التوسل: عبادة توحيدية

اشارة

سرشناسه : سند، محمد، 1340-

عنوان و نام پديدآور : التوسل عبادة توحیدیه من محاضرات محمد سند/بقلم محمدعیسی آل مکباس.

مشخصات نشر : قم: سعیدبن جبیر، 1384، = 2005م، = 1426ق.

مشخصات ظاهری : 88 ص.

شابک : :964-8793-01-8

يادداشت : عربی.

یادداشت : کتابنامه: ص. [85] ؛ همچنین به صورت زیرنویس.

موضوع : توسل.

موضوع : شیعه -- عقاید.

شناسه افزوده : آل مکباس، محمد

رده بندی کنگره : BP226/6/س9ت9

رده بندی دیویی : 297/468

شماره کتابشناسی ملی : 1150228

المقدّمة

بسم الله الرحمن الرحيم كثيرا ما تطرح مجموعة من الاثارات حول مجموعة من المسائل و الابحاث العقائدية من قبيل التوسل بالاولياء و التوسل بقبورهم و زيارتها، و ما شابه ذلك، حيث يشنع علي من يقول هذه الاقوال بل ينسب في اغلب الاحيان الي الشرك و الكفر، و ذلك نابع من التعجل في الحكم علي الآخرين من خلال الفهم الخاطي لأدلة هذه المسائل و عدم الغور فيها بعمق علمي و بعيدا عن الرواسب و المخلفات التعصبية.

فجاء هذا البحث من لدن سماحة الحجة الشيخ محمد سند ليعالج مسألة من المسائل العقائدية و هي مسألة مشروعية التوسل بالاولياء و الاوصياء، و كان وافيا و دقيقا في هذا المجال حيث استعرض فيه أدلة المانعين من التوسل بالاولياء و أجاب عنها واحدة واحدة من خلال القرآن و السنة النبوية و أحاديث أهل البيت عليهم السّلام.

و في الختام نقدم هذا السفر الجليل لمريديه حتي يتضح الحق لأهله و تندفع شبهات المغرضين.

التوسل: عبادة توحيدية، ص: 6

و آخر دعونا ان الحمد للّه رب العالمين، و صلي اللّه علي خير خلقه، و صفوة انبيائه و رسله، صاحب الشفاعة الكبري و الوسيلة في الدنيا و الاخرة، أبي القاسم محمد و علي آله الطيبين الطاهرين الذين اذهب اللّه عنهم الرجس

و طهرهم تطهيرا.

المقرر

محمد عيسي آل مكباس

1424 ه- 2003 م

التوسل: عبادة توحيدية، ص: 7

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم

توطئة

الحمد للّه الذي يصطفي من عبادة و يجعلهم أبوابا لرحمة، و وسيلة الي رضوانه، و كلمات لمغفرة و التوبة اليه، و اسماء يدعي بهم، و ادلاء يتوجه بهم اليه، و بيوتا اذن ان ترفع يذكر فيها اسمه، و امر باتيانها من ابوابها.

ثم الصلاة و السلام علي شفيع الامة، و صاحب الوسيلة الذي امرنا بالمجي ء اليه ليستغفر لنا ذنوبنا، و الذي تعرض عليه و علي أهل بيته عليهم السّلام أعمالنا، وَ قُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَي اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَ رَسُولُهُ وَ الْمُؤْمِنُونَ «1».

كيف لا و قد جعل الباري محبتهم و توليهم سبيلا و وسيلة اليه، فقال:

قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبي، «2»

قُلْ ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ «3»

التوسل: عبادة توحيدية، ص: 8

قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَنْ شاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلي رَبِّهِ سَبِيلًا «1».

و بعد فان التوسل بالنبي صلّي اللّه عليه و اله و أهل بيته عليهم السّلام و التوجه بهم الي اللّه تعالي في مقام التوجه الي اللّه تعالي هو من اعظم الأبواب العبادية و القربات الزلفي، فقد فرض تعالي عند التوجه اليه تولية الوجه شطر المسجد الحرام وَ حَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ، «2» و قد بيّن تعالي الحكمة في ذلك حيث قال: وَ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَ الْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ واسِعٌ عَلِيمٌ، «3» و قال سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ ما وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَ الْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلي صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ. «4»

ان تولية الوجه شطره هو لجهة الاضافة اليه تعالي و بهذه

الملاحظة فالتولية للمشرق او المغرب هو قبلة للتوجه اليه تعالي، و من المعلوم ان وجه اللّه الذي هو ثّم في التولي للمشرق و المغرب ليس هو الوجه الجسماني، تعالي اللّه عما يقوله الحشوية المجسمة، بل هو الآية و العلامة التي تؤدي اليه تعالي، و لذلك فرّع

التوسل: عبادة توحيدية، ص: 9

علي استقبال القبلة من جهة انها لله الهداية الي الصراط المستقيم، و من هذه الآيات الكريمة يستفاد ان الهادي و السبيل الي الله تعالي هو مما يتوجه به اليه تعالي، و هو فرض عين في اقامة الوجه للدين الحنيف، و قد وصف تعالي مودة أهل البيت و توليهم بأنها سبيل اليه، فهم يتوجه بهم اليه تعالي، كما جاء في زيارتهم عليهم السّلام (و من قصده- تعالي- توجه بكم).

و يتبيّن بذلك ان التوجه بهم و التوسل بهم اليه تعالي فريضة من عظائم الفرائض العبادية و الدينية.

فالبحث في هذا الباب ليس يقتصر علي المشروعية و الرجحان بل يترقي الي بيان فريضيته و كبروية هذه الفريضة، و قد قام البحاثة الأريب الدرائي المتتبع الفاضل الشيخ محمد عيسي آل مكباس بضبط ما ألقيناه من البحث حول ذلك بعبارة موجزة مقتضبة ليعم نفعه، كما هو المرجو من العلي القدير، انه خير معين و نصير.

محمد سند

جمادي الآخرة 1424 ه

التوسل: عبادة توحيدية، ص: 11

تقديم

ان احد أبواب عبادة الله تعالي- نظير الصلاة و الصوم و الدعاء و الذكر و نحوها من أنواع و أجناس و أصناف العبادات- و هو التوسل إليه تعالي بأصفياءه و بالذين أخلصهم بقرباه.

فإن التوسل إليه بهم، نحو زلفي و قربي إليه تعالي، فإن المتوسل يعطف بزمام قلبه إلي وجه الله تعالي، و ان كان (سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ ما

وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَ الْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلي صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ* وَ كَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَي النَّاسِ وَ يَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً وَ ما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلي عَقِبَيْهِ وَ إِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَي الَّذِينَ هَدَي اللَّهُ وَ ما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ* قَدْ نَري تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَ حَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ

التوسل: عبادة توحيدية، ص: 12

لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَ مَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ* وَ لَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ بِكُلِّ آيَةٍ ما تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَ ما أَنْتَ بِتابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَ ما بَعْضُهُمْ بِتابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَ لَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ* الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ وَ إِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَ هُمْ يَعْلَمُونَ* الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ* وَ لِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً إِنَّ اللَّهَ عَلي كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ). «1»

فإن القبلة ليست إلّا وسيلة للتوجه بها إليه تعالي، (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَ الْمَغْرِبِ وَ لكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ الْمَلائِكَةِ وَ الْكِتابِ وَ النَّبِيِّينَ وَ آتَي الْمالَ عَلي حُبِّهِ). «2»

(وَ لَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَ لكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقي وَ أْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها). «3»

فالقبلة ليست هي المعبود و انما هي وجهة يتوجه بها إليه تعالي، و

من ذلك صار آدم صفي الله قبلة للملائكة و سجودهم لله تعالي في قوله تعالي (وَ إِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ) «4» و من ذلك صارت

التوسل: عبادة توحيدية، ص: 13

بيوت موسي كليم الله تعالي قبلة لبني اسرائيل في صلاتهم لله تعالي (وَ أَوْحَيْنا إِلي مُوسي وَ أَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً وَ اجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَ بَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) «1» و من ذلك قوله تعالي (إِذْ قالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ)، «2» (فَلَمَّا دَخَلُوا عَلي يُوسُفَ آوي إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَ قالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ* وَ رَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَي الْعَرْشِ وَ خَرُّوا لَهُ سُجَّداً وَ قالَ يا أَبَتِ هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَها رَبِّي حَقًّا). «3»

(لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ ما كانَ حَدِيثاً يُفْتَري وَ لكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَ تَفْصِيلَ كُلِّ شَيْ ءٍ وَ هُديً وَ رَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ). «4»

و قد روي النسائي و الترمذي في حديث الاعرابي ان النبي صلّي اللّه عليه و اله علمه قول: يا محمد اني توجهت بك الي الله. «5»

و روي الترمذي و ابن ماجة حديث عثمان بن حنيف، ان رجلا ضرير البصر أتي النبي صلّي اللّه عليه و آله فقال: ادع الله ان يعافيني، فقال النبي صلّي اللّه عليه و آله:

التوسل: عبادة توحيدية، ص: 14

إن شئت صبرت فهو خير لك، و إن شئت دعوت، قال: فادعه، فأمره ان يتوضأ و يدعو بهذا الدعاء: اللهم اني اسألك و أتوجه اليك بنبيك محمد نبي الرحمة، يا محمد اني توجهت بك الي ربي في حاجتي ليقضيها، اللهم شفعه فيّ. و

رواه النسائي و صححه البيهقي، و زاد:

فقام و قد أبصر. «1»

و من ذلك يتبين ان التوجه بالنبي صلّي اللّه عليه و اله و الاستشفاع به و الاستعانة به اليه تعالي و تقديمه بين يدي الحاجة اليه تعالي، و توسيطه هي عناوين موازية للتوسل به صلّي اللّه عليه و اله الي الله تعالي، و قد قال تعالي: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَ ابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَ جاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)، «2» و قال تعالي: (وَ لَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَ اسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً). «3»

فأمر بابتغاء الوسيلة اليه تعالي، و قد عيّن تلك الوسيلة و هي التوجه في الاستغفار و التوبة و الاوبة بالرسول صلّي اللّه عليه و اله و ان استغفار النبي صلّي اللّه عليه و اله و تشفعه دخيل في توبة الله تعالي عليهم و رحمته لهم.

و قال تعالي:

(خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِها وَ صَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ

التوسل: عبادة توحيدية، ص: 15

صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَ اللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)، «1» فجعل دعاء النبي صلّي اللّه عليه و اله لهم دخيل في حصول السكينة و الايمان و الطهارة لهم، و قوله تعالي (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ وَ اسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِناتِ وَ اللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَ مَثْواكُمْ)، «2» و هذا نظير ما قاله تعالي في قصة اخوة يوسف عليه السّلام (قالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنا وَ إِنْ كُنَّا لَخاطِئِينَ* قالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَ هُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ)، «3» و قوله تعالي (قالُوا يا أَبانَا اسْتَغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا إِنَّا كُنَّا خاطِئِينَ* قالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي

إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)، «4» و قوله تعالي في شأن قوم موسي عليه السّلام (فَادْعُ لَنا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ)، «5» و قوله تعالي في شأن قوم فرعون مع النبي موسي عليه السّلام (وَ لَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قالُوا يا مُوسَي ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ) «6»، و قوله تعالي في شأن النبي عيسي عليه السّلام (اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَي ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ)، «7» و قوله تعالي في شأن النبي موسي عليه السّلام (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسي فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا

التوسل: عبادة توحيدية، ص: 16

قالُوا وَ كانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهاً). «1»

و الوجيه في اللغة و المعني هو ذو الحظوة و القرب مما يتوجه به الي الله تعالي و يتوسل به اليه.

