بحوث معاصرة في الساحة الدولية

اشارة

سرشناسه : سند، محمد، ۱۳۴۰ -
عنوان و نام پديدآور : بحوث معاصره فی‌الساحه‌الدولیه: اثارات العلمانیه‌الغربیه حول‌الاسلام ... / تالیف محمد السند.
مشخصات نشر : قم: مركزالابحاث‌العقائدیه، ۱۴۲۸ق. ۱۳۸۶.
مشخصات ظاهری : ۴۱۷ص.
فروست : دراسات فی‌الفكر‌الاسلامی‌المعاصر فی ضوء مدرسه اهل‌البیت علیهم‌السلام ؛۳.
شابك : 964-319-527-9
وضعیت فهرست نویسی : فهرستنویسی توصیفی
يادداشت : عربی.
یادداشت : كتابنامه: ص.[۴۰۹]- ۴۱۷؛ همچنین به صورت زیرنویس.
شماره كتابشناسی ملی : ۱۱۴۸۵۲۷

الافتتاحية

بسم اللّه الرحمن الرحيم الحمد للّه رب العالمين و الصلاة و السلام علي محمد و آله الطيبين الطاهرين و اللعنة الدائمة علي أعدائهم من الآن الي قيام يوم الدين.
و بعد …
من أمهات الابحاث و المسائل المستجدة و المبتلي بها دائما في هذه الايام المعاصرة بحث ((ملكية الدول الوضعية)).
و موضوع هذا البحث يتمركز حول وجود دليل يمضي للمؤمنين صحة التعامل التجاري و المالي بقطاعه الوسيع مع هذه الدول.
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 4
و سفر الفقهاء مع كثرتها و إلمامها بأعظم الفروع الفقهية لم تشبع البحث في المسألة الحساسة.
فلم نري- حسب تتبعنا- أحدأ من الأعلام قام بعرض المسألة بحثا و استدلالا، و لعل هذا الكتاب له حق السبق في هذا المجال و في بلورة هذه الفكرة و تنقيحها بالصورة الماثلة.
و هو عبارة عن عدة من المحاضرات ألقاها سماحة الشيخ الاستاذ في يومي الخميس و الجمعة من كل أسبوع، و قد شرع فيها بعد إنتهائه من دورته الرجالية، و ذلك في شهر شوال المكرم لعام 1413 ه.
و قد قمنا بإعدادها و تنسيقها عسي أن يعم نفعها و تقع موضعا للقبول في تحقيق هذه المسألة.
و آخر دعوانا أن الحمد للّه رب العالمين
جعفر الحكيم أحمد الماحوزي
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 5

مدخل البحث

اشارة

بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 7
بسم اللّه الرحمن الرحيم مدخل البحث بعد كون الفرد البشري مدنيا بالطبع، كان عيشه ضروريا في مجتمع يحصل به علي حد أدني من النظم، تحت ظل حكومة ما يتوفر بها علي أسوء التقادير ذلك الحد في مرافق الحياة، و هو مفاد قوله عليه السلام (لا بد للناس من أمير بر أو فاجر) «1».
فكان البحث عن التعامل المالي بقطاعه الوسيع مع الدولة الوضعية- غير الشرعية- في البلدان الاسلامية ضرورة ملحة اذ علي القول بعدم النفوذ تصبح الحركة المالية مشلولة و الشريان المالي متوقفا و يستعقب ذلك مضاعفات كثيرة.
فالبحث يدور حول ورود نص تشريعي يمضي للمجتمع المؤمن المسلم هذا التعامل علي نمط (لك المهنا و عليه الوزر) «2» الذي سيأتي تفسيره فنيا لاحقا.
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 8

ملكية العنوان … ص: 8

و ليعلم بادئ بدء أن عنوان الدولة أو الحكومة أو الخزينة الوطنية- بيت المال للمسلمين و الشعب- أو أية عنوان آخر لا كلام في مالكيته عرفا كعنوان الشركة و المؤسسة و المسجد و الحسينية، لإعتبار العقلاء كونه مالكا سواء رجع هذا العنوان بدوره الي مالك آخر شخصي كالشركة و المؤسسة الأهلية أو لا كالمسجد و الشركة و البنك الوطني.
بل في دائرة الاعتبار العقلائي تترامي مالكية بعض العناوين طوليا كما اذا كانت الشركة تملك شركات و الشركات بدورها تملك جمعيات تجارية و هي الاخري تملك اجناسا و أبنية و هلم جرا.
و هذا نظير ما وقع في الابواب الفقهية لدينا من ملكية العبد في الجملة و ملكية سيده له و لما يملكه طولا، و نظير ملكية المسجد لمجمعات تجارية تملك هي أجناس مالية، و نظير ملكية الامام عليه السلام للانفال التي تتملك بالاحياء كما هو أحد التفسيرات الفقهية لذلك الباب.
نعم في ملكية العناوين سواء التي ترجع الي ملاك متشخصين حقيقيين كالبنك و المؤسسة و الشركة الأهلية أو التي لا ترجع الي ذلك كالبنك و الشركة الحكومية و المسجد و الحسينية،
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 9
يقع التبادل و النقل المعاملي مع العنوان لا ما يؤول اليه و ما يكون خلفه كما في عنوان شركة الاشخاص، فالحال في قسمي العنوان علي استواء في وقوع التعامل مع العنوان نفسه.
غاية الامر يكون العنوان كالشخص القاصر المحتاج الي ولي في نفوذ المعاملة معه كما في الصبي و العبد و المسجد من وقوع المعاملة معهم مع تدخل الولي في التصرف لنفوذها.
إلا أن في القسم الاول من العناوين يكون تنصيب الولي من الشركاء، و هو تفويض مطلق منهم لمدير الشركة مثلا، و في القسم الثاني من العناوين يكون التنصيب في القطاع العام منها- كالخزينة الوطنية (بيت المال) و البنك و الشركة و المؤسسة الحكومية- بيد الولي العام و من له زمام الأمور.
و يكون النصب في المحدود غير العام كالمسجد و الحسينية تارة بيد من نصبه الواقف، و أخري بيد الولي العام اذا انتفي الخاص، و غير ذلك من الامثلة القائمة و الموجودة في الاعتبار العقلائي.
فالطبيعة الموجودة للعناوين في الصعيد العقلائي قائمة علي حاجتها إلي ولي يقوم بالتصرف في الاموال المملوكة لتلك العناوين علي جهة مصلحتها، غاية الأمر يقوم ذلك الولي بالتصرف عبر مجموعة هرمية من الموظفين و العمال يستمدون صلاحيتهم و وكالتهم و نيابتهم من الولي في راس الهرم.
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 10
فحينئذ لا يذهب الوهم الي كون البحث هو في قابلية العنوان للتملك عند العقلاء و الإعتبار العرفي، و سيأتي مزيد من الحديث حوله إن شاء اللّه تعالي.
و علي هذا الاساس مثل الخزينة الوطنية- بيت مال المسلمين- لا كلام في تملكه عرفا و شرعا بالأسباب الاولية للملك التي لا تدخل في نطاق التعامل و النقل، كإحياء و استخراج المعادن و الموارد الطبيعية بقصد الملكية العامة للشعب المؤمن المسلم و ان كان القائم علي هذه العملية الاولية الحكومة الوضعية، اذ لا حجر شرعي علي ذلك بعد عدم ارتباطه بجهة الولاية و الحاكمية.
و هذا بخلاف عنوان الحكومة المتقوم بمعني التسلط و الولاية فإنه ملغي شرعا و إن أعتبر في العرف العقلائي، بعد عدم تقرير الشارع لها، فيتحصل لدينا أن العناوين العرفية علي ضربين:
منها: ما أقره الشارع و لم يقر وليه العرفي الموجود خارجا لإشتراطه في الولي مواصفات خاصة.
و منها: ما لم يقره فضلا عن وليه كعنوان الحكومة الوضعية و الشركة و المؤسسة في الأعمال المحرمة كالفجور و الغناء و غيرها.
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 11

مورد النزاع بالدقة … ص: 11

فالنزاع بالدقة ليس في ملكية عنوان الدولة أو عنوان بيت مال المسلمين، إذ الاول كما تقدم قوام مفهومه بالقيومة و الولاية فلا محصل لإضافة الاموال إليه بالملكية العامة، و الثاني لا ريب في تملكه عرفا و شرعا، بل إنما هو في نفاذ تصرفات الدول الوضعية في الاموال العامة- بيت المال- من باب التسهيل علي المكلفين.
و ما هو متداول في القوانين الوضعية اليوم من تصنيف الاموال العامة الي قسمين:
ما هو في حيز ملكية الدولة.
و ما هو في حيز الملكية العامة الوطنية- ملكية الشعب- نظير ما ورد في الشرع من أرض الانفال أنها للامام عليه السلام، و أراضي المفتوحة عنوة أنها للمسلمين، فليس هو تقسيم للملكية بتبع المالك و إنما هو تقسيم لسعة و ضيق صلاحية التصرف مثل أن في الاول يحق للدولة التصرف في عين و رقبة المال بخلاف الثاني ففي منافعه.
أو بكون مصرف الارتفاع المالي في الاول غير محدد نسبيا بخلافه في الثاني ففي الحدمات العامة مثلا، و إلا فالدولة في القانون الوضعي ولي التصرف في كلا القسمين، غايته لما أطلق العنان في الاول اصطلح عليه بالتسمية المزبورة.
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 12
كما أننا في كل ذلك آخذين في الحسبان ما هو قائم و موجود من صيغ الدول في البلدان الاسلامية أكان النظم اشتراكيا- الذي يؤمن و لو علي الصعيد النظري- بالعدالة في توزيع الثروة و الدخل بتملك الدولة الجزء الاكبر من راس المال المستثمر في الصناعة و ادوات الانتاج و منابع الثروات الوطنية مع الاقرار بالملكية الخاصة في الحدود التي تتلاءم مع المبدأ المزبور، و بالنظام النيابي البرلماني في الحكومة و اختيار السلطة العليا و الفرد الاول الذي يتمتع في كثير منها بصلاحيات تفوق صلاحيات بعض الملوك.
أو كان ملوكيا وراثيا- الموازي للرأسمالية- بحتا أو ممزوجا بالنيابي البرلماني في حدود.
حيث أن النظم السائدة علي اختلافها سياسيا و اقتصاديا تشترك في التصرف في الاموال العامة و القطاع المشترك- اتسع نطاقه أم ضاق- و لا وجود للمذهب الفردي الحر في وظائف الدولة القائل:
بعدم تدخل الدولة في ميادين النشاط و الاعمال الفردية الاقتصادية- المالية و الصناعية و التجارية و الزراعية- و قصر دورها في الرقابة و الاشراف علي تلك الانشطة حتي لا تصطدم مع الامن و الاستقرار المادي و الموازنة الاجتماعية.
فبذلك نخرج الي تصوير مركز البحث بأنه من قبيل
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 13
تسلط و تصرف غير الاب علي أموال الصبي، أي تسلط و تصرف غير الولي الشرعي علي الخزينة الوطنية العامة- بيت مال المسلمين- فيقف الاب و الولي الشرعي موقف الناظر الي تلك التصرفات فهل أمضي ما فيه صالح عامة المؤمنين من موقع ولايته، نظير ما أذن و أمضي في الخمس و في المناكح و المتاجر و المساكن.

رسم البحث … ص: 13

و من هنا يرتسم البحث في المسئلة عن ماورد عنهم عليهم السلام بما هم حكام و ولاة الأمر الشرعيين لا بما هم مبينين للتشريعات و القوانين الدينية الثابتة و لا بما هم قضاة، فإن المسائل الفقهية يجب أن تعالج بالفرز و التمييز بين هذه الابواب باب الولاية و باب الفتوي أو التشريعات الكلية الثابتة و باب القضاء.
و بحمد اللّه قد وفقت سلسلة المدونات الفقهية لعلمائنا الابرار بالميز بين البابين الاخيرين بوضوح تام، إلا أن الفرز و التمييز للباب الاول عنهما لم يتخد الصورة المطلوبة.
و ستري في بحثنا هذا انشاء اللّه تعالي أن الموارد الفقهية التي سوف نستدل بها علي أحد الاقوال مدرجة في الابواب الفقهية و مندمجة مع مسائل الفتوي و التشريعات الكلية، بل مارست العملية الفقهية الاستنباط لها كموازين باب التشريعات، بينما هي تخضع
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 14
لميزان باب الولاية.

محاولات لحل العقدة … ص: 14

اشارة

و من ههنا جرت محاولات بعد افتراضها عدم الأذن منهم عليهم السلام لتصحيح التعامل مع الدول القائمة.

الاولي … ص: 14

فقد حكي عن بعض الفقهاء- قدس اللّه أسرارهم- الإذن العام لتصرفات بعض الدول بنمط (لك المهنا و عليه الوزر) تسهيلا علي عامة المؤمنين، من منطلق النيابة عن المعصوم عليه السلام، و بالاذن المزبور تصحح الحركة المالية من و إلي الخزينة الوطنية- بيت المال للمسلمين- و في حدود الممارسات المالية الصحيحة السليمة لا المستشرية للفساد الاداري و المالي.

الثانية … ص: 14

نعم البعض الآخر حيث لم يذهب الي عموم النيابة لهذه المورد أذن في المال المحاز من الدولة عبر التعامل معها من منطلق الولاية علي مجهول المالك، كما سيأتي التعرض له لا حقا، فبين الأذنين بون بعيد حيث أن الاول منهما يسد الطريق علي وجود موضوع الاذن الثاني، حيث لاتبقي أموال الاشخاص علي ملكيتهم الخاصة بالتعامل عليها
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 15
مع الدولة، كي يكون الفائض المالي لدي الدولة مجهول المالك.

الثالثة … ص: 15

و عن بعض ثالث محاولة تصحيح التعامل المالي مع الدولة لا علي نطاقه الواسع بل من خلال التفسير التقنيني لقناة التعامل بعد سلامة نمط المعاملة في نفسه، فمثلا نلاحظ البنك الحكومي علي سبيل المثال نري أن كل الافراد المتعاملين معه هم علي جانب من الرضا و التخويل للبنك في أن يتعامل بأموالهم كوكيل مفوض بين بعضهم البعض بل و مع قطاعات أخري.
فحينئذ البنك الحكومي يستمد شرعيته من الوكالة المفوضة من قبل المتعاملين غاية الامر هي علي دائرة و حدود واسعة تكسبه صلاحيات كثيرة.
و هكذا في كل قناة أخري غير البنك كالمصنع الحكومي و غيره اذا كان يخضع بعد الفحص تحت تلك الضابطة، و هي نحويل المتعاملين له في التصرف بأموالهم علي ضوء البرنامج المالي التعاملي لذلك البنك او المصنع او غيرهما.
و هذه المحاولة قريبة الأفق من المحاولة المعروفة المذكورة في باب القوة التنفيذية أو التشريعية في المجالس النيابية الرامية لتفسير العملية الانتخابية لرئيس الدولة أو لنواب مجلس الامة بأن الاقتراع نحو توكيل و تخويل من الناخبين للرئيس و النائب المنتخبين، فهما يستمدان
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 16
و لايتهما- بعد كون مورد و نمط تلك الولاية مشروعا في نفسه- من سلطة كل ناخب و مقترع علي نفسه حيث يمنحه شعبة منها بالتوكيل و التخويل.
و كذا هي في التشابه مع أحد محاولات تقنين صيغة الشوري في البابين المزبورين بأنها نحو تفويض و توكيل الاكثرية لشحص، و لا يزاحمه حق الأقلية للأهمية العددية في الحقوق في مقام التزاحم الي اخر ما يذكر في تلك المحاولة المزبورة.
و كلتا المحاولتين قد سجل عليها مؤاخذات و عقبات، أهمها أن التوكيل انما يكون في المورد المحدد و المقيد و في المتعلق المعين و اما اذا كان غير محدود ذي شؤون عديدة فذلك نحو من اعطاء الولاية من المنوب عنه الي النائب و تنصيب من المفوض الي المفوض له في مقام ولوي، و لذا كانت النيابة ذات الطابع الشمولي تسمي خلافة و استخلاف.
و من البديهي أن الفرد في المجموع الاجتماعي المؤمن بمبدأ التوحيد و بشريعة الاسلام لا يقر بسلطة الفرد المطلقة كي يفوضها و يخولها شخصا آخر، و انما هي في اللون الفردي الشخصي، و اما اذا اكتسب بلون العموم و المجموع فالسلطة و الولاية مبدأها و منتهاها اللّه
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 17
عز و جل، فلا بد أن يستند التخويل في القسم الثاني الي النص الشرعي، و المفروض فيما نحن فيه عدم اعتداد الشارع بالحكومة القائمة و شعب تصرفاتها.
هذا: مع أن التعامل من الافراد مع البنك بجهة التمليك للبنك و الرضا بتصرفه في الاموال بما هي ملك له في مقابل اشتغال ذمته بماليتها.

الرابعة … ص: 17

و بعض رابع يفترض بطلان التعامل مع الدولة الوضعية إلا انه لا يحكم مع ذلك علي الاموال بمجهولية المالك، بل بالاباحة و جواز التملك بالحيازة بتقريب أن المتعاملين الاشخاص و الافراد من تلك الدول قد أعرضوا عن أموالهم و أملاكهم الواقعة موردا للتعامل مع الدولة، حيث أنه من غير الممكن لهم استرجاعها و المطالبة بها في ظل القانون الوضعي السائد و هم يقدمون علي مثل هذا التعامل المنجر الي الإعراض و الإتلاف في مقابل الحصول علي فرصة حيازة و تملك أموال جديدة.
و يواجه هذا الافتراض بما توجه علي الفرض السابق من أن التعامل علي أساس التمليك للجهة الحكومية من بنك و غيره و الرضا بتصرفها بما أن المال أصبح ملكا لها في مقابل التملك لشي‌ء آخر.
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 18
و صرف عدم امكان الاسترجاع لا يجرجر الفرد و الشخص المالك الي قصد الاعراض، كما في بقية موارد الغصب.
و غير ذلك من المحاولات، و أيا ما كان الحال فيها فسيأتي أننا في غني عنها بعد قيام الادلة علي الاذن منهم عليهم السلام وضعا
لا تكليفا لتصرفات الدول الوضعية في دائرة التعامل المشروع
في نفسه تسهيلا علي عموم المؤمنين.
و هذا الكتاب هو حصيلة بحوث ألقيت في العام المنصرم قد قام بتدوينها و تنسيقها كل من الفاضلين السيد جعفر الحكيم و الشيخ أحمد الماحوزي دام توفيقهما، عسي أن تكون نافعة في هذه المسألة الحساسة كثيرة الابتلاء دائرة.
و الحمد للّه رب العالمين.
محمد سند
في ذي الحجة الحرام
1413 ه. ق
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 19

الفصل الاول آراء و اجتهادات

اشارة

بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 21
الفصل الأول

موضوع البحث … ص: 21

الكلام يقع في ملكية الدولة الوضعية (غير الشرعية) في البلدان الاسلامية، و هي كل دولة ليست للمعصوم عليه السلام، و نائبه الخاص، أو ليست بدولة فقيه جامع لشرائط الفتوي، أو ممن هو مجاز من الفقيه الذي تتوفر فيه شرائط النيابة العامة عن الامام المعصوم عليه السلام.
و نعني بذلك علي وجه التحديد: الدولة التي لا يحكمها الولي الشرعي و لا نائبه العام و لا الخاص.
هذه الدولة اذا خلت من المواصفات المذكورة و تجردت عن الشرعية هل هي مالكة للأموال أو للتصرفات شرعا أم لا؟
فالبحث بالدقة يدور حول تصرفات و ولاية هذه الدول علي
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 22
عنوان الخزينة العامة الوطنية (بيت المال) هل هي نافذة شرعا أو لا؟

الأصل الأولي في المقام … ص: 22

بحسب مقتضي الأصل و القاعدة الأولية تصرفات هذه الدولة سواء كانت متعلقة بالاموال أم بغيرها غير نافذة و ممضاة، فكل معاملة تجريها هذه الدولة مع الشعب و قطاعات المجتمع تكون باطلة و غير شرعية، و كذا الحال ايضا في معاملاتها مع شعوب و دول إسلامية اخري، بل حتي مع الكفار، اذ هي كالعدم، و ذلك لعدم اعتراف الشارع المقدس بوجودها.
فتبقي الاموال التي وقعت المعاملة عليها مع هذه الدولة علي ملكية أصحابها السابقين، و هذا يعني أن المخزون المالي الموجود عند الدولة سواء كان في البنك المركزي أو في مؤسسات مالية من شركات و غيرها أو من بضائع توزع في المجتمع، يبقي علي ملكية اصحابه السابقين، و في حال كونهم محترمي الملكية تكون الأموال مجهولة المالك اذا لم يشخصوا، فيتعامل معها وفق أحكام ذلك الباب.
و بتعبير آخر عدم شرعية كل التصرفات المالية، لفقدان الدولة للشرعية ففي جميع الصور تكون المعاملات محكومة بالبطلان
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 23
و الاموال باقية علي ملك أصحابها فما بحوزة الدولة سواء كان نقدا أم بضاعة اذا كان مصدره المسلم المحترم يكون مجهول المالك و لا بد من إخضاعه في هذه الحالة لاحكام مجهول المالك و قوانينه.
هكذا يقرر و يقال وفق الأصل و القاعدة الأولية، و الكلام يجري في وجود دليل يخرجنا عن مقتضي هذه القاعدة أم لا؟

نظريات و اجتهادات … ص: 23

اشارة

تعددت النظريات الي أربع- مضافا الي التي تقدم ذكرها في المقدمة مع ردودها- و هي:

النظرية الأولي … ص: 23

أن الدولة الوضعية لا تملك و لم تعامل معاملة المالك من قبل الشارع، و بعبارة أدق أن تصرفات الدولة في أموال بيت المال غير ممضاة فيتعين البناء علي مقتضي القاعدة الأولية و لا سبيل للخروج عنها.
و هذا بعني عدم الملكية باعتبار ان ولاية الدولة غير شرعية فعنوانها كالعدم، فالأموال التي بحوزتها تكون أموال مجهولة المالك، و قد تبناها الكثير من الفقهاء في العصور المتأخرة.
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 24

النظرية الثانية … ص: 24

التسليم بالكبري و أنها غير مالكة شرعا، إلا ان الصغري غير متحققة، أي أن ما بحوزة الدولة من أموال و ثروات ليست أموال مجهولة المالك و لا يتعامل معها وفق هذا الباب، بل هي أموال مباحة شأنها شأن المباحات الاصلية أو لاأقل من أنها مخلوطة منها و من أموال مجهول المالك.

النظرية الثالثة … ص: 24

انها غير مالكة شرعا و حقيقة علي وفق القاعدة، إلا أن الشارع تسهيلا للمكلفين، و إمتنانا علي المؤمنين عاملها معاملة الدولة الشرعية في تصرفاتها المالية دون غيرها، فهي غير مالكة حقيقة إلا انها نزلت منزلة المالك الحقيقي أو الولي الشرعي فهي مالكة تنزيلا.

النظرية الرابعة … ص: 24

أنها مالكة شرعا و حقيقة، أي أن الدولة الوضعية- غير الشرعية- في البلدان الاسلامية تملك ملكية حقيقية كملكية الافراد لا أنها مالكة تنزيلا و قد تبني هذه النظرية جماعة من فقهاء العصر.
و الصحيح من هذه الاقوال هو القول الثالث، و قبل إقامة الدليل
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 25
عليه نذكر وجوه الاقوال الاخري مع مناقشتها و ذكر الايرادات عليها.

وجه النظرية الأولي … ص: 25

اشارة

و استدل له ب:
أولا: ما ربما يحكي عن البعض أن العنوان غير مالك بغض النظر عن كونه عنوان دولة او عنوان شركة و يفيد ان العنوان غير مالك.
لكن هذا القول ضعيف، لانه إما يريد أنه غير مالك شرعا أو عرفا؟
أما عرفا فواضح ان العناوين تملك، فمثل الشركة الفلانية العنوان الكذائي، او حتي المسجد يقال فيه أنه مالك لآلاته و هلم جرا، و في عنوان المستشفي يقال أن من املاك المستشفي الأموال و الاعيان الكذائية هذه العناوين في العرف مالكة بلا دغدغة.
بل في الأعراف العقلائية حسب التمعن فيها عندهم عنوان يملك عنوان آخر و ذلك العنوان الاخر يملك اشياء اخري، مثلا يقولون بان الشركة مالك تلك البنايات او الاراضي و تلك الاراضي تابعة و ملك تلك البنايات و هلم جرا، الملكية قد تتسلسل الي ان ترجع
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 26
الي ملكية الاشخاص و كذا الشركة السهامية ذات اسهم يملكها اشخاص فالاشخاص يملكون هذا العنوان و العنوان يملك اشياء.
مثلا نري وزارة تملك راس مال و تستثمره فيقال الوزارة الفلانية تستثمر فتخرج مصاريفها من ذلك، كذلك نفس رأس المال هذا يملك، و هذا الباب وقع الاصطلاح بتسميته الملكيات الطولية بعضها في طول بعض، كما في ملكية السيد لعبده و ملكية العبد لامواله و ثيابه.
هذه الملكيات الطولية تفيد في تفسير بعض الموارد علي كل حال، مثل ماورد من روايات الارض كلها ملك للامام كيف يتفق مع الملكية الخاصة الموجودة التي نقر بها بضرورة الفقه، فيمكن توجيهها من طريق المكلية الطولية انه مالك لكن الامام مالك ما يملكه.
لكن الأظهر في مفاد هذه الروايات المزبورة ليس هو الملكية الطولية بل الولاية الطولية، أي أن الفرد الشخصي يملك ملكية خاصة لكن ملكيته ايضا ضمن حدود و بقية الحدود مخولة للمعصوم كما في سلطة الدول الوضعية علي الاملاك الخاصة في الاراضي في طولها الملكية الخاصة.
فالعنوان مالك عرفا و هو كذلك شرعا لعدم الردع و لشمول عموم دليل اسباب التملك من حيازة و احياء و اختصاص
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 27
و معاملات للعنوان كما تشمل الاشخاص، كما هو دليل ملكية الافراد.
و إقرار الشارع لملكية العناوين التي كانت موجودة في عصر التشريع دال علي امضائها، ما لم يتصرف و يقنون و يحدد و يحذف و يضيق و يوسع او يلغي من راس.
و هذا الإمضاء ليس منصبا علي خصوص تلك العناوين كي يتوهم الاختصاص بها و عدم التعدي للمستجد من العناوين في يومنا الحاضر، بل هو امضاء لنكتة البناء العقلائي و هو اعتبار العنوان مالك للحاجة نفسها الداعية لاعتبار الملكية للاشخاص و الافراد.
مع أن ما نحن فيه و هو عنوان الدولة و الحكومة كان في عهد التشريع سواء علي نمط الملوكية حيث كانت فيها جهة عمومية غير خصوصية الاشخاص أو علي نمط الخلافة و عنوان و الي المصر و عنوان بيت المال و غير ذلك.
بل تقدم في المقدمة أن محل البحث بالدقة ليس في ملكية عنوان الدولة، و ليست المشكلة في ذلك، بل المالك هو الخزينة الوطنية- بيت المال- و لا إسترابة في ملكيته و انما مركز البحث في نفوذ ولاية الدولة و تصرفاتها في أموال ذلك العنوان، تسهيلا علي المكلفين، و أن عنوان الدولة قوام مفهومه هو القيمومة و الولوية.
فالبحث بحث في نفوذ تصرفات ولاية غير شرعية في اموال
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 28
عنوان مالك و هو بيت مال المسلمين، لا في ملكية عنوان، نعم تقدم أن الاموال التي بيد الدولة علي نمطين نمط الملكية العامة و هو ملكية الشعب في المصطلح الحديث أي بيت مال المسلمين و نمط الملكية الخاصة و هو ملكية الدولة- حديثا- أي ما يقرب من ملكية مقام الامام عليه السلام.
و لكن الثاني في المصطلح الحديث المتداول الوضعي ليس إلا ملكية تصرف لا ملكية أعيان، فالاموال في القسم الثاني أيضا هي للجهة العامة، غاية الامر الفرق بينهما مع أن القسم الاول التصرف فيه بيد الولي هو أن الاول يضيق فيه التصرف بخلاف الثاني فيقنن تارة فيه التصرف في عين و رقبة المال كما في الاراضي المفتوحة عنوة و أخري يحدد مصرف الارتفاع المالي لمنافعه و غير ذلك.
و ملكية الدولة عنوانا من الجهة العرفية أمر واضح.
و أما شرعا فكذلك اذ لم يأت رادع و نهي من الشارع عنه بالخصوص من حيث هو عنوان، غاية الامر حيث أن زمام الدولة بيد غير المأذون فالشارع لم يمضه و هو ملغي من قبل الشارع لان الولاية غير ممضاة.
ثانيا: أنه مادامت الدولة غير شرعية و لا يوجد دليل علي ملكيتها حقيقة و تنزيلا، فألاموال التي بحوزتها تبقي علي
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 29
ملكية أصحابها السابقين، فاذا تعامل المؤمن مع دولة كهذه و انتقلت اليه مجموعة من الأموال فهو إما يعلم بأصحابها السابقين أو لا؟
فعلي الاول يجب عليه ردها اليهم، و علي الثاني تكون أموال مجهولة المالك فيتصرف معها وفق هذا الباب.
و بتقريب آخر الدولة ليست لها صبغة شرعية- كما تقدم في المقدمة- و لا دليل علي تنزيل معاملاتها منزلة المالك، فالاموال التي تنتقل اليها من الشعب تصنف في المجهول المالك، و حكم المال المجهول المالك التصدق عن صاحبه بعد الأذن من الامام للرواية الصحيحة ( … ليس له صاحب غيري) «3»
إذ أنه عليه السلام لا يقصد من الصاحب المالك و انما التولية، و مع فقد الامام تنتقل الصلاحية الي نائبه العام، بأدلة النيابة العامة أو الحسبة، كل ذلك مع اليأس من العثور علي المالك، و إلا فمع إحتمال العثور لا تأتي أدلة التصدق.
و هناك من لا يري و جوب الاذن و انما هو أحوط استحبابا، كما أن هناك من يري أنه يحل بالتخميس، كما و يحتمل أن مصارفه مخيرة بين عدة خصال أفضلها التصدق، و هذا رأي شاذ لم يقل به أحد في حدود تتبعنا و إن كان يدعمه ظاهر بعض الأدلة، و أدلة الاقوال فيه
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 30
ليس محل استعراضها ههنا.

