات فنحن لا نتجسر بالقول عن حقيقة ذلك و نري أنفسنا عاجزين عن كيفية إحاطته، غير أنا نعلم أنا عباده و خلقه محتاجون إليه في الوجود و البقاء و إنا للّٰه و إنا إليه راجعون. و بالجملة: فالمالكية الاعتبارية بمثل هذه المعاني متصورة له تعالي.

ثمّ إن مقتضي كون النذر ديناً وجوب إخراجه من صلب المال كسائر الديون، غير أنه ذهب جمع من الفقهاء بأنه يخرج من الثلث.

قال في المستند: (و عن الإسكافي و الصدوق و النهاية و التهذيب و المبسوط و المعتبر و المختصر النافع و الجامع وجوب قضائه من الثلث لصحيحتي ضريس و ابن

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 29

أبي يعفور). «1»

أقول: قال الشيخ في النهاية: (و من نذر أن يحج للّٰه تعالي ثمّ مات قبل أن يحج و لم يكن أيضاً قد حج حجة الإسلام اخرجت عنه حجة الإسلام من صلب المال، و ما نذر فيه من ثلثه). «2» و نحوه كلامه في المبسوط. «3»

و قال في الشرائع في ضمن كلامه: (و المنذورة من الثلث). «4».

و في المختصر النافع في موضعٍ منه قال: (قضي عنه من

أصل التركة). و في موضعٍ آخر قال: (المنذورة من الثلث). «5»

و في الجامع للشرائع قال: (و حجة النذر من الثلث) «6».

و في السرائر قال: (الحجة المنذورة أيضاً تخرج من صلب المال). «7»

و في القواعد: (و يقضي من صلب التركة). «8».

و أما ما استدلوا به لإخراجه من الثلث فهو فحوي صحيح ضريس قال:

«سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجل عليه حجة الإسلام نذر نذراً في شكر ليحجن به رجلًا إلي مكة، فمات الذي نذر قبل أن يحج حجة الإسلام و من قبل أن يفي بنذره

______________________________

(1)- مستند الشيعة: 2/ 167.

(2)- النهاية/ 283.

(3)- المبسوط: 1/ 306.

(4)- شرائع الإسلام: 1/ 172.

(5)- المختصر النافع/ 78.

(6)- الجامع للشرائع/ 176.

(7)- السرائر: 1/ 649.

(8)- قواعد الأحكام: 1/ 76.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 30

الذي نذر؟ قال عليه السلام: إن ترك مالًا يحج عنه حجة الإسلام من جميع المال، و اخرج من ثلثه ما يحج به رجلًا لنذره و قد و في بالنذر، و إن لم يكن ترك مالًا بقدر ما يحج به حجة الإسلام حج عنه بما ترك، و يحج عنه وليه حجة النذر، إنما هو مثل دين عليه». «1»

و صحيح ابن أبي يعفور قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: رجل نذر للّٰه إن عافي اللّٰه ابنه من وجعه ليحجنه إلي بيت اللّٰه الحرام، فعافي اللّٰه الابن و مات الأب، فقال عليه السلام:

الحجة علي الأب يؤديها عنه بعض ولده، قلت: هي واجبة علي ابنه الذي نذر فيه؟

فقال عليه السلام: هي واجبة علي الأب من ثلثه أو يتطوع ابنه فيحج عن أبيه». «2»

وجه الاستدلال به و الفحوي: أن إحجاج الغير ليس إلا بذل المال لحجه و هو دين مالي محض و هو مع ذلك

يخرج من الثلث فالحج المنذور أولي بعدم الخروج من الأصل.

و فيه أولًا: أن الأصحاب- كما قيل- أعرضوا عن هذين الخبرين، و لم يفتِ أحد منهم بالحكم المذكور في موردهما، بل أخرجوه من الأصل.

قال في المستند: (قيل: لم يفت به فيه أحد، بل أخرجوه من الأصل؛ لِمَا دلّ علي وجوب الحق المالي من الأصل، و نزّلوا الصحيحين تارةً علي وقوع النذر في مرض الموت، و اخري علي وقوعه التزاماً بغير صيغة و ثالثةً علي ما إذا قصد الناذر تنفيذ الحج المنذور بنفسه فلم يتفق بالموت فلا يتعلق بماله حج واجب بالنذر. و يكون الأمر بإخراج الحج المنذور وارداً علي الاستحباب للوارث و كونه من الثلث رعايةً

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: باب 29 من أبواب وجوب الحج و شرائطه ح 1.

(2)- وسائل الشيعة: باب 29 من أبواب وجوب الحج و شرائطه، ج 3.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 31

لجانبه) «1».

فعلي هذا إما أن نقول بعدم وجوب القضاء أصلًا فلا كلام، و لو قيل بالخروج من التركة فلا بد من الخروج عن الأصل لأنه واجب مالي و حاله حال سائر الديون، كما اختاره جماعة منهم.

و ثانياً: لو التزم أحد بحجية الخبرين في موردهما و عدم سقوطهما عن الاحتجاج بهما بالإعراض كما بني عليه بعض الأعاظم من المعاصرين فلا وجه للتعدي عنه من موردهما إلي غيره و القول بإخراج حج نفسه من الثلث.

أقول: التمسك بالخبرين إن كان لإثبات وجوب الإخراج من خصوص الثلث قبال ما دل علي وجوب إخراج حج نفسه بالنذر من الأصل فلا يتمّ الاحتجاج به؛ لإمكان منع الفحوي و الأولوية، فالقائل بخروجه عن الأصل علي حجته. و إن كان لإثبات الخروج من الثلث بعد عدم تمامية الاستدلال علي خروجه

من الأصل فلا وجه لدعوي الأولوية.

و كيف كان فالاستدلال بالخبرين لإثبات وجوب إخراج الحج المنذور لنفسه من الثلث ساقط، فنبقي نحن و ما استدل به علي الخروج من الأصل، فإن تمّ نقول به، و إلّا فلا يخرج من التركة أصلًا.

المسألة الثالثة: إذا نذر الحج و قيّده بسنةٍ معيّنةٍ

لا ريب أنه لا يجوز التأخير إن تمكن من إتيانه في تلك السنة، فلو أخر عصي و عليه الكفارة. و هل يجب عليه القضاء؟ فيه وجهان:

من جهة أن الحج كان ديناً عليه فيجب عليه أن يقضيه، و خصوصية تلك

______________________________

(1)- مستند الشيعة: 2/ 167.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 32

السنة و إن لا يمكن تداركها إلا أنها كتعدد المطلوب و الدين الصادق علي الأقل، و الأكثر، فإن لم يمكن أداء الأكثر لا يسقط به الأقل و هذا كالصوم المنذور في يوم خاص فإنه فيه القضاء إذا صادف يوم العيد أو أيام مرضه أو سفره، كما في صحيح عليّ بن مهزيار الذي رواه الكليني: عن أبي علي الأشعري «1»، عن محمد بن عبد الجبار «2»، عن عليّ بن مهزيار «3» في حديثٍ قال: «كتبت إليه (يعني إلي أبي الحسن عليه السلام): يا سيدي، رجل نذر أن يصوم يوماً من الجمعة دائماً ما بقي، فوافق ذلك اليوم يوم عيد فطر أو أضحي أو أيام التشريق أو سفر أو مرض هل عليه صوم ذلك اليوم أو قضاؤه؟ و كيف يصنع يا سيدي؟ فكتب إليه: قد وضع اللّٰه عنه الصيام في هذه الأيام كلها، و يصوم يوماً بدل يوم إن شاء اللّٰه. و كتب إليه يسأله: يا سيدي، رجل نذر أن يصوم يوماً فوقع ذلك اليوم علي أهله ما عليه من الكفارة؟ فكتب إليه: يصوم يوماً بدل يوم و تحرير رقبة

مؤمنة». «4»

و لا يخفي أن القول بكون الرواية علي خلاف القاعدة لعدم صحة نذر صوم عيد الفطر أو الأضحي أو أيام التشريق أو في المرض و السفر فيجب الاقتصار علي موردها، يرده ذيلها، فإنّها النصّ في عدم ترك الصوم في يوم كان واجباً عليه بالنذر من غير هذه الأيام. «5»

و بالجملة: فبإلغاء الخصوصية يمكن أن يقال بوجوب قضاء الحج أيضاً، و كذا سائر النذور بعد ذلك.

______________________________

(1)- أحمد بن إدريس الثقة من الثامنة.

(2)- قمي ثقة من السابعة.

(3)- من كبار السابعة، ثقة صحيح الرواية، جليل القدر، له ثلاثة و ثلاثون كتاباً.

(4)- وسائل الشيعة: ب 10 من كتاب النذر و العهد ح 1.

(5)- راجع معتمد العروة: 1/ 402.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 33

و من جهة أن القضاء يحتاج إلي أمر جديد، و ليس نفس العمل الواجب سابقاً- فإنه قد فات- و هذا العمل الذي يقع خارج الوقت عمل آخر مغاير له بالحقيقة و إن كان مشابهاً له صورةً، فيحتاج وجوبه إلي دليل مستقل، فوجوب الحج المنذور المقيد بسنة خاصة في غير ذلك الزمان يحتاج إلي دليل يخصه.

قال في الجواهر في وجوب القضاء: (بلا خلاف أجده فيه، بل هو مقطوع به في كلام الأصحاب، كما اعترف به في المدارك). «1»

و في المستمسك قال: (فالعمدة (إذاً) في وجوب القضاء هو الإجماع، كما عرفت من المدارك و الجواهر، و هو ظاهر غيرهما، فإن وجوب القضاء بعد الوقت مذكور في كلامهم و مرسل فيه إرسال المسلمات، و أما الكفارة فلمخالفة النذر) «2».

هذا، و أما وجوب القضاء عنه فالظاهر عدمه؛ لأنّ الحكم بوجوب القضاء علي نفسه مستند إما إلي الرواية أو الإجماع و كلاهما مختص بوجوبه عليه.

اللهمّ إلّا أن يقال: إنّ الحكم بوجوب

القضاء عليه من جهة كونه ديناً عليه علي نحو تعدد المطلوب و الأقلّ و الأكثر، فإذا تعذر الأكثر لا يسقط الأقل، و لا فرق في ذلك بين قضائه بنفسه أو عنه من تركته، و لكن الفتوي بهذه الاستظهارات الضعيفة في غاية الإشكال.

المسألة الرابعة: من نذر الحج مطلقاً أو معيناً و لم يتمكن من الإتيان به إلي أن مات

لم يجب القضاء عنه؛ لعدم وجوب الأداء عليه حتي يجب عليه القضاء، فهذا يكشف عن عدم انعقاد نذره لأنه مشروط بتمكنه من أداء المنذور.

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 17/ 345.

(2)- مستمسك العروة: 1/ 320.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 34

نعم، لو نذر الحج مطلقاً من حيث المباشرة و الاستنابة أو الإحجاج و ترك الاستنابة أو الإحجاج مع تمكنه منهما فالكلام فيه يجري علي ما أجريناه في نذر الحج المطلق و المعيَّن.

[مسألة 7] إذا مات الناذر قبل تحقق ما علق عليه نذره

مسألة 7- إذا نذر الحج معلّقاً علي أمر كشفاء مريضه أو مجي ء مسافره فمات قبل حصول المعلق عليه هل يجب القضاء عنه، أم لا؟

يمكن أن يقال بأن مجي ء المسافر إمّا هو شرط للنذر بأن يكون الحج للّٰه عليه مشروطاً به فلا يجب؛ لعدم وجود أحد أركان تحقق النذر و هو الناذر عند حصول شرطه، و إما أن يكون شرطا للمنذور بأن يكون عليه للّٰه فعلًا- و قبل تحقق المجي ء- الحج في ظرف المجي ء كما يقال في الواجب المعلق، و عليه يجب القضاء عنه لكشف مجي ء مسافره عن كون الحج عليه قبل موته، لكن الظاهر وقوع النذر علي الصورة الاولي.

و يمكن أن يقال: إنه إن كان وجوب الوفاء بالنذر مشروطاً بمجي ء مسافره فلا يجب القضاء؛ لعدم وجوبه عليه بعد فرض موته قبل حصول الشرط، كما هو الحال في الواجب المشروط، و إن كان بنحو الوجوب المعلق و كون الوجوب فيه فعلياً قبل حصول المعلق عليه و الواجب استقبالياً فيمكن أن يقال بالوجوب لكشف حصول الشرط عن كونه واجباً عليه من أول الأمر.

و لكن هذا أيضاً خلاف الظاهر فلا يجب عليه القضاء؛ لأن الظاهر أن الوجوب من باب الشرط و الواجب المشروط.

و يرد علي التقريبين: أن الحكم هو عدم

وجوب القضاء عليهما حتي إذا كان

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 35

الوجوب علي النحو الواجب المعلق أو كان الشرط شرطاً للمنذور؛ و ذلك لأن التمكن من المنذور في ظرف العمل معتبر في انعقاد النذر فيكشف بالموت عدم انعقاده.

[مسألة 8] إذا استقرّ الحج النذريّ عليه ثمّ صار معضوباً عن الحجّ

مسألة 8- إذا نذر الحج و استقر عليه بتمكنه منه ثمّ صار معضوباً لمرض أو نحوه، أو مصدوداً بعدوٍّ أو نحوه فهل يجب عليه الاستنابة في حال حياته؟

بدعوي دلالة الأخبار الواردة في حجة الإسلام «1» بدعوي شمول بعضها بالإطلاق له، كصحيح محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام قال: «كان علي عليه السلام يقول:

لو أن رجلًا أراد الحج فعرض له مرض أو خالطه سقم فلم يستطع الخروج فليجهز رجلًا من ماله ثمّ ليبعثه مكانه» «2».

أو بدعوي إلغاء الخصوصية بين الحج الذي استقر عليه بالاستطاعة و الحج الذي استقر عليه بالنذر.

و عن المحقق: أن وجوب الاستنابة حسن «3»

و في التذكرة: (الأقرب وجوب الاستنابة). «4»

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 24 من أبواب وجوب الحج و شرائطه.

(2)- وسائل الشيعة: ب 24 من أبواب وجوب الحج و شرائطه ح 5.

(3)- شرايع الإسلام: 1/ 168.

(4)- تذكرة الفقهاء: 1/ 309.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 36

و قال سيدنا الأعظم قدس سره في هذه الأخبار: شمول منطوقها لغير حجة الإسلام ممنوعة. نعم، لو ادّعي انفهام غيرها منها بإلغاء الخصوصية لم يكن بعيداً، أو بدعوي استظهار الدينية من دليل النذر، فعليه إن استقر عليه يجب أداؤه بنفسه أو بالاستنابة.

قال السيد الاستاذ الفقيه الكلپايكاني قدس سره: و علي اختصاص المورد- يعني حجة الإسلام- بها (يعني بالأخبار) كما هو الظاهر يمكن دعوي انفهام العموم بإلغاء الخصوصية، مع أن الاستنابة مطابقة للقاعدة علي ما استظهرنا من تعلق النذر علي نحو

الدين، فإنه بعد الاستقرار لا بد من أدائه بنفسه إن كان متمكناً، و إلا فبالاستنابة.

أو لا يجب عليه الاستنابة؟ لاختصاص الأخبار بحجة الإسلام كما يظهر ذلك لمن نظر فيها، و المراد من صحيح محمد بن مسلم أيضاً بقرينة سائر الروايات هو حجة الإسلام، و إلّا فلا يدلّ علي الوجوب؛ لشمول إطلاقه الحج المندوب أيضاً.

و بعبارةٍ اخري: يدل علي مطلق المشروعية، و دعوي إلغاء الخصوصية ممنوعة، للفرق بين حجة الإسلام و الحج الواجب بالنذر، و عدم دلالة الدليل الدالّ علي وجوب الاستنابة في حجة الإسلام أن ملاك الوجوب فيه هو كون الحج واجباً بلا دخلٍ لكونه حجة الإسلام أو غيرها، فيمكن أن يكون هذا الحكم مختصاً بحجة الإسلام.

اللهمّ إلّا أن يقال: إنه يفهم من الحكم بوجوب الاستنابة أن ذلك لكون حجة الإسلام ديناً علي المكلف فيجب أداؤه بالمباشرة، و إلا فبالاستنابة، و النذر أيضاً يكون كذلك ديناً علي الناذر فيجب بعد استقراره عليه أداؤه بالمباشرة، و إلا فبالاستنابة، و لعله لذلك استحسن وجوبها المحقق و استقر به العلامة قدس سره.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 37

و ليكن هذا وجه فتوي الشيخ في المبسوط الذي ظاهره أن مورده النذر المستقر علي الناذر، قال: (و المعضوب إذا وجبت عليه حجة بالنذر أو بإفساد حجة وجب عليه أن يحج عن نفسه رجلًا فإذا فعل فقد أجزأه، فإن برأ فيما بعد تولاها بنفسه). «1»

فما في الجواهر من (أن الإنصاف ظهور عبارة المبسوط في النذر معضوباً) «2» كأنه خلاف ظاهرها، و مع ذلك كله فالجزم بالفتوي مشكل، و طريق الاحتياط معلوم.

هذا، و لو نذر المعضوب في حال عضبه الحج فهل هو منصرف إلي مباشرته بنفسه، أو ظاهر في الاستنابة، أو الأعمّ منهما؟

يمكن

أن يقال: إنه إن شك في ذلك غيره مثل الوارث فلا ظهور لنذره في الاستنابة كما، يمكن منع ظهوره في المباشرة، فالأصل عدم وجوب القضاء علي الوارث، لأنه لو كان النذر الحج المباشري لم يتمكن منه فلم يستقر عليه الحج، و تعلق النذر بالحج النيابي أو الأعم منهما مشكوك فيه.

و إن كان الشك من الناذر فلم يدرِ أنه نذر الحج المباشري أو النيابي ففيه أيضاً ليس عليه شي ء، إلّا إذا زال عذره و تمكن من المباشرة فيجب عليه الاحتياط بالجمع بينهما، و إن كان أطراف الشك ثلاثياً و تردد المنذور بين الحج المباشري و النيابي و الأعم منهما فهو شاك بين وجوب أحدهما تعييناً أو تخييراً، فيمكن أن يقال: مقتضي يقينه بالاشتغال بأحدهما إما علي التعيين أو التخيير هو الاحتياط

______________________________

(1)- المبسوط: 1/ 299.

(2)- جواهر الكلام: 17/ 346.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 38

بإتيان كليهما، فلا يحصل له اليقين بالفراغ إلّا به.

و يمكن أن يقال: إنه عالم بأنه إما يجب عليه أحدهما بالتخيير، أو يجب أحدهما عليه بالتعيين، فهو عالم بأنه يجب عليه علي التعيين أحدهما المعين في الواقع المردد بينهما في الخارج أو أحدهما مخيرا فهو يكون مخيراً بين الإتيان بأحدهما، و لا يجب عليه الاحتياط بالإتيان بكليهما.

و فيه: أن الإتيان بأحدهما لا يكفي في العلم بفراغ الذمة، فإن دوران الأمر بين الأطراف الثلاثة يكون من دوران الأمر بين المتباينين، فيجب عليه الإتيان بكل واحد منهما، فتأمّل.

[مسألة 9- لو نذر إحجاج شخصٍ في سنةٍ معينةٍ و خالف مع تمكّنه منه]

مسألة 9- لو نذر إحجاج شخصٍ في سنةٍ معينةٍ و خالف مع تمكّنه منه فلا ريب في وجوب الكفارة عليه، لتحقق حنث النذر به، و أما القضاء فهل يجب عليه، أم لا؟

مقتضي الأصل و أن القضاء بأمر جديد عدم

الوجوب، غير أن ظاهر كلماتهم في هذه المسألة و في مسألة الحج و في مسألة نذر الحج في سنة معينة وجوب القضاء.

و الظاهر أنه لاستظهارهم الدينية من دليل الحج و النذر من قوله تعالي: (و للّٰه علي الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلًا)، و من قول الناذر في النذر: «للّٰه عليَّ أن أحج» أو لاستفادتهم ذلك من مثل صحيح علي بن مهزيار الذي مر ذكره بسنده و فيه: «قال: كتبت إليه (يعني أبا الحسن الهادي عليه السلام): يا سيدي، رجل نذر أن يصوم يوماً من الجمعة دائماً ما بقي، فوافق ذلك اليوم يوم عيد فطر أو أضحي أو أيام التشريق أو سفر أو مرض هل عليه صوم ذلك اليوم أو قضاؤه؟ و كيف يصنع يا سيدي؟ فكتب إليه: قد وضع اللّٰه عنه الصيام في هذه الأيام كلها و يصوم يوماً بدل

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 39

يوم إن شاء اللّٰه. و كتب إليه يسأله: يا سيدي، رجل نذر أن يصوم يوماً فوقع ذلك اليوم علي أهله ما عليه من الكفارة؟ فكتب عليه السلام إليه: يصوم، يوماً بدل يوم و تحرير رقبة مؤمنة» «1» بإلغاء خصوصية نذر الصوم و مساواة نذر الحج و الإحجاج و غيرهما مع نذر الصوم في هذه الحكم.

و إن مات قبل أداء الكفارة و القضاء فهل يقضيان من ماله، أم لا؟

الظاهر: أنه لا خلاف بين أداء الكفارة من أصل ماله كسائر الديون المالية، و أما القضاء فمقتضي دينيته ذلك، و هل يخرج من أصل التركة أو الثلث؟ الظاهر أنه يخرج من الأصل كما هو الأصل، في كل الديون التي اعتبرت أولًا كونها في عهدة المديون، و وجوب أدائها منتزع من اشتغال ذمته

بها و كونها علي عهدة المديون، بخلاف مثل وجوب الصلاة و الصوم فإن الذمة و إن كانت مشتغلةً به إلا أنه منتزع من تكليف الشارع و إيجابه الصوم و الصلاة علي المكلف، فإذا سقط الوجوب يسقط ما تعلق بسببه علي عهدة المكلف.

و أما الدين فهو مجعول علي ذمة المكلف بجعل اللّٰه تعالي أو جعل نفسه، و ينتزع منه وجوب أدائه علي نفسه إذا كان هو حيّاً و الا فمن ماله، بل و إن كان حيّاً و امتنع من أدائه يؤديه الحاكم من ماله، بخلاف الصلاة و الصوم فإنه إن امتنع عن أدائهما لا يقضيهما الحاكم عنه، و بالجملة فالفرق واضح.

نعم، يمكن أن يقال بإخراجه من الثلث تمسكاً بصحيح ضريس المتقدم. قال:

«سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجل عليه حجة الإسلام نذر نذراً في شكر ليحجن به رجلًا الي مكة، فمات الذي نذر قبل أن يحج حجة الإسلام و من قبل أن يفي بنذره

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: باب 10 من كتاب النذر و العهد ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 40

الذي نذر، قال عليه السلام: إن ترك مالًا يحج عنه حجة الإسلام من جميع المال و اخرج من ثلثه ما يحج به رجلًا لنذره و قد وفي بالنذر، و إن لم يكن ترك مالا بقدر ما يحج به حجة الإسلام حج عنه بما ترك و يحج عنه وليه حجة النذر إنما هو مثل دين عليه» «1». و نحوه صحيح ابن أبي يعفور المتقدم.

و اجيب عنهما: بأن موردهما نذر إحجاج الغير من غير تقييد بسنة معينة، و كلامنا في إحجاج الغير المقيد بسنة معينة. «2»

و يمكن أن يقال باستفادة الإطلاق من ترك الاستفصال، فإنَّ نذر الرجل أعم من

نذر الإحجاج مقيداً بسنة معينة و من غير المقيد بها.

و لكن فيه: أنه يلزم منه الحكم بتعلق النذر علي الناذر و إن لم يتمكن من الوفاء به. و الظاهر أن مورد السؤال هو النذر الذي تمكن الناذر من الوفاء به و أخَّره من غير تهاون و تسامح.

مضافاً إلي ما اجيب عنه بأن القوم لم يعملوا في موردهما فكيف بغيره؟ فعلي ذلك كله فالأقوي إخراجه من الأصل.

و مما ذكرناه هنا يظهر أن الأقوي في مسألة نذر الحج مقيداً بسنة معينة أيضاً وجوب القضاء من صلب المال.

و لو نذر الإحجاج من غير تقييد بسنة معينة فإن تمكن منه و تركه متسامحاً فيه حتي مات فالظاهر أن حكم وجوب إخراج الكفارة و القضاء من أصل تركته كالفرع السابق، و أما إن تمكن منه و لم يتركه تسامحاً فالظاهر عدم وجوب إخراج

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 29 من أبواب وجوب الحج و شرائطه ح 1.

(2)- معتمد العروة: 1/ 410.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 41

الكفارة من ماله، لعدم تحقق الحنث منه دون قضائه، فإنه علي ما ذكرناه يخرج من صلب ماله.

نعم، مقتضي صحيحي ضريس و ابن أبي يعفور إخراجه من الثلث، و لكن الأصحاب علي ما يستفاد من جماعة منهم لم يعملوا بهما، فهما ساقطان عن الحجية بإعراض الأصحاب عنهما. مضافاً إلي أنهما- كما صرح به سيدنا الاستاذ الأعظم قدس سره- معارضان برواية مسمع بن عبد الملك المؤيدة باشتهار الفتوي بصدرها، و خلوها من الاضطراب في المتن بخلافهما، و إليك روايته:

فقد روي ثقة الإسلام في الكافي: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن علي بن رئاب، عن مسمع «1» قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: كانت لي

جارية حبلي، فنذرت للّٰه عز و جل إن ولدت غلاماً أن احجه أو أحج عنه، فقال عليه السلام:

إنّ رجلًا نذر للّٰه عز و جل في ابن له إن هو أدرك أن يحج عنه أو يحجه، فمات الأب و أدرك الغلام بعد، فأتي رسول اللّٰه صلي الله عليه و آله و سلم الغلام فسأله عن ذلك، فأمر رسول اللّٰه صلي الله عليه و آله و سلم أن يحج عنه مما ترك أبوه». «2»

خلاصة البحث: اعلم أن تنقيح ما ذكرناه في طيِّ المسائل المتقدمة يأتي في الفروع الآتية:

الأول: أن ينذر الحج مقيداً بسنة معينة فلم يأت به فيها عصياناً، فلا ريب في وجوب الكفارة عليه، و أما القضاء فقد قلنا بوجوبه، لكون المنذور علي الناذر ديناً علي عهدته و في ذمته، فيجب أداؤه لأنه لا يسقط عن عهدته إلا بذلك. مضافاً إلي ما

______________________________

(1)- من الخامسة، أبو سيار كردين بن عبد الملك.

(2)- وسائل الشيعة: ب 16 من أبواب النذر ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 42

استفدناه من صحيح علي بن مهزيار في الصوم بإلغاء الخصوصية.

و أما قضاؤهما عنه بعد الموت فالظاهر وجوبه في الكفارة و في القضاء أيضاً، بمقتضي اعتبار المنذور ديناً علي الناذر.

و هل يخرج من الأصل أو الثلث؟ فالظاهر أيضاً إخراجه من الأصل كسائر الديون، إلا أن يتمسك بصحيح ابن أبي يعفور، و صحيح ضريس في نذر الإحجاج فإنهما يدلان علي إخراجه من الثلث، و لا بد أن يكون ذلك بإلغاء الخصوصية، بل الأولوية.

قال الشيخ في النهاية: (و من نذر أن يحج للّٰه تعالي ثمّ مات قبل أن يحج و لم يكن أيضاً قد حج حجة الإسلام اخرجت عنه حجة الإسلام من صلب المال، و ما

نذر فيه من ثلثه، فإن لم يكن المال إلا بقدر ما يحج به عنه حجة الإسلام حج به، و يستحب لوليه أن يحج عنه ما نذر فيه). «1»

و الظاهر أنه عمل بروايتي ضريس و ابن أبي يعفور بإلغاء الخصوصية، و لكن استشكل في الاستدلال بهما بعدم عمل الأصحاب بهما في موردهما. مضافاً إلي أن كلامنا في النذر المقيد، و الصحيحان وردا في النذر المطلق.

و فيه: أما عدم عمل الأصحاب بهما فغير ثابت، غاية الأمر عدم تعرض الأكثر له، و هذا شيخ الطائفة قد عمل بهما في نذر الحج، فكيف هو لا يعمل بهما في موردهما؟

و أما كونهما في النذر المطلق فلا يضر بالاستدلال بالأولوية، فإنه بعد ما دل

______________________________

(1)- النهاية/ 284.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 43

الدليل علي إخراج الإحجاج من الثلث- و هو أشبه بالديون المالية التي تكون من بعض الأشخاص علي بعضهم- فوجوب إخراجه من الثلث في نذر الحج بالمباشرة أولي منه.

الثاني: نذر الحج المطلق، و الكلام فيه يجري كالكلام في المقيد غير أنه ليس فيه الكفارة إذا تركه لا عن تسامح و تساهل.

الثالث: ما لو نذر الحج مقيداً بسنة معينة أو مطلقاً و مات قبل التمكن من الأداء، و الحكم فيه هو عدم وجوب القضاء، اللهم إلا أن يتمسك فيه أحد بحسنة أو مصححة مسمع بإلغاء الخصوصية، و فيه منع ظاهر، و يأتي الكلام في حديث مسمع إن شاء اللّٰه تعالي.

الرابع: أن ينذر الإحجاج مقيداً بسنة معينة فخالف النذر عصياناً فلا ريب في وجوب الكفارة عليه لتحقق حنث النذر منه، و يجب عليه القضاء أيضاً لما مر في الفرع الأول، و كذا يجب أداء الكفارة من أصل ماله إن لم يؤدها هو بنفسه.

و أما

القضاء فالكلام فيه يجري كما جري في الفرع الأول، مضافاً إلي دعواهم التسلم و القطع بذلك. نعم، في إخراجه من الثلث أو الأصل الكلام فيه هو الكلام في الفرع الأول، غير أن إلغاء الخصوصية و التمسك بالمفهوم هناك كان بالأولوية، و في هذا الفرع بدلالة المساواة بينه و بين مورد صحيحي ضريس و ابن أبي يعفور، فلو قلنا بعدم إثبات إعراض القدماء عنهما لعمل مثل الشيخ بهما في غير موردهما لا بد و أن نقول بإخراجه من الثلث.

الخامس: نذر الإحجاج المطلق و حكم قضائه في الجملة أيضاً كأنه مقطوع به، غير أنه وقع الكلام في إخراجه من الثلث أو من الأصل، و ظاهر الأكثر إخراجه

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 44

من الأصل، غير أنه مورد روايتي ضريس و ابن أبي يعفور، و دلالتهما علي إخراجه من الثلث بالمنطوق فيه ظاهرة، و لكن ضعّفوهما بعدم العمل بهما و إعراض الأصحاب عنهما و اختار بعض الأعلام حجيتهما، لأنه لا يعتد بالإعراض و ترك عمل الأصحاب بهما، و لا يراه مضراً باعتبار الخبر، كما لا يعتد بعملهم علي الخبر الضعيف و لا يراه موجباً لجبر ضعفه، و أما الكفارة فوجوبها دائر مدار تحقق الحنث كما مرت الإشارة إليه.

السادس: من نذر الإحجاج مقيداً أو مطلقاً و لم يتمكن من العمل بنذره حتي مات فهل يجب القضاء عنه من ماله؟ ثمّ هل يخرج من أصل ماله أو ثلثه؟

قال في العروة: (ففي وجوب قضائه و عدمه وجهان، أوجههما ذلك لأنه واجب مالي أوجبه علي نفسه فصار ديناً. غاية الأمر أنه ما لم يتمكن معذور، و الفرق بينه و بين نذر الحج بنفسه أنه لا يعد ديناً مع عدم التمكن منه و اعتبار

المباشرة، بخلاف الإحجاج، فإنه كنذر بذل المال، كما إذا قال: للّٰه عليّ أن اعطي الفقراء مائة درهم، و مات قبل تمكنه و دعوي كشف عدم التمكن عن عدم الانعقاد ممنوعة. ففرق بين إيجاب مال علي نفسه أو إيجاب عمل مباشري و إن استلزم صرف المال، فإنه لا يعد ديناً عليه بخلاف الأول).

أقول: تارةً يكون ذلك علي نحو نذر النتيجة فيجعل علي نفسه مالًا للإحجاج و صرفه في الحج بالغير، فهو بذلك يصير مديناً به و إن لم يتمكن من أدائه.

و تارةً يجعل علي نفسه للّٰه إحجاج الغير و إيجاد الحج علي وجه التسبيب، فهو لا يصير مديناً لذلك ما دام لم يتمكن منه، و الغالب وقوع نذر الإحجاج علي الوجه الثاني، فعلي ذلك لا يجب القضاء عنه. اللهم إلا أن يتمسك برواية مسمع، لعدم الفرق بين نذر الإحجاج مطلقاً كما في هذا الفرض و عدم التمكن منه حتي مات، و بين نذر

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 45

الحج و الإحجاج معلقاً بأمر، مثل إدراك الغلام و عدم تمكنه منه بعد حصول المعلق عليه، و سيأتي الكلام في هذا الحديث إن شاء اللّٰه تعالي.

[مسألة 10] من نذر الإحجاج معلقاً علي شرط

مسألة 10- إذا نذر الإحجاج معلقاً علي شرط كمجي ء المسافر أو شفاء المريض فمات قبل حصول الشرط فمقتضي القاعدة عدم وجوبه في تركته إن حصل بعده؛ لأن انعقاد النذر متوقف علي تمكن الناذر منه حين العمل، سواء كان ذلك علي نحو الواجب المشروط أو المعلق، و ذلك كما ذكرناه في مسألة نذر الحج معلقاً و موته قبل حصول الشرط.

إلّا أنّه قد يقال: إنه يجب القضاء عنه لحسنة أو مصححة مسمع المتقدمة، و الاستدلال بها متوقف علي فهم المراد منها سؤالًا و جواباً.

فنقول: إنّه

بالنظر إلي لفظ السؤال يمكن أن يكون السؤال عن تكليف الوالد، و أنه هل عليه أن يحج عنه أو يحجه؟ و بعبارةٍ اخري: هل ينعقد مثل هذا النذر أم لا؟

فأجابه عليه السلام بحكاية نذر الرجل الوالد و انعقاده مع موت الأب قبل تحقق المعلق عليه النذر، و هو إدراك الولد، فإذا كان النذر ينعقد في هذه الصورة ينعقد في فرض السؤال بالأولوية، و أما فرض موت الولد قبل تمكن الوالد من العمل بالنذر أو بعده لا موت الوالد قبل ذلك أو بعده فلا نظر للسؤال إليهما. إلّا أنّ الحكاية المذكورة في كلام الإمام عليه السلام بنفسها و بمنطوقها تدل علي وجوب الوفاء بالنذر و إن مات الناذر قبل تحقق الشرط، و الظاهر أنه خلاف القاعدة لأنّ من شرائط انعقاد النذر تمكن الناذر من العمل به في ظرف وجوب الإتيان به.

و قد ادعي عمل المشهور بهذه الرواية، كما اعترف به بعض الأعاظم علي ما

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 46

في تقريرات بحثه «1» قبال البعض الآخر، حيث قال: (إن الرواية لم يظهر عمل أحد بها في الفرض المذكور، و هو موت الوالد قبل إدراك الغلام) «2»،

و لعل هذا ظاهر كلام مثل الشرائع: «و لو نذر إن رزق ولداً يحج به أو يحج عنه ثمّ مات حج بالولد أو عنه من صلب ماله» «3». فإنه ظاهر في وقوع الشرط و تمكن الوالد من الوفاء بالنذر لا مطلقاً.

و كيف كان فهذا الفرع بهذه الخصوصية التي هي علي خلاف القاعدة- أي قاعدة اشتراط تمكن الناذر من العمل في ظرفه في انعقاد النذر- الظاهر أنه غير مذكور في كلام القدماء، فإن كان هذا إعراضاً منهم عنها فالعمل بها مشكل، و إلّا

فلا بأس، بل يجب العمل بها في خصوص موردها، و هو نذر الإحجاج به أو الحج عنه.

و لا يخفي عليك أن مقتضي إطلاق قوله: «فأمره رسول اللّٰه صلي الله عليه و آله و سلم أن يحج عنه مما ترك أبوه» خروجه عن الأصل، و لا يجوز تقييد إطلاقه بروايتي ضريس و ابن أبي يعفور، لعدم عمل الأصحاب بهما في موردهما.

[مسألة 11] إذا نذر المستطيع أن يحجَّ حجّة الإسلام

مسألة 11- قال السيد قدس سره في العروة: (إذا كان مستطيعاً و نذر أن يحج حجة الإسلام انعقد علي الأقوي و كفاه حج واحد).

أقول: في الجواهر ذكر في مسألة نذر صوم أول يوم من شهر رمضان عدم انعقاده عند المرتضي و الشيخ، و أبي الصلاح، و ابن إدريس، و علّله بما في الشرائع من

______________________________

(1)- معتمد العروة: 2/ 415.

(2)- مستمسك العروة: 11/ 334.

(3)- شرايع الإسلام: 3/ 726.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 47

أن صيامه مستحق بغير النذر، و زاد: فإيجابه تحصيل للحاصل، و لأنه علي تقدير كونه يوماً من رمضان قد استحق صيامه بالأصل، و لا يمكن أن يقع فيه غيره. ثمّ ذكر تردد المحقق فيه و وجهه بما عرفت، و بما أن مقتضي التعليل الأول- أي كونه تحصيلا للحاصل- عدم صحة نذر كل واجب، بل مقتضاه عدم صحة اليمين عليه أيضاً، و قد عرفت تواتر النصوص «1» في انعقاد اليمين علي الواجب، و منها مضافاً إلي عموم أدلة النذر يقوي الانعقاد وفاقاً لأكثر المتأخرين، و إيجاب صومه بأصل الشرع لا ينافي وجوبه من جهة اخري، و ليس هذا صحة غير شهر رمضان، بل هو من تعدد السبب في وجوبه الذي يمكن أن يراد لإفادة الانبعاث حذراً من الكفارة، و حينئذٍ فيجوز ترامي النذر و تعدد الكفارة

بتعدده، كما أنه يجوز نذره و اليمين عليه و العهد و غير ذلك مما يقتضي تأكيد وجوبه «2».

ثمّ إنه ربما يقال بأن مراد المانع من قوله في الاستدلال: «لأن صيامه مستحق …» إن كان أنه واجب، فالجواب، بأنه لا ينافي وجوبه من جهة اخري تام، و أما إن كان المراد أنه مستحق للّٰه تعالي و مملوك للّٰه بالملكية الوضعية فلا يقبل التأكيد و التكرار، كما هو الأمر في الزوجية و الرقية و الحرية و غيرها، فنذر المستحق للّٰه تعالي لا يوجب استحقاقاً له تعالي، فيكون باطلًا «3»، و لذا يمكن أن نقول بالفرق بين نذر حج الإسلام و بين غيره، فإن في نذر حجة الإسلام يجعل ما هو مستحق للّٰه تعالي مستحقاً له، و مثله لا يقبل التكرار و التأكيد، و في نذر صوم شهر رمضان الواجب حيث لا يكون مستحقاً للّٰه تعالي و ملكاً له يجوز اعتباره ملكاً له، و علي

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: باب 23 من كتاب الأيمان.

(2)- راجع جواهر الكلام: 35/ 441.

(3)- مستمسك العروة: 10/ 336.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 48

ذلك فيشكل الأمر في نذر حجة الإسلام و النذر علي النذر دون غيرهما.

ثمّ إنه علي القول بانعقاد نذر حجة الإسلام فإن عينها في سنة معينة و ترك الحج يجب عليه الكفارة، و إن لم يعينها و سوَّف حتي مات تقضي من تركته، و أما الكفارة من تركته أو من ثلثه فقد مرَّ الكلام فيها.

هذا كله في نذر حجة الإسلام في حال الاستطاعة، و أما إن نذرها في حال عدم الاستطاعة: فإن كان مراده الإتيان بحجة الإسلام بعد الاستطاعة بأن قال- مثلًا-: للّٰه عليّ حجة الإسلام إن صرت مستطيعاً لها فلا ريب في عدم

وجوب الحج عليه، بل عدم قدرته علي حجة الإسلام قبل حصول الاستطاعة، و إن كان المراد نذر حجة الإسلام مطلقاً و من غير تعليقها بحصول الاستطاعة فالظاهر أنه يجب عليه تحصيل الاستطاعة مقدمة لإتيان الواجب. و اللّٰه العالم.

[مسألة 12] كفاية القدرة العقلية في الحج النذري

مسألة 12- يكفي في الحج النذري القدرة العقلية عليه و إن لم يكن مستطيعاً له بالاستطاعة العرفية أو الشرعية.

فيجب مثلًا علي القادر علي المشي و إن لم يكن له الراحلة، فحال الحج النذري مثل سائر الواجبات، و الاستطاعة الخاصة مختصة بالحج الواجب بأصل الشرع و هو حجة الإسلام.

و علي ذلك لا وجه لما في الدروس من أن استطاعة النذر شرعية لا عقلية، قال: (و الظاهر أن استطاعة النذر شرعية لا عقلية، فلو نذر الحج ثمّ استطاع صرف ذلك إلي النذر، فإن أهمل و استمرت الاستطاعة إلي القابل وجبت حجة الإسلام أيضاً، و ظاهر الأصحاب تقديم حجة الإسلام مطلقاً، و صرف الاستطاعة بعد النذر

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 49

إليها) «1».

[مسألة 13] عدم انعقاد نذر غير حجة الإسلام من المستطيع في عامها

مسألة 13- لا ينعقد نذر حج غير حجة الإسلام في عامه هذا إذا كان مستطيعاً لحجة الإسلام إذا كان نذره مطلقاً، و سواء ترك حجة الإسلام أم لم يتركها.

فإنه في ظرف عدم تركها مستلزم لترك الواجب فلا ينعقد لعدم رجحان ما تعلق به قصد الناذر، أي المنذور مطلقاً، كما لا ينعقد نذر ضرب اليتيم مطلقاً، سواء كان ظلماً أو تأديباً.

و أما إذا نذر حجّاً آخر علي تقدير تركه حجة الإسلام فيمكن تصحيح القول بصحته علي القول بالترتب، إلا أن هذا يتم لو قيل بجواز تأتِّي غير حجة الإسلام من المستطيع، و أما لو قلنا بأن حجة الإسلام عبارة عن المناسك التي يأتي بها المكلف في حال الاستطاعة و إن لم ينوِها كذلك فلا يتأتّيٰ منه غير حجة الإسلام، و قصد غيرها لا يجعلها غيرها إذا كان علي نحو الخطأ في التطبيق تقع المناسك علي ما هي عليها فيجزي عن حجة الإسلام.

نعم، قصد غيرها- و إن لم

تكن حجة الإسلام- موجب لبطلانها من جهة الإخلال بقصد القربة.

هذا و إن شك في أن نذره كان مطلقاً أو كان علي تقدير تركه فحمله علي تقدير الترك حملًا علي الصحة فالظاهر إجراء أصالة الصحة، كما لو شك في أنه أوقع

______________________________

(1)- الدروس الشرعية: 1/ 318.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 50

العقد بالعربية أو الفارسية مع العلم ببطلانه بالفارسية.

نعم، لو أوقع النذر مطلقاً و شك في صحته لا تجري أصالة الصحة، كما لو أوقع العقد بالفارسية و شك في صحتها.

ثمّ إنه قد حكم في العروة و وافقه المحشّون بانعقاد النذر إذا نوي الحج غير حجة الإسلام علي تقدير زوال الاستطاعة فزالت.

و فيه: إن كان المراد من زوال الاستطاعة كشف خلافها و أنه لم يكن مستطيعاً، كما إذا حصلت له الاستطاعة المالية فزالت قبل الموسم فلا إشكال في انعقاد النذر و وجوب الحج عليه، و إن كان المراد زوال الاستطاعة بعد استقرار الحج فالحكم- كما ذكر في أصل المسألة- بالتفصيل.

[مسألة 14] إذا نذر حجّاً فورياً ثمّ استطاع

مسألة 14- قال في العروة: (إذا كان نذره في حال عدم الاستطاعة فورياً، ثمّ استطاع و أهمل عن وفاء النذر في عامه وجب الإتيان به في العام القابل مقدماً علي حجة الإسلام و إن بقيت الاستطاعة إليه، لوجوبه عليه فوراً ففوراً فلا يجب عليه حجة الإسلام إلا بعد الفراغ منه).

أقول: لا بدَّ لتحقيق المسألة من الكلام في امور:

الأول: أن هذه المسألة إنما يجري الكلام فيها علي القول بالاستطاعة الشرعية، و عدم وجوب الحج لمنع وجوب النذر من حصول الاستطاعة له، و أما علي القول بالاستطاعة العرفية فلا ينعقد النذر، لاستلزامه ترك الواجب، و هو حجة الإسلام إلّا علي نحو الترتب.

الثاني: علي القول بالاستطاعة الشرعية إذا كان نذره في حال

عدم

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 51

الاستطاعة فورياً ثمّ استطاع و أهمل فهل يجب عليه وفاء النذر في العام القابل و بعده إن أهمل الوفاء بالنذر مقدماً علي حجة الإسلام، فلا يجب عليه حجة الإسلام إلا بعد فراغ ذمته عن النذر؟ الظاهر أن الكلام يجري فيما إذا بقيت الاستطاعة إلي العام القابل، و إلا فإن لم يبق كذلك لم يجب عليه في العام القابل إلا الوفاء بالنذر لعدم حصول الاستطاعة له.

و أما إن بقيت إلي العام القابل فالظاهر أن الأمر يكون كالعام السابق فلا يستطيع من كان عليه النذر لحجة الإسلام، و لا يجب عليه ما لم يفِ بنذره، و ليكن هذا كالوجه علي صحة القول بالاستطاعة الشرعية؛ لأنه يلزم منه عدم حصول الاستطاعة لمن كان ذمته مشتغلةً بمثل الدين و النذر و إن أخّر أداءه سنةً بعد سنة.

الثالث: ظاهر كلام الشهيد في الدروس أنه لو نذر الحج ثمّ استطاع و أهمل و بقيت استطاعته إلي العام القابل يجب حجة الإسلام عليه، و قال: (و الظاهر أن استطاعة النذر شرعية لا عقلية، فلو نذر الحج ثمّ استطاع صرَف ذلك إلي النذر، فإن أهمل و استمرت الاستطاعة إلي القابل وجبت حجة الإسلام أيضاً) «1».

أقول: علي القول بالاستطاعة الشرعية لا فرق بين عام الاستطاعة و العام القابل و غيره من الأعوام الآتية إذا كانت ذمته مشغولة بالنذر، و ظاهر كلامه أنه يجب عليه في العام القابل الحج النذري و حجة الإسلام، و لم يبين أن أيهما يقدم.

و أما توجيه فتواه بوجوب حجة الإسلام إن استمرت استطاعته إلي العام القابل بأنه فوَّت علي نفسه الحج «2».

ففيه: أن التفويت إنما يصدق إذا استقر عليه الحج، و أما حرمة تفويت قدرته

______________________________

(1)-

الدروس الشرعية: 1/ 318.

(2)- معتمد العروة: 1/ 422.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 52

علي الحج قبل عام الاستطاعة فهو أول الكلام، اللهم إلا أن يراد بالتفويت تفويته الحج النذري.

و بالجملة: فكلام الشهيد في المقام لا يخلو من الإعضال و الإشكال و اللّٰه هو الهادي إلي الصواب.

[مسألة 15] من نذر الحج مطلقاً

مسألة 15- إذا نذر الحج و أطلق من غير تقييد بحجة الإسلام و لا بغيره بحيث لا يكون نظره إلي إيجاب حج عليه بالنذر و كان مستطيعاً أو استطاع بعد ذلك فالظاهر أنه يجزيه حج واحد بقصد الوفاء بالنذر عنهما، لا من جهة البناء علي التداخل في المبحث المعروف بتداخل الأسباب أو المسببات، بل لأن النذر قد تعلق بجامع الحج و طبيعته، و يكفي في الوفاء به أداؤه مستطيعاً فيجزيه عنهما.

و هل هذا الحكم مختص بأن ينوي الإتيان بالحج نذراً فيجزي عنه و عن حجة الإسلام، لأن حجة الإسلام ليس غير المناسك التي يأتي بها المستطيع و وجوبها يؤكد بالنذر، أو يكفي في الإجزاء عنها بنية حجة الإسلام فيجزيه عن النذر؛ لأن النذر قد تعلق بطبيعي الحج و قد أتي به في ضمن حجة الإسلام، فإذا أدي حجة الإسلام أدي ما عليه بالنذر، لأن وجوب الوفاء بالنذر توصلي لا تعبدي، فهو قد أدي ما عليه بالنذر في ضمن حجة الإسلام؟

اللّهم إلّا أن يقال: إن الوفاء بالنذر و إن لم يعتبر فيه قصد القربة إلّا أنّ تعنون الفعل بعنوان الوفاء بالنذر و أداء ما عليه به محتاج إلي القصد، فما دام لم يتحقق ذلك لا يفرغ ذمته و يجب عليه الوفاء، فعلي هذا لا يجزي قصد الحج عما عليه بالنذر،

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 53

بخلاف الإتيان بالحج بقصد الوفاء بالنذر فإنه

يجزيه عنهما.

نعم، ربما ينتفي موضوع الوفاء بالعمل كما إذا نذر حج سنة معينة و أتي به بقصد حجة الإسلام أو النيابة عن الغير، ففي هذه الصورة يسقط فرض الوفاء لانتفاء موضوعه، و إن قلنا بوجوب القضاء و الكفارة عليه، و لكن كلامنا في مسألتنا

هذه في النذر غير المقيّد بالزمان، فيجب عليه الوفاء به.

ثمّ إنه ربما يستدل علي إجزاء الإتيان به بقصد النذر عن حجة الإسلام بصحيحة رفاعة، قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل نذر أن يمشي إلي بيت اللّٰه الحرام هل يجزيه ذلك عن حجة الإسلام؟ قال عليه السلام: نعم، قلت: و إن (أ رأيت إن) حج عن غيره و لم يكن له مال و قد نذر أن يحج ماشياً أ يجزي عنه ذلك (من مشيه)؟

قال عليه السلام: نعم» «1».

و صحيحة محمد بن مسلم قال: «سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجل نذر أن يمشي إلي بيت اللّٰه فمشي هل يجزيه عن حجة الإسلام؟ قال: نعم.» «2»

و الاستدلال بهما يتوقف علي كون مورد السؤال الناذر الذي يأتي بنذره في حال الاستطاعة، سواء كان نذره أيضاً في حال الاستطاعة أو حصلت له الاستطاعة بعده. إلا أن الظاهر منهما أن مورد السؤال فيهما هو إجزاء الحج النذري عن حجة الإسلام إذا صار مستطيعاً لها بعده و هو غير معمول به، و لذا فيحمل علي الإجزاء ما دام لم تحصل له الاستطاعة.

و أما ما اختاره في العروة من وجوب التعدد و عدم التداخل و الإتيان

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ب 27، من أبواب وجوب الحج و شرائطه، ح 3.

(2)- وسائل الشيعة، ب 27، من أبواب وجوب الحج و شرائطه، ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 54

بالحجَّين لأصالة

تعدد المسبب بتعدد السبب، و ظهور القضية الشرطية في السببية المستقلة و كون الشرط سبباً لوجود الجزاء علي وجه الاستقلال.

ففيه: أن استظهار ذلك من القضية إنما يكون فيما إذا لم يقصد بها مطلق طبيعة الجزاء، و أما إذا قصد بها مجرد الطبيعة الحاصلة في ضمن كل فرد من أفرادها فالقضية الشرطية المطلقة التي قصد منها سببية الشرط لمطلق وجود الطبيعة تنطبق علي المقيدة.

و بعبارةٍ اخري: في باب النذر يلاحظ نذر الناذر مع متعلق نذره، فإن تعلق نذره بالجامع و طبيعي الحج ينطبق علي حجة الإسلام قهراً، و إن كان متعلقه غير حجة الإسلام لا ينطبق عليه. و اللّٰه هو العالم.

[مسألة 16] من علّق نذره بأحد أمرين فتعذّر أحدهما

مسألة 16- الظاهر أنه ينعقد النذر إن تعلق بأحد الأمرين الراجحين، كنذر الحج أو الإحجاج، و كبناء المسجد أو الحسينية، أو كالصلاة أو الصوم، فالمنذور هو أحد الأمرين، و لذا لو تعذر أحدهما بعد التمكن منه وجب الإتيان بالآخر، بل إن كان أحدهما متعذراً من أول الأمر يجب عليه الإتيان بالآخر.

خلافاً للشهيد فإنه قدس سره قال في الدروس: (و لو نذر الحج بولده أو عنه لزم، فإن مات الناذر استؤجر عنه من الأصل، و لو مات الولد قبل التمكن فالأقرب السقوط) «1».

______________________________

(1)- الدروس الشرعية: 1/ 318.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 55

و الظاهر أن وجه السقوط عنده أن موت الولد موجب لعدم التمكن من أحد العدلين و هو الحج به، فيسقط النذر و يكشف عن عدم انعقاده؛ لأن متعلقه كان أحد الأمرين علي سبيل التخيير.

و فيه: أن العدل الباقي مصداق لأحدهما فيجب الإتيان به، كما أنه لو نذر التصدق بأحد الدراهم التي في يده و تلفت حتي لا يبقي له إلا درهم واحد فإنه يجب عليه

التصدق به، و كما لو ظهر كون الدراهم مغصوبة إلا درهماً واحداً.

و به يندفع ما في الجواهر «1» من الإشكال في المثال الأول بالفرق بينه و بين ما نحن فيه، فإن في مثال الحج موت الولد يكشف عن عدم التمكن من الأول، و في مثال التصدق و تلف الدراهم عدم التمكن من بعض الأفراد طارٍ بعد التمكن، فإن في المثال الثالث عدم التمكن من التصدق بالدراهم المغصوبة كان من الأول.

و علي ما ذكر فمن نذر أن يَحجَّ أو يُحِجَّ يجب أن يأتي بأحدهما علي وجه التخيير، و إن تعذر أحدهما يجب عليه الآخر، و إن تركهما حتي مات و قلنا بوجوب قضاء الحج المنذور لنفسه و كذا الإحجاج يجب القضاء مخيراً بينهما.

و أما إن قلنا بعدم وجوب قضاء ما عليه لنفسه فهل يجب الإحجاج عنه؟

الظاهر عدم الوجوب. نعم، علي القول بقضاء ما عليه لنفسه فعند التعذر يجب العدل الآخر، و إن عرض له العجز عن أحدهما و ترك الآخر حتي مات يجب القضاء عنه مخيراً، كما إذا مات و هو متمكن من الإتيان بهما، و إن كان عجزه عن أحدهما من أول الأمر يمكن أن يقال بوجوب قضاء خصوص ما كان متمكِّناً منه.

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 35/ 392.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 56

[مسألة 17] إذا نذر أحد الأمرين ثمّ مات قبل الوفاء

مسألة 17- قال في العروة: (إذا نذر أن يحج أو يزور الحسين عليه السلام من بلده ثمّ مات قبل الوفاء بنذره وجب القضاء من تركته، و لو اختلف اجرتهما يجب الاقتصار علي أقلهما اجرة، إلا إذا تبرع الوارث بالزائد فلا يجوز للوصي اختيار الأزيد اجرةً و إن جعل الميت أمر التعيين إليه، و لو أوصي باختيار الأزيد اجرةً خرج الزائد من الثلث).

أقول: في

صورة جعل الميت التعيين إلي الوصي، له اختيار الأزيد اجرة، إلا أنه خرج الزائد من الثلث فلا وجه لحكمه بعدم الجواز مطلقاً، و في صورة جعل الميت أمر التعيين إلي الوصي، و لا فرق بينها و بين صورة الوصية باختيار الأزيد، غير أن في الصورة الثانية يجب علي الوصي اختيار الأزيد إن وفي به الثلث.

[مسألة 18] إذا تيقن بوجوب حجٍّ علي الميت و شك بين حجة الإسلام و النذر

مسألة 18- إذا علم أن علي الميت حجّاً و لم يعلم أنه حجة الإسلام أو حج النذر يكفي في قضائه عنه الإتيان به قضاءً لما في ذمته، و أما الكفارة فلا تجب عليه، للشك في حنث النذر.

لا يقال: إنه يعلم إجمالًا أن الواجب عليه إما قضاء حجة الإسلام أو قضاء حج النذر و كفارة الحنث، و مقتضي ذلك وجوب حج واحد و أداء الكفارة. «1»

فإنه يقال أولًا: إنّ وجوب الكفارة فرع العلم بالحنث، و العلم الإجمالي باشتغال ذمة الميت بحجة الإسلام أو النذر لا يستلزم العلم بالحنث، لإمكان فوته عنه

______________________________

(1)- راجع معتمد العروة: 1/ 437.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 57

قبل التمكن منه لا عن تقصير و مسامحة.

و ثانياً: مقتضي هذا العلم وجوب قضاء الحج علي كلا التقديرين.

و بعبارةٍ اخري: العلم التفصيلي حاصل بوجوب قضاء الحج عليه، و بالنسبة إلي وجوب الكفارة يكون شكه بدوياً، فهو عالم بوجوب الحج و شاك في وجوب الكفارة.

نعم، علي القول بعدم وجوب قضاء الحج من التركة و مع العلم الإجمالي بوجوب قضاء حجة الإسلام أو كفارة حنث النذر يجب عليه الاحتياط، غير أنه حيث يتعلق بتركة الميت فلا بد لتعيين قضاء الحج أو الكفارة من الرجوع إلي القرعة، إلا أن يتبرع الورثة بكليهما.

و يمكن أن يقال: إن الوارث لا يجوز له التصرف في تركة الميت

إلا بعد أداء ديونه، و لا يحصل له العلم بذلك إلا بعد قضاء الحج و أداء الكفارة، فتأمّل.

و لو تردد ما عليه بين كفارة حنث النذر و اليمين لتردد ما عليه من الحج بين الواجب بالنذر أو بالحلف، فإن قلنا بوحدتهما و إن كفارة حنث النذر كفارة اليمين فالحكم معلوم، و إن قلنا باختلافهما و إن كفارة اليمين هي عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، فإن لم يقدر فصيام ثلاثة أيام، و إنّ كفارة النذر كفارة من أفطر في شهر رمضان فلا ريب في كفاية عتق رقبة، كما أنه يكفي إطعام ستين مسكيناً؛ لأن فيه إطعام عشرة أيضاً.

و أما القول بكون المسألة من صغريات الشك بين الأقل و الأكثر بالعلم بكون الأقل و هو إطعام عشرة مساكين مورداً للتكليف و الشك في التكليف بالأكثر فقيل فيه: (إنّ العبرة في جريان البراءة في الأقل و الأكثر كون الأقل مورداً للتكليف

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 58

و متعلقاً له بالإجمال إما بتعلق التكليف به مقيداً ببقية الأجزاء، أو مطلقاً منها بحيث لو أتي بالأقل مع الأكثر أو بدونه كان آتياً بالتكليف، فعلي هذا يكون الشك واقعاً في أن الأقل الذي هو متعلق للتكليف قطعاً هل هو مقيد بالإتيان بالأكثر، أو هو مطلق عن ذلك و ليس بشرط شي ء، فتعلق التكليف بذات الأقل معلوم و كونه مطلقاً أو مقيداً مشكوك فيه؟ فنجري البراءة في القيد الذي هو التكليف الزائد، و نقول بوجوب الإتيان بذات الأقل التي كانت متعلقة للتكليف قطعاً، و أما فيما نحن فيه فمتعلق التكليف في أحدهما غير ما هو المتعلق له في الآخر، ففي كفارة اليمين أنّ متعلق التكليف هو الجامع بين عتق رقبة

أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، و في كفارة النذر هو الجامع بين عتق رقبة و إطعام ستين مسكيناً وصوم شهرين متتابعين، فالشك فيهما شك بين المتباينين، و إن كان بحسب الخارج تقع العشرة في ضمن الستين، و العبرة في الملاك الذي تجري معه البراءة إنما هي بملاحظة نفس التكليف و متعلقه لا بملاحظة التطبيق الخارجي). «1»

أقول: ما ذكره هو الحق، فلا يكتفي بإطعام عشرة مساكين في مثل المقام.

[مسألة 19] من نذر المشي في الحج

مسألة 19- لا إشكال في انعقاد نذر المشي في الحج الواجب عليه أو المستحب إذا لم يكن الركوب أفضل.

و هو مورد التسالم و مقتضي النصوص، كصحيح رفاعة بن موسي الذي أخرجه الشيخ بإسناده الصحيح عن موسي بن القاسم عن ابن أبي عمير و صفوان

______________________________

(1)- معتمد العروة: 1/ 439.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 59

عن رفاعة بن موسي «1» قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: رجل نذر أن يمشي إلي بيت اللّٰه، قال عليه السلام: فليمش، قال: قلت: فإنه تعب، قال عليه السلام: فإذا تعب ركب». «2»

و خبر سماعة «3» و حفص «4» الذي رواه عنهما أحمد بن محمد بن عيسي في نوادره، قالا: «سألنا أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل نذر أن يمشي إلي بيت اللّٰه حافياً قال عليه السلام: فليمش، فإذا تعب فليركب». و عن محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام مثل ذلك «5».

فلا ينبغي الإشكال فيه، مضافاً إلي عمومات الصحة لكون المشي راجحاً فينعقد نذره، غير أن ذلك معارض بما رواه الشيخ بإسناده عن موسي بن القاسم، عن الحسن بن محبوب، عن علي بن رئاب، عن أبي عبيدة الحذاء «6» قال: «سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجل نذر أن يمشي

إلي مكة حافياً، فقال عليه السلام: إن رسول اللّٰه صلي الله عليه و آله و سلم خرج حاجّاً فنظر إلي امرأة تمشي بين الإبل، فقال: من هذه؟ فقالوا: اخت عقبة بن عامر نذرت أن تمشي إلي مكة حافية، فقال رسول اللّٰه صلي الله عليه و آله و سلم: يا عقبة انطلق إلي اختك فمرها فلتركب، فإن اللّٰه غني عن مشيها و حفاها، قال: فركبت» «7».

وجه المعارضة: أنه و إن كان يمكن رفع التعارض بين تلك الروايات و ما في

______________________________

(1)- من حسن الطريقة، لا يعترض عليه بشي ء من الغمر … ثقة الطبقة الخامسة.

(2)- وسائل الشيعة: ب 34 من أبواب وجوب الحج ح 1.

(3)- في المصدر: رفاعة.

(4)- أما رفاعة فقد عرفت، و سماعة فهو ابن مهران، ثقة واقفي من الخامسة. و حفص مشترك بين جماعة.

(5)- وسائل الشيعة: ب 34 من أبواب وجوب الحج ح 1.

(6)- زياد بن عيسي و قيل: ابن رجاء، أو أبي رجاء منذر، ثقة صحيح، من الخامسة.

(7)- وسائل الشيعة: ب 34 من أبواب وجوب الحج و شرائطه ح 4.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 60

هذه الرواية من حكاية اخت عقبة بن عامر بحملها علي صورة وقوعها في التعب، كما ربما يدل عليه مشيها بين الإبل، و هذا موافق لما في رواية رفاعة و غيرها، إلا أن حكايتها وقعت في جواب سؤال أبي عبيدة عنه عليه السلام عن نذر المشي حافياً إلي مكة، و السؤال مطلق ليس فيه وقوع الناذر في التعب و المشقة، و الإمام عليه السلام أجاب عنه بهذه الحكاية، فلو لم يكن المشي و الحفاء مرجوحين مطلقاً لا يكون نقل هذه الحكاية جواباً عن السؤال.

اللهمّ إلّا أن يقال: إنّ السؤال أيضاً كان راجعاً

إلي صورة وقوع الناذر في التعب، و ذلك مفهوم من السؤال بقرينة الحال، فإن رجحان المشي إلي مكة لم يكن مما لم يعلم به مثل أبي عبيدة، بل كان رجحانه و استحبابه معلوماً علي جميع الناس، و مثله انعقاد النذر عليه، و إنما السائل أراد السؤال عن صورة وقوع الناذر في التعب و المشقة فأجابه الإمام عليه السلام بهذه الحكاية.

فإن كان المراد من الرواية هذا فهو، و إلّا فهي بظاهرها لم يعمل بها، و لمخالفتها لسيرة المسلمين خلفاً عن سلفٍ و لسائر الروايات.

هذا كله فيما إذا لم يكن الركوب أفضل، و أما إذا كان الركوب أفضل لجهة كزيادة نفقته فالظاهر أن فيه أيضاً ينعقد نذره لرجحان المشي إلي الحج بنفسه، فلا يضر لذلك أرجحية غيره عليه، كما إذا نذر إكرام زيد المؤمن فإنه ينعقد و إن كان إكرام عمرو المؤمن العالم أفضل.

ثمّ إنه قال في العروة: (و كذا ينعقد لو نذر الحج ماشياً مطلقاً، و لو مع الإغماض عن رجحان المشي لكفاية رجحان أصل الحج في الانعقاد).

و قال في المستمسك: (الإجماع بقسميه عليه، كما في الجواهر، و في المعتبر: عليه

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 61

اتفاق العلماء، و تقتضيه عمومات صحة النذر و نفوذها). «1»

أقول: أما عدم الخلاف و الإجماع فقد قال في الجواهر: (الثالثة: إذا نذر الحج ماشياً وجب في الجملة بلا خلاف أجده فيه، بل لعل الإجماع بقسميه عليه) «2».

فتري أن ما ادعي عليه الإجماع بقسميه ليس نذر الحج ماشياً مطلقاً، بل في الجملة، فقد حكي عن أيمان القواعد: (لو نذر الحج ماشياً و قلنا: المشي أفضل انعقد الوصف، و إلّا فلا)، و قال: (و في محكي إيضاح ولده: انعقد أصل النذر إجماعاً، و

هل يلزم القيد مع القدرة؟ فيه قولان مبنيان علي أن المشي أفضل من الركوب أو العكس).

و أما عمومات صحة النذر و نفوذها فالاستدلال بها متوقف علي رجحان المشي مطلقاً، أو في صورة عدم كون الركوب أفضل، إلا أنه يتم الاستدلال بها برجحان الحج ماشياً و إن كان غيره أرجح منه.

و قال في الجواهر: (و ذلك كافٍ في انعقاده، إذ لا يعتبر في المنذور كونه أفضل من جميع ما عداه، فلا وجه حينئذٍ لدعوي عدم الانعقاد علي هذا التقدير أيضاً) «3».

قال بعض الأعلام في شرح قول المحقق قدس سرهما: (إذا نذر الحج ماشياً وجب عليه، و يقوم في مواضع العبور، فإن ركب قضي): (لا خلاف في انعقاد النذر و وجوب الحج، لعموم أدلة وجوب الوفاء بالنذر، و إنما الإشكال في لزوم الوصف، فإن قلنا بأن المشي أفضل من الركوب فلا إشكال أيضاً في لزوم الوصف. و إن قلنا بأن الركوب أفضل فلا يلزم الوصف. كذا حكي عن الإيضاح. و استشكل عليه: بأن

______________________________

(1)- مستمسك العروة: 10/ 352.

(2)- جواهر الكلام: 17/ 349.

(3)- جواهر الكلام: 17/ 349.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 62

المنذور الحج علي هذا الوجه، و لا ريب في رجحانه و إن كان غيره أرجح منه، و ذلك كافٍ في انعقاد النذر. و فيه نظر، لأن نفس الحج لا إشكال في رجحانه، أما كونه راجحاً مع وصف المشي بحيث يسري الرجحان إلي هذه الجهة مع رجحان الركوب كيف يتصور؟ و المفروض أنه تعلق النذر بالخاص، فمع الالتزام باعتبار رجحان متعلق النذر بتمامه كيف يكون الناذر ملزماً بالوفاء؟ ثمّ إنه مع قطع النظر عن عدم الخلاف في لزوم أصل الحج يقع الإشكال من جهة اخري، و هي: أنه إذا

وقع الإلزام و الالتزام علي كلّيٍّ موصوفٍ بوصفٍ خاصٍّ يعد الغير الموصوف مبايناً لذاك، فإذا وقع البيع مثلًا علي متاع موصوف بوصف ففاقد الوصف يعد عرفاً مبايناً للمبيع، و هذا بخلاف ما لو وقع البيع علي عين شخصية موصوفة بوصف خاص فلا يعدّ مباينةً، غاية الأمر للمشتري خيار تخلف الوصف. فنقول في المقام: إذا تعلق النذر بالحج ماشياً، و قلنا بعدم رجحان المشي، و الحج راكباً مباين للحج ماشياً كيف يكون الناذر ملزماً بنفس الحج و لو بإتيانه راكباً؟ إلا أن يقال: غاية الأمر لزوم الحج ماشياً لا لزوم الوصف بالنذر، بل للزوم الموصوف بذاته و كون ما أتي به وفاءً للنذر، فتأمل) «1».

أقول أولًا: إنّ دعوي عدم الخلاف في انعقاد النذر و وجوب الحج مطلقاً سواء قلنا بلزوم الوصف أو عدمه محل مناقشة، لوجود القول بعدم انعقاد النذر إذا كان الركوب أفضل، فلا يجب الحج قبالًا لقول صاحب الإيضاح، فإنه اختار وجوب الحج و عدم لزوم الوصف.

و ثانياً: يرد علي ما أورده علي الجواب الذي اجيب به عن صاحب الإيضاح: أنه لا ينبغي الترديد في رجحان كل فرد من أفراد الكلي الراجح، حيث

______________________________

(1)- جامع المدارك: 2/ 300.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 63

إنه لا يتحقق إلا في ضمن أفراده، و كل فرد منه مصداقه، و يصدق الكلي عليه بما هو عليه من المشخصات، فالحج ماشياً فرد من الحج، كما أن الحج راكباً فرده الآخر، و كل منهما مطلوب و راجح.

و هذا مثل ما أفاده سيدنا الاستاذ الأعظم قدس سره في مجلس حصل له اللقاء مع شيخ الطائفة الميرزا الشيرازي (الميرزا محمد تقي قدس سره)، فإنه كان يستشكل في إتيان المستحبّات بقصد كونها جزءاً من الصلاة

كأجزائها الواجبة، فأفاد سيدنا الاستاذ:

(بأن الصلاة لها أفراد متعددة متكثرة بعضها واجد لبعض المستحبات أو كلها، و بعضها فاقد لها كذلك، كما أن صلاة العشاء الثنائية فرد لها إذا كان المصلي مسافراً، أو رباعيتها فرد لها إذا كان حاضراً، و كما أن كلًّا من ثنائيتها و رباعيتها فرد منها إذا كان هو مشرفاً بالحضور في الحائر- زاد اللّٰه تعالي في شرفه، و رزقنا اللّٰه تعالي زيارته- فالمكلف يجب عليه علي سبيل التخيير العقلي في مثل ما نحن فيه، و علي سبيل التخيير الشرعي في مثل الصلاة و أفرادها المشتملة علي المستحبات و غيرها الإتيان بأحد الأفراد، فكل واحد من الأفراد و كل حج من أفراد الحج جالساً وقع أم راكباً أم من الميقات الكذائي مثلًا أو غيره و و … فرد من أفراد الحج يأتي بها المكلف بقصد القربة و امتثال أمر الحج، فكل منها راجح في نفسه ينعقد النذر المتعلق به).

و أما ما أفاده من الإشكال علي القول بوجوب الموصوف دون الوصف فهو تام في محله، غير أن ما أفاده أخيراً و كأنه صار في مقام تصحيح هذا القول أو إبداء وجهٍ له فليس بتام، فإنه قدس سره قال: (إلا أن يقال: غاية الأمر لزوم الحج ماشياً لا لزوم الوصف بالنذر، بل للزوم الموصوف بذاته، و كون ما أتي به وفاءً للنذر، فتأمّل).

و لعله تفطن بما يرد علي كلامه فأمر بالتأمل، فإن علي هذا كما يكون الحج

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 64

ماشياً وفاءً للنذر يكون راكباً أيضاً وفاءً له. و اللّٰه هو العالم.

[مسألة 20] من نذر الحج راكباً

مسألة 20- قال في العروة: (لو نذر الحج راكباً انعقد و وجب، و لا يجوز حينئذٍ المشي و إن كان أفضل،

لما مرّ من كفاية رجحان المقيد دون قيده …).

أقول: نذر الحج راكباً مطلقاً أو في سنة خاصة أو في حجة الإسلام ينعقد لما ذكر، أما عدم جواز المشي فهو يدور مدار تحقق الحنث به، فإذا نذر حجّاً راكباً يجوز له الحج ماشياً ما دام بقاء تمكنه للحج راكباً، و إذا نذر حجة الإسلام راكباً فما دام لم يستطع لها يجوز له الحج ماشياً، و بعد الاستطاعة لا يجوز له المشي، كما أنه إن نذر ذلك في سنة معينة لا يجوز له المشي، و لكن هل يتحقق الحنث، بمجرد المشي، فإذا مشي بعد الإحرام تحقّق الحنث أو ذلك بعدم إمكان التدارك و الرجوع إلي المكان الأول و الركوب؟

الظاهر أنه لا يتحقق الحنث بذلك فيرجع و يحج ماشياً، و كذلك إذا طاف أو سعي ماشياً هل يتحقق الحنث به، أو يدور ذلك مدار عدم تمكنه من الطواف و السعي راكباً، غاية الأمر أن طوافه و كذلك سعيه باطل لا يترتب عليه الأثر؟ و بالجملة:

فإطلاق القول بعدم جواز المشي علي الناذر لا يخلو من إشكال.

و قال: (نعم، لو نذر الركوب في حجه في مورد يكون المشي أفضل لم ينعقد، لأن المتعلق حينئذٍ الركوب لا الحج راكباً، و كذا ينعقد لو نذر أن يمشي بعض الطريق من فرسخ في كل يوم أو فرسخين، و كذا ينعقد لو نذر الحج حافياً. و ما في صحيحة

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 65

الحذّاء من أمر النبي صلي الله عليه و آله و سلم بركوب اخت عقبة بن عامر مع كونها ناذرة أن تمشي إلي بيت اللّٰه حافية قضية في واقعة، يمكن أن يكون لمانع من صحة نذرها، من إيجابه كشفها، أو تضررها، أو

غير ذلك).

أقول: لا إشكال حسب القاعدة في انعقاد نذر الحج حافياً، لأنه من أفراد الحج و من مصاديقه، كنذر الحج ماشياً أو راكباً، غير أنه ربما يستشهد بصحيحة الحذاء علي عدم رجحانه، و عدم انعقاد النذر عليه، فإنها تدل علي أن النبي صلي الله عليه و آله و سلم أمر اخت عقبة الناذرة أن تمشي إلي مكة حافية بالركوب، و قال: «إن اللّٰه غني عن مشيها و حفاها». «1»

و فيه أولًا: أن متعلق النذر في الرواية في سؤال السائل و جواب الإمام عليه السلام عنه بواقعة اخت عقبة ليس الحج حافياً، بل هو المشي حافياً، و عدم انعقاد النذر عليه أعم من عدم انعقاد نذر الحج حافياً.

و ثانياً: في مورده- أي نذر الحفاء في الحج- معارض بصحيحة رفاعة و حفص، قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل نذر أن يمشي إلي بيت اللّٰه حافياً، قال عليه السلام: فليمش فإذا تعب فليركب». «2»

و بعد التعارض- لو لم نقل بترجيح صحيحة رفاعة و حفص- المرجع هو عموم وجوب الوفاء بالنذر، كما أفاده بعض الأعلام «3»، إلا أنه يمكن أن يقال: إذا تساقطت الصحيحتان عن الحجية فجواز الرجوع إلي عمومات الوفاء بالنذر فرع

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 34 من أبواب وجوب الحج و شرائطه ح 4.

(2)- وسائل الشيعة: كتاب النذر و العهد ب 8 ح 2.

(3)- راجع معتمد العروة: 1/ 445.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 66

ثبوت رجحان الحفاء، و التمسك بالعموم المذكور مع التمسك في رجحان المشي حافياً يكون من التمسك بالعموم في الشبهات المصداقية.

اللهم إلا أن يدعي أن المشي حافياً رجحانه مغروس في أذهان المسلمين، و هو من أظهر علائم التذلل للّٰه تعالي، فليحمل صحيحة الحذاء

علي بعض المحامل التي سبقت الإشارة إليها. و اللّٰه العالم.

[مسألة 21] يشترط في انعقاد النذر تمكن الناذر من فعل المنذور

مسألة 21- لا ريب في أنه يشترط في انعقاد النذر تمكن الناذر من الإتيان بالنذر و كونه مقدوراً له، فإذا كان عاجزاً عن ذلك لا ينعقد، سواء كان متعلقه الحج أو غيره من الامور الراجحة، و كذا إذا كان متعلقه موجباً للتضرر النفسي المعتد به و إن لم يكن موجباً للهلاك.

لحرمته شرعاً و عقلًا علي ما هو الظاهر من المتشرعة و مغروسية ذلك في أذهانهم، خلافاً لبعض الأعلام المعاصرين، حيث إن الظاهر منه قدس سره عدم حرمة الإضرار بالنفس إذا كان غير مؤدٍّ إلي الهلاك، فعلي هذا يكون وزان الضرر غير المؤدي إلي الهلاك وزان الحرج «1».

و الظاهر عدم الإشكال في انعقاد النذر بالأمر الراجح الحرجي إذا كان مستحباً، فإن أدلة نفي الحرج لا تشمل المستحبات، لعدم إلزام من الشارع علي إتيان المكلف بها، و وجوبها بالنذر إلزام منه علي نفسه لا تشمله أدلة نفي الحرج، و علي هذا فلا مانع من انعقاد نذر الحج المستحب ماشياً إذا كان حرجياً، و هكذا الحكم في

______________________________

(1)- مستمسك العروة: 10/ 356.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 67

الحج الواجب، فإن المشي في الحج مستحب، و الإتيان بالمستحب الحرجي يجوز، بل فيه مزيد الأجر و الثواب، لأن «أفضل الأعمال أحمزها»، و إذا صار متعلقاً للنذر تشمله أدلة الوفاء؛ لأن الناذر ألزم ذلك علي نفسه، و رفعه عنه ليس الامتنان عليه، فعلي هذا لا تصل النوبة إلي الاستدلال بأنّ رفع الحرج من باب الرخصة لا العزيمة، كما أفاده في العروة و قرره كثير من المحشين عليه.

هذا كله إذا كان عالماً بكون المنذور حرجياً حين النذر، و أما إذا عرض الحرج بعد ذلك

فالظاهر سقوط الوجوب به، و الكلام في الضرر غير المهلك- إذا قلنا بعدم حرمته- هو الكلام الذي سمعته في الحرج.

[مسألة 22] مبدأ وجوب المشي أو الحفاء أو الركوب

مسألة 22- مبدأ وجوب المشي أو الحفاء بل و الركوب إذا كان معيناً عند الناذر، فلا ريب في أنه هو المتعين، و إن نسيه أو لم يعينه في قصده فالظاهر أنه يجزيه ما يصدق به الحج ماشياً أو حافياً أو راكباً، و هو يتحقق بالمشي أو الحفاء أو الركوب من أول المناسك و الأعمال، و هكذا الحال إن شك فيما قصده.

غير أن الظاهر أنه يبني علي ما يراد من اللفظ بحسب العرف، فلو قال: «للّٰه عليّ أن أحج ماشياً» يمشي من أول الأعمال، و إن قال: «للّٰه علي أن أمشي إلي بيت اللّٰه» يمشي من أول ما يريد الذهاب إلي مكة من أي بلد كان، و لا اعتداد بخصوص بلد النذر أو الناذر أو أقرب البلدين إلي الميقات.

هذا بحسب المبدأ، و أما بحسب المنتهي فإن عين أيضاً مكاناً خاصاً فهو، و إلا فهل يجب عليه المشي إلي تمام الأعمال حتي طواف النساء، أو أن منتهاه مع عدم

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 68

التعيين رمي الجمار؟

و يدل عليه صحيح جميل، قال أبو عبد اللّه عليه السلام: «إذا حججت ماشياً و رميت الجمرة فقد انقطع المشي» «1»

و في صحيح إسماعيل بن همام، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: «قال أبو عبد اللّٰه عليه السلام في الذي عليه المشي في الحج: إذا رمي الجمرة زار البيت راكباً و ليس عليه شي ء». «2»

و صحيح الحلبي: أنه «سأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن الماشي متي ينقضي مشيه؟

قال عليه السلام: إذا رمي الجمرة و أراد الرجوع فليرجع راكباً فقد انقضي

مشيه، و إن مشي فلا بأس» «3»

و أما خبر يونس بن يعقوب قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام: متي ينقطع مشي الماشي؟ قال عليه السلام: إذا أفضت من عرفات» «4».

فالظاهر أنه غير معمول به في مورد من كان وجب عليه المشي بنذر و شبهه، و يمكن حمله علي المتطوع بالمشي و عدم وجوبه عليه.

هذا، و لكن استشكل في الاستدلال علي انتهاء المشي برمي الجمار بأنه لم يذكر في صحيحي جميل و ابن همام رمي الجمار، و ما هو المذكور فيهما رمي الجمرة و هي تنطبق علي العقبة و غيرها. نعم، في خبر علي بن أبي حمزة «رمي جمرة العقبة» إلا أنه

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 35 من أبواب وجوب الحج و شرائطه ح 2.

(2)- وسائل الشيعة: ب 35 من أبواب وجوب الحج ح 3.

(3)- وسائل الشيعة: ب 35 من أبواب وجوب الحج ح 5.

(4)- وسائل الشيعة: ب 35 من أبواب وجوب الحج و شرائطه ح 6.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 69

ضعيف السند به. «1»

و فيه أولًا: أن في بعض النسخ من الكافي في رواية ابن همام: «رمي الجمار».

و ثانياً: هذه الجملة: «رميت الجمرة و رمي الجمرة» ظاهرة في تمام الرمي برمي العقبة الثانية، و علي فرض الإجمال يتم القول بانتهائه برمي الجمار باستصحاب وجوب المشي إلي تمام رمي الجمار.

[مسألة 23] ركوب الطائرة أو السفينة لمن نذر الحج ماشياً

مسألة 23- لا يجوز لمن نذر الحج ماشياً أو المشي في حجه أن يركب الطائرة أو السفينة، لمنافاته لنذره، كما إذا نذر ذلك في سنة معينة أو في حجة الإسلام.

و لو اضطر إلي الركوب أو عجز عن المشي سقط وجوب الوفاء لكشف ذلك عن عدم انعقاد النذر، فإن كان الحج الذي نذر الإتيان به ماشياً واجباً

عليه لا من جهة هذا النذر بل من جهة نذر آخر مثلًا، أو كونه حجة الإسلام يأتي به راكباً، و إلّا فليس عليه شي ء.

و إن كان في طريقه نهر أو شط لا يمكن العبور إلا بالمركب فهل يسقط به وجوب الوفاء و يكشف به عدم انعقاد نذره، لكونه علي سبيل العام المجموعي لا الاستغراقي حتي ينحل نذره بنذور كثيرة، أو أنه ينعقد النذر و يجوز له الركوب لمثل هذا العبور؟

و هذا هو الظاهر من تعلق النذر بالمشي لاقتضاء الطريق ذلك عادة.

______________________________

(1)- معتمد العروة: 1/ 450.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 70

و هل يجب عليه القيام في العبور علي المركب، أم لا؟

حكي عن المشهور أنه يقوم عليه أو فيه، لخبر السكوني الذي رواه المشايخ الثلاثة.

و لفظ الكليني: علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إنّ أمير المؤمنين عليه السلام سئل عن رجل نذر أن يمشي إلي البيت، فمر بمعبر، قال: فليقم في المعبر قائماً حتي يجوز» «1».

و ضعف الخبر أولًا: بالسكوني، و هو إسماعيل بن أبي زياد السكوني الشعيري، له كتاب، روي عنه النوفلي، كان عامياً من الخامسة، كان قاضياً في الموصل، روي عنه في الكافي أكثر من ثلاثمائة حديث، قال بعض الأعاظم قدس سره بأنه موثق «2» و لم يذكر موثِّقه، و حكي عن عدة الشيخ إجماع الإمامية علي العمل بروايته و تصديق نقله «3».

و ثانياً: بالحسين بن يزيد بن محمد بن عبد الملك النوفلي النخعي الكوفي، الأديب الشاعر، الذي لعله كان من السادسة، و وثّقه بعض الأعاظم؛ لأنه من رجال كامل الزيارات «4». و لكنه عدل بعد ذلك عن التوثيق بكون الراوي من رجال كامل الزيارات.

و

لكن الظاهر كون الخبر معتبراً لاعتماد الكليني علي الرجلين في أكثر من ألف حديث، و لعمل المشهور به كما نص عليه السيد البروجردي قدس سره. فالأقوي وجوب

______________________________

(1)- الكافي: 7/ 455 باب النذور.

(2)- معتمد العروة: 1/ 452.

(3)- معجم رجال الحديث: 3/ 106.

(4)- معتمد العروة: 1/ 452.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 71

القيام في المعبر.

[مسألة 24] إذا خالف نذره فحج راكباً

مسألة 24- إذا نذر المشي فخالف نذره فحج راكباً فإن كان المنذور الحج ماشياً من غير تقييد بسنة معينة وجب عليه الإتيان به في السنين المقبلة و لا كفارة عليه، و صح ما أتي به إذا أتي به بنية الحج لا بقصد الوفاء بالنذر، و إن أتي به بقصد الوفاء ففي صحته إشكال؛ لأنه لم يقصد الأمر المتوجه إلي ما أتي به، و الأمر الذي قصده لم يتعلق بما أتي به، فما قصده ليس ما أتي به و ما أتي به ليس ما قصده.

إن قلت: فما تقول إن أتي بالحج ماشياً ناوياً الوفاء بالنذر ثمّ انكشف عدم انعقاد نذره، فهل يحكم بفساد حجه أو صحته؟

قلت: الحكم بالصحة هنا أيضاً مشكل إلا أن يدل عليها دليل بالخصوص، أو يقال باستفادة ذلك من مثل الحكم بصحة الصيام أياماً بقصد الكفارة ثمّ ترك التتابع، فإن ذلك لا يبطل ما أتي به من الصيام، أو ممّا دل علي صحة عمل الأجير إذا خالف الإجارة، أو ينوي الوفاء بما يأتي به من الحج بقصد امتثال أمره الخاص.

و إن كان المنذور الحج ماشياً في سنة معينة فخالف و أتي به راكباً فلا ريب في أنه عليه الكفارة لتحقق الحنث بذلك، و أما القضاء فيجب أيضاً علي ما قويناه سابقاً.

و أما صحته فهي أيضاً تدور مدار قصده، فإن أتي به

بقصد ما هو مأمور به من غير جهة النذر من الحج الواجب أو المستحب فالظاهر صحته، و إلّا فإن أتي به بقصد الوفاء بالنذر فالكلام في صحتها و عدمها هو الكلام الذي مر في الصورة الاولي. و إذا كان المنذور المشي في حج معين فالظاهر صحة حجه، غير أنه يجب

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 72

عليه الكفارة، و لكن ليس عليه القضاء لفوات محل النذر.

[مسألة 25] لو نذر المشي فركب بعض الطريق

مسألة 25- لو ركب ناذر المشي بعضاً و مشي بعضاً فهل عليه أن يقضي و يمشي موضع ركوبه، أو يقضيه ماشياً، أو يفصل، فإن وقع الركوب بعد التلبس بالحج يقضيه ماشياً بخلاف ما إذا وقع الركوب قبل التلبس بالحج مع تعلق النذر بالمشي من البلد فيكفي التلفيق؟ وجوه أو أقوال.

و الأول منقول عن الشيخين و جماعة. و الثاني منقول عن ابن إدريس «1». و في الشرائع: أنه أشبه «2» و الثالث ما يظهر من المدارك «3».

وجه القول الأول علي ما حكي عن المختلف: أن الواجب عليه قطع المسافة ماشياً و قد حصل بالتلفيق فيخرج عن العهدة، إذ هو إنما نذر حجّاً يكون بعد المشي في جميع طريقه و قد حصل، و لأنه أخل بالمنذور فيما ركب فيه فيقضيه.

و فيه ما لا يخفي: فإن الواجب عليه كان قطع المسافة في حج واحد لا في الحجين أو الحجج المتعددة، كما أجاب عنه في المختلف «4» بالمنع من حصوله- أي المنذور- مع التلفيق، و لعله واضح، إذ لا يصدق عليه أنه حج ماشياً.

و وجه القول الثالث: أنه لا يصدق علي من ركب في جزء من الطريق بعد التلبس بالحج أنه حج ماشياً، بخلاف ما إذا وقع الركوب قبل التلبس بالحج مع تعلق

______________________________

(1)- السرائر: 1/

518.

(2)- شرايع الإسلام: 3/ 752.

(3)- مدارك الأحكام: 7/ 105.

(4)- مختلف الشيعة: 1/ 323.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 73

النذر بالمشي من البلد؛ لأن الواجب قطع تلك المسافة في حال المشي و إن فعل في أوقات متعددة و هو يحصل بالتلفيق، إلا أن يكون المقصود قطعها في عام الحج.

و فيه أيضاً ما لا يخفي: فإن المنذور هو قطع تلك المسافة في حج واحد لا في الحجج المتعددة.

و بعد ذلك يبقي القول الثاني و هو الصحيح الموافق للقاعدة، لأنه أخل بالصفة المشترطة، و لا يصدق الوفاء بالنذر بدونها، ضرورة كون المنذور المشي إلي الحج في جميع طريقه، فلو لم يأتِ به كذلك يجب عليه القضاء و الكفارة أو الإتيان به في السنين المقبلة.

ثمّ إنّه قد تعرّض هنا في الجواهر لروايةٍ فقال: (و علي كل حالٍ فما في خبر إبراهيم بن عبد الحميد بن عباد بن عبد اللّه البصري سأل الكاظم عليه السلام عن رجل جعل للّٰه نذراً علي نفسه المشي إلي بيت اللّٰه الحرام فمشي نصف الطريق أو أقل أو أكثر، قال عليه السلام: «ينظر ما كان ينفق من ذلك الموضع فليتصدق به» لا بد من حمله علي استحباب ذلك للعاجز). «1»

أقول: قد روي هذا الحديث الشيخ قدس سره في كتابيه: بإسناده عن الصفار «2» عن إبراهيم بن هاشم عن عبد الرحمن بن حماد «3» عن إبراهيم بن عبد الحميد «4» عن أبي الحسن عليه السلام، قال: «سأله عباد بن عبد اللّه البصري عن رجل جعل للّٰه عليه نذراً

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 17/ 353.

(2)- محمد بن الحسن بن فروخ، أبو جعفر الأعرج من الثامنة، كان وجهاً في أصحابنا القميين، ثقة عظيم القدر، راجحاً، قليل السقط في الرواية (المتوفي بقم

سنة 290).

(3)- له كتاب، روي عنه البرقي كأنه من السادسة.

(4)- ثقة له أصل من الخامسة.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 74

علي نفسه المشي إلي بيت اللّٰه الحرام فمشي نصف الطريق أو أقل أو أكثر؟ فقال عليه السلام:

ينظر ما كان ينفق من ذلك الموضع فيتصدق به». «1»

و أما دلالته فالظاهر أن الجواهر استظهر منه و لو بالإطلاق أنه يجوز أن يمشي بعضاً و يركب بعضاً بالاختيار و لا قضاء عليه، غير أنه ينفق من ذلك الموضع و يتصدق به، فهو بهذا المعني متروك مهجور، و لذا قال: (لا بد من حمله علي استحباب ذلك للعاجز).

و لكن بعض الأعاظم قدس سره حكم أولًا باعتبار الرواية و قال: (قد ذكرنا مراراً و كراراً أن العبرة باعتبار الرواية، و لا يضر هجرها، و الرواية معتبرة، و رجال السند كلهم ثقات، حتي عبد الرحمن بن حماد فإنه من رجال كامل الزيارات- ثمّ قال: - و الصحيح أن يقال: إن الرواية لا تدل علي ما قيل من عدم وجوب الإتمام و جواز الترك اختياراً و الاكتفاء بالتصدق، بل الظاهر أنها نظير الرواية التي دلت علي وجوب صرف جمله و نفقة حجه و زاده في الإحجاج عن مالك هذه الامور إذا مات في بعض الطريق.

و الفرق أن مورد تلك الرواية فيما له جمل و مورد روايتنا هذه ما لا جمل له، و بالجملة: المستفاد من الرواية أنه لو مات الناذر في بعض الطريق يتصدق بنفقته، و لا تدل علي جواز ترك الحج اختياراً بمجرد المشي في بعض الطريق و التصدق بنفقة الحج. و يدل علي ذلك قوله: «ينظر» فإنه ظاهر في أن المتصدق غير الناذر، فالمراد أن الناذر مات و ينظر شخص آخر

في نفقته، و إلّا لو كان المراد وجوب التصدق علي نفس الناذر يقال: يتصدق بنفقته. و علي كل حال لا دلالة للرواية علي مخالفة النذر

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: باب 21 من أبواب النذور ح 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 75

في مورد السؤال). «1»

أقول: أما ما استظهره من الرواية فالظاهر أنه أظهر مما حملها عليه الجواهر، و علي كل حال فكما أفاد قدس سره لا ربط للرواية بمسألتنا هذه، و أما ضعف سندها بعبد الرحمن بن حماد لا يرتفع بما أفاد بعد عدوله بنفسه عما بني عليه من وثاقة رجال كامل الزيارات، فالرواية ضعيفة السند لم يثبت من أحد أنه عمل بها في صورة عجز الناذر أو موته. و اللّٰه هو العالم.

[مسألة 26] العجز عن المشي بعد التمكن منه

مسألة 26- إذا عجز عن المشي بعد انعقاد نذره بتمكنه منه لا ريب في سقوطه عنه إذا لم يتوقع القدرة عليه بعد ذلك، و هل يجب عليه حينئذٍ الركوب؟

و مضافاً إليٰ ذلك هل يجب سوق الهدي، أو يفصّل بين ما إذا عجز بعد الإحرام فإنه يجب عليه الإتمام لقوله تعالي: «وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّٰهِ» و سوق الهدي لما نذكره من السنة، و بين ما إذا عجز قبل الإحرام فلا يجب عليه راكباً أيضاً إلا بدليل خاص لعدم تعلق نذره به و عدم كونه قضاءً له؟

يمكن أن يستدل لكل ذلك بصحيح الحلبي قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: رجل نذر أن يمشي إلي بيت اللّٰه و عجز عن المشي (ان يمشي) قال: فليركب و ليسق بدنة فإن ذلك يجزي عنه إذا عرف اللّٰه منه الجهد». «2»

______________________________

(1)- معتمد العروة: 1/ 459.

(2)- وسائل الشيعة: ب 34 من أبواب وجوب الحج و شرائطه ح 3.

فقه الحج

(للصافي)، ج 2، ص: 76

و إطلاقه يشمل قبل الشروع في الحج و بعده، و قبل الإحرام و بعده.

و مثله صحيح ذريح المحاربي- و إن كان السؤال فيه عن اليمين إلّا أن الظاهر اتحاد حكم اليمين و النذر في مثل ذلك إما لكون المراد من اليمين معناه الأعم منه و من النذر أو بإلغاء الخصوصية- قال: «سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن رجل حلف ليحجّنّ ماشياً فعجز عن ذلك فلم يطقه؟ قال: فليركب و ليسق الهدي». «1»

إلا أنه يعارضهما في سوق الهدي صحيح رفاعة بن موسي، قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: رجل نذر أن يمشي إلي بيت اللّٰه، قال: فليمش، قلت: فإنه تعب، قال: فإذا تعب ركب». «2» و صحيح محمد بن مسلم عن أحدهما عليه السلام قال: «سألته عن رجل جعل عليه مشياً إلي بيت اللّٰه فلم يستطع؟ قال: يحج راكباً». «3»

و قريب منهما خبر سماعة و حفص قالا: «سألنا أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل نذر أن يمشي إلي بيت اللّٰه حافياً؟ قال: فليمشِ، فإذا تعب فليركب». «4»

وجه التعارض: سكوت هذه الروايات عن سوق الهدي مع كونها في مقام البيان، فليحمل الصحيحان المذكوران علي الاستحباب.

و فيه: أنّ السكوت في مقام البيان و إن كان ظاهراً في عدم الوجوب إلا أنه لا يزيد علي الإطلاق اللفظي، و هو لا ينافي التقييد بدليل آخر، فكيف بالسكوت؟

فالظهور اللفظي بلغ ما بلغ من القوة قابل للتقييد، نظير قوله عليه السلام: «لا يضر الصائم ما

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 34، من أبواب، وجوب الحج و شرائطه، ح 2.

(2)- وسائل الشيعة: ب 34، من أبواب، وجوب الحج و شرائطه، ح 1.

(3)- وسائل: ب 8 من أبواب وجوب الحج

و شرائطه ح 9.

(4)- وسائل: باب 34 من أبواب وجوب الحج و شرائطه ح 10.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 77

صنع إذا اجتنب ثلاث خصال: الطعام و الشراب، و النساء، و الارتماس في الماء» «1» مع ورود التقييد علي ذلك بسائر المفطرات، فمقتضي القاعدة هو الالتزام بالتقييد و العمل بالصحيحين، و لا إجماع علي الخلاف. «2»

و يمكن أن يستدل للحمل المذكور (استحباب سوق الهدي) بما رواه الحلي في آخر السرائر نقلًا عن نوادر أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي عن عنبسة بن مصعب قال: «قلت له (يعني لأبي عبد اللّه عليه السلام): اشتكي ابن لي فجعلت للّٰه عليَّ إن هو برئ أن أخرج إلي مكة ماشياً، و خرجت أمشي حتي انتهيت إلي العقبة فلم أستطع أن أخطو، فركبت تلك الليلة حتي إذا أصبحت مشيت حتي بلغت، فهل عليَّ شي ء؟

قال: فقال لي: اذبح فهو أحب إليَّ، قال: قلت له: أي شي ءٍ (أ شي ء) هو إليّ لازم أم ليس لي بلازم؟ قال: «من جعل للّٰه علي نفسه شيئاً فبلغ فيه مجهوده فلا شي ء عليه، و كان اللّٰه أعذر لعبده». «3»

و هذا الحديث صريح في عدم وجوب الهدي، و الصحيحان ظاهران في الوجوب، و مقتضي الجمع بينهما و بين هذا الخبر حملهما علي الاستحباب.

و روي الشيخ قدس سره في كتابيه هذا الحديث عن عنبسة بسند و لفظ آخر، فرواه بإسناده، عن الحسين بن سعيد، عن صفوان، عن إسحاق بن عمار، عن عنبسة بن مصعب قال: «نذرت في ابن لي إن عافاه اللّٰه أن أحج ماشياً فمشيت حتي بلغت العقبة، فاشتكيت فركبت، ثمّ وجدت راحة فمشيت، فسألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن ذلك فقال عليه السلام: إني احب

إن كنت موسراً أن تذبح بقرة، فقلت: معي نفقة و لو شئت أن

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح 1.

(2)- معتمد العروة: 1/ 463.

(3)- وسائل الشيعة: ب 34 من أبواب وجوب الحج و شرائطه ح 6.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 78

أذبح لفعلت (و عليَّ دين)، فقال: إني احب إن كنت موسراً أن تذبح بقرة، فقلت:

أ شي ء واجب أفعله؟ فقال عليه السلام: لا، من جعل للّٰه شيئاً فبلغ جهده فليس عليه شي ء». «1»

و لكن ضعف هذا الخبر بعنبسة، فإنه علي ما حكي عن الكشي عن حمدويه (و الظاهر أنه حمدويه بن نصير بن شاهي موصوف بأنه عديم النظير في زمانه، كثير العلم و الرواية، ثقة حسن المذهب) ناووسي واقفي.

و لكن صرح بصحة الحديث بهذا السند بعض الأعاظم؛ لأن عنبسة ثقة لكونه من رجال كامل الزيارات. «2»

أقول: أما توثيق عنبسة بما ذكر ففيه ما ذكر: أن المنقول منه العدول عن هذا البناء، و اختصاصه تصحيح خصوص هذا السند دون ما نقله الحلي عن نوادر أحمد ابن محمد البزنطي لعله لجهالة إسناده إلي البزنطي، غير أن الظاهر أن كتابه كان موجوداً عند الحلي و أخرج الحديث علي طريق الوجادة، و عندي أن ذلك يكفي في الاعتماد علي الحديث.

و أما عنبسة فقد قال صاحب الجواهر: (و خبر عنبسة من قسم الموثق الذي هو حجة عندنا) «3»، و لعلّ ذلك كان سبباً لاعتماد جمعٍ من الأكابر عليه، سيما مع كون مثل البزنطي هو الراوي عنه. و مما يدل علي اعتبار السند هو رواية الكليني في الكافي و للشيخ- في كتابيه- ما يدل علي اعتماد مثل جميل بن دراج علي روايته و تعبيره عنه و عن

سورة بن كليب: «قد روي بعض أصحابنا»، فكل ذلك يكفي في الاعتماد علي هذا الحديث.

______________________________

(1)- تهذيب الأحكام: 8/ 313.

(2)- معتمد العروة: 1/ 464.

(3)- جواهر الكلام: 17/ 355.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 79

و هل يجب عليه الحج راكباً إذا عجز عن المشي قبل انعقاد نذره بالتمكن من المشي؟ الظاهر أن نذره إن كان مقيداً بسنة معينة لا شي ء عليه لا الحج راكباً و لا سياق الهدي، و إطلاق الروايات منصرف عن ذلك، و إلا فإن أخذنا بإطلاق الروايات بهذه الصورة يجب أن نقول بجوازه راكباً و إن كان نذره مطلقاً غير مقيد بسنة معينة.

و لكن الظاهر أنه لو لم يكن مقيداً بسنة معينة ينظر حصول التمكن، فإن حصل له يجب عليه الوفاء بالنذر.

هذا إذا كان العجز قد طرأ قبل الشروع، و إن شرع بالحج برجاء التمكن و طرأ بعده العجز فهل يكشف ذلك أيضاً عن عدم انعقاد النذر إذا كان مقيداً بسنة معينة، أو يستفاد من إطلاق هذه الأخبار وجوب إتمام الحج راكباً، بل و كذا إذا لم يكن مقيداً بسنة معينة و شرع في الحج يجب عليه الركوب و يجزيه عن نذره فلا ينتظر التمكن من المشي؟

يمكن أن يقال بشمول الروايات لهذه الصورة، خصوصاً رواية رفاعة و محمد بن مسلم لو لم نقل بكون رواية رفاعة نصاً فيها، من غير فرق بين المقيد بسنة معينة و غيره.

[مسألة 27] المراد من العجز عن المشي

مسألة 27- الظاهر أنه و إن كان مقتضي بعض الروايات المذكورة في المسألة السابقة في جواز الركوب و كفايته عن المشي اختصاص هذا الحكم بصورة وقوع الناذر في التعب مثل رواية رفاعة و رواية سماعة و حفص، فلا تشمل هذه سائر الموانع مثل العدو أو الخوف أو غيرهما.

فقه

الحج (للصافي)، ج 2، ص: 80

إلا أن الظاهر أن ما دل منها علي الحكم في صورة العجز و عدم الاستطاعة مثل صحيحي الحلبي و ذريح المحاربي و رواية عنبسة يشمل مطلق العجز عن المشي، سواء كان بدنياً راجعاً إلي ضعف البدن و المرض و ذهاب الطاقة علي المشي و لو كان من كسر أو جرح و إلي غير ذلك من الموانع الخارجية كالخوف و العدو، أو حدوث مانع في الطريق من المشي لصدق عنوان العجز في الجميع فهو عاجز عن المشي.

اللهمّ إلّا أن يقال بانصراف العجز في هذه الأحاديث إلي العجز الجسماني دون ما حصل من سائر الأسباب، و لم نقل بعدم دخل حصوله من سبب خاص في الحكم.

و عليه يكشف هذا العجز عن عدم انعقاد النذر فلا شي ء عليه. و لكن الظاهر أن وجوب إتمام الحج و عدم جواز قطعه من الأثناء و الرجوع إلي بلده كان مفروغاً عنه عندهم، و السؤال و الجواب في الروايات وقع لعلاج وقوعه في ترك العمل بالنذر، و لذا استحب له سوق الهدي.

و كيف كان فالاحتياط الواجب إلحاق العجز الحاصل من سائر الأسباب إلي العجز الحاصل من ضعف الجسم. و اللّٰه تعالي هو العالم.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 83

الكلام في الحج النيابي

اشارة

لا كلام في جواز النيابة عن الميت و الحي في الحج المندوب و عن الميت في الحج الواجب أيضاً و عن الحي في الواجب في الجملة و في بعض الموارد و هذا الحكم مقطوع به يدل عليه الروايات الكثيرة فلا حاجة إلي سرد الكلام فيه.

[مسألة 1] القول في شرائط النائب

اشارة

مسألة 1- يشترط في النائب امور:

الأول: البلوغ

علي ما هو المعروف و المشهور فلا يصح نيابة الصبي و إن كان مميزاً و الذي يمكن أن يكون الوجه لذلك امور:

أحدها: عبادة الصبي تمرينية فلا يكتفي بها للنيابة عن المكلفين الذين عباداتهم شرعية تترتب عليها آثارها الخاصة.

و فيه: منع كون عباداتهم تمرينية صرفة بل عباداتهم شرعية صحيحة مثل عبادات المكلفين المندوبة.

و ثانيها: عدم الوثوق به لعدم الرادع له من جهة عدم تكليفه.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 84

و فيه: أن ذلك لا يقتضي بطلان عمله مطلقاً فيترتب عليه أثر الصحة هو بنفسه بعد بلوغه و كذا من يثق به.

و ثالثها: أن مقتضي الأصل عدم جواز الاكتفاء بفعل النائب إلا ما خرج بالدليل و ما ثبت بالدليل جوازه و الاكتفاء به هو حج البالغ. فقد ورد في الروايات جواز حج الرجل عن المرأة و المرأة عن الرجل و عن المرأة و لا إطلاق فيها يشمل الصبي و الصبية لعدم كونها في مقام بيان هذه الجهة و كونها في مقام بيان عدم اشتراط اتحاد الجنس أو الرجولية كما ورد في جملة منها لفظ الرجل مثل «فليبعث رجلًا» و شموله للصبي أيضاً محل الإشكال، بل إلغاء خصوصية الرجل بالنسبة إلي المرأة أيضاً في النيابة عن الرجل الحي محل الإشكال. و ليس هذا مثل «رجل شك بين الثلاث و الأربع» لاحتمال دخل خصوصية الرجولية في ذلك- لا اقل- بالنسبة إلي النيابة عن المرأة بخلاف قوله رجل شك بين الثلاث و الأربع فإنا لا نحتمل دخالة الرجولية في الحكم بالبناء علي الأربع.

و فيه: أنه أما في نيابة المرأة عن الرجل الحي فالقول به مستلزم لعدم جواز استنابته المرأة و إن كان النائب منحصراً بها

و لا أظن أن يلتزم به ذلك المستشكل «1» و الظاهر أنه لا دخل للرجولية في الحكم و إنما جاء في طي الكلام، لأن النائبين كانوا غالباً من الرجال ففرق بين قوله: «فليبعث رجلًا» و بين قوله: «فليبعث امرأة»، فإن من الثاني يستفاد الخصوصية دون الأول.

ثمّ إنه لا فرق في ما ذكر من عدم جواز الاكتفاء بنيابة الصبي المميز- كما صرح به في العروة- بين أن يكون نيابته بالإجارة أو بالتبرع بإذن الولي أو عدمه

______________________________

(1)- راجع معتمد العروة: 2/ 12.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 85

و نفيه البعد عن صحة نيابته في الحج المندوب إذا كانت بإذن الولي كأنه ليس بوجيه لعدم الفرق فيما ذكر من عدم الدليل علي جواز نيابة الصبي بين الحج المندوب و الواجب، و اللّٰه تعالي هو العالم.

ثمّ إن هنا رواية في خصوص نيابة الحج عن الميت قيل: باطلاقها تدل علي صحة نيابة الصبي عن الميت. و هي ما رواه الكليني عن محمد بن إسماعيل «1» عن الفضل بن شاذان «2» عن صفوان بن يحيي «3» عن معاوية بن عمار «4» قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: ما يلحق الرجل بعد موته؟ فقال: سنة سنها يعمل بها بعد موته، فيكون له مثل أجر من يعمل بها من غير أن ينتقص من اجورهم شي ء، و الصدقة الجارية تجري من بعده، و الولد الطيب يدعو لوالديه بعد موتهما و يحج و يتصدق و يعتق عنهما و يصلي و يصوم عنهما، فقلت: اشركهما في حجي؟ قال عليه السلام: نعم». «5» وجه الدلالة أن الولد يشمل غير البالغ أيضاً.

و فيه: أن الرواية ليست في مقام بيان حكم حج الولد عن والديه حتي يقال فيها بالإطلاق

فهي من هذه الحيثية صدرت بالإجمال.

نعم: القدر المتيقن منها جواز حج الولد نيابة عن والديه في الجملة و هو الولد الجامع لشرائط النيابة.

و رواية اخري قيل بأنّها في النيابة عن الحي قد ادّعي أيضاً دلالتها بالإطلاق

______________________________

(1)- لم يذكر بمدح و لا ذم من الثامنة.

(2)- من السابعة.

(3)- من أعاظم السادسة.

(4)- من الخامسة.

(5)- وسائل الشيعة: ب 28 من أبواب الاحتضار ح 6.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 86

علي جواز نيابة الصبي المميز عن الحي و هي ما رواه الصدوق- رضوان اللّٰه عليه- بإسناده عن أبان بن عثمان «1» عن يحيي الأزرق «2» عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «من حج عن إنسان اشتركا حتي إذا قضي طواف الفريضة انقطعت الشركة، فما كان بعد ذلك من عمل كان لذلك الحاج» «3».

وجه الدلالة إطلاق قوله: «من حج» يشمل الصبي كما أن الظاهر من قوله:

«عن إنسان» هو الحي، فالمستفاد من الرواية أن كل من ناب عن إنسان حيّ سواء كان النائب بالغاً أو غيره اشترك في الثواب و الأجر. «4»

و فيه، أيضاً، أولًا: أن ظهور «عن إنسان» في الحي ممنوع، سيما بملاحظة أن النيابات غالباً تكون عن الأموات.

و ثانياً: إذا كانت نيابة الصبي محل الكلام و الإشكال لا يثبت بذلك جوازها، لأنها ليست في مقام بيان هذا الإطلاق و إلا فيشمل الكافر و غيره، مضافاً إلي أن ذيلها كأنه غير معمول به.

هذا مضافاً إلي ما في سندها من الضعف بيحيي الأزرق الذي قيل: إنه مشترك بين يحيي بن عبد الرحمن الثقة و بين يحيي بن حسان الكوفي الأزرق الذي لم يوثّق و قيل: إنهما واحد.

الشرط الثاني: العقل

فلا تصح نيابة المجنون مطبقاً كان جنونه أو أدوارياً في دور جنونه و اشتراطه في

صحة النيابة من القطعيات.

______________________________

(1)- من الخامسة.

(2)- من الخامسة.

(3)- وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب النيابة في الحج، ح 7.

(4)- راجع معتمد العروة: 2/ 13.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 87

نعم، لا بأس بنيابة السفيه لإطلاق الأدلة و إمكان تحقق قصد القربة منه و حجره عن التصرف في ماله لا يمنع من ذلك. نعم استيجاره يجب أن يكون بإذن الولي

الشرط الثالث: الإسلام

فلا تصح نيابة الكافر، قال في الجواهر: «اجماعاً بقسميه لعدم صحة عمله و لعجز بعض أفراده عن نية القربة، و اختصاص أجره في الآخرة بالخزي و العقاب دون الأجر و الثواب اللازمين لصحة العمل». «1»

و قال بعض الأعلام: «أما الإجماع فمع تحققه لا من جهة الوجوه المذكورة فلا كلام فيه و أما الوجوه المذكورة ففيها التأمل (أما صحة عمله) للنقض بتغسيل أهل الكتاب المسلم مع عدم المماثل و أما الأجر و الثواب فللمنوب عنه لا للنائب فالنائب المؤمن الذي يعمل العمل للُاجرة لا للثواب لا محذور في عدم استحقاقه للمثوبة و أما العجز عن نية القربة بمعني تقرب المنوب عنه فممنوع بالنسبة إلي جميع الكفار بل متصور بالنسبة إلي أهل الكتاب». «2»

أقول: أما الإجماع علي عدم صحة عمل الكافر فهو قائم لا ينبغي الريب فيه، بل لعل ذلك يرجع إلي مباني الإسلام القطعية و من الفوارق بين الكفر و الإسلام، فإذا كان مثل الانحراف عن القبلة موجباً لبطلان مثل الصلاة كيف لا يكون الانحراف عن اللّٰه و عن الدين مانعا عن صحتها.

و أما نقض السيد الخوانساري بتغسيل أهل الكتاب المسلم مع عدم المماثل

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 17/ 357.

(2)- جامع المدارك: 2/ 303.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 88

فهو مختصّ بمورده و خارج بالدليل الخاصّ عن تحت الإجماع، مضافاً إلي

أنه يمكن أن يقال: إنه إذا لم يمكن المماثل يسقط اعتبار قصد القربة و عبادية العمل، و يكتفي بالغَسل دون الغُسل و هو أمر توصّلي يصدر عن المؤمن و الكافر علي حد سواء، مضافاً إلي أنه إذا أمره المسلم بالغسل يكفي في قصد القربة و ينتسب الفعل إلي الآمر المسلم.

و أما جوابه عن الاستدلال بحرمان الكافر من الأجر و الثواب بأن الثواب يكون للمنوب عنه لا للنائب ففيه: أن كون الأجر و ثواب عمل النائب للمنوب عنه نوع من الثواب له و ليس بخزي و لا حرمان و مقتضي مثل قوله تعالي: «و قدمنا إلي ما عملوا من عمل فجعلناه هباءً منثوراً» «1» عدم ترتب ايّ أثر علي عمله مطلقاً و تقرب المنوب عنه أثر عمله فلا بدّ ان لا يترتب عليه.

هذا كله مضافاً إلي أنه يمكن أن يقال بأن ما ثبت خروجه من تحت الأصل و القاعدة- و هو عدم صحة النيابة عن الغير- ما دام كان النائب مسلماً أما نيابة غير المسلم فهي باقية تحت القاعدة فلا يحكم بصحتها و خروج المنوب عنه بها عما اشتغلت ذمته به و الفرق بين هذا و الوجوه السابقة أن هذا ينفي جواز الاكتفاء بنيابة الكافر ظاهراً و في مقام الامتثال و تحصيل العلم بفراغ الذمة و أما الوجوه السابقة فتنفي صحة نيابة الكافر واقعاً و في عالم الثبوت.

هذا كله في شرط الإسلام، و أما الإيمان فلا ريب في أن المخالف إذا أتي بالعمل النيابي فاقداً لجزء أو شرط معتبر عندنا لا يجزي و لا شك في عدم صحته، و أما إذا أتي بالعمل موافقاً للمذهب الحق بتمام أجزائه و شرائطه كما إذا كان آخذاً برأي

______________________________

(1)- الفرقان/

23.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 89

الشيخ محمود شلتوت رئيس الجامع الأزهر الأسبق الذي أفتي في فتواه المشهورة بجواز العمل بمذهب الشيعة فقال: «يجوز التعبد بمذهب الشيعة الإمامية كسائر المذاهب» و بعد ذلك سئل عنه هل يجوز العدول عن سائر المذاهب إلي مذهب الشيعة؟ فأفتي أيضاً بالجواز و قد أثبتنا في كتابنا: «أمان الامة من الضلال و الاختلاف» أن علي جميع الفرق- بغضّ النظر عما اختلفوا فيه مع شيعة أهل البيت عليهم السلام من أمر الولاية- الرجوع في أحكام الدين و تعلّمها إلي أهل البيت عليهم السلام

و علي هذا فإن سلك بعض أهل السنة هذا المسلك و اتّبع مذهب أهل البيت عليهم السلام في فروع الدين، فهل يكون عمله مجزياً عن تكليفه و يترتب عليه الأثر؟

يمكن أن يقال: إنه فرق بين قبول العمل من عامله و ترتب الثواب عليه و بين صحته و إسقاط التكليف به و عدم معاقبته بترك التكليف، فلا ريب أن قبول العمل و ترتب الآثار الاخروية عليه أعم من الصحة، فيجب علي الشخص رفع موانع القبول، فإن اللّٰه تعالي يقول: «إِنَّمٰا يَتَقَبَّلُ اللّٰهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ» «1» و أعظم الموانع لقبول الأعمال- الذي لا ينفع العبد عمله و إن كان واجداً لجميع الأجزاء و الشرائط و أسباب القبول و فاقداً لجميع موانعه- هو عدم الولاية لمولانا أمير المؤمنين و أولاده الأئمة:

و إن شئت قلت: الشرط الذي لا يقبل العمل إلا به و إن كان واجداً لسائر شرائط القبول هو الولاية لأمير المؤمنين عليه السلام فلا يقبل اللّٰه العمل إلا من شيعته و أهل ولايته و هذه حقيقة ثبتت بالمذهب و الأخبار الكثيرة المتواترة من طرق الفريقين التي يصعب علي المتتبع إحصاؤها.

______________________________

(1)- المائدة/ 27.

فقه

الحج (للصافي)، ج 2، ص: 90

و بالجملة القبول و ترتب الأجر و الثواب علي العمل تفضل من اللّٰه تعالي لا يناله إلا شيعة علي عليه السلام الفائزون الآمنون من الفزع الأكبر، و أما صحة العمل فأمر هو أعم من القبول، فرب عمل صحيح لا يفوز بدرجة القبول، غير أن صاحبه لا يعاقب بترك الامتثال و ليس هو كمن لم يعمل العمل اصلا، علي هذا يمكن أن يقال بصحة نيابة المخالف إذا أتي به بتمام شرائطه و أجزائه.

و لكن الذي يقتضيه التدبر في الروايات، هو اشتراط صحة الأعمال العبادية بالولاية فلا يكون من ليس من أهلها ممتثلًا للأمر مطيعاً للّٰه تعالي و لا يرفع به استحقاقه للعقاب، و إن أتي به جامعاً لباقي الشرائط.

نعم، ربما يفصل في الصحة بين النيابة و عمل نفسه، فيقال في الثانية بالبطلان و في الاولي بالصحة. و قال في المستمسك: «لعلّه ظاهر الأكثر حيث لم يتعرضوا لذكر الشرط المذكور و اقتصروا علي اعتبار الإسلام» و الوجه له- علي ما ذكره في المستمسك- أن بطلان عبادة المخالف إنما استفيدت من الأخبار و الظاهر منها العبادات الراجعة إلي نفسه فلا تشمل ما نحن فيه. «1»

و فيه: أن عدم شمول الأخبار لما نحن فيه أعم من ثبوت صحة نيابة المخالف فإنا نحتاج للخروج من تحت القاعدة بما يدل علي صحته، و أما احتمال شمول الإطلاقات المخالف كما ربما يظهر من كلام بعض الأعلام، ففيه: أنها منصرفة عن غير المؤمن سيما بعد كونهم غير ملتزمين بالعمل بالمذهب الحق، فالأقوي عدم صحة نيابة غير المؤمن.

و قد استدلّ لعدم صحة نيابة غير العارف بحقهم عليهم السلام بما رواه السيد ابن

______________________________

(1)- مستمسك العروة: 11/ 7.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص:

91

طاوس- عليه الرحمة- في كتاب غياث سلطان الوري لسكان الثري عن الشيخ بإسناده إلي عمار بن موسي من كتاب (أصله) المروي عن الصادق عليه السلام: «في الرجل يكون عليه صلاة أو صوم، هل يجوز له أن يقضيه غير عارف؟ قال عليه السلام: لا يقضيه إلا مسلم عارف» «1»

لكن ضعّفه بعض الأعاظم و قال: «الرواية ضعيفة لا للجهل بالوسائط بين السيد و عمار، لأن السيد لم يرو هذه الرواية عن عمار ابتداءً ليقال بجهل الوسائط بينه و بين عمار، و إنما يرويها عن كتب الشيخ و طريقه إلي كتبه صحيح، كما أن طريق الشيخ إلي عمار صحيح أيضاً، بل منشأ الضعف أن هذه الرواية غير موجودة في كتب الشيخ فطريق السيد إلي الشيخ في خصوص هذه الرواية غير معلوم، فتصبح الرواية ضعيفة لذلك.» «2»

و فيه: ما بنينا عليه و أشرنا إليه مراراً أنه إذا كانت الرواية مروية في كتب الشيخ التي كانت عند من يرويها «مثل السيد» لا يضر جهالة طريقه إلي الشيخ باعتبارها، لأن كتابه كان عنده معلوماً معروفا منه و إنما يذكرون الطريق إلي صاحب الكتاب لإصرارهم علي كون إسنادهم الرواية إلي صاحب الكتاب بالقراءة أو السماع أو المناولة و ضعف الإسناد أو جهالته في ذلك لا يضر بالاعتبار، فلا فرق في ذلك بين المناولة و الوجادة، و بهذا يتم اعتبار أكثر الأحاديث التي ضعفوها بعلة جهالة إسناد من يرويه إلي أصل أو كتاب صاحب الأصل و الكتاب.

فاحفظ ذلك فإنه مفيد جداً.

و لكن يمكن الخدشة في دلالة الحديث بأن السؤال فيه إنما وقع عن فعل غير

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 12 من أبواب قضاء الصلوات، ح 5.

(2)- معتمد العروة: 2/ 16.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص:

92

العارف الذي يأتي بالعمل علي طبق مذهبه كما هو المتعارف و أن قضاءه حيث لا يكون مطابقاً لمذهب الشيعة و واقع الأمر هل يجزي أم لا؟ لا من حيث إنه و إن لم يعتقد الحق يأتي به علي طبقه فإنه فرض بعيد نادر جدا.

و قد ظهر لك من مطاوي ما ذكر أن الأظهر و الأقوي اشتراط الإيمان في النائب بالأصل و بأنا لم نجد عموماً أو إطلاقاً نخرج به عن تحت الأصل و بالروايات التي يستفاد منها اشتراط صحة العبادات بالإيمان و الولاية لأهل البيت صلوات اللّٰه عليهم أجمعين.

الشرط الرابع: العدالة و الوثوق بصحة عمل النائب.

و هذا الشرط إنما اعتبر في جواز الاستنابة و صحة إجارة النائب لأنّه إذا احرز صحة عمل النائب و لو كان فاسقاً يكتفي به و يترتب عليه أثره و لا يخدش عمله الذي أتي به جامعاً للشرائط و الأجزاء عدم الوثوق به و فسقه، و لا فرق في إحراز ذلك أن يكون بالقطع أو بإجراء أصالة الصحة فإنها تجري فيمن إذا شك في صحة عمله و فساده، و الظاهر أن استنابة غير العادل و استيجاره- و إن لم يكن مورد الوثوق، إن علم بأنه يأتي بالعمل- لا بأس به فإن عمله يكون محمولًا علي الصحة إذا شك فيها.

و أما إذا كان أصل إتيانه بالعمل مشكوكاً فيه و لم يكن طريق لإثبات إتيانه به غير إخبار نفسه فهل يجوز استنابته و يصح استيجاره أم لا يجوز؟

الظاهر أنه لا يكفي و لا يخرج المنوب عنه بذلك عن اشتغال ذمته.

إن قلت: يكفي في ذلك إخباره عن نفسه بأنه فعله كما أنه يعتمد علي إخباره عما في يده علي إخباره عن نفسه بأفعاله، مثل طهارته و صلاته و حجه و

أداء دينه

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 93

و عمله بالوصية و التولية و غيرها.

قلت: إخباره عن ذلك كله يكفي للغير و يترتب عليه أثره، كطهارته و عدم وجوب قضاء حجه و صلاته و أداء دينه علي الوارث و إن لم يكن موثوقاً به و ذلك لاستقرار سيرة العرف و المتشرعة علي ذلك، أما بالنسبة إلي ما يعمل نيابة عن الغير كحجه، أو وكالته أو وصايته كأداء ديونه و الولاية علي صغاره و أمثال ذلك، فلا يجوز الاعتماد به إلا إذا كان مورد الوثوق و الاعتماد. و اللّٰه تعالي هو العالم.

الشرط الخامس: معرفة النائب بأفعال الحج و أحكامه،

و إن كان ذلك بتعليم الغير في طي الإتيان بالأعمال، و وجه اشتراط هذه أنه بدون ذلك لا يعلم بإتيان العمل صحيحاً و واجداً لشرائط الصحة، فلا يجوز الاكتفاء به في الخروج عن اشتغال ذمة المنوب عنه.

نعم، إذا جاء بالعمل و تمشّي منه قصد القربة ثمّ ظهر بعده مطابقته للواقع يكتفي به و كذا لو كان عارفاً بموارد الاحتياط و احتاط في موارده أيضاً لا يضره الجهل بحكمه بالتفصيل، و الظاهر أن هذه المعرفة شرط بالنسبة إلي المناسك التي يوجب الإخلال بها بطلان الحج و إن كان جاهلًا بالحكم، دون غيرها.

هذا كله في حكم عمل النائب، و أما حكم استيجار الحج فصحته متوقفة علي العلم بمتعلّق الإجارة بمقدار يرتفع به الغرر، و لكن مع ذلك إذا أتي به المستأجر بأحد الأنحاء المذكورة يكفي عن المنوب عنه و تجب علي المستنيب اجرة مثل عمله.

الشرط السادس: عدم اشتغال ذمة النائب بحج واجب عليه في ذلك العام،

و قد مر الكلام منا في تفاصيل هذا الشرط و صحة نيابة من عليه ذلك الحج بالأمر

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 94

الترتّبي و كذلك مر الكلام في جواز استيجاره و عدمه، فراجع «1».

[مسألة 2- تصحّ نيابة المملوك إذا كانت بإذن مولاه]

اشارة

مسألة 2- تصحّ نيابة المملوك إذا كانت بإذن مولاه فلو حج بدون إذنه بطل. هذا كله في شرائط النائب.

و أمّا شرائط المنوب عنه:
فالأول: الإسلام.

اعلم: أن اشتراط الإسلام و الايمان في النائب لأجل صحة النيابة عن المؤمن، مفهومه مبين و معلوم و هو عدم خروج المنوب عنه عن اشتغال ذمته بنيابة الكافر و المخالف عنه، و عدم انتفاعه بعمله و عدم أداء تكليف الاستنابة له علي من تجب عليه باستنابة الكافر أو المخالف. و مقتضي الأصل كما قلنا عدم صحة نيابة الكافر و المخالف.

أما اشتراط الإسلام بل الإيمان في المنوب عنه، هل يراد منه عدم جواز النيابة عن الكافر تكليفاً أو يراد منه ذلك وضعاً؟ أما بالمعني الأول فالنيابة عنه و إن قلنا بعدم تحققها وضعاً يمكن أن يكون نفس التلبس الصوري به أيضاً محرماً و منهياً عنه، لدلالته مثلًا علي موادة الكافر و غيرها من العناوين. و أما بالمعني الثاني فالمراد منه الإرشاد إلي عدم تحقق النيابة عنه.

و مقتضي الأصل في المعني الأول الجواز و عدم الحرمة و بالمعني الثاني الجواز إن كان لنا إطلاق أو عموم يشمل صحة النيابة عن الكافر و إلا فمقتضي الأصل عدم مشروعيته و عدم جواز الإتيان بالنيابة عنه بعنوان المشروعية و الرجحان الشرعي.

______________________________

(1)- فقه الحج: 1/ 404.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 95

نعم لا بأس بالإتيان به رجاءً و كيف كان فالظاهر أنه لا ريب في عدم وجوب الاستنابة للكافر تكليفاً.

لا يقال: علي القول بكون الكفار مكلفين بالفروع فإطلاقات النيابة يشمل الكافر كالمسلم فيجب الاستنابة عنه.

فإنه يقال: إن تلك الإطلاقات منصرفة عن الكافر، فإن ما في الروايات من السؤال عن الاستنابة إنما هو السؤال عمن يتوقع منه الإتيان بالحج فمات و لم يحج، دون

من لا يتوقع منه الحج بل يمكن دعوي عدم جريان السيرة للاستنابة عن الكافر من عصر النبي و الأئمة صلوات اللّٰه عليهم.

إذا عرفت ذلك فاعلم أنه قال في الجواهر: «لا تجوز نيابة المسلم عن الكافر لما عرفت من عدم انتفاعه بذلك و اختصاص جزائه في الآخرة بالخزي و العقاب و النهي عن الاستغفار له و الموادة لمن حاد اللّٰه تعالي. و احتمال انتفاعه بالتخفيف عنه و نحوه يدفعه لزوم الثواب الذي هو دخول الجنة و نحوه لصحة العمل و لو من حيث الوعد بذلك لا التخفيف و نحوه مع إمكان منع قابليته له أيضاً في عالم الآخرة كما يومئ اليه نصوص تعجيل جزاء بعض أعماله في الدنيا التي هي جنته كالإنظار لإبليس و نحوه و ما في بعض النصوص- من انتفاع الميت بما يفعل عنه من الخير حتي أنه يكون مسخوطاً فيغفر له أو يكون مضيقاً عليه فيوسع عليه- في غيره من المؤمنين. نعم في بعضها أنه إن كان ناصباً نفعه ذلك بالتخفيف عنه، إلا أنه مع اشتماله علي الناصب معارض بغيره مما دل كتاباً و سنةً علي عدم نفعه أي المخالف، و أنه ماله في الآخرة من نصيب و أنه يجعل اللّٰه أعماله هباءً منثوراً و أنهم أشد من الكفار ناراً كذا و احتمال كون الحج عنه مع فرض استطاعته له و تقصيره فيه من الواجبات المالية لأنه كالدين فيتعلّق بماله بعد موته و يؤدّي عنه و إن لم ينتفع به كالزكاة و الخمس،

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 96

فينوي القربة مباشر الفعل من حيث مباشرته نحو ما سمعته في الزكاة، مدفوع بمنع كون الحج كذلك و إن ورد فيه أنه كالدين و قلنا بخروجه

من أصل المال لكنه في سياق غير ذلك» «1».

أقول: الذي يستفاد من كلامه في مقام الاستدلال علي عدم جواز نيابة المسلم عن الكافر وجوه بعضها يدل علي عدم الجواز الوضعي و عدم رجحانه و بعضها يدل علي الحرمة تكليفاً

فالأول و هو عدم انتفاعه بذلك و اختصاص جزائه في الآخرة بالخزي و العقاب، يدل علي عدم تشريع النيابة عنه من جانب الشارع المقدس لكونه لغواً بالنسبة إلي الكافر.

و فيه: أنه و إن لم ينتفع بذلك لكن يكفي لجواز تشريعه أن يكون دافعاً للضرر عنه و هو عقاب ترك العمل و إن كان بذلك لا يثبت مشروعيته، لأن كون العمل دافعاً للضرر فرع كونه مشروعاً واردا من الشرع. و الحاصل ان عدم انتفاعه به لا يمنع من صحة تشريعه ليدفع ضرر تركه عنه و إن كان كونه كذلك يحتاج الي دليل فتأمل.

و الثاني قوله تعالي: «مٰا كٰانَ لِلنَّبِيِّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَ لَوْ كٰانُوا أُولِي قُرْبيٰ مِنْ بَعْدِ مٰا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحٰابُ الْجَحِيمِ» «2».

و فيه: أنه أخصّ من المدّعي لشمول الكافر المشرك و غيره، مضافاً إلي أن النهي عن الاستغفار لهم لا ينافي أداء ما عليهم كأداء ديونهم المالية، فالمشرك من

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 17/ 357.

(2)- التوبة/ 113.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 97

أصحاب الجحيم لشركه. بل ظاهر الآية النهي عن الاستغفار لهم: عن شركهم فهو الذي قال اللّٰه تعالي فيه: «إِنَّ اللّٰهَ لٰا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ» * فلا مانع من التمسك بالأصل لإثبات الجواز.

و الثالث قوله تعالي: «لٰا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللّٰهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ يُوٰادُّونَ مَنْ حَادَّ اللّٰهَ وَ رَسُولَهُ وَ لَوْ كٰانُوا آبٰاءَهُمْ أَوْ أَبْنٰاءَهُمْ» «1» الآية.

فالمحتمل أن المراد من الموادة

هنا هي مظاهرتهم و نصيحتهم لا الإحسان إليهم و لو لم يترتب عليه مفسدة سيما بأمواتهم إذا كانوا من أقارب الشخص و كذلك المراد ممن حاد الله و المحادّة هي الممانعة و المعارضة و المنع من إعلاء كلمة الدين و شوكة المسلمين و بسط الإسلام، إذاً فلا دلالة للآية علي حرمة النيابة عن الميت الكافر.

هذا ما يستفاد من كلامه دليلًا علي عدم جواز النيابة وضعاً و تكليفاً و قد أشار في طي كلامه بأدلة المجوز و هي أيضاً كما أشار إليه لا تنهض علي ذلك. فعلي هذا يجوز النيابة عن الكافر رجاءً.

اللهم إلا إذا كان الكافر ناصباً فلا يجوز النيابة عنه إذا لم يكن أب النائب لصحيح وهب بن عبد ربه «2» أو حسنته الذي رواه الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن وهب بن عبد ربه قال: «قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام أ يحج الرجل عن الناصب؟ فقال: لا. قال: فإن كان أبي؟ قال: إن كان أباك فنعم». «3»

الشرط الثاني: أن يكون المنوب عنه ميتاً أو عاجزاً في الحج الواجب

فلا

______________________________

(1)- المجادلة/ 22.

(2)- ثقة له كتاب من الخامسة.

(3)- وسائل الشيعة: ب 20 من أبواب النيابة في الحج ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 98

تجزي النيابة إذا كان المنوب عنه حيّاً قادراً علي المباشرة، و ذلك لظهور الأدلة علي تكليفه به بالمباشرة، و للإجماع و لأصالة عدم الصحة أي عدم ترتب آثار الصحة عليه، من سقوط التكليف و خروج المنوب عنه من اشتغال ذمته به، نعم إذا كان عاجزاً تجزي النيابة عنه علي التفصيل الذي مر في شرائط الاستطاعة.

و أما في الحج الندبي فلا يشترط فيه شي ء من ذلك فتجوز فيه النيابة عن الميت و عن الحي سواء كان بنفسه

قادراً عليه أو عاجزاً عنه بالتبرع و الإجارة.

[مسألة 3] النيابة عن الصبي و المجنون

مسألة 3- قالوا بجواز النيابة عن الصبي المميز و عن المجنون، بل يجب عن الأخير إذا استقر عليه حال إفاقته ثمّ مات مجنوناً بل و إن لم يمت و حصل اليأس من إفاقته.

أقول: لا بد و ان يقتصر الكلام في جواز النيابة و عدمه عن الصبي المميز في الحج المندوب، سواء كان حيّاً أو ميتاً، أما في حجة الإسلام فلا تجري فيها النيابة، لعدم تمكنه من الإتيان به، فلا يكون ما أتي به في حال عدم البلوغ حجة الإسلام و إن كان هو مخلّي السرب صحيح البدن واجداً للزاد و الراحلة. و أما في المجنون فلا ريب في صحة النيابة عنه في حجة الإسلام إذا استقر عليه، كما لا ريب في عدم صحتها عنه فيها إن لم يكلف هو بها و أما في الحج المندوب فكأنّ البعض فرّق بين الصبي المميز و بين المجنون بشمول إطلاق أدلة النيابة له دون المجنون.

و فيه: أنه يشمل المجنون أيضاً و ينتفع منه في الآخرة.

اللهم إلا أن يقال: إن النيابة إنما تصح عن الغير إذا كان هو مأموراً بالعمل و الصبي علي القول بشرعية عباداته يستحب له الإتيان بها، و أما المجنون فلا يتصور

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 99

فيه ذلك فلا تجوز النيابة عنه و بالجملة المسألة في المجنون محل اشكال.

[مسألة 4] اعتبار المماثلة في النيابة

مسألة 4- لا إشكال في جواز نيابة الرجل عن الرجل و المرأة، و المرأة أيضاً عن الرجل و المرأة، إذا لم يكن النائب صرورة.

و ذلك لدلالة الأحاديث عليه فيدل علي جوازه مطلقاً و إن كان النائب صرورة صحيح حكم بن حكيم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «يحج الرجل عن المرأة و المرأة عن الرجل و المرأة

عن المرأة». «1»

و صحيح معاوية بن عمار قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: الرجل يحج عن المرأة و المرأة تحج عن الرجل؟ قال: فلا بأس». «2»

و بإزاء هذه الأحاديث روي الشيخ بإسناده عن علي بن الحسن بن فضال «3» عن العباس بن عامر «4» عن عبد اللّه بن بكر «5» عن عبيد بن زرارة «6» قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: الرجل الصرورة يوصي أن يحج عنه هل تجزي عنه امرأة؟ قال: لا، كيف تجزي المرأة، و شهادته شهادتان، قال: «إنما ينبغي أن تحج المرأة عن المرأة

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: باب 8 من أبواب النيابة ح 6.

(2)- وسائل الشيعة: باب 8 من أبواب النيابة ح 2.

(3)- أبو الحسن كان فقيه أصحابنا بالكوفة و وجههم و ثقتهم و عارفهم بالحديث و كان فطحياً جيد التصانيف و كان قريب الأمر إلي أصحابنا الإمامية القائلين باثني عشر، من السابعة.

(4)- ابن رباح أبو الفضل الثقفي الشيخ الصدوق الثقة كثير الحديث له كتب من السابعة.

(5)- ابن أعين الشيباني، أجمعت العصابة علي تصحيح ما يصح عنه له كتاب من الخامسة.

(6)- ابن أعين ثقة ثقة، لا لبس فيه و لا شك، له كتاب، من كبار الخامسة.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 100

و الرجل عن الرجل، و قال: لا بأس أن يحج الرجل عن المرأة». «1» و هي بظاهرها معارض للطائفة الاولي في إجزاء حج المرأة عن الرجل و إن لم تكن صرورة. و دفع ذلك بأن صدر الحديث و إن كان يدل علي المنع، إلا أن ذيله يدل علي استحباب المماثلة و جواز الاختلاف، لأن قوله: «إنما ينبغي» يدل علي الرجحان و المحبوبية، و بعبارة اخري فرق بين أن يقال: لا ينبغي،

و بين أن يقال: ينبغي، ففي الأول يمكن دعوي دلالته علي الحرمة و عدم الجواز و لكن الثاني لا يدل أزيد علي المدح و الرجحان و المحبوبية.

و فيه: أنه كما يمكن أن يكون الذيل قرينة و دليلًا علي المراد من الصدر يمكن أن يكون الصدر أيضاً دليلًا علي المراد من الذيل.

اللهم إلا أن يقال: إن الرواية تحمل علي ذلك جمعاً بينها و بين الطائفة الاولي الصريحة في جواز الاختلاف و إلا فالرواية بظاهرها غير معمول بها.

و أما سند الحديث فمعتبر جداً و لا يخدش بضعف طريق الشيخ إلي علي بن الحسن بن فضال بعلي بن محمد بن الزبير لما قلنا، و أكدنا عليه من أن ذلك لا يوجب الوهن في سند الحديث و اعتباره بعد ما كان الكتاب المأخوذ منه الحديث معروفاً موجوداً عند من يرويه عن شيخه.

و إليك كلام الشيخ في الفهرست، فقد قال بعد ترجمة علي بن الحسن بن فضال و ذكر أسماء كتبه ما هذا لفظه: (أخبرنا بجميع كتبه قراءة عليه أكثرها و الباقي إجازة أحمد بن عبدون عن علي بن محمد بن الزبير سماعاً و إجازة عنه) «2» و ظاهر هذا

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب النيابة ح 2.

(2)- الفهرست/ 93.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 101

الكلام أن جميع كتب علي بن الحسن كان معروفاً موجوداً عند الشيخ و أحمد بن عبدون هو أحمد بن عبد الواحد بن أحمد البزاز من مشايخ الشيخ المشاهير، و علي بن محمد بن الزبير أيضاً من مشايخ الإجازة، يروي عن مثل علي بن الفضال كتبه الكثيرة و يعتمد علي روايته أحمد بن عبدون شيخ الشيخ بلا واسطة و الشيخ بواسطة أحمد.

هذا مضافاً إلي أن العباس

بن عامر الواقع في سند الحديث أيضاً له كتاب، قال الشيخ: (أخبرنا به أبو عبد اللّه المفيد رحمه اللّٰه عن محمد بن علي بن الحسين بن بابويه عن أبيه عن عبد اللّه بن جعفر الحميري عن الحسن بن علي الكوفي و حسن بن نوح عنه) و الظاهر أن هذه الرواية من كتابه فرواها الشيخ تارة في ضمن ما رواه عن علي بن الفضال و تارة عن كتابه بواسطة المفيد و طريقه إلي العباس بن عامر صحيح.

نعم ما عندنا من خصوص رواية عبيد ليس إلا ما رواها عن ابن فضال. و اللّٰه هو العالم.

[مسألة 5] هل يشترط عدم كون النائب صرورة؟

مسألة 5- هل يشترط في صحة الاستنابة أن لا يكون النائب صرورة مطلقاً سواء كان النائب رجلًا أو امرأةً أو يشترط ذلك في المرأة دون الرجل أو لا يشترط ذلك فيهما فتجزي مطلقاً.؟

فنقول: أما نيابة الرجل الصرورة عن الرجل و المرأة، فيدل علي جوازها بالخصوص ما رواه الشيخ بإسناده عن موسي بن القاسم «1» عن عبد الرحمن «2» عن

______________________________

(1)- ثقة جليل واضح الحديث … من كبار السابعة له كتاب.

(2)- ابن سيابة يظهر من بعض الأخبار اعتماد الإمام الصادق عليه السلام عليه من الخامسة.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 102

مفضل «1» عن زيد الشحام «2» عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «سمعته يقول: يحج الرجل الصرورة عن الرجل الصرورة و لا تحج المرأة الصرورة عن الرجل الصرورة». «3» و لكن سنده ضعيف، غير أنه يكفي في الحكم بالجواز إطلاقات النيابة.

و استدل علي عدم جوازها بمفهوم ما رواه الشيخ عن أبي علي الأشعري «4» عن محمد بن عبد الجبار «5» عن صفوان «6» عن حكم بن حكيم «7» قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه

السلام: إنسان هلك و لم يحج و لم يوص بالحج فأحج عنه بعض أهله رجلًا أو امرأة- إلي أن قال- فقال: إن كان الحاج غير صرورة أجزأ عنهما جميعاً و أجزأ الذي أحجه». «8»

و بمنطوق ما رواه عن محمد بن الحسن الصفار «9» عن محمد بن عيسي «10» عن إبراهيم بن عقبة «11» قال: «كتبت إليه أسأله عن رجل (صرورة لم يحج قط) حج عن صرورة لم يحج قط أ يجزي كل واحد منهما تلك الحجة عن حجة الإسلام أولا؟ بين

______________________________

(1)- الظاهر أنه مفضل بن صالح مطعون بأنه كذاب يضع الأحاديث من الخامسة.

(2)- زيد بن يونس ثقة له كتاب من الخامسة.

(3)- وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب النيابة ح 1.

(4)- محمد بن عيسي شيخ القميين من الثامنة.

(5)- قمي ثقة من السابعة.

(6)- الظاهر انه صفوان بن يحيي ثقة وكيل الإمام الرضا عليه السلام من السادسة.

(7)- الصيرفي من الخامسة ثقة.

(8)- وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب النيابة ح 3.

(9)- قمي له كتب من الثامنة.

(10)- ابن عبيد من السابعة.

(11)- من السادسة أو السابعة.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 103

لي يا سيدي إن شاء اللّٰه فكتب عليه السلام إليه: لا يجزي ذلك». «1»

و ما رواه أيضاً عن أحمد بن محمد «2» عن علي بن مهزيار «3» قال: «كتبت إلي أبي جعفر عليه السلام أن ابني معي و قد أمرته أن يحج عن امي أ يجزي عنها حجة الإسلام؟

فكتب: لا. و كان ابنه صرورة و كانت أمه صرورة» «4»

و في الاستدلال بمفهوم رواية حكم بن حكيم أنه معارض بما دل بالمنطوق علي جواز نيابة الصرورة، بل لزوم كون النائب الصرورة إذا كان المنوب عنه صرورة و ذلك مثل صحيح معاوية بن

عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «في رجل صرورة مات و لم يحج حجة الإسلام و له مال، قال: يحج عنه صرورة لا مال له». «5»

و أما رواية إبراهيم بن عقبة فليس في ما عندنا من نسخ التهذيب جملة «صرورة لم يحج قط» الاولي و عليه لا يدل علي عدم جواز نيابة الصرورة.

مضافاً إلي أنه لا يعلم منها أن عدم الإجزاء مستند إلي كون النائب صرورة، بل يمكن أن يكون لأجل أنه نوي بها الحج عن نفسه و عن غيره، بل يحتمل أن يكون السؤال عن إجزاء الإتيان بحجة الإسلام عن نفسه و عن غيره، فأجاب عليه السلام بعدم الإجزاء.

و رواية علي بن مهزيار أيضاً يمكن أن يكون السؤال فيها عن النيابة في حجة

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب النيابة ح 3.

(2)- ابن عيسي شيخ القميين من السابعة.

(3)- من كبار السابعة.

(4)- وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب النيابة ح 4.

(5)- وسائل الشيعة ب 5 من أبواب النيابة ح 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 104

الإسلام عن الحي. هذا مضافاً إلي احتمال كون الوجه في عدم جواز النيابة من الصرورة كونه مديناً بالحج.

و كيف كان فالظاهر أن الجواز مطلقاً في غير حج المرأة الصرورة عن الرجال، بل و عن النساء كأنه متفق عليه، لا اختلاف فيه.

و علي هذا فما ينبغي التكلم فيه هو جواز نيابة المرأة عن الرجل، بل و عن المرأة أيضاً.

فنقول: أما عدم جواز نيابة المرأة الصرورة عن الرجل، فيدل عليه بالخصوص رواية زيد الشحام التي عرفت ضعف سندها.

و ما رواه الكليني عن عدة من أصحابنا «1» عن سهل بن زياد «2» عن الحسن بن محبوب «3» عن ابن رئاب «4» عن مصادف

«5» عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

«في المرأة تحج عن الرجل الصرورة فقال عليه السلام: إن كانت قد حجت و كانت مسلمة فقيهة فرب امرأة أفقه من الرجل». «6»

______________________________

(1)- و هم محمد بن الحسن الطائي الرازي و محمد بن جعفر الأسدي أو محمد بن سعيد و محمد بن يعقوب الكليني و علي بن محمد بن إبراهيم الكليني خال محمد بن يعقوب.

(2)- من السابعة.

(3)- من السادسة.

(4)- من الخامسة له أصل كبير ثقة جليل القدر.

(5)- من الخامسة مولي الإمامين الصادق و الكاظم عليهما السلام ضعيف.

(6)- وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب النيابة ح 4.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 105

و ما رواه الشيخ في الاستبصار عن موسي بن القاسم «1» عن الحسن اللؤلؤي «2» عن الحسن بن محبوب عن مصادف قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام: تحج المرأة عن الرجل؟ قال: نعم إذا كانت فقيهة مسلمة و كانت قد حجت، رُب امرأة خير من رجل». «3»

و الظاهر أنه و ما رواه الكليني واحد، فعده غير الأول كما فعله بعض الأعاظم «4» تبعاً لصاحب الوسائل لعله غير سديد.

و ما رواه عن أحمد بن محمد بن عيسي «5» عن علي بن أحمد بن أشيم «6» عن سليمان بن جعفر «7» قال: «سألت الرضا عليه السلام عن امرأة صرورة حجت عن امرأة صرورة قال: لا ينبغي». «8» و دلالته علي عدم الجواز عن الرجل بالأولوية. «9»

و قد ردّت هذه الروايات بعدم الحجية بضعف أسنادها غير أنه قد حكي «10» العمل بها عن الشيخ في النهاية و التهذيب و المبسوط و القاضي في المهذب في حجهما عن الرجل و المرأة و في الاستبصار في حجهما عن الرجل فينبغي العمل العمل بالاحتياط

إن أمكن استنابة غير الصرورة سيما عن الرجل.

______________________________

(1)- البجلي ثقة جليل من كبار السابعة.

(2)- ابن الحسين اللؤلؤي من السادسة أو السابعة.

(3)- الاستبصار: 2/ 322.

(4)- معتمد العروة: 6/ 26.

(5)- من السابعة.

(6)- من كبار السابعة من أصحاب الرضا عليه السلام مجهول.

(7)- من السادسة الجعفري الهاشمي هو و أبوه ثقتان.

(8)- الاستبصار: 2/ 323.

(9)- معتمد العروة: 2/ 27.

(10)- راجع مستمسك العروة 11/ 15.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 106

[مسألة 6] اشتراط قصد النيابة من النائب

مسألة 6- يشترط في صحة النيابة قصد النيابة من النائب و هو لا يتحقق إلا بتعيين المنوب عنه و المنوب فيه من جانب النائب.

و بعبارة اخري: لا تتحقق النيابة إلا بقصد الشخص كونه نائباً عن شخص آخر معين في أمر معين، فالقاصد هو النائب و الشخص الذي يؤتي عنه العمل هو المنوب عنه و العمل الذي يؤتي به المنوب فيه و لا حاجة في ذلك إلي الاستدلال بعدم الخلاف فيه أو الإجماع و الاتفاق عليه، لأنها في نفس الأمر من الامور القصدية الّتي لا تتحقق إلا بالقصد المذكور و لا يتصور فيه الخلاف و لا مجال لجريانه فيه.

قال في الجواهر: (بلا خلاف أجده فيه لاشتراك الفعل بين وجوه لا يتشخص لأحدها إلا بالنية كما أنه لا يتشخص لأحدهم مع تعددهم إلا بتعيينه، أما مع اتحاده فيكفي قصد النيابة عنه). «1»

و فيه: أما الاستدلال بعدم وجدان الخلاف فيه فلانه لا محلّ لوجدان الخلاف فيه و أما التعليل الذي ذكره فيمكن أن يكون مراده أن الفعل كما يمكن انْ يكون وجهه و عنوانه النيابة عن الغير، يمكن أن يقع عن الفاعل عن نفسه و إن كان ذلك يتحقق بعدم قصد وقوعه للغير، إلا أن وقوعه للغير لا لنفسه يحتاج إلي القصد.

و أما أنه

مع التعدد لا يتشخص المنوب عنه إلا بالتعيين و مع اتحاده يكفي قصد النيابة عنه، فلم نفهم ما أراد بذلك، فإن في صورة الاتحاد يلزم قصد النيابة عن شخص معين، فليس المنوب عنه عنواناً كلياً يقال: إذا كان له أفراد متعددة يجب تعيينه، و إذا كان المنحصر بالفرد يكفي قصد ذلك العنوان، و علي كل حال فالمسألة في

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 17/ 362.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 107

غاية الوضوح.

و هل يشترط ذكر اسم المنوب عنه، فلا يصح إذا لم يعرف اسمه و لم يذكره في نيته؟ ادعي في الجواهر «1» الاتفاق علي عدم الاشتراط و لعله لصحيح البزنطي أنه قال: «سأل رجل أبا الحسن الأول عليه السلام عن الرجل يحج عن الرجل يسميه باسمه؟

قال: «(إن) اللّٰه لا تخفي عليه خافية». «2»

و ما رواه الشيخ بإسناده عن محمد بن أحمد بن يحيي «3» عن محمد بن الحسين «4» عن العباس بن عامر عن داود بن الحصين «5» عن مثني بن عبد السلام «6» عن أبي عبد اللّه عليه السلام «في الرجل يحج عن الإنسان يذكره في جميع المواطن كلها؟

قال عليه السلام: إن شاء فعل و إن شاء لم يفعل، اللّٰه يعلم أنه قد حج عنه و لكن يذكره عند الاضحية إذا ذبحها». «7» و ما فيه من ذكر اسمه عند الاضحية محمول علي الاستحباب، جمعاً بينه و بين صحيح البزنطي، و كذا صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: «قلت له ما يجب علي الذي يحج عن الرجل؟ قال: يسميه في المواطن و المواقف». محمول علي الاستحباب. «8»

كما أن صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «قيل له: أ رأيت

______________________________

(1)-

جواهر الكلام: 17/ 362.

(2)- وسائل الشيعة: ب 16 من أبواب النيابة ح 5.

(3)- من السابعة ثقة في الحديث إلا أنه كان يروي عن الضعفاء.

(4)- هو ابن أبي الخطاب من السابعة جليل، عظيم القدر كثير التصانيف.

(5)- من الخامسة، واقفي ثقة.

(6)- من الخامسة، حناط له كتاب لا بأس به.

(7)- وسائل الشيعة: ب 16 من أبواب النيابة ح 4.

(8)- وسائل الشيعة: ب 16 من أبواب النيابة ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 108

الذي يقضي عن أبيه أو امه أو أخيه أو غيرهم أ يتكلم بشي ء؟ قال: نعم، يقول عند إحرامه: اللهم ما أصابني من نصب أو شعث أو شدة فآجر فلاناً فيه و آجرني في قضائي عنه» «1» ظاهر في الاستحباب.

و أظهر منه في الاستحباب، ما رواه الكليني عن عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن عبد الكريم «2» عن الحلبي «3» عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «قلت له: الرجل يحج عن أخيه أو عن أبيه أو عن رجل من الناس هل ينبغي أن يتكلم بشي ء؟ قال عليه السلام: نعم، يقول بعد ما يحرم: اللهم ما أصابني في سفري هذا من تعب أو بلاء أو شعث فآجر فلاناً فيه و آجرني في قضائي عنه».

[مسألة 7] فرغ ذمة المنوب عنه معلق علي صحة عمل النائب

مسألة 7- الظاهر أنه لا تفرغ ذمة المنوب عنه إلا بإتيان النائب العمل صحيحاً

فلا تفرغ ذمته إذا كان عمله باطلًا غير واجد لشرائط الصحة كما أنه لا تفرغ ذمته بمجرد الإجارة لعدم موجب لها فمن كان عليه دين لا تفرغ ذمته إلا بأدائه، فحينئذٍ قبول النائب تفريغ ذمته لا يوجب فراغ ذمته قبل أداء ما اشتغلت به، و ليس المقام كالحوالة حيث إنها يحيل

المدين دينه إلي ذمة المحال عليه بقبول المحال. و هنا و إن كان المنوب عنه يستنيب غيره لأداء ما عليه، لكنه لا يصير المستناب مديوناً لصاحب الدين، بل يصير هو مديوناً للمستنيب فلصاحب الحق الرجوع إلي المنوب

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 16 من أبواب النيابة ح 3.

(2)- ابن عمرو من الخامسة.

(3)- من الرابعة.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 109

عنه و ليس له الرجوع إلي النائب بخلاف باب الحوالة، فإن فيها ينتقل ما في ذمة المحيل للمحال إلي ذمة المحال عليه.

و لكنه اختار صاحب الحدائق إجزاء الإجارة عن الميت لو مات الأجير قبل الإحرام و لم يمكن استعادة الاجرة قال- رحمه اللّٰه: (لو مات الأجير) في الطريق قبل الإحرام فإن أمكن استعادة الاجرة وجب الاستيجار بها ثانياً، و إلي ذلك تشير رواية عمار المذكورة، و إن لم يمكن، فإنها تجزي، عن الميت و عليه يحمل الإجزاء بالموت في الطريق في الأخبار المتقدمة و هذا الوجه الأخير و إن لم يوافق قواعد الأصحاب إلا أنه مدلول جملة من الأخبار: مثل ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن ابن أبي عمير عن بعض رجاله عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «في رجل أخذ من رجل مالًا و لم يحج عنه و مات و لم يخلف شيئاً، قال: إن كان حج الأجير اخذت حجته و دفعت إلي صاحب المال، و إن لم يكن حج كتب لصاحب المال ثواب الحج». «1» و رواه في الفقيه مرسلًا مقطوعاً «2» و روي في الفقيه مرسلًا قال: «قيل لأبي عبد اللّه عليه السلام: الرجل يأخذ الحجة من الرجل فيموت فلا يترك شيئاً؟ فقال عليه السلام: أجزأت عن الميت، و إن كان له عند

اللّٰه حجة اثبتت لصاحبه» «3» و روي في التهذيب عن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام «في رجل أخذ دراهم رجل ليحج عنه فأنفقها، فلما حضر أوان الحج لم يقدر الرجل علي شي ء قال: يحتال و يحج عن صاحبه كما ضمن. سأل: إن لم يقدر؟ قال:

إن كانت له عند اللّٰه حجة أخذها منه فجعلها للذي أخذ منه الحجة» «4».

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 23 من أبواب النيابة في الحج ح 1.

(2)- من لا يحضره الفقيه: 2/ 144.

(3)- وسائل الشيعة: ب 23 من أبواب النيابة في الحج ح 2.

(4)- التهذيب: 5/ 461.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 110

و ظاهر إطلاق هذه الأخبار أن الحج فيها أعم من أن يكون حج الإسلام أو غيره، للميت مال بحيث يمكن الاستيجار عنه مرة اخري أم لا. و لعل الوجه فيه هو أنه لما أوصي الميت بما في ذمته من الحج انتقل الخطاب إلي الوصي، و الوصي لما نفذ الوصية و استأجر فقد قضي ما عليه و بقي الخطاب علي المستأجر و حيث إنه لا مال له سقط الاستيجار مرة اخري. بقي أنه مع التفريط فإن كان له حجة عند اللّٰه تعالي نقلها إلي صاحب الدراهم و إلا تفضل اللّٰه- تعالي- عليه بكرمه، و كتب له ثواب الحج بما بذله من ماله، و النية تقوم مقام العمل. و مما يعضد ذلك ما رواه في التهذيب و في الفقيه مرسلًا عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «في رجل أعطاه رجل مالًا يحج عنه فحج عن نفسه، فقال: هي عن صاحب المال» «1». و رواه في الكافي عن محمد بن يحيي مرفوعاً قال: «سئل أبو عبد اللّه عليه السلام … الحديث» «2» و

لعل الوجه فيه ما عرفت في الأخبار الأولة من أن من أخذ مالًا ليحج به عن غيره و فرط فيه فإنه متي كانت له عند اللّٰه حجة جعلها لصاحب المال، و هذا من جملة ذلك، فإن هذا الحج الذي حجّ به عن نفسه و لم يكن له مال يحج به مرة اخري عن المنوب عنه يكتبه اللّٰه (تعالي) لصاحب المال. و لم أقف علي من تعرض للكلام في هذه الأخبار من أصحابنا، بل ظاهرهم ردها لمخالفتها لمقتضي قواعدهم. و هو مشكل مع كثرتها و صراحتها، فالظاهر أن الوجه فيها هو ما ذكرناه) «3». انتهي كلامه رفع مقامه.

أقول: مراده من رواية عمار المذكورة ما رواه في التهذيب مرفوعاً عن عمار الساباطي عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «في رجل حج عن آخر و مات في الطريق، قال: قد

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: باب 22 من أبواب النيابة في الحج 2.

(2)- الكافي: 4/ 311.

(3)- الحدائق الناضرة: 14/ 258.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 111

وقع أجره علي اللّٰه و لكن يوصي فإن قدر علي رجل يركب في رحله و يأكل زاده فعل» «1».

أما ما استدل به من الروايات فرواية ابن أبي عمير من حيث السند ليس فيها إلا إرسالها به فإن أخذنا بما قيل في مراسيله من أنها كالمسانيد و في مرتبة الصحاح فهو، و إلا فهي ملحقة بالضعاف.

أما من حيث الدّلالة: فلا تدل أزيد علي أن الأجير إن حج اخذت حجته و دفعت إلي صاحب المال يعني يدفع ثواب حجته إليه و تكتب له، و إلا فلصاحب المال ثواب الحج لنيته ذلك و لا ينافي ذلك أن يكون صاحب المال مكلفاً بتفريغ ذمته باستنابة غيره ثانياً، إن كان الحج واجباً

عليه كما أن له أن يستنيب مع ذلك غيره، إن كان الحج مستحباً.

و ما رواه في الفقيه مقطوعاً فليس هو إلا رواية ابن أبي عمير، و إن كان يظهر في بادي النظر أنه بقية جواب الإمام عليه السلام: عن سؤال علي بن يقطين، و إليك ما في الفقيه بلفظه «و سأل علي بن يقطين أبا الحسن عليه السلام: عن رجل دفع إلي خمسة نفر حجة واحدة، فقال: يحج بها بعضهم و كلهم شركاء في الأجر، فقال له: لمن الحج؟ قال: لمن صلي في الحر و البرد. فإن أخذ رجل من رجل مالًا فلم يحج عنه و مات و لم يخلف شيئاً، فإن كان الآخر قد حج أخذت حجته و دفعت إلي صاحب المال و إن لم يكن حج كتب لصاحب المال ثواب الحج». «2»

فالذي يظهر للناظر في الحديث ابتداءً أن الذيل و الصدر رواية واحدة، و لكن

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب النيابة في الحج ح 5.

(2)- من لا يحضره الفقيه: 2/ 114 ح 81.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 112

المتتبع في الفقيه حيث يري مثل ذلك في موارد كثيرة و أنه أدخل في الحديث حديثاً آخر من غير إشارة إلي ذلك، فينتقل هنا أيضاً إلي أن ذيل هذا الحديث ليس إلا رواية ابن أبي عمير كما فهم ذلك صاحب الحدائق المحدث المتضلع في الحديث، فصرح بأن الصدوق رواه مقطوعاً.

و أما رواية الفقيه مرسلة لا يحتج بها و إن كانت دلالتها علي الإجزاء عن الميت لا تقبل الدفع، اللهم إلا أن يقال: إنها ظاهرة في الحج الاستحبابي فتأمل.

و أما رواية عمار، فهو عمار بن موسي فطحي ثقة له كتاب كبير جيد معتمد من الخامسة و

طريق الشيخ إليه صحيح مضافاً إلي أن الظاهر أنه أخذ الحديث من كتاب عمار.

و يمكن أن يقال في دلالتها: إنها لا تدل علي أكثر مما هو وظيفة الرجل الذي أخذ الدراهم و ما يؤول أمره إليه في الآخرة، و لا يستفاد منها سقوط التكليف عمّن وجب عليه الاستنابة بذلك إن قلنا: إن موضوع السؤال النيابة في الحج الواجب أو الأعم منه و من المستحب و لم نقل إنه ظاهر في الحج المندوب، لأن ظاهره النيابة عن الحي و هي و إن كانت تشمل المستحب و الواجب كما اثبتنا إمكان الاستنابة في الحج الواجب عن الحي لهرم و مرض و غيره إلا أن المتبادر منه المستحب. و كيف كان لا ظهور لها في سقوط التكليف عن المنوب عنه و فراغ ذمته.

و أما ما أورد بعض المعاصرين الأعاظم علي صاحب الحدائق بأن هذه الأحاديث تقيد بالروايات الدالة علي أن الحي يجهز رجلًا للحج و التجهيز لا يتحقق إلا بإرسال شخص للحج و مجرد التوكيل و الإيجار لا يوجب صدق عنوان التجهيز

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 113

و الإرسال. «1»

ففيه: غاية الأمر عدم كفاية مجرد الاستنابة و أما إذا حصل العجز بعد التجهيز و في الطريق فيجب القول بالإجزاء مضافاً إلي أن كلام صاحب الحدائق موضوعه صورة الموت في الطريق و بعد التجهيز، و إن كان ما استدل به من الروايات ظاهر في حصول العجز له قبل شروعه في الطريق و في منزله، حيث إنّه قال: (لو مات الأجير في الطريق قبل الإحرام) «2» و لكنّ المورد المعظم نقل كلامه هكذا: (لو مات الأجير قبل الإحرام) فيشمل موته في منزله.

هذا مضافاً إلي أن هذه الروايات سيما رواية ابن أبي

عمير و عمار بن موسي لا تقبل التقييد المذكور، لورودهما فيما إذا لم يحج النائب و لم يقم مقام الإتيان بالحج.

نعم، يستفاد منها بالأولوية الإجزاء إذا حصل العجز و الموت في الطريق، و علي هذا لا إطلاق لفظيا لهذه الروايات يشمل بعد التجهيز و الطريق يقع التعارض بينها و بين روايات التجهيز.

و اورد عليه أيضاً بأنا سنذكر أن الأجير إذا مات في الطريق قبل الإحرام لم يسقط الحج عن ذمة المنوب عنه، فكيف إذا مات قبل خروجه، و حينئذٍ فتحمل هذه الروايات علي الحج الاستحبابي لا محالة «3».

و فيه: أنه علي هذا يقع التعارض بين هذه الروايات و بين ما يدل علي أن الأجير إذا مات في الطريق قبل الإحرام لا يسقط الحج عن ذمة المنوب عنه.

______________________________

(1)- معتمد العروة: 2/ 36.

(2)- الحدائق الناضرة: 14/ 257.

(3)- معتمد العروة: 2/ 36.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 114

و كيف كان فالعمدة في الجواب عدم كون هذه الروايات سؤالًا و جواباً بصدد بيان نفي وجوب الاستنابة للمنوب عنه و براءة ذمته عما اشتغلت به.

و لا يخفي عليك أن استدلال صاحب الحدائق بمعتبرة إسحاق بن عمار قال:

«سألته عن الرجل يموت فيوصي بحجة فيعطي رجل دراهم يحج بها عنه فيموت قبل أن يحج ثمّ اعطي الدراهم غيره، فقال: إن مات في الطريق أو بمكة قبل أن يقضي مناسكه فإنه يجزي عن الأول، قلت: فإن ابتلي بشي ء يفسد عليه حجة حتي يصير عليه الحج من قابل أ يجزي عن الأول؟ قال: نعم، قلت: لأن الأجير ضامن للحج؟

قال: نعم» «1» لا يستقيم علي كل حال سواء كان كلامه راجعاً إلي صورة العجز قبل الخروج إلي الحج كما توهمه البعض أو إلي العجز في الطريق

قبل الإحرام أو قبل الشروع في الأعمال.

أما عدم دلالتها علي الإجزاء قبل الخروج و قبل الشروع في السفر فواضح و أما عدم دلالتها أيضاً علي الإجزاء قبل الإتيان بالمناسك و الشروع في العمل فلأنها ظاهرة في الإجزاء إذا مات قبل انقضاء المناسك و انتهاء الأعمال.

اللهم إلا أن يقال: إن التعليل للإجزاء بأن الأجير ضامن للحج يدل علي أن ضمان الأجير موجب للإجزاء مطلقاً و لكن ذلك ينافي مفهوم قوله: «إن مات في الطريق أو بمكة قبل أن يقضي مناسكه» فإنه يدل علي عدم الإجزاء مضافاً إلي أن قوله: «لأن الأجير ضامن للحج» أنه ضامن للحج الذي يصير عليه بابتلائه بما يفسد عليه الحج. و اللّٰه هو العالم.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب النيابة ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 115

[مسألة 8] استيجار المعذور

مسألة 8- هل يجوز استيجار المعذور في ترك بعض الأعمال، بل و هل يكتفي بنيابة المعذور إذا تبرع بالنيابة عن الميت؟

مقتضي الأصل عدم الجواز كأصل النيابة، فإن الأصل عدم مشروعيتها و ما ثبت مشروعيته منها هو نيابة غير المعذور و لا إطلاق للأدلة حتّي يشمل المعذور و غير المعذور علي السواء فالمتبادر منها نيابة القادر علي أداء العمل جامعاً لجميع أجزائه و شرائطه.

و بعبارة اخري: النائب يلزم أن يأتي بما هو عمل المنوب عنه و ما يأتي به المعذور غيره فلا وجه لإجزائه عنه.

لا يقال: فإذا كان المنوب عنه معذوراً مثل النائب يكتفي به، فإنه يقال: إن ما فات من المنوب عنه هو عمل القادر لا العاجز فيجب أن يأتي به القادر و بعبارة اخري: في ظرف الامتثال سواء كان الممتثل أصيلًا أو نائباً، مشروعية البدل ثابتة إن لم يكن المبدل منه مقدوراً، فإذا

أمكن استنابة القادر لا يكفي استنابة العاجز، نعم في النيابة التبرعية إذا لم يكن متبرع من القادرين، يمكن أن يقال بجواز نيابة المعذور.

ثمّ إنه يمكن أن نقول في خصوص الحج حيث إن ترك بعض واجباته عمداً لا يضر بصحته و فراغة الذمة عن الاشتغال به، فنيابة من كان معذوراً في ترك هذه الواجبات تجزي عن المنوب عنه، لأن النائب أتي بما يفرغ ذمة المنوب عنه كما لو أتاه هو أيضاً بنفسه.

نعم، إذا كان المنوب عنه أوصي بذلك يمكن الإشكال في استنابة مثله، بدعوي تبادر استنابة القادر من وصيته. و اللّٰه هو العالم.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 116

[مسألة 9] موت الأجير قبل الإتيان بالمناسك

مسألة 9- إذا مات الأجير قبل الإتيان بالمناسك، فإن مات في منزله قبل الخروج إلي السفر، فقد عرفت في المسألة السابقة عدم إجزاء مجرد الإجارة عن الحج الذي هو في ذمة المنوب عنه.

للإجماع علي ذلك، حتي أن صاحب الحدائق و إن تمسك ببعض الأخبار الدالة بزعمه علي كفاية ذلك، إلا أنه تمسك بها للاستدلال علي إجزاء موت النائب في الطريق دون المنزل، فلا تثبت بذلك مخالفته لهذا الإجماع و لاقتضاء القاعدة عدم الإجزاء.

و يدل عليه ما رواه الشيخ بإسناده عن يعقوب بن يزيد «1» عن ابن أبي عمير «2» عن ابن أبي حمزة «3» و الحسين بن يحيي (عثمان) «4» عمن ذكره عن أبي عبد اللّه عليه السلام «في رجل أعطي رجلًا مالًا يحج عنه فمات؟ قال: فإن مات في منزله قبل أن يخرج فلا يجزي عنه و إن مات في الطريق فقد أجزأ عنه». «5»

و إذا مات في الطريق قبل الإحرام، فمقتضي القواعد فيه أيضاً عدم الإجزاء و لم يعلم الخلاف في ذلك إلا من صاحب الحدائق

و قد عرفت الكلام فيما استدل به لذلك.

______________________________

(1)- من السابعة الكاتب هو و أبوه ثقتان- كثير الرواية، صدوق من كتّاب المنتصر.

(2)- من السادسة.

(3)- محمد بن أبي حمزة من الخامسة أو السادسة، الثمالي ثقة فاضل له كتاب.

(4)- من السادسة. الحسين بن عثمان الأحمصي الكوفي ثقة له كتاب و لم أجد في الطبقات الحسين بن يحيي و في جامع الرواة: الحسين بن يحيي الكوفي عنه ابن أبي عمير.

(5)- وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب النيابة ح 4.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 117

و أما ما في رواية ابن أبي عمير من دلالة قوله عليه السلام: «و إن مات في الطريق فقد أجزأ عنه» علي الإجزاء إذا خرج من منزله و مات في الطريق، فإطلاقه يقيد بالإجماع و بمفهوم قوله عليه السلام في موثقة إسحاق بن عمار: «إن مات في الطريق، أو بمكة قبل أن يقضي مناسكه فإنه يجزي عن الأول» الذي قلنا: إن الظاهر منه رجوع القيد المذكور في كلامه عليه السلام إلي الأمرين أي الموت في الطريق و الدخول في مكة و ربما يستفاد ذلك أيضاً- كما أشار إليه بعض الفضلاء من شركاء البحث زاد اللّٰه في تأييدهم- من سؤال الراوي عن ابتلاء هذا الذي مات في الطريق أو بمكة قبل أن يقضي مناسكه بما يفسد حجه

و يؤيد ذلك- أي عدم الإجزاء- إطلاق موثقة عمار الساباطي عن أبي عبد اللّه عليه السلام في رجل حج عن آخر و مات في الطريق قال: «قد وقع أجره علي اللّٰه و لكن يوصي فإن قدر علي رجل يركب و يأكل زاده فعل» «1» تدل بالإطلاق علي عدم الإجزاء إن مات في الطريق قبل الإحرام و التلبس بالحج، بل المتيقن منه

ذلك فإن إطلاقه بالنسبة إلي من دخل في الحج يقيد بمنطوق رواية إسحاق بن عمار. فتدبر

و إن مات النائب بعد الإحرام و قبل الدخول في الحرم فقد قوينا سابقاً «2» أن الحاج عن نفسه إذا مات بعد الإحرام و قبل الدخول في الحرم لا يجزيه، و هنا أيضاً مقتضي الأصل عدم الإجزاء. و هل يكون ذلك مقتضي التلازم و الاشتراك بين النائب و المنوب عنه في الحكم بحيث لو قلنا بالإجزاء هنا بحسب الدليل كان منافياً للقول بعدمه هناك ام ليس كذلك بل فرق بين ما إذا قلنا هناك بالإجزاء و هنا بالعدم

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 15 من ابواب النيابة في الحج، ح 5.

(2)- فقه الحج: 1/ 295.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 118

فلا إشكال للفرق بينهما حيث إن الموت الطاري علي الحاج عن نفسه- كما قيل- من قبيل العذر المستمر المانع عن القدرة علي الأداء أبدا فحكم الشارع فيه بالإجزاء، و الموت الطاري علي النائب لا يكون كذلك لبقاء القدرة علي استنابة غيره فيجب تجديد الاستنابة دون ما إذا قلنا هناك بعدم الإجزاء و هنا بالإجزاء فإنه يوجب امتياز الفرع علي الأصل.

و بعبارة اخري: في الصورة الاولي التي حكم فيها بإجزاء الحج إذا كان عن نفسه و عدمه إذا كان عن غيره فالحكم بعدم إجزاء حج النائب موافق لما يقتضيه الأصل في حج النائب و المنوب عنه و إنما قلنا بالإجزاء في المنوب عنه بالدليل أما في الصورة الثانية فالقول بالإجزاء في حج النائب دون المنوب عنه مخالف لما هو تكليف المنوب عنه الفعلي.

و بعبارة اخري: يلزم قيام غير ما كان علي المنوب عنه مقام ما كان عليه بخلاف الصورة الاولي، فإنه لا يلزم منه

ذلك، إذا فالتفريق بين النائب و المنوب عنه بعدم الإجزاء في المنوب عنه و الإجزاء في النائب بعيد جداً يحتاج إلي تعبد قوي و دليل ظاهر.

و استدل للإجزاء بما في موثقة إسحاق بن عمار المتقدمة: «إن مات في الطريق أو بمكة قبل أن يقضي مناسكه يجزي عن الأول» و بذلك يقيد إطلاق موثقة عمار الساباطي: «في رجل حج عن آخر و مات في الطريق قال: و قد وقع أجره علي اللّٰه و لكن يوصي فإن قدر علي رجل يركب في رحله و يأكل زاده فعل».

و أما إذا قيل بأنّ القيد يكون راجعاً إلي الأخير فتكون الرواية مجملة و القدر المتيقن منها الإجزاء بعد الإحرام و دخول الحرم.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 119

و يمكن أن يقال: إنا و إن قوينا ظهور الرواية في رجوع القيد إلي الأمرين، أو بنينا علي كونها مجملة بناء علي احتمال اختصاص رجوع القيد إلي الأخير إلا أنه يمكن أن نقول: ان الظاهر اختصاص القيد بالأخير لا مجرد احتمال ذلك، لأن الموت في الطريق لا يكون غالباً إلا قبل انقضاء المناسك، فلا حاجة إلي تقييده بذلك.

فالرواية علي ذلك تكون مطلقة تدل علي الإجزاء مطلقاً سواء مات قبل الإحرام أو بعده قبل الدخول في الحرم أو بعده فتكون مدلولها و مدلول رواية ابن أبي عمير:

«فإن مات في الطريق فقد أجزأ عنه» واحداً تعارضهما رواية عمار الساباطي، فلا بد أن نجمع بينهما بالجمع الدلالي و إلا فبإعمال القواعد المذكورة في التعادل و الترجيح أو الحكم بالتساقط.

و يمكن أن يقال: إن روايتي ابن أبي عمير و إسحاق بن عمار نصان علي إجزاء الحج إذا مات بعد الإحرام و بعد الدخول في الحرم، و ظاهرتان في

الإجزاء فيما إذا مات قبل الإحرام أو بعده قبل الدخول في الحرم، و رواية عمار الساباطي نص في عدم الإجزاء إذا مات قبل الإحرام، و ظاهرة في عدم الإجزاء إذا مات بعد الدخول في الحرم أو بعد الإحرام. فيحمل ظاهر كل منهما علي نص الآخر، فنقول بالإجزاء فيما إذا مات بعد الإحرام و دخول الحرم و بعدم الإجزاء إذا مات قبل الإحرام، فيرتفع تعارضهما فيما إذا مات قبل الإحرام أو بعد الإحرام و الدخول في الحرم و يبقي علي حاله فيما إذا مات بعد الإحرام و قبل الدخول في الحرم فيتساقطان بالتعارض، و تبقي المسألة حينئذٍ تحت الأصل.

و يمكن المناقشة في أصل دلالة رواية عمار الساباطي علي عدم الإجزاء فإن قوله: «يوصي فإن قدر علي رجل يركب في رحله و يأكل زاده فعل» ليس ظاهراً في استنابة الحج بذلك، بل المراد مجرد الوصية برحله و زاده لمن ليس له ذلك استحباباً

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 120

و إلا فجواز استنابته رجلا آخر للنيابة عن المنوب عنه بدون إذنه يتوقف صحته علي كون إجارته نفسه غير مشروطة بمباشرته، و إلا فلا يجزي عما عليه من رد الاجرة إلي المستأجر، إذاً فلا يعتمد بهذه الرواية قبال الروايات الدالة علي الإجزاء لو لم نقل أنها أيضاً واحدة منها فتأمل جداً.

فعلي هذا يتم القول بالإجزاء إن مات بعد الإحرام و قبل الدخول في الحرم.

نعم، لا يؤخذ بإطلاقها في من مات قبل الإحرام بإعراض الأصحاب و تركهم العمل بها.

هذا و من ذلك كله ظهر لك وجه الإجزاء إذا مات بعد الإحرام و دخول الحرم و هو ثابت مجمع عليه.

[مسألة 10] استحقاق الاجرة قبل إتمام المناسك

مسألة 10- إذا مات الأجير بعد الإحرام و دخول الحرم أو قبله

علي البناء علي اجزائه فإن كان أجيراً علي تفريغ ذمة الميت و بعبارة اخري علي إتيان طبيعة الحج عنه، فلا ريب في أنه يستحق تمام الاجرة لأن ما أتي به فرد من تلك الطبيعة و إذا كان أجيراً علي إتيان فرد معين كالحج الذي يؤتي به بإتيان جميع المناسك، لا يستحق من الاجرة شيئاً.

و لو استأجره المستأجر للإتيان بالمناسك و الأجزاء علي أن تكون الأجزاء ملحوظة قبال الاجرة فهل يستحق من الاجرة ما يقابل ما أتي به أولا يستحق شيئاً أو يستحق تمام الاجرة؟

الظاهر أنه في هذه الصورة يستحق اجرة ما أتي به من العمل، لأن المستأجر

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 121

استأجره علي كل واحد منها ليترتب عليه الحج و قد ترتب عليه في الفرض، و لا وجه لاستحقاقه تمام الاجرة لأنه صار أجيراً لكل واحد من هذه المناسك مشروطاً بدخله في وقوع الحج و بعد ظهور عدم دخله في ذلك و عدم إتيان الأجير به لا وجه لاستحقاقه اجرته.

هذا بالنسبة إلي نفس المناسك و ما في ضمنها من المقدمات، أما بالنسبة إلي المقدمات السابقة علي المناسك كالمشي إلي الميقات في الحج البلدي فهي و إن لم تكن ملحوظة علي نحو الموضوعية بأن ينوي الأجير النيابة عن المنوب عنه في مشيه إلي الميقات، كما هو الأمر في استيجار الحج البلدي يكون الأجير مستحقاً لتمام أجرة الحج إذا كان أجيراً لأداء طبيعة الحج و مستحقاً لُاجرة ما أتي به إذا كان أجيراً لإتيان المناسك و إذا كانت المقدمات ملحوظة في الإجارة كالمناسك يستحق اجرتها و اجرة ما أتي به من المناسك من الاجرة المسماة.

هذا إذا ترتب الحج علي المقدمات و أما إذا لم يترتب عليها، كما

إذا مات قبل وصوله إلي الميقات أو قبل دخوله الحرم، فالظاهر أنه لا يستحق من الأجرة شيئاً، أما إذا لم تكن المقدمات ملحوظة في الإجارة، فعدم استحقاقه واضح و إذا كانت ملحوظة فيها فلأنّها ملحوظة فيها بشرط وصولها إلي ذي المقدمة لا مطلقاً.

و من ذلك يظهر حكم الإياب إذا مات بعد الإحرام أو بعد تمام المناسك و أداء الحج فإنه إن كان ملحوظاً في الإجارة رجوع الأجير إلي بلد المنوب عنه لبعض الأغراض الشرعية أو العقلائية يوضع من الاجرة بحسبها و إلا فهو يستحق تمام الاجرة. كما ظهر بذلك أيضاً أنه لا يغرم المستأجر الأجير إن أتي ببعض المقدمات كتحصيل الجواز بصرف المال و مات قبل الوصول إلي الميقات.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 122

[مسألة 11] تعيين نوع الحج في الاجارة

مسألة 11- قيل: إنه يجب في الإجارة تعيين نوع الحج من التمتع و القران و الإفراد، حتي لا يلزم الغرر و ذلك لكون أعمال الحج غير متساوية، بل مختلفة حسب الكيفية و الأحكام و الاجرة و القيمة.

و فيه: أن ذلك إذا كان راجعاً إلي إبهام في موضوع الإجارة و أنه هذا أو هذا فيجب تعيينه، لعدم إمكان إلزام الأجير علي أحدهما المعين لما شاء المستأجر أحدهما و أراد الأجير الآخر. و بعبارة اخري: لا يمكن فصل خصومتهما في ذلك

و أما إن استأجر لإتيان طبيعة الحج الصادقة علي أفرادها من التمتع و القران و الإفراد و كانا عالمين باختلاف هذه الأفراد من حيث الكيفيات و الأحكام فلا يوجب ذلك غرراً بعد علمهما بذلك و رضاهما بالإجارة.

نعم، إذا لم يكونا عالمين بذلك يعتبر في صحة الإجارة التعيين، بل إذا كان الإجارة واقعة علي هذه الأقسام المعينة يجب علمهما علي الإجمال بالأعمال بمقدار يرفع

به الغرر.

هذا إذا لم يكن نوع خاص من الحج متعيناً علي المنوب عنه و إلا يجب في أداء ما في ذمته تعيين ما عليه و لكن هذا لا يرتبط بصحة الإجارة كما لا يخفي.

ثمّ إن عين في الإجارة نوعاً أو فرداً خاصاً لا يجوز للموجر العدول عنه إلي غيره. قال في العروة: (و إن كان إلي الأفضل، كالعدول من أحد الأخيرين (القران و الإفراد) إلي الأول (التمتع) إلا إذا رضي المستأجر بذلك فيما إذا كان مخيراً بين النوع أو الأنواع كما في الحج المستحبي و المنذور المطلق أو كان ذا منزلين متساويين في مكة

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 123

و خارجها- إلي أن قال- و يظهر من جماعة جواز العدول إلي الأفضل كالعدول إلي التمتع تعبداً من الشارع لخبر أبي بصير عن أحدهما عليها السلام في رجل أعطي رجلًا دراهم يحج بها حجة مفردة أ يجوز له أن يتمتع بالعمرة إلي الحج؟ قال عليه السلام: نعم إنما خالف إلي الأفضل «1» و الأقوي ما ذكرناه و الخبر منزل علي صورة العلم برضا المستأجر بذلك مع كونه مخيراً بين النوعين جمعاً بينه و بين خبر آخر: في رجل أعطي رجلًا دراهم يحج بها حجة مفردة؟ قال: ليس له أن يتمتع بالعمرة إلي الحج لا يخالف صاحب الدراهم) «2»

أقول: سند الحديث الأول في الكافي «3» محمد بن يحيي عن أحمد بن محمد عن ابن محبوب عن هشام بن سالم عن أبي بصير عن أحدهما عليهما السلام «في رجل أعطي رجلًا دراهم يحج بها عنه». الحديث.

و في الفقيه «4» عن ابن محبوب مثله غير أنه قال: «إلي الفضل و الخير» و في الاستبصار «5» مثل الفقيه و في التهذيب

«6» مثل الكافي و في الوسائل «7» رواه عن الشيخ و قال بعد «عن أبي بصير»: «يعني المرادي».

و أما الحديث الثاني ففي الاستبصار «8» رواه عن محمد بن أحمد بن يحيي بن

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 12 من أبواب النيابة في الحج ح 1.

(2)- وسائل الشيعة: ب 12 من أبواب النيابة في الحج ح 2.

(3)- الكافي: 4/ 307.

(4)- الفقيه: 2/ 261.

(5)- الاستبصار: 2/ 323.

(6)- تهذيب الاحكام: 5/ 415.

(7)- وسائل الشيعة: ب 12 من أبواب النيابة ح 1.

(8)- الاستبصار: 2/ 323.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 124

الهيثم بن النهدي عن الحسن بن محبوب عن علي عليه السلام «في رجل أعطي رجلًا دراهم يحج بها عنه حجة مفردة؟ قال: ليس له أن يتمتع بالعمرة إلي الحج لا يخالف صاحب الدراهم». و رواه أيضاً في التهذيب و ليس فيه (عليه السلام).

و الذي يظهر من سند الثاني ضعفه لقطع الشيخ الذي أخرجه في كتابيه بأنه موقوف غير مسند إلي أحد من الائمة. و لا يعترض بمثله علي الأخبار المسندة، فما في الاستبصار المطبوع دون التهذيب من ذكر (عليه السلام) بعد «علي» اشتباه و وهم من النساخ، و احتمل في المدارك «1» أنه علي بن رئاب لكثرة رواية ابن محبوب عنه تبلغ 287 مورداً إن بنينا عليه يكفي في الاستدلال بالرواية، لأن مثل علي بن رئاب صاحب الأصل الكبير الثقة جليل القدر الذي قال المسعودي (إنه كان من علية علماء الشيعة و كان أخوه اليمان بن رئاب من علية علماء الخوارج و كانا يجتمعان في كل سنة ثلاثة أيام يتناظر ان فيها ثمّ يفترقان و لا يسلم أحدهما علي الآخر و لا يخاطبه) «2» و مثل هذا الشخص لا يقول ما يقول

في الأحكام الشرعية إلا عن الإمام عليه السلام، و لا يروي مثل ابن محبوب عنه فتواه إذا لم يكن منقولًا عن الإمام عليه السلام.

و كيف كان بصرف النظر عن هذا الخبر ففي دلالة خبر أبي بصير علي جواز العدول تعبداً نظر، فإن الظاهر منه أنه أعطاه الدراهم ليحج عنه حجة مفردة لعدم كفاية ذلك للحج التمتع، فلم يرد معطيها الا خصوص حج الإفراد، فإن كان يري أن من أعطاه الدراهم يقبل ذلك يذكر له حج التمتع، فلا دلالة لهذا الحديث أزيد من ذلك. و اللّٰه العالم.

______________________________

(1)- مدارك الاحكام: 7/ 121.

(2)- راجع مروج الذهب: 3/ 129.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 125

[مسألة 12] عدم اشتراط تعيين الطريق و المركب في الاجارة

مسألة 12- لا يشترط في الإجارة تعيين الطريق و تعيين المركب من السفينة أو السيارة أو الطائرة أو غيرها، و إن كان في الحج البلدي، قال في العروة: (لعدم تعلق الغرض بالطريق نوعاً).

و فيه: أن ذلك يصلح لعدم اشتراط الطريق من جانب المستأجر، فإنه بحسب النوع لا يشترط فيها خصوص الطريق، أما عدم اشتراط تعيين الطريق في صحة الإجارة فوجهه عدم اعتبار ذلك في صحتها فيستأجر المستأجر الأجير في الحج البلدي فهو يأتي به من بلده من أي طريق كان إلي مكة كمن صار أجيراً لإيصال مكتوب إلي بلد معين فإنه تصح إجارته و لو لم يعين الطريق إليه.

و الحاصل أن الإجارة تقع صحيحة إن لم يعين الطريق فيها و إن كان بعض الطرق متعلقاً لبعض أغراضه، حتي إن كان الحج من طريق خاص واجباً علي المنوب عنه لا دخل لاشتراطه علي الأجير في صحة الإجارة، نعم هو دخيل في تفريغ ذمة المنوب عنه.

و لو عين المستأجر طريقاً خاصاً تعيّن و لا يجوز للأجير العدول

عنه إلي غيره، إلا إذا علم أنه لم يرد- بذكره طريقاً خاصاً- التعيين و خصوص ذلك الطريق و إنما ذكره علي المتعارف فيكون هو بالخيار يختار أي طريق شاء و لا يكفي في ذلك مجرد عدم العلم بإرادة الخصوصيّة، فإن العدول عما يستفاد من ظاهر اللفظ عند العرف لا يجوز إلا بالقرينة و إلا فالمتبع هو أصالة الظهور و البناء علي كون المتكلم في كلامه مريدا لظاهره.

و علي هذا إذا علم أنه لم يرد الخصوصية فعدل عنها لم يعمل خلاف مقتضي

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 126

الإجارة و يستحق تمام الاجرة، كما إذا أسقط المستأجر بعد العقد تلك الخصوصية، أما القول بجواز العدول مطلقاً أو إذا لم يعلم بإرادة الخصوصية فهو مخالف للقاعدة.

و استدل لجواز العدول بصحيحة حريز التي رواها المشايخ الثلاثة عنه. قال:

«سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل أعطي رجلًا حجة يحج (بها) عنه من الكوفة فحج عنه من البصرة؟ فقال: لا بأس إذا قضي جميع المناسك (مناسكه) فقد تم حجه». «1»

إلا أن الظاهر أن السؤال و الجواب وقعا عن إجزاء الحج عن المنوب عنه لا عن استحقاق الأجير الاجرة.

و أما الجواب عنها بأنها محمولة علي صورة العلم بعدم الفرض كما هو الغالب «2»، ففيه: أن مورد السؤال هو تخلف الأجير من جهة مبدأ السفر لا من جهة اختيار طريق آخر إلا أن يقال: إن الطريق من الكوفة لا ينتهي إلي البصرة فيكون السؤال عن مبدأ السفر و عن العدول عن الطريق المعين في العقد. و كيف كان فحمل الرواية علي الصورة المذكورة في غاية البعد لا وجه له.

و قد حمل الحديث علي محامل اخر مثل ما عن الذخيرة: أن قوله: (من الكوفة)

متعلق بقوله: (أعطي) «3» و في المدارك: (و هي لا تدل صريحاً علي جواز المخالفة لاحتمال أن يكون قوله: من الكوفة صفة لرجل لا صلة للحج). «4» و كيف كان لا يتم الاحتجاج بالرواية علي جواز العدول مطلقاً.

هذا تمام الكلام في حكم جواز العدول التكليفي عن الطريق المعين إلي غيره،

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 11 من أبواب النيابة ح 1.

(2)- معتمد العروة: 2/ 62.

(3)- ذخيرة المعاد/ 563.

(4)- مدارك الاحكام: 7/ 123.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 127

و حكمه الوضعي بالنسبة إلي إجزائه عن المنوب عنه، أما بالنسبة الي استحقاق الأجير الاجرة علي تقدير العدول، فقد ذكر السيد- قده سره- لذلك صوراً:

أحدها: ما إذا كان الطريق مأخوذاً علي نحو الشرطية.

و ثانيتها ما إذا كان ذلك علي نحو القيدية.

و ثالثتها إذا كان علي وجه الجزئية.

أما الكلام في الصورة الاولي فالظاهر أنه يستحق تمام الاجرة لإتيانه بمتعلق الإجارة، و تخلفه عن الشرط لا يوجب غير ما يوجب التخلف عنه في مثل البيع و هو خيار الفسخ للمستأجر، فإن أخذ بالخيار و فسخ العقد يسترد الاجرة المسماة و عليه اجرة المثل، لأن العمل الذي صدر من الأجير صدر بإذنه.

و أما الصورة الثانية- و هي ما إذا كان الطريق مأخوذاً علي نحو القيدية، كالحج البلدي- فإن لم يأت به الأجير و أتي به من غير البلد أو الطريق المعين لا يستحق شيئاً من الاجرة، لأنه لم يأت بالعمل المستأجر عليه، و إن فرض براءة ذمة المنوب عنه بعمله.

و في الجواهر- بعد نقل ذلك عن المدارك- قال: «لكن الأصح خلافه ضرورة صدق كونه بعض العمل المستأجر عليه و ليس هو صنفاً آخر، و ليس الاستيجار علي خياطة تمام الثوب فخاط بعضه مثلًا بأولي

منه بذلك بناءً علي عدم الفرق بين التخلف لعذر و غيره في ذلك، و إن اختلف في الإثم و عدمه لأصالة احترام عمل المسلم». «1»

و فيه أولًا: أن العمل المستأجر عليه هو العمل المقيد بالقيد بجميع أجزائه، و ما

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 17/ 376.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 128

أتي به عن الأجزاء ليس جزءاً من ذلك العمل

و ثانياً قياس ما نحن فيه بالخياطة قياس مع الفارق بأن الأجير علي خياطة الثوب أتي ببعض العمل و فيما نحن فيه ما أتي به ليس بعضه لأنه مقيد بالطريق المعيّن و إذا انتفي القيد ينتفي المقيد، و المثال لذلك الاستيجار لزيارة يوم عرفة أو العمرة الرجبية إذا تحلف الأجير فزار مثلًا يوم عاشورا أو اعتمر في شعبان.

و ثالثاً احترام عمل المسلم لا يقتضي ضمانه مطلقاً و إلا فأي فرق بين هذه الصورة و ما إذا حج عنه متبرعاً؟ و اللّٰه هو العالم.

الصورة الثالثة من صور أخذ الطريق في عقد الإجارة أن يكون ذلك علي نحو الجزئية. و هذا يكون تارة في مقام الإثبات و الدلالة دون مقام الثبوت بحيث يكون كل واحد من جزئي العقد و الإجارة مقصوداً بالاستقلال فيكون متعلق الإجارة أمرين و الإجارة الواقعة إجارتان إحداهما تعلقت بالطريق و ثانيتهما تعلقت بأعمال الحج كما إذا نكح امرأتان بنكاح واحد أو باع الكتاب و البيت مثلًا بعقد واحد و إنشاء واحد كل منهما بثمن معين. ففي هذه الصورة إن لم يأت الأجير أو البائع بأحد جزئي المستأجر عليه أو المبيع فللمستأجر مطالبة به إن بقي إمكان تسليمه و إلا إن فوته عليه الأجير فله مطالبته بقيمته، كما أن الظاهر أن له فسخ المعاملة و استرداد اجرته المسماة إن

أداها إليه.

و أما فسخ كل الإجارة لتبعض الصفقة و استرداد الاجرة المسماة لكل واحد من الجزءين ورد اجرة مثل ما أتي به الأجير إليه فالظاهر أنه لا وجه له.

و إذا كان الجزءان منضمين بأُجرة معينة واحدة فأتي الأجير بالحج من غير الطريق المعين عليه فالظاهر أن المستأجر مخير بين فسخ الإجارة و استرداد الاجرة المسماة و دفع اجرة مثل الحج لتبعض الصفقة و بين الرجوع إلي الأجير بقيمة ما فوته

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 129

عليه و هي اجرة مثل الطريق.

[مسألة 13] إيجار النفس لمباشرة حجتين في سنة معينة

مسألة 13- قال في الجواهر: (و إذا استوجر لمباشرة حجة في سنة معينة لم يجز أن يوجر نفسه لمباشرة اخري في تلك السنة قطعاً لعدم القدرة علي التسليم، فتبطل الثانية حينئذٍ و لو فرض اقترانهما بطلتا معاً، بل قد يقال: يكون الحكم كذلك مع عدم اعتبار المباشرة، فإنه و إن تمكن من الإتيان بهما بالاستنابة لكن يعتبر في الإجارة تمكن الأجير من العمل بنفسه فلا يجوز إجارة الأعمي علي قراءة القرآن علي إرادة الاستنابة، ففي الفرض لا يجوز الإجارة الثانية للحج في تلك السنة و إن كان المراد بها أو بالأولي أو بهما ما يعم الاستنابة. و لكن قد ذكرنا في كتاب الإجارة احتمال الصحة) «1».

أقول: ما ذكره من احتمال الصحة هو الأقوي و لا وجه لمنع جواز استيجار الأعمي لاستنابته للقراءة كما هو كذلك في إجارة الحائض لكنس المسجد إذا لم يشترط عليها المباشرة فإن المعتبر في الإجارة كون ما استوجر له الأجير مقدوراً عليه و لو بالتسبيب و لا وجه لاشتراط أزيد من ذلك في صحة الإجارة.

هذا و لو كانت الإجارة الاولي مطلقة غير مقيدة بسنة معينة، قال في الجواهر:

(فعن الشيخ إطلاق عدم

جواز الإجارة لُاخري حتي يأتي بالاولي و قال المصنف- يعني المحقق- و الفاضل في محكي المنتهي: يمكن أن يقال بالجواز إن كانت لسنة غير

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 17/ 377.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 130

الاولي بل عن المعتبر الجزم به و هو كذلك لإطلاق الأدلة السالمة عن المعارض بل في المدارك: يحتمل قوياً جواز الاستيجار للسنة الاولي إذا كانت الإجارة الاولي موسعة إما مع تنصيص الموجر علي ذلك أو القول بعدم اقتضاء الإطلاق التعجيل، قال: و نقل عن شيخنا الشهيد في بعض تحقيقاته أنه حكم باقتضاء الإطلاق في كل الإجارات التعجيل فيجب المبادرة بالعمل بحسب الإمكان و مستنده غير واضح و هو كذلك أيضاً بناء علي الأصح من عدم اقتضاء الأمر الفور و الفرض عدم ظهور في الإجارة بكون قصد المستأجر ذلك). «1»

أقول: الظاهر اقتضاء إطلاق الإجارة التعجيل لا من جهة اقتضاء الأمر الفور بل لأن النظم العرفي في المعاملات يقتضي ذلك حتي يكون للمستأجر حق مطالبة الأجير بالعمل بالإجارة فالعرف في معاملاتهم يكونون علي ذلك إلا في صورة التنصيص علي الخلاف و علي هذا فالقول بعدم جواز الإجارة للأخري وجيه إلا أن تكون الثانية مقيدة بغير السنة الاولي أو كانت الاولي موسعة بتنصيص المستأجر علي ذلك، و اللّٰه هو العالم.

ثمّ هنا فروع أشار إليها في العروة:

منها أنه لو اقترن الإجارتان كما إذا آجر نفسه بالمباشرة لشخص و آجره وكيله كذلك للآخر في سنة معينة و اتفق وقوع الإجارتين في زمان واحد بطلتا معاً فلا يترتب علي إنشائهما أثر كما إذا باع بنفسه ماله من شخص و باع وكيله من آخر في وقت واحد أو زوجت نفسها من شخص و زوجها وكيلها من شخص آخر في زمان

واحد فلا يترتب علي عمل الوكيل و الموكل أثر عند العرف و لا يعتبر العرف

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 17/ 378.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 131

الزوجية و الملكية بذلك لامتناع ترتب الأثر علي كل واحد من الإنشاءين و ترتبه علي الواحد المعين منهما كعقد الموكل و إن كان لا مانع له في عالم الاعتبار سواء كان بالمرجح أو بغير المرجح إلا أنه لم يثبت بناء من العرف علي ذلك حتي تشمله الأدلة و إمضاء الشارع له و هذا هو وجه البطلان لا أن صحة العقد تحتاج إلي الدليل و الأدلة لا تشمل المقام لأن شمولها لهما معا غير ممكن و شمولها لأحدهما دون الآخر ترجيح بلا مرجح فالنتيجة هي البطلان فإن البحث من شمول الدليل و عدمه إنما يجي ء بعد كون المورد بيعاً أو نكاحاً أو إجارة عند العرف و لم يعتبر العرف وقوع الإجارة و البيع و النكاح في مثل ما نحن فيه لا بكليهما و لا بأحدهما، أما بكليهما فإن اعتبار الأثر لهما غير ممكن و أما لأحدهما دون الآخر فلم يثبت منهم البناء علي ترتب الأثر لذلك و اعتبار الملكية و الزوجية لأحدهما او لخصوص ما صدر عن الموكل و شمول الأدلة للعقود فرع وجودها في عالم الاعتبار عند العرف و بنائهم علي ترتب الأثر عليها.

و بالجملة عدم شمول الأدلة لأحدهما ليس من جهة أنه ترجيح بلا مرجح بل لعدم موضوع تشمله الأدلة و الأدلة تشمل ما كان عند العرف منشأً للآثار و مثل هذا الإنشاء ليس عنده منشأ لذلك و لم يستقر منهم البناء عليه. فتدبر.

الثاني: لو آجره فضوليان من شخصين مع اقتران الإجارتين أو سبق أحدهما المعين أو غير المعين علي الآخر:

له إجازة كل واحد منهما أراد لأن صحة عقد الفضولي و نفوذه تابعان للإجازة سواء تعلقت بالسابق أو اللاحق.

الثالث: من آجر نفسه من شخص ثمّ علم أن فضوليا آجره من سابقاً من شخص آخر لا يجوز له إجازة عقد الفضولي سواء قلنا بأن الإجازة ناقلة أو كاشفة

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 132

أما علي القول بالنقل فعدم جوازه واضح لعدم إمكان نقله إلي الغير بعد انتقاله إلي الآخر و أما علي القول بالكشف فقد أفاد في العروة في وجه بطلان الإجازة انصراف أدلة صحة الفضولي عن مثل ذلك فكأنه يري شمول أدلة الصحة لهذه الصورة و إنما رفع اليد عنها لانصرافها عن مثل ذلك.

و لذا أورد عليه بعض الأعاظم و قال: (لا يخفي ما فيه من المسامحة و الأولي أن يعلل ذلك بقصور أدلة صحة المعاملة الفضولية عن شمول ذلك- ثمّ بين- أن الدليل علي الصحة إن كان هو النصوص الخاصة فهي لا تشمل هذه الموارد و تختص بمواردها المذكورة فيها فما دل علي صحة النكاح الفضولي لا يشمل المورد الذي زوجت المرأة نفسها من شخص آخر و كذا ما دل علي صحة بيع الفضولي و إن كان الدليل علي صحة الفضولي هو القاعدة المستفادة من مثل قوله تعالي «أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ» «1» أو «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» «2» و قلنا بشمولها للمالك المجيز فيجب عليه الوفاء بالعقد لأن العقد الفضولي بعد الإجازة يستند إليه و يصير عقداً له في عالم الاعتبار فيجوز استناد البيع الذي هو من الامور الاعتبارية إلي المجيز حقيقة و إن لم يصدر منه العقد و يصدق عليه عنوان الموجر و البائع إلا أن المعاملة الفضولية بعد صدور المعاملة و التمليك و التملك من

نفس المالك لا تقبل الإجازة و الاستناد إليه ثانياً). «3»

و فيه: أن الأمر في الامور الاعتبارية سهل فيمكن أن نقول: إن الاجازة بعد ما كانت كاشفة تكشف من كون العقد الفضولي مستنداً إلي المجيز دون عقد نفسه فالأولي بالنسبة إلي هذه القاعدة دعوي الانصراف. و اللّٰه هو العالم

______________________________

(1)- البقرة/ 275.

(2)- المائدة/ 5.

(3)- معتمد العروة: 2/ 71.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 133

[مسألة 14] عدم جواز تأخير الحج أو تقديمه إذا آجر نفسه في سنة معينة

مسألة 14- لا يجوز لمن آجر نفسه للحج في سنة معينة تأخيره عنها و لا التقديم غير أن في صورة التقديم لا يجزيه عما عليه بالإجارة و يجب عليه الإتيان به في السنة المعينة أما في صورة التأخير فهو آثم بتأخيره و عدم وفائه بعقد الإجارة سواء كان التعيين علي وجه الشرطية أو القيدية أو الجزئية.

و علي هذا إن أخره و أتي به في السنة الثانية فإن كان علي وجه الشرطية يجوز للمستأجر إسقاط الشرط و أداء تمام الاجرة المسماة و يجوز له الفسخ و استرداد اجرة المسماة من الأجير ورد اجرة المثل إليه و إن لم يأت به بعد فللمستأجر إسقاط الشرط و إلزام الأجير بإتيان الحج أو الفسخ و استرداد الاجرة المسماة.

و أما إذا كان علي وجه القيدية فتقديمه علي السنة المعينة لا تجزي أيضاً و علي الأجير إتيانها في السنة المعينة اللهم إلا أن يقال: إن متعلق الإجارة إن كان الحج الواجب في ذمة المنوب عنه فأتي الأجير به في السنة المتقدمة علي السنة المعينة حيث إنه يبرأ ذمة المنوب عنه به لا محل للإتيان بمتعلق الإجارة ثانياً فلا يستحق الأجير علي المستأجر شيئاً بعنوان الاجرة المسماة و لا بعنوان اجرة المثل.

نعم إذا كان علي وجه الشرطية فحكمه و حكم صورة

الإتيان به متأخراً عن السنة المعينة واحد، و إذا أتي به في صورة التقييد متأخراً لا يستحق علي الأجير شيئاً و أما إذا كان علي وجه الجزئية فالكلام فيه يظهر بالتأمل فيما مر في المسألة السابقة.

إذا آجر نفسه للحج في سنة معينة فتصور كون ذلك علي وجه الجزئية لا

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 134

الشرطية و لا القيدية فهو في غاية الإشكال لأن فرض كون وقوع الحج في سنة معينة جزءاً للمستأجر عليه في أصل الحج فرض غير معهود بل غير واقع كفرض كون المبيع متصفا بصفة كذائية جزءاً للمبيع و ذلك لأن كون شي ء جزءاً لمورد المعاملة تارة يكون في مقام الإثبات بأن يكون متعلق الإجارة أو البيع أمرين و كل واحد منهما مقصوداً بالاستقلال فيجعلهما تحت عقد و إنشاء واحد فيقول مثلًا: بعت ما علم بما علم أو أجرت ما علم بما علم في المدة المعلومة ففي مثل ذلك لنا إجارتان لكل منهما حكمه الخاص و تارة يكون شيئين لكل واحد منهما دخل في الغرض المقصود منهما أو كماله كمصرعي الباب و كالفرس و جله ففي مثل ذلك إذا ظهر الخلاف و بطلان المعاملة بالنسبة إلي أحد الجزءين يكون للمشتري أو للمستأجر خيار تبعض الصفقة.

و أما إذا كان أحدهما وصفا للآخر لا وجود له بنفسه قبال الآخر كالعرض و المعروض ففرض الجزئية في مثله لا مفهوم له و لا يجي ء هنا إلا خيار تخلف الوصف إذا كان متعلق المعاملة جزئياً خارجياً و إلا فإن كان كلياً يجب علي البائع أو الأجير الإتيان بواجد الوصف و إن تعذر بتقصيره، للمستأجر فسخ المعاملة أو مطالبة الأجير بالقيمة.

و كيف كان علي فرض تصور الجزئية في مثل الحج

في السنة المعينة فإن قدّم الحج عليها فإما أن لا يكون ذلك رافعاً لموضوع الإجارة كما إذا كان الاستيجار للحج الاستحبابي أو للنذر المقيد بالسنة المذكورة يجب عليه الإتيان به في السنة المعينة و إما أن يكون تقديم الحج علي السنة المعينة مانعا عن الوفاء بالإجارة في تلك السنة و رافعا لموضوعه كما إذا استأجره لحجة الإسلام أو للنذر المطلق فيرجع إليه المستأجر بقيمة الجزء و يكون له خيار تبعض الصفقة فإن فسخ العقد يسترد تمام

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 135

اجرة المسماة و عليه أداء أجرة مثل الحج إلا أنه قد قلنا: إن تصور الجزئية في مثل ما نحن فيه و ترتب الأحكام عليه في غاية الإشكال فلا بد أن يرتب عليه أحكام الوصف و خيار تخلف الوصف.

و أما إذا أخر الحج عن السنة المعينة و أتي به في السنة المتأخرة فللمستأجر أن يرجع إلي الأجير بقيمة الجزء

أو يفسخ العقد و يسترد الاجرة المسماة و يؤدي اجرة المثل و إن لم يأت به بعد فللمستأجر أن يفسخ العقد و يسترد تمام الاجرة المسماة، أو مطالبة الأجير بإتيان الحج ورد ما يعادل اجرة الجزء من المسماة.

و بعد كل هذا التفصيل الذي لا يتجاوز عن عالم التصور بل تصوره أيضاً في غاية الإشكال، نؤكد بأن أخذ مثل قيد السنة في المستأجر عليه لا يكون إلا علي نحو الشرطية أو القيدية هذا كله فيما إذا كان أجيراً لإتيان الحج في سنة معينة و إذا أطلق الإجارة فعلي القول بعدم وجوب التعجيل يأتي به الأجير في سنة الإجارة و ما بعدها علي نحو لا يعد تأخيره ترك الالتزام بالعقد و علي القول بالتعجيل يأتي به في السنة التالية، ثمّ

التالية و هل يوجب ذلك للمستأجر الخيار؟ فيه وجهان، و الظاهر أنه من آثار الالتزام بالعقد كتسليم المبيع في البيع و ليس بمنزلة الاشتراط و إنما يجب عليه ذلك تكليفاً فوراً ففوراً. فلا يوجب الخيار.

[مسألة 15] تصحيح الاجارة الثانية

مسألة 15- قد علم مما سبق عدم صحة الإجارة الثانية إذا سبق عليها إجارة نفسه بالمباشرة لسنة معينة إذا كانت الثانية أيضاً إجارة لتلك السنة كذلك.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 136

و لكن وقع البحث في أنه هل يمكن تصحيح الإجارة الثانية بإجازة المستأجر الأول حتي كانت الثانية واقعة له و كان الأجير مستحقاً للُاجرة المعينة في الاولي و المستأجر الأول مستحقاً للُاجرة الثانية، أو تكون الإجازة مفيدةً لرفع يد المستأجر الأول عن شرط الإتيان بالحج في خصوص تلك السنة أو رضاه بقبول غير المستأجر عليه المقيد بكونه في سنة معينة برفع اليد عن القيد، حتي يكون الأجير مستحقاً لُاجرته في الإجارة الاولي و اجرته في الثانية في الصورة الاولي أو يكون الأجير فقط مستحقاً للُاجرة الثانية دون المستأجر؟ كما يأتي تفصيله.

يمكن أن يقال: الإجارة الاولي إذا كانت واقعة علي تمليك عمل الأجير للمستأجر سواء كان شاملًا لجميع أعماله و منافعه أو كان مختصا بعمله الخاص كحج هذه السنة بالمباشرة فإذا آجر نفسه من غير هذا المستأجر علي أن يكون منافعه أو منفعته الخاصة ملكاً له كالمستأجر الأول فأجاز المستأجر الأول تلك الإجارة تقع إجازته علي العقد الذي تعلق بملكه و هو منفعة الأجير فطبعاً تؤثر إجازته و تكون الإجارة الثانية للمجيز فيستحق الأجير علي المستأجر الأول الاجرة المسماة المعينة في العقد الأول و المستأجر الاجرة المسماة في الإجارة الثانية. و لا فرق في ذلك بين أن يستأجره الأول ليحج عن

زيد في سنة معينة و يستأجره الثاني ليحج عن عمرو في تلك السنة بأُجرة معينة أو استأجره الأول ليحج عن زيد بأُجرة معينة في هذه السنة و استأجره الثاني أيضاً ليحج عن زيد بأُجرة معينة.

و إذا كانت الإجارة الاولي واقعة علي كون العمل في ذمة الأجير علي وجه الشرطية، فهل للمستأجر الأول إجازة الإجارة الثانية أو ليس له لأن متعلقها ليس ملكا له ذلك و لا متعلقاً لحقه؟

يمكن أن يقال: إن المعاملة إذا توقفت صحتها علي إجازة الغير و إن لم يكن

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 137

ذلك التوقف لكون متعلقها ملكاً للمجيز أو متعلقاً لحقه تكفي في صحة المعاملة و صحة الإجارة هذه الإجازة و معني إجازتها إسقاط شرط المباشرة أو تعيين السنة لا الإقالة و لا فسخ المعاملة و علي هذا فالأجير يملك علي المستأجر الأول الاجرة المعينة في العقد الأول و علي المستأجر الثاني الاجرة المعينة في الإجارة الثانية.

و أما إذا كانت علي كون المستأجر عليه بقيد المباشرة علي ذمة الأجير فصحة إجازة المستأجر للإجارة الثانية محل الإشكال. و إن قيل: الإجازة معناها قبول غير المستأجر عليه بدلًا عنه، فإن هذا محتاج إلي مبادلة جديدة بينه و بين الأجير. و إن كان المراد إقالة الإجارة الاولي حتي يكون الأجير بالنسبة إلي إجارته الثانية كمن باع شيئاً فضولًا ثمّ ملكه قيل: إنه يصحّ بإجازته و قيل: لا يصح إلا بتجديد الإجارة.

و علي ما ذكر: إذا كانت الإجارة الاولي واقعة علي ما في الذمة و الثانية علي المنفعة الخاصة يمكن تصحيح الثانية بإجازة المستأجر الأول التي هي عبارة اخري من رفع اليد عن شرط المباشرة و إذا كانت بالعكس فتصحيح الإجارة الثانية لا يمكن إلا

بشرط إقالة الاولي أو قبول ما هو المستأجر عليه في الثانية الذي اخذ الإتيان به بالمباشرة علي وجه الشرطية بدلًا عما هو المستأجر عليه في الاولي.

[مسألة 16] إذا صار النائب مصدوداً أو محصوراً

مسألة 16- إذا صار النائب مصدوداً أو محصوراً يجب عليه ما يجب علي الحاج عن نفسه.

لعموم الأدلة المثبتة لهذه الأحكام فإنها بإطلاقها تشمل الحاج عن غيره كما تشمل الحاج عن نفسه، و هذا واضح، كما تشمله أدلة سائر الأحكام

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 138

و أما الإجارة فهي تنفسخ إذا كانت مقيدة بتلك السنة، و مع الإطلاق يبقي الحج في ذمة الأجير و إذا كان اعتبار تلك السنة في الإجارة علي وجه الشرط، فللمستأجر خيار تخلف الشرط، فإن لم يأخذ به يبقي الحج في ذمة الأجير حتي يأتي به.

و إذا كان الصد أو الحصر بعد الإحرام أو بعده و بعد دخول الحرم لا يجزي عن المنوب عنه و إن قلنا به في من مات كذلك، فكما لا يجزي المصدود أو المحصور إذا كان حاجّاً عن نفسه لا يجزي عن المنوب عنه إذا حج عنه غيره و هذا خلافاً للشيخ في الخلاف فإنه قال: (إذا مات أو احصر بعد الإحرام سقطت عنه عهدة الحج و لا يلزمه رد شي ء من الأجرة- إلي أن قال-: دليلنا: إجماع الفرقة فإن هذه المسألة منصوصة فهم لا يختلفون فيها) «1».

لكن المحتمل كما ذكره بعضهم وقوع السهو هنا. و ربما يقال باشعار كلام الشرائع علي موافقته للشيخ في ذلك فإنه قال: (و لو احصر أو صد قبل الإحرام و دخول الحرم استعيد من الاجرة بنسبة المتخلف) «2». فإن مفهومه أنه إذا احصر بعد ذلك لا يستعاد منه بنسبة المتخلف و الحكم بذلك لا يتم إلا علي

القول بكون الإحصار بعد الإحرام و بعد دخول الحرم كالموت، و كيف كان فالحكم بذلك كأنه لا وجه له و قياسه بالموت مع الفارق سيما مع عدم القول به في الحج عن نفسه.

ثمّ إنه نسب إلي ظاهر المقنعة و النهاية و المهذب بل قيل: إنه ظاهر المبسوط و السرائر أنه لو ضمن الأجير الحج في المستقبل يلزم علي المستأجر قبوله.

______________________________

(1)- الخلاف: 1/ 429.

(2)- شرايع الاسلام: 1/ 170.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 139

و ضعفه ظاهر لمخالفته للقاعدة و عدم وجود دليل عليه و لذا حمله غير واحد- علي ما في الجواهر «1» علي إرادة ما إذا رضي المستأجر بضمان الأجير، بمعني استيجاره ثانياً.

ثمّ إنه قال في العروة: (ظاهرهم استحقاق الاجرة بالنسبة إلي ما أتي به من الأعمال و هو مشكل لأن المفروض عدم إتيانه للعمل المستأجر عليه و عدم فائدة فيما أتي به فهو نظير الانفساخ في الأثناء لعذر غير الصد و الحصر و كالانفساخ في سائر الأعمال المرتبطة لعذر في إتمامها، و قاعدة احترام عمل المسلم لا تجري لعدم الاستناد إلي المستأجر فلا يستحق اجرة المثل أيضاً).

أقول: وجه السيد الاستاد الأعظم قدس سره استحقاق الأجرة و قال في حاشيته علي العروة: (عدم إجزاء ما أتي به من الأعمال لعدم حصول ما بقي منها لا ينافي كونه آتياً ببعض العمل المستأجر عليه فالأقوي هو استحقاقه من الاجرة بنسبة ما أتي به من الأجزاء بل و كذا المقدمات مع فرض دخولها في المستأجر عليه، و إن كان بوصف المقدمية، لأن هذا الوصف ثابت لها و إن لم توصل إلي ذي المقدمة و عدم حصول شي ء من الغرض بالجزء و المقدمة لا يضر لعدم وقوع الإجارة علي الفرض).

أقول:

إذا كانت الأعمال ملحوظة في الإجارة كل واحد منها بنفسه لا بحيث كونه مرتبطاً بغيره يوزع الاجرة و يستحق العامل اجرة ما أتي به من المستأجر عليه و أما إذا كانت الأجزاء كل واحد منها بوصف لحوق الأجزاء المتأخرة عليه و معنوناً بعنوان الجزء ملحوظاً في الإجارة، فلا يتعنون الأجزاء بصفة الجزئية للكل إلا إذا

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 17/ 380.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 140

أتي بالكل، كما أنه إذا لم يكن ملحوقاً به الجزء اللاحق لا يكون متعلقاً للإجارة حتي يكون الإتيان به إتيان العمل المستأجر عليه.

و أما قول السيد: (و عدم فائدة فيما أتي به) لعل مراده أنه إذا كان ما أتي به مما فيه الفائدة للمستأجر و ينتفع به، يمكن أن نقول: إنه ليس له مجاناً فعليه أداء قيمته، أما فيما نحن فيه فلا ينتفع المستأجر بما أتي به الأجير لأنه لا يصح جعل ما أتي به جزء لما يأتي به الآخر حتي يكون بعض الأعمال صادراً من شخص و بعضها الآخر من الآخر كالبناء و نحوه.

و أما قاعدة احترام عمل المسلم فهي أيضاً كما ذكره إنما تجري فيما إذا كان العمل صادرا منه و مستنداً إلي الغير، مضافاً إلي أنه قد وقع البحث بينهم فيها و اختار بعضهم أنها قاعدة تكليفية لا تقتضي الضمان مستفادة من موثقة سماعة: «لا يحل دم امرء مسلم و لا ماله إلا بطيبة نفسه» «1» و في الحديث النبوي المعروف: «المؤمن حرام كله عرضه و ماله و دمه». «2» نعم من جملة أسباب الضمان استيفاء عمل الغير.

[مسألة 17] إتيان النائب ما يوجب الكفارة

مسألة 17- إذا أتي النائب بما يوجب الكفارة تجب عليه من ماله، لإطلاق الأدلة و لأنها عقوبة علي فعل صدر منه

و لا شي ء علي المستأجر لعدم ما يقتضي ضمانه.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب مكان المصلي ح 1.

(2)- بحار الأنوار: 77/ 160.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 141

[مسألة 18] هل يقتضي اطلاق الاجارة التعجيل ام لا؟

مسألة 18- قد مر الكلام في اقتضاء إطلاق الإجارة و أنه هل يقتضي التعجيل أم لا؟

و لكن لم نستوف الكلام في ذلك و ما بنينا عليه من أن النظم العرفي في المعاملات يقتضي ذلك إذا كان العقد مطلقاً حتي يكون للمستأجر أو لكل واحد من المتعاقدين حق مطالبة ما ملكه بالعقد من الآخر،

فيه: أن هذا يقتضي الحلول في مقابل الأجل لا التعجيل و وجوب الأداء إذا لم يطالبه منه، و هذا المقدار- أي عدم جواز التأخير- إذا طالبه صاحبه بالتسليم و الأداء ثابت بالاتفاق، و المراد بالتعجيل إن كان ذلك فلا بحث فيه، أما الزائد علي ذلك و هو وجوب التسليم و الأداء و إن لم يطالبه صاحبه فمحتاج إلي البحث و الدليل، و لذا نقول: إذا كان العوض أو المعوض عيناً من الأعيان يجب علي من بيده تسليمه لعدم جواز الاستيلاء علي مال الغير و وجوب أدائه إليه و حرمة تصرفه فيه إلا بإذنه و رضاه، فيجب عليه التعجيل في التسليم و الأداء.

و أما إذا كان المال في الذمة كالعمل المستأجر عليه مثل الحج و كالثمن الكلي أو المثمن الكلي.

ففيه: و إن كان لصاحب المال حق مطالبته ممن هو بيده و يجب عليه إجابته و ليس له التأخير، إلا أن في صورة عدم المطالبة الحكم بوجوب التعجيل يحتاج إلي الدليل،

و التمسك علي ذلك بأن الأمر يقتضي الفورية، ففيه: أن المراد بالأمر إن كان الأمر بالوفاء بالعقد فهو يتوقف علي كون ذلك وفاءً به مضافاً إلي عدم

تمامية ذلك

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 142

من حيث الكبري لعدم دلالة الصيغة علي أزيد من طلب إيجاد الطبيعة كما بين في محله

نعم، قيل بأن ذلك مقتضي قاعدة السلطنة علي الأموال و الحقوق، فإنها تقتضي وجوب المبادرة إلي الأداء لأن التأخير خلاف تلك القاعدة. «1»

و فيه: أن ما تقتضيه قاعدة السلطنة هو سلطنة صاحب المال و المستأجر علي مطالبة الأجير بأداء المال و الخروج عن عهدة ما عليه سواء كان من الأعيان الخارجية أو كلياً ثابتاً في ذمته.

و كذلك الاستدلال علي وجوب التعجيل بما دل علي حرمة حبس الحقوق ففيه: أن ما دل عليها إن كان من أدلة حرمة الغصب و الاستيلاء علي مال الغير أو حرمة التصرف فيه، فهو يجي ء في الأعيان الخارجية، فمن استجار داراً لمدة معينة يجب عليه بعد انقضاء المدة تسليمها إلي الموجر و إخراجها عن تحت يده، لأن بقاءها تحت يده استيلاء عليه و تصرف يحتاج إلي رضي المالك و بقاء الكلي في الذمة و عدم رده ليس من الاستيلاء علي مال الغير و التصرف فيه و إن طالبه المستأجر و إنما يجب عليه الأداء لوجوب الوفاء بالعقد و لقاعدة السلطنة. و اللّٰه العالم.

[مسألة 19] فيما لو فضلت الأجرة أو قصرت

مسألة 19: قد وردت روايات في أن من أعطي مالًا يحج به ففضل منه أنه له، و لم أجد في الروايات حكم ما إذا قصرت الاجرة إلا أن الظاهر أنه لا خلاف بين الأصحاب في أن في صورة الفضل للأجير ما فضل و ليس

______________________________

(1)- راجع مستمسك العروة: 11/ 46.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 143

للمستأجر استرداده و في صورة القصر لا يجب علي المستأجر أداء ما قصر و لا حق للأجير عليه.

و استدل لهما في الجواهر بالأصل السالم

عن المعارض و لصورة الفضل بأن من كان عليه الخسران كان له الجبران «1» و هذا نظير من كان عليه الغرم فله الغنم علي هذا إن صح الاستدلال بذلك فيمكن الاستدلال به لصورة القصر أيضاً، بأن يقال:

من كان له الغنم فعليه الغرم، و كيف كان فالمسألة مورد الاتفاق.

و ظاهر الجواهر و من اعتمد علي كلامه وجود النصوص علي الصورتين، و لكن عرفت أننا لم نجدها إلا في الصورة الاولي. و عن النهاية و المبسوط و المنتهي استحباب الإتمام في صورة القصر لكونه من المعاونة علي البر و التقوي «2».

و فيه: أنه يتم لو كان الإتمام في أثناء العمل أو قبله.

و عن التذكرة و التحرير و المنتهي استحباب الرد في صورة الفضل تحقيقاً للإخلاص في العبادة. «3»

و فيه أيضاً: إن كان ذلك بعد العمل لا يؤثر في الإخلاص، نعم إن كان قبل العمل أو في أثنائه أو نوي ذلك حين العمل يؤثر فيه. و اللّٰه هو العالم.

[مسألة 20] استحقاق الأجير بعد ما أفسد حجه

مسألة 20- لا ريب في ان الأجير للحج كالأصيل إن أفسد حجه بالجماع قبل المشعر يجب عليه إتمامه و الحج من قابل و كفارة بدنة

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 17/ 381.

(2)- جواهر الكلام: 17/ 382.

(3)- جواهر الكلام: 17/ 382.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 144

لإطلاق النصوص و شمولها للحاج عن نفسه و عن غيره. و لكن يأتي الكلام في أنه هل يستحق الاجرة علي الاول اولا؟ قولان مبنيان علي أن الواجب الأصلي هو الأول و الثاني عقوبة، أو أن الحج الثاني هو الأصلي و إتمام الأول عقوبة.

فإن قلنا بالأول يستحق الاجير تمام الأجرة، لأنه أتي بالحج المستأجر عليه و فرغت به ذمة المنوب عنه، فإن اتفق موت الأجير قبل إتيانه بالثاني أو

تركه عصياناً أو نسياناً لا حق للمستأجر عليه، لأنه لا دخل لإتيانه بالثاني في صحة الأول.

و في الجواهر قال: (التحقيق أن الفرض الثاني لا الأول الذي اطلق عليه اسم الفاسد في النص و الفتوي …) «1».

و علي هذا يلزم علينا النظر في النصوص سنداً و دلالة حتي يتبين الحكم إن شاء اللّٰه.

فنقول: أما ما يدل علي أن الأول هو الأصل و المكلف به و الثاني عليه عقوبة فمنها المضمرة التي رواها الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن حماد عن حريز عن زرارة قال: «سألته عن محرم غشي امرأته و هي محرمة؟ قال: جاهلين أو عالمين؟

قلت: أجبني في الوجهين جميعاً، قال: إن كانا جاهلين استغفرا ربهما و مضيا علي حجهما و ليس عليهما شي ء و إن كانا عالمين فرق بينهما من المكان الذي أحدثا فيه و عليهما بدنة و عليهما الحج من قابل فإذا بلغا المكان الذي أحدثا فيه فرق بينهما حتي يقضيا نسكهما و يرجعا إلي المكان الذي أصابا فيه ما أصابا، قلت: فأيّ الحجتين لهما؟ قال:

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 17/ 389.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 145

الأولي التي أحدثا فيها ما احدثا و الاخري عليهما عقوبة» «1».

و إضمارها غير مضر باعتبارها بعد ما كان المضمر مثل زرارة الذي لا يسأل الحكم عن غير الإمام عليه السلام و دلالتها علي إجزاء الأول عن التكليف ظاهر لا يحتاج إلي البيان.

و ما قيل من أن صدرها و إن كان مطلقاً يشمل المحرم النائب إلا أن ذيلها يدل علي أنهما حجا عن أنفسهما «2» لا يضر علي ما نحن بصدده من كون الأول هو المكلف به و الواقع عن المنوب عنه، لعدم احتمال الفرق في ذلك بين الحاج

عن نفسه و النائب.

و منها: صحيحة إسحاق بن عمار التي سبق ذكرها، قال: «سألته عن الرجل يموت فيوصي بحجة فيعطي رجل دراهم يحج بها عنه- إلي أن قال-: فإن ابتلي بشي ء يفسد عليه حجه حتي يصير عليه الحج من قابل أ يجزي عن الأول؟ قال: نعم، قلت:

لأن الأجير ضامن للحج؟ قال عليه السلام: نعم» «3». و صحيحته الاخري: «في الرجل يحج عن آخر فاجترح في حجه شيئاً يلزمه فيه الحج من قابل أو كفارة؟ قال: هي للأول تامة و علي هذا ما اجترح». «4»

قال بعض الأعاظم قدس سره: (هذه الروايات صريحة في صحة الحج الأول و أنه الحج الأصلي و الثاني عقوبة) «5».

______________________________

(1)- الكافي: 4/ 373.

(2)- معتمد العروة: 2/ 58.

(3)- وسائل الشيعة: باب 15 من أبواب النياية ح 1.

(4)- وسائل الشيعة: باب 15 من أبواب النياية ح 2.

(5)- معتمد العروة: 2/ 86.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 146

و ظهور هذه الروايات بل صراحتها علي صحة الحج الأول و إجزائه عن المنوب عنه لا يقبل الإنكار و عليه تفرغ ذمة المنوب عنه و إن لم يأت النائب بالحج الثاني عصياناً أو نسياناً.

نعم، يمكن التكلم في دلالة الثانية لقوله: «يفسد عليه حجه حتي يصير عليه الحج من قابل أ يجزي عن الأول» فإنه يدل علي فساد حجه و بقائه في ذمته حتي يأتي به في العالم القابل.

و مراده من قوله: «أ يجزي عن الأول» يمكن أن يكون السؤال عن إجزائه عن الأول بعد اتيان النائب به ثانياً لإمكان أن لا يكون مجزياً عن الأول مطلقاً لفساد حجه الأول و لأن الثاني عقوبة عليه.

و كيف كان ففي غيرها من الروايات غني و كفاية لذلك.

و أما ما يمكن أن يستدل

به لكون الفرض الثاني فهو ظاهر قولهم عليهم السلام في روايات كثيرة: «فعليه الحج من قابل» فإن ظاهره أن عليه حجه الذي كان عليه يأتي به من قابل إلا أن ذيل رواية زرارة التي فيها «و عليهما الحج من قابل» تفسر هذه الروايات بأن الحج من قابل عقوبة.

نعم، أخرج الكليني عن عدة من أصحابنا «1» عن أحمد بن محمد عن الحسين

______________________________

(1)- إن كان أحمد بن محمد، أحمد بن محمد بن عيسي فالمراد من العدة محمد بن يحيي العطار و علي بن موسي الكميداني و داود بن كورة و أحمد بن إدريس و علي بن إبراهيم، و إن كان أحمد بن محمد بن خالد فهم علي بن إبراهيم و علي بن محمد بن عبد اللّه بن اذينة و أحمد بن عبد اللّه و علي بن الحسن و أحمد بن محمد بن عيسي و أحمد بن محمد بن خالد و هما من السابعة.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 147

بن السعيد «1» عن فضالة بن أيوب «2» عن أبي المغراء «3» عن سليمان بن خالد «4» قال: «سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: في الجدال شاة، و في السباب و الفسوق بقرة، و الرفث فساد الحج» «5».

و لكن الظاهر بقرينة ما دل صريحاً علي أن الاولي له و أنها تامة أنّ المراد بالفساد وقوع الخلل الكبير فيها بحيث يوجب عليه بدنة و الحج من قابل.

ثمّ إنه لا فرق علي القول بكون الحجة الاولي تامة بين كونها مطلقة أو معينة.

و هل يجب عليه أن يأتي بالحج الثاني بقصد النيابة عن المنوب عنه أو بهذا العنوان الذي وجب علي نفسه؟ الظاهر أنه يأتي به كذلك و إن كان يمكن أن

يحتاط بإتيانه بقصد الواجب الذي عليه.

هذا كله علي القول بأن الحج الأول وقع صحيحاً، و أما علي القول بفساده و أن الفرض هو الثاني فالكلام فيه يقع في طي امور:

الأول: هل المستفاد من الأدلة وجوب الحج عليه من قابل مطلقاً و إن لم يكن الحج الأول واجباً عليه أو انفسخت الإجارة لكونها مقيدة بسنة معينة إذ المراد من قوله عليه السلام: «عليه الحج من قابل» بيان فساد حجه و أنه حيث كان آتياً بالحج الواجب، عليه الحج من قابل فلا يجزي عنه، فإذا كان حجه مستحباً أو نيابة عن

______________________________

(1)- من كبار السابعة.

(2)- من السادسة ثقة في حديثه مستقيماً في دينه ممن أجمع أصحابنا علي تصحيح ما يصح عنهم و تصديقهم و أقروا لهم بالعلم و الفقه.

(3)- حميد بن مثني من الخامسة ثقة ثقة له أصل.

(4)- من الرابعة كان قارياً وجيهاً وجهاً.

(5)- الكافي: 4/ 339، ح 6.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 148

الغير بالإجارة و انفسخت إجارته بفساده أو بالإقالة لا يجب عليه الحج من قابل؟

فيه وجهان.

الثاني: هل تنفسخ الإجارة حينئذٍ إذا كانت مقيدة بسنة معينة؟ قيل: إن ظاهرهم ذلك.

و فيه: أن الإجارة تنفسخ إذا صار الأجير معذوراً من إتيانه و انتفي موضوعها بأسباب قهرية غير اختيارية، أما إذا صار الأجير عاجزاً عن الإتيان بالمستأجر عليه بتقصيره و اختياره فالظاهر أنه لا وجه لانفساخ الإجارة بنفسها، فللمستأجر مطالبة الأجير بالقيمة ورد الاجرة المسماة أو الفسخ و استرداد الاجرة المسماة، و إذا كانت الإجارة مطلقة يبقي المستأجر عليه في ذمة الأجير.

الثالث: علي البناء علي فساد الحج الأول، لا ريب في عدم استحقاق الأجير الاجرة عليه، و هل يستحقها إذا أتي بالحج الثاني أم لا؟ حكي عن جماعة أنه

لا يستحق الاجرة عليه و إن أتي به بقصد النيابة، و ذلك لعدم إتيان العمل المستأجر عليه في السنة المعينة و الحج الذي أتي به لم يأت به بأمر المستأجر حتي يوجب الضمان. بل أتاه بأمر اللّٰه تعالي عقوبة عليه.

و فيه: أن كون الثاني عقوبة معناه الإتيان به لأمره الخاص به و لازمه كون الأول مجزياً، فإذا كان الأول فاسداً يجب أن يكون الثاني صحيحاً مجزياً بدلًا عن الأول و لو شرعاً و تعبداً و مقتضي ذلك استحقاق الأجير للُاجرة.

نعم: إن قلنا بأن الأول إذا كان مقيداً بسنة معينة و لم يكن مطلقاً و فسد بالرفث لا يجب عليه الحج من قابل، لأن وجوبه يدور مدار بقاء الإجارة و بعد انفساخها بالرفث لا يجب عليه الحج من قابل فلا يستحق الأجير الاجرة حينئذ.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 149

و بالجملة: فالظاهر أن الحج الثاني إن كان عقوبة فيجب أن يكون الأول مجزياً صحيحاً و إن كان هو الحج الأصلي فيستحق الأجير عليه الاجرة المسماة شرعاً و ما قيل من أنه لا ملازمة بين وجوبه في القابل و كونه عوضاً «1» صحيح لامكان كون وجوبه في القابل عقوبة و لكن ندعي الملازمة بين عدم كونه عقوبة و كونه بدلًا و عوضاً.

و الحاصل: لا ريب في أن إحدي الحجتين تجزي عن التكليف الأصلي فإن كانت هي الحجة الاولي يستحق الأجير الاجرة، و إن كانت الثانية لكونها بدلًا و عوضاً عن الاولي فيستحق الاجرة شرعاً بحكم الشارع.

الرابع: هل تفرغ ذمة المنوب عنه إن قلنا بعدم استحقاق الأجير للُاجرة فلا يجب عليه الحج ثانياً أم لا؟. الظاهر أنه لو قلنا باستحقاق الأجير للُاجرة، لا كلام في فراغة ذمة المنوب عنه،

و أما لو قلنا بعدم استحقاقه للُاجرة فهل يوجب إتيان الأجير بالحج من قابل براءة ذمة المنوب عنه أم لا؟

الظاهر أنه يوجب ذلك فإن قوله عليه السلام: «عليه الحج من قابل» يعني الحج الذي كان عليه فكما أنه إذا كان حاجّاً عن نفسه يجزيه ذلك عن حجة الإسلام و لا يجب عليه الثالث، كذلك في الحج النيابي ما يلزم عليه هو الحج الأول من قابل، فلا يجب عليه في صورة الإطلاق حج ثالث و لو كان علي الحاج عن نفسه حج ثالث يكون هو حجة إسلامه التي قصدها في الحج الأول و كذلك لو كان علي النائب حج ثالث أو المنوب عنه لكان اللازم الإيعاز إليه في الروايات و حيث لم يوعزوا إلي ذلك يعلم منه كفايته عن الحج الأول.

______________________________

(1)- معتمد العروة: 2/ 90.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 150

[مسألة 21] متي يملك الاجير الاجرة

مسألة 21- يملك الأجير الاجرة بمجرد الإجارة، كما أن المستأجر أيضا يملك العمل في ذمته كذلك.

و قد ذكروا هنا فروعا لا بأس بالإشارة إليها:

أحدها: أنه لا يجب علي المستأجر تسليم الاجرة إلا بعد العمل لبناء المعاملات علي التسليم و التسلم، إلا إذا كان هناك شرط مذكور بينهما أو انصراف إلي صورة متعارفة.

ثانيها: أنه لو كانت الإجارة مطلقة و تبرع الوكيل أو الوصي بإعطاء الاجرة قبل العمل يكون ضامنا، لأنه لم يكن له ذلك إلا إذا كانت وكالته أو وصايته علي ذلك، و أما إذن الوارث فلا أثر له في جواز الإعطاء و لا يخرج به الوصي عن الضمان لأنه أجنبي عن المال.

ثالثها: أنه لو لم يقدر الأجير علي العمل قبل تسليم الاجرة إليه هل لكل من المستأجر و الأجير فسخ الإجارة، أو أن ذلك يوجب بطلان

العقد لعدم قدرة الأجير علي التسليم؟ و أما الفسخ فهو متوقف علي بقاء الإجارة في صورة عدمه و مع عدم القدرة علي التسليم لا تبقي الإجارة و لا موضوع لجوازها و ترتب آثارها عليها.

و بذلك يجي ء الإشكال فيما هو المتعارف من استيجار من ليس قادرا علي الحج بالاجرة، فإنه إذا كان الأجير بنفسه عاجزا عن الإتيان بالعمل إلا بالاجرة فليس العمل مقدوراً بنفسه من أول الأمر، فإذا كانت صحة الإجارة متوقفة علي كون العمل مقدوراً للأجير فلا تنعقد هذه الإجارة، لأنه يجب أن يكون الأجير

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 151

متمكنا من إتيان العمل بنفسه و قبل الإجارة، إذاً فكيف يصح استيجار من لا يتمكن من الحج بنفسه؟

ثمّ علي الوجه الأول ما معني كون خيار الفسخ للأجير كالمستأجر؟ فإنه يمكن أن يقال: إن المستأجر له الخيار فإما يفسخ المعاملة فلا حق للأجير عليه، و إما يختار البقاء عليها فتبقي ذمة الأجير مشغولة له بالحج أو بقيمته، و أما الأجير فهو لا يقدر علي تسليم العمل فلا حق له علي المستأجر و لا يجوز له مطالبة الاجرة فسخ أم لم يفسخ.

رابعها: إذا كانت الاجرة عينا فنمت قبل العمل و قبل تسليمها فالنماء يكون للأجير و إن حصل عند المستأجر، لأنه بعقد الإجارة صار مالكاً لها فهو تابع للأصل.

[مسألة 22] المباشرة و التسبيب في الاجارة

مسألة 22- مقتضي إطلاق الإجارة المباشرة، لأن ظاهر قوله:

آجرتك علي أن تفعل كذا، صدور الفعل عن الأجير بالمباشرة و منتسبا إليه بنفسه، فلا ترفع اليد عن هذا الظاهر إلا بالقرينة، إذاً فلا يكفي التسبيب في تحصيله، و ليس هذا مثل قولهم: «بني الأمير المدينة» فإنه مجاز معلوم بالقرينة، لأن الأمير لا يباشر بنفسه أمر بناء المدينة، فعلي هذا لا

يجوز للأجير استيجار الغير إلا بإذن المستأجر.

و هنا رواية عن مولانا أبي الحسن الرضا عليه السلام رواها في الكافي عن عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد، عن جعفر الأحول، عن عثمان بن عيسي، قال: «قلت لأبي الحسن الرضا عليه السلام: ما تقول في الرجل يعطي الحج فيدفعها إلي غيره؟ قال: لا

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 152

بأس به». «1»

و رواها الشيخ في التهذيب تارة عن محمد بن أحمد بن يحيي عن أبي سعيد عن يعقوب بن يزيد عن جعفر الأحول عن عثمان بن عيسي بلفظ الكافي «2» و أُخري عن محمد بن الحسين عن جعفر بن بشير عن الأحول عن عثمان بن عيسي عن أبي الحسن عليه السلام: «في الرجل يعطي الحج فيدفعها إلي غيره قال: لا بأس». «3»

و هذه الرواية ساقطة عن الاحتجاج بها بما في سندها من بعض العلل:

أما سندها في الكافي فسهل بن زياد من الطبقة السابعة و جعفر الأحول إن كان من الخامسة فهو مجهول و روايته عمن هو في الطبقة المتأخرة عنه لا يستقيم، و إن كان جعفر بن بشير فهو من السادسة، ثقة، جليل القدر، غير أنه لم يوصف بالأحول و عثمان بن عيسي أيضاً من السادسة يروي عن مولانا الرضا عليه السلام و هو ممن أجمعت العصابة علي تصحيح ما يصح عنهم.

و أما سند التهذيب الأول فمحمد بن أحمد بن يحيي من السابعة ثقة، إلا أنه قيل: إنه يروي عن الضعفاء و أبو سعيد أيضا من السابعة و لعله هو سهل بن زياد أبو سعيد الآدمي، و يعقوب بن يزيد من السابعة كاتب المنتصر، هو و أبوه ثقتان و جعفر الأحول ففيه ما ذكر.

و أما سنده الثاني فجعفر

بن بشير من السادسة و أما الأحول فإن كان من الخامسة ففيه الإشكال المذكور و إن كان من السادسة فهو مجهول، و الحاصل إن السند مضطرب جداً و الظاهر إن أسد الثلاثة سند الكافي و لكنه هو ضعيف بجعفر

______________________________

(1)- الكافي: 4/ 309.

(2)- تهذيب الاحكام: 5/ 17.

(3)- تهذيب الاحكام: 5/ 462

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 153

الأحول.

و أما دلالتها فيمكن أن يقال: إن مورد السؤال فيها هو إعطاء الحج ليأتي بها بالمباشرة فدفعها إلي غيره، فأجاب الإمام عليه السلام: «لا بأس به» و أما إذا أعطاها مباشرة أو بالتسبيب فلا حاجة فيه إلي السؤال.

و يمكن أن يقال بالعكس: فإنه اعطي الحجة ليأتي بها بالمباشرة لا محل للسؤال عن جواز دفعها إلي غيره، فلا بد أن يكون السؤال عما إذا لم يكن هنا ما يدل علي المباشرة أو الأعم منها و من التسبيب، فنفي الإمام عليه السلام البأس عن دفعها إلي غيره.

و كيف كان ليست للرواية دلالة ظاهرة علي إطلاق جواز الدفع إلي الغير و لو كان كلام المستأجر ظاهرا في المباشرة. و اللّٰه العالم.

[مسألة 23] استيجار من ضاق وقته عن إتمام الحج تمتعاً للافراد

مسألة 23- لا يجوز استيجار من ضاق وقته عن إتمام الحج تمتعاً لأن يحج حج الإفراد عمن عليه حج التمتع.

و ذلك لعدم الدليل علي كون ذلك بدلًا اضطراريا عن التمتع و إن انحصر الأجير بهذا الشخص، و لا يكفي في ذلك، القول به في من حج عن نفسه و ضاق وقته عن إتمامه تمتعاً، و إن كان فيه أيضاً إشكال، لأن ما يدل علي بدلية الإفراد عن التمتع إذا حج عن نفسه لا يكفي في إثبات بدلية حج النائب، و تمام الكلام يأتي إنشاء اللّٰه في محله.

و أما لو استأجره في سعة الوقت

و اتفق ضيق الوقت في الأثناء، ففي جواز العدول إلي الإفراد و إجزائه عن المنوب عنه و عدمه قولان، أقواهما الجواز و

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 154

الإجزاء، و ذلك لإطلاق طائفة من أخبار العدول المذكورة في الوسائل. «1»

و لا وجه لانصرافها إلي الحاج عن نفسه، غير كون الحج عن نفسه متيقناً منه، و لكن ذلك لا يوجب الانصراف و اختصاص المطلق به كما في سائر الموارد و إلا فلا يبقي إطلاق لمطلق، لأن في كل مطلق يوجد قسم خاص شمول المطلق له يقيني أو أظهر فيه من سائر الأفراد.

و بعبارة اخري: المطلق يدل عليه بالنص و في غيره يكون بالظهور و هذا لا يوجب صرف حجية المطلق عن سائر أفراده و اختصاصه بالمتيقن.

ثمّ إن لازم القول بجواز العدول إلي الإفراد بل بوجوبه هو الإجزاء عن المنوب عنه لأن البناء علي شمول الروايات للحج النيابي و عدم اختصاصه بالحج عن نفسه ذلك فكما يجزيه العدول في الحج النفسي يجزيه عن النيابي. و هذا نظير النيابة في الصلاة فمن شك فيها بين الثلاث و الأربع يبني علي الأربع و يأتي بصلاة الاحتياط و يجزي ذلك عن المنوب عنه. و إن علم بعد ذلك نقصان صلاته واقعاً. فلا فرق في ذلك بين صلاة نفسه و صلاته نيابة عن غيره.

و أما استحقاق الأجير للُاجرة فإن كان أجيراً علي الحج المفرغ للذمة، فلا شك في استحقاقه، لأنه أتي بما يجب عليه بحسب الإجارة.

نعم إن كان أجيراً لخصوص حج التمتع أو لأفعال حج التمتع لا يكون مستحقاً للُاجرة في الصورة الاولي، و في الثانية يكون مستحقا لها بنسبة ما أتي به من الأعمال إن لم تكن الإجارة واقعة علي كل منها

بوصف كونه سابقا علي الأعمال المترتبة عليه و إلا فلا يستحق شيئا.

______________________________

(1) وسائل الشيعة: ب 21 من أبواب أقسام الحج

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 155

[مسألة 24] التبرع عن احد في الحج

مسألة 24- لا إشكال و لا خلاف ظاهراً في جواز التبرع عن الميت في الحج الواجب سواء كان حجة الإسلام أو غيرها.

قال في الجواهر: (بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك بل الإجماع بقسميه عليه، بل النصوص مستفيضة أو متواترة فيه من غير فرق في الميت بين أن يكون عنده ما يحج به عنه أم لا و بين إيصائه به و عدمه و بين قرب المتبرع للميت و عدمه و بين وجود المأذون من الميت أو وليه و عدمه، كل ذلك لإطلاق النصوص و معاقد الإجماعات). «1»

أقول: من تلك الروايات التي أشار إليها صاحب الجواهر قدس سره ما رواه في الكافي بإسناده عن ابن مسكان عن عامر بن عميرة قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام:

بلغني عنك أنك قلت: لو أن رجلًا مات و لم يحج حجة الإسلام فحج عنه بعض أهله أجزأ ذلك عنه؟ فقال: نعم اشهد بها عن أبي أنه حدثني أن رسول اللّٰه صلي الله عليه و آله و سلم أتاه رجل فقال: يا رسول اللّٰه صلي الله عليه و آله و سلم إن أبي مات و لم يحج فقال له رسول اللّٰه صلي الله عليه و آله و سلم يجزي منه». «2»

و دلالته علي إطلاق جواز النيابة عن الميت و إن لم يكن النائب من أهله، إنما تكون بإلغاء الخصوصية و عدم الفرق في التبرع عن الميت بين أهله و غيره. كما أن الإمام عليه السلام لم يفرق بين الولد و غيره من أهله و لم

يختص الحكم بالولد عن والده.

و روي الحديث الشيخ في التهذيب إلا أنه قال: «عن عبد اللّٰه بن مسكان عن

______________________________

(1)- الجواهر: 17/ 387.

(2)- الكافي: 4/ 277.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 156

عمار بن عمير». «1» و لذلك أسند بعض الأعاظم من المعاصرين السهو إلي قلمه الشريف لعدم وجود هذا الاسم في الرواة و أنه لم يذكره في رجاله و ذكر عامر بن عمير و حيث إن الظاهر اتحادهما و الكافي أضبط منه فهو عامر بن عميرة. «2»

أقول: الرجل من الخامسة و يكفي في الاعتماد عليه كون الراوي عنه ابن مسكان الذي هو ممن أجمعت العصابة علي تصحيح ما يصح عنهم و تصديقهم لما يقولون و أقروا لهم بالفقه و الراوي عن ابن مسكان في سند التهذيب صفوان بن يحيي الجليل و الراوي عنه موسي بن القاسم الذي هو أيضا من الأجلاء، إذا فلا نحتاج في الاعتماد علي مثل هذا أن يكون الرجل من رجال كامل الزيارات حتي يرد علي المعتمد عليه عدوله عن البناء علي كون رجال كامل الزيارات كلهم من الثقات.

ثمّ إن هنا رواية رواها الشيخ في موضعين من التهذيب عن موسي بن القاسم «3» عن عثمان بن عيسي «4» عن و زرعة بن محمد «5» عن سماعة بن مهران «6» قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يموت و لم يحج حجة الإسلام و لم يوص بها و هو موسر؟ فقال: يحج عنه من صلب ماله لا يجوز غير ذلك». «7»

و قد يتوهم دلالتها علي أن الحج عن الميت إذا كان موسراً لا يجزي عنه إلا من

______________________________

(1)- تهذيب الاحكام: 5/ 404

(2)- معتمد العروة: 2/ 101.

(3)- من السابعة ثقة جليل واضح الحديث له ثلاثون

كتاباً.

(4)- من السادسة ثقة واقفي رجع عن الوقف.

(5)- من السادسة ثقة واقفي له أصل.

(6)- من الخامسة واقفي ثقة له كتاب.

(7)- تهذيب الاحكام: 5/ 15 ح 41 و 404/ ح 1406 و 52.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 157

ماله.

و فيه: إن من المحتمل أن يكون المراد أنه لا يجوز التصرف في ماله قبل إخراج حجه منه أو لا يجوز غير الحج و لا يكفي له.

و ربما يشهد لذلك صحيحة حكم بن حكيم قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام:

إنسان هلك و لم يحج و لم يوص بالحج فأحج عنه بعض أهله رجلا أو امرأة هل يجزي ذلك و يكون قضاءً عنه؟ و يكون الحج لمن حج و يؤجر من أحج عنه؟

فقال عليه السلام: إن كان الحاج غير صرورة أجزأ عنهما جميعاً و اجر الذي أحجه». «1»

وجه الاستشهاد بها أن قوله: «و لم يوص بالحج» يدل علي أن الميت له مال و لم يوص بالحج و إلا فلا أثر للوصية و عدمها «2».

و فيه: أن السائل ربما كان يحتمل دخل الوصية بالحج في إجزائه عن الميت. و بعبارة اخري: كان سؤاله عن جواز النيابة عن الميت ابتداء و إن لم يوص هو به و كيف كان لا خلاف بينهم في جواز التبرع عن الميت بالحج و إن كان هو موسراً. و اللّٰه هو العالم.

هذا كله في التبرع عن الميت و أما التبرع عن الحي فقد ادعي الإجماع علي عدم جواز النيابة عنه في الحج الواجب و ذلك مقتضي الأصل و ظاهر أدلة تشريع الحج.

نعم قد مر في الحي المستطيع مالًا العاجز عن المباشرة وجوب الاستنابة عليه

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: باب 28 من أبواب وجوب الحج ح 8.

(2)- راجع المعتمد

العروة: 2/ 101.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 158

الذي لم يكن عليه حج واجب أو كان و لا يستطيع أن يأتي به. «1»

و أما الحج المندوب فيجوز الاستيجار و التبرع فيه حتي بغير إذنه، لظاهر الأخبار المذكورة «2»، فما عن المنتهي من التصريح بعدم جواز الحج ندباً عن الحي إلا بإذنه، مردود بهذه الأخبار.

و أما إذا كان عليه حج واجب يستطيع أن يأتي به فجواز استيجار الحج المندوب له أو النيابة عنه تبرعاً محل إشكال، لأن النيابة إنما تصح إذا كان المنوب عنه مأموراً بالعمل الذي ينوب عنه النائب و من كان عليه حجة الإسلام أو حج واجب آخر ليس مأموراً بغيره. اللهم إلا أن يقال: إنه مأمور به بالأمر الترتبي.

و فيه: إن ذلك فرع إثبات الأمر بالمندوب كالأمر بالمهم.

أما الاستدلال للجواز بإطلاق بعض الروايات مثل ما رواه في الكافي في حديث عن عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن ابن أبي حمزة عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «من حج فجعل حجته عن ذي قرابته كانت حجته كاملة و كان للذي حج عنه مثل أجره إن اللّٰه عز و جل واسع لذلك». «3»

فهو ضعيف بابن أبي حمزة، مضافا إلي ما في دلالته فإن الظاهر أن المراد منه جعل الثواب لذي قرابته لا نيابته عنه، و علي فرض دلالته شموله للنيابة عمن عليه الحج الواجب محل المنع.

______________________________

(1)- فقه الحج: 1/ 271.

(2) وسائل الشيعة: ب 25 من أبواب النيابة.

(3)- الكافي: 4/ 316.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 159

[مسألة 25] نيابة واحد عن اثنين أو أكثر

مسألة 25- قال في الجواهر: (و لا يصح أن ينوب نائب واحد عن اثنين في حج واجب لعام واحد

بلا خلاف أجده فيه. بل الإجماع بقسميه عليه لعدم ثبوت مشروعية ذلك بل الثابت خلافه، فلو وقع الحج كذلك بطل لامتناعه لهما لعدم قابليته للتوزيع و لا لواحد بخصوصه لعدم الترجيح و لا له لعدم نيته له فليس حينئذ إلا البطلان). «1»

فالعمل الواحد المركب ذات الأجزاء و الشرائط و إن كان قابلًا لأن يصدر من اثنين إذا لم يكن صدوره من واحد من شرائطه إلا أنه لا يجزي عن العملين المستقلين المشروط وجود كل منهما بصدوره عن عامل واحد أو مستقلًا عن الآخر.

نعم يمكن تصور الاشتراك في الحج الواجب علي الاثنين، بأن نذرا كل منهما أن يشترك مع الآخر في إحجاج شخص أو استنابته فيحج النائب عنهما هذا الحج الواجب عليهما فهو نائب به عن اثنين.

هذا كله في الحج الواجب و أما في المندوب فيجوز أن يأتي به عن نفسه و غيره واحداً كان أو أكثر و ذلك للإجماع و دلالة الأخبار الكثيرة مثل صحيحة محمد بن إسماعيل: قال: «سألت أبا الحسن عليه السلام كم اشرك في حجتي؟ قال: سألت كم شئت» و في بعضها: «لو اشركت ألفاً في حجتك لكان لكل واحد حجة من غير أن تنقص حجتك شيئا»، «2» علي النيابة و اشتراك الغير في الإتيان بالعمل.

و أما التشريك في الثواب و إهدائه إلي الغير فجوازه ثابت في مطلق العبادات

______________________________

(1) جواهر الكلام: 17/ 393.

(2)- وسائل الشيعة: ب 28 من ابواب النيابة ح 1

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 160

و الطاعات و لا ينافي ذلك ما جاء في بعض الروايات في من نوي أن أدخل غيره في حجته فنسي «الآن فأشركها»:

فإنه ظاهر في جعل الثواب له و إنه بمنزلة التشريك من أول الأمر و كيف

كان فالظاهر عدم الخلاف في ذلك.

نعم ربّما يقال: إن ظاهر هذه الروايات جواز التشريك إذا حج عن نفسه و أما في الحج عن غيره فلا دلالة لها عليه. «1»

و فيه: إلغاء الخصوصية و إن بعد دلالة هذه الأخبار بجواز التشريك إذا كان حاجّاً عن نفسه لا يحتمل اختصاص الحكم بصورة كون الحج عن نفسه.

مضافا إلي إمكان أن نقول: إن المراد «بحجتي» الحج الصادر منه بالمباشرة لا خصوص الحج الذي نواه لنفسه. و اللّٰه تعالي هو العالم.

[مسألة 26] نيابة اثنين أو أزيد عن واحد

مسألة 26- يجوز نيابة اثنين و أزيد عن شخص واحد، ميتا كان أو حياً في الحج المندوب.

قال في الجواهر: (فقد احصي عن علي بن يقطين في عام واحد ثلاثمائة ملبياً و مائتان و خمسون و خمسمائة و خمسون). «2»

و في حاشية الوسائل: «قد روي الشيخ و الكشي عن علي بن يقطين أنه احصي له في عام واحد من وافي عنه إلي الحج فكانوا مائة و خمسين ملبياً و روي

______________________________

(1)- مستمسك العروة: 11/ 74.

(2)- الجواهر: 17/ 388.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 161

ثلاثمائة و أنه كان يعطي بعضهم عشرين الفاً و بعضهم عشر آلاف و أدناهم خمسمائة درهم). «1»

و عن المنتهي التصريح بعدم جواز الحج ندباً عن الحي إلا بإذنه.

و في الجواهر: (أنه واضح الضعف «2» و لعله لإطلاق بعض الأخبار).

و يجوز ذلك في الواجب أيضاً عن الميت، كما إذا كان عليه حجان مختلفان نوعاً كحجة الإسلام و النذر أو متحدان كحجتين واجبتين بالنذر و عن الحي إذا كان لا يقدر هو بنفسه سواء كانا مختلفين بالنوع أو متحدين، فيجوز له استيجار شخصين في عام واحد و ذلك لإطلاق الأدلة و عدم ما يدل علي الترتيب بينهما، كما يجوز ذلك إذا

كان أحدهما واجباً و الآخر مندوبا. بل قيل: يجوز أن يستأجر أجيرين لحج واحد كحجة الإسلام في عام واحد احتياطاً، لاحتمال بطلان حج أحدهما.

و فيه: إن كان المراد استيجار أحدهما المعين لحجة الإسلام التي عليه في الواقع منجزاً و الآخر احتياطاً و رجاءً فيشكل للثاني الدخول في الحرم، لأنه لا يجوز دخول الحرم بدون الإحرام و كون مثله محرماً غير معلوم و إن كان المراد استيجار كل منهما للحج الواجب حتي يكون كلاهما أو واحد منهما موجبا لبراءة ذمته، فصحة كليهما مبنية علي اتفاق خروج كليهما عنه في زمان واحد، و أما إذا اتفق سبق أحدهما علي الآخر. ينطبق الواجب علي الأول منهما دون الثاني و علي فرض بطلان الأول ينطبق علي الثاني دون الأول، فعلي هذا نيابة الاثنين عن الواحد- يتحقق إذا اتفق خروج كليهما عن الواجب في زمان واحد.

______________________________

(1)- حاشية وسائل الشيعة: 11/ 202.

(2)- الجواهر: 17/ 388.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 163

الكلام في الوصية بالحج

اشارة

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 165

الكلام في الوصية بالحج

[مسألة 1] حكم اخراج حج الموصي به

مسألة 1- إذا أوصي بحجة الإسلام تخرج من أصل تركته، كما هو الحكم به في صورة عدم الوصية، فإن إخراج الوصية من الثلث مختص بما إذا لم يكن إخراج موردها واجباً علي كل حال و لو لم يوص به.

و بعبارة اخري تخرج الوصية من الثلث إذا صار إخراجها واجباً بالوصية، و لو بنينا علي إخراج حج الإسلام الموصي به من الثلث يزاحم سائر الوصايا، فربما لا يبقي محل للعمل بها في غير حج الإسلام. لكن هذا البناء مبني علي كون المراد من الثلث المذكور في باب الوصية ثلث التركة لا ثلث ما يبقي منها بعد أداء ديون الميت.

و الظاهر اتحاد حكم الحج الواجب بالنذر مع حجة الإسلام لاتحادهما في كونهما من الديون و أما غيرهما كالحج الواجب بالعهد و اليمين و الإفساد فالظاهر عدم كونها من الديون المالية التي تخرج من أصل تركة الميت فإن أوصي بها تخرج من ثلث التركة. و اللّٰه أعلم.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 166

و من ذلك كله يعلم حال الوصية بالحج الندبي و أنه يخرج من الثلث و أما لو شك في أن الحج الموصي به واجب أو مندوب، فقد حكي عن سيد الرياض خروجه من الأصل.

و ذلك إن كان بعمومات وجوب العمل بالوصية فلا شك في أن موردها الوصايا النافذة و التمسك بها في أنها من أي منهما من التمسك بالعموم في الشبهة المصداقية.

و إن كان بمثل خبر عمار الذي رواه المشايخ الثلاثة: ففي الكافي عن أحمد بن محمد عن علي بن الحسن عن علي بن أسباط عن ثعلبة عن أبي الحسين (الحسن) عمرو بن شداد الأزدي عن عمار بن

موسي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «الرجل أحق بماله ما دام فيه الروح إن أوصي به كله فهو جائز» «1».

فقد اجيب عنه بإعراض الأصحاب عنه و ضعفه في نفسه بعمرو بن شداد أو عمر بن شداد أبي الحسن أو أبي الحسين و هو مجهول لم يوثق. «2»

و إن كان بزعم جريان أصالة الصحة فلا ريب في أن الشك في صحة الوصية و عدمها لا يقع فيما إذا كان الثلث وافياً بالحج، واجباً كان أو مندوباً بل إنما يقع فيما إذا لم يف الثلث، فإذا كان الموصي به الحج الواجب يؤخذ الحج من أصل التركة لصحة الوصية علي هذا الفرض و إذا كان الموصي به المندوب تبطل الوصية لعدم وفاء الثلث به فلا يخرج الحج من الأصل حملًا للوصية علي الصحة.

و فيه: أن الفعل إذا كان مما يأتي به أهل العرف و العقلاء لترتب آثار خاصة

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 11 من الوصايا ح 19 و ب 17 ح 5.

(2)- معتمد العروة: 2/ 111.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 167

عليه و كان ترتب هذه الآثار عليه مترتباً علي إتيانه بكيفية خاصة فلا بد لفاعله المريد ترتب هذه الآثار عليه أن يأتي به بتلك الكيفية، فإن شككنا في صدور الفعل عن الفاعل بهذه الخصوصية يبني العرف و السيرة العرفية علي صدوره كذلك و وقوعه صحيحا موافقاً لغرض الفاعل، فإن شككنا في أن عقد الإجارة أو الحج الصادر عن الشخص وقع صحيحا و واجدا لهذه الكيفية أو باطلا فاقدا لهذه الخصوصية و فرضنا كون الفاعل شاعراً بذلك، يجري أصالة الصحة و تترتب عليه آثار الصحة. أما إذا كان الفعل مما يؤتي به علي وجهين يترتب علي كل واحد

منهما أثره الخاص و شككنا في وقوعه علي هذا أو ذاك فلا وجه للتمسك بأصالة الصحة لإثبات وقوعه علي أحد الوجهين. فإن هذا موجه لو كان الأمر دائراً بين القول بوقوعه فاسدا إذا كان واقعا علي أحد الوجهين و صحيحاً إذا كان واقعا علي الوجه الآخر فيتمسك بأصالة وقوع الفعل صحيحاً لإثبات وقوعه علي هذا الوجه. و أما إذا كان وقوعه علي كل واحد من الوجهين منشأ لأثره الخاص و صحيحاً بملاحظة هذا الأثر فلا مجال لإجراء أصالة الصحة في أحدهما دون الآخر.

ففي المقام نقول: إن وقعت الوصية علي الحج المندوب تقع صحيحة، سواء كان الثلث وافياً بالحج أو لم يكن ذلك، أما إذا كان وافياً فهو، و إن لم يكن وافياً فالأثر المترتب علي الوصية هو كونها صالحة للحوق إمضاء الورثة بها و إن كانت الوصية واقعة علي الحج الواجب تقع أيضاً صحيحة و يترتب عليها أثرها الخاص، إذاً فعلي أي صورة وقعت الوصية وقعت صحيحة، فما وجه التمسك بأصالة الصحة لإثبات صحة الوصية حتي تثبت الوصية بالحج الواجب.

و علي هذا يمكن أن نقول: إن الوصية قد تحققت صحيحة سواء كان موردها الحج الواجب أو المندوب، لأن الوصية التي نعبر عنها بالفارسية (سفارش) تتحقق

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 168

بالواجب كما تتحقق بالمندوب و يترتب علي كل واحد منهما أثره، فإذا كان متعلقها الحج الواجب يخرج من أصل التركة و إلا فيخرج من الثلث إن وفي به و من الأصل إن أمضي الورثة الوصية و لا محل لإجراء أصالة الصحة لتعيين مورد الوصية.

و قد أفاد بعض الأعاظم قدس سره أن أصالة الصحة لا مجري لها في أمثال المقام و قال: (توضيح ذلك إن مدرك أصالة

الصحة- سواء كانت جارية في عمل نفسه أو عمل الغير- هو السيرة لا الدليل اللفظي ليتمسك بإطلاقه فحينئذ لا بد من الاقتصار علي القدر المتيقن و القدر المتيقن جريانها فيما إذا كان الشك راجعا إلي نفس العمل لا إلي العامل، مثلًا لو شك في أن عقد النكاح أو عقد البيع وقع صحيحا أم فاسداً يحمل علي الصحة و أما لو شك في أن العامل و المباشر هل له الولاية و السلطنة علي ذلك أم لا؟ فلا يمكن إحراز ذلك بالحمل علي الصحة، فلو رأينا شخصا يبيع ملك أحد و شككنا في أنه هل له الولاية علي ذلك أم لا؟ لا دليل علي الحمل علي الصحة و لا يمكن إثبات الولاية، نعم لو شك في صحة العقد الصادر من نفس المالك أو الولي يحمل علي الصحة. و كذا لو زوج شخص امرأة من رجل و شك في ولايته و وكالته عنها، لا يمكن الحكم بالصحة لعدم إحراز شمول السيرة لأمثال المقام. فالحاصل:

حيث إن الدليل منحصر بالسيرة فلا بد من الأخذ بالقدر المتيقن منها و هو ما إذا احرز سلطنة المباشر و ولايته و لكن يشك في صحة عمله من حيث وجدانه للشرائط و عدمه و أما لو شك في أصل ولايته و سلطنته فلا يمكن إثباتها بأصالة الصحة و لذا لا نحكم بصحة كل عقد صادر من كل احد و مقامنا من هذا القبيل، لان الحج إذا كان واجباً لا حاجة إلي الوصية و إن كان مندوبا ليس له الولاية في إخراجه من الأصل فالشك في كون الموصي به واجباً أو ندبا راجع إلي الشك في صدور الوصية عمن له الولاية أم لا، فالصحيح ما ذكره

المصنف رحمه اللّٰه تعالي من

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 169

أنه يخرج من الثلث في صورة الشك). «1»

و فيه: إنا إن علمنا بالوصية بالحج الواجب و شككنا في أنه هل كان علي الموصي حجة الإسلام حتي يخرج من الأصل أم لم يكن عليه، نحمل فعله علي الصحة و نقول بإخراجه من الأصل، كما إذا شككنا في وكالة من يعامل عن أحد وكالةً و في ولاية من يعامل في مال ولايةً، نحمل معاملاته علي الصحة و إن كان الشك في ذلك لا يرجع إلي نفس العمل بل يرجع إلي حال العامل، بخلاف ما إذا علمنا بالوصية بالحج و شككنا في أنها بالحج الواجب أو المندوب، فلا يجوز التمسك بأصالة الصحة لإثبات كون متعلق الوصية الحج الواجب، كما إذا شككنا في أن المعاملة الكذائية وقعت بيعاً حتي تكون باطلة أو صلحاً حتي تكون صحيحةً، فلا يجوز التمسك بأصالة الصحة لإثبات وقوعها صلحاً و إن كان الشك فيه راجعاً إلي نفس العمل.

و بالجملة: أصالة الصحة لا تجري في تحقيق ماهية المعاملة و عنوانها إذا شك في وقوعها بين عنوانين أحدهما صحيح و الآخر فاسد.

و كيف كان: لا محل لإجراء أصالة الصحة لتعيين وقوع الوصية علي واحد من الوجهين.

و الحاصل من ذلك كله عدم وجود ما يدل علي وجوب البناء علي كون الموصي به حج الإسلام حتي وجب إخراجه من أصل التركة، إذاً فإن لم يف الثلث بالحج، لا شي ء عليه بمقتضي الأصل و إن كان وافياً بالثلث فلا يجوز إخراجه من الأصل.

______________________________

(1)- معتمد العروة: 2/ 112

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 170

نعم لو كان هناك انصراف إلي الواجب كما هو كذلك بالنسبة إلي الأماكن البعيدة في الأزمنة الماضية لعدم تعارف

الوصية بالحج الندبي في تلك الأزمنة و الأمكنة فيعمل به و بالنسبة إلي بعض الأشخاص من الذين يعلم من حالهم أنهم لا يوصون بالحج المندوب أيضاً يؤخذ بالانصراف.

و هل يؤخذ بالحالة السابقة فيه لو كانت هي الوجوب كما إذا علم وجوب الحج عليه سابقاً و لم يعلم أنه أتي به أم لا الظاهر كما في العروة جريان الاستصحاب و إخراجه من الأصل سواء أوصي بالحج أو لم يوص، فإن ذلك مقتضي استصحاب اشتغال ذمته فلا تنتقل ما يقابله من التركة إلي الورثة.

و أما الإشكال علي ذلك بأن الالتزام بذلك مشكل في كثير من الموارد لحصول العلم غالباً بأن الميت كان مشغول الذمة بدين أو خمس أو زكاة أو كفارة لاتحاد الجميع مع الحج في ملاك صحة التمسك بالاستصحاب،

فيمكن الجواب عنه: بالفرق بين هذه الديون و الحج فإن في هذه الديون التي يمكن عادة أداؤها من غير أن يطلع عليه الغير فقد استقرت السيرة في صورة الشك علي الحمل علي الصحة و ظاهر الحال المقتضي لأدائه، إلا إذا كان من الامور التي تقضي العادة باطلاع أقارب الشخص عليه كالحج الذي كان عليه بالمباشرة بل و بالتسبيب فلا مانع من إجراء الاستصحاب في مثله.

أما في مثل الديون التي اشتغلت ذمته طول عمره المحتمل أداؤه كما هو ظاهر حال أكثر الناس، فالسيرة قائمة علي عدم الاعتناء باحتمال بقاء اشتغال ذمته و لعله لذلك في باب القضاء و الادعاء علي الميت بدين لا يكتفي بالبينة بل يحتاج إثبات الدعوي إلي يمين المدعي و مع ذلك لا ينبغي ترك الاحتياط.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 171

[مسألة 2] المكان الذي يجب الاستيجار منه للحج الموصي به

مسألة 2- في الحج الموصي به يكفي الميقاتي منه إن لم تكن الوصية منصرفة إلي

البلدي سواء كان الحج واجباً أو مندوباً. لأن الحج من الميقات و الزائد عليه من المقدمات فإذا ذهب المستطيع إلي الميقات لغرض آخر فبدا له الإقامة هناك إلي الموسم يكفي عنه و يخرج حجة الإسلام و النذر في مقدار الميقاتية منهما من الأصل و غيرهما من الثلث.

و أما إذا كانت الوصية منصرفة إلي الحج البلدي فيخرج حج الإسلام و النذر الميقاتي من الأصل و الزائد عليه من الثلث كما أن في غير حج الإسلام و النذر يخرج الكل من الثلث.

و يمكن أن يقال بكفاية الحج من دون الميقات إذا كان منزل النائب دونه، فإن ميقات من كان دون الميقات دويرة أهله و لا يكفي لمن كان منزله دون الميقات استنابة من كان منزله قبل الميقات من دون الميقات.

[مسألة 3] حكم الاجرة في الحج الموصي به

اشارة

مسألة 3- فيها فروع:

الأول- إذا عين الموصي الاجرة يؤخذ بها إن لم تكن زائدةً علي الثلث و كانت وافية بالحج

سواء كان الموصي به الحج الواجب أو المندوب و إن كان زائداً علي الثلث فإن كان الموصي به حجة الإسلام أو الحج الواجب بالنذر فإن كانت الاجرة لا تزيد علي اجرة المثل تخرج من الأصل و إن كانت تزيد عليها يؤخذ الزائد من الثلث و إن كان الموصي به غير حجة الإسلام و الواجب بالنذر يحتاج

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 172

نفوذ الوصية في الزائد علي الثلث بإمضاء الورثة.

الثاني- إذا لم يعين الموصي الاجرة،

تخرج اجرة مثل حجة الإسلام الميقاتية و الحج الواجب بالنذر الميقاتي من أصل التركة و إذا كانت وصيته منصرفة إلي الحج البلدي أو عين ذلك يخرج ما به التفاوت بين البلدي و الميقاتي من الثلث و أما غير حجة الإسلام و الحج الواجب بالنذر فيخرج من الثلث سواء كان ميقاتياً أو بلدياً.

الثالث- هل الوصي إذا كان هنا من يقبل النيابة بأقل من اجرة المثل

مخير بين الاستيجار بالأقل و بأُجرة المثل أم لا يجوز له إلا استيجار من هو أقل اجرة من الأجيرين؟

يمكن أن يقال: إذا كان من يرضي بالأقل مساوياً في الجهات المعنوية مع غيره لا يجوز إلا استيجاره و أما إذا كان الاختلاف في الاجرة لاختلاف الأشخاص و ما فيهم من الخصوصيات الموجبة لكمال العمل و زيادة الأجر و الثواب فكانت اجرة مثل هذا ألفين و الآخر ثلاثة أو أربعة آلاف، و بالجملة كان الاختلاف في الاجرة لاختلاف أنواع الأجير فأُجرة المثل تنطبق علي الأقل كما تنطبق علي الأكثر، فيمكن أن يقال: إن الوصي مخير بين اختيار النوع الأرخص و النوع الأعلي، لأن الوصية تنطبق عليهما علي حد سواء و لا يعد ذلك إضراراً بالورثة، لأن ما ينتقل إليهم من تركة الميت ما يزيد علي اجرة المثل التي تنطبق علي الأُجرتين.

و يمكن أن يقال: إن الحكم كذلك و إن لم يوص من عليه حجة الإسلام بالاستنابة عنه فلا تنتقل إلي الورثة معادل اجرة النوع الأعلي قبل استيفاء الحج منه.

و لكن مع ذلك كله المسألة لا تخلو من الإشكال، فالأحوط للوصي و للورثة إن كان فيهم صغير، اختيار الأجير الذي اجرة مثله أرخص فهو القدر المتيقن.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 173

الرابع- في كل مورد يجب علي الوصي اختيار من يرضي بالأقل هل يجب الفحص عنه أو يجوز له البناء علي عدم وجوده بالأصل؟

الظاهر عدم الوجوب.

لا يقال: إن ذلك مزاحم لحق الورثة و إضرار عليهم.

فإنه يقال: إن ذلك فرع انتقال ما زاد علي الأقل إلي الورثة و إلا لا يتحقق التزاحم فللموصي الاستيجار بالزائد و لو احتمل وجود من يرضي بالأقل. نعم يجب الفحص المتعارف الذي به يجد من يرضي بالأقل.

الخامس- إذا لم يوجد من يرضي بأُجرة المثل يجب دفع الأزيد إن كانت الوصية بحج الإسلام أو بالحج النذري

كما إذا لم يجد من يحج إلا من البلد يجب استيجاره و لا يجوز التأخير إلي العام القابل و أما في غير حجة الإسلام و الحج النذري فإن لم تكن الوصية مقيدة بعامه هذا يأتي به في العام المقبل و إن كانت مقيدة به و قلنا بانصرافه إلي الاستيجار بأُجرة المثل سقط وجوب الاستيجار. و اللّٰه العالم.

السادس- علي القول بالاقتصار علي الأقل مع اختلاف مراتب أجرة المثل، لا إشكال في أن ذلك إذا كان سببا لهتك الميت

ينتقل الواجب إلي الأكثر، نظير ما إذا تعذر استيجار الأقل بأسباب اخري عادية و كما إذا تلفت التركة و لم يبق منها إلا بقدر استيجار الحج و أما إذا كان شرف الميت و اعتباره مناسباً لاستيجار الأكثر دون أن يكون الأقل هتكا و عاراً عليه عند العرف فالظاهر لزوم الاقتصار علي الأقل إلا إذا رضي الورثة بالأكثر.

و ظاهر بعض الأعاظم لزوم الاستيجار بما هو لائق بشرف الميت و مكانته و استدل عليه بالسيرة كما هي قائمة علي ذلك في الكفن و قال: (يمكن استظهار ذلك من بعض النصوص كقوله عليه السلام: «يحج عنه من صلب ماله» لظهوره في الحج من ماله بما يناسب شأنه و اعتباره و بعبارة اخري: أدلة إخراج مصارف الحج من التركة

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 174

ناظرة إلي التعارف الخارجي و التعارف الخارجي يختلف حسب اختلاف الناس). «1»

و فيه: منع قيام السيرة علي ذلك حتي في الكفن إذا لم يكن الوارث راضياً به و منع ظهور النصوص أيضاً في وجوب استيجار ما هو مناسب شأنه إذا لم يكن الأقل موجباً لهتكه و منع كون ذلك متعارفاً.

هذا كله إذا لم يوص به و أما إذا أوصي به واجباً كان أم مندوبا فلا ريب في انصراف الوصية عن فرد يوجب هتك الموصي فلا بد من حملها علي

غيره و إذا كان هنا فردان أحدهما أليق بشأن الموصي و الاخري دون ذلك و كان المتعارف بين الناس الوصية بالأليق و استيجار الأليق في مقام العمل بالوصية تحمل الوصية علي المتعارف و إلا فيقتصر علي الأقل. و اللّٰه هو العالم.

[مسألة 4] إذا أوصي بالحج مطلقاً من غير تعيين المرة أو التكرار

مسألة 4- لو أوصي بالحج و عين المرة أو التكرار بعدد معين فهو يعمل علي طبق وصيته و أما إن لم يعين فهل يكفي حج واحد لأن الوصية بطبيعي الحج و هو يحصل بالمرة أو يجب التكرار ما دام الثلث باقياً.

حكي ذلك عن الشيخ و جماعة، عملا بما رواه الشيخ باسناده عن موسي بن القاسم عن عبد الرحمن بن أبي نجران «2» عن محمد بن الحسن (الحسين) «3» أنه قال لأبي جعفر عليه السلام: «جعلت فداك قد اضطررت إلي مسألتك؟ فقال: هات، فقلت: سعد

______________________________

(1)- معتمد العروة: 2/ 111.

(2)- من السادسة. ثقة ثقة له كتب كثيرة.

(3)- من الخامسة ابن أبي خالد القمي الأشعري.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 175

بن سعد أوصي حجوا عني مبهما و لم يسم شيئاً و لا يدري كيف ذلك قال: يحج عنه ما دام له مال». «1»

و بما روي بإسناده عن محمد بن علي بن محبوب «2» عن العباس «3» عن محمد بن الحسين بن أبي خالد «4» قال: «سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجل أوصي أن يحج عنه مبهماً؟ فقال: يحج عنه ما بقي من ثلثه شي ء». «5»

و بما روي الشيخ في التهذيب عن علي بن الحسين بن فضال عن محمد بن أورمة القمي عن محمد بن الحسين الأشعري قال: «قلت لأبي الحسن عليه السلام: جعلت فداك إني سألت أصحابنا عما اريد أن أسألك فلم أجد عندهم جواباً و قد

اضطررت إلي مسألتك و إن سعد بن سعد أوصي إلي فأوصي في وصيته: حجوا عني مبهما و لم يفسر فكيف أصنع؟ قال: يأتيك جوابك في كتابك فكتب عليه السلام يحج ما دام له مال يحمله». «6»

و الظاهر اتحاد هذه الثلاثة فإن الراوي عن الإمام في الثلاثة هو محمد بن الحسن (الحسين) الأشعري أبي خالد القمي.

و قد ضعف بعض الأعاظم «7» هذه الروايات بضعف أسناد الجميع بمحمد بن الحسين (الحسن) الذي لم يثبت توثيقه.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة باب 4 من أبواب النيابة ح 1.

(2)- من كبار الثامنة شيخ القميين ثقة فقيه صحيح المذهب له كتب.

(3)- من السابعة.

(4)- من الخامسة.

(5)- وسائل الشيعة ب 4 من أبواب النيابة ح 2.

(6)- تهذيب الأحكام: 5/ 408.

(7) معتمد العروة: 2/ 111.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 176

و يمكن أن يقال: إن رواية مثل الحسين بن سعيد الأهوازي القمي الثقة العين الجليل القدر صاحب المصنفات و علي بن مهزيار الأهوازي الثقة الممدوح بمدائح كثيرة و أحمد بن محمد بن عيسي الأشعري شيخ القميين و حمزة بن يعلي الأشعري الثقة صاحب الكتاب الكبير عنه لا تقل في حصول الاطمينان بصدور الرواية عن التوثيق هذا كله في سندها.

و أما دلالتها فالرواية الاولي و الثالثة و إن كانتا ظاهرتين في أن الموصي به إذا كان مبهما من حيث المرة و التكرار يصرف تمام مال الموصي في تكراره، إلا أن اتفاق الكل و قيام الضرورة علي أن الوصية لا تنفذ في ما زاد علي الثلث إلا بإذن الورثة، قرينة علي أن المراد من قوله عليه السلام: «ما دام له مال» المال الذي هو له و هو الثلث، مضافاً إلي التعبير عن ذلك الحكم في الرواية الثانية بقوله عليه

السلام: «ما بقي من ثلثه شي ء و قد قلنا: إن الروايات الثلاثة واحدة.

و الظاهر أن المروي عنه في الثالثة هو أيضا الإمام أبو جعفر عليه السلام و ذكر (أبي الحسن عليه السلام) سهو و كما أن الظاهر أن سعد بن سعد المذكور فيه سعد بن سعد الأحوص بن مالك الأشعري القمي الثقة من أصحاب مولانا الرضا و أبي جعفر عليهما السلام و علي ذلك يكون هو أيضا مثل محمد بن الحسن من الخامسة و انْ كان من السادسة فوصيه محمد بن الحسن أيضا من السادسة و كيف كان فنفس الرواية تدل علي كون محمد بن الحسن السائل عن الإمام عليه السلام موردا للاعتماد و الوثوق لإيصاء سعد بن سعد إليه.

أما في دلالتها علي وجوب التكرار حتي يستوفي الثلث من تركته، فالظاهر دلالتها علي ذلك و إن كان يبحث في أنها تدل علي التكرار إن علم أن الموصي أراده في الجملة فلم يعلم أن الموصي به طبيعة التكرار التي تتحقق بالمرتين أو يجب الأزيد

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 177

إلي أن ينفد الثلث، أو تدل عليه إن لم يعلم أنه أراد المرة و حكي ذلك عن الشيخ و جماعة عملًا بهذه النصوص و اختاره في الحدائق تحصيلا لليقين بالبراءة. «1»

أقول: أما وجوب التكرار تحصيلًا لليقين، ففيه: أنه يجب تحصيل اليقين بالبراءة عما اشتغلت الذمة به يقينا و هو هنا ليس إلا المرة و ما تصدق عليه طبيعة الموصي به.

و أما دلالة الأخبار و أنها هل تدل علي وجوب التكرار إن علم إرادة التكرار أو تدل عليه إن لم يعلم إرادة المرة؟ فنقول: إن الشيخ و من تبعه و صاحب الحدائق بنوا علي أن قوله: «حجوا عني» يدل

علي مجرد الوصية بالحج، فلا يدري الوصي يكفي المرة أو يجب التكرار مرة أو إلي أن ينفد الثلث، فأجابه عليه السلام بالتكرار إلي تمام الثلث،

ففيه: إن ذلك تعبد بعيد، فإن قوله: «حجوا عني» يدل علي طلب طبيعة الحج التي تحصل بالمرة الاولي و أما التكرار ثمّ التكرار إلي أن ينفد المال فلا يستفاد منه قطعاً و إن كانت الوصية إلي مجرد التكرار فحيث إنه يتحقق بالمرتين يلزم أن يكون الحكم بالتكرار إلي نفاد الثلث تعبدياً، و الإنصاف أن القول بظهور الرواية في كل من المعنيين في غاية الإشكال.

و يمكن أن يكون مراد السائل أن الموصي أوصي إليه بالثلث و قال:

«حجوا عني» فسأل عن الإمام عليه السلام هل بصرف جميع الثلث في الحج أو يصرف ما يزيد علي الحج في سائر وجوه البر؟ فأجابه عليه السلام بصرفه في الحج إلي أن ينفد.

______________________________

(1)- الحدائق الناصرة: 14/ 299 قال: «أقول: لا يبعد أن يقال: إن الظاهر من إطلاق هذه الأخبار أنه بمجرد هذا القول المحتمل لان يراد منه حجة واحدة أو اثنان أو عشر أو نحو ذلك، يجب الحج ينفي ثلثه و لأن يقين البراءة من تنفيذ الوصية لا يحصل إلا بذلك».

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 178

و الشاهد علي ذلك قوله في الرواية الثالثة: «إن سعد بن سعد أوصي إلي فأوصي في وصيته حجوا عني، مبهماً فلم يفسر فكيف أصنع؟» و علي هذا يندفع الإشكال في مفاد الرواية. و لا حول و لا قوة إلا باللّٰه.

و أما الجواب عن هذه الروايات بإعراض الأصحاب عنها فمردود بعمل مثل الشيخ- قدس سره- و غيره بها. و اللّٰه العالم.

[مسألة 5] لو اتفق عدم كفاية المال

مسألة 5- لو أوصي بصرف مقدار معين في الحج سنين معينة و

عين لكل سنة مقداراً معيناً و اتفق عدم كفاية ذلك المقدار لكل سنة، صرف نصيب سنتين في سنة إن كان يكفي لها و إلا فثلاث و إلا فأربع و هكذا.

و ذلك لظهور حال الموصي فإنه أراد صرف مقدار معين من المال في الحج غير أنه تخيل كفاية مقدار معين منه لكل سنة فأوصي به.

و بعبارة اخري: ظاهر حاله أنه يقيد وصيته بما إذا وفي هذا المقدار المعين لكل سنة حتي إذا لم يف المال بذلك بطلت وصيته و لا فرق في ذلك الحكم بين الحج و غيره كما لا فرق في ذلك ظاهراً بين الوصية و الوقف.

و أما التمسك لذلك بقاعدة الميسور فهي مخدوشة كبري و صغري، أما من حيث الكبري فما استدل لها من الأخبار مخدوشة سندا و دلالة.

فمنها: «الميسور لا يسقط بالمعسور» و «ما لا يدرك كله لا يترك كله» و «إذا أمرتكم بشي ء فأتوا منه ما استطعتم».

و الأولان منقولان عن أمير المؤمنين عليه السلام و الثالث عن النبي صلي الله عليه و آله و سلم. نقل

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 179

الثلاثة ابن أبي جمهور في كتابه غوالي اللئالي «1» المشتمل علي كثير من الأخبار الضعاف، التي لا يوجد لها أصل في كتب أصحاب الحديث منا و لا يعتمد علي منقولاته و مع ذلك تفحصنا عنها في كتب أصحابنا و لم نجدها فيها و في كتب العامة أيضا لم نجد إلا الثالث الذي يأتي الكلام فيه.

و دعوي انجبارها بالشهرة فإن اريد منها الشهرة العملية بين القدماء فلا يستفاد منهم ذلك، مضافا إلي أنها يجبر ضعف السند إذا كان حصول الشهرة بينهم مستندا بالخبر و لو ثبت عنهم في بعض الموارد العمل علي ما

ينطبق علي ذلك أي علي الميسور فيما تعذر معسوره فلعله كان بدليل خاص ثبت لهم، لا يمكن به تأسيس القاعدة الكلية بإلغاء الخصوصية.

و إن اريد الشهرة الروائية فقد عرفت أنها لم ترو من طرقنا و من طرقهم أيضا لم ترو إلا الثالث، فالغريب مع ذلك قول من قال: اشتهار هذه الروايات بين الأصحاب يغني عن التكلم في سندها.

و أما من حيث الدلالة فقوله: «الميسور لا يسقط بالمعسور» يمكن أن يكون مفاده: إن الحكم الثابت للميسور لا يسقط بالمعسور، مثلا الحكم الثابت للصلاة بدون الساتر أو بدون الطمأنينة لا يسقط بالمعسور و هو الصلاة مع الطمأنينة و الساتر و هذا لا يكون إلا في المأمور به المركب من الأجزاء. و المراد نفي الملازمة بين سقوط المعسور و الميسور لا إثبات الملازمة بين سقوط المعسور و ثبوت الميسور، فهذه القاعدة أو الخبر لا تدل إلا علي عدم سقوط الحكم الثابت للميسور و لا دلالة لها علي ثبوت حكم له.

______________________________

(1)- غوالي اللئالي: / 4/ 58 و 409.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 180

فعلي هذا اللازم في كل ميسور التكلم في ثبوت حكم له بقطع النظر عن هذه القاعدة، فلا يبني بعدم ثبوت حكم للميسور.

و بعبارة اخري: مفاد هذه الجملة: أنه لا يبني علي سقوط المعسور سقوط الميسور، بل لا بد للحكم بثبوت الحكم له أو عدمه من الأخذ بالدليل إن كان و إلا فالعمل بالأصل.

و أما الخبر الثاني، فأولًا، علي فرض كون قوله: «لا يترك» مستعملًا في الإنشاء لا الإخبار، فلا يدل علي أكثر من مرجوحية ترك الكل لا حرمته لعدم حرمة ترك الكل في المستحبات.

و ثانيا: يمكن أن يقال فيه أيضاً: إن المراد منه: أن ما لا يدرك

كله لا يترك كله به و لا يحكم بعدم مرجوحية تركه.

و ثالثا: الظاهر أن لفظ الكل مشترك لفظي بين الكل المجموعي و الكل الأفرادي فإن كان الكل الأفرادي فهو ثابت بالعمومات و المطلقات فإن العام و المطلق إذا تعذر العمل بهما و امتثالهما بجميع أفرادهما يجب العمل بالباقي، بخلاف المركب و مثل العام المجموعي و الكلام في القاعدة في الأخير.

و أما الخبر الثالث، و الظاهر أنه هو العمدة في الاستدلال به للقاعدة و إن سميت القاعدة بالأول، فمن حيث السند هو مخرج في كتب العامة المعتبرة عندهم بأسناد متعددة إلا أنها كلها ضعاف، مضافاً إلي أن الجميع ينتهي إلي شيخ المضيرة أبي هريرة، ففي المسند روي هذا الخبر عنه باثني عشر طريقاً.

و أما من حيث اللفظ و المتن فألفاظه مختلفة، فبعضها: «ما أمرتكم فأتوا منه ما استطعتم» و بعضها: «إذا أمرتكم بأمر فأتمروا ما استطعتم» و بعضها: «فإذا

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 181

أمرتكم بأمر فاتبعوه ما استطعتم» و بعضها: «فأتوه ما استطعتم» و بعضها: «فأتوا منه ما استطعتم» و بعضها: «فإذا أمرتكم بشي ء فخذوا منه ما استطعتم».

و تمام الخبر في بعض طرقه هكذا: «خطب رسول اللّٰه صلي الله عليه و آله و سلم فقال: أيها الناس إن اللّٰه عز و جل قد فرض عليكم الحج فحجوا، فقال رجل: أكل عام يا رسول اللّٰه صلي الله عليه و آله و سلم؟ فسكت حتي قالها ثلاثا فقال رسول اللّٰه صلي الله عليه و آله و سلم: لو قلت نعم لوجب ما استطعتم ثمّ قال: ذروني ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم و اختلافهم علي أنبيائهم فإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم و إذا

نهيتكم عن شي ء فدعوه». «1»

و أما من حيث الدلالة فيشكل دلالته علي أن الكل إذا تعذر بعض أجزائه و شرائطه يجب الإتيان بأجزائه الباقية فإن مورده و هو الحج كلي، له أفراد طولية لا الكل المركب من الأجزاء.

لا يقال: إن المراد من الأمر و الشي ء أعم من الكل و الكلي.

فإنه يقال: و إن صح استعمال الشي ء في الأعم من الكل و الكلي كما إذا قال:

«إذا أمرتكم بشي ء أو بأمر فأتوا به»، إلا أن استعمال (من) للتبعيض لا يصح في الأجزاء و الشرائط و الأفراد الطولية. هذا مضافا إلي أن بعض ألفاظ الخبر لا يقبل حمله علي الكل المركب من الأجزاء.

ثمّ إنه علي القول بتمامية القاعدة، هل المستفاد منها أن الحكم الأول ثابت للميسور من الأجزاء أو أن الحكم الأول حيث كان متعلقاً بمجموع الأجزاء ينتفي بانتفاء المركب فالحكم الثاني المتعلق بالباقي حكم جديد؟

______________________________

(1)- مستند الشيعة: 2/ 508

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 182

ظاهر قوله «الميسور لا يسقط بالمعسور» إن قلنا بدلالته هو بقاء حكم الميسور و عدم سقوطه و قوله: «فأتوا منه ما استطعتم» و قوله: «ما لا يدرك كله لا يترك كله» ظاهر في أن الباقي محكوم بحكم جديد.

و كيف كان هذا كله في كبري القاعدة و أما من حيث الصغري فالقاعدة لو ثبتت بما ذكر تختص بمجعولات الشارع دون غيرها فإنها هي التي له الكشف عنها فلا تشتمل مجعولات غيره التي لجاعلها الكشف عن مراده كالوصية.

لا يقال: لا مانع من شمول القاعدة لمثل الوصية أيضا لأن العمل بالوصية إذا كان غير ممكن لا مانع من العمل بالمقدار الممكن منها.

فإنه يقال: المانع عدم شمول الوصية لمقدار غير الممكن و احتياج شموله له إلي بيان الموصي

و الحكم الشرعي بالعمل بالمقدار الممكن إذا كان تعبدا من الشارع فلا ربط له بالموصي و ليس كحكم الشارع في مجعولاته و واجباته الارتباطية فإنه يكشف عما أمره بيده و قاعدة الميسور راجعة إليه.

ثمّ إنه قد استدل علي الحكم المذكور بخبري إبراهيم بن مهزيار الذين رواهما الشيخ باسناده عنه، قال في أحدهما: «كتب إليه علي بن محمد الحضيني: إن ابن عمي أوصي أن يحج عنه بخمسة عشر ديناراً في كل سنة، و ليس يكفي، ما تأمر في ذلك؟

فكتب عليه السلام: يجعل حجتين في حجة فإن اللّٰه تعالي عالم بذلك». «1»

و في الثاني قال: «و كتبت إليه عليه السلام: إن مولاك علي بن مهزيار أوصي أن يحج عنه من ضيعة صير ربعها لك في كل سنة حجة إلي عشرين ديناراً و إنه قد انقطع طريق البصرة، فتضاعف المؤن علي الناس، فليس يكتفون بعشرين ديناراً و كذلك

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب النيابة ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 183

أوصي عدة من مواليك في حججهم، فكتب عليه السلام: يجعل ثلاث حجج حجتين، إن شاء اللّٰه». «1»

و كان الأجدر بنا التعرض للخبرين في صدر المسألة و دلالة الخبرين علي الحكم واضحة.

و قد تكلم في سنده بعض الأعاظم بإبراهيم بن مهزيار، لعدم وثاقته في كتب الرجال و رد ما صرح به السيد ابن طاوس في ربيع الشيعة بأنه من سفراء مولانا صاحب الأمر أرواحنا لتراب مقدمه الفداء و الأبواب المعروفين الذين لا تختلف الاثنا عشرية فيهم و تبعه غير واحد كالعلامة و الفاضل المجلسي، بأن هذا اجتهاد منه استنبطه من بعض الروايات، إذ لو كان سفيرا لذكره الشيخ في كتاب الغيبة الذي تصدي فيه لذكر السفراء و كذلك

النجاشي و غيرهما ممن تقدم علي ابن طاوس مع شدة اهتمامهم بذكر السفراء و الأبواب. كما أنه رد ما رواه الصدوق في اكمال الدين عن إبراهيم بن مهزيار الذي يدل علي جلالة قدره و وثاقته و علو مقامه، بأنه هو الراوي لهذا الحديث و لا يمكن إثبات وثاقة شخص بقول نفسه، علي أن هذه الرواية مشتملة علي أمر مقطوع البطلان و الكذب و هو إخباره عن وجود أخ لمولانا الحجة عليه الصلاة و السلام مسمي بموسي و قد رآه إبراهيم. و بعد ذلك كله صرح بوثاقة الرجل لأنه من رجال كامل الزيارات و قال: «فالرواية معتبرة و الدلالة واضحة، فلا ينبغي الريب في الحكم المذكور». «2»

أقول: أولا، إن الروايتين ليستا مضمرتين و إن كانتا كذلك علي ظاهر ما

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 11 من أبواب النيابة ح 2.

(2)- معتمد العروة: 2/ 130.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 184

رواهما في التهذيب، لأن الكليني رواهما في الكافي «1» هكذا: محمد بن يحيي عمن حدثه عن إبراهيم بن مهزيار قال: «كتبت إلي أبي محمد عليه السلام: إن مولاك علي بن مهزيار … (قال) إبراهيم: و كتب إليه علي بن محمد الحضيني …»،

فما ذكره محقق التهذيب من أن المراد من «إليه» يعني أبي الحسن الهادي عليه السلام، ليس في محله. و لعلهما رواية واحدة كما يظهر من الكافي و التهذيب.

و في الفقيه «2» هكذا: «و كتب إبراهيم بن مهزيار إلي أبي محمد عليه السلام: اعلمك يا مولاي إن مولاك … و كتب إليه علي بن محمد الحصيني»

و ثانياً، أنه يكفي- علي ما ذكرناه كراراً- في الاعتماد علي الرجل، أخذ مثل محمد بن علي بن محبوب شيخ القميين صاحب الكتب و عبد

اللّه بن جعفر الحميري أيضا شيخ القميين و وجههم و سعد بن عبد اللّه شيخ هذه الطائفة و فقيهها و وجهها كثير التصانيف العلم منه و عدم نقل قدح فيه.

و ثالثا، ما ذكره عن السيد ابن طاوس في ربيع الشيعة محقق خلافه علي ما ذكره في الذريعة «3» من أن الكتاب هو عين كتاب إعلام الوري للطبرسي صاحب مجمع البيان و هو الذي صرح بكون إبراهيم بن مهزيار من الأبواب المعروفين و إليك لفظه في إعلام الوري قال: «غيبة الصغري منهما فهي التي كانت فيها سفراؤه موجودين و أبوابه معروفين لا يختلف الإمامية القائلون بإمامة الحسن بن علي عليهما السلام فيهم، فمنهم أبو هاشم داود بن القاسم الجعفري و محمد بن علي بن بلال و أبو عمرو عثمان بن سعيد سمان و ابنه أبو جعفر محمد بن عثمان و عمر (و) الأهوازي و أحمد بن

______________________________

(1)- الكافي: 4/ 310.

(2)- من لا يحضره الفقيه: 2/ 172.

(3)- الذريعة الي تصانيف الشيعة: 2/ 172.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 185

إسحاق و أبو محمد الوحيائي و إبراهيم بن مهزيار و محمد بن إبراهيم في جماعة اخري ربما يأتي ذكرهم عند الحاجة إليهم في الرواية عنهم». «1»

و لا يخفي أن مثل الطبرسي لا ينقل مثل ذلك بدون التثبت العام و لا يرد ذلك بأنه لو كان سفيراً لذكره الشيخ في كتاب الغيبة الذي تصدي فيه لذكر السفراء و كذلك النجاشي و غيرهما ممن تقدم عليه مع شدة اهتمامهم بذكر السفراء و الأبواب فإن اهتمامهم كان في ذكر السفراء الأربعة المشهورين و أما اهتمامهم باستقصائهم فلم يعلم منهم ذلك.

فهذا الشيخ في كتاب الغيبة بعد ما يذكر أسماء عدة من خواص الأئمة عليهم السلام

يقول: «فهؤلاء جماعة المحمودين و تركنا ذكر استقصائهم لأنهم معروفون مذكورون في الكتب». «2»

و من كل ما ذكرنا يظهر أن الاعتماد علي الخبرين المذكورين لما ذكر، في محله فلا نحتاج إلي إثبات وثاقة إبراهيم بن مهزيار بكونه من رجال كامل الزيارات حتي يقال: إنه لم يثبت وثاقة جميع رجال أسناده و إنما الثابت وثاقة من يروي عنه مؤلفه.

و أما حديث اكمال الدين، فقد أشبعنا الكلام فيه في رسالتنا الموسومة ب «النقود اللطيفة علي كتاب الأخبار الدخيلة» التي يظهر منها- و إن لم ننقد كل الكتاب و اكتفينا بما ذكره حول بعض روايات مولانا المهدي عجل اللّٰه تعالي فرجه الشريف- حال الكتاب. و لا حول و لا قوة إلا باللّٰه.

______________________________

(1)- اعلام الوري/ 254.

(2)- الغيبة/ 351.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 186

هذا و الاعتماد في الحكم ينبغي أن يكون علي هاتين الروايتين.

ثمّ إنه لا يخفي عليك أن مقتضي إطلاق الروايتين جعل حجتين في حجة بلدية و ثلاث حجج في حجتين بلديتين و إن أمكن الميقاتية في كل سنة إن هو أوصي بالبلدية و لو لم يكن دلالة هاتين الروايتين علي ذلك لما يمكن للفقيه استكشاف الحكم من قاعدة الميسور علي القول بها و من الاستناد بظهور حال الموصي أنه أراد صرف مقدار معين من ماله في كل سنة في الحج و تخيل كفايته لحج واحد، فإنه تمكن معارضته بأنه أراد الحج عنه في كل سنة بصرف هذا المقدار من المال و تخيل كفايته للحج البلدي فأوصي به.

و لو كنا و هذا الظهور أو قاعدة الميسور، لا يمكن لنا ترجيح إحدي الصورتين علي الأخري بل لا يمكن لنا القول- إذا لم يف المال في كل سنة لا بالبلدي و

لا بالميقاتي- بجعل المال المعين لسنتين أو أزيد لخصوص الحج البلدي أو الميقاتي، أما إذا أخذنا بالروايات فالحكم علي جميع الصور واضح.

إن قلت: فما تقول فيما رواه الشيخ بإسناده عن عبد اللّه بن بكر عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «إنه سئل عن رجل أوصي بماله في الحج فكان لا يبلغ ما يحج به من بلده؟ قال: فيعطي في الموضع الذي يحج به عنه.» «1»

قلت: الظاهر إن السؤال فيه عن الوصية بحج واحد و بمال لا يفي بالحج من بلده فلا إطلاق له يشمل مسألتنا هذه.

تذنيب- قال السيد في ذيل هذه المسألة: (و لو فضل من السنين فضلة لا تفي بحجة فهل ترجع ميراثا أو تصرف في وجوه البر أو تزاد علي اجرة بعض السنين،

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب النيابة، ح 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 187

وجوه) و مراده منه أن في صورة ضم السنين بعضها إلي بعض إن زاد منه ما لا يفي بحجة، فهل ترجع ميراثا أو تصرف في وجوه البر أو تزاد علي أجرة بعض السنين وجوه.

أقول: أما وجه الاحتمال الأول أن تركة الميت بعد إخراج الوصية تكون ميراثاً بين الورثة و في المثال بعد صرف ما أمكن منها في الحج الذي هو الموصي به يرجع الباقي ميراثاً.

لا يقال: إن ظاهر وصيته صرف هذا المقدار من تركته لنفسه و لكن عين المصرف في الحج بتخيل أنه لا يزيد عليه، فعلي هذا يجب صرف الباقي له.

فإنه يقال: نعم الأمر يدور مدار الاستظهار العرفي من كلامه، فعلي أي الوجهين كان يعمل به و لكن إذا تردد الأمر و لم يكن هناك ظهور، لأمكن أن يقال بالأخذ بالقدر المتيقن لأن الوصية بالمال بالمقدار

الذي صرف في الحج متيقن و في الزائد عليه، الأصل عدم الوصية به.

إن قلت: إن الإرث بعد إخراج الوصية فما دام لم يحرز العجز عن العمل بالوصية لاحتمال تعدد المطلوب لا يرجع ميراثاً.

قلت: الكلام في أن الوصية المتعلقة بهذا المال هل تكون علي نحو وحدة المطلوب- أي صرفه في خصوص الحج- أم علي نحو تعدد المطلوب- بأن يكون الموصي به البر و الحج- بما أنه بعض مصاديقه- فإن كان علي الأول لم يتعلق الوصية بهذا المقدار من الاول و إن كان علي الثاني يكون هذا الباقي أيضا متعلقا للوصية لانحلالها إلي الوصايا المتعددة بالنسبة إلي تقدير المال و الأصل عدم تعلقها به.

و أما وجه الاحتمال الثاني و هو صرف الزائد في وجوه البر فمبني علي

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 188

ظهور حال الموصي في كون الوصية علي نحو تعدد المطلوب و صرف تمام المال فيما يرجع ثوابه إليه و هو في محله إذا كان حاله ظاهراً في ذلك.

و أما وجه الاحتمال الثالث فهو الاستظهار من حال الموصي أنه أراد صرف هذا المال في الحج مهما أمكن، فما دام يمكن توزيعه علي الأفراد يعمل به و إن لم يمكن كما إذا عين ما يزيد علي حج واحد و لا يكفي لحجتين يصرف ما زاد علي الحج الواحد بزيادة بعض الخصوصيات و الكيفيات و رعاية بعض المستحبات و غير ذلك.

فالمسألة تدور مدار الاستظهار من الموصي و القرائن الحالية و المقالية و إن لم يكن استظهار في البين فالحكم هو الأخذ بالقدر المتيقن و رجوع الباقي إلي الورثة للأصل.

هذا و لكن مع ذلك قال سيدنا الاستاذ الأعظم قدس سره في بعض حواشيه علي المسائل المطروحة في المقام: (وجوب صرف

ما تعذر مصرفه من الوصايا و الأوقاف و شبهها في وجوه البر ثابت من الأخبار الكثيرة الواردة في هذه الأبواب، و لا حاجة إلي إحراز تعدد المطلوب بحسب قصد الموصي و غيره، نعم منشأ هذا الحكم ظاهرا هو رعاية ما هو المرتكز في أعماق أذهانهم من تعدد المطلوب و لو بحسب النوع).

و يمكن أن يكون من الأخبار التي أشار إليها ما رواه الكليني بإسناده عن علي بن مزيد (فرقد) عن الصادق عليه السلام قال: «قلت: مات رجل فأوصي بتركته أن أحج بها عنه فنظرت في ذلك فلم تكف للحج، فسألت من عندنا من الفقهاء فقالوا تصدق بها فقال عليه السلام: ما صنعت؟ قلت: تصدقت بها فقال عليه السلام: ضمنت إلا أن لا تكون

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 189

تبلغ أن يحج بها من مكة فإن كانت تبلغ أن يحج بها من مكة فأنت ضامن». «1»

فعلي هذا يمكن أن يقال بصرف الزائد في وجوه البر و إن لم يحرز تعدد المطلوب بحسب قصد الموصي فلا يرجع ميراثاً إلا في صورة العلم بالتقييد و إحراز وحدة المطلوب و تعذر الإتيان به. و اللّٰه هو العالم.

[مسألة] لو صالح شخصاً علي مال و شرط عليه الحج بعد موته

مسألة 6- قال في العروة: «إذا صالحه علي داره مثلا و شرط عليه أن يحج عنه بعد موته صح و لزم و خرج من أصل التركة و إن كان الحج ندبياً و لا يلحقه حكم الوصية و يظهر من المحقق القمي قدس سره في نظير المقام إجراء حكم الوصية عليه بدعوي أنه بهذا الشرط ملك عليه الحج و هو عمل له اجرة فيحسب مقدار اجرة المثل لهذا العمل، فإن كانت زائدة علي الثلث توقفت علي إمضاء الورثة».

أقول: إذاً علي ما اختاره المحقق القمي

قدس سره إذا كانت الاجرة زائدة علي الثلث كيف يجري حكم الوصية و ينتقل الزائد إلي الوارث و كيف يعمل الوارث و يتملك الزائد فهل له مطالبة المشروط عليه بما يزيد علي الثلث مع أنه يترتب عليه إما بقاء وجوب الحج عليه للمصالح أو سقوطه عنه و الالتزام بكل منهما غير صحيح ففي الأول يلزم الجمع بين العوض و المعوض علي المصالح أو الشارط و علي الثاني يسقط عنه الوجوب و لا يمكن استيفاء الأجرة أم ليست له مطالبة ذلك سواء كان المشروط عليه باذلًا أم ممتنعاً؟

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 37 من الوصايا ح 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 190

نعم تستقيم النتيجة علي هذا القول و يمكن إجراء حكم الوصية عليه إذا لم تكن أجرة مثل الحج زائدة علي الثلث و كأنه يكفي ذلك في رد مختار المحقق.

و مع ذلك ينبغي الإشارة إلي ما أفادوه في رد كلام المحقق في هذه المسألة التي حكي بعض الأعلام وقوع الاختلاف فيها بين السيد صاحب العروة و بين معاصريه علي حد لم يتفق لأكثر المسائل العلمية. «1»

فمن الوجوه التي رد بها مختار المحقق القمي: أن الوصية تصرف في المملوك بعد المفروغية عن الملكية له، مثل أن يوصي بداره لزيد و ليس المقام من ذلك فإن المملوك هو الحج عن نفسه و لم يؤخذ موضوعا لتصرف زائد عليه، فلا يدخل في الوصية و لا تجري أحكامها عليه.

و بعبارة اخري: موضوع الوصية الملكية في المرتبة السابقة عليها مثل صرف منافع الدار في الخيرات و في المقام لا يمكن فرض ذلك، لأن الحج عن الشارط بالشرط يصير ملكا له لا متعلقا لوصيته فكيف يجري عليه حكم الوصية؟

و منها: أن الحج عن

الميت ليس كالحج المطلق الذي تملكه الورثة فإنه متعلق به و طرف حقه لا ينتقل إلي الوارث علي حد انتقال سائر تركته، فليس للوارث إبراء المشروط عليه تبرعا أو بالعوض.

نعم يمكن أن يقال بأن له مطالبة المشروط عليه بالوفاء بالشرط و الأخذ بخيار تخلف الشرط.

و لكن لا يخفي عليك أن هذا وجه لعدم انتقال الحج عنه إلي الوارث كسائر التركة لا عدم إجراء حكم الوصية عليه، و هذا الوجه وجه لعدم انتقال الحج عنه إذا

______________________________

(1)- مستمسك العروة: 11/ 102.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 191

كان المورث ملكه بالإجارة و نحوها علي حد انتقال سائر التركة إليه و قول من يقول بانتقاله إلي الوارث و يفعل فيه ما يشاء، فله إبراء ذمة المشروط عليه أو مصالحة جديدة معه، كما أن له مطالبته بالإتيان به ضعيف. و الظاهر أن أكثر القائلين بتمامية الشرط و لزومه و تمليكه الحج للميت و كذا القائلين بمقالة المحقق القمي الذي يقول بإجراء حكم الوصية في المسألة متفقون في عدم انتقال مثل هذا الحج إلي الوارث كسائر التركة.

