الانوار البهية في تواريخ الحجج الالهية

اشارة

‏سرشناسه: قمي‏، عباس‏، ۱۳۱۹ - ۱۲۵۴
‏عنوان و نام پديدآور: الانوار البهيه في تواريخ الحجج الالهيه‏/ تاليف عباس القمي‏
‏مشخصات نشر: قم‏: جماعه المدرسين في الحوزه العلميه بقم‏، موسسه النشر الاسلامي‏، ۱۴۱۷ق‏. = ۱۳۷۵.
‏مشخصات ظاهري: ۴۷۹ ص‏.نمونه‏
‏فروست: (موسسه النشر الاسلامي التابعه لجماعه المدرسين بقم المشرفه‏۸۹۹)
‏شابك: بها: ۸۵۰۰ريال؛ بها: ۸۵۰۰ريال‏
‏وضعيت فهرست نويسي: فهرستنويسي قبلي‏
‏يادداشت: چاپ قبلي‏: دارالذخائر: ۱۴۱۲ق‏. = ۱۳۷۰
‏يادداشت: چاپ دوم‏: ۱۴۲۰ق‏. = ۱۳۷۹؛ ۱۴۵۰۰ ريال‏: ISBN 964-470-277-8
‏يادداشت: كتابنامه‏: ص‏. [۴۶۴] - ۴۷۰
‏موضوع: چهارده معصوم -- سرگذشتنامه‏
‏شناسه افزوده: جامعه مدرسين حوزه علميه قم‏. دفتر انتشارات اسلامي‏
‏رده بندي كنگره: BP۳۶/ق‏۸الف‏۹ ۱۳۷۵
‏رده بندي ديويي: ۲۹۷/۹۵
‏شماره كتابشناسي ملي: م‏۷۵-۱۰۵۵۴

كلمة لا بد منها

«الأنوار البهيَّة» في تواريخ الحجج الإِلهية، اسم علي مسمَّي من حيث إنه يحمل نوراً للقلوب ينبعث من أربع عشرة مشكاةً هي التي أنارت سُبل المعاش والمعاد لسائر العباد، يوم أن اختارها اللّه علي العالمين لإِخراج الناس من ظلمات الكفر إلي نور الإِيمان حتي يوم الدِّين.
هو كتاب لم يكن الأول في بابه، ولا الأشمل والأكمل في محتواه، ولا هو ذو موضوع قلَّما تناولته الأقلام وحامت حوله الأفهام، لأن ثقات الشيعة وجهابذة سلفهم الصالح قد أشبعوا موضوعه درساً وبحثاً وتدقيقاً منذ القرن الثالث الهجري حتي أيامنا هذه، لأنه يتناول خلاصة سيرة سيد المرسلين، وسير فاطمة سيدة نساء العالمين والأئمة الاثني عشر الأبرار المطهَّرين صلوات اللّه وسلامه عليه وعليهم أجمعين، ورضوان اللّه علي صحبه المنتجبين وأصحابهم الميامين.
وهذا الموضوع الكريم تحفل به امهات الكتب وأعاظم الأسفار، وقد أشبعه العلماء والادباء والمؤرخون كلاماً وتفصيلاً، ولكن الذي دعانا الي نشره بالذات، هو أنه خلاصة طريفة لطيفة، ورسالة وجيزة فخمة، تحمل خلاصة هذه السِّير الشريفة بأخصر عبارة وأوضح بيان، وبأسلوب سهل قريب التناول. فهو يغني عن الكتب الضخمة لما فيه من روحية مؤلفه الجليل، ومن حسن اختياره الجميل اللذين ان دلاَّ فإنما يدلاَّن علي براعة الانتقاء وسلامة النيَّة، وعلي الإِيمان الراسخ الذي تقرأه بين سطور كاتبه رضي اللّه عنه وأرضاه.
ودارنا - إذ تقدِّمه إلي القرَّاء الكرام مدققاً منقحاً في طبعته الأنيقة - يسرُّها أن تُتحف به المكتبة الإِسلامية وروَّاد الحقيقة من قرَّاء العربية، راجيةً بذلك القربي ورضاء اللّه سبحانه، ومستمدَّة منه العون علي ما يخدم الاسلام والمسلمين، ويظهر فضل خاتم النبيين صلي اللّه عليه وآله وسلم، وفضل بضعته الطاهرة وأبنائها الأئمة المعصومين الذين أذهب اللّه عنهم الرِّجس وطهَّرهم تطهيراً، سلام اللّه عليها وعليهم، وعلي اللّه وحده - التِّكلان أولاً وأخيراً.
الناشر
بيروت: ذو الحجة سنة 1403 هجرية
أيلول سنة 1983 ميلادية

حياة المؤلف

بسم اللّه الرحمن الرحيم
هو الحبر النحرير. والعالم البصير. والمحدث الخبير. الشيخ عباس بن محمد رضا بن أبي القاسم القمي. من أفاضل علماء العصر الحاضر، ولد في سنة 1294 هجري ببلدة قم ونشأ فيها. واشتغل بالتعليم الي أوان سنة 1316 هجري. ففيها هاجر الي العراق لتكميل تحصيلاته، فقدم النجف والتزم مصاحبة استاذه في الحديث والرجال العلامة النوري (الحاج ميرزا حسين الطبرسي) وأخذ منه الحديث والرجال، فبرع فيهما، وأجازه أستاذه العلامة، وكان اجتماعه به في سنة 1314 هجري، وذلك بعد مهاجرة العلامة المذكور، من سامراء الي النجف بسنتين، فاستفاد منه بقية حياته، وعاضده في تآليفه، حتي قبض شيخه في سنة 1320 هجري فرجع جنابه الي موطنه الأصلي (بلدة قم) وبقي هناك مستقلاً بالبحث والتنقيب. فأفاد بدرسه وتأليفه. وفي عام 1322 هجري هاجر الي خراسان وتشرف بمشهد مولانا الرضا واستوطنه، وبقي الي أواخر عمره في ذلك المشهد الشريف. ولم يزل في أثناء اقامته بهذه البلدة مشتغلاً بالافادة: تدريساً والقاء في منابرها، وكتابةً في مؤلفاته، حتي أن جمعاً من محصلي العلوم الدينية طلبوا منه تدريس الأخلاق، فقبل جنابه، وكان يلقي دروسه الأخلاقية في مدرسة ميرزا جعفر بجوار البقعة الشريفة فاغتنم الطُّلاب محضره، وكان يحضر مجلسه زهاء ألف طالب، فتمتد افاداته الي مقربة من ثلاث ساعات متوالية، والحاضرون يستمعون بياناته الشريفة باقبال تام بلا سأم وكسل. فأنذر جنابه وبشَّر، وتتبَّع في نقل الزاجرات وتبحَّر. وكان من دأْبه نقل الروايات مسندةً، احتياطاً في النقل، وفي خلال إقامته بإيران، تشرف ثلاث مرات بزيارة بيت اللّه الحرام، ولم يترك الاشتغال بالمطالعة والتأليف في أثناء رحلاته. فكان آيةً في صيانة أوقاته عن التضييع والبطالة. حتي نقل لنا أحد الأعلام: أنه رآه في البرية أثناء سفره (حين مكْثِ سيارته لاصلاح ما ضاع منها) مشغولاً بالكتابة، إغتناماً للفرصة. ومن عاداته الشريفة تنقيح الأخبار المباركة من الغث، وعدم نقله (حتي الامكان) من المصادر الضعاف. وكان مولعاً بجمع الاحاديث وترتيبها ترتيباً يسهل معه التناول. والانصاف ان تآليفه آية في حسن الترتيب والتأليف ولأجل ذلك شاع وذاع جل تأليفاته. وقد طُبع كثير منها غير مرّة وما من مكتبة بل بيت من الشيعة إلا وعنده آثار من هذا الحبر المؤيَّد. وذلك فضل اللّه يؤتيه من يشاء ولا شك ان لروحياته الشريفة، ومجاهداته النفسية، أثراً في أن يحظي من اللّه تعالي بذاك التوفيق المستوعب. وفي تخليد اسمه بتلك المآثر القيمة. وقد قال اللّه تبارك اسمه، (ومن يُرد حَرثْ الآخرة نَردْ لَه في حَرثِه) صدق اللّه العلي العظيم. فقد زاده اللّه تعالي في حرثه وأيّ حرثٍ أعظم من هذه الصدقات الجارية المبقية لاسمه ما شاء اللّه، والموجبة للترحُّم والدعاء له في كل يوم وليلة، بل وفي كل ساعة، حيث لا يخلو مشهد من مشاهد الأئمة علي ساكنيها السلام من كتابه المفاتيح. وقل من صعد منبر الوعظ والارشاد الا واستفاد من تآليفه القيمة. فجزاه اللّه تعالي عن الإِسلام خير الجزاء وزاده شرفاً وحباه. وشرفه بمحضر مواليه الكرماء. آمين رب العالمين.