و قال الله تعالي: (وَ لَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضي)، «2» المفسر بمقام الوسيلة و الشفاعة، كما في الدعاء المأثور (اللهم رب هذه الدعوة التامة و الصلاة القائمة آت محمدا (صلي الله عليه و آله) الوسيلة و الفضيلة و ابعثه المقام المحمود الذي وعدته و ارزقني شفاعته يوم القيامة).

و من ذلك ينجلي ان الايمان بمقام الشفاعة له (صلي الله عليه و آله) يلازم الايمان بالتوسل، لان التوسل به صلّي اللّه عليه و اله ينطوي علي تشفعه بقضاء الحاجة لديه تعالي، فالاعتقاد بالشفاعة دليل رجحان التوسل (لا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضي)، «3» (لا يَمْلِكُونَ الشَّفاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً)، «4» فإذنه تعالي في الشفاعة متطابق مع امره تعالي، (وَ ابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ)، «5» أي بالتوسل اليه تعالي بالوسائل الشافعة لديه، فالتوسل و الاستشفاع به صلّي اللّه عليه و اله الي الله هو دعاؤه تعالي، و

الوسائل التي اذن تعالي ان يدعي بها هي أبواب

التوسل: عبادة توحيدية، ص: 17

لدعوته جلّ و علا، لا دعوة من دونه.

و روي الحاكم في مستدركه ان آدم لما اقترف الخطيئة قال: يا ربي اسألك بحق محمد صلّي اللّه عليه و اله لما غفرت لي، فقال: يا آدم كيف عرفت؟

قال: لانك لما خلقتني نظرت الي العرش فوجدت مكتوبا فيه لا إله إلّا الله محمد رسول الله، فرأيت اسمه مقرونا مع اسمك، فعرفته أحب الخلق اليك. «1»

و روي البخاري، عن أنس ان عمر بن الخطاب كان اذا اقحط الناس استسقي بالعباس فقال: اللهم انا نتوسل اليك بنبيك فتسقينا، و انا نتوسل اليك بعم نبيك، و نستشفع اليك بشيبته، فسقوا. «2»

و روي أحمد بن حنبل ان عائشة قال لها مسروق: سألتك بصاحب هذا القبر ما الذي سمعت من رسول الله؟- يعني في حق الخوارج- قالت: سمعته يقول: انهم شر الخلق و الخليقة، يقتلهم خير الخلق و الخليقة، و أقربهم عند الله وسيلة. «3»

و روي في كنز العمال عن علي عليه السّلام ان يهوديا جاء الي النبي صلّي اللّه عليه و اله فقام بين يديه و جعل يحد النظر اليه، فقال: يا يهودي ما حاجتك؟ فقال: أنت أفضل أم موسي؟ فقال له: انه يكره للعبد ان

التوسل: عبادة توحيدية، ص: 18

يزكي نفسه، و لكن قال الله تعالي (و أما بنعمة ربك فحدث)، ان آدم لما اصابته خطيئته التي تاب منها كانت توبته اللهم اني اسألك بمحمد و آل محمد لما غفرت لي، فغفر له. «1» و يشير صلّي اللّه عليه و اله الي قوله تعالي (فَتَلَقَّي آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ). «2»

و قد اطلق القرآن الكلمة

علي المقربين عنده تعالي كما في قوله تعالي (إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَي ابْنُ مَرْيَمَ)، «3» و قال تعالي (أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيي مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ). «4»

و كيف لا يكون آل محمد صلّي اللّه عليه و اله وسائل الدعاء الي الله تعالي و قد حباهم الله تعالي بالزلفي، و اجتباهم و حظاهم بأنعمه الخاصة، و جعلهم السبيل اليه تعالي، فقال (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبي)، «5» و قال: (قُلْ ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ)، «6» و قال:

(قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَنْ شاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلي رَبِّهِ سَبِيلًا). «7» فمودتهم سبيل اليه، و هم الوسيلة للتوجه اليه تعالي، و قد أبان قربهم اليه من بين الأمة و مزيد عنايته بهم حيث قال: (إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ

التوسل: عبادة توحيدية، ص: 19

عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً). «1»

ثم لا يخفي ان التوسل و الاستشفاع بالمقربين الي الباري تعالي، هو من آداب الدعاء و التوجه الي الحضرة الالهية، فاننا كما نتوجه بجسمنا في الصلاة الي المسجد الحرام و الكعبة بقصد التوجه الحقيقي بقلوبنا الي الله تعالي، فليست الكعبة إلّا وسيلة للتوجه اليه تعالي، و من شرائط عبادته تعالي، فهذا يفصح عن دور الوسيلة و الوسائل في التوجه و الدعاء، مع ان الشأن اينما تولوا فثم وجه الله لكن ذلك لا ينفي خصيصة المسجد الحرام و الكعبة المشرفة، ألا تري ان الباري تعالي جعل آدم عليه السّلام قبلة لسجود الملائكة مع كون السجود هو لله تعالي، و لم يقبل من ابليس اللعين السجود لله تعالي من دون ان يتخذ آدم قبلة يتجه بها اليه تعالي، و كرر

تعالي هذه الواقعة في سبع سور قرآنية، كل ذلك لاجل ان يبيّن تعالي ان من آداب عبادته تعالي و دعائه التوجه اليه بأوليائه المقربين، و ان هذا الأدب اللازم هو نمط من التعظيم لله تعالي، كما هو الشأن في الكعبة المشرفة و البيت الحرام، فقد جعل تعالي لهما حرمة و تقديس، و جعل حرمتهما و تعظيمهما من حرمته و تعظيمه، و قال تعالي: (وَ مَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللَّهِ فَإِنَّها مِنْ تَقْوَي الْقُلُوبِ). «2»

و لا يخفي علي الفطن اللبيب ان مقتضي قوله تعالي: (قُلْ لِلَّهِ

التوسل: عبادة توحيدية، ص: 20

الْمَشْرِقُ وَ الْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلي صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ* وَ كَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَي النَّاسِ وَ يَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً وَ ما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلي عَقِبَيْهِ وَ إِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَي الَّذِينَ هَدَي اللَّهُ وَ ما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ* قَدْ نَري تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَ حَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَ مَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ* وَ لَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ بِكُلِّ آيَةٍ ما تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَ ما أَنْتَ بِتابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَ ما بَعْضُهُمْ بِتابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَ لَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ* الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ وَ إِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَ هُمْ يَعْلَمُونَ* الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ* وَ لِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها). «1»

و قوله تعالي (وَ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَ الْمَغْرِبُ

فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ واسِعٌ عَلِيمٌ). «2»

ان فعله تعالي و خلقته وجها و آية له تعالي، فان مخلوقية ما في الشرق و ما في الغرب، أي ما في الكون أجمع آيات تتجه بالمتدبر

التوسل: عبادة توحيدية، ص: 21

فيها الي الله تعالي، فهي وجه له تعالي، و القبلة ما يقابل عند الاتجاه، و تولية الوجه جهة القبلة المقابلة بما هي رمز لوجهه تعالي، فكأنا نستقبل بتولية وجوهنا تجاه القبلة وجهه تعالي، اذ الاستقبال و المقابلة انما تحصل بتوجه المستقبل- بالكسر- بوجهه تجاه وجه المستقبل- بالفتح- فآياته الكبري سبحانه وجه له تعالي، و كذلك كلماته التامات هي آياته، و هي وجهة له تعالي يتجه بها اليه كما مران النبي عيسي عليه السّلام كلمته و آيته (إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَي ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ وَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ)، «1» كما وصف بذلك النبي موسي عليه السّلام (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسي فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قالُوا وَ كانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهاً). «2» فوجهه تعالي ليس ما يذهب اليه المجسمة الزائغة عن التوحيد من اثبات الجسم و الاعضاء، تعالي الله عن ما يقوله الظالمون علوا كبيرا، بل هو آيات خلقته التامة الدلالة علي عظمته و كماله.

و ان التوجه الي أشرف مخلوقاته هو تولية لشطر الوجه نحو وجهه الكريم، و في رواية الصدوق في أماليه في قصة الشاب النباش للقبور حيث كان يبكي علي شبابه بكاء الثكلي علي ولدها واقفا علي باب رسول الله صلّي اللّه عليه و آله، فادخل فسلم فرد صلّي اللّه عليه و آله، ثم قال: ما

التوسل: عبادة توحيدية، ص: 22

يبكيك

يا شاب؟ قال: كيف لا ابكي و قد ركبت ذنوبا ان اخذني الله عز و جل ببعضها ادخلني نار جهنم و لا اراني إلّا سيأخذني بها، و لا يغفر لي أبدا، فاخذ رسول الله صلّي اللّه عليه و آله يسائله عن نوع معصيته هل هي الشرك او قتل النفس او غيرها، الي ان أقر الشاب بجنايته، فتنفر نبي الرحمة من فظاعة جرمه، فذهب الشاب الي جبال المدينة و تعبد فيها، و لبس المسوخ، و غلّ يديه جميعا الي عنقه و نادي: يا رب، هذا عبدك بهلول بين يديك مغلول، يا رب، أنت الذي تعرفني، و زل مني ما تعلم يا سيدي، يا رب، اني أصبحت من النادمين، و أتيت نبيك تائبا فطردني و زادني خوفا، فأسألك باسمك و جلالك و عظمة سلطانك ان لا تخيب رجائي سيدي، و لا تبطل دعائي، و لا تقنطني من رحمتك، فلم يزل يقول ذلك أربعون يوما و ليلة، و تبكي له السباع و الوحوش، فأنزل الله تبارك و تعالي علي نبيه صلّي اللّه عليه و آله آية في توبته (وَ الَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَ مَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ)، «1» يقول عز و جل:

أتاك عبدي يا محمد تائبا فطردته فأين يذهب و الي من يقصد، و من يسأل ان يغفر له ذنبا غيري، ثم قال عز و جل: (وَ لَمْ يُصِرُّوا عَلي ما فَعَلُوا وَ هُمْ يَعْلَمُونَ* أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَ نِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ). «2»

التوسل: عبادة توحيدية، ص: 23

فجعل الباري الاتيان الي نبيه و قصده اتيان الي بابه تعالي و قصد

اليه، و من ثم قال تعالي في آية اخري: (وَ لَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَ اسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً). «1»

اللهم انا نسألك و نتوجه اليك بنبيك نبي الرحمة، و امام الهدي، و آله المطهرين الذين اذهبت عنهم الرجس، و افترضت علينا مودتهم في كتابك، صلواتك عليه و آله، يا رسول الله، يا رسول الله، انا توجهنا و استشفعنا بكم الي الله، فاشفعوا لنا عند الله، فانكم وسيلتنا الي الله، و بحبكم نرجو النجاة، فكونوا عند الله رجانا.

عشّ آل محمّد صلّي اللّه عليه و آله/ 1424 ه

محمد سند

التوسل: عبادة توحيدية، ص: 25

شبهة و إثارة

اشارة

هناك إثارة من قبل بعض أتباع أحد المذاهب الإسلامية، حول مسألة التوسل بالأولياء، سواء كان التوسل بالنبي صلّي اللّه عليه و آله أو بأهل البيت عليهم السّلام، و هم الخمسة من أصحاب الكساء، من قبيل ما يقال في دعاء الفرج: يا محمد يا علي، يا علي يا محمد، اكفياني فانكما كافيان، و انصراني فانكما ناصران.