و منها: انصراف دليل انتقال التركة إلي الوارث إلي ما إذا لم يكن تصرفاً خاصاً في التركة متعينا كما هو الحال في جميع الموارد إلا ما شذ و ندر، مثل موردنا هذا فإن الحج عن الميت المشروط و المملوك بالإجارة تعين كونه للميت و صرفه له، فلا يدخل في عموم أدلة انتقال المال إلي الورثة. و بالجملة أدلة «ما ترك الميت من مال أو حق لورثته»، قاصرة عن الشمول لما نحن فيه،

و هذا أيضا وجه آخر لعدم انتقال الحج عنه إلي الورثة، إلا أنه يمكن توجيه دلالة هذه الوجوه علي عدم شمول أدلة الوصية له أيضا

بأن الوصية استثناء عما يدخل من التركة في ملك الوارث و ينتقل إليه و هو ما لم يكن متعينا للتصرف الخاص فيه، فإذاً كما لا تشمل أدلة الإرث مثل ما نحن فيه لا تشمله أدلة الوصية أيضا.

و قد أنكر بعض الاعاظم- ردا علي المحقق القمي- كون الحج المشروط به الصلح مالًا و ملكاً للميت حتي ينتقل إلي الوارث، فإن الاشتراط لا يوجب كون الشرط ملكا للشارط لأن غاية ما يقتضيه الاشتراط لزوم العمل بالشرط و قال:

(و بعبارة اخري: الاشتراط لا يوجب ملكية الشرط للشارط و لا يملك الشارط علي المشروط عليه العمل بالشرط حتي ينتقل إلي الورثة و إنما يترتب علي

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 192

الاشتراط الالزام من الشارط و الالتزام بالشرط من المشروط عليه، فهو يقتضي إلزاماً من شخص و التزاماً من شخص آخر فالحج المشروط به الصلح في المقام ليس مما تركه الميت حتي يتنازع في خروجه من الثلث أو من الأصل و إنما يجب الإتيان به علي المشروط عليه بمقتضي الوفاء بالشرط، فلو وفي بالشرط و أتي بالحج فقد أتي ما وجب عليه و ليس للورثة معارضته، و لو تخلف و ترك الحج يثبت الخيار لتخلف الشرط). «1»

أقول: أولًا، الظاهر خلاف ما ذكره لأنّ العرف يري أداء ما جعل العقد مشروطاً بأدائه ملكاً للمشروط له و يجوز له بيعه، فلا يرد بذلك ما اختاره المحقق القمي.

ثمّ إنه في صورة تخلف الشرط و ترك الحج لا ريب في ثبوت الخيار و اختلفوا في أنه هل يكون للوارث فسخ المصالحة حتي يرجع المال إلي ملك الميت ثمّ ينتقل إلي الوارث أو أنه أجنبي عنه فيكون الخيار للحاكم الشرعي فيفسخ و يصرف المال فيما شرطه

الميت علي المفسوخ عليه أو ينتقل إلي الورثة وجوه.

اختار الوجه الثاني بعض الأعاظم و قال: (إن الحج كما لا ينتقل إلي الوارث لعدم كونه ملكا للميت، كذلك حق الخيار بتخلف الشرط لا ينتقل إلي الوارث) و وجه ذلك في طي كلامه بأن خيار تخلف الشرط و إن كان ينتقل إلي الوارث كسائر الخيارات إلا أنه ثابت إذا كان الشرط مما ينتفع منه الوارث كما إذا شرط عليه بناء داره فإن ذلك يرجع نفعه إلي الوارث فالخيار المترتب علي تخلفه داخل فيما تركه و أما الشرط الذي لا ينتفع به الوارث أصلا كحج المشروط عليه

______________________________

(1)- معتمد العروة: 2/ 141.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 193

عنه فلا يكون الخيار المترتب علي تخلفه مما تركه الميت فإن الانتفاع به خاص بالميت نفسه فيكون الخيار أيضا مختصا به و من هنا ليس للورثة إسقاط هذا الخيار بل هم أجنبيون عنه و بما أن الميت لا يتمكن من إعمال الخيار للوصي أو الحاكم إعماله و صرف المال فيما شرط علي المشروط عليه. و قال: و الحاصل: أدلة الإرث لا تشمل المقام بل يلزم علي المشروط عليه الوفاء بالشرط و الإتيان بالحج و إن تخلف يلزمه الحاكم أو الوصي بالإتيان به و إن امتنع المشروط عليه من الوفاء يفسخ الحاكم أو الوصي و يصرف الوصي أو الحاكم المال في الحج باستيجار شخص آخر). «1»

و فيه: أن ذلك محتاج إلي الإثبات، فلما ذا اختص الخيار بمن كان الشرط بنفعه و لم يكن لمن لا ينتفع بإعمال الخيار فإن المال يرجع به إلي تركة الميت و ينتقل إلي الوارث و إنما يكون الخيار للوصي أو الحاكم إذا انتفع الميت به و هو أول الكلام،

لإمكان أن نقول: إن المال بالفسخ ينتقل منه إلي الوارث.

و هل يمكن التفصيل بين ما إذا كان المصالح (بالفتح) هو الوارث بنفسه فلا يمكن انتقال الشرط إليه و لا إرثه من الشارط في خيار تخلف الشرط، فلا بد أن يكون ذلك للوصي أو الحاكم فإذا كان للوصي أو الحاكم فلا بد من الحكم بصرف المال في استيجار الحج عنه و إلا يكون الخيار لهما لغوا و بين ما إذا كان المشروط عليه غير الوارث و يكون له الخيار و انتقال التركة به إلي الوارث.

و المسألة بعد ذلك محل إشكال، و لذا قال بعض الأعاظم: (الأحوط فسخ الوارث بإذن الحاكم الشرعي و صرف المال في الحج). «2» إلا أن ذلك خلاف

______________________________

(1)- معتمد العروة: 2/ 141.

(2)- معتمد العروة: 2/ 141.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 194

الاحتياط إذا كان بعض الورثة صغاراً. و اللّٰه هو العالم.

و قد ذكر السيد قدس سره في العروة هنا مثالين لما نحن فيه: أحدهما لا ينطبق عليه و الآخر مطابق له، أما الأول فهو: تمليك داره مثلا بمائة و الشرط عليه بصرفها في الحج عنه أو عن غيره، و عدم انطباقه علي المورد واضح كما نص عليه جمع من المحشين لأنه بتمليك داره بمائة يملك في ذمة المشروط عليه في حال حياته المائة و الشرط عليه بصرفه بعد موته الوصية إليه بصرفه بعد موته في الحج عنه أو عن غيره فيجري عليه حكم الوصية و التصرف في ماله فهذا كالوصية الابتدائية.

و أما الثاني: فهو تمليك داره إياه بشرط أن يبيعها و يصرف ثمنها في الحج أو نحوه، فهو مثل مسألتنا هذه لأن الدار تنتقل إلي المشروط عليه و الشرط إلزامه بتصرف خاص في ملكه

لا في ملك الشارط حتي يكون كالوصية.

[مسألة] لو أوصي او نذر الحج ماشيا أو حافيا

مسألة 7- لو أوصي أن يحج عنه ماشياً أو حافياً صحت وصيته، فإن كان الحج الموصي به ندباً تنفذ وصيته من ثلثه و فيما زاد علي الثلث موكول إلي ورثته، و إن كان الموصي به حجة الإسلام أو الحج الواجب بالنذر يخرج ما به يؤدي الحج الميقاتي بواجباته من أصل التركة و ما به التفاوت بين الحج الميقاتي و البلدي و بين اجرة الحج ماشيا أو حافيا و بين اجرته لا كذلك من ثلثه.

و لو نذر حال حياته الحج ماشيا أو حافيا و تنجز عليه و لم يأت به حتي مات، يجب استيجار ذلك من أصل تركته سواء أوصي بذلك أم لم يوص به.

و ربما يفصل في ذلك بينما إذا كان المشي أو الحفا مقيداً بمباشرة الناذر و بين ما

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 195

إذا كان قيدا للحج، فإذا كان علي الأول و تعذر المشي و الحفا يقضي عنه أصل الحج بل و يسقط الحج أيضا إن كان الحج أيضا مقيدا بذلك دون الصورة الثانية فيقضي عنه باستنابة من يأتي به ماشياً أو حافياً.

و بعبارة اخري كما أفاد في العروة: إذا كانت المباشرة مورداً لا قيداً للمأمور به أو للمنذور، كما هو الحال في جميع التكاليف و النذور المطلقة، فإن موردها من يأتي بها بالمباشرة، دون أن تكون ملحوظة فيها، فإذا لم يتمكن من المباشرة يأتي به باستنابة غيره إذا كان من الأفعال التي تقبل النيابة.

لا يقال: فعلي هذا يجوز له من أول الأمر ترك المباشرة و الاستنابة.

فإنه يقال: إن معني ذلك و جوب المباشرة عليه لا تقيد المأمور به أو المنذور بالمباشرة فإذا تعذرت المباشرة يأتي به

بالاستنابة. و أما إذا كانت المباشرة قيدا فيسقط المشي أو الحفا أو أصل الحج. و اللّٰه هو العالم.

[مسألة 8] لو أوصي بحجتين أو أزيد

مسألة 8- إذا أوصي بحجتين أو أزيد و قال: إنها واجبة عليه صدق و تخرج من أصل التركة إذا علم أن إحداها حجة الاسلام و إحداها الحج الواجب بالنذر و إحداها الحج الاستيجاري (الواجب عليه) أو علم أن جميعها الحجج الواجبة عليه بالنذر أو الاستيجار و أما إذا لم يعلم ذلك و احتمل أنها واجبة عليه بالعهد أو اليمين فوجوب إخراجها من أصل التركة محل إشكال فيمكن أن يقال: إن وفي الثلث بها فهو و إلا ففي الزائد علي الثلث يتوقف انفاذ الوصية علي امضاء الورثة.

وجه وجوب تصديقه أن إخباره بوجوب الحج الاستيجاري أو النذري أو

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 196

حجة الاسلام عليه إقرار بالدين و لا شك في نفوذ إقراره بالنسبة إلي ديونه لاستقرار سيرة العقلاء علي ذلك و استفادة ذلك من النصوص الواردة في أبواب كثيرة و لا ريب أن هذه النصوص في مواردها لم ترد لخصوصية تلك الموارد بل إنما وردت لكونها تحت هذه القاعدة و السيرة العقلائية المقبولة عند جميع الأديان و الملل

و أما الاستناد بالنبوي المعروف بينهم «إقرار العقلاء علي أنفسهم جائز»، فلم نجده فيما تفحصنا فيه من كتب العامة كالبخاري و مسلم و ابن ماجة و الترمذي و النسائي و أبي داود و مسند أحمد و موطأ مالك و غيرها كما أنه لم نجده في كتب أصحاب الحديث المعتمدة من أصحابنا الخاصة أيضا حتي في موسوعة البحار.

نعم يوجد في مثل المختلف للعلامة و الكتب المصنفة الاستدلالية بعده مرسلًا كما يوجد في كتاب عوالي اللئالي لابن أبي جمهور و رواه في المستدرك

«1» تارة عنه في عوالي اللئالي و اخري عن درر اللئالي عن مجموعة أبي العباس بن فهد.

و في الوسائل قال: و روي جماعة من علماءنا في كتب الاستدلال عن النبي صلي الله عليه و آله و سلم أنه قال: «إقرار العقلاء علي أنفسهم جائز» «2» يريد بذلك أنه لم يرو في كتب الحديث و المصادر الحديثية، إذاً فلا يحتج به بقطع النظر عن مضمونه».

نعم يمكن استناد هذا المضمون و الحكم به إلي الشارع بإمضائه الثابت لهذه السيرة العقلائية و لو بعدم ردعه و أما مرسل العطار عن بعض أصحابه عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «المؤمن أصدق علي نفسه من سبعين مؤمنا عليه» «3».

فالظاهر أنه مضافاً إلي ما فيه من ضعف السند وزانه وزان الأحاديث

______________________________

(1)- مستدرك وسائل الشيعة: 13/ 37.

(2)- وسائل الشيعة: ب 3 من الوصايا ح 1.

(3)- وسائل الشيعة: ب 3 كتاب الاقرار ح 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 197

الواردة في حمل فعل المسلم علي الصحة و قبول العذر منه، مثل قوله عليه السلام: «كذب سمعك و بصرك عن أخيك» «1».

هذا كله إذا كانت الوصية المذكورة المتضمنة لإقراره بكون الموصي به دينا عليه في غير مرض موته و أما إذا كانت في مرض الموت فإن لم يكن منهما فإقراره نافذ في جميع تركته و الإجابة فلا ينفذ فيما زاد علي ثلثه. «و اللّٰه هو العالم»

[مسألة 9] إذا مات الوصي بعد قبض المال و شك في الاستيجار

مسألة 9- إذا مات الوصي بعد قبضه المال الموصي به للحج و شك في أنه صرفه في الاستيجار للحج قبل موته أم لا و الشك إنما يكون إذا مضت مدة يمكن الاستيجار فيها و أما إن مات هو قبل ذلك فلا ريب في وجوب الاستيجار من أصل التركة إن

كان الحج واجباً دينياً و من بقية الثلث إن كان غيره و يسترد ما أخذه الوصي إن كان باقيا في أمواله و إن تلف عنده فضمانه له محل الإشكال لإمكان تلفه عنده بلا ضمان. و إن مات و قد مضت مدة يمكن الاستيجار فيها، فقال في العروة: (الظاهر حمل أمره علي الصحة مع كون الوجوب فورياً منه و مع كونه موسعا إشكال).

و أورد عليه بأنه إنما تجري أصالة الصحة فيما إذا صدر منه فعلا و شككنا في كونه واجداً لشرائط الصحة أم لا دون ما إذا كان الشك في أصل العمل و هذا هو القدر المتيقن من دليل أصالة الصحة و هو السيرة المتشرعة أو العقلائية التي أمضاها الشارع و جريانها في الزائد علي ذلك و البناء علي العمل عند الشك فيه، لم يثبت استقرار السيرة عليه.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 157 من أبواب أحكام العشرة ح 4.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 198

فإن قلت: إن كلامه يرجع إلي وقوع الشك في ذلك، إذا تصرف الوصي في المال و لم يكن المال موجودا عنده و شك في أنه هل صرفه في استيجار الحج أو في غيره بحيث إذا كان صرفه في غيره صدر منه باطلًا فدار الأمر بين حمل عمله علي الصحة أو البناء علي فساده.

قلت: فيه أيضا أن القدر المتيقن من حمل الفعل علي الصحة هو ما إذا كان عنوان الفعل معينا كالا جارة و البيع و أما إذا لم يكن معينا و تردد الأمر بين عنوانين أحديهما باطل و الآخر صحيح فلا تجري أصالة الصحة لتطبيق عنوان الصحيح علي الفعل.

يمكن أن يقال: إن البناء علي استيجاره في هذه الصورة إذا لم يمكن له عذر في

التأخير مبني علي ظهور حال المؤمن و أنه يعمل بوظيفته سيما إذا كان ظاهر حاله الصلاح و التعهد بالوظائف الشرعية و مثل هذا من الظهور معتبر عند العقلاء يعتمدون عليه.

و يمكن أن يقال: إن ما علي الوارث ليس إلا تسليم المال الموصي به إلي الوصي و ليس عليه تحقيق ذلك ما دام هو يحتمل احتمالًا عقلائياً بأنه يعمل بوظيفته و ليس علي الوارث شي ء فالأمر إليه.

نعم إن علم بأنه لم يعمل بوظيفته و كان الموصي به واجباً علي الميت يجب عليه تفريغ ذمة الموصي ما دام بقي من تركته ما يفي به.

هذا كله في ما إذا كان الوجوب فورياً و أما إذا كان موسعاً فإن كان المال باقياً و لم يتصرف فيه فالظاهر وجوب صرفه في الحج و لا محل لإجراء أصالة الصحة لأن غاية ذلك إثبات مشروعية استيلائه علي المال و لكن لا يثبت بها أنه بدله بمال آخر و صرفه في الاستيجار فالمال باق في ملك الميت و يجب صرفه في

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 199

استيجار الحج.

و إن لم يكن المال موجودا فلا يحكم بضمان الوصي و إن حكم بوجوب الاستيجار من أصل التركة إن كان الحج واجباً دينيا و من بقية الثلث إن كان غيره.

و إن قلنا بأن بعد أداء المال إلي الوصي ليس علي الوارث الفحص عن عمل الوصي ما دام هو يحتمل أنّه عمل بوظيفته.

نعم إذا علم عدم العمل بالوصية و كان الحج الموصي به واجباً دينيا علي الميت يجب إخراجه من التركة لا للوصية بل لوجوب أداء دينه و بعبارة اخري، الوصي أمين الميت و رد إليه المال الموصي به، فحينئذ لا تكليف علي الورثة غير رد المال إليه

و بقية التركة تنتقل إليهم و ليس عليهم الصبر في التصرف فيها إلي إنفاذه وصية الموصي. و اللّٰه هو العالم.

[مسألة 10] إذا تلفت الاجرة عند الوصي

مسألة 10- إذا تلفت الاجرة عند الوصي بلا تقصير منه لا يكون ضامنا و يجب استيجار الحج إذا كان واجباً دينيا من بقية التركة، لأن ثبوت الدين في التركة يكون من باب الكلي في المعين فلا يؤثر في وجوب أدائه من التركة ما تلف منها ما دام يكون الباقي منها وافياً بالدين، و إن كان الموصي به غير الحج الديني يؤخذ الاجرة مما بقي من الثلث.

و بعبارة اخري يوضع ما تلف من التركة و يؤدي الاجرة من ثلث ما بقي منها إن وفي بها و ذلك لأن شركة الميت مع الورثة في التركة يكون علي نحو الإشاعة، له ثلثه و لهم ثلثاه فإذا تلف منها شي ء يدخل النقص علي الجميع الثلث و الثلثان، بخلاف الدين فإنه كما قلنا ثبوته في التركة يكون علي نحو الكلي في المعين فإذا تلف

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 200

شي ء من التركة لا ينقص من الدين شي ء و لا يدخل النقص فيه و علي كل حال يسترد من الورثة ما يرد عليهم من النقص بعد هذا التلف.

و لو شك في أن المال تلف عن التقصير من الوصي أم لا؟ فالظاهر عدم الضمان لأنه يدور مدار التقصير و الأصل عدمه فلا ينتهي الكلام إلي إجراء أصالة البراءة لنفي الضمان.

نعم إذا ادعي الولي عليه التقصير و لم تكن له البينة لا شي ء له عليه إلا حلفه فما علي الأمين إلا اليمين.

و مما ذكرنا يظهر حكم ما إذا استأجر شخصا للحج و أعطاه اجرته فمات الأجير قبل إتيانه بالحج و لا يمكن استردادها لتلفه

في يده و لا أخذها من تركته، إما لأنه ليس واجداً لمال أو لا يمكن أخذ ما عليه من ماله فيعامل مع بقية تركته علي ما ذكرناه.

[مسألة 11] إذا اوصي بمال معين للحج ندبا و لم يعلم وفاء الثلث به

مسألة 11- إذا أوصي بمال معين للحج ندبا و لم يعلم أنه يخرج من الثلث أم لا يفي الثلث به فهل يجوز صرف الجميع في الوصية تمسكا بأصالة الصحة لوقوع الترديد بين صحة الوصية و بطلانها لأن المال لو كان بمقدار الثلث تصح الوصية به و إن كان زائدا عليه لا تصح و مقتضي أصالة الصحة حمله علي الصحيح فإن الوصية إيقاع صدر من الموصي فشك في صحته و فساده فيحمل علي الصحة.

و اورد عليه كما تقدم عن بعض الأعاظم بأن المعتبر في إجراء أصالة الصحة إحراز ولاية العامل علي العمل و الشك في أنه أوقعه علي الوجه الصحيح أم لا و

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 201

يحمل حينئذ فعله علي الصحة و هذا هو الذي عليه السيرة و موردها، فإذا تصدي أحد لبيع دار زيد و شك في ولايته عليه لا يجوز الشراء منه بأصالة الصحة في بيعه و كذا إذا كانت عين الموقوفة في يده و أراد بيعها و شك في ولايته علي ذلك لا يحكم بصحة بيعه بأصالة الصحة، قال: (و بالجملة لا دليل علي جريان أصالة الصحة في جميع موارد الشك و الفساد و إنما قام الدليل علي إجرائها في موارد الشك في وجدان العمل للشرائط و الاجزاء بعد إحراز الولاية علي العمل). «1» و اللّٰه هو العالم.

[مسألة 12] استحباب الطوف مستقلًا و النيابة فيه

مسألة 12- لا ريب في استحباب الطواف مستقلا من غير أن يكون في ضمن أعمال الحج و العمرة للروايات الكثيرة.

و قد عقد شيخنا الحر قدس سره بابا في الوسائل بهذا العنوان (باب استحباب التطوع بالطواف و تكراره و اختياره علي العتق المندوب). «2»

و إن كان في دلالة بعضها علي ذلك نظر بل منع مثل

الحديث الاول و الثاني بل و الثالث علي ما أخرجه في هذا الباب تقطيعا و هو صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إن اللّٰه جعل حول الكعبة عشرين و مائة رحمة منها ستون للطائفين» الحديث فهذا المقدار لا يكفي لإثبات استحباب الطواف لعدم ظهور قوله عليه السلام «للطائفين» في الطواف الأعم من الواجب و المستحب فيسقط الاستدلال بهذه القطعة و أن استدل بها في المستمسك أيضا.

______________________________

(1)- معتمد العروة: 2/ 152

(2)- وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب الطواف.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 202

و لكن بعد الرجوع إلي تمام الحديث تظهر تمامية الاستدلال به و إليك تمامه من الكافي: «إن اللّٰه تبارك و تعالي جعل حول الكعبة عشرين و مائة رحمة منها ستون للطائفين و أربعون للمصلين و عشرون للناظرين». «1» فذيل الحديث قرينة علي أن المراد من الطائفين و المصلين أعم ممن يطوف طواف الواجب و صلاة الطواف و هذا بعض مضار تقطيع الروايات، و قد أخرجه في الوسائل تمامه في الباب التاسع من أبواب الطواف (ح 2).

و أيضا تستحب النيابة في الطواف عن الميت بل و الحي و يدل عليه بإطلاقه ما رواه الكليني عن أبي علي الأشعري عن محمد بن عبد الجبار عن صفوان بن يحيي، عن يحيي الأزرق قال: «قلت لأبي الحسن عليه السلام: الرجل يحج عن الرجل يصلح له أن يطوف عن أقاربه؟ فقال: إذا قضي مناسك الحج فليصنع ما شاء». «2»

و صحيح معاوية ابن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث قال: «قلت له:

فأطوف عن الرجل و المرأة و هما بالكوفة؟ فقال: نعم. يقول حين يفتح الطواف:

اللهم تقبل من فلان الذي يطوف عنه». «3»

و رواية أبي بصير قال: «قال أبو عبد اللّه عليه السلام: من وصل أباه أو ذا قرابة له فطاف عنه كان له أجره كاملا و للذي طاف عنه مثل أجره» الحديث. «4»

و رواية موسي بن القاسم عن أبي جعفر الثاني عليه السلام و رواية علي بن ابراهيم الحضرمي عن أبي الحسن موسي عليه السلام.

______________________________

(1)- الكافي: ج 4، ب فضل النظر إلي الكعبة ح 2.

(2)- وسائل الشيعة: ب 21 من أبواب النيابة ح 1.

(3)- الوسائل: ب 18 من ابواب النيابة ح 1.

(4)- وسائل الشيعة: ب 18 من أبواب النيابة في الحج ح 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 203

نعم إذا كان الحي حاضرا في مكة و ليس به علة لا تجوز النيابة عنه لما رواه في الوسائل عن الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه «1» عن حماد بن عيسي «2» عن إبراهيم بن عمر اليماني «3» عن إسماعيل بن عبد الخالق «4» قال: «كنت إلي جنب أبي عبد اللّه عليه السلام و عنده ابنه عبد اللّه أو ابنه الذي يليه فقال له رجل: أصلحك اللّٰه يطوف الرجل عن الرجل و هو مقيم بمكة ليس به علة؟ فقال: لا لو كان ذلك يجوز أمرت ابني فلانا، فطاف عني سمي الأصغر و هما يسمعان» «5» و أخرجه بلفظ (أو ابنه) في المستمسك. «6»

أقول: الظاهر أن قوله «أو ابنه» تصحيف و الصحيح كما يدل عليه ذيل الرواية «و ابنه» كما أن الظاهر أن غرض الراوي من هذه الرواية إثبات عدم صلاحية عبد اللّه لما ادعاه من الإمامة و إثبات إمامة الإمام مولانا موسي بن جعفر عليهما السلام لان الإمام عليه السلام نص بمحضر عبد اللّه و مسمعه أنه لو

جازت الاستنابة في ذلك يستنيب هو ابنه موسي عليه السلام.

ثمّ إني بعد الالتفات إلي ذلك بحوله و قوته راجعت الكافي فإذا فيه «و ابنه الذي يليه». «7»

______________________________

(1)- من السابعة.

(2)- غريق الجحفة أجمعت الصحابة علي تصحيح ما يصح عنه و هو من الخامسة و طال عمره فعاصر السادسة.

(3)- شيخ من أصحابنا ثقة بتصريح النجاشي من الخامسة.

(4)- من الخامسة وجه من وجوه أصحابنا بيته من بيوت الشيعة.

(5)- وسائل الشيعة: ب 51 من أبواب الطواف ح 1.

(6)- مستمسك العروة: 11/ 113.

(7)- الكافي: 4/ 42 طواف المريض ح 5.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 204

و قال العلامة المجلسي عليه الرحمة في مرآة العقول: (لعل غرض الراوي حط مرتبة عبد اللّه عما ادعاه من الإمامة فإنه عليه السلام عين الاصغر لنيابة الطواف مع حضوره و إذا لم يصلح لنيابة الطواف فكيف يصلح للخلافة الكبري) «1».

و بالجملة الحديث من النصوص علي امامة مولانا موسي بن جعفر عليهما السلام و بعد ذلك يدل علي عدم جواز النيابة عمن هو بمكة و ليس به علة.

و يدل عليه مرسلة عبد الرحمن بن أبي نجران «2» عمن حدثه عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «قلت له: الرجل يطوف عن الرجل و هما يقيمان بمكة قال: لا و لكن يطوف عن الرجل و هو غائب عن مكة قال: قلت: و كم مقدار الغيبة؟ قال:

عشرة أميال» «3».

هذا تمام الكلام في استحباب الطواف منفردا و النيابة فيه و أما سائر أفعال الحج فقد قال في العروة استحبابها غير معلوم حتي مثل السعي بين الصفاء و المروة.

أقول: ربما يقال باستحباب السعي مستقلا لصحيح محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام قال: «قال رسول اللّٰه صلي الله عليه و

آله و سلم لرجل من الانصار: إذا سعيت بين الصفا و المروة كان لك عند اللّٰه أجر من حج ماشيا عن بلاده و مثل أجر من أعتق سبعين رقبة مؤمنة». «4»

وجه الإستدلال به أن ذكر السعي في قبال الحج مع أن كل حج فيه السعي يدل علي ترتب هذا الثواب الذي منه أجر من حج ماشيا عن بلاده علي السعي بنفسه.

______________________________

(1)- مرآة العقول: 18/ 50.

(2)- ثقة ثقة له كتب كثيرة من صغار السادسة.

(3)- وسائل الشيعة: باب 18، من أبواب النيابة في الحج، ح 3.

(4)- وسائل الشيعة: ب 1، من أبواب السعي، ح 15.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 205

و أورد عليه بأن الاستدلال به يتم لو كان الصحيح وارداً في خصوص السعي كما في الوسائل و المحاسن و لكن الصحيحة إنما وردت فيما يترتب علي أعمال الحج من الثواب و ليست مختصة بذكر السعي و ثوابه فراجع الفقيه «1» و التهذيب «2» فما جاء فيه من الثواب ثواب أعمال الحج بالتفصيل لا خصوص السعي بنفسه حتي يستفاد منه استحباب السعي بنفسه و مستقلا.

و أما الاشكال في مفاد الحديث بأنه كيف يمكن أن يكون للسعي أجر من حج ماشيا من بلاده مع أن الحج أيضا مشتمل علي السعي و لو قلنا بأن المراد أجر الحج ماشيا بدون ملاحظة أجر السعي يطرح الاشكال بالسؤال من أنه كيف يكون للسعي و للساعي أجر الحاج بطوافه و صلاته و وقوفه و غيرها.

و الذي يأتي في خاطر هذا القاصر للجواب عن هذا السؤال وجهان و إن لم أجدهما في كلام من تعرض لذلك من الأجلة و الأعلام و اللّٰه هو العاصم عن الخطاء.

أحدهما: أن الثواب المذكور في هذا الحديث إنما يكون

ثواب حجة الإسلام و المراد من الحج ماشيا من بلاده الحج المندوب و لا يستبعد أن يكون ثواب السعي فيها كأجر الحج ماشيا و يرشدنا إلي ذلك قوله صلي اللّٰه عليه و آله علي ما في التهذيب قبل هذه الفقرة في ثواب صلاة الطواف و فضلها: «فإذا صليت الركعتين خلف المقام كان لك بهما ألف حجة متقبلة».

و ثانيهما: أن هذا الثواب للساعي بين الصفا و المروة يكون علي وجه

______________________________

(1)- من لا يحضره الفقيه: 2/ 133 و 131 ب فضائل الحج ح 1

(2)- تهذيب الاحكام: 5/ 24 و 25 ب ثواب الحج ح 357

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 206

التفضل لا الأجر و بعبارة اخري ما يترتب علي جزء من أجزاء الحج و أعماله بالخصوص زائداً علي أجر الجميع يكون علي وجه التفضل من اللّٰه تعالي دون الأجر و لا بعد لان يكون تفضله علي عبده أكثر من ذلك أيضا و يكون تفضله بأصل الحج بأضعاف ذلك فاللّٰه هو المحسن المجمل المتفضل الشكور الوهاب.

و من ذلك كله يظهر ما في كلام السيد الحكيم قدس سره فإنه قال: (الذي يظهر من جملة النصوص استحبابه لنفسه ففي خبر محمد بن قيس (و ذكر الخبر) و خبر أبي بصير قال: «سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: ما من بقعة أحب إلي اللّٰه تعالي من المسعي لانه يذل فيها كل جبار» «1» و نحوهما غيرهما و دلالتهما علي استحبابه لنفسه ظاهر) «2».

أقول: أما الرواية الاولي فقد سمعت الكلام فيها و أما الثانية فتدل علي فضيلة المسعي لأن كل جبار يذل فيه عند سعيه في حجه و مشيه و هرولته فيه و لا دلالة لها لاستحباب السعي بالخصوص و مستقلا عن

الحج.

و أما سندها ففي الكافي، «3» محمد بن يحيي «4» عن محمد بن الحسين «5» عن محمد بن اسلم «6» عن يونس «7» عن أبي بصير «8» و هو ضعيف بمحمد بن أسلم و اللّٰه

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: 13 ب 1 من ابواب السعي ح 2.

(2)- مستمسك العروة: 11/ 114.

(3)- الكافي: 4/ 434 السعي ح 3.

(4)- الأشعري العطار القمي شيخ أصحابنا في زمانه من الثامنة.

(5)- أبي الخطاب جليل من أصحابنا عظيم القدر مسكون إلي روايته من السابعة.

(6)- محمد بن أسلم الجبلي من الطبري ضعيف كأنه من السابعة.

(7)- لعله يونس بن يعقوب ممدوح بمدائح كثيرة من السادسة أو الخامسة.

(8)- من الرابعة.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 207

هو الهادي إلي الصواب.

[مسألة 13] لو مات صاحب الوديعة و عليه الحج

اشارة

مسألة 13- قال في الجواهر: «(لو كان عند إنسان وديعة و مات صاحبها و عليه حجة الإسلام و علم أن الورثة لا يؤدونها) عنه (جاز) و عن المهذب عليه (أن يقتطع) منها (قدر اجرة الحج) حسبة من البلد أو من الميقات إن لم يوص علي الأصح و المسمي إن أوصي و خرج الزائد من الثلث أو أجاز الوارث (فيستأجر به) من يؤديها عنه أو يحج هو (لانه خارج عن ملك الورثة) بناء علي بقاء ما قابل الدين علي ملك الميت». «1»

أقول: في المقام جهات من الكلام:

الجهة الاولي: الظاهر من استدلال الجواهر أولا تبعا للشرائع أنه يجوز للودعي إذا علم أن الورثة لا يؤدون حجة الإسلام التي علي الميت، أن يؤديها بما عنده حسبة

و ظاهر استدلاله جواز أداء سائر ديونه إذا علم ذلك من ورثته.

و لا يخفي عليك أن مقتضي الأصل و القاعدة عدم جواز تصرف الودعي فيما عنده من المال بصرفه في أداء دين الميت حجا كان الدين أو غيره و سواء لم يكن الوارث ممتنعا من الأداء أو كان ممتنعاً و سواء أمكن إثبات ذلك عند الحاكم أو لم يمكن و ذلك لأنه لا ولاية للودعي علي المال لأنه إما أن نقول بانتقال تركة الميت إلي الوارث و إن وجب عليه صرفه في دين الميت و لا يجوز له التصرف في التركة قبل أداء دين الميت فلا وجه لتصرف الودعي في ملك الورثة فيجب عليه رد المال إلي

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 17/ 402.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 208

مالكه و إما أن نقول ببقاء المال بمقدار الدين في ملك الميت و عدم انتقاله إلي الوارث فلا يجوز التصرف فيه للودعي أيضا لأن ولي الميت هو الوارث و هو المخاطب بأداء دين الميت من تركته و لا ولاية للودعي علي المال أو علي الميت فكيف يجوز له التصرف فيه فأمره و أمر تركته

راجع إلي الوارث فلعله يري أداء دينه من مال آخر أو أداء حجه بنفسه.

هذا مضافاً إلي أنه لو كان المال الذي عند الودعي أكثر من الدين أو مصارف الحج يكون مشتركاً بينه و بين الميت فبأي وجه يجوز له تقسيم المال المشترك بين الميت و الوارث الميت.

فإن قلت: أداء ديون الميت كتغسيله و الصلاة عليه و دفنه من الواجبات الكفائية يجب علي كل أحد القيام به و إن كان الولي أولي به فما دام هو مقدم علي ذلك لا يجوز للغير الاستقلال به و أما اذا كان هو ممتنعا منه فيجب علي السائرين الإقدام عليه.

قلت: يجب في هذه الصورة الرجوع إلي الحاكم و الاستيذان منه فإنه ولي الممتنع.

فإن قلت: إذا كان الودعي يعلم أن الوارث لو اطلع علي ذلك يطالبه بالمال و لا يدفعه إلي الدائن و لا يمكن له اثباته عند الحاكم كيف يجوز له إعلامه به و تضييع حق الدائن.

قلت: لا ولاية له علي ذلك و صاحب الحق يطالب الوارث بحقه عند الحاكم.

نعم، لو علم الودعي أن المال لم يكن للمودع أو هو أوصي به لغيره و لا يزيد علي ثلثه يجوز له بل يجب عليه رده إلي صاحبه أو الموصي له إذا علم أن الوارث لا

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 209

يتضرر بذلك كما إذا كان للميت وصايا اخري غير ذلك.

اللهم إلا أن يقال بدلالة صحيح بريد علي ذلك في حجة الإسلام إذا تعذر حمل الورثة علي الأداء و لو بالرجوع إلي الحاكم كما يأتي في الجهة الثانية.

الجهة الثانية: استدل صاحب الجواهر ثانيا بما رواه المشايخ الثلاثة في الصحيح

عن بريد العجلي ففي الكافي «1» محمد بن يحيي «2» عن محمد بن الحسين «3» عن علي بن النعمان «4» عن سويد بن القلا «5»

عن أيوب «6» عن بريد العجلي «7» عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «سألته عن رجل استودعني مالا فهلك و ليس لولده شي ء و لم يحج حجة الاسلام؟ قال: حج عنه و ما فضل فأعطهم»

ثمّ قال: (لكن لا دلالة فيه علي عدم اعتبار استيذان الحاكم الذي هو الولي لمثل ذلك و إن تمكن منه لاحتمال الامر منه لبريد الإذن به فيه فلا إطلاق فيه حينئذ يدل علي خلافه فما عن الشهيد من استبعاده بعد أن حكاه قولا بل في الحدائق الجزم بمنافاته لإطلاق الصحيح في غير محله ضرورة أنه من خطاب المشافهة و المتيقن من تعديته إلي غير المشافهة ذلك نعم لو لم يتمكن منه استقل هو بذلك حسبة إن كان من عدول المسلمين). «8»

______________________________

(1)- الكافي: 4/ 306، الرجل يموت صرورة …، ح 6.

(2)- ابو جعفر القمي العطاء من الثامنة.

(3)- ابي الخطاب من السابعة.

(4)- الاعلم النخعي ثقة ثبت واضح الطريقة من السادسة.

(5)- سويد بن مسلم القلاء ثقة له كتاب من الخامسة او السادسة.

(6)- كانه من الخامسة و إن هو ايوب بن حر او ايوب بن نوح بن دراج فهما ثقتان.

(7)- ابن معاوية ثقة فقيه ممن اجمعت الصحابة علي تصديقهم من الرابعة.

(8)- جواهر الكلام: 17/ 402.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 210

أقول: إطلاق الرواية و شموله لصورة إمكان الاستيذان من الحاكم يدور مدار كون المراد من قوله عليه السلام «حج عنه» الحكم الشرعي فكأنه قال: «فليحج عنه من بيده الوديعة».

و صاحب الحدائق يري أنه و إن كان السؤال عن واقعة شخصية إلا أنه سؤال عن حكمها لا الاستيذان من الإمام فإذا كان الجواب الإذن بصرفه في حج صاحب المال لا يطابق الجواب السؤال مضافا إلي انه

يمكن أن يكون السؤال ايضا علي سبيل المثال و عن حكمه الكلي و حينئذ يقوي ما اختاره الحدائق من إطلاق الجواب و جواز صرفه في حج صاحب المال و ان كان متمكنا من الاستيذان من الحاكم. «1»

الجهة الثالثة: هل يجوز له الاستقلال بالعمل إذا علم ان الورثة يؤدون حج مورثهم أو ظن ذلك من ظاهر حالهم؟

الظاهر أنه ليس له ذلك بل إنما يجوز إذا كان حق الميت معرضا للضياع و الإنكار كما ربما يستفاد ذلك من قوله: «و ليس لولده شي ء» و بالجملة لا يستفاد من الخبر نفي ما للورثة من الأمر في ذلك فيجوز لهم الاستيجار بغير هذا المال أو التبرع عن الميت.

و الظاهر أنه لا يجوز التمسك بالإطلاق بترك استفصال الإمام عليه السلام فإن الظاهر أن مورد السؤال كان معلوما و هو ما إذا لم يكن اطمينان بالورثة و أمانتهم أو لا يعلم حالهم دون غير ذلك فإن الحكم فيه كان معلوما علي مثل بريد أحد الاربعة النجباء امناء اللّٰه علي حلاله و حرامه و الذين لو لم يكونوا انقطعت آثار النبوة و اندرست.

______________________________

(1)- الحدائق الناضرة: 14/ 279.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 211

الجهة الرابعة: لا يختص وجوب الحج علي الودعي عن صاحب المال في الصورة المفروضة بما إذا لم يكن لورثته مال

و ذلك لأن تسليم المال إليهم موجب لتفويت حق الميت و ما ذكر في السؤال من قوله «و ليس لولده شي ء» لا يقيد السؤال و لا الجواب به فإن المراد منه بيان مظنة تضييع الحج لحاجة الورثة إليه و عدم قيامهم بالوظيفة و لا فرق في ذلك بين كون الورثة فقيرا او غنيا إذا كان الغني أيضا لا يؤدي الحج عن مورثه فالمراد أنه لا يجوز إعطاء المال ممن لا يعرف من حاله أدائه في حج الميت.

الجهة الخامسة: إذا قلنا بلزوم الاستيذان من الحاكم أو جواز استقلال الودعي بالأمر فهل يجب علي الودعي الحج عن صاحب المال بنفسه

لقوله عليه السلام: «حج عنه» أو يجوز له استيجار الغير به؟

الظاهر أنه لا فرق و لا يختص وجوب صرف المال في حج صاحب المال بحج الودعي عنه بنفسه لأن الغرض تفريغ ذمته و هو حاصل بكل منهما من دون تفاوت.

الجهة السادسة: هل وجوب صرف المال الذي عنده من الميت في حجة إسلامه في الصورة المذكورة يختص بما إذا كان المال وديعة عنده

أو لا فرق في ذلك بينها و بين حصول ماله عنده بأي سبب من الاسباب كالإجارة و العارية حتي الغصب.

الظاهر أنه لا فرق في ذلك بين الوديعة و غيرها و ذلك لأن الوديعة إنما وقعت مورد السؤال علي نحو المثال و لو كان المثال فيه عن واقعة الراوي الخاصة به فيمكن دعوي شموله لمثل ما ذكر بإلغاء الخصوصية و تنقيح المناط القطعي.

الجهة السابعة: قد ظهر مما ذكر في الجهة الأولي أنه لا يلحق سائر الديون المالية

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 212

التي تؤدي من تركة الميت بحجة الإسلام كديون الناس و الخمس و الزكاة فلا وجه لدعوي ذلك بعد عدم استفادة ذلك من الصحيح لا بالأولوية و لا بمفهوم المساواة «1».

و أما ما قيل من أن ظاهر النص هو اختصاص هذا الحكم بالحج، فليس في محله لأنه لا يستفاد من النص الاختصاص و إنما لا يستفاد منه شمول الحكم لغير مورده لا اختصاص الحكم بمورده و مع ذلك دعوي الحاق هذه الديون بالحج إذا تعذر إلزام الوارث بالوفاء و لم يكن للورثة مال آخر ليس ببعيد و المسألة بعد ذلك لا يخلو من الإشكال.

الجهة الثامنة: لا ريب في أن الودعي إذا علم أن علي صاحب المال حجة الإسلام و أن وارثه يمتنع من أدائه

و لا يؤديها عصياناً أو عذراً فَصرف المال في حجه ليس عليه شي ء و لا يجب عليه إعلام الوارث، إن علم أنه لا يقبل منه ذلك.

لكن إذا اطلع الوارث علي الامر و طالبه بما عنده بدعوي أنه ولي الميت أو انكار وجوب حجة الإسلام علي مورثه أو عدم علمه بها و كان المال موجوداً عند الودعي، هل يجوز له رد المال إلي الوارث و هل للوارث مطالبته به و بعبارة اخري هل يكون القدر المتيقن من صحيح بريد ما إذا لم يطلع عليه الوارث دون ما إذا اطلع علي ذلك أو يكون في معرض اطلاعه و مطالبته الودعي به فإذا اطلع فهو علي حجته؟

يمكن أن يقال: إن القدر المتيقن من وجوب ذلك علي الودعي هو ما إذا لم يكن الأمر معرضا لاطلاع الوارث عليه و لم يطلع هو عليه و أما إذا اطلع علي ذلك

______________________________

(1)- راجع معتمد العروة: 2/ 161.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 213

لا يسمع دعواه علي الودعي و يجب عليه تصديقه فأول الكلام حتي إذا

صرفه الودعي في حج الميت.

و بالجملة فغاية ما يستفاد من الحديث جواز صرف الودعي ما عنده في حجة إسلام صاحب المال إذا علم أن الورثة لا يؤدونه و لا يمكن له حملهم علي أدائها و لو بالرجوع إلي الحاكم فليس عليه إعلامهم به أما وجوب قبول الورثة ذلك منه إذا كانوا غير عالمين بواقع الأمر فلا دلالة للحديث عليه. و اللّٰه هو العالم.

[مسألة: 14- يجوز للنائب أن يطوف عن نفسه و عن غيره بعد فراغه عن الأعمال للمنوب عنه]

مسألة: 14- يجوز للنائب أن يطوف عن نفسه و عن غيره بعد فراغه عن الأعمال للمنوب عنه.

لإطلاق أدلة الدالة علي استحباب الطواف كما يجوز له أن يأتي بالعمرة المفردة عن نفسه و عن غيره.

و لا يضر بذلك الفصل المعتبر بين العمرتين لاختصاصه بما إذا كانتا مفردتين عن نفسه لا بما إذا كانت إحداهما عمرة التمتع و لا إذا كانتا إحداهما عن غير ما كانت الاخري له كما يأتي البحث عنه إن شاء اللّٰه تعالي.

[مسألة 15] هل يجوز الاستيجار للأجير

مسألة 15- إذا أعطاه مالًا ليحج به عنه لا لاستيجار الحج عنه يجوز له أن يحج به عنه بنفسه أو يستأجر له الغير و إن أعطاه لاستيجار الحج و كانت هناك قرينة علي إرادته الاعم من حجه بنفسه أو استيجار الغير يجوز له أن يحج عنه بنفسه و إن كان شاكاً في ذلك لا يجوز له إلا استيجار الغير.

و ما في العروة من جواز ذلك ما لم يعلم أنه أراد الاستيجار من الغير لا يكفي

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 214

للحكم بالجواز فإن عدم العلم بإرادته استيجار الغير لا يستلزم العلم بإرادته الأعم من نفسه و غيره و ما هو المجوز لذلك العلم بعدم إرادته خصوص استيجار الغير لا عدم العلم بذلك كما لا يخفي.

هذا و إذا عين المعطي شخصاً تعين إلا إذا علم أن ذكره لم يكن علي سبيل التعيين و كان من باب المثال و إن علم أن المعطي في تعيينه وقع في الاشتباه و عين من ليس له صلاحية ذلك كما إذا كان معذوراً من أداء بعض الأعمال فالظاهر أنه يجب عليه الرجوع إلي المعطي و لا يجوز له استيجار غيره بعد ما كان تعيينه لا علي سبيل المثال

خلافا لما في العروة فإنه جوز ذلك كما جوز ذلك بعض الأعاظم إذا علم برضاه به. «1»

و فيه: أن مجرد العلم بالرضا لا يكفي في التصرف في مال الغير إلا بالإذن الصريح أو الفحوي أو شاهد الحال.

______________________________

(1)- معتمد العروة: 2/ 167.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 217

أقسام العمرة

اشارظ

العمرة تنقسم كالحج إلي ما هو واجب بالأصل و هو ما يجب علي كل من كان واجداً لشرائط الاستطاعة فيجب عليه كالحج في العمر مرة أو متمتعاً بها إلي الحج علي التفصيل الذي سنذكره إن شاء اللّٰه تعالي. و ذلك ثابت بالكتاب علي ما جاء في تفسير قوله تعالي: «وَ لِلّٰهِ عَلَي النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ» الآية و بالسنة و بالإجماع.

و ما هو واجب بالعرض كالعمرة الواجبة بالنذر أو العهد أو اليمين و لدخول مكة و بالعقد كالا جارة و بالشرط في ضمن العقد و بالوصية و بالإفساد و الفوات فإن من فاته الحج يجب عليه التحلل بالعمرة و إلي ما هو المندوب كل ذلك ثابت لا حاجة إلي كثير البحث فيه كما أنه لا مجال للخدشة في فورية وجوبها و لا عدم ارتباط حصول الاستطاعة لها بالاستطاعة بالحج كما لا ترتبط استطاعة الحج بالاستطاعة لها إلا في حج التمتع و العمرة المتمتع بها إلي الحج فإن الاستطاعة معتبرة لهما معاً.

نعم حكي عن الشهيد قدس سره في الدروس أنه قال: (و لو استطاع لها خاصة لم تجب

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 218

و لو استطاع للحج مفردا دونها فالأقرب الوجوب). «1»

و لصاحب كشف اللثام «2» كلام أشار فيه إلي ما يمكن أن يستدل به للشهيد و إلي جوابه و ما استدل به له وجوه:

الاول: الأصل و الظاهر أن مراده أصالة براءة

الذمة من وجوب العمرة بالاستطاعة لها خاصة و دون الاستطاعة للحج.

و فيه: أنه لا مجال له بعد دلالة الدليل علي وجوبها فهو مقطوع بالدليل.

الثاني: ظهور حج البيت في الآية في غير العمرة.

و فيه: أن ذلك ليس الدليل علي عدم الوجوب غاية الامر منع كون الآية دليلًا علي الوجوب و عدم كونها دليلًا علي الوجوب ليس دليلًا علي عدم الوجوب مضافا إلي إمكان دعوي شمول الآية بالعمرة و الحج علي السواء فمن صار مستطيعاً للعمرة مستطيع لحج البيت و الدليل علي ذلك تفسير الآية بهما في الأحاديث ففي صحيح ابن اذينة المروي في علل الصدوق: «سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن قول اللّٰه عز و جل: (و للّٰه علي الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا) يعني الحج دون العمرة؟

قال عليه السلام: لا و لكنه يعني الحج و العمرة جميعا لأنهما مفروضان». «3» و قد أشار كاشف اللثام إلي ردهما بالإجمال بقوله: «و هو ممنوع».

الثالث: عدم دلالة قوله تعالي: (و اتموا الحج و العمرة للّٰه) الدال علي وجوب

______________________________

(1)- الدروس: 1/ 338.

(2)- كشف اللثام: 1/ 315.

(3)- وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب العمرة ح 7.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 219

إتمامها علي وجوب إنشائهما و منع استلزام وجوب الإتمام وجوب الإنشاء.

ففيه: أيضا أن هذا رد للاستدلال علي وجوبها بالآية و ليس دليلًا إلي عدم وجوبها مضافا علي أن الآية مفسرة بوجوب الإنشاء ففي صحيحة زرارة: «العمرة واجبة علي الخلق بمنزلة الحج فإن اللّٰه تعالي يقول: «وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّٰهِ» «1».

الرابع: أنه لو وجبت العمرة لكان من استكمل الاستطاعة لها و مات قبلها و قبل ذي الحجة يجب استيجارها عنه من التركة و لم يذكر ذلك

في خبر أو كتاب.

و فيه: إما أن نقول بفورية وجوب العمرة و عدم كونها موقتا بوقت الحج نلتزم بوجوب استيجار العمرة عنه إذا استطاع لها و إما ان نقول بوجوبها عند الحج نلتزم بعدم وجوب الاستيجار بل و عدم وجوبها قبل ذي الحجة.

الخامس: إذا كانت الاستطاعة لها خاصة كافية لوجوبها لزم أن نقول بأن المستطيع لها إذا أتي الحرم قبل أشهر الحج يجب أن ينوي بعمرته عمرة الإسلام لاحتمال أن يموت أو لا تبقي استطاعته للحج إلي وقته.

و فيه: انا إن قلنا بوجوب العمرة عند الحج، نقول: كما قاله كاشف اللثام بوقوعه قبل أشهر الحج مندوبا و نافلة فليس له أن يأتي بعمرة الإسلام إلا عند الحج سواء احتمل موته و زوال استطاعته أو لم يحتمل و إن قلنا بوقوعه في غير أشهر الحج أيضا يجب عليه أن ينوي بعمرته عمرة الإسلام سواء احتمل الموت أو زوال الاستطاعة أم لم يحتمل فتلخص من ذلك كله استقلال حصول الاستطاعة لكل واحد من النسكين في وجوبه و إن لم يكن مستطيعا للآخر.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب العمرة ح 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 220

[مسألة 1] وجوب العمرة المفردة علي النائي المستطيع لها خاصة

مسألة 1- لا ريب و لا خلاف في إجزاء العمرة المتمتع بها إلي الحج عن العمرة المفردة و النصوص علي ذلك كثيرة. و إنما وقع الكلام في أنه هل تجب العمرة المفردة علي من وظيفته حج التمتع إذا استطاع لها و لم يستطع للحج فمن استطاع للعمرة مثلا في شهر رجب خاصة دون الحج فلم يستطع له فهل تجب عليه العمرة المفردة أم لا؟ و كذا من كان أجيرا للحج عن أحد و بعد الفراغ من أعماله تمكن من العمرة، هل

تجب عليه أم لا؟ قال في العروة: «المشهور عدمه بل أرسله بعضهم إرسال المسلمات».

أقول: مقتضي الآية و الروايات وجوبهما في الجملة فتنطبق العمرة الواجبة علي التي تجب علي من كان من حاضري المسجد الحرام مفردا أو قارنا و علي التي يأتي بها النائي متمتعا بها إلي الحج فكما أن الحج يصدق علي حج التمتع و لا يجب علي النائي غيره ابتداء و يصدق علي القران أو الإفراد الذي هو وظيفة حاضر المسجد الحرام تصدق العمرة علي العمرة المتمتع بها إلي الحج و علي العمرة المفردة التي هي وظيفة الحاضرين.

و الظاهر أن دلالة الروايات لا تزيد علي ذلك، فمنها صحيحة الفضل أبي العباس «1» «عن أبي عبد اللّه عليه السلام في قول اللّٰه عز و جل «وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّٰهِ»؟ قال: هما مفروضان». «2» و مثلها لا يكفي لإثبات وجوب العمرة المفردة علي النائي الذي يأتي بها متمتعا بها إلي الحج فإنها ليست في مقام بيان ما هو موضوع الوجوب بتمامه و تفاصيله فلا ينافي عدم كون العمرة المفردة علي النائي وجوبها عليه في الجملة

______________________________

(1)- ابن عبد الملك البقباق، ثقة له كتاب من الخامسة.

(2)- وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب العمرة، ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 221

و إن كان في ضمن حج التمتع كما لا ينافي في عدم كون حج الإفراد و القران عليه إذا كان التمتع عليه واجباً.

و منها صحيح عمر بن اذينة «1» قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن قول اللّٰه عز و جل: «وَ لِلّٰهِ عَلَي النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا» به يعني الحج دون العمرة؟ قال: لا لكنه يعني الحج و العمرة جميعا لانهما مفروضان»

«2» و هو أيضا كسابقه لا يدل إلا علي وجوبهما في الجملة و منها غيرهما مما هو مثلهما في عدم الدلالة علي وجوب العمرة علي النائي إذا استطاع لها خاصة.

نعم، هنا روايات ربما توهم دلالتها علي أن المتمتع كان عليه العمرة المفردة و إنما تسقط عنه إذا أتي بالعمرة المتمتع بها الي الحج دون ما إذا لم يأت بها.

فمنها صحيح يعقوب بن شعيب «3» قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام قول اللّٰه عز و جل: «وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّٰهِ» يكفي الرجل إذا تمتع بالعمرة إلي الحج مكان تلك العمرة المفردة؟ قال: كذلك أمر رسول اللّٰه صلي الله عليه و آله و سلم أصحابه» «4»

فهذا الصحيح يدل علي أنه يكتفي بالعمرة المتمتع بها إلي الحج إذا أتي بها عن العمرة المفردة و أما إذا لم يأت بها فالتكليف بالعمرة المفردة علي حاله.

و لكن يمكن أن يقال: إن السؤال راجع إلي أن العمرة المفردة التي كانوا يأتون بها بعد الحج هل يكتفي بالعمرة المتمتع بها إلي الحج عنها فأجاب الإمام عليه السلام بأن رسول اللّٰه صلي الله عليه و آله و سلم أمر بذلك يعني أن التشريع وقع علي إتيان العمرة بالتمتع بها إلي الحج و بعبارة اخري المراد أن الواجب من العمرة علي من يجب عليه حج التمتع

______________________________

(1)- ثقة له كتاب هرب من المهدي و مات باليمن من الخامسة.

(2)- وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب العمرة ح 7.

(3)- ابن ميثم ابن يحيي التمار الكوفي له كتاب من الخامسة.

(4)- وسائل الشيعة: ب 5 من ابواب العمرة، ح 4.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 222

العمرة المتمتع بها إلي الحج فلا يجب عليه غيرها و إن لم

يتحصل له الاستطاعة لحج التمتع و تحصلت لها خاصة.

و منها رواية أحمد بن محمد بن أبي نصر «1» قال: «سألت أبا الحسن عليه السلام عن العمرة أ واجبة هي؟ قال: نعم، قلت: فمن تمتع تجزئ عنه؟ قال: نعم». «2»

و بيان الاستدلال لوجوبها علي النائي المستطيع لها و إن لم يكن مستطيعا للحج أن الإمام عليه السلام أجاب بإجزاء حج التمتع عنها فيبقي غيرها علي وجوبها.

و مثلها خبر أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «العمرة مفروضة مثل الحج فإذا أدي المتعة فقد أدي العمرة المفروضة». «3»

أقول: الإنصاف عدم دلالتهما أيضا علي وجوب العمرة مفردة مستقلا علي النائي و أما خبر البزنطي فلا يدل إلا علي وجوب العمرة إجمالا و علي إجزاء العمرة المتمتع بها إلي الحج عنها و هذا لا ينافي كون ما عليه عمرة التمتع و الثاني أيضا لا يدل علي أزيد من ذلك و لا يثبت به وجوب العمرة المفردة علي النائي الذي وظيفته حج التمتع.

و أما معارضة صحيح الحلبي «إذا استمتع الرجل بالعمرة فقد قضي ما عليه من فريضة العمرة» و خبر أبي بصير «العمرة المفروضة مثل الحج فإذا أدي المتعة فقد أدي العمرة المفروضة» و صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «قلت «فمن تمتع بالعمرة إلي الحج» أ يجزي ذلك؟ قال: نعم» و نحوها مع مثل صحيح يعقوب بن شعيب فلم نفهم ذلك منها و إن صرح به بعض الأعاظم.

______________________________

(1)- البزنطي جليل القدر من السادسة.

(2)- وسائل الشيعة: ب 5، من ابواب العمرة، ح 3.

(3)- وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب العمرة ح 6.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 223

اللهم إلا أن يقال: إن كل هذه الروايات

و ردت في جواب المخالفين من الذين يزعمون وجوب العمرة المفردة علي الجميع و انها علي ذمتهم ففي الحقيقة أن هذه الروايات ترشدهم إلي أن ما علي النائي هي العمرة المتمتع بها إلي الحج و هي التي جعلت مكان المفردة للنائين.

نعم يمكن القول بمعارضة ما دل علي دخول العمرة في الحج إلي يوم القيامة لما قيل بدلالته علي وجوب العمرة المفردة فإن الظاهر منه أن ما علي النائي العمرة المتمتع بها إلي الحج دون العمرة المفردة و إلا يلزم وجوب العمرتين علي من استطاع للعمرة خاصة في سنة و أتي بها ثمّ استطاع لحج التمتع في تلك السنة أو سنة اخري و لا أظن أن يلتزم بها فقيه.

[مسألة 2] وجوب العمرة لدخول مكة

مسألة 2- قد ذكرنا في أقسام العمرة و ما تجب منها بالعرض و ما تجب لدخول مكة و المراد منه أنه حيث حرم دخول مكة المكرمة بدون الإحرام فإذا وجب دخولها بسبب من الاسباب يجب الإحرام له بحكم العقل تخلصا من الحرام.

و هذا الوجوب ليس غيريا مقدميا لعدم توقف الواجب عليه فإن الدخول لا يتوقف علي الإحرام بما هو الدخول و لا بما أنه موضوع للوجوب نعم يتوقف جواز الدخول علي الإحرام.

إلا أن يقال: إن الدخول الموضوع للوجوب هو الدخول المشروع المشروط بالإحرام فيجب تحصيل الإحرام من باب كونه مقدمة للواجب. و كيف كان فإذا وجب الدخول يجب الإحرام له بحكم العقل إما تخلصا من الحرام أو من باب

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 224

وجوب مقدمة الواجب.

هذا إذا كان الدخول واجباً اما إذا لم يكن الدخول واجباً فمعني وجوب الإحرام كونه شرطا لجواز الدخول و التعبير عن هذا بالوجوب قبال الإحرام الذي يجب بالنذر أو لأجل وجوب الدخول

يكون بالتكلف و المسامحة لا حاجة إليه.

ثمّ إنه قد استثني من حرمة دخول مكة المكرمة بغير إحرام من يتكرر دخوله و خروجه كالحطاب و الحشاش فلا خلاف في الجملة و يدل عليه صحيح رفاعة بن موسي «1» قال فيه: «و قال (يعني ابا عبد اللّه عليه السلام) إن الحطابة و المجتلبة أتوا النبي صلي الله عليه و آله و سلم سألوه فأذن لهم أن يدخلوا حلالا» «2».

و الظاهر أن الحطابة و الاجتلاب من باب المثال و لا يختص بمن كان مهنته خصوص الحطابة أو اجتلاب الأرزاق فيشمل من يتكرر منه ذلك في سائر المشاغل التي يحتاج الاشتغال بها تكرار الدخول إلي البلد كالذي منزله خارج البلد و يأتيه كل يوم للعمل فيه أو سائق السيارة أو كان مدرسا و نحو ذلك.

و هل يشمل الحكم الذي لا يتكرر دخوله عرفا كمن يتكرر ذلك منه في شهرين؟ الظاهر أنه لا يشمله الحديث و إن كان هو آتيا لحوائج البلد من الأطعمة و غيرها فالقدر المتيقن منه الذي يتكرر منه في كل شهر بحيث يكون شغله الخروج و الدخول إلي البلد دون غيره.

[مسألة 3] اعتبار الفصل بين العمرتين

مسألة 3- يستحب تكرار العمرة كتكرار الحج إلا أن الحج لا يكون

______________________________

(1)- النحاس ثقة حسن الطريقة … من الخامسة.

(2)- الاستبصار: 2/ 245، ب 165، ح 3.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 225

في السنة إلا مرة واحدة فالفصل بين الحجين يكون بالسنة و لكن ذلك ليس من جهة اعتبار الفصل بينهما بل من جهة اختصاصه بوقت لا يمكن تكراره في السنة أزيد من مرة بخلاف العمرة فإنه يؤتي بها في كل يوم و زمان و اختلفوا في اعتبار الفصل بين العمرتين.

ففي الشرائع جعل عدم اعتبار الفصل بينهما

أشبه. «1»

و في الجواهر قال: (إليه يرجع ما عن الجمل و الناصريات و السرائر و المراسم و التلخيص و اللمعة من جواز التوالي بين العمرتين بل نسب إلي كثير من المتأخرين بل في الناصريات نسبته إلي أصحابنا). «2»

و ذهب جماعة إلي اعتبار الفصل بينهما و اختلفوا في مقداره فحكي عن النافع و الوسيلة و التهذيب و الكافي و الغنية و المختلف و الدروس، أنه يعتبر الفصل بينهما بشهر و عن جماعة اخري بعشرة أيام.

و قيل بسنة و هو منسوب إلي العماني و إن كان الكلام المحكي عنه كما في الجواهر غير صريح في ذلك فإنه قال علي ما في الجواهر: (و قد تأول بعض الشيعة هذا الخبر (يعني العمرة في كل سنة مرة) علي معني الخصوص فزعمت أنها في التمتع خاصة فأما غيره فله أن يعتمر في أي الشهور شاء و كم شاء من العمرة فإن يكن ما تأولوه موجودا في التوقيف عن السادة آل الرسول صلي الله عليه و آله و سلم فمأخوذ به، و إن كان غير ذلك من جهة الاجتهاد و الظن فذلك مردود عليهم و أرجع في ذلك كله إلي ما قالته الائمة عليهم السلام) «3»

______________________________

(1)- الشرائع: 1/ 230.

(2)- جواهر الكلام: 20/ 464

(3)- جواهر الكلام: 20/ 413.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 226

و الظاهر أن اختلافهم يرجع إلي اختلاف النصوص أو اختلاف استظهارهم من النصوص: فمنها صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «العمرة في كل سنة مرة» «1»

و صحيح حريز عنه عليه السلام: «و لا تكون عمرتان في سنة» «2» و مثله صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام «3».

و هذه الثلاثة قد تأولت كما سمعت من العماني قدس

سره علي معني الخصوص أي العمرة المتمتع بها إلي الحج و إلا فبظاهرها غير معمول به فإنه لا خلاف بينهم في استحباب تكرار العمرة في سنة واحدة و لم يسمع الخلاف في ذلك إلا عن العماني و قد عرفت أنه أيضا اشترط القول بالفصل بالسنة بما إذا لم يكن فيما ورد عن آل الرسول صلي الله عليه و آله و سلم ما يأول به أخبار السنة و يكفي في ذلك الاخبار المستفيضة فكأنه لم يكن عنده من الكتب ما فيه هذه الأخبار و الحاصل أن هذا القول مردود لا اعتبار به.

و من الأخبار في الباب ما استشهد بها القائل باعتبار الفصل بالشهر مثل صحيح عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال عليه السلام: «في كتاب علي عليه السلام في كل شهر عمرة» «4» و صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام «كان علي عليه السلام يقول لكل شهر عمرة» «5» و مصحح إسحاق بن عمار قال: «قال أبو عبد اللّٰه عليه السلام:

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب العمرة ح 6.

(2)- وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب العمرة ح 7.

(3)- وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب العمرة ح 8.

(4)- وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب العمرة ح 1.

(5)- وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب العمرة ح 4.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 227

السنة اثنا عشر شهرا يعتمر لكل شهر عمرة» «1» و غيرها من الروايات.

و لكن يمكن أن يقال: إن مثل هذه الأخبار لا يدل علي نفي استحباب العمرة في أقل من شهر بل إنما يدل علي استحباب العمرة لكل شهر فلا ينافي استحبابه لكل يوم و لكل ليلة

و لكل اسبوع و لكل ساعة.

نعم ربما يرد علي ما قلناه ما في خبر علي بن أبي حمزة في حديث عن أبي الحسن عليه السلام قال: «و لكل شهر عمرة قال: و قلت له: يكون أقل من ذلك؟ قال: في كل (لكل) عشرة أيام عمرة» فإنه لو كان المفهوم من قوله عليه السلام: «لكل شهر عمرة» مجرد استحبابها لكل شهر لم يكن وجه لسؤاله من أقل ذلك فكان السائل فهم من قوله عليه السلام عدم جواز العمرة في أقل من شهر فسأله عن الأقل منه.

و فيه مضافا إلي ضعف الخبر بسنده يمكن أن يكون ذكر عشرة علي سبيل المثال و بيان مراتب الاستحباب قوة أو ضعفا حتي يكون استحبابه في كل سنة في مرتبة أقوي مما دونه و هو استحبابه في كل شهر و استحبابه في كل شهر أقوي من استحبابه في كل عشرة أيام و الأقل منها فكأنه قال: «إذا تركت العمرة في كل يوم فأت بها في كل عشرة و إلا فأت بها في كل شهر و إلا فأت بها في السنة».

و كيف كان هذا الخبر ضعيف بالبطائني و به يضعف القول باعتبار الفصل بعشرة أيام. فتلخص من ذلك أن الأقرب عدم اعتبار الفصل و بعد ذلك كله فلا ريب في استحباب العمرة في كل شهر و لا ينبغي ترك الاحتياط بالإتيان به رجاءً إن أراد الإتيان بها كرارا في شهر واحد.

و الظاهر أن المراد من الشهر، الهلالي فيجوز علي القول باعتبار الفصل

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب العمرة ح 9.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 228

بالشهر أن يأتي به في أول الشهر الآتي إذا أتي بها في آخر شهره الحالي فلا تجب

مراعاة مضي ثلاثين يوما من عمرته.

و لا يخفي أن رعاية الفصل إنما يكون بين العمرتين المفردتين إذا أتي بهما عن نفسه أو نيابة عن غيره و أما إذا كانت العمرة السابقة عمرة التمتع و الثانية العمرة المفردة أو كانت الاولي لنفسه و الآخر لغيره فلا يضر عدم الفصل علي جميع الأقوال و اللّٰه هو العالم.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 229

الكلام في اقسام الحج

اشارة

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 231

الكلام في أقسام الحج

قال في الجواهر: (و هي ثلاثة تمتع و قران و إفراد بلا خلاف أجده فيه بين علماء الإسلام بل إجماعهم بقسميه عليه مضافا إلي النصوص المتواترة أو القطعية، لكن عن عمر متواترا أنه قال: «متعتان كانتا علي عهد رسول اللّٰه صلي الله عليه و آله و سلم أنا محرمهما و معاقب عليهما متعة النساء و متعة الحج» و ظاهره عدم مشروعية المتعة في الحج أصلا بمعني بقاء الحج عنده كما كان قبل نزول التمتع ما بين قران و إفراد و قد أخبره بذلك رسول اللّٰه صلي الله عليه و آله و سلم في المروي متواترا عنه في حجة الوداع- ثمّ ذكر من الروايات المصرحة بمخالفته للنبي صلي الله عليه و آله و سلم و قال في آخر كلامه- هي مخالفة لرسول اللّٰه صلي الله عليه و آله و سلم علي وجه يقتضي الكفر و كم له و كم له و كفي باللّٰه حاكما. «1»

ثمّ إن التمتع فرض من كان بعيدا عن مكة قال في كشف اللثام: «لا يجزيه غيره اختيارا للاخبار و هي كثيرة و الاجماع كما في الانتصار «2» و الخلاف «3» و الغنية «4»

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 18/ 2.

(2)- الانتصار/ 238.

(3)- الخلاف: 2/ 272.

(4)- الغنية/ 152.

فقه

الحج (للصافي)، ج 2، ص: 232

و التذكرة «1» المنتهي «2» و ظاهر المعتبر «3» و حكي القاضي في شرح الجمل «4» خلافه عن نفر من الاصحاب» انتهي.

أقول: الاولي قبل الاستدلال بالاخبار و الإجماع النظر في قوله تعالي: «فَإِذٰا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَي الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيٰامُ ثَلٰاثَةِ أَيّٰامٍ فِي الْحَجِّ وَ سَبْعَةٍ إِذٰا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كٰامِلَةٌ ذٰلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حٰاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ» «5» فإنه استدل بقوله تعالي: «ذٰلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حٰاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ» إن التمتع فرض من كان بعيدا عن مكه فلا يجزي منه غيره.

و استشكل عليه بأنه يدل علي اختصاص مشروعية التمتع بالنائي فلا يجزي الإتيان به من غيره أما اختصاص النائي به و عدم اجزاء غير التمتع عنه فالآية ساكتة عنه.

و أجيب عن هذا الإشكال: أنا نعلم أن الواجب علي كل مكلف حج واحد فإذا دلت الآية علي أن الواجب علي النائي الحج التمتع يدل بالالتزام علي عدم وجوب غيره. قال المجيب: (و بتعبير آخر الآية في مقام بيان الوظيفة العملية الاولية فإذا كان التمتع وظيفة النائي و المفروض وجوب حج واحد عليه فقط فلازم ذلك عدم الاجتزاء بهما في مقام اداء الوظيفة). «6»

و فيه: أنه لا شك في أن الواجب علي كل مكلف حج واحد إلا أنه ليس معناه

______________________________

(1)- تذكرة الفقهاء: 7/ 169.

(2)- منتهي المطلب: 2/ 659.

(3)- المعتبر: 2/ 783.

(4)- شرح الجمل: 211.

(5)- كشف اللثام: 5/ 15.

(6)- البقرة/ 165.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 233

أن علي كل مكلف نوع واحد منه حتي لا يكون له اختيار ما عليه من نوع آخر و لا يستفاد من الآية إن ما علي النائي و وظيفته خصوص

التمتع بل غاية ما دلت عليه أن التمتع لا يتأتي به إلا إذا كان الشخص نائيا فلا تدل علي حصر النائي به و عدم اجتزائه بغيره في مقام أداء حج واحد هو عليه.

اللهم إلا أن يقال: إن المستفاد من الآية تنويع التكليف بحسب نوع المكلفين بعد ما كان المشروع علي جميع المكلفين القران و الإفراد فكما يستفاد من الآية من اختصاص التمتع بالنائين و عدم مشروعيته للحاضرين يستفاد منه اختصاص القران و الإفراد بالحاضرين فكأنه هنا إيجاز و حذف يستفاد من قوله تعالي «ذٰلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حٰاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ» و هو إما من كان أهله حاضري المسجد الحرام فله الإفراد و القران و مع ذلك فالقول به لا يجوز إلا بتفسير أهل البيت عليهم السلام و حسب تلك الروايات الكثيرة المراد من الآية حصر وظيفة النائي بالتمتع و اللّٰه هو العالم.

[مسألة 1] حد البعد الموجب للتمتع

مسألة 1- اختلفوا في حد البعد الموجب للتمتع.

فاختار الشيخ في المبسوط «1» و الاقتصاد «2» و العلامة في التبصرة «3» و الإرشاد «4» و التلخيص «5» و القواعد «6» و ابن زهرة في الغنية «7» و ابن حمزة في

______________________________

(1) المبسوط: 1/ 306.

(2) الاقتصاد/ 298.

(3) تبصرة المتعلمين/ 88.

(4) إرشاد الأذهان: 1/ 309.

(5)- التلخيص/ 93.

(6)- قواعد الاحكام: 1/ 398.

(7)- غنية النزوع/ 152.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 234

الوسيلة «1» و الصهرشتي في الإصباح «2» و ابن إدريس في السرائر «3» و الحلبي في إشارة السبق «4» و المحقق في الشرائع «5» و أبو الصلاح في الكافي «6» و الراوندي في فقه القرآن «7» و الهذلي في الجامع «8» و حكي عن التبيان و مجمع البيان و روض الجنان أن التمتع فرض من كان بين منزله

و بين مكة أو المسجد الحرام اثني عشر ميلا فما زاد من كل جانب و هذا مختار صاحب الجواهر. «9»

و اختار الصدوق في المقنع و الهداية «10» و الشيخ في النهاية «11» و العلامة في التذكرة «12» و الشهيد في الدروس «13» و اللمعة «14» و ابن فهد في المحرر و حكي عن

______________________________

(1)- الوسيلة/ 157.

(2)- الاصباح/ 149.

(3)- السرائر: 1/ 520.

(4)- إشارة السبق/ 124.

(5)- شرايع الاحكام: 1/ 174.

(6)- الكافي/ 191.

(7)- فقه القرآن: 1/ 265.

(8)- الجامع/ 178.

(9)- جواهر الكلام: 18/ 6.

(10)- الهداية/ 216.

(11)- النهاية/ 206.

(12)- تذكرة الفقهاء: 7/ 169.

(13)- الروس الشرعية: ج 1 ص 330.

(14)- اللمعة الدمشقية/ 55.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 235

القمي في تفسيره «1» و المحقق في النافع «2» و المعتبر «3» و العلامة في المختلف «4» و التذكره و التحرير «5» و المنتهي «6» و غيرهم ثمانية و أربعين ميلا و عن المدارك «7» نسبته إلي أكثر الأصحاب و عن غيرها إلي المشهور.

و الدليل للقول الأول يمكن أن يكون الآية الكريمة فإنه نص علي أن التمتع فرض من لم يكن حاضري المسجد الحرام و مقابل الحاضر المسافر و حد السفر أربعة فراسخ

و ربما أيد ذلك بإطلاق ما دل علي وجوب التمتع و أنه خرج منه الحاضر و من كان منزله دون اثني عشر ميلا فيبقي من كان منزله فوق ذلك تحت الإطلاق.

و فيه: إن كان الحاضر في الآية الكريمة مقابل المسافر يكون المعني أن ذلك لمن كان أهله المسافرين من المسجد الحرام و هذا معني عجيب لا يمكن استفادته من الآية و بالجملة فالحاضر في هذا الباب معناه المقيم بمكة و ساكنيها و في مقابله من كان منزله خارج هذا الحد.

و أما تأييد ذلك

بإطلاقات ما دل علي وجوب التمتع في الروايات ففيه منع إطلاقها في ذلك بعد كون الجميع واردا لبيان التمتع الثابت بالآية

______________________________

(1)- تفسير القمي: 1/ 197.

(2)- مختصر النافع/ 78.

(3)- المعتبر: 2/ 784.

(4)- مختلف الشيعة: 4/ 26.

(5)- تحرير الاحكام: 1/ 558.

(6)- منتهي المطلب: 2/ 661.

(7)- مدارك الاحكام: 7/ 160.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 236

و ربما يورد علي ذلك بانه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية.

و فيه: أنه لو كان للخاص الخارج من تحت عموم مفهوم مبين و شككنا في كون فرد منه يكون التمسك بإطلاق أو عموم ما دل علي وجوب التمتع من التمسك بالعموم في الشبهة المصداقية.

و أما إذا كان مفهوم الحاضر مرددا بين من كان منزله علي اثني عشر ميلا أو الاعم منه و ممن كان علي أزيد من ذلك إلي ثمانية و أربعين ميلا فالتمسك بالإطلاق أو العموم في من كان علي أزيد من اثني عشر ميلا ليس منه و العموم فيه ثابت يتمسك به.

و لا يصح الاستدلال للقول بان المراد من ثمانية و أربعين ميلا في الروايات توزيع هذه المسافة علي الجوانب الاربع لمنافاته لظاهر تلك الروايات.

و الدليل علي الثاني الروايات: فمنها صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال:

«قلت لأبي جعفر عليه السلام: قول اللّٰه عز و جل في كتابه (ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام)؟ قال: يعني: أهل مكة ليس عليهم متعة كل من كان أهله دون ثمانية و أربعين ميلا ذات عرق و عسفان كما يدور حول مكة فهو ممن دخل في هذه الآية و كل من كان وراء ذلك فعليهم المتعة» «1» و دلالته علي القول الثاني واضحة لا يمكن حملها علي ما اختاره ابن إدريس من

تقسيط ثمانية و أربعين علي الجوانب الأربعة كما مر.

و نحوها رواية اخري عن زرارة قال: «سألته عن قول اللّٰه: «ذٰلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حٰاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ)؟ قال: ذلك أهل مكة ليس لهم متعة و لا عليهم عمرة

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 6، من أبواب أقسام الحج، ح 3.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 237

قال: قلت فما حد ذلك؟ قال: ثمانية و أربعين ميلا من جميع نواحي مكة دون عسفان و دون ذات عرق». «1»

إلا أن الظاهر أنها و الرواية الاولي واحدة لاتحاد سندهما فإن الاولي ينتهي سندها إلي حماد بن عيسي عن حريز عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام و الثانية أيضاً ينتهي سندها إلي حماد عن حريز عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام و لاتحاد مضمونهما.

اعلم أنه قد روي الشيخ الرواية الثانية في التهذيب مرسلا عن علي بن السندي عن حماد عن حريز عن زرارة. و ضعفها بعض الاعاظم بجهالة طريق الشيخ إلي علي بن السندي قال: «فإن الشيخ كثيرا ما يروي عن علي بن السندي و غيره من الرواة من دون ذكر الواسطة بينه و بين الراوي و لكن يذكر في آخر كتاب التهذيب طرقه إلي الرواية ليخرج الخبر من الإرسال إلي الإسناد و لكن لم يذكر طريقه الي علي بن السندي بل لم يتعرض الشيخ لترجمته لا في المشيخة و لا في الفهرست و لا في رجاله و كذا النجاشي مع أن كتابه موضوع لذكر المصنفين و المؤلفين و لو فرضنا عدم ثبوت كتاب لعلي بن السندي فلا عذر للشيخ في عدم ذكره في كتاب الرجال لأن كتاب الرجال موضوع لذكر الرواة و الأصحاب و إن لم يكونوا من المصنفين. هذا

مضافا إلي أن علي بن السندي لم يوثق و لا عبرة بتوثيق نصر بن الصباح له لأن نصر بنفسه لم يوثق أيضا و قد حاول جماعة منهم الوحيد البهبهاني توثيق علي بن السندي بدعوي اتحاده مع علي بن اسماعيل الميثمي الثقة إلا أنه لا يمكن الجزم بالاتحاد و تفصيل ذلك موكول إلي كتابنا معجم الرجال). «2»

أقول: أولا إن العلامة الرجالي الكبير الأردبيلي في تصحيح الأسانيد صرح

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 6، من أبواب أقسام الحج، ح 7.

(2)- معتمد العروة: 2/ 185.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 238

بصحة طريق الشيخ إلي ابن السندي فقد ذكر الشيخ قدس سره طريقه إليه في نفس التهذيب و إن لم يذكره في آخره فتري أنه يروي عنه في أبواب الزيادات في أبواب كتاب الطهارة باب الأحداث غير الموجبة للطهارة (ح 1019- 11) بواسطة محمد بن علي بن محبوب و هو يروي عن صفوان و في هذا الكتاب أيضا عنه (ح 1058- 21) و في كتاب العتق باب العتق و أحكامه (ح 120) أيضا عنه بواسطة و هو يروي عن حماد و في كتاب القضايا و الأحكام باب من عليه الحكم (ح 30) أيضا عن علي بن السندي بواسطة محمد بن علي بن محبوب و هو يروي عن أبيه و في كتاب النكاح باب تفصيل أحكام النكاح (ح 17) روي عنه بواسطة محمد بن أحمد بن يحيي و هو يروي عن عثمان بن عيسي و في باب من أحل اللّٰه نكاحه من النساء و حرم منهن (ح 39) روي عنه بواسطة محمد بن علي بن محبوب و هو يروي عن ابن أبي عمير و أيضا ذكر طريقه إليه في باب العارية (ح 807-

10) و في كتاب التجارات باب من الزيادات (ح 1024- 44) و في كتاب النكاح في المهور و الاجور (ح 430- 34) و في كتاب الصيد و الذبائح (ح 533- 269) و هو يروي عن محمد بن إسماعيل.

و من ذلك كله يعلم أن الشيخ يروي عن علي بن السندي بواسطة هذه المشايخ العظماء و كتبهم و الظاهر أنه سقط من روايتنا هذه اسم بعض هذه المشايخ الذين هم من أرباب الكتب و إنما لم يذكره في المشيخة لأنه لم يرو عنه من كتابه.

و ثانيا لا يستبعد أن يكون هو علي بن إسماعيل السندي و كان السندي لقب إسماعيل فيذكر ابنه تارة باسم علي بن إسماعيل السندي و اخري بعلي بن السندي فعلي هذا يكون هو من أصحاب الرضا عليه السلام و كيف كان هو من الطبقة السابعة.

و ثالثا و إن لم يذكر الرجل بمدح و توثيق و لم نعتمد بتوثيق نصر بن الصباح

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 239

له لو كان هو و علي بن اسماعيل السندي واحدا إلا أن كونه من تلامذة المشايخ الاعاظم مثل حماد و صفوان و عثمان بن عيسي و محمد بن اسماعيل و محمد بن عمرو بن سعيد و ابن أبي عمير و كون الرواة عنه مثل الحسين بن سعيد و محمد بن أحمد بن يحيي و محمد بن علي بن محبوب يكفي في الاعتماد عليه. و اللّٰه هو الموفق للصواب.

ثمّ إن هنا روايات اخري دلالتها تعارض هذه الطائفة من الروايات غير أن بعضها ضعيف من حيث السند و بعضها مورد لا عراض الاصحاب عنه.

فمنها صحيح حريز «عن أبي عبد اللّه عليه السلام في قول اللّٰه عز و جل: (ذلك لمن

لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام)؟ قال من كان منزله علي ثمانية عشر ميلا من بين يديها و ثمانية عشر ميلا من خلفها و من ثمانية عشر ميلا عن يسارها فلا متعة له مثل مرّ و أشباهه» «1».

و هذا الخبر قد دل علي أن حد البعد ثمانية عشر ميلا عن جهاتها الأربع و حمله شيخنا الحر في الوسائل علي أنه صريح في الحكم بثمانية عشر ميلا و أما الزائد علي ذلك فهو غير صريح فيه.

و قال بعض الأعاظم: (يبعده أن الصحيحة في مقام التحديد و يظهر منها قصر الحكم بهذا الحد خاصة فتكون منافية للصحيحة المتقدمة). «2»

و فيه: أن الصحيحتين و إن كانتا في مقام التحديد إلا أنه لا ريب في أن صحيحة حريز بمنطوقها نص في من كان منزله علي ثمانية عشر ميلا و دون ذلك فلا متعة له و ظاهر مفهومها علي أن من كان منزله قبل ذلك عليه المتعة و صحيح زرارة

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 6، من ابواب اقسام الحج، ح 10.

(2)- معتمد العروة: 2/ 186.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 240

بمنطوقه نص فيمن كان منزله دون ثمانية و أربعين ميلا فنحمل الظاهر علي الأظهر فنأخذ بصحيح زرارة في ما زاد علي ثمانية عشر و نترك صحيح حريز فيه.

هذا مضافا إلي أنه لو لم نقل بذلك و بنينا علي معارضتهما فلا ريب في ترجيح صحيح زرارة علي حريز لعمل الاصحاب بالاول و تركهم الثاني.

و منها ما يدل علي أن العبرة في الحضور ما دون الميقات فمن كان منزله دون الميقات ليس له المتعة و ذلك مثل صحيح حماد «عن أبي عبد اللّه عليه السلام في (حاضري المسجد الحرام) قال: ما دون الاوقات إلي

مكة». «1»

و هذا الصحيح و إن كان يوافق بالتقريب صحيح زرارة في العقيق و قرن المنازل و يلملم، إلا أنه يزيد علي ثمانية و أربعين بكثير في الجحفة و سيما في مسجد الشجرة و لم أجد أحدا ينقل عاملا به فهو معرض عنه و معارض لصحيح زرارة و لا ريب أن الترجيح مع الأخير و قال في الوسائل: (هذا يقارب ما مر من حديث زرارة إن كان المراد به ما دون المواقيت كلها). «2»

و نحو هذا الصحيح رواية الحلبي «عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: في «حٰاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ» قال: «ما دون المواقيت إلي مكة فهو حاضري المسجد الحرام و ليس لهم متعة». «3»

هذا و قد عبر في الجواهر عن هذا الحديث بالصحيح «4» و لكن ضعفه بسنده بعض الأعاظم بأن الموجود في السند علي ما في الوسائل أبو الحسن النخعي و هكذا

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 6، من ابواب اقسام الحج، ح 5.

(2)- الوسائل: ب 6 من ابواب اقسام الحج، ح 5.

(3)- وسائل الشيعة: باب 6 من ابواب الحج اقسام الحج ح 4.

(4)- جواهر الكلام: 18/ 8.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 241

في التهذيب المطبوع و في بعض نسخ التهذيب أبواب الحسين النخعي و هو كنية أيوب بن نوح بن دراج الثقة، أما أبو الحسن فهو مجهول فيدور الراوي بين الموثق و غيره و تسقط الرواية بذلك عن الاعتبار. «1»

أقول: أبو الحسن النخعي يمكن أن يكون علي بن النعمان الاعلم النخعي الثقة لكون اسم ابنه الراوي عنه الحسن كما احتمله البعض و أبو الحسين النخعي هو أيوب بن نوح بن دراج و اللّٰه العالم.

ثمّ انه بعد ذلك كله لو لم يعتمد علي أخبار ثمانية و

أربعين ميلا و قلنا بملاحظة سائر الاخبار بتشويشها بل و الاشكال يمكن أن يقال إن القول بثمانية و أربعين هو القدر المتيقن لان الواجب علي الجميع بحسب أصل الشرع القران و الافراد خرج منه من لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام المردد مفهومه بين من كان منزله بعيدا عن مكة باثني عشر ميلا أو ثمانية و أربعين و القدر المتيقن منه النائي بالاخير فمن كان منزله دون ذلك يبقي تحت دليل وجوب الحج بالقران و الإفراد علي الجميع و أما ما دل علي أنه الميقات فقد عرفت أنه لم يعمل به أحد من الأصحاب. «و اللّٰه هو العالم بأحكامه و الهادي إلي الصواب.

[مسألة 2] الكلام في بيان مبدأ البعد

اشارة

مسألة 2- فيها فروع:

الأول: هل يعتبر الحد المذكور من المسجد أو من مكة؟
اشارة

اختلفت عباراتهم في ذلك فظاهر بعضها أنه من المسجد و ظاهر بعضها

______________________________

(1)- معتمد العروة: 2/ 187.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 242

الآخر أنه من مكة و لا نعلم أن اختلافهم بمحض العبارة و أن مراد الجميع البعد عن مكة أو البعد عن المسجد أو أنهم اختلفوا في المراد فاختار بعضهم كما هو ظاهر عبارته، الاول و بعضهم اختار الثاني.

و إليك بعض عبائرهم فقال الصدوق في المقنع: (و حد حاضري المسجد الحرام أهل مكة و حواليها علي ثمانية و أربعين ميلا) «1» و هي ظاهرة في البعد عن مكة، و نحوها عبارته في الهداية «2»، و ظاهر عبارة الشيخ في النهاية أيضا ذلك فإنه قال: (و هو اي حاضري المسجد الحرام من يكون بمكة أو يكون بينه و بينها ثمانية و أربعون ميلا). «3»

و ظاهر عبارة المفيد في المقنعة اعتبار البعد عن المسجد «4» كما أنه ظاهر الشيخ في المبسوط فإنه قال: (و هو- يعني من لم يكن حاضري المسجد الحرام- كل من كان بينه و بين المسجد الحرام أكثر من اثني عشر ميلا من أربع جهاته و قال في حاضري المسجد الحرام و هو كل من كان بينه و بين المسجد الحرام من أربع جوانبه اثنا عشر ميلا فما دونه). «5»

و الظاهر أن بعضهم اخذوا تعبيرهم عن الآية الكريمة و بعضهم من مثل صحيح زرارة و كيف كان فالمرجع في المسألة الكتاب و السنة.

أما الآية الكريمة فيمكن أن يقال: إنه يستفاد منها أن الاعتبار في التمتع

______________________________

(1)- المقنع/ 67.

(2)- الهداية/ 54.

(3)- النهاية/ 206.

(4)- المقنعة/ 389.

(5)- المبسوط: 1/ 36.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 243

بالبعد عن المسجد الحرام و في القران و الإفراد بالحضور عنده

و هذا البعد و الحضور حدد في الروايات ثمانية و أربعون ميلا أو باثني عشر ميلا فلا بد أن يكون ذلك باعتبار نفس المسجد أخذاً بظاهر الآية الشريفة و التعبير عن مكة بالمسجد الحرام و إن كان جائزا إلا أنه لا يجوز ترك هذا الظاهر بغير قرينة دالة علي خلافه أو تفسير معتبر من أهله.

و أما الروايات فمثل صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: «قلت لأبي جعفر عليه السلام: قول اللّٰه عز و جل في كتابه: «ذٰلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حٰاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ» قال: يعني: أهل مكة ليس عليهم متعة كل من كان أهله دون ثمانية و أربعين ميلا» «1» الحديث فليس فيه ما يدل علي تعيين مبدإ الحد. و روايته الاخري «2» و إن كان فيها ثمانية و أربعون ميلا من جميع نواحي مكة إلا أنه لا دلالة فيها علي مبدأ البعد.

إلا أن يقال: إن ظاهر هما هذا البعد عن مكة فكأنه قال: «ثمانية و أربعون من جميع نواحي مكة إلي مكة و يدل علي ذلك صحيح حريز «3» حيث ان «فيه من كان منزله علي ثمانية عشر ميلا من خلفها و …» فإن الظاهر أن الضمير في من خلفها و يمينها و يسارها راجع إلي مكة.

و علي هذا فالأقرب بالنظر إلي هذه الروايات أن البعد المعتبر في الحد المذكور اعتبر عن مكة و إنما عبر عنها بالمسجد الحرام في الآية تشريفا و تعظيما.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب أقسام الحج ح 3.

(2)- وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب أقسام الحج ح 7.

(3)- وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب أقسام الحج ح 10.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 244

و بعد الغض

عن هذا الاستظهار يمكن أن يقال: إن الآية دلت علي وجوب التمتع علي من لم يكن اهله حاضري المسجد الحرام يعني لم يكن ساكنا فيه خرج منه من لم يكن ساكنا فيه بالحد المذكور المردد بين كون مبدئه من المسجد الحرام أو من مكة فيقتصر علي الاقل و هو اعتبار المبدأ من المسجد الحرام لدوران الامر في التخصيص بين الأقل و الاكثر

و فيه: أن الظاهر أن الروايات لم ترد تخصيصا للعموم المستفاد من الآية بل وردت تفسيرا و بيانا لها و أن المراد ممن يكن أهله حاضري المسجد الحرام أعم ممن كان أهله ساكنا فيه أو خارجا بالحد المذكور المردد بين كون مبدئه المسجد الحرام أو مكة.

اللهم إلا أن يقال: إن القدر المتيقن من هذا التفسير أيضا ما يكون بعده من المسجد الحرام فنأخذ باطلاق من لم يكن أهله ساكنا في المسجد الحرام في من يكون بعده من مكة بهذا الحد.

و علي ذلك يجدد النظر في الشك في أن البعد المفسر به الآية هل حده اثني عشر ميلا أو ثمانية و أربعون ميلا فعليه يجب الاخذ فيه بالإطلاق و البناء علي وجوب التمتع علي من كان خارجا عن اثني عشر ميلا فتدبر جيدا و جدد النظر في المسألة.

ثمّ إنه لو اراد المكلف الذي منزله علي رأس الحد المذكور من المسجد الحرام و دونه من مكة الاحتياط هل يمكن ذلك له في سنة معينة أو لا بد له من الاتيان بالقران أو الإفراد في سنة و التمتع في سنة اخري يأتي الكلام فيه انشاء اللّٰه تعالي في ضمن الفروع الآتية.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 245

تنبيه و إيضاح

إنا و إن كررنا الكلام في منع التمسك بالاطلاق علي وجوب

التمتع في صورة الشك في أن الحد في البعد الموجب للتمتع ثمانية و أربعين ميلا أو اثنا عشر ميلا و قلنا بأن القدر المتيقن من الخارج عما وجب بأصل الشرع و هو القران أو الإفراد من كان أهله علي ثمانية و أربعين ميلا لتردد الخارج عن تحت الادلة الاولية بين من كان علي ثمانية و أربعين و من كان علي اثني عشر فمقتضي تردد الخاص بين الاقل و الاكثر الاخذ بالاقل و التمسك بالعام أو الاطلاق في الاكثر و مقتضي ذلك وجوب القران أو الإفراد علي من كان أهله دون ثمانية و أربعين و قصر التمتع علي من كان علي ثمانية و أربعين فما زاد، و بالجملة إذا كان البعد المعتبر، اثني عشر يلزم منه تخصيص العام الدال علي وجوب القران و الإفراد أكثر مما إذا كان البعد ثمانية و أربعين الذي هو القدر المتيقن من الخارج عن تحت العام و هكذا نقول في صورة الشك في مبدأ البعد فإنه علي هذا نقول: بأن المبدأ هو مكة دون المسجد الحرام أخذاً بالتخصيص المتيقن الوارد علي أدلة وجوب القران و الإفراد.

و لكن بعد التدقيق و التعمق يظهر أن الحق هو مختار من قال باطلاق أدلة التمتع و وجوب البناء في الحد علي اثني عشر ميلًا في الصورة الأولي و في الصورة الثانية يجب البناء علي أن مبدأ البعد يعتبر من المسجد الحرام.

و ذلك لان مفاد الآية أن التمتع وظيفة من لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام يعني من لم يكن ساكناً في المسجد الحرام و من لم يكن منزله في المسجد الحرام و كان خارجا منه و اطلاقه يشمل كل من لم يكن أهله ساكني المسجد

الحرام و إن كان خارجا منه بميل أو ميلين و هذا الاطلاق حجة معتبرة يؤخذ به.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 246

و انما يقيد بالدليل المنفصل و هو ما دل علي استثناء من كان خارجا من المسجد الحرام دون ثمانية و أربعين ميلا أو اثني عشر ميلا موضوعا أو حكما و القدر المتيقن منه الحد الأقل دون الأكثر و هكذا في مبدأ الحد القدر المتيقن مما خرج عن تحت الاطلاق هو البعد باثني عشر ميلًا من المسجد الحرام و عليه يجب التمتع علي من كان منزله فوق اثني عشر ميلا من المسجد الحرام و هذا كله إن لم نأخذ بأخبار الباب للقول بتشويشها و إلا فصحيح زرارة نص في تحديد البعد بثمانية و أربعين كما أنه ظاهر في أن البعد المعتبر يكون من مكة. و اللّٰه هو العالم.

الفرع الثاني: ظاهر قوله عليه السلام في صحيح زرارة: «كل من كان أهله دون ثمانية و أربعين ميلًا» أن من كان أهله في رأس هذا الحد عليه المتعة.

لا يقال: إن قوله عليه السلام بعد ذلك «كل من كان أهله وراء ذلك فعليهم المتعة» يدل علي أنها تكون علي من كان أهله وراء ثمانية و أربعين و لا ريب أن المنطوق مقدّم في الحجية علي المفهوم فلا يتم الاستدلال بالصحيح لتعيين تكليف من كان منزله علي رأس الحد.

فإنه يقال: إن المشار إليه في «ذلك» هو المقدار المذكور في الجملة الاولي أي ما دون ثمانية و أربعين و ما ورائه يشمل ثمانية و أربعين فما زاد و إلا لا يكون به الجواب وافياً و كافيا لتمام السؤال.

و علي فرض الاشكال في هذا الاستظهار فمقتضي أصالة الاطلاق علي الوجه الذي بنينا عليه أخيرا هو وجوب حج التمتع في نفس الحد.

الفرع الثالث: إذا كان المعتبر في مبدإ الحد مكة المكرمة لا المسجد الحرام

فهل هذا معتبر من مكة بحدودها في عصر النبي و الائمة صلوات اللّٰه عليهم أجمعين أو المعتبر الحدود التي تتوسع بمرور الأزمنة و الأيام إلي زماننا هذا.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 247

ثمّ إن المعتبر الحد المذكور بالطريق المتعارف في عصرهم: فإن استحدث طريق أخر كان المسافة بين رأس ثمانية و أربعين أو اثني عشر ميلا في عصرهم: و بين مكة أقل من ذلك أو اكثر فهل يبني علي الطريق الجديد أو القديم؟

يمكن أن يقال: إن الشارع أراد أن يكون ما وقع في هذا الحد من مكة موضوعا أو حكما سواء وقع ما في هذا الحد خارجا في داخل مكة بمرور الأزمنة و اتساع البلد أو بقي خارجا عنها.

و يمكن أن يقال: إن المعتبر في الحد بلد مكة و إن اتسع بمرور الأزمنة و لذا لم يقع ذلك موردا للسؤال عن الائمة في الازمنة المتأخرة عن عصر النبي صلي الله عليه و آله و سلم مع

أن العادة تقتضي اتساعها في طول قرن أو قرنين. و مع ذلك يشكل الجزم بذلك سيما إذا كان الحد اثني عشر ميلا فلعل هذه المسافة من بعض نواحي مكة دخلت في مكة و مقتضي اطلاق المذكور وجوب التمتع علي من كان في زماننا منزله الذي بالحساب القديم كان خارجا عن مكة داخلا فيها و بالجملة فالمسألة لا تخلو من الإشكال.

الفرع الرابع: لو شك في أن منزله يكون في الحد أو في خارجه

فإن قلنا بإمكان الاحتياط فلا يجب عليه الفحص، لانه و إن يعلم إجمالا بوجوب التمتع أو أخويه عليه، إلا أنه إذا كان متمكنا لإتيان الحج في سنة واحدة علي نحو يحصل به اليقين ببراءة ذمته عن التكليف المردد بينهما لا يجب الفحص و كذا لو أمكن احراز الموضوع بالاستصحاب و لو كان استصحاب العدم الأزلي علي القول به لا يجب الفحص.

و إن قلنا بعدم امكان الاحتياط في سنة واحدة لعدم امكان الجمع بين المحتملين في سنة واحدة فيقال: إن ما هو موضوع التمتع هو عدم كونه حاضر المسجد الحرام و ما هو موضوع أخويه هو كونه حاضرا و لا ريب في عدم صحة استصحاب

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 248

حضوره لعدم اليقين به قبل الشك فيه حتي يستصحب بقائه إلي زمان الشك، فلا يمكن الحكم بوجوب القران أو الإفراد عليه للشك في تحقق موضوعه. أما ما هو موضوع التمتع فهو من لم يكن أهله حاضر المسجد الحرام.

و بعبارة اخري من لم يكن حاضر المسجد الحرام فيجري فيه (اي عدم كونه حاضر المسجد الحرام) الأصل و لو بالعدم الأزلي فيقال: حضور هذا عند المسجد الحرام لم يكن و الآن كما كان و هذا مثل إجراء اصالة عدم القرشية التي يثبت بها عدم كون المرأة قرشية و إن

لم يثبت بها كونها غير القرشية و منتسبة إلي غير قريش، غير أن ذلك يكفي في اجراء حكم غير القرشية عليها لان موضوع حكمها هو عدم انتسابها إلي قريش، و هو يثبت باستصحابه بالعدم الأزلي لا انتسابها إلي غير قريش الذي لم يكن له حالة سابقة و في المقام أيضا موضوع وجوب التمتع هو من لم يكن حاضر المسجد الحرام و هذا يثبت باستصحاب عدمه الأزلي لا من كان خارجا عن المسجد الحرام و من كان غير حاضر المسجد الحرام، فعلي هذا لا يجب الفحص و يبني علي الاستصحاب.

هذا و قد أفاد بعض الاعاظم إمكان احراز الموضوع بالاصل النعتي قال:

(و تقريبه: أن صفة الحضور و الوطنية للشخص قد تتحقق باتخاذ نفسه بلدا وطنا له و قد تتحقق بمرور زمان علي سكناه في بلد كما إذا سكن فيه مدة خمسين سنة فإن البلد يكون وطنا له قهرا و قد تتحقق باتخاذ متبوعه التوطن في البلد الفلاني كوالده أو جده أو مولاه، فليست الوطنية من الصفات الذاتية كالقرشية و إنما هي من الصفات العرضية بمعني أن الشي ء يوجد أولا ثمّ يعرض عليه صفة الوطنية و هذا بخلاف القرشية فإن الشخص يوجد أولا إما قرشيا أو غير قرشي و ليست عارضة بالمعني المتقدم فالوطنية تنشأ إما باختيار نفسه أو اختيار متبوعه و تكون من الصفات

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 249

العارضة المسبوقة بالعدم فنقول: ان الحد التقدم لم يكن وطنا له باتخاذ نفسه و لا بتبع أبيه أو مولاه في زمان و الآن أيضاً كذلك- ثمّ قال: - فلا موجب للفحص بعد إحراز الموضوع بأصل العدم الازلي أو النعتي). «1»

أقول: من أين نقول إن الحد المتقدم لم يكن وطنا

له مطلقا لا باتخاذ نفسه و لا بتبع متبوعه فلعله كان وطنا له كذلك كما يمكن أن لا يكون وطنا له كذلك فكما إن المرأة تتولد إما قرشية أو غير قرشية هذا أيضا إما يكون متوطنا في هذا الحد أو غير متوطن فيه فمن أين علمتم بأن هذا الحد لم يكن وطنا أي كان و لم يكن هذا وطنا له فاذا كان هذا وطنا لابيه فهو ولد و هذا الحد وطنه بتبع أبيه.

تتمة- قد عرفت في طي ما ذكر أنه قد يتردد التكليف بين حج التمتع و الإفراد فيجب علي المكلف تحصيل اليقين ببراءة الذمة عما هو عليه واقعا بالاحتياط. و لا ريب أنه لو لم يتمكن منه إلا باتيانهما في سنتين يجب عليه ذلك إن كان مستطيعا لهما و إن لم يكن مستطيعا إلا لأحدهما في سنة واحدة فالظاهر أنه يجب عليه الموافقة الاحتمالية باتيان أحدهما.

هذا بناء علي عدم امكان الاحتياط إلا باتيانهما في سنتين و لكن يمكن في المقام أن يأتي بالمناسك في سنة واحدة علي نحو يحصل له اليقين بامتثال التكليف الواقعي و مع امكان ذلك يجب عليه في مقام الاحتياط اختيار هذا الطريق لفورية التكليف.

و طريقه علي ما اختاره السيد الكلپايكاني قدس سره بناء علي جواز تقديم العمرة المفردة علي الحج في حج الإفراد أن يأتي بعمرة بمقصد ما عليه من عمرة التمتع أو

______________________________

(1)- معتمد العروة: 2/ 195.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 250

المفردة.

ثمّ بعد الفراغ من أعمال العمرة و التقصير يأتي رجاء بطواف النساء و صلاته ثمّ يأتي بالحج و لكن ينشأ إحرامين احتياطاً و رجاء فينشأ احراما للحج التمتع من مكة، ثمّ يخرج إلي ميقات أهله و ينشئ الإحرام منه

للا فراد، ثمّ يأتي بالمناسك كلها و يذبح الهدي و سائر الاعمال إلي صلاة طواف النساء و بعد ذلك يخرج إلي أدني الحل و يحرم بعمرة مفردة رجاء كونها واجباً عليه.

ثمّ ذكر قدس سره الاستشكال علي هذه الصورة من الاحتياط بأنه بعد ما أتي بعمرة، يعلم بعد السعي أنه إما يحرم عليه التقصير أو يجب عليه الهدي و مقتضي ذلك العلم الاجمالي بترك التقصير و ذبح الهدي، أما ترك التقصير فلاحتمال كونه عمرة مفردة و أما وجوب الهدي فلاحتمال كونه متمتعا و علي هذا لا يمكن من الاحتياط و تحصيل العلم بفراغة الذمة.

ثمّ دفع ذلك الاشكال بأن هذا العلم الإجمالي المتعلق بحرمة التقصير لا يوجب تنجز التكليف بالنسبة إلي التقصير المردد بين كونه في الواقع واجباً أو حراما، فهو مخير بين الترك و الفعل و لكن يختار الفعل لحصول هذا الاحتياط. «1»

أقول: الظاهر ان هذا الاشكال يرجع إلي بيان الاحتياط بوجه آخر نذكره إن شاء اللّٰه تعالي.

أما هذا الوجه فالذي أتي بعمرة بقصد ما عليه من عمرة التمتع أو الافراد يعلم بجواز التقصير بل وجوبه عليه كيف يكون تكليفه بالنسبة إلي التقصير مرددا بين الواجب و الحرام و كيف يعلم بحرمة التقصير أو وجوب الهدي عليه حتي يكون

______________________________

(1)-/ كتاب الحج: 1/ 36.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 251

مقتضي علم الاجمالي ترك التقصير و ذبح الهدي و كيف يستند كون حرمة التقصير طرفا للعلم الاجمالي لاحتمال كونه عمرة مفردة فانها مفردة كانت أو غيرها يجب فيها التقصير، ثمّ لما ذا يأتي بعمرة مفردة بعد الحج إذا عمل بهذا الاحتياط. فعلي هذا لا إشكال في تحقق الاحتياط بهذه الصورة كما أن طرح هذا الاشكال عليه في غير محله.

و

أمّا بيان صورة الاحتياط بوجه آخر يكون موردا لهذا الاشكال فهو أن يحرم من الميقات بقصد ما عليه من عمرة التمتع أو حج الإفراد فيدخل مكة و يأتي بأعمال العمرة احتياطا و رجاء ثمّ يحرم للحج احتياطا فهو إن كان وظيفته التمتع فقد أتي بأعماله و إن كان وظيفته الإفراد فقد أتي به باحرامه الأوّل و يكون الثاني لغوا.

و لكن يمكن أن يورد عليه أولا بأنه في التقصير يدور أمره بين المحذورين للعلم بأنّه إمّا واجب عليه إن كان وظيفته التمتع أو حرام عليه إن كان وظيفته الإفراد.

و اجيب عن ذلك بأن الحكم في دوران الأمر بين المحذورين التخيير إلّا أنّه لو أختار التقصير لا يترتب عليه فساد حجه إن كان وظيفته الإفراد و إن يترتب عليه الكفارة و أما إن لم يقصر و كان تكليفه الواقعي التمتع يوجب ذلك فساد حجه.

و ثانياً بما ذكره السيد الكلپايكاني قدس سره فإن من يأتي بالاحتياط بهذه الصورة يعلم بعد السعي، أنه إما يحرم عليه التقصير إن كان حجه الإفراد و إما يجب عليه الهدي إن كان وظيفته التمتع و علي ذلك لا يمكن له الاحتياط بهذه الكيفية و أجاب قدس سره عن ذلك بأن حرمة التقصير الذي هي طرف العلم الاجمالي لا تكون منجزة عليه لدوران أمره بين الحرمة و الوجوب لدوران أمره بين أن يكون من أعمال عمرة التمتع أو محرمات حج الافراد و حيث أن الحكم فيه هو التخيير لا يؤثر

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 252

هذا العلم الإجمالي في تنجز حرمة التقصير إن كان واقعا محكوما بها فتدبر.

و هنا طريق ثالث الذي ذكره بعض الأعاظم أيضا و هو أن ينوي باحرامه من الميقات عمرة التمتع

التي تتقدم علي الحج (قال): (فيأتي بأعمال العمرة و بعد الفراغ يحرم لحج التمتع من مكة، ثمّ يخرج من مكة إلي أحد المواقيت فإن الخروج من مكة و إن لم يكن جائزاً لانه محتبس و مرتهن بالحج لكن يجوز له الخروج لحاجة و لا ريب أن الخروج لاجل تحصيل الجزم بالاتيان و تفريغ الذمة علي وجه اليقين من أوضح الحاجات فيحرم ثانيا للحج فإن كانت وظيفته التمتع فقد أتي بجميع ما يعتبر فيه و يكون الاحرام الثاني للحج ملغي و إن كانت الإفراد فقد أتي بالإحرام الثاني للحج و تكون عمرته للتمتع لغواً. ثمّ يأتي لعمرة مفردة و بذلك يحصل الجزم بالفراغ و هذا الوجه أوجه من الاول (الذي يأتي فيه بالاحرام بقصد ما في ذمته من العمرة و الحج) و لعله متعين). «1»

و فيه: أن الاتيان به خلاف الاحتياط لانه يلزم منه الدخول في الحرم بدون الإحرام ان كانت وظيفته الإحرام للحج بخلاف الوجه الاول و الثاني فتأمل جيدا.

الفرع الخامس: ما ذكر من أن البعيد وظيفته التمتع و الحاضر الافراد أو القران مختص بمن كان عليه حجة الإسلام دون غيرها

كالحج الندبي فانه يجوز فيه لكل من النائي و الحاضر كل ما يختاره من الاقسام الثلاثة و إن كان الافضل لهما اختيار التمتع.

و قد عقد في الوسائل بابا لذلك عنوانه باب استحباب اختيار حج التمتع علي القران و الإفراد حيث لا يجب قسم بعينه و إن حج ألفا و ألفا و إن كان قد اعتمر في

______________________________

(1)- معتمد العروة: 2/ 196.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 253

رجب أو رمضان و إن كان مكيا أو مجاورا سنتين و استحباب اختيار القران علي الإفراد إذا لم يجز له التمتع. «1»

و مما أخرجه في هذا الباب من الروايات ما أخرجه عن الكليني بسنده عن أحمد بن محمد بن أبي نصر

قال: «سألت أبا جعفر عليه السلام في السنة التي حج فيها و ذلك في سنة اثنتي عشرة و مأتين فقلت: بأي شي ء دخلت مكة مفردا أو متمتعا؟ فقال:

متمتعا، فقلت له: أيما أفضل المتمتع بالعمرة إلي الحج أو من أفرد و ساق الهدي؟

فقال: كان أبو جعفر عليه السلام يقول: المتمتع بالعمرة إلي الحج أفضل من المفرد السائق للهدي و كان يقول: ليس يدخل الحاج بشي ء أفضل من المتعة». «2»

و كالحج الواجب بالنذر و أخويه إذا كان مطلقا دون ما إذا كان معينا فانه لا ريب في وجوب الوفاء بالنذر علي النحو المعين فيه و ذلك أي أفضلية حج التمتع علي أخويه إذا كان الواجب بالنذر أو أخويه مطلقا يستفاد من أخبار الباب، فلا حاجة إلي الاستشهاد عليه بأنه الظاهر من كلماتهم كما فعله البعض. هذا كله في الحج الواجب بالنذر و شبهه أما الواجب بالافساد فهو كالاصلي لا يجزي عنه غيره.

[مسألة 3] فرض من كان له وطنان في الحد و خارجه

مسألة 3- قال في العروة: من كان له وطنان أحدهما في الحد و الآخر في خارجه لزمه فرض أغلبهما لصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام:

«من أقام بمكة سنتين فهو من أهل مكة و لا متعة له فقلت لأبي جعفر عليه السلام:

______________________________

(1) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب اقسام الحج.

(2)- وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب اقسام الحج ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 254

أ رأيت إن كان له أهل بالعراق و أهل بمكة؟ فقال عليه السلام: فلينظر أيهما الغالب» «1».

و دلالتها علي ما أفتي به واضحة و لو لم يكن مثل هذه الصحيحة أيضا فلعل الفقيه يفتي بذلك لان الامر فيه يدور بين الاحتياط و بين الاخذ بالغالب و غيره و لا ريب أن

في ذلك لا يكون الاعتبار علي غير الغالب فالاحتياط أيضا لا وجه له فيكون الاعتبار بالغالب كما بينه الامام عليه السلام.

و لو كان الوطنان متساويين في اقامته فيهما و كان مستطيعا للحج من كل منهما ففي الجواهر: (كان له الحج باي الانواع شاء بلا خلاف أجده فيه سواء كان في أحدهما أو في غيرهما لعدم المرجح حينئذ و لاندراجه في إطلاق ما دل علي وجوب الحج بعد خروجه عن المقيدين و لو لظهورهما في غير ذي المنزلين بل لو سلم اندراجه فيهما كان المتجه التخيير أيضا بعد العلم بانتفاء وجوب الجمع عليه في سنتين كالعلم بعدم سقوط الحج عنه لكن مع ذلك كله و الاولي له اختيار التمتع لاستفاضة النصوص بل تواترها في الأمر به علي وجه يقتضي رجحانه علي غيره- إلي أن قال- هذا كله مع الاستطاعة من كل منهما و لو كان في غيرهما أما لو استطاع في أحدهما لزمه فرضه كما في كشف اللثام لعموم الآية و الاخبار). «2»

أقول: الظاهر عدم الفرق في الحكم بتخييره بين كونه مستطيعا من كل منهما أو من أحدهما فهو مخير بينهما و إن كانت استطاعته من أحدهما فلا اعتبار بكونه في أي منهما و في غيرهما.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب اقسام الحج ح 1 تتمة الحديث «عليه فهو من أهله».

(2)- جواهر الكلام: 18/ 94.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 255

هذا و لكن استشكل بعض الاعاظم قدس سره في الحكم بالتخيير بل منعه قال:

(لان مقتضي الادلة وجوب التمتع علي من لم يكن حاضر المسجد و لم يكن من أهالي مكة و وجوب القران و الافراد علي من كان حاضرا و كان من أهالي مكة فموضوع أحد

الواجبين ايجابي و موضوع الآخر سلبي و لا يمكن التخيير في مثل ذلك نعم إذا كان موضوع كل واحد منهما ايجابيا و كان المورد مجمعا بين العنوانين لامكن بينهما بخلاف ما إذا كان موضوع أحدهما سلبيا و موضوع الاخر ايجابيا فحينئذ لا يمكن الجمع بينهما فلا مورد للتخيير بين الامرين و المفروض أن موضوع حج التمتع من لم يكن حاضرا و هو العنوان السلبي و موضوع الإفراد من كان حاضرا و هو العنوان الايجابي و كل من الدليلين مطلق من حيث اتخاذ وطن آخر أم لا، فمن كان من أهالي مكة و صدق عليه الحاضر لا يصدق عليه العنوان السلبي لاستحالة الجمع بين النقيضين فلا يتحقق موضوع حج التمتع و حيث يصدق عليه العنوان الايجابي و هو الحضور يتعين عليه القران أو الإفراد و لا أقل من أن الإتيان بالإفراد أو القران بالنسبة إليه أحوط). «1»

أقول: ما ذكره مبني علي تقييد اطلاقات أدلة وجوب الحج الدالة علي اجزاء الإتيان بأي قسم من أقسامه فانها مقيدة بقيدين بمن كان أهله حاضر المسجد الحرام فيجب عليه القران و الإفراد و من لم يكن أهله حاضر الحرام فيجب عليه التمتع و علي ذلك موضوع أحدهما و هو من لم يكن حاضرا سلبي و موضوع الاخر و هو من كان حاضر المسجد ايجابي و لا ريب في أن المكلف الواحد لا يمكن أن يكون مصداقا لعنوانين متناقضين حتي يكون محكوما بحكمين و مخيرا بينهما، فعلي هذا وظيفة هذا المكلف بمقتضي العلم الإجمالي بوجوب التمتع أو الإفراد و القران هو

______________________________

(1)- معتمد العروة: 2/ 199.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 256

الاحتياط علي التفصيل الذي مرّ بيانه.

و لكن يمكن أن يقال كما اشار

اليه صاحب الجواهر «1» قدس سره: بظهور القيدين في غير ذي المنزلين، فعلي هذا يمكن أن يقال ببقاء التخيير بين المصاديق و أقسام الحج فيأتي بأيهما شاء.

و كيف كان فالذي يسهل الخطب إمكان الاحتياط باتيان الحج في كل سنة واحدة بإحدي الصور الثلاثة. و اللّٰه أعلم.

[مسألة 4] فرض المكي إذا خرج منها ثمّ رجع إليها

مسألة 4- إذا خرج من كان من أهل مكة إلي بعض الأمصار ثمّ رجع اليها فهل يجوز له التمتع فيكون مخيرا بين الوظيفتين أو لا يجوز له ذلك و يتعين له فرض المكي

فيه قولان و الاول منسوب إلي الاكثر بل إلي المشهور منهم الشيخ علي ما حكي عنه في جملة من كتبه و المحقق في المعتبر و العلامة في المنتهي و الثاني محكي عن ابن أبي عقيل و من تبعه.

و المستند لقول الاول صحيح عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث (في آخره) قال: «و سألته عن رجل من أهل مكة يخرج إلي بعض الأمصار ثمّ يرجع إلي مكة فيمر ببعض المواقيت أله أن يتمتع؟ قال: ما أزعم أن ذلك ليس له لو فعل و كان الإهلال أحب إلي». «2»

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 18/ 372.

(2)- الكافي: 4/ 301، ح 5.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 257

و صحيح الآخر عن عبد الرحمن بن أعين قالا: «سألنا أبا الحسن موسي عليه السلام عن رجل من أهل مكة خرج إلي بعض الأمصار ثمّ رجع فمر ببعض المواقيت التي وقت رسول اللّٰه صلي الله عليه و آله و سلم له أن يتمتع؟ فقال: ما أزعم أن ذلك ليس له و الاهلال بالحج أحب إلي و رأيت من سأل أبا جعفر عليه السلام و ذلك أول ليلة من شهر رمضان فقال

له:

جعلت فداك إني قد نويت أن أصوم بالمدينة؟ قال له: تصوم إن شاء اللّٰه تعالي» الحديث بطوله. «1»

و قد وقع البحث في أن الحديث من قوله: «و رأيت من سأل أبا جعفر عليه السلام» إن كان من تتمة الحديث الاول فلا يمكن أن تكون من كلام الإمام موسي بن جعفر عليه السلام لانه ولد عليه السلام بعد أربعة عشر عاما من شهادة الإمام أبي جعفر الباقر عليه السلام فكيف يقول هو: و رأيت من سأل أبا جعفر عليه السلام و إن كان من كلام ابني الحجاج و أعين فقوله و رأيت لا يوافق ذلك مضافا إلي أن المروي من أهل الرجال أن عبد الرحمن بن أعين مات هو و حمران و بكير و عبد الملك إخوته الثلاثة في زمان أبي عبد اللّه عليه السلام و كانوا من أصحاب أبي جعفر عليه السلام.

نعم بقي من أبناء الأعين الأربعة زرارة إلي زمان أبي الحسن عليه السلام.

و قال بعض الأعاظم: (فالظاهر إن قائل هذا الكلام هو الراوي و هو عبد الرحمن فيكون خبرا مستقلا مرويا عن أبي جعفر عليه السلام إلا أنه لم يعين عبد الرحمن و لم يعرفه بوالده). «2»

و الذي أحتمله أن المروي عنه في هذا الحديث أيضا كالأول هو

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 7، من ابواب اقسام الحج، ح 1.

(2)- معتمد العروة: 2/ 202.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 258

أبو عبد اللّه عليه السلام و أنه و الأول حديث واحد كما يدل علي ذلك لفظهما و لا يضر اشتمال كل منهما علي ما لا يشتمل عليه الآخر لامكان جمع عبد الرحمانين هذه الرواية مع غيرها فتدبر. و اللّٰه هو العالم.

و كيف كان وقوع هذه المسائل التي موردها

الاعمال المندوبة عن أبي جعفر عليه السلام بعد صدر الرواية الموافقة للصحيحة الاولي لا يخلو من الاشعار بأن السؤال الواقع في الصدر كان عن الحج الندبي دون الواجب و يؤيد ذلك بعد عدم إتيان المكي بحجة الإسلام.

و لكن يبعد هذا قوله عليه السلام: «و الإهلال بالحج أحب إلي»، فإنه يدل علي كون مورد السؤال الحج الواجب لاتفاق النص و الفتوي علي أفضلية التمتع في الحج المندوب و بعيد من مثل عبد الرحمن بن الحجاج و ابن أعين أن لا يكونا عالمين بمثل هذا الحكم بل ربما يقال بأن جواز التمتع في الحج المندوب مما لا ريب فيه عندهم فبعيد أن يكون السؤال عن الحج المندوب أو الأعم منه و من الواجب و يؤيد ذلك قوله عليه السلام: «ما أزعم أن ذلك ليس له»، فإن هذا التعبير لا يناسب لبيان الحكم المندوب المعلوم جوازه و بل أفضليته

و بالجملة فمورد الصحيحتين إما يكون الحج الواجب أو الاعم منه و من المندوب فإن كان خصوص الحج الواجب يقيد بهما اطلاق ما دل علي أن أهل مكة ليس لهم أو عليهم متعة فالنتيجة تكون جواز المتعة و إن كان الإفراد أحب.

و أما إن قلنا بعدم ظهور الصحيحين في الحج الواجب و أن إطلاقهما يشمل المندوب و الواجب فحينئذ يقع التعارض بينهما و بين ما دل علي أن ليس لاهل مكة متعة الدال علي أنه ليس لهم إتيان حجة الاسلام بالتمتع و إطلاقه يشمل من كان من أهل مكة فيها و من خرج منها إلي بعض الأمصار فيتعارضان في من كان من أهل

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 259

مكة و خرج إلي الامصار و رجع و عليه حجة الاسلام فبمقتضي إطلاق

الصحيحين يجوز له التمتع و بمقتضي إطلاق أهل مكة ليس لهم التمتع لا يجزي التمتع عنه فيتساقطان بالتعارض.

إلا أن نقول بترجيح ما يدل علي عدم جواز المتعة لمخالفة ما يدل علي الجواز لقوله تعالي: «ذٰلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حٰاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ».

و لكن استشكل بعض الأعاظم في ذلك و جعل الآية في جانب الأخبار المعارضة لانه قال: (إن الترجيح بالكتاب انما هو فيما إذا كانت دلالة الكتاب دلالة لفظية و أما إذا كانت الدلالة بالاطلاق فقاعدة الترجيح بالكتاب غير جارية إذ ليس ذلك مدلولا لفظيا للكتاب لان الاطلاق مستفاد من قيد عدمي و العدمي ليس من القرآن ليكون مرجعا أو مرجحا لأحد الطرفين (قال) و بتعبير آخر مورد الرجوع إلي القرآن و الترجيح به إنما هو فيما إذا كان عدم العمل بالقرآن منافيا للظهور اللفظي بحيث يصدق انه قال اللّٰه تعالي كذا في الكتاب و هذا المعني لا يصدق علي مجرد الاطلاق المستفاد من مقدمات الحكمة و عليه لا مجال للرجوع إلي إطلاق الكتاب لسقوطه بالتعارض فالمرجع إطلاق ما دل علي أصل وجوب الحج المقتضي للتخيير بين الأقسام الثلاثة فإن الواجب انما هو طبيعي الحج و التقييد ببعض الاقسام قد سقط بالمعارضة علي الفرض) «1»

و فيه: أنه لا فرق بين الإطلاق و العموم في ذلك فكما أن العموم دلالته عليه لفظية دلالة الإطلاق أيضا علي الإطلاق لفظية و كون عموم العام مستفاداً من الوضع و اطلاق المطلق مستفاد من مقدمات الحكمة لا يجعل دلالته غير لفظية فكما

______________________________

(1)- معتمد العروة: 2/ 203.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 260

لا يمكن أن يقال في أحد أفراد المطلق قال اللّٰه تعالي كذا لا يمكن ذلك في أفراد العام أيضا و

إلا فلا يجوز استناد كل ما يستفاد من الكتاب بالاطلاق إليه و هذا أمر لا يقبله العرف و الوجدان.

و يمكننا أن نقول إن اطلاق الصحيحتين في من خرج إلي بعض الأمصار و عليه حجة الإسلام معارض لإطلاق نفس الآية لا أنه معارض لاطلاق «ليس لاهل مكة متعة» في من خرج منها إلي الأمصار و رجع و عليه حجة الإسلام لان مثل هذا الحديث تفسير للآية و مدلوله الآية و هي تدل بمفهومها علي أن المتعة لا يكون لمن كان أهله حاضر المسجد الحرام سواء كان خرج منه إلي بعض الأمصار أو لم يخرج منه و الصحيحين بالإطلاق يدلان علي جواز المتعة لمن خرج منه إلي بعض الأمصار واجباً كان الحج عليه أم مندوبا فيتعارضان في من يخرج و يرجع و عليه حجة الإسلام و في مثل ذلك لا يقال بسقوط الكتاب بالتعارض فانه لا فرق بينه و بين ما يعارض الكتاب بالتباين.

فعلي هذا كله علي القول بورود الصحيحين في حجة الإسلام يقيد بهما إطلاق الكتاب و علي القول بأنهما مطلقان يشملان الحج الواجب و المندوب يقع بينهما و الكتاب التعارض فيمن خرج و عليه حجة الإسلام و لا ريب في تقديم الكتاب فيجب عليه الافراد.

[مسألة 5] انقلاب فرض النائي الي المكي

اشارة

مسألة 5- من ليس من أهل مكة (لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام) فالإجماع قائم علي أنه إن أقام في مكة إلي تمام ثلاث سنين ينقلب فرضه إلي فرض المكي كما أنه لا ريب في أن فرضه قبل إتمام سنة فرض

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 261

النائي.

و ما جاء في بعض الأخبار من أنه ينقلب فرضه إلي فرض المكي بعد ستة أشهر أو خمسة، معرض عنه لا عامل به مضافاً إلي

ضعف سند بعضها و علي فرض القول بعدم وهن ما فيها من الصحيح بعدم العامل به و عدم ترجيح الأخبار الصحيحة المعارضة له مثل صحيح زرارة و عمر بن يزيد الآتيان فهو ساقط عن الحجية بمعارضة مثل الصحيحين له فلا يحتج بصحيح حفص بن البختري الذي رواه الشيخ بإسناده عن يعقوب بن يزيد عن ابن أبي عمير عن حفص بن البختري عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «في المجاور بمكة يخرج إلي أهله ثمّ يرجع إلي مكة بأي شي ء يدخل؟

فقال: إن كان مقامه بمكة أكثر من ستة أشهر فلا يتمتع و إن كان أقل من ستة أشهر فله أن يتمتع». «1»

و علي هذا إما أن نقول بسقوطه عن الحجية لإعراضهم عنه أو لترجيح الأخبار المعارضة له عليه أو لتساقط الطائفتين عن الحجية بالمعارضة و علي الأخير فالمرجع هو عمومات الكتاب و السنة الدالة علي وجوب التمتع علي كل من لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام و هذا كله علي فرض تمامية دلالة هذا الصحيح و أن المراد منه بيان فرض المجاور.

أما لو كان المراد من المجاور المذكور في السؤال الذي أتي بفرضه كما هو النائب فالسؤال لا بد و أن يكون عما هو الأفضل منهما و كيف كان هذا الاحتمال ساقط لا يعتني به. و إنما الخلاف واقع في أنه هل ينقلب تكليف النائي بإقامته في مكة سنتين أو يكفي لذلك إقامة سنة واحدة،

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب اقسام الحج، ح 3.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 262

أما القول بانقلابه بعد إتمام الثلاثة و الدخول في الرابعة فلا دليل له إلا مثل ادعاء إجماعهم علي عدم جواز التمتع له بعد إقامة الثلاثة و تساقط

الروايات بالتعارض و التمسك بأصالة العموم بالنسبة إلي قبل إتمام الثلاثة و هذا قول الشيخ في المبسوط و النهاية:

قال في المبسوط: (و من جاور بمكة سنة واحدة أو سنتين جاز له أن يتمتع فيخرج إلي الميقات و يحرم بالحج متمتعاً و إن جاور بها ثلاث سنين لم يجز له ذلك) «1» و نحوه قوله في النهاية «2» و قول ابن إدريس في السرائر قال: (فإن جاور بها ثلاث سنين لم يجز له التمتع) «3» و ظاهر المحقق في الشرائع «4» و قول العلامة في الإرشاد قال له: (و ينتقل فرض المقيم ثلاث سنين إلي المكي و دونها يتمتع) «5».

و أما القول بالانقلاب بإقامة سنتين فهو قول الشيخ في التهذيب قال:

(فأما المجاور بمكة فإن كان قد أقام دون السنتين فإنه يجوز له أن يتمتع فإن أقام أكثر من ذلك فحكمه حكم أهل مكة في أنه ليس عليه المتعة) «6» و في الاستبصار يستفاد منه أقسام الحج في (باب فرض من كان ساكن الحرم من أنواع الحج) «7» و هو قول المحقق في المختصر النافع قال: (و لو أقام سنتين انتقل فرضه إلي القران و الإفراد) «8» و

______________________________

(1)- المبسوط: 1/ 308.

(2)- النهاية/ 206.

(3)- السرائر: 1/ 522.

(4)- شرايع الإسلام: 1/ 177.

(5)- إرشاد الأذهان: 1/ 309.

(6)- تهذيب الأحكام: 5/ 34.

(7)- الاستبصار: 2/ 157 ب 91 باب فرض من كان ساكن الحرم من أنواع الحج.

(8)- مختصر النافع/ 50.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 263

إن كانت العبارة المنقولة عنه في جامع المدارك «1» غير هذه لم نجدها في المختصر النافع.

و قال العلامة في التذكرة: (مسألة: و من كان من أهل الأمصار فجاور بمكة ثمّ أراد حجة الإسلام خرج إلي ميقات أهله فأحرم

منه فإن تعذر خرج إلي أدني الحل و لو تعذر أحرم من مكة هذا إذا لم يجاور مدة سنتين فإن مضي عليه سنتان و هو مقيم بمكة صار من أهل مكة و حاضريها ليس له أن يتمتع) «2» و به قال الشيخ في كتابي الأخبار و قال في النهاية: (لا ينتقل فرضه إلي التمتع حتي يقيم ثلاث سنين) «3» و لعل هذا القول هو المشهور.

و أما كون ذلك بالدخول في السنة الثانية فهو ظاهر الشهيد في الدروس قال:

«و لو أقام النائي بمكة سنتين انتقل فرضه إليها في الثالثة كما في المبسوط و النهاية و يظهر من أكثر الروايات أنه في الثانية و روي محمد بن مسلم: «من أقام سنة فهو بمنزلة أهل مكة، و روي حفص بن البختري إن أقام أكثر من ستة أشهر لم يتمتع». «4»

إلا أنك قد عرفت من كلام الشيخ في المبسوط و النهاية أن انتقال فرضه إلي فرض المكي إنما يكون إذا جاور بها ثلاث سنين لا في الثالثة.

إذا عرفت ذلك كله فأعلم أن العمدة في الباب الروايات فمنها ما يدل علي القول الذي قيل: إنه المشهور مثل ما أخرجه الشيخ في الصحيح عن زرارة عن

______________________________

(1)- جامع المدارك: 2/ 355 هكذا نقل عبارة المصنف: (فإن دخل في الثالثة مقيماً ثمّ حج انتقل فرضه إلي القران و الإفراد).

(2)- تذكرة الفقهاء: 1/ 319

(3)- النهاية/ 165.

(4)- الدروس الشرعية: 1/ 331.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 264

أبي جعفر عليه السلام قال: «من أقام بمكة سنتين فهو من أهل مكة لا متعة له» الحديث «1» و أخرجه في باب الزيادات «2» و في الاستبصار «3» و كأنه زعم صاحب الوسائل كون الثاني غير الأول فقال: «و بإسناده

عن زرارة مثله» «4» بدلًا عن قوله: «و رواه في باب الزيادات». و صحيح عمر بن يزيد قال: «قال أبو عبد اللّٰه عليه السلام: المجاور بمكة يتمتع بالعمرة إلي الحج إلي سنتين فإذا جاوز سنتين كان قاطناً و ليس له أن يتمتع». «5»

و منها ما يدل علي اعتبار سنة مثل صحيح الحلبي الذي رواه الشيخ عن موسي بن القاسم عن ابن أبي عمير عن حماد عن الحلبي قال: «سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام لأهل مكة أن يتمتعوا؟ فقال: لا ليس لأهل مكة أن يتمتعوا قال: قلت: فالقاطنين بها؟ قال: إذا أقاموا سنة أو سنتين صنعوا كما يصنع أهل مكة فإذا أقاموا شهراً فإن لهم أن يتمتعوا قلت: من أين؟ قال: يخرجون من الحرم قلت: من أين يهلون بالحج؟

فقال: من مكة نحواً مما يقول الناس». «6»

و ما رواه الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن داود عن حمّاد قال: «سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن أهل مكة أ يتمتعون؟ قال: ليس لهم متعة قلت: فالقاطن بها؟ قال: إن أقام بها سنة أو سنين صنع صُنعَ أهل مكة قلت: فإن مكث الشهر؟ قال: يتمتع قلت من أين (يحرم) قال: يخرج من الحرم قلت: من أين

______________________________

(1)- تهذيب الأحكام: 5/ 34 ح 30.

(2)- الاستبصار: 2/ 159 ح 6.

(3)- وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب أقسام الحج ح 1.

(4)- وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب أقسام الحج ح 2.

(5)- وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب أقسام الحج ح 3.

(6)- وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب أقسام الحج ح 3.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 265

يهل بالحج؟ قال: من مكة نحواً كما يقول الناس» «1»

و

ضعفه بعض الأعاظم لأن ابن أبي عمير يرويه عن داود عن حماد و لم يعلم من هو داود فإنه مشترك بين الثقة و غيره «2» هذا علي بنائه علي عدم الاعتناء بما قاله علماء الرجال و الحديث من أن مراسيل ابن أبي عمير كالمسانيد و أنّه لا يروي إلا عن الثقة فإنه وجد في مسانيده الرواية عن المجروحين و غير الثقات.

و فيه: أن الشيخ قدس سره قال في العدة: (سوت الطائفة بين ما يرويه محمد بن أبي عمير و صفوان بن يحيي و أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي و غيرهم من الثقات الذين عرفوا بأنهم لا يروون و لا يرسلون إلا عمن يوثق به و بين ما أسنده غيرهم و لذلك عملوا بمراسيلهم إذا انفرد عن رواية غيرهم) «3».

و من هذا تعرف شهادة طائفة من أجلاء الأصحاب علي كون من يروي عنه هؤلاء الأعاظم كلهم من الثقات لو لم نقل بإجماعهم علي ذلك و هذا شهادة جمع من الأصحاب علي وثاقة (داود) هذا الراوي عن حماد.

لا يقال: إن هذا يتم لو لم يقع في اسناد روايات مثل ابن أبي عمير جمع من الضعفاء.

فإنه يقال: لا يضر ذلك بهذه الكلية و توثيق شيوخ هؤلاء غاية الأمر يثبت بذلك جرحهم و سقوط توثيقهم عن الاعتبار لتقديم الجارح علي المعدل و لا يسقط بذلك شهادتهم علي وثاقة السائرين.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة ب 9 من أبواب اقسام الحج ح 5

(2)- معتمد العروة: 2/ 208.

(3)- العدة: 1/ 386.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 266

فان قلت: إن بعد العلم بخروج جمع من مشايخهم عن تحت هذه الكلية يكون التمسك بها لإثبات وثاقة كل واحد منهم من التمسك بعموم العام في الشبهة

المصداقية.

قلت: كلا، ليس المقام منه فإنه إنما يكون إذا كان المخصص عنواناً كلياً كقوله تخصيصاً: (لا تكرم الفساق من العلماء) و كان العام مثل (اكرم العلماء) و شككنا في كون «زيد» من الفساق فإنه لا يجوز التمسك بعموم (أكرم العلماء) فإنه يكون مثل التمسك بعمومه في وجوب إكرام من شككنا في كونه من العلماء و أما إذا ثبت خروج خصوص بعض الأفراد مثل زيد و عمرو و بكر عن تحت العام، لا يضر ذلك بحجية العام في سائر الأفراد.

هذا مضافاً إلي قلة ما يوجد في مشايخهم من الضعفاء فإن في مشايخ ابن أبي عمير علي ما أحصاه البعض ثلاثة عشر ستة منهم ثابت الضعف و سبعة منهم غير ثابت الضعف و إنما يحتمل فيهم ذلك و هذه في جنب سائر مشايخه الذين بلغت عدتهم أكثر من أربعمائة في نهاية القلة لا يؤثر في الاعتماد علي رواياته الكثيرة من مشايخه التي ما روي عنه أحد تلامذته و هو إبراهيم بن هاشم بلغت علي حسب ما احصي عنه (2922) رواية.

و كيف كان الظاهر أنها و صحيح الحلبي واحد كما يظهر من لفظهما و أما سندهما فابن أبي عمير يرويه تارة بلا واسطة عن حماد عن الحلبي قال «سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام»: و في روايتنا هذه رواها مع الواسطة عن داود عن حماد قال: «سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام» فإما أن نقول بتقديم رواية الشيخ علي الكليني لتقديم أصالة عدم الزيادة علي أصالة عدم النقيصة فالحكم بصحته في محله و إما أن نقول بتقديم رواية الكليني علي رواية الشيخ و تقديم الكافي علي غيره لأنه أضبط فالحكم بصحة كل

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 267

واحد منهما

علي مبني عدم الاعتماد علي صحة ما رواه ابن أبي عمير مشكل.

اللهم إلا أن يقال: إن ابن أبي عمير روي هذا الحديث تارة عن حماد بلا واسطة و اخري بواسطة داود كما أن حماد أيضاً رواه تارة عن الإمام عليه السلام بلا واسطه و اخري بواسطة الحلبي، و ذلك يوجب قوة الحديث و إسناده إلي الإمام عليه السلام فتدبر و خذ جميع ذلك و اغتنم.

و ما رواه الشيخ بإسناده عن العباس بن معروف عن فضالة عن العلا عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال: «من أقام بمكة سنة فهو بمنزلة أهل مكة» «1» و عبر منه بالصحيح لأن رجال السند كلهم من الأعيان و الثقات.

لكن ضعفه بعض الأعاظم لأن طريق الشيخ إلي العباس بن معروف في الفهرست ضعيف بأبي المفضل و لم يذكر طريقه إليه في المشيخة. «2»

و لكن قد كررنا التنبيه علي أن مجرد ضعف طريق الشيخ و غيره إلي أرباب الكتب لا يوجب ضعفاً في الحديث و سنده بعد ما كان الكتاب موجوداً عند الشيخ معروفاً لديه و إليك لفظ الشيخ في الفهرست: (له كتب عدة أخبرنا بها جماعة عن أبي المفضل عن ابن بطة عن أحمد بن أبي عبد اللّه عنه). «3»

و الخبير يعلم أن الإخبار بهذه الكتب و كتب سائر أرباب الاصول و الكتب لا يمكن عادة إلا بالإخبار عنها مجموعاً بمثل المناولة فلا بد أن يكون الكتاب في متناول يد الشيخ و التلميذ مشهوراً معروفاً و بما لم يكن النقل عن الكتاب بالوجادة

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب أقسام الحج، ح 4.

(2)- معتمد العروة: 2/ 208.

(3)- الفهرست/ 144.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 268

معمولًا عندهم كما عمل بها

في الأعصار الأخيرة و كانت سيرة المحدثين علي رواية الكتب بالسماع أو القراءة أو المناولة عن رواتها عن أربابها روي الشيخ تلك الكتب بطرقه عن مؤلفيها و في مثل ذلك لا يضر ضعف الطريق إلي الكتاب فتأمل جيّداً.

و ما رواه الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن إسماعيل بن مرار عن يونس عن عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «المجاور بمكة سنة يعمل عمل أهل مكة: يعني: يفرد الحج مع أهل مكة و ما كان دون السنة فله أن يتمتع». «1»

و قال بعض الأعاظم: (الرواية معتبرة لأن إسماعيل بن مرار و إن لم يوثق في كتب الرجال و لكنه من رجال تفسير علي بن إبراهيم القمي و ذكرنا في محله أن رجاله كلهم ثقات و في بعض نسخ التفسير إسماعيل بن ضرار و هو غلط). «2»

و ما أخرجه أيضاً بسنده عن حريز عمن أخبره عن أبي جعفر عليه السلام قال:

«من دخل مكة بحجة عن غيره ثمّ أقام سنة فهو مكي» «3» الحديث.

و الذي بني عليه جمع من الفقهاء رضوان اللّٰه تعالي عليهم سقوط الطائفة الثانية عن الحجية لإعراض الأصحاب عنها و تركهم العمل بها فالعمل يكون علي طبق الطائفة الاولي.

و لكن بعض الأعاظم حيث لا يري إعراض الأصحاب عن الرواية الصحيحة وجهاً لتركهم، ردّ ذلك البناء كبروياً و زاد أنه هنا غير تام صغروياً لعمل

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب أقسام الحج، ح 8.

(2)- معتمد العروة: 2/ 209.

(3)- وسائل الشيعة: ب 9 من ابواب أقسام الحج، ح 9.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 269

صاحب الجواهر بها «1».

و فيه: أمّا مناقشته في الكبري فهو و بناؤه و أمّا الصغري فما

صدر منه في الخدشة فيها ظاهر البطلان فإن ما به يتحقق الإعراض عن الحديث الصحيح الذي قالوا عنه: (كلما ازداد صحة ازداد ضعفاً بالإعراض عنه) هو ترك العمل به من القدماء المقاربين لعصر الأئمة عليهم السّلام و أصحابهم و أرباب جوامع الحديث لا مثل صاحب الجواهر (المتوفي في 1266) و أما القاضي ابن البرّاج (المتوفي 481) صاحب «جواهر الفقه»، فلم نجد له التعرض لتلك المسألة في كتابه فيا ليته قال في مقام المناقشة في الصغري إن إعراض القدماء من الطائفة الثانية لم يثبت كما يظهر من ملاحظة كلماتهم.

و كيف كان فالذي بني عليه أن الروايات متعارضة متكافئة فالمرجع يكون عموم ما دل علي أن النائي وظيفته التمتع و لم يثبت تخصيصه بالمجاور في سنة واحدة و قال: (نعم إذا تجاوز عن السنتين فلا كلام في انقلاب فرضه إلي الإفراد لأنه القدر المتقين من التخصيص و في غير ذلك فالمرجع عموم ما دل علي أن البعيد وظيفته التمتع) «2».

و فيه: منع تكافؤ الطائفتين لترجيح ما يدل علي توقف انقلاب الفرض علي إقامته سنتين علي ما يدل علي إقامة السنة بموافقة الاولي للكتاب فهو أيضاً في نهاية المطاف يتفق مع الذين يحتجون بأحاديث السنتين و يرجحونها علي أخبار السنة و اللّٰه العالم.

______________________________

(1)- معتمد العروة: 2/ 210.

(2)- معتمد العروة 2/ 211.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 270

يمكن أن يقال: إن هذه الأحاديث وردت لبيان ما هو الموضوع بحسب العرف للحكم و بعبارة اخري بيان مصاديق من لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام أو من كان أهله من حاضريه عند العرف لا إلحاق من لم يكن عند العرف من أهل مكة و لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام إلي من

كان من أهلها.

و بعبارة اخري لم ترد لتوسعة موضوع أحدهما و تضييق دائرة موضوع الآخر تعبداً فإن ذلك بعيد جدّاً.

إذاً فيمكن أن يقال: إن الاختلاف الواقع في الروايات نشأ من اختلاف الأشخاص و ملاحظة اختلاف أحوالهم فإنه بذلك يصدق علي بعضهم كونه من أهل مكة بعد مجاورتها ستة أشهر، و علي بعضهم بعد سنة و علي بعضهم لا ينطبق إلا بعد سنتين.

فعلي هذا بالنسبة إلي ما قبل سنتين إذا كان الحال علي نحو يكون الشخص محسوباً من أهل مكة فهو و إلّا ففرضه التمتع و أمّا بالنسبة إلي بعد السنتين ففرضه فرض المكي لاتفاق الروايات عليه و بعبارة اخري مجرد مضي سنتين علي إقامته يكفي في انقلاب الفرض و مضي نحواً من سنة أيضاً يكفي إذا كان مقترناً بوضع و حالة من الشخص يكون به معدوداً من أهل مكة و يمكن الاستشهاد علي ذلك بقوله عليه السلام في بعض هذه الروايات: «سنة أو سنتين» فيكون السنة أقل مدة من المجاورة يمكن أن يصدق بها علي النائي المكي حتي إذا بلغت سنتين فإنه بمجردها معدود صاحبها من أهل مكة و علي هذا فالأمر بين السنة إلي السنتين موكول إلي العرف و كان الإمام عليه السلام أيضاً أحال ذلك إلي العرف.

و علي كل حال فالحكم بالنسبة إلي قبل السنة التمتع و بعد السنتين الإفراد فإن احتاط فيما بين ذلك بما ذكرنا صورته فهو اولي بل لا ينبغي تركه و اللّٰه هو العالم.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 271

تتمة- فهل إنا- و لو لم نقل بإعراض الأصحاب عما دلّ علي أن الاعتبار في انقلاب الفرض يكون علي إقامة سنة-، يمكن أن نقول بعدم تعارضه مع مثل صحيحي زرارة و

عمر بن يزيد لإمكان الجمع الدلالي العرفي بينهما؟

بيان ذلك: أن لمثل قوله عليه السلام في رواية محمد بن مسلم عن أحدهما عليه السلام: «من أقام بمكة سنة فهو بمنزلة أهل مكة» مدلولين: أحدهما إيجابي و هو دخالة اقامة سنة في انقلاب الفرض و الحديث نص فيه لا يحتمل فيه غير ذلك و ثانيهما سلبي و هو عدم دخل الزائد علي السنة في الحكم و الحديث ظاهر فيه.

و صحيحي زرارة و عمر بن يزيد مثل «من أقام بمكة سنتين فهو من أهل مكة» مدلولهما الإيجابي دخل سنتين في الانقلاب و هو نص فيه. فنرفع اليد عن مدلول رواية محمد بن مسلم السلبي الذي هي ظاهرة فيه بمدلول صحيحي زرارة و عمر بن يزيد الإيجابي الذي هما نصان فيه.

أقول: في الحكم بالتعارض و عدمه الحاكم هو العرف و العرف حاكم بتعارض قوله في مقام التحديد: «من أقام بمكة سنة فهو من أهل مكة» مع قوله:

«من أقام بمكة سنتين فهو من أهل مكة» فإن العرف يري أن المتكلم يكون في مقام بيان كل ماله دخل في الموضوعية و تمام الموضوع لانقلاب الفرض، لا ماله دخل ما و هذا واضح.

فروع
اشارة

ثمّ إن هنا فروع:

الأول أنه هل هذا الحكم مختص بمن استطاع للحج بعد إقامته في مكة

أو يعمه و من استطاع له قبل إقامته و لم يأت بفرضه و سوّف حتي مضي عليه سنتان؟ قال في العروة: (فلا إشكال في بقاء حكمه (يعني وجوب التمتع

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 272

عليه إذا استطاع قبل إقامته، فلا ينقلب فرضه) سواء كانت إقامته بقصد التوطن أو المجاورة و لو بأزيد من سنتين). و ظاهر البعض حكاية الإجماع علي ذلك.

و الذي يمكن أن يقال: إن إطلاق مثل قوله عليه السلام: «من أقام بمكة سنتين فهو من أهل مكة لا متعة له» و قوله عليه السلام: «المجاور بمكة يتمتع بالعمرة إلي الحج إلي سنتين فإذا جاور سنتين كان قاطناً و ليس له أن يتمتع» يشمل من استطاع للحج قبل إقامته كما يشمل المقيم الذي استطاع في أثناء هذه المدة قبل إكماله سنتين.

و دعوي انصراف الإطلاق إلي من استطاع للحج بعد إقامته في مكة بل بعد إقامته تمام سنتين و وجوب الأخذ بالقدر المتيقن في تخصيص العام، «1» لا وجه له و مع ذلك الأحوط الإتيان بالحج بصورة يحصل له العلم بفراغ ذمته عن التكليف.

الثاني: الظاهر أن الاستطاعة المعتبرة في وجوب الحج علي المقيم بعد تمام سنتين هي الاستطاعة لفرض المكي

فيجب عليه هذا الفرض و إن لم يكن مستطيعاً للحج التمتع من بلده أو من مكة فهو مثل من استطاع للحج في أثناء الطريق أو عند الميقات فلا يعتبر في استطاعته تمكنه من المسير من بلده فالذي يستطيع للحج من مكانه الذي هو فيه يكون مستطيعاً لا يعتبر في حصولها أن يكون مستطيعاً له من ابتداء المسافة التي قطعها إلي المكان الذي هو فيه كما لا يجب عليه أن يرجع إلي وطنه و مكانه الأول ثمّ ينشأ السفر إلي مكة.

نعم بالنسبة إلي منتهي أمره تلاحظ مئونة رجوعه إلي وطنه إن كان مريداً

لترك المجاورة و الرجوع فإن كان بذل ما يتوقف عليه أداء الحج مانعاً من تمكنه من الرجوع ليس مستطيعاً فالمسألة تدور مدار حكم العرف بالاستطاعة و عدمها فمن

______________________________

(1)- راجع معتمد العروة: 2/ 213.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 273

كان باقياً علي مجاورته لا يحتاج إلي مئونة العود و من كان يريد العود و ترك المجاورة يعتبر في استطاعته مئونة العود و اللّٰه هو العالم.

الثالث: المكي إذا أخرج إلي بعض الأمصار و أقام فيه و جاوره إلي سنتين أو أزيد لا ينقلب وظيفته إلي وظيفة النائي.

لعدم الدليل علي ذلك فلا يقاس بالنائي نعم إذا توطن في غير مكة يلحقه حكم الوطن و يجب عليه التمتع.

هذا إن قلنا بأن الحكم في النائي المجاور بمكة يكون مبنياً علي التعبد و أما إن قلنا إنه من باب حكم العرف بأن المجاور في مكان إلي سنتين يعد من أهله فلا بدّ أن نقول به في هذه المسألة أيضاً بانقلاب فرض المكي إلي فرض النائي و علي هذا لا يجوز ترك الاحتياط.

[مسألة 6] حكم ميقات المقيم بمكة إذا وجب عليه التمتع

مسألة 6- المقيم في مكة المكرمة إذا وجب عليه حج التمتع كما إذا استطاع للحج قبل انقلاب فرضه إلي فرض المكّي يجب عليه أن يخرج إلي الميقات لإحرام عمرة التمتع و لكن قد وقع الاختلاف في أنه هل له ميقات معين كميقات أهل بلده و مهلّ أرضه فلا يجزيه الإحرام عن غيره أو أنه مخيّر بين الخروج إلي أحد المواقيت أو يكفيه الإحرام من أدني الحلّ في المسألة أقوال.

فالأول مختار المفيد في المقنعة «1» و أبي الصلاح في الكافي «2» و الشيخ في

______________________________

(1)- المقنعة/ 396.

(2)- الكافي/ 202

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 274

النهاية «1» و ابن سعيد في الجامع «2» و ابن زهرة في الغنية «3» و المحقق في النافع «4» و العلامة في جملة من كتبه. «5»

و الثاني عزي إلي الشهيد في الدروس «6» و الشهيد الثاني في المسالك «7» و الروضة «8» و غيرهما كالمحقق في الشرائع. «9»

و الثالث منقول عن الحلبي و هو إن كان ابن زهرة، فقد عرفت منه خلاف ذلك و أن مختاره القول الأول و عن المدارك: أنه يحتمل قويّاً «10» و عن الكفاية: أنه استحسنه «11» و عن الأردبيلي: أنه استظهره. «12»

و الذي يقتضيه الأصل في المسألة

هو الأخذ بالاحتياط بالإحرام من مهل أرضه لأنه لا يحصل اليقين بالفراغ و براءة الذمة إلّا به لدوران الأمر بين التعيين و التخيير.

و أمّا بحسب الأدلة: فاستدل للقول الأول بما رواه شيخنا الكليني قدس سره عن

______________________________

(1)- النهاية/ 211.

(2)- الجامع/ 178.

(3)- الغنية/ 155.

(4)- المختصر النافع/ 80.

(5)- تحرير الاحكام: 1/ 565

(6)- الدروس الشرعية: 1/ 342.

(7)- مسالك الافهام، 2/ 221

(8)- الروضة البهية: 2/ 223.

(9)- شرايع الاسلام: 1/ 178

(10)- مدارك الاحكام: 7/ 235.

(11)- الكفاية للسبزواري/ 58.

(12)- مجمع الفائدة: 6/ 171.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 275

الحسين بن محمّد «1» عن معلي بن محمّد «2» عن الحسن بن علي «3» عن أبان بن عثمان «4» عن سماعة «5» عن أبي الحسن عليه السلام قال: «سألته عن المجاور أله أن يتمتع بالعمرة إلي الحج؟ قال عليه السلام: نعم يخرج إلي مهلّ أرضه فيلبي إن شاء». «6» فإن قوله عليه السلام: «يخرج إلي مهل أرضه فيلبي إن شاء» يدل علي أن ميقاته لحج التمتع مهل أرضه سواء كان حجة الاسلام أو غيرها.

و استشكل فيه، أولًا بضعف سنده بالمعلي بن محمد البصري الموصوف بأنه مضطرب الحديث و المذهب و يروي عن الضعفاء. «7»

و ثانيا بضعف دلالته من جهة قوله عليه السلام: «إن شاء» لظهور التعليق بالمشية في عدم الوجوب. «8»

و أجيب عن ضعف سنده بانجباره بالعمل و بأنه من رجال كامل الزيارات، و أن اضطراب الحديث معناه رواية الغرائب، و أن الاضطراب في المذهب لا يضر إذا كان الشخص ثقة في نفسه. «9»

______________________________

(1)- ابن عمار بن عمران الأشعري أبو عبد اللّٰه من الثامنة ثقة له كتاب.

(2)- البصري من السابقة وصف بأنه مضطرب الحديث و المذهب و كتبه قربية (جش) و عن ابن الغضائري يروي

عن الضعفاء.

(3)- ابن زياد الوشاء من السادسة عين من وجوه الطائفة له كتب.

(4)- الأحمر البجلي من الخامسة و من الناوسية و من الذين أجمعت العصابة علي تصحيح ما يصح عنه.

(5)- ابن مهران الحضرمي من الخامسة ثقة واقفي له كتاب.

(6)- وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب اقسام الحج ح 1.

(7)- رياض المسائل 6/ 168.

(8)- معتمد العروة: 2/ 219.

(9)- معتمد العروة: 2/ 219.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 276

أقول: أما انجبار ضعف سنده بالعمل، فقد عرفت أنه معمول به، عمل به المفيد و أبي الصلاح و الشيخ و غيرهم اللهم إلا أن يقال: إن كونهم مستندين في فتواهم إلي هذا الخبر، غير ثابت فلعلهم أفتوا بوجوب الإحرام من مهل أرضه للأصل و لكونه موافقاً للاحتياط.

و أما الاستناد لإثبات وثاقة المعلي بن محمد بكونه من رجال كامل الزيارات، فقد عدل القائل بتلك الكلية عنها و يؤيد صحة الاعتماد عليه بعمل الأصحاب رواية عدة من الشيوخ الأجلاء عنه و أنه من أرباب الكتب و وصفه الشيخ في الفهرست و قال: (له كتب منها كتاب الإيمان و درجاته و منازله و زيادته و كتاب الكفر و وجوهه و كتاب الدلائل و كتاب الإمامة). «1»

و أما تفسير الاضطراب في الحديث برواية الغرائب فالظاهر أنه خلاف ما اصطلح عليه أهل فنّ الدراية و الحديث فإن الحديث المضطرب عندهم ما اختلف راويه سواء كان واحداً أو متعدداً في لفظه أو في سنده فيرويه مرة علي وجه و مرة علي وجه اخري و عن البعض: (المضطرب ما روي علي اوجه مختلفة متدافعة علي التساوي في الاختلاف من راو واحد). و في اختصار علوم الحديث: (هو أن يختلف الرواة علي شيخ بعينه أو من وجوه آخر

متعادلة لا يترجح بعضها علي بعض و قد يكون تارة في الاسناد و قد يكون في المتن).

و أما تفسير مضطرب الحديث برواية الغرائب فلم أجده فيما رجعنا إليه من كتب الدراية و علم مصطلحات الحديث. نعم يوجد في كلماتهم تعريف الحديث الغريب بأنه قد يتفرد بالمتن كأن يتفرد برواية راو واحد أو بالسند كما إذا كان

______________________________

(1)- الفهرست/ 165.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 277

الحديث محفوظا و مروياً من وجه آخر أو وجوه و لكن بإسناد خاص كان غريبا فعلي هذا يمكن أن يكون اضطراب الشخص في الحديث كاشفاً عن سوء الحفظ فلا يعتمد عليه.

فإن قلت: هذا الذي ذكرت هو تعريف للحديث المضطرب و صفة للحديث و ليس تعريف مضطرب الحديث الذي هو من صفات الراوي فمن يروي الحديث الذي اختلفت رواته أو راويه، ليس مضطرب الحديث غاية الأمر يكون راويا للحديث المضطرب فالضعف إن كان، فيما يرويه لا في روايته فلا يضر ذلك برواياته المستقيمة. اللهم إلا أن يقال: إن توصيف الشخص بذلك إنما يصح إذا كان أكثر ما يرويه الأحاديث المضطربة.

قلت: يوصف الراوي بأنه مضطرب الحديث لروايته سنداً أو متناً تارة بصورة كذا و اخري بصورة اخري فهو مضطرب الحديث و إن كان الحديث المضطرب يطلق علي هذا و علي ما اختلف رواية في سنده أو لفظه.

و بالجملة، فاللازم الاستقصاء عن ذلك هل استقر اصطلاحهم في الحديث المضطرب علي ما كان في متنه أو سنده غرابة و في مضطرب الحديث علي من كان في حديثه غرابة؟

فإن كان الثاني، فلا يدل غرابة ما يرويه علي ضعفه و ضعف روايته ما ليست فيه الغرابة و إن كان المراد الأول كما هو الظاهر فهو يدل علي الضعف لدلالته

علي سوء الحفظ.

نعم، الاضطراب في المذهب إذا كان الشخص ثقة بنفسه، لا يضر كما لا يضر روايته عن الضعفاء بما رواه عن الأقوياء.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 278

نعم، لا تكون روايته عمن لم تثبت وثاقته دليلًا علي وثاقته و اللّٰه هو العالم.

هذا كله في ما يرجع إلي سند الحديث.

و أما دلالته، فضعفت بدلالة قوله «ان شاء» علي عدم الوجوب. و فيه: أنه إن كان راجعاً إلي الخروج يدل علي عدم وجوب كون الإحرام من مهل أرضه فهو إن شاء الخروج يحرم منه و إن لم يشأ يحرم من أدني الحل، بخلاف ما إذا كان راجعاً إلي التمتع، فإنه يدل علي وجوب كون الإحرام من مهل أرضه، فإن شاء التمتع يحرم منه و إن لم يشاء لم يحرم و لا يتمتع. بل يمكن أن يكون راجعاً إلي قوله «فيلبي» يعني إن شاء أن يلبي و يحج.

و الظاهر أنه راجع إما إلي التمتع أو التلبية و علي كل واحد منهما يكون الخبر ظاهراً في وجوب الإحرام من مهل أرضه، و أما إن كان راجعاً إلي الخروج يكون معناه أراد أن يخرج إلي مهل أرضه فيحرم منه و إلا فمن ميقات آخر أو أدني الحل فلا يدل علي وجوب الإحرام من مهل أرضه.

و يبعد هذا الاحتمال أن السؤال لم يقع عن جواز الخروج إلي مهل أرضه و عدمه فعلًا أو تركاً بل وقع عن جواز التمتع للمجاور فإذا كان يجوز له التمتع من مهل أرضه و سائر المواقيت و إلا أدني الحل، فما وجه اختصاص ذلك بالذكر؟

و استدل للقول الثاني بما في موثقة سماعة رواها الصدوق قدس سره بإسناده عن سماعة بن مهران عن أبي عبد اللّه عليه

السلام قال عليه السلام فيها: «فإن هو (يعني المجاور) أحب أن يتمتع في أشهر الحج بالعمرة فليخرج منها حتي يجاوز ذات عرق أو يجاوز عسفان فيدخل متمتعاً بالعمرة إلي الحج فإن هو أحب أن يفرد الحج فليخرج إلي الجعرانة فيلبي

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 279

منها» «1».

وجه الاستدلال به: أنا و إن لم نتحصل ما اريد من مجاوزته عسفان و أنه واقع في أحد المواقيت أو مكان آخر إلا أنه يكفي في الاستدلال قوله عليه السلام: «حتي يجاوز ذات عرق» و هي آخر العقيق الذي هو ميقات أهل نجد و العراق، لأنه يستفاد منه جواز الخروج إلي ميقات من المواقيت و إن لم يكن ميقات أهل بلده لعدم خصوصية لذات عرق و العقيق.

و استدل للقول الثالث بروايات: منها صحيح الحلبي الذي أخرجه الشيخ بإسناده عنه و قد ذكرناه في المسألة السابقة و فيه: «فإذا أقاموا (يعني القاطنين بمكة) شهراً فإن لهم أن يتمتعوا فقلت: من أين؟ قال عليه السلام يخرجون من الحرم قلت: من أين يهلون بالحج؟ فقال عليه السلام: من مكة نحواً مما يقول الناس» «2»

و منها رواية سماعة التي أخرجها الكليني قدس سره عن علي بن إبراهيم «3» عن أبيه «4» عن إسماعيل بن مرار «5» عن يونس «6» عن سماعة «7» عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «المجاور بمكة إذا دخلها بعمرة في غير أشهر الحج في رجب أو شعبان أو رمضان أو غير ذلك من الشهور إلا أشهر الحج فإن أشهر الحج شوال و ذو القعدة و ذو الحجة من دخلها بعمرة في غير أشهر الحج ثمّ أراد أن يحرم فليخرج إلي الجعرانة فيحرم

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب أقسام

الحج ح 2.

(2)- وسائل الشيعة: باب 9 من أبواب أقسام الحج ح 3.

(3)- من صغار الثامنة.

(4)- من السابعة.

(5)- من السابعة مسكوت عنه. نعم هو من رجال تفسير علي بن إبراهيم و من مشايخ أبيه.

(6)- ابن عبد الرحمن من السادسة مشهور معروف.

(7)- من الخامسة.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 280

منها» الحديث. «1»

و منها صحيح عمر بن يزيد الذي رواه الصدوق بإسناده عنه عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «من أراد أن يخرج من مكة ليعتمر أحرم من الجعرانة أو الحديبية أو ما أشبهها» «2» و لكن أورد عليه بأن الظاهر منه وروده في العمرة المفردة.

و استشكل في هذه الروايات بعدم القائل بها إلا ما نقل عن الحلبي و إن لم نتحصله.

و لكن يمكن أن يقال: إن مجرد الفتوي بوجوب الخروج إلي مهل أرضه لا يثبت عملهم بما دل علي وجوب الخروج إلي ميقات أهله و بلده، كما لا يدل علي إعراضهم عما يدل علي التخيير بين المواقيت أو بينها و بين أدني الحل فلعل ذلك كان منهم لمجرد الاحتياط لما رأوا تعارض الروايات و عدم ترجيح بعضها علي بعض.

و الذي ينبغي أن يقال: إن الطائفة الثالثة لو لا إشكال إعراض المشهور عنها لا خدش فيها، لا من حيث السند لاعتبار بعضها و لا من حيث الدلالة.

و أما الطائفة الأولي فحجيتها تتوقف علي جبر ضعف سندها بالعمل و الطائفة الثانية فلا يستفاد منها خصوصية الخروج إلي الميقات، فضلًا عن الخروج إلي خصوص ذات عرق و يمكن أن يكون المراد منها بقرينة قوله أو عسفان الخروج إلي خارج الحرم.

و علي هذا يمكننا أن نقول بالجمع بين الطوائف الثلاثة، لأن الطائفة الاولي

______________________________

(1)- وسائل الشيعة ب 8 من أبواب أقسام

الحج ح 2.

(2)- وسائل الشيعة: باب 22 من أبواب المواقيت ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 281

صريحة في إجزاء الإحرام من مهل أرضه و ظاهرة في عدم الإجزاء عن غيره و الطائفة الثانية أيضاً تدل علي إجزاء الإحرام من أحد المواقيت و ظاهرة أو مشعرة بعدم الإجزاء من غيره كأدني الحل و أما الطائفة الثالثة فتدل بالنص علي إجزاء الإحرام من أدني الحل، فمقتضي حمل الظاهر علي النص و جعل الأظهر قرينة علي المراد من الظاهر الأخذ بما هو الطوائف الثلاثة نص فيه و هو إجزاء مهل أرضه و أحد المواقيت و أدني الحل و رفع اليد عما هو ظاهر الطائفة الأولي بما هو نص الطائفة الثانية و رفع اليد عن ظاهر الطائفة الثانية بنص الطائفة الثالثة.

إذاً فالأقوي كفاية الإحرام من أدني الحل و إن كان الأحوط الإحرام من أحد المواقيت و أحوط منه الإحرام من مهل أرضه. و اللّٰه هو العالم

[مسألة 7] طواف النساء في العمرة المتمتع بها

مسألة 7- قد ذكر الفقهاء- رضوان اللّٰه تعالي عليهم- صورة حج التمتع إجمالًا و اقتفي اثرهم السيد الفقيه صاحب العروة قدس سره و سيأتي إنشاء اللّٰه تعالي بيانها بالتفصيل و من المسائل التي تعرضوا لها مسألة طواف النساء في العمرة المتمتع بها إلي الحج و ذكروا أن المتسالم عليه عدم وجوبه بل قيل: لا خلاف فيه بل الإجماع عليه و في الجواهر: قد استقر عليه المذهب الآن بل و قبل الآن). «1»

و قال الشهيد قدس سره في الدروس: (و نقل عن بعض الأصحاب أن في المتمتع بها طواف النساء و في المبسوط الأشهر في الروايات عدمه) «2» و أشار إلي رواية سليمان

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 18/ 8.

(2)- الدروس الشرعية: 1/ 329.

فقه الحج (للصافي)، ج 2،

ص: 282

بن حفص عن الفقيه عليه السلام: «المتمتع إذا قصر فعليه لتحلة النساء طواف و صلاة». «1»

و إليك لفظ الشيخ بعينه في المبسوط قال: (و طواف النساء فريضة في الحج علي اختلاف ضروبه و في العمرة المبتولة و ليس بواجب في العمرة التي يتمتع بها إلي الحج علي الأشهر في الروايات). «2»

أقول: من هذه الروايات ما رواه الكليني رضوان اللّٰه عليه عن محمد بن يحيي «3» عن محمد بن أحمد «4» عن محمد بن عيسي «5» قال: «كتب ابو القاسم مخلد بن موسي الرازي «6» إلي الرجل يسأله عن العمرة المبتولة هل علي صاحبها طواف النساء و العمرة التي يتمتع بها إلي الحج فكتب: أمّا العمرة المبتولة فعلي صاحبها طواف النساء، و أمّا التي يتمتع بها إلي الحج فليس علي صاحبها طواف النساء» «7».

و أخرج هذا الحديث الشيخ في التهذيب عن محمد بن أحمد بن يحيي عن محمد بن عيسي «8» و في موضع آخر: محمد بن يعقوب عن محمد بن يحيي عن محمد بن أحمد عن محمد بن عيسي و فيها بزيادة (عليه السلام) بعد الرجل و زيادة «(عن) علي العمرة التي …». «9»

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 82 من ابواب وجوب طواف النساء ح 7 لأن عليه لتحلة النساء طوافاً و صلاة.

(2)- المبسوط: 1/ 360.

(3)- العطار أبو جعفر القمي من الثامنة شيخ أصحابنا … له كتب.

(4)- ابن يحيي بن العمران الأشعري بن كبار الثامنة جليل القدر كثير الرواية.

(5)- ابن عبيد اللّٰه اليقطين من السابعة جليل القدر حسن التصانيف.

(6)- لعله من السابعة الظاهر أنه محل الاعتماد.

(7)- الكافي: 4/ 538، ح 9.

(8)- تهذيب الاحكام: 5/ 163، ح 545.

(9)- تهذيب الأحكام: 5/ 254، ح 861.

فقه الحج (للصافي)،

ج 2، ص: 283

و الظاهر أنه سقط من الأول (محمد بن يعقوب) أو عنه و كذا بين محمد بن يحيي أو محمد بن أحمد بن يحيي و محمد بن عيسي، سقط محمد بن أحمد.

و في الاستبصار أخرجه عن محمد بن يعقوب عن محمد بن يحيي عن أحمد بن محمد عن محمد بن عيسي بلفظ الكافي «1».

و الظاهر أن الراوي عن محمد بن عيسي هو محمد بن أحمد كما هو في الكافي و في موضع من التهذيب و إن كان يجوز أن يكون أحمد بن محمد أيضاً فهو أحمد بن محمد بن خالد البرقي فهو أيضاً من الطبقة السابعة له الرواية عن محمد بن عيسي و يروي عنه محمد بن يحيي.

و علي كل حال فدلالته علي عدم طواف النساء في العمرة التي يتمتع بها إلي الحج ظاهرة.

و منها ماروا الشيخ بإسناده عن محمد بن الحسن الصفّار «2» عن محمد بن عبد الجبار «3» عن العباس «4» عن صفوان بن يحيي «5» قال: «سأله أبو حرث «6» عن رجل تمتع بالعمرة إلي الحج فطاف و سعي و قصر هل عليه طواف النساء؟ قال: لا إنّما طواف النساء بعد الرجوع من مني». «7»

______________________________

(1)- الاستبصار: 2/ 232، ح 804.

(2)- من الثامنة قمي له كتب.

(3)- من كبار السابعة قمي ثقة.

(4)- من كبار السابعة فقه.

(5)- من السادسة ثقة ثقة روي عن أربعين رجلًا من أصحاب الصادق.

(6)- من السادسة.

(7)- وسائل الشيعة: ب 82 من أبواب الطواف، ح 6.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 284

و قد عدّ في الجواهر من النصوص الدالة علي ذلك ما فيه بيان كيفية التمتع دون أن يذكر فيه طواف النساء بعد العمرة مثل صحيح زرارة قال: «قلت لأبي جعفر عليه

السلام:

كيف أتمتع؟ قال: تأتي الوقت فتلبي بالحج فإذا دخلت مكة طفت بالبيت و صليت ركعتين خلف المقام و سعيت بين الصفاء و المروة و قصّرت و أحللت من كل شي ء و ليس لك أن تخرج من مكة حتي تحج «1» و مثله صحيح معاوية بن عمّار و «2» و خبر عبد اللّه بن سنان «3» و خبر عمر بن يزيد «4» و حسن الحلبي «5» و خبر الحلبي «6».

و بإزاء هذه الروايات رواية سليمان بن حفص التي رواها الشيخ في التهذيب عن محمد بن عيسي عن سليمان بن حفص المروزي «7» «عن الفقيه عليه السلام قال: إذا حج الرجل فدخل مكة متمتعاً فطاف بالبيت فصلي ركعتين خلف مقام ابراهيم عليه السلام و سعي بين الصفا و المروة و قصر فقد حل له كل شي ء ما خلا النساء لأن عليه لتحلة النساء طوافاً و صلاة» «8» الدّالة علي وجوب طواف النساء و صلاته في العمرة المتمتع بها إلي الحج.

و لكن و إن عبر عنها بعض الأعاظم «9» بالمعتبرة لوقوع سليمان بن حفص

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 22 من أبواب الإحرام ح 3

(2)- وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب التقصير، ح 4.

(3)- وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب التقصير، ح 2.

(4)- وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب التقصير، ح 3.

(5)- وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب التقصير، ح 2.

(6)- وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب التقصير، ح 4.

(7)- من السادسة او السابعة.

(8)- تهذيب الأحكام: 5/ 162.

(9)- معتمد العروة: 2/ 227.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 285

المروزي في أسناد كامل الزيارات، رميت بالشذوذ و ضعف السند من غير جابر ثمّ سقوطها عن الحجية بمعارضة ما هو أقوي منها معها و

ترك الأصحاب العمل بها.

مضافاً إلي وقوع الاضطراب في لفظه و مضمونه فإن الشيخ أخرجها في الاستبصار «1» بإسناده عن الصفار عن محمد بن عيسي عن سليمان بن حفص و ليس «و قصر» و عليه لا ترتبط الرواية بطواف النساء في عمرة التمتع فلا بد أن يحمل علي المتمتع الذي دخل مكة و أتم عمرة التمتع و حج و أتي بالمناسك إلي أن سعي بين الصفا و المروة فإنه يحل له ما حرم عليه بالحلق في مني قبل الطواف و التقصير إلا النساء.

فإن قلت: يدل علي عدم زيادة قوله: «و قصر» أن الإحلال في العمرة يحصل بعد القصر و أما في الحج فيحصل بعد الحلق قبل الطواف و السعي و إذا كان الكلام راجعا إلي الحج يلزم أن لا يحصل الإحلال بالحلق و يكون بالطواف و السعي و هو خلاف ما هو المسلم عندهم فليكن هذا دليل علي إسقاط كلمة «و قصر» في الاستبصار.

قلت: قيل «2» في الجواب عن هذا: إن الحلية في الحج و إن كانت تثبت بالحلق في كثير من محرمات الإحرام إلا أن حلية كلها ما عدا النساء إنما تكون بالطواف و السعي ففي صحيحة معاوية بن عمار: «فإذا زار البيت و طاف و سعي بين الصفا و المروة فقد أحل من كل شي ء أحرم منه إلا النساء» «3» مع أن الحلية في الجملة ثابتة قبل ذلك بالحلق و في صحيحة منصور ابن حازم: «عن رجل رمي و حلق أ يأكل شيئا

______________________________

(1)- الاستبصار 2/ 244 ح 853.

(2)- معتمد العروة: 2/ 228.

(3)- وسائل الشيعة: ب 13 من أبواب الحلق و التقصير ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 286

فيه صفرة؟ قال: لا حتي يطوف بالبيت

و بين الصفا و المروة ثمّ قد حل له كل شي ء». «1»

أقول: في صدر صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا ذبح الرجل و حلق فقد أحل من كل شي ء أحرم منه إلا النساء و الطيب». فيستفاد منه و من صحيحة منصور بن حازم أنه إذا حلق حل له كل شي ء إلا الطيب و النساء و إذا زار البيت و طاف و سعي حل له الطيب أيضاً ثمّ إذا طاف طواف النساء فقد أحل من كل شي ء.

و لكن بعد ذلك كله لا تطمئن النفس بكون زيادة كلمة «و قصر» من قلمه الشريف في التهذيب فإن ذلك يجوز إذا كان السهو و عدم التفاته بما كتب محتملا، لكن بعد ما نري أنه كان ملتفتا إلي مدلول هذا الحديث بما أن فيه هذه الكلمة و لذا قال في المبسوط: (في أشهر الروايات) «2» و صار في التهذيب في مقام رفع منافاته مع ما يدل علي عدم تشريع طواف النساء في العمرة المتمتع بها الي الحج كيف نرميه بالسهو؟

و مما ذكره في التهذيب في رفع المنافاة و الجمع بين هذه الرواية و سائر الروايات أيضا تستفاد زيادة كلمة «و قصر» غير أنها ليست من قلمه الشريف و إنما وقعت من بعض النساخ و إليك قوله في رفع التنافي قال- بعد ذكر خير سليمان بن حفص-: (فليس بمناف لما ذكرناه لأنه ليس في الخبر أن الطواف و السعي الذين ليس له الوطء بعدهما إلا بعد طواف النساء أ هما للعمرة أو للحج فإذا لم يكن في الخبر ذلك حملناه علي من طاف و سعي للحج فإنه لا يجوز له أن يطأ النساء و يكون

هذا

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 13 من ابواب الحلق التقصير ح 2.

(2)- المبسوط: 1/ 364.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 287

التأويل أولي لأن قوله عليه السلام في الخبر علي جهة التعليل: «لأن عليه لتحلة النساء طوافاً و صلاة» يدل علي ذلك لأن العمرة التي يتمتع بها إلي الحج لا يجب فيها طواف النساء و إنما يجب طواف النساء في العمرة المبتولة أو الحج). «1»

و لا يخفي أن استدلاله علي عدم ارتباط الخبر بطواف النساء في عمرة التمتع إنما يتم إذا لم تكن في الخبر كلمة «و قصر» و إلا لا يستقيم ما أفاده قدس سره أصلا و علي هذا فالظاهر أن كلمة «و قصر» زيدت من بعض النساخ و يبطل بذلك القول بدلالة الحديث علي وجوب طواف النساء في عمرة المتمتع بها.

و بعد ذلك كله لو قلنا بثبوت كلمة «و قصّر» في الرواية لا يتم الاحتجاج بها، لعدم ثبوت عامل بها و استقرار العمل بما يعارضها.

مضافاً إلي ضعف سندها و لو أغمضنا عن ذلك فهي ساقطة عن الحجية بالمعارضة بتلك الروايات الكثيرة و لو فرض الغض عنها لسقوط الطائفتين بالتعارض يكفي في القول بعدم الوجوب الأصل.

فإن قلت: إن الأصل يرفع وجوب الطواف و أما حرمة الوطي فهي باقية علي حالها لا ترفع بأصالة البراءة عن التكليف بطواف النساء فتستصحب تلك الحرمة.

قلت: يجري الأصل في حرمة الوطي أيضاً فإنّ كل واحد من محرمات الإحرام تنحل إلي محرمات مستقلة كثيرة حسب أفراد المحرم و الشك في كل فرد منها شك في التكليف يجري فيه البراءة فالوطي حرام علي المحرم حتي يقصر لا شك فيها و بعد التقصير إذا شككنا في حرمته، الأصل البراءة عنه و اللّٰه العالم.

______________________________

(1)- تهذيب الأحكام:

5/ 162.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 288

تنبيه: ظاهر عباراتهم إلّا ما حكي عن أبي الصلاح، تقديم الحلق أو التقصير علي طواف النساء في العمرة المبتولة و ظاهر عبارة العروة هنا تقديم الطواف علي التقصير و لا وجه له فكأنه لم يكن في مقام بيان محل طواف النساء.

و قد ذكر بعض الأعاظم في وجه ذلك أنه بناءً علي احتمال وجوب طواف النساء في عمرة حج التمتع الجمع بين هذا الاحتمال و ما ورد في روايات كثيرة من أن المعتمر بها بعد ما قصر حلّ له كل شي ء يقتضي الإتيان بطواف النساء و صلاته قبل التقصير و بعبارة اخري مع هذه الروايات لو كان طواف النساء واجباً في عمرة حج التمتع لا بدّ و أن يكون قبل التقصير قال: (ما دل من المستفيضة علي أن يحل له كل شي ء بالتقصير يدل بالدلالة الالتزامية علي تقدم طواف النساء علي التقصير و إلّا فلا يحل له كل شي ء بالتقصير). «1»

أقول: لا نحتاج إلي مثل هذا التكلف في توجيه كلامه بعد ظهور مرامه.

______________________________

(1)- معتمد العروة: 2/ 229.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 291

[الكلام في شروط حج التمتع]

اشارة

الكلام في شروط حج التمتع

[الشرط الأول النية]

اشارة

الشرط الأول

قال المحقق قدس سره في الشرائع: «و شروطه أربعة: النية …» «1» و قال الشهيد أعلي اللّٰه درجته في الدروس: «شروط التمتع أربعة: النية، و الإحرام بالعمرة في الأشهر و الحج في سنة و الإحرام بالتمتع من مكة» «2» و المراد بالنية نية الإحرام، و يظهر من سلّار أنها نية الخروج إلي مكة «3»، و في المبسوط: «الأفضل أن يقارن الإحرام فإن فاتت جاز تجديدها إلي وقت التحلل» «4».

قال في المبسوط: «و السادس النيّة، و فيها خلاف فعندنا أنها شرط في التمتع، و الأفضل أن تكون مقارنة للإحرام فإن فاتت جاز تجديدها إلي وقت التحلل». «5»

______________________________

(1)- شرايع الإسلام: 1/ 174.

(2)- الدروس الشرعية: 1/ 339.

(3)- المراسم/ 104.

(4)- المبسوط: 1/ 278.

(5)- المبسوط: 307.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 292

أقول: الظاهر أن النية التي هي من شروط حج التمتع تعيين هذا النوع و قصده فلا يكفي قصد مطلق الحج من دون تعيين نوعه و هل يكفي في التعيين الإحرام بقصده عمرة التمتع بها إلي الحج أو أنّ اللازم نيّة الحج بجملته؟

الظاهر أن من يأتي بالمناسك واحداً بعد واحد بالنية لا ينفك عن نية الجملة و تمام المناسك فمن ينشأ الإحرام للعمرة المتمتع بها إلي الحج ينشؤه و هو مريد لها فعمله مسبوق بنية الجملة.

نعم يمكن أن يكون ناوياً للجملة و نسي الإحرام أو غيره من المناسك و الظاهر أن النية التي إن فاتت جاز تجديدها إلي وقت التحلل هي نية الإحرام لا نية الجملة.

و كيف كان فقد استثني من ذلك ما في جملة من الأخبار من أنه لو أتي بعمرة مفردة في أشهر الحج جاز أن يتمتع بها و يكتفي بها عن عمرة

التمتع.

قال الشيخ في النهاية: «و إن دخل مكة بالعمرة المفردة في أشهر الحج جاز له أن يقضيها و يخرج إلي بلده أو أي موضع شاء و الأفضل له أن يقيم حتي يحج و يجعلها متعة». «1»

و قال الصهرشتي في إصباح الشيعة: «و إن دخل مكة بالعمرة المفردة في أشهر الحج جاز أن يقضيها و يخرج و الأفضل أن يقيم حتي يحج و يجعلها متعة». «2»

و قال ابن إدريس في السرائر: «و إن دخل مكة بالعمرة المفردة في أشهر الحج جاز له أن يقضيها و يخرج إلي بلده أو إلي أي موضع شاء و الأفضل له أن يقيم حتي

______________________________

(1)- النهاية/ 280.

(2)- إصباح الشيعة/ 185.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 293

يحج و يجعلها متعة». «1»

و قال القاضي في المهذب: (و من دخل مكة بعمرة مفردة في أشهر الحج جاز له أن يقضيها و يخرج إلي أي موضع أراد ما لم يدركه يوم التروية و الأفضل له أن يقيم حتي يحج و يجعلها متعة). «2»

و ما عليه العلامة في جملة من كتبه جواز نقل العمرة المفردة إن وقعت في أشهر الحج إلي التمتع و قال في التذكرة: (و إن دخل مكة بعمرة مفردة في أشهر الحج جاز له أن ينقلها إلي عمرة التمتع و يقيم حتي يحج بل هو أفضل و إن لم ينقلها إلي التمتع و أتمها مفردة جاز له أن يخرج إلي أهله من غير حج إذا لم يكن الحج واجباً عليه). «3»

و قال الشهيد في الدروس: (و الأفضل للمعتمر في أشهر الحج مفرداً الإقامة بمكة حتي يأتي بالحج و يجعلها متعة). «4»

و قال القاضي: (إذا أدرك يوم التروية فعليه الإحرام بالحج و يصير متمتعاً). «5»

و أما

المحقق فقال في الشرائع: (و من أحرم بالمفردة و دخل مكة جاز أن ينوي التمتع و يلزمه دم و لو كان في غير أشهر الحج لم يجز). «6» و قال في المختصر النافع: (و من أحرم بها في أشهر الحج و دخل مكة جاز أن ينوي بها التمتع و يلزمه الدم). «7»

______________________________

(1)- السرائر: 1/ 633.

(2)- المهذب: 1/ 272.

(3)- تذكرة الفقهاء: 8/ 433.

(4)- الدروس الشرعية: 1/ 336.

(5)- المهذب: 1/ 272.

(6)- شرايع الإسلام: 1/ 230.

(7)- المختصر النافع/ 99.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 294

و الظاهر أن مراده من (و يلزمه الدم) أن عليه الهدي بصيرورة حجه حج التمتع.

هذا ملاحظة المسألة من ناحية الأقوال و الظاهر أن دعوي الإجماع علي جواز نقل العمرة المفردة الواقعة في أشهر الحج إلي التمتع قريبة جداً.

و لكن قد وقع البحث بينهم من جهات مثل وجوب ذلك إذا أدرك المعتمر يوم التروية و استحباب ذلك مطلقاً أو في بعض الصور. مضافاً إلي أن ظاهرهم أن النقل منها إليها محتاج إلي النية و العدول من الاولي إلي المتمتع بها، قبال دلالة بعض الروايات إلي وقوع ذلك قهرا و غير ذلك مما يظهر في أثناء الكلام في فقه الروايات فاللازم الرجوع إلي الروايات فنقول:

منها ما يدل علي وقوع العمرة في أشهر الحج متعة و إن نوي المفردة كصحيح يعقوب بن شعيب قال «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن المعتمر في أشهر الحج؟ قال: هي متعة» «1» و ظاهره أن عمرته عمرة التمتع فهو محتبس بالحج لا يجوز له الخروج حتي يحج.

و منها خبر علي بن أبي حمزة البطائني قال: «سأله أبو بصير و أنا حاضر عمن أهل بالعمرة في أشهر الحج له أن يرجع؟ قال:

ليس في أشهر الحج عمرة يرجع منها إلي أهله و لكنه يحتبس بمكة حتي يقضي حجة لأنه إنما أحرم لذلك». «2»

و سنده- مضافاً إلي إضماره- ضعيف بعلي بن أبي حمزة البطائني و في دلالته أيضاً نظر لاحتمال كون السؤال عن العمرة المتمتع بها إلي الحج لقوله: «إنما أحرم لذلك»

و منها خبر موسي بن القاسم قال: «أخبرني بعض أصحابنا أنه سئل

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب أقسام الحج ح 2.

(2)- وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب العمرة ح 7.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 295

أبا جعفر عليه السلام في عشر من شوال؟ فقال: إني اريد أن افرد عمرة هذا الشهر فقال له:

أنت مرتهن؟ فقال له الرجل: إن المدينة منزلي و مكة منزلي ولي بينهما أهل و بينهما أموال فقال له: أنت مرتهن بالحج فقال له الرجل: إن لي ضياعا حول مكة و أحتاج إلي الخروج إليها؟ فقال: تخرج حلالًا و ترجع حلالًا إلي الحج». «1»

و هذا الخبر أيضاً ضعيف بالإرسال و دلالته أيضاً علي عدم جواز الإتيان بالعمرة المفردة في أشهر الحج لا تخلو من الإشكال لاحتمال كون السؤال عمن كانت عمرته متعة و كما أفاد في الاستبصار، ليس فيه أن العمرة كانت مفردة.

و الظاهر أن الأول و الثاني و الثالث بقطع النظر عن ضعف سند الأخيرين إن كان مدلول الجميع عدم جواز المبتولة في أشهر الحج خلاف الإجماع و ليكن ذلك قرينة علي إرادة خلاف ما هو الظاهر من السؤال مثل كون السؤال في صحيح يعقوب عمن اعتمر و بقي حتي أراد الحج.

مضافاً إلي أن مقتضي الجمع بينه و بين صحيح عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «لا بأس بالعمرة

المفردة في أشهر الحج ثمّ يرجع إلي أهله إن شاء» «2» حمل صحيح يعقوب علي استحباب البقاء إلي أن يحج.

و من أخبار الباب ما يدل علي جواز الخروج مطلقا حتي يوم التروية: فمنها ما رواه الكليني عن علي بن إبراهيم «3» عن أبيه «4» و عن محمد بن إسماعيل «5» عن

______________________________

(1)- الاستبصار: 2/ 327 ح 4.

(2)- وسائل الشيعة: ب 7 من ابواب العمرة ح 1.

(3)- من صغار الثامنة ثقة في الحديث.

(4)- ابراهيم بن هاشم من السابعة.

(5)- النيسابوري المعروف بل بندقي من السادسة.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 296

الفضل بن شاذان «1» عن حماد بن عيسي «2» عن إبراهيم بن عمر اليماني «3» «عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنه سئل عن رجل خرج في أشهر الحج معتمراً ثمّ خرج (رجع) إلي بلاده؟

قال: لا بأس و إن حج من عامه ذلك و أفرد الحج فليس عليه دم و أن الحسين بن علي عليه السلام خرج يوم التروية إلي العراق و كان معتمراً». «4»

و عنه عن أبيه عن إسماعيل بن مرار «5» عن يونس «6» عن معاوية بن عمار «7» قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: من أين افترق المتمتع و المعتمر؟ فقال: إن المتمتع مرتبط بالحج و المعتمر إذا فرغ منها ذهب حيث شاء و قد اعتمر الحسين عليه السلام في ذي الحجة ثمّ راح يوم التروية إلي العراق و الناس يروحون إلي مني و لا بأس بالعمرة في ذي الحجة لمن لا يريد الحج» «8» و صحيح عبد اللّه بن سنان المذكور.

و في قبال هذه الأخبار الروايات التي بعضها يدل علي أنه إن قام إلي هلال ذي الحجة ليس له أن يخرج حتي يحج مع

الناس مثل خبر عمر بن يزيد «9» عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «من دخل مكة بعمرة فأقام إلي هلال ذي الحجة فليس له أن يخرج حتي يحج مع الناس». «10»

______________________________

(1)- من السادسة النيسابوري كان ثقة جليلًا فقيها متكلّما له عظم شأن في هذه الطائفة.

(2)- من الخامسة.

(3)- من الخامسة شيخ من أصحابنا ثقة و قيل حسن …

(4)- وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب العمرة ح 2.

(5)- من السابعة روي عن يونس.

(6)- من السادسة ابن عبد الرحمن.

(7)- من الخامسة.

(8)- وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب العمرة ح 3.

(9)- من الخامسة ثقة له كتاب.

(10)- وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب العمرة ح 6.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 297

و بعضها يدل علي أن له أن يرجع إلا أن يدركه خروج الناس يوم التروية مثل ما رواه الصدوق عن عمر بن يزيد عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «من اعتمر عمرة مفردة فله أن يخرج إلي أهله متي شاء إلا أن يدركه خروج الناس إلي التروية» «1».

و يمكن حمل الجميع علي الاستحباب و مراتبه شدة و ضعفاً و جعل الأخبار بعضها قرينة لما يراد من البعض الآخر فمثل خبر عمر بن يزيد الذي رواه الصدوق يكون قرينة لخبره الأول و أن المراد من «ليس له» لا ينبغي له و يكون مثل حديث حماد بن عيسي و معاوية ابن عمار أيضاً قرينة علي أن المراد من خبر عمر ابن يزيد الثاني الذي رواه الصدوق الاستحباب و أنه ليس له ذلك أي لا ينبغي.

و بالجملة فلا صراحة في مثل هذه الروايات علي وجوب الحج إن أقام إلي هلال ذي الحجة أو أدرك يوم التروية غاية الأمر يستفاد منه تأكد

الرجحان فلا تقع المعارضة بينها و بين غيرها مما دل علي جواز الخروج متي شاء هذا و سيّما إذا قلنا باستحباب الحج مفرداً أو متعة علي من أتي بالعمرة المفردة في أشهر الحج و لم يكن واجباً عليه إذ علي هذا لا بد من حمل هذه الروايات علي مراتب الفضل و الاستحباب.

فروع
اشارة

ثمّ إن هنا فروع:

أحدها [أن مقتضي روايتي إبراهيم بن عمر اليماني و معاوية بن عمار جواز العمرة المفردة في العشر الاولي من ذي الحجة]

أن مقتضي روايتي إبراهيم بن عمر اليماني و معاوية بن عمار من اعتمار مولانا سيد الشهداء روحي لتراب مقدم زواره الفداء جواز العمرة المفردة في العشر الاولي من ذي الحجة فما يدل بظاهره علي عدم جواز ذلك، محمول علي أرجحية المتعة في تلك العشرة أو غيرها مثل صحيحة عبد الرحمن بن

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب العمرة ح 9.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 298

أبي عبد اللّه عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «العمرة في العشر متعة» «1» فإنها تحمل علي ذلك أو علي بيان الفضل أو جواز جعلها متعة.

و كذا صحيحة عبد اللّه بن سنان: «أنّه سأل أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن المملوك يكون في الظهر يرعي و هو يرضي أن يعتمر ثمّ يخرج؟ فقال: إن كان اعتمر في ذي القعدة فحسن و إن كان في ذي الحجة فلا يصلح إلّا الحج» «2» محمولة علي الاستحباب.

لا يقال: إذا كان التمتع أفضل فكيف أخذ مولانا عليه السلام بالمفضول و أتي بالعمرة المبتولة؟

فإنّه يقال: لأنه يعلم أنه لا يتمكن منه فاكتفي بالمفردة مضافاً إلي أن كون فعل أفضل من الآخر في حدّ نفسه لا يستلزم كونه أفضل منه مطلقاً فربما يصير المفضول أفضل لانطباق بعض العناوين عليه و لطرو بعض الحالات و لذا نقول: إنهم كانوا آخذين في أفعالهم بما هو بالفعل أفضل حتي لو تركوا المستحب و اشتغلوا بما هو مباح في نفسه، نقول: إن تركه أولي من فعله بحسب مقاصد هم الجليلة سلام اللّٰه عليهم أجمعين.

الفرع الثاني: لا يخفي أن مقتضي رواية إبراهيم بن عمر اليماني بل و رواية معاوية بن عمار جواز الإتيان بحج الإفراد بعد تلك العمرة المبتولة الواقعة في أشهر الحج

كما يجوز بل يستحب أن يأتي بالحج بنية كونه تمتعاً فلا يدور أمره بين الإتيان بالحج متمتعاً أو أن يذهب حيث شاء بل يجوز له الإفراد.

الفرع الثالث: الظاهر أنه لا يحتاج صحة التمتع إلي قصد كون العمرة المأتي بها عمرة التمتع

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب العمرة ح 10.

(2)- وسائل الشيعة: ب 7 من ابواب العمرة ح 11.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 299

بل يكفي في ذلك إتيانه بالحج متمتعاً فتنقلب عمرته به إلي التمتع.

بل يمكن أن يقال: إن حج التمتع هو ما وقع بهذا القصد بعد العمرة الواقعة في أشهر الحج كما أفاده السيد في العروة و علي هذا فالظاهر أنه لو نوي كون عمرته المبتولة عمرة التمتع مثلًا قبل يوم التروية يجوز له العدول عن نيته و ليس محتبساً بالحج فيذهب حيث شاء.

الفرع الرابع: هل الحكم المذكور مختص بالحج الندبي أو يعمه و الحج الواجب أيضاً؟

القدر المتيقن منه هو اختصاصه بالندب و أما من وجب عليه حج التمتع بالاستطاعة أو بالنذر و أحد أخويه فليس له أن يكتفي بالعمرة المفردة و بعبارة اخري لا إطلاق يعتد به يشمل الواجب فهو باق علي حاله يجب الإتيان به بقصد خصوصه.

فلا يقال: إن وجود القدر المتيقن لا يمنع من الإطلاق، لأنا نمنع الإطلاق كما يظهر لك من ملاحظة الروايات.

[الثاني من شروط التمتع أن يكون مجموع عمرته و حجه في أشهر الحج]

اشارة

الثاني من شروط التمتع

الشرط الثاني: أن يكون مجموع عمرته و حجه في أشهر الحج كما تقتضيه النصوص الكثيرة مثل صحيح عمر بن يزيد «1» عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «من دخل مكة معتمراً مفرداً للعمرة يقضي عمرته فخرج كان ذلك له، و إن أقام إلي أن يدركه الحج كانت عمرته متعة و قال: ليس يكون متعة إلا في أشهر الحج». «2» فعلي هذا لا تكون متعة إذا وقعت كلها أو بعضها في غير أشهر الحج و لا تجزيه عن عمرة التمتع.

______________________________

(1)- من كبار الخامسة ثقة له كتاب.

(2)- وسائل الشيعة: ب 15، من أبواب اقسام الحج ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 300

و أما أشهر الحج كما في الجواهر، فعن الشيخين في الأركان و النهاية و ابني الجنيد و إدريس و القاضي في شرح الجمل أنها شوال و ذو القعدة و ذو الحجة «1» لظاهر الآية الشريفة (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومٰاتٌ) «2» و صحيح معاوية بن عمار «3» عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: إن اللّٰه تعالي يقول: «الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومٰاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلٰا رَفَثَ وَ لٰا فُسُوقَ وَ لٰا جِدٰالَ فِي الْحَجِّ» «و هي شوال و ذو القعدة و ذو الحجة» «4» و صحيحين آخرين «5» كلها عن الصادق عليه

السلام.

و رواية زرارة عن الباقر عليه السلام قال: «الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومٰاتٌ شوال و ذو القعدة و ذو الحجة ليس لأحد أن يحج فيما سواهن» «6» و لإجزاء الهدي و بدله طول ذي الحجة بل الطواف و السعي.

و هذا قول مالك من العامة و عن الحسن و التبيان و الجواهر و روض الجنان و من العامة حكي عن أبي حنيفة هي شوال ذو القعدة و عشرة أيام من ذي الحجة بل عن ظاهر الثاني و الرابع اتفاقنا عليه لأن أفعال الحج بأصل الشرع تنتهي بانتهاء العاشر و إن رخص في تأخير بعضها و خروج ما بعده من الرمي و المبيت عنها و لذا لا يفسد الإخلال بها و للخبر عن أبي جعفر عليه السلام قال في الجواهر: «كما في التبيان و الروض». «7»

______________________________

(1)- راجع جواهر الكلام: 18/ 12.

(2)- البقرة/ 197.

(3)- من الخامسة.

(4)- وسائل الشيعة: ب 11 من أبواب أقسام الحج، ح 1.

(5)- وسائل الشيعة: ب 11 من أبواب أقسام الحج، ح 2 و 3.

(6)- وسائل الشيعة: ب 11 من أبواب أقسام الحج، ح 5.

(7)- جواهر الكلام: 18/ 13.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 301

و لكن الظاهر أن ذلك استظهار منهما فإن الخبر سنداً و متناً في الكافي هكذا:

علي بن إبراهيم بإسناده قال: «أشهر الحج شوال و ذو القعدة و عشر من ذي الحجة و أشهر السياحة عشرون من ذي الحجة و المحرم و صفر و شهر ربيع الأول و عشرون من شهر ربيع الآخر». «1»

فإن كان المراد من قوله: «بإسناده» إسناده المذكور في الحديث السابق علي هذا الحديث فهو عن أبيه و محمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان جميعاً عن ابن أبي عمير عن معاوية بن

عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام فهو و إلّا إن كان قوله: «باسناده» إشارة إلي طريق غير مذكور يكون الحديث مرسلًا ثمّ من أين يقال بانتهاء سنده إلي أبي جعفر عليه السلام؟ نعم الحديث السابق عليه في الوسائل ينتهي إلي الباقر عليه السلام.

و قيل: ان الأشهر الشهران الأولان و تسعة أيام من ذي الحجة لأن اختياري الوقوف بعرفات في التاسع و هذا محكي عن الاقتصاد و الجمل و العقود و المهذب و هذا محكي عن الشافعي.

و عن الغنية الشهران و تسع ليال من ذي الحجة فيخرج التاسع إلا أن يكون كما في الجواهر توسع و عن الكافي و ثمان منه أي ثمان ليال.

و عن المبسوط و الخلاف و الوسيلة و الجامع الشهران و إلي طلوع الفجر من يوم النحر لأنه لا يجوز الإحرام بالحج بعده لفوات اضطراري عرفة و لكن يدرك اختياري المشعر إلي طلوع شمسه و إلي غير ذلك من الأقوال.

و قال في الجواهر: (و كيف كان فالظاهر لفظية الاختلاف في ذلك كما اعترف به غير واحد للاتفاق علي أن الإحرام بالحج لا يتأتي بعد عاشر ذي الحجة و كذا

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 11 من ابواب اقسام الحج ح 6.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 302

عمرة التمتع و علي إجزاء الهدي و بدله طول ذي الحجة و أفعال أيام مني و لياليها). «1»

نعم في الدروس: كما عن الجواهر: إن الخلاف فيها لعله بني علي الخلاف الآتي في وقت فوات المتعة و فيه أنه لا يتم في بعضها «2».

و يمكن أن يقال: إن اريد من كون الاختلاف لفظياً عدم ترتب أثر عملي علي ذلك فهو كذلك لا إشكال فيه إن اريد من ذلك تفسير الآية

و ما اريد من قوله تعالي الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومٰاتٌ فلا بد في ذلك.

أما التمسك بالاستظهار من الآية بأن يقال: إن الأشهر جمع و الجمع لا يصدق علي أقل من ثلاثة و إطلاق الاسم علي الكل حقيقة و علي البعض مجاز أو التمسك بالتفسير المأثور و قد عرفت أن الآية فسرت في أحاديثهم عليهم السّلام شوال وذي القعدة و ذي الحجة فتفسيرها بأقل من ذلك كأنه من التفسير المنهي عنه و اللّٰه هو العاصم و الهادي إلي الصواب.

[مسألة 1] لو أتي بالعمرة المفردة قبل أشهر الحج

مسألة 1- لو أتي بالعمرة قبل أشهر الحج بقصد التمتع لا تقع متعة لما عرفت من اشتراط وقوعها في أشهر الحج و لذا قال في المدارك: (هذا الحكم مجمع عليه بين الأصحاب بل النصوص وافية في الدلالة عليه كصحيح عمر بن يزيد السابق و غيره و كذا لو فعل بعضها في أشهر الحج و علي هذا لا يلزمه الهدي الذي هو من توابع التمتع) لكن هل تقع العمرة

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 18/ 13.

(2)- جواهر الكلام: 8/ 13.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 303

صحيحة و إن لم يجز التمتع بها فيجب عليه طواف النساء كما ربما يشعر بذلك كلام من قال: «لم يجز التمتع بها».

و قد عقد العلامة قدس سره في التذكرة مسألتين إحداهما في من أحرم بالحج قبل أشهره فقال: (لو أحرم بالحج قبل أشهره لم ينعقد إحرامه للحج و ينعقد للعمرة و به قال عطاء و طاوس و مجاهد و الشافعي لقوله تعالي: «الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومٰاتٌ» تقديره وقت الحج أشهر أو وقت الحج في أشهر فحذف المضاف و اقيم المضاف إليه مقامه و إذا ثبت أنه وقته لم يجز تقديم إحرامه عليه كاوقات الصلاة و لقول الصادق عليه السلام:

«من أحرم بالحج في غير أشهر الحج فلا حج له» و أما انعقاده للعمرة فلقول الصادق عليه السلام: «في رجل فرض الحج من غير أشهر الحج؟ قال: يجعلها عمرة».

و قال مالك و الثوري و النخعي و أبو حنيفة و أحمد و إسحاق ينعقد إحرامه و إذ أبقي علي إحرامه إلي وقت الحج جاز لقوله تعالي: «يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوٰاقِيتُ لِلنّٰاسِ وَ الْحَجِّ» فدل علي أن جميع الأشهر ميقات و لا حجة فيه لأن الأزمة اوقات للحوادث التي من جملتها الحج) «1».

و أما المسألة الاخري التي هي مسألتنا هذه، فقال: (لا ينعقد بالعمرة المتمتع بها قبل أشهر الحج فإن أحرم بها في غيرها انعقد للعمرة المبتولة و هو أحد قولي الشافعي و أحمد لأن الإحرام بالعمرة نسك و ركن من أركانها فيعتبر في أشهر الحج كما يعتبر وقوع باقيها و لأن التمتع بها داخلة في الحج لقوله صلي الله عليه و آله و سلم: «دخلت العمرة في الحج هكذا» و شبك بين أصابعه، و الحج لا يصح إحرامه قبل أشهره فكذا ما دخل فيه. و لقول الصادق عليه السلام: لا تكون عمرة إلّا في أشهر الحج، و لأنه أتي بنسك لا تتم

______________________________

(1)- تذكرة الفقهاء 7/ 185.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 304

العمرة إلّا به في غير أشهر الحج فلا يكون متمتعاً كما لو طاف. و قال الشافعي في ثاني قوليه: إذا أحرم بالعمرة في رمضان و أتي بالطواف و السعي و الحلق في شوال و حج من سنة فإنه يكون متمتعاً و قال مالك: إذا أحرم بها في غير أشهر الحج و لم يتحلل من إحرام العمرة حتي دخلت أشهر الحج صار متمتعاً و قال

أبو حنيفة: إذا أتي بأكثر أفعال العمرة في أشهر الحج صار متمتعاً إذا دخلت عليه أشهر الحج، و كل هذه الأقوال لا حجة عليها فلا يلتفت اليها) «1».

أقول: لم يستدل العلامة لما اختاره من انعقاد الإحرام للعمرة المتمتع بها قبل أشهر الحج للعمرة المبتولة و اكتفي بالاستدلال لعدم انعقاده لعمرة التمتع فلعله اكتفي لذلك بما رواه في المسألة السابقة عن الصادق عليه السلام «في رجل فرض الحج من غير أشهر الحج قال: يجعلها عمرة» بحمل الحج فيه علي ما يشمل عمرة التمتع لدخولها في الحج و هذا الحديث أخرجه الصدوق عن أبي جعفر الأحول «2» عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «في رجل فرض الحج في غير أشهر الحج؟ قال: يجعلها عمرة» «3»

و رمي الخبر بعض الأعاظم بضعف طريق الصدوق إلي أبي جعفر فإنه يرويه عن شيخه ماجيلويه الذي لم يرد فيه توثيق و مجرد الشيخوخة لا توجب الوثاقة فإن من مشايخه من هو ناصبي خبيث كالضبي. «4»

أقول: أما الضبي فهو كما ذكره ناصبي خبيث فقد روي عنه الصدوق في العيون قال: «حدثنا أبو نصر أحمد بن الحسين الضبيّ و ما لقيت أنصب منه و بلغ من

______________________________

(1)- تذكرة الفقهاء: 1/ 319.

(2)- محمد بن علي بن النعمان مؤمن الطاق كان كثير العلم حسن الخاطر من الرابعة أو الخامسة.

(3)- من لا يحضره الفقيه: 2/ 278 ح 1361.

(4)- معتمد العروة: 2/ 245.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 305

نصبه أنه كان يقول: اللهم صلّ علي محمّد فرداً و يمتنع من الصلاة علي آله قال: سمعت أبا بكر الحمامي الفراء في سكة حرب نيسابور و كان من أصحاب الحديث يقول:

أودعني بعض الناس وديعة فدفنتها و نسيت موضعها فتحيرت فلمّا أتي علي

ذلك مدة جاءني صاحب الوديعة فخرجت من بيتي مغموماً متحيراً و رأيت جماعة من الناس يتوجهون إلي مشهد الرضا (عليه السلام) فخرجت معهم إلي المشهد و زرت و دعوت اللّٰه عزّ و جلّ أن يبين لي موضع الوديعة فرأيت هناك فيما يري النائم كأنّ آت أتاني فقال لي! دفنت الوديعة في موضع كذا و كذا فرجعت إلي صاحب الوديعة فأرشدته إلي ذلك الموضع الذي رأيته في المنام و أنا غير مصدق بما رأيت فقصد صاحب الوديعة ذلك المكان فحفره و استخرج منه الوديعة بختم صاحبها فكان الرجل بعد ذلك يحدث الناس بهذا الحديث و يحثهم علي زيارة هذا المشهد علي ساكنه التحية و السّلام». «1»

و بعد ملاحظة هذه الحكاية التي اعتمد الصدوق قدس سره علي نقل ناصبي خبيث حجة علي النواصب و أخذاً باعتراف الخصم علي فضائل ساداتنا الأئمة عليهم السّلام و معجزاتهم، هل يجوز أن يعدّ مثله من مشايخه و يقال في مقام تضعيف شيوخه الذين أخذ عنهم المئات من الأحاديث المروية عنهم عليهم السّلام مترضياً عليهم: «أن مجرد الشيخوخة لا يوجب الوثاقة فإن من مشايخه ناصبي خبيث».

و شيخنا ماجيلويه القمي هذا هو الذي قال في حقه هذا العلم العظيم: «أكثر الصدوق الرواية عنه في الفقيه و غيره مترضياً عليه» و قد أحصينا رواياته عن هذا الشيخ تزيد علي أكثر من مأتين و سبعين في الخصال و العلل و معاني الأخبار و

______________________________

(1)- عيون اخبار الرضا (ع): 1/ 312، ح 3.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 306

ثواب الأعمال و عقاب الأعمال.

مضافاً إلي أن العلامة صحح طريق الصدوق إلي إسماعيل بن رباح و هو فيه و كذلك طريق الحسين بن زيد ذي الدمعة و غير ذلك فعلي

ذلك كله، الحديث معتبر يعتمد عليه و يحتج به.

و هنا رواية اخري أخرجه الكليني عن محمد بن يحيي «1» عن أحمد بن محمد «2» عن محمد بن سنان «3» عن ابن مسكان «4» عن سعيد الأعرج «5» قال: «قال أبو عبد اللّه عليه السلام: من تمتع في أشهر الحج ثمّ أقام بمكة حتي يحضر الحج من قابل فعليه شاة و من تمتع في غير أشهر الحج ثمّ جاور حتي يحضر الحج فليس عليه دم إنما هي حجة مفردة و إنما الاضحي علي أهل الأمصار» «6»

و اورد علي الاستدلال بها أولا بضعف سندها بمحمد بن سنان و ثانيا بعدم دلالتها علي حكم العمرة التي أتي بها، بل إنما يدل علي أن الذي جاور مكة حتي يحضر الحج تنقلب وظيفته من التمتع إلي الإفراد و إن قصد بعمرته في غير أشهر الحج التمتع و ليس هو كمن تمتع في أشهر الحج و أقام بمكة حتي يحضر الحج فإن عليه شاة لا تنقلب وظيفته إلي وظيفة المكي. و علي هذا تكون الرواية معارضة لما دل علي أن

______________________________

(1)- العطار القمي من الثامنة من الثقات.

(2)- من السابعة و هو إما أحمد بن خالد أو أحمد بن محمد بن عيسي أو أحمد بن محمد بن أبي نصر و كلهم من الأجلاء.

(3)- من السادسة مختلف فيه.

(4)- من الخامسة عبد اللّه من أصحاب الإجماع له كتاب.

(5)- من الخامسة له أصل عند علي بن النعمان و صوان بن يحيي و ابن مسكان و غيرهم.

(6)- وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب أقسام الحج ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 307

فرض النائي ينقلب إلي فرض المكي إذا جاور مكة سنتين أو سنة واحدة. «1»

أقول: الاستدلال بها

يتم إن اريد من قوله عليه السلام: «إنما هي حجة مفردة عمرته» التي أتي بها بأن كان الإمام عليه السلام في مقام بيان حكم العمرة التي أتي بها.

و ظاهر كلمة «هي» أنها إشارة إلي الحجة التي وقعت و أتي بها.

غير أنه اورد عليه بأن المستفاد من الرواية أن انقلاب عمرة التمتع إلي المفردة ليس من جهة وقوعها في غير أشهر الحج بل من جهة عدم وجوب حج التمتع علي المجاور. فعلي هذا أيضا تكون الرواية منافية للنصوص السابقة لدلالتها علي انقلاب الفرض قبل سنة و سنتين.

هذا و في قبال القول المشهور بانقلاب عمرة التمتع إن أتي بها في غير أشهر الحج قول صاحب المدارك و من تبعه كصاحب كشف اللثام فإنه قال في المدارك- في شرح قول المحقق عليه الرحمة و لو أحرم بالعمرة التمتع بها في غير أشهر الحج لم يجز له التمتع بها و كذا لو فعل بعضها في أشهر الحج، و لم يلزمه الهدي: (و ربما لاح من العبارة أن من أحرم بالعمرة المتمتع بها في غير أشهر الحج تقع عمرته صحيحة لكن لا يتمتع بها) «2» ثمّ ذكر: جزم العلامة به في التذكرة و المنتهي من غير نقل خلاف و تصريحه في المنتهي بما هو أبلغ من ذلك فقال: (إن من أحرم بالحج في غير أشهر الحج لم ينعقد إحرامه للحج و انعقد للعمرة) و ذكر استدلاله برواية الأحول و قال: (هي لا تدل علي المطلوب صريحا لاحتمال أن يكون المراد منها أن من أراد فرض الحج في غير أشهره لا يقع حجه صحيحاً بل ينبغي أن يجعل النسك الذي يريد فعله عمرة و الأصح عدم الصحة مطلقاً أمّا عن المنوي

فلعدم حصول شرطه و أمّا عن غيره

______________________________

(1)- معتمد العروة: 2/ 246.

(2)- مدارك الأحكام: 7/ 170.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 308

فلعدم نيته ونية المقيد لا تستلزم نية المطلق). «1»

أقول: الأرجح بالنظر هو قول المشهور و لكن مقتضي الاحتياط في المسألة أن يأتي الذي حج أو تمتع بالعمرة في غير أشهر الحج سواء وقع كله كذلك أو بعضه أو أكثره في أشهر الحج بطواف النساء و صلاته رجاء و إن شرع فيه يعدل بنيته إلي العمرة المفردة رجاء و يتمها كذلك ثمّ يأتي بطواف النساء و صلاته رجاءً.

[الثالث من شروط التمتع أن يكون الحج و العمرة في سنة واحدة]

الثالث من شروط التمتع

الشرط الثالث: أن يكون الحج و العمرة في سنة واحدة فلا يكفي إن أتي بالعمرة متمتعاً بها إلي الحج في أشهر الحج في سنة و أتي بالحج في غيرها و إن بقي علي إحرامه إلي السنة الآتية أو لم يخرج من مكة إلي الحج القابل بل و إن اتي بعمرة التمتع في العشر الثاني و الثالث من ذي الحجة و بقي هكذا إلي الحج القابل و الظاهر أنه لا خلاف بين الأصحاب في هذا الحكم و هذا هو المتبادر من الأخبار البيانية المتكفلة لكيفية الحج:

مثل حديث عبد الصمد بن بشير «2» عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث أنه قال: لرجل أعجمي رآه في المسجد: «طف بالبيت سبعاً و صل ركعتين عند مقام إبراهيم عليه السلام واسع بين الصفاء و المروة و قصر من شعرك فإذا كان يوم التروية و أهل بالحج و اصنع كما يصنع الناس». «3»

إذاً ليس فيها ما يشعر بمشروعية التفريق بين الحج و العمرة في حج التمتع

______________________________

(1)- مدارك الأحكام: 7/ 171.

(2)- من الخامسة كوفي ثقة ثقة له كتاب.

(3)- وسائل الشيعة: ب

3 من أبواب أقسام الحج ح 4.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 309

بالإتيان بها في سنتين و لو كان ذلك جائزاً يشار إليه و لو في رواية واحدة مع كثرة الابتلاء بالمسألة و يدل عليه الأخبار الدالة علي ارتباط عمرة التمتع بالحج مثل قوله صلي الله عليه و آله و سلم: «دخلت العمرة في الحج إلي يوم القيامة» «1» و شبك أصابعه بعضها إلي بعض و معني الارتباط وجوب الإتيان بالحج بعد الإتيان بالعمرة فلا يجوز له تأخيره عن سنة العمرة التي يؤتي بها في أشهر الحج.

و مما يدل علي هذا الحكم الروايات الدالة علي أن الذي اعتمر بعمرة التمتع محتبس في مكة حتي يحج مثل ما في صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: «و ليس لك أن تخرج من مكة حتي تحج». «2»

و صحيحة الاخري قال: «قلت لأبي جعفر عليه السلام و كيف أتمتع؟ فقال: تأتي الوقت و تلبي بالحج فإذا أتي مكة طاف و سعي و أحلّ من كل شي ء و هو محتبس ليس له أن يخرج من مكة حتي يحج». «3»

و هذه الطائفة من الروايات أيضاً تدل علي وجوب الإتيان بالعمرة و الحج في سنة واحدة حتي أن في بعضها أنه لو أراد الخروج من مكة لاقتضاء الضرورة يحرم بالحج و يخرج محرماً به في حاجته ثمّ يمضي إلي عرفات و هذا يدل علي لزوم إتيانهما في سنة واحدة.

و احتمال أن من الممكن أن يقيم في مكة إلي العام المقبل و لا يخرج منه و يأتي بالحج، بعيد جداً من أخبار باب التمتع فإن الظاهر المستفاد من الاعتمار للحج متمتعاً بها الاعتمار لحج سنة العمرة و بعبارة اخري الحج المقبل لا

لما بعدها من السنين.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 2 و 22 من أبواب أقسام الحج ح راجع المصدر.

(2)- وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب أقسام الحج ح 2.

(3)- وسائل الشيعة: ب 22 من أبواب أقسام الحج ح 5.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 310

و هنا روايات اخري قد تمسك بها البعض يمكن الخدشة في دلالتها فلا نطيل الكلام بذكرها.

نعم، ذكر السيد قدس سره في العروة قاعدة توقيفية العبادات و استشكل فيها بأن القاعدة لا تقتضي وجوب الاحتياط بإتيانهما في سنة واحدة لأن المورد من موارد الرجوع إلي أصالة البراءة للشك في الجزئية أو الشرطية و الأقل و الأكثر فتجري البراءة عن التكليف بالأكثر. «1»

و قد أفاد بعض الأعاظم بأن البراءة إنما تجري لو قلنا بأن الحج واجب معلق بمعني أن الوجوب فعلي و الواجب استقبالي و إن أول زمان الوجوب أول زمان الاستطاعة و لذا لو استطاع في ذي الحجة بعد فوات زمان الحج في سنته فقد وجب عليه الحج بعدها فعلًا و إن كان متعلقه متأخراً و حينئذ لو شك في أن الوجوب الفعلي للحج هل تعلق بالعمرة المقيدة بالسنة الآتية المقترنة للحج أو بالأعم من ذلك و من العمرة المفصولة التي أتي بها في السنة الاولي فيكون الشك شكاً في الأقل و الأكثر باعتبار تقييد العمرة بإتيانها في السنة الآتية مقترنة للحج و عدمه فالمرجع هو أصل البراءة عن التقييد لأن متعلق الوجوب باعتبار التقييد يكون كالأكثر و الأصل عدمه و لكننا نقول: إن الأصل إنما يجري إذا لم يكن دليل علي التكليف و قد عرفت ما يدل علي اشتراط وقوعهما في سنة واحدة مضافاً إلي أنه مما لا خلاف فيه بين الأصحاب.

هذا علي القول

بكون الحج واجباً معلقاً و أما لو بني علي أنه واجب مشروط بخروج الرفقة و جواز تفويت استطاعته قبل خروج الرفقة فمقتضي القاعدة،

______________________________

(1)- مستند العروة: 2/ 250.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 311

الاشتغال.

توضيح ذلك أنه لو أتي بعمرة التمتع قبل أيام الحج فلا ريب في لزوم الإتيان بالحج بعدها لأن الحج واجب فوري لا يجوز تأخيره و هذا مما لا كلام فيه إنما الكلام فيما لو أتي بعمرة التمتع بعد أيام الحج كأواخر ذي الحجة من هذه السنة و المفروض أن الحج يجب بخروج الرفقة في السنة الآتية ففي هذه السنة لا وجوب للحج فحينئذ يشك في سقوط الأمر بعمرة التمتع من السنة الآتية باعتبار إتيان العمرة في هذه السنة بمعني أن وجوب الحج و إن لم يكن ثابتاً بالفعل و لكن يحتمل سقوط الأمر بعمرة التمتع للسنة الآتية بهذه العمرة المفصولة التي أتي بها في هذه السنة و الأصل عدم السقوط و عدم الإتيان بالمسقط. «1»

و فيه: كل ذلك يتم لو كان الشك راجعاً إلي الشك في الإتيان بالمسقط أما إذا رجع الشك إلي الشك في التكليف فمقتضي الأصل البراءة و هنا و إن قلنا بأن الحج واجب مشروط لو أتي بعمرة التمتع قبل أيام الحج و فات منه الحج عصياناً فهل يجب عليه العمرة و الحج في القابل أو يكفي الإتيان بالحج للشك في اشتراطهما بوقوعهما في سنة واحدة اذاً فلا ريب في إجراء البراءة عن الاشتراط و كون الشك من الشك في التكليف و كذا لو أتي بعمرة التمتع في أواخر ذي الحجة ثمّ تعلق وجوب الحج به بخروج الرفقة قولكم: (إنه شاك في سقوط تكليفه بعمرة التمتع بالعمرة التي أتي بها قبل

ذلك و الأصل الاشتغال و عدم السقوط) فيه أنا نقول: إنه شاك بعد ما أتي بالعمرة في تعلق التكليف به و الأصل عدمه.

و كيف كان قد عرفت أنه لا محل لإجراء الأصل بعد وجود الدليل علي

______________________________

(1)- معتمد العروة: 2/ 250.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 312

التكليف و لا حول و لا قوة الا باللّٰه العلي العظيم.

[الشرط الرابع: أن يكون إحرامه لحج التمتع مع الاختيار من بطن مكة]

اشارة

الرابع من شروط التمتع

الشرط الرابع: أن يكون إحرامه لحج التمتع مع الاختيار من بطن مكة لإجماع العلماء و الأخبار مثل رواية عمر بن حريث الصيرفي الذي رواه الكليني قدس سره قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: من أين أهل بالحج؟ فقال: إن شئت من رحلك و إن شئت من الكعبة و إن شئت من الطريق» «1».

و لا يرد الإشكال بالاستدلال بها بأنه لم يصرح فيها بموضع الرحل و مكانه كما لم يعلم المراد من الطريق فإن الشيخ رواها في التهذيب «2» بإسناده عن عمر و ابن حريث و في أوّله قال: «و هو بمكة» و قال: «من المسجد» بدل «من الكعبة» و غيرها من الروايات و ما في بعضها من تعيين المسجد محمول علي بيان أفضل الأفراد.

و هنا رواية ظاهرها جواز الإحرام بالحج من غير مكة و هي ما رواه في الكافي عن أبي علي الأشعري «3» عن محمد بن عبد الجبار «4» عن صفوان «5» عن إسحاق بن عمار «6» قال: «سألت أبا الحسن عليه السلام عن المتمتع يجي ء فيقضي متعته ثمّ

______________________________

(1)- الكافي: 4/ 455 ح 4 وسائل الشيعة: ب 21 من أبواب المواقيت، ح 2.

(2)- تهذيب الاحكام: 5/ 477. و عمرو بن حريث ثقة من الخامسة.

(3)- أحمد بن إدريس من صغار الثامنة الفقيه الثقة صحيح الرواية كثير

الحديث

(4)- من كبار السابعة قمي ثقة.

(5)- ابن يحيي من أعاظم السادسة ثقة ثقة عين له ثلثون كتاباً روي عن أربعين رجلًا من اصحاب أبي عبد اللّه عليه السلام.

(6)- من الخامسة ثقة فطحي

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 313

تبدو له الحاجة فيخرج إلي المدينة و إلي ذات عرق أو إلي بعض المعادن؟ قال: يرجع إلي مكة بعمرة إن كان في غير الشهر الذي تمتع فيه لأن لكل شهر عمرة و هو مرتهن بالحج قلت: فإن دخل في الشهر الذي خرج فيه؟ قال: كان أبي مجاوراً هاهنا فخرج يتلقي (متلقياً) بعض هؤلاء فلما رجع فبلغ ذات عرق أحرم من ذات عرق بالحج و دخل و هو محرم بالحج». «1»

و قال في العروة فيها: (إن الخبر محمول علي محامل أحسنها أن المراد بالحج عمرته حيث إنها أول أعماله).

و استبعد ذلك أولًا بالتقابل الواقع في الرواية بين الحج و العمرة ففي صدرها ذكر العمرة و في ذيلها ذكر الإحرام بالحج و الحج و إن كان يطلق علي عمرة التمتع و لكن التقابل في الذكر يقتضي الافتراق.

و ثانياً، أنه عليه السلام بعد ما حكم بوجوب الإحرام إذا دخل في غير الشهر الذي تمتع فيه سأله السائل أنه دخل في نفس الشهر الذي خرج فيه و أنه هل يجب عليه الإحرام لدخول مكة فاجابه عليه السلام بأن أباه عليه السلام أحرم من ذات عرق بالحج و دخل و هو محرم بالحج و ذلك غير مرتبط بالسئوال أصلًا و لا يلائم مع السؤال أبداً. «2»

أقول: حمل الكلام علي غير ظاهره لا بد و أن يكون برفع اليد عنه و المقصود أن حمل الحج علي عمرة التمتع ليس حملًا أجنبياً عن الكلام لان الحج

ليس صريحاً في المناسك الخاصة بل و لا مختصاً بها في الاستعمالات و إن كان استعماله في العمرة أقل.

و أما الاشكال الثاني، إنما يرد إذا قلنا باستعمال الحج في معناه الحقيقي أو

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 22، من أبواب أقسام الحج ح 8.

(2)- معتمد العروة: 2/ 256.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 314

الظاهر منه و أما إذا كان مستعملًا في العمرة فلا محل لهذا الإيراد.

و قيل في الجواب عن هذا الخبر بمعارضته بغيره من الأخبار الدالة علي وجوب الإحرام لحج التمتع من مكة، و باضطراب متن الحديث فإن السائل بعد ما أجاب الإمام عليه السلام عن تكليف المتمتع إذا أخرج من مكة و رجع إليها في غير الشهر الذي تمتع فيه سأله عن حكم العمرة إذا خرج و دخل في الشهر الذي خرج فيه و لم يجبه الإمام عليه السلام عن حكم العمرة و أجابه بأن أباه عليه السلام أحرم بالحج و ليكن هذا شاهد علي سقط في البين أو إعراضه عن الجواب تقية و نحوها فأجاب بأمر آخر أجنبي عن السؤال. «1» و من المحامل التي ذكروها للخبر أنه عليه السلام أحرم مفرداً لا متمتعاً.

و كيف كان فالاستدلال بالخبر ساقط مضافاً إلي أن الظاهر أنه لم يعمل به أحد فلا يمكن تخصيص الأدلة الاول به أو إخراج مورده منها.

فروع
اشارة

و هنا فروع:

الفرع الأول: لو تعذر الإحرام من مكة يحرم من أي مكان هو فيه

فلو خرج من مكة بدون الإحرام جاهلًا أو ناسياً و لم يكن متمكناً من الرجوع إليها يحرم من مكانه و يذهب إلي عرفات و هذا الحكم علي الظاهر مورد الإجماع و التسالم.

و يمكن الاستشهاد له بما ورد فيمن تجاوز الميقات بغير الإحرام سواء كان قاصداً حج التمتع أو القران و الإفراد مثل ما رواه الكليني قدس سره في الصحيح عن الحلبي

______________________________

(1)- معتمد العروة: 2/ 255.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 315

قال: «سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن رجل نسي أن يحرم حتي دخل الحرم؟ قال: قال أبي:

يخرج إلي ميقات أهل أرضه فإن خشي أن يفوته الحج أحرم من مكانه فإن استطاع أن يخرج من الحرم فليخرج ثمّ ليحرم». «1»

و مورد هذا الصحيح و إن كان إحرام العمرة أو الأعم منه و من إحرام حج الإفراد أو القران إلا أنه يمكن التعدي منه إلي إحرام حج التمتع لتعليل الحكم فيه بخشية فوات الحج فيعلم منه أن وجوب الإحرام من الميقات مشروط بالتمكن منه و إذا لم يتمكن منه يحرم من مكان هو فيه.

و الأولي الاستدلال لذلك بصحيح علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام قال: «سألته عن رجل كان متمتعاً خرج إلي عرفات و جهل أن يحرم يوم التروية بالحج حتي رجع إلي بلده ما حاله؟ قال: إذا قضي المناسك كلها فقد تم حجه و سألته عن رجل نسي الإحرام بالحج فذكر و هو بعرفات ما حاله؟ قال: يقول: اللهم علي كتابك و سنة نبيك فقد تم إحرامه». «2»

و لفظ الحديث في موضع آخر من التهذيب هكذا قال: «سألته عن رجل نسي الإحرام بالحج فذكره و هو بعرفات ما حاله؟ قال: يقول: اللهم

علي كتابك و سنته نبيّك فقدتم إحرامه فإن جهل أن يحرم يوم التروية بالحج حتي رجع إلي بلده إن كان قضي مناسكه كلها فقد تم حجه.» «3»

و الظاهر اتحادهما فلا وجه لعدهما صحيحتين كما فعله البعض بل في الوسائل

______________________________

(1)- الوسائل: ب 14 من أبواب المواقيت ح 1.

(2)- تهذيب الأحكام: 5/ 476..

(3)- تهذيب الأحكام: 5/ 175.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 316

جعله الحديث الأول و الثاني و الثالث من الباب العشرين من أبواب المواقيت. «1»

و كيف كان فالاستدلال بهذا الحديث أنه يستفاد منه عدم اشتراط الحج بالإحرام مطلقا و عدم اشتراط الإحرام بالميقات أيضاً بدعوي عدم الفرق بين الجهل و النسيان و سائر الأعذار التي لا يتمكن المكلف بها من رعاية الإحرام من الميقات فما دام يمكن تداركه في أثناء المناسك و إن كان في غير الميقات يتداركه فإن لم يمكن تداركه تم حجه.

الفرع الثاني: لو أحرم من غير مكة اختياراً بطل إحرامه

فلو لم يتداركه بطل حجه لأنه ليس بمأمور به و إجزاء غير المأمور به عن المأمور به محتاج إلي الدليل و هو هنا مفقود.

الفرع الثالث: لو أحرم متعمداً من غير مكة و رجع إلي مكة فهل يجزيه ذلك

و لا يجب عليه تجديد الإحرام و لأن الواجب عليه امران الإحرام و كونه من مكة و هما حاصلان بعد رجوعه اليها حكي ذلك عن بعض العامة لأن الواجب كون عقد الإحرام من مكة و إحرامه من غير مكة لم ينعقد فهو كالعدم لا يحصل برجوعه إلي مكة و هذا واضح.

الفرع الرابع: لو أحرم من غير مكة جهلًا أو نسياناً و أمكنه الرجوع إلي مكة يلزم عليه العود إليها

إذ لا دليل علي جواز الاجتزاء به و مجرد الجهل و النسيان لا يكفي في الحكم بالصحة و إنما قلنا بالاجتزاء به إذا خشي فوت الحج بالدليل و علي هذا يرجع إلي مكة و يجدد الإحرام منها.

الفرع الخامس: لو أحرم من غير مكة كذلك و التفت بعد ما لا يتمكن من الرجوع إليها فهل يجب عليه تجديد إحرامه من مكانه أو يجزيه الإحرام الاوّل؟

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: باب 20 من ابواب المواقيت ح: 2 و 3.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 317

قال في الجواهر: (قيل و القائل الشيخ في المحكي من خلافه يجزيه ذلك الإحرام الذي أوقعه في غيرها لعذر من نسيان أو غيره و تبعه في كشف اللثام حاكياً له عن التذكرة أيضاً للأصل و مساواة ما فعله لما يستأنفه في الكون من غير مكة و في العذر لأن النسيان عذر «و الوجه أنه يستأنفه حيث أمكن و لو بعرفة إن لم يتعمد ذلك» عالماً بالحال لأن ما أوقعه أولًا لم يوافق ما أمر به فهو فاسد و من هنا كان مقتضي الأصل الفساد لا الصحة، و أما دعوي المساواة فلا ريب في أنها قياس و الأصل يقتضي العكس إذا المصحح للإحرام المستأنف إنما هو الإجماع علي الصحة معه و ليس النسيان مصححاً له حتي يتعدي به إلي غيره و إنما هو مع العذر عذر في عدم وجوب العود و هو لا يوجب الاجتزاء بالإحرام معه حيثما وقع بل إنما يجب الرجوع إلي الدليل و ليس هنا سوي الاتفاق و لم ينعقد إلا علي الإحرام المستانف و أما السابق فلا دليل عليه). «1»

أقول: قد راجعنا الخلاف و التذكرة و كشف اللثام و لم نجد ما نسب إلي هذه الأجلة فيها إلا أنا لم نستوعب الفحص و لعله يعثر عليه من يستوعب الفحص فيها.

و كيف كان فالأقوي ما ذكره صاحب الجواهر.

الفرع السادس: إذا صادف إحرامه من غير مكة العذر الواقعي

بأن كان غير متمكن من الإحرام من مكة و نسي ذلك و أحرم من مكانه فتذكر ذلك بعد الإحرام هل يجب عليه تجديده أو يجوز له الاكتفاء به؟ لعل إطلاق السيد في العروة يقتضي التجديد فإنه قال: «و لو

أحرم من غيرها جهلًا أو نسياناً وجب العود إليها

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 18/ 22.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 318

و التجديد مع الإمكان و مع عدمه جدّده في مكانه» و ظاهر الجواهر التردد قال: (قد يقال بصحة إحرام مصادف العذر واقعاً كما لو نسي الإحرام منها و أحرم من غيرها في حال عدم تمكنه من الرجوع إليها لو كان متذكراً لمصادفته الأمر به واقعاً حينئذ فتأمل). «1»

أقول: الأقوي جواز الاكتفاء بإحرامه الذي وقع في مكان العذر لأنه أتي بما هو الواجب عليه في الواقع و تخيله أن الإحرام من هذا المكان جائز في نفسه بعنوانه الأولي لا يفسد قصد قربته في الإتيان به و هو واجب بالعنوان الثانوي و بهذا يفصل بين ما إذا أحرم جهلًا أو نسياناً في حال التمكن من الرجوع إلي مكة فنقول بوجوب تجديد الإحرام بعد التذكر في حال عدم التمكن و ما إذا أحرم كذلك في حال عدم التمكن فنقول بجواز الاكتفاء بإحرامه بعد التذكر و اللّٰه هو العالم.

[مسألة 2] هل يشترط كون العمرة و الحج عن شخص واحد ام لا؟

مسألة 2- قال في الجواهر: (ظاهر الأصحاب عدم اشتراط أمر آخر غير الشرائط الأربعة أو الثلاثة في حج التمتع لكن عن بعض الشافعيّة اشتراط أمر آخر و هو كون الحج و العمرة عن شخص واحد، فلو أوقع المتمتع الحج عن شخص و العمرة عن آخر تبرعاً مثلًا لم يصح. و يمكن أن يكون عدم ذكر أصحابنا ذلك اتكالا علي معلومية كون التمتع عملًا واحداً عندهم و لا وجه لتبعيض العمل الواحد فهو في الحقيقة مستفاد من كون حج التمتع قسماً مستقلًا، و يمكن أن لا يكون ذلك شرطاً عندهم لعدم الدليل علي الوحدة المزبورة التي تكون العمرة كالركعة الاولي من صلاة

______________________________

(1)- جواهر الكلام:

18/ 22.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 319

الصبح و إلا لم تصح عمرته مع اتفاق العارض عن فعل الحج إلي أن مات، بل المراد اتصاله بها و إيجاب إردافه بها مع التمكن و حينئذ فلا مانع من التبرع بعمرته عن شخص و بحجه عن آخر لإطلاق الأدلة بل لعل خبر محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام دال عليه قال: «سألته عن رجل يحج عن أبيه أ يتمتع؟ قال: نعم التمتع له و الحج من أبيه» و أما الوقوع من شخص واحد فلم أجد في كلام أحد التعرض له بمعني أنه لو فرض التزامه بحج التمتع بنذر و شبهه فاعتمر عمرته و مات مثلًا فهل تجزي نيابة أحد عنه مثلًا بالحج من مكة؟ و إن كان الذي يقوي عدم الإجزاء إن لم يكن دليل خاص). «1»

أقول: يمكن أن يقال: أما في اشتراط كونهما عن شخص واحد إن مشروعية العمرة المتمتع بها إلي الحج و حج التمتع ثابتة لمن أتي بهما و لا يفهم منها غير ذلك و مجرد حكم الشارع بصحة عمرة حج التمتع إن مات المعتمر قبل فعل الحج لا يدل علي جواز كون العمرة عن شخص و الحج عن آخر و الوجه لعدم ذكره في كلمات أصحابنا هو ما ذكره من معلومية ذلك و الا يلزم جواز إتيان شخص بعمرة التمتع عن نفسه و الآخر بحجه أيضاً عن نفسه و هذا واضح لا غبار عليه و الدليل علي الوحدة المزبورة هي الأدلة الدالة علي مشروعية حج التمتع.

و أما خبر محمد بن مسلم فهو ما رواه الصدوق باسناده الصحيح عن جعفر بن بشير «2» عن العلا «3» عن محمد بن مسلم «4» عن أبي

جعفر عليه السلام قال: «سألته عن رجل

______________________________

(1).

(2).

(3).

(4)- من الرابعة و صححه أصحابنا بالكوفة فقيه ورع هو ممن أجمعت الصحابة علي تصديقهم.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 320

يحج عن أبيه أ يتمتع؟ قال: نعم المتعة له و الحج عن أبيه» «1». فاستفادة جواز الإتيان بعمرة التمتع عن شخص و بحجه عن آخر منه محل إشكال لأن كونه دالا علي جواز ذلك أحد الاحتمالات في مقام الاستظهار منه.

و منها ان يكون المراد من السؤال عن التمتع الالتذاذ و أنه هل يجوز للنائب التمتع بالطيب و النساء بعد العمرة المتمتع بها أو ليس له ذلك و ليس الاحتمال الأول أظهر منه مضافاً إلي ما قلنا من أن العرف لا يفهم معني لاعتمار أحد بعمرة التمتع و حج الآخر بحجه و إتيان شخص واحد بهما عن الشخصين العمرة عن أحدهما و الحج عن الآخر لا يرتبطهما بالآخر. و كيف كان، لا تحتج بالرواية لما فيها من الإجمال مضافاً إلي أنه لم ينقل من أحد القول بجواز ذلك.

و أما اشتراط وقوعهما من شخص واحد فلا يصح إذا أتي بالعمرة أحد عن شخص و أتي الآخر عنه الحج كما إذا استناب العاجز عن المباشرة أحداً لعمرة التمتع و آخر لحجه و في مثال صاحب الجواهر إذا كان ملتزماً بحج التمتع بالنذر و شبهه و مات بعد تمام عمرته فهل تجزي نيابة أحد عنه بالحج من مكة؟ بل إن مات و عليه حج التمتع بالنذر و شبهه هل تجوز استنابة شخصين له أحدهما بالعمرة التمتع و الآخر لحجه؟ و من الأمثلة كون الشخص قادراً علي إتيان أحدهما بالمباشرة و من الآخر بالاستنابة.

يمكن أن يقال: إن الارتباط الملحوظ بين العمرة و الحج إذا كان

كلاهما عن واحد فهو محفوظ و إن وقعا من شخصين و ليس ذلك مثل إتيان واحد بهما عن

______________________________

(1)- من لا يحضره الفقيه: ح 2/ 273، ب 169، باب المتمتع عن أبيه، ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 321

شخصين و ليس في الأدلة ما يدل علي اشتراط ذلك مضافاً إلي أن مقتضي الأصل عدم الاشتراط.

اللهم إلا أن يقال: إن مثل ذلك غير معهود عند المتشرعة، بعيد عن الأذهان.

و لكن بعد ذلك لا يترك الاحتياط فيما إذا مات من استقر عليه الحج و لم يأت به و لم يكن من يقضي عنه إلا من يقضي عنه خصوص عمرة التمتع و من يقضي عنه خصوص حجة باستنابتهما عنه.

ثمّ إن هنا خبراً آخر ربما يقال بدلالته علي جواز التفريق و جعل عمرة التمتع لشخص و حجه للآخر، و هو ما رواه الشيخ باسناده عن محمد بن الحسن الصفار «1» عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب «2» عن محمد بن إسماعيل «3» عن صالح بن عقبة «4» عن الحارث بن المغيرة «5» عن أبي عبد اللّه عليه السلام «في رجل تمتع عن امّه و أهل بحجة عن أبيه؟ قال: إن ذبح فهو خير له و إن لم يذبح فليس عليه شي ء لأنّه إنّما تمتع عن امّه و أهل بحجه عن أبيه». «6»

بعض الأعاظم قال بان هذا الخبر صريح في جواز التفريق بين عمرة التمتع و حجه و جواز جعلهما لاثنين و ردّ تضعيف صالح بن عقبة من ابن الغضائري بتوثيق ابن قولويه في كامل الزيارات و علي بن إبراهيم في تفسيره له كما أنكر صحة نسبة رجال ابن الغضائري إليه بعدم إثبات كونه منه و ردّ تضعيف العلامة بأنه

لا عبرة به

______________________________

(1)- القمي له كتب و الظاهر أنه من الثامنة و ما في الطبقات من كونه من السادسة سهو قطعاً.

(2)- من السابعة موصوف بنعوت.

(3)- ابن بزيع من صغار السادسة كثير العلم من الثقات.

(4)- من الخامسة أو السادسة له كتاب.

(5)- من الخامسة أو الرابعة النصري ثقة ثقة.

(6)- تهذيب الأحكام: 5/ 239.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 322

لأنه أخذه من ابن الغضائري «1»

أقول: هذا بحسب السند و عندنا أنه يعتمد عليه بعد اعتماد الشيوخ الأجلاء مثل ابن البزيع عليه. و أما دلالته فليست صريحة في جواز التفريق لجواز أن يكون قوله عليه السلام: «إن ذبح فهو خير له» ان ذلك و ان كان ليس الهدي المعتبر في حج التمتع إلا أنه خير لأبيه و لذا قال عليه السلام: «و إن لم يذبح فليس عليه شي ء» و علله بأنه تمتع عن امه و حج عن أبيه فلا يترتب عليه أحكام حج التمتع.

ثمّ أفاد في ذيل كلامه: «ان الخبر حيث أنه مخالف لما تقتضيه القاعدة كما عرفت فلا بد من الاقتصار علي مورده» «2»

و لكن قد عرفت أن ذلك متفرع علي دلالة الخبر علي ما جعله صريحاً فيه و قد عرفت عدم صراحته بل و ظهوره في ذلك.

[مسألة 3] هل يجوز الخروج من مكة فيما بين الاحلال و الحج

مسألة 3- قال في العروة: (المشهور أنه لا يجوز الخروج من مكة بعد الإحلال من عمرة التمتع قبل أن يأتي بالحج و أنه إذا أراد ذلك عليه أن يحرم بالحج فيخرج محرماً به، و إن خرج محلًا و رجع بعد شهر فعليه أن يحرم بالعمرة. و ذلك لجملة من الأخبار الناهية عن الخروج و الدالة علي أنه محتبس و مرتهن بالحج و الدالة علي أنه لو أراد الخروج خرج ملبياً بالحج

و الدالة علي أنه لو خرج محلًا فإن رجع في شهره دخل محلًا

______________________________

(1)- معتمد العروة: 2/ 263.

(2)- معتمد العروة: 2/ 263.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 323

و إن رجع في غير شهره دخل محرماً و الأقوي عدم حرمة الخروج و جوازه محلًا حملًا للأخبار علي الكراهة كما حكي عن ابن إدريس و جماعة اخري بقرينة التعبير ب لا أُحب في بعض تلك الأخبار و قوله عليه السلام في مرسلة الصدوق) إلي آخر كلامه.

أقول: ينبغي لنا المراجعة إلي الأخبار و النظر فيها سنداً و دلالة و قد عرفت مما أفاد أن الأخبار علي طوائف:

الطائفة الاولي الدالة علي النهي عن الخروج مثل صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: «قلت له: كيف أتمتع؟ قال: تأتي فتلبي فإذا دخلت مكة طف بالبيت و صليت الركعتين خلف المقام و سعيت بين الصفا و المروة و قصرت و حللت من كل شي ء و ليس لك أن تخرج من مكة حتي تحج». «1»

و صحيحه الآخر عنه عليه السلام قال: «قلت لأبي جعفر عليه السلام: ما أفضل ما حج الناس؟ فقال: عمرة في رجب و حجة مفردة في عامها فقلت: فما الذي يلي هذا؟ قال:

المتعة قلت فكيف أتمتع؟ فقال يأتي الوقت و يلبي بالحج فإذا أتي مكة طاف و سعي و أحل من كل شي ء و هو محتبس ليس له أن يخرج من مكة حتي يحج». «2»

و الظاهر اتحاده مع الأول و إن أخرجهما في التهذيب في البابين فأخرج الأول في باب صفة الإحرام و الثاني في باب ثواب الحج.

و صحيحة حماد بن عيسي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «من دخل مكة متمتعاً في أشهر الحج لم يكن له أن

يخرج حتي يقضي الحج» الحديث بتمامه. «3»

______________________________

(1)- التهذيب: 5/ 86، ح 286/ 92.

(2)- التهذيب: 1/ 31، ح 93/ 32.

(3)- وسائل الشيعة: ب 23، اقسام الحج، ح 6.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 324

و هل المستفاد من مثل الأخبار حرمة الخروج مطلقا و ان كان مريداً للرجوع إلي مكة لأداء حج التمتع أو أن المستفاد منه أنه ليس له الخروج و ترك الحج أو ليس له الخروج إذا كان ذلك معرضاً لفوت الحج و إلّا يلزم أن يكون حج التمتع مركباً من العمرة المتمتع بها و من الإقامة في مكة بعدها إلي أن يقضي الحج؟

و ربما يؤيد ذلك بما رواه في قرب الإسناد بإسناده عن علي بن جعفر عن أخيه: قال: «و سألته عن رجل قدم مكة متمتعاً (فاحل أ يرجع)؟ قال: لا يرجع حتي يحرم بالحج و لا يجاوز (يتجاوز) الطائف. و شبهها مخافة أن لا يدرك الحج فإن احبّ أن يرجع إلي مكة رجع و إن خاف أن يفوته الحج مضي علي وجهه إلي عرفات» «1». فقوله «مخافة أن لا يدرك الحج» شاهد علي أن الحكم بترك الخروج و عدم التجاوز عن الطائف و شبهها كأنه إرشادي و لأجل أن لا يفوت منه الحج.

و لكن بعد ذلك كله الذي يبعد هذا الاستظهار هو أن السؤال عن الإمام عليه السلام يكون عن الحكم الشرعي و كلام الإمام عليه السلام أيضاً و إن لم يكن جواباً عن السؤال ظاهر في بيان حكم اللّٰه و حمل كلامه علي غير بيان الحكم الشرعي حمل علي خلاف الظاهر و غاية ما يمكن أن يقال: أن يكون الخوف من فوت الحج حكمة للحكم.

الطائفة الثانية: ما يدل علي أن معني ارتباط المعتمر

بحجه أنه لا يخرج من مكة حتي يقضيه. مثل رواية معاوية بن عمار قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: و نحن بالمدينة إنّي اعتمرت عمرة في رجب و أنا اريد الحج فأسوق الهدي أو افرد أو أتمتع؟

قال: في كل فضل و كل حسن قلت: و أي ذلك؟ فقال: إن علياً عليه السلام كان يقول: لكل شهر عمرة تمتع فهو و اللّٰه أفضل فقال: إن أهل مكة يقولون: إن عمرته عراقية و

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 22 من ابواب اقسام الحج، 12.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 325

حجته مكية و كذبوا أو ليس هو مرتبطاً بحجه لا يخرج حتي يقضيه». «1»

الطائفة الثالثة: ما يدل علي أنه إذا أراد الخروج من مكة بعد عمرة التمتع يخرج محرماً للحج.

مثل صحيحة حفص بن البختري عن أبي عبد اللّه عليه السلام «في رجل قضي متعته و عرضت له حاجة أراد أن يمضي إليها قال: فقال: فليغتسل للإحرام و ليهلّ بالحج و ليمض في حاجته فإن لم يقدر علي الرجوع إلي مكة مضي إلي عرفات». «2»

و في قبال هذه الأخبار ما قيل بدلالته علي الجواز مثل صحيح الحلبي الذي رواه الكليني بسنده عنه قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يتمتع بالعمرة إلي الحج يريد الخروج إلي الطائف؟ قال: يهل بالحج من مكة و ما أحب أن يخرج منها الا محرماً و لا يتجاوز الطائف انها قريبة من مكة» «3». فإن قوله عليه السلام «ما احب ان يخرج منها» ظاهر في الكراهة و به ترفع اليد عن ظاهر ما يدل علي الحرمة و رد بان جملة (لا احب) غير ظاهرة في الكراهة لأن مثلها استعملت في القرآن المجيد في الموارد

المبغوضة كقوله تعالي: «وَ اللّٰهُ لٰا يُحِبُّ الْفَسٰادَ» و قوله تعالي: «لٰا يُحِبُّ اللّٰهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ» و هو الغيبة المحرمة كما استعملت بالنسبة إلي الذوات المبغوضة مثل قوله تعالي: «وَ اللّٰهُ لٰا يُحِبُّ الظّٰالِمِينَ» * و «لٰا يُحِبُّ الْكٰافِرِينَ» * و «لٰا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ» * و لا ريب في ان معني انه لا يحب الفساد و الظلم و الظالم و المفسد انه يبغض ذلك كله فهو لا يحب الفساد لأنه مبغوضه و ليس بمحبوبه.

و بالجملة هذه غير ظاهرة في الكراهة بمعني الأخص بل معناها أعم من

______________________________

(1)- التهذيب، ج 5، ص 32، ج 94/ 23.

(2)- وسائل الشيعة: ب 22 من ابواب اقسام الحج، ح 4.

(3)- وسائل الشيعة: ب 22 من ابواب اقسام الحج، ح 7.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 326

الكراهة المصطلحة و الحرمة غاية الأمر أن يقال: إنها إذا استعملت و لم تكن هناك قرينة علي إرادة الكراهة المصطلحة منها أو علي شدة الكراهة و الحرمة لا تحمل علي الحرمة و القدر المتيقن منها الكراهة بمعني الأخص (الكراهة المصطلحة) فلا يصح عد ذلك الجملة قرينة علي إرادة الكراهة من النهي الظاهر في الحرمة أو الجملة الظاهرة فيها مثل «ليس له أن يخرج» لو لم نقل بعكس ذلك و لم نجعل النهي قرينة علي إرادة شدة الكراهة من جملة «ما نحب».

و مع ذلك كله يمكن أن يقال: قوله: «ما احب» بملاحظة بيانه بعد الحكم لا يستفاد منه الحرمة.

و مثل مرسل الصدوق عليه الرحمة قال: قال الصادق عليه السلام: «إذا أراد المتمتع الخروج من مكة إلي بعض المواضع فليس له ذلك لأنه مرتبط بالحج حتي يقضيه إلا أن يعلم أنه لا يفوته الحج فإذا علم و خرج ثمّ

عاد في الشهر الذي خرج فيه دخل مكة محلًا و إن دخلها في غير ذلك الشهر دخلها محرماً». «1»

إلا أن ضعفه بالإرسال يمنع عن الاحتجاج به و مثل خبر معلي بن محمد عمن ذكره عن أبان بن عثمان عمن أخبره عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «المتمتع محتبس لا يخرج من مكة حتي يخرج إلي الحج إلّا أن يأبق غلامه أو تضلّ راحلته فيخرج محرماً و لا يجاوز إلا علي قدر ما لا تفوته عرفة» «2». فاستفيد منه أن ما هو المدار في جواز الخروج و عدمه فوت الحج و عدمه.

و فيه: أنه ضعيف بما فيه من إرسالين كما هو واضح. مضافاً إلي أنه لا دلالة له

______________________________

(1)- من لا يحضره الفقيه: 2/ 238.

(2)- وسائل الشيعة: ب 22 من أبواب أقسام الحج ح 9.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 327

علي جواز الخروج إذا لم يخف من فوت الحج و إنما يدل علي أنه إذا خرج محرماً للحج لا يذهب قدر ما يفوت به الحج.

[مسألة 4] كيفية الخروج من مكة

مسألة 4- علي القول بحرمة خروج المتمتع بعد الإحلال من العمرة من مكة أو كراهته ليس له الخروج إذا لم يكن له حاجة قبل أن يحرم للحج و إذا عرضت له حاجة يجوز له الخروج بعد الإحرام للحج و ذلك بمقتضي الأخبار و هل يجوز له الخروج بدون الحاجة و الضرورة مع الإحرام؟

و هل يجوز له ذلك إذا دعت الحاجة إليه بدون الإحرام أم لا يجوز؟

أما في الفرع الأول فيمكن أن يقال بدلالة خبر علي بن جعفر و صحيح الحلبي علي الجواز مطلقاً إلا أن ظاهر الاستثناءات في صحيح حماد «فإن عرضت له حاجة إلي عسفان أو إلي الطائف أو إلي ذات

عرق خرج محرماً و دخل ملبياً بالحج» «1» و في قوله عليه السلام في صحيح حفص بن البختري عن أبي عبد اللّه عليه السلام «في رجل قضي متعته و عرضت له حاجة أراد أن يمضي إليها قال: فقال فليغتسل للاحرام» «2» الحديث. و خبر أبان الذي قال فيه: «إلّا أن يأبق غلامه أو تضل راحلته فيخرج محرماً» «3» الحديث. إنه ليس له الخروج بدون الحاجة و الضرورة و خبر علي بن جعفر و صحيح الحلبي أيضاً محمولان علي صورة الحاجة. إذاً فمقتضي إطلاقات الأدلة الناهية عدم جواز الخروج إلي غير الحج و إن كان محرماً للحج.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 22 أبواب أقسام الحج ح 6.

(2)- وسائل الشيعة: ب 22 من أبواب أقسام الحج ح 2.

(3)- وسائل الشيعة: ب 22 من أبواب أقسام الحج ح 9.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 328

و أما في الفرع الثاني فيدل علي جواز الخروج بدون الإحرام مرسل الصدوق الذي عرفت ضعفه من جهة الإرسال.

و ما رواه الشيخ عن موسي بن القاسم «1» قال: «أخبرني بعض أصحابنا أنه سأل أبا جعفر عليه السلام في عشر من شوال فقال: إني اريد أن افرد عمرة هذا الشهر؟ فقال له: أنت مرتهن بالحج فقال له الرجل: إن المدينة منزلي و مكة منزلي ولي بينهما أهل و بينهما أموال؟ فقال له: أنت مرتهن بالحج فقال له الرجل: فإن لي ضياعاً حول مكة و احتاج إلي الخروج إليها؟ فقال: تخرج حلالًا و ترجع حلالًا الي الحج». «2» و هذا أيضاً ضعيف بالإرسال و لا بأس بدلالته.

و علي هذا فالقدر المتيقن الخارج من تحت عمومات النهي عن الخروج ما إذا عرضت له الحاجة و الضرورة فيخرج محرماً للحج

فلا يخرج بغير الإحرام و إن عرضت له الحاجة كما أنه لا يجوز له الخروج محرماً إذا لم تكن له حاجة.

و لكن يمكن الاستدلال بجواز الخروج بدون الإحرام إذا دعت الحاجة اليه برواية إسحاق بن عمار قال: «سألت أبا الحسن عليه السلام عن المتمتع يجي ء فيقضي متعته ثمّ تبدو له الحاجة فيخرج إلي المدينة و إلي ذات عرق أو إلي بعض المعادن؟ قال:

يرجع الي مكة بعمرة إن كان في غير الشهر الذي تمتع فيه لأن لكل شهر عمرة و هو مرتهن بالحج» «3». الحديث فان الظاهر منه أنه خرج من مكة محلًا معتقداً جوازه و لم يستنكر الامام عليه السلام ذلك منه.

و بعد ذلك كله فلا تطمئن النفس بالقول بحرمة الخروج بدون الإحرام

______________________________

(1)- ثقة جليل واضح الحديث حسن الطريقة له ثلثون كتاباً من السابعة.

(2)- تهذيب الأحكام: 5/ 436 ح 1518.

(3)- وسائل الشيعة: ب 22 من أبواب أقسام الحج ح 8.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 329

و الحاجة إذا لم يخف فوت الحج كما هو المفروض في رواية موسي بن القاسم لقوله عليه السلام في صحيح الحلبي بعد أن قال في الجواب: «يهلّ بالحج من مكة و ما احب أن يخرج منها إلّا محرماً» فإن الجملة الأخيرة بيان لعدم إرادة الوجوب من الجملة الاولي و إلا لا معني لقوله «و ما احب» بعد كون الإهلال من مكة واجباً.

هذا و طريق الاحتياط ترك الخروج الّا محرماً و مع الحاجة إلّا أن يقع بذلك في الحرج.

[مسألة 5- من خرج من مكة بعد عمرة التمتع بغير الاحرام]

اشارة

مسألة 5- من خرج من مكة بعد عمرة التمتع بغير الاحرام إما جاهلًا بحرمة الخروج أو معتقداً جوازه و دخلها في الشهر الذي تمتع فيه، يجوز له الدخول فيها بغير إحرام و الظاهر

أنه لا خلاف بينهم في ذلك و هذا هو القدر المتيقن من الأخبار، و أمّا إذا دخل في الشهر الذي خرج فيه لا في الشهر الذي تمتع فيه فهل هو مثل من دخل في شهر متعته لا يجب عليه العمرة أو يجب عليه العمرة؟

ظاهر بعض الأخبار الأول و ذلك مثل صحيح حماد عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:

«من دخل مكة متمتعاً في أشهر الحج لم يكن له أن يخرج حتي يقضي الحج فإن عرضت له حاجة الي عسفان أو إلي الطائف أو إلي ذات عرق خرج محرماً و دخل ملبيا بالحج فلا يزال علي إحرامه فإن رجع إلي مكة رجع محرماً و لم يقرب البيت حتي يخرج مع الناس إلي مني علي إحرامه و إن شاء كان وجهه ذلك إلي مني قلت: فإن جهل فخرج إلي المدينة إلي نحوها بغير إحرام؟ فقال: إن رجع في شهره دخل بغير إحرام و إن دخل في غير الشهر دخل محرماً» «1» الحديث. و ظاهره عدم التفصيل بين

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 22 من أبواب أقسام الحج ح 6.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 330

كون شهر رجوعه شهر خروجه أو خصوص شهر متعته.

و هذا صريح الشيخ قده في التهذيب قال: (فان خرج (المعتمر) بغير إحرام ثمّ عاد فإن كان عوده في الشهر الذي خرج فيه لا يضره أن يدخل مكة بغير إحرام و إن كان دخل في غير الشهر الذي خرج فيه دخلها محرماً بالعمرة إلي الحج). «1»

و قال ايضاً: (و من خرج من مكة بغير إحرام و عاد إليها في الشهر الذي خرج فيه فالأفضل أن يدخلها محرماً بالحج و يجوز له أن يدخلها بغير إحرام حسب ما قدمناه

روي محمد بن يعقوب عن صفوان عن إسحاق بن عمّار قال: «سألت ابا الحسن عليه السلام عن المتمتع يجي ء فيقضي متعته ثمّ تبدو له الحاجة فيخرج إلي المدينة أو إلي ذات عرق أو إلي بعض المعادن؟ قال: يرجع إلي مكة بعمرة إن كان في غير الشهر الذي يتمتع فيه لأن لكل شهر عمرة و هو مرتهن بالحج قلت: فإنه دخل في الشهر الذي خرج فيه قال: كان أبي مجاوراً هاهنا فخرج يتلقي بعض هؤلاء فلمّا رجع فبلغ ذات عرق أحرم من ذات عرق بالحج و دخل و هو محرم بالحج»). «2»

أقول: أما قوله: (فالأفضل أن يدخلها محرماً بالحج)، فلا يستقيم إلا أن يكون أراد بالحج، العمرة كما يحتمل أن يكون مراد الإمام عليه السلام أيضاً من قوله: «و هو محرم بالحج» العمرة و أما كون الحديث دالّا علي أنه إن دخل في الشهر الذي خرج فيه لا يضره أن يدخل بغير إحرام، فهو علي خلافه أدلّ لقوله عليه السلام: «إن كان في غير الشهر الذي يتمتع فيه».

و بذلك يمكن أن يقال: أن المراد من قوله: «إن رجع في شهره» و قوله: «و إن

______________________________

(1)- تهذيب الأحكام: 1/ 164.

(2)- تهذيب الاحكام: 1/ 164.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 331

دخل في غير الشهر» الشهر الذي تمتع فيه و أما قوله: «قلت فإنه دخل في الشهر الذي خرج فيه قال: كان أبي …» فهو أيضاً يدل علي عدم جواز الدخول بغير الإحرام و أمّا أفضلية الدخول بالإحرام فلم يظهر لنا وجهه.

نعم، يمكن أن يكون وجه أفضلية دخولها محرماً أن لكل شهر عمرة و ما يدل علي جواز الدخول بغير الاحرام إذا اتحد شهر الخروج و الدخول يكون علي وجه الرخصة

و عدم حرمة دخول مكة بغير احرام أما استحباب العمرة في كل شهر فهو باق علي حاله.

هذا كله في حكم ما إذا كان دخوله في الشهر الذي خرج فيه فقد علم مما ذكر أنه ليس لجوازه بغير الإحرام دليل معتبر فالأقوي و هو الأحوط البناء علي الجواز إذا دخل في شهر متعته.

فروع
الاول انه قد وقع الكلام في أنه إذا كان الاعتبار بشهر المتعة فهل العبرة بإهلالها و الشروع في إحرامها أو بإحلالها و الفراغ من تمام أعمالها؟

فاختار في العروة الأول لأن القدر المتيقن من جواز الدخول أن يدخل في شهر الشروع في الإحرام و علي ذلك فإن أحرم بعد إتمام العمرة و الفراغ منها و خرج من مكة و دخل في غير الشهر الذي أحرم فيه يجب عليه الإحرام ثانيا إن كان هو بعد في شهر إتمام العمرة و الفراغ منها.

و لكن ظاهر قوله عليه السلام في رواية إسحاق بن عمار «يرجع إلي مكة بعمرة إن كان في غير الشهر الذي تمتع فيه» كون الاعتبار في مبدأ الشهر بالفراغ من العمرة و الإحلال منها.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 332

الثاني أن المعتمر بعمرة التمتع الذي خرج من مكة بغير إحرام و دخل في غير شهره هل يجب عليه الإحرام لدخول مكة أو لا يجب؟

و علي تقدير الوجوب، الوجوب نفسي يجب عليه إعادة عمرة التمتع و لا يعتد بالاولي أو غيري يجب لدخول مكة لأنه لا بد له إلا دخول مكة و الاحرام منها لحج التمتع؟ الظاهر أنه لا وجه للقول بالاستحباب.

نعم قد قيل بدلالة صحيح اسحاق بن عمار علي الاستحباب حيث قال فيه:

«يرجع إلي مكة بعمرة إن كان في غير الشهر الذي تمتع فيه لأن لكل شهر عمرة و هو مرتهن بالحج» فإن التعليل بأن لكل شهر عمرة صريح في أن الأمر بالإحرام ثانياً لدخول مكة إنما يكون علي وجه الاستحباب لأن العمرة لكل شهر مستحبة و ليست واجبة.

و يمكن الجواب عن ذلك بأن قوله عليه السلام: «لأن لكل شهر عمرة» بيان لعدم جواز الاكتفاء بعمرة الشهر الماضي للدخول في مكة لزوال أثرها الذي ترتب عليه و هو دخول مكة قبل مضي شهرها بدون الإحرام و بالجملة هذا بيان لعدم الاعتداد بها فلا تعتبر هي عمرة التمتع و لا يجوز بها الدخول في مكة بغير الإحرام و قوله: «و هو مرتهن بالحج» معناه يجب عليه

الإتيان بالعمرة الثانية يجب عليه أن يأتي بها و بالحج.

و الدليل علي ذلك ما في ذيل صحيحة حماد قال: «قلت: فأي الإحرامين و المتعتين متعة الاولي أو الأخير؟ قال: الأخيرة هي عمرته و هي المحتبس بها التي وصلت بحجته». «1»

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 22 من ابواب اقسام الحج 6.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 333

هذا مضافاً إلي أن استحباب العمرة في كل شهر لا ينافي وجوبها إذا وجب دخول مكة لأداء الحج و الإحرام له منها و اللّٰه العالم.

الثالث: إن المراد من الشهر هل هو ما بين الهلالين أو مقدار ثلثين يوماً؟

فعلي الأول إن تمت متعته في آخر يوم من رجب و خرج فيه من مكة و رجع في غرة شعبان يجب عليه الاعتمار و علي الثاني لا يجب إلّا بعد مضيّ ثلثين يوماً من يوم إتمام عمرته أو الشروع فيه أو الخروج علي الأقوال الثلاثة.

يمكن أن يقال: إن الظاهر من إطلاق الشهر هو ما بين الهلالين لا مقدار ثلثين يوماً إلّا أن يعرف ذلك من بعض القرائن كما هو كذلك في العدة و يمكن أن يقال: إن ذلك يستفاد من قوله تعالي: «إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللّٰهِ اثْنٰا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتٰابِ اللّٰهِ» «1»

و أمّا ما رواه الصدوق بإسناده عن إسحاق بن عمّار قال: «قال أبو عبد اللّٰه عليه السلام السنة اثنا عشر شهراً يعتمر لكل شهر عمرة قال: قلت: أ يكون أقل من ذلك؟ قال:

لكل عشرة أيام عمرة». «2» فصدره و إن كان يدل علي ذلك و استند إليه بعض الأعاظم، «3» إلّا أن ذيله يمنع من ظهوره في كون الاعتبار علي ما بين الهلالين دون ثلثين يوماً، اللهم إلّا أن يقال: إن المستفاد منه أن لكل شهر هلالي عمرة، و لكل عشرة أيام عمرة كما

ورد: «العمرة في كل سنة مرة» «4»

الرابع: قال في الجواهر: «ليس في كلامهم تعرض لما لو رجع حلالًا بعد شهر و لو آثماً

______________________________

(1)- التوبة/ 36.

(2)- وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب العمرة ح 9.

(3)- معتمد العروة: 2/ 276.

(4)- وسائل الشيعة: ب 6، من أبواب العمرة ح 6.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 334

فهل له الإحرام بالحج بانياً علي عمرته الاولي أو أنها بطلت للتمتع بالخروج شهراً؟ و لكن الذي يقوي في النظر الأول لعدم الدليل علي فسادها». «1»

و استظهر بعض الأجلة من الأدلة صيرورة العمرة الاولي بذلك غير قابلة للارتباط بالحج فإن عمدة الروايات الواردة في المقام روايتان: موثقة إسحاق بن عمار و صحيحة حمّاد و المستفاد من الاولي أن العمرة التي يجب الإتيان بها إذا رجع في غير الشهر الذي تمتع فيه هي عمرة التمتع لقوله عليه السلام: «يرجع إلي مكة بعمرة إن كان في غير الشهر الذي تمتع فيه لأن لكل شهر عمرة و هو مرتهن بالحج» يعني بالعمرة الثانية التي يأتي بها و الاولي لا يصير مرتهناً بالحج بها إلّا إذا كانت عمرة التمتع فكأنه برجوعه في غير الشهر زال ارتباط عمرته بالحج و ارتهانه به فتجب عليه عمرة التمتع ثانياً.

و أمّا الثانية فهي صريحة في ذلك لقوله عليه السلام: «و إن دخل في غير الشهر دخل محرماً قلت: فأي الإحرامين و المتعتين متعة الاولي أو الأخيرة؟ قال: الأخيرة هي عمرته و هي المحتبس بها التي وصلت بحجته».

أقول: أما في دلالة الاولي فيمكن أن يقال: إن الرجوع إلي مكة بعمرة التمتع لأن لكل شهر عمرة و لعدم جواز الدخول في مكة محلًا و بغير الإحرام مستلزم لخروج الاولي من كونها متعة و أمّا إذا لم يأت بها و دخل مكة محلًا فهي علي حالها و هو مرتهن بها

بالحج.

و الثانية أيضاً كذلك فإن كون الثانية متعة لا يستلزم خروج الاولي عن كونها متعة إذا لم يأت بها فلعل خروج الاولي عن كونها متعة كان لأجل وقوع الفصل

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 18/ 29.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 335

بينها و بين الحج بالثانية و وجوب اتصال عمرة التمتع بحجها.

هذا مضافاً إلي أن الأصل عدم اشتراط العمرة المتمتع بها إلي الحج بعدم الخروج من مكة و بعدم الدخول فيها بدون الإحرام إن خرج منها كذلك.

الخامس: هل منع المعتمر عن الخروج من مكة مختص بالخروج إلي الأماكن البعيدة

فلا بأس بالخروج إلي فرسخ أو فرسخين أو المنع مختص بالخروج عن الحرم أو إلي المسافة الشرعية أو أن الممنوع مجرد الخروج عن مكة؟

الظاهر من الأدلة هو الأخير مثل قوله عليه السلام في صحيحة زرارة: «و ليس لك أن تخرج من مكة حتي تحج» و لا ريب أن مخالفة هذا النهي تصدق بمجرد الخروج من مكة و إن كان ذلك دون المسافة أو دون الحرم أو دون فرسخ و أقل منه.

و الاستشهاد علي أن الخروج الممنوع الخروج إلي المسافة لما ورد في بعض روايات صلاة المسافر من قوله عليه السلام: «فليس لك أن تقصر حتي تخرج منها» «1» لأن الخروج المعتبر فيها و المراد في هذا الخبر هو الخروج من المدينة إلي المسافة،

ضعيف جدّاً و لا يجوز قياس البابين بالآخر مضافاً إلي أن معني الخروج في هذه الرواية معلوم بدلالة سائر روايات باب صلاة المسافر مضافاً إلي أنه يلزم الاختلاف في التحديد مثلًا فإذا كان مريداً للذهاب إلي أربعة فراسخ و الرجوع من يومه أو قبل عشرة أيام لا يجوز له الخروج و إذا لم يكن ناوياً الرجوع من يومه أو قبل عشرة أيام يجوز له الرجوع و علي كل حال فهذا

احتمال ضعيف و إن حكي عن بعض الأكابر في تعليقته علي العروة كما رد عليه بعض تلامذته.

السادس: لا فرق في حكم الخروج من مكة بين الحج الواجب و المستحب

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب صلاة المسافر ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 336

لأن عدم جواز الخروج من مكة أو كراهته إنما هو حكم عمرة التمتع فالمعتمر بها يصير مرتهناً بالحج سواء كان الحج واجباً عليه أو مستحباً و ذلك لإطلاق الأدلة و عدم دليل علي تقييدها و اختصاصه بالحج الواجب فهو مرتهن بالحج مطلقاً كما أنه يجب عليه إتمام الحج و إن لم يكن واجباً عليه هذا بالنسبة إلي حكم الخروج.

أما بالنسبة إلي حكم الدخول، فقد فصل بأنه إن قلنا بأن العمرة الثانية عمرة مستقلة مفردة غير مرتبطة بالحج، فلا كلام في أنه يجب عليه الرجوع و الإحرام لدخول مكة لأنه يرجع إليها في غير شهر متعته فهو مرتهن بالحج و عمرته الاولي مرتبطة به لا تنفصل عنه بخروجه من مكة و أما إن بنينا علي أن العمرة الثانية هي المرتبطة بالحج و صيرورة الاولي بالخروج من مكة مفردة مستقلة فالاعتمار الجديد وجوبه يدور مدار وجوب حج التمتع عليه بالاستطاعة أو بالنذر و شبهه أو بالاجارة و إلا فيجوز له ترك الإحرام و ذهابه إلي منزله أو أي مكان شاء و بعد ما استظهرنا من الأدلة ان العمرة الثانية هي التي ترتبط بالحج يجوز رفع اليد عن الحج المستحب و ترك الإحرام إذا لم يكن مريداً لدخول مكة بل يمكن أن يقال بجواز ذلك إذا كان وجوب الحج موسعاً كالواجب عليه بالإجارة الموسعة و النذر المطلق. «1»

السابع: علي البناء علي أنه لو دخل في غير شهر الإهلال أو الإحلال أو الخروج أن العمرة التي تجب عليه هي عمرة متعته لا إشكال في أنه لا يجب عليه طواف النساء فيها

و لكن هل يجب عليه للُاولي التي انفصلت عن الحج بالخروج من مكة و الدخول في غير الشهر أم لا فيه وجهان:

وجه الوجوب إطلاقات ما يدل علي اعتبار طواف النساء في العمرة المفردة و

______________________________

(1)- معتمد

العروة: 2/ 282.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 337

قد صارت هي مفردة فيجب فيها طواف النساء.

و وجه عدم الوجوب استبعاد حرمة إتيان النساء بعد إحلاله فإنه بعد التقصير في عمرته الاولي حلت له النساء فكيف تحرم عليه ثانياً؟ مضافاً إلي أن ما يظهر من موثقة إسحاق و صحيح حماد صيرورة العمرة الاولي لاغية و كأن لم تكن فهي محكومة بالعدم و انقلابها إلي المفردة يحتاج إلي الدليل.

و فيه: أن الاستبعاد فليس له موقع في الأحكام الشرعية بعد دلالة الدليل بل مطلقا و أما موثقة إسحاق و صحيح حماد فلا دلالة لهما علي كون الاولي محكومة بالعدم.

نعم، يمكن أن يقال: إن سكوت الإمام عليه السلام في الروايات عن بيان حكم وجوب طواف النساء للُاولي سكوت في مقام البيان يدل علي عدم الوجوب.

و لكن يمكن الجواب عنه بإيكالهم الأمر إلي الوضوح و معلومية وجوب طواف النساء في غير عمرة التمتع و علي هذا فالأحوط الإتيان بطواف النساء و صلاته للُاولي و الأحوط منه- كما قال في العروة- الإتيان بطواف مردد بين كونه للُاولي أو الثانية و اللّٰه هو العالم.

الثامن: إذا خرج المعتمر بعمرة من مكة و دخل محلًا في غير الشهر و قلنا بوجوب العمرة الثانية عليه

هل يجب عليه الرجوع إلي ميقات أهله أو إلي أحد المواقيت أو يكفيه الإحرام من خارج الحرم؟ و نحن قد قوينا- في مسألة المقيم في مكة إذا وجب عليه حج التمتع- كفاية الإحرام من أدني الحل و الظاهر أن المسألتين في ذلك علي حكم واحد فلا نطيل الكلام بإعادة البحث هنا.

التاسع: هل يجوز الخروج من مكة في أثناء عمرة التمتع أم لا يجوز له ذلك؟

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 338

الظاهر أن المسألة لم تحرر في كتب الفقهاء رضوان اللّٰه عليهم و فيه وجهان:

وجه الجواز القول باختصاص النصوص المانعة بمن أتم عمرة التمتع فالمرجع فيمن لم يتمها هو الأصل المقتضي للجواز.

و وجه عدم الجواز إطلاق الروايات المانعة لأن موضوع المنع فيها هو الخروج من مكة بعد دخولها متمتعاً سواء أتم عمرته و أحلّ منها أو كان باقياً في إحرامه فقد قال عليه السلام في صحيح حماد: «من دخل مكة متمتعاً في أشهر الحج لم يكن له أن يخرج حتي يقضي الحج». «1»

و في صحيح الحلبي: «عن الرجل يتمتع بالعمرة إلي الحج يريد الخروج إلي الطائف؟ قال: يهلّ بالحج من مكة و ما احب أن يخرج منها إلّا محرماً» «2» قال من استدل بها: (لم يفرض فيها الفراغ من العمل بل الظاهر منها أن موضوع السؤال و الجواب هو الاشتغال بالأعمال و أنه يخرج و هو مشغول بالأعمال خصوصاً أن قوله:

«يتمتع» في صحيح الحلبي، ظاهر جداً في كون موضوع الحكم مجرد الدخول في مكة و الاشتغال بالأعمال و عدم الفراغ منها لأنه فعل استقبالي يدل علي الاشتغال بالعمل في الحال بخلاف الفعل الماضي فإنه يدل علي الفراغ من العمل كما هو كذلك في سائر موارد الاستعمالات فإذا قيل رجل يصلّي يراد به الاشتغال بالصلاة و إذا قيل رجل صلّي معناه

الفراغ منها) «3».

و فيه: أمّا في صحيح حمّاد فيمكن دعوي انصرافه عمن لم يأت بتمام عمرته فان خروج المعتمر قبل إتمام عمرته نادر جدّاً فالذي يأتي في أشهر الحج يتم عمرته

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 22 من أبواب اقسام الحج ح 6.

(2)- وسائل الشيعة: ب 22 من أبواب أقسام الحج ح 7.

(3)- معتمد العروة: 2/ 288.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 339

و يحلّ منها ثمّ يتفق بعد ذلك له الخروج من مكة.

و أمّا صحيح الحلبي و إن كان قوله: «يتمتع بالعمرة» ظاهر فيما ذكره إلّا أن قوله «يهلّ بالحج من مكة و ما احب أن يخرج منها إلّا محرماً» صريح في أن موضوع السؤال و الجواب المتمتع الذي فرغ من عمرته و علي هذا فالأقوي هو الوجه الأول و إن كان الاحتياط ترك الخروج في أثناء العمرة و اللّٰه هو العالم.

[مسألة 6] هل يجوز العدول عن التمتع

اشارة

مسألة 6- الظاهر أنه لا خلاف بين الفقهاء رضوان اللّٰه عليهم في أن من وظيفته التمتع لا يجوز له العدول عنه إلي القران و الإفراد اختياراً و يدل علي ذلك كلما دلّ علي أن المفروض علي النائي التمتع و مقتضي الأصل عدم جواز العدول كما أن مقتضي الأخبار و الأصل عدم إجزاء الإفراد و القران للنائي.

نعم، اتفقت كلماتهم أيضاً في الجملة علي جواز العدول إن ضاق وقته عن إتمام العمرة و إدراك الحج.

و الأخبار علي ذلك متضافرة لا معارض لها إلا ما رواه الشيخ بإسناده عن موسي بن القاسم عن محمد بن سهل «1» عن زكريا ابن آدم «2» (الاستبصار زكريا بن عمران) «3» قال: «سألت أبا الحسن عليه السلام عن المتمتع إذا دخل يوم عرفة؟ قال:

______________________________

(1)- ابن اليسع الأشعري القمي له مسائل عن الرضا عليه

السلام و كتاب من السادسة.

(2)- القمي جليل عظيم القدر من السادسة من أصحاب الرضا عليه السلام.

(3)- القمي من الخامسة و هو يروي عن الكاظم عليه السلام.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 340

لا متعة له يجعلها عمرة مفردة». «1»

و قال السيد الگلپايگاني قدس سره: (بأنه لا يصلح للمعارضة لما في سنده من الإشكال فأولا ضعيف بمحمد بن سهل فإنه مجهول الحال في كتب الرجال و إن استظهر بعض كونه إماميا أو موثقا و لكنه يحتاج إلي حدس قوي و ثانياً بزكريا فإنه في التهذيب ابن آدم و في الاستبصار ابن عمران و هو أيضا مجهول لم يذكر في كتب الرجال و إنما نقل عنه الشيخ هذه الرواية فقط و أما كونه زكريا بن آدم لكونه من شيوخ محمد بن سهل في روايات اخري و احتمال وقوع السهو في نسخة الاستبصار فالقول به أيضاً يحتاج إلي حدس قوي). «2»

أقول: أما محمد بن سهل فاحتمال كونه ثقة إماميا قوي جداً لكونه من شيوخ بعض الأجلاء و اعتمادهم عليه مثل أحمد بن محمد بن عيسي و محمد بن علي بن محبوب و موسي بن القاسم البجلي و أما «زكريا» فاحتمال كونه «ابن آدم» أيضاً قوي جداً لأنه من شيوخ محمد بن سهل في غير واحد من الروايات و أما زكريا بن عمران فلم ينتقل روايته عنه إلا في سند هذا الحديث علي نسخة الاستبصار دون التهذيب فوقوع الاشتباه في نسخة الاستبصار قوي جداً.

و أما ما ذكره في مقام تضعيف زكريا بن عمران بأنه نقل عنه الشيخ هذه الرواية فقط، ففيه إن كان مراده أن الشيخ لم يرو عنه غير هذه الرواية فهو في محله و إلا فقد روي في الكافي

عنه في كتاب التوحيد و علي كل حال لا يبعد القول باعتبار الرواية و صحة الاعتماد بسندها.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 21 من أبواب اقسام الحج ح 8.

(2)- كتاب الحج: 1/ 108.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 341

هذا كله في سند الخبر و أما بحسب الأدلة فهو معارض للأخبار الكثيرة و الاتفاق علي جواز العدول إلي الإفراد بل وجوبه.

و الذي يقوي في الظن وقوع الاشتباه في النقل فبدلت كلمة «حجة» ب «عمرة» يشهد بذلك وقوع هذه الجملة في عدة من الروايات هكذا «و يجعلها حجة مفردة» و بعد ذلك لا تطمئن النفس بعدم الاشتباه و لا يجري في مثله أصالة عدم الاشتباه كما تجري في سائر الأحاديث.

و كيف كان فلا كلام بينهم في ذلك و إنما وقع الكلام بينهم في الزمان الذي يتضيق فيه الوقت لإتمام العمرة و درك الحج و قد اختلفوا فيه علي أقوال:

أحدها أن التمتع يحصل بإدراك مناسك العمرة و تجديد إحرام الحج و إن كان بعد زوال يوم عرفة إذا علم إدراك الوقوف بعرفات بمسماه و الذي يدل عليه روايات:

منها ما رواه الكليني (رض) عن علي ابن إبراهيم عن أبيه عن إسماعيل بن مرار عن يونس عن يعقوب بن شعيب الميثمي قال: «سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول، لا باس للمتمتع إن لم يحرم من ليلة التروية متي ما تيسر له ما لم يخف فوت الموفقين». «1»

و ضعف سنده بإسماعيل بن مرار، رد بأنه و إن لم يوثق في كتب الرجال إلا أنه من رجال تفسير علي ابن إبراهيم القمي (رض) و قد وثق هو جميع رجاله.

و من حيث الدلالة أفاد بعض الأعاظم: أن الظاهر أن الرواية أجنبية عما نحن فيه لأنها

وردت في إنشاء إحرام الحج و أنه غير موقت بوقت خاص و أنه يجوز له

______________________________

(1)- الكافي: 4/ 444 ح 4.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 342

إحرام الحج في أي وقت شاء و تيسر له ما دام لم يخف فوت الموقفين و محل كلامنا فيمن أحرم لعمرة التمتع و ضاق وقته عن إتمامها. «1»

أقول: هل الخبر صادر لبيان أن الإحرام للحج في أي وقت وقع يجزي إذا لم يخف فوت الموقفين أو لبيان انه لا يعدل من التمتع إلي الإفراد ما لم يخف فوت الموقفين و بعبارة اخري معني أنه إذا لم يخف فوت الموقفين له أن يؤخر إحرام الحج أن عليه إتمام ما بيده من عمرة التمتع ما دام لم يكن له خوف ذلك و علي فرض إن لم يكن الخبر صادراً لذلك يستفاد ذلك منه.

و منها ما رواه الشيخ (رض) بإسناده عن عبد اللّه بن جعفر «2» عن محمد بن سرو «3» قال: «كتبت إلي أبي الحسن الثالث عليه السلام ما تقول في رجل يتمتع بالعمرة إلي الحج وافي غداة عرفة و خرج الناس من مني إلي عرفات أعمرته قائمة أو ذهبت منه إلي أي وقت عمرته قائمة إذا كان متمتعاً بالعمرة إلي الحج فلم يواف يوم التروية و لا ليلة التروية فكيف يصنع؟ فوقع عليه السلام: ساعة يدخل مكة إنشاء اللّٰه يطوف و يصلي ركعتين و يسعي و يقصر و يحرم بحجته و يمضي إلي الموقف و يفيض مع الامام». «4»

و الرواية دلالتها علي كفاية إدراك مسمي الوقوف بعرفة تامة فإنها تدل علي أن ما هو المعتبر في صحة الحج متمتعاً و عدم تضييق وقت عمرة التمتع هو درك الموقف بمقدار يفيض مع الإمام.

لكنها

وقعت مورد الإشكال عليها بضعف سندها بمحمد بن مسرور كما في

______________________________

(1)- معتمد العروة: 2/ 292.

(2)- من كبار الثامنة.

(3)- من السابعة و في بعض النسخ «سرو» بالدال.

(4)- الاستبصار: ج 2/ 247، تهذيب الأحكام: 5/ 171.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 343

الوسائل فإنه لا وجود له في كتب الرجال أو بمحمد بن سرو أو سرد كما في التهذيب فإنه مجهول و رد احتمال كونه محمد بن جزك و هو ثقة حتي يكون ذكر «سرو» او «سرد» من غلط النساخ لكون محمد بن جزك من شيوخ عبد اللّه بن جعفر بأن مجرد ذلك لا يورث الاعتماد علي سند الرواية بأن محمد بن «سرو» أو «سرد» هو ابن جزك فلعله كان غيره.

أقول: اما كون السند في الوسائل محمد بن مسرور فما عندنا من النسخة منه فيها «محمد بن سرو» و ذكر في الهامش أن في هامش المخطوط محمد بن سرد. «1»

و أمّا كون محمد بن سرد أو سرو مجهولًا فهو كذلك لم يذكروه في كتب الرجال إلّا بروايته هذه المكاتبة و لكن اعتماد مثل عبد اللّه بن جعفر الحميري شيخ القميين و وجههم و صاحب الكتب يكفي في حصول الاطمينان بوقوع هذه المكاتبة بينه و بين الإمام عليه السلام و الظاهر أنه كان شخصاً وجيهاً له هذا القدر و المنزلة أن يكاتب الإمام عليه السلام و يتشرف بالجواب و نقل عبد اللّه بن جعفر عنه هذه المكاتبة مشعر بأنه يعرفه و يري ذلك له.

و منها ما رواه الشيخ قدس سره أيضاً بإسناده عن سعد بن عبد اللّه عن محمد بن عيسي عن ابن أبي عمير عن جميل بن دراج عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «المتمتع له المتعة إلي

زوال الشمس من يوم عرفة و له الحج إلي زوال الشمس من يوم النحر». «2»

و دلالته كسنده لا خدشة فيها فإنه صريح في أن العمرة إتمامها إلي زوال

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 21 من أبواب أقسام الحج ح 6.

(2)- وسائل الشيعة: ب 20 من ابواب اقسام الحج ح 15.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 344

الشمس من يوم عرفة و حيث أن السير إلي عرفات من مكة في الأيام السالفة بل في زماننا هذا يستغرق مدة من بعد زوال الشمس فلا يدرك الشخص الموقف بتمامه غاية ما يمكن يدرك مقداراً منه فلا بد أن لا يكون درك الموقف بتمامه معتبراً في صحة الحج و يكون دركه بمقدار المسمي كافياً في إدراكه.

و منها صحيح الحلبي الذي رواه الشيخ (رض)، بإسناده عن ابن أبي عمير عن حمّاد عن الحلبي قال: «سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن رجل أهل بالحج و العمرة جميعاً ثمّ قدم مكة و الناس بعرفات فخشي إن هو طاف و سعي بين الصفا و المروة أن يفوته الموقف؟ قال: يدع العمرة فإذا أتم حجّه صنع كما صنعت عائشة و لا هدي عليه». «1»

بيان دلالته: أن فوت الموقف يتحقق بفوت الوقوف في تمام وقته و إذا تحقق مسمّي الوقوف في الوقت لا يصدق به فوت الموقف و كأنه كان في ذهن الراوي أنه لو لم يخش فوت هذا المقدار يطوف و يسعي ثمّ يحرم للحج لكنه خشي فوت هذا المقدار الذي هو مسمي الوقوف و يصدق بدركه درك الموقف فأجابه عليه السلام: (بأنه يدع العمرة و يعدل إلي الإفراد كما صنعت عائشة).

و استشكل في الاستدلال به بأن فوت الموقف أعمّ من أن يكون الفائت ركناً أو غيره

فالعدول يجب بخوف الوقوف و لو في آن من آنات الوقت بين الظهر و الغروب.

و فيه: أولًا أن فوت الموقف لا يتحقق إلّا بفوته في تمام الموقف و لم يفته، و لا يقال فاته الوقوف أو الموقف بعد ما كان الوقوف بهذا المقدار كافياً و مصداقاً له و

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 21 من أبواب أقسام الحج ح 6.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 345

بعبارة اخري إذا كان الوقوف بمقدار المسمّي معتبراً عند الشارع و ركنا للوقوف و الحج ففوت الوقوف و الموقف لا يصدق إلا بتركه بتمامه.

و ثانياً، لو كان المراد من فوت الموقف في الرواية فوت وقت الوقوف في الجملة من أول الزوال إلي الغروب و لو ساعة من أوله، من قدم مكة و الناس بعرفات لا يخشي إن هو طاف و سعي يفوته ذلك بل هو عالم بذلك دون ما إذا كان المراد منه مسمي الوقوف فإنه يمكن أن يخشي فوته إن طاف و سعي.

هذا و قد اجيب عن هذا الاشكال بأنه لو تمّ ما ذكر فهو بالإطلاق بمعني أن إطلاق صحيح الحلبي يقتضي كون العبرة في العدول بفوت تمام الموقف من الزوال إلي الغروب و لكن صحيح جميل صريح في جواز إتيان العمرة إلي زوال يوم عرفة و هذا يقتضي فوات شي ء من الموقف بالطبع بمقدار سيره من مكة إلي عرفات لأن ذلك يستلزم فوات عدة ساعات من الموقف فترفع اليد عن ظهور خبر الحلبي بصراحة رواية جميل. «1» و بعبارة اخري نقول إن صحيح الحلبي يدل بإطلاقه علي أن عدم إدراك الموقف بكل آن من آناته موجب للعدول و صحيح جميل و مثل مكاتبة محمد بن سرو أو سرد يقيد ذلك بآن

و زمان يوجب فواته فوت مسمي الوقوف.

و في هذا الجواب أن علي هذا الإطلاق و التقييد يكون صحيح الحلبي بالنظر البدوي دالّا علي أن العبرة في وجوب العدول خوف فوت الواجب الاختياري من وقوف عرفة بكل واحد من آناته و بعد تقييده بما يتحقق به فوت مسمي الوقوف و الآن الخاص و أن يبقي دلالته علي وجوب العدول بخشية فوت

______________________________

(1)- معتمد العروة: 2/ 269.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 346

هذا الآن الخاص إلّا أنه بعد ذلك لا ينبغي أن يعد دليلًا علي عدم جواز العدول و وجوب إتمام العمرة إذا لم يخف فوت هذا الآن الذي بإدراكه يتحقق مسمي الوقوف بل الدليل علي ذلك دليل تقييده به.

و بعد ذلك كله في النفس و في إطلاق صحيح الحلبي شي ء فإنه إذا كان فوت الموقف أعم من الوقوف الركني و غيره معناه تحققه بفوت أول آنات الوقت فما هو معني دلالته علي فوته بفوت سائر آناته و لو كان ذلك منصوراً في غير مسألتنا هذه لا يتصور فيها فإن معني صحيح الحلبي و فوت الموقف يتحقق بأول آنات الوقت لا غيره فكيف يتصور الإطلاق.

إذاً فيكفينا في الجواب، الجواب الأول و الثاني و يتخلص منها دلالة الحديث علي وجوب العدول إذا خاف فوت الوقوف الركني و هذا قول جماعة من الاصحاب علي ما حكي عنهم في الجواهر قال: (ففي القواعد و عن الحلبيين و ابني إدريس و سعيد يحصل التمتع بإدراك مناسك العمرة و تجديد إحرام الحج و إن كان بعد زوال الشمس يوم عرفة إذا علم إدراك الوقوف بها و حينئذ فحدّ الضيق خوف فوات اختياري الركن من وقوف عرفة «1» و سياتي النظر فيما أفاده بعد ذلك

من رجوع ما في المبسوط و غيره إلي ذلك.

القول الثاني في حدّ الضيق المسوغ للعدول: زوال يوم عرفة فله المتعة إلي زوال هذا اليوم و هذا ظاهر كلام الشيخ قدس سره في النهاية قال: (و متي دخل انسان يوم التروية إلي مكة طاف و سعي و قصّر و أحلّ ثمّ عقد الإحرام للحج فان لم يلحق مكة إلّا ليلة عرفة جاز له أن يفعل ذلك أيضاً فإن دخلها يوم عرفة جاز له أن يحلّ

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 18/ 29.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 347

أيضاً ما بينه و بين زوال الشمس فإذا زالت الشمس فقد فاتته عمرته و كانت حجته مفردة هذا إذا علم أنه يلحق عرفات فإن غلب علي ظنّه أنه لا يلحقها فلا يجوز له أن يحل بل يقيم علي احرامه و يجعله حجة مفردة) «1».

و قال في المبسوط: (فإن لم يلحق مكة إلّا ليلة عرفة أو يوم عرفة جاز أيضاً أن يطوف و يسعي و يقصر ثمّ ينشئ، الإحرام ما بينه (و) بين الزوال فإن زالت الشمس من يوم عرفة فقد فاتته العمرة و يكون حجته مفردة). «2»

و هذا القول هو مختار القاضي ابن البرّاج قال: (و المتمتع بالعمرة الي مكة ليلة عرفة جاز له أن يعقد الاحرام بالحج بعد أن يطوف و يسعي فإن دخلها يوم عرفة جاز له ذلك ايضاً الي زوال الشمس فاذا زالت فقد فاتته العمرة و بطل كونه متمتعاً و كانت حجته مفردة). «3»

و أيضاً اختار هذا القول ابن حمزة فقال: (فإذا فرغ من المناسك للعمرة لم يخل إمّا أمكنه الاحلال من الاحرام و الاحرام بالحج و الوقوف بالموقفين أو لم يمكنه فإن لم يمكنه و هو زوال الشمس

من يوم عرفة و لم يفرغ من مناسك العمرة لم يجز له التحلل و إن كان قبل ذلك جاز له التحلل و هو وقت الامكان) «4» الخ و لكن كلامه ليس صريحاً في عدم جواز العدول بعد الزوال إن أمكنه الإحلال و الإحرام بالحج و الوقوف بالموقفين إن كان مراده من وقت الإمكان وقت الإمكان العرفي و العادي.

نعم إن كان مراده من وقت الإمكان، الإمكان الشرعي يكون كلامه ظاهراً

______________________________

(1)- النهاية/ 247.

(2)- المبسوط: 1/ 364.

(3)- المهذب: 1/ 243.

(4)- الوسيلة/ 176.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 348

في هذا القول و لعل لذلك قال في الجواهر: (و لعله يرجع اليه (يعني القول بوجوب الإتيان بالتمتع بإدراك مناسك العمرة و تجديد إحرام الحج و إن كان بعد زوال الشمس يوم عرفة) ما عن المبسوط و النهاية و الوسيلة و المهذب من الفوات بزوال الشمس من يوم عرفة قبل إتمام العمرة بناء علي تعذر الوصول غالباً إلي عرفة بعد هذا الوقت لمضيّ الناس عنه لا أن المراد حتي إذا تمكن و أدرك مسمي الوقوف بعد الزوال) «1»، و لكن هذا الاحتمال و إن كان، قريب في كلام الوسيلة بعيد عن كلام الشيخ و القاضي.

و كيف كان فالذي يستدل به لهذا القول من الروايات ما رواه الشيخ بسند صحيح عن سعد بن عبد اللّه «2» عن محمد بن عيسي «3» عن ابن أبي عمير «4» عن جميل بن دراج «5» عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «المتمتع له المتعة إلي زوال الشمس من يوم عرفة و له الحج إلي زوال الشمس من يوم النحر». «6» و مفهوم هذا الصحيح فوت عمرة التمتع بزوال الشمس من يوم عرفة.

فان قلت: الظاهر أن التحديد

الي زوال الشمس من يوم عرفة مبني كما أشار اليه في الجواهر علي تعذر الوصول غالباً بعد الزوال لا أنه يجب عليه العدول بعد ذلك و إن تمكن من إتمام متعته و الإحرام للحج و إدراك مسمي الوقوف بعد الزوال.

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 18/ 29.

(2)- من كبار الثامنة قمي جليل القدر شيخ هذه الطائفة و اسمع الاخبار كثير التصانيف.

(3)- من السابعة ابن سعد بن مالك الاشعري القمي شيخ القميين و وجه الاشاعرة له كتاب الخطب.

(4)- من السادسة مشهور معروف بجلالة القدر عند الفريقين له مصنفات كثيرة …

(5)- من الخامسة وجه الطائفة ثقة ممن أجمعت العصابة علي تصحيح ما يصح عنه …

(6)- وسائل الشيعة: ب 20 من أقسام الحج ح 15.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 349

قلت: تعميم الحكم بالنسبة الي ما بعد الزوال خلاف ظاهر قوله عليه السلام: «المتمتع له المتعة الي زوال الشمس» و ليس التحديد بزوال الشمس لتعذر الوصول لاختلاف طول الأيام بحسب فصول السنة كما هو واضح مضافاً إلي أن الظاهر من كلام الإمام عليه السلام بيان الحكم لا الموضوع و مضافاً إلي أن ذلك أي موضوعية زوال الشمس للحكم يستفاد منه بقرينة قوله عليه السلام: «و له الحج الي زوال الشمس من يوم النحر».

و ما رواه شيخنا الكليني (رض) عن العدة رفعه عن ابي عبد اللّه عليه السلام «في متمتع دخل يوم عرفة قال: متعته تامة الي أن يقطع التلبية». «1»

و هو من حيث السند ضعيف و دلالته علي فوت العمرة بزوال الشمس لأن التلبية تقطع عند زوال الشمس من يوم عرفة.

يمكن الجمع بينهما سيّما صحيح جميل و بين الطائفة الاولي بحمل الصحيح علي حال الاختيار و أنه يجوز أن يأتي بالعمرة إلي

زوال الشمس و لا يجوز له التأخير عنه.

أمّا الطائفة الاولي فهي أيضاً محمولة علي حال عدم التمكن و الاضطرار و بعبارة اخري مفاد صحيح جميل عدم جواز تأخير المتعة من زوال الشمس اختياراً المستفاد من سائر الروايات المذكورة عدم جواز العدول إلي الإفراد للمعذور إذا أمكن له درك الموقف و لم يخف من فوته و لعلّه يرجع إليه ما في المبسوط و النهاية و المهذب و الفرق بينه و بين ما ذكره صاحب الجواهر يظهر بالتأمل.

______________________________

(1)- الوسائل: ب 20 من أبواب أقسام الحج، ح 7 و رواه في الوسائل من الشيخ بإسناده عن الكليني و لكن لم نجده لا في التهذيب و لا في الاستبصار فراجع لعلك تجده في طيّ الأبواب.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 350

و كيف كان سواء كان مدلول الصحيح في تحديد المتعة إلي زوال الشمس الإخبار عن الموضوع و أنه يفوته الوقوف و بعد الزوال في هذه الأزمنة أو بيان الحكم و أنه لا يجوز تأخير المتعة اختياراً من زوال الشمس لا يقع التعارض بينه و بين ما يدل علي أن المدار في الحكم بجواز العدول خوف فوت الموقف.

و مع ذلك مقتضي الاحتياط بعد الزوال إتمام العمرة و الاحرام لحج التمتع و الإتيان بأعمال الحج بقصد ما في الذمة من التمتع و الإفراد و الإتيان بالعمرة بعد الحج بقصد ما هو مأمور به واقعاً.

ثمّ إنّ هنا طوائف اخري من الروايات ربما يستدل بها للقول بغير ما ذكر من الأقوال مثل أن حدّ الضيق المسوغ للعدول إلي الإفراد زوال يوم التروية أو غروبه و لكن كلّها لا تقوم حجة قبال هذا القول المحكي عن جماعة من الأكابر لعدم تمامية دلالة بعضها و ضعف

سند البعض الآخر أو كونه غير معمول به أو سقوطه من جهة تعارضه مع ما هو الأقوي منه و إمكان حمل بعضها علي مراتب الفضل و غير ذلك من المحامل و اللّٰه العالم.

ثمّ انّ هنا فروع:
أحدها أنه لو أتم عمرته في سعة الوقت ثمّ اتفق أنه لم يدرك الاختياري من الوقوف كفاه الاضطراري

لا لما ذكرنا من الأخبار بل للأخبار الدالة علي أن «من يأتي بعد إفاضة الناس من عرفات و أدركها ليلة النحر تم حجه» «1».

و هل يلحق به من أتم عمرته باعتقاد سعة الوقت و بان كونه مضيقاً؟ فيه

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 22 من أبواب الوقوف بالمشعر.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 351

وجهان: وجه الإلحاق أنه أيضاً يكفيه وقوف الاضطراري و هو وقوف ليلة العيد في عرفات لأنه لم يترك الوقوف الاختياري عمداً حتي يفسد حجه بل تركه باعتقاد سعة الوقت و لا يجوز له العدول إلي الإفراد لأنه مترتب علي خشية فوت الموقف و هو لم يكن خائفاً.

و قال بعض الأعاظم: (و يمكن أن يقرب ما ذكرنا بأن العدول إنما جاز لدرك الموقف الاختياري لأهميته و المفروض أنه قد فاته علي كل تقدير عدل أو لم يعدل فأدلة العدول لا تشمل المقام فيكون حجه صحيحاً لدرك الموقف الاضطراري و أما ترك الاختياري فهو غير ضائر إذا كان عن عذر). «1»

و فيه: أن تسويغ العدول إلي الإفراد إذا خاف من فوت الموقف يدل علي أن الحكم العدول إلي الإفراد إذا لم يتمكن من إدراك الموقف إلّا به سواء علم المكلف بتحقق موضوعه أو لم يلتفت إليه، إذاً فالوجه عدم إلحاقه به و أنه داخل تحت ما يدل علي أن التكليف العدول إلي الإفراد.

و عليه يمكن أن يقال: إن حجه وقع صحيحاً بالإفراد و لا هدي عليه و إنه يعتمر بعده لأن إتمامه للعمرة لا

يجزي عنها فهو باق علي إحرامه لا يجوز له التقصير و لم يخرج به عن إحرامه الأول و صحة حجه في هذه الصورة لا تتوقف علي درك وقوف الركني من عرفة الذي لم يكن متمكناً من دركه لو أتم عمرته فيكفيه إدراك المشعر الاختياري فتدبر.

الفرع الثاني: الظاهر أنه لا فرق في الحكم المذكور بين التمتع الواجب و المندوب

لدلالة الاخبار علي أن ما ذكر حكم التمتع بنفسه فلو نوي التمتع ندباً

______________________________

(1)- معتمد العروة: 2/ 303.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 352

لا يجوز له العدول إلي الإفراد ما دام يمكن له إتمام العمرة و درك مسمي الوقوف في عرفات و إن ضاق وقته و لا يدرك مسمي الوقوف يعدل إلي الإفراد، و في وجوب العمرة بعده كما يجب في الواجب المعدول منه إلي الإفراد وجهان: من قوله عليه السلام في مثل صحيح الحلبي: «فإذا أتمّ حجه صنع كما صنعت عائشة و لا هدي عليه» و من أن وجوب العمرة المفردة يستفاد من ذلك إذ كانت العمرة المتمتع بها إلي الحج واجباً عليه لا مطلقا و الحديث ليس ظاهراً في الوجوب مطلقاً و الأصل البراءة عنه.

الفرع الثالث: الظاهر أنه إذ كان عالماً بضيق الوقت و عدم إمكان إتمام عمرة التمتع لا يجزيه الإفراد عن التمتع الواجب عليه

كما لا يجزيه الاحرام بقصد التمتع لاعن التمتع الذي هو وظيفته و لاعن الإفراد.

أمّا الأول، فإن كان ضيق الوقت حاصلًا بعصيانه و تأخيره عمداً فلا يجزيه الإفراد عن التمتع الواجب و إن لم يكن بتأخيره و اختياره فلا يجزيه عن حجة الإسلام لكشف ذلك عن عدم استطاعته.

و أما الثاني، فلان الإحرام بقصد التمتع إنما يصح إذا كان متمكناً من الإتيان به و إذا لم يكن متمكنا منه لا يأتي منه نية التمتع و لا يجوز له البناء علي الإفراد بعد الدخول في هذا الإحرام فإنه أولا متفرع علي صحته و ثانياً لأن العدول إلي الإفراد إنما دل الدليل علي جوازه لو عرض له العجز عن إتمامه في الأثناء لاما إذا كان حاصلًا من الأول.

الفرع الرابع: لو دخل في عمرة التمتع في سعة الوقت و أخر إتمامها إلي ضيق الوقت متعمداً و من غير عذر

فهل يجب عليه العدول إلي الإفراد أو يأتي بما بقي من أعمال العمرة ثمّ يأتي بالوقوف الاضطراري أو يجعل عمرته مفردة كمن أحرم للحج و لم يدرك الوقوف بالمشعر فتبطل عمرته دون إحرامه أو يحكم ببطلان عمرته و

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 353

إحرامه؟ فصور المسألة أربعة.

وجه الأول: إلحاقه بمن وقع في ضيق الوقت و خاف فوت الوقوف الركني إن أتم عمرته بدعوي عدم الفرق بين كون وقوعه في الضيق بالعمد و الاختيار أو بالاضطرار كما هو الشأن في نظائره من الأبدال الاضطرارية فمن أراق عمداً ماء الوضوء صحّ تيممه و من أخر الصلاة عمداً حتي أدرك ركعة من الوقت صحت صلاته و من عجز نفسه عن القيام في الصلاة صحت صلاته جالساً.

بل يمكن أن يقال: إن هذا الإلحاق يحتاج إليه لو لم تكن نصوص المسألة دالة عليه و أما إن قلنا بأن ظاهر النصوص يشمل المقام فالعمل يكون علي طبق النصوص.

و

فيه: أما شمول النصوص فممنوع لاختصاصه بمن حصل له الضيق بغير اختياره دون من كان متمكناً منه و جعل نفسه عاجزاً عمداً و أما الأبدال المذكورة فمثل الأول و الثالث ينتقل إلي البدل للدليل علي أن الصلاة لا تدع بحال.

نعم، في من أدرك ركعة من الوقت فقد أدرك الوقت يمكن أن يقال: بأنه لا يدل علي التوسعة في الوقت إن أخره عمداً و أن ما يدل علي أن الصلاة لا تدع بحال يدل علي أنه لا تدع بحال في وقته و دليل من أدرك ناهض علي كونه مدركاً لوقته إذا أخرها عن عمد و تقصير.

اللهم إلا أن يقال: إن الأصحاب فهموا منه الإطلاق و الشمول للعامد أيضاً لبعض القرائن و كيف كان لا وجه لإلحاق ما نحن فيه بهذه الموارد.

و وجه الثاني: أنه يتم عمرته و يأتي بالوقوف الاضطراري لعرفة فلا يضره ما فاته من عرفات.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 354

و فيه: أن ما دل علي كفاية اضطراري العرفة أو الاجتزاء بالوقوف بالمشعر خاص بحال الاضطرار لا العمد و الاختيار فمن فوت علي نفسه ذلك لا يشمله الدليل و القاعدة تقتضي فساد حجه.

و أما جعل عمرته مفردة بالقول ببطلان متعته دون إحرامه كمن أحرم للحج و لم يدرك الوقوف بالمشعر فلا دليل عليه.

بقي الوجه الرابع و هو الحكم ببطلان عمرته و إحرامه فان الإحرام الصحيح هو الإحرام المتعقب بالطواف في عمله هذا و مع عدم التعقب و لو كان بالاختيار انكشف بطلان إحرامه من الأول.

و فيه: من أين نقول: إن الاحرام الصحيح هو ما يكون هكذا و يمكن أن يقال: إنه لا فرق في العدول إلي الإفراد في صورة عدم التمكن من إدراك الوقوف الركني

إن أتم عمرته بين كون عجزه عن ذلك بالعذر أو العمد فيجب عليه إتمام ما بيده من الإحرام بالعدول و درك الوقوف.

و المسألة محل الإشكال لاحتمال انقلاب عمرته إلي المفردة فيدور الأمر بين إتمام عمرته مفردة أو العدول عنها إلي الحج الإفراد.

[مسألة 7] الحائض و النفساء المعذورين عن إتمام العمرة

مسألة 7- اختلفت كلمات الأصحاب في وظيفة الحائض و النفساء إذا منعهما عذرهما عن إتمام العمرة و إدراك الحج لضيق الوقت علي أقوال:

أحدها أن عليهما العدول إلي الإفراد و الإتمام ثمّ الإتيان بالعمرة بعد الحج

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 355

قال الشيخ في الخلاف: (إذا حاضت المتمتعة قبل أن تفرغ من أفعال العمرة جعلته حجة مفردة قال الفقهاء بأسرهم تحتاج إلي تجديد الإحرام دليلنا إجماع الفرقة و أخبارهم). «1»

و قال في الجواهر: (علي المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة بل في المنتهي الإجماع عليه) ثمّ نقل ما في المنتهي في ذلك إلي قوله: (ذهب اليه علماؤنا اجمع) و قال في الجواهر: (فلا ريب أنّ الأصح ما عليه المشهور). «2»

و مستند أرباب هذا القول طائفة من الروايات مثل صحيح جميل: «سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن المرأة الحائض إذا قدمت مكة يوم التروية؟ قال: تمضي كما هي إلي عرفات فتجعلها حجة ثمّ تقيم حتي تطهر و تخرج إلي التنعيم فتحرم فتجعلها عمرة قال ابن أبي عمير: كما صنعت عائشة» «3» و إطلاقه يشمل صورة كونها حائضاً من حين الشروع في الإحرام كما يشمل صورة حدوث الحيض لها بعد الإحرام.

و مثل صحيح ابن بزيع عن أبي الحسن الرضا عليه السلام ففيه: «إذا زالت الشمس ذهبت المتعة فقلت: فهي علي إحرامها أو تجدد إحرامها للحج؟ فقال: لاهي علي إحرامها قلت: فعليها هدي؟ قال: لا إلّا أن تحبّ

أن تطوع، ثمّ قال: أما نحن فإذا رأينا هلال ذي الحجة قبل ان نحرم فاتتنا المتعة». «4»

لكنه يدل علي العدول الي الافراد إذا حدث الحيض بعد الاحرام لقوله في صدر الحديث: «سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن المرأة تدخل مكة متمتعاً فتحيض

______________________________

(1)- الخلاف: 2/ 334.

(2)- جواهر الكلام: 18/ 36.

(3)- وسائل الشيعة: ب 21 من أبواب أقسام الحج ح 2.

(4)- وسائل الشيعة: ب 21 من أبواب أقسام الحج، ح 14.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 356

قبل أن تحل».

إلّا أن يقال: إن الاعتبار في الحكم بالعدول إلي الإفراد ذهاب المتعة و خوف فوت الوقوف و لا فرق في حصول ذلك بين كونها حائضاً من أول الإحرام أو بعده و في الأثناء.

و بعبارة اخري ما هو الموضوع في الحكم هو كون الحيض مانعاً من إتمام العمرة و درك الوقوف و لا فرق في ذلك بين كون مبدأ حدوثه قبل الإحرام أو حينه أو بعده.

و رواية موسي بن القاسم عن ابن جبلة «1» عن اسحاق بن عمار «2» عن أبي الحسن عليه السلام قال: «سألته عن المرأة تجي ء متمتعة فتطمث قبل أن تطوف بالبيت حتي تخرج إلي عرفات؟ قال: تصير حجة مفردة قلت: عليها شي ء؟ قال: دم تهريقه و هي اضحيتها» «3» و دلالتها مثل صحيح ابن بزيع.

ثانيها: أنها تبقي علي متعتها فتترك الطواف و تأتي بالسعي و التقصير ثمّ تحرم بالحج من مكانها ثمّ تقضي طواف عمرتها بعد أن تطهر حكي ذلك عن الإسكافي و علي بن بابويه و أبي الصلاح و في الجواهر و حكاه في كشف اللثام عن الحلبيين و جماعة و لكن الموجود في كشف اللثام ما هذا لفظه: (و عن جماعة من الأصحاب العدم

(أي عدم العدول إلي الإفراد) (و لعلّ منهم الحلبي فإنه أطلق أنه لا يجزي النائي سوي التمتع و أن المرأة إذا حاضت قبل الإحرام أو بعده و لم تطهر للطواف سعت فإذا

______________________________

(1)- هو عبد اللّه بن جبلة بن حيان بن أبحر الكناني واقفي له كتب عن الكاظم عليه السلام ثقة من السادسة.

(2)- فطحي ثقة من الخامسة.