مولفاته

اشاره

مؤلفاته تزهو عن الستين بين مطبوع - وهو الأكثر - ومخطوط نسأل اللّه تعالي توفيق أحفاده بنشره. واستفادة المؤمنين من بركته. وهذه قائمة أسماء كتبه علي ما ضبطه جنابه في تأليفه القيم (الفوائد الرضوية) (ص 221 ج 1) مع تغيير يسير لناشره فضيلة ولد المؤلف حين طبع ذلك الكتاب.
فالمطبوعة منها:
1 - فوائد الرجبية في ما يتعلق بالشهور العربية: هو أول ما ألفه وكانت نسخته المطبوعة أيضاً بخطه الشريف (بالفارسية).
2 - الدرة اليتيمة في تتمات الدرة الثمنية: كتبه تتميماً لشرح الفاضل اليزدي علي النصاب.
3 - مختصر الأبواب. في السنن والآداب: وهو مختصر حلية المتقين. للعلامة المجلسي (رحمه اللّه).
4 - هدية الزائرين: يشتمل علي الزيارات الواردة للأئمة الطاهرين وفوائد متفرقة من تعيين قبور العلماء والصلحاء في مشاهدهم الشريفة. وغير ذلك من أعمال السنة.
5 - اللآلئ المنثورة: وجيزة كثيرة الفائدة في الأذكار والأحراز.
6 - الفصول العلية في المناقب المرتضوية: جمع نبذة من مناقب مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) أغلبها من كتب أهل السنة.
7 - سبيل الرشاد: في أُصول الدين.
8 - حكمة بالغة ومئة كلمة جامعة: من الكلمات القصار لمولانا أمير المؤمنين (عليه السلام).
9 - ذخيرة الأبرار في منتخب أنيس التجار (بالفارسية).
10 - الغاية القصوي في ترجمة العروة الوثقي: ترجمة فارسية للرسالة العملية المزبورة. تأليف فقيه عصره السيد محمد كاظم اليزدي.
11 - رسالة في المعاصي الصغيرة والكبيرة (بالفارسية).
12 - 13 - مفاتيح الجنان والباقيات الصالحات: في الأدعية والزيارات والأذكار والأحراز. [1].
14 - التحفة الطوسية والنفحة القدسية (بالفارسية).
15 - رسالة (دستور العمل) بالفارسية.
16 - نفس المهموم في مقتل مولانا أبي عبد اللّه الحسين المظلوم (بالعربية).
17 - نفثة المصدور: مجالس فيما يتعلق بفاجعة كربلاء ومصائب الآل.
وقد طبع بضميمة هذا الكتاب (اي الأنوار البهية) في الطبعة الأولي (بالعربية).
18 - النوار البهية في تواريخ الحجج الإلهية: هو هذا السفر الجليل.
19 - منازل الآخرة (بالفارسية).
20 - ترجمة لمصباح المتهجد: لِمَا كان عناوين الأدعية وفضائلها المذكورة فيه كأصل الادعية بالعربية. ترجمة في الحواشي. نظراً الي استفادة أبناء اللغة الفارسية.
21 - نزهة النواظر في ترجمة معدن الجواهر: وأصله العربي للشيخ الأجل الكراجكي.
22 - المقامات العلية: اختصره من معراج السعادة للفاضل النراقي.
23 - ترجمة جمال الأسبوع لابن طاوس بالفارسية (طبعت في حواشي الأصل).
24 - منتهي الآمال في تواريخ النبي والآل.
25 - ترجمة للمسلك الثاني من كتاب اللهوف لابن طاوس.
26 - تتميم تحية الزائر لأستاذه النوري (رحمه اللّه) (بالفارسية).
27 - (جهل حديث) الأربعون حديثاً مختلف المضامين (بالفارسية).
28 - الكني والألقاب في ذكر مشاهير العلماء والشعراء والأصحاب وغيرهم (بالعربية).
29 - هدية الاحباب: في اختصار الكتاب المتقدم.
30 - سفينة البحار ومدينة الحكم والآثار: اختصار لبحار الأنوار (لمؤلفه العلامة المجلسي) رتبه علي ترتيب الحروف الهجائية. فذكر ما يتعلق بكل حرف مع الاشارة الي مصادره من أبواب الأصل. وهو كتاب شريف كثير الفوائد لا بد منه لِمُراجع البحار وكان مع ذلك كتاباً مستقلاً مفيداً جدّاً.
32 - بيت الأحزان في مصائب سيدة النسوان (بالعربية) وقد طبع بعد وفاته وترجمه الي الفارسية بعض الأفاضل.
33 - تحفة الأحباب في تراجم الأصحاب: مشتملة علي تراجم كبار أصحاب النبي والأئمة (عليهم السلام) (بالفارسية) وهذه أيضاً قد طبعت بعد وفاته.

ما لم يطبع بعد

1 - فيض العلام في وقائع الشهور وعمل الأيام.
2 - هداية الأنام الي وقائع الأيام: مختصر فيض العلام (المتقدم ذكره).
3 - كلمات لطيفة.
4 - كتاب الكشكول.
5 - الدر النظيم في لغات القرآن العظيم.
6 - كتاب نقد الوسائل (يتعلق بوسائل الشيعة للشيخ الأجل الشيخ الحر العاملي (رحمه الله)).
7 - تتميم بداية الهداية للشيخ الحر العالمي (رحمه اللّه).
8 - شرح الوجيزة (كتاب الأصل للشيخ الأجل شيخنا البهائي وهو أخصر كتاب في علم الدراية).
9 - فيض القدير فيما يتعلق بحديث الغدير: وهو اختصار مطالب (عبقات الأنوار) للسيد حامد حسين الهندي التي ألفها الحبر البارع في ضمن مجلدات، شارحاً لبعض الاحاديث الواردة في موضوع الولاية. منها مجلدان ضخمان فيما يتعلق بحديث الغدير.
10 - علم اليقين (في اختصار حق اليقين لمؤلفه العلامة المجلسي (رحمه اللّه)).
11 و 12 - مقاليد الفلاح في عمل اليوم والليلة. ومقلاد النجاح (في اختصار الكتاب المتقدم).
13 - اختصار المجلد الحادي عشر من مجلدات البحار.
14 - شرح حكم مولانا أمير المؤمنين الواردة في القسم الثالث من نهج البلاغة.
15 - مختصر الشمائل (اختصره بالفارسية من أصله العربي المرشح من قلم الإِمام الترمذي من كبار علماء العامة).
16 - كحل البصر في سيرة سيد البشر (قد طبع بقم).
17 - قوة الباصرة في تاريخ الحجج الطاهرة (وهذه الرسالة بمنزلة الأصل للكتاب الحاضر).

ما لم يوفق باتمامه في أيام حياته

1- ضيافة الإِخوان.
2 - صحائف النور في عمل الأيام والسنة والشهور.
3 - ذخيرة العقبي في مثالب أعداء الزهراء (عليها السلام).
4 - مسلِّي المصاب بفقد الأعزة والأحباب.
5 - الآيات البينات في أخبار أمير المؤمنين (عليه السلام) عن الملاحم والغائبات (ذكر المؤلف أن نسخة هذا الكتاب قد فقدت).
6 - شرح للصحيفة السجادية.
7 - غاية المرام (تلخيص لدار السلام فيما يتعلق بالرؤيا والمنام لشيخه العلامة النوري).
8 - شرح الأربعين حديثاً.
9 و 10 - تعريب زاد المعاد وتحفة الزائر (كلاهما للعلامة المجلسي).
11 - فوائد الطوسية.

رحلته وأحفاده

فاضت نفسه الزكية في ليلة 23 من ذي الحجة الحرام سنة 1359 هجري، وقد بلغ عمره خمساً وستين سنة وبقي من جنابه أربعة أولاد:
1 و 2 - جناب فضيلة الشيخ ميرزا علي آقا وجناب فضيلة الشيخ ميرزا محسن سلمهما اللّه تعالي وكانا من أفاضل العصر وأخياره.
3 و 4 - مخدرتان صالحتان، وفقهم اللّه جميعاً لمرضاته وجعل في أعقابهم الصالحين. آمين رب العالمين.