و أصحاب هذه الاثارة يعتبرون التوجه و التوسل بالاولياء أيا كانوا حتي و لو كان رسول الله صلّي اللّه عليه و آله شركا في العبادة، و يستدلون بعدة وجوه علي هذا المدعي لاثبات دعواهم.

أدلة القائلين بعدم جواز التوسل بغير الله تعالي … ص: 25

أولا: ان الدعاء عبارة عن النداء، و طلب الحاجة عبادة، و هي لا تجوز لغير الله تعالي كائنا من كان، نبيا كان أو وليّا أو ملكا، و الدعاء هو في حد ذاته عبادة، فيكون دعاء غير الله عز و جل عبادة لذلك

التوسل: عبادة توحيدية، ص: 26

الشخص المدعو.

و الدعاء كما ورد في الاحاديث هو مخ العبادة و روح العبادة، فالعبادات بمنزلة الجسد، و الدعاء بمثابة الروح و الجوهر، فكيف يسوغ توجيه الدعاء الي غيره تعالي، و كذلك الحال في الاستغاثة و التوسل بغيره تعالي و الاستنصار بأحد من المخلوقين و الاستعانة به نبيا كان أو وليا أو ملكا أو جنيا أو صنما أو غير ذلك من المخلوقات، و كذلك الحال في السؤال و الالتماس، و بالتالي اذا وجّه الانسان الدعاء و أراد به غير الله سبحانه و تعالي يكون ذلك نوع شرك في العبادة، و يعبر عنه بالشرك الصريح أو الشرك الاكبر. «1»

ثانيا: ان مقتضي قول (لا إله إلّا الله) هو التوحيد في العبادة، فاذا دعي غير الله عز و جل كان هذا نوع عبادة و تأليه لغير

الله عز و جل، و في توضيحه بلحاظ الفقرة الاولي و الثانية نقول:

اختلف المفسرون و المتكلمون في معني (لا إله إلّا الله) هل مؤداها توحيد الذات، أو توحيد الصفات و الاسماء، أو توحيد

التوسل: عبادة توحيدية، ص: 27

الافعال، أو توحيد العبادة، و هذا الاختلاف ناشي من معني الالوهية و من معني لفظة الله، حيث ان الله او اسم الجلالة هل هو اسم علم للذات؟ أو اسم مشتق من التأليه؟ فإن كان مشتقا من التأليه فهو باق علي المعني الوصفي، و يكون المعنيان متحدين أو متقاربين أما ان كان في الاصل علما للذات فيكون الله بالمعني الاول خلاف المعني الآخر.

التوسل: عبادة توحيدية، ص: 29

معني الإله في اللغة

إله و أصله من أله يأله، أذا تحير، يريد اذا وقع العبد في عظمة الله تعالي و جلاله و غير ذلك من صفات الربوبية، «1» أو وله يأله، و هو عبارة عن الوله و التوجه نحو الشي، و قال بعض: و له يأله بمعني عبد يعبد، و قال آخرون: و له يأله، أي اتخذه ربا و خالقا.

فمفاد (لا إله إلّا الله) توجيه و تركيز العبادة لله سبحانه و تعالي، فاذا توسل أو توجه لغير الله سبحانه و تعالي كان ذلك شرك عبادة.

ثالثا: الاستناد الي آيات عديدة وردت في القرآن الكريم تنص علي ان التوسل و القصد لا يكون إلّا لله عز و جل و بدون أي وسائط حسب مدعاهم منها:

1- (وَ لِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْني فَادْعُوهُ بِها وَ ذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ سَيُجْزَوْنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) «2» فقوله (فَادْعُوهُ بِها) أي أنه في مقام الدعاء و التوجه لا يدعو الانسان إلّا باسماء الله، (وَ ذَرُوا الَّذِينَ

التوسل: عبادة توحيدية، ص: 30

يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ) أي

ينحرفون عن أسمائه حيث يذكرون اسماء غيره، مثل يا محمد و يا علي و ما شابه ذلك.

2- (وَ أَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً). «1»

3- (وَ لا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُكَ وَ لا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِنَ الظَّالِمِينَ). «2»

4- (ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَ أَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْباطِلُ وَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ). «3»

5- (قُلْ إِنَّما أَدْعُوا رَبِّي وَ لا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً). «4»

6- (وَ مَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ). «5»

7- (إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غالِبَ لَكُمْ وَ إِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ). «6»

8- (وَ يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَضُرُّهُمْ وَ لا يَنْفَعُهُمْ وَ يَقُولُونَ هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللَّهِ). «7»

9- (وَ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَي

التوسل: عبادة توحيدية، ص: 31

اللَّهِ زُلْفي). «1»

فيعلم من هذه الآيات ان التوحيد في العبادة و الدعاء و الاستغاثة هو اصل الدين و أساس الملة، و صحة العبادة مشروطة بصحة العقيدة كما قال الله تعالي (وَ لَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَ إِلَي الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ)، و قال تعالي (وَ لَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ ما كانُوا يَعْمَلُونَ)، فجعل صحة العقيدة بالتوحيد شرطا في صحة و قبول العبادات.

رابعا: توجيه قوله تعالي (وَ ابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ) «2»، بأن المراد بالوسيلة في الآية الطاعات و القربات، و الاعمال الصالحة التي يتقرب بها العبد الي الباري تعالي.

خامسا: ما ورد في الحديث أن ابراهيم حين القي في النار أتاه جبرئيل فقال له: هل لك إليّ من حاجة؟ فقال إبراهيم: أما اليك فلا، و أما الي

رب العالمين فنعم. «3»

فيستفاد من الحديث ان ابراهيم عليه السّلام يعطينا درسا بأن عرض الحاجة لا يكون إلّا لله سبحانه و تعالي.

هذه مجموعة من الادلة التي استدلوا بها علي عدم جواز التوسل بغير الله، و قبل الجواب عنها نقدم و نبين مقولة علي عكس مدعاهم

التوسل: عبادة توحيدية، ص: 32

فنقول:

إن نفي هذه الوسائط و الوسائل في حال التوسل بالله عز و جل هو الشرك بذاته، و ان التوسل و التشفع بهذه الوسائط لقضاء الحوائج هو التوحيد بعينه.

و توضيح ذلك: هو أن هذه الوسائل و الوسائط اذا كانت مجعولة و منصوبة من قبل الله عز و جل فالتوسل و التوجه بها هو التوحيد التام، أما اذا لم تكن مجعولة من قبل الله فالتوسل بها يكون شركا.

التوسل: عبادة توحيدية، ص: 33

وجه ان من الوسائط ما هو مأمور بها من قبل الله عزّ و جل

و وجه هذه الدعوي بكلا شقيها ان نصب الوسائط و الابواب ان كان من قبل المخلوقين فهو يعد تصرفا في ارادة الرب، فمن ثم يكون شركا، و لذلك كان الانكار علي عبدة الاوثان من قبل الله عبر رسله، لانهم هم الذين جعلوا و اقترحوا لانفسهم وسائط من دون نصب الله عز و جل لتلك الوسائط و الوسائل، فالله تعالي في انكاره علي عبدة الاصنام و الاوثان لم ينكر عليهم أصل فكرة التوسيط، بل انكر الوسائط المقترحة و المجعولة من قبلهم و التي تجاوزا فيها ارادة الرب، و يدل علي هذا الامر- و هو عدم انكار اصل الوساطة بل انكار خصوص الوسائط المقترحة من دون الله عز و جل و ان محط الانكار هو اشراك سلطان العبيد مع سلطان الله تعالي- طوائف من الآيات المباركة:

الطائفة الأولي: ما كان بلسان استنكار الاسماء المقترحة من قبل العبيد و هوي انفسهم.

التوسل:

عبادة توحيدية، ص: 34

1- (أَ تُجادِلُونَنِي فِي أَسْماءٍ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَ آباؤُكُمْ ما نَزَّلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ). «1»

و قد تقرر في علم أصول الفقه ان النهي أو النفي اذا ورد علي طبيعة مقيدة فانما يقع علي القيد لا ذات المقيد، كقولك لا رجل طويل في الدار، فانه ينفي في المثال المذكور الصنف و القيد و هو الرجل الطويل، لا ذات الطبيعة المقيدة و هو عموم الرجل.

و في مجال البحث في الآية فانها لم تنف أصل الوسائط و الوسائل، و انما نفت الوسائط و الاسماء المقترحة من قبل انفسهم و آبائهم و التي ما انزل الله بها من سلطان، فمصب الانكار كونها من غير اذن و سلطان الهي، أي كونها مقترحة من قبلهم و إلّا فلو كان أصل الوساطة و التوسيط أمر مستنكر فلا معني لتقييده بقوله تعالي (ما أَنْزَلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ).

2- (إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَ آباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَ ما تَهْوَي). «2»

الطائفة الثانية: ما كان بلسان تحقق الاشراك بغير الله من الوسائط بسبب أنه ليس من قبل سلطان الله و ارادته و حكمه.

1- (سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِما أَشْرَكُوا بِاللَّهِ ما لَمْ

التوسل: عبادة توحيدية، ص: 35

يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَ مَأْواهُمُ النَّارُ وَ بِئْسَ مَثْوَي الظَّالِمِينَ). «1»

2- (وَ كَيْفَ أَخافُ ما أَشْرَكْتُمْ وَ لا تَخافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً). «2»

3- (وَ أَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً). «3»

الطائفة الثالثة: ان التوسل بالوسائط و الشفعاء بغير سلطان الله و اذنه يوجب عبادة من هو دونه.

1- (وَ يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ

سُلْطاناً وَ ما لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ). «4»

2- (ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْماءً سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَ آباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ). «5»

الطائفة الرابعة: ان أخذ التشريع من غيره تعالي شرك في التشريع و الديانة ان كان من دون اذنه.

التوسل: عبادة توحيدية، ص: 36

1- (أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ ما لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ). «1»

2- (قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَي اللَّهِ تَفْتَرُونَ). «2»

فمصب الانكار علي الوثنية و المشركين ليس فكرة الوساطة و التوسيط بل هي تصرفهم من قبل انفسهم بوضع وسائط و اقتراحها بما لم ينزل اللّه بها من سلطان و لم يأذن بها، فشركهم بمنازعة سلطانهم لسلطان الله تعالي، و هذه الطوائف من الآيات مفسرة لكل آيات الانكار علي المشركين و الوثنيين عبدة الاصنام و غيرهم، و أين هذا المعني من المعني الذي يتوخاه أصحاب الاثارة و المقالة المذكورة من انكار أصل التوسيط و الوساطة.

أما بالنسبة الي الكلام حول الطوائف الاربع: فنري في لسان الطائفة الاولي ان مصب التخطئة للوثنيين انما هو لكون الاسماء التي يدعون بها هي أسماء من وضع أنفسهم و اقتراح منهم علي الله ما نزل الله بها من سلطان و لا اذن لهم فيها.

فمدار التخطئة علي تحكيم سلطانهم و ارادتهم علي سلطان الله و ارادته لا علي توسيط الاسماء بينهم و بين الباري عز و جل.

و أما مفاد الطائفة الثانية فإن سبب الوقوع في الاشراك ليس في توسلهم بالوسائط بل في كون تلك الوسائط لم ينصبها الله عز و جل لهم.

التوسل: عبادة توحيدية، ص: 37

فالاشراك انما تحقق لتشريكهم ارادتهم مع ارادة الباري عز و جل، حيث لم يجعلوا ارادتهم منقادة لارادة

الله عز و جل.