ويلاحظ عليه كبرويا و صغرويا: … ص: 30

أما الأول: فلما سيأتي إن شاء اللّه من الاستدلال علي القول الثالث من وجود دليل يخرجنا عن مقتضي القاعدة و الأصل الأولي.
و أما الثاني: فانه لا يلتزم بأن ما بحوزة الدولة من أموال و ثروات مجهولة المالك، بل أكثرها من المباحات و بعضها مجهولة المالك لا أنها بأجمعها كذلك.
بيان ذلك: اذا ألقينا نظرة ميدانية فاحصة علي الموارد المالية للدولة في هذه الايام المعاصرة سيما الدول التي هي موضع ابتلاء نجدها كالآتي:
إما من النفط و هو معدن أمواله إما من الأنفال المأذون التصرف فيها للمؤمنين و إما من المباحات أو ملك للمسلمين عامة اذا كانت الارض المستخرج منها النفط خراجية بناء علي تبعية المعدن للارض و إلا فهي من الانفال.
و إستخراج الدولة له بقصد و بعنوان انه للشعب، و هذا القصد إما أن يمضي فيكون ملكا للمسلمين عامة، و لكل مسلم حصة خاصة منه، و إما أن لا يمضي فيبقي علي أصل إباحته، و علي كلا الحالين لا يصدق عليه عنوان مجهول المالك.
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 31
و بعضها ناشئ من التعامل مع الكفار، من قبيل الخدمات السياحية و التجارية و الجوية و ما شابه ذلك من أعمال و تسهيلات و خدمات تقوم بها الدولة، و معلوم أن العائدات الحاصلة من هذا الطريق هي بمثابة فيئ للمسلمين يحصلون عليه من الكفار، و لا ريب أنه ليس مجهول المالك اذ لا حرمة لمال الكافر.
و من يستقصي الموارد العامة لميزانية الدولة الإقتصادية و المالية يطمئن بل يقطع بأن الأموال التي بحوزتها لا ينطبق علي مجموعها عنوان مجهول المالك.
و كذا الحال أيضا في الصكوك النقدية (العملة) التي تطبعها الدولة و يكون عليها محور المعاملات و الحركة الاقتصادية و المالية في كل بلد داخليا و خارجيا، و أجور العمال و رواتب الموظفين و البضائع التي تجلب من الخارج عادة ما تكون بهذه الأوراق النقدية، و ورقها إما مجلوب من الغابات أو من بلاد الكفر و علي كلا الاحتمالين ماليتها قطعا ليست من مال مسلم، فلا تكون مجهولة المالك لعدم حرمتها.
و هذا سواء قلنا أن مالية هذه الأوراق بالذات أي انها بنفسها مال و إن كان لماليتها حيثية تعليلية بالاعتبار العرفي أم أن الرصيد الوطني الذي تعتمد عليه هذه الاوراق- من ذهب أو سندات أو مطلق ثروات البلد- هو المال، و هي سند عليه.
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 32
فبادئ هذه الاوراق التي عليها الاعتماد في التعامل من المباحات ثم بعد ذلك يتناولها الناس، فإن رجعت الي الدولة غير الشرعية فستكون بعد ذلك مجهولة المالك اذا لم يعرف ملاكها السابقين.
و من جهة اخري أن التجار في تجارتهم الخارجية لا يتعاملون عادة بالاوراق النقدية في صفقاتهم و تجارتهم و إنما الاعتماد يكون بالاعتبار المالي الموجود في البنك المركزي، و بناءا علي هذا تكون أكثر المعاملات لدي التجار تعتمد علي المباحات فأكثر البضائع المجلوبة من الخارج هي ليست مجهولة المالك.
حتي و إن قلنا بأن الاوراق النقدية حكمها حكم مجهول المالك، و بعبارة اخري صحيح أن الاوراق المالية بعد أن يتناولها الناس و ترجع الي الدولة تكون بحكم مجهول المالك، لكنا كما قدمنا أن معاملة التجار ليست بالاوراق النقدية.
فيتحصل: أن مصادر الثروة المالية في الدولة هي:
1- النفط و سائر المعادن، حيث تستخرجه الدولة للشعب، و الشارع بدوره إما أن يمضي هذا القصد فيكون ملك المسلمين عامة، فيكون حكمه حكم بيت المال الذي سنتكلم عنه في النظرية الثالثة، و إما أن لا يمضيه و معه يكون قصد الدولة كلا قصد فيبقي المستخرج من المباحات الأصلية فلكل مكلف أن يمتلكه بالحيازة.
2- عائدات التجارة الخارجية مع الكفار و هي فيئ للمسلمين
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 33
لان اموال الكفار غير محترمة.
3- عائدات الخدمات العامة، كالسياحة، و الموانئ، و المطارات، و المستشفيات، و العبور في الاراضي كالتي تمر بها مثل أنابيب النفط من دولة لدولة ثالثة و الجمارك و …
حيث أن كثير من هذه الخدمات تقدم لدول كافرة أو تنتهي بالاخير لشعب الدول الكافرة، و ان كان نسبة منها يقدم للمسلمين و لدول اسلامية، و هذا يعني أن كثير من عائدات الخدمات هي فيئ للمسلمين او من المال الخليط بين المباح و المملوك، و قليل منها مال مملوك.
4- الزراعة، و إن كان غالب الاراضي ملك شخصي، و المحصول الزراعي تارة يباع مباشرة من قبل المزارعين و هذا لا مشكلة فيه و اخري تشتريه الحكومة بقيمة تفرضها علي الزراع ثم تبيعه علي الناس كما في الموارد الاساسية التي تدعمها الدولة، كالحنطة، و الرز و..، و هذا الصنف من المحاصيل قد يحصل اعراض عنه من قبل مالكيه و مع الاعراض يكون حكمه حكم المباح الاصلي.
و لو تمادينا في الشك في احراز حصول الاعراض من قبل كل المالكين ففي هذه الحالة يحصل علم أجمالي بعدم حصول الأعراض في بعض الاطراف فقط، و هو غير منجز لخروج الكثير من أطرافه عن
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 34
محل الابتلاء فتجري البراءة في محل الابتلاء و غيره من الاصول.
إضافة الي أن أغلب البلدان الاسلامية المعاصرة تعتمد في الكثير من المواد الغذائية علي الاستيراد من البلدان الكافرة، و كثير من هذا الاستيراد عبر القطاع الخاص.
5- الضرائب، و هذه أموال مجهولة المالك إن لم يحصل فيها إعراض، و لكنها لا تشكل نسبة كبيرة من الميزانية ففي بعض البلدان تشكل نسبة 20% من الميزانية فقط، و لا يشهد الخط البياني- الراسم للميزانية- لها ارتفاع في غالب البلدان.
و هناك مصادر أخري للدخل و الثروة الوطنية إن لم تكن مباحة فهي خليطة منه و من المال المملوك، كأموال الاقليات من الملل الاخري غير المعاهدة و لا الذمية الحاوية لثروات طائلة و غير ذلك.
و أما النقد (فليس سندا للرصيد الوطني و انما له مالية بالذات و الرصيد الوطني منشا لا تصافه بالمالية، في قبال من ينكر ماليته و يعتبر النقد كالسند و الصك)- العملة النقدية- الذي تطبعه الدولة فورقه إما من الغابات فيكون مباحا أصليا قبل ان تتعاقب عليه الأيدي، أو يكون ورقه مستوردا من دول كافرة فحكمه حينئذ واضح.
و النقد في بادئ امره مباح أصلي فاذا سحب من البنك و أرجع اليه ثم سحب مرة أخري يكون مجهول المالك، و التعامل بالنقد ليس
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 35
كل حالاته مع الدولة- كالرواتب و اموال البنوك- و انما نسبته أقل بكثير من التعامل النقدي بين الشعب بعضهم مع البعض الاخر.
و ما بيد الشعب لا يعلم تفصيلا أنه مجهول المالك و إنما يعلم إجمالا و لكنه غير منجز، علما بأن أغلب الصفقات التجارية مع البنوك انما هو بالذمم و تعامل التجار مع بعضهم البعض بالسندات.
نعم يحصل العلم تفصيلا بكون المال مجهول المالك في النقد المستلم من البنوك اذا كان مستعملا و في رواتب الدولة، فلا بد من تنفيذ قانون المجهول المالك فيها.
هذه واقع الحال في الدول الاسلامية المعاصرة، و بهذا نعرف و من خلال هذا الدليل أن المال سواء كان نقدا أم بضاعة لا يعامل معاملة مجهول المالك و انما معاملة المباح الأصلي ضمن شروط تأتي، حتي يعلم تفصيلا بأنه مال مملوك للغير.
هذا: و قد يقال في المناقشة أنه لما كان البحث ميدانيا استقرائيا فتشخيصه ليس من مهام الفقيه، و انما هو متروك لتشخيص المكلف، فان حصل الاطمئنان بما ذكر فهو في راحة و الا فيجري عليه أحكام مجهول المالك.
و جوابه: أن الموضوع الذي بايدينا من الموضوعات المستنبطة التي هي برزخ بين الموضوعات المخترعة الشرعية التي هي من مهام
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 36
الفقيه و بين الموضوعات الخارجية التي هي من شئون المكلف، و الموضوع المستنبط من شؤون الفقيه أيضا فتكون نظره و فتواه حينئذ حجة كما هو محرر في باب الاجتهاد و التقليد.

خلاصة ما تقدم … ص: 36

فالنتيجة التي نصل اليها من خلال ما تقدم أن الاموال و الثروات التي بحوزة الدولة ليست أموال مجهولة المالك بأكملها قطعا، نعم وجود نسبة ما مجهولة المالك من أموال الاشخاص لبطلان أصل التعامل مع الدولة أو لكون المعاملة محرمة في نفسها كالربا و نحوه مما لا ينبغي الشك فيه، و هذه النسبة مهما كانت ليست مؤثرة و لا تتبع النتيجة أخس المقدمات لما سياتي بيانه.
و لعل السيد الخوئي- قده- كان ملتفتا و مطلعا علي كل ذلك، و لكن لوجود مصلحة في الجعل لا المجعول أفتي بكون أموال الدولة مطلقا مجهولة المالك يستوحي ذلك من بعض بياناته الصادرة قبل عدة شهور من رحيله- قده-، و إلا فانها ليست موضوعا له بلا شك و لا ريب.
اذا عرفت ذلك فالنتيجة التي نصل اليها في نهاية المطاف أن ما بحوزة الدولة من أموال ليست مجهولة المالك بل أموال مخلوطة و أكثرها من المباحات الجائز تملكها و حيازتها.
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 37
هذا مع العلم و معرفة المباح من الاموال عن المجهول المالك، ففي الاول يحوز التملك بخلاف الثاني فانه يجري فيه أحكام مجهول المالك، أما اذا إشتبه المجهول بالمباح فإن النتيجة لا تؤدي الي كون التعامل مع هذه الاموال بحكم مجهول المالك حتي و إن كان المال المجهول المالك المشتبه بينه و بين المباح نسبته 80%.
بيان ذلك: ما ذكره الفقهاء قاطبة في التعامل مع الظالم و الغاصب، فإن الكل إلتزم بجواز أخذ الهدية من الاول و صحة التعامل مع الثاني، فيما اذا لم يعلم أن ما حصل عليه منهما مغصوب بعينه.
وجه ذلك: أن ما عند الظالم و الغاصب من أموال ليست كلها مغصوبة و مستحقة للغير، و إلا لم يصح التعامل مع الثاني و أخذ هدية الاول، و انما الاموال التي بحوزتهما مخلوطة و بعضها مستحق للغير.
فيتشكل عندنا في هذه الحالة علم إجمالي بوجود المغصوب، فإن كانت هذه الأموال ليست محلا للابتلاء مثل ما اذا كان الظالم و الغاصب هو الذي يختار الهدية و البضاعة، فان هذا العلم ليس منجزا بإعتبار أن كل أطرافه ليست محلا للابتلاء، و الطرف الذي وقع عليه التعامل نشك في كونه مغصوب نجري أصالة البراءة أو إستصحاب عدم المخصص لعموم الحيازة و نحوه بلا معارض او قاعدة اليد.
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 38
نعم: إذا وقعت كل أطراف العلم الاجمالي محلا للابتلاء بأن خير الظالم أو الغاصب المكلف في انتقاء ما يشاء من الاموال التي هي موضوع للعلم الاجمالي، يكون هذا العلم منجزا فلا يجوز أخذ الهدية في هذه الحالة و لا التعامل مع الغاصب.
فلك أن تقول: إنا بالمسح الميداني لمصادر التمويل للدولة نجد أن أكثر الاموال التي يتعامل بها المكلف مع الدولة من المباحات الاصلية، و أن النسبة المئوية للاموال المأخوذة من المسلمين مهما بلغت فلا تتجاوز 70%، فالمخزون المالي للدولة خليط من المباح و المملوك و المكلف يعلم إجمالا بوجود حرام- مال مملوك- في هذا المخزون.
لكن حيث ان كل أطراف العلم الاجمالي ليس محلا للابتلاء فهو غير منجز، فتجري البراءة حينئذ في هذه الكمية من المال التي يتعامل بها مع الدولة و كذا الاصول المصححة الاخري ما دام لم يعلم، كاستصحاب عدم طرو ملكية محترمة عليه فيما كانت الحالة السابقة له معلومة العدم ككونه من بلاد الكفار أو من الموارد الطبيعية الأولية و نحو ذلك، أو الاصل العدمي الازلي فيما لم تعلم الحالة السابقة.
و حينئذ يحرز بهما عدم المخصص لعموم الحيازة و الاحياء و السبق و نحوها فيتمسك به.
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 39
أما مع العلم تفصيلا بأن هذا المال قد كان في يد مسلم قبل أن يدخل خزانة الدولة فيتعامل معه حينئذ معاملة المجهول المالك، و علي هذا الاساس أفتي الاعلام بحلية جوائز السلطان و جواز التعامل مع الظالم و الغاصب، كل ذلك مع عدم العلم بالملكية لعدم تنجز العلم الاجمالي لخروج بعض أطرافه بل الكثير عن محل الابتلاء، لان المكلف لم يوضع تحت تصرفه كل المال في المعاملة أو الهدية.
نعم قد يقال: أن المكلف يعلم علما إجماليا تدريجيا أنه الي آخر عمره سيتورط مرة أو أكثر مع الدولة في مال مجهول المالك و هذا العلم منجز فيمنعه عن التعامل بحرية مع مال الدولة و يضطره الي الاحتياط لمعاملته معاملة المجهول المالك.
جوابه: أن هذا العلم لا يحصل لضآلة نسبة المال المأخوذ من المسلمين الي المال المباح الاصلي الذي يشكل المجموع ثروة البلد.

وجه النظرية الثانية … ص: 39

و بالبيان المتقدم في دفع القول الأول و عدم ثبوت صغراه يتضح وجه القول الثاني، و هذه النظرية ميزتها أنها تفرض نفسها ميدانيا حتي مع رفض النظرية الثالثة و الرابعة، كما إتضح الخلل في النظرية الاولي التي تصنف الاموال في المجهول المالك و من ثم تخضعه لقانون
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 40
مجهول المالك.
و لكن لا يعني ذلك أن الانسان يسرح و يمرح في أموال الدولة تحت حجة انها مباح أصلي بل لا بد من الانضباط بحدود المعاملة مع الدولة لا أكثر بدليل و جوب حفظ النظم الاجتماعي و الابتعاد عن الفوضي لا من حيثية حفظ نظام الدولة إذ هو حرام و انما من حيثية لزوم حفظ نظم المجتمع، المفهوم من إدراك العقل العملي الذي يعلم موافقة الشارع له، و من الخطابات الشرعية و غيرها، الدالة علي أن حفظ النظام البشري و الأخذ به نحو المدارج العليا من الاهداف القصوي المنشودة للشارع المقدس، و سيأتي تسليط الضوء عليه اكثر في بحث النظرية الثالثة.
و لكن يلاحظ عليه انه صحيح و تام لولا قيام الدليل علي ثبوت النظرية الثالثة و معه لا حاجة الي هذا الوجه.

وجه النظرية الرابعة … ص: 40

اشارة

و هو مرتب من مقدمات:
الاولي: لا شك في أن الجهة و العنوان يملك كالشخص و يسمي المالك الحقوقي، كما في اصطلاح بعض القوانين الوضعية، في حين يسمي الشخص المالك (المالك الحقيقي).
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 41
الثانية: الدولة عنوان وجهة فهي تملك عرفا.
الثالثة: و حيث كانت صبغتها إسلامية فاموالها محترمة، بمعني انها مالكة شرعا فهي نظير أبناء العامة حيث أقر الشارع ملكيتهم مع انحراف عقائدهم و ممارساتهم، اذ بالاسلام تحقن الدماء و الفروج و الاموال، و بالايمان تكون المثوبة و الجزاء الاخروي.
و بتعبير آخر: أنه لا ترابط بين الملكية الشرعية و الولاية الشرعية فلكل منهما أساس، فأساس الملكية الصبغة الاسلامية و تشهد الشهادتين، حيث ورد أن من تشهد الشهادتين كان محترم المال و مالكا.
و أساس شرعية الدولة كون الحاكم المعصوم أو نائبه الخاص أو العام، و الدولة لما كانت تفتقد هذا الاساس كانت غير شرعية و ممارساتها غير ممضاة من قبل الشارع و محاسبة شرعا أزاء هذا التسلط اللامشروع.
و بما أنها في الوقت نفسه تدعي الاسلام و تشهد الشهادتين فهي واجدة لاساس الملكية الشرعية، و هذا نظير رفض الشارع لافكار الكثيرة من المسلمين و آرائهم في الاصول و الفروع لخروجها عن صراط الحق من دون أن يؤثر ذلك علي ملكيتهم.
و نتيجة هذا الدليل: أن المال ملك الدولة لا ملك المسلمين
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 42
و بيت المال و لا مباح أصلي و لا مجهول المالك، فتكون مقدمة علي النظرية الثالثة لان الملك الشخصي يعتمد علي إلغاء موضوع الولاية الذي هو بيت المال و مجهول المالك و المباح، و معه لا بد من مراعاة قانون الملك في التعامل مع الدولة و ترتيب آثاره كما في التعامل مع الشخص العامي المالك.
و بصياغة أخري: أن العامي يملك مع أن أكثر معاملاته و عقوده تكون فاقدة لشرائط الصحة، كذلك الدولة غير الشرعية تملك غاية الامر تكون مأثومة لعدم اقرار و إمضاء من بيده الولاية لها.
و قد حرر في محله أن العنوان يملك و لم يرد ردع من الشارع يدل علي عدم ملكيته، بل نجد في أيام الرسول الاكرم صلي اللّه عليه و اله العنوان كان يملك، فالمسجد الحرام مع أنه عنوان يملك، و كذا بقية المساجد، بل نجد عنوان يمتلك عناوين و كل عنوان يمتلك ما شاء اللّه من العقارات و الأشياء، عناوين طولية تترامي مع بعضها البعض الي أن تصل الي الاشخاص الحقيقيين اذ هناك شخص كما تقدم حقيقي و حقوقي كما في بعض القوانين.
و ملكية العنوان كما لا يخفي عرضية مترشحة من ملكية الافراد، فعنوان الشركة مثلا و إن كان يملك إلا ان ملكيته عرضية نابعة من الملكية الذاتية للأفراد.
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 43
فالنظرية تستفيد من هذه النكتة، غاية الامر عنوان الدولة الوضعية لم يقره الشارع و لم يمضه، نظير عدم أمضاء معاملات أبناء العامة مع فقد الشرائط.
و عدم اقرار الشارع بولاية الدولة و عدم نافذية تصرفاتها و أحكامها الاجرائية و التشريعية لا يستلزم عدم اقرار ملكية العنوان، اذ الدولة لا تزيد عن المعاملة مع أبناء العامة، اذ عملهم و عقائدهم غير ممضي و لكن الحكم الوضعي ممضي كما لا يخفي. و عدم إقرار ولاية الدولة يعني عدم نافذية تصرفاتها و أحكامها التتنفيذية و التشريعية و مأثوميتها، و لكن هذا لا يستلزم عدم اقرار ملكية العنوان اذ لم يأت رادع من الشارع.
هذا غاية ما يقال في تصوير هذه النظرية، و ثمرتها انه يكون التعامل مع الدولة حينئذ مثل التعامل مع أفراد العامة، فحينئذ يكون ما بحوزة الدولة ملك للعنوان و هي الدولة لا ملك لعامة المسلمين.
و تختلف هذه النظرية عن الثالثة و الثانية و الاولي، اذ في الثانية ما بحوزة الدولة مباحات و في الاولي مجهول المالك و الثالثة لبيت مال المسلمين، أما هذه النظرية بكون ما بحوزة الدول مثل الملك الخاص، اي ملك خاص لعنوان الدولة، فلا تترتب عليه آثار النظريات الاخري بل يترتب عليه مثل آثار التعامل مع أبناء العامة هذا هو تقريب دليلها.
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 44

و لكنه غير تام لامرين: … ص: 44

الاول: لا نقاش في صلاحية العنوان للملكية، انما النقاش في تصنيف عنوان الدولة و درجة في العناوين الصالحة لان تتملك كسائر العناوين الاخري في حين أن حقيقة عنوان الدولة و الحكومة هو الولوية و الادارة، لا أن الدولة شي‌ء و الولاية طارئة عليها و من أحكامها.
الثاني: ان معنون الدولة أي الحكام لا ينظرون الي المال الذي تحت تصرفهم علي أنه ملك شخصي لهم، و انما هو ملك للشعب، و ان دورهم هو ادارة هذا المال و الولاية عليه.
و هذه الولاية تشبه تماما ولاية الولي الفاسق- مع اشتراط عدالته- لاموال اليتيم فهو يراه مال اليتيم لا ماله و هو ولي المال و مديره.
و بهذا نفهم معني اختلاس الاموال من قبل الولاة غير الشرعيين و اختصاصهم بأملاك شخصية و محاولاتهم استغلال منصبهم لتنمية هذه الاموال و تكثيرها من خلال الاستيلاء غير المشروع علي أموال الشعب.
و نفهم أيضا معني تخصيص رواتب من الخزينة للحاكم، فان كل ذلك يعني أنهم لا ينظرون الي المال العام بصفة أنه ملكهم و انما هو
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 45
ملك الشعب و هم سدنة المال و ولاته ليس أكثر.
و الحصيلة: أن قياس الدولة علي العامي قياس مع الفارق، لعدم وجود موضوع للملكية في الدولة لا علي صعيد العنوان و لا علي صعيد الاشخاص الذين ينتهي إليهم العنوان.
فخلاصة الاشكال علي هذه النظرية أن التأمل فيها واضح، من:
جهة نفس فرضية دليلها، حيث أن الدولة لا تملك ما بحوزتها بعنوان أنه مال فلان و فلان، بل بعنوان ملكية الشعب فكيف نفرضها بعنوان شخصي لزيد مثلا.
و يمكن أن نمثل و نقول بأن المجتمع صبي قاصر و عنوان الدولة هو ولي له، فالملكية للشعب، فاذا لم تقر ولاية الدولة و لم تمضي فهل يمكن القول بأن التصرفات المعاملية و المالية لهذا العنوان غير الشرعي ممضاة و نافذة؟ اذا إلتزمنا بهذا لا بد أن نلتزم بإمضاء معاملات الولي الفاسق علي القصر و نظائره ممن لم يمض الشارع ولايتهم.
فأصل الفرضية خلاف ما هو مفروض، و النتيجة المتحصلة أن كل المعاملات التي تجريها هذه الدولة غير نافذة لعدم إمضاء و إقرار الشارع لعنوان هذه الدولة.
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 47

الفصل الثاني أدلّة النظريّة الثالثة

اشارة

بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 49
الفصل الثاني الإستدلال علي النظرية الثالثة و الذي يساعد عليه الدليل و تدعمه سيرة المتشرعة منذ عصر الصدور الي هذا اليوم هو القول الثالث، و هو تنزيل ملكية الدولة غير الشرعية منزلة المالك الحقيقي للتصرف تسهيلا و إمتنانا علي المكلفين و لرفع الحرج و العسر عنهم.
و الأدلة عليه كثيرة و متشعبة:
الدليل الاول: الموارد العديدة من الفقه التي أفتي بها الفقهاء قديما و حديثا و لم يخصصوا العديد منها بدولة مدعي الخلافة العامة بل أطلقوا الفتوي لكل دولة و حكومة، و لم يخالف فيها إلا النزر القليل، هذه الموارد ترتبط بشكل أو بآخر بمعاملات مالية مع دول غير شرعية أمضاها الشارع و أفتي بها الفقهاء و جرت عليها
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 50
سيرة المتشرعة، و التسليم بها لازمه القطعي إمضاء كل المعاملات المالية مع الدولة غير الشرعية و تنزيلها منزلة الدولة المالكة للملازمة بينهما.
نذكر هذه الموارد بشكل مقتضب ثم بعد ذلك نفصل القول و نسهب الكلام في كل مورد مورد مع بيان الملازمة و الموارد هي.
المورد الأول: جواز الولاية من قبل الجائر.
المورد الثاني: جواز قبول هدايا السلطان.
المورد الثالث: جواز التوظف في الدولة غير الشرعية (الإجارة).
المورد الرابع: جواز شراء المقاسمة و الخراج من السلطان.
المورد الخامس: جواز قبالة الاراضين من السلطان.
المورد السادس: صحة بيع السلاح و غيره و شراء الجواري من السلاطين.
فلدينا أدلة علي التعامل مع الدولة معاملة الدولة المالكة للتصرف تسهيلا للمكلفين و دليله هو ستة او سبعة موارد عليها الفتوي قديما و حديثا، و هذا الذي يسوغ نسبة هذا القول الي المشهور ايضا، و أنهم يلتزمون بان الدولة غير الشرعية ايضا تعامل معاملة الدولة المالكة للتصرف تسهيلا للمكلفين، تلك الموارد لازمها كلازم عام امضاء المعاملات الاقتصادية و التجارية التي تجري بين الدولة
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 51
و المكلفين المؤمنين.
و لا يمكن تفكيك تسويغ تلك الموارد و امضاءها عن امضاء فعاليات الدولة غير الشرعية، فيستفاد منها الملازمة عامة مع الاذن الوضعي في كل فعالياتها و انشطتها المالية تسهيلا علي المكلفين.
الدليل الثاني: إعتبار الشارع الخزينة الوطنية التي بيد الدولة بيت مال للمسلمين.
الدليل الثالث: إمضاء ظاهر الولايات.
الدليل الرابع: إقرار ملكية الكفار.
الدليل الخامس: العسر و الحرج.
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 52

الدليل الاول [و يشتمل علي موارد:] … ص: 52

اشارة

و هو الملازمة الموجودة في عدة موارد من الفقه.

المورد الأول: جواز الولاية من قبل الجائر … ص: 52

اشارة

و هو في حالتين:
الاولي: القيام بمصالح المؤمنين و عدم إرتكاب ما يخالف الشرع المبين، و يدخل في ذلك ما ذكره جماعة من توقف الامر بالمعروف و النهي عن المنكر في الوسط العام علي التولي و الاستوزار.
الثانية: الاكراه من قبل الجائر بأن يأمره بالولاية و يتوعده علي تركها مع عدم ترتب مفسدة أهم من القبول.
و الروايات كثيرة عقد لها صاحب الوسائل بابا خاصا في أبواب ما يكتسب به باب 46 و هي مسألة الولاية من قبل الجائر، و بعبارة اخري الاستوزار او أخذ حقيبة و زارية و لو رئاسة الوزراء من قبل الجائر، لنفع المؤمنين و الدفع عنهم و العمل بالحق بقدر الامكان.
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 53
هذه المجموعة من الروايات المعتمدة مع غيرها تدل علي جواز الولاية من قبل السلطان الجائر، و لسنا في صدد ذكر تفاصيل و شروط الولاية فان ذلك متروك لمحله.
و هذه الروايات يمكن أن تقع محور بحث في دلالتها علي أقامة الدولة، بتقريب أنه اذ جاز الاستوزار المزبور لدفع بعض المظالم و المفاسد أو وجب كما عن بعضهم فبطريق أولي يجوز إقامة الحكومة من رأس.
و تدل- بعضها- علي جواز التوظيف في الدولة الجائرة كما سيأتي في مورد مستقل و تدل أيضا علي صحة الضمان الإجتماعي من قبل الدولة.
و هناك روايات أخري لا تخلو من مشاكل في السند الا أنها مستفيضة- دون التواتر- فيحصل الوثوق بصور بعضها مما يجعلها حجة في القاسم المشترك من التولي للجائر.
إذن مسألة تسنم منصب وزاري او محافظ او ادارة حكومية او وظيفة جائز في بعض الحالات من دون شك بموجب الادلة المتقدمة.
من هذه الأدلة نستفيد إمضاء كل المعاملات المالية مع الدولة سواء كانت مع الطرف الحكومي المؤمن أم غيره من طريق الملازمة و تصويرها كما يأتي:
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 54
أولا: أدلة الجواز عامة و لا تخص ولاية دون آخري، فهي شاملة للولاية علي المال، بل في بعضها مورد السؤال عن تولي ديوان المال.
ثانيا: أن الظاهر من الاذن للمؤمنين بالدخول مع الحكومة الوضعية و استلام المناصب هو التسهيل علي المؤمنين لئلا يستحكم الظلم عليهم من كل جهة، و هذا يظهر بوضوح من تضاعيف الروايات المستفيضة، و بالاولوية أو بفهم عدم الخصوصية نفهم إمضاء الشارع للتعامل المالي مع الدولة لانه أعظم تسهيلا.
هذا كله اذا لم تلزم مفسدة أهم و إلا حرم، كذهاب بيضة الدين و ما شاكل، لا مجرد عنوان معونة الظالم.
ثالثا: أن الجواز التكليفي للمؤمن بتقبل حقيبة وزارية بما في ذلك المالية ينسجم مع صحة معاملته و إلا كيف يباشرها، بل يستفاد من الروايات إنفاذ كل عقوده الوزارية سواء كانت مالية أم غيرها.
و عن تصوير الملازمة المتقدمة- و بالاخص التصوير الثاني- يتضح الخلل في احتمالين يشكل بهما علي المدعي.
الاول: أن الروايات يفهم منها إمضاء المعاملة في خصوص ما إذا كانت طرف الدولة مؤمنا له صبغة شرعية- اي كان مورد الجواز- لا إمضاء مطلق المعاملة حتي لو كان عاميا.
الثاني: أن المفهوم من الروايات هي النظرية الثانية، أي أن
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 55
الامام حيث شخص أن اموال الدولة خليط و هي خارجة عن محل ابتلاء الملكف فالعلم الاجمالي منحل و من ثم جاز التعامل.
و الخلل في هذين الاحتمالين: أن المفهوم من الروايات أن الامضاء للتسهيل لا لانحلال العلم الاجمالي، و التسهيل لا يخص التعامل مع الطرف الشرعي فقط.
كما أن تخصيص الروايات بجواز التولي في الدولة اذا كانت علي رأسها الخليفة المدعي للخلافة العامة لا مطلق التولي لكل دولة غير شرعية، و معه لا تنفع في الاستدلال علي جواز الولاية فضلا عن التعامل المالي في الدول المعاصرة في البلدان الاسلامية.
هذا التخصيص في غير موقعه و ذلك:
أولا: لعدم وجود قرينة علي التخصيص، و الروايات عامة في طرحها للموضوع.
ثانيا: لم يحتمل أحد من الفقهاء الاختصاص، و ما خصصه الفقهاء في باب الزكاة و الخراج من أنه اذا أخذه السلطان المدعي للخلافة العامة، فلنكتة خاصة به سنذكرها، بل في بعض الروايات تصريح بالتأبيد مما يغلق الباب في وجه هذا الاحتمال.
ثالثا: عدم وجود مقتضي للتخصيص بعد ان كانت الروايات في مقام التسهيل و التخفيف علي المؤمنين.
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 56
رابعا: دلالة معتبرة عمار الساباطي الاتية في الدليل الثاني و الثالث و هي قوله عليه السلام عند الحديث عن عصر الهدنة الذي هو ما قبل دولة الامام الحجة عجل اللّه تعالي فرجه الشريف:
خائفون علي امامكم و انفسكم من الملوك تنظرون الي حق امامكم و حقكم في ايدي الظلمة قد منعوكم ذلك و اضطروكم الي حرث الدنيا و طلب المعاش مع الصبر علي دينكم و عبادتكم و طاعة امامكم … الحديث. «4»
علي كون الحكومة الاموية و العباسية حكومة علي النهج الملوكي بل فيها تعميم النهج الملوكي لكل الدول الوضعية فتدل علي عدم إختصاص هذا المورد و الموارد الاتية من الدليل الاول بمدعي الخلافة العامة بعد كون النهج واحد، و هو ظهور سلطان النفس و نزعاتها في إجراءات الحاكم بدل سلطة الشرع، و الإرادة الذاتية بدل الارادة الإلهية، فيطغي ملك النفس بدل العبودية لملك اللّه.
و تفصيل الكلام في طريقة الاستدلال بالملازمة هو أن الشخص الذي يعطي حقيبة وزارية مالية علي بيت المال و يستوزر بعد كون هذا جائز له، هل إنفاذاته صحيحة ام ليست بصحيحة؟
اذا كانت في الواقع غير صحيحة فكيف يباشرها، فنفس الجواز التكليفي جواز وضعي و ليس جواز تكليفي فقط، فاذا جاز
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 57
الاستوزار في الدولة تكون المعاملات الاجرائية لذلك الوزير المؤمن فيها من قبل الظالم صحيحة و جائزة وضعا و تكليفا، أي ما ينفذه نافذ و كذلك جائز تكليفا، بل ان في الباب اللاحق من الوسائل التصريح بجواز الإنفاذ الوضعي من المستوز في القضايا المشروعة عند أمر السلطان.
و إطلاق الروايات يشمل أي حقيبة وزارية، و بعبارة إصطلاحية لائقة أي عمل ولوي او ولائي جائز انفاذه ايضا في الموضع الذي ليس فيه غصب و نحوه من مخالفة العمل في نفسه للموازين الشرعية، بل حتي في غير الجائز مع الخوف علي النفس، طبعا ليس في المفاسد الكبيرة.
هذه المسألة كما تقدم معنونة من قبل الكل و لسنا في صدد تفصيل نفس المسألة بقدر الاستفادة من هذه المسألة في البحث الذي نحن فيه و هو امضاء تصرفات ملكية الدولة.