موضوع هذا الكتاب

من أهم مواضيع التاريخ ترجمة صلحاء الأمة وعلمائهم المماثلين للأنبياء. لأن أهم منافعه تذكار من مضي لاعتبار من يأتي. وفي ذكر الأخبار من العلماء الأبرار أعلي مراتب الاعتبار. حيث أوقفوا أنفسهم علي سبيل الخيرات ولم يأخذهم في اللّه لومة لائم فسلكوا نهج الحق باقدام راسخة، وأيَّدوا الدين تارة بالألسن وأخري بالأقلام وثالثة بتعريض أنفسهم للشهادة حفاظاً لحرمة الدين وخدمة للمؤمنين وإرشاداً للسالكين، فحياتهم درس كله لمن ألقي السمع وهو شهيد. فالناظر يستفيد منهم حياً وميتاً.
وفي رأس قائدي الدين وحُفّاضه وعلمائه، من وسمه اللّه بوسمة العصمة وأيده بروح منه، هم أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهَّرهم تطهيراً، حيث شرَّفهم اللّه تعالي بتشريف الإِمامة وقمصهم قميص الولاية. فحياتهم كلها درس شهامة وحرية وأخلاق وفضيلة.
فمن الشقاء للمرء المسلم عدم عثوره علي حالاتهم وأخلاقهم وسيرتهم. ولما لم يتمكن لعامة الناس ذلك شمَّر عن قميص الجد رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر اللّه وتذكير الناس بأية وسيلة من الوسائل ففحصوا ونقبوا واستعلموا باحثين عن أحوالهم وسيرهم الشريفة. واثبتوا ما عثروا عليه. فجدير بنا أن نذكر جملة منها، تذكرة لمن لم يعلم وشكراً لمؤلفيه ومجمِّعيه.
فأول ما بأيدينا من كتب سير الأئمة ولو في طي حالات نفر آخر: تاريخ اليعقوبي (لابن واضح الاخباري المتوفي 292 هجري وهو تاريخ سنوي عام من بدء هبوط آدم الي عام 259 هجري وقد أدرج في مطاويه أحوال الأئمة ونقل بعض كلماتهم القصار الحكمية.
ثم الكافي لمؤلفه ثقة المحدثين جناب محمد بن يعقوب الكليني الرازي المتوفي سنة 329 هجري. وهذا السفر الشريف وان كان موضوعاً لابداع الأخبار المروية عنهم ولكن في مطاويه عقد أبواباً لمواليدهم ووفياتهم.
ثم مروج الذهب. والتنبيه والأشراف. وإثبات الوصية. كلها تأليف المؤرِّخ البارع. علي بن الحسين المسعودي المتوفي سنة 333 هجري.
ثم الارشاد للشيخ الأجل شيخنا المفيد قُدِّس سرَّه المتوفي سنة ش 413 هجري.
وهذا السفر أقدم كتاب وصل الينا يختص ببيان حياة الأئمة وفضائلهم. والمؤلف وان كان غرضه إثبات الإِمامة لهم من طريق العقل والنقل ولكن لما كانت حياتهم من اوّل الدلائل علي ذلك أثبت تاريخهم وما صدر منهم من الكرامات، فكتابه هذا حقيق بأن يكون معقد الدراسة والبحث.
ثم إعلام الوري [2] للشيخ الأجل أمين الإِسلام الطبرسي المتوفي سنة 548 هجري. وهو أنفع كتاب في ذلك من المتقدمين. ويشتمل علي تاريخ النبي وأجداده وأمير المؤمنين (عليه السلام) والزهراء سلام اللّه عليها وذريتها المعصومين (عليهم السلام).
ثم المناقب لابن شهرآشوب السروري المازندراني المتوفي سنة 588 هجري. وكشف الغمة للشيخ المتبحر علي بن عيسي الإِربلي المتوفي سنة 678 هجري، وهذان الكتابان، أجل كتابين في بابهما إذ مؤلفاهما المتتبعان أكثرا النقل عن المخالف والمؤالف وجمعا ما شرد في مطاوي كتابيهما. ولما كانا ثقتين ثبتين عند الفريقين، ومع ذلك يسميان من ينقلان عنه، أثبت ذلك كله لهذين السفرين جلالة ووثاقة عند الكل.
كل ذلك من آثار ثقات الشيعة ومحدثيهم ومؤرخيهم. وأما علماء السنة فحيث إنهم مقرون بفضائل الأئمة وشرف انتسابهم بالرسول ذكروا أيضاً تواريخهم منفردة وضمن الوقائع، فقلَّ تاريخ عام إلا وقد ذكرهم في مطاويه وأثني عليهم. ولذا أغمضنا عن ذكر التواريخ العامة السنوية كتاريخ الطبرسي وابن كثير وابن الأثير وابي الفداء وغيرها. ولكن لم نر بدّاً من ذكر ما أفرده بعض كبارهم في حياة أئمتنا المعصومين، تذكرة لمن أراد الوقوف علي أقوال غير الشيعة فيهم (عليهم السلام).
فمنهما: مطالب السُّؤول في مناقب آل الرسول لكمال الدين بن طلحة الشافعي المتوفي سنة 652 هجري.
ومنها (وفيات الاعيان) الموضوع لتراجم مشاهير الإِسلام لابن خلكان المتوفي سنة 681 هجري وان كان فيه اشتباهات وزلات في تراجم أئمتنا.
ومنها (حلية الأولياء) الموضوع لترجمة الصلحاء والزهاد للحافظ ابي نعيم (مصغرا) الاصفهاني المتوفي سنة 430 هجري.
ومنها الفصول المهمة في معرفة الأئمة لنور الدين بن صباغ المالكي المتوفي سنة 855 هجري.
هذا مضافاً الي ما دوَّنه المؤرخون في سِير النبي والخلفاء والأصحاب حيث ذكروا في أقرباء النبي (صلي اللّه عليه وآله وسلم) واحفاده، مولانا امير المؤمنين وسيدتنا فاطمة الزكية وابنيهما الحسن والحسين (عليهم السلام) جميعاً.
وكذا ما صنفوا في المقاتل حيث إنهم قد أفردوا للحسين مقاتل استوفت وقائع خروجه وشهادته.
فمن سير النبي المشتملة لذكر السيدة فاطمة الشريفة ومولانا ابي الحسن وابنيهما، سيرة ابن هشام لأبي محمد عبد الملك بن هشام المتوفي سنة 218 هجري.
والسيرة الحلبية لعلي بن برهان الدين الحلبي الشافعي المتوفي سنة 1044 هجري. وغير ذلك من السير.
ومن سير الاصحاب وتراجمهم الشاملة لذكر مولاتنا وبعلها وبنيها: طبقات الصحابة والتابعين لأبي عبد اللّه بن سعد المتوفي سنة 230 هجري. الاستيعاب في اسماء الاصحاب، للحافظ ابي عمرو بن عبد البر القرطبي المالكي المتوفي سنة 463 هجري.
وأسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير عز الدين علي بن أبي الكرم المتوفي سنة 630 هجري.
وميزان الاعتدال للذهبي المتوفي سنة 748 هجري.
والاصابة في تمييز الصحابة لشيخ الإِسلام شهاب الدين بن حجر العسقلاني الشافعي المتوفي سنة 852 هجري.
ومن المقاتل الشاملة لمقتل الوصي وشبليه، مقاتل الطالبيين لأبي الفرج الأصفهاني المتوفي سنة 356 هجري.
ومما أفرد في مقتل الحسين، مقتل أبي مخنف لوط بن يحيي الأزدي المتوفي سنة 157 هجري. ومقتل الخوارزمي.
هذه جملة من المدارك القديمة الموثوق بها. وللمتأخرين مصنفات قيمة في تواريخهم خصوصاً بعض اعلام التشيع في عاصمة إيران بظهور الدولة الصفوية ورفع التقية من الشيعة: ففي ذلك العصر المشعشع قد وفق علماء الشيعة لتأليف مجلدات ضخمة في حالاتهم ومعجزاتهم وأخلاقهم كبحار الأنوار (ج 9 - 10 - 11 - 12 - 13) وعوالم العلوم وغيرهما.
ولكن في عصرنا يحسُّ الاحتياج الي تدوين كتاب صغير الحجم جامع لشتات أحوالهم، مشتمل لنبذُ من مكارم أخلاقهم وكراماتهم وكلماتهم القصار الحكيمة، بعبارات واضحة وطرق صحيحة. فصنِّف جناب المؤلف هذا السفر الجليل ففاز بالمراد بل فاق ما أراد. والمشاهدة تكفي عن المبالغة ونحن نشكره علي هذه الخدمة القيمة وان كان (ر حمه الله) لا يريد منا جزاء ولا شكوراً. فنسأل اللّه تعالي أن يحشره معهم في الدرجات الآخرة وأن يوفق العلماء بما وفَّقه (رحمه اللّه) لخدمة الدين بأفكارهم وأقلامهم إنه قريب مجيب. آمين رب العالمين تحريراً في 11 من ذي القعدة الحرام وأنا أقل خدمة العلم والدين محمد كاظم الخراساني الشانه جي.