و بالتالي فلا يكون خضوعهم لتلك الوسائط خضوعا لله عز و جل بل خضوعا لهوي انفسهم.

و مفاد الطائفة الثالثة ان الموجب لتحقق عبادة من هو دون الله عز و جل هو ان الخضوع لمن هو دون الله عز و جل من دون امر الله و من دون العلم بكرامته عند الله و وجاهته عنده لا يكون طاعة و لا خضوعا لله تعالي.

و بالتالي لا يكون عبادة لله تعالي بل عبادة للاغيار، و ذلك لان الخضوع للغير اذا كان بأمر الله عز و جل يكون في الحقيقة خضوعا لله و طاعة له، و الغير ما هو إلّا وسيلة لتحقق الطاعة و العبادة، بخلاف ما اذا لم يكن في البين أمر منه تعالي.

و مفاد الطائفة الرابعة في صدد بيان الشرك في التشريع و انه ايضا هو الآخر انما يتحقق بسبب عدم اذنه تعالي لاستقاء التشريع من تلك الوسائط.

فالمتحصل ان هذه الطوائف الاربع مفسرة لكل الآيات المبطلة لعقيدة الثنوية و الاصنام، و ان جهة الزيغ و الانحراف فيها ليست من جهة أصل فكرة الوسائط و الوسائل و الاحتياج اليها بل من جهة كونها بارادة العبيد و تحكيمها علي ارادة الرب و سلطانه.

التوسل: عبادة توحيدية، ص: 39

مفهوم العبادة

ذكر للعبادة في اللغة عدة معان منها:

1- مملوكية المنفعة، كقوله تعالي (عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلي شَيْ ءٍ)، «1» و قوله تعالي (وَ لَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَ لَوْ أَعْجَبَكُمْ). «2»

2- سيادة الطاعة، و ان لم تكن اصالة للمطاع، كقوله تعالي (أَ لَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ). «3»

3- الطاعة و الخضوع لمعبود علي وجه التقديس، علي وجه انه غني بالذات

و مصدر كل النعم و الكمالات، و المستحق بالذات و بالاصالة لذلك، و هو المعني الاهم من بين تلك المعاني.

فيكون الكلام في حقيقة العبادة حينئذ عينه الكلام المتقدم حيث ان الوسائط اذا كانت من جعل الباري تكون العبادة للباري باعتبار

التوسل: عبادة توحيدية، ص: 40

أمره، و ذلك من قبيل سجود الملائكة لآدم عليه السّلام، حيث كانت العبادة هنا المتحققة بالسجود لآدم عليه السّلام هي في الحقيقة احترام و تعظيم لآدم عليه السّلام و لكنها عبادة لله عز و جل باعتبار الامتثال لامره تعالي.

التوسل: عبادة توحيدية، ص: 41

قصة آدم عليه السّلام مع إبليس

و قد شرح هذه القصة أمير المؤمنين عليه السّلام في نهج البلاغة في الخطبة القاصعة، و في القصة مجموعة من المحاور الهامة إلّا أننا سوف نستعرض منها مسألة سجود الملائكة لآدم عليه السّلام.

و في البداية نقول: ان القصة قد ذكرت في عدة سور قرآنية منها:

1- (إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ* فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَ نَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ). «1»

2- (وَ إِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبي وَ اسْتَكْبَرَ وَ كانَ مِنَ الْكافِرِينَ). «2»

فعلي ضوء كلام اصحاب الاثارة يكون امتناع ابليس من السجود لآدم عليه السّلام عين التوحيد، و سجود الملائكة لآدم عليه السّلام عين الكفر و الشرك.

مع ان الامر علي خلاف ذلك حيث اصبح الملائكة في غاية من

التوسل: عبادة توحيدية، ص: 42

القرب من الله عز و جل لامتثالهم لامر الله من خلال سجودهم لآدم عليه السّلام، سواء فسر السجود بمعني جعل آدم قبلة أو بمعني الاحترام و التعظيم و الانقياد لآدم عليه السّلام، و اصبح ابليس في غاية البعد من الله عز و جل و استحق الطرد من رحمة الله

لاستكباره علي طاعة الامر الالهي، لانه اراد ان يحكم ارادته علي ارادة الخالق عز و جل.

ففي الحديث القدسي: قال ابليس لله عز و جل: اعفني من السجود لآدم و اعبدك عبادة لم يعبدك بها احد قبلي و لا يعبدك بها احد بعدي، فقال الله له: لا حاجة لي في عبادتك، فاني اريد ان اعبد من حيث اريد لا من حيث تريد.

فإذا حقيقة العبادة الامتثال للامر الالهي و الطواعية و الاذعان، و ليس المدار في العبادة هو الشكلية في هيئة و طقوس العبادة، بل المدار في العبادة و صحتها و التوحيد فيها هو كمال الاستسلام لارادة الباري عز و جل و امتثال امره كما قرر ذلك علماء الكلام و أصول الفقه.

و ههنا يطرح تساؤل و هو ما الفرق في التوجه لاحجار الكعبة و التوجه للاصنام؟

و يتضح الفرق في هذا الامر و ليس في وجود الواسطة و عدمها، إذ في كلا الموردين الوساطة متحققة، بل في وجود الامر الالهي و عدمه، حيث يكون التوجه الي احجار الكعبة عبادة بلحاظ الامر

التوسل: عبادة توحيدية، ص: 43

الالهي، و التوجه الي احجار الاصنام شرك و عصيان بلحاظ النهي الالهي.

و هنا يطرح سؤال ايضا و هو قد قلتم ان المدار في العبادة ليس علي وجود الوساطة بل المدار علي وجود الامر و عدمه، فهل يعقل ان يأمر الله عز و جل بأن يعبد غيره؟

و كأن المستشكل يريد ان يجعل الضابطة ليس علي الامر بل علي اسناد الفعل و اضافته و الموجه اليه، و اذا كان كذلك فكيف يأمر بعبادة غيره، و هو ممتنع.

و الجواب: ان المدار في العبادة علي الامر لا غير كما اسلفنا سابقا، و ان الذي يحقق اضافة العبادة الي

الله عز و جل او الي غيره هو نفس الامر.

و توضيحه: ان المدار في العبادة ليس علي ايجاد الهيئة و الشكل غير ملابسة و غير متصلة بشي و غير متعلقة و غير متجهة بشي ء، بل جوهر العبادة الخضوع و الاستسلام، فنلاحظ مثلا ان الله يأمر بطاعته و الخضوع له لكن باب التوجه له مثلا الكعبة، أو ايجاد السجود الي آدم (عليه السلام).

التوسل: عبادة توحيدية، ص: 45

نفي الوسائط يؤول الي التجسيم

و هنا مسألة يجدر الاشارة اليها و هي ان القول بنفي الوسائط يؤول الي القول بالتجسيم حيث ان الباري ليس بجسم، فلا يقابل و لا يحاذي و لا يجابه و لا يجسّم بل لا بد من وسائط اخري، و هذا منتف، أو القول بأن الكل أنبياء سواء في النشأة السابقة أو النشآت اللاحقة، و هذا منتف ايضا، و الخيار الثالث هو تعطيل الباري عن تدبير شؤون خلقه، و هذا منتف ايضا، فلا يبقي إلّا القول بالوسائط، و هو وجود الخليفة في الارض انطلاقا من قوله (اني جاعل في الارض خليفة)، و الخليفة أعم من النبي و الرسول، و وظيفة الخليفة الوساطة في تدبير شؤون العباد، و حيث لا تعطيل كما ذكر و لا تشبيه فلا يبقي إلّا القول بالتنبأ- نبوة كل فرد- و هو باطل، أو الصيرورة الي القول بالوسائط، و هو المطلوب، حيث انتفت جميع تلك الوجوه.

و هنا نقطة مهمة لا بد من الاشارة اليها و هي المضمنة في الدعاء المأثور و هو (اللهم عرفني نفسك فانك ان لم تعرفني نفسك لم اعرف رسولك، اللهم عرفني رسولك فانك ان لم تعرفني رسولك لم اعرف حجتك،

التوسل: عبادة توحيدية، ص: 46

اللهم عرفني حجتك فانك ان لم تعرفني حجتك ضللت عن

ديني).

و مضمون هذا الدعاء ان منظومة المعارف تصح و تكون صائبة بصحة و حقانية معرفة الانسان بربه، و ان الخلل الناشي في معرفة الرسول منبعه الخلل في معرفة الله عز و جل، كما ان الخلل في معرفة الامام أو الحجة منشأه الخلل في معرفة الرسول، و الجهل بمعرفة الرسول بالتالي ناشي عن الخلل في معرفة الله عز و جل.

و يؤيد هذا مجموعة من الآيات منها:

1- (وَ ما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قالُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ عَلي بَشَرٍ مِنْ شَيْ ءٍ). «1» ان هذا الانكار بالرسل ناشي من جهلهم بقدر الباري و عظيم حكمته و تدبيره، و هو ناشي من خلل المعرفة لديهم في افعال الباري.

2- (وَ ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ). «2»

أي عليّ عن التجسيم، و حكيم في فعله أي لا تعطيل لقدرته سبحانه، فعلي ضوء نفي التجسيم يكون وجه الله ليس الوجه الجسماني، بل هو الآية المخلوقة التي تكون من اكبر الآيات التي اذا توجه الانسان اليها أو بها صار متوجها الي الله عز و جل.

فاذا الوسيلة و الوساطة امر برهاني ضروري في كل النشآت، فالقول بعدم الوساطة يلزم منه اما القول بالتجسيم او القول بالتنبأ او

التوسل: عبادة توحيدية، ص: 47

القول بالتعطيل، بخلاف القائل بالوسائط المنصوبة من قبله تعالي، فلا يلزمه أي محذور من هذه المحاذير.

و هذا النظر و الاعتقاد الحق مما امتاز به مذهب اهل البيت عليهم السّلام.

و النقطة الاخري التي ينبغي ان نشير اليها ان التوسل و الشفاعة و التوسط و الوسيلة تحمل عدم المحورية الذاتية للشفيع و الوسيط، أي ليس للوسيط و الشفيع و

الوسيلة الاستقلالية عن الله عز و جل.

فلذلك نري ان الوسائط التي اتخذت من دون الله عز و جل أخفقت في وساطتها و وجاهتها لانها استقلت عن سلطان الله و ارادته و اذنه.

و الغريب من اصحاب هذه المقالة القول بأن الشفاعة و التشفع بالنبي صلّي اللّه عليه و آله في الآخرة ليس بشرك، و كذلك التشفع بالنبي صلّي اللّه عليه و آله حال حياته ليس بشرك، أما التشفع به صلّي اللّه عليه و آله حال موته فهو الشرك.

فيرد عليهم السؤال التالي: ان منطقة الشرك من أين نتجت في هذا الكلام، هل من حد المعني أو من الحد التعبدي، أو من خلال المعني العقلي؟

فاذا كان المعني عقليا فالغيرية اذا أوجبت الشرك فانها توجبه في كل نشأة سواء نشأة الدنيا او الآخرة، و اذا لم توجب الغيرية الشرك لجهة الوساطة، فما الفرق بين انواع التشفع في الدنيا و الآخرة أو حال الموت أو الحياة؟!

التوسل: عبادة توحيدية، ص: 49

الرد علي أدلة المانعين من التوسل

بعد هذه النقاط التي جعلناها كمقدمة للجواب نجيب علي أدلتهم التي جعلوها مانعة من الشفاعة و الوسيلة، فنقول:

الرد علي الدليل الأول: انه ينقض علي هذا الدليل بطلب الانسان الحي الحاجة من الحي، مثل طلب العلاج من الطبيب، و البناء من البنّاء، و من الزراع اصلاح الزراعة، و غير ذلك.