أما روايات المورد فعديدة منها: … ص: 57

الرواية الاولي … ص: 57

صحيحة علي بن يقطين قال: قال لي ابا الحسن موسي بن جعفر عليه السلام: إن للّه تبارك و تعالي مع السلطان أولياء يدفع بهم عن أوليائه «5».
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 58
هذه الرواية إجمالا يستفاد منها الجواز التكليفي و غيره كأن يتولي علي بيت المال فهل جائز تصرفاته ام لا؟ هنا الجواز التكليفي معناه جواز وضعي لان مورد التصرفات معاملية و التصرفات المالية يعني حكم اجرائي فاذا جاز الحكم الاجرائي المالي- حيث أن السلطة مركبة من قوة تنفيذية اجرائية و قوة قضائية و قوة تشريعية- فهو لا ينفك عن الجواز الوضعي.

الرواية الثانية … ص: 58

صحيحة زيد الشحام قال سمعت الصادق جعفر بن محمد عليه السلام يقول: من تولي أمرا من أمور الناس فعدل و فتح بابه و رفع ستره و نظر في امور الناس كان حقا علي اللّه عز و جل ان يؤمن روعته يوم القيامة و يدخله الجنة «6».
و العدالة المذكورة في الرواية ليس في باب القضاء فقط بل حتي في الامور و الاحكام التنفيذية و القوة الاجرائية بما فيها المالية، و موردها التولي من قبل الجائز لا التولي بالاصالة اذ ذاك ليس الا للمعصوم عليه السلام.
و تقريب الدلالة: أنه اذا جاز للمؤمن ان يستوزر في الحقيبة المالية في الحكومة من قبل الجائر هذه الحقيبة المالية كلها تصرفات معاملية كلها انفاذ قضايا معاملية و اموال و هلم جرا..
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 59
و دعوي: أن الجواز التكليفي يمكن أن ينفصل عن الجواز الوضعي.
فاسدة: اذ لا معني لحلية ترتيب الاثر العملي مع فساده وضعا، و الجواز التكليفي كما يذكرون اذا انصب علي موضوع معاملي يفهم منه الجواز الوضعي ايضا مثل أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ حليته تكليفية لكن يفهم منها أيضا حلية وضعية.
و أصل معني الوزارة مقام تنفيذي ولوي، و أما كون ولاية الظالم غير شرعية فهو و ان كان معناه أن تصرفاته كالعدم، لكن استثني الشارع منها موارد، فتصرفاته من حيث الوزر عليه أمر و من حيث النفوذ الوضعي في معاملاته مع المكلفين أمر آخر.
فالروايات دالة علي جواز إستوزار المؤمن من قبل الجائر و لو وزير مالية خصوصا الوزارات السابقة في ديوان بني العباس و بني امية اهمها و عمدتها كان بيت المال و أيضا ديوان الكتابة.
كما في قضية علي بن يقطين مع احد المؤمنين حينما حجبه عنه «7»، فحج علي وزار المدينة فحجبه الامام عليه السلام و امره بالرجوع في الحال و اداء حاجة اخيه و قد كانت قضية مالية و حاجة تختص بالتصرفات المالية.
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 60

الرواية الثالثة … ص: 60

المرسلة عن علي بن يقطين قال: قلت لابي الحسن عليه السلام ما تقول في اعمال هولاء فقال: ان كنت لا بد فاعلا فاتق اموال الشيعة «8».

الرواية الرابعة … ص: 60

رواية زياد بن ابي سلمة قال: دخلت علي ابي الحسن موسي عليه السلام قال: دخلت علي ابي الحسن موسي عليه السلام فقال لي يا زياد إنك لتعمل عمل السلطان؟ قال قلت: أجل، قال لي:
و لم؟ قلت: انا رجل لي مروءة و علي عيال و ليس وراء ظهري شي‌ء، فقال لي: يا زياد لئن أسقط من حالق فاتقطع قطعة احب الي من ان اتولي لاحد منهم عملا او اطأ بساط رجل منهم إلا، لماذا؟ قلت:
جعلت فداك، قال: الا لتفريج كربة عن مؤمن او فك اسره أو قضاء دينه (في هذه الموارد يجوز).
إلي أن قال عليه السلام: يا زياد فان وليت شيئا من أعمالهم (و بالمنصب يعد من اعوانهم لان المحرم مع الظالم عنوان ان يكون من اعوانهم او عنوان الاعانة علي الظلم، و لكن يستثن اذا كان يدفع عن المؤمنين الظلم و الاذي) فأحسن الي إخوانك فواحدة بواحدة «9».
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 61

الرواية الخامسة … ص: 61

صحيحة ابي بصير عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال: ذكر عنده رجل من هذه العصابة قد ولي ولاية، فقال: كيف صنيعه الي اخوانه؟ قال: قلت: ليس عنده خير، قال: اف يدخلون فيما لا ينبغي لهم و لا يصنعون الي اخوانهم خيرا «10».

الرواية السادسة … ص: 61

رواية احمد بن زكريا الصيدلاني عن رجل من بني حنيفة من اهل بست و سجستان قال: وافقت ابا جعفر عليه السلام في السنة التي حج فيها في أول خلافة المعتصم فقلت له و انا معه علي المائدة و هناك جماعة من اولياء السلطان: ان والينا جعلت فداك رجل يتوالاكم أهل البيت و يحبكم، و علي في ديوانه خراج فان رايت جعلني فداك ان تكتب اليه بالاحسان الي، فقال لي: لا اعرفه، فقلت: جعلت فداك انه علي ما قلت من محبتكم أهل البيت و كتابك ينفعني عنده، فاخذ القرطاس فكتب: بسم اللّه الرحمن الرحيم أما بعد فإن موصل كتابي هذا ذكر عنك مذهبا جميلا و انما لك من عملك ما أحسنت فيه، فأحسن الي إخوانك و اعلم ان اللّه عز و جل سائلك عن مثاقيل الذر و الخردل.
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 62
مورد الرواية هو ديوان السلطان المالي الحقيبة المالية- بيت المال- و ما يفعله من اخذ الخراج من مؤمن غصب ليس تصرفا مشروعا، لكن جهة الاستشهاد في عدم ردع ذاك عن هذه الحقيبة المالية.
قال: فلما وردت سجستان سبق الخبر الي الحسين بن عبد اللّه النيسابوري و هو الوالي فاستقبلني علي فرسخين من المدينة، فدفعت اليه الكتاب فقبله و وضعه علي عينه، و قال: ما حاجتك فقلت علي في ديوانك فأمر بطرحه عني (هذا تصرف في بيت المال، و ليس الكلام في تسلم و قبض المؤمن الغير و الي من أموال بيت المال اذ ذلك من باب هدية السلطان التي سوف تأتي، بل في هذا الوالي المؤمن علي هذه الحقيبة المالية حيث يعطيه من بيت المال و اعطاؤه نافذ و جائز) و قال: لا تؤدي خراجا مادام لي عمل، ثم سألني عن عيالي فأخبرته بمبلغهم، فأمر لي و لهم بما يقوتنا و فضلا، فما اديت في عمله خراجا ما دام حيا و لا قطع عني صلته حتي مات «11».
و روايات الباب كثيرة عند تأملها و سردها، و لعل هناك روايات أوضح.
و مما يدل علي المطلوب أيضا جواز قبول ولاية الجائر مع الضرورة و الخوف و جواز انفاذ امره بحسب التقية الا في القتل المحرم و هو الباب 48 من ابواب ما يكتسب به من الوسائل.
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 63
هذا الباب عطف علي تلك المسألة و هو مورد ثان منها و نذكر هذه الروايات لا تفصيلا و تعمقا في أصل المسألة و انما همنا الملازمة التي بين تلك المسألة الواضحة فتوي و دليلا مع ما نحن فيه
و نستفيد من الباب اذن عام في كل الدول غير الشرعية و لو كانت وزارة مالية كموارد الديوان او وزير الديوان المالي فحينئذ تلك المعاملات انفاذها سائغ في ذلك المورد لانعاش المؤمن، لدفع الظلم عنه لايصال الحقوق اليه و و و …
و لا خصوصية لهذه الموارد بقرينة التعليلات العامة فيها، بل هي انفاذ للتسهيل علي المكلفين بقدر ما يمكن للشارع فك الضيق و ابعاد الحرج و العسر عن المكلفين فالموارد كثيرة في فعاليات مختلفة في الدولة الوضعية.

الرواية السابعة … ص: 63

حسنة الانباري عن ابي الحسن الرضا عليه السلام قال: كتبت اليه أربع عشرة سنة أستأذنه في عمل السلطان فلما كان في اخر كتاب كتبته اليه اذكر اني اخاف علي خيط عنقي و ان السلطان يقول لي انك رافضي و لسنا نشك في انك تركت العمل للسلطان للرفض فكتب الي ابو الحسن عليه السلام فهمت كتابك و ما ذكرت من الخوف علي نفسك فان كنت تعلم انك اذا وليت عملت في
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 64
عملك بما امر به رسول اللّه صلي اللّه عليه و اله ثم تصير أعوانك و كتابك أهل ملتك و اذا صار اليك شي‌ء واسيت به فقراء المؤمنين حتي تكون واحدا منهم كان ذا بذا و إلا فلا «12».
حتي في مورد الخوف يقيد الجواز بمواساة المؤمنين.

الرواية الثامنة … ص: 64

صحيحة الحلبي قال سئل ابو عبد اللّه عليه السلام عن رجل مسلم و هو في ديوان هولاء و هو يحب ال محمد صل اللّه عليه و اله و سلم و يخرج مع هؤلاء في بعثهم فيقتل تحت رايتهم قال: يبعثه اللّه علي نيته «13».
و موردها الخروج معهم في الجهاد الابتدائي غاية الامر نيته يجب ان تكون اقامة العدل، كما في رواية اخري مع التقييد بالخوف من دروس الاسلام لان في دروسه دروس ذكر محمد و آل محمد صلوات اللّه عليهم اجمعين.
و أما موثق عمار عن ابي عبد اللّه عليه السلام سئل عن اعمال السلطان يخرج فيه الرجل؟ قال: لا الا ان لا يقدر علي شي‌ء يأكل و لا يشرب و لا يقدر علي حيلة فان فعل فصار في يده شي‌ء فليبعث بخمسه الي اهل البيت «14».
فظاهرها إشتراط الحلية باخراج الخمس و استفاد المحقق الهمداني
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 65
منها ان مجهول المالك يمكن ان يتملك باخراج خمسه بقرينة أن موردها الزكوات و الخراج و المقاسمات التي كانت علي ملكية خاصة سابقا، لان السائل يخرج في اعمال السلطان كأمين البيادر، يعني المحافظ الاداري لمخازن الزكاة.
لكنها ليست صريحة في ذلك و يحتمل أن الخمس من باب الارباح أو لكونه من المختلط بالحرام و لو احتمالا فيستحب التخميس كما قال به بعض.

الرواية التاسعة … ص: 65

رواية الحسن بن موسي قال روي اصحابنا عن الرضا عليه السلام انه قال له رجل: أصلحك اللّه كيف صرت الي ما صرت اليه من المأمون؟ فكأنه انكر ذلك عليه.
فقال له ابو الحسن عليه السلام: يا هذا ايما افضل النبي او الوصي؟ فقال: لا بل النبي فقال: ايما افضل مسلم ام مشرك؟ فقال لا بل مسلم، قال: فان العزيز عزيز مصر كان مشركا و كان يوسف عليه السلام نبيا، و ان المأمون مسلم و انا وصي، و يوسف سأل العزيز ان يوليه حين قال اجْعَلْنِي عَلي خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ و انا اجبرت علي ذلك … الحديث «15».
فيستفاد منها جواز الاستوزار بل ولاية العهد اكثر من رئاسة
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 66
الوزراء.

الرواية العاشرة … ص: 66

صحيحة الريان بن الصلت قال: دخلت علي علي بن موسي الرضا عليه السلام فقلت له: يا بن رسول اللّه صلي اللّه عليه و اله ان الناس يقولون انما قبلت ولاية العهد مع اظهارك الزهد في الدنيا فقال عليه السلام: قد علم اللّه كراهتي لذلك فلما خيرت بين قبول ذلك و بين القتل أخترت القبول علي القتل، و يحهم أما علموا ان يوسف عليه السلام كان نبيا رسولا فلما دفعته الضرورة الي تولي خزائن العزيز قال له اجْعَلْنِي عَلي خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ و دفعتني الضرورة الي قبول ذلك علي اكراه و اجبار بعد الاشراف علي الهلاك علي اني ما دخلت في هذا الامر الا دخول خارج منه فالي اللّه المشتكي و هو المستعان «16».
و يظهر منها أن هذا ليس مخصوص بشريعة يوسف عليه السلام بل هو في شريعتنا ايضا، و عمل النبي يوسف عليه السلام كان بيع و شراء كله نافذ و ممضي لا مجهول المالك مع ان عزيز مصر ليس و الي شرعي، بل و لا مسلم.
و يستفاد منها اقرار الكفار علي ملكيتهم كما أقره الفقهاء، من ان الكفار يملكون و ظاهر الدولة الكافرة تملك قبل الاستيلاء عليهم،
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 67
فانها مقرة علي ملكيتها، الذي هو احد الادلة الاتية، فاذا أقرت ملكية الدولة الكافرة فبطريق اولي الدول الوضعية في البلاد الاسلامية، و التعليل في صحيحة الريان ناظرة الي هذه الاولوية.

الرواية الحادية عشرة … ص: 67

رواية محمد بن عرفة قال قلت للرضا عليه السلام يا بن رسول اللّه صلي اللّه عليه و اله و سلم ما حملك علي الدخول في ولاية العهد؟ قال: ما حمل جدي امير المومنين عليه السلام علي الدخول في الشوري «17».
و في الرواية نكتة لطيفة و هي أن الدخول في الشوري نوع من الدخول و المشاركة في نشاط سياسي للدول الوضعية، و هو ترشيح للسلطة العليا و يفتح المجال للاخذ بزمام الامور.
و روايات تولي الامام الرضا عليه السلام كلها يستدل عليه السلام فيها بالاولوية اولوية دخوله من دخول يوسف عليه السلام.
هذا تمام الكلام بالنسبة الي المورد الاول و هو الاستوزار فيها.
كما ان هنا رواية اخري و هي تولي النجاشي ولاية الاهواز و التي فيها رسالة الامام الصادق عليه السلام فيما ما ينبغي عليه ان يعمل بوظائف، و كلها انشطة مالية و انشطة اجرائية اذ المحافظة ماهي إلا دويلة صغيرة ضمن دولة الام، ففيها كل انشطة الدولة من قضاء
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 68
و معاملات مالية و غيرها، دولة كاملة كانت بيد النجاشي و الامام عليه السلام يعطيه دستور كامل للعمل بتلك المحافظة «18».
فالجواز في المورد الاول كأحل اللّه البيع اما اعم من الحلية التكليفية و الوضعية او ملازم للحلية الوضعية فالجواز في الولايات ملازم لنفوذ تلك الاجراءات، غاية الامر المؤمن لا وزر عليه لكن غيره عليه الوزر و سيأتي في التنبيه الاول كيفية التفكيك و مفاد لك المهنا و عليه- أي علي الظالم- الوزر
و في مستدرك الوسائل طائفة من الروايات غنية المفاد في المقام فراجع.
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 69

المورد الثاني: قبول هدايا السلاطين … ص: 69

اشارة

من الموارد التي اتفق عليها في الفتوي قديما و حديثا و لازمة ذلك المورد ان تمضي معاملات الدولة الوضعية تسهيلا للمكلفين هو مسألة جواز قبول هدايا السلطان و استثنوا ما علم بخصوصه انه غصبي لانه لازال علي ملكية المالك السابقة.
و التأمل في الاستثناء يدل علي عموم جواز قبول هدايا السلطان الا ما يعلم انه قد غصب من مالك سابق أخذا بعموم الرواية و الفتوي.
و تقريب الملازمة: ان نفس التعاطي مع الدولة اذا كان عن طريق الهدية و الهبة جائز فغيره كالبيع و الاجارة بطريق اولي، و ان لم تكن اولوية فلا أقل من المساواة.
و امضاء خصوص هدايا الدولة لا معني له، بل كل معاملاتها لان بقية المعاملات تطرء علي نفس موضوع الهدية و هو الاموال التي بحوزة الدولة- سواء ما بحوزة الدولة زعم مجهول المالك ام لا- و هو وجه المساواة و أما وجه الاولوية فلأن إنفاذ الهدية التي هي عقد مجاني
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 70
سوغه الشارع في تلك الاموال فكيف ببقية المعاملات المشتملة علي عوض كالبيع و الاجارة و غيرها فاذا لم تكن اولي فهي مساوية في الانفاذ و الامضاء.
و تقريب ثالث انهم استثنوا خصوص العين المغصوبة من مالك شخصي، و هذا يعني أنها اذا كانت لمالك شخصي و غير مغصوبة بل قد جري عليها التعامل بينه و بين الدولة فتلك يجوز اخذها هدية مع علمنا بان العين انتقلت الي الدولة من مالك شخصي خاص لكن برضا و بمعاملة عن تراض ثم قامت الدولة باهدائها فهذا مما لم يستثنه الفقهاء بل استثنوا الغصب و هو دال علي اخذ ما لم يكن بإكراه و بغصب.
و الغصب له اربع صور:
1/ اما علم تفصيلي به فهو منجز.
2/ أو علم إجمالي اطرافه خارجة عن الابتلاء فهو غير منجز.
3/ علم اجمالي بعض اطرافه موضع ابتلاء، مثلا انا نعلم ان المال الذي غصبته الدولة من المالك الخاص اما اودعته في خزانة الدولة او في خزانة شركة ما، لكن الشركة ليست موضع ابتلاء و انما موضع الابتلاء البنك المركزي هذه الصورة من العلم ايضا غير منجز، و جائز قبول الهدية لان بعض اطراف العلم الاجمالي ليس موضع ابتلاء و قد
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 71
حرر في علم الاصول.
4/ كل الاطراف موضع ابتلاء كأن تعرض الدولة أسهم نعلم بان أحدها مغصوب فلا يجوز التعامل بهذه المعاملة لان كل اطراف العلم الاجمالي موضع ابتلاء.
فاستثنوا موردين:
الاول: العلم التفصيلي بكون العين لمالك خاص و هي مغصوبة منه.
الثاني: صورة العلم الاجمالي في حال كون الاطراف كلها موضع ابتلاء.
فتحصل انه اذا كانت العين قد انتقلت الي الدولة سابقا من مالك خاص عن طريق معاملة جرت عن رضا منه تلك العين جائز اخذها هدية.
و هذا يدل بدلالة الاقتضاء ان هذه المعاملة السابقة صحيحة كي تنتقل و تنفذ الهدية التي قدمتها الدولة.
و لا يقتصر الفرض علي مالك خاص واحد بل يتصور في قطاع المجتمع كله، يعني كل الاعيان و الاموال التي اخذتها الدولة بالمعاملة عن رضا من المجتمع، فالرساميل المتعددة لدي الدولة التي انتقلت لحوزتها من المجتمع برضا منه، هذه الرساميل اذا أهدتها الدولة للناس
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 72
جائز تقبلها، و لم يستثنها الفقهاء لا قديما و لا حديثا، و إنما استثنوا ما استولت عليه الدولة بالغصب.
و معناه انفاذ المعاملات السابقة اي انفاذ معاملات الدولة مع المجتمع و هذا هو التقريب الثالث، و أما التقريبان الاولان فهما يشملان إمضاء الهدية و لو كانت علي عين لغير مالك خاص سابق بل من اموال الدولة، اذ ليس امضاؤها لخصوصية هذه المعاملة بل بطريق اولي انفاذ لبقية معاملات الدولة من بيع و اجارة و … لانها بعوض اذ المجانية امضاها فكيف بغير المجانية، و أن المورد و الموضوع الذي تجري فيه الهدية متحد مع بقية المعاملات.
أما روايات المورد ففي باب 51 أبواب ما يكتسب به من الوسائل أن جوائز الظالم و طعامه حلال و ان لم يكن له مكسب الا من الولاية الا ان يعلم حراما بعينه.

الرواية الاولي … ص: 72

صحيحة ابي ولاد قال قلت لابي عبد اللّه عليه: ما تري في رجل يلي اعمال السلطان ليس له مكسب الا من اعمالهم و انا امر به فانزل عليه فيضيفني و يحسن الي و ربما امر لي بالدراهم و الكسوة و قد ضاق صدري من ذلك؟ فقال لي: كل و خذ منه فلك المهنا و عليه الوزر «19».
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 73
و الراوي هو ابو ولاد الجليل، و هو يضرب مثالا لقضية حقيقية و قد أمضاها الشارع.

الرواية الثانية … ص: 73

صحيحة ابي المعزا قال: سئل ابو عبد اللّه و أنا عنده فقال:
أصلحك اللّه أمر بالعامل فيجيزني بالدراهم آخذها؟ قال: نعم، قلت: و أحج بها؟ قال: نعم. و في رواية الصدوق مثله وزاد: قال:
نعم و حج بها «20».
و هذا اخذ تملكي بعنوان الهدية و هي ممضاة فغيرها من المعاملات الغير مجانية كذلك بطريق أولي، أو أن فيها إطلاق سواء كانت العين سابقا لمالك خاص او لا اذا لم يكن مغصوب.

الرواية الثالثة … ص: 73

رواية ابي المعزا عن محمد بن هشام أو غيره قال: قلت لابي عبد اللّه عليه السلام: أمر بالعامل فيصلني بالصلة أقبلها؟ قال: نعم، قلت: و أحج منها؟ قال: نعم و حج منها «21».
و العامل مطلقا، يعني ذو المنصب الاداري و المالي و الحكومي.

الرواية الرابعة … ص: 73

صحيحة ابي همام قال: قلت للرضا عليه السلام: الرجل يكون عليه الدين و يحضره الشي‌ء أيقضي دينه أو يحج؟ قال: يقضي ببعض
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 74
و يحج ببعض، قلت: فانه لا يكون الا بقدر نفقة الحج، قال: يقضي سنة و يحج سنة، قلت: اعطي المال من ناحية السلطان، قال: لا بأس عليكم «22».

الرواية الخامسة … ص: 74

مصحح يحي بن أبي العلاء عن ابي عبد اللّه عليه السلام عن ابيه أن الحسن و الحسين عليهما السلام كانا يقبلان جوائز معاوية «23».
و قد يقال: في قبولهما عليهما السلام انهما معصومان لهما حق الولاية فلا يمكن الاستشهاد بقبولهما عليهما السلام لجوائز معاوية.
و لكنه ليس بسديد: لان حكاية الامام الصادق عليه السلام و لو عن فعل معصوم و الفعل مجمل إلا أن للحكاية لسان دلالي، و هو أن الامام عليه السلام يحكي ذلك الفعل من أجل أن يمثل به و يضربه مضرب قانون و تشريع ثابت و إلا لم الحكاية.
علاوة علي ان حكاية امام لاحق عن عمل و سيرة إمام سابق أمر متكرر في الروايات للاستشهاد و لكي يضرب كقانون و تشريع من قبل المعصوم عليه السلام.

الرواية السادسة … ص: 74

صحيحة محمد بن مسلم وزرارة قالا: سمعناه يقول: جوائز العامل ليس بها بأس «24».
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 75
و الصحيحة مطلقة لم تفصل بين عامل و آخر.

الرواية السابعة … ص: 75

صحيحة ابي بكر الحضرمي قال: دخلت علي أبي عبد اللّه عليه السلام و عنده إسماعيل ابنه، فقال: ما يمنع إبن ابي السمال أن يخرج شباب الشيعة فيكفونه ما يكفيه الناس، و يعطيهم ما يعطي الناس؟ ثم قال لي: لم تركت عطاءك؟ قال: مخافة علي ديني قال: ما يمنع ابن أبي السمال أن يبعث إليك بعطاءك؟ أ ما علم أن لك في بيت المال نصيبا «25»؟!
و إبن ابي السمال أحد الشيعة الذي كان له منصب في الوزارة الأقتصادية في الديوان.
و نستفيد من هذه الصحيحة عدة أمور:
الاول: صحة عقد الإجارة مع الدولة الوضعية و قد أمضي الامام عليه السلام هذا العقد بل حث علي وجوده، و هذا يدل كما هو واضح علي جواز عقد الاجارة و التوظف لدي الحكومات الوضعية، و هو مفتي به من قبل الفقهاء، و هو مورد مستقل يأتي الكلام فيه إنشاء اللّه تعالي.
الثاني: جواز قبول هدايا السلطان و يدل عليه ذيل الرواية (لم تركت عطاءك).
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 76
الثالث: نستفيد من التعليل (أ ما علم أن لك في بيت المال نصيبا) أن المال الذي بحوزة الدولة بيت مال للمسلمين و هذا تقريب مستقل برأسه و هو أن المال الذي بحوزتها ليس مجهول المالك و ليس علي المباحات الاصلية و انما هو بيت مال المسلمين، فما قصدته الدولة من حيازة أو من خدمات عامة بعنوان أنه ملكية عامة للمجتمع أي لبيت مال المسلمين هذا القصد نافذ.
فجميع الممارسات الاقتصادية و المالية و التجارية و السياحية التي تدر علي الدولة أموال و أرباح هذه الاموال تتملكها الدولة بعنوان أنه لبيت مال المسلمين، و جميع مصادر الدخل للدولة، كله يكون لبيت مال المسلمين.
و ممارسة الدولة علي هذه الاموال ليس الا نيابة عن المسلمين في التصرف فيها، إذ ليس تصرف الدولة و تعاملها الإجرائي بعنوان أن المعاملة لفلان و فلان، بل بعنوان أنه مال بيت المسلمين (الخزينة الوطنية) و الشارع اقر و أمضي هذا القصد بدليل هذه الرواية و غيرها من الروايات ستأتي ان شاء اللّه، و هذا دليل مستقل عن موارد الدليل الاول.
و قد يقال: أن المورد ليس من تصرفات الدولة أو هدية السلطان
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 77
قاعدة اليد عند الشك في مغصوبيته، و لو أغمض عن ذلك فالمورد مخصوص بمدعي الخلافة العامة.
و فيه: إنه من الغرابة بمكان استظهار ذلك للمتصفح لروايات المسألة فإن في مثل صحيحة ابي ولاد منشأ السؤال هو انحصار اموال عامل السلطان و كسبه من وظيفته و منصبه في الدولة الاموية أو العباسية، و في صحيحة ابي بكر الحضرمي كذلك هي ناصة علي كون العطاء من بيت المال لا الاموال الشخصية.
و كذا ما في خبر الفضل بن الربيع عن ابي الحسن موسي بن جعفر عليهما السلام- في حديث- أن الرشيد بعث اليه بخلع و حملان و مال فقال لا حاجة لي بالخلع و الحملان و المال اذا كان فيه حقوقا للامة، فقلت: ناشدتك با للّه أن لا ترده فيغتاظ، قال: اعمل به ما شئت.
هذا مع أن مجريات التاريخ مستفيضة و متواترة في كون عطاياهم من بيت المال و فيئ المسلمين و هو الذي ادي الي قتل الثالث، و كإغداقهم الاموال الطائلة علي الشعراء المتزلفين و أهل الغناء و المجون و الفجور.
فمع هذا الحال و علي القول بمجهولية المالك في أموال الدولة أي يد له تجري في المشكوك غصبيته، و هذا بخلاف القول بالامضاء
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 78
الوضعي لتصرفاته تسهيلا علي المؤمنين فان يده يد متول قسري ممضاة بالامضاء التسهيلي.
و من ذلك يعلم أن في هذه المسألة و المورد تقريب رابع للامضاء و هو أن لازمة اطلاق الهدية لمورد الشك في الغصبية هو إعتبار يد الدولة و امضائها- بالامضاء التسهيلي- للمؤمنين.
إن قلت: كيف يتكفل دليل للحكم الواقعي و الظاهري اي للامضاء واقعا و اعتبار اليد امارة.
قلت: هو نظير ما إلتزمه صاحب الكفاية في كل شي‌ء لك حلال حتي تعلم، و نظير ما إلتزمه المحقق العراقي- قده- في العموم من تكلفه لموارد الشك في الشبهة المصداقية للمخصص، و ما إلتزمه الميرزا النائيني- قده- في العموم المتكفل لحكم إلزامي خصص بتوسط عنوان وجودي، و هو نظير ما يأتي في المسألة اللاحقة من جواز شراء الخراج و المقاسمة ما لم يعلم أنه غصب و ظلم كما نص علي الاستثناء في الروايات.
و أما تخصيص المسألة بمدعي الخلافة العامة فلم يرتكبه أحد فيما وجدناه من العبائر في المقام لعدم فهم الخصوصية مع تكرر الامضاء في الروايات لذلك بألقاب متفاوتة.
الرابع: صحة و لزوم الضمان الاجتماعي (عطائك … أن لك
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 79
نصيبا) من الدولة لافراد المجتمع و تفصيل الكلام فيه له مبحث مستقل.