مقدمه

الحمد للّه الذي أوضح عن دينه القويم بأئمة الهدي من أهل بيت النبوِّة، وأبلج [5] بأنوار آثارهم عن الصراط المستقيم، واستبان بهم المحجة [6] والصلاة والسلام علي نبيه هادي الأمة، وإمام الأئمة وعلي آله الأنوار المضيئة، وبدور الليالي المدلهمة. [5].
وبعد: فيقول راجي عفو ربه الغني عباس بن محمد رضا القمي عفي عنهما: انه قد سألني بعض الإِخوان من أهل الإِيمان، أن أكتب له ما هو المختار عندي من تواريخ أيام ولادة الحجج الطاهرة سادات الدنيا والآخرة، وأيام وفاتهم صلوات اللّه عليهم فكتبت له وجيزة سمَّيتها (قرة الباصرة في تاريخ الحجج الطاهرة). ثم عنَّ [6] لي أن اكتب رسالة أخري اذكر فيها مختصراً من كيفية ولادتهم ووفاتهم، وأشير الي قليل من مناقبهم، فجمعت هذه الرسالة الشريفة وسميتها الأنوار البهية في تواريخ الحجج الإِلهية، واوردت فيها أربعة عشر نوراً، وأسأل اللّه تعالي ان يوفقني لاتمامها ويفوزني بسعادة اختتامها إنه جواد كريم.