(3)- وسائل الشيعة: ب 21 من أبواب أقسام الحج ح 13.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 357

قضت مناسك الحج قضت الطواف و لم يذكر أن لها العدول) «1».

أقول: ما ظفرنا به من كلام الحلبي هكذا: (و تؤدي الحائض و النفساء جميع المناسك إلّا الطواف فانها تقضيه إذا طهرت بدليل الاجماع المشار اليه «2». و كيف كان فمستند هؤلاء الأكابر أيضاً الأخبار:

منها ما رواه الكليني عن عدة من أصحابنا «3» عن أحمد بن محمد بن عيسي «4» عن محمد بن أبي عمير «5» عن حفص بن البختري «6» عن العلاء بن صبيح «7» و عبد الرحمن بن الحجاج «8» و علي بن رئاب «9» و عبد اللّه بن صالح «10» كلهم يروونه عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «المرأة المتمتعة إذا قدمت مكة ثمّ حاضت تقيم ما بينها و بين التروية فإن طهرت طافت بالبيت وسعت بين الصفاء و المروة و إن لم تطهر إلي يوم التروية اغتسلت و احتشت ثمّ سعت بين الصفاء و المروة ثمّ خرجت إلي مني فإذا قضت المناسك وزارت بالبيت (البيت خ) طافت بالبيت طوافاً لعمرتها ثمّ طافت طوافاً للحج ثمّ خرجت فسعت فإذا فعلت ذلك فقد أحلّت من كل شي ء يحلّ

______________________________

(1)- كشف اللثام: 5/ 28.

(2)- الكافي في الفقه/ 218.

(3)- هم محمد بن يحيي و أحمد

بن إدريس و علي بن إبراهيم و داود بن كورة و علي بن موسي الكميداني.

(4)- هو من السابعة.

(5)- من السادسة مشهور بجلالة القدر.

(6)- من الخامسة ثقة و رمي عداوة بلعب الشطرنج.

(7)- كأنه من الخامسة.

(8)- من الخامسة ثقة ثقة ثبت مات في عصر مولانا الرضا عليه السّلام علي ولايته.

(9)- من الخامسة ثقة جليل القدر له كتب و أصل كبير.

(10)- من الخامسة ثقة شيخ القميين له كتب.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 358

منه المحرم إلّا فراش زوجها فإذا طافت طوافاً آخر (اسبوعاً آخر خ) حلّ لها فراش زوجها». «1»

و هذه الرواية تدل علي أنها إن حاضت بعد دخول مكة و لم تطهر إلي يوم التروية تسعي بين الصفا و المروة و تخرج إلي مني و تقضي المناسك و تقضي طواف عمرتها، و يمكن أن يقال: باستفادة حكم من قدمت مكة و هي حائض منها لعدم احتمال دخل تقدم حيضها علي دخولها إلي مكة أو تأخرها بل الوجه لذلك عجزها عن أداء الطواف بالحيض.

منها ما رواه شيخنا الكليني قدس سره عن محمد بن يحيي «2» عن سلمة بن الخطاب «3» عن ابن رباط «4» عن درست بن أبي منصور «5» عن عجلان «6» قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: متمتعة قدمت فرأت الدم كيف تصنع؟ قال: تسعي بين الصفا و المروة و تجلس في بيتها فإن طهرت طافت بالبيت و إن لم تطهر فإذا كان يوم التروية أفاضت عليها الماء و أهلّت بالحج فخرجت إلي مني و قضت المناسك كلها فإذا فعلت ذلك فقد حلت لها كل شي ء ما عدا فراش زوجها قال: و كنت أنا و عبيد اللّٰه بن صالح «7» سمعنا هذا الحديث في المسجد فدخل

عبيد اللّٰه علي أبي الحسن عليه السلام فخرج إلي فقال: قد سألت أبا الحسن عليه السلام عن رواية عجلان فحدثني بنحو ما سمعنا من

______________________________

(1)- الكافي: 4/ 444 ح 1.

(2)- من الثامنة أبو جعفر القمي شيخ أصحابنا له كتب كثير الرواية.

(3)- من السابعة البراوستاني الأزدورقاني، له كتب الازدورقاني قرية من سواد الري.

(4)- كأنه من كبار السادسة له كتاب ثقة.

(5)- من الخامسة واسطي واقفي له كتاب.

(6)- من الخامسة لعله كان من الثقات.

(7)- من الخامسة.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 359

عجلان». «1»

و لكن ليس فيها قضاء طواف عمرتها إلّا أنه يستفاد من روايتها في الكافي بسند آخر و لفظ أتم فقد رواه عن أحمد بن محمد «2» عن محمد بن إسماعيل «3» عن درست الواسطي عن عجلان أبي صالح قال: «سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن امرأة متمتعة قدمت مكة فرأت الدم؟ قال: تطوف بين الصفا و المروة ثمّ تجلس في بيتها فان طهرت طافت بالبيت و إن لم تطهر فإذا كان يوم التروية أفاضت عليها الماء و أهلّت بالحج من بيتها و خرجت إلي مني و قضت المناسك كلها فإذا قدمت مكة طافت بالبيت طوافين ثمّ سعت بين الصفاء و المروة فإذا فعلت ذلك فقد حلّ لها كل شي ء ما خلا فراش زوجها» «4»

هذا و قد روي في الكافي هذا الخبر بسند آخر بالاختصار أيضاً عن عجلان قال: عدة من أصحابنا «5» عن أحمد بن أبي عبد اللّه «6» عن علي بن أسباط «7» عن درست عن عجلان أبي صالح «أنه سمع ابا عبد اللّٰه عليه السلام يقول: إذا اعتمرت المرأة ثمّ اعتلت قبل أن تطوف قدمت السعي و شهدت المناسك فاذا طهرت و انصرفت من

______________________________

(1)- الكافي:

4، 446.

(2)- ابن خالد البرقي الثقة صاحب المحاسن من السابعة.

(3)- ابن بزيع من السادسة ثقة جليل.

(4)- الكافي: 4/ 446.

(5)- هم علي بن إبراهيم و علي بن محمد بن عبد اللّه ابن بنت البرقي و أحمد بن عبد اللّه بن أحمد البرقي ابن ابنه و علي بن الحسين السعدآبادي المؤدب تلميذ البرقي.

(6)- هو البرقي من السابعة.

(7)- من السادسة من أوثق الناس و أصدقهم لهجة له أصل.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 360

الحج قضت طواف العمرة و طواف الحج و طواف النساء ثمّ احلت من كل شي ء». «1» و احتمال تعدد هذه الثلاثة باعتبار تعدد اخراجها في الكافي، في غاية الضعف.

و كيف كان يرد علي الاحتجاج بخصوص هذه الثلاثة لهذا القول ما في صحيح ابن بزيع فإن الإمام عليه السلام رد الاحتجاج برواية عجلان هذه و إليك رواية ابن بزيع قال: «سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن المرأة تدخل مكة متمتعة فتحيض قبل أن تحل متي تذهب متعتها؟ قال: كان جعفر عليه السلام يقول: زوال الشمس من يوم التروية و كان موسي عليه السلام يقول: صلاة الصبح من يوم التروية فقلت: جعلت فداك عامة مواليك يدخلون يوم التروية و يطوفون و يسعون ثمّ يحرمون بالحج فقال:

زوال الشمس فذكرت له رواية عجلان أبي صالح؟ قال: لا إذا ذهبت الشمس ذهبت المتعة فقلت: فهي علي إحرامها أو تجدد إحرامها للحج؟ فقال: لاهي علي إحرامها» الحديث «2» و بعد هذا التصريح من الإمام عليه السلام لا يبقي مجال للاحتجاج بها بل يمكن أن يعد هذا الصحيح موهناً للاحتجاج بسائر ما استدل به من الرويات للقول الثاني.

ثمّ إن الظاهر أنه لا يمكن الأخذ بهذا القول علي سبيل التعيين، لأنه لا يمكن

تصحيحه بعد وقوع ما يدل عليه من الروايات قبال الروايات الدالة علي القول الأول و عدم إمكان ترجيحه عليها لو لم نقل بالعكس و ترجيح ما يدل علي العدول إلي الإفراد عليه.

ثالثها: القول بالتخيير بين الأمرين كما حكي عن الإسكافي و عن صاحب المدارك. و قال بعض الأعلام: (و لو لا خوف مخالفة المشهور لأمكن القول بالتخيير حيث إن كلًا من الطرفين من الأخبار نصّ في الإجزاء و ظاهر في التعيين فيرفع اليد

______________________________

(1)- الكافي: 4/ 447.

(2)- التهذيب كتاب الحج ح 1366- الاستبصار ب 214 ح 1107

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 361

عن كل من الظهورين بالنص) «1»

و في هذا القول أن ذلك يتم لو كانت الروايات من الطرفين مشتملة علي الإثبات، أما إذا كان بعضها مشتملا علي الإثبات و النفي مثل رواية ابن بزيع حيث سئل فيه عن الإمام عليه السلام: «فهي علي إحرامها أو تجدد إحرامها للحج؟ فقال: لاهي علي إحرامها».

مضافاً إلي أن قوله عليه السلام: «إذا ذهبت الشمس ذهبت المتعة» أيضاً يمنع من هذا الجمع.

هذا و لو بنينا علي هذا الجمع فالعدول كما أفاده صاحب المدارك (ره) أولي قال: (لصحة مستنده و صراحة دلالته و إجماع الأصحاب عليه). «2»

و رابعها: التفصيل بين ما إذا كان حيضها حادثاً قبل الإحرام أو حينه و بين ما إذا حدث بعد الإحرام ففي الصورة الاولي تعدل إلي الإفراد و في الثانية تتخير بين العدول و بين إتمام عمرتها بقضاء سعيها و تقصيرها و قضاء طوافها بعد إتمام حجها.

و الوجه الأول: ما يدل علي وجوب العدول إلي الإفراد بالإطلاق أو بالنص إذا كان حائضاً حين الإحرام و ليس في الروايات ما ينافي ذلك، فإن كلها إما يدل علي جواز

العدول مطلقاً أو يدل علي عدم جوازه و إتمام العمرة و قضاء طوافها إذا حدث حيضها بعد الإحرام.

و الوجه الثاني: أن الروايات في هذه الصورة متعارضة فبعضها يدل علي أن وظيفتها حج الإفراد مثل صحيح جميل فإنه بإطلاقه يدل علي العدول إلي

______________________________

(1)- جامع المدارك: 2/ 339.

(2)- مدارك الاحكام: 7/ 181.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 362

الإفراد و مثل مصحح إسحاق بن عمار فإنه صريح الدلالة علي العدول. و بعضها يدل علي أن وظيفتها التمتع لكنها تؤخر الطواف إلي ما بعد الوقوفين مثل صحيح العلاء بن صبيح و جماعة معه و صحيحة عجلان فيتحقق التعارض بين الطائفتين:

فمقتضي الطائفة الأولي وجوب الإفراد و مقتضي الثانية التمتع، غير أن دلالتها علي الوجوب التعيين من باب الإطلاق. و حيث نعلم بعدم وجوبها معاً نرفع اليد من إطلاق كلهما و دلالتهما بالإطلاق علي التعيين و نأخذ بما نصّ فيه و هو إجزاء كل منهما و نتيجة ذلك هو التخيير بينهما.

و في هذا القول أيضاً ما في سابقه من منافاة هذا الجمع مع رواية ابن بزيع.

و أما الاستشهاد له برواية أبي بصير قال: «سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: في المرأة المتمتعة إذا أحرمت و هي طاهر ثمّ حاضت قبل أن تقضي متعتها سعت و لم تطف حتي تطهر ثمّ تقضي طوافها و قد تمت متعتها و إن هي أحرمت و هي حائض لم تسع و لم تطف حتي تطهر» «1».

فمضافاً إلي ضعف سندها، ظاهرها أن السؤال فيها راجع إلي حكم إتمام عمرتها في سعة الوقت دون ما إذا ضاقت عليه الوقت و لم يكن من الجمع بين العمرة و الحج.

و خامسها: إتمام العمرة بالاستنابة للطواف ثمّ الإتيان بالسعي و التقصير

بنفسها، و ما يمكن أن يكون وجهاً لذلك تساقط الروايتين بالتعارض فنبقي نحن و استصحاب بقاء التمتع عليها، بل و إطلاق ما يدل علي وجوب التمتع علي النائي كقوله تعالي: «ذٰلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حٰاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ».

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 84 من أبواب الطواف ح 5.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 363

و لكن يرد علي التمسك بالاستصحاب عدم اليقين بوجوب التمتع عليها، لجواز أن يكون الواجب عليها من أول الأمر حج الإفراد و علي التمسك بالإطلاق أنه فرع تمكنها من الإتيان بالتمتع و هي لا تتمكن منه لعدم إمكان الجمع بين إتمام عمرة التمتع و حج التمتع إذا استمر بها الدم إلي أن ضاق وقت الحج، و جواز الاستنابة محتاج إلي الدليل.

اللهم إلا أن يقال: إن المستفاد من الأدلة وجوب الطواف و عدم سقوطه و عدم سقوط وجوب الحج بتعذره، بل يجب عليه الإتيان به بالمباشرة، و إلا فالاستنابة كما هو الحكم في مثل المريض العاجز عنه فإنه يستنيب للطواف.

و فيه: أنه لم يعرف القائل به، مضافاً إلي اتفاق جميع هذه الأخبار علي نفي ذلك.

و قد ظهر من كل ما ذكرنا في وجوه الأقوال المذكورة أن الأقوي هو القول الأول لصحة مستنده و صراحة لفظه و عدم ما في المضمون الثاني من الضعف فيه و مطابقته لما دل علي أن المتمتع إن ضاق وقته عن إتمام العمرة و إدراك الحج يعدل إلي الإفراد سيما في بعض رواياته ما يدل علي أنهما من باب واحد. فالباب في مسألة الذي ضاق وقته عام يشمل بعمومه مسألتنا هذه و في مسألتنا خاص مختص بالحائض.

و ذلك مثل صحيح الحلبي قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل أهل

بالحج و العمرة جميعاً ثمّ قدم مكة و الناس بعرفات فخشي إن هو طاف و سعي بين الصفا و المروة أن يفوته الموقف؟ قال عليه السلام: يدع العمرة فإذا أتم حجه صنع كما صنعت

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 364

عائشة و لا هدي عليه». «1»

مضافاً إلي فتوي المشهور بل دعوي الإجماع عليه من الشيخ في الخلاف و العلامة في التذكرة و المنتهي، و مضافاً إلي أن ذلك جمع بين هذا القول و القول الثالث و الرابع.

و أما توهم ترجيح القول الثاني لموافقته للكتاب، فمردود بأن القول الأول ليس مخالفاً للكتاب، لأن المستفاد من قوله تعالي: «ذٰلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حٰاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ» اختصاص التمتع بالنائي لا اختصاص النائي به و أنه لا يجوز له غيره.

هذا و لكن لا ينبغي لمن تمكن من الاحتياط تركه و طريقه الاستنابة لطواف العمرة و صلاته رجاءً و احتياطاً و تجديد الإحرام من مكة خارج المسجد لحج التمتع رجاءً و الإتيان بجميع أفعال الحج بقصد ما في الذمة و ذبح الهدي و قضاء طواف العمرة و الإتيان بعمرة مفردة فإنه ليس بناكب عن الصراط من سلك مسلك الاحتياط.

[مسألة 8] الابتلاء بالحيض في اثناء الطواف

اشارة

مسألة 8- المشهور بين الأصحاب كما في الجواهر شهرة عظيمة أن المرأة اذا ابتلت بالحيض في- أثناء عمرة التمتع و قد طافت أربعا صحت متعتها و أتت بالسعي و بقية المناسك و قضت بعد طهرها- ما بقي من طوافها و ذلك لروايات يجبر ضعف إسنادها عمل المشهور بها؟

و ظاهر النص و الفتوي أنه لا فرق بين من تمكنت من إتمام طوافها و أداء صلاتها ثمّ الإتيان بالحج بعده و من لم تتمكن من- ذلك و لا بد لها من الإحرام للحج

______________________________

(1)- وسائل

الشيعة: ب 21 من أبواب أقسام الحج ح 6.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 365

و الذهاب الي عرفات فإنها تأتي بقية طوافها و صلاتها بعد الرجوع- الي مكة قبل طواف الحج و صلاته معينا أو بعده كذلك أو تخيرت بين الإتيان بهما قبل طواف الحج أو- بعده و كذا لا فرق في ذلك بين كون ذلك في أثناء طواف العمرة المفردة أو عمرة التمتع أو في أثناء- العمرة أو الحج سواء كان الحج أو العمرة مندوبا أو واجبا.

و الظاهر أن مقتضي الأصل عدم اشتراط صحة الطواف بكون أشواطها متتابعة يلي بعضها البعض بدون الفصل. اللهم إلا أن يتمسك بإطلاق: «الطواف بالبيت صلاة» فكما تبطل الصلاة بوقوع الحدث بينها و الفصل الطويل يبطل الطواف أيضا بمثله فلا بد من الحكم بصحته و عدم بطلانه إذا طافت أربعا من الدليل و قد عرفت أن المشهور شهرة عظيمة عدم بطلانه بالحدث الواقع بينه إذا طافت أربعا.

إذا فلا بد من ملاحظة الفتاوي و النصوص و النظر فيها. فنقول: أما الفتاوي و الأقوال فهم بين من يقول بالصحة مطلقا و بين من يقول بالبطلان مطلقا و من يقول بالتفصيل الذي أشرنا إليه و قلنا إنه المشهور و إليك ما عثرنا علي كلماتهم و إن كنا لم نستقصها لقلة الفرصة و المجال.

قال الصدوق قدس سره في المقنع: (و اذا حاضت المرأة و هي في الطواف بالبيت أو بالصفا و بالمروة و جاوزت النصف فلتعلم علي الموضع الذي بلغت فإذا طهرت رجعت فأتمت بقية طوافها من الموضع الذي أعلمته، و إن هي قطعت طوافها في أقل من النصف فعليها أن تستأنف الطواف من أوله، و روي أنها إن كانت طافت ثلاثة أشواط أو

أقل ثمّ رأت الدم حفظت مكانها فاذا طهرت طافت و اعتدت بما مضي). «1»

______________________________

(1)- المقنع: / 264.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 366

و ظاهر كلامه بيان حكم الطامث في سعة الوقت و إمكان إتمام الطواف لها بعد الطهر كما أنه لم يرد ما دل عليه المروي فلا يشمل ضيق الوقت عن الإتيان بالبقية.

نعم كلامه مطلق بالنسبة إلي سائر الصور و إن كان أعم ممن طاف أربعا أو أقل لأن التجاوز عن النصف يتحقق بالتجاوز عن ثلاثة أشواط و نصف و يأتي الكلام في ذلك انشاء اللّٰه تعالي.

و قال في من لا يحضره الفقيه: (و روي حريز عن محمد بن مسلم قال: «سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام تحفظ مكانها فإذا طهرت طافت منه و اعتدت بما مضي» و روي العلاء عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليه السلام- مثله. قال مصنف هذا الكتاب رضي الله عنه: و بهذا الحديث أفتي دون الحديث الّذي رواه ابن مسكان عن إبراهيم بن إسحاق عمن سأل أبا عبد اللّٰه عليه السلام «عن امرأة طافت أربعة أشواط و هي معتمرة ثمّ طمثت؟ قال:

تتم طوافها و ليس عليها غيره و متعتها تامة، و لها أن تطوف بين الصفا و المروة لأنها زادت علي النصف و قد قضت متعتها فلتستأنف بعد الحج و إن هي لم تطف إلا ثلاثة أشواط فلتستأنف بعد الحج فإن أقام بها جمالها بعد الحج فلتخرج إلي الجعرانة أو إلي التنعيم فلتعتمر». لأن هذا الحديث إسناده منقطع و الحديث الأول رخصة و رحمة و إسناده متصل) «1» و علي هذا قد استقر فتواه علي عدم موضوعية العدد المذكور الأربعة و إن طوافها لا يبطل بحدوث الطمث في أثنائه إلا

أنها تحفظ مكان حدوثه و تأتي بالبقية منه بعد طهرها عنه.

و يمكن أن يستظهر من كلامه في الفقيه عكس ما استظهرناه من كلامه في المقنع فإن كلامه في الأخير ظاهر في بيان حكم الحائض في ضيق الوقت. و اللّٰه اعلم.

______________________________

(1)- من لا يحضره الفقيه: 2 باب احرام الحائض و المستحاضه ص 383 ح: 2767.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 367

و قال المفيد رضي الله عنه في المقنعة: (و إذا حاضت المرأة و هي في الطواف- قطعت و انصرفت فان كان ما طافته أكثر من النصف بنت عليه اذا طهرت، و إن كان أقل استأنفت). «1»

و دلالته علي حكم صورة ضيق الوقت و عدم طهرها قبل الخروج إلي عرفات محل تأمل، إلا أن يقال باستفادة وحدة حكم الصورتين عنده من سكوته عن بيان حكم الصورة الثانية.

و قال الشيخ رضوان اللّٰه عليه في النهاية: (فإن طافت بالبيت ثلاثة أشواط ثمّ حاضت كان حكمها حكم من لم يطف و إذا طافت أربعة أشواط ثمّ حاضت قطعت الطواف وسعت بين الصفا و المروة و قصرت ثمّ أحرمت بالحج و قد تمت متعتها فإذا فرغت من المناسك و طهرت تمت الطواف) «2».

و ظاهره و إن كان بيان حكم صورة ضيق الوقت عن إتمام العمرة إلا أنه يمكن استفادة حكم سائر الصور منه أيضا كما يدل عليه عبارته في الجمل و العقود قال:

(فإن حاضت (في) خلال الطواف و قد طافت أكثر من النصف تركت بقية الطواف و قضتها بعد ذلك و تسعي و تقصر و قد تمت متعتها و إن كان أقل من ذلك جعلت حجتها مفردة). «3»

و قال الشيخ في الاقتصاد: (فإن حاضت في حال الطواف و كانت طافت أربعة أشواط

تركت بقية الطواف و قضتها بعد ذلك و تسعي و تقصر و قد تم متعتها و ان

______________________________

(1)- المقنعة/ 440.

(2)- النهاية/ 275.

(3)- الينابيع 7/ 234.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 368

طافت ثلاثة أشواط أو أقل فقد بطلت متعتها فتجعلها حجة مفردة). «1»

و قال في المبسوط: (و إن طافت بالبيت ثلاثة أشواط ثمّ حاضت كان حكمها حكم من لم يطف و إذا طافت أربعة أشواط ثمّ حاضت قطعت الطواف وسعت و قصرت ثمّ أحرمت بالحج و قد تمت متعتها فإذا فرغت من المناسك و طهرت تمت الطواف). «2»

و قال الديلمي رضي الله عنه: (و إن قطع الطواف قبل إتمامه ناسيا أو متعمدا فإنه لا يخلو اما أن يكون قد جاوز نصفه أولم يبلغ النصف فإن كان جاوزه تمم من حيث قطع و إن لم يبلغه استأنف طوافه، و كذلك لو أتي امرأة الحيض في الطواف لكان حكمها و حكم القاطع طوافه سواء لأن المرأة تقضي كل المناسك و هي حائض إلا الطواف و الصلوة فلا تقربهما حتي تطهر). «3»

و قال القاضي ابن البراج قدس سره: (و أن تقطعه إذا كانت المرأة حاضت بعد جواز نصفه و تقضي الباقي بعد السعي و التقصير، و أن تجعل ما هي فيه حجة مفردة إذا حاضت في أقل من نصفه). «4»

و قال ابن حمزة قدس سره في الوسيلة: (فإن حاضت خلال الطواف و قد طافت أربعة أشواط أو أكثر قطعت و بنت عليه و خرجت من المسجد وسعت و قصرت و أحلت ثمّ أحرمت بالحج يوم التروية … فإن حاضت قبل أن تطوف أربعة أشواط بطلت

______________________________

(1)- الاقتصاد/ 311.

(2)- المبسوط: 1/ 331.

(3)- المراسم/ 123.

(4)- المهذب: 1/ 232.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 369

متعتها و

لزمتها الإقامة علي إحرامها). «1»

و هذا كلام جمع من كبراء الفقهاء المتقدمين و نحوه كلام غيرهم من مقاربي عصرهم و من المتأخرين كالهذلي و العلامة و المحقق و الشهيد و غيرهم و الظاهر أنه لم يخالفهم فيما اتفقوا عليه و هو عدم بطلان طوافها بالحيض في الجملة، إلا ابن ادريس في السرائر فإنه بعد ما حكاه عن الشيخ قال: (و الذي تقتضيه الأدلة أنه إذا جاءها الحيض قبل جميع الطواف فلا متعة لها و إنما ورد بما قاله شيخنا خبران مرسلان فعمل عليهما و قد بينا أنه لا يعمل بأخبار الآحاد و ان كانت مسندة فكيف بالمراسيل) «2»

و تبعه سيد المدارك حيث قال: (و هذا القول لا يخلو من قوة لامتناع اتمام العمرة المقتضي لعدم وقوع التحلل) «3» ثمّ تمسك باطلاق السؤال في صحيحة ابن بزيع قال: «سألت: أبا الحسن عليه السلام عن المرأة تدخل مكة متمتعة فتحيض قبل أن تحل متي تذهب- متعتها» (الحديث) «4»

و علي هذا يمكن دعوي اتفاق القدماء غير ابن ادريس علي وجوب بنائها علي ما طافت إذا تمت منه أربعة أشواط حتي الصدوق فإن وجوب الحفظ علي ما طافت إذا طافت- الأربعة داخل في فتواه الأعم من ذلك.

نعم مفهوم العدد و صراحة منطوق بعض كلماتهم يخالف إطلاق كلام الصدوق و جواز البناء علي ما طافت مطلقا و إن كان ثلاثة أشواط أو أقلّ منها.

و لكن إن بنينا علي العمل بروايات الأربعة و صحة الاحتجاج بها يمكننا أن

______________________________

(1)- الوسيلة: / 192.

(2)- السرائر: 1/ 623.

(3)- المدارك 7/ 182.

(4)- وسائل الشيعة: باب 21 من أبواب أقسام الحج ح 6.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 370

نقول بتقييد رواية محمد بن مسلم الدالة بالاطلاق علي حكم

الطواف الواجب و المندوب بهذه الروايات الواردة في الطواف الواجب الذي يؤتي به في ضمن الحج أو العمرة، سواء كانا واجبين أو مندوبين و كان الوقت مضيقا او موسعا. و سيأتي الكلام بتمامه في ضمن البحث عن أحاديث الباب.

ثمّ الظاهر أن مرادهم من التجاوز عن النصف و عدم الاكتفاء بالثلاثة و لزوم إتمام الأربعة هو الشوط الرابع الذي هو واقع بين ثلاثة أشواط الاولي و الثلاثة الثانية و ليس مرادهم من النصف ثلاثة أشواط و نصف و علي هذا لا حاجة إلي الاحتياط فيما بين الثلاثة و النصف و تمام الأربعة و إن قلنا به في المناسك. هذا تمام الكلام حسب فتاوي الفقهاء رضوان اللّٰه عليهم.

و أما روايات الباب: فمنها ما رواه الكليني قدس سره عن محمد بن يحيي «1» عن سلمة بن الخطاب «2» عن علي بن الحسن «3» عن علي بن أبي حمزة «4» و محمد بن زياد «5» عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه قال: «إذا حاضت المرأة و هي بالطواف بالبيت (أو) و بين الصفا و المروة فجاوزت النصف فعلمت ذلك الموضع فإذا طهرت رجعت فأتمت بقية طوافها من الموضع الذي علمته فان هي قطعت طوافها في أقل من النصف فعليها أن تستأنف الطواف من أوله» «6» و هي ظاهرة الدلالة علي صحة

______________________________

(1)- العطار أبو جعفر القمي من الثامنة شيخ أصحابنا في زمانه ثقة عين.

(2)- من السابعة الراوستاني الازدورقاني قرية من سواد الري وصف بالضعف و لكنه روي عنه المشايخ.

(3)- الطاطري كأنه من السادسة واقفي وصف بأنه شديد العناد في مذهبه.

(4)- من الخامسة متهم ملعون.

(5)- من السادسة أو الخامسة و لعله هو ابن أبي عمير المشهور.

(6)- وسائل الشيعة: ب 85

من أبواب الطواف ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 371

طوافها إذا جاوزت النصف و بطلانه في الأقل من النصف و لكن ضعف سندها بأن فيه سلمة بن الخطاب لم تثبت وثاقته.

و منها ما رواه الكليني أيضا عن محمد بن يحيي عن أحمد بن محمد «1» عمن ذكره عن أحمد بن عمر الحلال «2» عن أبي الحسن (عليه السلام) قال:

«و سألته عن امرأة طافت خمسة أشواط ثمّ اعتلّت؟ قال: إذا حاضت المرأة و هي في الطواف بالبيت او بالصفا و المروة و جاوزت النصف علمت ذلك الموضع الذي بلغت فاذا هي قطعت طوافها في أقل من النصف فعليها أن تستأنف الطواف من اوله». «3»

و دلالتها أيضا كسابقتها إلا أن سندها ضعيف بالإرسال.

و منها ما رواه الشيخ بإسناده عن موسي بن القاسم «4» عن صفوان بن يحيي «5» عن ابن مسكان «6» عن أبي إسحاق صاحب اللؤلؤ «7» قال: «حدثني من سمع- أبا عبد اللّه عليه السلام يقول في المرأة المتمتعة إذا طافت بالبيت أربعة أشواط- تخرج إلي مني قبل أن تطوف الطواف الآخر» «8» و رواها الكليني بسنده عن إسحاق بياع اللؤلؤ إلي قوله: «فمتعتها تامة».

______________________________

(1)- يحيي العطار القمي الظاهر أنه ثقة.

(2)- له كتاب وصف بأنه ثقة روي الاصل.

(3)- وسائل الشيعة: ب 55 من أبواب الطواف ح 2.

(4)- من السابعة كوفي ثقة جليل القدر واضح الحديث له ثلثون كتابا.

(5)- ثقة ثقة عين له مقامات حسنة من أعاظم السادسة.

(6)- عبد اللّه بن مسكان من الخامسة.

(7)- لعله هو اسحاق بياع اللؤلؤ كما في الكافي لم تثبت وثاقته.

(8)- وسائل الشيعة: ب 86 من أبواب الطواف ح 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 372

و دلالتها أيضا ظاهرة و إن قيل بأنّ

موردها من لا تتمكن من الطواف قبل الحج فلا دلالة لها علي فساد الأشواط الثلاثة مطلقا.

و فيه: أن الظاهر أن هذا حكم طبيعة الطواف لا بعض أقسامه، مضافا إلي أنه لا قائل بهذا التفصيل

و بعد ذلك أورد علي سنده بضعفه بأبي إسحاق أو إسحاق و بالارسال.

و يمكن أن يقال: إن كل ذلك لا يضر إذا كان السند إلي ابن مسكان الّذي هو ممن أجمعت العصابة علي تصحيح ما يصح عنهم.

و منها ما رواه الصدوق عليه الرحمة بإسناده عن ابن مسكان عن إبراهيم بن إسحاق «1» عمن سأل أبا عبد اللّه عليه السلام «عن امرأة طافت أربعة أشواط و هي معتمرة ثمّ طمثت؟ قال: تتم طوافها و ليس عليها غيره و متعتها تامة و لها أن تطوف بين الصفا و المروة لأنها زادت علي النصف و قد قضت متعتها فلتستأنف بعد الحج، و إن هي لم تطف إلا ثلاثة أشواط فلتستأنف الحج (بعد الحج) فإن أقام بها جمالها بعد الحج فلتخرج إلي الجعرانة أو إلي التنعيم فلتعتمر» «2» و رواه الشيخ في التهذيب باسناده عن الحسين بن سعيد «3» عن محمد بن سنان «4» عن ابن مسكان عن إبراهيم بن أبي إسحاق «5» عن سعيد الأعرج «6» قال: «سئل (سألت أبا) أبو عبد اللّه عليه السلام عن امرأة

______________________________

(1)- الحارثي الظاهر أنه من الخامسة أو الرابعة.

(2)- وسائل الشيعة: باب 85 من ابواب الطواف ح 14.

(3)- من كبار السابعة الاهوازي ثقة جليل القدر كثير التصانيف.

(4)- من السادسة قيل فيه بعض المطاعن.

(5)- كأنه من الخامسة.

(6)- هو عبد الرحمن او عبد اللّه كوفي ثقة له اصل و من الخامسة او الرابعة.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 373

طافت بالبيت أربعة أشواط و

هي معتمرة ثمّ طمثت؟ فقال: تتم طوافها فليس عليها غيره و متعتها تامة فلها أن تطوف بين الصفا و المروة و ذلك لأنها زادت علي النصف و قد مضت متعتها و لتستأنف بعد الحج» «1» و رواه في الاستبصار بالإسناد عن إبراهيم بن أبي إسحاق عمن سأل أبا عبد اللّه عليه السلام.

أقول: ما في الفقيه و في النسخة المطبوعة الأخيرة من التهذيب إبراهيم بن إسحاق و في المطبوعة من التهذيب في النجف و الوسائل الطبعة الأخيرة إبراهيم بن أبي إسحاق و في الاستبصار أيضا (أبو إسحاق).

قال المحقق الاردبيلي في جامع الرواة في إبراهيم بن إسحاق: (ق) أبو إسحاق الحارثي [قي] (مح) و بعد ما روي الخبر عن ابن مسكان عن إبراهيم بن إسحاق عن سعيد الأعرج قال: (روي هذا الخبر بعينه ابن مسكان عن إبراهيم بن إسحاق عن سعيد الأعرج عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) (يب) في باب الزيادات في فقه الحج روي هذا الخبر بعينه ابن مسكان عن إبراهيم بن أبي إسحاق عمن سئل أبا عبد اللّٰه (عليه السلام) في (بص) في باب المرأة الحائض متي تفوت متعتها «2» فالظاهر أن لفظ (أبي) فيه زيادة من النساخ بقرينة اتحاد الخبر. و اللّٰه أعلم

ثمّ إنه قد أورد علي سند الحديث أولا بإبراهيم بن إسحاق فقيل: إنه إن كان هو النهاوندي فهو ضعيف و إن كان غيره فمجهول و ثانيا بأن الطريق الأول فيه إرسال و الثاني فيه محمد بن سنان. «3»

و فيه: أما احتمال كونه هو النهاوندي فمردود لأن ابن مسكان الراوي عنه من

______________________________

(1)- تهذيب الاحكام: 5/ 393.

(2)- جامع الرواة 1/ 19.

(3)- معتمد العروة: 2/ 322.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 374

الخامسة و هو من

الطبقة السابعة و لا يمكن رواية من في الطبقة المتقدمة عمن هو متأخر عنه بطبقتين. و أما إبراهيم بن إسحاق الحارثي فيكفي في الاعتماد عليه رواية ابن مسكان الذي هو من أصحاب الإجماع عنه.

و أما الإرسال في الطريق الأول فالمظنون أنه يرتفع بالثاني و إن كان هو ضعيف بمحمد بن سنان مضافا إلي أن ضعف الأسناد ينجبر بعمل الأصحاب و احتمال كون مستند المشهور غير هذه الأخبار في غاية الضعف إذاً فالاعتماد في الفتوي علي هذه الأحاديث.

ثمّ إنه اورد علي دلالته بأن الحديث لا تدل علي بطلان الأشواط الثلاثة و عدم جواز اتمامها بأربعة أشواط بعد الطهر فيما إذا تمكنت من ذلك بل يدل علي وجوب العدول إلي الحج و موردها من لا يتمكن من الطواف قبل الحج و هو خارج عن محل الكلام كما هو المفروض في الرواية فيمن حاضت بعد أربعة أشواط. «1»

و فيه: كأن المستشكل بنائه علي صحة الطواف مطلقا و إتمام ما بقي منه بعد الطهر و أن هذه الروايات صدرت خلافا لهذا البناء قصرا للصحة علي أربعة أشواط و علي ذلك يقتصر علي موردها الخاص مع أن الأمر بالعكس و مقتضي كون الطواف كالصلاة بطلانه بالحيض و هذه الروايات تدل علي عدم بطلانه به اذا أتمت أربعة أشواط.

نعم لو بنينا علي ما رواه الصدوق قدس سره في الصحيح عن حريز عن محمد بن مسلم قال: «سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن امرأة طافت ثلاثة أطواف أو أقل من ذلك ثمّ رأت- دما فقال: تحفظ مكانها فإذا طهرت طافت منه و اعتدت

______________________________

(1)- الاستبصار 2/ 317 ح 1121.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 375

بما مضي» «1» و رواه الشيخ في التهذيب بإسناده

عن حريز عن محمد بن مسلم و قال بدل (أطواف) (أشواط) «2» و في الاستبصار «3» و قد أفتي به الصدوق فبناء عليه القدر المتيقن من صورة البطلان ما إذا لم تتمكن من الطواف قبل الحج دون ما إذا كانت متمكنة منه فتأتي بالأربعة بعد الطهر و قبل الحج و لكن الخبر محمول علي الطواف المندوب و يقيد إطلاقه بهذه الروايات المنجبرة فبعضها علي فرض قبول ذلك بعمل الأصحاب

و بذلك كله يرد ما اختاره ابن إدريس من البطلان مطلقا و اختاره الصدوق من الصحة كذلك و من أراد الاحتياط عن مختار الصدوق قدس سره إن رأت الدم قبل أربعة أشواط في سعة الوقت تأتي بعد الطهر بطواف كامل بقصد الأعم من الاتمام و التمام، و أما في ضيق الوقت فالاحتياط التام مشكل فلا بدلها من العدول إلي الإفراد و علي مختار ابن إدريس رحمه اللّٰه أيضاً في سعة الوقت يمكن له الاحتياط دون ضيق الوقت.

و بعد كل ذلك نقول: الذي يقتضيه النظر الدقيق في الجمع بين الروايات أن الروايات التي في سندها ابن مسكان تختص بما إذا لم تتمكن من إتمام طوافها فهي تعدل إلي الإفراد ان لم تبلغ الأربعة و إن بلغتها و تبني علي تمامية متعتها و السعي و التقصير و الإحرام لحج التمتع و يقيد بها صحيح محمد بن مسلم إذا لم تتمكن من إتمام طوافها و لم تبلغ الأربعة فلا وجه لتقييده بالطواف الواجب مطلقا و إن كان متمكنا من إتمامه بعد الطهر. و بعد ذلك تكون النسبة بين صحيح محمد بن مسلم و خبري أبي

______________________________

(1)- من لا يحضره الفقيه: 2/ 24 ب 122.

(2)- تهذيب الاحكام: 5/ 397 ح 138.

(3)- الاستبصار:

2/ 317 ح 1121.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 376

بصير و أحمد بن عمر الحلال نسبة المطلق إلي المقيد فإنهما قد دلا علي أنها إذا لم تبلغ النصف لا تعتد بطوافه و مقتضي صحيح محمد بن مسلم بعد تقييده بروايات ابن مسكان الاعتداد به إذا كانت متمكنة من إتمامه فيقيد به إطلاق خبري أبي بصير و الحلَّال الدَّال علي عدم الاعتداد به مطلقا و تكون النتيجة عدم الاعتداد به إذا لم تتمكن من الإتمام دون صورة تمكنها منه.

فيتحصّل من جميع ذلك انها تعتد بطوافها إذا تجاوزت عن النصف، سواء كانت متمكنة من إتمامه بعد الطهر و قبل الذهاب إلي عرفات أو لم تتمكن منه و لا تعتد به إذا لم تبلغ الأربعة و لم تكن متمكنة من اتمامه فتعدل إلي الإفراد و تعتد به إذا كانت متمكنة من إتمامه و إن لم تبلغ الأربعة و لكن مع ذلك لا يترك الاحتياط في هذه الصورة بإعادة الطواف بقصد ما في ذمتها من التمام و الإتمام.

و لا يخفي عليك قوة احتمال وحدة روايتي الصدوق و الشيخ عن ابن مسكان عن إبراهيم و روايتي الكليني و الشيخ الأول عن إسحاق بيَّاع اللؤلؤ و الثاني عن أبي إسحاق صاحب اللؤلؤ فليست هذه الأربعة إلا واحدة و إن أبيت عن الحكم بوحدتها فهذا الاحتمال مانع عن الحكم بتعددها إذا فتنحصر الروايات في الأربعة رواية أبي بصير و الحلال و ما في سنده ابن مسكان و صحيح محمد بن مسلم و اللّٰه هو العالم.

فروع
الأوّل: قد أشرنا أن المشهور بين الفقهاء رضوان اللّٰه تعالي عليهم أن المرأة إذا طافت أربعة أشواط تبني عليها

و تتمّ طوافها بعد طهرها و هذا هو مدلول بعض أخبار الباب و قلنا: إن في بعض الروايات كالفتاوي أنها تبني علي ما أتت به إذا بلغ

فقه الحج

(للصافي)، ج 2، ص: 377

طوافها إلي النصف أو تجاوز عنه و استظهرنا من الروايات و الفتاوي أن مرادهم من النصف الشوط الرابع فإذا هي أتمت هذا الشوط تبني عليه

و يمكن أن يقال: إن النصوص و الفتاوي في الدلالة علي جواز البناء علي أربعة أشواط ظاهرة بل صريحة و في الاقل منها فيما بين ثلاثة أشواط و النصف إلي أربعة أشواط دلالتها لا تخلو من الإجمال و علي هذا مقتضي اعتبار التوالي بين الأشواط و بطلان الطواف بالحدث كاعتبار هما في الصلاة اعتبارهما فيما دون الأربعة.

و بعبارة اخري: مقتضي كون الطواف كالصلاة كون الطهارة شرطا للطائف كما انها شرط للمصلي و كون التوالي شرطا في الطواف كما أنها كذلك في الصلاة و الثابت خروجه عن ذلك الأربعة أشواط فما زاد و أما دون الأربعة فالمخصص بالنسبة اليه مجمل فعموم العام بالنسبة اليه حاكم يؤخذ به.

ثمّ إنّه يمكن التمسك لما استفدنا من قولهم: «الطواف في البيت صلاة» بصحيحة ابن بزيع الّتي سبق ذكرها فأنّ فيها: «سألت أبا لحسن الرضا عليه السلام عن المرأة تدخل مكة متمتعة فتحيض قبل أن تحل متي تذهب متعتها … إلي أن قال: إذا زالت الشمس ذهبت المتعة» فإنها بالاطلاق المستفاد من ترك استفصال الإمام عليه السلام تشمل ما اذا حاضت قبل الطواف أو بعده أوفي أثنائه إلا أنها تقيد بما إذا حاضت إذا أتمت أربعة أشواط من الطواف فيبقي الباقي تحت الاطلاق،

و لكن بعد ذلك كله لا ينبغي ترك الاحتياط فيما إذا تجاوزت عن الثلاثة و النصف ففي سعة الوقت تعيد الطواف بقصد ما عليها من الإتمام و التمام و أما في ضيق الوقت فالاحتياط في غاية الإشكال

و يمكن أن يقال: إنها تسعي

و تقصر رجاءً و تحرم للحج رجاءً و تأتي ببقية

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 378

المناسك بقصد ما عليها من حج التمتع و الافراد ثمّ تأتي ببقية طواف العمرة و بعد الفراغ من الحج تأتي بعمرة مفردة رجاءً

الفرع الثاني: و إن قلنا في ابتداء المسألة إنه لا فرق في البناء علي الاشواط الاربعة بين حال الضيق و السعة

ففي حال الضيق تسعي و تقصر و تحرم للحج و تأتي ببقية الطواف و ركعتيه بعد الرجوع إلي مكة و في حال السعة أيضا تسعي و تقصر و بعد أن طهرت تأتي ببقية الطواف و صلاته و تحرم للحج كما يجوز له البقاء علي الإحرام و الإتيان ببقية الطواف و ركعتيه ثمّ السعي و التقصير و الإحرام للحج، و ذلك مستفاد من أخبار الباب و مطاوي فتاوي الفقهاء رضوان اللّٰه عليهم.

و لكن قال في الجواهر: (لا تنقيح في كلامهم أن الحكم المزبور مختص بحال الضيق أو الأعم منه و من السعة فلها حينئذ في الأخير السعي و التقصير و الإحلال ثمّ قضاء ما عليها من الطواف بعد الإحرام بالحج، أو أنّها تنتظر الطهر مع السعة باقية علي إحرامها حتي تقضي طوافها و صلاته ثمّ تسعي و تقصر؟ قد يلوح من بعض العبارات خصوصاً عبارة القواعد الأول تنزيلا للأربعة منزلة الطواف كله و لكن لا ريب في أن الأولي و الأحوط الثاني الَّذي فيه المحافظة علي ترتيب العمرة بل لعلَّ الأولي ذلك حتّي لو عرض لها الحيض بعد قضاء الطواف أجمع قبل صلاة ركعتيه فإنَّ متعتها صحيحة لأولويتها من الصورة الأولي لصحيح الكناني: «سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن امرأة طافت بالبيت في حج أو عمرة ثمّ حاضت قبل أن تصلي الركعتين؟ قال: إذا طهرت فلتصل ركعتين عند مقام إبراهيم عليه السلام و قد قضت طوافها». و مضمر

زرارة «سألته عن امرأة طافت بالبيت فحاضت قبل أن تصلي الركعتين فقال: ليس عليها إذا طهرت إلّا الركعتان و قد قضت الطواف». «1»

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 18/ 42.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 379

أقول: أما البناء علي اربعة اشواط و إتمامها بعد الطهر فلا فرق فيه بين حال الضيق و السّعة و أمّا السعي و التقصير فهما يجبان عليها في حال الضيق و الظاهر انه في حال السعة الحكم بهما علي سبيل الرخصة فيجوز لها السعي و التقصير ثمّ إتمام الطواف و الإتيان بركعتيه بعد الطهر و يجوز لها الصبر و اتمام الطواف بعد الطهر و الإتيان بركعتيه ثمّ السعي و التقصير سواء كان ذلك في طواف عمرة التمتع أو الحج أو العمرة المفردة.

اللهم إلّا أن يقال: إنَّنا إنما أخذنا بالروايات مع ضعف سندها لانجبارها بعمل المشهور و لم يثبت عملهم بما دل علي أنّ الحكم أعم يشمل حال السعة كالضيق و ما ثبت عملهم به هو البناء علي أربعة أشواط و السعي و التقصير في ضيق الوقت و إتمام الطواف و ركعتيه بعد الرجوع إلي مكّة في حال الطّهارة و البناء عليها في سعة الوقت ثمّ بعد أن طهرت إتمام الطواف و الصلاة و السعي و التقصير فلا يترك الاحتياط سيّما إذا كان الفصل بينها و بين طهرها قصيراً كيوم أوْ يومين.

و أمّا استدلال صاحب الجواهر بالصحيح الكناني و مضمر زرارة فإن أراد الاستدلال لها علي الأولوية الأولي المذكورة في كلامه بالنسبة إلي من حاضت قبل الركعتين يعني بالنسبة إليها أيضا الأولي في سعة الوقت تأخير السعي و التقصير إلي بعد ركعتين فلا دلالة للخبرين علي ذلك أصلًا فإنّ الحكم بقضاء الطواف في الصحيح الكناني أو

أنه ليس عليها إذا طهرت إلّا الركعتان في مضمرة زرارة معناه أنه لا يجب عليها إعادة الطواف و لا ارتباط له بحكم السعي و التقصير و جواز فعلهما في حال عدم الطهر أو عدمه و ان كان مراده من الأولوية الثانية المذكورة في كلامه أن في صورة حدوث الحيض بعد الطواف قبل الركعتين الحكم بجواز السعي و التقصير في سعة الوقت قبل الركعتين أولي من الحكم به قبل إتمام الطواف.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 380

و مع ذلك الأولي فيه الصبر و انتظار الطهر فهذا أيضا لا يستفاد من الخبرين اللهم إلَّا إن كان مراده الاستدلال بقضاء الطواف إذا حاضت بعده و عدم وجوب إعادته بعد الطهر و إطلاقها يشمل الصورتين صورة الضيق و صورة السعة أما في سائر الأحكام فالحكم بها أولي من الحكم بها إذا حاضت في أثناء الطواف بعد أربعة أشواط قطعا فلا يضر بذلك عدم دلالة الخبرين بنفسها علي حكم السعي و التقصير قبل الطهر كما تنظر في المدارك في دلالة صحيحة الكناني علي ذلك. «1»

و ما أفاده من أنه لا تنقيح في كلامهم أن الحكم المزبور مختص بصورة ضيق الوقت أو هو الأعم منه و من صورة السعة كأنه في محله بل لا يستفاد من كلماتهم أن الحكم مختص بصورة السعة أو يعمها و صورة الضيق.

و لكن الظاهر اتفاق غير ابن إدريس علي عدم بطلان الطواف بحدوث الحيض بعد بلوغها أربعة أشواط في الضيق و السعة كما أن الظاهر أيضا عدم اختلافهم في أنه في ضيق الوقت تسعي و تقصر و تحرم للحج و تأتي بما بقي منه بعد الرجوع الي مكة.

و في سعة الوقت أيضا لا خلاف بينهم في أن

لها البقاء علي إحرامها و إتمام الطواف بعد الطهر و أداء صلاته ثمّ الإتيان بالسعي و التقصير.

فما ليس منقحا في كلماتهم أنه هل يجوز لها في سعة الوقت مخالفة الترتيب و السعي و التقصير في حال الحيض ثمّ الإتيان ببقية الطواف و ركعتيه بعد الطهر أم لا؟ فعلي هذا اختيار جواز ذلك محتاج إلي الدليل و أما عدم الجواز فهو مبني علي وجوب رعاية الترتيب فلا بد من الرجوع الي روايات الباب. فنقول: أما رواية أبي

______________________________

(1)- مدارك الأحكام: 7/ 183.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 381

بصير: «إذا حاضت المرأة و هي في الطواف بالبيت أو بين الصفا و المروة فجاوزت النصف فعلمت ذلك الموضع فإذا طهرت رجعت فأتمت بقية طوافها من الموضع الّذي علمته» «1» فلا دلالة لها علي جواز تقديم السعي و القصير في سعة الوقت علي إتمام الطواف و أداء صلاته.

و رواية أحمد بن عمر الحلال عن أبي الحسن عليه السلام فيها: «إذا حاضت المرأة و هي في الطواف بالبيت أو بالصفا و المروة و جاوزت النصف علمت ذلك الموضع الَّذي بلغت» «2» و هذه أيضا لا تدل علي الجواز المذكور و خبر ابن مسكان عن أبي إسحاق صاحب اللؤلؤ أو إسحاق بياع اللؤلؤ في المتعة و في ضيق الوقت.

نعم ما عن إسحاق بياع اللؤلؤ ساكت عن حكم جواز تقديم السعي و التقصير. و كذا رواية ابن مسكان عن إبراهيم بن إسحاق عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «عن امرأة طافت أربعة أشواط و هي معتمرة ثمّ طمثت؟ قال: تتم طوافها و ليس عليها غيره و متعتها تامة و لها أن تطوف بين الصفاء و المروة لأنها زادت علي النصف و قد قضيت متعتها

فلتستأنف بعد الحج و ان هي لم تطف إلا ثلاثة أشواط فلتستأنف الحج (بعد الحج) فإن أقام بها جمّالها بعد الحجّ فلتخرج إلي الجعرانة أو إلي التنعيم فلتعتمر». «3» فإنها ايضاً في ضيق الوقت لدلالة ذيلها علي ذلك.

هذا و يمكن التمسك لجواز التقديم المذكور في ضيق الوقت بإطلاق رواية ابن مسكان عن ابراهيم بن أبي إسحاق عن سعيد الأعرج عن أبي عبد اللّه عليه السلام فإنَّه «سئل عن امرأة طافت بالبيت أربعة أشواط و هي معتمرة ثمّ طمثت؟ قال: تتم

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: باب 85 من ابواب الطواف ح 1.

(2)- وسائل الشيعة: باب 85 من ابواب الطواف ح 2.

(3)- وسائل الشيعة: باب 85 من ابواب الطواف ح: 4.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 382

طوافها فليس عليها غيره و متعتها تامة فلها أن تطوف بين الصفا و المروة و ذلك لأنها زادت علي النصف و قد مضت متعتها و لتستأنف الحج». «1»

و لكن قد قلنا: بأن الظاهر وحدة الروايات الّتي في سندها ابن مسكان سيّما هذه الرواية و الرواية السابقة الأخيرة.- إذاً فلا دليل يعتمد عليه للقول بجواز تقديم السعي و التقصير علي إتمام الطواف و أداء ركعتيه في سعة الوقت.

الفرع الثالث: إذا حاضت المرأة بعد إتمام الطواف و قبل أن تأتي بصلاته

فلا يخل ذلك بطوافها، لأنها أتت به جامعا لشرطه و إن كان التوالي بين الطواف و صلاته شرطا، ففي صورة اختلاله قهراً بالحيض مقتضي الأصل عدم اعتباره، مضافا إلي أولوية ذلك من صورة حدوث الحيض في أثناء الطواف.

و يدل عليه ما رواه الصدوق بإسناده عن أبان «2» عن زرارة «3» قال: «سألته عن امرأة طافت بالبيت فحاضت قبل أن تصلي الركعتين؟ قال: ليس عليها إذا طهرت إلا الركعتين و قد قضت الطواف» «4» و ما رواه الكليني

عن محمد بن يحيي «5» عن أحمد بن محمد «6» عن محمد بن إسماعيل «7» عن محمد بن الفضيل «8» عن أبي

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 86 من ابواب الطواف ح 1.

(2)- ممن أجمعت العصابة علي تصحيح ما يصح عنه من الخامسة.

(3)- هو جلالة قدره لا تحتاج الي البيان من الرابعة.

(4)- وسائل الشيعة: ب 88 من أبواب الطواف ح 1.

(5)- ابو جعفر العطار القمي شيخ أصحابنا ثقة كثير الحديث من الثامنة.

(6)- ابن عيسي الاشعري القمي شيخ القميين و وجههم. من السابقة.

(7)- ابن يزيع.

(8)- رمي بالغلو و الضعف من السادسة.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 383

الصباح الكناني «1» قال: «سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن امرأة طافت بالبيت في حج أو عمرة ثمّ حاضت قبل أن تصلي الركعتين؟ قال: إذا طهرت فلتصل ركعتين عند مقام إبراهيم و قد قضت طوافها». «2» و أضاف إليها بعض الأعلام من المعاصرين صحيح معاوية بن عمار «3» قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن امرأة طافت بالبيت ثمّ حاضت قبل أن تسعي قال: تسعي». «4»

قال: (و مورده و إن كان حدوث الحيض قبل السعي و لكن إطلاقه يشمل قبل الصلاة- و بعدها). و فيه: ان ذلك خلاف الظاهر كما لا يخفي.

هذا بالنسبة إلي عدم إخلال الحيض بصحة الطواف، و لكن هل يترتب عليه جميع ما يترتب علي حدوث الحيض في أثناء الطواف بعد بلوغها أربعة أشواط من جواز تقديم السعي و التقصير في ضيق الوقت علي إتمام الطواف و أداء صلاته فيجوز هنا بل يجب عليها تقديم السعي و التقصير علي صلاة الطواف فتحرم للحج و تأتي بالصلاة بعد الرجوع الي مكة أم لا؟ يمكن أن يوجه ذلك بوجهين: أحدهما:

إطلاق صحيح الكناني و مضمرة زرارة فإنه يدل علي إن حاضت في عمرة التمتع قبل صلاة الطواف ليس عليها إلّا الصلاة بعد طهرها سواء حصل قبل الذهاب إلي عرفات أم بعده و لا يضر ذلك بصحة طوافه. و استشكل فيه بعض الأعلام بأنه يعارض باطلاق ما دل علي لزوم وقوع الحج بعد العمرة و تماميتها.

______________________________

(1)- إبراهيم بن نعيم العبدي روي أن الصادق عليه السلام سماه الميزان لثقته له كتاب رواه- ابن بزيع و الحسن بن علي الفضال عن محمد بن الفضيل عند من الخامسة و في الطبقات من الرابعة.

(2)- وسائل الشيعة: ب 88 من أبواب الطواف ح 2.

(3)- فطحي ثقة و أصله معتمد من الخامسة.

(4)- وسائل الشيعة: ب 89 من أبواب الطواف ح 1

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 384

الثاني: الاستدلال بالاولوية، فإنه إذا كان الحيض الطاري في أثناء الطواف لا يبطل الطواف في عمرة التمتع فلا يبطله إذا طرء بعد الطواف. و استشكل في الاستدلال فيه أيضا بعض الأعلام و قال: (و الأولوية بحيث توجب القطع بالحكم محل تامل، الا تري أن القليل من الدم الأقل من الدرهم معفو عنه في الصلاة و ما تنجس من جهته لا يعفي عنه).

أقول: أما في المتنجس بالدم الأقل فقد حكي القول بكونه معفوا عنه كالدم الأقل عن الذكري و روض الجنان و المعالم و المدارك لأن الفرع لا يكون أقوي من الأصل و المتنجس بالدم تستند نجاسته اليه فاذا كان منجسه معفوا عنه كيف يكون ما تنجس به مبطلا. و لكن هذا استحسان محض لا يتكل عليه في الأحكام الشرعية المأخوذة من النصوص.

و هذا غير المفهوم الموافق و المفهوم بالاولوية فان العرف يستفيده من كلام المتكلم و من

مناسبة الحكم و الموضوع فلا يشك في مثل قوله تعالي: «فَلٰا تَقُلْ لَهُمٰا أُفٍّ» دلالته علي عدم جواز تركهما و ضربهما، و من قوله: «رجل شك بين الثلاث و الأربع» مساواة المرأة مع الرجل في الحكم و أنه حكم طبيعة الشك في الركعات و لا يري خصوصية للرجل في المثال الثاني و لا للُاف في المثال الأول و يفهم أن الموضوع أوسع منه و في المقام أيضاً يستظهر العرف أن الحكم بجواز تقديم السعي و التقصير و عدم العدول إلي الإفراد هو حكم من أتت بالأشواط الأربعة سواء كانت في ضمن جميع الأشواط أو بقي منه الأشواط الثلاثة أو أقل منها، فكما لا يضر تقديم السعي و التقصير في ضيق الوقت علي بقية الأشواط و ركعتي الطواف لا يضر تقديمها علي خصوص ركعتي الطواف. و بالجملة: فمثل هذا أمر يعرف بالمناسبات و يدور مدار استظهاره فربما لا يستظهر ذلك مثل المتنجس بالدم المعفو و ربما يستظهر

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 385

ذلك مثل كثير من الموارد من جملتها مسئلتنا هذه و اللّٰه العالم.

الفرع الرابع: ظاهر كلام العروة أنه لا فرق في قضاء ما بقي من الطواف و صلاته بين أن يؤتي بهما قبل طواف الحج أو بعده.

و لكن الظاهر من رواية جماعة عن أبي عبد اللّه عليه السلام تقديمهما علي طواف الحج فإنه قال عليه السلام فيها: «و إذا قضت المناسك وزارت البيت (بالبيت) طافت بالبيت طوافا لعمرتها ثمّ طافت طوافاً للحج» «1» و لا بأس بالعمل بها في ذلك و إن لم نعمل بها في موردها علي ما مر. و اللّٰه هو العالم

______________________________

(1)- وسائل الشيعة باب 84 من ابواب الطواف ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 389

الكلام في المواقيت

اشارة

الكلام في المواقيت

و هي كما في بعض الروايات و كلمات بعض الفقهاء خمسة و ما يستفاد من مجموع الأخبار أن المواضع الّتي يجوز منها الإحرام في الجملة أكثر من ذلك ستمر عليها انشاء اللّٰه تعالي في المباحث الآتية.

و في الجواهر بعد ما أشار إلي الأقوال في تعداده قال: (بل يمكن جعلها أحد عشر بنوع من الاعتبار) «1» فالأولي إجراء البحث فيها علي التفصيل فنقول:

[أحدها ذو الحليفة]

اشارة

أحدها ذو الحليفة

و هو المكان الذي فيه مسجد الشجرة و لا ريب و لا خلاف في أنه ميقات أهل المدينة المنورة و من يمر علي طريقهم و الأخبار في ذلك متظافرة.

نعم قد وقع الخلاف في أن الميقات هو نفس المسجد من ذي الحليفة أو أن الميقات كله فيكفي الإحرام من أي موضع منه؟ فلا بد من ملاحظة أخبار الباب و مقدار دلالتها في ذلك.

فمنها ما يدل علي أن الميقات جميع ذي الحليفة مثل رواية أبي أيوب الخزاز و رواية معاوية بن عمار و رواية علي بن جعفر و رواية عمر بن يزيد و رواية علي بن

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 8/ 103.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 390

جعفر أيضاً و عبد اللّٰه بن عطا و عبد اللّٰه بن بكير بمثل هذا اللفظ: «و وقت لاهل المدينة ذا الحليفة» «1».

و منها ما يدل علي أن الميقات الشجرة أو مسجد الشجرة مثل صحيح الحلبي و لفظه: «و وقت لاهل المدينة ذا الحليفة و هو مسجد الشجرة يصلي فيه و يفرض الحج» «2» و لفظه في الفقيه: «و هو مسجد الشجرة كان يصلي فيه و يفرض للحج فاذا خرج من المسجد و سار و استوت به البيداء حين يحازي الميل الأول أحرم». «3» و في خبر الأمالي:

«ذا الحليفه و هو مسجد الشجرة» «4» و مثل صحيح علي بن رئاب فيه: «وقت لأهل المدينة ذا الحليفة و هي الشجرة» «5» و رواية علي بن جعفر: «و لاهل المدينة و من يليها من الشجرة». «6»

أقول: قال في العروة: (فالأحوط الاقتصار علي المسجد إذ مع كونه هو المسجد فواضح و مع كونه مكانا فيه المسجد فاللازم حمل المطلق علي المقيد).

و استشكل فيه: بأن نسبة المسجد إلي ذي الحليفة بناءً علي أنه المكان الذي فيه المسجد نسبة الجزء إلي الكل لا الفرد إلي الكلي الّتي هي نسبة المقيد إلي المطلق فيكون المراد من ذي الحليفة جزئه مجازاً و عليه يكون الدوران بين المجاز المذكور و بين حمل تعيين المسجد علي الاستحباب و كون الأول أولي غير ظاهر.

و أجيب عن هذا الإشكال أن ذا الحليفة إن كان اسماً لنفس المسجد فالأمر واضح و إن كان المراد به القطعة المعروفة من الأرض التي فيها المسجد فليس معني

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب المواقيت ح 1 و 2 و 5 و 6 و 8.

(2)- الوسائل باب 1 من ابواب المواقيت ح 3 و 4.

(3)- الوسائل باب 1 من ابواب المواقيت ح 3 و 4.

(4)- الوسائل ب 1 من المواقيت ح 11.

(5)- الوسائل ب 1 من المواقيت ح 7.

(6)- الوسائل باب 1 من المواقيت ح 9.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 391

كونه ميقاتا أنه يجب الإحرام من كل جزء من أجزاء تلك القطعة و بعبارة اخري:

ليس معناه أنه يقع الاحرام الواحد من كله حتي يكون نسبة المسجد إليه كنسبة الجزء إلي الكل و يكون استعمال ذي الحليفة فيه من استعمال اللفظ الموضوع للكل في الجزء مجازاً بل معني كونه

ميقاتا و جواز الإحرام منه جواز الإحرام من أي مكان من تلك البقعة، سواء كان ذلك المكان نفس المسجد أو خارجه أو حواليه، فإذا دل الدليل علي لزوم الإحرام من المسجد تكون نسبته إليه نسبة المقيد إلي المطلق.

و يمكن أن يقال: يلزم من ذلك إخراج الأكثر من تحت المطلق و تقييده بالأقل و هو مستهجن كتخصيص العام بالأكثر.

و يمكن أن يقال: ان النسبة إنما تلاحظ إذا كان هنا دليلان مفاد أحدهما تقييد مدلول الآخر و في المقام بالنظر إلي ما يدل علي أن الميقات ذو الحليفة و ما يدل علي أنه الشجرة و هو رواية علي بن جعفر و لا يبعد أن يكون الشجرة فيه عنوانا لذي الحليفة و بالنظر إلي سائر الروايات فهي مفسرة لذي الحليفة، فعلي هذا لا بدّ من الأخذ بالروايات المفسرة و الاقتصار بالإحرام من المسجد فالأحوط الاقوي الإحرام من المسجد. نعم لا يلزم أن يكون الإحرام من نفس المسجد بل يكفي الإحرام من جوانبه الأربع و حواليها القريبة لصدق الإحرام من المسجد علي الإحرام منها.

ثمّ إنه قد ظهر مما ذكر حكم المسألة بالنسبة إلي أهل المدينة و أما من يمر علي طريقهم فقد قلنا ان حكمه حكم أهل المدينة فلا يختص ذو الحليفة بأهل المدينة.

و الدليل علي ذلك

أولا: الروايات العامة الدالة علي عدم جواز مرور أحد من المواقيت و التجاوز عنها بلا إحرام فإنه يستفاد منها أن كل واحد منها ميقات لمن يمر عليه.

إلّا أنه يمكن الخدشة في دلالتها علي ذلك أن غاية ما يستفاد منها أنه لا يجوز لأهل هذه المواقيت الإحرام من قبلها و من بعدها، أما جواز إحرام غير أهل ميقات

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 392

من ميقات

آخر فلا يستفاد منها. ففي صحيح الحلبي قال: «الإحرام من مواقيت خمسة وقّتها رسول اللّٰه صلي الله عليه و آله و سلم لا ينبغي لحاج و لا لمعتمر أن يحرم قبلها و بعدها وقّت لأهل المدينة ذا الحليفة …» «1» و في صحيح علي بن جعفر بعد ما عدّ المواقيت الّتي وقتها رسول اللّٰه صلي الله عليه و آله و سلم قال: «فليس لأحد أن يعدو من هذه المواقيت إلي غيرها» «2» و مثلهما كما تري لا يدل علي العموم المذكور.

و ثانيا بالنصوص الخاصة: منها صحيح صفوان عن مولانا الرضا عليه السلام قال:

«كتبت إليه أن بعض مواليك بالبصرة يحرمون ببطن العقيق و ليس بذلك الموضع ماء و لا منزل و عليهم في ذلك مئونة شديدة و يعجلهم أصحابهم و جمّالهم و من وراء بطن العقيق بخمسة عشر ميلا منزل فيه ماء و هو منزلهم الذي ينزلون فيه فتري أن يحرموا من موضع الماء لرفقة بهم و خفته عليهم؟ فكتب أن رسول اللّٰه صلي الله عليه و آله وقّت المواقيت لأهلها و من أتي عليها من غير أهلها و فيها رخصة لمن كانت به علة فلا تجاوز الميقات إلّا من علة». «3»

و دلالته علي عدم اختصاص المواقيت بأهلها و أنها تعم أهلها و غيرهم ممن أتي عليها واضحة و مثله في الدّلالة قوله عليه السلام في صحيح عبد اللّٰه بن جعفر: «و أهل السند من البصرة (و مع أهل البصرة)» «4» و قوله عليه السلام في خبر إبراهيم بن عبد الحميد عن أبي الحسن موسي عليه السلام: «من دخل المدينة فليس له أن يحرم إلّا من المدينة» «5» فإنهما أيضا يدلان علي عدم اختصاص المواقيت بأهلها.

و

ثالثا بالإجماع و الضرورة فإنّ غير أهل هذه المواقيت من أهالي سائر

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب ا من أبواب المواقيت ح 3.

(2)- وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب مواقيت ح 9.

(3)- وسائل الشيعة ب 15 من أبواب المواقيت ح 1.

(4)- وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب المواقيت ح 5.

(5)- وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب المواقيت ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 393

البلاد مكلفون بالحج و يجب عليهم الإحرام من الميقات و ليس لهم ميقات خاص علي طريق خاص فلا بد أن يكون تكليفهم الإحرام من هذه المواقيت مما يمرون به فالمسألة بحمد اللّٰه تعالي واضحة لا غبار عليها و اللّٰه هو الهادي إلي الحق و الصواب صلواته علي سيدنا محمد و آله الأطياب.

[مسألة 9] عدم جواز تأخير الاحرام من الشجرة الي الجحفة

مسألة 9- المشهور عدم جواز تأخير الإحرام اختيارا من مسجد الشجرة إلي الجحفة و هي ميقات أهل الشام و عن الجعفي و ابن حمزة في الوسيلة جواز الإحرام من الجحفة اختياراً.

و مستند أرباب القولين الروايات فمنها ما يدل علي القول المشهور: مثل ما رواه الكليني عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن سيف بن عميرة عن أبي بكر الحضرمي قال: «قال أبو عبد اللّٰه عليه السلام: إني خرجت بأهلي ماشيا فلم أهلّ حتي أتيت الجحفة و قد كنت شاكيا فجعل أهل المدينة يسألون عني فيقولون: لقيناه و عليه ثيابه و هم لا يعملون و قد رخص رسول اللّٰه صلي الله عليه و آله و سلم لمن كان مريضا أو ضعيفا أن يحرم من الجحفة». «1» و دلالته علي حصر الجواز بصورة المرض و الضعف ظاهرة مثل ما رواه الشيخ بإسناده عن أبان بن عثمان عن أبي

بصير قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام خصال عابها عليك أهل مكة؟ قال: و ما هي؟ قلت:

قالوا أحرم من الجحفة و رسول اللّٰه صلي الله عليه و آله و سلم أحرم من الشجرة قال: الجحفة أحد الوقتين فأخذت بأدناهما و كنت عليلا) «2» و دلالته علي جواز التأخير بالعلة تامة لكنه

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 6 من ابواب المواقيت ج 5.

(2)- وسائل الشيعة: باب 6 من أبواب المواقيت ح 4.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 394

لا ينفي بالجواز المطلق و لا يعارض ما يدل علي الجواز و مثله في الدلالة علي الجواز بالعلة و عدم الصراحة علي حصر الجواز بها ما رواه الصدوق في العلل عن محمد بن الحسن عن الحسين بن الحسن بن أبان عن الحسين بن سعيد عن حماد بن عيس و فضالة عن معاوية قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: إن معي والدتي و هي وجعة قال:

قل لها فلتحرم من آخر الوقت فان رسول اللّٰه صلي الله عليه و آله و سلم وقت لأهل المدينة ذا الحليفة و لأهل المغرب الجحفة، قال: فأحرمت من الجحفة». «1»

فعلي هذا ما يدل علي حصر الجواز بصورة الضرورة و العلة هو رواية أبي بكر الحضرمي الضعيفة به الا أن يقال بجبر ضعفها بعمل المشهور بها أو أن يقال بأنه يظهر من ترجمته في كتب الرجال أنه جرت له مناظرة حسنة مع زيد جلالة قدره أو أنه من رجال علي بن إبراهيم.

و مما يدل علي القول الثاني: صحيح علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام الوارد في مواقيت الإحرام قال عليه السلام: «أما أهل الكوفة و خراسان و ما يليهم فمن العقيق و أهل المدينة من ذي

الحليفة و الجحفة … و صحيح معاوية بن عمار: «أنه سأل أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن رجل من أهل المدينة أحرم من الجحفة؟ فقال: لا بأس «2». و صحيح الحلبي قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام من أين يحرم الرجل إذا جاوز الشجرة؟ فقال: من الجحفة، و لا يجاوز الجحفة إلّا محرما» «3»

و لكن القائل بقول المشهور يقول بتقييد هذه الروايات بصورة المرض و الضعف لرواية الحضرمي فرواية علي بن جعفر الدالة علي التخيير و جواز

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 6 من ابواب المواقيت ح 2.

(2)- وسائل الشيعة: ب 6 من ابواب المواقيت ح 1.

(3)- وسائل الشيعة: ب 6 من ابواب المواقيت ح 3.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 395

الإحرام من ذي الحليفة و الجحفة لا تزيد علي الإطلاق فيقيد بما دل علي اختصاص التخيير بالمريض و المعذور.

لا يقال: إن مقتضي ذلك اختصاص الجحفة بالمريض و الضعيف و اختصاص الشجرة بالصحيح لا تخيير المريض و الضعيف.

فإنه يقال: ان الحكم بجواز إحرام المريض من الجحفة امتناني لا يزيد علي رفع الزام الإحرام من الشجرة فالنتيجة تخييره بينهما و هكذا يقيد اطلاق رواية معاوية بن عمار المستفاد من ترك الاستفصال برواية الحضرمي و مضافا إلي أنها واردة في أهل المدينة و أما رواية الحلبي فهي تدل علي حكم من جاوز الشجرة و لا تدل علي جواز تأخير الإحرام عمداً.

ثمّ ان الظاهر أن جواز التأخير بالمرض و الضعف انما يكون اذا كان المرض أو الضعف موجبا للحرج العرفي و المشقة الزائدة علي طبع الإحرام و ان لم يصل إلي حد لا يتحمل عادة أو عرفا و لا تشمله قاعدة نفي الحرج فعلي هذا لا يعم الحكم سائر الأعذار

إذا لم يكن حرجيا منفيا بالقاعدة مثل مجرد شدة الحر و البرد. فيمكن أن يقال: إنّ جواز التأخير من الميقات إذا كانت به علة توجب الإحرام معها الحرج و الضرر عام بالنسبة إلي جميع المواقيت حتي الجحفة فيجوز لمن كان ميقاته ذا الحليفة تأخير الإحرام حتي إلي ما بعد الجحفة، و أما في خصوص التأخير من ذي الحليفة إلي الجحفة يكفي المرض و الضعف و إن لم يصل إلي حد الحرج المرفوع بالقاعدة، و إلا ان كان الحكم بالجواز دائراً مدار كون المرض و الضعف حرجياً لا وجه لتحديده بالجحفة فانه يجوز التأخير عنها أيضا إذا كان الإحرام منها أيضا حرجيا.

و لكن الظاهر من البعض التفصيل بين الضرر و الحرج و المرض و الضعف (بأن

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 396

الحرج و الضرر إذا كان سببه المرض و الضعف يكفي في الانتقال إلي الإحرام من الجحفة مجرد كونهما كذلك حدوثاً فلا يلزم بقائه إلي الجحفة بخلاف الحرج الحاصل من غيرهما فإنه لا يكون حدوثه موجباً لتأخير الإحرام إلي الجحفة و إن زال قبل وصوله إليها لإن الحرج و الضرر يرفعان الحكم الثابت في موردهما و لا يثبتان حكماً آخر و في المقام المرض و الضعف الموجب للحرج موجب لجواز الإحرام من ذي الحليفة و إن لم يستمر حرجه إليها فعلي هذا المريض و الضعيف مخيران بين الإحرام من ذي الحليفة و من الجحفة و لا يجزيهما الإحرام فيما بينهما و إن زالت علتهما و بالجملة فهذا الحكم مختص بالمريض و الضعيف و أما غيرهما ممن يقع في الحرج لسائر الأعذار فهو يؤخر الإحرام ما دام العذر باقيا له). «1» و مع ذلك لا يترك الاحتياط غير

المريض و الضعيف إن زالت علتهما قبل الوصول إلي الجحفة و لم يتمكنا من العود إلي ذي الحليفة بالإحرام في مكان زوال العذر و تجديده من الجحفة.

[مسألة 10] جواز الأحرام من الجحفة لأهل المدينة
اشارة

مسألة 10- قال في العروة: (يجوز لأهل المدينة و من أتاها العدول إلي ميقات آخر كالجحفة أو العقيق فعدم جواز التأخير إلي الجحفة إنّما هو إذا مشي من طريق ذي الحليفة) الخ.

أقول: هنا فروع:

الأول: إذا أتي ذا الحليفة و لم يتجاوز عنها و كان مريدا للحج فهل يجوز له أن يتنكب الطريق حتي ينتهي الي طريق يمر به إلي ميقات آخر أم لا؟

اختار في العروة أنه يجوز ذلك له لأنّ ما لا يجوز له هو التجاوز عن الميقات محلًا و هذا لم يتجاوز عنه

______________________________

(1)- معتمد العروة: 2/ 338.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 397

فان التجاوز عنه يصدق إذا تجاوز عنه محلًا أو محرما إلي الحرم، و بعبارة أخري: إذا تجاوز عنه في طريق الحرم و أما إذا عدل عنه إلي طريق مكان آخر لا يصدق عليه التجاوز عنها أو لا يصدق عليه التجاوز المحرّم.

و اختار بعض الأعاظم عدم الجواز بدعوي أن التجاوز عن الميقات بلا إحرام صادق غاية الأمر أنه تجاوز عن الميقات بطريق غير مستقيم فإن الممنوع التجاوز عن الميقات بلا إحرام سواء كان بطريق مستقيم بأن يتجاوز عن الميقات و يتوجه إلي مكة أو بطريق غير مستقيم بأن يتجاوز عن الميقات و يذهب إلي ميقات آخر. «1»

و فيه: منع كون ذلك التجاوز المحرم فإنه هو التجاوز عنه في طريق مكة لا إلي مكان آخر ليس طريقه طريق مكة و إن كان ينتهي إليه.

ثمّ إنه تمسك بما رواه إبراهيم بن عبد الحميد و عبر عنه بالصحيح و هو ما رواه الشيخ بإسناده عن موسي بن القاسم «2» عن جعفر بن محمد بن حكيم «3» عن إبراهيم بن عبد الحميد «4» عن أبي الحسن موسي عليه السلام قال: «سألته عن قوم قدموا المدينة فخافوا كثرة البرد و كثرة الأيام يعني: الإحرام من الشجرة و أرادوا أن يأخذوا منها إلي ذات عرق فيحرموا منها؟ فقال:

لا و هو مغضب من دخل المدينة فليس له أن يحرم إلا

______________________________

(1)- معتمد العروة: 2/ 341.

(2)- كوفي ثقة أبو عبد اللّٰه البجلي له ثلثون كتابا واضح الحديث.. من السابعة.

(3)- ضعيف بأنه ليس بشي ء من السادسة له الرواية عن جميل بن دراج و يونس و أبان بن عثمان و غيرهم و عنه علي بن الحسن بن فضال و- أحمد بن محمد بن خالد غيرهم.

(4)- مختلف فيه من الخامسة له الرواية عن أبي عبد اللّه و الكاظم و الرضا (عليهم السلام) و له الرواية عن شيوخ كثيرة يبلغ عددهم ثلثين أو أكثر و عنه جماعة من الرواة مثل محمد بن أبي عمير و غيره.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 398

من المدينة» «1» و ظاهره عدم جواز الإحرام من غير الشجرة لمن قدم المدينة فضلا عن أهلها.

و لكن سنده ضعيف بجعفر بن محمد بن حكم بل و إبراهيم بن عبد الحميد المختلف فيه. اللهم إلا أن يقال: بالاعتماد عليهما لاعتماد الشيوخ.

و يمكن أن يقال: إنه يستفاد من روايات المواقيت أنه لا يجوز لمن هو من أهل كل واحد منها إن أراد الحج، الاحرام من غير ميقاته و إن لم يأته بعد و لم يستلزم ذلك التجاوز عن ميقاته.

نعم إن ذهب الي بعض الأماكن لحوائجه لا قاصداً بسفره الحج فمر ببعض المواقيت و أراد الحج يجوز له الإحرام منه. فظاهر قوله عليه السلام: «أن رسول اللّٰه وقت المواقيت لأهلها و من أتي عليها من غير أهلها» عدم جواز إحرام أهل ميقات و من أتي عليه من غير هذا الميقات. مضافاً إلي أن مقتضي الأصل أيضاً عدم الجواز، للشك في ميقاته مكان آخر له غير ميقات أهله.

الفرع الثاني: لو أتي إلي ذي الحليفة ثمّ أراد الرجوع منه و المشي من طريق آخر إلي الحج

فمقتضي ما ذكر في

الفرع السابق أنه إن كان من أهل المدينة أو من أتي عليها يقتصر علي الإحرام منه و لا يعدل من طريقه إلي طريق آخر بالرجوع عنه.

الفرع الثالث: من كان من أهل المدينة أو من الذين يمرون عليها هل يجوز له أن يعدل من ميقاته إلي ميقات آخر؟

قيل بجواز ذلك و إنه و إن لم يكن منصوصا عليه، لكن يستفاد من كلامهم ذلك و لكن الظاهر إن حكمه و سابقيه سواء.

الفرع الرابع: من ليس من أهل المواقيت المعينة يجوز له الإحرام من أيّها شاء

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب المواقيت ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 399

فيأتي أيّ ميقات أراد و يحرم منه و ذلك معلوم بالتسلم و الاجماع و بالنص المشار إليه في الفرع الأول.

الفرع الخامس: من كان من أهل ميقات خاص أو حضر ميقاتا خاصا ثمّ بان له السفر إلي مكان يجوز له الإحرام من ميقات أهل هذا المكان،

مثلا إذا سافر من هو من أهل المدينة إلي اليمن فأراد الحج يحرم من يلملم و لا يجب عليه الرجوع إلي المدينة و الإحرام من الشجرة. بل إذا بدا له السفر من الشجرة و من نفس الميقات إلي مكان آخر يجوز له الإحرام من ميقات هذا المكان سواء كان قاصدا للحج أو بدا له ذلك بعد السفر إلي هذا المكان.

و لكن الظاهر منهم في جميع الفروع المذكورة جواز الإحرام من غير ميقات أهله فكأنه كالمسلم عندهم، نعم في خصوص الفرع الأول كما ذكرناه اختار بعض المعاصرين عدم الجواز.

[مسألة 11] كيفية إحرام الحائض

مسألة 11- الحائض تحرم خارج المسجد أو مجتازا، أما جواز إحرامها من خارج المسجد فمبني علي القول المختار من جواز الإحرام من خارج المسجد.

و استدل عليه بما رواه الكليني «1» عن محمد بن يحيي «2» عن أحمد بن محمد «3»

______________________________

(1)- من التاسعة

(2)- من الثامنة أبو جعفر العطار القمي شيخ أصحابنا

(3)- من السابعة: ظاهر بعضهم توثيقه

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 400

عن ابن فضال «1» عن يونس بن يعقوب «2» قال: «سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن الحائض تريد الإحرام؟ قال: تغتسل و تستثفر و تحتشي بالكرسف و تلبس ثوبا دون ثياب إحرامها و تستقبل القبلة و لا تدخل المسجد و تهل بالحج بغير صلاة» «3» و رواه الشيخ في التهذيب عن الكليني إلّا أن فيه: «دون ثيابها لإحرامها» «4»

و استشكل في الاستدلال به أنه وارد في إحرام الحج و أن المراد من المسجد فيه، المسجد الحرام الّذي لا يجوز الدخول فيه مجتازا بقرينة قوله عليه السلام: و تهل بالحج» و أما الاستدلال بترك الاستفصال و عدم السؤال من أن الحائض التي تريد الإحرام أرادت الإحرام للحج أو

العمرة.

ففيه: أنه يستفاد من الجواب أنّ السؤال كان عن احرامها للحج و إن كان يستعمل في مجموع العمرة و الحج، إلا أن استفادة ذلك محتاج إلي القرينة و الحج في حج التمتع أيضا ظاهر في معناه الخاص الذي هو قبال العمرة، إذاً فلا دلالة له علي جواز الإحرام للعمرة من خارج مسجد الشجرة و لا حرمة الدخول فيه اجتيازاً.

و أما جواز الإحرام من مسجد الشجرة في حال الاجتياز ان أمكن فهو مبني علي صدق الاجتياز بأن يدخل من باب و يخرج من بابه الآخر، أما إذا دخل من باب المسجد و خرج منه من هذا الباب أو الباب الواقع في سمته و جانبه فصدق الاجتياز و كون المجتاز من عابري سبيل المذكور في الآية مشكل.

و هل يمكن الحاق الإحرام في حال الدخول في المسجد لأخذ شي ء منه

______________________________

(1)- من السادسة ثقة الحسن بن علي بن فضال

(2)- من الخامسة ثقة قد مال بعبد اللّٰه ثمّ رجع.

(3)- الكافي: 40/ 444.

(4)- تهذيب الاحكام: 5/ 388 ب 26 ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 401

بالإحرام فيه في حال الاجتياز، لا يبعد القول به و إن لم نجد مصرحاً به.

ثمّ إنه قد ظهر لك أن علي القول بكون الميقات نفس المسجد يتعين عليها الإحرام منه في حال الاجتياز و إن لم تتمكن منه فالاحوط الإحرام من خارج المسجد ثمّ تجديد الإحرام من الجحفة.

[مسألة 12] كيفية احرام من وجب عليه الغسل و لم يتمكن من الماء

مسألة 12- اذا كان جنبا أو حائضا انقطع دمها و لم يكن عنده الماء أو كان معذورا من استعماله فعلي القول بجواز الإحرام من خارج المسجد يتعين عليه الإحرام منه و لا يجوز له دخول المسجد بالتيمم.

لأنه لو كان مخيرا بين الإحرام من المسجد و من خارجه يتعذر

عليه الإحرام من المسجد فيتعين عليه من خارجه كما هو كذلك في كل الواجبات التخييرية فاذا صار أحد فردي التخيير أو أفراده متعذراً يتعين الوظيفة في سائر الأفراد، فلا ينتقل التكليف إلي التيمم.

نعم يمكن أن يقال: إنّ في هذا الفرض يتخير بين الإحرام من خارج المسجد أو من داخله مجتازاً هذا كله إذا قلنا بالتخيير بين الإحرام من المسجد و من خارجه،

و أما علي القول بتعين المسجد فقالوا بوجوب التيمم للدخول و الإحرام منه و لكن يمكن أن يقال: إن ذلك يجب عليه إن لم يتمكن من الإحرام منه مجتازاً و إلَّا فيتعين الاكتفاء به.

لا يقال: إن الدخول في المسجد لا مجتازاً المحرم علي الجنب و الحائض ليس من مسوغات التيمم و الإحرام منه غير مقدور لهما فلا يجوز التيمم له، فكيف أفتوا بوجوب التيمم للدخول و الاحرام؟ بل كيف يجوز الغسل لمجرد ذلك الدخول المحرم؟

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 402

فليس هذا الدخول من غايات الغسل.

فإنه يقال: أولا تترتب الطهارة من الحدث علي الوضوء و الغسل و التيمم بنفس أفعالها المعلومة و جواز الدخول في المسجد أو في الصلاة أو سائر ما كان محرما علي الجنب و الحائض يترتب علي هذه الطهارة التي تتحصل بهذه الافعال و لو كان الداعي للمكلف ما يترتب عليها و كان غافلا عما يترتب عليها أولا و بلا واسطة.

و ثانيا: يكفي في وجوب الاحرام عليهما من نفس المسجد قدرتهما علي ازالة ما منعهما عن الدخول في المسجد بسبب التيمم للطهارة أو لبعض الغايات كالصلاة و غيرها فليس مثلهما عاجزا عن الاحرام من المسجد و لذا أفتوا بوجوب التيمم و الاحرام- من داخل المسجد إذاً فتستقيم الفتوي بوجوب التيمم و الدخول

في المسجد و الاحرام منه.

[ثانيها: العقيق.]

ثانيها: العقيق.

() الروايات الدالة علي أنه من المواقيت التي وقتها رسول اللّٰه صلي الله عليه و آله و سلم كثيرة: ففي الحديث الأول من الباب الاول في المواقيت من الوسائل: «و وقت لأهل نجد العقيق» و ما انجدت» و في الثاني: «وقت لاهل العراق و لم يكن يومئذ عراق بطن العقيق من قبل أهل العراق» و في الثالث «وقت لاهل النجد العقيق» و في الخامس:

«أما أهل الكوفة و خراسان و ما يليهم فمن العقيق» و في السادس: «وقت رسول اللّٰه صلي الله عليه و آله و سلم لأهل المشرق العقيق» إذاً فلا ريب في ذلك و الكل متفقون عليه.

نعم وقع الخلاف بينهم في حد العقيق من حيث المبدأ و المنتهي و الروايات في ذلك علي طوائف:

فمنها ما يدل علي تعيين المبدأ و المنتهي مثل مرسلة الصدوق قال: «و قال

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 403

الصادق عليه السلام: وقت رسول اللّٰه صلي الله عليه و آله و سلم لأهل العراق العقيق و أوله المسلخ و وسطه غمرة و آخره ذات عرق و أوله أفضل» «1» و الظاهر أن هذه المرسلة هي مستند القدماء رضوان اللّٰه عليهم بأن العقيق أوله المسلخ و وسطه غمرة و آخره ذات عرق و أوله أفضل.

فقال الصدوق في المقنع و الهداية: (أول العقيق المسلخ و وسطه غمرة و آخره ذات عرق) «2»

و قال المفيد في المقنعة: (أوله المسلخ و وسطه غمرة و آخره ذات عرق الي أن قال: و أوله المسلخ و الإحرام منه أفضل، و ان لم يمكنه الإحرام منه أحرم من الميقات الأوسط و هو غمرة فان لم يمكنه أحرم من ذات عرق و لا يجوز

له التقدم بالإحرام علي المسلخ و لا التأخر عن ذات عرق) «3»

و قال في الإشراف: (و هي عشرة مواقيت: المسلخ و غمرة و ذات عرق و ذو الحليفة …).

و قال السيّد في الجمل العلم و العمل: (أوله المسلخ و أوسطه الغمرة و آخره ذات عرق) «4» و قال مثله في الناصريات و زاد: (و الافضل أن يكون احرام من حجّ من هذه الجهة من المسلخ و رأيت الشافعي يوافق علي هذا و يقول: ان احرام أهل المشرق من المسلخ أحب إلي) الخ «5» و قال ابو الصلاح الحلبي في الكافي: (أوله

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 2 من ابواب المواقيت ح 9.

(2)- الهداية و المقنع/ 217.

(3)- المقنعة/ 395.

(4)- الينابيع: 7/ 104.

(5)- الناصريات: / 308.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 404

المسلخ و أوسطه الغمرة و آخره ذات عرق) «1»

و قال الشيخ في الجمل و العقود: (لأهل العراق ثلاثة- أولها المسلخ و أوسطها غمرة و آخرها ذات عرق) «2».

و قال الديلمي في المراسم: (ميقات أهل العراق بطن العقيق و أوله المسلخ و أوسطه غمرة و آخره ذات عرق، فمن أحرم من أوله فهو أكمل و من أوسطه دونه و من آخره دونه) «3»

و قال في الاقتصاد: (منها لاهل العراق يجمعها اسم العقيق أولها المسلخ و أوسطها غمرة و آخرها ذات عرق و أفضلها الاول و دونها الاوسط و أدونها الاخير). «4»

و قال في الخلاف: (فأما ذات عرق فهو آخر ميقات أهل العراق لان أوله المسلخ و أوسطه غمرة و آخره ذات عرق) «5»

و قال العلامة في ما راجعنا إليه من كتبه: (العقيق و أفضله المسلخ و أوسطه غمرة و آخره ذات عرق) (القواعد و الارشاد و التلخيص و التبصرة و

الفخريه)

و قال في التذكرة: (العقيق ميقات أهل العراق و كل جهاته ميقات من- أين أحرم جاز، لكن الأفضل الإحرام من المسلخ و تليه غمرة و آخره ذات عرق). «6»

______________________________

(1)- الكافي في الفقه/ 216.

(2)- الينابيع: 7/ 227.

(3)- المراسم: / 106.

(4)- الاقتصاد: / 300.

(5)- الخلاف: 2/ 283.

(6)- التذكرة: 7/ 161.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 405

و وافق هؤلاء الأعاظم غيرهم كابن زهرة في الغنية و ابن حمزة في الوسيلة و الصهرشتي في الاصباح و الحلبي في اشارة السبق و المحقق في الشرائع و غيره و ابن فهد في المحرر و الهذلي في الجامع و الشهيد في الدروس. (اعلي اللّٰه درجاتهم في الجنة) و الظاهر أنهم جميعا عملوا بالمرسلة، و احتمال كون مدركهم رواية أخري لم تحفظ في الجوامع الشريفة بعيد جداً.

و لكن الشيخ في النهاية قال: (و له ثلاث أوقات أولها المسلخ و هو أفضلها و لا ينبغي أن يؤخر الانسان الاحرام منه إلّا عند الضرورة و التقية و لا يتجاوز ذات عرق الا محرما علي كل حال) «1» و نحوه كلامه في المبسوط. «2»

و قال ابن ادريس في السرائر: (ففي أي جهاته و بقاعه أحرم ينعقد الإحرام منها إلا أن له ثلاث أوقات: أولها المسلخ يقال بفتح الميم و بكسرها و هو أفضلها عند ارتفاع التقية و أوسطها غمرة و هي تلي المسلخ في الفضل مع ارتفاع التقية و آخرها ذات عرق و هي أدونها في الفضل إلّا عند التقية و الشناعة و الخوف فإنّ ذات عرق حينئذٍ أفضلها في هذه الحال). «3»

أقول: أما كلام ابن ادريس فلا يدل إلّا علي فضل الإحرام من المسلخ و الغمرة عند ارتفاع التقية و أفضلية الإحرام من ذات عرق في

حال التقية و إلّا فهو موافق لغيره من الفقهاء بأن العقيق ميقات و أوله المسلخ و وسطه غمرة و آخره ذات عرق و كلام الشيخ في المبسوط و النهاية أيضاً ظاهر في ذلك فان قوله في المبسوط:

(العقيق و له ثلاثة مواضع) و في النهاية: (و له ثلاثة أوقات) ظاهر في بيان الميقات

______________________________

(1)- النهاية: / 210.

(2)- المبسوط: 1/ 312.

(3)- السرائر: 1/ 528.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 406

الواقعي و ما هو ميقات بالحكم الاولي و يستفاد من قوله: (المسلخ و هو أفضلها) أنه في بيان مراتب فضل هذه المواضع و أنه ينبغي اختيار الأفضل إلَّا عند التقية فيكتفي بغير الأفضل و لا يدل علي عدم جواز التأخير إلي ذات عرق و عدم إجزاء الإحرام فعلي هذا ظاهر كلمات الجميع الاتفاق علي مدلول المرسلة.

نعم قال في الدروس: ظاهر علي بن بابويه و الشيخ في النهاية أن التأخير إلي ذات عرق للتقية أو المرض) (2)

و فيه: أما كلام الشيخ في النهاية فقد عرفت أنه ليس ظاهرا في عدم جواز التأخير إلي ذات عرق بدون التقية، غايته يدل علي وجوب التأخير إليه للتقية و أما كلام علي بن بابويه رضوان اللّٰه عليه فكتابه الرسالة غير موجود. نعم ذكر بعض فتاواه ولده الجليل في طيّ مقنعه و لم نجد فيه و في هدايته ما يدل علي هذه النسبة، فلعله أخذه من غير ولده نقلا عنه.

و مما استدل به علي تعيين المبدأ و المنتهي للعقيق ما رواه الشيخ في التهذيب عن موسي بن القاسم «1» عن الحسن بن محمد «2» عن محمد بن زياد «3» بن عمار بن مروان «4» عن أبي بصير «5» قال: «سمعت أبا عبد اللّٰه عليه السلام يقول:

حد العقيق أوله المسلخ و آخره ذات عرق). «6»

______________________________

(1)- من السابعة

(2)- ابن سماعة من السابعة واقفي ثقة.

(3)- لعله من السادسة و الظاهر انه ابن ابي عمير.

(4)- من الخامسة الشكري هو و اخوه عمرو ثقتان و ان كان الكلبي في مشيخة الفقيه فهو مجهول.

(5)- من الرابعة.

(6)- وسائل الشيعة: ب 2 من ابواب المواقيت ح 7.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 407

و عبر عن هذه الرواية بعض الأعاظم بالمعتبرة و ردّ احتمال كون عمار بن مروان الكلبي المجهول المذكور في مشيخة الفقيه بأنه غير معروف و أن اليشكري معروف له كتاب فهو عند الإطلاق ينصرف اليه. «1»

و يوافق هذا التحديد في المبدأ خبر أبي بصير الضعيف بعلي بن أبي حمزة عن أحدهما عليهما السلام قال: «حد العقيق ما بين المسلخ إلي عقبة غمرة» «2».

و في قبال هذه الروايات، روايات تختلف معها في المبدأ أو المنتهي فممّا يدل علي خلاف ذلك في المبدأ صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «أول العقيق يريد البعث و هو دون المسلخ بستة أميال ممّا يلي العراق بينه و بين غمرة أربعة و عشرون ميلا بريدان) «3» و صحيح عمر بن يزيد عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «وقّت رسول اللّٰه صلي الله عليه و آله و سلم لأهل المشرق العقيق نحواً من بريدين ما بين بريد البغث (البعث خ) الي غمرة» «4».

و صحيح هشام بن الحكم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «ان أحرمت من غمرة أو بريد البعث صليت …» «5»

فهذه الروايات قد دلت علي أن أول العقيق قبل المسلخ بستة أميال و أنه يجوز الاحرام قبله من هذا المكان و الظاهر معارضتها مع ما

دل من أن أول العقيق المسلخ و عليه ان بنينا علي سقوط الرواية عن الحجية بإعراض الأصحاب عنها يرتفع

______________________________

(1)- معتمد العروة: 2/ 347.

(2)- وسائل الشيعة: ب 2 من ابواب المواقيت ح: 5.

(3)- وسائل الشيعة: ب 2 من ابواب المواقيت ح: 2.

(4)- وسائل الشيعة: ب 1 من ابواب المواقيت ح: 6.

(5)- وسائل الشيعة: ب 35 من ابواب الاحرام ح: 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 408

الاشكال به و إلّا فالجمع بين الطائفتين بأن الروايات الأخيرة غاية دلالتها كون البعث أول العقيق و لا تدل علي إجزاء الإحرام منه.

فيه: أولا أن ذلك خلاف ظاهر ما هو شأن الشارع بيانه فإن شأن الامام عليه السلام بل المفتي و المجتهد بيان الحكم و بيان موضوعه لا بيان المعاني اللغوية التي لا ترتبط بالاحكام و القوانين فقوله عليه السلام: «أول العقيق بريد البعث» ظاهر في بيان أول مكان يجوز منه الإحرام.

و ثانيا هذا لا يأتي في صحيح عمر بن يزيد و هشام بن الحكم و الاستشهاد لذلك الجمع بصحيح معاوية بن عمار الذي قال فيه: «وقت لاهل العراق و لم يكن يومئذ عراق بطن العقيق من قبل أهل العراق» «1» لان بطنه هو المسلخ لا يتم بعد ظهور صحيح عمر بن يزيد و صحيح هشام علي كون البعث منه. فعلي هذا يقع التعارض بين الطائفتين و مقتضي قواعد الترجيح الأخذ بالطائفة الثانية. نعم الاحوط العمل بالطائفة الأولي.

هذا كله من حيث المبدأ و أما من حيث المنتهي فظاهر طائفة من الروايات أن منتهي العقيق غمرة و ليس بعدها ميقات. منها خبر أبي بصير الذي مر ذكره الضعيف بالبطائني بل و علي ما قيل بسهل أيضا. و منها صحيح عمر بن يزيد الذي

سبق ذكره و صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «آخر العقيق بريد أوطاس و قال: بريد البعث دون عمرة ببريدين» و صحيح معاوية بن عمار الذي مضي ذكره.

و يمكن أن يقال: إن صحيحي معاوية بن عمار لا دلالة لهما علي أن غمرة منتهي العقيق، بل جاء ذكر غمرة فيهما لأجل تعريف بريد البعث.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب المواقيت ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 409

نعم يقع التعارض بينهما بسبب صحيح عمر بن يزيد و صحيح هشام و قد جمع بينهما بعض الأعاظم فقال: (لا ريب أن مقتضي الجمع العرفي بينهما هو رفع اليد عن ظهور تلك الروايات في عدم جواز تأخير الاحرام عن غمرة و حملها علي أفضليّة الإحرام منها و حمل هذه الروايات علي جواز التأخير عن غمرة و الاحرام من ذات عرق مع المرجوحية لأنّ تلك الروايات ظاهرة في عدم جواز التأخير و هذه الروايات صريحة في جواز التأخير إلي ذات عرق، لا سيّما بملاحظة فعل الصادق عليه السلام كما في معتبرة إسحاق المتقدمة، فالنتيجة أفضلية الإحرام من غمرة و جواز تأخيره إلي ذات عرق مع المرجوحية) «1».

أقول: لا بأس بهذا الجمع لأنّ مثل صحيح عمر بن يزيد نص في جواز الإحرام من غمرة و ظاهر في عدم جواز التأخير من غمرة و مثل المرسلة نصّ في جواز التأخير و قرينة علي عدم إرادة ما هو الظاهر من صحيح عمر بن يزيد.

و بعد ذلك كله نقول: إنَّ صحيح عمر بن يزيد و صحيح هشام بن حكم متروكان مهجوران لم يعمل بهما أحد لدلالتهما علي جواز الإحرام من البعث قبل المسلخ، إذاً فالقول المشهور هو القول القوي

المختار.

ثمّ إنه ربما يقال: بأنّه يظهر من التوقيع الشريف المروي في احتجاج الطبرسي عن محمد بن عبد اللّٰه الجعفر الحميري «2» و كتاب الغيبة للشيخ «3» المتضمن لجوابات مسائل متعددة و فيه: «و عن الرجل يكون مع بعض هؤلاء و متصلا بهم يحج و يأخذ علي الجادة و لا يحرمون هؤلاء من المسلخ، فهل يجوز لهذا الرجل أن يؤخر إحرامه إلي

______________________________

(1)- معتمد العروة: 2/ 349.

(2)- وسائل الشيعة: ب 2 من ابواب المواقيت ح 10.

(3)- كتاب الغيبة/ 235.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 410

ذات عرق فيحرم معهم لما يخاف الشهرة (من الشهرة خ) أم لا يجوز أن يحرم إلّا من المسلخ؟ الجواب يحرم من ميقاته ثمّ يلبس (الثياب) و يلبي في نفسه فإذا بلغ الي ميقاتهم أظهر». لزومُ الإحرام من أوّل العقيق و هو المسلخ و عدم جواز تأخيره عن أوله.

و استشكل في الاستدلال به أولا بلزوم رفع اليد من هذا الظاهر بصراحة الأخبار الناصة علي جواز التأخير. و ثانيا بأن طريق الاحتجاج ضعيف بالإرسال و طريق الشيخ ضعيف بجهالة أحمد بن إبراهيم النوبختي. «1»

أقول: أما ضعف طريق الاحتجاج بالارسال فهو كذلك ظاهرا الا تعبيره عن التوقيع الشريف بقوله: (و مما خرج عن صاحب الزمان صلوات اللّٰه عليه من جوابات المسائل الفقهيّة أيضا ما سأله محمد بن عبد اللّٰه بن جعفر الحميري فيما كتب اليه) يدل علي أنه أخرجه من أصل معتبر لعله كان من كتب الحميري فأرسله إرسال المسلمات.

و مما يدل علي قوة هذا الاحتمال و صحة سند التوقيع الشريف تصريح مثل النجاشي علي أنه (محمد بن عبد اللّٰه الحميري) كاتب صاحب الامر عليه السلام و سأله مسائل في أبواب الشريعة [حيه حش] قال لنا أحمد

بن الحسين و وقعت هذه المسائل إليّ في أصلها و التوقيعات بين السطور «2» و بعد ذلك لما أري هذا الارسال وجها لضعف ما أورده في الاحتجاج.

و أما ضعف طريق الشيخ قدس سره بأحمد بن إبراهيم النوبختي فمردود بأنه يظهر من الرواية كونه من أصحاب الحسين بن روح النوبختي رضوان اللّٰه تعالي عليه و من

______________________________

(1)- معتمد العروة: 2/ 352.

(2)- جامع الرواة: 2/ 140.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 411

عشيرته و كان كاتبا له و يكفي ذلك في الاعتماد عليه.

و أما دلالة التوقيع الشريف فغاية ما يستفاد منه عدم جواز تاخير الاحرام إلي ذات عرق لا عدم جواز تأخيره من المسلخ الذي هو قبل غمرة و عدم إجزائه من غمرة لجواز أن يكون المراد من المسلخ الأعم منه و من غمرة و لذا أجاب عليه السلام بأنه يحرم من ميقاته و لم يقل يحرم من المسلخ.

و أما دلالته علي عدم جواز التأخير الي ذات عرق فهي بقرينة سائر الروايات محمولة علي كراهة ترك الأفضل و الأخذ بالمفضول قال في الجواهر: (فما في مكاتبة الحميري تعليم للجمع بين مراعاة الفضل و التقية) «1» و كيف كان لا ريب في أن مراعاة الاحتياط مهما أمكن أولي و اللّٰه هو العالم.

[ثالثها: الجحفة]

ثالثها: الجحفة

و هي لاهل الشام و مصر و المغرب و من يمر عليها من غيرهم إذا لم يحرم من الميقات السابق عليها كأهل المدينة ممن يمرّ علي ذي الحليفة اذ لم يكن مريضا أو ضعيفا و إلّا فقد عرفت جواز الاحرام له من الجحفة و لا خلاف في ذلك و يدل عليه الروايات الكثيرة الصحيحة كصحيح أبي أيوب الخزاز و فيه «و وقّت لأهل المغرب الجحفة و هي عندنا

مكتوبة مهيعة». «2»

و صحيح معاوية بن عمار و فيه: «و وقّت لأهل المغرب الجحفة» «3» و صحيح الحلبي و فيه: «و وقّت لأهل الشام الجحفة» «4» و غيرها.

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 18/ 107.

(2)- وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب المواقيت ح 1.

(3)- وسائل الشيعة: باب 1 من ابواب المواقيت ح 2.

(4)- وسائل الشيعة: ب 1 من ابواب المواقيت ح 3.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 412

و يدل علي كونه ميقاتا لمن يمرّ عليها صحيح صفوان الّذي مرّ ذكره و فيه: «أن رسول اللّٰه صلي الله عليه و آله و سلم وقّت المواقيت لاهلها و من أتي عليها من غير أهلها». «1»

و أمّا الاستدلال لذلك بأدلة نفي العسر و الحرج، فإن كان المراد منه اقتضاء وجوب الإحرام من منزله العسر و الحرج اذا كانت المسافة بينه و بين هذه المواقيت بعيدة جدا فهذا لا يقتضي صحة الإحرام من هذه المواقيت، بل غاية ما يستفاد منها عدم وجوب الإحرام عن موضع يقع به في الحرج و العسر و الاحتياط يقتضي الاحرام من أول مكان لا يقع بالاحرام منه في العسر و الحرج و تجديده في الميقات الذي يمر عليه في طريقه و لكن لا حاجة إلي ذلك بعد دلالة الدليل علي أنه يحرم من الميقات الذي في طريقه.

و مثل الاستدلال بقاعدة نفي العسر و الحرج في الضعف، الاستدلال بما في بعض نسخ فقه الرضا عليه السلام عن النبي صلي الله عليه و آله و سلم أنه قال في هذه المواقيت: «هن لأهلهن و لمن أتي عليهن من غير أهلهن لمن أراد الحج و العمرة» «2».

[رابعها: يلملم أو ألملم أو يرمرم]

رابعها: يلملم أو ألملم أو يرمرم

و هو لاهل اليمن اجماعا و بالنصوص الكثيرة المتقدمة-

المخرجة في الوسائل في الباب الأول من أبواب الميقات.

[خامسها: قرن المنازل]

خامسها: قرن المنازل

بفتح القاف و سكون الراء و تحريكه و نسبة اويس القرني اليه غلط من الجوهري في الصحاح و إن رد عليه في المستند و العجيب أن الطريحي أيضا في مجمع

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 15 من ابواب المواقيت ح 1.

(2)- مستدرك الوسائل: ب 9 من ابواب المواقيت ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 413

البحرين قال: (و القرن موضع و هو ميقات أهل نجد و منه أويس القرني). و بعد ذلك فهو ميقات أهل الطائف كما صرح به في صحيح أبي أيوب الخزاز و صحيح معاوية بن عمار و صحيح الحلبي.

و أما ما في صحيح علي بن رئاب: «و وقت لأهل اليمن قرن المنازل» «1» و ما في صحيح عمر بن يزيد: «و وقت لاهل النجد قرن المنازل» «2» فلا بد من تأويلهما و حملهما علي أن للنجد طريقين أحدهما يمرّ بالعقيق و الآخر بقرن المنازل و أن لأهل اليمن أيضا طريقين أحدهما يمرّ بيلملم و الآخر بقرن المنازل. هذا إذا كان هذا الاحتمال بحسب الخارج و الأوضاع الجغرافيائية مقبولا و إلّا فالظاهر وقوع الاشتباه في نقل الحديث و ضبطه و حمل صحيح علي بن رئاب علي التقية لوجود ذلك في روايات المخالفين.

قال في التذكرة: (روي العامة عن ابن عباس قال: وقت رسول اللّٰه لأهل المدينة الحليفة و لأهل الشام الجحفة و لاهل النجد قرن المنازل و لاهل يمن يلملم قال:

فهي لهن و لمن أتي عليهن من غير أهلهن الحديث). «3»

و لكن يمكن أن يقال: إن التنافي الواقع بين هذه الاخبار علي صورتين:

إحداهما في أن مقتضي صحيح عمر بن يزيد أن ميقات أهل النجد قرن المنازل

و مقتضي سائر الصحاح أن ميقاتهم العقيق و هكذا مقتضي صحيح علي بن رئاب أن ميقات أهل اليمن قرن المنازل و مقتضي غيره من الصحاح أن ميقات أهل اليمن يلملم.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: باب 1 من ابواب المواقيت ح 7.

(2)- وسائل الشيعة: باب 1 من ابواب المواقيت ح 6.

(3)- تذكرة الفقهاء: 7/ 188.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 414

و ثانيتهما أن مقتضي صحيح عمر بن يزيد أن قرن المنازل ميقات أهل نجد و مقتضي سائر الصحاح أنها ميقات لاهل الطائف و مقتضي صحيح علي بن رئاب أن قرن المنازل ميقات أهل اليمن و مقتضي سائر الصحاح أنها ميقات أهل الطائف.

أما التنافي بالصورة الاولي فيمكن رفعه بالأخذ بنص كل منهما و رفع اليد عن ظاهر كل منهما بنص الأخر و لكن هذا مشروط بأن يكون لاهل النجد طريقان أحدهما يمر بقرن المنازل و الآخر بعقيق و أن يكون لأهل يمن أيضا طريقان أحدهما الي قرن المنازل و الآخر إلي يلملم و إذا لم يكن في الخارج لهما أو لأحدهما إلّا طريق واحد بأن كان طريق أهل نجد لا يمر إلّا بالعقيق و طريق أهل اليمن لا يمر إلا بيلملم فلا بد الا القول بوقوع الاشتباه في النقل و الضبط لصحيح علي بن رئاب و عمر بن يزيد و ليكن مثل خبر ابن عباس المروي عن القوم شاهداً علي أنه كان لأهل نجد طريقين و إذا كان كذلك فلا حاجة إلي حمل صحيح عمر بن يزيد علي التقية فإنّه يجوز للمار علي كل ميقات أن يحرم منه.

نعم ان كان الميقاتان في طريق واحد و كان قرن المنازل بعد العقيق لا بدّ و أن يحمل صحيح عمر بن يزيد علي

التقية و أما التنافي بالصورة الثانية فالظاهر أنه أيضا مرفوع بما ذكر في رفع التنافي حسب الصورة الأولي و علي كلّ حال لم أجد فرقا في النتيجة بين الأخذ بالصحيحين و سائر الصحاح. و اللّٰه هو العالم.

[سادسها: مكة المكرمة]

سادسها: مكة المكرمة

و هي لحج التمتع بالإجماع المحكي عن غير واحد و بالنصوص كصحيحة عمرو بن حريث الصيرفي المروية في الكافي قال: «قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام: من أين أهل

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 415

بالحج؟ فقال: إن شئت من رحلك و إن شئت من الكعبة و إن شئت من الطريق» «1» و رواها الشيخ بإسناده عن عمرو بن حريث الا أنه قال في أوله: «و هو بمكة» و قال بدل قوله: «من الكعبة»، «من المسجد» «2»

و هل الاعتبار في ميقاتيّة مكة المكرمة مكة القديمة فلا يجزي الاحرام من محلاتها الجديدة المستحدثة أو يجزي مكة الجديدة وجهان:

وجه عدم الإجزاء عدم دلالة مثل رواية عمرو بن حريث علي أزيد من إجزائه من مكة القديمة مضافاً إلي أنه يستفاد من صحيحة معاوية بن عمار الواردة في مكان قطع التلبية أن الحد في ذلك بيوت مكة القديمة ففيها قال أبو عبد اللّٰه عليه السلام:

«إذا دخلت مكة و أنت متمتع فنظرت إلي بيوت مكة فاقطع التلبية و حدّ بيوت مكة الّتي كانت قبل اليوم عقبة المدنيين فان الناس قد أحدثوا بمكة ما لم يكن فاقطع التلبية» «3»

لا يقال: ان الرواية تختص بالتلبية

فانه يقال: يستفاد منها عدم الخصوصية و أن الاعتبار بمكة القديمة في موضوعيتها للاحكام

و وجه الإجزاء من مكة الحالية صحيح الحلبي قال: «سالت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن الرجل يتمتع بالعمرة إلي الحج يريد الخروج الي الطائف؟ فقال: يهل بالحج

من مكة و ما أحب أن يخرج منها إلّا محرما و لا يتجاوز الطائف إنّها قريبة من مكة» «4» فهذا

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 21 من أبواب المواقيت ح 2.

(2)- وسائل الشيعة: ب 21 من أبواب المواقيت ح 2.

(3)- وسائل الشيعة: ب 43 من أبواب الاحرام ح 1.

(4)- وسائل الشيعة: ب 22 من ابواب أقسام الحج ح 7.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 416

الصحيح يدل بالاطلاق علي جواز الإحرام من مكة و إن كانت من بيوتها المستحدثة و لكن بعد ذلك، الأحوط الاحرام من مكة القديمة.

ثمّ إنه لا يخفي عليك أن بعض الأعاظم مع أنه لم يفت بجواز الإحرام من مكة الجديدة و قال: (الاحوط وجوبا أن يحرم من مكة القديمة)- قال في ابتداء بحثه عن هذه المسألة: (لا خلاف بين الاصحاب و هي مطبقة علي كفاية الاحرام من مكة المكرمة من أي موضع شاء) «1» لكن نحن لم نجد ما يدل علي ذلك إلّا صحيح الحلبي و صحيح الصيرفي.

[سابعها: دويرة الأهل]

سابعها: دويرة الأهل

أو منزل من كان منزله دون الميقات إلي مكة قال في الجواهر: (لا خلاف فيه بل الاجماع بقسميه عليه بل عن المنتهي أنه قول أهل العلم كافة الا مجاهد. و يدل عليه مضافا إلي ذلك النصوص المستفيضة كصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام: من كان منزله دون الميقات إلي مكة فليحرم من منزله. و قال في حديث آخر: إذا كان منزله دون الميقات الي مكة فليحرم من دويرة أهله و صحيح علي بن رئاب عن مسمع عن أبي عبد اللّه عليه السلام إذا كان منزل الرجل دون ذات عرق الي مكة فليحرم من منزله و رواية ابن مسكان عن أبي سعيد

قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عمن كان منزله دون الجحفة إلي مكة؟ قال: يحرم منه)

ثمّ انه لو قلنا بأن الميزان في الحكم بكون منزله إذا كان دون الميقات ميقاته كون منزله واقعا بعد الميقات و لم يكن قدامه ميقات آخر و بعبارة أخري: كون منزله أقرب إلي مكة من الميقات الّذي هو ورائه و إن كان أبعد إلي مكة من الميقات الّذي

______________________________

(1)- معتمد العروة: 3/ 296.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 417

ليس قدامه و ورائه فالظاهر أنه لا فرق بين كون الفصل الواقع بينه و بين مكة أقرب مما بينه و بين عرفات أو أبعد فلا يجي ء الاختلاف في أن الميزان بالقرب إلي مكة أو إلي عرفات فلا تفاوت بينهما ففي كلتي الصورتين منزله واقع دون الميقات و إن كان الفصل بينه و بينهما متفاوتاً في القرب و البعد.

و أما اذا كان الميزان في كون منزله ميقاته كونه أقرب من جميع المواقيت إلي مكة فيجوز وقوع الاختلاف في ذلك بأن يقال: الميزان كونه أقرب إلي عرفات من جميع المواقيت أو يفصل بين العمرة فيقال باعتبار القرب إلي مكة و بين الحج فيقال باعتبار القرب إلي عرفات لعدم وجوب المرور علي مكة في إحرام الحج من المواقيت فعلي هذا ربما يختلف تكليفه بحسب الميزانين فإن كان الميزان كون منزله أقرب إلي مكة من أقل المواقيت فصلًا مع مكة فالاعتبار به و إن كانت مكة فاصلة بينه و بين عرفات و صارت المسافة بينه و بين عرفات أكثر من المرحلتين فلا يجب عليه الذهاب إلي قرن المنازل الميقات الأقرب الي مكة من سائر المواقيت و إن كان الميزان كون فصل ما بين منزله و عرفات أقل

من فصل أقرب المواقيت إلي مكة يجب عليه الاحرام من قرن المنازل أو ميقات آخر لكون فصل منزله من عرفات أكثر من فصل قرن المنازل من مكة

هذا و لكن لم نفهم بأي وجه ذهب بعضهم مثل الشهيد في اللمعة و المحقق في المعتبر إلي اعتبار القرب إلي عرفات مع صراحة الأخبار علي أنّ الميزان لو كان القرب فهو معتبر بالنسبة إلي مكة و إن كان نفس وقوع المنزل بعد الميقات فالميزان ذلك و إن كان أبعد من مكة من أقرب المواقيت إلّا إذا كان أمامه ميقات آخر كمن كان منزله بعد مسجد الشجرة قبل الجحفة فإنّه يحرم من الجحفة.

ثمّ إنّه قد ذكر السيد ان علي المشهور الأقوي أن ميقات من هو من أهل مكة

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 418

أيضا منزله بل و المجاور الذي انتقل فرضه إلي فرض أهل مكة فلا يجب عليهما الإحرام من الجعرانة و إن كان أحوط.

أقول: هنا روايتان: إحداهما ما رواه الكليني عن عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد عن الحسين بن سعيد عن صفوان عن أبي الفضل «1» قال: «كنت مجاوراً بمكة فسألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام من أين أحرم بالحج؟ فقال: من حيث أحرم رسول اللّٰه صلي الله عليه و آله و سلم، من الجعرانة أتاه في ذلك المكان فتوح فتح الطائف و فتح الخيبر و الفتح» الحديث «2» و ثانيتهما- صحيح عبد الرحمن بن الحجاج قال: «قلت لابي عبد اللّٰه، عليه السلام: اني اريد الجوار؟ (بمكة)- فكيف أصنع فقال: اذا رأيت الهلال هلال ذي الحجة فاخرج الي الجعرانة فأحرم منها بالحج» الحديث «3»

و استشكل في الاستدلال بالأولي بأنها واردة في المجاور بمكة و كلامنا في المتوطن.

و اجيب عنه إنّ المجاورة أعم من الاستيطان و لم يؤخذ في المجاورة عنوان الموقت و عنوان المجاورة يشمل من يريد أن يتّخذ بلدا وطنا له و كذلك يشمل الإقامة الموقتة بدون قصد الاستيطان و قد استعمل في القرآن علي غير الموقت كقوله تعالي: «قطع متجاورات» نعم لا يصدق المجاورة علي من كان مولودا في بلد و يستمر في الإقامة و السكني «4».

و فيه أولا أن بهذا يكون المجاور أعمّ ممن قصد المجاورة زمانا ما و ممن قصدها دائما و مستوطنا و لكنه بعد ذلك لا يشمل من كان مكة بلده و وطنه الأصلي فيعود

______________________________

(1)- الظاهر أنه سالم الحناط أو- كما في جامع الرواة- الخياط من الخامسة ثقة.

(2)- وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب أقسام الحج ح 6.

(3)- وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب أقسام الحج ح 5.

(4)- معتمد العروة: 2/ 362.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 419

الإشكال.

و ثانيا الراوي يقول: كنت مجاورا بمكة و لا يعلم من كلامه أنه أراد المجاورة الموقتة أو كان مريدا للاستيطان و ليس في كلامه ما يرتفع به هذا الاحتمال و لم يقل ذلك للامام عليه السلام حتي يتمسك بالاطلاق و ترك الاستفصال فلعل حاله كان معلوما و سأل الإمام عن حكم نفسه، هذا مضافاً إلي احتمال كون السؤال عن الموضع الأفضل للفرق بين أن يقول من أين يحرم المجاور أو يقول من أين احرم.

و أما صحيح عبد الرحمن بن الحجاج فهو طويل دال بسائر ما فيه مثل قوله عليه السلام: «و أن هؤلاء قطنوا بمكة فصاروا كأنهم من أهل مكة و أهل مكة لا متعة لهم فأحببت أن يخرجوا من مكة الي بعض المواقيت» «1» الحديث علي إجزاء الإحرام

من المواقيت لأهل مكة بل أفضليّته و لكن لا يدل علي نهي الاجزاء من مكة بل فيه اشعار علي الجواز و الإجزاء فكأنه كان بحث سفيان و اعتراضة علي الامام عليه السلام في الجواز و الإجزاء و أنّ لأهل مكة أن يحرموا من بعض المواقيت و لذا قال فيه الإمام عليه السلام: «فقال لي و أنا أخبره أنها وقت من مواقيت رسول اللّٰه صلي الله عليه و آله و سلم: يا أبا عبد اللّٰه فاني أري لك أن لا تفعل فضحكت و قلت: و لكني أري لهم أن يفعلوا». فظهر من ذلك أنه لا ريب و لا إشكال في إجزاء الإحرام من بعض المواقيت للحج لأهل مكة بل ذلك لهم هو الافضل.

و أمّا الاكتفاء بالاحرام من مكة فقال في الجواهر: (يبقي الكلام في أهل مكة من حيث عدم اندراجهم في اللفظ المزبور- يعني ما يدل علي أن من كان منزله دون الميقات يحرم من منزله- المقتضي للمغايرة لكن عن صريح ابني حمزة و سعيد و ظاهر

______________________________

(1)- الكافي: 4/ 300 ح 5.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 420

الأكثر الإحرام منها بالحج لإطلاقهم الإحرام من المنزل لمن كان منزله دون الميقات أو ورائه بل في الرياض بعد نسبته إلي الشهرة حاكياً لها عن جماعة من الأصحاب قال: بل زاد بعضهم فنفي الخلاف فيه بينهم مشعراً بدعوي الإجماع عليه كما حكاه في الذخيرة عن التذكرة). «1»

أقول: أما الروايات الدالة علي أن ميقات من كان منزله دون الميقات فيمنع من دعوي شمولها بالمنطوق لاهل مكة قوله عليه السلام فيها: «إلي مكة» اللهم إلا أن يقال بدخول الغاية في المغيي بمناسبة الحكم و الموضوع كما أنه يمكن أن نقول بدلالتها بالمفهوم

علي وقوع أهل مكة أيضا تحت الحكم فإن العرف يفهم من حكم الشارع بميقاتية المنزل لمن كان منزله دون الميقات انّ الإحرام من الميقات واجب علي النائين الذين يأتون من كل فج عميق فمن كان منزله دون الميقات أو من أهل مكة لا يجب عليه الذهاب إلي الميقات فهو يحرم من مكانه فعلي هذا الأقوي إجزاء الإحرام من مكة بغير حج التمتع لأهل مكة و الأفضل الأحوط الإحرام من جعرانة.

و قد يستدل علي جواز الإحرام لهم من مكة بما في الفقيه (قال): «و سئل الصادق عليه السلام عن رجل منزله خلف الجحفة من أين يحرم؟ قال: من منزله». «2»

و فيه أنه ضعيف بالإرسال مضافاً إلي ضعف دلالته فإن خلف الجحفة في مثل الخبر صادق علي المنزل الّذي خلفه و منصرف عن مكة و ان كان ربما يصحح التعبير عن مكة بأنه خلف الجحفة بل مثله ظاهر في وقوع منزله قدام مكة اللّهم إلا أن يتمسك لشموله من كان من أهل مكة بمفهوم الاولوية أو المساوات.

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 18/ 114.

(2)- من لا يحضره الفقيه: 2/ 306.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 421

ثمّ ان الظاهر عن التذكرة «1» عدم الخلاف بين فقهاء الفريقين في أنّ أهل مكة يحرمون للحج من مكة و لم يذكر فيه خلاف بينهم.

ثمّ ان الظاهر أن الإحرام من المنزل لمن كان منزله دون الميقات و لأهل مكة من باب الرخصة دون العزيمة بل يستفاد من رواية عبد الرحمن بن الحجاج أفضليّة الإحرام من أحد المواقيت.

نعم لا يجوز لمن منزله دون الميقات الا الاحرام من منزله أو من الميقات فلا يجوز أن يحرم من قبل منزله كما لا يجوز له أن يحرم بعده.

[ثامنها: فخ]

ثامنها: فخ

و

في الجواهر: (و تجرد الصبيان من فخ و هو بئر معروف علي فرسخ من مكة إلي- أن قال- و عن السرائر أنه موضع علي رأس فرسخ من مكّة قتل فيه الحسين بن علي بن أمير المؤمنين عليه السلام يعني الحسين بن علي بن الحسين بن الحسن بن الحسن بن أمير المؤمنين عليه السلام و علي كل حال فدليله صحيح ابن الحر «2» سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن الصبيان من أين نجردهم؟ فقال: كان أبي يجردهم من فخ «3» و نحوه صحيح علي بن جعفر عن أخيه موسي عليه السلام انما الكلام في أنّ ذلك كناية علي جواز احرامهم منه كما صرح به بعضهم بل ربما نسب إلي الاكثر بل في الرياض يظهر من آخر عدم الخلاف فيه أو أن احرامهم من الميقات و لكن رخص لهم في لبس المخيط الي فخ فيجردون منه كما عن السرائر و المقداد و الكركي قولان: أقواهما الثاني لعموم نصوص المواقيت و النهي عن تأخير الإحرام عنهما و عبادة الصبي شرعية أو تمرينية

______________________________

(1)- تذكرة الفقهاء: 8/ 204.

(2)- وسائل الشيعة: ب 18 من أبواب المواقيت ح 1.

(3)- وسائل الشيعة: ب 18 من أبواب المواقيت، ح 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 422

إذا جاء علي نحو ما يجي ء به المكلف و ليس في الخبرين إلا التجريد الذي لا ينافي ذلك علي أن فخ انما هو علي طريق المدينة أما لو كان غيره فلا رخصة لهم في تجاوز الميقات بلا إحرام الذي صرح في النص بأن الإحرام من غيره كالصلاة أربعاً في السفر و احتمال حمل أدني الحل من سائر الطرق علي فخ الذي هو أدناه في طريقها بل قيل: إنه يعطيه

كلام التذكرة واضح الضعف و تخصيص أدلة لزوم الكفارة علي الولي بما دل علي الرخصة في اللبس إلي فخ متحقق علي القولين إذ لا كلام و لا خلاف في جواز الإحرام بهم من الميقات) «1».

أقول: أما تقوية القول الثاني بعموم نصوص المواقيت و استلزام القول الاول رفع اليد عن هذا العموم دون القول الثاني فيمكن أن يقال: ان القول الاول يقوي بعموم حرمة لبس المخيط للمحرم لاستلزام القول الثاني رفع اليد عنه و تخصيصه بالصبيان.

و أما قوله: (و عبادة الصبي شرعيّة أو تمرينيّة … و ليس في الخبرين إلا التجريد الذي لا ينافي ذلك)، فهو كالمصادرة بالمطلوب فإن الكلام واقع فيما يستظهر من التجريد و أنه ظاهر في الاحرام أو في مجرد نزع لباسهم المخيط و تجريدهم عنه.

و أما احتمال حمل أدني الحل من سائر الطرق علي فخ الّذي هو أدناه في طريقها فليس ضعفه واضحا لأن العرف لا يفهم من ذلك الحكم إلا التسهيل و مراعاة حال الصبيان سيّما في البرد و الحر.

و أما جوابه عن لزوم القول بوجوب إحرامهم من الميقات و تجريد هم من فخ تخصيص أدلة لزوم الكفارة- علي الولي بما دل علي الرخصة في اللبس إلي فخ بأنّ

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 18/ 119.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 423

هذا يلزم و لو قلنا بالإحرام من فخّ لأنّ مع القول بجواز إحرامهم من فخ لا خلاف في جواز الإحرام من الميقات، فهو. تام لا غبار عليه.

و قد يقال بأن بعض الروايات دال علي الإحرام بهم من الميقات مثل صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال: «انظروا من كان معكم من الصبيان فقدموه إلي الجحفة أو إلي بطن مرّ و

يصنع بهم ما يصنع بالمحرم و يطاف بهم (و يسعي بهم التهذيب) و يرمي عنهم و من لا يجد الهدي منهم فليصم عنه وليه» «1» و صحّة الاستدلال به تدور مدار كون بطن مر من الجحفة و قد قيل إنّه ليس من الميقات و عليه يدل علي التسهيل في امر الصبيان و إنّه يجوز التأخير في تجريد هم إلي الجحفة و إلي بطن مر و إلي فخ فلا يدخلونهم الحرم مع المخيط و لذا يقوي ما قال (انه يعطيه كلام العلامة في التذكرة) و قوله في الصحيح (ما يصنع بالمحرم) ليس ظاهرا في تاخير إحرامهم إلي الجحفة و إلي بطن مر إن لم نقل إنه ظاهر في تجريدهم.

و هنا رواية اخري أخرجها الكليني و الشيخ عن يونس بن يعقوب عن أبيه قال: «قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام: ان معي صبية (صبيانا) صغارا و أنا أخاف عليهم البرد فمن أين يحرمون قال: ائت بهم العرج فليحرموا منها فإنّك- إذا أتيت بهم العرج وقعت في تهامه ثمّ قال: فإن خفت عليهم فأت بهم الجحفة» «2» و هذه الرّواية تدل علي جواز- إحرامهم من العرج و الجحفة عند خوف الحر و البرد فليكن الحكم كذلك في تأخير إحرامهم إلي فخ و تكون الرّواية مع ما قيل في ضعف سندها، قرينة علي إرادة الإحرام من تجريد هم في فخ.

اللهم إلا أن يقال: إذا كان العلة لجواز تأخير إحرامهم التسهيل عليهم

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 17 من أبواب أقسام الحج، ح 3.

(2)- وسائل الشيعة: ب 17 من أبواب أقسام الحج، ح 7.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 424

و خوف الحر و البرد فليقتصر بما يحصل ذلك أو يزول به الخوف و

هو الاحرام من الميقات و تأخير تجريدهم إلي فخ و المسألة كما قال في الرياض قويّة الإشكال فلا يجوز ترك الاحتياط بترتب آثار الإحرام سواء أحرم من الميقات أو من فخ.

نعم إن أحرم من الميقات لا يجب تجريدهم. و اللّٰه هو العالم.

[تاسعها: محاذاة أحد المواقيت الخمسة أو خصوص مسجد الشجرة]

اشارة

تاسعها: محاذاة أحد المواقيت الخمسة أو خصوص مسجد الشجرة

و الأول هو المعروف بين الاصحاب و الدليل علي القولين صحيح عبد اللّٰه بن سنان و هو ما رواه المشايخ الثلاثة ففي الكافي عن عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:

«من أقام بالمدينة شهرا و هو يريد الحج ثمّ بدا له أن يخرج في غير طريق أهل- المدينة الّذي يأخذونه فليكن إحرامه من مسيرة ستة أميال فيكون حذاء الشجرة من البيداء» و رواه الشيخ الي قوله ستة اميال و ترك لفظ (غير) و لفظ الفقيه: «من أقام بالمدينة و هو يريد الحج شهرا أو نحوه ثمّ بدا له أن يخرج في غير طريق المدينة فإن كان حذاء الشجرة و البيداء مسيره ستة اميال فليحرم منها». «1»

هذه الفاظ الحديث علي ما في الوسائل أما في ما عندنا من نسختي التهذيب هكذا: «بدا له أن يخرج في- غير طريق أهل المدينة» «2» و علي هذا الظاهر ان ترك لفظ غير في النسخة التي كانت عند شيخنا الحر سقط من بعض النساخ. و كيف كان فالصحيح واحد و إن عبر عنه في العروة بصحيحتي ابن سنان، و لفظ الكافي أضبط و أتم فالاعتماد عليه.

و بعد ذلك نقول: لا ريب في أن الصحيح يدل علي جواز الاحرام من محاذاة مسجد الشجرة في الجملة إلا أنه يقع الكلام في موارده:

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب

المواقيت، ح 3.

(2)- تهذيب الاحكام: باب المواقيت، ح 57/ 178.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 425

الأوّل: هل للاقامة شهرا في المدينة دخل في الجواز المذكور فلا يشمل من كان إقامته فيها أقل من ذلك و من لم يقم فيها و مر عليها و خرج من غير طريق أهل المدينة؟ يمكن أن يقال: إن الظاهر أن ما جاء في الصحيح وقع علي سبيل المثال لا فرق بين من أقام فيها شهرا أو اقل منه و لكن لا تطمئن النفس بذلك نعم لا ريب في شموله لمن كان من أهل مدينة أو أقام فيها أكثر من شهر واحد.

الثاني: هل لإرادته الحج دخل في هذا الحكم فمن أقام في المدينة شهرا أو شهرين أو أكثر و لا يريد الحج إن خرج إلي الحج من غير طريق أهل المدينة لا يشمله الصحيح؟ الكلام فيه ما قلناه في اقامته شهرا و لكن عدم دخل هذه الخصوصية في الحكم هنا أظهر.

الثالث: المعروف بين الاصحاب كفاية المحاذاة لأحد المواقيت الخمسة و مقتضاه عدم دخل كل ما جاء في الصحيح من القيود في الحكم و أنه لا يعتبر في جواز الإحرام إلا محاذاة أحد المواقيت فكل ما جاء في الصحيح جاء علي سبيل المثال.

و يمكن أن يقال: إن مقتضي القاعدة و الأصل عدم إجزاء الإحرام من المكان المحاذي للميقات فلا يعدل عنها إلا بالدليل و غاية ما يستفاد من الدليل الاجزاء لمن أقام في المدينة شهرا مريدا للحج أو كان من أهل المدينة و أما اجزاء الاحرام من محاذاة سائر المواقيت فلا يستفاد منه و حمل كلام الامام عليه السلام، علي مجرد المثال، مما لا يطمئن به النفس.

نعم لو كان بيان الحكم منه عليه

السلام، صادرا منه في جواب السائل عمن كان بتلك الخصوصيات، يمكن دعوي عدم دخل هذه القيود في الحكم و علي هذا فالأحوط الاقتصار علي محاذاة خصوص الشجرة دون سائر المواقيت.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 426

فروع
الأول: مقتضي الاقتصار علي نصوص المحاذاة عدم الاكتفاء بمحاذاة سائر المواقيت

بل و محاذاة الشجرة من جانبها الأخر و كذا من محاذاتها من جانب البيداء إذا كان أبعد من البيداء عن الشجرة ببعد معتد به فالتعدي عن منطوق صحيح عبد اللّه بن سنان لا يمكن إلا بمفهوم المساواة غير الموجود في المقام.

الثاني: علي القول بكفاية مطلق المحاذاة لأحد المواقيت الخمسة فالاعتبار علي محاذاة أبعد الميقاتين إلي مكة

فإذا كان في طريقه يحاذي ميقاتين لا يجوز له التجاوز عن الاول بدون الاحرام و تأخيره إلي الثاني.

الثالث: علي هذا القول إذا أحرز المحاذاة بالعلم و ما يقوم مقامه

كقول الثقة من أهل الخبرة يبني عليه و إلا فلا بد له إلا المضي إلي ميقات معين أو نذر الإحرام من المكان الّذي يحتمل المحاذاة أو قبله. و يمكن الاحرام رجاءً و احتياطاً من أول مكان يحتمل محاذاته للميقات و تجديده كذلك في سائر المواضع الّتي يحتمل محاذاتها و بذلك يحصل له العلم بالاحرام من المكان المحاذي للميقات.

لا يقال: إن ذلك خلاف الاحتياط لاحتمال كون المكان الكذائي قبل المكان المحاذي مضافا الي أن مقتضي الاصل عدم وصوله الي المحاذي فلا يجوز له ظاهرا الاحرام منه.

فإنه يقال: إن حرمة الاحرام قبل الميقات حرمة وضعية مفادها عدم تحقق الاحرام منه لا الحرمة الذاتية غاية الامر أنه محرم إذا أراد به التشريع دون ما إذا أتي به رجاءً و احتياطا.

الرابع: اذا أحرم من الموضع الذي أحرز محاذاته للميقات ثمّ تبين أنه كان قبل الميقات

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 427

فإن كان ذلك بالعلم الوجداني و القطع الحاصل من غير الطرق المعتبرة فلا ريب في عدم إجزائه و وجوب إعادة الإحرام. و أما إذا أحرز محاذاة الموضع الذي أحرم منه بالطريق المعتبر الشرعي كالبينة أو قول أهل الخبرة و تبين كونه قبل الميقات فهل المسألة داخلة في مسألة إجزاء الأمر الظاهري عن الأمر الواقعي حتي يقول القائل بعدم الإجزاء بإعادة الإحرام الواقع قبل الميقات و يقول القائل بالإجزاء بكفايته عن التكليف الواقعي.

و بعبارة اخري علي ما قرره سيدنا الأستاد الأعظم قدس سره في مباحثه الأصولية نقول بإتيانه بالمأمور به بالأمر الواقعي أو أنها خارجة عن مسئلة الإجزاء لان البحث عن إجزاء الماتي به بالأمر الظاهري إنما يجري فيما إذا دل الدليل علي تحقق شرط المكلف به و أما إذا دل علي تحقق شرط التكليف ثمّ تبين الخلاف فليس هنا أمر واقعي حتي نبحث

عن إجزاء الأمر الظاهري عنه و المقام من القسم الثاني فإن شرط وجوب الإحرام و الحج البلوغ إلي الميقات فمن أحرم قبل الميقات لم يكن مأمورا به و لم يتعلق به الأمر بالإحرام أو الحج كمن صلي اعتماداً علي البينة بدخول الوقت قبل الوقت.

و فيه، أن وجوب الإحرام و الحج قبل الموسم و قبل الوصول إلي الميقات فعليّ و الواجب استقبالي و هو مشروط بالموسم و بالميقات فإذا دل الدليل علي حصول شرطه و تبيّن خلافه يدخل في باب الإجزاء.

الخامس: قد قيل بأنه لا يتصور طريق إلي مكة لا يمر علي ميقات و لا محاذاة واحد من المواقيت

إذ المواقيت محيطة بالحرم من الجوانب فلا بد من المرور علي واحدة منها أو محاذاتها فإن الجحفة ما بين الشمال و المغرب و مسجد الشجرة في جهة الشمال و وادي العقيق بين الشمال و المشرق و قرن المنازل في المشرق تقريباً و يلملم في

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 428

جنوب مكة.

و عن المستند (أن الخلاف في ذلك خلاف لا فائدة فيه إذا المواقيت محيطة بالحرم من الجوانب) «1» و لكن يستفاد من العلامة في القواعد إمكان ذلك لانه قال: (و لو لم يؤد الطريق إلي المحاذاة فالأقرب أن ينشئ الإحرام من أدني الحل و يحتمل مساواة أقرب المواقيت) «2» و هذا ظاهر غيره ممن ذكر الموضوع و حكمه.

و قال السيد الأستاذ أعلي اللّٰه درجته في حاشيته علي قول السيد صاحب العروة قدس سره: (إذ المواقيت محيطة بالحرم). (ليس كذلك و أن ذا الحليفه و الجحفة كليهما في شمال الحرم علي خط واحد تقريبا و قرن المنازل في المشرق منه و العقيق بين الشمال و المشرق فتبقي يلملم وحدها لثلاثة أرباع الدورة المحيطة بالحرم و بينها بين قرن المنازل أكثر من ثلاثة أثمان الدورة و منها إلي

الجحفة قريب من ذلك)

و مقتضي كلامه الشريف وجود طريق لا يمر علي محاذاة الميقات و كيف كان فالأمر موكول إلي أهل الاطلاع و الخبرة و النظر إلي خريطة الحرم.

و كيف كان علي فرض وجود طريق إلي مكة لا يمر بأحد المواقيت و لا بمحاذاة أحدها فهل يجوز له الاكتفاء بالإحرام من أدني الحل أو من مساواة أقرب المواقيت إلي مكة فيحرم من موضع تكون المسافة بينه و بين مكة بقدر ما يكون بين أقرب المواقيت و مكة أو يجب عليه أن يذهب إلي أحد المواقيت المعروفة و يحرم منه؟

لا يخفي أنه علي الاحتمالات الثلاثة و إن قلنا بأن في مسألة دوران الأمر بين التعيين و التخيير بإجراء أصل البراءة عن كما إذا كانت المسألة ذات احتمالين

______________________________

(1)- مستند الشيعة: 11/ 189.

(2)- قواعد الاحكام: 1/ 417.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 429

كوجوب الإحرام من خصوص الميقات أو الأعم منه و من أدني الحل فإنه علي مبني البعض نجري البراءة عن خصوصية الميقات فالنتيجة هي التخيير بين الاحرام من الميقات و من أدني الحل و لكن مع احتمال كون التكليف الاحرام من مرحلتين لا يثبت بإجراء البراءة في خصوصية الميقات كفاية خصوص الإحرام من أدني الحل فإن الأمر يدور بين كونه مكلفا بخصوص الإحرام من الميقات أو الأعم منه و من أدني الحل أو بخصوصه أو الأعم منه و من مرحلتين و رفع خصوصية الميقات لا يثبت إجزاء الإحرام من أدني الحل فعلي هذا يتعين عليه الإحرام من الميقات أو الاحتياط بالإحرام من مرحلتين رجاء و تجديده كذلك من أدني الحل.

هذا كله إذا لم نقل بلزوم الإحرام من المواقيت المنصوصة و عدم جواز الإحرام من غيرها مطلقاً و إلا

يجب علي الجميع الإحرام منها فيعدل من كان طريقه لا يمر بميقات أو محاذاة ميقات إلي طريق يمر به.

و قد يقال بدلالة النصوص علي ذلك كصحيح الحلبي (قال مولانا أبو عبد اللّٰه عليه السلام في آخره. «و لا ينبغي لأحد أن يرغب عن مواقيت رسول اللّٰه صلي الله عليه و آله و سلم» «1».

و صحيح علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام و فيه: «فليس لأحد أن يعدو من هذه المواقيت إلي غيرها» «2». فإن المستفاد منهما عدم جواز العدول و الإعراض عن المواقيت.

و لكن يمكن أن يقال بأن غاية ما يدلان عليه أن المار علي هذه المواقيت

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 1 من ابواب المواقيت ح 3.

(2)- وسائل الشيعة: ب 1 من ابواب المواقيت ح 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 430

لا يجوز له العدول إلي غيرها فلا يصدق علي من كان طريقه إلي مكة لا يمر علي هذه المواقيت أن يذهب إليها و يحرم منها و كيف كان فالاحتياط يقتضي لمثله الإحرام من الميقات أو محاذاته.

[عاشرها: أدني الحل]

اشارة

عاشرها: أدني الحل

و هو ميقات للعمرة المفردة بعد حج القران و الإفراد و ميقات العمرة لمن كان بمكة و أما النائي الخارج للعمرة المفردة فميقاته ما يمر به من المواقيت المعروفة و الظاهر أنه لا خلاف في ذلك.

و استدل علي كون أدني الحل ميقاتا للعمرة المفردة بصحيحة جميل «1» الّتي رواها الشيخ بإسناده عنه قال: «سألت- أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن المرأة الحائض إذا قدمت مكة يوم التروية؟ قال: تمضي كما هي إلي عرفات فتجعلها حجة ثمّ تقيم حتي تطهر فتخرج إلي التنعيم فتحرم فتجعلها عمرة قال ابن أبي عمير: كما صنعت عائشة» و رواها الصدوق بإسناده عن

جميل مثله إلي قوله: «فتجعلها عمرة» «2»

و استشكل في الاستدلال بها أولا بكونها أخص من المدعي فإن الكلام في كون أدني الحل ميقاتا لمطلق العمرة المفردة و الصحيحة موردها العمرة المفردة المسبوقة بالحج بل و العمرة المفردة الواجبة علي المستطيعة التي لم تتمكن من إتمام عمرة التمتع و انقلب تكليفه إلي الإفراد دون العمرة المفردة غير المسبوقة بالحج و دون العمرة المفردة غير المسبوقة بحج الافراد الّذي انقلب تكليفه إليه بالاضطرار و عدم تمكنه من إتمام حج التمتع. و ثانيا بأن ظاهرها إجزاء الإحرام من التنعيم دون أدني الحل.

______________________________

(1)- من الخامسة وجه الطائفة و ثقتهم و ممن اجمعت العصابة علي تصحيح ما يصح عنه.

(2)- وسائل الشيعة: ب 21 من أبواب أقسام الحج ح 2 و الراوي عن جميل صفوان و ابن ابي عمير و فضالة و الزيادة من ابن ابي عمير دون صفوان و فضالة و لذا قال ابن ابي عمير.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 431

و يمكن أن يقال: إن الظاهر في بيان هذه التكاليف الجزئية إرجاعها إلي القواعد العامة فمن لم يتمكن من حج التمتع يصير حجه مفرداً و يأتي بالعمرة المفردة من ميقات العمرة و هو أدني الحل لا أن للمعتمر بالعمرة المفردة ميقاتين فإذا كانت مسبوقة بالحج، ميقاته أدني الحل و إذا لم تكن كذلك له ميقات آخر و إلا لو أخذنا بهذه الخصوصيات يجب الاقتصار في الحكم بأنه مختص بالمرأة و لا يشمل الرجل و أيضا مختص بما إذا منعها الحيض عن إتمام عمرة التمتع لا مانع آخر.

و أما احتمال اختصاص الحكم بالتنعيم فلا يستفاد منه إجزاء الإحرام من مطلق أدني الحل فالظاهر أن اختصاصه بالذكر لكونه أقرب الأماكن من حدود

الحرم لا لاختصاص الحكم به.

و كيف كان يكفي للاستدلال علي ذلك صحيح عمر بن يزيد «1» الّذي رواه الصدوق بإسناده عنه عن أبي عبد اللّه قال: «من أراد أن يخرج من مكة ليعتمر أحرم من الجعرانة أو الحديبية أو ما أشبهها» «2» لأن قوله عليه السلام «أو ما أشبهها» يشمل جميع المواضع من حدود الحرم و لأنه مطلق يشمل العمرة المسبوقة بالحج و غيرها.

تتمه: لا يخفي عليك أن الصدوق في الفقيه أخرج صحيح عمر بن يزيد في باب مواقيت العمرة من مكة و قطع تلبية المعتمر و قال في آخر باب العمرة في شهر الحج:

(و اعتمر رسول اللّٰه صلي الله عليه و آله و سلم ثلاث عمر متفرقات كلها في ذي القعدة، عمرة أحل فيها من عسفان و هي عمرة الحديبية و عمرة القضاء أحرم فيها من الجحفة و عمرة أهل فيها من الجعرانة و هي بعد أن رجع من الطائف من غزوة حنين) «3» و لكن بعض

______________________________

(1)- ثقة له كتاب من الخامسة.

(2)- وسائل الشيعة: ب 22 من أبواب المواقيت ح 1.

(3)- من لا يحضره الفقيه: 2/ 276، وسائل الشيعة: باب 22 من أبواب المواقيت ح: 2 و باب 2 من ابواب العمرة ح: 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 432

الأعاظم عبر عن الثاني بمرسلة الصدوق الّتي رواها بعد صحيحة عمر بن يزيد «1» إلا أنّه كما تري أخرج الثاني قبل الاول و الاشتباه نشأ من أنه رأي أن الوسائل جعل الاول الحديث الاول من (ب 22) من أبواب المواقيت و الثاني الثاني منه فزعم أن ذلك فعل الصدوق.

و أما التعبير عنه بالمرسلة فإن كان المراد نقل الألفاظ المذكورة بالإرسال عن الامام عليه السلام فليس في

كلامه ما يدل علي نقل قول الامام عليه السلام و إن كان المراد أنه حكي فعل رسول اللّٰه صلي الله عليه و آله و سلم بالإرسال من غير إسناد إلي حاكيه فهو مرسل كما إذا قال: قال رسول اللّٰه صلي الله عليه و آله و سلم و لم يسنده إلي قائله من جهة أن السنة أعم من قول المعصوم و فعله و تقريره فيأتي في الأخيرين ما ذكره في أصناف الحديث من المتواتر و المستفيض و الواحد و المرسل و الضعيف و القوي و الحسن و الصحيح و الشاذ و المسند و غيرها و لكن الظاهر من كلامه أنه نتيجة اجتهاده في التاريخ.

و يمكن أن يكون كلامه إشارة إلي صحيح معاوية بن عمار الّذي رواه الكليني بسنده عنه عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «اعتمر رسول اللّٰه صلي الله عليه و آله و سلم ثلاث عمرات مفترقات عمرة في ذي القعدة أهل من عسفان و هي عمرة الحديبية و عمرة أهل من الجحفة و هي عمرة القضاء و عمرة أهل من الجعرانة بعد ما رجع من الطائف من غزوة حنين». «2» إلا أنه يرد عليه قدس سره لما ذا لم يسند ما ذكره إلي هذا الصحيح.

و كيف كان أستشكل في الحديث أولًا بأن مقتضي ظاهره (أنه صلي الله عليه و آله و سلم أحرم لعمرة من عسفان البعيد عن مكة بمرحلتين و هو ليس من المواقيت و لا من أدني

______________________________

(1)- معتمد العروة: 2/ 390.

(2)- الكافي: ج 4 ب حج النبي صلي الله عليه و آله و سلم ح 10.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 433

الحل. و ثانيا بأنه (صلي اللّٰه عليه و آله) أحرم لعمرة

القضاء من الجحفة مع أنه كان قاصدا للعمرة من المدينة فلم لم يحرم من مسجد الشجرة فمقتضي فعله ذلك جواز تاخير إحرام العمرة المفردة للنائي من الميقات الّذي أمامه إلي ما بعده. «1»

و لكن يمكن الجواب عن الإشكال الاول أنه كما يحتمل أن يكون المراد من قوله: «عمرة أهل فيها من عسفان» أنه صلي الله عليه و آله و سلم ترك الإحرام من الميقات و أحرم من عسفان بعد ما كان مريدا للعمرة من أول الأمر، يحتمل أن يكون إحرامه من عسفان لانه لم يكن مريدا للعمرة و أرادها بعد التجاوز عن الميقات فيدل الخبر علي جواز الإحرام من بعد الميقات لمن أراد الإحرام بعده.

و يحتمل أن يكون المراد بالإهلال رفع الصوت بالتلبية. قال الراغب:

(و الإهلال رفع الصوت عند رؤية الهلال ثمّ استعمل لكل صوت و به شبه إهلال الصبي) الخ.

و بالجملة فلا يمكن الاستدلال به قبال الروايات الظاهرة في مداليلها بعد ما كان حكاية عن الفعل الّذي لم يعلم كيفيته و لا وجهه فتأمل جيداً.

[مسألة 13 قد ظهر مما اسلفناه أن كل من حج و اعتمر علي طريق فيه الميقات يحرم من ذلك الميقات]

مسالة 13- قد ظهر مما اسلفناه أن كل من حج و اعتمر علي طريق فيه الميقات يحرم من ذلك الميقات فلا يتعين عليه الاحرام من مهل أرضه.

بالاجماع و بالنصوص كصحيح صفوان و فيه: «إن رسول اللّٰه صلي الله عليه و آله وقت المواقيت لأهلها و من أتي عليها من غير أهلها» «2»

[مسالة 14- قال في العروة: (إن نذر الإحرام من ميقات معين تعين.]

مسالة 14- قال في العروة: (إن نذر الإحرام من ميقات معين تعين.

______________________________

(1)- معتمد العروة: 2/ 390.

(2)- وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب المواقيت ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 434

و اشكل عليه بأن الاحرام منه يجب بالنذر و لا يتعين به لأن الناذر كان مخبراً في الإحرام بين المواقيت الخمسة يعني يجزيه الإحرام من أيها أحرم و النذر و إن كان سببا لوجوب الإحرام من الميقات المعين لا يبدل حكم تخييره بين المواقيت و إجزاء الاحرام من غيره نعم يجب عليه بالنذر اختيار المعين و أما إذا أتي بالواجب في ضمن العدل الآخر يجزيه عن تكليفه الأصلي و إن خالف نذره و وجبت عليه الكفارة نظير من نذر أن يصلي جماعة فصلي منفردا أو نذر أن يصلي صلاته في المسجد فصلّي في البيت فصلاته منفرداً أو في بيته تقع صحيحة و إن وجبت عليه الكفارة لمخالفة النذر.

و لكن يمكن أن يقال: إن حنث النذر المتعلق بالصلاة جماعة أو في المسجد أو بالاحرام من ميقات معين إنما يتحقق بصلاته منفردا أو في بيته أو إحرامه من ميقات آخر.

و بعبارة اخري: صلاته منفرداً إما ان تقع باطلة فتكليفه بالصلاة جماعة باق علي حاله و إما أن تقع صحيحة فكيف تكون كذلك مع أن نفس الأمرية في الحنث يتحقق به فلا يمكن أن يكون المبعد عن

المولي مقربا إليه و لا يصلح التقرب إليه بما هو مبغوضه. نعم لو لم يكن العدل الآخر مشروطا بكونه صالحا لان يتقرب به يقع صحيحا و إن حصل به حنث نذره.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 437

الكلام في أحكام المواقيت

اشارة

الكلام في أحكام المواقيت

[مسألة 15] عدم جواز الاحرام قبل الميقات الا لناذر

مسألة 15- قال في الجواهر: (لا خلاف بيننا بل و الاجماع منا بقسميه عليه و النصوص به مستفيضة في أن (من أحرم قبل هذه المواقيت لم ينعقد إحرامه) قال ميسرة: (دخلت علي أبي عبد اللّه عليه السلام و أنا متغير اللون فقال لي: من أين أحرمت بالحج؟ فقلت: من موضع كذا و كذا فقال: رب طالب خير يزل قدمه ثمّ قال: أ يسرك إن صليت الظهر في السفر اربعا؟ قلت لا. قال: فهو و اللّٰه ذاك فما عن العامة من جواز ذلك معلوم الفساد (إلا لناذر) الاحرام قبل الميقات فإن عليه الإحرام منه حينئذٍ كما صرح به كثير بل المشهور نقلا إن لم يكن تحصيلًا للمعتبرة و لو بالشهرة كصحيح الحلبي المروي عن الاستبصار قال: سالت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن رجل جعل للّٰه عليه شكراً أن يحرم من الكوفة؟ قال: فليحرم من الكوفة و ليف للّٰه بما قال) «1».

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 18/ 355.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 438

أقول: أما نسبته إلي المشهور فهو القول المحكي عن النهاية و المبسوط و الخلاف و التهذيب و المراسم و المهذب و الوسيلة و النافع و الشرائع و الجامع.

و ما عبر عنه بالصحيح الحلبي فعن صاحب المنتقي المناقشة في صحة الخبر تارة بجهل الراوي لترديده بين الحلبي و علي أي علي بن أبي حمزة البطائني الكذاب فإن المذكور في نسخ التهذيب القديمة (علي) لا الحلبي و في الوسائل ذكر كلمة (علي) علي نحو الاحتمال و تصحيف علي ب (الحلبي) قريب و يؤيد كون الراوي علي بن الحمزة رواية حماد عنه فإنّ رواية حماد بن عيسي عنه معروفة كثيرة. و أخري بأن حماد واقع

في السند فإن كان ابن عثمان كما يشعر به روايته عن الحلبي فالحسين بن سعيد لا يروي عنه بغير واسطة قطعاً و إن كان ابن عيسي فهو لا يروي عن عبيد اللّٰه الحلبي فيما يعهد من الأخبار فالاتصال غير محرز. ثمّ قال في آخر كلامه:

(و بالجملة فالاحتمالات علي وجه ينافي الحكم بالصحة و أعلاها كون الراوي علي بن أبي حمزة فيتضح ضعف الخبر). «1»

و أجاب عن منافشة صاحب المنتقي بعض الأعاظم (بأن ذكر (علي) في السند اشتباه و إنما ذكر في بعض نسخ التهذيب القديم و المصرح به في النسخة الجديدة و الاستبصار (الحلبي) بدل (علي) فالاشتباه إنّما وقع من الناسخ و أما حماد الواقع في الطريق الذي يروي عن الحلبي فالظاهر أنه حماد بن عثمان فإنه يروي عن الحلبي بعنوانه و عن عبيد اللّٰه بن الحلبي و عن عبيد اللّٰه بن علي و عن عبيد اللّٰه الحلبي كثيرا ما يقرب من مأتي مورد و ما ذكره من أنّ الحسين بن سعيد لا يروي عن حماد بن عثمان فغير تام فإنّه قد روي في بعض الموارد و إن كان قليلا لا أنه لا يروي عنه أصلًا

______________________________

(1)- منتقي الجمان: 3/ 139.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 439

و لو قلنا بأن حماد هذا هو حماد بن عيسي فالحلبي الذي يروي عنه هو عمران الحلبي لا عبيد اللّٰه بن الحلبي حتي يقال: بأن حماد بن عيسي لا يروي عن عبيد اللّٰه الحلبي.

و أما ما ذكره من أن إرادة عمران الحلبي عند اطلاق الحلبي بعيدة فغير تام إذ قد يطلق الحلبي و يراد به عمران و الحسين بن سعيد يروي عن حماد بن عيسي كثيرا. ثمّ إنه لو سلمنا أن

الثابت في النسخة (علي) بدل (الحلبي) فليس المراد به علي بن ابي حمزة البطائني بل المراد إما علي بن يقطين أو علي بن المغيرة نعم حماد بن عيسي يروي عن علي البطائني و أما حماد بن عثمان فلا يروي عنه و الحاصل لا ينبغي الريب في صحة السند) «1».

أقول: لا ينبغي الريب في الريب في صحة السند و عدم جواز الجزم بها فإنه بني أولًا بما لم يستنده إلي دليل و شاهد معتبر علي عدم تصحيف (علي) ب (الحلبي) و إنَّ ما هو الصحيح في الواقع في السند (الحلبي) ثمّ أفاد في إمكان ذلك ما أفاد و لا يخفي أن المصرح به في النسخة الجديدة من التهذيب و الاستبصار (الحلبي) لا يكون وجهاً لتقديمها علي النسخة القديمة و أن الاشتباه وقع من ناسخ النسخة القديمة.

و ثانيا أن ما ذكره من أن حماد الواقع في السند الذي يروي عن الحلبي هو حماد بن عثمان الذي يروي عن الحلبي بعنوانه فإن أراد من ذلك نفس هذا الحديث فالاستناد به كالمصادرة بالمطلوب و إن أراد في غيره من الأحاديث فالظاهر أنه لم يرو من الحلبي بعنوانه فهو يروي عن عبيد و عن عبيد اللّٰه ابن الحلبي و عبيد بن علي الحلبي و عبيد اللّٰه بن علي و عبيد الحلبي.

______________________________

(1)- معتمد العروة: 2/ 405.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 440

و أما روايته عن الحلبي إنا وجدنا أن له بهذا العنوان في التهذيب ثمانية روايات و لعل الفاحص يجد أكثر من ذلك و في الكافي أيضا يوجد مورد و لعله كان أكثر. و مع ذلك لا تتم صحته علي مبناه الذي هو عدم الاعتداد بصحة ما صحّ عن أصحاب الإجماع. نعم

تتم بناء علي المشهور لان حماد بن عثمان ممن أجمعت العصابة علي تصحيح ما يصح عنهم و أقروا لهم بالفقه و تعبير الجواهر بالصحيح مبني علي ذلك فكان عليه الإشارة إلي مورده. و ما ذكره في الحسين بن سعيد تام فإنه يروي عن حمادين.

و أما تصحيحه الحديث بأن حماد و إن كان هو حماد بن عيسي الذي لا يروي عن عبيد اللّٰه الحلبي لكنه هو عمران الحلبي فكل ذلك يتفرع علي كون النسخة (الحلبي) لا (علي) و لا يثبت به ترجيح إحدي النسختين علي الاخري.

و أما ما أفاد من أنه علي فرض كون الثابت في النسخة (علي) بدل (الحلبي) فلا يدل علي أنه ابن أبي حمزة بل المراد إما علي بن يقطين أو علي بن المغيرة فيرده و يرد أصل احتمال كون النسخة (علي) رواية الحديث في التهذيب أيضاً عن حماد بن عيسي عن علي بن أبي حمزة قال: «سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل جعل للّٰه عليه شكرا من بلاء ابتلي به إن عافاه اللّٰه أن يحرم من الكوفة قال: فليحرم من الكوفة» «1».

اللّهم إلّا أن يقال: إن هذه الرواية مروية عن أبي الحسن عليه السلام و الّتي نتكلم فيها مروية عن أبي عبد اللّه عليه السلام.

و كيف كان فالقول بصحة سند الحديث في غاية الإشكال سيما بعد ما نري في

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: باب النذور ح 43.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 441

روايات الباب السؤال عن نذر الإحرام من الكوفة من علي بن أبي حمزة تارة عن أبي الحسن عليه السلام و أخري عن أبي عبد اللّه عليه السلام. «1»

و من الروايات الدالة علي صحة نذر الإحرام قبل الميقات موثقة سماعة عن أبي بصير

عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «سمعته يقول: لو أن عبدا أنعم اللّٰه عليه نعمة أو ابتلاه ببلاء فعافاه من تلك البلية فجعل علي نفسه أن يحرم بخراسان كان عليه أن يتم» «2»

هذا كله في مقام الاثبات و أما في مقام الثبوت فقد وقع الإشكال في المسألة لعدم انطباقها علي قاعدة لزوم كون متعلق النذر راجحا و عدم انعقاده إلا به فلا نذر إلا في طاعة اللّٰه تعالي و لا ريب أن الاحرام قبل الميقات كالصوم في السفر ليس من طاعة اللّٰه تعالي بشي ء.

و أجيب عن هذا الاشكال بأن اللازم كون العمل راجحا و طاعة للّٰه تعالي في ظرف العمل فإذا دل الدليل علي رجحان العمل الكذائي إذا تعلق به النذر يكفي ذلك في صحة النذر و انعقاده.

و بعبارة اخري لزوم كون العمل راجحا في انعقاد النذر حين العمل أعم من ان يكون ذلك برجحانه الذاتي الحاصل في حال النذر او الناشي من قبل النذر فلو كان في البين ما يدل علي رجحان كل عمل مباح أو مكروه بالنذر لقلنا به في جميع الموارد لكن لم يقم الدليل علي حصول الرجحان للعمل بالنذر إلا في مورد الصوم في السفر و الإحرام قبل الميقات فالدليل دل في خصوص الصوم و الاحرام ان نذر

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 13 من ابواب المواقيت ح 2.

(2)- وسائل الشيعة: ب 13 من ابواب المواقيت ح 3.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 442

الصوم ينعقد سواء تعلق بالصوم في الحضر أو السفر و أن ما هو الشرط في انعقاده و هو رجحان المنذور حين العمل حاصل سواء تعلق به في الحضر أو السفر، اما في الحضر فرجحانه ذاتي و أما في السفر فيصير

راجحاً بالنذر و كذا في الإحرام فإن النذر المتعلق به ينعقد سواء تعلق بالاحرام من الميقات أو قبله غير أن رجحان المنذور في الاول ذاتي و في الثاني يكون بالنذر.

و اشكل علي هذا البيان بأن ذلك غير معقول، لاستلزامه الدور المحال لان عليه صحة النذر متوقف علي رجحان المنذور و رجحانه متوقف علي صحّة النذر.

و أجيب عنه بأن المتوقف عليه غير المتوقف عليه لان صحة النذر و وجوب الوفاء به و إن كانت متوقفة علي رجحان المنذور إلّا أن رجحان المنذور متوقف علي النذر و يتحصل به. «1»

و إن شئت قلت: إن النذر لا يتحقق بمعني الاسم المصدري كالغسل بالضم في باب الاغسال إلّا بانشاء صيغته و رجحان المنذور في ظرف فعله و يتحقق ذلك أي رجحان المنذور تارة بنفسه و تارة بإنشاء صيغة النذر الّذي هو نذر بالمعني المصدري كالغسل بالفتح في باب الأغسال فإذا علم تأثيره في ذلك مثلا بأخبار الشارع مثل ما دل علي صحة نذر الإحرام قبل الميقات يتحقق النذر بأركانه عند العرف فلا دور في البين.

و بعبارة اخري نقول: إن اعتبار الرجحان في المنذور بمناسبة المورد لازم لان جعل شي ء للّٰه تعالي و مضافا إليه إذا لم يكن راجحا لغو لا يعتبر العقل و العرف كونه للّٰه تعالي و إن التزم العبد و لذا اعتبر الرجحان في متعلق النذر و هذا تارة يكون

______________________________

(1)- راجع معتمد العروة: 2/ 206.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 443

ذاتيا للمنذور كالصلاة في الوقت و الصوم في الحضر و الإحرام من الميقات و أخري يحصل له ببعض الأسباب الّذي كشف الشارع عنه كنذر الإحرام قبل الميقات بالمعني المذكور.

و بعد ذلك كلّه أورد علي التفصي عن الإشكال بما

ذكر السيد الأستاذ الأعظم قدس سره فقال كما كتبنا عنه في تقريرات بحثه الشريف: (إن كون النذر ملازما لعروض عنوان راجح عليهما- يعني الصوم في السفر و الاحرام قبل الميقات- مما يعلم خلافه فما معني هذا العنوان الراجح الّذي ليس له أثر في الأخبار و لا يجي ء في الأذهان).

أقول: يمكن أن يقال: إن هذا العنوان يستفاد من حكم الشارع بصحة نذر الإحرام قبل الميقات و إلّا كيف يكون العمل للّٰه تعالي و مضافا إليه.

و ربما يقال في الجواب بوجود الرجحان الذاتي في الإحرام و إنما لم يؤمر العبد به أو نهي عنه قبل الميقات لوجود بعض الموانع المرفوع بتعلق النذر به.

و هنا وجه ثالث و هو القول بتخصيص أدلة «لا نذر إلا في طاعة اللّٰه» «1» بما ورد من النص في مورد الإحرام قبل الميقات و الصوم في السفر لان الحكم بلزوم رجحان المنذور في انعقاد النذر حكم تعبدي شرعي قابل لورود التخصيص عليه من قبل الشارع كسائر أحكام التعبدية.

و لكن يمكن أن يقال: إن الحكم بلزوم الرجحان إنما يكون لاعتباره في تحقق عنوان النذر و جعل العمل للّٰه تعالي و مضافا إليه من جانب العبد فإذا لم يكن

______________________________

(1)- هذه القاعدة متلقاة من جملة من الرويات في باب النذر و اليمين لأنه نذر في طاعة» أو او لا ينعقد نذر في معصية» و الا فنفس لفظ «لا نذر الا في طاعة» لم يورد في في رواية اصلًا

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 444

العمل راجحا و كان مكروها أو مباحا لا يضاف إلي اللّٰه تعالي و مثل هذا الحكم لا يقبل التخصيص.

و أما الاشكال بأن العمل إذا لم يكن بنفسه عبادة أو مأموراً به كيف يمكن أن

يأتي العبد به عبادة و بقصد امتثال أمره، فيمكن الجواب عنه بأنه يكفي في ذلك إتيانه به بقصد الوفاء بالنذر و إطاعة لأمر أوفوا بالنذور.

ثمّ إنه وقع الكلام بينهم في إلحاق العهد و اليمين بالنذر و لا يخفي عليك أن القول بالإلحاق يدور مدار استظهار ذلك من الرّوايات و شمولها للعهد و اليمين و إلا فمقتضي العمومات عدم الإجزاء فلا بد علي هذا النظر إلي الروايات فنقول:

و أما خبر الحلبي المتقدم، فقد عرفت الكلام في سنده و أما دلالته علي وجوب الاحرام قبل الميقات بالعهد و اليمين أو خصوص العهد فمحل الاشكال لظهور قول السائل: (عن رجل جعل للّٰه عليه شكرا أن يحرم من الكوفة في النذر) في جعل الإحرام من الكوفة في ذمته للّٰه تعالي و جعله تعالي مالكا في ذمته و مثل هذا المعني لا يستقيم في اليمين فلا يفيد اليمين إلا وجوب فعل المحلوف عليه علي الحالف تكليفا و أما بالنسبة إلي العهد فيمكن أن يقال: إنه أيضا عهد بينه و بين اللّٰه تعالي أنه متي صار كذا أفعل كذا فليس فيه كون فعله ملكا للّٰه تعالي.

و لكن يمكن أن يقال: إنه لو اقتصرنا في صيغة العهد علي أن يقول، عاهدت اللّٰه علي أنه متي كان كذا أفعل كذا لا يدل ذلك علي جعل الفعل ملكا له و أما إذا انعقد العهد بمثل قولنا: علي عهد اللّٰه أنه متي كان كذا فعلي كذا فظاهره أنه علي له كذا و علي هذا يمكن القول بشمول الصحيح للعهد.

و أما الموثقة فالظاهر أنها يشمل النذر و العهد و اليمين علي حد سواء لقوله عليه السلام:

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 445

«لو أن عبدا أنعم اللّٰه عليه

… فجعل علي نفسه أن يحرم بخراسان كان عليه أن يتم» و هذا بظاهره يشمل العهد و اليمين كما يشمل النذر و لكن مع ذلك الأولي مراعاة الاحتياط إما بترك اليمين و العهد أو بالاحرام من مورد اليمين أو العهد و تجديده في الميقات.

ثمّ انه قد ذكر لجواز تقديم الإحرام علي الميقات مورد آخر و هو إذا أراد عمرة رجب و خشي فوتها إن أخر الاحرام إلي الميقات فيجوز له الاحرام قبل الميقات و تحسب له عمرة رجب و ذلك لصحيحة إسحاق بن عمار أو موثقته قال:

«سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن الرجل يجي ء معتمرا ينوي عمرة رجب فيدخل عليه الهلال قبل أن يبلغ العقيق فيحرم قبل الوقت و يجعلها الرجب أم يؤخر الإحرام إلي العقيق و يجعلها لشعبان؟ قال: يحرم قبل الوقت فإن لرجب فضلا و هو الذي نوي» «1» و إطلاقها يشمل العمرة الواجبة و المندوبة و الإحرام قبل الوقت و إن لم يصل مكانا إن ترك الإحرام منه يفوته الوقت.

و لصحيح معاوية بن عمار قال: «سمعت أبا عبد اللّٰه عليه السلام يقول: ليس ينبغي أن يحرم دون الوقت الَّذي وقته رسول اللّٰه (صلي اللّٰه عليه و آله) إلا أن يخاف فوت الشهر في العمرة» «2» و إطلاقه يشمل ما شمله إطلاق صحيحة إسحاق بن عمار و يزيد عليها أنه يدل بإطلاقه علي جواز التقديم المذكور و إن لم تكن العمرة عمرة رجب فيجوز له الإحرام قبل الميقات لدرك عمرة كل شهر هو فيه.

قال في الجواهر: (الظاهر اختصاص الحكم المزبور في عمرة رجب

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 12 من أبواب المواقيت ح 1.

(2)- وسائل الشيعة: ب 12 من أبواب المواقيت ح 2.

فقه الحج (للصافي)،

ج 2، ص: 446

و الصحيح الأوّل (صحيح معاوية بن عمار) و إن كان مطلقا إلا أنه لم أجد به عاملا في غير رجب و لعله للعلة الَّتي أشار الإمام عليه السلام إليها في الصحيح الأخر (صحيح إسحاق بن عمار) مضافاً إلي ما روي من أن العمرة الرجبية تلي الحج في الفضل و يكفي في إدراكها إدراك إحرامها فيه كما دل عليه الصحيح «1».

أقول: قال الشيخ في المصباح: (روي عنهم: أن العمرة في رجب تلي الحج في الفضل) «2» و لكن مثل ذلك لا يدل علي اختصاص الحكم بعمرة رجب. و مراده من قوله: (و لعله للعلة الّتي أشار الإمام عليه السلام إليها في الصحيح الآخر) قوله عليه السلام: «فان للرجب فضلا» فإنه بيان للعلة الموجبة لجواز الإحرام قبل الميقات و أنه لفضل الرجب علي سائر الشهور فهذه العلة تخصص الحكم بالرجب و يقيد بها إطلاق صحيح معاوية بن عمار.

و أشكل عليه بعض الأعاظم فقال: (إن الموثقة غير مختصة بترك الأفضل ليختص التقديم بعمرة رجب بل تعم كل مورد يفوت منه الفضل و ذلك لا يختص بشهر رجب لأنَّ عمرة كل شهر لها فضل و المفروض أنه لو أخر الإحرام إلي الميقات لم يدرك فضل عمرة هذا الشهر فالتقديم قد يكون لدرك الفضل) «3»

و فيه: إن قوله عليه السلام: «يحرم قبل الوقت لرجب فإنّ لرجب فضلا» ظاهر في اختصاص الفضل الموجب لجواز الإحرام قبل الميقات برجب و هذا ينافي فضل كل شهر فإنه أعم من كونه موجبا لجواز الإحرام قبل الميقات فتدبر.

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 18/ 124.

(2)- وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب العمرة ح 16.

(3)- معتمد العروة: 2/ 415.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 447

و كيف كان مقتضي

الاحتياط تأخير الإحرام إلي آخر الشهر و تجديد الإحرام من الميقات إن أحرم قبله في غير شهر رجب. و اللّٰه العالم.

[مسألة 16] عدم جواز تأخير الاحرام و تقديمه علي المواقيت

مسألة 16- لا يجوز تأخير الإحرام عن المواقيت كما لا يجوز تقديمه عليها و هذا منصوص عليه في روايات المواقيت بل جميع ما يدل علي تعيين المواقيت ظاهر فيه

و ممّا يدل عليه بالصراحة صحيح الحلبي فإن فيه قال: «لا ينبغي لحاج و لا معتمر أن يحرم قبلها و بعدها» «1». و صحيح معاوية بن عمار فيه: «و من كان منزله خلف هذه المواقيت ممّا يلي مكة فوقته- منزله» «2» و صحيح علي بن جعفر و فيه: «فليس لأحد أن يعدو من هذه المواقيت إلي غيرها» «3».

و علي هذا لا يجوز لمن أراد الحج أو العمرة أو دخول مكة التجاوز عن الميقات اختياراً بدون الإحرام و إن كان أمامه ميقات أخر كمسجد الشجرة و الجحفة و إن خالف و جاوز الميقات بدون الإحرام يجب عليه العود إليه هذا إذا كان مريدا للحج أو العمرة أو دخول مكة.

أما إذا أراد الذهاب إلي خارج مكة لشغل كان له فلا يجب عليه الإحرام و الظاهر أن النهي في الأخبار عن تأخير الإحرام (مجرد) من الميقات إرشادي لا تكليفي فلا يأثم بمجرد التجاوز إن رجع إلي الميقات و أحرم منه نعم يأثم بدخول

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب المواقيت ح 3.

(2)- وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب المواقيت ح 2.

(3)- وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب المواقيت ح 9.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 448

الحرم أو مكة بغير الإحرام أو بالإحرام من دون الميقات.

و هل يجب عليه الإحرام إذا أراد دخول الحرم ربما ادعي الإجماع علي عدم وجوبه؟

و لكن

يمكن دعوي دلالة بعض الروايات علي ذلك بمثل صحيح عاصم بن حميد قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام هل يدخل الحرم أحد إلا محرما؟ قال: لا إلا مريض أو مبطون» «1» و صحيح محمد بن مسلم قال: «سألت أبا جعفر (عليه السلام) هل يدخل الرجل الحرم بغير إحرام قال: لا إلا أن يكون مريضا أو به بطن» «2».

و المناقشة في دلالتهما بأن المراد من السؤال الّذي يدخل في الحرم لدخول مكة فلا يشمل من لا يريد دخول مكة، ضعيفة.

اللّهم إلا أن يقال بعدم الفرق بينهما و بين ما يدل علي عدم جواز تأخير الإحرام من الميقات إنه لا يستفاد من روايات الميقات بمناسبة الحكم و الموضوع عدم وجوب الإحرام إذا لم يكن مريدا لدخول مكة فله أن يتجاوز من الميقات إذا كان له شغل فيما بين الميقات و بين الحرم بل و بين مكة لا يستفاد من الصحيحين أيضا بمناسبته الحكم و الموضوع إلا عدم جواز دخول الحرم بغير الإحرام إذا كان مريدا لدخول مكة.

و إن كان يمكن الجواب عن ذلك بالفرق بين الحرم و خارجه لمزية الحرم علي خارجه و حرمته

و في إفادات بعض الاعاظم أن جعل الحكمين معا أي جعل وجوب الإحرام

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 50 من أبواب الاحرام ح 1.

(2)- وسائل الشيعة: ب 50 من أبواب الاحرام ح 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 449

لدخول الحرم و جعل وجوب الإحرام لدخول مكة يستلزم اللغوية بيان ذلك:

الحكم بوجوب الإحرام لو كان مختصا بمن كان داخل الحرم لأمكن جعل الحكمين معا في حقه فيقال له: إذا أردت دخول مكة يجب عليك الإحرام و إذا خرجت من الحرم و أردت دخوله يجب عليك الإحرام لدخول

الحرم إلا أن مقتضي بعض الروايات الصحيحة و صراحتها ثبوت هذا الحكم لعامة المسلمين و عدم اختصاصه بطائفة دون أخري كما في صحيحة معاوية بن عمار قال: قال رسول اللّٰه صلي الله عليه و آله و سلم يوم فتح مكة إن اللّٰه حرم مكة يوم خلق السماوات «و الارض و هي حرام إلي أن تقوم الساعة لم تحل لأحد قبلي و لا تحل لأحد بعدي «1». فلا يمكن تخصيص الحكم بداخل الحرم و عليه فجعل الحكمين معا يصبح لغوا لانه لو وجب الإحرام لدخول الحرم فإنما هو لأداء المناسك و إلا فمجرد الإحرام بدون الأعمال و المناسك لا نحتمل وجوبه و من الواضح أن مكة المكرمة محاطة بالحرم فاذا دخل الحرم محرما لأداء المناسك فجعل وجوب الإحرام الثاني لدخول مكة لغوا لا أثر فهذه القرينة توجب حمل روايات وجوب الإحرام لدخول الحرم علي من يريد الدخول إلي مكة فمن دخل الحرم لغرض من الاغراض و لا يريد الدخول إلي مكة لا يجب عليه الإحرام). «2»

[مسألة 17] حكم من أخر الاحرام عن الميقات

مسألة 17- لو أخر الإحرام من الميقات عالما عامدا إلي أن تعذر عليه العود إلي الميقات لضيق الوقت أو لعذر آخر هل يفوت منه الحج أو يجب عليه الاحرام من مكانه كالناسي و الجاهل قولان:

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 50 من ابواب الاحرام ح 7.

(2)- معتمد العروة: 2/ 247.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 450

الأول يفوت منه الحج لأنّه لم يأت به علي المشروع لأنه مشروط بالإحرام من الميقات فإذا انتفي الشرط انتفي المشروط فحاله و من ترك الإحرام عمدا سواء و هذا منسوب إلي المشهور و عليه يجب عليه القضاء إذا كان مستطيعا في السنة الآتية لاستقرار الوجوب عليه فيقضيه و

إن زالت استطاعته بعد ذلك و مثله يترك ما جعله بيده و إن دخل في مكة.

و هل يجوز له الإتيان بالعمرة فإذا تعذر عليه الرجوع إلي الميقات لان يحرم منه للحج يجوز له الإحرام للعمرة حتي يجوز له الدخول في الحرم أو في مكة؟ الظاهر أنه يجوز له ذلك بل يستحب له لإطلاق ما دل علي استحباب العمرة. و إذا لم يكن مستطيعا هل يجب عليه القضاء أولا شي ء عليه سوي الإثم إن دخل الحرم أو مكة بدون الإحرام فيه ايضا قولان

وجه القول بوجوب القضاء القول الَّذي حكي عن العلامة في التذكرة الإجماع عليه و اختاره الشهيد في المسالك. إنَّ إرادة دخول الحرم أو مكة موجب للإحرام فإذا لم يأت به وجب قضائه كالنذور نعم لو رجع بعد تجاوز الميقات و لم يدخل الحرم لا قضاء عليه و إن أثم بتأخير الإحرام.

و وجه القول الثاني: عدم الدليل علي وجوب القضاء و الأصل البراءة و دعوي كون ترك الإحرام كترك المنذور يحتاج إلي الاثبات و وجوب الإحرام لشرف مكة و البيت لا يوجب قضائه فإنه محتاج إلي الدليل كصلاة التحية لدخول المسجد فإنه لا قضاء لها مع ترك الدخول أو تركها عند الدخول و بالجملة ما ذكره الشهيد قدس سره في المسالك وجها لوجوب القضاء غير وجيه نعم إذا تعذر عليه الرجوع إلي الميقات يأثم بدخول الحرم أو مكة بدون الإحرام و تحقق الإثم بدون الدخول في الحرم، محل الاشكال.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 451

القول الثاني المحكي عن جماعة من المتأخرين و عن كشف اللثام أنه محتمل إطلاق المبسوط و المصباح و مختصره و حكي عن المستند «1» أن العامد العالم لو أخر الإحرام إلي أن

تعذر عليه العود إلي الميقات أحرم من مكانه كالناسي و الجاهل و مستنده إطلاق صحيح الحلبي قال: «سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن رجل ترك الإحرام حتي دخل الحرم فقال: يرجع إلي ميقات أهل بلاده الَّذي يحرمون منه فيحرم فإن خشي أن يفوته الحج- فليحرم من مكانه فإن استطاع أن يخرج من الحرم فليخرج» «2» و أيضا قالوا: إن الجاهل و الناسي يحرمان من مكانهما إذا لم يدخلا الحرم و إذا دخلا فيه بغير إحرام يخرجان منه و يحرمان من أدني الحل و كذلك العامد نظير ما إذا ترك- التوضؤ إلي أن ضاق الوقت فإنه يتيمم و تصح صلاته و إن أثم بترك الوضوء تعمدا. «3»

أقول: أما المستند الأخير فهو قياس الباب باب الوضوء و بطلانه ظاهر لأنَّ البدلية في المقام لم يثبت بخلاف مسألة التيمم و إثبات بدلية الإحرام من مكانه للناسي و الجاهل لا يثبت بدليته للعالم العامد و لعل القائل بهذه المقالة قالها تقريبا لا معتمدا عليه و مستدلا به و إنما استند لقوله بالصحيح المذكور الشامل إطلاقه للعامد إن لم نقل إنه مختص بالعامد لظهور قوله: «رجل ترك الإحرام» في الترك العمدي.

و أشكل علي الاستدلال بإطلاق الصحيح أولًا بمنع ظهوره في الاطلاق لأنّ الظاهر أنَّ السؤال وقع عمن هو بصدد أداء التكليف فترك الإحرام نسيانا أو جهلا لا عن العاصي المتعمد للترك و حمل فعل المسلم علي الصحة أيضا يقتضي ذلك لان

______________________________

(1)- مستند الشيعة: 11/ 169.

(2)- وسائل الشيعة: ب 14 من ابواب المواقيت ح 7.

(3)- راجع معتمد العروة: 2/ 421.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 452

المسلم الَّذي يريد الحج لا يترك الإحرام عمدا من الميقات.

و ثانياً بأن الأمر يدور بين الأخذ

بإطلاق دليل شرطية الوقت بالنسبة إلي العامد و الأخذ بإطلاق صحيح الحلبي بالنسبة إليه و تنزيل إطلاق دليل الشرطية علي غير صورة التعذر و تنزيل إطلاق الصحيح علي غير العامد أولي من التصرف في إطلاق دليل الشرطية لشهرة روايات الشرطية و كثرتها و شهرة الفتوي بها.

أقول: أما الإشكال الثاني فقد أجيب عنه بأنه لا يصل الامر إلي إعمال قواعد باب الترجيح بين روايات الباب و صحيح الحلبي بعد ما كان النسبة بين الصحيح و تلك الروايات نسبة الخاص إلي العام و معها يقدم الخاص علي العام و لا يرجح العام علي الخاص بكثرة رواياته و شهرة الفتوي بها فالمتبع هو الخاص.

و أما الإشكال الأول فأجيب عنه بأن الحمل علي الصحة إنما يجري فيما اذا صدر فعل عن المسلم و شك في أنه صدر منه صحيحا أو فاسدا و أما السؤال عن فعل من الأفعال علي ما إذا صدر منه صحيحا فلا وجه له فإن السؤال عن ذلك كما يجوز أن يكون عن الفعل الصادر منه صحيحا يجوز أن يكون عن الفعل الصادر منه باطلا و عن فعله الخاص مطلقا فإذا كان السؤال علي الوجه الثالث لا وجه لتقييده.

و إن قلت: إن ما هو مورد الابتلاء للسؤال عنه هو الذي يقع الترك منه عذرا و أمّا الترك العمدي مع كونه مريدا للحج فلا يقع بسب العادة ممن يريد الحج.

قلت: هذا وجه لانصراف الصحيح عن العامد إلا أنه بدوي لا يعتد به.

أقول: بعد ذلك كله الوجه عندي أن قوله: (و رجل ترك الاحرام حتي دخل الحرم)، ظاهر في عدم التفاته إلي وظيفته.

و كيف كان فالذي يرتفع به النزاع من أساسه و يقوي ما اختاره المشهور و إن

فقه

الحج (للصافي)، ج 2، ص: 453

لم أر من تفطن به أن التهذيب نفسه أخرج صحيح الحلبي بلفظين فرواه في باب المواقيت بهذا اللفظ: موسي بن القاسم عن ابن أبي عمير عن حماد عن الحلبي: «قال:

سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن رجل ترك الإحرام حتي دخل الحرم. فقال: يرجع إلي ميقات أهل بلاده الّذي يحرمون منه فيحرم، و ان خشي ان يفوته الحج فليحرم من مكانه، و إن استطاع أن يخرج من الحرم فليخرج». «1» و رواه في باب تفصيل فرائض الحج عن الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن بن أبي عمير عن حماد عن الحلبي قال:

«سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن رجل نسي أن يحرم حتي دخل الحرم؟ قال: عليه أن يخرج إلي ميقات أهل أرضه فإن خشي ان يفوته الحج أحرم من مكانه و إن استطاع أن يخرج من الحرم فليخرج ثمّ ليحرم». «2» و بعد ذلك لا يتم الاحتجاج به للعامد العالم و يرتفع به النزاع من البين و احتمال تعدد الحديث في غاية البعد لا يعتني به و لا يضر ذلك لفظ ما عندنا من الكافي «3» فيه (قال: قال أبي) فان بذلك لا يرتفع احتمال وحدة الحديثين و اللّٰه العالم.

[مسألة 18] وجوب القضاء علي من ترك الاحرام متعمداً

مسألة 18- من كان قاصدا من الميقات للعمرة المفردة و ترك الإحرام لها متعمدا هل يجوز له الإحرام من أدني الحل و إن كان متمكنا من العود إلي الميقات أو لا يجوز له إلا العود إلي الميقات؟ في المسألة قولان:

قال في الجواهر: (ثمّ إنَّ ظاهر المتن و القواعد و غيرهما بطلان الإحرام منه

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب المواقيت ح 1.

(2)- وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب

المواقيت ح 1.

(3)- الكافي: 4/ 323.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 454

و لو للعمرة المفردة و حينئذ فلا يباح له دخول مكة حتي يحرم من الميقات بل عن بعض الأصحاب التصريح بذلك لكن قد يقال: إن المراد بطلانه للاحرام للحج لا العمرة المفردة الَّتي أدني الحل ميقات لها اختياري و إن أثم بتركه الاحرام عند مروره بالميقات بل قيل: إنَّ الاصحاب إنما صرحوا بذلك لا بطلانه مطلقا و يمكن صرف ظاهر المتن و غيره إليه و لعله الأقوي و اللّٰه العالم) «1».

أقول: قد ثبت بالدليل أن أدني الحل ميقات للعمرة المفردة بعد حج القران و الإفراد و هو ميقاتها لمن كان في مكة أو بدا له العمرة بعد ما لم يكن مريدا لها و أما كونه ميقاتا لها بقول مطلق فمحتاج إلي الدليل فمن أراد العمرة و ترك الإحرام من الميقات متعمداً فحكمه حكم من أراد الحج و تركه متعمداً لا فرق بينهما و لا يجوز إلحاقه بالمفرد و القارن و من بدي له ذلك.

نعم يمكن إلحاق من أراد الحج و العمرة ثمّ بدا له ذلك كما ذكرناه في المسألة السابقة و مع ذلك لا يخلو من الإشكال فلا يترك الاحتياط بالرجوع إلي الميقات و اللّٰه هو العالم.

[مسألة 19] من ترك الاحرام ناسياً أو جاهلًا

مسألة 19- إذا ترك الإحرام من الميقات ناسيا أو جاهلا بالحكم أو بالموضوع أمكن له العود إلي الميقات يرجع إليه و يحرم منه و إن لم يمكن له العود إلي الميقات فإن كان في الحرم و أمكن له الرجوع الي خارج الحرم يجب عليه الرجوع خارج الحرم و الاحرام منه.

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 18/ 133.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 455

و هل يجب عليه زائدا علي ذلك الابتعاد منه و

الاقتراب من الميقات؟

الأحوط ذلك و إن لم يمكن له الرجوع إلي خارج الحرم و لو من جهة خوفه فوت الحج منه يلزمه الإحرام من مكانه مع الاقتراب بالميقات علي الأحوط و إن كان خارج الحرم فإن كان أمامه ميقات كالجحفة لمن مر علي ذي الحليفة يحرم منه و إلا يحرم من مكانه بل ربما يقال: بجواز الإحرام من مكانه و إن كان أمامه ميقات آخر لإطلاق النص و لكن الأحوط بل الأظهر اختصاص جواز التأخير إلي الجحفة بصورة الاضطرار و الأحوط الإحرام من مكانه ثمّ تجديده من الجحفة فعلي ذلك كله يلزم علينا ملاحظة النصوص فمنها صحيح الحلبي الذي مر ذكره: قال: «سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن رجل نسي أن يحرم حتي دخل الحرم قال عليه السلام قال أبي عليه السلام: يخرج إلي ميقات أهل أرضه فإن خشي أن يفوته الحج أحرم من مكانه فإن استطاع أن يخرج من الحرم فليخرج ثمّ ليحرم» و هو يدل (الف) علي وجوب رجوع الناسي الداخل في الحرم إلي ميقات أهل أرضه إن لم يخش فوات الحج و (ب) وجوب رجوعه إليه و إن لم يدخل الحرم بالأولوية مضافا إلي أن ذلك و سابقه مقتضي القاعدة و (ج) علي وجوب الخروج من الحرم إن لم يمكن له الرجوع إلي الميقات و أمكن الخروج من الحرم و (د) علي وجوب الإحرام من مكانه إن لم يتمكن من الخروج إلي خارج الحرم و إن كان ذلك خوفا من فوات الحج و أما الاقتراب من الميقات أو الحرم فلا يستفاد منه.

و منها صحيح آخر للحلبي بناء علي كونه غير الأول و فيه: «سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن- رجل

ترك الإحرام حتي دخل الحرم) الحديث و هذا يدل علي جميع ما دل عليه سابقه- بزيادة إنَّ هذا يشمل صورة النسيان و الجهل و صورة الجهل بالموضوع و بالحكم.-

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 456

و منها صحيح معاوية بن عمار قال: «سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام: عن امرأة كانت مع قوم فطمثت فأرسلت اليهم فسألتهم فقالوا: ما ندري أ عليك إحرام لا و أنت حائض فتركوها حتي دخلت الحرم؟ فقال عليه السلام: إن كان عليها مهلة فلترجع إلي الوقت فلتحرم منه فإن لم يكن عليها وقت فلترجع إلي ما قدرت عليه بعد ما تخرج من الحرم بقدر ما لا يفوتها» و في رواية الشيخ: «بقدر ما لا يفوتها الحج فتحرم» «1» و هذا و إن كان بمنطوقه خاص بالحائض الا أنه يمكن استفادة حكم مطلق الجاهل بالحكم منه و حكم وجوب الاقتراب من الميقات إذا أمكن له الخروج من الحرم بل مطلقا لا أقل من كون ذلك أحوط.

و منها ما رواه الكليني عن أبي علي الأشعري «2» عن محمد بن عبد الجبار «3» عن صفوان «4» عن عبد اللّٰه بن سنان «5» قال: «سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن رجل مر علي الوقت الذي يحرم الناس منه فنسي أو جهل فلم يحرم حتي أتي مكة فخاف إن رجع إلي الوقت أن يفوته الحج؟ فقال: يخرج من الحرم و يحرم و يجزيه ذلك». «6»

و هو يشمل النسيان او الجهل بالموضوع و الحكم. و منها غير ما ذكر من الروايات.

ثمّ انه قال بعض الأعاظم: (و بازاء هذه النصوص خبر علي بن جعفر المتقدم

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب المواقيت، ح 4.

(2)- محمد بن عيسي بن

عبد اللّه بن سعد شيخ القميين و وجه الاشاعرة من السابعة.

(3)- القمي الثقة من كبار السابعة.

(4)- ثقة مشهورم السادسة.

(5)- جليل القدر من الخامسة.

(6)- وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب المواقيت ح 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 457

«عن رجل ترك الإحرام حتي انتهي إلي الحرم فأحرم قبل أن يدخله؟ قال: إن كان فعل ذلك جاهلا فليبن مكانه ليقضي إن ذلك يجزيه إن شاء اللّٰه و إن رجع إلي الميقات الّذي يحرم منه أهل بلده فإنه أفضل» فإنه صريح في عدم وجوب الرجوع إلي الميقات إذا كان جاهلًا و جواز الإحرام من غير الميقات حتَّي مع التمكن من الرجوع إليها. و لا يخفي أن المراد بقوله (فليبن مكانه) أنه يبني علي إحرامه و يعتمد عليه و يمضي و لا يرجع إلي الميقات ليعيده، و أما ما احتملنا سابقا من تصحيف كلمة (فليبن) و احتمال كونها (فليلبي) فبعيد جدّاً لأنَّ المفروض في السؤال أنه أحرم و لبي فلا حاجة إلي التلبية ثانيا بعد إجزاء الأوّل و العمدة ضعف الخبر بعبد اللّٰه بن حسن فإنه غير مذكور في الرجال بمدح و لا قدح و لو اغمضنا النظر عن ضعف الخبر سنداً لقلنا بعدم وجوب الرجوع بمقتضي هذا الخبر و حمل ذلك الروايات علي الاستحباب و لكن لضعفه لا يمكن الاعتماد عليه فلا حاجة إلي القول بكونه شاذاً و لا قائل بمضمونه) «1»

أقول: أما الكلام في سند الرواية لأنَّ عبد اللّٰه بن حسن غير مذكور في كتب الرجال بمدح و لا قدح ففيه: أن مجرد ذلك لا يوجب الطعن علي السند إذا ثبت وثاقة الرجل بأمارات أخري أو ثبت صدقه في روايته ببعض الإمارات فلم تنزل آية و ما وردت

رواية بترك الحديث إذا لم يكن راويه مذكوراً في كتب الرجال و كان هنا شاهد بل شواهد تدل علي صدور الحديث و قوة سنده

و علي هذا نقول: إن الحديث مروي في كتاب قرب الاسناد للشيخ المحدق الجليل عبد اللّٰه بن جعفر الحميري الفقيه الثقة شيخ القميين و وجههم و هو من كبار

______________________________

(1)- معتمد العروة: 2/ 436.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 458

الطبقة الثامنة في طبقات سيدنا الاستاذ الاعظم قدس سره يروي عن جماعة من الشيوخ منهم عبد اللّٰه بن الحسن بن علي بن جعفر «1» و يروي عنه جماعة من أكابر المشايخ و مثل هذا الرجل الفذ الثبت يروي في باب قرب الإسناد إلي مولانا أبي إبراهيم موسي بن جعفر عليها السلام عن عبد اللّٰه بن الحسن هذا مسائل جده علي بن جعفر عن أخيه الامام ما تبلغ علي إحصائنا (488) ثمانية و ثمانين و اربعمأة سؤال في أبواب الفقه من العبادات و المعاملات.

و الظاهر أنها كتابه الذي قالوا في كتب الرجال عنه: له كتاب ما سأله عنه أي عن أخيه الإمام موسي بن جعفر عليها السلام و الظاهر أنه كان عند الحميري موثوقا به و كان معتمدا علي حديثه بل الظاهر أنَّه كان عارفا بتلك المسائل و كتاب علي بن جعفر إلا أنَّه أخذه عنه علي ما استقر عليه سيرة أهل الحديث من عدم التحديث بالوجادة.

و بالجملة لا ينبغي تضعيف مثل هذا الرجل بمجرد ما ذكر فإنه يوجب حرمان الفقهاء عن فقه واسع و علم كثير فالحديث معتمد عليه و المسائل المذكورة من أثمن ما عندنا من علوم أهل البيت عليهم السلام و كل علومهم ثمينة غالية لا يوجد مثلها عند غيرهم نفعنا اللّٰه بعلومهم

صلوات اللّٰه عليهم أجمعين.

و أما لفظ الحديث ففي الوسائل: «سألته عن رجل ترك الإحرام حتي انتهي إلي الحرم فأحرم قبل أن يدخله؟ قال: إن كان فعل ذلك جاهلا فليبن مكانه ليقضي فإن ذلك يجزيه إن شاء اللّٰه و إن رجع إلي الميقات الَّذي يحرم منه أهل بلده فإنه أفضل» «2» و في النسخة المطبوعة من قرب الإسناد بأمر سيدنا الأستاد قدس سره ذكر بدل

______________________________

(1)- احتمال أن يكون علي بن جعفر الجد الامي لعبد اللّٰه بن الحسن لا و وجه له و لا يعتني به.

(2)- وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب المواقيت ح 17.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 459

«فليبن مكانه ليقضي»، «فليبين مكانه و ليقض» و ذكر بدل «فإنه»، «فهو» «1» و يمكن أن يكون المراد من قوله: «فليبين مكان و ليقض» أنه يعين المكان الذي أحرم منه و يلبي منه و يقضيه.

و كيف كان الظاهر أن هذا خاص بالنسبة إلي ما دل علي وجوب الرجوع إن أمكن فلا يجب عليه إن أحرم و شاهد ذلك أنه قال قبل ذلك: «و سألته عن رجل ترك الإحرام حتي انتهي إلي الحرم كيف يصنع قال: يرجع إلي ميقات أهل بلده الذي يحرمون منه فيحرم» و هذا بإطلاقه يشمل الجاهل الَّذي أحرم قبل أن يدخل الحرم و السؤال الثاني جوابه يقيد ذلك الإطلاق و يخصه بمن لم يحرم قبل دخوله الحرم و إطلاق فتاواهم و إن كان علي خلاف ذلك و لكن بعد دلالة الدليل و عدم ثبوت إعراضهم عنه يمكن القول به و لكن لا يترك الاحتياط بالرجوع إلي الميقات.

ثمّ إن السيد في العروة ألحق بالناسي و الجاهل في الحكم المذكور من جاوز الميقات محلا لعدم كونه قاصدا

النسك و لا لدخول مكة ثمّ بدا له فإنه يرجع إلي الميقات مع التمكن و إلي ما أمكن مع عدمه و الاستدلال لذلك بالإجماع فيه ما فيه و باطلاق قوله: «رجل ترك الإحرام» أيضا فيه أن إطلاقه لا يشمل المورد لأنَّه وارد فيمن كان قاصدا للنسك و ترك الإحرام أو نسي.

اللَّهم إلَّا أن يكون ذلك بالتمسك بالمفهوم و الأولوّية القطعية فإنه إذا كان وجوب الإحرام من الميقات بالجهل و النسيان ساقطا عن الذي هو مكلف به لعدم تمكنه الذهاب إلي الميقات فسقوطه عنه إذا لم يكن ماموراً به حين المرور علي الميقات أولي و يمكن التمسك لذلك بقوله عليه السلام في ذيل صحيح الحلبي «فإن خشي أن

______________________________

(1)- مسائل علي بن جعفر السؤال 303.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 460

يفوته الحج أحرم من مكانه» و اللّٰه العالم.

[مسألة 20] من نسي إحرام الحج و تمكن من العود

مسألة 20- لو نسي المتمتع الإحرام للحج بمكة و ذكر ذلك و هو متمكن من العود إلي مكة و الإحرام منها يجب عليه ذلك لوجوب الإحرام عليه من مكة و تمكنه منه.

و ما ربّما يدل علي أنه إن ذكر ذلك و هو بعرفات لا يجب عليه العود مطلقا، منزل علي عدم التمكن من الرجوع و درك الموقف فلا إطلاق له يشمل صورة التمكن من العود كما إذا كان في عرفات أول يوم عرفة فإنه متمكن من العود إلي مكة في مثل أزمنتنا هذه بل هو متمكن من الرجوع إلي مكة و درك الوقوف الركني من عرفات إذا ذكر ذلك بعد زوال يوم عرفة مثلا.

و لا يقال: إنه لا يجوز منع إطلاق الدليل فيما إذا ذكر ذلك بعد زوال يوم عرفة و إن كان متمكنا من العود إلي مكة لإمكان أن

يكون الحكم بكفاية الإحرام من عرفات أنه إن خرج بعد الزوال إلي مكة للاحرام منها يفوته بعض زمان الوقوف الواجب عليه و إن لم يكن ركنا و لا يفوت الحج بفوته منه.

لأنّه يقال: إنَّ هذا فرض لم يكن متيسراً للناس إلا للأوحدي منهم و بمقتضي الحال في تلك الازمنة من ذكر ذلك و هو بعرفات عاجز عن العود إلي مكة و علي هذا لا دليل يدل علي عدم وجوب العود إلي مكة إذا أمكن له درك الوقوف الركني من عرفات فيجب عليه العود إلي مكة في صورة عدم فوت الحج منه بالعود بمقتضي القاعدة.

و بالجملة لا دليل هنا يدل علي أزيد عن جواز الإحرام للحج من غير مكَّة

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 461

إذا خاف فوت الحج بالعود إليها دون ما إذا لا يخاف من ذلك.

و علي هذا صحيح علي بن جعفر عن أخيه موسي بن جعفر عليهما السلام قال:

«سألته عن رجل نسي الإحرام بالحج فذكر و هو بعرفات ما حاله؟ قال يقول: اللَّهم علي كتابك و سنة نبيك صلي الله عليه و آله و سلم فقد تم إحرامه فإن جهل أن يحرم يوم التروية بالحج حتَّي رجع إلي بلده إن كان قضي مناسكه كلها فقد تمَّ حجه» «1» دلالته مقصورة علي المتذكر الَّذي لم يتمكن من العود إلي مكة لخوف فوت الحج منه كما هو الحال غالباً في تلك الأزمنة.

و يمكن استفادة ذلك من قوله عليه السلام في ذيل ما رواه الحلبي في الصحيح: «فإن خشي أن يفوته الحج فليحرم من مكانه» فما دام يمكن لمن نسي الإحرام أو جهل أن يحرم الإحرام من ميقاته و درك الحج يرجع إليه فإذا خاف ذلك يحرم من

مكانه.

و لا يخفي عليك أنه يستفاد من صحيح علي بن جعفر عدم الفرق في عذره للترك بين النسيان و الجهل و إلا يكون قوله: «فإن جهل …» بيانا لحكم موضوع آخر غير ما كان موردا للسؤال و هو خلاف الظاهر.

و بالجملة فحكم النسيان و الجهل في المسألة سواء هذا و يستفاد حكم المشعر و ما بعده من ذيل الصحيح بالأولويَّة.

ثمّ إنَّه لو أحرم من غير مكّة نسياناً أو جهلا و لم يتمكن من العود إليها قال في العروة: (صحيح إحرامه من مكانه).

و فصل بعض الأعاظم فقال: (إن كان حال الإحرام متمكنا من الذهاب إلي مكة و لكن حال الذكر غير متمكن منه فلا بد من الذهاب إلي مكة و إن كان حين

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب المواقيت ح 8.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 462

الإحرام غير متمكن من الرجوع إلي مكة فلا حاجة إلي الاحرام ثانيا بل يكتفي بنفس الإحرام الأوَّل لأنه قد أتي بالوظيفة الواقعية) «1»

أقول: التفصيل المذكور حسن و لكن قوله: (فلا بدَّ من الذهاب إلي مكة) من سهو القلم و كأنه ينبغي أن تكون العبارة: (فلا بد من الاحرام من مكانه). و اللّٰه العالم.

[مسألة 21] من نسي الاحرام و لم يذكر حتي أكمل مناسكه

مسألة 21- قال في الجواهر: («لو نسي الاحرام و لم يذكر حتي أكمل مناسكه قيل») و القائل ابن ادريس «يقضي» أي يؤدي ما كان يريد الإحرام له من حج أو عمرة «إن كان واجبا و قيل» و القائل المشهور شهرة عظيمة بل في الدروس نسبته إلي الأصحاب عدا الحلّي «يجزيه و هو المروي» في مرسل جميل عن أحدهما عليهما السلام السابق المنجبر سنده بما عرفت بل و في صحيح جميل بناءً علي إرادة، ما يعم النسيان من

الجهل فيه أو أنه ملحق به في الحكم و علي عدم الفرق بين إحرام الحج و غيره مؤيداً ذلك كله بالعسر و الحرج في وجوب القضاء بالنسيان الَّذي هو كالطبيعة الثانية للإنسان و يكون الإحرام كباقي الأركان الَّتي لا يبطل الحج بفواتها عدا نسيان الموقفين كما صرَّح به في المسالك و بذلك يخرج عمّا يقتضيه البطلان من إطلاق ما دل علي اعتبار الإحرام أو عمومه علي وجه يقتضي عدم الإتيان بالمأمور به علي وجهه مع عدمه نعم قد سمعت التقييد في المرسل المزبور بما إذا كان قد نوي ذلك و قد يقال: إن المراد به نية الحج بجميع أجزائه و قد سمعت أيضا عبارة النهاية إنما الكلام في المراد

______________________________

(1)- معتمد العروة: 2/ 441.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 463

بالاحرام الخ). «1»

أقول: قال الشيخ قدس سره في النهاية: (و من نسي الإحرام بالحج إلي أن يحصل بعرفات جدِّد الإحرام بها و ليس عليه شي ء فإن لم يذكر حتَّي يرجع إلي بلده فإن كان قد قضي مناسكه كلها لم يكن عليه شي ء) «2». و مثله قال في المبسوط «3» غير أنه قال فيه بدل (و ليس عليه شي ء): (و لا شي ء عليه).

و أما الحليّ فذكر في السرائر كلام شيخه في النهاية و قال: (علي ما ذكر شيخنا أبو جعفر في نهايته و قال في مبسوطه أما النية فهي ركن في الأنواع الثلاثة.

من تركها فلا حج له عامدا كان أو ناسيا إذا كان من أهل النيّة قال بعد ذلك: و علي هذا إذا فقد النية لكونه سكران. هذا آخر كلامه رحمه اللّٰه. قال محمد بن إدريس رضي اللّٰه عنه: الذي يقتضيه اصول المذهب ما ذهب إليه في مبسوطه لقوله

تعالي:

(و ما لأحد عنده من نعمة تجزي إلا ابتغاء وجه ربه الأعلي) و قول الرسول صلي الله عليه و آله و سلم:

الأعمال بالنيات و إنما لامرئ ما نوي) و هذا الخبر مجمع عليه و بهذا أفتي و عليه أعمل فلا يرجع عن الأدلة بأخبار الآحاد إن وجدت) «4».

أقول: في كلام الحلّي مواقع من النظر:

الأول: أنه ذكر كلام الشيخ في تفصيل فرائض الحج و ظنَّ به أن مختاره في مسألتنا هذه غير ما اختاره في النهاية مع أنه أفتي بما أفتي به في النهاية بعينه في مبسوطه أيضا في فصل ذكر الإحرام بالحج و نزول مني … و قد سمعت كلامه

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 18/ 133.

(2)- النهاية/ 248.

(3)- المبسوط 1/ 365.

(4)- السرائر: 1/ 584.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 464

الشريف، و لكن الحلّي قدس سره كأنّه لم يلتفت إليه و إلي أنَّ كلامه الَّذي نقل عن الشيخ في المبسوط في مسألة النيَّة و هي غير هذه المسألة و إليك كلام الشيخ قال:

(أمّا النية فهي ركن في أنواع الثلاث من تركها فلا حج له عامداً كان أو ناسيا إذا كان من أهل النية فإن لم يكن من أهلها أجزأت نية غيره عنه و ذلك مثل المغمي عليه يحرم عنه وليه و ينوي و ينعقد إحرامه و كذلك الصّبي يحرم عنه وليّه و علي هذا إذا فقدت النية لكونه سكراناً و إن حضر المشاهد و قضي المناسك لم يصح حجّه بحال) «1». و بعد ذلك لا حاجة إلي توضيح ما وقع فيه من الوهم و بيان عدم ارتباط مسألة نية الحج بمسألتنا هذه.

الثاني: في استدلاله بالآية الكريمة فإنها ظاهرة في اعتبار الخلوص في النيَّة و لو كان المراد منها اعتبار

النية في العمل العبادي أو في استناد الفعل إلي فاعله و اعتبار ذلك في حسن مدحه به فالمقام ليس من صغرياته فإن المناسك قد حصل منه بنيّة الحج و الإحرام لم يأت منه رأسا و معني صحة المناسك و الحج بدون الإحرام كون المناسك المأتي بها في حال نسيان الإحرام فرداً للحج.

نعم: إن لم يمكن نية الحج بدون الإحرام و نيّته كان لكلامه وجه اللَّهم إلَّا أن يقول: إنَّ الإحرام و التلبية في الحج بمنزلة تكبيرة الإحرام في الصَّلاة و لكنه مجرد الدعوي و كالاجتهاد في مقابل النص علي القول بحجيّة الخبر.

الثالث: في تمسكه ب «إنّما الأعمال بالنيّات» «و إنما لكل امرئ ما نوي» فإنه أيضا يدل علي لزوم- الإخلاص في العمل و هو موجود في ما أتي به من المناسك و أمّا الأحرام فلم يأت به رأساكما مرَّ و الآية و الرواية يستدل بهما في العمل الماتي به

______________________________

(1)- المبسوط: 1/ 382.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 465

لا ما لم يؤتي به فتدبر.- هذا ما يرجع إلي كلام ابن إدريس عليه الرحمة.-

و أمَّا ما أفاده صاحب الجواهر قدس سره فالذي يستفاد من كلامه في وجه القول المشهور أمور:

الأول: الشهرة حتي أن في الدروس نسبة هذا القول إلي الأصحاب عدا الحلّي. و في الاستدلال بها أنّها لا تكشف عن وجود نص خاص معتبر يدل علي الإجزاء بقول مطلق في الحج و في عمرة التمتع و العمرة المفردة الواجبة علي حد سواء.

اللَّهم إلّا أن يقال: إذا لم يكن فيما بأيدينا من الأخبار ما يدل علي ذلك بالإطلاق بل ما بأيدينا خاص بالحج و غاية الأمر يشمل عمرة المتمتّع بها إلي الحج دون العمرة المفردة فلا بد من قبول

كون فتواهم بالإطلاق مستندا إلي رواية غير ما عندنا من رواياتهم.

و فيه: أنه يمكن أن يقال بمثل ذلك في توجيه الشهرة و لكن يردّ بأن مرسل جميل صالح لأن يكون وجهاً لفتواهم فلعلّه كان عندهم بعض الامارات الموجب لظنهم بصدوره و سيأتي أنّ الوجه اعتباره و صحَّة الاعتماد عليه.

الثاني: كون الإحرام كباقي الأركان غير الموقفين في عدم بطلان الحج بتركه نسيانا و يؤيد ذلك أن الحكم بكونه مبطلا للحج موجب للعسر و الحرج.

و بعبارة اخري: أنه لو كان النسيان الَّذي هو كالطبيعة الثانية للإنسان في مثل أجزاء الحج و شرائطه الكثيرة الَّتي لا ينفك غالبا المكلف عن نسيان بعضه موجبا للبطلان و وجوب القضاء، يقع المكلَّف به في العسر و الحرج بتكرار الحج و ذلك قرينة علي عدم إطلاق في ما يدل علي شرطية الأجزاء و الشرائط و معها لا يتم الاستدلال بإطلاق أدلة الأجزاء لجزئيتها في حال النسيان. نعم قد دل الدليل

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 466

بالخصوص في نسيان الموقفين علي بطلان الحج و وجوب القضاء إن كان واجبا.

الثالث: الروايات فمنها صحيح علي بن جعفر عن أخيه موسي بن جعفر:

الذي مرّ ذكره و في ذيله قال عليه السلام: «فإن جهل أن يحرم يوم التروية بالحجّ حتي رجع إلي بلده إن كان قضي مناسكه كلها فقد تمَّ حجه» «1» و هذا وارد في الحج فلا يتعدي منه إلي العمرة سواء كانت عمرة حج التمتع أو المبتولة

و هل هو مختص بحج التمتع أو يشمل القران و الإفراد؟ لا يبعد شموله لها بدعوي المساواة القطعية.

و هل هو مختص بصورة الجهل فلا يشمل النسيان أو يشمله؟ بدعوي أن من معاني الجهل فعل الشي ء بخلاف ما حقّه أن يفعل

كما ذكره الراغب فمن ترك ما حقه أن يفعل أو فعل ما حقه أن لا يفعل و إن كان ذلك بالنسيان فهو جهل أن يفعل أو أن لا يفعل و استشهد لذلك بقوله تعالي: «و أ تتّخذنا هزواً قال أعوذ باللّٰه أن أكون من الجاهلين» و قوله تعالي: «أن تصيبوا قوما بجهالة»

و لكن يرد علي ذلك بأن الظاهر من استعمال الجهل هو المعني الَّذي مقابل للعلم و لا يعدل عنه إلا بالقرينة و علي هذا فلا يلحق النسيان بالجهل موضوعا أمَّا حكما فإلحاق النسيان بالجهل البسيط في الحكم لكون الناسي كالجاهل غافلا عن الحكم و كان الجاهل أيضا نسي السؤال عن الحكم كما أنَّ النّاسي نسي أصل الحكم، و لكن كلّ ذلك لا يسمن و لا يغني من جوع لا يعتمد عليه في الحكم الشرعي.

فالأولي أن يقال في بيان استفادة حكم النّاسي أيضاً من الصحيح: إن صدره يدل علي أنَّ السائل (علي بن جعفر) سأل أخاه عليه السلام عن رجل نسي الإحرام بالحج

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب المواقيت ح 8.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 467

فذكر و هو بعرفات فأجابه الامام عليه السلام حكم المسألة بالتفصيل و أنه إن ذكر ذلك و هو بعرفات يقول كذا و تم إحرامه و إن جهل و ذكر ذلك بعد رجوعه إلي بلده و قضائه المناسك كلّها تمّ حجه و إنما قال: فإن جهل لكون الملاك و الاعتبار في الحكم العذر و هو أعم من الجهل و النسيان.

و بالجملة فالصحيح ظاهر في ذلك فلا فرق في الحكم بين الجاهل و الناسي و الظاهر أن مراد صاحب الجواهر من الصحيح هذا الصحيح صحيح علي بن جعفر لا صحيح جميل

فهو من سهو القلم.

و منها ما رواه جميل بن دراج عن بعض أصحابنا عن أحدهما عليه السلام: «في رجل نسي أن يحرم أو جهل و قد شهد المناسك كلّها و طاف و سعي قال: تجزيه نيّته إذا كان قد نوي ذلك فقد تم حجه و إن لم يهل» الحديث «1». و لا يعتد بتضعيف سنده البعض بالإرسال فإن جميل بن دراج الَّذي هو من الخامسة ممن أجمعت العصابة علي تصحيح ما يصحّ عنهم و أقروا لهم بالفقه و تصديق ما يقولون أولًا و ثانياً تعبيره عمن روي عنه ببعض أصحابنا تعظيم له و مثل هذا الارسال لا يخرج الحديث عن الحجّية و الاعتماد عليه مضافا إلي أن ضعفه إن كان فيه منجبر بعمل الأصحاب.

و علي هذا المهم النظر إلي دلالته فنقول: أمّا أن الحكم المذكور فيه يعمّ الجهل و النسيان فهو صريح فيه و أمّا دلالته علي إجزاء حجه بأنواعه الثالثة فهو أيضا ظاهر بإطلاق السؤال و الجواب.

و هل يشمل السؤال و الجواب ما إذا نسي أو جهل ذلك من أول عمرة التمتع إلي آخر حجّه لإطلاق حجّ التمتّع عليهما و لعدم تصور خصوصيه في ذلك الظاهر

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 20 من أبواب المواقيت ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 468

شموله له نعم يمكن منع الإجزاء المذكور إذا ذكر ذلك بعد إتمام عمرة التمتّع فإنه لم يشهد المناسك كلها فلا يشملها و لا العمرة المفردة واجبة كانت أو مندوبة

اللَّهم إلّا أن يقال: إنَّ تعليل الإجزاء بنية الإحرام أو نية المناسك يعم الجميع و مقتضي الاحتياط هو الاقتصار علي حج القران و الإفراد و التمتّع دون عمرة التمتّع إذا لم يأت بحجّه و دون العمرة المبتولة.

و اللّٰه هو العالم.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 471

الكلام في مقدمات الإحرام

اشارة

الكلام في مقدمات الإحرام و هي كثيرة نشير إلي بعضها إن شاء اللّٰه تعالي في طي مسائل:

[مسألة 1] رجحان توفير شعر الرأس

مسألة 1- لا ريب في رجحان توفير شعر الرأس لإحرام الحج من أول ذي القعدة لجملة من الأخبار:

منها صحيح ابن سنان (مسكان) عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «لا تأخذ من شعرك و أنت تريد الحج في ذي القعدة و لا في الشهر الَّذي تريد فيه الخروج إلي العمرة» «1». و منها موثق محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «خذ من شعرك إذا أزمعت علي الحج شوال كلّه إلي غرة ذي القعدة» «2». و منها صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومٰاتٌ: شوال، و ذو القعدة، و ذو الحجة، فمن أراد الحج وفر شعره إذا نظر إلي هلال ذي القعدة و من أراد العمرة وفر شعره

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب الاحرام ح 1.

(2)- وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب الاحرام ح 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 472

شهراً» «1». و صحيح عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «اعف شعرك للحج إذا رأيت هلال ذي القعدة و للعمرة شهرا» «2» و منها غيرها.

و هل تشمل هذه الأخبار شعر اللّحية كشعر الرأس؟ يمكن منع الإطلاق بأن توفير الشعر إنما رغب فيه لمكان الحلق و هو مختص بالرأس و من المعلوم أنها لا يشمل شعر سائر الجسد بل يستحب إزالته عن بعض مواضع الجسد كإبطيه.

و لكن يمكن أن يقال: إن من الممكن كون الحكمة في توفير شعر الرأس و اللحية و النهي عن الأخذ من شعر هما إهمالهما و عدم الاعتناء بإصلاحهما. و

جاء في خبر سعيد الأعرج عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «لا يأخذ الرَّجل إذا رأي هلال ذي القعدة» و أراد الخروج من رأسه و لا لحيته» «3» إلا أنّه ضعف بالإرسال.

و في رواية ابن الفضيل عن أبي الصباح الكناني قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام:

عن الرجل يريد الحج أ يأخذ شعره في أشهر الحج؟ فقال: لا و لا من لحيته» الحديث «4». و ضعف بأنّه مردد بين كونه محمد بن الفضيل الأزدي الضعيف و كونه محمد بن القاسم بن الفضيل الثقة الَّذي يعبَّر عنه كثيراً باسم جده.

و يمكن أن يقال: إنه و إن كان محمد بن الفضيل الأزدي إلا أنه رمي بالغلو و الضعف و مجرد الرمي بالغلو إذا لم نعلم لا يوجب الحكم عليه الضعف بعد ما نعلم أنه رمي بعض الرواة بذلك بروايتهم بعض الفضائل ممَّا كان عند البعض حسب اجتهاده غلوا.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب الاحرام ح 4.

(2)- وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب الاحرام ح 5.

(3)- وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب الاحرام ح 6.

(4)- وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب الاحرام ح 4.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 473

و بالجملة فللرّجل كتاب يرويه جماعة من الأعيان عددهم يزيد علي أربعين كمحمد بن الحسين أبي الخطاب الشيخ الممدوح بأنه جليل من أصحابنا عظيم القدر كثير الرواية ثقة عين حسن التصانيف مسكون إلي روايته له تصانيف و كأحمد بن محمد بن أبي نصر و الحسن بن محبوب و الحسين بن سعيد و عبد العظيم بن عبد اللّٰه الحسني و محمد بن إسماعيل ابن بزيع و محمد بن خالد البرقي و غيرهم و أظن أن ذلك يكفي في الاعتماد

عليه.

و كيف كان مقتضي إطلاق هذه الروايات عدم الفرق بين أنواع الحج و بين المندوب منه و الواجب بالاستطاعة أو بالنذر و أخويه بل و بالإجارة و بين العمرة الواجبة كذلك و المندوبة. و لعل هذا كان الوجه لاستظهار الاستحباب من الروايات.

و مع ذلك هنا ما يدل علي عدم الوجوب مثل صحيح علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام قال: «سألته عن الرّجل إذا هم بالحج يأخذ من شعر رأسه و لحيته و شاربه ما لم يحرم؟ قال: لا بأس» «1».

و بعد ذلك فالقول الصحيح هو استحباب توفير الشعر مضافا إلي أن مثل هذا الموضوع المبتلي به و كان واجباً لذاع و شاع.

و بعد ذلك يبقي الكلام في صحيح جميل قال: «سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن متمتع حلق رأسه بمكة؟ قال: إن كان جاهلا فليس عليه شي ء فإن تعمَّد ذلك في أول الشهور للحج (شهور الحج) بثلاثين يوما فليس عليه شي ء، و إن تعمَّد بعد الثلاثين الَّتي يوفر فيها للحج (يوفر فيها الشعر للحج) فإن عليه دما يهريقه» «2». و ظاهره أن السؤال

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب الاحرام ح 6.

(2) وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب الاحرام ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 474

وقع عن المتمتع الَّذي حلق رأسه بعد إحرامه لعمرة التمتع أو بعد إتمامه عمرة التمتع و كلامنا في حكم إزالة الشعر قبل الإحرام و ذلك لأنَّ المتمتع الَّذي يحلق رأسه بمكة قد دخل فيها بعمرة التمتع فهو إن كان جاهلًا فليس عليه شي ء و إن تعمد ذلك في أول شهور الحج بثلاثين يوما يعني في شوال فليس أيضا عليه شي ء.

و ربما يتبادر من قوله: «و إن تعمد بعد

الثلاثين …» ان تعمد بعد شوال في ذي القعدة غير أن الظاهر من لفظ الحديث أن التي يوفر فيها صفة للثلاثين و المراد به شهر ذي القعدة و بعده يكون ذو الحجة فيكون المعني أنه إن تعمد ذلك في ذي الحجة عليه دم يهريقه فيكون الجواب ساكتا عن حكم من حلق رأسه في ذي القعدة.

و قيل: إن الظاهر أن كلمة «التي يوفر فيها» للحج صفة لقوله «بعد» و المراد من الثلاثين «الثلاثين» المذكور في الجملة السابقة يعني شوال فيكون المعني أنه إن تعمد ذلك بعد شوال في ذي القعدة فعليه دم يهريقه. لكن ذلك خلاف القواعد الأدبية.

و يستفاد من الحدائق أنه لا بد من تقدير مضاف في البين و ليس تقدير المضي الَّذي هو في الفساد أظهر أن يراد بأولي من تقدير الدخول الّذي به يتم المراد و تنظيم الرواية مع الروايات السابقة علي وجه لا يعتريه الشك و الإيراد «1».

و اورد عليه بأن التقدير لا يلزم إن أخذنا بظاهر اللّفظ لأنَّ معني بعد الثلاثين هو معني بعد مضي الثلاثين لا حاجة إلي تقدير المضي اللَّهم إلَّا أن يقول: إن هذا المعني مغسول عن الفصاحة لا يمكن نسبته إلي تلك الساحة فلا بد من تقدير الدخول حتَّي يفهم منه المراد.

______________________________

(1)- الحدائق الناضرة: 15/ 8.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 475

فتحصَّل من ذلك كله انَّ استفادة حكم حرمة الحلق قبل الاحرام من الصحيح في غاية الإشكال لو لم نقل إنه ظاهر فيما بعد الإحرام و العمل به في خصوص الحلق بعد الإحرام موافق للاحتياط و علي ذلك كله يسقط ما اختاره المفيد رضوان اللّٰه تعالي عليه بعدم الدليل.

[مسألة 2] حكم غسل الإحرام

مسألة 23- لا خلاف في مشروعية غسل الإحرام، و

الاخبار به كما قال في الجواهر كادت تكون متواترة تتجاوز علي ما أحصيناه عن ثلثين حديثا و جلُّها قاصرة عن إفادة وجوبه.

نعم في بعضها مثل موثقة سماعة أنه واجب بهذا اللفظ: «و غسل المحرم واجب» «1» و لكن الرواية مشتملة علي وجوب كثير من الأغسال المستحبة المعلوم عدم وجوبها، ففيها: (غسل المولود واجب و غسل يوم عرفة واجب و غسل الزيارة واجب و غسل دخول البيت واجب) «غسل المباهلة واجب و غسل الاستسقاء واجب». و علي هذا غاية ما يستفاد منها ثبوتها علي المكلف و هو أعم من أن يكون واجباً عليه كغسل الجنابة و مسِّ الميت أو مستحبا كطائفة من الأغسال المذكورة فيها.

و في التهذيب عن أحمد بن محمد «2» عن أبيه «3» عن أحمد بن إدريس «4» عن

______________________________

(1)- تهذيب الاحكام: باب الاغسال ح 270/ 2.

(2)- لم يتعين لي من هما و الظاهر أن الاول من العاشرة و الثاني من التاسعة.

(3)- لم يتعين لي من هما و الظاهر أن الاول من العاشرة و الثاني من التاسعة.

(4)- من الثامنة: أبو علي الاشعري ثقة فقيه في أصحابنا …

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 476

محمد بن أحمد بن يحيي «1» عن محمد بن عيسي «2» عن يونس «3» عن بعض رجاله عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «الغسل في سبعة عشر موطنا منها الفرض ثلاثة. فقلت:

جعلت فداك ما الفرض منها؟ قال: غسل الجنابة، و غسل من غسل ميتا و الغسل للإحرام» «4» و في سنده مضافا إلي الإرسال ما ذكرناه في الذيل فلا يعتمد عليه و قال الشيخ في التهذيب: «و أما قوله: و الغسل الاحرام و إن كان عندنا أنه ليس بفرض فمعناه أن ثوابه ثواب

غسل الفريضة».

و ممَّا ربما يوهم الوجوب من الأخبار ما فيه: «عليه إعادة الغسل» مثل صحيح النضر بن سويد عن أبي الحسن عليه السلام قال: «سألته عن الرجل يغتسل للإحرام ثمَّ ينام قبل أن يحرم؟ قال: عليه إعادة الغسل» «5». و مثل صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إن لبست ثوبا في إحرامك لا يصلح لك لبسه فلب و أعد غسلك» «6» و مثل ما رواه محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: «إذا اغتسل الرجل و هو يريد أن يحرم فلبس قميصا قبل أن يلبّي فعليه الغسل» «7» و مثل صحيح عمر بن يزيد عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «إذا اغتسلت للإحرام فلا تقنع و لا تطيب و لا تأكل

______________________________

(1)- من السابعة جليل القدر كثير الرواية يعتمد المراسيل و استثني ابن الوليد من رواياته ما يروي عن جماعة منهم محمد بن عيسي بن عبيد.

(2)- مختلف فيه و عن ابن الوليد قال: (ما تفرد به محمد بن عيسي من كتب يونس و حديثه لا أعتمد عليه) و هو من السابعة..

(3)- من السادسة ابن عبد الرحمن، راجع ما قيل فيه من جلالة مقامه و الطعن؟ جامع الرواة.

(4)- تهذيب الاحكام: باب الاغسال ح 271/ 3

(5)- وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب الاحرام ح 1.

(6)- وسائل الشيعة: ب 13 من أبواب الاحرام ح 3 و هذا و الحديث الاول من هذا الباب واحد و في الوسائل جعله اثنين الاول و الثالث.

(7)- وسائل الشيعة: ب 11 من أبواب الاحرام ح 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 477

طعاما فيه طيب فتعيد الغسل». «1» فلا دلالة لمثل هذه الأخبار علي وجوب الغسل بل هي تفصيل

و تفريع علي حكم غسل الإحرام مستحباً كان أو واجباً.

و يدل عليه من نفس هذه الرِّوايات صحيح عيص بن القاسم قال: «سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن الرجل يغتسل للاحرام بالمدينة و يلبس ثوبين ثمّ ينام قبل أن يحرم؟ قال ليس عليه غسل). «2» و مورده و مورد صحيح النضر الَّذي قال فيه: «عليه إعادة الغسل» «3» واحد و مثل هذا قرينة علي أنّ هذه الأخبار وردت بيانا و تفصيلا لحكم غسل الإحرام لا يثبت بها وجوبه كما لا يخفي.

و أما صحيح الحسن بن سعيد قال: «كتبت إلي العبد الصالح أبي الحسن عليه السلام:

رجل أحرم بغير صلاة أو بغير غسل جاهلا أو عالما ما عليه من ذلك و كيف ينبغي له أن يصنع؟ فكتب يعيده» «4»

فغاية ما يدل عليه كمال اهتمامهم بدرك فضيلة غسل الإحرام و صلاة له أن يعمل و يتدارك الأجر الَّذي فات منه فكتب عليه السلام: «يعيده» يعني يعيد الإحرام بعد الصلاة و الغسل.

هذا مضافا إلي ما رواه الصدوق بإسناد متعددة يؤيد بعضها البعض عن الفضل بن شاذان عليه الرحمة عن مولانا أبي الحسن الرضا عليه السلام فيما كتبه للمأمون لما سأل منه عليه السلام أن يكتب له محض الإسلام علي سبيل الإيجاز و الاختصار:

«و غسل الإحرام و … هذه الأغسال سنة و غسل الجنابة فريضة و غسل الحيض

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 13 من أبواب الاحرام ح 2

(2)- وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب الاحرام ح 3.

(3)- وسائل الشيعة: ب 10 من ابواب الاحرام ح 1.

(4)- وسائل الشيعة: ب 20 من ابواب الاحرام ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 478

مثله» و الظاهر أن المراد من السنة في هذا الحديث الطويل المذكورة

في الموارد الكثيرة المندوب و المستحب قبال الواجب و الفريضة و إلا يلزم عدم استيفاء الإمام عليه السلام بيان ما كان بصدده من الواجب و المندوب و الإهمال في الجواب.

و مما ذكرنا في الطائفة الثانية من الروايات الَّتي فيها التعبير عن الحكم بعلية الغسل أو إعادة الغسل أو يعيده يظهر أن كلام بعض الفقهاء بهذا النسق مثل شيخنا الصدوق رحمهم الله محمول علي إرادة الاستحباب أو بيان الوظيفة في الموارد المذكورة و أنه هل يكتفي بالغسل الَّذي أتي به أو يجدده؟ و بالجملة إذا كان الأمر مذكورا في سياق الأوامر المستحبة يكون ظاهرا في الاستحباب.

و بعد ذلك كله نقول: لو كان هنا رواية صريحة في وجوب الغسل لا يصح الاعتماد عليه بعد إعراض جل الفقهاء لو لا الكل عنه فهذا الشيخ ادعي في الخلاف عدم الخلاف في استحباب غسل الإحرام «1» و الظاهر منه نفي خلاف جميع الفقهاء.

و في التذكرة بعد ما قال: (هذا القول ليس واجبا في قول أكثر أهل العلم قال:

قال ابن المنذر أجمع أهل العلم علي أنّ الإحرام جائز بغير اغتسال و أنّه غير واجب و حكي عن الحسن أنّه قال: إذا نسي الغسل فليغتسل إذا ذكر، و ليس دالا علي الوجوب) «2»

و عن حج التحرير: (أنه ليس بواجب إجماعا) «3»

و في المختلف قال: (المشهور أن غسل الإحرام مستحب اختاره الشيخان حتّي أنّ المفيد رحمه اللّٰه قال: غسل الإحرام للحج سنة أيضاً بلا خلاف و كذا غسل احرام

______________________________

(1)- الخلاف: 2/ 287.

(2)- تذكرة الفقهاء: 7/ 223.

(3)- تحرير الاحكام: 1/ 566.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 479

العمرة و هو اختيار ابن الجنيد و السيد المرتضي و سلَّار و ابن إدريس و ابن البراج و أبي

الصلاح و قال ابن أبي عقيل أنه واجب)

و قال السيد المرتضي رحمه اللّٰه الصحيح عندي أن غسل الإحرام سنَّة لكنّها مؤكدة غاية التأكيد فلهذا اشتبه الأمر علي أكثر أصحابنا اعتقدوا أنّ غسل الإحرام واجب لقوة ما ورد في تأكيده و الحق الاستحباب. لنا الأصل براءة الذمة و ما تقدم في حديث سعد عن الصادق عليه السلام حين قال: (الغسل في أربعة عشر موطنا واحد فريضة و الباقي سنة) «1».

أقول: نسبة السيد قدس سره الاشتباه المذكور إلي الأكثر كأنه اشتباه منه فإنه لم ينقل الذهاب إلي القول بالوجوب إلا عن ابن الجنيد و ابن أبي عقيل و كلام العلامة صريح في موافقة ابن الجنيد مع المشهور و قد سمعت من التذكرة أن كلام ابن أبي عقيل أيضا ليس دالا علي الوجوب.

و في الجواهر: (لا خلاف محقق معتدّ به في خصوص استحبابه و لذا نفاه عنه في المقنعة و حج الغنية و طهارة الوسيلة و المنتهي بل في طهارة الغنية و عن حج الخلاف و التذكرة الإجماع عليه كما عن ظاهر المجالس نسبته إلي دين الإمامية إلي أن قال:

و في المصابيح: ان عليه الإجماع المعلوم بالنقل المستفيض و فتوي المعظم و إطباق المتأخرين ثمّ قال: قلت: فلا ينبغي الإشكال بعد ذلك و الأصل و السيرة القاطعة و عدّه مع معلوم الاستحباب و الحكم عليه بأنه سنة في مقابل الفرض و الواجب الظاهر في الاستحباب إلي أن قال: لو كان واجبا لاشترط في صحة الإحرام للاستبعاد الوجوب النفسي و من المستبعد بل الممتنع أن يكون ذلك كذلك و يكون المحفوظ عند

______________________________

(1)- مختلف الشيعة: 1/ 315.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 480

العلماء خلافه مع توفر الدواعي و تكرر الحج في

كل عام). «1»

ثمّ إنَّه قد أفاد بعض الأعاظم ما حاصله أن الصحيح عدم وجوب الغسل للاحرام لأمرين أحدهما أن ذلك لو كان لصار مشهوراً معروفاً لا يخفي علي العوام فضلا عن العلماء الخواص مع كثرة الابتلاء به و كثرة الحاج و لا يقع مورد الإنكار و الإجماع علي خلافه. و ثانيهما أن هذا الوجوب إن كان لا بد و أن يكون إما نفسيا أو شرطيا أما وجوبه النفسي فلا أظن أن يلتزم به أحد و هو لم يثبت في غسل الجنابة و الحيض فكيف به و أما الشرطي فإن كان فلا بد أن يكون إنشاء الإحرام و تحققه مشروطا به مع أنه جاء في صحيح عيص بن القاسم الَّذي سبق ذكره أنه إذا اغتسل أحد للإحرام ثمّ نام ليس عليه شي ء و لا ينافي ذلك ما يدل عليه صحيح النضر بن سويد من أنَّ عليه إعادة الغسل فإن مقتضي الجمع بينهما حمل صحيح النضر علي الاستحباب و النتيجة أنَّ غسل الإحرام ليس بواجب نفسي و لا شرطي». «2»

و كيف كان فقد ظهر لك من جميع هذه الملاحظات انّ القول الصحيح الَّذي يوافق الأصل و دلالة الروايات و فتاوي الأصحاب هو استحباب هذا الغسل و حتَّي نسبة القول بالوجوب إلي ابن جنيد و ابن أبي عقيل لم يثبت و اللّٰه هو العالم.

[مسألة 3] التيمم بدل غسل الإحرام

مسألة 3- هل يقوم التيمم بدل غسل الإحرام مع العذر عنه؟ فيه قولان:

أحدهما بدلية التيمم حينئذ عنه و هو المحكي عن الشيخ في المبسوط و ابن

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 5/ 44.

(2)- التنقيح في شرح العروة الوثقي: 9/ 343.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 481

البراج في المهذب بل عن المسالك حكايته عن الشيخ و جماعة بل قال

بعد ذلك إنه اختار جماعة من الأعيان لإطلاق ما دل علي تنزيل التراب منزلة الماء و أنه يكفيك عشر سنين بنفسه راجحا بل و شرطا في صحة العمل.

و فيه: أن المستفاد من هذه الأخبار أنه يستباح بالتيمم كل فعل يستباح بالغسل أو يتطهر بالتيمم لكل فعل مشروط بالطهارة المائية و أمَّا ما ليس كذلك و هو مأمور به و إن كان متطهرا فلا تدل هذه الروايات علي بدلية التيمم عنه.

و الظاهر إن غسل الإحرام أما بالمعني المصدري مستحب نفسي أو لأجل النظافة و إزالة الخبث و الدرن من الجسد و حصول الإقبال إلي العبادة و النشاط له و الروايات لا تدل علي بدلية التيمم عن ذلك و لذا هذا الغسل مشروع للحائض و النفساء اللتين لا يكون الرافع لحدثهما و لا المبيح.

اللهم إلَّا أن يقال: إنّ صحة الإحرام مشروطة بهذا الغسل فيقال ببدلية التيمم عن الغسل و قد عرفت عدم صحة ذلك. و هذا ما قوَّاه السيد الكلبايكاني قدس سره و استظهر من الآية الكريمة و من الروايات أن التيمم يكون بدلا عن الطَّهارة المائية المشروط بها الغايات المذكورة في غايات الوضوء و الغسل.

[مسألة 4] جواز تقدم الغسل علي الميقات

مسألة 4- يجوز تقديم الغسل علي الميقات مع خوف إعواز الماء

لصحيح هشام بن سالم و لفظه في الكافي قال: «أرسلنا إلي أبي عبد اللّه عليه السلام و نحن جماعة و نحن بالمدينة إنَّا نريد أن نودعك فأرسل إلينا أن اغتسلوا بالمدينة فإنّي أخاف أن يعسر عليكم الماء بذي الحليفة فاغتسلوا بالمدينة، و البسوا ثيابكم الَّتي

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 482

تحرمون فيها ثمَّ تعالوا فرادي أو مثاني» «1»

و في الفقيه مثله الا انه قال (جماعة بالمدينة) و قال: (فارسل الينا ابو عبد

اللّه عليه السلام) و قال: «أخاف أن يعز عليكم» و زاد قال: «فاجتمعنا عنده فقال له ابن أبي يعفور: ما تقول: في دهنة بعد الغسل للاحرام؟ فقال: قبل و بعد و معه ليس به بأس قال: دعا بقارورة بان سليخة ليس فيها شي ء فأمرنا فادهنا منها فلما أردنا أن نخرج قال: عليكم أن تغتسلوا إن وجدتم ماء إذا بلغتم ذا الحليفة» «2» و في التهذيب مثل الفقيه إلا أنه روي صدره إلي قوله: «مثاني» في رواية و ذيله من قوله: «ما تقول:

في رواية أخري». «3» و الظاهر أن كلها رواية واحدة و لكن في الوسائل عدها ثلاثة روي صدر الحديث عن التهذيب مستقلا و ذيله عنه أيضا مستقلا و توهم من تقطيعه في التهذيب أنهما (الصدر و الذيل) روايتان. و ذكر بدل قوله عليكم، تبعا للتهذيب لا عليكم و لذلك يختلف المعني كمال الاختلاف و الأصح بظاهر الحال ما في الفقيه

إن هنا روايات، تدل علي جواز تقديم الغسل علي الميقات و إن لم يخف إعواز الماء في الميقات مثل صحيح الحلبي قال: «سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن الرجل يغتسل بالمدينة للإحرام أ يجزيه عن غسل ذي الحليفة؟ قال: نعم». «4» و نحوه صحيح محمد الحلبي إنَّه سئل أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن الرجل يغتسل بالمدينة لإحرامه؟ فقال: «يجزيه ذلك من الغسل بذي الحليفة» «5».

______________________________

(1)- الكافي: ص 328 ح 7

(2)- من لا يحضره الفقيه: 201 ب 109 ح 5.

(3)- تهذيب الاحكام: ب صفة الاحرام 202/ 10 و باب ما يجب علي المحرم اجتنابه.

(4)- الوسائل ابواب الاحرام، ب 8، ح 5.

(5)- الوسائل ابواب الاحرام، ب 8، ح 6.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 483

و الظاهر

أنهما رواية واحدة و إن عدهما في الوسائل روايتين و ذلك لأنَّ الحلبي المذكور في الرواية الأولي و إن كان من المحتمل أن يكون أحد إخوة محمد عبيد اللّٰه و عمران و عبد الأعلي أبناء علي بن أبي شعبة الحلبي إلا أنّه كما في جامع الرواة في محمد بن علي اشهر و سواء كان ذلك أو لم يكن لا يثبت بإخراج الحديث في الفقيه عن محمد الحلبي و في التهذيب عن الحلبي تعدد الرواية- و كيف كان يكفي هذا الصحيح في الفتوي علي الجواز مطلقا

و مثل هذا الصحيح في المضمون خبر أبي بصير قال: «سألته عن الرجل يغتسل بالمدنية لإحرامه أ يجزيه ذلك عن غسل ذي الحليفة؟ قال: نعم» الحديث. «1»

و يمكن الاستدلال لجواز التقديم بصحيح معاوية بن وهب قال: «سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام و نحن بالمدينة عن التهيؤ للاحرام؟ فقال: اطل بالمدينة و تجهز بكل ما تريد و اغتسل و إن شئت استمتعت بقميصك حتي تأتي مسجد الشجرة». «2»

ورد الاستدلال به بعض الأعاظم لوروده بلفظ آخر ليس فيه ذكر الغسل هكذا: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن التهيؤ للاحرام؟ فقال: اطل بالمدينة فإنه طهور و تجهز بكل ما تريد و إن شئت استمتعت بقميصك حتَّي تأتي الشجرة فتفيض عليك من الماء و تلبس ثوبيك إن شاء اللّٰه». «3»

و فيه: مضافاً إلي ترجيح اللَّفظ الأول لتقديم اصالة عدم الزيادة علي إصالة عدم النقيصة الظاهر من لفظ الثاني أيضاً سقوط «و اغتسل»، منه و إلَّا فلا وجه لدفع توهم منع الاستمتاع بالقميص بدون الغسل و يستظهر ذلك أيضاً من قوله: «فتفيض

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب الاحرام، ح 3.

(2)- وسائل الشيعة: ب

7 من أبواب الاحرام، ح 1.

(3)- وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب الاحرام، ح 3.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 484

عليك من الماء» فتأمل.

هل هذا الحكم مختص بذي الحليفة و المدينة فلا يشمل سائر المواقيت و لا سائر الأمكنة أو يعم ذا الحليفة و سائر المواقيت؟ ظاهر النص اختصاصه بذي الحليفة و المدينة.

نعم لا يبعد دعوي المساوات القطعية بين ذي الحليفة و غيره مع خوف إعواز الماء أما مع عدم الخوف فالنص مختص بالمدينة.

اللّهم إلا أن يقال: باطلاقات ما دل علي مشروعية غسل الإحرام و رجحانه فإنها يكفي في الحكم بجواز التقديم مطلقاً و اختياراً و لو كان في البين ما يفيد التقييد بالميقات لا يقوم حجة علي حمل المطلق علي المقيد لأن ذلك يجري في الواجبات لا في المستحبات بل يفيد التقيد الأفضليّة و الاستحباب في الاستحباب و تعدد المطلوب.

و لكن لم نجد ما يدل بالإطلاق علي ذلك فيما راجعنا إليه من الروايات و لعل الفاحص فيها يجده فيها و اللّٰه هو العالم.

[مسألة 5] رجحان كون الأحرام عقيب الصلاة

مسألة 5- قد دلت الروايات الكثيرة علي رجحان كون الإحرام عقيب الصلاة نافلة كانت أو فريضة فلا بد من ذكرها و النظر فيها.

فمنها صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «صلّ المكتوبة ثمّ أحرم بالحج أو بالمتعة الحديث. «1» و خبر أبي الصباح الكناني قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 18 من أبواب الاحرام ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 485

أ رأيت لو أنَّ رجلا أحرم في دبر صلاة مكتوبة أ كان يجزيه ذلك؟ قال: نعم» «1» رواه الكليني في الكافي «2» و الشيخ في التهذيب- عنه «3» - و لكنه رواه في الاستبصار

أيضاً عن الكليني بالإسناد المذكور و باللفظ المذكور غير- أنه قال فيه: «في صلاة غير مكتوبة و ذكرها في باب أنه يجوز الإحرام بعد صلاة النافلة. «4» و احتمال تعددهما بعيد جدا.-

و رواية عمر بن يزيد عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث قال: «و اعلم أنه واسع لك أن تحرم دبر- فريضة أو نافلة أو ليل أو نهار». «5»

و خبر أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «تصلي للإحرام ست ركعات تحرم في دبرها). «6» و صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: (إذا أردت الإحرام في غير وقت صلاة- فريضة فصلِّ ركعتين ثمّ أحرم في دبرهما) «7».

و رواية أبي بصير عن أبي عبد اللّه قال: (خمس صلوات تصليهن في كل وقت صلاة الكسوف و الصلاة علي الميت و صلاة الإحرام و- الصلاة الَّتي تفوت، و صلاة الطواف من الفجر إلي طلوع الشمس و بعد العصر إلي الليل). «8» و صحيح معاوية بن عمار قال: «سمعت أبا عبد اللّٰه عليه السلام يقول: «خمس (صلات) لا تترك علي كل

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 18 من أبواب الاحرام ح 2.

(2)- الكافي: ج 4، 333 ح 10.

(3)- التهذيب صفة الاحرام ح 245/ 62. تهذيب الاحكام: ب صفة الاحرام ح 245/ 62.

(4)- الاستبصار: 2، ح 166/ 547.

(5)- وسائل الشيعة: ب 18 من أبواب الاحرام ح 3.

(6)- وسائل الشيعة: ب 18 من أبواب الاحرام ح 4.

(7)- وسائل الشيعة: ب 18 من أبواب الاحرام ح 5.

(8)- الكافي: 3/ 287 ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 486

حال إذا طفت بالبيت و إذا أردت أن تحرم و صلاة الكسوف و إذا نسيت فصل إذا ذكرت و-

صلاة الجنازة» «1»

و صحيحه الآخر عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «لا يكون الإحرام إلا في دبر صلاة مكتوبة أو نافلة فإن كانت مكتوبة أحرمت في دبرها بعد التسليم و إن كانت نافلة صليت ركعتين و أحرمت في دبرهما». «2»

و رواية إدريس بن عبد اللّٰه قال: «سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن الرجل يأتي بعض المواقيت بعد العصر كيف يصنع؟ قال: يقيم إلي المغرب قلت: فإن أبي جمّاله أن يقيم عليه؟ قال: ليس له أن يخالف السنة، قلت: أله أن يتطوع بعد العصر؟ قال: لا بأس به و لكن أكرهه للشهرة و تأخير ذلك أحب إلي قلت: كم أصليّ إذا تطوعت؟ قال:

أربع ركعات». «3»

و صحيح ابن فضال عن أبي الحسن عليه السلام «في الرجل يأتي ذا الحليفة أو بعض الأوقات بعد- صلاة العصر أو في غير وقت صلاة قال: لا ينتظر حتي تكون الساعة الَّتي تصلي فيها و إنما قال ذلك مخافة الشهرة» «4».

و في الوسائل: (قال: ينتظر) «5» و في النسخة المطبوعة من الفقيه في طهران أيضاً: لا ينتظر) و لكن قوله: «و إنما قال ذلك مخافة الشهرة» أوفق بنسخة الوسائل و اللّٰه العالم. هذه طائفة من الروايات الّتي أقل ما يستفاد منها رجحان وقوع

______________________________

(1)- الكافي: 3/ 287 ح 2.

(2)- وسائل الشيعة: ب 16 من أبواب الاحرام ح 1.

(3)- وسائل الشيعة: ب 19 من أبواب الاحرام ح 3.

(4)- من لا يحضره الفقيه: 2، 208 ح 945/ 7.

(5)- وسائل الشيعة: ب 19 من أبواب الاحرام ح 4.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 487

الإحرام بعد صلاة مكتوبة أو نافلة.

و يقع الكلام بعد ذلك في مباحث:

الأول هل يستفاد منها وجوب كون الإحرام بعد الصلاة بعد مكتوبة

كانت أم مندوبة أم يجزيه الإحرام كيف ما اتفق و لو لم يكن مسبوقا بصلاة؟

لا يخفي عليك أنه لا صراحة بل لا ظهور يطمئن به النفس لهذه الروايات تدل علي الوجوب الشرطي حتَّي يكون الإحرام مشروطا بكونه بعد صلاة فريضة أو نافلة.

نعم صحيح معاوية بن عمار الأخير ظاهر في اشتراط وقوعه بعد الصلاة و لعل لذلك قال: سيدنا الأستاذ قدس سره: (الأحوط عدم تركه) كما قال في الغسل: (بل الأحوط عدم تركه) إلّا أن الظاهر منه أنه احتياط استحبابي

و يظهر من المستمسك صعوبة رفع اليد عن صحيح معاوية لو لا التسالم علي عدم الوجوب المانع من احتمال الوجوب و خفائه فيما كان محلا للابتلاء العام كما تقدم ذلك في استحباب غسل الإحرام «1».

أقول: إنّ هذا التعبير ربما يكون لنفي الكمال و الفضل التام كقولهم: «لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد» «2» و الظاهر أن الاصحاب إنما رفعوا اليد عنه لذلك و لا اعتداد بخلاف الإسكافي إن ثبت ذلك منه. فالأقوي وفاقا للمشهور استحباب وقوعه بعد صلاة مكتوبة أو نافلة و يشهد لذلك ذكرها في الأخبار المشتملة علي بيان المستحبات.

______________________________

(1)- المستمسك: 11/ 334.

(2)- وسائل الشيعة باب 2 من ابواب المساجد ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 488

الثاني الظاهر أن الإحرام الموضوع لحكم استحباب وقوعه بعد الصلاة أعم من إحرام الحج الواجب و المندوب و العمرة الواجبة و المندوبة و صحاح معاوية بن عمار خصوصا الأخير منها ظاهرة في ذلك.

الثالث بعد البناء علي استحباب كون عقد الإحرام بعد صلاة مكتوبة أو نافلة هل صلاة ست ركعات أو أربع ركعات أو ركعتين مستحبة بنفسها فمن أراد الإحرام بعد صلاة الظهر مثلا أو بعد نافلتها يستحب له الإتيان

بصلاة الإحرام قبلها أم لا محل لاستحبابها إذا هو يأتي بإحرامه بعد صلاة اخري.

و بعبارة اخري: صلاة الإحرام شرعت لمن أراد الإحرام قبل وقت صلاة الفريضة أو بعد ما أقامها في أول وقتها لأجل أن يأتي بالاحرام و يوقعه بعد الصلاة تحصيلا لمستحب آخر و هو إنشاء الإحرام بعد الصَّلاة أو أنَّها مشروعة و مستحبة بنفسها وجهان:

وجه القول بالاستحباب علي ما قاله البعض طائفة من الروايات مثل موثقة أبي بصير فيه: «إذا أردت أن تحرم يوم التروية فاصنع كما صنعت حين أردت أن تحرم … ثمّ ائت المسجد الحرام فصلِّ فيه ستَّ ركعات قبل أن تحرم …» «1» بدعوي شمولها لمن يصلي المكتوبة و يحرم في دبرها و في الاستدلال بها أنّها مختصّة بالاحرام من المسجد الحرام فلا تشمل الاحرام من سائر المواقيت و لا من غير المسجد الحرام من مكة.

نعم رواية أبي بصير الأخري الّتي مر ذكرها: «تصلي للاحرام ست ركعات تحرم في دبرها» لا تخلو من الدلالة علي ذلك إلَّا أن سندها ضعيف بعلي بن أبي حمزة

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 52 من ابواب الاحرام ح 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 489

مضافاً إلي قوة احتمال كونها مختصرة روايته الأولي.

و من هذه الروايات صحيح معاوية بن عمار السابق ذكره قال عليه السلام: «خمس صلوات لا تترك علي حال إذا طفت بالبيت و إذا أردت أن تحرم» «1» بدعوي أنَّ عموم (علي كل حال) يشمل ما إذا أراد إنشاء الحرام بعد الصلاة الفريضة و إن نافلته لا تسقط في وقت الفريضة إلا ان الظاهر منه كما يستفاد من غيره من الروايات أن المراد نفي كراهة أداء هذه الصلوات في الأوقات المعينة الخمسة الَّتي يكره فيها الشروع

في النوافل المبتدئة و هي بعد صلاة الصبح حتَّي تطلع الشمس و بعد صلاة العصر إلي أن تغرب الشمس و عند طلوع الشمس إلي أن تنبسط و عند قيام الشمس إلي الزوال و قبل الغروب.

و بالجملة يمكن أن يدعي قصور الروايات لإثبات استحباب صلاة الإحرام غاية ما يستفاد منها إنه إذا أراد الإحرام في غير وقت الفريضة أو في وقتها بعد أدائها يتطوع بركعتين و يحرم بعدهما و الأفضل أو تكون أربع ركعات و الأفضل منه أن تكون ست ركعات.

نعم في فقه الرضا المنسوب إلي مولانا الرضا عليه السلام: «فإذا بلغت الميقات و اغتسل أو توضأ و البس» ثيابك و صلّ ست ركعات تقرأ فيها فاتحة الكتاب قل هو اللّٰه أحد و قل يا أيها الكافرون. فإن كان وقت صلاة الفريضة فصلِّ هذه الركعات قبل الفريضة» «2» و لكنَّ الإشكال إنَّهم اختلفوا في شأن هذا الكتاب المشرف بشرف النسبة إلي مولانا الرضا عليه الصلاة و السلام و هو إن لم يثبت عندي عدم انتسابه إليه عليه السلام بما أقاموا علي ذلك لم يثبت لنا نسبته إليه عليه السلام بما أقام المثبتون له هذه النسبة

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 27 من أبواب الاحرام ح 1.

(2)- ز الفقه المنسوب الي مولانا الرضا (عليه السلام) ص 216.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 490

العليا و لعل اللّٰه يحدث بعد ذلك أمراً.

و وجه القول الثاني و هو اختصاص استحباب صلاة الإحرام بمن يأتي به في غير أوقات الصلاة الأصل و عدم الدليل. و لكن المنسوب إلي المشهور بين الأصحاب رضوان اللّٰه تعالي عليهم هو القول الأوّل:

قال الصدوق قدس سره في المقنع: (و لا بأس بأن تحرم في أيِّ وقت بلغت الميقات فإن

أحرمت في دبر الفريضة فهو أفضل فإن لم يكن وقت المكتوبة صليت ركعتي الإحرام و قرأت في الأولي الحمد و قل هو اللّٰه أحد و في الثَّانية الحمد و قل يا أيها الكافرون، و إن كان في وقت صلاة مكتوبة فصلِّ ركعتي الإحرام قبل الفريضة ثمّ صلِّ الفريضة و أحرم في دبرها ليكون أفضل). «1»

و قال في الهداية: (فان كان وقت الصلاة المكتوبة فصلِّ ركعتي الإحرام ثمَّ صلِّ المكتوبة و أحرم في دبرها) «2».

و قال المفيد قدس سره: (و إن كان وقت فريضة و كان متَّسعاً قدم نوافل الإحرام و هي ستَّ ركعات و يجزئ منها ركعتان ثمّ صلِّ الفريضة و أحرم في دبرها و هو أفضل و إن لم يكن وقت الفريضة صلي ست ركعات فإذا فرغ منها). «3»

و قال السيد رضوان اللّٰه عليه في جمل العلم و العمل: (و يصلي ركعتي الإحرام). «4»

و قال أبو الصلاح الحلبي قدس سره (ثمّ يصلِّي ركعتي الإحرام يتوجه لها كتوجهه

______________________________

(1)- المقنع/ 218 و 219.

(2)- الهداية/ 219.

(3)- المقنعة/ 396.

(4)- الينابيع: 7/ 105.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 491

للفرائض فإن كان وقت فريضة قدم صلاة الإحرام ثمّ الفريضة و أحرم دبرها فإن كان الوقت ضيّقا بدأ بالفرض ثمَّ صلي صلاة الإحرام و أحرم) «1»

و قال الديلمي قدس سره في المراسم في أفعال الحج: (و صلاة ستّ ركعات و في شرح الإحرام قال: ثمَّ يصلِّي ستَّ ركعات نوافل الإحرام و تجزئ ركعتان ثمّ يعقد إحرامه). «2»

و قال القاضي ابن البراج في المهذب: (و صلاة ست ركعات أو ركعتين بعد فريضة أفضل ذلك فريضة الظهر) «3».

و قال ابن زهرة قدس سره في الغنية: (يستحب أن يصلي صلاة الإحرام» «4».

و قال الحليّ قدس

سره في السرائر: (و أفضل الأوقات الَّتي يحرم الإنسان فيها بعد الزوال و يكون ذلك بعد فريضة الظهر فعلي هذا تكون ركعتان الإحرام المندوبة قبل فريضة الظهر). «5»

و قال ابن حمزة عليه الرَّحمة في الوسيلة: (و الإحرام عقيب صلاة الظهر أو عقيب غيرها من الصلوات المفروضة إن لم يكن وقتها فإن لم يكن وقت فريضة صلي ستَّ ركعات للإحرام و أحرم بعدها و إن كان بعد فريضة صلي ركعتين له و أحرم بعدهما و أن صلي ستا كان أفضل. «6»

______________________________

(1)- الكافي في الفقه/ 207.

(2)- المراسم/ 104 و 108.

(3)- المهذب: 1/ 215.

(4)- غنية النزوع: / 155.

(5)- السرائر: 1/ 536.

(6)- الوسيلة/ 161.

فقه الحج (للصافي)، ج 2، ص: 492

و لكن الشيخ رحمة اللّٰه عليه قال في النهاية: (و الأفضل أن يكون الإحرام بعد صلاة الفريضة فإن لم تكن صلاة فريضة صلِّ ست ركعات من النوافل و أحرم في دبرها فان لم يتمكن من ذلك أجزأه ركعتان …) «1».

و قال نحوه في المبسوط «2» و قال في الاقتصاد: و يصلِّي ركعتي الإحرام و أن صلَّي ستَّ ركعات كان أفضل، و إن كان عقيب فريضة كان أفضل) «3». إلي غير ذلك من كلمات الفقهاء إلا أنه لا يثبت بفتاوي غير الشيخ منهم استحباب صلاة الإحرام مطلقاً فعليٰ هذا الأولي الإتيان بها في وقت الفريضة رجاءً و اللّٰه هو العالم.

______________________________

(1)- النهاية/ 212.

(2)- المبسوط: 1/ 315.

(3)- الاقتصاد/ 300.

الجزء الثالث

الكلام في كيفية الإحرام و واجباته

اشارة

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 7

الكلام في كيفية الإحرام و واجباته

و ينبغي اجراء الكلام أولا في حقيقة الإحرام.

قال في النهاية: (الإحرام: مصدر أحرم الرجل يحرم إحراماً إذا أهلَّ بالحجّ أو بالعمرة و باشر أسبابهما و شروطهما من خلع المخيط و اجتناب الأشياء التي منعه الشرع منها كالطيب و النكاح و الصيد و غير ذلك و الاصل فيه المنع فكأن المحرم ممتنع من هذه الأشياء و أحرم الرجل إذا دخل الحرم و في الشهور الحرم … و منه حديث «الصلاة تحريمها التكبير» كأن المصلّي بالتكبير و الدخول في الصلاة صار ممنوعاً من الكلام و الأفعال الخارجة عن كلام الصلاة و أفعالها فقيل للتكبير تحريم لمنعه المصلِّي من ذلك و لهذا سمِّيت تكبيرة الإحرام أي الإحرام بالصلاة).

«1» و قال في مجمع البحرين: (و الإحرام مصدر أحرم الرجل … و الإحرام توطين النفس علي اجتناب المحرمات من الصيد و الطيب و النساء و لبس المخيط و أمثال ذلك).

______________________________

(1) النهاية/ 373.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 8

و قال في المصباح المنير: (و أحرم الشخص: نوي الدخول في حجّ أو عمرة و معناه أدخل نفسه في شي ء حرم به ما كان حلالا له و هذا كما يقال: انجد إذا أتي نجد).

و في غير ذلك من كتب اللغة: أحرم: دخل في الشهر الحرام و أحرم: دخل في الحرم أو في حرمة لا تهتك.

و أمّا معناه و مفاده باصطلاح العلماء و كلماتهم فالمحكي عن الشيخ الأنصاري رحمه الله إنّ الإحرام العزم علي ترك المحرمات و توطين النفس علي ترك المنهيات بل نسب ذلك إلي المشهور و التزموا لذلك علي أنّه لو بني علي ارتكاب شي ء من المحرمات بطل إحرامه (اي لا ينعقد إحرامه) لعدم كونه قاصداً للإحرام.

و أورد عليه

بعض الاعاظم بأن ذلك لا يستظهر من الأدلّة و لهذا لو حجّ من لم يكن عالماً بالمحرّمات صحَّ حجه و إحرامه فالبناء و الالتزام علي الترك ليس من مقومات الإحرام. «1»

و فيه: إنّه يمكن أن يقال: إنّ هذا يستفاد مما جاء في الرّوايات: «أحرم لك لحمي و دمي و شعري و بشري عن النساء و الطيب و الصيد» «2» فإنَّ معناه التوطين علي دخول لحمه و … في حرمة النساء و الطيب عليها.

و أمّا صحة إحرام من لم يكن عالماً بالمحرّمات و صحّة حجّه فممنوعة إذا لم يكن عالماً بها حتّي بالإجمال و إنَّه يحرم عليه بالإحرام بعض الأفعال و أما إذا كان عالماً بالإجمال و إن لم يعرف المحرَّمات بالتفصيل يكفي ذلك في تحقّق الإحرام.

______________________________

(1) معتمد العروة: 2/ 478.

(2) وسائل الشيعة، ب 16 من ابواب الاحرام.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 9

نعم: لو قيل بأن الإحرام ليس من الأمور القصدية و ليس هنا الا تحريم الشارع المحرَّمات المعلومة علي الحاج و المعتمر إذا قصد الحجّ أو العمرة و لبّي يتم ذلك.

و هذا ما يستفاد من كلام بعض الفقهاء ففي المستند قال: (لا نسلم أن الإحرام فعل غير التلبس بأحد النسكين و الشروع فيه مطلقاً أو بما يحرم محظورات الحج و العمرة من أجزائهما فهو لفظ معناه أحد الأمرين لا أنَّه أمر آخر و جزء مأمور به بنفسه من حيث هو). «1»

و قال السيد الگلپايگاني (قدس سره): مراده (بما يحرم محظورات الحج و العمرة من أجزائهما إمّا خصوص التلبية أو مع لبس الثوبين أوهما مع نية الحج و العمرة) «2»

و لكنا لم نتحصل مراده فإن ما يحرم به محظورات الحج أو العمرة ليس إلا التلبس بهما

بالتلبية و في خصوص القران بالتقليد أو الإشعار أيضاً و لا بد أن يكون ذلك مقارناً لنية الحجّ و العمرة و الشروع فيهما.

و كيف كان فقد بني عليه بعض الأعلام من المعاصرين و ادّعي أنّ التلبية سبب للإحرام و حالها حال تكبيرة الإحرام للصلاة فهي أول جزء من أجزاء الحجّ كما أن التكبيرة أول جزء من أجزاء الصلاة و بالتلبية أو الإشعار يدخل في الإحرام و يحرم عليه تلك الأمور المعلومة و ما لم يلبَّ يجوز له ارتكابها. «3»

و قال: إنَّ أهل اللغة ذكروا لكلمة أحرم معنيين: أحدهما أن يحرم الانسان

علي نفسه شيئاً كان حلالا له. ثانيهما: أن يدخل نفسه في حرمة لا تهتك. و المعني

______________________________

(1) مستند الشيعة: 11/ 283.

(2) كتاب الحج: 1/ 245.

(3) معتمد العروة: 2/ 478.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 10

الثاني أنسب، لأنّه يدخل بالتلبية في حرمة الله الَّتي لا تهتك و التلبية توجب دخوله في حرمة الله فيقال: أحرم أي أدخل نفسه في تلك الحرمة الَّتي لا تهتك.

ثمّ انه أفاد زائداً علي ذلك و المتحصَّل منه أن التلبية و الإشعار و التقليد كتكبيرة الإحرام محقق لدخول الشخص في الحجّ أو العمرة كما أنَّ تكبيرة الإحرام محقق لدخول الشخص في الصلاة و الحالة الَّتي يجب أن لا تهتك و لا تبطل بالكلام الخارج عن الصلاة و سائر المبطلات و بالتلبية أيضاً يدخل الشخص في حالة يجب أن لا تهتك بارتكاب المحرَّمات و ليس معني ذلك أنَّه يقصد بالتلبية أو التكبيرة حصول تلك الحالة الَّتي نعبر عنها بالإحرام و عن المتلبس بها بالمحرم أو يقصد بها ترك المنهيَّات بل الإحرام و هذه الحالة الّتي يجب أن لا تهتك يترتب علي التلبية قهراً غاية الأمر

أن التلبية سبب للإحرام و إن لم يقصد الملبي ترك المنهيات بها و لا يعقل أخذ هذه المنهيات و المحرمات في معني الإحرام و إلا لزم الدور لأنّه يئول إلي أن تكون حرمة هذه المحرمات متوقفة علي الإحرام و كون الإحرام متوقفاً علي حرمة المحرَّمات و بعبارة أخري: صيرورته محرماً تتوقف علي كون المحرمات محرمة عليه و تحريمهما متوقف علي كونه محرماً. «1»

و القول الآخر أنّ الإحرام حقيقته النيّة و التلبية و لبس الثوبين و هو المحكي عن العلامة في المختلف. «2»

و الرابع: انّه النيّة و التلبية و هو المحكي عن الحلّي. «3»

و الخامس: إنَّه النيّة و هو المنقول عن ظاهر المبسوط و الجمل.

______________________________

(1) معتمد العروة: 2/ 479 الي 483.

(2) مختلف الشيعة: 4/ 49.

(3) المحكي عن جواهر الكلام 18/ 134.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 11

و السادس: إنَّه انشاء تحريم الأعمال الَّتي حرَّمها الشارع علي المحرم و البناء علي كونه حراماً عليه كالناذر الَّذي ينشئ وجوب فعل أو حرمته علي نفسه و كونه مديوناً لله تعالي و ينشئ اشتغال ذمّته له تعالي.

و الظّاهر أن هذا هو مختار السيد الفقيه الگلپايگاني (قدس سره) كما قال في تقريرات درسه: (و بالجملة الأظهر أن الإحرام أمر إنشائي يوجده المحرم بتحريم المحرَّمات علي نفسه و إن كان لا يؤثر في التحريم قبل التلبية، كما هو المستفاد من المحقق في الشرائع حيث قال في بيان كيفية الحجّ: فصورته أن يحرم من الميقات للعمرة- إلي أن قال- ثمّ ينشئ إحراماً آخر للحجّ من مكّة الظّاهر في أن الإحرام أمر إنشائي، و قد عبَّر بمثل ذلك في التحرير و السرائر.) «1»

و قال بعض الأعاظم في تعليقته علي العروة: (إنّ الإحرام من العناوين القصدية

لا يمكن تحققه بدون القصد إليه).

و لا ينافي ما ذكرناه قولهم في كيفية الإحرام: إنّ واجباته ثلاثة النيّة و لبس الثوبين و التلبية، و كذا قولهم: إنَّ الإحرام مركب من النيّة و لبس الثوبين و التلبية أو الإشعار و التقليد، فإنَّ وجوب تلك الأمور في الإحرام لا يلازم كونه عبارة عن تلك الأمور لا غيرها بل يدل علي أن الإحرام بأيِّ معني كان لا يصح بدونها.

و أما كونه مركباً من الأمور المتقدمة فمعناه أنه لا يحكم شرعاً بتحريم المحرَّمات إلا بعد الامور المذكورة من النيّة و لبس الثوبين و التلبية أو الاشعار و التقليد، و لا يكفي مجرد إنشاء التحريم من المحرَّم، بل يحتاج في ترتب الأثر علي

______________________________

(1) كتاب الحج: 1/ 246.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 12

انشائه شرعاً إلي التلبية أو الإشعار. «1»

و السابع: ما عن كاشف الغطاء: قال: (إنَّ حقيقة الإحرام عبارة عن حالة تمنع عن فعل شي ء من المحرَّمات المعلومة و لعل حقيقة الصوم أيضاً كذلك فهما عبارة عن المحبوسية عن الأمور المعلومة فيكون غير القصد و الكفّ و الترك و التوطين فلا يدخلان في الأفعال و لا الأعدام بل هما حالتان متفرعتان عليها و لا يجب علي المكلفين من العلماء فضلا عن العوام الاهتداء إلي معرفة الحقيقة و إلا لزم بطلان عبادة أكثر العلماء و جميع العوام) «2»

و ربّما يكون هنا غير ذلك من الوجوه و الأقوال.

و يمكن أن يقال: إنَّه يتحقق بالشروع في ترك المنهيّات أو قبل بعض الواجبات كخلع المخيط و لبس الثوبين أو التلبية أو الإشعار و التقليد.

و كيف كان فالقول الثاني أي كون التلبية سبباً للإحرام و الدخول في الحجّ و العمرة كتكبيرة الإحرام الَّتي هي سبب لحرمة

ما تبطل بإتيانه الصلاة و دخول الشخص في الصلاة و الحالة الَّتي يجب أن لا تهتك باتيان المبطلات و إن لم يكن ناوياً ترك المنهيات و لم يكن عالماً به،

ففيه: إنَّه خلاف الظّاهر من كون الإحرام للحجّ أو العمرة من اعمالهما و لو كان ذلك بنية ترك المحرَّمات و كونه عازماً عليه عند التلبية.

نعم إذا كان ملتفتاً بالإجمال إلي المحرَّمات و لبي يكفي ذلك في الإحرام و لا يكفي التلبية لمجرد الحجّ أو العمرة اللَّتين هما الطواف و صلاته و السعي.

______________________________

(1) كتاب الحج: 1/ 246.

(2) المحكي عن كتاب الحج: 1/ 244.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 13

و بالجملة: لا تكفي التلبية للحجّ و العمرة إذا كانت خالية عن نية ترك المحرمات و لو إجمالا.

بل يمكن أن يقال: إن المصلي أيضاً لا يدخل في الصلاة بمجرد تكبيرة الإحرام إذا لم يكن عارفاً بما تبطل به الصلاة و بما يمنع من الدخول فيها و لو إجمالا و عازماً علي تركه.

و لا يلزم الدور من أخذ هذه المنهيات في الإحرام فإنَّه يلزم ذلك لو أخذ فيه هذه المحرمات بهذا العنوان الَّذي لا يأتي إلا من قبل الإحرام أما لو أخذ فيه ترك ذواتها و قلنا بترتب الحرمة الشرعية عليه لا يلزم الدور.

و الحاصل أن رفع اليد عن اعتبار نيّة الإحرام و ادخال نفسه فيه بنيّة ترك المحرَّمات أو التلبية المقارنة لتلك النيّة و توطين النفس علي تركها خلاف ظاهر الرّوايات من كونه عملا قصدياً اختيارياً لا قهرياً غير عمدي هذا مضافاً إلي إمكان دعوي دلالة مثل قوله تعالي: (لٰا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ) و قوله عزَّ اسمه: (غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ) و قوله سبحانه و تعالي

(حُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مٰا دُمْتُمْ حُرُماً) علي أنّ عنوان الإحرام و المحرم كان معتبراً عندهم و ليس معني (وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ) و (مٰا دُمْتُمْ حُرُماً) انتم حاجّاً أو عماراً.

هذا كلّه في القول الثاني و أمّا الأقوال الَّتي أخذ فيها النيّة فهي القول الثالث (إنَّه النيّة و التلبية و لبس الثوبين) و الرابع إنَّه النيّة و التلبية) و الخامس (إنَّه مجرد النيّة) فاستشكل في المستمسك فيها (بأن أخذ النيّة في مفهوم الإحرام غير معقول لأنه فعل اختياري يقع عن نية تارة و لا عنها أخري و لذلك اعتبروا في صحّته النيّة

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 14

و من المعلوم أنّ النيّة لا تكون موضوعاً للنيّة). «1»

و يمكن دفع هذا الإشكال بأن النيّة الَّتي قيل بأنّها منفردة أو مع التلبية أو معها و مع لبس الثوبين إحرام ليس المراد منها نيّة الإحرام بل المراد فيه ترك المحرَّمات المعلومة و مع التلبية و لبس الثوبين فهذه النيّة منفردة أو منضمّة إليهما مصداق للإحرام أي الحالة الَّتي تكرم و تقدس بترك المحرمات مضافاً إلي أننا لم نتحصل مراده من كون الإحرام فعلا اختيارياً يقع عن نية تارة و لا عنها أخري فإن كان مراده من الإحرام ترك المحرَّمات فلا ريب في أنّه يقع تارة بالاختيار و بالقصد و النيّة و اخري بدون الاختيار و القصد الا انَّه ليس الإحرام مجرد ترك المحرَّمات سواء وقع ذلك بالقصد و العمد و الاختيار أو بدونه و إن كان المراد من الإحرام عنواناً قصدياً لا يتحقّق إلا بالنية فمن يقول: الإحرام النيّة مراده أنَّه عنوان يتحقق بها أو بها و بالتلبية لا أن هذه النيّة تكون موضوعاً لنية أخري و يرجع معناه إلي

أنَّه ينوي في نفسه انَّه محرم و يبني عليه و كيف كان لا يقع هذا المعني بدون النيّة.

و أمَّا السابع: فحسبه يكون الإحرام صفة و حالة نفسانية تمنع من فعل المحرَّمات كصفة العدالة و هو بالمسائل المذكورة في علم الأخلاق اشبه منه بالفقه مضافاً إلي أنّه لا يستفاد من الأدلة فنبقي نحن و القول الأوّل و الثالث و الرابع و الخامس و السادس فاللازم النّظر إلي روايات الباب و دلالتها حتَّي نعرف أوفق هذه الأقوال إليها و أرجحها بملاحظتها و الله هو الهادي.

فنقول فمن الأخبار طائفة منها تدل علي أن الإحرام عنوان و اعتبار يوجد بفعل الشخص و إنَّه لا يكفيه مجرّد التلبية للحجّ أو العمرة إذا لم تكن مقرونة

______________________________

(1) مستمسك العروة: 11/ 359.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 15

بنية ترك المحرّمات و الدخول في حال يحرم فيه عليه المحرّمات و لا ينطبق عليه عنوان المحرم بدون ذلك فليس المحرم كالمصلي بل ما هو مثله الحاج أو المعتمر.

فمن هذه الأخبار ما رواه الشيخان مسنداً و الصدوق مرسلا عن أبي المعزا عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «كانت بنو إسرائيل إذا قربت القربان تخرج نار تأكل قربان من قبل منه و إن الله جعل الإحرام مكان القربان». «1»

فإنّه يدل علي أنّ الإحرام فعل اختياري و عنوان لا يصدق بدون التهيؤ و الالتفات إليه بمجرد التلبية للحجّ أو العمرة.

و ما رواه الصدوق في العلل بأسانيده عن الفضل بن شاذان عن الرضا (عليه السلام): «و إنَّما امروا بالإحرام ليخشعوا قبل دخولهم حرم الله و أمنه و لئلا يلهو و يشتغلوا بشي ء من امور الدنيا و زينتها و لذاتها و يكونوا جادين (صابرين) فيما هم فيه قاصدين نحوه» «2»

الحديث.

و ممَّا يدل علي ذلك ما فيه: «أن يقول عند الإحرام أحرم لك شعري و بشري و لحمي و دمي و عظامي و مخي و عصبي من النساء و الثياب و الطيب ابتغي بذلك وجهك و الدار الآخرة» «3».

و من هذه الاخبار ما فيه لفظ الإحرام و يحرم مثل قبل أن يحرم و عقد الإحرام و غيرها من الألفاظ فإن حمل هذه علي التلبية المجردة عن نية الإحرام بعيد جداً.

______________________________

(1) وسائل الشيعة: ب 1 من ابواب الاحرام، ح 1.

(2) وسائل الشيعة: ب 1 من ابواب الاحرام، ح 4.

(3) وسائل الشيعة: ب 16 من ابواب الاحرام، ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 16

و استشكل في هذا المعني و استدلّ علي أنّ الإحرام ليس شيئاً زائداً علي التلبّس بالحجّ أو العمرة بالتلبية أو الإشعار أو التقليد بقصد الشروع في الحجّ أو العمرة بروايات أوضحها دلالة صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «يوجب الإحرام ثلاثة أشياء: التلبية و الإشعار و التقليد فإذا فعل شيئاً من هذه الثلاثة فقد أحرم». «1»

فإنّها تدل بالصراحة علي أن ما يوجب الدخول في الحرمة الَّتي لا تهتك أحد هذه الثلاثة و إنَّ الإحرام يتحقق بأحدها.

و يرد عليه بأنَّ الصحيحة لا تدل علي أنَّ التلبية المجردة عن نية ترك المحرَّمات و العزم عليه تكفي في الإحرام و إن لم يكن ملتفتاً إليه و لم يضمره في نفسه بل غاية ما يستفاد منها أن من يريد الإحرام و وطَّن نفسه علي ترك المحرَّمات إذا لَبّي أو أشعر أو قلّد يتحقّق منه الإحرام نعم يستفاد منها عدم انعقاد الإحرام بمجرّد العزم أو انشاء تحريم المحظورات علي نفسه بدون التلبية.

و لكن يعارضها

في ذلك ما يدل علي انعقاد الإحرام قبل التلبية مثل صحيح عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد الله (عليه السلام): «في الرَّجل يقع علي أهله بعد ما يقصد الإحرام و لم يلبّ قال: ليس عليه شي ء» «2».

و مثله مرسل جميل عن بعض أصحابنا عن أحدهما (عليها السلام): «في رجل صلّي الظهر في مسجد الشجرة و عقد الإحرام ثمّ مسّ طيباً أو صاد صيداً أو واقع أهله؟

قال: ليس عليه شي ء ما لم يلبّ» «3».

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 12 من ابواب اقسام الحج ح 20.

(2) وسائل الشيعة: ب 11 من أبواب تروك الاحرام ح 1 و ب 14 من أبواب الاحرام ح 2.

(3)- وسائل الشيعة: ب 11 من ابواب تروك الاحرام ح 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 17

و صحيح حفص و عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد الله (عليه السلام): «إنَّه صلي ركعتين في مسجد الشجرة و عقد الإحرام ثمّ خرج فأتي بخبيص فيه زعفران فأكل منه» «1».

و صحيح حفص بن البختري عن ابي عبد الله (عليه السلام): «فيمن عقد الإحرام في مسجد الشجرة ثمّ وقع علي أهله قبل أن يلبّي؟ قال: ليس عليه شي ء» «2».

و مثل هذه الأحاديث يدل علي من تحقّق عقد الإحرام منه فهو محرم و داخل في حالة مقدسة يترك فيها المحظورات وفقاً لعزمه علي تركها أو إنشائه تحريمها علي نفسه لكن ليس ممنوعاً عنها بحكم الشارع حتَّي يلبّي أو يشعر أو يقلد و إن شئت قل: له أن ينقض إحرامه و يرفع اليد عنه ما دام لم يلبّ و الشاهد علي ذلك مرسل النضر بن سويد عن بعض أصحابه قال: «كتبت إلي أبي إبراهيم (عليه السلام): رجل دخل مسجد الشجرة

فصلّي و أحرم و خرج من المسجد فبدا له قبل أن يلبّي أن ينقض ذلك بمواقعة النساء أله ذلك؟ فكتب نعم أو لا بأس به» «3»

و بالجملة بعد ملاحظة الرّوايات الكثيرة الواردة في أبواب الإحرام القول بأنّه عبارة عن العزم و توطين النفس علي ترك المحرَّمات و البناء عليه وجيه فهو في حال الإحرام ما دام لم ينقض إحرامه و لم يعدل عن عزمه فإذا لبّي يستقر عليه البقاء علي الإحرام و لا يجوز له العدول عنه و الانصراف منه و اما انه امر إنشائي يوجده

الشخص بتحريم المحرَّمات علي نفسه و أنه لا يؤثر في التحريم قبل التلبية فبعيد عن الذهن و لازمه القول بوجوب التلفظ بالنية حتّي ينشأ به.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب الاحرام ح 3.

(2)- وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب الاحرام ح 3..

(3)- وسائل الشيعة: ب 14 من ابواب الاحرام ح 12.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 18

اللّهم إلا أن يقال: إنَّ الواجب التلفظ بالنية و قوله أحرم لك: إنشاء للإحرام سيَّما إذا كان بصيغة المتكلم و المضارع لا بصيغة المفرد و الماضي فإنَّ المناسب لمعناه في مثله الإنشاء للاخبار.

فعلي هذا فمقتضي الاحتياط قصد انشاء الإحرام بما يقول في تلفّظه بنيّة الإحرام الَّذي لا ينفك عن توطين النفس و البناء علي ترك المحظورات و الله هو العالم بأحكامه.

واجبات الاحرام

[الأول من واجبات الإحرام النية]
اشارة

«الكلام في نية الاحرام»

ثمّ إنَّه قال في العروة: (و واجباته «يعني إحرام» ثلاثة: الأوّل: النيّة بمعني القصد إليه فلو أحرم من غير قصد أصلا بطل سواء كان عن عمد أو سهو أو جهل و يبطل نسكه أيضاً إذا كان الترك عمداً و أمّا مع السهو و الجهل فلا يبطل و يجب عليه تجديده

من الميقات إذا أمكن و إلا فمن حيث أمكن).

أقول: في مثل هذا التعبير مسامحة فإنَّه علي القول بكون الإحرام أمراً قصدياً لا يتحقّق إلا بالقصد لا يتحقّق من غير قصد فالأولي أن يقول: فلا يؤتي به أولا يتحقّق بدون القصد.

و كذا علي القول بأنّه ليس هنا إلا أفعال الحجّ من التلبية إلي التقصير فإنَّ معني لو أحرم لا بد و أن يكون لو لبَّي من باب تسمية الشي ء باسم مسبّبه أو قريباً

منه علي ضرب من المجاز.

و كيف كان في الصورة الاولي النيّة هي الالتزام أو توطين النفس علي ترك

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 19

الأفعال المعلومة و لبس الثوبين و التلبية أو انشاء حرمة الأفعال و وجوب لبس الثوبين و التلبية و لا يغني ذلك من نية التلبية و إنما زدنا لبس الثوبين و التلبية لأن الإحرام لا يتحقّق بدونهما.

و أمّا علي القول الثاني فيكفي نية الحجّ و الشروع فيه بالتلبية أو نية التلبية الَّتي هي من أفعال الحجّ فما هو اللازم نية النسك و كون التلبية كسائر الأعمال صادرة من هذه النيّة.

و قصد القربة في الاولي توطين النفس قربة إلي الله علي ترك المنهيات و في الصورة الثانية يكفي نية الحجّ بقصد الامتثال و التقرب و إتيان التلبية و جميع الأعمال بتلك النيّة.

و قد أشكل في كون النيّة من واجبات الإحرام إذا كان هو أمراً التزامياً أو إنشائياً أو توطين النفس إذ لا يعقل صدوره من غير نية.

و لكن يمكن أن يقال: إنَّ المراد من النيّة في هذه الصورة هي قصد القربة بل في الثاني أيضاً فإنَّ العمل الاختياري المأمور به لا يتاتي من المأمور بل من كل فاعل ملتفت الّا بالنية و القصد و

يمكن أن يقال: ان المراد من النيّة أن يكون ناوياً للحج فينوي الاحرام أمّا بدون نية الحجّ لا يترتب علي نية الإحرام التزاماً أو توطيناً أو انشاء أثر و بعد ذلك يعتبر في النيّة الخلوص عن الريا كما في سائر العبادات فيبطل بالريا.

و أما اعتبار مقارنة النيّة للشروع فيه فيعتبر علي القول الثاني و أما علي

القول الآخر فلا معني لاعتبار ذلك فانّ الالتزام أو توطين النفس أو الإنشاء لا يتصور فيها الابتداء و الاثناء حتي يقال بأنَّه لا تكفي النيّة إذا كانت في الأثناء.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 20

[مسألة 1] تعيين نوع الاحرام في النية

مسألة 1: هل يعتبر في النيّة تعيين كون الإحرام للحج أو العمرة و في الحج تعيين انه تمتع أو قران أو إفراد و انه لنفسه أو نيابة عن غيره و إنَّه حجة الإسلام أو الحج النذري أو الندبي أم لا تعتبر فيه ذلك فيكفي الإحرام من غير تعيين و إيكاله إلي ما بعد ذلك؟

قال الشيخ في المبسوط: (إذا أحرم منهما و لم ينو شيئاً لا حجّاً و كان مخيراً بين الحج و العمرة لا عمرة أيّهما شاء فعل إذا كان في أشهر الحج و إن كان في غيرها فلا ينعقد إحرامه إلّا بالعمرة). «1»

و قال ابن البراج في المهذب: (و من أحرم و لم ينو حجّاً و لا عمرة و كان إحرامه في أشهر الحج كان مخيراً بين الحج و العمرة أيّ واحد منهما أراد كان له فعله و إن كان إحرامه في غير أشهر الحج لم ينعقد إحرامه إلّا بالعمرة). «2»

و قال ابن حمزة في الوسيلة: (و إن نوي الإحرام مطلقاً في أشهر الحج أو علق باحرام رجل آخر و هو غير محرم كان بالخيار

بين أن يجعله للحج أو للعمرة و إن كان في غير أشهر الحج تعيَّن للعمرة). «3»

قال العلامة في التذكرة: (و لو نوي الإحرام مطلقاً و لم يذكر لا حجّاً و لا عمرة انعقد إحرامه و كان له صرفه إلي أيّهما شاء إن كان في أشهر الحج لأنّها عبادة منوية) ثمّ ذكر ما رواه العامّة و الخاصّة في ذلك إلي أن قال: (و إذا ثبت انَّه ينعقد

______________________________

(1)- المبسوط: 1/ 316.

(2)- المهذب البارع: 1/ 219.

(3)- الوسيلة/ 161.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 21

مطلقاً فإن صرفه إلي الحج صار حجّاً و إن صرفه إلي العمرة صار عمرة و إلي أيّ انواع الحج صرفه من تمتع أو قران أو افراد انصرف إليه). «1» و حكي نحوه عنه في المنتهي.

و لكنه اختار البطلان في القواعد قال: (و لو نوي الإحرام و لم يعيّن لا حجّاً و لا عمرة أو نواهما معاً فالأقرب البطلان و ان كان في أشهر الحج). «2»

و قال الفاضل الهندي في كشف اللّثام في شرح قوله: و لو نوي الإحرام … (أمّا الأوّل فلأنه لا بد في نية كل فعل تميزه من الأغيار و إلا لم يكن نية و لو جاز الإبهام جاز للمصلي مثلًا أن ينوي فعلًا ما قربة إلي الله إذ لا فارق بين مراتب الإبهام و لتضمن الأخبار التعيين كما سمعته الآن من خبر علي بن جعفر و البزنطي و أخبار الدعاء المتضمن لذكر المنوي و لانه لو جاز كان هو الأحوط لئلا يفتقر إلي العدول إذا اضطر إليه و لا يحتاج إلي اشتراط ان لم يكن حجّة فعمرة خلافاً للمبسوط و المهذب و الوسيلة ففيهما إنَّه يصح فإن لم يكن في أشهر الحج انصرف

إلي عمرة مفردة و ان كان في أشهر الحج تخير بينهما و هو خيرة التذكرة و المنتهي و لعله أقوي لان النسكين في الحقيقة غايتان للإحرام غير داخلين في حقيقته و لا يختلف حقيقة الإحرام نوعاً و لا صنفاً باختلاف غاياته فالأصل عدم وجوب التعيين و اخبار التعيين مبنية علي الغالب أو الفضل و كذا العدول و الاشتراط قال في المنتهي و

التذكرة و لأن الاحرام بالحجّ يخالف غيره من احرام سائر العبادات لانه لا يخرج منه بالفساد و إذا عقد عن غيره أو تطوعاً وقع عن فرضه فجاز أن ينعقد مطلقاً) «3».

______________________________

(1)- تذكرة الفقهاء: 7/ 233.

(2)- قواعد الاحكام/ 419.

(3)- كشف اللثام: 5/ 255.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 22

هذا و قد ظهر من هذه العبائر الشريفة أنَّ القائل بعدم وجوب التعيين يستدل بوجوه:

أحدها: أنّ النسكين الحج و العمرة غايتان للإحرام و ليسا داخلين في حقيقته فلا يختلف حقيقة الإحرام نوعاً و صنفاً باختلاف غاياته كما أنَّ تعدد الغايات في الوضوء أيضاً لا يوجب الإتيان به بقصد غاية معيَّنة و لا توجب اختلاف حقيقته.

و فيه: أنّ الوضوء أو الغسل عبادة مستقلة محبوبة و ان لم يقصد به الصلاة و ليس واحد منهما جزءاً من الصلاة بخلاف الإحرام سواء قلنا بأنّه عنوان قصدي أو نفس التلبية أو الإشعار و التقليد فإنّه جزء من أجزاء النسكين لا من مقدماتهما الواجبة أو المستحبة فلو أتي به لا بقصد الجزئية لا يكون ماموراً به كما إذا أتي ببعض أجزاء الصلاة لا بقصد الجزئية كالتكبيرة.

و ثانيها: أنّ الإحرام بالحجّ ليس كإحرام سائر العبادات مثل الصلاة فإنَّها تبطل بالإتيان بمبطلاتها و يخرج المصلي به عن حال الصلاة و يقع إحرام الحج عن فرضه

إذا عقده لغيره أو تطوعاً دون الصلاة فهو ينعقد بالإطلاق دون غيره مما ليس مثله.

و فيه: إنّا لم نفهم الملازمة بين كون الإحرام محكوماً بأحكام تختصّ به و سائر العبادات محكومة بأحكامها الخاصة و بين جواز عقد الإحرام مطلقاً و بدون التعيين و وقوع الإحرام إذا وقع عن غيره أو تطوعاً عن فرضه ان قلنا به كما أيّدناه في ما إذا

نوي به التطوع نقول به بدليله لا من جهة ان الإحرام ينعقد مطلقاً.

و ثالثها: إنّ الشكّ هنا شكّ في التكليف و في وجوب التعيين و مقتضي الأصل عدم وجوبه و براءة الذمة عنه.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 23

و فيه: أولًا: إنّ الشكّ يكون في التكليف علي قول من يقول بأنّ الإحرام ليس أمراً قصدياً و ليس هنا دون حرمة المحرَّمات بتحريم الشارع عند التلبية أو الاشعار أو التقليد فنشك في كفاية التلبية أو الإشعار و التقليد في الإتيان بالمأمور به أو يجب زائداً علي ذلك تعيين كونها للحج أو للعمرة و مقتضي الأصل عدم وجوبه و أمّا علي القول بكون الإحرام عنواناً قصدياً يتحقّق بأسبابه كالطهارة الَّتي تتحقق بالوضوء و الغسل فاذا شككنا في حصول هذا العنوان و احتملنا دخل شي ء في ما هو السبب له يجب الاحتياط و الإتيان به تحصيلًا للقطع بحصول المسبب.

و ثانياً: إنّ الأصل إنّما يجوز التمسّك به إذا لم يكن هنا دليل و الّذين يقولون بوجوب التعيين دليلهم هذه الأخبار الكثيرة الدالة علي وجوب التعيين و حملها علي الغالب أو علي الأفضل خلاف الظّاهر.

و رابعها: التمسك بما رواه العامة عن النبي (صلي الله عليه و آله و سلم): «إنَّه خرج من المدينة لا يسمي حجّاً و لا عمرة ينتظر القضاء

فنزل عليه القضاء و هو بين الصفا و المروة فأمر أصحابه من كان منهم أهلّ و لم يكن معه هديٌ ان يجعلوها عمرة» «1».

و بما في طرق الخاصة من «أنَّ أمير المؤمنين (عليه السلام): أهل كاهلال النبيّ (صلي الله عليه و آله و سلم) فجعله رسول الله شريكاً في هديه» «2»

و فيه: أمّا ما روته العامّة فهو كما قال في الجواهر: (غير ثابت بل الثابت خلافه) و مراده ما في رواياتنا من أنَّه (صلي الله عليه و آله و سلم) ساق الهدي و لذا لم يحل بعد ما أمر الناس بالإهلال.

______________________________

(1)- تذكرة الفقهاء: 7/ 233.

(2)- وسائل الشيعة: ب 2 من أقسام الحج ح 4.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 24

و أما ما في طرقنا من أنَّ أمير المؤمنين (عليه السلام): «أهل كإهلال النبيّ (صلي الله عليه و آله و سلم) بقوله: إهلالًا كاهلال رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم)».

ففيه أولًا: نقول: إنَّه عليه الصلاة و السلام كما حكي في الجواهر عن المختلف كان عالماً بما أهّل النبيّ (صلي الله عليه و آله و سلم) به قال في الجواهر: (و لعلّه لما في صحيح معاوية بن عمار من أنَّ علياً (عليه السلام) قد جاء بأربعة و ثلاثين بدنة أو ستاً و ثلاثين فيكون المراد حينئذ بقوله (عليه السلام) اهلالًا كاهلال رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) الحج قارناً) «1»

و ثانياً: يمكن حمله علي اختصاصه بالحكم المزبور.

و ثالثاً: إنَّه غير ما نحن فيه من كون الإحرام مطلقاً فإنَّه معلوم إمّا بالإجمال أو التفصيل.

و لكن الجواب هو ما حكاه من المختلف و علي ذلك كلِّه فالتحقيق علي ما أفاده في الجواهر اعتبار التعيين

كغيره من العبادات قال: (بل لا يبعد اعتبار التعيين في حال تعين النسك علي المكلف كما هو ظاهر النصوص و الفتاوي) «2» إلي آخر كلامه زيد في علو مقامه.

و بعد ذلك الظّاهر انَّه يكفي التعيين الإجمالي كما لو قصد امتثال ما عليه فعلًا

أو ما عينه و كتبه في كتاب عنده و أما كفاية الإحرام بقصد ما يعيّنه فيما بعد لأنَّه معلوم عند الله تعالي في الواقع و هو ينوي الواقع و المتعين الواقعي فبعيد جداً لأنَّه إذا لم يعيّنه بقصده بهذا العنوان فمعيَّن به واقعاً فإن كان المراد كون إحرامه متميزاً في الخارج و في علمه عن غيره فهو لا يتميَّز في الصورتين و إن كان المراد كونه معلوماً

______________________________

(1) جواهر الكلام: 18/ 204.

(2)- جواهر الكلام: 18/ 205.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 25

عند الله تعالي لما يقع له فهو معلوم في الصورتين.

و بالجملة: فهذا الَّذي ذكره بعض الأعاظم من المعاصرين «1» قريب من قول من لا يري التعيين واجباً و لا حول و لا قوة إلا بالله و هو العالم بأحكامه.

و بعد ذلك كلِّه الظّاهر إنَّه يكفي التعيين الإجمالي كما لو قصد ما عليه واقعاً أو اشتغل به ذمَّته أولا و قال في العروة حتَّي بأن ينوي الإحرام لما سيعينه من حجّ أو عمرة فإنَّه نوع تعيين و قال بعض المحشين: (لأن ذلك الفرد معلوم عند الله تعالي واقعاً و إن كان لا يعرفه بالفعل فإنَّ المنوي يكون متعيناً في علم الله و هو يشير إليه في مقام النيّة فإنَّ القصد إلي الشي ء يقع علي قسمين:

أحدهما: أن يقصد الطبيعة المطلقة من دون نظر إلي التعيين و إنَّما يتعين فيما بعد.

ثانيهما: أن يقصد المتعين واقعاً و إن

كان لا يدري به فعلا كما إذا فرضنا انَّه عيَّنه و كتبه في قرطاس ثمّ نسي ما عينه و كتبه و لم يعثر علي القرطاس ثمّ ينوي الإحرام علي النحو الَّذي كتبه نظير ما إذا قرء البسملة للسورة الَّتي بعد هذه الصفحة و هو لا يعلم السورة بالفعل عند قراءة البسملة فإنَّ السورة متعينة واقعاً و ان كان هو لا يدري بالفعل عند قراءة البسملة) «2»

أقول: قد خالف السيد (قدس سره) في ذلك عدة من أعاظم المحشين مثل سيدنا الأستاذ الأعظم (قدس سره) فقال: (الأقوي عدم كفايته و لا فرق بينه و بين النيّة المرددة و إيكال التعيين إلي ما بعد).

و يمكن أن يقال: إن نية عنوان خاص باسمه معتبر في حصول الإحرام ما

______________________________

(1)- مستند العروة: 2/ 487.

(2)- مستند العروة 2/ 487.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 26

أمكن ذلك له و لا يعدل منه في مقام التعيين إلا إذا لم يمكن فيكتفي بما يعينه في الواقع و إن لم يعرف به في الخارج فمن نسي ما كتبه في القرطاس الَّذي ضاع عنه أو نسي ما كان مريداً لقصده لا يصلح له أن يقصد الإحرام لذلك فإنَّه يمكن له تجديد النيّة و تعيين ما يحرم له و من كان عليه حجّ لا يدري انَّه وجب عليه بالنذر أو بالنيابة و لا يمكن له التعيين، له أن يعينه بما في ذمّته في الواقع و فيما نحن فيه من كان متمكناً من تعيين أحد النسكين باسمه لا يجوز له الاكتفاء بالإشارة إلي ما هو المتعين عند الله تعالي و لم يعينه بعد و مثل ذلك لا يعد عرفاً نية المتعين و يكون مثل ما لم يعين أصلا و أو

كل تعيينه إلي بعد ذلك.

و بالجملة أصل الاكتفاء بالتعيين الإجمالي مع إمكان التفصيلي هنا بالنظر إلي الإشكال في تحقّق الإحرام به و بالنظر إلي الرّوايات الدالة علي ذكر اسم النسك من الحج أو العمرة في غاية الاشكال.

[مسألة 2] اعتبار نية الوجوب أو الندب في النية

مسألة 2: الأقوي عدم اعتبار نيّة الوجوب أو الندب في النيّة فلو أتي بها مجردة عن ذلك فلم ينو مثلا الإحرام الواجب من حجّة الإسلام أو الندب في الحج الندبي، يكفيه ذلك.

نعم إذا توقّف التعيين علي قصد الوجه يجب ذلك حتّي يتعيّن به ما يأتي به، و هل يعتبر التلفّظ بالنيّة؟ الظّاهر عدم الاعتبار و هو مقتضي الأصل و قد روي المشايخ الثلاثة بإسنادهم عن ابن أبي عمير عن حماد بن عثمان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «قلت له: إنّي

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 27

أريد أن أتمتّع بالعمرة إلي الحجّ فكيف أقول؟ قال: تقول: اللّهمّ إنّي أريد أن أتمتّع بالعمرة إلي الحج علي كتابك و سنة نبيّك (صلي الله عليه و آله و سلم) و إن شئت أضمرت الَّذي تريد». «1»

و ظاهره جواز الإضمار و عدم اعتبار التلفّظ بالنّية و احتمال أن يكون المراد من الإضمار الإسرار بالتلفظ بعيد و لعل ذلك مختصّ بالتمتّع لمكان التقيّة لأنّ المخالفين عندهم انّ التمتّع عمرة مفردة من الميقات في أشهر الحج فإذا فرغ منها أحرم بالحجّ من عامه.

قال أحمد: (يخرج إلي الميقات فيحرم منه للحج) و عند الشافعي يجوز ان يخرج إلي الميقات أو يحرم من مكة.

و مثل صحيح حمّاد ما رواه الحسين بن سعيد «2» عن حماد «3» عن إبراهيم بن عمر «4» عن أبي أيوب «5» قال حدّثني ابُو الصّباح مولي بسّام الصيرفي «6» قال:

«أردت الإحرام بالمتعة

فقلت لأبي عبد الله (عليه السلام): كيف أقول؟ قال: تقول: اللّهمّ إنّي أريد التمتع بالعمرة إلي الحج علي كتابك و سنّة نبيّك، و إن شئت أضمرت الذي تريد». «7»

______________________________

(1)- الكافي: 4/ 332، ح 3، من لا يحضره الفقيه 207: 2/ 941، تهذيب الاحكام: الحج ب 7 ح 261/ 69، الاستبصار: 2/ 67/ 551.

(2)- الأهوازي عين جليل القدر صاحب التصنيفات توفي بقم من السابعة.

(3)- الظاهر انه حماد بن شعيب روي عنه جماعة من الخامسة.

(4)- من الخامسة.

(5)- من الرابعة.

(6)- له كتاب من شيوخ الحسن بن محبوب و ابن ابي عمير لعله من الخامسة و السند كما تري فانه غير مستقيم.

(7)- تهذيب الاحكام: ب 7 ح 262/ 70.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 28

و الروايتان و إن وردتا في نية التمتّع لا الإحرام إلّا أنّ الظّاهر انَّ أمر النيّة فيهما علي وجه واحد.

لا يقال: إنّ ظاهرهما اعتبار التلفّظ بالنيّة إلا في صورة التقية.

فإنّه يقال: إنّ احتمال التقيّة بعيد لأنّ معها لا يجوز تعليق الإضمار علي المشيّة هذا.

[مسألة 3] اعتبار بقاء النية في الاحرام

مسألة 3: بناء علي كون الإحرام مسبّب من توطين النفس علي ترك المحرّمات أو الالتزام بتركها أو إنشاء حرمتها علي نفسه لا يعتبر في بقاء الإحرام استمرار العزم علي تركه.

نعم يعتبر في ذلك التوطين و الالتزام أو إنشاء التوطين علي تركه مستمراً و ليس الإحرام كالصّوم فإنّه الإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر إلي اللّيل بالنيّة فإذا بقي أيّاماً بغير هذا القصد و لو لم يفطر و لم يقصد ارتكاب المفطر بطل صومه و أمّا الإحرام فينعقد بسببه كما ينعقد البيع مثلا بإنشائه و لا يضرّ عدول البائع عنه بعده.

[مسألة 4] حكم نسيان ما أحرم له

مسألة 4: قال في الشرائع: (لو نسي بما ذا أحرم كان مخيراً بين الحج و العمرة إذا لم يلزمه أحدهما) و قال في الجواهر: (و إلا صرف إليه كما

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 29

صرّح به الفاضل و الشهيدان و غيرهم) «1» الخ.

أقول: إذا نسي فلم يدر انَّه أحرم للحجّ أو العمرة فإن كان يلزمه أحدهما فلا يصح منه الآخر كما إذا أحرم في غير أشهر الحج فإنّ الإحرام فيه لا يجوز إلّا للعمرة المفردة فهو شاك في أنّ إحرامه وقع صحيحاً أم باطلا فالظاهر انّ له البناء علي وقوعه صحيحاً و لا يحتاج إلي تجديد الإحرام لظاهر الحال و لأنّه من الشكّ بعد الفراغ و لأصالة الصحّة فيبني علي صحّة ما صدر منه.

نعم الأحوط تجديد الإحرام إن كان واجباً عليه بل مطلقاً لدخول الحرم.

و استشكل في جريان اصالة الصحّة و قاعدة الفراغ في المقام بأنّ جريانهما فرع كون عنوان العمل معلوماً و شكّ في بعض خصوصياته من أجزائه و شرائطه و أمّا إذا لم يكن عنوان العمل معلوماً فلا تجري فيه أصالة الصحّة و قاعدة

الفراغ.

و بعبارة أخري لا يمكن إثبات العنوان باصالة الصحَّة مثلا إذا شكّ في أنّ الصادر منه كان بيعاً أو قماراً فلا تجري فيه أصالة الصحَّة و لا يثبت له بها عنوان البيع.

و فيه: إنّه تارة تعنون المسألة كما في العروة فإنّه قال: (لو نسي ما عينه من حجّ أو عمرة وجب عليه التجديد …) ففيها نقول: لا يصح التمسك بأصالة الصحّة لأنّه

فرع معلومية عنوان العمل لا بدونها، و تارة تعنون المسألة كما في الشرائع و يكون موضوعها نسيان الإحرام ففي مثله يمكن أن يقال: إنَّ عنوان العمل و هو الإحرام معلوم و لكنه نسي خصوصية كونه للعمرة أو للحج و هو حيث وقع في غير أشهر الحج شكّ بسبب النسيان انَّه وقع باطلا لوقوعه للحج أو صحيحاً لوقوعه للعمرة.

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 18/ 213.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 30

فالظَّاهر أنّ اصالة الصحَّة تجري فيه و يبني علي صحته و وقوعه للعمرة و إلا إن قلنا بعدم جريان اصالة الصّحة فلا وجه لوجوب تجديد الإحرام إذا كان واجباً عليه فمقتضي الأصل فساد إحرامه و عدم وجوب المضيّ فيه فيرفع اليد عنه.

نعم يمكن أن يقال: إنّ الاحتياط بعد ذلك أي عدم جريان اصالة الصحّة تجديد النيّة لأنّه إن بني علي صحّة عمله احتياطاً و أتم ما بيده عمرة يمكن أن يكون دخوله في الحرم بدون الإحرام إذ من المحتمل وقوع إحرامه باطلا لوقوعه للحج فيترتب علي تجديد النّية جواز الدخول في الحرم إن كان إحرامه الأوّل باطلا.

هذا كلّه فيما إذا لزمه أحدهما دون الآخر.

و أمّا إن أمكن وقوع إحرامه صحيحاً لكلّ واحد من النسكين فقيل كما سمعت من الشرائع انّه مخيّر بين صرفه إلي أيّهما شاء لوجوه:

أحدها: استصحاب

التخيير السابق لأنّه كان له الإحرام بأيِّهما شاء و فيه: إنَّ بعد تغيّر الموضوع و تعين أحدهما عليه لا مجال لاستصحاب بل الاستصحاب يقضي بوجوب ما تعيّن عليه.

ثانيها: عدم رجحان أحدهما علي الآخر و فيه: ان ذلك مبني علي عدم إمكان الاحتياط لاستلزامه ترك الواجب أو فعل الحرام و يمكن ان يقال: إنَّه إذا انتهي الأمر إلي ذلك لا يمكن الامتثال فيسقط الأمر و الخطاب.

و ثالثها: عدم جواز الإحرام بدون النسك إلا إذا صدّ أو أحصر فيتخيّر بين الإحلال بأحدهما و الموافقة الاحتمالية و فيه أيضاً: إنَّ ذلك إذا لم يمكن الاحتياط و سيأتي إمكانه.

ثمّ إنّ الشيخ (قدس سره) في المسألة 68 من مسائل الحجّ في الخلاف قال: (لا يخلو أن

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 31

يكون إحرامه بالحجّ أو العمرة فقد بيّنا أنّه يجوز له أن يفسخه إلي عمرة يتمتّع بها و إن كان بالعمرة فقد صحّت العمرة علي الوجهين، و إذا أحرم بالعمرة لا يمكنه أن يجعلها حجّة مع القدرة علي إتيان أفعال العمرة فلهذا قلنا يجعلها عمرة علي كلّ حالّ) «1» و ما أشار إلي بيانه هو ما بيّنه في المسألة 37 قال: (من أحرم بالحجّ و دخل مكّة جاز أن يفسخه و يجعله عمرة و يتمتّع بها و خالف جميع الفقهاء في ذلك و قالوا إنّ هذا منسوخ. دليلنا إجماع الفرقة و الأخبار الّتي رويناها، و أيضاً لا خلاف إنّ ما قلناه هو الّذي أمر به النبي (صلي الله عليه و آله و سلم) أصحابه و قال لهم: من لم يسق هدياً فليحل و ليجعلها عمرة و روي ذلك جابر و غيره بلا خلاف في ذلك و هذا صريح و من ادّعي

النسخ فعليه الدلالة و ما يدعي في هذا الباب خبر واحد لا ينسخ بمثله المعلوم «2» قال في الجواهر و عن المنتهي و التحرير إنّه حسن «3».

أقول: الظّاهر مختار الشيخ تام فيما إذا دار الأمر بين العمرة المفردة و العمرة المتمتّع بها إلي الحج فيجعلها الثانية لجواز العدول من المفردة إليها دون العكس و كذا إذا دار الأمر بين الإحرام لحجّ الإفراد أو للتمتّع فإنّه يجوز العدول منه إلي التمتّع دون العكس إلا في بعض الموارد و أمّا العدول من القران إلي التمتّع فلا يجوز لنفس ما

استدل به للعدول من الإفراد إلي التمتّع.

فعلي هذا نبقي نحن و ما إذا دار أمره بين الإحرام للعمرة المفردة و للقران أو الإفراد و ما إذا دار الأمر بين الإحرام لعمرة التمتّع و حجّ القران أمّا في الصورة الاولي فطريق الاحتياط الإتيان بالطواف و صلاته و السعي رجاءً و الوقوفين

______________________________

(1) الخلاف: 2/ 291.

(2)- الخلاف: 2/ 270.

(3)- جواهر الكلام: 18/ 214.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 32

و سائر أعمال الحجّ و التقصير أو الحلق بقصد ما في الذمة و الطواف و الصلاة و السعي و طواف النساء و صلاته بقصد ما في الذمة.

و أمّا في الصورة الثانية فيشكل من جهة دوران الأمر في التقصير بين الوجوب و التحريم فإنّه إن كان إحرامه لعمرة التمتّع يجب عليه التقصير ليحل قبل الحج و يحرم لحجّ التمتّع و إن كان إحرامه لحجّ القران يحرم عليه التقصير و يجب عليه الذهاب إلي الموقفين لأداء أعمال الحج فلا يمكن له الاحتياط فربما يقال: بأنه تصل النوبة إلي الامتثال الاحتمالي و بالنتيجة له أن يخرج من الإحرام باختيار عمرة التمتّع و الإحرام ثانياً للحجّ و يأتي بأعماله

بقصد ما في ذمّته و بعد الفراغ من الأعمال يعلم بخروجه عن الإحرام سواء وقع لعمرة التمتّع أو لحجّ القران بل يعلم بفراغ ذمّته و إن وجب عليه الكفّارة للتقصير احتياطاً و له أيضاً أن يذهب إلي عرفات و يتمّ ما بيده قرانا إلا أنه و ان يحصل له اليقين بخروجه من الإحرام و لكن لا يحصل له العلم بفراغ ذمّته لأنه إن كان ما عليه حجّ التمتّع بقي عليه.

و علي هذا يمكن أن يقال: بتعيين الصورة الأولي عليه و ربّما يقال: إنّ الّذي يعلم بغصبية أحد ما عنده من التّراب و الماء نظير ما نحن فيه لأنّه يدور أمره في كل من التيمّم و الوضوء بين المحذورين فيحكم بالتخيير فيجوز له ارتكاب أحدهما فإذا جاز له الوضوء يكون واجد الماء فيتعيّن عليه الوضوء و لا ينتقل أمره إلي التيمّم.