و قد أتفق المسلمون علي ان هذا الطلب في تعاملات البشر لا يوجب كفرا و لا شركا.

و قد أجابوا علي هذا النقض بأمرين:

الأول: بأن سؤال الحي الحاضر بما يقدر عليه و الاستعانة به في الامور الحسية التي يقدر عليها ليس ذلك من الشرك بل من الامور الاعتيادية الحياتية.

الثاني: ان الامور العادية و الاسباب الحسية التي يقدر عليها

التوسل: عبادة توحيدية، ص: 50

المخلوق الحي

الحاضر ليست من العبادة بل تجوز بالنص و الاجماع، بأن يستعين الانسان بالانسان الحي القادر في الامور العادية التي يقدر عليها، كأن يستعين به أو يستغيث به في دفع شر كولده أو خادمه أو كلبه و ما اشبه ذلك، و كأن يستعين الانسان بالانسان الحي الحاضر القادر أو الغائب بواسطة الاسباب الحسية، كالمكاتبة و نحوها في بناء بيته أو اصلاح سيارته، و ما أشبه ذلك، و من ذلك الاستغاثة التي جرت لاحد بني اسرائيل عندما استغاث بموسي عليه السّلام في قوله تعالي (فَاسْتَغاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَي الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ). «1» و استغاثة الانسان باصحابه في الجهاد او الحرب و نحو ذلك.

و أما الاستغاثة بالاموات و الجن و الملائكة و الاشجار و الاحجار فذلك من الشرك الاكبر، و هو من جنس عمل المشركين الاولين مع آلهتهم كاللات و العزي.

دفع الرأيين: أما الكلام في الامر الاول: فالوهن فيه واضح، حيث ان الغيرية مع الله عز و جل لا تفترق مع الفرد الحي أو الميت، و ليس هناك موجب للفرق.

التوسل: عبادة توحيدية، ص: 51

و أما التعلق بالقادر او القدرة، فإن كانت نابعة من الحي بلحاظ الاستقلال بنفسه فهو الشرك الصريح، و اما ان كانت القدرة من الله و مضافة الي المخلوق من قبل الخالق، فأي فرق بين الحي و الميت، و أما تقييد الاستعانة بالامور الحسية فانه ناشي عن أصالة الحس و المادة و التنكر للعوالم المخلوقة التي ما وراء الحس و المادة، و يلزم منه الصيرورة الي كلام الماديين.

و أما الكلام في الامر الثاني: و قد استدل القائل هنا بالدليل النقلي سواء في الجواز أو النفي، و هو غير تام، و بيانه ما يلي:

أولا: ان بحث

الشرك بحث عقلي، و لو بنينا علي أنه نقلي فلا شك ان لادراك العقل فيه مجال، و النصوص الواردة ليست إلّا منبهة للعقل، و اذا كان عقليا فهو في حكم العقل سيان في الحي و الميت.

ثانيا: الاستدلال بأن الطلب من الاموات من جنس عمل اصحاب الاوثان، و قد مر ان الانكار القرآني علي اصحاب الاصنام لم يتوجه الي انكار اصل الواسطة بل النكير علي التصرف و الجعل الانساني، و الصيرورة الي سلطان الانسان دون تحكيم سلطان الله عز و جل.

ثالثا: انه اذا جازت الاستغاثة بالحي لقيام النص و الاجماع، أي الاذن الشرعي، فلا فرق إذا في الاستغاثة بين الحي و الميت مادام المجوز لذلك هو الاذن، و من ذلك يتضح ان المدار ليس علي

التوسل: عبادة توحيدية، ص: 52

الغيرية مع الله عز و جل كما فرضه القائل بل علي الاذن و عدمه، فاذا وجد الاذن فلا يفرق حينئذ بين الحي أو الميت.

الرد علي الدليل الثاني: و هو التمسك بالآيات القرآنية.

و منه قوله تعالي: (وَ لِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْني فَادْعُوهُ بِها وَ ذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ). «1»

ان الاسم عبارة عن السمة و العلامة و الآية، و جملة كثيرة من الاسماء الالهية هي اسماء فعلية مشتقة من أفعاله تعالي، فهي مخلوقة، و هي نفس الآيات و المخلوقات من جهة افتقارها و بما هي مفتقرة للباري، لا بما هي منفصلة عن الله عز و جل، و لا شك ان افضل المخلوقات و اكرمهم علي الله عز و جل محمد صلّي اللّه عليه و آله و آل محمد عليهم السّلام، فرفض الاسماء، و هي الآيات و الوسائط، و عدم التوجه بها يؤدي الي الالحاد به عز و جل بصريح الآية

(وَ ذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ).

و هناك أمر ثاني في الجواب: و هو ان الاسم استعمل بمعني الآية و الكلمة و السمة، و قد اشير الي ذلك في عدة آيات قرآنية منها:

1- (وَ جَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَ أُمَّهُ). «2»

التوسل: عبادة توحيدية، ص: 53

2- (وَ جَعَلْناها وَ ابْنَها آيَةً لِلْعالَمِينَ). «1»

3- (إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَي ابْنُ مَرْيَمَ). «2»

4- (إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَي ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَ كَلِمَتُهُ). «3»

فأطلق علي عيسي عليه السّلام كلمة من الله.

5- (أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيي مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ). «4»

6- (فَتَلَقَّي آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ). «5»

7- (وَ إِذِ ابْتَلي إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ). «6»

8- (وَ عَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ). «7»

9- (وَ تَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَ عَدْلًا لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ). «8»

فكل هذه الاسماء و العلامات و الكلمات يتوجه بها الي الله عز و جل حيث جعلت واسطة في نيل المطلوب و المراد من قبل الله عز و جل.

التوسل: عبادة توحيدية، ص: 54

و الامر الثالث في الجواب: ما اشار اليه قوله تعالي (إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَ اسْتَكْبَرُوا عَنْها لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ وَ لا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّي يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ). «1»

فبين الله تعالي ان دعائهم لا يستجاب و ذلك بعدم تفتح أبواب السماء لهم من خلال التكذيب بآيات الله المنصوبة من قبله، و الاستكبار عن التوجه بها الي الله، حيث عبرت الآية بالاستكبار عنها لا بالاستكبار عليها، و هذه الآية في نفس سورة آية دعاء الله تعالي بأسمائه، و هذا التعبير في الآية بعينه ورد في حق ابليس في الآيات الواردة فيه، حيث أبي و استكبر عن التوجه بآدم عليه السّلام في السجود، و كذب

بحجية آدم عليه السّلام و فضيلته في الخلافة الالهية، فلم يقبل الله أعماله، و لم يزن لها صرفا، و طرد من جوار الله و قربه.

و كذلك ما ورد في قوله تعالي: (وَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَ اسْتَكْبَرُوا عَنْها أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ). «2»

و قوله تعاليَ مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِما كانُوا بِآياتِنا يَظْلِمُونَ* وَ لَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَ جَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ قَلِيلًا ما تَشْكُرُونَ* وَ لَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ* قالَ ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ

التوسل: عبادة توحيدية، ص: 55

وَ خَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ* قالَ فَاهْبِطْ مِنْها فَما يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيها فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ). «1»

فالسياق الواحد مدلل علي ان ما فعله ابليس كان انكارا و ظلما لآية من آيات الله عز و جل، و هناك آية اخري تدل علي ان تكذيب الآيات هو تكذيب لله عز و جل و هو قوله تعالي (فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَ لكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ) «2» حيث ان الآية هنا هم الانبياء و الاوصياء و الوسائط.

الرد علي الدليل الثالث: و هو التمسك بقوله تعالي (وَ ابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ)، و الكلام في مفاد الوسيلة في الآية و تحديده، فقد اتفقت روايات الفريقين ان مقام الوسيلة هو مقام للرسول (صلّي اللّه عليه و آله)، و هو المقام المحمود و الشفاعة الكبري، فابتغاء الوسيلة الي الله هنا يكون بالتوجه بمقام رسول الله (صلّي اللّه عليه و آله)، و الظريف في تعبير الآية أنه ليس بالصورة التالية (و ابتغوني) أو (ابتغوه) بل الابتغاء اسند الي الوسيلة لكن كطريق

و عبور و واسطة اليه تعالي، و بالتالي اذا جازت ان تكون للرسول (صلّي اللّه عليه و آله) شفاعة جاز التشفع به، لان طلب المشروع مشروع، و لا يمكن التفكيك بين المسألتين بأن يكون شافعا و لا يجوز التشفع به.

التوسل: عبادة توحيدية، ص: 56

و قد يشكل علي هذا: ان الشفاعة المذكورة لرسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله خاصة بيوم القيامة أو حال كونه حيا في الحياة الدنيا، و ان متعلق الشفاعة غفران الذنوب لا غيره من حاجات معاشية كطلب الرزق و الشفاء و ما شابه ذلك، و غير هذه الامور يعد شركا.

و نجيب علي هذا بما يلي:

أما الدعوي الاولي: فان التوسل و التوسط اذا كان شركا فلا فرق في الحياة و الممات، و علي القول بأن الادلة نقليه فهي مطلقة غير مخصصة بالدار الدنيا.

و أما الدعوي الثانية: فلا وجه لها حيث افترض ان متعلق الشفاعة في الامور الخطيرة الاخروية، و هي غفران الذنوب و النجاة من النار و الدخول للجنة، و هي حاصلة فيها، أما في الامور الدنيوية البسيطة غير حاصلة، مع ان متاع الحياة الدنيا بجنب الآخرة قليل، و لعمرك ان اصحاب الاثارة غلب عليهم المذهب الحسي المادي، و عظمت المادة في اعينهم علي الآخرة و الامور الاخروية، و هو تفريق بلا فارق، مع ان الشفاعة ليست مختصة بغفران الذنوب بل هي واسعة، تشمل ترفيع الدرجات و المقامات.

الرد علي الدليل الرابع: و هو ما يتعلق بقضية ابراهيم عليه السّلام حينما اريد ان يلقي في النار، و عرض جبرئيل عليه السّلام المساعدة، فنقول:

التوسل: عبادة توحيدية، ص: 57

ان مبدأ المسائلة من جبرئيل عليه السّلام لابراهيم عليه السّلام ما هو إلّا في مقام الامتحان لايمان و ثبات و رباطة الجأش

عند ابراهيم عليه السّلام، و مما يعزز هذا قول ابراهيم لجبرئيل علمه بحالي يغني عن سؤالي مع ان الدعاء مرغوب فيه علي كل حال، و قد توعد الله عز و جل المستكبر عن دعائه، فهل يتوهم ان ابراهيم عليه السّلام خارج عن الادب الالهي، و العياذ بالله تعالي من هذا الوهم، فإذا قوله هذا انما كان لارادة اظهار الثبات و الحزم و عدم الهلع بل الطمأنينة التامة و الكاملة.

و يمكن ان يقال بان ابراهيم عليه السّلام لم يطلب حاجة من جبرئيل لانه افضل منه و لا يمكن التوسل بمن هو ادني مرتبة بالنسبة للمتوسل.