سيدنا ونبينا وشفيع ذنوبنا رسول الله أبو القاسم

اشاره

محمد سيد الكونين والثقلين والفريقين من عرب [79] ومن عجم (صلي اللّه عليه وآله وسلم):
أما نسبه الشريف فهو:
ابن عبد اللّه: [80] الذي أمه فاطمة بنت عمرو بن عائذ المخزومي، توفي والده بالمدينة وله خمس [81] أو ثمان وعشرون سنة قبل أن يولد رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) ودفن [82] في دار النابغة الجعدي.
ابن عبد المطلب: اسمه (شيبة الحمد) وسمي بذلك لأنه كان في رأسه لما ولد شيبة. [83] أمه سلمي بنت عمرو الخزرجية النجارية [84] وكان وجهه
يضيء في الليلة المظلمة وكان يقال له: مطعم طير السماء، وكانت إليه السقاية والرفادة، وهو الذي حفر زمزم وسن خمس سنن أجراها اللّه تعالي في الإِسلام. ومات [79] بمكة وقبره بالحجون مزار مشهور ومعهُ قبر ابي طالب (عليه السلام).
ابن هاشم:
عمرو العلي هشم [80] الثريد [81] لقومه
ورجال مكة مسنتون [82] عجاف [83].
أمه عاتكة بنت مرة السلمية ولدته [84] وعبد شمس توأمين وكانت إصبع [79] أحدهما ملتصقة بجبهة صاحبه فنحيت فسال الدم فقيل يكون بينهما دم وكانت اليه السقاية [80] والرفادة. مات [81] بغزة [82] (بفتح المعجمتين كبرَّة) وهي مدينة في أقصي الشام بينها وبين عسقلان فرسخان، بها ولد الشافعي ودفن بها هاشم ورثاه مطرد الخزاعي بقوله:
مات الندي بالشام لما أن ثوي [83].
أودي [84] بغزة هاشم لا يبعد
فجفانُه [79] ورم [80] لمن ينتابه [81].
والنصر أولي باللسان وباليد
ابن عبد مناف: اسمه المغيرة [82] ويقال [83] له القمر لجماله، أُمه حُبي بنت حُليل (بالمهملة المضمومة وفتح اللام) وقبره بمكة عند عبد المطلب وفيه يقول الشاعر:
كانت قريش بيضة فتَفَلّقَتْ
فالمخُّ خالصُهُ لعبدِ منافِ
ابن قُصَي: مصغراً اسمه [84] زيد وأمه فاطمة بنت سعد. وقصي هو الذي أجلي خزاعة عن البيت وجمع قومه الي مكة من الشعاب والأودية والجبال فسمي مجمعاً. قال الشاعر:
أبوكم قصي كان يدعي مجمِّعاً
به جمع اللّه القبائل من فِهْر [79].
وكانت اليه [80] الحجابة والسقاية والرفادة والندوة واللواء فحاز شرف قريش كله، وقسم مكة أرباعاً بين قومه وتيمَّنت قريش بأمره فما تنكح، ولا يُتشاور، ولا يُعقد لواء الا في داره، وكان أمره في قومه كالدين المتَّبع في حياته وبعد موته، فاتَّخذ دار الندوة وبابها في المسجد، وفيها كانت قريش تقضي أمورها. ولما توفي قُصي دفن بالحجون فكانوا يزرون قبره ويعظمونه.
ابن كلاب: [81] وأمه هند بنت سرير، وهو أخو تيم من أبيه، وتيم هو الذي ينتهي اليه نسب أبي بكر.
ابن مرة: [82] (بضم الميم وشد الراء) وأمه محشية بنت شيبان، وأخوه عدي جد عمر بن الخطاب.
ابن كعب: [83] وامه مارية بنت كعب القضاعية وكان عظيم القدر عند العرب وأرخوا لموته الي عام الفيل وكان بينهما خمسمئة وعشرون سنة.
ابن لؤي: [84] تصغير اللأي وهو النور: وأمه عاتكة [79] بنت يخلد بن النضر.
ابن غالب: [80] وأمه ليلي بنت الحرث.
ابن فهر: [81] (بالكسر) أمه جذلة بنت عامر الجرهمية وكان فهر رئيس الناس بمكة، وكان جمَّاع قريش.
ابن مالك: أمه عاتكة بنت عدوان.
ابن النضر: (بفتح النون وسكون الضاد المعجمة) سُمي بذلك لنضارة وجهه، قيل: كان اسمه [82] قريش (فكل من ولد من النضر فهو قرشي ومن لم يلده النضر فليس بقرشي) أمه برة بنت مر بن اد بن طابخة.
ابن كنانة: امه عوانة بنت سعد.
ابن خزيمة: (تصغير خزمة) امه سلمي بنت أسلم.
ابن مدركة: سمي بمدركة لأنه أدرك كل ما كان في آبائه. أمه خندف. [83].
ابن الياس: امه الرباب قيل لما توفي إلياس حزنت عليه خندف حزناً شديداً فلم تقم حيث مات ولم يظلها سقف حتي هلكت فضرب بها المثل، وكانت تبكي كل خميس، من غدوته الي الليل، لأن الياس توفي يوم الخميس، وكان إلياس يدعي كبير قومه وسيد عشيرته ولا يقطع أمرُ ولا يقضي مهمُّ دونه، ولم تزل العرب تعظم الياس تعظيم اهل الحكمة كلقمان وأشباهه.
ابن مضر: (بضم وفتح)، معدول عن ماضر، وهو اللبن قبل أن يروب، واسمه عمر، وامه سودة بنت عك، وإخوته إياد وربيعة وأنمار، ولهم قصة [84] لطيفة في تقسيم اموال أبيهم ورجوعهم الي حكم الافعي الجرهمي في ذلك. وكان مضر أحسن الناس صوتاً، و هو أول من حدا.
ابن نزار: (بكسر النون) من النزر أي القليل سمي بذلك لأن اباه حين ولد له ونظر الي النور الذي بين عينيه، وهو نور النبوة فرح فرحاً شديداً ونحر واطعم وقال: إن هذا كله نزر في حق هذا المولود، فسُمِّيَ نزازاً، وأمه معانة بنت [79] حوشم.
ابن معد: كمرد أمه مهدة.
ابن عدنان: روي عن النبي (صلي اللّه عليه وآله وسلم) قال: اذا بلغ نسبي إلي عدنان فأمسكوا. [80] أمه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة.
ولد: (صلي اللّه عليه وآله وسلم) يوم الجمعة السابع عشر [81] من شهر ربيع الأول بعد طلوع الفجر في عام الفيل بمكة المعظمة، في زمن الملك العادل أنوشيروان في الدار المعروف [82] بدار محمد بن يوسف، وكان للنبي (صلي اللّه عليه وآله وسلم) فوهبه لعقيل بن ابي طالب فباعه أولاده لمحمد بن يوسف أخي الحجاج، فأدخله في داره. فلما كان زمن هارون اخذته خيزران امه فأخرجته وجعلته مسجداً، وهو الآن معروف يزار ويصلَّي فيه، وبُعث (صلي اللّه عليه وآله وسلم) بالرسالة يوم السابع والعشرين من رجب.
روي الشيخ الصدوق عن ابي عبد اللّه (عليه السلام) قال: كان إبليس لعنه اللّه يخترق السماوات السبع فلما ولد عيسي (عليه السلام) حُجب عن ثلاث سماوات وكان يخترق أربع سموات فلما ولد رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) حُجب عن السبع كلها، ورميت الشياطين بالنجوم وقالت قريش: هذا قيام الساعة الذي كنا نسمع أهل الكتاب يذكرونه، وقال عمرو بن امية وكان من أزجر أهل الجاهلية، أنظروا هذه النجوم التي يُهتدي بها ويُعرف بها أزمان الشتاء والصيف، فإن كان رُمي بها فهو هلاك كل شيء وإن كان ثبتت ورُمي بغيرها فهو أمر حدث، وأصبحت الأصنام كلها صبيحة ولد النبي (صلي اللّه عليه وآله وسلم) ليس منها صنم الا وهو منكب علي وجهه، وارتجس [83] في تلك الليلة إيوان كسري وسقطت منه أربعة عشر شرفة وغاضت [84] بحيرة ساوة، وفاض [79] وادي السماوة [80] وخمدت نيران فارس ولم تخمد قبل ذلك بألف عام، ورأي الموبذان [81] في تلك الليلة في المنام إبلاً صعاباً تقود خيلاً عراباً قد قطعت دجلة وانسربت [82] في بلادهم وانفصم طاق الملك كسري من وسطه وانخرقت [83] عليه دجلة العوراء وانتشر في تلك الليلة نور من قبل الحجاز ثم استطال حتي بلغ المشرق، ولم يبق سرير لملك من ملوك الدنيا الا أصبح منكوساً، والملك مخرساً لا يتكلم يومه ذلك، وانتزع علم الكهنة وبطل سحر السحرة ولم تبق كاهنة في العرب إلا حُجبت عن صاحبها، وعظمت قريش في العرب وسُمُّوا آل اللّه، قال أبو عبد اللّه الصادق (عليه السلام) انما سموا آل اللّه لأنهم في بيت اللّه الحرام.