فإن قلت: إنّ الموافقة الاحتمالية إنّما يجب إذا لم يكن المكلّف متمكّناً من

الموافقة القطعيّة مثلا إذا علم بوجوب شرب أحد الماءين عليه إجمالا و لا يتمكّن من شربهما حتّي يعلم بالتفصيل بامتثال ما عليه يجب عليه الامتثال الاحتمالي بشرب أحدهما و كما إذا علم بحرمة أحد الإنائين و لا يتمكن من اجتناب كل منهما لا يجوز له ارتكابهما بل يجب عليه اجتناب أحدهما.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 33

أمّا إذا كان الموافقة الاحتمالية لا تتحقق إلا مع المخالفة الاحتمالية مثل ما نحن فيه فلا يمكن القول بالتخيير بل الظّاهر أنه عاجز عن الامتثال و لازمه سقوط التكليف و الخطاب و مثله باب العلم بغصبية الماء أو التراب.

قلت: ليس المراد من الموافقة الاحتماليّة حصولها بفعل التقصير أو تركه بل المراد: إنّه بعد ما يكون ارتكاب أحد المحذورين لا

بدّ منه يجب عليه ارتكاب ما يتمكّن به من الموافقة الاحتماليّة بل القطعيّة، ففي الواقع في مثل المقام يتعيّن عليه اختيار التقصير.

و أمّا تنظيره بما إذا علم بغصبيّة الماء أو التراب كأنّه لم يقع في محلّه لأنّ في مثله يجب عليه ترك الطّهارة بكليهما و لا يدور أمره بين الفعل و الترك.

فتلخص من جميع ما ذكر: إنّه إذا تردّد بالنسيان انّه أحرم بما هو يصحّ صدوره منه أو بما لا يصح كما إذا نسي في غير أشهر الحج انّه أحرم للعمرة أو للحج.

أنا و إن قوينا جريان أصالة الصحّة للشّك في صحّة ما صدر منه إلا أن الحقّ مع السيد الخوئي لأنّ الشكّ في أنّه أحرم للعمرة أو للحجّ يرجع لا محاله إلي الشّك في عنوان العمل أنّه نوي الحج أو العمرة لأنّ نيّة الحج أو العمرة و تحقّق عنوان هذا أو هذه يتحقّق بنيّة الإحرام له أولها فالشّك واقع في عنوان العمل و انّه وقع بالعنوان الصحيح أو العنوان الباطل و أصالة الصحّة لا تجري في تحقيق هذا العنوان فعلي هذا يمكن إجراء اصالة البراءة و رفع اليد عن إحرامه كما أن الاحتياط تجديد الإحرام

للعمرة المفردة.

و إذا تردّد بين العمرة المفردة و عمرة التمتّع و بين الإحرام لحجّ الإفراد أو لعمرة التمتّع في أشهر الحج حيث يصح صدور كلّ منها يحتاط بالعدول من العمرة المفردة و الإحرام لحجّ الإفراد إلي عمرة التمتّع و إذا شكّ بسبب النسيان أنّ إحرامه

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 34

وقع لحجّ القران أو لعمرة التمتّع يتخيّر بالنظر البدوي بين ترك التقصير أو فعله إلا أنّه يتعيّن عليه التقصير لأنّه يتمكن بعده من الاحتياط التام و الخروج عن الإحرام و تحصيل

العلم بفراغة ما في ذمّته فتأمل جيداً.

[مسألة 5] حكم من أحرم بالحج و العمرة معاً

مسألة 5: قال في الشرائع: (لو احرم بالحجّ و العمرة و كان في أشهر الحج كان مخيراً بين الحج و العمرة إذا لم يتعيّن عليه أحدهما و إن كان في غير أشهر الحجّ تعيّن للعمرة) الخ.

أمّا وجه التخيير إذا لم يتعيّن عليه أحدهما فلعلّه بعض ما أشرنا إليه في المسألة السابقة من بقاء تخييره بالإحرام بأيّهما شاء و عدم إمكان وقوعه لهما لا يوجب بطلانه بعد ما لم يكن تعيينه لواحد منهما داخل في حقيقته فهو كمن أحرم بدون نية كونه لأحدهما و أمّا إذا تعين عليه أحدهما سواء كان ذلك من جهة كونه في غير أشهر الحجّ أو وجوب أحدهما عليه تعييناً فيها فمن جهة أنّ نية الآخر لا يترتب عليه شي ء و لا يقع صحيحاً فيبقي الآخر علي حاله و يترتب عليه الأثر.

و فيه أولا: في الصورة الثانية و تعين أحدهما إنّ ذلك من ضمّ الضميمة إلي النيّة فإن لم يكن داعيه لإتيان كلّ واحد منهما مستقلا مؤثراً في تحريكه يشكل صحّة إحرامه لذلك بل يشكل الصحة مطلقاً و إن كان داعيه لكلّ منهما تؤثر في تحريكه لو

كان واحداً و لكن إذا كان محرّكه نحو العمل كلا الداعيين يكون محركه القدر المشترك الجامع بينهما لا محالة لا كلّ منهما بالاستقلال لأنّه يلزم منه اجتماع العلتين المستقلتين لمعلول واحد و هذا أي إتيان الفعل عن نية منبعثة عن أمر المولي و عن توهم أمره كما إذا كانت نيّته منبعثة عن أمر المولي و أمر غيره لا يكفي في وقوع الفعل له و

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 35

امتثالا له.

و ثانياً: قد بيّنا في المسألة السابقة اعتبار التعيين و

كون الإحرام من أجزاء النسكين كتكبيرة الإحرام الّتي هي من أجزاء الصلاة لا يكفي الإتيان بها بدون قصد كونها من صلاة الظهر أو غيرها من الصلوات و بالجملة بعد ما ثبت وجوب الإحرام المستقل لكلّ واحد من الحجّ و العمرة وجب الإتيان به كذلك و إلا لم يأت بالمأمور به و نوي ما لم يشرع من غير فرق بين الصور المذكورة.

[مسألة 6] حكم من أحرم كإحرام فلان

مسألة 6: قال في الجواهر: (و لو قال) ناوياً أحرم كإحرام فلان و كان عالماً حين النيّة بما ذا أحرم صحّ بلا خلاف و إشكال لوجود المقتضي من النيّة و التعيين و عدم المانع و إن كان جاهلا قيل و القائل الشيخ و الفاضل في محكي المنتهي و التذكرة يصح إمّا بناء علي أنَّ الإبهام لا يبطله فضلا عن مثل الفرض أو لصحيح الحلبي و حسنه عن الصادق (عليه السلام) في حجّة الوداع إنَّه قال: يا علي بأيّ شي ء أهللت؟ فقال: أهللت بما أهلّ به النبي «1» (صلي الله عليه و آله و سلم) و صحيح معاوية بن عمّار «2» إنَّه قال: قلت: اهلالا كاهلال النبيّ (صلي الله عليه و آله و سلم)) «3».

ثمّ ساق الكلام في الاستدلال بهما و بغيرهما نفياً و إثباتاً و أنكر ظهور الصحيحين في جهله (عليه السلام) بما أحرم به النبيّ (صلي الله عليه و آله و سلم) مضافاً إلي ما فيهما و في غيرهما من

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب اقسام الحج ح 13.

(2)- وسائل الشيعة: ب 2 من ابواب اقسام الحج ح 3.

(3)- جواهر الكلام: 18/ 210.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 36

التدافع و بعض الاختلافات فلا يمكن الاستدلال في ذلك بهذه الأخبار و لا يثبت بها

أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) لم يكن عالماً بما نواه النبيّ (صلي الله عليه و آله و سلم) لدلالة بعضها علي علمه (عليه السلام) بذلك.

و كيف كان فالظاهر انّه إن كان عالماً بصدور النيّة و الإحرام عن غيره و لم يعلم بما ذا أحرم صحّ إحرامه لتعيّنه في الواقع و إن هو لم يعلم به إلي بعد الأعمال إن لم يقع بجهله في معرض مخالفة الواقع كما إذا وافقه في الأعمال و إلا إن كان من أول الأمر يعلم عدم إمكان الاطلاع علي نيّته و لا موافقته في الأعمال لا ينعقد إحرامه و لا يكفي مثل هذا التعيين الواقعي فهو كمن نوي طبقاً لما ذكره في القرطاس الّذي لا يتمكّن من الرجوع إليه و نسي ما ذكره فيه.

نعم إن نوي طبقاً لما ذكره في القرطاس ثمّ نسي و تعذر الاطلاع عليه يجب عليه الاحتياط و مثله ما إذا حصل التعذر المذكور بعد النيّة و الله هو العالم بأحكامه.

[مسألة 7] لو نوي غير ما وجب عليه من الحج او العمرة

مسألة 7: قال في العروة: لو وجب عليه نوع من الحج أو العمرة فنوي غيره بطل انتهي.

و هل مراده بطلان ما وجب عليه أي عدم وقوعه و عدم إجزاء نية غير الواجب عنه كما أفاده بعض الأعاظم «1» أو مراده أنَّ ما نواه باطل لا يقع صحيحاً فإنّ الأول غنيّ عن البيان و أمّا الثاني فيقع البحث عنه فيمكن أن يقال ببطلانه لأنَّه

______________________________

(1)- معتمد العروة: 2/ 506.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 37

لم يكن ماموراً به فما وقع ليس به و ما هو هو لم يقع.

و فيه: انّ كون غير ما نواه واجباً أعم من كون ما نواه ليس مأموراً به لإِمكان أن يكون ما نواه ماموراً به

علي نحو الاستحباب فإذا غفل عمَّا هو الواجب عليه و نوي النوع المستحب أو الفرد المستحب و أتي بتمام الأفعال يقع صحيحاً.

نعم إذا التفت إلي ذلك يبطل ما بيده فيأتي بالواجب إن لم يجز له العدول عنه إلي الواجب و إلا يعدل إليه و ينويه الواجب.

[مسألة 8] لو شك في ما نواه

مسألة 8: قال في العروة: لو كان في أثناء نوع و شكّ في أنّه نواه أو نوي غيره بني علي أنه نواه.

أقول: الظّاهر أنّ المفروض في كلامه الشريف إذا كان تعلق نيّته بكلّ من النوعين جائزاً و حينئذ لا بدّ له من الاحتياط علي النحو المذكور في المسائل السابقة ليحصل له العلم بإتمام ما أحرم له و خروجه من الإحرام للعلم بعدم بطلان إحرامه بالشكّ المذكور.

نعم إن أمكن له العدول من أحدهما إلي الآخر يعدل إليه فهو مخيَّر بين الاحتياط المذكور و بين العدول إلا أن يكون ما يعدل إليه متعيناً عليه فيتعيّن

العدول إليه.

و أمّا إذا لم يكن ما ليس في أثنائه صحيحاً فمقتضي الأصل عدم انعقاد إحرامه و براءة ذمَّته عن وجوب إتمام ما هو في أثنائه.

هذا علي مقتضي القاعدة الأوليّة و لكن مختار السيد (قدس سره) و جمع من المحشين أنه

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 38

يبني علي أنه نواه لقاعدة التجاوز و الصحّة و استشكل في التمسك بها بأنَّ القاعدة إنَّما تجري في تحقيق ماله دخل في تماميّة المعنون بعد إحراز عنوانه مثلا لفاتحة الكتاب دخل في تماميّة الصلاة فإذا شكّ بعد الدخول في السورة أو في الركوع في قراءة الفاتحة يبني علي تحقّقها بمقتضي قاعدة التجاوز أو إذا شكّ في صحّة القراءة بعد الفراغ منه يبني علي صحتها لقاعدة الصحَّة و الفراغ كل ذلك يكون بعد

إحراز عنوان الصلاة لما هو فيه و كذا لو شكَّ في التلبية أو تكبيرة الإحرام وجوداً بعد الدخول فيما يترتب عليها أو في صحّتها بعد الفراغ عنها.

و أمّا إذا شكّ و هو في اثناء نوع من الصّلاة كصلاة النافلة في أنَّه نواها نافلة أو فريضة أو شكَّ في حال الطواف انّه نوي العمرة المفردة أو حجّ الإفراد ففي مثل هذا لا تجري قاعدة التجاوز أو الفراغ لأنَّ جريانهما فرع كون العنوان معيناً و إذا لم يكن العنوان معيناً ليس ترك ما شك في إتيانه و إيجاده ترك ما ينبغي أن يفعل حتَّي يقال بأنَّ العقلاء بانون في مثل ذلك علي تحقّقه أو الرّوايات تدلّ علي ذلك «1».

اذاً فما اختاره بعض الأعلام تبعاً للسيّد فقال في شرحه علي العروة: (لقاعدة التجاوز و الصحّة و ليس الشك في أصل النيّة حتي يكون الشك في اصل العنوان) «2»

يرد بهذا الإشكال فإنَّ النيّة لا تتحقّق إلا بقصد العنوان اللهمّ إلا أن يكون مراده من أصل النيّة أصل نيّة الحجّ المعيّن المعلوم بالنوع و العنوان و إنّ شكّه واقع في إحرامه و انَّه أحرم لهذا النوع أم لهذا و لكن هذا مضافاً إلي انَّه خلاف ظاهر كلام السيّد عدول عن نيّته الاولي إلي ما نواه ثانياً.

و بعد ذلك كله يمكن ان يقال: ان قاعدة التجاوز في كل مورد لو كان

______________________________

(1) مستمسك العروة: 11/ 375.

(2)- معتمد العروة: 2/ 506.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 39

العنوان متحققا تحقق في عنوان يري هو نفسه فيه فتحري القاعدة حتي في صورة الشك في النية و اما اذا كان تحققه مرددا بين العنوانين فلا تجري القاعدة و الفرق بين الصورتين واضح فان في الصورة الاولي اشتغاله

بجزء العمل امارة علي انه اتي بما قبله بخلاف الثاني.

[مسألة 9] حكم التلفظ بالنية

مسألة 9: الظّاهر انّه لا خلاف بينهم في استحباب التلفّظ بالنيّة و استحباب أن يشترط علي الله تعالي عند إحرامه أن يحلّه إذا عرض له مانع من إتمام نسكه كما أنّ الظّاهر جواز التلفّظ بكل لفظ يدل علي ذلك لاختلاف الرّوايات في كيفية التلفّظ و إن كان الأولي أن يكون ذلك بالألفاظ المذكورة في الرّوايات.

و الدليل علي ذلك كلّه (استحباب التلفّظ بالنيّة و الاشتراط المذكور و جواز التلفّظ بكل لفظ دالٍّ عليها و أولويّة الألفاظ المأثورة) الرّوايات مثل صحيح معاوية بن عمار و فيه: اللهم إنّي اريد التمتّع بالعمرة إلي الحجّ علي كتابك و سنّة نبيِّك (صلي الله عليه و آله و سلم) فإن عرض لي عارض يحبسني فحلّني حيث حبستني لقدرك الّذي قدرت عليَّ اللهم إن لم تكن حجّة فعمرة أحرم لك الخ و نحوه صحيح ابن سنان «1».

[مسألة 10] استحباب الاشتراط عند النية

مسألة: 10 قد عرفت في المسألة السابقة استحباب اشتراطه عند إحرامه علي الله أن يحلّه إذا عرض له مانع من إتمام نسكه من حجّ أو عمرة و أن يتمم إحرامه عمرة إذا كان للحج و لم يمكنه الإتيان و لا إشكال كما

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 16 من ابواب الاحرام ح 1 و 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 40

صرّح به في الجواهر إنّه لو أحصر تحلّل «1» و لكن وقع الكلام بينهم في ثمرة هذا الاشتراط و اختلفت أقوالهم.

فمنها إنّ ثمرته سقوط الهدي به قال في الجواهر: «2» و القائل به المرتضي و الحلّي و الحلبي و يحيي بن سعيد و الفاضل في حصر التحرير و التذكرة و المنتهي و صدِّ القواعد علي ما حكي عن بعضهم فعليه يحلّ بمجرد الإحصار من غير أن يحتاج إلي

الهدي و حكي عن الانتصار الإجماع علي ذلك بل قال فيه: لا فائدة لهذا الشرط إلا ذلك و اطلاق الآية (فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي و لا تحلقوا رءوسكم حتَّي يبلغ الهدي محلّه) محمول علي من لم يشترط و هو الحجّة بعد صحيح ذريح المحاربي قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل تمتع بالعمرة إلي الحجّ و أحصر بعد ما أحرم، كيف يصنع؟ قال: فقال: أو ما اشترط علي ربه قبل أن يحرم أن يحله من إحرامه عند عارض عرض له من أمر الله؟ فقلت: بلي قد اشترط ذلك قال: فليرجع إلي أهله حلًّا (حلالًا) لا إحرام عليه إنّ الله أحق من وفي بما اشترط عليه قال: فقلت: أ فعليه الحجّ من قابل؟ قال: لا.» «3»

و صحيح البزنطي قال: «سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن محرم انكسرت ساقه أيّ شي ء يكون حاله و أيّ شي ء عليه؟ قال: هو حلال من كلّ شي ء فقلت: من النساء و الثياب و الطيب؟ فقال: نعم من جميع ما يحرم علي المحرم و قال: أما بلغك قول أبي عبد الله حلني حيث حبستني لقدرك الَّذي قدرت عليّ.» «4».

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 18/ 263.

(2)- جواهر الكلام: 18/ 260.

(3)- وسائل الشيعة: ب 24 من أبواب الاحرام ح 3.

(4)- وسائل الشيعة: ب 8 من ابواب الاحصار و الصد ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 41

بيان الاستدلال بهما أن سكوت الإمام (عليه السلام) فيهما عن بيان وجوب الهدي في جواب السائل الّذي سأله عن تمام وظيفته دال علي عدم وجوبه.

فإن قلت: لعل ذلك كان اتكالا علي الآية لانه لم يكن مثل ذريح المحاربي و البزنطي جاهلين بحكم الهدي المصرح به في القرآن

المجيد.

قلت: إن مفادهما أخصّ من مفاد الآية فإنّ مفادها حكم الإحصار سواء كان مسبوقاً بهذا الشرط أو لم يكن مسبوقاً به و إنّه لا يتحلل بدون الهدي و مفاد منطوق الروايتين حكم الإحصار المسبوق به و إنّه يتحلّل بمجرد الإحصار.

فإن قلت: إنّ مفاد الآية دخل الهدي و بلوغه محلّه في الإحلال و مفاد الروايتين تعجيل تحليله بالشرط قبل بلوغ الهدي لا سقوطه مطلقاً.

قلت: إنّ الهدي إنّما وجب لكونه مقدمة للتحليل فإذا حصل التحليل بالشرط لا فائدة للهدي.

فإن قلت: بالنِّسبة إلي خصوص رواية البزنطي بقطع النظر عن ذيلها، اي قول الصادق (عليه السلام) حلّني حيث حبستني هي مخالفة للآية لا يؤخذ بها و بالنَّظر إلي ذيلها الاستدلال بها متوقف علي أن يستفاد منها إنّ مورد السؤال هو الإحصار المسبوق بالشرط و إلا لا وجه لاستشهاد الإمام (عليه السلام) بقوله (عليه السلام) و لكن يمكن أن يكون ذلك للاستشهاد بأنَّ الإحصار و الحبس حيث يكون بقدر الله تعالي موجب للإحلال مطلقاً و سؤاله منه تعالي كانه بيان و اعتراف بأن ذلك من الله تعالي منة و تسهيلا لعباده.

قلت: إنَّ ذلك يجعل الخبر معارضاً للكتاب و هو خلاف الظّاهر بل ظاهر الاستشهاد ان مورده كان مسبوقا بالاشتراط و ان الإمام (عليه السلام) دفع به توهّم المعارضة بين ما قال و بين الكتاب و ان مورد كلامه (عليه السلام) أخصّ من مورد الكتاب.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 42

اللَّهم فالإنصاف إنّ الرواية لا تخلو من الدّلالة علي حكم صورة الاشتراط بل ظاهرة فيها.

و أمّا ما دلّ من الرّوايات علي أنّه حلّ بالإحصار قال أو لم يقل مثل ما رواه الكليني عن محمد بن يحيي «1» عن أحمد بن محمد «2»

عن ابن فضال «3» عن ابن بكير «4» عن حمزة بن حمران «5» قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن أبيه (عليه السلام) عن الّذي يقول: حلّني حيث حبستني؟ قال: هو حلّ حيث حبسه قال أو لم يقل». «6»

و ما رواه أيضاً شيخنا الكليني عن علي بن إبراهيم «7» عن أبيه «8» عن ابن أبي عمير «9» عن حماد بن عثمان «10» عن زرارة «11» عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «هو حلّ إذا حبس اشترط أو لم يشترط». «12»

______________________________

(1)- العطار شيخ اصحابنا في زمانه ثقة عين كثير الحديث من الثامنة.

(2)- بن عيسي الاشعري شيخ القميين و له كتب من السابعة.

(3)- هو الحسن بن علي بن فضال جليل القدر … من السادسة.

(4)- عبد الله بن بكير فطحي ثقة اجمعت الصحابة علي تصحيح ما يصح عنه … من الخامسة.

(5)- ابن اعين الشيباني له كتاب روي عن ابي عبد الله (عليه السلام) و اخوه عقبة بن حمران و ابوه حمران عظيم القدر ممدوح بمدائح عظيمة من الخامسة.

(6)- الكافي: 4/ 333 ح 6.

(7)- صاحب التفسير جليل ثقة من الثامنة.

(8)- ابن هاشم اصله كوفي انتقل الي قم و اصحابنا يقولون انه اول من نشر حديث الكوفيين بقم من السابعة.

(9)- محمد بن ابي عمير من السادسة.

(10)- ثقة جليل القدر من اصحاب الإجماع من الخامسة.

(11)- هو في الفضل و جلالة القدر مشهور من الرابعة.

(12)- الكافي: 4/ 333 ح 7.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 43

فالظاهر أنّ المراد منه الحلّ من وجوب الإتمام لا الحلّ من المحظورات الَّذي هو متوقف علي بعث الهدي و بلوغه محلَّه و صحيح ذريح المحاربي ناظر إلي حصول الحلّ من المحظورات بدون الهدي إن اشترط ذلك

علي الله تعالي.

لا يقال: إنّ المستفاد من الآية حكمان: بعث الهدي و تأخير الخروج من الإحرام إلي أن يبلغ الهدي محلّه و الآية مطلقة بالنّسبة إلي الحكمين تشمل صورة الاشتراط كما تشمل صورة عدم الاشتراط و إطلاق الإحرام و المتيقن من صحيح ذريح جواز التعجيل في الخروج عن الإحرام و عدم حرمته قبل أن يبلغ الهدي محله و بعبارة أخري: الأمر دائر بين تقييد إطلاق حرمة الخروج من الإحرام و حرمة المنهيات و بين تقييده و تقييد حكم وجوب البعث و لا ريب ان الأوّل متعين و لا دلالة للصحيح أكثر من ذلك.

فانه يقال: إنّ الظّاهر ان الهدي بدل من الإحرام و مقدمة لجواز الخروج عنه فإذا هو يخرج من الإحرام بالإحصار و لا حاجة للخروج منه إلي بلوغ الهدي محلّه فما فائدة الهدي؟

اللهم إلا أن يقال: انا لا نعلم تمام حكمة وجوب بعث الهدي فلا يجوز رفع اليد من الآية بذلك.

و علي هذا يرد ما قيل: من عدم وجود الدليل علي تعجيل التحلل قبل الذبح فإنَّ مقتضي ما ذكر جواز التعجيل قبل بعث الهدي و ذبحه.

نعم يمكن أن يقال: بعدم جواز ذلك قبل الذبح و جواز التعجيل بذبح الهدي في مكانه بصحيح معاوية بن عمار و فيه: «إنّ الحسين بن علي (عليه السلام) خرج معتمراً فمرض في الطريق فبلغ علياً (عليه السلام) و هو بالمدينة فخرج في طلبه فأدركه في السقيا و هو

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 44

مريض، و قال: يا بني ما تشتكي؟ قال: أشتكي رأسي فدعا علي (عليه السلام) ببدنة فنحرها و حلق رأسه. و ردَّه إلي المدينة فلما برء من وجعه اعتمر …» «1».

و الاستدلال به لما نحن فيه يكون علي

فرض أنّ الإمام (عليه السلام) اشترط الإحلال عند إحرامه فلا يترك الإمام عادة المستحب و إن كان هو قد يترك المستحب لبعض المصالح كإعلام الناس بعدم وجوبه و عدم ورود اعتراض علي من يتركه.

و فيه: أنَّ الصحيح يدلّ علي أنّ ذلك حكم مطلق المعتمر اشترط أو لم يشترط و الجمع بينه و بين صحيح ذريح المحاربي يقتضي سقوط الهدي في صورة الاشتراط.

بل يمكن أن يقال: إن عمرة الإمام (عليه السلام) كانت مفردة فحكمها ما ذكر في صحيح معاوية و صحيح ذريح مورده عمرة التمتّع و ان كان يظهر من بعض ألفاظ الحديث الإطلاق كقوله: و إن كان مرض في الطريق بعد ما أحرم هذا مضافاً إلي أنَّ العلامة المجلسي (قدس سره) احتمل أن يكون نحر بدنة من علي (عليه السلام) فداء الحلق.

و بعد ذلك كله لا يمكننا أن نقول بالجزم إلا خروجه من الإحرام إن اشترط ذلك و أمّا سقوط الهدي فمحل إشكال و مقتضي إطلاق الآية وجوب بعثه مطلقاً.

و مما قيل بكونه ثمرة الاشتراط سقوط الحج عنه من قابل، و هو المستفاد من الشيخ قدس سره في التهذيب و استدل عليه بما رواه عن موسي بن القاسم «2»

______________________________

(1)- التهذيب: 5/ 1465/ 111، الكافي ج 4 ص 369 ج 3 و لا يخفي عليك اختلاف الفاظ الحديث بل و مضمونه برواية التهذيب و الكافي و ما ذكرناه موافق لنسخة التهذيب الا ان الظاهر ان الفاظ الكافي اضبط و أوفي و اتم و مع ذلك لم نتحصل لنا مفاد تمام الحديث علي نحو تطمئن به النفس.

(2)- ثقة جليل واضح الحديث له ثلثون كتابا من السبعة.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 45

عن الحسن بن محبوب «1» عن علي

بن رئاب «2» عن ضريس بن اعين «3» «سألت ابا جعفر عليه السّلام عن رجل خرج متمتعا بالعمرة الي الحج فلم يبلغ مكة الا يوم النحر؟

فقال: يقيم علي احرامه و يقطع التلبية حتي يدخل مكة فيطوف و يسعي بين الصّفا و المروة و يحلق رأسه و ينصرف الي اهله ان شاء و قال: هذا لمن اشترط علي ربه عند احرامه فان لم يكن اشترط فانّ عليه الحج من قابل» «4».

بيان الاستدلال عليه: انّه جعل فائدة الاشتراط المعهود بينهم سقوط الحج عنه من قابل.

بيان الاستدلال عليه: انّه جعل فائدة الاشتراط المعهود بينهم سقوط الحج عنه من قابل.

و استشكل عليه بأنه أجنبي عمّا نحن فيه لأنّ كلامنا في المحصور الممنوع عن الاتمام بمرض و نحوه و هذا الصحيح مورده المتمكّن من الأعمال و المناسك و الطواف و لكن فاته الموقفان لضيق الوقت و الغفلة و نحو ذلك، فهذه الفائدة مختصة به.

و فيه: أن الظاهر منه أن الاشتراط موجب لسقوط الحج عنه كما يترتب عليه سائر الاحكام كالتحليل و التفصيل بين حكمه بسقوط الحج من قابل ان فاته الموقفان لاجل ضيق الوقت أو الغفلة و عدمه ان كان ذلك بالحصر بعيد لا يوافقه العرف.

و اشكل ايضا بما هو المحكي عن العلامة قدس سرّه في المنتهي بأن الحج الفائت ان كان واجبا لم يسقط فرضه في العالم القابل بمجرد الاشتراط و ان لم يكن واجبا لم يجب بترك الاشتراط و قال: (الوجه في هذه الرواية حمل الزام الحج في القابل مع

______________________________

(1)- السّراد من اصحاب الاجماع جليل القدر له كتب كثيرة من السادسة.

(2)- له اصل كبير كوفي جليل القدر له كتب كثيرة من السادسة.

(3)- ضريس بن عبد الملك بن اعين

خير فاضل من الخامسة.

(4)- تهذيب الاحكام كتاب الحج، ح 100/ 38/ 23.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 46

ترك الاشتراط علي شدة الاستحباب و هو حسن.

هذا و ان لم يكن الاستدلال بالصحيح مردودا بما ذكر يكون و صحيح ذريح معارضين لما رواه الشيخ في الصحيح عن أبي بصير يعني ليث بن البختري «1» قال:

«سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يشترط في الحج ان حلّني حيث حبستني عليه الحج من قابل؟ قال: نعم» «2».

و بعد المعارضة، الترجيح يكون مع صحيح ابي بصير لموافقته مع الكتاب و السنة.

و اما الجمع بينهما بحمل ما دل علي السقوط علي الحج المندوب و ما دلّ علي الوجوب علي الحج الواجب فهو حمل لا شاهد له و لا قرينة تدل عليه.

و امّا الاستشهاد علي هذا الجمع بذيل رواية رواها الحلّي يحيي بن سعيد في كتابه الجامع عن كتاب المشيخة لابن محبوب عن صالح «3» عن عامر بن عبد اللّه بن جذاعة «4» عن ابي عبد اللّه عليه السّلام كما فعله السيّد الگلپايگاني قدس سرّه، ففيه: ان محل الاستشهاد كما هو الظاهر ليس من الرواية بل هو من الكتاب و هو كلام الحلّي فراجع ان شئت «5». و اللّه العالم.

هذا و اختار بعضهم ان ثمرة الاشتراط ادراك الثواب و هو مستحب تعبدي كما يشهد له بعض الروايات و اختار ذلك السيد في العروة و قال: (هو الاظهر) و

______________________________

(1)- احد الاوتاد الاربعة و محمد بن مسلم و يزيد بن معاوية و زرارة من الخامسة.

(2)- وسائل الشيعة: ب 24 من أبواب الاحرام، ح 1.

(3)- ابن رزين كوفي له كتاب ذكره اصحاب الرجال … عنه الحسن بن محبوب من السادسة او الخامسة.

(4)- مختلف فيه و

الاقوي الاعتماد عليه من الخامسة.

(5)- الجامع للشرائع/ 222.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 47

تبعه بعض المحشين كما منع الاظهريّة بعض آخر و لا ريب انه احوط.

[الثاني من واجبات الإحرام التلبية]
اشارة

الثاني من واجبات الإحرام التلبية

و لا خلاف في وجوبها بل الاجماع كما في الجواهر بقسميه عليه مضافاً إلي النصوص الكثيرة كما أنّه لا خلاف بينهم في أنّها لا تجزي بأقل من الأربعة و لا تجب الزيادة عليها ايضاً بالإجماع و النص و أمّا وجوب الزائد علي الأربعة كما ربما يكون ظاهر الاقتصاد للشيخ (قدس سره) فهو مردود بصريح ما في سائر كتبه قال في الاقتصاد. (ثمّ يلبّي فرضاً واجباً فيقول: لبيك اللّهمّ لبيك لبيك إنَّ الحمد و النعمة لك و الملك لا شريك لك لبَّيك لبَّيك بحجة و عمرة أو حجّه مفردة تمامها عليك لبَّيك ثمّ قال و ان اضاف إلي ذلك ألفاظاً مروية من التلبيات كان أفضل «1» و قال في النهاية بعد ذكر التلبيات الأربع؟ فهذه التلبيات الاربع فريضة لا بدّ منها، و إن، زاد عليها من التلبيات الآخر كان فيه فضل كثير) «2».

و قال في الجمل و العقود في أفعال الإحرام المفروضة: و التلبيات الأربع الَّتي بها ينعقد الإحرام. «3»

و قال في المبسوط: و التلبية فريضة … و المفروض الأربع تلبيات «4». فنسبة القول بوجوب الزائد علي الأربع إلي الشيخ ليس في محلّه و حكي عن المهذب البارع عن بعض وجوب الزائد علي الأربع «5».

______________________________

(1)- الاقتصاد/ 301.

(2)- النهاية/ 215.

(3)- الينابيع ج 7 ص 227.

(4)- المبسوط ك 1/ 316..

(5)- المهذب البارع: 2/ 166.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 48

و كيف كان فالقول بوجوب الزائد لم يثبت عن واحد منهم و لا مجال لاحتماله

بعد تصريح الكلّ علي عدم وجوبه و

صراحة النص علي وجوب الأربع.

نعم اختلفوا في صورتها علي أقوال ذكرها في العروة:

أحدها أن يقول: لبيك اللّهمّ لبيك لبيك لا شريك لك لبيك. «1»

الثاني: أن يزيد علي العبارة المذكورة إنَّ الحمد و النعمة لك و الملك لا شريك لك. «2»

و الثالث: لبيك اللّهمّ لبيك، لبيك إنّ الحمد و النعمة لك و الملك لا شريك لك لبيك. «3»

الرابع: مثل الثالث غير انّه يقدم فيه (الملك) علي كلمة (لك). «4»

الخامس: كما في الثالث غير انّه يذكر (لك) قبل (الملك) و بعده جميعاً «5» و هذا غير مذكور في العروة.

المستند للقول الأوّل صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال فيه: «و التلبية أن تقول: لبيك اللّهمّ لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إنّ الحمد و النعمة لك

______________________________

(1)- و هو المحكي عن ظاهر التحرير و المنتهي بل هو خيرة الكركي و المدارك و الاصبهاني و غيرهم. راجع جواهر الكلام: 18/ 228.

(2)- هذا القول منسوب الي ابن بابويه في رسالته، و بعض نسخ المقنعة و القديمين و الامالي و الفقيه و المقنع و الهداية و ظاهر المختلف. راجع جواهر الكلام: 18/ 229.

(3)- و هذا القول محكي عن جمل السيد و شرحه و المبسوط و السرائر و الكافي و الغنية و الوسيلة و القواعد و الارشاد و التبصرة و الجامع راجع جواهر الكلام: 18/ 229.

(4)- و هذا محكي عن المهذب راجع جواهر الكلام: 18/ 229.

(5)- محكي عن النهاية و الاصباح راجع جواهر الكلام: 18/ 229.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 49

و الملك لا شريك لك لبيك لبيك ذا المعارج لبيك» (إلي أن قال) «و اعلم إنّه لا بدّ لك من التلبيات الأربعة الَّتي كن في أوّل الكلام و

هي الفريضة و هي التوحيد و بها لبّي المرسلون» الحديث. «1»

و الظّاهر انّ ما لابد منه في التلبية، التلبيات الأربعة الَّتي ذكرها في أوّل كلامه (عليه السلام) فما بعدها ليس مما لا بد منه فيجوز تركها و بهذا الصحيح يحمل ما بظاهره وجوب الأزيد علي الأربع علي الاستحباب، مضافاً إلي دلالة سياق كثير منه علي ذلك.

و المستند للقول الثاني ما رواه الحميري «2» في قرب الإسناد عن محمد بن عبد الحميد العطّار «3» عن عاصم بن حميد «4» «يقول: إنّ رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) لمّا انتهي إلي البيداء حيث الميل قربت له ناقة فركبها فلمّا انبعثت به لَبّي بالأربع فقال: لبَّيك اللّهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إنَّ الحمد و النعمة لك و الملك لا شريك لك ثمّ قال: هاهنا يخسف بالأخابث. ثمّ قال: إنَّ الناس زادوا بعد و هو حسن» «5»

______________________________

(1)- التهذيب ج 5 كتاب الحجّ ح/ 300/ 108. و الوسائل ب 40 من ابواب الاحرام ح 2.

(2)- عبد الله بن جعفر شيخ القميين صنف كتباً كثيرة من الثامنة.

(3)- كثير الرواية من السادسة و عُمِر حتي عاصر السابعة.

(4)- في جامع الرواة عاصم بن حميد و هو ثقة عين.

(5)- قرب الاسناد ص 125 ح 438 و في الوسائل هكذا: ان الحمد و النعمة و الملك لك لا شريك لك. الوسائل ب 36 من ابواب الاحرام ح 6.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 50

و لم نطلع بوجه تعبير بعض الأعاظم منه بالصحيح «1» و علي فرض الاعتماد عليه يمكن الجمع بينه و بين صحيح معاوية بن عمار إن قوله (عليه السلام): «إن الحمد و النعمة لك و الملك لا شريك لك»

من تمام التلبيات الأربع.

الّا ان يقال: بأن خلو صحيح عمر بن يزيد عن هذه الزيادة يدل علي عدم وجوبها و أنَّها مستحبة مثل ما بعد ذلك من التلبيات.

هذا و قد ردّ الاستدلال برواية عاصم بن حميد علي القول الثاني بعض الأعاظم بأنّها (غير منطبقة علي هذا القول لاشتمالها علي ست أو خمس تلبيات، مضافاً إلي أنّ كلمة «الملك» متقدمة علي «لك» فيها و القائل بهذا القول التزم بالعكس بل لم يقل أحد بوجوب تقديم «و الملك» علي «لك» علي أنّها تحكي فعل النبي (صلي الله عليه و آله و سلم) و قد عرفت أن مجرد حكاية فعله (صلي الله عليه و آله و سلم) لا يدل علي الوجوب). «2»

و فيه: أمّا ما ذكره من أنَّه لم يقل أحد بوجوب تقديم «الملك» علي «لك» فهذا الصهرشتي «3» يقول في الاصباح بذكر «لك» قبل الملك و بعده و أمّا أنَّها غير منطبقة علي هذا القول لاشتمالها علي ست أو خمس تلبيات، ففيه: أنّها ليست مشتملة إلا علي أربع علي نسخة المصدر (قرب الإسناد و علي نسخة الوسائل)

و أما كلمة «الملك» ففي قرب الإسناد متأخرة عن لك و في الوسائل المطبوعة

______________________________

(1) راجع معتمد العروة: 2/ 521.

(2)- معتمد العروة: 2/ 521.

(3)- الاصباح/ 151.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 51

الأخيرة: «إنَّ الحمد و النعمة (و الملك لك) لا شريك لك» فالاعتماد علي الأصل.

و أما ما قال من انها تحكي مجرد فعل النبي (صلي الله عليه و آله و سلم) فلا يدلّ علي الوجوب، ففيه: أنّ الظّاهر من المقام أنَّ الإمام (عليه السلام) كان جالساً علي كرسي بيان الحكم لا بيان الوقائع التاريخيّة و السيرة و إلا فلا يستفاد من جميع ما

أفاده (عليه السلام) هنا إلا رجحان التلبية.

نعم: الاستدلال بصحيح عبد الله بن سنان المشتمل أيضاً علي حكاية فعل النبي (صلي الله عليه و آله و سلم) علي وجوب هذه الزيادة لا يتم، لا لما ذكره بل لأنّه مشتمل علي ما هو

مستحب بالاتفاق و هو «لبيك ذي المعارج لبيك» «1».

فتلخّص من جميع ما ذكر كفاية التلبية بالصورة الاولي الّتي اتفقت عليها صحيح معاوية بن عمار و رواية عاصم بن حميد و صحيحة عبد الله بن سنان المشتملتين علي ما يزيد علي ما في الصحيح، إلا ان الزيادة التي في صحيح ابن سنان مستحبّة بالإجماع و ما في رواية عاصم بن حميد محمول علي الاستحباب لما ذكر.

و مع ذلك مقتضي الاحتياط سيّما في أمر الحج الَّذي هو من أركان الدِّين أن يضيف إلي ما في صحيح معاوية بن عمَّار الزيادة المذكورة في رواية عاصم «إنَّ الحمد و النعمة لك و الملك لا شريك لك» و أحوط منه أن يضيف إليه «لبيك» كما في رواية الفقيه «2» عن ابن سنان علي النسخة المنقولة عنه في الوسائل و لكن ليست في النسخة المطبوعة أخيراً إلا أنه يوجد في غيره من الرّوايات.

و أمّا الصورة الثالثة و الرابعة و الخامسة فليس في الرّوايات ما يدل عليها و الله العالم.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 40 من أبواب الاحرام ح 4.

(2)- من لا يحضره الفقيه ج 2/ 325 ح 2578.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 52

[مسألة 11] لزوم الاتيان بالتلبية علي الوجه الصحيح

مسألة 11: يجب الإتيان بالتلبية علي الوجه الصحيح المطابق للقواعد العربية و يجب علي المكلف تعلم ذلك أو الإتيان بها صحيحاً بتلقين الغير و إن لم يتمكن عن الإتيان بها إلا بالملحون فإن كان لا يتمكن منه مطلقاً يجب

عليه الحجّ في عام الاستطاعة و إن هو يصير متمكنا منه إلي السنة

القادمة بالتعلّم، فهل يجوز له التأخير إلي السنة الآتية المسألة محل الإشكال إلا إذا ادّعي جواز الاستنابة مطلقاً في كل واحد من الأعمال إذا عجز عنه.

و بعد ذلك يقع الكلام في أن العجز عن التلبية إلا بالملحون هل موجب لسقوطها و الاكتفاء بسائر الأجزاء أو ينتقل تكليفه إلي الملحون منها أو إلي الاستنابة؟

الظّاهر انّ الشكّ واقع في التكليف و إثبات أنّ وظيفته في هذا الحال أدائه بالملحون أو الاستنابة لها يحتاج إلي الدليل و الاستدلال للاجتزاء بقاعدة الميسور فيه ما فيه من عدم تماميتها فمقتضي الأصل البراءة عن كليهما.

اللهمّ إلا أن يقال: بأنا نعلم في أجزاء الحج أنّ المكلّف إذا عجز عن جزء يجب عليه إمّا الإتيان بالميسور منه كالأخرس الّذي يأتي بها بتحريك لسانه و الإشارة بالمباشرة و إمّا بالاستنابة له و الّذي يمكن الاستدلال به للاكتفاء بالملحون اولوية الاكتفاء به من تحريك اللسان و الإشارة كما هو المأمور به في الأخرس.

و ما يمكن أن يستدل به علي وجوب الاستنابة دعوي وجوب الاستنابة في

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 53

كل عمل لم يتمكن من إتيانه و ما رواه شيخنا الكليني (قدس سره) عن محمّد بن يحيي «1» عن محمّد بن أحمد «2» عن محمد بن عيسي «3» عن محمّد بن يحيي «4» عن ياسين

الضرير «5» عن حريز «6» عن زرارة: «7» «إنّ رجلا قدم حاجّاً لا يحسن أن يلبّي فاستفتي له أبو عبد الله (عليه السلام) فأمر له أن يلبّي عنه» «8».

و فيه: إنَّه أمّا دعوي وجوب الاستنابة مطلقاً فلم يثبت و لو ثبت لكان في العجز المطلق لا في مثل مسئلتنا هذه

و خبر ياسين الضرير ضعيف به لا يعتمد عليه فالأقوي كفاية الإتيان بها بالملحون و إن كان لا ينبغي ترك الاحتياط بالجمع بينها و بين الاستنابة و الله هو العالم بأحكامه.

ثمّ ان الظّاهر ان الحكم بوجوب الترجمة إذا لم يقدر أصلا علي العربي حتي بالملحون أولي من الحكم بوجوب تحريك اللسان و الإشارة علي الأخرس و لكن هنا ايضاً لا ينبغي ترك الاحتياط و أمّا الأخرس فهو كما أشرنا إليه يشير إليها باصبعه مع تحريك لسانه و هو المحكي عن المشهور كما في الجواهر و عن الأثر في غيره و ذلك لما رواه شيخنا الكليني (قدس سره) عن علي بن إبراهيم «9» عن «10» أبيه عن

______________________________

(1)- ابو جعفر العطار القمي شيخ أصحابنا … من الثامنة.

(2)- ابن يحيي القمي ثقة في الحديث الا انه يروي عن الضعفاء … من كبار الثامنة.

(3)- ابن عبد الله الاشعري شيخ القميين … من السادسة.

(4)- ليس هو في المصدر (الكافي) و هو يزيد علي السند.

(5)- لم يرد فيه مدح بالتوثيق من السادسة.

(6)- ابن عبد الله البجستاني ثقة كوفي و فيه … من كبار الخامسة.

(7)- غني عن المدح من الرابعة.

(8)- وسائل الشيعة: ب 39 من أبواب الاحرام ح 2.

(9)- ابن هاشم ابي الحسن معروف بجلالة القدر من صغار الثامنة.

(10)- ابو اسحاق الكوفي ثمّ القمي يعتمد علي مثله من السابعة.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 54

عن النوفلي «1» عن السكوني «2» عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام): «إنّ عليّاً صلوات الله عليه قال: تلبية الأخرس و تشهّده و قراءة القرآن في الصلاة تحريك لسانه و إشارته باصبعه «3» و السند معتبر لا يرد بالسكوني لمذهبه فكأنه كان موثوقا به أو كانت رواياته عن الإمام

(عليه السلام) بالخصوص عندهم مقرونة ببعض القرائن الموجب للاطمينان بالصدور و كيف كان فالخبر دالّ علي وظيفة الأخرس و مع ذلك فالأولي كما في العروة الجمع بينهما و بين الاستنابة.

أمّا الصبي غير المميّز فيلبّي عنه بلا إشكال لما رواه الصدوق في الصحيح عن زرارة عن أحدهما (عليها السلام) قال: إذا حجّ الرّجل بابنه و هو صغير فإنّه يأمره أن يلبّي و يفرض الحج فإن لم يحسن أن يلبّي لبّوا عنه و يطاف به و يصلّي عنه الحديث. و روي الكليني و الشيخ مثله «4».

أمّا المغمي عليه فما يدل علي حكمه ما رواه الشيخ عن موسي بن القاسم «5»

______________________________

(1) الحسين بن يزيد ابي عبد الله النوفلي النخعي يعتمد عليه من السادسة.

(2)- اسماعيل بن ابي زياد السكوني الكوفي الشعيري العامي و الظاهر انه كسابقه موثق من الخامسة.

(3)- الكافي كتاب الحج ب التلبية 2 و من تعبيره عن مثل الامام ابي عبد الله الصادق (عليه السلام) بجعفر يظهر كونه عامياً و الكليني روي الحديث كما وصل إليه حفظاً للامانة في النقل الذي كان مشايخنا رضوان الله عليهم ملتزما به و مع ذلك رواه في باب قراءة القرآن ح 7 عن ابي عبد الله (عليه السلام) و في التهذيب أيضاً عن جعفر بن محمد كتاب الحج 305 و ليس هذا اول قارورة كسرت في الاسلام و في القوم كالبخاري من يروي عن ألدّ اعداء أهل بيت النبي (عليه السلام) و لا يروي عن مثل الامام الصادق (عليه السلام) نصباً و عداوة و سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.

(4)- وسائل الشيعة: ب 17 من أبواب أقسام الحج ح 5.

(5)- ثقة جليل … من السابعة.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 55

عن جميل

بن دراج «1» عن بعض أصحابنا عن أحدهما (عليها السلام). في مريض أغمي عليه فلم يعقل حتي أتي الوقت (الموقف خ) قال: يحرم عنه رجل «2» و ردّ الاستدلال به أولا بضعف السند للإرسال و ثانيا باختلاف النسخة فإن كان لفظ الحديث الموقف

فهو غير مرتبط بما نحن فيه، و مختص بمن أتي الموقف مغمي عليه دون من أتي الوقت كذلك.

و يمكن أن يقال: أمّا ضعف السند فمردود بأنّ رواية مثل جميل و هو من أصحاب الإجماع و تعبيره عمن روي عنه (بعض أصحابنا) لا يخلو من الدلالة علي كونه موثقاً معروفاً عنده و أمّا اختلاف النسخة فيمكن أن يقال: بأنه علي تقدير كون النسخة (الموقف) يستفاد منه الوقت أيضاً لان العرف يفهم منه خصوصية الإغماء.

و أمّا الوقت و الموقف فلا فرق في الحكم بالإحرام عنه بينهما و علي فرض ورود الإشكال يكون وظيفة المغمي عليه الرّجوع إلي الميقات إن أمكن للإحرام منه و إلا فمن مكانه كما هو وظيفة غيره من الناسي و الجاهل و لا ريب ان ذلك أحوط و الله هو العالم.

[مسألة 12] عدم انعقاد الاحرام الا بالتلبية
اشارة

مسألة 12: قال في العروة: لا ينعقد إحرام حجّ التمتّع و إحرام عمرته و لا إحرام حجّ الإفراد و لا احرام حجّ العمرة المفردة إلا بالتلبية و أمّا في حجّ القران فيتخير بين التلبية و بين الإشعار أو التقليد الخ.

______________________________

(1)- وجه الطائفة ثقة من اصحاب الإجماع من الخامسة.

(2)- تهذيب الاحكام: 5/ 60 ح 119.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 56

أقول: قد ذكر في هذه المسألة فروع:

الأوّل: عدم انعقاد إحرام حجّ التمتّع و الإفراد و إحرام عمرة التمتّع و العمرة المفردة إلا بالتلبية

و ادعي الإجماع عليه و معني ذلك عدم الإثم و الكفارة في

ارتكاب المحرَّمات عليه قبلها ففي صحيح معاوية بن عمار «1» قال الصادق (عليه السلام): «لا بأس أن يصلي الرجل في مسجد الشجرة و يقول الّذي يريد أن يقوله و لا يلبّي ثمّ يخرج فيصيب من الصيد و غيره فليس عليه فيه شي ء».

و في صحيح ابن الحجّاج «في الرجل يقع علي اهله بعد ما يعقد الإحرام و لم يلب؟ قال: ليس عليه شي ء» «2». و غيرهما من الرّوايات المخرجة في الوسائل «3» ممّا هو مقتضي عموم بعضها عدم الفرق بين إحرام الحج و العمرة أو الإحرام من ميقات خاص و ما ورد في خصوص بعض ذلك يدل علي العموم بالمفهوم و علي هذا لا يعارض هذه النصوص الكثيرة و الإجماع ما رواه الشيخ (قدس سره) عن أحمد بن محمّد قال: «سمعت أبي يقول في رجل يلبس ثيابه و يتهيأ للإحرام ثمّ يواقع أهله قبل أن يهلّ بالإحرام قال: عليه دم» «4».

قال في الاستبصار: (الوجه في هذا الخبر أحد شيئين أحدهما أن نحمله علي من لم يجهر بالتلبية و إن كان لبّي فيما بينه و بين نفسه فإنّه متي كان الأمر علي ذلك كان الإحرام منعقداً و تلزمه الكفارة فيما يرتكبه

و الوجه الآخر أن نحمله علي ضرب من

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب الاحرام ح 1

(2)- وسائل الشيعة: ب 14 من ابواب الاحرام ح 2.

(3)- وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب الاحرام.

(4)- التهذيب الاحكام: 5/ 317، ح 1091.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 57

الاستحباب دون الفرض و الإيجاب) «1».

مضافاً إلي أنّه لا يظهر منه الإسناد إلي المعصوم (عليه السلام) و القول بأن المراد من أحمد بن محمد بقرينة كون الراوي عنه محمّد بن عيسي هو أحمد بن محمد بن أبي نصر

البزنطي الّذي هو من أصحاب مولانا الرضا (عليه السلام) و الرواية مروية عنه و إنّما سقط (الحسن (عليه السلام)) بعد قوله (أبي) و هذا أولي من أن نقول أنّ صورة السند كانت أحمد بن محمّد عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال: (سمعت أبي) و كيف كان احتمال السقط علي ما ذكرناه و ان لا يرد في نفسه و لكن الاعتماد عليه و الاحتجاج عليه لا يجوز. اللهمّ إلا أن يقال: ان المراد من أحمد بن محمّد هو البزنطي و مثله لا يروي عن غير الإمام (عليه السلام).

و كيف كان الحجّة هو الأخبار المعتبرة الكثيرة.

الثاني: ينعقد احرام القارن بأحد الثلاثة التلبية و الإشعار و التقليد

علي المشهور المحكي عن الجواهر «2» و المدارك «3» و للنصوص المذكورة في الوسائل: منها صحيح معاوية بن عمّار عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال (عليه السلام): «يوجب الإحرام ثلاثة أشياء التلبية، و الإشعار، و التقليد فإذا فعل شيئاً من هذه الثلاثة فقد أحرم». «4»

و في دلالته علي تخيير القارن بين الثلاثة نظر، لاحتمال اختصاص التلبية بغير القارن كاختصاص الإشعار و التقليد بالقارن اللهمّ إلا أن يقال: باستفادة الإطلاق من التلبية فهي توجب الإحرام مطلقاً، و صحيحته الاخري عن

ابي عبد الله (عليه السلام):

______________________________

(1)- الاستبصار: 2/ 190 ح 638.

(2)- جواهر الكلام: 18/ 225.

(3)- مدارك الاحكام: 7/ 266.

(4)- الوسائل ابواب اقسام الحجّ ب 12 ح 20.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 58

«تقلدها نعلا خلقاً قد صلّيت فيه و الإشعار و التقليد بمنزلة التلبية» «1» و في دلالته أيضاً علي التخيير نظر.

كما أن الاستدلال بذلك بصحيح الحلبي قال: «سألته لم جعلت التلبية فقال: إنّ الله عزّ و جلّ أوحي إلي إبراهيم أن أذّن في الناس بالحجّ يأتوك رجالا و علي كل ضامر يأتين من كلّ فج عميق فنادي فأجيب من كل وجه يلبّون» «2».

لا يتمّ لأنه بعد ما كان الإشعار و التقليد بمنزلة التلبية لا يدلّ هذا الصحيح علي أنّها تكليف مطلق من يحج.

و مثله ما ذكرناه في المسألة السابقة من صحيح معاوية بن عمّار قال (عليه السلام) بعد ذكر التلبيات: «و اعلم انَّه لا بدّ من التلبيات الأربع الّتي كنّ في أول الكلام و هي الفريضة و هي التوحيد و بها لبّي المرسلون». «3»

فانّ الظّاهر أيضاً إنَّه في مقام بيان اصل وجوب التلبية بالإجمال فلا ينافي ذلك قيام غيرها من الإشعار و التقليد مقامه.

و كذا صحيحة معاوية بن وهب و فيها: «تحرمون كما أنتم في محاملكم» «4» فإنّه لا يستفاد منه الإطلاق.

و لعله يمكن استفادة ذلك من صحيح معاوية بن عمّار الآخر عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله عزّ و جلّ: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومٰاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ) و

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 12 من أبواب أقسام الحج ح 11.

(2)- وسائل الشيعة: ب 36 من أبواب الاحرام ح 1.

(3)- وسائل الشيعة: ب 36 من ابواب الاحرام ح 2.

(4)- وسائل الشيعة: ب 40 من أبواب

الاحرام ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 59

الفرض التلبية، و الإشعار و التقليد فأيّ ذلك فعل فقد فرض الحجّ «1».

و فيه: أيضاً انّه ليس في مقام التفصيل أو أوكل الأمر إلي ما كان معلوماً في الخارج.

و علي هذا و بعد دلالة الرّوايات علي كفاية الإشعار أو التقليد للقارن و

انعقاد إحرامه بواحد منهما، العمدة للقول بالتخيير هو إجماعهم علي كفاية التلبية و وقوع الاختلاف في كفاية الإشعار و التقليد فإن المحكي عن السيد و ابن إدريس عدم انعقاد الإحرام مطلقا إلا بالتلبية لأنّ انعقاد الإحرام بالتلبية مجمع عليه و لا دليل علي انعقاده بهما و عن الشيخ و ابني حمزة و البراج اشتراط الانعقاد بغيرها بالعجز عنها.

و علي هذا يتجه حكمهم بالتخيير فإنّ الكلام في الحقيقة واقع بينهم في انعقاد الإحرام بالإشعار و التقليد كما ينعقد بالتلبية لا في انعقاده بها في حجّ القران فإنّه أمر مفروغ عنه و قول السيد و ابن إدريس لعلّه مبني علي مبناهما المعروف و ما عن الشيخ و غيره مبني علي حمل ما يدلّ علي كفاية الإشعار و التقليد علي صورة العجز عن التلبية جمعاً بين ما يدل علي كفايتهما مطلقاً و ما يدل علي انعقاد الإحرام بالتلبية و هو جمع لا شاهد عليه فإن ما يدل علي انعقاد الإحرام بالتلبية لا يدل علي عدم انعقاده بغيرها حتي يحمل ما يدل علي ذلك علي صورة العجز عنها و إنّما يقال بعدمه لو لم يكن هنا دليل علي انعقاده بغيرها بالاصل فالقول بالتخيير قول بجواز الاجتزاء بالإشعار و التقليد قبال القول بعدم انعقاد الإحرام إلا بالتلبية و عدم الاجتزاء بهما قبال قول من يقول بالاجتزاء بهما عند العجز عن التلبية و

الله هو

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 11 من أبواب أقسام الحج ح 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 60

الهادي إلي الصواب.

[الثالث] اختصاص الاشعار بالبدن

الثالث: ذكر غير واحد منهم اختصاص الإشعار بالبدن و الظّاهر انّ ذلك متفق عليه بينهم و ربما يستشكل في ذلك بعدم الدليل عليه.

و يمكن أن يقال: يكفي في الدليل عليه ذكر كيفية اشعار خصوص البدن في

الأحاديث دون غيرها مع كثرة الابتلاء به و أمّا الاستدلال عليه باطلاق صحيحة معاوية بن عمار (يوجب الإحرام ثلاثة أشياء التلبية و الاشعار و التقليد) و صحيحته الأخري فيها (و الاشعار و التقليد بمنزلة التلبية) فأجيب عنهما بما أجبنا عن القول بدلالتهما بالإطلاق علي اجتزاء القارن بها فإنّهما ليستا في مقام بيان الموارد و إنّما هما في مقام بيان أنّ الإحرام يتحقق بذلك في الجملة و أما أنه في أيّ مورد و بأيّ شرط و في أي زمان و مكان فالصحيحتان ساكتتان عن هذه الجهة. هذا ما أفاده بعض الأعاظم و لكنه استدل للقول بالتخيير بين الثلاثة بالصحيحتين و لم يرده بهذا الإيراد مع كونهما علي وزان واحد ثمّ إنَّه قال: (يظهر من صحيح عمر بن يزيد عن أبي عبد الله (عليه السلام): «من أشعر بدنته فقد أحرم» اختصاص الاشعار بالبدنة و إلا لو كان الإشعار ثابتاً في غير البدنة أيضاً لكان ذكر البدنة لغواً لما ذكرنا في محلّه أنّ القيد و إن لم يكن له مفهوم بالمعني المشهور من الانتفاء عند الانتفاء و لكن يوجب عدم سريان الحكم في

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 61

الطبيعي و الا لكان ذكر القيد لغواً) «1»

أقول: هذا قريب مما حققه سيدنا الاستاذ الاعظم (قدس سره) و كتبنا عنه في تقريرات بحثه و إجماله أنّ الإتيان

بالقيد يفيد أنّ المقيد به ليس بذاته و خصوصية نفسه محكوماً بالحكم المذكور في الجملة فلا يدل علي الانتفاء عند الانتفاء مطلقاً فيجوز ان يقوم قيد آخر مقام هذا القيد كما في قوله تعالي: (وَ اسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجٰالِكُمْ) فإنّه يدل علي عدم الاجتزاء بشهادة شهيد واحد و لكن يقوم مقام الشاهد الآخر امرأتان و تمام الكلام يطلب من التقريرات. «2»

و أمّا الصحيح فلفظه في الوسائل: «من أشعر بدنته فقد أحرم و إن لم يتكلم بقليل و لا كثير» «3» و في النسختين الموجودتين عندنا من التهذيب: «من أشعر بدنة» «4» و كان سنده مرسل و إن عبر عنه بالصحيح و ذلك لان موسي بن القاسم الراوي للحديث عن محمّد بن عذافر من الطبقة الستة و ابن عذافر من الخامسة.

و لكن الاستدلال بلفظ الحديث سيّما إذا كانت بدنة، لا بأس به و كيف كان فلو لم يكن هنا دليل علي الاختصاص يكفي في عدم جواز الاكتفاء بإشعار البقر و الغنم عدم الدليل علي جوازه و انعقاد الإحرام به فالمتيقن هو إشعار البدنة و الله هو العالم بأحكامه.

______________________________

(1)- معتمد العروة: 2/ 530.

(2)- محاضرات في اصول الفقه القاها استاذ المجتهدين آية الله العظمي البروجردي قدس الله نفسه الذكية.

(3)- وسائل الشيعة: ب 12 من أبواب أقسام الحج ح 21.

(4)- تهذيب الاحكام: 5/ 44، ح 130/ 59.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 62

[مسألة 13 الفرع الرابع] أفضلية الجمع بين الإشعار و التقليد

مسألة 13- قال في العروة: (و الأولي في البدن الجمع بين الاشعار و التقليد).

أقول: الظّاهر أنّ الاولوية المذكورة في كلامه الأولوية الوضعية لاحتمال دخل كليهما في انعقاد الإحرام و يمكن أن يكون المراد به الاولوية التكليفية و الفرق بينهما أنّ علي الأول ينوي الإحرام بهما و في

الصورة الثانية ينوي الإحرام بالإشعار و يأتي بالتقليد لاحتمال وجوبه بعد الإشعار و الأولوية المذكورة وجهها ما في بعض الرّوايات مثل صحيحة معاوية بن عمّار قال: «البدنة يشعرها من جانبها الأيمن ثمّ يقلدها بنعل قد صلّي فيها» «1».

و نحوها صحيحه الآخر «2» و الظّاهر انّهما واحد و إن كان في الثاني ما ليس

في الأول و في رواية السكوني عن جعفر (عليه السلام): «إنّه سئل ما بال البدنة تقلد النعل و تشعر؟ فقال: أمّا النعل فتعرف أنّها بدنة و يعرفها صاحبها بنعله و أمّا الإشعار فإنّه يحرم ظهرها علي صاحبها من حيث أشعرها فلا يستطيع الشيطان أن يمسها» «3» و الظّاهر وحدتها مع الرواية الثامنة من هذا الباب في الوسائل.

و من هذه الرّوايات رواية عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) و فيه: «و يحرم صاحبها إذا قلّدت و أشعرت» «4» و هذه الرّواية في الباب من الوسائل و الرواية الثانية عشرة و الثمانية عشرة أيضاً رواية واحدة و كم لها من نظير في

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 12 من أبواب أقسام الحج ح 17.

(2)- وسائل الشيعة: ب 12 من أبواب اقسام الحج ح 4.

(3)- وسائل الشيعة: ب 12 من أبواب اقسام الحج ح 22.

(4)- وسائل الشيعة: ب 12 من أبواب أقسام الحج ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 63

الوسائل، و كيف كان فظاهر هذه الرّوايات وجوب التقليد مع الإشعار بل رواية عبد الله بن سنان تدل علي أنّ صاحب البدنة يحرم بعد تقليدها و إشعارها فلعل اريد بذلك التلبية.

و لكن يمكن أن يكون المراد انّه بعد التقليد و الإشعار يدخل في الإحرام و يحرم عليه المحظورات في حال الإحرام كما يدل عليه صحيح

حريز الوارد في كيفية الإشعار إذا كانت له بدن كثيرة.

و فيه: فإنّه إذا أشعرها و قلّدها وجب عليه الإحرام و هو بمنزلة التلبية.

و هل يمكن الخدشة في ظهور هذه الرّوايات علي وجوب الجمع بين الاشعار و التقليد في البدن؟ بأن نقول: أمّا صحيح معاوية بن عمار فغاية ما يدل عليه كيفية إشعارها و تقليدها إذا هو اراد الجمع و ليس في مقام بيان ما يجزي للإحرام منهما و يؤيد ذلك غيره من الصحاح المرويّة عن معاوية بن عمّار الصريحة في كفاية الإشعار

و أمّا رواية السكوني فلا تدل حتّي علي رجحان الجمع بل السؤال عن سبب إشعارها إذا أشعرت و تقليدها إذا قلّدت و لو أبيت عن ذلك فلا تدل علي أزيد من رجحان الجمع بينهما في البدن.

و أمّا رواية عبد الله بن سنان فيمكن أن يكون ذلك جارياً علي ما كان المعمول بينهم من الجمع بين الإشعار و التقليد أو كون (و) بمعني (أو) و مثله صحيح حريز.

و لو أبيت عما ذكر و قلت بدلالة بعض هذه الرّوايات مثل ابن سنان و حريز علي وجوب الإحرام بهما فيجاب عن ذلك بإعراض الأصحاب عنه و عدم جواز الاعتماد علي المعرض عنه و عليه فالمعتمد ما يدل علي كفاية واحد منهما مثل صحيح عمار المتقدم: «يوجب الإحرام ثلاثة أشياء التلبية و الإشعار و التقليد فإذا فعل شيئاً

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 64

من هذه الثلاثة فقد أحرم».

لا يقال: لعل استقرار فتواهم علي كفاية كلّ واحد من الاشعار و التقليد كان من جهة سقوط ما يدل علي وجوب الجمع و ما يدل علي كفاية واحد منهما بالتعارض و الرجوع إلي الأصل العملي أي البراءة عن وجوب الزائد علي الواحد.

فانه

يقال: أوّلا: إنّ ذلك مبني علي جريان الأصل في الشكّ في المحصلات الشرعية إذا دار الأمر فيما يحصل به بين الأقل و الأكثر و لكن فيه إشكال و نتيجة ذلك وجوب الاحتياط.

نعم ان قلنا بان المأمور به هو نفس الإشعار و التقليد أو الإحرام المركب من الإشعار و غيره و شككنا في ذلك الغير لا الإحرام المتحصل منه كما اختاره البعض في اصل نية الإحرام و قال إنه ليس هنا الا التلبية و حرمة المحظورات تترتب عليها يجري البراءة عن وجوب الزائد علي الواحد و لكن يبقي الشكّ في ترتب الحرمة

المذكورة عليه.

و ثانياً: الغالب علي الظن ان فتواهم بكفاية أحدهما تبني علي الرّوايات و ترجيح ما يدل علي كفاية واحد منهما علي الطائفة الاخري.

و كيف كان الاعتماد علي الصحاح الدالة علي الاجتزاء بواحد منهما و ان كان الاولي بل الأحوط فيما إذا كان هديه بدنة الجمع بين الإشعار و التقليد و الله هو العالم.

اعلم أنّ المشهور بين المتاخرين من الأصوليين في مبحث المفهوم انّ البحث عنه واقع في الصغري و انّه هل يكون لمثل القضية الشرطية الدالة علي ثبوت الحكم عند ثبوت الشرط دلالة علي انتفاء الحكم عند انتفاء الشرط أم ليس لها هذه الدلالة

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 65

و ليس البحث واقعاً في حجية تلك الدلالة بعد كونها ثابتة مفروغاً عنها.

و أمّا الكلام عنه عند المتقدمين كان في الكبري و في انّه لا ريب في انّه كما يستفاد من المنطوق وجوب الإكرام عند مجي ء زيد يستفاد منه دخل المجي ء أو الوصف في الحكم بإكرامه و انّه ليس بمطلقه و خالياً عن قيد ما محكوماً بالحكم فهذا كان متفقاً عليه عندهم و هذا هو المفهوم

الّذي يبحث عن حجيّته بحيث إذا دلّ دليل علي وجوب إكرام زيد إذا لم يكن له قيد ما يكون معارضاً له معارضة الدليل مع الدليل.

و بالجملة البحث عندهم واقع في أنّ ما يفهم من فعل المتكلم و إتيانه بالقيد الزائد الدالّ علي دخله في الحكم و أنّه ليس المقيّد بذاته موضوعاً للحكم و محكوماً به هل هو حجّة أم لا؟ و ليس البحث في أنّه هل يفهم منه ذلك أم لا؟

و بعبارة اخري: يقولون كما أنّ منطوق الكلام و هو ما يدل عليه بإحدي

الدلالات الثلاث الّتي كلها منطوقية لفظية حجّة عند العقلاء هل يكون ما يفهم منه بدلالة فعله عليه باجراء اصالة عدم كونه لغواً و هزلا أو اصالة كونه جادا في فعله من عدم كون الماء في قضيّة الماء إذا بلغ قدر كر لا ينجّسه شي ء بذاته و بمطلقه محكوماً بهذا الحكم حجّة عند العقلاء أم لا و ليس كلامهم جاريا في أنّه هل يفهم من هذه القضية ذلك أم لا.

و بعبارة أخري: كلامهم في أنّ هذا المدلول العقلي لكلام المتكلم هل هو حجّة كمداليل كلامه اللفظيّة مثل الثبوت عند الثبوت و عدم تنجس الماء عند الكرية.

و هذا قبال ما يبحث عنه المتأخرون فإنّهم يقولون بأن مثل القضيّة الشرطيّة كما تدل علي الثبوت عند الثبوت إذا كانت تدل علي الانتفاء عند الانتفاء حجّة لأن الدلالتين من الدلالات اللفظية الّتي حجّيتها ثابتة غير أنّ دلالة اللّفظ علي الثبوت عند الثبوت

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 66

تكون بالمطابقة و علي الانتفاء عند الانتفاء تكون بالالتزام إلا انّ الكلام يجري في تحقّق هذه الدلالة و انّها هل للقضيّة الشرطيّة تلك الدلالة أم لا و لذا وقعوا في حيص

و بيص و الإشكال لإثباتها للقضيّة الشرطيّة.

هذه من جهة و من جهة أخري الفارق بين ما يبحث فيه القدماء و المتأخرون انّ المتأخرين يرون دلالة الكلام علي المفهوم من الدلالات اللفظيّة أي الدلالة الالتزاميّة و القدماء يرونها دلالة عقليّة فعليّة و ذلك لأنّهم يقولون: إنّ الفرق بين الدلالة اللفظيّة و غير اللفظيّة أنّ اللفظيّة هي ما يصح إسناده إلي المتكلم بأنّه قال كذا و لا يصح له إنكاره و أمّا غير اللفظيّة فهو ما لا يصح أن تقول: للمتكلم أنت قلت كذلك ففي مثل قولهم إن جاءك زيد فأكرمه يصح أن يقال إنّك قلت بوجوب إكرام زيد عند مجيئه و لا يمكن للمتكلم به إنكاره أمّا انتفاء هذا الحكم عند انتفاء المجي ء عدم وجوب إكرامه لا يصح إسناده إليه بأنّك قلت ذلك لأنّ الانتفاء عند الانتفاء

ليس من لوازم الثبوت عند الثبوت حتي يدلّ عليه اللفظ بالدلالة الالتزامية الّتي هو إحدي الدلالات الثلاث اللفظيّة فيجوز للمتكلم إنكار ذلك.

و أمّا دلالة اللفظ لا بما له من المعني بل بما أنّه فعل من أفعال المتكلم العاقل في القضيّة الشرطية و في تعليق الحكم بالوصف تدلّ علي انّ المقيّد بالشرط ليس بمفرده و مطلقه موضوعاً للحكم فالبحث يقع في حجيّة هذه الدلالة كالدلالات اللفظيّة و ينتهي إلي حجيته فما هو المحصّل للمفهوم إتيان المتكلم بقيد زائد في كلامه يستفاد منه بدلالة العقل المفهوم بالمعني الّذي قلناه و قاله القدماء و هو عدم كون الموضوع بذاته محكوماً بالحكم و إن كان يجوز كونه محكوماً به إذا كان مقيداً بقيد آخر فلا يدل فعل المتكلم هذا و لفظه بما أنَّه فعل من أفعاله علي الانتفاء عند الانتفاء مطلقاً و لو قام

مقام القيد المذكور في كلام المتكلم قيد آخر بل يدل علي الانتفاء إذا لم يكن مع المقيد

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 67

بالقيد المذكور في الكلام قيداً ما فمثل قوله تعالي: (وَ اسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجٰالِكُمْ) مفهومه عدم كفاية شاهد واحد من الرجال و لا يمنع دلالته علي قبول شاهدين من الرجال و تقيد الشاهد. الواحد بالشاهد الآخر عن قبول شهادة الشاهد الواحد إذا انضمّ إليه شهادة امرأتين هذا بعض الكلام في المفهوم بناء علي مختار سيدنا الأستاذ الأعظم حبر الأمة و فقيه العصر السيد البروجردي (قدس سره) و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

[الفرع الخامس:] «عدم وجوب التلبية علي القارن»

الفرع الخامس: لا دليل يعتمد عليه علي وجوب التلبية علي القارن الّذي عقد الإحرام بالاشعار أو التقليد وجوباً نفسياً و ذلك لأنّ ما يمكن توهم دلالته علي الوجوب المذكور إن كان هو الأخبار الواردة في التلبية فغاية ما تدل عليه انعقاد

الإحرام بها لا اختصاص انعقاد الإحرام بها، مضافاً إلي حكومة مثل قوله (عليه السلام): «التقليد و الاشعار بمنزلة التلبية عليها» و قوله (عليه السلام) «يوجب الإحرام ثلاثة اشياء» الحديث و لو قيل: بأن الإحرام ليس إلا ما يترتب علي التلبية من تحريم الأفعال الخاصّة فتكون التلبية من أفعال الحجّ لا تسقط بوجوب غيرها يقال: إنّ علي القول به يرد وجوبها مطلقاً حتي إذا أشعر أو قلد، أخبار الإشعار و التقليد.

و إن كان ما رواه شيخنا الكليني (قدس سره) بسنده عن محمد بن يحيي «1» عن احمد بن محمد «2» عن الحسن بن علي «3» عن يونس بن يعقوب «4» قال: «قلت

______________________________

(1)- العطار ابو جعفر القمي شيخ اصحابنا من الثامنة.

(2)- بن عيسي شيخ القميين و وجههم من السابعة.

(3)- ابن فضال ثقة

من السادسة.

(4)- ابن قيس البجلي له كتب ثقة من الخامسة.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 68

لأبي عبد الله (عليه السلام) إنّي قد اشتريت بدنة فكيف أصنع بها؟ فقال: انطلق حتّي تأتي مسجد الشجرة، فافض عليك من الماء، و البس ثوبك ثمّ أنخها مستقبل القبلة ثمّ ادخل المسجد فصلّ ثمّ افرض بعد صلاتك ثمّ اخرج إليها فاشعرها من الجانب الأيمن من سنامها ثمّ قل: بسم الله اللّهمّ منك و لك اللّهمّ تقبل منّي ثمّ انطلق حتّي تأتي البيداء فلبّه» «1» فاشتماله علي المستحبّات يسقط ظهور الأمر بالتلبية فيه في الوجوب و ما قيل من انّ مجرد اشتمال الرواية علي المستحبّات لا يوجب رفع اليد عن ظهور الأمر في الوجوب إلا إذا قامت القرينة علي عدم ارادة الوجوب «2» ففيه: ان القرينة كما تدل علي ارادة المعني المجازي من اللفظ توجب سقوط ظهور اللفظ في استعماله في المعني الحقيقي و ليس معني ذلك انّ بها تعين المعني المجازي هذا مضافاً إلي انّ

الصدوق أخرج الحديث بسنده عن ابن فضّال عن يونس بن يعقوب قال: «خرجت في عمرة فاشتريت بدنة و أنا بالمدينة فأرسلت إلي أبي عبد الله (عليه السلام) فسألته كيف أصنع بها؟ فأرسل إليّ ما كنت تصنع بهذا فإنّه كان يجزيك إن تشتري منه من عرفة و قال: انطلق حتّي تأتي مسجد الشجرة فاستقبل بها القبلة و انخها ثمّ ادخل المسجد فصلّ ركعتين ثمّ اخرج إليها فاشعرها في الجانب الأيمن ثمّ قل: بسم الله اللّهمّ منك و لك اللّهمّ تقبل منّي فإذا علوت البيداء فلب» «3»

و احتمال كونه غير ما في الكافي بعيد جداً و لذا ذكره في الوسائل بعد رواية الكافي و قال و رواه الصدوق باسناده

عن ابن فضال الخ «4».

______________________________

(1)- الكافي: 4/ 296 باب صفة الاشعار و التقليد ح 1.

(2)- معتمد العروة: 2/ 533.

(3)- من لا يحضره الفقيه: 2/ 324/ 2577.

(4)- وسائل الشيعة: ب 12 من ابواب اقسام الحجّ ح 3.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 69

فعلي هذا كله لا دليل علي القول بوجوب التلبية علي القارن بالوجوب النفسي و الله هو العالم.

[الفرع السادس: الكلام في] كيفية الاشعار و التقليد

الفرع السادس: قال في العروة: الإشعار عبارة عن شق السنام الأيمن بأن يقوم الرجل من الجانب الأيسر من الهدي و يشق سنامه من الجانب الأيمن، و يلطخ صفحته بدمه، و التقليد أن يعلق في رقبة الهدي نعلا خلقاً قد صلّي فيه.

أقول: أمّا وجوب شق سنام الأيمن فيدل عليه روايات متعددة مثل رواية عبد الله بن سنان و فيها: «تشعر من جانبها الأيمن» «1» و يونس بن يعقوب:

«فأشعرها من الجانب الأيمن من سنامها» «2» و معاوية بن عمار «3» و الحلبي «4» و زرارة «5»

و أمّا قيام الرجل من الجانب الأيسر من الهدي فقيل بدلالة صحيحة معاوية بن عمار قال فيه: «البدن تشعر من جانب الأيمن و يقوم الرجل في الجانب الأيسر ثمّ يقلّدها بنعل خلق قد صلي فيها» «6».

و استشكل فيها بأنّ المحتمل أن لا يكون قوله: «و يقوم الرجل» قيداً للاشعار

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 12 من ابواب اقسام الحجّ ح 1.

(2)- وسائل الشيعة: ب 12 من ابواب اقسام الحجّ ح 2.

(3)- وسائل الشيعة: ب 12 من ابواب اقسام الحجّ ح 4.

(4)- وسائل الشيعة: ب 12 من ابواب اقسام الحجّ ح 5..

(5)- وسائل الشيعة: ب 12 من ابواب اقسام الحجّ ح 6.

(6)- وسائل الشيعة: ب 12 من ابواب اقسام الحجّ ح 4.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 70

و كان

راجعاً إلي التقليد و إن كان راجعاً إليه فيستفاد منه الاستحباب لاستحباب أصل التقليد في مورد الإشعار «1» و الظّاهر الاحتمال الأول فالأحوط وجوباً قيامه في الجانب الأيسر.

و أمّا اللطخ فكأنه لم يرد فيه نصّ و نسب ذكره إلي الأصحاب و لم أتتبع كلماتهم و الله هو العالم.

[مسألة 14] جواز تأخير التلبية عن نية الاحرام

مسألة 14: قال في العروة: (لا تجب مقارنة التلبية لنية الإحرام و إن كان أحوط فيجوز أن يؤخرها عن النيّة و لبس الثوبين علي الأقوي).

أقول: أمّا علي القول بأنّ نية الإحرام عبارة عن توطين النفس و العزم علي ترك المحرمات أو البناء أو إنشاء تحريمها علي نفسه فالظاهر عدم وجوب مقارنة التلبية لها فيكفيه الإتيان بالتلبية فلا يجب تجديد إنشاء التحريم و لا توطين النفس و العزم علي الترك نعم يلزم أن يكون باقياً علي التزامه.

و أمّا علي القول بأن الإحرام عنوان يتحقق قهراً بالتلبية فليس هنا أمر إلا نيتها وحدها المتضمنة لنية الحج و أداء المناسك و الأفعال.

و كذا إن قلنا بأن الإحرام و إن كان لا يتحقق إلا بالعزم و الالتزام علي ترك المحرّمات إلا أنه لا يتحقق عنوانه المؤثر في حرمة المحظورات إلا بالتلبية فإنه يكفي في ذلك تقديم العزم و الالتزام علي ترك المحظورات و الإتيان بالتلبية متأخراً عنه مع كونه باقياً علي عزمه و التزامه.

______________________________

(1)- معتمد العروة: 2/ 535.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 71

و بالجملة: مقارنة التلبية لنية الإحرام إن كان بمعني مقارنتها لإنشاء الإحرام أو العزم و الالتزام بمعني نية الإحرام بها فلا يجب و يجوز تأخرها عنها و إن كان بمعني كونه باقياً علي نية الإحرام عند التلبية فالظاهر لزوم ذلك فلا يكفي تلبية الغافل عن نية الإحرام إلا أن

يقال بتحقق الإحرام بالالتزام و توطين النفس و إن جاز له العدول عنه قبل التلبية أمّا نفس التلبية فيكفي الإتيان بها بنية الحج و يترتب عليها تحريم المحرّمات بحكم الشارع.

[مسألة 15] عدم حرمة المحرمات قبل التلبية

مسألة 15: قد مرّ في المسائل السابقة أنّ محرمات الإحرام لا تحرم عليه قبل التلبية في حجّ الإفراد و التمتّع و عمرته و عمرة المفردة و هذا ثابت بالإجماع و النصوص و كذا في القران لا تحرم عليه إلا بعد التلبية أو

الإشعار و التقليد.

لدلالة بعض النصوص علي ذلك مثل قوله (عليه السلام) «الاشعار و التقليد بمنزلة التلبية» و قوله (عليه السلام) «يوجب الإحرام ثلاثة أشياء التلبية و الإشعار و التقليد» فعلي هذا لو فعل شيئاً من المحرّمات قبل ذلك لم يرتكب إثما و لا كفارة عليه.

[مسألة 16] نسيان التلبية

مسألة 16: إذا نسي التلبية فهل يجب عليه العود إلي الميقات لتداركها أم لا فيأتي بها في مكان التذكر و إن كان متمكناً من العود؟

أمّا بحسب الأخبار فما ورد منها في هذا الباب ورد في من نسي الإحرام مثل صحيح الحلبي قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل نسي أن يحرم حتي دخل الحرم؟

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 72

قال: قال أبي: يخرج إلي ميقات أهل أرضه فإن خشي أن يفوته الحجّ أحرم من مكانه و إن استطاع ان يخرج من الحرم فليخرج ثمّ ليحرم» «1».

و استشكل في دلالته علي حكم نسيان التلبية فإنه في مورد نسيان الإحرام و بحثنا عن نسيان التلبية و هو كما يتحقق مع نسيان الإحرام يتحقق مع عدمه فلا ملازمة بين حكمهما لعدم الملازمة بينهما و لذا قال بعض الأعاظم بأنّه: إن (قلنا بأن التلبية غير دخيلة في الإحرام لا موجب للعود إلي الميقات لتداركها لأنها واجب مستقل ترك عن عذر فيتداركه في مكانه متي تذكر و الرّوايات الواردة الآمرة بالعود إلي الميقات انّما وردت في ناسي الإحرام.

نعم إن قلنا بأن الإحرام هو

التلبية و بها يتحقق الإحرام فالأمر واضح و كذا

إن قلنا بأنّه العزم و الالتزام و التلبية متممة له يتجه الاستدلال بما ورد في نسيان الإحرام علي حكم نسيان التلبية). «2»

أقول: اوّلا يمكن أن يقال: ان الإحرام في مثل هذه الرّوايات ظاهر في التلبية و الشاهد علي ذلك ما ورد في مرسلة جميل في من نسي الإحرام أو جهل و قد شهد المناسك كلّها و طاف و سعي قال (عليه السلام): «تجزيه نيته إذا كان قد نوي ذلك فقد تم حجه و إن لم يهلّ» «3».

فإنه يستفاد منه بقرينة قوله «و إن لم يهل» ان السؤال عن نسيان الإحرام كان عن نسيان الاهلال بالتلبية.

و ثانياً: لما ذا نقول إنّه إذا ترك الإحرام ناسياً و هو متمكن من الرجوع إلي

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب المواقيت ح 1.

(2)- معتمد العروة 2/ 539.

(3)- وسائل الشيعة: ب 20 من أبواب المواقيت ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 73

الميقات يكفيه تداركه من مكانه و لما ذا نقول بسقوط ما وجب عليه و هو الإحرام بالنسيان مع إمكان الإتيان بالواجب علي ما يجب عليه بالرجوع إلي الميقات. مضافاً إلي أنّه لم يقم دليل علي وجوب الرجوع إلي الميقات بأي دليل نقول بتحقق الإحرام من مكانه و مع ذلك يجب عليه الاحتياط بالرجوع و الله هو العالم.

[مسألة 17 الواجب من التلبية]

مسألة 15: الواجب من التلبية مرة واحدة.

و هذا ثابت بالإجماع و ببعض النصوص مثل صحيح معاوية بن عمار المتقدّم حيث قال فيه: «و اعلم انّه لا بدّ من التلبيات الأربع الّتي كن في أول الكلام و هي الفريضة و هي التوحيد» و ما في أول كلامه هو التلبيات الأربع فلا يجب أكثر منها.

و أمّا

الإكثار بها فيستحب أيضاً بدلالة الصحيح المذكور فإن فيها بعد

الترغيب إلي ذكرها بصيغ و صورة كثيرة تدل علي استحباب الإكثار قال: «تقول هذا (يعني الصيغ المذكورة) في دُبر كل صلاة مكتوبة أو نافلة و حين ينهض بك بعيرك و إذا علوت شرفاً أو هبطت وادياً أو لقيت راكباً أو استيقظت من منامك و بالأسحار و أكثر ما استطعت» «1» و هذا يدل علي استحباب الإكثار مطلقاً و بالخصوص في الموارد التي نصّ عليها الإمام (عليه السلام) و أمّا استحبابها بالخصوص عند المنام كما جاء في العروة فلم يرد في هذا الصحيح و لا في غيره من الرّوايات فكما لا يستفاد منه ورودها بالخصوص عند كل صلاة لا يستفاد منه استحبابها بالخصوص عند المنام.

______________________________

(1)- تهذيب الاحكام: 5/ 91، ح 300/ 108. وسائل الشيعة ب 40 من ابواب الاحرام ح 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 74

و أمّا الاجهار بها فقال الشيخ في الخلاف: (التلبية فريضة و رفع الصوت بها سنة … و كلهم (يعني العامة) قالوا: رفع الصوت بها سنة). «1»

و قال في المبسوط: و التلبية فريضة و رفع الصوت بها سنة مؤكدة للرجال دون النساء «2».

و قال في السرائر: (و الجهر بها علي الرجال مندوب علي الأظهر من أقوال أصحابنا، و قال بعضهم، الجهر بها واجب). «3»

و قال الشيخ في التهذيب: (فأمّا الاجهار بالتلبية فانه واجب أيضاً مع القدرة و الإمكان) «4».

و هل هذا كلام الشيخ علي ما نسب إليه أو كلام المفيد في المقنعة علي ما صرح به بعض الاعاظم و خطأ النسبة المذكورة «5».

يمكن أن يقال: إنّ ذلك ظاهر من كتاب التهذيب فإنّه كالتعليق علي المقنعة و الشيخ ذكر أوّلا ما ذكره شيخه المفيد

ثمّ علّق عليه بالاستدلال له بالاخبار و لكن لم نجد تلك القطعة في ما عندنا من المقنعة المطبوعة في سلسلة موسوعاتنا الفقهية كما لم نجد فيه أيضاً ما ذكره الشيخ قبل الحديث 277/ 85 و هو أول المواضع الّتي يجهر الإنسان فيها بالتلبية إذا اراد الحج علي طريق المدينة البيداء حيث الميل و لعل من

______________________________

(1)- الخلاف: 2/ 291.

(2)- المبسوط: 1/ 316.

(3)- السرائر: 1/ 536.

(4)- تهذيب الاحكام: 5/ 92.

(5)- معتمد العروة: 2/ 540.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 75

أكثر الفحص فيه يجدهما «1».

و كيف كان فالقول بالوجوب ثابت عن أحد هذين العلمين إذاً فلا اعتداد لعدم الاعتناء بهذا القول لعدم معرفة من يقول به و قد حكي اختيار هذا القول أو الميل إليه من صاحب الحدائق (ره) «2».

و قال: في المستمسك: (و ربما استظهر ذلك من الكليني حيث قال: و لا يجوز لأحد أن يجوز البيداء إلا و قد أظهر التلبية) «3».

و كيف كان فالمتبع في ذلك الدليل و رواياتنا المأثورة عن سادتنا أهل البيت (عليهم السلام) الّذين هم اعدال القرآن بنصّ أحاديث الثقلين المتواترة فلا اعتناء بما رواه في الخلاف عن خلاد بن السائب عن أبيه أنّ النّبي (صلي الله عليه و آله و سلم) قال: «أتاني جبرائيل

فأمرني أن آمر أصحابي أو من معي أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية أو بالإهلال». «4»

قال الشيخ رحمه الله (و ظاهر الأمر يقتضي الوجوب و لو خلينا و ظاهره لقلنا أن رفع الصوت أيضاً واجب و لكن تركناه بدليل). «5» و ظاهره و إن كان جواز الاعتماد عليه لو لا ما رويناه من أهل البيت (عليهم السلام) و لكن الظّاهر انّ ذلك كان منه في مثل كتاب الخلاف مماشاة مع القوم

فإنّ خلاد بن سائب كأنّه مجهول قال العجلي: خلاد بن سائب مدني لا نعرفه) «6» و أمّا سائب بن خلاد أبوه فمشكوك في أنّه واحد

______________________________

(1)- تهذيب الاحكام: 5/ 92 قبل الحديث 301/ 109.

(2)- الحدائق الناضرة: 15/ 61 و 62.

(3)- مستمسك العروة: 11/ 409.

(4)- الخلاف: 2/ 292.

(5)- الخلاف: 2/ 292.

(6)- راجع المصدر تهذيب التهذيب: 3/ 149.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 76

أو اثنان قال ابن عبد البر: لم يرو عنه إلا ابنه خلاد فيما علمت و حديثه في رفع الصوت بالتلبية مختلف فيه استعمله عمر علي اليمن و ولي اليمن لمعاوية «1» و بعد ذلك لا يعتمد علي مثله.

و أمّا ما روينا عن أئمة العترة الطاهرة (عليهم السلام). فمنها ما رواه حريز مرفوعاً قال: «إنّ رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) لما أحرم أتاه جبرئيل (عليه السلام) فقال له: مر أصحابك بالعجّ و الثّج و العج رفع الصوت بالتلبية و الثج نحر البدن قال: و قال جابر بن عبد الله ما بلغنا الروحاء حتي بحت أصواتنا» «2» رواه الصدوق في الفقيه عن حريز إلي قوله: «نحر البدن» «3».

و الحديث كما تري ضعيف إلا أنّ الشيخ رواه بإسناده عن حريز بن عبد الله و محمد بن سهل عن أبيه عن أشياخه عن أبي عبد الله (عليه السلام) و جماعة من أصحابنا ممن روي عن أبي جعفر و أبي عبد الله (عليها السلام) إنّهما قالا: «لمّا أحرم رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) أتاه جبرئيل (عليه السلام) فقال له: مر أصحابك بالعجّ و الثج فالعج رفع الصوت و الثج نحر البدن قالا: فقال جابر بن عبد الله فما مشي الروحاء حتي بحت أصواتنا»

«4» و رواه الصدوق في معاني الأخبار. «5»

و ظاهر الأمر الوجوب.

و أجيب عن الاستدلال به علي وجوب رفع الصوت: إنّ الأمر بالعج كان بعد

______________________________

(1)- تهذيب التهذيب 3/ 388.

(2)- وسائل الشيعة: ب 37 من ابواب الاحرام ح 1.

(3)- من لا يحضره الفقيه: 2/ 325 ح 2579.

(4)- التهذيب: 5/ 92 ح 302/ 110.

(5)- معاني الاخبار: 223 باب معني العج و الثج.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 77

تحقّق الإحرام و أداء التلبية الواجبة الّتي يتحقق بها الإحرام لا في التلبية الّتي توجب الإحرام و لا ريب أنّ التلبيات الأخيرة غير واجبة فضلا عن الإجهار بها فلا بد من حمل الأمر به علي الاستحباب.

و فيه: اوّلا: إنّ ما ذكر مبني علي القول بتحقق الإحرام بالتلبية و أمّا علي القول بحصوله بتوطين النفس أو العزم علي ترك المحرمات أو إنشاء تحريمها علي نفسه فالاستدلال به علي الوجوب قائم علي حاله.

و ثانياً: إنّ مقتضي الحديث وقوع الأمر برفع الصوت بعد إحرام رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) لا بعد إحرام أصحابه و الظّاهر انّ الأمر بذلك كان قبل التلبية الواجبة.

و الّذي نقول في الجواب: إنّ الأمر برفع الصوت بالتلبية و إن كان ظاهراً في

الوجوب إلا أنّ متعلقه و هو رفع الصوت بالتلبية ظاهر بالإطلاق في مطلق التلبية فريضة كانت أم سنة فإن أخذنا بإطلاق المتعلق لا بد لنا من رفع اليد عن ظهور الأمر في الوجوب لعدم إمكان القول بوجوب رفع الصوت في التلبية المستحبة لأنّ مقتضاه حرمة التلبية بالإخفات و عدم استحبابها كذلك و هذا مما لا يلتزم به أحد و إن أخذنا بظهور الأمر في الوجوب فلا بد لنا من رفع اليد عن اطلاق المتعلق و لا

ريب ان الأول أولي مضافاً إلي دلالة نفس الحديث عليه فإنّهم امتثالا للأمر رفعوا أصواتهم بها حتي بحت أصواتهم و هذا لا يتحقق إلا بتكرارها و انّهم فهموا من الأمر استحبابه في مطلق التلبية و بالجملة ظهور المتعلق و المادة في الإطلاق أقوي من ظهور الأمر في الوجوب و الأول قرينة لعدم ارادة الظّاهر من الهيئة.

و منها صحيحة عمر بن يزيد عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: «ان كنت ماشياً فاجهر

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 78

باهلالك و تلبيتك من المسجد و ان كنت راكباً فاذا علت بك راحلتك البيداء» «1».

و اجيب عن الاستدلال بها بأنّها ليست في مقام بيان الأمر بالجهر بل إنّما هي في مقام بيان مكان الإجهار بالتلبية.

و بالجملة: فلا يستفاد من مثلهما و لا من مثل صحيح معاوية بن عمار لما فيه من قوله بعد بيان طائفة من المستحبات (و أكثر ما استطعت و أجهر بها) فإن التلبيات الكثيرة المذكورة في هذا الصحيح كلها إلا الواجبة منها مستحبة و لا يمكن أن يكون الإجهار بها واجباً.

هذا و لا ريب في اختصاص هذا الحكم أي استحباب الجهر بالتلبية بالرجال و أمّا النساء فلا يستحب منهن ذلك، يدل عليه ما أخرجه في الوسائل في باب خصّه

به (باب عدم استحباب جهر النساء بالتلبية) مثل صحيح أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام): ليس علي النساء جهر بالتلبية و لا استلام الحجر و لا دخول البيت و لا سعي بين الصفا و المروة يعني الهرولة. «2»

[مسألة 18] تأخير التلبية الي البيداء

مسألة 18: قال في العروة: (ذكر جماعة أنّ الأفضل لمن حجّ علي طريق المدينة تأخير التلبية إلي البيداء مطلقاً كما قال بعضهم أو في خصوص الراكب كما قيل،

و لمن حجّ علي طريق آخر تأخيرها إلي ان يمشي قليلا و لمن حجّ من مكة تأخيرها إلي الرقطاء كما قيل أو إلي أن

______________________________

(1)- تهذيب الاحكام: 5/ 85 ح 281/ 89. وسائل الشيعة ك ب 34 من أبواب الاحرام ح 1.

(2)- وسائل الشيعة: ب 38 من أبواب الاحرام ح 4 و الكافي: 4/ 336 ح 7.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 79

يشرف علي الأبطح لكن الظّاهر بعد عدم الإشكال في عدم وجوب مقارنتها للنية و لبس الثوبين استحباب التعجيل بها مطلقاً و كون أفضلية تأخير بالنسبة إلي الجهر بها فالأفضل أن يأتي بها حين النيّة و لبس الثوبين سراً و يؤخر الجهر بها إلي المواضع المذكورة).

أقول: هذا طريق الاحتياط أيضاً و لكن اللازم الرجوع إلي الرّوايات الشريفة فنقول: فمنها صحيح معاوية بن وهب قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن التهيؤ للإحرام فقال: في مسجد الشجرة فقد صلّي فيه رسول الله (عليه السلام) و قد تري أناساً يحرمون فلا تفعل حتي تنتهي إلي البيداء حيث الميل فتحرمون كما أنتم في محاملكم تقول: لبيك اللهم لبيك». «1» و ظاهره و إن كان النهي عن التلبية قبل الانتهاء إلي البيداء إلا أن الظاهر من السؤال انّه سئل عنه عن آداب الإحرام و ما

ينبغي أن يفعل عنده فلا يدل إلا علي فضل تاخيرها إلي البيداء عن تقديمها عليه إذا كان راكباً.

و منها صحيح منصور بن حازم عن أبي عبد الله- (عليه السلام)- قال: «إذا صليت عند الشجرة فلا تلب حتي تاتي البيداء حيث يقول الناس: يخسف بالجيش» «2». و ظاهره الإطلاق سواء كان راكباً أو راجلا و لا يقيد بسابقه لأنّه لا يدل علي اختصاص الحكم بالراكب.

و منها

صحيح عبد الله بن سنان قال: «سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إنّ رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) لم يكن يلبّي حتّي يأتي البيداء» «3».

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 34 من ابواب الاحرام ح 3.

(2)- وسائل الشيعة: ب 34 ابواب الاحرام ح 4.

(3)- وسائل الشيعة: ب 34 ابواب الاحرام ح 5.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 80

و منها صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) و فيه: «و اخرج بغير تلبية حتّي تصعد إلي أوّل البيداء إلي أوّل ميل عن يسارك فإذا استوت بك الأرض راكباً كنت أو ماشياً فلب» «1» و هذا يدل علي أن ذلك حكم الراكب و الماشي كليهما.

و منها صحيح عمر بن يزيد عن أبي عبد الله (عليه السلام) الدال علي التفضيل فإنه (عليه السلام) قال: إن كنت ماشياً فاجهر باهلالك و تلبيتك من المسجد و إن كنت راكباً فإذا علت بك راحتك البيداء» «2» ظاهره الأمر بالجهر بالتلبية إذا كان راكباً من البيداء و هل يمكن أن يكون هذا شاهداً علي أنّ المراد من التلبية في غيره في البيداء الجهر بها فهو يلبّي في نفسه و إخفاتاً و إذا وصل إلي البيداء يجهر بها كما يقيد به ما يدل بالإطلاق علي تاخير التلبية إلي البيداء و لكن يعارضه صحيح معاوية بن عمار و في صحيح

آخر لمعاوية بن عمار قال ابو عبد الله (عليه السلام): «إذا فرغت من صلاتك و عقدت ما تريد فقم و امش هنيهة (هنيئة) فاذا استوت بك الأرض ماشياً كنت أو راكباً فلبّ» «3»

و هذا بظاهره مطلق يقيد بما ورد في الإحرام من المسجد الشجرة كما يدل عليه ما رواه البزنطي

قال: «سألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) كيف أصنع إذا أردت الإحرام قال: (فقال عقد الإحرام خ) اعقد الإحرام في دبر الفريضة حتي إذا استوت بك البيداء فلبّ قلت: أ رأيت إذا كنت محرماً طريق العراق قال: لبّ (لبّه) إذا استوي بك بعيرك» «4»

مضافاً إلي أن الظّاهر انَّه و صحيحه السابق الدال علي الحكم في البيداء واحد

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 34 من ابواب الاحرام ح 6.

(2)- وسائل الشيعة: ب 34 من أبواب الاحرام ح 1.

(3)- وسائل الشيعة: ب 34 من ابواب الاحرام ح 2.

(4)- وسائل الشيعة: ابواب الاحرام ب 34 ح 7 و قرب الاسناد: 379 ح 1338.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 81

فلا يثبت بالثاني الإطلاق و علاج ما يتوهم من معارضة هذه الإخبار بعضها مع بعض انّها متضمنة لما يؤتي به الوظيفة مطلقاً و لما فيه الفضل و ما هو الأفضل.

نعم ما رواه علي بن جعفر عن أخيه (عليه السلام) ظاهره عدم جواز التلبية عند الشجرة قال: «سألته عن الإحرام عند الشجرة هل يحل لمن أحرم عندها أن لا يلبي حتي يعلو البيداء؟ قال: لا يلبي حتّي يأتي البيداء عند أول ميل فأما عند الشجرة فلا يجوز التلبية». «1»

و لكنه ضعيف كما قاله البعض بعبد الله بن الحسن و علي البناء علي الاعتماد عليه فهو معارض بغيره ممّا يدل علي جواز التلبية من الشجرة كصحيح عبد الله بن سنان انّه «سأل أبا عبد الله (عليه السلام) هل يجوز للمتمتع بالعمرة إلي الحج أن يظهر التلبية في

مسجد الشجرة فقال: نعم إنّما لبّي النّبي (صلي الله عليه و آله و سلم) في البيداء (علي البيداء) لأن الناس لم يعرفوا التلبية فأحبّ أن يعلمهم كيف التلبية». «2»

و

أمّا معارضة اخبار تأخير التلبية مع غيرها من الأخبار مثل ما دل علي عدم جواز المرور علي الميقات بدون الإحرام فبناء علي تحقّق الإحرام بدون التلبية لا معارضة بين الطائفتين و أمّا علي القول بعدم تحقّق الإحرام بدون التلبية فيلزم من التأخير إلي البيداء العبور عن الميقات محلا.

و عليه لا بد لنا إلا أن نقول بتقييد حكم حرمة المرور محلا بما إذا لم يكن ناوياً للإحرام و التلبية و إلا فيجوز فهو مخيّر بين الإحرام و التلبية من الميقات أو تأخيره إلا البيداء و التأخير أفضل أو أن نقول بأن ما يدل علي التأخير محمول علي تأخير

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 34 من أبواب الاحرام ح 8.

(2)- وسائل الشيعة: ب 35 من أبواب الاحرام ح 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 82

الإجهار بها فيلبّي من الشجرة إخفاتاً و يجهر بها عند البيداء.

و علي هذا الأحوط التلبية في الميقات اخفاتاً و جهراً لمّا مرَّ علي البيداء مع تجديد النيّة و يأتي ما ذكر في تأخير الإحرام يسيراً عن الميقات و تأخيره في الإحرام من مكة إلي الرقطاء.

مضافاً إلي أن في صحيحة الفضلاء (حفص البختري و معاوية بن عمار و عبد الرحمن بن الحجاج و الحلبي) التصريح بذلك ففيه: «و ان اهللت من المسجد الحرام فإن شئت لبيّت خلف المقام و أفضل ذلك أن تمضي حتي تأتي الرقطاء و تلبّي قبل أن تسير إلي الأبطح» «1» و ما رواه ابن أبي عمير و صفوان عن معاوية بن

عمار «2» ما يشهد علي ما ذكر و كيف كان فلا يترك الاحتياط بما ذكر و الله هو العالم.

أورد علينا بعض الفضلاء المشاركين في البحث أيّدهم الله تعالي بأنّ ما قلت من أنّ

إطلاق المتعلق في الأمر بالإجهار بالتلبية و شموله للتلبيات المندوبة يمنع عن ظهور الأمر بالتلبية في الوجوب منقوض بوجوب الإخفات في التسبيحات الأربعة في الركعتين الأخيرتين إذا أتي بها زائداً علي المرة الواحدة الواجبة فإنّ الثانية و الثالثة منها مستحبة و مع ذلك يجب فيها الإخفات فيجوز ان يكون نفس العمل مستحباً و الإتيان به بوصف خاص كالجهر و الإخفات واجباً، كأن قال: إن أتيت بها فأت بها جهراً.

و فيه: إنّ مفهوم القضية مع حفظ ظهور الأمر في الوجوب يكون (و الا فلا تأت بها سرا) و الالتزام بها في التسبيحات إن امكن لعدم القول باستحبابها إلا

______________________________

(1)- من لا يحضره الفقيه: / 320 ح 2562.

(2)- وسائل الشيعة: ب 52 من أبواب الاحرام ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 83

إخفاتاً لا يمكن في التلبيات للاجماع علي استحبابها سراً فلا بد من رفع اليد عن ظهور الأمر في الوجوب و حمله علي الاستحباب فتأمل جيداً.

هذا مضافاً إلي أنّ لنا أن نقول إنّ في التسبيحات المصلّي مخير بين الواحدة و الثلاثة و لذا لا يجوز له الاكتفاء بالاثنتين بعنوان الوظيفة فيجب عليه الإخفات مطلقاً أتي بالواحدة أو الثلاثة و التلبية ليست كذلك.

ثمّ إنّه أورد ثانياً بأن المستفاد من صحيح عمر بن يزيد امران وجوب الجهر بالتلبية و بيان المكان الذي يبتدئ فيه بالجهر في حال الركوب و المشي.

و فيه: إنّ ما قلناه مجرد الاستظهار من الكلام فإن ظاهره كون رجحان الجهر بالتلبية مفروغاً عنه بين المتكلم و المخاطب و سوق الكلام ظاهر في انّ الامام (عليه السلام)

كان في مقام إفادة التفصيل مضافاً إلي ان ذلك ان كان كما استشهد به المورد الفاضل يكون مثل سر من البصرة يدل

علي ابتداء السير و إدامته فعلي ذلك أيضاً يدل علي الاستحباب للاتفاق علي أنّ في استدامة التلبية لا يجب الجهر و الله هو العالم.

اعلم: أن الكلام في هذه المسألة يقع أوّلا في انه هل يجب تأخير التلبية إلي البيداء فلا تجزي في ذي الحليفة؟ و علي فرض عدم الوجوب فهل الإتيان بها في ذي الحليفة متعين أو هو مخيّر بين الإتيان بها في البيداء أو ذي الحليفة أو تأخيرها إلي البيداء أفضل مطلقاً سواء كان ماشياً أو راكباً أو إذا كان راكباً؟ و علي فرض تعين الإتيان به من ذي الحليفة هل يجب الإجهار بها في البيداء، أي بالتلبيات المندوبة؟

فنقول: أمّا وجوب تأخيرها عن الميقات و عدم اجزائها منه فالظاهر أنّه خلاف التسالم لم يذهب إليه أحد من الاصحاب الا صاحب الحدائق فانه قال: فالاحتياط في الوقوف علي الروايات المتقدمة الدالة علي التأخير إلي البيداء راكباً كان أو ماشياً بل لا يبعد المصير إليه لو لا ذهب جملة من فضلاء قدماء الاصحاب

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 84

إلي التخيير كما سمعت من ثقة الاسلام الكليني (قدس الله روحه) «1» و احتمله كاشف اللثام علي ما حكي عنه و هما محجوجان بالسيرة و تسالم الأصحاب.

فإن قلت: ظاهر بعض الرّوايات وجوب التأخير و النهي عن الإتيان بها في الميقات مثل: صحيح منصور بن حازم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إذا صليت عند الشجرة فلا تلبّ حتّي تأتي البيداء حيث يقول الناس يخسف بالجيش» «2».

قلت فيه: منع ظهور النهي فيه في الحرمة الوضعيّة غاية الأمر أنه ارشاد إلي

إتيانها في البيداء و كراهة تقديمها عليه و القرينة علي ذلك اتفاق الأصحاب علي إجزاء التلبية من الشجرة.

و صحيح معاوية

بن عمّار عن أبي عبد الله (عليه السلام) و فيه: «و اخرج بغير تلبية حتّي تصعد إلي أوّل البيداء إلي أوّل ميل عن يسارك فإذا استوت بك الأرض راكباً كنت أم ماشياً فلبّ» «3».

و فيه: أيضاً منع دلالة الأمر علي الالزام غاية الأمر يدل علي كون التلبية عند البيداء أفضل و أكثر صواباً و يشهد علي ذلك صحيح عمر بن يزيد عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إن كنت ماشياً فاجهر بإهلالك من المسجد و إن كنت راكباً فإذا علت بك راحلتك البيداء» «4» فان مقتضي ملاحظتهما معاً و البناء علي إجزاء التلبية مطلقاً في الميقات أفضليتها في البيداء.

و أمّا رواية علي بن جعفر عن أخيه (عليها السلام) قال: «سألته عن الإحرام عند

______________________________

(1)- الحدائق الناضرة: 15/ 46.

(2)- وسائل الشيعة: ب 34 من أبواب الاحرام ح 4.

(3)- وسائل الشيعة: ب 34 من أبواب الاحرام ح 6.

(4)- وسائل الشيعة: ب 34 من أبواب الاحرام ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 85

الشجرة هل يحلّ لمن أحرم عندها أن لا يلبّي حتّي يعلو البيداء؟ قال: لا يلبّي حتّي يأتي البيداء عند أوّل ميل؟ قال: نعم فأمّا عند الشجرة فلا يجوز التلبية» «1».

ففيه: انها كما قاله البعض ضعيف بعبد الله بن الحسن و علي البناء علي الاعتماد عليه كما قويناه سابقاً فهي معارضة بغيرها مما هو صريح علي جواز التلبية من الشجرة مثل صحيح عبد الله بن سنان «إنّه سأل أبا عبد الله (عليه السلام): هل يجوز للمتمتع بالعمرة إلي الحجّ أن يظهر التلبية في مسجد الشجرة؟ فقال: نعم انّما لبّي النبيّ (صلي الله عليه و آله و سلم) في

البيداء (علي البيداء) لان الناس لم يعرفوا التلبية فأحبّ أن

يعلمهم كيف التلبية» «2»

و لا ريب ان الترجيح مع الصحيح فتلخص من ذلك انَّه لا ريب في صحة الاجتزاء بالتلبية من المسجد.

و أمّا اجزاء التلبية من البيداء أي كون المكلف مخيراً بين الإتيان بها في المسجد و في البيداء فيدل عليه مضافاً إلي الرّوايات السابقة صحيحة الفضلاء (حفص بن البختري و عبد الرحمن بن الحجاج و حمّاد بن عثمان) عن الحلبي (علي نسخة الكافي) و الحلبي علي نسخة الفقيه جميعاً كلّهم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إذا صلّيت في مسجد الشجرة فقل و أنت قاعد في دبر الصلاة قبل أن تقوم ما يقول المحرم ثمّ قم فامش حتّي تبلغ الميل و تستوي بك البيداء فإذا استوت بك فلبّه» «3».

و هذه الرّوايات تدل بظاهرها علي جواز تأخير التلبية إلي البيداء بل كونها أفضل.

فإن أخذنا بها لا بدّ إمّا أن نقول بحصول الإحرام و عقده منه قبل التلبية حتّي

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 34 من أبواب الاحرام ح 8.

(2)- وسائل الشيعة: ب 35 من أبواب الاحرام ح 2.

(3)- وسائل الشيعة: ب 35 من أبواب الاحرام ح 3.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 86

لا تكون معارضة لروايات باب الميقات الّتي تدل علي وجوب الإحرام منه و عدم جواز المرور عليه بدون الإحرام لمن يريد الحجّ و امّا أن نقول بأن البيداء و إن عرف بأنه مكان بين ذي الحليفة و ذات الجيش إلا انه يستفاد عن بعض الرّوايات انّه من ذي الحليفة فقد جاء في جملة روايات جيش يغزون البيت هكذا: «جيش من امتي من قبل الشام يؤمون البيت لرجل منعه الله حتّي إذا علوا البيداء من ذي الحليفة

خسف بهم» «1» أو أن نقول بدلالة هذه الرّوايات علي

كون البيداء أيضاً من المواقيت أو نقول بكفاية الإشراف علي الإحرام للخروج عن الميقات قبله في خصوص مسجد الشجرة.

و كيف كان فهذا مختار الشيخ في النهاية قال: (و الأفضل أن يلبّي إذا أتي البيداء عند الميل، و أمّا الماشي فلا بأس به أن يلبّي من موضعه). «2»

و قال القاضي في المهذب: (يلبّي المحرم إذا كان حاجّاً علي طريق المدينة من الموضع الّذي يصلي فيه للإحرام أو إذا أتي البيداء و هذا هو الأفضل) «3» و عليك بتتبع كلمات غيرهما.

و قال الكليني (قدس سره) (و هذا عندي من الأمر المتوسع إلا أنّ الأفضل فيه أن يظهر التلبية حيث أظهر النبيّ (صلي الله عليه و آله و سلم) علي طرف البيداء و لا يجوز لأحد أن يجوز ميل البيداء إلا و قد اظهر التلبية و أوّل البيداء أول ميل يلقاك عن يسار الطريق) «4». و يظهر منه أنّ البحث و السؤال في الرّوايات كان في إظهار التلبية إذاً فلا يجوز ترك

______________________________

(1) وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفي (صلي الله عليه و آله و سلم): 4/ 1147 و 1158. راجع الاصل و المصدر.

(2)- النهاية/ 214.

(3)- المهذب: 1/ 216.

(4)- الكافي: 4/ 334.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 87

التلبية سرّا إلي البيداء.

و كيف كان فظاهر الرّوايات ما عرفت و عليه و ان كان جواز الاكتفاء بالتلبية من البيداء قويّ و لكن لا يترك الاحتياط امّا بالتلبية في الشجرة أو الإتيان

بها في المكانتين و اللّه هو العالم.

[مسألة 19] استمرار التلبية الي يوم عرفة

مسألة 19: صرح في الجواهر بأن الحاج كان مفرداً أو قارناً يستمر علي تكرار التلبية إلي يوم العرفة عند الزوال لصحيح ابن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام): «الحاج يقطع التلبية يوم عرفة زوال الشمس» «1»

و صحيح عمر بن يزيد عن أبي عبد الله (عليه السلام): «إذا زالت الشمس يوم عرفة فاقطع التلبية»، «2» و صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إذا زالت الشمس يوم عرفة فاقطع التلبية عند زوال الشمس» «3» و لغيرها من الرّوايات قال في الجواهر: و ظاهرها الوجوب كما عن نصّ الخلاف و الوسيلة و حكي عن علي بن بابويه و الشيخ و استحسنه بعض لظاهر الأمر و لا ريب في انّه أحوط) «4».

و لا يخفي عليك انّه لا فرق في الحكم المذكور بين الإفراد و القران و حجّ التمتّع كما دل عليه إطلاق الرّوايات و لفظ الشرائع فكلام الجواهر في شرح قوله فإن كان

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 44 من أبواب الاحرام ح 1.

(2)- وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب الاحرام ح 4.

(3)- وسائل الشيعة: ب 44 من أبواب الاحرام ح 5.

(4)- جواهر الكلام: 18/ 274.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 88

حاجّاً (مفردا أو قارناً) ليس بتام.

أقول: يمكن أن يقال: إن الأمر بالقطع في هذه الرّوايات يكون كالأوامر الواردة في توهم الحظر فلا يدل إلا علي انتهاء الأمر بها و استحبابها و الإتيان بها علي أن يكون حجه مشتملا عليها لا مطلقاً و ذلك لأنهم كانوا مهتمين بالتلبية مستمرين عليها يتكررونها فغاية ما تدل عليه هذه الرّوايات هو انتهاء التأكيد علي

تكرارها عند زوال الشمس و مع ذلك لا ريب في أن قطعها كما قال الجواهر أحوط.

و ربّما يستشهد لمبغوضية التلبية في خارج الموارد المذكورة في الرّوايات بصحيح أبان قال: «كنت مع أبي جعفر (عليه السلام) في ناحية من المسجد (الحرام) و قوم يلبّون حول الكعبة فقال: أ تري هؤلاء الَّذين يلبّون و

الله لأصواتهم أبغض إلي الله من أصوات الحمير» «1».

إلا انه يمكن أن يقال: إن ذلك منهم كان لضلالتهم في المذهب لا لنفس التلبية كما أشار إليه في الجواهر. «2»

نعم الظّاهر كما ادعاه البعض انه لا خلاف بينهم في أنها مستحبة إلي زوال الشمس و ينتهي استحبابها بزوالها و الله هو العالم.

موضع قطع التلبية للمعتمر

[مسألة 20 موضع قطع التلبية للمعتمر]

مسألة 20: قال في الجواهر: (و إن كان معتمراً بمتعة فإذا شاهد بيوت مكة» كما صرح به غير واحد بل قيل: إنه مقطوع به في كلام الأصحاب لقول الصادق (عليه السلام) في حسن الحلبي: «المتمتّع إذا نظر إلي بيوت

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 34 من ابواب الاحرام ح 3. و الكافي: 4/ 540.

(2)- جواهر الكلام: 18/ 275.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 89

مكة قطع التلبية» «1» و في حسن معاوية: «إذا دخلت مكّة و أنت متمتع فنظرت إلي بيوت مكّة فاقطع التلبية، و حد بيوت مكة الّتي كانت قبل اليوم عقبة المدنيين فإن الناس قد أحدثوا بمكّة ما لم يكن فاقطع التلبية و عليك

بالتكبير و التهليل، و التحميد، و الثناء علي الله عزّ و جلّ بما استطعت» «2» و قولهما (عليهم السلام) في خبر سدير: «إذا رأيت أبيات مكة فاقطع التلبية» «3» إلي غير ذلك من النصوص الّتي ظاهرها الوجوب بل عن الخلاف الإجماع عليه و لا بأس به). «4»

أقول: الكلام في الرّوايات هو ما ذكرناه في المسألة السابقة لكن يجب قطع التلبية عند مشاهدة بيوت مكة احتياطاً.

ثمّ إن في الجواهر تعرض لما يوهم خلاف ذلك مثل ما رواه الشيخ عن أحمد «5» عن الحسين بن سعيد «6» عن فضالة «7» عن أبان «8» عن زرارة «9» عن أبي عبد الله (عليه السلام)

قال: «سألته أين يمسك المتمتّع عن التلبية؟ فقال: إذا دخل البيوت.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 43 من ابواب الاحرام ح 2.

(2)- وسائل الشيعة: ب 43 من ابواب الاحرام ح 1.

(3)- وسائل الشيعة: ب 43 من ابواب الاحرام ح 5.

(4)- جواهر الكلام: 18/ 275.

(5)- هو أحمد بن محمد بن عيسي من السابقة شيخ القميين و وجههم …

(6)- من السابعة جليل القدر صاحب المصنفات.

(7)- ابن أيوب من السادسة ثقة و من اصحاب الإجماع.

(8)- ابن عثمان من الخامسة وصف بأنه من الناوسية و ان العصابة اجمعت علي تصحيح ما يصح عنه و عن فخر المحققين قال: سألت والدي عنه فقال الاقرب عدم قبول روايته جامع الرواة: 1/ 12.

(9)- من الرابعة مشهور و معروف

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 90

بيوت مكة لا بيوت الأبطح» «1».

و لكنه يحمل بقرينة غيره علي إرادة الإشراف مضافاً إلي أن الأخذ بسائر

الرّوايات موافق للاحتياط.

و أما ما رواه الشيخ عن سعد بن عبد الله «2» عن موسي بن الحسن «3» عن محمد بن عبد الحميد «4» عن أبي جميلة المفضل بن صالح «5» عن زيد الشّحام «6» عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «سألته عن تلبية المتعة متي تقطع؟ قال: يدخل الحرم» «7».

فقد حمله الشيخ علي جواز قطع تلبية و غيره علي الاستحباب.

أقول: حمل ما يدل علي قطعها عند رؤيته بيوت مكة علي الاستحباب مبني علي عدم استفادة وجوب القطع منه و إلا فالأولي أن يقال: إنه محمول علي استحباب القطع عند دخول الحرم و غيره علي وجوبه إذا نظر إلي بيوت مكة و لكن الظّاهر انه لا قائل به و الرواية ضعيفة السند مهجورة لا يعتمد عليها.

ثمّ إنّه ربّما يوهم اختلاف الرّوايات في تحديد بيوت

مكة و ما فيها من تحديدها بعقبة المدنيين و ما فيها من تحديدها بعقبة ذي طوي ففي صحيح معاوية بن عمّار الَّذي مرّ ذكره تحديدها بالأوّل و في صحيح البزنطي عن مولانا الرضا (عليه السلام): «إنّه

______________________________

(1)- تهذيب الأحكام: 5/ 468 ح 1638. وسائل الشيعة: ب 43 من ابواب الاحرام.

(2)- القمي الاشعري شيخ هذه الطائفة … هو من كبار الثامنة.

(3)- الاشعري القمي ثقة عين …، صنف ثلثين كتاباً من السابعة.

(4)- العطار من السادسة.

(5)- ضعيف يضع الحديث … من الخامسة.

(6)- ابن يونس أو ابن محمد بن يونس ثقة من الخامسة.

(7)- تهذيب الأحكام: 5/ 95 ح 312، الاستبصار: 2/ 177.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 91

سئل من المتمتع متي يقطع التلبية؟ قال: إذا نظر إلي عراش مكة عقبة ذي طوي قلت: بيوت مكة؟ قال: نعم». «1»

قال الشيخ في التهذيب: (هذه الرواية- يعني عقبة المدنيين- فيمن جاء إلي مكة من طريق المدينة خاصة، و الرواية الّتي قال فيها: إنه يقطع عند ذي طوي لمن جاء علي طريق العراق). «2»

و قال في الاستبصار: (و كان أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه (رحمه الله) حين روي هذه الرواية حملها علي التخيير حين ظن أنها متنافية و علي ما فسرناه ليست بمتنافية و لو كانت متنافية لكان الوجه الّذي ذكره صحيحاً). «3»

و علي هذا يمكن أن يقال: ان الرّوايات تكون متنافية إذا كانت إحدي العقبتين بعد الأخري في طريق واحد دون ما إذا كانت حديها في طريق المدينة إلي مكة و الأخري في طريق العراق أو كان كل منها مكاناً واحداً باسمين.

و الظّاهر أن المستفاد من الرّوايات ان ما هو الموضوع لوجوب قطع التلبية أو انتهاء استحبابها هو الأمكنة الّتي

تري منها بيوت مكّة في عصر النبي (صلي الله عليه و آله و سلم) فإن كان في زماننا مكاناً معروفاً بذلك فهو و الا فيمكن أن يقال: إنه ما دام يكون شاكاً في وصوله إلي ذلك المكان (عقبة المدنيين و عقبة ذي طوي و غيرهما) يستصحب عدم وجوب القطع علي القول به أو استحباب التلبية و مقتضي الاحتياط- إن شاء قطع التلبية من مكان يحصل له العلم بقطعها من المكان المأمور به.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 43 من أبواب الاحرام ح 4.

(2)- تهذيب الاحكام: 5/ 96.

(3)- الاستبصار: 2/ 178.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 92

[مسألة 21] موضع قطع التلبية في العمرة المفردة

مسألة 21: قال في الجواهر أيضاً: (فإن كان بعمرة مفردة قيل و القائل الصدوق و تبعه المصنف في النافع كان مخيراً في قطع التلبية عند دخول

الحرم أو مشاهدة الكعبة إلي أن قال- و قيل: و القائل المشهور علي ما في كشف اللثام إن كان ممن خرج من مكة للإحرام فإذا شاهد الكعبة و ان كان ممن أحرم من خارج فإذا دخل الحرم). «1»

أقول: الأخبار في المسألة علي طوائف.

منها: ما يستفاد منه حكم من أحرم من أدني الحلّ كالتنعيم كصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «من اعتمر من التنعيم فلا يقطع التلبية حتي ينظر إلي المسجد» «2» و إطلاقه يشمل من خرج من مكة إليه للعمرة و من كان خارجا عنها و بدا له الإتيان بالعمرة كما أن الظّاهر انّه ليس ذلك لخصوص التنعيم بل هو حكم مطلق الاعتمار من أدني الحلّ كما يدلّ عليه إطلاق الصحيح الآتي و كصحيح عمر بن يزيد عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «من أراد أن يخرج من مكة ليعتمر أحرم

من الجعرانة و الحديبية أو ما أشبههما و من خرج من مكة يريد العمرة ثمّ دخل معتمراً لم يقطع التلبية حتي ينظر إلي الكعبة» «3» و يستفاد منه أن ذلك حكم الاعتمار من أدني الحل الخارج من مكة و لا خصوصية للخروج منها إليه كما يدل عليه إطلاق الصحيح السابق. و كمرسلة المفيد في المقنعة قال: «سئل (عليه السلام) عن الملبي بالعمرة المفردة

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 18/ 277.

(2)- وسائل الشيعة: ب 45 من أبواب الاحرام ح 4.

(3)- تهذيب الاحكام: 2/ 95 ح 315.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 93

بعد فراغه من الحج متي يقطع تلبيته؟ فقال: إذا رأي (زار) البيت». «1»

و ليس في الأخبار ما يعارض هذه الرّوايات فلا بد من الحكم علي طبقها و لا وجه لان يكون الحكم بها و بغيرها ممّا يدلّ بالإطلاق علي جواز قطع التلبية للمعتمر

من أدني الحل إذا دخل بيوت مكة لأن إطلاقه يقيّد بهذه الرّوايات.

و من روايات الباب ما يدل علي أنّ المعتمر يقطع التلبية إذا دخل الحرم مثل موثقة إبراهيم بن أبي سمال (ك خ) عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث قال: «و إن كنت معتمراً فاقطع التلبية إذا دخلت الحرم» «2» و صحيح عمر بن يزيد عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «من دخل مكة مفرداً للعمرة فليقطع التلبية حين تضع الإبل أخفافها في الحرم» «3» و معتبرة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) الّتي وصفها في الجواهر بالإرسال لأن سنده هكذا حميد بن زياد «4» عن ابن سماعة «5» عن غير واحد عن أبان «6» عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام): «يقطع التلبية المعتمر إذا دخل الحرم» «7».

و لكن

الظّاهر انّه لا يضر مثل ذلك الارسال باعتبار الحديث لو لم نقل بأنّه يزيد في اعتباره و كيف كان تدلّ علي قطع التلبية في العمرة إذا دخل الحرم و لو توهم إطلاق حكمه للمتمتع بالعمرة فهو يقيد بما ورد في عمرة التمتّع.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 45 من أبواب الاحرام ح 13.

(2)- وسائل الشيعة: ب 45 من أبواب الاحرام ح 1.

(3)- وسائل الشيعة: ب 45 من أبواب الاحرام ح 2.

(4)- من الثامنة عالم جليل ثقة …

(5)- من السابعة الحسن بن محمّد واقف كثير التصانيف.

(6)- ابن عثمان الاحمر من الخامسة فاسد المذاهب من أصحاب الإجماع.

(7)- وسائل الشيعة: ب 45 من أبواب الاحرام ح 5 و الكافي: 4/ 537 راجع جواهر الكلام: 18/ 277.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 94

و مثل خبر مرازم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «يقطع صاحب العمرة المفردة التلبية إذا وضعت الإبل أخفافها في الحرم». «1»

و في قبال هذه الرّوايات روايات تدل علي قطع المعتمر التلبية إذا نظر إلي بيوت مكّة كما رواه الشيخ بإسناده عن محسن بن أحمد «2» عن يونس بن يعقوب «3» «قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يعتمر عمرة مفردة من أين يقطع التلبية؟ قال: إذا رأيت بيوت ذي طوي (مكّة خ) فاقطع التلبية» «4».

و صحيح الفضيل قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) قلت: دخلت بعمرة فأين أقطع التلبية؟ قال: حيال العقبة عقبة المدينين فقلت: أين عقبة المدينين؟ قال: بحيال القصارين «5».

و ما رواه عبد الله بن جعفر «6» في قرب الإسناد عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب «7» عن أحمد بن محمد بن أبي نصر «8» قال: و سألته (يعني أبا الحسن الرضا

(عليه السلام)) عن الرجل يعتمر عمرة المحرم من أين يقطع التلبية؟ قال: كان أبو الحسن (عليه السلام) يقطع التلبية إذا نظر إلي بيوت مكة» «9».

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 45 من ابواب الاحرام ح 6.

(2)- من السادسة لم يرد فيه توثيق.

(3)- من الخامسة ثقة.

(4)- وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب الاحرام ح 3 و تهذيب الاحكام: 5/ 95، ح 314/ 122.

(5)- وسائل الشيعة: ب 45 من أبواب الاحرام ح 11 و تهذيب الاحكام: 5/ 96، ح 3. 16/ 124.

(6)- من كبار الثامنة ثقة شيخ القميين …

(7)- من السابعة جليل القدر عظيم من اصحابنا …

(8)- من السادسة عظيم المنزلة …

(9)- قرب الاسناد: 379 ح 1337 و وسائل الشيعة ب 45 من ابواب الاحرام ح 12.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 95

و بملاحظة الجمع بين هذه الطائفة و الطائفة السابقة افتي الصدوق بالتخيير فقال: هذه الأخبار كلّها صحيحة متفقة ليست بمختلفة و المعتمر عمرة مفردة في ذلك بالخيار يحرم من أي ميقات من هذه المواقيت شاء و يقطع التلبية في أي موضع من

هذه المواضع شاء و هو موسع عليه و لا حول و لا قوّة الّا بالله العلي العظيم.

و قد استشكل في ذلك بأن القول بالتخيير متفرع علي التنافي و التكافؤ و هو مفقود فيما نحن فيه لأن خبر يونس بن يعقوب ضعيف بمحسن بن أحمد فإنّه لم يوثق في كتب الرّجال و التعبير عنه بالموثق اشتباه و أما صحيح الفضيل فليس فيه التصريح بالعمرة المفردة و إنّما يدل عليها بالإطلاق فيقيد إطلاقه بما دلّ علي قطع التلبية فيها عند دخول الحرم بل يمكن دعوي إجماله و انه سؤال عن واقعة نفسه الّتي كانت معلومة بين السائل و المجيب

و أمّا رواية البزنطي فاطلاقها يشمل من ابتدأ بالعمرة من خارج الحرم و من أحرم من التنعيم و غيره فيقيد بما يدلّ علي حكم من أحرم من خارج الحرم و هذا الجواب يأتي أيضاً في خبر يونس بن يعقوب و علي ذلك فالحكم بقطع التلبية عند دخول الحرم إذا كان أحرم من خارجه و قطعها عند النظر إلي بيوت مكة إذا أحرم للعمرة من أدني الحلّ وجيه و موافق الاحتياط و الله هو العالم.

[مسألة 22] كيفية تكرار التلبية

مسألة 20: لا ريب انَّه لا يلزم في تكرار التلبية أن تكون بالصور المعتبرة في انعقاد الإحرام بها التي قال الامام (عليه السلام) في صحيح معاوية بن عمّار انّه لا بد منها فيجوز الاكتفاء بسائر صيغها المروية في الرّوايات فيكفي مثلا لبيك اللّهم لبيك أو لبيك اله الحق لبيك أو لبيك كشاف الكرب العظام أو غيرها بل يكفي غير الصور المذكورة في الرّوايات مثل

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 96

لبيك اله العالمين لبيك يا رحمان يا رحيم. لبيك يا ذا المن و الإحسان و يا ذا العفو و الغفران.

و استدل للاكتفاء بذلك بمثل ما في صحيح معاوية بن عمار: «و ان تركت بعض التلبية فلا يضرك غير أنّ تمامها أفضل» «1»

و فيه: ان ظاهره و ظاهر اطلاق الروايات جواز بعض التلبيات المذكورة في الصحيح بل لا يخلو من الدلالة علي أنّ الفضل لبعض الصيغ المذكورة في الرّوايات.

و فيه: ايضاً انّ الإطلاق لو وجد في بعض الرّوايات يكون منصرفاً إلي التلبيّات المأثورة.

و بعد ذلك كلّه نقول أنّ ما يستفاد من سياق الرّوايات استحباب مطلق التلبية و استحبابها بالصور المذكورة في الرّوايات فلا يقيد بها استحبابها المطلق حتي و ان قال لبيك خلافاً لمن

اشكل في ذلك من المحشين العظام عليهم رضوان الله تعالي.

[مسألة 23] الشك في اتيان التلبية صحيحة

مسألة 21: إذا اتي بالتلبية و شك بعد الإتيان بها انَّه اتي بها صحيحة ام لا؟ يبني علي الصحة لقاعدة الفراغ العامة الجارية في جميع الابواب.

و أمّا إذا شك في أنّه أتي بالتلبية ام لا يجب عليه الإتيان بها إذا لم يتجاوز المحل كما إذا شك و هو في الميقات و أمّا إذا خرج عن الميقات و هو مشتغل بالتلبيات المستحبة أو وصل إلي مكة و شك مثلا في حال الطواف فلا يعتد بشكه لقاعدة التجاوز.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 40 من ابواب الاحرام ح 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 97

و لكن لا يترك الاحتياط فيما إذا شك في الإتيان بها و لم يدخل في الأعمال الواجبة المترتبة عليها بالرجوع إلي الميقات و إتيان التلبية فيه و إن لم يمكن فيرجع إليه ما امكن و إلّا فيلبي من مكانه كالناسي هذا و إن شك في التلبية و هو في الميقات لا

يحرم عليه فعل ما يحرم عليه بالإحرام.

[مسألة 24] الشك في التلبية بعد الاتيان بموجب الكفارة

مسألة 24: من أتي بموجب الكفارة و شك في أن ذلك كان منه بعد التلبية حتّي تجب عليه أو قبلها فلا تجب؟

فإن كانا مجهولي التاريخ أو كان تاريخ التلبية مجهولا لم تجب عليه لتعارض استصحاب عدم التلبية إلي زمان إتيان موجب الكفارة مع استصحاب عدم إتيان موجبها إلي زمان التلبية و عدم ترجيح أحدهما علي الآخر في صورة كونهما مجهولي التاريخ فالأصل براءة ذمّته عن الكفارة و في صورة كون تاريخ التلبية مجهولا و تاريخ ارتكاب الموجب معلوماً يجري استصحاب عدم التلبية إلي تاريخ ارتكاب الموجب فلا تجب الكفارة و أمّا إذا كان تاريخ اتيان الموجب مجهولا و تاريخ التلبية معلوماً فاستصحاب عدم اتيان الموجب إلي تاريخ التلبية لا

يقتضي وقوعه بعد التلبية.

و أمّا التمسك باصالة تأخر الحادث بأن يقال بحدوث الموجب و تأخره عن تاريخ التلبية بمقتضي اصالة التأخر فلا اعتداد بها لا أصلا و لا فرعاً أمّا من حيث الكبري و الاصل فلا دليل علي اعتبار هذا الأصل مضافاً إلي ان التأخر أيضاً

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 98

حادث و مقتضي الأصل عدم حدوثه و أمّا فرعاً و من حيث الصغري فاصالة تأخر الحادث تثبت حدوثه بعد يوم الخميس مثلا الّذي وقع فيه التلبية و لكن لا يثبت بها انّ حدوث الموجب كان بعد التلبية إلا علي القول بالأصل المثبت.

هذا كلّه علي ما بني عليه الشيخ (قدس سره) من سقوط- الاستصحاب في مجهولي

التاريخ بالتعارض «1».

و أمّا علي مختار صاحب الكفاية (قدس سره) «2» فليس المقام مقام اجراء الاستصحاب للشك في اتصال زمان الشك باليقين فالتمسك بالاستصحاب فيه تمسك بعموم العام في الشبهة المصداقية.

و يوضح ما أفاده بأن يقال: إنا نفرض ثلاث ساعات متوالية ففي الساعة الأولي نكون باليقين علي عدم الإتيان بالتلبية و بموجب الكفارة معاً و في الساعة الثانية نعلم باتيان واحد منهما علي سبيل الإجمال و في الساعة الثالثة نعلم بإتيان واحد آخر منهما أيضاً بالإجمال و لا علي التعيين و عليه نشك في كل منهما (التلبية و موجب الكفارة) انّه هل استمر عدمه إلي زمان وجود الآخر.

و بعبارة اخري هل حدث في زمان حدوث الأخر أم لا؟ لا ريب في اننا لو علمنا بتاريخ حدوث الأخر نستصحب عدم حدوث ما شككنا في حدوثه عند حدوث الآخر و ذلك لاتصال زمان الشك فيه باليقين و أمّا حيث كان حدوث الموجب للكفارة و التلبية مجهولي التاريخ، نشك في حدوث كل منهما في

زمان الآخر و يمكن أن يكون ذاك الآخر الذي نشك في حدوث التلبية في زمانه وجد في الساعة

______________________________

(1)- فرائد الاصول: السابع من تنبيهات للاستصحاب.

(2)- كفاية الاصول: الحادي عشر من تنبيهات الاستصحاب.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 99

الثانية أو الثالثة و انه إن وجد في الساعة الثانية يكون زمان الشك فيه متصلا باليقين و إن وجد في الساعة الثالثة انتقض يقيننا بعدمه باليقين بوجوده و يكون الشك فيه في الساعة الثالثة منفصلا عن اليقين بعدمه و يكون اتصال زمان الشك باليقين مشكوكاً فيه و التمسك بقوله (عليه السلام): «لا تنقض اليقين بالشك» لإجراء استصحاب عدمه تمسك بالعموم في الشبهة المصداقية.

و بعبارة اخري نقول بعد العلم بعدم التلبية و ارتكاب الموجب للكفارة في الساعة الاولي الشك يقع في ان التلبية هل وجد في زمان ارتكاب الموجب الّذي مردد بين كونه الساعة الثانية أو الثالثة فإن كان هو الساعة الثانية يكون الشك في وقوع التلبية فيه متصلا بزمان اليقين بعدمه و إن كان هو الساعة الثالثة يكون الشك في وقوع التلبية فيه منفصلا عن زمان اليقين بعدمه لانتقاضه بوجودها في الساعة الثانية و هكذا يجري الكلام في الشك في وقوع الموجب في زمان التلبية فلا مجال لجريان الاستصحاب بالنسبة إلي عدم كل منهما في زمان الآخر للشك في اتصال زمان الشك باليقين فمقتضي الأصل ايضاً البراءة عن الكفارة.

و لا فرق في ذلك أي عدم جواز التمسك بالاستصحاب علي هذا المبني أن يكون الأثر مترتباً علي إجراء الأصل في كل منهما أو علي واحد منهما.

نعم علي مسلك الشيخ يجري الاستصحاب إذا كان الأثر مترتباً علي واحد منهما لعدم التعارض.

ثمّ إنه قال بعض الأعاظم: (إنّ في توارد الحالتين جريان الأصلين و

تعارضهما يتوقف علي ترتب الأثر لكلّ منهما فإن جريانهما معاً غير ممكن و في أحدهما دون الأخر ترجيح بلا مرجّح، و أما إذا كان الأثر مترتباً علي أحدهما دون الأخر فلا مانع من جريان الأصل فيه و الرجوع إليه سواء كان المورد من موارد

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 100

مجهولي التاريخ أو كان أحدهما معلوماً و الآخر مجهولا و مقامنا من هذا القبيل لأن ارتكاب الأفعال المنهية قبل التلبية لا أثر له و إنما الأثر يترتب بعد التلبية، فلو شك في أنه هل ارتكب محرما بعد التلبية ليترتب عليه الكفارة أو لم يرتكب شيئاً لم تجب عليه الكفارة لأصالة عدم الارتكاب بعد التلبية و لا تعارض باصالة عدم الارتكاب قبل التلبية لعدم ترتب الأثر علي ذلك فأحد الأصلين لا أثر له فلا يجري

و الأصل الآخر الّذي يترتب عليه الأثر يجري سواء كان المورد مجهول التاريخ أو معلومه و لا مجال للرجوع إلي البراءة بعد إمكان جريان الأصل الموضوعي). «1»

و يمكن أن يقال في جوابه: إن الشّك واقع في أن الفعل المحرم الّذي لا شكّ في وقوعه وقع بعد التلبية أو قبلها لا ان الفعل المحرّم قبل التلبية وقع ام لا يقع حتي يقال بعدم ترتب الأثر علي استصحاب عدم وقوعه أو أنه وقع بعد التلبية أم لم يقع حتّي يستصحب عدم وقوعه و عدم ارتكابه و يترتب عليه عدم وجوب الكفارة.

فعلي الصورة الأولي نقول: ان مقتضي استصحاب عدم وقوع الفعل المعلوم وقوعه إلي حين التلبية وقوعه بعد التلبية فيترتب عليه الكفارة و مقتضي استصحاب عدم وقوع التلبية إلي حين وقوعه وقوع التلبية بعده و إن شئت قل: وقوعه قبلها و الاثر المترتب عليه عدم وجوب الكفارة

و بذلك يقع التعارض بين الاستصحابين و يسقطان به عن الحجية.

هذا و يمكن أن نقول بعدم وجوب الكفارة في جميع الصور الأربع سواء كان مؤدي الاستصحاب وقوع التلبية بعد ارتكاب موجب الكفارة أو وقوعه بعد التلبية إلا علي القول بالأصل المثبت أمّا إذا كان كلاهما مجهولي التاريخ فاستصحاب عدم

______________________________

(1)- معتمد العروة: 2/ 558.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 101

التلبية إلي زمان ارتكاب الموجب لا يثبت به كون التلبية بعد ارتكاب الموجب و استصحاب عدم الموجب إلي زمان التلبية لا يثبت به كون الموجب بعد التلبية و كذا إذا كان تاريخ التلبية مجهولا لا يثبت باستصحاب عدمها إلي زمان الارتكاب المعلوم كونها بعد ارتكاب الموجب و لو كان زمان ارتكاب الموجب مجهولا لا يثبت باستصحاب عدمه إلي زمان التلبية المعلوم وقوعه بعد التلبية فعلي ذلك كلّه المرجع

في المسألة هو البراءة عن وجوب الكفارة.

[الثالث من واجبات الإحرام لبس الثوبين]
اشارة

الثالث من واجبات الإحرام لبس الثوبين

قال في الجواهر: (بلا خلاف أجده فيه كما اعترف به في المنتهي و المدارك بل في التحرير الإجماع علي ذلك بل قصّر الشيخ و بنو حمزة و البراج و زهرة و سعيد، الإحرام في ثوب علي الضرورة بل عن القاضي منهم التصريح بعدم جواز الإحرام في ثوب إلا لضرورة، كل ذلك مضافاً إلي الأمر بلبس الثوبين في المعتبرة المستفيضة كصحيحي ابني عمار «1» و وهب «2»، و صحيح هشام بن الحكم «3» و غيرها و إن كان هو في سياق غيره مما علم ندبه خصوصاً بعد ملاحظة ما سمعته من الإجماع و إلي التأسي بالنبي (صلي الله عليه و آله و سلم) و أئمة الهدي (عليهم السلام) فإن ثوبي رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) اللذين

أحرم فيهما كانا يمانيين عبري و أظفار و فيهما كفن علي ما رواه ابن عمار «4» عن الصادق (عليه السلام) و في مرسل الحسن بن علي عن بعض اصحابنا عن بعضهم (عليهم السلام) «أحرم رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) في

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب الاحرام ح 4.

(2)- وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب الاحرام ح 3.

(3)- وسائل الشيعة: ب 8 من ابواب الاحرام ح 1.

(4)- وسائل الشيعة: ب 27 من ابواب الاحرام ح 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 102

ثوبي كرسف» «1» فما في كشف اللثام من أن لبس الثوبين إن كان علي وجوبه إجماع كان هو الدليل و إلا فالأخبار الّتي ظفرت بها لا تصلح مستنداً له مع ان الأصل العدم و كلام التحرير و المنتهي يحتمل الاتفاق علي حرمة ما يخالفهما و التمسك بالتأسي أيضا ضعيف فإنّ اللبس من العادات إلي أن يثبت كونه من العبادات و فيه الكلام-

لا يخفي عليك ما فيه. «2»

أقول: أمّا الاستدلال بالإجماع فلا يتم بعد احتمال كون مستند القائلين بالوجوب الرّوايات إلا أن يدعي أن المغروس في الأذهان من العصر الأول وجوب لبس الثوبين بحيث كان المسألة عندهم بمكان من الوضوح غنية عن السؤال.

و أمّا الرّوايات فمما أشار إليه في الجواهر صحيح بن عمّار عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إذا انتهيت إلي العقيق من قبل العراق أو إلي الوقت من هذه المواقيت و أنت تريد الإحرام إن شاء الله فانتف إبطك و قلّم أظفارك و اطل عانتك و خذ من شاربك و لا يضرك بأي ذلك بدأت ثمّ استك و اغتسل و البس ثوبيك و ليكن فراغك من ذلك أن شاء

الله عند زوال الشمس و إن لم يكن عند زوال الشمس فلا يضرك غير إنّي أحبّ أن يكون ذلك مع الاختيار عند زوال الشمس» «3».

و في الاستدلال به أن وقوع الأمر بلبس الثوب في سياق الاوامر المتعددة بغيره من المستحبات يمنع عن انعقاد ظهوره في الوجوب.

و صحيح معاوية بن وهب قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن التهيؤ للإحرام؟ فقال: اطل بالمدينة فإنّه طهور و تجهّز بكل ما تريد و إن شئت استمتعت بقميصك

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 27 من ابواب الاحرام ح 3.

(2)- جواهر الكلام: 18/ 232.

(3)- الكافي: 4/ 326 وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب الاحرام ح 4.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 103

حتّي تاتي الشجرة فتفيض عليك من الماء و تلبس ثوبيك إن شاء الله «1».

و لا دلالة فيه أيضاً علي وجوب لبس الثوبين غاية الأمر يدلّ علي وجوب خلع مثل القميص.

و أما صحيح هشام بن الحكم الّذي أشار إليه إن كان ما رواه عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «مر موسي النبي (عليه السلام) بصفائح الروحاء علي جمل احمر خطامه من ليف عليه عباءتان قطوانيتان و هو يقول: ليبك يا كريم لبيك قال: و مرّ يونس بن متي … و مرّ عيسي بن مريم … و مرّ محمد: بصفاح الروحاء و هو يقول: لبيك ذا المعارج لبيك» «2».

فليس فيه ما يدل علي وجوب لبس الثوبين.

و لعل كان مراده صحيح هشام بن سالم قال: «أرسلنا إلي أبي عبد الله (عليه السلام) و نحن جماعة و نحن بالمدينة أنا نريد أن نودعك فأرسل إلينا أن اغتسلوا بالمدينة فإنّي أخاف أن يعز الماء عليكم بذي الحليفة فاغتسلوا بالمدينة و البسوا ثيابكم الّتي تحرمون فيها

ثمّ تعالوا فرادي أو مثاني» «3» و لكن دلالته ايضاً علي وجوب لبس الثوبين بل استحبابه ممنوعة كغيره و التأسي بالنبي (صلي الله عليه و آله و سلم) و بأئمة الهدي (عليهم السلام) محبوب مطلوب مطلقاً لكن وجه أفعالهم (عليهم السلام) من الوجوب و الندب لا يعرف بمجرد أفعالهم.

و ما رواه ابن عمار عن الصادق (عليه السلام) قال: «كان ثوبا رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) الذين أحرم فيهما يمانيين عبري و أظفار و فيهما كفن» «4» لا يدلّ علي الوجوب كما لا يخفي.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب الاحرام ح 3.

(2)- وسائل الشيعة: ب 40 من أبواب الاحرام ح 6.

(3)- وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب الاحرام ح 1.

(4)- وسائل الشيعة: ب 27 من أبواب الاحرام ح 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 104

و كذا مرسل الحسن بن علي «1» أيضا فإن غاية ما يستفاد منه رجحان الإحرام أو اباحته في ثوب الكرسف، إذاً فالاستدلال بالروايات لا يكفي في إثبات الوجوب لعدم ظهورها في ذلك و هذا يقوي حجية الإجماع في المسألة لعدم وجود

خبر ظاهر في الوجوب يكون دليلا للمجمعين فالظاهر انّ وجوب لبسهما كان مفروغاً عنه عند الجميع و لا ريب ان ذلك مقتضي الاحتياط فلا يترك في مثل المسألة و الله هو العالم.

[فروع]
[الفرع الأول] كيفية ثوبي الاحرام

ثمّ ان هنا فروع الاول: بناء علي وجوب الاتزار و الارتداء بل و استحبابهما هل يكفي في أداء الوجوب أو الاستحباب الاتزار و الارتداء بثوب واحد أو لا بدّ و أن يكون بثوبين قال الشهيد أعلي الله درجته في الدروس:

(و لو كان الثوب طويلا فاتزر ببعضه و ارتدي بالباقي أو توشّح به أجزأ). «2»

و لكن الظّاهر

مما حكي في الجواهر عن الشيخ و بنو حمزة و البراج و زهرة و سعيد قصر الإحرام في ثوب علي الضرورة قال: (بل عن القاضي منهم التصريح بعدم جواز الإحرام في ثوب إلّا لضرورة). «3»

فالظّاهر أن المسألة ليست إجماعيّة و مقتضي الجمود علي النصوص وجوب الثوبين إلّا أن يقال: أن ذلك كان حسب جريان العادة بالاتّزار و الارتداء بهما و إلّا فلا فرق بين الثوبين و الثوب الّذي يشمل من الجسم ما يشملاه و مقتضي الأصل

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 27 من ابواب الاحرام ح 3.

(2)- الدروس الشرعية 1/ 344.

(3)- جواهر الكلام: 18/ 233.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 105

عدم تقيد الاتزار و الارتداء بثوبين فيكفي الإتيان بالأقل و هو ثوب واحد.

و يمكن أن يكون مراد من قال بعدم جواز الإحرام في ثوب واحد إلّا في الضرورة الاكتفاء بالإزار مع إمكان الأزيد لا عدم جوازه في ثوب طويل يتزر

ببعضه و يرتدي بالباقي كما اختاره الشهيد و لكن استقرار السيرة علي الارتداء و الاتزار بثوبين و الأمر بهما في الرّوايات دون ذكر و سؤال فيها عن الاكتفاء بثوب واحد يمنعنا عن الجزم علي كفاية ثوب واحد فالاحتياط لا يجوز تركه في حال الاختيار.

[الفرع الثاني] اشتراط الاحرام بلبس الثوبين

الفرع الثاني قال الشهيد رفع الله درجته في الدروس: (و هل اللبس من شرائط الصحَّة حتي لو أحرم عارياً أو لابساً مخيطاً لم ينعقد نظر، و ظاهر الاصحاب انعقاده حيث قالوا: لو أحرم و عليه قميص نزعه و لا يشقه و لو لبسه بعد الإحرام وجب شقّه و اخراجه من تحت كما هو مروي و ظاهر ابن الجنيد اشتراط التجرد) «1».

أقول: الكلام يقع في المقامين.

المقام الأول: في أن التجرد من لبس المخيط هل هو شرط

في انعقاد الإحرام أم لا: فما يستفاد من الرّوايات عدم اشتراطه به ففي صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «يوجب الإحرام ثلاثة أشياء التلبية و الإشعار و التقليد فإذا فعل شيئاً من هذه الثلاثة فقد أحرم». «2» و إطلاقه ينفي اشتراط- انعقاده بالتجرد كما ينفي

______________________________

(1)- الدروس الشرعية: 1/ 345.

(2)- وسائل الشيعة: ب 12 من أبواب أقسام الحج ح 20.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 106

اشتراطه بلبس الثوبين.

و في صحيحه الآخر «1» الّذي رواه ابن أبي عمير عنه و و عن غير واحد عن

أبي عبد الله (عليه السلام): «في رجل أحرم و عليه قميصه؟ فقال: ينزعه و لا يشقه، و إن كان لبسه بعد ما أحرم شقّه و أخرجه مما يلي رجليه»، و ظاهره عدم اشتراط- انعقاد الإحرام بالتجرد اذ لو كان مشروطاً به لكان الجواب إنَّه يعيد إحرامه نعم يمكن أن يقال: بأن الظّاهر أنه كان جاهلا بالحكم أو هو مطلق بالنسبة إلي الجاهل و الناسي.

و هل يقيد اطلاق صحيحه الاولي و إطلاق الثاني علي القول به بصحيح عبد الصمد بن بشير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «جاء رجل يلبّي حتي دخل المسجد و هو يلبّي و عليه قميصه فوثب إليه أناس من أصحاب أبي حنيفة فقالوا: شقّ قميصك و أخرجه من رجليك فإنّ عليك بدنة، و عليك الحج من قابل، و حجّك فاسد فطلع أبو عبد الله (عليه السلام) فقام علي باب المسجد فكبر و استقبل الكعبة فدني الرجل من أبي عبد الله (عليه السلام) و هو ينتف شعره و يضرب وجهه فقال له أبو عبد الله (عليه السلام) أسكن يا عبد اللّه فلمّا كلمه- و كان الرجل

اعجميّاً- فقال أبو عبد الله (عليه السلام) ما تقول: قال: كنت رجلا أعمل بيدي فاجتمعت لي نفقة فجئت أحج لم أسأل أحداً عن شي ء فأفتوني هؤلاء أن أشقّ قميصي و أنزعه من قبل رجلي و أنّ حجّي فاسد و انَّ علي بدنة فقال له: متي لبست قميصك أ بعد ما لبَّيت أم قبل؟ قال: قبل أن ألبّي قال: فاخرجه من رأسك فإنّه ليس عليك بدنة، و ليس عليك الحجّ من قابل أيّ رجل ركب أمراً بجهالة فلا شي ء عليه طف بالبيت سبعاً و صلِّ ركعتين عند مقام إبراهيم (عليه السلام) واسع بين الصفا و المروة و قصر من شعرك فإذا كان يوم التروية فاغتسل و أهلِّ بالحجّ

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 45 من ابواب تروك الاحرام ح 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 107

و اصنع كما يصنع الناس». «1»

فإنه يدل علي أنّ صحة الحج و عدم الكفارة إذا هو أحرم في قميصه مشروطان بالجهل و مفهومه عدم صحة الحج و وجوب الكفارة إذا لم يكن ذلك عن الجهل و هذا

هو معني اعتبار التجرد عن المخيط في الإحرام.

هذا و يمكن أن يقال: أنّ الحكم بعدم الكفارة في صورة الجهل بالحكم الّذي يستفاد منه أن عليه الكفارة إذا كان عالماً بوجوب النزع حكم تركه نزع القميص بعد الإحرام و استمرار التقمّص به فلا تدلّ علي شرطيّة التجرد في حصول الإحرام كما أنّ صحيح ابن عمّار الثاني أيضاً يدلّ علي أنه ينزع اللباس الّذي هو فيه عند الإحرام و التلبية و لا يشقّه و بعبارة أخري سؤال السائل بقرينة الجواب راجع إلي كيفيّة نزعه و لا يستلزم ذلك كون التجريد عن المخيط واجباً في حال الإحرام شرطاً أو تعبداً نعم

يجب ذلك بعد انعقاد الإحرام.

لا يقال: قوله و ليس عليك الحج من قابل يدل علي شرطيّة التجرّد في انعقاد الإحرام و صحّة الحج.

فانه يقال: ان الحكم بعدم الحج من قابل مطلق لا يدور مدار الجهل بوجوب نزع القميص فان ترك ذلك عالماً أيضا لا يفسد حجَّه حتَّي يترتب عليه الحج من قابل.

مضافا الي انه يمكن ان يقال: اذا كان المنطوق و ما يترتب بجهالة سالبة كلية يكون مفهومه موجبة جزئية يعني اذا لم تركبه بجهالة فعليه شي ء فيمكن

______________________________

(1)- تهذيب الاحكام: 5/ 72 ح 239/ 47 وسائل الشيعة: ب 45 من أبواب تروك الاحرام ح 3.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 108

ان يكون ما عليه الكفارة لا بطلان الحج.

فتحصل من ذلك كلِّه أنّ التجرد عن المخيط ليس شرطاً في انعقاد الإحرام نعم يجب تكليفاً نزعه بعد انعقاده.

المقام الثاني: في أن وجوب لبس الثوبين هل تعبديّ حتّي ينعقد الإحرام بدونهما أو شرطيّ لا ينعقد الإحرام بدونه و إن شئت قل: هل لبس الثوبين في حال إنشاء الإحرام و التلبية شرط- من شرائط الإحرام فلا يتحقق الّا به أو هو كسائر الأعمال الواجبة في الحج ممّا لا يضر فقده مطلقاً أو في الجملة بالإحرام و الحج، ظاهر ما تعلق الأمر باتيانه في ضمن الواجبات كونه من أجزاء الواجب الواجبة أو المستحبة فإذا كان واجباً يحكم بأنه من أجزائه الواجبة فلا بدّ من الإتيان به و لا يجزي ما كان فاقداً له أمّا في الحج حيث إنّ أكثر ما فيه من الواجبات لا يترتب علي

تركه بطلانه إمّا مطلقاً أو في صورة الجهل و النسيان فلا يدل مجرد وجوب فعل فيه علي اشتراطه به أو علي كونه جزء من أجزائه يفوت

بفوته الحج فلا بدَّ من ملاحظة دليل الحكم و استظهار كيفيّة الوجوب منه و قد ثبت في محلّه أن قضيّة إطلاق الصيغة كون الوجوب نفسيّاً و ذلك لأنَّ وجوب شي ء للغير أمر زائد علي نفس الوجوب يحتاج إلي التنبيه عليه بخلاف النفسي فانه ليس فيه امر زائد علي نفسه.

فعلي هذا مقتضي إطلاق الأمر بالثوبين كون الوجوب المستفاد منه نفسياً هذا مضافاً إلي ما في الرِّوايات من الدلالة علي ذلك منها صحيح معاوية بن عمار الأول الّذي سبق ذكره في المقام الأوّل بل و صحيحه الثاني «في رجل أحرم و عليه قميصه فقال ينزعه و لا يشقه و إن كان لبسه بعد ما أحرم شقّه و أخرجه ممّا يلي رجليه» فإنه يستفاد من السؤال و الجواب صحة الإحرام في القميص و انما السائل سئل عن كيفية نزع المخيط إذا وقع الإحرام في المخيط لانه إن أخرجه من رأسه يقع في محذور

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 109

ستر الرأس.

و أما تقييد هذا الصحيح بصحيح عبد الصمد الّذي مرَّ ذكره كما حكي عن الحدائق فيظهر جوابه مما ذكرناه في المقام الأول.

و أما الاستناد بصحيح آخر لمعاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إن لبست ثوباً في إحرامك لا يصلح لك لبسه فلبّ و أعد غسلك و إن لبست قميصاً فشقّه و أخرجه من تحت قدميك» «1» لبطلان التلبية إذا لم يكن لابساً لثوبي الإحرام فلا يصحّ لأنَّ الظّاهر أن السؤال فيه وقع عن لبس الثوب الّذي لا يصلح للمحرم لبسه بعد تحقّق الإحرام كما يدل عليه الحكم بشق القميص و إخراجه من تحت قدميه

فالظاهر انّ مفاده الفرق بين القميص و غيره من الثياب كالقباء و أما

تجديد التلبية و الغسل في هذه الصورة فهو محمول علي الاستحباب و الله هو العالم.

[الفرع الثالث] وجوب لبس ثوبي الاحرام علي المرأة

الفرع الثالث: هل وجوب لبس الثوبين علي القول به مختصّ بالرّجل أو يعم المرأة؟ و ليقدم علي البحث فيه البحث عن وجوب أصل اللبس عليها فلا ينعقد إحرامها عارية عن اللّباس و لو لم يكن الناظر المحترم أو ينعقد ذلك في حال عريها عن اللّباس.

و يمكن إجراء البحث علي نحو يشمل الجنسين (الذكر و الأنثي) بأن نقول: علي القول بعدم وجوب لبس الثوبين حتي علي الرجل هل يجب ستر العورة في حال الإحرام و التلبية بالوجوب النفسي أو الشرطي أم لا؟

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 45 من ابواب تروك الاحرام ح 5.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 110

يمكن أن يقال: إذا حملنا الرّوايات الّتي فيها الأمر باللبس علي ما جرت به العادة و وجوب الستر عن الناظر المحترم يمكن أن يقال بانعقاد الإحرام في حال التجرّد عن اللّباس إذا لم يكن هنا الناظر المحترم بل و يمكن أن يقال: ينعقد و إن كان عند الناظر المحترم.

و علي ذلك لا دليل علي شرطيّة ذلك في تحقّق الإحرام فالأصل البراءة عنه و لا يدلّ علي وجوب ستر العورة ما يدل علي وجوب لباس الإحرام علي المرأة كموثّق يعقوب بن يونس قال: «سئل أبا عبد الله (عليه السلام) عن الحائض تريد الإحرام؟ قال: تغتسل و تستثفر و تحتشي بالكرسف و تلبس ثوباً دون ثياب إحرامها» «1» و خبر زيد الشحّام عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «سألت عن امرأة حاضت و هي تريد الإحرام فتطمث قال: تغتسل و تحتشي بكرسف و تلبس ثياب الإحرام و تحرم». «2»

فإن وزانهما وزان ما ورد فيه الأمر بلبس

الثوبين مطلقاً فإن حملناه علي ما جرت به العادة أو الاستحباب نحملها أيضاً علي ذلك.

فعلي هذا يمكن دعوي عدم الدليل علي وجوب ستر العورة في حال إنشاء الإحرام و التلبية. نعم: ادّعي البعض عدم الخلاف في المسألة.

و يمكن أن يقال: أن ذلك مفروغ عنه عندهم فلا يسأل عن مثل ذلك فتأمل.

و بعد القول بوجوب ستر العورة هل يجب علي المرأة ستر تمام بدنها كما يجب عليها في الصلاة او يكفي لها أيضاً ستر عورتها و هذه المسائل كما تري محل الإشكال و مقتضي الأصل البراءة و لكن النفس كأنها تأبي من الفتوي بعدم الوجوب فالاحتياط- لا يترك.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 48 من أبواب الاحرام ح 2.

(2) وسائل الشيعة: ب 48 من أبواب الاحرام ح 3.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 111

و أمّا المسألة الاولي فالبحث عنها إنَّما يأتي علي القول بوجوب لبس الثوبين في انّه يعمّ الرجل و المرأة أو يختص بالرجل؟

قال في الجواهر: (الظّاهر عدم وجوب لبس ثوبين لخصوص الإحرام للمرأة تحت ثيابها و إن احتمله بعض الأفاضل بل جعله أحوط- و لكن الأقوي ما عرفت خصوصاً بعد عدم شمول النصوص السابقة للأناث إلا بقاعدة الاشتراك الَّتي يخرج عنها هنا بظاهر النصّ و الفتوي و الله العالم) «1».

و ظاهر كلامه عدم القائل بوجوبه علي المرأة و عدم تمامية التمسك بقاعدة

الاشتراك لشمول النصوص للاناث و ذلك لجواز لبس المخيط لهن دون الرجال فلا حاجة عرفا و عادة لهن إلي لبس الإزار و الرداء و ادّعي مضافاً إلي ذلك ظهور النص و الفتوي في الاختصاص و عدم الاشتراك و لعلّ ذلك الاستظهار مبني علي ما ذكر.

و لكن استشكل في ما أفاده في الجواهر في المستمسك فقال: (إنّ

الفتاوي مطلقة و لم أقف علي من قيد الوجوب بالرّجل إلا البحراني في حدائقه، و أمّا النصوص- فإن تمّت دلالتها علي الوجوب- فالخطاب فيها للرجل كغيرها من أدلة التكاليف الّتي كان البناء علي التعدي فيها من الرّجال إلي المرأة مع أن في بعض النصوص ما يظهر منه ثبوت الحكم فيها ففي موثق يونس بن يعقوب قال … و خبر زيد الشحام … و ذكر الخبرين بتمامهما «2».

أقول: أمّا الفتاوي فهي كما ذكره مطلقة غير أن الحدائق كما ذكره قيد وجوبهما بالرجل و إليك كلامه بلفظه (الثالث لبس ثوبي الإحرام للرجل و وجوبه اتفاقي بين الأصحاب قال في المنتهي إنّا لا نعلم فيه خلافاً. انتهي) «3» ثمّ استدل علي

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 18/ 245.

(2)- مستمسك العروة: 11/ 425.

(3)- الحدائق الناضرة: 15/ 75.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 112

ما ذكر بالروايات فكأنَّ كون الحكم مختصاً بالرجال كان مفروغاً عنه عنده و كذلك النصوص أيضاً ظاهرة عنده في الاختصاص و إن كانت مطلقة باللفظ.

و بالجملة فالّذي يراه المستمسك وجه الإشكال في اختصاص الحكم بالرّجل اطلاق الفتاوي و إطلاق النصوص و عدم كون الرجل مخاطباً للحكم سبباً للاختصاص به إذا لم يكن هنا وجه فارق بينهما كسائر الخطابات الواردة في الأحكام الّتي يتعدي فيها من الرجل إلي المرأة امّا بقاعدة الاشتراك أو بعدم الفرق بينهما و الغاء العرف خصوصية الجنسيّة فيه و لما يظهر من مثل الخبرين المذكورين.

و لكن يمكن أن يقال: ان احتمال الفرق بينهما في مثل هذا الحكم وجيه فإنّ المرأة يجوز لها لبس ثيابها و الإحرام في المخيط فكما أن حرمة لبس المخيط مختصّ بالرجال يجوز أن يكون وجوب لبس غير المخيط أيضا مختصاً بهم و النصوص و

الفتاوي إمّا محمولة علي الاختصاص أو علي الإجمال فالقدر المتيقن منها وجوب لبس الثوبين علي الرجال و مقتضي الأصل براءة النساء عن لبسهما.

و أمّا الرّوايات فيمكن أن يكون المراد من ثياب إحرامها فيها ما كان متعارفاً بينهم من ثياب خاصّ كالبياض و إلا ليقول: ثوبي إحرامها مضافاً إلي أن مثل هذه الرّوايات ليس في مقام بيان وجه الحكم وجوباً أو استحبابا. و الله هو العالم.

[الفرع الرابع:] كيفية لبس ثوبي الاحرام

الفرع الرابع: قال في الجواهر: (و أمّا كيفية لبسهما فظاهر الأصحاب الاتفاق علي الاتزار بأحدهما كيف شاء بل صرّح في الدروس بجواز عقده بخلاف الرداء

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 113

لكن في خبر سعيد الأعرج عن الصادق (عليه السلام) نهي عن عقده في عنقه «1» و كذا خبر علي بن جعفر المروي عن كتاب مسائله و عن قرب الإسناد للحميري «2» عن أخيه (عليه السلام): «المحرم لا يصلح له ان يعقد إزاره علي رقبته، و لكن يثنيه و لا يعقده» و عن الاحتجاج «3» للطبرسي انّ محمد بن جعفر الحميري كتب إلي صاحب الزمان (عليه السلام): هل يجوز أن يشدّ عليه مكان العقد تكة؟ فأجاب (عليه السلام): لا يجوز شدّ المئزر

بشي ء سواه من تكة أو غيرها، و كتب أيضاً يسأله: هل يجوز أن يشدّ المئزر علي عنقه بالطول أو يرفع من طرفيه إلي حقويه و يجمعهما في خاصرته و يعقدهما و يخرج الطرفين الآخرين بين رجليه و يرفعهما إلي خاصرته و شدَّ طرفه إلي وركيه فيكون مثل السراويل يستر ما هناك فإنّ المئزر الأوّل كنا نتزر به إذا ركب الرّجل جمله انكشف ما هناك و هذا أستر فأجاب (عليه السلام) جائز أن يتزر الإنسان كيف شاء إذا لم يحدث في المئزر

حدثاً بمقراض و لا ابرة يخرجه عن حدّ المئزر غرزه غرزاً و لم يعقده و لم يشد بعضه ببعض و إذا غطّي السرة و الركبة كليهما فإن السنّة المجمع عليها بغير خلاف تغطية السرة و الركبة و الأحب إلينا و الأكمل لكلِّ أحد شدُّه علي السبيل المعروفة المألوفة للناس جميعاً إن شاء اللّه تعالي. «4»

أقول: أمّا خبر سعيد الأعرج فالظاهر أنَّه موثّق لأن الصَّدوق رواه عن أبيه رضي الله عنه عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد بن عيسي عن أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي عن عبد الكريم بن عمرو الخثعمي عن سعد بن عبد الله الأعرج الكوفي فهو موثق ليس بصحيح لأن عبد الكريم بن عمرو الواقع في السند كان واقفياً

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 53 من أبواب تروك الاحرام ح 1.

(2)- وسائل الشيعة: ب 53 من أبواب تروك الاحرام ح 5.

(3)- وسائل الشيعة: ب 53 من أبواب تروك الاحرام ح 3 و 4.

(4)- جواهر الكلام: 18/ 236 و 237.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 114

و وصف بالخباثة إلا أنه حكي عن النجاشي أنه كان ثقة ثقة فالتعبير عن الخبر بالصحيح ليس في محلّه إلا أن يستند ذلك إلي كون الراوي عنه و هو البزنطي من أصحاب الإجماع أجمع أصحابنا علي تصحيح ما يصحُّ عنه فبهذا الاعتبار صحيح لا باعتبار المعروف بين المتأخرين و من لا يعتد في الاعتماد علي الخبر بذلك.

و كيف كان لفظه هكذا: «إنّه سأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن المحرم يعقد إزاره في عنقه؟ قال: لا». و هذا يدلّ علي المنع من خصوص عقد الإزار في العنق لا مطلقاً.

و أما خبر علي بن جعفر في كتابه و

في قرب الإسناد فقد ذكرنا لفظه عن الوسائل و لكن في قرب الإسناد المطبوع بأمر سيدنا الأستاذ أعلي الله درجته ذكر «و لكنه يثبته» و لفظ- «لا يصلح له» ليس ظاهراً في الكراهة غاية ما يمكن أن يقال: عدم ظهوره في الحرمة أيضاً و مقتضي ظاهر موثق سعيد حرمة عقد إزاره في عنقه.

و أمّا خبر الاحتجاج فهو يدل علي عدم جواز عقده مطلقاً إلا أن يحمل قوله «و لم يعقده» علي العقد في العنق الَّذي جري به سيرتهم في الإزار لكن ردَّ بضعف السند فلا يعتمد عليه.

هذا كلّه في الإزار و أمّا الرداء فالظاهر انّه لا يعتبر فيه إلا ما يصدق به الارتداء و إن كان الأحوط- عدم عقده بل كونه ساتراً للمنكبين كما أن الأحوط- في الإزار أيضاً كون الإزار ساتراً للسرة و الرّكبة و إن كان يكفي ما هو أقل من ذلك إذا كان الازار صادقاً عليه و الله هو العالم.

لبس الثوبين قبل النية و التلبية

و هل يجب لبس الثوبين قبل النيّة و التلبية أو يكفي و إن لبسهما بعد ذلك أمّا علي القول بكونهما شرطاً في تحقّق الإحرام فيمكن أن يقال: إنّ كونهما شرطاً أعم

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 115

من ذلك فيمكن أن يكون لبسهما متمماً للإحرام و لكنه خلاف الظّاهر فإن الشرط علي المتعارف يعتبر مقارناً للعمل أو مقدماً عليه فغاية ما يقال: إن التلبية و اللبس إذا أوقعا متقارنين يكفي في تحقّق الإحرام بشرطه بل الظّاهر من الأدلّة انّه يشترط- أن يكون لابساً ثوبيه عند انشاء الإحرام.

و بعبارة اخري يشترط- أن يكون إنشاء الإحرام في حال لبس الثوبين كالصلاة فإنّها مشروطة بكون إنشاء تحريمها في حالة ستر العورة و الطَّهارة عن

الحدث و الخبث فعلي

القول بالاشتراط- الظّاهر انّه مشروط- بكونه حال الإحرام.

و أمّا علي القول بالوجوب النفسي فالظاهر انه واجب حين إنشاء الإحرام فيجب أن يكون متلبساً بهما من أول آنات إنشاء الإحرام و لا يتحقّق ذلك إلا باللّبس بهما قبل الإحرام و لو آناً ما و الله هو العالم.

[مسألة 25:] الاحرام في القميص

مسألة 25: لا يخفي عليك انّه ينعقد الإحرام في القميص جهلا أو نسياناً سواء كان لابساً ثوبي الإحرام أو لم يلبسهما و ذلك لأنّ عدم انعقاده بقول مطلق يترتّب علي كون التجرّد عن القميص و لبس الثوبين شرطاً لانعقاد الإحرام و أمّا علي القول المختار فينعقد الاحرام في القميص في الصورتين إذا أحرم فيه جاهلا و نسياناً و لو أحرم فيه عالماً عامداً فمقتضي عدم الشرطيّة تحقّق الإحرام.

و لكن يمكن أن يقال: إنا إذا بنينا علي أنّ الإحرام هو توطين النفس علي ترك المحرمات و العزم عليه يكون ارتكاب هذه المحرمات بعضاً أو كلا مناف لذلك العزم لا يجتمعان.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 116

و أمّا إن قلنا بأن الإحرام إنشاء إحرام المحرَّمات و تحريمها علي نفسه و الالتزام و البناء عليه فلا مانع من انعقاده و إن لم يكن عازماً علي تركها و كذا لو قلنا بان الإحرام ليس إلا التلبية بقصد الدخول و الشروع في الحجّ و يترتب عليها بحكم الشَّارع حرمة الأفعال المعيَّنة.

و يمكن أن يقال: إنَّ العزم علي ترك المحرمات أو إنشاء تحريمها مع التلبّس بالقميص إذا كان هو فاعلا بمقتضاه فيخلع القميص بمجرد العزم و الإنشاء لا يضر

بتحقق الإحرام بتحقق العزم و الإنشاء.

نعم إذا كان قاصداً لبس القميص استدامة بعد العزم و التوطين آناً ما ينافي ذلك تحقّق العزم و البناء علي ترك المحرمات. و

الله العالم.

[مسألة 26] حكم لبس ثوبي الاحرام استدامة

مسألة 26: لا ريب في أنّ لبس المخيط علي الرجل المحرم حرام عليه بتمام أفراده و في جميع حالاته إلي أن يتحلل منه.

و بعبارة اخري واجب عليه التجرد عن المخيط إحداثاً و إبقاءً و استدامة حتّي يتحلل منه و أمّا لبس الثوبين فعلي القول بوجوبه فلا يجب إلا في الزمان المقارن للنيّة و التلبية.

و أمّا استدامته فلا ريب في عدم وجوبها فيجوز له نزعها لإزالة الوسخ أو للتطهير أو لسائر الدواعي فيجوز له التجرد منهما مع الأمن من النظر أو كون العورة مستورة بشي ء آخر.

و هل علي القول بوجوب لبسهما هو مقيَّد بالزمان المقارن للنيّة و التلبية فإن نسي ذلك يجب تداركه بعد ذلك محل الإشكال فالأحوط- لبسهما و الأحوط إعادة التلبية و الله هو العالم.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 117

[مسألة 27] جواز لبس الزيادة علي الثوبين

مسألة 27: لا خلاف بينهم كما في بعض الكلمات في جواز لبس الزيادة علي الثوبين ابتداءً أو في أثناء الأعمال للاتقاء عن الحر و البرد بل

مطلقاً للأصل و للروايات.

أمّا اتقاء عن الحر و البرد فيدلّ عليه صحيح الحلبي قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن المحرم يتردّي بالثوبين؟ قال: نعم و الثلاثة إن شاء يتقي بها البرد و الحر» «1».

و مورد السؤال و الجواب و إن كان الرداء إلا أن الظّاهر اتحاد الرداء و الإزار في مثل هذا الحكم و الشاهد علي ذلك صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام): «سألته عن المحرم يقارن بين ثيابه و غيرها الَّتي أحرم فيها؟ قال (عليه السلام): لا بأس بذلك إذا كانت طاهرة» «2» و هذا الصحيح يدل علي جواز ذلك في صورة الاختيار فلا عبرة باقتصار جماعة كما قيل علي مضمون صحيح

الحلبي و يدلّ أيضاً علي اشتراط- الطَّهارة فيه بل اعتبار كل ما هو شرط- في ثوبي الإحرام فيه بدعوي الغاء الخصوصيّة و عدم الفرق بين الطَّهارة و غيرها.

[مسألة 28] جواز احرام النساء في الحرير

مسألة 28: مقتضي ما ذكرناه في المسألة السابقة جواز إحرام النساء في الحرير و الذّهب لأنّ قوله في الصحيح (كل ثوب …) يشمل الرجل و المرأة كل منهما حسب تكليفه فالمرأة تحرم في الحرير لأنَّه ثوب تصلِّي

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 30 من أبواب الاحرام ح 1.

(2)- وسائل الشيعة: ب 30 من أبواب الاحرام ح 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 118

فيه و لا تحرم في المتنجِّس و غير المأكول و الميتة لأنها لا تصلي فيها و لكن مع ذلك وقع الكلام في جواز إحرامه في الحرير فجوَّزه بعضهم كالمفيد في كتاب أحكام النساء و ابن إدريس في السرائر و العلَّامة في القواعد

و غيرهم علي ما حكي عنهم و منعه الصدوق و الشيخ علي ما حكي عنهما و ربَّما يسند ذلك إلي ظاهر عبارتي المفيد و السيّد. «1»

و ما هو المستند للقول بالجواز الأصل و الرّوايات مثل صحيح حريز السابق «كل ثوب يصلي» و صحيح يعقوب بن شعيب قال: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): المرأة تلبس القميص تزره عليها و تلبس الحرير و الخز و الديباج؟ فقال: نعم لا بأس به و تلبس الخلخال و المسك» «2» و احتمال كون سؤاله عن حكم مطلق لبسها ما ذكر أو لبسها في حال الصلاة ضعيف جداً لمعلومية جواز لبسها في غير حال الصلاة بل و في حالها إذاً فالسؤال لا يكون إلا عن لبسها في حال الإحرام كما صرَّح به في الجواهر. «3»

و ما رواه في الكافي عن عدة من

أصحابنا عن سهل بن زياد عن منصور بن العباس «4» عن إسماعيل بن مهران «5» عن النضر بن سويد «6» عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: «سألته عن المرأة المحرمة أي شي ء تلبس من الثياب؟ قال: تلبس الثياب كلها

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 18/ 242 و 243.

(2)- الوسائل: ب 33 من أبواب الإحرام، ح 1، المسكة علي ما حكي عن النهاية بالتحريك السوار من الذبل و هي قرون الاوعال، و قيل جلود دابة بحرية.

(3)- جواهر الكلام: 18/ 243.

(4)- الرازي سكن بغداد مضطرب الأمر له كتاب من السابعة.

(5)- السكوني أبو يعقوب ثقة معتمد عليه و قيل فيه غير ذلك من صغار السادسة.

(6)- له كتاب ثقة صحيح الحديث … من السادسة.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 119

الا المصبوغة بالزعفران و الورس و لا تلبس القفازين و لا حلياً تتزين به لزوجها و لا تكتحل إلا من علَّة و لا تمس طيباً و لا تلبس حلياً و لا فرنداً و لا بأس بالعلم في الثوب» «1»

و هذا يدل علي جواز لبسها الحرير بالإطلاق.

و مستند القول بعدم الجواز الصحيح الّذي رواه ايضاً الكليني بسنده عن عيص بن القاسم قال: «قال أبو عبد الله (عليه السلام): المرأة المحرمة تلبس ما شاء من الثياب غير الحرير و القفَّازين و كره النقاب الحديث» «2».

و ما رواه أيضاً الكليني عن العدة عن سهل بن زياد عن أحمد بن محمد أو غيره عن داود بن الحصين «3» عن ابي عيينة «4» قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) ما يحل للمرأة أن تلبس و هي محرمة قال: الثياب كلّها ما خلا القفازين و البرقع و الحرير قلت: تلبس الخزّ قال: نعم قلت: فإن سداه [-] الابريسم و

هو حرير؟ قال ما لم يكن حريراً خالصاً فلا بأس» «5».

و خبر اسماعيل بن الفضل «6» قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن المرأة هل يصلح

______________________________

(1)- الكافي: 4/ 344 القفاز كرمّان شي ء يعمل لليدين و يحشي بقطن تلبسها المرأة للبرد أو ضرب من الحلي لليدين و الرجلين و الفرند بكسر الفاء و الراء ثوب معروف (الجواهر)..

(2)- الكافي: ج 4/ 344.

(3)- كوفي واقفي ثقة من الخامسة.

(4)- من الخامسة في جامع الرواة لم أجد له ذكراً في كتب الرجال و لكن الظاهر ان الصحيح (ابن عينية و اسمه سفيان معروف قيل انه ليس من اصحابنا و هو الذي قال له ابو عبد الله (عليه السلام): و الذي بعث محمداً (صلي الله عليه و آله و سلم) بالحق لو أن رجلا صلي ما بين الركن و المقام عمره ثمّ لقي الله بغير ولايتنا اهل البيت لقي الله بميتة الجاهلية (جامع الرواة) و في النسخة الموجودة عندنا من التهذيب و الاستبصار داود بن الحصين عن أبي عبد الله (عليه السلام).

(5)- وسائل الشيعة: ب 33 من أبواب الاحرام ح 3. و الكافي: 4/ 345.

(6)- الهاشمي روي ان الصادق (عليه السلام) قال: هو كهل من كهولنا و سيد من ساداتنا و كفي بهذا شرفاً

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 120

لها أن تلبس ثوباً حريراً و هي محرمة؟ قال: لا و لها أن تلبسها في غير إحرامها» «1». و أخبار كثيرة اخري «2» ذكرها في الجواهر.

و ربما جمع بين الطائفتين بحمل نصوص الجواز علي الممتزج و نصوص المنع علي الخالص بملاحظة ما فيها من التفكيك في الحكم بين الخالص و الممتزج أو الكراهة بملاحظة ما فيها من (لا ينبغي) و (لا يصلح).

و

لكن يمكن أن يقال: انه لا وجه لهذا العلاج بعد ما يمكن الجمع بينهما بالإطلاق و التقييد فصحيح حريز: «كل ثوب يصلي فيه» إطلاقه يقيد في مورد المرأة بلبس الحرير و كذا إطلاق خبر النضر بن سويد و صحيح يعقوب بن شعيب أيضاً مطلق يشمل الخالص من الحرير و الممتزج فيقيّد بما يدل علي المنع عن الخالص منه بقرينة مثل خبر ابن عيينة أو داود بن الحصين.

و علي هذا فالقول بجواز لبسها الحرير في حال الإحرام سواء كان في ثوبي الإحرام أو غيرهما في غاية الإشكال و الله هو العالم.

[مسألة 29] ما يجوز الاحرام فيه و ما لا يجوز

مسألة 29: حكي عن المبسوط- و النهاية و المصباح و مختصره و الاقتصاد و المراسم و الكافي و الغنية و غيرها عدم جواز الاحرام في ثوب لا يصلي فيه فلا يجوز الاحرام في الميتة و الحرير و الذهب و ما لا يؤكل

______________________________

ثقة من الخامسة.

(1)- وسائل الشيعة: ب 33 من ابواب الاحرام ح 10.

(2)- راجع وسائل الشيعة ابواب لباس المصلي ب 16 ح 3 و 4 و 6 و ابواب الاحرام ب 33 ح 21 و ح 7 و 8 و 5 و 11.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 121

لحمه و ما هو متنجّس بغير المعفو عنه.

لصحيح حريز عن أبي عبد الله (عليه السلام): «كلّ ثوب تصلّي فيه فلا بأس أن تحرم فيه» «1» أو «يصلّي و يحرم» بدل «تصلّي و تحرم» «2» و في الجواهر: (كلّ ثوب يصلّي فيه فلا بأس بالإحرام فيه) «3» و ظاهره البأس فيما لا يصلّي فيه فلا يجزي.

و يدلّ علي ذلك في خصوص الإحرام في الثوب النجس صحيحتا معاوية بن عمّار ففي إحداهما قال: «سألته عن المحرم تصيب ثوبه الجنابة؟ قال:

لا يلبسه حتّي يغسله و إحرامه تام» و في الاخري: «سألته عن المحرم يقارن بين ثيابها الّتي أحرم فيها و بين غيرها؟ قال: نعم إذا كانت طاهرة» «4».

إلا انهما تدلان علي وجوب المحافظة علي طهارة الثوب استدامة و دعوي دلالتهما علي استحباب ذلك ليس ببعيد.

و في خصوص الحرير فقد روي شيخنا الكليني رضوان الله تعالي عليه عن عدة من أصحابنا «5» عن سهل بن زياد «6» عن أحمد بن محمّد «7» عن عبد الكريم

______________________________

(1)- من لا يحضره الفقيه: 2/ 334 ح 2595.

(2)- تهذيب الاحكام: 5/ 66 ح 212/ 20.

(3)- جواهر الكلام: 18/ 239.

(4)- وسائل الشيعة: ب 37 من ابواب تروك الاحرام، ح 1 و 2.

(5)- هذه العدة علي ما ذكره السيد الاستاذ الاعظم (قدس سره) محمد بن الحسن الطائي الرازي و محمد بن جعفر الاسدي نزيل الري أو محمد بن ابي عبد الله، و محمد بن عقيل الكليني، و علي بن ابراهيم الكليني خال الكليني كلهم من الثامنة.

(6)- من السابعة الآدمي أبو سعيد الرازي و قد يروي الكليني منه عن العدة عن أحمد بن محمد و هو من السابعة و في التهذيب عن العدة عنه.

(7)- من السادسة ابن ابي نصر علي نسخة الكافي و الا فهو علي ما في التهذيب غيره، و الاقرب ما في الكافي.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 122

بن عمرو «1» عن أبي بصير «2» قال: «سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن الخميصة «3» سداها إبريسم، و لحمتها من غزل؟ قال: لا بأس بأن يحرم فيها إنّما يكره الخالص منه». «4»

و روي شيخنا الصدوق (قدس سره) عن أبي الحسن النهدي «5» قال: «سأل سعيد الأعرج أبا عبد الله (عليه السلام) و أنا

عنده عن الخميصة سداها إبريسم و لحمها من غزل (مرعزي)»؟ «6» قال: لا بأس بأن يحرم فيها و إنّما يكره الخالص منها» «7».

و ما فيهما من ضعف السند لا يضر بالاستشهاد بهما تأييداً لو لم نقل بجبر ضعفه بما ذكر من الفتاوي.

و يدلُّ علي عدم جوازه في الحرير للرجال أيضاً ما نذكره في إحرام النساء في الحرير منعاً و جوازاً.

فإن قلت: أن النسبة بين ما يدلُّ علي وجوب لبس ثوبي الإحرام و ما يدلُّ علي النَّهي عن لبس الحرير و الذهب للرجال و الميتة مطلقاً العموم من وجه فيدخل الإحرام في الثوب الحرير في مسألة اجتماع الأمر و النهي فاللازم البناء علي ما نبني فيه في تلك المسألة.

قلت: ليست مسئلتنا هذه منها لأنَّ ما يدلُّ علي وجوب ثوبي الإحرام

______________________________

(1)- الظاهر انه من الخامسة.

(2)- من الرابعة.

(3)- كساء اسود مربّع له علمان فإن لم يكن معلماً فليس بخميصة.

(4)- الكافي: 4/ 339 وسائل الشيعة: ب 29 من أبواب الاحرام ح 1.

(5)- من السادسة او السابعة.

(6)- الزغب الذي تحت شعر العنز.

(7)- من لا يحضره الفقيه: 2/ 337 ح 2611.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 123

لا إطلاق فيه من حيث شرائطه و بعبارة اخري: ليس في مقام بيان تمام ما هو الموضوع للحكم و دخيلا فيه و لذا ليس المرجع في نفي كل ما نشك في شرطيته بل لا بدّ من نفيه بالتمسك بالأصل و الله هو العالم.

[مسألة 30] وجوب حفظ شرائط لباس الاحرام الي آخر الاعمال

مسألة 30: هل يجب حفظ شرائط لباس الإحرام إلي آخر الأعمال كالابتداء به فيجب تطهيره أو تبديله إن تنجّس بعد تحقّق الإحرام به و لا يجوز تبديله بغيره و إن جاز التلبّس به في نفسه كتبديله بما لا يؤكل لحمه؟ و بعبارة أخري:

اشتراط ثوبي الإحرام بما هو شرط- في لباس المصلي هل معتبر إحداثاً و مقارناً للتلبية و الإحرام أو هو شرط- فيهما إلي أن يحلّ له لبس المخيط بالحلق أو التقصير؟.

يمكن أن يقال: إن الظّاهر من الأدلة مثل قوله (عليه السلام) «كلّ ثوب تصلّي فيه لا بأس ان تحرم فيه» هو وجوب إحداث الإحرام فيهما أو وجوب لبسهما عند احداثه فلو لبس بعد ذلك ما لا يجوز الصّلاة فيه كأجزاء ما لا يؤكل لحمه لا بأس به.

نعم في خصوص اشتراطهما بالطّهارة تدلّ عليه بقول مطلق صحيحتا معاوية بن عمار اللّتان سبق ذكرهما و حملهما علي ابتداء اللبس خلاف ظاهرهما و استبعاد الحكم بوجوب تطهيره إذا تنجّس دون البدن كأنّه ليس في محلّه لجواز الحكم بذلك و نلتزم به إذا كان هنا دليل يدلّ عليه دون البدن لفقد الدليل مضافاً إلي إمكان القول بوجوب تطهير البدن كالثوب لأولويّته في ذلك من اللّباس عرفاً فالأقوي في اللّباس التطهير و في البدن علي الأحوط و لا يخفي عليك أن ترك ذلك عمداً لا يضر

بإحرامه و الله هو العالم بأحكامه.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 124

[مسألة 31] جواز تبديل ثياب الاحرام

مسألة 31: قال في الجواهر: (يجوز له أن يبدل ثياب احرامه للأصل، و لقول الصادق (عليه السلام) في حسن الحلبي أو صحيحه: لا بأس بأن يحول المحرم ثيابه قلت: إذا أصابها شي ء؟ قال: نعم و إن احتلم فيها فليغسلها «1» و في خبره الآخر عنه (عليه السلام) أيضاً: سألته عن المحرم يحول ثيابه؟ فقال: نعم و سألته يغسلها إذا اصابها شي ء؟ قال: نعم و إذا احتلم فيها فليغسلها. «2» و قوله ايضاً في حسن معاوية: لا بأس بأن يغير المحرم ثيابه و لكن إذا دخل

مكة لبس ثوبي إحرامه اللَّذين أحرم فيهما، و كره أن يبيعهما «3» و يحمل الأمر فيه علي الندب كما عن ظاهر المتأخرين. قال المصنف و غيره: فإذا أراد الطواف فالأفضل أن يطوف فيهما و إن قيل قد يوهم الوجوب عبارة الشيخ و جماعة و لا ريب في أنّه أحوط و إن كان الأوّل أقوي. «4»

أقول: كأنّه الأقوي ما قوّاه لعدم ظهور مثل قوله يغسلها و قوله (و كره) في مثل مسألتنا في الوجوب و الحرمة فمقتضي الأصل الجواز.

نعم في تقريرات السيد الفقيه الگلپايگاني قدس سره الاستدلال علي وجوب استدامته بلبس ما أحرم فيه و عدم جوار التبديل إلّا إذا أصابه شي ء بصحيح محمد

______________________________

(1)- الكافي: 4/ 343 و لفظه (إذا اصابها شي ء يغسلها قال: نعم و ان احتلم فيها) وسائل الشيعة: ب 38 من ابواب تروك الاحرام ح 2.

(2)- تهذيب الاحكام: 5/ 70 ح 230/ 38 و فيه (إن اصابها) وسائل الشيعة: ب 38 من ابواب تروك الاحرام و فيه (نعم إذا).

(3)- من لا يحضره الفقيه: 2/ 341 ح 2619 و قال: و قد رويت رخصة في بيعها.

(4)- جواهر الكلام: 18/ 245.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 125

بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال: سألته عن الرَّجل يحرم في ثوب وسخ؟ قال لا و لا أقول إنّه حرام و لكن تطهيره أحبُّ إليَّ و طهوره غسله، و لا يغسل الرجل ثوبه الَّذي يحرم فيه حتي يحلَّ و إن توسخ، إلّا أن تصيبه جنابة أو شي ء فيغسله. «1»

قال: (و هي تدل علي وجوب استدامة اللّبس و إنّه لا يجوز التبديل إلا إذا أصابه شي ء فما عن المدارك من أنّه لا يجب الاستدامة بعد صدق الامتثال للأصل لا يخلو

من شي ء و أنّ الامتثال في لبس الثوب ظاهره الاستدامة فيه، و ليس نظير التلبية و صلاة الإحرام الَّتي يتحقّق الامتثال فيهما بوجود الطبيعة و حدوثها و لا يحتاج إلي الاستدامة مضافاً إلي أن السيرة قبل البعثة و كذا بعدها علي استدامة اللبس بل يكره بيع ثوب الإحرام و يستحب الكفن به و الطواف معه). «2»

أقول: استفادة عدم جواز التبديل منه في غاية الإشكال لعدم الملازمة بين كراهة غسل ثوب الإحرام و بين كراهة التبديل غاية ما يقال: انه إذا كان ذلك للبس ما هو أنظف مكروه و ما يدل علي لبس الثوب للإحرام لا يدل علي الاستدامة فيه و إلا فلا يجوز نزعه إلا للضرورة فكما ان التلبية يتحقق بوجودها لبس الثوب الواجب عندها يتحقق بوجوده عنده.

و بالجملة فلا دليل يدلّ علي وجوب لبس الثوبين زائداً علي وجوبه في ابتداء

الإحرام و كراهة بيع ثوب الإحرام و استحباب الكفن به و الطواف معه لا يدل علي عدم جواز التبديل و الله هو العالم.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 38 من أبواب تروك الاحرام ح 1.

- في هامش التقريرات ابواب الاحرام و هو اشتباه و في الكافي ج 4 ص 341 (و لكن احبّ ان يطهره).

(2)- كتاب الحج: 2/ 310.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 126

[مسألة 32] جواز لبس القبا في الاحرام

مسألة 32: قال في الشرائع: (و إذا لم يكن مع الإنسان ثوبا الإحرام، و كان معه قباء جاز لبسه مقلوباً بأن يجعل ذيله علي كتفيه).

و قال في الجواهر: (بلا خلاف أجده في أصل الحكم بل عن ظاهر التذكرة و المنتهي أنه موضع وفاق بل ادعاه صريحاً غير واحد من متأخري المتأخرين لقول الصادق (عليه السلام) في صحيح الحلبي: «إذا اضطر المحرم إلي القباء

و لم يجد ثوباً غيره فليلبسه مقلوباً و لا يدخل يديه في يدي القباء» «1» و صحيح عمر بن يزيد: «يلبس المحرم الخفين إذا لم يجد نعلين و إن لم يكن له رداء طرح قميصه علي عنقه أو قباه بعد أن ينكسه» «2» و حسن معاوية بن عمّار أو صحيحه: «لا تلبس ثوباً له ازرار و أنت محرم إلّا أن تنكسه و لا ثوباً تدرعه و لا سراويل، و لا خفاً إلا أن لا يكون لك نعلان» «3» ثمّ ذكر روايات اخري كخبر علي بن أبي حمزة و فيه: «فليلبسه مقلوباً» «4» و خبر مثني الحناط- و فيه: «فلينكسه و ليجعل أعلاه أسفله و يلبسه» و رواية أخري: «يقلب ظهره بطنه إذا لم يجد غيره» «5» و خبر محمد بن مسلم عن

أبي جعفر (عليه السلام) و فيه: «و يلبس المحرم القباء إذا لم يكن له رداء و يقلب ظهره لبطنه» «6» و أمّا روايته السادسة فالظاهر أنّها و الرواية الرابعة واحدة «7».

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 44 من أبواب تروك الاحرام ح 1.

(2)- وسائل الشيعة: ب 44 ابواب تروك الاحرام ح 2.

(3)- وسائل الشيعة: ب 35 من أبواب تروك الاحرام ح 1.

(4)- وسائل الشيعة: ب 44 من أبواب تروك الاحرام ح 6.

(5)- وسائل الشيعة: ب 44 ابواب تروك الاحرام ح 4.

(6)- وسائل الشيعة: ب 44 ابواب تروك الإحرام ح 7.

(7)- جواهر الكلام: 18/ 247.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 127

و علي كل ذلك لا خلاف في أصل الحكم في الجملة بمقتضي هذه الرّوايات إلّا أنه يقع الكلام أولا: في الحكم بجواز لبس القبا انَّه هل مشروط- بفقده الإزار و الرداء معاً أو يكفي في ذلك فقد الرداء

خاصَّة؟

يمكن أن يقال: إنه يكفي في جواز لبس القباء فقد الرداء خاصة أو الاضطرار إلي لبسه لبرد و نحوه فضلا عما إذا فقد هما معاً فليلبس القباء بدلا عنهما.

و ثانياً: في أن الحكم خاص بصورة الاضطرار لبرد أو مرض أو يعمه و صورة فقده الرداء، الظّاهر شموله للصورتين أمّا لصورة فقد الرداء فيدل عليه صحيح عمر بن يزيد و أمّا لصورة الاضطرار فيدل عليه صحيح الحلبي و خبر ابن ابي حمزة و مثني الحناط- و غيرها، مضافاً إلي جواز لبسه بالاضطرار لجواز ارتكاب كل حرام به.

و ثالثاً: في أنه إذا فقد الرداء بناءً علي وجوب لبس الثوبين هل يجب عليه لبس القباء أو يكتفي بالإزار؟ الإنصاف عدم ظهور الرّوايات في الوجوب فالأحوط لبسه إذا كان فاقداً له.

و رابعاً: هل الأخبار في كيفيّة لبس القباء متعارضة أو الظّاهر منها التخيير و أنّه يلبس القباء علي غير الصورة المتعارفة منكوساً أو مقلوباً.

و علي فرض تعارضها و تكافؤ المتعارضين و عدم الترجيح أيضاً الحكم في

المسألة الأصوليّة هو التخيير ففي الصورة الاولي المكلف مخيّر بين التنكيس و التقليب فله أن يلبسه منكوساً أو مقلوباً بالتخيير الاستمراري سواء كان مقلداً أو مجتهداً بخلاف صورة التعارض فإنّ التخيير فيه ابتدائي للمجتهد دون المقلد فإنّه متعين عليه العمل بما اختاره المجتهد.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 128

اللهم إلا إن يقال: أن المجتهد ينوب عن المقلد في الفحص عن حجية الخبر و شروط- العمل به فاذا ثبت عنده جواز العمل لكل واحد من المتعارضين تخييرا فإن كان المقلد عارفاً بموارد التعارض كالمتجزي إذا كان عارفاً به فيختار هو ايهما شاء و إذا كان جاهلا بذلك يرجع إلي المجتهد في تشخيص مورد التعارض فيختار هو

أيضاً أيّهما شاء.

[مسألة 33] عدم جواز انشاء المحرم احراماً آخر

مسألة 33: لا يصح لمن أحرم بحج أو عمرة إنشاء إحرام آخر بمثل الأول أو بغيره حتي يكمل أفعال ما أحرم له.

قال في الجواهر: (بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه مضافاً إلي النصوص المشتملة علي كيفية حج التمتع المصرحة بان إهلال الحج بعد التقصير المحلل لإحرام العمرة و إلي الأمر بإتمام العمرة و الحج، الظّاهر في عدم جواز ما يقع قبل الإتمام بل و صحته و حينئذ فلو أحرم قبل السعي عامداً أو قبل إكماله للعمرة كان مشرعاً و إحرامه الثاني باطلا و يجب عليه إكمال العمرة بل و كذا لو كان ناسياً و ان لم يكن آثماً). «1»

و ما ذكره من الحكم فالمقطوع به انّه كذلك و إن كان في بعض ما استدل به نظر إمّا لكونه أخص من المدّعي أو للخدشة في أصل دلالته علي المدَّعي هذا فيما إذا أحرم قبل إكمال الأفعال كان يحرم بالآخر قبل السعي.

و أمّا لو أحرم متمتعاً و دخل مكة و أحرم بالحج بعد السعي و قبل التقصير فإن

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 18/ 250.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 129

كان ناسياً تكون عمرته صحيحة و إحرامه للحج صحيحاً لا دم و لا قضاء عليه علي ما صرح به غير واحد بل ادّعي عليه الإجماع و للروايات المستفيضة المعتضدة بدعوي الإجماع كصحيح ابن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام): «في رجل متمتع نسي أن يقصر حتي أحرم بالحجّ؟ قال: يستغفر الله عز و جل» «1».

و صحيح عبد الرحمن بن الحجاج: «سألت أبا إبراهيم (عليه السلام) عن رجل تمتع بالعمرة إلي الحج فدخل مكة فطاف و سعي و لبس ثيابه و أحلَّ و نسي أن يقصر

حتي خرج إلي عرفات؟ قال: لا بأس به يبني علي العمرة و طوافها و طواف الحج علي أثره» «2» صحيح معاوية بن عمار: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل أهلّ بالعمرة و نسي أن يقصر حتي دخل بالحجّ قال: يستغفر الله و لا شي ء عليه و قد تمت عمرته» «3».

نعم هنا صحيح أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «المتمتع إذا طاف و سعي ثمّ لبّي بالحجّ قبل أن يقصر فليس له أن يقصر و ليس عليه متعة» «4» و هو بظاهره معارض للروايات السابقة و مثله خبر محمد بن سنان عن العلاء بن فضيل قال: «سألته عن رجل متمتع طاف ثمّ أهلّ بالحجّ قبل أن يقصر: بطلت متعته هي حجّة مبتولة» «5»

و لكنّهما محمولان علي صورة العمد. مضافاً إلي ما في سند الأخير من الضعف و الإضمار و مضافاً إلي أن إطلاقهما يقيَّد بالصِّحاح السابقة.

هذا و لكن حكي عن الشيخ و بني زهرة و البراج و حمزة و العلّامة في الإرشاد

______________________________

(1)- الكافي: 4/ 440 و الوسائل ب 54 من ابواب الاحرام ح 1.

(2)- وسائل الشيعة: ب 54 من ابواب الاحرام ح 2.

(3)- وسائل الشيعة: ب 54 من ابواب الاحرام ح 3.

(4)- وسائل الشيعة: ب 54 من ابواب الاحرام ح 5.

(5)- وسائل الشيعة: ب 54 من أبواب الاحرام ح 4.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 130

ان عليه دم لموثق إسحاق بن عمار قلت لأبي إبراهيم (عليه السلام): «الرَّجل يتمتّع فينسي أن يقصر حتَّي يهلّ بالحجّ؟ قال: عليه دم يهريقه» «1» فالظاهر انّهم خصّوا به الصحاح السابقة «2».

و لكن عن الصدوق و ابن إدريس و الديلمي و أكثر المتأخرين مثل المحقق في الشرائع

حمله علي الاستحباب لأنّ الأمر يدور بين حمل أحدهما علي المجاز و خلاف ظهوره في الحقيقة «3».

و بعبارة اخري: كون أحدهما قرينة علي عدم إرادة المعني الحقيقي من الآخر فامّا أن يقال: بأن قوله (عليه السلام): «لا شي ء عليه» قرينة علي عدم إرادة الإلزام و الوجوب من قوله: «عليه دم يهريقه» أو يقال: بأن الثاني قرينة علي عدم إرادة العموم من الأول و القول المشهور مبني علي ترجيح الأول علي الثاني و لعله لقوّة ظهور الصحاح في عدم وجوب شي ء عليه و إبائها عن التخصيص.

و لكن لا يطمئن النفس بذلك بأظهرية الصحاح عن الموثق لو لم نقل بكونه أظهر لأظهرية الخاص في الخصوص عن العام في العموم.

فالأحوط هو القول الثاني كما أن الاحتياط كون الدم شاة لمكان دعوي انصرافه إليها دون مطلق الدم.

و أمّا إن كان عامداً في ذلك أي الإحرام بالحجّ بعد السعي و قبل التقصير ففيه قولان:

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 54 من ابواب الاحرام ح 6.

(2)- جواهر الكلام: 18/ 251.

(3)- جواهر الكلام: 18/ 251.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 131

أحدهما: أنه يبقي علي إحرامه الأوّل فكان الثاني باطلا. حكي ذلك عن ابن إدريس و العلامة في التلخيص و الشهيد في الدروس «1».

و ما قيل مستنداً لهذا القول: إنَّ ما دلَّ علي عدم جواز إدخال الحج علي العمرة قبل إتمام مناسكها بناءً علي ما هو الأصح من كون التقصير منها لظهور النصوص الواردة في بيان كيفيّة العمرة في كون التقصير منها دليل علي بقاء إحرامه الأوّل و بطلان الثاني.

و لا يقال: إنّه خارج عنها لكونه محللا.

فإنه يقال: لا منافاة بين كونه منها و محللا له كالتسليم في الصلاة و علي هذا يكون الإحرام قبل التقصير

كالإحرام قبل السعي باطلا لكونه منهياً عنه أو غير مأمور به.

هذا مضافاً إلي أنه لو كان إحرامه صحيحاً لكون التقصير خارجاً منها لزم أن تكون عمرته صحيحة لا أن تكون باطلة و يصير حجّاً مبتولا و أيضاً يلزم من ذلك وقوع خلاف ما نواه إن نوي حجّ التمتّع.

و الجواب عن ذلك كلّه: انّ كلّ ذلك لا يمنع عن حكم الشارع ببطلان عمرته و صيرورة حجّته مبتولة كما هو مقتضي القول الآخر الذي قال به الشيخ و ابنا حمزة

و سعيد و العلّامة علي ما حكي عنهم و عن الدروس و المسالك نسبته إلي الشهرة «2».

نعم غاية الأمر أن علي هذا القائل إثبات مدعاه بالدليل.

و الّذي يتمسك هو به صحيح أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام): «المتمتّع إذا طاف

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 18/ 252.

(2)- جواهر الكلام: 18/ 252.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 132

و سعي ثمّ لبّي قبل أن يقصِّر فليس له أن يقصّر و ليس عليه متعة» «1» و ظاهره بطلان عمرته و صيرورته حجّاً مبتولا و اصرح منه خبر محمد بن سنان «2» عن العلاء بن الفضيل: «3» «سألته عن رجل متمتع طاف ثمّ أهلّ بالحجّ قبل أن يقصّر؟ قال: بطلت متعته هي حجّة مبتولة» «4» إلا انه ضعيف بالإضمار و محمد بن سنان.

و أما الصحيح فاحتمل أن يكون المراد منه متمتع عدل عن الإفراد ثمّ لبّي بعد ما سعي لا من أحدث التمتع من أوّل العمل أو مطلق المتمتّع.

بل عن الدروس لأنّه روي التصريح بذلك في رواية اخري و لعلّه كما ذكر في الجواهر «5» أراد موثق إسحاق بن عمار قال: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): رجل يفرد الحج فيطوف بالبيت و يسعي

بين الصفا و المروة ثمّ يبدو له أن يجعلها عمرة؟ قال: إن كان لبَّي بعد ما سعي قبل أن يقصِّر فلا متعة له» «6» و فيه: إنّ حمل صحيح أبي بصير علي خصوص ذلك خلاف الظّاهر بل هو في غيره أظهر مضافاً إلي أنَّ ورود

الخاص الموافق حكمه لحكم العام ليس قرينة علي إرادته من العام و الفرق بينه و بين الخاص المخالف حكمه لحكم العام واضح سيما إذا كان بيان حكم الخاص الموافق جواباً عن سؤال السائل.

و علي ذلك كلّه هذا القول أي بطلان عمرته و صيرورة حجته مبتولة هو

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 54 من ابواب الاحرام ح 5.

(2)- مختلف فيه من السادسة.

(3)- ثقة له كتاب من الخامسة.

(4)- وسائل الشيعة: ب 54 من أبواب الاحرام ح 4.

(5)- جواهر الكلام: 18/ 252.

(6)- وسائل الشيعة: ب 19 من ابواب اقسام الحج ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 133

الأقوي.

نعم يمكن منع الاكتفاء به عن حجة الاسلام الواجبة عليه و إن قلنا به في صورة النسيان فمقتضي الاشتغال وجوب الإتيان بها في السنة القادمة.

ثمّ إنَّ مقتضي إطلاق صحيح أبي بصير المقيَّد بالصحاح المتقدمة مساواة الجاهل مع العامد في الحكم ببطلان متعته و صيرورة حجته مبتولة.

و هل يجب عليه إحرام جديد لحجّ الإفراد أو يجتزي بإحرامه الأول يمكن أن يقال: امّا إحرامه الثاني فلا يجتزي به لكونه منهياً عنه من جهة إدخاله علي العمرة و أمّا الأول فيدل علي عدم الاعتداد به قوله (بطلت متعته) الدال علي بطلان عمرة تمتعه التي من أفعالها الإحرام.

و لكن الظّاهر من قوله «فليس له أن يقصِّر» إنَّ هذا من أجل إحرامه الثاني لأن الأوّل لم يوجب حرمة التقصير.

و يمكن أن يقال: إنّ المعلوم عدم

وجوب إحرام جديد لحجّ الإفراد لظاهر الصحيح سواء كان ذلك للاجتزاء بالأوّل أو بطلانه و صحة الثاني.

و كيف كان لا يجب احرام جديد لحجّ الإفراد و هل يجب عليه العمرة المفردة بعد ذلك إذا كانت عليه حجة الاسلام أو يجب عليه حجه الاسلام من قابل؟

يمكن أن يقال: إنّ الظّاهر أنّ الامام (عليه السلام) كان في مقام بيان تمام ما هو الحكم

علي المتمتّع إذا طاف و سعي ثمّ لبّي قبل أن يقصر و اكتفائه بقوله (عليه السلام): «فليس له أن يقصِّر و ليس له متعة» يدل علي انّ تمام ما يترتب علي فعله هذا بطلان متعته و عدم جواز التقصير له و إلا فكان عليه أن يقول: إذا كان عليه حجة الاسلام يجب عليه الحج من قابل.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 134

نعم لا يحتسب ذلك لعمرته لبطلانها فيجب عليه أن يأتي بها و مع ذلك لا ينبغي ترك الاحتياط بإتيان العمرة بعد هذا الحجّ و الإتيان بالحجّ متمتعاً في السنة القادمة و الله هو العالم.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 135

الكلام في تروك الإحرام

اشارة

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 137

الكلام في تروك الإحرام الظّاهر انّه لا خلاف بين المسلمين في أنّه إذا أحرم المكلَّف للعمرة أو الحج حرِّمت عليه امور و قد اختلفت كلمات فقهائنا في تعدادها.

ففي الوسيلة قال: (هي ثمانية و ثلثون) «1».

و قال: في الشرائع: (فالمحرمات عشرون شيئاً) «2» و قال: في المختصر النافع (فالمحرمات أربعة عشرون) «3».

قال في القواعد: (و المحرم عشرون) «4» و في التبصرة قال: (أربعة و عشرون) «5».

______________________________

(1)- الوسيلة/ 162.

(2)- شرائع الاسلام: 1/ 183.

(3)- المختصر النافع/ 84.

(4)- قواعد الاحكام: 1/ 421.

(5)- تبصرة المتعلمين/ 90.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 138

و قال في الدروس: (يجب علي

المحرم ترك ثلاثة و عشرين) «1».

و قال في الأشراف: (هي سبعة عشر شيئاً)، و قال في اللمعة: و أما التروك المحرمة فثلاثون «2».

و في بعض الكلمات و المناسك خمسة و عشرون.

و الظّاهر ان اختلافهم لفظيّ فمثلا عدّ بعضهم الصيد البري واحداً و بعضهم عدّ صيده واحداً و كذا عدّ كل واحد من ذبحه، و أكله، و إمساكه، و الإعانة عليه بدلالة أو إشارة أو الإغلاق و هكذا بيعه و شرائه و تمليكه و تملكه و إغراء للحيوان به واحدا فيصير مجموع ذلك عشرة و لذا الاولي اقتفاء كلام جماعة منهم اهملوا ذلك و ذكروا المحرّمات فنقول:

[من محرمات الإحرام الصيد]

حرمة صيد الحيوان البري علي المحرم

منها: صيد الحيوان البري صيدا و ذبحا و اكلا و إمساكا و إعانة عليه و بيعاً و شراء فإنها كلها محرمة كتابا و سنة و إجماعا.

أمّا الكتاب فقوله تعالي: (و حرِّم عليكم صيد البر ما دمتم حرماً) «3» فإنَّه كما في كنز العرفان و الجواهر «4» يدلُّ علي تحريم كلِّ ماله دخل في صيده و التقليب و التقلب به و أما قوله تعالي: (لا تقتلوا الصيد و أنتم حرم) «5» فيدل علي النهي عن

______________________________

(1)- الدروس الشرعية ك 1/ 351.

(2)- اللمعة الدمشقية/ 236.

(3)- المائدة/ 96.

(4)- جواهر الكلام: 18/ 286.

(5)- المائدة/ 95.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 139

خصوص قتل الصيد.

و أما السنة فالروايات الدالة علي حرمة ما ذكر كثيرة جداً منها صحيح الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «لا تستحلن شيئاً من الصيد و أنت حرام، و لا و أنت حلال في الحرم، و تدلن عليه محلا، و لا محرماً فيصطاده و لا تشر إليه فيستحل من أجلك، فإن فيه فداء لمن تعمَّده» «1» و ظاهره حرمة كل فعل له

دخل في اصطياده.

و صحيح منصور بن الحازم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «المحرم لا يدل علي الصيد فإن دلَّ عليه فقتل فعليه الفداء» «2».

و في صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «لا تأكل من الصيد و أنت حرام و إن كان أصابه محل» «3».

و في الموثق عنه عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «لا تأكل شيئاً من الصيد و أنت محرم و إن صاده حلال» «4».

و أمّا الإجماع علي ما ذكره فهو المنقول في كلماتهم و لعلّ المتتبع في كلماتهم يجده محصلا.

[مسألة 1] «حكم ما ذبحه المحرم»

مسألة 1: قال في الشرائع: (و لو ذبحه كان ميتة حراماً علي المحل و المحرم).

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 1 من ابواب تروك الاحرام ح 1.

(2)- وسائل الشيعة: ب 1 من ابواب تروك الاحرام ح 3.

(3)- وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب تروك الاحرام ح 3.

(4)- وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب تروك الاحرام ح 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 140

قال في الجواهر: (كما صرح به الشيخ و الحلِّي، و القاضي و يحيي بن سعيد و الفاضلان و غيرهم علي ما حكي عن بعضهم بل هو المشهور شهرة عظيمة بل لم يحك الخلاف فيه بعض من عادته نقله، و إن ضعف بل في المنتهي و عن التذكرة الإجماع عليه بل هو المراد أيضاً ممّا في النهاية و المبسوط- و التهذيب و الوسيلة و الجواهر علي ما حكي عن بعضها انّه كالميتة بل في الأخير الإجماع عليه أيضاً و ساق الكلام إلي ان قال: لكن عن الفقيه، و المقنع، و المختصر الأحمدي انه ان ذبحه في الحل جاز للمحل أن يأكله بل في الأوّل انّه لا بأس

أن يأكل المحل ما صاده المحرم و علي المحرم فداؤه نحوه المحكي عن المفيد و المرتضي أيضاً لكن يمكن ارادة عدم حرمة عين صيد المحرم علي المحل علي معني أنَّ له تذكيته و أكله لا أن المراد الأكل مما ذكاه المحرم بصيده) «1» ثمّ ذكر ميل بعض متأخِّري المتأخرين إليه).

و علي كلِّ حال فقد دلَّ علي القول المشهور ما رواه الشيخ بسنده عن وهب عن جعفر عن أبيه عن علي (عليهم السلام) قال: «إذا ذبح المحرم الصيد لم يأكله الحلال و الحرام و هو كالميتة، و إذا ذبح الصيد في الحرم فهو ميتة حلال ذبَحه أو حرام». «2»

و دلالته علي حرمته علي المحرم و المحل مطلقاً و إن ذبحه المحرم في الحلّ ظاهرة و لكن نوقش في حجيّته بضعف سنده بوهب.

و ما رواه الشيخ بإسناده الصحيح عن محمد بن الحسن الصفار «3» عن الحسن بن موسي الخشاب «4» عن إسحاق «5» عن جعفر إنَّ علياً (عليه السلام) كان يقول: «إذا ذبح

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 18/ 288 و 290.

(2)- تهذيب الاحكام: 5/ 377 ح 1315 وسائل الشيعة: ب 10 من ابواب تروك الاحرام ح 4.

(3)- القمي يلقب بمولد الظاهر مما ذكر في ترجمته و الله اعلم وثاقته من السادسة..

(4)- من وجوه اصحابنا مشهور كثير العلم و الحديث كانه من السادسة.

(5)- ابن عمار فطحي ثقة من الخامسة.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 141

المحرم الصيد في غير الحرم فهو ميتة لا يأكله محل و لا محرم و إذا ذبح المحل الصيد في جوف الحرم فهو ميتة لا يأكله محل و لا محرم» «1»

و دلالته كسابقه ظاهرة و يعتمد عليه و إن كان ليس علي ما اصطلحوا عليه صحيحاً لفساد مذهب

إسحاق فلا حاجة إلي جبر ضعف سنده بفتوي المشهور كما صنعه في الجواهر فعبَّر عنه و عن خبر وهب بالمنجبرين بما عرفت. «2»

و ما رواه أيضاً الشيخ عن احمد بن محمد بن عيسي «3» عن ابن أبي أحمد «4» عمن ذكره عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «قلت له: المحرم يصيب الصيد فيفديه فيطعمه أو يطرحه؟ «5» قال: إذاً يكون عليه فداء آخر فقلت: فما يصنع به؟ قال: فيدفنه» «6» و في الاستبصار قال: «أو يطعمه أو يطرحه؟» و في الفقيه «يطعمه أو يطرحه» «7» و ظاهره الحرمة المطلقة علي المحرم و المحل.

لا يقال: إنّه في مقام بيان وجوب فداء آخر عليه لو أطعمه و لا تدل علي الحرمة المطلقة فإن أكله المحل لا بتسبيبه و إطعامه لم يفعل حراماً و إنّما أمر بدفنه لأجل الفرار من الفداء.

______________________________

(1)- تهذيب الاحكام: 5/ 377 ح 1316 وسائل الشيعة: ب 10 من ابواب تروك الاحرام ح 5.

(2)- جواهر الكلام: 18/ 289.

(3)- شيخ القميين و وجههم و فقيههم.

(4)- هو ابو احمد ابن ابي عمير، و كلمة (ابن) في التهذيب لعلها سهو و الصواب ما في الوسائل (عن ابي احمد) و في الطبقات (ابن ابي احمد).

(5)- تهذيب الاحكام: 5/ 378 ح 1320.

(6)- الاستبصار: 2/ 215 ح 740/ 8.

(7)- من لا يحضره الفقيه: 2/ 372 ح 2733.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 142

فإنّه يقال: هذا خلاف ظاهر الخبر فإنّه يكفي في الفرار من الفداء بيان كونه عليه إن أطعمه المحل أمّا الحكم بدفنه لأجل حرمته المطلقة حتّي لا يرتكب أحد الحرام بأكله.

اللهم الا أن يقال: إنه محرم عليه طرحه و جعله في معرض أكله المحل و هذا أعم من كونه حراماً

علي المحل.

و بالجملة الخبر ليس صريحاً في حرمته علي المحل، مضافاً إلي ضعف سنده بالإرسال إن لم نقل بأنّ ابن أبي عمير من أصحاب الإجماع و اتفقوا علي أنَّ مراسيله كالمسانيد.

لا يقال: لا أصل لذلك فإنَّه يتم لو لم يكن لمثله الرواية عن الضعفاء و قد عثرنا علي جملة من الموارد يروي هو عن الضعفاء.

فإنه يقال: مرادهم انهم لا يروون إلا خبرا كان صدوره عن الإمام (عليه السلام) ثابتاً و معلوماً عندهم و لو بواسطة القرائن و يكفي ذلك في الاعتماد علي الخبر و الاطمينان بصدوره هذا.

و قد يناقش في دلالة المرسلة بإيمائها إلي جواز إطعامه و إن أوجب فداء آخر.

و فيه: انَّ عليه يحكم بالجواز في جميع الأفعال الَّتي جعل في ارتكابها الفداء إلا إذا دلَّ الدليل بالخصوص علي حرمته و القول به في غاية الاشكال.

ثمّ إنّه ربما ايد القول المشهور بان التذكية إنّما تتحقق بذكر الله تعالي علي ذبحه و لا معني لذكره علي ما حرَّمه فيكون لغواً.

و في قبال الأخبار الدالة علي حرمة الصيد علي المحل و المحرم و كونه ميتة ما يدل علي حليّته علي المحل كصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام): «إذا قتل الصيد

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 143

فعليه جزاؤه و يتصدق بالصيد علي مسكين» «1»

فإنها تدل علي جواز أكله للمحل، و إلا فلا يأمره بتصدقه علي مسكين.

فإن قلت: من المحتمل كون الباء في (بالصيد) للسببية و (الصيد) للمصدرية فيكون المعني إنه يتصدق بشي ء آخر جزاءً لفعله علي مسكين.

قلت: يرد هذا الاحتمال قوله «فعليه جزاؤه» فإنَّ الظّاهر منه ان عليه جزاءه المعين فإن لكلّ صيد كفارة خاصة ففي قتل النعامة بدنة، و في قتل بقرة الوحش و حماره

بقرة و في الظبي و الثعلب و الأرنب شاة و إن كان المراد ما ذكر يلزم أن يكون عليه جزاءان.

و صحيح معاوية بن عمّار قال: «سألت ابا عبد الله (عليه السلام) عن رجل أصاب صيداً و هو محرم أ يأكل منه الحلال؟ فقال: لا بأس إنما الفداء علي المحرم» «2».

و صحيح حريز قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن محرم أصاب صيداً أ يأكل منه المحلّ؟ قال: ليس علي المحل شي ء إنَّما الفداء علي المحرم» «3».

و صحيح منصور بن حازم قال: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): رجل أصاب صيداً و هو محرم أكل و أنا حلال؟ قال: أمّا أنا كنت فاعلا قلت له: فرجل أصاب مالا حراماً؟ فقال: ليس هذا مثل هذا يرحمك الله ان ذلك عليه» «4».

و في صحيح معاوية بن عمار قال: «قال أبو عبد الله (عليه السلام): إذا أصاب المحرم الصيد في الحرم و هو محرم فإنّه ينبغي له أن يدفنه و لا يأكله أحد، و إذا اصاب

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب تروك الاحرام ح 6.

(2)- وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب تروك الاحرام ح 5.

(3)- وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب تروك الاحرام ح 4.

(4)- وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب تروك الاحرام ح 3.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 144

في الحلّ فإنَّ الحلال يأكله و عليه الفداء» «1».

و مقتضي هذه الأخبار بعد حمل مطلقها علي مقيَّدها حليِّة ما ذكي بالصيد للمحل إذا صاده المحرم في الحلّ و أمّا إذا صاده المحرم أو المحل في الحرم أو إذا ذبحه بعد صيده في الحل فهو كصيده في الحرم حرام علي المحل و المحرم و بهذا يجمع بين الرّوايات المطلقة

و ما يدلّ علي جواز أكل الصيد للمحل و عليه يختص المنع بما إذا أصاب الصيد حيا فذبحه بل هذا هو مدلول الرّوايات المحرمة كرواية وهب و اسحاق.

نعم مرسلة ابن أبي عمير أو ابن أبي أحمد أو أبي أحمد أي محمّد بن أبي عمير إن قلنا بتماميّة دلالتها علي حرمة ما صاده المحرم علي المحل مطلق يشمل الصيد الَّذي أدركه الصائد حياً فذبحه أو ميتاً فيقيد إطلاقها ذلك بهذه الرّوايات الظّاهرة في اختصاص الجواز بما ذكي بالصيد.

ثمّ إنّه هل يجري علي ما ذبحه المحرم جميع أحكام الميتة أو يحرم منه خصوص أكله علي المحرم و المحل.

يمكن أن يقال: إنّ قوله (عليه السلام): «فهو ميتة لا يأكله محل و لا محرم» انّه كالميتة في خصوص هذا الحكم فلا يحرم الانتفاع من جلده و غيره من الاستعمالات و خصوصاً المائعات فيكون المراد من قوله (عليه السلام): «ميتة لا يأكله محلّ و لا محرم» إنّ لحمه كلحم الميتة.

و يمكن أن يدعي أنَّه كما قال الإمام (عليه السلام) ميتة فيجري عليه جميع أحكام الميتة و إنما ذكر حكم أكله لأنّه الانتفاع الشائع منه و في قبال ما صاده المحرم الَّذي حكمه

انَّه يأكله المحل و لا يأكله المحرم و يؤيد الأوّل الرّوايات الواردة في تقديم أكل المحرم

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب تروك الاحرام ح 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 145

ما صاد إذا اضطر إلي الصيد أو الميتة «1».

و حكي عن العلامة في التحرير: إنَّه بعد احتمال الأوّل استقرب عدم الجواز «2» و مقتضي الاصل الجواز.

نعم بعد البناء علي الجواز بالأصل يجري الكلام في أنّه هل يحرم الصلاة فيه لأنّه مما لا يؤكل لحمه أو أنّ هذا العنوان منصرف

إلي المحرمات الأصليّة دون العارضيّة فمقتضي الاحتياط الاجتناب عنه في الصلاة و الله هو العالم.

[مسألة 2] عدم جواز صيد الجراد في الاحرام»

مسألة 2: قال في الشرائع: (و الجراد في معني الصيد البري) «3».

و في الجواهر (عندنا بل في المنتهي و عن التذكرة أنّه قول علمائنا و أكثر العامّة، و في المسالك لا خلاف فيه عندنا خلافاً لأبي سعيد الخدري و الشافعي و أحمد في رواية). «4»

و لا ريب أنّه يشمله عموم الأدلة من الكتاب و السنة و يدلّ عليه بالخصوص صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «مرّ علي صلوات الله عليه علي قوم يأكلون جراداً فقال: سبحان الله و أنتم محرمون؟ فقالوا: إنَّما هو من صيد البحر فقال لهم: ارموه (ارمسوه) في الماء إذاً» «5»

و رواه الشيخ باسناده عن محمد بن مسلم: «عن

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 43، من ابواب كفارات الصيد و الظاهر كون الثاني و السابع و التاسع و العاشر واحد فتفطن.

(2)- جواهر الكلام: 18/ 291.

(3)- شرائع الاسلام: 1/ 183.

(4)- جواهر الكلام: 18/ 293.

(5)- الكافي: 4/ 393 ح 6 و وسائل الشيعة: ب 7 من ابواب تروك الاحرام ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 146

أبي جعفر (عليه السلام) إنّه مرّ علي أناس يأكلون جراداً و هم محرمون. فقال: سبحان الله» الحديث إلا انه قال: «فارمسوه» «1» و رواه الصدوق أيضاً مثل ما رواه الشيخ إلا انه قال: «إنما هو من البحر» «2» و معني قوله: «ارموه في الماء» انه لو كان بحرياً لعاش في الماء.

و في صحيح معاوية بن عمّار عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «ليس للمحرم أن يأكل جراداً و لا يقتله قال: قلت: ما تقول في رجل قتل جرادة و هو محرم؟

قال: تمرة خير من جرادة و هي من البحر، و كل شي ء أصله من البحر و يكون في البر و البحر فلا ينبغي للمحرم أن يقتله فإن قتله متعمداً فعليه الفداء كما قال الله» «3».

و صحيح زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام): «في محرم قتل جرادة قال: يطعم تمرة و تمرة خير من جرادة» «4» و الحكم ثابت لا ريب و لا خلاف فيه فيحرم صيده و إمساكه و أكله. هذا و لكن قال الشيخ في التهذيب: (و يجوز له أي للمحرم- أن يأكل الجراد البحري إلا انه يلزمه الفداء) «5» و هو كذلك إن كان منه البحري، أمَّا الفداء له فلم نتحصل وجهه).

[مسألة 3] جواز صيد البحر للمحرم

مسألة 3: لا ريب في أنَّه يجوز للمحرم كغيره صيد البحر كالسمك و هو ما يعيش في البحر لقوله تعالي: (أحلّ لكم صيد البحر و طعامه متاعاً

______________________________

(1)- تهذيب الأحكام 5/ 363 ح 1263.

(2)- من لا يحضره الفقيه: 2/ 371 ح 2732.

(3)- تهذيب الأحكام: 5/ 363، ح 1264 و رواه أيضا في ص 468، ح 1636.

(4)- وسائل الشيعة: ب 37 من أبواب كفارات الصيد ح 2.

(5)- تهذيب الاحكام: 5/ 363.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 147

لكم و للسيارة) «1» مضافاً إلي أنَّ ذلك مقتضي الأصل لأنَّ ما يمنع من الصيد مختص بصيد البر.

و ما في بعض الرّوايات ممَّا هو ظاهر في الإطلاق معلوم عدم إرادة الاطلاق منه لصراحة الكتاب في حليّة صيد البحر فليس المقام من حمل المطلق علي المقيَّد لأنه مختص بمورد أمكن فيه إرادة الإطلاق من المطلق و أمّا إذا كان هناك مانع عقلي أو شرعي من إرادة الإطلاق فهو محمول علي إرادة الخاص و المقيد.

نعم يأتي ذلك في قوله

تعالي: (لا تقتلوا الصيد و أنتم حرم) «2» لأنَّه عام يشمل البري و البحري و قوله تعالي: (احل لكم صيد البحر) فالأول يختص بصيد البرّ.

و ممّا يدل علي جواز صيد البحر صحيح محمد بن مسلم الوارد في الجرادة فإنّه يستفاد منه انّ جواز صيد البحر كان مفروغاً عنه مسلَّماً عند الجميع.

و مما يستدل به ما رواه الكليني عن حريز عمّن أخبره عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «لا بأس بأن يصيد السمك و يأكل مالحه و طريه و يتزود و قال: أحل لكم صيد البحر و طعامه متاعاً لكم الحديث» «3».

و لكنه ضعيف بالإرسال و إن رواه الشيخ بإسناده عن حماد عن حريز عن أبي عبد الله (عليه السلام) «4» فمن البعيد رواية حريز لحماد الحديث تارة عن الامام (عليه السلام) بالواسطة و اخري بدونها و مع ذلك لا يثبت كون الخبر مسنداً لو لم نقوّي جانب

______________________________

(1)- المائدة/ 96.

(2)- المائدة/ 95.

(3)- الكافي: 4/ 392 ح 1. وسائل الشيعة: ب 6 من ابواب تروك الاحرام ح 3.

(4)- تهذيب الاحكام: 5/ 365 ح 1270.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 148

إرساله لكون الكليني علي ما قيل أضبط من الشيخ قدس سرهما و أمّا ترجيح إرساله علي إسناده بأنَّ الصدوق أيضاً أضبط من الشيخ فعجيب فإنّ الصدوق لم يذكر السند أصلا «1». و كيف كان فالحكم ثابت لا خلاف فيه.

[مسألة 4] صيد ما يعيش في البرّ و البحر

مسألة 4: إذا كان الصيد ممّا يعيش في الماء و في البر أيضاً فهل هو ملحق بالبري أو البحري.

يمكن أن يقال: إنّه غير ملحق بواحد منهما و علي هذا فإن كان هنا ما يدل بالإطلاق علي حرمة مطلق الصيد يبقي ما ليس بحرياً تحت العام أو الإطلاق و إلا

فمقتضي الأصل جواز صيده.

و لكن يدل بإلحاقه بالبري صحيح معاوية بن عمّار الَّذي سبق ذكره و فيه: في الجرادة، «و هي من البحر و كلّ شي ء أصله من البحر و يكون في البرّ و البحر فلا ينبغي للمحرم أن يقتله فإن قتله متعمداً فعليه الفداء كما قال الله».

لا يقال: إن هذا فيما يكون في البر و البحر و أصله من البحر.

فإنّه يقال: كأن الحكم فيما كان أصله من البر و يكون في البر و البحر مفروغ

عنه مضافاً إلي أنه يستفاد منه حكم ما كان من البرّ بالاولويّة فإنّه إذا كان صيد ما كان أصله من البحر الّذي صيده حلال حراماً يكون صيد ما كان من البرّ الّذي صيده حرام بالاولوية حراماً و الله هو العالم.

______________________________

(1)- من لا يحضره الفقيه: 2/ 370.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 149

[مسألة 5] صيد ما شك في أنه بري أو بحري

مسألة 5: إذا شك في حيوان أنه بري أو بحري يحكم بحليته للأصل و أما إن منعنا وجود إطلاق دال علي عموم التحريم فليس هنا إلّا ما يدل علي حلية البحري و ما يدل علي حرمة البرّي و الشك في حيوان أنه من البحري أو البري كالشك في لحم أنه مما يؤكل أو ما لا يؤكل أو مائع أنه خمر أو خل.

و أما إذا قلنا بإطلاق في البين و شككنا في حيوان أنّه بري أو بحري لا شك في أنّه لا يجوز التمسك بالدليل المقيد أي ما دل علي حلية البحري لأنّ الحكم عليه بالحلية فرع ثبوت كونه محرماً.

و أمّا التمسك بإطلاق ما دل علي حرمة الصيد الّذي يشمل بإطلاقه البري و البحري و المشكوك كونه من أيّهما فيمنع منه أن العام أو المطلق بورود التخصيص أو التقييد عليهما

يعنونان بعنوان غير الخاص أو غير المقيد مثلا إذا قال (أكرم العلماء) و ورد: (لا تكرم النحويين منهم) العام الأوّل يعنون بعنوان غير النحويين و يدل علي وجوب إكرام كل عالم غير نحوي فإذا شككنا في عالم أنه نحوي أو غير نحوي لا يجوز التمسك بقوله أكرم كل عالم غير نحوي بل لا بدّ من إثبات ذلك بدليل آخر و إلّا فيحكم بعدم وجوب اكرام هذا العالم المشكوك كونه نحوياً و ما نحن فيه علي فرض وجود إطلاق دال علي التحريم يكون كذلك لأنَّ تقييد إطلاق ما دل

علي حرمة مطلق الصيد بقوله تعالي و (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ) يوجب تعنون ما دل علي موضوع الحرمة أي الصيد بغير البحري فلا يجوز إثبات حرمة صيد شك فيه انّه بحري أو بري به و بعبارة أخري لا يجوز الاستدلال بدليل الحكم لإثبات موضوعه

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 150

و هو صيد غير البحري.

نعم إن كان هنا دليل علي إثبات هذا القيد يتمسك بالإطلاق لتحقق موضوعه فإن قلنا باستصحاب العدم الأزلي يمكن أن نتمسك به و نقول بتحقق الموضوع بالوجدان و بالأصل فنقول: هذا الحيوان أو هذا الصيد المحقق وجوده بالوجدان لم يكن غير بحرية من الأزل و الآن كما كان فتأمل جيداً.

[مسألة 6] حكم ما اصله بري و يعيش في البحر

مسألة 6: يعلم مما ذكر أن البرّي تميز من البحري باختصاصه بالبرّ و عيشه فيه و إن كان أصله من البحر و البحري تميز من البري باختصاصه بالبحر و عيشه فيه و لم يذكر ما أصله من البر و يعيش في البحر في الرّوايات و في كلماتهم و لعلّه لعدمه.

هذا و لكن في خصوص الطير جاء فيما رواه الكليني بإسناده عن حريز عن أبي عبد الله

(عليه السلام): «كل طير يكون في الآجام يبيض في البرّ و يفرخ في البرّ فهو من صيد البرّ، و ما كان من صيد البرّ يكون في البرّ و يبيض في البحر و يفرخ في البحر فهو من صيد البحر» «1» و مفهوم الجملة الثّانية بالأولوية و ما كان من صيد البحر يكون في البحر و يفرخ في البحر فهو من صيد البحر.

و لكن في التهذيب سقطت الجملة الثانية المذكورة في الكافي و أثبت ما قلنا إنّه مفهومها بالأولوية منطوقاً و لفظه: «و ما كان من الطير يكون في البحر و يفرخ في البحر فهو من صيد البحر» «2» فعليه يقع التهافت بينهما لأن مفهوم ما في التهذيب ان ما

______________________________

(1)- الكافي: 4/ 392 ح 1.

(2)- تهذيب الاحكام: 5/ ح 1270. و لا يخفي عليك ما وقع الوسائل فيه فإنه في ح 1، من ب

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 151

كان من الطير لم يكن في البحر و يكون في البر و إن كان يفرخ في البحر هو من صيد البر و إن قلنا بأن مفهومه انّ ما لم يكن في البحر و لا يفرخ في البحر فهو من صيد البرّ يكون عين منطوق الصدر.

و بعد ذلك كلّه الّذي يقتضيه التأمل في الفاظ- الحديث حسب الكافي و التهذيب عملا باجراء أصالة عدم الزيادة في كل ما هو ثابت في أحدهما و ساقط في الأخر انَّ الرواية كانت لفظها هكذا:

و فصل ما بينهما «كل طير يكون في الآجام يبيض في البرِّ و يفرخ في البرِّ فهو من صيد البر، و ما كان من الطير يكون في البحر و يفرخ في البحر فهو من صيد البحر، و ما كان من

صيد البر يكون في البرِّ و يبيض في البحر و يفرخ في البحر فهو من صيد البحر».

و هذا الخبر يدلّ علي أنَّ الطير إذا كان في البر و أصله من البحر و يبيض و يفرخ في البحر فهو بحري و هذا بظاهره معارض لعموم صحيح معاوية بن عمار الّذي سبق ذكره ففيه: «كلّ شي ء أصله من البحر، و يكون في البرّ و البحر فلا ينبغي للمحرم أن يقتله» و لكن يجمع بينهما بتخصيص عموم الصحيح بالمرسلة ان اعتمدنا عليها كما ليس ذلك ببعيد و إلا فالحجّة هو الصحيح.

هذا كلّه في تعيين ما هو الموضوع للحلال و الحرام من الصيد و أمّا إذا كان الشك في مفهوم البحري أو البرّي فعلي القول بإطلاق قوله تعالي: (لا تقتلوا الصيد و أنتم حرم) إذا شككنا في أنّ البحري هل هو خصوص ما يعيش في البحر و أصله من البحر طيراً كان أو غيره أو هو أعم مما يعيش في البر و أصله من البحر يفرخ

______________________________

من ابواب تروك الإحرام كأنه أخذ صدره من صحيح معاوية (التهذيب: 5/ ح 1269 و ذيله من خبر حريز، ح 1270 و 183 من التهذيب.)

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 152

و يبيض فيه و بعبارة أخري نشك في مفهوم البحري بين الأقل و الأكثر و انَّه هو الأقل أو الأعم منه و من الأكثر فالحكم فيه البناء علي الأقل و حجيّة المطلق في الأكثر.

و أمّا إن لم يكن في البين إطلاق أو عموم يشمل الصيد بأقسامه برياً و بحرياً ففي الشك في مفهوم البري الواقع تحت حكم الحرمة في قوله تعالي: (و حرم عليكم صيد البر ما دمتم حرماً) بين الأقل و الأكثر نبني علي

حرمة الأقل و يجري البراءة عن حرمة الأكثر أمّا الشكّ في مفهوم البحري بين الأقل و الأكثر فلا يورث تفاوتاً عملياً سواء كان مفهوم الأقل أو الأكثر.

نعم الحكم بحليّة الأقل علي مقتضي الدليل الاجتهادي حكم واقعي و الحكم بحليّة الأكثر يكون علي حسب الأصل العملي و البرائة حكم ظاهري و الله هو العالم.

[مسألة 7] جواز ذبح الحيوانات الاهلية للمحرم

مسألة 7: يجوز ذبح الحيوانات الأهلية كالشاة و البقر و الغنم و الإبل و الدجاج في الحل و الحرم للمحرم و المحل و ذلك لعدم صدق الصيد علي ذبحها.

قال الراغب: الصيد (هو تناول ما يظفر به مما كان ممتنعاً و في الشرع تناول الحيوانات الممتنعة ما لم يكن مملوكاً) فمقتضي الأصل الجواز مضافاً إلي النصوص الدالّة علي أن كلّما جاز للمحل ذبحه في الحرم جاز ذبحه للمحرم في الحل و الحرم.

ففي صحيح حريز عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «المحرم يذبح ما حلَّ للحلال في الحرم أن يذبحه و هو في الحل و الحرم جميعاً» «1».

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 82 من أبواب تروك الاحرام ح 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 153

و في رواية صحيحة اخري عن حريز عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «المحرم يذبح الابل و البقر و الغنم، و كل ما لم يصف من الطير، و ما أحل للحلال أن يذبحه في الحرم و هو محرم في الحلِّ و الحرم» «1».

و لو شك في حيوان أنَّه وحشي أو أهلي فمقتضي الأصل جواز ذبحه للشكّ في صدق الصيد عليه.

و بعبارة اخري الشك واقع في أنّه وحشي يحرم ذبحه أو أهلي يجوز ذبحه فهو أيضاً كالمائع المشتبه بالخل و الخمر، مقتضي الأصل جواز ذبحه هذا.

و لكن في صحيح معاوية بن

عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إذا أحرمت فاتق قتل الدواب كلّها إلّا الأفعي و العقرب و الفارة … و الحيّة إذا أراد تلك فاقتلها و إن لم تردك فلا تردها و الكلب العقور و السبع إذا أراداك (فاقتلهما) فإن لم يريداك فلا تردهما و الأسود الغدر فاقتله علي كل حال وارم الغراب رمياً و الحدأة علي ظهر بعيرك» «2».

و ربما يقال بأن مقتضاه حرمة كل حيوان إلا ما استثني فيه و لكن يمكن أن يقال: إن الدواب و ان تستعمل في الحيوان إلا انها كما قاله الراغب استعمالها في الحشرات أكثر.

و قيل في الجواب عن الاستدلال به بأنّه مخصص بأن ما أحل للحلال أن يذبحه في الحرم جاز للمحرم ذبحه في الحلّ و الحرم و الحيوان المشكوك كونه أهلياً أو وحشياً يجوز ذبحه للمحل في الحرم للبراءة فيجوز ذبحه للمحرم في الحلّ و الحرم للكليّة

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 82 من أبواب تروك الاحرام ح 3.

(2)- الكافي: 4/ 363 ح 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 154

المذكورة فالخارج من العام الدال علي المنع أمر ان: أحدهما الحيوانات الخاصة المذكورة فيما تقدم و ثانيهما مورد انطباق الكليّة المذكورة المستفادة من النص.

و فيه: أن الظّاهر من صحيح حريز حلية ما أحلّ للحلال أن يذبحه في الحرم من المحللات الواقعية المحللة بالتحليلات الأولية لا المحللات الظّاهرية المحللة بمثل البراءة.

و مما يبعد ذلك أنّ مقتضي ما ذكره أخذ الحكم الوارد في الشك في الحكم الواقعي في موضوع حكم واقعي آخر و هو شبيه بلحاظ- ما هو متأخر رتبة عن الحكم و متوقف عليه في موضوع الحكم فتأمل.

[مسألة 8] الكلام في معني الصيد

مسألة 8: قال في مجمع البيان: (اختلف في المعني بالصيد فقيل:

هو كلُّ الوحش أكل أولم يؤكل، و هو قول أهل العراق و استدلوا له بقول علي (عليه السلام): صيد الملوك أرانب و ثعالب، فإذا ركبت فصيدي الأبطال «1».

و هو مذهب أصحابنا رضي الله عنهم، و قيل: هو كلُّ ما يؤكل لحمه (يعني من الوحش)، و هو قول الشافعي) «2».

و قال في المستند: (الصيد المحرم يشمل كل حيوان ممتنع بالاصالة سواء كان ممّا يؤكل أولا) ثمّ ذكر وفاق الشرائع و التذكرة بل جملة من كتب العلامة و جمع من المتأخرين لذلك و قال: (و عن الراوندي أنه مذهبنا) «3».

______________________________

(1)- و بعده في الديوان:

صيدي الفوارس في اللقاء و انني ند الوغي لغضنفر قتال

(2)- مجمع البيان: 3/ 419.

(3)- مستند الشيعة: 11/ 344.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 155

أقول: قال الراوندي: (اختلف في المعني …) «1» إلي آخر ما حكيناه عن مجمع البيان حرفاً بحرف.

و مقتضي ما ذكر دلالة الكتاب علي أنَّ الصيد المنهي عنه أعم من الصنفين ما يؤكل و ما لا يؤكل الا أنه ربما يستشكل في ذلك بأنَّ ذيل الآية يدل علي اختصاص الحكم بما يؤكل لحمه فقد قال الله تعالي: (يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد و أنتم حرم و من قتله منكم متعمداً فجزاءٌ مثل ما قتل من النعم) «2» الآية فيستفاد من (قوله تعالي) و من قتله … أن المحرم ما كان مثله في النعم و أما غير ذلك فلا يستفاد منها حرمته.

و غاية ما نقول: أن المحرم صيده ما كان فيه جزاء و كفارة سواء كان أكله حراماً أو حلالا.

و اجيب عن ذلك بأنه لا ملازمة بين حرمة القتل و ثبوت الكفارة فإنّ قوله تعالي في ذيل الآية: (و من عاد فينتقم

الله منه) يدل علي حرمة إعادة الصيد و لا كفارة علي من أعاد و صاد صيداً آخر.

فإن قلت: أن رجوع الضمير إلي الصيد ظاهر في اختصاصه بما فيه الجزاء

و الكفارة.

قلت: يمكن أن يكون الضمير علي سبيل الاستخدام راجعاً إلي ما فيه الجزاء و الكفارة.

و إن أبيت عن ذلك فغاية ما تدل الآية عليه هو حرمة قتل ما فيه الجزاء لا

______________________________

(1)- فقه القرآن/ 306.

(2)- المائدة/ 95.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 156

اختصاص الحرمة به فلا تمنع من استفادة حرمة ما لا يوكل من دليل آخر.

و استشكل أيضاً في شمول الحكم لغير ما يؤكل بقوله تعالي: (وَ حُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مٰا دُمْتُمْ حُرُماً) «1» فهذا كالصريح في اختصاص الحكم بما يؤكل لأنّ حرمة ما لا يؤكل عام تشمل المحل كالمحرم و الَّذي حرام في خصوص حال الإحرام هو ما يؤكل.

و أجيب عن ذلك أيضاً بأنّ المعني بالصيد هو معناه المصدري أي الاصطياد دون المصيد و الاصطياد حرام علي المحرم و حلال علي المحلّ و الشاهد لذلك قوله تعالي في صدر الآية الشريفة: (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَ طَعٰامُهُ مَتٰاعاً لَكُمْ وَ لِلسَّيّٰارَةِ) فإنّ المراد من الصيد الاصطياد و إلا لو كان المراد منه المصيد يلزم أن يكون المحلَّل في الجملة الثانية عين المحلَّل في الجملة الأولي.

و بعد ذلك كلّه لو كان المراد من الصيد المصيد الحلال لا يفيد اختصاص الحرمة به فلا يمنع من دلالة دليل آخر علي حرمة صيد ما لا يؤكل، و اختصاص ما يؤكل بالذكر لكثرة الابتلاء به و تعارف أكله.

فممّا يدل علي حرمة ما لا يؤكل بالعموم صحيح الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «لا تستحلن شيئاً من الصيد و أنت

حرام و لا و أنت حلال في الحرم، و لا تدلن عليه محلا و لا محرماً فيصطاده و لا تشر إليه فيستحل من أجلك فإن فيه فداء لمن تعمده» «2»

و ما رواه الشيخ بإسناده عن عمر بن يزيد عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:

______________________________

(1)- المائدة/ 96.

(2)- وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب تروك الاحرام ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 157

«و اجتنب في إحرامك صيد البر كلِّه، و لا تأكل مما صاده غيرك، و لا تشر إليه فيصيده» «1» و صحيح منصور بن حازم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «المحرم لا يدل علي الصيد فإن دلّ عليه فقتل فعليه الفداء» «2» و منه غير ذلك مما ذكره في المستند.

و قال في آخر كلامه: (ثمّ إنَّه خالف هنا جماعة في الصيد المحرم أكله بل في المفاتيح حكي عن الأكثر فقيدوا الصيد المحرم بالمحلل من الممتنع فجوزوا صيد كل ما لا يؤكل إمَّا مطلقاً كطائفة أو باستثناء الأسد و الثعلب و الأرنب، و الضب و اليربوع، و القنفذ و الزنبور و العظاية فحرموا صيدها أيضاً كجماعة استناداً إلي عدم وجوب كفارة في غير المأكول سوي الثمانية و ردَّ بمنع التلازم بين عدم لزوم الكفارة و عدم التحريم لأنَّها ليس من لوازم الحرمة كما يشهد عليه سقوط- الكفارة عمّن عاد في الصيد متعمداً و اجيب: بأنه يمكن استنباط- التلازم بين الحرمة و لزوم الكفارة من سياق قوله سبحانه: وَ مَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزٰاءٌ مِثْلُ مٰا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ و من صحيحتي الحلبي و ابن حازم المتقدمتين فإنَّ مفادهما ثبوت الفداء في كل ما تعلق به النهي فلا بد من أحد التخصيصين إمَّا تخصيص الصيد

بالمحلل أو الفداء ببعض ما يحرم صيده فلا يعلم عموم حرمة الصيد أقول: يمكن أن يقال: إنَّ غاية ذلك اختصاص حرمة الصيد بما فيه الفداء و لكن لا يفيد ذلك فيما نهي فيه عن قتل الدواب و السباع

و نحوها و الحاصل: إن هاهنا أمرين أحدهما: النهي عن الصيد و الآخر: عن قتل الدواب و ما ثبت فيه التلازم هو الأوَّل دون الثاني و المثبت للتعميم حقيقة هو الثاني). «3»

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب تروك الاحرام ح 5.

(2)- وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب تروك الاحرام ح 3.

(3)- مستند الشيعة: 11/ 348.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 158

أقول: و حاصل كلامه أن في الصيد نلتزم بحرمة ما فيه الفداء و في قتل الدواب بحرمته مطلقاً و إن لم يكن فيه الفداء و طريق الاحتياط- ترك صيد ما يؤكل و ما لا يؤكل مما يصاد و ترك قتل ما يصاد من غير المأكول و ما لا يصاد و الله هو العالم.

[مسألة 9] الكلام فيما اذا صار الحيوان الوحشي اهليا و بالعكس

مسألة 9: إذا صار الحيوان الوحشي أهلياً، و الأهلي وحشياً فهل العبرة في جواز صيده أو حرمته بحالته الأصليّة أو العارضة.

فإن قلنا: بأن الصيد عبارة عن تناول الحيوانات الممتنعة، فالظاهر صدقه علي تناول ما صار كذلك و إن كان امتناعه عارضياً، و ذلك لأنَّ الصيد تناول الممتنع عن تناوله و الظفر به، و لذلك قال مولانا (عليه السلام): «و إذا ركبت فصيدي الأبطال» لأنَّ البطل هو ما يكون كذلك.

و علي هذا لا يصدق الصيد علي ما صار أهلياً لعدم امتناعه عن الظفر به، و التسلط عليه و يصدق علي ما صار وحشياً و دعوي عدم صدق الصيد علي الثاني و بقاء صدقه علي الأول كأنَّها

مجازفة.

نعم لو قلنا: بأن حلّية الحيوانات الأهلية ليست بهذا العنوان بل ما هو

الموضوع للحليّة فيها نفس عناوين أصنافها من البقر أو الغنم أو الشاة أو الإبل أو الأنعام الثلاثة.

يمكن أن يقال: ببقاء حليّتها و إن صار وحشيّاً لعدم تغير ما هو الموضوع بذلك، فالبقر حلال و هذا بقر فهو حلال.

فإن قلت: هذا إذا لم نقل بصدق الصيد علي الظفر بالحيوان الأهلي الَّذي صار

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 159

وحشياً، و أمّا إن قلنا بذلك فما يدل علي حليّة البقر و الغنم و الإبل يكون نسبته مع الدليل الدال علي حرمة صيد الوحشي مطلقاً بالعموم من وجه فيتعارضان في الأنعام الأهلية الَّتي صرن وحشيَّة فيتساقطان و يكون المرجع الأصل العملي لا اللفظي.

قلت: الأمر كذلك و إن أفاد بعض الأعلام فقال: (و لو فرضنا صدق الصيد عليه إلا أن النصوص المعتبرة دلت علي جواز ذبح الإبل و البقر، و إطلاقها يقتضي الجواز، و إن توحش الحيوان الأهلي لتقدم إطلاق الخاص علي العام). «1»

و لكن فيما أفاده انّ ذلك يتمّ لو كان عموم الصيد شاملا لذبح البقر و الشاة و نحر الإبل مطلقاً فإنَّه يكون خروج ما ذكر من تحت عموم الصيد من خروج الخاص من تحت العام، و اطلاق الخاص الخارج عن تحته الشامل للبقر الّذي صار وحشياً مقدم علي إطلاق العام الشامل له.

و أمّا إذا كان إطلاق الصيد شاملا لخصوص ذبح البقر الّذي صار وحشياً دون غيره يكون النسبة بين الدليلين بالعموم من وجه فلا بد بعد تساقطهما بالتعارض من الرجوع إلي الأصل العملي. فتدبر.

[مسألة 10] حلية ذبح الحيوانات الاهلية مما لا يطلب أكله

مسألة 10: هل جواز حلّية ذبح الحيوانات الأهلية تختص بما يطلب أكله أو يعمه و ما يطلب ظهره و إن كان يحل

أكله أيضاً، فعلي القول بالاختصاص لا يجوز ذبح غير الأنعام الثلاثة و الدجاج كالخيل و البغل و الحمار و علي القول بالتعميم يجوز ذبح الجميع و إن لم يرد لحمه بل أراد

______________________________

(1)- معتمد العروة: 3/ 382.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 160

الانتفاع مثلا بجلده.

ظاهر إطلاق كلماتهم حلية ذبح مطلق ما كان أهلياً و نسب إلي الشرائع بأن كلامه يوهم الاختصاص لاستثنائه خصوص النعم و الدجاج مما يحرم ذبحه إلا اننا لم نجد في الشرائع.

و الذي هو الوجه في حلّية مطلق ما كان أهلياً الأصل و اختصاص ما يدل علي الحرمة بالصيد البري.

نعم الحكم بالنسبة إلي حلية الإبل و البقر و الغنم و الدجاج واقعي قد دل عليه صحيح أبي بصير الّذي رواه الشيخ بإسناده عنه عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «يذبح في الحرم الابل و البقر و الغنم و الدجاج» «1» و في الفقيه رواه الصدوق عنه و صدره: «لا يذبح في الحرم إلا …» «2» و الظّاهر إنَّ ما حكي عن النسخة المطبوعة القديمة بدل «في الحرم»، «في الحل» سهو و إلا فالمعني المستقيم له: إنَّ المحرم يذبح في الحل الإبل … دون الحرم فإنَّه لا يذبح فيه شي ء من الثلاثة و الدجاج و أمّا بالنسبة إلي البغال و الحمير و الخيول ظاهري ثابت بالأصل.

نعم علي نسخة الفقيه الحكم بالنسبة إليها أيضاً واقعي تحريمي لأنَّه لا مجال للأصل مع البناء عليها.

و لكن هي معارضة بنسخة التهذيب بل بما عند صاحب الوسائل من نسخة الفقيه مع التهذيب فإنَّه قال: و رواه الصدوق بإسناده عن ابن مسكان. «3»

______________________________

(1)- تهذيب الاحكام: 5/ 367 ح 1279/ 192.

(2)- من لا يحضره الفقيه: 2/ 264 ح 2379.

(3)- وسائل الشيعة:

ب 82 من ابواب تروك الاحرام ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 161

و بعد ذلك لا يقال: إنَّ الاعتماد علي رواية الصدوق لانه أضبط من الشيخ علي ما قيل فإنّ ذلك فرع معارضة الفقيه مع التهذيب و بعد اختلاف نسخ الفقيه لا تثبت المعارضة.

و احتمال أنَّ الصدوق استفاد من سياق قوله (عليه السلام) اختصاص الجواز بالثلاثة و الدجاج لاختصاصها بالذكر فنقل الحديث بالمضمون لا باللفظ- و إن كان لا يخلو من بعد إلا انه لا يرد به.

و كيف كان فالرواية علي ما رواها الشيخ و إن كانت لا تخلو من إشعار ما علي اختصاص حكم الحليَّة بالأنعام و الدجاج إلا انه ليس علي حد يطمئن به النفس.

و أما الاستدلال علي حرمة ما يطلب ظهره بعموم صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) فانه قال فيه: «ثمّ اتّق قتل الدواب كلِّها إلا الأفعي و …» «1».

فإنَّ ذلك ليس ممَّا استثني منه في نفس الصحيح و في غيره أيضاً لم يستثن إلا الأنعام و الدجاج ففيه: انا منعنا شمول الدواب المذكور فيه للأنعام و الخيل و البغال و الحمير فإنّ الظّاهر انّ المراد منه في الأكثر الحشرات سيَّما بقرينة ما استثني فيه من الدواب.

مضافاً إلي أنَّ الحديث ورد في بيان وظيفة المحرم و ما هو محرَّم عليه فلا يدل علي ما هو وظيفة المحرم و المحل في الحرم و حرمة ذبح الحمير و البغال و الخيول فيه فذلك باق تحت الأصل.

نعم بالنسبة إلي المحرم يمكن أن نقول: باستثناء الأنعام و الدجاج باطلاق صحيح أبي بصير و بالإجماع و بالنسبة إلي الخيل و أخويه

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 81 من أبواب تروك الاحرام ح 2.

فقه الحج

(للصافي)، ج 3، ص: 162

باستثنائها بما دل علي ان كلما جاز قتله للمحل في الحرم يجوز ذبحه للمحرم في الحل و الحرم و الخيل و أخويه يجوز ذبحها للمحل في الحرم للاصل فيجوز ذبحها للمحرم أيضاً في الحل و الحرم هذا علي ما أفاده بعض المعاصرين. «1»

و لكن قلنا: بأنَّ ذلك من جعل الحكم الظّاهري موضوعاً للحكم الواقعي و هو خلاف الظّاهر و قريب من لحاظين طوليين علي خلاف مقتضاهما و كأنَّه تفطن هنا بذلك فاستدل لحلية الحمير و البغال و الخيول بأنَّه لا ريب في جواز قتل ذلك للمحل في الحرم لأنَّ الَّذي يحرم عليه الحيوان الَّذي دخل من الخارج إلي الحرم و التجأ إليه فإنَّه آمن لقوله تعالي (وَ مَنْ دَخَلَهُ كٰانَ آمِناً) و كذلك الصيد و شي ء منهما غير صادق علي الخيول و البغال و الحمير علي الفرض فلا مانع للمحل في الحرم من ذبح ذلك فإذا جاز له جاز للمحرم و فيه: انّ ذلك لا يتم إلا بالأصل فإن الدليل علي حرمة الصيد و حرمة الحيوان الَّذي يلتجأ إلي الحرم ليس دليلا علي حلية البغل و أخويه.

اللهم إلا أن يقال بدلالة الدليل علي حصر الحرام فيما ذكر أو ادّعي القطع و تسلم الاصحاب علي ذلك.

و لكن كل من الوجهين غير سديد و لعل الأسد في الجواب عن هذا العموم

انصرافه عن غير الحشرات و إلا فيشمل عمومه الخيول و البغال و الحمير.

نعم تبقي هنا رواية اخري مطعونة بضعف سند و هي ما رواه الكليني عن عدة من أصحابنا «2» عن سهل بن زياد «3» عن أحمد بن محمد بن أبي نصر «4» عن

______________________________

(1)- معتمد العروة: 3/ 384.

(2)- عدته عن سهل أحدهم محمد بن

الحسن و هو الطائي الرازي و محمد بن جعفر الأسدي نزيل الري أو محمد بن أبي عبد الله، و محمد بن عقيل الكليني، و علي بن محمد بن إبراهيم (رجال اسانيد الكافي).

(3)- من السابعة له كتاب.

(4)- من السادسة و من أصحاب الإجماع روي عن مولانا الرضا (عليه السلام) كتاباً.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 163

عبد الكريم «1» عن أبي بصير «2» عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «لا يذبح بمكة إلا الإبل و البقر و الغنم و الدجاج» «3» و هذا يدل علي حرمة ذبح ما يقبل الذبح و التذكية إلا الأربعة المذكورة الَّتي يطلب لحمها إلا ان شمول إطلاقها في المنع عن ذبح غير ما ذكر لصورة الضرورة كما إذا صار معرضاً للتلف ميتة في غاية البعد فالمراد منه و الله اعلم إمّا المنع عن الذبح في غير حال الضرورة أو للانتفاع بلحمها.

و كيف كان فهذا المتن و متن ما رواه الصدوق واحد غير أنَّ لفظ- الفقيه «بالحرم» بدل بمكة و لذا يمكن أن يجعل ذلك مؤيداً و وجهاً لترجيح نسخة الفقيه علي التهذيب لقوة احتمال كون ما رواه ابن مسكان عن أبي بصير و عبد الكريم عنه واحد فالترجيح يكون مع نسخة الكليني و الصدوق مضافاً إلي تقديم اصالة عدم الزيادة علي النقيصة و بذلك اي بموافقة رواية عبد الكريم مع رواية ابن مسكان إلا في

«بمكة» يجبر ضعف رواية عبد الكريم و يطمئن النفس بصدوره.

و بالجملة يقع التعارض بين ما رواه التهذيب و ما رواه الكليني في الكافي و الصدوق في الفقيه و الظّاهر ترجيحهما عليه و قد كان لأبي بصير يحيي بن القاسم كتاب في مناسك الحج و الظّاهر ان هذا الحديث

من مروياته و لعله كان موجوداً عند العدة من مشايخ الكليني و سائر رجال السند إلي أبي بصير و عند الحسين بن سعيد و سائر رجال سند الشيخ و إنَّما لم يكتفوا بالرواية بالوجادة لما استقر به عادتهم في تحمل الحديث و روايته و سواء اعتني بهذا الاحتمال أو لم يعتن به لا مجال للطعن

______________________________

(1)- ابن عمر و الخثعمي من الخامسة واقفي له كتاب.

(2)- ان كان هو يحيي بن القاسم له كتاب مناسك و ان كان هو ليث المرادي ايضاً له كتاب من الرابعة.

(3)- الكافي: 4/ 231.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 164

في السند.

فإن قلنا بترجيح لفظ- الكافي و الفقيه علي التهذيب يكون النتيجة عدم جواز ذبح غير الأربعة في مكة أو في الحرم فهو ممّا حرم ارتكابه في الحرم و محرّم علي المحل و المحرم بهذا العنوان و أمّا لخصوص عنوان المحرم فإن قلنا بان ما يدل علي أنّ كلما هو حلال ذبحه في الحرم حلال علي المحرم في الحل و الحرم يدل بالمفهوم علي ان كلما هو حرام ذبحه في الحرم محرم علي المحرم في الحل و الحرم نقول بحرمته في الحل ايضاً علي المحرم و الا فالاصل عدم حرمته عليه في الحل و الله هو العالم.

[من محرمات الإحرام النساء]

اشارة

حرمة النساء في الاحرام

من محرمات الإحرام النساء و الكلام فيه يأتي في طي مسائل:

[مسألة 11- الجماع قبلا كان أو دبراً حرام علي المحرم]

مسألة 11: الجماع قبلا كان أو دبراً حرام علي المحرم و حرمته ثابت بالإجماع و الكتاب و السنة.

أمَّا الإجماع فلا ريب في تحققه و كون الحكم مقطوعاً به بين الأصحاب.

و أمّا الكتاب فقوله تعالي: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومٰاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلٰا رَفَثَ وَ لٰا فُسُوقَ وَ لٰا جِدٰالَ فِي الْحَجِّ) «1» و هو يدل علي حرمة الجماع سواء كان المراد به الكلام المتضمن لدواعيه و إرادته أو خصوص فعله.

قال الراغب في المفردات: (الرفث كلام متضمن لما يستقبح ذكره من ذكر الجماع و جعل كناية عن الجماع … و قوله: (فَلٰا رَفَثَ وَ لٰا فُسُوقَ) يحتمل أن يكون نهياً عن تعاطي الجماع و أن يكون نهياً عن الحديث في ذلك إذ هو من دواعيه

______________________________

(1)- البقرة/ 297.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 165

و الأوّل أصح).

و هذا أي إرادة الجماع منه مصرح به في أحاديثنا و هو المعول عليه في تفسير القرآن الكريم.

و أمّا السنة فقد دلت كما أشرنا إليه الرّوايات المأثورة عن ساداتنا الأبرار (عليهم السلام) علي حرمة الجماع ففي الصحيح عن معاوية بن عمار و عن صفوان بن يحيي و ابن أبي عمير عن الصادق (عليه السلام) بعد ذكر الآية قال: «فالرفث الجماع و الفسوق الكذب و السباب و الجدال قول الرجل لا و الله و بلي و الله» «1».

و في الصحيح أيضاً عن علي بن جعفر قال: «سألت أخي موسي (عليه السلام) عن الرفث و الفسوق و الجدال ما هو و ما علي من فعله؟ فقال: الرفث جماع النساء» الحديث «2».

فإن قلت: الآية الكريمة انَّها تدل علي حرمة الرفث في الحج

تمتعاً كان أو

إفراداً أو قراناً و في عمرة التمتع دون العمرة المفردة لأنَّ ما هو مختص وقوعه بأشهر الحج هو حجّ التمتّع و عمرته و حجّ القران و الإفراد و أمَّا العمرة المفردة يجوز الإتيان بها في طول السنة، و كذلك الرّوايات مقصورة دلالتها علي ما دلت عليه الآية لانها وردت في تفسير الآية.

قلت: أوّلا يمكن أن يقال: إنَّ المتفاهم من ذلك عندهم أنَّ السبب في حرمة المحرمات هو الإحرام و لا خصوصية لكونه للحج أو للعمرة أو في أشهر الحج أو في غيرها.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: 32 من أبواب تروك الاحرام ح 1.

(2)- وسائل الشيعة: ب 32 من أبواب تروك الاحرام ح 4.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 166

و ثانياً: هنا روايات اخري فيما يحرم بالإحرام بقول مطلق سواء كان للحج أو للعمرة المبتولة أو عمرة التمتّع و ذلك مثل صحيح عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد الله (عليه السلام): «في الرجل يقع علي أهله بعد ما يعقد الإحرام و لم يلبّ؟ قال: ليس عليه شي ء» «1».

و رواية جميل بن دراج عن بعض أصحابنا عن أحدهما (عليه السلام) «2» و روايات اخري «3».

و ممَّا ذكر يظهر الإشكال في دلالة الآية علي حرمة الرفث بعد أعمال الحج و العمرة قبل طواف النساء و لكن يدفع بقطعهم بالحرمة قبله و بالنصوص الدالة عليها «4» فهذه المسائل مورد الاتفاق و الإجماع.

كما أنَّ ظاهر النصوص و كلمات الفقهاء إلا من حكي الشيخ في الخلاف خلافه «5» و لم يعرف باسمه عدم الفرق في حرمة الجماع بين القبل و الدبر لصدق الجماع و الوطي و الوقاع و الإتيان و الدخول علي الثاني و دعوي انصرافها إلي الأوَّل غير مسموعة بعد

كون الثاني أحد المأتيين مضافاً إلي مناسبة اتحادهما في مثل هذا الحكم و مضافاً إلي حرمة ما هو دون الجماع علي المحرم كما أنه لا فرق بين الإنزال و عدمه بعد صدق العناوين المذكورة.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 11 من أبواب تروك الاحرام ح 1.

(2)- وسائل الشيعة: ب 11 من أبواب تروك الاحرام ح 2..

(3)- وسائل الشيعة: ب 12 و 13 و 14 و 15 من أبواب تروك الاحرام.

(4)- وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب الطواف ح 3 و ب 58 و ب 10 من أبواب كفارة الاستمتاع و ب 13 و 14 من أبواب الحلق و التقصير.

(5)- الخلاف: 2/ 370.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 167

و هل يختص الحكم بالجماع الحلال أو يشمل الحرام سواء كان بالعرض كالجماع في حال الحيض أو المحرم بالمظاهرة أو الإيلاء أو بالأصل كالزناء و اللواط؟

المقصود ترتب ما يترتب علي الحلال من فساد الإحرام علي الحرام أيضاً لا اصل الحرمة لحرمة هذه المحرمات مطلقاً في حال الإحرام و سائر الاحوال.

نعم يشتد حرمتها في حال الإحرام كما يشتد في الأماكن المقدسة و الأزمنة الشريفة.

و كيف كان فلا ريب في ترتب الأحكام علي الجماع في حال الحيض و المحرَّم بالإيلاء و الظهار لان كل ذلك واقع تحت العناوين المذكورة و ايتاء الاهل.

و أمَّا الزناء و اللواط- فربما يستدل لكونهما محكومين بأحكام الجماع الحلال بالأولوية لأنهما أفحش و أغلظ في العصيان فبالإِفساد و العقوبة أولي.

و لكن رد بأنَّ ما يترتب علي ارتكاب الحلال عقوبة دنيوية و كفارة توجب

التكفير و ليس ارتكاب الحرام أولي بها من الحلال و لا مساوياً له في الموضوعيَّة لهذا الحكم حتَّي يتمسك بمفهوم الموافقة و المساواة.

و هذا يتم لو كان

الحج الثاني الذي يجب علي من جامع أهله عقوبة و أمّا إن كان هو ما عليه لفساد الأول فالتفصيل بين الحلال و الحرام بفساد الأول و صحة الثاني غير مقبول عند العرف فإنّه يري الثاني أولي بالفساد و لذلك ربما يقال: بالاقتصار علي المتيقن و هو الحلال أمّا في الحرام فالأصل براءة الذمة عما يترتب علي الحلال.

و لكن بعد ذلك. المسألة في غاية الإشكال و ممَّا يؤيد الإشكال انّه يلزم من الأخذ بالأصل و عدم الحاق جماع الحرام بالحلال انَّه إن تاب من ذنبه لا يؤخذ به في

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 168

الآخرة و لا عقوبة له في الدنيا فيكون حاله أحسن ممَّن ارتكب الجماع بالحلال.

و ممَّا يؤيد خلاف ذلك عدم ترتب بعض أحكام الجماع الحلال علي الحرام مثل الافتراق بين الناكح و المنكوحة.

و بعد ذلك كلّه القول بترتب الأحكام علي الحرام موافق للاحتياط- لا يجوز تركه.

و من ذلك كله يظهر الكلام فيما لو جامع أمته فقد صرح في القواعد علي ما حكي عنه في الجواهر بالحاقها بزوجته لصدق الامرأة و الأهل عليها و قال في الجواهر: (لا يخفي عليك وضوح إمكان المنع نعم لو قلنا بأنَّ المدار علي صدق الجماع و المواقعة و نحو ذلك و إن ذكر الأهل لكونه المعهود اتَّجه حينئذ ذلك و هو مؤكد لما

ذكرناه سابقاً و إلا كان مقتضي الأصل عدم شي ء منهما و الله العالم) «1».

[مسألة 12] ما يترتب علي الجماع
اشارة

مسألة 12: إذا وقع الجماع فالكلام تارة يقع فيما يترتب عليه الأحكام المذكورة في الرّوايات و اخري في أحكام تترتب عليه.

فنقول: أمَّا المترتب عليه الأحكام كلا أو بعضاً فهو مطلق الجماع بأنواعه الَّتي ذكرناها في المسألة السابقة.

و أمّا الأحكام الَّتي تترتب عليه فتارة

يقع الجماع قبل الوقوف بالمزدلفة و أخري بعده

أمّا في الصورة الأولي: فما ترتب علي وقوعه قبل المشعر الحرام عالماً بالتحريم أمور:
اشارة

______________________________

(1) جواهر الكلام: 20/ 356.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 169

الأمر الأول: وجوب إتمام ما بيده و الإتيان بالحجّ من قابل

و هو ثابت بالإجماع و بالنصوص الكثيرة مثل صحيح زرارة قال: «سألته عن محرم غشي امرأته و هي محرمة؟ قال: جاهلين أو عالمين؟ قلت أَجِبني في الوجهين جميعاً قال: إن كانا جاهلين استغفرا ربهما و مضيا علي حجهما و ليس عليهما شي ء و إن كانا عالمين فرق بينهما من المكان الَّذي أحدثا فيه و عليهما بدنة و عليهما الحج من قابل فإذا بلغا المكان الَّذي أحدثا فيه فرق بينهما حتي يقضيا نسكهما و يرجعا إلي المكان الَّذي أصابا فيه ما أصابا قلت: فأيّ الحجتين لهما؟ قال: الأولي الَّتي أحدثا فيها ما أحدثا و الأخري عليهما عقوبة». «1»

و اضماره لا يضرّ باعتباره بعد ما كان المضمر مثل زرارة مضافاً انّ المعلوم انَّه كان يذكر مسائله في الحج عن الإمام (عليه السلام) و ذكر اسمه في أول مسائله و لم يكرر بذكر اسمه في ابتداء كل مسألة اختصاراً و جرياً علي رسم العرف في محاوراتهم و تعظيماً للمسئول منه (عليه السلام). أمّا احتمال كونه من المقطوع ممنوع جداً و مثله في الدلالة علي ذلك غيره من النصوص.

غير أنَّ في هذا الصحيح ما لا يدل عليه غيره و هو كالصريح لصحة الاولي و عدم فسادها بالجماع و كون الثانية عقوبة عليه فما في صحيح سليمان بن خالد قال: «سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: في الجدال شاة و في السباب و الفسوق بقرة، و الرفث فساد الحج» «2» فمحمول علي الفساد الَّذي لا يبطل به الشي ء فإنّه عبارة عن خروج الشي ء عن الاعتدال قليلا كان أو كثيراً ضد الصلاح.

و بالجملة لا يستلزم الفساد البطلان و عدم ترتب

الآثار علي الشي ء.

______________________________

(1) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب كفارة الاستمتاع ح 9.

(2) تهذيب الاحكام: 5/ 297 ح 1004.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 170

فالمسألة محل الخلاف بينهم تعرض لها في الجواهر مفصلا إلا أنّه اختار أخيراً القول بصحة الاولي تمسكاً بصحيح زرارة فراجع إن شئت «1»

و مما استدل به علي صحة الاولي و كون الثانية عقوبة موثقة محمد بن أبي حمزة عن اسحاق بن عمار عن ابي عبد الله (عليه السلام): «في الرجل يحج عن آخر فاجترح في حجه شيئاً يلزمه فيه الحج من قابل أو كفارة قال: هي للأول تامّة و علي هذا ما اجترح» «2».

هذا و تظهر الفائدة بين القولين في النيّة فيأتي علي القول بكون الاولي هي حجته ببقية الأعمال علي نيته الاولي و بالثاني علي ما وجب عليه بالإفساد و علي القول بكون الثانية هي حجته الواجبة عليه يأتي بها بنية الحج الّذي وجب عليه بالأصل و ببقية مناسك الاولي بنية الأمر الجديد الَّذي تعلق بها.

و أيضاً الأجير للحج في سنته علي القول الأول يستحق أجرة عمله و يجزي عمله عمَّن ناب عنه و يأتي بالثَّانية بنية ما وجب علي نفسه و علي الثاني لا يستحق الأجرة و يأتي ببقية مناسك الاولي و هل يجب عليه الثاني نيابة عمَّن ناب عنه في الأولي و يجزي عنه ثمّ هل يستحق الاجرة المسماة بذلك أو لا يجب عليه الثانية حتَّي يكون الحكم بوجوب الثانية مقصوراً علي من حجّ عن نفسه أو لا يستحق الأجرة و ان برئت ذمَّة المنوب عنه بها في المسألة وجوه.

و يمكن أن يقال: إنَّ المستفاد من إطلاق الأدلة انَّ هذا أي إتمام مناسك الأولي و الحج من قابل حكم

الجماع في أثناء العمل قبل المزدلفة و يجزيه عما نواه سواء كان

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 20/ 354.

(2)- وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب النيابة في الحج ح 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 171

عن نفسه أو عن غيره و الله هو العالم.

و تظهر الثمرة أيضاً في المصدود و المحصور فإنَّه علي القول بأنَّ الثاني عقوبة يجب عليه ثانياً الحج إذا كان استقر عليه قبل هذه السنة أو بقيت استطاعته إلي العام القابل بل بعده.

إلا أن يقال: بوجوب تقديم حجّة الإسلام علي حجّ العقوبة فإنّه يكفي بقاء الاستطاعة إلي الحج القابل و إلا لا يستقر عليه الحج إلا إذا بقيت إلي بعد العام القابل و الله هو العالم.

الأمر الثاني: مما يترتب علي الجماع عالماً عامداً قبل الوقوف بالمشعر الكفارة

و يدل علي ثبوتها عليه الرّوايات «1» و هذا ممَّا لا ريب فيه و الظّاهر انَّه لا خلاف بينهم فيه.

و ممَّا هو غنيّ عن البحث انَّ المرأة تشترك مع الرجل إذا كانت مطاوعة له في جميع الأحكام فتجب عليه الكفارة و ادّعي عليه الإجماع بقسميه في الجواهر «2» و قد دلت عليه الأخبار منها صحيح زرارة المتقدم ذكره و فيه: «و عليهما بدنة» «3» و في خبر خالد الأصم قال: «حججت و جماعة من أصحابنا و كانت معنا امرأة فلما قدمنا مكة جاءنا رجل من أصحابنا فقال: يا هؤلاء قد بليت قالوا: بما ذا؟ قال: شكرت بهذه المرأة فاسألوا أبا عبد الله (عليه السلام) فسألناه فقال: عليه بدن فقالت المرأة: اسألوا لي

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب كفارة الاستمتاع و ب 4 ح 1 و 2 و ب 6 ح 2 و بالاولوية ب 7 ح 1 و 2 و غيره.

(2)- جواهر الكلام: 20/ 356.

(3)- وسائل الشيعة: ب 3

من أبواب كفارات الاستمتاع ح 9.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 172

ابا عبد الله (عليه السلام) فإنّي قد اشتهيت فسألناه فقال: عليها بدنة» «1».

و ما رواه في معاني الأخبار عن أبي عبد الله (عليه السلام) و فيه: «و إن كانت اعانت بشهوة مع شهوة الرجل فعليهما بدنتان ينحرانهما» الحديث. «2»

و أمّا قوله (عليه السلام) في صحيح علي بن جعفر عن أخيه (عليهم السلام): «الرفث جماع النساء» «3» فقد استدلَّ البعض باشتراك المرأة مع الرجل في الأحكام بإطلاقه.

و لكن الظّاهر انَّه لا إطلاق له فإنَّ الظّاهر منه انَّه فعل الرجل و ضمه المرأة إلي

نفسه و الأولي الاستدلال بقوله: «فلا رفث» فإنّه كلاماً كان أو فعلا يشمل فعل المرأة كما يشمل فعل الرجل.

إلا أن يقال: بأنّه فسر بجماع النساء فلا يدل علي حكم النساء.

و كيف كان لا ريب في اشتراكهما في جميع الأحكام إذا كانت مطاوعة له و أمّا إذا كانت مستكرهة كان حجها ماضياً ليس عليها شي ء بلا خلاف و لا إشكال.

و يدلّ عليه صحيح سليمان بن خالد عن أبي عبد الله (عليه السلام) و فيه: «و إن كانت المرأة لم تعن بشهوة و استكرهها صاحبها فليس عليها شي ء» «4».

و ما في خبر معاني الأخبار المتقدم ذكره و فيه: «و إن كان استكرهها و ليس بهوي منها فليس عليها شي ء» و هو مقتضي الأصل.

و لكن علي زوجها كفارتان و هذا أيضاً حسب النصوص الكثيرة فلا إشكال

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب كفارات الاستمتاع. ح 7.

(2)- معاني الاخبار: 294.

(3)- وسائل الشيعة: ب 32 من ابواب تروك الاحرام ح 4.

(4)- وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب كفارات الاستمتاع ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 173

في الحكم و عدم

ذكره في صحيح سليمان بن خالد لا يدل علي عدمها علي الزوج و إن قال في المدارك كما حكي عنه في الجواهر: (ربما ظهر من هذه الرواية عدم تعدد الكفارة علي الزوج مع الإكراه) «1» ضرورة عدم دلالة نفي الشي ء عنها علي نفيه عنه.

نعم لو لا غيره يكون منفياً بالأصل و مع كون غيره لا يصل النوبة إلي الأصل و لو أكرهت الزوجة الزوج لا يترتب علي ذلك شي ء غير الإثم علي الزوجة المكرهة و مقتضي حديث الرفع صحّة حجّ المكره كما أنَّه لا دليل علي تعدد الكفارة علي المكرهة لأنَّ الدليل مختص بإكراه الزوج الزوجة بل ليس علي من اكره المحرم و المحرمة علي الجماع أيضاً شي ء إلا الإثم.

و هل يتحمل الزوج المحلّ إن أكره زوجته المحرمة علي الجماع الكفارة عنها أم لا وجهان أقربهما الأول لأنَّ الظّاهر ان كون كفارتها عليه ليس لأنّه محرم بل لانها محرمة و الله هو العالم.

الأمر الثالث: قد علم ممَّا ذكر في الأمر الثاني ثبوت الكفارة علي المحرم إذا جامع عالماً عامداً و لا ريب انّها بدنة علي من كان موسراً متمكناً

و لكن قد وقع الكلام فيها إذا لم يتمكن من البدنة لعدم يساره أو لعدم وجوده، فهل لها بدل من بقرة أو شاة أو إطعام أو استغفار أو أنَّها تسقط عنها بمجرد ذلك أو تبقي في ذمّته حتَّي يتمكن منها؟

فقد قيل: إنّ المعروف بينهم انَّها في صورة عدم التمكن من البدنة البقرة و الشاة إمَّا مخيراً بينهما أو كون الشاة بدلا عن البقرة إذا لم يتمكن منها أيضاً.

و الظّاهر أنّ ما رواه الكليني (قدس سره) في ذيل الرواية الخامسة من باب المحرم يواقع

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 20/ 363.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 174

امرأته … «1» متروك مهجور ضعيف إمّا بالإرسال إذا لم يكن من الخامسة و إمّا بضعف سنده بعلي بن أبي حمزة

إذا كان ذيلا للرواية الخامسة و إليك عين لفظه و في رواية اخري: «فإن لم يقدر علي بدنة فاطعام ستين مسكيناً لكلّ مسكين مد فإن لم يقدر فصيام ثمانية عشر يوماً، و عليها أيضاً كمثله إن لم يكن استكرهها». «2»

و روي الصدوق باسناده عن خالد بياع القلانس قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل أتي أهله و عليه طواف النساء؟ قال: عليه بدنة ثمّ جاءه آخر (فسأله عنها) فقال: عليك بقرة ثمّ جاءه آخر (فسأله عنها) فقال: عليك (عليه) شاة فقلت بعد ما قاموا: أصلحك الله كيف قلت عليه بدنة؟ فقال: أنت موسر فعليك بدنة، و علي الوسط بقرة، و علي الفقير شاة». «3»

و هذا الخبر مطعون بضعف السند لضعف طريق الصدوق إلي خالد بنضر بن شعيب فإنَّه مجهول إلا أن يقال بجبر ضعفه بالعمل فإنَّ الشيخ أفتي في المبسوط- بأنَّ من جامع قبل طواف الزّيارة عليه جزور و إن لم يتمكن عليه بقرة و إن لم يتمكن عليه شاة.

و الظّاهر انّ ذلك يكون بالنظر إلي مثل هذا الخبر و ملاحظة أولوية قبل طواف الزِّيارة لهذا الحكم عمن عليه طواف النساء و علي هذا لا يرد الاستدلال به لما نحن فيه بأنَّ كلامنا في من جامع قبل المزدلفة و هذا وارد فيمن جامع بعدها فإن الاستدلال به يكون مبنياً علي أولوية قبل المزدلفة لذلك عما بعدها فإنه ليس قبل

______________________________

(1)- الكافي: 4/ 374.

(2)- وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب كفارات الاستمتاع ح 3.

(3)- وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب كفارات الاستمتاع ح 1. و من لا يحضره الفقيه: 2/ 363 ح 2716.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 175

المشعر أخف من بعده فما ثبت من الكفارة

علي الجماع بعده يثبت علي ما قبله.

و يمكن أن يستدل لذلك بل يستدل لبدلية البقرة و الشاة علي الترتيب المذكور في كل مورد كان كفارته بدنة و عجز المكلف عنها بموثق إسحاق بن عمار عن أبي بصير قال: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) رجل محرم نظر إلي ساق امرأة فأمني؟ فقال: إن كان موسراً فعليه بدنة و إن كان وسطاً فعليه بقرة و إن كان فقيراً فعليه شاة» «1». و الاستدلال به بالمفهوم و الأولوية لأنَّ وجوب الكفارة علي الجماع أولي من وجوبه علي النظر إلي ساق امرأة.

و في صحيح زرارة: «في محرم نظر إلي غير أهله فأنزل قال: عليه جزور أو بقرة فإن لم يجد فشاة». «2»

و لكن في صحيح علي بن جعفر: «فمن رفث فعليه بدنة ينحرها فإن لم يجد فشاة». «3»

و المعول علي هذا الضعف غيره سنداً أو دلالة و لكن ينبغي العمل بالاحتياط فإن لم يجد البدنة يذبح البقرة و إلا فالشاة.

فإن قلت: ظاهر الصحيح إن بدل البدنة هي الشاة فالاكتفاء بالبقرة محل الإشكال.

قلت: الظّاهر انَّه ليس للشاة خصوصية قبال البقرة بل بدليتها للاكتفاء بأقل ما يبدل به عن البدنة و انّها أخف ما هو عليه و الله هو العالم.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 16 من أبواب كفارات الاستمتاع ح 2.

(2)- وسائل الشيعة: ب 16 من أبواب كفارات الاستمتاع ح 1.

(3)- وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب كفارات الاستمتاع ح 4.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 176

الأمر الرابع: ممَّا يترتب علي الجماع الواقع قبل المزدلفة عالماً عامداً التفريق بينهما من المكان الّذي أحدثا فيه ذلك في الحجتين الاولي

الّتي أحدثا فيها ذلك و الثانية الَّتي تؤتي بها في العام القابل و وجوب التفريق المذكور في الثانية مورد الاتفاق و الإجماع، و نسب إلي بعضهم الخلاف في الاولي و لعله لاقتصارهم في الحكم به

في الحجة الثانية إلا ان النصوص قد دلت علي وجوبه في كلتيهما و إليك بعضها:

فمنها صحيح معاوية بن عمار قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل محرم وقع علي أهله؟ فقال: إن كان جاهلا فليس عليه شي ء، و إن لم يكن جاهلا فإنَّ عليه أن يسوق بدنة، و يفرق بينهما حتي يقضيا المناسك و يرجعا إلي المكان الَّذي أصابا فيه ما اصابا و عليه (و عليهما) الحج من قابل» «1»

و هذا ظاهر في بيان وجوب التفريق في خصوص الحجة الَّتي هي بيدهما (الحجة الأولي).

و مثله صحيحه الأخر «2» و مرفوعة أبان «3» و صحيح معاني الأخبار عن أبيه بإسناده عن الحلبي «4» و ما رواه الحلّي في السرائر من نوادر البزنطي «5» و خبر نضر بن سويد عن هشام عن سليمان و علي ابن أبي حمزة «6» فتلك و لعل يوجد غيرها قد دلت علي وجوب التفريق بينهما في الاولي كما قد دل علي وجوب التفريق بينهما في الثانية صحيح معاوية بن عمار أيضاً عن أبي عبد الله (عليه السلام) و فيه: «و عليه الحج من

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب كفارات الاستمتاع ح 2.

(2)- وسائل الشيعة ب 3 من أبواب كفارات الاستمتاع ح 5.

(3)- وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب كفارات الاستمتاع ح 6.

(4)- وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب كفارات الاستمتاع ح 14 و معاني الاخبار: 294.

(5)- وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب كفارات الاستمتاع ح 15.

(6)- وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب كفارات الاستمتاع ح 1 و 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 177

قابل فإذا انتهي إلي المكان الَّذي وقع بها فرق محملا هما فلم يجتمعا في خباء واحد إلا

أن يكون معهما غيرهما حتي يبلغ الهدي محله». «1»

و ممَّا يدل علي وجوب الافتراق بينهما فيهما مضمرة زرارة المقدمة فإنّ فيها: «فإن كانا عالمين فرّق بينهما من المكان الَّذي أحدثا فيه و عليهما بدنة و عليهما الحج من قابل فإذا بلغا المكان الَّذي أحدثا فيه فرّق بينهما حتي يقضيا نسكهما، و يرجعا إلي المكان الَّذي أصابا فيه ما أصابا» الحديث «2».

و بعد الإحاطة علي الرّوايات لا ينبغي الترديد في وجوب الافتراق بينهما في الحجتين كما انّه يظهر منها أنَّ الافتراق يبتدئ به من مكان الّذي أوقعا فيه ذلك إنَّما الكلام في المكان الَّذي ينتهي فيه هذا الافتراق.

فنقول: و إن كان الظّاهر وقوع الاختلاف في الروايات في تعيين هذا المكان فإن في بعضها: «و يفرق بينهما حتي يقضيا المناسك و يرجعا إلي المكان الذي أصابا فيه ما أصابا» «3» و هذا مورده الحجة الاولي و في بعضها الوارد أيضاً في الافتراق في الحجة الاولي «يفرق بينهما و لا يجتمعان في خباء إلا أن يكون معهما غيرهما حتي يبلغ الهدي محلَّه» «4» و معناه كما في الجواهر عن الجامع: (حتي يحل بالذبح). «5»

و في صحيح الحلبي: «و يفرق بينهما حتي ينفر الناس و يرجعا إلي المكان الَّذي

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب كفارات الاستمتاع ح 12.

(2)- وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب كفارات الاستمتاع ح 9.

(3)- وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب كفارات الاستمتاع ح 2.

(4)- وسائل الشيعة: ب 3 من ابواب كفارات الاستمتاع ح 12.

(5)- جواهر الكلام: 20/ 358.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 178

أصابا فيه ما أصابا» «1» و في موثق محمد بن مسلم المروي في النوادر: «و يفرق بينه و بين أهله حتي يقضيا

المناسك و حتَّي يعود إلي المكان الَّذي أصابا فيه ما أصابا» «2» و في خبر سليمان بن خالد: «و يفرق بينهما حتَّي يفرغا من المناسك و حتَّي يرجعا إلي المكان الَّذي أصابا فيه ما أصابا» «3».

و في خبر علي بن أبي حمزة: «و يفترقان من المكان الَّذي كان فيه ما كان حتي ينتهيا إلي مكة» «4»

و مورد هذه الروايات كلّها وظيفتهما في الحجة الاولي.

و يمكن رفع التنافي بينهما بأن يقال: إنَّ المراد من الرجوع الرجوع إلي أهله و وطنه و إنَّهما لا يجتمعان حتي إذا قضيا المناسك كلها فإن كانا في الرجوع يمران علي هذا المكان لا يجتمعان حتَّي يرجعا إلي ذلك المكان.

و يؤيد هذا ما في صحيح الحلبي «حتَّي ينفر الناس و يرجعا إلي المكان الَّذي أصابا فيه» «5» فلأنَّ المراد من نفر الناس نفرهم من مني يوم النفر.

و لكن يقع التنافي بيّنه و بين قوله: حتي يبلغ الهدي محله إلا أن يقال بدلالة الطائفة الاولي علي إحداث ما أحدثا قبل الوصول إلي مني و في مكان يرجعان إليه بعد النفر فيقيد بها هذا حتَّي يكون النتيجة إن أحدثاه قبل المني لا يجتمعان حتَّي يقضيا المناسك كلها و ينفرا من مني و يرجعا إلي ذلك المكان و إن أحدثا بعد الوصول إلي مني يجتمعان بعد الإحلال بالذبح فيه.

______________________________

(1) الوسائل: ب 3 من أبواب كفارات الاستمتاع ح 14.

(2)- وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب كفارات الاستمتاع ح 15.

(3)- وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب كفارات الاستمتاع ح 1.

(4)- وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب كفارات الاستمتاع ح 2.

(5)- وسائل الشيعة: ب 3 من ابواب كفارات الاستمتاع ح 14.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 179

هذا كله في

ما يدل علي الافتراق في الحجة الاولي و أمّا الحجة الثانية التي يعبر عنها في بعض الكلمات بحجة القضاء، و إن كان الأولي علي ما قويناه تسميتها بحجة العقوبة فالأمر فيها سهل لأنَّ ما يدل علي وجوب افتراقهما هو مضمر زرارة و فيه «و عليها الحج من قابل فإذا بلغا المكان الَّذي أحدثا فيه فرق بينهما حتي يقضيا نسكهما و يرجعا إلي المكان الَّذي أصابا فيه ما اصابا» «1» و مقتضي هذا انَّهما إن رجعا إلي وطنهما من ذلك الطريق لا يجتمعان حتَّي يرجعا إلي ذلك المكان إن كانا أحدثا ما

أحدثا قبل الوصول إلي مني و الا فإن أحدثا بعده يكفيهما الافتراق إلي قضاء المناسك.

و هنا يطرح فرع و هو: انَّهما إن أحدثا ما أحدثا في الذهاب إلي عرفات من طريق مني قبل الوصول إليه و في حجهما القابل اختارا طريقاً آخر إلي عرفات لا يمر بذلك المكان يمكن أن يقال: إنَّهما يفترقان إذا وصلا بمكان يمر الطريقان إليه كعرفات. و الله هو العالم.

[الصورة الثانية] الجماع بعد المشعر الحرام
اشارة

المقام الثاني فيما يترتب علي الجماع إن وقع بعد المشعر الحرام.

قال في الشرائع: (و إن جامع بعد الوقوف بالمشعر و لو قبل أن يطوف طواف النساء أو طاف منه ثلاثة أشواط فما دونه أو جامع في غير الفرج قبل الوقوف كان حجه صحيحاً و عليه بدنة لا غير) «2»

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب كفارات الاستمتاع، ح 9.

(2)- شرائع الاسلام: 1/ 225.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 180

أقول: قد تعرض هنا لثلاث مسائل:

إحداها: في من جامع بعد الوقوف قبل أن يطوف طواف النساء.

و ثانيتها: فيمن جامع بعد المشعر و طاف ثلاثة أشواط فما دون.

و ثالثتها: فيمن جامع في غير الفرج كالتفخيذ

و نحوه قبل الوقوف.

أمّا حكم المسألة الاولي: [في من جامع بعد الوقوف قبل أن يطوف طواف النساء.]

فهو إنَّ حجه صحيح و عليه بدنة قال في الجواهر: (بلا خلاف أجده فيه بل الإجماع بقسميه عليه مضافاً إلي أصل الصحة) «1».

و استدل فيه بمفهوم قول الصادق (عليه السلام) في صحيح معاوية: «إذا وقع الرجل بامرأته دون المزدلفة أو قبل أن يأتي مزدلفة فعليه الحج من قابل» «2».

فإن مفهومه إجزاء حجه إذا جامع بعد المزدلفة.

و بصحيحه الآخر: «و سألته عن رجل وقع علي امرأته قبل أن يطوف طواف النساء؟ قال: عليه جزور سمينة، و إن كان جاهلا فليس عليه شي ء» «3».

و نحوه خبر زرارة «4» قال في الجواهر و لعل المراد به (بالجزور) البدنة. «5»

و مما يدل علي وجوب الكفارة إطلاق ما يدل علي وجوبها لوقوع مطلق الرفث مثل صحيح علي بن جعفر: «فمن رفث فعليه بدنة ينحرها فإن لم

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 20/ 363.

(2)- وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب كفارات الاستمتاع ح 1. تهذيب الاحكام: 5/ 319 ح 1099.

(3)- وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب كفارات الاستمتاع ح 1. تهذيب الاحكام: 5/ 323 ح 1109.

(4)- وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب كفارات الاستمتاع ح 3.

(5)- جواهر الكلام: 20/ 364.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 181

يجد فشاة» «1».

و صحيحه الآخر «في رجل واقع امرأته قبل طواف النساء متعمداً قال: يطوف و عليه بدنة» «2» و غيرهما من الرّوايات إذاً فلا فرق في وجوب الكفارة قبل المزدلفة أو بعدها.

و أمّا المسألة الثانية: [فيمن جامع بعد المشعر و طاف ثلاثة أشواط فما دون.]

فكذا قال في الجواهر: (لا خلاف أجده كما اعترف به

غير واحد فيه) «3».

و استدل له بصحيح معاوية الثاني لصدق قبل أن يطوف ما لم يتم طوافه لأنَّ المركب لا يتم إلا بجميع أجزائه.

و لكن يمكن أن يقال: إنَّ قوله: «قبل أن يطوف» ظاهر في قبل الشروع في

الطواف و علي ذلك فمقتضي الأصل صحة حجه و براءة ذمته عن البدنة اللهم إلا أن يثبت لاثبات البدنة عليه بالإجماع أو بفتوي المشهور.

و أمّا خبر حمران عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «و إن كان طاف طواف النساء فطاف منه ثلاثة أشواط ثمّ خرج فغشي فقد أفسد حجه» «4» فمضافاً إلي ما في سنده من الضعف لا يحتج به لقيام الإجماع علي خلافه فيحمل علي مطلق النقص منه.

و أما خبر خالد بياع القلانس «5» الدال علي أنَّ علي الموسر بدنة و علي الوسط بقرة و علي الفقير شاة إن أتي أهله من عليه طواف النساء فقد قال في

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب كفارات الاستمتاع ح 16

(2)- وسائل الشيعة: ب 10 من ابواب كفارات الاستمتاع ح 4.

(3)- جواهر الكلام: 20/ 364.

(4)- وسائل الشيعة: ب 11 من أبواب كفارات الاستمتاع ح 1.

(5)- وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب كفارات الاستمتاع ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 182

الجواهر: (لم نجد من أفتي به) «1» فلو لم يكن مطعوناً بضعف السند لأمكن القول به في المسألة الأولي إذا عجز عن البدنة دون الثانية لأنَّ الظّاهر من قوله «و عليه طواف النساء» عدم شروعه فيه و علي كلِّ حال فلا شي ء علي الجاهل و الناسي للأصل و لما دل علي أنَّه لا شي ء عليهما في الجاهل قبل الوقوف و قبل طواف الزيارة فهنا أولي و لخصوص صحيح معاوية الَّذي قال فيه «و إن كان جاهلا فليس عليه شي ء»

و لصحيح سلمة بن محرز «2».

و أمَّا المسألة الثالثة: [فيمن جامع في غير الفرج كالتفخيذ و نحوه قبل الوقوف.]

فالظاهر أنَّ المراد بالفرج فيها ما يشمل الفرجين كما صرِّح به في الجواهر «3» أيضاً كما أنَّ الظّاهر عدم الخلاف فيها.

و يدل علي وجوب

البدنة عليه صحيح معاوية بن عمار قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل وقع علي أهله فيما دون الفرج؟ قال: عليه بدنة، و ليس عليه الحج من قابل و إن كانت المرأة تابعته علي الجماع فعليها مثل ما عليه، و إن كان استكرهها فعليه بدنتان و عليهما الحج من قابل» «4» و عن بعض النسخ «و عليه الحج».

و قد وقع الإشكال في فقه الحديث فنقول: إذا كان لفظه «و عليه الحج من قابل» لا تهافت بين الصدر و الذيل بلحاظ- نفس ما يدل عليه الحديث غاية الأمر لا يكون عليه الحج من قابل إن لم يستكرهها و عليه بدنتان و الحج من قابل إن استكرهها و لكن الظّاهر انَّه لا يوجد من أفتي بذلك.

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 20/ 364.

(2)- وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب كفارات الاستمتاع ح 2.

(3)- جواهر الكلام: 20/ 365.

(4)- وسائل الشيعة: ب 7 من ابواب كفارات الاستمتاع ح 1 و تهذيب الاحكام: 5/ 318 ح 1097.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 183

و أمّا إذا كان اللفظ- «و عليهما الحج من قابل» فلا يستقيم ذلك لأنَّها إذا كانت مستكرهة لا حجّ عليها كما ليست عليها بدنة و ان كان ذلك حكم صورة كونها مطاوعة له يقع التهافت بين الصدر و الذيل و لهذا يقوي احتمال زيادة قوله: «و عليه أو عليهما الحج من قابل» أو وقوع تحريف في نقل الحديث.

و لكن مع ذلك لعلك لا تجد منهم من أفتي بوجوب البدنة علي المرأة إذا كانت مطاوعة له و وجوب بدنتان عليه إذا استكرهها و يمكن أن يستشهد بوقوع الخلط في

نقل الحديث في التهذيب، و إنَّ هذا الذيل أخذ من حديث آخر و

إنَّ الجماع فيه حقيقي إنَّ الشيخ (قدس سره) رواه في كتابه الآخر الاستبصار «1» بدون هذا الذيل إلي قوله: «و ليس عليه الحج من قابل» و كيف كان لا يضر هذا الذيل بما هو صريح الصدر.

و مما يدل علي الحكم صحيح معاوية الآخر عن ابي عبد الله (عليه السلام): «في المحرم يقع علي أهله و قال: إن كان أفضي إليها فعليه بدنة و الحج من قابل و إن لم يكن أفضي إليها فعليه بدنة، و ليس عليه الحج من قابل» «2».

هذا و لا يخفي عليك أنَّ إطلاق النص و الفتوي يقتضي عدم الفرق بين الانزال و عدمه في لزوم البدنة بالجماع في غير الفرج فلا وجه لتردد البعض في وجوبها مع عدم الانزال مضافاً إلي ما دلّ علي وجوب الجزور بالتقبيل و الشاة بالمس بشهوة و لا ريب أنَّ ذلك أولي بذلك الحكم.

ثمّ إنَّه قد تنظر في الجواهر في كلام المحقق (قدس سره) هنا فإنَّه قال: (و لو جامع بعد الوقوف بالمشعر و لو قبل أن يطوف طواف النساء أو طاف منه ثلاثة أشواط فما

______________________________

(1)- الاستبصار: 2/ 192 ح 644.

(2)- وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب كفارات الاستمتاع ح 2 و الاستبصار: 2/ 192 ح 645.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 184

دون … كان حجه صحيحاً و عليه بدنه لا غير) و التعبير بلو الوصليّة يقتضي وجوب البدنة بعد الطواف و لا ريب في فساده و قال في الجواهر: اللهمّ إلا أن يراد بذلك بيان وجوبها قبل ذلك لا بعده «1».

أقول: لا ريب في انَّه أراد وجوبها قبل ذلك لا بعده إلا ان عبارته تفيد خلاف ما أراده و الظّاهر انَّ حق العبارة كان: (و لو

جامع بعد الوقوف بالمشعر قبل أن يطوف …) و زيد عليها (و لو) من سبق قلمه الشريف أو بعض النساخ لوجود كلمة

(و لو) قبل ذلك و الله هو العالم.

تفريع: قال في الجواهر: (إذا حجّ في القابل بسبب الافساد لزمه ما لزم أوّلا) و هكذا للعمومات الشاملة له إذ هو حجّ صحيح سواء قلنا عقوبة أو فريضة لكن لا يتعدد القضاء فإذا أتي في السنة الثالثة بحجة صحيحة كفاه عن الفاسد ابتداء و قضاء و لا يجب عليه قضاء آخر و إن أفسد عشر حجج كما نص عليه الفاضل في جملة من كتبه و غيره لأنه إنَّما كان يجب عليه حجّ واحد صحيح، و كذا لو تكرر الجماع في الإحرام الواحد لم يتكرر القضاء، و أمّا البدنة ففي تكرارها أوجه يأتي الكلام فيها إن شاء الله «2».

أقول: الاستدلال علي كفاية حجّة صحيحة مبني علي فساد الحجة الأولي فيجب عليه الإتيان بها ثانياً و إن أفسدها ثانياً يجب عليه الإتيان بما كان عليه أولا و كذا إن أفسدها ثالثاً و رابعاً و و … فلا يجب عليه إلا الإتيان بما كان عليه.

و أمّا علي القول بصحة الاولي و كون الثانية عقوبة فتجب عليه الثالثة أيضاً

______________________________

(1) جواهر الكلام: 20/ 366.

(2) جواهر الكلام: 20/ 366.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 185

عقوبة لما اجترحها في الثانية و كذا الرابعة و الخامسة.

[مسألة 13] الجماع في العمرة المفردة

مسألة 13: من جامع عالماً عامداً في إحرام العمرة المفردة قبل السعي قال في الشرائع (فسدت عمرته و عليه بدنة و قضاؤها) «1» و كلامه مطلق يشمل المفردة و غيرها و قال في الجواهر: (يمكن تحصيل الإجماع عليه في العمرة المفردة الَّتي حكي التصريح بها عن النهاية و المبسوط-

و المهذب

و السرائر و الجامع فضلا عن إطلاق غيرها) «2».

و الّذي يدل عليه قبل الإجماع الرّوايات ففي صحيح بريد بن معاوية العجلي «3» قال: «سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل اعتمر عمرة مفردة فغشي أهله قبل أن يفرغ من طوافه و سعيه؟ قال: عليه بدنة لفساد عمرته و عليه أن يقيم إلي الشهر الأخر فيخرج إلي بعض المواقيت فيحرم بعمرة» «4».

و في صحيح مسمع «5» عن أبي عبد الله (عليه السلام): «في الرجل يعتمر عمرة مفردة ثمّ يطوف بالبيت طواف الفريضة ثمّ يغشي أهله قبل أن يسعي بين الصفا و المروة؟ قال: قد أفسد عمرته و عليه بدنة و عليه أن يقيم (و يقيم) بمكة (محلا بمكة) حتي يخرج الشهر الّذي اعتمر فيه ثمّ يخرج إلي الوقت الَّذي وقته رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) لأهله

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 20/ 366.

(2)- جواهر الكلام: 20/ 366.

(3)- وجه من وجوه اصحابنا ممن اجمعت الصحابة علي تصديقهم … من الرابعة.

(4)- وسائل الشيعة: ب 12 من ابواب كفارات الاستمتاع ح 1.

(5)- سيد المسامعة وجه من الخامسة.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 186

فيحرم منه و يعتمر» «1».

و ما رواه الكليني بإسناده عن ابن أبي عمير عن أحمد بن أبي علي «2» عن أبي جعفر (عليه السلام): «في رجل اعتمر عمرة مفردة و وطئ أهله، و هو محرم قبل أن يفرغ من طوافه و سعيه؟ قال: عليه بدنة لفساد عمرته، و عليه أن يقيم بمكة حتي يدخل شهر آخر فيخرج إلي بعض المواقيت فيحرم منه ثمّ يعتمر» «3». و علي هذه فلا ريب في

فساد عمرته و قضائها عليه و عدم جواز تأخيره عن الشهر الَّذي يدخل بعد شهره.

و هل يجب

عليه الإقامة بمكة إلي الشهر القابل أو يجوز له الخروج ثمّ الرجوع إليها باحرام العمرة في الشهر الآخر ظاهر الرّوايات وجوب الإقامة بمكة حتي يعتمر في الشهر التالي فتعبير صاحب الوسائل عنه بالاستحباب و المحقق بالأفضلية كأنّه ليس في محله.

و هل يجب عليه إتمام العمرة الَّتي هي بيده أو يرفع اليد عنها لبطلانها و فسادها كما إذا بطلت الصلاة في أثنائها فلا يجب عليه إتمامها، لا ريب انَّ الأحوط إتمامها و الخروج به عن الإحرام لأنّ فسادها أعم من خروجه من الإحرام و يمكن أن يستشهد بذلك بقوله: «محلا بمكة».

و يمكن أن يستدل لذلك باستصحاب بقاء حرمة المحرمات عليه إلا أن يقال بعدم جريانه في الشبهات الحكمية.

هذا كله في ما إذا كان ذلك قبل السعي و أمّا إذا كان بعده فقد صرح بعض الأعاظم من المعاصرين بانهم: (قد تسالموا علي ثبوت الكفارة و لكن لم يذكر له

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 13 من ابواب كفارات الاستمتاع الاحرام ح 2.

(2)- قال سيدنا الاستاد (قدس سره) لا اعرف هذا الرجل و ان كان فلعله من الرابعة و السادسة.

(3)- وسائل الشيعة: ب 12 من ابواب كفارات الاستمتاع ح 4.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 187

دليلا) «1».

و الَّذي يمكن أن يستدل له صحيح علي بن جعفر عن أخيه (عليه السلام) الدال علي وجوب البدنة قبل طواف النساء قال: «سألت أبي جعفر بن محمد (عليه السلام) عن رجل واقع امرأته قبل طواف النساء متعمدا ما عليه؟ قال: يطوف و عليه بدنة» «2». و إطلاقه يشمل ما إذا كان منه في العمرة المفردة كما يشمل ما إذا كان منه في الحج.

و يدل عليه إطلاق صحيح سلمة بن محرز الَّذي رواه الكليني «3» و

لكن الشيخ روي نفس الحديث في من سعي في الحج و اتي بالجماع قبل طواف النساء «4» فلا يحتج به لمطلق ذلك.

نعم يدل عليه بالإطلاق خبر خالد بياع القلانس «5» لكن سند الصدوق إليه ضعيف بنضر بن شعيب و إلا فيدل علي الترتيب بين الموسر و الوسط و الفقير فعلي الأول بدنة و علي الثاني بقرة و علي الثالث شاة و العمل به موافق للاحتياط- في المسألة بكلتي صورتيها.

و أما حكم عمرته من حيث الفساد و الصحَّة فقد حكي عن الحدائق و المدارك الاستشكال في صحتها لأنَّ الدليل الدال علي صحتها إنَّما هي في عمرة التمتّع فلا يشمل العمرة المفردة.

______________________________

(1)- المعتمد: 4/ 90.

(2)- وسائل الشيعة: ب 10 من ابواب كفارات الاستمتاع ح 7.

(3)- وسائل الشيعة: ب 10 من ابواب كفارات الاستمتاع، ح 2.

(4)- وسائل الشيعة: ب 10 من ابواب كفارات الاستمتاع، ح 5. تهذيب الاحكام: 5/ 22 ح 1108/ 21.

(5)- وسائل الشيعة: ب 10 من ابواب كفارات الاستمتاع، ب 10 ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 188

و أجيب عنه بأنه يكفي في الحكم بعدم الفساد عدم الدليل و وجود الدليل في عمرة التمتّع علي صحتها ليس دليلا علي بطلانها في غيرها «1».

و يكفي في الحكم بالصحة الأصل فإنَّ مقتضاه عدم اعتبار ذلك في العمرة و عدم حرمته بالإحرام و استصحاب حكم فساده بالجماع قبل السعي لا يكفي لانه من إسراء حكم موضوع إلي موضوع آخر و استصحاب حكم حرمته التكليفي لا يترتب عليه الفساد.

و كيف كان فالظاهر تسالمهم علي عدم الفساد مضافاً إلي أنَّ الحكم بالفساد و الكفارة إن كان ذلك قبل السعي مفهومه عدم كون الجماع بمجرده موضوعاً للكفارة و الفساد و إذا ثبت

الكفارة لبعد السعي يلزم عدم كونه محكوماً بالفساد و إلا يلزم لغوية تقييد الحكم بالكفارة و الفساد بقبل السعي فتأمل جداً.

[مسألة 14] «اذا جامع المتمتع في عمرته»

مسألة 14: إذا جامع المتمتّع في عمرته عالماً عامداً قبل السعي فهل حكمه حكم من جامع في إحرام العمرة المفردة قبل السعي تفسد به عمرته و تجب عليه قضائها و الكفارة عنها؟

أقول: الظّاهر انّه يدور الأمر بين أن نقول بصحة العمرة و عدم ترتب الكفارة عليه أو بطلانها مع عدم ترتب أمر عليه إلا قضائها أو ترتب الكفارة أيضاً عليه أو صحتها مع الكفارة.

أمّا القول بصحة العمرة و عدم ترتب الكفارة عليه فيردّه مفهوم صحيح

______________________________

(1)- راجع المعتمد: 4/ 91.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 189

معاوية بن عمار: «سألت ابا عبد الله عن متمتع وقع علي امرأته قبل أن يقصر؟ قال: ينحر جزوراً و قد خشيت أن يكون قد ثلم حجه» «1» فإنه يلزم منه أن يكون أمره قبل السعي أهون من بعده.

و أمّا القول بصحتها مع الكفارة كمن ارتكب ذلك قبل أن يقصر فالقول به يحتاج إلي الدليل. اللهم إلا أن يتمسك لصحتها بالاصل و للكفارة بصحيح معاوية إمّا بالمنطوق أو الأولوية.

لا يقال: يردّ هذا القول مفهوم ما في صحيح معاوية (قبل ان يقصر) فإنَّه يدل علي أنَّ ذلك منه إن كان قبل السعي يفسد عمرته و لا يكتفي فيه بالكفارة.

فإنَّه يقال: هذا القيد مذكور في كلام السائل فلعلَّ كان مورد ابتلائه الوقاع قبل التقصير فأجابه (عليه السلام) بما هو حكمه و حكم من ارتكبه قبل السعي.

و أمّا القول ببطلانها مع القضاء و الكفارة أو بدونها خلاف الأصل محتاج إلي الدليل إذاً فالقول الصحيح هو القول الثاني المبني علي صحة العمرة و وجوب الكفارة أمَّا

البناء علي صحتها للاصل و أمَّا وجوب الكفارة فبالأولوية المستفادة من صحيح معاوية.