التوسل: عبادة توحيدية، ص: 59

ملامح من التوسل في الشعائر العبادية

هناك مجموعة من الشعائر العبادية التي شرعها الشارع المقدس و في مجموعها حالة من التوسل و التوجه بها الي الله عز و جل و في صميم المركز التوحيدي و هو بيت الله الحرام حيث يقول تعالي: (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَ هُديً لِلْعالَمِينَ* فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً). «1» ففي الآية مزج بين مسألتين الاولي ان البيت الحرام هو اول بيت وضع للعبادة و للحج، و المسألة الثانية ما يحويه هذا البيت من آيات بينات مثل مقام ابراهيم، و الامان بالنسبة الي داخليه و للحجاج و المعتمرين، فان الحج في اللغة هو القصد، و في الشرع هو القصد الي بيت اللّه الحرام، قصدا الي الوفود علي اللّه تعالي، فالحج الذي هو ضيافة رحمانية للوافدين و قصد الي الله تعالي جعل مقرونا بآيات الانبياء و الاصفياء، ليكون دليلا و شاهدا علي ان التوجه و السير الي اللّه

التوسل: عبادة توحيدية، ص: 60

تعالي يتم بالتوجه بانبيائه و اصفيائه، و التوسل بهم

الي الله عز و جل، و ما شابه ذلك، و نحاول ان نتكلم هنا عن هذه الآيات البينات و هي كثيرة:

الاولي: مقام ابراهيم عليه السّلام: قال تعالي (وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّي). «1»

فالتعبير (بمقام) في قوله تعالي (وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّي) عبارة عن التفخيم و التعظيم لذلك المكان، و ذلك لمماسته لجسد ابراهيم عليه السّلام، و من ملامح تعظيمه ان الحاج و المعتمر لابد ان يتوجه اليه في حال صلاة الطواف ثم الي سمت الكعبة، فاذا كانت الحال هذه فكيف لا يتوجه بنفس ابراهيم عليه السّلام و بشخصه علما بأن حجر المقام ما نال التشريف إلا بابراهيم عليه السّلام، و قد عبر عن المقام و قد جعل آية، فكيف نمنع ان يكون ابراهيم آية، فما هذا إلّا عناد و مكابرة و صد عن آيات الله عز و جل.

الثانية: حجر اسماعيل، و قد ورد في الروايات ان فيه قبر اسماعيل و أمه و سبعون نبيا، و الملاحظ ان جميع المسلمين يطوفون بالبيت الحرام و يطوفون بهذه القبور، و قد أمر ابراهيم و اسماعيل بتطهير البيت بنص القرآن، مع ان اسماعيل هو الذي جعل قبر أمه في الحجر، فاذا كان الحال ذلك في مركز بيت التوحيد، و هو بيت الله

التوسل: عبادة توحيدية، ص: 61

الحرام، أول بيت وضع للناس، فكيف يقال ان الطواف بالقبور عبادة لتلك القبور، و مع كل ذلك يصف الباري عز و جل ان هذه من الآيات البينات و انها هدي للعالمين.

و لسنة أهل الجماعة عدة روايات دالة علي ان قبر اسماعيل في الحجر منها:

1- الدر المنثور للسيوطي 3/ 103 و قد اخرجه عن ابن عساكر بسنده عن ابن عباس.

2- الدر المنثور

للسيوطي 1/ 126 اخرج عن ابن سعد في الطبقات و غيره انه لما توفي اسماعيل دفن في الحجر مع أمه.

الثالثة: المستجار أو الملتزم، و فيه آية بينة مرتبطة بأصفياء الله تعالي و منتجبيه حيث انشق جدار الكعبة لفاطمة بنت اسد عندما ارادت الولادة بالامام علي عليه السّلام في قضية مشهورة معلومة، و هذه آية بينة ظاهرة في ولادة الامام علي عليه السّلام، و استلام المستجار و الملتزم من الكعبة من الشعائر المستحبة بين عامة المسلمين.

الرابعة: السعي بين الصفا و المروة، و فيه آية مرتبطة بأولياء الله تعالي، و قد روي في قوله تعالي (إِنَّ الصَّفا وَ الْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما) «1» و في سبب تسمية الصفا و المروة أن آدم لما نزل علي الصفا سمي الصفا،

التوسل: عبادة توحيدية، ص: 62

لان آدم كان صفي اللّه، و لما نزلت حواء علي المروة سميت مروة، و هي مشتقة من المرأة.

و في تشريع السعي يذكر انه كان تأسيا بالسعي الذي قامت به هاجر بين الصفا و المروة من اجل تحصيل الماء لابنها اسماعيل.

الخامسة: بئر زمزم، حيث سن الشرب من زمزم بعد الطواف، و قصة نبوع ماء زمزم مشهورة حيث نبع الماء بفعل تحرك و فحص اسماعيل برجله في حال كونه رضيعا.

الي غير ذلك من الآيات الاخري كالوقوف بعرفة و المزدلفة ورمي الجمرات و الذبح و سبب تشريعها و تسميتها، فنلاحظ ان جميع تلك الاعمال و الشعائر التي يأتي بها الانسان في بيت التوحيد و في حرم التوحيد ما هي إلّا اعمال قد ارتبطت بالانبياء و الاصفياء، و نحن عند ما نأتي بها مرتبطة بهم مع كون تلك الاعمال

هي نحو من التوجه بهم الي اللّه تعالي، و بذلك نحن نسير علي وفق خطاهم و نهجهم في تلك الاعمال و الافعال تطابق النعل للنعل، و هذا مما يدلل علي ان الوفود اليه سبحانه و تعالي لا يكون إلّا بالتوجه و التوسل باولئك الانبياء و الاولياء في الافعال و الاعمال.

التوسل: عبادة توحيدية، ص: 63

موارد أخري في التوسل

و هناك موارد اخري دالة علي التوسل و التشفع و هي كثيرة منها:

الاول: القسم بشخص النبي صلّي اللّه عليه و آله، مع ان القسم بالشي نحو توسيط له و توسل به، و جعله منشأ للتوثيق، و قد ورد القسم بشخصه في عدة آيات قرآنية منها:

1- (لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ). «1»

و لم يرد القسم في القرآن بعمر أحد غير خاتم الرسل صلّي اللّه عليه و آله.

2- (لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ* وَ أَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ). «2»

و الآية علي كلا تفسيري (لا) زائدة أو نافية فهي دالة علي تعظيم مقام النبي صلّي اللّه عليه و آله.

3- (ص وَ الْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ) «3» و قد فسر صاد هنا بانه اسم من اسماء النبي صلّي اللّه عليه و آله.

التوسل: عبادة توحيدية، ص: 64

4- (ق وَ الْقُرْآنِ الْمَجِيدِ). «1»

5- (يس* وَ الْقُرْآنِ الْحَكِيمِ). «2»

6- (الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ وَ قُرْآنٍ مُبِينٍ). «3»

7- (طس تِلْكَ آياتُ الْقُرْآنِ وَ كِتابٍ مُبِينٍ). «4»

و قد روي عن الامام السجاد عليه السّلام ان كل اسم جاء بعده قسم بالقرآن أو الكتاب فهو اسم من اسماء النبي صلّي اللّه عليه و آله.

و من المعلوم ان القسم ينبأ عن تعظيم المقسوم به، و هذا مما يدلل هنا علي عظمة النبي صلّي اللّه عليه و آله و وجاهته عند الله تعالي، و بالتالي

حظوته و قبول شفاعته، و التشفع به و التوجه به الي الله تعالي.

الثاني: أمر الله بالتوسل بالنبي صلّي اللّه عليه و آله، و قد ورد في عدة آيات قرانية منها:

1- (وَ لَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَ اسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً). «5»

فأسند المجي الي النبي صلّي اللّه عليه و آله لا اليه تعالي، و جعل المجي الي النبي صلّي اللّه عليه و آله مجي اليه تعالي، ثم جعل شفاعة النبي صلّي اللّه عليه و آله بالاستغفار لهم شرط في قبول الباري توبتهم.

التوسل: عبادة توحيدية، ص: 65

2- (فَاعْفُ عَنْهُمْ وَ اسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَ شاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ). «1»

3- (وَ إِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ وَ رَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَ هُمْ مُسْتَكْبِرُونَ). «2»

و هذه الآية مشابهة لآية استكبار ابليس عن التوجه بآدم الي اللّه تعالي في السجود حيث أبي و استكبر و كان من الكافرين، فالذين يستكبرون عن التوسل برسول اللّه و شفاعته لغفران الذنوب و للفلاح و الصلاح و يلوون رؤوسهم، و يصدون عن توسيط الرسول صلّي اللّه عليه و آله لن يغفر اللّه لهم و لا يهديهم لفسقهم بذلك، كما ورد التعبير عن عمل ابليس في اباءه عن التوجه بآدم عليه السّلام بأن فسق عن أمر ربه.

4- (وَ اسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ). «3»

فالآيات القرانية كلها تشير الي التوسل بالنبي من خلال أمر اللّه عز و جل نبيه بالاستغفار للمؤمنين تارة، و دعوتهم للمجي الي النبي لطلب الاستغفار تارة اخري، و قد عدّ المتخلف عن المجي الي الرسول صلّي اللّه عليه و آله صادا و مستكبرا عن عبادة اللّه سبحانه و تعالي.

5- (قالَ سَلامٌ

عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا). «4»

فالآية المباركة ابانت مقام ابراهيم و حفاوته عند اللّه عز و جل

التوسل: عبادة توحيدية، ص: 66

بحيث يكون شفيعا عبر الاستغفار للغير، مع ان الملة الحنيفية التوحيدية هي ملة ابراهيم.

6- قول موسي عليه السّلام: (قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَ لِأَخِي وَ أَدْخِلْنا فِي رَحْمَتِكَ وَ أَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ). «1»

7- قول أبناء يعقوب:

(يا أَبانَا اسْتَغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا إِنَّا كُنَّا خاطِئِينَ). «2»

8- (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَ مَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَ يَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا). «3»

و هذه الآية تبين وساطة حملة العرش في غفران الذنوب، و قد روي الفريقان ان حملة العرش في يوم القيامة هم أربعة من الانبياء اولي العزم، و اربعة من هذه الامة النبي صلّي اللّه عليه و آله و اهل بيته، و لا بد من الالفات الي امر هام بالغ الخطورة، و هو ان الغفران و التوبة يعني القرب الي اللّه تعالي و الرجوع اليه، فاذا كان طريق الرجوع اليه و هو التوبة من الاوبة هو بالتوجه بمن هو وجيه عند اللّه، فمحصل معني الآيات هو يا وجيها عند اللّه اشفع لنا عند الله، و انه بالتوجه بالنبي صلّي اللّه عليه و آله و أهل بيته عليهم السّلام اليه تعالي يحصل القرب و الزلفي.

فنلاحظ في هذه الآيات ان موسي عليه السّلام يطلب المغفرة لأخيه

التوسل: عبادة توحيدية، ص: 67

هارون عليه السّلام، و ان ابناء يعقوب يتوجهون الي أبيهم ليستغفر لهم ما فرطوا في حق أخيهم يوسف عليه السّلام، و ان حملة العرش و من حوله يستغفرون للذين آمنوا، و ما ذلك إلّا لوجاهة هؤلاء و قربهم من الله عز و جل حتي اصبحوا وجها

يتوجه به الي الله سبحانه و تعالي.

الثالث: التوسل بغير الانبياء و الاولياء، و قد وردت موارد عديدة في القرآن الكريم منها:

1- (اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هذا فَأَلْقُوهُ عَلي وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً). «1»

و في الآية اشارة الي جواز التوسل و مشروعيته حتي بما يتعلق بالانبياء، فنلاحظ في الآية ان الشفاء الذي حصل ليعقوب من خلال توسط قميص يوسف، مما يدلل علي ان وجاهة الرسل و الاولياء عند الله عز و جل توجب التوجه بهم الي الله تعالي، و انهم محل للشفاعة بل لما هو ادني من ذلك و هو الشفاء و ما شابهه.