وقالت آمنة: إن ابني، واللّه سقط، فاتَّقي الأرض بيده ثم رفع رأسه الي السماء فنظر اليها، ثم خرج مني نور أضاء كل شيء فسمعت في الضوء قائلاً يقول: انك قد ولدت سيد الناس فسمِّيه محمداً. وأتي به عبد المطلب لينظر اليه وقد بلغه ما قالت أمه، فأخذه ووضعه في حجره، ثم قال: الحمد للّه الذي أعطاني هذا الغلام الطيب الأردان قد ساد في المهد علي الغلمان ثم عوذه بأركان الكعبة، وقال فيه أشعاراً، قال: وصاح إبليس لعنه اللّه في أبالسته فاجتمعوا اليه فقالوا: ما الذي أفزعك يا سيدنا؟ فقال لهم: ويلكم لقد أنكرت السماء والأرض منذ الليلة لقد حدث في الأرض حدث عظيم ما حدث مثله منذ رفع عيسي بن مريم (عليه السلام) فاخرجوا وانظروا ما هذا الحدث الذي قد حدث. فافترقوا ثم اجتمعوا اليه فقالوا: ما وجدنا شيئاً. فقال إبليس لعنه اللّه: أنا لهذا الأمر. ثم صار مثل الصرّ وهو العصفور فدخل من قبل حراء [84] فقال له جبرئيل (عليه السلام) وراءك [79] لعنك اللّه فقال له: حرف اسألك عنه يا جبرئيل، ما هذا الحدث الذي حدث منذ الليلة في الأرض، فقال له: ولد محمد (صلي اللّه عليه وآله وسلم) فقال: هل لي فيه نصيب؟ قال: لا. قال: ففي امته؟ قال: نعم. قال رضيت.
بدا بمولده المسعود طالعُهُ
بدرَ الهدي واختفت فيه الأضاليلُ
وزال عن رأس كسري التاجُ
من فوق بهرام للايمان إكليلُ
بخاتمِ الرُّسل قد زالت [80] أساورُهُ
فعرشهُ بعد كرسي الملك مشلولُ
سبحانَ من خص بالإِسراء رتبته
بقربه حيث لا كيف وتمثيلُ
بالجسم أسري به والروح [81] خادمه
له من اللّه تعظيم وتبجيلُ
له البراق حواد والسما طُرق
مسلوكةُ ودليل السير جبريلُ
له شريعة حقٍّ للهدي وله
شريعة في الندي من دونها النيلُ
وجاءه الروح بالقرآن ينسخ منْ
شريعةِ الروح [82] ما يحويه إنجيلُ
وكل أسفار توراة الكليم لها
من بعد إِسفار [83] صبح الذكر تعطيلُ
لولاه ما كان لا علم ولا عمل
ولا كتاب ولا نصّ وتأويلُ
ولا وجود ولا إنس ولا ملَك
ولا حديث ولا وحي وتنزيل
له الخوارق فالعُرجون في يده
مهند [84] من سيوف اللّه مسلولُ [79].
حروبه ومغازية لها سِيَر
بها يحدِّث جيل بعده جيلُ
وقال الشيخ الأزري:
ما عسي أن أقول في ذي معالٍ
علة الكون كله إحداها
بشّرت أمة به الرسل طراً
طرباً باسمه فيا بشراها
نوهت [80] باسمه السماوات والأرض
كما نوهت بصبح ذكاها [81].
طربت لاسمه الثري [82] فاستطالت
فوق [83] عُلوية السما سُفلاها
لا تُجلْ [84] في صفات احمد (ص) فكراً
فهي الصورة التي لن تراها
تلك نفس عزَّت علي اللّه قدراً
فارتضاها لنفسه واصطفاها
ما تناهت عوالم العلم إلا
والي كُنه احمد منتهاها
حاز قدسية العلوم وإن لَمْ
يُؤْتَها أحمدُ فَمن يؤتاها
علَم اقسمت جميع المعالي
أنه ربُّها الذي ربَّاها
فاض للخلق منه علم وحلم
أخذت عنهما العقول نهاها [79].
وسمت باسمه سفينةُ نوحٍ
فاستقرت به علي مجراها
وبه نال خلة اللّه ابرا
هيم والنار باسمه أطفاها
وبسرِّ سَري له في ابنِ عِمْرا
ن أطاعت تلك اليمين عصاها
وبه سخر المقابر عيسي
فاجابت نداءه موتاها
وهو سر السجود في الملاء الأع
لي ولولاه لم تعفِّر جباها
لم تكن هذه العناصر إلا
من هيولاه حيث كان أباها
قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في وصف النبي (صلي اللّه عليه وآله وسلم) ولقد قرن اللّه تعالي به من لدن كان فطيماً، أعظم ملك من ملائكته، يسلك به طريق المكارم ومحاسن اخلاق العالم ليله ونهاره ولقد كنت معه أتِّبعه اتِّباع الفصيل إثر أمه يرفع لي في كل يوم علماً من أخلاقه ويأمرني بالاقتداء به ولقد كان يجاور في كل سنة بحراء [80] فأراه ولا يراه غيري ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الإِسلام غير رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) وخديجة وأنا ثالثهما أري نور الوحي والرسالة وأشم ريح النبوة.
(قال البوصيري): [81].
فاق النبيين في خلق وفي خلق
ولم يدانوه في علم ولا كرم
وكلهم من رسولِ اللّه ملتمس
غَرفاً [82] من البحر أو رشفاً [83] من الديمِ [84].
فهو الذي تم معناه وصورته
ثم اصطفاه حبيبا بارئ النسيمِ
منزَّه عن شريك في محاسنه
فجوهر الحسن فيه غير منقسمِ
دع ما ادَّعته [79] النصاري في نبيهم
واحكم بما شئت مدحاً فيه واحتكم
فانسبْ الي ذاته ما شئت من شرف
وانسب الي قدره ما شئت من عظمِ
فان فضل رسول اللّه ليس له
حدّ فيعرف عنه ناطق بقمِ
وكيف يدرك في الدنيا حقيقته
قوم نيام تسلوا [80] منه بالحلُمِ [81].
فمبلغ العلم فيه أنّه بشر
وأَنه خير خلق اللّه كلهمِ
وكل آيٍ اتي الرسل الكرام بها
فانما اتصلت من نوره بهمِ
فانه شمس فضل هم كواكبُها
يظهرن انوارها للناس في الظُّلَم
يا خير من [82] يمم العافون ساحته
سعياً وفوق متون الأينق [83] الرُّسمِ
سَرَيْتَ من حَرَم ليلا الي حرم
كما سري البدر في داج [84] من الظلَمِ
فَظِلْتَ ترقي الي ان نلتَ منزلة
من قاب قوسين لم تدرك [79] ولم تُرَمِ
وقَدَّمتك جميع الأنبياء بها
والرسل تقديم مخدوم علي خَدَمِ
وانت تحترق السبعَ الطباقَ بهم
في موكب كنت فيه صاحبَ العلمَ
حتي إذا لم تدع شأواً [80] لمنسبق
من الدنوّ ولا مرقي لمستنم [81].
خفضت كلَّ مقام بالاضافة اذ
نوديتَ بالرفع مثل المفردِ العلمِ
وقال الشيخ حسين بن عبد الصمد الحارثي (رحمه اللّه)
محمد المصطفي الهادي البشير رسو
ل اللّه افضل خلق اللّه كلهم
لولا هداه لكان الناس كلهم
كاحرف ما لها معني من الكلم
ولو تفرق بعض من خلائقه
في الناس لم يبق ذو جهل ولا غَرَم [82].
لو لم تطأ رجله فوق التراب لما
غدا طهوراً وتسهيلاً علي الامم
لو لم يكن سجد البدر المنير له
ما اثر التُربُ في خدية بالوسمِ
فيا نجوم السما طوفوا بكعبته
سَعِدْتُمُ إذ له صرتم من الخدم
ولو تكلف صُمُّ فوق طاعته
سعت اليه جبال الحلِ والحرمِ
زاكي الفعال ومحمود الخصال ومب
ذول النوال ومختار من القدم
نصرت بالرعب حتي كاد سيفك ان
يسطو [83] بغير انسلال في رقابهم
البدر يخبر أنّ النور مكتسبُ
فيه ونورك أصليُّ وذو شمم [84].
كفاك فخراً كمالات خَصِصْت بها
اخاك حتي دَعَوه بارئ النسيمِ
وقال الصفي الحلي في مدحه صلي اللّه عليه وآله في قصيدته البديعية
شخص هو العالم الكليُّ في شرفٍ
ونفسه الجوهر القدسيُّ في عِظَمِ
هو النبيُّ الذي آياتهُ ظهرت
من قبل مظهره للناس في القدَمِ
صلي عليه اله العرش ما طلعت
شمس وما لاح نجم في دجي الظُّلمِ
وآله امناء اللّه من شهدت
لقدرهم سورة الاحزاب في العِظَمِ