و أمّا الاستدلال بمنطوقه لإثبات الكفارة بأن يقال: باطلاق قوله: «قبل ان يقصر» و شموله لما قبل السعي كما يشمل ما بعده حتي يكون مدلول «قبل أن يقصر» قبل الخروج من الإحرام كما أفاده بعض الأعلام و جعله نظير سؤال السائل عن التكلم قبل السلام فإنَّه يعم جميع حالات الصلاة و لا خصوصية لبعد التشهّد و قبل

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 13 من ابواب كفارات الاستمتاع ح 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 190

السلام فالغرض وقوع هذا الفعل قبل الفراغ من العمل «1»، ففيه: إنَّ في كلتي الصورتين الدلالة تكون بالمفهوم لا باطلاق المنطوق فإنَّه إذا كان حكم التكلم قبل السلام بطلان الصلاة يكون قبل التشهد و في أثناء الصلاة مبطلا لها بطريق أولي: بل الظّاهر من مثل هذا السؤال و الجواب انَّ السائل كان عالماً بترتب حكم بطلان الصلاة علي التكلم في الأثناء و قبل التَّشهد و لكنه أراد أن يعلم ان بعد التشهد هل يترتب عليه هذا الحكم أم لا؟

و يمكن أن يقال مثله في الصحيح و إنَّ السائل كان عالماً بحكم قبل السعي كان

هو نحر الجزور أو فساد عمرته فسأل عن حكم الجماع إذا وقع بعد السعي و قبل أن يقصر فأجابه بانه ينحر جزوراً.

نعم يمكن أن يكون قوله: «و قد خشيت أن يكون قد ثلم حجه» إشارة إلي حكم ما قبل السعي و انَّه خشي أن يكون ما بعده قبل التقصير ملحقاً به إذاً فالحكم بصحة القول الثاني أيضاً يقع معرضاً للاستشكال لانه إذا كان حكم الوقاع قبل السعي فساد عمرة التمتّع و حكمه قبل التقصير نحر الجزور لا يكون ما

قبله أولي به فإنَّ لكلّ منهما حكم مختص به.

نعم الحكم بصحة عمرة التمتّع إذا وقع الوقاع قبل السعي و براءة ذمة المواقع عن الكفارة لا يلتئم مع الحكم بالكفارة إذا وقع قبل التقصير فالتمسك باصالة الصحَّة لا يخلو من الإشكال

اللهم إلا أن يتمسك بالعلم الإجمالي فيقال: إنَّ الأمر مردد بين فساد العمرة حتي يجب عليها قضائها أو صحتها و وجوب الكفارة و مقتضي العلم الإجمالي

______________________________

(1)- المعتمد 4/ 70.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 191

الاحتياط بالقضاء و الكفارة.

ثمَّ لا يخفي عليك انَّ صاحب الجواهر قال: (لم أعثر علي نص في المتمتّع بها كما اعترف به غير واحد و حكي عن العلامة في قواعده الإشكال في كون حكم العمرتين واحداً و عن المدارك ان ظاهر الاكثر و صريح البعض عدم الفرق بينهما و عن أبي الصلاح التصريح بفساد المتعة بالجماع قبل طوافها و سعيها و انَّ عليه بدنة و استدل بوجوه لفساد عمرة التمتّع بالوقاع قبل السعي ناقش هو فيها لا بأس بالإشارة إليها) «1».

فمنها ما حكاه عن المدارك فإنَّه قال: (و ربما أشعر به (يعني بعدم الفرق بين العمرتين في الحكم) صحيحة معاوية بن عمار «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل متمتع» الحديث فإنَّ الخوف من تطرق الفساد إلي الحج بالوقاع بعد السعي قبل التقصير ربما اقتضي تحقّق الفساد بوقوع ذلك قبل السعي و أجيب عن ذلك بأنَّ المذكور في الصحيح خشية الفساد بوقوع الوقاع قبل التقصير و مقتضي الأولوية كون ذلك قبل السعي أولي بالخشية «2».

و أمّا ما أجاب به صاحب الجواهر عن هذا الإشكال فلم نتحصله و لكنه بعد ما أجاب عن الاستدلال بإطلاق الحديث لما إذا لم يسع بأنَّ المتبادر منه الوقاع

بعد السعي قبل التقصير قال: و إن كان لا يخلو من مناقشة انَّ المراد الإشعار بالفساد من حيث الخوف في هذا الحال أما قبل هذا الحال فالفساد محقق نعم ليس هو دلالة يعتد بها و هذا قريب مما ذكرناه في مفاد الحديث فتدبر.

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 20/ 380.

(2)- جواهر الكلام: 20/ 381.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 192

و منها: أنَّ العمرة المفردة و عمرة التمتّع ليستا طبيعتين مختلفتين بل هما طبيعة واحدة لها فردان و افتراقهما في أمور يسيرة مثل وجوب طواف النساء للمفردة، و ارتباط- عمرة التمتّع بالحجّ دون المفردة لا يجعلها متخالفين في الأحكام المهمَّة و ما هو لهما بمنزلة الأركان سيَّما في محرمات الإحرام.

و اجيب عن ذلك و إن لم نره بعيداً عن الواقع بأنَّه قياس ظاهر و لا مجال لإجراء حكم كلّ منهما إلي الآخر بعد ما كان لكلّ منهما أحكام مخصوصة فتأمل.

و منها: إطلاق ما يدل علي فساد الحج بالوقاع المذكور فإنَّ عمرة التمتّع جزء منه يعبر عنهما بحج التمتّع كما يطلق عليهما حجّة الإسلام.

و يجاب عن ذلك بأنَّ المتبادر منها نفس الحج الَّذي يقابل العمرة.

فتلخّص من جميع ما ذكر و ما ذكره الجواهر بطوله انَّ القول بفساد عمرة التمتّع بالوقاع قبل السعي في غاية الإشكال و لكن القول بكون البدنة عليه بفحوي صحيح معاوية بن عمار لما استظهرنا أيضاً لا يخلو من الإشكال و القول بعدمها أشكل لأنَّه يجعل ما قبل السعي أهون ممَّا بعد إذاً فمقتضي العلم الإجمالي الّذي أشرنا إليه هو الاحتياط- و يختلف صورها باختلاف الموارد فتأمل جيداً.

[مسألة 15] «اذا جامع في عمرة التمتع بعد فراغه من السعي»

مسألة 15: و إن جامع في عمرة التمتّع بعد فراغه من السعي فلا إشكال عندهم في أنَّه لا يفسد عمرته

و أنَّ عليه الكفارة.

أمَّا عدم فساد عمرته به فيدل عليه صحيح معاوية الَّذي كرر الإشارة عليه و فيه: «و قد خشيت ان يكون قد ثلم حجَّه» فإنَّ خشية الانثلام و الإفساد ظاهر في

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 193

عدم تحقّق الفساد بل المراد منه أن فعله جعله قريباً من الفساد.

و يمكن الاستدلال له بمعتبرة ابن مسكان قال: «قلت: متمتع وقع علي امرأته قبل أن يقصِّر؟ فقال: عليه دم شاة» «1» فإن سكوته عن بيان وجوب القضاء عليه في مقام بيان مطلق ما يترتب عليه من الحكم يدل علي عدم ترتب الفساد عليه.

و مثله صحيح الحلبي قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن متمتع طاف بالبيت و بين الصفا و المروة و قبّل امرأته قبل أن يقصِّر من رأسه؟ قال: عليه دم يهريقه و إن كان الجماع فعليه جزور أو بقرة». «2»

و لكن يمكن الخدشة في الاستدلال بهما بأنَّه يستفاد من جواب الإمام (عليه السلام) أنَّ محط سؤال السائل فيهما كان عن خصوص الكفارة و إلا لأجابه كما في صحيح معاوية، و قد خشيت أن يكون قد ثلم حجَّه إن كان عالماً و إن كان جاهلا فلا شي ء عليه «3».

و كيف كان فلا إشكال في عدم فساد عمرته كما لا إشكال بعد هذه النصوص في وجوب الكفارة به.

نعم قد وقع الكلام في أنَّها متعينة في الجزور كما دل عليه صحيح معاوية أو هو مخيَّر بين الجزور و البقرة كما دل عليه صحيح الحلبي أو يكفيه دم شاة بل متعين عليه كما دلَّ عليه معتبرة ابن مسكان «عليه دم شاة» أو أنَّ اختلاف الرّوايات يدل علي التخيير.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 13 من ابواب كفارات الاستمتاع ح 3.

(2)-

وسائل الشيعة: ب 13 من ابواب كفارات الاستمتاع ح 1 و 5.

(3)- وسائل الشيعة، ب 13 من ابواب كفارات الاستمتاع ح 4.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 194

و بعبارة اخري: يجمع بينها بالأخذ بما كان منها نص في كفايته و يرفع اليد عن ظاهر كل منها في التعيين بنص غيره.

و لكن قال في الجواهر: (في القواعد و محكي النهاية و التهذيب و المبسوط- و المهذب و السرائر و الوسيلة و الجامع وجب عليه بدنة للموسر، و بقرة للمتوسط، و شاة للمعسر، و لعلَّه لتنزيل الصحيح المزبور «1» و … علي مراتب العسر و اليسر جمعاً و احتياطاً بل قد يرشد إليه التنصيص عليه في من أمني بالنظر إلي أهله و في

الجماع قبل طواف النساء و لا ريب أنَّ العمل علي فتوي المشهور في مثل المسألة هو الأولي و الأحوط و الله هو العالم.

[مسألة 16] حكم الاستمناء

مسألة 16: الظاهر ان الاستمناء اي استدعاء المني بفعل من الافعال إذا لم يمن به لا يوجب الكفارة بمجرده فضلا عن فساد الحج الا اذا كان لنفس الفعل الذي استدعي به الامناء الكفارة و أمّا اذا امني به فمقتضي احاديث اهل البيت (عليهم السلام) وجوب الكفارة و هي بدنة سواء كان بيده أو بغيره من الافعال كملاعبة زوجته فتقييده بما إذا كان بيده كما حكي عن غير واحد منهم المحقق في النافع «2» و العلامة في القواعد «3» كانه لا وجه له.

ففيما رواه الكليني عن علي بن ابراهيم «4» عن ابيه «5» عن عمرو بن عثمان

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 20/ 383.

(2)- مختصر النافع: 107.

(3)- قواعد الاحكام: 1/ 468.

(4)- من الثامنة.

(5)- من السابعة.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 195

الخراز «1» عن صبّاح «2» عن اسحاق بن

عمّار «3» عن ابي الحسن: قال: قلت: ما تقول في محرم عبث بذكره فامني؟ قال: اري عليه مثل ما علي من اتي أهله و هو محرم بدنة و الحج من قابل «4».

و في صحيح مسمع ابي سيار «5» عن ابي عبد الله (عليه السلام): «و من نظر الي امرأته نظر شهوة فامني فعليه جزور» «6» و في صحيح عبد الرحمن بن الحجاج «7» قال: «سألت ابا الحسن (عليه السلام) عن الرجل يعبث باهله و هو محرم حتي يمني من غير جماع او يفعل ذلك في شهر رمضان ما ذا عليهما؟ قال: عليهما جميعاً الكفارة مثل ما علي الذي يجامع» «8» و ظاهر الموثقة و ان كان لا يدلّ علي ازيد مما اذا كان ذلك بيده لكن لا يدلّ علي اختصاص الحكم بما اذا كان ذلك بيده و بعبارة أخري موردها و ان كان من عبث بذكره و لكن الظاهر منها و من صحيحي مسمع و ابن الحجاج عدم اختصاص الحكم بموردها فهذا حكم الاستمناء حتي يمني سواء كان باليد او بالنظر او بالعبث بالاهل او غير ذلك.

و بعد ذلك يقع الكلام في أن الاستمناء هل يفسد الحج و يجب القضاء فيه

______________________________

(1)- من السادسة الازدي ثقة نقي الحديث له كتب …

(2)- الظاهر انه من الخامسة من صغارهم له كتاب و ان كان ابن صبيح فهو ثقة عين و الظاهر الاتحاد.

(3)- من الخامسة فطحي ثقة.

(4)- وسائل الشيعة: ابواب كفارات الاستمتاع، ب 15، ح 1.

(5)- من الخامسة سيد المسامعة ثقة و وجه.

(6)- وسائل الشيعة: ابواب كفارات الاستمتاع، ب 17، ح 3.

(7)- من الخامسة ثقة ثبت وجه له كتاب.

(8)- وسائل الشيعة: ب 14 من ابواب كفارات الاستمتاع ح 1.

فقه

الحج (للصافي)، ج 3، ص: 196

حكي في الجواهر «1» انه اختيار المختلف بل في التنقيح نسبته الي الاكثر بل ظاهره اختياره كالشهيدين و الكركي و مستندهم موثقة اسحاق بن عمّار التي مر ذكرها فانها صريحة في ان عليه الحج من قابل بل في المختلف بنقل الجواهر «2» عنه زيادة الاستدلال بصحيح ابن الحجاج.

و لكن في دلالته اشكال و كونه في الكفارة مثل الذي يجامع لا يقتضي كونه مثله في القضاء و لكن مع ذلك لا يخلو من اشعار فإن عليه لو فعل ذلك في شهر رمضان قضاؤه كالذي يجامع و في المحرم ايضاً إذا كان عبثه باهله مثل ما علي المجامع يكون عليه القضاء أيضاً مثل الذي جامع اهله فتأمل.

و عن ابن ادريس و الحلبي و جماعة و ربما نقل عن الشيخ في الخلاف و الاستبصار عدم وجوب القضاء قال في الشرائع و هو اشبه، «3» و قال في الجواهر: باصول المذهب و قواعده التي منها الاصل المعتضد بما في صحيحي ابن عمار السابقين من عدم القضاء علي من جامع فيما دون الفرج الذي هو اغلظ من الاستمناء او انه فرد منه بل ربما كان شاملا لما اذا اراد الاستمناء بوضع الحشفة بالفرج من غير ادخال علي ان الموثق المزبور الذي هو الاصل في المسألة لا دلالة فيه علي حكم الاستمناء علي الاطلاق بل علي الفعل المخصوص المذكور فيه المجامع للاستمناء تارة و المتخلف عنه اخري و لذا اقتصر علي مورده الشيخ الذي هو الاصل في القول به و في الرياض و هو الاقوي «4» الخ.

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 20/ 367.

(2)- جواهر الكلام: 20/ 367.

(3)- جواهر الكلام: 20/ 368.

(4)- جواهر الكلام: 20/ 368.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص:

197

أقول: الاستدلال بالاصل انما يجوز اذا لم يكن الدليل الاجتهادي في البين و امّا بعد ما يقول القائل بفساد الحج و وجوب القضاء بدلالة موثق اسحاق بن عمّار لا مجال لاجراء الاصل و اعتضاده بصحيحي معاوية بن عمار لا يكفي إذا لم يكونا بنفسهما دليلا علي عدم الفساد و الاستدلال بهما بالاولوية و جعلهما معارضين للموثق و ترجيحهما عليه او جعلهما قرينة لإرادة استحباب القضاء ففيه ان لفظ الصحيحين هكذا.

فقد روي الشيخ بسنده عن معاوية بن عمار قال: «سألت ابا عبد الله (عليه السلام) عن رجل محرم وقع علي اهله فيما دون الفرج؟ قال: عليه بدنة و ليس عليه الحج من قابل» الحديث «1».

و روي الكليني أيضاً بسنده عنه عن أبي عبد الله (عليه السلام) «في المحرم يقع علي أهله؟ قال: ان كان افضي اليها فعليه بدنة و الحج من قابل و ان لم يكن افضي اليها فعليه بدنة و ليس عليه الحج من قابل» «2».

و الاستدلال بهما علي عدم وجوب الحج عليه من قابل ان هو عبث بذكره فامني، اولوية الوقوع علي الاهل فيما دون الفرج بالحكم عليه بوجوب الحج من قابل من عبثه بذكره مضافاً الي ان ذلك عادة و في الاكثر مستلزم للامناء و اخراج هذه الصورة من تحت الحكم يكون من تخصيص الاكثر المستهجن و علي هذا يقع التعارض بينهما و بين الموثقة و لا ريب في ترجيحهما عليها.

و فيه: منع الاولوية المذكورة و منع كون الامناء بالوقوع علي الاهل اكثر من عدمه.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 7 من ابواب كفارات الاستمتاع ح 1.

(2)- وسائل الشيعة: ب 7 من ابواب كفارات الاستمتاع ح 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 198

مضافاً الي أنه يمكن

ان يقال: ان دلالة الصحيحين علي عدم وجوب القضاء اذا اراد الامناء فامني بالاطلاق و دلالة الموثقة علي وجوبه بالنصّ فبقاعدة حمل الظاهر علي الاظهر و النص علي الانص نقول بوجوب القضاء.

و دلالة الموثقة علي وجوب القضاء اذا لم يقصد الامناء و امني و دلالة الصحيحين علي عدم وجوب القضاء بالاطلاق فيقع التعارض بينهما و لا ريب في

ترجيحهما علي الموثقة.

و فيه: ان الرجوع الي المرجحات السندية انما يكون اذا تم ظهور المتعارضين في مدلولهما و تكافؤهما و لكن في المقام دلالة الصحيحين علي عدم وجوب القضاء علي من عبث بنفسه فامني بالمفهوم و الاولوية و دلالة الموثقة علي وجوبه بالمنطوق و لا ريب في تقديم المنطوق علي المفهوم و جعل الاول قرينة علي عدم ارادة الثاني فتلخص من ذلك ان الاقوي ما نسب الي الشيخ اختياره اي العمل بالموثقة في مورده سواء قصد الامناء ام لم يقصده و في الوقوع علي الاهل عدم وجوب القضاء امني او لم يمن و اراد الامناء او لم يرده و الله هو العالم.

و الذي ينبغي ان نقول في هذه الروايات انها طائفتان:

الاولي: ما يدل علي وجوب الحج من قابل و هو موثق اسحاق بن عمّار و صحيح عبد الرحمن بن الحجاج الذي سمعت الاستدلال به عن المختلف و ما في الاستدلال به من الاشكال و امّا موثق اسحاق فهو واضح الدلالة في ذلك فلو لم نقل بانصراف السؤال فيه عن الاستمناء بعبثه بذكره القدر المتيقن منه ذلك.

الثانية: ما استدل به علي عدم وجوب الحج من قابل و هو صحيحا معاوية بن عمار الوارد ان في المحرم الذي يقع علي أهله إن عليه بدنة و ليس عليه الحج من قابل

و لكن الاستدلال بهما لا يتم الا اذا تمّ التعارض بينهما و بين موثق اسحاق.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 199

و ما يمكن ان يقال في تقريب التعارض وجهان:

الاول: كون المواقعة فيما دون الفرج اغلظ من العبث المذكور فالحكم عليه بالحج من قابل اولي من الحكم به علي الذي عبث بذكره كما ان الحكم بعدم الحج في القابل علي الذي عبث بذكره اولي من الحكم بعدمه علي الذي وقع علي أهله.

الثاني: ان يقال: باستلزام مواقعة الاهل للامناء فهو فرد من افراد الاستمناء

فيلزم من ذلك وقوع التعارض بين الطائفتين الا ان التعارض علي الوجه الاول يكون بين مفهوم كل واحد منهما مع منطوق الآخر و علي الوجه الثاني التعارض واقع بين المنطوقين و بعد ذلك لا ريب في تقديم الصحيحين علي الموثق و حمله علي الاستحباب.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 200

و يمكن الجواب عن هذا الاستدلال اوّلا: بمنع كون المواقعة المذكورة اغلظ من العبث المذكور سيما و هو حرام بالاصل و يكفي ذلك في الفرق بين الموردين في الحكم و بمنع كون المواقعة من افراد الاستمناء و غلبة الامناء بها.

و ثانياً: مع الغض عما ذكر بالجمع بين الطائفتين فنقول: علي الوجه الاول يقع المعارضة بين منطوق كل منها مع مفهوم الآخر فالطائفة الاولي التي تقول بالحج من قابل بالمنطوق تقدم علي الطائفة الثانية التي تنفي الحج من قابل عمن عبث بذكره بالمفهوم و الطائفة الثانية التي تقول بعدم الحج من قابل علي الذي واقع اهله تقدم علي مفهوم الطائفة الاولي الدال علي كون الحج من قابل علي الذي واقع اهله نعم علي الوجه الثاني يقع التعارض بين المنطوقين فلا بد الا من القول بالفرق بين الاستمناء باليد

و بالمواقعة مع الاهل فيختص الحكم بالحج من قابل بخصوص الاستمناء باليد و الامناء او القول بتقديم الصحيحين علي الموثق و حمل الموثق علي الاستحباب.

و يمكن ان يقال: ان دلالة الصحيحين علي عدم وجوب القضاء اذا لم يمن بالنص و علي عدم وجوبه اذا استمني بالمواقعة و امني بها بالاطلاق و دلالة الموثقة علي وجوبه اذا استمني و امني بالنص و علي وجوبه ان امني و ان لم يستمن بالاطلاق ففيما اذا استمني بيده و امني نأخذ بالموثق لكونهما نصاً فيه و نترك الصحيحين لكونه ظاهراً في عدم القضاء حملا للظاهر علي الاظهر نعم: فيما اذا عبث بيده و اتفق الامناء

فظاهر الموثق بالاطلاق الحج من قابل و ظاهر الصحيحين عدم الحج من قابل ايضاً بالاطلاق فيقع التعارض بينهما و يقدم الصحيحين علي الموثق و علي هذا يختص الحكم بالحج من قابل بالاستمناء باليد لا بمجرد العبث به بيده و وقوع الامناء اتفاقا و الله هو العالم.

[مسألة 17] حكم ما لو مسّ اهله

مسألة 17: قال في الجواهر «1»: (و لو مسّها) اي امرأته (بغير شهوة لم يكن عليه شي ء) و ان امني اذا لم يكن معتاد الامناء و لا قصده بلا خلاف اجده فيه كما اعترف به بعضهم نصاً و فتوي ففي حسن الحلبي.

عن ابي عبد الله (عليه السلام): «سألته عن المحرم يضع يده من غير شهوة علي امرأته؟ قال: نعم يصلح عليها خمارها و يصلح عليها ثوبها و محملها قلت: أ فيمسها و هي محرمة؟ قال: نعم قال: المحرم يضع يده بشهوة قال: يهريق دم شاة قلت قبّل؟ قال: هذا اشدّ ينحر بدنة؟» «2» الخ.

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 20/ 388.

(2)- وسائل الشيعة: ب 17 من ابواب كفارات الاستمتاع ح 2 و

تعبيره بالحسن لمكان ابراهيم بن هاشم في السند ب 18 ح 1 و الكافي: 4/ 375.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 201

اذاً فلا ريب في جواز مسّها بغير شهوة كما ان الظاهر انه لا خلاف بينهم في حرمة مسّها بشهوة و يدل علي حرمة مسّها بشهوة صحيح مسمع ابي سيّار و فيه: «و من مسّ امرأته (بيده) و هو محرم علي شهوة فعليه دم شاة» «1» و اطلاقه يدل علي

ان الكفارة عليه و لو لم يمن كما يدل علي تخصيص الدم بالشاة خلافاً لما حكي عن ابن حمزة «2» من انه جعل الفرض من قسم ما فيه الدم المطلق الذي جعله قسيماً لما فيه بدنة او بقرة او شاة او حمل او جدي تمسكاً باطلاق الدم في بعض النصوص مثل ما رواه الشيخ باسناد فيه علي بن ابي حمزة عن محمد بن مسلم قال: سألت ابا عبد الله (عليه السلام) عن رجل حمل امرأته و هو محرم فامني او امذي؟ قال: ان كان حملها او (و) مسّها بشي ء من الشهوة فامني او لم يمن امذي او لم يمذ فعليه دم يهريقه» الحديث «3»

و فيه مضافاً الي ضعف الخبر بابن ابي حمزة ان الصدوق رواه في الفقيه «4» و لفظه (دم شاة) و فصّل ابن ادريس بين الانزال و عدمه فقال: فان مسّها بشهوة كان عليه دم بدنة اذا انزل و ان لم ينزل فدم شاة «5».

و استدل له كما في الجواهر بأن المس افحش من النظر الذي فيه البدنة اذا امني فكيف تكون كفارته اذا انزل دم شاة فيحمل اطلاق اذا مسه بشهوة عليه شاة علي ما اذا لم يمن كما هو الغالب في المسّ و

لو بشهوة مضافاً الي ما في ذيل صحيح معاوية

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 17 من ابواب كفارات الاستمتاع ح 3، و ب 12 من ابواب تروك الاحرام ح 3.

(2)- الوسيلة/ 168.

(3)- وسائل الشيعة: ب 17 من ابواب كفارات الاستمتاع ح 6.

(4)- من لا يحضره الفقيه: 2/ 332.

(5)- السرائر: 1/ 552.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 202

بن عمّار: و قال: في المحرم ينظر الي امرأته او ينزلها بشهوة حتي ينزل قال: عليه بدنة. فانه يقيد به الاطلاق المذكور و مضافاً الي ضعف الخبر المذكور فيه دم شاة «1».

و فيه: امّا أولوية المس لكون كفارته البدنة من النظر لانه افحش من النظر

ففيها: ان الاولوية بذلك ممنوعة فلعل افتراق المس و النظر في الكفارة كان لوجه آخر و حكمة اخري.

و أما صحيح معاوية فلفظه علي نقل الوسائل عن الكافي (او ينزلها) و في الاصل الكافي الموجود عندنا (و ينزلها) بالواو الوصلية كما هو كذلك في الجواهر و لذا لا يتم الاستدلال به و يمكن حمله علي الاستحباب او الاستمناء و اما ضعف الخبر فخبر محمد بن مسلم كما اشرنا اليه ضعيف بابن ابي حمزة و لكن ما رواه الحلبي حسن او صحيح و فيه (يهريق دم شاة)

و علي كل ذلك الصواب هو الاخذ بصحيحي الحلبي و المسمع و حمل هذا الحديث علي الاستحباب و الله هو العالم.

[مسألة 18:] من نظر الي اهله

مسألة 18: لو نظر الي امراته فان لم يكن بشهوة و لم يكن معتاد الامناء به لا شي ء عليه ولوا مني للاصل الجاري في كل فعل شك في حرمته او في تعلق الكفارة به فمقتضي الاصل جواز ارتكابه و براءة الذمة عن تعلق الكفارة اليه.

مضافاً الي دعوي قطع الاصحاب بجوازه و عدم تعلق

كفارة به بل دعوي

______________________________

(1)- وسائل ابواب كفارات الاستمتاع ب 17 ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 203

بعضهم صريحاً الاجماع عليه كما حكي عن المنتهي و لعله كذلك و مضافاً الي صحيح معاوية بن عمّار عن ابي عبد الله (عليه السلام): «سألته عن محرم نظر الي امرأته فامني او امذي و هو محرم قال: لا شي ء عليه و لكن ليغتسل و يستغفر ربه» «1» الحديث و إلي

مفهوم التعليل المذكور في خبر ابي بصير قال فيه: «اما اني لم اجعل عليه هذا لانه امني انما جعلته عليه لانه نظر الي ما لا يحل له» «2» و مقتضي الاصل و مقتضي اطلاق الاول و اطلاق التعليل في الثاني جواز النظر و عدم الكفارة.

و ان كان معتاد الامناء و لم يقصد بنظره الامناء فانه من الاستمناء.

و ان كان نظر اليها بشهوة فان لم يكن معتاد الامناء به فمقتضي الاصل جواز النظر اليها بشهوة و مقتضي اطلاق مفهوم التعليل المذكور ايضاً ذلك كما أنه ان امني به و لم يكن من قصده ذلك لم يرتكب حراماً لكن عليه بدنة كما هو المصرح به في كلام غير واحد علي ما في الجواهر «3» بل عن المنتهي الاجماع عليه قال: و هو الحجة بعد حسن مسمع ابي سيار عن الصادق (عليه السلام): «و من نظر الي امرأته نظر شهوة فامني فعليه جزور» «4» انتهي و حمله علي صورة قصده الامناء خلاف اطلاقه

و أمّا التمسك بذيل صحيح ابن عمّار: «قال في المحرم ينظر الي امرأته و ينزلها بشهوة حتي ينزل قال: عليه بدنة» «5» لا يستقيم الا اذا كان لفظة (او) بدل (و) و لكن قد سمعت ان ما في النسخ الموجودة غير

الوسائل (و) و هذا ينطبق علي الاستمناء.

______________________________

(1) وسائل الشيعة: ب 17 ابواب كفارات الاستمتاع ح 1.

(2)- وسائل الشيعة: ب 16 أبواب كفارات الاستمتاع ب 16 ح 2 قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) رجل محرم نظر الي ساق امرأة فأمني فقال ب 16.

(3) جواهر الكلام: 20/ 387.

(4) وسائل الشيعة، ب 17 ابواب كفارات الاستمتاع ح 3.

(5) وسائل الشيعة: ب 17 من ابواب كفارات الاستمتاع ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 204

و عن المفيد و المرتضي اطلاق نفي الكفارة و ان كان بشهوة «1» و المستند لهذا

القول ان كان الاصل فهو ممنوع بصحيح مسمع «2»، و ان كان صحيح ابن عمّار عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: «سألته عن محرم نظر الي امرأته فامني او امذي و هو محرم؟ قال: لا شي ء عليه» «3» فربما يقال انه مقيد بذيله قال «في المحرم ينظر الي امرأته و (او) ينزلها بشهوة حتي ينزل؟ قال: عليه بدنة».

بيان ذلك ان قوله بشهوة ان خصّ به الانزال يلزم تباين الصدر و الذيل كلياً و اذا كان راجعاً الي النظر لا بد اما من حمله علي الاستحباب او تقييد الصدر بالذيل بالنظر بغير شهوة قال: في الجواهر و هو الوجه لرجحان التخصيص علي المجاز و ان وافق الاصل و ان كان لا يخلو من نظر «4».

و فيه: ان هذا البيان كما مرّت الاشارة اليه انما يأتي لو كان لفظ الحديث (او ينزلها) و أما اذا كان (و ينزلها) لا يأتي الاشكال المذكور اذا كان قوله فيه (بشهوة) راجعاً الي الانزال او اليه و إلي النظر فان بذلك يختلف موضوع الحكم و السؤال مضافاً الي أنه ظاهر بقرينة قوله (حتي) في الاستمناء

و علي هذا نبقي نحن و صحيح مسمع الدال علي الكفارة و صدر صحيح معاوية بن عمار الذي يدل بالاطلاق علي أنه لا شي ء عليه بالنظر و ان كان بشهوة و خبر ابي بصير الدال بمفهوم ما فيه من التعليل علي ان النظر اذا لم يكن الي ما لا يحل له لا يوجب شيئاً و ان كان بشهوة و موثق اسحاق بن عمار الدال بالمنطوق علي ان النظر بالشهوة لا يوجب شيئاً و تقييد اطلاق صحيح معاوية بن عمار و مفهوم تعليل المذكور في خبر ابي بصير بصحيح

______________________________

(1)- راجع جواهر الكلام: 20/ 387.

(2)- وسائل الشيعة: ب 17 من ابواب كفارات الاستمتاع ح 3.

(3)- وسائل الشيعة: ب 17 من ابواب كفارات الاستمتاع ح 1.

(4)- جواهر الكلام: 20/ 388.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 205

مسمع و ان كان ممكناً الّا ان التعارض بينه و بين الموثق محتاج الي العلاج و لذا حمل

الشيخ في التهذيبين علي السهو و النسيان قال في التهذيب (فمحمول- يعني موثق اسحاق- علي السهو دون العمد لان من تعمد نظراً بشهوة لزمته الكفارة اذا امني حسب ما تضمنه الخبر المتقدم «1» يعني صحيح مسمع-).

و قال في الاستبصار و الوجه في هذا الخبران نحمله علي حال السهو و النسيان لان من نظر ساهياً او ناسياً نظر شهوة فامني لم يكن عليه شي ء كما أنه لو جامع نسياناً لم تلزمه كفارة علي ما بيناه في كتابنا الكبير. «2»

و الاولي ان نقول في توجيه هذا الحمل ان صحيح مسمع نصّ في وجوب الكفارة علي من تعمد النظر بشهوة فامني و ظاهر في وجوبها علي من سها ذلك و موثق اسحاق نص فيمن سها و نظر و ظاهر في

من تعمد فنحمل ظاهر كل منها علي النص الآخر كما هو المعمول به عندهم من حمل الظاهر علي الاظهر.

فتلخص مما ذكر أن الاقوي ما عليه المشهور و ادعي الاجماع عليه و هو وجوب جزور علي من نظر الي امرأته بشهوة فأمني اذا لم يكن ناسياً احرامه و الله هو العالم.

[مسألة 19] حكم ما لو نظر الي غير اهله

مسألة 19: لو نظر الي غير اهله فامني فالمحكي عن النهاية و المبسوط و السرائر، و المهذب، و الجامع، و النافع و القواعد، و غيرها «3»

______________________________

(1)- تهذيب الاحكام: 5/ 327.

(2)- الاستبصار: 2/ 192.

(3)- راجع جواهر الكلام: 20/ 385.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 206

أن عليه ان كان موسراً بدنة و ان كان متوسطاً فبقرة، و ان كان فقيراً فشاة

و قيل ان هذا مختار الاكثر بل هو المشهور لما رواه في الكافي عن ابي علي الاشعري «1» عن محمد بن عبد الجبّار «2» عن صفوان «3» عن اسحاق بن عمّار «4» عن ابي بصير «5» قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل نظر الي ساق امراة فامني؟

قال: ان كان موسراً فعليه بدنة، و ان كان بين ذلك فبقرة، و ان كان فقيراً فشاة اما اني لم اجعل ذلك عليه من اجل الماء، و لكن من اجل أنه نظر الي ما لا يحلّ له». «6»

و رواه في التهذيب «7» باسناده عن اسحاق و فيه «و ان كان وسطاً فعليه بقرة» و رواه الصدوق في الفقيه «8» الا انه قال: «الي ساق امرأة او فرجها فامني»

و القول الثاني في المسألة ما عزي الي المفيد و سلار و ابن زهرة و هو انه ان عجز عن الشاة صام ثلاثة ايام «9»، و لم نر في أخبار الباب ما

يدل عليه نعم في أبواب كفارات الصيد في محرم اصاب ظبياً ورد انه عليه شاة فان لم يجد فليتصدق علي عشرة مساكين فان لم يجد فليصم ثلاثة ايام «10» فيمكن الاستدلال به بدعوي ان

______________________________

(1)- احمد بن ادريس القمي الثقة الفقيه كثير الحديث صحيح الرواية.

(2)- من كبار السابعة قمي ثقة.

(3)- من اعاظم السادسة.

(4)- من الخامسة.

(5)- من الرابعة.

(6)- الكافي: 4/ 377 ح 7.

(7)- التهذيب ج 5/ 325 ح 1115 و وسائل الشيعة: ب 16 من ابواب كفارات الاستمتاع ح 2.

(8)- من لا يحضره الفقيه: 2/ 332 ح 2590.

(9)- راجع جواهر الكلام ج 20/ 385.

(10)- وسائل الشيعة: ب 2 من ابواب كفارات الصيد ح 3 و 8.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 207

الصدقة و الصيام بالمقدار المذكور بدل للشاة سواء عينت كفارة للظبي او النظر او غيرهما لا لخصوصية كونها كفارة لإصابة الظبي.

و فيه: منع ذلك المساواة و الغاء الخصوصية انما يكون عند العرف اذا كان المورد مثل ما اذا شك الرجل بين الثلاث و الاربع و غاية ما يمكن فيه الغاء الخصوصية و دعوي مفهوم المساواة دعواه في ابواب الصيد لا مطلقاً و لذا نردّ بذلك ما عن الرياض من الحكم به معللا بأنه اصل عام «1» فانه نقول ان ذلك لو كان اصلا عامّاً لا نتجاوز عنه من باب الصيد الي غيره.

و عن ابن حمزة انه ترك الشاة اصلا و إليك كلامه في تفصيل موارد البدنة و البقرة و الشاة في الوسيلة.

فقال في البدنة: و البدنة تلزم بالجماع … و بخروج المني اذا نظر الي غير اهله …

و قال في البقرة: و البقرة تلزم بصيد بقرة الوحش و حمار الوحش و بامناء المتوسط اذا نظر الي غير

اهله …

و قال في الشاة: و الشاة تلزم بصيد الظبي و الثعلب و الارنب «2» و ذكر موارد كثيرة لم يتعرض لكونها كفارة علي الفقير ان نظر الي غير اهله، و لكن الظاهر انه سقط من قلمه الشريف فلا يعد ذلك قولا منه.

و القول الثالث: التخيير بين الجزور و البقرة فان لم يجد فشاة.

لصحيح زرارة قال: «سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل محرم نظر الي غير اهله

______________________________

(1)- رياض المسائل: 7/ 391.

(2)- الوسيلة/ 167- 166.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 208

فانزل؟ قال: عليه جزور او بقرة فان لم يجد فشاة» «1»

و قد افتي بذلك الصدوق قده في المقنع: و ان نظر محرم الي غير اهله فانزل فعليه جزور او بقرة و ان لم يقدر فشاة «2».

و في الجواهر أنه تبعه بعض متأخري المتاخرين «3».

و لكنه معارض بالموثق المذكور الذي عمل به المشهور مضافاً الي امكان كون المراد منه ان عليه امّا جزور و أمّا بقرة لانه لا يخلو امّا ان يكون موسراً فعليه الجزور و أما يكون متوسطاً فعليه البقرة فلعل الامام (عليه السلام) يري ان زرارة يفهم ذلك منه و أمّا الموثق فصريح في مضمونه فيحمل ما هو المجمل عليه و مضافاً الي ان العمل بالموثق موافق للاحتياط و ربما يكون هنا قول رابع و هو الاكتفاء بشاة مطلقاً لصحيح معاوية بن عمّار «في محرم نظر الي غير اهله فانزل؟ قال: عليه دم لانه نظر الي غير ما يحلّ له، و ان لم يكن انزل فليتق الله و لا يعد و ليس عليه شي ء» «4».

و لكن يرد بأن اطلاقه يقيد بالموثقة.

و لا فرق في ذلك بين ان يكون المراد من الدم مطلق الدم الشامل للثلاثة

فيقيد اطلاقه الدال علي كفاية مطلق الدم بكونه للموسر كذا و للمتوسط كذا و للفقير كذا و بين ان يكون المراد منه خصوص الشاة بدعوي انصرافه اليها فانه باطلاقه يدل علي ان الكفارة بشاة سواء كان من عليه الكفارة موسراً او متوسطاً او فقيراً

و الموثق يقيده بما اذا كان مرتكب المحرم فقيراً و الذي تحقق من كل ما ذكر ان ما هو

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 16 من ابواب كفارات الاستمتاع ح 1.

(2)- المقنع/ 242.

(3)- جواهر الكلام: 20/ 386.

(4)- وسائل الشيعة: ب 16 من ابواب كفارات الاحرام ح 5.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 209

الاقوي و الاظهر في حكم المسألة مختار الاكثر بل المشهور للموثق المذكور الذي اعتمد عليه جمع من اكابر الاصحاب و الله هو العالم بالصواب.

هذا و لا يخفي عليك ان ظاهر التعليل المذكور في الموثقة و ان كان وجوب الكفارة و ان لم يمن لانه نظر الي ما لا يحل له و لكن يرفع اليد عن مفهوم التعليل بصريح صحيح معاوية بن عمار فانه مع التصريح بالتعليل المذكور صرح بأنه ليس عليه شي ء ان لم ينزل.

لا يقال: ان ذلك موجب لتهافت الصدر مع الذيل فانه يقال: إن الصدر يدل علي ان النظر الي ما لا يحل له يقتضي الدم لكن المقتضي انّما يؤثر اذا كان الشرط ايضاً موجوداً و المانع مفقوداً و أمّا اذا كان الشرط مفقوداً او المانع موجوداً فلا يؤثر و يمكن ان يكون شرط تأثير النظر في وجوب الكفارة الامناء او كان المانع منه كثرة الابتلاء بالنظر و ايضاً لا يخفي عليك بحكم الاطلاق عدم الفرق في الحكم نصاً و فتوي بين ما اذا قصد الامناء أولا و بين النظر بشهوة

أولا و بين معتاد الامناء و غيره خلافاً للمحكي عن المسالك «1» و الله هو العالم.

[من محرمات الإحرام ايقاع العقد لنفسه أو غيره]

[مسألة 20:] النكاح في حال الاحرام

مسألة 20: لا يجوز للمحرم تزويج امرأة محرمة او محلة لنفسه او لغيره و يدل عليه من النصوص ما رواه الشيخ في التهذيبين في الصحيح عن ابن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ليس للمحرم ان يتزوج و لا يزوج فان تزوج او زوج محلا فتزويجه باطل «2»

و ظاهره حرمة تزويجها لنفسه و لغيره

______________________________

(1)- مسالك الافهام: 2/ 482.

(2)- تهذيب الاحكام: 5/ 328 ح 1128 و الاستبصار: 2/ 193 ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 210

تكليفاً و وضعاً و لفظه علي ما في الوسائل «1» (و ان زوج) و قال بعض السادة المعاصرين فحينئذ يحتمل ان يكون تاكيداً لما قبله فتكون الرواية صدراً و ذيلا دالة علي الحكم الوضعي اي الفساد ثمّ حكم بكون نسخة الوسائل غلطاً جزماً لمخالفتها مع نسخة الاصل من التهذيبين و مع ما في الفقيه «2» و علي هذه النسخ الاصلية لا يمكن ان يكون العطف للتأكيد لان الظاهر من الفاء هو التفريع و لا معني للتفريع علي نفسه فاذا اريد من الجملة الاولي البطلان لا معني لقوله ثانياً فان تزوج … فتزويجه باطل.

و يمكن استظهار حرمته التكليفي من الحكم في الروايات بحرمتها الابدية عليه فان ذلك مناسب للمخالفة و العصيان كما يمكن استفادة حرمته كذلك مما دل علي حرمة كون المحرم شاهداً للنكاح لان حرمته مختصة بالتكليفي و لا ريب في ان حرمة الاصل اولي من الفرع.

ثمّ انه لا فرق في الحكم بين ان يكون المحرم مباشراً بنفسه للعقد او وكل غيره للعقد له و اوقع الوكيل العقد حال احرام الموكل.

اعلم ان الكلام

في عقد الفضولي في مسئلتنا هذه يقع في مقامين:

المقام الاول: في عقد المحل للمحرم فضولة فالظاهر انه لا يحرم عليه و أمّا المحرم فلا يجوز له امضاؤه في حال الاحرام اذا كان العقد واقعاً ايضاً في هذا الحال سواء

قلنا في باب الفضولي بالنقل او الكشف الحقيقي او الحكمي أو الانقلابي و كذا لا يجوز له الامضاء في حال الاحرام و ان كان العقد واقعاً في حال احلاله بناء علي القول بالنقل كما انه اذا كان العقد واقعاً من الفضولي في حال احرام الاصيل يجوز له علي

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 14 من ابواب تروك الاحرام ح 1.

(2)- من لا يحضره الفقيه: 2/ 361 ح 2709.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 211

القول بالنقل امضاؤه في حال احلاله.

و أمّا علي القول بالكشف الحقيقي فالقول بالجواز و عدمه يدور مدار وقوع العقد من الفضولي في حال احلال الاصيل او احرامه فان كان واقعاً في احلاله يجوز له الامضاء في حال الاحرام علي اشكال، و ان كان واقعاً في حال احرام الاصيل لا يجوز له الامضاء في حال الاحلال لكون التزويج علي هذا القول واقعاً في حال الاحرام.

و أمّا علي القول بالكشف الحكمي بمعني ثبوت مضمون العقد حال الاجازة و ترتب احكام ثبوته من حين العقد فيمكن ان يقال: بعدم جواز امضائه في حال الاحرام و ان كان العقد واقعاً حال كونه محلا، و جوازه حال الاحلال، و ان كان العقد واقعاً حال كونه محرماً.

و أمّا علي القول بما يعبر عنه بالكشف الانقلابي بمعني كون زمان الاجازة هو زمان جعل مضمون العقد من حين العقد، و عليه، المضمون هو المجعول من حين العقد، و ان كان جعل حين الاجازة، فعليه العقد

المجاز اذا كان واقعاً حال الاحلال و الاجازة صادرة في حال الاحرام يكون التزويج مجعولا في حال الاحلال و ان كان جعله واقعاً في حال الاحرام و اذا كان التزويج و العقد واقعاً في حال الاحرام و الاجازة في حال الاحلال يكون التزويج مجعولا في حال الاحرام و جعله واقعاً في حال الاحلال فهل العبرة في الحلية و الحرمة و الصحة و البطلان علي زمان الجعل او المجعول فيه وجهان.

و بعد ذلك كله لا يجوز ترك الاحتياط حتي علي القول بالنقل اذا كان العقد واقعاً في حال الاحرام و الامضاء في حال الاحلال.

المقام الثاني: في عقد المحرم فضولة للمحل فعلي القول بالنقل ان امضاه المحل حال بقاء العاقد في احرامه يحكم ببطلانه و بطلان احرامه فلا يترتب عليه الاثر،

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 212

و ان امضاه بعد خروج العاقد من الاحرام فالظاهر الحكم بالصحة و ترتب الاثر، و عليك باستخراج الفروع علي سائر المباني و الله هو العالم بحقائق احكامه.

[مسألة 21:] «حرمة النكاح في حال الاحرام يوجب الحرمة الابدية»

مسألة 21: قد ظهر لك انه لا اشكال في حرمة النكاح في حال الاحرام تكليفاً و وضعاً فهو باطل لا يترتب عليه اثر النكاح الصحيح و لا يحلّ له به بل هي محرمة عليه ابداً اجماعاً كما حكي عن السيد في الانتصار «1» و الشيخ في الخلاف «2» و ابن زهرة في الغنية «3» و عن العلامة في التذكرة «4» و المنتهي «5» نسبته الي علمائنا و يدل عليه من الروايات ما رواه الكليني بسنده عن المثني «6» عن زرارة بن اعين و داود بن سرحان «7» عن ابي عبد الله (عليه السلام) و عبد الله بن بكير عن اديم بياع الهروي «8» عن

ابي عبد

الله (عليه السلام) أنه قال …

و المحرم اذا تزوج و هو يعلم انه حرام عليه لم تحلّ له ابداً «9».

______________________________

(1)- الانتصار: 246.

(2)- الخلاف: 2/ 316.

(3)- الغنية/ 158.

(4)- تذكرة الفقهاء: 7/ 382.

(5)- منتهي المطلب: الطبعة الحجرية/ 808.

(6)- لعله ابن عبد السلام لا بأس به له كتاب من الخامسة.

(7)- ثقة له كتاب من الخامسة.

(8)- ثقة له اصل من الخامسة.

(9)- الكافي ج 5 ص 426 ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 213

و ما رواه ايضاً الكليني بسنده عن ابراهيم بن الحسن «1» عن ابي عبد الله (عليه السلام) «قال: ان المحرم اذا تزوج و هو محرم فرق بينهما ثمّ لا يتعاودان ابداً» «2».

و مثله ما رواه الشيخ باسناده عن ابن بكير عن اديم بن حر الخزاعي عن ابي عبد الله (عليه السلام) «3» و الظاهر انه و اديم المذكور في رواية الكافي واحد فالرواية ايضاً واحدة و ان اختلف لفظهما في الكافي و التهذيب.

و كيف كان الحكم ثابت نعم ربما يوهم معارضة الروايات المذكورة بصحيح محمد بن قيس «4» عن ابي جعفر (عليه السلام) قال: «قضي امير المؤمنين (عليه السلام) في رجل ملك بضع امرأة و هو محرم قبل ان يحلّ فقضي ان يخلّي سبيلها و لم يجعل نكاحه شيئاً حتي يحل فاذا احلّ خطبها ان شاء، و ان شاء اهلها زوّجوه و ان شاءوا لم يزوجوه» «5» و يرفع المعارضة بان ظاهر الصحيح ان الرجل كان غير عالم بالتحريم.

ثمّ انه لا فرق في فساد عقد المحرم بين كونه عالماً بفساد العقد و حرمته في حال الاحرام و كونه جاهلا به و الظاهر انه لا فرق في عدم ترتب الحرمة الابدية علي

عقده اذا كان جاهلا بين دخوله بها

و عدمه اما في صورة عدم الدخول فهو القدر المتيقن من عدم ترتب الحرمة في صورة الجهل و هو المشهور بينهم كما في الجواهر شهرة عظيمة «6» و أما مع الدخول فهو ايضاً مقتضي الاصل و اطلاق مفهوم رواية زرارة و داود و اديم.

______________________________

(1)- الظاهر أنه لم يوصف بوصف مدحاً او قدحاً من الخامسة.

(2)- الكافي: 4/ 372 ح 3، تهذيب الاحكام: 5/ 329 ح 1133.

(3)- وسائل الشيعة: ب 15 من ابواب تروك الاحرام ح 1، تهذيب الاحكام: 5/ 329.

(4)- ثقة من الرابعة.

(5)- وسائل الشيعة: ب 15 من ابواب تروك الاحرام ح 3.

(6)- جواهر الكلام: 29/ 450.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 214

هذا خلافاً لما حكي عن الخلاف و الكافي و الغنية. و السرائر و الوسيلة. فحرّموها مؤبداً كذات العدة «1» و ليس لهم دليل ظاهر في ذلك غير دعوي الاجماع الموهون بدعوي غيرهم الاجماع علي خلاف ذلك و غير القياس الذي ليس في مذهبنا.

نعم قال في الجواهر «2»: قد يستفاد مما في الفقيه وجود خبر دال حيث قال: و قال (يعني أبا عبد الله) (عليه السلام): «من تزوج امرأة في احرامه فرق بينهما و لم تحل له ابداً» و في رواية سماعة: «لها المهر إن كان دخل بها» «3» لكن مثل ذلك غير كاف في مثل هذا الحكم.

اقول: هذا الخبر علي فرض حجيته لا يدل علي ازيد من ان لها المهر و لا ارتباط له بمسألتنا هذه.

و هل يترتب هذا الحكم علي الاحرام الفاسد من اول الامر و علي الذي افسده بعد وقوعه صحيحاً؟ لا ريب في أنه لا يترتب علي الاول لانه لم يقع في حال الاحرام و في ترتبه علي الثاني نظر يمكن نفيه

بالاصل و عدم الدليل.

[مسألة 22] «الحاق النكاح المنقطع بالدائم»

مسألة مسألة مسألة 22: قال في الجواهر: «الظاهر الحاق المنقطع بالدائم هنا مع احتمال العدم» «4» و ظاهره عدم الجزم بالحكم و لعله لامكان دعوي ظهور

______________________________

(1)- راجع جواهر الكلام: 29/ 451.

(2)- راجع جواهر الكلام: 29/ 451.

(3)- من لا يحضره الفقيه: 2/ 361 ح 2711 و 2712.

(4)- جواهر الكلام: 18/ 300.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 215

الادلة في الدائم او انصرافها اليه و لكن في العروة الجزم بعدم الفرق بينهما و ذلك لإطلاق الادلة و كون التزويج اعم من الدائم و المنقطع و ايضاً لا فرق في ترتب الاحكام بين ان يكون العقد واقعاً في احرام الحج الواجب او المندوب او العمرة الواجبة او المندوبة كما ان الظاهر انه لا فرق في ترتب الحرمة الابدية بين وقوع العقد مباشرة او بتوكيله الغير كما لا فرق في الحرمة اذا كان عالماً بها بين ان دخل بها و عدمه و هل هنا فرق بين كون الزوجة محرمة دونه فلا يبطل العقد و لا يوجب الحرمة الابدية؟

لا اشكال في بطلان العقد امّا ايجابه الحرمة الابدية ففيه قولان: مقتضي الاصل العدم و ما عن الخلاف من الاستدلال بالاجماع و الأخبار و الاحتياط فقد حكي عن الرياض بأنه قال: الأخبار لم نقف عليها و دعوي الوفاق غير واضحة و الاحتياط ليس بحجة «1».

و قال في الجواهر: يمكن اثباته بقاعدة الاشتراك او بارادة الجنس من الالف و اللام في بعض النصوص السابقة و نحو ذلك اللهم الا ان يدفع الاول بانّ الاشتراك في المعني الصالح وقوعه منهما و الفرض ان النصوص دلّت علي تزويج المحرم بمعني

اتخاذه زوجة و هو معني يخصّ الرجال فلا تشمله قاعدة الاشتراك و الثاني بأن

الجنسية مع فرض ارادتها يراد منها الجنس في معني اللفظ و الفرض ان المحرم خاصّ بالذكر فيكون الجنس في ذلك.

و في الجميع نظر أما الأوّل فلا ريب في تناول القاعدة إيّاه بعد معلوميّة كون ذلك من أحكام الإحرام المفروض اشتراكه بين «الرجال و النساء» فكل حكم

______________________________

(1)- راجع جواهر الكلام: 29/ 452.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 216

يثبت فيه للرجال يثبت للنساء إلا ما خرج، فاذا ثبت حرمة التزويج لهم ثبت حرمة التزويج لهنّ، و إن اختلف معني التزويج لكل منهما باتّحاد الزوجة و الزوج، و من هنا لم يتوقف أحد في إثبات غير هذا الحكم من جهة التزويج و التوليد منه و نحو ذلك للنساء.

و أما الثاني فالمراد جنسية المحرم بمعني الشخص المتصف بالاحرام الّذي لا ريب في شموله للمذكر و المؤنّث كما هو واضح، و من ذلك كله يقوي اتّحاد المحرمة و المحرم في الحكم المزبور نحو التزويج في العدة و نكاح ذات البعل، بل و الزنا فيها كما عرفته سابقاً.

بل لا إشكال عندهم في الأوّلين في عدم الفرق في الحرمة أبداً بين نكاح الرّجل ذات العدّة و بين نكاحها هي، و ان اختلفا في أوّلية الحرمة أبداً من العالم القادم و تبعية الآخر له. فتأمّل جيداً، فانه دقيق نافع، و لعله لذا نفي الخلاف بعض أفاضل العصر عن كون إحرامها كإحرامه هنا، و ظاهره المفروغية من المسألة، و لعلها كذلك. و الله العالم «1».

[مسألة 23] «حكم توكيل المحرم للمحل علي العقد بعد الخروج عن الاحرام»

مسألة 23: هل يجوز للمحرم ان يوكل محلا علي العقد له حال الاحلال و خروجه عن الاحرام ام لا يجوز؟

فنقول اما الحكم التكليفي في هذا التوكيل فالظاهر جوازه لان ما هو المحرّم علي المحرم العقد و التزويج حال الاحرام مباشرة

او بالتوكيل و أمّا مجرد التوكيل

______________________________

(1)- راجع جواهر الكلام: 19/ 452.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 217

ليس نكاحاً و أمّا حكمه الوضعي فقال في الجواهر: (صح بناء علي عدم اعتبار امكان وقوع الموكل فيه من الموكل حال الوكالة) «1»

و حققه في كتاب الوكالة من هذا الكتاب الكبير و التأليف الذي لا يرزق التوفيق له الّا من كان مؤيداً بالامدادت الغيبية و العنايات الربانية شكر الله مساعيه الثمنية و مساعي سائر علمائنا العاملين حفّاظ الشريعة حيث قال في شرائط متعلق الوكالة: (الثالث: ان يكون مملوكاً للموكل اتفاقاً منّا كما في جامع المقاصد فلو وكله علي طلاق امرأة سينكحها او عتق عبد سيملكه او بيع ثوب سيشتريه لم يصح نعم لو وكله علي شراء عبد و عتقه او ثوب و بيعه جاز ثمّ ذكر ما في جامع المقاصد من ان منه يعني من الثاني ما لو قال: طلق زوجتي ثلاثاً فانه يكون وكيلا في الرجعتين بينهما و ذكر ما اورد عليه بأن ذلك توكيل في تصرف لا يملكه الموكل وقت التوكيل فان الرجعة انما يملكها بعد الطلاق محقه ان لا يصح،

ثمّ ذكر ما اجاب هو يعني صاحب جامع القاصد عن هذا الاشكال بنفي البعد عن ان يقال ان التوكيل في مثل هذا جائز لانه وقع تابعاً لغيره يعني تو كيله علي طلاق امرأته مثل ما وكله في شراء شاتين و بيع احداهما امّا لو وكله علي ما لا يملكه

استقلالا كما لو وكل علي طلاق زوجة سينكحها لم يصح و الفرق بين وقوع الشي ء اصلا و تبعاً كثير لان التابع وقع مكملا بعد الحكم بصحة الوكالة و استكمال اركانها و قد وقع الايماء الي ذلك في التذكرة.

ثمّ قال صاحب

الجواهر: (قلت: و قد تبعه عليه كل من تأخر عنه و نظروه في الوقف علي المعدوم اصالة و تبعاً).

ثمّ قال: (لكن الانصاف انه ليس بشي ء عند التأمل، فان النظائر لا تصلح لان

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 18/ 299.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 218

تكون دليلا و دعوي تناول العموم له دون الاول مجرد اقتراح، و انكار جوازه مطلقاً مكابرة بل مشروعية المضاربة حجة عليه فانها من الوكالة ايضاً فلا بدّ ان يقال: ما يرجع منها الي معني التعليق باطل باعتبار اقتضاء تأخير متعلقها تأخرها امّا ما لا يرجع الي ذلك بأن جعله وكيلا عنه و نائباً منابه فيما هو اهل له و لو بايجاد سببه المتأخر عن حال العقد صحّ و ان لم نجعله تابعاً في وكالة شخص خاصّ بل وكل شخصاً علي الشراء و آخر علي بيع ما يشتريه ذلك لكن علي الوجه المزبور و بالجملة لا يبعد القول بمشروعية الوكالة لما ذكرناه من عمومها في جعل الشخص نائباً منابه و قائماً مقامه في كل ما هو أهل له من غير فرق بين الموجود و المتجدد له من ملك و غيره و حينئذ له ان يبيع ما يدخله في ملكه بارث وهبة و غيرهما) «1».

اقول: ان أراد مما افاد كون ما تعلقت الوكالة به عنواناً عامّاً يعتبر العرف كونه للموكل فعلا مثل ما هو اهل له فانه له و يشمل التوكيل عليه ما هو مصداق لهذا العنوان بالفعل و ما يتجدد بعد ذلك بل نقول لا يشترط في مثل ذلك وجود مصداق له بالفعل فهو اهل لان يكون له كذا و كذا و يجعل الوكيل قائماً مقامه و نائباً منابه في

ذلك و عليه يشمل ذلك طلاق امرأة

نكحها بعد ذلك و عتق عبد و بيع مال اشتري هما بعد ذلك.

و ان اراد ان الجواز و عدمه يدور مدار عدم رجوع المعني الي التعليق و رجوعه فان وقع عقد الوكالة منجزاً فهو صحيح و ان وقع معلقاً يقع باطلا فيمكن تنجيز عقد الوكالة علي طلاق امرأة سينكحها فيجعله وكيلا علي طلاقها فعلا ان انكحها بعد ذلك سواء وقع النكاح ام لم يقع فكما يكون للموكل ذلك بالفعل يكون لمن يقوم مقامه و هو الوكيل و هذا بخلاف جعله وكيلا علي طلاقها مشروطاً بنكاحها

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 27/ 384.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 219

و عند وقوع النكاح ففي الاول اعمال الوكالة و ما كان للموكل و كان هو اهلا له يتوقف علي النكاح او البيع و في الثاني تحقق الوكالة يتوقف علي النكاح و البيع فهي منجزة في الصورة الاولي و معلقة في الثانية فاقدة لشرط التنجيز و بعبارة اخري في الصورة الاولي الوكيل وكيل للموكل في الحال و من زمان انشاء العقد لا يتخلف المنشأ عنه و في الثانية لا يكون وكيلا له في الحال و لا يتحقق الوكالة علي الطلاق و العتق الّا بعد النكاح و شراء العبد و هذا مراده من قوله: فلا بدّ ان يقال: ما يرجع منها الي معني التعليق باطل باعتبار اقتضاء تأخير متعلقها تأخرها.

ثمّ قال: في آخر كلامه: (و بالجملة لا يبعد القول بمشروعية الوكالة لما ذكرناه من عمومها في جعل الشخص نائباً منابه و قائماً مقامه في كل ما هو اهل له من غير فرق بين الموجود و المتجدد له من ملك و غيره. و حينئذ له ان يبيع ما يدخله في ملكه بارث وهبة و غيرهما

و لعلّ من ذلك وكلاء الائمة ((عليهم السلام)) و نوابهم سيّما وكلاء الناحية و وكلاء المجتهدين في زمن الغيبة علي ما يتجدد من الخمس و الزكاة و غير ذلك مما هو راجع الي الامام (عليه السلام) فتأمل جيداً فانه دقيق نافع لم اجد من احاط به) «1».

فتلخص من ذلك صحة الوكالة في جميع الصور حتي علي عتق ما سيشتريه او طلاق امرأة سينكحها الّا اذا رجع الي التعليق و قلنا باعتبار التنجير في عقدها.

[مسألة 24] «اعتبار صحة العقد حال الاحرام في حرمته و الحرمة الابدية»

مسألة مسألة مسألة 24: هل المعتبر في حرمة العقد حال الاحرام تكليفاً كونه صحيحاً واجداً لشرائط الصحة غير شرط عدم كونه في حال الاحرام و كذا الحرمة الابدية التي تترتب عليه اذا وقع

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 27/ 385.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 220

باطلا من غير جهة الاحرام كتزويج اخت الزوجة او لا يعتبر فيه ذلك فالعقد الباطل ايضاً حرام تكليفاً و موجب للحرمة الابدية لصدق التزويج عليه فتشمله الأخبار نعم اذا لم يصدق عليه التزويج عرفاً لفقد ما يوجب فقده عدم صدق التزويج عليه لا ريب في عدم ترتب اثر عليه وجهان بل قولان:

وجه القول الاول انه ظاهر الأخبار فان المتبادر منها العقد الصحيح فعن العلامة في التحرير: (و الظاهر ان مراد علمائنا بالعقد في المحرم و ذات العدة انما هو العقد الصحيح الذي لو لا المانع لترتب عليه اثره «1»

و قال في الجواهر: و فيه ان لفظ التزويج و النكاح للاعم مع انك قد سمعت خبر الحكم المشتمل علي التزويج في العدة و هو فاسد مع قطع النظر عن الاحرام «2».

اقول: مراده من خبر الحكم ما رواه الشيخ في التهذيب في باب الزيادات في

فقه النكاح عن الصفار «3» عن محمد بن

السندي «4» عن علي بن الحكم «5» عن معاوية بن ميسرة «6» عن الحكم بن عتيبة «7» قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن

______________________________

(1)- راجع جواهر الكلام: 29/ 451.

(2)- جواهر الكلام: 29/ 451.

(3)- الظاهر انه محمد بن الحسن الصفار الملقب بممولة فان كان هو ابن الحسن بن فروخ فهو ممدوح جداً من الثامنة.

(4)- لم يذكر فيه مدح و لا قدح و هو من السابعة.

(5)- ثقة جليل له كتاب من السادسة.

(6)- ابن شريح القاضي له كتاب هو من الخامسة.

(7)- ابو محمد الكندي مذموم من فقهاء العامة و كان استاد زرارة و حمران و الطيّار قبل ان يروا هذا الأمر هو من الرابعة.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 221

محرم تزوج امرأة في عدّتها قال: «يفرق بينهما و لا تحل له ابداً» «1».

و اجيب عن ذلك بأنّا و إن قلنا بأن الفاظ العبادات و المعاملات موضوعة للاعم لا للصحيح نقول بارادة الصحيح منها في مقام الاستعمال و لذا يقولون به في الشهادات و الاقرارات و الوصايا و النذور و قد استدرك الجواهر ما قاله بقوله: نعم قد يقال: ان المنساق من نصوص المقام و فتاواه العقد الصحيح في نفسه خصوصاً خبر ابن قيس فلا عبرة بالفاسد كنكاح الشغار بل و لا بالفاسد لفقد شرط من شرائط الصحة كالعربية و نحوها بخلاف ما كان فساده بالعدة و البعل و نحوهما مما هو كالاحرام في الافساد فتأمل «2».

اقول أما خبر محمد بن قيس فهو صحيح فان الشيخ رواه عن موسي بن القاسم «3» عن صفوان و ابن ابي عمير «4» عن عاصم بن

حميد «5» عن محمد بن قيس «6» عن ابي جعفر (عليه السلام) قال: «قضي امير المؤمنين (عليه السلام) في

رجل ملك بضع امرأة و هو محرم قبل ان يحلّ فقضي ان يخلّي سبيلها و لم يجعل نكاحه شيئاً حتي يحل الحديث» «7».

______________________________

(1)- تهذيب الاحكام: 7/ 471 ح 1887.

(2)- جواهر الكلام: 29/ 451.

(3)- بجلي كوفي ثقة جليل … من السابعة.

(4)- هما مشهوران بجلالة القدر و صفوان بجلي له ثلثون كتاباً و ابن ابي عمير له مصنفات منها كتاب النوادر كبير و هما من السابعة.

(5)- الكوفي ثقة … له كتاب من الخامسة.

(6)- بجلي كوفي ثقة عين … من.

(7)- تهذيب الاحكام: 5/ 330 ح 1134.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 222

و يمكن ان يقال ان غاية ما هو مفاد الصحيح حكم النكاح الصحيح لا اختصاص الحكم به فلا يقيد به اطلاق لو كان في البين علي القول بالاعم.

و أما التفصيل بين ما كان بطلان العقد باختلال بعض شروطه كالعربية علي القول باعتبارها في صحته و بفساده في نفسه كنكاح الشغار فيقال بعدم ترتب الاثر عليه و بين ما كان فساده بالعدة و البعل فيقال بترتب الاثر عليه ان عقد علي ذات العدة او ذات البعل في حال الاحرام فلم نفهم وجه التفصيل اللهم الّا ان يستند ذلك الي خبر الحكم بن عتيبة الذي سمعت ضعفه.

و كيف كان فالظاهر ان المتبادر من اخبار المسألة و باب تزويج المعتدة هو العقد و التزويج المحكوم بالصحة لو لا حكم الشارع بفساده لخصوص هذه الجهة و لو كان لفظ التزويج و كذا النكاح موضوعين للاعم لعدم استظهار الاطلاق و استعمال اللفظ في الاعم بمناسبة المقام و علي فرض تساوي الاحتمالين يؤخذ بالقدر المتيقن من الأخبار و هو النكاح الصحيح و في غيره فمقتضي الاصل عدم ترتب شي ء عليه هذا و قد ظهر

من كل ما ذكر وجه القول بعدم اعتبار كون التزويج صحيحاً في موضوعيته للاحكام و هو اطلاق اللفظ علي القول بالاعم كما قد ظهر لك ضعف

وجهه. و الله هو العالم.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 223

[مسألة 25] «حكم ما لو زوج المحل المحرم»

مسألة 25: قد روي شيخنا الكليني رضوان الله تعالي عليه عن عدة من اصحابنا «1» عن احمد بن محمد «2» و سهل بن زياد «3» عن ابن محبوب «4» عن سماعة بن مهران «5» عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: «لا ينبغي للرجل الحلال ان يزوج محرماً و هو يعلم أنه لا يحلّ له. قلت: فان فعل فدخل بها المحرم؟ قال: ان كانا عالمين فانّ علي كل واحد منهما بدنه و علي المرأة ان كانت محرمة بدنة، و ان لم تكن محرمة فلا شي ء عليها الا ان تكون قد علمت ان الذي تزوجها محرم، فان كانت علمت ثمّ تزوجته فعليها بدنة «6»».

______________________________

(1)- مراد الكليني من عدة من اصحابنا عن احمد بن محمد ان كان احمد بن محمد بن عيسي فهم خمسة رجال و هم محمد بن يحيي و احمد بن ادريس و علي بن ابراهيم و داود بن كورة و علي بن موسي الكميداني و ان كان هو احمد بن محمد بن خالد البرقي فهم اربعة رجال علي بن ابراهيم بن هاشم و علي بن محمد بن عبد الله و يقال بندار ابن بنت البرقي و احمد بن عبد الله بن احمد البرقي ابن ابنه و علي بن الحسين السعدآبادي المؤدب تلميذه الذي تخرج عليه في الادب و مراده من عدة من اصحابنا عن سهل بن زياد ايضاً اربعة رجال و هم محمد بن الحسن الطائي الرازي، و محمد

بن جعفر الاسدي نزيل الري او محمد بن ابي عبد الله و محمد بن عقيل الكليني، و علي بن محمد بن ابراهيم الكليني خال محمد بن يعقوب.

(2)- ان كان هو ابن عيسي هو موصوف بمدائح جليلة و ان كان هو ابن خالد فهو ايضاً مرضي و هما من السابعة.

(3)- هما من السابعة.

(4)- هو الحسن بن محبوب من الاجلاء له كتب كثيرة من اصحاب الاجماع من السادسة.

(5)- من اصحاب الاجماع من السادسة.

(6)- الكافي: 4/ 372، ح 5.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 224

و رواه شيخنا الطوسي قدس سره «1».

اقول: الخبر علي اصطلاح صحيح و علي اصطلاح موثق لا ريب في اعتباره قد عمل به الاصحاب يدل بالمنطوق و بالمفهوم و الفحوي علي ما يأتي من الاحكام فما يدل به بالمنطوق احكام

الاول: ان الرجل الحلال اذا زوج محرماً فدخل بها المحرم فعلي الذي زوجه ان كان عالماً بالحكم و الموضوع بدنة

الثاني: ان علي المحرم المذكور ان دخل بها عالماً بالحكم و الموضوع ايضاً بدنة

الثالث: ان علي المرأة المدخول بها بهذا التزويج ان كانت محرمة و كانت عالمة بالحكم ايضاً بدنة و ان لم تكن محرمة فلا شي ء عليها.

الرابع: ان المرأة ان لم تكن محرمة و لكن كانت عالمة قبل ان تزوجها الرجل المحرم بالحكم و الموضوع ثمّ تزوجته و دخل بها كانت عليها بدنة

و قال في الجواهر: (و لو كانت المرأة و العاقد محرمين و الزوج محلا وجبت الكفارة علي المرأة مع الدخول بسبب الدخول لا بسبب العقد و في وجوبها علي العاقد نظر اقواه العدم للاصل) «2».

و قال: (و هل يلحق بالمحلة المزوجة محرماً عالمة بذلك المحل المزوج محرمة عالماً

بذلك وجهان لا يخلو اولهما من قوة) «3»

______________________________

(1)-

التهذيب: 5/ 330 ح 1138.

(2)- جواهر الكلام: 20/ 379.

(3)- جواهر الكلام: 20/ 379.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 225

اقول: كان ذلك التمسك بقاعدة الاشتراك لاثبات ما ثبت بالنص علي النساء علي الرجال

و في الجواهر: (و ظاهر المتن (يعني الشرائع) و القواعد التوقف فيه في الجملة بل في محكي المنتهي و في سماعة قول و عندي في هذه الرواية توقف بل عن الايضاح الاصح خلافه للاصل، و لانه مباح بالنسبة اليه، و تحمل الرواية علي الاستحباب، و فيه ان الرواية من قسم الموثق او الصحيح و كل منهما حجة سيما مع الاعتضاد هنا بالشهرة المحكية من غير واحد بل في التنقيح نسبته الي عمل الاصحاب مشعراً بالاجماع عليه فالعمل به حينئذ متعين «1».

ثمّ انه ذكر خلاف الشهيد في الدروس في وجوب البدنة علي المحرمة و المحلة علي التفصيل الذي ذكرناه و انه جزم بالعدم و قال: هو في غير محله بعد العمل به في الحكم الاول «2».

هذا و أمّا ما يدل الموثق او الصحيح بالفحوي و الاولوية عليه فهو ايضاً احكام.

الاول: فيما اذا عقد المحرم العالم بالحكم لمحرم عالم بالحكم علي امرأة و دخل بها المحرم فعلي كل واحد منهما كفارة البدنة لفحوي الرواية المذكورة فانه اذا كان عقد المحلّ للمحرم في الصورة المذكورة موجباً للبدنة فهو بالاولوية القطعية موجب لها اذا كان العاقد ايضاً محرماً فكان الحكم يكون هكذا تزويج المحرم محرّم مطلقاً و في

الرواية تعرض الامام (عليه السلام) لما هو اخفي افراده فالحجة في المسألة الرواية و ان قال في الجواهر بلا خلاف اجده فيه بل نسبه غير واحد الي قطع الاصحاب به مشعراً

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 20/ 379.

(2)- جواهر الكلام: 20/ 379.

فقه الحج (للصافي)، ج 3،

ص: 226

بدعوي الاجماع بل عن ابن زهرة دعواه عليه صريحاً، و هو الحجة مضافاً الي فحوي الموثق الآتي بل اطلاق المتن (يعني الشرائع اذا عقد المحرم لمحرم علي امرأة و دخل بها المحرم فعلي كل واحد منهما كفارة) و غيره بل قيل الاكثر يقتضي تساوي علمهما بالاحرام و الحرمة، و الجهل، وجوب الكفارة و ان كان دخول المعقود له بعد الاحلال و لكن عن بعض القيود اشتراط علمهما بهما و في كشف اللثام و لعله الوجه و هو كذلك خصوصاً مع فحوي الموثق الآتي لو لا اطلاق معقد الاجماع المعتضد بما عرفت و بالاحتياط «1».

اقول: الحجة في المسألة امّا الرواية و أمّا الاجماع و الاتفاق فاثباته مشكل مضافاً الي أنه علي فرض تحققه لا يكشف عن وجود رواية اخري غير رواية سماعة و مضافاً الي ان دعواه في تفاصيل المسألة مثل اطلاق الحكم و لو كان الدخول وقع بعد الاحلال اشكل.

و أمّا التمسك بفحوي رواية سماعة لاثبات الاطلاق المذكور فكانه في غير محله الا ان يدعي دلالتها علي الاطلاق في موردها و هو خلاف الظاهر فان الرواية ظاهرة في وقوع الدخول في حال الاحرام و دلالتها علي اشتراط الحكم بالكفارة فيما اذا دخل بها علي العلم لا يدل علي اشتراطه بالعلم مطلقاً و ان كان العاقد محرماً فلا بدّ من التمسك لنفي الكفارة بالاصل.

الثاني: اذا عقد المحرم العالم بالحكم لمحرم جاهل بالحكم و دخل بها فعلي العاقد دون المعقود له البدنة لفحوي المذكور.

الثالث: عكس الصورة الثانية بان عقد المحرم الجاهل للحكم لمحرم عالم به و دخل بها فعلي المعقود له البدنة دون العاقد ايضاً للفحوي المذكور.

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 20/ 378.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 227

الرابع:

اذا كانت المرأة عالمة بالحكم و كانت محرمة دخل بها عليها البدنة لما ذكر من الفحوي.

الخامس: ان علي المرأة ان لم تكن محرمة و كانت عالمة قبل عقدها للمحرم ثمّ دخل بها بعد عقدها له ايضاً البدنة لما ذكر.

و ليعلم ان الموثق يدلّ علي الاحكام المذكورة اذا كان العاقد عالماً محرماً بالاولوية لكن لا يستفاد منه اختصاص هذه الاحكام اذا كان العاقد محرماً بصورة العلم دون الجهل فان غاية ما يثبت بالاولوية ثبوت هذا الحكم للعاقد المحرم العالم امّا اختصاصه بهذا الحكم فلا يستفاد منه حتي ينفي به عن الجاهل بالحكم فلا بدّ ان لم يتمسك باطلاق الفتاوي و معقد الاجماع المدعي عليه من نفي الحكم عن صورة الجهل بالاصل و الاخذ بالقدر المتيقن.

ان قلت: فكيف يستفاد من الموثق اختصاص الحكم المذكور بصورة العلم دون الجهل؟ قلت: هذا بالنظر الي مفهوم الشرط مثل قوله: «ان كانت علمت» و استدلالنا لصورة كون العاقد محرماً بمفهوم الاولوية و الفحوي فتدبر جيّداً.

[مسألة 26] «عدم ثبوت المهر للمرأة التي علمت بحرمة النكاح حال الاحرام»
اشارة

مسألة 26: لا ريب في أن بعد حكم الشارع ببطلان العقد الواقع في حال الاحرام لا يترتب عليه احكام النكاح الصحيح فيسقط فيه نصف المهر الثابت بالعقد الصحيح قبل الدخول و تمامه بعده نعم عليه مهر المثل مع جهلها بما استحل من فرجها و أما مع علمها فلا مهر لها لانها حينئذ بغية و كذا

لا يرثان كل منهما من الآخر و لا يعد من الاربع فان زوج غيرها بعد الاحرام و هو غير عالم ببطلان العقد الواقع في حال الاحرام فالعقد الواقع في حال

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 228

الاحلال محكوم بالصحة و كذا اذا زوج أخت من زوجها في حال الاحرام حال الاحلال فالثاني محكوم بالصحة

هذا اذا لم يكن بينهما اختلاف و امّا اذا اختلفا فادعي احدهما وقوع العقد في الاحرام و انكر الآخر قال المحقق في الشرائع: فالقول قول من يدعي الاحلال ترجيحاً لجانب الصحة «1».

و قال العلامة في التذكرة: (لو اختلفا و ادعي احدهما وقوعه حال الاحلال و ادعي الآخر وقوعه حال الاحرام فان كان هناك بينة حكم بها و لو انتفت البينة فان كانت الزوجة مدعية لوقوعه في الاحرام و انكر الرجل فالقول قوله مع اليمين عملا باصالة الصحة فاذا حلف ثبت النكاح، و ليس لها المطالبة بالمهر مع عدم الدخول و لو كانت قبضته لم يكن للزوج استعادته و لو كان الزوج هو المدعي لوقوعه حال الاحرام فالقول قول المرأة مع اليمين و يحكم بفساد العقد في حق الزوج لانّه ادعي فساده و يحكم عليه باحكام النكاح الصحيح ثمّ ان كان قد دخل بها وجب عليه المهر كملا للرواية و ان لم يكن دخل بها قال الشيخ: يجب نصف المهر و الوجه الجميع.

و لو اشكل الأمر فلم يعلم هل وقع العقد في الاحرام او الاحلال صحّ العقد و به قال الشافعي لأصالة الصحة. قال الشيخ رحمه الله: و الاحوط تجديده لان الاول ان وقع في الاحلال لم يضرّ الثاني و الّا كان مبيحاً) «2».

اقول: مراده قدس سره بالحكم بالبينة مطلقاً ان كانت أن الحاكم كما يحكم

للمدعي بالبينة يحكم للمنكر ايضاً اذا اقام البينة فهو الصواب و ان كان مراده ان المنكر اذا كانت معه البينة يجب عليه اقامتها لا نسلم ذلك و نقول: انّ له ردّ دعوي

______________________________

(1)- شرائع الاسلام: 1/ 184.

(2)- تذكرة الفقهاء: 7/ 388.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 229

المدعي باليمين و ان كانت معه البينة

فلا وجه لتقييد قوله (صلي الله عليه و آله و سلم): البينة علي المدعي و اليمين علي المدعي عليه.

و أمّا الاحتياط الذي ذكره عن الشيخ قدس سره فلا يقع تامّاً مطلقاً.

هذا و الذي نقول في تحرير المسألة و ما يتعلق بها من الفروع إنهما ان اختلفا فادعي احدهما وقوع العقد حال الاحرام و الآخر وقوعه حال الاحلال فاذا جهل التاريخان اي تاريخ الاحرام و تاريخ الاحلال فالمرجع اصالة الصحة سواء قلنا بعدم جريان الاصل في مجهولي التاريخ ذاتاً أو قلنا بسقوط الاصلين بالمعارضة و ان كان تاريخ احدهما مجهولا و الآخر معلوماً فان كان معلوم التاريخ هو العقد تجري اصالة عدم الاحرام الي حين العقد و يثبت بها وقوع العقد في حال عدم الاحرام و لو لم تجر اصالة الصحة.

و ان كان معلوم التاريخ هو الاحرام فاستصحاب عدم العقد الي حين الاحرام لا يثبت به وقوع العقد حال الاحرام فيتعين الرجوع الي اصالة الصحة.

ثمّ انه زاد علي الاستدلال باصالة الصحة في الجواهر مدعياً التصريح به عن الكركي و الشهيد الثاني ان مدعي الفساد يدعي وصفاً زائداً يقتضي الفساد و هو وقوع العقد حال الاحرام فالقول قول المنكر بيمينه لانه منكر للمفسد «1»

ثمّ حكي عن المدارك المناقشة في التمسك باصالة الصحة فانه انّما يتم اذا كان المدعي لوقوع الفعل في حال الاحرام عالماً بفساد ذلك امّا مع اعترافهما بالجهل

فلا وجه للحمل علي الصحة و باستصحاب عدم مقارنة العقد لحال

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 18/ 309.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 230

الاحرام ان كلا منهما يدعي وصفاً ينكره الآخر و يعارض استصحاب عدم مقارنة العقد لحال الاحرام باستصحاب عدم مقارنته لحال الاحلال و تقديم احدهما علي الآخر يحتاج الي دليل.

و

اجاب عن الاول بان دليل اصل الصحة في العقد مطلق لم يعتبر فيه العلم المذكور و عن الثاني بما لعل حاصله انّ مدعي الفساد يدّعي وقوع العقد حال الاحرام و انكار المنكر له و ان كان لازمه وقوع العقد حال الاحلال لكن ليس ادعاء مقارنة العقد لحال الاحلال فان ما هو شرط لصحة العقد عدم مقارنته لحال الاحرام لا مقارنته لحال الاحلال و ان شئت قل: المانع لصحة العقد مقارنته لحال الاحرام لا مقارنته لحال الاحلال فيجري استصحاب عدم كون العقد مقارناً للاحرام دون عدم كونه مقارناً للاحلال لانه ليس شرطاً له و لا مانعاً عنه ثمّ استند الي كلام الاصحاب بتقديم مدعي الصحة علي مدعي الفساد كدعوي عدم البلوغ و كون المبيع خنزيراً او شاة مثلا و غير ذلك مما يرجع بالآخرة الي اوصاف اركان العقد فضلا عن المقام الذي مدعي الفساد فيه معترف بحصول جميع اركان العقد. «1»

اقول: اما استدلاله باطلاق دليل اصالة الصحة الشامل صورة جهلهما بحكم الشارع بفساد العقد الواقع حال الاحرام فان كان مراده من الدليل الكتاب او الأخبار التي توهم دلالتها علي اصالة الصحة فان لم نقل انه ليس فيها ما يدل علي حجية اصالة الصحة في مثل عقود ليس فيها ما يدل علي حجيتها مطلقاً و ان كان مراده من الدليل العسر و الحرج فمن الواضح انه لا اطلاق فيه.

و ان كان مراده الاجماع فقد قال بعض الاساطين: (لا ينبغي التأمل في انعقاده) و قال: (ان الاجماع تارة ينعقد علي الحكم الشرعي في الموارد الجزئية

______________________________

(1)- راجع جواهر الكلام: 18/ 309.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 231

و اخري ينعقد علي عنوان كلّي فان كان الاجماع علي الوجه الاول فلا بدّ

من الاقتصار علي الموارد التي انعقد فيها الاجماع و لا يجوز التعدي عنها و ان كان علي الوجه الثاني فاللازم الأخذ باطلاق معقد الاجماع كما اذا قام دليل لفظي علي ذلك فللفقيه الفتوي بالحكم معتمداً علي الاجماع و لو في مورد الاختلاف و الظاهر ان الاجماع في المقام قام علي الوجه الثاني كما يظهر ذلك بالمراجعة في كلمات القوم … و قال في طي ما افاده لا يبعد أن تكون اصالة الصحة في العقود بنفسها معقد الاجماع بالخصوص «1».

و علي هذا يستقيم التمسك باطلاق الدليل اي الاجماع و لعل الوجه في ذلك سيما في العقود و الايقاعات ان اصحابنا الذين كان دأبهم في كتبهم الفتوائية بيان الحكم بالفاظ وردت في النصوص اذ رأينا أنهم يطلقون ما يدل علي الحكم و لا يقيدونه بقيد نستكشف من اتفاقهم ان ما افتوا به وصل اليهم من الائمة الطاهرين (عليهم السلام).

و نحوا من التمسك بالاجماع التمسك بالسيرة المصرح بها في كلام غير واحد منهم التي ادعيت قطعيتها حتي من جميع المسلمين سيما في المعاملات و العقود و الايقاعات لا شك في استمرارها من عصر الشارع المقدس و اوصيائه الطاهرين صلوات الله عليهم اجمعين الي عصرنا.

و يدل علي حجية اصالة الصحة سيما في العقود و الايقاعات ما يترتب علي عدم حجيتها و ترك العمل بها من اختلال النظام كما اشير اليه في كلام الامام (عليه السلام) في

باب اليد: انه لو لا ذلك لما قام للمسلمين سوق «2» و بالجملة لعل الاقوي شمول

______________________________

(1) فوائد الاصول: 2/ 244 تأليف شيخنا الاستاذ المحقق الكاظمي تقريراً لبحث استاذه المحقق النائيني قدس سرهما.

(2)- وسائل الشيعة: ب 25 من ابواب كيفية الحكم ح 1.

فقه الحج (للصافي)،

ج 3، ص: 232

الاجماع و السيرة و التحرز من اختلال النظام لما اذا لم يكن المدعي لوقوع العقد في حال الاحرام عالماً بالحكم.

هذا و قد تبع صاحب المدارك بعض المعاصرين الأجلّاء فقال: (ان الحمل علي الصحة باعتبار العلم بحال العامل و عدمه من حيث علمه و جهله بالصحة- يتصور علي وجوه.

الصورة الاولي: ان يعلم ان العامل جاهل بصحة عمله و فساده امّا من جهة الجهل بالحكم او من جهة الجهل بالموضوع فيكون احتمال الصحة لمجرد احتمال المصادفة الاتفاقية للواقع ثمّ ذكر الصورة الثانية و هي صورة عدم العلم بجهله او علمه بصحة عمله او فساده و الصورة الثالثة و هي صورة يكون العامل عالماً بالحكم صحة و فساداً و لا ريب في ان في الصورة الثالثة تجري اصالة الصحة و في الصورة الثانية قال: ان الظاهر جريان اصالة الصحة فيها فان السيرة قائمة علي ترتيب الآثار علي اعمال الناس بلا تفحص عن حال العامل من حيث كونه عالماً او جاهلا و لكنه قال في الصورة الاولي فالظاهر عدم جريان اصالة الصحة فيها اذ ليس لنا دليل لفظي نتمسك بعمومه او اطلاقه بل الدليل علي اصالة الصحة انّما هو السيرة علي ما عرفت و هي دليل لبّي لا بدّ فيه من الاقتصار علي القدر المتيقن، و لم يحرز قيام السيرة علي ترتيب الآثار علي عمل كان عامله جاهلا بصحته و فساده فان الحمل علي الصحة انّما هو من ظهور الحال (اي ظاهر حال المسلم) انه لا يقدم علي العمل الفاسد و ليس لحاله ظهور مع الجهل بالصحة و الفساد فلا مجال لجريان اصالة الصحة بلا فرق بين كونه جاهلا بالحكم او جاهلا بالموضوع و كونه معذوراً او

غير معذور كما في موارد العلم الاجمالي) «1».

______________________________

(1)- مصباح الاصول: 3/ 324.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 233

و فيه أنه لا فرق بين الصورة الثانية و الصورة الاولي في قيام السيرة علي ترتيب آثار الصحة علي عمل الغير و ان كان عالماً بعدم علم العامل بحكم المسألة افتري انهم يحكمون بفساد الانكحة الكثيرة الصادرة من الجاهلين باحكام النكاح و موارد حرمته؟ و لو كانوا حاكمين بذلك لا يقوم لهم سوق و لا يمكن لهم حمل اكثر انكحتهم بل اغلبها علي الصحة و للزم الحكم بأن الغالب منهم اولاد الشبهة و بالجملة: فالظاهر ان وجه اصالة الصحة في اعمال الناس سيما في باب المرافعات ليس ظاهر حال المسلم او العاقل بل وجهها البناء عليها و التعبد بها لما ذكر من اختلال الامور لو لا هذا الاصل و معقد الاجماع و السيرة كما يشملان الصورة الثانية يشملان الاولي و الا فلو كان الاعتبار بظاهر حال المسلم فلا يستظهر منه الّا اذا علم كونه عالماً بالحكم.

و بالجملة فالحكم باصالة الصحة مبني علي التعبد العقلائي و بناء العقلاء و امضاء الشارع او تعبد الشرعي التأسيسي في الموارد الثلاثة علي السواء.

ثمّ ان هنا مسائل:
الأولي: قد سمعت مما حكيناه عن التذكرة ان المنكر ان كانت المرأة و لم تكن للمرء بينة و حلفت المرأة يحكم علي المرء لها باحكام النكاح الصحيح

و ان عليه المهر ان دخل بها و لها نصف المهر ان لم يدخل بها علي ما اختاره الشيخ في المبسوط لاعترافه بما يمنع من الوطء «1».

قال في الجواهر: (فيكون كالطلاق قبل الدخول او لان العقد انما يملك نصف المهر و مملك النصف الآخر هو الوطء او الموت الا ان الجميع كما تري ضرورة كون

______________________________

(1)- المبسوط: 1/ 318.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 234

الاول قياساً لضرورة اقتضاء العقد ملكها تمام المهر و انما ينصف بالطلاق لدليله (و) من هنا يظهر لك

انه (لو قيل: لها المهر كله) و ان لم يكن دخل بها بل جزم به كل من تاخر عنه (كان حسناً) بل ربما احتمل كون مراد الشيخ النصف بعد الطلاق و اطلق بناءً علي الغالب من اختيار الزوج ذلك تخلصاً من غرامة الجميع و لا يقدح دعواه الفساد المقتضية لكون الطلاق لغواً اذ هو و ان كان كذلك لكنه في حقها باعتبار دعواها الصحة مؤثر لسقوط مطالبتها بالجميع ان لم تكن قد قبضته و موجب لردها النصف ان كان قد قبضته) «1».

ثمّ ان الظاهر ان لم يدخل بها يجوز له التخلص من نصف المهر بالطلاق فيسترد منها نصفه ان قبضته كله.

و لكن في كشف اللثام فصل بين ما اذا كان الطلاق باستدعاء المرأة فيكون منصفاً و بين ما اذا لم تستدع الطلاق و صبرت فلها المهر كاملا و ان طلقها قبل الدخول «2».

الا انه لم يتبين لي ما ذكره وجهاً لهذا التفصيل فاذا فرضنا صدور الطلاق الصحيح من الرجل المدعي لفساد النكاح يقع صحيحاً لا محالة وقع ابتداء منه او باستدعائها.

اللهم الا ان كان مراده مما ذكره من الوجه ان الرجل اذا لم تستدع هي الطلاق

مأخوذ بانكاره النكاح و عدم الموضوع للطلاق فهو ملزم باداء تمام المهر و امّا اذا وقع الطلاق باستدعاء المرأة فكأنّه رضيت بالنصف و صالحت عليه معه فليس لها

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 18/ 311.

(2)- كشف اللثام: 5/ 336.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 235

الزامه باداء المهر كملا.

و فيه انه ان طلقها يقع الطلاق صحيحاً باعتقادها فلا يجوز لها الزامه بتمام المهر و ان كان وقع باعتقاده لغواً فلا فرق في كونه منصفاً له وقع ابتداء منه او باستدعائها

الثانية: قَد ظهر لك مما ذكر في المسألة الاولي وجوب الطلاق علي الرجل للتخلص من الاحكام المترتبة علي النكاح الصحيح

مما هو محرم عليه لو

لا النكاح الصحيح و هذا حكمه فيما بينه و بين الله تعالي و امّا اذا رفعت المرأة الامر الي الحاكم فهل يلزمه بالطلاق او باداء ما عليه لها من الحقوق او يخيره بأيهما شاء الظاهر ان الحاكم يجبره علي اداء ما عليه لثبوت النكاح الصحيح بينهما عنده و حكمه به و من ذلك يظهر حكم وجوب نفقتها عليه و انه ان لم يطلقها يجبره الحاكم بها

الثالثة: اذا كان هو المنكر للفساد فلا ريب في انّه ليس لها قبل الدخول المطالبة بشي ء من المهر منه

اخذاً باقرارها ذلك نعم ان هي قبضته ليس له استعادته الا ان يطلقها قبل الدخول فيستعيد منها نصفه و امّا ان وقع الدخول بها باكراهها او جهلها بالفساد او الاحرام فلها المهر بزعمه بالنكاح الصحيح و بزعمها بما استحل من فرجها، و عليه هل لها المطالبة بمهر المثل او المسمي يمكن ان يقال: انّ لها المطالبة باقل الامرين لان ما عليه قطعاً ذلك فان كان الاقل المسمي فليس لها المطالبة بالاكثر للحكم عليها بصحة العقد و ان كان الاقل مهر المثل فليس لها باقرارها مطالبة الاكثر منه نعم ان كان الاكثر مهر المثل و كان النكاح باطلا في الواقع يبقي الزائد علي المسمي في ذمة المرء و الله هو العالم.

الرابعة: اذا كان المرء منكراً للفساد و انتهي الامر الي حلفه فحلف فحكم له عليها بالتمكين

و سائر ما يجب عليها بالزوجيّة فالحكم ان له الطلب ظاهراً بحكم

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 236

الحاكم و باطناً بزعمه و عليها التمكين ظاهراً و الهرب باطناً و لزم المرء احكام النكاح الصحيح فلا يجوز له التزويج بخامسة و لا بام المرأة و لا بنتها مع الدخول بها و لا باختها و لا بنت اخيها و اختها بدون رضاها فهي بالنسبة اليه باقراره و بحكم الحاكم زوجته فيجب عليه التوصل الي ايصال مهرها اليها نعم وجوب نفقتها عليه مشروط بتمكينها نفسها له و الظاهر انه يجب عليها التمكين بمقدار يعدّ الامتناع منه ردّ حكم الحاكم و الاحوط لها ان امكن تحصيل رضاه بالطلاق و لو ببذل مال اليه او تجديده نكاحها. هذا اذا كان المرء منكراً لوقوع النكاح حال الاحرام.

و اما اذا كانت هي المنكرة و انتهي الامر الي حلفها فيحكم لها و عليه بصحة النكاح فهي محكومة باقرارها لا يصح لها التزوج بغيره و

لا فعل ما يتوقف علي اذن الزوج كالسفر المندوب و العبادات المتوقف عليه و قد مرّ حكم مطالبتها المهر و وجوب التخلص عما هو حرام واقعاً عليه بالطلاق و هل يجوز له نكاح الخامسة و نكاح امها و اختها و غيرهما من اللاتي هن محرمة عليه نكاحهن علي تقدير صحة نكاحه بها وجهان: من جهة ان الحاكم حكم بكونها زوجة له و كونه زوجاً لها فلا يجوز له نكاح امها او اختها او اللاتي من المحرمات و يجب عليه انفاذ حكم الحاكم و كل ذلك يكون رداً لحكمه.

و من جهة ان الامر الذي وقع فيه التنازع بينهما هو زوجية كل منهما للآخر فمن يدعي وقوع النكاح في حال الاحرام يريد التخلص مما يثبت عليه من الاحكام بالزوجية مثل التمكين او وجوب النفقة و اداء المهر و من ينكر ذلك يطالب الآخر بهذه الاحكام و أمّا عدم جوار نكاح الخامسة او اختها مثلا فهو حكم شرعي

مربوط بالرجل فيما بينه و بين الله تعالي و غاية ما يمكن ان يقال انه لا يجوز ذلك بحسب الظاهر لانه يعد عند العرف رداً لحكم الحاكم امّا ان هو فعل ذلك باطناً

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 237

فتزوج بامها و لو بعد طلاقها ظاهراً لا شي ء عليه و يجوز له ذلك.

[مسألة 27] «جواز الرجوع للمحرم»

مسألة 27: يجوز للمحرم مراجعة مطلقته الرجعيّة و ان كانت هي أيضاً محرمة بلا خلاف.

و لا اشكال في ذلك لعدم دليل خلافه و لإطلاق مثل قوله تعالي «و بعولتهن احق بردهنّ» لا فرق في ذلك بين المطلقة تبرعاً و التي رجعت ببذلها.

قال في الجواهر: «1» (مضافاً الي خبر ابي بصير عن الصادق (عليه السلام) «المحرم يطلق و لا يتزوج» «2»

و خبر حماد ابن عثمان عنه (عليه السلام) ايضاً «سألته عن المحرم يطلق؟ قال: نعم» 3.

اقول: في دلالتهما تأمل بل منع لان جواز الطلاق اعم من جواز الرجوع الي المطلقة و كذا يجوز للمحرم شراء الاماء في حال الاحرام لانه ليس من النكاح و يدل عليه كما في الجواهر 4 صحيح سعد بن سعد عن ابي الحسن الرضا (عليه السلام) «عن

المحرم يشتري الجواري و يبيع؟ قال: نعم» 5 الا انه ايضاً لا يشمل ما اذا اراد به التسري الا انه ايضاً ملحق به للاصل و ان حرم عليه المباشرة حال الاحرام بل يجوز ذلك تكليفاً و وضعاً و ان قصد المباشرة حاله لان ما هو المحرم تكليفاً العقد

______________________________

(1)- جواهر الكلام 18/ 316.

(2) 2 و 3 وسائل الشيعة: ب 17 من ابواب تروك الاحرام ح 1 و 2 و تعبيره عنهما بالخبر لان في السند الاول ابا بصير و هو مشترك بين المرادي و الاسدي و الثاني سنده ضعيف بمحمد بن سنان فراجع.

(3) 4 جواهر الكلام: 18/ 316.

(4) 5 وسائل الشيعة: ب 16 من ابواب تروك الاحرام ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 238

حال الاحرام و وطي الامة حاله لا مجرد القصد الي ذلك و امّا عدم حرمته الوضعية اي فساد الشراء فلعدم الدليل علي فساد العقد بذلك و ان احتمله في التذكرة لحرمة الغرض الذي وقع العقد «1» له كمن اشتري العنب لاتخاذه خمراً و فيه ان ذلك يوجب فساد العقد اذا شرط ذلك في متن العقد ففرق بين بيع العنب ممن يعلم انه يشتريه ليعمل خمراً و بين بيعه بشرط ان يعمله خمراً و بالجملة تحريم وطي الامة لا يوجب تحريم شرائها لعدم استلزام

شرائها وقوع الوطي المحرم عليه.

ثمّ انه هل يلحق التحليل بالنكاح في حال الاحرام فلا يجوز لمالك الامة اذا كان محرماً تحليل امته للمحل فضلا عن المحرم و لا يقع التحليل اذا كان هو محلا و المحلل له محرماً فيه اشكال و مقتضي الاصل الجواز و اولي بالاشكال الصورة الاولي و الله هو العالم باحكامه.

[مسألة 28:] الشهادة في حال الاحرام

مسألة 28: الظاهر انه لا خلاف بين الاصحاب في انه تحرم الشهادة للمحرم علي عقد النكاح للمحلين و المحرمين و المفترقين.

مسألة: يستفاد من الجواهر «2» انه لا خلاف بين الاصحاب في انه تحرم

الشهادة علي عقد النكاح للمحلين و المحرمين و المفترقين و يدل عليه مرسل ابن ابي شجرة الذي رواه الشيخ باسناده عن الحسين بن سعيد «3» عن عثمان بن عيسي «4» عن ابن ابي

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء 7/ 390.

(2)- جواهر الكلام: 18/ 301.

(3)- الاهوازي ثقة عين صاحب المصنفات من السابعة.

(4)- من اصحاب الاجماع ثقة كان واقفيا ثمّ رجع و استبصر من السادسة.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 239

شجرة «1» عمن ذكره عن ابي عبد الله (عليه السلام) «في المحرم يشهد علي نكاح محلين؟ قال: لا يشهد ثمّ قال: يجوز للمحرم ان يشير بصيد علي محل» «2».

و قال: قوله (عليه السلام): «يجوز للمحرم ان يشير بصيد علي محلّ» انكار و تنبيه علي انه اذا لم يجز ذلك فكذلك لا تجوز الشهادة علي عقد المحلين و لم يرد بذلك الاخبار عن اباحته علي كل حال و رواه في الاستبصار مثله «3» و في الفقيه: و قال: في المحرم يشهد نكاح محلين الحديث الا انه لم يذكر السند. «4»

و مرسل ابن فضال الذي رواه الكليني عن عدة من اصحابنا «5» عن احمد بن محمد «6»

عن الحسن بن علي «7» عن بعض اصحابنا عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: المحرم لا ينكح و لا يخطب و لا يشهد النكاح و ان ينكح فنكاحه باطل «8» و رواه الشيخ باسناده الا انه ليس فيه (و لا يخطب)

و الظاهر انه كما في الجواهر «9» لا وجه لوسوسة بعض متأخري المتاخرين في حرمته و كانه تبع هذا البعض بعض المعاصرين بعد ما كان في السند الاول عثمان بن عيسي الذي هو من اصحاب الاجماع و في الثاني ابن الفضال الذي ذكر الكشي ان

______________________________

(1)- في الوسائل ابن شجرة و الظاهر انه سهو و هو من الخامسة.

(2)- تهذيب الاحكام: 5/ 315 ح 1087.

(3)- الاستبصار: 2/ 188 ح 630.

(4)- من لا يحضره الفقيه: 2/ 361 ح 2708.

(5)- قد ذكرنا غير مرة ما يتعلق بقوله (عن عدة) راجع جامع الرواة، ج 2- ص 495.

(6)- محمد اما ابن عيسي او ابن خالد.

(7)- بن فضال الجليل الثقة، و المحتمل انه كان من اصحاب الاجماع.

(8)- الكافي: 4/ 372 ح 1.

(9)- جواهر الكلام: 18/ 301.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 240

بعضهم ذكر مكان الحسن بن محبوب من اصحاب الاجماع الحسن بن علي بن فضال مضافاً الي قرائن اخري فلا يضر ما فيها من الارسال و كون ابن ابي شجرة غير معلوم الحال بصحة الاعتماد عليهما.

و امّا ما عن المدارك من قصر الحكم علي حضور العقد لاجل الشهادة فيحرم دون ما اذا اتفق حضوره لا لها «1» ففيه: ان الشهادة الحضور و هو اعم من حضوره عليه للشهادة او لسبب آخر كما ان الظاهر انه لا فرق في ذلك بين كون حضوره في المجلس بالاحداث او البقاء فيه.

ثمّ انه هل تلحق بالشهادة

علي النكاح اقامة الشهادة عليه كما عن المبسوط «2» و السرائر «3» بل عن الرياض نسبته الي المشهور «4» بل عن الحدائق ان ظاهر هم الاتفاق عليه «5» فلا يجوز للمحرم اقامة الشهادة علي العقد و ان تحملها في حال الاحلال او لا؟ فيجوز له الشهادة عليه في حال الاحرام؟

الاقوي هو الجواز و ذلك لعموم ادلة النهي عن كتمان الشهادة و لتوقف ثبوت

النكاح شرعاً عليها و ترتب بعض المفاسد العظمية ان لم يثبت بخلاف ايقاعه اذ لا يتوقف عليها عندنا لوقوع العقد صحيحاً بدونها و في الجواهر: قيل و لانّها اخبار لا انشاء و الخبر اذا صدق و لم يستلزم ضرراً لم يحسن تحريمه، و لانها اولي بالاباحة من الرجعة التي هي ايجاد للنكاح في الخارج «6».

______________________________

(1)- مدارك الاحكام: 7/ 311.

(2)- المبسوط: 1/ 317.

(3)- السرائر: 1/ 547.

(4)- رياض المسائل: 6/ 296.

(5)- الحدائق الناضرة: 15/ 347.

(6) جواهر الكلام: 18/ 302.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 241

أقول: العمدة فيما ذكر دليلا علي الجواز بل وجوب اقامتها عموم آية الكتمان و عدم وجود المخصص له و الا ففي المناقشة في غيره مجال واسع.

لا يقال: ان العموم مخصص بما ذكر وجهاً للحرمة كالشهرة و شمول الخبرين لاقامة الشهادة و فحوي قوله (عليه السلام): «يجوز للمحرم ان يشير بصيد علي محل» فانه كما يدل بالفحوي علي عدم جواز الشهادة يدل علي عدم جواز إقامة الشهادة عليه.

فانه يقال: اما الشهرة فقد قال في الجواهر لم نتحققها «1» و اما شمول الخبرين لإقامة الشهادة فممنوع لانّ شهادة العقد غير الشهادة عليه و امّا الفحوي فليس هو مثل الفحوي المستدل عليه في الخبر فان الشهادة للعقد سيّما علي مذهب مخالفينا مثل الاشارة بالصيد الذي

لم يصاد و الشهادة عليه مثل الاشارة الي الصيد المصاد، فكانه صدر هذا الذيل تقية او اقناعاً للسائل الذي لعلّ كان هذا مذهبه.

و كيف كان فلا يخصص بمثل ذلك عموم الآية الكريمة، و بعد ذلك كله فقد قال في الجواهر: الاول (اي عدم الجواز) احوط بل ربما يومئ النهي عن شهادته الي عدم اقامتها «2» و فيه منع الايماء المذكور نعم هو احوط الا اذا استلزم تركها تضييع

حق لا يثبت بغيرها.

[من محرمات الإحرام الطيب]

اشارة

حرمة الطيب في حال الاحرام

[مسألة 29 حرمة الطيب في حال الاحرام إجماعي في الجملة]
اشارة

مسألة 29: مما هو محرم في حال الاحرام الطيب و حرمته في الجملة اجماعي بين المسلمين و النصوص متواترة فيه و ان اختلفوا في انه

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 18/ 302.

(2)- جواهر الكلام: 18/ 302.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 242

محرم بجميع افراده.

كما حكي عن المقنعة و جمل العلم و العمل و السرائر و المبسوط و الكافي و غيرها «1» الا ما استثني منه، او الحرمة مختصة بافراده الخاصة اي المسك و العنبر و الزعفران و العود و الكافور و الورس كما حكي عن الشيخ في النهاية و ابن حمزة في الوسيلة و عن الخلاف الاجماع علي انه لا كفارة في غيرها، او محصورة في الخمسة من الستة المذكورة باسقاط الورس كما حكي عن الجمل و العقود و المهذب و الاصباح و الاشارة بل حكي عن الغنية نفي الخلاف عن حرمتها «2». او مقتصرة في اربعة المسك و العنبر و الزعفران و الورس و هو محكي عن الصدوق في المقنع و عن التهذيب و ابن سعيد. «3»

و كيف كان فلا يرجح هذه الاقوال بعضها علي بعض الا اذا كان دليل القائل به مرجح علي دليل القائل بغيره، فليس هنا الا الروايات الشريفة فاللازم ملاحظتها سنداً و دلالة حتي يظهر ما هو المرجح من الاقوال فنقول: الروايات علي طوائف:

منها ما يدل علي حرمة مطلق الطيب و ما فيه رائحة عطرة و ذلك مثل صحيح زرارة عن ابي جعفر (عليه السلام): «قال: من اكل زعفراناً متعمداً او طعاماً فيه طيب فعليه دم فان كان ناسياً فلا شي ء عليه و يستغفر الله و يتوب اليه.» «4».

و المرسل الذي رواه الكليني عن حريز عمن اخبره عن ابي

عبد الله (عليه السلام) «قال:

______________________________

(1)- راجع جواهر الكلام: 18/ 317.

(2)- جواهر الكلام: 18/ 324.

(3)- جواهر الكلام: 18/ 324.

(4)- وسائل الشيعة: ب 4 من ابواب بقية كفارات الاحرام ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 243

لا يمس المحرم شيئاً من الطيب و لا الريحان و لا يتلذذ به و لا بريح طيّبة فمن ابتلي بشي ء من ذلك فليتصدق بقدر ما صنع قدر سعته» «1».

و الصحيح الذي رواه الشيخ عن حريز عن ابي عبد الله (عليه السلام) مثله. «2»

و الظاهر انهما واحد و انه سقط من نسخة الشيخ قوله (عمن اخبره) و ذلك كون الكافي اضبط من التهذيب مضافاً الي تقدم اصالة عدم الزيادة الجارية في المرسل علي اصل عدم النقيصة الجاري في الصحيح لو لا الاصل المخالف.

و موثق حنان بن سدير عن ابيه قال: «قلت لابي جعفر (عليه السلام): ما تقول في الملح فيه زعفران للمحرم؟ قال: لا ينبغي للمحرم ان يأكل شيئاً فيه زعفران و لا يطعم شيئاً من الطيب». «3» و هو و ان كان مورده الاكل الا انه يثبت به التطيب به و شمه بالقول بعدم الفصل بين الثلاثة.

و صحيح عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: «لا تمس ريحاناً و انت محرم و لا شيئاً فيه زعفران، و لا تَطْعَم طعاماً فيه زعفران» «4» و لكن في اطلاقه نظر.

و صحيح معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: «لا تمس شيئاً من الطيب و لا من الدهن في احرامك و اتق الطيب في طعامك و امسك علي انفك من الرائحة الطيبة. و لا تمسك عليه من الرائحة المنتنة فانه لا ينبغي للمحرم ان يتلذذ بريح طيبة». «5»

______________________________

(1)-

الكافي: 4/ 353 ح 2.

(2)- تهذيب الاحكام: 5/ 297 ح 1007.

(3)- وسائل الشيعة: ب 18 من أبواب تروك الاحرام ح 2.

(4)- وسائل الشيعة: ب 18 من ابواب تروك الاحرام ح 3.

(5)- وسائل الشيعة: ب 18 من ابواب تروك الاحرام ح 5.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 244

و ما رواه في الكافي بسند فيه سهل عن النضر بن سويد عن ابي الحسن (عليه السلام): «ان المرأة المحرمة لا يمس طيباً». «1» و لكنّه مختص بالمرأة و قاعدة الاشتراك و لو قلنا بها في اثبات ما ثبت علي المرأة علي الرجل لا تجري في مثل ذلك لاحتمال اختصاصها بهذا الحكم.

و نحو صحيح معاوية بن عمار السابق ما رواه ايضاً في الوسائل عن الشيخ باسناده عنه عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: «اتق قتل الدوابّ كلها و لا تمس شيئاً من الطيب و لا من الدهن في احرامك و اتق الطيب في زادك و امسك علي انفك من الريح الطيبة و لا تمسك من الريح المنتنة فانه لا ينبغي للمحرم ان يتلذد بريح طيبة فمن ابتلي بشي ء من ذلك فليعد غسله و ليتصدق بقدر ما صنع» «2»

و هو و سابقه واحد و حملهما علي الاعم من الاستحباب و الوجوب و لبيان الآداب ليس ببعيد.

و صحيح محمد بن مسلم عن احدهما عليهما السلام «في قول الله عزّ و جل (ثمّ ليقضوا تفثهم) حفوف الرجل من الطيب». «3» و غير ما ذكر من الروايات.

يستفاد منها بالاطلاق حرمة مطلق الطيب و ما ورد فيها في خصوص بعض افراد الطيب مثل صحيح عبد الله بن سنان ايضاً محمول علي مجرد المثال لا الخصوصية و أما التعبير عن النهي عنه بلا ينبغي فلا

يدل علي الاستحباب بعد التعبير به عن النهي عن زعفران المحرم بالاجماع بلا ينبغي في موثق حنان و كيف كان

______________________________

(1)- الكافي: 4/ 344 ح 2.

(2)- وسائل الشيعة: ب 18 من ابواب تروك الاحرام ح 9 و تهذيب الاحكام: 5/ 296 ح 1006.

(3)- وسائل الشيعة: ب 18 من ابواب تروك الاحرام ح 13.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 245

فاطلاق هذه الاخبار يشمل كل ما هو من افراد الطيب و ان وجد في الاعصار المتاخرة عن عصور هم (عليهم السلام).

و لكن هنا روايات مقيدة او مخصصة لتلك الاطلاقات او العمومات

منها صحيح معاوية بن عمّار عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: «لا تمس شيئاً من الطيب و انت محرم و لا من الدهن و اتق الطيب، و امسك علي انفك من الريح الطيبة و لا تمسك عليه من الريح المنتنة فانه لا ينبغي للمحرم ان يتلذد بريح طيبة، و اتق الطيب في زادك فمن ابتلي بشي ء من ذلك فليعد غسله و ليتصدق بصدقة بقدر ما صنع، و انّما يحرم عليك من الطيب اربعة اشياء المسك و العنبر و الورس و الزعفران غير انه يكره للمحرم الادهان الطيبة الا المضطرّ الي الزيت او شبهه يتداوي به» «1».

و منها خبر ابراهيم النخعي عن معاوية بن عمار ايضاً عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: «انّما يحرم عليك من الطيب اربعة اشياء المسك و العنبر و الورس و الزعفران غير انه يكره للمحرم الادهان الطيبة الريح» «2».

و منها صحيح ابن ابي يعفور عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: «الطيب: المسك و العنبر و الزعفران و العود» «3»

و صحيح عبد الغفار قال: «سمعت ابا عبد الله (عليه السلام) يقول: الطيب: المسك

و العنبر و الزعفران و الورس» «4».

______________________________

(1)- تهذيب الاحكام: 5/ 305 ح 1039 و وسائل الشيعة: ب 18 من ابواب تروك الاحرام ح 7..

(2)- تهذيب الاحكام/ 299 ح 1013 و وسائل الشيعة: ب 18 من ابواب تروك الاحرام ح 14.

(3)- تهذيب الاحكام/ 299 ح 1014 و وسائل الشيعة: ب 18 من ابواب تروك الاحرام ح 15.

(4)- تهذيب الاحكام: 5/ 299 ح 1015 و وسائل الشيعة ب 18 من ابواب تروك الاحرام

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 246

و علي هذه الاخبار المصرحة بحصر ما حرم من الطيب في افراد خاصة تقيد الاخبار المطلقة و ما وقع في الاخبار المقيدة مما ظاهره وقوع الاختلاف فيها فانها قد دلت علي حصر هذه الافراد في اربعة اجناس من الطيب و لكن بعضها مشتمل علي ذكر العود من الاربعة و هو صحيح ابن ابي يعفور و بعضها مشتمل علي ذكر الورس دون العود و هو صحيح ابن عمار و صحيح عبد الغفار الا انه يمكن رفع هذا الاختلاف بحمل ظاهر ما فيه الورس في نفي العود بصراحة ما فيه ذلك و ظاهر ما فيه العود في نفي الورس بصراحة ما يدل علي تحريم الورس

و بعبارة اخري: مقتضي ما فيه الورس اختصاص المنع بالثلاثة و به و مقتضي ما فيه العود اختصاص المنع ايضاً بالثلاثة و بالعود و مفهوم الاول نفي حرمة العود و مفهوم الثاني جواز الورس فيرفع اليد عن مفهوم كل منهما و يؤخذ بمنطوق كل منهما و هو حرمة الورس و العود فتقيّد الروايات المطلقة بالخمسة

و بعبارة اخري ما فيه الورس صريح في اثبات حرمته و ظاهر في نفي غيره عوداً كان او غيره و ما فيه العود ايضاً

صريح في اثبات حرمته و نفي حرمة غيره ورساً كان او غيره فيرفع اليد عن ظاهر كل منهما في نفي غير العود اي الورس و غير الورس اي العود بنص كل منهما في اثبات حرمة العود و حرمة الورس.

تخليص من جميع ذلك حصر ما هو المحرم من انواع الطيب في الخمسة بل

الستة بزيادة الكافور عليها لفحوي ما يدل علي منع الميت المحرم منه «1» فالحي اولي و يمكن ان يكون الحصر المذكور في الروايات فيما عدا الكافور لعدم كون استعمال الاحياء له متعارفاً و في الجواهر انه يجوز كون ترك العود في نصوص الاربعة

______________________________

ح 16.

(1)- وسائل الشيعة: ب 13 من ابواب غسل الميت.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 247

لاختصاصه غالباً بالتجمير و كونها مما يستعمل لنفسه و قال: (و بما ذكرنا ظهر لك حجة القول بالستة و الخمسة و الاربعة) «1».

و بعد ذلك كله في النفس شي ء كانها لا تجتري بالفتوي باختصاص التحريم بالاربعة المذكورة أو الخمسة او الستة.

و ربما يقال: بأن الامر اذا انتهي الي التصرف في دليل الاربعة بصرفه عن ظاهره بالنسبة الي الكافور و العود حتي يكون الحصر مجازاً بالنسبة الي الاربعة ليس الالتزام بذلك اولي من القول بالعموم و كون التحريم في الاربعة اغلظ او اختصاصها بالكفارة.

و بعبارة اخري: يدور الامر بين استعمال اداة الحصر في الاربعة مجازاً و تخصيص عموم ما يدل علي حرمة مطلق الطيب بالاربعة او الخمسة او الستة و بين صرف ظاهر الدليل عن دلالته علي اختصاص الحرمة بالاربعة الي كون المراد عنه اغلظ الافراد او ما يوجب الكفارة و تخصيص العموم و ان كان الاولي من القول بالمجاز كاستعمال ما يدل علي الكل و الجميع في البعض

اذا وقع التعارض بينهما الا ان ذلك اذا دار الامر بينهما و لا يلزم المجاز ان خصصنا العموم و في المقام لا بد من ارتكاب المجاز سواء خصصنا العموم ام لم نخصصه فان خصصنا العموم بما يدل علي الاربعة يجب ان نرتكب المجاز في دلالته علي الحصر و انه اعم من العود و الكافور

و ان لم نخصصه يجب ان نقول بالمجاز بحمل ما يدل علي الاربعة لا علي اختصاص التحريم بها بل علي ما هو الاغلظ من انواع الطيب او علي ما فيه الكفارة منها و لا ريب في ان حمله علي المجاز الموافق للعموم اي اغلظ الافراد اولي من المجاز

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 18/ 325.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 248

الموافق لتخصيص العموم.

و عمدة ما يوجب هنا وهن تقيد المطلقات او العمومات بهذه الروايات هي كثرة تلك النصوص الدالة علي حرمة مطلق الطيب و ما ورد من الدعاء عند الاحرام مثل: احرم لك شعري و بشري.. من النساء و الثياب و الطيب و بعد كون ذلك مقصوراً بتلك الاربعة او الخمسة او الستّة و جواز الطيب بغيرها من جميع افراد الطيب اذ كانه يكون من اخراج الاكثر المستهجن عن تحت العام

و لذلك كله لا يجوز ترك الاحتياط بالاجتناب عن كل ما يصدق عليه الطيب و ان كان من العطور المتعارفة التطيب بها في زماننا و الله هو العالم.

ثمّ انهم قد استثنوا من الطيب خلوق الكعبة و هو ضرب من الطيب عن النهاية لابن الاثير انه طيب معروف مركب من الزعفران و غيره من انواع الطيب و تغلب عليه الحمرة و الصفرة و ذلك لما في الاخبار من عدم الباس به ففي صحيح حماد بن عثمان: «انه

سأل مولانا الصادق (عليه السلام) عن خلوق الكعبة و خلوق القبر يكون في ثوب الاحرام قال: لا بأس بهما هما طهوران» «1»

و في صحيح ابن سنان أنه سأل (عليه السلام) ايضاً «عن خلوق الكعبة يصيب ثوب المحرم؟ قال لا بأس و لا يغسله فانه طهور» «2».

و في صحيح يعقوب بن شعيب: «سأله (عليه السلام) عن (المحرم يصيب ثيابه الزعفران من الكعبة؟ قال: لا يضرّه و لا يغسله» «3».

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 21 من ابواب تروك الاحرام ح 1.

(2)- وسائل الشيعة: ب 21 من ابواب تروك الاحرام ح 2.

(3)- وسائل الشيعة: ب 21 من ابواب تروك الاحرام ح 3.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 249

فهل الحكم بالجواز مختص بالخلوق و ما يتطيب به بنفسه او يشمل مثل التجمير؟ مقتضي الاقتصار علي النص الاول و مقتضي ما لعله يستفاد من مناسبة الحكم و الموضوع ان الحكم بالجواز ليس لخصوصية كامنة في الخلوق بل لأمر يشترك فيه هو و غيره مثل التجمير كعسر التجنب عمّا تتطيب به الكعبة او منافاة القبض علي الانف لاحترامها و الاقرب بالنظر هذا.

و استثني ايضاً من حرمة شم الطيب شم الرائحة الطيبة في سوق العطارين الذي كان بين الصفا و المروة و يدل عليه صحيح هشام بن الحكم عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: «سمعته يقول: لا بأس بالريح الطيبة فيما بين الصفا و المروة من ريح العطارين و لا يمسك علي انفه» «1» اذاً لا ريب في الحكم الا انه في زماننا لم يبق له موضوع فلا نقول به اذا ابتلي المحرم بالطيب بين الصفا و المروة في زماننا فلا يترك الاحتياط بالامساك علي انفه.

و هنا فرعان:
احدهما: انه لو استهلك الطيب المحرم

مثل الزعفران في شي ء علي وجه لا

يشم منه رائحته و لا يري لونه فضلا عن عينه فالظاهر جواز استعمال ذلك الشي ء لعدم صدق استعمال الطيب عرفاً عليه فمقتضي الاصل عدم حرمته و يؤيد ذلك بصحيح عمران الحلبي قال: «سئل ابو عبد الله (عليه السلام) عن المحرم يكون به الجرح فيتداوي بدواء فيه زعفران؟ قال: ان كان الغالب علي الدواء فلا و ان كانت الأدوية الغالبة عليه فلا باس» «2» فان القدر المتيقن منه هو الصورة المذكورة.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 20 من ابواب تروك الاحرام ح 1.

(2)- وسائل الشيعة: ب 69 من ابواب تروك الاحرام ح 3.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 250

و ثانيهما: انه اذا بقي الطيب مدة من الزمان زال به ريحه هل يجوز للمحرم استعماله بالاكل مثلا ام لا؟

الظاهر انه يجوز ذلك نعم في مثل الزعفران الذي يطلب منه اللون و الريح اذا بقي لونه مقتضي الاصل بقاء الحرمة و الله هو العالم.

[مسألة 30] «وجوب الامساك علي الانف من الرائحة الطبية»

مسألة 30: الاحوط وجوب الامساك علي الانف من الرائحة الطيبة.

لما في الاخبار من الامر به كقوله (عليه السلام) في صحيح معاوية بن عمّار: و امسك علي انفك من الريح الطيبة «1».

و في صحيح ابن بزيع قال: «رأيت ابا الحسن (عليه السلام) كُشف بين يديه طيب لينظر اليه و هو محرم فامسك بيده علي انفه بثوبه من رائحته» «2» و ظاهر قوله (عليه السلام) «و امسك علي انفك» و ان كان الامر به وجوباً الا انه حيث ورد في ما روي عن معاوية بن عمار في روايات بعضها متضمن لحصر المحرمات في الاربع «3» يمكن منع دلالته علي الوجوب فيحمل علي الاستحباب فانه اذا كان المحرم من الطيب هذه الاربعة و يجوز شم غيرها كيف يجب الامساك علي الانف من كل رائحة طيبة مطلقاً؟

و أما صحيح ابن بزيع فهو مشتمل علي فعل الامام (عليه السلام) لا يدل الا علي رجحان ما فعله لا خصوص الوجوب.

اللهم الا ان يتمسك بصحيح الحلبي و محمد بن مسلم عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 18 من ابواب تروك الاحرام ح 9.

(2)- وسائل الشيعة: ب 18 من ابواب تروك الاحرام ح 1.

(3)- وسائل الشيعة: ب 18 من ابواب تروك الاحرام ح 14.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 251

«المحرم يمسك علي انفه من الريح الطيبة و لا يمسك علي انفه من الريح الخبيثة» «1» و ظاهره الوجوب فلا يجوز ترك الاحتياط بل الظاهر الوجوب، نعم لا يجب الامساك من روائح المأكولات كالتفاح و غيره

و الله هو العالم.

[مسألة 31 لا يجوز للمحرم ان يمسك علي انفه من الروائح الكريهة]

مسألة 31: لا يجوز للمحرم ان يمسك علي انفه من الروائح الكريهة

لقوله (عليه السلام) في صحيح معاوية بن عمار: «و لا تمسك عليها من الريح المنتنة» «2» و في صحيح الحلبي و محمد بن مسلم: «و لا يمسك علي انفه من الريح الخبيثة» «3» و في صحيح ابن سنان عن ابي عبد الله (عليه السلام): «المحرم اذا مرّ علي جيفة فلا يمسك علي انفه» «4».

[مسألة 32] من اكل زعفرانا او طعاما فيه طيب

مسألة 32- لا كلام في ان من اكل متعمدا زعفرانا او طعاما فيه طيب و هو محرم يجب عليه كفارة دم شاة.

يدل عليه من النصوص صحيح زرارة قال: «سمعت ابا جعفر عليه السّلام يقول: من نتف ابطه او قلّم او حلق رأسه او لبس ثوبا لا ينبغي له لبسه، او اكل طعاما لا ينبغي له اكله و هو محرم ففعل ذلك ناسيا او جاهلا فليس عليه شي ء و من فعله متعمدا فعليه شاة». «5»

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 24 من ابواب تروك الاحرام ح 1.

(2)- وسائل الشيعة: ب 18 من ابواب تروك الاحرام ح 9.

(3)- وسائل الشيعة: ب 24 من ابواب تروك الاحرام ح 1.

(4)- وسائل الشيعة: ب 24 من ابواب بروك الاحرام ح 3.

(5)- وسائل الشيعة: ب 24 من ابواب تروك الاحرام ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 252

و ايضا صحيح زرارة عنه عليه السّلام قال: «من اكل زعفرانا متعمدا او طعاما فيه طيب فعليه دم، فان كان ناسيا فلا شي ء عليه و يستغفر اللّه و يتوب اليه» «1».

و هل الحكم- اي وجوب الدم- مختص بأكل ما فيه الطيب او عام يشمل استعماله مطلقا قال في الجواهر: (فمن تطيب) اي استعمال الطيب (كان عليه دم شاة سواء استعمله صبغا) بالكسر

اي اداما و بالفتح (او اطلاء ابتداء او استدامة) بأن كان مستعملا له قبل الاحرام ثمّ احرم (او بخورا) اي تبخيرا (او في الطعام) بلا خلاف اجده فيه بل عن المنتهي الاجماع عليه بل زاد في محكي التحرير سواء استعمله في عضو كامل او بعضه) «2».

و الذي ينبغي ان يقال: انه و ان كان المشهور بل ادعي عدم الخلاف و الاجماع عليه ان استعمال الطيب مطلقا اكلا و شمّا و دلكا يوجب كفارة شاة و لكن لا دليل عليه من الروايات بل ما فيها يدل علي اختصاص ذلك بالاكل، اللهم الا ان يدعي ان ذكر الاكل في الروايات كان من باب المثال و ذكر احد المصاديق، و الاصحاب انما افتوا بالعموم لانهم فهموا ذلك من الروايات اخذوا ذلك خلفا عن سلف و لكن لا يطمئن النفس بذلك و ان كان ينبغي مراعاة الاحتياط كما هو الشأن في جميع الشبهات التحريمية.

ثمّ لا يخفي عليك ان هنا روايات ظاهرها العموم و لكن اكثرها ورد في مورد النسيان و الابتلاء و الجهل و بعضها ضعيف من حيث السند او الدلالة او منهما، فراجع اليها ان شئت و اللّه هو العالم.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب بقية كفارات الاحرام ح 1.

(2)- جواهر الكلام: 20/ 395.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 253

[من محرمات الإحرام لبس المخيط]

[مسألة 33 قول العلامة في لبس المخيط]

لبس المخيط في حال الاحرام

مسألة 33: قال العلامة رفع مقامه: يحرم علي المحرم الرجل لبس الثياب المخيطة عند علماء الامصار قال ابن المنذر: اجمع اهل العلم علي ان المحرم ممنوع من لبس القميص و العمامة و السراويل و الخف و البرنس.

ثمّ ذكر ما يدل علي ما ذكره ابن المنذر من طرق العامة و من طريق الخاصة قول الصادق

(عليه السلام): «لا تلبس و انت تريد الاحرام ثوباً تزره و لا تدرعه و لا تلبس سراويل الا ان لا يكون لك ازار و لا الخفين الا ان لا يكون لك نعلان» «1»

و حيث ان ظاهر ما استدل به اخص من مطلق المخيط صار في مقام الاستدلال له، قال: (و قد الحق اهل العلم بما نص النّبي (عليه السلام) عليه ما في معناه قال: فالجبّة و الدراعة و شبههما ملحق بالقميص و التنبان و الران و شبههما ملحق بالسراويل، و القلنسوة و شبهها مساو للبرنس و الساعدان و القفّازان و شبههما مساوية للخفين اذا عرفت هذا فيحرم لبس الثياب المخيطة و غيرها اذا شابهها كالدرع المنسوج و المعقود كجبّة اللبد و الملصق بعضه ببعض حملا علي المخيط لمشابهته ايّاه في المعني من الترفه و التنعم. «2»

اقول: كانه تمسك بمفهوم المساواة و استظهار العرف بمناسبة الحكم و الموضوع عدم خصوصية ما ذكر في الروايات من الثياب و كون غير ما ذكر في الروايات من ثياب الرأس و سائر الاعضاء كما ذكر.

______________________________

(1)- تذكرة الفقهاء: 7/ 295 و 297.

(2)- تذكرة الفقهاء: 7/ 296.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 254

و هذا موافق لفتوي غيره من اكابر الاصحاب كالسيد في جمل العلم و العمل «1» و ابي الصلاح في الكافي «2» و الشيخ في النهاية «3» و الاقتصاد «4» و المبسوط «5» و القاضي في المهذب «6» و الديلمي في المراسم «7» و ابن زهرة في الغنية «8» بل هو كما ادعاه العلامة قول علماء الامصار الا ان اجماعهم علي ذلك لا يثبت به عموم الحكم و شموله لمطلق المخيط لان من الممكن كون اتّفاقهم علي ذلك بالاجتهاد و استظهارهم من

الروايات التي يمرّ عليك انشاء الله تعالي.

و هل يمكن النظر في استدلال العلامة بما ذكره صاحب الوسائل فقال: (يفهم من بعض الاحاديث السابقة و الآتية الاذن في لبس جملة من اقسام المخيط كالسراويل مع عدم الازار و الخفين مع عدم النعلين و لبس القبا مقلوباً كما يأتي و كذا الطيلسان مع عدم الكفارة و غير ذلك و لا يفهم تحريم لبس المخيط عموماً اصلا و قد ورد الاذن في لبس المحرم الرداء و الازار بل الامر بهما من غير تقييد بكونهما غير

مخيطين و تخصيص العام بغير مخصص و تقييد المطلق بغير مقيد لا يجوز فانهما كثيراً يكونان مخيطين في الوسط او في الاطراف او مرفوين او مرقوعين و لم يرد النهي عن ذلك و كان الحكم بتحريم لبس المخيط من استنباطات العامة فانهم كثيراً ما

______________________________

(1)- الينابيع: 7/ 105.

(2)- الكافي/ 203.

(3)- النهاية/ 217.

(4)- الاقتصاد/ 301.

(5)- المبسوط: 1/ 317.

(6)- المهذب: 1/ 212.

(7)- المراسم/ 106.

(8)- الغنية/ 159.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 255

يستنبطون القواعد الكلية من الصور الجزئية عملا بالقياس و مجال المقام هنا واسع لكن فتوي جمع من المتأخرين و دعواهم للاجماع مع موافقة الاحتياط تقتضي تعين العمل و الاغماض عن ضعف الدليل. «1»

اقول: يمكن ان يقال: ان المخيط تارة يقال و يراد منه اللباس الذي لا تتحصل هيئته الخاصة الا بالخياطة سواء كان اجزائها مخيطة او غير مخيطة فعلي هذا دعوي كون اللباس المذكور مطلقا و ان كان غير ما هو المذكور في الروايات موضوعاً لحكم الحرمة وجيهة جداً بل دعوي كون الموضوع ما يكون بهيئة الالبسة المخيطة و ان لم يكن مخيطاً قوية ايضاً و هذا ليس تحريم المخيط مطلقاً حتي يقال بان تحريمه المطلق خلاف

اطلاق ادلة لبس الازار و الرداء فانهما كثيراً ما يكونان مخيطين في الوسط او في الاطراف او مرفوين او مرقوعين فان علي هذا البناء ليس الازار و لا الرداء من اللباس الموضوع لحكم التحريم فلا باس بكونهما مخيطاً علي النحو الذي ذكره.

و أمّا ان يقال: ان المخيط المحرم لبسه مطلق اللباس و ان لم يكن من الالبسة المتعارفة التي تتحصل بدون الخياطة كالإزار و الرداء فيقال: يمنع اطلاق ما يدل علي جواز لبس الازار و الرداء و شموله للمخيط منها لان الروايات المستفادة منها حرمة المخيط قرينة علي عدم ارادة الاطلاق منه.

فان قلت: لم لم نجعل روايات الازار و الرداء قرينة علي عدم ارادة الاطلاق

من روايات اللباس؟

قلت: ان الظاهر من الحكم بجواز لبس الازار و الرداء انه لعدم كونهما من المخيط و كونهما كذلك يكون من الكر علي ما فرّ و لو اغمضنا عن ذلك تكون النسبة

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 36 من ابواب تروك الاحرام ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 256

بين روايات حرمة المخيط و روايات لبس الازار و الرداء العموم من وجه و يقع التعارض بينهما في الازار و الرداء المخيطين و بعد سقوطهما بالتعارض مقتضي الاصل جواز الارتداء و الاتزار بهما و يكون النتيجة كما ذكره عدم تحريم لبس المخيط مطلقاً و لو لم يكن من الثياب المذكورة و ما يشابهها فيجوز الارتداء بالازار و الرداء المرفوعين.

هذا: و ليعلم ان ما ذكرناه هل مبني علي كون معقد الاتفاق و الاجماع و ما يستفاد من الروايات بحمل ما ذكر فيها علي المثال، كل ثوب وقع فيه الخياطة و لو لاجل ترقيعه فلا يجوز الارتداء و الاتزار بالمرقوع بالخياطة او ان المستفاد من كلمات

الفقهاء ان المحرم من الثياب ما لا تتحصل بالهيئة الخاصة الا بالخياطة مثل الثياب المذكورة فلا يشمل مثل الازار و الرداء دون ما يكون من الاثواب المخيطة بصورة خاصة و ان لم يكن من الانواع المذكورة و دون ما لا يكون مخيطاً و لكن صنع كالالبسة المذكورة فانها تشملها الروايات بحمل ما ذكر فيها علي المثال و قد تحصل مما ذكر ان الظاهر هو الثاني.

هذا و لكن يظهر من بعض المعاصرين ان الكلام واقع في ان المحرم من اللباس هو مطلق اللباس المخيط سواء كان من انواع ما ذكر في الروايات و علي هيئتها او لم يكن منها و علي هيئتها كما اذا لبس ثوباً خاصاً تحت ثيابه لاجل جذب العرق و لم يكن مزروراً و لم يكن له كم؟ او ان الممنوع خصوص هذه العناوين الخاصة و ما يمكن ان يلحق بها عند العرف؟ و علي هذا الازار و الرداء خارجان عن البحث كانا

مخيطين او غير مخيطين.

ثمّ قوّي ان الممنوع لبس هذه العناوين الخاصة مخيطة كانت ام لا فاذا لم يصدق احد هذه العناوين علي الثوب لا بأس بلبسه و ان كان مخيطاً خصوصاً اذا

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 257

كانت الخياطة قليلة فالحكم بحرمة لبس المخيط علي الاطلاق مبني علي الاحتياط و أمّا غير المخيط فان صدق عليه احد هذه العناوين فلا يجوز لبسه ايضاً كالملبد او كالمنسوج الذي لا خياطة فيه و أمّا اذا لم يصدق عليه احد العناوين المذكورة فلا مانع من لبسه لعدم صدق القميص او القباء عليه و لعدم كونه مخيطاً علي الفرض فالمدار في التحريم بصدق احد هذه العناوين و ان لم يكن مخيطاً و حاصل ذلك الغاء قيد

المخيطية و كون المدار علي صدق هذه العناوين و من الواضح انه لا يصدق علي الازار و الرداء هذه العناوين كانا مخيطين او غير مخيطين.

و الظاهر ان ما جعله مورداً للبحث و الكلام غير ما يستفاد من كلام شيخنا الحرّ قدس سره فانه ردّ في كلامه من يقول بعدم كون الازار و الرداء مخيطين و لعلّه كان مقتصراً في الحكم بالحرمة علي خصوص ما في الروايات و أمّا ما يشابهه من الالبسة غير المخيطة و مطلق المخيط فلا يشمله الحكم و أمّا المعاصر الاجل فهو يقول بشمول الحكم لما يشابه ما ذكر في الروايات و ان لم يكن مخيطاً و عدم شموله لغير ما يشابه المذكورات و ان كان لباساً مخيطاً.

و كيف كان و بعد ذلك كله ما هو العمدة الرجوع الي الروايات و التأمل في مقدار دلالتها منطوقاً و مفهوماً و الله هو الهادي الي الصواب.

فمنها صحيح معاوية بن عمّار عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: «لا تلبس ثوباً له ازرار «1» و انت محرم الا ان تنكسه و لا ثوباً تدرعه و لا سراويل الا ان لا يكون لك

______________________________

(1)- في النهاية في صفة خاتم النبوة: الزرّ واحد الازرار التي تشد بها الكال و الستور علي ما يكون في حجلة العروس … و في حديث ابي ذر قال: يصف عليا و انه لعالم الارض وزرها الذي تسكن اليه اي قوامها و اصله الخ.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 258

ازار و لا خفين الا ان لا يكون لك نعلان» «1»

و هذا يدل علي عدم جواز لبس المذكورات و اطلاقه يشمل ما لم يكن منها مخيطاً كما يمكن دعوي الحاق ما يشابهها من الاثواب اليها و

لا دلالة له علي حرمة لبس المخيط غيرها و غير ما يشابهها. اللّهم الا ان يدّعي انصراف اطلاقه الي ما يكون من المذكورات مخيطاً و ان ما هو الموضوع للحكم المخيط مطلقاً و لا تخلو من المجازفة. مضافاً الي انه يدل علي جواز لبس ماله الازرار منكوساً في غير حال الضرورة مطلقاً و ان كان مخيطاً

و أمّا الرواية الثانية التي اخرجها في الوسائل في هذا الباب فاحتمال كونه و الاولي واحدة قوي جدّاً و شاهد علي جواز نقل الرواية بالمضمون و إليك لفظه علي ما رواه عن الشيخ في التهذيب باسناده عن صفوان بن يحيي عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: «لا تلبس و انت تريد الاحرام ثوباً تزره و لا تدرعه و لا تلبس سراويل الا ان لا يكون لك ازار و لا خفين الا ان لا يكون لك نعلان» «2». و ليس فيه «الا ان تنكسه»

و ظاهرهما جواز الثوب الذي له ازرار منكوساً و ان كان له ثوب غيره اللهم الّا ان يقال الظاهر انّه لمكان الضرورة و عدم ما يرتدي به مضافاً الي التصريح بذلك

في صحيح الحلبي عن ابي عبد الله (عليه السلام): «قال اذا اضطر المحرم الي القباء و لم يجد ثوباً غيره فليلبسه مقلوباً و لا يدخل يديه في يدي القباء» «3»

و منها صحيح زرارة عن احدهما عليهما السلام قال: «سألته عمّا يكره

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 35 من ابواب تروك الاحرام ح 1 و 2 و اخرجه أيضاً في ب 36 ح 1.

(3)- وسائل الشيعة: ب 35 من ابواب تروك الاحرام ح 2. و التهذيب 5/ 69 ح 227.

(2)- وسائل الشيعة: ب 44 من ابواب

تروك الاحرام ح 1 و تهذيب الاحكام: 5/ 70 ح 228.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 259

للمحرم ان يلبسه فقال: يلبس كل ثوب الا ثوباً واحداً يتدرعه «(علي ما في الفقيه و في الوسائل اسقط قوله (واحداً) «1» و هذا ايضاً ظاهر في ان لبس كل ثوب جائز الا ما يكون مثل الدرع و لعله يشمل كل ما يكون كالدرع مثل القميص و كل ما كان ذي الكم و السراويل و ان لم يكن مخيطاً.

و منها صحيح الحلبي عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: في المحرم يلبس الطيلسان المزرور فقال: نعم في كتاب علي (عليه السلام) لا تلبس طيلساناً حتي تنزع ازراره و قال: انّما كره ذلك مخافة ان يزره الجاهل فامّا الفقيه فلا باس بان يلبسه» «2».

و في صحيح يعقوب بن شعيب «سألت ابا عبد الله (عليه السلام) عن المحرم يلبس الطيلسان المزرور؟ قال: نعم و في كتاب علي (عليه السلام): لا تلبس طيلساناً حتي تنزع ازراره و حدثني ابي انه انّما كره ذلك مخافة ان يزره الجاهل عليه» «3».

و هذان الصحيحان كما تري يدلان علي كون المانع الارتداع و الزر لا كون اللباس مخيطاً و هذا ظاهر رواية معاوية بن عمار برواية الشيخ عليه الرحمة نعم روايته الاولي تدل علي كون المانع وجود الازرار.

و مما يشعر الي اشتراط لباس المحرم بعض الشروط خبري علي بن ابي حمزة عن ابي عبد الله (عليه السلام) و سهل عن احمد بن محمد عن العلاء بن رزين عن محمد بن مسلم عن ابي جعفر (عليه السلام) «4» الدالان علي اعادة المحرم غسله ان لبس القميص قبل ان يحرم

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 36 من ابواب تروك الاحرام ح

5 و من لا يحضره الفقيه: 2/ 341 ح 2618.

(2)- وسائل الشيعة: ب 36 من ابواب تروك الاحرام ح 3 و الكافي: 4/ 340 ح 8.

(3)- وسائل الشيعة: ب 36 من ابواب تروك الاحرام ح 2. و الكافي: 4/ 340/ 7.

(4)- وسائل الشيعة: ب 11 من ابواب الاحرام ح 1 و 2. و الكافي: 4/ 328 و 329 ح 4 و 8.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 260

او ان يلبي و ما يدل في الجملة علي ذلك ما يدل علي تجريد الصبيان للاحرام «1» و ما يقال عند الاحرام كأحرم لك شعري و … من النساء و الثياب «2» و غير ذلك كما ورد في حكم لباس النساء «3».

و بعد ذلك كله ليس في هذه الاخبار ما كان ظاهراً في المنع عن المخيط.

اللهم الا ان يقال: ان قوله عند الاحرام احرم لك من الثياب بالاطلاق يدل علي الاحرام من كل افراد الثياب التي المتعارف منها الثياب المخيطة.

و لكن قد علم مما ذكر أن ذلك لا يشمل مثل الازار و الرداء المخيطين.

و مع ذلك كله مقتضي كل ما ذكرنا اولا حرمة المذكورات في الروايات و ان لم تكن مخيطة، و ثانياً حرمة غيرها من الالبسة المشابهة لها و ما يصدق عليه اللباس و ان لم يكن التلبس به تدرعاً احتياطاً بل لا يترك الاحتياط في الازار و الرداء فلا يكونا مخيطين و الله هو العالم باحكامه و استغفر الله و اعوذ به من القول بغير العلم و التسرع في مقام الفتوي و هو الغفور الرحيم.

تنبيه: صرح في الجواهر: انه لم يجد في شي ء مما وصل الينا من النصوص

الموجودة في الكتب الاربعة و غيرها ما يدل علي المنع

من لبس المخيط بهذا العنوان قال: كما اعترف به غير واحد حتي الشهيد في الدروس «4» حيث قال: لم اقف الي الآن علي رواية بتحريم عين المخيط انما نهي عن القميص و القباء و السراويل … «5»

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 17 من ابواب اقسام الحج.

(2)- وسائل الشيعة: ب 16 من ابواب الاحرام ح 1 و 2.

(3)- وسائل الشيعة: ب 33 من ابواب الاحرام.

(4)- الدروس الشرعية: 1/ 485.

(5)- جواهر الكلام: 18/ 335.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 261

و لذلك صار بعض الاعلام من المعاصرين بعد ما حكي عن الدروس لبيان ما يمكن به الاستدلال لحرمة المخيط بما ذكر في تقريرات بحثه «1».

و لكن قد جاءنا احد الفضلاء المشاركين في البحث ايدهم الله تعالي بخبر عن مستدرك الوسائل عن دعائم الاسلام و إليك ما في المستدرك دعائم الاسلام روينا عن علي بن ابي طالب و محمد بن علي بن الحسين و جعفر بن محمد (عليهم السلام): «ان المحرم ممنوع من الصيد و الجماع و الطيب و لبس الثياب المخيطة» «2».

اخرجه العلامة المجلسي في البحار باللفظ المذكور مع زيادة مشتملة علي احكام اخر، و يظهر مما في ذيل الحديث ان السند في الاصل هكذا: روينا عن علي بن ابي طالب و الحسن و الحسين و علي بن الحسين و محمد بن علي بن الحسين و جعفر بن محمد صلوات الله عليهم «3» و الحديث ضعيف بالارسال.

و في المستدرك خبر آخر اخرجه بعد الخبر المذكور و هو ايضاً عن دعائم الاسلام مرسلا (عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) «انه نهي ان يتطيب من اراد الاحرام الي

ان قال- و ان يمس المحرم طيباً «4» او يلبس قميصاً او سراويل او عمامة

او قلنسوة او خفاً او جورباً او قفازاً او برقعاً او ثوباً مخيطاً ما كان» «5»

و كيف كان فالخبران يدلان علي المنع من الثياب المخيطة الملصق بعضها ببعض بالخياطة و لعلهما يشملان الرداء و الازار الا ان العلة فيهما ضعف سندهما بالارسال

______________________________

(1)- المعتمد: 4/ 132.

(2)- مستدرك الوسائل: ب 26 من ابواب تروك الاحرام ح 1.

(3)- بحار الانوار: 96 كتاب الحج و العمرة ب 28 ح 22.

(4)- في المصدر (و لا) و كذا في الموارد التي تليها.

(5)- مستدرك الوسائل: ب 26 من ابواب تروك الاحرام ح 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 262

و لكنها يؤيدان ما اخترناه من لزوم الاحتياط و اللّه هو العالم.

[مسألة 34] «جواز شد العمامة و المنطقة و الهميان و امثالها»

مسألة 34: يجوز شد العمامة و المنطقة و الهميان علي الاظهر و لبس الفتق بند علي القول بقصر ما يحرم من المخيط علي المحرم علي ما هو المذكور في روايات الباب المعتبرة و ما يلحق به مما يشابهه لعدم كونها منه للاصل و الدليل في الهميان و المنطقة نعم يأتي الكلام فيما ورد في العمامة

و يمكن ان يقال: ان الدليل علي حرمة مطلق اللباس اذا كان الاجماع فالمتيقن منه هو الالبسة المتعارفة المعتاد لبسها و لا يشمل مثل الفتق بند و المنطقة و الهميان و العمامة.

و أما علي القول بلبس مطلق المخيط فالقول بان المراد منه اللباس الذي يلصق بعضه ببعض و يكون من الالبسة المتعارفة قويّ جداً و علي القول بشموله لمثل المنطقة و الهميان و الفتق بند فلا بد من استثناءها بالدليل

فنقول: اما الهميان و المنطقة فقد حكي عن الصدوق و العلّامة و ابن حمزة

و يحيي بن سعيد و الشهيد و غيرهم جواز لبس المنطقة و شدّ الهميان «1» و يدل

عليه صحيح يعقوب بن شعيب قال: «سألت ابا عبد الله (عليه السلام) عن المحرم يصرّ الدراهم في ثوبه؟ قال: نعم و يلبس المنطقة و الهميان» «2»

و خبر يعقوب بن سالم و يونس بن يعقوب في خصوص الهميان «3».

______________________________

(1)- راجع جواهر الكلام: 18/ 339.

(2)- وسائل الشيعة: ب 47 من ابواب تروك الاحرام ح 1.

(3)- وسائل الشيعة: ب 47 من ابواب تروك الاحرام ح 3 و 4.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 263

و يمكن ان يقال: بحصر جواز المنطقة اذا كانت فيها نفقته كما يأتي في صحيح ابي بصير.

و أمّا الفتق بند فقال في الجواهر: (الحاقه بالهميان المشدود علي الوسط و المنطقة و عصابة القروح اولي من الحاقه بالخفين فالاقوي جوازه اختياراً و الاحوط تركه) «1»

و ادعي بعض الاعلام أولوية جواز الفتق بند من جواز الهميان لانه اذا كان شد الهميان لحفظ المال جائزاً يكون شد الفتق بند لحفظ البدن و توقف اداء الحج عليه اولي.

و أمّا العمامة ففي صحيح عمران الحلبي عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: «المحرم يشد علي بطنه العمامة، و ان شاء يعصبها علي موضع الازار و لا يرفعها الي صدره» «2».

و ظاهره جواز شدها علي بطنه و عدم جواز رفعها الي صدره و يمكن ان

يكون المراد ان لا يجعلها عريضة تشمل البطن الي الصدر و في صحيح ابي بصير «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) في المحرم يشد علي بطنه العمامة؟ قال: لا، ثمّ قال: كان ابي يشد علي بطنه المنطقة التي فيها نفقته يستوثق منها فانها من تمام حجه» «3».

و علي هذا يقع التعارض بين الصحيحين و عن صاحب الحدائق رفع التعارض بينهما بان المراد من البطن في صحيح ابي بصير

الصدر بقرينة قوله (عليه السلام) في صحيح عمران «و لا يرفعها الي صدره» «4» و هكذا فعل صاحب الوسائل فانه في

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 18/ 337.

(2)- وسائل الشيعة: ب 72 من ابواب تروك الاحرام ح 1.

(3)- وسائل الشيعة: ب 47 من ابواب تروك الاحرام ح 5.

(4)- الحدائق الناضرة: 15/ 441.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 264

عنوان الباب (72) (قال: باب أنه يجوز للمحرم ان يشد العمامة علي بطنه علي كراهة و لا يرفعها الي صدره) «1» و لكن لا يطمئن النفس بذلك و علي هذا ان امكن ان نقول بحمل الرواية الناهية الظاهر في الكراهة بصراحة الدالة علي الجواز حملا للظاهر علي الاظهر فهو و الا فتسقطان بالتعارض و مقتضي القول بشمول معقد الاجماع لمثل هذا اللبس ترك شدها بالبطن و علي ما قويناه من عدم شمول الاجماع لمثل ذلك فالاصل هو الجواز و الله هو العالم.

[مسألة 35] جواز لبس المرأة المحرمة المخيط

مسألة 35: الظاهر انه لا خلاف بينهم في جواز لبس النساء المخيط الا ما حكي عن الشيخ في النهاية.

قال في الجواهر: (التي هي متون اخبار، و قال: علي انه قد رجع عنه في ظاهر محكي المبسوط في القميص بل عن موضع آخر منه: مطلق المخيط بل عبارته فيها

غير صريحة قال: و يحرم علي المرأة في حال الاحرام من لبس الثياب جميع ما يحرم علي الرجل، و يحل له جميع ما يحل له) ثمّ قال بعد ذلك: (و قد وردت رواية بجواز لبس القميص للنساء و الافضل ما قدمناه و أمّا السراويل فلا بأس بلبسه لهنّ علي كل حال بل لعل قوله: (و الافضل ما قدمناه) صريح في الجواز لكن عن بعض النسخ (و الاصل ما قدمناه) «2».

اقول: قال ابن ادريس

في السرائر بعد حكاية كلام الشيخ عن النهاية الي قوله: (و الاصل ما قدمناه فاما السراويل فلا باس بلبسه لهن علي كل حال سواء

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 72 من ابواب تروك الاحرام.

(2)- راجع جواهر الكلام: 18/ 340.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 265

كانت ضرورة او لم تكن) ثمّ قال: (و الاظهر عند اصحابنا ان لبس الثياب المخيطة غير محرم علي النساء بل عمل الطائفة و فتواهم و اجماعهم علي ذلك و عمل المسلمين) «1» انتهي

فعلي هذا الظاهر ان النسخة التي يعتمد عليها هي (الاصل ما قدمناه) و علي ذلك لا يتم لترديد في دلالة كلام الشيخ في النهاية علي حرمة لبس المخيط في الجملة علي النساء.

و قال في المبسوط: (و يحرم علي المرأة في حال الاحرام جميع ما يحرم علي الرجل و يحل لها ما يحلّ له و قد رخص لها في القميص و السراويل) «2».

و ما يظهر من كلمات الفقهاء في المسألة و ادعائهم الاجماع علي جواز لبسها المخيط شذوذ هذا القول و عدم الاعتداد به و تحقق الاجماع علي خلافه قبل الشيخ

و بعده.

هذا مضافاً الي دلالة المعتبرة المستفيضة الدالة علي جواز لبس الحرير لهن مثل صحيح الحلبي عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: «لا بأس ان تحرم المرأة في الذهب و الخزّ و ليس يكره الا الحرير المحض» «3»

و في بعض هذه الاحاديث: «المرأة المحرمة تلبس ما شاءت من الثياب غير الحرير و القفازين …» «4» و في بعضها: «تلبس الثياب كلها الا المصبوغة بالزعفران

______________________________

(1)- السرائر: 1/ 544.

(2)- المبسوط: 1/ 320.

(3)- وسائل الشيعة: ب 33 من ابواب الاحرام ح 4.

(4)- وسائل الشيعة: ب 33 من ابواب الاحرام ح 9.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص:

266

و الورس، و لا تلبس القفازين» «1».

و ظاهر هذه الاخبار حرمة القفازين و حملها علي الكراهة خلاف الظاهر.

[مسألة 36] كفارة لبس المخيط

مسألة 36: الظاهر انه لا خلاف بينهم في ان المحرم اذا لبس ما لا يجوز له لبسه عمداً كان عليه دم شاة.

و الاصل في ذلك الروايات منها ما رواه الشيخ باسناده عن زرارة قال: «سمعت ابا جعفر (عليه السلام): من نتف ابطه او قلم ظفره او حلق رأسه او لبس ثوباً لا ينبغي له لبسه او اكل طعاماً لا ينبغي له اكله و هو محرم ففعل ذلك ناسياً او جاهلا فليس عليه شي ء و من فعله متعمداً فعليه دم شاة» «2».

و ما رواه في الكافي عن عدة من اصحابنا عن سهل بن زياد و احمد بن محمد عن ابن محبوب عن علي بن رئاب عن زرارة عن ابي جعفر (عليه السلام) قال: «من لبس ثوباً لا ينبغي له لبسه و هو محرم ففعل ذلك ناسياً او ساهيا او جاهلا فلا شي ء عليه و من فعله متعمداً فعليه دم» «3». و الظاهر انهما واحد اختصر في الكافي.

و يدل عليه في خصوص القميص خبر سليمان بن العيص قال: «سألت ابا عبد الله (عليه السلام) عن المحرم يلبس القميص متعمداً؟ قال: عليه دم» «4».

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 33 من ابواب الاحرام ح 2.

(2)- تهذيب الاحكام: 5 ب 25/ 369 ح 200 (1287).

(3)- الكافي: 4/ 348 ح 1.

(4)- تهذيب الاحكام: 5/ 25 ح 252 (1339).

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 267

قال سيدنا الاستاذ الاعظم قدس سره في و قال في الجواهر (لو اضطر الي لبس ثوب يتقي به الحر أو البرد جاز و عليه) دم (شاة) ايضاً بلا خلاف فيه بل الاجماع

بقسميه عليه و هو الحجة «1» الخ.

اقول: الاحتجاج بهذا الاجماع مع وجود الروايات التي ادعي دلالتها علي مقتضي الاجماع كما قال بعض الاعلام ليس مما يطمئن به النفس و بأنه من الاجماعات التعبدية فاللازم الرجوع الي الروايات.

فنقول: قد استدل في الجواهر: «2» باطلاق ما في الروايات المذكورة مثل قوله (عليه السلام) (و من فعله متعمداً فعليه دم) او (عليه دم شاة) او (يلبس القميص متعمداً)

و يمكن ان يقال: ان مثل هذا السياق ظاهر في العمد الخالص من الاضطرار و الضرورة و الاحتياج الشديد.

و بصحيح ابن مسلم قال: «سألت ابا جعفر (عليه السلام) عن المحرم اذا احتاج الي ضروب من الثياب يلبسها؟ قال: عليه لكل صنف منها فداء» «3»

و في الاستدلال به ان الاحتياج اعم من الضرورة و لكن يستدل به لشمول الصحيح لصورة الاضطرار بالاطلاق.

و أمّا الاستدلال لوجوب الكفارة في صورة الضرورة و الاضطرار بقوله تعالي: (فَمَنْ كٰانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذيً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيٰامٍ أَوْ صَدَقَةٍ

______________________________

طبقات التهذيب في سليمان بن العيص: لم اجده في شي ء من الاسانيد و المعاجم و لعل الصواب سليمان و عيص اقول او سليمان عن عيص.

(1)- جواهر الكلام: 20/ 404.

(2)- جواهر الكلام: 20/ 404.

(3)- وسائل الشيعة: ب 9 من ابواب بقية كفارات الاحرام ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 268

أَوْ نُسُكٍ) «1» بتقدير كون المراد منه من كان منكم مريضاً فلبس يجب عليه النسك اي الشاة كما في النص و ذلك من مصاديق الاضطرار.

ففيه: ان الآية الكريمة لا ترتبط بمسألتنا هذه لأنّها وردت في مورد الاحصار و ان المحصور الذي لا يجوز له ان يحلق رأسه حتي يبلغ الهدي محله لقوله تعالي (و لا تحلقوا رءوسكم حتي

يبلغ الهدي محله) لو اضطر او شق عليه لمرض او اذي من رأسه الصبر الي ان يبلغ الهدي محله فعليه الفدية من صيام او صدقة او نسك و هذا حكم مختص بالمحصور لا وجه لتسريته الي المضطر بلبس المخيط قال في الجواهر: و الا لكان فدية اللبس مخيرة «2».

أقول: لا اظن بمن كان من أهل العلم و النظر أن يري الآية نزلت في لبس المحرم المخيط و دلالتها بالمنطوق عليه و لعل الذي استدل بها استدل بمفهومها بتقريب ان الحلق الذي هو احد المحرمات علي المحرم اذا كانت حرمته عند الاضطرار اليه

ترفع بالفدية فغيره من المحرمات في الحكم معه سواء و لعل كان هذا مراد من قال: ان الاصل في تروك الاحرام الفداء الي ان يظهر المسقط فانه اذا كان الحكم في مورد ترك كذلك لا يستفاد منه الخصوصية بل يراه العرف محكوماً به لكونه تركاً من التروك و محرماً من المحرمات

ثمّ ان بعض الاعلام كما في تقريرات بحثه بعد ما افاد بأن الروايات الدالة علي وجوب الفدية مطلق من حيث الاضطرار و عدمه قال: و امّا في خصوص الاضطرار فقد دل حديث رفع القلم الوارد فيه الاضطرار علي رفع الاثر لو اضطر

______________________________

(1) البقرة/ 196

(2) جواهر الكلام: 20/ 405.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 269

الي ذلك الشي ء فمقتضي الصناعة عدم ثبوت الكفارة في مورد الاضطرار الي لبس المخيط كالجهل و النسيان و لكن حيث ان المشهور ذهبوا الي الوجوب في مورد الاضطرار فيكون الحكم به مبنياً علي الاحتياط. «1»

أقول: هل مقتضي الصناعة ما ذكر؟ ام ان النسبة بين حديث الرفع الدال علي رفع اثر ما يضطر اليه المكلف سواء كان مما يحرم علي المحرم او من

غيره و بين ما يدل وجوب الفدية عليه سواء كان مضطراً اليه او لم يكن منه حيث تكون بالعموم من وجه يقع التعارض بينهما في المخيط المضطر اليه فبمقتضي حديث الرفع لا يجب عليه شي ء و بمقتضي حديث وجوب الفدية تجب عليه الفدية فيتساقطان بالتعارض فيه و مقتضي الاصل براءة ذمته عن الفدية

الظاهر ان مقتضي قوله «الصناعة» هو ما ذكره لانه انما يلاحظ النسبة بين الدليلين اذا كانا في عرض واحد لا يكون احدهما ناظراً الي الآخر و حاكماً عليه و أما اذا كانا كذلك فالحجة دليل الحاكم و دليل رفع الاكراه حاكم علي مثل دليل

وجوب الفداء علي من يلبس المخيط و هذا كحكومة ادلة نفي الحرج و العسر علي ادلة الاحكام فكما لا يلاحظ بينهما النسبة المذكورة لا يلاحظ ذلك في ادلة رفع الاكراه و الاضطرار و لا فرق بينهما غير أن في ادلة نفي الحرج و العسر و الضرر الحكومة تكون باعتبار عقد الحمل و الحكم و في ادلة نفي النسيان و الاكراه و الاضطرار يكون باعتبار عقد الوضع و الموضوع فتلخص من ذلك كله عدم وجوب الفدية علي الذي لبس المخيط اضطراراً و الله هو العالم.

______________________________

(1)- المعتمد: 4/ 144.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 270

[من محرمات الإحرام الاكتحال]

الكلام في الاكتحال

و ذلك اما بالسواد او بما فيه طيب او بغيرهما

امّا الاكتحال بالسواد فقد قال في الجواهر: (و الاكتحال بالسواد علي قول، للمفيد و الشيخ و سلار و بني حمزة و ادريس و سعيد و غيرهم (الي ان قال) لكن في الاقتصاد و الجمل و العقود و الخلاف و الغنية و النافع علي ما حكي عن بعضها انه مكروه بل عن الشيخ دعوي اجماع الفرقة عليه) «1».

اقول:

لا ريب في ان مقتضي الاصل لو لم يكن دليل، جوازه و القائل بحرمته لا بد و ان يقول بالدليل فلا بد لنا من ملاحظة اخبار الباب سنداً و متناً فنقول:

منها صحيح معاوية بن عمّار عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: «لا يكتحل الرجل و لا المرأة المحرمان بالكحل الاسود الا من علة» «2» و ظاهره حرمة الاكتحال بالاسود علي الرجل و المرأة الا من علة و الظاهر ان المراد منها ما يوجب الاضطرار و لو

عرفا بها.

و في صحيح الحلبي عن ابي عبد الله (عليه السلام) «قال: سألته عن الكحل للمحرم؟ فقال: امّا بالسواد فلا و لكن بالصبر و الحضض» «3»

و ظاهره كسابقه اختصاص الحرمة بالسواد كما ان ظاهر هما حرمة السواد و ان لم يكن بقصد الزينة و لعل ذلك لعدم دخل صدق الزينة عليه بالقصد اذا كان بالسواد و في صحيح حريز عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: «لا تكتحل المرأة المحرمة بالسواد

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 18/ 346.

(2)- وسائل الشيعة: ب 33 من ابواب تروك الاحرام ح 2.

(3)- وسائل الشيعة: ب 33 من ابواب تروك الاحرام ح 7.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 271

ان السواد زينة» «1»

و ظاهر التعليل المذكور ان وجه الحرمة زينية السواد و ان لم يكتحل بقصدها بل يدل علي حرمة غير الاسود اذا كان زينة و علي هذا يمكن ان يقال ان الاكتحال بما هو زينة سواداً كان او غيره محرم علي المحرم قصد به الزينة ام لم يقصدها و ان الاكتحال بغير ما هو زينة اذا لم يكن فيه طيب ليس من المحرمات نعم لا يصح الغاء زينية السواد عرفاً كما صرح به الامام (عليه السلام).

و ربما يقال

بدخل القصد في حرمة الاسود و كل ما هو زينة لظاهر صحيح حريز عن زرارة عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: «تكتحل المرأة بالكحل كله الا الكحل الاسود للزينة» «2»

و لكن يمكن منع ظهوره في ذلك بأن المراد منه الاكتحال بالاسود الذي يكتحل به للزينة غالباً و عرفاً او يقال بأن اللام في الزينة للنتيجة كما في قوله تعالي:

(ليكون لهم عدواً و حزناً) «3» و قوله تعالي: (و لقد ذرأنا لجهنم) «4».

و قال: بعض الاجلة: (هنا رواية معتبرة دلت علي ان العبرة باجتماع الامرين معاً السواد و الزينة و تكون اخص من جميع الروايات فتخصص الاسود بالزينة كما هو الغالب و كذلك تخصص الزينة بالاسود ثمّ ذكر صحيحة زرارة المتقدمة و قال: فان كان الاكتحال بالسواد لم تكن زينة كما اذا اكتحل بالليل عند النوم فلا اشكال

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 33 من ابواب تروك الاحرام ح 4.

(2)- وسائل الشيعة: ب 33 من ابواب تروك الاحرام ح 3.

(3)- القصص/ 8.

(4)- الاعراف/ 179.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 272

و كذا لو كان الزينة و لكن بغير الاسود. «1»

و قد اجاد فيما افاد غير ان الصحيح يدل علي ان الاكتحال بالاسود الذي يكتحل به للزينة لا يجوز و ان لم تكن زينة له في حال الاكتحال نعم لا بأس بالاكتحال بغير الاسود و لو كان زينة.

ثمّ لا يخفي عليك ان هنا روايات تدل علي النهي من مطلق الاكتحال الا عند الضرورة مثل ما رواه الكليني عن عدة من اصحابنا «2» عن احمد بن محمد «3» عن علي بن الحكم «4» عن عبد الله بن يحيي الكاهلي «5» عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: «سأله

رجل ضرير البصر و

انا حاضر فقال: اكتحل اذا احرمت؟ قال: لا و لم تكتحل؟ قال: اني ضرير البصر فاذا انا اكتحلت نفعني و ان لم اكتحل ضرّني قال: فاكتحل قال: فاني اجعل مع الكحل غيره قال: و ما هو؟ قال: آخذ خرقتين فاربعهما فاجعل علي كل عين خرقة، و اعصبهما بعصابة الي قفاي فاذا فعلت ذلك نفعني و اذا تركته ضرّني قال:

______________________________

(1)- معتمد العروة: 4/ 148.

(2)- ان كان احمد بن محمد ابن عيسي فعدته خمسة. محمد بن يحيي و احمد بن ادريس و علي بن ابراهيم و داود بن كورة و علي بن موسي الكميداني و ان كان ابن خالد البرقي فهم اربعة علي بن ابراهيم و محمد بن عبد الله ابن بنت البرقي و احمد بن عبد الله من احمد البرقي ابن ابنه و علي بن الحسين السعدآبادي.

(3)- من السابعة.

(4)- من السادسة ثقة جليل القدر له كتاب.

(5)- من الخامسة ممدوح.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 273

فاصنعه» «1».

و لكن اطلاقها يقيّد بالروايات الدالة علي الجواز في الجملة و بما فيها اذا كان بالاسود الذي يكتحل به للزينة.

كما يقيد بها اطلاق ما يدل علي جواز مطلق الاكتحال كصحيح هارون بن حمزة عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: «لا يكتحل المحرم عينيه بكحل فيه زعفران و ليكتحل بكحل فارسي» «2» ان لم نمنع اطلاقه و لم نقل بوروده في مقام النهي عن الطيب و ان الفارسي منه ليس فيه الطيب.

و بالجملة: النهي عن كحل فيه زعفران يدل علي جواز الاكتحال بغيره في الجملة و لا يدل علي الجواز مطلقاً نعم يقيد به اطلاق الطائفة الناهية و تكون الاخبار الاول مقيدة للناهية و مبينة للمجوزة.

هذا و قد افاد العلم المعاصر المذكور

بعد ما اشار الي تعارض الاخبار المطلقة الناهية عن الاكتحال و المطلقة المجوزة له فقال: بازائهما طائفة ثالثة و هي روايات معتبرة دلت علي جواز الكحل في بعض الاقسام و عدم جوازه في القسم الآخر فتكون مقيّدة لإطلاق الطائفتين المتقدمتين (قال) فمنها ما دل علي عدم الجواز اذا

كان الكحل اسود و هو مدرك المشهور كصحيحة معاوية بن عمّار قال: «لا يكتحل الرجل و المرأة المحرمان بالكحل الاسود الا من علة».

و منها ما دل علي عدم الجواز اذا كان للزينة كصحيحة اخري لمعاوية بن عمّار: «لا بأس بان تكتحل و انت محرم بما لم يكن فيه طيب يوجد ريحه و أما الزينة

______________________________

(1)- الكافي: 4/ 358 ح 3.

(2)- وسائل الشيعة: ب 33 من ابواب تروك الاحرام ح 6 و تهذيب الاحكام: 5/ 301 ح 1027.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 274

فلا» (ثمّ قال) و هما ايضاً متعارضتان ثمّ صار في مقام بيان وجه التعارض و بيان الوجه لرفعه فنذكر تمام كلامه بطوله و نظر فيه و الله ولي التوفيق (قال) و هما ايضاً متعارضتان لان المستفاد من الاولي عدم الجواز بالكحل الاسود و الجواز اذا كان غير اسود و ان كان للزينة و المستفاد من الثانية عدم جواز الاكتحال للزينة و ان كان غير اسود و الجواز بالاسود اذا لم يكن للزينة فالتعارض يقع بين عقد الايجاب من احدهما و بين عقد السلب من الآخر و الا فلا منافاة بينهما بالنسبة الي عقد الايجاب من كل منهما فان الاولي تقول بحرمة السواد و الثانية تقول بحرمة الزينة و لا منافاة بين الامرين و حرمة كل منهما و انّما التنافي بين عقد الايجاب من احدهما للعقد السلبي من الآخر

فان مقتضي الرواية الاولي حرمة الاكتحال بالسواد مطلقاً سواء كان للزينة ام لا و مقتضي العقد السلبي للثانية جواز الاكتحال لغير الزينة و ان كان اسود كما ان مقتضي العقد الايجابي للثانية حرمة الكحل للزينة و مقتضي العقد السلبي للاول جواز غير الاسود و ان كان للزينة.

و قد ذكرنا في الاصول في بحث المفاهيم انه اذا كان قضيتان شرطيتان دلتا علي ثبوت شي ء علي تقدير آخر فقهراً تقع المعارضة بين المنطوق من احدهما و مفهوم الآخر كما في مثل اذا خفي الاذان فقصر و اذا خفي الجدران فقصر فاذا خفي الجدران و لم يخف الاذان يقع التعارض بين منطوق الجملة الثانية و بين مفهوم الجملة الاولي فان مقتضي اطلاق منطوق الجملة الثانية وجوب القصر سواء خفي الاذان ام لا

و مقتضي اطلاق مفهوم الجملة الاولي عدم القصر سواء خفي الجدران ام لا و ربما يقال: بوجوب القصر عند خفائهما معاً و لكن لا موجب لذلك لان المعارضة ليست بين المنطوقين ليرفع اليد عن إطلاق كل منهما بل المعارضة بين منطوق احدهما و مفهوم الآخر فالصحيح ان يرفع اليد عن اطلاق كل منهما بتقييده بالآخر و النتيجة:

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 275

ان القصر يثبت بخفاء احدهما و هذه الكبري تنطبق علي المقام ايضاً فنقيد اطلاق مفهوم كل واحد من الروايتين و نرفع اليد عن اطلاق كل واحد منهما و المتحصل حرمة الاكتحال بالسواد او للزينة انتهي). «1»

اقول: اولا: التعارض بين مثل اذا خفي الاذان فقصر و اذا خفي الجدران فقصر بناء علي مسلك المتأخرين في المفهوم و ان نزاع القوم فيه صغروياً انما يتحقق اذا كان الشرط للجزاء علة منحصرة له و اثبات ذلك للقضايا ذوات المفهوم

بقول مطلق في غاية الاشكال

و ثانياً: علي فرض القول بظهور هذه القضايا مثل (ان جاءك زيد فاكرمه) او (ان بلت فتوضأ) علي كون الشرط علة للحكم و علة منحصرة له فهو انما يكون اذا لم يكن هنا قرينة علي الخلاف نصبها المتكلم فمثل قوله ان نمت فتوضأ او اذا خفي الجدران فقصّر قرينة علي عدم ارادة المتكلم من الشرط كونه علة منحصرة للجزاء.

و ثالثاً: ان التعارض علي ما افدتم انما وقع بين اطلاق منطوق كل منها و اطلاق مفهوم الآخر مثلا اذا قال: اذا خفي الاذان فقصّر يدل بالاطلاق علي وجوب القصر، خفي الجدران ام لم يخف و قوله اذا خفي الجدران فقصر ايضاً يدل بالاطلاق علي وجوب القصر خفي الاذان ام لم يخف و لكن مفهوم الثاني عدم

وجوب القصر اذا لم يخف الجدران سواء خفي الاذان ام لم يخف فيقع التعارض بين اطلاق منطوق احدهما و مفهوم الآخر فيما اذا خفي الجدران و لم يخف الاذان او بالعكس فمقتضي اطلاق منطوق اذا خفي الجدران وجوب القصر و مقتضي اطلاق مفهوم اذا خفي الاذان عدم وجوب القصر و مقتضي القاعدة لو كان التعارض بين

______________________________

(1)- المعتمد: 4/ 146.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 276

المنطوقين و عدم كون كل واحد منهما اظهر من الآخر و عدم واحد من المرجحات التساقط.

اما في باب تعارض المنطوق و المفهوم يقدم المنطوق و يقيد به اطلاق المفهوم حملا للظاهر علي الاظهر.

و لكن يمكن ان يقال: ان قاعدة تقييد المطلق بالمقيد و تخصيص العام بالخاص تجري في الدلالات اللفظية و في منطوق الالفاظ فيكون الخاص و المقيد دليلًا علي كون العام او المطلق مستعملا في العام ضرباً للقانون و اعطاءً للقاعدة

و بعبارة اخري:

مفهومهما مراد للمتكلم بالارادة الاستعمالية لا بالارادة الجدية فيجمع بين العام و الخاص بأن العام الوارد عليه الخاص يكون عمومه مراداً للمتكلم بالارادة الاستعمالية فيخصص بالخاص المراد بالارادة الجدية و أما في المفهوم الذي ليس من الدلالات اللفظية فتقسيم الدلالة فيه بالاستعمالية و الجدية لا محل له لانه كما عرفوه ما يستفاد من الكلام لا في محل النطق بخلاف المنطوق فانه ما يدل عليه اللفظ في محل النطق و يصح ان يقال بأنه قال كذا بخلاف المفهوم فلا يقال انه قال كذا و يصح له ان يقول: ما قلت كذا مثلا في قوله تعالي (و لا تقل لهما اف) يدل بالمفهوم علي النهي من ضربهما و لكن لا يصح ان يقال قال الله تعالي: لا تضربهما و في مثل رجل شك بين الثلاث و الاربع يصح ان يقال: قال: رجل شك كذا و مفهومه المساوي و ان كان مساواة المرأة للرجل في هذا الحكم و لكن لا يقال قال امرأة شكت كذا.

و علي هذا اذا كان المفهوم عاماً مثل مفهوم اذا خفي الاذان فقصر لا يمكن تخصيصه بمنطوق غيره او مفهوم آخر فتد برّ فانه جدير بذلك و لذا لا بدّ من رفع اليد بالمرة من مفهوم كل منهما بمنطوق الآخر و تكون النتيجة وجوب القصر بخفاء كل

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 277

واحد من الاذان و الجدران سواء قلنا بان ما هو الموضوع لهذا الحكم القدر الجامع بينهما من بعد خاص من الوطن يكون كل واحد منهما من مصاديقه او قلنا بانهما و ان كانا كالمتباينين كل واحد منهما موضوع مستقل لهذا الحكم.

و لا يقال: ان وزان الموضوع و الحكم وزان العلة و المعلول فكيف

يكون لعلتين مستقلتين متباينتين معلول واحد.

فانه يقال: هذا في عالم العين و الخارج اما في عالم الاعتبار لا بأس به فيجوز فيه ما لا يجوز فيه.

لا يقال: انه لا فرق في النتيجة بين ان نقول بسقوط المفهوم في القضيتين او قلنا بتخصيص المفهوم فيهما بمنطوق الآخر

فانه يقال: نعم لعل ذلك لا ينتهي الي الاختلاف في النتيجة عملا الا انه علمياً يختلف مفادهما فانه اذا قلنا بتخصيص المفهوم كما ذكر يبقي دلالة القضيتين في نفي الثالث علي حالها دون ما اذا قلنا بسقوط المفهوم و بعد ذلك كله نقول: ان ما ذكر يكون علي مسلك المتأخرين في المفهوم و مبني علي كون النزاع في المفهوم صغروياً و علي ظهور القضية في كون الشرط علة منحصرة للجزاء.

اما علي قول القدماء و ما حققه سيدنا الاستاذ الاعظم رفع الله درجاته فالنزاع فيه يكون كبروياً اي في حجية المفهوم دون وجوده فالمتأخرون يكونون في

مقام اثبات المفهوم لمثل القضية الشرطية و غيرها و اما لو ثبت المفهوم فلا حاجة الي البحث في حجيته لانها امر مفروغ عنه و اما سيدنا الاستاذ قدس سره يقول: ان المفهوم لتلك القضايا المذكورة في كلامهم ثابت لا مجال لإنكاره انما الكلام في ان هذا المفهوم الذي لا يستفاد من الدلالات اللفظية الثلاثة هل هو حجة ام لا، و الذي يتحقق به المفهوم هو فعل المتكلم و اتيانه بقيد زائد في كلامه فلو لم يكن لم مفهوم

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 278

ما كان لاغياً و لم يكن فعله لغواً و المتكلم الحكيم لا يأتي بالفعل اللغو و القيد الزائد الذي لا فائدة له في كلامه فلا بد و ان يكون ذلك لغرض و فائدة و

لا ريب في ان اتيانه بالقيد لما هو الموضوع للحكم يدل علي ان للقيد دخل في موضوعية المقيد في الحكم و ان المقيد بنفسه ليس موضوعاً للحكم مثلا قولنا ان جاءك زيد فاكرمه يفهم ان زيداً بدون لحاظ شي ء معه ليس موضوعاً للحكم فهو جزء الموضوع لا كل الموضوع و الا يكون الاتيان بالقيد لغواً و هذا هو المفهوم الذي وقع البحث في حجيته بين الاصوليين الاقدمين.

و بناء علي هذا نقول: ان في مثل قوله (عليه السلام) «لا يكتحل الرجل و المرأة المحرمان بالكحل الاسود» المفهوم عدم كون الكحل باطلاقه موضوعاً للحرمة و الا يلزم ان يكون قيده بالاسود لغواً و كذا النهي عن الاكتحال للزينة و هو ايضاً يدل علي عدم كون الكحل تمام الموضوع للحكم بل اذا كان مشتملا علي امر آخر و علي هذا لا تعارض بين مفهوم قوله لا تكتحل بالكحل الاسود و مفهوم قوله لا تكتحل بما هو زينة فان مفهوم كل منهما متحد مع مفهوم الآخر و هو ان الكحل باطلاقه ليس موضوعاً للحرمة فيرتفع الاشكال من اصله و الله هو الهادي الي الصواب.

هذا كله في الاكتحال بالسواد و بما هو زينة و امّا الاكتحال بما فيه الطيب

فيدل عليه ما يدل بالاطلاق علي حرمة الطيب علي المحرم «1» و الروايات الخاصة مثل صحيح معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: «المحرم لا يكتحل الا من وجع و قال: لا بأس بأن تكتحل و انت محرم بما لم يكن فيه طيب يوجد ريحه فامّا للزينة فلا» «2».

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 18 من ابواب تروك الاحرام.

(2) وسائل الشيعة: ب 33 من ابواب تروك الاحرام ح 8.

فقه الحج (للصافي)،

ج 3، ص: 279

و خبر ابان عمن اخبره عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: «اذا اشتكي المحرم عينيه فليكتحل بكحل ليس فيه مسك و لا طيب» «1».

و ما رواه الصدوق عن ابي بصير عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: «لا بأس للمحرم ان يكتحل بكحل ليس فيه مسك و لا كافور اذا اشتكي عينيه و تكتحل المرأة المحرمة بالكحل كله الا كحل اسود للزينة» «2».

و يقيد بظاهره ما يدل بالاطلاق علي حرمة الاكتحال بالطيب علي الرجل و المرأة و لكنهم قالوا بان سند الصدوق الي ابي بصير ضعيف بعلي بن ابي حمزة فعلي هذا مقتضي اطلاق غيره حرمته عليها.

اللهم الّا ان يقال: انه لا يستفاد من قوله (عليه السلام) (المحرم) كون المراد منه جنس المحرم رجلا كان او امرأة و ليس المقام مما يلغي فيه خصوصية الذكورية و كيف كان فمقتضي الاحتياط لها ايضاً الاجتناب عن الاكتحال بالطيب و الله هو العالم.

هذا و قد بقي الكلام في كفارة اكتحال المحرم و الظاهر عدم وجوبها لعدم ما

يدلّ عليه نعم قد روي عبد الله بن جعفر الحميري في قرب الاسناد عن عبد الله بن الحسن العلوي عن جده علي بن جعفر عن اخيه موسي بن جعفر عليهما السلام قال: «لكل شي ء جرحت (خرجت في هامش الكتاب) من حجّك فعليك فيه دم تهريقه حيث شئت» «3» فيستدل بعمومه علي وجوب الكفارة دم يهريقه.

و اورد علي الاستدلال به بعض المعاصرين اولا بضعف السند لان عبد الله بن

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 33 من ابواب تروك الاحرام ح 9.

(2)- وسائل الشيعة: ب 33 من ابواب تروك الاحرام ح 13 و من لا يحضره الفقيه: 2/ 347 ح 2647.

(3)- قرب الاسناد

باب الحج و العمرة/ 237 ح 928.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 280

جعفر و ان كان من الشرفاء نسباً لم يوثق في كتب الرجال و ثانياً باختلاف النسخة لان في بعضها (خرجت) مكان (جرحت) قال: (و المعني اذا خرجت من حجك و اكملت الاعمال و كان عليك دم يجوز لك ان تذبحه و تهريقه في اي مكان شئت و لا يجب عليك ان تذبحه في مكّة او مني و سيأتي ان شاء الله ان كفارة الصيد تذبح في مكة او مني و امّا بقية الكفارات فيذبحها اين شاء فالرواية ناظرة الي مكان ذبح الكفارة بل الرواية ناظرة الي هذا المعني حتي علي نسخة (جرحت) (بالجيم) فيكون المعني انه اذا جرحت بشي ء فيه دم، تهريقه في اي مكان شئت و قوله (فيه دم) تتمة الجملة الاولي و هي قوله لكل شي ء جرحت) «1».

اقول: امّا الخدشة في السند فليس في محله لان الراوي عن عبد الله ابن الحسن هو الشيخ الجليل ابو العباس عبد الله بن جعفر الحميري القمي الفقيه الثقة الوجه في اصحابنا القميين له كتب كثيرة يدل علي سعة علمه و علو مقامه و ان النجاشي ذكر انّه لمّا قدم الكوفة سمع منه اهلها و اكثروا و مثله لا يروي هذه الاحاديث الكثيرة ممن لا يعرف حاله و لا يعتمد علي حديثه.

مضافاً الي انه قد تكرر منّا ان الظاهر ان عبد الله بن الحسن روي لعبد الله بن جعفر كتاب جدّه المعلوم المعروف بل الموجود عند مثله كما يدلّ عليه سياق الروايات المخرجة عن علي بن جعفر و هو انّما لم يروها بلا واسطة و بالوجادة عن كتاب علي بن جعفر لان المتعارف بين المحدثين رواية

الكتب بالاسناد و العارف يفهم ان ما في قرب الاسناد هو ما في كتاب علي بن جعفر.

اذا فلا يجوز الخدشة في مثل هذه الاسانيد بضعف بعضها و لا ينبغي للفقهاء

______________________________

(1)- المعتمد: 4/ 127.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 281

المتبحرين العارفين باوضاع الروايات تضعيف الاحاديث بمجرد كون بعض الوسائط بين ارباب الكتب الموجودة عندنا و بين الجوامع و الاصول الاولية التي كانت موجودة عندهم ضعيفاً لعدم الاعتناء بمثل هذا الضعف بل يمكن ذلك في رواية مثل علي ابي حمزة البطائني عن كتاب ابي بصير اذا كان الراوي عنه مثل ابن ابي عمير و امّا الكلام في لفظ الحديث و دلالته.

و أما الكلام في لفظ الحديث و دلالته فالظاهر ان لفظة: (جرحت) بالجيم اما معناه: ان لكل شي ء افسدت به حجك و ارتكبته مما يوجب الجرح و الشق من حجك و يوجب عليك الدم تهريقه حيث شئت فلا يستفاد بذلك منه وجوب الدم لكل ما اجترح.

او ان معناه بقرينة الفاء لكل شي ء جرحت من حجك يجب عليك الدم و تهريقه حيث شئت فيكون الحديث بهذا الاستظهار متكفلا لبيان حكمين: احدهما ان لكل ما ارتكبه من المحرمات مما يوجب شقا في الحج الدم. و ثانيهما جواز اهراقه في كل مكان بخلاف الاول فانه اريد منه انه يجوز اهراق دم ما فيه الدم في اي مكان و الاظهر هو الثاني.

و أما اذا كان الحديث بلفظ (خرجت) بالخاء المعجمة فكان المعني: اذا خرجت من حجك و اكملت الاعمال و كان عليك دم يجوز لك اهراقه في اي مكان

فهو خلاف الظاهر و التعبير عن هذا المعني باللفظ المذكور خلاف اسلوب المحاورة. مضافاً الي انه لا دخل للخروج من الحج و اكمال الاعمال

في ذلك.

فالاصح الاظهر في لفظ الحديث (جرحت) بالجيم لا بالخاء كما ان الظاهر من المعنيين المذكورين المعني الثاني.

و يمكن ان يقال: بتقديم المعني الاول و كون (فعليك فيه دم) قيداً لقوله (لكل

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 282

شي ء جرحت من حجك) بان كونه كالخبر لقوله (لكل شي ء) مستلزم لورود التخصيص علي العام المستفاد منه، لعدم الكفارة في بعض المحظورات و كون كفارة بعضها غير الدم بخلاف ما اذا كان قيداً فانّه لا نحتاج فيه الي تخصيص عموم لكلّ شي ء.

و بعد ذلك كله يمكن ان يقال: بعدم الكفارة عملا بالاصل و ان كان مقتضي الاحتياط الكفارة. بل يمكن التفصيل فيقال: بالحاق خصوص الاكتحال بما فيه طيب يوجد ريحه بالطيب في الحكم دون غيره و الله هو العالم باحكامه.

[من محرمات الإحرام التظليل]

اشارة

حرمة التضليل علي المحرم سائراً

قال في الجواهر: (تظليل) الرجل (المحرم سائراً) بان يجلس في محمل او قبة او كنيسة او عمارية مظللة او نحوذ لك علي المشهور نقلا في الدروس و غيرها و تحصيلا بل عن الانتصار و الخلاف و المنتهي و التذكرة الاجماع عليه بل لعله كذلك اذ لم يحك الخلاف فيه الا عن الاسكافي ان عبارته ليست بتلك الصراحة «1».

اقول: المستند في المسألة اثباتاً او نفيا ليس الا الروايات و عليه نقول: امّا

الروايات الدالة علي الحرمة فكثيرة جداً.

منها صحيح هشام بن سالم قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن المحرم يركب في الكنيسة، فقال: لا، هو للنساء جائز» «2».

و صحيح ابن مسلم عن احدهما عليهما السلام قال: «سألته عن المحرم يركب

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 18/ 394.

(2) وسائل الشيعة: ب 64 من ابواب تروك الاحرام ح 4.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 283

القبة، فقال: لا، قلت: فالمرأة المحرمة، قال:

نعم» «1»

و صحيح سعد بن سعد الاشعري عن ابي الحسن الرضا (عليه السلام): «سألته عن المحرم يظلل علي نفسه؟ قال: أ من علة؟ فقلت: يؤذيه حرّ الشمس و هو محرم قال: هي علة يظلل و يفدي» «2»

و موثق اسحاق بن عمار عن ابي الحسن (عليه السلام) قال: «سألته عن المحرم يظل عليه و هو محرم؟ قال: لا الا مريض او من به علة و الذي لا يطيق الشمس» «3».

و صحيح عبد الله بن المغيرة قال: «قلت لابي الحسن الاول (عليه السلام) اظل و أنا محرم؟ قال: لا، قلت أ فأظلل و أكفر؟ قال: لا، قلت: فان مرضت؟ قال: ظلل و كفر ثمّ قال: اما علمت ان رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) قال: ما من حاج يضحي ملبياً حتي تغيب الشمس الا غابت ذنوبه معها» «4».

و يمكن الخدشة في دلالته علي الحرمة بملاحظة ذيله الدال علي الترغيب و بيان

الثواب.

و مثله صحيحه الآخر قال: «سألت ابا الحسن (عليه السلام) عن الظلال للمحرم فقال: اضح لمن احرمت له فقلت: إنّي محرور و ان الحر يشتد علي فقال: اما علمت ان الشمس تغرب بذنوب المجرمين» «5» و غير ذلك من الروايات التي ان امكن الخدشة في بعضها سنداً او دلالة لا تمكن في غيرها مما هو صريح في الحرمة.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 64 من ابواب تروك الاحرام ح 1.

(2)- وسائل الشيعة: ب 4 من ابواب بقية كفارات الاحرام ح 4.

(3)- وسائل الشيعة: ب 64 من ابواب تروك الاحرام ح 7.

(4)- وسائل الشيعة: ب 64 من ابواب تروك الاحرام ح 3.

(5)- وسائل الشيعة: ب 64 من ابواب تروك الاحرام ح 11.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 284

و

لكن في قبالها الاصل المقطوع و الروايات التي يمكن الاستشهاد بها لما حكي عن الاسكافي و ذلك مثل صحيح الحلبي الذي رواه عنه ابن مسكان قال: «سألت ابا عبد الله (عليه السلام): عن المحرم يركب في القبة؟ فقال: ما يعجبني ذلك الا ان يكون مريضاً» «1» و لو كنا و هذا لا نقول به الا بالكراهة.

و صحيح علي بن جعفر الذي رواه عنه موسي بن القاسم قال: «سألت أخي (عليه السلام) اظلل و انا محرم فقال: نعم و عليك الكفارة قال: فرأيت عليّاً اذا قدم مكة ينحر بدنة لكفارة الظل» «2» و الظاهر من الرواية ان السؤال كان من حكم التظليل بدون العلة و الا فمثل علي بن جعفر كان عالماً بجواز التظليل بالعلة نعم ان قيل بدلالته بالاطلاق لترك الاستفصال يمكن ان يقال بأنه مقيد بغيره من الروايات.

و صحيح جميل بن درّاج عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: «لا بأس بالظلال للنساء و قد رخص فيه للرجال» «3»

و ردّ بدلالة (قد) فيه علي التقليل و لكنه خلاف الظاهر فانها تدل علي التقليل اذا وردت علي المضارع لا علي الماضي او المجرد من الزمان كقوله تعالي: (قد علم الله).

هذا و في الجواهر ردّ الاستشهاد بصحيح الحلبي بانه غير صريح في الجواز و صحيح علي بن جعفر بانه يحتمل الضرورة و افاد بأن هذا اي احتمال الضرورة في صحيح جميل أظهر بقرينة لفظ الرخصة «4».

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 64 من ابواب تروك الاحرام ح 5

(2) وسائل الشيعة: ب 64 من ابواب بقية كفارات الاحرام ح 2.

(3)- وسائل الشيعة: ب 64 من ابواب تروك الاحرام ح 10.

(4)- جواهر الكلام: 18/ 394.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 285

أقول:

يمكن ان يقال: ان غاية ما يقال في صحيح الحلبي انّه لا يدلّ علي الحرمة اما دلالته علي الجواز فغير ظاهر و امّا صحيح علي بن جعفر فيمكن ان يكون المراد منه السؤال عن التظليل بالعلل العرفية التي لا تصل الي حدّ الضرورة و اللابدية.

و أما صحيح جميل و ان لم نقل فيه بدلالة (قد) علي التقليل الا انه ليس ظاهراً في انه مرخص فيه للرجال مطلقاً بل يدل علي ذلك في الجملة و علي نحو الموجبة الجزئية و لو لم يكن ما ذكر في هذه الروايات وجهاً لعدم دلالتها علي الجواز المطلق فالوجه في الجواب عنها هو حملها علي التقية لموافقة القول بالجواز للعامة.

قال في الفقه علي المذاهب الاربعة: (و يجوز له ايضاً ان يستظلّ بالشجرة و الخيمة و البيت و المحمل، و المظلة المعروفة بالشمسية بشرط ان لا يمس شي ء من ذلك رأسه و وجهه فان كشفهما واجب باتفاق المالكية و الحنفية امّا الشافعية و الحنابلة فانظر مذهبهما تحت الخط) «1» و ما ذكره تحت الخط لا يرجع الي مخالفتهما في جواز

الاستظلال

و الشاهد علي ان الرواية الدالة علي الجواز لو تمت دلالتها محمولة علي التقية الروايات الحاكية عن سؤال ابي يوسف عن مولانا ابي الحسن موسي بن جعفر (عليهما السلام) كالمنكر له القول بالحرمة ففي بعضها انّه قال: «يا ابا الحسن جعلت فداك- المحرم يظلل؟ قال: لا قال: فيستظلّ بالجدار و المحمل و يدخل البيت و الخباء (و في بعضها فيستظل بالخباء) فقال: نعم قال: فضحك ابو يوسف شبه المستهزئ فقال له ابو الحسن (عليه السلام) يا ابا يوسف ان الدين ليس بالقياس كقياسك و قياس اصحابك ان الله

______________________________

(1)- الفقه علي المذاهب الاربعة:

1/ 651.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 286

عزّ و جل امر في كتابه بالطلاق و اكد فيه شاهدين و لم يرض بهما الا عدلين و امر في كتابه بالتزويج و اهمله بلا شهود فاتيتم بشاهدين فيما ابطل اليه و ابطلتم شاهدين فيما اكد الله عزّ و جلّ و اجزتم طلاق المجنون و السكران. حج رسول الله صلي عليه و آله و سلم فاحرم و لم يظلّل و دخل البيت و الخباء و استظل بالمحمل و الجدار فقلنا (فعلنا) كما فعل رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) فسكت» «1».

اذاً فلا ريب في ان الاعتماد علي الروايات المستفيضة الدالة علي تحريم الاستظلال.

الا انه يقع الكلام هنا في امور:
الاول: قد سمعت من الروايات ان التظليل مرخص فيه في الجملة

لعذر ما من مرض او حر أو برد فهل هو مختص بما اذا صار بهذه العلل مضطراً الي التظليل و كان

العذر بحيث لا يتحمل عادة او عرفاً مثله او هو اعم من ذلك فيكفي مطلق الاذية من الحر او البرد و ان لم تصل الي الحد المذكور.

و بعبارة اخري: يلزم ان يكون العذر علي حدّ يسقط معه التكليف و الظاهر من الجواهر اختيار سقوط حرمته اذا كان فيه الضرر العظيم الذي يسقط معه التكليف «2».

و لكن الظاهر من الروايات انه مرخص فيه و لو لم يصل العذر الي هذا الحد

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 66 من ابواب تروك الاحرام ح 2 و عيون اخبار الرضا (عليه السلام) و قرب الاسناد في بعضها ان السائل كان محمد بن الحسن الشيباني و هو ابو يوسف كانا من تلامذة ابي حنيفة و في بعضها ان السؤال و الجواب وقع عند المهدي العباسي و في بعضها انهما وقعا عند هارون و الظاهر وقوعهما عندهما.

(2) جواهر الكلام: 18/ 398.

فقه

الحج (للصافي)، ج 3، ص: 287

نعم الاذية المتعارفة التي هي موجودة في ترك التظليل للجميع و تقتضيها طبع الموضوع او ما هو قريب منه لا يكون مجوزاً لارتكاب التظليل فاذا كان المحرم مريضاً او ضعيفاً تؤذيه الشمس و تؤثر فيه اكثر مما تؤثر في سائر الافراد يجوز له التظليل و ان لم يصل ما به الي حدّ الاضطرار الي ارتكاب الحرام و بذلك يجمع بين الروايات فتدبر.

الثاني: الظاهر انه لا وجه يعتد به للقول باختصاص حرمة التظليل علي الراكب دون الماشي و الراجل

الا ما ورد في بعض الروايات من السؤال عن راكب القبة و الكنيسة فان مفاده حرمته علي راكب خصوص القبة و الكنيسة أو مطلق الراكب لكن لا يدل علي اختصاصها بالراكب و مقتضي الروايات المطلقة حرمة التظليل علي الراكب و الماشي و لا وجه لرفع اليد عن اطلاقها سيما بعد كون المشاة كثيرين و لو كانت الحرمة مختصة بالراكبين كان بيان ذلك جديراً بالذكر جداً.

و في الجواهر: (نعم في صحيح ابن بزيع «1» كتب الي الرضا (عليه السلام): «هل يجوز للمحرم ان يمشي تحت ظل المحمل؟ فكتب نعم» و في خبر الاحتجاج يجوز له المشي تحت الظلال «2» الا انه يمكن دعوي انسباقه الي ارادة المشي في ظله لا الكون تحت الحِمل و المحمل) «3».

و في تقريرات بعض الاجلة تجويز التظليل بظل المحمل للماشي بالخصوص دون غيره حفظاً للاطلاقات في غير ظل المحمل فرد عطف غيره به كما فعل الشهيد الثاني بقوله (و نحوه) و قال: هذا مما نلتزم به للتعبد بالنصّ و لا يدلّ علي جواز

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 67 من ابواب تروك الاحرام ح 6.

(2)- وسائل الشيعة: ب 67 من ابواب تروك الاحرام ح 1.

(3)- جواهر الكلام: 18/ 403.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 288

الاستظلال مطلقاً و لو

بظل غير المحمل و الاحكام تعبديّة و ملاكاتها مجهولة عندنا فيجب الاقتصار علي مورد النصّ (الي ان قال) فمقتضي اطلاق النصوص عدم جواز الاستظلال للراجل مطلقاً بمظلة و نحوها الا الاستظلال بظل المحمل حال السير و امّا رواية الاحتجاج الدالة علي جواز الاستظلال للماشي مطلقاً و لو بظلّ غير المحمل فضعيفة للارسال «1».

أقول: يمكن ان يقال: بالفرق بين ما يستظل به حسب العادة او يتخذه لان يستظل به كالشمْسِية و ما يستر به حر الشمس و بين المحمل الذي لم يتخذ للاستظلال به فنقول: بالحرمة في الاولي للاطلاقات و بالثاني بصحيح ابن بزيع سواء كان المحمل او الحمل او ما يشابهه لان الانصاف ان ما ذكره في مثل المورد لا يكفي لاختصاص الحكم به و عدم اجراء مفهوم المساواة و اما رواية الاحتجاج فمع قطع النظر عن ضعف السند يمكن ان يقال فيه ايضاً بعدم دلالته علي المشي تحت كل الظلال و ان كان مجعولا للاستظلال بل المراد من قول الشيباني (أ فيجوز ان يمشي تحت الظلال مختاراً) و قول الامام (عليه السلام): «ان رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) كشف ظلاله في احرامه و مشي تحت الظلال و هو محرم»

المشي تحت ظلال المحامل و الظلال الواقعة في الطريق كالاشجار و نحوها و الله هو العالم.

الثالث: قال في الخلاف: (للمحرم ان يستظل بثوب ينصبه ما لم يكن فوق رأسه بلا خلاف)

«2» و عن المنتهي نسبة الجواز الي جميع اهل العلم «3»، و عن ابن زهرة: يحرم عليه ان يستظل و هو سائر بحيث يكون الظلال فوق رأسه «4».

______________________________

(1) المعتمد: 4/ 236 و 237.

(2)- الخلاف: 2/ 318.

(3)- منتهي المطلب الطبعة الحجرية/ 792.

(4)- غنية النزوع: 159.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 289

و الوجه لذلك الاصل و صحيح ابن سنان

قال: سمعت ابا عبد الله (عليه السلام) يقول لابي و شكي اليه حرّ الشمس و هو محرم و هو يتأذي به فقال: تري ان استتر بطرف ثوبي؟ فقال: لا بأس بذلك ما لم يصبك (لم يصب) رأسك. «1»

وجه الاستدلال به انه و ان كان السؤال عما اذا تأذي به و لكن الجواب عام يشمل صورة الضرورة و غيرها لان قوله: (بذلك) راجع الي الاستتار بطرف الثوب و خصوصية المورد لا تخصص الوارد و كان الجواهر صوب ذلك الاستدلال و لذا قال: (فيه انه يعارضه عموم نحو قول الصادق (عليه السلام) في خبر المعلي «2» «لا يستتر المحرم من الشمس بثوب. و لا بأس ان يستر ببعض» «3» و خبر اسماعيل بن عبد الخالق «4»

و محمد بن الفضيل «5» السابقان بل و خبر عبد الله بن المغيرة «6» المتقدم ضرورة انه لو كان الاستتار بما لا يكون فوق الرأس جائراً لبينه له و خلوّ اخبار التكفير «7» مع التظليل للضرورة عمّا لا يكون فوق الرأس اذ لو كان جائزاً اختياراً وجب الاقتصار عليه اذا اندفعت به الضرورة، و لعل المتجه حمل ذلك كله علي الكراهة كما يومئ اليه خبر قاسم الصيقل قال: «ما رأيت احداً كان اشد تشديداً في الظل من

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 67 من ابواب تروك الاحرام ح 4.

(2)- من الخامسة مدحه الشيخ في كتاب الغيبة.

(3)- وسائل الشيعة: ب 67 من ابواب تروك الاحرام ح 2.

(4)- وسائل الشيعة: ب 64 من ابواب تروك الاحرام ح 9 و فيه: «هل يستتر المحرم من الشمس؟ فقال: لا الّا ان يكون شيخاً كبيراً او قال: ذاعلة.

(5)- وسائل الشيعة: ب 66 من ابواب تروك الاحرام ح 2.

(6)- وسائل

الشيعة: ب 64 من ابواب تروك الاحرام ح 11.

(7)- وسائل الشيعة: ب 6 من ابواب بقية كفارات الاحرام.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 290

ابي جعفر (عليه السلام) كان يأمر بقلع القبة و الحاجبين اذا احرم» «1» فان التشديد ظاهر في الزيادة علي الواجب، و هذا و ان كان من الراوي الّا انه ظاهر في معلومية الحكم عندهم سابقاً و هو شاهد علي صحة الاجماع المزبور الذي يقيد به المطلقات المذكورة و اخبار التكفير انما جاءت لبيان ثبوت الكفارة في المحرم من التظليل للمختار اذا اقتضته الضرورة و هو ما فوق الرأس بل قد يشهد لما ذكرناه ما في خبر سعيد الاعرج سأل الصادق (عليه السلام) (عن المحرم يستتر من الشمس بعود و بيده؟ قال: «لا الا من علة») «2» لما عرفت من جواز الاستتار باليد الذي فعله رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) علي وجه يقصر عن معارضته فلا بدّ من حمله علي ضرب من الكراهة) «3».

أقول: امّا ما افاده في الجواهر بان عموم خبر المعلي يعارض صحيح بن سنان ففيه: ان المعارضة بينهما بالعموم و الخصوص، و الصحيح خاص يخصص به عموم خبر المعلي و صحيح بن المغيرة كما يخصص به خبر ابن عبد الخالق.

و أما خبر محمد بن الفضيل «4» فيرد بضعفه

و أمّا خلو اخبار التكفير لتكفير عما ذكر فانه يمكن ان يكون ورودها لصورة عدم اندفاع الضرورة بما لا يكون فوق الرأس

و أمّا الاستشهاد لحمل الروايات علي الكراهة بخبر قاسم بن صيقل فمضافاً الي ضعفه به فما استظهر هو من فعل الامام (عليه السلام) اجتهاد منه لا يعتمد عليه

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 64 من ابواب تروك الاحرام ح 12.

(2)- الوسائل،

ابواب تروك الاحرام، ب 67، ح 5.

(3)- جواهر الكلام: 18/ 400 و 401.

(4)- ضعيف له كتاب.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 291

و أما خبر سعيد الاعرج فالاستشهاد به ايضاً لحمل الروايات علي الكراهة مخدوش بانه لم يرد فيه توثيق في كتب الرجال و من جانب آخر ردّ الاستدلال بصحيح ابن سنان لجواز الاستظلال بما لا يكون فوق الرأس بان مورده الاضطرار لا الاختيار.

و ما ذكر من ان خصوصية المورد لا تخصص الوارد معناه سلب كلية عدم كون خصوصية المورد مخصصة للوارد و لا يثبت بذلك كونها كذلك في الجملة فاللازم ملاحظة الموارد فرب مورد بخصوصيته مخصص للوارد عند العرف و رب مورد لا يكون كذلك.

و بعد ذلك كله نقول مقتضي الاطلاقات السابقة حرمة التظليل و الاستتار عن الشمس سواء كان بما يكون علي رأسه او بغيره و حيث لم يثبت ما يكون حجة لتقييدها فالظاهر حرمته مطلقاً و القول به موافق للاحتياط فلا يجوز تركه مطلقاً و الله هو الهادي الي الصواب.

الرابع: [فهل المراد بالاستتار ما يكون له شأنية ذلك في الضحي و عند نزول المطر و غيرهما من الحالات و ان لم يكن هنا ضحي و مطر]

بعد البناء في الامر الثالث علي حرمة التظليل و الاستتار عن الشمس مطلقاً سواء كان ما يظل به فوق رأسه او باحد جانبيه فهل المراد به ما يكون له

شأنية ذلك في الضحي و عند نزول المطر و غيرهما من الحالات التي يستفاد لدفع الاذية بالاستظلال و ان لم يكن هنا ضحي و مطر و ما يلجأ لدفعه بالاستظلال فيحرم علي المحرم السائر في الليل او في الغيم الشديدة ما يحرم عليه في اليوم و في الضحي او ان المراد فعلية الاستظلال و وقوعه خارجاً فلا يقال للسائر في الليل اذا كان في المحمل او في السيارة انه استظل بهما.

الظاهر هو الثاني كما يدلّ عليه

عدة من الروايات مثل قوله (عليه السلام) اضح لمن

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 292

احرمت له و ما ورد في ثواب الحاج الذي يضحي ملبياً.

و هل يمكن ان يقال: انه لا يتحقق الاستظلال و لا ايجاد الظل الا عند اشراق الشمس و وجود النور فلا يطلق بما لا يظل به لدفع الشمس الاستظلال اذا كان لدفع المطر او شدة الحر و ان قلنا بدلالة بعض الاخبار علي حرمته علي المحرم مثل الحديث الثالث و الخامس و السابع من الباب السادس من ابواب بقية كفارات الاحرام من الوسائل؟

الظاهر بدلالة نفس الروايات صدق الاستظلال علي ما يدفع به الاذي سواء كان من الشمس او من المطر او غيرهما.

لا يقال: الركوب في القبة او الكنيسة يدل عليها مطلقاً.

فانه يقال: الظاهر ان السؤال عن مثل القبة ايضاً وقع لكونها مانعاً من الاضحاء و من مصاديق الاستظلال المحرم فعلي هذا اذا ركب السيارة المسقفة في الليل لا لدفع اذي و علة بل لكونها مبذولة لا بأس به و ان كانت غيرها ايضاً موجودة.

فلا يقال: ان التظليل المنهي عنه لا يختص بالاستظلال بالشمس حتي لا يكون ركوب السيارة في الليل حراماً لحرمته من جهة حرمة مطلق التستر عما يتأذي به

الشخص.

فانه يقال: نعم نقول بالحرمة اذا كان ركوب السيارة لدفع ما قلت اما اذا لم يكن لاجل دفع مثل المطر و البرد لا يصدق عليه الاستظلال و الاستتار و جعل الظل و الستر لرفع الاذي. و الله هو العالم.

الخامس: لا اشكال في حرمة التظليل علي المحرم السائر اذا كان الظل سائراً

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 293

و بعبارة اخري: كان المحرم سائراً في السائر كالمحمل و القبة و الشمسية.

انما يمكن ان يقع الكلام في السير في ظل الثابت الساكن كإظلال الاشجار و الجدران و الجبال

مما لا ينتقل ظله لعدم انتقاله. حكي عن بعضهم اختصاص الحرمة بما ينتقل ظله تبعاً لانتقاله و ذلك للاصل و لانه لو كان السير في الظل الثابت ايضاً محرماً مع كثرة الابتلاء به حال السير و المرور بالاشجار و البيوت كان واضحاً ظاهراً و واقعاً مورد السؤال و الظاهر من الادلة هو جعل المحرم لنفسه ما يمنع من الحر و البرد فيه دون ما هو موجود بنفسه في الطريق.

و بالجملة القول بانصراف الادلة الناهية عن التظليل عن الظل الثابت و عدم شمولها له قريب فلم يقل احد بأنه اذا كان علي جانبي الطريق الاشجار او الجدران يجب علي المحرم اتخاذ طريق آخر هذا.

و لكن يمكن ان يقال: ان في مثل المقام ايضاً الامر يدور مدار صدق الاستظلال و عدمه فاذا عدل من احد جانبي الطريق الذي لا ظل فيه الي جانبه الآخر الذي فيه ظل الجدار و الاشجار فراراً من حر الشمس او البرد يصدق عليه الاستظلال دون ما اذا سار فيه لا بقصد دفع الحر و البرد.

لا يقال: فليقال مثل ذلك في جعل ما له الظل علي نفسه عند اشراق الشمس اذا لم يكن دفع حره مرغوباً فيه. فمن ركب في المحمل او السيارة المسقفة في اليوم

الذي الاضحاء فيه مطلوباً مرغوباً فيه لا يطلب بركوبه الاستظلال من الشمس لا باس به.

فانه يقال: لعلهم لم يتعرضوا لذلك الفرع في كلماتهم و لكن يمكن ان يقال: بعدم شمول ما يدل علي التحريم لذلك لان الحصول و الحضور تحت الظل ليس استظلالًا

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 294

الا اذا كان الظلّ مطلوباً …

لا يقال: يشمل هذا اطلاق ما دل علي حرمة الركوب في الكنيسة و القبة

فانه يقال: هذا

يتم لو قلنا بحرمة الركوب في القبة و نحوها علي الموضوعية دون ما اذا كانت علي الطريقية لكونهما ممّا يستظل بهما بل و لو كان الحكم علي الموضوعية يجب الاقتصار علي مورده فيصير محرماً خاصاً غير الاستظلال لا يرد به ما قلناه.

و كيف كان فالاحتياط في الظل الثابت ان لا يتخذه استظلالا و دفعاً لحر الشمس او البرد و الله هو العالم.

[السادس:] «جواز التظليل بالاعضاء»

السادس: قد اشرنا في طيّ ما تقدم منا في هذا المبحث (مبحث التظليل) الي جواز التظليل بالاعضاء كاليد و الذراع و يدل عليه رواية المعلي بن خنيس المتقدمة «1» و صحيح معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: «لا بأس بأن يضع المحرم ذراعه علي وجهه من حر الشمس و قال: و لا بأس ان يستر بعض جسده ببعض» «2»

و في رواية محمد بن الفضيل «كان رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) يركب راحلته فلا يستظل عليها و تؤذيه الشمس فيستر بعض جسده ببعض و ربما يستر وجهه بيده» «3»

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 67 من ابواب تروك الاحرام ح 2.

(2)- وسائل الشيعة: ب 67 من ابواب تروك الاحرام ح 3.

(3)- وسائل الشيعة: ب 66 من ابواب تروك الاحرام ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 295

و ما رواه الفقيه باسناده عن سعيد الاعرج «انه سأل ابا عبد الله (عليه السلام) عن المحرم يستر من الشمس بعود و بيده قال: لا الا من علة» «1» فيحمل علي الكراهة لصراحة ما دل علي الجواز دونه لجواز كون المراد منه مجرد المرجوحية و الحرمان من الفضل و الثواب الكثير.

و هل يجوز ذلك بيد غيره بدعوي انصراف ما يدل علي حرمة الاستظلال

بما يتعارف الاستظلال به من ثوب او شمسية او كنيسة و نحوها او يقال بعدم الانصراف حتي اذا كان ذلك بيد نفسه و لذا ورد التعرض له في الاخبار اذاً فالاقتصار في الحكم بالجواز علي يده دون غيره هو الاحوط لو لم نقل بكونه اقوي و اظهر و الله هو العالم.

السابع: الظاهر انه لا كلام بين الاصحاب في ان المحرم اذا نزل مكة المكرمة او انشاء احرام الحج منها يجوز له ما دام هو في المنزل

و لم ينشأ السير و الذهاب الي مني و كذا في المنازل التي ينزل فيها بين مكة المكرمة و المدينة المنورة الاستظلال بالبيوت و الجدر ان و الاشجار و هذا هو الفارق بين المحرم السائر و بين النازل في المنزل و بهذا الفرق كان المخالفون الذين لا يقولون بحرمة الاستظلال يؤاخذون علي ائمة الدين و اعدال القرآن الكريم صلوات الله عليهم اجمعين و كان الرّد عليهم

منهم (عليهم السلام) ان الدين ليس بالقياس و لا يقاس.

و هل الجواز مختص بالظل الثابت او يعمّه و السائر فيجوز الاستظلال في المنزل بنحو الشمسية يمكن ان يقال: ان ما يستفاد مما وقع بين ائمة الدين (عليهم السلام) و مثل ابي حنيفة و تلامذه جواز الاستظلال بمثل الخباء و الظل الثابت دون الظل السائر فاطلاق ادلة حرمة الاستظلال في الظل السائر علي حاله.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 67 من ابواب تروك الاحرام ح 5 و من لا يحضره الفقيه: 2/ 355 ح 2683.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 296

اللهم الا ان يقال: ان المستفاد من الادلة هو الحرمة علي المحرم السائر دون النازل في المنزل بل بعضها نصّ في ذلك مثل روايات القبة و الكنيسة فلا يشمل من انشاء الاحرام في الميقات او غيره بالنذر و هو بعد لم يعزم علي السير و هذا ليس ببعيد فيجوز له مطلقاً الاستظلال في

المنزل و ان كان الاحتياط بترك الاستظلال بالظل السائر ينبغي رعايته، و الله هو العالم.

[مسألة 37] وجوب الكفارة للتظليل
اشارة

مسألة 37: الظاهر انه لا خلاف بينهم في وجوب الكفارة للتظليل في الجملة بل الظاهر عدم الفرق في لزومها بين المختار و المضطر كما حكي التصريح به عن غير واحد.

و عن كشف اللثام انه نص عليه الشيخ و الحلبيان و غيرهم «1» و لا يخفي عليك ان الاخبار جلّها او كلها وردت في المضطر الي التظليل فراجع الوسائل ابواب بقية كفارات الاحرام ب 6 من اول الباب الي آخره و ب 7، و ابواب تروك الاحرام ب 67 ليس فيها ما يدل علي وجوب الكفارة اذا ارتكب التظليل عمداً

و الاستناد الي صحيح علي بن جعفر الذي تقدم ذكره قال: «سألت أخي (عليه السلام):

اظلل و انا محرم؟ فقال: نعم و عليك الكفارة» «2» في غير محله لان مثل علي بن جعفر لا يسأل الامام (عليه السلام) عن ارتكاب الحرام مطلقاً و ان لم يكن به علة.

نعم في مرسل رواه الكليني عن محمد بن يحيي «3» عمن ذكره عن ابي علي بن

______________________________

(1)- كشف اللثام: 6/ 477.

(2)- وسائل الشيعة: ب 6 من ابواب بقية كفارات.

(3)- الظاهر انه محمد بن يحيي ابو جعفر شيخ اصحابنا في زمانه ثقة من الثامنة.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 297

راشد «1» «قال: سألته عن محرم ظلل في عمرته؟ قال: يجب عليه دم قال: و ان خرج الي (من) مكّة و ظلل وجب عليه ايضاً دم لعمرته و دم لحجّته» «2».

و الخبر مضافاً الي ما فيه من علّة الارسال مضمر و كيف كان يمكن ان يقال: ان وجوب الكفارة علي المختار كان مفروغاً عنه و يظهر من بعض روايات الباب

ان سؤالهم كان عن وجوب الفدية علي المضطر و من به علّة لانّهم كانوا يرون وجوبه علي المختار فسئلوهم (عليهم السلام) عن غير المختار.

فلا يقال: يمكن ان يكون وجوب الكفارة علي المضطر لتدارك ما فات منه بالتظليل بل الظاهر ان المختار اولي بوجوب الكفارة عليه و كيف كان فلعلك لم تجد من قال بالتفصيل و وجوبها علي المضطر دون المختار.

كفارة التظليل

نعم قد وقع الكلام فيما هو كفارة التظليل فقال المحقق: (و في التظليل سائراً شاة) «3» و قال في الجواهر: هو المشهور للمعتبرة المستفيضة الدالة علي ذلك بل في

بعضها تفسير الفدية بها) «4» ثمّ ذكر ما رواه الشيخ بسنده الصحيح عن ابراهيم ابن ابي محمود «5» قال: «قلت للرضا (عليه السلام): المحرم يظلل علي محمله و يفدي اذا كانت الشمس و المطر يضرّان به؟ قال: نعم قلت: كم الفداء قال: شاة» «6».

______________________________

(1)- هو من الوكلاء الممدوحين عاش سعيداً و مات شهيداً كانه من السابعة.

(2)- وسائل الشيعة: ب 7 من ابواب بقية كفارات الاحرام ح 2. و الكافي 4/ 352 ح 14.

(3)- شرائع الاسلام: 1/ 227.

(4)- جواهر الكلام: 20/ 415.

(5)- ثقة كانه من السادسة.

(6)- وسائل الشيعة: ب 6 من ابواب بقية كفارات الاحرام ح 5 رواه ايضاً عن الكافي: 4/ 351 ح 9 و التهذيب: 5/ 311 ح 1066.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 298

و روي الكليني عن العدّة عن احمد بن محمد عن ابن بزيع عن الرضا (عليه السلام) قال: سأل رجل عن الظلال للمحرم من اذي مطر او شمس و انا اسمع فامره ان يفدي شاة و يذبحها بمني» «1» و هنا روايات تدل علي وجوب الفدية بالاطلاق او بلفظ (يهريق دماً) تقيد بروايات الشاة.

بقي

الكلام فيما في صحيح علي بن جعفر فان فيه قال الراوي عنه: «فرأيت علياً اذا قدم مكّة ينحر بدنة لكفارة الظل» «2» و الظاهر منه كفاية نحر البدنة و مقتضي الجمع بينه و بين روايات الشاة حملهما علي التخيير حملا للظاهر علي الاظهر لصراحة كل منهما في كفاية الشاة و البدنة و ظهور هما في تعيين خصوص الشاة أو البدنة.

و يمكن ان يستفاد من عمل علي بن جعفر و هو لا ريب في جلالة قدره افضلية البدنة.

و لكن في الجواهر قال: (فهمه و فعله ليس حجة تصلح معارضاً للنصوص المزبورة خصوصاً بعد عدم القائل به، و ان حكي عن المقنعة و جمل العلم و العمل و المراسم و النهاية و المبسوط و السرائر التعبير بدم كبعض النصوص «3»

و تبعه في رد حجية عمل علي بن جعفر بعض المعاصرين «4» الا اننا لا نرضي

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 6 من ابواب بقية الكفارات الاحرام ح 6 و الظاهر انه و الحديث الثالث واحد و احتمال التعدد يأتي فيه و في الحديث السابع لاختلاف لفظهما و لكن الظاهر كون الثلاثة واحداً فراجع. و الكافي: 4/ 351 ح 5.

(2)- وسائل الشيعة: ب 6 من ابواب بقية كفارات الاحرام ح 2.

(3)- جواهر الكلام: 20/ 415.

(4)- معتمد: 4/ 246.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 299

بذلك و نري ان فهم مثله في مدلول الرواية يكفي للاستدلال بها فتوي. لو كنا و هذه الرواية نأخذ باطلاق كلام الامام (عليه السلام) و بعد ذلك كلّه فالاحتياط هو الاقتصار بالشاة.

نعم هنا ما يدل علي كفاية التصدق بمد لكل يوم و هو رواية علي بن ابي حمزة البطائني عن ابي بصير الذي روي عنه احمد بن محمد

بن ابي نصر الثقة الجليل الذي اجمع اصحابنا علي تصحيح ما يصح عنه و اقروا له بالفقه.

قال ابو بصير: «سألته عن المرأة يضرب عليها الظلال و هي محرمة؟ قال: نعم، قلت: فالرجل يضرب عليه الظلال و هو محرم؟ قال: نعم، اذا كانت به شقيقة و يتصدق بمدّ لكلّ يوم» «1».

قال في الوسائل و وجه الجمع هنا التخيير أو حمل المدّ علي صورة العجز عن الشاة «2»، و لكن ردّه بعض الاعلام بضعفه بعلي بن ابي حمزة «3»، و قد قلنا آنفاً ما في مثل هذه التضعيفات و بعد ذلك يمكن تضعيفه بالاضمار الا انه اذا كان المضمر مثل

ابي بصير فلا ريب في انّه لا يسأل عن دينه الا عن الامام و الظاهر انّه الامام الصادق (عليه السلام).

و علي هذا فالجزم بالحكم علي تعيّن الشاة خلاف الاحتياط كما انّ الحكم بالتخيير ايضاً كذلك، فما يقتضيه الاحتياط في الدين الاقتصار بالشاة. و الله هو العالم بالاحكام.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 6 من ابواب بقية كفارات الاحرام ح 8.

(2)- المصدر السابق.

(3)- المعتمد 4/ 246.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 300

[مسألة 38] «عدم وجوب تكرار الكفارة بتكرار التظليل»

مسألة 38: مقتضي الاصل في باب الاسباب و المسببات و ان كان عدم التداخل و وجوب تكرار الكفارة بتكرار التظليل و احداثه مرّة بعد مرّة و لو في احرام واحد الا ان مقتضي ما يستفاد من روايات الباب و ما يناسب الحكم و الموضوع عدم وجوب التكرر اذا كان العذر مستمراً باقياً في مدة خاصة.

كما اذا صار مريضاً يوماً او يومين او ثلاثة او طول مدة الاحرام فاذا رفع هذا المريض ما استتر به و استظلّ به لحاجة ثمّ عاد اليه لا يجب عليه كفارتان او ازيد بتكراره ذلك، و

كذا المضطر الي الركوب في الكنيسة لا يجب عليه بنزوله عنها و عوده الي ركوبها الا كفارة واحدة.

و بالجملة مثل المريض و الشيخ و الشيخة من الذين يجوز لهم التظليل لا ريب في انه يتكرر منهم ذلك و لو كان ذلك موجباً لتكرر الكفارة عليهم شاع و بان و لوقع مورد السؤال و هل الحكم كذلك و ان تعدد سبب الحاجة و الضرورة الي التظليل كما اذا اضطر الي التظليل لشدة حرّ الشمس و بعد زوالها اضطر اليه للمطر الشديد ثمّ

زال ذلك السبب و صار بالمرض كذلك و الظاهر كفاية كفارة واحدة لجميع ذلك.

يمكن ان يقال: باشعار بعض الروايات بعدم تكرر الكفارة بتكرار التظليل للاسباب المتعددة المتباينة مثل قوله (عليه السلام): «يظلل علي نفسه و يهريق دماً ان شاء الله» «1» فانه لا يخلو من الاشعار علي انه يهريق دماً علي التظليل سواء تكرر

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 6 من ابواب بقية كفارات الاحرام ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 301

منه ام لا.

و مثل قوله (عليه السلام): «قلت: كم الفداء قال: شاة» «1» و لم يسأله الامام (عليه السلام) عن تكرر ذلك

و استفادة ذلك عن مضمر ابي علي راشد اوضح و اظهر قال: «سألته عن محرم ظلل في عمرته، قال: يجب عليه دم قال: و ان خرج من مكة و ظلل وجب عليه ايضاً دم لعمرته و دم لحجّته» «2» و هذا يدل علي ان وجوب الكفارة حكم طبيعة التظليل في احرام واحد كيف ما وقع.

و الظاهر انه و ما رواه محمد بن عيسي «3» عن ابي علي بن راشد واحد قال: «قلت له (عليه السلام) جعلت فداك انه يشتد علي كشف الظلال في الاحرام لاني

محرور يشتد علي حر الشمس؟ فقال: ظلل و ارق دماً فقلت له: دماً او دمين؟ قال: للعمرة؟ قلت: انا نحرم بالعمرة و ندخل مكة فنحل و نحرم بالحج قال فارق دمين» «4».

[مسألة 39] حكم النظر الي المرآة في حال الاحرام

مسألة 39: قال في الجواهر: (و كذا) لا يجوز لهما في حال الاحرام (النظر في المرآة علي الاشهر).

كما عن الصدوق و الشيخ و ابي الصلاح و ابني ادريس و سعيد بل نسبه غير

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 6 من ابواب بقية كفارات الاحرام ح 5.

(2)- وسائل الشيعة: ب 7 من ابواب بقية كفارات الاحرام ح 2.

(3)- الوسائل بقية كفارات الاحرام ب 7 ح 1.

(4)- وسائل الشيعة: ب 7 من بقية كفارات الاحرام ح 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 302

واحد الي الاكثر يقول الصادق (عليه السلام) في صحيح حماد: لا تنظر في المرآة و انت محرم فانه من الزينة «1» و في صحيح حريز: لا تنظر في المرآة و انت محرم لانه من الزينة «2» و في حسن معاوية: لا ينظر المحرم في المرآة لزينة فان نظر فليلب «3» و منه يستفاد استحباب التلبية بعد الاجماع علي عدم الوجوب، و علي كل حال فلا اشكال في الحرمة و لكن عن الجمل و العقود و الوسيلة و المهذب و الغنية انه مكروه كالمصنف في النافع بل قيل و الخلاف و لكن يحتمل ارادة الحرمة منها للاستدلال عليها بالاجماع و طريقة الاحتياط فيكون حجة اخري للحرمة مضافاً الي النصوص المزبورة و غيرها التي لا داعي الي حمل النهي فيها علي الكراهة، نعم في الذخيرة ينبغي تقييد الحكم بما اذا كان النظر للزينة جمعا بين الاخبار المطلقة و المقيدة و فيه انه لا منافاة كما سمعته في الكحل

و لا بأس بما يحكي الوجه مثلا من ماء و غيره من الاجسام الصيقلية، بل لا بأس بالنظر في المرآة في غير المعتاد فعله للزينة. و الله العالم) «4».

اقول: قد اخرج في الوسائل في هذا الباب رواية اخري عن معاوية بن عمار لم ينقلها في الجواهر و هي ما اخرجه عن الشيخ باسناده عن الحسين بن سعيد عن فضالة عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: «لا تنظر المرأة المحرمة في المرآة للزينة» «5».

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 34 من ابواب تروك الاحرام ب 34 ح 1 عن التهذيب و فيه (فانها) راجع التهذيب: 5/ 302 ح 1029.

(2)- وسائل الشيعة: ب 34 من في ابواب تروك الاحرام ح 3.

(3)- وسائل الشيعة: ب 34 من ابواب تروك الاحرام ح 4.

(4)- جواهر الكلام: 18/ 348.

(5)- وسائل الشيعة: ب 34 من ابواب تروك الاحرام ح 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 303

و لعل في الجواهر اكتفي بما ذكره لكونه اعما و مشتملا علي حكم آخر و لكن ما تركه روي بسند صحيح و ان كان هو ايضا سنده لا يقل عن مرتبة الصحة و تعبير بعضهم بالحسن لمكان ابراهيم بن هاشم و لكن تظهر وثاقته من كثرة شيوخه و رواياته و اعتماد ابنه عليه.

و كيف كان فالذي يقتضيه النظر في الروايات هو: انّ النظر في المرآة اذا كان بحيث يري وجهه فيها، و ان لم يقصد به الزينة و الاطلاع علي ما فيه من الشين حرام علي المحرم لدلالة صحيح حماد و صحيح حريز عليه بالاطلاق و لا يقيدان بروايتي معاوية لكون الدليلين مثبتين غير متعارضين بالسلب و الايجاب و عدم العلم باتحاد موضوعهما.

اللهم الا ان

يقال انّ لازم الاخذ باطلاق صحيحي حريز و حمّاد لغوية التعليل المذكور في روايتي معاوية فالوجه هو تقييد روايتي حريز و حمّاد بهما.

و هل يلحق بالنظر الي المرآة للزينة النظر الي غيرها من الاجسام الشفافة الّتي تحكي الوجه كالمرآة مثل بعض الاحجار و بعض المائعات خصوصاً الماء؟

يمكن ان يقال: بالتفصيل بين ما يتخذ من ذلك للانتفاع كالمرءات فهو مرآة

ايضا و ان لم يكن من الزجاج و ما ليس كذلك كالماء و الاجسام و الاحجار الصيقلية فلا يحرم النظر اليه و لكن اذا كان كله للزينة فالتفصيل ايضاً مشكل و الاحتياط الاجتناب عن هذه الاجسام ايضا بقصد الزينة و من ذلك كله علم ان النظر اذا لم يكن للزينة لا يكون محرماً.

ثمّ ظاهر قوله (عليه السلام) «فان نظر فليلب» وجوب التلبية و لكن اجماعهم علي عدم الوجوب قرينة علي ارادة الاستحباب و الرجحان، و يمكن ان يكون ذلك وجه القول بالكراهة في اصل المسألة لان المستفاد منه تدارك ما فعل من النظر في المرآة

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 304

للزينة بالتلبية فيكون الحكم بالحرمة للاحتياط هذا و قد ظهر من ذلك كله ان النظر في المرآة اذا لم يكن للزينة أ و لم يري نفسه فيها لا إشكال فيه.

بقي هنا امر و هو البحث عن وجوب الكفارة و عدمه اذا نظر الي المرآة فليس هنا ما يدل علي الكفارة الا رواية قرب الاسناد عن عبد الله بن الحسن العلوي عن جده علي بن جعفر عن اخيه موسي بن جعفر عليهما السلام قال: «لكل شي ء جرحت (خرجت في هامش الكتاب) من حجك فعليك فيه دم تهريقه حيث شئت» «1»

و قد مضي الكلام فيه سنداً و دلالة و انتهي

الامر الي ان لو كان لفظ الحديث (جرحت) كما لعله هو الظاهر ان الاستدلال به انما يتم اذا كان قوله «تهريقه» قيد لقوله: «دم» دون ما اذا كان قوله: «تهريقه» خبراً لقوله: «لكل شي ء» و لا رجحان لاحتمال الاول علي الثاني.

اذاً فليس هنا ما يثبت به وجوب الكفارة و لكن الاحتياط مطلوب علي كل حال و الله هو العالم.

[من محرمات الإحرام لبس الخفّين]

اشارة

الكلام في لبس الخفّين

و الكلام فيه يقع في مقامات

الاوّل: الظاهر انّه لا خلاف بينهم في حرمة لبس الخفّين للروايات المستفيضة

مثل صحيح معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: «لا تلبس و انت تريد الاحرام ثوباً تزره و لا تدرعه و لا تلبس سراويل الا ان

______________________________

(1)- قرب الاسناد: ب الحج و العمرة/ 237 ح 928.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 305

لا يكون لك ازار و لا الخفين الا ان لا يكون لك نعلان» «1» و صحيح الحلبي عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: «و أي محرم هلكت نعلاه فلم يكن له نعلان فله ان يلبس الخفين اذا اضطر الي ذلك و الجوربين يلبسهما اذا اضطر الي لبسهما» «2» و ظاهرهما انّ لبس الخفين و الجوربين داخلان في لبس المخيط و الثوب الذي يزر و يتدرع.

الثاني: مقتضي ما ذكر من الروايات جواز لبس الخفين اذا لم يكن له نعلان و الجوربين اذا اضطر الي لبسهما

و هذا ايضاً اجماعي لا خلاف فيه الا انه قد حكي عن الشيخ في المبسوط، و الخلاف و ابني حمزة و سعيد في الوسيلة و الجامع و العلامة في المختلف و الشهيدين في الدروس و المسالك يجب عليه ان يشقهما حينئذ «3».

و الذي يدل عليه ما رواه الكليني عن علي بن الحكم «4» عن علي بن ابي حمزة «5» عن ابي بصير عن ابي عبد الله (عليه السلام): «في رجل هلكت نعلاه و لم يقدر علي

نعلين؟ قال: له ان يلبس الخفين ان اضطر الي ذلك و ليشقه عن ظهر القدم» «6»

و ما روي في الفقيه عن محمد بن مسلم عن ابي جعفر (عليه السلام) «في المحرم يلبس الخفّ اذا لم يكن له نعل؟ قال: نعم لكن يشق ظهر القدم» «7»

______________________________

(1)- تهذيب الاحكام: 5/ ح 227/ 35 وسائل الشيعة: ب 35 من ابواب تروك الاحرام ح 2.

(2)- التهذيب: 5/ 384 ح 1341.

(3)- راجع جواهر الكلام: 18/ 352.

(4)- ثقة

جليل له كتاب من السادسة.

(5)- امره معلوم. من الخامسة.

(6)- وسائل الشيعة: ب 51 من ابواب تروك الاحرام ح 3. و الكافي: 5/ 346 ح 1.

(7)- وسائل الشيعة: ب 51 من ابواب تروك الاحرام ح 5 و من لا يحضره الفقيه: 2/ 340 ح 2616.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 306

و لكنهما ضعفا بضعف السند الاول لعلي بن ابي حمزة و الثاني بضعف سند الفقيه الي محمد بن مسلم و اليك ما قاله في المشيخة: (و ما كان فيه عن محمد بن مسلم الثقفي فقد رويته عن علي بن «1» احمد بن عبد الله بن احمد بن ابي عبد الله عن ابيه «2» عن جده احمد بن ابي عبد الله البرقي «3» عن ابيه محمد بن خالد «4» عن العلا بن زرين «5» عن محمد بن مسلم) «6».

اقول: قد عدّ في الجواهر في جملة الادلة المرسلة عن بعض الكتب: عن الباقر (عليه السلام): «لا بأس للمحرم اذا لم يجد نعلا و احتاج ان يلبس خفا دون الكعبين «7» و النبوي العامي: «فان لم يجد نعلين فليلبس خفين و ليقطعهما حتي يكونا اسفل من

الكعبين» «8» و للاحتياط و حرمة لبس ما يستر ظهر القدم بلا ضرورة و لا ضرورة اذا امكن الشق «9»، و بهذا قال من العامة كما في الخلاف عمر و ابن عمرو النخعي و عروة بن الزبير و الشافعي و ابو حنيفة و عليه اهل العراق و قال في آخر كلامه و قد رواه ايضاً اصحابنا و هو الاظهر «10» ثمّ استدل عليه، و في التذكرة و مالك و الثوري

______________________________

(1)- غير مذكور كما في جامع الرواة و لعله من التاسعة.

(2)- غير مذكور ايضاً كما في

جامع الرواة من الثامنة.

(3)- هو احمد بن محمد بن خالد البرقي المشهور ابو عبد الله من السابعة.

(4)- البرقي من أصحاب الكاظم و الرضا و الجواد عليهم السلام له كتب من. كبار السادسة.

(5)- ثقة جليل القدر له كتاب من الخامسة.

(6)- جلالة قدر غنية البيان. من الرابعة.

(7)- مستدرك الوسائل: ب 41 من ابواب تروك الاحرام ح 2.

(8)- سنن البيهقي: 5/ 51 و الخلاف: 1/ 434، م 75.

(9)- جواهر الكلام: 18/ 352.

(10)- الخلاف: 2/ 295.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 307

و ابن المنذر و اصحاب الرأي «1» نعم وقع الاختلاف بين فقهائنا و غيرهم من القائلين بوجوب الشق في كيفيته.

لكن قال المحقق في الشرائع في هذا القول (متروك) و قال في الجواهر: (مشعراً بالاجماع علي خلافه بل عن ابن ادريس الاجماع صريحاً علي ذلك لا جابر لخبريه الموافقين لاكثر العامة و منهم أبو حنيفة علي وجه يصلحان مقيدين لإطلاق النصوص المزبورة الواردة في مقام البيان المعتضدة باطلاق فتوي المقنع و النهاية و التهذيب و المهذب علي ما حكي عنهما و صريح غيرهما) «2».

و في الخلاف: و قال عطا و سعيد بن سلم القداح يلبسهما غير مقطوعين و لا شي ء عليه و به قال احمد بن حنبل «3» و في التذكرة رواه العامة عن علي (عليه السلام) و به قال عطا و عكرمة و سعيد بن سالم و عن احمد روايتان كالقولين لما رواه العامة عن علي (عليه السلام): قطع الخفين فساد يلبسهما كما هما و لانه ملبوس ابيح لعدم غيره فلا يجب

قطعه كالسراويل، و لان قطعه لا يخرجه عن حالة الحظر فان المقطوع يحرم لبسه مع وجود النعل كلبس الصحيح، و لاشتماله علي اتلاف ماليته «4».

اقول: في الجواهر بعد

ما ذكر رواية العامّة عن عائشة من ان النبي صلي الله عليه و آله رخص للمحرم ان يلبس الخفين و لا يقطعهما و كان ابن عمر يفتي قطعهما ثمّ عدل عن ذلك و ان بعضهم قال بان وجوب القطع منسوخ لان الرواية التي فيه القطع كان بالمدينة و الحديث الآخر كان في عرفات و قال في الجواهر الي غير ذلك

______________________________

(1)- تذكرة الفقهاء 7/ 298.

(2)- جواهر الكلام: 18/ 352.

(3)- الخلاف: 2/ 295.

(4)- تذكرة الفقهاء: 7/ 298.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 308

من المؤيدات (يعني لعدم الوجوب) فلا بأس بحمل النصوص المزبورة علي ضرب من الندب. «1»

و بعد ذلك كله نقول: كان الحكم عند العامة كان ثابتاً و صار منسوخاً و لا بأس بالحكم بالنسخ اذا كان تاريخ الناسخ و المنسوخ معلوماً و لكن بحسب ما عندنا من الادلة مقتضي القاعدة حمل المطلق علي المقيد فمثل صحيح الحلبي يكون مطلقاً و مثل روايتي ابي بصير و محمد بن مسلم يكون مقيداً له.

الا ان يقال: بالاجماع علي عدم الوجوب فلا بدّ من حملهما علي استحباب الشق او بضعف سنديهما مع عدم ما يجبر به ضعفهما او يقال بان ما جعله الجواهر من المؤيدات لعدم الوجوب، قرينة علي عدم ارادة الوجوب من روايتي ابي بصير و محمد بن مسلم الا ان الاغماض عن روايتيهما عندي في غاية الاشكال اذاً فالاحتياط هو طريق النجاة.

لا يقال: كيف يمكن الاحتياط مع انّه يوجب التبذير و اضاعة المال؟

فانه يقال: لا يكون ذلك اذا كان للاحتياط الذي كما قاله في الجواهر من اغراض العقلاء هذا.

و امّا الشق الواجب او المندوب فقال في الجواهر: (ان ظاهر المنتهي و التذكرة كون الشق هو القطع حتي يكونا اسفل

من الكعبين الذي رواه العامّة و افتي به الشيخ في محكي الخلاف و الاسكافي بل عن الفاضل في التحرير عن موضع آخر من المنتهي و التذكرة القطع بوجوب هذا القطع و عن بل موضع آخر من المنتهي انه اولي خروجاً من الخلاف و اخذاً بالتقية، و قال ابن حمزة شق ظاهر القدمين و ان قطع

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 18/ 353.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 309

الساقين كان افضل و هو صريح في المغايرة و قد سمعت المرسل عن الباقر (عليه السلام) فالمتجه التخيير و ان كان الاحوط الجمع بين القطع المزبور و شق ظهر القدم و لا اسراف و لا تبذير و لا اضاعة مع كون ذلك للاحتياط الذي هو من اغراض العقلاء «1».

و لكن ما يوافق المذهب هو شق ظهر القدم و لا وجه لقطعه من الكعبين فانهما عند العامة العظمان النابتان عند مفصل الساق و القدم عن الجنبين كما في النهاية و قال: و ذهب قوم الي انهما العظمان اللذان في ظهر القدم و هو مذهب الشيعة انتهي اذا فلا وجه لهذا الاحتياط الا التقية.

الثالث: لا يخفي عليك ان الشق او القطع سواء كان واجباً او مندوباً اذا اضطر الي لبس الخفين انما يجب او يستحب اذا اضطر الي لبسهما

فلا يكون الشق او القطع مجوزاً للبس الخفين عند عدم الضرورة باعتبار عدم كونهما ساتراً لتمام الظهر فان اسم الخف و الجورب باق مع الشق او القطع و كما قال في الجواهر المراد كونه لباساً ساتراً قوة او من شأنه و ان لم يكن ساتراً فعلا «2» فهما حينئذ نحو قلب القباء و لبسه

منكوساً في حال الضرورة لا انه شي ء يقتضي الجواز اختياراً.

الرابع: مقتضي الاصل جواز لبس المرأة المحرمة الخفين

و ربما يستند لحرمته عليها بان لفظ المحرم جنس شامل لكليهما كالبائع و الموجر و المصلي و الصائم و غيرها.

و فيه: انه لا دلالة لفظية لهذه الالفاظ علي البائعة و الموجرة و غيرهما بل يدل علي عموم المراد و شمول الحكم للنساء بمفهوم المساواة بملاحظة المقامات

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 18/ 353.

(2)- جواهر الكلام: 18/ 354.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 310

و المناسبات بين الاحكام و الموضوعات لا مطلقاً و بعد ما نري في باب محرمات الاحرام الفرق بين النساء و الرجال في بعض الموارد كما يساعد العرف و الفهم العرفي الغاء خصوصية الرجال في الحكم كما انه في باب الصلاة و ان قلنا بشمول كثير من احكامها مثل احكام القبلة و احكام الشكوك و غيرها ممّا ورد في النصوص بلفظ المصلي للنساء الا انه في بعض الموارد لا يمكننا ان نقول بذلك مثل كون المرأة اماماً او مؤذناً او كونها ممنوعاً من لباس الحرير و الذهب.

و امّا التمسك بقاعدة الاشتراك ففيه: انّه ان كان دليله ما ذكر من مفهوم المساواة فلا تشمل المقام و ان كان الاجماع فالقدر المتيقن منه ما يشمله هذا الدليل مما كان الفرق بينهما و اختصاص الحكم بالرجل بل بالمرأة كاختصاص الحكم بفرد دون فرد مثله و بعد ذلك كله

لا حاجة الي الاستدلال علي جواز لبسهما للنساء بقوله (عليه السلام) في صحيح العيص: «تلبس ما شاءت من الثياب» «1» حتي يقال: بعدم كون الخف منه او بما في النصوص من ان احرامها في وجهها «2» حتي يقال: ان ذلك غير مناف لحرمة الخفين عليهما كما ان حرمته علي الرجل لا ينافي قوله (عليه السلام) (احرام الرجل

في رأسه) «3».

الا ان يقال: قوله: «احرامها في وجهها» مطلق يختص به الاحرام بالوجه كقوله (احرام الرجل في رأسه) يختص به احرامه برأسه الا ما خرج عنهما بالدليل.

و لكن فيه ان القول باطلاق ذلك و خروج غير المحرمات من هذا الاختصاص المستفاد منهما مستلزم لتخصيص الاكثر.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 33 من ابواب الاحرام ح 9.

(2)- وسائل الشيعة: ب 48 من ابواب تروك الاحرام ح 1.

(3)- وسائل الشيعة: ب 48 من ابواب تروك الاحرام ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 311

و كيف كان لا يثبت بما ذكر حرمة الخفين علي النساء خلافاً لظاهر النهاية «1» و المبسوط «2» و الوسيلة «3» و ان كان يمكن حمل كلامهما علي خصوص المحرم دون المحرمة.

الخامس: الظاهر ان المحرم علي المحرم هو خصوص الجورب و الخف و ان كان غير مخيط مصنوعاً

فلا يشمل غيرهما مما يستر ظهر القدم كما اذا كان ازاره طويلا يقع علي قدميه و دعوي سؤال الحرمة لذلك ايضاً بدعوي ان الملاك في حرمة الخفين ستر القدم دون خصوصيّتهما ممنوعة بعد ما كان المذكور في الدليل، الجورب و الخف و الاحكام تعبدية كما انه لا مانع من تغطية ظهر القدم باللحاف و نحوه و بالجملة يقتصر في الحكم بالدليل و الله هو العالم.

السادس: [في المحكي عن القواعد و الجواهر]

و كذا حكي عن القواعد قال: (لو لبس الخفين او الشمشك و ان

كان مضطراً) «4» اي كان عليه شاة و ان انتفي التحريم في حقه قال في الجواهر: (و لعله لما قيل من ان الاصل في تروك الاحرام الفداء الي ان يظهر المسقط و لا دليل علي سقوطه هنا و عموم الخبرين و فيه منع دليل علي الاصل المزبور حتي في المخيط و عدم عموم الثوب في الخبرين لهما) «5».

اقول امّا منع الدليل علي الاصل فليس هنا ظاهراً الا ما رواه في قرب الاسناد عن عبد الله بن الحسن العلوي «6» الذي سمعت الكلام فيه و امّا الخبرين

______________________________

(1)- النهاية/ 218.

(2)- المبسوط: 1/ 320.

(3)- الوسيلة/ 162.

(4)- قواعد الاحكام: 1/ 470.

(5)- جواهر الكلام: 20/ 405.

(6)- قرب الاسناد: ب الحج و العمرة/ 237 ح 928 «لكل شي ء …»

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 312

فمراده صحيح زرارة «1» و ابن مسلم عن ابي جعفر «2» (عليه السلام) في الثياب و قد عرفت انه لا يشمل مثل الخف نعم يمكن دعوي شموله للجورب و لكن قد مرّ منا في المخيط ان مقتضي الجمع بين الادلة و النظر اليها عدم وجوب الكفارة اذا اضطر الي لبس المخيط و لكن الاحوط استحباباً الكفارة في لبس الخف و الجورب.

و الله هو العالم باحكامه.

[من المحرمات الفسوق و الجدال]

اشارة

الكلام في الفسوق و الجدال

قال الله تعالي (فَلٰا رَفَثَ وَ لٰا فُسُوقَ وَ لٰا جِدٰالَ فِي الْحَجِّ) «3»

[مسألة 40: لا خلاف بينهم في حرمة الكذب و السباب في الحج مضافاً الي حرمتها المطلقة]
اشارة

مسألة 40: لا خلاف بينهم في حرمة الكذب و السباب في الحج مضافاً الي حرمتها المطلقة و قد فسر الفسوق المذكور في الآية الكريمة

بهما ففي صحيح معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: و الفسوق الكذب و السباب. «4»

و في ما رواه الصدوق في معاني الاخبار عن ابيه عن سعد «5» عن احمد ابن محمد بن عيسي «6» عن الحسن بن علي بن فضال «7» عن المفضل بن صالح «8» عن

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 8 من ابواب بقية كفارات الاحرام ح 1.

(2)- وسائل الشيعة: ب 9 من ابواب بقية كفارات الاحرام.

(3)- البقرة: 197.

(4)- وسائل الشيعة: ب 32 من ابواب تروك الاحرام ح 1.

(5)- هو ابن عبد الله القمي الاشعري جليل القدر من كبار الثامنة.

(6)- شيخ القميين و وجههم من السابعة.

(7)- جليل القدر عظيم المنزلة من السادسة.

(8)- الاسدي ضعيف من الخامسة.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 313

زيد الشحام «1» عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: «… و امّا الفسوق فهو الكذب الا تسمع لقوله تعالي: إِنْ جٰاءَكُمْ فٰاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهٰالَةٍ» «2».

و في صحيح علي بن جعفر عن اخيه (عليه السلام) قال: و الفسوق الكذب و المفاخرة. «3»

أقول: قد اختلفوا في ما هو المراد من الفسوق فعن التبيان: (ان الاولي حمله علي جميع المعاصي التي نهي المحرم منها) «4» و مراده ان كان المعاصي التي نهي عنها المحرم لاحرامه فهو تقييد للمطلق بدون المقيد و ان كان مطلق ما نهي عنه في حال الاحلال و الاحرام فلو كنا و الآية الكريمة يمكننا

ان نقول به لصدق الفسق علي

ارتكاب مطلق ما نهي عنه.

و عن جماعة كالصدوق في المقنع و الشيخ في النهاية و المبسوط و الاقتصاد و الحلي في السرائر، و المحقق في الشرائع و النافع بل حكي عن ظاهر المقنعة للمفيد و غيرهم انه هو الكذب و ما يدل عليه خبر زيد الشحّام و ما رواه العياشي في تفسيره عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: و الفسوق الكذب علي ما في الجواهر «5» و لكن في الوسائل: «الفسوق الكذب و السباب» «6».

و عن جمل العلم و العمل و المختلف و الدروس انه الكذب و السباب و ما يدل

______________________________

(1)- ابن يونس الشحام ثقة له كتاب من الرابعة او الخامسة.

(2)- وسائل الشيعة: ب 32 من ابواب تروك الاحرام و معاني الاخبار/ 294.

(3)- وسائل الشيعة: ب 32 من ابواب تروك الاحرام، ح 4.

(4)- التبيان 2/ 164.

(5)- جواهر الكلام: ج 18/ 355.

(6)- بل في الوسائل كما في الجواهر راجع الوسائل: ب 32 من ابواب تروك الاحرام ح 9.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 314

عليه صحيح معاوية بن عمار المذكور و في الجواهر: انه لعل اليه يرجع ما في صحيح علي بن جعفر عن اخيه (عليه السلام) من انه الكذب و المفاخرة بناء علي ان المفاخرة لا تنفك عن السباب لانها انّما تتم بذكر فضائل لنفسه و سلبها عن خصمه و سلب رذائل عن نفسه و اثباتها لخصمه و هو معني السباب) «1».

و عن الجمل و العقود انه الكذب علي الله و الظاهر انه و ما حكي عن الغنية و المهذب و الاصباح انّه الكذب علي الله تعالي و رسوله (صلي الله عليه و آله و سلم) او

احد الائمة (عليهم السلام) «2» تقييد للآية بلا دليل و ان قال في الغنية: انه عندنا «3» المشعر بالاجماع الذي عرفت مما ذكر عدم تحققه كما انه لا يكون وجهاً له كون الكذب عليهم مبطل للصوم لأنّ الفسوق اعم من ذلك.

ثمّ انّه لعلك لم تجد قائلا من القدماء علي انه الكذب و السباب و المفاخرة و لكن يدل عليه صحيح علي بن جعفر.

هذا كله بحسب الاقوال و يمكن ان يقال بانه يمكن تقويته مضافاً الي اطلاق الآية الكريمة ان ما ورد في الروايات لعله بيان لبعض مصاديق الفسوق و الا يلزم من تخصيصه بما في الروايات تخصيص الاكثر.

و أما الروايات و كونها تفسير للآية الكريمة علي حصر المراد منها بما فيها من الكذب و السباب و المفاخرة.

و يمكن رفع التعارض المتوهم بينها بحمل ظاهر كل منها علي نص غيره فما يدل علي ان الفسوق الكذب نص في كونه منه و ظاهر في حصره به و كذا ما يدل علي

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 18/ 356.

(2)- جواهر الكلام: 18/ 356.

(3)- غنية النزوع/ 160.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 315

انه الكذب و السباب نص في كونهما منه و ظاهر في حصره به و ما يدلّ علي كونه الكذب و السباب و المفاخرة نص في كون الثلاثة منه و ظاهر في حصره بها فيرفع اليد عن ظاهر الطائفة الاولي بنص الطائفة الثانية و الثالثة و عن الثانية بنص الثالثة.

فما في المدارك من ان الجمع بين صحيح معاوية و صحيح علي بن جعفر يقتضي المصير الي ان الفسوق هو الكذب خاصة «1» لا يتم جمعاً بينها بل هو اخذ باحدهما و طرح للآخر بلا وجه و بعد امكان الجمع العرفي بينهما و

امكان رفع اليد عن ظاهر المطلق بالقرينة لا وجه لطرح المقيد.

ثمّ انه لا يخفي عليك ان الثمرة في البحث عمّا هو المراد من الفسوق و ما هو المرجح من الاقوال انما تظهر علي القول بالكفارة له وجوباً او ندباً و الا لا يترتب

علي البحث فيه كثير فائدة الا التأكيد علي حرمة مطلق المعاصي في حال الاحرام علي القول بان المراد منه جميع المعاصي او التأكيد علي حرمة خصوص الكذب و السباب علي المحرم نعم في المفاخرة يمكن ان يقال بأن ما هو المحرم منها ما يكون مشتملا علي الكذب و الباطل و سبّ الغير دون غيره و ظاهر الدليل حرمتها مطلقاً بل و كذا في السباب ان ادعي احد انه محرم علي المحرم مطلقاً و لكن هذه المعاني مخالف لظاهر قوله تعالي (وَ لٰا فُسُوقَ) فانه ظاهر فيما هو فسق بالذات و لا يشمل السب الجائز بل المستحب.

هذا و أما علي القول بالكفارة له فان رجحنا قول الشيخ في التبيان يترتب الكفارة علي كل معصية ارتكبها المحرم و أما بناء علي ترك هذا القول لشذوذه و اختيار القائل به خلافه في كتبه المعدة لفتاواه مثل النهاية و المبسوط فالمتعين

______________________________

(1)- مدارك الاحكام: 7/ 341.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 316

هو الاخذ بالروايات.

لكن استشكل فيه بما فيها من التعارض لدلالة صحيح معاوية بن عمّار علي حصر المراد منه بالكذب و السباب و خبر زيد الشحام علي حصره بالكذب و صحيح علي بن جعفر علي حصره بالكذب و المفاخرة.

الا أنه رفع التعارض بينها بحمل ظاهر كل منها علي نصّ غيره فخبر زيد الشحام الذي يدل علي ان الفسوق الكذب نص في كونه منه و ظاهر في حصره به فيرفع

اليد عن ظاهره بنصّ صحيح معاوية بن عمار و صحيح علي بن جعفر و صحيح معاوية بن عمار نص في كون الكذب و السباب منه و ظاهر في حصر المراد بهما و كذا صحيح علي بن جعفر نص في كون المراد من الفسوق الكذب و المفاخرة و ظاهر في حصره بهما فيؤخذ بنص كل منهما و يرفع اليد عن ظاهر كل منهما بنصّ الآخر.

نعم مقتضي ما ذكر كون المفاخرة داخلة في المراد من الفسوق و لكن الظاهر انه غير معمول به و يمكن الجمع بين صحيح علي بن جعفر و صحيح معاوية بن عمار بارجاع المفاخرة الي الكذب لانها لا تخلو منه لاشتماله غالباً علي الادعاء و الكذب أو إلي السباب لاشتماله علي ذم غيره و سلب المحاسن عن خصمه

لا يقال: لا داعي لذلك بعد امكان تحققها بالصدق و خالياً عن الكذب و السباب فمقتضي الاطلاق حرمتها ايضاً مطلقاً.

فانه يقال: ان المناسب لتفسير الفسوق و معناه هو ما يشتمل علي الفسق اي الكذب و السباب دون الفخر بالصدق الذي لا يكون من الفسق الا اذا كان تعريضاً للغير و سلبه عنه اذاً فلا باس بذلك الحمل جمعاً بين الروايات كما فعله في المدارك و الله هو العالم.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 317

«عدم فساد الحج بالفسوق»

تنبيه: الظاهر كما في الجواهر «1» كون الفسوق كالجدال كغير هما من المحرمات التي لا يقتضي ارتكابها فساد الحج و ان حكي عن المفيد كون الكذب مفسداً للاحرام و ما عن عبد الله بن سنان في قول الله تعالي عز و جل: (أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّٰهِ) قال: اتمامها ان فَلٰا رَفَثَ وَ لٰا فُسُوقَ وَ لٰا جِدٰالَ فِي الْحَجِّ «2» ففيه: انه

لا يدل علي كونه مفسداً لان الاتمام اعم من ذلك هذا مضافاً الي ان الظاهر أن المفيد متفرد بذلك و لعله يؤيد عدم الفساد و انه لا كفارة عليه سوي الكلام الطيب كما يأتي انشاء الله تعالي في

المسألة الآتية.

[مسألة 41] «عدم وجوب الكفارة بالفسوق»
اشارة

مسألة: 41 قال في الجواهر في كفارة الفسوق: (لم اجد من ذكر له كفارة بل قيل ظاهر الاصحاب لا كفارة فيه سوي الاستغفار بل عن المنتهي التصريح بذلك للاصل و ما سمعته في صحيح الحلبي و ابن مسلم «انه لم يجعل الله له حدّاً يستغفر الله و يلبي «3» لكن قال الصادق 7 في صحيح سليمان بن خالد و في الجدال شاة و في السباب الفسق «4» بقرة و الرفث فساد الحج «5» (ثمّ ذكر صحيح علي بن جعفر و ما قال في المنتقي فيه

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 18/ 358.

(2)- وسائل الشيعة: ب 32 من ابواب تروك الاحرام ح 6.

(3)- من لا يحضره الفقيه: 2/ 328 ح 2587.

(4)- في التهذيب (الفسوق).

(5)- التهذيب: 5/ 297 ح 1004.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 318

و قال:) و الاولي حمله و حمل صحيح سليمان بن خالد علي ضرب من الندب) «1».

أقول: حمل صحيح سليمان بما فيه من كون كفارة السباب و الفسوق بقرة علي الندب بعيد. لانّ تعيين البقرة كفارة يدل علي عظم ما ارتكبه و انه لا يتدارك الا بمثل البقرة و لعل لذلك ذهب صاحب الوسائل الي وجوب الكفارة حيث قال: (باب انه يجب علي المحرم في تعمد السباب و الفسوق بقرة) «2» و كذا حمل صحيح الحلبي و ابن مسلم علي غير المتعمد كالجاهل و الناسي،

و عن صاحب الحدائق انه اختار وجوب الكفارة عند اجتماع السباب و الكذب دون

ما اذا كان كل منهما منفرداً عن الآخر و رد حمل صاحب الوسائل باباء قوله (عليه السلام) جواباً عن السائل أ رأيت من ابتلي بالفسوق ما عليه؟ قال (عليه السلام): لم يجعل الله له حدّاً يستغفر الله فان هذه العبارة تدل علي انه لم يجعل الله لذلك من الاصل حدّاً و شيئاً اصلا لا انه جعل شيئاً عليه و رفعه عنه بالجهل او النسيان «3».

كما ردّ ما صنعه صاحب الحدائق بان الظاهر من الحديث ثبوت الكفارة لكل من السباب و الفسوق اي الكذب اذا وقع منفرداً عن الآخر و يكون المقام من باب ذكر العام بعد الخاص.

اقول: لعل الاولي ان نقول: ان صحيح سليمان بن خالد متروك لم يعملوا به فلا يكفي لاثبات الكفارة بل لا بأس بحمل ظاهره علي الندب لصراحة صحيح الحلبي و ابن مسلم علي عدم الوجوب و لا يعتد بما ذكرناه استبعاداً لذلك بعد ما كان وجوه

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 20/ 425.

(2)- وسائل الشيعة: ب 2 من ابواب بقية كفارات الاحرام ح 1.

(3)- الحدائق الناظرة: 15/ 460.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 319

كثير من الاحكام مخفية عنّا.

و أما ما في صحيح علي بن جعفر فلفظه علي ما في التهذيب هكذا: «فمن رفث فعليه بدنة ينحرها و ان لم يجد فشاة، و كفارة الفسوق يتصدق به اذا فعله و هو محرم» «1»

و لكن في قرب الاسناد «2»: و كفارة الجدال و الفسوق شي ء يتصدق به اذا فعله و هو محرم»

و علي هذا لا مجال لاحتمال وقوع التصحيف فيه كما احتمله في المنتقي و قال: (يختلج بخاطري ان كلمتي «يتصدق به» تصحيف. «يستغفر ربه» «3».

و لا يخفي عليك ان حمله علي الندب ايضاً قبال صحيح

ابن مسلم و الحلبي قريب جداً و الله هو العالم. هذا كله في الفسوق.

«حرمة الجدال علي المحرم و بيان المراد منه»
اشارة

و اما الجدال فهو ايضاً من المحرمات علي المحرم بالكتاب و السنة فلا ريب في اصل حرمته و معناه لغة كما قال الراغب: (المفاوضة علي سبيل المنازعة و المغالبة من جدلت الحبل اي احكمت فتله، (الي ان قال) و قيل: الاصل في الجدال الصراع؛ و اسقاط الانسان صاحبه علي الجدالة و هي الارض الصلبة.

و في مجمع البيان: (و الجدال في اللغة و المجادلة و المنازعة و المشاجرة و المخاصمة

______________________________

(1)- التهذيب: 5 ح 1005.

(2)- قرب الاسناد/ 234.

(3)- منتقي الجمان: 3/ 176.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 320

نظائر) «1» و الظاهر انه اذا كان ذلك باللفظ و اللسان كما هو الظاهر من الراغب فلا يشمل مطلق المصارعة و المغالبة بالافعال.

و فيه عند المفسرين علي ما في مجمع البيان قولان: احدهما انه المراء و السباب و الاغضاب علي جهة المحك و اللجاج عن ابن عباس و ابن سعد و الحسن و الثاني ان معناه لا جدال في ان الحج قد استدار في ذي الحجة لانهم كانوا ينسئون الشهور فيقدمون و يؤخرون فربما اتفق في غيره عن مجاهد و السدّي. «2»

و القول الثاني بعيد عن سياق الآية و أمّا القول الاول و ان قال العلامة انه قريب مما فسره الامامان عليهما السلام «3» فان الجدال بالمراء و السباب و الاغضاب يشتمل في الجملة علي اليمين.

و لكن لا يكفي ذلك لكون كل من التعريفين مساوياً للآخر فالقول المذكور و ان كان يشمل ما فيه اليمين و قوله لا و الله و بلي و الله الا انه اعمّ منه و يشمل ما كان خالياً عن ذلك باطلاقه.

و لكن

يمكن ان يقال: بان مثل ذلك التعابير لم تستعمل لا رادة الاطلاق منها بل هي مثل التعابير الواردة في الصلاة و الزكاة و العناوين الكلية من الاحكام يتوقف معرفة تفاصيلها علي بيان الشارع سيما بعد ورود البيان و لذا اذا دل الدليل علي عدم اطلاق امر من الامور كالحج و الاحرام و الفسوق و الجدال و اختصاصها ببعض افرادها او اشتراطها بشرائط خاصة يستكشف منه عدم كون دليل الحكم في مقام بيان الاطلاق.

______________________________

(1)- مجمع البيان: 2/ 43.

(2)- مجمع البيان: 2/ 45.

(3)- تذكرة الفقهاء: 7/ 393.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 321

ففي مسئلتنا هذه قد دلت الروايات الكثيرة المعتبرة علي تفسير الجدال بقول الرجل لا و الله و بلي و الله مثل الرواية الاولي و الثالثة و الرابعة و الخامسة و الثامنة و التاسعة من الباب الثاني و الثلثين من ابواب تروك الاحرام و الرواية الثالثة و الثامنة و العاشرة من الباب الاول من ابواب بقية كفارات الاحرام من كتاب الوسائل «1».

اذاً فيمكن ان يقال: انه لا ريب في عدم كون مطلق الجدال و لو لم يكن مشتملا

علي يمين ما موضوعاً للنهي.

انما الكلام يقع في موارد:
الاول: هل يدخل في النهي قوله في غير مقام المخاصمة لا و الله و بلي و الله؟

او انه مختص بما اذا كان ذلك في مورد المخاصمة فلا يشمل ما اذا كان في مقام الاخبار كان يقول: بلي و الله ما جاء فلان اولا و الله لم يقع ذلك او لم يجي ء فلان.

الظاهر بملاحظة كون الروايات وارداً في بيان معني الجدال اعتبار المجادلة و المنازعة فالمجادل نهي عن قول لا و الله و بلي و الله و غاية ما يقال: ان الجدال قول من يخاصم غيره لا و الله و بلي و الله فيختص الجدال بالمخاصمة المشتمل علي هذا القول لا ان

هذا القول و لو كان صادراً عن غير المجادل بدواع اخري يكون جدالا لانه يوجب ادخال ما ليس بالجدال فيه و نقل المعني الحقيقي الي ما هو أعم منه حتي يقال بكونه حقيقة شرعية في ذلك المعني المنقول اليه

نعم القول بان الجدال ما يشتمل علي هذا القول عند المخاصمة ايضاً قول بالحقيقة الشرعية و نقل المعني الحقيقي العام الي هذا المعني الخاص.

______________________________

(1)- و لا يخفي عليك انه يمكن ارجاع بعضها علي بعض.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 322

و استدل علي كونه حقيقة شرعية لما هو متضمن لخصوص هذا القول بمثل صحيح معاوية بن عمار قال (عليه السلام): «و اعلم ان الرجل اذا حلف بثلاثة ايمان ولاءً في مقام واحد و هو محرم فقد جادل فعليه دم يهريقه، و يتصدق به و اذا حلف يميناً واحدة كاذبة فقد جادل و عليه دم يهريقه و يتصدق به» «1» فانه يدل علي عدم اعتبار المخاصمة في تحقق عنوان الجدال باليمين المذكورة و فيه ان مثله ليس في مقام بيان اعتبار المخاصمة و عدمه في تحقق عنوان الجدل بل يكون في مقام ان الكفارة لا تجب

باقل من ثلاثة ايمان و ان الجدال الذي تجب الكفارة عليه هو ما يتضمن ثلاثة ايمان ولاء في مقام واحد لا ان الجدال يتحقق بثلاثة ايمان و لو لم تكن في مقام المخاصمة و المجادلة و انه اذا كانت اليمين اقل من ثلاثة لم يصدق عليها الجدال و لو كانت في مقام المنازعة و المخاصمة.

و بالجملة: فالقدر المتيقن من ظاهر الادلة هو كون موضوع الحكم و النهي هذا القول في مقام المنازعة خلافاً لبعض المعاصرين «2».

المورد الثاني: هل النهي عن الجدال مختص بما اذا كان بقوله (لا و الله و بلي و الله)

او يشمل مطلق الحلف باسماء الله تعالي الخاصة به

كأَن يقول لا و رب العالمين اولا و رب خالق السماء و الارض و بلي و رب العالمين حكي عن المشهور اختصاصه باسم الجلالة دون غيره لقوله (عليه السلام) في مثل صحيح معاوية بن عمّار و غيره «و الجدال: قول الرجل: لا و الله و بلي و الله»

لا يقال: ان ما في ذيل صحيح معاوية بن عمار «3» دليل علي التعميم و هو

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 1 من ابواب بقية كفارات الاحرام ح 3.

(2)- المعتمد 4/ 162.

(3)- وسائل الشيعة: ب 1 من ابواب

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 323

قوله (عليه السلام): «و اعلم ان الرجل اذا حلف بثلاثة ايمان ولاء في مقام واحد و هو محرم فقد جادل. (الحديث) فان اليمين كما تقع باسم الجلالة تقع بسائر اسماء الله الحسني.

و فيه: ان هذا الكلام منه (عليه السلام) وقع بعد قوله: و الجدال: قول الرجل: لا و الله و بلي و الله فيعلم منه ان مراده من الايمان ما وقع بهذا الاسم الشريف

و لكن يمكن ان يقال: لم يكون الصدر دليلا علي المراد من ذيل الحديث و لا يكون الذيل دليلا علي المراد من الصدر

الا انه مع ذلك لا يصلح لان يكون دليلا علي التعميم فالقدر المتيقن منه ما وقع باسم الجلالة هذا مضافاً الي غيره من الاحاديث الذي ليس مشتملا علي هذا الذيل.

الا ان يقال: ان عدة منها مروي عن معاوية بن عمار يمكن ارجاع الجميع الي خبر واحد فالوجه لعدم التعميم هو الاصل و عدم ما يدل عليه لإجمال الاحاديث.

هذا و يمكن ان يقال: ان هذا الذيل ليس في مقام بيان ما يقع به اليمين بل يكون في مقام ما يجب به الدم فانه قال

(عليه السلام): فقد جادل فعليه دم يهريقه» و الله هو العالم.

و مثل هذا الصحيح موثق ابي بصير فهو ايضاً لا يدل علي التعميم لكونه في مقام التفصيل بين حلف الصادق و الكاذب فانه قال: (عليه السلام) «اذا حلف الرجل ثلاثة ايمان و هو صادق و هو محرم فعليه دم يهريقه و اذا حلف يميناً واحدة كاذباً فقد جادل فعليه دم يهريقه» «1».

هذا و لكن الانصاف انه لا يمكن رفع اليد عن اطلاق الخبرين لعدم امكان ردّ اطلاقهما و جواز احتجاج المولي بهما علي العبد لشمول قوله ثلاثة ايمان و (يميناً

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 1 من ابواب بقية كفارات الاحرام ح 7.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 324

واحدة) لليمين بغير اسم الجلالة

و لذا صار بعض الاعاظم لدفع ذلك بوقوع التعارض بين المطلقات الدالة علي التعميم بوقوع التعارض بينهما و بين قوله (عليه السلام) في بعض الصحاح المروية عن معاوية بن عمار الدال علي الحصر بالقول المذكور قال: فيه: «انّما الجدال قول الرجل: لا و الله و بلي و الله» (الحديث) ثمّ قال:

فانها بمفهوم الحصر تدل علي عدم حرمة غير هذا القول الخاص و التعارض

بالعموم من وجه لان صحيحة معاوية بن عمار الحاصرة تدل علي ان غير قوله (لا و الله و بلي و الله) لا اثر له سواء كان حلفاً بالله بغير هذا القول او كان حلفاً بغير الله كقوله: لعمرك و تلك الروايات المطلقة تدل علي ان الممنوع هو الحلف بالله سواء كان بقوله: لا و الله و بلي و الله او بغير هذا القول فيقع التعارض في الحلف بالله بغير هذا القول الخاصّ و بعد التعارض يرجع الي اصل البراءة «1».

اقول: يا ليت انه (قدس

سره) اتي بصدر الحديث و لم يقتصر علي الجملة المذكورة حتي يظهر له عدم ما افاده من التعارض بين الصحيح و المطلقات و الحديث هكذا في التهذيب روي موسي بن القاسم عن صفوان عن معاوية بن عمار قال: «سألت ابا عبد الله (عليه السلام) عن رجل يقول: لا لعمري و هو محرم، قال: ليس بالجدال، انّما الجدال قول الرجل: لا و الله و بلي و الله، و أمّا قوله: لاهاً فانّما طلب الاسم و قوله: يا هناه فلا باس به و أمّا قوله: لا بل شانئك فانه من قول الجاهلية» «2»

و التأمل في الحديث الشريف يقضي بانه في مقام عدم وقوع اليمين بما ذكر فيه

______________________________

(1)- 71 المعتمد 4/ 165.

(2)- تهذيب الاحكام: 5/ 336 ح 1157/ 70.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 325

من غير اسماء الله تعالي و ان وقوعها محصورة به

اذاً فما يتحصل من تمام البحث ان الاحتياط ترك اليمين بغير القول المذكور من اسماء الله تعالي المختصة به و انما قلنا بالاحتياط لان الروايات ظاهره في القول المخصوص و القول بالتعميم يحتاج الي حمله علي احد افراد الايمان بالله تعالي و الله هو العالم.

و سيجي ء ان شاء الله تعالي ما يفيد ذلك في المورد السابع.

المورد الثالث: مقتضي الجمود علي ظاهر الفاظ الادلة الاقتصار في ما هو المحرم علي المحرم من الجدال ما يكون بالقول المذكور باللسان العربي دون ترجمته بسائر اللغات

و ان كان لا يبعد القول بكونه اعم منه لصحة استظهار ان المدار في التحريم علي المسمي و الذات لا الاسم الذي يكون فانياً و مندكاً في المسمي عند اليمين به فالحالف بالله يحلف بالذات المقدسة المتعالية الحاكية عنها اسم الجلالة (الله) و الحلف بترجمته ايضاً حلف بها اي الجامع لجميع الصفات الكمالية و هذا لو لم يكن بالاقوي يكون هو الاحوط.

المورد الرابع: قيل ان المحرم من القول المذكور هو ما كان فيه معني الاخبار عن الواقع

كان يقول لا و الله اي لا يكون كذلك و الله او قال بلي اي يكون كذلك و الله و هذا هو القسم الذي يقال له اذا كان الحالف كاذباً الغموس و يترتب علي الواحد منه اذا كان محرماً الكفارة و اذا كان صادقاً لا يترتب عليه اذا كان اقل من الثلاثة و أما ما كان فيه معني الانشاء فلا يتصف بملاحظة وقوع ما وقع عليه او عدم وقوعه بالصدق او الكذب فليس هو مورداً للنهي لان معناه الانشاء و هو ابراز امر اعتباري نفساني لا تكون فيه حكاية عن الخارج الواقع ليتصف بالصدق و الكذب فبقرينة التفصيل بين الصدق و الكذب يعلم ان الحكم يختص بالجملة الخبرية

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 326

الصادقة عليها كونها صدقاً او كذباً.

و لكن يمكن: ان يقال: ان في مقام الجدال يأتي منه انشاء ذلك و يمكن حمل الصدق او الكذب علي الانشاء ايضاً فاذا كان معني انشاء القسم اعتبار الحالف لزوم فعل او تركه علي نفسه فاما ينشؤه في نفسه و يخبر عنه بلفظه فهو صادق ان اخبر عن انشائه النفساني و أمّا يخبر عن انشائه النفساني كذبا فهو كاذب و أمّا اذا كان معني انشاء القسم انشاءه باللفظ و الغاء اللفظ بقصد ايجاد المعني اي لزوم

الفعل

او الترك عليه فان انشاء اللفظ بقصد ايجاد المعني في عالم الاعتبار فهو صادق و ان لم يقصد به و لكن ينشأ اللفظ ليعد عند السامع و العرف منشأ لهذا المعني فهو كاذب و بالجملة لا نفهم فرقاً بين الجملة الخبرية و الانشائية في القول المذكور في مقام المنازعة و المخاصمة و الله هو العالم.

المورد الخامس: لا يخفي عليك انه لا دلالة للاخبار المتكفلة لبيان حكم التكرر في الحلف او كون اليمين كاذبة علي عدم كونها منهياً عنها اذا كانت صادقة

و كانت اقل من الثلاثة لعدم منافاة تحقق الجدال باليمين الصادقة مرة و وجوب الكفارة عليها اذا كانت كاذبة او بثلاثة،

و لكن يمكن ان يقال: ان قوله (عليه السلام) في صحيح معاوية بن عمّار: «و اعلم ان الرجل اذا حلف بثلاثة ايمان ولاء في مقام واحد و هو محرم فقد جادل فعليه دم يهريقه و يتصدق به و اذا حلف يميناً واحدة كاذبة فقد جادل و عليه دم يهريقه و يتصدق به» الحديث. «1»

يدل علي دخل تكرر اليمين اذا كانت صادقة و كذبها في مرة واحدة في الجدال

______________________________

(1)- وسائل الشيعة ب 1 من ابواب بقية كفارات الاحرام ح 3.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 327

المحرم.

اللهم الا ان يقال: ان غاية ما يستفاد منه ان ذلك جدال يوجب الكفارة لا ان الجدال ما يوجب الكفارة فمقتضي اطلاق الادلة حرمة الجدال بلا و الله و بلي و الله و ان كان صادقاً و اقل من ثلاثة.

المورد السادس: لا ريب ان الاضطرار الي الجدال في حال الاحرام رافع لحرمته

سواء كان بصدقه او بكذبه و هل هو حرام مطلقاً و ان اقتضتها مصلحة دنيوية

او اخروية كما اذا كان سبباً لقضاء حاجة مؤمن و ايصال نفع اليه لا يصل اليه بدون اليمين؟ يمكن ان يقال: بالجواز حينئذ لان المناسبة بين الحكم و الموضوع كف النفس عن مثل ذلك لميل المخاصم اليه و اصراره علي اثبات دعواه.

و بعبارة اخري: دفع النفس عن فعل ما تشتهيه بداعي ارضاء اشتهائها دون ما اذا كان لمصلحة سيما اذا كانت اخروية. و لكن يرد ذلك بأن اطلاق الادلة لا يقيد بمثل هذه التقريبات.

فالاولي الاستدلال لجوازه اذا لم تكن معصية لله عز و جل و بعبارة اخري: لم يكن للمراء و الجدال و لمجرد المغالبة و الغلبة علي

الغير بصحيح ابي بصير قال: «سألته عن المحرم يريد ان يعمل العمل فيقول له صاحبه: و الله لا تعمله فيقول: و الله لأعملنّه فيحالفه مراراً يلزمه ما يلزم الجدال؟ قال: لا انمّا اراد بهذا اكرام اخيه انمّا ذلك ما كان الله فيه معصية «1» فالقدر المتيقن من الروايات الجدال المجرد عن الاغراض الراجحة الدينية او الدنيوية مثل اثبات الحق و دفع الضرر

______________________________

(1)- الكافي: 4/ 338/ 5.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 328

لكن لا يدخل فيه ما كان النفع الواصل اليه للغلبة علي الخصم كما هو المتعارف في زماننا في المسابقات الجدالية و هل حكم هذه المسابقات اذا كان لمجرد المغالبة حكم الجدال المحرم علي المحرم.

و بعبارة اخري: اذا كان الجدال المحرم علي المحرم حرام عليه بالاصل و بنفسه و ان كان خالياً عن اليمين هل تلحق به هذه المغالبات المتداولة بين الناس العالمية منها و غيرها؟ المسألة تحتاج الي مزيد البحث عنها.

المورد السابع: قال في الدروس: (خصّ بعض الاصحاب الجدال بهاتين الصيغتين،

و القول بتعديته الي ما يسمي عيناً اشبه) «1». انتهي. و ظاهر كل من فسره بأنه قول لا و الله و بلي و الله الاختصاص بهما فلا يكفي قوله: و الله بحذف لا و بلي، و فيه: لا يبعد القول بعدم اعتبار الكلمتين و كفاية مجرد اليمين في ترتب الكفارة.

و بالجملة يمكن ان يقال: ان الجدال لا ريب في تحققه بدون الكلمتين و لا يصل الي نفيه او جعله حقيقة يد التشريع.

الا ان الروايات قد دلت علي ان المراد منه هنا ليس مطلق الخصومة و ان لم تكن متأكدة باليمين بل مقيدة بها فيدور الامر بين كون الجدال الخصومة المتأكدة بمطلق اليمين او المتأكدة بخصوص قوله (لا و الله و بلي و الله) و

يدور الامر بين خروج الاكثر عن تحت المطلق او الاقل و القول باختصاص الجدال بالمتأكد بقول (لا و الله و بلي و الله) موجب لحصر المطلق في الاقل بخلاف القول بأنه المتأكد باليمين و ان لم تكن مسبوقة بقول (لا) او بلي و الله هو العالم.

______________________________

(1)- الدروس الشرعية 1/ 386.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 329

[مسألة 42] «الكلام في كفارة الجدال»

مسألة 42: الظاهر انّه لا خلاف بين فقهائنا في ترتب الكفارة علي الجدال في الجملة.

و اليك بعض كلماتهم قدس الله اسرارهم قال الصدوق في المقنع: فان جادلت مرة او مرتين و انت صادق فلا شي ء عليك و ان جادلت ثلاثاً و أنت صادق فعليك دم شاة فان جادلت مرة كاذباً فعليك دم شاة، و ان جادلت مرتين كاذباً فعليك دم

بقرة فإن جادلت ثلاث مرات كاذباً فعليك بدنة «1».

أقول: الظاهر انه ليس في الاخبار ما يدلّ علي ان كفارة الجدال ثلاثاً صادقاً دم بقرة بل المذكور فيها دم شاة و من المحتمل وقوع السهو في الكتابة فصحفت الشاة بالبقرة، و الدليل علي هذا التصحيف ما في من لا يحضره الفقيه قال: (و قال ابي رضي الله عنه في رسالته اليّ: اتق في احرامك الكذب و اليمين الكاذبة و الصادقة و هو الجدال، و الجدال قول الرجل: لا و الله و بلي و الله فان جادلت مرة او مرتين و انت صادق فلا شي ء عليك و ان جادلت ثلاثاً و انت صادق فعليك دم شاة) «2» الخ و علي ذلك فالدليل علي ان كفارة الجدال ثلاثاً صادقاً دم شاة اطلاق روايات كثيرة «3».

و أما كون كفارة الجدال مرة كاذباً ايضاً دم شاة فالدليل عليه ايضاً اطلاق الروايات و حمل ما يدل علي

كونها بقرة «4» علي مرتين و ما دل علي كونها

______________________________

(1) المقنع: 223 و 224

(2)- من لا يحضره الفقيه: 2/ 328.

(3)- وسائل الشيعة: ب 1 من ابواب بقية كفارات الاحرام.

(4)- وسائل الشيعة: ب 1 من ابواب بقية كفارات الاحرام ح 10.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 330

- جزورا «1» علي ثلاث مرات.

و قال المفيد في المقنعة: (و من جادل و هو محرم مرة صادقاً او مرتين فليس عليه كفارة و ليستغفر الله عزّ و جلّ فان جادل ثلاث مرات صادقاً و ما زاد و عليه فعليه دم شاة فان جادل مرة كاذباً فعليه دم شاة و ان جادل مرتين كاذباً فعليه دم بقرة، و ان جادل ثلاثاً و ما زاد كاذباً فعليه دم بدنة) «2».

و قال السيد في جمل العلم و العمل: (و من جادل و هو محرم مرة صادقاً او مرتين فعليه دم بقرة فان جادل ثلاثاً فدم بدنة) «3» و هذا القول ليس في الاحاديث ما يدل عليه و الظاهر انه وقع فيه التصحيف فبدل قوله (كاذباً) بصادقاً.

و قال الحلبي في الكافي: و في المجادلة و هي قوله: لا و الله ثلاث مرّات فما فوقهنّ صادقاً دم شاة (و في مرة كاذباً شاة، و مرتين دم بقرة و في ثلاثة مرات فما فوقهن دم بدنة) «4».

و قال الشيخ في النهاية: (و من جادل محرماً صادقاً مرة او مرتين فليس عليه شي ء و ليستغفر الله فان جادل ثلاث مرات فصاعداً صادقاً كان عليه دم شاة و ان جادل ذلك كاذباً مرّة كان عليه دم شاة فان جادل مرتين كاذباً كان عليه دم بقرة فان جادل ثلاث مرّات كاذباً كان عليه بدنة) «5». و به قال في

المبسوط «6».

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 1 من ابواب بقية كفارات الاحرام ح 9.

(2)- المقنعة/ 435.

(3)- الينابيع: 7/ 108.

(4)- الكافي في الفقيه/ 204.

(5)- النهاية/ 233.

(6)- المبسوط: 1/ 350.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 331

و قال الديلمي في المراسم: (و من جادل ثلاث مرات كاذباً فعليه بدنة و قال: ما يجب فيه بقرة: و هو الجدال مرتين كاذباً، و قال في ما فيه دم شاة: و في المجادلة مرة كاذباً، و قال: و ان جادل ثلاث مرات صادقاً فعليه دم شاة) «1».

و قال ابن البرّاج في المهذب: (فيما يجب فيه بدنة: او يجادل ثلاث مرّات كاذباً، و فيما يجب فيه بقرة: او يجادل مرتين كاذباً، و فيما يجب فيه شاة: او جادل ثلاث مرات

صادقاً او جادل مرة واحدة كاذباً) «2».

هذا و ما ذكر هو مختار الحلّي في السرائر و ابن زهرة في الغنية و ابن حمزة في الوسيلة و الصهرشتي في الاصباح و الحلبي في اشارة السبق و المحقق في الشرائع و المختصر النافع، و العلامة في القواعد و التبصرة و الارشاد و غيرها و الشهيد في الدروس الا انه قال: (ففي الثلاث صادقاً شاة و كذا ما زاد ما لم يكفر و في الواحدة كذباً شاة و في الاثنين بقرة ما لم يكفر و في الثلاث بدنة ما لم يكفر) «3» ثمّ ذكر اقوالا شاذة.

اذا عرفت ذلك تعرف ان اتفاق هؤلاء المشايخ الاجلة علي الترتيب المذكور في فتاواهم لا يمكن رده بمجرد كونه مذكوراً في الفقه الرضوي و دعوي ان ابن بابويه افتي علي طبقه بل الظاهر ان المسألة كانت معلومة عندهم مستندة الي ما لا يمكن لهم العدول عنه و قد علمنا انه لم يكن من

ديدنهم القول بما لم تكن الادلة ظاهرة الدلالة عليه و لو كان مثل الصدوق و المفيد و السيد و الحلبي و الشيخ و غيرهم ممن يحذو حذوهم اعتمدوا علي قول ابن بابويه او علي الفقه الرضوي لا يمكن لنا الخدشة في

______________________________

(1)- المراسم/ 120- 122.

(2)- المهذب: 1/ 223 و 224.

(3)- الدروس الشرعية: 1/ 386.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 332

صحة اعتمادهم و ان الترتيب المذكور كان ثابتاً عندهم فهذا الاتفاق امّا دليل علي اعتمادهم علي الفقه الرضوي او رسالة ابن بابويه الي ولده الصدوق او علي ثبوت صحة هذا الترتيب عندهم بدليل آخر.

هذا و الذي يثبت منه بالاخبار مما ورد في الترتيب المذكور في كلماتهم اولا: ان الحلف الصادق في المرة الاولي و الثانية لا كفارة فيه لمفهوم ما يدل علي ثبوتها في

الثلاثة «1» و لإطلاق ما أورد في عدم الكفارة في الجدال الصادق مطلقا «2» مما يقيد بما ورد في ثبوتها في الثلاثة و للاصل و ثانياً وجوب الشاة في المرة الثالثة صادقاً لطائفة من الصحاح «3»، و ثالثاً: في الحلف الكاذب شاة في المرة الاولي ايضاً بدلالة الروايات «4» و رابعاً: في الحلف الكاذب في المرة الثالثة بقرة كما جاء ايضاً في الروايات المعتبرة «5» و ليس فيها ما يدل علي خصوص الكفارة للكذب الثاني و لكن في الترتيب المذكور في كلماتهم ان في المرة الثانية بقرة و في الثالثة بدنة قال في الجواهر بعد نقل الترتيب المذكور: (و لكن في استفادة ذلك كله مما وصل الينا من النصوص اشكال) «6» ثمّ ذكر الروايات مثل صحيح الحلبي و محمد بن مسلم الذي فيه: «اذا جادل فوق مرتين فعلي المصيب دم يهريقه شاة و علي المخطئ

بقرة» «7»

و بالجملة: ما في هذه الروايات ان من جادل زائداً علي مرّتين كذباً عليه بقرة

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 1 من ابواب بقية كفارات الاحرام ح 2 و 3 و 4 و 5 و 6 و 7.

(2)- الوسائل، ابواب بقية كفارات الاحرام، ب 1، ح 8.

(3)- وسائل الشيعة: ب 1 ابواب بقية كفارات الاحرام ح 2 و 3 و 4 و 6 و 7.

(4)- وسائل الشيعة: ب 1 ابواب بقية كفارات الاحرام ح 3 و 4 و 7.

(5)- وسائل الشيعة: ابواب بقية كفارات الاحرام ح 2 و 6.

(6)- جواهر الكلام: 20/ 420.

(7)- وسائل الشيعة: ب 1 من ابواب بقية كفارات الاحرام ح 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 333

و ما في الفتاوي انّ عليه بدنة و ان من جادل مرتين كذباً عليه البقرة و ليس في الروايات كفارة له.

اللهم الا خبر ابراهيم بن عبد الحميد الذي رواه العياشي في تفسيره عن ابي الحسن موسي (عليه السلام) قال: «من جادل في الحج فعليه اطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع ان كان صادقاً او كاذباً فان عاد مرتين فعلي الصادق شاة، و علي

الكاذب بقرة» «1» (الحديث) و هو ضعيف سنداً و متناً لمخالفته للروايات الصحيحة الا في قوله «و علي الكاذب بقرة» و الاحتجاج به انما يتم لو قلنا كما قال في الجواهر بان عدم العمل بصدره لا يخرج ما في ذيله عن الحجية خصوصاً بعد انجباره بالعمل «2» و فيه لا يثبت بذلك عملهم به

نعم لو قلنا: بانجبار الضعف بمجرد الموافقة يمكن الاستشهاد به و علي هذا لا يتم الاستدلال به لكفارة الجدال كذباً مرتين، و لكن استدل له بصحيح سليمان بن خالد قال: «سمعت ابا

عبد الله (عليه السلام) يقول: في الجدال شاة» (الحديث) «3» لانه يدلّ علي وجوب الشاة في الجدال صادقاً كان او كاذباً في المرة الاولي و الثانية الا ما خرج عنه بالدليل مثل الجدال في المرة الاولي و المرة الثانية صادقاً و المرة الثالثة كاذباً و يبقي تحته المرة الثانية كالمرة الاولي فتجب عليه بالثانية ان لم يؤد الكفارة الاولي شاتان.

ثمّ انّ هنا رواية اخري رواه الشيخ باسناده عن العباس بن المعروف عن علي عن فضالة أبي المعزا عن ابي بصير عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: «اذا جادل الرجل و هو

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 1 من ابواب بقية كفارات الاحرام ح 10.

(2)- جواهر الكلام: 20/ 422.

(3)- وسائل الشيعة ب 1 من ابواب بقية كفارات الاحرام ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 334

محرم فكذب متعمداً فعليه جزور» «1» و اطلاقه يشمل المرة الاولي و الثانية و الثالثة كذباً خرج منه بالدليل المرة الاولي و الثانية بالاجماع فتبقي تحته المرة الثالثة فيقع التعارض بينه و بين ما يدل علي ان كفارتها البقرة.

و لكن استشكل فيه بعض المعاصرين بضعف سنده لان اسناد الشيخ الي

العباس بن معروف بأبي المفضل عن ابن بطة و هما ضعيفان «2»

و فيه: اولا ان ابا المفضل و ابن بطة واقعان في طريق الشيخ الي ابن المعروف في الفهرست «3» دون التهذيب فقد قال في المشيخة و ما ذكرته في هذا الكتاب عن علي بن مهزيار فقد اخبرني به الشيخ ابو عبد الله عن محمد بن علي بن الحسين عن ابيه و محمد بن الحسن عن سعد بن عبد الله و الحميري و محمد بن يحيي و احمد بن ادريس كلهم عن احمد بن

محمد عن العباس بن معروف عن علي بن مهزيار «4» فعلي هذا طريقه الي ابن المعروف في التهذيب صحيح.

و ثانياً قد اشرنا كراراً في طي المباحث السابقة انه لا اعتبار بكون الطريق الي صاحب الكتاب او الاصل ضعيفاً بعد ما كان الكتاب عند من يرويه عن صاحبه موجوداً معروفاً و انّما استقر سيرتهم علي نقل الروايات عن صاحب الاصول و الكتب لانهم كانوا ملتزمين بالاجازة في نقل الروايات عن الشيوخ و يعدون ذلك اذا كان بسماع الرواية عن الشيخ او القراءة عليه او بالمناولة افضل و اقوي من الوجادة التي تنالها يد كل من كان الكتاب او الاصل عنده و علي هذا لا فرق في

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 1 من ابواب بقية كفارات الاحرام ح 9.

(2)- المعتمد: 4/ 172.

(3)- الفهرست/ 190.

(4)- التهذيب: 10/ 85 (مشيخة تهذيب الاحكام).

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 335

الرواية بالاسناد عن الكافي لمثل الشيخ مناولة او وجادة و لا فرق بين ان يكون طريقه الي الكليني مثلا ضعيفاً بالاصطلاح او صحيحاً و يستفاد ذلك من تصريح الشيخ في المشيخة بذلك قال قدس سره في طي كلماته في مقدمتها: و اقتصرنا من ايراد الخبر علي الابتداء بذكر المصنف الذي اخذنا الخبر من كتابه او صاحب الاصل الذي اخذنا الحديث من اصله (الي ان قال) و الآن فحيث وفق الله تعالي

الفراغ من هذا الكتاب نحن نذكر الطرق التي يتوصل بها الي رواية هذه الاصول و المصنفات و نذكرها علي غاية ما يمكن من الاختصار لتخرج الاخبار بذلك عن حدّ المراسيل و تلحق بباب المسند. «1» (الخ).

و مما افاد ان ما يطلق عليه المراسيل في اصطلاحهم هو ما يروي عن الكتاب او الاصل بدون هذا

الاسناد المصطلح بينهم و ان كان مروياً عنه بالوجادة بلا واسطة فيشمل مثل ما نروي بدون الاسناد عن كتب الحديث و لكن ما لا يعتمد عليه من المراسيل هو ما كان في تلك الاصول و الكتب عن امام لا يمكن رواية صاحب هذا الكتاب او الاصل عنه مثل ما اذا كان في الكافي عن الصادق (عليه السلام) بلا واسطة او بواسطة لم يمكن له الرواية عنه (عليه السلام) لكونه من الطبقات المتاخرة عنه.

و النتيجة: انه ليس كل ما يطلق عليه المرسل ضعيف بالارسال الا ما لم يكن روايته بالسماع او القراءة او المناولة او الوجادة.

هذا و قد خرجنا عن صورة البحث عما كنا فيه و انما اطلنا الكلام لما فيه من الفائدة المهمة فخذها و اغتنم.

ثمّ اعلم: ان العباس بن معروف قمي له كتب يروي عنه احمد بن ابي عبد الله و

______________________________

(1)- تهذيب الاحكام: 10/ 4 مقدمة مشيخة تهذيب الاحكام.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 336

هو احمد بن محمد بن خالد البرقي و بعد ذلك كله يعلم انه لا غمز في سند حديث عباس بن المعروف عن علي كما توهمه المعاصر الجليل فالمعارضة قائمة بينه و بين ما دل علي ان كفارة الجدال كذباً في الثلاثة البقرة و ما عليه عمل المشهور بل الاكثر بل الجميع هو الجزور و ما عبر به في كلمات الاصحاب بالبدنة.

و لكن لا ينبغي بل لا يجوز ترك الاحتياط بالكفارة بذبح البقرة في المرة

الثانية كذباً و في المرة الثالثة كذباً بالجمع بين ذبح الشاة و البدنة.

و لقائل ان يقول: ان ما يدل علي الشاة و البقرة لا يدل عدم كفاية الاكثر بل يدل علي جواز الاكتفاء بالاقل و هذا احتمال وجيه

يوجهه ما يدل في موارد يكتفي فيها بالشاة بان عليه دم و لكن لا يردّ بذلك وجوب الاحتياط و الله تعالي هو العالم باحكامه.

[مسألة 43: كيفية الجدال في الحج و معناه]

مسألة 43: ظاهر قوله (عليه السلام) في صحيح معاوية بن عمّار: «و اعلم ان الرجل اذا حلف بثلاثة ايمان ولاءً في مقام واحد و هو محرم فقد جادل فعليه دم يهريقه» «1» و خبر ابي بصير: «اذا حلف بثلاثة ايمان متعمداً متتابعات صادقاً فقد جادل» «2» و صحيح معاوية الآخر: «ان الرجل اذا حلف بثلاثة ايمان في مقام ولاءً و هو محرم فقد جادل» «3» اعتبار التتابع في ترتب الكفارة علي الثلاث علي خلاف ما يقتضيه غيرها من الاخبار

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 1 من ابواب بقية كفارات الاحرام ح 3.

(2)- وسائل الشيعة: ب 1 من ابواب بقية كفارات الاحرام ح 4.

(3)- وسائل الشيعة: ب 1 من ابواب بقية كفارات الاحرام ح 5.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 337

المطلقة كقوله (عليه السلام) في صحيح الحلبي و ابن مسلم «1» «اذا جادل فوق مرتين فعلي المصيب دم يهريقه» و صحيح ابي بصير «اذا حلف الرجل ثلاثة ايمان و هو صادق و هو محرم فعليه دم يهريقه» «2»

قال في الجواهر: (و قاعدة الجمع بين الاطلاق و التقييد تقتضي حمل المطلق علي المقيد كما مال اليه بعض متأخري المتاخرين حاكياً له عن العماني الا انه نادر يمكن دعوي اتفاق الاصحاب علي خلافه خصوصاً بعد ان كان المحكي عنه يعمّ

الصادق و الكاذب قال: «من حلف ثلاث أيمان بلا فصل في مقام واحد فقد جادل و عليه دم» و لم يفصل و قد سمعت تصريح النصوص و الفتاوي بخلافه في الكاذب (الي ان قال) و من ذلك يظهر

قوة النصوص المطلقة علي وجه لا تكافئها المقيدة كي يحكم بها عليها فإذن المتجه العمل بالمطلقة و حمل المقيدة علي ارادة كونها احد الافراد او علي ارادة بيان اتحاد الجدال و تعدده بالنسبة الي المجادل فيه) «3».

و قال بعض الاعلام من المعاصرين: (التحقيق ان يقال: ان لا موجب للتقييد في نفسه حتي مع قطع النظر عن المشهور، و الوجه ما ذكرناه في بحث المفاهيم و حاصله ان الشرط قد يكون متعدداً فتدل القضية بالمفهوم علي نفي الحكم عند نفي احدهما كما اذا قال: اذا جاء زيد من السفر و كان مجيئها في يوم الجمعة افعل كذا فلو فرضنا انه جاء في يوم السبت ينتفي الحكم بنفي الشرط كما اذا كان الشرط واحداً، و قد يكون الشرط غير متعدد بل كان احدهما مقيداً بالآخر كما اذا قال: اذا جاء زيد في يوم الجمعة بحيث كان المجي ء مقيداً بيوم الجمعة و يكون الشرط هو المجي ء في يوم الجمعة فمفهومه عدم المجي ء في يوم الجمعة

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 1 من ابواب بقية كفارات الاحرام ح 2.

(2) وسائل الشيعة: ب 1 من ابواب بقية كفارات الاحرام ح 7.

(3)- جواهر الكلام: 20/ 423.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 338

فلا تدل القضية علي النفي بل القضية ساكتة عن ذلك لعدم كونه مفهوماً للقضية و لذا اشكل جماعة في مفهوم آية النبأ و قالوا ان مفهوم الآية عدم مجي ء الفاسق بالنبإ لا مجي ء غير الفاسق بالنبإ و روايات المقام من هذا القبيل فان مفهوم قوله: اذا

حلف ولاء فعليه كذا انه اذا لم يحلف ولاء ليس عليه كذا لا ما اذا حلف غير ولاء، و أما التقييد فمفهومه عدم ثبوت الحكم للمطلق، و الا

لكان التقييد لغواً، و لكن انما نلتزم بهذا المفهوم فيما لم يكن لذكر القيد فائدة و نكتة اخري و الا فلا مفهوم له و لعل وجه التقييد بالولاء في المقام هو ان المرتكز في اذهان الناس خصوصاً العوام منهم انّ المرة الثانية تأكيد للمرة الاولي و لا يرون ذلك تاسيساً و يحكمون علي ذلك بيمين واحدة و الروايات نبهتهم بان المعتبر تعدد الحلف و ان كان ولاء فعلي الحلف المتعدد ثلاثاً و ان كان ولاء يترتب الكفارة فالتقييد حينئذ لا يوجب تقييد المطلق لان للقيد وجه ظاهر) «1».

اقول: التأمل في الاحاديث الشريفة يقضي بان ما افاده تكلّف لا يقبله العرف في تفسير الاحاديث و عدول عن ظاهرها الدال علي انتفاء الحكم عند انتفاء التتابع فقوله (عليه السلام): «اذا خلف بثلاثة ايمان ولاء في مقام واحد و هو محرم فقد جادل» «2» ظاهر في تعدد الشرط ثلاثة ايمان و الولاء فاذا انتفي الولاء ينتفي الحكم عليه باهراق الدم مثل ان يقال: اذا جاء زيد من السفر و كان مجيئه يوم الجمعة افعل فإذا جاء يوم السبت ينتفي الحكم بنفي الشرط و بالجملة في مقام الثبوت و ان امكن تصوير ما افاد الا انه لا يؤيده ما عندنا في مقام الاثبات فانه ظاهر في المفهوم الانتفاء عند الانتفاء و تقييد المطلقات و الله العالم.

______________________________

(1)- المعتمد في شرح المناسك: 4/ 174.

(2)- وسائل الشيعة: ب 1 من ابواب بقية كفارات الاحرام، ح 4.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 339

تتمة، قد سمعت ما حكيناه عن الدروس انه قال في مقام بيان الترتيب المذكور في كلامهم: (ففي الثلاث صادقاً شاة و كذا ما زاد ما لم يكفر، و في الواحدة كذباً شاة

و في الاثنين بقرة ما لم يكفر و في الثلاث بدنة ما لم يكفر) «1».

و علي ما افاد لا يجب عليه فيما زاد علي الثلاثة غير ما وجب عليه بها زاد ما زاد اذا لم يكفر و اما ان كفر فتجب عليه شاة بالثالثة بعد ما كفروا هكذا و كذلك اذا حلف كذباً مرّة واحدة فكفر بشاة تجب عليه شاة للمرة الاولي بعد ما كفر و لا تجب عليه البقرة و انما تجب عليه البقرة لو لم يكفر بالشاة في المرة الاولي و هكذا يقال في البدنة في الثلاثة انها تجب اذا لم يكفر للاثنين بالبقرة و ان كفر بها تجب عليها في المرة الاولي بعدها الشاة علي ما ذكر فلا تجب عليه البقرة للاثنين الا اذا لم يكفر للاولي و لا البدنة الا اذا لم يكفر للاولي و للثانية.

و يظهر ممّا حكاه في الجواهر ان ذلك صريح جماعة من غير خلاف يظهر فيه و لكنه قال بعد ما ذكر من تفصيل هذا القول: (قلت: ان لم يكن اجماع امكن كون المراد من النصّ و الفتوي وجوب الشاة بالمرة ثمّ هي مع البقرة بالمرتين ثمّ هما مع البدنة في الثلاث الا ان يكون قد كفر عن السابق فتجب البقرة خاصّة او البدنة، كما انه يمكن ان يقال: ان الشاة في ثلاث الصدق دون ما دونه امّا ما زاد فان بلغ الثلاث وجب شاة اخري و ان لم يكن قد كفر عن الاول و الا فليس الا الشاة الاولي و كذا الكلام في ثلاثة الكذب الشاة و البقرة و البدنة و هكذا فتأمل جيداً) «2».

اقول: اما بحسب الفتوي فيستفاد من مثل كلام المفيد في المقنعة «3»

و

الشيخ في

______________________________

(1)- الدروس: 1/ 386.

(2)- جواهر الكلام: 20/ 224.

(3)- المقنعة/ 435.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 340

النهاية «1» و المبسوط «2» انه ان جادل ثلاث مرات فصاعداً صادقاً عليه دم شاة و ان جادل مرة كاذباً فعليه دم شاة و ان جادل مرتين كاذباً كان عليه بقرة و ان جادل ثلاثاً و ما زاد كاذباً كان عليه دم بدنة و ظاهر ذلك انه يجب عليه ان جادل مرتين كاذباً دم بقرة سواء كفر عن الاولي بشاة ام لا و إن عليه في المرة الثالثة و ما زاد بدنة سواء كفر بشاة عن الاولي و بالبقرة عن الثانية ام لا فمن لم يكفر حتي ارتكب الجدال ثلاثاً يجب عليه شاة و بقرة و بدنة.

و هل يستفاد من كلامهم اطلاق يدل علي كفاية كفارة واحدة للجدال صادقاً ثلاث مرات بحيث لو كفر بعد الثلاث لا تكون عليه كفارة ان ارتكب بعد ذلك ثلاث مرات او هذا مختص بما اذا لم يكفر و كذا في الثالثة كاذباً ان كفر ببدنة هل تجب عليه في المرة الاولي شاة و في الثانية بقره و في الثالثة بدنة ان لم يكفر في كل منها قبلها او مطلقاً.

يمكن ان يقال: ان القول بعدم الكفارة بعد ما كفر موهم لجواز ارتكاب الجدال بعد ذلك و ان امكن الحكم ببقاء حرمة الجدال و عدم الكفارة بعد ذلك الا انه كانه بعيد بمناسبة الحكم و الموضوع الا ان الجزم باستناد ذلك الي الفقهاء مشكل فلو كان مستندنا في حكم المسألة اجماعهم القدر المتيقن منه هو كفاية الكفارة مرة واحدة للثلاثة كاذباً او صادقاً.

و أمّا بحسب الروايات فما يدل عليه مثل صحيح سليمان بن خالد: «في الجدال

شاة» «3»

وجوب الشاة لكل جدال صادقاً كان ام كاذباً كان الاول او الثاني و الازيد

______________________________

(1)- النهاية/ 233.

(2)- المبسوط: 1/ 350.

(3)- وسائل الشيعة: ب من ابواب بقية كفارات الاحرام، ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 341

بعد ما كفر عما قبله او لم يكفر و لكن اطلاقه مقيد بكونها كفارة للمرتبة الثالثة صادقاً و لليمين الواحدة كاذباً لما في مثل صحيح معاوية بن عمار «اذا حلف بثلاثة ايمان ولاء في مقام واحد و هو محرم» «1» صحيح ابي بصير «اذا حلف الرجل ثلاثة ايمان و هو صادق و هو محرم فعليه دم يهريقه» «2» و الاول يدل علي تعدد الكفارة بتعدد الثلاثة ولاء في مقام واحد دون الثاني فانه غير مقيد بالولاء و كونها في مقام واحد و ساكت عن حكم الازيد علي الثلاثة.

و أما اليمين الكاذبة فيدل علي ان كفارته شاة اذا كانت واحدة ايضاً الصحيحان و غيرهما و أمّا اذا كانت ازيد فإن كانت وقعت بعد ما كفر لما قبلها فالظاهر انها كالاولي و ان كان قبل ذلك فبحسب الروايات اذا جادل فوق مرتين تكون عليه امّا البقرة او البدنة و في المرتين و قد مضي الكلام فيها.

و كيف كان فالمستفاد من الروايات اولا ان الحلف بالثلاثة صادقاً علي التفصيل الذي مر في الولاء كفارته دم شاة و ان زاد علي الثلاثة الا علي القول بالولاء في مقام واحد فان عليه لكل ثلاثة وقعت في مقام واحد ولاء كفارة خاصّه و كذا ان كفر بعد الثلاثة و ابتلي بثلاثة اخري.

و ثانياً: في اليمين الكاذبة الواحدة ايضاً دم شاة و في الثالثة البقرة او البدنة اذا لم يكفر لما قبلهما و الا فما بعد الكفارة هي

اليمين الواحدة و أما للمرة الثانية فقد مضي

الكلام فيها يعرف الحساب له بما ذكر ان قلنا بان كفارته البقرة او الشاة و كيف كان لا يجمع بين الشاة و البقرة و البدنة اذا لم يكفر فتدبر و الله هو العالم.

______________________________

(1) وسائل الشيعة: ب 1 من ابواب بقية كفارات الاحرام، ح 5.

(2) وسائل الشيعة: ب 1 من ابواب بقية كفارات الاحرام، ح 7.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 342

[مسألة 44 من محرمات الإحرام] قتل هوام الجسد

مسألة 44: و مما هو محرم علي المحرم كما في الشرائع قتل هوام الجسد، و دوابه كما حكي عن النافع و القواعد «1» و الّذي يدل عليه من الاحاديث طائفتان احداهما ما يدل علي عدم جواز قتل مطلق الهوام و ثانيتهما ما يدلّ علي حرمة قتل طوائف من الهوام مثل القمل و أليق و البرغوث بالغاء خصوصية البقية و غيرها.

اما الطائفة الاولي: فمنها صحيح زرارة قال: «سألت ابا عبد الله (عليه) هل يحك المحرم رأسه او يغتسل بالماء؟ قال: يحك رأسه ما لم يتعمّد قتل دابة»، الحديث «2».

و منها صحيح معاوية بن عمّار عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: «اتق قتل الدواب كلها، الحديث». «3»

و امّا الطائفة الثانية فمنها موثق ابي الجارود «4» قال: «سأل رجل ابا جعفر (عليه السلام) عن رجل قتل قملة و هو محرم؟ قال: بئس ما صنع. قال: فما فداؤها؟ قال: لا فداء لها». «5»

و منها: الاحاديث الدالة علي النهي عن القاء القملة فانه اذا كان منهياً عنه فقتلها اولي بالنهي و لا يعارض هذه الاحاديث ما رواه الشيخ قدس سره، باسناده

______________________________

(1)- الحكاية عن جواهر الكلام: 18/ 364.

(2) وسائل الشيعة، ب 73 من ابواب تروك الاحرام، ح 4.

(3) وسائل الشيعة، ب 18 من

ابواب تروك الاحرام، ح 9.

(4) زياد بن المنذر الهمداني الخارقي الكوفي زيدي من الرابعة يروي عن المشايخ و روي عنه جمع من المشايخ و حكي عن المفيد ما يدل علي توثيقه.

(5) وسائل الشيعة، ب 15، ابواب بقية كفارات الاحرام، ح 8.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 343

عن الحسين بن سعيد عن صفوان بن يحيي عن مرة مولي خالد قال: «سألت ابا عبد الله (عليه السلام) عن المحرم يلقي القملة؟ فقال: القوها ابعدها الله غير محمودة و لا مفقودة» «1» فإنّه ضعيف بمرة المجهول وثاقته الا ان يقال: ان اعتماد مثل صفوان عليه يكفي في الاعتماد علي روايته او خصوص ما يرويه هو عنه و لعل لذلك حمله الشيخ علي من يتاذي بها فيجوز القاؤها و تلزمه الكفارة.

و بعد ذلك قيل بأن هنا روايتان معتبرتان يمكن ان يقال بدلالتهما علي جواز قتلهما احداهما: صحيح معاوية بن عمار قال: «قلت لابي عبد الله (عليه السلام): ما تقول في محرم قتل قملة؟ قال: لا شي ء عليه في القمل، و لا ينبغي ان يتعمد قتلها». «2»

و صحيحه الآخر قال: «قلت لابي عبد الله (عليه السلام): ما تقول في محرم قتل قملة؟ قال: لا شي ء عليه في القملة، و لا ينبغي ان يتعمد قتلها» «3» و الظاهر ان الروايتين واحدة و ان كان كلام بعض الاعلام ظاهراً في تعددهما «4» و كيف كان و يمكن ان يقال بدلالته علي جواز قتلها مع الكراهية و المرجوحية لقوله (عليه السلام) (و لا ينبغي) و اجاب عنه البعض المشار اليه (ان الظاهر من (لا ينبغي) هو الحرمة لان معني هذه الجملة لغة عدم الامكان و انه امر لا يتيسر و قد شاع استعمالها في

الكتاب العزيز و السنة في عدم الامكان كقوله تعالي: (لا الشمس ينبغي لها ان تدرك القمر) (و ما ينبغي للرحمن ان يتخذ ولداً)

و عدم الامكان في عالم التشريع مساوق للحرمة و لو فرضنا عدم دلالة ذلك علي الحرمة فلا يدل علي الجواز فلا يوجب لرفع اليد عما دل علي

______________________________

(1)- وسائل الشيعة ب 78 من ابواب تروك الاحرام، ح 6.

(2)- وسائل الشيعة، ب 78 من ابواب تروك الاحرام، ح 2.

(3)- وسائل الشيعة، ب 15، ابواب بقية كفارات الاحرام، ح 6.

(4)- المعتمد: 4/ 179.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 344

الحرمة) «1».

اقول: الموارد التي جاءت في القرآن الكريم من استعمال ينبغي مربوطة الي عالم التكوين و ما لا يمكن بالعقل ان يكون المراد غير الامكان و لا دلالة لذلك علي ان معني ينبغي و لا ينبغي يمكن و لا يمكن، قال الراغب في المفردات: و (قولهم ينبغي مطاوع بغي فاذا قيل ينبغي ان يكون كذا فيقال علي وجهين احدهما ما يكون مسخراً للفعل نحو النار ينبغي ان تحرق الثوب، و الثاني علي معني الاستئهال نحو فلان ينبغي ان يعطي لكرمه و قوله تعالي: (و ما علمناه الشعر و ما ينبغي له) علي الاول فان معناه لا يتسخر و لا يتسهل له أ لا تري ان لسانه لم يكن يجري به و قوله تعالي: (و هب لي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي).

و في مجمع البحرين (و في المصباح حكي عن الكسائي انه سمع من العرب (و ما ينبغي ان يكون كذا) اي ما يستقيم و ما يحسن قال: (و ينبغي ان يكون كذا) معناه يندب ندباً مؤكداً لا يحسن تركه.

و علي هذا دعوي ظهوره في الحرمة في التشريعيات في

عدم الامكان لا يخلو من المجازفة بل الظاهر دلالته علي ما يليق بالانسان ان يفعل او لا يليق به ان يفعل اذا قال (لا ينبغي) و بناء عليه ان كان هنا اجماع علي حرمة قتلها فلا بد من رفع اليد من هذا الظاهر و الا فيحمل ما يدل علي النهي بقرينة هذا الصحيح علي الكراهة الشديدة فهو يكون كالاستثناء عما يدل علي قتل الدواب اللهم الا ان يقال انه يكفي

هنا لاثبات حرمة قتل القملة و حمل لا ينبغي علي الحرمة ما دل علي النهي علي القائها و اتفاق الاصحاب علي القول بحرمته لعدم احتمال كون القتل اخف من الالقاء

______________________________

(1)- المعتمد: 4/ 179.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 345

فتأمل مضافا الي اطلاق صحيحي زرارة و ابن عمار.