لا يقال: ان هذه قضية خاصة قد جرت ليوسف و يعقوب و لا يجوز تعديتها الي غيرها.

لأنا نقول: ان الاشارة في الآية كانت الي طبيعي التشفع و التوسل و الاستشفاء، و المورد لا يخصص الوارد، مع ان في ذيل سورة يوسف (لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ ما كانَ حَدِيثاً يُفْتَري)، فدلل ان ما في قصصهم عبرة ليستن بها و يؤخذ بها،

التوسل: عبادة توحيدية، ص: 68

و كذلك في صدر السورة (فِي يُوسُفَ وَ إِخْوَتِهِ آياتٌ لِلسَّائِلِينَ).

2- (فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها كَذلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتي وَ يُرِيكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ).

«1»

فقد توسل لاجل احياء ميت بواسطة بعض حيوان و هي البقرة، فاذا كان بعض البقرة و من خلاله جعل واسطة لامر عظيم و هو الاحياء فهل تري ان التوسط و التوسل بالاولياء في صغار الامور أو كبارها يعد شركا و كفرا.

3- (إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَ بَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسي وَ آلُ هارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ). «2»

فنلاحظ ان التابوت قد حصل علي السكينة و البركة لعلاقته بآل موسي و هارون و

ما ذلك إلّا لمقام و وجاهة موسي و هارون.

4- (قالَ بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُها وَ كَذلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي). «3»

فبينت الآية ان لاثر تراب حصان جبرئيل حيث كان يرشد بني اسرائيل في طريقهم في البحر يبسا هذا التأثير.

الرابع: ما ورد من روايات في التوسل و التشفع و التبرك برسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و هي كثيرة منها:

التوسل: عبادة توحيدية، ص: 69

1- روي البخاري عن الجعيد بن عبد الرحمن قال: سمعت السائب بن يزيد قال: ذهبت بي خالتي الي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله فقالت:

يا رسول اللّه ان ابن اختي وجع، فمسح رأسي و دعا لي بالبركة، و توضأ و شربت من وضوئه. «1»

2- روي البخاري عن الحكم قال: سمعت أبا جحيفة قال: خرج رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله بالهاجرة الي البطحاء، فتوضأ، ثم صلي الظهر ركعتين، و العصر ركعتين، و بين يديه عنزة، و زاد فيه عون عن أبيه، عن أبي جحيفة قال: كان يمر من ورائها المرأة، و قام الناس فجعلوا يأخذون يديه فيمسحون بها وجوههم. «2»

3- روي البخاري عن عون بن أبي جحيفة، عن أبيه قال:

سمعت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله في قبة من ادم، و رأيت بلالا اخذ وضوء رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، و رأيت الناس يبتدرون ذاك الوضوء، فمن اصاب منه شيئا تمسح به، و من لم يصب منه شيئا اخذ من بلل يد صاحبه. «3»

4- روي السمهودي، و المتقي الهندي ان غبار المدينة شفاء من الجذام، و ان غبار المدينة يبري الجذام، و ان في غبارها شفاء من كل داء.

التوسل: عبادة توحيدية،

ص: 70

5- «1» روي السمهودي ايضا: ان النبي صلّي اللّه عليه و آله قال: ما لكم يا بني الحارث روبي؟ قالوا: اصابتنا يا رسول اللّه هذه الحمي، قال: فأين أنتم عن صعيب؟ «2»

6- في سنن ابن ماجة، عن عثمان بن حنيف ان رجلا ضرير البصر اتي النبي صلّي اللّه عليه و آله فقال: ادع اللّه لي ان يعافيني، فقال: ان شئت اخرت لك و هو خير، و ان شئت دعوت، فقال: ادعه، فأمره ان يتوضا فيحسن وضوءه و يصلي ركعتين، و يدعو بهذا الدعاء (اللهم اني اسألك و اتوجه اليك بمحمد نبي الرحمة، يا محمد اني قد توجهت بك الي ربي في حاجتي هذه لتقضي، اللهم فشفعه فيّ. «3»

7- روي البيهقي في خبر صحيح انه في ايام عمر جاء رجل الي قبر النبي صلّي اللّه عليه و آله فقال: يا محمد استسق لامتك، فسقوا. «4»

8- روي النسائي عن عبد اللّه بن عمرو يقول سمعت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله يقول: اذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، و صلوا عليّ فانه من صلي عليّ صلاة صلي اللّه عليه عشرا، ثم سلوا اللّه لي الوسيلة، فانها منزلة في الجنة لا تنبغي إلّا لعبد من عباد اللّه، ارجو ان

التوسل: عبادة توحيدية، ص: 71

اكون انا هو، سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة. «1»

9- روي مسلم، عن عائشة، عن النبي صلّي اللّه عليه و آله قال: ما من ميت تصلي عليه أمة من المسلمين يبلغون مئة، كلهم يشفعون له إلّا شفّعوا فيه. «2»

10- روي مسلم، عن النبي قال: ما من رجل مسلم يموت فيقوم علي جنازته اربعون رجلا، لا يشركون بالله شيئا إلّا شفعهم الله فيه. «3»

11-

نقل عبد الله بن احمد بن حنبل في كتاب العلل و السؤالات قال: سألت أبي عن الرجل يمس منبر رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله يتبرك بمسه و تقبيله، و يفعل بالقبر ذلك رجاء ثواب الله تعالي، فقال:

لا بأس.

12- عن اسماعيل، ابن المنكدر يصيبه الصمات، فكان يقوم و يضع خده علي قبر النبي صلّي اللّه عليه و آله، فعوتب في ذلك، فقال: يستشفي بقبر النبي صلّي اللّه عليه و آله.

فما ذكرناه من روايات صريحة في جواز التوسل و التشفع و الاستشفاء سواء بالنبي صلّي اللّه عليه و آله أو بأهل بيته عليهم السّلام أو بالاولياء او بالصالحين او بالبقاع و البلدان كالمدينة المنورة و غيرها، و هي لم تنل

التوسل: عبادة توحيدية، ص: 72

هذه المكانة من الشفاء في ترابها و غبارها إلّا بشخص النبي صلّي اللّه عليه و آله، فهل بعد كل هذا يبقي مجال للشك في جواز التوسل و التشفع بالاولياء؟

التوسل: عبادة توحيدية، ص: 73

موارد عقلية علي التوسّل

و هنا نذكر عدة موارد عقلية دالة علي جواز التوسل و التشفع و هي:

الأول: ذكر الفلاسفة ان اللّه خالق كل شي لكن خلقه للمخلوقات ليس علي رتبة واحدة بل مترتبة، و ذلك ليس لعجز في الباري، و انما المخلوق منه ما يمتنع فرض ذاته قبل سلسلة من المخلوقات الاسبق منه، و انما المخلوق السابق يكون سببا لتقرر امكان المخلوق اللاحق و سببيته راجعة مآلا الي تسبيب الباري تعالي، أي ان المخلوق الجسماني مثلا يمتنع ان يفرض وجوده بلا مادة عنصرية، و بالتالي يكون المخلوق السابق هو افضل و اقرب الي اللّه عز و جل، و يكون بابا للمخلوق اللاحق و وسيلة له.

الثاني: ان طريقة الوفود علي أي شخص في

الآداب العقلائية و المتعارف الاجتماعي تكون عن طريق الاستئذان من خلال حجابه او بوابه، و هذا العمل نوع من الاحترام و التعظيم في الوسط

التوسل: عبادة توحيدية، ص: 74

الاجتماعي بين افراد الانسان، و قد قرر الاسلام هذا النوع من الادب في كثير من آياته، (و أتوا البيوت من أبوابها)، (إنّ الّذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون)، و رواياته، (أنا مدينة العلم و أنت يا علي بابها، فمن اراد المدينة و الحكمة فليأتها من بابها)، بل نري ان هذا الادب الالهي قد قرره الشارع المقدس في الوفود علي بيت اللّه الحرام، فجعل الاحرام مقدمة للتهيؤ و التعظيم، و الوقوف بعرفات ثم المزدلفة ثم قضاء التفث مقدمة علي زيارة البيت ثانية، فعليه يكون التوجه بالوسائط و الوسائل الي اللّه نوع من انواع الادب الذي يقره العقل و العقلاء في تعاملهم.

التوسل: عبادة توحيدية، ص: 75

خاتمة في التوسل

الوسائط مظهر قدرة البارئ … ص: 75

قد يطرح هنا سؤال و هو ان الاعتقاد بالوسائط قد يفضي الي اعتقاد عجز الباري سبحانه و تعالي، و مما لا شك فيه ان الباري غني عن العالمين، لانه اذا اراد شيئا فانما يقول له كن فيكون.

و يجاب عن هذا السؤال بعدة أمور:

الاول: جواب حلي، و هو ان اقدار الله لبعض مخلوقاته لا يعني الافتقار منه عز و جل، كما لا يعني اقدار الباري للوسائط استقلالها عن قدرة الباري و إلّا لكانت في وجودها مستقلة عنه في مرحلة البقاء، و لاقتصر احتياجها اليه في مرحلة الحدوث فقط، و هذه مقولة بعض المعتزلة، و العياذ بالله تعالي منها، بل المخلوقات كما هي محتاجة في وجودها حدوثا هي محتاجة في وجودها بقاء الي الباري، و لو قطع الباري عنايته لحظة او في اقل من

اللحظة عنها لبطلت و انعدمت و صارت فانية، فكذلك المخلوقات في قدراتها

التوسل: عبادة توحيدية، ص: 76

علي ما يصدر منها من افعال لا تستقل عن قدرة الباري تعالي حدوثا و بقاء، و من ذلك يظهر ان القائل بحصر تخليق الله تعالي للخلق عن طريق الابداع فقط التزم بذلك لتوهمه بأن التخليق من المادة المخلوقة سابقا مثلا هناك شراكة في التخليق من الله و من المادة، و ان المادة مستقلة في عرض الباري، و العياذ بالله، و هذا الوهم جهالة، بل هو نوع من التوسيط بينه و بين مخلوقاته عبر اوليائه و مقربيه الذين اصطفاهم و جعلهم ابوابا لرحمته و محلا لنيل شفاعته.

الثاني: جواب نقضي، و هو ان نقرب اشكالهم ببيان فلسفي و هو ان كل فعل من افعال الباري لا بد ان يكون حسب مدعاهم ابداعي أي بلا واسطة بل من الباري مباشرة، فكل ما كان غير ابداعي يكون عجزا من الباري، إلّا اننا نشاهد اكثر الموجودات مخلوقة غير ابداعية بل كانت مخلوقات بتوسط اسباب.

فهذه المخلوقات التي نشاهدها اما ان ننسبها للباري بتوسط الوسائط، فيكون العجز حسب ما ادعوا، و اما ان لا ننسبها للباري لانها مخلوقات غير ابداعية يعني ليست بكن فيكون، فتكون المشكلة اعظم حيث تجرد نسبة هذه المخلوقات عن الله عز و جل.

و عند ما يقال بتوسط شي في مخلوقاته لا يستوجب بالضرورة نسبة العجز للباري، بل الاشياء مفتقرة اليه، و في كل الاحوال تلك الاشياء لا تنفك عن قدرة وارادة الباري، بل هي مرتبطة و مفتقرة الي

التوسل: عبادة توحيدية، ص: 77

الباري وارادته في كل الاحوال و الازمان.