في وفاته

روي عن علي بن الحسين (عليه السلام) قال: سمعت ابي (عليه السلام) يقول: لما كان قبل وفاة رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) بثلاثة ايام هبط عليه جبرائيل (عليه السلام) فقال: يا أحمد ان اللّه ارسلني اليك اكراماً وتفضيلاً لك وخاصة يسألك عما هو اعلم به منك، يقول كيف تجدك يا محمد قال النبي (صلي اللّه عليه وآله وسلم): اجدني يا جبرائيل مكروباً. فلما كان اليوم الثالث هبط جبرئيل وملك الموت ومعهما ملك يقال له اسماعيل في الهواء علي سبعين الف ملك فسبقهم جبرائيل فقال: يا احمد ان اللّه عز وجل ارسلني اليك اكراماً لك وتفضيلاً لك وخاصة يسألك عما هو أعلم به منك فقال: كيف تجدك يا محمد قال: أجدني يا جبرائيل مغموماً وأجدني يا جبرائيل مكروباً. فاستأذن ملك الموت، فقال جبرائيل: يا احمد هذا ملك الموت يستأذن عليك، لم يستأذن علي احد قبلك ولا يستأذن علي احد بعدك، قال (صلي اللّه عليه وآله وسلم) ائذن له فأذن له جبرائيل، فاقبل حتي وقف بين يديه فقال: يا احمد ان اللّه تعالي ارسلني إليك وأمرني ان اطيعك فيما تأمرني، ان امرتني بقبض نفسك قبضتها وان كرهت تركتها، فقال النبي (صلي اللّه عليه وآله وسلم): اتفعل ذلك يا ملك الموت؟ فقال: نعم بذلك أمرت ان اطيعك فيما تأمرني، فقال له جبرائيل: يا احمد ان اللّه تبارك وتعالي قد اشتاق الي لقائك، فقال رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم): يا ملك الموت امضِ لما امرت به.
ورُوي في المناقب عن ابن عباس انه أُغمي علي النبي (صلي اللّه عليه وآله وسلم) في مرضه، فدُقّ بابه، فقالت فاطمة (عليها السلام): من ذا؟ قال: انا رجل غريب اتيت اسأل رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) اتأذنون لي في الدخول عليه فأجابت امض رحمك اللّه، فرسول اللّه عنك مشغول، فمضي ثم رجع، فدق الباب وقال: غريب يستأذن علي رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) اتأذنون للغرباء، فأفاق رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) من غشيته وقال: يا فاطمة اتدرين من هذا؟ قالت: لا يا رسول اللّه قال: هذا مفرق الجماعات ومنغض اللذات، هذا ملك الموت ما استأذن واللّه علي احد قبلي ولا يستأذن علي احد بعدي. استأذن عليّ لكرامتي علي اللّه ائذني له فقالت: ادخل رحمك اللّه فدخل كريح هفافة وقال: السلام علي اهل بيت رسول اللّه، فاوصي النبي (صلي اللّه عليه وآله وسلم) الي علي (عليه السلام) بالصبر عن الدنيا وبحفظ فاطمة (عليها السلام) وبجمع القرآن وبقضاء دينه وبغسله وان يعمل حول قبره حائطاً ويحفظ الحسن والحسين (عليهما السلام).
وروي عن ابي رافع مولي رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) قال: لما كان اليوم الذي توفّي فيه رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) غشي عليه فاخذت بقدميه اقبلهما وأبكي فاقاق وانا اقول: من لي ولولدي بعدك يا رسول الّه، فرفع رأسه وقال: اللّه بعدي ووصيي صالح المؤمنين.
وروي في حديث عن جابر الأنصاري رحمه اللّه انه قال: كانت فاطمة عند النبي (صلي اللّه عليه وآله وسلم) وهي تقول: واكرباه لكربك يا ابتاه، فقال لها رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم): لا كرب علي ابيك بعد اليوم يا فاطمة انّ النبي لا يشق عليه الجيب ولا يخمش عليه الوجه ولا يدعي عليه بالويل ولكن قولي كما قال ابوك علي ابراهيم: [85] تدمع العينان وقد يوجع القلب ولا نقول ما يسخط الرب وإنا بك يا ابراهيم محزنون.
وعن ابي جعفر الباقر (عليه السلام) قال في قوله تعالي: (ولا يعصينك في معروف) ان رسول اللّه (صلي لاللّه عليه وآله وسلم) قال لفاطمة (عليها السلام): اذا أنا متُّ فلا تخمشي عليّ وجهاً ولا ترخي عليّ شَعْراً عليّ شَعْراٌ ولا تنادي بالويل ولا تقيمي عليَّ نائحة ثم قال: هذا المعروف الذي قال اللّه عز وجل.
قال المفيد ثم ثقل (صلي اللّه عليه وآله وسلم) وحضره الموت وامير المؤمنين (عليه السلام) حاضر عنده فلما قرب خروج نفسه قال له: ضع يا عليّ رأسي في حجرك فقد جاء امر اللّه فاذا فاضت نفسي فتناولها بيدك وامسح بها وجهك ثم وجّهني الي القبلة وتولَّ امري وصلِّ عليَّ أول الناس ولا تفارقني حتي تواريني في رمسي واستعن باللّه تعالي، فأخذ عليّ رأسه فوضعه في حجره فاغمي عليه فأكبت فاطمة (عليها السلام) تنظر في وجهه وتندبه وتبكي وتقول:
وأَبيض يستسقي الغمامَ بوجهه
ثمال اليتامي عصمة للأرامل
ففتح رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) عينيه وقال بصوت ضئيل: [86] يا بنية هذا قول عمك ابي طالب لا تقوليه ولكن قولي: (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات او قتل انقلبتم علي اعقابكم) فبكت طويلاً فأومي اليها بالدنو منه فدنت منه فأسرَّ اليها شيئاً تهلل وجهها له فجاءت الرواية: انه قيل لفاطمة (عليها السلام) ما الذي اسر اليك رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) فسري [87] عنك به ما كنت عليه من الحزن والقلق بوفاته قالت: انه أخبرني انني اول اهل بيته لحوقاً به وانه لن تطول المدة بي بعده حتي أدركه، فسري ذلك عني.
وفي رواية الصدوق عن ابن عباس: فجاء الحسن والحسين (عليهما السلام) يصيحان ويبكيان حتي وقعا علي رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) فأراد علي (عليه السلام) ان ينحيهما عنه فأفاق رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) ثم قال: يا عليّ دعني اشمهما ويشمّاني واتزود منهما ويتزودان مني أما انهما سيظلمان بعدي ويقتلان ظلماً، فلعنة اللّه علي من يظلمهما يقول ذلك ثلاثاً ثم مد يده الي علي فجذبه اليه حتي ادخله تحت ثوبه الذي كان عليه ووضع فاه علي فيه وجعل يناجيه مناجاة طويلة حتي خرجت روحه الطيبة صلوات اللّه عليه وآله فانسل [88] عليّ من تحت ثيابه وقال اعظم اللّه أجوركم في نبيكم فقد قبضه اللّه اليه فارتفعت الأصوات بالضجة والبكاء.
وقال الطبرسي وغيره ما ملخصه أن رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) قال لملك الموت: امض لما أمرت [89] له فقال جبرائيل: يا محمد هذا آخر نزولي الي الدنيا انما كنت انت حاجتي منها فقال له: يا حبيبي جبرائيل ادن مني فدنا منه فكان جبرائيل عن يمينه وميكائيل عن شماله وملك الموت قابض لروحه المقدسة فقضي رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) ويد أمير المؤمنين اليمني تحت حنكه ففاضت نفسه فيها فرفعها الي وجهه فمسحه بها ثم وجَّهه [90] وغمضه ومد عليه ازاره واشتغل بالنظر في أمره.
قال الراوي: وصاحت فاطمة (عليها السلام) وصاح المسلمون وهم يضعون التراب علي رؤوسهم.
قال الشيخ في التهذيب: قبض مسموماً [91] يوم الاثنين لليلتين بقيتا من صفر سنة احدي عشرة من الهجرة، وفي المناقب وكان بين قدومه المدينة ووفاته عشر سنين وقبض قبل ان تغيب الشمس وهو ابن ثلاث وستين سنة (صلي اللّه عليه وآله وسلم).
وعن الثعلبي انه قبض حين زاغت [92] الشمس فلما قبض رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) جاء الخضر فوقف علي باب البيت وفيه عليّ وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) ورسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) قد سجِّي [93] بثوب فقال: السلام عليكم يا اهل البيت، كل نفس ذائقة الموت وانما توفون اجوركم يوم القيامة، ان في اللّه خلفا من كل هالك وعزاء من كل مصيبة ودركاً [94] من كل فائت فتوكلوا عليه وثقوا به وأستغفر اللّه لي ولكم، واهل البيت يسمعون كلامه ولا يرونه فقال امير المؤمنين (عليه السلام) هذا اخي الخضر جاء يعزيكم بنبيكم.
فصل في وفاة النبي
ان كنت اردت ان تعلم مقدار تأثير مصيبة النبي (صلي اللّه عليه وآله وسلم) علي امير المؤمنين وعلي اهل بيته فاسمع ما قال امير المؤمنين (عليه السلام) في ذلك، قال: فنزل بي من وفاة رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) ما لم اكن اظن الجبال لو حملته عنوة [95] كانت تنهض به فرأيت الناس من اهل بيتي ما بين جازع لا يملك جزعه ولا يضبط نفسه ولا يقوي علي حمل فادح [96] ما نزل به قد اذهب الجزع صبره واذهل عقله وحال بينه وبين الفهم والافهام والقول والاستماع وسائر [97] الناس من غير بني عبد المطلب بين معزٍّ يأمر بالصبر وبين مساعد باك لبكائهم جازع لجزعهم، وحملت نفسي علي الصبر عند وفاته، بلزوم الصمت والاشتغال بما أمرني به من تجهيزه وتغسيله وتحنيطه وتكفينه والصلاة عليه ووضعه في حفرته، وجمع كتاب اللّه [98] وعهده الي خلقه لا يشغلني عن ذلك بادر دمعة ولا هائج زفرة ولا لادغ حرقة ولا جزيل مصيبة حتي أدّيت في ذلك الحق الواجب اللّه عز وجل ولرسوله عليَّ وبلغت منه الذي أمرني به واحتملته صابراً محتسباً.
وروي الكليني عن ابي جعفر (عليه السلام) قال لما قبض رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) بات آل محمد (عليهم السلام) بأطول ليلة حتي ظنوا ان لا سماء تظلهم ولا أرض تُقِلُّهم [99] لأن رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) وتر [100] الأقربين والابعدين في اللّه، فبينا هم كذلك أذ أتاهم آت لا يرونه ويسمعون كلامه فقال: السلام عليكم يا اهل البيت ورحمة اللّه وبركاته، ان في اللّه عزاء من كل مصيبة ونجاة من كل هلكة ودركا لما فات، كل نفس ذائقةُ الموت وانما توفون اجوركم يوم القيامة فمن زحزح [101] عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا الا متاع الغرور، ان اللّه اختاركم وفضلكم وطهّركم وجعلكم أهل بيت نبيه واستودعكم علمه وأورثكم كتابه.
وقال ابو عبد اللّه (عليه السلام) ان اللّه لما قبض نبيه دخل علي فاطمة عليها السلام من الحزن ما لا يعلمه الا اللّه عز وجل، فأرسل اليها ملكاً يسلّي غمَّها ويحدثها فشكت ذلك الي أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال لها: اذا احسست بذلك وسمعت الصوت قولي لي، فأعلمته ذلك وجعل امير المؤمنين (عليه السلام) يكتب كل ما سمع حتي أثبت من ذلك مصحفاً قال (عليه السلام): اما انه ليس فيه شيء من الحلال والحرام ولكن فيه علم ما يكون.
وفي رواية اخري انه كان جبرائيل (عليه السلام) يأتيها فيحسن عزاءها علي ابيها ويطيب نفسها.
وروي انه اجتمعت نسوة بني هاشم وجعلن يذكرن النبي (صلي اللّه عليه وآله وسلم) فقالت فاطمة (عليها السلام): اتركن التعداد وعليكنَّ بالدعاء وقال النبي (صلي اللّه عليه وآله وسلم): يا عليّ من اصيب بمصيبة فليذكر مصيبته بي فانها من اعظم المصائب وانشأ امير المؤمنين (عليه السلام):
الموت لا والدا يبقي ولا ولدا
هذا السبيل إلي ان لا تري احدا
هذا النبي ولم يخلد لأمته
لو خلد اللّه خلقا قبله خلدا
للموت فينا سهام غير خاطئة
من فاته اليوم سهم لم يفته غدا

في غسله

فلما اراد امير المؤمنين (عليه السلام) غسل رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) استدعي الفضل بن العباس فأمره ان يناوله الماء لغسله بعد ان عصب [102] عينيه ثم شق قميصه من قبل جيبه حتي بلغ به الي سرته وتولي غسله وتحنيطه والفضل يعاطيه الماء ويعينه عليه والملائكة كانت اعوانه ايضاً فغسل في قميصه.
روي الشيخ في التهذيب عن الحرث بن يعلي بن مرة عن أبيه عن جده قال: قبض رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) فستر بثوب، ورسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) خلف الثوب وعلي (عليه السلام) عند طرف ثوبه قد وضع خديه علي راحته والريح يضرب طرف الثوب علي وجه علي (عليه السلام) قال: والناس علي الباب وفي المسجد ينتحبون [103] ويبكون واذا [104] سمعنا صوتاً في البيت ان نبيكم طاهر مطهر فادفنوه ولا تغسلوه قال فرأيت علياً (عليه السلام) حين رفع راسه فزعاً فقال: اخسأ عدو اللّه فانه أمرني بغسله وكفنه ودفنه وتلك سنة قال (عليه السلام) نادي مناد آخر غير تلك النغمة يا علي بن ابي طالب استر عورة نبيك ولا تنزع القميص.
وفي نهج البلاغة من كلام له (عليه السلام) قاله وهو يلي غسل رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) وتجهيزه: بأبي أنت وامي لقد انقطع بموتك ما لم ينقطع بموت غيرك من النبوة والأنباء واخبار السماء وخصصت [105] حتي صرت مسلياً عمن سواك وعممت [106] حتي صار الناس فيك سواء ولولا انك أمرت بالصبر ونهيت عن الجزع لانفدنا [107] عليك ماء الشؤون [108] ولكان الداء مماطلاً [109] والكمد [110] محالفاً [111] وقلا لك [112] ولكنه [113] ما لا يملك رده ولا يستطاع دفعه بأبي انت وأمي اذكرنا عند ربك واجعلنا من بالك. [114].
وفي رواية الشيخ قال: لما فرغ من غسله كشف الأزار عن وجهه ثم أكبَّ عليه فقبل وجهه ومد الأزار عليه.
وعن فقه الرضا ان علياً (عليه السلام) لما ان غسل رسول اللّه (صلي اللّه عليهما وآلهما وسلم) وفرغ من غسله نظر في عينيه فرأي فيهما شيئاً فانكب عليه فادخل لسانه فمسح ما كان فيهما فقال بأبي وأمي يا رسول اللّه، (صلي اللّه عليك) طبت حياً وطبت ميتاً، قاله العالم. [115].
وعن بصائر الدرجات عن ابي رافع قال: ان اللّه ناجي علياً يوم غسل رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم).
قال الراوي: فلما فرغ علي (عليه السلام) من غسل رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) وتحنيطه كفنه في ثلاث أثواب، ثوبين ابيضين صحاريين، وبرد احمر حبرة [116] (وصحار قرية باليمن نسب الثوب اليها).
وروي القطب الراوندي عن علي (عليه السلام) انه قال: امرني رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) اذا توفي ان استسقي سبع قرب [117] من بئر غرس فاغسله بها فاذا غسلته وفرغت من غسله اخرجت من في البيت، قال: فاذا اخرجتهم فضع فاك علي فيَّ ثم سلني عما هو كائن الي ان تقوم الساعة من امر الفتن، قال علي (عليه السلام): ففعلت ذلك فأنبأني بما يكون الي ان تقوم الساعة وما من فئة تكون الا وانا اعرف اهل ضلالها من اهل حقها.