هذا كله في القمل و أما البق و البرغوث فما يدل علي حرمة قتلها اطلاق صحيحي زرارة و ابن عمار و لكن ورد فيها بالخصوص مرسل ابن فضال عن بعض اصحابنا عن زرارة عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال (لا بأس بقتل البرغوث و القملة و البقة في الحرم) «1» و استشكل في الاحتجاج به اولا بضعف السند بالارسال و ثانيا: باشتماله علي جواز قتل القملة الذي عرفت اتفاق الاصحاب علي ما حكي علي حرمته و ثالثا بان موضوع الجواز فيه غير موضوع المنع في غيره و اطلاقه و ان يشمل المحرم الا انه يقيد بروايات المنع نعم يمكن تقيد صحيحي زرارة و ابن عمار بما اذا اراداه و آذاه برواية زرارة عن احدهما عليهما السلام قال: سألته عن المحرم يقتل البقة و البرغوث اذا اراده به قال: نعم «2»» و وجود سهل في سنده لا يضر بالاعتماد عليه بل

يمكن الاستدلال به بالنهي عن قتلهما اذا لم يرداه او لم يؤدياه و كذا بما رواه احمد بن محمد بن ابي نصر البزنطي «3» في نوادره علي ما اخرج عنه ابن ادريس في آخر السرائر عن جميل «4» قال: سألت ابا عبد الله (عليه السلام) عن المحرم يقتل البقة و البراغيث اذا آذاه؟ قال: نعم «5».

و عدّه و الرواية السابقة في الوسائل رواية واحده فانه قال بعد نقل رواية

______________________________

(1)- وسائل الشيعة ب 79 ابواب تروك الاحرام ح 2

(2)- المعتمد: 4/ 180

(3)- كان عظيم المنزلة عند الرضا (عليه السلام) و روي عنه كتاباً من اصحاب الاجماع … و هو من السادسة.

(4)- هو ايضاً من اصحاب الاجماع و … ابن دراج النخعي من الخامسة.

(5)- وسائل الشيعة ب 78 من ابواب تروك الاحرام، ح 7.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 346

زرارة: و رواه ابن ادريس في آخر السرائر كما مر «1» و بعد نقل رواية جميل، و رواه الكليني كما يأتي.

و هو كذلك احتمالا اذا اعتبرنا في تعدد الرواية صدورها عن الامام (عليه السلام) غير مرة و أما اذا اعتبرنا فيه تعدد الراوي عنه عليه السلام فهما روايتان قطعاً.

و كيف كان فقد ضعف سند رواية جميل بعض الاعلام بان ابن ادريس رواها في آخر السرائر عن نوادر البزنطي و طريقه الي نوادره مجهول فالتعبير عنها بالصحيحة كما في دليل الناسك في غير محله بل لو قلنا بصحة طريق الشيخ الي نوادر البزنطي لا يمكن الحكم بصحة هذه الرواية اذ لم يعلم اتحاد طريق ابن ادريس مع طريق الشيخ و لعل ابن ادريس رواها بطريق آخر و هو مجهول عندنا بل طريق الشيخ الي النوادر ضعيف لان فيه شيخه احمد

بن محمد بن موسي الاهوازي «2» و هو ممن لم يوثق و ان قال في حقه صاحب الوسائل في تذكرة المتبحرين فاضل جليل، و لكن لا نعتمد علي توثيق المتأخرين فالاحوط وجوباً عدم جواز قتل البق و البرغوث و امثالهما من الحيوانات المتكونة في البدن او اللباس.

اقول: كان الاولي بي لجلالة قدره و عظم شأنه قدس سره في عيني ان اخفي ما يورد علي مثل هذه المعاملة مع الاحاديث الشريفة الا ان صيانة الاحاديث عن توهم هذه الموهنات اولي و شخصه الشريف يكون في مقامه مع علمائنا الابرار

ارضي بالتكلم فيما افاد عن السكوت عنه رضوان الله تعالي عليه.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة ب 79 من ابواب تروك الاحرام، ح 3.

(2)- المعروف بابن الصلت شيخ شيخ الطوسي روي عنه جميع روايات ابن عقدة و كتبه و كان معه خط ابي العباس باجازته و شرح رواياته و كتبه و هذا يدل علي فضله و شأنه بل و صحة رواياته من العاشرة.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 347

فاعلم: انا قد اشرنا مرة بعد مرة الي ان ما يرويه قد ماء الاصحاب عن الاصول و الكتب التي صنفها اصحاب الائمة عليهم السلام و غيرهم ممن يقارب اعصارهم يروونه باسنادهم الي اصحاب هذه الاصول و الكتب من نفس هذه الكتب فكانت روايتهم بالوجادة عن هذه الكتب لورودها عنها بالوجادة بلا واسطة و بلا حاجة الي ذكر سندهم الي هذه الكتب كما ننقل نحن عن مثل الكافي و الفقيه و غيرهما بلا اسناد و هذا من انحاء تحمل الحديث اذا كان الراوي ثقة يعتمد عليه لا يجوز تركه و تضعيفه بمثل هذه التضعيفات.

نعم اذا كان تقسيم الاحاديث بالاقسام الاربعة المعروفة علي ما اذا كان

تحمل الحديث من الرواة بمثل السماع او القراءة او المناولة يأتي هذا الاصطلاح و لكن عليه قلما يوجد ذلك سيما بالسماع و القراءة فانا نعلم بالضرورة ان مثل الشيخ الذي يقول في جماعة من شيوخه الذين ربما كان لهم اكثر من عشرين و ثلاثين بل مائة تاليف اخبرنا بجميع كتبه لا يمكن ان يكون ذلك بالسماع و القراءة اذاً فلا وجه لرد ما رواه مثل ابن ادريس عن نوادر البزنطي بضعف سنده اليه او عن بعض كتب شيوخه بضعف سنده الي شيخه الذي كان عنده كتابه.

و ان شئت ان تعرف ذلك فراجع مقدمة شيخه في التهذيب فان الشيخ قال في طي كلامه (و اقتصرنا من ايراد الخبر علي الابتداء بذكر المصنف الذي اخذنا الخبر من كتابه او صاحب الاصل الذي اخذنا الحديث من اصله) و بعد ذلك فهل تري تضعيف ما رواه الشيخ عن هذه الاصول و الكتب بضعف اسناده اليها و ان شئت مزيد الكلام في ذلك فراجع كتابنا منتخب الاثر في الامام الثاني عشر (عليه السلام) (ج 1 ص 312- 307)

ثمّ لا يخفي عليك ان بعد ما ذكرنا في فقه الروايتين يمكن ان يقال بوجوب

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 348

الاحتياط اذا لم يؤذياه و لم يرداه و كانه رحمة الله عليه بني علي ان لفظ الحديث دال علي جواز قتلهما مطلقاً و لذا توسل لرده بضعف سندهما اعلي الله مقامه و مقام جميع علمائنا العاملين و جعلنا شاكرين لمساعيهم المشكورة في حفظ احكام الدين و نفي انتحال المبطلين ثمّ انه قد ظهر لك مما سبق حرمة القاء القملة من جسده و ثوبه نصاً و فتوي و أمّا القاء البق او البرغوث فمقتضي الاصل

جوازه لاختصاص دليل الحرمة بالقمل مضافاً الي صحيح معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: قال: المحرم يلقي عنه الدواب كلها الا القملة فانها من جسده «1».

و أمّا الكفارة فمقتضي الاصل عدم وجوبها و يدل عليه في خصوص قتل القملة صحيح معاوية بن عمار و موثق ابي الجارود نعم في عدة من الروايات في القاء القملة: تصدق بكف من طعام او فليطعم مكانها طعاماً قبضة بيده او فليطعم مكانها طعاماً «2» و ربما يجمع بينهما بان ما يدل علي نفي الكفارة المراد منه الكفارات المصطلحة نحو دم شاة فلا ينافي ثبوته بكف من الطعام و يمكن حمل الثاني علي الاستحباب و الاحتياط لا ينبغي تركه في القائها و في قتلها و الله هو العالم.

[مسألة: 45 من محرمات الإحرام] عدم جواز لبس الخاتم للمحرم

مسألة: 45 حكم لبس الخاتم للمحرم

مسألة: قال في الجواهر (و يحرم لبس الخاتم للزينة» كما قطع به الاكثر علي ما في كشف اللثام بل في الذخيرة في شرح قوله في الارشاد

«و لبس الخاتم للزينة لا للسنة» قال: لا اعرف خلافاً بين الاصحاب في الحكمين المذكورين، و ان كان فيه ما ستعرف لخبر مسمع عن ابي

______________________________

(1)- وسائل الشيعة ب 78 من ابواب تروك الاحرام، ج 5.

(2)- وسائل الشيعة ب 15 من ابواب بقية كفارات الاحرام

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 349

عبد الله (عليه السلام): سألته أ يلبس المحرم الخاتم؟ قال: لا يلبسه للزينة المنجبر بما عرفت، و المعتضد بالتعليل في صحيحي حمّاد و حريز المتقدمين سابقاً في الاكتحال بالسواد، و النظر في المرآة، و بالمرسل في الكافي (لا يلبسه للزينة) و بما ورد من كون الحاج اشعث اغير و غير ذلك مما يدل علي عدم الترفه للحاج المنافي للزينة «1»

اقول:

امّا عدم الخلاف في الحرمة اذا كان للزينة فقد قال فيه (و ان كان فيه ما ستعرف) و لعل نظره الي ما اشار اليه في طي كلماته من اختيار المصنف (يعني المحقق في النافع الجمع بين النصوص الدالة علي الحرمة للزينة و النصوص الظاهرة في جوازه مطلقاً بحمل الاولي علي الكراهة و قال: هو المحكي عن الجامع «2» ايضاً و كيف كان بعد وجود الروايات في المسألة لا مجال للاحتجاج بالشهرة او الاجماع و أما خبر مسمع الذي قال بانجباره فهو ما رواه الشيخ باسناده عن محمد بن احمد بن يحيي «3» عن ابراهيم بن مهزيار «4» عن صالح بن السندي «5» عن ابن محبوب «6» عن علي يعني ابن رئاب «7» عن مسمع «8» عن ابي عبد الله (عليه السلام) و الظاهر ان الضعف في

سنده من جهة صالح السندي و لكنه ليس بضعف يعتني به مضافاً الي جبره بما عرفت

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 18/ 370

(2)- جواهر الكلام: 18/ 371

(3)- الاشعري القمي كان ثقة في الحديث و ما ذكر في قدحه لا يوجب به في نفسه … من السابعة.

(4)- ذكره ابن طاوس في الابواب المعروفين من السابعة.

(5)- له كتاب الظاهر عدم ذكر توثيق له من السادسة.

(6)- السراد ثقة جليل القدر له كتب كثيرة … من السادسة.

(7)- له اصل كبير جليل القدر … من الخامسة.

(8)- ثقة … من الخامسة.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 350

كما قال في الجواهر، و أما التعليل المذكور في صحيح حماد «1» فقوله (عليه السلام) «لا تنظر في المرآة و انت محرم فانه (فانها) من الزينة «و ما في صحيح حريز لا تكتحل المرأة المحرمة بالسواد ان السواد زينة» «2» و أما المرسل فهو

قول الكليني: و في رواية اخري: لا يلبسه للزينة «3»

و بمفهوم خبر مسمع يقيد اطلاق خبر نجيح عن ابي الحسن (عليه السلام) قال: لا بأس بلبس الخاتم للمحرم «4» مع ما فيه من ضعف السند بمنج، و مجمل صحيح ابن بزيع «قال: رأيت العبد الصالح (عليه السلام) و هو محرم و عليه خاتم و هو يطوف طواف الفريضة» «5» و صحيحه الآخر قال «رأيت علي ابي الحسن الرضا (عليه السلام) و هو محرم خاتما ««6» ان ذلك كان من الامام عليه السلام للسنة او بقصد آخر غير الزينة.

هذا ان قلنا بانجبار ضعف خبر مسمع بالعمل و الا فلا دليل علي حرمة لبس الخاتم بالخصوص الا ان نقول: بدخوله في التزين الثابت حرمته علي المحرم كما عليه المشهور و يدل عليه الروايات، و لكن لا محيص من تقييد اطلاقها او عمومها بفعل الامام عليه السلام الا ان القدر المتيقن منه ما لم يكن للزينة و كان للسنة.

و أما الكفارة فالظاهر عدم الدليل عليها الا رواية قرب الاسناد عن عبد الله ابن الحسن العلوي عن جده علي بن جعفر عن اخيه موسي بن جعفر عليهم السلام قال: لكل شي ء جرحت (خرجت خ) من حجك فعليك فيه دم تهريقه حيث

______________________________

(1)- وسائل الشيعة ب 34 من ابواب تروك الاحرام، ح 1.

(2)- وسائل الشيعة ب 33 من ابواب تروك الاحرام، ح 4.

(3)- وسائل الشيعة ب 46 من ابواب تروك الاحرام، ح 2.

(4)- وسائل الشيعة ب 46 ابواب تروك الاحرام ح 1.

(5)- وسائل الشيعة ب 46 ابواب تروك الاحرام ح 3

(6)-- وسائل الشيعة ب 46 ابواب تروك الاحرام ح 6.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 351

شئت «1» و قد مر الكلام فيها

و الجواب عن تضعيف سنده بعبد الله بن الحسن، و لكن الاستدلال بها لوجوب الكفارة في المحرمات التي لم يرد في كفارتها نص مبني علي كون النسخة (جرحت) و الله هو العالم

[مسألة 46 من المحرمات] «لبس المرأة المحرمة الحلي»

مسألة: 46 اعلم انه قد وردت في لبس المرأة المحرمة الحلي روايات

منها: ما في صحيح الحلبي عن ابي عبد الله (عليه السلام): «قال: المحرمة لا تلبس الحلي» «2» و ظاهره الاطلاق بالنسبة الي كل حلي و بالنسبة الي الابقاء يمكن دعوي اطلاقه بدعوي عدم الفرق فيه بين الاحداث و الابقاء كاللباس

و منها: رواية النضر بن سويد عن ابي الحسن (عليه السلام) و في سنده سهل و فيها «و لا حلياً تتزين به لزوجها» و فيه ايضاً «و لا تلبس حلياً» «3» و يمكن ان يقال: ان الممنوع منه هو الحلي الخاص الذي تتزين به لمناسبه خاصة لا ما تتزين به النساء علي حسب عاد تهن فيقيد به اطلاق صحيح الحلبي و قريب منه صحيح عبد الرحمن بن الحجاج قال «سألت ابا الحسن (عليه السلام): عن المرأة يكون عليها الحلي و الخلخال و المسكة و القرطان من الذهب و الورق تحرم فيه و هو عليها، و قد كانت تلبسه في بيتها قبل حجها أ تنزعه اذا احرمت او تتركه علي حاله قال: تحرم فيه و تلبسه من

______________________________

(1)- قرب الاسناد: 237 ح 928

(2)- وسائل الشيعة: ب 49 من ابواب تروك الاحرام، ح 2.

(3)- وسائل الشيعة: ب 49 من ابواب تروك الاحرام، ح 3.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 352

غير ان تظهره للرجال في مركبها و مسيرها» «1».

فان الظاهر منه: ان المجوز منه ما كان تعتاد التزين به في بيتها نعم لا صراحة لها في حكم احداث

التزين به الا ان يقال: بعدم الفرق بين ما كان تعتاد بالتزين به بين الاحداث و الابقاء و القدر المتيقن منها هو صورة ابقائه.

و منها صحيح حريز عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال «اذا كان للمرأة حلي لم تحدثه للاحرام لم تنزع حليها» «2» و هذا ايضاً محمول علي ما كان عليها من المعتاد.

و منها صحيح محمد بن مسلم عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال «المحرمة تلبس الحلي كله الا حلياً مشهوراً للزينة» «3» و ظاهره جواز لبس الحلي مما ليس مشهوراً و مما هو من المشهور اذا لم يكن للزينة الا ان يكون للزينة قيداً لما هو المشهور يعني المشهور الذي هو للزينة و كيف كان يقيد به ما يدل بالاطلاق علي النهي عن حرمة الحلي المشهور.

و منها صحيح الكاهلي عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: «تلبس المرأة المحرمة الحلي كله الا القرط المشهور و القلاة المشهورة» «4» و نسبته مع الروايات السابقة غير الاخيرة معلومة مقيد لإطلاقها و حاصل الجميع حرمة الحلي المشهور للزينة و لكن قد افاد بعض الاعلام بوقوع التعارض بينه و بين صحيح محمد بن مسلم لان مقتضي عقد الاستثناء في صحيح محمد بن مسلم يعني قوله «الا حلياً مشهوراً للزينة» حرمة ما كان من الحلي

مشهوراً سواء كان القرط و القلادة او غيرهما و مقتضي عقد المستثني

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 49 من ابواب تروك الاحرام، ح 1.

(2)- وسائل الشيعة: ب 49 من ابواب تروك الاحرام ب 49 ح 1.

(3)- وسائل الشيعة: ب 49 من ابواب تروك الاحرام، ح 4.

(4)- وسائل الشيعة: ب 49 من ابواب تروك الاحرام، ح 6.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 353

منه في صحيح الكابلي

اي «تلبس المرأة المحرمة الحلي كله» جواز غير القرط و غير القلاة كالسوار و الخلخال المشهورين فيقع التعارض بينهما في الحلي المشهور غير القرط و غير القلادة فالمرجع بعد التعارض صحيح الحلبي الدال علي حرمة لبس الحلي و النتيجة الحاق غير القرط و غير القلادة اليهما في الحكم اذا كان حلياً مشهوراً بارزاً الا اذا كان عليها قبل حجها فلا يجب نزعه من غيران تظهره للرجال «1».

[مسألة 47 و من محرمات الإحرام الادهان اذا كان فيه الطيب]

عدم جواز الادهان اذا كان فيه الطيب

مسألة: 47 و مما هو محرم حال الاحرام استعمال دهن فيه طيب.

قال في الجواهر «بلا خلاف و لا اشكال بل في المنتهي اجمع علماؤنا علي انه يحرم الادهان في حال الاحرام بالادهان الطيبة كدهن الورد و البان، و الزيبق، و هو قول عامّة اهل العلم و تجب له الفدية اجماعاً» «2» و امّا استعماله قبل الاحرام فلا يجوز ايضاً اذا كان ريحه يبقي بعد الاحرام قال ايضاً في الجواهر كما في القواعد و محكي النهاية و السرائر بل في المدارك نسبته الي الاكثر لحرمة الطيب للمحرم ابتداءً و استدامةً و لقول الصادق (عليه السلام) في حسن الحلبي و صحيحه «لا تدهن حين تريد ان تحرم بدهن فيه مسك و لا عنبر من اجل ان رائحته تبقي في رأسك بعد ما تحرم و ادهن بما شئت من الدهن حين تريد ان تحرم فاذا احرمت فقد حرم عليك الدهن حتي تحل». «3»

و ورد في الجواهر القول بالكراهة المحكي عن الجمل و العقود و الوسيلة

______________________________

(1)- المعتمد: 4/ 186.

(2)- جواهر الكلام: 18/ 374.

(3) وسائل الشيعة، ب 29 من ابواب تروك الاحرام، ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 354

و المهذب بانّه كالاجتهاد في مقابل النص و امّا

الادهان بغير المطيّب فان كان قبل الاحرام فعن التذكرة الاجماع علي جوازه بل مقتضي الاصل و كذا النصوص جوازه اذا لم تبق رائحته. «1»

و الظاهر انه لا وجه للتفصيل في الادهان بغير المطيب بين ما تبقي عينه و بين غيره بعدم الجواز في الاول و الجواز في الثاني قياساً علي المطيب فانه اذا كان مما بقيت عينه لا يجوز و ان ذهبت رائحته، و ان لم تبق العين و الرائحة يجوز فانه من القياس الذي ليس في مذهبنا، مضافاً الي انه يمكن الخدشة في المقيس عليه ايضاً بعدم استفادة عدم الجواز من النصوص اذا كان الدهن المطيب مما تذهب رائحته و تبقي عينه.

و كيف كان و ان كان بعد الاحرام فلا يجوز الادهان بما ليس بمطيب اختياراً لصحيح الحلبي المتقدم، و صحيح معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: «اتق قتل الدواب كلها و لا تمس شيئاً من الطيب و لا من الدهن في احرامك» «2» و لغيرهما من الروايات مما يدل علي جواز الادهان بعد غسل الاحرام كصحيح الحسين بن ابي العلا «3» و صحيح هشام «4» و ما يدل علي جوازه في حال الاضطرار كصحيح ابن مسلم «5» و صحيح هشام «6»

و أما كفارة الادهان فقيل ان مقتضي الاصل العدم لعدم ورود نص فيها و عن

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 18/ 375

(2)- التهذيب ج 5 ح 1006 و وسائل الشيعة، ب 29 من ابواب تروك الاحرام، ح 3.

(3)- وسائل الشيعة، ابواب تروك الاحرام، ح 4.

(4)- وسائل الشيعة، ب 30 من ابواب تروك الاحرام، ح 6.

(5)- وسائل الشيعة، ب 31 من ابواب تروك الاحرام، ح 2.

(6)- وسائل الشيعة، ب 31 من ابواب تروك

الاحرام، ح 1

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 355

جماعة انها دم شاة و روي في الصحيح عن معاوية بن عمار: في محرم كانت به قرحة فداواها بدهن بنفسج؟ قال: ان كان فعله بجهالة فعليه طعام مسكين و ان كان تعمد فعليه دم شاة يهريقه «1»

و لكن الظاهر انه مورده الدهن المطيب لا غيره مضافاً الي ما قيل انه لم يثبت كونه رواية عن الامام (عليه السلام) «2» و ان رد ذلك بان مثل معاوية بن عمّار لا يقول بذلك من عنده و اجتهاده نعم هنا ايضاً رواية قرب الاسناد و قد عرفت الكلام فيه. و الله هو العالم.

[مسألة 48 من محرمات الإحرام إزالة الشعر عن البدن]

اشارة

حرمة ازالة الشعر عن البدن علي المحرم

مسألة: 48 و مما يحرم علي المحرم ازالة الشعر قليله و كثيره عن بدنه او بدن غيره محرماً كان او محلّا

امّا بالنسبة الي بدنه ففي الجواهر ادعي الاجماع عليه بقسميه حتي الشعرة و نصفها عن الرأس او اللحية او الابط او غيرها بالحلق او القص او النتف او النورة او غيرها و حكي عن التذكرة و المنتهي اجماع العلماء و يدل عليه الكتاب و الروايات الكثيرة «3».

و قد ذكر في الجواهر طائفة منها و قال «و غير ذلك من النصوص نعم مع الضرورة من اذية قمل او قروح او صداع او حر او غير ذلك لا اثم بلا خلاف اجده فيه بل الاجماع بقسميه عليه مضافاً الي الاصل و عموم ادلتها و إلي نفي العسر

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ب 4 من ابواب بقية كفارات الاحرام، ح 5.

(2)- المعتمد: 4/ 193

(3)- جواهر الكلام: 18/ 378 و 379

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 356

و الحرج و الضرر و الضرار و الآية «1»

و صحيح حريز عن ابي

عبد الله (عليه السلام) قال: «مر رسول الله صلي الله عليه و آله علي كعب بن عجرة الانصاري و القمّل يتناثر من رأسه فقال: أ تؤذيك هوامك؟ فقال: نعم فنزلت الآية فامره رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم بحلق رأسه و جعل عليه الصيام ثلاثة ايّام و الصدقة علي ستة مساكين لكل مسكين مدّان، و النسك شاة

و قال ابو عبد الله (عليه السلام): و كل شي ء في القرآن «او» فصاحبه بالخيار يختار ما شاء و كل شي ء في القرآن فمن لم يجد كذا فعليه كذا فالاول الخيار» «2» اي هو المختار و ما بعده عوض عنه مع عدم امكانه.

و في الفقيه «مر النبي صلي الله عليه و آله علي كعب بن عجرة «3»» و ذكر نحو ما رواه الشيخ و رواه الكليني عن حريز عمن اخبره عن ابي عبد الله (عليه السلام) «4» و اورد علي الاستدلال برواية حريز بارساله علي طريق الكليني و ان كان طريق الشيخ «5» صحيحاً لرواية حريز الحديث عن الامام بلا واسطة الا انه يبعد كونهما روايتين، سمع احداهما حريز بنفسه عن الامام عليه السلام و الاخري سمعها عنه (عليه السلام) من اخبر بها حريز

و علي هذا و ان لا يثبت بذلك ارسال الحديث لاحتمال زيادة قوله (عمن اخبره) في طريق الكافي لا يثبت بطريق التهذيب ايضاً كونه مسنداً لاحتمال اسقاط

______________________________

(1)- فَمَنْ كٰانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذيً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيٰامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ (البقرة 196).

(2)- وسائل الشيعة ب 14 من ابواب بقية كفارات الاحرام ح 1.

(3)- من لا يحضره الفقيه: 2/ 358 ح 2697

(4)- الكافي: 4/ 358

(5)- التهذيب: 5/ 333 ح 1147

فقه الحج

(للصافي)، ج 3، ص: 357

قوله (عمن اخبره) عنه.

و كيف كان فالحكم بالجواز عند الضرورة بالآية الشريفة و بقاعدة نفي الضرر مع دعوي الاجماع عليه بقسميه.

هذا و أما الكلام في كفارة ازالة الشعر عند الضرورة فالظاهر انه لا فرق بين ما يوجب الضرورة المجوزة لها الا انه قد حكي في الجواهر عن المنتهي التفصيل فقال «لو كان له عذر من مرض او وقع في رأسه قمل او غير ذلك من انواع الاذي جاز له الحلق اجماعاً للآية و للأحاديث السابقة ثمّ ينظر فان كان الضرر اللاحق به من نفس الشعر فلا فدية عليه كما لو نبت في عينيه او نزل شعر حاجبه بحيث يمنعه الابصار لان الشعر اضرّ به فكان له ازالة ضرره كالصيد اذا صال عليه،

و ان كان الاذي من غير الشعر لكن لا يتمكن من ازالة الاذي الا بحلق الشعر كالقمل و القروح برأسه و الصداع من الحر بكثرة الشعر وجبت الفدية لانه قطع الشعر لإزالة ضرره عنه فصار كما لو أكل الصيد في المخمصة «1»».

و يمكن ان يقال: بشمول الآية لوجوب الفدية في الصورتين.

ثمّ انه قال في الجواهر (ان الظاهر عدم الخلاف بل و لا اشكال في عدم جواز ازالة المحرم شعر غيره المحرم بل في المدارك الاجماع عليه و أما شعر المحل فعن الشيخ في الخلاف جوازه «2» و لكن يدل علي حرمته محلا كان الغير ام محرماً ما في صحيح

معاوية بن عمار عن الصادق (عليه السلام): «لا يأخذ الحرام من شعر الحلال» «3» فانه يدل بالاولوية علي النهي من شعر الحرام. و هل تجب فيه الفدية؟ مقتضي الاصل عدمها.

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 18/ 379

(2)- جواهر الكلام: 18/ 381.

(3)- وسائل الشيعة ب 63 ابواب

تروك الاحرام ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 358

ثمّ ان الظاهر ايضاً كما استظهره في الجواهران المحرم ازالة الشعر بالحلق و النتف و ما يتعارف ازالته به دون الحك الذي لم يعلم ترتبها عليه اذا لم يقصدها به «1».

[مسألة 49] الكلام في الاضطرار الي حلق الرأس

مسألة: 49 اذا اضطر المحرم الي حلق رأسه فلا ريب في جوازه و في انه يجب عليه الفدية بالكتاب و السنة، الصيام او الصدقة او النسك.

و قد فسر في الروايات مثل صحيح زرارة «الصيام بصوم ثلاثة ايام و النسك بذبح شاة و الصدقة علي ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع» «2» و في رواية حريز التي سمعتها لكل مسكين مدّان لا خلاف في ذلك بينهم الا ان في بعض الروايات و الفتاوي عشرة مساكين.

و هو ما رواه الشيخ في التهذيب عن موسي بن القاسم «3» عن محمد بن عمر بن يزيد «4» عن محمد عن عذافر «5» عن عمر بن يزيد «6» عن ابي عبد الله (عليه السلام) و فيه

في تفسير الآية «او الصدقة علي عشرة مساكين يشعهم من الطعام» «7»

و قال في الجواهر (الاشهر في الرواية و الفتوي علي ما في كشف اللثام كون

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 18/ 381.

(2)- التهذيب ج 5 ح 62- 1149.

(3)- البجلي ثقة جليل.. من السابعة.

(4)- بياع السابري له كتاب من السادسة.

(5)- الخزاعي له كتاب ثقة من الخامسة.

(6)- السابري ثقة له كتاب من الخامسة.

(7)- التهذيب ج 5 ص 166 ب 25 ح 1148- 61.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 359

الصدقة علي ستة مساكين لكل مسكين مدان و أمّا العشرة فقد سمعت خبر عمر بن يزيد عن الصادق (عليه السلام) الا ان فيه (يشبعهم)، و خير بينهما في التهذيب و محكي الاستبصار و الجامع

و الدروس و في النافع بين عشرة امداد لعشرة و اثني عشر لستة، و عن النهاية و المبسوط الاحتياط باطعام عشرة و فيه ما لا يخفي بعد الاحاطة بما سمعته بل عن المختلف الاحوط الستة لكل واحد مدان، و في القواعد و محكي الوسيلة نحو ما في الكتاب (يعني الشرائع) عشرة لكل واحد منهم مد و لعل تعيين ذلك لكونه الذي يشبع به المسكين غالباً، و عن المقنعة و النهاية و المبسوط و السرائر ستة امداد لستة، و لم نعرف له مستنداً الا ما ارسله في الفقيه قال: و الصدقة علي ستة مساكين لكل مسكين صاع من تمر «1» و روي و مد من تمر علي ان المحكي في التهذيب من عبارة المقنعة «لكل مسكين مدان» و لعل الاقوي الستة لكل مسكين مدان لصحة مستنده بل في المدارك افتي به الشيخ و اكثر الاصحاب.

مضافاً الي ما سمعته من كونه الاشهر فتوي و رواية مع ضعف رواية العشر علي وجه (لا) تكافئه كي تجمع بينهما بالتخيير بين ذلك و بين اشباع العشرة خصوصاً بعد اشتماله علي ما لا يقول به الاصحاب من الاكل من الفداء بل عن الغنية نفي الخلاف عن الستة و ان كان لم يصرح بالمد و المدين و دعوي انجبار الخبر المذكور بالشهرة المحكية في المسالك يدفعها عدم تحقق ذلك بل لعل المتحقق خلافه اذ لم نعرفه

الا لمن سمعت، و كذا القول بالتخيير فانه و ان ذكره من عرفت الا انه بين اثني عشر مدّاً و اشباع العشرة او عشرة امداد لكل واحد مد و هو موقوف علي المكافأة و بالجملة فلا ريب في ان الاقوي الستة لكل واحد مدان «2».

______________________________

(1)- الفقيه ج

2 ص 358 ح 2697.

(2)- جواهر الكلام: 20/ 408 و 409

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 360

اقول: اما ضعف خبر محمد بن عمر بن يزيد فهو به لانه لم يوثق في كتب الرجال و لكن يمكن ان يقال بصحة الاعتماد عليه لاعتماد مثل موسي بن القاسم عليه و روايته عنه و قد قيل فيه «من اصحاب الرضا (ع) ثقة ثقة جليل واضح الحديث حسن الطريقة له ثلثون كتاباً مثل كتب الحسين بن سعيد مستوفاة حسنة»، و لا يخفي ان من كان موصوفاً بهذه الاوصاف واضح الحديث اذا روي عمن لا نعرفه يحصل الاطمينان بكونه موثوقاً به او كون ما روي مثله عنه موثوق الصدور و يعتمد عليه.

مضافاً الي ان الظاهر انه من اهل بيت في الحديث من الشيعة فان جده عمر بن يزيد بياع السابري الكوفي الثقة له كتاب و اخوه الحسين يروي عن ابيه عمر بن يزيد و محمد هذا يروي عن جدّه بواسطته و علي بن عمر بن يزيد ايضاً اخوه الآخر و هو و ابنه عمر بن علي ايضاً من المحدثين و احمد بن الحسين بن عمر ايضاً ابن اخيه من المحدثين.

و علي هذا يمكن تقرير القول بالتخيير بين الستة و العشرة بالجمع بين هذه الرواية و رواية الستة بحمل ظاهر كل منهما علي ما هو الآخر اظهر فيه فيقال: ان رواية الست نص في كفاية الست لكل مسكين مدان و ظاهر في تعين ذلك و عدم الاكتفاء بغيره و رواية العشرة نص في كفاية اشباع العشرة من الطعام الذي يحصل غالباً بمد منه و ظاهر في تعيّن ذلك و عدم الاكتفاء بغيره فترفع اليد عن ظاهر كليهما

بنص الآخر و يجعل نصّ كل

منهما قرينة علي عدم ارادة ظاهر الآخر الذي يستفاد منه بالاطلاق.

و أما القول بالاحتياط باطعام عشرة فان كان باعطاء كل واحد منهم مدان فيتحقق به و أمّا باعطاء كل منهم مداً و اشباعهم فلا يحصل به الاحتياط.

و أما وجه القول بالاحتياط بالست لكل واحد مدان فيمكن ان يكون علي

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 361

القول بالتخيير مع احتمال التعارض بين الخبرين و تقديم ما دل علي الاكتفاء بالست لصحة سنده و أما ما في الشرائع و الوسيلة من اطعام عشرة مساكين لكل منهم مد فقد سمعت ما قال الجواهر في وجهه الا انه ليس بوجيه لتعيين اطعام عشرة به، و أما وجه اكتفاء النهاية و المبسوط و السرائر و هو ستة امداد لستة فلعله ما ذكره من مرسل الفقيه و فيه ما لا يخفي.

هذا و قد ظهر من ذلك كله ان الاقوي هو القول بالتخيير نعم خبر محمد بن عمر بن يزيد قال في الجواهر مشتمل علي ما لا يقول به الاصحاب و هو جواز اكله من الفداء «1» قال: و النسك شاة يذبحها فيأكل و يطعم الا ان يقال: ان مجرد ذلك في الخبر لا يضر بصحة الاعتماد بسائره.

فعلي هذا يمكن ان يقال: ان الاقوي القول بالتخيير و ان كان الاحوط اختيار الستة لكل منهم مدان و احوط منه العشرة يعطي ستة منهم كل واحد منهم مدان و اربعة كل واحد منهم مداً و احوط من ذلك اختيار الصوم او النسك و الله هو العالم.

هذا كله فيما اذا اضطر المحرم الي حلق رأسه و أما اذا فعل ذلك مختاراً فربما يقال: بعدم الفرق في فديته بين حال الاختيار و الاضطرار فهو مخير بين الصيام

و الصدقة

و النسك و قال في الجواهر: عن النزهة: ان التخيير انّما هو لمن حلق رأسه من اذي فان حلقه من غير اذي متعمداً وجب عليه شاة من غير تخيير (قال) و مال اليه غير واحد من متأخري المتأخرين و لعله لاختصاص دليل التخيير بالاول دون الثاني فان ما سمعته من صحيح زرارة ظاهر في التعيين، و لا بأس به ان لم يكن اجماع علي عدم الفرق في خصال الفدية بين الضرورة و غيرها كما عساه يظهر من المنتهي

______________________________

(1) جواهر الكلام: 20/ 408 و 409

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 362

و نحو اطلاق المصنف فيحمل الصحيح المزبور علي ما ذكرناه اولا، و لكن الاحتياط باختيار الفرد المخصوص منها لا ينبغي تركه.

اقول: الاقوي بالنظر الي الآية و الروايات المفسرة لها التخيير بين الثلاثة اذا حلق للضرورة و أمّا اذا حلق اختياراً لا لضرورة توجه فلا يستفاد من هذه الروايات ان الحكم بالتخيير اعم يشمل صورة الاختيار كالاضطرار نعم لو كنّا و هذه الروايات فقط حيث لا ريب في تعلق الفدية به في حال الاختيار لقلنا بلزوم النسك لحال الاختيار للعلم الاجمالي باشتغال الذمة بالفدية و عدم حصول اليقين ببراءة الذمة الّا بالنسك دون الصدقة و الصيام.

مضافاً الي ان ذلك يستفاد من صحيح زرارة عن ابي جعفر (عليه السلام) قال: من حلق رأسه او نتف ابطه ناسياً او ساهياً او جاهلا فلا شي ء عليه و من فعله متعمداً فعليه دم.

و صحيحه الآخر قال: سمعت ابا جعفر (عليه السلام) يقول: من نتف ابطه او قلّم طفره او حلق رأسه او لبس ثوباً لا ينبغي له لبسه او اكل طعاماً لا ينبغي له اكله و هو محرم ففعل ذلك ناسياً او

جاهلا فليس عليه شي ء و من فعله متعمداً فعليه دم شاة.

و من اعتمد علي الاجماع المحكي في المسألة فافتي بعدم الفرق في التخيير بين الخصال الثلاثة بين صورة الاضطرار و الاختيار حملهما علي ارادة احد الافراد

بالنسبة الي حلق الرأس و انما ذكره لكون القدر المشترك بينه و بين الامور المذكورة معه، و ان اختص هو بفردين آخرين و لكنك تعلم ان ذلك لا يكفي في الاكتفاء بغير الدم آخذاً بالاجماع المحكي المذكور فالاقوي في المسألة هو الاقتصار في فدية حلق الرأس عمداً و اختياراً علي الدم و الله هو العالم.

ثمّ انّ الظاهر انه لا يعتبر في ثبوت الكفارة علي حلق الرأس حلق تمامه بل

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 363

يكفي في ذلك حلق ما يتحقق به مسمي حلق الرأس و عنوانه فاذا حلق رأسه و ابقي في قنته شيئاً تجب عليه الكفارة لصدق العنوان و المسمي دون ما اذا حلق بعضه و ابقي بعضه الآخر.

اللهم الّا ان يقال: ان ذلك تابع لما يستظهر من الدليل فان قلنا ان الظاهر منه ان المحرم حلق تمام الرأس يقال: انه يكفي في تحقق العنوان حلق معظم الرأس و صدق كونه محلوق الرأس و ان بقي منه جزء قليلا و أمّا ان قلنا ان الظاهر منه مجرد حلق الرأس و هو صادق علي خلق جزء منه كحلق اللحية فانه صادق علي حلق بعضها فيمكن ان يقال: بوجوب الفدية علي حلق البعض.

اللهم الا ان يقال: ان المتبادر من حلق الرأس الحلق المتعارف و هو حلق معظمه و ما هو مسماه عند العرف و لو قلنا باجمال الحديث فالقدر المتيقن هو مسمي حلق الجميع فلا فدية علي الاقل منه للاصل.

[مسألة 50] «لو مس لحيته او رأسه فوقع منها شي ء»

مسألة 50:

قال في الجواهر: (و لو مس لحيته او رأسه فوقع منها شي ء اطعم كفاً من الطعام) كما في النافع و القواعد و محكي المنتهي و الغنية و السرائر بل في المدارك

نسبته الي قطع الاصحاب بل عن ظاهر التذكرة الاجماع عليه الخ «1».

اقول: روايات المسألة مذكورة في الوسائل منها: صحيح منصور عن ابي عبد الله (عليه السلام) «في المحرم اذا مس لحيته فوقع منها شعرة؟ قال: يطعم كفاً من طعام او

______________________________

(1) جواهر الكلام: 20/ 410

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 364

- كفين.» «1»

و قيل فيه: ان التخيير بين الزائد و الناقص ظاهر في جواز الاجتزاء بالناقص و افضلية الزائد و هو كذلك و احتمال كون ذلك ترديداً من الراوي او بعض الرواة المتأخر عنه ضعيف و بناءً عليه ايضاً مقتضي الاصل جواز الاكتفاء بالاقل.

و في صحيح هشام قال أبو عبد الله (عليه السلام) «اذا وضع احدكم يده علي رأسه او لحيته و هو محرم فسقط شي ء من الشعر فليتصدق بكف من الطعام او كف من سويق و رواه الصدوق و لفظه «بكف من كعك او سويق» و مثله رواية الكليني. «2»

و في صحيح معاوية بن عمار قال: قلت: «لابي عبد الله (عليه السلام) المحرم يعبث بلحيته فتسقط منها الشعرة و الثنتان؟ قال: يطعم شيئاً» «3».

و في خبر الحسن بن هارون قال: قلت لابي عبد الله (عليه السلام): اني اولع بلحيتي و انا محرم فتسقط الشعرات؟ قال اذا فرغت من احرامك فاشتر بدرهم تمراً و تصدق به فان تمرة خير من شعرة «4» و في صحيح الحلبي عنه (عليه السلام) «ان نتف المحرم من شعر لحيته و غيرها شيئاً فعليه ان يطعم مسكيناً في يده» «5».

و ظاهر الجميع

وجوب الصدقة بشي ء من الطعام و ما في بعضها من التعيين بكف منه او تمر يشتري بدرهم محمول علي بيان ما يصدق عليه بشي ء من الطعام او الفرد الافضل.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ب 1 6 من ابواب بقية كفارات الاحرام ح 1.

(2)- وسائل الشيعة ب 16، ابواب بقية كفارات الحرام ح 5.

(3)- وسائل الشيعة، ب 16، ابواب بقية كفارات الاحرام ح 4.

(4)- وسائل الشيعة، ب 16، ابواب بقية كفارات الاحرام ح 4.

(5)- وسائل الشيعة، ب 16، ابواب بقية كفارات الاحرام ح 9.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 365

و لكن ظاهر خبر المفضل بن عمر و خبر ليث المرادي عدم شي ء عليه امّا الاول فرواه الشيخ في التهذيبين و سنده في الاستبصار «1» عن سعد بن عبد الله عن محمد بن الحسين عن جعفر بن بشير عن المفضل و في التهذيب «2» محمد بن الحسين عن جعفر بن بشير و المفضل و الظاهر كما يستفاد من كتابي طبقات رجال الكافي و طبقات رجال التهذيب ان جعفر بن بشير متأخر عن المفضل فهو من الطبقة السادسة و المفضل من الخامسة و ليس لابن بشير الرواية عن ابي عبد الله (عليه السلام) و لا عن المفضل فيهما فالظاهر ان الصحيح ما في الاستبصار و جعفر هذا مات سنة ثمان و مأتين بالابواء و استبعدت روايته عن الصادق عليه السلام لفصل ستين سنة بين موته و شهادة الامام الصادق (عليه السلام) فانها وقعت في سنة ثمان و اربعين و مائة.

و قال بعض الاعلام (ان روايته عن الصادق (عليه السلام) منحصر بالواحدة «3» فان كان مراده منها هذه الرواية فقد عرفت الكلام فيه و ان كان غيرها فلم نعرفها، و ممّا يؤيد

نسخة الاستبصار عدم رواية محمد بن الحسين بلا واسطة عن المفضل فراجع في ذلك ايضاً ان شئت كتابي الطبقات و كيف كان فان كان في السند شي ء فهو بالمفضل

الا ان الارجح الاعتماد عليه.

و لفظ الحديث هكذا قال «دخل النباجي علي ابي عبد الله (عليه السلام) فقال: ما تقول في محرم مسّ لحيته فسقط منها شعرتان؟ فقال ابو عبد الله (عليه السلام): لو مسست لحيتي فسقط منها عشر شعرات ما كان علي شي ء «و مقتضي الجمع بينها و بين الروايات المتقدمة حمل المتقدمة علي الاستحباب الا ان يقال: ان الظاهر منها هي الكفارات المتعارفة

______________________________

(1)- الاستبصار: 2/ 198 ح 667.

(2)- التهذيب: 5/ 339/ 1173.

(3)- المعتمد: 4/ 210

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 366

من الدم و الشاة او يقال: بانها بعمومها تدل علي انه ليس في سقوط الشعرات بمس اللحية شي ء من الدم و الشاة و غيرهما و بالروايات السابقة يخصص عمومها و يقال بوجوب شي ء من الطعام.

و أما الرواية الثانية فهي ما رواه الشيخ بسنده عن المفضل بن صالح عن ليث المرادي قال «سألت ابا عبد الله (عليه السلام) عن رجل يتناول لحيته و هو محرم يعبث بها فينتف منها الطاقات يبقين في يده خطأ او عمداً؟ فقال لا يضره «فهي ضعيفة بالمفضل بن صالح. ثمّ انه قد استثني من وجوب الفدية لو مس لحيته و رأسه فوقع منها شي ء، ما اذا فعل ذلك في وضوء الصلاة و اراد به اسباغ الوضوء للاصل و الحرج.

و صحيح هيثم بن العروة التميمي، قال «سئل رجل ابا عبد الله (عليه السلام) عن المحرم يريد اسباغ الوضوء فيسقط من لحيته الشعرة و الشعرتان؟ فقال: ليس بشي ء ما جعل عليكم في الدين من

حرج «1».

و هل يلحق بالوضوء الغسل بل التيمم و ازالة النجاسة لا يبعد ذلك.

هذا. مضافاً الي استفادة وجوب الفدية في المستثني منه من الروايات لا يخلو من الاشكال فالقول بالوجوب فيه مبني علي الاحتياط.

[مسألة: 51] الكلام في نتف الابط او الابطين

مسألة: 51 قال في الجواهر: (و لو نتف احد ابطيه اطعم ثلاثة مساكين و لو نتفهما لزمه شاة) بلا خلاف اجده في الثاني منهما لصحيح حريز سمعت ابا جعفر (عليه السلام) يقول «من حلق رأسه او نتف ابطيه ناسياً او ساهياً

______________________________

(1)- وسائل الشيعة ب 16 من ابواب بقية كفارات الاحرام ح 6.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 367

او جاهلا فلا شي ء عليه و من فعله متعمداً فعليه دم».

بل و الاول الا من بعض متأخري المتأخرين لخبر عبد الله بن جبلة عن ابي عبد الله (عليه السلام) في محرم نتف ابطه؟ قال: يطعم ثلاثة مساكين «و المناقشة بضعف السند يدفعها الانجبار بالعمل خصوصاً عن مثل من لا يعمل الا بالقطعيّات كابني زهره و ادريس علي انه معتضد بمفهوم الشرط في الصحيح الاول المقتضي عدم الدم في نتف احد الابطين بل من ذلك يعلم ان المراد بالابط فيما مر من صحيح زرارة الذي اوجب فيه الدم الابطين بل و كذا ما في صحيح حريز السابق علي ما رواه في الفقيه من الافراد بل قد يقال ان الغالب نتف الابطين معاً فينصرف اطلاق الابط اليه، و ان كان مقتضي ذلك عدم الوثوق بالمفهوم المزبور لخروج الشرط حينئذ مخرج الغالب بل و اطلاق خبر ابن جبلة لكن في الرياض لا ضير في ذلك بعد الاجماع علي لزوم شي ء في نتف الابط الواحدة امّا الاطعام او الشاة و لا دليل علي الثاني مع مخالفته لأصل البراءة فتعين

الاول و يمكن جعل هذا الاجماع قرينة علي رجوع الاطلاق في الرواية الي خصوص غير الغالب تخصيصاً او تجوزاً و هما سائغان و لا بأس في المصير اليهما بعد تعذر الحقيقة، و ان كان فيه من المناقشة ما لا يخفي نعم قد يقال: ان شهرة الاصحاب ترجح الغلبة التي تقتضي صرف اطلاق الابط في خبر ابن جبلة في الابطين و خصوصاً بعد عدم

القائل به بل الاجماع علي لزوم الشاة فيهما» «1»

و قد الحق جماعة حلق الابطين بنتفهما و كذا نتف الابط الواحدة و لا بأس به و علي كل حال فالحكم هنا مستثني مما سمعته سابقاً من التخيير في الفداء بين الصيام و الصدقة و النسك في ازالة الشعر.

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 20/ 413.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 368

اقول: امّا ما اشار اليه من صحيح حريز فهو ما رواه الشيخ في التهذيب «1» باسناده عن حريز عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا نتف الرجل ابطيه بعد الاحرام فعليه دم و في الاستبصار عن ابي جعفر (عليه السلام) «2» و رواه الصدوق عن حريز عن ابي عبد الله (عليه السلام)، و لفظه (ابطه) «3».

و علي هذا يتردد لفظ الحديث بين كونه (ابطيه) و كونه (ابطه) و القدر المتيقن منه و جوب الدم إذا نتف ابطيه دون ابط واحد.

و امّا صحيح زرارة عن ابي جعفر (عليه السلام) قال «من حلق رأسه او نتف ابطه ناسياً او ساهياً او جاهلا فلا شي ء عليه، و من فعله متعمداً فعليه دم» «4» و في صحيحه الآخر المحتمل كونه و الاول واحداً عنه (عليه السلام): من نتف ابطه او قلم ظفره او حلق رأسه ناسياً او جاهلا فليس عليه شي ء

و من فعله متعمداً فعليه دم شاة «5».

و هل قوله نتف ابطه ظاهر في نتف ابطيه لانه المتعارف او هو اعم من ذلك و يصدق علي نتف ابط واحد و علي الثاني يمكن تقييد اطلاقه بخبر عبد الله بن جبلة عن ابي عبد الله (عليه السلام) «في محرم نتف ابطه؟ قال: يطعم ثلاثة مساكين» «6» بعد قبول جبر ضعف سنده بعمل الاصحاب، و هل قوله (نتف ابطه) ظاهر في جنس نتف الابط او ظاهر في نتف ابط واحد الظاهر انه في روايتي زرارة و في رواية ابن جبلة ظاهر في جنس نتف الابط الذي يتحقق بنتف ابط واحد و علي هذا لا وجه لحمل

______________________________

(1)- التهذيب، ج 5، ص 340، ح 1177/ 90.

(2)- الاستبصار، ج 2، ص 199، ب 126، ح 675/ 1.

(3)- الفقيه، ج 2، ص 357 ح 2693.

(4)- وسائل الشيعة، ب 10 من ابواب بقية كفارات الاحرام، ح 1.

(5)- وسائل الشيعة، ب 10 من ابواب بقية كفارات الاحرام، ح 6.

(6)- وسائل الشيعة، ب 11 من ابواب بقية كفارات الاحرام، ح 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 369

خبر ابن جبلة علي ابط واحد و حمل صحيحي زرارة علي ابطيه و علي جنس الابط و تقييده بخبر ابن جبلة.

فمقتضي ذلك امّا القول بتعارضهما و ترجيح صحيح زرارة علي خبر ابن جبلة و امّا القول بالتخيير في كفارة نتف الابط بناء علي قوة سند عبد الله بن جبلة بن حيان بن بجر الكناني لان محمد بن الحسين بن ابي الخطاب الذي يروي هذا الخبر بواسطة محمد بن عبد الله بن هلال عن ابن جبلة موصوف بجلالة القدر و كثرة الرواية ثقة عين حسن التصانيف مسكون الي روايته و

من كان موصوفاً بمثل ذلك لا يروي ما لا يعتمد عليه و عن من لا يعتمد به فعلي هذا يقال بحمل ظاهر كل منهما الدال علي التعيين علي ما هو الآخر اظهر فيه و هو كفاية الدم او الاطعام.

و مقتضي الاحتياط اطعام ثلاثة مساكين لنتف ابط واحد و دم شاة لنتفهما جميعاً.

[مسألة: 52 و من محرمات الإحرام قص الاظفار]

اشارة

«الكلام في قص الاظفار»

مسألة: 52 و من المحرمات علي المحرم قص الاظفار.

قال في الجواهر (بلا خلاف اجده فيه. بل الاجماع بقسميه عليه. بل في المنتهي و التذكرة نسبته الي علماء الامصار) «1» و في صحيح زرارة روي عنه الشيخ باسناده عن ابي جعفر (عليه السلام) قال «من قلم اظافيره ناسيا او ساهيا او جاهلا فلا شي ء عليه، و من فعله متعمدا فعليه دم «2».

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 18/ 411.

(2)- التهذيب: 5 ص 333 ح 1145/ 58

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 370

و صحيحه الآخر «قال: سمعت ابا جعفر (عليه السلام) يقول: من نتف ابطه او قلم ظفره او حلق رأسه او لبس ثوبا لا ينبغي له لبسه او اكل طعاما لا ينبغي له اكله و هو محرم ففعل ذلك ناسيا او جاهلا فليس عليه شي ء و من فعله متعمدا فعليه دم شاة) «1».

و صحيح معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال «سألته عن الرجل المحرم تطول اظفاره قال: لا يقص شيئا منها ان استطاع فان كانت تؤذيه فليقصها، و ليطعم مكان كل ظفر قبضة من طعام» «2»

و في موثق اسحاق بن عمار عن ابي الحسن (عليه السلام) قال «سألته عن رجل احرم فنسي ان يقلم اظفاره؟ قال: فقال: يدعها قال: قلت: انها طوال؟ قال: و ان كانت. قلت: فان رجلا افتاه ان

يقلمها و يغتسل و يعيد احرامه ففعل؟ قال: عليه دم» «3»

و المستفاد من هذه الروايات عدم الفرق في حرمة القص بين الواحد و الجميع اذا لم تؤذه و أما اذا كانت تؤذيه و لا يستطيع ان لا يقصها يقصها و يطعم لكل ظفر قبضة من الطعام.

و قال في الجواهر (قوله: (ان استطاع) ظاهر في بلوغه الي حد الضرورة، لكن قد يقال: ان المراد بالاستطاعة فيه الاذية بقرينة قوله: (فان) … الخ نعم قد يقال: ان المنساق من الادلة فيه و في معقد نفي الخلاف الوصول الي حد الضرورة التي يسقط معها التكليف خصوصا بعد عدم معروفية غيرها في سائر المقامات و موافقته للاحتياط بل منه يستفاد عدم الفرق بين الكل و البعض كما صرح به غير واحد) «4»

______________________________

(1)- التهذيب: 5 ص 369 و 370 ح 1287/ 200.

(2)- وسائل الشيعة ب 77 ابواب تروك الاحرام ح 1.

(3)-- وسائل الشيعة ب 77 ابواب تروك الاحرام ح 2.

(4)- جواهر الكلام: 18/ 412

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 371

اقول: يمكن ان يقال: السؤال عن ذلك انما يتجه اذا لم يصل ما يؤذيه الي حد وقع في العسر و الحرج و اضطر الي القص و الا تكون حرمته منفية بالقاعدة فالظاهر ان المدار في جواز القص الاذية العرفية. بل يمكن ان يقال: بعدم الفداء ان وصلت الضرورة الي حد لا يستحسن معها التكليف عقلا.

[مسألة: 53] «الكلام في كفارة التقليم»

مسألة: 53 في كفارة التقليم في الصحيح عن ابي بصير قال «سألت ابا عبد الله (عليه السلام) عن رجل قلّم ظفراً من اظافيره و هو محرم؟ قال: عليه مد من طعام حتي يبلغ عشرة فان قلم اصابع يديه كلها فعليه دم شاة قلت: فان قلم اظافير يديه

و رجليه جميعاً؟ فقال: ان كان فعل ذلك في مجلس واحد فعليه دم و ان كان فعله متفرقاً في مجلسين فعليه دمان. «1»

و رواه الشيخ في التهذيب و الاستبصار الا انه قال «عليه في كل ظفر قيمة مد من طعام» «2».

و الصحيح نص في ان كفارة قلم اصابع يديه كلها دم شاة و في قلم اظفار يديه و رجليه جميعاً في مجلس واحد ايضاً دم شاة و اذا كان ذلك متفرقين فعليه دمان و امّا كفارة كل ظفر الي ان يبلغ العشرة فعلي نسخة الفقيه مد من طعام و علي النسختي التهذيب و الاستبصار (قيمة مدّ من الطعام)

و قال بعض الاجلاء من المعاصرين «لا ريب ان الترجيح مع الفقيه بوجهين:

______________________________

(1)- الفقيه: ج 2، ص 356 ح 2679.

(2)- التهذيب، ج 5، ص 332، ب 25، ح 1141/ 54- الاستبصار، ج 2، ص 194، ب 121، ح 651/ 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 372

الاوّل: ان الصدوق اضبط من الشيخ كما يظهر ذلك بوضوح لمن يراجع كتاب التهذيب و الاستبصار قال في الحدائق: (لا يخفي علي من راجع التهذيب و تدبر اخباره ما وقع للشيخ (ره) من التحريف و التصحيف في الاخبار سنداً و متناً، قلّما يخلو حديث من احاديثه من علة في سند او متن) و ما ذكره لا يخلو من اغراق و مبالغة الا ان القدر المسلم ان الشيخ اكثر اشتباهاً من الصدوق، و يؤيد ما ذكرنا ان الشيخ استدل لما ذكره المفيد في المقنعة برواية ابي بصير و المذكور في المقنعة (مد من الطعام) فذكر القيمة في رواية ابي بصير لا بد ان يكون اشتباهاً و الا لا يصلح خبر ابي بصير دليلا لما ذكره

المفيد في المقنعة فالمعتمد انّما هو رواية الفقيه.

الثاني: ان قيمة مد من طعام لا يمكن ان تكون كفارة لاستحالة التخيير بين الاقل و الاكثر فان الطعام اسم للحنطة و الشعير و التمر و الارز و نحوهما و قيمة هذه الامور مختلفة فكيف يمكن جعل قيمة هذه الامور ملاكاً للواجب فالاقل مما يصدق

عليه قيمة الطعام يكون مصداقاً للواجب. «1»

أقول: اما كون الصدوق اضبط من الشيخ فقد قلنا سابقاً انه لا يثبت بما ذكره، و الا يوجد في.

الفقيه بعض ما يؤخذ به مما ليس في التهذيبين و الانصاف ان وجود بعض ما يوجد بالطبع في كل كتاب و يصدر عن كل كاتب لا يجعل الكتاب مورداً للطعن و الاشكال.

و أما الاستشهاد بما في المقنعة ففيه: انه و ان كان كما ذكره الا انه لا يدل علي سهو الشيخ بل يدل علي ان روايته كانت كما رواها و انما جعلها دليلا علي ما في المقنعة لعدم خصوصية عنده في قيمة الطعام و انه اذا كانت القيمة مجزية فنفس الطعام اولي بان يكون مجزياً مضافاً الي انه روي الحديث في الاستبصار بلفظ التهذيب و

______________________________

(1)- المعتمد: 4/ 254.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 373

بالجملة المظنون ان المروي له كان كما رواه.

و أما استحالة التخيير بين الاقل و الاكثر فيمكن ان يكون الواجب في كل من الاطراف ما يأتيه بقصد قيمة الطعام الخاص.

و علي كل ذلك يمكن ان يقال: ان غاية ما يستفاد من نسخة الشيخ عدم موضوعية عين الطعام و كفاية اداء قيمته و لا دلالة لها علي عدم كفاية الطعام فالاحتياط اداء عين الطعام.

و يؤيد ذلك خبر الحلبي المضمر انه سأله عن محرم قلّم اظافيره قال: عليه مد في كل

اصبع فان هو قلم اظافيره عشرتها فان عليه دم «1».

و لا يخفي عليك انه يقيد بصحيح أبي بصير اطلاق صحيح زرارة الدال علي ان كفارة قلم الظفر مطلقاً و ان لم يبلغ عشرة دم شاة. هذا ان لم نقل بان صحيح زرارة ظاهر في قلم الجميع و الا فلا تعارض بينهما.

لا يقال: قد دل قوله في صحيح معاوية بن عمّار المتقدم ذكره «لا يقص شيئاً منها ان استطاع فان كانت تؤذيه فليقصها و ليطعم مكان كل ظفر قبضة من الطعام» علي ان كفارة قصّ الظفر قبضة من الطعام فهو معارض بظاهره لصحيح ابي بصير فانّه يقال: يمكن ان يكون المراد من القبضة المد و الا فيقيد اطلاق صحيح ابي بصير بصحيح معاوية بن عمّار.

هذا و بازاء ما ذكر بعض الروايات مما لا يصلح الاحتجاج به لضعف سنده او لكون مضمونه مهجوراً متروكاً.

مثل رواية حماد عن حريز عمّن اخبره عن ابي جعفر (عليه السلام) «في محرم قلم ظفراً؟

______________________________

(1)- التهذيب: 5/ 332، ح 1142/ 55.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 374

قال: يتصدق بكف من طعام قلت: ظفرين؟ قال: كفين قلت: ثلاثاً؟ قال: ثلاثة اكف قلت: اربعة؟ قال: اربعة اكف قلت: خمسة؟ قال: عليه دم يهريقه فان قص عشرة او اكثر من ذلك فليس عليه الا دم يهريقه». «1»

و هذا ضعيف بالارسال.

و مثل صحيح حريز عن ابي عبد الله (عليه السلام) «في المحرم ينسي فيقلم ظفراً من اظافيره؟ قال: يتصدق بكف من الطعام قلت: فاثنتين؟ قال: كفين قلت: فثلاثة؟ قال: ثلاث اكف كل ظفر كف حتي يصير خمسة فاذا قلم خمسة فعليه دم واحد خمسة كان او عشرة او ما كان» «2»

و في الجواهر (و لكن الاول في الناسي

الذي لا شي ء عليه نصاً و فتوي بل الاجماع بقسميه عليه «3» هذا مضافاً الي احتمال وروده و ما قبله تقية لموافقته لفتوي ابي حنيفة. «4»

و أمّا احتمال كونهما رواية واحدة فالوجه له استبعاد رواية حريز لحمّاد تارة عن الامام مرسلا و تارة مسنداً و فيه: يضعف ذلك الاحتمال بان الذي رواه مرسلا مروي عن الباقر (عليه السلام) و ما رواه مسنداً مروي عن الصادق (عليه السلام) مختص بصورة النسيان و بما ذكر تعرف ضعف ما في المسألة من الاقوال.

ثمّ ان هنا فروع:

الاول: اذا كانت يده ناقصة اصبعاً واحداً او اكثر و قلم الباقي فهل يجب بقلم

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 12، ابواب بقية كفارات الاحرام ح 5.

(2)- وسائل الشيعة: ب 12، ابواب بقية كفارات الاحرام ح 3.

(3)- جواهر الكلام: 20/ 400.

(4)- راجع الخلاف م 100، من كتاب الحج، و التذكره: 8/ 22.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 375

ما بقي الدم او يكفي لكل ظفر مد يمكن ان يقال: انه يصدق عليه انه قلم اظافيره و اظافير يده او رجله فيجب عليه الدم و يمكن ان يقال: ان الظاهر منه الاظافير العشرة مضافاً الي ان ذلك مصرح به في صحيح ابي بصير فان فيه «حتي يبلغ عشرة» و في خبر الحلبي «قلم اظافيره عشرتها و عليه لا يجب عليه الا في كل ظفر مد من الطعام».

الثاني: في الاصبع الزائد لا فدية اذا كان قلم اصابعه العشرة و أمّا اذا لم يقلّم شيئاً من العشرة الاصلية هل يجب عليه بقلم الزائد الفدية يمكن ان يقال بوجوبها كما

انه محرّم عليه لان حرمة القلم لا يختص بالاصلي و لكن الغاء الخصوصية في الفدية مشكل و مقتضي الاصل عدم وجوبها و

ان كان لا ينبغي ترك الاحتياط بالاداء، و هل يكمل العشرة بقلم الزائد فيجب عليه الدم مشكل و مقتضي الاصل فيه ايضاً عدم الوجوب و الله العالم.

الثالث: اذا تخلل الكفارة بين كل ظفر و انتهي الي العشر الظاهر لا يجب عليه الدم.

الرابع: اذا كفّر بشاة لليدين ثمّ قلم الرجلين الظاهر انه تجب عليه شاة اخري لانه لو لم تجب يلزم خلو الرجلين عن الكفارة.

[مسألة 54] من افتي غيره بتقليم ظفره

مسألة 54: قال الشيخ قدس سره في النهاية «و من افتي غيره بتقليم ظفره فقلمه المستفتي فادمي اصبعه كان عليه دم شاة، «1» و به قال في

______________________________

(1)- النهاية/ 233

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 376

المبسوط «1» و هذا قول ابن البراج في المهذب «2»، و ابن ادريس في السرائر «3» و ابن حمزة في الوسيلة «4» و قال العلامة في التذكرة: من افتي غيره بتقليم ظفره فقلمه فادماه وجب علي المفتي دم شاة لانه الاصل في

اراقة الدم «5»».

و لأن اسحاق الصيرفي سأل الكاظم (عليه السلام) «ان رجلًا احرم فقلم اظفاره و كانت اصبع له عليلة فترك ظفره لم يقصه فافتاه رجل بعد ما احرم فقصه فادماه قال: علي الذي افتاه شاة» «6».

و قال في الجواهر (بلا خلاف اجده فيه) ثمّ ذكر الخبر و قال (المنجبر بعمل الاصحاب كما اعترف به غير واحد المشعرين بالاجماع عليه بل في موثقه «سأله ايضاً ان رجلًا افتاه ان يقلمها، و ان يغتسل و يعيد احرامه ففعل» قال: عليه دم بناء علي عود الضمير فيه الي المفتي و لكن ينبغي تقييده بالادماء ليوافق الخبر الاول المفتي بمضمونه، و لقاعدة الاقتصار فيما خالف الاصل علي المتيقن نعم الظاهر انه لا يشترط احرام المفتي و لا كونه من اهل

الاجتهاد لترك الاستفصال كما صرح به في الدروس و المسالك و غيرهما «7».

اقول: قد اعتمد الشيخ و مثل ابن ادريس الذي لم يعمل علي ما هو المعروف

______________________________

(1)- المبسوط: 1/ 349.

(2)- المهذب: 1/ 224.

(3)- السرائر: 1/ 553.

(4)- الوسيلة/ 167.

(5)- التذكرة: 8/ 24.

(6)- وسائل الشيعة، ب 13 من ابواب بقية كفارات الاحرام، ح 1.

(7)- جواهر الكلام: 20/ 402

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 377

منه علي خبر الواحد علي خبر اسحاق بن عمار و في سنده من لا يوثق و هو محمد بن البزاز او الخراز و زكريا المؤمن و ان كان هو يعتمد علي حديثه عند بعض المعاصرين لكونه من رجال كامل الزيارات و لكن يظهر من كتب الرجال القدح فيه فالخبر من حيث السند ضعيف فان انجبر ضعفه بعمل الذين عملوا به من الاجلاء فهو و الّا فالاصل عدم وجوب الفداء علي المفتي و مع ذلك لا ينبغي ترك الاحتياط و مخالفة الاجلاء الذين افتوا بالوجوب و لا يخفي عليك ان ادعاء الاجماع

في المسألة بعد عدم تعرض غير ما اشرنا اليهم من القدماء غير مسموع كما ان عدم مجرد وجدان الخلاف عنهم بعد عدم تعرض بعضهم للمسألة لا يعتد به و الله هو العالم.

[مسألة 55] «حرمة تغطية الرأس علي المحرم»

مسألة 55: من المحرمات علي الرجل المحرم تغطية رأسه و هذا مما لا خلاف فيه.

تدل عليه النصوص الكثيرة كقوله (عليه السلام) في صحيح عبد الله بن ميمون عن الصادق عن ابيه عليهما السلام … «احرام المرأة في وجهها و احرام الرجل في رأسه» «1» و مقتضي اطلاق النصوص عدم الفرق بين كل الرأس و بعضه نعم استثني من ذلك عصام القربة اختياراً لما عبر عنه في الجواهر بصحيح ابن مسلم انه «سأل أبا

عبد الله (عليه السلام) عن المحرم يضع عصام القربة علي رأسه اذا استسقي فقال؟ نعم» «2».

و كذا عصابة الصداع لصحيح معاوية بن وهب عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال

______________________________

(1)- وسائل الشيعة ب 48 ابواب تروك الاحرام ح 1.

(2)- وسائل الشيعة ب، 57، من ابواب تروك الاحرام ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 378

«لا بأس بان يعصب المحرم رأسه من الصداع» «1» قال في الجواهر (و نحوه حسن يعقوب «2» شعيب الا انه اعم مما يعصب بالرأس و فيه انه «سأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل المحرم تكون به القرحة يربطها و بعضها بخرقة؟ قال: نعم» «3»

فلا بد ان يستدل باطلاقه.

اللهم الا ان يقال: ان النسبة بينه و بين ما دل بالاطلاق علي حرمة ستر الرأس العموم من وجه فيتعارضان في عصابة الرأس و عن كشف اللثام عمل بهما اي صحيحي العصابتين الاصحاب ففي المقنع تجويز عصابة القربة و في التهذيب و النهاية و المبسوط و السرائر و الجامع و التذكره و التحرير و المنتهي تجويز التعصيب لحاجة «4».

ثمّ انه لا وجه في التردد في الاذنين فانهما من الرأس و لا يخرجهما عنه اختصاصهما باسم خاص كاليد فانه اسم للعضو المخصوص يشمل اجزائه المسمية كل واحد منها باسم خاص.

هذا مضافاً الي صحيح عبد الرحمن بن الحجاج قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن المحرم يجد البرد في اذنيه يغطيهما؟ قال: لا. «5»

لا يقال: ان الرأس ظاهر في منبت الشعر منه فانه يقال: هذا ممنوع و الحاكم في ذلك العرف و اللغة و كيف كان فالحكم معلوم هما محكومان بحكم منبت الشعر

______________________________

(1)- وسائل الشيعة ب 70 من ابواب تروك الاحرام ح 4.

(2)- جواهر الكلام:

18/ 383.

(3)- وسائل الشيعة ب 70 من ابواب تروك الاحرام ح 2.

(4)- راجع جواهر الكلام: 18/ 383.

(5)- وسائل الشيعة ب 55 من ابواب تروك الاحرام ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 379

لصحيح عبد الرحمن.

هذا و لا فرق في حرمة ستر الرأس بين كون ساتره الثوب او الطين او الدواء و الحناء و حتي حمل المتاع او طبق و نحوه.

قال في الجواهر (كما صرّح به غير واحد بل لا اجد فيه خلافاً بل عن التذكرة نسبته الي علمائنا ثمّ اشار الي ما في المدارك من ان النهي متعلق بما يتعارف الستر به و لا يشمل غير المعتاد و اجاب عنه بان ذلك يفهم من استثناء عصام القربة او غير ذلك و النهي عن الارتماس و ادخال الرأس فيه و يفهم ذلك من منع المرأة تغطية وجهها بالمروحة و علي ذلك لا يختص الحرمة بالمعتاد من الستر قال: و لعله لذا و نحوه كان الحكم مفروغاً منه عند الاصحاب بل ظاهر بعضهم الاجماع عليه بيننا). «1»

اقول: مجرد السؤال عن عصام القربة او الصداع لا يدل علي ان موضوع الحكم اعم من الستر المعتاد، و كذا المنع عن الارتماس يمكن ان يكون مختصاً به او يكون مستقلا في الموضوعية للحرمة و القياس بستر المرأة وجهها بالمروحة مع الفارق و مع ذلك كله ينبغي الاحتياط بموافقة المشهور. و الله هو العالم.

[من محرمات الإحرام تغطية الرجل رأسه بكل ما يغطيه]

«جواز ستر بعض الرأس»

استدراك: يدلّ علي عدم جواز ستر بعض الرأس مضافاً الي اطلاق الروايات صحيح عبد الله بن سنان قال «سمعت ابا عبد الله (عليه السلام) يقول لابي و شكا اليه حرّ الشمس و هو محرم و هو يتأذي به فقال: تري ان استتر بطرف ثوبي؟ فقال:

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 18/

384

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 380

لا بأس بذلك ما لم يصب (يصبك) رأسك» «1» فانّ اصابة الثوب رأسه تصدق علي اصابته بعض رأسه.

ثمّ انه لا بأس بالتوسد اي جعل الوسادة تحت رأسه عند النوم لانه يصدق عليه معه انه مكشوف الرأس مضافاً الي ان ذلك من لوازم النوم و كذا يجوز الستر

باليد لعدم صدق التغطية بما هو متصل به كما قال في الجواهر (و لذا لا يتحقق الستر الواجب في الصلاة بوضع اليد علي عورته، و لانه ما مور بمسح رأسه في الوضوء و لما دل علي جواز حك رأسه بيده). «2»

و لقول الصادق (عليه السلام) «لا بأس بان يضع المحرم ذراعه علي وجهه من حرّ الشمس، و لا بأس ان يستر بعض جسده ببعض» «3».

ثمّ انه قال في الجواهر (لا اشكال في اقتضاء النصوص و الفتاوي حرمة تغطية المحرم رأسه حتي عند النوم بل صحيح زرارة السابق صريح فيه) «4» يعني به ما رواه عن ابي جعفر (عليه السلام).

قال «قلت لابي جعفر (عليه السلام): الرجل المحرم يريد ان ينام يغطي وجهه من الذباب؟ قال: نعم و لا يخمر رأسه و المرأة المحرمة لا بأس ان تغطي وجهها كله» «5».

فما في خبر زرارة الذي لم يجمع شرائط الحجية عن احدهما (عليه السلام) «في المحرم له

______________________________

(1)- وسائل الشيعة ب 67 من ابواب تروك الاحرام، ح 4.

(2)- جواهر الكلام: 18/ 386.

(3)- وسائل الشيعة، ب 67 من ابواب تروك الاحرام، ح 3.

(4)- جواهر الكلام: 18/ 388.

(5)- وسائل الشيعة، ب 55، من ابواب تروك الاحرام، ح 5.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 381

ان يغطي رأسه و وجهه اذا اراد ان ينام» «1» مطرح او محمول علي حال التضرر بالتكشف او

علي التغطية التي هي تظليل او غير ذلك.

اقول: خبر زرارة من حيث السند علي ما صرح به بعض الاكابر من المعاصرين صحيح و إليك الخبر بسنده و متنه: روي الشيخ في التهذيب عن سعد «2»

عن موسي بن الحسن «3» و الحسن بن علي «4» عن احمد بن هلال «5» و محمد بن ابي عمير «6» و امية بن علي القيسي «7» عن علي بن عطية «8» عن زرارة «9» عن احدهما عليهما السلام «في المحرم قال: له ان يغطي رأسه و وجهه اذا اراد ان ينام» «10» و لا يضر اشتمال السند ببعض الضعاف في مثل هذا الخبر.

و علي هذا يقع التعارض بينه و بين صحيح زرارة السابق و بعد تعارضهما و تساقطهما عن الحجية يرجع الي المطلقات و النتيجة الحرمة مطلقا.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 56، من ابواب تروك الاحرام ح 2.

(2)- ابن عبد الله من كبار الثامنة ثقة.

(3)- هو ايضا ثقة من السابعة.

(4)- الظاهر انه الزيتوني من السابعة اذا كان هو الزيتوني فلم يوثق و يمكن الاعتماد عليه لرواية ابن الوليد عنه و زعمه المعظم له ابن فضال و هو ثقة.

(5)- العبرتائي هو ايضا من السابعة كان غاليا متهما في دينه و لكن اعتمدوا علي و روايته.

(6)- من السادسة مشهور معروف بجلالة القدر.

(7)- كانه من السادسة ضعيف.

(8)- من السادسة لم اجد توثيقه و لكن المعاصر المعظم له قال: هو ثقة.

(9)- من الرابعة هو من الاجلاء المشاهير.

(10)- التهذيب: 5/ 308 ح 1052/ 50.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 382

[مسألة 56] «حرمة الارتماس في الماء علي المحرم»

مسألة: 56 لا ريب في حرمة الارتماس في الماء علي الرجل المحرم. لما في صحيح ابن سنان عن ابي عبد الله (عليه السلام). و لا ترتمس في

ماء تدخل فيه رأسك «1».

و يستفاد منه ان ما هو المحرم ادخال الرأس و جعله تحت الماء و ان لم يكن ذلك بالارتماس و وقوع تمام البدن تحت الماء و ما في صحيح حريز عن ابي عبد الله (عليه السلام)

«و لا يرتمس المحرم في الماء و لا الصائم» «2» و مثله صحيح يعقوب بن شعيب «3».

و هل الارتماس موضوع مستقل بنفسه للحكم بالحرمة او هو محرم لانه من مصاديق حرمة التغطية علي الرجل المحرم فان كان موضوعاً مستقلا يمكن ان يقال: بعدم اختصاص حكمه بالرجل و شموله للمرأة ايضاً و عدم الحاق سائر المائعات به و ان موضوع الحرمة ادخال تمام الرأس في الماء، و ان كان هو من مصاديق التغطية فحرمته تكون مختصة بالرجال و يمكن الحاق سائر المائعات به و انه اعم من رمس تمام الرأس و بعضه.

و قد قيل: ان التغطية لا تصدق علي رمس الرأس في الماء و لا تصدق بافاضة الماء الكثير علي الرأس و ايّد ذلك بجعل الصائم كالمحرم مع عدم حرمة التغطية علي الصائم و لكن لا يحصل الجزم بذلك علي ما ذكر و ما يقتضيه الاصل هو البراءة من التكليف الزائد علي كلا الاحتمالين.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة ب 58 من ابواب تروك الاحرام، ح 1.

(2)- وسائل الشيعة ابواب تروك الاحرام ب 58 ح 3.

(3)- وسائل الشيعة ب 58 من ابواب تروك الاحرام، ح 4.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 383

فنقول: مقتضي الاصل عدم حرمة الارتماس علي المرأة و مقتضاه عدم حرمة الارتماس في سائر المائعات و جواز افاضة الماء علي الرأس و جواز ادخال بعض الرأس في الماء فيؤخذ بما هو القدر المتيقن و ان كان الاحتياط لا ينبغي

تركه. و الله هو العالم.

[مسألة: 57] «جواز تعطيه الوجه علي الرجل المحرم»

مسألة: 57 المشهور جواز تغطية الوجه علي الرجل المحرم بل حكي عن بعضهم دعوي الاجماع عليه و هو مقتضي الاصل لاختصاص ما دل

علي حرمة التغطية بالرأس بل للنصوص السابقة و لتخمير وجه المحرم اذا مات دون رأسه و لقطع التفصيل الشركة.

كقوله (عليه السلام) «احرام الرجل في رأسه و احرام المرأة في وجهها» «1» و صحيح منصور بن حازم. قال «رأيت ابا عبد الله (عليه السلام) و قد توضأ و هو محرم ثمّ اخذ منديلا فمسح به وجهه» «2».

و خبر عبد الملك القمي قال «قلت لابي عبد الله (عليه السلام): الرجل يتوضأ ثمّ يحلل وجهه بالمنديل يخمره كله؟ قال: لا بأس «3» و غير ذلك من الاخبار.

و لكن في ازائها صحيح معاوية عن الصادق (عليه السلام) «يكره للمحرم ان يجوز بثوبه فوق انفه» «4» و في صحيح حفص و هشام عنه ايضاً «يكره للمحرم ان يجوز بثوبه

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 56 من ابواب تروك الاحرام، ح 2.

(2)- وسائل الشيعة: ب 61 من ابواب تروك الاحرام، ح 3.

(3)- وسائل الشيعة: ب 59 من ابواب تروك الاحرام، ح 2.

(4)- وسائل الشيعة: ب 61 من ابواب تروك الاحرام، ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 384

انفه من اسفل و قال (عليه السلام): اضح لمن احرمت له» «1» و هذه يدل علي الكراهة

قال في الجواهر (فما عن ابن ابي عقيل من عدم جوازه و ان فيه كفارة اطعام مسكين واضح الضعف و ان كان ربما يشهد له مضمرة الحلبي «2» يعني ما رواه في التهذيب بسنده عن الحلبي قال: المحرم اذا غطي وجهه فليطعم مسكيناً في يده، «3»

و ما في الوسائل من اسناده الي ابي عبد

الله (عليه السلام) «4» الظاهر انه سهو و هذا محمول علي الاستحباب و الاحتياط العمل به في اداء الكفارة. و الله هو العالم.

[مسألة 58] «كفارة تغطية الرأس»

مسألة: 58 كفارة تغطية الرأس دم شاة علي ما هو المصرح به في كلمات جماعة من الاصحاب. قال ابو الصلاح في الكافي: و في تظليل المحمل، و تغطية رأس الرجل و وجه المرأة مختاراً لكل يوم دم شاة و مع الاضطرار بجملة المدة دم شاة «5».

قال الشيخ في المبسوط (من خضب رأسه او طيبه لزمه الفداء … و ان حمل علي رأسه شيئاً غطّي رأسه لزمه الفداء … و ان ارتمس في الماء لزمه دم لانه غطي رأسه) «6» و قال الشهيد في الدروس (و فديته شاة، و لو كان مضطراً …) «7».

______________________________

(1)- وسائل الشيعة ابواب تروك الاحرام ب 61 ح 2.

(2)- جواهر الكلام: 18/ 388.

(3)- التهذيب: 5/ 308 ح 1054/ 52.

(4)- وسائل الشيعة ب 55 من ابواب تروك الاحرام، ح 5.

(5)- الكافي/ 204.

(6)- المبسوط: 1/ 351.

(7)- الدروس: 1/ 379

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 385

قال المحقق في الشرائع «و كذا (اي تجب الشاة) لو غطي رأسه بثوب او طينه بطين يستره او ارتمس في الماء او حمل ما يستره «1»» و هذا مختار العلامة في كتبه.

و قال ابن زهرة في الغنية: (في تظليل المحمل و تغطية رأس الرجل و وجه المرأة مع الاختيار عن كل يوم دم شاة و مع الاضطرار لجملة الايام دم شاة بدليل ما

قدمناه من الاجماع و طريقة الاحتياط) «2» و اختار الفداء له ابن حمزة في الوسيلة «3».

هذه جملة من كلمات القائلين بالكفارة و لا ندري ان مستندهم في ذلك هل كانت رواية لم تصل الينا او انهم

فهموا اتحاد التغطية و التظليل في الحكم او استندوا الي رواية علي بن جعفر الذي مرّ الكلام فيه «4» و في الاستدلال بكل ما ذكر ما لا يخفي مثل الاستدلال بان ظاهر الخلاف وجود رواية في ذلك.

قال في المسألة 82 (اذا حمل علي رأسه مكتلا او غيره لزمه الفداء و به قال الشافعي، و قال أبو حنيفة: لا يلزمه و به قال عطاء دليلنا عموم ما روي في من غطي رأسه ان عليه الفدية و لم يفصلوا) «5» و بالجملة لا يثبت بذلك وجوب الفداء و مقتضي الاصل البراءة عن وجوبه و لكن جزم هؤلاء المشايخ بالحكم يقتضي رعاية الاحتياط لانهم لم يقولوا ما قالوا في الشرعيات الا بالدليل. و الله هو العالم.

______________________________

(1)- الشرائع: 1/ 227.

(2)- غنية النزوع/ 167.

(3)- الوسيلة/ 168.

(4)- وسائل الشيعة ب 8 من ابواب بقية كفارات الاحرام، ح 5 (لكل شي ء خرجت (جرحت) من حجك فعليه (فعليك) فيه دم تهريقه حيث شئت.

(5)- الخلاف: 2/ 299

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 386

[مسألة 59 من محرمات الإحرام تغطية المرأة المحرمة وجهها]

اشارة

«حرمة تغطية المرأة المحرمة وجهها»

مسألة: 59 يجب علي المحرمة ان تسفر عن وجهها و لا يجوز لها النقاب و البرقع، و الظاهر اتفاقهم و اجماعهم علي ذلك، و يدل عليه من الروايات صحيح عبد الله بن ميمون عن مولانا الصادق عن ابيه عليهما السلام قال:

المحرمة لا تتنقب لان احرام المرأة في وجهها و احرام الرجل في رأسه «1» و ظاهره النهي عما كان عليه النساء من ستر الوجه و الالتزام بالنقاب.

و في صحيح عيص بن القاسم قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام) «المرأة المحرمة تلبس ما شاءت من الثياب غير الحرير و القفازين و كره النقاب و قال تسدل الثوب علي

وجهها قلت: حد ذلك الي اين؟ و قال: الي طرف الانف قدر ما تبصر» «2» و هذا ليس صريحاً في الحرمة سيما بملاحظة نسبته الكراهة الي الامام (عليه السلام) لو لم نقل ان فيه اشعار بالكراهة المصطلحة.

و صحيح الحلبي عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال «مرّ ابو جعفر (عليه السلام) بامرأة متنقبة و هي محرمة فقال: احرمي و اسفري، و ارخي ثوبك من فوق رأسك فانك ان تنقبت لم يتغير لونك فقال رجل: الي اين ترخيه؟ قال: تغطي عينيها قال: قلت: تبلغ (يبلغ المصدر) فمها؟ قال: نعم». «3»

و هذا ايضاً ليس صريحاً في وجوب الاسفار بملاحظة التعليل المذكور فيه.

______________________________

(1)- الوسائل الشيعة: ب 48 من ابواب تروك الاحرام، ح 1.

(2) الكافي، ج 4، ص 344، ب ما يجوز للمحرمة ح 1.

(3) وسائل الشيعة، ب 48 من ابواب تروك الاحرام، ح 3.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 387

و خبر احمد بن محمد عن ابي الحسن (عليه السلام) قال «مرّ أبو جعفر (عليه السلام) بامرأة محرمة قد استترت بمروحة فاماط المروحة بنفسه عن وجهها» و في نسخة الفقيه (فاماط المروحة بقضيبه) «1»

و هذا ايضاً حكاية فعل الامام (عليه السلام) و هو اعم من كون وجه فعله (عليه السلام) حرمة

استتارها بالمروحة او كراهته.

و خبر يحيي بن ابي العلا عن ابي عبد الله (عليه السلام) «انه كره للمحرم البرقع و القفازين» «2» و هذا ايضاً لا يدل علي حرمة البرقع.

و لكن الظاهر انه يكفي في الحكم بوجوب الاسفار او حرمة ستر الوجه علي النساء صحيح عبد الله بن ميمون مضافاً الي ثبوت الاجماع و الاتفاق عليه عن جميع الفقهاء.

الا انه قد يقع الكلام في موارد:

منها: في اختصاص الحكم بالبرقع و

النقاب او يعمها و مطلق الثوب و ظاهر الروايات بالاطلاق سيما صحيح ابن ميمون هو العموم بل يستفاد منه شمول الحكم لكل ما يغطي الوجه و ان كان من غير الثوب مثل المروحة.

و في خبر سماعة عن ابي عبد الله (عليه السلام): و ان مرّ بها رجل استترت منه بثوبها و لا تستتر بيدها من الشمس «3».

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ب 48 من ابواب تروك الاحرام، ح 4 و من لا يحضر الفقيه: 2/ 342 ح 2628.

(2) وسائل الشيعة، ب 48 من ابواب تروك الاحرام، ح 9.

(3) ابواب الاحرام، ب 33، ح 7.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 388

و في الجواهر (انه يجوز لها وضع اليدين عليه كما يجوز لها نومها عليه و حمل الخبر علي ضرب من الكراهة و لا يخفي ما فيه) «1».

و منها: في شمول الحكم لبعض الوجه ككله قال في الجواهر (لا فرق في حرمة التغطية بين الكل و البعض لما سمعته في الرأس و لصحيح المنع من النقاب «2») و مراده

ظاهراً ان النقاب منهي عنه مع انه لا يشمل تمام الوجه لان المراد منه كما قيل شد الثوب علي الفم و الانف و ما سفل عنهما كاللثام للرجل و كانه رد علي ذلك بعض الاجلة بان ما يثبت بالروايات حرمة ستره ما يستر من الوجه بالنقاب و امّا غير ذلك فلا دليل علي منعه.

و فيه: ان الدليل قوله (عليه السلام) «احرام المرأة في وجهها» و هو يشمل البعض كالكل و خصوص النهي عن النقاب لإصابته الوجه فلا يترك فيه الاحتياط بكشف تمام الوجه بل قال في الجواهر (يجب عليها كشف بعض الرأس مقدمة لكشف الوجه كما يجب علي الرجل كشف بعض الوجه

مقدمة للرأس) «3».

علي ذلك يقع التعارض بين ما وجب عليها في حال الصلاة من ستر بعض وجهها مقدمة علمية ستر سائر جسدها و ما وجب عليها من كشف بعض رأسها مقدمة للعلم بكشفها ما وجب عليها في حال الاحرام. و المحكي عن المدارك تقديم ستر الرأس تمسكا بالعمومات المتضمنة لوجوب ستره السالمة عما يصلح للتخصيص، و رده في الجواهر بامكان معارضته بمثله يعني في طرف حرمة ستر الوجه و قيل بتقديمه لان المستر احوط من الكشف لكونها عورة ورد بان مجرد

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 18/ 390 و 391.

(2)- جواهر الكلام: 18/ 390 و 391.

(3)- جواهر الكلام: 18/ 390 و 391.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 389

ذلك لا يوجب ان يكون احوط و قيل بتقديمه لأهمية الصلاة ورد بان ذلك وجيه لو وقع التزاحم بين العمل بوظيفة الاحرام واصل الصلاة لا اذا وقع المزاحمة بين حفظ شرط او جزء من الصلاة و واجب آخر مثل كشف الوجه في حال الاحرام و بالجملة لم اعثر منهم علي وجه وجيه لا لتقديم ستر رأسها علي كشف وجهها و لا لتقديم كشف وجهها علي ستر رأسها فلا بد من القول بالتخيير اللهم الا ان يقال: ان الامر دائر بين بطلان الصلاة و فوتها منها اذا كان تكليفها الواقعي حفظ الستر الصلاة

و بين ارتكاب ما يحرم عليها حال الاحرام اذا كان تكليفها الواقعي ذلك و لا ريب في ان عدم الوقوع في مفسدة فوت الصلاة بتقديمها ستر رأسها اولي من الوقوع في مفسدة حرمة وجهها و الله هو العالم.

و منها: في سدل المذكور في الروايات قال المحقق (قدس سره) (و لو اسدلت قناعها علي رأسها الي طرف انفها جاز) و قال في

الجواهر (بلا خلاف اجده كما عن المنتهي الاعتراف به بل في المدارك نسبته الي اجماع الاصحاب و غيرهم نحو ما عن التذكرة من انه جائز عند علمائنا اجمع و هو قول عامة اهل العلم بل قد يجب بناء علي وجوب ستر الوجه عليها من الاجانب و للاخبار كقول الصادق (عليه السلام) لسماعة: و ان مرّ بها رجل استترت منها بثوبها انتهي) «1».

و ما ذكره هو القدر المتيقن مما دل عليه الروايات مثل صحيح عيص بن القاسم «2». و فيه و قال «تسدل الثوب علي وجهها قلت: حدّ ذلك الي اين؟ قال: الي طرف الانف قدر ما تبصر» «3».

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 18/ 391.

(2)- ثقة عين له كتاب من الخامسة.

(3)- وسائل الشيعة ب 48 من ابواب تروك الاحرام، ح 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 390

و لكن جاء في غيرها تحديده باوسع من ذلك كصحيح الحلبي الذي فيه بعد امرها بارخاء ثوبها «فقال رجل الي اين ترخيه؟ قال: تعطي عينيها قال: قلت: يبلغ فمها؟ قال: نعم». «1»

و في صحيح حريز قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «المحرمة تسدل الثوب علي وجهها الي الذقن» «2» و في صحيح زرارة عن ابي عبد الله (عليه السلام): «ان المحرمة تسدل ثوبها الي نحرها» «3».

و صحيح معاوية بن عمار عنه (عليه السلام) قال: «تسدل المرأة الثوب علي وجهها من اعلاها الي النحر اذا كانت راكبة» «4».

و هل يقع التعارض بين هذه الروايات فيقال بسقوط الجميع بالتعارض كما بني عليه بعض الاعلام من المعاصرين فيؤخذ بجواز ما يدل الجميع علي جوازه و هو اسدال الثوب الي طرف الانف الاعلي ما بين الحاجبين «5» او يؤخذ بما كل منها نص فيه و يترك

ما هو الظاهر فيه بنص غيره نعم في خصوص الاسدال الي النحر الحكم بجوازه مختص بحالة الركوب.

و هل الحكم مختص بحال الخوف من وقوع نظر الاجنبي اليها أو أعم منه و من حال الاختيار و عدم غرض الستر فيجوز مطلقاً؟ الظاهر من الروايات الاطلاق و أما صورة غرض الستر فلها حكمها.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة ب 48 من ابواب تروك الاحرام، ح 3.

(2)- الوسائل ب 48 ابواب تروك الاحرام ب 6.

(3)- وسائل الشيعة ب 48 من ابواب تروك الاحرام، ح 7.

(4)- وسائل الشيعة ب 48 من ابواب تروك الاحرام، ح 8.

(5)- المعتمد: 4/ 230

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 391

و في رواية سماعة عن ابي عبد الله عن ابيه عليهما السلام «انه سأله عن المحرمة؟ فقال: ان مربها رجل استترت منه بثوبها، و لا تستر بيدها من الشمس» «1».

و هل يقيد الحكم بالجواز بصورة عدم كون الثوب مماساً للوجه؟ الظاهر عدم الاختصاص سيما مع ملاحظة غلبة ذلك و عدم اشارة الي ذلك في الروايات قال في الجواهر (و لعله لذا كان خيرة الفاضل في المنتهي ذلك و تبعه غير واحد ممن تاخر

عنه خلافاً للمحكي عن المبسوط و الجامع من عدم الجواز فلا بد ان تمنعه بيدها او بخشبة من ان يباشر وجهها و اختار في القواعد بل في الدروس انه المشهور بل عن الشيخ وجوب الدم مع تعمد المباشرة) الي ان قال (فلم نجد له دليلا علي شي ء من ذلك سوي دعوي الجمع بين صحاح السدل و النصوص المانعة من التغطية بحمل الاولي علي غير المصيبة للبشرة بخلاف الثانية بل لعل المرتفعة ليست من التغطية. و فيه مع ان الدليل خال عن ذكر التغطية و انما فيه الاحرام

بالوجه و الامر بالاسفار عن الوجه ان السدل بمعنييه تغطية عرفاً و انها غير سافرة الوجه معه الا ما خرج عنها الي حدّ التظليل) الي آخر ما افاده (قدس سره) فراجع تمام كلامه «2».

فالظاهر ان ما نسب الي المشهور ضعيف و ان كان الاحتياط حسن ينبغي رعايته. و الله هو العالم.

«كفارة تغطية المرأة المحرمة وجهها»

تتمة: يظهر من الشيخ في المبسوط ان علي المرأة الدم ان سترت وجهها قال (و احرامها في وجهها و يجوز لها ان تسدل علي وجهها ثوباً

______________________________

(1)- وسائل الشيعة ب 48 من ابواب تروك الاحرام، ح 10.

(2)- جواهر الكلام: 18/ 393.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 392

اسدالا و تمنعه بيديها من ان يباشر وجهها او يغشيه فان باشر وجهها الثوب الذي تسدله متعمدة كان عليها الدم. «1»

و قال الحلبي في الكافي (و تغطية رأس الرجل و وجه المرأة مختاراً لكل يوم دم شاة، و مع الاضطرار بجملة المدة دم شاة). «2»

اقول: امّا ما افتي به الحلبي من التفصيل فالظاهر انه لا وجه له الا ان يقال علي فرض وجوب الدم عليها يتكرر الكفارة بتكرار موجبها لكل يوم و مع الاضطرار القدر المتيقن جملة المدة و لكن الكلام في مستندهما لأصل وجوب الدم عليها.

و يحتمل ان يكون صحيح علي بن جعفر المتقدم ذكره «لكل شي ء جرحت (خرجت) من حجك فعليك فيه دم تهريقه حيث شئت» «3» علي نسخة جرحت و يحتمل ان يكون صحيح زرارة عن ابي جعفر (عليه السلام) قال «من لبس ثوباً لا ينبغي له لبسه و هو محرم ففعل ذلك ناسياً او ساهياً او جاهلا فلا شي ء عليه و من فعله متعمداً فعليه دم» «4» بدعوي شموله لمثل ذلك فلا فرق بين ان يكون

ستر الوجه بالثوب الذي هو عليه او بثوب خاص و الجزم بذلك مشكل و مقتضي الاصل معلوم و الاحتياط علي كل حال مطلوب.

[مسألة 60: من محرمات الإحرام إخراج الدم]

اشارة

حرمة اخراج الدم علي المحرم

مسألة: 60 حكي عن جماعة من الفقهاء حرمة اخراج الدم الا عند الضرورة و حكي عن بعضهم كراهته، و يدل علي حرمته صحيح معاوية بن

______________________________

(1)- المبسوط: 1/ 320.

(2)- الكافي في الفقه/ 204.

(3)- وسائل الشيعة ب 8 من ابواب بقية كفارات الاحرام، ح 5.

(4)- وسائل الشيعة ب 8 من ابواب بقية كفارات الاحرام، ح 4.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 393

عمار قال «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن المحرم كيف يحك رأسه؟ قال: باظافيره ما لم يدم او يقطع الشعر» «1»

و خبر عمر بن يزيد عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال «لا بأس بحك الرأس و اللحية ما لم يلق الشعر، ويحك الجسد ما لم يدمه «2»

و صحيح الحلبي «سألت ابا عبد الله (عليه السلام) عن المحرم يستاك؟ قال: نعم و لا يدمي» «3».

و خبر علي بن جعفر عن اخيه موسي عليهم السلام «سألته عن المحرم هل يصلح له ان يستاك؟ قال: لا بأس و لا ينبغي ان يدمي فيه» «4».

و لكنه ليس صريحاً في الحرمة لو لم يكن مشعراً بالكراهة و يدل عليه ما يدل علي تحريم الحجامة الا عند الضرورة كصحيح الحلبي و خبر الحسن الصيقل و خبر زرارة و خبر ذريح و خبر علي بن جعفر «5» و الظاهر انهم سألوا عن الامام (عليه السلام) في هذه الروايات عن الاحتجام للمحرم لكونه سبباً للادماء.

و لكن في قبال هذه ما يدل علي الجواز كصحيح حريز عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال «لا بأس ان يحتجم

المحرم ما لم يحلق او يقطع الشعر» «6» و خبر يونس بن يعقوب قال «سألت ابا عبد الله (عليه السلام) عن المحرم يحتجم؟ قال: لا احبه» «7» فانه مشعر بالكراهة.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة ابواب تروك الاحرام ب 73 ح 1.

(2)- وسائل الشيعة ابواب تروك الاحرام ب 73 ح 2 و 3 و 5.

(3)- وسائل الشيعة ابواب تروك الاحرام ب 73 ح 2 و 3 و 5.

(4)- وسائل الشيعة ابواب تروك الاحرام ب 73 ح 2 و 3 و 5.

(5)- وسائل الشيعة ابواب تروك الاحرام ب 62.

(6)- وسائل الشيعة ابواب تروك الاحرام ب 62 ح 5.

(7)- وسائل الشيعة ابواب تروك الاحرام ب 62، ح 4.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 394

و في بعض الروايات ما يدل علي ان رسول الله صلي الله عليه و آله و كذا بعض الائمة عليهم السلام احتجما و هما محرمان.

و لكن فيه: ان صحيح حريز لو لم نحمله علي الضرورة مقيد بما دل علي جواز الاحتجام عند الضرورة و خبر يونس بن يعقوب محمول علي عدم وجود الضرورة

و عدم دلالته علي الجواز و فعل المعصوم لا يدل علي الجواز المطلق لجواز كونه للضرورة.

فالاظهر ما عليه المشهور من كون اخراج الدم محرم علي المحرم الا عند ضرورة.

لا يقال: لم لا نقول باختصاص الحرمة بما ذكر في الروايات كالحك و الاحتجام.

فانه يقال: يظهر من الروايات ان سؤالهم عمّا ذكر ليس لاختصاص حرمة الادماء به بل لكونه من اسباب الادماء المحرم.

هذا كله في حكم اصل الادماء و أمّا الكفارة فمقتضي الاصل البراءة منها الا علي الرواية المتقدمة التي سمعت الكلام فيه و الله هو العالم باحكامه نسأله ان لا يؤاخذنا بهفواتنا و خطيئاتنا انه هو الرحيم

الغفور.

جواز الاستياك في الاحرام

بقية: يمكن ان يقال: مقتضي صحيح معاوية بن عمار المروي في الكافي جواز الاستياك و ان ادمي قال: قلت: لأبي عبد الله (عليه السلام) «المحرم يستاك؟ قال: نعم. قلت:

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 395

فان ادمي يستاك؟ قال: نعم هو من السنة» «1».

فيمكن ان يقال: ان مقتضي الجمع بينه و بين صحيح الحلبي عدم تعمد الادماء به كما هو ظاهر قوله و لا يدمي و علي هذا يختص الجواز و ان ادمي بالاستياك دون غيره و علي هذا يقيد ما دل بالاطلاق علي حرمة الادماء به و يؤيد ذلك ما روي في الكافي في بعده: و روي ايضاً «لا يستدمي» «2» و لعل لذلك قال الشهيد بكراهة المبالغة في السواك.

[مسألة: 61 لو قلع ضرسه مع الحاجة اليه لم يكن عليه شي ء]

مسألة: 61 قال في التذكرة (لو قلع ضرسه مع الحاجة اليه لم يكن عليه شي ء و ان كان لا مع الحاجة عليه دم شاة قاله الشيخ رحمه الله لرواية مرسلة) «3»

و كلام الشيخ في النهاية (و من قلع ضرسه كان عليه دم يهريقه) «4».

و الرواية مرسلة هكذا: روي محمد بن احمد بن يحيي عن محمد بن عيسي عن عدة من اصحابنا عن رجل من اهل خراسان «ان مسألة وقعت في الموسم و لم يكن عند مواليه فيها شي ء محرم قلع ضرسه فكتب (عليه السلام) يهريق دماً» «5»

و الاستدلال به ان كان لمطلق قلع الضرس و لو لم يدم فهو خلاف الظاهر لملازمته غالباً للادماء و ان كان لانه موجب للادماء فيمكن ان يقال: بضعف الدليل

______________________________

(1)- جامع الاحكام: ج 13/ 310 ح 8161 (4) و وسائل الشيعة، ب 71، ابواب تروك الاحرام، ح 4.

(2)- جامع الاحكام: 13/ 310 ح 8161 (4).

(3)- التذكرة الفقهاء، ح 8/ 67.

(4)- النهاية/

235.

(5)- التهذيب: ح 5/ 385 ح 1344/ 257.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 396

لارساله و اضماره.

[مسألة 62 من محرمات الإحرام حمل السلاح]

اشارة

حرمة حمل السلاح علي المحرم

مسألة: 62 اعلم ان الظاهران المشهور بين الاصحاب الي عصر المحقق حرمة حمل السلاح علي المحرم لغير ضرورة و ذهب المحقق و العلامة

في جملة من كتبه الي كراهته، و الذي يدل علي القول المشهور صحيح ابن سنان سألت ابا عبد الله (عليه السلام): «أ يحمل السلاح المحرم؟ فقال: اذا خاف المحرم عدواً او سرقاً فليلبس السلاح» «1».

و صحيحه الآخر عنه (عليه السلام) قال «المحرم اذا خاف لبس السلاح» «2» و احتمال كونه و سابقه واحداً قريب جداً و هذا بالمفهوم يدل علي عدم جواز لبس السلاح عند عدم الخوف.

لا يقال: هذه القضية لبيان تحقق الموضوع مثل (ان رزقت ولداً فاختنه) لا لإفادة المفهوم للغويته فقوله (ان خفت من العدو فالبس السلاح) ليس للمفهوم لعدم الفائدة لان من لا يخاف من العدوّ لا يلبس السلاح لان فائدته دفع العدو.

فانه يقال: لا ينحصر فائدة التسلح بالسلاح بدفع العدوّ بل ربما يتسلح به لاظهار القدرة و القوة و الشوكة بل في صحيح الحلبي ايضاً عنه (عليه السلام) «ان المحرم اذا خاف العدو يلبس (فلبس) السلاح فلا كفارة عليه» «3».

و قال في الجواهر (ظاهرها ثبوتها عليه اذا لبسه مع عدم الخوف الا انه لم نجد

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 54 من ابواب تروك الاحرام، ح 2.

(2)- وسائل الشيعة: ب 54 من ابواب تروك الاحرام، ح 3.

(3)- وسائل الشيعة: ب 54 من ابواب تروك الاحرام ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 397

قائلا به كما اعترف به غير واحد اللهم الا ان يحمل علي ما يغطي الرأس كالمغفر او يحيط بالبدن كالدرع و

لكن حرمتها حينئذ لذلك لا لكونهما من السلاح الذي قد يشك في شموله لهما و ان كانت مع الترس من لأمة الحرب) «1».

و أما الدليل علي القول بالكراهة فالاصل و هو مقطوع بما ذكر من الدليل و ان المفهوم و ان قلنا بحجيته الا انه لا يستفاد من القضية التي صيغت لبيان تحقق الموضوع كما في ما نحن فيه.

و فيه: ان فائدة لبس السلاح كما اشرنا اليها لا تنحصر في ازالة الخوف و دفع العدو فالاصح علي ذلك هو القول بالحرمة.

ثمّ ان الظاهر ان السلاح اعم من خصوص السيف و الرمح و القوس و غيرها و ما هو يقوم مقامها في سائر الاعصار كزماننا فالسلاح ما يعد للحرب للقتال به و ان لم يكن من الحديد و في مجمع البحرين ما يقاتل به في الحرب و يدافع.

نعم الظاهر انه لا يشمل ألبسة الحرب كالدرع و المغفر و ان كان لا يبعد شموله لهما في المقام بمناسبة الحال و هل يمكن نفي البعد ايضاً عن شموله و ان لم يكن بحمل و لا لبس و كان صادقاً عليه انه يكون خارجاً بالسيف؟ و لا ريب في ان حرمة لبس السلاح مختص بحال الاختيار دون الاضطرار كما هو المصرح به في الروايات.

[مسألة 63] و وجوب كفارة لبس السلاح علي المحرم

مسألة: 63 مقتضي ما يدل عليه مفهوم صحيح الحلبي وجوب الكفارة علي من لبس السلاح من غير ضرورة و لم يعين فيه نوع الكفارة

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 18/ 422.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 398

و هل يمكن ان يقال: بكونها شاة تمسكاً بصحيح زرارة «من لبس ثوباً لا ينبغي لبسه فعليه شاة» «1» بان المراد منه مطلق ما يلبسه الانسان كانه قال: من لبس ما لا ينبغي

لبسه يشكل ذلك لعدم صدق الثوب علي السلاح.

و يمكن ان يقال: ان جنس التكليف هنا معلوم لا يمكن اجراء البراءة عنه و نوعه مردد بين الطعام و الدم و مقتضي ذلك الاحتياط بالطعام و الدم و أمّا دعوي عدم وجود العامل بالرواية و كونها مهجورة فلم نتحققه. و الله هو العالم.

[مسألة 64 من محرمات الإحرام قطع شجر الحرم]

اشارة

حرمة قطع شجر الحرم

مسألة: 64 ممّا يحرم علي المحرم قطع شجر الحرم و حشيشه و حرمته تعم المحرم و المحل و لا خلاف فيه بين الاصحاب و يدل عليه صحيح حريز عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال «كل شي ء ينبت في الحرم فهو حرام علي الناس اجمعين» «2» و عنه ايضاً عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال «كل شي ء ينبت في الحرم فهو حرام علي الناس اجمعين الا ما انبته انت و غرسته». «3»

و الظاهر اتحادهما و ان الاول منقول بالاختصار لا يقال: اذا كانا واحداً فلا يثبت ما في الثاني من الزيادة فانه يقال: مقتضي الاصل عدم وقوع النقيصة في الاوّل و مقتضي الاصل عدم وقوع الزائدة في الثاني و اذا وقع التعارض بينهما

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 8 من ابواب بقية كفارات الاحرام ح 1 لفظ الرواية هكذا من نتف ابطه … او لبس ثوباً لا ينبغي له لبسه … و هو محرم ففعل ذلك ناسياً او جاهلا فليس عليه شي ء و من فعله متعمداً فعليه دم شاة.

(2)- وسائل الشيعة: ب 86 من ابواب تروك الاحرام، ح 1.

(3)- وسائل الشيعة: ب 86 من ابواب تروك الاحرام، ح 4.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 399

الاصل تقدم الثاني علي الاول لعدم تعارض العدم مع الوجود و غلبة وقوع النقيصة دون الزيادة و كيف كان

يدلّ علي ذلك غيره من الروايات.

و صحيح معاوية بن عمّار «عن شجرة اصلها في الحرم و فرعها في الحلّ؟ فقال: حرم فرعها لمكان اصلها قال: قلت: فان اصلها في الحلّ و فرعها في الحرم؟ قال: حرم اصلها لمكان فرعها» «1».

و في الجواهر قال بعد قوله لمكان فرعها (و كل شي ء ينبت في الحرم فلا يجوز قلعه علي وجه «2» زعم انه تتمة الحديث و لكن الظاهر انه من كلام الشيخ و كيف كان لا اشكال في المسألة في الجملة للروايات المذكورة و لغيرها.

نعم يقع الكلام في موارد:

احدها: ان الحكم بالتحريم بما اذا كان عالماً بالقطع او القلع مطلق و لو لم يكن مقصوداً بنفسه فاذا كان هو راكباً علي دابته و رأي في سبيله الحشيش يصير بقطعه الطريق مقطوعاً او مقلوعاً يجب عليه العدول منه الي طريق آخر او مختص بما اذا كان مقصوداً بنفسه الظاهر الاختصاص.

ثانيها: انه ليس من القلع المحرم و لا القطع و لا النزع ما يتحقق بتعليف الحيوان من النبات و الحشيش و رعيه في الحرم و هذا ايضاً من مصاديق الفرع السابق بل لعله من اظهر مصاديق ما ليس مقصوداً بنفسه و يدل عليه في خصوص البعير.

صحيح حريز عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال «يخلي عن البعير في الحرم تأكل ما

______________________________

(1) وسائل الشيعة: ب 90 من ابواب تروك الاحرام، ح 1.

(2)- جواهر الكلام: 18/ 413.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 400

- شاء» «1» بل الظاهر ان ذكر البعير لم يكن فيه للخصوصية فلا فرق بين الخيل و البغل و البقرة و الحمير و بين البعير في هذا الحكم.

ثالثها: فيما استثني من حرمه القطع و القلع فمن جملته الاذخر بكسر الهمزة

كما في النهاية و هي حشيشة طيبة الريح تسقف بها البيوت فوق الخشب و همزتها زائدة و في مجمع البحرين بكسر الهمزة و الخاء نبات معروف عريض الاوراق طيب الرائحة يسقف به البيوت يحرقه الحداد بدل الحطب و الفحم الواحدة اذخرة و الهمزة زائدة و يدل علي جواز قطعها الروايات من طرق الفريقين و عن المنتهي و التذكرة «2» الاجماع عليه.

و من جملته شجر الفواكه قال: في الجواهر (بلا خلاف اجده فيه «3» بل نسبه غير واحد الي قطع الاصحاب و في صحيح او حسن سليمان بن خالد عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: «سألته عن الرجل يقطع من الاراك الذي بمكة؟ قال: عليه ثمنه يتصدق به، و لا ينزع من شجر مكّة شيئاً الا النخل و شجر الفواكه» «4».

و من جملته ما ينبت في ملكه قال في الجواهر (كما صرح به غير واحد بل لا اجد فيه خلافاً لو كان في داره او منزله «5» و يدل عليه ما رواه حماد بن عثمان عن ابي عبد الله (عليه السلام) «في الشجرة يقلعها الرجل من منزله في الحرم فقال: ان بني المنزل و الشجرة فيه فليس له ان يقلعها و ان كانت نبتت في منزله و هو له فليقلعها» «6».

______________________________

(1)- تهذيب الاحكام: 5 ح 242 1329.

(2)- التذكرة: 7/ 371.

(3)- جواهر الكلام: 18/ 419.

(4)- وسائل الشيعة: ب 18 من ابواب بقية كفارات الاحرام، ح 2.

(5)- جواهر الكلام: 18/ 417.

(6)- وسائل الشيعة: ب 87 من ابواب تروك الاحرام ح 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 401

و روايته الاخري و فيها «ان كانت الشجرة لم تزل قبل ان يبني الدار او يتخذ المضرب فليس له ان يقلعها، و

ان كانت طرية عليه فله قلعها» «1»

و من جملته غير ذلك فراجع الجواهر و غيره ان شئت و في الاعشاب التي تجعل علوفة للابل:

روي محمد بن حمران قال «سألت ابا عبد الله (عليه السلام) عن النبت الذي في ارض الحرم أ ينزع؟ فقال: اما شي ء تاكله الابل فليس به باس ان تنزعه» «2».

و في رواية عبد الله بن سنان قال «قلت لابي عبد الله (عليه السلام) المحرم تنحر بعيره او يذبح شاة؟ قال: نعم، قلت: له ان يحتش لدابته و بعيره؟ قال: نعم و يقطع ما شاء من الشجر حتي يدخل الحرم فاذا دخل الحرم فلا» «3».

و الظاهر وقوع التعارض بينهما و تساقطهما به فلا بد من الرجوع الي عموم ما يدل علي المنع و لكن يمكن ان يقال بالجمع بينهما فان رواية ابن سنان تدل علي الحرمة اذا لم تكن هنا قرينة علي عدمها، و أما اذا دل الدليل علي الجواز فليس لها الا الدلالة علي المرجوحية المساوقة للكراهة المصطلحة فالنهي ظاهر في الحرمة اذا لم يكن مقروناً بالاذن في الفعل كالامر، و اذا كان مقروناً به فلا يدل الا علي المرجوحية و الكراهة.

هذا مضافاً الي ضعف رواية ابن سنان بعبد الله بن القاسم الراوي عنه فراجع جامع الرواة للعلامة الاردبيلي و طبقات رجال الكافي لسيدنا الاستاذ البروجردي قدس سرهما.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 87 من ابواب تروك الاحرام، ح 2.

(2)- وسائل الشيعة: ب 89 من ابواب تروك الاحرام ح 2.

(3)- وسائل الشيعة: ب 85 من ابواب تروك الاحرام ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 402

[مسألة 65] كفارة قلع شجر المحرم

مسألة: 65 حكي عن المبسوط و الخلاف و الغنية و الوسيلة ان كفارة قلع شجرة الحرم اذا كانت كبيرة

بقرة و اذا كانت صغيرة ففيها شاة و في ابعاضها قيمته

بل في الجواهر حكي عن غير واحد الشهرة عليه «1»

و قال الشيخ في الخلاف: مسألة (281) في الشجرة الكبيرة بقرة و في الصغيرة شاة، و به قال الشافعي و قال أبو حنيفة: هو مضمون بالقيمة دليلنا اجماع الفرقة و طريقة الاحتياط. و روي عن ابن عباس انه قال في الدوحة بقرة و في الجزلة شاة، و الدوحة الشجرة الكبيرة و الجزلة الصغيرة، و عن ابن الزبير أنه قال: في الكبيرة بقرة و في الصغيرة شاة و لا مخالف لهما «2»

و في التهذيب قال: و روي موسي بن القاسم قال: روي اصحابنا عن احدهما عليهما السلام انه قال: «اذا كان في دار الرجل شجرة من شجر الحرم لم تنزع ان اراد نزعها نزعها و كفر بذبح بقرة يتصدق بلحمها علي المساكين» «3».

و في ما عندي من نسخة الوسائل «4» «فان اراد نزعها كفر …» و لذا قيل انه غير معمول به لانه ظاهر في انه ان اراد نزعها كفر اولا ببقره ثمّ ينزعها و يرد ذلك بما في نسخة المصدر مضافاً الي ان دعوي ظهوره في ذلك قابل للمنع.

و لعل المشهور اعتمدوا علي هذا الخبر بضميمة ما روي عن ابن عباس لانهم

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 20/ 425.

(2)- الخلاف: 2/ 408.

(3)- التهذيب ج 5 ح 1331/ 244.

(4)- وسائل الشيعة: ب 18 من ابواب بقية كفارات الاحرام ح 3.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 403

يرونه رواية و استشكل في كل ذلك اما في الخبر بالارسال لقوله (روي اصحابنا) و لان موسي بن القاسم كان من اصحاب الجواد و الرضا عليهما السلام من الطبقة السابعة و ظاهر قوله عن احدهما انه

هو الامام الباقر او الصادق عليهما السلام كما هو الشائع في الاحاديث و لا يمكن له الرواية عن اصحاب الباقر (عليه السلام) مضافاً الي انه لو كان رواها عن اصحاب احدهما لقال الشيخ و موسي بن القاسم روي عن اصحابنا فالظاهر ان الاحتجاج بالرواية ساقط للارسال.

و يمكن ان يقال: اولا ان موسي بن القاسم كان من الطبقة السابعة و اصحاب الباقر و الصادق عليهما السلام كانا من الرابعة و الخامسة و لعل بعض من الخامسة بل الرابعة بقي حتي عاصر السادسة و موسي بن القاسم كان من كبار السابعة و قد عاصر السادسة هذا مضافاً الي احتمال كون المراد عن احدهما الرضا و الجواد عليهما السلام اضف الي ذلك ان موسي بن القاسم الموصوف بأنه ثقة جليل واضح الحديث حسن الطريقة له ثلاثون كتاباً مثل كتب الحسين بن سعيد مستوفاة حسنة اذا قال مثله روي اصحابنا يطمئن النفس بانه مروي عن احدهما و ليس باقل من ان يقال روي عدة من اصحابنا فالانصاف ان ردّ مثل هذا الحديث بهذا السند غير مقبول جداً مردود عند اهل الفن، و أمّا الايراد بضعف دلالته فقد عرفت الجواب عنه و علي ذلك لا يبعد ان يكون اعتماد المشهور علي هذا الحكم بالتفصيل المذكور بهذا الصحيح و بما روي عن ابن عباس اعتماداً علي انه الرواية.

ثمّ ان هنا بعض الفروع يطلع عليها المراجع الي الجواهر و غيره. و الله هو العالم.

[مسألة 66 من محرمات الإحرام تغسيل الميت المحرم بالكافور]

حرمة تغسيل الميت المحرم بالكافور

مسألة: 66 في الجواهر: يحرم (تغسيل المحرم لو مات) و تحنيطه (بالكافور) بلا خلاف اجده فيه للمعتبرة المستفيضة التي منها صحيح

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 404

محمد بن مسلم عن ابي جعفر (عليه السلام) «عن

المحرم اذا مات كيف يصنع به؟ قال: يغطي وجهه، و يصنع به كما يصنع بالحلال غير انه لا يقربه طيباً» «1» بل مقتضاه كغيره حرمة الطيب عليه مطلقاً كافوراً و غيره في الغسل و الحنوط و الظاهر انه غسل تام بالنسبة اليه فلا يجب بمسّه بعده غسل علي الماس، و ان احتمل بل قيل به و الله العالم «2».

و ما افاده تام و كان الاولي بمثله ان يقول: يحرم تغسيل المحرم لو مات بالكافور و تحنيطه به.

ثمّ انه قال في العروة: «اذا كان الميت محرماً لا يجعل الكافور في ماء غسله في الغسل الثاني الا ان يكن موته بعد طواف الحج او العمرة و كذلك لا يحنط بالكافور بل لا يقرب اليه طيب آخر».

و مثله قال في الوسيلة (الا ان يكون موته بعد الطواف في العمرة او الحج) و وافقهما في جواز الغسل بالكافور بعد الطواف مطلقاً جماعة من المحشين نعم قال سيدنا الاستاذ الخوانساري (السيد المحقق التقي النقي السيد محمد تقي): (بعد صلاة الطواف و السعي) لكن لم يفصل بين الحج و العمرة.

و قال السيد الحكيم: (في الحج بعد السعي) و في العمرة قال: (لا يحلّ للمعتمر الطيب الا بالتقصير و حينئذ يحل من احرامه فلا يكون مما نحن فيه) و نحوه قال السيد الخوئي فقال: (بل بعد السعي في الحج و أما العمرة فلا استثناء فيها اصلا).

هذا اقوال بعض المحشين و هذا هو الذي اخترناه في المسألة 344 من هداية

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 83 من ابواب تروك الاحرام.

(2)- جواهر الكلام: 18/ 421.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 405

العباد: اذا كان الميت محرماً يغسله ثلاثة اغسال كالمحل لكن لا يخلط الماء بالكافور في الغسل الثاني

الا ان يكون موته بعد التقصير في العمرة و بعد السعي في الحج و وجهه معلوم فانه اذا مات قبل التقصير في العمرة سواء كانت عمرة التمتع او الافراد لم يخرج من الاحرام فيموت محرماً و أمّا بعد السعي حيث انه و ان لم يخرج من الاحرام بكماله الا انه يحل عليه بعد السعي الطيب و القدر المتيقن من المحرم الذي لا يقربه الطيب بعد موته هو الذي مات و الطيب حرام عليه.

و لكن قال في المستمسك حاشية علي ما في العمرة (الا ان يكون بعد طواف الحج و العمرة كما عن نهاية الاحكام و مجمع البرهان و قربه في الجواهر و الحدائق لحل الطيب للحي حينئذ و ظاهر النصوص تحريم ما كان يحرم علي الحي لا غير فاطلاق ما دل علي وجوب الغسل بالكافور محكم) «1».

و فيه: ان الطيب في الحج يحل عليه بعد طواف الزيارة و صلاته و السعي و في العمرة بعد التقصير فهو ان مات قبل ذلك فيهما مات محرماً.

هذا و لا يخفي عليك ان الظاهران ما قواه صاحب الجواهر و الحدائق ايضاً استثناء جواز الغسل بالكافور و كذا التحنيط في الحج بما اذا مات بعد الطواف و السعي و في العمرة بما اذا مات بعد التقصير قال في الجواهر (و احتمال دوران الحكم علي الاول (اي موته بعد الحلق او التقصير و قبل طواف الزيارة) لخروجه عن صورة المحرمين بلبسه و اكله ما لا يلبسه و يأكله المحرم و للاقتصار علي ما خرج عن عموم الغسل بالكافور و التحنيط به علي المتيقن بعيد) «2».

______________________________

(1)- مستمسك العروة: 4/ 134.

(2)- جواهر الكلام: 4/ 183.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 406

و مثله ما افاده

في الحدائق «1»، و قد ظهر من جميع ذلك عدم تمامية ما يدل عليه ظاهر كلام العروة و الوسيلة و لعلهما و من وافقهما من المحشين لم يكونوا في مقام افادة تمام مرادهم و الله العالم باحكامه.

[مسألة 67] حكم من فقد الهدي و وجه ثمنه

مسألة: 67 الأظهر و الاقوي ان من فقد الهدي و وجد ثمنه يخلفه عند من يشتريه طول ذي الحجة و يذبحه عنه و ان لم يتمكن منه اخّر ذلك الي قابل ذي الحجة و ان لم يتمكن من ذلك ينتقل وظيفته الي الصوم و كذا من فقدهما ينتقل وظيفته اليه.

و اذا صار ذبح الهدي لواجده و واجد ثمنه في مني مطلقاً متعذراً فهل يجب عليه ذبحه في اي مكان هو اقرب الي مني او في مكة او في اي مكان اتفق ذلك اذا وقع في ذي الحجة او يسقط عنه وجوب الهدي و ينتقل وظيفته الي الصوم؟

وجه عدم السقوط الجزم باصل وجوب الهدي و ان اعتبار وقوعه في مني مشروط بالتمكن منه و العجز عنه لا يوجب سقوطه مطلقاً.

و قيل باستفادة ذلك من اطلاق مثل قوله تعالي: (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَي الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) «2» فانه بالاطلاق يدل علي وجوب الهدي مطلقاً فلا يسقط بالعجز عن الاتيان ببعض افراده كذبحه بمني و كذا قوله تعالي (وَ الْبُدْنَ جَعَلْنٰاهٰا لَكُمْ مِنْ شَعٰائِرِ اللّٰهِ لَكُمْ فِيهٰا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللّٰهِ عَلَيْهٰا …) «3».

______________________________

(1) الحدائق الناضرة: 3/ 432.

(2)- البقرة، آية 196.

(3)- الحج، آية 36.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 407

فانه أيضاً يدل علي ان البدن بخصوصية نفسه دون تقيده بقيد و دون ان يكون مصحوباً بشرط من شعائر الله قال و في الخصال: «الهدي للمتمتع فريضة» «1».

و في صحيح زرارة:

«و عليه الهدي فقلت: و ما الهدي؟ فقال: افضله بدنة، و اوسطه بقرة و اخفضه شاة» «2». و في خبر حريز «ان رسول الله (ص) لمّا احرم اتاه جبرئيل (ع) فقال: مر أصحابك بالعجّ و الثجّ، و العجّ رفع الصوت و الثج نحر البدن» «3» هذه الروايات بالاطلاق يدل علي كفاية ذبح الهدي بل وجوبه في غير مني اذا تعذر الذبح في مني.

و لا يقال ان تلك الاطلاقات مقيدة بما دل علي اشتراط كون الذبح بمني فانه يقال: ما يدل علي ذلك مما يعتمد عليه من الروايات ليس الا صحيح منصور بن حازم عن ابي عبد الله (عليه السلام) «في رجل يضل هديه فيجده رجل آخر فينحره فقال: ان كان نحره بمني فقد أجزأت عن صاحبه الذي ضل عنه و ان كان نحره في غير مني لم يجزء عن صاحبه» «4» و ليس له اطلاق يشمل صورة تعذر ذبحه في مني و سائر الروايات و ان كان فيها ما يدل علي اشتراط كونه بمني مطلقاً.

و في كل ذلك ان دعوي اطلاق الآية الاولي مردودة بدلالتها علي اشتراطه بوقوعه في محله فان فيها قال تعالي: (وَ لٰا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّٰي يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ) «5» و أما

الآية الثاني فظاهرها بيان عظمة امر البدن و انها من شعائر الله و الالف و اللام

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 2 من ابواب اقسام الحج، ح 29.

(2)- وسائل الشيعة: 10 من ابواب الذبح، ح 5 و ب 5 ابواب اقسام الحج، ح 2.

(3)- وسائل الشيعة: 37 من ابواب الاحرام، ح 1.

(4)- وسائل الشيعة: 28 من ابواب الذبح، ح 2.

(5)- البقرة، آية 196.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 408

فيها للعهد.

نعم يمكن تصديق دعوي الاطلاق

بالنسبة الي رواية خصال و صحيح زرارة فيبقي الكلام فيما يدل علي تقييده و هو صحيح منصور بن الحازم هل هو يدل بالاطلاق بالاشتراط او في الجملة و في خصوص مورده الا انه يدل بالاولوية علي عدم اجزائه في غير مني عمداً و في غير صورة العذر.

و لكن فيه انه مبني علي اجزاء التبرع و الا كان مطرحاً ذكر ذلك في الجواهر. «1»

و الظاهر جواز الاعتماد علي سائر الروايات و ان كانت اسنادها ضعيفه لجبرها بعمل الاصحاب بها فمنها رواية ابراهيم الكرخي و فيها «فلا ينحره الا بمني» «2».

و لكن هذا لا تدل بالاشتراط المطلق و منها رواية عبد الاعلي و فيها «و لا ذبح الا بمني» «3».

و هذه ايضاً لا تدل علي اشتراط المطلق لو لم نقل بدلالتها علي نفي الكمال لقوله قبل ذلك لا هدي الا من الابل و لا ذبح الا بمني فالنتيجة ثبوت اشتراط وقوعه بمني في حال الاختيار دون حال التعذر فيذبه حيث شاء. الا انه لا يترك الاحتياط باختيار اقرب الاماكن الي مني و الاولي ضم الصيام اليه. و الله هو العالم باحكامه.

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 19/ 121.

(2)- وسائل الشيعة: ب 4 من ابواب الذبح، ح 1.

(3)- وسائل الشيعة: ب 4 من ابواب الذبح، ح 6.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 409

[مسألة 68] محل ذبح كفارة الصيد

مسألة: 68 الكفارة ان وجبت عليه بصيد اصابه و هو محرم فيدل علي حكمه ما في الرواية المعروفة بين الطائفة المفصلة عن مولانا الجواد (ع) قال: «و اذا اصاب المحرم ما يجب عليه الهدي فيه و كان احرامه بالحج نحره بمني و ان كان احرامه بالعمرة نحره بمكة» «1».

و صحيح عبد الله بن سنان قال: قال ابو عبد الله

(عليه السلام): «من وجب عليه فداء صيد أصابه و هو محرم فان كان حاجّاً نحر هديه الذي يجب عليه بمني، و ان كان معتمراً نحره بمكة قبالة الكعبة» «2» و اطلاقه يشمل العمرتين و مثله صحيح زرارة عن ابي جعفر (عليه السلام) قال: «في المحرم اذا اصاب صيداً فوجب عليه الفداء (الهدي) فعليه ان ينحره ان كان في الحج بمني حيث ينحر الناس فان كان في عمرة نحره بمكة، و ان شاء تركه الي ان يقدم مكة و يشتريه فانه يجزي عنه» «3» و ذيله يدل علي عدم وجوب شرائه في موضع الاصابة.

و في مرسل احمد بن محمد عن بعض رجاله عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: «من وجب عليه هدي في احرامه فله ان ينحره حيث شاء الّا فداء الصيد فان الله عز و جل يقول (هدياً بالغ الكعبة)» «4» و قوله تعالي هدياً بالغ الكعبة يدل علي عدم جواز نحره في مكان اصابته الهدي لا انه يجب ان ينحر عند الكعبة مطلقاً حتي كان ما دل من الروايات علي انه ان اصاب الصيد في الحج ينحره بمني مقيداً لإطلاقه

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 3 من ابواب كفارات الصيد ح 1.

(2)- وسائل الشيعة: ب 49 من ابواب كفارات الصيد.

(3)- وسائل الشيعة: ب 51 من ابواب كفارات الصيد ح 2.

(4)- وسائل الشيعة ب 49 من ابواب كفارات الصيد ح 3.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 410

و ظاهر

هذه الروايات حصر موضع الذبح فيهما فلا يجوز في غيرهما سواء كان ذلك قبل وصوله اليهما بان يذبحه مثلا في مكان الصيد او بعده بان يذبحه في غير مكة و غير مني.

و حكي عن الاردبيلي جواز التقديم و الاتيان به

قبل وصوله الي مكة او «1» مني و لكن ما استدل له به ضعيف مضافاً الي انه خلاف الاجماع فانهم لم يختلفوا فيما ذكر في كفارة الصيد. و الله هو العالم.

[أقوال العلماء في كفارة الصيد]

مسألة: ظاهر المحقق في الشرائع عدم الفرق بين كفارة الصيد و غيره في انّه يذبح الفداء أو ينحره إن كان معتمراً بمكة، و بمني ان كان حاجّاً و قال في الجواهر: (كما في النافع و القواعد و غيرهما و محكي الخلاف و المراسم، و الأصباح و الاشارة و الفقيه، و المقنع و الغنية بل في المدارك هذا مذهب الاصحاب لا اعلم فيه خلافاً، و هو كذلك في الأخير.

و امّا الأوّل فقد سمعت من صرح فيه بما ذكره و لكن عن النهاية و المبسوط و الوسيلة و الجامع التصريح بأن للمعتمر أن يذبح غير كفارة الصيد بمني و كذا عن روض الجنان و عن المهذب التصريح بجوازه في العمرة المبتولة و عن السرائر و الوسيلة و فقه القرآن للراوندي و ظاهر الخلاف: ان العمرة المبتولة كالحج في ذبح جزاء الصيد بمني، و عن الكافي: ان العمرة المتمتع بها كالمبتولة في ذبح جزاء الصيد بمكة، و نحوه عن الغنية، و إن كان الأقوي الأوّل لقول الجواد (عليه السلام) للمأمون فيما رواه المفيد في محكي الإرشاد عن الريان بن شبيب عنه (عليه السلام) (و ذكر ما تقدم ذكره

______________________________

(1)- الحكاية عن جواهر الكلام: 20/ 345.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 411

في المسألة السابقة).

و في المروي عن تفسير علي بن إبراهيم «1» عن محمد بن الحسن «2» عن محمد بن عون النصيبي «3» و فيما ارسله الحسن بن علي بن شعبة «4» في محكي تحف العقول «و المحرم بالحج ينحر

الفداء بمني حيث ينحر الناس و المحرم بالعمرة ينحر الفداء بمكة») «5».

أقول: ظاهر كلامه تحقق الإجماع في وجوب ذبح الفداء أو نحره بمني إن كان ارتكب موجبه في إحرام الحج و إن كان غير الصيد، و قول الأوّل أي وجوبه بمكة إذا كان محرماً بالعمرة برواية ريان بن شبيب «6» المشهورة بين الفرقة المحقة الناجية فان قوله (عليه السلام): و ان كان احرامه بالعمرة نحره بمكة يدلّ بالإطلاق علي وجوب نحره بمكة سواء كان ما يوجبه الصيد او غير الصيد و لكنّه قدس سره كانه لم يلحظ صدر الحديث الدّال علي أن موضوع ما فيه من الأحكام الصيد و الإجماع يمكن الخدشة في حجيته بما يخدشون به في حجية مثله من الاجماعات. اذاً فنقول: مقتضي الأصل عدم اشتراط ذبح فداء غير الصيد بمكان دون مكان إلا ان يكون في الروايات غير رواية ريان ما يدل علي القول المشهور الذي قال في المدارك علي ما حكي عنه: (هذا مذهب الاصحاب لا أعلم فيه خلافاً) «7» و الروايات مختصة بفداء الصيد و أمّا

______________________________

(1)- ابن هاشم القمي ابو الحسن ثقة في الحديث … من صغار الثامنة.

(2)- او الحسين لعله من السابعة.

(3)- روي عن ابي جعفر عليه السلام لعله من السادسة.

(4)- من اعلام القرن الرابع.

(5)- جواهر الكلام: 20/ 344.

(6)- خال المعتصم ثقة سكن قم و روي عنه أهلها من السادسة.

(7)- مدارك الاحكام: 8/ 405.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 412

غيره فلم اقف علي نصّ يقتضي تعيين ذبحه في هذين الموضعين فلو قيل بجواز ذبحه

حيث كان لم يكن بعيداً.

و كيف كان فمن الروايات موثقة اسحاق بن عمار عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت له: «الرجل يخرج من حجته شيئاً

يلزمه منه دم يجزئه ان يذبحه اذا رجع الي اهله؟ فقال: نعم و قال فيما أعلم- يتصدق به قال اسحاق: و قلت لابي إبراهيم (عليه السلام): الرجل يخرج من حجته ما يجب عليه الدم، و لا يهريقه حتي يرجع إلي أهله؟ فقال: يهريقه في أهله، و يأكل منه» «1» و عن مرآة العقول: يخرج في أكثر النسخ بالخاء المعجمة ثمّ الجيم الاظهر انه بالجيم اولا و الحاء المهملة أخيراً بمعني يكسب و روي صدره في التهذيب إلا أنّه قال: «الرجل يخرج من حجه و عليه شي ء و يلزمه فيه دم» «2».

و قال العلامة المجلسي فيه في ملاذ الاخبار بعد ذكر القول المشهور (يمكن حمل هذا الخبر علي ما اذا لم يمكنه البعث، و حمل هذا الحديث علي ما اذا هو رجع و فات منه الذبح او النحر في مني أو مكة ليس ببعيد و كان عبارة صدر الحديث في نسخة الكافي لا تخلو من الاضطراب فلا يدلّ علي جواز تركه مطلقاً بمكة أو بمني).

و إن قال بعض الاعلام و فرع عليه وقوع التعارض بينه و بين صحيحتي ابن بزيع عن مولانا الرضا (عليه السلام) أحدهما قال: «سألت ابا الحسن (عليه السلام) عن الظل للمحرم من أذي مطر أو شمس؟ فقال: أري أن يفديه بشاة و يذبحها بمني» «3» و في الآخر قال: «سأله رجل عن الظلال للمحرم من أذي مطر أو شمس، و أنا أسمع فامره أن يفدي

______________________________

(1)- الكافي، ج 4، ص 488، ح 4.

(2)- تهذيب الاحكام: كتاب الحج، ح 1712/ 358.

(3)- وسائل الشيعة: ب 6 من ابواب بقية كفارات الاحرام، ح 3.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 413

شاة و يذبحها بمني» «1».

بيان التعارض بينهما و

بينه ان الموثق يدلّ علي جواز ذبح الفداء اذا رجع إلي أهله في إحرام حجه في أي مكان شاء سواء كان سبب الفداء التظليل أو غيره و الصحيحتين مقتضاهما لزوم الذبح بمني للتظليل سواء، كان في إحرام الحج أو العمرة فيقع التعارض بينهما في مورد الاجتماع و هو التظليل في إحرام الحج فالموثق يدلّ علي جوازه في أي مكان و الصحيحين يدلان علي لزوم الذبح له بمني إذاً فلا دليل يدل علي وجوب الذبح بمني إن وقع في احرام الحج «2».

و لكن بعد ما استظهرناه من الموثقة لا يقع التعارض المذكور بينهما و بين الصحيحة بل هي كالحاكم عليهما و علي ذلك يدلّ الصحيحان علي وجوب كون الفداء بمني و إطلاقهما و إن يشمل العمرة الا انّه يقيد بما ورد في العمرتين لو لم نقل بأن السؤال و الجواب فيهما بملاحظة الحكم بكونه بمني كان عن إحرام الحج، و بعد اثبات كون فداء التظليل الواقع في إحرام الحج بمني نتعدي منه إلي سائر موجبات الدم لفهم العرف عدم الخصوصية فيه و هذا هو الوجه لقول المشهور فخذه و تدبر فيه فانّه جدير بذلك و الله هو الهادي الي الحق و الصواب.

و من الروايات في العمرة المفردة صحيح منصور بن حازم قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن كفارات العمرة المفردة أين تكون؟ فقال: بمكة الا أن يشاء صاحبها أن يؤخّرها إلي مني، و يجعلها بمكة أحبّ اليّ و أفضل» «3».

و بغض النظر عما فيه من اضطراب المتن لعدم ارتباط للعمرة المفردة بمني

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 6 من ابواب بقية كفارات الاحرام، ح 6.

(2)- معتمد العروة: 4/ 280.

(3)- وسائل الشيعة: ب 49 من أبواب كفارات

الصيد ح 4.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 414

إطلاقه يشمل الصيد و غير الصيد و يقيد بروايات الصيد و يؤيد بما رواه الكليني عن عدة من أصحابنا «1» عن سهل بن زياد «2» عن احمد بن محمد «3» عن بعض رجاله عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: «من وجب عليه هدي في احرامه فله ان ينحره حيث شاء الا فداء الصيد فان الله عزّ و جلّ يقول: (هدياً بالغ الكعبة) «4» و رواه في التهذيب عنه عن العدة … «5».

و منها: صحيح معاوية بن عمّار عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: «سألته عن كفارة المعتمر أين تكون؟ قال: بمكة الا ان يؤخرها الي الحج فتكون بمني و تعجيلها أفضل و أحبّ الي» «6».

و مورده عمرة التمتع لقوله (عليه السلام) «الا أن يؤخّرها الي الحج فتكون بمني» فان ما له الحج عمرة التمتع و هذا ايضاً كسابقه مطلق بالنسبة الي الصيد الا ان اطلاقه قيد بروايات الصيد، و يؤيده أيضاً المرسل المذكور و لكنهما يدلان علي التخيير بين مكة و مني و كانه لا قائل به الا ان بعض الاعاظم الذي ذكرنا ما افاده من وقوع التعارض بين صحيحي ابن بزيع و موثق اسحاق بن عمّار صار في مقام دفع هذا الاشكال بحمل موثقة اسحاق علي الاعم من الحج و العمرة فقال: (ان موثق

اسحاق، و ان ذكر فيه الحج، و لكن الظاهر ان السائل لا نظر له الي خصوص الحج في

______________________________

(1)- و هم محمد بن الحسن الطائي الرازي و محمد بن جعفر الاسدي أو محمد بن ابي عبد الله و محمد بن عقيل الكليني و علي بن محمد بن ابراهيم خال الكليني.

(2)- من السابعة.

(3)- هو

اما ابن عيسي او ابن خالد.

(4)- وسائل الشيعة: ب 49 من أبواب كفارات الصيد، ح 3.

(5)- التهذيب 5/ 374/ 1303- الاستبصار 2/ 212/ 726.

(6)- وسائل الشيعة، أبواب الذبح، ب 4، ح 4.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 415

مقابل العمرة بل نظره الي ما يرتكبه المحرم من المحرمات في مناسكه سواء كان في العمرة او الحج، فان الظاهر من قوله (يخرج من حجته) الخروج من اعماله و مناسكه، و قد ارتكب محرماً فكلام السائل في الحقيقة مطلق من حيث الحج و العمرة كما انه مطلق من حيث سبب الدم فعلي ذلك لا بدّ من تقديم الموثق علي الصحيحين.

و بعبارة اخري: السائل يسأل عن الاجزاء و الاكتفاء بالذبح في أيّ مكان شاء بمعني ان التخيير بين مكة و مني المستفاد من الصحيحين هل يكتفي و يجتزي فيه بالذبح في أي مكان شاء فيكون الموثق ناظراً الي الصحيحين و حاكماً عليهما و كذلك الحال بالنسبة الي العمرة المفردة لان المتفاهم ثبوت الحكم لطبيعي العمرة و لا خصوصية لعمرة التمتع) «1» الي آخر كلامه.

و فيه: ان هذا محتمل لو لم نقل بمقالة العلامة المجلسي من ان الخبر محمول علي صورة رجوعه من الحج و عدم امكان بعث الفداء و قد قلنا ان الظاهر منه ذلك.

مضافاً الي ان هذا الاحتمال بعيد فمن اين نعلم ان سؤال السائل في الموثق كان ناظراً الي الحكم المذكور في الصحيحين فالتعارض بينهما و بين الموثق باق علي حاله فكلتا الطائفتين ساقطتان بالتعارض.

و الحاصل ان الامر ينتهي اما الي الاخذ بالصحيحين و التخيير المذكور فيهما او طرحهما لعدم العامل بهما و التمسك بالاصل و مقتضاه جواز ذبح فداء غير الصيد للعمرة المفردة و عمرة التمتع في

اي مكان شاء.

هذا و قد استدلّ لردّ مذهب المشهور بمفهوم الروايات الواردة في كفارة الصيد

فانّها تدلّ علي وجوب نحر ما يجب عليه به او ذبحه ان كان حاجّاً بمني و ان كان

______________________________

(1)- المعتمد: 4/ 282.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 416

معتمراً بمكة، و مفهوم هذا إنّه إن لم يكن ما وجب عليه فداء الصيد أو كان غيره ليس عليه ذلك فالقدر المسلم منه أن مجرّد الفداء ليس محكوماً بهذا الحكم فان دلّ الّا دليل علي قيام خصوصية اخري مقام خصوصية كونه للصيد نقول به و الّا فهو بالخيار بنحره في أي مكان شاء- و بعد ذلك كله ينبغي مراعاة الاحتياط بالعمل علي طبق فتوي المشهور و الله العالم.

خاتمة تشتمل علي امور.

الأمر الأول: «تكرر الكفارة بتكرر الاسباب المختلفة»

اذا اجتمعت لكفارة أسباب مختلفة كالصيد و اللبس و تقليم الاظفار و الطيب قال في الجواهر: (لزم عن كل واحد كفارة به بلا خلاف و لا اشكال بل الاجماع بقسميه عليه لقاعدة تعدد المسبب بتعدد السبب سواء فعل ذلك في وقت واحد أو وقتين كفر عن الاول أو لم يكفر لوجود المقتضي و انتفاء المسقط) «1».

الأمر الثاني: «تكرر الكفارة بتكرر السبب الواحد»

إذا كرر السبب الواحد فإن كان هو الصيد فقد مرّ بيان حكمه، و إن كان مثل الوطء فهل يلزم عليه بكل مرة كفارة علي ما قيل انه المشهور بين الاصحاب قديماً و حديثاً بل عن المرتضي و ابن زهرة دعوي الاجماع عليه او لا يجب عليه الا كفارة واحدة أو يفصل بين الجماع المفسد للحج فيقال فيه بعدم التكرر

و بين غير المفسد فيقال فيه بالتكرر؟

أو يفصل بين ما إذا كفر عن الاول فتجب الكفارة بالثاني و بين عدمه؟ وجوه: وجه الاول: تعدد المسبب بتعدد السبب و يمكن الخدشة فيه بان من قوله إن

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 20/ 431.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 417

جامعت فكفر يستفاد وجوب طبيعة الكفارة عليه بالجماع و الطبيعة لا تكرر حتي تجب عليه بتكرار الجماع طبيعة اخري اذا لم تتخلل الكفارة بين الاول و الثاني.

و يمكن الجواب عنه بأن قوله ان جامعت فكفر ينحل الي اوامر متعددة بعدد ما صدر عنه من الجماع فكانه قال ان جامعت فكفر له، و خصوصية تكون الكفارة له مأخوذة فيها و هذه في كل منها غير ما هو في غيرها و بذلك يكون الطبيعة المأمور بها فرداً من الطبيعة متميزاً عن سائر الافراد.

و أيضاً نوقش في هذا القول بأن غاية ما يدلّ عليه النص ترتب الأحكام الثلاثة علي الجماع، الكفارة

و اتمام الحج و الحج من قابل و من المعلوم ان مجموع هذه الاحكام لا يترتب الّا علي الجماع الاول و رد بان عدم امكان ترتب الثاني و الثالث لا يمنع من ترتب الاول و وجه القول الثاني يعرف مما ذكر للخدشة في الوجه الاول و الاصل و وجه القول الثالث ان القدر المتيقن ترتب الكفارة علي الجماع الذي لم يفسد بالجماع فما لا يفسده الجماع يتكرر الكفارة به و اما ما افسد بالجماع فلا يتكرر به الكفارة هذا.

و قد ذكر في الجواهر بعض التحصيلات في المسألة في صدق تكرار السبب و عدمه فراجعه «1» ان شئت. و الله هو العالم.

الأمر الثالث: الظاهر انه لا خلاف في انه لو تكرر منه حلق الرأس في وقت واحد

بان حلق بعض رأسه ثمّ حلق بعضاً آخر لا تتكرر الكفارة لعده في العرف حلقاً واحداً بل كما في الجواهر المنساق مما ورد فيه كتابا و سنة اتحادها بحلق الرأس أجمع علي ما هو المتعارف فيه و لا ريب في تعدد مصداق الحلق لكل جزء منه نعم ان كان

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 20/ 431.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 418

الحلق في وقتين بان حلق بعض رأسه غدوة، و الآخر عشية قال في الجواهر تكررت الكفارة لصدق تعدد الحلق الذي هو السبب فيتعدد المسبب بتعدده بلا خلاف اجده فيه «1».

و استدل في الحدائق لنفي تكرار الكفارة في هذه الصورة و صورة الاولي بان الامتثال يحصل بالواحدة و اصالة البراءة عن الزائد و في الثانية بان غاية ما يستفاد من الادلة ترتب الكفارة علي حلق الرأس كله للاذي، و ما عداه يستفاد حكمه بالفحوي او الاجماع علي تعلق الكفارة به في بعض الموارد و ذلك لا يقتضي ثبوت الحكم المذكور كليا و بالجملة فالمسألة محل اشكال لعدم وضوح

الدليل القاطع لمادة القال و القيل. «2»

و فيه ان الكلام واقع في تكرر ما يوجب الكفارة في وقتين فمثلا ان قلنا بان حلق بعض الرأس في وقت يوجب الكفارة فهذا يتكرر بحلق بعضه الآخر في وقت آخر نعم لو لم نقل بذلك و قلنا ان الكفارة تترتب علي حلق الرأس كله ليس حلق بعضه في وقت و بعضه الآخر في وقت آخر من تكرار الموجب بل يمكن لأحد دعوي عدم صدق حلق جميع الرأس به اذا وقع في وقتين و بالجملة محل البحث فيما نستدل به بالفحوي عين ما يقع البحث فيه فيما يستدل من الدليل فاذا دل الدليل علي ترتب الكفارة علي حلق الرأس للاذي و قلنا انه يصدق بحلق بعض الرأس و يتكرر بحلق

بعضه في وقت آخر يجري البحث فيما يستفاد حكمه بالفحوي كما اذا لم يكن للاذي.

الامر الرابع: قال في الحدائق: اختلف الاصحاب رضوان الله عليهم في تكرر الطيب او اللبس في مجلس واحد او مجالس متعددة

فذهب الفاضلان الي ان مناط

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 20/ 434.

(2)- الحدائق: 15/ 550.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 419

التعدد اختلاف المجلس فان تكرر في مجلس واحد فالكفارة واحدة و ان تعدد المجلس تعددت الكفارة، و المنقول عن الشيخ و جمع من الاصحاب رضوان الله عليهم انهم اعتبروا في التكرار اختلاف الوقت بمعني تراخي الزمان عادة و ذهب بعضهم الي التكرار مع اختلاف صنف الملبوس كالقميص و السراويل و ان اتحد الوقت.

و به جزم في المنتهي و قال: «لو لبس قميصاً و عمامة و خفين و سراويل وجب عليه لكل واحد فدية لان الاصل عدم التداخل خلافاً لأحمد، و ربما ظهر من كلامه في موضع آخر من المنتهي تكرر الكفارة بتكرر اللبس مطلقاً فانه قال: لو لبس ثياباً كثيرة دفعة واحدة وجب عليه فداء واحد و لو كان

في مرات متعددة وجب عليه لكل ثوب دم لان لبس كل ثوب يغاير لبس الثوب الآخر فيقتضي كل واحد منها مقتضاه، و الاظهر التكرر مع اختلاف صنف الملبوس كما ورد في صحيحة محمد بن مسلم و قد تقدمت (الي ان قال) و أمّا الفرق بين اتحاد المجلس او الوقت و اختلافهما كما تقدم عن الفاضلين و الشيخ فلم اقف له علي مستند (الي ان قال) و بالجملة فالظاهر التعدد في صور تعدد الاصناف و في صورة اتحاد الصنف مع تخلل التكفير و في ما عدا ذلك اشكال» «1».

اقول: اما صحيح محمد بن مسلم فهو ما رواه الشيخ باسناده عن محمد بن مسلم قال:

«سألت ابا جعفر (عليه السلام) عن المحرم اذا احتاج الي ضروب من الثياب يلبسها؟ قال (عليه السلام): لكل صنف منها فداء» «2».

و الظاهر منه الفداء لكل صنف فلو تعدد الثوب من صنف واحد لا يتعدد

______________________________

(1)- الحدائق الناضرة: 15/ 155.

(2)- وسائل الشيعة: ب 9 من ابواب كفارات الاحرام، ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 420

الفداء اذا كان في مجلس واحد و ان الحاجة اذا زالت ثمّ تجددت تجب كفارة اخري. و الله هو العالم.

الأمر الخامس: المحرم إذا أكل أو لبس ما لا يحل له أكله أو لبسه عالماً عامداً

فان كان له مقدر شرعي فهو عليه و ان لم يكن له مقدر فعليه دم شاة كما صرح به جملة من الاصحاب بل قال في الجواهر (لا اجد فيه خلافاً) «1».

و المستند لهم في ذلك صحيح زرارة قال: «سمعت ابا جعفر (عليه السلام) يقول: من نتف ابطه.. او لبس ثوباً لا ينبغي له لبسه او اكل طعاماً لا ينبغي له اكله و هو محرم ففعل ذلك ناسيا او جاهلا فليس عليه شي ء و من فعله متعمداً فعليه شاة» «2».

نعم يمكن

ان يقال: انه لا يشمل لبس الخفين و الشمشك و نحوهما مما لا يعد ثوباً و قال في الجواهر: لا ريب انه احوط بل لعل ذكر الثوب مثال لكل ما يحرم عليه لبسه «3».

أقول: فيمكن ان يقال: ان ذكر الاكل و اللبس مثال لكل ما هو محرم علي المحرم فالاقوي الاقتصار في الحكم بوجوب شاة علي خصوص لبس الثوب و الاكل و الله هو العالم.

«الأمر السادس: سقوط كفارة غير الصيد عن الجاهل و الناسي و المجنون»

تسقط كفارة غير الصيد عن الجاهل و الناسي و المجنون و يدل عليه من

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 20/ 438.

(2)- وسائل الشيعة: ب 8 من ابواب بقية كفارات الاحرام ح 1.

(3)- جواهر الكلام: 20/ 438.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 421

الروايات قوله (عليه السلام) في صحيح معاوية بن عمار «و ليس عليك فداء ما اتيته بجهالة الّا الصيد فان عليك فيه الفداء بجهل كان او بعمد» «1» و في صحيحه الآخر: اعلم انه ليس عليك فداء شي ء اتيته و انت جاهل به و انت محرم في حجك و لا في عمرتك الّا الصيد فان عليك فيه الفداء بجهالة كان او بعمد «2» و اطلاق الاول يشمل الجهلين (بالموضوع و بالحكم) و صحيح البزنطي «3» الا انه كالصحيح الثاني في مورد الجهل بالموضوع، و يدل عليه في خصوص الجماع روايات كثيرة «4» و في الطعام و الطيب في صحيح زرارة قال (عليه السلام): «و ان كان ناسياً فلا شي ء عليه «5» و في نتف الابط و قلم الظفر و حلق الرأس و لبس ثوب لا ينبغي لبسه و اكل طعام لا ينبغي اكله» قال الامام (عليه السلام) (ففعل ذلك ناسياً او جاهلا فليس عليه شي ء» «6» و في مورد المجنون يدل عليه حديث رفع

القلم.

هذا و ما في بعض الروايات من التصدق بشي ء او بكف من الطعام او الاشتراء بدرهم تمراً او ان عليه دم شاه مثل صحيح حريز عن ابي عبد الله (عليه السلام) «في المحرم ينسي فيقلم ظفراً من اظافيره؟ قال: يتصدق بكف من الطعام قلت: فاثنين؟ قال: كفين قلت: فثلاثة؟ قال: ثلاث اكف كل ظفر كف حتي يصير خمسه فاذا قلم خمسة فعليه دم واحد خمسة كان او عشرة او ما كان» «7» فمحمول علي الندب بقرينة

______________________________

(1)- وسائل الشيعة ب 31- ابواب كفارات الصيد ح 1.

(2)- الوسائل ب 31- ابواب كفارات الصيد ح.

(3)- وسائل الشيعة: ب 31 من ابواب كفارات الصيد ح 2 و 7.

(4)- وسائل الشيعة: ب 3 من ابواب كفارات الاستمتاع.

(5)- وسائل الشيعة: ب 4 من ابواب بقية كفارات الاحرام.

(6)- وسائل الشيعة: ب 8 ابواب بقية كفارات الاحرام ح 1.

(7)- وسائل الشيعة: ب 12 من ابواب بقية كفارات الاحرام ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 3، ص: 422

سائر الروايات.

هذا كله في سقوط كفارة غير الصيد عن الجاهل و الناسي و المجنون، و أما وجوبها علي الجاهل و الناسي في الصيد فيدل عليه النصوص و قد سمعت طائفة منها و الظاهر انه لم ينقل فيه الخلاف منهم الّا عن ابن ابي عقيل و هو واضح الفساد، و أمّا المجنون ففي الجواهر (ان الشيخ صرح به في محكي الخلاف و المصنف (يعني المحقق) و الفاضل و غيرهم لان عمده و ان كان كالسهو. لكن قد عرفت ان السهو هنا كالعمد، و حينئذ فالكفارة في ماله يخرجه بنفسه ان افاق و الّا فالوليّ. نعم لو كان مجنوناً احرم به الولي و هو مجنون فالكفارة علي الولي علي ما في

الغنية و غيرها كالصبي الذي لم يذكره المصنف و لعله لان كفارته علي الولي لا عليه) «1».

اقول: عندي فيما ذكره لوجوب الكفارة علي المجنون ان هو احرم بنفسه في حال افاقته نظر لعدم الملازمة بين كون سهو العاقل هنا كالعمد و بين كون عمده الذي هو كالسهو هنا كالعمد. و الله هو العالم.

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 20/ 440.

الجزء الرابع

[في الطواف]

الكلام في شرائط الطواف

يعتبر في الطواف امور:
الاول: النية

فلا يصح الطواف اذا لم يؤت به بقصد القربة.

و الثاني: الطهارة من الحدث الاصغر و الاكبر في الطواف الواجب

بالاجماع بقسميه و يدل عليه جملة من النصوص كصحيح علي بن جعفر عن اخيه أبي الحسن عليه السّلام قال: «سألته عن رجل طاف بالبيت و هو جنب فذكر و هو في الطواف؟

قال، يقطع الطواف و لا يعتد بشي ء مما طاف، و سألته عن رجل طاف ثم ذكرانه علي غير وضوء؟ قال: يقطع طوافه و لا يعتد به» «1» و يدل علي عدم الاعتداد به في صورة العمد بالاولوية.

و صحيح محمد بن مسلم قال: «سألت احدهما عليهما السّلام عن رجل طاف طواف الفريضة و هو علي غير طهور؟ قال، يتوضأ و يعيد طوافه و ان كان تطوعا توضأ

______________________________

(1)- الوسائل ابواب الطواف ب 38 ح 4، ح 8.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 8

و صلي ركعتين». «1»

و مورد الاول النسيان و الذكر في الاثناء و اطلاقه يشمل الفريضة و التطوع و الثاني طواف الفريضة و اطلاقه يشمل حال الجهل و النسيان و العلم بعد الطواف و الظاهر منه كما في الجواهر الاكتفاء به ان كان تطوعا مطلقا كما هو احد القولين المسألة «2». و صحيح معاوية بن عمار الّذي رواه الصدوق قال: «قال أبو عبد اللّه عليه السّلام «لا بأس بان يقضي المناسك كلها علي غير وضوء الّا الطواف بالبيت و الوضوء افضل» «3».

و رواه الشيخ في التهذيب «4» و فيه «فان فيه صلاة» و قال في روضة المتقين في قوله عليه السّلام «و الوضوء افضل» اي في غير الطواف بقرينة استثناء الطواف و بالجملة فلا ريب في اشتراط الطواف الواجب بالطهارة.

و اما المندوب فيدل علي عدم اشتراطه بالوضوء صحيح محمد بن مسلم المذكور سابقا و صحيح حريز عن

أبي عبد اللّه عليه السّلام «في رجل طاف تطوعا و صلي ركعتين و هو علي غير وضوء؟ قال: يعيد الركعتين: و لا يعيد الطواف» «5» الّا انه ظاهر في خصوص صورة النسيان، و خبر عبيد بن زرارة «6» عن ابي عبد اللّه عليه السّلام انه قال.

«لا بأس ان يطوف الرجل النافلة علي غير وضوء ثم يتوضأ و يصلي فان طاف

______________________________

(1)- الوسائل ابواب الطواف ب 38 ح 3.

(2)- جواهر الكلام: 19/ 270.

(3)- من لا يحضره الفقيه: 2: 400/ 2811.

(4)- التهذيب: 5 ح 509/ 34.

(5)- وسائل الشيعة ب 38 ابواب الطواف ح 7.

(6)- ثقة ثقة من الخامسة و لكن في سند الصدوق إليه الحكم بن مسكين و الظاهر انه من السادسة و لم يوثق و لذا عبّروا عنها بالخبر.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 9

متعمدا علي غير وضوء فليتوضّأ و ليصل، و من طاف تطوعا و صلي ركعتين علي غير وضوء فليعد الركعتين و لا يعد الطواف» «1».

قال في الجواهر: «فما عن أبي الصلاح من وجوبها فيه لاطلاق بعض النصوص المقيد بما عرفت في غير محله» «2».

و هل يشترط فيه الطهارة من الاكبر؟ لا ريب في انه يحرم عليه الكون معه في المسجد فضلا عن اللبث و يمكن ان يقال بان المقام من صغريات مسئلة جواز اجتماع الامر و النهي و عدمه فمن يقول بالجواز يقول بصحته ندبا و ان كان عاصيا لمخالفته النهي عن لبثه في المسجد و من يقول بالامتناع يقول بالبطلان مطلقا أو بترجيح جانب أو غير ذلك.

و يمكن ان يقال فيه بعد اختيار عدم الجواز بالترتب و بعد ذلك كله نقول علي القول بالجواز بل و علي القول بالامتناع لا يصح تصحيح المامور به

اذا كان عباديا اذا اتحد خارجا مع الحرام و صار من مصاديقه لانه لا يمكن او لا يصلح ان يتقرب به الي المولي.

نعم لو طاف ناسيا صح طوافه قال في الجواهر: للاصل بعد امتناع تكليف الغافل، و لعله المراد من محكي التهذيب «من طاف علي غير وضوء أو طاف جنبا فان كان طوافه طواف الفريضة فليعده، و ان كان طواف السنة توضأ أو اغتسل فصلّي ركعتين و ليس عليه اعادة الطواف». «3»

أقول: لم نعلم ما هو مراده من الاصل و يمكن ان يكون منه الاصل اللفظي مثل

______________________________

(1)- وسائل الشيعة ب 38 ابواب الطواف ح 2.

(2)- جواهر الكلام: 19/ 270.

(3)- جواهر الكلام: 19/ 270.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 10

اطلاق قوله تعالي وَ لْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ الشامل لرجحان الطواف الواقع حال نسيان الجنابة بل قلنا بشموله لحاله العلم بالجنابة غير انه في هذا الحال يقع التعارض بينه و بين اطلاق دليل حرمة اللبث كما مر الاشارة إليه.

و اما اصالة البراءة فالظاهر عدم جريانها في المقام نعم لو وجب عليه بمثل النذر و العهد و اليمين فنسي الجنابة و طاف لا يجب عليه اعادة الطواف للاصل.

و بعد ذلك كله الظاهر انه لا ريب كما في الجواهر في استحباب الطهارة للطواف المندوب لما سمعته من صحيح معاوية و للنبوي العامي الّذي يكفي مثله في الفرض «الطواف بالبيت صلاة» «1» كما ان الظاهر ان المراد بالطواف المندوب الّذي ليس مشروطا بالطهارة هو ما يؤتي به بنفسه لا ما كان جزء من الحج المندوب أو العمرة المندوبة فانه واجب لقوله (و أتموا الحج و العمرة للّه).

ثم ان الظاهر من النصوص و الفتاوي قيام الطهارة الترابية مقام المائية كالصلاة و كفاية طهارة

المستحاضة للطواف و كذا المسلوس و غيرهما من الذين وظيفتهم الطهارة الاضطرارية نعم في خصوص المبطون افتوا بانه يطاف عنه للنصوص مثل صحيح معاوية بن عمار و غيره «2» و اللّه هو العالم باحكامه.

الثالث: طهارة الثوب و البدن

و لو كان الطواف مندوبا كما هو ظاهر الاكثر مثل الشيخ في الخلاف و المبسوط «3» و النهاية «4» الا ان لفظه في الاخير: (و لا يجوز للرجل ان يطوف و في ثوبه شي ء من النجاسة) و الحلبي في اشارة السبق «5» و ابن

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 19/ 270.

(2)- الوسائل ابواب الطواف ب 49 ح 3 و 5 و 6 و 7 و 8 و الظاهر ان الجميع رواية واحدة.

(3)- المبسوط: 1/ 358.

(4)- النهاية/ 240.

(5)- اشارة السبق/ 131.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 11

زهرة في الغنية «1» و غيرهم و دليلهم علي ذلك النبوي المعروف عن ابن عباس عن النبي صلّي اللّه عليه و آله: «الطواف بالبيت صلاة الا ان اللّه تعالي احل فيه النطق» «2» و الصلاة مشروطة بالطهارة عن الحدث و الخبث فالطواف مثله.

و خبر يونس بن يعقوب الّذي رواه الشيخ باسناده عن محمد بن احمد بن يحيي «3» عن بنان بن محمد «4» عن محسن بن احمد «5» عن يونس بن يعقوب «6» قال:

«سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل في ثوبه الدم و هو في الطواف؟ قال: ينظر الموضع الّذي رأي فيه الدم فيعرفه ثم يخرج و يغسله ثم يعود فيتم طوافه» «7» و رواه الصدوق باسناده عنه الا انه قال: «قلت لابي عبد اللّه عليه السّلام: رأيت في ثوبي شيئا من دم و انا اطوف؟ قال: فاعرف الموضع ثم اخرج فاغسله ثم عد فابن علي طوافك» 8

و

استشكل بعض الاكابر في سند الاول لوجود محسن بن احمد في السند فانه لم يوثق و لكن ردّ تضعيف سند الثاني بحكم بن مسكين الّذي لم يوثق في الرجال بأنه من رجال كامل الزيارات فيكون ثقة. «9»

اقول: أولا: لو لم يكن حديث في البين غير النبوي المذكور يكفي في انجبار ضعف سنده تداوله بين الاصحاب و استنادهم إليه.

______________________________

(1)- الغنية/ 172.

(2)- الخلاف كتاب الحج م 129 و في بدائع الصنائع «الطواف صلاة الا ان اللّه تعالي اباح فيه الكلام» و في الهداية أيضا عن كتب العامة (المنطق).

(3)- من السابعة من اكابرهم- ثقة.

(4)- من السابعة لم اقف علي توثيق له.

(5)- من السادسة لم اقف علي توثيق له.

(6)- من الخامسة له كتب ثقة.

(7) 7 و 8- وسائل الشيعة ب 52 من ابواب الطواف ج 1 و 2.

(9)- المعتمد: 4/ 323.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 12

و ثانيا: من نظر الي كتب الحديث يظهر له ان الاعتماد بمثل محسن بن احمد و الحكم بن مسكين في محله و انه لا يجوز القدح في اسناد الروايات بمجرد كون هذا أو ذاك في السند فقد روّيا روايات كثيرة في كثير من ابواب الفقه عن المشايخ و كتبهم و روي عنهم أيضا الكثير من المشايخ و مع عدم ورود قدح فيهما يعتمد علي روايتهم كما اعتمد عليها الاجلاء برواية رواياتهما.

و ثالثا: قد قلنا مرارا ان الكتب و الاصول كانت عند اصحاب الحديث و تلامذتهم و من كان له كتاب أو كتب كان كتابه عند من يروي عنه هذا الكتاب و لكن استقر سيرتهم علي نقل روايات الكتب بالاسناد و يونس بن يعقوب كان له كتاب في الحج و الظاهر انه كان موجودا عند

الشيخ لانه يقول في الفهرست له كتاب اخبرنا به جماعة و ان قيل ان سنده إليه ضعيف و لكن له إليه في التهذيب طرق اخري معتبره و الظاهر ان كل هذه الطرق طريق الشيخ الي كتاب يونس بن يعقوب لا ان يكون كل طريق ذكره في سند رواية عن كتابه مختص بها دون غيرها.

و كيف كان فرواية الصدوق و الشيخ عن يونس بن يعقوب عندي مورد الاعتماد يجوز الاحتجاج بها مضافا الي عمل المشهور بها.

هذا و اما التمسك لوجوب الطهارة من الخبث بحرمة ادخال النجاسة في المسجد ففيه المنع عن ذلك اذا لم تسر و لم تكن موجبة للهتك مضافا الي ان هذا معناه ليس اشتراط الطواف بالطهارة من الخبث بل معناه عدم القدرة علي الطواف بدون الطهارة. فيجب تحصيل القدرة عليه بالطهارة.

و مع ذلك في الجواهر «1» قال: «لكن عن ابن الجنيد كراهته في ثوب اصاب دم لا يعفي عنه في الصلاة».

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 19/ 272.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 13

و عن ابن حمزة كراهته مع النجاسة في ثوبه أو بدنه و مال إليه في المدارك للاصل و ضعف الخبرين المزبورين و منع حرمة ادخال النجاسة غير المتعدية و الهاتكة حرمة المسجد. و لمرسل البزنطي عن بعض اصحابه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «قلت له: رجل في ثوبه دم مما لا تجوز الصلاة في مثله فطاف في ثوبه؟ فقال: اجزأه الطواف ثم ينزعه و يصلي في ثوب طاهر». «1»

و فيه ان الاصل مقطوع بالخبرين و مرسل البزنطي لقصوره عن معارضة الخبرين لا لجبر ضعفهما بالعمل و ارسال ما رواه البزنطي لانه اذا كان المرسل مثلا البزنطي عن بعض اصحابه لا ينبغي رده

بضعف سنده به بل لاعراض المشهور عن العمل به مضافا الي انه يمكن حمله علي صورة جهله بالموضوع و اما حمله علي صورة النسيان كما حكي في الوسائل عن الشيخ و ان لم نجده في كتابيه فلا يرد به الاشكال و اللّه هو العالم.

[فروع]
[الأول] الطواف فيما يعفي عنه في الصلاة

فروع: الاول: حكي في الجواهر عن التذكرة و المنتهي و التحرير و ظاهر غيرها عدم العفو عما يعفي عنه في الصلاة لعموم خبر يونس الّذي لا يخص بالنبوي المزبور بعد عدم انجباره بالنسبة الي ذلك و عدم انصراف مثله في وجه التشبيه يعني ان النبوي و ان لم يكن منصرفا عما يعفي عنه فيشمله الا انه فيما يعفي عنه لم ينجبر بالعمل ثم ذكر بعد ذلك عبارة من الدروس و قال: «و هي كما تري لا تخلو عن تدافع».

و قال: «و ظني انها غلط من النساخ» و قال: «و قد وجدت عبارة الدروس منقولة خالية عن ذلك و ما في الدروس الموجود عندنا أيضا فيه التدافع المذكور فلا

______________________________

(1)- وسائل الشيعة ب 52 ابواب الطواف ح 3.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 14

نطيل الكلام فيه لانه قليل الجدوي».

و قال في الجواهر: «فالتحقيق عدم العفو في الاقل من الدرهم من الدم و فيما لا تتم فيه الصلاة و لذا صرح الفاضل ببطلانه في الخاتم النجس و اما دم القروح و الجروح فالظاهر العفو للحرج و غيره و اللّه هو العالم.» «1»

[الثاني] الشك في الطهارة أثناء الطواف

الثاني: قد علم مما ذكر ان في الطواف الواجب لو ذكر انه لم يكن طاهرا من الحدث يستأنف الطواف بلا خلاف و لا اشكال و ان شك في الطهارة في اثناء الطواف فان كان قبله محدثا يستأنفه مع الطهارة و كذا لو شك في الطهارة قبله و امّا ان كان عالما بالحدث و غفل عنه و لم يشك في انه تطهر بعده أم لا فاستصحاب بقاء الحدث لا يجري في حقه حتي يحكم به بوقوع ما وقع منه من الطواف بغير الطهارة.

فهل يمكن الحكم بصحة ما طاف

لاصالة الصحة أو لقاعدة الفراغ بناء علي جريانها في الاجزاء و كفاية الاتيان بما بقي منه مع الطهارة. مثل من رأي الدم في ثوبه و بدنه في الاثناء و في الجواهر قال: «يكون كالعصر و الظهر اللذين لا يلتفت الي الشك في اثنائها بعد تمام الاولي لاصالة الصحة و ان وجب الوضوء للعصر و لكن لم اجد من احتمله في المقام) «2»

و ردّ عليه بالفرق بين صلاتي الظهر و العصر و بين الطواف و لا يمكن اجراء قاعدة الفراغ في المقام و الوجه ان صحة العصر لا تتوقف علي صحة الظهر واقعا فان الترتيب بينهما ذكري فلو كان الظهر فاسدا واقعا صح عصره فلا مانع من بطلان

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 19/ 272.

(2)- جواهر الكلام: 19/ 273.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 15

ظهره واقعا و صحة عصره واقعا بخلاف الترتيب بين اجزاء الطواف فالجزء اللاحق صحته متوقفة علي صحة الجزء السابق في الواقع و لا تثبت باصالة الصحة او الفراغ الصحة الواقعية للاجزاء السابقة.

هذا و ان كان الشاك في الطهارة حالته السابقة الطهارة يبني عليها بلا اشكال.

فعلي هذا في الصورة الثالثة الحكم هو بطلان الطواف و استينافه و هذا ما قلنا به في المناسك و هو موافق لفتوي السيد الكلبايكاني و السيد الخوئي اعلي اللّه مقامهما و غيرهما و لكن فتوي غيرهم انه ان كان شكه بعد تمام الشوط الرابع أو بعد التجاوز عن النصف توضأ و اتم طوافه و صح و الا فالاحوط الاتمام ثم الاعادة.

و بعضهم افتي بعدم الاعادة في الصورة الثانية و لم يتحصل لي وجه ما قالوا.

نعم هنا روايات في غير مورد الشك في الطهارة في الاثناء في من احدث في طواف الفريضة انه

ان كان ذلك قبل تجاوز النصف وجب عليه الاعادة، و ان كان بعد تجاوزه يتطهر و يبني و يتم و كذا في من قطع الطواف الواجب بخروج لحاجة بانه ان كان ذلك قبل تجاوز النصف وجب عليه الاعادة و الا يجب عليه الاتمام.

و كذا في من مرض في اثناء الطواف قبل تجاوز النصف أو بعده و كذا في المرأة اذا حاضت في اثناء الطواف و لكن الجميع كما تري ليس في مورد الشك فضلا عن الشك في الحدث.

[الثالث:] الشك في الطهارة بعد الفراغ من الطواف

الثالث: اذا شك في الطهارة بعد الفراغ عن الطواف فان كانت حالته السابقة الطهارة يبني عليها فيحكم بصحة طوافها و يصلي بها صلاة الطواف و ان كانت حالتها السابقة الحدث و التفت إليها و شك في بقائها ثم غفل عنها فلا يدري انه توضأ

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 16

أو اغتسل أم لا يبني علي بطلان طوافه لانه كان محكوما بالحدث بحكم الاستصحاب و ان كانت حالته السابقة الحدث و لم يلتفت إليه و غفل عنه و لم يدر انه تطهر قبل الطواف، أو طاف محدثا يبني علي صحة طوافه لقاعدة الفراغ و عدم جريان الاستصحاب و يتطهر لصلاة الطواف.

ثم انه قد افاد بعض الاعلام و قال: «انه قد يفرض ان المكلف كان محدثا بالحدث الاصغر و يشك في انه توضأ أم لا ففي مثل ذلك تجري قاعده الفراغ بالنسبة الي الطواف و يجب عليه الوضوء لصلاة لاشتراطها بالطهارة».

و قد تفرض ان الحالة السابقة كانت هي الحدث الاكبر كالجنابة و طاف ثم بعد الطواف يشك في انه اغتسل أو لا و طاف أم لا يغتسل ففي ذلك قد يفرض انه لم يحدث بالحدث الاصغر و انما الصادر منه

الحدث الاكبر فقط فهنا لا شك في جريان قاعدة الفراغ بالنسبة الي الطواف و يغتسل لصلاة الطواف يقتضي استصحاب الجنابة مثلا و قد عرفت ان قاعدة الفراغ لا تثبت ان الطواف كان مع الغسل و انما تثبت صحة الطواف فقط.

و قد يفرض انه احدث بالحدث الاصغر بعد الطواف ففي مثل ذلك لا يمكن جريان قاعدة الفراغ بالنسبة الي الطواف و لا يمكن الحكم بصحة طوافه بل لا بد له من اعادة الطواف و كذا يجب عليه الجمع بين الوضوء و الغسل لصلاة الطواف.

و الوجه في ذلك: انه يعلم اجمالا اما بعدم صحة جريان الاستصحاب بالنسبة الي الحدث الاكبر و اما بعدم جريان قاعدة الفراغ لان المفروض انه احدث بالحدث الاصغر فمقتضي جريان الاستصحاب انه بالفعل مجنب و لا بد له من الغسل و لا امر له بالوضوء الا ان المفروض انه احدث بالحدث الاصغر فان كان في الواقع جنبا بالفعل فطوافه باطل لانه وقع حال الجنابة و ان لم يكن جنبا بالفعل فوظيفته الوضوء لا الغسل فليس له ان يغتسل و يصلي صلاة الطواف فاذا اغتسل و صلي يعلم اجمالا

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 17

اما ببطلان الطواف أو ببطلان الصلاة لانه علي تقدير صحة طوافه واقعا فهو مأمور بالوضوء للصلاة فعلا لانه قد احدث بالحدث الاصغر فالجمع بين جريان الاستصحاب و الاغتسال لصلاة الطواف و بين الحكم بصحة الطواف السابق غير ممكن فان احدهما خلاف الواقع يقينا يعني لو اغتسل و صلي يعلم اما ببطلان الصلاة أو الطواف لانه اذا كان مغتسلا سابقا فصلاته باطلة لان وظيفته الوضوء لا الغسل و ان كانت الجنابة باقية و لم يكن مغتسلا قبلا فالطواف باطل فهو عالم جزما

ببطلان احد العملين اما يجب عليه الوضوء للصلاة أو يجب عليه اعادة الطواف لبطلانه فالجمع بين استصحاب بقاء الجنابة و الاغتسال للصلاة و بين الحكم بصحة الطواف السابق مما لا يمكن فقاعدة الفراغ تسقط للمعارضة فاذا سقطت القاعدة تصل النوبة الي قاعدة الاشتغال لانه يشك في الامتثال كما انه يجب عليه الجمع بين الوضوء و الغسل لاحراز الطهارة لعدم العلم بحاله و انه جنب أو غير جنب فيعلم اجمالا بوجوب احد الامرين و من جهة لزوم احراز الطهارة لا بد من الجمع بينهما فالشك بعد الفراغ محكوم بعدم الاعتناء في غير هذا المورد الّذي يكون معه علم اجمالي ببطلان العمل السابق او اللاحق فانه اذا فرضنا ان الجنب احدث بالاصغر بعد الطواف ليس له الاكتفاء بالغسل اعتمادا علي استصحاب الجنابة و يأتي بصلاة الطواف عن غسل لانه مستلزم للعلم بالمخالفة فتدبر فان هذه نكتة لم ار من تنبه إليها «1»

اقول: فمن صلي مثلا صلاة الظهر و كان جنبا و شك في انه اغتسل قبل الصلاة للجنابة أم لا فمقتضي قاعدة الفراغ صحة صلاته و عدم وجوب اعادتها الا انه يجب عليه الغسل لصلاة العصر لاستصحاب بقاء الجنابة فلو احدث هذا بالحدث الاصغر قبل صلاة العصر فان صلي العصر بالاغتسال للحدث الاكبر و لم يتوضأ يحصل له

______________________________

(1)- المعتمد: 4/ 302.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 18

العلم امّا ببطلان صلاة ظهره للجنابة أو بطلان عصره للحدث الاصغر.

و يمكن ان يقال: ان في الصورة المذكورة له العلم التفصيلي ببطلان صلاة الطواف لانه «سواء وقع طوافه باطلا أو صحيحا اي وقع مع الطهارة من الحدث الاكبر أو بدونه» تكون صلاته باطلة لانه ان وقع مع الطهارة من الحدث الاكبر تكون

صلاته باطلة لعدم وقوعها مع الطهارة من الحدث الاصغر الّذي صار محدثا به، و ان وقع بدون الطهارة لا تقع صلاته صحيحة لتوقف صحتها علي وقوع الطواف قبلها صحيحا، و امّا الطواف فالشك في صحته و بطلانه علي حاله لا يعتني به لقاعدة الفراغ و هكذا يقال في مثل صلاة الظهر و العصر اذا تذكر قبل الاتيان بالعصر دون ما اذا اتي بالعصر و شك فانه يجب عليه الاحتياط فتدبر.

[الرابع:] اذا احدث في طواف الفريضة

الرابع: اذا احدث في طواف الفريضة قبل بلوغه النصف فظاهرهم الاتفاق علي بطلان طوافه فيجب عليه الاعادة بعد الطهارة.

و ربما يستدل لذلك باشتراط الطواف بالطهارة فاذا انتفي الشرط ينتفي المشروط فالحكم بالبطلان قبل النصف يكون علي القاعدة و بالصحة بعد التجاوز فللدليل، و يمكن ان يرد: بان الشرط ان كان شرطا للطائف كالمصلي يبطل الطواف بفقده و ان كان شرطا للطواف فلا يختل بالحدث اذا جدد الطهارة و اتم طوافه من الموضع الّذي احدث فيه و بتعبير آخر يمكن ان يقال: بالفرق بين الحدث المانع من تحقق الطواف أو القاطع و الموجب لعدم قابلية الحاق الاجزاء اللاحقة بالسابقة و القول بذلك في الصلاة لا يستلزم القول به في الطواف فما يدل عليه الدليل في باب الطواف وقوع الاشواط مع الطهور اما الاكوان المتخللة بينها فاشتراطها بالطهارة محتاج الي الدليل اللهمّ الا ان يتمسك بالنبوي و علي ذلك فالدليل لمذهب المشهور مرسل ابن أبي

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 19

عمير عن بعض اصحابنا علي ما في الكافي أو ابن أبي عمير عن جميل عن بعض اصحابنا كما في التهذيب عن احدهما عليهما السّلام «في الرجل يحدث في طواف الفريضة و قد طاف بعضه؟ قال: يخرج و يتوضأ

فان كان جاز النصف بني علي طوافه و ان كان اقل من النصف اعاد الطواف» «1» و هو صريح في مذهب المشهور و علي فرض ضعفه بالارسال و عدم الاعتناء و إن كان المرسل مثل ابن أبي عمير او جميل بلفظ بعض اصحابنا فهو منجبر بالعمل.

هذا و قد سلك. بعض الاعلام الّذي لا يقول بجبر ضعف السند بالعمل للاستدلال لقول المشهور مسلكا آخر ليس في حصول الاطمينان و الاعتماد به اقوي من المرسل المذكور لو لم نقل انه اضعف منه فأفاد (بان حدوث الحيض في اثناء الطواف و ان كان نادرا جدا كثر السؤال عنه في الروايات، و امّا صدور الحدث خصوصا من المريض و الشيخ و الضعيف كثيرا و مع ذلك لم ينسب القول بالصحة الي احد من الاصحاب بل تسالموا علي البطلان و ارسلوه ارسال المسلمات.

و هذا يوجب الوثوق بصدور الحكم بالبطلان من الائمة عليهم السلام و لو لم يكن الحكم به صادرا منهم عليهم السلام لخالف بعض العلماء و لو شاذا فمن تسالم الاصحاب و عدم وقوع الخلاف من احد مع ان المسألة مما يكثر الابتلاء بها نستكشف الحكم بالبطلان فما هو المعروف هو الصحيح) «2»

اقول: لنا ان نسأل منه لم لا تقولون ذلك في وجه الاعتماد علي المرسل و ان من ذلك يستكشف اعتمادهم علي المرسل و كونه جامعا لشرائط الاحتجاج به عندهم و اللّه هو الهادي الي الصواب.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة ب 40 ابواب الطواف ح 1.

(2)- المعتمد: 4/ 296.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 20

ثم ان المراد من بلوغ النصف و التجاوز عنه هل اتمام الشوط الرابع او ثلاثة اشواط و نصف الظاهر من قوله فان كان جاز من النصف النصف

الحقيقي و هو هنا النصف الكسري اي ثلاثة اشواط و نصف و ليس للسبعة نصف صحيح فالمراد من أقل من النصف ليس الاقل من ثلاثة اشواط فقط بل يشمل مثل ثلاثة اشواط و ثلث كما ان الزائد علي النصف كما يشمل أربعة اشواط يشمل ثلاثة اشواط و ثلثين و لم اجد في الروايات ما يستفاد منه ان المعتبر في عدم الاعادة هو بلوغ الاربعة.

و ربّما يؤيد ذلك اي اعتبار بلوغ الاربعة بخبر ابراهيم بن اسحاق «عمن سئل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن امرأة طافت أربعة اشواط و هي معتمرة ثم طمثت؟ قال: تم طوافها و ليس عليها غيره و متعتها تامة، و لها ان تطوف بين الصفا و المروة لانها زادت علي النصف و قد قضت متعتها فلتستأنف بعد الحج، و ان هي لم تطف الّا ثلاثة اشواط فلتستأنف الحج (بعد الحج) فان اقام بها جمّالها بعد الحج فلتخرج الي الجعرانة او الي التنعيم فلتعتمر.»

و وجه التأييد جعل الثلاثة مقابل الاربعة و لم يقل و ان هي لم تطف ثلاثة اشواط و نصف فيعلم من ذلك ان النصف لوحظ باعتبار العدد الصحيح و هو الاربعة.

و لذلك كله نقول ان الحدث اذا وقع قبل بلوغه ثلاثة اشواط و نصف يخرج و يتوضأ و يستأنف الطواف و ان كان ذلك بعد اتمام الشوط الرابع يخرج و يتوضأ و يبني علي ما أتي به و ان وقع الحدث بعد تمام النصف و قبل اتمام الشوط الرابع فالاحوط ان يتوضأ و يأتي بالباقي و بصلاته ثم يستأنف الطواف و صلاته.

______________________________

وسائل الشيعة ب 85 ابواب الطواف ح 4.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 21

[الخامس:] وجوب الختان في الطواف

الخامس: من شرائط صحة الطواف واجبا

او مندوبا ان يكون الرجل مختونا و الظاهر انه لا خلاف فيه كما في الجواهر بل قال الحلبي في الكافي لا يصح (يعني الاغلف) باجماع آل محمد عليهم السّلام «1» و يدل عليه صحيح معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «الاغلف لا يطوف بالبيت و لا بأس ان تطوف المرأة» «2».

و في الكافي عن أبي علي الاشعري «3» عن محمد بن عبد الجبار «4» عن صفوان «5» عن ابراهيم بن ميمون «6» عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «في الرجل يسلم و يريد ان يحج و قد حضر الحج أ يحج أم يختتن؟ قال: لا يحج حتي يختتن» «7» و في صحيح حريز عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «لا بأس ان تطوف المرأة غير المخفوضة فاما الرجل فلا يطوف الّا و هو مختتن» «8».

و غير ذلك قال في الجواهر «فما في المدارك من انه نقل عن ابن ادريس التوقف في ذلك واضح الضعف كما ان عدم ذكر كثير له علي ما في كشف اللثام ليس خلافا

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 19/ 274.

(2)- وسائل الشيعة ب 33 ابواب مقدمات الطواف ح 1.

(3)- ثقة فقيه كثير الحديث احمد بن ادريس من صغار الثامنة.

(4)- ثقة قمي من كبار السابعة.

(5)- ثقه ثقة عين ابن يحيي البجلي من اعاظم السابعة.

(6)- من كبار الخامسة.

(7)- وسائل الشيعة ب 33 ابواب مقدمات الطواف ح 2.

(8)- وسائل الشيعة ب 33 ابواب مقدمات الطواف ح 3.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 22

محققا» «1».

اقول: قال ابن ادريس قدس سره في السرائر «و لا يجوز للرجل ان يطوف بالبيت و هو غير مختون علي ما روي اصحابنا في الاخبار، و لا بأس ذلك للنساء»

«2» و هذا ليس ظاهرا توقفه في الحكم الا ان يقال: ان علي صحة ما نسب إليه من عدم العمل باخبار الآحاد ليس خاليا من الاشعار به.

ثم انه لا خلاف ظاهرا بينهم في عدم اعتباره في صحة طواف المرأة للنصوص و امّا الخنثي المشكل فعلي القول بكونها جنس آخر غير الجنسين فالاصل عدم اشتراط طوافها بالختان و علي القول بانها ليست طبيعة ثالثة يجب عليها تحصيلا ليقين الخروج عمّا في عهدته و لا مجال لجريان الاصل بعد العلم باشتغال ذمته بالطواف نعم لو كان ذلك واجبا مستقلا في الحج يمكن اجراء البراءة عنه.

و في التذكرة قال: «الختان شرط في الطواف للرجل مع القدرة دون المرأة» «3» و حكي في الجواهر عن القواعد و غيرها اعتبار التمكن فلو تعذر و لو لضيق الوقت سقط «4».

أقول: فهو ان لم يتمكن من ذلك اصلا حتي للعام القابل فلا ريب في انه لا يسقط عنه بذلك الحج بل و لا الطواف لعموم ادلة وجوب الحج و العمرة و لكن ينبغي له مراعاة الاحتياط بالجمع بين طوافه بنفسه و الاستنابة، و امّا ان لم يتمكن منه لعارض في هذه السنة من ضيق الوقت و امر آخر فيمكن ان يقال: انه بذلك غير متمكن من الحج في هذا فيؤخره الي العام المقبل.

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 19/ 274.

(2)- السرائر 1/ 574.

(3)- التذكرة: 8/ 85.

(4)- جواهر الكلام: 19/ 275.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 23

و خبر ابراهيم بن ميمون لا يخلو من اشعار بذلك و مقتضي الاصل عدم فورية وجوبه عليه ثم ان الظاهر اعتبار الختان في طواف الصبي المميز لان اشتراطه به معناه عدم تحققه به كان الطائف من كان و اما غير المميز

فقد تردد فيه بعض الاعلام من المعاصرين بل جزم بالعدم للاصل «1» و لكن بعد كون الطواف مشروطا به و وجوب ان يطوف به الولي لا وجه لسقوط شرطه و جواز الاكتفاء بالفاقد فالاحوط ان لا يحرمه و ان احرمه يجب عليه ان يختنه. و اللّه العالم.

[السادس:] وجوب ستر العورة في الطواف
اشارة

السادس: اعلم انه قد ذكر الشيخ في الخلاف و ابن زهرة في الغنية «2» و الصهرشتي في الاصباح «3» و العلامة في التذكرة «4» و في غيره من بعض كتبه وجوب ستر العورة في الطواف.

و في الجواهر قال: «و لعله لانه صلاة، و لقوله صلّي اللّه عليه و آله (لا يحج بعد العام مشرك و لا عريان) لكن في المختلف و للمانع ان يمنعه و الرواية غير مسندة من طرقنا فلا حجة فيها و فيه علي ما كشف اللثام ان الخبر الثاني يقرب من التواتر من طريقنا و طريق العامة روي علي بن ابراهيم «5» في تفسيره عن ابيه «6» عن محمد بن الفضل «7» عن الرضا عليه السّلام قال امير المؤمنين عليه السّلام: «ان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله امرني عن اللّه تعالي ان لا يطوف

______________________________

(1)- المعتمد: 4/ 329.

(2)- الغنية/ 172.

(3)- الاصباح/ 155.

(4)- التذكرة: 8/ 85.

(5)- القمي صاحب التفسير من صغار الثامنة.

(6)- ابن هاشم تلميذ يونس بن عبد الرحمن من اصحاب مولانا الرضا عليه السّلام من السابعة.

(7)- الازدي ثقة من اصحاب أبي الحسن الرضا عليه السّلام من السادسة.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 24

بالبيت عريان، و لا يقرب المسجد الحرام مشرك بعد هذا العام» ثم ذكر طائفة من الروايات الكثيرة التي لا يشك في تواترها بالاجمال و بالمعني كلها تدل علي فضيلة من فضائل مولانا امير

المؤمنين عليه السّلام التي لا يحصي عددها غير اللّه تعالي و مما اتفق عليه الخاص و العام و بعد ان تبرك بذكرها. قال: (و قد يمنع دلالة ذلك علي اعتبار الستر فيه للرجل و المرأة علي حسب اعتباره في الصلاة ضرورة اعمية النهي عن العراء منه كما هو واضح و لعل لذلك تركه المصنف و غيره اللهم الا ان يقال: ان المراد من العراء في هذه النصوص ستر العورة للاجماع في الظاهر علي صحة طواف الرجل عاريا مع ستر العورة، و لا ريب في انه احوط) «1»

و قريب منه ما افاده بعض الاجلة من المعاصرين. فقال في الروايات (هي مروية بطرق كثيرة منا و من العامة و لكنها جميعا ضعيفة السند الا انها كثيرة متظافرة لا يمكن رد جميعها بل عن كشف اللثام أنها تقرب من التواتر من طريقنا و طريق بقية المذاهب و لكن لا يمكن الاستدلال بها لوجوب ستر العورة في الطواف لان النسبة بين العراء و ستر العورة عموم من وجه لان المراد بالعريان من لم يكن لابسا للثوب و يمكن ان يكون الشخص غير عار و لابسا للثوب و عورته مكشوفة كما اذا كان في ثوبه ثقب تظهر عورته منه كما يمكن ان يكون الشخص مستور العورة و هو عار كما اذا استر عورته بيده او بحشيش او طين و نحو ذلك و قد اعتبروا في الطواف ستر العورة لا اللباس فيظهر الفرق بين الستر في باب الصلاة و في الطواف فان المعتبر في الصلاة هو الستر باللباس و لا يكون مجرد ستر العورة، و المعتبر الطواف هو ستر العورة باي نحو كان و لو بيده او بالحشيش و لا يعتبر

اللباس قطعا للاجماع علي صحة طواف الرجل عاريا مع ستر عورته.

و هذه الروايات لو فرض صحة اسانيدها لا بد من حملها علي الاستحباب،

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 19/ 275 الي 278.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 25

و بالجملة لا دليل علي اعتبار ستر العورة في الطواف و ما دل عليه هذه الروايات الكثيرة و هو اللبس في الطواف فهو غير واجب، و ما ذهب إليه المشهور من وجوب ستر العورة لما تدل عليه هذه الروايات فما ذهب إليه بعضهم من عدم وجوب ستر العورة في الطواف هو الصحيح و ان كان الاحوط الستر. «1»

اقول: الّذي يظهر لي من الروايات ان النهي عن طواف البيت عريانا راجع أولا الي النهي عنه بدون الساتر لا بدون اللباس حتي يقال ان النسبة بين العراء و ستر العورة عموم من وجه و بتعبير الجواهر اعمية النهي عن العراء من الستر و الظاهر ان منه من يطوف عريانا لا ساتر له فلا يجوز لمن كان عورته مكشوفة لثقب في ثوبه و لا يقال: ان النهي من الطواف عريانا لا يشمله بل يمكن ان ندعي من كان عورته مستورة بثوب خاص بسترها او بما بين السرة و الركبة لا يكون مقصودا بهذا النهي.

نعم علي ظاهر هذا النهي لا يكتفي بستر العورة في الطواف بمثل الحشيش او باليد لصدق الطواف عريانا معه و بالجملة قوله صلّي اللّه عليه و آله «لا يطوف بالبيت عريان» ظاهر في النهي عن الطواف بدون الساتر و بعبارة اخري يدل علي اشتراط صحة الطواف بالستر او كونه باطلا لتعلق النهي به و اما الزائد علي ذلك فمقتضي الاصل جوازه و اما دعوي الاجماع علي صحة طواف الرجل عاريا مع ستره

عورته بيده او بالحشيش فلم نتحققه فلا وجه لحمل الروايات علي الاستحباب كما لا وجه للحكم بان جميعها ضعيفة السند مع مثل رواية علي بن ابراهيم في تفسيره الصحيحة و اللّه هو العالم.

______________________________

(1)- المعتمد: 4/ 331.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 26

وجوب كون الساتر مباحا في الطواف

ثم انه بناء علي اعتبار ستر العورة في الطواف يجب ان يكون مباحا لان الستر المامور به لا يمكن ان يكون بالمحرم و المنهي عنه فيبطل طوافه اذا كان الساتر مغصوبا او محرما، و اما غير الساتر من لباسه فالظاهر عدم بطلان الطواف به اذا كان مغصوبا و ربما يقال بحرمة الطواف مع اللباس المغصوب لانه يتحرك بحركته للطواف فهو مقدمة للتصرف في الثوب المغصوب.

و اجيب عن ذلك: بان الفعل اذا كان من الافعال التوليدية كالتنظيف و التطهير و القتل و الذبح فما يصدر من الفاعل هو الذبح و الغسل بالماء و ازالة الوسخ او النجاسة دون القتل و الطهارة و النظافة فانها لا تصدر من الفاعل و ما يصدر منه هو مقدمات هذه الافعال و مثل نهي لا تقتلوا النفس التي حرمها اللّه او الامر بالتطهير يتعلق بمقدمات هذه الامور و أمّا اذا لم يكن الفعل توليديا بل كان من باب العلة و المعلول كحركة الثوب بحركة البدن فكل منهما يتحرك بالحركة الطوافية حول الكعبة و ما هو المحرم هو حركة الثوب و التصرف فيه و حركة البدن و الطواف مقدمة لها و لا تحرم المقدمة بحرمة ذيها و بالجملة في الصورة الاولي النهي عن القتل يتعلق بما يتولد منه القتل لان ما يصدر من الفاعل هو ما يتولد منه القتل و هو الذبح مثلا و في الصورة الثانية المنهي عنه حركة الثوب

و التصرف فيه و لا يقتضي ذلك حرمة حركة البدن و الطواف لعدم حرمة المقدمة بحرمة ذيها.

اقول: و بعد ذلك كله نقول: الطواف هو الحركة الدورية حول الكعبة المعظمة، و هو مقدمة لحركة الثوب المغصوب تقع ذيها مقارنا لوجودها و ما هو يكون كذلك لا يصلح بان يتقرب به الي المولي اذا فلا فرق بين الساتر و غيره، نعم ان كان الطواف واجبا توصليا يسقط الامر به علي القول بجواز الاجتماع. و اللّه هو العالم.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 27

الكلام في واجبات الطواف

اشارة

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 29

واجبات الطواف

[منها] وجوب الابتداء بالحجر الاسود

يجب في الطواف امور:

منها: البدأة بالحجر الاسود و الختم به بلا خلاف فيه بين المسلمين و قد جرت عليه سيرتهم جميعا، و هو مقتضي التأسي به صلّي اللّه عليه و آله قال في الجواهر «1» خصوصا بعد قوله صلّي اللّه عليه و آله: خذوا عنّي مناسككم و يدل عليه صحيح معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «من اختصر في الحجر في الطواف فليعد طوافه من الحجر الاسود الي الحجر الاسود» «2».

و الظاهر انه يكفي في البدأة بالحجر و الانتهاء به للصدق العرفي فلا يجب ان يكون اوّل جزء منه محاذيا لاول جزء من مقاديم بدنه بحيث يمر عليه علما او ظنا كما عرفها بذلك في المسالك علي ما حكي عنه في الجواهر و قال: (لم نعرف شيئا من ذلك لمن سبق العلامة و علله في كشف اللثام بانه لازم من وجوب الابتداء بالحجر و البطلان

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 19/ 287.

(2)- وسائل الشيعة ب 31 ابواب الطواف ح 3.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 30

بالزيادة علي سبعة اشواط و النقصان عنها و لو خطوة او اقل و حينئذ فلو حاذي آخر الحجر ببعض بدنه في ابتداء الطواف بعد النية بجميع بدنه لم يصح لعدم ابتدائه فيه بأول الحجر بل بما لا بد ان يحاذي بأقدم عضو من اعضائه اوّله بل قيل انهم اختلفوا في ذلك في تعيين أول جزء البدن هل هو الانف او البطن او ابهام الرجلين و ربّما اختلف الاشخاص بالنسبة الي ذلك و لكن ذلك كله بعد الاغضاء عما في الاخير كما تري لا دليل عليه بل ظاهر الادلة خلافه خصوصا ما في خبر

محمد «1» «من ان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله طاف علي راحلته و استلم الحجر بمحجته» «2» و سيّما في هذه الازمنة التي يشد فيها الزحام كما اشار إليه في صحيح عمّار «و كنا نقول: لا بدّ ان يستفتح الحجر و يختم به و امّا اليوم فقد كثر الناس» «3» و ان كان الظاهر منه إرادة الاستلام له في المبدأ و المنتهي، و لكن الفرض شدة الحرج و الضيق فما ذكروه المنافي لسهولة الملة و سماحتها (الي ان قال) فالتحقيق عدم اعتبار ذلك) «4»

مع ما ذكر لا ينبغي ترك الاحتياط بأن ينوي الطواف قبل ان يمر علي الحجر و يحاذيه من الموضع الّذي يتحقق فيه المحاذاة الواقعية علي ان يكون ما قبل ذلك من باب المقدمة العلمية و بعبارة اخري ينوي الطواف من اوّل ما يحاذي شيئا من بدنه الحجر و الله العالم باحكامه.

______________________________

(1)- ابن مسلم و طريق الصدوق إليه فيه علي بن احمد بن عبد اللّه عن ابيه و هما غير مذكورين.

(2)- وسائل الشيعة ب 81 ابواب الطواف ح 2.

(3)- وسائل الشيعة ب 16 ابواب الطواف ح 1، قال، قال: «ابو عبد اللّه عليه السّلام كنّا نقول: لا بد ان نستفتح بالحجر و نختم به …».

(4)- جواهر الكلام: 19/ 289 الي 290.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 31

[منها] وجوب الطواف علي يسار الطائف

و منها: ان يطوف علي يساره و تكون الكعبة المعظمة علي يساره من ابتداء طوافه الي انتهائه. و وجوب ذلك ثابت باستقرار سيرة المعصومين عليهم السلام عليه و سيرة المسلمين جميعا تأسيا بالنبي صلّي اللّه عليه و آله، و في الروايات ما يدل عليه مثل صحيح ابن سنان قال: «قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:

اذا كنت في الطواف السابع فأت المتعوذ و هو اذا قمت في دبر الكعبة حذاء الباب فقل … (الي ان قال) ثم استلم الركن اليماني ثم ائت الحجر فاختم به» «1» و في صحيح معاوية بن عمار قال: «قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: اذا فرغت من طوافك، و بلغت مؤخر الكعبة و هو بحذاء المستجار دون الركن اليماني بقليل فابسط يدك علي البيت الي ان قال ثم ائت الحجر الاسود» «2» فان الترتيب المزبور مستلزم لكون الطواف علي اليسار قال في الجواهر (و علي كل حال فلو جعله علي يمينه او استقبله بوجهه او استدبره جهلا او سهوا او عمدا لم يصح عندنا) «3» ثم ان الظاهر في ذلك أيضا كفاية الصدق العرفي.

و منها ان يدخل الحجر في الطواف
اشارة

و هذا أيضا اجماعي و النصوص الدالة عليه مستفيضة ففي صحيح الحلبي «قلت لابي عبد اللّه عليه السّلام: رجل طاف بالبيت فاختصر شوطا واحدا في الحجر كيف يصنع؟ قال: يعيد الطواف الواحد» «4» و لا فرق في الحكم المذكور بين القول بخروجه من البيت او دخوله فيه و ان كان ظاهر الروايات

______________________________

(1)- وسائل الشيعة ب 26 ابواب الطواف ح 1.

(2)- وسائل الشيعة ب 26 ابواب الطواف ح 4.

(3)- جواهر الكلام: 19/ 292.

(4)- وسائل الشيعة ب 31 ابواب الطواف ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 32

خروجه من البيت و ان فيه قبر هاجر و قبر اسماعيل و غيره من الأنبياء «1».

و لا ريب في عدم صحة الشوط الّذي وقع فيه هذا الاختصار و قال في الجواهر (لم يصح شوطه اجماعا لا الطواف كله كما سمعته في النصوص السابقة لكن قال الشهيد فيه روايتان و يمكن اعتبار تجاوز النصف هنا و حينئذ لو

كان السابع كفي اتمام الشوط من موضع سلوك الحجر و لعله اراد بالرواية الاخري ما سمعته من صحيح معاوية بن عمّار و لعلّه اراد بالرواية الاخري صحيح معاوية بن عمار «2» المحتمل لكون الاختصار في جميع الاشواط و كون الطواف بمعني الشوط و كذا خبر ابراهيم بن سفيان كتبت الي أبي الحسن الرضا عليه السّلام «امرأة طافت طواف الحج فلمّا كانت في الشوط السابع اختصرت فطافت في الحجر و صلت ركعتي الفريضة و سعت و طافت طواف النساء ثم اتت مني فكتب عليه السّلام تعيد» «3» بل عن التذكرة لو دخل احدي الفتحتين و خرج من الاخري لم يحتسب له و به قال الشافعي في احد قوليه و لا طوافه بعده حتي ينتهي الي الفتحة التي دخل منها. يعني فان دخلها أيضا لم يحتسب أيضا و ان تجاوزها و طاف بالحجر احتسب مطلقا او بعد النصف و فيه اشارة الي عدم الاكتفاء باتمام الشوط من الفتحة بل يجب الاستيناف لظهور الاعادة في الخبرين فيه بل نص الثاني منهما علي الاعادة من الحجر الاسود كما سمعت) «4».

اقول: فالكلام يقع في موضعين:

الاوّل: في ان بطلان الطواف و وجوب الاعادة هل يختص بالشوط الّذي وقع

______________________________

(1)- وسائل الشيعة ب 30 ابواب الطواف.

(2)- عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال «من اختصر في الحجر (في الطواف) فليعد طوافه من الحجر الاسود الي الحجر الاسود» وسائل الشيعة ب 31 ابواب الطواف ح 3.

(3)- وسائل الشيعة ب 31 ابواب الطواف ح 4.

(4)- جواهر الكلام: 19/ 294.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 33

فيه الاختصار او يبطل به تمام الاشواط السابقة التي اتي بها او يفصل باعتبار التجاوز النصف ظاهر صحيح الحلبي المذكور كفاية اعادة

ذلك الشوط و ان كان لفظ الحديث علي ما في الفقيه «1» «يعيد الطواف الواحد» و لكن لفظه علي ما في التهذيب يعيد ذلك الشوط «2» و علي البناء علي كون الفقيه اضبط الظاهر من الطواف الواحد هنا هو الشوط الواحد لان الواحد صفة للشوط و علي هذا يمكن ان يقال: ان المراد بالطواف في صحيح معاوية عمّار هو الشوط مضافا الي احتمال كون المراد منه كما افاد صاحب الجواهر أيضا وقوع الاختصار في جميع الاشواط «3» و امّا خبر ابراهيم بن سفيان «4» فضعفه من جهة ان ابراهيم غير مذكور في كتب الرجال بالمدح و التوثيق و قوله «تعيد» قابل للحمل علي اعادة الشوط مضافا الي ان مورده فوت الموالاة بين الاشواط و مما ذكر يعلم انه لا وجه يعتد به للتفصيل بين التجاوز عن النصف و طريق الاحتياط علي هذه الاحتمالات معلوم ينبغي مراعاته.

الثاني: ان علي القول بكفاية اعادة الشوط هل يجب اعادته من الحجر لبطلان الشوط بتمامه او يكفي بل يجب اعادته من الفتحة التي دخل منها في الحجر ظاهر العلامة الثاني و ان كان صاحب الجواهر كانه استظهر من كلامه الاول «5» و كيف كان فظاهر صحيح الحلبي اعادة الشوط من الحجر و بطلان ما اتي به، و طريق الاحتياط معلوم و لا ينبغي تركه و اللّه هو العالم.

______________________________

(1)- من لا يحضره الفقيه: 2/ 398 ح 2806.

(2)- التهذيب: 5/ 109 ح 353/ 25.

(3)- جواهر الكلام: 19/ 294.

(4)- الوسائل ابواب الطواف ب 31 ح 4.

(5)- جواهر الكلام: 19/ 294.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 34

حكم الطواف علي حائط الحجر

و هل يجزيه في الطواف المشي علي حائط الحجر؟ قال المحقق (لم يجزه) و قال في الجواهر (بلا

خلاف و لا اشكال لعدم صدق الطواف بالبيت و الحجر) «1» و منافاته لما سمعته من وجوب الطواف به سواء قلنا بكونه من البيت او خارجا عنه و لا ريب في عدم تحقق ذلك مع الطواف ماشيا علي حائطه بل عن التذكرة عدم جواز مس الطائف الجدار بيده في موازاة الشاذروان لانه يكون بعض بدنه في البيت فلا يتحقق الشرط الّذي هو خروجه عنه بجميعه «2» بل كان كما لو وضع احد رجليه اختيارا علي الشاذروان و لكن فيه منع الشرط المزبور مع صدق الطواف عليه و لو لخروج معظم بدنه و لعله لذا جزم بالصحة في القواعد «3» لكن الاحوط ما ذكره نعم لو مسه لا في موازاته لم يكن به بأس.

اقول: امّا التسلق علي الحائط فالظاهر انه لا يجزي عن طواف الحجر اللهم الّا ان يقال: ان المنهي عنه الدخول في الحجر فلا بد لمن يريد طواف الكعبة الطواف بالحجر فلا بأس علي ذلك التسلق علي حائطه لعدم صدق الدخول فيه به و ليس في الروايات ما يدل بظاهره وجوب طواف الحجر نفسيا فدعوي الجواهر عدم اجزائه بالمشي علي الحائط بلا اشكال يجوز منعه و بذلك يظهر ضعف ما في التذكرة و غيره من عدم جواز مسه او وضع يده علي الحائط و لكن ينبغي مراعاة الاحتياط سيما في التسلق علي الحائط بل لا يجوز تركه هذا بالنسبة الي الحجر و اما بالنسبة الي الشاذروان فياتي الكلام فيه في المسألة الآتية ان شاء اللّه تعالي و اللّه ولي التوفيق.

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 19/ 299.

(2)- التذكرة: 8/ 92.

(3)- القواعد: 1/ 426.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 35

حكم المشي علي الشاذروان

مسألة 1- اذا مشي الطائف في طوافه علي اساس

البيت المسمي بالشاذ روان فعلي القول بكونه من الكعبة كما حكي عن المدارك بل و غيره قطع «1» الاصحاب به فلا يجزيه ذلك لانه مأمور بطواف الكعبة و هو يتحقق بالمشي حوله من خارجه لا المشي عليه من داخله و اذا كان ذلك مشكوكا فيه لا بد من ادخاله في الطواف و لا يجزي بالتسلق عليه لان اصل عدم كونه من البيت لا يثبت به كونه غير اساس البيت و وقوع الطواف بالبيت فلا بد من ادخاله في المطاف لا في المطاف تحصيلا لليقين ببراءة الذمة.

حكم دخول الكعبة في اثناء الطواف

مسألة 2- اذ دخل الطائف في اثناء الطواف الكعبة المعظمة فهل يبطل طوافه فيجب عليه الاعادة ان كان طوافه واجبا او يفصل بين ما اذا وقع منه ذلك قبل التجاوز عن النصف فيبطل او بعده فيبني علي ما اتي به و يأتي بالباقي؟

مقتضي الاصل عدم البطلان و اتمام الطواف لو لم تفت الموالاة و لكنه مقطوع بالدليل و يدل علي بطلانه مطلقا صحيح حفص بن البختري «2» عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «فيمن كان يطوف بالبيت فعرض له دخول الكعبة فدخلها؟ قال: يستقبل

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 19/ 299.

(2)- ثقة من الخامسة.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 36

طوافه؟» «1» و دلالته علي بطلان طوافه مطلقا ظاهرة.

و يدل علي بطلان خصوص ما اذا طاف بالبيت ثلاثة اشواط اي لم يبلغ أربعة اشواط صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سألته عن رجل طاف بالبيت ثلاثة اشواط ثم وجد من البيت خلوة فدخله كيف يصنع؟ قال: يعيد طوافه و خالف السنة» «2»

و في مرسل ابن مسكان «3» قال «حدثني من سأله عن رجل طاف بالبيت طواف الفريضة ثلاثة اشواط ثم وجد

خلوة من البيت فدخله؟ قال: نقض (يقضي) طوافه و خالف السنة فليعد» «4».

و هل يصح استفادة وجوب الاتمام و عدم البطلان منهما اذا طاف أربعة اشواط فيقيد بهما اطلاق صحيح الحلبي بتقريب ان السؤال فيهما ليس عن قضية خارجية وقعت للسائل او لغيره بل وقع علي النحو الكلي و عن طبيعي الموضوع فيفهم منه انه كان عالما بان الحكم هو الصحة و وجوب الاتمام اذا بلغ أربعة اشواط كسائر الموارد المنصوص عليها و الامام عليه السّلام لم يردعه عن ذلك بل قرره و بين حكم خصوص ثلاثة اشواط بالبطلان، و هذا وجه التفصيل و لا يبعد هذا الاستظهار الا انه لا يترك الاحتياط اذا طاف أربعة اشواط بالاتمام و الاعادة و اللّه هو العالم.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة ب 41 ابواب الطواف ح 1.

(2)- وسائل الشيعة ب 41 ابواب الطواف ح 3.

(3)- عبد اللّه ثقة عين من الخامسة.

(4)- وسائل الشيعة ب 41 ابواب الطواف ح 4.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 37

وجوب كون الطواف بين الكعبة و المقام

مسألة 3- المشهور وجوب كون الطواف بين الكعبة و المقام.

قال الشيخ في المبسوط (و ينبغي ان يكون طوافه فيما بين المقام و البيت، و لا يجوزه فان جاز المقام و تباعد عنه لم يصح طوافه) «1» و في الخلاف «2» قال (اذا تباعد من البيت حتي يطوف بالسقاية و زمزم لم يجزه، و قال الشافعي: يجزيه.

دليلنا ان ما ذكرناه مقطوع علي اجزائه، و ما ذكروه ليس علي اجزائه دليل فالاحتياط أيضا يقتضي ما قلناه) و قال ابن البراج في المهذب (و لا يطوف الّا ما بين المقام و البيت فان خرج عن المقام لا يصح) «3» و قال ابن ادريس في السرائر (و ينبغي ان يكون

الطواف بالبيت فيما بين مقام ابراهيم عليه السّلام و البيت يخرج المقام في طوافه و يدخل الحجر في طوافه و يجعل الكعبة علي شمال فمتي اخل بهذه الكيفية او بشي ء منها بطل طوافه) «4» و ما ذكر هو مختار المحقق في الشرائع و مختصر النافع، و الهذلي في الجامع و ابن زهرة في الغنية، و ابن حمزة في الوسيلة و الكيدري في الاصباح، و الحلبي في اشارة السبق و العلامة في القواعد و الارشاد و التبصرة تلخيص المرام.

و قال في التذكرة (يجب عندنا ان يكون الطواف بين البيت و المقام و يدخل الحجر في طوافه فلو طاف في المسجد خلف المقام لم يصح طوافه لانه خرج بالتباعد عن

______________________________

(1)- المبسوط: 1/ 356.

(2)- الخلاف: 2/ 324.

(3)- المهذب: 1/ 232.

(4)- السرائر: 1/ 572.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 38

القدر الواجب فلم يكن مجزئا) ثم ذكر رواية محمد بن مسلم التي أيضا نأتي بها و قال (و هو يعطي الجواز مع الحاجة كالزحام) «1» الخ.

و قال الشهيد في الدروس (و سابعها: الطواف بين البيت و المقام فلو ادخله لم يصح في المشهور، و جوّز ابن الجنيد الطواف خارج المقام عند الضرورة لرواية محمد الحلبي ما اري به بأسا و لا يفعله الّا ان لا يجد منه بدّا و يجب مراعاة قدره من كل جانب) «2».

هذا ما وقفنا من فتاوي فقهائنا المتقدمين في وجوب كون الطواف بين البيت و المقام و هو غير مذكور في كلام عدة منهم لعلهم او كلوه بالوضوح فهم بين من تعرض له و جوزه عند الضرورة او الحاجة كالزحام و بين من ظاهره الوجوب مطلقا

و يمكن اين يقال: ان الظاهر ممن اطلق قصر وجوبه علي صورة

الاختيار و عدم الحاجة فالذي يصح نسبته الي هؤلاء الاجلة هو وجوب ذلك في مثل حال عدم الزحام سيما اذا كان مثل ما يكون في هذا الزمان و يدل عليه صحيح الحلبي قال:

«سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الطواف خلف المقام؟ قال: ما احبّ ذلك و ما أري به بأسا فلا تفعله الّا ان لا تجد منه بدّا» «3» بل يدل علي كراهته و جوازه مطلقا و علي هذا يمكن ان يورد الاستدلال به لجوازه عند الحاجة باعراض المشهور عنه، و لكن الظاهر ان الصدوق عمل به و لعل غيره من الذين لم يتعرضوا لذلك عملوا به و الذين افتوا بالوجوب لم يرو لهم هذا الصحيح فلا يثبت الاعراض المسقط لحجية الخبر هذا علي القول بكون اعراض المشهور موجب لسقوط حجية الصحيح و انه كلما ازداد

______________________________

(1)- التذكرة: 8/ 92.

(2)- الدروس: 1/ 394.

(3)- وسائل الشيعة ب 28 ابواب الطواف ح 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 39

صحة ازداد ضعفا و امّا علي قول من لا يقول بذلك كما لا يقول بجبر ضعف السند بالعمل فالامر اوضح.

و امّا الاستدلال بان الطواف بين البيت و المقام علي اجزائه و ليس علي اجزائه دليل اذا وقع خارج المقام كما افاده الشيخ في الخلاف فالظاهر أنه مما شاة للمخالفين و الّا فيقال اذا كان الطواف صادقا علي فعله خارج المقام يكفي في امتثال قوله تعالي و ليطوفوا بالبيت العتيق مضافا الي انه علي فرض الشك في اجزائه و عدم وجود اصل لفظي دال علي الاجزاء ينفي اشتراط الطواف بكونه بين البيت و المقام بالاصل و هذا واضح.

بقي هنا الكلام في الخبر الّذي تمسكوا به في وجوب كونه بين البيت و

المقام و هو ما رواه شيخنا الكليني عن محمد بن يحيي «1» و غيره عن محمد بن احمد «2» عن محمد بن عيسي «3» عن ياسين الضرير «4» عن حريز بن عبد اللّه «5» عن محمد بن مسلم «6» قال: «سألته عن حدّ الطواف بالبيت الّذي من خرج منه لم يكن طائفا بالبيت؟ قال:

كان الناس علي عهد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله يطوفون بالبيت و المقام، و انتم اليوم تطوفون ما بين المقام و بين البيت فكان الحدّ موضع المقام اليوم فمن جازه فليس بطائف، و الحد قبل اليوم و اليوم واحد قدر ما بين المقام و بين البيت من نواحي البيت كلها.

فمن طاف فتباعد من نواحيه ابعد من مقدار ذلك كان طائفا بغير البيت بمنزلة من

______________________________

(1)- العطار القمي شيخ أصحابنا، من الثامنة.

(2)- من كبار الثامنة كان ثقة في الحديث …

(3)- ابن عبيد بن يقطين من السابعة راجع ترجمته في جامع الرواة.

(4)- كانه من السادسة غير مذكور بالمدح و القدح.

(5)- من كبار الخامسة معتمد راجع ترجمته في جامع الرواة.

(6)- من الرابعة وجه اصحابنا فقيه ورع …

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 40

طاف بالمسجد لانه طاف في غير حد و لا طواف له» «1».

و سنده في التهذيب «2»: محمد بن يعقوب عن محمد بن يحيي عن غير واحد عن احمد بن محمد بن عيسي «3».

و الحديث مضمر الا انه غير مضر اذا كان المضمر مثل محمد بن مسلم و احتمال كون المسئول منه محمد بن مسلم و كون السائل منه حريز بعيد و بعد ذلك قيل ان سنده ضعيف بياسين الضرير و ردّ بجبر ضعفه بعمل الاصحاب به و ان انكر ذلك بعض المعاصرين من

الاصل «4» و لكن يمكن ان نقول: ان الظاهر انه لم تكن عند الشيخ قدّس سرّه سيما و من بعده كالعلامة قرينة علي اعتبار السند خفيت علينا و كانهم اعتمدوا علي ظاهر الحال و حصول الاطمينان بصدور الخبر لهم فلا ينجبر بمثل ذلك ضعف السند فالحجة في المسألة هو صحيح الحلبي الدال علي جوازه خلف المقام مطلقا و مع ذلك فالاحوط في حال الاختيار الطواف بين البيت و المقام و امّا في حال الحاجة و الزحام فيجزي خلفه ما دام يصدق عليه طواف البيت و اللّه هو العالم.

[منها] وجوب كون الطواف سبعة اشواط
اشارة

و منها: اي و من الامور المعتبرة في الطواف ان يتم سبعا متواليا فلا تفرغ ذمته عنه بالاقل من السبع بل يبطل في بعض مصاديقه كما يبطل بالزيادة عليه علي التفصيل الّذي يأتي إن شاء اللّه تعالي.

مسألة 4- لا خلاف و لا اشكال في وجوب اكماله سبعا و النصوص

______________________________

(1)- وسائل الشيعة ب 28 ابواب الطواف ح 1.

(2)- التهذيب: 5/ 108 ح 351/ 23.

(3)- هو ابن محمد بن عيسي من السابعة شيخ القميين.

(4)- المعتمد: 4/ 341.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 41

الدالة عليه مستفيضة بل كما قال في الجواهر (متواترة) «1».

اعتبار التوالي بين الاشواط فهو أيضا معتبر في الجملة و في الجواهر (ظاهر الاصحاب هنا و النصوص وجوب الموالاة في الطواف الواجب في غير المواضع التي عرفت و لذا جعلها في الدروس الحادي عشر من واجباته نعم هي غير واجبة في طواف النافلة نصا و فتوي بلا خلاف اجده فيه و لكن في الحدائق المناقشة في وجوبها في طواف الفريضة أيضا للنصوص المزبورة التي هي اخص من دعواه بل بعضها صريح في بطلان الطواف بعدمها في الانقص من النصف)

«2».

و يمكن ان يقال: ان الظاهر ان الطواف عمل واحد و عبادة واحدة مركب من اشواط سبعة معتبر فيها لحوق كل لاحق منه بسابقه و العرف يفهم من الامر به لزوم الاتيان به متواليا و بعبارة اخري الطواف في الشرع عنوان للاشواط السبعة المرتبطة بعضها الي بعض التي يؤتي بها متوالية لا متفرقة بعضها عن الاخر فالواجب لحاظ ذلك فيه الّا في الموارد التي ورد النص فيه باللحوق الشرعي.

عدم جواز قطع الطواف بغير عذر

مسألة 5- هل يجوز قطع الطواف من غير عذر بالخروج عن المطاف و عدم الرجوع إليه الي ان فاتت الموالاة العرفية قال في الجواهر (و اما قطع الطواف عمدا لا لغرض فقد يقوي جوازه في غير طواف الفريضة بناء علي جواز قطع صلاة النافلة كذلك لان الطواف بالبيت صلاة، و لكن الاحوط تركه بخلاف طواف الفريضة بناء علي حرمة القطع في الصلاة الواجبة

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 19/ 295.

(2)- جواهر الكلام: 19/ 339.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 42

و علي استفادة ذلك من التشبيه المزبور) «1».

و هل يجوز الخروج من المطاف ثم الرجوع إليه قبل فوات الموالاة سواء كان في شوط يجوز البناء عليه او في غيره أم لا او يفصل بين ما لا يجوز البناء عليه كالشوط او الشوطين او ثلاثة اشواط فلا يجوز الخروج لانه بمنزلة قطعه و ما يجوز البناء عليه كما اذا كان الشوط الرابع و لعل الوجه ذلك أمّا اذا لم يجز النصف فانه يدل عليه بالإطلاق صحيح ابان بن تغلب عن ابي عبد اللّه عليه السّلام «في رجل طاف شوطا او شوطين ثم خرج مع رجل في حاجته، قال: ان كان طوافه نافلة بني عليه و ان كان طواف فريضة لم يبن (عليه)»

«2».

فانه يدل علي عدم البناء عليه اذا كان لا يعذر بالفحوي فاذا يستلزم الخروج قبل التجوز عن النصف قطعه و هو علي ما ذكر غير جائز، و الظاهر ان الغرض من السؤال و المثال بالشوط و الشوطين هو صورة عدم التجاوز عن النصف بقرينة الروايات الواردة في موارد اخري و أمّا اذا جاز النصف فمقتضي الاصل جواز الخروج و الرجوع قبل فوت الموالاة تكليفا و كذا وضعا فان الاصل عدم اشتراط الطواف بعدم الخروج كذلك فيحكم بصحته.

لا يقال: ذلك قطع الطواف عمدا و هو لا يجوز كقطع الصلاة فانه يقال: اذا كان مريدا للرجوع و لم يفت الموالاة العرفية لا يصدق عليه قطعه نعم اذا انصرف من اتمام الطواف و خرج من المطاف الظاهر انه قاطع به له فلا يجوز له بعد ذلك البناء علي ما اتي به و لكن لا يترك الاحتياط في الصورة الاولي باتمام ما في يده و اعادة الطواف نعم اذا خرج سهوا من المطاف بعد التجاوز عن النصف يرجع و يكمله و لو

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 19/ 340.

(2)- وسائل الشيعة ب 41 ابواب الطواف ح 5.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 43

عاد الي اهله امر من يطوف عنه ما فات منه و ان كان خروجه سهوا قبل التجاوز عن النصف يستأنف مع الامكان و الّا يستنيب و ربما اشكل علي ذلك بعدم المستند للتفصيل المذكور لاختصاص مستندهم بما هو اخص من ذلك كصحيح الحسن بن عطية قال: «سأله سليمان بن خالد و انا معه عن رجل طاف بالبيت ستة اشواط؟ قال أبو عبد اللّه عليه السّلام كيف طاف (يطوف) ستة اشواط؟ قال استقبل الحجر و قال: اللّه اكبر و عقد واحدا فقال

ابو عبد اللّه عليه السّلام يطوف شوطا فقال سليمان: فان (فان) فاته ذلك حتي اتي اهله؟ قال: يأمر من يطوف عنه» «1».

و علي هذا لا يتجه البناء علي ما اتي به الا اذا كان الفائت منه شوطا واحدا، و لكن يمكن ان يقال: انه يستفاد من مثل هذا التفصيل في سائر الموارد كعروض الحدث ان الحكم بأمره من يطوف عنه ليس مختصا بفوت شوط واحد بل لتجاوزه عن النصف، و في الجواهر قال (يمكن أن يكون مستند التفصيل المذكور فحوي ما تسمعه من النصوص في مسألة عروض الحدث في الاثناء بل قد تقدم في بحث ان الحائض و النفساء اذا منعهما عذرهما عن اتمام العمرة يعدلان الي الافراد و القران من النصوص ما هو مشتمل علي التعليل الشامل للمقام ففي خبر ابراهيم بن اسحاق «عمن سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن امرأة طافت بالبيت أربعة اشواط و هي معتمرة ثم طمثت؟ قال: تتم طوافها فليس عليها غيره و متعتها تامة فلها ان تطوف بين الصفا و المروة و ذلك لانها زادت علي النصف و قد قضت متعتها و لتستأنف بعد الحج» «2» و خصوص الموارد لا يقدح في عموم التعليل المؤيد بما سمعت و فحوي ما تسمعه في المريض) الخ «3».

______________________________

(1)- وسائل الشيعة ب 32 ابواب الطواف ح 1.

(2)- وسائل الشيعة ب 85 ابواب الطواف ح 4.

(3)- جواهر الكلام: 19/ 327.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 44

عدم وجوب حفظ الموالاة في مواضع
اشارة

مسألة 6- لا يجب حفظ الموالاة في الطواف اذا جاوز النصف في مواضع.

[الاوّل:] اذا نقص من طوافه سهوا

الاوّل: اذا نقص من طوافه بعد التجاوز من النصف شيئا سهوا فانه يرجع و يتمه و لو عاد الي اهله يأمر من يطوف عنه و يدل عليه صحيح الحسن بن عطية «1» و صحيح الحلبي «2» و قد مر الكلام فيه.

[الثاني:] اذا نقص من طوافه لحاجة

الثاني: اذا عرض له حاجة فانه يقطع طوافه و يحصي ما طاف و يرجع و يبني عليه و هذا هو القدر المتيقن من الاخبار و حمل مطلقها علي مقيدها.

[الثالث:] لو مرض في اثناء الطواف

الثالث: لو مرض في اثناء طوافه لما رواه الكليني عن عدة من اصحابنا «3» عن سهل بن زياد «4» عن الحسن بن محبوب «5» عن ابن رئاب «6» عن اسحاق بن

______________________________

(1)- وسائل الشيعة ب 32 ابواب الطواف ح 1.

(2)- وسائل الشيعة ب 31 ابواب الطواف ح 1.

(3)- و هم محمد بن الحسن الطائي و محمد بن جعفر الاسدي او محمد بن أبي عبد اللّه و محمد بن عقيل الكليني علي بن محمد ابن ابراهيم خال الكليني.

(4)- مرمي بالضعف و لكن اذا اعتمد علي حديثه الاجلة بالنقل عليه يجبر به ضعفه و هو من السابعة.

(5)- جليل القدر … من السادسة.

(6)- له اصل كبير ثقة جليل من الخامسة.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 45

عمار «7» عن ابي الحسن عليه السّلام «في رجل طاف طواف الفريضة ثم اعتلّ علة لا يقدر معها علي اتمام الطواف؟ فقال: ان كان طاف أربعة اشواط امر من يطوف عنه ثلاثة اشواط فقد تم طوافه و ان كان طاف ثلاثة اشواط و لا يقدر علي الطواف فان هذا مما غلب اللّه عليه فلا بأس بان يؤخر الطواف يوما و يومين فان خلته العلة عاد فطاف اسبوعا، و يصلي هو ركعتين و يسعي عنه، و قد خرج من احرامه، و كذلك يفعل في السعي و في رمي الجمار» «8».

و استشكل في دلالة الرواية بان مدلولها وجوب الاستنابة لا البناء علي ما قطع و الرجوع بعد رفع العلّة و اتمامه، و يمكن الجواب عنه بان الظاهر منها

عدم قدرته علي اتمام الطواف فعلا و بحسب الحال كما اذا كان مريدا للرجوع الي وطنه. فتأمل

و هل يمكن الاستدلال له بصحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «اذا طاف الرجل بالبيت ثلاثة اشواط ثم اشتكي اعاد الطواف- يعني الفريضة» «9».

فانه كما يدل علي وجوب الاعادة اذا لم يتجاوز النصف يدل علي عدم وجوب الاعادة اذا تجاوز النصف.

لا يقال: انه ليس له مفهوم الّا علي نحو السالبة بانتفاء الموضوع فانه يقال: اذا كانت القضية مثل اذا طاف الرجل بالبيت فله كذا او عليه كذا مفهومه يكون من السالبة بانتفاء الموضوع و اما ذا كان الشرط مقيدا بقيد خاص كالثلاثة في المقام يدل

______________________________

(7)- ثقة من الخامسة فطحي.

(8)- وسائل الشيعة ب 45 ابواب الطواف ح 2.

(9)- وسائل الشيعة ب 45 ابواب الطواف ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 46

علي ان الحكم مشروط بها و بعبارة اخري يدل علي ان وجوب الاعادة اذا اضطر الطائف بقطع طوافه ليس حكم الطواف مجردا عن قيد خاص فلا يشمل ما اذا طاف أربعة اشواط او خمسة بل يمكن ان يقال: بدلالة الثلاثة علي كون الاربعة او الخمسة مثلا غير محكوم بهذا الحكم و ما يكون حكم غير الثلاثة هنا بقرينة سائر الروايات الواردة في غير هذا الموضوع ليس الّا البناء علي ما اتي به بعد فوت الموالاة.

و في كل ذلك:

أو لا: أن الرواية كما في نسختنا المطبوعة من الكافي «1» هكذا «اذا طاف الرجل بالبيت اشواطا» فيسقط الاستدلال بها و ثانيا: انه يكون المفهوم بقرينة ما ذكر البناء علي المأتي به اذا لم يدل دليل علي حكم خاص له و هو استنابة من يطوف عنه و علي هذا نقول و

ان كان المشهور في هذا المورد أيضا التفصيل المذكور في سائر الموارد الّا ان مقتضي الاحتياط بالاستنابة و الاتيان بما بقي منه ان امكن و اعادته أيضا ان امكن و اللّه هو العالم.

[الرابع:] لو احدث في طواف الفريضة

الرابع: لو احدث في طواف الفريضة قال في الجواهر (بلا خلاف معتد به اجده فيه كما اعترف به غير واحد بل في المدارك هذا الحكم مقطوع في كلام الاصحاب … الخ). «2» الخ و يدل عليه مرسل ابن ابي عمير او جميل «3» المنجبر بعمل الاصحاب

______________________________

(1)- الكافي: 4/ 414 ح 4.

(2)- جواهر الكلام: 19/ 334.

(3)- وسائل الشيعة ب 40 ابواب الطواف ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 47

و ما ورد من الروايات في الحائض «1» و قد مرّ منا الكلام فيه.

حكم الزيادة عمدا علي السبع في الطواف الواجب

مسألة 7- قال في الجواهر (الزيادة) عمدا (علي سبع في الطواف الواجب محظورة) و مبطلة (علي الاظهر) كما عن الوسيلة و الاقتصاد و الجمل و العقود و التهذيب، بل في المدارك انه المعروف من مذهب الاصحاب و في كشف اللثام انه المشهور و هو كذلك مع نيته في الابتداء علي وجه الادخال في الكيفية ضرورة كونه حينئذ ناويا لما لم يأمر به الشارع فهو كمن نوي صوم الوصال مثلا بل في كشف اللثام و كذا لو نواها في الاثناء لانه لم يستدم النية الصحيحة و لا حكمها، و فيه: ان ذلك غير مناف لاستدامة النية علي سبع و ان نوي الزيادة عليها) «2».

اقول: الزيادة علي الطواف تختلف صورها و ما ذكر صورتان منه و القدر المتيقن من الحكم عليها بالبطلان الصورة الاولي بل الصورة الثانية لان المفروض فيها اتيان الطواف بالثمانية و بعبارة اخري: ينوي في الاثناء كون مصداق الطواف المأمور به ثمانية اشواط و لا فرق في عدم نية الطواف المأمور به بين عدم نيته من الابتداء او في الاثناء و ما ذكره الجواهر انما يصح لو قصد زيادة شوط علي السبع لا

بعنوان كونه جزء من الطواف الواجب عليه.

و الصورة الثالثة و الرابعة ما اشار إليهما في الجواهر بقوله (و اما اذا تعمد فعلها من غير ادخال لذلك في النية فان تعمد فعلها لا من هذا الطواف ففي كشف اللثام عدم

______________________________

(1)- وسائل الشيعة ب 85 ابواب الطواف ح 2.

(2)- جواهر الكلام: 19/ 308.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 48

البطلان ظاهر لانها حينئذ فعل خارج وقع لغوا او جزء من طواف آخر، و ان تعمدها من هذا الطواف فظاهر ما سمعته من المشهور البطلان لانه كزيادة ركعة في الصلاة لقوله صلّي اللّه عليه و آله «الطواف بالبيت صلاة» «1»، و قول أبي الحسن عليه السّلام في خبر عبد اللّه بن محمد «الطواف المفروض اذا زدت عليه مثل الصلاة المفروضة اذا زدت عليها فاذا زدت عليها فعليك الاعادة و كذلك السعي» «2» و لخروجه عن الهيئة التي فعلها النبي صلّي اللّه عليه و آله مع وجوب التأسي و قوله صلّي اللّه عليه و آله «خذوا منّي مناسككم» «3» و لخبر ابي بصير «سأل الصادق عليه السّلام عن رجل طاف بالبيت ثمانية اشواط؟ قال: يعيد حتي يستتمه» «4» و لكن نوقش بكون الاول قياسا محضا علي انه ليس كزيادة ركعة في الصلاة بل مثل فعلها بعد الفراغ، و منع خروجه عن الهيئة المعهودة ضرورة كون الزيادة انما لحقتها من بعد و عدم فعله لها لا يقتضي التحريم فضلا عن البطلان للاصل و غيره، و لو سلّم فاقصاه انه تشريع محرم خارج عن العبادة و بالطعن في سند الخبرين المحتملين لنية الزيادة اوّل الطواف بناء علي ما سمعته من كشف اللثام بل قد يحتمل الثاني منهما إرادة اتمام طواف آخر كما يشعر

به قوله عليه السّلام «يستتمه» علي انه يدل علي تحريم زيادة الشوط كل ذلك مضافا الي الاصل و اطلاق صحيح محمد بن مسلم عن احدهما عليهم السّلام: «سأله عن رجل طاف طواف الفريضة ثمانية اشواط؟ قال:

يضيف إليها ستا» «5» و نحوه غيره.

و لكن قد يدفع جميع ذلك بظهور الخبرين المنجبرين بما سمعت بل يؤيد إرادة

______________________________

(1)- سنن البيهقي: 5، ص 87، كنز العمال: 3، ص 10- الرقم 206.

(2)- وسائل الشيعة ب 34 ابواب الطواف ح 11.

(3)- تيسير الوصول، ج 1، ص 312.

(4)- وسائل الشيعة ب 34 ابواب الطواف ح 1.

(5)- وسائل الشيعة ب 34 ابواب الطواف ح 8.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 49

اعادة ذلك الطواف من قوله عليه السّلام «يستتمه» روايته في الكافي «حتي يتنبه» و هو كالصريح في إرادة الطواف الاول، و صحيح ابن مسلم و غيره محمول علي الزيادة سهوا او مع نية طواف ثان) «1» الخ.

اقول: ما في نسختنا من الكافي و الوسائل من خبر أبي بصير المعبر عنه في كلام بعض الاجلة بالصحيح «حتي يثبته» «2» نعم في التهذيب «3» و الاستبصار «4» رواه الشيخ (حتي يستتمه) و كيف كان فلا ريب ان مقتضي الاحتياط هو الاعادة بل هذا هو الاظهر

و هنا صورة اخري للزيادة العمدية و هي كونه من طواف آخر غير الاول و يتمه سبعا و يتحقق به القران بين الطوافين و محكوم عند المشهور هو و الاول بالبطلان لاشتراط الطواف بان لا يكون مسبوقا و لا ملحوقا بطواف آخر لم تؤت بصلاته بعده و قيل فيه بالكراهة و الاخبار الواردة في المسألة علي طوائف.

الاولي: ما يدل علي عدم جوازه مطلقا في الفريضة و النافلة كما رواه الشيخ عن احمد

بن محمد بن عيسي «5» عن علي بن احمد بن اشيم «6» عن صفوان بن يحيي «7» و احمد بن محمد بن ابي نصر «8» قالا: «سألناه عن قران الطواف السبوعين و الثلاثة؟

قال: لا انّما هو سبوع و ركعتان: و قال: كان أبي يطوف مع محمد بن ابراهيم فيقرن

______________________________

(1)- جواهر الكلام، 19/ 308.

(2)- المعتمد: 4/ 362.

(3)- التهذيب: 5 ص 111 ح 361/ 33.

(4)- الاستبصار: 2/ 217/ 746/ 1.

(5)- له الرواية عن علي بن احمد بن اشيم و صفوان (و احمد بن محمد) من السابعة او الثامنة.

(6)- كانه من كبار السابعة.

(7)- من السادسة.

(8)- من السادسة.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 50

و انما كان ذلك منه لحال التقية» «1» و سنده ضعيف بعلي بن احمد بن اشيم المجهول.

الا انه مؤيد بما رواه عنه يعني احمد بن محمد بن عيسي الاشعري المذكور في سنده عن احمد بن محمد بن أبي نصر قال «سأل رجل أبا الحسن عليه السّلام عن الرجل يطوف الاسباع جميعا فيقرن؟ فقال: لا الّا اسبوع و ركعتان، و انّما قرن ابو الحسن لانه كان يطوف مع محمد بن ابراهيم لحال التقية» «2» و لذا من المحتمل كون احمد بن محمد بن ابي نصر في الرواية الاولي معطوفا علي علي بن احمد كما يحتمل ان يكون صفوان أيضا معطوفا به فبدّل واو العطف فيه بحرف الجر و كيف كان فالروايتان تدلان بالإطلاق علي عدم جواز القران مطلقا اللهم الّا ان يقال: ان الاتيان بالاسابيع ظاهر في النافلة، و لكن ذلك لا يدلّ علي اختصاص الحكم بالنافلة بل يستفاد منه شموله للفريضة بالاولوية و لا قائل بالتفصيل بين النافلة و الفريضة باشتراط الاولي بعدم القران و عدم الثانية

به.

هذا و روي ابن ادريس في مستطرفات سرائره عن كتاب حريز عن زرارة عن ابي جعفر عليه السّلام: «لا قران بين اسبوعين في فريضة و نافلة» «3» و رده بعض الاعلام بضعف سنده لجهالة طريق ابن ادريس الي كتاب حريز «4» و فيه ما كررنا الاشارة إليه ان جهالة الطريق الي الكتاب اذا كان النافل ناقلا للحديث عن الكتاب نفسه لا يضر بالاعتماد عليه بل و ان علم انه لا طريق له إليه بل نقله و جادة عنه، و ابن ادريس ينقل في مستطرفاته عن طائفة من الكتب منها كتاب حريز و كتاب المشيخة و قرب الاسناد و من لا يحضره الفقيه و التهذيب و غيرها فلا يرد نقله عن هذه الكتب

______________________________

(1)- وسائل الشيعة ب 36 ابواب الطواف ح 6.

(2)- وسائل الشيعة ب 36 ابواب الطواف ح 7.

(3)- وسائل الشيعة ب 36 ابواب الطواف ح 14.

(4)- المعتمد: 4/ 367.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 51

بجهالة طريقه او عدم طريق له إليها.

الثانية: ما قيل بدلالته علي الجواز مطلقا فرضا كان او نفلا.

مثل خبر زرارة انه قال: «ربما طفت مع ابي جعفر عليه السّلام و هو ممسك بيدي الطوافين و الثلاثة ثم ينصرف و يصلي الركعات ستا» «1» و هذا يدل علي الجواز في الجملة و في طواف النافلة لا مطلقا.

و صحيحه الاخر قال: «طفت مع أبي جعفر عليه السّلام ثلاثة عشر اسبوعا قرنها جمعيا و هو آخذ بيدي ثم خرج فتنحي ناحية فصلي ستا و عشرين ركعة، و صليت معه» «2» و هذا أيضا كسابقة لا يدل ازيد علي جواز القران في الجملة و المحتمل كونه و سابقه واحدا.

و هنا طائفة اخري تدل علي التفصيل بين الفريضة

و النافلة مثل صحيح زرارة قال «قال أبو عبد اللّه عليه السّلام انّما يكره ان يجمع الرجل بين الاسبوعين و الطوافين في الفريضة و امّا في النافلة فلا بأس». «3»

و دلالته علي التفصيل علي القول بظهور الكراهة في المبغوضية ظاهرة مضافا الي ان قوله عليه السّلام «و امّا النافلة فلا بأس» قرينة علي اراده المبغوضية و الحرمة منه لان قوله عليه السّلام «لا بأس» مشعر بعدم الحرمة و الالزام علي الترك لا عدم المرجوحية المطلقة، و مضافا الي دعوي الاجماع علي خلافه.

و علي هذا يمكن الجمع بهذا الصحيح بين الطائفتين الاولي بحمل ما يدل علي النهي المطلق علي الفريضة و ما يدل علي الجوار علي النافلة.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة ب 36 ابواب الطواف ح 2.

(2)- وسائل الشيعة ب 36 ابواب الطواف ح 5.

(3)- وسائل الشيعة ب 36 ابواب الطواف ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 52

و مما يدل علي التفصيل خبر عمر بن يزيد الذي رواه في الكافي عن احمد بن محمد «1» عن محمد بن احمد الهندي «2» عن محمد بن الوليد «3» عن عمر بن يزيد «4» قال: «سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: انّما يكره القران في الفريضة فامّا النافلة فلا و اللّه ما به بأس» «5».

ثم انه و ان قلنا ان المشهور اشتراط الطواف بان لا يسبقه طواف آخر و لا يلحقه طواف آخر فالطواف المسبوق بالطواف و الملحوق به باطل الا انه لا يستفاد ذلك من الاخبار التي سمعت طائفة منها فيمكن ان يقال: ان النهي عن القران في الطواف تكليفي سواء كان تنزيهيا او تحريميا متعلق بالطواف الثاني و ما بعد دون الاول

و عن الرياض (انا لم نقف علي

نص و لا فتوي تتضمن الحكم بالابطال و انّما غايتهما النهي عن القران الذي غايته التحريم و هو لا يستلزم بطلان الطواف الاول اذا كان فريضة او بطلانهما معا كما هو ظاهر العبارة و غيرها لتعلق النهي بخارج العبادة لعدم صدق القران الّا بالاتيان بالطواف الثاني فهو المنهي عنها لا هما معا او الاول كما هو ظاهر القوم نعم لو اريد بالباطل الطواف الثاني اتجه لتعلق النهي بنفس العبادة حينئذ «6» الخ.

______________________________

(1)- ابن احمد بن طلحة ثقة في الحديث كانه من الثامنة او السابعة.

(2)- ابن خاقان أبو جعفر المعروف بحمدان قال العياشي (كوفي فقيه ثقة) و قال النجاشي (انه مضطرب) و نفي بعض المعاصرين دلالة ذلك علي ضعفه و لذا اخذ علي صاحب الحدائق فان تعبيره كما تري في تعبير الجواهر مشعر بضعف الرواية سندا و اما كونه من رجال كامل الزيارة ففيه ما فيه و هو من السابعة.

(3)- البجلي الكوفي ثقة من السادسة.

(4)- بياع السابري ثقة له كتاب من الخامسة.

(5)- وسائل الشيعة ب 36 ابواب الطواف ح 4.

(6)- رياض المسائل: 6/ 549.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 53

اقول: و لكن كان الظاهر من كلامهم بطلان الاول بالقرآن فضلا عن الثاني، و بعبارة اخري صحة الاول مشروط بعدم لحوق الثاني به كالشرط المتأخر فلا يترك الاحتياط بالبناء علي البطلان و اللّه هو العالم.

اذا زاد في طوافه علي السبع قبل بلوغه الركن

مسألة 8- اذا زاد في طوافه علي السبع قبل بلوغه الركن يقطعه و لا شي ء عليه.

و حكي في الجواهر التصريح به عن الشيخ و بنو زهره و البراج و سعيد و غيرهم قال (بل هو المشهور) «1» و يدل عليه ما رواه الكليني عن محمد بن يحيي «2» عن احمد بن محمد «3»

عن ابن فضّال «4» عن علي بن عقبة «5» عن أبي كهمس «6» قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل نسي فطاف ثمانية اشواط؟ قال: ان ذكر قبل ان يبلغ الركن فليقطعه» «7» و رواه الشيخ في التهذيب «8» عن محمد بن احمد بن يحيي، و في بعض النسخ: محمد بن يعقوب «9» عن محمد بن احمد بن يحيي «10» عن محمد بن الحسين «11»

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 19/ 384.

(2)- من الثامنة ثقة عين كثير الحديث له كتب.

(3)- من السابعة الحسن بن علي بن فضال عظيم المنزلة جليل القدر بن خالد الاسدي ثقة له كتاب هستم بن عبد اللّه له كتاب شيخ القميين و وجههم.

(4)- من السادسة.

(5)- من السادسة.

(6)- من الخامسة.

(7)- الكافي، 4/ 418/ 10.

(8)- التهذيب ج 5، ح 367/ 39.

(9)- من التاسعة.

(10)- من كبار الثامنة.

(11)- من السابعة جليل من اصحابنا القدر مسكون الي روايته حس التصانيف.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 54

عن ابن فضال و ذكر «إن كان ذكر» و «قبل ان يأتي» و زاد «فقد أجزأ عنه و ان لم يذكر حتي بلغه فليتم أربعة عشر شوطا، و ليصل اربع ركعات» «12» و قال العلامة المجلسي في المرآة (المراد بالركن ركن الحجر و ما توهم من ان المراد به الركن الذي بعد ركن الحجر فلا يخفي وهنه و دلالته علي مختار المشهور ظاهر) و في الجواهر قال (لا اجد فيه خلافا الّا من بعض متأخري المتاخرين بناء علي اصل فاسد و هو عدم انجبار الخبر الضعيف بالعمل) «13»

و لكن هذا الخبر معارض بخبر آخر عن عبد الرحمن عن عبد اللّه ابن سنان عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سمعته يقول: من طاف

بالبيت فوهم حتي يدخل في الثامن فليتم أربعة عشر شوطا ثم ليصل ركعتين» «14» و سنده معتبر بل عن العلامة الحكم بصحته «15» غير انه اذا كان المراد من قوله «حتي يدخل» مجرد الشروع لا اتمام الشوط و لا بعد اتيانه الركن مهجور لم يعمل به لا يقاوم خبر ابي كهمس المنجبر بالعمل و يمكن ان يقال بتقييده بخبر ابي كهمس فان الدخول اعم من تجاوزه عن الركن هذا.

مضافا الي انه معارض بروايات دلت بمفهومها علي اتمام الطواف الثاني اذا اتي بشوط كامل لا مطلقا مثل قوله عليه السّلام: «اذا طاف ثمانية فليتم أربعة عشر» «16» فنبقي و خبر أبي كهمس و هو يدل علي انه ان لم يبلغ الركن يقطعه و ان بلغ الركن يتمه أربعة عشر شوطا و لكن بعض الاجلة من المعاصرين حيث لا يري جبر ضعف السند

______________________________

(12)- وسائل الشيعة ب 34 ابواب الطواف ح 4.

(13)- جواهر الكلام: 19/ 384.

(14)- وسائل الشيعة ب 34 ابواب الطواف ح 5.

(15)- الحكاية عن جواهر الكلام: 19/ 384.

(16)- وسائل الشيعة ب 34 ابواب الطواف ح 10.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 55

بالعمل افتي بانه ان كان الزائد اقل من شوط قطعه و صح طوافه (يعني و ان بلغ الركن)، و مستنده حمل الدخول في صحيح ابن سنان علي الدخول الكامل بقرينة قوله عليه السّلام «اذا طاف …» و كانه اراد من ذلك حمل الظاهر علي الاظهر و قال و لو تنزلنا و التزمنا بالتعارض فالمرجع بعده هو الاصل المقتضي للصحة و يؤيد برواية ابي كهمس فانه صريح في المطلوب «1» اقول انه صريح في المطلوب اذا لم يبلغ الركن و اما ان بلغه فصريح في عدم ما

اخترتم و اللّه هو العالم.

من زاد علي السبعة في طواف الفريضة سهوا

مسألة 9- قال في الجواهر (و من زاد علي السبعة) في طواف الفريضة (سهوا) شوطا (اكملها اسبوعين) في المشهور نصا و فتوي (و صلّي الفريضة أولا و ركعتي النافلة بعد الفراغ من السعي) «2».

أقول: حكي عن الصدوق ما ظاهره التخيير بين اعادة الطواف و اضافة ستّة إليها فيجعل واحدا فريضة و الآخر نافلة «3»، و قال بعض المعاصرين من الاجلّه (الاحوط ان يتم الزائد و يجعله طوافا كاملا بقصد القربة المطلقة) «4».

و الاولي التعرض للاحاديث و النظر الي دلالتها ثم النظر الي صورة استدلال هؤلاء بها فنقول:

منها: صحيح ابي أيوب قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام رجل طاف بالبيت ثمانية

______________________________

(1)- المعتمد: 4/ 372.

(2)- جواهر الكلام: 19/ 364 و 365.

(3)- جواهر الكلام: 19/ 364 و 365.

(4)- المعتمد: 4/ 375.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 56

اشواط طواف الفريضة؟ قال: فليضمّ إليها ستّا ثم يصلي اربع ركعات» «1» و صحيح محمد بن مسلم عن احدهما عليه السّلام قال: «ان في كتاب علي عليه السّلام: اذا طاف الرجل بالبيت ثمانية اشواط الفريضة و استيقن ثمانية اضاف إليها ستا» «2» و صحيحه الآخر عن احدهما عليه السّلام قال: «قلت له: رجل طاف بالبيت فاستيقن انه طاف ثمانية اشواط؟ قال يضيف إليها ستة و كذلك اذا استيقن انه طاف بين الصفا و المروة ثمانية فليضف إليها ستة» «3».

و نحوه او عينه صحيح محمّد بن مسلم الثالث عن احدهما عليه السّلام قال: «سألته عن رجل طاف طواف الفريضة ثمانية اشواط؟ قال: يضيف إليها ستة» «4» و خبر علي بن ابي حمزة «5» عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سئل و انا حاضر عن رجل طاف بالبيت

ثمانية اشواط؟ فقال: نافلة او فريضة؟ فقال: فريضة فقال: يضيف إليها ستة فاذا فرغ صلي ركعتين عند مقام ابراهيم عليه السّلام ثم خرج الي الصفا و المروة طاف بينهما (ثم يخرج الي الصفا و المروة و يطوف بهما نسخة المصدر) فاذا فرغ صلي ركعتين اخراوين فكان طواف نافلة و طواف فريضة».

و صحيح رفاعة قال: «كان علي عليه السّلام يقول: اذا طاف ثمانية فليتم أربعة عشر قلت:

يصلي اربع ركعات؟ قال: يصلي ركعتين» «6».

و هذه الروايات بعضها مختص بحال السهو مثل روايات محمد بن مسلم و ظاهر

______________________________

(1)- وسائل الشيعة ب 34 ابواب الطواف ح 8، 9، 10، 12، 13، 15.

(2)- وسائل الشيعة ب 34 ابواب الطواف ح 8، 9، 10، 12، 13، 15.

(3)- وسائل الشيعة ب 34 ابواب الطواف ح 13، 10، 12.

(4)- وسائل الشيعة ب 34 ابواب الطواف ح 8، 15، 9.

(5)- وسائل الشيعة ب 34 ابواب الطواف ح 8، 15، 9.

(6)- وسائل الشيعة ب 34 ابواب الطواف ح 8، 15، 9.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 57

بعضها الاطلاق و الشمول لحالتي السهو و العمد مثل صحيح ابي أيوب و خبر علي بن ابي حمزة و صحيح رفاعة و علي هذا يشمل بالإطلاق ما اذا زاد علي السبعة بقصد كونها و الزائد الطواف الواجب كما يشمل ما اذا قصده بالاستقلال و إرادة ذلك منهما بعيد جدا فحملهما علي صورة السهو قريب و يمكن ان يقال: ان اطلاقهما في العمد مقيد بمعتبرة عبد اللّه بن محمد عن ابي الحسن عليه السّلام: «الطواف المفروضة اذا زدت عليه مثل الصلاة المفروضة اذا زدت عليها فعليك الاعادة و كذلك السعي» «1».

و ظاهرها الزيادة العمدية.

و لكن هنا ما يدل علي البطلان و

ان كان سهوا مثل صحيح ابي بصير قال:

«سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل طاف بالبيت ثمانية اشواط المفروض؟ قال: يعيد حتي يثبته» «2». و مثله مضمره قال: «قلت له: فانه طاف و هو متطوع ثماني مرات و هو ناس قال: فليتمه طوافين ثم يصلي اربع ركعات و امّا الفريضة فليعد حتي يتم سبعة اشواط» «3».

بل يمكن ان يقال بدلالة صحيح رفاعة أيضا علي بطلان السبعة الاولي لقوله عليه السّلام «يصلي ركعتين» و لكنه بظاهره غير معمول به لان الصدوق افتي باعادة الطواف او اضافة ستة إليها فيجعل واحدا فريضة و الاخري نافلة قال: في المقنع: فان طفت بالبيت المفروض ثمانية اشواط فاعد الطواف، و روي «يضيف إليها ستة فيجعل واحدا فريضا و الآخر نافلة» «4».

و يمكن تقييد الصحيح بما يدل علي حكم صورة السهو مثل صحيح محمد بن

______________________________

(1)- وسائل الشيعة ب 34 ابواب الطواف ح 11.

(2)- وسائل الشيعة ب 34 ابواب الطواف ح 1.

(3)- وسائل الشيعة ب 34 ابواب الطواف ح 2.

(4)- المقنع: 266.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 58

مسلم نعم المضمر نصّ لصورة النسيان و لكنه لا يعارض ما يدل علي خلافه أي وجوب ان يضيف إليه الست.

فيتحصل من جميع ما ذكر قوة قول المشهور و ان موافقته مجزية بالاجماع لانهم علي قولين احدهما ما اختاره الصدوق و هو كونه بالاختيار بين اضافة الست و جعل واحد منهما فريضة و الاخر نافلة و بين الاعادة و الثاني عليه المشهور بل تحقق الاجماع عليه و هو اضافة الست.

هذا و قد سلك بعض الاعاظم في الجمع بين هذه الاخبار مسلكا ينتهي الي تقوية مختار الصدوق قدس سره و خلاصته ان اخبار الباب علي طوائف:

الاولي: ما

يدل بالإطلاق علي البطلان كصحيحة ابي بصير فانها تشمل صورتي الزيادة العمدية و السهوية.

و الثانية: ما يدل علي اضافة الست إليها اذا طاف ثمانية اشواط مثل صحاح رفاعة و محمد بن مسلم و ابي أيوب.

و الثالثة: ما دل علي البطلان في صورة العمد مثل معتبرة عبد اللّه بن محمد و افاد بان التعارض بين الطائفتين الاولتين بالتباين.

لان كلا منهما بالإطلاق يشمل الزيادة العمدية و السهوية، لكن الطائفة الثالثة الدالة علي البطلان في صورة العمد نسبتها مع الطائفة الثانية الدالة علي الصحة نسبة الخاص الي العام فاذا خرج العامد عن تحت عموم الطائفة الثانية تصير الثانية مخصصة للاولي و يختص البطلان بالعمد، و لكن معتبرة أبي بصير صريحة في الاعادة في صورة النسيان و علي ذلك و علي ما قد قرر في محله ان في مورد واحد اذا ورد امران مختلفان مقتضي القاعدة هو التخيير و هذا الّذي هو مختار الصدوق رضوان اللّه تعالي عليه و لكن حيث دار الامر بين التعيين و التخيير و هو اتمام الزائد معينا او

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 59

مخيرا بينه و بين الاعادة الاحوط اتمام الزائد و جعله طوافا كاملا بقصد القربة المطلقة «1».

و فيه مواضع من النظر: الاول: انه لا حاجة في تقييد الطائفة الاولي بما ذكر لانها تقيد بروايات محمد بن مسلم الدال علي الحكم في صورة النسيان

و الثاني: انه كما يخرج العامد عن تحت عموم الطائفة الثانية بالمنطوق يخرج عن تحت عموم الطائفة الاولي بمفهومه لان الفرض ان رواية عبد اللّه بن محمد وردت في حكم العامد فلا حاجة الي ان نقول بتقييد الطائفة الاولي بالطائفة الثانية المقيدة بالطائفة الثالثة.

الثالث: ان التعارض و ان يقع كما ذكره

بين صحيح رفاعة و ابي أيوب بل بينه و بين صحاح محمد بن مسلم الا ان المتعارضين ليسا بالمتكافئين لاضمار احدهما دون الاخر مضافا الي تعدد رواته فلتقدم الصحاح علي المضمر.

الرابع: ان ما ذكره اخيرا في مقام الاحتياط لا يتم به فانه يجزيه اذا كان اكمال الاشواط بقصد القربة المطلقة اي سواء كان الاول فريضة و الثاني نافلة او بالعكس لا بقصد ما عليه من الاتمام و الاعادة فانه لو كان الواجب عليه قطعه و الاعادة تجب اعادته من رأس فتدبر و اللّه هو الهادي الي الحق و الصواب.

______________________________

(1)- المعتمد: 4/ 374.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 60

تنبيهان: الاول: بناء علي ان المستفاد من الاحاديث ان من زاد في طواف الفريضة سهوا شوطا يكملها اسبوعين و يصلي الفريضة و يأتي بركعتي النافلة بعد الفراغ من السعي هل يكون ذلك علي وجه العزيمة اي يجب عليه الاكمال المذكور أو يكون علي وجه الرخصة فهو مخير بينه و بين اعادة الطواف رأسا او بينهما و بين ترك الزائد الاسبوعين فان لم يكمل الاسبوع الثاني يبطل الاول او ان الاول علي حاله وقع صحيحا و المكلف بالخيار ان شاء يكمل الثاني او يتركه او انه يجب عليه اكمال الثاني تكليفا و بالجملة السؤال في ذلك راجع الي الخلل الواقع للسبعة الاولي المشروطة بعدم زيادة شوط عليها و لو سهوا او لدفع وقوع الزائد لغوا الظاهر هو الاول و انه اذا اكمل الشوط الزائد بالاشواط الستة لا يكون زائدا علي الاول و لكن لا يستفاد من ذلك وجوب اكماله و عدم جواز رفع اليد عما اتي به فهو مخير بين الاعادة او اكمال الزائد. هذا ما يمكن ان يقال مستفاد

من ظاهر الاخبار و لكن الاحتياط اختيار اكمال الزائد بزيادة ست عليه و جعل المجموع اسبوعين و علي ذلك كله لا يجوز له الاكتفاء بالثانية بالبناء علي رفع اليد عن الشوط الثامن و اللّه هو العالم.

الثاني: علي القول المشهور و الاتيان بأربعة عشر شوطا فلا ريب في كون احد الطوافين نافلة و الاخر فريضة فهل الفريضة الطواف الاول او الثاني. قال في الجواهر: ان الفاضل و الشهيدان قد صرحوا باستحباب الاكمال المزبور الّذي مقتضاه كون الثاني هو النافلة بل هو ظاهر المصنف و غيره من عده في ذكر المندوبات و حينئذ يجوز له قطعه و لعله لأصالة البراءة بعد بقاء الاول علي الصحة المقتضية لذلك باعتبار نيته خلافا للمحكي عن ابني الجنيد و سعيد من كون الثاني هو

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 61

الفريضة «1».

أقول: قد مر منّا ان الظاهر من المسألة ان امرهم بالاكمال يكون علاجا لنقص دخل في الاول بزيادة شوط واحد و لا ريب في انه يجوز له رفع اليد عنه و الاعادة انّما انه بمقتضي هذه الروايات يستحب له رفع النقص الوارد علي طوافه بزيادة شوط سهوا عليه باتمامه سبعة اشواط و لازم ذلك بقاء الاول علي كونه مفروضا و كون الثاني مندوبا و يدل علي ذلك كله ما رواه ابن ادريس المستطرفات نقلا من نوادر البزنطي عن جميل انه «سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عمن طاف ثمانية الشواط و هو يري أنها سبعة قال: فقال: ان في كتاب علي عليه السّلام انه اذا طاف ثمانية اشواط يضم إليها ستة اشواط ثم يصلي الركعات بعده قال: و سئل عن الركعات كيف يصليهنّ او يجمعهن او ما ذا؟ قال: يصلي ركعتين للفريضة

ثم يخرج الي الصفا و المروة فاذا رجع من طوافه بينهما رجع يصلي ركعتين للاسبوع الآخر» «2» و لا عبرة بتضعيف سنده بجهالة طريق ابن ادريس الي نوادر البزنطي و اللّه هو المؤيد و الهادي الي الصواب.

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 19/ 367.

(2)- وسائل الشيعة ب 34 ابواب الطواف ح 16.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 63

الكلام في ركعتي الطواف

اشارة

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 65

الكلام في ركعتي الطواف قال الشيخ في الخلاف: ركعتا الطواف واجبتان عند اكثر اصحابنا، و به قال عامّة اهل العلم ابو حنيفة و مالك و الاوزاعي و الثوري، و للشافعي فيه قولان احدهما مثل ما قلناه، و الآخر انهما غير واجبتين و هو اصح القولين عندهم و به قال قوم من اصحابنا.

دليلنا قوله تعالي و اتخذوا من مقام ابراهيم مصلّي، و هذا امر يقتضي الوجوب، و طريقة الاحتياط أيضا تقضيه لانه اذا صلاهما برئت ذمته بيقين و اذا لم يصلهما فيه الخلاف و اخبارنا في هذا المعني اكثر من ان تحصي ذكرناها و بيّنا الوجه في الرواية المخالفة لها، و لا خلاف ان النبيّ صلّي اللّه عليه و آله صلّاهما و ظاهر ذلك يقتضي الوجوب) «1».

و في التذكرة (و عند اكثر علمائنا) و بعد نقل القول بالاستحباب عن مالك و الشافعي في القول الثاني و احمد قال (و هو قول شاذّ من علمائنا لانها صلاة لم يشرع لها اذان و لا اقامة فلا تكون واجبة.

______________________________

(1)- الخلاف: 2/ 327 م 138.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 66

قلنا: تكون واجبة و لا يسن لها الاذان و كذا العيد الواجب و الكسوف) «1».

و قال الحلّي في السرائر (و ركعتا طواف الفريضة فريضة مثل الطواف علي الصحيح من اقوال اصحابنا و

ذهب شاذ منهم الي انهما مسنونان و الاظهر الاول و يعضده قوله تعالي و اتخذوا من مقام ابراهيم مصلّي و الامر في عرف الشرع يقتضي الوجوب عندنا بغير خلاف بيننا) «2».

و مما ذكر يظهر ما في كلام بعض الاجلة من المعاصرين فانه قال (و هي (يعني صلاة الطواف) مما لا اشكال و لا خلاف في وجوبها بين المسلمين) «3».

امّا الآية الكريمة «4» فالاستدلال بها بضمّ اتفاقهم علي ان المراد منها صلاة الطواف

ظاهر لدلالة الامر بها علي الوجوب و يمكن ان يقال بان ظاهر الامر يدل علي الوجوب و لا صلاة واجبة هنا باتفاق الفريقين غير صلاة الطواف.

و اما الاخبار الدالة علي وجوبها فكثيرة جدا منها: صحيح معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «اذا فرغت من طوافك فائت مقام ابراهيم عليه السّلام فصلّ ركعتين- الي ان قال- و هاتان الركعتان هما الفريضة» الحديث «5» و منها غيره مما ورد في ابواب كثيرة من ابواب الطواف فلا ينبغي الريب في وجوبهما و لا يعتني بالقول الشاذ الّذي لم يعرف قائله و الدليل عليه ان كان هو الاصل فهو مقطوع بالآية و بتلك الروايات و ان كان ما روي عنه صلّي اللّه عليه و آله قال للاعرابي الّذي قال له صلّي اللّه عليه و آله: «هل علي غيرها (يعني

______________________________

(1)- التذكرة: 8، ص 94 م 461.

(2)- السرائر: 1/ 576.

(3)- المعتمد: 5/ 35.

(4)- الآية 119 من سورة البقرة.

(5)- وسائل الشيعة ب 3 ابواب الطواف ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 67

الخمس)؟ لا الا ان تطوع» «1» فالمحتمل انه لم يكن عليه الحج و العمرة او كان المراد من السؤال و الجواب ما كان من الصلاة واجبا مطلقا

و غير مشروط بشي ء و علي نحو الاستقلال هذا مضافا الي ضعف السند كما لا يخفي و يقال مثل ما ذكر فيه في صحيح زرارة او حسنه قال: «قال ابو جعفر عليه السّلام: فرض الله الصلاة و سنّ رسول الله صلّي اللّه عليه و آله (علي) عشرة اوجه صلاة السفر و الحضر و صلاة الخوف علي ثلاثة اوجه، و صلاة كسوف الشمس و القمر و صلاة العيدين، و صلاة الاستسقاء و الصلاة علي الميت» «2» فان المحتمل كون المراد منه ما شرع من الصلاة بنفسها لا تابعة لطواف و غيره علي انه مشتمل علي ما ليس بواجب و لا ريب في ان صلاة الطواف مشروعة.

و كيف كان فالقول بالاستحباب كانه مخالف للقطع بخلافه بعد ملاحظة الروايات الدالة علي الوجوب التي ليس بمجازف من يقول بتواترها.

وجوب وقوع صلاة الطواف خلف المقام

مسألة 10- المشهور عدم الاجتزاء بوقوع صلاة الطواف حال العمد و الاختيار في غير المقام كحجر اسماعيل بل يمكن دعوي اتفاقهم علي ذلك دون الشيخ في الخلاف و الصدوقين في خصوص صلاة طواف النساء.

و قال الصدوق في المقنع (ثم ارجع الي البيت فطف به اسبوعا و هو طواف النساء ثم صلّ ركعتين عند مقام ابراهيم عليه السّلام او حيث شئت من المسجد) «3».

______________________________

(1)- سنن النسائي ج 1 ص 227.

(2)- وسائل الشيعة ب 1 ابواب اعداد الفرائض ح 2.

(3)- المقنع: 2 ص/ 287.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 68

و قال في الهداية (ثم ارجع الي البيت، فطف به اسبوعا و هو طواف النساء ثم صلّ ركعتين عند مقام ابراهيم عليه السّلام او حيث شئت من المسجد) «1».

و قال في الفقيه في طواف النساء (ثم صلّ ركعتين عند مقام ابراهيم عليه السّلام او

حيث شئت من المسجد) «2».

و قال الشيخ في الخلاف (يستحب ان يصلي الركعتين خلف المقام فان لم يفعل و فعل في غيره اجزأه و به قال الشافعي، و قال مالك: فان لم يصلهما خلف المقام فعليه دم، و قال الثوري: يأتي بهما في الحرم.

دليلنا انه لا خلاف ان الصلاة في غيره مجزئة و لا تجب عليه الاعادة و جبرانه بدم يحتاج الي دليل لان الاصل براءة الذمة) «3»

أقول: اما الفرق بين طواف النساء و غيره كما سمعت من الصدوق فقال في الجواهر (لم نعثر علي ما يدل علي الفرق بينه و بين غيره كما اعترف به في كشف اللثام قال: الا رواية عن الرضا عليه السّلام و الظاهر ارادته ما عن الفقه المنسوب الي الرضا عليه السّلام حيث قال: بعد ذكر المواضع التي يستحب الصلاة فيها و ترتيبها في الفضل ما صورته: «و ما قرب من البيت فهو افضل الا انه لا يجوز ان يصلي ركعتي طواف الحج و العمرة الا خلف المقام حيث هو الساعة و لا بأس بان تصلي ركعتين لطواف النساء و غيره حيث شئت من المسجد الحرام». الا انه مع عدم ثبوت نسبته عندنا لا يصلح مخصصا للنصوص المزبورة) «4»

______________________________

(1)- الهداية/ 248.

(2)- الفقيه: 2/ 552.

(3)- الخلاف: 2/ 327.

(4)- جواهر الكلام: 19/ 316.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 69

أقول: يمكن ان يقال وجها لهذا القول: ان ما يدل علي وجوب كون الصلاة عند المقام ظاهر في حكم صلاة الطواف الواجب الّذي هو من اجزاء الحج و العمرة و طواف النساء و صلاته و ان لم يكونا خارجا عنهما بل هما أيضا من اجزائهما الا انه لا يشملها ما دل علي بعض احكام الطواف

و صلاته يختلفان في بعض الاحكام و الآثار و بالجملة يمكن دعوي انصراف ما دل علي هذا الحكم عن طواف النساء و صلاته فاخذ الصدوق و والده العظيم بالقدر المتيقن من الروايات و انه ليس فيها ما يدل علي الحكم في طواف النساء.

و أليك بعض روايات الباب: فمنها: صحيح ابراهيم بن أبي محمود قال: «قلت للرضا عليه السّلام اصلي ركعتي طواف الفريضة خلف المقام حيث هو الساعة او حيث كان علي عهد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله؟ قال حيث هو الساعة» «1»

و منها: مرسل صفوان و هو من اصحاب الاجماع عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «ليس لاحد ان يصلي ركعتي طواف الفريضة الا خلف المقام لقول اللّه عز و جل: (وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقٰامِ إِبْرٰاهِيمَ مُصَلًّي) فان صليتها في غيره فعليك الاعادة».

و منها: ما رواه عبد اللّه بن مسكان (و هو أيضا من اصحاب الاجماع) عن أبي عبد اللّه الابزاري قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل صلي ركعتي طواف الفريضة في الحجر قال: يعيدهما خلف المقام لان اللّه تعالي يقول: وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقٰامِ إِبْرٰاهِيمَ مُصَلًّي، يعني بذلك ركعتي طواف الفريضة».

و الروايات الدالة بمضامين ما ذكر اكثر من ذلك لا دلالة لها علي اشتراط صلاة طواف النساء بوقوعها خلف المقام بل تدل علي اختصاص الحكم بطواف الفريضة و مفهومها يدل علي ما افتي به الصدوق.

______________________________

(1)- التهذيب: 5/ 137 ح 453 و 451 و 454.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 70

نعم في ما رواه صفوان عن عبد اللّه بن بكير «1» عن عبيد بن زرارة «2» قال:

«سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل طاف طواف الفريضة و لم يصل

الركعتين (حتي طاف بين الصفا و المروة ثم طاف النساء و لم يصل الركعتين) حتي ذكر و هو بالابطح أ يصلّي اربعا؟ قال: يرجع فيصلي عند المقام اربعا» «3».

و لكنه ليس بظاهر في اشتراط وقوعها عند المقام في طواف النساء سيّما مع ظهور غيره في اختصاص ذلك بالفريضة.

اللهم الا ان يقال: ان المراد بالفريضة في غير ما فيه القرينة علي إرادة الفريضة التي هي غير طواف النساء اعم من صلاة طواف النساء فانها أيضا فريضة، و ذلك مثل خبر زرارة عن احدهما عليه السّلام قال: «لا ينبغي ان تصلي ركعتي طواف الفريضة الا عند مقام ابراهيم عليه السّلام و أما التطوع فحيث شئت من المسجد» «4» فانه يستفاد منه ان جواز ادائها حيث شاء من المسجد مختص بالتطوع دون الفريضة و ان كانت لطواف النساء: اللهم الا علي القول الشاذ الّذي عرفت انه لم يعرف القائل به و بعد ذلك كله و ان كان مقتضي الاصل عدم الاشتراط في صلاة طواف النساء و لكن ذهاب المشهور بل لعل غير الصدوقين الي الاشتراط يقتضي مراعات الاحتياط و ايقاعها عند المقام.

و اما مختار الشيخ قدس سره و هو استحباب كون صلاة الطواف مطلقا خلف المقام فقد سمعت كلامه في الخلاف، و امّا كلامه في النهاية فصرح في وجوب كون صلاة طواف الفريضة خلف المقام، و لا ظهور له في وجوب كون صلاة طواف

______________________________

(1)- ثقة فطحي من الخامسة.

(2)- ثقة ثقة من كبار الخامسة.

(3)- التهذيب: 5/ 138 ح 456.

(4)- وسائل الشيعة ب 73 ابواب الطواف ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 71

النساء خلف المقام بل كلامه مشعر بموافقته للصدوق و قال في الجمل و العقود:

و يصلي ركعتين عند المقام

مثل طواف الحج سواء «1» و كلامه في المبسوط نحو كلامه في النهاية.

و كيف كان فليس لهذا القول مستند الا دعوي عدم دلالة الاخبار الظاهرة في وجوبها خلف المقام و حملها علي الاستحباب و وقوع الامر بها في بعض الاحاديث في سياق بعض المستحبات و هذه الدعوي ضعيفة جدا لظهور الاوامر في الوجوب بل صراحة طائفة من الاخبار في عدم إجزائها ان صلاها في مكان آخر مثل رواية صفوان و ابن مسكان المتقدمتين. اذا فلا ريب في وجوب وقوعها عند المقام في طوافي الفريضة بل الاقوي انها كذلك في طواف النساء؛ و اللّه هو العالم.

عدم جواز صلاة الطواف في جانبي المقام

مسألة 11- قد ظهر مما ذكر وجوب وقوع ركعتي الطواف عند المقام سواء كانتا لطواف الفريضة او النساء خلافا لما سمعت عن الخلاف و عن المقنع و الهداية و الفقيه الا انه يقع الكلام في انه هل يكفي الصلاة في جانبيه كما لا كلام في كفايتها خلفه و عدمها امامه؟ و اذا كان هو في جانبيه اقرب منه إليه فهل يختار الاقرب فالاقرب او يختار الخلف مهما امكن و صدق عليها اسم الصلاة خلف المقام؟

و ما يدل علي كفاية وقوعها عنده و فيه مطلقا و لو في جانبيه:

أو لا: اطلاق الآية فانه ان كان المراد منها اتخاذ نفس الحجر مصلي حتي يكون المراد من قبيل الخاتم من الفضة لا يمكن فعلها علي الحجر نفسه و ان كان المراد (من

______________________________

(1)- الينابيع: 7/ 233

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 72

مقام) يكفي وقوعها في جانبيه و لا تدل علي خصوص الخلف.

اللهم الّا ان يقال: انه حيث لا يفعل الصلاة علي نفس الحجر الظاهر من اتخاذه مصلي اتخاذه قبلته حال الصلاة و هو لا يكون

الا بفعلها خلفه لان استقباله من جانبيه مستلزم لعدم استقبال الكعبة و كيف كان لا تكفي الآية في اجزاء الصلاة علي جانبيه.

و ثانيا: بعض الاخبار الّذي يدل بإطلاقه علي كفاية وقوعه عنده مطلقا خلفا او يمينا او يسارا.

و لكن يقيد بروايات تدل علي اعتبار وقوعها خلفه في حال الاختيار و بهذه الروايات تفسر الآية أيضا و قد عقد في الوسائل بابا في وجوب كون ركعتي الطواف الواجب خلف المقام «1».

من رواياته صحيح معاوية بن عمار و فيه «فصل ركعتين و اجعله إماما» و مرسل جميل و فيه «يصلي ركعتي طواف الفريضة خلف المقام».

و روي عن الشيخ عن صفوان عمن حدثه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام و فيه «ليس لاحد ان يصلي ركعتي طواف الفريضة الا خلف المقام لقول اللّه عز و جل: وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقٰامِ إِبْرٰاهِيمَ مُصَلًّي فان صليتها في غيره فعليك اعادة الصلاة» «2» و نحوه رواية ابن مسكان المتقدمة و غيرها.

ثم انه بعد الاحاطة بما ذكر يمكن ان يقال: انه ما دام امكن له الصلاة خلف المقام و ان كان قدامه من يصلي يأتي بها خلفه و ان كان الصلاة علي جانبيه اقرب إليه.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة ب 71 ابواب الطواف.

(2)- وسائل الشيعة ب 72 ابواب الطواف ح 1 و 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 73

الكلام في نسيان صلاة الطواف

مسألة 12- اذا نسي صلاة الطواف الواجب فلا ريب في انه يجب عليه ان يأتي بها ان لم يرحل من مكة لبقاء وجوبها علي حاله و عدم دليل علي سقوطه بالنسيان بل مقتضي ذلك وجوب الرجوع و الاتيان بها عند المقام نعم يظهر من الروايات التفصيل بين ان يذكر ذلك في البلد او بالابطح فيأتي بها

عند المقام و بين من ارتحل و ذكره في الطريق أو في مني فيأتي بها حيثما ذكر و في بعضها التفصيل بين ما اذا كان الرجوع شاقا عليه فيأتي بها في مكانه و أليك الروايات.

فمنها: ما رواه الكليني بسنده عن أبي الصباح الكناني قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل نسي ان يصلّي الركعتين عند مقام ابراهيم عليه السّلام في طواف الحج و العمرة؟ فقال: ان كان بالبلد صلي ركعتين عند مقام ابراهيم عليه السّلام ان اللّه عز و جل يقول: وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقٰامِ إِبْرٰاهِيمَ مُصَلًّي و ان كان قد ارتحل فلا آمره ان يرجع». «1»

و منها: صحيح معاوية بن عمار قال: «قلت لابي عبد اللّه عليه السّلام: رجل نسي الركعتين خلف مقام ابراهيم عليه السّلام فلم يذكر حتي ارتحل من مكه؟ قال: فليصلهما حيث ذكر، و ان ذكرهما و هو في البلد فلا يبرح حتي يقضيهما» «2».

و منها: صحيح محمد بن مسلم عن احدهما عليهما السّلام قال: «سئل عن رجل طاف طواف الفريضة و لم يصل الركعتين حتي طاف بين الصفاء و المروة ثم طاف طواف النساء و لم يصل لذلك الطواف حتي ذكر و هو بالابطح؟ قال: يرجع الي المقام (مقام

______________________________

(1)- وسائل الشيعة ب 74 ابواب الطواف ح 16.

(2)- وسائل الشيعة ب 74 ابواب الطواف ح 18.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 74

ابراهيم)، فيصلي ركعتين» «1».

و نحوه موثق عبد اللّه بن بكير عن عبيد بن زرارة «2».

و هذان و رواية أبي الصباح و صحيح معاوية واحد بالمضمون لان الابطح أيضا من مكة و من كان فيه كمن هو في نفس البلد. نعم صحيح محمد بن مسلم و موثق ابن بكير ساكتان

عن حكم من ارتحل.

و منها: رواية ابن مسكان عن عمر بن البراء عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «فيمن نسي ركعتي طواف الفريضة حتي اتي مني انه رخص له ان يصلي بمني» 3.

و أيضا رواية ابن مسكان عن عمر بن يزيد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «انه سأله عن رجل نسي ان يصلي الركعتين ركعتي الفريضة عند مقام ابراهيم حتي اتي مني؟ قال يصلهما بمني» 4.

و خبر هاشم بن المثني كما في التهذيب «5» عن هشام بن المثني كما في الاستبصار «6» و الكافي «7» و لفظ الكافي قال: «نسيت ركعتي الطواف خلف مقام ابراهيم عليه السّلام حتي انتهيت الي مني فرجعت الي مكة فصليتهما فذكرنا ذلك لابي عبد اللّه عليه السّلام فقال: الا صلاهما حيث ذكر»

و الظاهر اتحاد هاشم و هشام و هاشم ثقة و هشام لم يوثق و لكن لو كان هو غير هاشم يتردد الراوي بين الثقة و المجهول الا انه يظهر من اعتماد ابن عمير عليه فانه

______________________________

(1) 1- 4 وسائل الشيعة ب 74 ابواب الطواف ح 5 و 7.

(2) 2- 3 وسائل الشيعة ب 74 ابواب الطواف ح 2 و 8.

(5)- التهذيب: 5- 139/ ص 460، ح 132.

(6)- الاستبصار ج 2/ 235/ 817.

(7)- الكافي: 2 ص 426 ح 4.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 75

روي عنه روايات متعددة و كانه كان له كتاب موثوق به.

و منها: موثق حنان بن سدير قال: «زرت فنسيت ركعتي الطواف فاتيت أبا عبد اللّه عليه السّلام و هو بقرن الثعالب فسألته فقال: صل في مكانك» «1» و مفاد هذه الروايات بغضّ ما قيل في دلالة بعضها مما لا يعبأ به انه لو ذكر في مكة و

ما يعد منه يصليهما عند المقام و الا فيصليهما في مكانه ليس عليه ان يرجع الي مكة.

نعم هنا روايات اخري ربما تكون بظاهرها معارضة للطائفة التي سبق ذكرها.

فمنها: صحيح احمد بن عمر الحلال قال: «سألت أبا الحسن عليه السّلام عن رجل نسي ان يصلي ركعتي طواف الفريضة فلم يذكر حتي اتي مني؟ قال: يرجع الي مقام ابراهيم فيصليهما» «2».

و قد افاد بعض الاعلام «3» بالتعارض بينه و بين صحيح عمر بن يزيد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «انه سأل عن رجل نسي ان يصلي الركعتين ركعتي الفريضة عند مقام ابراهيم حتي اتي مني؟ قال: يصليهما بمني» «4».

و اختص تعارضه به لما اورد علي سائر الروايات من حيث السند و الدلالة و قد رفع التعارض المذكور بصحيح أبي بصير- يعني المرادي- قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل نسي ان يصلي ركعتي طواف الفريضة خلف المقام و قد قال اللّه تعالي وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقٰامِ إِبْرٰاهِيمَ مُصَلًّي حتي ارتحل قال: ان كان ارتحل فاني لا اشق عليه و لا آمره ان يرجع، و لكن يصلي حيث يذكر» «5».

______________________________

(1)- وسائل الشيعة ب 74 ابواب الطواف ح 11.

(2)- وسائل الشيعة ب 74 ابواب الطواف، ح 12 و 8.

(3)- المعتمد: 5/ 49.

(4)- وسائل الشيعة ب 74 ابواب الطواف ح 8.

(5)- وسائل الشيعة ب 74 ابواب الطواف ح 10.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 76

و افاد في بيان رفع التعارض بتقييد صحيح احمد بن عمر بعدم المشقة بصحيح أبي بصير و بذلك تنقلب النسبة التي كانت بين صحيح احمد و صحيح عمر بن يزيد الي العموم و الخصوص فيخصص عموم صحيح عمر بن يزيد الدال علي كفاية ان

يصليهما في مني مطلقا بصحيح احمد بن عمر المخصص بصحيح أبي بصير الدال علي انه ان لم يكن عليه مشقة يرجع الي المقام و يصلي عنه. و لكن يمكن ان يقال: ان ظاهر صحيح أبي بصير ملاحظة وجود مشقة الرجوع و انه يجزيه الصلاة حيث ذكر لما في الرجوع من الزحمة و المشقة و هذا يوافق مدلول صحيح عمر بن يزيد و معارض آخر لصحيح أحمد فلا بد من علاج التعارض او الرجوع الي قواعد الترجيح.

و الّذي نقول هنا ان احمد بن عمر و ان كان وصف بكونه ثقة و لكنه وصف بانه ردي الاصل و توقف بعضهم في روايته اذا فالترجيح يكون مع الروايات الدالة علي كفاية صلاتهما في مكانه اذا لم يكن بمكّة و لكن ينبغي الاحتياط بالرجوع ان لم يكن فيه مشقة زائدة علي مشقة الرجوع لقيام الشهرة عليه بل عن كشف اللثام الاجماع عليه «1».

و منها: ما يدل علي جواز الاستنابة مثل صحيح عمر بن يزيد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «فيمن نسي ركعتي الطواف حتي ارتحل من مكّة؟ قال: ان كان قد مضي قليلا فليرجع فليصلهما او يامر بعض الناس فليصلّهما عنه» «2» و يمكن ان يقال: انه بظاهره يدل علي التخيير بين الرجوع و الاستنابة ان كان قد مضي قليلا و يمكن ان يقال: ان حرف (او) و ان كان ظاهرا في التخيير و لكن الظاهر كما افاده البعض عطفها علي الجزاء و الشرط معا و ليست معطوفة علي الجزاء فقط فالمعني ان من مضي و خرج قليلا ان كان متمكنا من الرجوع فليصل، و ان لم يتمكن من الرجوع

______________________________

(1)- كشف اللثام: 5/ 450.

(2)- وسائل الشيعة ب 74

ابواب الطواف ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 77

فيستنيب و يمكن ان نقول: ان المفاد انه ان مضي كثيرا يامر بعض الناس فليصلهما، و لكن لا يرفع بذلك التعارض فان ظاهر سائر الروايات ان يصليهما مكانه بنفسه.

اللهم الّا ان يقال: ان هذا حكم خصوص من ارتحل من مكة و خرج لكي يذهب الي وطنه.

و مثل صحيح آخر لعمر بن يزيد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «من نسي ان يصلي ركعتي طواف الفريضة حتي خرج من مكّة فعليه ان يقضي او يقضي عنه وليه او رجل من المسلمين» «1».

يمكن ان يقال: ان المراد منه انه يقضيه بنفسه ان تمكن و الا فان مات و لم يقضيه يقضي عنه وليه او رجل من المسلمين و هذا الصحيح لا يعارض واحدا من الروايات، و مثله في الظهور في القضاء عنه بعد موته صحيح محمد بن مسلم عن إحداهما عليه السّلام قال: «سألته عن رجل نسي ان يصلي الركعتين؟ قال يصلّي عنه» «2».

و منها خبر ابن مسكان قال: «حدثني من سأله عن الرجل ينسي ركعتي طواف الفريضة حتي يخرج؟ فقال: يوكل» «3».

هذا و قد ظهر من الروايات ان ما يدل علي الاستنابة هو صحيح عمر بن يزيد و خبر ابن مسكان و مقتضي الصناعة و حمل الظاهر علي الاظهر التخيير فيرفع اليد عن ظاهر كل منهما بما هو الاخر نصّ فيه فروايات النيابة نص في اجزائها و ظاهر في عدم اجزاء غيرها و ما دل علي وجوب الصلاة بنفسه نص في اجزائها و ظاهر في عدم اجزاء النيابة فبنص كل منهما يرفع اليد عن ظاهر الاخر و بعبارة اخري يقدم

______________________________

(1)- وسائل الشيعة ب 74 ابواب الطواف ح

13.

(2)- وسائل الشيعة ابواب الطواف ب 74 ح 4.

(3)- وسائل الشيعة ب 74 ابواب الطواف ح 14.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 78

النص علي الظاهر و يجعل قرينة علي عدم إرادة ما هو الاخر ظاهر فيه فالنتيجة اذا التخيير و العمل بالمشهور موافق للاحتياط و ينبغي بل يجب رعايته لاستقرار فتاواهم علي وجوب الرجوع ان لم يشق عليه و كفاية قضائها حيث ذكر ان شقّ عليه الرجوع هذا و يمكن ان يقال: انه لا تعارض بين ما ورد في انه ان نسيهما حتي اتي مني يصليهما بمني و بين ما ورد علي انه ان نسيهما حتي ارتحل من مكة ان لم يتمكن من الرجوع بنفسه يستنيب لتعدد موضوعهما نعم التعارض واقع بين ما يدل علي حكم نسيانهما ان ارتحل و خرج من مكة ليذهب الي بلده لان مثل صحيح معاوية بن عمّار يدل علي انه ارتحل من مكة يصليهما حيث ذكر و مثل صحيح عمر بن يزيد بل صحيح أبي بصير يدلان علي الاستنابة، فيمكن ان يقال: انه بعد فرض كون رجوعه بنفسه متعذرا او حرجيا بالتخيير بين الصلاة حيث ذكر او الاستنابة اخذا بنص كل منهما و رفع اليد عن ظاهر كل منهما فتدبر جيدا و اللّه هو العالم.

فروع:

[الاول:] في ما اذا لم يتمكن من الصلاة خلف المقام

الاول: اذا لم يتمكن من الصلاة خلف المقام و هو في المسجد فلا ريب في عدم سقوط وجوبها و يدل عليه بالاولوية ما يدل علي وجوبها حيثما ذكر مطلقا او اذا شق عليه الرجوع و الظاهر انه يجب عليه ان يأتي بها في المسجد فلا يجزي الاتيان بها خارج المسجد الا اذا منعه الزحام عن ذلك أيضا و هل يجب مراعات الاقرب فالاقرب بالنسبة الي المقام

اذا تمكن من الاتيان بها في المسجد او بالنسبة الي المسجد اذا لم يتمكن من الاتيان بها الا في خارج المسجد؟ الاصل عدم وجوبها و ان كان الاحوط له مراعات ذلك.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 79

[الثاني:] حكم الجاهل اذا لم يأت بصلاة الطواف

الثاني: الجاهل كالناسي فيما ذكر فلو لم يأت بها حتي خرج من البلد و شق عليه الرجوع الي المقام يأتي بها حيث علم ففي صحيح جميل عن احدهما عليهما السّلام: «ان الجاهل في ترك الركعتين عند مقام ابراهيم بمنزلة الناسي» «1» مضافا الي اطلاق بعض النصوص مما فيه «طاف طواف الفريضة و لم يصل الركعتين» «2» و اما خبر العياشي الّذي اشار إليه في الجواهر فلا يدل علي تمام المطلوب «3».

[الثالث:] جواز ايقاع صلاة الطواف في اي موضع من المسجد

الثالث: يجوز ايقاع صلاة الطواف المستحب في اي موضع من المسجد في حال الاختيار.

ففيما رواه زرارة عن احدهما عليه السّلام قال: «لا ينبغي ان تصلي طواف الفريضة الا عند مقام ابراهيم عليه السّلام و اما التطوع فحيث شئت من المسجد» «4».

و في خبر اسحاق بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «كان أبي يقول: من طاف بهذا البيت اسبوعا و صلي ركعتين في اي جوانب المسجد شاء كتب اللّه له ستة آلاف حسنة …» «5».

______________________________

(1)- وسائل الشيعة ب 74 ابواب الطواف ح 3.

(2)- وسائل الشيعة ب 74 ابواب الطواف ح 5 و 6 و 7.

(3)- وسائل الشيعة ب 74 ابواب الطواف ح 20.

(4)- وسائل الشيعة ب 73 ابواب الطواف ح 1.

(5)- وسائل الشيعة ب 73 ابواب الطواف ح 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 80

هذا و في صحيح علي بن جعفر عن اخيه عليه السّلام قال: «سألته عن الرجل يطوف بعد الفجر فيصلي الركعتين خارجا من المسجد؟ قال يصلي بمكة لا يخرج منها الا ان ينسي فيصلي اذا رجع في المسجد- اي ساعة احب- ركعتي ذلك الطواف» «1». و صاحب الجواهر قال (اما النافلة فيجوز ايقاعهما فيها في المسجد حيث شاء كما نص

عليه غير واحد بل لم اجد فيه خلافا صريحا نصا و فتوي للاصل و النصوص) و لكنه قال في صحيح علي ابن جعفر (ان الظاهر منه جواز صلاة الركعتين خارج المسجد بمكة علي الاطلاق و لم ار مفتيا به فالعمل به مشكل و لو صح سنده لقصوره عن معارضة غيره مما دل علي صلاتهما فيه) «2».

أقول: لا قصور له عن معارضة غيره بل في باب المستحبات لا يعد مثل ذلك من التعارض. و اللّه هو العالم.

[الرابع:] اذا ترك الصلاة الفريضة عمدا

الرابع: اذا ترك صلاة الطواف الفريضة عمدا قيل و القائل الشهيد في المسالك ان الاصحاب لم يتعرضوا لذكره و الّذي يقتضيه الاصل انه يجب عليه العود مع الامكان و مع التعذر يصليهما حيث امكن، و عن المدارك انه قال: لا ريب ان مقتضي الاصل وجوب العود مع الامكان، و انما الكلام في الاكتفاء بصلاته حيث امكن مع التعذر او بقائها في الذمة الي ان يحصل التمكن منها في محلها و كذا الاشكال في صحة الاعمال المتاخرة عنها من صدق الاتيان بها و من عدم وقوعها علي الوجه المأمور به «3».

أقول: لا اشكال في وجوب العود مع الامكان و لا ريب في عدم سقوطه ما دام

______________________________

(1)- وسائل الشيعة ب 73 ابواب الطواف ح 4.

(2)- جواهر الكلام: 19/ 320.

(3)- النقل من جواهر الكلام: 19/ 307.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 81

امكن الاتيان به عند المقام علي وجهه بلحوق الاعمال المتاخرة عنها بها و ذلك لعدم صدق الترك و لا ريب في ان مقتضي القاعدة بطلان المأمور به اذا لم يؤت به علي وجهه المقرر فالصلاة للطواف باطلة اذا لم تقع عند المقام و الحج المقرر فيه صلاة الطواف أيضا باطل اذا لم

تقع فيه تلك الصلاة أو وقعت باطلة و فاقدة لما يجب ان تكون عليه و علي هذا مقتضي القاعدة بطلان الحج الا ان يدل هنا دليل خاصّ علي خلاف ذلك و ان اعتبار وقوع صلاة الطواف عند المقام او مشروطة بتأخرها عن الطواف او بتأخر سائر الاعمال المتاخرة عنها او غير ذلك كلها ليست وضعية تكون صحتها مشروطة لوقوع بعضها مقدما علي الاخر و بعضها متأخرا عن البعض.

لا يقال: ان اشتراط صلاة الطواف و غيرها من الاعمال بما ذكر محتاج الي الدليل و الاصل عدم الاشتراط.

فانه يقال: هذا ظاهر من الادلّة و الاخبار البيانية الواردة في كيفية الحج الظاهرة في انه عمل واحد ترتبط اجزائه بعضها ببعض و ليست واجبات مستقلة توتي بكل منها بالاستقلال فلا ريب في انه يجب ان توتي بها علي الترتيب المذكور في الروايات كالصلاة فان مثل السجدة التي هي بنفسها عبادة يؤتي بها مستقلة الا ان السجدة الواجبة في الصلاة لا تقع صحيحة الا اذا اتي بها بعد الركوع و قبل ما يكون بعدها.

و علي ذلك كله فعلي القائل بقول المسالك اقامة الدليل علي الاجزاء.

و الّذي استدل به لهذا القول وجوه:

الاول: صحيح جميل عن احدهما عليهما السّلام: «ان الجاهل في ترك الركعتين عند مقام ابراهيم بمنزلة الناسي» «1».

وجه الاستدلال به شموله للجاهل المقصر الّذي هو كالعامد و فيه ان الصحيح

______________________________

(1)- وسائل الشيعة ب 74 ابواب الطواف ح 3.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 82

يدل علي ان الجاهل المقصر الّذي هو كالعامد في تركه جزء المأمور به او شرطه في ترك الركعتين عند المقام ليس كالعامد و هو بمنزلة الناسي و لا يدل علي ان العالم العامد بمنزلة الناسي. و هذا مثل

الجاهل المقصر بوجوب قصر الصلاة علي المسافر فانه قد حكم عليه انه ان اتم صلاته صحت صلاته و لكن لا يستفاد من ذلك انه لو كان عالما بالقصر و اتم صحت صلاته.

الثاني: ان الادلة مثل الآية الكريمة و اتخذوا من مقام ابراهيم مصلّي انما تدل علي وجوبهما بعد الطواف لا اشتراط صحته بهما و لذا كان له تركهما في الطواف المندوب، و فيه: ان جواز تركهما في الطواف المندوب ان دل علي ما ذكر لا يدل علي عدم اشتراط صحتهما به و عدم اشتراط الاعمال المتاخرة عنهما باتيانهما مضافا الي انه يقال: ان اشتراط الطواف بهما اعتبر في الطواف الواجب الّذي لا يؤتي به اذا كان قاصدا لترك صلاته بخلاف المندوب.

الثالث: خبر سعيد الاعرج قال: «سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن امرأة طافت بالبيت أربعة اشواط و هي معتمرة ثم طمثت؟ قال: تتم طوافها فليس عليها غيره و متعتها تامة فلها ان تطوف بين الصفا و المروة، و ذلك لانها زادت علي النصف و قد مضت متعتها و لتستأنف بعد الحج» «1».

وجه الاستدلال به ان المرأة ان زادت علي النصف في طوافها ثم طمثت تاتي بالسعي بين الصفا و المروة و هذا يدل علي ان السعي مرتب علي الطواف بنفسه لا علي صلاته.

و فيه: مضافا الي ضعف سنده انه خاص بالحائض و لها احكام خاصة فلا يجب عليها ان تصبر حتي تطهر و لعلها لا تطهر قبل ارتحالها و كيف كان فهذا الخبر لا يقوم

______________________________

(1)- وسائل الشيعة ب 86 ابواب الطواف ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 83

قبال ما ذكر.

فتحصل من ذلك انه لا يمكننا ان نوجه صحة حج تارك صلاة الطواف فيجب عليه

اعادة الحج ان كان عليه الحج الواجب و اللّه هو العالم.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 85

الكلام في السعي

اشارة

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 87

الكلام في السعي قال في الشرائع: و مقدماته عشرة «1» و قال في الجواهر و في الدروس: أربعة عشر و المستفاد من النصوص ازيد من ذلك نعم في كون بعضها مقدمة له نظر و انما ورد الامر به بعد الفراغ من الطواف و يمكن ان يكون مستحبا برأسه و الامر سهل فان كلها مندوبة و منها الطهارة من الحدث «2» و الظاهر انه لا خلاف بينهم في رجحانه كما ان الظاهر انه لم ينقل عن واحد منهم الا العماني ابن أبي عقيل فكانه قال باشتراطه بالطهارة لمعتبر ابن فضال عن الكاظم عليه السّلام «لا يطوف و لا يسعي الا علي وضوء» «3».

و صحيح الحلبي: «سأل الصادق عن المرأة تطوف بين الصفا و المروة و هي حائض؟ قال: لا لان اللّه تعالي يقول: إِنَّ الصَّفٰا وَ الْمَرْوَةَ مِنْ شَعٰائِرِ اللّٰهِ» «4».

و لكن النهي فيها محمول علي الكراهة بقرينة طائفة اخري من الروايات المعمول

______________________________

(1)- شرائع الاسلام: 1/ 203.

(2)- جواهر الكلام: 19/ 410.

(3)- وسائل الشيعة ب 15 ابواب السعي ح 7.

(4)- وسائل الشيعة ب 15 ابواب السعي ح 3.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 88

بها الصريحة في عدم البأس بالسعي بغير الوضوء و مع الحيض. لا يقال: الروايات مختص بالوضوء و بالحيض و مقتضي الجمع بينهما ما ذكر اما في الحدث الاكبر غير الحيض ليس في الروايات ما يدل علي عدم البأس به.

فانه يقال: يكفي في الحكم بعدم اعتبار الطهارة عن الجنابة عدم الدليل علي اعتباره هذا مضافا الي دعوي الاجماع عليه.

و كيف كان لا ريب في استحباب

كونه مع الطهارة.

هذا و قد عدّ بعض الأجلّة من الروايات الدالة علي اعتبار الطهارة صحيح علي بن جعفر و عدها و صحيح الحلبي عمدتها «1» و ترك هنا الاشارة الي معتبرة ابن فضال التي ذكرها قبل ذلك مع كونها ادل من صحيح علي بن جعفر و لفظه: سألته:

«يعني اخاه موسي بن جعفر عليه السّلام) عن الرجل يصلح ان يقضي شيئا من المناسك و هو علي غير وضوء؟ قال: لا يصلح الا علي وضوء» «2» و هذا الصحيح لا دلالة له علي اعتبار الطهارة بل ظاهر السؤال و الجواب السؤال عن مجرد الصلاحية و عدم الحزازة و النقصان لا عدم الحرمة و الدليل عليه انه يشمل اعتبار الطهارة في جميع المناسك حتي حال الحلق و الوقوفين.

هذا كله في الحدث و امّا الطهارة عن الخبث في الاخبار ما يدل علي استحبابه و قيل بتصريح بعض الاصحاب به قال في الجواهر: لم يحضرني الآن ما يشهد له سوي مناسبة التعظيم و كون الحكم ندبيا يكتفي في مثله بنحو ذلك انتهي «3».

أقول: ثم ذكر في الشرائع و تبعه في الجواهر كغيرهما طائفة من المستحبات يغنينا

______________________________

(1)- المعتمد: 5/ 61 و 62.

(2)- وسائل الشيعة ب 15 ابواب السعي ح 8.

(3)- جواهر الكلام: 19/ 411.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 89

ما ذكروه عن اجراء الكلام فيها.

مسألة 13- لا ريب في اعتبار النية في السعي كغيره من العبادات فيجب ان يقصد به القربة و يجب فيها تعيينه من كونه للحج او للعمرة و في السعي للعمرة تعيين كونه للعمرة المفردة او لحج التمتع و ذلك لاتحاد صورته للجميع كصلاة الظهر و العصر فيجب التعيين و لا يعين الا بالنية و مما ذكر يعلم انه

يجب ان يكون عارفا به في الجملة مثلا بانه الذهاب من الصفا الي المروة و العود و ان كان لا يجب عليه استحضار الصورة في الذهن عند النية تفصيلا.

وجوب ابتداء السعي من الصفا

مسألة 14- يجب فيه الابتداء من الصفاء و الختم بالمروة للنصوص الكثيرة «1» قال في الجواهر بل الاجماع بقسميه عليه «2» فلو عكس و بدأ بالمروة اعاد عامدا كان او ناسيا ففي صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «من بدأ بالمروة قبل الصفا فليطرح ما سعي و يبدأ بالصفا قبل المروة» «3».

و ظاهره الابتداء من الاول فلا يجتزي بالاحتساب من المروة.

و في خبر علي بن أبي حمزة البطائني: عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «يعيد الا تري انه لو بدأ بشماله قبل يمينه في الوضوء اراد ان يعيد الوضوء» «4» و في لفظ الحديث في

______________________________

(1)- وسائل الشيعة ب 6 و ابواب اقسام الحج ب 2 ح 3 و 13 و 14.

(2)- جواهر الكلام: 19/ 418.

(3)- وسائل الشيعة ابواب السعي ب 10 ح 1.

(4)- وسائل الشيعة ابواب السعي ب 10 ح 4.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 90

ذيله اضطراب الا ان يكون من كلام الراوي.

و لكن في اعادة الوضوء اشكال فكلام الراوي مضطرب مضافا الي ضعف سنده بابن أبي حمزة.

و في خبر علي الصائغ قال: «سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام و انا حاضر عن رجل بدأ بالمروة قبل الصفا قال: يعيد الا تري انه لو بدأ بشماله قبل يمينه كان عليه ان يبدأ بيمينه ثم يعيد علي شماله» «1» و هذا الخبر أيضا ضعيف باسماعيل بن مرار و علي الصائغ فانهما لم يوثقا الا ان بعض الاجلة حكم بوثاقة سنده لان اسماعيل

من رجال تفسير القمي و علي الصائغ هو علي بن ميمون و كانه اراد انه موثق و لكن لم نعثر علي تصريح بتوثيقه و ان كان الخبير يطمئن بروايته.

قال في الجواهر: و مقتضي التشبيه المزبور الاجتزاء بالاحتساب من الصفا اذا كان قد بدء بالمروة ثم بالصفا و لا يحتاج الي اعادة السعي بالصفا جديدا كما صرح به بعض الناس و ان كان هو احوط بل ربما امكن دعوي ظهور النصوص السابقة فيه «2».

وجوب الصعود علي الصفا

مسألة 15- لا يجب الصعود علي الصفا نعم يستحب ذلك للتأسي و النصوص الي حيث يري الكعبة من بابه، و في الجواهر قال في القول بوجوبه الظاهر انه من غيرنا فإنه عن الخلاف و القاضي الاجماع علي عدم

______________________________

(1)- وسائل الشيعة ابواب السعي ب 10 ح 5.

(2)- جواهر الكلام: 19/ 419.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 91

الوجوب الخ «1».

قال في الخلاف: يكفي في السعي ان يطوف ما بين الصفا و المروة و ان لم يصعد عليها و به قال جميع الفقهاء، و قال ابن الوكيل من اصحاب الشافعي لا بد ان يصعد عليها و لو شيئا يسيرا دليلنا قوله تعالي: فَلٰا جُنٰاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمٰا و اجمع المفسرون علي انه اراد ان يطوف بينهما و من انتهي إليهما فقد طاف بينهما، و الاخبار كلها دالة علي ما قلناه و عليه اجماع الفرقة «2».

و قال في التذكرة: يجب السعي بين الصفا و المروة في المسافة التي بينهما فلا يجوز الاخلال بشي ء منها بل يلصق عقبه بالصفا في الابتداء و اصابع رجليه به في العود و بالعكس في المروة و لا تحل له النساء حتي يكمله، و لا يجب الصعود علي الصفا و لا المروة

خلافا لبعض الشافعية و قد تقدم لقوله تعالي (فَلٰا جُنٰاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمٰا) قال المفسرون: اراد بينهما و هو يصدق و ان لم يصعد عليهما «3» و مراده من قوله (و قد تقدم) ما قاله في المقدّمة الخامسة من مقدمات السعي المندوبة قال فيها:

الخامس: الصعود علي الصفا اجماعا الّا من شذ ذهب الي وجوبه فانه لا يصح السعي حتي يصعد الي الصفا و المروة بقدر ما يستوفي السعي بينهما لانه لا يمكن الاستيفاء ما بينهما الا بذلك فيجب كوجوب غسل جزء من الرأس و صيام جزء من الليل و هو خطأ لانه يمكنه الاستيفاء، بان يجعل عقبه ملاصقا للصفا و اصابع رجليه ملاصقة للمروة و بالعكس في الرجوع، و استحبابه لقول الصادق عليه السّلام في الصحيح:

«فاصعد الصفا حتي تنظر الي البيت و تستقبل الركن الّذي فيه الحجر الاسود فاحمد

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 19/ 413.

(2)- الخلاف: 2/ 329.

(3)- التذكرة: 8/ 134.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 92

اللّه عزّ و جلّ واثن عليه الحديث «1»».

أقول: فقد ظهر لك من ذلك كله ان استحباب الصعود علي الصفا كانه للنظر الي البيت و من قال بوجوب الصعود علي الصفا و المروة فانه قال به من باب وجوب المقدمة العلمية و لذا اجاب عنه العلامة بان استيفاء ما بينهما يمكن بالكيفية المذكورة بل يكفي بان يجعل ظهره علي الصفا في الذهاب الي المروة و بطنه عليه عند الرجوع من المروة و كذا يجعل بطنه علي المروة عند ذهابه إليه من الصفا و ظهره عليه عند ذهابه منه الي الصفا، و لكن يمكن ان يقال بعدم لزوم هذه الدقة بل يكفي الصدق العرفي بالابتداء من الصفا و الختم بالمروة ثم من المروة

و الختم بالصفا حتي يتم الاشواط بالمروة و يدل علي ذلك جواز السعي راكبا علي المحمل اللهم الا ان يقال انه مختص بحال الركوب حيث لا يمكن له مراعات الكيفية المذكورة- فالاحوط مراعات المقدمة العلمية- و اللّه هو العالم باحكامه.

مسألة 16- قال في المستند في واجبات السعي الرابع السعي بينهما سبعا بعد ذهابه الي المروة شوطا و عوده منها الي الصفا آخر و هكذا الي ان يكملها سبعا بالاجماع المحقق و المحكي في كلام جماعة و لانه الموافق لما صرح به الاخبار من البدأة بالصفا و الختم بالمروة اذ لا يتصور الاتيان بالسبع الا بما ذكر او بجعل كل ذهاب و عود شوطا واحدا و الثاني مستلزم للختم بالصفا أيضا فتعين الاول «2».

أقول: في صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «ثم طف بينهما سبعة اشواط تبدأ بالصفا و تختم بالمروة «3»».

______________________________

(1)- التذكرة: 8/ 130.

(2)- مستند الشيعة: 12/ 169.

(3)- وسائل الشيعة ابواب السعي ب 6 ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 93

و يدل عليه غيره من الروايات منها صحيحة هشام التي استدل بها في المستند «1» و منها غيرها.

و في التذكرة بعد ان ذكر اجماع علمائنا علي سبعة اشواط قال: و هو قول عامة العلماء لما رواه العامة عن الصادق عن الباقر عليهما السّلام عن جابر في صفة حج رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله ثم ذكر من الحديث ما يدل علي ذلك «2».

أقول: روي هذا الحديث مسلم في صحيحه و ابن ماجة في سننه و ابو داود أيضا في سننه و الدارمي، و هو من الاحاديث الجامعة عند القوم حتي حكي عن بعضهم انه يستفاد منه أربعمائة مسألة من مسائل

الحج و عن أبي حنيفة انه قال: المسلمون او الامة عائلة جعفر بن محمد صلّي اللّه عليه و آله في احكام الحج بهذا الحديث.

أقول: فيا للعجب من البخاري انه لم يخرج في صحيحه حديثا عن مثل هذا الامام العظيم و نعم ما قيل:

قضية اشبه بالمرزئة هذا البخاري امام الفئة

بالصادق الصديق ما احتج في صحيحه و احتج بالمرجئة

و مثل عمران بن حطان او مروان و ابن المرأة المخطئة

مشكلة ذات عوار الي حيرة ارباب النهي ملجئة

و حق بيت يممته الوري مغذة في السير او مبطئة

ان الامام الصادق المجتبي بفضله الآي اتت منبئة

اجلّ من في عصره رتبة لم يقترف في عمره سيئه

______________________________

(1)- وسائل الشيعة ابواب السعي ب 11 ح 1.

(2)- التذكرة: 8/ 133.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 94

قلامة من ظفر ابهامه تعدل من مثل البخاري مائة «1»

وجوب السعي علي النحو المتعارف

مسألة 17- يجب الذهاب الي المروة و من المروة الي الصفا علي النحو المتعارف فان خرج من بعض الابواب و دخل المسجد و دخل من الباب الآخر بحيث وقع بعض سعيه خارجا عما بين الصفا و المروة لا يجزي و ذلك هو المستفاد من ظاهر قوله تعالي ان يطوف بهما اي بينهما و الخارج عنهما ليس ما بينهما و لكن لا يعتبر ان يكون سعيه في السعي في مسير مستقيم كما لا يخفي و أيضا يعتبر ان يكون في الذهاب الي المروة مستقبلا لها و من المروة الي الصفا مستقبلا له فلا يجزي علي نحو القهقري.

لا يقال: ان السعي بينهما يشمل الصورتين فلا وجه لرفع اليد عن اطلاق الدليل.

فانه يقال: الظاهر من الدليل هو الصورة المتعارفة التي كان الناس بها يسعون بينهما.

جواز السعي راكبا

مسألة 18- يجوز السعي راكبا، و ان كان المشي افضل و قد عقد في الوسائل بابا لذلك عنوانه باب جواز الركوب في السعي و لو في محمل لعذر و غيره للمرأة و الرجل و استحباب اختيار المشي فيه و ان من حمل انسانا و سعي به أجزأ عنهما «2».

ففي صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سألته عن السعي بين الصفا المروة

______________________________

(1)- العتب الجميل: ص 60.

(2)- وسائل الشيعة ابواب السعي ب 16.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 95

علي الدابة؟ قال: نعم و علي المحمل «1»». و في صحيح معاوية بن عمار عن ابي عبد الله عليه السّلام. قال: «سألته عن الرجل يسعي بين الصفا و المروة راكبا؟ قال: لا بأس و المشي افضل «2»».

و في الروايات ما يدل علي عدم رجحان المشي لو كان سببا للضعف و كان الركوب اقوي له علي

الدعاء.