الرواية الثامنة … ص: 79

رواية عمر أخي عذافر قال: دفع الي إنسان ستمائة درهم أو سبعمائة لابي عبد اللّه عليه السلام فكانت في جوالقي، فلما انتهيت الي الحفيرة شق جوالقي و ذهب بجميع ما فيه، و وافقت عامل المدينة بها فقال: أنت الذي شق جوالقك و ذهب بمتاعك؟ فقلت: نعم، قال: اذا قدمنا المدينة فأتنا حتي نعوضك قال: فلما إنتهيت الي المدينة دخلت علي أبي عبد اللّه عليه السلام فقال: يا عمر شقت زاملتك و ذهب بمتاعك؟ فقلت: نعم، فقال: ما أعطاك اللّه خير مما أخذ منك- الي ان قال- فائت عامل المدينة فتنجز منه ما وعدك، فإنما هو شي‌ء دعاك اللّه اليه لم تطلبه منه «26».
فالروايات تدل بالملازمة علي حلية المال المأخوذ من الدولة من خلال إمضاء ولايتها علي المال وضعا لا تكليفا في العطاء المالي بمعاملة غير مجانية أيضا.
ثم ان صحيحة أبي ولاد المتقدمة توضح لنا أن الجواز إنما هو للامضاء و التسهيل علي المؤمنين و معاملة الدولة معاملة المالكة للتصرف تنزيلا لا أكثر و من خلال قوله عليه السلام: لك المهنا أو
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 80
الحظ و عليهم الوزر.
و بهذا أمكن التعدي الي إمضاء الشارع لكل المعاملات مجانية كانت أو غير مجانية مادامت المعاملة فيها حظ و فائدة للمؤمنين، مع معاتبة الولي لانه متسلط ظلما و عدوانا علي المال.
فالمعاملة نافذة من جهة المؤمن لا من جهة الغاصب، و سنذكر التخريج الصناعي لهذه المعاملة، و أنها كيف تصح من طرف واحد و لا تجوز من الطرف الاخر، مع أنها شي‌ء واحد لا يقبل التفكيك أو يفكك بين الحكم التكليفي و الوضعي لا بين الوضعي بحسب الطرفين، بل التعليل في صحيحة الحضرمي يوضح لنا خيوط المسألة، و أن عنوان بيت المال مازال معتبرا و مقرا من قبل الشارع و ان كان في ظل إدارة و ولاية غير شرعية و ظالمة و أن المرفوض من قبل الشارع هو إدارة هذه الفئة من الناس و ولايتهم.
و يتبلور طبيعة المال الذي هو بحوزة النظام، فهو ليس مباحا أصليا، و ليس مجهول المالك، و ليس ملك الدولة و انما هو ملك المسلمين.
اذن طرف المعاملة مع المؤمن حقيقة سواء كان التعامل مجانيا ام لا هو بيت المال لا الدولة، فهي معاملة بين مالكين، غاية الامر أن الوسيط الاجرائي المتولي للبيت وسيط لا يتمتع بالشرعية و لكن تدخل
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 81
الولي الشرعي و أمضي هذه المعاملة بنفسه محملا الوسيط وزر ولايته الظالمة.

بلورة الفكرة … ص: 81

و لبلورة الفكرة بشكل جيد لا بد من ايضاح الفوارق بشكل دقيق بين النظرية الثانية و الثالثة، في المورد و هي جواز تقبل الهدايا.
النظرية الثانية إعتمدت علي:
أولا: انحلال العلم الاجمالي بوجود أموال مغصوبة او ما بحكمها في مال الدولة، لخروج بعض الاطراف عن محل الابتلاء، و قلة نسبة الحرام الي الحلال.
ثانيا: عدم إمضاء الشارع لعنوان بيت مال المسلمين في ظل نطام الحكم الظالم فتدور اموال الدولة بين المباح الاصلي و الحرام فقط.
ثالثا: عدم تصحيح الشارع لتصرفات الادارة المتولية للأموال.
و النظرية الثالثة تعتمد علي:
أولا: انحلال العلم الاجمالي حيث لا تنكر وجود حرام في أموال الدولة غاية الامر لما كانت بعض الاطراف خارجة عن محل الابتلاء و كانت نسبة الحرام قليلة ينحل العلم الاجمالي و معه أمكن الاستفادة من أمارة اليد لأثبات أن ما يمنحه الظالم للمؤمن مال حلال، من دون
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 82
معارض يعارض هذه الأمارة، اذ مع عدم الانحلال لا تجري أمارة اليد لحرمة التصرف بالمغصوب العامة.
كما أن نسبة الحرام اذا كانت غالبة فانها تسقط الأمارة- امارة اليد- عن الاعتبار.
إذن: في الانحلال النظريتان مشتركتان.
ثانيا: أن أموال الدولة منحصرة بين الحرام و بين بيت مال المسلمين، و لا وجود للمباح فيها، و أن بيت المال هو مال للمسلمين و عنوان ممضي من قبل الشارع في ظل الدولة الوضعية الفاقدة للشرعية، و يستفاد ذلك من رواية الحضرمي المتقدمة.
فخلافنا مع النظرية الثانية: أن هناك موضوعا للامضاء لوجود أموال صنفت في بيت مال المسلمين و أن الامضاء للعنوان متحقق.
ثالثا: أن الادارة المتولية للمال قد أمضيت تصرفاتها وضعا لا تكليفا، مع المؤمنين تسهيلا لهم بمنطق لك المهنا و عليهم الوزر، بدليل الملازمة المذكورة في المسألة الاولي و الثانية و المسائل اللاحقة.
و لو أغمضنا عن وجود بيت مال للمسلمين لا نقر حصر النظرية الثانية للاموال في المباح و الحرام، اذ هناك حالات لا تصنف في أحد هذين و لا بد حينئذ من الامضاء، مثل الثروات المستخرجة من الاراضي الخراجية بناء علي تبعيتها لها، و إدارة الاراضي التي أسلم
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 83
اهلها عليها و الخراجية التي اتفق الكل بما في ذلك أنصار النظرية الثانية علي أنها ملك المسلمين و حقهم، و غير ذلك من الامثلة فان هذه الاموال ليست مباحا و لا حراما.
و الخلاصة: انحلال العلم الاجمالي، مع جريان امارة اليد من دون معارض، و قلة النسبة لمجهول المالك و إمضاء التصرفات و إمضاء عنوان بيت المال يسوغ لنا التعامل.
فالشي‌ء الذي نود الالفات اليه: أن مركز الحديث في هذه النظرية هي فهم الامضاء من الادلة للأدارة المتولية للمال، فالانحلال ثابت لا نقاش فيه و قد صورناه مفصلا في النظرية الثانية.
و أما بيت المال و إمضاؤه في ظل نظام الحكم الوضعي فنتعامل معه كشي‌ء مفروغ عنه ثابت حتي تحين الفرصة لبحثه مفصلا، مكتفين في الوقت الحاضر بالمقدار الذي سنذكره في الدليل الثاني عنه و عن مصادره مع صحيحة ابي بكر الحضرمي و غيرها، الدالة علي وجوده و إمضائه.

خلاصة ما تقدم … ص: 83

نستفيد من جواز قبول هدايا السلاطين و إمضاء الشارع لها إمضاء جميع الممارسات المالية للدولة بتقريبات أربع:
الاول و الثاني: الاولوية، حيث أن الهدايا المجانية أمضاها
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 84
الشارع فالبيع و العقود غير المجانية إن لم تكن أولي فمساوية علي أقل تقدير، لاتحاد المورد و الموضوع الذي تجري عليه الهدية و المعاملات الاخري.
الثالث: ان قسم وافر مما بحوزة الدولة من أموال كان علي ملكية خاصة للناس ثم إنتقل الي الدولة، و هذه لم يستثنها الفقهاء من جواز أخذ الهدية، و إنما استثنوا العين المغصوبة، أما الاعيان التي إنتقلت الي الدولة عبر المعاملة التي تمت برضا الطرف الاخر فهذه لم يستثنها الفقهاء و هذا يدل علي نفاذ و صحة تلك المعاملات السابقة.
الرابع: أن اطلاق صحة الهدية الشامل لموارد المشكوك غصبيته بقرينة استثناء خصوص المغصوب الظاهر في المحرز غصبيته- هو إعتبار يد الدولة كيد متولي- و ان كانت قسرية ممضاة بالامضاء التسهيلي.
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 85

المورد الثالث: جواز شراء المقاسمة و الخراج … ص: 85

اشارة

نقل الشيخ الاعظم في مكاسبه الاجماع عليه و عدم الخلاف قديما و حديثا.
ففي بادئ عهد رسول اللّه صلي اللّه عليه و اله كانت الزكاة تجبي عن طريق النصاب من الحنطة و التمر و … ثم في عهد الثاني راي أن جرد المحاسبة صعب بالطريق السابق و فيه نحو مؤنة و اقتراحا من نفسه بدل الطريقة السابقة بضرب جرد آخر و هو الخراج و المقاسمة بأن يضع علي الارض، فان كان المأخوذ منهم دراهم و دنانير فيسمي خراج و إن كان من المحصول يسمي مقاسمة، فالمقاسمة هي النسبة من نفس المحصول، و الخراج هو القيمة المالية.
فالخراج ضريبة النقد، و المقاسمة هي ضريبة السهم من النصف و العشرة و نحوهما، و قيل أن الاول اذا كان العقد إجارة علي الارض و الثاني اذا كان مزارعة، و فكرة الخراج و المقاسمة أيضا هي ضريبة موضوعة علي الاراضي المفتوحة عنوة، و اشجارها و نخيلها حينما تكون مستثمرة من قبل مسلم، و كذا في أراضي الجزية و الصلح.
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 86
و هذه الضريبة تارة تكون نقدية فتسمي (خراج) و اخري تكون حصة من نتاج الارض فتسمي (مقاسمة) و قيل العكس، فبتقدير وارد الارض و فرض نسبة ثابتة سواء زرعت الارض أم لم تزرع كان حاصلها كما قدرت ام أقل أم أكثر، فان كانت التقدير بالنقد و النسبة من النقد كان خراجا و الا فهو مقاسمة، و توسع الخراج الي الارض المفتوحة عنوي عندما تؤجر من قبل الدولة للمواطن فالاجار يعتبر خراج.

قول اهل اللغة … ص: 86

و قال في لسان العرب الخرج أو الخراج واحد، و هو شي‌ء يخرجه القوم في السنة من مالهم بقدر معلوم و قال الزجاج: الخرج المصدر و الخراج اسم لما يخرج او الخراج غلة العبد و الامة و الخرج و الخراج الاتاوة تؤخذ من اموال الناس.
ثم قال: و أما الخراج الذي وضعه الخليفة الثاني علي السواد، و أرض الفيئ، فان معناه الغلة لانه أمر بمساحة السواد، و دفعها الي الفلاحين الذين كانوا فيه، علي غلة يؤدونها في كل سنة، و لذلك سمي خراجا، ثم قيل بعد ذلك للبلاد التي افتتحت صلحا، و وظف ما صولحوا عليه أرضيهم خراجية، لأن تلك الوظيفة اشبهت الخراج الذي ألزم بالفلاحين و هو الغلة لان جملة معني الخراج الغلة و توصيل
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 87
للجزية التي ضربت علي رقاب أهل الذمة، خراج لأنه كالغلة الواجبة عليهم.
و في مجمع البحرين الخراج ما يصل من غلة الارض و قيل يقع أسم الخراج علي الضريبة و الفيئ و الجزية و الغلة.
و ربما عمم الي ما يؤخذ من احياء الارض.
ففي الكلمات اضطراب في تعريف الخراج، و لكن ذكر السيد اليزدي في تعليقته علي المكاسب أن الخراج يستعمل بعدة معاني.
فالخراج مجموعة من الضرائب الزكوية و غيرها كان يتقاضاها السلاطين، من المؤمنين و عامة المسلمين و بعضها أجرة الاراضي الخراجية و غيرها التي أمرها بيد الولي الشرعي و لا يمكن للانسان الانتفاع بها الا بعد الاذن من قبله، أما غيره فإجازته و عدمها سيان، و تصرف المؤمن في الاراضي المفتوحة عنوة لا بد فيه من أذن الولي الشرعي و الاجارة اي العوض و الاجرة الذي يؤخذ منه إنما يكون ملكا لعامة المسلمين اذا كانت الاجارة صحيحة، اذ الولي الشرعي هو القيم، و لا يمكن نفاذ المعاملات بدون إذنه.
ففي هذه المسألة نجد أن الشارع امضي اجارة الدولة الوضعية و كذا أمضي الثمن الذي يؤخذ اذا اخذه مؤمن اخر بمعاملة مع الدولة ايضا، و امضي للمؤمن ان يتصرف في الارض التي هي ملك
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 88
للمسلمين.
و كذا أجاز شراء المال المأخوذ بعنوان الزكاة هذا من جهة، و من جهة اخري الزكاة و ان كانت تتعين بالتعين لكن لا تبرأ ذمة من عليه الزكاة اذا أعطاها غير المستحق و مع ذلك نجد الولي الشرعي في هذا المورد يبرء من عليه الزكاة و يمضي عقد البيع علي المال الزكوي اذا اشتراها المؤمن من الدولة الوضعية فهذه ممارسات وضعية و اقتصادية للدولة عديدة أمضاها الشارع تسهيلا للمكلفين و لا خصوصية لهذه الموارد خصوصا مع ضمها بالموارد السابقة و اللاحقة.

استعراض الروايات … ص: 88

اشارة

علي أية حال لكي لا نخرج عن الموضوع ندع التفاصيل الي مكانها و ندخل في استعراض أدلة المسألة التي اتفقت عليها كلمة الفقهاء قديما و حديثا و لا عبرة بتشكيك الفاضل القطيفي و المقدس الاردبيلي في المقام، و كيفية الانتقال منها الي امضاء تصرفات الدولة الوضعية في كل معاملاتها مع المواطنين.
فالروايات في المقام متعددة:

الرواية الاولي … ص: 88

صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج قال: قال لي ابو الحسن موسي
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 89
عليه السلام: مالك لا تدخل مع علي في شراء الطعام إني أظنك ضيقا، قال: قلت: فإن شئت وسعت علي، قال: اشتره «27».
و هذه الرواية و إن كانت في مورد خاص و لكن قوله عليه السلام (مالك لا تدخل..) إستفهام إنكاري مبني علي أمر مفروغ عنه كلي و هو جواز شراء المقاسمة و الخراج.

الرواية الثانية … ص: 89

صحيحة زرارة قال: اشتري ضريس بن عبد الملك و أخوه من هبيرة أرزا بثلاث مائة ألف، قال: فقلت له: ويلك او ويحك انظر الي خمس هذا المال فابعث به اليه و احتبس الباقي فأبي عليه، قال: فأدي المال و قدم هؤلاء، فذهب امر بني امية، قال: فقلت: ذلك لابي عبد اللّه عليه السلام، فقال مبادرا للجواب: هو له هو له، فقلت له: إنه أداها فعض علي اصبعه «28».
و مفاد الرواية أن المال المشتري من الوالي الاموي ليس مجهول المالك، و يستفاد ذلك بوضوح من جواب الامام عليه السلام.
من جانب آخر الرواية تدل علي عدم وجوب الوفاء بالثمن كلية بل يمكن دفع بعضه و احتباس الباقي.
و سيأتي ان شاء اللّه في التنبيهات أنه مع أمضاء ملكية الدولة الوضعية ما هو حكم الوفاء بالمعاملة معها و ما هي حدوده، و هل
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 90
يجوز للمؤمن ان يسقط الديون عن بعض المؤمنين اذا امكنه بحيث لا يكون في البين خوف محذور آخر، و هل يمكن الاستفادة من الخدمات العامة للدولة بلا ان يدفع اجرة، و هل هذا يسوغ؟
السيد البروجردي- قده- و عدة علي انه لا يجوز لانهم بنوا علي أن مخزون الدولة بيت مال المسلمين فلا يسوغ.
السيد الشاهرودي- قده- اختار عدم الجواز من جهة اخري لكن سياتي ان في البين روايات عديدة يستفاد منها الجواز لكن بمقدار لا يؤدي الي اخلال النظام العام و إلي ضرره علي عامة الناس حيث أن فيها تعليل لان له- المؤمن- في بيت المال حق و المؤمنين لهم حقوق و هذه الدولة الظالمة تمنعهم من تلك الحقوق.
لكن الاحتياط في هذه الموارد لا ينبغي تركه لانا مطالبون بان يتحلي المؤمن بالورع و التقي و الشهامة و الصفات الانسانية العالية فاذا كان هناك احتمال قيد شعرة بكونه في معرض الهتك و التشهير به ليس له فقط بل لمعتقده فينبغي الاحتياط.

الرواية الثالثة … ص: 90

مرسلة ابن ابي حمزة عن رجل قال: قلت لابي عبد اللّه عليه السلام: اشتري الطعام فيجيئني من يتظلم و يقول: ظلمني، فقال:
اشتره «29».
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 91

الرواية الرابعة … ص: 91

صحيحة معاوية قال: قلت لابي عبد اللّه عليه السلام: أشتري من العامل الشي‌ء و أنا أعلم أنه يظلم؟ فقال: اشتر منه «30».
و تبعا لهذه الرواية و غيرها أفتي بعض الفقهاء بأنه اذا زيد الظالم الضريبة المالية الزكوية بعنوان الزكاة يجوز شراؤه لكن بعنوان الزكاة و الضريبة الخراجية.
و الحكم بجواز الشراء في ظرف العلم التفصيلي أو الاجمالي أو..
سوفي يحدد في الرواية المقبلة.

الرواية الخامسة … ص: 91

و منها رواية ابي عبيدة عن ابي جعفر عليه السلام قال: سألته عن الرجل منا يشتري من السلطان من إبل الصدقة و غنم الصدقة و هو يعلم أنهم يأخذون منهم أكثر من الحق الذي يجب عليهم؟ قال:
فقال: ما الابل إلا مثل الحنطة و الشعير و غير ذلك لا بأس به حتي تعرف الحرام بعينه «31».
المفهوم من الرواية: أن قبض الوالي لاموال الزكاة قبض صحيح و علي هذا الاساس جاز شراؤها منه، نعم الزائد حرام و لكن لا يؤثر علي جواز الشراء و حلية المبيع حتي يعلم تفصيلا بأنه حرام، و بذا تفسر الرواية السابقة و يقيد الحكم بصورة العلم الاجمالي المنحل لا
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 92
مطلقا.
ففي الرواية امضاء لممارستين:
الاولي: أخذ الولي للزكاة.
الثانية: أخذ الزكاة من الولي بالشراء.
و لاحظ تكلمة الرواية:
قيل له: فما تري في مصدق يجيئنا فيأخذ منا صدقات أغنامنا فنقول: بعناها، فما تقول في شرائها منه؟ فقال: إن كان قد أخذها و عزلها فلا بأس.
قيل له: فما تري في الحنطة و الشعير يجيئنا القاسم فيقسم لنا حظنا و يأخذ حظه فيعزله بكيل فما تري في شراء ذلك الطعام منه؟
فقال: إن كان قبضه بكيل و أنتم حضور ذلك فلا بأس بشرائه منه من غير كيل.
فان ذلك صريح في براءة ذمة الدافع، و امضاء تصرف المستلم العامل، و امضاء تصرف البائع و شراء المشتري.
فيستفاد من الرواية:
أولا: جواز شراء المقاسمة و الزكاة المقبوضة، فالبيع نافذ و الشراء جائز و ممضي من قبل الشارع مع ان عملية الشراء و البيع لم تكن مع الولي الشرعي.
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 93
ثانيا: أن الشارع يقر يده مضافا الي أن تصرفاته ممضات قبضه ممضي، لانه قوة تنفيذية.
ثالثا: أن العلم الاجمالي غير المنجز لا يجب الاجتناب عنه.

الرواية السادسة … ص: 93

الصحيح الي محمد بن عيسي الاشعري قال: سئل أبو عبد اللّه عليه السلام عن شراء الخيانة و السرقة؟ قال: اذا عرفت ذلك فلا تشتره إلا من العمال «32».
و هذه الرواية محمولة علي التفصيل بقرينة ما سبق من الروايات بين ما اذا علم المشتري الحرام لم يجز له الشراء و إلا جاز، كما في موثقه الاتي.

الرواية السابعة … ص: 93

موثقة إسحاق بن عمار قال: سألته عن الرجل يشتري من العامل و هو يظلم؟ قال: يشتري منه ما لم يعلم- أي تفصيلا- أنه ظلم فيه أحد «33».
و هذا يعني أن الامضاء التسهيلي لا يتناول التصرفات الغير شرعية في نفسها كالغصب أو التعامل الربوي و نحوه، و انما هو امضاء تسهيلي من جهة خلل الولاية بعد الفراغ من صحة التعامل في نفسه.
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 94
فالرواية كالسابقات في الدلالة، و علاوة علي ذلك نستفيد منها كون يده أمارة علي أن ما تحتها ملكية للعامة إلا اذا علم تفصيلا أنه مال مغصوب أو مستحق للغير.

الرواية الثامنة … ص: 94

جميل بن صالح قال: أرادوا بيع تمر عين أبي ابن أبي زياد فأردت أن اشتريه فقلت: حتي أستأذن أبا عبد اللّه عليه السلام فأمرت مصادف فسأله؟ فقال له: قل له: فليشتره فانه إن لم يشتره اشتراه غيره «34».
و الرواية و ان كان موردها ملكية خاصة لكن أبي ابن أبي زياد أمواله من الولاية غير الشرعية فهي ليست شرعا ملكا له علي مقتضي القاعدة.
و هناك مجموعة من الروايات تدل علي جواز الشراء و الأخذ مجانا- و يدل علي الأخذ مجانا أيضا الروايات المتقدمة في جوائز السلطان- إلا أنا نكتفي بما استعرضناه، مع الاعراض عن تفاصيل المسألة و خصوصياتها لانها خارجة عن محور كلامنا، و الذي يهمنا إثبات جواز الشراء في الجملة لنستفيد منه بالملازمة جواز التعامل مع النظام الوضعي لامضاء تصرفاته تسهيلا علي المؤمنين، مع تحميله كافة المسئولية و العقوبات الاخروية.
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 95
و تصوير الملازمة: إن المفهوم من الروايات:
1- إمضاء جباية الحاكم للزكاة و براءة ذمة الدافع، مع الاخذ بعين الاعتبار أن الزكاة مصنفة في بيت مال المسلمين و من ثم كانت موضوعا للولاية في جبايتها و التصرف فيها.
2- إمضاء بيع الولي غير الشرعي للعين الزكوية.
3- إمضاء عقد الولي غير الشرعي علي الارض الخراجية و أخذه للاجرة من المستأجر.
هذه الامضاءات مع ما سبق و ما يأتي كلها تدور في فلك واحد و هو التسهيل علي المؤمنين المحكومين بهذه الدولة و التخفيف عنهم، و منحهم الفرصة للاستفادة من بيت المال و لا خصوصية في التعامل بأموال الخراج بل يعم كل تعامل و بدون إستثناء، فله المهنا و عليهم الوزر.
4- أن الامضاء التسهيلي انما هو من جهة خلل الولاية في التصرف دون جهات الخلل الاخري في التعامل في نفسه كأن يكون ربوي.
يبقي شي‌ء: أن الجواز الذي أفتي به الفقهاء مختص بالمال الخراجي الذي يأخذه السلطان المخالف المدعي للخلافة العامة و توقف البعض في المؤالف و المخالف الذي لا يدعي الخلافة فقالوا
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 96
بعدم الامضاء فما هو السر؟
و جوابه: ليس ذلك بسبب تخصيص الروايات فانها خالية عن التحديد بذلك، بل وجهه ان السلطان غير المدعي للخلافة العامة لا يأخذ الضريبة بأسم الزكاة و الذي يأخذها بهذا العنوان هو المدعي فقط فيكون كالقدر المتيقن، فلو فرضنا أن في العصر من لا يدعي الخلافة و يأخذ الضرائب باسم الزكاة ففي هذه الحالة تبرء ذمة الدافع بموجب الروايات و لا معني للتوقف في ذلك.
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 97

المورد الرابع: قبالة الاراضين … ص: 97

اشارة

و القبالة تستعمل علي وجوه بمعني الاجارة و بمعني المزارعة و بمعني المساقاة و بمعني شراء شخص ما خراج أرض من الدولة في مقابل تعهده و ضمانه دفع مبلغ معين سنوي و عليه يحق له جمع خراج تلك الارض من أهلها فيجعل الشخص قبيلا أو كفيلا بتحصيل الخراج و أخذه لنفسه مقابل قدر معلوم يدفعه الي السلطان فيستفيد الثاني تعجيل المال و يستفيد المتقبل الفرق بين ما دفعه و ما حصله، فيسمي نفس مال القبالة حينئذ الذي يؤخذ من المستثمر أو من المستغل للاراضي الخراجية بالعقد المزبور خراجا، و بمعني أيضا مطلق المعاملة.
و مركز البحث في اجارة الاراضي المفتوحة عنوة من قبل الدولة بمبلغ معين و من دون أن يحدث فيها شيئا ثم يؤجرها علي آخرين بمبلغ أكثر مستفيدا من التفاوت بين ما يدفعه للدولة و ما يستلمه من المستأجر الجديد.
إذ قد وردت روايات في حرمة الاجارة الثانية و بطلانها، و ما
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 98
ذاك الا لا ندراجها تحت القانون العام في الأجارة و هي عدم صحة إجارة المستأجر و الاجير للعمل الذي بيده أو العين المستأجرة بأكثر مما استأجرها من دون أن ينجز شيئا من العمل أو يحدث شيئا في الارض و العين المستأجرة.
ففي الارض المفتوحة عنوة اذا تقبلها اناس من السلطان من الدولة الوضعية بعقد إيجار ثم أرادوا أن يؤاجروها او يقبلونها الي اخرين بمبلغ أزيد فهذا لا يجوز، لوجود عدة من الروايات التي تدل علي عدم الجواز و المسوغية.
طبعا الارض اذا استأجرها من مالك خاص و يريد أن يؤجرها لشخص اخر بقيمة أكثر بلا أن يعمل فيها بشي‌ء لا يجوز ذلك، حيث أنه سيستلم فائض مال بلا جهد.
و في المقام توجد استفادتان:
الاولي: عدم جواز استئجار الارض او بعض أشياء اخر ثم ايجارها باكثر من اجرتها بدون إحداث اي حدث فيها، و هذا مفتي به و ليس هو محل الكلام، و ان وردت روايات أخري بالجواز في مطلق الارض و افتي جماعة بها.
الثاني: أن المستأجر اذا تأجر من السلطان الارض المفتوحة عنوة فالحكم السابق أيضا جاري و هو عدم جواز تأجيرها بأكثر من اجرتها
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 99
من السلطان.
فهذا يفيد أن طرف المعاملة و هي الدولة الوضعية يعامل معها معاملة المالك و إلا ما وجه تسرية الحكم الي هذه المورد؟!
فيستفاد التزاما بالاقتضاء:
1/ أن القبالة صحيحة مع الدولة الوضعية.
2/ هذه المعاملة كالمعاملة مع المالك الخاص، في أنه لا يسوغ أن تؤجر بأكثر من اجرتها بلا أن يحدث فيها حدث، فيرتب الشارع الاحكام علي هذه الاجارة بعد إمضاء تصرف الدولة الوضعية تسهيلا للمكلفين.
و الروايات في المقام متعددة و في ابواب مختلفة:

الرواية الاولي … ص: 99

رواية إبراهيم الكرخي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل له قرية عظيمة و له فيها علوج يأخذ منهم السلطان خمسين درهما، و بعضهم ثلاثين و أقل و أكثر، ما تقول إن صالح عنهم السلطان؟- أعني صاحب القرية- بشي‌ء و يأخذ هو منهم أكثر مما يعطي السلطان؟ قال: قال: هذا حرام «35».
و مفاد الرواية صحة القبالة و ترتيب الاثر عليها و حرمة تقبيلها بأكثر مما تقبلها من السلطان، و هي مطلقة مقيدة بما اذا احدث فيها
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 100
حدث.

الرواية الثانية … ص: 100

رواية اسماعيل بن الفضل الهاشمي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن الرجل استأجر من السلطان من أرض الخراج بدرهم مسماة أو بطعام مسمي ثم آجرها و شرط لمن يزرعها أن يقاسمه النصف أو أقل من ذلك أو أكثر، و له في الارض بعد ذلك فضل أ يصلح له ذلك؟ قال: نعم اذا حفر نهرا أو عمل لهم شيئا يعنيهم بذلك فله ذلك، قال: و سألته عن الرجل استأجر أرضا من أرض الخراج بدراهم مسماة أو بطعام معلوم فيواجرها قطعة قطعة أو جريبا جريبا بشي‌ء معلوم فيكون له فضل فيما استأجر من السلطان، و لا ينفق شيئا أو يواجر تلك الأرض قطعا علي أن يعطيهم البذر و النفقة فيكون له في ذلك فضل علي إجارته و له تربة الارض أو ليست له، فقال له: اذا استأجرت أرضا فأنفقت فيها شيئا أو رممت فيها فلا بأس بما ذكرت «36».

الرواية الثالثة … ص: 100

رواية الفيض قال: قلت لابي عبد اللّه عليه السلام: جعلت فداك ما تقول في الأرض أتقبلها من السلطان ثم أواجرها من آخرين علي أن ما أخرج اللّه منها من شي‌ء كان لي من ذلك النصف
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 101
و الثلث أو أقل من ذلك أو أكثر، قال: لا بأس … الحديث «37».

الرواية الرابعة … ص: 101

صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنه قال في القبالة أن تأتي الأرض الخربة فتتقبلها من أهلها عشرين سنة، فإن كانت عامرة فيها علوج فلا يحل له قبالتها إلا أن يتقبل أرضها فيستأجرها من أهلها، و لا يدخل العلوج في شي‌ء من القبالة فان ذلك لا يحل- الي أن قال-: و قال: لا بأس أن يتقبل الارض و أهلها من السلطان … الحديث «38».
و المقصود من العلوج في الرواية هم المجوس و هم أهل جزية، و في الحديث إمضاء القبالة أي الإجارة من السلطان.
و هناك عدة اخري من الروايات الدالة علي ذلك، مضافا الي ما تقدم في المورد الثالث الدال علي صحة الاجارة في الاراضي المفتوحة عنوة بالخراج الموضوع من قبل السلطان، و هي أيضا مفتي بها.
و علي كل حال فهذه ممارسة اخري من الدولة الوضعية- في الملكية العامة للمسلمين- أو ما يصطلحون عليه في العصر الحاضر بملكية الشعب و الملكية عامة.
هذه الممارسة حق للامام الشرعي و مع ذلك من أجل التسهيل
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 102
علي المكلفين أمضاها الشارع و رتب عليه آثار العقد الصحيح و الاجارة النافذة.
علي أية حال نفوذ عقد الاجارة مع الدولة الذي يعني بقرينة المسائل المتقدمة إمضاء تصرفات الدولة الوضعية إمضاءا وضعيا تسهيليا فللمؤمن المهنا و علي الظالم الوزر.
نعم لولا المسائل المتقدمة لما أمكن ان نستفيد الامضاء الوضعي من نفوذ خصوص الاجارة اذ يبقي ملكية الدولة للتصرفات مجرد احتمال قائم لا يثبته شي‌ء.
فالخلاصة: ان تنوع هذه الممارسات الاقتصادية و التصرفات المالية بعد دلالة كل منها علي الامضاء الوضعي في مورده يدل بالدلالة الالتزامية علي نفوذ كل معاملة- مشروعة في نفسها و ذاتها من حيث ماهي معاملة- مع الدولة بامضاء الشارع لتصرفها تسهيلا علي المؤمنين و فتحا لفرض الاستفادة من الدولة هذا هو الدليل الاول مع ما يأتي من موارده الباقية.
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 103

المورد الخامس: جواز بيع السلاح و غيره و شراء الجواري و غيرها من السلطان … ص: 103

اشارة

اذ كان تملك الجواري في السابق من طريقين إما من خلال القتال و السبي الفردي من مناوشات محدودة مع الكفار، و إما من خلال الشراء من السلاطين اذ لهم حصة الاسد في هذه التجارة، و الذي في هذا البيع و العقد من الاشكال أن فيه خمس الامام أو أنه كله للامام في الثاني بناء علي شرطية اذنه عليه السلام في ملكية غنيمة الغزو، و لكن ورد تصحيح الشراء في عدة من الروايات.

الرواية الاولي … ص: 103

صحيحة محمد بن عبد اللّه قال: سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن قوم خرجوا و قتلوا أناسا من المسلمين و هدموا المساجد و أن المتولي هارون بعث إليهم فأخذوا و قتلوا و سبي النساء و الصبيان هل يستقيم شراء شي‌ء منهن و يطؤهن أم لا؟ قال: لا بأس بشراء متاعهن و سبيهن «39».
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 104

الرواية الثانية … ص: 104

مصحح المرزبان بن عمران قال: سألته عن سبي الديلم و هم يسرقون بعضهم من بعض و يغير عليهم المسلمون بلا إمام، أ يحل شراؤهم؟ فكتب: اذا اقروا بالعبودية فلا بأس بشرائهم «40».