الثالث: وجود طوائف من الآيات القرآنية دالة علي وقوع التخليق من الله عبر الوسائط من ملائكة

و رسل و غير ذلك و هي:

الطائفة الأولي: وفاة الانفس و فيها عدة اسنادات:

الأول: الاسناد في وفاة الانفس الي الملائكة

1- (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ). «1»

2- (حَتَّي إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا وَ هُمْ لا يُفَرِّطُونَ). «2»

3- (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ). «3»

4- (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ). «4»

5- (حَتَّي إِذا جاءَتْهُمْ رُسُلُنا يَتَوَفَّوْنَهُمْ). «5»

6- (وَ لَوْ تَري إِذْ يَتَوَفَّي الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَ أَدْبارَهُمْ وَ ذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ). «6»

7- (فَكَيْفَ إِذا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَ أَدْبارَهُمْ). «7»

التوسل: عبادة توحيدية، ص: 78

8- (وَ لَوْ تَري إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ وَ الْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ). «1»

ففي مجموع الآيات نلاحظ ان الله سبحانه و تعالي قد نسب و اسند وفاة الانفس الي الملائكة فهل هذا يعني ان اللّه عاجز ان يقبض ارواح العباد بنفسه، فليس هذا العمل إلّا من باب التوسيط في شؤون مخلوقاته لا غير.

الثاني: الاسناد في وفاة الانفس اليه سبحانه و تعالي

1- (اللَّهُ يَتَوَفَّي الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَ الَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها). «2»

2- (وَ هُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَ يَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ). «3»

3- (وَ اللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ). «4»

4- (وَ لكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ). «5»

الثالث: الاسناد في وفاة الانفس الي ملك الموت

1- (قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ). «6»

الطائفة الثانية: تصريح الباري بإيكال بعض الامور الي بعض مخلوقاته من غير ان يكون ذلك تفويض عزلي تنعزل فيه قدرة

التوسل: عبادة توحيدية، ص: 79

الباري فان الاشياء جميعها قائمة بقدرته حدوثا و بقاء.

1- (قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ).

2- (فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْماً لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ). «1»

3- (وَ ما

لَنا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَي اللَّهِ وَ قَدْ هَدانا سُبُلَنا). «2»

فهذه الوكالة من الله ليس هي عزل لقدرة الله سبحانه و تعالي، فاننا نري في الموكل الاعتباري حينما يوكل شخصا لا ينعزل باعطاء الوكالة تماما، فكيف بالمولي و الموكل الحقيقي سبحانه و تعالي علوا كبيرا، فليس توكيل و تفويض عزلي تنحسر فيه قدرة الباري عن الفعل الموكل فيه بل الاشياء برمتها قائمة به تعالي، و هو قيوم علي كل شي فضلا عن افعال الاشياء.

الطائفة الثالثة: الدالة علي توسيط بعض المخلوقات في الخلق، و هو توسط الماء في خلق كثير من المخلوقات كالنبات و الانسان و ما شابه ذلك.

1- (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً وَ السَّماءَ بِناءً وَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ). «3»

2- (وَ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ نَباتَ كُلِّ

التوسل: عبادة توحيدية، ص: 80

شَيْ ءٍ). «1»

3- (وَ اللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ). «2»

4- (وَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَ بَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ). «3»

5- (وَ يُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَ يُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ). «4»

6- (وَ كانَ عَرْشُهُ عَلَي الْماءِ). «5»

7- (وَ جَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْ ءٍ حَيٍّ أَ فَلا يُؤْمِنُونَ). «6»

8- (وَ اللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ). «7»

9- (وَ هُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَ صِهْراً). «8»

الطائفة الرابعة: اسناد كثير من الافعال الي المخلوقات 1- (أَ وَ لَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا أَنْعاماً فَهُمْ لَها مالِكُونَ).

التوسل: عبادة توحيدية، ص: 81

فأسند الخلق «1» هنا الي اليد و هي

القدرة المخلوقة المباشرة للمادة المخلق منها الانعام، و هي غير الذات الالهية.

2- (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَي* الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّي). «2»

و اسند الخلق هنا الي اسم الرب و هو غير الذات الالهية ايضا.

3- (وَ يَبْقي وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَ الْإِكْرامِ). «3»

و ليس المراد من الوجه جزء الذات كما يتوهمه المجسمة الحشوية تعالي الله عن ذلك علوا كبيرا، بل المراد منه الآية الكبري الدالة علي عظمة الذات الالهية، فأينما تولوا فثم وجه الله، و قد اطلق علي البيت الحرام و الكعبة القبلة أنها وجه الله في سياق آيات سورة البقرة التي تتحدث عن القبلة (وَ حَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ)، و قال: (فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ).

4- (وَ لَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتي بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً). «4» و هنا اسند تسيير الجبال و تقطيع الارض و تكليم الموتي أي احياء الموتي الي القرآن.

الطائفة الخامسة: ما عبر عنها بالملك لغير الله مع عدم الاعتزال عن الله و قدرته و لا عن امداده و توسيطه.

التوسل: عبادة توحيدية، ص: 82

1- (وَ آتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً). «1»

ذكر تعالي ذلك عن آل ابراهيم و من البيّن عدم ارادة ملك الرئاسة الاجتماعية السياسية، اذ لم يقع ذلك في التاريخ، بل المراد الملك اللدني الايتائي أي في الملكوت، نظير ما قاله تعالي (وَ كَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ)، و (ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً)، و (وَ جَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا)، و الحديث عن اسماعيل و اسحاق و يعقوب يهدون بأمر الهي ملكوتي.

2- (قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَ هَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي). «2»

3- (وَ إِذا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَ

مُلْكاً كَبِيراً). «3»

4- (وَ شَدَدْنا مُلْكَهُ وَ آتَيْناهُ الْحِكْمَةَ وَ فَصْلَ الْخِطابِ). «4»

5- (وَ قالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ مَلِكاً). «5»

6- (قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَ تَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ). «6»

7- (وَ نادَوْا يا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ). «7»

التوسل: عبادة توحيدية، ص: 83

فوصف خازن النيران الملك الموكّل بالنار و طبقاتها بمالك.

8- (وَ الْمَلَكُ عَلي أَرْجائِها وَ يَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ). «1»

الحمل بمعني العلم لا ان القدرة الالهية تقع مفعولة محتاجة، و العياذ باللّه تعالي عما يقوله المجسمة الحشوية.

9- (فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَ جِبْرِيلُ وَ صالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ). «2»

فجعل الظهارة و الاعانة لجبرئيل و صالح المؤمنين عليا عليه السّلام و الملائكة مع انه تعالي قيوم علي جبرئيل و صالح المؤمنين و علي الملائكة إلّا انا بيان لوسائط قدرته تعالي، كما قال تعالي (هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَ بِالْمُؤْمِنِينَ) «3» مع انه تعالي قال: (وَ مَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ)، «4» و قال: (إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَ يُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ). «5»

10- (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ). «6»

11- (إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَ لَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ). «7»

12- (هذا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ). «8»

الطائفة السادسة: ما ذكر فيها نسبة الاهلاك الي نفسه سبحانه

التوسل: عبادة توحيدية، ص: 84

و تعالي أو الي بعض مخلوقاته

1- (وَ لَقَدْ أَهْلَكْنا ما حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُري وَ صَرَّفْنَا الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ). «1»

2- (فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ). «2»

3- (وَ أَمَّا عادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ). «3»

4- (وَ لَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْري قالُوا إِنَّا مُهْلِكُوا أَهْلِ

هذِهِ الْقَرْيَةِ). «4»

5- (فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِ حاصِباً وَ مِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَ مِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنا بِهِ الْأَرْضَ وَ مِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنا). «5»

الطائفة السابعة: الاسناد الي الرياح في انشاء بعض الخلق.

1- (وَ أَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ). «6»

2- (اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً). «7»

3- (وَ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ). «8»

4- (وَ مِنْ آياتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّياحَ مُبَشِّراتٍ). «9»

5- (وَ اللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً). «10»

و بهذا نختم ما أردنا رسمه في هذا البحث، و الحمد للّه رب العالمين، و صلي اللّه علي محمد خير خلقه و آله الطيبين الطاهرين الذين اذهب اللّه عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا. «11»

التوسل: عبادة توحيدية، ص: 85

مصادر البحث

1- القرآن الكريم

2- تربة الحسين دراسة و تحليل، ج 1، الشيخ عبد الرسول آل درويش.

3- سنن ابن ماجه للحافظ أبي عبد اللّه محمد بن يزيد القزويني، دار احياء التراث العربي، 1975 م.

4- سنن البيهقي.

5- سنن النسائي، دار الكتب العلمية، بيروت.

6- صحيح البخاري، دار الاحياء التراث العربي بيروت، 2001 م.

7- صحيح مسلم، دار ابن حزم، بيروت، 2002 م.

8- كنز العمال للفاضل الهندي.

9- منهاج الرشاد لمن اراد السداد، الشيخ جعفر كاشف الغطاء، مركز الغدير للدراسات الاسلامية، ايران، 2000 م.

10- النهاية في غريب الحديث و الاثر، للامام مجد الدين أبي السعادات المبارك بن محمد الجزري، اسماعيليان، ايران، 1364 هجري شمسي.

11- وفاء الوفا للسمهودي.

التوسل: عبادة توحيدية، ص: 87

فهرس المطالب

كلمة المقرر 5

توطئة 7

مقدمة 11

شبهة و اثارة 25

معني الاله في اللغة 29

وجه ان الوسائط ما هو مأمور بها من قبل اللّه 33

مفهوم العبادة 39

قصة آدم عليه السّلام مع ابليس 41

نفي الوسائط يؤول الي التجسيم 45

الرد علي أدلة المانعين من التوسل 49

الرد علي الدليل الاول 49

الرد علي الدليل الثاني 52

الرد علي الدليل الثالث 55

الرد علي الدليل الرابع 56

ملامح من التوسل في الشعائر العبادية 59

موارد اخري في التوسل 63

الأول: القسم بشخص النبي صلّي اللّه عليه و آله 63

الثاني: امر اللّه التوسل بالنبي صلّي اللّه عليه و آله 64

الثالث: التوسل بما يتعلق بالانبياء كثيابهم 67

التوسل: عبادة توحيدية، ص: 88

الرابع: روايات التوسل و التبرك بالنبي صلّي اللّه عليه و آله 68

موارد عقلية علي التوسل 73

خاتمة في التوسل 75

اشكال و جواب الاشكال في عدة أمور 75

الجواب الأول: و هو جواب حلّي 75

الجواب الثاني: و هو جواب نقضي 76

الجواب الثالث: الآيات القرآنية الدالة علي جواز التخليق من اللّه عز و جل عبر الوسائط من ملائكة و ورسل

و هي طوئف 77

الطائفة الأولي: وفاة الانفس و فيها عدة اسنادات 77

الطائفة الثانية: تصريح بعض الآيات القرآنية علي ايكال الباري بعض الامور الي مخلوقاته 78

الطائفة الثالثة: تصريح بعض الآيات القرآنية علي توسيط بعض المخلوقات في الخلق 79

الطائفة الرابعة: اسناد بعض الافعال الي مخلوقات 80

الطائفة الخامسة: ما عبر عنها بالملك لغير اللّه مع عدم الاعتزال عن قدرته و امداده و توسيطه 81

الطائفة السادسة: نسبة الاهلاك الي اللّه عز و جل أو الي بعض مخلوقاته 83

الطائفة السابعة: الاسناد الي الرياح في انشاء بعض الخلق و تخليقه 84

مصادر البحث 85

فهرس المطالب 87

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.