[عدم وجوب الهرولة ما بين المنارة الاولي و الاخري]

مسألة 19- لا يجب الهرولة ما بين المنارة الاولي و الاخري الموضوعة عند زقاق العطارين قال في المستند: علي الاظهر الاشهر بل وفاقا لغير من شذ و ندر بل عليه الاجماع في كلام جماعة لصحيحة الاعرج عن رجل ترك شيئا من الرمل في سعيه بين الصفا و المروة؟

قال: «لا شي ء عليه» و الرمل- محركة- بين العدو و المشي و هو بمعني الهرولة و هي بإطلاقها تشمل الترك عمدا و سهوا مع التذكر بعد السعي و في اثنائه فلا يكون واجبا.

و لا يتوهم ان المسئول عنه فيها ترك بعض الرمل و هو لا ينافي وجوب مطلقه لانا نجيب عنه ان ظاهر الاوامر في الاخبار المتقدمة (مثل صحيحة ابن عمار و موثقته، متعلقة بالرمل بين المنارتين- اي تمام موضعه- فاذا ثبت عدم وجوب الكل تصرف تلك الاوامر عن حقيقته فلا يبقي دليل علي وجوب البعض أيضا فيعمل فيه بالاصل «3» انتهي.

اذا فالقول الاصح و المشهور بل المجمع عليه الاستحباب الا ما حكي عن الحلبي

______________________________

(1)- وسائل الشيعة ابواب السعي ب 16 ح 1.

(2)- وسائل الشيعة، ابواب السعي، ب 16، ح 2.

(3)- المستند: 12/ 172.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 96

و ان قال في المستند ان كلامه كما قيل قاصر عن افادة الوجوب «1».

و لا يخفي ان استحبابه مختص بالرجال فلا يستحب للنساء اجماعا و لصحيح أبي بصير: «ليس علي النساء جهر بالتلبية و لا استلام الحجر و لا دخول البيت و لا سعي بين الصفا و المروة يعني الهرولة «2»».

اعتبار الموالاة في السعي»

مسألة 20- مقتضي الاصل عدم اعتبار الموالاة في السعي و قد يقال بدلالة بعض الاطلاقات عليه مثل صحيح معاوية بن عمار و في المستند قال: لا تجب الموالاة في

السعي بالاجماع كما عن التذكرة للاصل و الاطلاقات «3» انتهي.

و يمكن ان يقال: بان ظاهر اعتبار الاشواط السبعة عملا واحدا اعتبار الاتيان بها معا و مرتبطا بعضها ببعض فلو اتي ببعض شوط واحد ثم تركه حتي مضت عليها ساعات ثم جاء و اتم شوطه و هكذا حتي يأتي بالاشواط السبعة الظاهر انه خلاف اعتبار العمل عملا واحدا و لا يصدق عليه كونه واحدا نعم الفصل القليل كالجلوس للاستراحة او للاكل او الشرب بينها او للذهاب الي قضاء حاجة اخيه و نحو ذلك من الافعال الظاهرة منها انه يرجع بعد قضاء حاجته لا يضر بالموالاة و يدل عليه الروايات مثل صحيح الحلبي: قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يطوف بين الصفا و المروة أ يستريح؟ قال: نعم ان شاء جلس علي الصفا و المروة

______________________________

(1)- المستند: 12/ 173.

(2)- وسائل الشيعة ابواب الطواف ب 18 ح 1.

(3)- مستند الشيعة: 12/ 185.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 97

و بينهما فيجلس «1»» و لا يخلو مثله عن الدلالة علي وجوب الموالاة في الجملة.

و في صحيح معاوية بن عمار قال: «قلت لابي عبد اللّه عليه السّلام الرجل يدخل في السعي بين الصفا و المروة فيدخل وقت الصلاة يخفف او يصلي ثم يعود او يلبث كما هو علي حاله حتي يفرغ؟ قال، لا بل يصلي ثم يعود او ليس عليهما مسجد له لا بل يصلي ثم يعود قلت: و يجلس علي الصفا و المروة؟ قال: نعم «2»».

و صحيح يحيي الازرق قال: «سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الرجل يسعي بين الصفا و المروة فيسعي ثلاثة اشواط او أربعة فيلقاه الصديق فيدعوه الي الحاجة او الي الطعام قال: ان اجابه فلا

بأس و لكن يقضي حق اللّه عز و جل احب إليّ من ان يقضي حق صاحبه «3»».

و عن ابن فضال قال: «قال: سأل محمد بن علي أبا الحسن عليه السّلام فقال له: سعيت شوطا ثم طلع الفجر؟ فقال: صلّ ثم عد فاتم سعيك «4»».

و هذه الروايات لا تدل بالإطلاق علي عدم اعتبار الموالاة بل غاية الامر جواز قطعه في هذه الموارد و ما يشابهها من الفصل الّذي لا يضر بالموالاة المعتبرة فيه.

ثم ان مقتضي ظاهر صحيح عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

«لا يجلس بين الصفا و المروة الا من جهد «5»» عدم جواز الجلوس بينهما من غير عذر و لكن ظاهر صحيح الحلبي جوازه مطلقا فيمكن حمل هذا الصحيح علي الكراهة.

______________________________

(1)- التهذيب ج 5 ص 156 و رواه الكافي.

(2)- من لا يحضره الفقيه ج 2 ك الحج ب 143 ح 2855.

(3)- من لا يحضره الفقيه ج 2 ك الحج ب 143 ح 2856.

(4)- من لا يحضره الفقيه: 2/ 418 ح 2857.

(5)- وسائل الشيعة ابواب السعي باب 20 ح 4.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 98

و كيف كان هذه الروايات لا تدل علي عدم اعتبار الموالاة بالمعني الّذي ذكرناه بل كما قلنا تدل علي جوازه في مواردها الخاصة.

و من هذه الروايات موثق اسحاق بن عمار قال: «قلت لابي عبد اللّه عليه السّلام رجل طاف بالبيت ثم خرج الي الصفا فطاف بين الصفا و المروة فبينما هو يطوف اذ ذكر انه قد ترك بعض طواف البيت قال: يرجع الي البيت فيتم طوافه ثم يرجع الي الصفا فيتم ما بقي «1»».

و صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام و

صحيح محمد بن مسلم عن احدهما في من نسي صلاة الطواف حتي طاف بين الصفا و المروة كما في الاول و حتي يسعي بين الصفا و المروة خمسة اشواط او أقل من ذلك فيما انه يتم سعيه بعد العود و صلاة الركعتين «2» و نحوهما مرسل حماد بن عيسي 3

و هذه الروايات كل واحد منها محمول علي خصوص مورده، امّا بالنظر الي الجميع فيمكن ان يقال: انه يستفاد من المجموع عدم اعتبار الموالات الا ان يكون الفصل بين الاشواط طويل جدّا. فتلخص من ذلك كله: عدم اعتبار الموالاة العرفية بين السعي و ان ما جاء من الروايات في خصوص موارد خاصة ليس مختصا به بل ذكرها في الروايات لوقوع السؤال عن هذه الموارد نعم اللازم ان لا يكون ترك الموالاة بصورة تعد عند العرف ترك السعي و الاعراض عنه فتدبر و اللّه هو العالم.

احكام السعي

مسألة 21- لا خلاف بيننا في ان السعي ركن من اركان الحج يبطل الحج

______________________________

(1)- وسائل الشيعة ابواب الطواف، باب 32 ح 2.

(2) 2- 3 وسائل الشيعة ابواب الطواف، باب 77 ح 1 و 3 و 4.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 99

و العمرة بتركه عمدا حتي انقضي وقت اتيانه و ذلك لعدم الاتيان بالمامور به علي وجهه و لصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في رجل ترك السعي متعمدا قال: عليه الحج من قابل» «1».

و في الآخر عنه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «من ترك السعي متعمدا فعليه الحج من قابل» «2».

و الظاهر انهما واحد و ان جعل كل منها في الوسائل تحت رقم خاص بل لا يبعد كونهما و الصحيح الاخر لمعاوية بن عمار الّذي جعله

أيضا في الوسائل الرواية الثالثة واحدا و ان كان لفظه هكذا: قال: «قلت له: رجل نسي السعي بين الصفا و المروة؟

قال: يعيد السعي. قلت فانه خرج؟ قال: يرجع فيعيد السعي ان هذا ليس كرمي الجمار ان الرمي سنة و السعي بين الصفا و المروة فريضة، و قال: في رجل ترك السعي متعمدا قال: لا حج له «3»» كما ان الظاهر منه ان الذيل ليس من تتمة الصدر بل هو مستقل من غيره فقد ظهر لك ان في الباب السابع من ابواب الوسائل في السعي و ان عدّ رواياتها الي الثلاثة لا يثبت بها اكثر من واحدة و كم له من نظير فيه و لا اعتراض عليه شكر اللّه مساعيه المحمودة.

و كيف كان فالرواية تدلّ علي بطلان الحج بترك السعي العمدي و الظاهر من الاصحاب عدم الفرق في الحكم بين الحج و العمرة.

ثم ان الرواية نص في العالم العامد و الظاهر انه يلحق به الجاهل الملتفت المقصر لتركه السعي متعمدا امّا غير الملتفت فالظاهر انه لا تشمله الصحيحة، و لكن بطلان

______________________________

(1)- وسائل الشيعة ابواب السعي ب 7 ح 1.

(2)- وسائل الشيعة ابواب السعي ب 7 ح 2 و 3.

(3)- وسائل الشيعة ابواب السعي ب 7 ح 2 و 3

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 100

حجه يكون علي طبق القاعدة لانه لم يأت بالمامور به علي وجهه و اما الجاهل بالجهل المركب لو ادي اجتهاده الي عدم الوجوب و ان كان في مثل هذه المسألة فرضه نادر جدا فظاهر البعض أيضا فساد حجه لعدم القول باجزاء الحكم الظاهري عن الواقعي فان مثل حديث الرفع شأنه رفع الاحكام لا اثبات الحكم فالاكتفاء بالناقص يحتاج الي الدليل هذا علي القول

بعدم الاجزاء و امّا ان قلنا بان مقتضي الجمع بين مثل حديث الرفع و الروايات الدالة علي الاجزاء المامور به الاكتفاء بما بقي و اجزائه عما رفع بحديث الرفع فيمكن ان يقال بالاجزاء في هذه الصورة و ان كان فرضها في المسألة بعيدا جدا.

لو ترك السعي ناسيا

مسألة 22- اذا ترك السعي ناسيا فان لم يفت وقته يأتي به و ان ذكر ذلك بعد انقضاء وقته كان ذكر نسيان السعي الحج بعد ذي الحجة فمقتضي الاصل عدم شي ء عليه الا انه قد دل الدليل علي وجوب الاتيان به. ففي صحيح معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «قلت له رجل نسي السعي بين الصفا و المروة؟ قال: يعيد السعي قلت: فانه خرج (فاته ذلك حتي خرج)؟ قال:

يرجع فيعيد السعي الحديث» «1» و الظاهر منه عدم شموله صورة العسر و الحرج و عدم الامكان العرفي.

و في صحيح ابن مسلم عن احدهما عليهما السّلام قال: «سألته عن رجل نسي ان يطوف بين الصفا و المروة؟ قال: يطاف عنه 2 و مثله خبر الشحام عن أبي عبد اللّه عليه السّلام و فيه يطاف عنه 3» و الظاهر منهما ان السؤال كان في مورد يصعب عليه الرجوع و يقع في العسر كما يشهد عليه قول السائل في خبر زيد الشحام (حتي يرجع الي اهله)

______________________________

(1) 1 و 2 و 3- وسائل الشيعة ابواب السعي ب 8 ح 1 و 2 و 3.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 101

فعلي ذلك تنطبق الروايات علي ما عليه المشهور بل لا خلاف فيه كما في الجواهر قال في الشرائع: و لو كان ناسيا وجب عليه الاتيان به فان خرج عاد ليأتي به فان تعذر عليه

استناب فيه «1» و من ذلك يظهر عدم صحة القول بالتخيير اتيانه بنفسه او الاستنابة كما لا يخفي.

و الظاهر انه لا يستقيم الاستناد لفتوي المشهور بان نقول ان ما يدل علي وجوب الطواف عنه مطلق يشمل صورة القدرة و عدمه الا انه يقيد بصحيح معاوية بن عمار المقيد بالقدرة و عدم الحرج كما هو شأن جميع التكاليف فان ذلك فرع وجود الاطلاق في صحيح محمد بن مسلم و قد عرفت ان مورده صورة التعذر كما هو ظاهر من خبر زيد و من نفس السؤال و الجواب.

و قد تخيل العكس كما اشار إليه بعض الاجلة «2» بان يقال ان صحيح ابن عمار مطلق يشمل الاتيان به بنفسه مباشرة و بالاستنابة فيقيد بصحيح ابن مسلم فتكون النتيجة تقدم الاستنابة علي المباشرة بل عدم وجوب المباشرة لو تمكن من الاستنابة و ان تمكن من المباشرة و هذا غريب واضح البطلان.

ثم انه لا ريب في انه لا يحل من اخل بالسعي ما يتوقف حليته عليه من المحرمات كالنساء انه يجب الكفارة عليه اذا كان تركه عمدا و أمّا اذا تركه نسيانا و وقع منه ما يوجب الكفارة قبل ان يذكر ذلك فلا كفارة عليه و ان ذكر ثم واقع قال في الجواهر:

الظاهر لزوم الكفارة لفحوي ما ستعرفه من الحكم بوجوبها علي من ظن اتمام حجه فواقع ثم تبين النقص «3».

______________________________

(1)- شرائع الاسلام: 1/ 204.

(2)- المعتمد: 5/ 78.

(3)- جواهر الكلام: 19/ 430.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 102

حكم الزيادة علي السبع في السعي

مسألة 23- قال في الجواهر: «لا تجوز الزيادة علي سبع) بلا خلاف اجده فيه لانه تشريع كزيادة الركعة في الصلاة (و) حينئذ فلو زاد عالما (عامدا بطل) لانه لم يأت بالمامور به علي

وجهه علي نحو ما سمعته في الطواف إذا زدت عليها فعليك الاعادة و كذلك السعي)» «1».

أقول: هذا الخبر رواه الشيخ في التهذيب «2» و الاستبصار «3» باسناده عن موسي بن القاسم عن صفوان بن يحيي عن عبد اللّه بن محمد و حكي الاشكال في سنده عن صاحب المدارك «4» لاشتراك عبد اللّه بن محمد بين الثقة و غيره كما حكي موافقة الحدائق «5» معه في ذلك و ان اجاب عنه بجبر ضعفه بعمل الاصحاب مضافا الي انه يري صحة جميع الروايات المذكورة في الكتب الاربعة و اجاب عن اصل الاشكال بعض الاجلة من المعاصرين «6» بان عبد اللّه بن محمد بحسب المرتبة و الطبقة هو عبد اللّه بن محمد الحجال و هو ثقة ثقة.

أقول: هو من الطبقة السادسة و اطلاقه يشمل العمد و العلم و النسيان و لكن يقيد بما يأتي و استدل علي ذلك بصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «ان طاف الرجل بين الصفا و المروة تسعة أشواط فليسع علي واحد و ليطرح ثمانية و ان

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 19/ 431.

(2)- تهذيب الاحكام: 5/ 151 ح 498/ 23.

(3)- الاستبصار: 2/ 217/ 747.

(4)- مدارك الاحكام: 8/ 213.

(5)- الحدائق الناضرة: 16/ 279.

(6)- المعتمد: 5/ 84.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 103

طاف بين الصفا و المروة ثمانية اشواط فليطرحها و ليستأنف السعي «1»».

قال بعض الاعلام انه صريح في انه اذا طاف ثمانية يلغي الجميع، و اذا طاف تسعة يلغي الجميع، و اذا طاف تسعة تلغي الثمانية و يحسب التاسع اوّل الاشواط «2» و في الجواهر قال: بناء علي ما قيل من كونه في العمد و ان البناء علي الواحد في الاول باعتبار البطلان

بالثمانية فيبقي الواحد ابتداء سعي أمّا اذا كان ثمانية فليس الا البطلان باعتبار كون الثامن ابتداؤه من المروة فلا يصلح البناء عليه و ان كان هو لا يخلو من اشكال او منع «3».

أقول: قال في آخر بحثه في المسألة: بقي الكلام في صحيح معاوية السابق المذكور في صدر المسألة الّذي لم نجد عاملا به علي ظاهره و لذا اختلف في تنزيله فقيل انه في العمد، و فقهه حينئذ ما عرفت و هو المحكي عن ظاهر التهذيب و قيل انه في النسيان، و انه محمول علي من استيقن الزيادة و هو علي المروة لا الصفا فيبطل سعيه علي الاول لابتدائه من المروة دون الثاني لابتدائه التاسع من الصفا و هو المحكي عن الصدوق في الفقيه و الشيخ في الاستبصار الا انها كما تري «4»

ثم صار في مقام الايراد علي القول الاول و الثاني اما الاول فلاطلاق النص و الفتوي علي بطلان الزيادة العمدية فلا يصح الشوط التاسع كالثامن مضافا الي اعتبار النية في ابتداء العمل و العامد نوي في اوّل الاسبوع الثاني كونه جزء لا عبادة مستقلة و الا لم تكن زيادة و اما الثاني ففيه انه ينافي ما عليه النص و الفتوي من صحة السعي اذا زاد عليه شوطا سهوا. و انه مخير بين طرح الثامن و البناء علي السبعة

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 12 من ابواب السعي ح 1.

(2)- المعتمد: 5/ 83.

(3) جواهر الكلام: 1/ 431.

(4)- جواهر الكلام: 19/ 436.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 104

و بين الاكمال اسبوعين قال: فالصحيح المزبور غير واضح الوجه فالمتجه الاعراض عنه و التعويل علي غيره المعتضد بعمل الاصحاب في صورتي العمد و السهو «1».

و يمكن ان يقال، ان اطلاق

النص يقيد بالنص نعم حمل الصحيح علي النسيان معارض لما دل علي صحة السعي اذا زاد عليه سهوا شوطا. فعلي هذا يمكن ان يقال:

بتقييد ما دل علي مبطلية الزيادة العمدية مطلقا بهذا الصحيح و اشكال النية لا عبرة به بعد دلالة النص علي صحة العمل بالوجه المذكور اللهم الا ان يقال بترك الاصحاب حمله علي صورة العمد و بان الشوط التاسع اتي به علي نحو التشريع المحرم فكيف يتقرّب به و اللّه هو العالم.

ثم ان مثل صحيح عبد اللّه بن محمد بالإطلاق ظاهر في بطلان السعي بالزيادة اذا كان جاهلا بالحكم و لكنه يقيد بما دل علي اختصاص الحكم بالبطلان بالعالم و ذلك مثل صحيح هشام بن سالم قال: «سعيت بين الصفا و المروة انا و عبيد اللّه بن راشد فقلت له: تحفظ عليّ فجعل يعدّ ذاهبا و جائيا شوطا واحدا فبلغ بنا مثل ذلك فقلت له: كيف تعد؟ قال: ذاهبا و جائيا شوطا واحدا فاتممنا أربعة عشر شوطا فذكرنا ذلك لابي عبد اللّه عليه السّلام، فقال: قد زادوا علي ما عليهم ليس عليهم شي ء الحديث «2»».

و لا يخفي ما فيه من غرابة المتن فكيف لا يعلم مثل هشام حكم مثل السعي المبتلي به جميع الناس. و صحيح جميل بن دراج قال: «حججنا و نحن صرورة فسعينا بين الصفا و المروة أربعة عشر شوطا فسألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن ذلك؟ فقال: لا بأس سبعة لك و سبعة تطرح «3»».

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 19/ 436.

(2)- التهذيب ج 5/ 152 ح 501/ 26.

(3)- وسائل الشيعة ب 13 من ابواب السعي ح 5.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 105

حكم من تيقن عدد الاشواط و شك فيما بدأ به

مسألة 24- اذا تيقن عدد الاشواط و شك في

انه بدأ بالصفا أو المروة فان كان يعلم انه سعي الاثنين او الاربعة او الستة و هو علي الصفا او كان متوجها إليه فسعيه صحيح وقع بدأه من الصفا لانه لا يمكن كونه اثنين او الاربعة او الستة الا بالبدء من الصفا و ان كان علي المروة او هو متوجه إليه و علم بالازواج يجب عليه اعادة السعي لانه لا يكون كذلك الا بالبدأة من المروة و قد مر بطلانه بذلك عمدا كان او سهوا و اذا كان الامر بالعكس بان كان المعلوم الافراد من الواحد او الثلاثة او الخمسة او السبعة فان كان هو علي الصفا او متوجها إليه فسعيه باطل لابتدائه من المروة و ان كان هو علي المروة او متوجها إليه فسعيه صحيح لابتدائه من الصفا.

حكم الشك في عدد الاشواط

مسألة 25- اذا شك في عدد الاشواط و كان بين السبعة فما زاد لا يعتد به اذا كان علي صورة لا تنافي البدأة بالصفا كما لو شك بين السبعة و التسعة و هو علي المروة لعدم بطلان السعي بالزيادة السهوية فضلا عمّا اذا كان شاكا فيها و لاصالة عدم الزيادة الا ان يقال انه لا حاجة إليها بعد عدم كون الزيادة السهوية مبطلة و أمّا اذا كان الشك بين السبعة و الثمانية و هو علي المروة او علي الصفا فهو و ان كان صحيحا ان وقع علي السبعة في الصورة الاولي و علي الثمانية في الصورة الثانية الا انه يكون باطلا في الصورة الاولي علي الثمانية و في الصورة الثانية علي السبعة، و باصالة عدم الزيادة لا يثبت اليقين بوقوعه علي السبعة و قاعدة الفراغ لا تجري في المقام لكونه

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 106

من التمسك

بالعام في الشبهة المصداقية.

و اذا كان الشك في الاثناء اعاده كما اذا شك بين كونه شوطه الّذي اتي به و هو في الصفا الثاني او الرابع او السادس فيجب الاعادة لتردده بين محذوري الزيادة و النقيصة اللتين كل منها مبطل و البناء علي الاقل باصالة عدم الزيادة لا يفيد بعد دلالة الدليل علي اعتبار اليقين علي عدد الاشواط ففي صحيح سعد بن يسار: قلت لابي عبد اللّه عليه السّلام: «رجل متمتع سعي بين الصفا و المروة ستة اشواط ثم رجع الي منزله و هو يري انه قد فرغ منه و قلم اظافيره و احلّ ثم ذكر انه سعي ستة اشواط؟

فقال لي! يحفظ انه قد سعي ستة اشواط فان كان يحفظ انه قد سعي ستة اشواط فليعد و ليتم شوطا و ليرق دما فقلت دم ما ذا؟ قال: و ان لم يكن حفظ انه قد سعي ستة اشواط فليعد فليبتدئ السعي حتي يكمل سبعة اشواط ثم ليرق دم بقرة «1»».

حكم ما اذا تيقن النقيصة

مسألة 26- اذا تيقن النقيصة في السعي سواء كانت شوطا او اكثر فلا شك في انه يأتي بها قبل فوت الموالاة و اما بعد فوتها فان قلنا بعدم اعتبار الموالاة في السعي كما ادعي عليه الاجماع او عدم معرفة الخلاف فلا ريب أيضا علي وجوب الاتيان بها نعم علي القول باعتبارها يجب عليه الاعادة و ان كان الاحوط ان يتمه ثم يعيده او يأتي به بقصد ما في ذمته من الاتمام او الاعادة.

و الظاهر انه لا فرق في ذلك الحكم بين تجاوزه عن النصف و عدمه للاصل و استدل عليه بما دل علي جواز القطع للصلاة بعد شوط واحد و للحاجة بعد ثلاثة

______________________________

(1)- وسائل الشيعة ابواب

السعي ب 14 ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 107

اشواط و اتمامه بعد الصلاة و قضاء الحاجة و لا بدّ ان يكون ذلك بدعوي القطع بعدم الفرق بين الصلاة و قضاء حاجة اخيه و بين غيرهما فان من سؤال السائل لا يستفاد حصر العذر للقطع بالصلاة او بقضاء حاجة اخيه.

نعم لو كان بين الحكم من الامام عليه السّلام ابتداء يمكن ان يقال باختصاصه بمورده و لا يقال و ان لا يستفاد اختصاص الحكم من الروايتين بمورد السؤال فيهما الا انه لا يستفاد منهما التعميم لسكوتهما عن غير مورد السؤال و ذلك لفهم العرف الغاء الخصوصية بمفهوم المساواة و الموافقة.

هذا و قد حكي عن المفيد و سلار و ابي الصلاح و ابن زهرة التفصيل بين التجاوز عن النصف فيعود و قبل التجاوز عن النصف فيعيد لخبر احمد بن عمر الحلال «1» و خبر ابي بصير 2 في المرأة التي حاضت في الطواف بالبيت او بين الصفا و المروة و لكن كما قال في الجواهر في سندهما ضعف و لا جابر مع عدم عمومها لافراد المسألة و معلومية عدم قطع الحيض للسعي «3».

ثم ان هنا روايتان لعله يكون من الصعب فهم المراد منهما لما في قبالهما من الروايات و اتفاق الفتاوي.

احداهما: رواية محمد بن سنان عن عبد اللّه بن مسكان قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل طاف بين الصفا و المروة ستة اشواط، و هو يظن انها سبعة فذكر بعد ما احلّ و واقع النساء انه انما طاف ستة اشواط؟ قال: عليه بقرة يذبحها، و يطوف شوطا آخر «4»».

______________________________

(1) 1 و 2- وسائل الشيعة ابواب الطواف ب 85 ح 2 و 1.

(3)- جواهر الكلام:

19/ 440.

(4)- وسائل الشيعة ابواب السعي ب 14 ح 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 108

و هذه الرواية بغض النظر عن ضعف سنده يمكن حملها علي صورة الجهل بالموضوع بحمل الظن في قوله (و هو يظن) علي العلم و لا يبعد ذلك لمناسبة استعمال الظن علي العلم المخالف للواقع و عليه يكون في ارتكابه المحرم جاهلا بحرمته لا اثم عليه و مقتضي غيره من الروايات و نقل اتفاق الفقهاء هو انه لا شي ء عليه مع ان الرواية صريحة في ان عليه بقرة و الظاهر ان مورده سعي العمرة المتمتع بها الي الحج فلا يتعدي منه الي غيره حجا كان او عمرة و احتمال ان يكون طاف طواف النساء ثم واقع لظنه اتمام السعي بل احتمال ان يكون قدم طواف النساء لعذر بعيد فالقدر المتقين منه هو سعي العمرة المتمتع بها الي الحج و عليه يخصص بها ما دل من الروايات علي عدم تعلق الكفارة بالجاهل و يمكن دعوي جبر ضعف سنده بحكاية العمل بها عن الشيخين و ابني ادريس و سعيد و غيرهم كالعلامة في جملة من كتبه «1».

و أمّا اذا كان الظن الواقع فيها ما يقابل العلم فتعلق الكفارة به لعمده الا انّه يخالف ما دل علي ان كفارة الجماع البدنة فلا بد من ان يقال امّا بتخصيص ما دل علي كون كفارته بدنة بهذه الرواية و خصوص ما اذا ظن انها سبعة او باختصاص البدنة بما وقع قبل طواف النساء و احتمل البعض كون الكفارة البقرة للاحلال مثل ان يقلم ظفره بقصد الخروج من الاحلال لا لمواقعة النساء جهلا و يلزم علي ذلك ترتب الكفارتين ان واقع عمدا فالانصاف ان الجزم بما هو مضمون

الرواية مشكل جدا.

و ثانيتهما: صحيح سعيد بن يسار الّذي مرّ ذكره و هو في مورد السعي في عمرة التمتع و ليس فيه مواقعة النساء و الكفارة تكون لتقليم الاظفار و الكلام فيه يظهر مما ذكرناه في رواية ابن مسكان و اللّه هو العالم.

______________________________

(1)- راجع جواهر الكلام: 19/ 441.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 109

اعتبار إباحة اللباس و المركوب في السعي

مسألة 27- في اعتبار إباحة اللباس و إباحة المركوب لو سعي راكبا افاد بعض الاعلام بان اعتبارها مبني علي مسألة اصولية و هي ان حرمة المسبب هل تسري الي السبب و بعبارة اخري حرمة ذي المقدمة هل تسري الي المقدمة كما ان وجوب ذي المقدمة تقتضي وجوب المقدمة فان بنينا علي ذلك فبما ان المعلول و هو حركة اللباس و التصرف فيه محرم، و العلة انما هي السعي و حركة البدن فتكون محرمة بالسراية و بما ان السعي عبادي لا يمكن ان يكون محرما فيبطل (و قال) و لكن ذكرنا في المباحث الاصولية ان لا اساس للسراية بين العلة و المعلول فانهما موجودان مستقلان و ان كان احدهما علة و الاخر معلولا فلا موجب للسريان ثم افاد بان الوجود ان كان واحدا و العنوان متعددا كالهتك المسبب عن فعل من الافعال فكل ما يوجب الهتك يكون محرما و بعبارة واضحة في مورد الافعال التوليدية ليس في الخارج وجودان ينتزع منه العنوانان فالعبرة بوحدة الوجود الخارجي و أمّا اذا كان الموجود الخارجي امرين، و ان كان احدهما علة و الاخر معلولا فلا يوجب للسريان كما في المقام لان حركة البدن علة لحركة اللباس فلا يوجب السراية لان احدهما من عوارض البدن و الاخر من عوارض اللباس فاحدهما اجنبي عن الاخر من هذه الجهة

«1».

أقول: ان كان المراد من هذا البيان و عدم سراية الحرمة من المعلول الي العلة

______________________________

(1)- المعتمد: 5/ 101.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 110

عدم كون العلة حراما مستقلا فهذا كلام متين، و ان كان المراد عدم كونه حراما بالغير فهو ممنوع لاستلزام كون المعلول حراما حرمة العلة المترتب عليها المعلول عقلا فالنهي عن الشي ء الزجر عنه مستقلا و عن علته بالتبع فتسري إليه الحرمة من المعلول مضافا الي ان تحريك البدن عين التصرف في اللباس و بالجملة لا يصلح سبب الحرام للتقرب به الي المولي كما لا يصلح نفس الحرام له هذا بالنسبة الي اللباس سواء كان ساترا او غيره و اما بالنسبة الي المركوب فحركة المركوب علة لحركة البدن فلا تسري حرمته الي حركه البدن و بعبارة اخري لا تسري حرمة المقدّمة الي ذي القدمة قال: و عدم السراية هنا اوضح من باب اللباس و لذا لا يكون السفر علي دابة مغصوبة موجبة لكون السفر معصية فان المحرم هو الركوب علي الدابة لا السفر و البعد عن الوطن «1».

و أقول: قد يشكل في هذه الصورة أيضا اذا كان المركوب منحصرا بالمركوب الغصبي فلا يتمكن حينئذ من السعي لان المحذور الشرعي كالمحذور العقلي بل يمكن دعوي عدم جواز التقرب بمثل هذا السعي و اللّه هو العالم.

______________________________

(1)- المعتمد: 5/ 102.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 111

الكلام في التقصير

اشارة

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 113

الكلام في التقصير التقصير احد المناسك في العمرة و في الجواهر عندنا علي وجه يكون تركه نقصا فيها بل في المنتهي اجماع علمائنا عليه و ان حصل الاحلال له منها خلافا للشافعي في احد قوليه فجعله اطلاق محظور كالطيب و اللباس و لا ريب في فساده عندنا

بعد ما سمعت من الاجماع بقسميه عليه و النصوص انتهي «1».

و النصوص علي اصل الحكم متفقة و ان كان ظاهرها الاختلاف في مقدار ما يكتفي به ففي صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «اذا فرغت من سعيك، و انت متمتع فقصّر من شعرك من جوانبه، و خذ من شاربك و قلّم من اظفارك، و ابق منهما لحجك فاذا فعلت ذلك فقد احللت من كلّ شي ء يحلّ منه المحرم، و احرمت منه فطف بالبيت تطوعا ما شئت «2» و قريب منه موثقته و لعلهما واحدة «3»».

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 20/ 450.

(2)- وسائل الشيعة ابواب التقصير ب 1 ح 2.

(3)- وسائل الشيعة ابواب التقصير ب 1 ح 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 114

و ظاهرهما وجوب الجمع بين الامور المذكورة و لكن يمكن حملهما علي الاستحباب لاشتمال الموثقة التي احتملنا كونها و الصحيحة واحدة علي امور مستحبة فيضعف بذلك ظهور الاوامر المذكورة علي الوجوب و علي ذلك مقتضي الاصل عدم وجوب الزائد علي مسمّي التقصير مضافا الي دلالة غيرهما علي الاكتفاء بواحد من هذه الامور مثل صحيح عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سمعته يقول: طواف المتمتع ان يطوف بالكعبة و يسعي بين الصفا و المروة و يقصر من شعره فاذا فعل ذلك فقد احل «1»» و ان كان يمكن ان يقال انه ليس في مقام تفصيل ما يعتبر في الطواف و السعي و التقصير فلا يستفاد منه الاطلاق.

و في صحيح جميل بن دراج و حفص بن البختري و غيرهما عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في «محرم يقصر من بعض و لا يقصر من بعض؟ قال: يجزيه «2»».

بل

مقتضي صحيحي الحلبي كفاية قرض بعض الشعر بالاسنان 3.

و عن ابن أبي عمر عن بعض اصحابنا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «تقصر المرأة من شعرها لعمرتها مقدار الانملة «4»».

و خبر عمر بن يزيد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «ثم ائت منزلك فقصر من شعرك و حلّ لك كل شي ء «5»».

ثم انه قال في التذكرة: «فلو قصر الشعر باي شي ء كان اجزأه، و كذا لو نتفه او ازاله بالنورة «6» الخ».

______________________________

(1)- وسائل الشيعة ابواب التقصير ب 1 ح 2.

(2) 2 و 3- وسائل الشيعة ابواب السعي ب 3 ح 1 و 2.

(4)- وسائل الشيعة ابواب السعي ب 3 ح 3 و 4.

(5)- وسائل الشيعة ابواب التقصير ب 1 ح 3.

(6)- تذكرة الفقهاء: 8/ 150.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 115

و افاد في الجواهر ان مقتضي النصوص كاطلاق الاكثر الاجتزاء بتحقق مسماه بالازالة للشعر او الظفر بحديد او نتفه او قرض بالسن او نحو ذلك و لكن في كفاية النتف اشكال لعدم صدق التقصير عليه كالحلق فانه أيضا ليس من التقصير و الروايات قد دلت علي التقصير ففي صحيح معاوية ابن عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:

«و ليس في المتعة الا التقصير «1»». فلا يترك الاحتياط و اللّه هو العالم.

افضلية التقصير علي الحلق في العمرة

مسألة 28- قال الشيخ في الخلاف: افعال العمرة خمسة. الاحرام و التلبية و الطواف و السعي بين الصفا و المروة و التقصير، و ان حلق جاز و التقصير افضل و بعد الحج الحلق افضل (الي ان قال) دليلنا اجماع الفرقة و طريقة الاحتياط لا بد اذا فعل ما قلناه فقد اتي بكمال العمرة و ان لم يفعل ففيه خلاف «2».

و قال العلّامة في

التذكرة: التقصير في احرام العمرة اولي من الحلق قاله الشيخ في الخلاف، و منع في غيره من الحلق و اوجب به دم شاة مع العمد، و قال احمد: التقصير افضل لما رواه العامّة عن جعفر بن محمد عن ابيه عليهما السّلام عن جابر لمّا وصف حج رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، و قال لاصحابه: «حلّوا من احرامكم بطواف بين الصفا و المروة و قصّروا» و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السّلام عن المتمتع اراد ان يقصر فحلق رأسه قال، عليه دم يهريقه سأل جميل بن درّاج الصادق عليه السّلام: «عن متمتع حلق رأسه بمكة؟ قال:

ان كان جاهلا فليس عليه شي ء «3»».

______________________________

(1)- وسائل الشيعة ابواب التقصير ب 4 ح 2.

(2)- الخلاف: 2/ 330.

(3)- تذكرة الفقهاء: 8/ 149.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 116

أقول: و لو ورد علي الرواية الاولي مضافا الي ضعف سنده بظهوره في غير العامد الّذي حكي الاجماع ممن عدا المحقق علي عدم وجوب الكفارة عليه للاصل و النص فلا بد كما قاله في الجواهر من حمله علي ضرب من الندب و علي الرواية الاولي الصحيحة بعدم ظهوره في الحلق بعد الاحرام بل لعل الدم فيه لترك توفير الشعر المستحب عند الاصحاب و الواجب عند الشيخين بل عن المفيد منهما التصريح بوجوب الدم فيه الي آخر ما افاده في الجواهر «1» و كيف كان يكفي في تعين التقصير اطلاقات ما دل عليه و عدم الدليل علي جواز الاكتفاء بالحلق و اللّه هو العالم.

حكم ترك التقصير سهوا

مسألة 29- قال في الجواهر: و لو ترك التقصير حتي اهل بالحج سهوا صحت متعته بلا خلاف اجده فيه لصحيح معاوية و حسنه سأل الصادق عن رجل اهلّ بالعمرة

و نسي ان يقصر حتي دخل في الحج؟ قال: يستغفر اللّه و لا شي ء عليه و تمت عمرته «2» بل ظاهره عدم دم عليه أيضا كما في القواعد و المحكي عن سلار و ابن ادريس و هو مقتضي الاصل لكن سأل اسحاق بن عمار أبا ابراهيم عليه السّلام عن الرجل يتمتع فينسي ان يقصر حتي يهل بالحج؟ فقال: عليه دم يهريقه «3» بل عن الشيخ و بني زهرة و البراج و حمزة العمل به و لا ريب في انه احوط ان لم يكن اقوي لقاعدة التخصيص التي هي اولي من الحمل علي الندب ان لم يكن المراد من نفي الشي ء في الاول العقاب ينبغي ان يكون شاة كما عن الغنية و المهذب و الاشارة لما

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 20/ 454.

(2)- وسائل الشيعة ابواب السعي ب 6 ح 1.

(3)- وسائل الشيعة ابواب السعي ب 6 ح 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 117

سمعته مكررا من الانصراف و للاحتياط الخ «1».

أقول: هو كما ذكره قدس سره مبني علي الاحتياط و الا فالظاهر عن قوله عليه السّلام:

«فلا شي ء عليه الكفارة».

حكم ترك التقصير عمدا

مسألة 30- اذا ترك التقصير عمدا و اهلّ بالحج مقتضي القاعدة بطلان الاهلال بالحج و هذا محكي عن ابن ادريس لانه غير المامور به فيجب عليه التقصير و اتمام حجه متمتعا قال ابن ادريس بعد ما ذكر ان بطلان المتعة و صيرورة حجه مفردا: الّذي يقتضيه الادلة و اصول المذهب انه لا ينعقد احرامه بحج لانه بعد في عمرته لم يتحلل منها و قد اجمعنا علي انه لا يجوز ادخال الحج علي العمرة و لا ادخال العمرة علي الحج قبل فراغ مناسكها انتهي «2». الا ان المشهور بطلان متعته و

صيرورة حجته مبتولة لموثقة اسحاق بن عمار عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «المتمتع اذا طاف و سعي ثم لبّي بالحج قبل ان يقصر فليس له ان يقصر و ليس له متعة «3»».

و اطلاقه يشمل الناسي و الجاهل و العالم الا انه في الناسي مقيد بما يدل علي انه (لا شي ء عليه و قد تمت عمرته).

فالقدر المتيقن من بطلان متعته صورة العمد و العلم و اطلاقه يشمل الجاهل أيضا و تقييده به محتاج الي المقيد و هذه الموثقة و ان لم تكن صريحة في صيرورة حجته

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 20/ 456.

(2)- السرائر: 1/ 581.

(3)- وسائل الشيعة ب 54 من ابواب الاحرام ح 5.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 118

مبتولة الا ان قوله: فليس له ان يقصر و ليس له متعة ظاهر في انه يتمه حجا بل يمكن ان يقال بظهورها في بطلان احرام متعته و وجوب البناء علي احرامه الثاني و احتمال صيرورة عمرته مفردة خلاف الظاهر و الا ينبغي التنبيه من الامام عليه السّلام علي انه لا يجب عليه الاتيان بمناسك الحج من الوقوف بعرفات و المشعر و اعمال مني.

هذا و قد حكي بعض الاجلة تضعيف سنده بإسحاق بن عمار عن صاحب المدارك لاشتراك اسحاق بن عمار بين الثقة و غيره يعني بين اسحاق بن عمار الكوفي الصيرفي و ابن عمار الساباطي و حكي عن صاحب الحدائق استحسانه له علي مبناه لا علي مبني نفسه «1» و ان ليس في كلام المدارك الا قوله و في الروايتين قصور من حيث السند فيشكل التعويل عليهما و لكن الظاهر كما يستفاد من جامع الرواة حيث لم يذكر بهذا الاسم غير اسحاق بن عمار الكوفي

الصيرفي و من طبقات سيدنا الاستاد الاعظم قدس سره و صرح عليه بعض الاجلة انه واحد يوصف تارة بالصيرفي و تارة بالساباطي و في حاشية جامع الرواة ما يظهر منه ان الصيرفي ابن عمار بن حيّان و لم يكن هو و لا ابوه و لا اخوته يونس و يوسف و غيرهما فطحيّا بل هو من الثقات الاجلة كما يظهر من الاخبار أيضا من اراد التحقيق فليرجع الي ترجمة اخيه اسماعيل و ابنه محمد و الي كتاب رجال مولانا عناية اللّه انتهي.

أقول: و راجع جامع الرواة ترجمة اسماعيل بن عمار و محمد بن اسحاق ابن عمار و يونس و يوسف ابني عمار.

فيمكن ان يقال ان الفطحي اسحاق بن عمار الساباطي و هو ثقة و الصيرفي غير الفطحي و هو أيضا ثقة فالرواية علي ذلك اما موثقه او صحيحة ثم لا يخفي انه ليس في كلام المدارك وجه قصور الرواية من حيث السند فلعله كان من جهة اشتراك أبي

______________________________

(1)- المعتمد: 5/ 114.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 119

بصير بين المرادي و الاسدي و غيرهما و اللّه هو العالم.

و لرواية محمد بن سنان عن العلاء بن الفضيل قال: «سألته عن رجل متمتع طاف ثم اهل بالحج قبل ان يقصر؟ قال: بطلت متعته هي حجة مبتولة «1»» و سندها ضعيف محمد بن سنان مضافا علي اضمارها.

هذا و يمكن دعوي جبر ضعفه و جبر ضعف خبر اسحاق بن عمّار علي القول به بعمل الاصحاب و لو لا ذلك كان الحق مع ابن ادريس. ثم ان دلالة رواية العلاء علي بطلان متعته و صيرورته حجة مبتولة واضحة.

و يمكن ان يقال: في موثقة اسحاق بن عمار بانه ليس له ان يقصر و ليس

له متعة مشعر بصيرورة حجته مبتولة و انقلاب وظيفته من التمتع الي الافراد فكان الامام امضي احرامه للحج.

ثم ان مقتضي صحة احرامه للحج هل انقلاب تكليفه الي الحج الافرادي حتي كان الواجب عليه ان كان حجه الواجب مثل حجة الاسلام عمرة مفردة بعد الحج او ان المستفاد من الرواية بطلان متعته و صحة احرامه للحج الافرادي و اما ان كان حج المتمتع عليه واجبا يجب عليه ان يأتي به في السنة الآتية.

يمكن ان يقال: ان اطلاق الكلام ظاهر في إجزائه و ان كان الاحتياط يقتضي الاتيان بعمرة مفردة بعد الحج ثم الاتيان بحج التمتع في السنة الآتية.

و يمكن ان يقال: ان ذلك لو لم نستفد من الرواية اجزاء الحج الافرادي عن تكليفه لانه علم اجمالا اما بوجوب الافراد عليه في هذه السنة او التمتع في السنة الآتية فيجب عليه الجمع بينهما و عمرة مفردة و لكن فيه ان علمه الاجمالي ينحل بالعلم التفصيلي بوجوب اتمام الحج الّذي احرم له في هذه السنة و الشك البدوي في

______________________________

(1)- وسائل الشيعة ب 54 من ابواب الاحرام ح 4.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 120

وجوب حج التمتع عليه في السنة الآتية. اللهم الا ان يقال بالعلم الاجمالي بوجوب العمرة عليه بعد الحج و حج التمتع في القابل.

حلّية جميع ما كان محرما علي المحرم بعد التقصير

مسألة 31- في عمرة التمتع بعد ما قصر المعتمر بها يجوز له جميع ما كان محرما عليه في حال الاحرام نعم قد يحتمل عدم جواز خصوص الحلق بل نسب القول بالتحريم الي بعض المحدثين و عن بعض الاجلة انه قال: يحلّ له بفعله كلما حرم عليه بعقد احرامه علي اشكال في حلق جميع الرأس و الظاهر منه الاشكال في جوازه لما نذكره من

الاخبار لا الاشكال في حرمته لمعروفية القول بالجواز كما ذكره بعض الاكابر من تلامذته «1» و كيف كان فالقول المشهور هو جواز الحلق بعد التقصير نعم اذا كان ذلك بعد مستهل ذي القعدة يحرم من جهة وجوب توفير الشعر عند من يقول بوجوبه و هو اعم من ان يكون متمتعا وادي عمرته و قصر و بقي عليه الحج او كان عليه حج الافراد او القران فعدم جواز الحلق لامر آخر غير عدم جوازه من جهة احرامه بالعمرة.

و عمدة ما يدل علي الحرمة علي ما صرح به البعض صحيحتان.

الاولي: ما في صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «ثم قصر من راسك من جوانبه و لحيتك و خذ من شاربك و قلم اظفارك و ابق منها لحجك فاذا فعلت ذلك فقد احللت من كل شي ء يحل منه المحرم و احرمت عنه «2»».

______________________________

(1)- المعتمد: 5/ 117.

(2)- وسائل الشيعة ابواب التقصير ب 1 ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 121

قال: و قوله: «فاذا فعلت ذلك فقد احللت من كل شي ء» يراد به غير الحلق بقوله:

«و ابق منها لحجك» و بالجملة لا ينبغي الريب في ظهور الصحيحة في عدم جواز الحلق و انه يلزم عليه الابقاء للحج.

أقول: ليس قوله عليه السّلام ظاهر في عدم جواز الحلق بل غاية ما يدل عليه وجوب الابقاء علي بعض ما ذكر للحج و حرمة ازالة الجميع نعم علي القول بوجوب الحلق في الحج علي الصرورة يمكن ان يقال بدلالته علي حرمة الحلق بعد ذلك لا يتم الاحتجاج بهذا الحديث لحرمة الحلق.

ثم قال: و اوضح من ذلك الصحيحة الثانية لجميل فقد سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام: «عن متمتع حلق

رأسه بمكة؟ قال: ان كان جاهلا فليس عليه شي ء، و ان تعمد ذلك في اوّل شهور الحج بثلاثين يوما فليس عليه شي ء، و ان تعمد بعد الثلاثين يوما التي يوفر فيها الشعر للحج فان عليه دما يهريقه «1»».

(ثم قال) فان السؤال عن الحلق بمكة ظاهر في ان السؤال من جهة اعمال المتعة و ان من تمتع يجوز له الحلق أم لا و الا لو كان السؤال ناظرا الي جواز الحلق من جهة الاحرام فلا فرق بين مكة و غيرها فان الحلق للمحرم غير جائز سواء كانت في مكة أم لا.

ثم انه (بعد ذلك) بما افاد و استظهر منه ان الرواية ظاهرة بل صريحة في عدم جواز الحلق للمتمتع في نفسه و حمله علي الاستحباب كما صنعه المشهور مما لا وجه له.

و لكن حيث ان الصحيحة بمرئي من الاصحاب (مع ذلك) لم يلتزموا بالحرمة فلا اقل من الاحتياط فما ورد في الروايات انه لو قصر حلّ له كل شي ء يقيد بغير

______________________________

(1)- وسائل الشيعة ابواب التقصير، ب 4، ح 5.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 122

الحلق «1».

أقول: الرواية ظاهرة في انه يحلّ بالتقصير عن كل المحرمات حتي الحلق و لذا قال

ان تعمد ذلك في اوّل شهور الحج بثلاثين يوما فليس عليه شي ء و بعده أيضا وجوب الكفارة عليه ليس لانه ارتكب المحرم في حال الاحرام بل لانه ارتكب ذلك بعد الثلاثين يوما التي يوفر فيها الشعر للحج فيمكن ان يستفاد منه وجوب الكفارة مطلقا و ان لم يكن متمتعا و كون سؤال السائل عن متمتع حلق راسه لا يوجب اختصاص الجواب به، فظهر من ذلك ان الكفارة المذكورة فيه ليس لحرمة الحلق للاحرام بل لتركه توفير الشعر و

لذا ذكره في مثل الجواهر في عداد روايات توفير الشعر «2» و حملوه علي الاستحباب و من حمله علي الوجوب أيضا كالمفيد جعله كفارة لتوفير الشعر مطلقا قال: اذا اراد الحج فليوفر شعر رأسه في مستهل ذي القعدة فان حلقه في ذي القعدة كان عليه دم يهريقه «3» انتهي و اللّه هو العالم و الهادي الي الصواب.

عدم وجوب طواف النساء في عمرة التمتع

مسألة 32- لا يجب في عمرة التمتع طواف النساء قال في الجواهر: بلا خلاف محقق اجده فيه و ان حكاه في اللمعة عن بعض الاصحاب و اسنده في الدروس الي النقل لكن لم يعين القائل و لا ظفرنا به و لا احد ادعاه سواه

______________________________

(1)- المعتمد: 5/ 118 و 119.

(2)- جواهر الكلام: 18/ 172.

(3)- المقنعة/ 391.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 123

بل في المنتهي لا اعرف فيه خلافا بل عن البعض الاجماع علي عدم الوجوب «1» الخ.

و يدل عليه صحيح صفوان بن يحيي قال: «ساله أبو حارث عن رجل تمتع بالعمرة الي الحج و طاف و سعي و قصّر هل عليه طواف النساء قال: لا، انّما طواف النساء بعد الرجوع من مني «2»» و صحيح زرارة قال: قلت لابي جعفر عليه السّلام: «كيف اتمتع؟ قال: تأتي الوقت فتلبي بالحج فاذا دخلت مكة طفت بالبيت و صليت ركعتين خلف المقام و سعيت بين الصفا و المروة و قصرت و احللت من كل شي ء و ليس لك ان تخرج من مكة حتي تحج «3»».

و صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام الّذي سبق ذكره و فيه بعد ذكر التقصير قال عليه السّلام: «فاذا فعلت ذلك (يعني اديت وظيفة التقصير) فقد احللت من كل شي ء يحلّ منه المحرم و احرمت

منه وطف بالبيت تطوعا ما شئت «4»».

الي غير ذلك من الاخبار التي ذكرها في الجواهر و رواها في الوسائل، هذا و لكن في خبر سليمان بن حفص المروزي عن الفقيه عليه السّلام قال: «حج الرجل فدخل مكة متمتعا فطاف بالبيت و صلي ركعتين خلف مقام ابراهيم عليه السّلام و سعي بين الصفا و المروة و قصّر فقد حلّ له كل شي ء ما خلا النساء لان عليه لتحلة النساء طوافا و صلاة «5»» و دلالته علي وجوب طواف النساء ظاهرة.

و لكن قال الشيخ فيه في التهذيبين: ليس في الخبر أن الطواف و السعي اللذين

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 19/ 407.

(2)- الوسائل الشيعة ابواب الطواف ب 82 ح 6.

(3)- الوسائل الشيعة ابواب الاحرام ب 22 ح 3.

(4)- الوسائل الشيعة ب 1 من ابواب التقصير ح 1.

(5)- الوسائل الشيعة ابواب الطواف ب 82 ح 7.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 124

ليس له الوطي، بعدهما الا بعد طواف النساء أ هما للعمرة او للحج و اذا لم يكن في الخبر ذلك حملناه علي من طاف و سعي للحج فانه لا يجوز له ان يطأ النساء و يكون هنا التأويل اولي لان قوله عليه السّلام في الخبر علي جهة التعليل: لان عليه لتحلة النساء طوافا و صلاة يدل علي ذلك لان العمرة التي يتمتع بها الي الحج لا يجب فيها طواف النساء و انما يجب طواف النساء في العمرة المبتولة او الحج الخ «1».

و فيه ما افاد في الجواهر: ان المفروض في الخبر وقوع التقصير من المتمتع بعد الطواف و السعي و ليس ذلك الا في العمرة اذ لا تقصير بعدهما في الحج، و أيضا قوله عليه السّلام: «اذا حج الرجل» الي آخره

كالصريح في ان المراد بدخولها هو القدوم الاول دون الرجوع إليها من مني فلا وجه للمناقشة فيه من هذه الجهة «2».

هذا و قد افاد بعض الاجله في عدم دلالة هذا الخبر علي وجوب طواف النساء في عمرة التمتع: ان المفروض في الرواية انه حج الرجل فدخل مكة متمتعا و الّذي يدخل مكة متمتعا بالعمرة لا يقال حج الرجل فيعلم انه دخل مكة بعد اعمال الحج فالمعني ان الرجل تمتع و ذهب الي عرفات و المشعر و حج ثم دخل مكة بعد اعمال الحج فيكون الطواف المذكور هو طواف النساء الثابت في الحج «3».

أقول: لما ذا لا يقال لمن يريد حج التمتع علي سبيل الفرض أنه حج الرجل فدخل مكة؟ و ثانيا يرد عليه ما اورده في الجواهر علي الشيخ قدس اللّه سر الجميع من ان المفروض في الرواية وقوع التقصير من المتمتع بعد الطواف و السعي أي بعد عمرة التمتع و ليس ذلك أي التقصير كذلك الا في العمرة إذ لا تقصير بعد الطواف و السعي في الحج.

______________________________

(1)- التهذيب: 5/ 162 ح 544/ 69 و الاستبصار: 2/ 244 ح 853/ 5.

(2)- جواهر الكلام: 19/ 409.

(3)- المعتمد: 5/ 120.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 125

و بعد ذلك نقول من المحتمل وقوع الزيادة في الخبر او النقيصة و هذه اولي فكانه كان فيه بعد قوله (فقد حل له كل شي ء) فاذا حج و اتي بما عليه من اعمال و حلق او قصر في مني فقد حلّ له كل شي ء ما خلا النساء لان عليه لتحلة النساء طوافا و صلاة و اللّه هو العالم.

و اما سند الخبر فربما يقال بضعفه بسليمان بن حفص المروزي فانه و ان لم يذكر

بقدح و لا غير مذكور بالمدح في كتب الرجال و افاد بعض الاجلة بانه من الثقات علي ما بني عليه من كون رجال كامل الزيارات كلهم من الثقات «1» و سليمان هذا منهم و ان حكي عنه انه عدل عن هذا البناء و لكن حكي عن الوحيد رحمه اللّه عن جده المجلسي الاول رحمه اللّه انه كان من علماء خراسان و اوحديهم و باحث مع الرضا عليه السّلام و رجع الي الحق و كان في مسألة البداء فرجع عن انكار البداء و كانت له مكاتبات الي الجواد و الهادي و العسكري عليهم السّلام انتهي فرواية رجل مثله لا ترد و لذا صار مثل الشيخ في مقام حمل ظاهره علي ظاهر سائر الروايات و فتوي المشهور و لا ريب في الاعتماد علي الروايات المعتضدة بالشهرة بل بالسيرة القطعية بين الشيعة، و لا يخفي ان حمله علي الاستحباب لا يناسب الفاظه الصريحة في عدم حلية النساء قبل طواف النساء و اللّه هو العالم.

عدم وجوب التقصير فوريا

مسألة 33- وجوب التقصير بعد السعي في العمرة ليس فوريا فيجوز تاخيره الي زمان لا يفوت به وقت الاحرام بالحج فاذا تمتع بالعمرة في شهر شوال او ذي القعدة يجوز له بعد السعي تاخير التقصير الي يوم عرفة فيبقي في هذه المدة محرما يجب عليه الامتناع عما حرم عليه بالاحرام و لا يقال

______________________________

(1)- المعتمد: 5/ 120.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 126

انه يفوت بذلك الموالاة بينه و بين الاجزاء السابقة فانه يكون كذلك اذا لم يكن في البين ملتزما بالوظائف اللازمة علي المحرم كل ذلك لعدم الدليل علي وجوب المبادرة الي التقصير و للاصل و مع ذلك الاحوط عدم تاخيره زائدا علي المتعارف.

عدم وجوب وقوع التقصير في مكان خاص

مسألة 34- كما لا يشترط في التقصير وقوعه في زمان خاص لا يشترط فيه وقوعه في مكان خاص فلو قصر المعتمر في منزله يجزيه و ذلك أيضا لاطلاق الادلة و عدم وجود المقيد و للاصل.

التخيير في العمرة المفردة بين الحلق و التقصير

مسألة 35- في العمرة المفردة يتخير المعتمر بين الحلق و التقصير بلا خلاف و لا اشكال لصحيح معاوية بن عمّار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: «المعتمر عمرة مفردة اذا فرغ من طواف الفريضة و صلاة الركعتين خلف المقام و السعي بين الصفا و المروة حلق او قصر و سألته عن العمرة المبتولة فيها الحلق؟ قال: نعم و قال:

ان رسول اللّه قال في العمرة المبتولة (اللهمّ اغفر للمحلقين) فقيل يا رسول اللّه و للمقصرين؟ فقال: اللهم اغفر للمحلقين فقيل يا رسول اللّه و للمقصرين؟ فقال:

(و للمقصرين) «1»».

و غيره من النصوص و لكن الحلق افضل بلا خلاف أيضا و لا اشكال للصحيح المزبور و لصحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «استغفر رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله للمحلقين

______________________________

(1)- التهذيب: 5/ 438 ح 1523/ 169 و وسائل الشيعة ب 5 ابواب التقصير ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 127

ثلاث مرات «1» و لغيره من النصوص».

استحباب التشبه بالمحرمين للمتمتع

مسألة 36- يستحب للمتمتع بالعمرة الي الحج بعد التقصير التشبه بالمحرمين في ترك المخيط و غيره قال في الجواهر لقول الصادق عليه السّلام في مرسل ابن البختري: ينبغي للمتمتع بالعمرة الي الحج اذا احلّ ان لا يلبس قميصا، و ليتشبه بالمحرمين اقول روي الحديث مرسلا في فقيه هكذا:

و قال الصادق عليه السّلام ينبغي … و ان يتشبه بالمحرمين «2» و لكن رواه في الكافي عن علي بن ابراهيم عن ابيه عن ابن أبي عمير عن حفص بن البختري عن غير واحد عن عبد اللّه عليه السّلام بلفظ (و ليتشبه بالمحرمين) «3» و رواه في التهذيب عن الكليني مثله «4» فالحديث ليس مما هو المرسل بالاصطلاح يعتمد عليه

في الفتوي بالاستحباب.

و هكذا يستحب لاهل مكة التشبه بالمحرمين ايام الحج لما رواه الشيخ باسناده عن موسي بن القاسم «5» عن النخعي يعني أيوب بن نوح «6» عن صفوان «7» عن معاوية بن عمار «8» عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: «لا ينبغي لاهل مكة ان يلبسوا

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ابواب الحلق و التقصير ب 7 ح 7.

(2)- من لا يحضره الفقيه: 2/ 377 ح 2748.

(3)- الكافي: 4/ 441 ح 8.

(4)- التهذيب: 5 ح 1557/ 447.

(5)- ثقة ثقة جليل من السابعة.

(6)- ثقة عظيم المنزلة شديد الورع كثير العبادة من السابعة.

(7)- ثقة ثقة عين من السادسة.

(8)- كبير الشأن عظيم المحل ثقة من الخامسة.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 128

القميص و ان يتشبهوا بالمحرمين شعثا غبرا و قال: ينبغي للسلطان ان يأخذهم بذلك «1»» و كان تعبير الجواهر «2» عنه بالخبر في غير محله.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة ابواب التقصير ب 7 ح 2.

(2)- جواهر الكلام: 20/ 458.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 129

الكلام في واجبات الحج

اشارة

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 131

الكلام في واجبات الحج

الأول من واجبات الحج: الاحرام

اشارة

و الكلام فيه يقع في موارد: الاول: في زمانه فاعلم انه و ان نسب الي المشهور انه لا وقت لحج التمتع بعد الفراغ من عمرته الي ان يتضيق به وقت الوقوف الاختياري في عرفات.

و لكن قد ذكر في الروايات تفاصيل فيها و مقتضي الجمع بينها و حمل بعضها علي بعض اجزاء الاحرام من ثلاثة ايام قبل التروية الي زمان يخاف من تركه الاحرام فيه فوت الموقفين و افضل اوقاته يوم التروية ثم الظاهر افضلية الازمنة بحسب تقدم كل زمان علي ما بعده و افضل اوقاته لغير الامام في يوم التروية عند الزوال بعد صلاة المكتوبة و للامام اي المنصوب لامارة الحاج قبل الزوال ليصلي الظهر في مني.

و اما اجزاء الاحرام للحج للمتمتع بعد فراغه من عمرة التمتع و لو كان ذلك في اوّل يوم من شوال فيمكن ان يقال: ان من الروايات لا يستفاد الا استحباب كونه في يوم التروية فلا مانع من ان يحرم قبله للاصل مثل من عرض له الحاجة للخروج من مكة فانه يحرم للحج و يذهب في حاجته ثم يذهب الي مني في يوم التروية او الي عرفات ان لم نقل ان ذلك مختص بحال الضرورة.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 132

و كيف كان الاحوط للمتمتع ان لا يقدم الاحرام علي ثلاثة ايام قبل التروية بل و علي التروية الا لضرورة.

هذا كله للمتمتع و امّا القارن و المفرد فالظاهر انه يجزيهما الاحرام في أي زمان ارادا الحج في اشهره.

نعم في المجاور انه ان كان صرورة يحرم اذا مضي من ذي الحجة يوم و الا فاذا مضي منه خمس.

و المستفاد من الروايات عدم جواز

الاحرام له قبل ذلك و اما عدم جواز تاخيره من اليوم الاول من ذي الحجة او بعد خمسة ايام منه الي يوم التروية فلا يستفاد فلا يفوته الحج اذا تعمد التأخير و اللّه هو العالم.

هذا كله في زمان يجزي فيه عقد الاحرام.

و اما المكان الّذي هو الميقات لاحرام الحج فللمتمتع بطن مكة و افضل مواضعه المسجد.

قال في الجواهر: اتفاقا كما في المدارك لكونه اشرف الاماكن و لاستحباب الاحرام عقيب الصلاة التي هي في المسجد افضل و لقول الصادق عليه السّلام «للحسن بن معاوية و اذا كان يوم التروية ان شاء اللّه فاغتسل ثم البس ثوبيك و ادخل المسجد حافيا و عليك السكينة و الوقار ثم صل ركعتين عند مقام ابراهيم عليه السّلام أو في الحجر ثم اقعد حتي تزول الشمس فصل المكتوبة ثم قل في دبر صلاتك كما قلت حين احرامك من الشجرة و احرم بالحج «1»».

و للمفرد و القارن ميقات الحج احد المواقيت او منزلهما ان كان دون الميقات الا ان يكونا من اهل مكة فانهما يحرمان منها كالمتمتع لانها كما في الجواهر اقرب الي

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 18/ 17.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 133

عرفات من الميقات و هي مقصد الحاج كمكة للمعتمر و لانها ميقات و من اتي علي ميقات لزم الاحرام منه بل عن التذكرة لا نعلم في ذلك خلافا «1» و اللّه هو العالم.

استحباب الاحرام للحج يوم التروية

مسألة 37- الظاهر ان الاحرام في يوم التروية و عند زوال الشمس مستحبان نفسيان و المضي الي مني لان يبيت بها ليلته الي طلوع الفجر من يوم عرفة مستحب نفسي آخر فمن لم يتمكن من المضي الي مني و كان مريدا للبقاء في مكة ليلة عرفة يستحب له

الاحرام في يوم التروية.

هل يجوز الاحرام لعمرة مفردة بعد الاحرام للحج

مسألة 38- قد تعرض بعض الاعلام هنا لمسألتين: احداهما انه هل يجوز لمن احرم بالحج ان ينشأ قبل فراغه من اعمال الحج الاحرام لعمرة مفردة ثم يأتي بمناسك الحج نظير الاتيان بصلاة اخري في صلاة علي القول بجوازها.

و ثانيتهما انه هل يجوز لمن اتي بعمرة التمتع قبل ان يحرم باحرام الحج الاحرام للعمرة المفردة فياتي بها ثم يحرم للحج «2».

أقول: اما المسألة الاولي فالكلام يقع فيها تارة في مشروعية تلك العمرة المفردة و تارة اخري في ان الاتيان بها هل يوجب بطلان الحج أم لا؟

اما الكلام في مشروعيتها فقد قال في الجواهر: (لا يجوز لمن احرم) بنسك (ان

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 18/ 77.

(2)- المعتمد: 5/ 126.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 134

ينشئ احراما آخر) بمثله او بغيره (حتي يكمل افعال ما احرم له) بلا خلاف فيه بل الاجماع بقسميه عليه «1».

و استشكل في الاستدلال بالاجماع بانه ليس من الاجماع التعبدي الحجة فلعل المجمعين استندوا ببعض الوجوه مثل الاستدلال بان جميع ما ورد في الامر بالاحرام منصرف الي غير المحرم فانه هو الّذي يتحقق له ذلك و حصول التأكيد بالثاني لا يوجه انصراف الاوامر الي المحل فالاولي الاستدلال بذلك فلا يجوز الاتيان به بقصد المشروعية و الاستحباب «2».

و مما يوجب استبعاد مشروعية الاحرام المذكور عدم ذكر من ذلك في الروايات و عدم نقل وقوع ذلك من احد و هذا يدل علي مغروسية عدم جوازه في اذهان المتشرعة و كونه امرا بدعا لم يأت من الشرع.

ثم انه قد استدل علي عدم مشروعية الاحرام للعمرة المفردة بين احرام الحج بان المستفاد من الروايات النهي عن الخروج من مكة بعد اعمال العمرة و انه مرتهن بالحج و

مقتضاه عدم مشروعية العمرة المفردة لاحتياج الاحرام لها الي الخروج من مكة و لا اقل الي ادني المواقيت و لو ابتلي بالخروج من مكة لعذر يجب عليه الاحرام للحج و يخرج و يذهب بعد ذلك الي عرفات اذا كيف يوجه القول بمشروعية العمرة المفردة له لاحتياج ذلك الي الخروج من مكة و لو الي ادني المواقيت.

أقول: لم اتحصل استقامة هذا الاستدلال لان الّذي يأتي بالعمرة المفردة بين الحج محرم لو خرج من مكة يخرج و يعود محرما و كيف كان فليس هنا دليل يدل علي مشروعية إنشاء احرام آخر للمحرم و الاتيان به رجاء أيضا كانه ينكره

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 18/ 250.

(2)- المعتمد: 5/ 126.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 135

عرف المتشرعة.

و اما الكلام بالنسبة الي كون إنشاء الاحرام الثاني مبطلا للاول فالظاهر عدمه فتحصل من ذلك بطلان الاحرام الثاني دون الاول.

و امّا المسألة الثانية: فقد عرفت ان المتمتع بعد الاتيان بعمرته مرتهن بالحج لا يجوز له الخروج من مكة مع ان الاتيان بالعمرة مستلزم للخروج منها للاحرام لها من الميقات اللهم الا ان يقال: انه لا ملازمة بين حرمة الخروج و صحة العمرة المفردة لامكان القول بصحتها ان خرج نسيانا او جهلا بل و ان خرج عاصيا الا ان يقال بانه يجب عليه الرجوع بغير احرام ان رجع في شهره لصحيح حماد بن عيسي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «من دخل مكة متمتعا في اشهر الحج لم يكن له ان يخرج حتي يقضي الحج (الي ان قال) قلت: فان جهل و خرج الي المدينة او الي نحوها بغير احرام ثم رجع في ابان الحج في اشهر الحج يريد الحج فيدخلها محرما او بغير احرام؟

قال: ان رجع في شهره دخل بغير احرام و ان دخل في غير الشهر دخل محرما قلت: فأي الاحرامين و المتعتين متعته الاولي او الاخيرة؟ قال: الاخيرة هي عمرته الحديث «1»».

و لكن يمكن ان يقال: ان قوله عليه السّلام (ان دخل في شهره دخل بغير احرام) لا يدل علي عدم جواز الاحرام بل يدل علي جواز الرجوع و الدخول الي مكة بغير احرام كالأمر الوارد عقيب توهم الحظر و بالجملة حرمة الخروج من مكة بعد عمرة التمتع ليس معناها حرمة الدخول إليها معتمرا.

هذا و قد ظهر مما ذكر الكلام فيما حكاه بعض الاجلة عن مناسك شيخه عليهما الرحمة من اختياره جواز العمرة المفردة بعد الاحلال من عمرة التمتع بعد مضي

______________________________

(1)- وسائل الشيعة ب 22 من ابواب اقسام الحج ح 6.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 136

عشرة ايام لاعتبار تحقق الفصل بين العمرتين بعشرة ايام فيجوز له ان يخرج الي ادني الحلّ لاحرامها او غير ادني الحلّ اذا كان دون المسافة المعتبرة في التقصير و امّا الخروج الي المسافة فالاحوط ان لا يخرج الا محرما بالحج «1» فكانه كان نظره في المسألة الي مثل صحيح حماد و انه لا يستفاد منه أكثر من عدم جواز الخروج من مكة الي المسافة فلا يعتبر في جواز الخروج الا كونه الي ما دون المسافة و في صحة العمرة الا ما يعتبر بين العمرتين من الفصل و لكن ان كان نظره الي مثل الصحيح المذكور لا يقيد به الاطلاقات الدالة علي النهي عن الخروج من مكة و اللّه العالم.

تتمة: يمكن ان يقال: ان مقتضي الدقة و النظر في الاحاديث الشريفة و فتاوي الفقهاء امور:

الاول: انه لا يجوز الخروج بغير الاحرام للحج

اذا استلزم ذلك فوت الاحرام من مكة للحج او كان ذلك معرضا غالبا لفوته و علي هذا يمكن ان يقال: ان الحرمة ليست نفسية بل ارشادية لاجل عدم الوقوع في حرمة ترك الحج فعلي هذا لا فرق بين الخروج و بين كل عمل يستلزم ذلك.

الثاني: اذا علم انه ان خرج يفوته الاحرام من مكة يجوز له الخروج بان يحرم بالحج و يخرج من مكة محرما ثم يذهب من مكانه الي عرفات سواء اقتضت الضرورة ذلك او كان بغير الضرورة.

الثالث: اذا خرج مع خوف فوت الحج و لكن رجع و اتفق رجوعه في يوم التروية مثلا او قبله او بعده قبل زوال يوم عرفة و قبل ان يفوته الموقف فان رجع في الشهر الّذي اتي فيه بعمرة التمتع يدخل الحرم محلا و ان رجع في غيره يحرم للعمرة لان لكل شهر عمرة و تكون العمرة الثانية عمرة حجه.

______________________________

(1)- المعتمد: 5/ 128.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 137

الرابع: اذا لم يخف فوت الاحرام للحج بالخروج يجوز له الخروج الي أي مكان يريد سواء كان ذلك للضرورة او لم يكن فحينئذ ان رجع في الشهر الّذي اتي بالعمرة يدخل محلا و يكتفي بالعمرة التي اتي بها متمتعا بها الي الحج و ان رجع في غير ذلك الشهر يدخل محرما للعمرة متمتعا بها الي الحج.

الخامس: اذا اتي بالعمرة التي اتي بها متمتعا بها الي الحج مثلا في شهر شوال و اراد الخروج من مكة مثلا في اوّل ذي الحجة و الرجوع إليها في اليوم الخامس مثلا يجوز له لانه لا يخاف به فوت الحج فيدخل باحرام جديد للعمرة بقصد كونها عمرة المتمتع بها الي الحج.

و بعد ذلك كله الاحوط عدم

خروجه من مكة مطلقا فان عرضت له ضرورة يخرج بعد الاحرام للحج و ان خرج ناسيا او جاهلا و دخل في شهره دخل بغير احرام و ان دخل في غير الشهر دخل بعمرة. و اللّه هو العالم.

[من ترك الاحرام عمدا حتي فات منه الوقوف بعرفات]

مسألة 39- من ترك الاحرام عمدا حتي فات منه الوقوف بعرفات لا ريب في ان حجه يكون باطلا. نعم لو تدارك ذلك بالرجوع الي مكة و الاحرام منها و ادرك الوقوف يجزيه و ان هو آثم بتركه الوقوف من اوّل وقته و اما ان جهل او نسي الاحرام و ذهب الي عرفات فان امكن له الرجوع الي مكة و الاحرام منها و درك الوقوف بعرفات يجب عليه ذلك و الا ان لم يتمكن من ذلك امّا لان رجوعه الي مكة يوجب فوت وقوفه بعرفات او لامر آخر يحرم من مكانه نعم يمكن ان يقال: بان اطلاق ما في صحيح علي بن جعفر الّذي رواه الشيخ في التهذيب عدم لزوم الرجوع الي مكة و لو كان متمكنا منه قال: و سألته عن رجل نسي الاحرام بالحج فذكر و هو بعرفات ما حاله؟

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 138

قال: يقول: اللهم علي كتابك و سنة نبيك فقد تم احرامه «1».

و ردّ ذلك بان الاكتفاء بذلك لتعذر الرجوع من عرفات الي مكة و العود إليها لدرك الموقف في تلك الازمنة و لكن يمكن ان يقال: بان في تلك الازمنة أيضا يمكن الذهاب الي مكة و الاياب الي عرفات و درك الموقف اللهم الا ان يقال: ان فرض السائل صورة عدم التمكن من الرجوع و العود كذلك كما هو الغالب و امّا في صورة التمكن فالحكم معلوم يجب الرجوع.

ثم انه يمكن الايراد علي

الاستدلال بالحديث علي صورة وقوع ذلك منه جهلا فانه مختص بصورة النسيان و لكن يمكن الاستدلال بصورة الجهل بما في صدر الحديث المذكور قال: «سألته عن رجل كان متمتعا خرج الي عرفات و جهل ان يحرم يوم التروية بالحج حتي رجع الي بلده ما حاله؟ قال: اذا قضي المناسك كلها فقد تم حجه»، و ذلك لاولوية الحكم بتمامية حجه اذا جهل و تذكر في عرفات و هو لا يتمكن من الذهاب الي مكة و الاياب الي عرفات للوقوف.

فصور المسألة أربعة: الاولي: نسيان الاحرام و ذكره بعرفات و هي مورد الرواية.

الثانية: الجهل بالاحرام حتي رجع الي بلده و هي أيضا مورد الرواية.

الثالثة: الجهل بالاحرام و ذكره بعرفات و هو لا يتمكن من الرجوع الي مكة و قد عرفت ان هذه الصورة اولي بالحكم بتمامية حجه من الصورة الثانية.

الرابعة: نسيان الاحرام حتي رجع الي بلده و يمكن ان يقال: انه أيضا اولي

______________________________

(1)- التهذيب: 5/ 476 ح 1678/ 324.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 139

بالحكم من الجهل سيّما اذا كان مقصرا فما غلب اللّه عليه به اولي بالعذر. و اللّه هو العالم.

[الظاهر انه لا خلاف بينهم في جواز الطواف المندوب للقارن و المفرد]

مسألة 40- الظاهر انه لا خلاف بينهم في جواز الطواف المندوب للقارن و المفرد اذا دخل مكة قبل الوقوف بعرفات بل المحكي عن كشف اللثام ان الظاهر الاتفاق علي جوازه كما في الايضاح بل فيه أيضا و لعله مثله الواجب بنذر و شبهه، و لعل الوجه فيه اطلاق ما دل علي رجحانه كما في الجواهر قال: و قوله عليه السّلام الطواف بالبيت صلاة و غيره (قال) و هو المراد مما في المدارك من الاستدلال عليه بحسن معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام سأله عن

المفرد للحج هل يطوف بالبيت بعد طواف الفريضة؟ قال: نعم ما شاء و يجدد التلبية بعد الركعتين و القارن بتلك المنزلة يعقد ان ما احلا من الطواف بالتلبية «1» و لا بأس به و ان كان خاصا ببعض حدود المدعي.

و اما في المتمتع فقال في الجواهر:

لا يبعد ذلك أيضا في المتمتع اذا احرم بالحج، و ان قيل الاشهر المنع لحسن الحلبي قال: «سألته عن الرجل يأتي المسجد الحرام و قد ازمع بالحج أ يطوف بالبيت قال:

نعم ما لم يحرم» «2» لكن الاولي حمله علي الكراهة لقوة اطلاق ما دل علي جوازه بل في موثق اسحاق بن عمّار: «سألت أبا الحسن عليه السّلام عن رجل يحرم بالحج من مكة ثم يري البيت خاليا فيطوف قبل ان يخرج عليه شي ء؟ فقال: لا «3»». بناء علي ظهوره في إرادة نفي ان يكون عليه شي ء لا النهي عن الطواف خصوصا بعد خبر عبد الحميد بن سعد عن أبي الحسن عليه السّلام: «سألته عن رجل احرم يوم التروية من عند المقام بالحج

______________________________

(1)- وسائل الشيعة ب 16 من ابواب اقسام الحج ح 2.

(2)- وسائل الشيعة ب 83 ابواب الطواف ح 4.

(3)- وسائل الشيعة ب 10 من ابواب الطواف ح 2 و ب 13 من ابواب اقسام الحج ح 7.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 140

ثم طاف بالبيت بعد احرامه و هو لا يري ان ذلك لا ينبغي أ ينقض طوافه بالبيت احرامه؟ فقال: لا؟ و لكن يمضي علي احرامه «1»».

و زاد علي ما يدل علي المنع بعض الاجلة «2» ما في صحيح حمّاد في المتمتع الّذي خرج من مكة محرما قال: «فان رجع الي مكة رجع محرما و لم يقرب البيت حتي

يخرج مع الناس الي مني علي احرامه «3»» وجه الدلالة ان النهي عن قرب البيت كناية عن الطواف و لكنه حمل ما يدل علي المنع علي الكراهة لموثقة اسحاق المؤيد بخبر عبد الحميد بن سعد او سعيد «4».

و لكن خبر عبد الحميد كانه مشعر بعدم الجواز و صورة الجهل فهو بكونه مؤيدا لما دل علي المنع اظهر.

فنبقي نحن و معتبرة اسحاق بن عمار و هي ان دلت علي عدم وجوب كفارة عليه لا يدل علي الجواز فالاظهر ما نسب الي الشيخ بل الي المشهور من عدم الجواز.

و علي ذلك ان طاف عمدا هل عليه تجديد التلبية كما جاء في القارن و المفرد في صحيح معاوية بن عمّار و جاء في كلمات الفقهاء قيل: ليس عليه ذلك لاختصاص النص بالمفرد و القارن.

و يمكن ان يقال بالوجوب لان الظاهر ان ذلك حكم المحرم بالحج سواء كان قارنا او مفردا او متمتعا و الاحتياط لا ينبغي تركه و اللّه هو العالم.

______________________________

(1)- المعتمد: 5/ 136 و 137.

(2)- وسائل الشيعة، ب 83 في ابواب الطواف، ح 6.

(3)- وسائل الشيعة: ب 22 من ابواب اقسام الحج ح 6.

(4)- وسائل الشيعة: ب 83 من ابواب الطواف ح 6.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 141

الكلام في الوقوف بعرفات

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 143

الوقوف بعرفات

الثاني من واجبات الحج: الوقوف بعرفات

اشارة

قال في الجواهر: اي الكون فيها و لكن تعارف التعبير بذلك لانه افضل افراده «1». انتهي فلا فرق اذا بين كونه و حضوره راكبا او راجلا، جالسا او قائما، ساكنا او متحركا و المعتبر فيه امور.

الاول: النية اي الاتيان بقصد القربة مع اليقين فيكفي فيه الالتفات بذلك و ان يكون عمله صادرا منه بهذا القصد و نيته مقارنة له.

حدود عرفات

مسألة 41- جاء في الروايات في صحيح معاوية بن عمار في حدود عرفة ان حدها من بطن عرنة و ثوية و نمرة الي ذي المجاز و خلف الجبل موقف «2» و في صحيح أبي بصير قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «حدّ عرفات من

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 19/ 2.

(2)- وسائل الشيعة ب 10 من ابواب احرام الحج و الوقوف بعرفة ح 1 و 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 144

المأزمين الي اقصي الموقف «1» فراجع ان شئت تفاصيل ذلك و المرجع فيه الي الخبرة من اهل الحرمين و غيرهما و راجع أيضا الجواهر «2» فانه قد ذكر التعريف لها مفصلا و بالجملة عنوان الحدود و الاماكن و تفسيرها يؤخذ من الروايات و من اللغة و في تشخيصها في الخارج يكون المرجع اهل الخبرة».

وقت الوقوف بعرفات

مسألة 42- وقت الوقوف عند تحقق الزوال كما صرح به غير واحد و عن المدارك نسبته الي الاصحاب فعلي القول بأن الوقوف الواجب يكون من اوّل وقته الي الغروب اي ما بين الزوال و الغروب ان لم ينوه مقارنا لاول الزوال و اخّره الي بعده اثم و لكن قال في الجواهر «3»: قد يظهر من قول الصادق عليه السّلام في صحيح معاوية بن عمار المشتمل علي صفة حج النبي صلّي اللّه عليه و آله خلاف ذلك قال: «حتي انتهي الي غرة و هي بطن عرنة بحيال الاراك فضرب قبته و ضرب الناس اخبيتهم عندها فلما زالت الشمس خرج رسول اللّه 9 و معه قريش و قد اغتسل و قطع التلبية حتي وقف بالمسجد فوعظ الناس و امرهم و نهاهم ثم صلي الظهر و العصر باذان واحد و إقامتين ثم مضي إلي الموقف فوقف

به «4» و لكن احتمل ان يكون المراد من قوله ثمّ مضي الي الموقف المكان الّذي تهيئ له صلّي اللّه عليه و آله ان يقف فيه و لكنه خلاف الظاهر فالاولي و الاحوط ان ينوي الوقوف من اوّل الزوال و بعبارة اخري يحضر الموقف من اوّل الزوال بقصد الوقوف للّه تعالي و يأتي بصلاة الظهر و العصر فيه هذا كله في وقت

______________________________

(1)- وسائل الشيعة ب 10 من ابواب احرام الحج و الوقوف بعرفة ح 1 و 2.

(2)- جواهر الكلام: 19/ 18.

(3)- جواهر الكلام: 19/ 17.

(4)- وسائل الشيعة ب 2 من ابواب اقسام الحج ح 3.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 145

الموقف من جانب اوله و في جانب آخره فلا خلاف في انه غروب يوم عرفة».

وجوب الوقوف في عرفات بنحو الاستيعاب

مسألة 43- هل يجب في الوقوف استيعاب الزمان من الزوال يوم عرفة الي غروب الشمس بالكون فيها مع الاختيار او يكتفي بمسماه الّذي هو الركن.

قال في الجواهر: الظاهر هو الاول كما صرح به الشهيدان في الدروس و اللمعة و المسالك و المقداد و الكركي و غيرهم من غير اشارة احد منهم الي خلاف في المسألة بل ظاهر المدارك نسبته الي الاصحاب مشعرا بالاجماع عليه بل لم اجد الثاني قولا محررا بين الاصحاب نعم قد سمعت ما في المدارك من التوقف فيما حكاه عن الاصحاب من وجوب كون النية حين الزوال «1»، ثم ذكر كلمات العلماء بطولها و الاقوي جواز التأخير بمقدار زمان يفي للغسل و لصلاة الظهرين و الاحوط نية الوقوف مقارنا للزوال و الاتيان بالغسل قبل الزوال و الاتيان بالظهرين في حال الوقوف و كيف كان يكفي في الحكم بصحة الحج مسمي الوقوف و ان اثم بترك الاستيعاب و اخل

به في جزء منه.

حكم من افاض قبل الغروب جاهلا أو ناسيا

مسألة 44- لو افاض قبل الغروب فان كان جاهلا او ناسيا لا شي ء عليه حكي في الجواهر الاجماع عليه بقسميه و قال: بل عن ظاهر المنتهي

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 19/ 19.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 146

و التذكرة انه موضع وفاق بين العلماء «1»، و مقتضي الاصل عدم ترتب اثر عليه لا يفسد به الحج و لا يترتب عليه الكفارة مضافا الي دلالة النص و الفتوي علي عدم فساد الحج به لو فعله عامدا و في صحيح مسمع بن عبد الملك «2» عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في رجل افاض من عرفات قبل غروب الشمس؟ قال: ان كان جاهلا فلا شي ء عليه، و ان كان متعمدا فعليه بدنة «3»».

و الظاهر عدم الفرق بين الجاهل و الناسي و اعتبار العمد في ترتب الكفارة لتصريحه عليه السّلام بذلك بقوله «ان كان متعمدا» و لو كان الحكم مختصا بالجاهل لقال: و ان كان عالما نعم لو علم الجاهل او ذكر الناسي قبل الغروب وجب العود لوجوب الاستيعاب و امّا وجوبه لامتثال حرمة الافاضة قبل الغروب و لو لم نقل بالاستيعاب ففيه كما حكي عن كشف اللثام «4» وجهان: وجه الوجوب ان الافاضة من عرفات تتحقق اذا افاض منها و ترتب عليها ما بعد عرفات من المناسك دون ما اذا رجع الي عرفات و افاض منه بعد الغروب.

و وجه عدم الوجوب تحقق الافاضة بالنسيان او الجهل فلا تنقلب وجودها بالعدم.

و اما ان كان عامدا ففي الجواهر لا ريب في اثمه مع عدم عوده من دون فساد لحجه «5» و يدل عليه صحيح مسمع المتقدم و صحيح ضريس الكناسي «6» عن أبي

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 19/ 27.

(2)- من

الخامسة سيّد المسامعة ثقة.

(3)- وسائل الشيعة ب 23 من ابواب احرام الحج ح 1.

(4)- راجع جواهر الكلام 19/ 28.

(5)- جواهر الكلام: 19/ 28.

(6)- من الرابعة خير فاضل ثقة.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 147

جعفر عليه السّلام قال: «سألته عن رجل افاض من عرفات قبل ان تغيب الشمس؟ قال:

عليه بدنة ينحرها يوم النحر فان لم يقدر صام ثمانية عشر يوما بمكة او في الطريق او في اهله» «1». و عن ابن محبوب مرسلا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «في رجل افاض من عرفات قبل ان تغرب الشمس، قال: عليه بدنة فان لم يقدر علي بدنة صام ثمانية عشر يوما» «2» و مقتضي هذه الاحاديث ترتب الاثم علي الافاضة قبل الغروب و الكفارة و هي بدنه و ان لم يقدر عليها صام ثمانية عشر يوما، و اما ما حكي عن الصدوقين من كون الكفارة شاة فلا يوجد في رواية و ان حكي عن الجامع انه نسبه الي رواية، و عن الخلاف ان عليه دم للاجماع و الاحتياط و قول النبي صلّي اللّه عليه و آله في خبر ابن عباس (من ترك نسكا فعليه دم) و ما ذكره الجامع و الخلاف لا يقاومان الروايات المسندة المذكورة «3».

هذا و لو عاد الّذي افاض قبل الغروب هل يسقط منه الكفارة أم لا وجه السقوط عدم وجود دليل علي وجوبها علي الّذي عاد فان ما دل علي وجوب الكفارة ظاهر في غير العائد و وجه عدم السقوط اطلاق الادلة و ان سقوط الكفارة بعد ثبوتها يحتاج الي الدليل و فيه منع الاطلاق و الثبوت.

ثم ان هذا الحكم مختص بالرجال او لا فرق فيه بينهم و بين النساء؟ يمكن الترديد في شموله

للنساء فلا تأتي فيه قاعدة الاشتراك و مقتضي الاصل عدم الحرمة و عدم الكفارة عليهن ثم ان ظاهر الروايات المذكورة صحة الصوم المذكور فيها في السفر و مقتضي الاحتياط الاتيان به متواليا بل لعله كان الاظهر.

و هل يجب الكفارة علي من افاض قبل الغروب ناسيا او جاهلا و امكن له

______________________________

(1)- وسائل الشيعة ب 23 من ابواب احرام الحج ح 3 و 2.

(2)- وسائل الشيعة، ب 23، من ابواب احرام الحج ح 3 و 2.

(3)- وسائل الشيعة ب 23، من ابواب إحرام الحج، ح 3 و 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 148

التدارك بالرجوع و الافاضة منه بعد الغروب و لم يرجع لا يبعد كونه كالعامد الّذي افاض قبل الغروب. و اللّه هو العالم.

مسمي الوقوف في عرفات ركن

مسألة 45- قد ظهر مما ذكر ان مسمي الوقوف في عرفات ركن من تركه عامدا لا حج له و هذه المسألة ثابتة لا ينبغي الارتياب فيها و اما من تركه لعذر يجب عليه تداركه بالوقوف فيه قبل غروب يوم عرفة بمقدار يصدق عليه المسمي ان امكن و هذا هو الوقوف الاختياري و الا يتداركه بالوقوف في الموقف ليلة العيد و هذا هو الوقوف الاضطراري من عرفات فمن ادركه تم حجه و لو لم يتمكن من ذلك وفاته الوقوف بقسميه يجتزي بالوقوف بالمشعر قال في الجواهر: بلا خلاف اجده في شي ء من ذلك بل الاجماع بقسميه عليه «1» و في صحيح معاوية بن عمّار عن الصادق عليه السّلام: «في رجل ادرك الامام و هو بجمع؟ فقال: ان ظن انه يأتي عرفات، و يقف بها قليلا ثم يدرك جمعا قبل طلوع الشمس فليأتها، و ان ظن انه لا يأتيها حتي يفيضوا فلا ياتها و ليقم

بجمع فقد تم حجه» «2»».

و في الحلبي: «قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يأتي بعد ما يفيض الناس من عرفات؟ فقال: ان كان في مهل حتي يأتي عرفات من ليلته فيقف بها ثم يفيض فيدرك الناس في المشعر قبل ان يفيضوا فلا يتم حجه حتي يأتي عرفات، و ان قدم و قد فاتته عرفات فليقف بالمشعر الحرام فان اللّه تعالي اعذر لعبده فقد تم حجه اذا ادرك المشعر الحرام قبل طلوع الشمس و قبل ان يفيض الناس فان لم يدرك المشعر الحرام

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 19/ 33.

(2)- وسائل الشيعة: ب 22 من ابواب الوقوف بالمشعر ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 149

فقد فاته الحج فليجعلها عمرة مفردة و عليه الحج من قابل» «1».

و ظاهر النصوص عدم الفرق بين كون العذر كالمرض و الضعف الجسمي او الجهل سواء كان بالموضوع او الحكم ان لم يكن مقصرا فلا يشمله مثل قوله عليه السّلام (فان اللّه تعالي اعذر لعبده) و امّا النسيان فقد حكي عن الحدائق: ان الروايات خالية عن ذكر الناسي و ان قوله (فان اللّه تعالي اعذر لعبده) لا يشمل النسيان فانه من الشيطان و ما كان من الشيطان لا يجري فيه العذر و لا يقال ان ذلك موجب لتغاير حكم الجهل و النسيان لانه يقال: لا بأس به لان الحكم في مورد الجهل لانه بحكم النص دون النسيان كما يكون الامر كذلك في باب الصلاة بالنسبة الي نسيان النجاسة و الجهل بها فيحكم بفسادها في صورة النسيان و صحتها في صورة الجهل «2».

و فيه: انه لا ريب في ان النسيان عذر يشمله الاطلاق كما يشمل الجهل و قوله (فان اللّه تعالي اعذر لعبده)

يشمل كل ما صدر من العبد من دون اختياره و لذا يشمل ما اذا منعه الظالم من الوقوف بعرفات.

و هنا فرع طرحه بعض الاكابر و بيانه بتقرير منّا: انه كان عالما بانه لا يدرك الوقوف الاختياري و لا الاضطراري بعرفات و يعلم انه يدرك الوقوف بالمشعر فهل يجب عليه الاحرام من مكة او يجوز له تاخير الاحرام فاختار ان من يجزيه الموقف الاضطراري بعرفات او الوقوف بالمشعر لا يجب عليه تقديم الاحرام و ما دل علي لزوم الاحرام قبل الزوال او بعده او عنده فانما هو لمن وجب عليه الوقوف في النهار فاذا فرضنا ان الوقوف في النهار غير واجب عليه لا مقتضي للاحرام من الزوال فيجوز له تاخيره الي زمان يدرك الوقوف الاضطراري لعرفة او الوقوف

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 22 من ابواب الوقوف بالمشعر ح 1.

(2)- راجع جواهر الكلام: 19/ 35.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 150

في المشعر.

فيما افاده تامل و اشكال فالاحوط لو لم يكن الاقوي عدم تأخير الاحرام من زوال يوم عرفة. و اللّه هو العالم.

حكم قاضي العامة برؤية الهلال

مسألة 46- قد عرف مما ذكر ان مما يعتبر في الوقوف بعرفات وقوعه في يوم عرفة فلا يجزي الوقوف يوم الثامن فيشكل الحكم فيما اذا ثبت الهلال عند القاضي الحاكم من قبل الحاكم المسلط علي ادارة الحرمين من امور الحج و غيرها و لم يثبت عند اهل الحق من شيعة اهل البيت عليهم السلام و كان مخالفته موجبة لاثارة الفتنة بل ربما يخاف منها تلف النفوس مما تجب به التقية و متابعتهم فالكلام فيه يجري في مقامين:

الاول: فيما اذا كان الامر عند الشيعة مجرد عدم الثبوت و الحكم الظاهري بعدم دخول اليوم التاسع بمقتضي الاستصحاب.

و المقام الثاني

فيما اذا كان الثابت عند الشيعة خلاف ما حكم به قاضي العامة.

اما الكلام في المقام الاول: فتارة يقع في الحكم التكليفي و اخري في الحكم الوضعي.

فنقول: لا ريب في وجوب متابعتهم تكليفا و حرمة مخالفتهم كذلك بالاجماع و الاخبار المتواترة الواردة في التقية و هذا هو القدر المتيقن من وجوب التقية و ان انتهي الي ترك واجب او فعل حرام كافطار الصوم.

و اما الحكم الوضعي و اجزاء المأتي به عن المامور به الواقعي فيمكن ان يقال: ان ذلك مدلول اخبار التقية و الجمع بينها و بين ادلة الاحكام الواقعية و الظاهر ان هذا

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 151

هو الّذي استقر عليه العمل فلا يجب علي المكلف في حال التقية الاتيان بالمأمور به الواقعي و يجزيه المامور به بالامر الاضطراري و يمكن ان يقال بالفرق بين ما اذا كان التقية بترك الواجب كافطار صوم شهر رمضان فمقتضي التقية وجوب الافطار و لكن لا يجزيه ذلك عن قضائه كما اذا افطر مضطرا و لذا قال الامام عليه السّلام: «افطاري يوم و قضائه ايسر علي من ان يضرب عنقي «1»». او بمتابعتهم في فعل من الافعال كالوقوف و الصلاة و كيف كان الظاهر ان الوقوف معهم تقية يجزي عن الوقوف في اليوم التاسع كما يجزي غسل اليدين منكوسا في الوضوء و غسل الرجلين و التكتف في الصلاة و قول آمين و نحو ذلك خصوصا فيما كان الابتلاء به كثيرا كالموارد المذكورة و لذا لم يوجد في الاحاديث ما يدل علي امرهم بالوقوف اليوم الاخر و عدم الاجزاء.

هذا مضافا الي انه استدل للاجزاء بما رواه ابو الجارود «2». «قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام إنا شككنا سنة في عام

من تلك الاعوام في الاضحي فلما دخلت علي أبي جعفر عليه السّلام و كان بعض اصحابنا يضحي فقال: الفطر يوم يفطر الناس و الاضحي يوم يضحي الناس و الصوم يوم يصوم الناس «3»». و ضعف بمذهبه و بما قيل فيه و لكن قال بعض المعاصرين قد وثقه المفيد و مدحه مدحا بليغا مضافا الي انه من رجال تفسير علي بن ابراهيم و كامل الزيارات و لا يضر فساد عقيدته بوثاقته «4».

و هل يجوز لمن وقف تقية الاحتياط بالوقوف ثانيا الظاهر انه لا يجوز اذا كان مخالفا للتقية و ان وقف و الحال هذه لا يضر بصحة اعماله و صحة حجه و ان امكن له

______________________________

(1)- وسائل الشيعة ب 57 من ابواب ما يمسك عنه الصائم ح 5.

(2)- زياد بن المنذر إليه تنسب الجارودية من الرابعة.

(3)- وسائل الشيعة ب 57 من ابواب ما يمسك عنه الصائم ح 7.

(4)- المعتمد: 5/ 155.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 152

الوقوف الغير المخالف للتقية كما اذا اتي الموقف في اليوم الآخر فاحصا عن شي ء ضله لم يفعل محرما و لا بأس به احتياطا و ان قال البعض: عمله لغو لا يتصف بالوجوب و لا الحرمة و الظاهر منه ان الحكم بالاكتفاء بالوقوف الّذي اتي به مقطوع به و معه لا وجه للاحتياط «1».

هذا و أما الكلام في المقام الثاني اي صورة العلم بالخلاف فلا ريب في وجوب التقية أيضا تكليفا و اما الاجزاء و الحكم بالصحة فقد قيل: ان السيرة قد تحققت بالنسبة الي صورة عدم العلم بالخلاف كما هو الغالب و اما صورة العلم بالخلاف فلا يأتي فيها ما قلنا في الصورة الاولي بل الظاهر من كلمات قائل هذا عدم وجوب

المتابعة في هذه الصورة لان العامة لا يرون نفوذ حكم حاكمهم علي من كان قاطعا بالخلاف فالعمل الصادر منه لا يكون مصداقا للتقية.

و فيه فاذا كان ذلك عذرا في مخالفتهم في صورة العلم بالخلاف يكون عذرا أيضا لها في صورة عدم العلم به لان وجه مخالفة من يخالفهم غير ظاهر منها مضافا الي ما نسب إليهم لم يثبت فلعلهم يرون عدم جواز مخالفة حكم القاضي مطلقا لحفظ الاتحاد و سياسة الادارة و الظاهر منهم في زماننا هذا ان الحكومة تمنع من الوقوف بعرفات في اليوم الّذي هو العاشر عندها لا تسمح لمن يدعي العلم بخلاف حكم القاضي سيّما اذا كان من الشيعة و مع ذلك فان امكن له الاحتياط بدرك الوقوف الاضطراري في المزدلفة يحتاط و الا فيمكن القول بالاكتفاء بمتابعتهم و القول بانه ممن لم يتمكن من درك الوقوفين الاضطراري و الاختياري يجب عليه العدول الي العمرة المفردة و الاتيان بالحج في القابل ان بقيت استطاعته الي العام القابل مشكل جدا، و العمل بالاحتياط استحبابا.

______________________________

(1)- المعتمد: 5/ 156.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 153

اذا ادرك اختياري عرفة و اضطراري المشعر
اشارة

مسألة 47- اذا ادرك اختياري عرفة و اضطراري المشعر اي وقف بعرفات قبل الغروب و لم يتفق له ادراك المشعر الا قبل زوال يوم العاشر قال في الشرائع صح حجه و في الجواهر: بلا خلاف اجده فيه بل الاجماع بقسميه عليه «1» مضافا الي النصوص التي منها صحيح معاوية: «قلت لابي عبد اللّه عليه السّلام: ما تقول في رجل افاض من عرفات الي مني؟ قال: فليرجع فليأت جمعا فيقف بها و ان كان الناس قد افاضوا من جمع» «2» و موثق يونس بن يعقوب: «قلت لابي عبد اللّه عليه السّلام رجل

افاض من عرفات فمرّ بالمشعر فلم يقف حتي انتهي الي مني و رمي الجمرة و لم يعلم حتي ارتفع النهار؟ قال: يرجع الي المشعر فيقف به ثم يرجع فيرمي جمرة العقبة» 3 و صحيح معاوية عنه عليه السّلام أيضا «من افاض من عرفات الي مني فليرجع و ليأت جمعا و ليقف بها و ان كان قد وجد الناس قد افاضوا من جمع» 4 انتهي و ظاهر النصوص صورة الجهل و النسيان و في شموله صورة الجهل عن التقصير اشكال.

اذا لم يدرك إلا اختياري عرفة

هذا اذا ادرك الوقوفين اختياري عرفة و اضطراري المشعر فان لم يدرك الا اختياري عرفة فهل يجزيه ذلك او يفوت الحج بعدم درك المشعر اصلا الاشهر بل المشهور الاجزاء بل عن المسالك بلا خلاف في الاجتزاء، باحد الموقفين

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 19/ 38.

(2) 2 و 3 و 4 وسائل الشيعة: ب 21 من ابواب الوقوف بالمشعر ح 2 و 3 و 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 154

الاختياريين و عن العلامة التصريح بعدم الاجتزاء «1».

قال في الجواهر بعد ذكر الاختلاف و تصريح جماعة بالاجزاء: «كل ذلك مضافا الي النبوي (الحج عرفة) «2» و المروي في طرقنا الحسنة (الحج الاكبر الموقف بعرفة و رمي الجمار» «3» و الصحيح او الحسن عن محمد بن يحيي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «انه قال في رجل لم يقف بالمزدلفة و لم يبت بها حتي اتي مني؟ فقال: الم ير الناس لم يكونوا بمني حين دخلها؟ قلت: فانه جهل ذلك قال: يرجع قلت: ان ذلك قد فاته قال:

لا بأس» «4» و مرسل محمد بن يحيي الخثعمي عنه عليه السّلام أيضا «فيمن جهل و لم يقف بالمزدلفة و لم يبت حتي اتي مني؟

قال: يرجع قلت: ان ذلك قد فاته؟ قال: لا بأس به» «5» و الي رفع الخطا و النسيان و معذورية الجاهل و خصوصا في الحج بل قيل:

و الي صحيح حريز عن الصادق عليه السّلام علي ما رواه الكليني و الشيخ و علي بن رئاب عنه عليه السّلام علي ما رواه الصدوق «من افاض من عرفات مع الناس و لم يبت معهم بجمع و مضي الي مني متعمدا او مستخفا فعليه بدنة» «6» و ان كان لا يخلو من نظر «7».

هذا و قد اختار بعض المعاصرين فساد الحج اذا ادرك اختياري عرفة خاصة كما اختاره العلامة و خلافا لما عن المشهور قال: و ما اختاره العلامة هو الصحيح لانتفاء ما يدل علي الصحة بدرك اختياري عرفة وحده و الروايات صريحة في ان من فاته

______________________________

(1)- راجع جواهر الكلام: 19/ 38 و 39.

(2)- المستدرك: ب 18 من ابواب احرام الحج ح 3.

(3)- وسائل الشيعة: ب 19 من ابواب احرام الحج ح 9.

(4)- وسائل الشيعة ب 25 من ابواب الوقوف بالمشعر ح 6.

(5)- وسائل الشيعة: ب 25 من ابواب الوقوف بالمشعر ح 5.

(6)- وسائل الشيعة: ب 26 من ابواب الوقوف بالمشعر ح 1.

(7)- جواهر الكلام: 19/ 39 و 40.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 155

المشعر فقد فاته الحج «1».

و كانه اراد الجواب عما افاده صاحب الجواهر فانه قال بعد ما ذكر ما استدل به للمشهور: و علي كل حال فلا يعارض ذلك بعموم الصحيح «اذا فاتك المزدلفة فقد فاتك الحج» «2» و بالمرسل «الوقوف بالمشعر فريضة و الوقوف بعرفات سنة» «3» و بمفهوم جملة من النصوص من ادرك جمعا اما مطلقا او قبل زوال الشمس فقد ادرك الحج ضرورة تخصيص

ذلك كله بغير الجاهل الّذي وقف اختياري عرفة الملحق به الناسي و المضطر بعدم القول بالفصل و احتمال إرادة الجهل بالحكم بل هو الظاهر و لا ريب في اولوية الناسي منه خصوصا بعد ملاحظة ما عرفت من الشهرة العظيمة او عدم الخلاف المحقق نقلا ان لم يكن تحصيلا الخ «4».

و حاصل استدلال صاحب الجواهر ان التعارض بين ما يدل علي الاجتراء بالاختياري من عرفة خاصة و ما يدل علي فوت الحج بفوت المزدلفة يكون من تعارض الخاص مع العام الّذي لا ريب تخصيص العام فيه بالخاص فيخصص مثل قوله عليه السّلام «اذا فاتك المزدلفة» بغير الجاهل.

و الجواب عن ذلك: ان قوله اذا فاتك المزدلفة او من ادرك جمعا ظاهر في غير العامد و العالم فلا يرتفع التعارض بين الطائفتين لعدم امكان تخصيص (اذا فاتك) الظاهر في غير العامد بالعامد اللهم الا ان يقال: ان غير العامد أيضا له فردان من فاته المزدلفة و عرفة معا و من فاته المزدلفة دون الّذي اتي بوقوف عرفة و لكن هذا خلاف الظاهر لظهور قوله عليه السّلام «اذا فاتك المزدلفة» في ان فوتها تمام الموضوع لفوت

______________________________

(1)- المعتمد: 5/ 184.

(2)- وسائل الشيعة: ب 25 من ابواب الوقوف بالمشعر ح 1.

(3)- وسائل الشيعة: ب 19 من ابواب احرام الحج ح 14.

(4)- جواهر الكلام: 19/ 40.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 156

الحج اللهم الا ان يقال باظهرية الطائفة الاولي و اعتضادها بعمل المشهور بها و مقتضي الاحتياط الاتيان بالمناسك الباقية بقصد ما عليه في الواقع من مناسك الحج او العمرة و اعادة الحج ان كان مستقرا عليه في العام القابل او بقيت استطاعته الي العام الآتي و اللّه هو العالم.

ثم انه لا يخفي

عليك انه لا تعارض بين مثل صحيح محمد بن يحيي الدال علي الاكتفاء باختياري عرفة و عموم قوله عليه السّلام في الصحيح «اذا فاتك المزدلفة فقد فاتك الحج» لتخصيص مثل هذا العموم كما في الجواهر بغير الجاهل الّذي وقف اختياري عرفة الملحق به الناسي و المضطر بعدم القول بالفصل دون الجاهل الّذي لم يقف بعرفة اللهم الا ان يقال: ان هذا من قبيل التخصيص بالاكثر المستهجن، و القول بشموله للعامد أيضا خلاف الظاهر لان ظاهر الفوت الفوت بالعذر دون العمد و العلم فيبقي التعارض بين الطائفتين علي حاله هذا مضافا الي انه علي فرض التخصيص لا يكون فوت المزدلفة بالخصوص مسببا لفوت الحج لفوت اضطراري عرفة أيضا معه بخلاف ما اذا كان فوتها سبب فوت الحج مطلقا فتدبر جدا فانه دقيق.

و الّذي يهون الخطب انه ليس هنا ما يستدل به لاجزاء اختياري عرفة الا رواية محمد بن يحيي لابن أبي عمير التي رواها كما في الكافي «1» عن أبي عبد اللّه عليه السّلام و في التهذيب و الاستبصار «2» تارة عن الكليني كما في الكافي و اخري عن سعد بن عبد اللّه باسناده عن ابن أبي عمير عن محمد بن يحيي الخثعمي عن بعض اصحابه مرسلا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام و لا ريب في انهما رواية واحدة و ان كان الظاهر من الجواهر «3» عدهما روايتين فعلي ذلك يتردد امر سندها بين الارسال و الاسناد

______________________________

(1)- الكافي: 4/ 473، ح 5.

(2)- التهذيب: 5/ 292 ح 992/ 29، 993/ 30؛ الاستبصار: 2/ 305 ح 109 و 1091.

(3)- جواهر الكلام: 19/ 40.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 157

و مقتضي تقدم اصالة عدم الزيادة علي اصالة عدم النقيصة

ارسالها.

و مما ذكر ظهر ما في القول بكفاية اختياري عرفة و الافاضة منها و المرور بالمزدلفة تمسكا برواية الخثعمي بدعوي اختصاص دلالتها بكفاية اختياري عرفة ان مر بالمزدلفة فان ذلك فرع صحة الاحتجاج بها.

ثم ان هنا نكتة و هي ان خبر الخثعمي يدل بإطلاقه علي عدم البأس بفوت المشعر ان مر به و ان لم يدرك اختياري عرفة و الظاهر انه لا قائل به و بالجملة فلا يثبت بما ذكر كفاية درك اختياري عرفة ان مرّ بالمشعر فضلا عما اذا لم يمرّ به و هنا من الروايات ما يدل علي كفاية ادراك المشعر ذاكرا للّه تعالي و ان لم يقصد الوقوف ففي رواية محمد بن حكيم قال «قلت لابي عبد اللّه عليه السّلام اصلحك اللّه الرجل الاعجمي و المرأة الضعيفة يكونان مع الجمّال الاعرابي فاذا افاض بهم من عرفات مرّ بهم كما هم الي مني لم ينزل بهم جمعا؟ قال: فذكروا اللّه فيها فان كانوا ذكروا اللّه فيها فقد اجزأهم» «1» و محمد بن حكيم ممدوح من الخامسة لا يضعف به السند و يدل عليه أيضا خبر أبي بصير «2» و المستفاد منها الاكتفاء بالمرور بالمشعر للجاهل و الناسي و اللّه هو العالم.

اذا لم يدرك إلا اضطراري المشعر

مسألة 48: اذا لم يدرك من الموقفين الا اضطراري المشعر فهل يجتزي بذلك أم لا؟ مقتضي النصوص المستفيضة الدالة علي فوت الحج ان لم يدرك المشعر حتي طلعت الشمس فوت الحج به و مقتضي النصوص

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 25 من ابواب الوقوف بالمشعر ح 3.

(2)- وسائل الشيعة: ب 25 من ابواب الوقوف بالمشعر ح 7.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 158

الاخري الدالة علي ان من ادرك المشعر يوم النحر قبل زوال الشمس فقد

ادرك الحج الاجزاء فيقع التعارض بينها لان الاولي تدل علي انتهاء الوقت بطلوع الشمس و الثانية تدل علي امتداده الي زوال يوم النحر و يمكن ان يقال بترجيح الاولي لموافقته مع الكتاب لدلالة قوله تعالي: فَإِذٰا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفٰاتٍ فَاذْكُرُوا اللّٰهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرٰامِ … ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفٰاضَ النّٰاسُ علي وجوب درك المشعر مع الناس و الافاضة معهم و فيه: ان من المحتمل عدم صدور الكلام لبيان تمام الموضوع من الحكم بل الظاهر منه حكم صورة الاختيار و عدم العذر فلا ترجيح بالكتاب، و يمكن ان يقال: ان بعد التعارض و عدم الترجيح مقتضي الاصل عدم اشتراط الوقوف بوقوعه قبل طلوع الشمس اذا كان معذورا و ما يدل علي الاشتراط بيان لحكم حال الاختيار دون الاضطرار.

و قد حاول بعض الاجلة بالجمع بين الطائفتين، و رفع التعارض بينهما بحمل ما دل علي امتداد الوقت الي طلوع الشمس للمختار و ما دل علي امتداده الي الزوال للمعذور لوجود الشاهد لهذا الجمع نفس الاخبار قال: فمن جملة هذه الروايات معتبرة عبد اللّه بن المغيرة قال «جاءنا رجل بمني فقال: اني لم ادرك الناس بالموقفين جميعا؟ فقال له عبد اللّه بن المغيرة: فلا حج لك و سأل اسحاق بن عمّار فلم يجبه فدخل اسحاق بن عمّار علي أبي الحسن عليه السّلام فسأله عن ذلك؟ فقال: اذا ادرك مزدلفة فوقف بها قبل ان تزول الشمس يوم النحر فقد ادرك الحج» «1» فانها واضحة الدلالة في فوت الموقفين علي الرجل من عذر و عن غير اختيار و صريحة في امتداد الموقف للمعذور الي الزوال و اوضح من ذلك معتبرة الفضل بن يونس عن أبي الحسن عليه السّلام قال: «سألته

عن رجل عرض له سلطان فاخذه ظالما له يوم عرفة قبل ان يعرف فبعث به الي مكة فحبسه فلمّا كان يوم النحر خلّي سبيله كيف يصنع؟ فقال: يلحق

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 23 من ابواب الوقوف بالمشعر ح 6.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 159

فيقف بجمع ثم ينصرف الي مني فيرمي و يذبح و يحلق و لا شي ء عليه» الحديث «1».

ثم قال: فظهر ان الصحيح ما ذهب إليه بعض القدماء و بعض المتأخرين من الاجتزاء بالموقف الاضطراري في المزدلفة للمعذور و ان لم يدرك موقفا آخر فان تم الحكم بالصحة في درك الموقف الاضطراري في المزدلفة فقط فيتم الحكم بالصحة في القسمين الآخرين بالاولوية و هما ما لو ادرك اضطراري عرفة او ادرك اختياري عرفة منضما الي الموقف الاضطراري المشعر الحرام «2».

أقول: ظاهر الطائفتين بيان حكم المعذور و لو كان مفادهما حكم مطلق من لم يقف بالمشعر و دلت إحداهما علي بطلان الحج و الآخر علي وجوبه الي زوال يوم النحر يجوز الجمع بينها بما ذكر دون ما اذا لم يكن كذلك و كان الظاهر من كل منهما حكم المعذور و الا فالجمع بينهما بالعموم و الخصوص و حمل العام علي الخاص هو مقتضي القاعدة.

هذا كله في الكلام عن صورة درك اضطراري المشعر خاصة و امّا ان ادركه بضم اختياري عرفة فقد مر حكمه و الاجتزاء به و ان ادركه بضم اضطراري عرفة قال في الجواهر: مقتضي المحكي من النهاية و المبسوط انه قد فاته الحج و اختاره في النافع للمعتبرة المستفيضة المتضمنة ان من لم يدرك الناس قبل طلوع الشمس من يوم النحر فلا حج له فانها شاملة للفرض بل و لمن ادرك اختياري عرفة أيضا

و ان كان قد خرج بما عرفت من الاجماع و غيره بخلاف الفرض لكن فيه انها ظاهرة كما لا يخفي علي من لاحظها فيمن لم يدرك الا ذلك لا المفروض الّذي ادرك فيه اضطراري عرفة معه (و ساق الكلام) الي ان قال: كل ذلك مضافا الي خصوص

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 23 من ابواب الوقوف بالمشعر ح 2.

(2)- المعتمد: 5/ 179.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 160

صحيح الحسن العطار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «اذا ادرك الحاج عرفات قبل طلوع الفجر فاقبل من عرفات و لم يدرك الناس بجمع و وجدهم قد افاضوا فليقف قليلا بالمشعر الحرام و ليلحق الناس بمني و لا شي ء عليه» «1».

فعلي هذا حكم اضطراري عرفة مع درك اضطراري المشعر و حكم اختياري عرفة مع اضطراري المشعر سواء، يجزي و صح الحج فيهما و اللّه هو العالم.

بيان اقسام الوقوفين

مسألة 49- اعلم ان حال المكلف بالنسبة الي الوقوفين و ادراكهما جميعا او فوتهما كذلك او فوت إحداهما و دركه الآخر اضطرارية او اختيارية ثمانية.

الاول: ان لا يدرك شيئا من الموقفين حتي الاضطراري من احدهما، و لا ريب في بطلان الحج فيجب عليه اتمام احرامه بعمرة مفردة و عليه الحج من قابل ان كان الحج مستقرا عليه او بقيت استطاعته الي السنة الآتية.

الثاني: ان يدرك اختياري عرفة فقط و لم يدرك المشعر اصلا و قد عرفت الكلام فيه و ان الاقوي بطلان الحج بفوت المشعر و ان ادرك عرفات و ان كان الاحوط ان يتمه فياتي بالمناسك المشتركة بين العمرة و الحج بقصد ما عليه منهما و بالمناسك الخاصة بقصد الاحتياط و الرجاء.

الثالث: ان يدرك الوقوف الاختياري لعرفة و اضطراري المزدلفة و حكمه صحة الحج.

الرابع:

درك الوقوف الاضطراري من عرفات و وقوف اختياري المزدلفة

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 19/ 42.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 161

و حكم هذا أيضا كسابقه الصحة.

الخامس: درك اضطراري الوقوفين دون الاختياري منهما و قد عرفت ان مقتضي صحيح الحسن العطّار صحة الحج و ان كان الاحوط اتمامه علي ما ذكر و اعادة الحج في السنة الآتية ان كان مستقرا عليه او بقيت استطاعته.

السادس: ان لا يدرك من الموقفين الا اضطراري المشعر و قد قلنا بتعارض الاخبار في حكمه و ان مقتضي الاصل بعد سقوط الروايات بالتعارض كفاية الوقوف الاضطراري الا انه لا ينبغي ترك الاحتياط حسب ما تقدم.

السابع: ان يدرك الوقوف الاضطراري في عرفات و قد عرفت بطلانه في صورة دركه الاختياري فهذا بالبطلان اولي.

الثامن: ان يدرك الوقوف الاختياري في المشعر و هذا لا شك في الاجتزاء به و صحة الحج. بقي الكلام في ادراك المشعر قبل طلوع الفجر فهل هو من الوقوف الاختياري و كمن ادرك المشعر بين الطلوعين فمن ادركه قبل طلوع الفجر و افاض من المشعر قبل طلوع الفجر يدرك الوقوف الاختياري و صح حجه ادرك الوقوف الاضطراري او الاختياري من عرفة أم لم يدرك او هو من الوقوف الاضطراري فمن ادركه و الوقوف الاختياري لعرفة صح حجه و كذا من أدركه و اضطراري عرفة صح حجه و كذا من ادركه ملحق بمن ادرك اضطراري المشعر قبل زوال يوم النحر او انه لا اعتبار بادراكه و ان قلنا بوجوب الوقوف قبل طلوع الفجر أيضا.

يمكن ان يقال: ان علي القول المشهور الوقوف الركني يتحقق بوقوف ما في المشعر في ليلة النحر قبل طلوع الفجر و بعده الي طلوع الشمس فعلي هذا يتحقق الوقوف الاختياري في المشعر

بمجرد الوقوف ليلة النحر الي طلوع الشمس و ان قلنا بان الوقوف الركني مجرده بين الطلوعين فيمكن ان يقال بإلحاق الوقوف قبل طلوع الفجر بالوقوف الاضطراري يوم النحر لاولويته بالاجتزاء به من الوقوف يوم

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 162

النحر و يؤيد ذلك جواز افاضة النساء و الصبيان و الخائف و الضعفاء مثل الشيوخ و المرضي قبل طلوع الفجر و الا لو لم نقل بواحد من القولين تدور الاحكام مدار درك ما بين الطلوعين و درك المشعر يوم النحر الي الزوال.

فعلي هذا اللازم سرد الكلام في مسألة الوقوف الركني الّذي ان ترك عمدا يبطل الحج و انه هل يتحقق في خصوص بعد الفجر الي طلوع الشمس او يتحقق في تمام ليلة النحر الي طلوع الشمس فنقول نسب الي المشهور انه يجزي الوقوف قليلا ليلا و ان افاض قبل الفجر عامدا لم يبطل حجه.

و نسب الي الشيخ في الخلاف و الحلّي ان الركن الوقوف فيما بين الطلوعين فمن تركه في ذلك الزمان بطل حجه و لا ريب في الاجتزاء به انّما الكلام في الاجتزاء، بمجرد الوقوف في ليلة النحر و ان وقع قبل طلوع الفجر فيمكن ان يستدل له بما في صحيح هشام و غيره قال: «في التقدم من مني الي عرفات قبل طلوع الشمس لا بأس به و المتقدم (التقدم) من المزدلفة الي مني يرمون الجمار و يصلّون الفجر في منازلهم بمني لا بأس» «1» و بإطلاق النصوص الدالّة علي من ادرك المشعر قبل طلوع الشمس فقد ادرك الحج، و بمعتبرة مسمع عن أبي ابراهيم عليه السّلام «في رجل وقف مع الناس بجمع ثم افاض قبل ان يفيض الناس قال: ان كان جاهلا فلا شي ء عليه،

و ان كان افاض قبل طلوع الفجر فعليه دم شاة» «2».

وجه الاستدلال بها استظهار وقوع الافاضة بالعمد من قوله عليه السّلام «و ان كان افاض قبل طلوع الفجر فعليه دم شاة» فان الكفارة تكون لصورة العمد و اما عدم البطلان فلسكوته عن الحكم ببطلانه و لو كان ذلك موجبا للبطلان لذكره الامام عليه السّلام

______________________________

(1)- التهذيب: 5/ 194 ح 643/ 20.

(2)- وسائل الشيعة: ب 16 من ابواب الوقوف بالمشعر ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 163

و حكي الاشكال علي ذلك من صاحب الحدائق فانه افاد ان الرواية غير ناظرة الي حكم العامد بل صدره ظاهر في بيان حكم الجاهل الّذي وقف بعد طلوع الفجر مع الناس بجمع ثم افاض قبل افاضتهم و انه لا شي ء عليه ثم تدارك الامام عليه السّلام لئلا يتوهم السائل ان الافاضة مطلقا اذا كانت عن جهل لا توجب شيئا و ان وقعت قبل الفجر فقال: و ان كان افاض أي و ان كان هذا الجاهل المفروض في السؤال افاض قبل الفجر فعليه دم شاء اذا فلا دلالة للرواية علي حكم العالم العامد حتي يستفاد منها كفاية الوقوف في المشعر قبل الفجر و حصول الوقوف الركني به فيشمله ما يدل علي ان من لم يدرك المشعر مع الناس فقد فاته الحج و الحاصل ان فرض كلام السائل في الرواية الافاضة بعد الفجر و قبل طلوع الشمس و الجواب ان كان جاهلا فلا شي ء عليه في افاضته هذه و ان كانت افاضته قبل الطلوع فعليه دم شاة.

و قال بعض الاجلة: ان ما ذكره قدس سره متين جدّا فاذا لا دليل علي الصحة فيما اذا افاض قبل الفجر عمدا فالصحيح ما ذهب إليه ابن

ادريس و الشيخ في الخلاف من ان الركن في الوقوف هو الوقوف في الجملة فيما بين الطلوعين (قال) و مما يؤيد ان رواية مسمع موردها خصوص الجاهل صحيحة علي بن رئاب ان الصادق عليه السّلام قال: «من افاض مع الناس من عرفات فلم يلبث معهم بجمع و مضي الي مني متعمدا او مستخفا فعليه بدنة» «1» فان وجوب البدنة علي المتعمد يكشف عن ان وجوب الشاة عليه كما في رواية مسمع في مورد الجاهل و الا فيكف يحكم في مورد واحد تارة بان عليه شاة و اخري بان عليه بدنة «2».

أقول: أولا: ان مورد السؤال في رواية مسمع هو الافاضة قبل افاضة الناس سواء وقعت قبل الفجر او بعده و قوله: وقف مع الناس بجمع اعم من وقوفه معهم قبل

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 26 من ابواب الوقوف بالمشعر ح 1.

(2)- المعتمد: 5/ 171.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 164

الفجر او بعده و الشاهد علي ذلك قوله عليه السّلام «و ان كان افاض قبل طلوع الفجر» فانه تكون علي ذلك هذه الجملة الجواب عن السؤال بخلاف ما اذا فرض انه زيادة من الامام عليه السّلام في مقام الجواب.

و ثانيا: علي ما استفاده المشهور منها يكون الحديث من حيث السؤال و الجواب تاما فالسؤال يكون من مطلق الافاضة سواء وقعت قبل الفجر او قبل طلوع الشمس و الجواب انه ان وقعت منه جاهلا لا شي ء عليه سواء وقعت قبل الفجر او بعده و ان كان عالما فعليه دم شاة، بعبارة اخري و الا ان لم يكن جاهلا فعليه دم شاة ان افاض قبل طلوع الفجر فيستفاد من الرواية حكم صور المسألة:

الاولي: ان يكون جاهلا و افاض قبل الفجر.

و

الثاني: ان يكون جاهلا و افاض بعد الفجر و قبل طلوع الشمس.

و الثالث: ان يكون عالما عامدا و افاض قبل الفجر.

و الرابع: ان يكون عالما و افاض بعد الفجر.

و حكم الصورة الاولي و الثانية بإطلاق الجواب عدم شي ء عليه و حكم الثالثة بالمنطوق دم شاة و حكم الرابعة بالمفهوم أيضا عدم شي ء عليه كالجاهل و هذا بخلاف ما استفاد منه صاحب الحدائق فانه يبقي الجواب عن صورة الافاضة عمدا بعد طلوع الفجر و قبل طلوع الشمس و اما رواية علي بن رئاب فيمكن ان يقال: ان موضوع السؤال فيها غير ما هو الموضوع في رواية مسمع فان رواية مسمع ظاهرة في من وقف مع الناس بجمع و رواية علي بن رئاب تدل علي انه لم يلبث معهم بجمع عمدا و مضي الي مني.

هذا فعلي القول المشهور يجزي الوقوف قليلا ليلة النحر و ان وقع قبل الفجر و ترك الوقوف بين الطلوعين.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 165

فان قلت: ان مرسل جميل عن احدهما عليهما السّلام قال: «لا بأس ان يفيض الرجل بليل اذا كان خائفا «1» يدل بالمفهوم علي عدم جواز الافاضة بالليل.

قلت: هذا مبني علي وجوب الكون في المشعر بالليل و بغض النظر عن ارساله غاية الامر يدل علي وجوب المبيت و هذا غير ما نحن بصدده و ما به يتحقق الوقوف الركني و لذا نقول مثل ذلك فيما يدل علي جواز افاضة النساء و الضعفاء قبل الفجر و علي ذلك كله الوقوف قليلا في الليل يكفي في اجزاء الوقوف بالمشعر سواء انضم إليه الوقوف الاختياري او الاضطراري من عرفة أم لا فما يكون تحققه موجبا لصحة الحج مطلقا هو هذا الوقوف الليلي و ما

يكون تركه عمدا موجبا للبطلان أيضا هو هذا. و اللّه هو العالم.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 17 من ابواب الوقوف بالمشعر ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 167

الكلام في الوقوف بالمشعر الحرام

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 169

الوقوف بالمشعر الحرام

الثالث من واجبات الحج: الوقوف بالمشعر الحرام

اشارة

و الكلام فيه يقع في مقامات:

احدها: في حده و هو ما بين المأزمين الي الحياض الي وادي محسر.

قال في الجواهر: بلا خلاف اجده فيه كما اعترف به في المنتهي بل في المدارك هو المجمع عليه بين الاصحاب و في صحيح معاوية حد المشعر الحرام المأزمين الي الحياض الي وادي محسر «1» اي من المأزمين و نحوه مرسل الصدوق عن الصادق عليه السّلام 2 و في صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام انه قال: «للحكم بن عتيبة «3» «ما حد المزدلفة؟ فسكت فقال أبو جعفر عليه السّلام: حدها ما بين المأزمين الي الجبل الي حياض محسر «4»» (الي ان قال) و المأزمان بكسر الزاء و بالهمزة و يجوز التخفيف

______________________________

(1) 1 2- وسائل الشيعة ابواب الوقوف بالمشعر، ب 8، ح 1 و 6 و 2 و في الاول حدّ المشعر الحرام من المأزمين.

(3)- بالغ القوم في مدحه و قالوا فيه كان فيه تشيع الا ان ذلك لم يظهر منه كانهم يرون ذلك نقصا له و قد قال النبي صلي اللّه عليه و آله: علي و شيعته هم الفائزون.

(4)- وسائل الشيعة، ابواب الوقوف بالشعر، ب 8، ح 1 و 6 و 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 170

بالقلب الفا الجبلان بين عرفات و المشعر و عن الجوهري المأزم كل طريق ضيق بين الجبلين و منه سمي الموضع الّذي بين جمع و عرفة مأزمين، و في القاموس المأزم و يقال:

المأزمان مضيق

بين جمع و عرفة، و آخر بين مكة و مني «1».

هذا و في الجواهر قال: فلا يجزي ان يقف بغير المشعر اختيارا او اضطرارا بلا خلاف و لا اشكال بل الاجماع بقسميه عليه. نعم يجوز مع الزحام الارتفاع الي الجبل اي المأزمين كما عن الفقيه و الجامع و المنتهي و التذكرة بل لا اجد فيه خلافا بل في المدارك هو مقطوع به في كلام الاصحاب بل عن الغنية الاجماع عليه و في موثق سماعة قلت لابي عبد اللّه عليه السّلام: «اذا كثر الناس بجمع كيف يصنعون؟ قال يرتفعون الي المأزمين «2»».

ثم انه قد اشكل في الحدائق علي الاصحاب مثل الشيخ في النهاية و المبسوط و كل من تعرض لحكم الزحام تجويزهم الارتفاع الي الجبل قال في المبسوط: فان ضاق عليه الموضع جاز ان يرتفع الي الجبل «3» و في الدروس: و يكره الوقوف في الجبل الا لضرورة «4» و في المختصر النافع: و يجوز الارتفاع الي الجبل مع الزحام و يكره لا معه «5».

و أليك كلامه بلفظه: و يجوز مع الزحام الارتفاع الي المأزمين لما رواه الكليني رحمه اللّه في الموثق عن سماعة قال: قلت لابي عبد اللّه عليه السّلام (و ذكر الحديث الي آخره) (ثم قال) و الاصحاب ذكروا الارتفاع الي الجبل و استدلوا بالرواية و هو كما تري فان

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 19/ 66.

(2)- جواهر الكلام: 19/ 67.

(3)- المبسوط: 1/ 368.

(4)- الدروس الشرعية: 1/ 423.

(5)- المختصر النافع/ 87.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 171

المأزمين احد الحدود و الجبل حد اخر كما تضمنه صحيحة زرارة المتقدمة و جوز الشهيدان و جماعة الارتفاع الي الجبل اختيارا و فيه ان صحيحة زرارة المذكورة قد دلت علي انه احد

حدود المشعر الخارجة عنه «1». و تبعه في ذلك الاشكال بعض الاجلة من المعاصرين و زاد عليه بالايراد علي صاحب الوسائل فانه ذكر في عنوان الباب التاسع من الوقوف بالمشعر باب جواز الارتفاع في الضرورة الي المأزمين او الجبل و لكن استدل للجبل بموثق سماعة و فيه و ان كانوا بالموقف كثروا و ضاق عليهم كيف يصنعون؟ قال: يرتفعون الي الجبل قال: و هذا سهو منه فان الجبل المذكور في هذا الموثق انما هو جبل عرفات الي آخر ما افاد «2».

أقول: الظاهر ان الحديثين في الباب التاسع واحد و صدره السؤال عن المشعر و هذه القطعة من السؤال عن عرفات و روي في الكافي القطعة التي فيها السؤال عن عرفات بالسند الّذي روي القطعة الاخري و لفظه عدة من اصحابنا عن سهل بن زياد عن احمد بن محمد عن سماعة قال: قلت لابي عبد اللّه عليه السّلام: «اذا ضاقت عرفة كيف يصنعون؟ قال: يرتفعون الي الجبل «3»».

و سند قطعته الاخري: محمد بن يحيي عن محمد بن الحسين و عدة من اصحابنا عن سهل بن زياد جميعا عن ابن أبي نصر عن سماعة قال: قلت لابي عبد اللّه عليه السّلام:

«اذا كثر الناس بجمع و ضاقت عليهم كيف يصنعون؟ قال: يرتفعون الي المأزمين «4»».

أقول: كانهم فهموا من الارتفاع الي المأزمين في المشعر و الي الجبل في عرفة

______________________________

(1)- الحدائق الناظرة: 16/ 433.

(2)- المعتمد: 5/ 160.

(3)- الكافي: 4/ 466 ح 11.

(4)- الكافي: 4، ص 471، ح 7.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 172

معني واحدا لا الخصوصية و قد قيل في تعريف المأزمين انهما جبلان بين عرفات و المشعر و ذكرهما من باب واحد ما يرتفع به الضرورة و هو كل

جبل كان هناك فاذا كان الجبل داخلا في الحد فيكره الارتفاع إليه الا عند الضرورة و اذا كان من الحدود كالمأزمين يرتفع إليه عند الضرورة و الحاصل كانه كان حكم عرفات و المشعر في ذلك عندهم سواء و لذا حكي عن المدارك جواز الارتفاع الي الجبل مع الاضطرار مقطوع به في كلام الاصحاب، و جوز الشهيد و جماعة ذلك اختيارا و لعل نظرهم الي الجبال الواقعة بين الحدود، و مما يستفاد منه ذلك ان الشيخ قدس سره، في التهذيب قال في ذيل صحيح زرارة الّذي قال فيه الامام عليه السّلام «حدها ما بين المأزمين الي الجبل الي حياض محسر: و قد بينا فيما تقدم ان مع الضرورة لا بأس بالارتفاع عن الجبل «1»».

مع انه لم يتقدم منه الا ما قال في الوقوف بعرفات فوق الجبل: فاما عند الضرورة فلا بأس بالارتفاع الي الجبل «2».

فكانهم استظهروا من احاديث الباب وحدة حكم الوقوفين في ذلك و عدم الفرق بينهما. و اللّه هو العالم.

حكم المبيت في المزدلفة

مسألة 50- لا ريب في رجحان المبيت ليلة العيد في المزدلفة انما الكلام في وجوبه.

قال في الجواهر: لا يخفي عليك ان ما ذكرناه من الاجتزاء بالوقوف في جزء من

______________________________

(1)- التهذيب: 5/ 190 ح 634/ 11.

(2)- التهذيب: 5/ 180 ح 603/ 7.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 173

الليل مع الجبر بشاة اذا كان قد افاض قبل طلوع الفجر غير مسألة المبيت ضرورة امكان القول بذلك، و ان لم نقل بوجوبه فيكفي حينئذ الوقوف ليلا ثم الافاضة فيه لكن يقوي وجوبه أيضا كما عن ظاهر الاكثر «1» ثم ذكر الادلة علي ذلك اولها التأسي و اجيب عنه بانه لا يدل علي الوجوب و ثانيها الروايات مثل صحيح

معاوية بن عمّار و حمّاد عن الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث قال: «و لا تجاوز الحياض ليلة المزدلفة» «2». فانه يستفاد منه عدم التجاوز عن الحياض و لازمه المبيت فيها الي طلوع الفجر و اجيب عنه بانه غير معمول به بظاهره لان التجاوز عن الحياض ليلة العيد قليلا ثم الرجوع الي المشعر جائز بالضرورة و من قال بوجوب المبيت لا يمنع عن هذا المقدار من التجاوز فالتجاوز عن الحياض بهذا العنوان و مستقلا غير منهي عنه قطعا و يمكن ان يكون النهي عن التجاوز ارشاديا لئلا يقع في معرض فوت المشعر مضافا الي انه لا يدل علي وجوب المبيت حتي مع قطع النظر عن ذلك فان النهي عن التجاوز عن الحياض يمكن امتثاله و ان بقي طائفة من الليل او الي طلوع الفجر خارج المشعر في طريق عرفة و المزدلفة.

و فيه ان الانصاف انه لا يجوز رفع اليد عن دلالة الحديث علي وجوب كونه في الليل في المشعر و الظاهر ان معني لا تجاوز الحياض الحكم بالبقاء في المشعر تمام الليل و عدم الخروج عن حدوده و هذا لا ينافي الخروج قليلا و الرجوع إليه.

و مثل صحيحه الآخر عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «اصبح علي طهر بعد ما تصلي الفجر فقف ان شئت قريبا من الجبل، و ان شئت حيث شئت» «3» الحديث فان المستفاد منه المفروغية عن المبيت ليلة العيد و اجيب عنه بانه يصدق الاصباح علي

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 19/ 73.

(2)- وسائل الشيعة: ب 8 من ابواب الوقوف بالمشعر ح 3.

(3)- وسائل الشيعة: ب 11 من ابواب الوقوف بالمشعر ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 174

طهر بكونه في

المشعر قبل الفجر و لو بزمان قليل.

و مثل خبر عبد الحميد بن أبي الديلم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سمّي الابطح ابطح لان آدم عليه السّلام امر ان يتبطح (ينبطح فانبطح) حتي انفجر الصبح ثم امر ان يصعد جبل جمع، و امره اذا طلعت الشمس ان يعترف بذنبه ففعل ذلك فارسل اللّه نارا عن السماء فقبضت قربان آدم» «1». و اجيب عنه أولا بضعف السند بعبد الحميد بن أبي الديلم و محمد بن سنان الواقع في السند و ثانيا بنحو ما قيل في الجواب عن صحيح ابن عمار بان الانبطاح او الابتطاح حتي الفجر يتحقق بمكث قليل قبل الفجر.

أقول: هذه الادلة و ان كانت لا تكفي لاثبات البيتوتة في تمام الليل لكن تدل علي وجوبه في مقدار منه يصدق به الكون في المشعر في الليل و اللّه هو العالم.

حكم الافاضة عن المشعر قبل طلوع الفجر

مسألة 51- قد ظهر مما سلف ان من وقف مع الناس بجمع ثم افاض قبل طلوع الفجر عمدا لا يبطل به حجه و لكن عليه دم شاة الا انه استثني عن ذلك افاضة المرأة و من يخاف علي نفسه من الرجال فلا يجب عليهما الدم ففي صحيح معاوية المشتمل علي صفة حج النبي صلّي اللّه عليه و آله: «ثم افاض و امر الناس بالدعة حتي اذا انتهي الي المزدلفة و في المشعر الحرام فصلي المغرب و العشاء باذان واحد و اقامتين ثم اقام فصلي فيها الفجر و عجل ضعفاء بني هاشم بالليل و امرهم ان لا يرموا جمرة العقبة حتي تطلع الشمس» «2» و في صحيح سعيد الاعرج «قلت لابي عبد اللّه عليه السّلام: جعلت فداك معنا نساء، فافيض بهن بليل؟ قال: نعم تريد

ان

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 4 من ابواب الوقوف بالمشعر ح 6.

(2)- وسائل الشيعة: ب 2 من ابواب اقسام الحج ح 3.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 175

تصنع كما صنع رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله؟ قال: قلت نعم قال: افض بهن بليل» «1» الحديث و يدل علي ذلك غيرهما من الروايات و قال في الجواهر: بل قد يظهر منها استثناء من يمضي مع النساء و الخائف فانه عذر في الجملة كما سمعته في خبر سعيد بل و في خبر علي بن عطية السابق المتضمن تعجيل هشام و صاحبه «2».

حكم فيمن فاته الحج
اشارة

مسألة 52- لا خلاف في أن من فاته الحج يتملل بالعمرة المفردة ففي صحيح معاوية بن عمّار.

«قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: ايّما حاج سائق للهدي او مفرد للحج او متمتع بالعمرة الي الحج قدم و قد فاته الحج فليجعلها عمرة و عليه الحج من قابل» «3» هذا علي لفظ الشيخ و علي لفظ الكليني (و ليحل بعمرة) و في صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:

«فان لم يدرك المشعر الحرام فقد فاته الحج فليجعلها عمرة مفردة و عليه الحج من قابل» «4» و في صحيح حريز: «و يجعلها عمرة» «5» و هل يجوز له البقاء علي احرامه الي القابل ليحج به؟ ظاهر هذه الاخبار وجوب جعلها عمرة و عدم جواز الحج به و يمكن ان يقال ان الاوامر في مقام دفع توهم وجوب البقاء علي احرامه الي القابل و لكن قال في الجواهر: لم اجد فيه (أي في عدم جواز الحج به في القابل) خلافا بيننا نعم يحكي عن مالك جوازه و ستسمع من ابني حمزة و البراج مع عدم الاشتراط

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب

17 من ابواب الوقوف بالمشعر ح 2.

(2)- جواهر الكلام: 19/ 78.

(3)- وسائل الشيعة: ب 27 من ابواب الوقوف بالمشعر ح 1.

(4)- وسائل الشيعة: ب 22 من ابواب الوقوف بالمشعر ح 2.

(5)- وسائل الشيعة: ب 27 من ابواب الوقوف بالمشعر ح 4.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 176

حينئذ فلا محلل له الا الاتيان بها فلو بقي علي احرامه و رجع الي بلاده و عاد قبل التحلل لم يحتج الي احرام مستأنف من الميقات و ان بعد العهد فيجب عليه اكمال العمرة أولا ثم يأتي بما يريد من النسك حتي لو كان فرضه التمتع وجب عليه الخروج الي احد المواقيت للعمرة فان تعذر فمن ادني الحل كما في حكم من لم يتعمد مجاوزة الميقات، و لو صد عن الرجوع من بلاده لاتمام العمرة كان له حكم المصدود عن اكمالها من التحلل بالذبح و التقصير في بلاده كما ستعرف ان شاء اللّه تعالي «1».

ثم ان هنا فرع آخر: و هو انه هل علي من وجب عليه التحلل من احرام حجه بالعمرة نية الاعتمار بمعني قلب احرامه الّذي عقده للحج الي العمرة بالنية او ينقلب احرامه بها قهرا فعن بعض العامة اعتبار النية في قلبه عمرة للاصل و لان الاعمال بالنيات و يمكن ان يقال ان ظاهر النصوص مثل (و ليجعلها عمرة) (و ليحل بعمرة) اعتبار النية نعم في طائفة من الاخبار مثل خبر محمد بن فضيل «و هي عمرة مفردة و لا حج له» «2» و محمد بن سنان «3» مثله و مثل خبر علي بن الفضل الواسطي فيه «فقد فاته الحج و هي عمرة مفردة» «4» و في صحيح ضريس «سألت أبا جعفر عليه السّلام عن رجل خرج

متمتعا بالعمرة الي الحج فلم يبلغ مكة الا يوم النحر؟ فقال: يقيم علي احرامه و يقطع التلبية حين (حتي) يدخل مكة و يطوف و يسعي بين الصفا و المروة و يحلق رأسه و ينصرف الي اهله ان شاء و قال: هذا لمن اشترط علي ربه عند احرامه فان لم يكن اشترط فعليه الحج من قابل» و رواه الصدوق باسناده عن الحسن بن محبوب الا انه قال: «يقيم بمكة علي احرامه و يقطع التلبية حين يدخل الحرم فيطوف

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 19/ 86.

(2)- وسائل الشيعة: ب 23 من ابواب الوقوف بالمشعر ح 3.

(3)- وسائل الشيعة: ب 23 من ابواب الوقوف بالمشعر ح 4.

(4)- وسائل الشيعة: ب 27 من ابواب الوقوف بالمشعر ح 6.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 177

بالبيت و يسعي و يحلق راسه و يذبح شاته (الي ان قال:) «هذا لمن اشترط علي ربه عند احرامه ان يحلّه حيث حبه فان لم يشترط فان عليه الحج و العمرة من قابل» «1».

و في صحيح معاوية عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «رجل جاء حاجا ففاته الحج و لم يكن طاف؟ قال: يقيم مع الناس حراما ايام التشريق و لا عمرة فيها فاذا انقضت طاف بالبيت و سعي بين الصفا و المروة و احل و عليه الحج من قابل يحرم من حيث احرم» «2».

(هذه) النصوص خالية من اعتبار النية في صيرورتها عمرة مفردة بل ظاهرة في صيرورتها كذلك قهرا و بدون النية.

نعم يأتي بما يأتي من افعال العمرة بقصد مناسك العمرة و الطائفة الاولي يمكن ان يقال: انها تدل علي فعلها عمرة اما اعتبار النية في صيرورتها عمرة فلا تدل عليها و خبر «انما الاعمال بالنيات» راجع الي نية

القربة و ان قلت قوله «انما الاعمال بالنيات» يدل علي ان الاعمال التي لا تتحقق الا بالنية كالركوع و السجود للتعظيم و العبادة لا تتحقق الا بها و وقع العمل حجا او عمرة يتوقف علي النية لا يقع بنفسه هذا او هذه قلت: نعم هذا بالنسبة الي ما يأتي يجب ان يأتي مثلا بالطواف بنية كونه طواف العمرة او طواف الحج اما بالنسبة الي ما مضي فلا يؤثر النية في قلبه عما وقع عليه فلا بد من التعبد بجعل ما مضي و ما يأتي من افراد العمرة و مع ذلك فمقتضي الاحتياط ان ينوي كونها عمرة و اللّه هو العالم.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 27 من ابواب الوقوف بالمشعر ح 2.

(2)- وسائل الشيعة: ب 27 من ابواب الوقوف بالمشعر ح 3.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 178

الاشتراط حين الاحرام

تتمه: حكي في الجواهر عن الشيخ، قدس سرّه، في التهذيب ان من اشترط في حال الاحرام يسقط عنه القضاء و ان لم يشترط وجب مستدلا عليه بصحيح ضريس السابق و يشكل بعد الاعراض عن الصحيح المزبور و منافاته لما هو المعلوم من غيره نصّا و فتوي بانه ان كان مستحبا لم يجب القضاء و ان لم يشترط و كذا ان لم يستقر، و لا استمر وجوبه، و ان كان واجبا وجوبا مستقرا او مستمرا وجب و ان اشترط فالوجه حمله علي شدة استحباب القضاء اذا لم يشترط و كان مندوبا او غير مستقر الوجوب و لا مستمرة او علي ما تقدم عن ابني حمزة و البراج من جعل فائدة الاشتراط جواز التحلل فيكون المراد حينئذ ان عليه البقاء، علي احرامه الي ان يأتي بالحج من قابل ان لم يشترط، و

الا جاز له التحلل، و ان كان فيه انه مناف لظاهر النصوص المزبورة الآمرة بجعله عمرة «1».

أقول: فاقوا لهم في المسألة علي ثلاث:

احدها: القول المشهور و هو التحلل بالعمرة سواء اشترط او لم يشترط و الحج من قابل ان استقر عليه قبل ذلك او بقيت استطاعته الي العام المقبل و هذا ما يظهر من صحيح ضريس خلافه الا ان يقال باجماله او باظهرية غيره او بالجمع بينه و بين غيره بحمله علي الاستحباب ان لم يشترط.

و الثاني: ما افاده الشيخ في التهذيب «2» و هو وجوب الحج عليه من قابل ان لم يشترط مطلقا و قد ردّ عليه في الجواهر بما سمعت.

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 19/ 88.

(2)- التهذيب: 5/ 295 ذيل ح 1000.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 179

و الثالث: ما نسب الي ابني حمزة و البراج انه ان اشترط تحلل بالعمرة و الا يبقي علي احرامه الي ان يأتي بالحج من قابل و ضعفه ظاهر لعدم دلالة النصوص عليه.

و اللّه هو العالم.

استحباب التقاط الحصي في المشعر
اشارة

مسألة 53- مما يستحب في المشعر التقاط الحصي لرمي الجمار منه ففي صحيح معاوية بن عمار و ربعي عن عبد اللّه عليه السّلام: «خذ حصي الجمار من جمع، و ان اخذته من رحلك بمني اجزأك» «1» و في خبر زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «قال: سألته عن الحصي التي يرمي بها الجمار؟ فقال: تؤخذ من جمع، و تؤخذ بعد ذلك من مني» 2 و الظاهر انه لا خلاف فيه و حكي الاجماع عليه عن ظاهر التذكرة و المنتهي «3» و علي هذا يأخذ منه سبعين حصاة و لا بأس باخذ الزيادة علي ذلك لامكان سقوط بعضها او عدم وصوله إليه و عدم

التمكن من اخذه، و لا ريب في جواز اخذه من غير المشعر اذا كان من الحرم و يستفاد من خبر زرارة استحباب اخذها من مني بعد المشعر و امّا اخذه من غير الحرم فيدل علي عدم الجواز صحيح زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «حصي الجمار ان اخذته من الحرم اجزاك و ان اخذته من غير الحرم لم يجزئك قال: و قال: لا ترمي الجمار الا بالحصي «4»» و استثني المساجد التي في الحرم كما عن القواعد و محكي الجامع او خصوص مسجد الحرام و مسجد الخيف او خصوص مسجد الخيف «5».

______________________________

(1) 1 و 2 وسائل الشيعة: ب 18 من ابواب الوقوف بالمشعر ح 1 و 2.

(3)- راجع جواهر الكلام: 19/ 91.

(4)- وسائل الشيعة: ب 19 من ابواب الوقوف بالمشعر ح 1.

(5)- راجع جواهر الكلام: 19/ 92.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 180

امّا استثناء مسجد الحرام و مسجد الخيف فلما رواه الكليني في الكافي عن محمد بن يحيي «1» عن احمد بن محمد «2» عن محمد بن اسماعيل «3» عن حنان «4» عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «يجوز اخذ حصي الجمار من جميع الحرم الا من المسجد الحرام و مسجد الخيف» «5» و رواه الصدوق أيضا في الفقيه و اما استثناء خصوص مسجد الخيف فلعدم وجود مسجد الحرام التهذيب «6» و لذا حكي عن الشيخ الاقتصار عليه في مصباحه «7» و امّا استثناء جميع المساجد لحمل النص علي المثال كما حكي عن المدارك انه قال: ربما كان الوجه في تخصيص المسجدين انهما الفرد المعروف من المساجد «8» و يمكن ان يكون ذلك لعدم جواز التصرف في حصي المساجد لمنافاته للوقفية و للنهي

عنه في الروايات مثل صحيح محمد بن مسلم قال: «سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: لا ينبغي لاحد ان يأخذ من تربة ما حول الكعبة، و ان اخذ من ذلك شيئا ردّه» «9» و نوقش فيه بانه ظاهر في الكراهة و هو قرينة علي اراده الاستحباب من الامر بالردّ هذا مضافا الي انه اخص من المدعي و فيه اشعار باختصاص الحكم بتربة ما حول الكعبة، و مثله صحيح معاوية بن عمار قال: «قلت لابي عبد اللّه عليه السّلام اني اخذت سكا من سكّ المقام، و ترابا من تراب البيت و سبع حصيات فقال بئس ما

______________________________

(1)- ابو جعفر القمي شيخ اصحابنا … له كتب من الثامنة.

(2)- مشترك بين عدة من السابعة.

(3)- ابن بزيع ثقة مولي المنصور من السادسة.

(4)- و ابن سدير واقفي ثقة من الخامسة.

(5)- الكافي: 4/ 478 ح 7.

(6)- التهذيب: 5/ 196 ح 652/ 29.

(7)- مصباح المتهجد/ 700.

(8)- مدارك الاحكام: 7/ 440.

(9)- وسائل الشيعة: ب 26 من ابواب احكام المساجد ح 1 و 2 و 3.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 181

صنعت اما التراب و الحصي فرده» «1» فلا يدل علي حكم مطلق المساجد حتي مسجد الخيف؟ و الظاهر من صحيحة زيد الشحام قال: «قلت لابي عبد اللّه عليه السّلام اخرج من المسجد حصاة؟ قال: فردها او اطرحها في مسجد» 2 أيضا ان المراد بالمسجد مسجد الحرام و ظاهرها التخيير بين الرد او الطرح في مسجد و كيف كان فلا يثبت بها عموم المنع لسائر المساجد فما هو العمدة دليلا لعموم المنع منافاة اخراج حصي المسجد منه للوقفية و الا يمكن المناقشة في عدم جواز الرمي بحصي المسجد الحرام او الخيف بان جواز الرمي به

لا ينافي رده إليه او ان وجوب رده لا يستلزم حرمة الرمي به ان امكن تعليمه بما لا تشتبه بغيره و وجوب المبادرة الي الرد لا يقتضي النهي عن ضده و كيف كان و ان كان ظاهر بعض العبائر مثل الشرائع اشتراط كونه مما يسمي حجرا و قال في الجواهر: عند علمائنا في محكي التذكرة و المنتهي و الانتصار «3» الا ان المحتمل ان المراد من ذلك كونه من جنس الحجر قبال في مثل المدر و الاجر فيجزي ما يصدق عليه الحصي فلا يجزي الحجر الكبير و لا الصغير الّذي لا يصدق عليه الحصي، و المشهور اعتبروا فيه ان يكون من الحرم بل قال في الجواهر: لا اجد فيه خلافا الا ما سمعته من الخلاف 4 و استدل له بصحيح زرارة المتقدم: «حصي الجمار ان اخذته من الحرم اجزأك و ان اخذته من غير الحرم لم يجزك».

اشتراط بكارت الحصيات في الرمي

مما يشترط في الحصيات ان تكون ابكارا أي لم يرم بها الجمار رميا صحيحا قال في الجواهر: بلا خلاف اجده فيه بيننا بل عن الخلاف و الغنية و الجواهر الاجماع

______________________________

(1) 1 و 2 وسائل الشيعة: ب 26 من ابواب احكام المساجد ح 1 و 2 و 3.

(3) 3 و 4 جواهر الكلام: 19/ 93.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 182

عليه «1» و استدل له بما رواه حريز عمن اخبره عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «في حصي الجمار؟ قال: لا تاخذه من موضعين من خارج الحرم و من حصي الجمار» الحديث «2».

و خبر عبد الاعلي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث قال: «لا تاخذ من حصي الجمار «3».

و مرسل الصدوق و لا تاخذ من حصي الجمار التي

قد رمي» «4» ورد الجميع اما بضعف الاسناد او بالارسال و علي هذا يمكن الاشكال في اعتبار هذا الشرط و مقتضي الاصل عدمه الا ان يقال بجبر ضعف الروايات بالعمل و لكن لا يجبر بما ذكره الجواهر و الا انه بعد التتبع ظهر لنا ان هذا مختار المشهور بل الاجماع عليه و أليك عبارات الكتب المعروفة ففي فقه الرضا عليه السّلام: «و لا تاخذ من الّذي رمي مرة» «5» و في الكافي لابي الصلاح: «و لا حصاة المقذوف به مرّة» «6» و في النهاية و المبسوط للشيخ: و من حصي الجمار «7» و في جوار الفقه لابن البراج: مسألة: اذا كانت الحصاة قد رمي هو بها او غيره هل يجوز له ان يرمي بها أم لا؟ الجواب:

لا يجوز له ذلك و عليه الرمي بغير هذه الحصاة لان طريقة الاحتياط تقتضي ذلك

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 19/ 95.

(2)- وسائل الشيعة: ب 5 من ابواب رمي جمرة العقبة ح 1 و 2 و لا يخفي عليك ان الوسائل زعم وحدة مرسل الصدوق و خبر عبد الاعلي من غير شاهد له.

(3). مصدر السابق.

(4)- مصدر السابق.

(5)- فقه الرضا عليه السّلام/ 225.

(6)- الكافي للحلبي/ 198.

(7)- النهاية/ 253 و المبسوط: 1/ 369.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 183

و اجماع الطائفة عليه «1» و في الغنية لابن زهرة! و لا بالحصي الّذي قد رمي به مرة اخري سواء كان هو الرامي به او غيره بدليل الاجماع المشار إليه و طريقة الاحتياط و فعل النبي صلّي اللّه عليه و آله يدل علي ذلك لأنه لا خلاف انه لم يرم بما ذكرناه و قد قال: خذوا عنّي مناسككم «2».

و في الوسيلة لابن حمزة: و التروك سبعة: الرمي

بالمكسورة و بغير الحصي و بحصي الجمار «3» و الظاهر ان القول بعدم جواز الرمي بحصي الجمار قول الجميع اذا فالقول بجبر ضعف سند الروايات بموافقة فتوي المشهور علي القول بجبر ضعف السند بها في محله فلا يجوز ترك الاحتياط. و اللّه هو العالم.

______________________________

(1)- جواهر الفقه/ 43.

(2)- غنية النزوع/ 187.

(3)- الوسيلة/ 181.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 185

الكلام في النزول بمني

اشارة

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 187

في النزول بمني قال في مجمع البحرين: و مني، كإلي و قد تكرر ذكرها في الحديث اسم موضع بمكة علي فرسخ، و الغالب عليه التذكير و يصرف و حدّه كما جاءت به الرواية من العقبة الي وادي محسر و اختلف في وجه التسمية (و ذكر ما قيل في ذلك) و في صحيح معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «و حدّ مني من العقبة الي وادي محسر» «1» قال في الجواهر: (فاذا هبط الي مني) ففي المتن (استحب له الدعاء بالمرسوم) لكن لم اقف علي دعاء مأثور في ذلك كما اعترف به في المدارك (و مناسكه) بها يوم النحر ثلاثة، رمي جمرة العقبة ثم الذبح ثم (الحلق) الخ «2».

______________________________

(1)- الكافي: 4/ 461 باب نزول مني و حدودها ح 1.

(2)- جواهر الكلام: 19/ 101.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 189

1- رمي جمره العقبة

الرابع من واجبات الحج: رمي عمرة العقبة
اشارة

اعلم انه لا مجال لانكار وجوب رمي جمرة العقبة يوم النحر و قيل انه لا خلاف بين المسلمين في وجوبه و يدل عليه روايات مثل صحيح معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «خذ حصي الجمار ثم ائت الجمرة القصوي التي عند العقبة فارمها من قبل وجهها» «1» و ذلك لظهور الامر فيه في الوجوب الا انه يمكن المناقشة بأنه للارشاد الي ما يأتون به من المناسك الواجبة و المستحبة و استدل له بما يدل علي جواز الافاضة من المشعر ليلا و الرمي ليلا لطوائف خاصة فان الترخيص لهم كاشف عن اصل وجوبه و فيه انه يجوز ذلك الترخيص و ان كان فعله في اليوم مندوبا و أيضا استدل بصحيحة عمر بن اذينة «2»

قال: «كتبت الي أبي عبد اللّه عليه السّلام بمسائل بعضها مع ابن بكير و بعضها مع أبي العباس فجاء الجواب باملائه سألت عن قول

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 3 من ابواب رمي جمرة العقبة ح 1.

(2)- يقال ان اسمه محمد بن عمر بن أذينة غلب عليه اسم ابيه له كتاب ثقه من الخامسة هرب من المهدي الي اليمن.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 190

اللّه عز و جل وَ لِلّٰهِ عَلَي النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا «1»، يعني به الحج و العمرة جميعا لانهما مفروضان، و سالته عن قول اللّه عز و جل: وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّٰهِ؟ قال: يعني بتمامها ادائهما و اتقاء ما يتقي المحرم فيهما و سألته عن قوله تعالي:

الْحَجِّ الْأَكْبَرِ «2» ما يعني بالحج الاكبر؟ فقال: الحج الاكبر الوقوف بعرفة و رمي الجمار و الحج الاصغر العمرة» «3» و استدل أيضا علي وجوبه بروايات اخري في ابواب رمي جمرة العقبة مثل المروي عن سعيد الاعرج فيه «فيرمين (يعني النساء) الجمرة» «4» و خبر علي بن أبي حمزة: «فليرم (يعني الخائف) الجمرة» «5» و ما يدل علي اعادة الرمي ان لم يصب الجمرة و ما يدل علي ان من فاته الرمي نهارا يقضيه الغد و ما يدل علي استنابة المريض و الكسير و المبطون و غيرها «6» فالانصاف دلالة هذه الاحاديث علي وجوبه الا انه قال الشيخ في الجمل و العقود: المناسك بمني يوم النحر ثلاثة: اولها رمي جمرة العقبة بسبع حصيات ثم الذبح ثم الحلق و ظاهر هذه العبارة وجوب الرمي كالذبح و الحلق بل هي صريحة فيه و لكنه قال بعد ذلك و الرمي يحتاج الي شروط ثمانية مسنونة كلها

لان الرمي مسنون. العدد و هو سبع حصيات (و) يلتقطها و لا يكسرها و تكون برشا و لا يجوز غير الحصيات و يكون علي وضوء، و يرميها خذفا و يرميها من قبل وجه الجمرة و يكون بينه و بينها نحو من عشرة اذرع الي خمسة عشر ذراعا و يدعو اذا رمي انتهي «7» و اشتمال الشروط علي ما هو

______________________________

(1)- آل عمران: 91.

(2)- التوبة: 3.

(3)- الكافي: ج 4/ 264 ب فرض الحج و العمرة، ح 1.

(4)- وسائل الشيعة: ب 1 من ابواب رمي جمرة العقبة ح 1 و 2.

(5)- وسائل الشيعة، ب 1 من ابواب رمي العقبة، ج 1 و 2.

(6)- راجع وسائل الشيعة ابواب رمي جمرة العقبة.

(7)- راجع سلسلة الينابيع الفقهية: 7/ 231.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 191

مندوب قطعا يؤيد ان مراده من المسنون المندوب لا ما سن بالسنة قبال الواجب الثابت بالكتاب.

هذا غير أن كلامه في النهاية ظاهر في الوجوب مثل قوله: و اذا رجع الانسان الي مني لرمي الجمار كان عليه ان يرمي ثلاثة ايام «1» و قال في المبسوط: و عليه بمني يوم النحر ثلاثة مناسك اوله رمي الجمرة «2» … و في كلامه فيها موارد اخري ظاهرة في وجوب الرمي.

و في الخلاف أيضا ظاهر في وجوب الرمي بل كانه جعل وجوبه مفروغا عنه «3».

هذا و قد نسب ابن حمزة في الوسيلة استحباب الرمي إليه قال: و الرمي واجب عند أبي يعلي مندوب إليه عند الشيخ أبي جعفر رضي اللّه عنهما «4».

و لذا انكر عليه في السرائر و أليك كلامه بطوله قال: و هل رمي الجمار واجب او مسنون؟ لا خلاف بين اصحابنا في كونه واجبا، و لا اظن احدا من المسلمين

يخالف في ذلك.

و قد يشتبه علي بعض اصحابنا و يعتقد انه مسنون غير واجب لما نجده من كلام بعض المصنفين و عبارة موهمة او ردها في كتبه، و يقلد المسطور بغير فكر و لا نظر و هذا غاية الخطا و ضد الصواب فان شيخنا أبا جعفر الطوسي، رحمه اللّه قال: في الجمل و العقود: و الرمي مسنون فيظن من يقف علي هذه العبارة انه مندوب، و انّما اراد الشيخ بقوله: مسنون ان فرضه عرف من جهة السنة لان القرآن لا يدل علي

______________________________

(1)- النهاية/ 266.

(2)- المبسوط: 368.

(3)- الخلاف: 2/ 351.

(4)- الوسيلة/ 180.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 192

ذلك و الدليل علي صحة هذا الاعتبار و القول ما اعتذر شيخنا ابو جعفر الطوسي في كتابه الاستبصار و تأول لفظ بعض الاخبار. ثم استشهد لاثبات ان مراد الشيخ من السنة ما فرض بالسنة بكلام الشيخ في الاستبصار في باب وجوب غسل الميّت و غسل من مسّ ميتا هذا الغسل الي السنة ان فرضه قد عرف من جهة السنة لان القرآن لا يدل علي ذلك، و انّما علمناه بالسنة ثم ساق الكلام لاثبات نفي صحة استناد القول باستحباب الرمي الي الشيخ بكلماته الدالة علي وجوبه في النهاية و المبسوط و الخلاف (الي ان قال) ثم الاخبار التي أوردها في تهذيب الاحكام متناصرة بالوجوب عامة الألفاظ و بالجملة قد نفي القول بالاستحباب الي الشيخ بما لا مزيد عليه و استشهد أيضا لذلك بكلام الشيخ الصريح في وجوب رمي الجمار علي من نسي او جهل حتي فاته و خرج في السنة المقبلة فراجع تمام كلامه ان شئت «1».

و اوضح من ذلك كله انه لا مجال في الريب في وجوب رمي الجمار اصلا

و ان لم نقل برفع ما علي كلام الشيخ من الغبار في الجمل و العقود بما ذكر و اللّه هو العالم.

ما يعتبر في الرمي
اشارظ

مسألة 54- يعتبر في الرمي امور:

الاول: النية

و كيفيتها ان ينوي الفعل علي نحو يمتازه عن غيره للّه تعالي.

الثاني: وقوع الرمي بسبع حصيات

فان اتي بالاقل لا يجزي كما انه ان اتي بالاكثر أيضا لا يجزي اذا كان من نيته من الاول او في الاثناء كون الرمي بالثمان او بالتسع دون ما اذا اتي بالزائد بعد الاتيان بالسبع بقصد كونه منه ثم انه لا ريب في

______________________________

(1)- السرائر: 1/ 606.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 193

وجوب كون الرمي بالسبع و حكي عن المنتهي اجماع المسلمين عليه «1» و يدل عليه صحيح معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «في رجل اخذ احدي و عشرين حصاة فرمي بها فزادت واحدة فلم يدر ايهنّ نقص (نقصت): قال: فليرجع و ليرم كل واحدة بحصاة فان سقطت من رجل حصاة فلم (و لم) يدر ايهنّ هي؟ فليأخذ من تحت قدميه حصاة و يرمي بها» «2» … الحديث.

و لا يضر كونه في عدد غير جمرة العقبة لان الظاهر اتحادها مع غيرها في هذا الحكم مضافا الي دلالة خبر أبي بصير عليه بالإطلاق قال: «قلت لابي عبد اللّه عليه السّلام:

ذهبت ارمي فاذا في يدي ست حصاة؟ فقال: خذ واحدة من تحت رجليك» «3» بل هو ظاهر في جمرة العقبة و مثله خبر عبد الاعلي «4».

الثالث: ان تلقي بما يسمي رميا

لعدم صدق الامتثال بما لا يسمي به فلا يجزي الوضع.

الرابع: الرمي بكل واحد من الحصيات مستقلا

فلا يجزي الرمي بالجميع دفعة واحدة و ذلك لقيام السيرة القطعية المتصلة الي زمان الائمة عليهما السّلام عليه و يؤيد ذلك ما يدل من النصوص علي استحباب التكبير عند رمي كل واحد منها مثل صحيح يعقوب بن شعيب و فيه «كبر مع كل حصاة» «5» و في صحيح معاوية بن عمار: فنقول مع كل حصاة: اللّه اكبر 6.

الخامس: وصول الحصياة الي الجمرة بفعله

و ذلك لتوقف صدق رمي الجمرة

______________________________

(1)- راجع جواهر الكلام: 19/ 104.

(2)- وسائل الشيعة: ب 7 من ابواب العود الي مني ح 1.

(3)- وسائل الشيعة: ب 7 من ابواب العود الي مني ح 2.

(4)- وسائل الشيعة: ب 7 من ابواب العود الي مني ح 3.

(5) 5 و 6- وسائل الشيعة: ب 11 من ابواب رمي جمرة العقبة ح 1 و 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 194

علي وصولها إليها بفعله ففي صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه، عليه السّلام «فان رميت بحصاة فوقعت في محمل فاعد مكانها و ان اصابت انسانا او جملا ثم وقعت علي الجمار اجزأك» «1».

و اما اذا اصابت ثوب انسان فنفضه فاصابت الجمرة بنفضه لا يجزيه و المدار علي صدق كون الاصابة برميه فاذا وقعت الحصاة علي جسم صلب فطفرت منه و وصلت الي الجمرة لا يجتزي به.

السادس: ان يكون الرمي في يوم العيد بين طلوع الشمس و غروبها

تدل علي ذلك الروايات التي رواها في الوسائل في الباب الثالث عشر من ابواب رمي جمره العقبة في بعضها: ارم (رمي) الجمار ما بين طلوع الشمس الي غروبها نعم استثني من ذلك الخائف و كذا النساء فيجوز لهم الرمي ليلا.

الشك في عدد الرمي

مسألة 55- اذا شك في انه اتم الرمي بالسبع يرمي بمقدار يحصل القطع به لقاعدة الاشتغال بل لاستصحاب بقاء وجوب المشكوك فيه و كذا لو شك في اصابته الجمرة يبني علي عدمها فيعيده هذا اذا لم يدخل في فعل ما هو يفعل بعد الرمي او لم يمض عليه يومه و الا فالمرجع في الاول قاعدة التجاوز و في الثاني قاعدة الشك بعد الوقت و كذا لو شك في اتيانه بالرمي في الليل و ان شك في صحة ما اتي به يبني علي الصحة سواء شك في الوقت او بعده و كذا ان شك في صحة بعض الاعداد بعد الفراغ دون ما اذا كان في الاثناء ففيه لا يترك الاحتياط سواء دخل في العدد اللاحق أم لا.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 6 من ابواب رمي جمرة العقبة ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 195

حكم من نسي الرمي في يوم العيد
اشارة

مسألة 56- يحب تدارك الرمي الي اليوم الثالث عشر اذا نسيه في يوم العيد او تركه جهلا بالحكم اذا لم يكن ممن وظيفته الرمي ليلا و علي ذلك يأتي به اذا ذكر او علم في اليوم الحادي عشر الي اليوم الثالث عشر.

ففي صحيح ابن سنان قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل افاض من جمع حتي انتهي الي مني فعرض له عارض فلم يرم حتي غابت الشمس؟ قال: يرمي اذا اصبح مرتين مرة لما فاته و الاخري ليومه الّذي يصبح فيه و ليفرق بينهما يكون احدهما بكرة و هي للامس و الاخري عند زوال الشمس» «1» و لا يخفي عليك ان هذا الصحيح يدل علي حكم من يتمكن من القضاء في ايام التشريق فذكر او جهل او قدر في ايام التشريق

و اما ان رفع عذره بعد ايام التشريق فلا يدل علي وجوب قضائه في غير هذه

الايام و لكن يأتي إن شاء اللّه تعالي و بتوفيقه الكلام فيه في احكام الرمي في ايام التشريق.

إيضاح في المراد من الجمرة:

قال في الجواهر: المراد من الجمرة البناء المخصوص او موضعه ان لم يكن كما في كشف اللثام، و سمي بذلك لرميه بالحجار الصغار المسماة بالجمار او من الجمرة بمعني اجتماع القبيلة لاجتماع الحصي عندها او من الاجمار بمعني الاسراع و لما روي ان آدم عليه السّلام رمي فاجمر ابليس من بين يديه ان من جمرته و زمرته أي نحيته، و في الدروس انها اسم لموضع الرمي، و هو البناء او موضعه مما يجتمع من الحصي، و قيل

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 15 من ابواب رمي جمرة العقبة ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 196

هو مجتمع الحصي لا السائل منه، و صرح علي بن بابويه بانه الارض و لا يخفي عليك ما فيه من الاجمال، و في المدارك بعد حكاية ذلك عنهما قال: و ينبغي القطع باعتبار اصابة البناء مع وجوده لانه المعروف الآن من لفظ الجمرة، و لعدم تيقن الخروج عن العهدة بدونه، امّا مع زواله فالظاهر الاكتفاء باصابة موضعه و إليه يرجع ما سمعته من الدروس و كشف اللثام الا انه لا تقييد في الاول بالزوال، و لعله الوجه لاستبعاد توقف الصدق عليه و يمكن كون المراد بها المحل باحواله التي منها الارتفاع ببناء او غيره او الانخفاض لكن ستسمع ما في خبر أبي غسان بناء علي إرادة الاخبار بحيطان فيه عن الجمار كما هو محتمل بل لعله الظاهر الا انه محتمل البناء علي المعهود الغالب فتامل جيدا «1». انتهي كلامه.

و مراده

من خبر أبي غسان ما رواه في التهذيب عن احمد بن محمد بن عيسي «2» عن البرقي «3» عن جعفر «4» عن أبي غسّان «5» (عن نسخة من التهذيب) حميد بن مسعود «6» قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام، عن رمي الجمار علي غير طهور (طهر)؟ قال:

الجمار عندنا مثل الصفا و المروة حيطان ان طفت بينهما علي غير طهور (طهر)، لم

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 19/ 106.

(2)- ابو جعفر شيخ القميين و و وجههم … له كتب من السابعة.

(3)- محمد بن خالد البرقي ثقة من كبار السابعة.

(4)- ابن بشير أبو محمد البجلي الوشاء من زهاد اصحابنا ثقة روي عن الثقات و رووا عنه من السادسة.

(5)- ان لم يكن كنيته حميد بن مسعود فهو مجهول الا ان يعتمد علي تصريحهم بان جعفر روي عن الثقات و الظاهر انه كنية حميد كما اتفق عليه في الاستبصار و بعض نسخ التهذيب.

(6)- يظهر من رواية حميد بن زياد عن قاسم بن اسماعيل اعتمادها عليه و قد سقط اسمه في الطبقات و الظاهر أنه من الخامسة

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 197

يضرك، و الطهر احب إليّ فلا تدعه و انت قادر (تقدر) عليه» «1» و ربما يقع الكلام في ان المستفاد من كلام صاحب الجواهر ميله الي اجزاء الرمي الي الموضع الّذي فيه البناء و ان كان البناء موجودا فمعني قوله الا انه لا تقييد في الاول (أي في الدروس) بالزوال و لعله الوجه لاستبعاد توقف الصدق عليه ان الوجه كفاية وقوع الجمار في الموضع الّذي وقع فيه البناء لاستبعاد توقف الصدق (أي صدق الرمي) عليه أي علي زواله ان لم يقع علي البناء فيصدق عليه الرمي و ان وقع علي الموضع

حال كون البناء موجودا او ان مراده انه لم يقيد بالزوال لان في فرض الزوال يجب الرمي الي محل البناء و هذا أي وجوب الرمي الي مكان البناء في فرض الزوال هو الوجه لاستبعاد توقف صدق الرمي علي وقوعه علي البناء حتي لا يجب مع عدم البناء رمي المكان و سقط وجوب الرمي بزواله.

أقول: الظاهر منه إرادة الاول و خلاصة ما افاده انه يصدق الرمي علي الموضع الّذي فيه البناء لاستبعاد اشتراط صدق الرمي علي الموضع الّذي كان فيه البناء إذا كان زائلا عنه فلا فرق الصدق بين كونه زائلا عنه و كونه موجودا فيه ثم قال: و يمكن ان يكون المراد المحل باحواله التي منها الارتفاع ببناء او غيره او الانخفاض فيجوز علي ما افاد الرمي بالبناء و بالمحل و الموضع الّذي هو فيه الا انه استدرك و قال: لكن ستسمع ما في خبر أبي غسان و مراده ان منه يستفاد ان المراد من الجمار نفس البناء و لا يجوز رمي غيره لو كان هو قائما علي حاله و قال: بل لعله الظاهر ثم استدرك ذلك بامكان كون الخبر صادرا علي ما هو المعهود الغالب من رمي البناء.

و انت تري انه كان جازما بكفاية وقع الحصاة علي البناء الا انه كانه يكون مترددا في كفاية اصابتها موضعه او مائلا الي ذلك اذا كان البناء موجودا فيتلخص من ذلك القطع باداء التكليف ان رمي البناء فاصابه و الظاهر عدم الخلاف فيه

______________________________

(1)- التهذيب: 5/ 198 ح 660/ 37 و الاستبصار: 2/ 258 ب 174 ح 3.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 198

فيتردد الامر بين التعيين و التخيير بين المتباينين و مقتضي الاحتياط الواجب الاخذ بالمتعين و يؤيد

ذلك ظهور اكثر الروايات و كلمات الفقهاء من رمي الجمرات رمي البناء و خبر أبي غسان و ان كان ضعيفا لكن دلالته علي وجود هذه البنايات في عصر الامام الصادق عليه السّلام لا تخدش بضعف السند و بالجملة الظاهر ان المتبادر من الجمرة في الروايات و الكلمات هو هذه البنايات التي استمر الرمي عليها من اعصار الائمة، عليهم السّلام الي زماننا سواء قيل ببقاء عينها من تلك الاعصار او بتجديد بنائها نعم ان فرض ازالتها و العياذ باللّه يجب رمي مكانها دون حواليها و اللّه هو العالم.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 199

2- الذبح او النحر

الخامس من واجبات الحج: و هو من مناسك مني؛ يوم النحر: الذبح:
اشارة

و هو واجب علي المتمتع قال في الجواهر بلا خلاف اجده فيه بل الاجماع بقسميه عليه بل في المنتهي اجماع المسلمين عليه «1» و هو الحجة بعد الكتاب «فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَي الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ» «2»، و المعتبرة المستفيضة منها قول أبي جعفر عليه السّلام في صحيح زرارة المتضمن صفة التمتع الي ان قال «و عليه الهدي فقلت: و ما الهدي؟ فقال: افضله بدنه، و اوسطه بقرة و اخسّه شاة» «3».

و منها قول الصادق عليه السّلام في خبر سعيد الاعرج «من تمتع في اشهر الحج ثم اقام بمكة حتي يحضر الحج من قابل فعليه شاة و ان تمتع في غير اشهر الحج ثم تجاوز مكة

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 19/ 114.

(2)- سورة البقرة/ 192.

(3)- التهذيب: ج 5، 44، ح 107/ 36 و فيه اخفضه و في الوسائل في موضع اخفضه و في موضع آخره. وسائل الشيعة: ب 10 من ابواب الذبح ح 5.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 200

حتي يحضر الحج فليس عليه دم انما هي حجة مفردة» «1» …

عدم وجوب الهدي علي غير المتمتع

مسألة 57- لا يجب الهدي علي غير المتمتع سواء كان حجه واجبا او مندوبا قال في الجواهر بلا خلاف أجده الا ما يحكي عن سلّار، من عدّ سياق الهدي للمقرن في اقسام الواجب «2» (انتهي) و يمكن ان يكون مراده من الوجوب أيضا كما في الجواهر عن الغنية و الكافي وجوبه بعد الاشعار و التقليد فهو غير واجب بالاصل و يمكن ان يكون مراده من وجوب الهدي دخوله في الوجوب بنذر او احد اخويه و اقول: يمكن ان يقال بانه واجب بالوجوب التخييري لان المكّي مخير بين القران و الافراد و اما صحيح العيص بن القاسم

«3» عن أبي عبد اللّه عليه السّلام انه قال: «في رجل اعتمر في رجب؟

فقال ان كان اقام بمكة حتي يخرج منها حاجا فقد وجب عليه هدي فان خرج من مكة حتي يحرم من غيرها فليس عليه هدي» «4» فهو بظاهره خلاف غيره من النصوص الدالة علي ان مكة ميقات حج التمتع لا القران و الافراد ان كان احرامه من مكة لحج القران و ان كان احرامه لحج التمتع فهو يؤتي به بعد عمرته في اشهر الحج فلذا قال في الوسائل: المراد بخروجه منها حاجا الاحرام منها بحج التمتع بعد العمرة و المراد بآخره الاحرام بغير التمتع اشار إليه الشيخ و جوز حمله علي الاستحباب و في

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 10 من ابواب اقسام الحج ح 1 و فيه بعد قوله الاول حتي يحضر الحج (قال) من قابل و ذكر بعد ذلك بدل (و ان) (و من)، و ذكر بدل تجاوز (جاور) و هذا هو الصحيح.

(2)- جواهر الكلام: 19/ 115.

(3)- ابو القاسم البجلي، ثقه له كتاب … من الخامسة.

(4)- وسائل الشيعة: ب 1 من ابواب الذبح ح 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 201

الجواهر زاد او علي التقية من أبي حنيفة و اتباعه «1» (فانه كان يقول بانعقاد عمرة التمتع في غير اشهر الحج الا ان الاحرام فيها افضل) و علي ما قيل من ان هذا الهدي جبران ان كان عليه ان يخرج من خارج وجوبا او استحبابا فاحرم من مكة فان خرج حتي يحرم من موضعه فليس عليه هدي بل ربما كان ما الدروس من ان فيه دقيقة اشارة إليه و أليك عبارة الدروس «2»؛ و في صحيح العيص: يجب علي من اعتمر (اي الهدي) في

رجب و اقام بمكة و خرج منها حاجا لا علي من خرج فاحرم من غيرها و فيه دقيقة، و الظاهر ان مراده من ذلك ان اختصاص المورد بهذا الحكم لخصوصية تكون فيه و مختص بمورده. و اللّه هو العالم.

وجوب الهدي علي المكي لو تمتع

مسألة 58- قال: في الشرائع: لو تمتع المكي وجب عليه الهدي «3» و ظاهره عدم الاعتناء بمخالفة الشيخ جزما المبسوط و احتمالا في الخلاف قال في المبسوط في فصل ذكر انواع الحج: و في الناس من قال: المكي لا يصح منه التمتع اصلا و فيهم من قال: يصح ذلك منه غير انه لا يلزمه دم المتعة و هو الصحيح لقوله تعالي: ذٰلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حٰاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ. يعني الهدي الّذي تقدم ذكره «4»: و قال في الخلاف: مسألة 42:

فرض المكّي و من كان من حاضري المسجد الحرام القران، و الافراد فان تمتع سقط عنه الفرض و لم يلزمه دم (الي ان قال) دليلنا قوله تعالي: فَمَنْ

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 19/ 115.

(2)- الوسائل 1، من ابواب الذبح ح 2.

(3)- شرائع الاسلام: 1/ 193.

(4)- المبسوط: 1/ 306.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 202

تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَي الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ- الي قوله- ذٰلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حٰاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ «1».

معناه ان الهدي لا يلزم الّا من لم يكن من حاضري المسجد الحرام و يجب ان يكون قوله: ذلك راجعا الي الهدي لا الي التمتع لانه يجري مجري قول القائل: من دخل داري فله درهم ذلك لمن لم يكن غاصبا في ان ذلك يرجع الي الجزاء دون الشرط و لو قلنا انه راجع إليهما و قلنا انه لا يصح منهم التمتع اصلا لكان قويا و وافق الشيخ الشهيد

في الدروس ان تمتع ابتداء قال: و لو تمتع المكي فثالث الاوجه وجوبه عليه ان تمتع ابتداء لا اذا عدل الي التمتع و هو منقول عن المحقق و يحتمل وجوبه ان كان بغير حج الاسلام «2» و قال في الجواهر: و لعله لاختصاص الآية به (يعني بحج الاسلام) و فيه بعد التسليم عدم انحصار الدليل فيها «3» انتهي.

ثم ان الظاهر ان القول بعدم وجوب الهدي علي المكي المتمتع خلاف المشهور بل لم يحك الخلاف في وجوبه الّا عن الشيخ و الشهيد علي ما سمعت و يمكن ان يقال ان ذلك للاشارة الي البعيد و هنا هو التمتع و الرجوع إليه اولي و لا ينافي ذلك رجوعه الي الاقرب عند قيام القرينة عليه كما في المثال المذكور و هذا مضافا الي انه اذا كانت الآية محتملة الوجهين لا يجوز الجزم باحدهما الا بورود تفسيره من اهل البيت عليهم السلام و في المقام تكفي النصوص مثل صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام قال:

«قلت لابي جعفر عليه السّلام: قول اللّه عز و جل في كتابه: ذلك لمن لم يكن اهله حاضري المسجد الحرام؟ قال يعني اهل مكة ليس عليهم متعة» «4» و خبر سعيد الاعرج «5»

______________________________

(1)- الخلاف: 2/ 272.

(2)- الدروس: 1/ 436 درس 111.

(3)- جواهر الكلام: 19/ 116.

(4)- وسائل الشيعة: ب 6 من ابواب اقسام الحج ح 3.

(5)- له اصل من الخامسة.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 203

قال: «قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: ليس لاهل سرف و لا لاهل مر و لا لاهل مكة متعة. يقول اللّه تعالي: ذٰلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حٰاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ» «6» و علي ما ذكر عموم ما دل علي وجوب الهدي

في المتمتع او اطلاقه يشمل بالعموم و الاطلاق المكي المتمتع كغيره. و اللّه هو الهادي الي الصواب.

اعتبار نية القربة في الهدي

مسألة 59- لا شبهة في اعتبار نية القربة في الهدي لان الحج من العبادات فلا بد من الاتيان به و باجزائه بقصد القربة بل يمكن ان يقال: انه لا يتحقق عنوان الهدي الا بقصد كونه للّه و أيضا لا شبهة في انه لا يعتبر في الذبح مباشرة الحاج بل يكفي الاتيان به بالمباشرة او التسبيب و هذا ثابت بالسيرة القطعية و يدل عليه في خصوص النساء ما رواه الكليني عن عدة من اصحابنا «7» عن احمد بن محمد «8» عن الحسين بن سعيد «9» عن أبي المغراء «10» عن أبي بصير «11» عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: «رخص رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله

______________________________

(6)- وسائل الشيعة: ب 6 من ابواب اقسام الحج ح 6.

(7)- ان كان احمد بن محمد ابن عيسي فالعدة عنه خمسة و هم محمد بن يحيي و احمد بن ادريس و علي بن ابراهيم و داود بن كوره و علي بن موسي الكميداني و ان كان ابن خالد البرقي فهم أربعة علي بن ابراهيم و علي بن محمد بن عبد اللّه و يقال لعبد اللّه بن بعداد ابن بنت البرقي و احمد بن عبد اللّه احمد البرقي ابن ابنه و علي بن الحسين السعدآبادي …

(8)- ابن خالد او ابن عيسي من السابعة.

(9)- الاهوازي من كبار السابعة ثقة جليل القدر صاحب المصنفات و كان روايته عن أبي المغراء مرسلة.

(10)- حميد بن المثني من الخامسة ثقة له اصل.

(11)- من الرابعة.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 204

للنساء و الصبيان ان يفيضوا بليل و ان يرموا الجمار

بليل و ان يصلوا الغداة في منازلهم فان خفن الحيض مضين الي مكة و وكلن من يضحي عنهن» «12».

و في خبر علي بن أبي حمزة عن احدهما عليهما السّلام: «أي امرأة او رجل خائف افاض من المشعر ليلا فلا بأس فليرم الجمرة ثم ليمض و ليأمر من يذبح عنه» «13» و غيرهما من النصوص الدالة كما الجواهر علي جواز التوكيل الظاهر في الذبح و نيته «14» و يمكن ان يقال: انه تارة يوكل او يامر من يذبح هديه فقط كما يأمر من عليه الزكاة خادمه بإيصاله الي المستحق و الظاهر انه يكفي في ذلك نية الآمر و الموكل سيما اذا كان حاضرا و ان لم يعلم الذابح عنوانه من انه هدي او كفارة او صدقة او غيرها بل و ان ظن انه غير الهدي و تارة يجعله وكيلا عنه لان يأتي بالهدي لا بالذبح فقط فحينئذ يجب علي الوكيل النية عنه فينوي به امتثال الامر المتوجه الي الموكل و المستفاد من اطلاق بعض الروايات كفاية ذلك و الظاهر انه في كلتي الصورتين لا يخلو من قصد القربة فان داعيه علي امر الغير بالذبح او توكيله بالهدي هو اسقاط ما اوجب اللّه عليه نعم يمكن ان يقال: ان في صورة مجرد الامر بالذبح لا يشترط في الذابح الايمان فيكفي كونه مسلما اما في صورة التوكيل حتي في النية فالاحوط مراعات شرط الايمان في الوكيل و ان كان يمكن تقوية عدم لزوم ذلك لانه ليس من باب النيابة المعتبر فيها الايمان لانه يأتي بالعمل نيابة عن المنوب عنه و امتثالا للامر المتوجه إليه قربة الي اللّه و يقصد تقرب نفسه فيسقط بالفعل الّذي تقرب إليه النائب الي

اللّه تعالي الامر المتعلق بالعمل بل و ان قلنا بعدم اعتبار قصد تقرب نفسه فانه يكفي قصده

______________________________

(12)- وسائل الشيعة: ب 17 من ابواب الوقوف المشعر ح 3.

(13)- وسائل الشيعة: ب 17 من ابواب الوقوف بالمشعر ح 4.

(14)- جواهر الكلام: 19/ 119.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 205

اتيانه ما علي المنوب عنه و امتثال الامر الّذي توجه إليه الا انه اعتبر فيه ايمان الاجير بل و المتبرع لانه يأتي بالعمل علي طبق رأيه و اذا كان مخالفا يأتي به علي طبق رأيه و اما في النيابة في الهدي يأتي المخالف العمل أي ذبح الشاة بقصد امتثال ما علي المنوب عنه فعمله و ان لا يوجب تقرب نفسه الا انه يسقط به ما كان علي المنوب عنه و مع ذلك كله فالمسألة لا تخلو من الاشكال فالاحوط عدم توكيل المخالف الا لخصوص الذبح. و اللّه هو العالم.

في مكان ذبح الهدي و زمانه

مسألة 60- يعتبر في الهدي وقوعه في الزمان الخاص به و مكانه كذلك اما الزمان المعتبر وقوعه فيه فهو يوم العيد فلا يجزي وقوعه في ليلته و لا في غيرها من ليالي ايام يجزي وقوعه فيها قال في الجواهر: و يجب ذبحه أي الهدي يوم النحر بلا خلاف اجده فيه كما اعترف به بعضهم بل في المدارك: انه قول علمائنا و اكثر العامة للتأسي «1».

أقول: و قد استدل علي عدم جواز ايقاعه في الليل بالسيرة القطعية الجارية بين المسلمين المتصلة الي زمان المعصومين عليهم السلام و لم ينقل عن احد من المعصومين عليهم السّلام و لا من اصحابهم بل و لا غيرهم ذبحه في ليلة العيد و لا في غيرها من الليالي و يمكن ان يستدل لذلك باستثناء خصوص الخائف كما

ورد في صحيحي ابن سنان و محمد بن مسلم «2» عن أبي عبد اللّه عليه السّلام و لفظ الاول «لا بأس ان يرمي الخائف بالليل و يضحي و يفيض بالليل» فاختصاص الخائف بالاستثناء دون النساء و الضعفاء و الشيوخ الذين رخص لهم الافاضة و الرجم بالليل دليل علي ان غير

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 19/ 133.

(2)- وسائل الشيعة: ب 7 من ابواب الذبح ح 1 و 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 206

الخائف يجب عليه الذبح في النهار هذا و لكن يظهر من الجواهر الترديد في اطلاق الحكم المذكور لان المسلم عدم جواز تقديم الهدي علي يوم العيد و ذبحه في الليالي المستقبلة الي آخر ذي الحجة لمن جاز له التأخير لعذر فلا دليل علي اعتبار عدم وقوعه في الليل فالزمان الخاص بالهدي هو يوم النحر و ثلاثة ايام بعده لا يجوز له ان يؤخره عنها الا لعذر فياتي به الي آخر ذي الحجة و قال في الجواهر لو أخره عنه يعني يوم النحر اثم بناء علي الوجوب و اجزا و كذا لو ذبحه في بقية ذي الحجة جاز اي اجزا بلا خلاف اجده فيه بل في كشف اللثام قطع به الاصحاب من غير فرق بين الجاهل و العامد و الناسي و لا بين المختار و المضطر بل عن النهاية و الغنية و السرائر الجواز بل عن الثاني الاجماع عليه لكن يمكن إرادة الجميع الاجزاء منه كما في المتن (يعني الشرائع) نعم من المصباح و مختصره ان الهدي الواجب يجوز ذبحه و نحره طول ذي الحجة و يوم النحر افضل بل عن ظاهر المهذب ما يوهم جواز تاخيره عن ذي الحجة و لعله لا يريده لإمكان تحصيل الاجماع

كما ادعاه بعض علي خلافه و عن المبسوط التصريح بانه بعد ايام التشريق قضاء و عن ابن ادريس انه اداء «1» انتهي.

و قد استدل في الجواهر للإجزاء المذكور بإطلاق الآية الكريمة و فيه منع الاطلاق لها في ذلك لان الظاهر من الآية ان زمان الهدي و مكانه كان معلوما عند المخاطبين و بصحيح حريز عن عبد اللّه عليه السّلام «في متمتع يجد الثمن و لا يجد الغنم؟ قال: يخلف الثمن عند بعض اهل مكة و يامر من يشتري له و يذبح عنه و هو يجزي عنه فان مضي ذو الحجة اخر ذلك الي قابل من ذي الحجة» «2» قال في الجواهر: الا انه لا يشمل تمام المدعي «3» يعني لا يشمل من يجد الثمن و الغنم فهل يجزيه بعد يوم النحر الي آخر ذي

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 19/ 133.

(2)- وسائل الشيعة: ب 44 من ابواب الذبح ح 1.

(3)- جواهر الكلام: 19/ 134.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 207

الحجة أم لا؟

و لا يخفي عليك ان مقتضي الاصل في غير ليلة النحر الجواز وضعا و تكليفا الي اخر ذي الحجة و لا ينبغي ترك الاحتياط بعدم تركه عمدا بل الواجب احتياطا عدم تاخيره عمدا من يوم العيد و ايام التشريق بمعني انه اذا تركه لعذر في يوم العيد لا يتركه عمدا في ايام التشريق و اللّه هو العالم.

و اما المكان: ففي الجواهر: يجب ذبحه بمني عند علمائنا في محكي المنتهي و التذكرة و عندنا في كشف اللثام و هذا الحكم مقطوع به في كلام الاصحاب في المدارك «1» انتهي.

و استشهد بخبر ابراهيم الكرخي الّذي رواه الكليني عن عدة من اصحابنا «2» عن سهل بن زياد «3» و احمد بن

محمد «4» عن الحسن بن محبوب «5» عن ابراهيم الكرخي «6» عن ابي عبد اللّه عليه السّلام «في رجل قدم بهديه مكة في العشر؟ فقال: ان كان هديا واجبا فلا ينحره الا بمني و ان كان ليس بواجب فلينحره بمكة ان شاء و ان كان قد اشعره او قلده فلا ينحره الا يوم الاضحي» «7».

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 19/ 120.

(2)- هم محمد بن الحسن الطائي و محمد بن جعفر الاسدي. محمد بن ابي عبد اللّه و محمد بن عقيل الكليني و علي بن محمد بن ابراهيم الكليني خال الكليني.

(3)- الادمي أبو سعيد الرازي له كتاب التوحيد و النوادر قيل فيه الامر في السهل سهل من السابعة.

(4)- ابن خالد البرقي راجع ترجمته في جامع الرواة من السابعة.

(5)- السراد و يقال له الزراد كوفي ثقة جليل القدر له كتب كثيرة من اصحاب الاجماع من السادسة.

(6)- بغدادي ابن ابي زياد روي عنه من اصحاب الاجماع الحسن و ابن ابي عمير من الخامسة.

(7)- وسائل الشيعة: ب 4 من ابواب الذبح ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 208

و بخبر عبد الاعلي الّذي رواه الشيخ باسناده عن الحسين بن سعيد «1» عن فضالة «2» عن ابان «3» عن عبد الاعلي «4» قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام «لا هدي الا من الابل و لا ذبح الا بمني» «5» و بخبر الحسن اللؤلؤي الّذي رواه الشيخ باسناده عن موسي بن القاسم «6» عن الحسن اللؤلؤي «7» عن الحسن بن محبوب «8» عن علي بن رئاب «9» عن مسمع «10» عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «مني كله منحر و افضل المنحر كله المسجد» «11».

______________________________

(1)- ثقة جليل صاحب التصنيفات من اصحاب الرضا

و الجواد و الهادي عليهم السلام توفي بقم من كبار السابعة.

(2)- ثقة … من اصحاب الاجماع … من السادسة.

(3)- ابن عثمان الاحمر البجلي معدود من اصحاب الاجماع.

(4)- عبد الاعلي بن اعين العجلي قال بعض المعاصرين ثقة بشهادة المفيد و القمي و هو اسم لابن اعين مولي آل سام غير الثقة برواية ابان عنه في هذه الرواية و غيرها و احتمل بعضهم اتحادهما و يدل علي الاتحاد تصريح الكليني و الشيخ باتحادهما و يكشف عن تعددهما ان الشيخ عد كلا منهما مستقلا من اصحاب الصادق عليه السّلام اقول الاعتماد علي تصريح الكليني و الشيخ و لا يعتد برجاله لانه كتبه علي سبيل الفهرس لاجل الرجوع الي كتابه هذا ذكر ذلك سيد الاستاذ قدس سره من الخامسة.

(5)- وسائل الشيعة: ب 4 من ابواب الذبح ح 6.

(6)- ابن معاوية بن وهب ثقة ثقة جليل واضح الحديث من اصحاب الرضا له ثلاثون كتابا من السابعة او الثامنة.

(7)- ابن الحسين ثقة كثير الرواية (صه جش) ضعفه ابن بابويه و … كانه من كبار السابعة.

(8)- مر ذكره.

(9)- له اصل كبير ثقة جليل القدر من الخامسة.

(10)- ابن عبد الملك كردين سيد المسامعة ثقة من الخامسة.

(11)- وسائل الشيعة: ب 4 من ابواب الذبح ح 7 قال العلامة المجلسي في ملاذ الاخبار ظاهره جواز النحر في المسجد و لعله مخالف للاجماع و يمكن حمله علي ان المراد انه افضل اجزاء

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 209

و هذه الروايات كما تري ظاهرة الدلالة في وجوب كون الذبح او النحر بمني و لكن بعض الاجلة من المعاصرين علي ما بني عليه من تضعيف اسناد بعض الروايات بمجرد خلو كتب الرجال من توثيق بعض رجال الاسناد ضعف هذه

الروايات الثلاثة فالاولي بابراهيم الكرخي و الثانية بعبد الاعلي المشترك بين الثقة و الضعيف و الثالثة بالحسن بن الحسين اللؤلؤي «1»

أقول: اما الرواية الاولي فيكفي في الاعتماد علي رواية ابراهيم الكرخي رواية حسن بن المحبوب الجليل من اصحاب الاجماع عنه و لا عبرة بالبناء علي عدم اعتناء البعض المذكور علي ذلك و يؤيد الاعتماد علي صدوره موافقة فتوي الاصحاب مع مضمونه.

و اما رواية عبد الاعلي فهو أيضا مروي عن فضالة بن أيوب و هو أيضا من اصحاب الاجماع مضافا الي ان الغالب في النظر انه و عبد الاعلي مولي آل سام واحد فالرواية صحيحة علي الاصطلاح أيضا.

و اما الثالثة فيكفي اعتماد مثل موسي بن القاسم الموصوف بانه ثقة جليل واضح الحديث حسن الطريقة له ثلاثون كتبا مثل كتب الحسين بن سعيد مستوفاة حسنة فان لم يكن مثل هذه الروايات موثوقة فقلما يوجد ما يوثق به فيها.

ثم ان بعض الاجلة المذكور قدس سره، حيث لا يري صحة الاحتجاج بمثل الروايات المذكورة و ان كان في رواتها اصحاب الاجماع او عمل بها الاصحاب استدل بقطع الاصحاب و السيرة القطعية المستمرة من زمان الأئمة، عليهم السلام،

______________________________

المنحر للعبادة او المراد اقرب منه.

(1)- المعتمد: 5/ 209.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 210

الي زماننا «1» و يمكن ان يقال: ان قطع الاصحاب بهذا الحكم لمكان هذه الروايات و لم يثبت كون الحكم معلوما علي جميع الخواص فضلا عن الجميع و لذا وقع مورد السؤال و استقرار السيرة يمكن ان يكون لافضلية وقوعه في مني و في العامة من يقول بجوازه في أي مكان من الحرم و ظاهر بعض الروايات و ان كان مطروحا يدل علي ذلك و استدل أيضا بالكتاب بضميمة ما

ورد في تفسيره من الاحاديث فقوله تعالي: «وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّٰهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَ لٰا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّٰي يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ» «2» يدل علي ان للهدي محلا معينا مختصا به لا يجزي ذبحه في غيره و الرواية المعتبرة عن زرعة تفسير الآية فقد رواها الشيخ باسناده عن الحسين بن سيعد «3» عن الحسن «4» عن زرعة «5» قال: «سألته عن رجل احصر في الحج؟ قال: فليبعث بهديه اذا كان مع اصحابه و محله ان يبلغ الهدي محله و محله مني يوم النحر اذا كان في الحج و ان كان في عمرة نحر بمكة فانما عليه ان يعدهم لذلك يوما فاذا كان ذلك اليوم فقد و في و ان اختلفوا في الميعاد لم يضره إن شاء اللّه تعالي» «6».

قال: فضم الرواية الي الآية ينتج ان الكتاب العزيز يدل علي لزوم الذبح بمني بل يمكن الاستدلال بنفس الآية الشريفة مع قطع النظر عن المعتبرة المفسرة لها لان الآية صريحة في ان الهدي له محل خاص معين و ليس ذلك غير مني قطعا فيتعين

______________________________

(1)- المعتمد: 5/ 207.

(2)- البقرة/ 196.

(3)- مرت ترجمته.

(4)- ابن سعيد اخو الحسين أبو محمد الاهوازي شارك اخاه الحسين في كتبه الثلاثين … من السابعة.

(5)- ابن محمد و كان صحب سماعة واقفي المذهب له اصل ثقة من السادسة.

(6)- وسائل الشيعة: ب 2 من ابواب الاحصار و الصد ح 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 211

كونه مني «1».

أقول: الرواية علي ما اخرجها في الوسائل «2» و في التهذيب «3» مضمرة لم يعلم منها ان المسئول عنه الامام، عليه السّلام او غيره و من المحتمل كونه سماعة لان زرعة كان من اصحابه و

لكن روي الصدوق الرواية في المقنع عن سماعة قال «و سأل سماعة أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل احصر في الحج» «4».

و لكن لم يروها في الفقيه و لعل ما ذكر هنا و ان لم يذكر زرعة كان اجتهادا معه لكون زرعة من اصحاب سماعة و كيف كان فروايته ضعيفة بالارسال و اللّه هو العالم.

و من الروايات التي استدل بها معاصرنا الكبير و صاحب الجواهر الا ان الاول قال: و يدل عليه أيضا صحيح منصور بن حازم «5» و الثاني قاله بعد ذكر الروايات الدالة: بل ربما استدل بقول الصادق عليه السّلام أيضا في صحيح منصور «6» و هو ما رواه شيخنا الكليني رضوان اللّه تعالي عليه، باسناده عن منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «في رجل يضلّ هديه فيجده رجل آخر فينحره؟ فقال: ان كان نحره بمني فقد اجزا عن صاحبه الّذي ضلّ عنه و ان كان نحره في غير مني لم يجز عن صاحبه» «7» و رواه شيخنا الطوسي، رضي اللّه عنه، أيضا و قال في الجواهر بعد نقل الرواية: بناء علي اولوية عدم الاجزاء مع الاختيار من حال الاضطرار لكن فيه انه

______________________________

(1)- المعتمد: 5/ 208.

(2)- وسائل الشيعة: ب 2 من ابواب الاحصار و الصدح ح 2.

(3)- التهذيب: 5/ 423 ح 1470/ 116.

(4)- المقنع/ 245.

(5)- المعتمد: 5/ 208.

(6)- جواهر الكلام: 19/ 120.

(7)- وسائل الشيعة: ب 28 من ابواب الذبح ح 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 212

مبني علي اجزاء التبرع و الا كان مطرحا «1» فعلي هذا الاعتماد في المسألة علي احاديث ابراهيم الكرخي و عبد الاعلي و مسمع التي تنطبق فتوي الفقهاء عليها لو لم نقل انهم عملوا بها.

و اللّه هو العالم.

لو تعذر وقوع ذبح الهدي بمني

مسألة 61- قد عرف مما ذكر انه لا شبهة في وجوب وقوع ذبح الهدي بمني و ان لم يتمكن منه الي آخر ذي الحجة و أن يأتي به مباشرة او تسبيبا في شهر ذي الحجة المقبل من يوم النحر الي آخره فان وقع ذلك و هو متلبس بالحج و في الاثناء فهل يسقط عنه التكليف بالذبح من دون بدل او يتبدل بصيام ثلاثة ايام في الحج و سبعة اذا رجع او يأتي به في غيره من الاماكن او ما هو متصل بمني الاقرب منه فالاقرب. وجه عدم سقوطه ان التكليف بكونه في مني من باب تعدد المطلوب و الذبح او النحر مطلوب بنفسه و يدل علي ذلك قوله تعالي: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَي الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ «2» يشمل بالإطلاق كفايته في أي مكان وقع ذبحه فيه و القدر المتيقن من تقييده بوقوعه بمني حال التمكن و الاختيار لا مطلقا كما هو الظاهر من مناسبة مثل هذا الحكم و موضوعه الا ان اللازم ان يكون ذلك في الاماكن القريبة و المتصلة بمني لان العرف يراه اقرب الي حفظ غرض الشارع من امره بذبحه بمني و لا اقل من انه احوط، و أيضا يستفاد من قوله تعالي: وَ الْبُدْنَ جَعَلْنٰاهٰا لَكُمْ مِنْ شَعٰائِرِ اللّٰهِ لَكُمْ فِيهٰا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللّٰهِ عَلَيْهٰا صَوٰافَّ فَإِذٰا وَجَبَتْ جُنُوبُهٰا فَكُلُوا مِنْهٰا وَ أَطْعِمُوا الْقٰانِعَ

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 19/ 121

(2)- سورة البقرة/ 196.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 213

وَ الْمُعْتَرَّ كَذٰلِكَ سَخَّرْنٰاهٰا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ «1» ان نحر البدن في الموسم من شعائر اللّه مطلقا الا ان في حال التمكن يجب الاتيان بها بمني و لا يدل علي

تقييدها به مطلقا.

و امّا الاستدلال له بإطلاق مثل صحيح زرارة المتقدم عن أبي جعفر عليه السّلام في المتمتع. قال: «و عليه الهدي قلت: و ما الهدي؟ فقال: افضله بدنه و اوسطه بقرة و آخره (اخفضه) شاة» «2» فيمكن ان يكون الألف و اللام فيه للعهد لا للجنس. و مما ذكر يعلم ما اذا كان الحال معلوما قبل التلبس بالحج و الاحرام فانه علي ما ذكر لا يسقط به الهدي فضلا عن اصل الحج. و هذا كله اذا لم يتمكن من الذبح او النحر بمني اصلا و أمّا اذا تمكن منه الي آخر ذي الحجة فقد عرفت انه مجز عنه حتي و ان تركه عامدا في يوم النحر. و اللّه هو العالم.

عدم اجزاء الهدي الواحد الا عن واحد

مسألة 62- اختلفوا في اجزاء هدي واحد عن الاثنين و اكثر فنسب الي المشهور عدم الاجزاء بل في ضحايا الخلاف الاجماع عليه «3» و ظاهر كلمات جماعة الاجزاء عند الضرورة عن خمسة و عن سبعة و عن سبعين و الّذي هو المستند للقول الاول الآية الكريمة.

«فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَي الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيٰامُ ثَلٰاثَةِ أَيّٰامٍ فِي الْحَجِّ وَ سَبْعَةٍ إِذٰا رَجَعْتُمْ «4»».

بيان ذلك ان المراد من الامر بما استيسر من الهدي ما استيسر من النعم الثلاثة

______________________________

(1)- الحج/ 36.

(2)- وسائل الشيعة: ب 1 من ابواب الذبح ح 5.

(3)- راجع جواهر الكلام: 19/ 121.

(4)- البقرة/ 196.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 214

لا اجزاء الحيوان الواحد فهو ظاهر في ان كل شخص واحد تمتع بالعمرة الي الحج يجب عليه هدي واحد و قوله تعالي: فمن لم يجد أيضا ظاهر في ان من لم يجد الهدي أي الحيوان التام فصيام ثلاثة ايام و الروايات

مثل صحيح محمد بن مسلم عن احدهما عليهما السّلام، «لا تجوز البدنة و البقرة الا عن واحد بمني» «1» و عدم اجزاء الشاة عن اكثر من واحد يستفاد منه بالاولوية و الفحوي و صحيح الحلبي: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن النفر تجزيهم البقرة؟ قال: «اما في الهدي فلا، و امّا في الاضحي فنعم» «2» و الصحيح الآخر للحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال «تجزي البقرة و البدنة في الامصار عن سبعة و لا تجزي بمني الا عن واحد» 3 و صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام في المتمتع قال: «و عليه الهدي قلت: و ما الهدي؟ فقال: افضله بدنة و اوسطه بقرة و آخره (اخفضه) شاة» «4».

اذا فاشتراك شخصين او اكثر عند الضرورة يحتاج الي الدليل و قد استدل له بطائفة من الروايات كخبر معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «تجزي البقرة عن خمسة اذا كانوا اهل خوان واحد» «5» و خبر أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «البدنة و البقرة تجزي عن سبعة اذا اجتمعوا من اهل بيت واحد و من غيرهم» «6».

و صحيح حمران قال: «عزت البدن سنة بمني حتي بلغت البدنة مائة دينار فسئل أبو جعفر عليه السّلام عن ذلك فقال: اشتركوا فيها قال: قلت: كم قال: ما خفّ فهو افضل

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 18 من ابواب الذبح ح 1.

(2) 2 و 3- وسائل الشيعة: ب 18 من ابواب الذبح ح 3 و 4.

(4)- وسائل الشيعة: ب 1 من ابواب الذبح ح 5.

(5)- وسائل الشيعة: ب 18 من ابواب الذبح ح 5 و 6 و 11.

(6)- المصدر السابق.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص:

215

قال: فقلت عن كم تجزي فقال: عن سبعين» «1».

و صحيح عبد الرحمن بن الحجاج قال: «سألت أبا ابراهيم عليه السّلام عن قوم غلت عليهم الاضاحي و هم متمتعون و هم مترافقون، و ليسوا باهل بيت واحد و قد اجتمعوا في مسيرهم و مضربهم واحد ألهم ان يذبحوا بقرة قال: لا احب ذلك الا من ضرورة» «2».

و خبر اسماعيل بن أبي زياد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام عن ابيه عن علي عليهم السلام، قال: «البقرة الجذعة تجزي عن ثلاثة من اهل بيت واحد، و المسنة تجزي عن سبعة نفر متفرقين و الجزور يجزي عن عشرة متفرقين» 3.

أقول: اما مثل خبر معاوية بن عمّار و ابي بصير و صحيح معاوية بن عمار و خبر اسماعيل بن أبي زياد فبالاطلاق يشمل الواجب و مثل صحيح محمد بن مسلم و صحيح الحلبي صريح في عدم اجزاء الواحد عن اثنين و اكثر فيقيد اطلاق الطائفة الاولي بصريح الثانية فتختص بالمندوب مضافا الي ان الظاهر انه لم يقل احد من الاصحاب باجزاء الاشتراك في الهدي مطلقا و اما صحيح حمران بن اعين فهو ظاهر في الهدي المندوب لان في الواجب مخير بين البدنة و البقرة و الشاة فاذا لم يتمكن من بدنة واحدة يتعين واجبه فيما يتمكن منه و هو البقرة او الشاة بل يمكن ان يقال ذلك في خبر معاوية بن عمّار و ابي بصير بل و صحيح عبد الرحمن بن الحجاج و بالجملة الظاهر ان بعد كون المكلف مخيرا في هديه الواجب بين البدنة و البقرة و الشاة يتعين الشاة اذا لم يتمكن من البدنة و البقرة و لا تصل النوبة الي الاشتراك في البدنة و البقرة نعم

يجوز ذلك في المندوب و علي هذا ما يدل علي جواز ذلك عند الضرورة أيضا يختص بالمندوب و لا بد من القول بان عدم الاشتراك في غير الضرورة افضل.

______________________________

(1)- المصدر السابق.

(2) 2 و 3- وسائل الشيعة: ب 18 من ابواب الذبح ح 10 و 7.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 216

و بعد ذلك كله فاليك كلمات بعض الاصحاب رضوان اللّه تعالي عليهم فقال المفيد: و تجزي البقرة عن خمسة اذا كانوا اهل بيت «1» و كانه عمل بخبر معاوية بن عمار و كانه فيه ارسال و سنده هكذا- موسي بن القاسم عن أبي الحسن النخعي عن معاوية بن عمار- لان النخعي كان من السابعة و معاوية من الخامسة.

و قال الشيخ في النهاية: و لا يجوز الهدي الواجب البقرة و البدنة مع التمكن و الاختيار الا عن واحد و قد يجوز ذلك عند الضرورة عن خمسة و عن سبعة و عن سبعين و كلما اقل المشتركون فيه كان افضل و اذا كان الهدي تطوعا جاز ان يشتركوا فيه جماعة اذا كانوا اهل خوان واحد مع الاختيار و يجوز ان يشتركوا فيه عند الضرورة و ان لم يكونوا اهل خوان واحد. و قال في الجمل و العقود: و لا يجزي مع الاختيار واحد الّا عن واحد و عند الضرورة عن خمسة و عن سبعة و عن سبعين «2».

و قال: في المبسوط: و لا يجوز في الهدي الواجب الا واحد عن واحد مع الاختيار سواء كانت بدنة او بقرة و يجوز عند الضرورة عن خمسة، عن سبعة و عن سبعين و كلما قلّوا كان افضل، و ان اشتركوا عند الضرورة اجزأت عنهم سواء كانوا متفقين في النسك او مختلفين

«3».

و وجه ما اختاره حمل روايات جواز الاشتراك علي الضرورة الا انها كما قلناه لا تتحقق الا بفقد الشاة.

و قال سلار في المراسم، و تجزي بقرة عن خمسة أنفار «4» و الظاهر ان مراده أيضا بصورة الضرورة و قال ابن البراج في المهذب: و لا يجزي الهدي الواحد عن اكثر من

______________________________

(1)- المقنعة/ 418.

(2)- النهاية/ 258.

(3)- المبسوط: 1/ 372.

(4)- المراسم/ 113.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 217

واحد الا في حال الضرورة فانه يجزي عن اكثر من ذلك «1».

و قال ابن زهرة في الغنية: و لا يجزي الهدي الواحد في الواجب الا عن واحد مع الاختيار و مع الضرورة تجزي البدنة او البقرة عن خمسة و عن سبعة و امّا التطوع … «2»

و قال ابن حمزة في الوسيلة: و لا يجزي واحد الا عن واحد حالة الاختيار و يجزي حالة الاضطرار عن خمسة و عن سبعة و عن سبعين «3».

و قال الصهرشتي في الاصباح: و لا يجزي الهدي الواحد في الواجب الا عن واحد مع الاختيار و مع الضرورة البدنة و البقرة عن خمسة و عن سبعة «4».

ثم اعلم ان الصدوق ذكر في المقنع: و يجزي البقرة عن خمسة نفر اذا كانوا من اهل بيت و روي ان البقرة لا تجزي الا عن واحد فاذا عزّت الاضاحي أجزأت شاة عن سبعين «5» و هذا الكلام اما كله منه او من والده او صدره من والده و من قوله (روي) منه و في الهداية قال و تجزي البقرة عن خمسة نفرا اذا كانوا من اهل بيت و روي انها تجزي عن سبعة و الجزور عن عشرة متفرقين و الكبش تجزي عن الرجل و عن اهل بيته و اذا عزت

الاضاحي اجزأت شاة عن سبعين «6» ثم اعلم ان الشيخ و ان ذكر في ضحايا الخلاف (المسألة 27) عدم اجزاء الهدي الواجب الا واحدا عن واحد الا انه ذكر كتاب الحج قبل ذلك ما هذا لفظه: مسألة (341) يجوز اشتراك سبعة في بدنة

______________________________

(1)- المهذب: 1/ 257.

(2)- الغنية/ 191.

(3)- الوسيلة/ 181.

(4)- اصباح الشيعة/ 163.

(5)- المقنع/ 274.

(6)- الهداية/ 243.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 218

واحدة او بقرة واحدة او بقرتين اذا كانوا متفرقين و كانوا اهل خوان واحد سواء كانوا متمتعين او قارنين او مفردين او بعضهم مفردا و بعضهم قارنا او متمتعا أو بعضهم مفترضين، و بعضهم متطوعين و الي ان قال: و قال مالك لا يجوز الاشتراك الا في موضع واحد و هو اذا كانوا متطوعين و قد روي ذلك اصحابنا أيضا و هو الاحوط دليلنا علي الاول خبر جابر روي عطاء عن صابر قال: كنّا نتمتع علي عهد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و نشترك السبعة في البقرة او البدنة و ما رواه اصحابنا اكثر من ان تحصي و الثاني قد رواه اصحابنا و طريقة الاحتياط تقتضيه.

و قال: ابن ادريس في السرائر: و لا يجوز في الهدي الواجب الا واحد عن واحد مع الاختيار، و مع الضرورة و العدم فالصيام. و قال بعض اصحابنا: و يجوز عند الضرورة الواحد من الهدي عن خمسة و عن سبعة و عن سبعين و الي هذا القول يذهب شيخنا ابو جعفر في نهايته و جمله و عقوده و مبسوطه و الي القول الاول يذهب في مسائل خلافه في الجزء الاول و في الجزء الثالث و هو الاظهر و الاصح الّذي يعضده ظاهر التنزيل و لا يلتفت الي

اخبار آحاد ان صحت كان لها وجه و هو في الهدي المتطوع به «1» الي آخر كلامه.

أقول: فالشيخ في الخلاف كانه رجح القول بعدم الاجزاء و كيف كان يمكن ان يقال: ان مختار هذه الاكابر من الاصحاب اجزاء الاشتراك عند الضرورة و القدر المتيقن منه ما اذا عزت الشاة أيضا كالبدنة و البقرة فيجزي الاشتراك في البدنة او البقرة اذا كانوا من اهل بيت واحد بل مطلقا و لعل هذا هو مقتضي التدقيق في الاخبار و لكن لا يترك الاحتياط بالجمع بين الاشتراك عند الضرورة حتي الشاة اذا لم يتمكنوا من البدنة و البقرة و بين الصيام. و اللّه هو العالم باحكامه.

______________________________

(1)- السرائر: 1/ 595.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 219

حكم ما اذا ضل الهدي

مسألة 63- اذا ضل الهدي فوجده غيره و ذبحه بنية كونه عن صاحبه فمقتضي الاصل عدم اجزائه عنه و به قال الشرائع و النافع بل في الجواهر حكي عن المسالك انه المشهور و لكنه قال انه لم يجده لغير المحقق في الكتابين و حكي عن كشف اللثام قصر الحكاية علي الثاني منهما اي علي الشرائع و قال انه في الشرائع في هدي القران صرح بما عليه المشهور اي الاجزاء فينحصر الخلاف حينئذ في النافع «1» و كيف كان الاصل المذكور مقطوع بصحيح منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «في رجل يضل هديه فيجده رجل آخر فينحره؟ فقال: ان كان نحره بمني فقد أجزأ عن صاحبه الّذي ضل عنه، و ان كان نحره في غير مني لم يجزأ عن صاحبه» «2» و يظهر من الجواهر اطباقهم علي الاجزاء ان نواه عن صاحبه فان لم ينوه عنه او نواه عن نفسه لم يجزأ عن

واحد منهما و عن العلامة في المنتهي و التحرير عدم الاجزاء اما عن الذابح فلانه منهي عنه و اما عن صاحبه فلعدم النية و عن الرياض انه حسن لو لا اطلاق النص بالاجزاء عن صاحبه «3» و يمكن ان يقال ان المنسبق من النص أيضا ذلك و هل لواجده ان ينحره او يذبحه قبل التعريف به أم لا؟ يمكن ان يقال: ان مقتضي صحيح محمد بن مسلم عن احدهما عليهما السّلام في حديث قال- و قال: «اذا وجد الرجل هديا ضالا فليعرفه يوم النحر و الثاني و الثالث ثم ليذبحها عن صاحبها عشية الثالث» «4» وجوب تعريفه قبل نحره وجوبا شرطيا فلا يجزي عن صاحبه لو نحره قبل التعريف اللهم الا ان

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 19/ 127.

(2)- وسائل الشيعة ب 28 من ابواب الذبح ح 2.

(3)- راجع جواهر الكلام: 19/ 128.

(4)- وسائل الشيعة ب 28 من ابواب الذبح ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 220

يقال: ان صحيح منصور بن حازم متكفل لبيان تكليف صاحب الهدي و بالإطلاق يدل علي اجزائه مطلقا و ان لم يعرفه الواجد و نحره قبل التعريف و صحيح محمد بن مسلم متكفل لبيان تكليف الواجد فوجوب التعريف عليه يكون تكليفا عليه لا دخل له في اجزائه عن صاحبه و لكن يشكل اذا كان الواجد عالما بهذا التكليف و نحره عاصيا فانه و ان ينوي به قربة صاحبه من اللّه تعالي و اتيان ما عليه الا ان في صلاحية مثل هذا الفعل لان يكون سببا لتقرب غير الفاعل تامل و اشكال نعم لا يجب علي صاحبه الفحص عن ذلك و يبني علي اصالة الصحة و هل يجب التعريف بعد نحره عشية يوم الثالث

ليعلم المالك فيترك الذبح ثانيا الظاهر عدم الوجوب سيما علي القول بالاجزاء بمجرد الضياع الا ان الروايات الدالة علي ذلك ضعيفة بالسند او المتن او كليهما فمنها ما رواه الشيخ باسناده عن موسي بن القاسم «1» عن ابن جبلة «2» عن علي «3» عن عبد صالح عليه السّلام قال: «اذا اشتريت اضحيتك و صارت في رحلك فقد بلغ الهدي محله» «4» و هذا الخبر مضافا الي ضعف السند صدره ظاهر في الاضحية و ان كان ذيله مشعر بان المراد منها الهدي و لكن يمكن ان يكون قوله «فقد بلغ الهدي محله» اشارة الي كفاية اضحيته و ترتب الثواب عليها و اجزائها ان وجبت عليه بنذر او شبهه.

و منها صحيح معاوية بن عمار قال «سالت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل اشتري اضحيته فماتت او سرقت قبل ان يذبحها؟ قال: لا بأس و ان ابدلها فهو افضل، و ان لم

______________________________

(1)- من اصحاب الرضا عليه السّلام ثقة جليل القدر واضح الحديث من كبار السابعة.

(2)- عبد اللّه ثقة من بيت أبرار من السادسة.

(3)- ابن ابي حمزة من عمد الواقفة من الخامسة.

(4)- وسائل الشيعة ب 30 من ابواب الذبح ح 4.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 221

يشتر فليس عليه شي ء» «1» و الظاهر ان مورده الاضحية كما يظهر من عبارة السائل. و منها ما رواه الشيخ باسناده عن احمد بن محمد بن عيسي «2» في كتابه عن غير واحد من اصحابنا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «في رجل اشتري شاة لمتعة فسرقت منه او هلكت؟ فقال: ان كان اوثقها في رحله فضاعت فقد اجزأت عنه» «3» و في الوسائل ذكر اشتري شاة و لم يذكر (لمتعة) «4» و

لكن الظاهر سقوطها من الوسائل او النسخة التي كانت عند صاحبه مضافا الي تقدم اصالة عدم الزيادة علي اصالة عدم النقيصة و علي فرض عدم هذه الزيادة فمقتضي ترك الاستفصال عن السائل الاطلاق.

هذا و قد ضعف بعض الاجلة هذا الخبر بالارسال للفصل الطويل بين احمد بن محمد بن عيسي و اصحاب الصادق عليه السّلام كانوا من الخامسة «5»، و لكن يمكن ان يقال:

بجواز رواية من في الطبقة السابعة عن الخامسة و كبار السادسة مضافا الي ان تعبير مثل محمد بن عيسي شيخ القميين و وجههم و فقيههم غير مدافع الّذي لقي الرضا و الجواد و الهادي عليهم السلام عن الواسطة بغير واحد من اصحابنا لا يقل عن ذكره رجلا واحدا و لو كان ثقة عن رجل واحد آخر لحصول الاعتبار بصدور الحديث بذلك اذا فما نقول فيه و في صحيح محمد بن مسلم و صحيح منصور بن حازم؟ يمكن ان يقال: اما صحيح محمد بن مسلم فقد ورد في تكليف واجد الهدي لا ارتباط له بتكليف صاحبه و اما صحيح منصور بن حازم فمورده صورة وجدانه

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 30 من ابواب الذبح ح 1.

(2)- شيخ القميين، و له كتب من السابعة.

(3)- التهذيب: 5/ 217 ح 732/ 71.

(4)- وسائل الشيعة: ب 30 من ابواب الذبح ح 2.

(5)- المعتمد: 5/ 237.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 222

رجل آخر و نحره و رواية احمد بن محمد بن عيسي موردها سرق الهدي او هلاكه و مثلها صحيح معاوية بن عمار لو قلنا بشموله للهدي الواجب و يبقي خبر علي بن أبي حمزة و هو لضعف سنده و ما قلنا في دلالته لا يحتج به فالعمل علي مقتضي صحيح منصور

بن حازم و معتبرة احمد بن محمد بن عيسي فان ضل الهدي و وجده آخر و نحره بمني يجزي عن صاحبه و ان نحره بغير مني لا يجزي عن صاحبه و الواجد ضامن له و علي صاحب الهدي الاتيان ببدله للاصل كما لا يخلو الصحيح عن الاشعار به و ان هلك او سرق لا شي ء عليه و لا يجب بذله و اللّه هو العالم.

جواز اخراج شي ء مما ذبحه من مني

مسألة 64- قال في الشرائع: لا يجوز اخراج شي ء ممّا ذبحه من مني بل يخرج الي مصرفه بها و في الجواهر من الهدي الواجب و قال وفاقا للمشهور علي ما في الذخيرة بل في المدارك هذا مذهب الاصحاب لا اعلم فيه مخالفا «1».

أقول: مقتضي الاصل جواز اخراجه من مني و يمكن ان يقال: ان الهدي من شعائر اللّه التي تقتضي ايقاعها في ايام الحج و في أماكنها الخاصة و صرف لحوم البدن و الهدي في مكان معين من مني هو مقتضي شعاريتها فليس لكل واحد من الحاج اخراج لحوم الهدايا الي أي مكان شاء اللهم الا ان تعذر صرفها في مني فيخرج بها الي مكان غيرها و كيف كان قد استدل الشيخ في التهذيب في ذيل قول المفيد: (و لا يجوز ان يخرج لحم الاضاحي من مني) بصحيح محمد بن مسلم عن احدهما عليهما السّلام قال: «سألته عن اللحم أ يخرج به من الحرم؟ فقال: لا يخرج منه الا السنام بعد ثلاثة

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 19/ 131.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 223

ايام» «1» و بصحيح معاوية بن عمار قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «لا تخرجنّ شيئا من لحم الهدي» «2».

و خبر عليّ بن أبي حمزة عن احدهما عليهما السّلام قال:

«لا يتزود الحاجّ من اضحيته و له ان يأكل بمني ايّامها» قال: و هذه مسألة شهاب كتب إليه فيها 3.

أقول: صحيح محمد بن مسلم يمنع عن اخراج اللحم من الحرم فهو اخصّ من المدعي فلا يدل علي اخراجه من مني و صحيح معاوية لا يخلو من الاجمال الا ان يقال: ان الاخراج يتحقق بالاخراج من مني مكان النحر و الذبح و لا يصدق الا عليه امّا الاخراج من الحرم او مكة مثلا فلا ينسبق الي الذهن و انّما ينهي عنه اذا كان الاخراج إليه من مني جائزا و بالجملة يمكن دعوي ظهوره النهي عن اخراجه من مني و اما خبر ابن أبي حمزة مع ضعف سنده به فهو يدل علي النهي من تزود الحاج من اضحيته لا الصدقة بها في خارج مني هذا و قد حكي الفتوي بما يوافق صحيح محمد بن مسلم عن جماعة مثل الصدوق في الفقيه و المقنع و العلامة في المنتهي و التذكرة و ابن سعيد في الجامع و في الجواهر قال و بذلك كله ظهر لك ان المتجه العمل بما في صحيح ابن مسلم «4» و يمكن ان يقال بقرينة استثناء السنام ان المراد من مثل صحيح محمد بن مسلم اخراج شي ء منه لنفسه و لغير الصدقة و بعبارة اخري المراد منه اخراج شي ء منه من الحرم لا للصدقة و علي ذلك القدر المتيقن حرمة اخراج شي ء منه لحما كان او غيره من الحرم لغير الصدقة للانتفاع به الا السنام و امّا غير السنام ففي صحيح معاوية بن عمّار «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الاهاب؟ فقال:

تصدق به او تجعله مصلي تنتفع به البيت و لا تعطي الجزارين و

قال: نهي رسول

______________________________

(1)- التهذيب: ج 5/ 226، ح 104 و 105 و 106.

(2) 2 و 3- المصدر السابق.

(4)- راجع جواهر الكلام: 19/ 131.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 224

اللّه صلّي اللّه عليه و آله ان يعطي جلالها و جلودها و قلائدها الجزارين و امر ان يتصدق بها» «1» و في صحيح علي بن جعفر عن اخيه عليه السّلام «سألته عن جلود الاضاحي هل يصلح لمن ضحي بها ان يجعلها جرابا؟ قال: لا يصلح ان يجعلها جرابا الا ان يتصدق بثمنها» 2 و مثل هذه الاخبار أيضا كالمفيد لاطلاق مثل صحيح محمد بن مسلم و الاستثناء، منه كقوله عليه السّلام الا السنام- و اللّه هو العالم.

هذا و يمكن ان يستدل علي عدم جواز اخراج شي ء منه من مني بصحيح آخر عن محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سألته عن اخراج لحوم الاضاحي من مني؟ فقال: كنا نقول: لا يخرج منها بشي ء لحاجة الناس إليه فامّا اليوم فقد كثر الناس فلا بأس باخراجه» «3» و لكنه و ان يدل علي المنع عن اخراج اللحوم من مني و لكنه يدل علي ان المنع لم يكن تحريميا نفسيا بل الظاهر كراهة ذلك اذا كان هناك من يحتاج إليه و علي هذا يمكن كراهة اخراجه اذا كان فيها من يحتاج إليه بل يمكن ان يقال ذلك في الحرم و انه اذا كان فيه من يحتاج إليه لا يخرج منها بشي ء الا السنام و علي ذلك يكون الاستثناء منقطعا و الاقرب بالنظر ذلك اي كراهة الاخراج من مني ما دام فيه من يحتاج إليه و كراهة اخراجه من الحرم أيضا كذلك و الله هو العالم.

صفات الهدي و شرائطه

مسألة 65- لا

خلاف بين الاصحاب في جنسه و انه يكون من الانعام الثلاثة، الابل و البقر و الغنم فلا يجزي غيرها كالفرس و الغزال و غيرهما و يدل عليه الروايات مثل صحيح زرارة الّذي تكرر تقدم ذكره و فيه، «و ما الهدي؟ فقال: افضله بدنة و اوسطه بقرة و اخفضه شاة» و قال في الجواهر و هذا هو

______________________________

(1) 1- 2- وسائل الشيعة: ب 43 من ابواب الذبح ح 4 و 5.

(3)- وسائل الشيعة: ب 42 من ابواب الذبح ح 5.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 225

المعهود و الماثور من فعل النبي صلّي اللّه عليه و آله و الائمة عليهم السلام، و الصحابة و التابعين بل هو كالضروري بين المسلمين انتهي «1».

و هذا مضافا الي حكاية اجماع المفسرين في قوله تعالي: لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللّٰهِ عَليٰ مٰا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعٰامِ «2» علي ان المراد منه الثلاثة المذكورة و اضافة البهيمة الي الانعام من اضافة العام الي الخاص قال الراغب في مفرداته: النعم مختص بالابل و جمعه انعام و تسميته بذلك لكون الابل عندهم اعظم نعمة، لكن الانعام يقال للابل و البقر و الغنم و لا يقال لها: انعام حتي يكون في جملتها الابل هذا و الظاهر انه لا خلاف في ان اقله واحد من الثلاثة فان زاد عليه ما شاء فعل مندوبا و تاسي بفعل النبي و الوصي سلام اللّه عليهما و آله الطاهرين، فقد ورد في الصحيح «ان النبي صلّي اللّه عليه و آله نحر ستا و ستين بدنة و امير المؤمنين عليه السّلام نحر تمام المائة» «3».

في سن الهدي

مسألة 66- من شرائط الهدي السن قال في الشرائع: فلا يجزي الابل الا الثني و في الجواهر و هو الّذي

له خمس و دخل في السادسة و كذا (من البقر و الغنم) و هو ما له ستة و دخل في الثانية و يجزي من الضأن الجذع بلا خلاف اجده فيه في الحكم: و التفسير للاول الّذي هو المعروف عند اهل اللغة أيضا بل علي الحكم في الثلاثة الاجماع صريحا في كلام بعض و ظاهرا في كلام آخر مضافا الي صحيح العيص عن أبي عبد اللّه عن امير المؤمنين عليهما السّلام انه كان يقول: «الثنية من الابل، و الثنية من البقر و الثنية من

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 19/ 136.

(2)- سورة الحج/ 35.

(3)- وسائل الشيعة: ب 10 من ابواب الذبح ح 4.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 226

المعز و الجذعة من الضأن» «1» بناء علي ظهوره في ان ذلك اقل المجزي و الي قول الصادق عليه السّلام في صحيح ابن سنان «يجزي من الضأن الجذع و لا يجزي من المعز الّا الثني» «2» و في حسن معاوية بن عمار «يجزي في المتعة الجذع من الضأن و لا يجزي جذع من المعز» 3 و في خبر أبي بصير «يصلح الجذع من الضأن و اما الماعز فلا يصلح» «4» و «سأله عليه السّلام حمّاد بن عثمان عن ادني ما يجزي من اسنان الغنم في الهدي؟

فقال: الجذع من الضأن قلت: فالمعز قال: لا يجوز الجذع من المعز قلت: و لم؟ قال: لان الجذع من الضأن يلقح، و الجذع من المعز لا يلقح» 5 الي غيرها من الروايات التي ذكرها.

أقول: في النهاية: الثنية من الغنم ما دخل في السنة الثالثة و من البقر كذلك و من الابل في السادسة و الذكر ثنيّ و علي مذهب احمد بن حنبل ما دخل من المعز في

الثانية و من البقرة في الثالثة و قال في جذع، و اصل الجذع من اسنان الدواب و هو ما كان شابا فتيا فهو من الابل ما دخل في السنة الخامسة و من البقر و المعز ما دخل في السنة الثانية و قيل البقرة في الثالثة، و من الضأن ما تمت له سنة و قيل اقل منها و منهم من يخالف بعض هذا في التقدير و منه حديث الضحية ضحينا مع رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله بالجذع من الضأن و الثني من المعز.

و في مجمع البحرين: الثني الجمل الّذي يدخل في السنة السادسة و الناقة ثنيّة و الثني الّذي القي ثنيته و هو من ذوات الظلف و الحافر في السنة الثالثة و من ذوات الخف في السنة السادسة و هو بعد الجذع (الي ان قال) و قيل الثنيّ من الخيل ما دخل في الرابعة و من المعز ماله سنة و دخل في الثانية و قد جاء في الحديث، و الثنيّ من البقر

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 11 من ابواب الذبح ح 1.

(2) 2- 3- وسائل الشيعة: ب 11 من ابواب الذبح ح 2 و 6.

(4) 4- 5- وسائل الشيعة: ب 11 من ابواب الذبح ح 8 و 4.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 227

و المعز هو الّذي تم له سنة و في المجمع الثنية من الغنم ما دخل في الثالثة و كذا من البقر و الابل في السادسة و قال في (جذع) و في الحديث تكرر ذكر الجذع بفتحتين و هو من الابل ما دخل في السنة الخامسة و من البقر و المعز ما دخل في الثانية و في المغرب الجذع من المعز سنة و من

الضأن لثمانية اشهر و في حياة الحيوان الجذع من الضأن ماله سنة تامة هذا هو الصحيح عند اصحابنا و هو الاشهر عند اهل اللغة و غيرهم و قيل ماله ستة اشهر و قيل ماله سبعة و قيل ثمانية و قيل عشرة حكاه القاضي عياض و هو غريب و الانثي جذعة كغصبة سميّت بذلك لانها تجذع مقدم اسنانها أي تسقط.

هذا بعض اقوال اهل اللغة و ان شئت المزيد فراجع الجواهر و مصادر ما ذكر فيه من الاقوال.

و لكن يمكن ان يقال: ان في جميع الموارد بعد صدق العنوان (الابل و البقر و الغنم) مثلا علي الداخل في السنة الثانية ان شك في اعتبار اتمامه الثانية و دخوله في الثالثة يدخل الشك فيه في الشك في الاقل و الاكثر لان مقتضي اطلاق الادلة كفاية ما يصدق عليه الابل او البقر و الغنم و التكليف بالزائد علي ذلك مشكوك فيه و الاصل البراءة عنه و بعبارة اخري ما قامت الحجة عليه و ما يحتج به عليه في تركه ترك ذبح الغنم و امّا كونه موصوفا بوصف كذا فلم يقم عليه حجة و هو داخل فيما لا يعلمون يشمله البراءة العقلية و الشرعية.

هذا و الظاهر منهم الاتفاق علي اعتبار كون الابل تم له خمس سنين و دخل في السادسة و انما الكلام في المعز و الضأن و الظاهر منهم انه لا يجزي في المعز ما كان له اقل من سنة الا انه يقع الكلام في انه يجزي به اذا كان تم له سنة و دخل في الثانية او يجب فيه ان يكون داخلا في الثالثة فبعد صدق العنوان علي ما تم له سنة يجري البراءة عن اشتراطه بالدخول في

الثالثة نعم في الضأن الظاهر انه يكفي ان تمّ له سنة و قد يقال انه يجزي اذا لم يتم سنة و كان له سبعة اشهر و لكن يمكن ان يقال بعدم

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 228

صدق العنوان عليه قبل سنة فالاحتياط يقتضي عدم الاكتفاء بما لم يتم له السنة، و في البقر أيضا الاجزاء و عدم الاجزاء يدور مدار صدق العنوان سيما و قد ورد فيه في صحيح الحلبي (لا يضرك باي اسنانها ضحيت) و بعد ذلك كله حيث ما قيل في اسنان الجميع هو اقل ما يجزي لا يضر ان كان سنة اكثر منه ينبغي رعاية الاحتياط و الاتيان بالاكثر فياتي من الابل ما تم له الخامسة و دخل في السادسة و من البقر و المعز ما تم له الثانية و دخل في الثالثة و من الضأن ما دخل في الثانية. و اللّه هو العالم.

اشتراط صحة الهدي

مسألة 67- قال في التذكرة: و يجب ان يكون تامّا فلا تجزئ العوراء و لا العرجاء البين عرجها و لا المريضة البين مرضها، و لا الكسيرة (الكبيرة) التي لا تنقي، و قد وقع الاتفاق من العلماء علي اعتبار هذه الصفات الاربع في المنع روي العامة عن البراء بن عازب قال: «قام رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله فقال: اربع لا تجوز في الاضاحي العوراء البين عورها، و المريضة البين مرضها و العرجاء البين عرجها، و الكسيرة (الكبيرة) التي لا تنقي» اي التي لا مخّ لها لهزالها.

و امّا المريضة فقيل هي الجرباء لان الجرب يفسد اللحم و الوجه اعتبار كل مرض يؤثر في هزالها و فساد لحمها و معني البين عورها اي التي انخسفت عينها و ذهبت فان ذلك

ينقصها، لان شحمة العين عضو يستطاب اكله (اكلها) و البين عرجها لا تتمكن مع السير مع الغنم و لا تشاركها في العلف و الرعي فتهزل.

و من طريق الخاصة قول الصادق عليه السّلام عن ابيه عن آبائه عليهم السّلام، قال: «قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: لا يضحي بالعرجاء البين عرجها، و لا بالعوراء البين عورها، و لا

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 229

بالعجماء» «1» و لا بالجرباء (بالخرماء) «2»، و لا بالجذاء و هي المقطوعة الاذن و لا بالعضباء و هي المكسورة القرن» «3».

أقول روي الشيخ هذا الخبر عن بنان بن محمد «4» عن ابيه «5» عن أبي المغيرة «6» عن السكوني «7» عن جعفر عن ابيه عن آبائه عليهم السلام، و هذه الرواية و الرواية السابقة ضعيفتان من حيث السند الا انهما منجبرتان بعمل الاصحاب كما في الجواهر و لعلّ لذلك اكتفي بهما العلامة هنا و لو ابيت عن ذلك يستدل علي ذلك بصحيح علي بن جعفر «فانه سال اخاه موسي بن جعفر عليه السّلام عن الرجل يشتري الاضحية عوراء فلا يعلم الا بعد شرائها هل تجزئ عنه؟ قال: نعم الا أن يكون هديا (واجبا) فانه لا يجوز ان يكون ناقصا» «8».

و قال العلامة، و لو كانت العوراء غير مخسوفة العين احتمل المنع لعموم الخبر، و كما وقع الاتفاق علي منع ما اتصف بواحدة من الاربع فكذا ينبغي علي ما فيه نقص اكثر كالعمياء، و لا يعتبر مع العمي انخساف العين اجماعا لانه يخل بالمشي مع الغنم

______________________________

(1)- في التهذيب بدل العجماء العجفاء و ليس فيه الجرباء نعم في الفقيه و لا بالجرباء و العجفاء الضعيفة المهزولة

(2)- الخرماء التي تقطع و ترة أنفها او

طرف انفها قطعا لا يبلغ الجذع.

(3)- التهذيب، ج 5، ب 6، ح 716/ 55 فيه بدل البين (بين) و الخرماء و في الفقيه الجرباء و في التهذيب و لا بالجذاء و لا بالعضباء ثم قال: العضباء مكسورة القرن و الجذاء مقطوعة الاذن.

التذكرة: 8/ 260.

(4)- ابن عيسي لقبه بنان و اسمه عبد اللّه اخو احمد.

(5)- مجهول.

(6)- ثقة ثقة ممن اجمعت الصحابة علي تصحيح ما يصح عنه. اسمه عبد اللّه.

(7)- اسماعيل بن أبي زياد له كتاب كان عاميا.

(8)- وسائل الشيعة: ب 21 من ابواب الذبح ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 230

و المشاركة في العلف اكثر من اخلال العور «1».

مسألة 68- لا تجزي الجذاء و لا العضباء المقطوعة الاذن و المكسورة القرن قال في الجواهر بلا خلاف اجده في ذلك «2» و يدل عليه صحيح علي بن جعفر عليه السّلام المذكور و في خصوص العضباء صحيح جميل عن أبي عبد اللّه، عليه السّلام «انه قال في المقطوع القرن او المكسور القرن: اذا كان القرن الداخل صحيحا فلا بأس و ان كان القرن الظاهر الخارج مقطوعا» «3» قال في الجواهر و نحوه الصحيح الآخر «4» أيضا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «في الاضحية يكسر قرنها؟ قال: ان كان القرن الداخل صحيحا فهو يجزي» «5» و لكن احتمال كونهما واحدا قوي جدّا.

و ظاهر الصحيح عدم الاجزاء اذا لم يكن الداخل صحيحا و لو كان ذهب ثلثه و بقي ثلثاه فالتفصيل الّذي حكاه ابن بابويه قال: سمعت شيخنا محمد بن الحسين الصفّار يقول: اذا ذهب من القرن الداخل ثلثه و بقي ثلثاه فلا بأس ان يضحي به محمول علي الندب «6».

و في نهج البلاغة عن امير المؤمنين عليه السّلام

«فاذا سلمت الاذن و العين سلمت الاضحية و تمت و لو كانت عضباء القرن تجر رجلها الي المنسك» «7» أيضا محمول علي الندب و ان كان في الفقيه ارسل عنه، عليه السّلام و ان كانت عضباء القرن او تجر رجلها الي

______________________________

(1)- التذكرة: 8/ 261.

(2)- جواهر الكلام: 19/ 141.

(3)- وسائل الشيعة: ب 22 من ابواب الذبح ح 3.

(4)- جواهر الكلام: 19/ 142.

(5)- وسائل الشيعة: ب 22 من ابواب الذبح ح 1.

(6)- راجع جواهر الكلام: 19/ 141.

(7)- نهج البلاغة: خ 53.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 231

المنسك فلا تجزئ «1» و احتمل في الاول عروض ذلك بعد السوق كما في صحيح معاوية سأل الصادق، عليه السّلام «عن رجل اهدي هديا: و هو سمين فاصابه مرض و انفقأت عينها فانكسر فبلغ المنحر و هي حيّ؟ قال: يذبحه و قد أجزأ عنه» «2» فهو أيضا مختص بالهدي المندوب للاخبار كصحيحه أيضا.

«سأله عن رجل اهدي هديا فانكسرت؟ فقال ان كانت مضمونة فعليه مكانها و المضمون ما كان نذرا او جزاء او يمينا و له ان يأكل منها و ان لم يكن مضمونا فليس عليه شي ء «3»».

ثم ان الظاهر انه لا فرق بين بعض الاذن او جميعها لاطلاق الادلة، و عن المنتهي «العضباء و هي التي ذهب نصف اذنها او قرنها لا يجزئ (الي ان قال) و كذا لا يجزي عندنا قطع ثلث اذنها، و ظاهره كما في الجواهر المفروغية من ذلك عندنا «4».

و امّا مشقوقة الاذن و مثقوبتها علي وجه لا ينقص شي ء منها فلا بأس بهما لاطلاق الادلة، و يدل عليه مرسل احمد بن محمد بن أبي نصر «5» باسناد له عن احدهما عليه السّلام قال: «سئل عن الاضاحي اذا

كانت الاذن مشقوقة او مثقوبة بسمة؟

فقال: ما لم يكن منها مقطوعة فلا بأس» «6» و لكن في صحيح الحلبي قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الضحية تكون الاذن مشقوقة؟ فقال: ان كان شقها و سما فلا بأس

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 13 من ابواب الذبح ح 8.

(2)- وسائل الشيعة: ب 26 من ابواب الذبح ح 1.

(3)- وسائل الشيعة: ب 25 من ابواب الذبح ح 2.

(4)- جواهر الكلام: 19/ 143.

(5)- البزنطي، ثقة جليل القدر … اجمع اصحابنا علي تصحيح ما يصح عنه من السادسة.

(6)- وسائل الشيعة: ب 23 من ابواب الذبح ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 232

و ان كان شقا فلا يصلح» «1» و يمكن الجمع بينه و بين المرسل السابق بإرادة قطع شي ء منها، و بالجملة فما في بعض الاخبار المذكورة في الجواهر مما هو ظاهره النهي عن المثقوبة مضافا الي ضعف الاسناد محمول علي الكراهة «2» و اللّه هو العالم.

هذا و هل يجزي الجماء و هي التي لم يخلق لها قرن و الصمعاء و هي الفاقدة الاذن خلقة مقتضي الاصل الاجزاء و عن العلامة استقراب الاجزاء في البتراء و عن تحريره القطع باجزائه في الجماء و عن الخلاف و الجامع و الدروس كراهة الجماء «3» و في الجواهر 4 قيل و ذلك لاستحباب الاقرن لنحو صحيح محمد بن مسلم عن احدهما، عليهما السّلام «انه سئل عن الاضحية فقال: اقرن فحل سمين عظيم العين و الاذن» الحديث «5».

و قد يقال ان الاصل مقطوع بما يدل علي وجوب كون الهدي تاما و عدم كونه ناقصا فانه شامل للجماء و البتراء و الصمّاء و لو خلقة لان النقص يلاحظ بالنسبة الي النوع لا خصوص الشخص

و لو لم يوجب تلك النقص في القيمة و اللحم لا يمنع من صدق الناقص عليها و لذا نسب اجزاء البتراء في الدروس الي قول مشعرا بتمريضه بل ينبغي القطع بفساده في البتراء «6».

و علي ذلك كله فالاحوط الاولي عدم الاكتفاء بمثل الصمعاء و الجمّاء و البتراء بل لا ينبغي تركه سيما في البتراء و الصمعاء الصماء.

مسألة 69- «قال في الشرائع (لا) يجزي مسلول الخصية المسمي ب (الخصي من

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ب 23 من ابواب الذبح ح 2.

(2)- راجع جواهر الكلام: 19/ 143.

(3) 3 و 4- راجع جواهر الكلام: 19/ 144.

(5)- وسائل الشيعة: ب 13 من ابواب الذبح ح 2.

(6)- راجع جواهر الكلام: 19/ 145.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 233

الفحول) كما صرح به غير واحد بل هو المشهور بل عن ظاهر التذكرة و المنتهي الاجماع عليه لنقصانه» «1»: اقول و أليك عبارة العلامة في التذكرة: لا يجزئ الخصي عند علمائنا لما رواه العامة عن أبي بردة انه قال «يا رسول اللّه عندي جذعة من المعز؟ فقال: تجزئك و لا تجزي احدا بعدك» «2» قال أبو عبيد: قال ابراهيم الحربي: انّما يجزئ الجذع من الضأن في الاضاحي دون الجذع من المعز لان جذع الضأن يلقح بخلاف جذع المعز «3» و هذا المقتضي موجود في الخصي.

من طريق الخاصة رواية محمد بن مسلم الصحيحة عن احدهما عليهما السّلام قال: «سألته عن الاضحية بالخصيّ قال: لا» «4» و لانه ناقص فلا يكون مجزئا، و قال بعض العامة:

انه يجزئه.

قال الشيخ لو ضحّي بالخصي وجب عليه الاعادة اذا قدر عليه «5» لانه غير المأمور به فلا يخرج به عن العهدة.

و لان عبد الرحمن بن الحجاج سأل في الصحيح الكاظم عن الرجل

يشتري «الهدي فلما ذبحه فاذا خصي مجبوب و لم يكن يعلم ان الخصي لا يجوز في الهدي هل يجزئه أم يعيد؟ قال: لا يجزئه الا ان يكون لا قوة به عليه» «6» و في خبر أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث: قال: «قلت: فالخصي يضحي به قال: لا الا ان لا يكون غيره» «7» و ظاهر الاول تقييد صحيح ابن مسلم بما اذا اشتراه و ذبحه و لا قوة له به

______________________________

(1)- راجع جواهر الكلام: 19/ 145.

(2)- سنن أبي داود: 3/ 96 و 97.

(3)- المغني 3/ 595.

(4)- التهذيب: 5/ 210 ح 707/ 46.

(5)- التهذيب: 5/ 211.

(6)- التهذيب: 5/ 211 ح 708. التذكرة: 8/ 263.

(7)- وسائل الشيعة: ب 12 من ابواب الذبح ح 8.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 234

عليه و الثاني علي ما في سنده من الضعف تقييده بما اذا لم يكن غيره فلا يتبدل الوظيفة الي الصوم بل عن الغنية و الاصباح و الجامع تقييد النهي عن الخصي و عن كل ناقص بالاختيار لعموم الآية «1» و فيه ان تقييد اطلاق ما دل علي عدم الاجزاء بالصورتين او الاختيار في كل ناقص ينافي اطلاق فتاوي غير الشيخ في النهاية و الشهيد في الدروس و بعض من تأخر عنه و عموم الآية مخصص بما دل علي عدم اجزاء الناقص من النص و الفتوي و بالجملة فخبر أبي بصير يمكن حمله علي المندوب او تركه بضعفه و صحيح عبد الرحمن كانه لم يعمل به الا من سمعت مضافا الي انه يمكن ان يقال بعدم صدق الهدي علي الناقص و ان كان التام منه متعذرا فيتبدل الوظيفة الي الصيام و لكن لا يجوز ترك الاحتياط

و اللّه هو العالم.

في الهدي اذا كانت مهزولة

مسألة 70- في الجواهر: و كذا (لا) يجزي (المهزولة) بلا خلاف اجده فيه للاصل و صحيح ابن مسلم عن احدهما عليهما السّلام: «سئل عن الاضحية فقال:

اقرن فحل سمين عظيم الانف و الاذن الي ان قال: ان اشتري اضحية و هو ينوي انّها سمينة فخرجت مهزولة لم يجز عنه» «2» الخ.

أقول لم نعلم مراده من الاصل فان كان المراد منه الاصل العملي فمقتضاه الاجزاء، و البراءة عن اشتراط عدم الهزال و ان كان مراده منه الاصل اللفظي من الاطلاق فهو أيضا يدل علي كفاية مطلق الهدي اللهم الا ان يقال: ان عنوان الهدي

______________________________

(1)- راجع جواهر الكلام: 19/ 147.

(2)- التهذيب، ج 5، ح 686/ 25، ب 16 و لفظ الحديث و ان اشتري اضحية و هو ينوي انها سمينة فخرجت مهزولة اجزأت عنه و ان نواها مهزولة فخرجت سمينة اجزأت عنه و ان نواها مهزولة فخرجت مهزولة لم تجز عنه. جواهر الكلام: 19/ 147.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 235

لا بد ان يكون صادقا علي الحيوان و لا يصدق علي المهزول و اذا شككنا في صدق العنوان عليه الاصل عدم تحققه و عدم كونه مجزيا و هذا كما اذا كان صدق الابل او البقر او الغنم علي الحيوان مشكوكا فيه و كيف كان فيدل علي عدم الاجزاء ما في صحيح عيص ابن القاسم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «و ان اشتريت مهزولا فوجدته سمينا اجزأك، و ان اشتريته مهزولا فوجدته مهزولا فلا يجزي» «1».

قال في الجواهر: (و) المراد بالمهزول (هي التي ليس علي كليتها شحم) كما في القواعد و النافع و محكي المبسوط و النهاية و المهذب و السرائر و الجامع لخبر الفضل

او الفضيل «2».

«قال: حججت باهلي سنة فعزّت الاضاحي فانطلقت فاشتريت شاتين بغلاء فلمّا القيت اهابيهما ندمت ندامة شديدة لما رأيت بهما من الهزال فاتيته و اخبرته بذلك فقال: ان كان علي كليتيها شي ء من الشحم اجزأت» «3» و هو و ان كان غير نقي السند و مضمرا و من هنا اعرض عنه بعض متأخري المتاخرين و احال الامر الي العرف الا انه موافق للاعتبار كما في كشف اللثام و عمل به من عرفت فلا بأس بالعمل به «4».

أقول: اما قوله غير نقي السند فلعله لمكان ياسين الضرير لانه لم يذكر بالتوثيق او لمكان محمد بن عيسي عبيد الراوي عنه و هو و ان اختلف العلماء في شأنه الا انه

______________________________

(1)- الوسائل، ابواب الذبح، ب 16، ح 6.

(2)- في نسختنا من التهذيب و الكافي الفضيل و في الوسائل الفضل و حكي عن خط العلامة في المنتهي (فضل) و هو فضل بن عبد الملك البقباق ثقة عين و ان كان فضيل فهو ابن سيار ثقة و هما من اصحاب أبي عبد اللّه، عليه السّلام، هما من الخامسة.

(3)- وسائل الشيعة: ب 16 من ابواب الذبح ح 3.

(4)- جواهر الكلام: 19/ 148.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 236

يكفي في الاعتماد عليه ما قال فضل بن شاذان في شأنه و رميه بالغلو لم يعلم وجهه و اضماره لا يضر باعتباره لانه مثل فضل او فضيل لا يسأل في مثل هذه المسألة عن غير الامام عليه السّلام.

و قال في الجواهر و كيف كان فقد ظهر لك من النصوص السابقة انه (لو اشتراها علي أنها مهزولة فبانت كذلك لم تجزه) بلا خلاف اجده فيه (و) لا اشكال نعم (لو خرجت سمينة اجزأته) في المشهور

للنصوص السابقة خلافا للمعاني فلم يجتز به للنهي عنه المنافي لنية التقرب به حال الذبح و هو كالاجتهاد في مقابل النص المعتبر المقتضي صحة التقرب به و ان كان مشكوك الحال او مظنون الهزال رجاء لاحتمال العدم انتهي «1». و اللّه هو العالم.

[لو اشتراها علي أنها سمينة فخرجت مهزولة]

مسألة 71- لو اشتراها علي أنها سمينة فخرجت مهزولة تجزي عنه لما في صحيح عيص بن القاسم الّذي مرّ ذكره و صحيح محمد بن مسلم الّذي مرّ بلفظه عن التهذيب و فيه: «و ان اشتري اضحية و هو ينوي انها سمينة فخرجت مهزولة اجزأت عنه» و في مرسل الصدوق عن امير المؤمنين عليه السّلام:

«اذا اشتري الرجل البدنة عجفاء فلا تجزئ عنه فان اشتراها سمينة فوجدها عجفاء اجزأت عنه و في هدي التمتع مثل ذلك» «2» نعم لو ظهر الهزال قبل الذبح لم يجز لاطلاق عدم الاجزاء في مثل صحيح علي بن جعفر و مفهوم الصحيحين المذكورين.

[لو اشتراها علي انها تامة فبانت ناقصة]

مسألة 72- و لو اشتراها علي انها تامة فبانت ناقصة قال في الشرائع لم تجز و في الجواهر كما عن الاكثر سواء كان بعد الذبح او قبله نقد الثمن او

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 19/ 149.

(2)- وسائل الشيعة: ب 16 من ابواب الذبح ح 8.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 237

لم ينقده لاطلاق عدم الاجتزاء بالناقص الّذي هو محسوس «1» و عن التهذيب ان كان نقد الثمن ثم ظهر النقصان أجزأ «2» و تبعه بعض الاجلة من المعاصرين فقال: فالظاهر جواز الاكتفاء به «3».

أقول: في الصحيح عن عمران الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «من اشتري هديا و لم يعلم ان به عيبا حتي نقد ثمنه ثم علم فقد تمّ» و بهذا الاسناد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام مثله: الّا انه قال: «ثم علم بعد نقد الثمن اجزأه» «4» و دلالته علي مختار الشيخ ظاهر سواء كان مراده من ظهور النقصان حدوثه بعد نقد الثمن او ظهور النقص الّذي كان فيه.

و في صحيح علي بن جعفر المتقدم ذكره «انه

سأل اخاه عليه السّلام عن الرجل يشتري الاضحية عوراء فلا يعلم الّا بعد شرائها هل تجزي عنه؟ قال: نعم الا ان يكون هديا فانه لا يجوز ان يكون ناقصا» «5» و هل يمكن تقييده بصحيح الحلبي بما اذا علم بعد شرائها و قبل نقد ثمنها؟ ظاهره الاباء عن هذا التقييد لان الشراء و الاشتراء انّما يتحقق و يخبر عنه بعد نقد الثمن فيقع التعارض بينهما. و مما ورد في الباب صحيح معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «في رجل يشتري هديا فكان به عيب عور او غيره فقال: ان كان نقد ثمنه فقد أجزأ عنه و ان لم يكن نقد ثمنه ردّه و اشتري غيره» «6». و هذا أيضا معارض كصحيح الحلبي لصحيح علي بن جعفر و في تقييده به

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 19/ 150.

(2)- التهذيب: ج 5/ 214.

(3)- المعتمد: ج 5/ 229.

(4)- وسائل الشيعة: ب 24 من ابواب الذبح ح 3.

(5)- وسائل الشيعة: ب 21 من ابواب الذبح ح 1.

(6)- وسائل الشيعة: ب 24 من ابواب الذبح ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 238

ما قلنا في تقييده بصحيح الحلبي.

هذا مضافا الي ان لفظه علي ما في التهذيب و الاستبصار يوافق مدلول صحيح علي بن جعفر و مخالف لصحيح الحلبي ففيهما لفظ الحديث علي ما في الاستبصار هكذا … عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «رجل اشتري هديا فكان به عيب عور او غيره؟ فقال:

ان كان نقد ثمنه ردّه و اشتري غيره» و في التهذيب أيضا مثله الّا انه قال (قد نقد) «1».

و لكن الشيخ جمع بينه و بين صحيح الحلبي فحمل في التهذيب صحيح معاوية بن عمار علي من اشتري هديا و

لم يعلم ان به عيبا ثم علم قبل ان ينقد الثمن عليه ثم نقد الثمن بعد ذلك فان عليه رد الهدي، و ان يسترد الثمن و يشتري بدله فلا تنافي بين الخبرين و في الاستبصار حمل صحيح معاوية علي الهدي الواجب قال و يحتمل ان يكون محمولا علي ضرب من الاستحباب دون الايجاب.

و بالجملة فالشيخ قد عمل بصحيح عمران الحلبي و لا يري تنافي بينه و بين صحيح معاوية بن عمار لحمله صحيح معاوية بن عمار علي لفظه الّذي رواه علي من اشتري هديا و لم يعلم ان به عيبا ثم علم قبل نقد الثمن و نقد الثمن بعد ذلك فان عليه ردّ الهدي و استرداد الثمن و بعد ذلك كله و كيف كان فاعلم ان هنا معارضة بين صحيح علي بن جعفر من جانب و صحيح عمران الحلبي و معاوية بن عمّار علي نسخة الكافي من جانب فالظاهر ان تقييد اطلاق صحيح علي بن جعفر بصحيحي الحلبي و ابن عمار بما اذا علم بعد شرائها و قبل نقد ثمنها خلاف الظاهر و علي البناء علي لفظ التهذيب و الاستبصار في صحيح ابن عمار فالتعارض يكون بين صحيح علي بن جعفر و معاوية بن عمار من جانب و بين صحيح الحلبي من جانب آخر و يمكن ان يقال بسقوط الطرفين بالتعارض و مقتضي الاصل الاجزاء و هو خلاف

______________________________

(1)- الاستبصار: ج 2، ب 183، ح 954 و التهذيب: ج 5/ 214 ح 721/ 60.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 239

و مقتضي صحيح علي بن جعفر و في صورة نقد الثمن مقتضي صحيح الحلبي و ابن عمار علي نسخة الكافي.

هذا و من ذلك كله يظهر ما وقع من

الاشتباه من بعض نساخ الجواهر او مصححيه فقد اثبتوا صحيح معاوية بن عمار موافقا لنسخة الكافي فصارت العبارة به غير مستقيمة بل متنافية مع ان المعلوم ان الجواهر اخرج الحديث علي نسخة التهذيب «1». فتأمل جيدا.

في بدل الهدي

مسألة 73- من فقد الهدي و وجد ثمنه يخلفه عند من يشتريه طول ذي الحجة فان لم يجده ففي العام المقبل في ذي الحجة و هذا قول المشهور بل لا خلاف فيه الا من الحلي في السرائر و المحقق في الشرائع فان اختيارهما انتقال فرضه الي الصوم لصدق قوله تعالي: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَي الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيٰامُ ثَلٰاثَةِ أَيّٰامٍ فِي الْحَجِّ وَ سَبْعَةٍ إِذٰا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كٰامِلَةٌ «2».

و لان دعوي ان تيسر الهدي و وجدانه اعم من تيسره بعينه عنده او بثمنه او في يوم النحر او الي آخر ذي الحجة او الي العام المقبل في ذي الحجة و الا لو لم يكن أعم لم يجب شرائه لو لم يكن عنده و ان وجب في الجملة لا فرق بين امكان شرائه الي آخر ايام ذي الحجة و في العام المقبل و بعبارة اخر تيسر الهدي مطلق يشمل تيسره في عام الحج او في العام المقبل واضح المنع لان ظاهر فما استيسر من الهدي تيسره يوم

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 19/ 150.

(2)- سورة بقرة/ 196.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 240

النحر كما ان دعوي وجدان النائب لوجدانه اوضح منعا منه.

و فيه ان منع شمول اطلاق تيسر الهدي تيسره الي آخر ذي الحجة خلاف الظاهر و العمدة ان الآية كانها ليست في مقام بيان زمان تيسر الهدي و لعله كان معلوما عند المخاطبين و لذا يجب التمسك

لرفع هذا الاجمال بالروايات مثل صحيح حريز عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في متمتع يجد الثمن و لا يجد الغنم؟ قال: يخلف الثمن عند بعض اهل مكة و يأمر من يشتري له و يذبح عنه و هو يجزي عنه فان مضي ذو الحجة اخر ذلك الي قابل من ذي الحجة» «1» و يظهر منه انه ان لم يجده في القابل يؤخره الي قابل بعده و في الجواهر انه المؤيد بخبر النضر بن قرواش «2» المنجبر بما سمعته من الشهرة و بان الراوي عنه احمد بن محمد بن أبي نصر و هو من اصحاب الاجماع بناء علي انه لا يضر مع ذلك ضعف من بعده قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل تمتع بالعمرة الي الحج فوجب عليه النسك فطلبه فلم يصبه (يجده) و هو مؤسر حسن الحال و هو يضعف عن الصيام فما ينبغي له ان يصنع؟ قال: يدفع ثمن النسك الي من يذبحه (عنه) بمكة ان كان يريد المضي الي اهله و ليذبح عنه في ذي الحجة فقلت: فإنه دفعه الي من يذبح (يذبحه) عنه فلم يصب في ذي الحجة نسكا و اصابه بعد ذلك؟ قال: لا يذبح عنه الّا في ذي الحجة و لو أخره الي قابل» «3».

قال في الجواهر بناء علي عدم بناء الجواب علي ما في السؤال عن الضعف عن الصيام و لو بضميمة ما عرفت اقول: لا يدل الخبر علي اختصاص الحكم بما في السؤال بل يدل علي اثباته في مورد السؤال و يكفي في عدم اختصاصه به صحيح حريز اذا فلا بأس بالاستدلال به فضلا عن جعله مؤيدا.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ابواب الذبح، ب 44، ح 1.

(2)-

من الخامسة لم نجد فيه مدحا و لا طعنا.

(3)- وسائل الشيعة، ابواب الذبح، ب 44، ح 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 241

فبناء علي ذلك يتجه كما في الجواهر مذهب المشهور ضرورة كون ما سمعته حينئذ كالاجتهاد في مقابلة النص و كان ما وقع من الحلي بناء علي اصله من عدم العمل باخبار الآحاد لكن فيه منع واضح هنا باعتبار الاعتضاد بعمل رؤساء الاصحاب الذين هم الاساس في حفظ الشريعة كالشيخين و الصدوقين و المرتضي و غيرهم و كفي بذلك قرينة علي صحة مضمونه هذا.

و اما الاستدلال لقول الحلي و المحقق بخبر أبي بصير الّذي رواه الشيخ عن الحسن بن علي بن فضال «1» عن عبيس «2» عن كرام «3» عن أبي بصير «4» قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل تمتع و لم يجد ما يهدي و لم يصم الثلاثة ايّام حتي اذا كان بعد النفر وجد ثمن شاة أ يذبح او يصوم؟ قال: لا بل يصوم فان ايام الذبح قد مضت» «5» فقد طعن فيه في الجواهر بقصوره من وجوه مع انه فيمن قدر علي الذبح بمني و هو غير ما نحن فيه بل المصنف (يعني المحقق) و ابن ادريس لا يوجبان عليه الصوم و من هنا حمله الشيخ علي من صام ثلاثة قبل الوجدان كما في خبر حماد.

اقول اما وجوه القصور فيه فيمكن ان يكون المراد منه ضعف سنده بكرام و انه غير معمول به. هذا مضافا الي انه قد رواه الشيخ عن احمد بن محمد بن أبي نصر عن عبد الكريم «6» عن أبي بصير عن احدهما عليهما السّلام بهذا اللفظ: قال: «سألته عن رجل تمتع فلم يجد ما يهدي

حتي اذا كان يوم النفر وجد ثمن شاة (الشاة) أ يذبح او يصوم؟ قال:

______________________________

(1)- جليل القدر من السادسة.

(2)- هو عباس بن هشام ثقة جليل … كسر اسمه فقيل عبيس من السادسة.

(3)- لقب عبد الكريم عمرو الخثعمي مختلف فيه جدا من الخامسة.

(4)- من الرابعة.

(5)- التهذيب، ج 5، ب 26، ح 1720/ 366.

(6)- من الرابعة لم يوصف بمدح و لا قدح.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 242

بل يصوم فان ايام الذبح قد مضت» «1».

و رواه أيضا في الكافي و ليس فيه (و لم يصم الثلاثة الأيام) «2».

و حمله في الاستبصار علي من لم يجد الهدي و لا ثمنه و صام ثلاثة ايام ثم وجد ثمن الهدي فعليه ان يصوم ما بقي عليه تمام العشرة ايام و ليس يجب عليه الهدي (قال) و يدل علي ذلك ما رواه محمد بن يعقوب عن عدة من اصحابنا عن احمد بن محمد عن الحسين بن سعيد عن عبد اللّه بن يحيي عن حماد بن عثمان قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن متمتع صام ثلاثة ايام في الحج ثم اصاب هديا يوم خرج من مني؟

قال: اجزأه صيامه» «3» اقول لا يخفي عليك انّه و ان ليس في احدي النسختين من التهذيب و لا في الكافي قوله (و لم يصم الثلاثة الأيام) الا ان ظاهر لفظهما أيضا يدل علي انه لم يصم تلك الثلاثة فان قوله: يذبح او يصوم يدل علي احداث الصيام لا الاستمرار عليه و لذا لا بد من رفع اليد عنه لترك الاصحاب العمل به و لأن اطلاق الآية يدل علي تيسر الهدي اذا اصاب هديا يوم خرج من مني في الواقع سواء صام الثلاثة او لم يصمها و

القدر المتيقن من تقييد اطلاقها بحسب مجموع هذه الروايات ما اذا صام الثلاثة فيبقي «فاذا لم يصم» تحت اطلاق قوله تعالي فما استيسر من الهدي و امّا تقييد اطلاق خبر أبي بصير علي احدي نسختي التهذيب و نسخة الكافي بمثل رواية حماد كما اختاره بعض الاعلام فلا يطابق بظاهره قواعد الاطلاق و التقييد لان المطلق و المقيد اذا كانا مثبتين لا يقيد المطلق بالقيد و فيما نحن فيه اذا كان خبر أبي بصير بإطلاقه دالا علي انه يصوم سواء صام ثلاثة ايام او لم يصم لا يدل صحيح حماد المتضمّن للجواب عن متمتع صام ثلاثة ايام علي كون الحكم مقيدا به و تقييد

______________________________

(1)- التهذيب، ج 5، ب 4، ح 111/ 40، الاستبصار ح 2، ب 176، ح 918/ 3.

(2)- الكافي، ج 4، ص 509، ح 9.

(3)- الاستبصار، ج 2، ب 176، ح 919/ 4.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 243

اطلاق خبر أبي بصير به هذا و قد ذكر في الجواهر عن أبي علي في المسألة القول بالتخيير بين الصوم و التصدق بالثمن بدلا عن الهدي و وضعه عند من يشتريه فيذبحه الي آخر ذي الحجة جمعا بين خبر أبي بصير و مثل صحيح حريز و خبر عبد اللّه بن عمر «1» قال: «كنا بمكة فاصابنا غلاء في الاضاحي فاشترينا بدينار ثم بدينارين (ثم بلغت سبعة ثم لم توجد بقليل و لا كثير) فوقع (فرقع) هشام المكاري رقعة الي أبي الحسن موسي عليه السّلام فاخبره بما اشترينا ثم لم نجد بقليل و لا كثير؟ فوقع انظروا الي الثمن الاول و الثاني و الثالث ثم تصدقوا بمثل ثلثه» «2» و لا يخفي ما في هذا الجمع الّذي ليس

له شاهد مع عدم المكافأة و المخالفة لكتاب اللّه و قيل كما في الجواهر انه ظاهر في المندوب و الحق ان يقال انه لا يحتج بالروايات الضعاف سيما اذا كان مقابلها الصحاح و الروايات التي عمل بها الاصحاب.

مسألة 74- و ان صرح بعض الاصحاب اعتبار كون المخلف عنده الثمن ثقة و لكن الاخبار خالية عن ذلك و الظاهر انه يكفي الاطمئنان به. و اللّه هو العالم.

مسألة 75- الكتاب العزيز نص في ان المتمتع اذا فقد الهدي و ثمنه يتبدل وظيفته بصيام ثلاثة ايام في الحج و سبعة اذا رجع و لا خلاف بينهم في ان الثلاثة يجب ان تكون في شهر ذي الحجة شهر الحج و في سفر الحج قبل الرجوع الي اهله و يجب ان تكون الثلاثة متواليات يدل علي وجوب التوالي مضافا الي استظهاره من الآية الشريفة النصوص كالصحيح المروي عن قرب الاسناد عن أبي الحسن عليه السّلام: «اذا صام المتمتع يومين لا يتابع الصوم اليوم الثالث فقد فاته ثلاثة ايام في الحج فليصم بمكة ثلاثة ايام متتابعات فان لم

______________________________

(1)- ابن عمر او عمرو مجهول لعله من الرابعة او الخامسة.

(2)- وسائل الشيعة، ابواب الذبح، ب 58، ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 244

يقدر و لم يقم عليه الجمال فليصمها في الطريق او اذا قدم علي (الي) اهله صام عشرة ايام متتابعات» «1».

و في ما رواه الشيخ باسناده عن موسي بن القاسم عن محمد بن عمر بن يزيد عن محمد بن عذافر عن اسحاق بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «لا تصوم الثلاثة أيام متفرقة» «2».

و الظاهر ان تعبير الجواهر عنه بالخبر لمكان محمد بن عمر بن يزيد بعدم ذكر توثيق

له في كتب الرجال الّا انه يكفي في الاعتماد عليه رواية موسي بن القاسم الموصوف بكونه ثقة ثقة جليل واضح الحديث حسن الطريقة …

و في صحيح رفاعة بن موسي قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المتمتع لا يجد الهدي؟ قال: يصوم قبل التروية (بيوم) و يوم التروية و يوم عرفة قلت فانه قدم يوم التروية؟ قال: يصوم ثلاثة ايام بعد التشريق قلت لم يقم عليه جماله؟ قال:

يصوم يوم الحصبة و بعده يومين قال: قلت: و ما الحصبة؟ قال يوم نفر قلت: يصوم و هو مسافر؟ قال: نعم أ ليس هو يوم عرفة مسافرا انا اهل بيت نقول ذلك لقول اللّه عز و جلّ».

«فصيام ثلاثة ايام في الحج» يقول: في ذي الحجة «3».

و اعلم ان التعبير عن الخبر بالصحيح جاء في كلام بعضهم كالعلامة. و قال: في المنتقي الطريق غير متصل لانه رواه عن عدة من اصحابنا عن احمد بن محمد و سهل بن زياد جميعا عن رفاعة بن موسي و احمد بن محمد انما يروي عن رفاعة بواسطة

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ابواب الذبح، ب 52، ح 4.

(2)- وسائل الشيعة، ابواب الذبح، ب 53، ح 1.

(3)- وسائل الشيعة، ابواب الذبح، ب 46، ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 245

أو ثنتين و كذلك سهل الا انه لا التفات الي روايته، و الشيخ اورده في التهذيب أيضا بهذا الطريق في غير الموضع الّذي ذكر فيه ذلك و حكاه العلامة في المنتهي بهذا المتن و جعله من الصحيح و العجب من شمول الغفلة عن حال الاسناد للكل و قد تفطن بذلك أيضا العلامة المجلسي الا انه قال: الغالب ان الواسطة امّا فضالة او ابن أبي عمير او ابن

فضال او ابن أبي نصر و الاخير هنا اظهر.

أقول: بين احتمال كون الواسطة احد هذه الاربعة كونها ابن أبي نصر اظهر و لكن لا يعتمد علي ذلك لاحتمال كونها غير هؤلاء فالرواية تكون مرسلة.

ورد البعض نسبة الغفلة الي مثل العلامة بانه اجل من عدم التفطن بذلك بل الوجه في تصحيحهم هذه الرواية ان لرفاعة كتاب و اصل فيحتمل ان يكون هذا الحديث مرويا عن كتاب كما ان الكليني روي عن أبي بصير كثيرا مع انه لم يلاقه و الشيخ و الصدوق رويا عن الكليني مع انهما لم يلاقياه و امثال هذا كثير فهم يروون عن الاصول التي لهم قال و هذا الاحتمال احسن من اسناد الغفلة إليهم و لعل الواقع كذلك. اقول: بهذا الاحتمال لا يثبت اتصال السند نعم يدفع به الجزم بالقول بالارسال و لا يخفي ان هذا الاحتمال يأتي في اشباه هذا السند و اللّه هو العالم.

هذا ثم انه يمكن ان يقال بان جواز الصوم بيوم قبل التروية و يوم التروية و يوم عرفة كيف يمكن مع ان المكلف لم يؤمر بالذبح بعد و انما يتعلق به الخطاب يوم النحر فكيف يخاطب بالبدل قبل تحقق الخطاب بالمبدل و يؤيد ذلك الاشكال ظهور الآية في الامر بالصيام عند عدم وجدان الهدي المامور به و يدل عليه خبر احمد بن عبد اللّه الكرخي قال: قلت للرضا عليه السّلام: «المتمتع يقدم و ليس معه هدي أ يصوم ما لم يجب عليه؟ قال: يصبر الي يوم النحر فان لم يصب فهو ممّن لم يجد» «1».

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ابواب الذبح، ب 54، ح 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 246

و عن علي بن ابراهيم في تفسيره ان من لم

يجد الهدي صام ثلاثة ايام بمكة يعني بعد النفر و لم يذكر صومها في غير ذلك.

أقول: اما الاشكال بان المتوقف علي الشي و المتأخر كيف يتقدم عليه و بعبارة اخري وجوب الصوم علي فاقد الهدي و ثمنه يتوقف علي تعلق الخطاب به في يوم النحر و العجز عنه فكيف يتقدم علي يوم النحر و قبل تعلق الخطاب بالهدي و فيه ان مثل هذا الاشكال مما يجي ء في العقليات و المسائل العقلية لا يجري في الشرعيات فانه يستكشف منه ان ما هو المعتبر شرعا في صحة الصوم كونه واقعا فاقد الهدي و ثمنه يوم النحر فاذا كان عالما به قبله يجوز له الاتيان ببدله هذا مضافا الي ان الخطاب بالذبح يتحقق بتحقق الاحرام بالحج بقوله تعالي وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّٰهِ.

و اما الآية فيدل علي وجوب الصوم علي من كان في الواقع فاقدا للهدي فعليه صيام ثلاثة ايام فمن كان عالما بانه كذلك واقعا يصوم الثلاثة في الحج في اي زمان يجوز فيه الصوم من ذي الحجة. و اما الخبر فهو ضعيف بالارسال فليحمل علي غير العالم بعدم الاصابة و بالجملة لا يعارض ذلك النصوص و الفتاوي و الاجماع بقسميه بل يجوز تقديمها من اوّل ذي الحجة اذا كان آتيا بعمرة التمتع بل كان متلبسا بها و يدل عليه خبر او موثقة زرارة عن احدهما عليه السّلام انه قال: «من لم يجد هديا و احبّ ان يقدم الثلاثة الأيام في اوّل العشر فلا بأس» «1».

و لكن الاحوط عدم التقديم.

[الظاهر انه لا يجوز لفاقد الهدي و ثمنه تأخير صوم الثلاثة عن اليوم السابع]

مسألة 76- الظاهر انه لا يجوز لفاقد الهدي و ثمنه تأخير صوم الثلاثة عن اليوم السابع فيبتدي به و باليومين الذين هما بعده (يوم التروية و

يوم عرفة)

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ابواب الذبح، ب 46، ح 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 247

علي القول بجواز الاتيان بها من اليوم الاول من ذي الحجة و اما علي القول بعدم الجواز فيتعين عليه الاتيان به في الايام الثلاثة التي هي قبل يوم العيد نعم ان اتفق فوت صوم يوم الّذي قبل التروية عنه يأتي بصوم يوم التروية و يوم عرفة و الصوم الثالث بعد النفر علي المشهور بل حكي عن الحلّي و غيره الاجماع عليه فلا يضر الفصل بيوم العيد و ايام التشريق بالتوالي المعتبر فيها و يدل علي ذلك خبر عبد الرحمن ابن الحجاج عن الصادق عليه السّلام فيمن صام يوم التروية و يوم عرفة؟ قال يجزيه ان يصوم يوما آخر «1». و خبر يحيي الازرق او موثقه الّذي رواه الشيخ باسناده عن موسي بن القاسم عن النخعي عن صفوان عن يحيي الازرق عن ابي الحسن عليه السّلام قال: «سألته عن رجل قدم يوم التروية متمتعا و ليس له هدي فصام يوم التروية و يوم عرفة؟ قال: يصوم يوما آخر بعد ايام التشريق» و رواه الصدوق باسناده عن يحيي الازرق انه سأل أبا ابراهيم و ذكر مثله الّا انه قال بعد ايام التشريق بيوم «2» و في الجواهر: ظاهرها حتي الاخير تناول حال الاختيار كما اعترف به بعضهم فان القدوم يوم التروية لا ينافي صوم يوم قبله قبل القدوم بل عن ابن حمزة التصريح بذلك بل في كشف اللثام نسبته الي ظاهر الباقين الا القاضي و الحلبيين فاشترطوا الضرورة و لا ريب في انه احوط و ان كان الاقوي الاول «3».

اقول: منع الاطلاق بعض المعاصرين بان ظاهر الرواية انه كان عالما بان وظيفته صوم

الايام الثلاثة و لكن لم يتمكن من صوم يوم السابع و صام الثامن و التاسع «4».

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ابواب الذبح، ب 52، ح 1.

(2)- وسائل الشيعة، ابواب الذبح، ب 52، ح 2.

(3)- جواهر الكلام: 19/ 170

(4)- المعتمد: 5/ 250

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 248

و هو كذلك الّا ان خبر عبد الرحمن بن الحجاج لا بأس بإطلاقه و لا بأس بالاستدلال به علي القول بجبر ضعفه بالعمل الا ان يقال ان ما ثبت من عمل المشهور به حال الضرورة الّا ان يقال بإطلاق فتاواهم و امّا الاحتياط المذكور في كلام الجواهر فلم نعلم ان مراده منه هل الاتيان بصوم يومين قبل العيد و صوم يوم آخر اذا لا يتحقق به الاحتياط الا بضم يومين آخرين علي اليوم الثالث او ان المراد منه الاتيان بالثلاثة بعد ايام التشريق في مكة لانه مجز علي كل حال و هذا و ان كان يكفي من حيث الاجزاء و الحكم الوضعي الا ان رعاية الحكم التكليفي تقتضي الجمع.

هذا و امّا ما يظهر من بعض النصوص من عدم اغتفار الفصل بالعيد فهو قاصر عن معارضة ما يدل علي الاغتفار سيما عند الضرورة و ذلك مثل صحيح معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سالته عن متمتع لم يجد هديا؟ قال: يصوم ثلاثة ايام في الحج يوما قبل التروية و يوم التروية و يوم عرفة قال: قلت: فان فاته ذلك قال:

يتسحّر (فليقم) ليلة الحصبة، و يصوم ذلك اليوم و يومين بعده قلت: فان لم يقم عليه جماله أ يصومها في الطريق؟ قال: ان شاء صام في الطريق و ان شاء اذا رجع الي اهله» «1».

و صحيح حماد بن عيسي قال:

«سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: قال علي عليه السّلام: صيام ثلاثة ايام في الحج قبل يوم التروية و يوم التروية و يوم عرفة فمن فاته ذلك فليتسحر ليلة الحصبة- يعني ليلة النفر- و يصبح صائما و يومين بعده و سبعة اذا رجع» «2».

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ابواب الذبح، ب 46، ح 4.

(2)- وسائل الشيعة، ابواب الذبح، ب 52، ح 4.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 249

و خبر علي بن الفضل الواسطي عن أبي الحسن عليه السّلام قال: «سمعته يقول: اذا صام المتمتع يومين لا يتابع الصوم اليوم الثالث فقد فاته صيام ثلاثة ايام في الحج فليصم بمكة ثلاثة ايام متتابعات فان لم يقدر و لم يقم عليه الجمّال فليصمها في الطريق او اذا قدم علي اهله صام عشرة ايام متتابعات» «1».

و لا يخفي عليك انه يجوز حمل الجميع علي ما اذا فات منه تمام الثلاثة او تقييدها بما يدل علي الاكتفاء باليوم الثامن و التاسع و يوم آخر.

و هل يجب المبادرة بصوم اليوم الثالث بعد ايام التشريق او يجزيه ان يأتي به في ذي الحجة يمكن ان يقال بمناسبة الحكم و الموضوع و ان الاصل في الثلاثة التتابع و ان رفع اليد عنه في المورد للضرورة وجوب المبادرة رعاية للتتابع مهما امكن و في الجواهر و بعد ان حكي عن كشف اللثام وجوب المبادرة و ان اطلقت الاخبار و الفتاوي التي عثرت عليها الا فتوي ابن سعيد فانه قال: صام يوم الحصبة و هو رابع النحر ثم قال حاكيا عن كشف اللثام و يحتمل ان يكون من كلام نفسه قلت: مع انه من ايام التشريق التي ستسمع الكلام فيها بل و الكلام في ابتداء الثلاثة

منه: و لا ريب ان الاحوط المبادرة بعد ايام التشريق و ان كان الوجوب لا يخلو من نظر بعد اطلاق النص و الفتوي بل قد سمعت ما في النص من كون المراد من قوله في الحج شهر ذي الحجة مضافا الي ما تسمعه مما يدل علي جواز صومها طول ذي الحجة من النص و الاجماع و غيرهما «2».

أقول: مراده من النصّ ما رواه في الفقيه باسناده عن زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام انه قال: «من لم يجد ثمن الهدي فاحبّ ان يصوم الثلاثة الأيام في العشر الاواخر فلا

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ابواب الذبح، ب 52 ح 4.

(2)- جواهر الكلام: 19/ 171.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 250

بأس بذلك». «1»

[لا يغتفر الفصل بالعيد و بايام التشريق]

مسألة 77- لا يغتفر الفصل بالعيد و بايام التشريق لو فاته صوم يوم التروية فلا يجزيه صوم يوم عرفة و صوم يومين آخرين بعد ايام التشريق و الدليل عليه اطلاق الدليل الدال علي وجوب التتابع خرج منه بالنص ما اذا فاته يوم السابع و صام يومين بعده.

و الظاهر ان هذا هو المشهور بل في الجواهر لا اجد فيه خلافا نعم عن الاقتصاد ان من افطر الثاني بعد صوم الاول لمرض او حيض او عذر بني و كذا الوسيلة الّا اذا كان العذر سفرا و يمكن ان يكون مستندهما عموم التعليل في خبر سليمان بن خالد سأل الصادق عليه السّلام: «عمن كان عليه شهر ان متتابعان فصام خمسة و عشرين يوما ثم مرض فاذا برئ أ يبني علي صوم أم يعيد صومه كلّه؟ فقال عليه السّلام: بل يبني علي ما كان صام ثم قال: هذا ممّا غلب اللّه عليه، و ليس علي ما غلب اللّه عليه شي ء».

و انّما يستثني السفر لانه ليس مما غلب اللّه عليه. و ردّ الاستدلال به في الجواهر بانه غير ما نحن فيه ضرورة العلم بالعيد فيمكن الفرق بين المقامين خصوصا بعد النصوص الدالة هنا علي وجوب صومها بعد ذلك اذا فاتت الثلاثة. «2»

أقول: العلم بالعيد اذا لم يمكن عالما بما يغلب اللّه عليه لا يوجب فرقا بين المقامين يشملهما عموم التعليل علي السواء و الخبر كالاستثناء من النصوص فمفاد النصوص ان من فاتته الثلاثة متتابعة يصوم بعد ذلك فكما استثني منها ما اذا فاته اليوم السابع يستثني منها اذا فاته اليوم الثالث بعذر غلب اللّه تعالي عليه نعم الاحوط ان يأتي بالثلاثة بقصد كون الاول و الثاني ما في ذمته من كونهما ثانيا و ثالثا و تكميلا للقصد

______________________________

(1)- من لا يحضره الفقيه: 2/ 303/ 1508

(2)- جواهر الكلام: 19/ 172

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 251

الاول او أولا و ثانيا للثلاثة التي تكون عليها علي فرض الغاء الاول. و اللّه هو العالم.

[لا يجوز علي المشهور الاتيان بصوم الثلاثة او اكمالها في ايام التشريق]

مسألة 78- لا يجوز علي المشهور الاتيان بصوم الثلاثة او اكمالها في ايام التشريق يدل عليه صحيح عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد الله عليه السّلام قال: «سألته عن رجل تمتع فلم يجد هديا؟ قال: فليصم ثلاثة ايام ليس فيها ايام التشريق، و لكن يقيم بمكة حتي يصومها و سبعة اذا رجع الي اهله» و ذكر حديث بديل بن ورقاء «1».

أقول: قال في الفقيه: و روي عن الائمة عليهم السلام،: ان المتمتع اذا وجد الهدي و لم يجد الثمن صام- الي ان قال- و لا يجوز له ان يصوم ايّام التشريق فان النبي صلّي اللّه عليه و آله بعث بديل بن ورقاء الخزاعي علي جمل

اورق و امره ان يتخلل الفساطيط و ينادي في الناس ايّام مني: «الا لا تصوموا فانها ايام اكل و شرب و بعال» «2».

و صحيح سليمان بن خالد و سنده في التهذيب في شرح (و لا يجوز ان تصام ايام التشريق مع الاختيار) هكذا و عنه (يعني عن الحسين بن سعيد) عن النضر بن سويد عن هشام بن سالم عن سليمان بن خالد و علي بن النعمان عن ابن مسكان «3» و ظاهره انتهاء السند الي ابن مسكان و رواية سليمان بن خالد و علي بن النعمان عنه و في شرح قول المفيد قدس سره، (و من فاته صوم هذه الثلاثة بمكة لعائق …)

روي بهذا السند سعد بن عبد اللّه عن الحسين عن النضر بن سويد عن هشام ابن سالم عن سليمان بن خالد و علي بن النعمان عن عبد اللّه بن مسكان عن سليمان بن خالد 4 فعلي هذا الحديث مروي عن سليمان بن خالد بطريقين احدهما عن النضر عن هشام عنه و ثانيهما عن علي عن ابن مسكان عنه و في الجواهر قال: و رواه في

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ابواب الذبح، ب 51، ح 1 و 8.

(2)- من لا يحضره الفقيه: 2/ 508.

(3) 3- 4 التهذيب: ب 16، ح 775/ 114 و 789/ 128 كتاب الحج.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 252

كشف اللثام عن ابن مسكان و التدبر فيما رواه في التهذيب هنا و في شرح من فاته صوم الثلاثة الأيام بمكة … يقتضي ما ذكرنا من كون الخبر عن سليمان انتهي «1».

و لكن يمكن ان يقال ان كل واحد من السندين في حدّ نفسه لا خدشة فيه اما السند الاول فلان ابن مسكان و سليمان

بن خالد كليهما من الطبقة الخامسة يرويان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام و ثانيهما الي ابن مسكان عنه عليه السّلام و اما علي الثاني الراوي عن الامام عليه السّلام سليمان بن خالد لا هو ابن مسكان غير ان ابن مسكان الّذي هو في طبقة سليمان يروي عمن هو في طبقته اي سليمان و رواية ارباب طبقة واحدة بعضهم عن بعض و ان كان يوجد في الروايات الا انه اذا اختلف الاسناد و روي هذا البعض عمن يروي كلاهما عنه يمكن ترجيح روايته عمن يرويان عنه علي روايته عن الآخر عنه و التشبث بتقديم اصالة عدم الزيادة علي اصالة عدم النقيصة لا يكون مرجحا لما افاده في الجواهر لعدم كون ذلك مطلقا، مقدما علي غيره من القرائن و كيف كان في لفظ الرواية علي النسخة الثانية اختصار و علي النسخة الاولي اي ما رواه أولا في التهذيب هكذا قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل تمتع و لم يجد هديا؟

قال: يصوم ثلاثة ايام قلت له: أ منها ايام التشريق؟ قال: لا و لكن يقيم بمكة حتي يصومها و سبعة اذا رجع الي اهله فان لم يقم عليه اصحابه و لم يستطع المقام بمكة فليصم عشرة ايام اذا رجع الي اهله» ثم ذكر حديث بديل بن ورقاء «2».

و خبر عبد الرحمن بن الحجاج قال: «كنت قائما اصلي و ابو الحسن عليه السّلام قاعد قدّامي و انا لا اعلم فجائه عباد البصري فسلّم ثم جلس فقال له: يا أبا الحسن ما تقول في رجل تمتع و لم يكن له هدي؟ قال: يصوم الايام التي قال اللّه تعالي قال:

فجعلت سمعي (اصغي) إليهما فقال له عبّاد: و

ايّ ايام هي؟ قال: قبل التروية بيوم

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 19/ 172

(2)- التهذيب، ب 116، ح 775/ 114، كتاب الحج.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 253

و يوم التروية و يوم عرفة قال: فان فاته ذلك؟ قال: يصوم صبيحة الحصبة و يومين بعد ذلك قال: فلا (أ فلا) تقول كما قال عبد اللّه بن الحسن قال: فايش قال؟ قال (قال) يصوم ايام التشريق قال: ان جعفرا كان يقول: ان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله امر بديلا ينادي:

ان هذا ايام اكل و شرب فلا يصومنّ احد قال: يا أبا الحسن ان اللّه قال: «فصيام ثلاثة ايام في الحج و سبعة اذا رجعتم» قال: كان جعفر يقول: ذو الحجة كله من اشهر الحج» «1».

و هذه الاخبار صريحة في عدم جواز صوم الثلاثة في ايام التشريق فما في خبر اسحاق بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (عن ابيه عليه السّلام) «ان عليّا عليه السّلام كان يقول: من فاته صيام الثلاثة الأيام التي الحج فليصمها ايام التشريق فان ذلك جائز له» «2» و خبر ابن ميمون القداح عن جعفر عن ابيه «ان عليا عليه السّلام كان يقول: من فاته صيام الثلاثة الايام في الحج و هي قبل التروية بيوم و يوم التروية و يوم عرفة فليصم ايام التشريق فقد اذن له» «3» فمآلهما الي خبر واحد و هو شاذ مخالف لسائر الاخبار قال الشيخ: ان هذين الخبرين شاذان مخالفان لسائر الاخبار فلا يجوز المصير إليهما.

مضافا الي انه موافق للعامة و احتمل في الوسائل ان يكون المراد منه صوم اليوم الثالث لمن نفر فيه او قبله لخروجه من مني و بعبارة اخري، الخبر نص في اجزاء صوم اليوم الثالث

و ظاهر في اجزاء اليوم الاول و الثاني من ايام التشريق و الروايات المذكورة نصّ في عدم اجزاء صوم اليوم الاول و الثاني و ظاهر في عدم اجزاء اليوم الثالث فيحمل ظاهر كل منهما علي ما هو الاخر اظهر فيه و علي هذا تنطبق الروايتان علي ما يدل عليه صحيح عيص بن القاسم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ابواب الذبح، ب 51، ح 18961/ 4.

(2)- وسائل الشيعة، ابواب الذبح، ب 51، ح 5.

(3)- وسائل الشيعة، ابواب الذبح، ب 51، ح 6.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 254

«سألته عن متمتع يدخل يوم التروية و ليس معه هدي؟ قال: فلا يصوم ذلك اليوم و لا يوم عرفة و يتسحر ليلة الحصبة فيصبح صائما و هو يوم النفر و يصوم يومين بعده» «1» بعد حمل النهي فيه علي إرادة نفي الوجوب المتوهم من سائر الاحاديث و علي ما يدل عليه صحيح حمّاد المتقدم قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: قال علي عليه السّلام صيام ثلاثة ايام في الحج قبل التروية بيوم و يوم التروية و يوم عرفة فمن فاته ذلك فليتسحر ليلة الحصبة يعني ليلة النفر و يصبح صائما و يومين بعده و سبعة اذا رجع «2» بعد حمل الامر فيه علي الجواز لا الوجوب او حمله علي من فاته الايام الثلاثة و كون هذا الصحيح كالتفسير او التفصيل لخبر ابن القداح و اسحاق بن عمار محتمل و كما تنطبق علي صحيح رفاعة الّذي فيه: «يصوم ثلاثة ايام بعد التشريق قلت: لم يقم عليه جماله قال يصوم يوم الحصبة و بعده يومين» «3» و يمكن به حمل الجميع علي انه يصوم يوم الحصبة

اذا لم يقم عليه الجمال و كان مستعجلا و من جميع ذلك ظهر الوجه لما اختاره الشيخ في النهاية و المبسوط و ابنا بابويه و ابن ادريس و غيرهم علي ما حكي عنهم و بعد ذلك كله الجزم بالقول بكفاية صوم يوم النفر مشكل فالاحوط اذا لم يتمكن من صيام يوم التروية و يوم عرفة و يوم آخر بعد التشريق صيام ثلاثة ايام بمكة بعد التشريق أي بعد يوم النفر الثاني اليوم الثالث عشر فيصوم اليوم الرابع عشر و يومين بعده و اللّه هو العالم.

تذييل: قد افاد بعض الاعلام من المعاصرين علي ما في تقريرات بحثه: ان هنا رواية صحيحة ذكرها صاحب الوسائل عن الشيخ بالاسناد الي عبد الرحمن بن الحجاج، و السند صحيح و متنها علي ما في الوسائل نحو متن صحيح معاوية بن عمار

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ابواب الذبح، ب 46، ح 3.

(2)- وسائل الشيعة، ابواب الذبح، ب 52، ح 3.

(3)- وسائل الشيعة، أبواب الذبح ب 46 ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 255

المتقدّمة (عن متمتع لم يكن معه هدي؟ قال: يصوم ثلاثة ايام من قبل التروية بيوم و يوم التروية و يوم عرفة قال: فان فاته صوم هذه الايام، فقال: لا يصوم يوم التروية و لا يوم عرفة و لكن يصوم ثلاثة ايام متتابعات بعد ايام التشريق «1» هكذا نقلها في الوسائل و كذلك الوافي و الحدائق و لكن الموجود في التهذيب و الاستبصار ما يخالف ذلك ففي الاستبصار (سأله عباد البصري عن متمتع لم يكن معه هدي؟) قال:

يصوم ثلاثة ايام قبل يوم التروية قال: فان فاته صوم هذه الايام؟ قال: لا يصوم يوم التروية و لا يوم عرفة و لكن يصوم ثلاثة

ايام متتابعات بعد ايام التشريق و كذا في التهذيب «2» و كتب المعلق علي التهذيب ان النسخ المخطوطة توافق ما في التهذيب المطبوع و كذلك الاستبصار فهذه الزيادة التي ذكرت في الوسائل و الوافي و الحدائق (قبل يوم التروية بيوم و يوم التروية و يوم عرفة) غير موجوده في نسخ التهذيب و الاستبصار المخطوطة و المطبوعة فتكون هذه الرواية بناء علي نسخ التهذيب و الاستبصار من الروايات الدالة علي جواز تقديم صيام الثلاثة أيام علي اليوم السابع و انه يجوز البدأة بالصوم من اوّل شهر ذي الحجة فحينئذ لا بد من رفع اليد عنهما قطعا فان مفاد هذه الرواية بناء علي هذا المتن ان من فاته صوم هذه الايام الثلاثة قبل اليوم السابع فيصوم بعد ايام التشريق مع انه لا اشكال و لا ريب في ان صيام اليوم السابع و الثامن و التاسع مجز قطعا الخ «3».

أقول: أولا انه ليس في النسخة المطبوعة اخيرا من الوسائل في هذه الرواية (52/ 3) هذه الزيادة و في الرواية المروية في (ب 51/ 8) هكذا قال: يصوم الايام التي قال اللّه تعالي … فقال له عباد: و اي ايام هي؟ قال: قبل التروية بيوم و يوم

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ب 52 من ابواب الذبح، ح 2.

(2)- الاستبصار، ج 2، ص 281، التهذيب، ج 5، ص 222.

(3)- المعتمد: 5/ 260.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 256

التروية و يوم عرفة قال: فان فاته ذلك؟ قال: يصوم صبيحة الحصبة و يومين بعد ذلك و ليس فيه (لا يصوم يوم التروية و لا يوم عرفة) و هذا أيضا في الاستبصار (ب 121/ ج 6) و في التهذيب أيضا الرواية الاولي بلفظ الاستبصار (783/ 122)

و الثانية أيضا بلفظه (799/ 118) و بالجملة الرواية التي اشار إليها في الوسائل ليس فيها في الوسائل المطبوعة اخيرا (بيوم و يوم التروية و يوم عرفة) و فيها (لا يصوم يوم التروية و لا يوم عرفة) و هي بعينها ما رواه في التهذيب (783/ 122) و في الاستبصار (ب 192 ح 997/ 7)، و لكن هذه الرواية رويت مفصلة في الوسائل (51/ 18961/ 4) أيضا عن التهذيب (779/ 118) و الاستبصار (988/ 6) و ليس فيها (قبل التروية بيوم و يوم التروية و يوم عرفة) و ليس فيها (لا يصوم يوم التروية و لا يوم عرفة).

[الاقوي جواز تقديم صوم الثلاثة من اوّل ذي الحجة بعد ما تلبس بالمتعة]

مسألة 79- قد مرّ ان الاقوي جواز تقديم صوم الثلاثة من اوّل ذي الحجة بعد ما تلبس بالمتعة و ان لم يتمها و يجزي صومها بعد ايام التشريق طول باقي ذي الحجة و عن المدارك انّه قول علمائنا و اكثر العامة «1»، و يدل عليه اطلاق الآية المفسرة عن اهل البيت عليهم السّلام، بذي الحجة كما سمعته في صحيح رفاعة المتقدم و لصحيح زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام انه قال: «من لم يجد ثمن الهدي فاحبّ ان يصوم الثلاثة أيام في العشر الاواخر فلا بأس بذلك» «2» و ظاهره عدم وجوب المبادرة مطلقا لا في العشر الاول و لا في الثاني بعد ايام التشريق او من اليوم الثالث عشر و لا في العشر الثالث نعم البدار احوط تكليفا لا وضعا.

______________________________

(1)- مدارك الاحكام: 8/ 54.

(2)- وسائل الشيعة: ابواب الذبح ب 46 ح 13.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 257

[مقتضي وجوب التتابع انه لو صام اليوم الاول و اليوم الثاني و افطر الثالث لا لعذر كالمرض او حيلولة يوم العيد و ايام التشريق لا يجزيه]

مسألة 80- مقتضي وجوب التتابع انه لو صام اليوم الاول و اليوم الثاني و افطر الثالث لا لعذر كالمرض او حيلولة يوم العيد و ايام التشريق لا يجزيه و يجب عليه الاستيناف.

[اذا خرج ذو الحجة و لم يصم الثلاثة]

مسألة 81- اذا خرج ذو الحجة و لم يصم الثلاثة فان كان ذلك لنسيانه الصوم ففي صحيح عمران الحلبي قال: سئل عبد اللّه عليه السّلام «عن رجل نسي ان يصوم الثلاثة الأيام التي علي المتمتع اذا لم يجد الهدي حتي يقدم اهله؟ قال: يبعث بدم» «1» و القدر المتيقن منه ان يكون قدومه علي اهله بعد فوت امكان الاتيان بالثلاثة في ذي الحجة كاليوم التاسع و العشرين و الظاهر منه انه يكفيه البعث بالدم فلا يكون واجبا عليه زائدا علي الهدي و لعله لتدارك فوت الصوم عنه فلا يجب الهدي بعد تدارك الصوم بالدم و اما القول بكونه الكفارة فلا ينافي وجوبه وجوب الهدي الواجب عليه الغير المقيد وجوبه بكونه في ذي الحجة ان لم يتمكن منه في يوم النحر ففيه ان ذلك يستظهر منه اذا كان ترك الصوم عمدا. اللهم الا انه يقال ان وجوب الهدي ثابت بالآية يجب الاتيان بها الّا اذا صام الثلاثة في شهر الحج فوجوبه باق علي حاله و ظاهر قوله يبعث بدم انه غير ما وجب عليه بالآية و يمكن ان يقال مثل ذلك في صحيح منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: من لم يصم في ذي الحجة حتي يهل هلال المحرم فعليه دم شاة و ليس له صوم و يذبحه بمني «2» الشامل بإطلاقه الجهل و النسيان.

و لا يعارض هذان الصحيحان بصحيح معاوية بن عمّار و فيه: فان لم يقم عليه جماله

أ يصومها في الطريق قال: ان شاء صامها في الطريق و ان شاء اذا رجع الي

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ابواب الذبح ب 47 ح 3.

(2)- وسائل الشيعة: ابواب الذبح ب 47 ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 258

اهله «1» لان مورده عدم تمكنه من الصوم في مكة لعدم اقامة الجمال عليه و تمكنه من الاتيان به في الطريق و عند الرجوع الي اهله.

نعم يمكن ان يقال بانه مختص بمن لم يخرج من ذي الحجة و لا اطلاق له يشمل من خرج من ذي الحجة نعم هنا روايات اخري مضافا الي صحيح معاوية علي ان من فاته صومها بمكة لعائق او نسيان صامها في الطريق ان شاء و ان شاء اذا رجع الي اهله «2» و مقتضي اطلاقها الّذي لعله آب عن التقييد عدم الفرق بين خروج ذي الحجة و عدمه و عليه يقع التعارض بينهما في من خرج عن ذي الحجة فان الطائفة الاولي تدل علي سقوط الصوم و وجوب البعث بالدم و الثانية علي استمرار حكم وجوب الصوم فيما بعد ذي الحجة و لا ريب في ان الترجيح للطائفة الاولي لموافقته الكتاب الدال علي وجوب الهدي علي المتمتع مطلقا خرج منه تبديل الوظيفة الي الصوم في خصوص ذي الحجة لمن كان فاقدا للهدي و اما الّذي خرج منه فعليه الهدي يذبحه في العام المقبل اللهم الّا ان يقال ان تبديل وظيفة العاجز عن الهدي بالصوم معناه سقوط التكليف بالهدي مطلقا سواء تمكن من اتيان الصوم في ذي الحجة أم لم يتمكن و المراد من البعث بالدم تدارك ما فات منه بترك الصوم لا الهدي الّذي تبدل التكليف به بالصوم و بالجملة فالمسألة لا تخلو من

الاشكال و اللّه هو العالم.

[و لو صام الثلاثة ثم وجد الهدي و لو قبل التلبس بالسبعة لم يجب عليه الهدي]

مسألة 82- قال في الشرائع: و لو صامها (اي الثلاثة) ثم وجد الهدي و لو قبل التلبس بالسبعة لم يجب عليه الهدي و كان له المضيّ علي الصوم، و لو رجع الي الهدي كان افضل. «3»

أقول: يمكن ان يقول ان المعتبر في فقد الهدي و تبديله بالصوم ان كان فقده الي

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: ابواب الذبح ب 46 ح 4.

(2)- وسائل الشيعة ابواب الذبح ب 47، ح 4، ب 50، ح 2.

(3)- شرائع الاسلام: 1/ 195.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 259

آخر ذي الحجة فوجد انه قبل انقضائه يكشف عن عدم كونه مأمورا بالصوم فيجب عليه الهدي و ان كان فقده في يوم النحر او بحسب الحال فصام ثلاثة ايام فمقتضي الاصل عدم وجوب الهدي بعد سقوطه و تبدله بالصوم فما في الجواهر من التمسك بالاصل «1» لا يخفي ما فيه نعم و استدل علي جواز الاكتفاء بالصوم بخبر حماد بن عثمان «سألت الصادق عليه السّلام عن متمتع صام ثلاثة ايام في الحج ثم اصاب هديا يوم خرج من مني؟ قال: اجزأه صيامه «2» و خبر أبي بصير سأل احدهما عليهما السّلام عن رجل تمتع فلم يجد ما يهدي حتي اذا كان يوم النفر وجد ثمن شاة أ يذبح او يصوم؟ قال: بل يصوم فان ايام الذبح قد مضت» «3» الا ان الاستدلال به لا يتم الا بعد حمله علي من صام ثلاثة ايام و حمل او يصوم علي ان المراد منه يصوم السبعة الباقية أم يرفع اليد عن الثلاثة فيمكن ان يقال ان ضعفه منجبر بعمل الاصحاب فان الفتوي بالاجزاء منقول عن اكثر الاصحاب و القول بالاجزاء لا الوجوب للاجماع علي

كفاية الهدي اذا وجده الي تمام ذي الحجة و يؤيده خبر عقبة «سأل الصادق عليه السّلام عن رجل تمتع و ليس معه ما يشتري به هديا فلما ان صام ثلاثة ايام في الحج ايسر أ يشتري هديا فينحره او يدع ذلك و يصوم سبعة ايام اذا رجع الي اهله؟ قال: يشتري هديا فينحره» «4» و لذا قال المحقق (و لو رجع الي الهدي كان افضل).

[اذا خرج ذو الحجة و لم يصم الثلاثة]

مسألة 83- اذا خرج ذو الحجة و لم يصم الثلاثة فالظاهر انه لا يجزي منه الصوم و انّما يجب عليه الهدي فيبعث به او يأتي بنفسه في القابل امّا عدم اجزاء الصوم منه فيدل عليه في خصوص صورة النسيان صحيح عمران

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 19/ 183.

(2)- وسائل الشيعة ابواب الذبح ب 45 ح 1.

(3)- وسائل الشيعة ابواب الذبح ب 44 ح 3.

(4)- وسائل الشيعة ابواب الذبح ب 45 ح 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 260

الحلبي قال: عبد اللّه عليه السّلام: «عن رجل نسي ان يصوم الثلاثة الأيام التي علي المتمتع اذا لم يجد الهدي حتي يقدم اهله؟ قال: يبعث بدم» «1» و القدر المتيقن بل الظاهر منه تذكره به بعد خروج ذي الحجة سيما بعد مفروغية جواز الاتيان بالصوم طول ذي الحجة و في مطلق تركه الصوم صحيح منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «من لم يصم في ذي الحجة حتي يهلّ هلال المحرم فعليه دم شاة و ليس له صوم و يذبحه بمني» «2» و اطلاقه يشمل الناسي و الجاهل و المعذور بل و العامد لعدم الفرق في عدم اجزاء الصوم بعد ذي الحجة بين العامد و غيره.

و في الجواهر قال: قد يقال: ان الصحيح المزبور

معارض بالنصوص المستفيضة الدالة علي ان من فاته صومها بمكة لعائق او نسيان صامها في الطريق ان شاء و ان شاء اذا رجع الي اهله (ثم ذكر) هذه النصوص كصحيح معاوية بن عمار «3» و فيه فان لم يقم عليه جماله أ يصومها في الطريق؟ قال: ان شاء صامها في الطريق و ان شاء اذا رجع الي اهله، و أيضا صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: «من كان متمتعا فلم يجد هديا فليصم ثلاثة ايام في الحج اذا رجع الي اهله فان فاته ذلك و كان له مقام بعد الصدر صام ثلاثة ايام بمكة و ان لم يكن له مقام صام في الطريق او في اهله، و ان كان له مقام بمكة فاراد ان يصوم السبعة يترك الصيام بقدر مسيره الي اهله او شهرا ثم صام» «4» و غير ذلك من النصوص التي رواها في الجواهر و قال: و مقتضي اطلاقها، عدم الفرق بين خروج ذي الحجة و عدمه و من هنا احتمل في الذخيرة الجمع بينها بان حكم السقوط مختص بالناسي كما في

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ابواب الذبح، ب 47، ح 3.

(2)- وسائل الشيعة، ابواب الذبح ب 47 ح 1 و 3.

(3)- وسائل الشيعة، ابواب الذبح، ب 46، ح 4.

(4)- وسائل الشيعة، ابواب الذبح، ب 47، ح 4 و ب 50، ح 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 261

صحيحة (عمران) و يحمل عليه حسنة منصور بن حازم قال: و حينئذ يجمع بين صحيحة ابن مسلم (يعني ما رواه عن احدهما عليهما السّلام الصوم الثلاثة الأيام «ان صامها فآخرها يوم عرفة و ان لم

يقدر علي ذلك فليؤخرها حتي يصومها في اهله» «1» و ما يعارضها بالترخيص «2».

أقول: الظاهر ان الاقرب في الجمع بين هذه النصوص ما قاله في الجواهر قال:

لعل الاولي الجمع بحمل هذه النصوص علي عدم خروج ذي الحجة و ان استبعده في الذخيرة لاعتضاده بعد الشهرة و الاجماعات المنقولة بظاهر الكتاب و السنة و الاجماع الموقتة لها بذي الحجة فتسقط حينئذ بخروجه الخ «3».

و أقول و علي هذا يبقي الكلام في البحث عن وجوب البعث بالدم و الدليل عليه يكون صحيح عمران الحلبي و منصور بن الحازم و اللّه هو العالم.

[مقتضي قوله تعالي: فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيٰامُ ثَلٰاثَةِ أَيّٰامٍ فِي الْحَجِّ وَ سَبْعَةٍ إِذٰا رَجَعْتُمْ وجوب صوم السبعة بعد وصوله الي بلده.]

مسألة 84- مقتضي قوله تعالي: فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيٰامُ ثَلٰاثَةِ أَيّٰامٍ فِي الْحَجِّ وَ سَبْعَةٍ إِذٰا رَجَعْتُمْ وجوب صوم السبعة بعد وصوله الي بلده.

لا يقال: ان الرجوع اعم من الوصول فيجزي الاتيان بها في الطريق اثناء الرجوع الي بلده.

فانه يقال: ان ما يفهم العرف من الرجوع هنا هو الوصول الي البلد و محل الشروع بل المفهوم منه مطلقا هو الرجوع الي ما كان منه المبدأ و يمكن ان يقال انه اذا صار متعديا بالي مثل رجع الي اهله او رجع موسي الي قومه و الي اللّه مرجعكم فالمراد منه الرجوع و الوصول الي محل الشروع و اما اذا كان مثل اذا قيل لكم

______________________________

(1)- وسائل الشيعة ابواب الذبح ب 46 ح 10

(2)- جواهر الكلام: 19/ 183.