الرواية الثالثة … ص: 104

و معتبرة ابي خديجة عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال: قال رجل و أنا حاضر: حلل لي الفروج؟ ففزع ابو عبد اللّه عليه السلام فقال له رجل: ليس يسألك أن يعترض الطريق إنما يسألك خادما يشتريها أو امرأة يتزوجها أو ميراثا يصيبه أو تجارة أو شيئا أعطيه، فقال: هذا لشيعتنا حلال الشاهد منه و الغائب و الميت منهم و الحي و ما يولد الي يوم القيامة فهو لهم حلال أما و اللّه لا يحل الا لمن أحللنا له، و اللّه ما أعطينا أحدا ذمة و ما عندنا لأحد عهد و لا لاحد عندنا ميثاق «41».
و كذا ورد في عدة من الروايات جواز بيع السلاح و غيره، منها:

الرواية الرابعة … ص: 104

رواية ابي القاسم الصيقل قال: كتبت اليه إني رجل صيقل أشتري السيوف و أبيعها من السلطان أجائز لي بيعها؟ فكتب: لا باس به «42».
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 105

الرواية الخامسة … ص: 105

موثقة حكم بن حكيم الصيرفي قال: سمعت ابا عبد اللّه عليه السلام و سأله حفص الاعور فقال: إن السلطان يشترون منا القرب و الادواة فيوكلون الوكيل حتي يستوفيه منا فنرشوه حتي لا يظلمنا فقال: لا بأس ما تصلح به مالك «43».
و يستشعر منها بقوة إمضاء البيع في المثال حيث أن الظلم المراد دفعه بالرشوة هو إستيفاء و كيلهم زائدا عن حقهم المعاوضي، كما أن الثمن المقبوض في البيع مسكوت عنه مفروغ عن تملكه.

الرواية السادسة … ص: 105

صحيحة ابي بكر الحضرمي قال: دخلنا علي أبي عبد اللّه عليه السلام فقال له حكم السراج ما تقول فيمن يحمل الي الشام السروج و أدواتها؟ فقال: لا بأس أنتم اليوم بمنزلة أصحاب رسول اللّه صلي اللّه عليه و اله، إنكم في هدنة، فاذا كانت المباينة حرم عليكم أن تحملوا إليهم السروج و السلاح «44».

الرواية السابعة … ص: 105

رواية هند السراج قال: قلت لابي جعفر عليه السلام: أصلحك اللّه إني كنت أحمل السلاح الي أهل الشام فأبيعه منهم، فلما عرفني اللّه هذا الامر ضقت بذلك و قلت: لا أحمل الي أعداء اللّه، فقال لي:
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 106
إحمل اليهم فإن اللّه يدفع بهم عدونا و عدوكم- يعني الروم- و بعه فاذا كانت الحرب بيننا فلا تحملوا فمن حمل الي عدونا سلاحا يستعينون به علينا فهو مشرك «45».

الرواية الثامنة … ص: 106

رواية محمد بن قيس قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الفئتين تلتقيان من أهل الباطل أبيعهما السلاح؟ فقال: بعهما ما يكنهما الدرع و الخفين و نحو هذا «46».
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 107

المورد السادس جواز التوظف و المؤاجرة في الدولة الوضعية … ص: 107

اشارة

و يدل علي ذلك مجموعة من الروايات.

الرواية الاولي … ص: 107

صحيحة ابي بكر الحضرمي قال: دخلت علي أبي عبد اللّه عليه السلام و عنده إسماعيل ابنه، فقال: ما يمنع إبن ابي السمال أن يخرج شباب الشيعة فيكفونه ما يكفيه الناس، و يعطيهم ما يعطي الناس «47»؟
و تقريب الدلالة: أن فيها عقد إجارة و قد أمضي الامام عليه السلام هذا العقد بل حث علي وجوده، و هذا يدل كما هو واضح علي جواز عقد الاجارة في نفسه و التوظف لدي الحكومات غير الشرعية اذا لم يطرء عناوين محرمة أخري، و هو مفتي به.

الرواية الثانية … ص: 107

حسنة الانباري و لا بأس بسندها عن ابي الحسن الرضا عليه السلام قال: كتبت اليه أربع عشرة سنة أستأذنه في عمل السلطان
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 108
فلما كان في اخر كتاب كتبته اليه اذكر اني اخاف علي خيط عنقي و ان السلطان يقول لي انك رافضي و لسنا نشك في انك تركت العمل للسلطان للرفض فكتب الي ابو الحسن عليه السلام فهمت كتابك و ما ذكرت من الخوف علي نفسك فان كنت تعلم انك اذا و ليت عملت في عملك بما امر به رسول اللّه صلي اللّه عليه و اله ثم تصير أعوانك و كتابك أهل ملتك و اذا صار اليك شي‌ء و اسيت به فقراء المؤمنين حتي تكون واحدا منهم كان ذا بذا و إلا فلا «48».

الرواية الثالثة … ص: 108

ما قد يستظهر من صحيحة الحلبي و فيها قال: و سألته عن رجل مسكين خدمهم رجاء ان يصيب معهم شيئا فيغنيه اللّه به فمات في بعثهم؟ قال: هو بمنزلة الاجير انما يعطي اللّه العباد علي نياتهم «49».
و غيرها من الروايات.

خلاصة ما تقدم … ص: 108

هذه المسائل و الموارد لا يظهر لها خصوصية، مضافا الي وجود تعليلات فيها كثيرة تعمم قد تقدمت، و ممارسات اقتصادية و مالية مختلفة في عدة ابواب من الفقه، و ممارسات ولوية أي من القوة التنفيذية من قبل الدول الوضعية اقرها الشارع و أمضاها رحمة
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 109
بالمكلفين و امتنانا علي المؤمنين، فيظهر منها و من مجموعها إمضاء الدولة الوضعية في حدود المعاملات المشروعة في نفسها كأن لا تكون ربوية و أكلا للمال بالباطل و نحو ذلك و في نطاق الحكم الوضعي لا التكليفي من طرف الدولة بنمط (لك المهنا و عليه الوزر).
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 110

الدليل الثاني إعتبار خزينة الدولة بيت مال المسلمين … ص: 110

اشارة

و صفت الخزينة التي عند الدولة غير الشرعية في بعض الروايات أنها بيت مال المسلمين و رتبت هذه الروايات اثار بيت المال عليها.

الرواية الاولي … ص: 110

صحيحة ابي بكر الحضرمي قال: دخلت علي أبي عبد اللّه عليه السلام و عنده إسماعيل ابنه، فقال: ما يمنع إبن ابي السمال أن يخرج شباب الشيعة فيكفونه ما يكفيه الناس، و يعطيهم ما يعطي الناس؟ ثم قال لي: لم تركت عطاءك؟ قال: مخافة علي ديني قال: ما يمنع ابن أبي السمال أن يبعث إليك بعطاءك؟ أما علم أن لك في بيت المال نصيبا «50»؟!
و نستفيد من هذا التعليل (أما علم أن لك في بيت المال نصيبا) أن المال الذي بحوزة الدولة ليس مجهول المالك و ليس علي المباحات
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 111
الاصلية و انما هو بيت مال المسلمين، فما قصدته الدولة من حيازة أو من خدمات عامة بعنوان أنه ملكية عامة للمجتمع أي لبيت مال المسلمين هذا القصد نافذ.
فجميع الممارسات الاقتصادية و المالية و التجارية و السياحية التي تدر علي الدولة أموال و أرباح هذه الاموال تتملكها الدولة بعنوان أنه لبيت مال المسلمين، و جميع مصادر الدخل للدولة، كله يكون لبيت مال المسلمين، و ممارسة الدولة علي هذه الاموال ليس الا نيابة عن المسلمين في التصرف في هذه الاموال، لا أن ما تحصل عليه الدولة بعنوان أنه لفلان و فلان، بل بعنوان أنه مال بيت المسلمين و الشارع اقره و أمضي هذا القصد بدليل هذه الرواية و غيرها من الروايات.

الرواية الثانية … ص: 111

معتبرة عمار الساباطي عن الصادق عليه السلام- في حديث- خائفون علي امامكم و انفسكم من الملوك تنظرون الي حق امامكم و حقكم في ايدي الظلمة قد منعوكم ذلك و اضطروكم الي حرث الدنيا و طلب المعاش مع الصبر علي دينكم و عبادتكم و طاعة امامكم … الحديث «51».
و هو دال بوضوح علي كون ما بأيدي الدولة الوضعية هو حقوق الامة، و أنه بيت مال لهم، كما أنه دال علي أن الخلافة
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 112
الاموية و العباسية هو حكومة ملوكية بل فيه تعميم منهج الملوكية علي كل دول الباطل فحينئذ لا خصوصية لمدعي الخلافة العامة في موارد الدليل الاول السابقة و في وجود بيت مال المسلمين كما قد قيل.

الرواية الثالثة … ص: 112

صحيحة داود بن رزين [زربي] قال: قلت لابي الحسن عليه السلام: إني أخالط السلطان فتكون عندي الجارية فيأخذونها، أو الدابة الفارهة فيبعثون فيأخذونها، ثم يقع لهم عندي المال، فلي أن آخذه؟ قال: خذ مثل ذلك و لا تزد عليه «52».
و تقريب الدلالة: أنه لو كانت الاموال التي بحوزة الدولة مجهولة المالك لما جاز أصل التقاص من رأس من تلك الاموال، لانها ليست ملكا للغاصب المزبور بل ملكا لاصحابها و لا ربط لهم بتصرفات الغاصب.
و بتقريب آخر: إن الامر بالتقاص مع عدم الزيادة نحو احترام لخزينة الدولة الوضعية و نحو إضفاء حرمة لها، و إلا لو كانت من المباحات أو مجهولة المالك و تملكه لها بالحيازة أو بكونه مصرفا فما وجه النهي عن الزيادة.
و هذه الرواية لا علاقة لها بالباب الذي وضعها فيه صاحب
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 113
الوسائل و هو عنوان جوائز و هدايا السلطان فانها واردة في المقاصة من الدولة.
و الاستفادة هي من إجابة الأمام بعدم جواز أخذ الاكثر، و أنه تشريع في احترام الخزانة المالية للدولة الوضعية و هذا ينسجم مع كون مال الدولة بيت مال، لا أنه مباح و لا يجوز أخذه (الأكثر) لوجوب حفظ النظام، باعتبار أن ظاهر و تسليط و ترتب حكم علي موضوع أنه أولي، و حكم حفظ النظام حكم ثانوي بينما عدم جواز التلاعب ببيت المال حكم أولي.
فهذه الرواية تصلح دليلا علي كون ما بيد الدولة بيت مال المسلمين، فهو عنوان مازال ممضي و إثبات ذلك يهمنا كثيرا في تكامل هذه النظرية كما ستري.

الرواية الرابعة … ص: 113

و ما رواه الحسين بن سعيد عن بعض أصحابنا عن سيف بن عميرة عن أبي حمزة عن أبي جعفر عليه السلام قال: سمعته يقول:
من أحللنا له شيئا أصابه من أعمال الظالمين فهو له حلال و ما حرمنا من ذلك فهو له حرام «53».
و تقريب الدلالة: أنه لو كان ما يصاب من الدول الوضعية مجهول المالك فكيف يحلل من قبلهم عليهم السلام حيث أن مصرفه
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 114
الفقراء، و حمله علي ولايتهم علي مجهول المالك خلاف اطلاق اناطة الحلية بصدور الاذن من قبلهم و خلاف اطلاق قوله عليه السلام (من أحللنا له) الاعم من الفقير و اطلاق (شيئا).

الرواية الخامسة … ص: 114

ما رواه في الغارات «54» بسنده عن الضحاك بن مزاحم عن علي عليه السلام: كان خليلي رسول اللّه صلي اللّه عليه و اله لا يحبس شيئا لغد و كان أبو بكر يفعل، و قد رأي عمر في ذلك أن دون الدواوين، و أخر المال من سنة الي سنة، و أما أنا فأصنع كما صنع خليلي رسول اللّه صلي اللّه عليه و اله قال: و كان علي (عليه السلام) يعطيهم من الجمعة الي الجمعة، و كان يقول:
هذا جناي و خياره فيه اذ كل جان يده الي فيه
إذ يظهر منها امضاءه عليه السلام لبيت المال في عهد الاثنين.

الرواية السادسة … ص: 114

رواية الفضل بن الربيع المتقدمة عن أبي الحسن موسي بن جعفر عليه السلام- في حديث- أن الرشيد بعث اليه بخلع و حملان و مال فقال: لا حاجة لي بالخلع و الحملان و المال اذا كان فيه حقوق الامة … الحديث «55».
اذن: أن ما بيد الدولة الوضعية من الأموال لا يصنف في مجهول
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 115
المالك أو المباح الأصلي و انما هو بيت مال المسلمين، و عنوان بيت المال لم يبحث في الفقه بشكل خاص مستقل، و ربما نوفق الي ذلك في المستقبل إن شاء اللّه.
و البحث في بيت المال يكون في زوايا ثلاث:
الاولي: ما يقصد ببيت مال المسلمين و ما هو موضوعه؟
الثانية: ما هي مصادر و تمويل هذا البيت؟
الثالثة: كيفية الحركة المالية لاموال بيت المال و ما هو النظام المتبع في ذلك؟
و من المناسب إعطاء فكرة موجزة عن الزاوية الاولي و الثانية لنعرف علاقة هذه المسألة بإمضاء تصرفات الدولة علي بيت المال وضعا لا تكليفا اي بمنطق (لك المهنا و عليه الوزر).
بيت المال يساوي بمصطلح العصر الخزينة الوطنية، و هو عنوان إعتبره الشارع مالكا و لا ينحصر عنوان بيت المال في نطاق ملكية الدولة العامة بل يعمم ملكيتها الخاصة.
و مصادر تمويله المستفادة من الروايات هي:
1- الزكاة
2- الاراضي المفتوحة عنوة.
3- ما هو بعنوان ملك الامام عليه السلام و الذي تقدم تفسيره
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 116
و هو الانفال و هي:
أ- تركة من لاوارث له.
ب- أراضي البوار العامة و التي استولي عليها بغير قتال و التي لا رب لها.
ج- غنائم دار الكفر المفتوحة من دون إذن.
د- المعادن إجمالا.
ه- صفو غنائم دار الكفر المفتوحة بالقوة العسكرية، و قطايع الملوك و مختصاتهم، و غير ذلك مما ادرج في هذا العنوان.
4- المعادن التي تستخرج من أجل الشعب المسلم، و كل الثروات الطبيعية التي تستثمرها الدولة.
5- أموال المعاهدات، كالجزية و الهدنة و الصلح.
6- أرباح التجارة الخارجية.
7- عائدات الخدمات العامة داخلية و خارجية، و يدخل في نطاقها مشتريات الدولة من المواطنين علي تفصيل.
و غير ذلك من المنابع و كلها بحاجة الي تفصيل أحكامها الخاصة لتخرج عن هذا السرد المجمل.
فبيت المال ممضي و مازال عنوانا مالكا في نظر الشارع و إن كان تحت تصرف ولاية جهة وضعية، من خلال صحيحة أبي بكر
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 117
الحضرمي و الروايات الاخري.
و علي هذا الاساس فكل الاسباب التي بسبها تحوز الدولة علي المال بعنوان بيت المال- في نطاق القنوات المشروعة في نفسها- فهو مقر من الشارع أنه مملوك لبيت المال، كما أن سماح الامام بل استنكاره علي عدم أخذ المؤمن لمال الدولة (الهدية أو الضمان الاجتماعي) في صحيحة الحضرمي دليل إمضاء تصرف الدولة علي البيت في العطاء كما في الاخذ.
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 118

الدليل الثالث إمضاء ظاهر الولايات … ص: 118

كما هو ظاهر الصحيح الي يونس بن عبد الرحمن عن بعض رجاله عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن البينة اذا أقيمت علي الحق أيحل للقاضي أن يقضي بقول البينة اذا لم يعرفهم من غير مسألة؟ قال: فقال: خمسة أشياء يجب علي الناس أن يأخذوا بها ظاهر الحكم [الحال]، الولايات، و التناكح، و المواريث [الأنساب]، و الذبائح، و الشهادات، فاذا كان ظاهره ظاهرا مأمونا جازت شهادته و لا يسأل عن باطنه «56».
و قبل أن ندخل في الحديث عن دلالة الرواية لا بد من تقييم سندها حيث ظاهرها الارسال من قبل يونس بن عبد الرحمن، لكن الصحيح اعتبار سند الرواية بأعتبار أن من يكثر عنهم يونس بن عبد الرحمن الرواية هم مشايخه الثقات الاجلاء و من ثم وجد الرواة عن يونس
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 119
عدم ضرورة ذكر الاسماء الذين يروي عنهم، حيث أن الارسال و الاضمار ليس من يونس و انما من قبل محمد بن عيسي و غيره من الراوين عن يونس و ليس ذلك منهم إلا لوضوح العدة المخصوصة من رجال و مشايخ يونس كما هو الشأن في عدة الكليني.
و تقريب دلالة الصحيحة: هو الاخذ بظاهر الامور الخمسة المذكورة التي منها ظاهر الولايات و هي تشمل ولاية الاوقاف و اليتامي و الاموال العامة و الاهم الاجلي من الولايات هو ولاية الامور و الحكومة.
مثلا الانكحة يؤخذ بظاهر الحال و لا يحتاج الي قيام البنية و كذا بالنسبة للنسب اذا قيل ان فلانا ابن فلان لا يحتاج الي قيام البينة و العلم علي ذلك، و كذا بقية الموارد.
و معني الاخذ بظاهرها هو اقرارها، لا أن الغاصب مثلا يقر بأنه غير مأثوم، كما هو الحال في ما اذا كان ظاهر حال فلان انه ابن زيد و في الواقع هو ليس إبنه فانه لا يرثه في الواقع، و لكن نحن مطالبون بان نتعامل معه حسب الظاهر و المتسامع و كذا الشأن في النكاح و بقية الموارد.
و الامر كذلك في الولايات بأن نقر و نبني علي ظاهر الحال في تصرفات الولاية، هذا اذا كان الامر في (الظهور) علي نسق واحد
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 120
فانه لا يفيدنا في المقام لان معناه ان الولي الشرعي اذا عين مثلا واليا في مكان ما ولاية و تصرف الوالي فيؤخذ علي ظاهره أي يحمل علي الصحة، من توفر شرائط و موازين النفوذ.
فالولايات تشمل ولاية الاب علي الصبي و الولاية علي اليتيم و الولاية علي الوقف و الولاية العامة- أي الدولة- و هي أجلي المصاديق.
و الحكم الظاهر في الرواية هو وجوب قبول الناس بظاهر الحال في الموضوعات الخمسة، فإن كان علي نسق واحد في الجميع فلا تنفع الرواية دليلا علي مسألتنا، و ذلك لان الحكم يعني أن هذه الموضوعات الشرعية يتعامل معها بظاهر الحال في حالة ما لو شك أنها وقعت وفق المقاييس الشرعية أو أنها حاصلة واقعا أو أن التصرف كان علي وفق الميزان الشرعي فانه في هذه الحالة يعمل بظاهر الحال.
ففي الذبيحة التعامل معها علي أساس أنها ذبيحة شرعية و في تصرف الوالي في اموال اليتيم يبني علي أساس أنها في مصلحة اليتيم و هكذا.
و فيما نحن فيه حيث يعلم بأن الولاية غير شرعية فنخرج عن موضوع و نظر الحكم الظاهري.
و إما إن كان يقصد من الحكم الظاهري بوجوب العمل بظاهر
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 121
الحكم في الولايات هو وجوب العمل بالواقع الموجود في الولاية، أي لا يقصد من ظاهر الحكم ما يقابل الواقع و انما يقصد بالظاهر الموجود، فظهر بمعني وجد و وقع، فعلي الناس أن يعملوا مع الموجود من الولايات بمعني أن وجود العنوان يكون له تسبيب للاثار المترتبة عليه و ان لم يكن وجوده بالشروط المشروعة.
كما في لكل قوم نكاح الذي يظهر منه ان وجود عنوان النكاح سبب في ترتيب آثار النكاح عليه و ان لم يكن قد حصل بالشكل الشرعي، فمع هذا الفهم تنفع الرواية في الدلالة علي صحة التعامل مع الدولة، إلا أن الاقرب هو الفهم الاول و من ثم لا تصلح الرواية دليلا علي مسألتنا.
لكن قد يقال بأن ظاهر الحكم، و الحال في الولاية ليس بمعني باقي الموارد، اذ واضح ان الولاية إما شرعية فلازم الأخذ بتصرفاتها كما في باب ولاية القضاء، أو غير شرعية فلا أثر لها علي مقتضي القاعدة بعد عدم الشرعية.
و بعبارة أخري: أن الظهور في مورد الشك فيصرف عن الشك في مطابقة التصرف للموازين فلا يبقي لمفاد الاخذ في الولايات الا المعني الثاني، و لا غرابة في استعمال (الظاهر) في المعني الواقعي و الظاهري، نظير الرفع، في حديث الرفع.
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 122
فالأخذ بظاهر الحكم و الحال يعني يتعامل معها كالولاية الشرعية و هذا الاخذ أخذ تسهيلي علي المكلفين، لا أن المتسلم لزمام الولاية ليس بمأثوم بل هو نفس لسان (لك المهنا و عليه الوزر).
و يدل علي امضاء ظاهر الولايات بمعني التعامل و الاخذ بالقائم الموجود منها ما تكرر وروده في أحاديثهم عليهم السلام من قاعدة الهدنة مع الجمهور، المتوزعة فروعها في باب الطهارة و المعاملات و النكاح و الطلاق و المواريث، و هي بألسنة مختلفة ذات احكام متعددة خاصة بكل باب عن غيره، لكنها مشتركة في معني التعايش العملي بترتيب الأثار علي الواقع الموجود و الظاهر السائد من سننهم و أحكامهم.
مثل ماورد في حسنة عبد اللّه بن محرز عن ابي عبد اللّه عليه السلام- في حديث- قال: خذوا منهم ما يأخذون منكم في سننهم و احكامهم «57».
و صحيحة محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه السلام قال سألته عن الاحكام، قال: يجوز علي أهل كل ذي دين ما يستحلون «58».
و رواية علي بن ابي حمزة عن ابي الحسن عليه السلام قال:
ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم «59».
و معتبرة عمار الساباطي قال: قلت لابي عبد اللّه عليه السّلام:
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 123
العبادة مع الامام منكم المستتر في دولة الباطل أفضل أم العبادة في ظهور الحق و دولته مع الامام الظاهر منكم؟ فقال: يا عمار الصدقة و اللّه في السر في دولة الباطل أفضل من الصدقة في العلانية و كذلك عبادتكم في السر مع امامكم المستتر في دولة الباطل أفضل لخوفكم من عدوكم في دولة الباطل و حالة الهدنة ممن يعبد اللّه عز و جل في ظهور الحق مع الامام الظاهر في دولة الحق- الي أن قال- خائفون علي إمامكم و انفسكم من الملوك، تنظرون الي حق امامكم و حقكم في أيدي الظلمة و قد منعوكم ذلك و اضطروكم الي حرث الدنيا و طلب المعاش مع الصبر علي دينكم و عبادتكم و طاعة إمامكم و الخوف من عدوكم فبذلك ضاعف اللّه أعمالكم فهنيئا لكم هنيئا.
قال: فقلت له: جعلت فداك فما نتمني اذ أن نكون من أصحاب الامام القائم (عليه السلام) في ظهور الحق و نحن اليوم في امامتك و طاعتك افضل اعمالا من أعمال أصحاب دولة الحق؟
فقال: سبحان اللّه! أما تحبون أن يظهر اللّه عز و جل الحق و العدل في البلاد و يحسن حال عامة العباد و يجمع اللّه الكلمة و يؤلف بين قلوب مختلفة و لا يعصي عز و جل في أرضه، و يقام حدود اللّه في خلقه و يرد اللّه الحق الي أهله فيظهروه حتي لا يستخفي بشي‌ء من الحق مخافة أحد من الخلق … الحديث «60».
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 124
و في هذه الرواية ثلاث فوائد:
الاولي: أن ما بحوزة الدول الوضعية هو حق للامة و بيت مال للمسلمين كما تقدم في الدليل السابق.
الثانية: أنه لا خصوصية لمدعي الخلافة العامة في وجود بيت المال و في الموارد الستة المتقدمة في الدليل الاول بعد كون نهج الدولة الاموية و العباسية نهج ملوكي، بل فيهم تعميم الملوكية للدول الوضعية.
الثالثة: أن فترة الدول الوضعية فترة و مرحلة الهدنة في كيفية صياغة التشريعات.
و ما رواه في الكافي عن ابي علي الاشعري عن محمد بن عبد الجبار عن ابن فضال عن أبراهيم ابن أخي ابي شبل عن أبي شبل عن الصادق عليه السلام- في حديث- و ليس في السند من يتوقف فيه غير أبراهيم إبن أخي أبي شبل الثقة، قال: فاتقوا اللّه عز و جل فإنكم في دار هدنة و أدوا الامانة فاذا تميز الناس فعند ذلك ذهب كل قوم بهواهم و ذهبتم بالحق ما أطعتمونا اليس القضاة و الامراء و أصحاب المسائل منهم؟ قلت: بلي، قال عليه السلام: فاتقوا اللّه عز و جل فإنكم لا تطيقون الناس كلهم ان الناس أخذوا ههنا و إنكم أخذتم حيث أخذ اللّه عز و جل ان اللّه عز و جل اختار من عباده
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 125
محمدا صلي اللّه عليه و اله و سلم فاخترتم خيرة اللّه، فاتقوا اللّه و أدوا الامانات الي الاسود و الابيض و ان كان حروريا و ان كان شاميا «61».
و صحيحة ابي بكر الحضرمي قال: دخلنا علي ابي عبد اللّه عليه السلام فقال له حكم السراج ما تقول فيمن يحمل الي الشام السروج و أداتها؟ فقال: لا بأس أنتم اليوم بمنزلة أصحاب رسول اللّه صلي اللّه عليه و اله و سلم، إنكم في هدنة، فاذا كانت المباينة حرم عليكم أن تحملوا إليهم السروج و السلاح «62». و الشام كما لا يخفي إشارة الي الدولة الاموية.
و صحيحة العلاء بن رزين أنه سأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن جمهور الناس، فقال: هم اليوم أهل هدنة ترد ضالتهم، و تؤدي امانتهم، و تحقن دماؤهم و تجوز مناكحتهم و موارثتهم في هذه الحال «63».
فالمحصل من هذه الروايات الثلاث و غيرها مما يجده المتتبع مما ورد في خصوص الولايات أن مفاد قاعدة الهدنة- و هي ترتيب آثار الواقع الصحيح و أحكامه علي الموجود القائم من الموضوعات و الافعال المرتبطة بالجمهور كيانا و افراد- جاري في ولاياتهم و دولهم السائدة نظير جريانها في بقية الابواب، غاية الامر ذلك في حدود ما هو مشروع عندهم لا ما يكون من المعلوم من الدين بطلانه بإقرارهم،
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 126
فيكون ذالك نحو إمضاء لتصرفات ولايتهم، علي نمط (لك المهنا و عليهم الوزر).
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 127

الدليل الرابع لزوم العسر و الحرج … ص: 126

اشارة

و هذا العنوان علي نمطين و لسانين:
النمط الاول: دليل الرفع للاحكام الاولية مثل رافعية قاعدة لا ضرر اذ ترفع الوجوب و الحرمة، و أهم أدلة هذا النمط قوله تعالي (ما جعل عليكم في الدين من حرج) الظاهر في رفع الحكم الحرجي حسب فهم المشهور من الفقهاء.
و يعزز هذا الفهم استدلال الامام عليه السلام بالاية الكريمة علي الرفع في حسنة عبد الاعلي مولي آل سام.
و الاستدلال بهذا النمط لا يثبت ملكية الدولة لان العسر و الحرج اخذ شخصيا و ليس بنوعي و انما كل من حصل له عسر أو حرج يأتي في حقه و ينطبق عليه حديث الرفع مع أنه يرفع التكليف و لا يثبت
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 128
حكما آخر، يرفع الحرمة في التصرف في الاموال، لا أنه يجعل هذه الاموال ملكا لك، و لذا استشكلوا في خيار الغبن علي من استدل علي شرعيه هذا الخيار بحديث لا ضرر بانه يرفع اللزوم و لا يثبت حكما آخر.
النمط الثاني: الادلة التي تبين أن الشريعة سهلة سمحاء و ان حكمة الاحكام المجعولة في الشريعة سواء وضعية او تكليفية نابعة من السهولة و اليسر هذه الادلة المخبرة عن عدم وجود حكم حرجي في الشريعة الاسلامية و أن أحكام الشريعة أسست علي أساس اليسر و السماحة و التسهيل علي المكلفين.
فالشريعة بموجب هذه الأخبارات عبارة عن مجموعة من القوانين الميسرة و أن الحكم الحرجي لا يمت للشريعة بصلة.
و أدلة هذا النمط كثيرة مثل قوله تعالي يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَ لا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ.
و بعض السادة من المشايخ فهم من كل الأدلة التي تناولت مسألة العسر و الحرج أنها إخبار و من النمط الثاني و لا دلالة فيها علي الرفع.
و الأصح ما قررناه من أنها علي نمطين و بلسانين.
و علي اية حال، النمط الاول لا يخدمنا في إثبات الامضاء و ملكية الدولة للتصرفات تنزيلا و ذلك:
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 129
1- ان موضوع الرفع هو الحرج الشخصي لا النوعي كما قرر في محله، و الحرج الشخصي قد يتواجد في شخص دون آخر و معه لا يمكن الخروج بنتيجة عامة في امضاء ملكية الدولة.
2- ان دور حديث الرفع هو رفع الحكم الحرجي فقط من دون إثبات شي‌ء آخر، فغاية ما يفيده دليل رفع الحرج هو رفع حرمة التصرف في هذه الاموال و لكن لا ينهض في اثبات حكم وضعي و هو ملكية الشخص للمال فهو مسكوت عنه و خارج عن مهام القاعدة.
أما النمط الثاني فهو الذي ينفع في إثبات إمضاء تصرفات الدولة الوضعية تسهيلا للمكلفين، في تعاملها المالي مع المؤمنين و ذلك من خلال ضم هذه الادلة الي الادلة الأولية مما يجعل للأدلة دلالة إلتزامية علي الامضاء من نوع دلالة الاشارة، بعد الاخذ بعين الاعتبار أن الحرج الذي أخبرت الروايات و الايات عن عدم وجوده في الشريعة هو الحرج النوعي.
و هناك خلاف في ان حجية هذه الدلالة من باب الظهور او من باب القرينة العقلية، في الجمع بين الدليلين و تحقيقه موكول الي علم الاصول، و المهم أن هذا النوع من الدلالة معتبر بلا خلاف في الجملة، اذ هناك خلاف في حجية بعض حالات دلالة الاشارة و لعله راجع الي الصغري لا الي الكبري.
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 130
و تصوير الاستدلال: الدليل الاولي هو عدم شرعية كل ممارسات الدولة في اي مجال من المجالات، بما في ذلك ممارساتها المالية بسبب عدم شرعية ولاية الدولة.
و دليل نفي الحرج النوعي في الشريعة يخبرنا أن الحكم المتقدم لا يحمل في طياته العسر و الحرج علي المكلفين به و علي هذا الاساس تم تشريعه، فهو بمثابة الاستثناء من الدليل الاولي فيكون حاصل الجمع:
عدم شرعية كل ممارسات الدولة بسبب عدم شرعية ولايتها الا في حالات الحرج.
و حيث كان تجميد التعامل المالي مع الدولة الناجم من عدم شرعية إدارتها علي المال فيه حرج فهو مستثني من الدليل الاولي.
بل نستفيد إمضاء تصرفات الدولة علي المال و من ثم تكون الممارسة صحيحة و يتملك المؤمن المال، و بهذا يفترق هذا النمط من الادلة عن النمط السابق، حيث أن أدلة الرفع لا تتكفل إثبات شي‌ء و انما دورها رفع الحكم الحرجي فقط كما تقدم، أما هذا النمط من الأدلة فيمكن الاستفادة منه لاثبات حكم وجودي علاوة علي رفعه- بطريق الاخبار- للحكم الحرجي النوعي، و ذلك بالتصوير التالي:
أن هذه الأدلة تنبئ عن أن الشارع لم يحرج المكلف بشي‌ء سواء في جعله او في رفعه للجعل، فكما استفيد منها عدم الجعل للحرج
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 131
يستفاد منها الامضاء و الجواز للحرج، حيث أن بقاء الموضوع معلقا من دون حكم بالجواز لا يرفع من حالة الحرج فنستفيد حينئذ الجواز و امضاء شرعية الدولة بمقدار يرفع الحرج و هو الامضاء الوضعي، بينما هذا التصوير لا يتأتي في الأدلة من النمط الاولي لأن لسانها لسان رفع فقط فاثبات شي‌ء أكثر من الرفع تحميل للدليل.
فيستفاد منها حكم شرعي بضمها مع الادلة الاولية.
قد يقال: بأن هذه أدلة بيان حكمة و فلسفة التشريع فلا يظهر منها انشاء أحكام، فهي في مقام الاخبار لا الإنشاء.
و الجواب: بل يظهر منها انشاء تشريع معين ليس هي بنفسها لكن هي اذا إنضمت مع الادلة الاولية و قد ارتكب الفقهاء هذا النمط من الاستفادة و الاستظهار في موارد عديدة:
منها ما في بعض مقدمات دليل الانسداد اذ مقدماته:
1/ عندنا علم اجمالي بالتكاليف الشرعية.
2/ لا يمكن الاحتياط بل عدم مشروعيته، و قد أستفادوا ذلك لا من النمط الاول من رفع العسر و الحرج و انما استفيد من الادلة الثانية التي تبين أن الشريعة سمحة سهلاء، فمن العلم بذلك نستكشف ان الاحتياط غير مشروع او لا أقل أنه غير لازم، بل استفاد بعضهم حرمة الاحتياط التام.
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 132
ثم استفادوا من الاحتياط و أدلة الأحكام الاولية مع النمط الثاني من أدلة العسر و الحرج و استكشفوا حجية الظن أو اجزاءه بحكومة العقل بمعونة أدلة العسر و الحرج المزبورة، و لم يستشكل احد في دليل الانسداد من حيث هذه الاستفادة و انما استشكلوا في انسداد الطريق، و إلا لو انسد الطريق فالكل يرتضي هذه الاستفادة و هذا الاستظهار.
فبضم هذه الادلة مع ادلة الاحكام الاولية نستفيد منها مدلول التزامي او اقتضائي.
المورد الثاني: إجزاء الوقوف بعرفة في غير يوم التاسع الواقعي اذ أحد الادلة بل العمدة عند بعضهم هذه الادلة بان الشريعة سمحة سهلاء حيث أن البناء علي مراعات الموقف الواقعي يسبب حرج شديد في هذه الفريضة العظيمة.
فمن ضم هذه الادلة او فلسفة التشريع مع الادلة الاولية أستفيد منه دلالة اقتضائية اخري: أنه يجزي يوم الشك عن اليوم الواقعي سواء في صورة الشك أو العلم.
نعم: في هذه المسألة خصص بعض الأجزاء في حالة الشك و معه يدخل في نطاق إجزاء الحكم الظاهري عن الواقعي، و بعض عمم الاجزاء لحالة العلم بأن اليوم ليس التاسع من ذي الحجة، و معه تصنف المسألة في إجزاء الاضطرار النوعي عن الواقعي.
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 133
المورد الثالث: إجزاء الذبح في غير مني اذ المقاصب الان في غيرها، و اذا كان دليل العسر و الحرج كما عند البعض و منهم السيد الخوئي- قده- شخصيا فكل من حصل له حرج و عسر يذبح في غيرها أما مع عدم العسر و الحرج فيجب ان يتكلف و يتعني الي مني.
و مع ذلك افتي السيد و غيره من الاعلام بإجزاء الذبح مطلقا فجعلوا الحرج نوعيا، و هو ليس من أدلة النمط الاول بل من أدلة النمط الثاني التي تبين فلسفة التشريع بضمها مع الادلة الاولية نستفيد منه الاجزاء. و إلا لا مسوغ لاجزاء القادر.
و الجدير بالانتباه أن علماء الاصول تطرقوا في بحث الاجزاء الي مسألتين:
الاولي: إجزاء الحكم الظاهري عن الواقعي.
الثانية: إجزاء الحكم الاضطراري الشخصي عن الواقعي.
و لم يبحثوا إجزاء الحكم الاضطراري النوعي عن الواقعي، و الذي يندرج المثال تحته.
المورد الرابع: ما في بحث الاجزاء و قد اعتمد عليه عدة قديما و حديثا، و كيفية الاستفادة أن الشارع اذا امر باتباع امارة شرعية لا سيما التقليد بان يقلد مجتهدا مثلا ستين سنة، ثم يقلد مجتهدا آخر عند موت الاول، ثم يخاطبه الشارع أن ما قد رخصت لك فيه باتباع
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 134
الامارة أعده و أعد كل صلواتك مثلا و عباداتك مع الاختلاف.
فهذا بلا شك عسر و حرج، فمن ضم الادلة الثانية مع أدلة الامارات يستفاد دلالة التزامية اخري، فالادلة الثانية بنفسها لا تعطينا حكما شرعيا بل من ضمها الي الادلة الاولية يستفاد دلالة التزامية اخري، فيستفاد الاجزاء.
فإقحام المكلف في الامارات مع عدم إجزائها يسبب عسر و حرج نوعي شديد.
فالخلاصة: أننا يمكن أن نستفيد من إخبار الشارع عن عدم وجود عسرا و حرجا نوعيا في تكاليفه، إمضاء تصرفات الدولة في تعاملها المالي و إثبات ذلك علي غرار الاستفادة من هذه الادلة في الموارد الاخري التي استعرضنا بعضها.
فاذا استلزم اطلاق حكم اختلال النظام و العسر و الحرج النوعي في الافراد او النوعي في الجماعات، هذا الاختلال بلا ريب لا يسوغه الشارع و أي حكم يكون نتيجته الاخلال بالنظام يعلم عدم تناول اطلاق تشريعه لذلك المورد بالاستفادة من الادلة الثانية.
فكبرويا الحال واضح و انما المهم اثبات الصغري فهل يسبب عدم الامضاء لتصرفات الدول الوضعية حرجا و عسرا او لا؟ فالبحث ميداني.
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 135

إثبات الصغري … ص: 135

ربما يقال هناك مجموعة من المراجع كانوا لا يفتون بملكية الدول الوضعية و مع ذلك نري ان من قلدهم لم يقع في عسر و حرج و لم يستلزم ذلك اختلال في النظام و لم يؤدي الي الهرج و المرج؟
و الجواب: ليس كل المجتمع المؤمن يرجع الي القائلين بالعدم، اذ قسم كبير ايضا يرجع الي من يقول بالملكية التنزيلية، مضافا الي ان الملتزم من الشريحة المؤمنة شاهدناهم كثيرا ما يغفلون عن هذه المطالب.
و بعبارة أخري: من يبني عمليا علي فروعات القول بالعدم اذا كان بنسبة 10% فهذه ليست نسبة كثيرة، و مع ذلك اولئك الذين بنوا عليه و طبقوا كانوا يقعون في حرج عظيم يؤدي الي الوسوسة بل التشكيك بالدين.
اذ لو بني علي ذلك تكون كل مرافق الدولة او حتي القطاع الخاص الذي يتعامل مع الدولة كل هذه الانتقالات للاموال او الماليات مجمدة، و كذا السيولة المالية و البنكية ايضا لا بد أن تجمد و هلم جرا، و هذا بلا شك شلل مالي و شلل اقتصادي لا يقره الشارع لانه يعطل الحياة الاقتصادية التي عليها عصب الحياة.
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 136

فخلاصة دفع التفصي … ص: 136

أولا: ليس كل المجتمع المؤمن في عرض واحد يرجع الي مرجع واحد، كي يكون عدم الاختلال في النظم الاجتماعي دليل علي أن عدم الامضاء لا يؤدي الي العسر و الحرج.
ثانيا: ليس كل المجتمع المؤمن ملتزما، بل الكثير منهم لا يعتني بمثل هذه المسائل.
ثالثا: الملتزم من المؤمنين كثير منهم يفتقدون الدقة في تطبيق هذه المسألة و كثير منهم يغفلون عنها.
إذن نسبة الشريحة المؤمنة الملتزمة و المنتبهة للدقيقة و المقلدة للمرجع القائل بعدم الامضاء قليلة جدا، فعدم ملاحظة الحرج العام و التذمر في اوساط المجتمع المؤمن لا يعني شيئا.
بل إننا نجد المؤمنين الملتزمين المقلدين لمن لا يقول بالامضاء يقعون في حرج عظيم، فهو دليل علي وجود الحرج، كما أننا نجد أن القائلين بعدم الامضاء يفكرون في حلول عامة كالاذن العام في القبض عنهم و ما شاكل، و ما ذاك الا لتلافي مشكلة الحرج الذي يتعرض اليه مقلديه، مع أن الشارع و الولي الاصلي للأمر أولي بمراعاة هذه الحالة الناجمة من عدم الامضاء و هذا كاشف إجمالي عن ما قررناه.
علي أية حال في تقديرنا للواقع الخارجي أن عدم الامضاء يعني
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 137
انفصال المجتمع المؤمن اقتصاديا عن الدولة و هذا يكلف عامة الناس الكثير من الحرج و المشاكل و يؤدي الي شل حركتهم الاقتصادية و جمودها اذ الكثير من المعاملات في حياتنا المعاصرة تمر عبر الدول بشكل أو بآخر.
و مع ثبوت الحرج، نستكشف منه امضاء الشارع سيما بعد ضم هذا الدليل مع الادلة السابقة المستفاد منها أن الشارع امضي موارد كثيرة لا خصوصية لها فمن باب الاقتضاء نستفيد الملكية للتصرف التنزيلية.
فظهر بحمد اللّه ان القول الثالث دليله صاف و واضح.

تفصي بعض الاعلام … ص: 137

و المحكي عن القائلين بعدم الملكية أنهم يوجدون لمن يرجع إليهم في الفتوي مخرجا معينا للتسهيل عليهم، و الكلام فيه هل هو تام ام لا؟
و هل يتفادي العسر و الحرج ام لا؟
و هو: أن الفقيه بعد كون زمام التصرف بمجهول المالك بيده فيأخذ و كالة من عشرات و مئات الفقراء- الذين هم مصرف مجهول المالك- ليوكل مقلديه الذين يتعاملون مع الدول الوضعية في قبض الاموال المجهولة المالك نيابة عن الفقراء فيتملكوه نيابة عنهم، فيكون
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 138
ما بحوزتهم ملكا للفقراء ثم لهم أن يتملكوه بأذن من الفقراء مقابل حصة معينة، فيتصدق بها كثلث الاموال المجهولة المالك مثلا.
و هذا نوع تسهيل فقهي بناءا علي عدم شرعية و ملكية الدول الوضعية.
و لكن هذا التفصي يواجه عدة اشكالات كبروية و صغروية.
اما الكبري فلازمه نقض الغرض من التصدق في باب مجهول المالك، فهل يتصور من مذاق الشارع حينما يجعل ضريبة مالية مثل الزكاة و الخمس أن تملك هذه بالاموال التي تجبي لاصحاب الخمس و الزكاة للاغنياء بحيلة و طريقة شرعية عن طريق أخذ الوكالة المزبورة من الفقراء مقابل ثلث المال.
لا ريب انه يستفاد من أدلة باب الخمس و الزكاة ان الغرض إيصال الضريبة المالية الي جيوب الفقراء لا ان تملكها جيوب اخري و شرائح اخري و يبقي الفقراء علي حالتهم المدقعة غاية الامر يعطي لهم شي‌ء يسير.
أو أن بعض الفقراء يوكلون الفقيه فيبقي بقية الفقراء علي حالتهم المدقعة.
فلا شك أنه خلاف الغرض من تشريع الزكاة و الخمس، و أن الادلة لا تشملها و لا تسوغها، لانه يخالف نفس مصلحة الجعل
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 139
و التشريع.
و كذا في باب التصدق في مجهول المالك الغاية منه وصوله الي الفقراء و هذا نوع من الضرائب التي جعلها الشارع للفقراء فكيف نسوغ نحن بحيلة شرعية إيصالها الي جيوب الاغنياء، فهذا خلاف مصلحة الجعل للتصدق، لذا إلتزم البعض بالتصدق بالنصف، و لكن هذا أيضا لا ينفع في دفع المحذور.
و هذا نظير ما أشكل علي الحيل الشرعية في باب الربا من أن مفسدته هو استنزاف الدائنين من الطبقة الفقيرة بلا جهد عملي نظير ممارسة اليهود في الجاهلية سابقا و الي يومنا هذا، فكيف يسوغ حصول هذه المفسدة بتمامها عن طريق الحيل الشرعية و بإسم معاملي آخر فمن التشديد و التغليظ في أدلة حرمة الربا يستفاد نفي نتيجة الربا و إن كانت بطرق أخري، هذا و ذلك الباب و ان كان يحتمل التفصيل إلا أنا المراد هو أصل التنظير في المحذور.
و أما صغرويا فإن التصدق بربع او ثلث او نصف الثمن لا يقوم به إلا النزر القليل من المكلفين، اذ التاجر و غيره يري بأن المال ماله فكيف تطاوعه نفسه بان يتصدق بثلثه او أكثر من ذلك، فإما أن يحجم عن التعامل مع الدول الوضعية او لا يلتزم بالتصدق.
هذا مع أن مجهول المالك لا صغري له كما تقدم.
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 140

الدليل الخامس إقرار ملكية الكفار … ص: 140

اشارة

و تقريب الاستدلال: ما ورد في الروايات التي يفهم منها إقرار ملكية الكفار و امضاء تصرفات و ولاية دولهم علي المال مع إقرار ملكية الجهة العامة، في حين أن القاعدة تقتضي عدم ملكيتهم و ان ما بأيديهم في‌ء للمسلمين يملك بالاستيلاء و أن أموالهم غير محترمة إجمالا و لكن مع ذلك أقرت الملكية العرفية للتسهيل علي المؤمنين في نشاطهم المالي مع الكفار مع محدودية هذا النشاط ازاء و بالمقارنة مع الحاجة للتعامل المالي مع الدول في البلدان الاسلامية، و يتضح ذلك من صحيحة علي بن جعفر الآتية.
و من جواز عقد الصلح و الهدنة معهم اذ طرف العقد لا بد أن يكون في الرتبة السابقة مقر علي متعلق العقد و لو بأدني درجة ضمن حدود ما، و كذا عقد الذمة و الأمان، و هذه العقود و ان لم تكن
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 141
معاملية بحتة بل مواثيق ولائية و عهود سياسية يترتب عليها إقرار الحرمة و الاحترام المتبادل بدرجة اقوي، و لكن ذلك لا ينافي محل الاستشهاد كما لا يخفي.
فهذا الأقرار يدل علي إقرار النشاط المالي للمؤمنين مع الدول في البلدان الاسلامية بنفس الوجه الذي أقرت فيه ملكية الكفار و هو التسهيل، و هذه الدلالة ان لم تكن بالاولوية فهي بالمساواة، فليس التعامل معها بأسوأ من التعامل مع الكفار و دولهم.
و ليس الاستدلال بالاولوية القطعية و انما إستئناس و مؤيد لما تقدم اذ تسهيل الحكم هو مع الكافر مع قلة الابتلاء بالتعامل معهم في تلك الازمان، فكيف مع المسلمين في عقر دارهم.
و الروايات في المقام في أبواب مختلفة من الوسائل.

الرواية الاولي … ص: 141

صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسي عليه السلام قال: سألته عن حمل المسلمين الي المشركين التجارة، قال: اذا لم يحملوا سلاحا فلا بأس «64».
و الرواية في قرب الاسناد و فيها: عن الرجل المسلم يحمل التجارة الي المشركين قال: اذا لم يحملوا بها سلاحا فلا باس.
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 142

الرواية الثانية … ص: 142

رواية أنس بن محمد عن جعفر بن محمد عن آبائه عليهم السلام- في وصية النبي صلي اللّه عليه و اله لعلي عليه السلام- قال: يا علي كفر باللّه العظيم من هذه الامة عشرة: القتات … الي أن قال: و بائع السلاح من أهل الحرب «65».
المشعرة بجواز بيع السلاح فتأمل.
و كذا ما يمكن استفادته من إشارة الروايات المفسرة لقوله تعالي وَ طَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ وَ طَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ بالحبوب لا الذبيحة مع استنكار كون المراد الذبائح كما في مرسلة ابن ابي عمير «66» و صحيحة قتيبة الاعشي «67».
و في الاولي (و اللّه لا يأكلون ذبائحكم فكيف تستحلون ذبائحهم) حيث أنه لا معني لجعل حكم الحل لهم في شريعتنا و هم لا يدينون بها كما أنه لا معني للحلية الذاتية الطبعية المنصبة علي ذات الحبوب من حيث هي للغويتها بعد حلية كل الطعام الا ما استثني.
فالاقرب حينئذ في معني الاية- كما قد تؤيد ببعض القرائن- هو حلية التعامل معهم بشرائنا طعامهم من الحبوب و نحوه مما لا يحتاج الي تذكية و بيعهم طعامنا فالحلية في الموردين متعلقة بفعلنا.
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 143
فالحصيلة من كل ما تقدم: أن هذه الادلة تثبت أن التعامل المالي مع الدولة لا عائق فيه للامضاء الوضعي لتصرفات الدولة في المال و المخزون الوطني في حدود و نطاق المعاملات المشروعة و الصحيحة في نفسها و في أطار الصلاح الاداري المالي لا الفساد المستشري الفاضح.
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 145

الفصل الثالث بلورة حقيقة البحث

اشارة

بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 147
الفصل الثالث بلورة حقيقة البحث هل هذا البحث و هو تنزيل ملكية الدولة غير الشرعية منزلة الدولة المالكة للتصرف، هل هو حكم شرعي ثابت او هو من باب اخر؟
الصحيح أنه من باب و ميزان اخر لا حكم تقنين و تشريع و انما هو حكم ولائي اي من باب الولاية اذ عندنا باب القضاء مثلا له ميزان خاص و باب الفتوي و التشريع له ميزان خاص و هناك باب الولاية أو الحكومة و لها ايضا باب و ميزان خاص.
هذا التنزيل من باب الاذن في باب الولاية، اذ لا تمضي هذه المعاملة إلا بإذن من له الولاية فأذنه شرط في صحة المعاملات و التصرفات في الاموال العامة، لا انه تشريع ثابت بل هو تابع لاذن المعصوم عليه السلام.
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 148
اذا كان الحال كذلك فهنا يبزغ اشكال في المقام و هو أن اذن بعض المعصومين عليهم السلام لا يستكشف منه اذن بقية المعصومين عليهم السلام، و هذا سؤال يتوجه في كثير من الموارد و الابواب التي ربما كان التعامل الفقهي معها قديما و حديثا كأحكام تشريعية بينما هي أحكام ينفذها المعصوم عليه السلام من باب انه ولي الامر لا من باب انه تشريع دائم و قضية دائمة.

توضيح الفكرة … ص: 148

ميزان باب القضاء مثلا (انما اقضي بينكم بالبينات و الايمان) إثبات أحكام شرعية ينفذها و يصدرها القاضي عن طريق ميزان البينة، فالبينة و الايمان و الاقرار ليست ميزانا في باب الشبهة الحكمية و إنما الميزان فيها النص الشرعي.
أما موازين باب الولاية فهي مراعاة المصلحة العامة، كمثل ما جعل اللّه للكافرين علي المؤمنين سبيلا، و يكون الاضطرار و الضرر و الحرج مرعيا و كذا تزاحم الاهم و المهم، و يناط باب الرفع و التزاحم بعلمه عليه السلام بدرجة الملاكات، و اقامة العدالة و الفرائض و السنن و جباية أموال الضرائب المشرعة و عمارة البلاد و استصلاح المجتمع.
فحكم المعصوم تارة ولائي و أخري حكم المعصوم كقاضي الاصل، و ثالثة من باب التشريعات الدائمة و هي في غالب الاحكام
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 149
بل هو الظهور الاولي في الروايات.
و أما ممارسة المعصوم لصلاحية ولايته و لاحكام وقتية ظرفية فهي لا تصطدم مع أحكام التشريع الكلي و انما هي منطقة فراغ، فهي كالشروط في المعاملات فربما فعل محلل و مباح و لكن عن طريق الشروط يكون واجبا، فليست هي فراغ في التشريع حقيقة و انما هي منطقة المباح بالمعني الاعم في الاحكام، و التي بطرو الامر الولوي تصبح لازمة.
ففي الافعال المحللة للمعصوم ولاية أن يلزم بها المكلفين، فيلزمهم بها بقانون الولاية، فمثلا في باب الاطعمة أن الرسول الاكرم صلي اللّه عليه و اله حرم لحوم الحمر الاهلية هذا التحريم له تعليل كما عن المعصومين عليهم السلام فهو لم يكن تحريم و تشريع دائم و انما هو لخشية انقراضها.
فليس هذا بتشريع ثابت بل من باب اعمال الولاية و بتعبير آخر من باب ديناميكية التشريع، اذ في الولاية نوع تطبيق الولي للتشريع الثابت بأفضل صورة محكمة بتوسط الموضوعات التي كانت محللة.
فيصنف الحكم الي ثلاثة: الحكم الثابت الافتائي، و الحكم القضائي، و الحكم الولائي الاجرائي التنفيذي.
1- الحكم التشريعي: و هو القانون الثابت الذي لا يتغير و الذي
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 150
عبر عنه الحديث (حلال محمد صلي اللّه عليه و اله حلال الي يوم القيامة و حرامه حرام الي يوم القيامة) و الذي نتلقاه في عصورنا عبر الفتوي المستقاة من الكتاب و السنة مع حجية العقل ضمن ضوابط دونت في علم الاصول.
2- الحكم القضائي: و هو الحكم الصادر من المعصوم أو نائبه من حيث منصب القضاء و الفصل بين الخصومات و النظر في الدعاوي لا من حيث منصب التشريع، و هو عبارة عن تطبيق للاحكام الشرعية الثابتة في مجال الفصل بين النزاعات و الدعاوي، معتمدا علي أساس البينة و اليمين و الاقرار و ما شاكلها.
و قد فصل الفقهاء بين هذين النمطين فصلا تاما و ذكروا ضوابط كل منهما و مسائله و أسسه.
3- الحكم الولائي: أو الولوي أو الاجرائي التنفيذي، و هو الحكم الصادر من الحاكم من حيثية كونه واليا و حاكما لا مشرعا و لا قاضيا.
و هو عبارة عن تطبيق الحاكم للتشريع الثابت بتوسط الموضوعات المحللة في أنفسها، فيلزم الحاكم عامة الناس بأحكام في تلك الموضوعات لمصالح معينة، و لا يندرج مثل هذا النمط في:
حلال محمد صلي اللّه عليه و اله حلال الي … الحديث.
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 151
مثل: تحريم الرسول الاكرم صلي اللّه عليه و اله أكل لحوم الحمر الأهلية لمصلحة و هي خشية الانقراض، فأكل لحوم الحمر في نفسه حلال و طرءت عليها الحرمة الولائية.
و مثل: حكم الحاكم بالجهاد علي مكلف عينا، و الجهاد في حد نفسه كفائي فلذا لا يحكم الحاكم بوجوب شرب الخمر و البيع الربوي و ما شاكل، نعم اذا اندرجت في موارد الاضطرار الشرعي أو التزاحم مع الأهم كل مورد بحسبه كان للحاكم ذلك و يكون حكمه الولوي بمثابة الطريق المحرز للاندراج المزبور.
و يصطلح علي هذا الصنف الجانب المتغير في الشريعة في قبال موارد الثبوت، لكنه بالدقة جانب متغير في اجراء الشريعة لأنه يلحظ فيه باستمرار الجانب المتغير في الموضوعات الخارجية و الوضع العام الاجتماعي، كما يصنف الحكم الاجرائي في الحكم الثانوي.
مثلا في باب القضاء الحكم هو تطبيق للتشريع لكن في موارد النزاع و من ذلك يعلم أن المصلحة الوقتية لا تراعي في التشريع الثابت بل في اعمال الولاية.
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 152

نظرة في سد الذرائع و المصالح المرسلة … ص: 152

اشارة

و من هنا يظهر إشتباه العامة في أخذهم بسد الذرائع كميزان في التشريع الثابت و معناها انه اذا كانت طرق معينة تؤدي الي مفاسد كثيرة حينها يسوغ للولي او الفقيه ان يفتي بالحرمة الشرعية فيها، و كذا المصالح المرسلة، و التي معناها اذا كان هناك مصالح ملزمة أو راجحة و لو مستقبلية لكن تمهيدها بايجاد اعمال معنية لكي يتوصل اليها حينها يحق للفقيه الفتوي بايجابها، فجعلوا هذين البابين ميزان للفتوي بينما هما من ميزان الولاية و الحكم الإجرائي لا التشريع و التقنين:
نعم: في التصنيف الفقهي الي الان لم يعزل باب الولاية عن الاحكام التشريعية الثابتة و لم توضح المعالجة الفقهية بعد الفوارق بين البابين تماما و لم يبحث بصورة متكاملة كما بحث في القضاء موارد الولاية و مسائلها و أسسها و حدودها.
فصحة هذه المعاملات هو من باب الولاية، بيد من له الولاية الشرعية.
فهذا الاذن في صحة المعاملات مع الدولة الوضعية، هو اذن ولائي و ليس هو الاذن الشرعي الذي في الحلية التشريعة الثابتة.
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 153
اذا كان كذلك فإذن المعصومين عليهم السلام المتقدمين كان بحسب عهد امامتهم، فكيف ينجع هذا الاذن بالنسبة الي هذا الزمن، و كيف نطمئن بوجود اذن من قبل الامام الحجة عليه السلام، فان اذن الائمة السابقين لا ينفع، نظير ما قيل في باب الخمس من ورود الأشكال المزبور أيضا في ادلة تحليل المساكن و المتاجر و المناكح، اذ هو ليس اذن من باب التشريع و حرمة او حلية ثابتة بل من باب الولاية كما انه قد تأتي حلية من باب القضاء حسب الحكم الظاهري للقضاء، مثل أنه ثبت لك الحق و كان الواقع خلاف الظاهر.
فالإشكال: هو ان غاية هذه الادلة هو الاذن في تلك الازمان، نعم بالنسبة الي خصوص دليل اختلال النظام الحال فيه يختلف عن بقية الادلة إذ منه يستكشف مذاق و اذن المعصوم حتي الولائي في عصر الغيبة.
فالادلة اذن في ظرف ولاية المعصومين في فترة ولايتهم، أما أنه ثابت لنا هذا اول الكلام، نظير ما جاء في باب الخمس ان الامام الجواد عليه السلام في سنة ما أحل الخمس لشيعته ثم أوجبه عليهم السنة التي بعدها و كذا أيضا نقل عن الامام الصادق عليه السلام.
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 154
ففي صحيحة علي بن مهزيار قال: كتب اليه ابو جعفر عليه السلام- و قرأت أنا (القائل أحمد بن محمد بن عيسي) كتابه إليه في طريق مكة- قال: إن الذي أوجبت في سنتي هذه و هذه سنة عشرين و مائتين، فقط لمعني من المعاني، أكره تفسير المعني كله خوفا من الانتشار، و سافسر لك بعضه ان شاء اللّه أن موالي- أسأل اللّه صلاحهم- أو بعضهم قصروا فيما يجب عليهم، فعلمت ذلك فأحببت أن اطهرهم و ازكيهم بما فعلت في عامي هذا من امر الخمس … و لم اوجب ذلك عليهم في كل عام، و لا أوجب عليهم إلا الزكاة التي فرضها اللّه عليهم، و انما أوجبت عليهم الخمس في سنتي هذه في الذهب و الفضة التي قد حال عليهما الحول، و لم أوجب ذلك عليهم في متاع و لا آنية و لا دواب و لا خدم و لا ربح ربحه في تجارة و لا ضيعة إلا ضيعة سأفسر لك أمرها تخفيفا مني عن موالي … الحديث «68».
و في معتبرة يونس بن يعقوب قال: كنت عند أبي عبد اللّه عليه السلام فدخل عليه رجل من القماطين، فقال: جعلت فداك تقع في أيدينا الارباح و الاموال و تجارات نعلم أن حقك فيها ثابت، و إنا عن ذلك مقصرون، فقال ابو عبد اللّه عليه السلام: ما انصفناكم إن كلفناكم ذلك اليوم «69».
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 155
فهذا التحليل من الائمة عليهم السلام حكم إجرائي ولائي لا قضية تشريعية ثابتة.