(3)- جواهر الكلام: 19/ 183

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 262

ارجعوا فارجعوا فمعناه الرجوع عنه و قوله تعالي اذا رجعتم يمكن ان يراد منه الرجوع عن الحج او الوصول الي الاهل او مطلق الرجوع لحذف متعلقه و كيف كان فالمتبع في التفسير ما ثبت التفسير به عن اهل البيت عليهم السلام، و

الثابت منهم ان المراد منه الوصول الي اهله ففي صحيح معاوية بن عمار المتقدم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله من كان متمتعا فلم يجد هديا فليصم ثلاثة ايام في الحج و سبعة اذا رجع الي اهله … (الي ان قال) بعد الصدر صام ثلاثة ايام بحكه، و ان لم يكن له مقام صام في الطريق أو في أهله. الحديث. «1» و له مقام بمكة.»

و في صحيح سليمان بن خالد (و سبعة اذا رجع الي اهله) «2» و لا يخفي عليك مضافا الي انا قد قلنا ان معني الرجوع الي الاهل الوصول إليهم يؤكد ذلك قوله عليه السّلام: و ان كان له مقام بمكة … فعلي هذا لا ريب في انه لا يجزي صيامها في الطريق فلا اعتداد بقول من يقول من العامة انه يصوم السبعة اذا فرغ من اعمال الحج فانه مخالف لظاهر الكتاب و من قال يصومها اذا خرج من مكة سائرا في الطريق لانه من تفسير القرآن بالرأي و من قال: يصومها بعد ايام التشريق لانه أيضا من تفسير القرآن بالرأي و انّه اريد من الرجوع النفر من مني و يرده بالتصريح صحيح معاوية بن عمار و هو الحجّة في تفسير القرآن و غيره مما يؤخذ من الشرع لاحاديث الثقلين و لذا يرجح كما قال ابان بن تغلب قول امير المؤمنين علي عليهم السلام، علي جميع الصحابة و ان كانوا هم متفقين في مسئلة علي رأي و امير المؤمنين عليه السّلام علي رأي.

ثم انه قال في الشرائع: و لا يشترط فيها الموالاة علي الاصح و في الجواهر وفاقا للمشهور بل عن المنتهي و

التذكرة لا نعرف فيه خلافا و الدليل علي ذلك كما اشار إليه

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ابواب الذبح ب 47 ح 4.

(2)- وسائل الشيعة، ابواب الذبح ب 46 ح 7.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 263

في الجواهر «1» أو لا اطلاق الدليل لان السبعة تصدق علي المتتابعة و علي المتفرقة و ثانيا علي فرض اجمال الدليل مقتضي الاصل عدم اعتبار التتابع و ثالثا عموم قول الامام الصادق عليه السّلام في صحيح عبد اللّه بن سنان: «كل صوم يفرق الّا ثلاثة ايام في كفارة اليمين» «2».

و رابعا «خبر اسحاق بن عمار قال: قلت لابي الحسن موسي بن جعفر عليهما السّلام: اني قدمت الكوفة و لم اصم السبعة الايام حتي فزعت في حاجة الي بغداد؟ قال: صمها ببغداد قلت: افرّقها؟ قال: نعم «3»».

و سنده هكذا (الشيخ باسناده عن) عن محمد بن احمد بن يحيي «4» عن محمد بن الحسن «5» عن محمد بن اسلم «6» عن اسحاق بن عمار «7» و السند علي مسلك المشهور ضعيف بمحمد بن اسلم الا انه قال باعتباره بعض المعاصرين لانه كان من رجال كامل الزيارات و تفسير علي بن ابراهيم، و عن ابن أبي عقيل و ابي الصلاح وجوب الموالاة فيها كالثلاثة لرواية محمد بن احمد العلوي «8» عن العمركي الخراساني «9» عن علي بن جعفر عن اخيه موسي بن جعفر عليهما السّلام قال: «سألته عن

______________________________

(1)- الجواهر الكلام: 19/ 186.

(2)- وسائل الشيعة، ابواب بقية الصوم، ب 10، ح 1.

(3)- وسائل الشيعة، ابواب الذبح، ب 55، ح 1.

(4)- جليل القدر كثير الرواية الا انه استثني من رواياته ما يرويه عن جماعة ليس فيهم محمد بن الحسن.

(5)- يظهر من الطبقات انه ابن الحسين بن أبي الخطاب

عظيم القدر …

(6)- له كتاب يقال انه كان غالبا فاسد الحديث …

(7)- كان شيخا من اصحابنا و كان فطحيا و يظهر من الشيخ كونه قائلا بإمامة مولانا الكاظم …

(8)- وصف العلامة الروايات الواقع في طريقها بالصحة.

(9)- ابن علي بن محمد البوفكي و البوفك قرية من نيشابور شيخ من اصحابنا ثقه.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 264

صوم ثلاثة ايام في الحج و سبعة أ يصومها متوالية او يفرق بينها؟ قال: يصوم الثلاثة ايام لا يفرق بينها، و السبعة لا يفرق بينها و لا يجمع بين السبعة و الثلاثة جميعا» «1».

و افاد بعض الاعلام ان مقتضي الجمع بين الخبرين حمل خبر علي بن جعفر علي كون النهي فيه تتزيهيا حيث انه نص في مرجوحية التفريق و ظاهر في عدم اجزائه و خبر اسحاق بن عمار نص في الجواز و بعد ذلك فقد استشكل في ذلك بان هذا يتم لو كان المراد من التفريق في رواية اسحاق ما يقابل التوالي و لكن من المحتمل ان يكون المراد منه السؤال عن تكليف المعذور من الصوم في بلده فكان السائل توهم لزوم وقوع الصوم في وطنه و انه الظاهر من الآية و النصوص فسأل الامام عليه السّلام عن تكليفه اذا سافر الي بلد غيره فأجابه الامام عليه السّلام بالصوم فيه فسأله عمّا اذا صام علي التفريق في البلدين فعلي هذا لا يترك الاحتياط برعاية الموالاة الا ان يقال بعدم صحة الاحتجاج بخبر علي بن جعفر لضعف سنده و اعراض المشهور عنه و مقتضي الاصل عدم اعتبار الموالاة و بعد ذلك أيضا لا ريب في حسن الاحتياط.

هذا كله بالنسبة الي حكم الموالاة بين السبعة و امّا بين الثلاثة و السبعة ففي الجواهر

ان الظاهر اعتبار التفريق بينهما بلا خلاف اجده فيه بل عن المنتهي نسبته الي علمائنا لظاهر الآية و خبر علي بن جعفر عن اخيه عليه السّلام (لا يجمع بين الثلاثة و السبعة) و قال: لكن الظاهر اختصاص ذلك بما اذا صام في مكة أمّا اذا وصل الي اهله و لم يكن قد صام الثلاثة لم يجب عليه التفريق كما نصّ عليه الفاضل في محكي المنتهي بل هو ظاهر الامر بصوم العشرة فيما سمعته من النصوص انتهي «2».

و رد ذلك بانه ليس هنا ما يدل علي جواز التفريق سوي المطلقات مثل قوله في

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ابواب الذبح، ب 55، ح 2.

(2)- جواهر الكلام: 19/ 187.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 265

صحيح سليمان بن خالد (فليصم عشرة ايام اذا رجع الي اهله) «1» و لكنه يقيد بقوله عليه السّلام (لا يجمع بين الثلاثة و السبعة) و حمله علي خصوص من صامها في مكة من تقييد المطلق بدون المقيد.

نعم روي علي بن الفضل الواسطي «2» قال: «سمعته يقول: اذا صام المتمتع يومين لا يتابع الصوم اليوم الثالث فقد فاته صيام ثلاثة ايام في الحج فليصم بمكة ثلاثة ايام متتابعات فان لم يقدر و لم يقم عليه الجمال فليصمها في الطريق او اذا قدم علي (الي) اهله صام عشرة ايام متتابعات». و هذا برواية الشيخ في التهذيبين مضمر و لكن رواه الحميري في قرب الاسناد عنه عن ابي الحسن عليه السّلام «3».

فهذا الخبر أيضا دالّ علي اعتبار التتابع بين الصومين و تضعيف السند و ان كان موجّها علي اصطلاحهم لعدم ذكر توثيق منهم للواسطي و لمحمد بن عبد الحميد الراوي عنه الا ان توصيف الواسطي بانه (صاحب الرضا عليه السّلام)

سواء كان بصيغة الفعل او الفاعل الظاهر انه يكفي في الاعتماد عليه و كذا محمد بن عبد الحميد الّذي هو صاحب الكتاب و روي عنه الحديث جمع من المشايخ فلا يرد بضعف السند و اما من حيث المتن فقد يقال: ان دلالتها بالظهور لان موارد التتابع فيه ثلاثة التتابع بين نفس الثلاثة و بين نفس السبعة و بين الثلاثة و السبعة و إرادة تتابع الثلاثة القدر المتيقن من قوله و عشرة ايام متتابعات للتصريح عليه في صدر الحديث و صحيح علي بن جعفر يدل علي لزوم التتابع في الثلاثة و في السبعة موافق لظهور خبر الواسطي في التتابع فيهما الا انه يرفع اليد عن ظهوره في التتابع بينهما بصحيح علي بن جعفر و لكن يمكن ان يجاب عن ذلك بان قوله (عشرة ايام متتابعات) ظاهر في تتابع

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ابواب الشيعة، ابواب الذبح ب 46 ح 7.

(2)- صاحب الرضا، عليه السّلام.

(3)- وسائل الشيعة، ابواب الذبح، ب 52، ح 4.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 266

جميع الايام العشرة فكما ان لا دلالة لقوله سبعة ايام متتابعات بتتابع الثلاثة منها و تتابع الاربعة منها لا يدل قوله (عشرة ايام متتابعات) و لزوم التتابع في الثلاثة و السبعة لا يدل علي اراده التتابع بين كل منهما و بينهما فليس هذه الموارد ملحوظة بالاستقلال.

و بعد ذلك كله يقع التعارض بين خبر علي بن جعفر و خبر الواسطي و يمكن الجمع بينهما بالإطلاق و التقييد فيقيد اطلاق (و لا يجمع بين السبعة و الثلاثة) بما اذا كان في مكة و فيما اذا كان في بلده يصومها متتابعات بل يمكن ان يقال ان خبر علي بن جعفر ظاهر في عدم جواز الجمع

اذا كان بمكة و خبر الواسطي ظاهر في حكم إتيانهما في بلده و ليكن هذا وجه ذهاب العلامة و صاحب الجواهر الي اختصاص حكم وجوب التفريق بما اذا صام بمكة فتدبر و اللّه هو العالم.

[من اقام بمكة ينتظر مقدار مدة وصوله الي اهله ان لم يزد علي شهر]

مسألة 85- قد مرّ صحيح معاوية ابن عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: «من كان متمتعا فلم يجد هديا فليصم ثلاثة ايام في الحج و سبعة اذا رجع الي اهله فان فاته ذلك و كان له مقام بعد الصدر صام ثلاثة الايام بمكة، و ان لم يكن له مقام صام في الطريق او في اهله، و ان كان له مقام بمكة و اراد ان يصوم السبعة ترك الصيام بقدر سيره الي اهله او شهرا ثم صام» «1».

و هو يدل علي ان من اقام بمكة ينتظر مقدار مدة وصوله الي اهله ان لم يزد علي شهر و الا صام السبعة بعد مضي الشهر و هذا هو المصرح به في كلمات الفقهاء بل عن الذخيرة: لا اعلم خلافا فيه و لكن في صحيح أبي بصير المضمر قال: «سألته عن رجل تمتع فلم يجد ما يهدي فصام ثلاثة ايام فلمّا قضي نسكه بدا له ان يقيم (بمكة) سنة؟»

______________________________

(1)- التهذيب، ج 5، ص 265، ب 16، ح 790/ 129.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 267

قال: «فلينتظر منهل اهل بلده فاذا ظن انهم قد دخلوا بلدهم فليصم السبعة الأيام» «1» و اطلاقه يقيد بصحيح معاوية بما اذا لم تزد مدة وصوله الي اهله شهرا فان زادت علي شهر يصوم كما يقيد به اطلاق صحيح احمد بن محمد بن أبي نصر المقطوع في المقيم اذا صام الثلاثة

أيام ثم يجاور ينتظر مقدم اهل بلده فاذا ظن انهم قد دخلوا فليصم السبعة أيام «2».

و روي الصدوق في المقنع عن معاوية بن عمار «انه سأل في ضمن ما سئل عن أبي عبد اللّه عليه السّلام عن زمان صيام السبعة الايام قال: فالسبعة الايام متي يصومها اذا كان يريد المقام؟ قال: يصومها اذا مضت ايام التشريق» «3» و اختار صاحب الجواهر تقييده أيضا بصحيح معاوية بن عمار المتقدم و لكن تقييد اذا مضت ايام التشريق بما اذا مضت مدة يظن بمضيها وصول اهله الي بلده او بمضي شهر بعده خلاف الظاهر فالاولي رفع اليد عنه بضعفه بالارسال كما ان صحيح أبي بصير أيضا ضعيف بالاضمار و صحيح احمد بن محمد بن أبي نصير أيضا مقطوع. فلا يوجه بهذه الثلاثة ما ذهب إليه القاضي و الحلبيين من انتظار الوصول الي اهله من غير اعتبار الشهر «4».

و هل يقصر الحكم علي المقيم بمكة او يعمه و من يقيم بالمدينة بل غيرهما من البلاد و من صد عن وطنه، مقتضي الاقتصار علي النص هو الاول و لا يبعد الثاني فان الظاهر من الروايات ان الاقامة بمكة ليست لخصوصية لم يكن في الاقامة بالمدينة او في بلد اخر او اذا صدّ عن وطنه بل لانه ينقضي بها ما هو الموضوع

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ابواب الذبح، ب 50، ح 3.

(2)- التهذيب، ج 5، ب 4، ح 121/ 50.

(3)- المقنع: 284.

(4)- جواهر الكلام: 19/ 188.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 268

لوجوب السبعة و هو الرجوع الي اهله و ذلك حاصل في الاقامة بالمدينة و غيرها فلا يسقط بها حكم صيام السبعة كما لا يجب عليه الرجوع الي اهله لاداء الصيام نعم يشترط في

الصد ان يكون في مدة يعتد بها كالسنة كما ان المقيم أيضا اذا اراد الاقامة اقل من سنة ينتظر و يأتي بها بعد الرجوع و ذلك لصحيح أبي بصير و قد افتي بذلك كما في الجواهر عن كشف اللثام الحلبيان لمن صد عن وطنه و ابن أبي مجد للمقيم باحد الحرمين و الفاضل في التحرير لمن اقام بمكة او الطريق و اطلق في التذكرة لمن اقام الّا انه استدل بصحيح معاوية الّذي «قال»، و لا يخفي عليك ما في الجميع ضرورة كون الوجه الاقتصار في الشهر علي المنصوص للامر في الآية بالتأخير الي الرجوع الظاهر منه الحقيقة لا الحكم أيضا و ان ذكره بعض المتاخرين لكنه محل للنظر كما اعترف به في الذخيرة و المدارك. «1»

أقول: ان كان الظاهر من الآية الرجوع حقيقة لا الحكم فيشكل التمسك بصحيح معاوية في الّذي اراد المقام بمكة فاذا كان الحكم بمضمونه في المقيم بمكة لا بد منه يقول من يعم الحكم علي المقيم بغير مكة بانه ليس لخصوصيته في مكة ليست للمدينة و غيرها بل لانتفاء موضوع وجوب الصيام في الاهل بالإقامة في مكة و هو حاصل في غيرها.

اللهم الا ان يريد من يقول باختصاص الحكم بالمقيم بمكة انه لا يجب علي المقيم بغيرها انتظار مدة وصوله الي اهله لو كان يرجع إليهم او انتظار مضي الشهر بل يجوز له الشروع بصيام السبعة بمجرد إرادة المقام في غير مكة لسقوط الشرط اي الرجوع الي الاهل و بقاء صيام السبعة عليه قطعا و في المسألة احتمالات غير ما ذكر و اللّه هو العالم.

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 19/ 189.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 269

ثم انهم تكلموا في مبدأ الشهر المذكور في

الصحيح هل هو انقضاء ايام التشريق او هو يوم يدخل مكة او يوم يعزم علي الاقامة و في الجواهر قال قد يشهد للاول ما سمعته من خبر المقنع (الي) ان قال (و لكن مع ذلك الاحتياط لا ينبغي تركه) «1» اقول بل لا يجوز تركه و اللّه هو العالم.

[الاقوي جواز تقديم صوم الثلاثة من اوّل ذي الحجة بعد ما تلبس بالمتعة]

مسألة 86- قد مرّ ان الاقوي جواز تقديم صوم الثلاثة من اوّل ذي الحجة بعد ما تلبس بالمتعة و ان لم يتمها و يجزي صومها بعد ايام التشريق طول باقي ذي الحجّة و عن المدارك انه قول علمائنا و اكثر العامة «2»، و يدل عليه اطلاق الآية المفسرة عن اهل البيت عليهم السّلام، بذي الحجة كما سمعته في صحيح رفاعة المتقدم و لصحيح زرارة.

عن أبي عبد اللّه عليه السّلام انه قال: «من لم يجد ثمن الهدي فاحبّ ان يصوم الثلاثة أيام في العشر الاواخر فلا بأس بذلك «3» و ظاهره عدم وجوب المبادرة مطلقا لا في العشر الاول و لا في الثاني بعد ايام التشريق او من اليوم الثالث عشر و لا في العشر الثالث نعم البدار احوط تكليفا لا وضعا».

[مقتضي وجوب التتابع انه لو صام اليوم الاول و اليوم الثاني و افطر الثالث لا يجزيه]

مسألة 87- مقتضي وجوب التتابع انه لو صام اليوم الاول و اليوم الثاني و افطر الثالث لا لعذر كالمرض او حيلولة يوم العيد و ايام التشريق لا يجزيه و يجب عليه الاستيناف.

[اذا خرج ذو الحجة و لم يصم الثلاثة]

مسألة 88- اذا خرج ذو الحجة و لم يصم الثلاثة فان كان ذلك لنسيانه الصوم ففي صحيح عمران الحلبي قال: «سئل عبد اللّه عليه السّلام عن رجل نسي ان

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 19/ 189

(2)- مدارك الاحكام: 8/ 54.

(3)- وسائل الشيعة، ابواب الذبح، ب 46، ح 13.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 270

يصوم الثلاثة الايام التي علي المتمتع اذا لم يجد الهدي حتي يقدم اهله؟ قال: يبعث بدم.» «1» و القدر المتيقن منه ان يكون قدومه علي اهله بعد فوت امكان الاتيان بالثلاثة في ذي الحجة كاليوم التاسع و العشرين و الظاهر منه انه يكفيه البعث بالدم فلا يكون واجبا عليه زائدا علي الهدي و لعله لتدارك فوت الصوم عنه به فلا يجب الهدي بعد تدارك الصوم بالدم و اما القول بكونه الكفارة فلا ينافي وجوبه وجوب الهدي الواجب بكونه في ذي الحجة ان لم يتمكن منه في يوم النحر ففيه ان ذلك يستظهر منه اذا كان ترك الصوم عمدا اللهم الا ان يقال ان وجوب الهدي ثابت بالآية يجب الاتيان بها الّا اذا صام الثلاثة في شهر الحج فوجوبه باق علي حاله و ظاهر قوله يبعث بدم انه غير ما وجب عليه بالآية و يمكن ان يقال مثل ذلك في صحيح منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «من لم يصم في ذي الحجة حتي يهل هلال المحرم فعليه دم شاء و ليس له صوم و يذبحه بمني» «2» الشامل بإطلاقه الجهل

و النسيان.

و لا يعارض هذان الصحيحان بصحيح معاوية بن عمّار و فيه فان لم يقم عليه جماله أ يصومها في الطريق؟ قال: ان شاء صامها في الطريق و ان شاء اذا رجع الي اهله «3» لان مورده عدم تمكنه من الصوم في مكة لعدم اقامة الجمال عليه و تمكنه من الاتيان به في الطريق و عند الرجوع الي اهله و لا اطلاق له يشمل من خرج من ذي الحجة بل يمكن ان يقال بانه مختص بمن لم يخرج من ذي الحجة.

نعم هنا روايات اخري مضافا الي صحيح معاوية تدل: علي ان من فاته صومها

______________________________

(1)- الوسائل الشيعة: ابواب الذبح ب 47 ح 3.

(2)- وسائل الشيعة، ابواب الذبح، ب 47، ح 1.

(3)- الوسائل الشيعة، ابواب الذبح ب 46 ح 4.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 271

بمكة لعائق او نسيان صامها في الطريق ان شاء و ان شاء اذا رجع الي اهله «1» و مقتضي اطلاقها الّذي لعله آب عن التقييد عدم الفرق بين خروج ذي الحجة و عدمه و عليه يقع التعارض بينهما في من خرج عن ذي الحجة فان الطائفة الاولي يدل علي سقوط الصوم و وجوب البعث بالدم و الثانية علي استمرار حكم وجوب الصوم فيما بعد ذي الحجة و لا ريب في ان الترجيح للطائفة الاولي لموافقته الكتاب الدال علي وجوب الهدي علي المتمتع مطلقا خرج منه تبديل الوظيفة الي الصوم في خصوص ذي الحجة لمن كان فاقدا للهدي و اما الّذي خرج منه فعليه الهدي يذبحه في العام المقبل اللهم الّا ان يقال ان تبديل وظيفة العاجز عن الهدي بالصوم معناه سقوط التكليف بالهدي مطلقا سواء تمكن من اتيان الصوم في ذي الحجة أم

لم يتمكن و المراد من البعث بالدم تدارك ما فات منه بترك الصوم لا الهدي الّذي تبدل التكليف به بالصوم و بالجملة فالمسألة لا تخلو من الاشكال. و اللّه هو العالم.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ابواب الذبح ب 47.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 273

3- في الحلق و التقصير

السادس من واجبات الحج: الحلق و التقصير:
اشارة

و هما من مناسك الحج و المشهور وجوبهما بل عن المنتهي انه ذهب إليه علماؤنا اجمع الا في قول شاذ للشيخ في التبيان انه مندوب «1» و يدل علي وجوبه الآية الكريمة لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرٰامَ إِنْ شٰاءَ اللّٰهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَ مُقَصِّرِينَ «2» فانها تدل علي ان الحلق او التقصير من مناسك الحج التي كانوا ملتزمين بها و النصوص الكثيرة المستفاد منها وجوب الحلق علي الملبد و الصرورة مثل صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «اذا احرمت فعقّصت شعر رأسك او لبّدته فقد وجب عليك الحلق و ليس لك التقصير» «3».

و صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سمعته يقول: من لبّد شعره او عقّصه

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 19/ 232. التبيان ج 2/ 154 من مسنونات الحج الحلق او التقصير.. الخ.

(2)- سورة الفتح، آيه 27.

(3)- وسائل الشيعة، ابواب الحلق و التقصير، ب 7، ح 8.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 274

فليس له ان يقصر (التقصير) و عليه الحلق». الحديث «1» و صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «ينبغي للصرورة ان يحلق و ان كان قد حج فان شاء قصر، و ان شاء حلق فاذا لبد شعره او عقصه فان عليه الحلق و ليس له التقصير» «2» و وجوب الرجوع الي مني ان نسي او ترك عالما او جاهلا

مثل صحيح الحلبي قال:

«سألت أبا عبد اللّه عن رجل نسي ان يقصر من شعره ان يحلقه حتي ارتحل من مني؟

قال: يرجع الي مني حتي يلقي شعره بها حلقا كان او تقصيرا» «3» اذا فلا مجال للشك في وجوبهما.

[مكان الحلق او التقصير مني]

مسألة 89- مكان الحلق او التقصير مني فلا يجزي في غيره و الظاهر انه لا خلاف فيه كما انه لا خلاف في انه قبل المضي للطواف بعد الذبح و الرمي لما في صحيح سعيد الاعرج عن الصادق عليه السّلام «ثم افض بهن حتي تأتي الجمرة العظمي فيرمين الجمرة فان لم يكن عليهن ذبح فلياخذن من شعورهن و يقصرن من اظفارهن و يمضين الي مكة» «4».

و لذا قال في الجواهر و ما عن الغنية و الاصباح من انه ينبغي ان يكون بمني يراد منه الوجوب و الّا كان محجوجا بما تسمعه «5».

اما زمان الحلق او التقصير فالمشهور أيضا ان وقته يوم النحر بعد ذبح الهدي او حلوله في راحلته علي القولين و عن أبي الصلاح جواز تأخيره الي آخر ايام التشريق و لكن لا يزور البيت قبله و في الجواهر عن الفاضل في المنتهي و التذكرة انه

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ابواب الحلق و التقصير، ب 7، ح 1.

(2)- وسائل الشيعة، ابواب الحلق و التقصير، ب 5، ح 1.

(3)- وسائل الشيعة، ابواب الوقوف بالمشعر، ب 17، ح 2.

(4)- وسائل الشيعة، ابواب، ب 14، من ابواب الحلق ح 1.

(5)- جواهر الكلام: 19/ 232.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 275

استحسنه لان اللّه تعالي بين أوّله بقوله حَتّٰي يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ و لم يبين آخره فمتي اتي به اجزا كالطواف للزيارة و السعي، و لكن لا ريب في ان الاحوط ايقاعه يوم النحر للاتفاق

علي كونه وقتا لذلك و الشك فيما عداه انتهي «1».

أقول: لا بد للقول بانه يأتي به و يجزيه ان ترك الاتيان به يوم النحر غاية الامر يكون تركه خلاف الاحتياط تكليفا لا وضعا ثم انه قد استدل علي لزوم ايقاع الحلق او التقصير في يوم العيد بصحيح محمد بن حمران قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الحاج (غير المتمتع) يوم النحر ما يحل له؟ قال: كل شي ء الّا النساء و عن المتمتع ما يحل له يوم النحر؟ قال: كل شي ء الّا النساء و الطيب» «2» وجه الاستدلال به ان التحلل يوم العيد لا يتحقق بدون اعمال مني التي منها الحلق او التقصير، و لو كان تاخيرهما الي آخر ايام التشريق جائزا لا يجوز الحكم بالتحلل مطلقا.

ثم ان هنا رواية تدل علي جواز الحلق بعد اشتراء الهدي و صيرورتها عند رحله قبل ذبحه و هي ما رواه الشيخ باسناده عن وهيب بن حفص عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «اذا اشتريت اضحيتك و قمطتها و صارت في جانب رحلك فقد بلغ الهدي محله فان احببت ان تحلق فاحلق» «3» و نحوه ما رواه الكافي و الفقيه «4»، الاول عن علي ابن أبي حمزة عن أبي الحسن و الثاني عن ابي عبد اللّه عليه السّلام.

أقول: وهيب او وهب او وهيب بن حفص النخاس كذا في الطبقات و فيه لعله من الخامسة و كانه طال عمره حتي عاصر السادسة و كيف كان فان كان هو ابن حفص أبو علي الجريري و ابن حفص الكوفي المعروف بالمنتوف و ابن حفص

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 19/ 233.

(2)- وسائل الشيعة، ابواب الحلق و التقصير ب 14 ح

1.

(3)- وسائل الشيعة، ابواب الذبح، ب 39، ح 7.

(4)- الكافي: 4/ 502 ح 4

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 276

النخاس واحد فهو ثقة واقفي له كتاب كما جاء في ترجمة أبي علي الجريري و ان كانوا ثلاثة فالراوي مجهول و اما وهب بن حفص فلعله لم يذكر في كتب الرجال فما قال بعض المعاصرين «1» انه ان كان المذكور وهيب الرواية معتبرة بلا كلام لان النجاشي وثّقه، فيه انه كذلك لو كان الثلاثة واحد، و قال: و ان كان وهب فموثق أيضا لانه من رجال تفسير علي بن ابراهيم، فيه ان الظاهر عدم ذكرهم وهب بن حفص فوهيب هذا ليس المذكور في تفسير القمي اللهم الا ان يقال ان ما في تفسير القمي أيضا كان وهيب و كيف كان فدلالته علي جواز الحلق قبل الذبح في الصورة المذكورة ظاهرة و يمكن ان يقال انها تقوي برواية علي بن أبي حمزة و ان كان هو في نفسه ضعيف الا انه اعتمد عليها الكليني و الصدوق و لكن بعض المعاصرين المذكور قدس سرّه، استشكل في الاستدلال و العمل بها فقال: لو لم يذكر التعليل في الرواية و لكن ذكر التعليل فيها بقوله: قد بلغ الهدي محله مانع عن ذلك و ذلك لان بلوغ الهدي محله خاص لمن كان محصورا فانه يجب عليه الصبر حتي يبلغ الهدي و يصل محله اي ارض مني فلا يشمل المتمتع الّذي وصل الي مني و اشتري الهدي فان المراد بقوله (محله)- هو ارض مني فانه اذا وصل الهدي الي مني يجوز له الحلق و لذا ورد في بعض الروايات ان يجعل بينه و بين المحصور موعدا حتي يحلق عند الموعد المقرر و الحاصل لو

كان المراد ببلوغ الهدي محله هو بلوغه مني ذبح او لا كان للاستدلال بالرواية وجه، و لو اريد به العمل بالوظيفة و الذبح في مني فتكون الرواية اجنبية عن المقام بالمرة و شد الهدي و ربطه لا اثر له في الحكم و كيف كان فلا ريب في ان تأخير الحلق عن الذبح احوط ان لم يكن اقوي «2» انتهي.

أقول: كانه، قدس سرّه، اراد تضعيف الاحتجاج بالرواية بنحو من اضطراب

______________________________

(1)- المعتمد: 5/ 308.

(2)- المعتمد: 5/ 309.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 277

المتن لان المراد ببلوغ الهدي محله ليس مجرد البلوغ و وقوعه في مني بل المراد ذبحه و فيه ان ذلك اوّل الكلام و الرواية تدل علي كفاية كونه في مني معدّا للذبح و الرواية بمنزلة التفسير للآية ان اخذنا بها و قلنا بكفاية ما في الرواية في تقدم الذبح لا بد و ان يكفي ذلك في المقامين. و اللّه هو العالم بالصواب.

[ليس للنساء حلق]

مسألة 90- قال في الجواهر: (و ليس للنساء حلق) لا تعيينا و لا تخييرا بلا خلاف اجده بل عن التحرير و المنتهي الاجماع عليه و هو الحجة بعد قول النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلم في وصيته لعلي عليه السّلام: «و ليس علي النساء جمعة الي ان قال- و لا استلام الحجر و لا الحلق «1» و الصادق عليه السّلام في صحيح الحلبي ليس علي النساء حلق و يجزيهن التقصير» «2» بل يحرم عليهن ذلك بلا خلاف اجده فيه أيضا بل عن المختلف الاجماع عليه بعد المرتضوي «3» نهي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله ان تحلق المرأة رأسها أي في الاحلال لا مطلقا فان الظاهر عدم حرمته عليها في غير

المصاب المقتضي للجزع للاصل السالم عن معارضة دليل معتبر اللهم الا ان يكون هناك شهرة بين الاصحاب تصلح جابرا لنحو المرسل المزبور بناء علي إرادة الاطلاق فيكون كحلق اللحية للرجال «4».

أقول: و علي هذا يجب عليهن التقصير للسيرة القطعية و لصحيح سعيد الاعرج الّذي فيه «فان لم يكن عليهن ذبح فلياخذن من شعورهن و يقصرن من اظفارهن» و في مرسل ابن أبي عمير عن بعضي اصحابنا «تقصر المرأة لعمرتها مقدار

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ابواب الطواف ب 18، ح 4.

(2)- وسائل الشيعة، ابواب الحلق و التقصير، ب 8، ح 4 و 3.

(3)- كنز العمال، ج 3، ص 58، ح 1 و 16.

(4)- جواهر الكلام: 19/ 236.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 278

الانملة» «1» و لذلك قال المحقق: و يجزيهن منه مثل الانملة و في الجواهر كما في القواعد و النافع و محكي التهذيب و النهاية و المبسوط و الوسيلة و الجامع لكن الاولي الجمع بينه و بين التقصير من الاظفار أيضا لما سمعته في صحيح الاعرج «2» انتهي و الظاهر كفاية الاقل من الانملة و ان المثال بها لانها من افراد الاقل المجزي الّذي هو يكون اكثر منها و الاقل و يدل عليه اطلاق صحيح سعيد الاعرج، و صحيح الحلبي و في صحيح الحلبي الاخر عن الصادق عليه السّلام قال عليه السّلام: «اني لما قضيت نسكي للعمرة اتيت اهلي و لم اقصره؟ قال: عليك بدنة قال: قلت: اني لما اردت ذلك منها و لم تكن قصرت امتنعت فلما غلبتها قرضت بعض شعرها باسنانها» فقال: رحمها اللّه كانت افقه منك عليك بدنة و ليس عليها شي ء «3» و الظاهر كفاية ذلك المقدار للرجل أيضا كما ذكر في الجواهر انه

يظهر من القواعد و النافع و غيرهما للاصل و لقول الصادق عليه السّلام في خبر عمر بن يزيد: ثم ائت منزلك تقصر من شعرك و حلّ لك كل شي ء «4» و اطلاق التقصير في صحيح الحلبي «5».

ثم انه قد ظهر من ذلك كله عدم كفاية الحلق بدل التقصير للنساء يجب عليهن الكفارة ازالة الشعر لذلك و هذا مقتضي الاصل و اللّه هو العالم.

الظاهر انه لا خلاف بينهم في ان الحاج و المعتمر مفردة مخير بين الحلق و التقصير ان لم يكن صرورة او ملبدا او معقوص الشعر و ان كان الحلق له افضل و قد استدل علي التخيير بقوله تعالي: مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَ مُقَصِّرِينَ و ذلك لان المراد منه ليس

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ابواب التقصير، ب 3، ح 3.

(2)- جواهر الكلام: 19/ 236.

(3)- وسائل الشيعة، ابواب التقصير، ب 3، ح 3 و 2.

(4)- وسائل الشيعة، ابواب التقصير، ب 1، ح 3.

(5)- جواهر الكلام: 19/ 237.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 279

الجمع بينهما فلا بد ان يكون المراد اما التخيير او التفصيل و الثاني بعيد لاستلزامه الاجمال و الاحتياج الي البيان دون الاول فهو المتيقن، و استشكل في هذا الاستدلال بانه لو كان المراد التخيير لاتي بأو فيكون الواو للجمع فيكون المراد التفصيل اي محلقين علي تقدير التلبيد و الصرورة و مقصرين علي تقدير غيرهما و فيه يمكن ان يكون الواو كما كان في قوله تعالي مَثْنيٰ وَ ثُلٰاثَ وَ رُبٰاعَ مضافا الي انه لو كان للجمع موهم لتعين التقصير علي غير الملبد و معقوص الشعر و الصرورة فالآية تدل علي التخيير مطلقا غاية الامر يقيد اطلاقها بما يدل علي تعين الحلق في الموارد المذكورة او افضليته و

بالنصوص بما ورد ان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله «استغفر للمحلقين ثلاث مرات» «1» و بصحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سمعته يقول: من لبد شعره او عقّصه فليس له ان يقصر و عليه الحلق و من لم يلبده تخير ان شاء قصر و ان شاء حلق و الحلق افضل» «2».

و هذه الروايات تدل بالإطلاق او في خصوص غير الملبد و الصرورة و معقوص الشعر علي التخيير بين الحلق و التقصير لا كلام فيه.

انما الكلام يأتي في الثلاثة المذكورة هل يتعين عليهم الحلق أم لا و لا يخفي عليك ان القول بكون الحلق لهم افضل لا يختص بهم لان الحلق لغيرهم أيضا افضل الا ان يقال بكونه لهم آكد و كيف كان فمما يدل استثناء المعقوص و الملبد من اطلاقات التخيير و تعين الحلق عليهما صحيح الحلبي السابق و صحيح هشام بن سالم قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «اذا عقص الرجل رأسه او لبّده في الحج او العمرة فقد وجب عليه الحلق» «3».

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ابواب الحلق و التقصير، ب 7، ح 7.

(2)- وسائل الشيعة، ابواب الحلق و التقصير، ب 7، ح 15.

(3)- وسائل الشيعة، ابواب الحلق و التقصير، ب 7، ح 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 280

و صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «اذا احرمت فعقصت شعر رأسك او لبدته فقد وجب عليك الحلق و ليس لك التقصير، و ان انت لم تفعل فمخير لك التقصير و الحلق الحج افضل و ليس في المتعة الا التقصير» «1» ثم انه قد جمع بينهما و بين الصرورة في مثل ما رواه الشيخ باسناده عن

محمد بن عبد الجبار «2» عن محمد بن اسماعيل بن بزيع «3» عن علي بن النعمان «4» عن سويد القلّاء «5» عن أبي سعيد «6» (سعد) عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «يجب الحلق علي ثلاثة نفر رجل لبد و رجل حج بدوا لم يحج قبلها و رجل عقص رأسه» «7».

و ظاهر هذه الاخبار هو وجوب الحلق عليهما و هو المحكي عن الشيخ في النهاية و المبسوط و ابن حمزة و ابن أبي عقيل و حكي الميل إليه في المدارك و بها يقيد اطلاق الآية الكريمة و الروايات المطلقة الدالة علي التخيير «8».

و اما ما يدل علي استثناء الصرورة من الاطلاقات الدالة علي التخيير و تعين الحلق عليه مضافا الي ما ذكر فمنه ما رواه الشيخ باسناده عن احمد بن محمد «9» عن (علي) «10» عن أبي بصير عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: «علي الصرورة ان يحلق رأسه و لا

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ابواب الحلق و التقصير، ب 7، ح 8.

(2)- قمي ثقة من كبار السابعة.

(3)- ثقة ثقة جليل كثير العلم من صغار السادسة.

(4)- وجه ثبت صحيح واضح الطريقة من السادسة.

(5)- ثقة من السادسة.

(6)- مردد بين سعد و سعيد و ابو سعيد أيضا الكنية لجماعة فهو مجهول من الخامسة.

(7)- وسائل الشيعة، ابواب التقصير، ب 7، ح 3.

(8)- جواهر الكلام: 19/ 237

(9)- ابن أبي نصر جليل القدر من اصحاب الاجماع من السادسة.

(10)- ابن أبي حمزة البطائني كما هو المصرح به في طبقات السيد الاستاذ و في موضع آخر كانه

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 281

يقصر انّما التقصير لمن قد حج حجة الاسلام «1» و دلالته علي المدعي ظاهرة الا انه» ضعيف بعلي البطائني الواقع في

السند و قد استشكل في دلالته أيضا بان الصرورة انما يجب عليه الحلق اذا لم يحج مطلقا فان حج لا يجب عليه و ان كان هو غير حجة الاسلام و بالجملة ليس سقوط الحلق عنه مشروطا بعدم كونه آتيا بخصوص حجة الاسلام فهذا بظاهره غير معمول به.

و يمكن ان يقال اما تضعيف السند بابن أبي حمزة فلا يضر بعد كون الراوي منه مثل ابن أبي نصر الّذي هو من اصحاب الاجماع و امّا الاشكال في الدلالة: فيرد بانه يمكن ان يقال انا نأخذ بها في من حج حجة الاسلام و نترك الحصر «انما التقصير» المستفاد منه لمعارضته مع ما هو اقوي منه و هو الاطلاق الّذي عمل به الاصحاب و لو لا ذلك يمكن العمل فيه بقاعدة حمل المطلق علي المقيد.

و منه ما رواه في التهذيب عن ابان بن عثمان «2» عن بكر بن خالد «3» عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «ليس للصرورة ان يقصر و عليه ان يحلق» «4» و ردّ بان الراوي فيه ابان بن عثمان الناووسي المنقول عن العلامة انه قال: الاقرب عدم قبول روايته الخ و بكر بن خالد المجهول و فيه أيضا ان ابان بن عثمان من اصحاب الاجماع حكي الكشي عن محمد بن مسعود قال حدثني علي بن الحسن قال: كان ابان بن عثمان من الناووسية ثم قال: ان العصابة اجمعت علي تصحيح ما يصح عن ابان و الاقرار له بالفقه فالاقرب عندي قبول روايته و ان كان فاسد المذهب للاجماع المذكور

______________________________

ابن أبي حمزة من الخامسة واقفي متهم له اصل …

(1)- وسائل الشيعة، ابواب الحلق و التقصير، ب 7، ح 5.

(2)- الناووسي من الخامسة.

(3)- كانه مجهول من

الخامسة.

(4)- وسائل الشيعة، ابواب الحلق و التقصير، ب 7، ح 10.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 282

انتهي «1».

و منه ما رواه في الفقيه باسناده عن محمد بن احمد السناني «2» و علي بن احمد بن موسي الدقاق «3» عن احمد بن بن زكريا القطان «4» عن بكر بن عبد اللّه بن حبيب «5» عن تميم بن بهلول «6» عن ابيه «7» عن أبي الحسن العبدي «8» عن سليمان بن مهران «9» في حديث انه قال لابي عبد اللّه عليه السّلام: «كيف صار الحلق علي الصرورة واجبا دون من قد حج؟ قال: ليصير بذلك موسّما بسمة الآمنين الا تسمع قول اللّه عز و جلّ: لتدخلن المسجد الحرام ان شاء اللّه آمنين محلقين رءوسكم و مقصرين لا تخافون» «10».

و ردّ الاستدلال علي وجوب الحلق علي الصرورة بهذا الخبر بضعف سنده و لوجود عدد من المجاهيل فيه هذا مضافا الي ان التعليل بكون الصرورة موسما بسمة الآمنين دون المقصرين كانه لا يوافق ما هو ظاهر الآية بل صريحة من كون تلك السمة سمة للطائفتين لا خصوص المحلقين.

______________________________

(1)- من لا يحضره الفقيه: 4/ 484.

(2)- ابن احمد بن محمد بن سنان من مشايخ الصدوق الزاهري يكني أبا عيسي نزيل الري روي عنه ابن نوح و ابو المفضل اكثر الصدوق الرواية عنه مترضيا عليه.

(3)- من مشايخ الصدوق و من تلامذة الكليني و روي عنه الصدوق في مشيخة الفقيه مترضيا عليه.

(4)- روي عنه مشايخ الصدوق احمد بن محمد الهيثم و محمد بن احمد و علي بن احمد.

(5)- المزني له كتاب النوادر يسكن الري.

(6)- روي عن نصر بن مزاحم و نصر من السادسة.

(7)- أبو تميم مذكور في توحيد الصدوق و روي عنه محمد بن

سنان.

(8)- لعله هو علي بن الحسن او الحسين العبد من شيوخ الهيثم بن واقد الّذي له كتاب.

(9)- ممدوح بالاستقامة و الفضل ذكره العامة في كتبهم و اثنوا عليه مع اعترافهم بتشيعه من الخامسة.

(10)- وسائل الشيعة، ابواب الحلق و التقصير، ب 7، ح 14.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 283

و منه موثق عمار الساباطي الّذي رواه في التهذيب باسناده عن عمرو بن سعيد «1» عن مصدّق بن صدقة «2» عن عمار الساباطي «3» عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

«سألته عن رجل برأسه قروح لا يقدر علي الحلق؟ قال: ان كان قد حج قبلها فليجزّ شعره و ان كان لم يحج فلا بد له من الحلق الحديث» «4».

ثم انه لا يخفي عليك انه من الممكن الاستدلال بموثق الساباطي بانه و ان كان الجواب بظاهره لا يمكن الالتزام به الا انه يستفاد من السؤال ان وجوب حلق الرأس كان مسلّما عند السائل و قد قرّره الامام عليه السّلام عليه هذا مضافا الي ان الممكن بل الظاهر من الجواب بعد عدم القدرة علي حلق تمام الرأس ان المراد منه حلق ما يمكن فقال عليه السّلام لا بد من الحلق يعني في الجملة و بقدر ما يمكن و اللّه هو العالم.

ثم انه لا يخفي عليك أيضا ان بعض الاعلام من المعاصرين بعد ما ذكر الروايات الدالّة علي وجوب الحلق علي الصرورة و ما هو الوجه لضعف الاستدلال بها قال فالمقتضي لوجوب الحلق قاصر لما عرفت من ان النصوص بينما هي ضعيف السند و ضعيفة الدلالة مضافا الي ان التعليل بذكر المحلّقين في الآية مما لا نفهمه فان التقصير مذكور في الآية أيضا و علي تقدير التنزل و تسليم تمامية المقتضي

و الالتزام بعدم قصور الادلة عن الوجوب فالمانع و القرينة الخارجيّة موجودة علي عدم الوجوب فلا بد من رفع اليد عن الادلة المقتضية، و المانع هو قوله تعالي: لَقَدْ صَدَقَ اللّٰهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيٰا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرٰامَ إِنْ شٰاءَ اللّٰهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَ مُقَصِّرِينَ … الآية و ان اللّه تعالي وعد المسلمين بانهم يدخلون المسجد الحرام

______________________________

(1)- له كتاب ثقة من السادسة.

(2)- فطحي ثقة من الخامسة.

(3)- ابن موسي فطحي ثقة من كبار الخامسة.

(4)- وسائل الشيعة، ابواب الحلق و التقصير، ب 7، ح 4.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 284

حال كونهم محلقين و مقصرين اي تدخلون المسجد الحرام و انتم بين محلق و مقصر و هذا لا ينطبق الا علي دخولهم المسجد الحرام بعد الفراغ من اعمال مناسك مني، و اما في دخولهم الاول الي المسجد الحرام لاداء عمرة التمتع او العمرة المفردة او لحج القرآن و الافراد فلم يكونوا محلّقين و لا مقصّرين حين الدخول و الظاهر من الآية الكريمة انهم يدخلون حال كونهم محلّقين و مقصّرين فقوله تعالي محلّقين و مقصّرين حال الدخول و هذا ينطبق علي اتيان اعمال الحج و مناسك مني فالآية الشريفة واردة مورد الحج.

اذا عرفت ذلك فلا ريب في ان حجّ المسلمين الذين حجّوا مع النبي صلي اللّه عليه و آله و سلم في تلك السنة كان حج صرورة اذ لم يحجّوا قبل ذلك و مع ذلك خيّرهم اللّه تعالي بين الحلق و التقصير اي تدخلون المسجد الحرام بعد اعمال الحج و مناسك مني قد حلق بعضكم رأسه و قصر بعضكم انتهي «1».

أقول: اما مراده من قوله: ان التعليل بذكر المحلّقين في الآية مما لا نفهمه فان التقصير مذكور في الآية

أيضا فهو ما ذكرناه في شرح حديث سليمان بن مهران و الجواب انا نفهم و الحمد للّه، وجه التعليل و هو ان العلة ليس كون المحلّق آمنا دون المقصّر حتي يقال ان المقصّر مذكور في الآية أيضا بل المراد أنّ الحاجّ اذا لم يصر بعد موسما بسمة الآمنين و هو الحلق يحلق و ان صار موسما بها يقصر فتمام المعني ان الحلق سمة الآمنين و علامتهم فمن وسم بها فهو و هو يقصر و من لم يوسم بها و كان الحج حجّه الاوّل لا بدّ له ان يسم بها فتدبّر.

و امّا جعله الآية الكريمة مانعة من اقتضاء الروايات وجوب الحلق علي الصرورة فليس الا من اجل انه ذهل عنه شأن نزول الآية و انها نزلت في صلح

______________________________

(1)- المعتمد: 5/ 319.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 285

الحديبية الواقع العام السادس من الهجرة المباركة جوابا عما قاله بعض المنافقين و ضعفاء الايمان لان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله اخبرهم بالرؤيا التي اراها اللّه تعالي و انهم يدخلون المسجد الحرام آمنين محلّقين رءوسهم و مقصّرين فظنّ بعضهم انه يقع في عامهم الّذي كانوا فيه العام السادس فلما لم يقع ذلك و وقع صلح الحديبية في ذي القعدة و تأخر الي ذي القعدة للعام السابع قالوا قد وعدنا بذلك في هذا العام حتي ان عمر باعترافه شك في نبوّة النبيّ الصادق الامين و صدقه صلي اللّه عليه و آله فنزلت هذه الآية مؤكدة كمال التأكيد لوقوع ما رأي و هي الموسومة بعمرة القضاء.

كما انه ذهل ان قوله تعالي «آمِنِينَ» حال المقارن و قوله تعالي «مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَ مُقَصِّرِينَ» الحال المقدّر كما قيل رأيت رجلا معه صقر صائدا به

غدا، اذا فلا ريب في ان المراد من الآية الكريمة ليس دخول الشخص المسجد الحرام حال كونه محلّقا او مقصّرا علي ان يكون حالا مقارنا له بل كونه كذلك حال مقدّر له فعلي كل ذلك لا يجب ان يكون دخولهم المسجد الحرام حال كونه محلّقين او مقصّرين حالا مقارنا له و يكفي في كون ذلك حالا لهم او لدخولهم كونهم كذلك بعده و القرينة علي ان الحال يكون المقدّر هي شأن نزول الآية و انها اخبار و بشارة من تحقق ذلك في عمرة القضاء نعم يبقي هنا من جانب اخر انه علي ذلك لا يتم الاستدلال بتخيير الحاجّ بين الحلق و التقصير حتي نخرج عنه بالروايات الدالّة علي التخيير مطلقا او اذا كان غير الملبد و معقوص الشعر فنقيده بما سمعت من الروايات عرفت حالها فظهر لك بما لا مزيد عليه ان الاحوط وجوبا لو لم يكن الاقوي هو وجوب الحلق علي الصرورة و اللّه هو العالم باحكامه.

[الخنثي المشكل تقصر اذا لم تكن احد الثلاثة]

مسألة 91- قال في الجواهر: و الخنثي المشكل تقصر اذا لم تكن احد الثلاثة، بل و ان كانت علي القول بالتخيير أيضا اما علي القول بالوجوب

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 286

فيتعين عليها مقدمة بناء علي ان حرمة الحلق علي النساء تشريعية كما هو الظاهر فتسقط للاحتياط و الا كان المتجه التخيير انتهي «1».

أقول: اما وجوب التقصير عليها اذا لم تكن احد الثلاثة فلانها ان كانت رجلا في الواقع تخير بين الحلق و التقصير و ان كانت امرأة يتعين عليها التقصير فان هي قصرت تعلم ببراءة ذمتها و ان حلقت لا يحصل لها اليقين ببراءة الذمة و الخروج عن الاحرام و مقتضي الاشتغال اليقيني تحصيل البراءة اليقينية مضافا

الي ان مقتضي الاستصحاب بقاء حرمة المحرمات عليها و كذا علي القول بالتخيير يعني تخيير الثلاثة بين الحلق و التقصير و ان كان الحلق عليهم افضل.

و اما علي القول بوجوب الحلق عليهم فأفاد بان بناء علي كون حرمة الحلق علي النساء تشريعية لا ذاتية يجب عليها مقدمة فعلهما (الحلق و التقصير) و تسقط حرمة الحلق التشريعية للاحتياط، و ان قلنا بان حرمة الحلق علي النساء ذاتيه التخيير لدوران الامر بين المحذورين حرمة كل واحد منهما و وجوبه.

و فيه ان الاكتفاء بالموافقة الاحتمالية انما يجوز اذا لم يتمكن من الموافقة القطعية و في المقام باي منهما بدأ يتمكن من الموافقة القطعية باتيان الاخر الّذي ليس بحرام قطعا نعم في الابتداء باي منهما المحتمل كونه هو الحرام هو بالتخيير و لكن بعد الابتداء به يكون فعل الاخر عليه حلالا فان بدأ بالحلق يجوز بعده التقصير و يجب عليه تحصيلا للموافقة القطعية لانه ان كان رجلا فقد حلق و ادّي تكليفه و يجوز له التقصير و ان كانت امرأة فيؤدي به وظيفتها و كذلك ان قدم التقصير فان كانت امرأة ادت وظيفتها به و ان كانت رجلا تؤدي وظيفتها بالحلق و علي هذا قد ظهر لك ان المقام ليس مقام التخيير بقول مطلق و بسقوط التكليف باحدهما بل يجب عليه

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 19/ 238.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 287

الاتيان بالآخر فان تركه و كان هو الواقع ليس بمعذور كما لا يخفي و اللّه هو العالم.

[في وجوب تقديم الحلق او التقصير علي زيارة البيت لطواف الحج و السعي]

مسألة 92- قال في الجواهر (و يجب تقديم) الحلق او (التقصير علي زيارة البيت لطواف الحج و السعي) بلا خلاف اجده فيه و في كشف اللثام:

كانه لا خلاف فيه و في المدارك: لا

ريب في وجوب تقديمها علي زيارة البيت للتأسي و للاخبار الكثيرة انتهي «1».

يمكن الاستدلال لوجوب تقديم الحلق بصحيح علي بن يقطين قال: «سألت أبا الحسن عليه السّلام عن المرأة رمت و ذبحت و لم تقصر حتي زارت البيت فطافت و سعت من الليل ما حالها؟ و ما حال الرجل اذا فعل ذلك؟ قال: لا بأس به يقصر و يطوف بالحج ثم يطوف للزيارة ثم قد احل من كل شي ء» «2».

و المستفاد من امره باعادة الطواف وجوب تقديم التقصير علي الطواف فهو بترك الاستفصال او بالاولوية و الفحوي اذا كان فرض السائل نسيان التقصير يدل علي وجوب التقديم و بصحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام في رجل زار البيت قبل ان يحلق فقال: «ان كان زار البيت قبل ان يحلق و هو عالم ان ذلك لا ينبغي له فان عليه دم شاة» «3» بناء علي ظهور لا ينبغي علي عدم الجواز و لو في المقام بقرينة الكفارة.

و يظهر من الجواهر «4» ان صاحب الرياض استند بصحيح جميل بن دراج علي عدم الوجوب و ان قال في آخر كلامه لكن لا خروج عما عليه الاصحاب و أليك الصحيح بلفظه في الكافي قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يزور البيت قبل ان

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 19/ 238.

(2)- وسائل الشيعة، ابواب الحلق و التقصير ب 4، ح 1.

(3)- وسائل الشيعة، ابواب الحلق و التقصير ب 4، ح 1.

(4)- جواهر الكلام: 19/ 240.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 288

يحلق؟ قال: لا ينبغي الا ان يكون ناسيا ثم قال: ان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم اتاه اناس يوم النحر فقال بعضهم: يا رسول

اللّه اني حلقت قبل ان اذبح و قال بعضهم: حلقت قبل ان ارمي فلم يتركوا شيئا، كان ينبغي لهم ان يؤخره الا قدموه فقال: لا حرج» «1». و الاستناد به علي عدم وجوب التقديم يكون بقوله في صدر الحديث (لا ينبغي) و بقوله في ذيله كان ينبغي له الظاهر في الاستحباب سيما بقرينة جواب النبي صلّي اللّه عليه و آله بنفي الحرج.

و يمكن ان يقال: ان من المحتمل ان يكون استناد الامام عليه السّلام بما حكي عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله بيانا لوجه استثناء الناسي لان الظاهر ان الاناس المذكورين ليسوا بعامدين و لا جاهلين بل نسوا و قدموا اشياء مما كان ينبغي لهم ان يؤخروها.

ثم انه لو قدم زيارة البيت لطواف الحج و السعي علي الحلق او التقصير عامدا جبره بشاة قال في الجواهر بلا خلاف اجده فيه بل نسبه بعض الي قطع الاصحاب و ان اغفل في بعض الكتب كمحكي المقنعة و المراسم، و الغنية و الكافي، و نسبه في الدروس الي الشيخ و اتباعه بل عن أبي حمزه فان زار البيت قبل الحلق اعاد الطواف بعده، و ان تركه عمدا لزمه دم شاة فيحتمل ترك الاعادة او إرادة ترك الحلق حتي زار الا ان الجميع ليس خلافا محققا و في صحيح ابن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام «في رجل زار البيت قبل ان يحلق و هو عالم ان ذلك لا ينبغي له فان عليه دم شاة» «2» و هو ظاهر الوجوب المقتضي لوجوب الترتيب عليه بل هو مشعر بإرادة عدم الجواز من قول (لا ينبغي) في غيره من النصوص «3».

أقول: و لعله كما ذكر نعم لا يستفاد منه

وجوب الاعادة و مقتضي الاصل نفيه

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ابواب الذبح، ب 39، ح 4.

(2)- وسائل الشيعة، ابواب الحلق و التقصير، ب 2، ح 1.

(3)- جواهر الكلام: 19/ 240.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 289

فيكون وجوب الترتيب حكما تكليفيا وضعيا و لكن يرد عليه ان الطواف الّذي يجب وقوع الحلق قبله يكون مفوتا للاتيان بالواجب فهو منهي عنه فكيف يتأتي به بقصد القربة هذا مضافا الي ان كون وجوب التقديم وضعيا يكون صحة الطواف مشروطا به يستفاد من صحيح علي بن يقطين المتقدم بالمنطوق او بالمفهوم و الاولوية فانه اما يكون شاملا بترك الاستفصال للعالم و الجاهل الناسي و اما يكون في مورد الناسي فعلي الاول يشمل الجميع بالإطلاق و علي الثاني يشمل العالم و الجاهل بالاولوية.

ثم انه يمكن ان يقال بتعارض صحيح ابن مسلم مع صحيح ابن يقطين فان الظاهر من السؤال في صحيح ابن مسلم عن رجل زار البيت قبل ان يحلق هو السؤال عن جميع ما هو راجع إليه كاجزاء طوافه قبله و ترتب الكفارة عليه و عدمها و الامام عليه السّلام اجاب عن هذا السؤال الظاهر فيما ذكر بانه ان كان عالما ان ذلك لا ينبغي له عليه دم شاة و معني ذلك عدم ترتب امر آخر علي تقديم الطواف علي الحلق لا اعادة الطواف مطلقا سواء كان عالما او جاهلا و لا الكفارة الا اذا كان عالما و صحيح ابن يقطين بالإطلاق يدل علي اعادة الطواف مطلقا و عدم شي ء عليه و ان كان عالما حتي ان قلنا بان الظاهر اختصاص السؤال عن غير العامد كالجاهل و الناسي يشمل العامد أيضا بالاولوية و يمكن ان نقول بان ظاهر صحيح علي بن يقطين

هو السؤال عن غير العامد الا انا نمنع شموله بالمفهوم للعامد لإمكان ان يكون له حكم آخر مثل دم شاة فيقع التعارض بينه و بين صحيح ابن مسلم فانه يدل علي عدم وجوب الاعادة و صحيح ابن يقطين يدل عليه فاما ان نقول باظهرية صحيح ابن يقطين الدلالة علي الوجوب كما هو الظاهر او نقول بتقديم صحيح ابن مسلم لعمل الاصحاب عليه فانه حكي عن الدروس نسبة ذلك الي ظاهر هم بل عن الصيمري التصريح به ان لم نقل بان ذلك معارض بما حكي عن الشهيد الثاني من

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 290

الاجماع علي وجوب الاعادة و كيف كان فالمسألة محل إشكال و مقتضي الاحتياط الاخذ بصحيح ابن يقطين.

[يجب ان يكون الحلق او التقصير بمني]

مسألة 93- يجب ان يكون الحلق او التقصير بمني فمن اخلّ به نسيانا او عالما او جاهلا يجب عليه الرجوع الي مني فيحلق او يقصّر بها و في الجواهر بلا خلاف اجده في شي ء من ذلك، و عن المدارك ان هذا الحكم مقطوع به بين الاصحاب و عن ظاهر التذكرة و المنتهي انه موضع وفاق «1».

و يدلّ عليه صحيح الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّه 7 رجل نسي ان يقصر من شعره او يحلقه حتي ارتحل من مني؟ قال: فليرجع الي مني حتي يلقي شعره بها حلقا كان او تقصيرا «2» و خبر أبي بصير المضمر قال: سألته عن رجل جهل ان يقصر من رأسه او يحلق حتي ارتحل من مني؟ قال: فليرجع الي مني حتي يحلق شعره او يقصر و علي الصرورة ان يحلق «3» و دلالة الصحيحة في الناسي ظاهرة، و خبر أبي بصير أيضا ظاهر في الجاهل الا انه ضعيف بالاضمار و بالبطائني

الراوي عنه و لكن يكفي في اجراء حكم الناسي عليه دعواهم القطع بعدم الفرق بينهما مضافا الي ان عدم بطلان الحج بتركه كذلك كوجوب كونه في مني مقطوع به و مقتضي ذلك وجوب الرجوع إليها بعد العلم، و لا ينافي ما ذكر صحيح مسمع «4» قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل نسي ان يحلق رأسه او يقصر حتي نفر؟ قال: يحلق اذا ذكر في الطريق او اين كان «5» فان الظاهر من نفره من مكة و تعذر العود عليه، و روي الشيخ باسناده عن

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 19/ 242.

(2)- وسائل الشيعة، ابواب الحلق و التقصير، ب 4، ح 1.

(3)- وسائل الشيعة، ابواب الحلق و التقصير، ب 4، ح 4.

(4)- ابن عبد الملك ثقة من الخامسة.

(5)- وسائل الشيعة، ابواب الحلق و التقصير، ب 4، ح 1 و 4 و 5.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 291

الحسين بن سعيد «1» عن ابن فضال «2» عن المفضل بن صالح «3» عن ابي بصير «4» عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في رجل زار البيت و لم يحلق رأسه؟ قال: يحلق (يحلقه) بمكة و يحمل شعره الي مني و ليس عليه شي ء. «5»

و مقتضي الجمع بينه و بين صحيح الحلبي ان اللازم عليه القاء شعره بمني سواء وقع الحلق بها او بغيرها و الامر بالرجوع في صحيح الحلبي انما يكون لذلك و النتيجة وجوب القاء الشعر بمني سواء وقع بحلقه او تقصيره او بحمله إليها و امّا معاملة الاطلاق و التقييد بينهما بتقييد اطلاق خبر أبي بصير بصحيح الحلبي الوارد في خصوص الناسي فخلاف الظاهر لاستلزام ذلك وجود العود علي الناسي دون الجاهل و العامد، و بعد ذلك

كله قال في الجواهر: ان اطلاق الاصحاب علي خلافه «6» يعني اطلاقهم وجوبه الي مني سواء كان ناسيا او جاهلا او عالما علي خلاف ظاهر هذا الخبر فكانه اراد انهم تركوه و لم يعملوا به و الظاهر ان وجه عدم عملهم به ضعف سنده بالمفضل بن صالح و اللّه تعالي شانه هو العالم.

[الظاهر انه لا خلاف في انه اذا لم يتمكن من الرجوع الي مني و الحلق فيها يحلق في مكانه]

مسألة 94- الظاهر انه لا خلاف في انه اذا لم يتمكن من الرجوع الي مني و الحلق فيها يحلق في مكانه كما دل عليه صحيح مسمع و قال في الجواهر حلق او قصر مكانه وجوبا بلا خلاف و لا اشكال و قال: و بعث شعره ليدفن بها ندبا كما في النافع و محكي التهذيب و الاستبصار بل في المدارك نسبته

______________________________

(1)- عين جليل القدر من السابعة.

(2)- الحسن او علي او احمد بن الحسن او محمد بن الحسن هم جماعة من الفطحية ثقات من السادسة.

(3)- ضعيف من الخامسة.

(4)- ليث المرادي او يحيي بن القاسم من الخامسة.

(5)- وسائل الشيعة، ابواب الحلق و التقصير، ب 6، ح 7.

(6)- جواهر الكلام: 19/ 243.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 292

الي الاكثر لا وجوبا كما عن الكافي و ظاهر المتن (يعني الشرائع) للاصل انتهي «1».

هذا بحسب الاصل و الاقوال امّا بحسب الروايات ففي صحيح حفص بن البختري عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الرجل يحلق رأسه بمكّة؟ قال: «يرد الشعر الي مني» «2» و ظاهره الوجوب و صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «كان علي بن الحسين عليه السّلام يدفن شعره في فسطاطه بمني، و يقول: كانوا يستحبون ذلك قال:

و كان أبو عبد اللّه عليه السّلام يكره ان يخرج الشعر من مني و يقول:

من اخرجه فعليه ان يردّه» و هذا لا «3» يستفاد منه الوجوب بل يستفاد منه استحباب دفنه و هو في مني بها و كراهة اخراج شعره منها و ان من اخرجه فعليه ان يرده و اني ذلك ممن هو خارج من مني لا يتمكن من الرجوع إليها و خبر أبي بصير قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل ينسي ان يحلق رأسه حتي ارتحل من مني؟ فقال: ما يعجبني ان يلقي شعره الا بمني و لم يجعل عليه شيئا» «4». لا يدل «علي وجوب ارسال الشعر و خبر أبي البختري عن جعفر بن محمد عن ابيه عن الحسن و الحسين عليهما السّلام كانا يأمران أن يدفن شعورهما بمني» «5» أيضا لا يدل علي المدعي فنبقي نحن و صحيح حفص، و هو بقرينة دلالة الروايات المذكورة علي الاستحباب محمول عليه، و مع ذلك فالاحوط مع الامكان ارساله إليها و اللّه هو العالم.

[حكم من ليس علي رأسه شعر]

مسألة 95- من ليس علي رأسه شعر فمقتضي القاعدة علي القول

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 19/ 243.

(2)- وسائل الشيعة، ابواب الحلق و التقصير، ب 6، ح 1.

(3)- وسائل الشيعة، ابواب الحلق و التقصير، ب 6، ح 5.

(4)- وسائل الشيعة، ابواب الحلق و التقصير، ب 6، ح 6.

(5)- وسائل الشيعة، ابواب الحلق و التقصير، ب 6، ح 1، 5، 6، 8.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 293

بالتخيير بين الحلق و التقصير و ان كان احد الثلاثة الذين مرّ الكلام فيهم او كان من غيرهم تعيّن التقصير عليه لانه اذا تعذر احد طرفي الواجب التخييري او اطرافه يتعين الواجب في غيره و ان قلنا في الثلاثة بتعين الحلق و تعذر فينتقل تكليفه الي التقصير للقطع بانه يجب

ان يكون احدهما اما تخييرا او متعينا عليه احدهما.

و لكن عن جماعة اجزاء امرار الموسي عليه بل وجوبه و هو يتجه في الثلاثة اذا كان الواجب عليهم معينا الحلق نعم اجزائه لا يجزي في من كان مخيرا بينهما و لا وجه لوجوب امرار الموسي عليه لانه خلاف الفرض من كونه مخيرا بينهما و ظاهر مثل المحقق في الشرائع اجزاء امرار الموسي عليه سواء كان الحلق معينا عليه او كان مخيرا بينه و بين التقصير و اما القول باستحباب امرار موسي عليه فيستقيم اما بان يقال ان الواجب عليه التقصير و لكن يستحب له امرار الموسي او يقال بان الواجب عليه اما امرار الموسي او التقصير و يستحب اختيار امرار الموسي.

و الّذي يستفاد من الادلة فمنها ما رواه الكليني عن محمد بن يحيي «1» عن محمد بن احمد بن عيسي «2» عن ياسين الضرير «3» عن حريز «4» عن زرارة «5» «ان رجلا من اهل خراسان قدم حاجا، و كان اقرع الرأس لا يحسن ان يلبّي فاستفتي له أبو

______________________________

(1)- أبو جعفر العطار القمي شيخ اصحابنا في زمانه ثقة عين كثير الحديث له كتب.. من الثامنة.

(2)- هو محمد بن احمد بن يحيي ثقة في الحديث و جليل القدر الا انه كان يروي من الضعفاء من كبار الثامنة و احمد ابوه ليس ابن عيسي و السند في الكافي كذا عن محمد بن احمد عن محمد بن عيسي فما في الوسائل سهو و محمد بن عيسي بن عبيد يظهر من ترجمته وثاقته جلالة قدره و هو من السابعة.

(3)- ياسين هو الّذي روي عنه محمد بن عيسي لقي أبا الحسن الكاظم عليه السّلام و من السادسة.

(4)- هريز ابن عبد اللّه

السجستاني، ثقة من كبار الخامسة.

(5)- امره في جلالة القدر مشهور معروف من الرابعة.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 294

عبد اللّه عليه السّلام فامر له ان يلبّي عنه و ان يمرّ الموسي علي رأسه فان ذلك يجزي عنه» «1» و الظاهر منه ان الرجل كان صرورة و يمكن ان يقال ان الوجه في تعيّن امرار الموسي عليه لا التقصير وجوب الحلق علي الصرورة و ليكن هذا أيضا من ادلة وجوب الحلق علي الصرورة و الا يأمره الامام عليه السّلام بالتقصير و لا اقل من تخييره بين امرار الموسي و التقصير و ظاهره اجزائه عن الحلق الّذي كان واجبا عليه معيّنا و الظاهر عملهم به و ان كان حديثه يعد من الضعاف و لكن في النفس شي ء من ردّ مثله، و اشكال صاحب الجواهر بقصوره من اثبات الوجوب خلاف ظاهره و لكنه قال:

مع ذلك كله لا ينبغي ترك الاحتياط بالجمع بين الامرار و التقصير خصوصا بعد ما سمعته من امر الصادق عليه السّلام في اقرع خراسان مؤيدا بخبر أبي بصير عنه عليه السّلام (الضعيف بمحمد بن سنان الواقع في سنده) قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المتمتع اراد ان يقصّر فحلق رأسه؟ قال: عليه دم يهريقه فاذا كان يوم النحر امرّ الموسي علي رأسه حين يريد ان يحلق» «2».

و خبر عمار الساباطي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث قال: «سألت عن رجل حلق قبل ان يذبح قال: يذبح و يعيد الموسي لان اللّه تعالي يقول: لٰا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّٰي يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ» «3» كما انه لا ينبغي تركه اذا لم يكن عنده شعر يقصّره لاستبعاد حلّه بلا حلق و لا تقصير و لا امرار

الموسي مضافا الي ما سمعته من النصوص انتهي «4».

و استبعاد حلّه بلا حلق و لا تقصير لا يوافق كون التقصير اعم من اخذ شي ء من

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ابواب الحلق و التقصير، ب 11، ح 3.

(2)- وسائل الشيعة، ابواب الحلق و التقصير، ب 11، ح 1.

(3)- وسائل الشيعة، ابواب الحلق و التقصير، ب 11، ح 2.

(4)- جواهر الكلام: 19/ 243.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 295

شعر الرأس او اللحية او الشارب او تقليم شي ء من الاظفار و اللّه هو العالم.

في مواطن التحلل
[الموطن الأول عقيب الحلق و التقصير من كل شي ء الا الطيب و النساء.]

مسألة 96- ذكر في الجواهر ان مواطن التحلل ثلاثة و الاول منها ان المتمتع يحل عقيب الحلق و التقصير من كل شي ء الا الطيب و النساء.

و هذا قول المشهور بل حكي عن العلامة في المنتهي نسبته الي علمائنا «1» و الدليل عليه الروايات منها صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: اذا ذبح الرجل و حلق فقد احل من كل شي ء احرم منه الا النساء و الطيب فاذا زار البيت و طاف و سعي بين الصفا و المروة فقد احل من كل شي ء احرم منه الا النساء، و اذا طاف طواف النساء فقد احل من كل شي ء احرم منهم الا الصيد و قال شيخنا الحر: اقول المراد الصيد الحرمي لا الأحرامي «2» و في صحيح العلاء قال: قلت لابي عبد اللّه عليه السّلام:

«اني حلقت راسي و ذبحت و انا متمتع اطلي راسي بالحناء؟ قال: نعم من غير ان تمس شيئا من الطيب قلت: و البس القميص، و أ تقنع؟ قال: نعم قلت: قبل ان اطوف بالبيت؟ قال: نعم». «3» و صحيحه الاخر «4» الا ان كونه غير الاول لا يثبت لاحتمال كونهما واحدا

و غيرها من الروايات «5».

و في قبال هذه الروايات التي عمل بها الاصحاب صحيح سعيد بن يسار و لفظه علي ما في الكافي: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المتمتع اذا حلق رأسه قبل ان يزور

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 19/ 252.

(2)- وسائل الشيعة، ابواب الحلق و التقصير، ب 13، ح 1.

(3)- وسائل الشيعة، ابواب الحلق و التقصير، ب 13، ح 5.

(4)- وسائل الشيعة، ابواب الحلق و التقصير، ب 13، ح 3.

(5)- وسائل الشيعة، ابواب الحلق و التقصير، ب 13.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 296

البيت يطلّيه بالحناء؟ قال نعم الحناء و الثياب و الطيب و كل شي ء الا النساء رددها علي مرتين او ثلاثة. قال: و سألت أبا الحسن عليه السّلام عنها فقال: نعم الحناء و الثياب و الطيب» و في التهذيب و الاستبصار اخرجه و ليس فيه (قبل ان يزور البيت) و اخرجه في الوسائل عن الكافي كما في التهذيب و علي ان تكون هذه الجملة زيدت علي الرواية حملها الشيخ علي ان يكون اراد متي حلق و طاف طواف الحج و سعي فقد حل له هذه الاشياء، و ان لم يذكره في اللفظ لعلمه بان المخاطب عالم بذلك او تعويلا علي غيره من الاخبار «1» و لكن هذا الحمل بعيد كما اشار إليه صاحب الجواهر «2» أيضا مضافا الي انه ذكر ان النسخة الصحيحة من الكافي متضمنة لهذه الجملة و النسخة التي بايدينا أيضا متضمنة لها و الاصل عدم الزيادة و هو مقدم علي اصل عدم النقيضة و الحاصل ان الظاهر منافاة هذا الصحيح مع ما يدل علي انه لا يحل من الطيب الا بعد زيارة البيت و الطواف و السعي و لذا اجاب

عنه في الدروس علي ما حكي عنه بانه متروك 3 و يمكن حمله علي التقية فقد حكي في التذكرة عن الشافعي و ابي حنيفة و احمد انه يحل له كل شي ء الا النساء و به قال ابن الزبير و علقمة و طاوس و النخعي و ابو ثور و لا يخفي عليك ان علي فرض تساقط الروايات بالتعارض فمقتضي اطلاق ما دل علي حرمة استعمال الطيب الي ان يطوف طواف الحج حرمة استعمال الطيب الي ان يطوف طواف الحج كما افاده بعض الاجلة «4» ثم انه قد تعرض هنا في الجواهر بروايات اخري ناقش في دلالتها منها ما رواه يونس مولي علي عن ابي أيوب الخراز قال: «رايت أبا لحسن عليه السّلام بعد ما ذبح حلق ثم ضمد

______________________________

(1)- راجع في ذلك الوسائل ابواب الحلق و التقصير، ب 13، ح 7 و الكافي 4: 505/ 1 التهذيب 5/ 32 الاستبصار، ج 2 ص 287، ب 196، ح 4/ 1021.

(2) 2- 3 جواهر الكلام: 19/ 253.

(4)- المعتمد: 5/ 327.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 297

رأسه بمسك (بسك) و زار البيت و عليه قميص و كان متمتعا» و الخدشة في سنده بان يونس مولي علي و علي هذا مجهول رد بانه مولي علي بن يقطين و هو ثقة و الشاهد علي ذلك رواية الحسن بن علي بن يقطين هذا الخبر عنه كما رد بان في بعض النسخ (كان متقنعا) مضافا الي كونه (متمتعا) زعم من الراوي نعم علي القول بكون النسخة (متمتعا) يقع التعارض بينه و بين سائر الروايات و علي فرض ان لا نقول بعدم حجيته لتركهم العمل به و عملهم بما يعارضه يسقطان عن الحجية و مقتضي الاطلاق

كما ذكر حرمة الطيب ان يطوف طواف الحج و اللّه تعالي هو العالم.

ثم انه بقي الكلام في الصيد: فقد ألحقه في الشرائع بالطيب و في الجواهر بل هو معقد النسبة الي علماء في محكي المنتهي لكن في القواعد علي اشكال ثم ذكر وجه الاشكال مما يدل علي عدم اللحوق و لكن يمكن التمسك علي عدم الاحلال له بالحلق بالاستثناء الواقع في ذيل صحيح معاوية بن عمار حيث قال عليه السّلام فاذا طاف طواف النساء فقد احل من كل شي ء احرم منه الا الصيد بناء علي الاستثناء متصلا لا منقطعا كما سمعت من الوسائل ان المراد منه الصيد الحرمي لا الاحرامي و يمكن ان يقال ان الاستثناء انما احل من كل شي ء احرم منه الا النساء و الطيب ظاهر بعمومه في انه احل من الصيد الّذي هو داخل تحت كل شي ء احرم منه و هكذا قوله عليه السّلام:

احلّ من كل شي ء احرم منه الا النساء و اذا كان المراد من الصيد في الجملة الثلاثة الصيد الاحرامي يلزم التهافت و لتكن الجملتان الاولتان قرينة علي المراد من الثلاثة و بصحيح آخر عن معاوية بن عمار قال: «قلت لابي عبد اللّه عليه السّلام من نفر في النفر الاول متي يحل له الصيد؟ قال: اذا زالت الشمس من اليوم الثالث». «1»

و من المعلوم ان المراد منه الصيد الاحرامي فان الحرمي محرم مطلق ما دام هو كائن في الحرم و صحيح حماد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «اذا اصاب المحرم الصيد

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ابواب العود الي مني، ب 11، ح 4.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 298

فليس له ان ينفر في النفر الاول، و من نفر في النفر الاول

فليس له ان يصيب الصيد حتي ينفر الناس و هو قول اللّه عز و جل: (فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلٰا إِثْمَ عَلَيْهِ … لِمَنِ اتَّقيٰ) فقال: اتقي الصيد». «1»

فان المراد من الصيد في الاول و ان امكن ان يكون الحرمي الا ان في الثاني لا يمكن ان يكون الحرمي فان حرمته ليست مغياه بنفر الناس و استدل علي استثناء الصيد أيضا بالاصل و اطلاق الامر بالاجتناب عن الصيد في الاحرام فلا يخرج منه له الا عند زوال الشمس من اليوم الثالث عشر و بقوله تعالي: (لٰا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ) الّذي يكفي في تحققه حرمة الطيب و النساء و انه في الحرم لكن الاستدلال بكونه في الحرام يوجب صرف ان يكون المراد من الآية النهي عن قتل الصيد الاحرامي و لذا قال ابن بابويه و القاضي علي ما حكي عنهما «2» انه لا يحل له بعد طواف النساء أيضا لكونه الحرم فان هذه الحرمة ليست من جهة الاحرام كما لا يخفي و علي ذلك كله الاقوي لحوق الصيد بالطيب و النساء و حرمته من جهة الاحرام الي اليوم الثالث عشر و حكي في الجواهر عن الدروس عن العلامة ان عدم التحلل من الصيد مذهب علمائنا و ان كنا لم نتحققه و اللّه هو العالم.

ثم انه قال في الجواهر: هذا كله في المتمتع فاحدها ما في الدروس علي ما حكي عنه من اشتراط حل الطيب بصورة تقديم الطواف و السعي علي الموقفين و في الجواهر انه في غير محله و ان ذكر بعض الناس له وجها غير وجيه و منها عدم الفرق بينه و بين المتمتع في حرمة النساء و الطيب كما هو الظاهر من

اطلاق الشرائع و النافع و محكي الخلاف و عن الجعفي التصريح بذلك و قال: و لا ريب في ضعفه و القول الثالث:

انه يحل له بالحلق او التقصير الطيب أيضا كما في القواعد و محكي الاحمدي و التهذيب

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ابواب العود الي مني، ب 11، ح 3.

(2)- جواهر الكلام: 19/ 355.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 299

و الاستبصار و النهاية و المبسوط و الوسيلة و السرائر و الجامع «1» و يدل عليه صحيح محمد بن عمران قال: سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن الحاج يوم النحر ما يحل له؟ قال:

«كل شي ء الا النساء و عن المتمتع ما يحل له يوم النحر؟ قال: كل شي ء الا النساء و الطيب» «2» و المراد من الحاج المفرد او القارن سيما اذا وقع عدلا للمتمتع كما وقع في هذا الحديث مضافا الي ان في الاستبصار جاء السؤال هكذا عن الحاج غير المتمتع و في الوسائل أيضا رواه هكذا 3 و غيره مما ذكره في الجواهر «4» و الصحيح ظاهر في الفرق بين المتمتع و غيره فلا يحل للاول الطيب و يحل للثاني كما انه بالإطلاق يسأل من قدم الطواف و السعي علي الحلق او التقصير و من لم يقدمهما و اللّه هو العالم.

الموطن الثاني للتحلل المتمتع اذا طاف طواف الزيارة للحج و صلي صلاته و سعي

حلّ له الطيب و الظاهر انه لا خلاف فيه و الدليل عليه قول الصادق عليه السّلام في صحيح معاوية المتقدم: فاذا زار البيت و طاف و سعي بين الصفاء و المروة فقد احل من كل شي ء احرم منه الّا النساء و ما في صحيح منصور بن الحازم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: اذا كنت متمتعا فلا تقربن شيئا فيه صفرة حتي تطوف البيت. «5»

و في

الخبر المروي عن بصائر الدرجات … عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (في كتابه الي المفضل بن عمر) و اذا اردت المتعة في الحج فاحرم من العقيق و اجعلها متعة (الي ان قال) ثم احرمت بين الركن و المقام بالحج فلا تزال محرما حتي تقف بالمواقف ثم ترمي الجمرات و تذبح و تغتسل ثم تزور البيت فاذا انت فعلت ذلك احللت و هو قول اللّه

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 19/ 357.

(2) 2 و 3 وسائل الشيعة، ابواب الحلق و التقصير، ب 14 ح 1.

(4)- جواهر الكلام: 19/ 357.

(5)- وسائل الشيعة، ابواب تروك الاحرام، ب 18، ح 12.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 300

عز و جل: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَي الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ اي يذبح ذبحا. «1»

و في صحيح معاوية بن عمار الاخر عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: وطف بينهما (اي بين الصفا و المروة) سبعة اشواط تبدأ بالصفاء و تختم بالمروة فاذا فعلت ذلك فقد احللت من كل شي ء احرمت منه الا النساء. «2»

و لا يخفي ان اطلاق صحيح منصور بن الحازم و كتاب الامام عليه السّلام الي المفضل بن عمر و ان كان يدل علي حصول الاحلال بالطواف و ان لم يأت بصلاته و لذا حكي عن كشف اللثام انه لا يتوقف علي صلاة الطواف لاطلاق النص و الفتوي «3» الّا انه مقيد بصحيحي معاوية بن عمار مضافا الي انه يمكن ان يقال بتناول زيارة البيت فيهما لهما.

ثم ان هذا كله اذا وقع الطواف و السعي بعد الحلق او التقصير اما اذا قدم القارن و المفرد الطواف و السعي علي الوقوف أم قدم المتمتع للضرورة فلا بد ان يقال بالاحلال من الطيب بالحلق

او التقصير لا بالطوف و السعي الذين اتي بهما قبل الموقفين و في الجواهر قال: فالظاهر عدم التحلل الا بالحلق للاصل و خبر المفضل «4» و انصراف الخبر الاول و الفتاوي الي المؤخر مضافا الي مكان كون المحلل هو المركب من الطواف و السعي و ما قبلهما من الافعال بمعني كون السعي جزء العلة فما عن بعض من التحلل لا يخفي عليك ما فيه و ان استوجهه في المسالك لكن قد سمعت فيما تقدم انه مع تقديم الطواف و السعي لا بد من تجديد التلبية لتجدد الاحرام كما انه لا وجه لبقاء حكم الاحرام مع فرض عدم تجديد التلبية و صيرورته حلالا، و انقلاب حجه عمرة

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ابواب اقسام الحج، ب 2، ح 30.

(2)- وسائل الشيعة، ابواب الزيارة البيت، ب 4، ح 1.

(3)- جواهر الكلام: 19/ 357 و كشف اللثام: 6/ 225.

(4)- جواهر الكلام: 19/ 358.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 301

و بذلك يظهر لك اشكال في اصل تصور المسألة فتأمل جيدا «1».

أقول: ملخص ما افاد ان مقتضي ظاهر الادلة و الفتاوي و ان كان حصول التحليل عن الطيب بالطواف و السعي و ان قدمهما علي الوقوفين و يلزم منه كون الطيب حلال عليه و هو في عرفات و المشعر مع كون سائر المحرمات محرما عليه الا أنها منصرفه الي الطواف و السعي الواقعين بعد الموقفين و مقتضي الاصل بقاء الاحرام حتي يحلق و يدل عليه خبر المفضل هذا مضافا الي ان من المحتمل ان يكون المحلل مركبا من الطواف و السعي و ما قبلهما من الافعال بان يكون السعي جزء العلة سواء تقدم علي سائر الاجزاء او تأخر، و بعد ذلك كله قد تقدم

انه يجب علي من يقدم الطواف و السعي تجديد احرامه بتجديد التلبية عند كل طواف و سعي يأتي به حتي لا ينقلب حجه الي العمرة و بعد ذلك لا بد الا ان نقول بعدم تحلله الا بالحلق فتصور المسألة يكون مبنيا علي تجديد التلبية و الاحرام اذا قدم الطواف و السعي و علي هذه الصورة لا يمكن ان يقال بالاحلال من الطيب لمجرد الاتيان بهما. و اللّه هو العالم.

التحلل الثالث [اذا طاف طواف النساء]

مسألة 97- اذا طاف طواف النساء حلّ له النساء لما سمعته من النصوص و في الجواهر بلا خلاف معتد به اجده فيه بل الاجماع بقسميه عليه انتهي.

و في النصوص ما يدل علي توقف التحلل به و بصلاته ففي صحيح معاوية بن عمار قال ثم ارجع الي البيت وطف به اسبوعا آخر ثم تصلي ركعتين عند مقام ابراهيم عليه السّلام

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 19/ 358.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 302

ثم قد احللت من كل شي ء و فرغت من حجك كله و كل شي ء احرمت منه «1» و كما يجب هذا الطواف و صلاته علي الرجال و حل لهم بهما النساء يجب علي النساء أيضا و يتوقف حلّ الرجال لهن بهما و قد حكي عن ابن بابويه التصريح بذلك في الرسالة «2» و هو مقتضي الاصل اي استصحاب بقاء حرمة الرجال عليهن، و اطلاق قوله تعالي: فَلٰا رَفَثَ وَ لٰا فُسُوقَ وَ لٰا جِدٰالَ فِي الْحَجِّ، فكما لا يختص حرمة الفسوق و الجدال بالرجال لا يختص الرفث أيضا بهم و قاعدة الاشتراك و صحيح العلاء بن صبيح و عبد الرحمن بن حجاج و علي بن رئاب و عبد اللّه بن صالح كلهم يروونه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام

قال: المرأة المتمتعة اذا قدمت مكة ثم حاضت تقيم ما بينها و بين التروية فان طهرت طافت بالبيت و سعت بين الصفا و المروة و ان لم تطهر الي يوم التروية اغتسلت و احتشت ثم سعت بين الصفا و المروة ثم خرجت الي مني فاذا قضت المناسك و زارت البيت طافت بالبيت طوافا لعمرتها ثم طافت طوافا بالحج ثم خرجت فسعت فاذا فعلت ذلك فقد أحلت من كل شي ء يحل منه المحرم الا فراش زوجها «3» و صحيح الحسين بن علي بن يقطين قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الخصيان و المرأة الكبيرة أ عليهم طواف النساء؟ قال: نعم، عليهم الطواف كلهم. «4»

ثم انه يقع الكلام في ان المراد بتحريم النساء في قولهم فقد احلّ من كل شي ء الا الطيب و النساء او الا النساء هل هو جميع الاستمتاعات او خصوص المقاربة؟

حكي عن القواعد ان المراد به الوطء و ما في حكمه من التقبيل و النظر و اللمس بشهوة دون العقد عليها و ان حرم بالاحرام و عن الشهيد حرمة العقد عليهن بل

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ابواب زيارة البيت، ب 4 ح 1.

(2)- جواهر الكلام: 19/ 259.

(3)- وسائل الشيعة، ابواب الطواف، ب 84، ح 1.

(4)- وسائل الشيعة، ابواب الطواف، ب 2 ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 303

المفهوم منه حرمة الاشهاد «1» و لا يخفي عليك انه لا يفهم من مثل قوله عليه السّلام: احلّ من كل شي ء الا النساء حرمة العقد عليهن لغير نفسه نعم يمكن ان يقال بها في العقد عليهن لنفسه و لكن يمكن ان يقال بحصر ما بقي عليه من المحرّمات الراجعة الي النساء بخصوص المضاجعة و المقاربة بقوله عليه السّلام

في صحيح الفضلاء فقد احلت من كل شي ء يحل منه المحرم الا فراش زوجها و مع ذلك ينبغي مراعات الاحتياط بترك سائر الاستمتاعات أيضا لوقوع الاستثناء في سائر الروايات ب «الا النساء او الا الطيب و النساء» و للاصل.

[في كراهة لبس المخيط إلي أن يفرغ من طواف الزيارة]

مسألة 98- عن معاوية بن عمار عن ادريس القمي قال: قلت لابي عبد اللّه عليه السّلام: عن مولي لنا تمتع فلما حلق لبس الثياب قبل ان يزور البيت؟

فقال: بئس ما صنع. قلت: عليه شي ء؟ قال: لا قلت: فاني رأيت ابن أبي السماك يسعي بين الصفا و المروة و عليه خفان و قبا و منطقة؟ فقال: بئس ما صنع قلت: أ عليه شي ء؟ قال: لا «2» و ليكن محمولا علي الكراهة بقرينة النصوص الدالة علي الاحلال بالحلق الآبية اطلاقها عن التقييد به و الظاهر ان الخبر صحيح فان ادريس راويه ثقة له كتاب و ابو جرير القمي و هو زكريا ابن ادريس ابنه كان وجها يروي عن الرضا عليه السّلام و ان عبر عن حديثه هذا في الجواهر بالخبر «3».

و كيف كان يدل علي كراهية لبس المخيط الي ان يفرغ من طواف الزيارة كما هو مقتضي عبارة الشرائع بل الي ان يفرغ من السعي كما يدل عليه الصحيح.

و مما هو مكروه فعله الي ان يفرغ من طواف الزيارة و السعي تغطية الرأس يدل

______________________________

(1)- المعتمد: 5/ 351.

(2)- وسائل الشيعة، ابواب الحلق و التقصير، ب 18، ح 3.

(3)- جواهر الكلام: 19/ 262.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 304

عليه صحيح محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل تمتع بالعمرة فوقف بعرفة و وقف بالمشعر و رمي الجمرة و ذبح و حلق أ يغطي رأسه؟ فقال: لا

حتي يطوف بالبيت و بالصفا و المروة قيل له: فان كان فعل؟ قال: ما اري عليه شيئا «1». و صحيح منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام انه قال في رجل كان متمتعا فوقف بعرفات و بالمشعر و ذبح و حلق؟ قال: لا يغطي رأسه حتي يطوف بالبيت و بالصفا و المروة فان ابي عليه السّلام كان يكره ذلك و ينهي عنه فقلنا: فان فعل؟ قال: ما اري عليه شيئا و ان لم يفعل كان احب إليّ «2».

و ظاهر هذه الروايات اختصاص المنع عما ذكر بالمتمتع و يدل علي الاختصاص بالصراحة ما رواه علي بن النعمان عن سعيد الاعرج «3» عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

«سألته عن رجل رمي الجمار و ذبح و حلق رأسه أ يلبس قميصا و قلنسوة قبل ان يزور البيت؟ فقال: ان كان متمتعا فلا و ان كان مفردا للحج فنعم» «4» و هو صحيح و ان عبر عنه في الجواهر بالخبر «5». و مع ذلك اطلق البعض الكراهة و مما يكره علي المتمتع أيضا الطيب و هو مكروه الي ان يفرغ من طواف النساء كما في صحيح ابن بزيع قال: كتبت الي أبي الحسن الرضا عليه السّلام: «هل يجوز للمحرم المتمتع ان يمس الطيب قبل ان يطوف طواف النساء؟ قال: لا» «6».

و النهي فيه محمول علي الكراهة لكون ما يدل علي الجواز اصرح فيه لا يمكن حمله

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ابواب الحلق و التقصير، ب 18، ح 2.

(2)- وسائل الشيعة، ابواب الحلق و التقصير، ب 18، ح 1.

(3)- هو ثقة.

(4)- الوسائل، ابواب الحلق و التقصير، ب 18، ح 2 و 1 و 4.

(5)- جواهر الكلام: 19/ 264.

(6)- وسائل

الشيعة، ابواب زيارة البيت ب 1، ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 305

علي غيره بخلاف النهي فما يدل علي الجواز قرينة علي إرادة النهي منه و اللّه هو العالم.

[الافضل للحاج ان يمضي الي مكة للطواف و السعي ليومه]

مسألة 99- الافضل للحاج ان يمضي الي مكة للطواف و السعي ليومه لاستحباب المسارعة و الاستباق للخيرات و يدل عليه صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في زيارة البيت يوم النحر قال: زره فان شغلت فلا يضرك ان تزور البيت من الغد و لا تؤخر ان تزور من يومك فانه يكره للمتمتع ان يؤخره و موسع للمفرد ان يؤخره … «1»

و في موثق اسحاق بن عمار قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن زيارة البيت تؤخر الي اليوم الثالث؟ قال: تعجيلها احب الي و ليس به بأس ان اخرها «2» و صحيح عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام

قال: لا بأس ان تؤخر زيارة البيت الي يوم النفر انما يستحب تعجيل ذلك مخافة الاحداث و المعاريض» «3» و عليه الاستحباب لا يكون لنفسه بل لكون التأخير معرضا للفوت و التعجيل مصداقا للاستباق و المسارعة و عليه يكون كل فرد متقدم بالنسبة الي ما هو المتاخر منه و في صحيح معاوية بن عمار قال: «سألته عن المتمتع حتي يزور البيت قال: يوم النحر او من الغد و لا يؤخر، و المفرد و القارن ليسا بسواء موسع عليهما» «4» و لا يخفي ان من هذا الصحيح و صحيحه الاخر يستفاد نفسية رجحان الاتيان به يوم النحر لانه لو كان لانطباق عنوان الاستباق عليه ينطبق علي اتيان القارن او المفرد به يوم النحر أيضا فالفرق مبني علي التعبد.

ثم لا يخفي عليك

انه و ان يستفاد من بعض الاخبار عدم جواز تاخير زيارة

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ابواب زيارة البيت، ب 1 ح 1.

(2)- وسائل الشيعة، ابواب زيارة البيت، ب 1 ح 10.

(3)- وسائل الشيعة، ابواب زيارة البيت، ب 1، ح 9.

(4)- وسائل الشيعة، ابواب زيارة البيت، ب 1، ح 8.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 306

البيت من يوم النحر او منه او من الغد و قد افتي به في الشرائع فقال: فان اخر اثم و حكي عن المفيد و المرتضي عدم جواز تاخير المتمتع ذلك عن اليوم الثاني بل عن التذكرة و المنتهي نسبته الي علمائنا الا انه حمل النهي في بعض النصوص علي الكراهة لما في بعضها الاخر مثل صحيح عبد اللّه بن سنان الصريح في جواز التأخير الي يوم النفر و للتعبير في بعضها بقول (ينبغي) و نحوه مما هو ظاهر في الكراهة او الندب و مقتضي الاصل ذلك و لعل المراد منه عدم وجوبه فورا و (اطلاق الحج اشهر معلومات) يدل علي جواز ايجاد افعال الحج في ذي الحجة الا ما خرج بالدليل «1» و مما يدل علي الاستحباب صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سألته عن رجل نسي ان يزور البيت حتي اصبح؟ قال: لا بأس، أنا ربّما آخرته حتي تذهب ايام التشريق و لكن لا يقرب النساء و الطيب» «2» و صحيح هشام بن سالم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «لا بأس ان اخرت زيارة البيت حتي تذهب ايام التشريق». «3»

و الحاصل انه يجوز تكليفا و وضعا تأخير زيارة البيت الي ايام التشريق بل الي آخر ذي الحجة الا انه لا يخرج من الاحرام من الطيب و النساء و

يستحب له التعجيل و استحبابه في يوم النحر آكد. هذا كله في المتمتع و اما في المفرد و القارن فلم يقل احد فيهما بوجوب التعجيل او حرمة التأخير و اللّه هو العالم.

[في أن الصبي المميز يحلل عليه كالبالغ المحرمات]

مسألة 100- لا ريب في ان الصبي المميّز اذا اتي بافعال الحج و كل ما يوجب التحلل من المحرمات كالحلق او التقصير و طواف البيت و السعي و طواف النساء و صلاته يحلل عليه كالبالغ المحرمات و مثله غير المميز الّذي حج به الا انه يأتي الكلام في حرمة النساء عليهما بعد البلوغ ربما يقال

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 19/ 265

(2)- وسائل الشيعة، ابواب الزيارة البيت ب 1، ح 2.

(3)- وسائل الشيعة، ابواب الزيارة البيت ب 1، ح 3.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 307

بان حرمة المحرمات علي المحرم من الاحكام الوضعية التي لا تختص بالبالغين بل هي مسبب من الاحرام فاذا وجد سببها يوجد المسبب لا محالة و يشكل ذلك لعدم كون غير البالغ مكلفا بترك محرمات الاحرام فكيف يوجب الاحرام حرمة ما هو المحرم علي البالغين عليه و كيف يترتب علي احرامه الّذي هو كسائر عقوده مثل البيع و النكاح اثره الّذي يترتب علي احرام البالغ غاية ما يقال علي القول بصحة عبادات الصبي المميز انه لو احرم و عمل كما يعمله البالغون الي الخروج من الاحرام بما يخرج به المكلفون يثاب و يوجر عليه بل يجزي عن غيره ان اتي به نيابة عن غيره و لكن مجرد ذلك لا يوجب حالة نفسية تترتب عليها حرمة فعل المحرمات و يوجب الافعال الخاصة الي طواف النساء و صلاته لكن الصبي لا يكون مكلفا بها ما دام هو صبي و بعد البلوغ يترتب عليها كسائر البالغين

كالجنابة الحاصلة في الصغر او في حال الجنون و علي هذا لا يجب علي وليه امره بواجبات الحج و نهيه عن اتيان محرماته و الّذي ينبغي ان يقال ان كان في المسألة اجماع فهو و الا فاثبات وجوب امر علي الصبي المميز حال عدم بلوغه و بعده مشكل و مقتضي الاصل عدمه نعم في الجواهر انه حكم الشهيد بمنعه من الاستمتاع قبل البلوغ بل عن المنتهي و التذكرة الاجماع علي وجوبه علي الصبيان و في كشف اللثام بمعني ان علي الولي امر المميز به و الطواف بغير المميز فان لم يفعلوه حرمن عليهم اذا بلغوا حتي يفعلوه او يستنيبوا فيه استصحابا الا علي عدم توقف حلهن عليه الخ. «1»

و في غير المميز قال في الجواهر فلا اشكال في عدم شرعية احرامه و لو تمرينا مع فرض وقوعه منه فلا تحرم النساء عليه اذا لم يطف به الولي نعم قطع الشهيد بكونه كالمميّز ان احرم به الولي و احتمله في كشف اللثام هنا قويا الخ. «2»

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 19/ 260

(2)- جواهر الكلام: 19/ 260

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 309

[الكلام في أعمال مكة]

اشارة

الكلام في الطواف

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 311

في الطواف

السابع من واجبات الحج: الطواف

اشارة

و ما ذكرنا من الاحكام و الشرائط في طواف عمره التمتع تجري فيه بعينه لان الطواف حقيقة واحدة لا فرق في احكامه و شرائطه بين طواف الحج و طواف عمرة التمتع و طواف العمرة المفردة و طواف النساء الا انه ذكر في الجواهر مسائل نتعرض نحن لبعضها هنا في طي مسائل.

[ترك الطواف عالما عامدا يوجب بطلان الحج]

مسألة 101- لا ريب في ان ترك الطواف عالما عامدا يوجب بطلان الحج لانه ركن من اركان الحج كالنية و الاحرام و الوقوفين و السعي و ذلك لعدم الاتيان بالمامور به المركب منه و من غيره و لفحوي صحيح علي بن يقطين سألت أبا الحسن عليه السّلام عن رجل جهل ان يطوف بالبيت طواف الفريضة؟ قال:

«ان كان علي وجه جهالة في الحج اعاد و عليه بدنة «1» و خبر علي بن أبي حمزة قال:

سئل عن رجل جهل ان يطوف بالبيت حتي رجع الي اهله قال اذا كان علي وجه

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ابواب الطواف، ب 56، ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 312

جهالة (جهة الجهالة) اعاد الحج و عليه بدنة هذا علي رواية الشيخ و علي» «1» رواية الصدوق قال عن ابي الحسن عليه السّلام و ذكر يدل (جهل) (سها) «2» و هاتان الروايتان تدلان علي بطلان الحج بترك الطواف عالما و عمدا بالفحوي نعم يمكن الاشكال في وجوب البدنة علي العالم أيضا لاحتمال ان يكون ذلك لتركه التعلم الا ان الظاهر وجوبها عليه بالفحوي المذكور.

هذا و هل الترك الموجب للبطلان بفعل المناسك بعده او بمضي ذي الحجة او بذهابه الي بلده حيث يتعذر له الرجوع الي مكة الظاهر ان بمجرد فعل ما هو الوظيفة بعده لا يتحقق الترك و لذا ذكروا انه لو قدم

السعي علي الطواف عمدا بطل السعي و وجب عليه الطواف ثم السعي فالاقوي انه يتحقق بتركه طول ذي الحجة او بعد ما ذهب الي بلده و تعذر عليه الرجوع الي مكة، هذا في الحج و اما في العمرة المتمتع بها الي الحج فقد ذكرنا انه يتحقق تركه بما اذا لم يتمكن من جهة ضيق الوقت الي الاتيان بالطواف و الحضور في الموقفين علي تفصيل مرّ ذكره قال في الجواهر و ان كانت مفردة فبخروج السنة ان كانت المجامعة للحج القران او الافراد و لو كانت مجردة عنه فاشكال اذ يحتمل حينئذ بطلانها بخروجه عن مكة و لما يفعله، و يحتمل ان يتحقق في الجميع بتركه بنية الاعراض عنه، و ان يرجع فيه الي ما يعد تركا عرفا و المسألة موضع اشكال و قد سبقه الكركي الي ذلك في حاشية الكتاب قال: و مما يشكل تحقيق ما به يتحقق ترك الطواف فانه لو سعي قبل ان يطوف لم يعتد به، و ان احرم بنسك آخر بطل فعله صرح به في الدروس و يمكن ان يحكم في ذلك العرف فاذا شرع في نسك آخر عازما علي ترك الطواف بحيث يصدق الترك عرفا يحكم ببطلان الحج او يراد به خروجه من مكة بنية عدم فعله قلت: لا يخفي عليك ما في ذلك كله بعد

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ابواب الطواف ب 56 ح 2.

(2)- وسائل الشيعة، ابواب الطواف ب 56 ح 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 313

الاحاطة بما ذكرنا سابقا من جواز تاخير طواف حج التمتع و سعيه كما سمعت الكلام في ذلك مفصلا بل الظاهر من القائل بعدم الجواز إرادة الاثم دون البطلان فحينئذ يراد بالترك في حج التمتع

و القران و الافراد عدم الفعل في تمام ذي الحجة، و في عمرة التمتع عدمه الي ضيق وقت الوقوف بعرفة، و في العمرة المفردة المجردة الي تمام العمر بل و كذا المجامعة لحج الافراد و القران بناء علي عدم وجوبهما في سنتهما و الا فالمدار علي تركها في تلك السنة فهو ركن في هذه المناسك جميعا تبطل بتركه فيها علي الوجه المزبور مع العلم و العمد انتهي. «1»

ثم ان الظاهر منهم عدم لحوق طواف النساء في الحكم المذكور الي طواف الزيارة فلا يوجب تركه العمدي بطلان النسك ففي صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

«انما نسك الّذي يقرن بين الصفا المروة مثل نسك المفرد ليس بافضل منه الا بسياق الهدي و عليه طواف بالبيت و صلاة ركعتين خلف المقام و سعي واحد بين الصفا و المروة و طواف بالبيت بعد الحج» «2» و نحوه صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام و فيه (و طواف بعد الحج و هو طواف النساء) «3» و علي هذا لو فرضنا فيه تحقق الترك لا يجب عليه، الا تداركه بالقضاء.

[حكم من ترك الطواف نسيانا]

مسألة 102- في الجواهر انه «4» لا خلاف معتد به بل عن الخلاف و الغنية الاجماع علي ان تركه الطواف نسيانا لا يوجب بطلان الحج و انما يجب علي من تركه قضائه بنفسه متي ما ذكره و لو بعد المناسك ان تمكن من القضاء بنفسه و ان لم يتمكن يستنيب عنه سواء بقي وقت التدارك كما اذا

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 19/ 371

(2)- وسائل الشيعة، ابواب اقسام الحج ب 2، ح 6.

(3)- وسائل الشيعة، ابواب اقسام الحج ب 2 ح 12.

(4)- جواهر الكلام: 19/ 374.

فقه الحج

(للصافي)، ج 4، ص: 314

كان تذكر و هو في ذي الحجة او فات وقته و خرج من ذي الحجة فان تذكر هو في ذي الحجة و في مكة يتداركه بنفسه.

و يدل عليه موثق اسحاق بن عمار قال: قلت لابي عبد اللّه عليه السّلام رجل طاف بالكعبة ثم خرج فطاف بين الصفا و المروة فبينما هو يطوف اذ ذكر انه قد ترك من طوافه بالبيت؟ فقال: يرجع الي البيت فيتم طوافه ثم يرجع الي الصفا و المروة فيتم ما بقي قلت: فانه بدأ بالصفا و المروة قبل ان يبدأ بالبيت؟ قال: يأتي البيت فيطوف به ثم يستأنف طوافه بين الصفا و المروة قلت: فما فرق بين هذين؟ قال: لان هذا دخل في شي ء من الطواف و هذا لم يدخل في شي ء منه «1»

فان فات وقته و خرج من ذي الحجة فان تمكن من قضائه بنفسه يقضيه و الا ان لم يتمكن من قضائه بنفسه كما اذا رجع الي بلاده و تعذر له الرجوع الي مكة يستنيب من يقضيه عنه في ذي الحجة و الا في غيره و الاحوط اعادة السعي بعده و يدل عليه صحيح علي بن جعفر عن اخيه عليه السّلام قال: «سألته عن رجل نسي طواف الفريضة حتي قدم بلاده و واقع النساء كيف يصنع؟ قال: يبعث بهدي ان كان تركه في حج بعث به في حج و ان كان تركه في عمرة بعث به في عمرة و كلّ من يطوف عنه ما تركه من طوافه» «2» و لا عبرة بحمله علي طواف النساء و الحكم ببطلان الحج و حمل النسيان علي الجهل كما فعله الشيخ في التهذيب و الاستبصار و الاحوط اعادة السعي لاطلاق

صحيح منصور بن حازم «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل طاف بين الصفا و المروة قبل ان يطوف بالبيت؟ فقال: يطوف بالبيت ثم يعود الي الصفا و المروة فيطوف

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ابواب الطواف، ب 63، ح 3

(2)- وسائل الشيعة، ابواب الطواف، ب 58، ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 315

بهما» «1» و وجه الاحتياط و عدم الجزم بالفتوي بالوجوب احتمال اختصاص ذلك بما قبل فوات الوقت و خبر منصور بن حازم قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل بدأ بالسعي بين الصفاء و المروة قال: يرجع فيطوف بالبيت ثم يستأنف السعي قلت: ان ذلك قد فاته؟ قال: عليه دم الا تري انك اذا غسلت شمالك قبل يمينك كان عليك ان تعيد علي شمالك» «2» فان الاقتصار فيه علي وجوب الدم يدل علي عدم وجوب الاعادة و مع ما في سنده ذيله شاهد علي ان صدره الّذي موافق لصحيح منصور ليس ظاهرا في حكم صورة الفوت و لذا قال الراوي ان ذلك قد فاته فغاية ما يقتضيه ما ذكر هو الاحتياط باعادة السعي و اللّه هو العالم.

[حكم من شك في عدد اشواط الطواف بعد الفراق و الانصراف منه]

مسألة 103- اذ شك في عدد اشواط الطواف بعد الفراق و الانصراف منه سواء دخل في غيره أم لا فالظاهر انه محكوم بالصحة لقاعدة الفراغ و استدل له مضافا الي القاعدة في الجواهر «3» بصحيح ابن حازم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل طاف طواف الفريضة فلم يدر ستة طاف أم سبعة؟

قال: فليعد طوافه قلت: ففاته؟ قال: ما اري عليه شيئا و الاعادة احب الي و افضل «4» و نحوه رواية عبد الرحمن بن سيابة او ابن أبي نجران كما حققه صاحب

المنتقي و غيره كما الوسائل و لفظه باسناد الشيخ الي موسي بن القاسم عن عبد الرحمن بن سيابة عن حماد عن حريز عن محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل طاف بالبيت فلم يدر أ ستة طاف او سبعة

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، كل ابواب الطواف ب 63، ح 2.

(2)- وسائل الشيعة، ابواب الطواف ب 63 ح 1.

(3)- جواهر الكلام: 19/ 378

(4)- وسائل الشيعة، ابواب الطواف، ب 63، ح 3.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 316

طواف فريضة؟ قال: فليعد طوافه قيل: انه قد خرج وفاته ذلك قال: ليس عليه شي ء «1»

أقول: فان كان الراوي عبد الرحمن بن سيابة فهو متروك لم يأت فيه مدح و لا قدح الا انه روي ان الصادق عليه السّلام اعطاه دنانير يقسمها في عيالات من قتل مع زيد و هو من الطبقة الخامسة و موسي بن القاسم من كبار السابعة و اما عبد الرحمن بن أبي نجران فهو ثقة روي عن الرضا عليه السّلام و الظاهر انه من السادسة و استبعاد كون عبد الرحمن هذا ابن سيابة لاختلاف طبقة موسي بن القاسم الراوي عنه طبقته يرتفع بكونه من كبار السابعة و برواية البرقي عنه و هو أيضا من السابعة هذا و قد صحح الحديث بعض المعاصرين بان عبد الرحمن بن سيابة ثقة «2» لانه من رجال كامل الزيارات و لكن سمع منه انه عدل عن البناء علي ذلك و كيف كان يكفي في الاعتماد عليه رواية موسي بن القاسم و البرقي عنه ثم ان الاستدلال بالرواية علي الحكم بالصحة اذا شك بعد الفراغ مبني علي عدم اخذهم بظاهره و هو عدم وجوب شي ء فيه و لو مع الفوات

اذ هو كما قال في الجواهر اما عن عمد او جهل او نسيان و لكل موجب و لانه كترك الطواف كلا او بعضا و ليس فيها انه لا شي ء عليه اصلا فالحكم به صريحا في الروايات بعد مراعاة الاجماع اوضح دليل علي إرادة صورة الشك بعد الانصراف (قال): و لا ينافي ذلك الحكم في بعضها باستحباب الاعادة و ان لم نجد به قائلا (الي ان قال) و لعل منه أي من الفراق و الانصراف ما اذا اعتقد انه اتم الطواف و ان كان هو في المطاف و لم يفعل المنافي خصوصا اذا تجاوز الحجر اما قبل اعتقاد الا تمام فهو غير منصرف كان عند الحجر او بعده او خارجا عن المطاف او فعل المنافي

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ابواب الطواف، ب 33، ح 1.

(2)- المعتمد: 5/ 12.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 317

كما صرح به في كشف اللثام «1».

أقول: إرادة صورة الشك بعد الانصراف لقاعدة الفراغ ينافي الحكم بالاعادة و اللّه هو العالم.

ثم انه لا يخفي عليك انه لا فرق في الحكم بالصحة بعد الفراق ان يكون الشك في عدد الاشواط او في الصحة ما اتي به من الطواف كلا او بعضا ففي كليهما يبني اتيان ما شك في الاتيان به و ما شك في صحة الاتيان به.

[اذا شك في عدد الاشواط في اثناء الطواف]

مسألة 104- اذا شك في عدد الاشواط في اثناء الطواف فان كان شكا في الزيادة عليها اي علي السابع قطع ما بيده و لا شي ء عليه و ذلك لاصالة عدم الزيادة و البراءة من الاعادة و لصحيح الحلبي قال: سالت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل طاف بالبيت طواف الفريضة فلم يدر أسبعة طاف او ثمانية؟ فقال: اما السبعة

فقد استيقن و انما وقع وهمه علي الثامن فليصل ركعتين.

و ليكن مورده ما اذا كان الشك حاصلا منه بعد الوصول الي الركن قبل الانصراف و اما اذا شك في انه طاف سبعة او ثمانية قبل الوصول الي الركن فشكه موجب للبطلان اما لنقص طوافه او لزيادة العمدية و استشكل في ذلك بعض الاعلام بعدم اقتضاء هذا الدوران بين الزيادة و النقص البطلان لان الاصل الجاري في كل من الطرفين لا يعارض الاخر ففي طرف النقيصة الاصل عدم الاتيان بالنقص و مقتضاه الاتيان به و في جانب الزيادة الاصل عدمها و لكنه استند في الحكم بالبطلان بالروايات.

فمنها صحيح الحلبي المتقدم و فيه اما السبعة فقد استيقن و إنما وقع وهمه علي الثامن و قد افاد بعض الاجلة انه يظهر من ذلك ان السبع لا بد من القطع به، و من

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 19/ 379.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 318

المفروض غير مقطوع به في المقام لاحتمال كونه ستة و نصف، و فيه ان هذا لا يدل علي البطلان في المقام لانه لا يمكن ان يكون الحكم فيه اضافة النصف عليه فيستيقن به السبعة و اما الزيادة علي السبعة فالاصل عدمه و قال: و بعبارة اخري يستفاد من صحيح الحلبي ان استصحاب عدم الزائد غير حجة في باب الطواف كما انه غير حجة في باب اعداد الصلاة «1» اقول: انه يستفاد منه استصحاب عدم الزائد فلذا لا يعتني بوقوع وهمه علي الثامن.

و منها معتبرة أبي بصير التي في اسنادها اسماعيل بن مرار عن يونس عن سماعة بن مهران عن أبي بصير قال: «قلت له الرجل طاف بالبيت طواف الفريضة فلم يدر ستة طاف أم سبعة ثمانية؟ قال: يعيد

طوافه حتي يحفظ … الحديث» «2». و فيه اما اعتبارها مخدوش باسماعيل بن مرار غير الموصوف بقدح و لا مدح مضافا الي اضمارها.

و اما دلالتهما فهي في الشك بين الست و السبع و الثمانية بعد اتمام الشوط و منها الروايات الواردة في ان من شك في عدد اشواط الطواف الواجب في السبعة و ما دونها وجب عليه الاستيناف «3» فانها بالإطلاق كما تشمل بعد الفراغ من الشوط و الوصول الي الحجر الاسود تشمل اذا كان في الاثناء قبل الوصول الي الركن و فيه ان هذه الروايات واردة في من لم يدر انه طاف ستة أم سبعة و اقام في من شك انه هل نقص من السبع او زاد عليه و علي هذا فالاقوي الاستدلال علي البطلان بما افاده الشهيد لا علي ما حكي عنه بعض الاعلام بل علي ما حكي عنه في الجواهر و هو ان الامر يتردد بين المحذورين: الاكمال المحتمل للزيادة العمدية و القطع المحتمل للنقيصة

______________________________

(1)- المعتمد: 5/ 9.

(2)- وسائل الشيعة، ابواب الطواف، ب 33.

(3)- وسائل الشيعة، ابواب الطواف، ب 33.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 319

و لا يرد عليه الاشكال المذكور و ان كان يرد علي ما حكي عنه «1».

و كيف كان فلا ريب في ان الحكم في الشك قبل الركن انه السابع او الثامن او شك بين الستة و السبعة او ما دونهما اجتمع معهما احتمال الثمانية فما فوقها او لا كان عند الركن او لا هو البطلان كما حكي عن المقنع و النهاية و المبسوط و السرائر و الجامع و غيرها «2».

و في الجواهر و مع ذلك حكي الفاضل عن المفيد انه قال: «من طاف بالبيت فلم يدر أ ستّا طاف

او سبعا فليطف طوافا آخر ليستيقن انه طاف سبعا» و فهم منه البناء علي الاقل علي ان مراده بطواف آخر شوط آخر و حكاه عن علي بن بابويه و الحلبي و ابي علي و اختاره بعض متأخري المتاخرين لا صلي البراءة و عدم الزيارة و صحيح منصور بن حازم المتقدم «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل طاف طواف الفريضة فلم يدر أ ستة طاف أم سبعة قال: فليعد طوافه قلت: ففاته فقال: ما اري عليه شيئا و الاعادة احب الي و افضل» «3» و صحيحه الاخر قال: للصادق عليه السّلام: «اني طفت فلم ادر ستة طفت أم سبعة فطفت طوافا آخر؛ فقال: هلا استأنف؟ قال: قد طفت و ذهبت؟ قال: ليس عليك شي ء» «4» اذ لو كان الشك موجبا للاعادة لاوجبها عليه و صحيح رفاعة عنه عليه السّلام في رجل لا يدري ستة طاف او سبعة؟ قال: يبني علي يقينه «5» و فيه ان الاصل مقطوع بما عرفت كما ان المراد من الصحيح الاول ما سمعت من الشك بعد الفراغ لا في اثنائه و الا كان مخالفا للاجماع علي الظاهر و احتمال

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 19/ 379.

(2)- جواهر الكلام: 19/ 380.

(3)- وسائل الشيعة، ابواب الطواف، ب 33، ح 8.

(4)- وسائل الشيعة، ابواب الطواف، ب 33، ح 3.

(5)- وسائل الشيعة، ابواب الطواف، ب 33، ح 5.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 320

الصحيح الثاني النافلة بل و الشك بعد الانصراف بل قد يحتمل قوله: «قد طفت» الاعادة علي معني فعلت الامرين الاكمال و الاعادة، و الثالث النافلة و الشك بعد الانصراف و البقاء علي اليقين بمعني انه حين انصرف اقرب الي اليقين مما بعده فلا يلتفت الي

الشك بعده و إرادة الاعادة أي يأتي بطواف تيقن عدده كل ذلك لقصورها عن المعارضة من وجوه الخ «1».

ثم انه حكي في الجواهر عن المدارك انه قال: ينبغي القطع بعدم وجوب العود باستدراك الطواف مع عدم الاستيناف كما دلت عليه الاخبار الكثيرة (قال) و تبعه المجلسي قال: ثم انه علي تقدير وجوب الاعادة فالظاهر من الادلة ان ذلك مع الامكان و عدم الخروج من مكة و المشقة في العود لا مطلقا و لا استبعاد في ذلك 2 اقول و هذا ظاهر من الوسائل أيضا حيث انه عنون الباب 33 من ابواب الطواف هكذا: باب ان من شك في عدد اشواط الطواف الواجب في السبعة و ما دونها وجب عليه الاستئناف فان خرج و تعذر فلا شي ء عليه و في المندوب يبني علي الاقل و يتم فان شك بعد الانصراف لم يلتفت مطلقا.

[حكم الزيادة السهوية علي السبعة]

مسألة 105- الزيادة السهوية علي السبعة اما ان لا تبلغ تمام الشوط الواحد او تكون به فعلي الصورة الاولي المشهور انه يقطعه و لا شي ء عليه حكي التصريح به عن الشيخ و بني زهرة و البراج و سعيد و العلامة و المحقق و غيرهم و الدليل عليه خبر أبي كهمس قال في الجواهر المنجبر بما عرفت قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام: عن رجل نسي فطاف ثمانية اشواط؟ قال: ان ذكر قبل ان يبلغ «3» الركن فليقطعه و قد أجزأ عنه و ان لم يذكر حتي بلغه فليتم

______________________________

(1) 1- 2 جواهر الكلام: 19/ 382.

(3)- و المراد به ركن الحجر و ما توهم من ان المراد به الركن الّذي بعد ركن الحجر لا يخفي وهنه، المرآة، ج 18، ص 41.

فقه الحج (للصافي)، ج 4،

ص: 321

اربع عشر شوطا و ليصل اربع ركعات و في الجواهر قال: بل لا اجد فيه خلافا الا من بعض متأخري المتأخرين بناء علي اصل فاسد و هو عدم انجبار الخبر الضعيف بالعمل و الفرض ضعف الخبر المزبور مع انه معارض بخبر عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سمعته يقول: من طاف بالبيت فوهم حتي يدخل في الثامن فليتم أربعة عشر شوطا ثم ليصل ركعتين المعتبر سنده بل عن العلامة الحكم بصحته الا ان ذلك كله كما تري لا يوافق ما حررناه في الاصول فيجب حمل الخبر المزبور بعد قصوره عن المقاومة علي إرادة اتمام الشوط من الدخول في الثامن او غير ذلك انتهي كلام صاحب الجواهر «1».

أقول: يمكن ان يقال بعد جبر ضعف سند خبر أبي كهمس بالعمل بتقييد صحيح عبد اللّه بن سنان به هذا.

و قد استدل بعض الاعلام من المعاصرين اللذين لا يرون جبر ضعف السند بعمل الاصحاب بالاصل فان مقتضاه الصحة و عدم بطلان الطواف بزيادة هذا المقدار سهوا و اجاب عن صحيح عبد اللّه بن سنان بانه معارض بصحيح محمد بن مسلم عن احدهما عليهما السّلام قال: «ان في كتاب علي عليه السّلام اذا طاف الرجل بالبيت ثمانية اشواط الفريضة فاستيقن ثمانية اضاف إليها ستا و كذلك اذا استيقن انه سعي ثمانية اضاف إليها ستا» و مفهوم قوله: اذا طاف و ان كان اذا لم يطف علي نحو السالبة بانتفاء الموضوع الا انه بعد ضم قيد ثمانية اشواط إليه يكون الموضوع في المنطوق ثمانية اشواط لا اقل منها فيكون الموضوع في المفهوم الثمانية الغير المستكملة و حيث ان القيد مذكور في كلام الامام عليه السّلام

لا بد ان يكون لخصوصية في كاملها ليست في الناقص عنه و علي هذا يحمل الدخول في الثامن صحيح ابن سنان علي الدخول

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 19/ 384.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 322

الكامل فيرتفع التنافي من البين ثم قال لو تنزلنا و التزمنا بالتعارض فالمرجع هو الاصل المقتضي للصحة و يؤيد برواية أبي كهمس فانه صريح في المطلوب «1».

أقول: ان كان قيد الثمانية في صحيح محمد بن مسلم من الامام عليه السّلام قيد الدخول في الثامن في صحيح عبد اللّه بن سنان أيضا من الامام عليه السّلام و منطوقه الثمانية غير المستكملة اي الدخول فالاولي ان يقال كما في الجواهر بجبر ضعف سند أبي كهمس بالعمل و ضعف الاعتماد علي صحيح ابن سنان لتركهم العمل بظاهره و يمكن حمله كما في الجواهر علي إرادة اتمام الشوط او حمله علي استحباب اتمامه أربعة عشر شوطا بقرينة قوله: فليصل ركعتين و اللّه هو العالم.

و اما اذا بلغت الزيادة تمام الشوط الثامن ففي الجواهر قال: (و من زاد علي السبعة) في طواف الفريضة (سهوا) شوطا اكملها اسبوعين في المشهور نصا و فتوي (و صلي الفريضة أولا و ركعتي النافلة بعد الفراغ من السعي) «2».

أقول: لا بد من ملاحظه الروايات في المقام فمنها صحيح محمد بن مسلم الّذي تقدم ذكره و صحيحه الاخر عن احدهما عليهما السّلام قال: «قلت: رجل طاف بالبيت فاستيقن انه طاف ثمانية اشواط؟ قال: يضيف إليها ستة، كذلك اذا استيقن انه طاف بين الصفا و المروة ثمانية فليضف إليها ستة» «3» و الظاهر منهما صورة السهو و خبره الثالث عن احدهما عليهما السلام «4» الا ان الظاهر انه و الثاني واحد و صحيح أبي أيوب قال:

«قلت لابي عبد اللّه عليه السّلام رجل طاف بالبيت ثمانية اشواط طواف

______________________________

(1)- المعتمد: 4/ 372.

(2)- جواهر الكلام: 19/ 364.

(3)- وسائل الشيعة، ابواب الطواف، ب 34، ح 12.

(4)- وسائل الشيعة، ابواب الطواف، ب 34، 10.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 323

الفريضة؟ قال: فليضم إليها ستة ثم يصلي اربع ركعات» «1» و خبر علي بن ابي حمزة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سئل و انا حاضر عن رجل طاف بالبيت ثمانية اشواط؟

فقال: نافلة او فريضة؟ فقال: فريضة فقال: يضيف إليها ستة فاذا فرغ صلي ركعتين آخرين فكان طواف نافلة و طواف نافلة و طواف فريضة» «2» و ظاهر هما أيضا صورة النسيان.

و منها خبر رفاعة قال: «كان علي عليه السّلام يقول: اذا طاف ثمانية فليتم أربعة عشر قلت: يصلي اربع ركعات، قال: يصلي ركعتين» «3» قال في جامع الرواة هذه الرواية لا تخلو من ارسال علي ما يظهر بادني تامل اقول موسي بن القاسم من كبار السابعة يروي عن عباس و عباس و عباس ان كان العباس ابن عامر فهو من السادسة و رفاعة ان كان رفاعة بن موسي او رفاعة النخاس فهو أيضا من الخامسة و روايته عن علي عليه السّلام و هو عليه السّلام من الاولي تكون مرسلة و مع ذلك فقد عبر بعض الاجلة عن الرواية بالصحيحة.

و منها الصحيح الّذي رواه الحلي في آخر السرائر عن نوادر البزنطي عن جميل انه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عمن طاف ثمانية اشواط و هو يري انها سبعة قال: فقال: ان في كتاب علي عليه السّلام انه اذا طاف ثمانية اشواط ضم (يضم) إليها ستة اشواط ثم يصلي الركعات بعده قال: و سئل عن الركعات

كيف يصليهن يجمعهن (او يجمعهن) او ما ذا قال: يصلي ركعتين للفريضة (ركعتي الفريضة) ثم يخرج الي الصفا و المروة فاذا رجع من طوافه بينهما رجع يصلي ركعتين للاسبوع الاخر «4».

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ابواب الطواف، ب 34، ح 13.

(2)- وسائل الشيعة، ابواب الطواف، ب 34، ح 15.

(3)- وسائل الشيعة، ابواب الطواف، ب 34، ح 9.

(4)- وسائل الشيعة، ابواب الطواف، ب 34، 16.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 324

ثم ان هنا روايتان تدلان «1» علي ان من طاف ثمانية اشواط يزيد ستة و يركع اربع ركعات الا انهما لاشتمالهما علي صدور السهو عن امير المؤمنين عليه السّلام محمولتان علي التقية كما فعل صاحب الوسائل و قال: مع انه غير صريح في السهو و في كلام بعض الأجلة أيضا في وجه الاشكال منافاة الاتيان بالشوط الثامن سهوا لعصمة الامام عليه السّلام حتي في الامور الخارجية و ذلك مناف لمذهب الشيعة فيمكن اخراج هذه الرواية مخرج التقية في اسناد السهو الي امير المؤمنين عليه السّلام و مثل ذلك غير عزيز في الاخبار فلا ينافي اصل ثبوت الحكم.

أقول: الّذي هو قريب الي الذهن وقوع الوهم في النقل و الاصل وجود الحكم في كتاب علي عليه السّلام في مقام النقل عبر عن ما في الكتاب بفعله عليه السّلام.

هذا في قبال هذه الروايات ما يدل علي اعادة الطواف فمنها صحيح أبي بصير قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل طاف بالبيت ثمانية اشواط المفروض؟ قال:

يعيد حتي يثبته» هذا علي لفظ الكافي و اما التهذيبين فهكذا و يتمه «2» و خبره الاخر الّذي في سنده اسماعيل بن مرار و مروي بالاضمار و فيه: «قلت له: فانه طاف و هو متطوع ثماني

مرات و هو ناس؟ قال: فليتمه طوافين ثم يصلي اربع ركعات فاما الفريضة فليعد حتي يتم سبعة» «3» و صحيح عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سمعته يقول: من طاف بالبيت فوهم حتي يدخل في الثامن فليتم أربعة عشر شوطا ثم ليصل ركعتين» و وجه الاستشهاد به الاقتصار علي ركعتين كخبر رفاعة المرسل عن علي عليه السّلام: اذا طاف ثمانيا فليتم أربعة عشر قلت: يصلي اربع ركعات؟

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ابواب الطواف، ب 34، ح 6 و 7.

(2)- وسائل الشيعة، ابواب الطواف، ب 34، ح 1.

(3)- وسائل الشيعة، ابواب الطواف، ب 34، ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 325

قال: يصلي ركعتين «1».

كما ان قبال القول المشهور ما حكي عن الصدوق في المقنع قال: و ان طفت بالبيت الطواف المفروض ثمانية اشواط فاعد الطواف و روي يضيف إليها ستة فيجعل واحدا فريضة و الاخر نافلة «2» و الظاهر منه ان هذا له القول بالتخيير و العمل بالطائفة الاولي و الثانية و الاستدلال بصحيح أبي بصير علي كون الاعادة احد عدلي التخيير مبني علي نسخة الكافي و الا علي نسخة التهذيبين يمكن ان يقال: ان المراد منه استتمام الثامن بجعله الاول للطواف الثاني و اما المروي بالاضمار فلو اغمضنا عن اضماره لكون المضمر أبي بصير و مثله لا يسأل عن غير الامام عليه السّلام فسنده ضعيف باسماعيل بن مرار و اما صحيح ابن سنان و خبر رفاعة فلا يوافقان ما افتي به الصدوق و يظهر من الجواهر عن البعض بملاحظة صحيح ابن سنان و خبر رفاعة الاعتداد بالثامن خاصة مكملا له بستة علي انه الطواف الواجب الا انه رد هذا بكونه خلاف الاجماع

المركب القائم علي القول المشهور بكمال الثمانية اسبوعين بستة و قول الصدوق بالتخيير مضافا الي ان صحيح ابن سنان غير ناف للركعتين الاخيرتين و وارد في الداخل في الثمانية الّذي سمعت الكلام فيه فيجب حمل ما سمعت علي ما يوافق المشهور الي آخر ما افاد في وجه الحمل «3» و اللّه هو العالم.

هذا و قد افاد بعض الاعلام في بيان ما يستفاد من الروايات المذكورة علي اربع طوائف فطائفة منها يدل علي البطلان اذا زاد شوطا واحدا مثل صحيح أبي بصير الّذي فيه (يعيد حتي يثبته) و اطلاقه يشمل العمد و السهو. و الثانية ما يدل علي اضافة الستة إليها مثل خبر رفاعة الّذي عبر عنها بصحيحه و صحيحة محمد بن

______________________________

(1)- وسائل الشيعة

(2)- المقنع: 266.

(3)- جواهر الكلام: 19/ 366.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 326

مسلم و صحيح أبي أيوب و هي أيضا بالإطلاق تشمل العمد و السهو فالطائفتان متعارضتان بالتباين و الطائفة الثالثة ما دل علي البطلان كمعتبر عبد اللّه بن محمد عن أبي الحسن عليه السّلام قال: «الطواف المفروض اذا زدت عليه مثل الصلاة المفروضة اذا زدت عليها فعليك الاعادة و كذلك السعي». «1»

و افاد بان الظاهر منها الزيادة العمديّة لتشبيه الزيادة في الصلاة التي توجب بطلانها غالبا فعلي ذلك يكون هذا مخصصا لمثل صحاح محمد بن مسلم و ابي أيوب و بعد تخصيصها به يختص مدلولها بمن طاف ثمانية اشواط سهوا و يخصص به صحيح أبي بصير الشامل بإطلاقه السهو فيختص دلالته علي البطلان بصورة العمد و النتيجة اضافة ستة علي الثمانية سهوا و البطلان اذا طاف عمدا و هو مختار المشهور غير الصدوق قدس سره الا ان طائفة اخري من الروايات و هي

معتبره أبي بصير التي تقدم ذكرها صريحة في الاعادة في صورة النسيان و حيث انه يقع التعارض بينهما و بين الطائفة الثانية الآمرة بالتتميم بالسّت يكون مقتضي ما ذكرنا في محله ان الواجب اذا كان امرا واحدا و ورد عليه امران مختلفان مقتضي القاعدة التخيير بين الامرين و علي هذا ما ذكره الصدوق من التخيير هو الصحيح و لكن حيث يدور الامر بين التخيير و التعيين فمقتضي الاحتياط اتمام الزائد و جعله طوافا كاملا بقصد القربة المطلقة.

أقول: أولا ان ما افاده في صحيح أبي بصير تمام علي كونه علي نسخة الكافي دون ما اذا كان علي نسخة التهذيبين حتي يستتمه لاحتمال كون المراد منه استتمام الثامن بجعله الاول من الثاني و في اطلاقه و شموله صورة العمد تأمل. و ثانيا في اطلاق خبر رفاعة و صحيحي محمد بن مسلم و ابي أيوب أيضا نظر نعم يقع التعارض بينها و بين صحيح أبي بصير علي نسخة الكافي. و ثالثا ظاهر معتبرة

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ابواب الطواف، ب 34، ح 11.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 327

عبد اللّه بن محمد بيان حكم زيادة اشواط الطواف و تشبيهها بزيادة الركعات في الصلاة و وجوب الاعادة لو وقعت الزيادة نسيانا مثل ركعات الصلاة و لكن يمكن تقييد اطلاقها بالناسي هذا و رابعا معتبره ابي بصير في سندها اسماعيل بن مرار و هو علي مسلك المشهور ضعيف.

و تلخص من ذلك كله ان ما يدل علي اعادة الطواف في صورة النسيان هو صحيح أبي بصير علي البناء علي نسخة الكافي و استظهار بيان حكم السهو منه و خبره الاخر المضمر الّذي في سنده ابن مرار و صحيح عبد اللّه بن سنان بملاحظة قوله

عليه السّلام (ثم ليصل ركعتين) بل و خبر رفاعة أيضا الا انهما لا يوافقان مختار الصدوق فانه التخيير بين الاعادة و الاتيان بالست و اربع ركعات.

و ما يدل علي اضافة ستة و اربع ركعات صحيحي محمد بن مسلم و ابي أيوب و علي هذا صحيح عبد اللّه بن سنان و خبر رفاعة لا قائل بهما و اما خبر عبد اللّه بن محمد فيقيد اطلاقه في السهو بصحيحي محمد بن مسلم و ابي أيوب و لا يجوز تقييده بصحيح أبي بصير كما هو ظاهر فبقي التعارض بين صحيح أبي بصير علي نسخة الكافي و مضمر أبي بصير الضعيف سنده بابن مرار علي مسلك المشهور و لا ريب ان الترجيح مع الصحيحين و اما القول بالتخيير و ان كان موجه في الجملة كما اذا كان المأمور به بالامر من مثل الصلاة و الصوم و مثل الواحد و الثلاث اما اذا كان احدهما دالا علي البطلان و الاخر علي الصحة كما فيما نحن فيه فيمكن منع شمول القاعدة له فالقول بالتخيير انما يصح اذا كان كل واحد من الامرين نص في امر و ظاهر في حصر التكليف به فيرفع اليد بنص كل منهما عن ظاهر الاخر و هذا غير الحكم ببطلان احدهما و صحة الاخر و كيف كان لا وجه للقول بتعيين الاعادة دون اضافة الشوط بخلاف العكس فليتأمل.

ثم انه: قال في الجواهر: ان الفاضل و الشهيد قد صرّحوا باستحباب الاكمال

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 328

المذكور الّذي مقتضاه كون الثاني هو النافلة بل هو ظاهر المصنف (يعني المحقق) و غيره ممن عدّه في ذكر المندوبات و حينئذ يجوز له قطعه، و لعله لاصالة البراءة بعد بقاء الاول علي

الصحة المقتضية لذلك باعتبار نيته و للاتفاق علي عدم وجوب الطوافين بل قد سمعت التصريح في الصحيح السابق بان احدهما فريضة و الاخر الندب فالاصل بقاء الاول علي وجوبه «1».

أقول: ليس في الصحيح ان احدهما فريضة و الاخر ندب و انما في خبر علي بن أبي حمزة (فكان طواف نافلة و طواف فريضة) و يمكن ان يقال: ان المستفاد منه لتقديم طواف النافلة باضافة الستة في الروايات أنها مضافة الي طوافه المأمور به و انه وقع في محله بل الظاهر استحباب الاضافة إليه و الامر به وقع موقع النهي عن القران في الطواف كما ان الامر بالقطع فيما اذا لم يتم الشوط الثامن يدل علي حرمة الاتمام او الكراهة و بالجملة مقتضي الاتيان بالمأمور به علي وجهه سقوط الامر به و لا يقتضي الامر باكمال الثاني بطلانه بل هو بالاختيار فيه ان شاء يتركه و ان شاء يتمه و الكلام في ان الاول او الثانية ايهما النافلة او الفريضة انما يأتي اذا كان الامر بالست امرا ابتدائيا غير ناظر الي دفع توهم الحظر فيه لوقوع القران بين الطوافين و لكن الظاهر انه كذلك فلا بد ان يكون الاول فريضة و الثاني نافلة خلافا للمحكي عن الصدوق و ابني الجنيد و السعيد من كون الثاني هو الفريضة «2» كما يستفاد من الفقه المنسوب الي مولانا الرضا عليه السّلام فان فيه: (فان سهوت فطفت طواف الفريضة ثمانية اشواط فزد عليها ستة اشواط و صل عند مقام ابراهيم ركعتي الطواف و اعلم ان الفريضة هو الطواف الثاني و الركعتين الاخيرتين للطواف الاول و الطواف الاول تطوع) و في الفقيه روي ذلك بهذا اللفظ: و في خبر آخر ان

الفريضة هي الطواف

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 19/ 367.

(2)- جواهر الكلام: 19/ 367.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 329

الثاني و الركعتان الاولتان لطواف الفريضة و الركعتان الاخيرتان و الطواف الاول تطوع «1».

الا ان الاستدلال بهما علي المطلوب ضعيف لعدم حجية الرضوي و المرسل.

نعم صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام: «ان عليا عليه السّلام طاف طواف الفريضة ثمانية فترك سبعة و بني علي واحد و اضاف إليه ستا ثم صلي ركعتين خلف المقام ثم خرج الي الصفا و المروة فلما فرغ من السعي بينهما رجع فصلي الركعتين الّتي ترك في المقام الاول» «2» يدل علي ان الثاني هو الفريضة و قيل يؤيد ذلك بأنه لو كان الاولي فريضة يستلزم القران بين الفريضة و النافلة و هو ممنوع و اما اذا كان الثاني فريضة لا يكون من القران الممنوع فانه لا يكره الاتيان بالفريضة بعد النافلة، و ربما يقال بتأييد ذلك بالامر بالركعتين بعد الطواف الثاني و بركعتين بعد الفراغ من السعي فانه علي تقدير كون الاول الطواف الواجب يلزم الفصل بينه و بين صلاته دون ما اذا كان الثاني الفريضة كما لا يخفي.

الا ان مثل ذلك لا يعتد به في التعبديات اذا دل الدليل علي خلافه و اما الصحيح فظاهره ينافي القول الحق و هو عصمة الامام عليه السّلام من السهو حتي في الامور الخارجية و الظاهر انه صدر تقية و مع ذلك لا يترك الاحتياط فيتم الثاني و ينوي الصلاة الاولي لطواف الفريضة الّذي مردد بين الاول و الثاني و الصلاة الثانية للمندوب المردد بين كونه الاول او الثاني و ان ظهر في الثاني ما يوجب بطلانه يعيده و اللّه هو العالم.

[حكم من نسي طواف الزيارة حتي رجع الي اهله]

مسألة 106- اختلفوا في ان

من نسي طواف الزيارة حتي رجع الي اهله

______________________________

(1)- من لا يحضره الفقيه، ج 2، ص 248، ح 1193.

(2)- وسائل الشيعة، ابواب الطواف، ب 34، ح 7.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 330

و واقع هل عليه الكفارة أم لا؟ فحكي عن الشيخ في النهاية و المبسوط و ابني البراج و سعيد ان عليه بدنة و عن الحلي و العلامة و الشهيدين و غير هم بل نسب الي الاكثر انه لا كفارة عليه «1» و مقتضي الاصل القول الثاني و لكنه عند القائل بالكفارة مقطوع بما دل علي وجوب الكفارة و علي هذا اللازم الرجوع الي الروايات فمنها ما رواه الشيخ في الصحيح او الحسن عن الكافي بسنده عن معاوية بن عمّار قال: «سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن متمتع وقع علي اهله و لم يزر قال:

ينحر جزورا و قد خشيت ان يكون ثلم حجه ان كان عالما و ان كان جاهلا فلا بأس عليه» «2» قال في الجواهر بعمومه يشمل الناسي فان الظاهر ان قوله عليه السّلام (ان كان عالما) قيد لثلم الحج، و ان البأس المنفي هو الثلم و الاثم دون النحر الّذي ليس من الباس في شي ء انتهي «3» و قد رواه في الكافي «4» (و ان كان جاهلا فلا شي ء عليه) و عليه الصحيح وارد في حكم العالم و منها صحيح علي بن جعفر عن اخيه عليه السّلام قال:

«سألته عن رجل نسي طواف الفريضة حتي قدم بلاده و واقع النساء كيف يصنع؟

قال: يبعث بهدي ان كان تركه في حج بعث به في حج، و ان كان تركه في عمرة بعث به في عمرة و و كلّ من يطوف عنه ما تركه من طوافه»

«5» و صحيح عيص قال:

«سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن رجل واقع اهله حين ضحيّ قبل ان يزور البيت؟ قال:

يهريق دما» «6» و ظاهره نسيان حرمة الوقاع لا وجوب الطواف فللقائل ان يقول انه لا يدل علي وجوب الكفارة لنسيان الطواف و منها صحيح علي بن يقطين الّذي

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 19/ 385.

(2)- التهذيب 5، 1104/ 18 ب 25.

(3)- جواهر الكلام: 19/ 385.

(4)- وسائل الشيعة، ابواب كفارات الاستمتاع، ب 9 ح 1.

(5)- وسائل الشيعة، ابواب كفارات الطواف، ب 58، ج 1.

(6)- وسائل الشيعة، ابواب كفارات الاستمتاع، ب 9، ح 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 331

عبر عنه في الجواهر بالخبر قال: «سألت أبا الحسن عليه السّلام عن رجل جهل أن يطوف بالبيت طواف الفريضة؟ قال ان كان علي وجه في الحج اعاد و عليه بدنة» «1» و منها ما رواه الصدوق عن علي بن أبي حمزة عن أبي الحسن عليه السّلام «انه سئل عن رجل سها ان يطوف بالبيت حتي يرجع الي اهله؟ فقال: اذا كان علي وجه الجهالة اعاد الحج و عليه بدنة» «2» و الظاهر بمناسبة الكفارة ان السؤال وقع فيه و فيما قبله عما اذا وقع فيه علي اهله لا لمجرد الجهل او السهو و الّذي يصح الاحتجاج به من هذه الروايات هو صحيح علي بن جعفر و صحيح علي بن يقطين و في الاخير ان عليه بدنة فيقيد به اطلاق صحيح علي بن جعفر و مقتضي ذلك وجوب بدنة و يمكن ان يقال ان صحيح علي بن يقطين و خبر ابن أبي حمزة لاشتمالهما باعادة الحج متروكان لم يعمل بهما فنبقي نحن و صحيح علي بن جعفر و يمكن حمله علي الاستحباب

بعموم ما دل علي نفي الكفارة عن الناسي مثل ما في الصحيح عن أبي جعفر عليه السّلام: «في المحرم يأتي اهله ناسيا قال: لا شي ء عليه انما هو بمنزلة من اكل في شهر رمضان و هو ناس» «3» و غيره من روايات الباب الثاني من ابواب كفارات الاستمتاع و في صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «اعلم انه ليس عليك فداء شي ء اتيته و انت جاهل به و انت محرم في حجك و لا عمرتك الّا الصيد فان عليك الفداء بجهالة كان او عمد» كل ذلك مؤيد بالاصل و حديث الرفع و عدم صراحة صحيح علي بن جعفر في الجماع حال النسيان و قد حمل الشرائع القول الاول علي من واقع بعد الذكر «4»، و كيف كان علي الناسي الرجوع الي مكة للطواف ان تمكن منه و الا فليستنب و اللّه هو العالم.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ابواب الطواف، ب 56، ح 1.

(2)- وسائل الشيعة، ابواب الطواف، ب 56، ح 2.

(3)- وسائل الشيعة، ابواب كفارات الاستمتاع، ح 7.

(4)- جواهر الكلام: 19/ 386.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 332

[في جواز الاستنابة لمن نسي طواف النساء حتي يرجع الي اهله]

مسألة 107- لا اشكال في ان من نسي طواف النساء حتي يرجع الي اهله يجزي عنه ان يستنيب اذا تعذر له اتيانه بالمباشرة انما الكلام في جواز الاستنابة له حال الاختيار فقد قيل ان الاشهر او المشهور جوازها بل قيل انه لا خلاف فيه بين القدماء و المتأخرين الا من الشيخ رجع عما في التهذيب و العلامة في المنتهي فانهما اشترطا فيه التعذر مع ان الشيخ رجع عما في التهذيب في النهاية و العلامة في اكثر كتبه كالتحرير و الارشاد و غيرهما «1».

و مقتضي اصالة المباشرة

في العبادات و استصحاب بقاء حرمة النساء في صورة الاستنابة القول الثاني و في صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في رجل نسي طواف النساء حتي اتي الكوفة؟ قال: لا تحل له النساء حتي يطوف بالبيت قلت: فان لم يقدر؟ قال: يأمر من يطوف عنه «2» و هو ظاهر في وجوب طواف البيت بالمباشرة و في صحيحه الاخر عنه عليه السّلام قال: «سألته عن رجل نسي طواف النساء حتي يرجع (رجع) الي اهله؟ قال: لا تحل له النساء حتي يزور البيت فان هو مات فليقض عنه وليه او غيره فامّا ما دام حيّا فلا يصلح ان يقضي عنه و ان نسي الجمار فليسا بسواء ان الرمي سنة و الطواف فريضة» «3».

و هذا أيضا ظاهر في المباشرة و عدم جواز الاستنابة و قوله: و ان نسي الجمار …

كانه بيان للفرق بين الطواف و الرمي في وجوب القضاء علي الولي. و في قبال ذلك أيضا صحيح معاوية بن عمار قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل نسي طواف النساء حتي يرجع الي اهله؟ قال يرسل فيطاف عنه فان توفي قبل ان يطاف عنه

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 19/ 387.

(2)- وسائل الشيعة، ابواب الطواف، ب 58، ح 4.

(3)- وسائل الشيعة، ابواب الطواف، ب 58، ح 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 333

فليطف عنه وليّه «1» و نحوه صحيح الحلبي». «2»

و اطلاقهما يشمل صورة التعذر و عدمه الا انه يمكن بقرينة رجوعه الي اهله حملهما علي صورة تعذر رجوعه و الصحيح الاخر لمعاوية بن عمار قال: قلت لابي عبد اللّه عليه السّلام: «رجل نسي طواف النساء حتي دخل اهله؟ قال: لا تحل له النساء حتي يزور

البيت و قال: يأمر ان يقضي عنه ان لم يحج فان توفي قبل ان يطاف عنه فليقض عنه وليه او غيره» «3» و أيضا الصحيح الاخر عنه عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: قلت له:

رجل نسي طواف النساء حتي رجع الي اهله؟ قال: «يامر من (بان) يقضي عنه ان لم يحج فانه لا تحل له النساء حتي يطوف بالبيت» «4» و لعل الظاهر منهما انه ان لم يحج بالاختيار فليستنب.

و يمكن ان يقال: انهما ظاهر ان في جواز الاستنابة حال الاختيار لقوله عليه السّلام يأمر ان يقضي عنه ان لم يحج ظاهر في انه ليس عليه ان يحج و يأتي به بنفسه بل يستفاد منه انه بالخيار ان شاء يحج و يأتي بنفسه و ان لم يشأ الحج لا يجب عليه لان يأتي بالطواف بنفسه بل يكفيه الاستنابة و علي هذا يمكن ان يقال: ان السؤال في صحيح الحلبي و صحيح معاوية أيضا وقع عمن رجع الي اهله و لا يريد الحج ثانيا لا عمن تعذر عليه اذا ما يرفع اليد عن ظهور قوله عليه السّلام (حتي يطوف بالبيت) في المباشرة بهذه الاخبار و ان المراد من الطواف بالبيت اعم من المباشرة و الاستنابة او يرفع اليد عن ظهوره في وجوب المباشرة و نحمله علي الندب لا يقال: ان قوله فان لم يقدر ظاهر في ان الاكتفاء بالاستنابة لا يجزي الا في صورة تعذر المباشرة فانه يقال:

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ابواب الطواف، ب 58، ح 3.

(2)- وسائل الشيعة، ابواب الطواف، ب 58، ح 11.

(3)- وسائل الشيعة، ابواب الطواف، ب 58، ح 6.

(4)- وسائل الشيعة، ابواب الطواف، ب 58، ح 8.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 334

هذا

مذكور في كلام الامام عليه السّلام فلا يدل علي أن الاستنابة لا تجزي في عرض المباشرة مضافا الي ان هذا السؤال جائز و ان قلنا بظهور الرواية علي الندب كما ان قوله: فاما ما دام حيا فلا يصلح ان يقضي عنه لا يدل ازيد علي كراهة الاستنابة قال في الجواهر: التعبير في الثاني بلفظ (لا يصلح) الّذي هو اعم من الحرمة بل قيل بظهوره في الكراهة حاكيا له عن المتاخرين كافة بل عن الشيخ في الاستبصار التصريح بصراحته فيها «1» انتهي و بعد ذلك كله الاحتياط لا ينبغي تركه بل لا يترك.

[قول صاحب الشرائع في أن من طاف كان بالخيار في تأخير السعي الي الغد]

مسألة 108- ظاهر عبارة الشرائع ان من طاف كان بالخيار في تأخير السعي الي الغد فيجوز فعله في الغد «2» و لا دليل له سوي الاصل و اطلاق الادلة و الاول مقطوع بالدليل و الثاني مقيد به

ففي صحيح عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه، عليه السّلام، قال: سألته عن الرجل يقدم مكة حاجّا و قد اشتد عليه الحرّ فيطوف بالكعبة، و يؤخر السعي الي ان يبرد؟ فقال: لا بأس به و ربما فعلته و في الفقيه بعد ما رواه قال و زاد في حديث آخر يؤخره الي الليل «3» و في التهذيب قال: و ربما رأيته يؤخر السعي الي الليل «4» و ظاهر هذا جواز التأخير لشدة الحرّ الي ان يبرد بمثل الليل و في صحيح محمد بن مسلم قال: سألت احدهما، عليهما السّلام عن رجل طاف بالبيت فأعيا أ يؤخر الطواف بين الصفا و المروة؟ قال: نعم «5» و ما رواه العلاء بن رزين قال: سألته

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 19/ 389.

(2)- شرايع الاسلام: 1/ 302.

(3)- مدارس الاحكام: 8/ 186.

(4)- وسائل الشيعة،

ابواب الطواف، ب 60، ح 1.

(5)- وسائل الشيعة، ابواب الطواف ب 60 ح 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 335

عن رجل طاف بالبيت فأعيا أ يؤخر الطواف بين الصفا و المروة الي غد؟ قال: لا «1» و الظاهر انه و صحيح محمد بن مسلم الّذي رواه الصدوق عن العلاء عن محمد بن مسلم عن احدهما عليهما السّلام، واحد و انما سقط من نسخة الكافي (عن محمد بن مسلم عن احدهما 8) و المستفاد من الجميع جواز تاخير السعي في مدة قليلة و بتعبير الجواهر ساعة و نحوها «2» و عدم جواز تاخيره الي الغد فيجوز تاخيره الي الليل بل يجوز فعله في الليل حتي يتحقق صدق اسم الغد ثم لا يجوز التأخير مع القدرة كما حكي النص عليه في الجواهر عن النافع و القواعد و غيرهما و محكي التهذيب و النهاية و المبسوط و الوسيلة و السرائر و الجامع «3» و الوجه في دخول الغاية في المغيّا ظهور الكلام في ذلك فان الليل هو الوقت الّذي يبرد مضافا الي الاصل و الاحوط عدم تاخيره العرفي عن زمان رفع شدة الحرّ و العيّ و اللّه هو العالم.

[في وجوب تاخير الطواف و السعي علي المتمتع حتي يقف بالموقفين و يقضي مناسك يوم النحر.]

مسألة 109- المشهور و المعروف بل قيل: بلا خلاف معتد به بل ادّعي الاجماع بقسميه عليه وجوب تاخير الطواف و السعي «4» علي المتمتع حتي يقف بالموقفين و يقضي مناسك يوم النحر. و حكي عن المعتبر و المنتهي و التذكرة نسبته الي اجماع العلماء كافة «5» الا ان المسألة من حيث الروايات علي طائفتين فطائفة منها تدل علي جواز التأخير مطلقا للعاجز و المختار و الثانية تدل علي جوازه للعاجز كالمريض و الشيخ العاجز و المرأة التي تخاف الحيض فمما

يدل علي الجواز مطلقا صحيح ابن بكير و جميل جميعا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ابواب الطواف ب 60 ح 3.

(2)- جواهر الكلام: 19/ 391 و 392.

(3)- جواهر الكلام: 19/ 391 و 392.

(4)- لا يخفي عليك ان الواجب الثامن و التاسع من واجبات الحج هما ركعتي الطواف و السعي.

و لم تتعرض لهما اختصارا لما مرّ في الاجزاء السابقة.

(5)- جواهر الكلام: 19/ 392

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 336

أنهما سألاه عن المتمتع يقدم طوافه و سعيه في الحج؟ فقال: هما سيان قدمت او اخرت «1» و صحيح حفص بن البختري عن أبي الحسن، عليه السّلام، في تعجيل الطواف قبل الخروج الي مني؟ فقال: هما سواء اخّر ذلك او قدمه يعني للمتمتع «2» و غيرها.

و مما يدل علي اختصاص الجواز بغير المختار صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه، عليه السّلام، قال: «لا بأس بتعجيل الطواف للشيخ الكبير و المرأة تخاف الحيض قبل ان تخرج الي مني» «3» فان مفهومه يدل علي البأس لغيرهما لا يقال هذا مبني علي القول بمفهوم الوصف و اما علي القول بعدم المفهوم له لا يعارض الروايات المجوزة المطلقة فانه يقال يستفاد من الاتيان بالقيد في القضية سواء كان شرطا او وصفا عدم سريان الحكم لمطلق الحاج و ان لا ينافي كون بعض افراده الاخر مقيدا بقيد آخر محكوما بهذا الحكم و لا يصح ان يقال بتقييده بما دل علي جوازه علي المتمتع مطلقا لانه يلزم منه جوازه المطلق علي المتمتع دون القارن و المفرد و هو خلاف النصوص و الاجماع.

و موثقة اسحاق بن عمّار قال: «سالت أبا الحسن عليه السّلام، عن المتمتع اذا كان شيخا كبيرا او امرأة تخاف الحيض

يعجل طواف الحج قبل ان يأتي مني فقال: نعم من كان هكذا يعجل الحديث.» «4»

و غيرها و يدل علي عدم الجواز من غير علة خبر علي بن أبي حمزة عن أبي بصير قال: «قلت (في التهذيب لابي عبد اللّه عليه السّلام،) رجل كان متمتعا و اهلّ بالحج؟ قال: لا يطوف بالبيت حتي يأتي عرفات فان هو طاف قبل ان يأتي مني من غير علة فلا يعتد

______________________________

(1)- الوسائل، ابواب اقسام الحج، ب 13، ح 1.

(2)- وسائل الشيعة، ابواب اقسام الحج ب 64 ح 3.

(3)- الوسائل، ابواب الطواف، ب 64، ح 3.

(4)- الوسائل، ابواب اقسام الحج، ب 13، ح 7.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 337

بذلك الطواف» «1» قال في الجواهر المنجبر بما عرفت «2» و علي ما ذكر يقع التعارض بين الطائفتين اذا لا يمكن الجمع بينهما فلا بد من الرجوع الي المرجحات و تقديم ذي المرجح علي غيره و لا ريب في ترجيح الاخبار المانعة عن التقديم الا في صورة العلة و العذر أولا لعمل المشهور بها و اعراضهم عن الطائفة المجوزة و ثانيا لان الناظر في الاخبار يعرف ان وجوب تاخير الطواف و السعي عن الموقفين علي المتمتع و جوازه للمفرد و القارن كان مفروغا عنه بين الرواة و الاصحاب بل يمكن غيرهم و مع ذلك لا يمكن الاعتماد علي ما يدل علي جواز التقديم مطلقا.

ثم انه لا يخفي ان الذين يجوز لهم تقديم الطواف و السعي يجوز لهم ذلك بعد ان احرموا للحج كما يدل عليه بعض الروايات.

ثم انه كما يجوز تقديم الطواف و السعي علي الوقوف بالموقفين للضرورة يجوز تقديم طواف النساء أيضا للضرورة لفحوي ما دل علي الاول و لما روي في

الصحيح عن ابن يقطين او في الخبر المنجبر بالعمل قال: «لا بأس بتعجيل طواف الحج طواف النساء قبل الحج يوم التروية قبل خروجه الي مني و كذلك لا بأس لمن خاف امرا لا يتهيأ له الانصراف الي مكة ان يطوف و يودع البيت ثم يمر كما هو من مني اذا كان خائفا» «3» و لعل تعبير الجواهر «4» عن الخبر بالصحيح او المنجبر لوقوع محمد بن عيسي في السند و هو مشترك بين محمد بن عيسي بن عبد اللّه الاشعري القمي والد احمد بن محمد فعبر عنه بالصحيح و محمد بن عيسي بن عبيد بن يقطين الّذي اختلف العلماء في شانه فراجع ترجمته في جامع الرواة و اما الحسن الوارد في السند الّذي

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ابواب اقسام الحج، ب 13، ح 5.

(2)- جواهر الكلام: 19/ 392.

(3)- وسائل الشيعة، ابواب الطواف ب 64 ح 1.

(4)- جواهر الكلام: 19/ 395.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 338

يروي عنه محمد بن عيسي فهو اما الحسن بن علي بن النعمان او الحسن بن علي بن يقطين و هما و ابويهما من الثقات و كيف كان فالاستدلال به يتم بناء علي حمل التعجيل الوارد فيه علي صورة الضرورة و يؤيد هذا قوله بعد الجملة الاولي و كذلك لا بأس لمن خاف امرا فان مفهومه ان من لا يخاف ان عجل فيه بأس.

و الظاهر انه لا خلاف في ذلك الا من الحلي و أليك لفظه في السرائر قال: و اما طواف النساء فانه لا يجوز الا بعد الرجوع من مني مع الاختيار فان كان ضرورة تمنعه من الرجوع الي مكة او امرأة تخاف الحيض جاز لهما تقديم طواف النساء ثم يأتيان الموقفين و

مني و يقضيان مناسكهما و يذهبان حيث شاءا علي ما روي في بعض الاخبار و الصحيح خلاف ذلك لان الحج مرتب بعضه علي بعض لا يجوز تقديم المؤخر و لا تأخير المقدم انتهي.

و هو قد منع من تقديم طواف الفريضة للمفرد و القارن و للمتمتع للضرورة أيضا «1» و ظاهر الجواهر «2» انه استدل بالاصل و اتساع وقته و الرخصة في الاستنابة فيه و خروجه عن اجزاء المنسك و عموم قوله عليه السّلام لاسحاق بن عمار: «انما طواف النساء بعد ان يأتي مني «3» و خصوص خبر علي بن أبي حمزة قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن رجل يدخل مكة و معه نساء قد امرهن فتمتعن قبل التروية يوم او يومين او ثلاثة فخشي علي بعضهن الحيض فقال: اذا فرغن من متعتهن و احللن فلينظر الي التي يخاف عليها الحيض فيامرها فتغتسل و تهل بالحج من مكانها ثم تطوف بالبيت و بالصفا و المروة فان حدث بها شي ء قضت بقية المناسك و هي طامث فقلت: أ ليس قد بقي طواف النساء؟ قال: بلي فقلت: فهي مرتهنة حتي تفرغ منه؟

______________________________

(1)- السرائر، ج 1، ص 575

(2)- جواهر الكلام: 19/ 394

(3)- وسائل الشيعة، ابواب اقسام الحج، ب 14، ح 4

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 339

قال: نعم قلت: فلم لا يتركها حتي تقضي مناسكها؟ قال: يبقي عليها منسك واحد اهون عليها من ان يبقي عليها المناسك كلها مخافة الحدثان قلت: أبي الجمّال ان يقيم عليها و الرفقة؟ قال: ليس لهم ذلك تستعدي عليهم حتي يقيم عليها حتي تطهر و تقضي مناسكها». «1»

أقول: اما ابن ادريس فدليله ما ذكر و هو يستقيم علي مبناه و هو عدم العمل باخبار

الآحاد و الا فما ذكر كالاجتهاد في مقابل النص و اما ما جعله الجواهر دليلا له فلم نجده في السرائر و الجواب عنه اما عن الاصل فبانه مقطوع بالدليل و اما العموم فمخصص به أيضا و اما الخبر فقاصر عن المعارضة من حيث السند و العمل مضافا الي اضطراب متنه فان كان من الامام عليه السّلام فكانه لم يؤخذ من الامام عليه السّلام او بعض الرواة تامّا و اما الرخصة في الاستنابة فمخصوص بصورة النسيان و الحاق الضرورة به قياس فاسد و بالجملة فلا يعتني بخلاف الحلي.

ثم اعلم انه يجوز التقديم للقارن و المفرد و لا خلاف فيه الا من الحلي و الدليل عليه نصوص حجة الوداع و غيرها مثل صحيح حماد بن عثمان سأل الصادق عليه السّلام عن المفرد الحج يقدم طوافه او يؤخره فقال: «هو و اللّه سواء» و اظن انه قد تقدم البحث منا و اللّه هو العالم.

[لا يجوز تقديم طواف النساء علي السعي للثلاثة اختيارا]

مسألة 110- لا يجوز تقديم طواف النساء «2» علي السعي للثلاثة اختيارا بلا خلاف اجده فيه كما في الجواهر قال يمكن دعوي تحصيل الاجماع عليه مضافا الي النصوص كصحيح معاوية ابن عمار «3» و غيره كما انه من

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ابواب الطواف، ب 64

(2)- كما لا يخفي عليك ان الواجب العاشر من واجبات الحج و الحادي عشر هما طواف النساء و ركعتاه.

(3)- وسائل الشيعة، ابواب زيارة البيت، ب 4، ح 1

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 340

المقطوع به في كلام الاصحاب علي ما حكي عن المدارك جوازه مع الضرورة و الخوف من الحيض «1» و يدل عليه فحوي ما تقدم عن نظائره استدل له بموثق سماعة بن مهران عن أبي الحسن الماضي عليه السّلام سألته

عن رجل طاف طواف الحج و طواف النساء قبل ان يسعي بين الصفا و المروة؟ فقال: لا يضره يطوف بين الصفا و المروة و قد فرغ من حجه «2» بناء علي حمله علي صورة الضرورة لان الظاهر ان من يحج يأتي به علي الترتيب المأثور و انما يخالف الترتيب للضرورة و العذر و للجمع بينه و بين ما دل علي عدم الجواز اختيارا و بفحوي صحيح أبي أيوب ابراهيم بن عثمان الخزاز قال: كنت عند عبد اللّه عليه السّلام بمكة فدخل عليه رجل فقال:

اصلحك اللّه ان معنا امرأة حائضا و لم تطف طواف النساء يأبي جمالها ان يقيم عليها قال: فأطرق و هو يقول: لا تستطيع ان تتخلف عن اصحابها و لا يقيم عليها جمالها ثم رفع رأسه إليه فقال: تمضي فقد تم حجها «3» لاولوية التقديم من الترك و مع ذلك قال في الجواهر لا ينبغي ترك الاحتياط في ذلك و لو بالاستنابة لانه يحتمل عدم الجواز لاصول عدم الاجزاء مع مخالفة الترتيب و بقائه في الذمة و بقائهن علي الحرمة مع ضعف الخبر و اندفاع الحرج بالاستنابة و سكوت اكثر الاصحاب علي ما في كشف اللثام و قد سمعت ما عن ابن ادريس من منع تقدمه علي الموقفين. «4»

أقول: العمدة للاستدلال علي جواز التقديم للضرورة هو الفحوي فلا يري

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 19/ 395

(2)- وسائل الشيعة، ابواب الطواف، ب 65 ح 2

(3)- وسائل الشيعة، ابواب الطواف، ب 84، ح 13

(4)- جواهر الكلام: 19/ 397

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 341

العرف فرقا بين طواف الحج و طواف النساء في الحكم بجواز تقديمهما علي السعي لو لم يكن طواف النساء عنده اولي بذلك و أيضا اذا كان

تقديم طواف النساء علي الموقفين و السعي جائزا يكون تقديمه علي السعي اولي و بالمباشرة دون الاستنابة نعم ضعف الخبر اي موثق سماعة من حيث الدلالة لا من حيث السند في محله لاحتمال حمله علي صورة السهو و صحيح أبي أيوب أيضا بظاهره غير معمول به و اما الاصول فمضافا الي ان الاولين يرجع الي اصل واحد فمقطوعة بالفحوي المذكور فالأقوي جواز تقديم طواف النساء علي السعي للضرورة و اللّه هو العالم باحكامه.

تنبيه: اعلم ان باعمال النظر فيما ذكر يمكن ان يقال ان الكلام في المباحث المذكورة حول حكم تقديم الطواف و السعي علي الموقفين للمتمتع يتلخص في مسائل:

الاولي: لا يجوز تقديم الطوافين و لا السعي اختيارا علي الموقفين.

الثاني: يجوز تقديم طواف الحج للضرورة علي الموقفين و اما السعي فيدور جواز تقديمه او المتيقن من جواز تقديمه وجود الضرورة أيضا كما اذا لم يتمكن من الرجوع الي مكة بعد مني فتقديم السعي أيضا يدور مدار العذر و الا فيأتي به بعد الموقفين و لكن يحتاط باتيانه قبلهما و بعدهما لاحتمال اشتراط الموالاة بينه و بين الطواف.

الثالث: يجب تقديم طواف النساء أيضا للضرورة.

الرابع: يجوز تقديم طواف النساء علي السعي للضرورة. و اللّه هو العالم باحكامه.

[مقتضي الروايات في عدم جواز الطواف بالبيت مع البرطلة]

مسأله 111- روي شيخنا الكليني قدس سره الشريف باسناده عن زياد بن

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 342

يحيي الحنظلي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: لا تطوفن بالبيت و عليك برطلة «1» و روي شيخنا الطوسي باسناده عن يزيد بن خليفة قال: «رآني أبو عبد اللّه عليه السّلام اطوف حول الكعبة و عليّ برطلة. فقال لي بعد ذلك: قد رايتك تطوف حول الكعبة و عليك برطلة لا تلبسها حول الكعبة فانها

من زيّ اليهود». «2»

و ظاهر الاول النهي عن الطواف بالبيت و عليه البرطلة و ان ذلك لخصوصية الطواف الّا ان المستفاد من الثاني ان ذلك لاحترام الكعبة فليس النهي فيهما من جهة الاحرام و حرمة تغطية الرأس فان المحرم تغطية الرأس في الطواف حال الاحرام كطواف العمرة امّا طواف الحج المتأخر عن الحلق و التقصير الذين يحل معهما من كل شي ء الا الطيب و النساء و الصيد و كذا طواف النساء فلا تحرم فيهما تغطية الرأس فما يمكن ان يقال بهما مع ضعف سندهما كراهة لبس البرطلة حول الكعبة و سيما حال الطواف بل مطلقا بدلالة التعليل بل يستفاد من مثله كراهة كل ثوب او لباس كان مختصا بالكفار و بما ذكر يعلم انه لا وجه للقول بتحريمه في طواف العمرة دون الحج كما حكي عن الحلي القائل بعدم جواز تقديم طواف الحج و طواف النساء علي الموقفين للمعذور كالمرأة التي تخاف الحيض «3» و الا علي هذا القول لا تختص الحرمة او الكراهة بطواف العمرة بل تشمل طواف الحج و طواف النساء اذا قدمهما علي الموقفين و اتي بهما في حال الاحرام و اللّه هو العالم.

[في جواز التعويل في تعداد الطواف علي قول الغير اذا كان بنفسه عاجزا منه]

مسألة 112- الاقوي انه يجوز التعويل في تعداد الطواف علي قول الغير اذا كان بنفسه عاجزا منه

او كان كثير الشك فيه لان ذلك أمارة يعتمد عليها في مثله و موجب نوعا للظن

______________________________

(1)- الكافي، ج 4، ب نوادر الطواف، ح 4

(2)- التهذيب، ك الحج، ب 9، ح 443/ 115، ج 5، ص 156

(3)- جواهر الكلام: 19/ 400

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 343

و لا تقيد بإيراثه الظن او التذكر مع النسيان بل يجوز التعويل عليه عند الشك مطلقا كما هو

الحكم في اجزاء الصلاة و الشك في عدد ركعاتها ففي خبر سعيد الاعرج قال:

سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الطواف أ يكتفي الرجل باحصاء صاحبه؟ فقال: «نعم» «1» و روي الهذيل عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الرجل يتكل علي عدد صاحبته في الطواف أ يجزيه عنها و عن الصبي؟ فقال: «نعم الا تري انك تأتمّ بالامام اذا صليت خلفه فهو مثله». «2»

و الظاهر انه يجري التعويل عليه و ان لم يوجب الظن الشخصي و لا فرق بين كون الحافظ و المحفوظ له رجلا او امرأة و لا بين من طلب الطائف منه الحفظ و غيره و لا يبعد الحاق الصبي إليه نعم لا يعتد بخبر المجنون و اما العدالة فالظاهر عدم اعتبارها اذا كان الحافظ محل الوثوق او حصل من اخباره الظن و اللّه هو العالم.

[في وجوب طواف النساء في الحج بجميع انواعه]

مسألة 113- قد دلت النصوص علي وجوب طواف النساء في الحج بجميع انواعه و لا خلاف فيه بينهم و هكذا يجب في العمرة المفردة أيضا للنصوص و الاجماع و لا اعتداد بخلاف الجعفي علي ما حكي عن الدروس عنه فقد قال بعدم وجوبه.

«قال في الجواهر لصحيح معاوية عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: اذا دخل المعتمر مكة من غير تمتع و طاف بالبيت و صلي ركعتين عند مقام ابراهيم عليه السّلام و سعي بين الصفا المروة فيلحق باهله ان شاء «3» و لكن لا صراحة فيه في وحدة الطواف او يحتمل ان يكون المراد منه جنس ما عليه من الصلاة و السعي و صحيح صفوان قال: سأله عليه السّلام أبو الحرث عن رجل تمتع بالعمرة الي الحج و طاف و سعي و قصر هل عليه طواف

______________________________

(1)-

وسائل الشيعة، ابواب الطواف، ب 66، ح 1 و 3

(2)- وسائل الشيعة، ابواب الطواف، ب 66، ح 3 و 1

(3)- وسائل الشيعة، ابواب العمرة، ب 9، ح 2

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 344

النساء؟ قال: لا انما طواف النساء بعد الرجوع من مني و فيه انه يدل علي انه ليس في عمرة التمتع طواف النساء فقط و لا منافاة بينه و بين وجوب طواف النساء في العمرة المفردة و مرسل يونس قال: ليس طواف النساء الّا علي الحاج و مع ضعفه و عدم الجابر له مخصص بما يدل علي وجوبها للمعتمر بالعمرة المفردة و خبر أبي خالد مولي علي بن يقطين سأل أبا الحسن عليه السّلام عن مفرد العمرة عليه طواف النساء و هو أيضا كما قال في الجواهر غير جامع لشرائط الحجية المحتمل لمن اراد التمتع بعمرته المفردة» «1».

هذا و لكن لا يجب طواف النساء في العمرة المتمتع بها للنصوص التي منها صحيح زرارة قلت لابي جعفر عليه السّلام كيف التمتع؟ قال: «تأتي الوقت فتلبي بالحج فاذا دخلت مكة طفت بالبيت و صليت ركعتين خلف المقام و سعيت بين الصفا و المروة قصرت احللت من كل شي ء و ليس لك ان تخرج من مكة حتي تحج» «2» و صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام و غيره مما هو المذكور في الباب الاول و الثالث من ابواب التقصير و لم ينقل الخلاف في عدم وجوبه في العمرة المتمتع بها عن شخص معين و ان حكي عن اللمعة انه حكاه عن بعض الاصحاب و عن الدروس انه اسنده الي النقل و عن المنتهي انه لا اعرف فيه خلافا و في الجواهر بل عن

بعض الاجماع علي عدم الوجوب و لعله كذلك فانه قد استقر المذهب الآن عليه بل و قبل الآن انتهي «3».

و هنا رواية رواها الشيخ باسناده عن سليمان بن حفص المروزي عن الفقيه عليه السّلام قال: «اذا حج الرجل فدخل مكة متمتعا فطاف بالبيت و صلي ركعتين خلف مقام ابراهيم عليه السّلام و سعي بين الصفا و المروة و قصر فقد حلّ كل شي ء ما خلا النساء لان عليه لتحلة النساء طوافا و صلاة» و هي مضافا الي ما فيها من ضعف السند غير

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 19/ 407.

(2)- وسائل الشيعة، ابواب الاحرام، ب 22، ح 3.

(3)- جواهر الكلام: 19/ 407.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 345

صريحة في كونها في العمرة المتمتع بها بل ظاهرة في حكم حج المتمتع و دخوله مكة بعد اعمال مني و لكن يرد ذلك وقوع التقصير فيها بعد الطواف و السعي الّذي ليس الا في العمرة و يمكن ان يقال ان الحديث ليس في مقام التفصيل و بيان موضع المناسك علي الترتيب الواجب الّذي هو كان معلوما علي المخاطب بل المراد منه ان باداء اعمال الحج لا يخرج المحرم من الاحرام بقول مطلق بل يبقي عليه طواف النساء فالانصاف ان الرواية لا تخلو من الاجمال و لا تكفي للاحتجاج بها علي وجوب طواف النساء للعمرة المتمتع بها و القرينة علي ذلك سائر الروايات و اللّه هو العالم.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 347

الكلام في العودة الي مني

اشارة

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 349

الكلام في الاحكام المتعلقة بمني بعد العودة إليها اذا قضي الحاج مناسكه بمكة يجب عليه العود الي مني لقضاء مناسكها فالاول منها بيتوتة ليلتي الحادي عشر و الثاني عشر «1» بمني مطلقا و بيتوتة ليلة الثالث

عشر ان ارتكب الصيد في احرامه او لم يتق النساء او بقي في مني اليوم الثاني عشر الي ان دخل الليل و في الجواهر قال: بلا خلاف اجده فيه بل الاجماع بقسميه عليه و النصوص علي ذلك ان لم تكن متواترة فهي مقطوعة المضمون، منها صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السّلام قال: «لا تبت ليالي التشريق الّا بمني فان بت في غيرها فعليك دم، و ان خرجت اوّل الليل فلا ينتصف الليل الا و انت بمني الّا ان يكون شغلك نسكك او قد خرجت من مكة و ان خرجت بعد نصف الليل فلا يضرك ان تصبح بغيرها و سألته عن الرجل زار عشاء فلم يزل في طوافه و دعائه و في السعي بين الصفا و المروة حتي يطلع الفجر؟ قال: ليس عليه شي ء كان في طاعة اللّه» «2» و منها غيره نعم قال بعض الاجلة: المشهور و المعروف بين الفقهاء وجوب المبيت ليلة الثالث عشر اذا لم يجتنب النساء اي الوطي بل ادعي عليه الاجماع فان تم فهو و الا

______________________________

(1)- المبيت بمني هو الواجب الثاني عشر من واجبات الحج.

(2)- وسائل الشيعة، ابواب العود الي مني، ب 1، ح 9.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 350

فلا دليل علي الحاق النساء بالصيد لعدم ما يدل عليه الا رواية محمد بن المستنير قال: من اتي النساء في احرامه لم يكن له ان ينفر في النفر الاول «1» و الرواية ضعيفة جدّا لان محمد بن المستنير لا ذكر له في الرجال حتي ان الشيخ (ره) مع اهتمامه في عدّ اصحاب الائمة و ذكرهم في كتاب الرجال حتي عدّ المنصور العباسي من اصحاب الصادق عليه السّلام و

مع ذلك لم يذكر محمد بن المستنير فالرجل مجهول جدا لا يمكن الاعتماد علي رواياته.

نعم ذكر صاحب الوسائل رواية اخري عن محمد بن المستنير في نفس الباب «2» و هذا سهو من قلمه او من النساخ فان المذكور في الفقيه سلام بن المستنير لا محمد و سلام ثقة لانه من رجال تفسير علي بن ابراهيم (الي ان قال) و لكن مع ذلك لا يمكن العمل بها لوجهين:

احدهما: ان صريح روايات الصيد جواز ترك المبيت ليلة الثالث عشر اذا اتقي الصيد فتحمل هذه المعتبرة علي الاستحباب.

ثانيهما: السيرة القطعية القائمة علي جواز النفر يوم الثاني عشر و لو لم يتق محرمات الاحرام غير الصيد و حمل السيرة علي خصوص من اتقي المحرمات حمل علي الفرد النادر جدا اذ قلما يوجد في الحجاج اجتنابهم عن جميع التروك حال الاحرام و لو كان المبيت واجبا لمن لم يتق المحرمات المعهودة بل لم ينقل القول بالوجوب الا من ابن سعيد و نقل عن ابن ادريس و ابن أبي المجد الحاق المحرمات توجب الكفارة بالصيد و هذا أيضا لم يظهر لنا وجهه اصلا فالامر بين الاختصاص بالصيد او التعميم لجميع ما حرم اللّه عليه في احرامه و الثاني لا يمكن

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ابواب العود مني، ب 11، ح 1.

(2)- وسائل الشيعة، ابواب العود الي مني، ب 11، ح 7.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 351

الالتزام به لما عرفت فيختص الحكم بالاول و الاحوط الحاق النساء اي الوطي بالصيد خروجا عن شبهة دعوي الاجماع علي الحاقة بالصيد فتحصل انه من اتقي الصيد يجوز له النفر بعد ظهر اليوم الثاني عشر و لا يجب عليه المبيت ليلة الثالث عشر كما في الآية الشريفة: فَمَنْ

تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلٰا إِثْمَ عَلَيْهِ وَ مَنْ تَأَخَّرَ فَلٰا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقيٰ يعني هذا التخيير ثابت للمتقي من الصيد كما في النصوص «1».

أقول: و الّذي نقوله في ذلك اما بالنسبة الي وجوب المبيت ليلة الثالث عشر علي من لم يتق الصيد حال احرامه فهو مجمع عليه و اما من لم يتق النساء فقد عرفت من صاحب الجواهر ان الاجماع قائم فيه أيضا علي عدم جواز التعجيل «2» و وجوب المبيت ليلة الثالث عشر و قد دل عليه خبر محمد بن المستنير «3» المنجبر ضعفه بالاجماع و عمل الاصحاب و ما اختاره ابن سعيد لرواية سلام بن المستنير من وجوب المبيت ان لم يتق واحدا من المحرمات و كذا ما اختاره ابن ادريس و ابن أبي المجد ليسا خلافا للاجماع اذا فلا مجال للخدشة في تحقق الاجماع بالنسبة الي الصيد و النساء نعم لا نقول بالعموم المستفاد من خبر سلام بن المستنير لضعف سنده و ان صححه كما سمعت بعض الاجلة و لاعراض المشهور عنه كما لا نقول بقول ابن ادريس بالاتقاء عما فيه الكفارة من المحرمات لعدم دليل عليه.

لا يقال: ان ما يدل علي تفسير قوله عز شانه (لِمَنِ اتَّقيٰ) بلمن اتقي الصيد يدل

______________________________

(1)- المعتمد: 5/ 381.

(2)- جواهر الكلام: 20/ 37.

(3)- لا يخفي انه يوجد في كتب العامة ترجمة محمد بن المستنير أبي علي البصري المعروف بقطرب احد العلماء بالنحو و اللغة ففي تاريخ بغداد تحت رقم 1386 و قال كان موثقا فيما يحكيه الا انه قال: مات في سنة ست و مأتين و نحوه مذكور في لسان الميزان الا انه لو كان محمد بن المستنير المذكور في الرواية لعل من المستبعد روايته

عن مولانا الصادق عليه السّلام كيف كان فالخبر كما قلنا ضعفه منجبر بالعمل.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 352

علي حصر سبب جواز التعجيل- أو جواز التأخير- بالاتقاء من الصيد او عدم الاتقاء منه و ان لم يتق النساء

فإنه يقال: انه يدل علي وجوب التأخير بعدم الاتقاء من الصيد و لا يدل علي ان عدم الاتقاء من الصيد هو السبب بقول مطلق بل مفهومه ان وجوب التأخير لا يكون من غير سبب ما فيجوز ان يقوم مقامه عدم الاتقاء من النساء هذا و اللّه هو العالم.

ثم ان هنا فروع:
الاول: الظاهر ان المراد من اتيان النساء هو الوطي

و في الحاق باقي المحرمات المتعلقة به كالقبلة و اللمس بالشهوة به نظر بل منع و مقتضي الاصل عدم الالحاق و عدم تحقق المانع من جواز النفر او الموجب للتاخير و كذا في الحاق باقي المحرمات المتعلقة بالصيد بالقتل أيضا و لكن لا ينبغي ترك الاحتياط.

الثاني: الظاهر انه لا فرق في اصابة الصيد و اتيان النساء بين العامد و الناسي و الجاهل.

تنبيه: - لا يرد علي ما ذكرناه في هذا الفرع من عدم الفرق، بان الجهل و النسيان مرفوعان بحديث الرفع فالناسي و الجاهل كالمنفي؛ فانه اذا كان ارتكاب الصيد و النساء سببا لوجوب المبيت الليلة الثالثة، يكون ارتكابهما سهوا أو جهلا مرفوعا لا يوجب المبيت و وجودهما كالعدم، و اما اذ كان الاتقاء شرطا للتخيير و جواز التعجيل و النفر في اليوم الثاني فارتكبهما جاهلا او ناسيا فليس لارتكابهما حكم حتي يرفع به، و بعبارة اخري ما يترتب عليه الحكم أي جواز النفر و التعجيل هو عدم الصيد الذي فيه العمد و الجهل و السهو سواء، و اما الصيد فليس له حكم حتي يرفع برفعه هذا، و يمكن ان يقال: اذا كان التكليف شرطا بفعل ارتكبه المكلف سهوا او جهلا يشمله حديث الرفع و اما اذا كان مشروطا بترك فعل و ارتكبه

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 353

المكلف ناسيا او جاهلا لا يرفع التكليف و لا يحكم بترك الفعل المشروط عليه و اللّه هو العالم.

الثالث: الظاهر انه لا يختص الحكم في الصيد و النساء بما كان منه في احرام الحج

بل ان وقع منه في احرام عمرة التمتع حكمه حكم احرام الحج.

الرابع: لا يجوز النفر الاول الا بعد الزوال الا بضرورة و حاجة

كما حكي التصريح به عن غير واحد بل في المدارك الاجماع عليه «1» ففي صحيح معاوية بن عمار اذا اردت ان تنفر في يومين فليس لك ان تنفر حتي تزول الشمس و ان تاخرت الي اخر ايام التشريق و هو يوم النفر الاخير فلا شي ء عليك اي ساعة نفرت و رميت قبل الزوال او بعده «2» و في صحيح الحلبي: عن الرجل ينفر في النفر الاول قبل ان تزول الشمس؟ فقال: «لا و لكن يخرج ثقله ان شاء و لا يخرج هو حتي تزول الشمس» «3» و في صحيح أبي أيوب: اما اليوم الثاني فلا تنفر حتي تزول الشمس «4» و علي ما ذكر يحمل خبر زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «لا بأس ان ينفر الرجل في النفر الاول قبل الزوال» «5» علي صورة الضرورة و الحاجة.

الخامس: حيث ان البيتوتة في مني تكون من العبادات تجب فيها النية

كسائر العبادات نعم تحقق عنوانها لا يحتاج الي النية و ليست هي من العناوين القصدية كالركوع و السجود و لذا لو تركها و اتي بها بدون النية اخل بالواجب و اثم لكن يمكن ان يقال بعدم وجوب الكفارة لان القدر المتيقن تعلقها بالترك الحقيقي لا الحكمي و ان

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 20/ 41.

(2)- الوسائل، ابواب العود الي مني، ب 9، ح 3.

(3)- الوسائل، ابواب العود الي مني، ب 9، ح 6.

(4)- الوسائل، ابواب العود الي مني، ب 9، ح 4.

(5)- الوسائل، ابواب العود الي مني، ب 9، ح 11.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 354

كان الاحتياط كما قال في الجواهر «1» لا ينبغي تركه و اللّه هو العالم.

[في أن الحاج إن غربت عليه الشمس و هو بمني يجب عليه مبيت الثالثة فيها]

مسألة 114- قد اشرنا الي ان الحاج ان غربت عليه الشمس و هو بمني يجب عليه مبيت الثالثة فيها و الدليل عليه صحيح او حسن الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: من تعجل في يومين فلا ينفر حتي تزول الشمس فان ادركه المساء بات و لم ينفر «2» و صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

اذا جاء الليل بعد النفر الاول فبت بمني فليس لك ان تخرج منها حتي تصبح و في خبر أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام … فان هو لم ينفر حتي يكون عند غروبها فلا ينفر و ليبت بمني حتي اذا اصبح و طلعت الشمس فلينفر متي شاء و المسألة غير خلافية.

نعم يأتي الكلام فيما لو رحل فغربت قبل خروجه منها فهل لا يجب عليه المقام بها أو يلزمه المقام بها فعن العلامة انه ليس عليه المقام لما في المقام من مشقة الحط و الترحال و عن

الشهيد ان الاشبه المقام و حكي عن المسالك متابعته له «3» و ذلك لان الاعتبار في وجوب البيتوتة علي الليل و المساء و غروب الشمس و بعد تحققه تجب البيتوتة رحل و تحرك من مكانه أم لا و هذا هو الظاهر من الدليل نعم لو كان حاله بحيث لو لم يرحل من مني وقع في العسر و الحرج يجوز له ترك البيتوتة و لكن يحتاط بدم شاة.

هذا و لو خرج عنها قبل الغروب و هو بمني فان خرج منها قبل الغروب و رجع إليها قبله فان كان خرج منها ليرجع إليها فالظاهر وجوب البيتوتة عليه و ان خرج منها لينفر و لكن بدا له الرجوع إليها لحاجة فالاقرب في ذلك أيضا انه كمن لم يخرج

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 20/ 4.

(2)- وسائل الشيعة، ابواب العود الي مني ب 10، ح 1 و 2 و 3.

(3)- جواهر الكلام: 20/ 14.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 355

منه و لانه بعد رجوعه يستكشف منه عدم نفره و بالجملة فإطلاق الادلة يشمل مثل هذه الموارد. و اللّه هو العالم.

[في وجوب الكفارة لمن ترك المبيت بمني أو ما يقوم مقامه]

مسألة 115- المشهور انه يجب علي من ترك المبيت بمني او ما يقوم مقامه الكفارة لكل ليلة بشاة و حكي عن بعضهم دعوي الاجماع عليه و عن المقنعة و الهداية و المراسم و الكافي و جمل العلم و العمل من ان علي من بات ليالي مني بغيرها دما و لعل «1» مستندهم صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام لا تبت ليالي التشريق الا بمني فان بت غيرها فعليك دم «2» الحديث او صحيح صفوان قال: قال ابو الحسن عليه السّلام: سألني بعضهم عن رجل بات ليالي مني بمكة فقلت:

لا ادري فقلت له: جعلت فداك ما تقول فيها؟ فقال عليه السّلام عليه دم شاة اذا بات «3».

هذا لفظ الحديث بنقل الوسائل عن التهذيب و الاستبصار الا ان الموجود في الاستبصار الموجود عندنا (بات ليلة من ليالي مني) و (و عليه دم اذا بات) و مثله في التهذيب و علي ذلك الدليل علي كفاية دم للثلاثة هو صحيح معاوية الا انه أيضا لو لم نقل بدلالته علي ان لكل ليلة دم مجمل من ذلك و لا يعارض ما يدل علي ان لكل ليلة دم مثل صحيح صفوان و حمل الجواهر صحيح معاوية و ما عن المقنعة و غيرهم علي إرادة الجنسية لا إرادة التسوية بين ليلة و ليلتين و ثلاث و الا انه لا يجب الدم الا بثلاث «4».

و لعل الاظهر في الدلالة علي قول المقنعة و غيره صحيح علي بن جعفر عن اخيه

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 20/ 4.

(2)- وسائل الشيعة، ابواب العود الي مني، ب 1، ح 8.

(3)- وسائل الشيعة، ابواب العود الي مني، ب 1، ح 5.

(4)- جواهر الكلام: 20/ 5.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 356

موسي عليه السّلام عن رجل بات بمكة في ليالي مني حتي اصبح؟ قال: «ان كان اتاها نهارا فيها حتي اصبح فعليه دم يهريقه» «1» الا ان الجواهر حمله أيضا علي الجنسية فلا يعارض به و بصحيح معاوية ما دل علي ان لكل ليلة دم واحد مثل صحيح صفوان الّذي سمعت الكلام فيه و ان ما في الوسائل يخالف مصدره الّذي يوجد بيننا منه نسخ متعددة و خبر جعفر بن ناجية المعبر عنه بالمعتبر في كلام بعض الاجلة لانه من رجال كامل الزيارات «2» قال: سألت أبا عبد اللّه عليه

السّلام عمن بات ليالي مني بمكة؟

فقال: «عليه ثلاثة من الغنم يذبحهن» «3» و لكنه ان لم يكن محلا للاعتماد و الاحتجاج بروايته لما ذكر يكون محلا له لان الراوي عنه هذا الحديث هو جعفر بن البشير أبو محمد البجلي الوشاء من زهاد اصحابنا و عبادهم و نساكهم و كان ثقة و كان له كتاب … و كان يلقب فقحة العلم روي عن الثقات و رووا عنه … ثم ان الظاهر ان ما في الوسائل من التعبير عنه في روايته الخبر عن الصدوق بابي جعفر ناجية سهو فهو كما في الفقيه المطبوع في النجف الاشرف و ايران في التهذيب و الاستبصار جعفر بن ناجية و في صحيح جميل علي رواية الشيخ و الا فعلي رواية الكليني مرسل عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «من زار فنام في الطريق فان بات بمكة فعليه دم «4» و ظاهره وجوب الدم لبيتوتة واحدة».

و لكن في قبال ما يدل علي الكفارة صحيح عيص بن القاسم يدل علي عدم شي ء عليه قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل فاتته ليلة من ليالي مني؟ قال: ليس عليه

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ابواب العود الي مني، ب 1، ح 2.

(2)- المعتمد: 5/ 390.

(3)- وسائل الشيعة، ابواب العود الي مني، ب 1، ح 6.

(4)- وسائل الشيعة، ابواب العود الي مني، ب 1 ح 16

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 357

شي ء و قد اساء». «1»

و لعل هذا صار سببا لذهاب من ذهب الي انه لا يجب الدم الا بثلاث و صحيح سعيد بن يسار قال: «قلت لابي عبد اللّه عليه السّلام: فاتتني ليلة المبيت بمني من شغل؟ فقال:

لا بأس» «2» و لكن بقرينة سائر الروايات و

سيما صحيح صفوان يحتمل صدورهما للتقية.

و قد اجاب عنهما بعض الاعلام اما عن صحيح سعيد بن يسار بان المراد من قوله عليه السّلام: لا بأس انه لا بأس بحجته في فوت ليلة المبيت عنه و لا يدل علي عدم الكفارة، و اما عن صحيح العيص بان دلالته علي نفي الكفارة بالإطلاق فالكفارة تكون بالشاة و بالبدنة و بصاع من الحنطة و بدينار و بدرهم و الحديث بالإطلاق يدل علي نفي الجميع فلا ينافي تقييده و اثبات بعض افرادها بالدليل الا تري ان في روايات الصوم يقولون بان قوله عليه السّلام: لا يضر الصائم اذا اجتنب ثلاث او اربع الاكل و الشرب و الجماع و الارتماس يدل علي انه لا يضر غيرها من الافعال مما يمكن ان يضره فان دل الدليل علي انه يضره شي ء آخر لا يكون منافيا له و بالجملة فان امكن رفع التعارض بما ذكر او بالحمل علي التقية فهو و الا فيقع التعارض بين الطائفتين و لا ريب في ان الترجيح مع الطائفة الاولي. «3»

[في عدم الفرق في وجوب الفدية بين الجاهل و الناسي و المضطر]

مسألة 116- قال في الجواهر: اطلاق النص و الفتوي يقتضي ما صرح به بعض من عدم الفرق في ذلك (اي وجوب الفدية) بين الجاهل و الناسي و المضطر و غيرهم علي اشكال في الاخير بل قيل ان فيه وجهين اظهرهما العدم للاصل و انتفاء العموم في النصوص، و لان الفدية كفارة عن ترك

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ابواب العود الي مني، ب 1، ح 7.

(2)- وسائل الشيعة، ابواب العود الي مني، ب 1، ح 12.

(3)- المعتمد: 5/ 392

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 358

الواجب و لا وجوب عليه و فيه ان الاصل مقطوع بالإطلاق الّذي هو بمنزلة العموم و لعل

الفدية جبران لا كفارة. «1»

نعم قد يقال بانسباق غير المضطر من الاطلاق المزبور الا ان الاحوط ثبوتها بل عن الحواشي المنسوبة الي الشهيد انه لا شي ء علي الجاهل.

أقول: مقتضي حديث الرفع عدم وجوب الكفارة علي الجاهل و الناسي و المضطر اللهم الا ان يدعي هنا اجماع او يقال ليست الكفارة بمرتبة علي المخالفة العمدية بل هي جبران و تدارك لما فات منه من الثواب فلا يشملها حديث الرفع الوارد للامتنان و لكن لا يساعد ذلك عبارات بعض الروايات و اللّه هو العالم.

[في جواز ترك البيتوتة بمني لمن يبيت بمكّة]

مسألة 117- يجوز ترك البيتوتة بمني لمن يبيت بمكّة مشتغلا لما في صحيح معاوية بن عمار: اذا فرغت من طوافك للحج و طواف النساء فلا تبت الا بمني الا ان يكون شغلك في نسكك «2» و في صحيحه الاخر:

و سألته عن الرجل زار عشاء فلم يزل في طوافه و دعائه و في السعي بين الصفا و المروة حتي يطلع الفجر؟ قال: ليس عليه شي ء كان في طاعة اللّه عز و جل «3».

و ظاهر الاخير العموم فيشمل كل عبادة واجبة او مستحبة. نعم يكره له عدم العود الي مني الي الصبح لقوله عليه السّلام في صحيح صفوان الّذي مرّ صدره: فقلت: ان كان انما حبسه شأنه الّذي كان فيه من طوافه و سعيه لم يكن لنوم و لا لذة أ عليه مثل ما علي هذا؟ فقال: ليس هذا بمنزلة هذا و ما احب ان ينشق له الفجر الا بمني «4» ثم ان

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 20/ 6

(2)- وسائل الشيعة، ابواب العود الي مني، ب 1، ح 1.

(3)- وسائل الشيعة، ابواب العود الي مني، ب 1، ح 9.

(4)- وسائل الشيعة، ابواب العود الي مني، ب 1،

ح 5.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 359

من خرج من مني بعد نصف الليل و لم يدخل مكة الا بعد الفجر ليس عليه شي ء قال في الجواهر بلا خلاف اجده فيه لقول الصادق عليه السّلام في خبر عبد الغفار الجازي فان خرج من مني بعد نصف الليل لم يضره شي ء و خبر جعفر بن ناجية عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: اذا خرج الرجل من مني اوّل الليل فلا ينتصف له الليل الا و هو بمني و اذا خرج بعد نصف الليل فلا بأس ان يصبح بغيرها و ظاهر هذه النصوص عدم الاعتبار بدخول مكة بعد الفجر بل له الخروج من مني بعد نصف الليل دخل مكة بعد الفجر او قبله. «1»

ثم ان القدر الواجب من المبيت بيتوتة النصف الاول الي ان يتجاوز النصف كما هو المشهور ظاهرا و المتعين و هل المستفاد من الاحاديث ذلك او تساوي نصفي الليل في تحصيل الامتثال نسب الي الحلبي التساوي و الي المشهور اختصاص الوجوب بالنصف الاول و عدم جواز الخروج اختيارا في اوّل الليل الا للاشتغال بالعبادة في مكة.

و في الجواهر قال: قد يستفاد من خبر ابن ناجية و خبر معاوية السابقين تساوي نصفي الليل في تحصيل الامتثال و الظاهر ان مراده من خبر معاوية صحيح معاوية بن عمار: لا تبت ليالي التشريق الا بمني فان بت في غيرها فعليك دم و ان خرجت اوّل الليل فلا ينتصف الليل الا و انت في مني الّا ان يكون شغلك نسكك او قد خرجت من مكة فان خرجت بعد نصف الليل فلا يضرك ان تصبح في غيرها و خبر ابن ناجية هكذا: اذا خرج الرجل من مني اوّل الليل فلا

ينتصف له الليل الا و هو بمني و اذا خرج الرجل بعد نصف الليل فلا بأس ان يصبح بغيرها 2 و لكن لم نفهم منهما التساوي و ان صرح بدلالتهما علي التخيير بعض الاعلام من

______________________________

(1) 1- 2 جواهر الكلام: 20/ 9 و 10

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 360

المعاصرين «1» عليه يدور الامر بين وجوب البيتوتة في النصف الاول او في تمام الليل و القدر المتيقن و ان كان تمام الليل الا ان مقتضي ما سمعت من النصوص كفاية البيتوتة الي النصف.

______________________________

(1)- المعتمد: 5/ 189 الي 200

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 361

الكلام في رمي الجمرات الثلاث

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 363

رمي الجمرات الثلاث

الثالث عشر من واجبات الحج: رمي الجمرات الثلاث

اشارة

اعلم انه لا خلاف بين اصحابنا بل كانه بين المسلمين في وجوب رمي الجمار الثلاث كل جمرة سبع حصيات يوم الحادي عشر و الثاني عشر و الاخبار به متواترة ففي حسن ابن اذينة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث قال: «سألته عن قول اللّه تعالي:

ما يعني بالحج الاكبر؟ فقال: الحج الاكبر الوقوف بعرفة و رمي الجمار» «1» و ما ورد في ان رمي الجمار سنة المراد منه ان وجوبه علم من السنة لا القرآن الكريم و في الجواهر قال: و كذا يجب الرمي أيضا في اليوم الثالث عشر ان اقام ليلته فيها كما صرح به الفاضل و غيره بل في كشف اللثام لعله لا خلاف فيه و لعله للتأسي و اطلاق بعض النصوص انتهي. «2»

أقول: ان كان تحقق عليه الاجماع فهو و الا فالاستدلال بالتأسي لا يثبت به الا الرجحان لان صحيحة معاوية بن عمار الحاكية عن حج النبي صلّي اللّه عليه و آله يدل علي ان

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ابواب العود

الي مني ب 4 ح 1

(2)- جواهر الكلام: 20/ 16

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 364

النبي صلّي اللّه عليه و آله رمي الجمار اليوم الثالث عشر و هو لا يدل علي الوجوب كما لا يدل فعله علي وجوب غيره من الافعال التي ليست من الواجبات و اما اطلاق بعض النصوص فان كان المراد منه ما حكي عن الفقه الرضوي و دعائم الاسلام فهما يدلان بالامر بالرمي في اليوم الثالث عشر علي الاطلاق و ان لم يبت ليلته مضافا الي ما فيها من الضعف و قال بعض الاجلة اضف الي ذلك انه يستفاد من بعض النصوص عدم الوجوب «1» و ذكر ما في حديث رواه الكليني عن محمد بن اسماعيل عن الفضل بن شاذان عن صفوان و ابن أبي عمير عن معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام و فيه: «اذا جاء الليل بعد النفر الاول فبت بمني فليس لك ان تخرج منها حتي تصبح» «2» و لكن يمكن ان يقال: انه كان في مقام بيان حكم البيتوتة فلا يدل عدم اشارته برمي الجمار علي حكمه هذا.

و قد تعرض لصحيحة اخري رواها في الكافي هكذا … عن معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «اذا اردت ان تنفر في يومين فليس لك ان تنفر حتي تزول الشمس و ان تاخرت الي اخر ايام التشريق و هو يوم النفر الاخير فلا عليك اي ساعة نفرت و رميت قبل الزوال او بعده» «3» و في التهذيب و الاستبصار و الفقيه مثله «4» الا ان في الوسائل اسقط كلمة (و رميت) «5» و رجح بعض الاعلام نسخة الوسائل علي جميع هذه النسخ الاصلية و غيرها

كالوافي و مرآة العقول و الحدائق لزعمه قيام القرينة القطعية علي صحة نسخة الكافي الموجودة عند صاحب الوسائل

______________________________

(1)- المعتمد: 5/ 400

(2)- وسائل الشيعة، ابواب العود الي مني، ب 1، ح 2.

(3)- الكافي، ج 4، ص 520، ح 3.

(4)- التهذيب، ج 5، ح 926، الاستبصار، ج 2، ح 1073، الفقيه، ج 2، ح 1414.

(5)- وسائل الشيعة، ابواب العود الي مني ب 9 ح 3

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 365

لالتفاته الي وجود (رميت) في الفقيه و التهذيب و الاستبصار و مع ذلك روي عن الكافي بدون هذه الكلمة فلا ريب في انه لم يكن في الكافي الموجود عنده مضافا الي انه لا معني للرمي قبل الزوال او بعده. «1»

أقول: يمكن ان يقال: ان الثابت ان الشيخ و الصدوق رويا كلمة (رميت) و الشيخ رواها بسنده عن الكليني و المقصود معلوم فان الرمي لا بد و ان يجي ء به قبل النفر لا بعده مضافا الي ان مقتضي تقديم اصالة عدم الزيادة علي عدم النقصية تقديم النسخ الاصلية.

و بعد ذلك كله فقد اطلعنا بعض الفضلاء من شركاء مجلس البحث سلمهم الله تعالي علي رواية رواها الشيخ عن موسي بن القاسم عن اللؤلؤي حسن بن حسين «2» بن محبوب عن علي بن رئاب عن بريد العجلي فليرمها قال: سألت أبا عبد الله عليه السّلام، عن رجل نسي رمي الجمرة الوسطي في اليوم الثاني؟ قال: فليرمها في اليوم الثالث لما فاته و لما يجب عليه في يومه، قلت: فإن لم ينكر الّا يوم النفر؟ قال:

فليرمها و لا شي ء عليه. «3» و عليها يجب الرمي لليوم الثالث و القدر المتيقن منه ما اذا وجب عليه بيتوته ليله.

تنبيه: ان محمد بن اسماعيل الواقع

في سند حديث عمار السابق ليس محمد بن اسماعيل بن بزيع فانه كما في طبقات رجال الكافي لسيدنا الاستاذ قدس سره من صغار الطبقة السادسة و لا رواية له عن الفضل بن شاذان الّذي هو من الطبقة السابعة المتأخرة عنه و المحتمل كونه محمد بن اسماعيل النيشابوري المعروف ببندفر

______________________________

(1)- المعتمد: 5/ 401

(2)- الثقة (جش و صه) و ضعّفه ابن بابويه و استثني ابن الوليد من روايات محمد بن احمد بن يحيي ما تفرد به الحسن و الحسين.

(3)- التهذيب، كتاب الحج، ب 19، ج 5، ح 894/ 7.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 366

و هو الّذي يروي كثيرا في الكافي عن الفضل بن شاذان و هو و ان لم يذكر بالتوثيق في كتب الرجال الا ان اعتماد الكليني عليه فانه يروي عنه كثيرا في الكافي يكفي في الاعتماد عليه و اللّه هو العالم.

[في وجوب الترتيب في رمي الجمار]

مسأله 118- ثم انه لا خلاف بل في الجواهر الاجماع بقسميه علي وجوب الترتيب في رمي الجمار «1» فيبدأ بالاولي ثم الوسطي ثم جمرة العقبة و تدل عليه النصوص؛ مثل صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث قال: «و ابدأ بالجمرة الاولي فارمها عن يسارها من (في) بطن المسيل و قل كما قلت يوم النحر ثم قم عن يسار الطريق فاستقبل القبلة و احمد اللّه و اثن عليه و صلّ علي النبي صلّي اللّه عليه و آله ثم تقدم قليلا فتدعوا تسأله ان يتقبل منك ثم تقدم أيضا ثم افعل ذلك عند الثانية و اصنع كما صنعت بالاولي و تقف عندها» «2» و ظاهر الامر بالبدأة الوجوب كما ان العطف بثم ظاهر في الترتيب و قد عقد في الوسائل

في ابواب العود الي مني بابا خصه بوجوب الابتداء برمي الاولي ثم الوسطي ثم جمرة العقبة فان نكس وجب ان يعيد علي الوسطي ثم جمرة العقبة و هو الباب الخامس من هذه الابواب و لم يرو فيه الا ما يدل علي انه ان نكس وجب عليه العود فهذه الروايات كلها و اكثرها الصحاح يدل علي وجوب الترتيب المذكور و علي انه لو رمي منكوسا اعاد علي الوسطي و جمرة العقبة و لا فرق في وجوب الاعادة بين ان خالف الترتيب عمدا او جهلا او نسيانا و مما روي في الباب الخامس المذكور عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الصحيح قال معاوية بن عمار: قلت له: «الرجل يرمي الجمار منكوسة؟ قال: يعيدها علي الوسطي و جمرة العقبة»، فان قلت قد ورد في الصحيح عن جميل و محمد بن حمران الاجتزاء بما اتي به جهلا او نسيانا مقدما علي ما هو المؤخر عنه او بالعكس

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 20/ 16

(2)- وسائل الشيعة، ابواب رمي جمرة العقبة، ب 10، ح 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 367

قلت: لو سلمنا اطلاقه فهو يقيد: بصحيح مسمع المخرج في الباب المذكور (ح 2) عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في رجل نسي رمي الجمار يوم الثاني فبدأ بجمرة العقبة ثم الوسطي ثم الاولي يؤخر ما رمي بما رمي فيرمي الوسطي ثم جمرة العقبة.

فان قلت: مقتضي حديث رفع النسيان رفع الجزء او الشرط المنسي و هو هنا الترتيب المذكور فخلافه نسيانا غير ضائر كانه لم يخالف و اتي بالذي كان عليه.

قلت: قد ذكر هذا الايراد بعض الاعلام و اجاب عنه بان الحديث ينفي الحكم و لا يدل علي اثباته (يعني لا يدل علي

الاكتفاء بمجرد الرمي و اثبات وجوبه) فالرفع يرفع الحرمة و كذلك يرفع الاثر المترتب عليه الاثر، و اما الحكم بالصحة، و ان الفاقد صحيح فلا يستفاد من الرفع فلو نسي الصائم و شرب او اكل يحكم بانه لم يرتكب معصية و لم يترتب علي شربه اذا نسيه الكفارة و اما كون الصوم صحيحا فلا يتكلفه حديث الرفع بل يحتاج الي الدليل فلو لم يكن دليل خارجي علي الصحة و الاكتفاء به لكان مقتضي القاعدة عدم الاكتفاء لمخالفته للمأمور به، و اما حديث الرفع فيرفع العقاب و الآثار المترتبة علي الفعل كالكفارة و نحوها و لا يثبت صحة العمل المأتي به و تمام الكلام في محله مضافا الي ان النص دل علي الفساد و التدارك كما عرفت انتهي. «1»

أقول: امّا دلالة النص علي الفساد فلا ريب فيها و اما بقطع النظر عن النص فالاكل و الشرب يبطل الصوم فلو نسي الصائم و ارتكبه مقتضي حديث الرفع كونه كالعدم و كانه لم يأكل و لم يشرب و لم يقع منه المفطر و هذه عبارة اخري عن صحة الصوم و يمكن ان يقال: ان رفع النسيان كما يدل علي عدم المؤاخذة علي الفعل و عدم الكفارة يدل علي ان المأمور به في حال النسيان سائر الاجزاء لاطلاق دليله

______________________________

(1)- المعتمد: 5/ 405

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 368

و انه لا يسقط في حال النسيان فرفع حرمة الشرب و الاكل عن الصائم الّذي يجب عليه الصوم في حال نسيان الاكل و الشرب معناه صحة صومه و ان المامور به سائر الاجزاء و أيضا ما دل علي رفع وجوب السورة حال النسيان عن الصلاة التي لا تسقط بحال معناه ان المأمور به

هو الصلاة الفاقدة للسورة بل مجرد رفع وجوب السورة بالنسيان ليس معناه الا ذلك.

ثم انه بعد ذلك يمكن ان يقال: في مقام الجواب: ان حديث رفع النسيان كما يرفع الحكم الوضعي كالجزئية و الشرطية و المانعية فاذا كانت جزئية شي ء او شرطيته أو مانعيته مرفوعة فطبعا يحكم بصحة الباقي لأن معنا حديث الرفع ان هذا الجزء المنسي ليس بجزء في حال النسيان او بشرط او بمانع في هذا الحال و ليس هذا الا الحكم بصحة الباقي افاد بان الامر كذلك و ان حديث الرفع رافع للاحكام الوضعية كالتكليفية لان امرها بيد الشارع المقدس رفعا و وضعا و لكن الجزئية و الشرطية و المانعية ليست من المجعولات الابتدائية فلا تنالها يد الجعل ابتداءً فلا يمكن ان يقال ابتداء ان الشي ء الفلاني جزء او شرط او مانع لامر آخر و انما هذه الامور الثلاثة انتزاعية من الامر بالمركب من شي ء و شي ء آخر او الامر المقيد بشي ء آخر او المقيد بعدم شي ء آخر (الي ان قال) انما الجزئية و الشرطية و المانعية في نفسها غير قابله للجعل فمعني الرفع الجزء المنسي انه في حال النسيان لم يأمر بالمركب منه و من غيره و لم يأمر بالمقيد منه فالامر بالنسبة الي المركب منه و من غيره ساقط غير مجعول و اما ان الباقي له الامر فحديث الرفع لا يتكلفه و يحتاج الي دليل آخر.

و فيه: ان معني الرفع في الجزء المنسي؛ أن المأمور به في حال النسيان فاقد الجزء و عدم كون المنسي في حال النسيان مع ما ركب معه مأمورا به، لازم ذلك، و بالجملة فما افاد بعد ذلك في الجواب عن النقض بصورة الجهل هو الجواب

عنه في صورة النسيان فتدبّر. ثم انه قد استثني من وجوب الترتيب المذكور ما اذا حصل له رمي

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 369

اربع حصيات في رمي جمرة ثم رمي علي الجمرة التي بعدها و مقتضي الاصل و ان كان وجوب اكمال الناقص و اعادة ما بعده ان لم نقل بوجوب رعاية الموالات بين رمي الحصيات و لكن النص قد دل علي كفاية ذلك مثل صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام حديث قال: «و قال في رجل رمي الجمار فرمي الاولي بأربع و الاخيرتين بسبع سبع؟ قال: يعود فيرمي الاولي بثلاث و قد فرغ و ان كان رمي الاولي بثلاث و رمي الاخيرتين بسبع سبع فليعد فليرمهن جميعا بسبع سبع و ان كان رمي الوسطي بثلاث ثم رمي الاخري فليرم الوسطي بسبع، و ان كان رمي الوسطي بأربع رجع فرمي بثلاث» «1» و صحيحه الاخر عنه عليه السّلام في رجل رمي الجمرة الاولي بثلاث و الثانية بسبع و الثالثة بسبع؟ قال يعيد يرميهن جميعا بسبع سبع قلت: فان رمي الاولي بأربع و الثالثة بثلاث و الثانية بسبع؟ قال: يرمي الجمرة الاولي بثلاث و الثانية بسبع و يرمي جمرة العقبة بسبع قلت: فانه رمي الجمرة الاولي بأربع و الثانية بأربع، و الثالثة بسبع؟ قال: يعيد فيرمي الاولي بثلاث و الثانية بثلاث و لا يعيد علي الثالثة «2» و غيرها مما هو مذكور في الوسائل في الجواهر «3» و بعد ذلك لا وجه لما حكي عن الحلّي من كفاية الاتمام و لو رمي اقل من الاربع الا علي البناء علي عدم العمل بالخبر و عدم اعتبار الموالاة بالاصل و كذا ما حكي عن علي

بن بابويه من انه انما يحكم بالصحة السابقة اذا اكمل اللاحقة دون من اتي بالسابقة بالاربع و باللاحقة بالاربع مع انه لم يثبت ذلك منه و عبارته المحكية عن في المختلف كما في الجواهر يرد ذلك و الظاهر منه موافقته عن المشهور.

ثم انه يظهر من الجواهر ان ظاهر النصوص و الفتاوي عدم الفرق في كفاية رمي

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ابواب العود الي مني، ب 6، ح 1.

(2)- وسائل الشيعة، ابواب العود الي مني، ب 6، ح 2.

(3)- جواهر الكلام: 20/ 22.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 370

اربع حصيات علي الجمرة الاولي و الاتيان بالجمرتين اللتين هما بعدها بل و كفاية اربع حصيات علي كل من الجمرتين الاولتين علي كل منهما اربع ثم الاتيان بالثالثة لحصول الترتيب بين العامد و الجاهل و الناسي (و قال)، بل قيل انه ظاهر المتن (يعني الشرائع) و النافع و المحكي عن المبسوط و الخلاف و السرائر و الجامع و التحرير و التلخيص و اللمعة خلافا للفاضل في القواعد و التذكرة و المنتهي و الشهيدين في الدروس و الروضة و ربما عزي الي الشيخ و الاكثر و ربما جعل اشهر فقيّده بالناسي بل في الحدائق نسبة تقييده به و بالجاهل الي الاصحاب، و ان كنا لم نتحققه في الثاني نعم ألحقه الشهيدان منهم بالناسي انتهي. «1»

أقول: ظاهر صحيح معاوية بن عمّار صورة النسيان و امّا صورة العمد فاذا كان المراد منها عمد العالم فهو خلاف الظاهر فانه يستلزم منه ان يكون السؤال عن جواز الاكتفاء به بان يكون المامور به الرمي بأربع ثم اكماله بسبع بعد الاخري او قبلها و ان كان المراد الاتيان به كذلك رجاء فمآل القول بالصحة فيه أيضا كون

المامور به من اوّل الامر الرمي بالاربع و المناسب في السؤال هل يأتي برمي الحصيات متواليا او متفرقا و بالجملة لا يشمل الصحيح صورة العمد مطلقا و اما صورة الجهل فيبعد شمول الصحيح لها علي ما افاده بعض الاعلام ندرة الجهل بالرمي علي الاول بسبع مع العلم به علي الثاني «2» و فيه ان رميه بالاول بأربع و بالثاني بسبع لا يدل علي علمه بالثاني بل لعله كان جاهلا باعتبار اتمام السبع قبل الشروع في الثاني فاتي بالاول ناقصا و بالثاني تاما فاطلاق الصحيح يشمل الصورتين.

ثم الظاهر انه لا يجب ان يأتي بالثلاث ان ذكر تركه بعد الاتيان برمي الوسطي فورا بل يجوز الاكتفاء باتيانه بعد رمي جمرة العقبة بل بفاصلة اكثر من ذلك و ذلك

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 19/ 22

(2)- المعتمد: 5/ 411

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 371

لعدم الدليل علي وجوب الموالات نعم هو احوط.

ثم انه لو نسي رمي يوم او تركه عمدا يجب عليه قضائه في الغد مبتدأ به ثم يأتي بما ليومه و يدل عليه ما في صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «قلت:

الرجل ينكس في رمي الجمار فبدأ بجمرة العقبة ثم الوسطي ثم العظمي؟ قال: يعود فيرمي الوسطي ثم يرمي جمرة العقبة، و ان كان من الغد» «1» و رواية بريد العجلي قال: «سألت أبا عبد اللّه، عليه السّلام، عن رجل نسي رمي الجمرة الوسطي في اليوم الثاني؟

قال: فليرمها في اليوم الثالث لما فاته و لما يجب عليه في يومه قلت: فان لم يذكر الا يوم النفر؟ قال: فليرمها و لا شي ء عليه» «2».

و هل يجب الترتيب فلا يجزي تقديم ما ليومه علي ما فات منه قال

في الجواهر:

فلا خلاف اجده فيه بل عن الخلاف الاجماع عليه مضافا الي ما قيل من تقدم سببه و الاحتياط و ان كان فيه ما فيه و صحيح ابن سنان قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام، عن رجل افاض من جمع حتي انتهي الي مني فعرض له عارض فلم يرم حتي غابت الشمس؟ قال: يرمي اذا اصبح مرتين مرة لما فاته و الاخري ليومه الّذي يصبح فيه و ليفرّق بينهما يكون احدهما بكرة و هي للامس و الاخري عند زوال الشمس» و هذا بلفظ الشيخ و رواه الكليني عنه الا انه قال: «يرمي اذا اصبح مرتين احدهما بكرة و هي للامس و الاخري عند زوال الشمس و هي ليومه» «3» و لكن فيه انه لا اطلاق ليشمل فيما إذا لم يرم يوم الحادي عشر غاية الامر يدل علي رعاية الترتيب اذا لم يرم جمرة العقبة يوم العيد. اللهم إلا ان يقال بعدم الفرق و لا بأس به.

و هل يجب التفريق بين ما لغده و ما ليومه؟ ظاهر الاخبار ذلك منها الصحيح

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ابواب العود الي مني، ب 5، ح 4.

(2)- وسائل الشيعة، ابواب رمي جمرة العقبة، ب 15، ح 3.

(3)- وسائل الشيعة، ابواب رمي جمرة العقبة، ب 15، ح 1 و 2 و لا يخفي انهما واحد.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 372

المذكور و منها صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «قلت رجل نسي الجمار حتي اتي مكة؟ قال: يرجع فيرميها يفصل بين كل رميتين بساعة» «1» الحديث و في رواية اخري عنه مثله و الظاهر انه و ما قبله واحد.

فرع آخر: قد عرفت انه اذا رمي اقل من الاربع

يجب عليه العود ثم الاتيان بما بعده فهل يجب عليه استيناف الرمي او يكفي اكماله و الاتيان بما نقض حكي عن العلّامة في عدة من كتبه و عن السرائر انه يكمل الناقص و يعيد ما بعده للاصل و عن غيرهم كالشيخ و ابن الجنيد و حمزة و البرّاج و علي بن بابويه و غيرهم وجوب الاستيناف و ذلك لظاهر النصوص كما في صحيح معاوية: «و ان كان رمي الاولي بثالث و رمي الآخرتين بسبع سبع فليعد فليرمهن جميعا بسبع سبع» و صحيحه الآخر ثم انه لو كان الناقص في الثالثة يكفي اكمالها مطلقا سواء كان النقص اثنين او ثلاث او اربع او خمس و ذلك لعدم اعتبار الموالات و حصول الترتيب و الظاهر انه لا خلاف فيه الا من ابن بابويه فلا يجب استيناف الرمي «2» و اللّه العالم.

أيضا فرع آخر: لو فاته جمرة و جهل تعينها يجب عليه رمي الجمرات الثلاث ليحصل له العلم بأداء التكليف و فراغ الذمة و بعبارة اخري بعد العلم بوجوب رمي كل واحد من الثلاثة يشك في ادائه فيجب عليه الخروج عن عهده التكليف المتعلق بكل واحد منها بالعلم و لا يقال انه يعلم ان شكه بالنسبة الي الثلاثة يرجع الي اليقين بوجوب الثلاثة لانها باقية عليه امّا لكون الفائتة نفسها او لبطلانها ان كانت الفائتة الاولي او الثانية و بعبارة اخري يعلم اجمالا انه عليها اما الثلاثة او الثانية و الثالثة او الثلاثة فيعلم بالتفصيل فوت الثالثة و وجوب قضائها و يصير شكه بالنسبة الي الاولي و الثانية بدويا و يمكن ان يقال ان المعتبر في الثلاثة ان تكون واقعة بعد الثانية

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ابواب العود الي مني،

ب 3، ح 2 و 3.

(2)- جواهر الكلام: 20/ 23

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 373

و الاولي و اجراء الاصل في عدم وجوب الاولي و الثانية لا يثبت به وقوع الثالثة بعدهما بل نقول ان الشك واقع في انه هل يجب عليه رمي جمرة الاولي او الوسطي الواقع بعده او العقبة الواقع بعدهما فيجب عليه الاتيان بالثلاثة و مثل ما ذكر ما لو فاته اربع حصيات من جمرة و لا يدر أنها من ايّها و لو فاته دون الاربع من جمرة يكرره علي الثلاث و لا يجب الترتيب هنا لان الفائت من واحدة و وجوب الباقي من باب المقدمة كوجوب ثلاث فرائض عن واحد مشتبهة من الخمس، و لو فاته من كل جمرة واحدة او ثنتان او ثلاث وجب الترتيب لتعدد الفائت و لو فاته ثلاث و شك في كونها من واحدة او اكثر رماها عن كل واحدة مرتبا لجواز التعدد و لو كان الفائت اربعا استأنف ذكر هذه الفروع في الجواهر رفع «1» اللّه درجة مؤلفه الكبير. و اللّه هو العالم.

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 20/ 29

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 375

الكلام في الصد و الاحصار

اشارة

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 377

الكلام في الصد و الاحصار اعلم انه و ان حكي عن بعض المفسرين دعوي اتفاقهم علي نزول قوله تعالي:

وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّٰهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَ لٰا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّٰي يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ … «1»

في حصر الحديبية و لكن هذا ينافي ما هو الثابت بالاخبار من الفرق بين الحصر و الصد مثل ان الواجب علي المحصور البعث بالهدي و ذبحه بمكة ان صار محصورا في العمرة و في مني ان حصر في الحج فلا يجوز

التحلل حتي يبلغ الهدي محله بخلاف المصدود فانه لا يجب عليه البعث به و سيأتي الكلام في ذلك.

و كيف كان فالكلام يقع في مقامين:

______________________________

(1)- سورة البقرة 196.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 379

المقام الاول في المصدود

اشارة

و هو الممنوع عن اتمام الحج او العمرة بمنع مانع قاهر غالب فمن تلبس باحرام حج او عمرة يجب عليه الاتمام و ان صد عن الاتمام يتحلل في مكانه من كل ما احرم منه اذا لم يكن له طريق غير موضع الصد او كان و لكن قصرت نفقته ففي رواية زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «المصدود يذبح حيث صدّ و يرجع صاحبه فيأتي النساء» «1» و في رواية حمران عنه عليه السّلام: ان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله حين صد بالحديبية قصّر و احلّ و نحر ثم انصرف منها «2» و في صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «المصدود هو الّذي يرده المشركون كما ردوا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله ليس من مرض و المصدود تحل له النساء» «3»

و الظاهر انه لا خلاف في ذلك معتد به بل في الجواهر الاجماع بقسميه عليه فلا

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ابواب الاحصار و الصد، ب 1، ح 5.

(2)- وسائل الشيعة، ابواب الاحصار و الصد، ب 6، ح 1.

(3)- وسائل الشيعة، ابواب الاحصار و الصد، ب 1، ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 380

اعتداد بحكاية الخلاف في ذلك عن أبي حمزة في الوسيلة و غيره بان هذا مشروط باشتراط التحلل عند الاحرام لعروض ذلك «1». نعم: اذا كان له طريق آخر مع وجدان النفقة لا يجري عليه حكم المصدود و ان خاف فوت الحج فاذا صار خائفا من

ذلك يستمر علي احرامه حتي اذا تحقق الفوت يتحلل من احرامه بالعمرة فلا يطلق علي مثله المصدود حتي تشمله الادلة فان قيل من قصرت نفقته و كان له طريق آخر أيضا ليس مصدودا عليه فلا يطلق عليه المصدود، يقال: مثله مصدود عند العرف لانه لا يتمكن من اتمام الحج و لا طريق له الا من موضع المنع كما اذا تعذر له غير الطريق الّذي صدّ عنه لجهة اخري هذا. و هل يجري علي العالم بفوت الحج منه قبل تحقق ذلك حكم المصدود أم لا؟ فيجب عليه التحلل بالعمرة؟ قد يوجه الثاني بالضرر بالاستمرار كما في الصد بل صورة العلم بالفوت اولي لان في صورة الصدّ يتحلل به و ان احتمل الادراك و فيه ان ذلك فرع العلم بكون الضرر علة للحكم في المصدود. مضافا الي ان فوت الحج اذا تحقق انقلب عمرة و يجب اتمامها و حكم الصد عدم وجوب الاتمام و هذا مضافا الي منع الضرر في استمرار الاحرام الي تحقق الفوت.

و كيف كان فالقول بإلحاق العلم بالفوت بالصد محكي عن السيد و الشيخ و ابن ادريس و في الجواهر قال: و لعل من العلم بالفوات نفاد النفقة يعني لا يتحلل به و يتحلل بالعمرة ثم قال: لكن عن الشهيد انهم نصوا علي التحلل عنده (قال) و مع التسليم يمكن الفرق بالضرر و الخروج عن التكليف بالاتمام لكنه كما تري «2».

أقول: يمكن ان يقال ان مقتضي القاعدة في كل مورد صار عاجزا عن الاتمام سقوط التكليف و انكشاف بطلان احرامه للحج او العمرة الا ما ثبت بالدليل حكمه

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 20/ 114

(2)- جواهر الكلام: 20/ 115

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 381

الخاص به و اللّه

هو العالم.

[مقتضي الأصل الثانوي بقاء المصدود علي الإحرام إن تحلل قبل ذبح الهدي أو نحره]

مسألة 119- اعلم ان مقتضي الاصل الاولي و ان كان سقوط الحكم بوجوب الاتمام بالعجز عنه بالصد و الحصر بل انكشاف عدم تحقق احرامه بالعجز عن الحج او العمرة الا ان الدليل قد دل علي تحقق احرامه و وجوب التحليل منه و علي هذا مقتضي الاصل الثانوي بقاء المصدود علي الاحرام ان تحلل قبل ذبح الهدي او نحره للشك في جواز التحليل عنه قبل الهدي و عدمه فمقتضي الاستصحاب بقاء احرامه ان تحلل قبله و في الجواهر قال: كما صرّح به غير واحد بل نسبه بعض الي الاكثر و آخر الي المشهور بل في المنتهي «قد اجمع عليه اكثر العلماء الّا مالكا» لاستصحاب حكم الاحرام الي ان يعلم حصول التحلل و لما سمعته من النصوص السابقة المعتضدة بالمرسل عن الصادق عليه السّلام: المحصور و المضطر يذبحان بدنتيهما في المكان الّذي يضطران فيه. «1»

أقول: مراده من المرسل ما رواه في الفقيه بهذا اللفظ و قال الصادق عليه السّلام: المحصور و المضطر ينحران بدنتيهما في المكان الّذي يضطران فيه «2» لا ما في المقنع فانه يستفاد منه ان قوله: و المحصور و المضطر ينحران بدنتيهما في المكان الّذي يضطران فيه و قد فعل رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله ذلك يوم الحديبية الخ من كلامه لا كلام الامام عليه السّلام و جعله حديثا عن المقنع في الوسائل أيضا ليس في محله، «3» اللهم الا ان يقال انه من تتمة ما رواه عن الفقيه و الضمير في (ثم قال) راجع الي الامام عليه السّلام و من كلام معاوية بن عمار الا انه لا يستقيم لان لفظ الفقيه «و قال الصادق عليه السّلام» ظاهر في كونه

غير ما رواه عن

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 20/ 116

(2)- من لا يحضره الفقيه ج 2 ص 5. 3 ب. 21 ح 1513/ 2

(3)- وسائل الشيعة، ابواب الاحصار و الصد ب 1 ح 2

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 382

معاوية بن عمار قبل ذلك لانه ليس فيه (ثم) فيتردد الامر بين كون هذه الفقرة مروية بالارسال او بالإسناد.

هذا ثم تمسك صاحب الجواهر بقوله تعالي: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ بناء علي ان الاحصار فيها الّذي معناه المنع اعم من الحصر و المنع بالمرض او بالصد و لكن يلزم من ذلك كون قوله تعالي: وَ لٰا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّٰي يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ علي خلاف الظاهر مختصا بخصوص الحصر بالمرض. «1»

و يمكن ان يقال: ان حكم الصد و الحصر من الاحكام الامضائية التي كانت قبل الاسلام و اثبتها الاسلام فالآية اشارة الي ذلك بالاجمال و كان المراد فيها معلوما عند المخاطبين و لذا امر النبي صلّي اللّه عليه و آله بنحر بدنته مكانه و هذا شبيه بالاستخدام و ذكر العام ثم بيان حكم بعض افراده اتكالا بالقرينة.

فان قلت: مقتضي رواية الصدوق ان رسول اللّه صلي عليه و آله نحر بدنته في مكانه حين ردها المشركون ان جواز النحر او الذبح في مكان الصد مشروط بمنع المانع عن ارسال الهدي الي مكة او مني فيكون المراد من الحصر في الآية منع السائل للصّد و بذلك تفسر الآية علي ظاهرها و علي ذلك لا فرق بين الصد و الحصر بمعناه الاخص اي المرض في الحكم.

قلت: الظاهر ان هذا الدليل لقوله عليه السّلام: المحصور و المضطر ينحران بدنتيهما في المكان الّذي يضطران فيه في المقنع ليس من كلام الامام عليه السّلام بل

هو من كلام الصدوق فالمتبع في المسألة هو النصوص الدالة علي اختصاص حكم البعث بالهدي بالمريض و لا يعتد بخلاف بعضهم هذا و قد ينفي البعد عن القول بتخيير المصدود بين البعث و الذبح عنده محكيا ذلك عن العلامة في المنتهي و التحرير و التذكرة بان البعث

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 20/ 117

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 383

اولي و عن الشيخ في الخلاف بانه افضل و الاصوب انه احوط «1» و اما القول بوجوب الاستنابة فيما صد عنه من الطواف او السعي او كليهما لعموم ما دل عليهما مع التعذر فلا يتحقق الحصر و الصد الّا اذا صد او حصر منهما بالمباشرة و الاستنابة ففيه انه خلاف ظاهر الآية الكريمة و الروايات و اللّه هو العالم.

[لا يجب علي المصدود بعث الهدي]

المسألة 120- قد مرت الاشارة الي انه لا يجب علي المصدود بعث الهدي فان منعه الصاد يذبحه في مكانه بل يجزي منه ذبحه او نحره بمجرد الصد في مكانه و ان لم يصد من بعث الهدي.

الا ان المحكي عن أبي الصلاح وجوب الانفاذ الا اذا صد منه أيضا و الظاهر ان قولهم بوجوب البعث ان امكن اذا كان ذلك في الحج و كان قارنا ساق الهدي دون غيره كان ذلك في الحج او العمرة و لذا حكي عن الاسكافي التفصيل بين كون هديه بدنة او غيرها فالظاهر انه اختار انه يبعث بهديه بدنة كان او غيره الا انه اذا كان بدنة و لم يمكن ارسالها ينحرها في مكانه و حكي مثل ذلك او نحوه عن الغنية و الجامع.

و كيف كان لا دليل لذلك بالإطلاق او التفصيل و قد عرفت ان ما في المقنع ليس من كلام الامام عليه السّلام نعم قد

يتمسك لاثبات ذلك بإطلاق قوله تعالي: وَ لٰا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّٰي يَبْلُغَ الْهَدْيُ محله لان مدلوله بعد قوله تعالي: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ان المحصور بالمعني الاعم الشامل للمصدود أيضا تكليفه بعث الهدي و الاجتناب عن حلق الرأس حتي يبلغ الهدي محله فلا يجزي المصدود الّذي امكن له بعث الهدي ذبحه في مكانه و لكن قال في الجواهر: بان الآية و ان كانت ظاهرة في ذلك علي التقدير المزبور و لكن النصوص صرحت باختصاص الحكم المزبور فيها بالمحصور الّذي هو المريض دون اصل الهدي الواجب عليهما و لا بأس بذلك بعد ان

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 20/ 118.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 384

كانوا هم المرجع في المراد من القرآن فالمتجه عدم الوجوب انتهي. «1»

و يمكن ان يقال: ان القدر المتيقن مما يستفاد من الآية ان الحاج او المعتمر اذا حصر بالمرض يبعث بالهدي و لا يحلق رأسه حتي يبلغ الهدي محله و اما بالنسبة الي المصدود فما يستفاد منه بالاجمال بدلالة فعل النبي صلّي اللّه عليه و آله جواز ذبح الهدي في مكانه.

و بعد ذلك كله فهل يجب في مكانه او يكفي ذبحه في غيره و ان كان خارج الحرم او في بلده؟ مقتضي الاصل عدم وجوبه في مكانه و لا دلالة للآية علي ذلك و فعل رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله اعم منه فمن يريد الآن الاحلال و الخروج عن الاحرام يذبح في مكانه و من لا يريد يذبحه فيما شاء من المكان.

هذا كله في مكان النحر او الذبح و اما زمانه فقال في الجواهر: فمن حين الصد الي ضيق الوقت في الحج ان صد عنه و لا يجب عليه التأخير الي

الضيق و ان ظن انكشاف الصد قبله كما صرح به غير واحد لاصالة عدم التوقيت و لظهور النصوص او صراحتها في عدمه و لذا قال الشهيد: و يجوز التحلل في الحل و الحرم بل في بلده اذا لا زمان و لا مكان مخصوصين فيه خلافا للمحكي عن الخلاف و المبسوط و الكافي و الغنية فوقتوه بيوم النحر بل عن الشيخ و ابن زهرة تفسير الآية به و بمضمر سماعة و لا ريب في انه احوط و لكن الاصح عدمه. «2»

أقول: الظاهر ان مراده من مضمر سماعة ما رواه في التّهذيب باسناده عن زرعة «3» قال: «سألته عن رجل احصر في الحج؟ قال: فليبعث بهديه اذا كان مع اصحابه و محله ان يبلغ الهدي محلّه و محله مني يوم النحر اذا كان في الحج و ان كان في

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 20/ 117

(2)- جواهر الكلام: 20/ 118.

(3)- من الواقفة من السادسة.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 385

عمرة نحر بمكة و انما عليه ان يعدهم لذلك يوما فاذا كان ذلك اليوم فقد و في و ان اختلفوا في الميعاد لم يضره ان شاء اللّه تعالي». «1»

و في المقنع و سأل سماعة «2» أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل و علي هذا الحديث مرسل برواية المقنع و مضمر برواية التهذيب الا ان من المحتمل قويا وقوع السقط في نسخة التهذيب و يؤيد ذلك ان زرعة كان من اصحاب سماعة «3» و اللّه هو العالم.

[لا يجزي الهدي بنية القربة المطلقة من دون نية الخروج به عن الاحرام و التحلل به.]

مسألة 121- الظاهر انه لا يجزي الهدي بنية القربة المطلقة من دون نية الخروج به عن الاحرام و التحلل به. نعم يكفي في ذلك امتثال الامر الّذي تعلق إليه بالصد و لكن يمكن ان يقال

ان ذبح الهدي او نحره وجوبه ليس نفسيا بل الامر به يكون ارشاديا لعدم تحقق الاحلال الا به فلا امر هنا يقصد امتثاله الا الامر المطلق بالصدقة الّذي ينوي امتثاله بداعي الخروج به عن الاحرام.

ثم ان ظاهر الشرائع و في الجواهر و غيره بل قيل الاكثر عدم اعتبار غير الذبح او النحر في حصول التحلل للاصل و اطلاق الادلة في حصول التحلل بالذبح او النحر و عن العلامة في القواعد اعتبار التقصير و عن المراسم و الشهيدين التخيير بين الحلق او التقصير و عن الكافي و الغنية التخيير بينهما في احد النقلين عنهما و تعين الحلق في النقل الآخر عنهما «4» و يمكن ان يقال ان استصحاب عدم اعتبار غير الذبح في حصول التحلل لا يثبت حصوله بالذّبح فمقتضي الاستصحاب بقاء حرمة المحرمات و حال الاحرام و لهذا يسأل عن الجواهر ما الفرق بين المقام و بين الشك في بقاء

______________________________

(1)- التهذيب، ج 5، ح 1470/ 116.

(2)- من الخامسة واقفي ثقة.

(3)- المقنع، ص 27 ع ينابيع.

(4)- جواهر الكلام: 20/ 119.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 386

الاحرام بعد الصدّ و قبل النحر او الذبح حيث تقولون هنا بعدم اعتبار غير الذبح و لا تقولون باستصحاب بقاء الاحرام و هناك قد قلتم باستصحاب بقاء الاحرام دون استصحاب عدم اعتبار الذبح او النحر في التحليل فان كان استصحاب عدم اعتبار غير الذبح او النحر يكفي في القول بحصول التحلل و ليس مثبتا فليكن استصحاب عدم اعتبار امر غير نفس الصد في التحلل كذلك فلا يجزي استصحاب بقاء الاحرام.

ثم انه قد دل ما رواه حمران عن أبي جعفر عليه السّلام ان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله حين صدّ بالحديبية

قصر و احل و نحر الا انه رد بضعف السند فانه رواه الكليني عن عدة من اصحابنا «1» عن سهل بن زياد «2» عن ابن أبي نصر «3» عن داود بن سرحان «4» عن عبد اللّه بن فرقه «5» عن حمران «6» عن أبي جعفر عليه السّلام «7» الا انه يمكن ردّ ضعف سنده بسهل اعتماد مثل الكليني بواسطة مشايخه عليه فيما روي عنه في كتابه و عليه لا يكتفي بالذبح او النحر في التحلل فالاحوط ضم التقصير و الاحوط منه ضم الحلق إليه و هنا رواية اخري قال في الجواهر ربما كان فيها دلالة علي عدمه و ان كان الخبر كما تري «8» و هي ما رواه أيضا الكليني عن محمد بن يحيي «9» عن احمد بن محمد «10»

______________________________

(1)- و هم محمد بن الحسن الطائي الرازي و محمد بن جعفر الاسدي نزيل الري و محمد بن أبي عبد اللّه و محمد بن عقيل الكليني و علي ابن محمد بن ابراهيم الكليني خال الكليني.

(2)- من السابعة و هو أبو سعيد له كتاب التوحيد و النوادر.

(3)- الظاهر انه احمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي من السادسة عظيم المنزلة.

(4)- ثقة له كتاب من الخامسة.

(5)- كانه من الخامسة.

(6)- ابن اعين من الرابعة عظيم القدر من كبار الرابعة.

(7)- وسائل الشيعة، ابواب الاحصار و الصد ب 6، ح 1.

(8)- جواهر الكلام: 20/ 120.

(9)- من الثامنة شيخ اصحابنا في زمانه ثقة عين.

(10)- الظاهر انه ابن عيسي شيخ القميين وجههم من السابعة.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 387

عن الفضل بن يونس «11» عن أبي الحسن عليه السّلام قال: «سألته عن رجل عرض له سلطان فاخذه ظالما له يوم عرفة قبل ان يعرف

فبعث به الي مكة فحبسه فلمّا كان يوم النحر خلي سبيله كيف يصنع؟ قال: يلحق فيقف بجمع ثم ينصرف الي مني فيرمي و يذبح و يحلق و لا شي ء عليه قلت: فان خلي عنه يوم النفر كيف يصنع؟ قال:

هذا مصدود عن الحج ان كان دخل مكة متمتعا بالعمرة الي الحج فليطف بالبيت اسبوعا ثم يسعي اسبوعا و يحلق راسه و يذبح شاة فان كان مفردا للحج فليس عليه ذبح و لا شي ء عليه» «12» و رواه الشيخ في التهذيب الا ان فيه (و يرمي و يذبح) و ليس فيه (و يحلق) و في آخره قال: «فليس عليه ذبح و لا حلق»، و موضع الدلالة منه قوله فان كان مفردا للحج فليس عليه ذبح و لا شي ء عليه او (فليس عليه ذبح و لا حلق)، «13» الا ان الرواية لاشتمالها علي ما لم يفت به احد من الشواذ لم يحتج به و لعله لم تضبط كما صدر و ما تشتمل عليه أولا انها تدل علي انه ان خلي عنه يوم النفر يتبدل تكليفه بالعمرة مع ان في هذه الصورة لا تتعلق الشاة به و التحلل من الاحرام لا يتحقق الا بطواف النساء لا بالذبح و ثانيا ان كان مفردا للحج فكيف لا يكون عليه حلق و لا طواف النساء و بالجملة الظاهر ان ما ذكر في الرواية من الحكم لا يختص بالمورد بل بما انه من مصاديق المصدود مع ان الحكم المذكور فيها ليس حكمه الكلي و الظاهر ان الرواية لم تنقل بتمامها و لعل كان في البين بعض القرائن عول عليه و اللّه هو العالم.

______________________________

(11)- كانه من الخامسة او السادسة ثقة واقفي.

(12)- الوسائل، ابواب الاحصار

و الصد، ب 3، ح 2.

(13)- وسائل الشيعة، ابواب الاحصار و الصد ب 3 ح 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 388

ثم انه قد روي القمي في تفسيره عن ابيه عن ابن أبي عمير عن ابن سنان (سيارة) عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «كان سبب نزول هذه السورة (سورة الفتح) و هذا الفتح العظيم ان اللّه عز و جل امر رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله في النوم ان يدخل المسجد الحرام و يطوف و يحلق مع المحلّقين فاخبر اصحابه و امرهم بالخروج فخرجوا فلما نزل ذا الحليفة احرموا بالعمرة و ساقوا البدن و ساق رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله ستا و ستين بدنة و اشعرها عند احرامه و احرموا من ذي الحليفة ملبين بالعمرة قد ساق من ساق منهم الهدي مشعرات مجللات فلما بلغ قريشا ذلك بعثوا خالد بن الوليد و ساق الكلام الي تمام قصة صدّ المشركين الي ان قال قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله لاصحابه: انحروا بدنكم و احلقوا رءوسكم (الي ان قال) فنحر رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و حلق و نحر القوم … فقال رسول اللّه تعظيما للبدن رحم اللّه المحلقين، و قال قوم لم يسوقوا يا رسول اللّه و المقصرين لان من لم يسق هديا لم يجب عليه الحلق فقال رسول اللّه: ثانيا رحم اللّه المحلقين الذين لم يسوقوا الهدي فقالوا يا رسول اللّه و المقصرين فقال: رحم اللّه المقصرين الحديث» «1». و هذه الرواية دلت علي اختصاص ضم الحلق الي من ساق الهدي و ان من لم يسق الهدي مخير بين الحلق و التقصير و موردها العمرة المفردة و

ان كان مقتضي الاحتياط ضم الحلق الي الذبح في الحج و اللّه هو العالم.

[لو ساق هديا ثم صد او احصر فهل يكفي المصدود بنحره او ذبحه في مكانه و المحصور البعث به او تحتاج الي هدي التحلل.]

مسألة 122- لو ساق هديا ثم صد او احصر فهل يكفي المصدود بنحره او ذبحه في مكانه و المحصور البعث به او تحتاج الي هدي التحلل.

مع ذلك فعن الصدوقين انه يحتاج الي هدي التحلل لان الدليل قد دل علي لزوم الهدي بكل من سوق الهدي و الصد او الحصر فلا يكتفي باحدهما عن الآخر و بعبارة اخري الاصل تعدد المسبب بتعدد السبب.

______________________________

(1). تفسير القمي، ج 2، ص 313 و 314

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 389

و هذا القول هو اختيار ابن الجنيد و العلامة في المختلف و القواعد و اختيار المحقق في النافع و ثاني الشهيدين و غيرهم و حكي القول بكفاية ما ساقه عن المشهور بل عن السرائر نسبته الي ما عدا الصدوق من اصحابنا بل عن الغنية الاجماع عليه.

و في الشرائع قال: و هو الاشبه و في الجواهر باصول المذهب و قواعده التي منها اصل البراءة بعد صدق قوله تعالي: فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ عليه و بعد ما قيل من انه لم نقف علي دليل يدل علي ايجاب الحصر و الصد هديا مستقلا و انما المستفاد من الادلة كتابا و سنة انما هو ما استيسر من الهدي كما في الاول او هديه كما في الثاني و لا ريب في صدقهما علي المسوق مطلقا في محل البحث و ما رواه رفاعة في خبر عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قلت: رجل ساق الهدي ثم احصر قال: يبعث بهديه الحديث «1» و كانه و ما رواه الشيخ عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام عن رفاعة عن أبي عبد اللّه

عليه السّلام انهما قالا: القارن يحصر و قد قال و اشترط (فحلّني حيث حبستني؟ قال: يبعث بهديه الحديث «2» و ما رواه الصدوق بسنده عن رفاعة أيضا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: خرج الحسين عليه السّلام معتمرا و قد ساق بدنة حتي انتهي الي السقيا فبرسم فحلق شعر رأسه و نحرها مكانه الحديث «3».

قال في الجواهر و المناقشة في الاخير باحتمال عدم احرامه واضحة الضعف كالمناقشة في الجميع بانها في المحصور دون المصدود بعد الاتفاق ظاهرا علي عدم الفرق بينهما في هذا الحكم و كذا المناقشة في الاولين باحتمال كون الاكتفاء لما فيها من الاشتراط اي قوله: فحلّني الي آخره بناء علي ان فائدته ذلك ضرورة عدم مدخلية

______________________________

(1)- الكافي، ج 4، ص 371.

(2)- التهذيب، ج 5، ح 1468/ 114 ب.

(3)- وسائل الشيعة، ابواب الاحصار و الصد، ب 6، ح 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 390

تلك المسألة فيما نحن فيه و لذا لم يحك عن احد التفصيل فيها بذلك. «1»

[هل يلحق بسوق الواجب بالإشعار و التقليد بالهدي ما وجب بنذر أو كفارة أو عهد أو يمين]

مسألة 123- ثم هل يلحق بسوق الواجب بالاشعار و التقليد بالهدي ما وجب بنذر او كفارة او عهد او يمين قال الدروس: و قيل يتداخلان اذا لم يكن السوق واجبا بنذر او كفارة او شبههما «2»

و في الجواهر قال: و لعل الفرق انه واجب بالاحرام فاتحد السبب مضافا الي ظهور فتاوي الاصحاب ببعث هديه او ذبحه فيه و فيما يجب للصد او الحصر لا واجب بكفارة و نحوها و ان كان فيه أيضا انه لا مدخلية للنذر و نحوه بعد صدق اسم الهدي عليه الّذي به يندرج فيما سمعته من الادلة انتهي. «3»

و اما احتمال كفاية هدي السياق و استحباب هدي آخر للتحلل ففيه:

أنه محلل بهدي السياق فلا وجه لاستحباب هدي آخر و ان لم يتحلل به فيجب عليه هدي آخر للتحلل فان قدمه علي ما ساقه يشكل نية الاحلال به قبل ذبح ما ساقه او نحره كما انه يشكل تقديم ما ساقه بدون نية الاحلال به بناء علي وجوبها الا ان يراد بالاستحباب الاحتياط فياتي بهما بقصد التحلل بايهما يقع و هذا كله حكم سائق الهدي اما من لم يسق فليس عليه ان اراد التحلل الا هديه.

ثم انه اذا عجز عن الهدي فهل يبدل تكليفه بالصوم بدلا منه كما ان علي من لم يجد هدي التمتع عليه صيام عشرة ايام في الجواهر انه لا بدل له بلا خلاف معتد به اجده بل عن الغنية الاجماع عليه و استدل عليه بالاستصحاب و ظاهر الآية و حكي عن الاسكافي انه يتحلل حينئذ بدون دم لقوله تعالي: فما استيسر و لم يستيسر

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 20/ 122

(2)- الدروس: 477

(3)- جواهر الكلام: 20/ 122

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 391

قال: و لم اجد من وافقه عليه نعم في القواعد الاشكال في ذلك و لعله مما عرفت و من العسر و الحرج.

ثم ذكر له ما يدل من الروايات في المحصور و انه اذا اذاه رأسه قبل ان يذبح هديه فانه يذبح في المكان الّذي احصر فيه او الصوم او يتصدق و الوجه في الاستدلال بها انه اذا ثبت ذلك في المحصور فالمصدود اولي ثم استشكل في الاولوية و في الاستدلال باصل الروايات لاختلافها في تعيين مقدار الصوم و عدم اجتماع شرائط الحجية في اكثرها «1» و لكن يمكن ان يقال: ان الاولوية اذا قلنا ببقاء احرامه اذا عجز عن الهدي الي ان يقدر عليه

او علي اتمام النسك لعلها تكون في محلها و اما عدم اجتماع شرائط الحجية في اكثرها فيكفي منها ما اجتمعت تلك فيه مثل صحيح معاوية بن عمار عن عبد اللّه عليه السّلام في المحصور و لم يسق الهدي؟ قال: «ينسك و يرجع قيل: فان لم يجد هديا؟ قال: يصوم» «2» و رواه في الكافي الا انه قال: فان لم يجد ثمن هدي صام و علي ذلك يحتاط بصوم ثمانية عشر يوما بدلا منه كما روي في الجواهر عن المشيخة لابن محبوب و ان جاء في بعض الروايات ثلاثة ايام و بعد ذلك لا يبعد احتمال كون المصدود كالمحصور في الحكم و الا فهو يبقي علي احرامه الي ان يقدر علي الهدي او علي اتمام النسك و لا ريب ان البقاء علي الاحرام احوط سيما اذا لم يوجب عسرا و حرجا و اللّه هو العالم.

[في تحقق الصد بالصد عن الموقفين و عن كل ما يفوت بفواته الحج]

مسألة 124- لا ريب في انه يتحقق الصد بالصد عن الموقفين و عن كل ما يفوت بفواته الحج فيذبح الهدي و يتحلل به في مكانه و الاحوط ضم الحلق إليه كما مرت الاشارة إليه و لا يحتاج ذلك الي الصبر حتي يفوته الحج لاطلاق النصوص مثل قوله عليه السّلام: المصدود يذبح حيث صد فان اطلاقه

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 20/ 121

(2)- وسائل الشيعة، ابواب الاحصار و الصد، ب 7، ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 392

يشمل الحج بانواعه الثلاثة و العمرة المتمتع بها الي الحج و العمرة المفردة و قد تحلل منها النبي صلّي اللّه عليه و آله بالحديبية و مع ذلك لا وجه للمناقشة في الاطلاق بان شموله للمورد فرع تحقق الصد بفوات الحج به و قبل ذلك لم يتحقق الصد حتي

يشمله الاطلاق لان العمرة المفردة التي صد عنها النبي صلّي اللّه عليه و آله و المسلمون لم تفت بالصد فانه كان من الممكن البقاء علي الاحرام الي ان يتمكنوا من اتمام العمرة.

فان قلت: لعل عدم وجوب الصبر في العمرة كان لاجل العسر و الحرج دون الحج قلت: لا اعتناء بهذا الاحتمال بعد اطلاق النص و الفتوي و الا فليزم منه حصر الحكم علي من صد في العمرة المفردة دون الحج و دون العمرة المتمتع بها الي الحج فان المصدود في الحج علي ذلك يتحلل من احرامه بالعمرة و المصدود من عمرة التمتع اذا صد عن الطواف و السعي ينوي الحج و يذهب الي عرفات الا ان يقال: انهما بالخيار و سيأتي الكلام فيه إن شاء اللّه تعالي.

هذا مضافا الي انه علي ذلك يجب التأخير الي حصول العسر و الحرج لا قبله بالاختيار و علي كل حال كان المسألة مسلمة عندهم و لذا قال صاحب الجواهر رحمة اللّه عليه بعد ذكر المناقشة لا يخفي عليك اندفاعها بل لا نستأهل ان تسطر ضرورة كونها كالاجتهاد في مقابلة النص و الفتوي و الحكم حينئذ لا اشكال فيه.

و ان صد عن غير ما يفوت بفوته الحج فان كان هو مما يقبل النيابة يستنيب و الاحوط ضم الذبح إليه و ان كان لا يقبل الاستنابة يذبح او ينحر.

و اذا منع من العود الي مني لرمي الجمار الثلاث و المبيت فيها الظاهر انه لا يجري عليه حكم الصد و ادعي في الجواهر الاجماع عليه بقسميه «1» و حينئذ ان امكن له

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 20/ 128

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 393

الاستنابة في الرمي في سنته يستنيب في تلك السنة و الا في

السنة الآتية و اللّه هو العالم.

[في تحقق الصد في عمرة التمتع إذا منع من دخول مكة أو منع من الإتيان بالأفعال]

مسألة 125- لا ريب في تحقق الصد في عمرة التمتع اذا منع من دخول مكة او منع من الاتيان بالافعال و ان كان مجرد الطواف و هل يتحقق ذلك بمنعه من السعي بعد اتيانه بالطواف حكي عن المسالك فيه وجهان تحقق الصد تمسكا بالإطلاق و عدم مدخلية الطواف في التحلل و عدمه لعدم التصريح بذلك في النص و الفتوي و لكن الاوجه هو الاول مع ضم التقصير إليه «1» و هذا هو حكم المصدود في العمرة المفردة الا انه يأتي الكلام فيها لو صد بعد التقصير او الحلق عن طواف النساء فكيف يصنع يبقي علي احرامه حتي يتمكن منه او يكفيه الهدي للتحلل الاظهر انه يكفيه الهدي لصدق الصد و المصدود عليه و عدم الفرق في صدقه بين صده عن تمام المناسك او بعضها و لاولوية ذلك للتحلل عما اذا صد عن جميع المناسك. و الله هو العالم.

[في أن الأمر بالإحلال في النص و الفتوي و ان افاد الوجوب إلا أن الظاهر إرادة الإباحة منه]

مسألة 126- قال في الجواهر: ان الامر بالاحلال في النص و الفتوي و ان افاد الوجوب الا ان الظاهر إرادة الاباحة منه لانه في مقام توهم الحظر كما صرح به غير واحد بل ظاهرهم الاتفاق عليه كما عن بعض الاعتراف به و علي ما افاد لو بقي علي احرامه للحج حتي فات الحج كان عليه التحلل بعمرة، ان تمكن منها كما هو وظيفة غيره ممن فاته الحج و حينئذ لازم عليه لانه كان علي من يريد الاحلال قبل ذلك. «2»

و قد اورد علي ما في الجواهر بعض الاعلام من المعاصرين و قال ان تم الاجماع

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 20/ 128

(2)- جواهر الكلام: 20/ 129

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 394

فهو ثم اورد علي ما ذكره في وجه وجوب الاحلال

بالعمرة لان الامر بالذبح ورد مقام توهم الحظر

أولا: بان الظاهر من قوله: «يذبح حيث صد» هو وجوب الذبح في مكان الصد بقرينة المقابلة للمحصور الّذي يجب عليه البعث و الارسال و فيه: ان وجوب البعث عليه اوّل الكلام بل انما عليه ذلك ان اراد الخروج عن الاحرام

و ثانيا: قد عرفت ان نفس الآية الشريفة تكفينا في وجوب الذبح لصحة اطلاق الحصر علي المصدود لغة فان وجوب الهدي عند الحصر و المنع عن الحج استثناء من وجوب اتمام الحج و العمرة المذكورة في صدر الآية.

و فيه ان الآية انما تدل علي وجوب الاتيان بمناسك الحج و اتمامه للّه بالوجوب الشرطي لا النفسي مضافا الي ان الاستثناء من الوجوب النفسي لا يدل علي وجوب المستثني (ثم قال)

ثالثا: ان الروايات الدالة علي تبدل الحج الي العمرة المفردة اذا فاته الموقفان منصرفة عن المصدود بالعدو بل الظاهر من ذلك الادلة ان من دخل مكة و لم يدرك الموقفين لضيق الوقت او لمانع آخر من مرض و نحوه يعدل الي المفردة و ليس لها اطلاق يشمل المنع ظلما و صدا من العدو الّذي لم تكن وظيفته الوقوف من الاول بل كانت وظيفته شي ء آخر بل تشمل الروايات من كانت وظيفته الوقوف ففات،

و بعبارة اخري: ان تلك الروايات موردها من ليس له محلل غير العمرة فلا تشمل من كان له محلل كالذبح في مكانه انتهي. «1»

و يمكن ان يقال ان ما يستفاد من الروايات ان ضيق الوقت لدرك الموقفين مطلقا او عدم التمكن من اتمام الحج و لو بافساده العمدي موجب لتبدل وظيفته بالعمرة

______________________________

(1)- المعتمد: 5/ 431

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 395

و بعبارة اخري الخروج من الاحرام بالطواف و السعي و

التقصير و طواف النساء فكما ان من صد و اخر الذبح الي رفع الصد في ضيق الوقت يتبدل حجه الي العمرة من صد و بقي مصدودا حتي ضاق الوقت يتبدل حجه الي العمرة غاية ما يمكن ان يقال انّه مخير بين الهدي و بين العمرة لانه موضوع لكل منهما بل يمكن ان يقال انه كان مكلفا بالهدي حيث صد حتي لا يقع في الحرج ببقائه في الاحرام الي ضيق الوقت.

ثم افاد رحمة الله عليه في إيراده الرابع: ان ادلة العدول قابلة للتقييد بالذبح و التحلل به في خصوص المصدود و من فاته الوقوف بسبب الصد و فيه انه نعم و لكن ذلك فرع وجود دليل علي التقييد و دليل جواز التحلل بالذبح مختص بمن اراد الاحلال قبل ضيق الوقت مضافا الي انه علي فرض اطلاق دليل التحلل بالذبح دليل العدول مقيدا له و غاية الامر علي فرض دلالة دليل الذبح علي الوجوب تكون النسبة بين الدليلين العموم من وجه فتدبر و الله هو العالم.

[إذا لم يجد الهدي للتحلل به فهل يجب عليه الصوم بدله]

مسألة 127- اذا لم يجد الهدي للتحلل به فهل يجب عليه الصوم بدله او يبقي علي احرامه الي ان يقدر عليه او علي اتمام النسك و لو عمرة او يتحلل بدون العدم و البدل؟ حكي القول بالثالث عن الاسكافي لقوله تعالي: «فَمَا اسْتَيْسَرَ» و لم يستيسر. «1»

و فيه: ان مفهوم «فما استيسر» عدم وجوب الهدي ان لم يستيسر و لا يدل علي عدم تكليف آخر عليه ان لم يستيسر و تحلله بمجرد عدم الاستيسار هذا مضافا الي ان الظاهر تفرد الاسكافي بهذا القول و اما القول بتبديل الوظيفة بالصوم فلعله لم ينقل عن غير العلامة في القواعد بصورة الاشكال في القول

المشهور اي البقاء علي الاحرام الي ان يقدر علي الهدي او علي اتمام النسك و لو عمرة و لو بالاستنابة و لعل

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 20/ 123

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 396

الوجه عنده للاشكال وقوع المحرم في العسر و الحرج و التمسك بأولوية ما دل علي تبديل التكليف بالصوم اذا صار المحصور فاقدا للهدي.

ففي خبر زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «اذا احصر الرجل فبعث بهديه ثم آذاه رأسه قبل ان ينحر فحلق رأسه فانه في المكان الّذي احصر فيه او يصوم او يطعم ستة مساكين و في لفظه الآخر: و الصوم ثلاثة ايام و الصدقة نصف صاع لكل مسكين» «1» و هذا ليس في فاقد الهدي نعم وارد في المحصور الّذي صار معذورا عن البقاء في الاحرام الي ان يبلغ هديه محله و ظاهره التخيير بين الذبح و الصوم و الاطعام. و في حسن او صحيح معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام انه قال في المحصور و لم يسق الهدي قال: «ينسك و يرجع فان لم يجد ثمن هدي صام و في لفظ آخر: فان لم يجد هديا؟ قال: يصوم» «2» و روي ابن سعيد في الجامع عن كتاب المشيخة لابن محبوب انه روي صالح عن عامر بن عبد اللّه بن جذاعة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في رجل خرج معتمرا فاعتلّ في بعض الطريق و هو محرم؟ قال: فقال:

ينحر بدنة و يحلق رأسه و يرجع الي رحله و لا يقرب النساء فان لم يقدر صام ثمانية عشر يوما فاذا برئ من وجعه اعتمر ان كان لم يشترط علي ربه في احرامه و ان كان قد اشترط فليس عليه ان

يعتمر الّا ان يشاء فيعتمر. «3»

فيمكن ان يقال: اذا ثبت البدل للمحصور فالمصدود اولي لان الحرج فيه اشد غالبا و يجاب عن ذلك أولا بمنع الاولوية الّا ان يقال ان المنع عن الاولوية ان كان بمنع كون الحرج فيه للمصدود اشد يقال يكفي في الاستدلال بالفحوي و قياس المساوات مساوات المصدود مع المحصور في الحرج الا ان يقال: بمنع كون ثبوت

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ابواب الاحصار و الصد، ب 5، ح 1 و 2.

(2)- الجامع، ص 724.

(3)- وسائل الشيعة، ابواب الاحصار و الصدّ ب 1 ح 3

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 397

البدل علي المحصور للحرج فلعله تعبد خاص فتأمل.

و ثانيا باعراض الاصحاب عنها حتي في المحصور و ثالثا باختلافها و رابعا بعدم اجتماع شرائط الحجية في اكثرها و يمكن الجواب عنها بعدم إثبات اعراض الاصحاب و بانه لا اختلاف بين صحيح معاوية بن عمار و رواية عامر الظاهر اعتبارها و اما خبر زرارة فلا يحتج به لضعف سنده و لو بنينا علي ذلك يسقط الاستدلال للقول المشهور باستصحاب بقاء الاحرام و اصالة عدم البدل و بالجملة فان ثبت هنا اجماع فهو و الّا فالاقوي ان فاقد الهدي هنا أيضا كفاقده في التمتع و ان كان الجمع بين العمل بالقولين احوط و اللّه هو العالم.

فروع
الفرع الاول: لا اشكال في ان المحبوس بالدين اذا كان قادرا علي ادائه و لم يدفعه لا يتحلل بالهدي

فهو كغير المحبوس يجب عليه اتمام الحج او العمرة و لا حاجة الي استصحاب بقاء الاحرام لشمول اطلاق الآية له، و اما ان كان عاجزا عن ادائه يتحلل بالهدي لصدق المصدود عليه لان المراد منه مطلق الممنوع من اتمام الحج و لا وجه لاختصاصه بمن كان ممنوعا لعداوة كان بينه و بين المانع بل يكفي في الصدق كون ذلك ظلما و قهرا

عليه. و يدل عليه خبر الفضل بن يونس الّذي سبق ذكره عن أبي الحسن عليه السّلام في رجل عرض له سلطان فاخذه ظالما له يوم عرفة و خلي سبيله يوم النفر انه مصدود «1» ثم انه هل يكون من الصد ان حبس ظلما علي مال و هو القادر علي دفعه يمكن ان يقال؛ ان ذلك يدور مدار صدق الصد و عدمه حسب كثرة المال و قلته و اللّه هو العالم.

الفرع الثاني: القدر المتيقن من جواز الاحلال بالذبح او النحر للمصدود هو ما اذا غلب علي ظنه بقاء الصد

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ابواب الاحصار و الصد، ب 3، ح 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 398

فضلا عن ما ذا كان ذلك متيقنا و اما اذا غلب علي ظنه انكشاف الخلاف قبل الفوات فهل يجوز له التحلل كما حكي عن القواعد و غيرها بل قال في الجواهر لا اجد فيه خلافا معتدا به لصدق اسم المصدود بل عن بعض و لو علم ذلك و لم يستبعده الاصبهاني لو تم الدليل علي الظن «1» و وجه الجواز حينئذ صدق اسم المصدود عليه نعم هو ممنوع اذا علم ذلك و نوقش في الوجه المذكور انه لا عموم في الروايات يستفاد منه ذلك لو لم نقل بكونها ظاهرة في ما اذا كان مأيوسا من رفع الصد بحسب الحال فاذا كان زوال العدو مرجوا لا يجوز كما قيل بانه يلوح من كلام الشهيد في الروضة. و لكن في قبال كل ذلك قال في الجواهر انه كالاجتهاد في مقابل النص و الفتوي و يكفي في العموم ما سمعته من النصوص السابقة بل الآية بناء علي إرادة الاعم من الحصر فيها و قال: نعم قد يشك في صورة العلم التي يمكن دعوي ظهور كلمات الاصحاب في خلافها و لو لا ذلك لكان

إلحاقها متّجها أيضا. «2»

أقول: استظهار ما قال من الآية اذا كان العدو مرجو الزوال عرفا محل المنع.

هذا و قد ظهر مما ذكر جواز الاحلال اذا كان انكشاف الخلاف محتمل الطرفين متساويين ثم انه فيما اذا صدق عليه اسم المصدود ان لم يتحلل و انكشف العدو اتم نسكه المامور باتمامه و لو اتفق الفوات تحلل بعمرة كما هو في كل من يفوته الحج و اذا صدق عليه اسم المصدود فتحلل بالذبح او النحر ثم انكشف العدو و الوقت متسع للاتيان فالظاهر انه ان كان تحلل بالذبح عن احرام حج الاسلام يجب عليه الاتيان به من مكانه و يكفيه الاستطاعة من ذلك المكان و ان كان الحج المندوب او العمرة المفردة لا شي ء عليه و هو بالخيار و اللّه هو العالم.

الفرع الثالث: قد مر الكلام في محله ان من اتي اهله بالجماع يجب عليه اتمام ما بيده و الحج من قابل

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 20/ 134

(2)- جواهر الكلام: 20/ 134

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 399

و مر الكلام في انه هل الحج الّذي بيده هي حجته و الثاني عقوبة عليه أو ان الاول فسد بالجماع و مع ذلك يجب اتمامه و الثاني هو حجته و كيف كان فالمشهور هو التحليل بالصد عن الاول فيجب علي القول الاول الحج الثاني عقوبة و ان كان الحج حج الاسلام يجب عليه الاتيان به و ان كان مندوبا لا شي ء عليه غير الثاني و علي القول بكون الثاني حجته فالظاهر انه لا شي ء عليه بل الثاني يجب عليه ان كان الاول حجة الاسلام و لا يقال ان الصدّ انما يصدق في الصورة الاولي التي ما بعده حجة و يجب اتمامه و كان الثاني عقوبة عليه و اما علي الصورة الثانية و كون وجوب اتمام الاول تكليفا تعبديا فلعله لا يشمله ادلة الصد

فكانه غير مصدود عن حجة لبطلانه فانه يقال يشمله اطلاق (المصدود يذبح حيث صد) و لا وجه لتقييده بالحج الصحيح.

ثم انه لو تحلل المصدود و انكشف العدو رفع الصد قبل فوات وقت اداء الحج فعلي القول بكون ما وجب عليه اتمامه حجه الّذي احرم له و الثاني عقوبة عليه يمكن ان يقال ان حجه لو كان حجة الاسلام و كانت استطاعته باقية يجب عليه ادائها لاطلاق الآية الكريمة و لا يقال انه قد سقط عنه وجوب ما كان عليه اتمامه و يدور الامر بين تقديم حج العقوبة او حجة الاسلام و تقديم كل منهما علي الآخر يحتاج الي الدليل فانه يقال حج العقوبة بسبب النص يؤتي به في القابل لا يعارض الاتيان به في سنته هذه.

نعم يأتي الكلام في تعارض حجة الاسلام مع حج العقوبة ان لم يأت بحجة الاسلام في سنة الصد لعذر فهل علي الّذي استقر عليه الحج تقديم أي الحجين علي الاخر الترجيح محل إشكال و لكن يمكن التمسك بإطلاق عليه الحج من قابل فيقدم حج العقوبة علي حجة الاسلام هذا و اما ان كان ما وجب عليه في القابل هو حجة الاسلام فالظاهر انه يجوز تقديمه في سنة الصد و اللّه هو العالم

الفرع الرابع: الظاهر انه لا خلاف بينهم في عدم وجوب القتال مع العدو علي المصدود لو لم يكن دفعه الا بذلك

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 400

حتي مع ظن السلامة و ظن عدم العطب و الهلاك و في الجواهر عن المسالك الاتفاق عليه و عن المدارك هو مقطوع به في كلام الاصحاب (قال) و لعله للاصل السالم عن معارضة باب المقدمة الساقطة هنا باستلزامها حرجا و مشقة و نحوهما تسقط بمثله كما في غير المقام و لا ريب في ذلك بين المسلم و الكافر خلافا للشافعي في قول فاوجب

القتال اذا كانوا كفارا و لم يزد عددهم علي ضعف المسلمين و لا ريب في ضعفه انتهي. «1»

و يمكن ان يقال: ان وجوب الحج مشروط بالاستطاعة الطريقية كالاستطاعة المالية بل البدنية علي التفصيل الّذي ذكرناه في الاخيرة و لا تصدق عرفا تخلية السرب اذا كان العدو مانعا يحتاج دفعه الي القتال و الحرب و هل يجوز ذلك مطلقا او اذا ظنّ الغلبة و السلامة؟

قال في المبسوط: اذا احرموا و صدّهم العدو لم يخل ان يكونوا مسلمين او مشركين فان كان العدو مسلما كالاكراد و الاعراب و اهل البادية- فالاولي ان يتركوا قتالهم و ينصرفوا الّا ان يدعوهم الامام او من نصبه الامام الي قتالهم و ان كان العدو مشركا لم يجب علي الحاج قتالهم لان قتال المشركين لا يجب الا باذن الامام او الدفع عن النفس و الاسلام و ليس هاهنا واحد منهما و اذا لم يجب فلا يجز أيضا سواء كانوا قليلين او كثيرين او المسلمون اكثر او اقلّ و متي بدروهم بالقتال جاز لهم قتالهم فان لبسوا جنة القتال كالجباب و الدروع و الجوشن و الخيط فعلي من فعل ذلك الفدية لعموم الاخبار فان قتلوا نفسا او اتلفوا اموالا فلا ضمان عليهم في نفس و لا مال و ان كان هناك صيد قتلوه فان كان لاهل الحرب ففيه الجزاء دون القيمة، و ان كان لمسلم ففيه الجزاء و القيمة لمالكه الحج. «2»

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 20/ 139

(2)- المبسوط: 334

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 401

أقول: يستفاد من كلامه رضوان الله تعالي عليه فروع:

الاول: يستفاد من قوله (فالاولي) جواز القتال اذا كان العدو مسلما و الظاهر انه جاز اذا ظن السلامة و الغلبة و في اولوية

ترك دفعهم مع ظن السلامة الّا ان يدعوهم الامام اشكال لان ذلك من الدفاع و هو لا يحتاج الي اذن الامام و لا شك في انه مرغوب فيه حتي جاء في الرواية: «ان الله يحب الشجاع و لو علي قتل حية».

الثاني: ان الامام اذا دعي المسلمين للقتال معهم يجب و لا ريب في ذلك سواء كان الاعداء مسلمين او كافرين.

الثالث: عدم وجوب القتال اذا كان الصادون من الكافرين سواء كانوا قليلين او كثيرين و المسلمون اكثر او اقل و ذلك لان القتال مع الكفار انما يجب للدفع عن النفس او الدعوة الي الاسلام و اذا لم يجب لا يجوز اصلا و فيه ما في الجواهر المنع من اشتراط اذن الامام في ذلك ضرورة كونه من الدفاع اذا كان قد اراد في الطريق المباح فمنعه او من النهي عن المنكر و لذا صرح الفاضل و الشهيد بالجواز في الكفار اذا ظن الظفر بهم بل عن المنتهي استحباب قتالهم لما فيه من الجهاد و حصول النصر و اتمام النسك و دفعهم عن منع السبل. «1»

الرابع: جواز لبس جنة القتال و الدرع و غيرهما تكليفا و وجوب الفدية لعموم الاخبار.

و الخامس: عدم الضمان اذا انتهي القتال مع الكفار الي قتل نفس او تلف مال منهم و هذا ظاهر اما اذا انتهي الي قتل نفس مسلم او تلف مال منه فلا يجوز القتال.

السادس: ان استلزم القتال قتل صيد فان كان لمسلم يضمن قيمته و عليه كفارته و ان كان من الكفار فلا ضمان عليه دون جزائه.

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 20/ 140

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 402

هذا كله فيما اذا ظن السلامة و اما اذا ظنّ العطب و الهلاكة فلا يجوز

و اذا تساوي الاحتمالان فحكي عن المسالك انه ان تم اتفاقهم علي عدم الجواز فهو و الا امكن القول بالجواز. «1»

ثم انه لا يخفي عليك ان ما ذكر لا يختص بما اذا صد الظالم الطريق الي الحج بل يجزي في صد الظالم الطريق المباح علي الّذي يريد السير فيه.

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 20/ 141

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 403

المقام الثاني في المحصر او المحصور

[في المراد من المحصور او المحصر]

مسألة 128- المحصور او المحصر هو الّذي يمنعه المرض عن الوصول الي مكة او عن الموقفين و لا خلاف بينهم انه يتحلل بالهدي و المشهور انه يبعث ما ساقه، و لو لم يسق بعث هديا او ثمنه و لا يحل حتي يبلغ الهدي محله و هو مني ان كان حاجا و مكة ان كان معتمرا.

و في الجواهر عن الاكثر تقييد مكة بفناء الكعبة و ابن حمزة بالحزورة و عن الراوندي تخصيص مكة بالعمرة المفردة و جعل مني محل المتمتع بها كالحج و القول الاخر في المسألة للاسكافي فانه حكي عنه تخييره بين الذبح حيث احصر و البعث و جعله اولي و القول الثالث عن الديلمي فانه فصل بين التطوع و حجة الاسلام قال و اما المحصور بالمرض فهو علي ضربين: احدهما في حجة الاسلام و الآخر في التطوع فالاول يجب بقاؤه علي احرامه حتي يبلغ الهدي محله ثم يحل من كل شي ء احرم منه الا النساء فانه لا يقربهن حتي يقضي مناسكه من قابل و الثاني ينحر هديه و قد احلّ

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 404

من كل شي ء احرم منه «1» و لعل هذا هو مختار المفيد لروايته عن مولانا الصادق عليه السّلام في المقنعة: قال عليه السّلام: المحصور بالمرض ان كان ساق هديا اقام علي احرامه

حتي يبلغ الهدي محله ثم يحل و لا يقرب النساء حتي يقضي المناسك من قابل، هذا اذا كان في حجة الاسلام فامّا حجة التطوع فانه ينحر هديه و قد حلّ مما كان احرم منه فان شاء حج من قابل و ان لم يشاء لم يجب عليه الحج «2» الا ان فيه مضافا الي ضعف سنده بالارسال احتمال كون قوله: هذا اذا كان في حجة الاسلام الخ من كلامه دون كلام الامام عليه السّلام و مثله في الارسال ما رواه في الفقيه قال: و قال الصادق عليه السّلام المحصور و المضطر ينحران بدنتيهما في المكان الّذي يضطران فيه «3» و رواه في المقنع أيضا «4» و عن الجعفي انه يذبح مكان الاحصار ما لم يكن ساق و هذا قول رابع الا انه يرد اطلاقه بما رواه الصدوق باسناده عن رفاعة بن موسي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال:

خرج الحسين عليه السّلام معتمرا و قد ساق بدنة انتهي الي السقيا فبرسم فحلق شعر رأسه و نحرها مكانه ثم اقبل حتي جاء فضرب الباب فقال علي عليه السّلام: ابني و رب الكعبة افتحوا له و كانوا قد حموه (حملوا له) الماء فاكب عليه فشرب ثم اعتمر بعد «5» و هو فانه يدل علي جواز نحر بدنته التي ساقها في مكانه في العمرة المفردة و يدل علي جوازه في العمرة المفردة و ان لم يسق ما في رواية اخري و هي صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال فيها: ان الحسين بن علي عليهما السّلام خرج معتمرا فمرض في الطريق فبلغ عليّا عليه السّلام ذلك و هو بالمدينة فخرج في طلبه فادركه في السقيا

و هو مريض فقال: يا بني ما تشتكي؟ فقال: اشتكي راسي. فدعا علي عليه السّلام ببدنة فنحرها

______________________________

(1)- المراسم ص 246.

(2)- المقنعة ص 96.

(3)- وسائل الشيعة، ابواب الاحصار و الصد، ب 6 ح 3.

(4)- وسائل الشيعة، ابواب الاحصار و الصد، ب 1 ح 2.

(5)- وسائل الشيعة، ابواب الاحصار و الصد ب 6 ح 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 405

و حلق رأسه و رده الي المدينة فلما برأ من وجعه اعتمر فقلت: أ رأيت حين برأ من وجعه أحلّ له النساء؟ فقال: لا تحل له النساء حتي يطوف بالبيت و يسعي بين الصفا و المروة قلت: فما بال النبي صلّي اللّه عليه و آله حين رجع الي المدينة حلّ له النساء و لم يطف بالبيت؟

فقال: ليس هذا مثل هذا (ليسا سواء) النبي صلّي اللّه عليه و آله كان مصدودا و الحسين عليه السّلام محصورا «1» و لا يخفي عليك ان مقتضي الرواية الاولي و ان كان يرد اطلاق مختار الجعفي الّا انها و الثانية تدلان علي جواز النحر في مكان الحصر للمحصور في العمرة المفردة مطلقا ساق الهدي او لم يسق خلافا لاطلاق المشهور و قد اختار بعض المعاصرين التخيير بين بعث الهدي و الذبح او النحر في مكانه.

قال في الجواهر انّ صحيح ابن عمّار و قوي رفاعة محتملان بل قيل: ظاهر ان في الضرورة التي يحتملها كلام الصدوق أيضا بل قد يحتملان عدم احرام الحسين عليه السّلام و انما نحر هو و امير المؤمنين عليهما السّلام تطوعا و احتمال الثاني خلاف الظاهر و الاول ليس ببعيد.

و في الجواهر احتج للقول المشهور بظاهر الآية الكريمة فانه يدل علي تعين البعث خلافا للاسكافي.

و عدم التفصيل بين حجة الاسلام

و التطوع خلافا للمفيد و الديلمي و كذلك عدم التفصيل بين سائق الهدي و غيره و خلافا للجعفي. «2»

و أيضا عدم التفصيل بين العمرة المفردة بالقول بالتخيير فيها و بين غيرها خلافا لبعض الاعلام من المعاصرين «3» و هكذا احتج بظاهر طائفة من النصوص منها

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ابواب الاحصار و الصد ب 1 ح 3.

(2)- جواهر الكلام: 20/ 146.

(3)- المعتمد: 5/ 453.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 406

صحيح الحلبي الّذي عبّر عنه في الجواهر بالخبر المشتمل علي احتجاج النبي صلّي اللّه عليه و آله بالآية الكريمة «1» و فيه:

قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: «لو كنت استقبلت من امري ما استدبرت لفعلت كما امرتكم، و لم يكن يستطيع ان يحلّ من اجل الهدي الّذي معه ان اللّه عز و جل يقول:

و لا تحلقوا رءوسكم حتي يبلغ الهدي محلّه» «2».

و لكن يمكن ان يقال ان ذلك في مورد القارن الّذي ساق الهدي.

فان تم الاستدلال بظاهر الآية كما سمعت فهو و الا لا يتم الاستدلال بهذا الصحيح لما نحن فيه.

و لا يخفي عليك ان الصحيح لا يدل علي احتجاج النبي صلّي اللّه عليه و آله كما في الجواهر بالآية بل ظاهره احتجاج الامام عليه السّلام بها.

و منها صحيح معاوية بن عمّار المشتمل علي خروج الحسين عليه السّلام معتمرا و قد مرّ ذيله الا ان فهم بعض ما اريد منه يحتاج الي التأمل و الحديث منقول في الكافي و التهذيب و بين بعض الفاظهما اختلاف و الظاهر ان الصحيح هو ما في الكافي و أليك لفظ الكافي:

عن معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سمعته يقول المحصور غير المصدود المحصور المريض و المصدود الّذي

يصده المشركون كما ردّوا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و اصحابه ليس من مرض و المصدود تحل له النساء و المحصور لا تحلّ له النساء قال: و سألته عن رجل احصر فبعث بالهدي قال: يواعد اصحابه ميعادا ان كان في الحج فمحل الهدي يوم النحر فاذا كان يوم النحر فليقص من رأسه و لا يجب

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 20/ 148.

(2)- وسائل الشيعة، ابواب اقسام الحج ب 2، ح 14.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 407

عليه الحلق حتي يقضي المناسك و ان كان في عمرة فلينظر مقدار دخول اصحابه مكة و الساعة التي يعدهم فيها فاذا كان تلك الساعة قصر و احل، و ان كان مرض في الطريق بعد ما احرم فاراد الرجوع رجع الي اهله و نحر بدنة او اقام مكانه حتي يبرأ اذا كان في عمرة، و اذا برأ فعليه العمرة واجبة و ان كان عليه الحج رجع او اقام ففاته الحج فان عليه الحج من قابل فان الحسين بن علي صلوات اللّه عليهما خرج معتمرا الحديث» «1».

و مقتضي مدلول صدر الصحيح الي قوله: و ان كان مرض هو القول المشهور الّا ان التوفيق بين صدره و ذيله كانه لا يستقيم او لا يتم الّا علي الذهاب الي خلاف المشهور اذا فيكفي في ذلك سائر الروايات مما اشار إليها في الجواهر و ضعف سند بعضها منجبر بموافقة الكتاب و عمل الاصحاب و اللّه هو الهادي الي الصواب.

ثم انه لا يخفي عليك ان السيد صاحب المدارك كما حكي عنه قال: قول ابن الجنيد بالتخيير بين البعث و بين الذبح حيث أحصر لا يخلو من قوة خصوصا بغير السائق.

ثم قال بعد ايراد صحيح معاوية بن عمار:

هذه الرواية لا تدل علي وجوب البعث اذا وقع الاحصار بعد الاحرام بل مقتضي قوله عليه السّلام: فان كان مرض في الطريق بعد ما خرج فاراد الرجوع رجع الي اهله و يجزيه وجوب النحر في مكان الاحصار و كذا فعل امير المؤمنين عليه السّلام بالحسين عليه السّلام و علي هذا فيمكن حمل قوله عليه السّلام في أوّل الرواية علي الهدي المتطوع به اذا بعثه المريض من منزله و في مرآة العقول قال: و لا يخفي متانته «2».

______________________________

(1)- صدره في الوسائل ابواب الاحصار و الصد ب 2 ح 1 و ذيله في نفس تلك الابواب ب 1 ح 3.

(2)- مدارك الاحكام: ج 8/ 303.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 408

اقول: لعل عبارة العلامة المجلسي كانت غيرها و الا فأي متانة فيما افاد صاحب المدارك مع انه حكي عن المنتقي انه قال:

قوله في هذا الحديث: و ان كان مرض في الطريق بعد ما يخرج تصحيف ظاهر اتفقت فيه النسخ و صوابه بعد ما يحرم و قد مضي في رواية الشيخ بعد ما احرم.

ثم انه يمكن تقوية مختار الجعفي الّذي قلنا تبعا لصاحب الجواهر انه مردود بفعل الحسين عليه السّلام بصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام انه قال: «في المحصور و لم يسق الهدي قال: ينسك و يرجع». «1»

فان مفهومه انه اذا ساق يبعث بالهدي غاية الامر انه يقيد بفعل الحسين صلوات اللّه عليه في العمرة المفردة ان لم نحمله علي الضرورة فنبقي نحن و هذا الصحيح الدال علي التفصيل المذكور الا ان يقال:

ان قوله تعالي: فما استيسر من الهدي ظاهر في من لم يسق الهدي او منصرف عن خصوص من ساق الهدي.

و يمكن ان

يقال: ان مرجع الاقوال المذكورة غير القول المشهور ليس عدم اجزاء الاخذ بالقول المشهور بل يرجع في مواردها الي عدم تعين العمل بالقول المشهور و جواز الاكتفاء بغيره مثل القول بالتخيير و القول بالتفصيل بين الواجب و المندوب فان الظاهر منه انه مخير في المندوب بين البعث و الذبح في مكانه فلا يحرم عليه البقاء علي احرامه حتي يذبح هديه في مكة او مني و هكذا يأتي الكلام في القول بالتفصيل بين ما ساق الهدي و من لم يسق و كذلك التخيير بين العمرة المفردة و غيرها و علي هذا مقتضي الاحتياط و الاصل الاخذ بقول المشهور بالبعث بالهدي حتي في صورة الضرورة و كون التأخير ضررا عليه لجواز التحليل له حينئذ بدون النحر في

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ابواب الاحصار و الصد ب 7 ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 409

مكانه بل الاكتفاء به خلاف الاحتياط و اللّه هو العالم.

مكان الهدي للمحصور

مسألة 129- مكان الهدي للمحصور ان كان حاجا مني و ان كان معتمرا مكة.

و عن الشهيد رفعت درجته انه قال و ربما قيل بجواز النحر مكانه اذا اضر به التأخير و هو في موضع المنع لجواز التعجيل مع البعث يعني تعجيل الاحلال قبل بلوغ الهدي محله فانما فيه مخالفة واحدة لاصل الشرع و هو الحلق قبل بلوغ محله بخلاف ما اذا نحر مكانه «1» ففيه مع ذلك مخالفة بانه لم يبلغ الهدي محله اصلا و هذا لا بأس به و لا يقال ان الضرورة مقتضية للاعم من ذلك فيجوز له ذبح الهدي في مكانه و الحلق بدعوي ظهور بعض النصوص فيه و ذلك مثل ما رواه الشيخ باسناده عن موسي بن القاسم «2» عن عبد الرحمن

«3» عن المثني «4» عن زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «أحصر الرجل فبعث بهديه ثم آذاه رأسه قبل ان ينحر فحلق رأسه فانه يذبح في المكان الّذي احصر فيه او يصوم او يطعم ستة مساكين» «5» فانه يقال: انه ظاهر في وجوب الفداء كما عن المنتهي التصريح به مستدلا به اذا فلا يتبدل التكليف ببلوغ الهدي محلّه بنحره او ذبحه في مكانه و يدل علي كون ما في هذه الرواية الكفارة قوله تعالي: «فَمَنْ كٰانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذيً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيٰامٍ أَوْ صَدَقَةٍ

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 20/ 147.

(2)- ثقة جليل واضح الحديث حسن الطريقة له ثلثون كتابا …

(3)- ابن أبي نجران ثقة ثقة معتمد علي ما يرويه له كتب كثيرة …

(4)- ابن الوليد الحناط له كتاب يروي عنه جمع من الاكابر فهو موثوق به.

(5)- وسائل الشيعة، ابواب الاحصار و الصد، ب 5، ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 410

أَوْ نُسُكٍ»

و علي ما ذكر فعلي الّذي حلق قبل بلوغ هديه محله الفداء مضافا الي الهدي الّذي بعث به و اللّه هو العالم.

و اما زمان الهدي فيستفاد من الجواهر اقتصار الاصحاب في الحج علي يوم النحر «1» و لعله للاقتصار عليه في صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام و فيه:

و ان كان في حج فمحل الهدي يوم النحر و اذا كان يوم النحر فليقصر من رأسه «2» و مضمر زرعة و فيه و محله مني يوم النحر اذا كان في الحج «3» الا ان المحكي عن القواعد زيادة ايام التشريق و لا بأس به لان ايام التشريق ايام ذبح الهدي و إرادة ذلك من يوم النحر ليس ببعيد

و لكن الاقتصار علي يوم النحر هو الاحوط.

اللهم الا ان يقال يراعي في ذلك ما واعد اصحابه فلا يجوز له التقصير يوم النحر الا اذا عين يوم النحر الميعاد هذا في الحج و اما في العمرة فيجزي في كل يوم يعد اصحابه لذلك كما هو المصرح به في الروايتين و اللّه هو العالم.

[المحصور إذا بلغ هديه محله و قصر أحلّ من كل شي ء علي المحرم إلّا النساء]

مسألة 130- المحصور اذا بلغ هديه محله و قصر احلّ من كل شي ء علي المحرم الّا النساء فانه لا يحل منهن الّا ان يحج في القابل ان كان واجبا و ان كان تطوعا يطاف عنه طواف النساء.

لصحيح معاوية بن عمار الّذي سبق ذكره و فيه المصدود تحل له النساء و في الجواهر عن المنتهي نسبته الي علمائنا بل في كشف اللثام نسبة ذلك الي النصوص و الاجماع علي كل من المستثني و المستثني منه و هو كذلك ثم تمسك بالصحيح المذكور

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 20/ 147.

(2)- وسائل الشيعة، ابواب الاحصار و الصد، ب 2، ح 1.

(3)- وسائل الشيعة، ابواب الاحصار و الصد، ب 2، ح 2.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 411

و الصحيح الاخر المشتمل علي احصار مولانا الحسين عليه السّلام.

و قال: مضافا الي النصوص المتقدمة في من نسي طواف النساء الدالة علي جواز الاستنابة فيه و ان تمكن من الرجوع بنفسه و علي ذلك يكفيه ان كان حجه تطوعا طواف النساء عنه و امّا في الواجب فلا يحل منهن الّا بالحج في القابل نعم لو لم يتمكن منه بالمباشرة يجزيه الاستنابة.

ثم انه قد حكي عن الدروس انه: لو حصر في عمرة التمتع فالظاهر حلّ النساء له اذ لا طواف لاجل النساء فيها و هو قريب ينطبق مع ما يستظهر من الروايات فان الظاهر

منها كما في الجواهر في اخر ما افاده في المسألة: اعتبار الطواف في حلهن مع الحصر عن النسك الّذي يتوقف حلهن عليه أمّا اذا لم يكن معتبرا فيه ذلك فالمحلل للنساء و غيرهن متحد و هو الاتيان بالنسك او ما جعله الشارع محلا في الحصر و هو الهدي (قال) و لعل هذا هو القوي و ان كان الاحوط الاتيان به مباشرة او استنابة في الحال الّذي تجوز فيه و علي هذا لا حاجة الي الاستدلال بصحيح البزنطي الّذي يأتي الكلام فيه. «1»

تنبيه: قد استدل لحل النساء علي المحصور في عمرة التمتع بصحيح البزنطي:

قال: «سألت أبا الحسن عليه السّلام عن محرم انكسرت ساقه أي شي ء يكون حاله و اي شي ء عليه؟ قال: هو حلال من كل شي ء فقلت: من النساء و الثياب و الطيب؟ فقال:

نعم من جميع ما يحرم علي المحرم ثم قال: أ ما بلغك قول أبي عبد اللّه عليه السّلام: حلّني حيث حبستني لقدرك الّذي قدرت عليّ. قلت: اصلحك اللّه ما تقول في الحج؟ قال: لا بد ان يحج من قابل الحديث». «2»

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 20/ 152

(2)- وسائل الشيعة، ابواب الاحصار و الصد، ب 8، ح 1.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 412

و لكن في الجواهر انه لا قائل به لانه مطلق يشمل العمرة المفردة و الحج باقسامه و اخراج ما عدا العمرة المتمتع بها بالاجماع و ان امكن جمعا بين الصحيح و الاجماع الا انه غير منحصر في ذلك اذ من المحتمل حمله علي التقية فان من العامة من يري الاحلال حتي من النساء مطلقا و منهم من لا يري الاحلال الا ان يأتي بالافعال فان فاته الحج تحلل بالعمرة خصوصا مع كون زمان

الامام عليه السّلام المروي عنه في شدة التقية او اذا استناب و طيف عنه علي انه معارض بما سمعته من قضية الحسين عليه السّلام و غيره مما لا فرق فيه بين عمرة التمتع و غيرها مضافا الي الاستصحاب.

و يمكن ان يقال: اما في امكان الجمع بين الصحيح و الاجماع باخراج ما عدا العمرة المتمتع بها منه بالاجماع بانه كالتخصيص بالاكثر مضافا الي ان ابقاء العمرة المتمتع بها تحته انّما يتم اذا كان لو لاه لبقي تحته مع انا قلنا انه يحل له النساء بالحصر علي حاله فلا بد من حمل صحيح البزنطي علي التقية.

اللهم الا ان يقال: ان الصحيح ورد فيما اذا اشترط في احرامه علي ربّه ان يحلّه حيث حبسه و ما يدل علي عدم حلّية النساء وارد فيمن لم يشترط و كانه ذهل ذلك عن صاحب الجواهر قدس سره و بالجملة لا تعارض بين الطائفتين لورود احدهما في حكم المحصور الّذي لم يشترط و مع ذلك حيث ردّ بعض الاعلام من المعاصرين استدلال الدروس لحلّية النساء علي المحصور في عمرة التمتع صار في مقام الاستدلال بصحيح البزنطي بيانه ان نسبة صحيح البزنطي مع صحيح معاوية بن عمار (المحصور لا تحل له النساء) و ان كانت التباين الّا انه بعد تخصيص عموم صحيح البزنطي بصحيح اخر لمعاوية بن عمار الحاكي لعمرة سيدنا الحسين عليه السّلام الدال علي توقف التحلل علي اتيان العمرة بعد الافاقة و رفع الحصر تنقلب النسبة بينه و بين صحيح معاوية بن عمار (المحصور لا تحل له النساء) بالعموم و الخصوص فيرفع اليد عن

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 413

عموم صحيح معاوية بن عمار بصحيح البزنطي في عمرة التمتع بل قال في

الحج أيضا ان لم يتم اجماع علي توقف حلية النساء فيه بالعمرة المفردة. «1»

و لكن يرد عليه:

أولا: ان صحيح البزنطي وارد فيمن اشترط علي اللّه تعالي.

و ثانيا: قد قلنا انه لا يشمل قوله (المحصور لا تحل النساء) المحصور في العمرة المتمتع بها التي يحل فيها من النساء بما يحل به عن سائر المحرمات.

و ثالثا: انه من التخصيص المستهجن لانه يلزم منه اما عدم بقاء فرد من العام تحت عموم (المحصور لا تحل النساء) او بقاء خصوص العمرة المتمتع به.

و بعد ذلك كله لا يقال: ان قوله عليه السّلام في صحيح البزنطي أ ما بلغك … لا يدل علي ان الّذي انكسرت ساقه اشترط بعد ما كان السؤال عنه خاليا من ذلك.

فانه يقال: ان الظاهر من قوله هذا ان الجواب يكون علي البناء علي اشتراطه بعد ما كان قول أبي عبد اللّه عليه السّلام و تعليمه مشهورا بين الشيعة و اللّه هو العالم.

[اذا تحلل يوم النحر من بعث الهدي ليذبح عنه أو أرسل دراهم لشرائه و الذبح عنه ثم ظهر انه لم يذبح لا يبطل تحلله لذلك]

مسألة 131- اذا تحلل يوم النحر من بعث الهدي ليذبح عنه أو أرسل دراهم لشرائه و الذبح عنه ثم ظهر انه لم يذبح لا يبطل تحلله لذلك فلا اثم عليه و لا كفارة فيما فعله من منافات الاحرام و يبقي عليه ذبح هدي في القابل و هل هو متحلل بعد كشف الخلاف فلا يجب عليه الامساك من المحرّمات الا من النساء او انه لم يتحلل واقعا و انما تحلل ظاهرا و بالحكم الظاهري الطريقي و انما ليس عليه الاثم و الكفارة لكونه معذورا؟

الظاهر من صحيح معاوية بن عمار علي ما رواه الشيخ انه ليس عليه شي ء

______________________________

(1)- المعتمد: 5/ 453.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 414

و يجب عليه البعث من قابل و الامساك عن المحرمات

بقائه علي الاحرام ففيه: «فان ردوا الدراهم و لم يجدوا هديا ينحرونه و قد احل لم يكن عليه شي ء و لكن يبعث من قابل و يمسك أيضا «1» و هكذا معتبر زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام و فيه: قلت: أ رأيت ان ردوا عليه دراهمه و لم يذبحوا عنه و قد احل فاتي النساء قال: فليعد و ليس عليه شي ء و يمسك الآن عن النساء اذا بعث» «2» و القول بانه خرج باحلاله المأذون فيه عن الاحرام كما حكي عن المحقق في النافع و العلامة في المختلف و غيرهما بل هو ظاهر الشرائع و حمل الخبرين علي الاستحباب و التمسك بالاصل بعد انه خرج من الاحرام بالاحلال «3» ضعيف جدا.

فان الخروج من الاحرام و وقوع الاحلال مشروط ببلوغ الهدي محله و الفرض عدم بلوغه و وجوب البعث بالهدي او ارسال الدراهم للشراء طريقي لاجل الذبح او النحر و الخبران ظاهران في الوجوب و الاصل عدم الخروج من الاحرام فيجب عليه الامساك من المحرّمات حتي يحج في القابل و هذا هو القول المشهور علي ما حكي الاعتراف به في الجواهر عن ثاني الشهيدين و غيره. «4»

هذا و لقائل أن يقول: ان ارسال الدراهم للشراء طريقي معناه انه لا يسقط بمجرده نحر الهدي و لا يستلزم ذلك كون جواز الاحلال حسب المواعدة التي وقعت بين المحصور و اصحابه في الواقع دائرا مدار ذبح الهدي و بلوغه محله و علي هذا يكون الامساك و بعث الهدي تكليفا جديدا علي غير المحرم و قوله عليه السّلام في رواية زرارة:

و ليمسك الآن عن النساء اذا بعث ظاهر في ذلك فهو بعد انكشاف الخلاف ما بينه بين

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ابواب

الاحصار و الصد، ب 2، ح 1.

(2)- وسائل الشيعة، ابواب الاحصار و الصد، ب 1، ح 5.

(3)- جواهر الكلام: 20/ 153.

(4)- جواهر الكلام: 20/ 153.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 415

زمان يبعث بالهدي ان كان حصره باقيا او يأتي بالحج محل يجوز له ارتكاب محرمات الاحرام. نعم هو مكلف بالامساك عن النساء او مطلقا من حين البعث قوله تعالي: وَ لٰا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّٰي يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ ظاهر في بلوغه بحسب الحال فالمتجه بعد ذلك وجوب الامساك من البعث و ان كان الاحوط من حين الانكشاف.

ثم انه هنا اشكال ذكره في الجواهر و هو ان قوله في السؤال في معتبر زرارة: و قد احل فاتي النساء بل و جواب الامام عليه السّلام: فليعد و ليس عليه شي ء فليمسك الآن عن النساء اذا بعث يدل علي حلّية النساء للمحصور ببلوغ الهدي مع انك عرفت عدم حلهن الا بالطواف بالمباشرة او بالنيابة و قد ذكر في ردّ هذا الاشكال في الجواهر وجوها لم يرتضيها.

و لذا قال: لعل الاولي حمله علي عمرة التمتع التي قد عرفت ان الاقوي عدم الاحتياج حل النساء فيها الي الطواف «1». و اللّه هو العالم.

[إذا زال العارض بعد بعث الهدي قبل أن يتحلل يتم المناسك]

مسألة 132- اذا زال العارض بعد بعث الهدي قبل ان يتحلل يتم المناسك في العمرة المفردة و في الحج يتمها ان لم يفت الوقت.

و ذلك لكشف الخلاف عما ظنه من العذر و الحصر و بقاء حكم وجوب الاتمام علي حاله فالحاج يتم حجه ان ادرك احد الموقفين في وقته علي وجه يصح حجه و ان لم يدرك احد الموقفين لعذر آخر فالظاهر انه يتحلل بالعمرة كغيره ممن فاته الموقفين و ان ذبحوا عنه هديه و في العمرة المفردة ان

دخل مكة بعد ما ذبحوا هديه الظاهر انه يتم المناسك و في الكافي في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام قال:

«اذا احصر الرجل بعث بهديه فاذا افاق و وجد من نفسه خفة فليمض ان ظن انه

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 20/ 155

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 416

يدرك الناس فان قدم مكة قبل ان ينحر الهدي فليقم علي احرامه حتي يفرغ من جميع المناسك و ينحر (لينحر) هديه و لا شي ء عليه، و ان قدم مكة و قد نحر هديه فان عليه الحج من قابل او العمرة قلت: فان مات و هو محرم قبل أن ينتهي الي مكة قال:

يحج عنه ان كانت حجة الاسلام و يعتمر انما هو شي ء عليه». «1»

و المستفاد منه ان ادرك الناس في الحج و ادرك من المناسك ما يصح باتيانه الحج يقيم علي احرامه و يتم حجه

و اما قوله: و ان قدم مكة و قد نحر فيمكن ان يكون المراد منه انه بعد ما ظن انه يدرك الناس و لكن لعروض بعض العوارض عدم ادراكهم فحاله حال من فات منه الموقفين لضيق الوقت يتبدل حجه بالعمرة فيتحلل باتيان اعمال العمرة كسائر المعتمرين و عليه الحج من قابل ان كان حجه حجة الاسلام المستقرة الا انه يبقي الكلام في قوله: او العمرة و هو في التهذيب بالواو (و العمرة) و عليه يمكن ان يكون المراد منه حج التمتع الّذي فيه العمرة «2» و قوله: عليه الحج من قابل و العمرة يعني به (حج التمتع) و كانه كان السؤال عمن احرم لحج التمتع او لعمرته فحصر.

و يمكن ان يقال علي نسخة الكافي ان المراد من قوله عليه السّلام: «و ان قدم مكة و

قد نحر هديه».

انه كشف له خلاف ما ظن من انه يدرك الناس فيعلم بذلك ان تكليفه التقصير و الخروج من الاحرام و بعد ذلك بالنسبة الي النساء اما ان يقيم علي احرامه منهن الي ان يحج بالقابل فهو و ان اراد الخروج عن احرامه ذلك يأتي بالعمرة.

و كيف كان ففي المسألة فرعان:

______________________________

(1)- الكافي، ج 4، ص 370، ح 4.

(2)- التهذيب، ج 5، ص 467، ح 112/ 1466.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 417

احدهما: زوال العارض بعد البعث و قبل التحلل و عدم فوات الوقت للاتيان بالمناسك المامور باتيانها و حكمه علي نص هذا الصحيح الاتيان بالمناسك و اتمام الحج و لا شي ء عليه و في العمرة المفردة الحكم اتمامها مضافا الي ان غاية ما يستفاد مما يدل علي اجزاء الاحلال بالحصر و البعث ما اذا بقي الحصر الي تمام التقصير دون ما اذا وقع قبله فانه محرم تمكن من اداء المناسك فيأتي بها.

و الثاني: ان ظن او علم بعد زوال العذر و قبول التقصير انه مدرك الموقفين و ذهب ليلحق باصحابه و لكن اتفق فوت الحج منه لجهة اخري فالحكم فيه الخروج من الاحرام بالعمرة فانه حكم من فاته الحج غير المحصور و المصدود.

و لا يقال انه يوجب عليه الجمع بالتكليفين: احدهما بعث الهدي الّذي اتي به و الآخر العمرة فانه يقال تكليفه الواقعي في صورة زوال الحصر قبل التقصير هو الاحلال بالعمرة بخلاف البعث فانه حكم ظاهري انكشف عدم تكليفه به واقعا.

[المعتمر مفردة اذا أحصر و بعث الهدي و تحلل يقضي عمرته بعد زوال العذر وجوبا]

مسألة 133- المعتمر مفردة اذا أحصر و بعث الهدي و تحلل يقضي عمرته بعد زوال العذر وجوبا مع استقرار وجوبها او استمراره و الا فندبا.

و الظاهر انه لا يعتبر في صحتها مضي الشهر

بينها و بين العمرة الّتي تحلل منها بالحصر و ذلك لبطلان التي احصر فيها و لا دليل علي احتمال اعتبار مضي الشهر بين الاحرامين و لكن حكي عن الشيخ في النهاية و المبسوط و بني حمزة و البراج و ادريس اشتراط فصل شهر بينهما و عن المدارك

ان ظاهر الاصحاب ان الخلاف هنا كالخلاف في اصل المسألة في الزمان الّذي يجب كونه بين عمرتين فكانه اراد بذلك انه لا خلاف بينهم في الاشتراط هنا في الجملة، و عن الدروس: المعتمر افرادا يقضي عمرته في زمان يصح فيه الاعتماد ثانيا و مع ذلك لا يرد بما قيل امكان الفرق بين المقامين بل وجوده و مقتضي الاصل

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 418

و اطلاق الدليل عدم الاشتراط «1» و اللّه هو العالم.

[يجب علي القارن اذا احصر و تحلل الحج في القابل قرانا.]

مسألة 134- يجب علي القارن اذا احصر و تحلل الحج في القابل قرانا.

و يدل عليه صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام و صحيح رفاعة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قالا: القارن يحصر و قد قال و اشترط فحلني حيث حبستني؟ قال: يبعث بهديه قلنا: هل يتمتع في القابل؟ قال: لا و لكن يدخل في مثل (بمثل) ما خرج منه «2» و ما رواه الكليني بسند سهل عن رفاعة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام و فيه قلت: رجل ساق الهدي ثم احصر؟ قال: يبعث بهديه. قلت: هل يستمتع من قابل؟ فقال: لا و لكن يدخل في مثل ما خرج منه «3».

و حكي القول بذلك عن النهاية و المبسوط و التهذيب و المهذب و غيرهم بل الاكثر بل المشهور كما في الجواهر. «4» و يمكن ان يقال ان القدر المتيقن منه ما اذا كان

تكليفه القران تعيينا او تخييرا من الاصل فمن كان تكليفه التمتع و انما اتي القران للضرورة يقضي ما عليه في الاصل و هل يلحق بالقران الافراد و التمتع فلا يقضي الافراد الا مفردا او متمتعا وجه الالحاق عدم الفرق علي الظاهر بين القران و الافراد و التمتع سيما من جهة ان بيان حكم القران كان لاجل ان سؤال السائل كان منه و لعله كان منه أيضا علي سبيل المثال و وجه عدمه الاقتصار علي المورد و عدم التعدي منه الي غيره فمقتضي الاصل عدم الالحاق و اللّه هو العالم.

و ليكن هذا آخر ما كتبناه حول مسائل الحج و قد بقيت مسائل كثيرة حول باب الكفارات و غيرها و لا حول و لا قوة الا باللّه و الحمد للّه أولا و آخرا و صلوات اللّه

______________________________

(1)- جواهر الكلام: 20/ 157.

(2)- التهذيب، كتاب الحج، ح 1468/ 14.

(3)- الكافي، ج 4، ص 371، ح 7.

(4)- جواهر الكلام: 20/ 157.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 419

و سلامه علي خاتم النبيين سيدنا أبي القاسم محمد و آله الطيبين الطاهرين سيما مولانا بقية الله عجل اللّه تعالي فرجه الشريف و اللعن الدائم علي اعدائهم اجمعين. ربنا اغفر لنا ذنوبنا و اسرافنا في امرنا و اعف عنا و ارحمنا انك انت الغفور الرحيم و كان ذلك في اليوم الثاني عشر من شهر ذي القعدة الحرام من شهور السنة 1425 الهجرية القمرية و انا أقل العباد عملا و اكثرهم زلّا.

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 421

الفهرس

الكلام في شرائط الطواف في شرائط الطواف 7

الطواف فيما يعفي عنه في الصلاة 13

الشك في الطهارة أثناء الطواف 14

الشك في الطهارة بعد الفراغ من الطواف 15

اذا احدث في طواف الفريضة

18

وجوب الختان في الطواف 21

وجوب ستر العورة في الطوائف 23

وجوب كون الساتر مباحا في الطواف 26

الكلام في واجبات الطواف واجبات الطواف 29

وجوب الابتداء بالحجر الاسود 29

وجوب الطواف علي يسار الطائف 31

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 422

حكم الطواف علي حائط الحجر 34

حكم المشي علي الشاذ روان 35

حكم دخول الكعبة في اثناء الطواف 35

وجوب كون الطواف بين الكعبة و المقام 37

وجوب كون الطواف سبعة اشواط 40

عدم جواز قطع الطواف بغير عذر 41

عدم وجوب حفظ الموالاة في مواضع 44

اذا نقص من طوافه سهوا 44

اذا نقص من طوافه لحاجة 44

لو مرض في اثناء الطواف 44

لو احدث في طواف الفريضة 46

حكم الزيادة عمدا علي السبع في الطواف الواجب 47

اذا زاد في طوافه علي السبع قبل بلوغه الركن 53

من زاد علي السبعة في طواف الفريضة سهوا 55

و فيه مواضع من النظر: 59

تنبيهان: 60

الكلام في ركعتي الطواف ركعتي الطواف 65

وجوب وقوع صلاة الطواف خلف المقام 67

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 423

عدم جواز صلاة الطواف في جانبي المقام 71

الكلام في نسيان صلاة الطواف 73

فروع: 78

في ما اذا لم يتمكن من الصلاة خلف المقام 78

حكم الجاهل اذا لم يأت بصلاة الطواف 79

جواز ايقاع صلاة الطواف في اي موضع من المسجد 79

اذا ترك الصلاة الفريضة عمدا 80

الكلام في السعي في السعي 87

وجوب ابتداء السعي من الصفا 89

وجوب الصعود علي الصفا 90

وجوب السعي علي النحو المتعارف 94

جواز السعي راكبا 94

اعتبار الموالاة في السعي» 96

احكام السعي 98

لو ترك السعي ناسيا 100

حكم الزيادة علي السبع في السعي 102

حكم من تيقن عدد الاشواط و شك فيما بدأ به 105

حكم الشك في عدد الاشواط 105

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 424

حكم ما اذا تيقن النقيصة 106

اعتبار إباحة اللباس و المركوب في

السعي 109

الكلام في التقصير في التقصير 113

افضلية التقصير علي الحلق في العمرة 115

حكم ترك التقصير سهوا 116

حكم ترك التقصير عمدا 117

حلّية جميع ما كان محرما علي المحرم بعد التقصير 120

ان تعمد ذلك في اوّل شهور الحج بثلاثين يوما فليس عليه شي ء 122

عدم وجوب طواف النساء في عمرة التمتع 122

عدم وجوب التقصير فوريا 125

عدم وجوب وقوع التقصير في مكان خاص 126

التخيير في العمرة المفردة بين الحلق و التقصير 126

استحباب التشبه بالمحرمين للمتمتع 127

الكلام في واجبات الحج في واجبات الحج 131

استحباب الاحرام للحج يوم التروية 133

هل يجوز الاحرام لعمرة مفردة بعد الاحرام للحج 133

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 425

الكلام في الوقوف بعرفات الوقوف بعرفات 143

حدود عرفات 143

وقت الوقوف بعرفات 144

وجوب الوقوف في عرفات بنحو الاستيعاب 145

حكم من افاض قبل الغروب جاهلا أو ناسيا 145

مسمي الوقوف في عرفات ركن 148

حكم قاضي العامة برؤية الهلال 150

اذا ادرك اختياري عرفة و اضطراري المشعر 153

اذا لم يدرك إلا اختياري عرفة 153

اذا لم يدرك إلا اضطراري المشعر 157

بيان اقسام الوقوفين 160

الكلام في الوقوف بالمشعر الحرام الوقوف بالمشعر الحرام 169

حكم المبيت في المزدلفة 172

حكم الافاضة عن المشعر قبل طلوع الفجر 174

حكم فيمن فاته الحج 175

الاشتراط حين الاحرام 178

استحباب التقاط الحصي في المشعر 179

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 426

اشتراط بكارت الحصيات في الرمي 181

الكلام في النزول بمني 185 في النزول بمني 187

1- رمي جمرة العقبة 189

ما يعتبر في الرمي 192

الشك في عدد الرمي 194

حكم من نسي الرمي في يوم العيد 195

إيضاح في المراد من الجمرة: 195

2- الذبح او النحر 199

عدم وجوب الهدي علي غير المتمتع 200

وجوب الهدي علي المكي لو تمتع 201

اعتبار نية القربة في الهدي 203

في مكان ذبح الهدي و زمانه 205

لو تعذر

وقوع ذبح الهدي بمني 212

عدم اجزاء الهدي الواحد الا عن واحد 213

حكم ما اذا ضل الهدي 219

جواز اخراج شي ء مما ذبحه من مني 222

صفات الهدي و شرائطه 224

في سن الهدي 225

فقه الحج (للصافي)، ج 4، ص: 427

اشتراط صحة الهدي 228

في الهدي اذا كانت مهزولة 234

في بدل الهدي 239

3- في الحلق و التقصير 273

في مواطن التحلل 295

التحلل الثالث 301

الكلام في الطواف في الطواف 311

الكلام في العودة الي مني الكلام في الاحكام المتعلقة بمني بعد العودة إليها 349

الكلام في رمي الجمرات الثلاث رمي الجمرات الثلاث 363

الكلام في الصد و الاحصار 375 في الصد و الاحصار 377

المقام الاول: في المصدود 379

فروع 397

المقام الثاني: في المحصر و المحصور 403

مكان الهدي للمحصور 409

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.