خلاصة الاشكال … ص: 155

اشارة

ان الاذن الذي كان في هذه الموارد اذن ليس من قبيل التشريع الثابت، بل هو اذن من باب الولاية في هذه الاموال العامة باعتبارهم الولي الشرعي لا انه حكم تشريعي، فاذا كان كذلك فكل معصوم في فترة ولايته يأذن اما في فترة الامام الذي بعده و في فترة امامة الحجة عليه السلام كيف يثبت الاذن.
هذا الاشكال يثار أيضا في موارد اخري مثل عقد الرسول الاكرم صلي اللّه عليه و اله و سلم مع الاعراب علي الاستعانة بهم اذا كانت حاجة تستدعي المعونة من قبلهم في قتال الكفار و ليس لهم في الغنيمة نصيب مقابل تركهم الا يهاجروا الي دار الهجرة هذا الحكم ثابت لكن هذا الحكم للرسول صلي اللّه عليه و اله بما هو ولي للمسلمين لا بما هو تشريع ثابت.
أو عقده صلي اللّه عليه و اله و سلم مع اهل الكتاب علي شروط معينة اذ سن لهم رسول اللّه و عقد معهم الا يهودوا او ينصروا او يمجسوا اولادهم.
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 156
علي كل: الحكم بالامضاء في مسألتنا ليس حكما تشريعيا ثابتا بل حكما اجرائيا، و لذا قيل أن مقتضي القاعدة عدم صحة المعاملة المالية، لأن جباية المال و تصريفه بيد من له الولاية الشرعية، و بما أن الحاكم غير شرعي فالمعاملة فاسدة، و الحكم بصحتها في هذه الحالة حكم إجرائي لا حكم تشريعي ثابت.
و بتعبير آخر: أن الحكم بالصحة إذن من له الولاية و السلطة علي المعاملة، و مع هذا الطرح نواجه إشكالا مستعصيا، و هو:
كيف نستفيد من الأذن و الامضاء لاشخاص معينين الاذن لكل شخص؟
و كيف نستفيد من إمضاء حالة معينة الامضاء لتكرار الحالة و لحالات أخري؟
و كيف نستفيد من الاذن في عهد امام الاذن في باقي العهود بما في ذلك عهد امامة القائم عجل اللّه تعالي فرجه الشريف الذي نعيشه؟
فما ورد من الروايات في حكم ولائي لامام معين بامضاء تعامل ما مع الدولة لاشخاص محدودين كيف يمكن أن نفهمه حكما ثابتا عاما لكل المؤمنين و في كل تعامل مع الدولة في حين أن الحكم الولائي ليس حكما تشريعيا ثابتا لا يمكن انقضائه؟
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 157
و هذه الاشكالية موجهة لكل الاحكام الاجرائية، كالحكم بتحليل المال المأخوذ ممن لا يعتقد الخمس، و عقود الجزية التي عقدها الرسول الاكرم صلي اللّه عليه و اله مع أهل الذمة و اعراب المسلمين في الدفاع عن المسلمين من دون أن يكون لهم نصيب في الغنائم بسبب عدم هجرتهم.
فأكثر ما تدل عليه أدلة الامضاء- عدا الدليل الثالث و الرابع إن ثبت- هو الامضاء في ظرف حكومة الحاكم بالامضاء من دون ان تتعدي الي غيره.
بل حتي هذا مشكل بعد أن نلاحظ تحليل امام للخمس في فترة و جبايتة في فترة أخري من حكومته، فلا بد و الحالة هذه من أن نلتمس في الروايات دليلا علي الامضاء في مسألتنا و باق المسائل من قبل الحجة عليه السلام في عصر الغيبة الكبري و يكون فيه ظهور في العمومية لكل شخص و في كل معاملة علي طول فترة إمامته عليه السلام.
هذا الاشكال قابل للجواب و للتوجيه بعدة توجيهات بلا تكلف و تمحل:
بالتنبه أولا: أن الامضاءات للحالات المتعددة من جوائز السلطان و هداياه الي جواز شراء الخراج و المقاسمة و جواز شراء
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 158
الجواري و … ليست حكما تشريعيا ثابتا، لأن المورد ليس مورد تشريع و انما هو من مصاديق الولاية و شؤونها و ان صنف هذا النوع من الاحكام في الفتاوي مع التشريعات الثابتة.
إذن: فنحن نقر الاساس الذي إنطلق منه الاشكال و هو أن هذه الاحكام ليست تشريعات ثابتة كي يفهم منها العموم و الدوام و انها أحكام إجرائية، إلا أنا نختلف في النتيجة التي ينتجها الاشكال و هي عدم عمومية و دوام الحكم الاجرائي و ذلك:
بمراجعة الروايات و الفروع الفقهية المتناثرة و الاحكام الاجرائية العقلائية و العرفية نجد أن هذا النمط من الاحكام لا يأبي العمومية، بل تصل الحالة الي عدم جواز نقضه للاولياء اللاحقين.
بيان ذلك: من باب المثال في العصر الحاضر اذا ابرمت دولة عقدا علي اساس انه ماض لمئة سنة فلو تبدلت هذه الحكومة فالحكم يظل ثابتا، مع ان هذا الحكم ليس من التشريعات الدستورية الثابتة لتلك الدولة بل للدولة بما هي ولي عرفي طبعا لا شرعي.
اذن فكل تصرف من باب الولاية ليس مفاده أنه لظرف مؤقت بل هناك تصرفات مؤبدة، طبيعتها تقتضي الدوام و التأبيد، و هذا التصرف و الاجراء الحكومي مأخوذ فيه قيد الدوام، فاذا جاء ولي اخر لا يجوز له نقض هذه المعاهدة و الصفقة بعد فرض نفوذ ولاية
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 159
السابق.
فيجب ان يري أن إعمال الولاية في ذلك المورد او الموضوع من باب انه ولي شرعي هل هو خاص لظرف ولايته او بما هو أعم فاذا كان الثاني كان تصرفه دالا علي عموم صلاحيته لا خصوصها، و أن تصرفه بما هو ولي في ذلك المورد مأخوذ فيه قيد الدوام.
فينبغي النظر الي طبيعة الامر المتصرف فيه حتي لو كان من باب الولاية اذ قد يكون فيه ما يدل علي انه دائم اي ان طبيعة التصرف لم تكن مقيدة بظرف معين.
مثال ثان: ناظر الاوقاف يأتي بعده ناظر آخر كابنه مثلا فاذا أبرم الاول صفقة ما في مصلحة الوقف و بالشروط الشرعية فلا يجوز للناظر الثاني حلها مع انه تصرف ولائي.
مثال ثالث: ولي اليتيم أو الصبي أو السفيه إذا باع أو اشتري شيئا في مالهم ثم بلغ سن الرشد و أفاق، لا يحق لهم تجميد المعاملة.
إذن فالمعاملة التي يجريها الولي ليست مؤقتة و انما هي دائمة.
مثال رابع: اذا ابرم قاضي حكما فلا يجوز نقض حكمه حتي لو مات ذلك القاضي مع انه ليس حكم تشريعي.
مثال خامس: اذا حكم أو تصرف حاكم بحكم إجرائي من تبعات القضاء، و نفس المتصرف فيه طبيعته الدوام و مأخوذ فيه قيد
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 160
الدوام، كالبيع لاعيان المديون الذي ثبت مماطلته لتسديد ديونه، و كتطليق الزوجة الذي ثبت امتناع الزوج عن نفقتها و امتنع عن تطليقها و غير ذلك.
و علي أية حال: هذه الامثلة و غيرها تعطينا صورة عن الحكم التنفيذي و أنه يمكن أن يكون دائميا ثابتا كالتشريع، و الفرق بينهما:
أن التشريع يكون علي نحو القضية الحقيقية، أي يرتبط بالعنوان، بينما الحكم الولائي هو عبارة عن انفاذ جزئي علي موضوع خارجي و يمكن أن يكون كليا لكن تبقي القضية خارجية.
إذا إتضح ما تقدم لا بد أن نشخص حالات الامضاء في المسائل المتقدمة من عدة من الائمة عليهم السلام و لعدة أشخاص هل هي أحكام دائمية عامة لكل شخص او انها مؤقتة خاصة؟
فالخلاصة: صرف كون الشي‌ء من باب الولاية لا يعني انه منقطع بل لا بد ان يلحظ طبيعة الشي‌ء المتصرف فيه.
ففي هدايا السلطان نجد ان المعصومين عليهم السلام تبيانهم للاذن ليس هو لظرف مؤقت و ان كان ذلك ليس خارج مخرج التشريعات الثابته بل هو بمثابة الحكم التشريعي الثابت.
و كذا ايضا الكلام في إحلال الخمس في المناكح و المتاجر و المساكن ليس من باب الحكم الثابت بل من باب التصرف الولائي
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 161
الدائم الباقي من قبل المعصومين عليهم السلام.
نعم: الاصل في الخطابات الشرعية للمعصومين هو بيان الحكم التشريعي في موارد الشك، أما في موارد العلم بالمقامات الاخري كما اذا كان المورد مشخصا أنه من مثل موارد التصرف في الاموال العامة و تسنم دفة السلطة فلا ريب أن إذن المعصوم هو حكم ولوي لتسويغ هدايا السلطان و الموارد الاخري، و لو بنحو كلي و بما هو حاكم و ولي الأمر لا بما هو مبين تشريع ثابت.
فالكلية متصورة في هذا التصرف من قبل المعصومين عليهم السلام أي بقيد الدوام لا مؤقت حتي يقتصر علي ظرف زمانه، كما هو الشان في ناظر الوقف اذا باع شيئا في صالح الوقف لا يحق للناظر المتعقب ان ينقض بيع السابق.
و لذا ادرج الفقهاء المسائل و الموارد التسع في باب الاحكام و التشريعات الثابتة مع انها من مسائل ابواب الولاية و السلطة.
فهذه الموارد و إن كانت للمعصوم بما هو ولي متصرف لكن ظهور التصرف أنه بقيد الدوام كما في تحليل الخمس في موارد المناكح و المساكن و المتاجر.
فهذا ليس حكما تشريعيا ثابتا بل هو للمعصومين عليهم السلام
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 162
بما هم أئمة و لهم مقام الامامة، و بامكان الامام المعصوم عليه السلام أن يسحب أذنه. كما في قوله عليه السلام في معتبرة أبي خديجة- المتقدمة- عند تحليله حق الخمس في أحد الموارد الثلاثة: هذا لشيعتنا حلال، الشاهد منهم و الغائب، الميت منهم و الحي، و ما يولد منهم الي يوم القيامة فهو حلال، اما و اللّه لا يحل إلا لمن أحللنا له، و لا و اللّه ما اعطينا أحد ذمة، او ما عندنا لاحد عهد و لا لاحد عندنا ميثاق … الحديث «70».
فمع تأبيده للتعليل و أنه من صلاحيتهم عليهم السلام إلا أنه إذن مجرد و ليس إلتزاما عقديا، فتحليل الرسول و علي و فاطمة عليهم افضل الصلاة و السلام الخمس في المساكن و المتاجر و المناكح مأخوذ فيه قيد الدوام مثل ناظر الوقف اذا تصرف بقيد الدوام أنه لا اشكال في امضائه فههنا نستفيد ان الاذن مؤبد بالتعبير الي يوم القيامة او نفس تبيان المعصومين في الموارد التسعة بنحو قضية كلية لا بنحو تشريع ثابت، نعم يحق لهم ان يسحبوا اذنهم.
و هناك كما قلنا روايات تشهد ان هذه الموارد التسعة المذكورة هي للمعصوم و باذن منه بما هو ولي شرعي لا تشريع ثابت.
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 163

الرواية الاولي … ص: 163

رواية ابي حمزة عن ابي جعفر عليه السلام قال: سمعته يقول: من أحللنا له شيئا أصابه من أعمال الظالمين فهو له حلال و ما حرمناه من ذلك فهو له حرام «81».

الرواية الثانية … ص: 163

رواية حكيم مؤذن بن عيس عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال:
قلت له: (و اعلموا انما غنمتم من شي‌ء فان للّه خمسه و للرسول) قال هي و اللّه الافادة يوما بيوم إلا أن ابي جعل شيعتنا من ذلك في حل ليزكوا «82».

الرواية الثالثة … ص: 163

رواية علي بن ابي حمزة قال: كان لي صديق من كتاب بني أمية فقال لي: أستأذن لي علي أبي عبد اللّه عليه السلام فاستأذنت له فأذن له، فلما أن دخل سلم و جلس، ثم قال: جعلت فداك إني كنت في ديوان هؤلاء القوم فأصبت من دنياهم مالا كثيرا، و أغمضت في مطالبه، فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: لو لا أن بني أمية وجدوا لهم من يكتب و يجبي لهم الفي‌ء و يقاتل عنهم و يشهد جماعتهم لما سلبونا حقنا، و لو تركهم الناس و ما في أيديهم ما وجدوا شيئا إلا ما وقع في أيديهم.
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 164
قال: فقال الفتي: جعلت فداك فهل لي مخرج منه؟ قال: إن قلت لك تفعل: قال: أفعل، قال له: فاخرج من جميع ما كسبت في ديوانهم فمن عرفت منهم رددت عليه ماله، و من لم تعرف تصدقت به، و أنا أضمن لك علي اللّه عز و جل الجنة، فأطرق الفتي طويلا ثم قال له: لقد فعلت جعلت فداك «83».
فهذا لم يحصل علي اذن خاص لان دخوله لم يكن بالطريق الشرعي و وفق القيود و الشروط التي يأذن الامام عليه السلام بها، و الرواية ظاهرة في كونه من باب الولاية.
و قد يقال: أن هذه الروايات الدالة علي الإذن و ان كانت دالة علي العموم إلا انها معارضة لمجموعة أخري من الروايات يفهم منها التوقيت و الخصوصية.
مثل حسنة الانباري التي تتضمن عدم الاذن من قبل الرضا عليه السلام له بالولاية أربعة عشر سنة كان يكتب في كل سنة الي الامام كتاب يستأذنه فيه فلم يأذن له … الحديث «84».
و مثل رواية علي بن ابي حمزة المتقدمة في صديق له كان من كتاب بين أمية ثم اهتدي و التقي بالامام عليه السلام سائلا إياه ماذا يفعل؟ فامره الامام أن يخرج من جميع ما كسبه من فترة عمله مع بني أمية … الحديث.
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 165
و مثل قوله عليه السلام: من أحللنا له شيئا أصابه من اعمال الظالمين فهو له حلال و ما حرمناه من ذلك فهو له حرام «84».
و مثل قوله عليه السلام في صحيحة داود: تناول السماء أيسر لك من ذلك. اي العمل بالعدل و تجنب الجور «85».
فالاولي ظاهرة بل صريحة بعدم الاذن أربعة عشر سنة و هو لا ينسجم مع دوام الاذن بل في التعارض معه.
و الثانية لا تنسجم مع شرعية توليه، و إلا لما كان معني للأمر بالخروج من كل ما كسب.
و الثالثة يظهر منها أن الامر بيد الامام يفعل ما يراه مصلحة لا ان هناك اذنا ثابتا.
و الرابعة صريحة بعدم الاذن مع أن المطالب تعهد بخدمة المؤمنين و عدم الظلم.
و الجواب:
أما الرواية الاولي: فربما يكون ممانعة الامام عليه السلام لعدم توفر الشروط الموجبة للأذن، بل يظهر ذلك من خلال موافقة الامام في المرة الخامسة عشرة عندما كان طالب الاذن خائفا علي نفسه.
و أما الرواية الثانية: فهي- مضافا الي ضعف السند- و عدم توفر ميزان التولي و الاستوزار في هذا المورد حيث لم يكن مؤمنا و لم
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 166
يكن دخوله لمسوغ شرعي، لأن الأذن العام المسوغ للدخول معهم له قيود متعددة و شروط من الائمة عليهم السلام، قوي إستظهار أن أمواله مجهولة المالك مغصوبة و ليست من بيت المال، فالامام إتخذ حكما إجرائيا يتناسب مع حالته.
و أما الثالثة: فهي لا تدل علي أكثر من ان مقتضي القاعدة كون الامر بيدهم و لا يعارض ممارستهم للحكم و امضائهم الذي هو مفاد روايات العموم.
و أما الرابعة: فظاهر أن عدم الأذن لعدم قدرة السائل علي ذلك في الظرف المزبور.
و مع كل هذا إتضح أن لا وجه للمعارضة.

الرواية الرابعة … ص: 166

صحيح ابن الحجاج و فيها أنه عليه السلام قال له: مالك لا تدخل مع علي في شراء الطعام أني أظنك ضيقا، فقال: فإن شئت وسعت علي، قال: اشتره «86».
فانه مرتكز لدي عبد الرحمن بن الحجاج- ذي المنزلة العلمية- أنه أمر ولوي لا حكم تشريعي ثابت، و أقره عليه السلام علي ذلك.

الرواية الخامسة … ص: 166

حسنة الانباري عن ابي الحسن الرضا عليه السلام قال: كتبت
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 167
اليه أربع عشرة سنة أستأذنه في عمل السلطان فلما كان في اخر كتاب كتبته اليه أذكر أني أخاف علي خيط عنقي، و أن السلطان يقول لي إنك رافضي، و لسنا نشك في أنك تركت العمل للسلطان للرفض فكتب الي أبو الحسن عليه السلام فهمت كتابك و ما ذكرت من الخوف علي نفسك فان كنت تعلم انك اذا و ليت عملت في عملك بما امر به رسول اللّه صلي اللّه عليه و اله ثم تصير أعوانك و كتابك أهل ملتك و اذا صار اليك شي‌ء و اسيت به فقراء المؤمنين حتي تكون واحدا منهم كان ذا بذا و إلا فلا «87».
دالة علي أن الراوي يفهم انه امر ولوي لا تشريع ثابت قابل للاذن و عدمه، و موضوع الاذن عام لا مقيد، و ان ملاك ميزان باب الاستوزار و التولي (اذا كنت تعلم انك ان وليت عملت بما أمر به رسول اللّه صلي اللّه عليه و اله ثم تصير … و اسيت به فقراء المؤمنين … ) و هذا ميزان اعمال الولاية من قبلهم عليهم السلام، فكما نتعرف من الروايات علي موازين باب القضاء نتعرف علي ميزان الحكم في مورد معين الذي هو من باب الولاية فلا شك أن هذا الميزان قابل للتحقق حتي في الغيبة الكبري فنستكشف منه الاذن من الحجة عليه السلام.
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 168

فالمحصل من الجواب وجهين: … ص: 168

اشارة

الاول: أن طريقة الأذن و صياغته في الموارد المتنوعة مع الاشخاص المتعددين من عدة أئمة عليهم السلام ليس اذنا موقتا او خاصا بالشخص او الحالة، حيث يبين و يطرح الأذن كما يبين التشريع الثابت فهو ظاهر في الدوام، بل في كل مورد من الموارد المتقدمة تصريح بالدوام في بعض الروايات.
فالحكم الولوي نمط منه تصرف دائم ثابت مثل البيع علي الصبي مثلا، فحينما يبلغ الحلم يبقي البيع نافذا مع أن ولاية الاب قد انقطعت، و كوالي الوقف اذا باع شيئا في مصلحة الوقف نافذ ايضا.
و هناك امثلة كثيرة و موارد تذكر في الفقه علي انها تشريعات ثابتة بينما هي ليست بحكم فتوائي بل أحكام من الائمة عليهم السلام صادرة بإعمال ولايتهم، و يستدل بها كحكم ثابت.

المورد الاول … ص: 168

حلية الخمس ممن لا يعتقد به و كذا في المساكن و المتاجر و المناكح، و وجه استدلالهم بها أن طبيعة التصرف تأبيدي.

المورد الثاني … ص: 168

القضاء علي الموازين لا يحق لقاضي بعده نقضه.
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 169

المورد الثالث … ص: 169

تقسيم الغنائم ذكروا ان الاعراب لا يعطون من الغنيمة علي نحو انه حكم ثابت مع أنه تصرف و لوي و السبب في ذلك ان الروايات تعلل ان رسول اللّه صلي اللّه عليه و اله و سلم عاهدهم علي ذلك بان يقرهم و يدعهم لا يهاجروا مقابل عدم اعطائهم حصة من الغنائم، و معني التحليل أن نفس المعاهدة طبيعتها الدوام.
ففي رواية حماد بن عيسي عن بعض أصحابه عن أبي الحسن عليه السلام- في حديث- قال: … و ليس للأعراب من الغنيمة شي‌ء و إن قاتلوا مع الامام، لان رسول اللّه صلي اللّه عليه و اله صالح الاعراب أن يدعهم في ديارهم و لا يهاجروا علي أنه إن داهم رسول اللّه صلي اللّه عليه و اله من عدوه دهم أن يستنفرهم فيقاتل بهم، و ليس لهم في الغنيمة نصيب و سنته جارية فيهم و في غيرهم … الحديث «88».
و في الرواية النقاط الاتية:
1- مصالحة الرسول للاعراب ليس تشريعا و انما هو إعمال الولاية ليس أكثر.
2- أن الامام عليه السلام نفي استحقاق الاعراب للغنيمة معللا ذلك بالحكم الاجرائي للرسول صلي اللّه عليه و اله و نفوذ هذا الحكم
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 170
فيهم و في غيرهم مما يعني عمومية و دوام الحكم الاجرائي.
3- السنة تطلق و يراد منها:
أ- تشريعات الرسول الاكرم صلي اللّه عليه و اله في الامور التي فوض فيها، و يقابلها الفرض و هو التشريع الالهي.
ب- الحكم الاجرائي الولوي العام الدائم.

المورد الرابع … ص: 170

الجزية فقد اشترط صلي اللّه عليه و اله علي اهل الذمة ان لا يهودوا و لا ينصروا أولادهم، فأهل الكتاب الموجودين الان ليسوا باهل ذمة و يعلله الامام عليه السلام لان رسول اللّه اشترط علي آبائهم ذلك فخالفوا الشرط، فالمعاهدة نافذة عليهم و علي من يأتي بعدهم من اولادهم.
كما في صحيحة الفضيل بن عثمان الاعور عن ابي عبد اللّه عليه السلام أنه قال: ما من مولود يولد الا علي الفطرة فأبواه اللذان يهودانه و ينصرانه و يمجسانه، و انما اعطي رسول اللّه صلي اللّه عليه و اله الذمة و قبل الجزية عن رؤوس أولئك بأعيانهم علي أن لا يهودوا أولادهم و لا ينصروا، و أما اولاد أهل الذمة اليوم فلا ذمة لهم «89».
فحكم الامام عليه السلام بعدم الذمة ليهود و نصاري عصره لأشتراط الرسول صلي اللّه عليه و اله و سلم علي يهود و نصاري
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 171
عصره أن لا يهودوا أبناءهم و لا ينصروا، حيث خالفوا الشرط فلا ذمة للابناء المعاصرين للامام عليه السلام.
و هذا يدل علي ديمومة الشرط و ثباته و نفوذه عليهم، و الا أمكن للامام تسويغ إلتزام عقد الذمة معهم.
و لا يخفي أن مسألة الحكم بالذمة و الجزية من الاحكام الولائية لا التشريعية.
الثاني: إن لدينا موازين باب القضاء (اقضي بينكم بالبينات و الايمان) و عندنا موازين باب الاجتهاد بالامارة و الحجج، و عندنا أيضا موازين باب الولاية، و قد ذكرنا سابقا ان العامة اشتبهوا حينما جعلوا المصالح المرسلة و سد الذرائع ميزان تشريع بل هو ان صح ميزانا للولاية.
فكما أن للقوة التشريعية موازين الامارات و الحجج و للقوة القضائية موازين كذلك للقوة التنفيذية قوانين و موازين و تقنين في كيفية تطبيق التشريعات الثابتة عبر الزمان لا بد ان ترعي و هذه القوانين هي أيضا تشريعات ثابتة لكن في باب الولاية، مثلا البينة تشريع ثابت لكن في تطبيق موازين باب القضاء كذلك توجد تشريعات ثابتة في باب الولاية لتدبير احكام الولاية فاذا صحت المصالح المرسلة و سد الذرائع تكون احدي القوانين في الباب المزبور.
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 172
فاذا كان موردا أو مسألة ولوية في باب و قال المعصوم ميزان الحكم الولوي فيه و عدمه هو بهذا الملاك فنحن في زماننا و لو لم يكن هو عهد ذلك الامام بل في عهد معصوم اخر لكن نفس الميزان لما كان موجودا فبلا شك نستكشف اعمال ولاية من قبل المعصوم الموجود بلا حاجة الي معرفة ان التصرف الذي كان للمعصوم السابق انه تصرف بنحو الدوام او لا؟
فتصرف الامام السابق و ان كان مؤقتا ينقضي بانقضاء عهد امامته سلام اللّه عليه و لا بد من إحراز اعمال ولاية الامام التالي، لكن بمعرفة الميزان للحكم الولوي نستكشف بنحو الإن اذن الامام اللآحق و ليس هذا حدس و تخمين بل تعبد من المعصوم السابق حيث قال: هذا ميزان باب الولاية في المورد.
و فيما نحن فيه مع فحص روايات المسائل المتقدمة نجد أن الائمة عليهم السلام ذكروا لنا بعض الاسس التي إعتمدوها في حكمهم الولائي و امضائهم و اذنهم، و مع هذه الاسس لا نحتاج الي أن نفهم العموم و الدوام في الحكم الاجرائي لاثبات الامضاء في العهد الذي نعيشه، عهد امامة الحجة عليه السلام، إذ يمكننا فهم إمضاء الامام بطريق الإن حيث يوجد الأساس حتي لو كانت الامضاءات من الائمة عليهم السلام خاصة و مؤقتة.
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 173
و ذلك لانا نعلم أن الحكم الاجرائي ليس و ليد انفعال و عاطفة و تقديرات شخصية و انما هو نتيجة أسس و ضوابط معينة علي صعيد الشخص و الحالة و الحاكم، فاذ توفر الميزان في الحكم، تم الحكم حتما لاي شخص كان و في أية حالة كانت و في أي عهد كان.
و بتعبير آخر أدق: أن هذه الضوابط و المقاييس في الحكم الولائي إنما هي تشريعات ثابتة في توليد الحكم الولائي، و معه لا يتخلف الحاكم عن الحكم لأنه تشريع أيضا في باب الولاية و الحكم الولائي.
لاحظ قول الامام الكاظم عليه السلام لعلي بن يقطين: إن للّه تبارك و تعالي مع السلطان أولياء يدفع بهم عن أوليائه.
هذا الكلام ليس تشريعا ثابتا، و لا إخبار و إنما هو بيان ميزان إذن الأئمة عليهم السلام في التولي و الاستوزار في الدولة الوضعية، فالاولياء مع السلطان شرعيتهم مستمدة من إذن إمامهم عليه السلام و اساس الاذن و السماح لهم أنهم يدفعون عن المؤمنين ظلم السلطان و يقضون حوائجهم.
و في الدول الوضعية دائما اناس مؤمنين بتوسط منصبهم يدفع بهم عن المؤمنين و هو ملاك لإعمال الاذن.
و الفقهاء يفتون الآن بهذا بنحو التشريع الثابت في بحث
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 174
الاستوزار في الدولة الوضعية بجواز ذلك لدفع الظلم عن المؤمنين و للامر بالمعروف و النهي عن المنكر، و هذه الفتوي ليست إمارة علي حكم تشريع ثابت، و لا علي الحكم الواقعي الاولي للاشياء بل امارة علي وجود الاذن من الولي الشرعي، و فهموا هذا الاذن انه دائم، و هذا و ان لم يصرحوا به لكنه دال علي ارتكازا هذا الاستظهار من أن الاذن ليس لزمن خاص بل هو دائم، او لأن ميزان باب الولاية موجود، و هذا هو الوجه الثاني في الجواب عن الاشكال المزبور.
و لاحظ قول الامام عليه السلام في صحيحة أبي بكر الحضرمي المتقدمة: … أما علم أن لك في بيت المال نصيبا؟
فهذه توضح لنا اساسا من أسس الاذن بالتعامل مع الدولة مجانا أو بعوض، و هو كون ما بحوزة الدولة بيت مال المسلمين، و للمؤمن حق فيه و علي هذا الاساس فهو مأذون بالأخذ منه، بل استنكر الأمام عدم الدفع اليه.
و هذا الاساس متوفر في عصرنا و من ثم نكشف إذن الامام عليه السلام في الغيبة لنا بأخذ حقنا من بيت المال و الاستفادة منه عبر التعامل مع الدولة باية معاملة كانت و من أي مؤمن كان.
و الروايات التي ذكرناها في الموارد و الادلة علي المدعي كثيرة التعليل بموازين عامة موجودة في طيلة عصر الغيبة فلاحظها بتدبر
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 175
و تأمل.
و ان أبيت جدلا دلالة الروايات علي العموم و علي كشف الموازين عن إمضاء الامام فيمكن في هذه الحالة أن يدعي أن للفقيه صلاحية الامضاء بموجب الادلة التي دلت علي كونه حاكما شرعيا ينوب عن الامام عليه السلام، مع كون المال الذي في حوزة الدولة بيت مال المسلمين، و من ثم يمكن مراجعة الحاكم الشرعي و الاستيذان منه في التعامل مع الدولة، او هو يمضي المعاملات مع الدولة مطلقا في النطاق الشرعي لموازين التعامل.
و ليس هذا الاذن إلا في درجة و دائرة الأذن بالتصرف في مجهول المالك في الاموال العامة في النظرية الاولي المتقدمة، في صدر البحث، لا سيما مع التدبر في الحيل الشرعية المتقدمة التي أريد بها التفصي عن محذور التصدق الواجب في تلك الاموال علي النظرية المزبورة.
هذا إن لم نقل برجوع الاذن الثاني إلي الاول لبا و انه شاهد إرتكازي علي ضرورة الامضاء.
هذا مع ما تقدم من إحتمال ذلك قويا في الاذن العام من القائلين بالعدم، معتضدا باحتمال ذلك أيضا من تصحيحه بعض أنواع التعامل مع البنك الحكومي كفتح الاعتمادات و نحوه بإجازة الحاكم الشرعي.
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 177

تنبيهات … ص: 177

اشارة

بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 179
تنبيهات

التنبيه الاول: في كيفية تصوير (لك المهنا و عليه الوزر) … ص: 179

مع أن امضاء المعاملة تصحيحها فكيف نصور حرمة تكليفية من قبل الجائر و انفاذ وضعي من قبل المؤمن هل هي حلية من طرف المؤمن فقط و فساد وضعي من الطرف الاخر او أنه حلية وضعية من الطرفين مع الحرمة التكليفية من طرف المتولي غير الشرعي و كيف يمكن التفكيك بين الحكم الوضعي و التكليفي.
هذا الاشكال ايضا يطرح في باب الجزية من أهل الذمة من ثمن المحرمات كما في صحيح محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن صدقات أهل الذمة و ما يؤخذ من جزيتهم من ثمن
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 180
خمورهم و ميتتهم، قال: عليهم الجزية في أموالهم تؤخذ من ثمن لحم الخنزير أو خمر فكل ما أخذوا منهم من ذلك فوزر ذلك عليهم و ثمنه للمسلمين حلال يأخذونه في جزيتهم «90».
و في باب البيع كما في صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام في رجل كان له علي رجل دراهم فباع خمرا و خنازير و هو ينظر فقضاه فقال: لا بأس به أما للمقتضي فحلال، و أما للبايع فحرام «91».
و في باب الخمس اذ صدر من المعصومين عليهم السلام اذن عام بحلية التعامل مع من لا يقر و لا يقول بالخمس في غير غنائم الحرب، فهل الاذن في تمليك المؤمن تصحيح للبيع و اذا كان تصحيحا للبيع فهل هو صحيح من طرف و فساد وضعي من طرف اخر او تفكيك بين الحكم الوضعي و الحكم التكليفي، او احتمال اخر و هو ان المعاملة باطلة بمقدار الخمس لكن فيها ايهاب من صاحب الخمس عليه السلام و هذا يعني عدم ارتفاع الحرمة التكليفية عن العامي الذي لا يقول بالخمس.
فزبدة القول: أنه هل يقصد من هذا الامضاء صحة المعاملة و جوازها من طرف المؤمن و فسادها و حرمتها من طرف الحاكم غير الشرعي؟
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 181
أو صحة المعاملة من كلا الطرفين مع جوازها من طرف المؤمن تكليفا و حرمتها من طرف الحاكم تكليفا؟
أو احتمال ثالث- خاص بباب الخمس في من لا يعتقد شرعية الخمس، بعد ما ورد جواز الشراء و البيع منه من باب لك المهنا و عليهم الوزر- صحة المعاملة من الطرفين فيما عدا الخمس يرافقه ايهاب الخمس من الامام عليه السلام للمؤمن.
أما احتمال تفكيك المعاملة من طرف دون طرف ممتنع لان المعاملة ماهية واحدة اضافية اما ان تكون موجودة او لا، اما أنها موجودة من طرف و غير موجودة من الطرف الاخر فلا شك في استحالة ذلك.
أما الثاني اي التفكيك بين الحلية الوضعية و التكليفية فهذا قابل للتصوير، مثل ما اذا باع غاصب فضولة و المغصوب أجاز البيع لنفسه لا للغاصب فالغاصب لا ترتفع عنه الحرمة التكليفية، مع نفوذ وضعي للمشتري و يبقي الثمن الذي يأخذه الغاصب غصبا و اقدامه علي الحرمة التكليفية.
فالحرمة ليست في انشاء البيع و انما في وضع اليد علي العين و تسنم نفس دسة المنصب المالي و الاداري هذا التسنم و وضع اليد علي المنصب يبقي علي الحرمة التكليفية لهذه المعاملة التي هي تصرف
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 182
اعتباري و من فروعات المنصب، فالحلية الوضعية قابلة للانفكاك عن نفس التولي الذي هو حركة تكليفية.
فالموردان اختلفا، و أصل الاشكال كان في تخيل يدو النظر انه تصرف واحد فكيف يفكك بين الحكم الوضعي و التكليفي لكنهما موردين.
هذا مع ما قيل من إمكان تصور نفوذ وضعي و حرمة تكليفية في مورد واحد، كما هو الشأن في الظهار، حيث يؤثر بنحو الطلاق الي وقت دفع الكفارة، و في القرض الربوي توجد حرمة تكليفية و فساد وضعي بمقدار الزائد مع صحة فيه بنسبة رأس المال، فتصوير ذلك ممكن.
فإنشاء المعاملة حرام من قبله لانه نوع من اعمال الولاية، مضافا الي تسنم الولاية الذي هو وضع النفس في المنصب من دون أذن شرعي، ففي المعاملة الواحدة أمكن الانفكاك.
فالاشكال المسجل بعدم تعقل الانفكاك بين الحلية الوضعية و التكليفية ينقضه وجود حالات عديدة في الفقه إنفك فيها النفوذ الوضعي عن الحكم التكليفي في البيع و غيره، و اليك فهرسة الموارد السابقة:
1- بيع الغاصب للعين المغصوبة فضولا أو بعنوان أنه مالك
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 183
زعما، و أجاز المالك البيع لنفسه، فإن المعاملة صحيحة من الطرفين مع حرمة تصرف الغاصب و بقاء الثمن غصبا في يده.
2- الظهار حرام تكليفا و صحيح وضعا.
3- القرض الربوي حرام تكليفا و فاسد الشرط في الزيادة مع صحة و نفوذ أصل القرض.
و الحل: أن موضوع الحكم التكليفي مغاير لموضوع الحكم الوضعي، ففي مثال الغصب، الحرام بالدقة ليس إنشاء الغاصب للبيع بل وضع يده و تسلطه علي العين ظلما و عدوانا من دون رضا المالك، و موضوع الصحة هو البيع.
و في مسألتنا الحرام هو تسنم الجهة التي لا تتمتع بالشرعية علي شعبة المال و وضع يدها عليه.
و الحلية الوضعية في ممارساتها الاعتبارية من بيع و إجارة و هي طبعا من شؤون المنصب و التسلط، إلا انها قابلة للانفكاك عن أصل الولاية، فالوزر علي الحرام و الامضاء لشي‌ء آخر.
بل في الموضوع الواحد بأن يكون متعلق الحكم التكليفي و الوضعي واحد من دون أية مشكلة، فانشاء البيع من قبل الغاصب و الدولة حرام تكليفا علاوة علي الغصب و التولي غير الشرعي مع نفوذ المسبب وضعا.
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 184
فالتولي حرام و تطبيقاته و اجراءاته و استعمال صلاحياته و تصرفاته حرام أيضا مع نفوذ بعضها وضعا.
و الدليل علي ذلك بعد- منع التلازم- هو الوقوع من خلال مراجعة الامثلة التي ذكرناها و غيرها، و الوقوع خير دليل علي الامكان.
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 185

التنبيه الثاني … ص: 185

اشارة

من خلال الروايات يظهر بالاضافة الي امضاء هذا التعامل، يظهر شي‌ء اخر و هو انه يسوغ لمن يستوزر من المؤمنين اعطاء الفقراء من بيت المال (اذا و اسيت به فقراء..) يستفاد منه جواز اعطاء الفقراء بالمقدار الذي في الصالح العقلائي، طبعا لا بنحو مطلق، فيجوز ابتداءا فضلا كما اذا كانوا مدينين لبيت المال.
عدة روايات تدل علي ذلك هذا المقدار لا دغدغة فيه، بل ان باب التولي في الدولة الوضعية سوغ لدفع الضرر و الضيم عن المؤمن و مواسات فقراء المؤمنين، انما الكلام في متوسطي الحال هل اذا كانت عليهم ديون مثلا من قبل الدولة او بيت المال هل يجوز اسقاطها او لا؟
التعبير ب (صنيعة المعروف لاخوانك) يشمل و يعم ذلك مادام يصدق عليه أنه معروف، و بعض الروايات مقيدة بالفقراء لكنه قيد المورد لا تقييد اصطلاحي في الكلية، و لا من باب المطلق يحمل علي المقيد فانه يسمي اصطلاحا من باب تقيد المورد فتارة اعتق رقبة و اعتق رقبة مؤمنة هذا يسمي مطلق و مقيد و أخري يسأل الراوي
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 186
عندي رقبة مؤمنه أعتقها في الكفارة فيقول الامام عليه السلام:
اعتقها هذا ليس بتقييد بل تقيد في المورد.
فعبارة (واسيت به فقراء … ) هذا من قبيل تقيد المورد، و لو فرضنا أنه تقييد فلا يحمل عليه المطلق بعد تعدد المطلوب، فالمعروف يعم مادام التصرف إحسان لا ينطبق عليه العبث و الفساد، كما هو شأن الملوك و الحكام في العطاء، فهذا المقدار جائز، فاذا كان علي المؤمن دين مثلا و هو من متوسطي الحال يصدق ان اسقاط الدين عنه صنيعة له، أما اذا اندرج كما يقولون تحت جر القرص للمصالح و العلاقات الخاصة التي تخرج عن عنوان المعروف، بل في بعض الموارد يكون من الفساد الاداري فانه لا يجوز.
و ما جاء في الروايات فبالسنة متعددة:

الرواية الاولي … ص: 186

مرسلة الصدوق عن الامام الصادق عليه السلام قال: كفارة عمل السلطان قضاء حوائج الاخوان «92».

الرواية الثانية … ص: 186

صحيحة ابي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: ذكر عنده رجل من هذه العصابة قد ولي ولاية فقال: كيف صنيعه الي إخوانه؟
قال: قلت: ليس عنده خير، قال: أف، يدخلون فيما لا ينبغي لهم و لا
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 187
يصنعون إلي اخوانهم خيرا «93».
و الصنيع يستعمل في المعروف و لا يختص بالفقير بل هو أعم منه.

الرواية الثالثة … ص: 187

ذيل رواية ابي سلمة و فيه: يا زياد فان و ليت شيئا من أعمالهم فأحسن الي إخوانك فواحدة بواحدة، و اللّه من وراء ذلك «94».
فمقيد الاذن بالاحسان و الاحسان لا يختص بالفقراء.

الرواية الرابعة … ص: 187

رواية الصيدلاني عن رجل من بني حنيفة عن ابي جعفر عليه السلام و فيه: أما بعد فان موصل كتابي هذا ذكر عنك مذهبا جميلا و انما لك من عملك ما أحسنت فيه، فأحسن الي إخوانك، و أعلم ان اللّه عز و جل سائلك عن مثاقيل الذر و الخردل «95».
فأعطاه مقدار خير و معروف و زيادة إحسان لا بمقدار سد الفقر فقط.

الرواية الخامسة … ص: 187

و الصحيح الي عبد اللّه بن سليمان النوفلي رسالة الامام الصادق عليه السلام الي النجاشي «96»، حيث ذكر فيها ان مصارف الوالي و الوزير يجب أن لا تكون عبثية و لعب ببيت المال، و استثني الصنيعة
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 188
للاخوان بالمعروف و اغاثة المؤمن و التنفيس و دفع الذي عنه بكل الطرق، و فيها تفصيل و سرد لحقوق الاخوان.

الرواية السادسة … ص: 188

صحيحة زرارة قال: اشتري ضريس بن عبد الملك- و اخوه- من هبيرة أرزا بثلاثمأة ألف قال: فقلت له: ويلك أو ويحك أنظر الي خمس هذا المال فابعث به إليه و احتبس الباقي، فأبي علي قال: فأدي المال و قدم هولاء فذهب أمر بن أمية، قال: فقلت لابي عبد اللّه عليه السلام فقال مبادرا للجواب: هو له هو له، فقلت: إنه قد أداها فعض علي اصبعه «97».

الرواية السابعة … ص: 188

صحيحة ابي بكر الحضرمي- المتقدمة- سأله الامام عليه لم تركت عطاءك «98»، الذي و هو من قبيل الضمان الاجتماعي و هو غير مقيد بالفقر قديما حسب ظاهر الرواية و التاريخ و حديثا واضح كذلك كما لا يخفي.
بل نفس تسويغ قبول هدايا و جوائز السلطان و عبارة (لكا المهنا و عليه الوزر) تدل علي جواز ذلك بصراحة.
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 189

التنبيه الثالث … ص: 189

لا يخفي من كل ما تقدم الفوارق و الثمرات في الاثار المترتبة علي النظريات في ملكية الدول الوضعية، لكن يجدر التنويه ببعضها في موارد:
الاول: المصارف و البنوك الحكومية علي الملكية سواء (النظرية الثالثة أو الرابعة) تكون أحكام التعامل معها علي وزان أحكام التعامل مع البنوك الأهلية من حرمة المعاملات الربوية، نعم اذا كان الرابي هو البنك الحكومي و قلنا باحتمال جواز أخذ الربا من طرف الدولة و الوالي الشرعي حيث أنه بمنزلة الاب مع الافراد و آحاد الناس كالولد فتكون خصوص هذه الصورة مستثناة من التسوية.
كما أن بقية الخدمات البنكية كفتح الاعتماد للاستيراد أو التصدير و سواء أرجعناه لعقد الاجارة أو الجعالة أو الامر الضماني أو غير ذلك لا تحتاج الي إجازة الحاكم الشرعي، كما في البنك الاهلي، و كبيع الاسهم و التحويلات و اصدار الكمبيالات و غيرها.
كما أنه يكون الوفاء بالمعاملات معها لازم، نعم علي النظرية
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 190
الثانية أيضا لا حاجة الي الاجازة المزبورة لكون التعامل ذممي غالبا يؤول الي مباح كما تقدم في استعراضها.
نعم: اذا تشكل علم بأطراف في دائرة الابتلاء تتحقق الحاجة حينئذ.
و أما علي النظرية الاولي فعلي خلاف ذلك كله فتحتاج الي الاجازة و لزوم التصدق بالاموال لمجهولية مالكها بنسبة محسوبة بالفذلكة التي يمارسها الحاكم الشرعي كما تقدم، من الثلث أو النصف.
الثاني: الخدمات العامة للدولة من كهرباء و ماء و مواصلات و اتصالات، كلها علي النظريتين الاخيرتين تخضع أيضا لاحكام التعامل مع الشركات الأهلية، كما لو كانت تلك الخدمات من القطاع الخاص كما في بعض الدول الرأسمالية، و هذا كله و ما سبق و ما يأتي مع ملاحظة ما مر في التنبيه الثاني، و أما علي النظريتين الاولتين فلا تخضع لذلك نعم تفترقان في لزوم الاجازة و التصدق بمقدار من المال عوضا عن المنافع المستوقاة إلا ما علم و لو تعبدا بكونه من المباحات علي الاولي دون الثانية.
الثالث: تحقق الخمس ظاهر علي النظريتين الاخيرتين في الاموال المودعة في البنوك الحكومية، و أما علي النظريتين الاولتين لا سيما
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 191
الاولي فتصويره لا يخلو من صعوبة و تكلف و تمحل فيما كان تملك أصل المال من تعامل مع طرف حكومي و البنك كذلك.
و لو بلغت تلك الاموال رقما هائلا في المقدار فانها و ان كانت مملوكة عرفا لكن في الاعتبار الشرعي علي الاولي مجهولة المالك و مباحة علي النظرية الثانية.
الرابع: مجموعة الحقوق و الامتيازات المالية التي تنشأها الدولة علي نفسها لأشخاص المتعاملين معها، عن طريق الاشتراط الضمني أو غيره، و التي تتعلق بأشياء عديدة مختلفة، كحق شراء أعيان ما بقيمة نازلة، أو كحق انشاء مؤسسات تجارية أو صناعية أو كحق استيراد أجناس من حقوق مختلفة و غير ذلك من الحقوق الكثيرة المتوزعة هذا اليوم في المجالات المختلفة.
و التي يمكن ملائمتها مع صيغ شرعية معاملية، كل تلك الحقوق ذات المالية العرفية بل بعضها بدرجة مرتفعة جدا، تصبح فاقدة للإعتبار المالي الشرعي علي النظرية الاولي و الثانية إلا النزر القليل بتمحل ما، و حينئذ لا تترتب الاثار و الاحكام المترتبة علي المال كالخمس و صحة البيع و النقل و الاسقاط، و الارث و غيرها و هذا بخلافة علي النظريتين الاخيرتين.
تم بحمد اللّه و صلي اللّه علي محمد و آله الطاهرين.
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 193

هوامش الكتاب

1. نهج البلاغة خطبة 40.
2. الوسائل ابواب ما يكتسب به باب 51 حديث 1.
3. الوسائل أبواب اللقطة باب 7 حديث 1.
4. إكمال الدين للشيخ الصدوق 676.
5. الوسائل ابواب ما يكتسب به باب 46 حديث 1.
6. الوسائل ابواب ما يكتسب به باب 46 حديث 7.
7. سفينة البحار مادة علي بن يقطين مستخرجا عن البحار.
8. الوسائل ابواب ما يكتسب به باب 46 حديث 8.
9. الوسائل ابواب ما يكتسب به باب 46 حديث 9.
10. الوسائل ابواب ما يكتسب به باب 46 حديث 10.
11. الوسائل ابواب ما يكتسب به باب 46 حديث 11.
12. الوسائل ابواب ما يكتسب به باب 48 حديث 1.
13. الوسائل ابواب ما يكتسب به باب 48 حديث 2.
14. الوسائل ابواب ما يكتسب به باب 48 حديث 3.
15. الوسائل ابواب ما يكتسب به باب 48 حديث 4.
16. الوسائل ابواب ما يكتسب به باب 48 حديث 5.
17. الوسائل ابواب ما يكتسب به باب 48 حديث 7.
18. الوسائل ابواب ما يكتسب به باب 49 حديث 1.
19. الوسائل ابواب ما يكتسب به باب 51 حديث 1.
20. الوسائل ابواب ما يكتسب به باب 51 حديث 2.
21. الوسائل ابواب ما يكتسب به باب 51 حديث 3.
22. الكافي 4- 588.
23. الوسائل ابواب ما يكتسب به باب 51 حديث 3.
24. الوسائل ابواب ما يكتسب به باب 51 حديث 5.
25. الوسائل ابواب ما يكتسب به باب 51 حديث 6.
26. الوسائل ابواب ما يكتسب به باب 51 حديث 8.
27. الوسائل ابواب ما يكتسب به باب 52 حديث 1.
28. الوسائل ابواب ما يكتسب به باب 52 حديث 2.
29. الوسائل ابواب ما يكتسب به باب 52 حديث 3.
30. الوسائل ابواب ما يكتسب به باب 52 حديث 4.
31. الوسائل ابواب ما يكتسب به باب 52 حديث 5.
32. الوسائل ابواب ما يكتسب به باب 52 حديث 6.
33. الوسائل ابواب ما يكتسب به باب 53 حديث 2.
34. الوسائل ابواب ما يكتسب به باب 53 حديث 1.
35. الوسائل ابواب ما يكتسب به باب 93 حديث 1.
36. الوسائل ابواب الاجارة باب 21 حديث 1.
37. الوسائل ابواب الاجارة باب 21 حديث 5.
38. الوسائل ابواب المزارعة و المساقاة باب 18 حديث 3.
39. الوسائل ابواب جهاد العدو باب 50 حديث 4.
40. الوسائل ابواب جهاد العدو باب 50 حديث 3.
41. الوسائل ابواب الانفال باب 4 حديث 4.
42. الوسائل ابواب ما يكتسب به باب 8 حديث 5.
43. الكافي 3- 235 حديث 45.
44. الوسائل ابواب ما يكتسب به باب 8 حديث 1.
45. الوسائل ابواب ما يكتسب به باب 8 حديث 2.
46. الوسائل ابواب ما يكتسب به باب 8 حديث 3.
47. الوسائل ابواب ما يكتسب به باب 51 حديث 6.
48. الوسائل ابواب ما يكتسب به باب 48 حديث 1.
49. الوسائل ابواب ما يكتسب به باب 48 حديث 2.
50. الوسائل ابواب ما يكتسب به باب 51 حديث 6.
51. إكمال الدين و اتمام النعمة ص 676.
52. الوسائل ابواب ما يكتسب به باب 51 حديث 7.
53. الوسائل ابواب ما يكتسب به باب 46 حديث 15.
54. الوسائل ابواب جهاد العدو باب 40 حديث 2.
55. الوسائل ابواب ما يكتسب به باب 51 حديث 10.
56. الفقيه 3- 16 الكافي 7- 431.
57. التهذيب 9- 321.
58. التهذيب 9- 321.
59. الوسائل ابواب مقدمات الطلاق باب 30.
60. اكمال الدين 676.
61. الكافي 8- 236.
62. الوسائل ابواب ما يكتسب به باب 8 حديث 1.
63. من لا يحضره الفقيه 3- 472.
64. الوسائل ابواب ما يكتسب به باب 8 حديث 6.
65. الوسائل ابواب ما يكتسب به باب 8 حديث 7.
66. الوسائل ابواب الذبائح باب 27 حديث 4.
67. الوسائل ابواب الذبائح باب 26 حديث 1.
68. الوسائل الوال ما يجب فيه الخمس باب 8 حديث 5.
69. الوسائل ابواب الانفال باب 4 حديث 6.
70. الوسائل أبواب الانفال باب 4 حديث 4.
81. الوسائل ابواب الانفال باب 3 حديث 4.
82. الوسائل ابواب الانفال باب 4 حديث 8.
83. الوسائل ابواب ما يكتسب به باب 47 حديث 1.
84. الوسائل ابواب ما يكتسب به باب 48 حديث 1.
84. الوسائل ابواب ما يكتسب به باب 46 حديث 15.
85. الوسائل ابواب ما يكتسب به باب 45 حديث 4.
86. الوسائل ابواب ما يكتسب به باب 52 حديث 1.
87. الوسائل ابواب ما يكتسب به باب 48 حديث 1.
88. ابواب جهاد العدو باب 41 حديث 2.
89. ابواب جهاد العدو باب 48 حديث 3.
90. ابواب جهاد العدو باب 7 حديث 1.
91. الوسائل ابواب ما يكتسب به باب 60 حديث 2.
92. الوسائل ابواب ما يكتسب به باب 46 حديث 3.
93. الوسائل ابواب ما يكتسب به باب 46 حديث 10.
94. الوسائل ابواب ما يكتسب به باب 46 حديث 9.
95. الوسائل ابواب ما يكتسب به باب 46 حديث 11.
96. الوسائل ابواب ما يكتسب به باب 49 حديث 1.
97. الوسائل ابواب ما يكتسب به باب 52 حديث 2.
98. الوسائل ابواب ما يكتسب به باب 51 حديث 6.
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 197

محتوي الكتاب

بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 199

الفهرست

الافتتاحية 3
مدخل البحث 5- 18 البحث حول ورود نص علي نمط (لك المهنا و عليه الوزر) 8
ملكية العنوان 8
الملكيات الطولية 8
كيفية التعامل مع العنوان 9
مورد النزاع بالدقة 11
عدم اختلاف جهة البحث بلحاظ النظم السياسية 12
رسم البحث 13
محاولات لحل العقدة في المسألة 14
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 200
الفصل الاول نظريات و اجتهادات 19- 45 موضوع البحث 21
الاصل الاولي في المقام 22
الاقوال و النظريات 23
النظرية الاولي 25
الوجه الاول 25
الوجه الثاني 28
مصارف مجهول المالك مخيرة أم منحصرة في التصدق 29
دفع النظرية الاولي 30
مصادر الثروة المالية في الدولة 32
السيد الخوئي- قده- و مصلحة الجعل 36
العلم الاجمالي باختلاط اموال الدولة غير منجز 37
وجه النظرية الثانية 39
وجه النظرية الرابعة 40
صياغة أخري للنظرية 42
دفع النظرية الرابعة 44
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 201
الفصل الثاني أدلة النظرية الثالثة 47- 143 استعراض فهرسي للأدلة الخمسة 49
الدليل الاول: و يشتمل علي موارد: 52
المورد الاول: جواز الولاية من قبل الجائر 52
بيان الملازمة بين الجواز المزبور و إمضاء المعاملات مع الدولة 53
الملازمة بين المورد و اقامة الدولة في الغيبة 53
اشكالين في المقام 54
إشكال ثالث 55
تعميم النهج الملوكي لكل الدول الوضعية 56
روايات المورد مع بيان مفادها 57
حلية مجهول المالك بإخراج الخمس 64
الامام الرضا عليه السلام و ولاية العهد 65
دخول امير المؤمنين عليه السلام في الشوري 67
المورد الثاني: قبول هدايا السلاطين 69
تقريب الملازمة بين المورد و الامضاء 69
استثناء الغصب و صوره الاربع 70
روايات المورد و بيان مفادها 72
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 202
صحيحة ابي بكر الحضرمي و الفوائد الاربع 78
صحة و لزوم الضمان الاجتماعي 78
بلورة الفرق بين النظرية الثالثة و الثانية 81
خلاصة المورد بتقريبات أربع للملازمة مع الامضاء 83
المورد الثالث: جواز شراء المقاسمة و الخراج 85
تفسيرهما و بدؤهما التاريخي 85
بيان الملازمة بين المورد و الامضاء 87
روايات المورد 88
السيد البروجردي و الشاهرودي- قدهما- و حرمة أموال الدولة 90
تصوير الملازمة مع الامضاء 95
إشكال و دفع 95
المورد الرابع: قبالة الاراضين و تفسيرها 95
بيان الملازمة مع الامضاء 99
روايات المورد 99
دلالة المورد علي الامضاء 101
المورد الخامس: جواز بيع السلاح و غيره و شراء الجواري و غيرها من السلطان 103
روايات المورد و بيان مفاداتها مع الملازمة 103
المورد السادس: جواز التوظف و المؤاجرة في الدول الوضعية 107
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 203
روايات المورد مع بيان الملازمة 107
خلاصة الموارد الستة و بيان الملازمة مع الامضاء التسهيلي 108
الدليل الثاني: إعتبار خزينة الدولة بيت مال المسلمين 110
روايات المقام 110
بيت المال و زواياه الثلاث 115
مصادر تمويله 115
بيت المال ما زال عنوانا مالكا و ان كان تحت تصرف جهة وضعية 116
الدليل الثالث: إمضاء ظاهر الولايات 118
صحيح يونس و محتملاته 118
قاعدة الهدنة و مفادها في الابواب المختلفة 122
رواياتها 122
معتبرة عمار و فوائد ثلاث 124
محصل قاعدة الهدنة في المقام 125
الدليل الرابع: لزوم العسر و الحرج 127
العنوان المزبور علي نمطين: 127
الأول: الرافع 127
الثاني: الإخبار و الاستفادة منه في الابواب الفقهية 128
كيفية الاستفادة المزبورة في المقام 130
الاستفادة منها في دليل الانسداد 131
الاستفادة منها في وقوف عرفة في غير اليوم التاسع 132
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 204
الاستفادة منها في الذبح في غير مني 133
الاستفادة منها في بحث اجزاء الحكم الظاهري 133
خلاصة الدليل كبرويا 134
تفصي بعض الاعلام من حصول الحرج 137
إشكالات التفصي كبرويا و صغرويا 138
الدليل الخامس: إقرار ملكية الكفار 140
تقريب الاستدلال 140
روايات المقام 141
حصيلة الادلة الأمضاء في نطاق … 143
الفصل الثالث بلورة حقيقة البحث 145- 175 هل هذا البحث هو عن حكم شرعي او من باب آخر 147
الابواب الثلاثة: التشريع (الفتوي) و القضاء و الولاية 147
إشكال يبزغ في المقام 148
موازين الابواب الثلاثة 148
ميزان الحكم الولائي و علاقته مع الرفع و التزاحم و غيرهما 148
حقيقة منطقة الفراغ في التشريع 148
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 205
موازاة الحكم الولائي و العناوين الثانوية كالشروط 149
الحكم علي ثلاثة أصناف 149
تعريف الحكم الثابت الافتائي 150
تعريف الحكم القضائي 150
تعريف الحكم الولائي 150
نظرة في سد الذرائع و المصالح المرسلة 152
تفصيل الاشكال و نظائره 153
جواب الاشكال و توجيهه 157
أمثلة خمسة في الجواب 158
روايات شاهدة علي ولوية الموارد التسعة 162
روايات معارضة دالة علي التوقيت و الخصوصية 164
جواب المعارضة 165
تتمة الروايات الشاهدة علي الولاية 166
المحصل من جواب الاشكال في المقام:
الوجه الاول و موارده الاربعة 168
الوجه الثاني ضوابط و موازين الابواب الثلاثة 171
صلاحيات الفقيه للامضاء 175
موازيات الاذن في الامضاء مع الاذن في مجهول المالك 175
بحوث معاصرة في الساحة الدولية، ص: 206
تنبيهات 177- 191 التنبيه الاول: كيفية تصوير الانفكاك بين الحكم الوضعي و التكليفي في قوله عليه السلام (لك المهنا و عليه الوزر) 179
التنبيه الثاني: جواز صنيعة المعروف من الاموال العامة 185
التنبيه الثالث: ثمرات البحث 189
هل يجوز التعامل الربوي بين الدولة و الافراد 189
هوامش الكتاب 193
الفهرست 197

تعريف مرکز القائمیة باصفهان للتحریات الکمبیوتریة

جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ في سَبيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (التوبة/41).
قالَ الإمامُ علیّ ُبنُ موسَی الرِّضا – علـَیهِ السَّلامُ: رَحِمَ اللّهُ عَبْداً أحْيَا أمْرَنَا... َ يَتَعَلَّمُ عُلُومَنَا وَ يُعَلِّمُهَا النَّاسَ؛ فَإِنَّ النَّاسَ لَوْ عَلِمُوا مَحَاسِنَ كَلَامِنَا لَاتَّبَعُونَا... (بَــنـادِرُ البـِحـار – فی تلخیص بحـار الأنوار، للعلاّمة فیض الاسلام، ص 159؛ عُیونُ أخبارِ الرِّضا(ع)، الشـَّیخ الصَّدوق، الباب28، ج1/ ص307).
مؤسّس مُجتمَع "القائمیّة" الثـَّقافیّ بأصبَهانَ – إیرانَ: الشهید آیة الله "الشمس آباذی" – رَحِمَهُ اللهُ – کان أحداً من جَهابـِذة هذه المدینة، الذی قدِ اشتهَرَ بشَعَفِهِ بأهل بَیت النبیّ (صلواتُ اللهِ علـَیهـِم) و لاسیَّما بحضرة الإمام علیّ بن موسَی الرِّضا (علیه السّلام) و بـِساحة صاحِب الزّمان (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرجَهُ الشَّریفَ)؛ و لهذا أسّس مع نظره و درایته، فی سَنـَةِ 1340 الهجریّة الشمسیّة (=1380 الهجریّة القمریّة)، مؤسَّسة ًو طریقة ًلم یـَنطـَفِئ مِصباحُها، بل تـُتـَّبَع بأقوَی و أحسَنِ مَوقِفٍ کلَّ یومٍ.
مرکز "القائمیّة" للتحرِّی الحاسوبیّ – بأصبَهانَ، إیرانَ – قد ابتدَأَ أنشِطتَهُ من سَنـَةِ 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریّة القمریّة) تحتَ عنایة سماحة آیة الله الحاجّ السیّد حسن الإمامیّ – دامَ عِزّهُ – و مع مساعَدَةِ جمع ٍمن خِرّیجی الحوزات العلمیّة و طلاب الجوامع، باللیل و النهار، فی مجالاتٍ شتـَّی: دینیّة، ثقافیّة و علمیّة...
الأهداف: الدّفاع عن ساحة الشیعة و تبسیط ثـَقافة الثـَّقـَلـَین (کتاب الله و اهل البیت علیهـِمُ السَّلامُ) و معارفهما، تعزیز دوافع الشـَّباب و عموم الناس إلی التـَّحَرِّی الأدَقّ للمسائل الدّینیّة، تخلیف المطالب النـّافعة – مکانَ البَلاتیثِ المبتذلة أو الرّدیئة – فی المحامیل (=الهواتف المنقولة) و الحواسیب (=الأجهزة الکمبیوتریّة)، تمهید أرضیّةٍ واسعةٍ جامعةٍ ثـَقافیّةٍ علی أساس معارف القرآن و أهل البیت –علیهم السّلام – بباعث نشر المعارف، خدمات للمحققین و الطـّلاّب، توسعة ثقافة القراءة و إغناء أوقات فراغة هُواةِ برامِج العلوم الإسلامیّة، إنالة المنابع اللازمة لتسهیل رفع الإبهام و الشـّـُبُهات المنتشرة فی الجامعة، و...
- مِنها العَدالة الاجتماعیّة: التی یُمکِن نشرها و بثـّها بالأجهزة الحدیثة متصاعدة ً، علی أنـّه یُمکِن تسریعُ إبراز المَرافِق و التسهیلاتِ – فی آکناف البلد - و نشرِ الثـَّقافةِ الاسلامیّة و الإیرانیّة – فی أنحاء العالـَم - مِن جـِهةٍ اُخرَی.
- من الأنشطة الواسعة للمرکز:
الف) طبع و نشر عشراتِ عنوانِ کتبٍ، کتیبة، نشرة شهریّة، مع إقامة مسابقات القِراءة
ب) إنتاجُ مئات أجهزةٍ تحقیقیّة و مکتبیة، قابلة للتشغیل فی الحاسوب و المحمول
ج) إنتاج المَعارض ثـّـُلاثیّةِ الأبعاد، المنظر الشامل (= بانوراما)، الرّسوم المتحرّکة و... الأماکن الدینیّة، السیاحیّة و...
د) إبداع الموقع الانترنتی "القائمیّة" www.Ghaemiyeh.com و عدّة مَواقِعَ اُخـَرَ
ه) إنتاج المُنتـَجات العرضیّة، الخـَطابات و... للعرض فی القنوات القمریّة
و) الإطلاق و الدَّعم العلمیّ لنظام إجابة الأسئلة الشرعیّة، الاخلاقیّة و الاعتقادیّة (الهاتف: 00983112350524)
ز) ترسیم النظام التلقائیّ و الیدویّ للبلوتوث، ویب کشک، و الرّسائل القصیرة SMS
ح) التعاون الفخریّ مع عشراتِ مراکزَ طبیعیّة و اعتباریّة، منها بیوت الآیات العِظام، الحوزات العلمیّة، الجوامع، الأماکن الدینیّة کمسجد جَمکرانَ و...
ط) إقامة المؤتمَرات، و تنفیذ مشروع "ما قبلَ المدرسة" الخاصّ بالأطفال و الأحداث المُشارِکین فی الجلسة
ی) إقامة دورات تعلیمیّة عمومیّة و دورات تربیة المربّـِی (حضوراً و افتراضاً) طیلة السَّنـَة
المکتب الرّئیسیّ: إیران/أصبهان/ شارع"مسجد سیّد"/ ما بینَ شارع"پنج رَمَضان" ومُفترَق"وفائی"/بنایة"القائمیّة"
تاریخ التأسیس: 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریة القمریّة)
رقم التسجیل: 2373
الهویّة الوطنیّة: 10860152026
الموقع: www.ghaemiyeh.com
البرید الالکترونی: Info@ghaemiyeh.com
المَتجَر الانترنتی: www.eslamshop.com
الهاتف: 25-2357023- (0098311)
الفاکس: 2357022 (0311)
مکتب طهرانَ 88318722 (021)
التـِّجاریّة و المَبیعات 09132000109
امور المستخدمین 2333045(0311)
ملاحَظة هامّة:
المیزانیّة الحالیّة لهذا المرکز، شـَعبیّة، تبرّعیّة، غیر حکومیّة، و غیر ربحیّة، اقتـُنِیَت باهتمام جمع من الخیّرین؛ لکنـَّها لا تـُوافِی الحجمَ المتزاید و المتـَّسِعَ للامور الدّینیّة و العلمیّة الحالیّة و مشاریع التوسعة الثـَّقافیّة؛ لهذا فقد ترجَّی هذا المرکزُ صاحِبَ هذا البیتِ (المُسمَّی بالقائمیّة) و مع ذلک، یرجو مِن جانب سماحة بقیّة الله الأعظم (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرَجَهُ الشَّریفَ) أن یُوفـِّقَ الکلَّ توفیقاً متزائداً لِإعانتهم - فی حدّ التـّمکـّن لکلّ احدٍ منهم – إیّانا فی هذا الأمر العظیم؛ إن شاءَ اللهُ تعالی؛ و اللهُ ولیّ التوفیق.