في دفن رسول الله

روي سليم [118] عن سلمان (رضي اللّه عنه) انه قال: اتيت علياً (عليه السلام) وهو يغسل رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) وقد كان أوصي ان لا يغسله غير عليٍّ (عليه السلام) وأخبر عنه انه لا يريد ان يقلب منه عضوا الا قلب له وقد قال امير المؤمنين (عليه السلام) لرسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم): من يعينني علي غسلك يا رسول اللّه قال جبرائيل فلما غسله وكفنه أدخلني وأدخل أبا ذر والمقداد وفاطمة وحسناً وحسيناً (عليهم السلام) فتقدم وصففنا خلفه وصلي عليه والمرأة [119] في الحجرة لا تعلم، قد اخذ جبرائيل ببصرها، قال المفيد: فلما فرغ من غسله وتجهيزه تقدم فصلي عليه وحده لم يشركه معه احد في الصلاة عليه وكان المسلمون في المسجد يخوضون فيمن يؤمهم في الصلاة عليه واين يدفن فخرج اليهم امير المؤمنين (عليه السلام) وقال لهم: ان رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) امامنا حياً وميتاً فيدخل عليه فوج بعد فوج منكم فيصلون عليه بغير امام وينصرفون، وان اللّه لم يقبض نبياً في مكان الا وقد ارتضاه لرمسه [120] فيه وانّي لدافنه في حجرته التي قبض فيها فسلم القوم لذلك ورضوا به.
روي الكليني عن أبي مريم الانصاري قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): كيف كانت الصلاة علي النبي (صلي اللّه عليه وآله وسلم) قال: لما غسله امير المؤمنين (عليه السلام) وكفنه سجاه، [121] ثم ادخل عليه عشرة فداروا حوله، ثم وقف امير المؤمنين (عليه السلام) في وسطهم فقال: ان اللّه وملائكته يصلون علي النبي، يا ايها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً، فيقول القوم كما يقول (عليه السلام) حتي صلي عليه أهل المدينة والعوالي. [122].
وروي ابو جعفر (عليه السلام): انهم صلوا عليه يوم الاثنين وليلة الثلاثاء حتي الصباح ويوم الثلاثاء حتي صلي عليه الاقرباء والخواص ولم يحضر أهل السقيفة وكان عليّ (عليه السلام) انفذ اليهم بريدة [123] وانما تمت بيعتهم بعد دفنه (صلي الله عليه وآله وسلم) وروي عن القسم الصقيل أنه كتب إلي الناحية المقدسة جعلت فداك هل اغتسل امير المؤمنين حين غسل رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) عند موته فاجابه: النبي 0صلي اللّه عليه وآله): طاهر مطهر ولكن امير المؤمنين (عليه السلام) فعل وجرت به السند.
قال المفيد: ولما صلي المسلمون عليه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) انفذ العباس بن عبد المطلب برجل الي ابي عبيدة بن الجراح وكان يحفر لأهل مكة ويصرح وكان ذلك عادة اهل مكة وانفذ الي زيد به سهل وكان يحفر لأهل المدينة ويلحد فاستدعاهما وقال اللهم خر [124] لنبيك فوجد ابو طلحة زيد بن سهل وقيل له: احفر لرسول اللّه فحضر له لحداً ودخل امير المؤمنين والعباس بن عبد المطلب والفضل بن العباس واسامة بن زيد ليتولوا دفن رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) فنادت الانصار من وراء البيت يا علي انا نذكرك اللّه وحقنا اليوم من رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) ان يذهب، ادخل منا رجلاً يكون لنا به حظ من مواراة رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم): فقال: ليدخل اوس بن خولي وكان بدرياً فاضلاً من بني عوف من الخزرج فلما دخل قال له علي (عليه السلام): انزل القبر فنزل ووضع امير المؤمنين رسول اللّه (صلي اللّه عليهما وآلهما) علي يديه ودلاه في حفرته فلما حصل في الأرض قال له اخرج فخرج ونزل علي القبر فكشف عن وجه رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) ووضع خده علي الأرض موجهاً الي القبلة علي يمينه ثم وضع عليه اللبن [125] واهال عليه التراب (انتهي). وروي انه ربَّع قبره.
وعن ابي عبد اللّه (عليه السلام) قال القي شقران مولي رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) في قبره القطيفة وقال: جعل عليّ (عليه السلام) علي قبر النبي (صلي اللّه عليه وآله وسلم) لبناً وقال: قبر رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) محصب [126] حصباء حمراء.
وروي الحميري: [127] ان قبر رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) رفع من الأرض قدر شبر وأربع اصابع ورش عليه الماء قال علي (عليه السلام): والسنة ان يرش علي القبر ماء.
ورُوي عن بصائر الدرجات عن ابي عبد اللّه (عليه السلام) انه لما قبض رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) هبط جبرائيل (عليه السلام) ومعه الملائكة والروح الذين كانوا يهبطون في ليلة القدر، قال: ففتح لأمير المؤمنين بصره فرآهم في منتهي السماوات الي الأرض يغسلون النبي (صلي اللّه عليه وآله وسلم) معه ويصلون معه عليه ويحفرون له واللّه ما حفر له غيرهم، حتي اذا وضع في قبره نزلوا مع من نزل فوضعوه، فتكلم وفتح لأمير المؤمنين (عليه السلام) سمعه، فسمعه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) يوصيهم به، فبكي، وسمعهم يقولون: لا نألوه [128] جهداً وإنما هو صاحبنا بعدك الا أنه ليس يعايننا ببصره بعد مرتنا هذه.
قال في نهج البلاغة من خطبة له (عليه السلام): و لقد علم المستحفظون من اصحاب محمد (صلي اللّه عليه وآله وسلم) إنِّي لم ارد علي اللّه سبحانه ولا علي رسوله ساعة قط، ولقد واسيته في المواطن التي تنكص [129] فيها الابطال وتتأخر الاقدام نجدة [130] أكرمني اللّه ولقد قبض رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) وان رأسه لعلي صدري، وقد سالت نفسه في كفّي فأمررتها علي وجهي ولقد وُلِّيت غسله والملائكة أعواني فضجت الدار والافنية [131] ملأ يهبط وملأ يعرج وما فارقت سمعي هينمة (اي الكلام الخفي) منهم يصلّون عليه حتي واريناه في ضريحه فمن ذا احق به منّي حياً وميتاً.
اقول: قد يقال ان المراد بسيلان النفس هبوب النفس عند انقطاع الانفاس وقيل اراد بنفسه دمه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) يقال ان رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) قاء عند وفاته دما يسيراً وأن علياً عليه السلام) مسح بذلك وجهه واللّه العالم.
قال المفيد: لم يحضر دفن رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) اكثر الناس لما جري بين المهاجرين والانصار من التشاجر في أمر الخلافة وفات اكثرهم الصلاة عليه لذلك، وأصبحت فاطمة (عليها السلام) تنادي، واسوء صباحاه فسمعها ابو بكر فقال لها: ان صباحك لصباح سوء.
وروي ابن عبد ربه في العقد الفريد عن انس بن مالك قال: لما فرغنا من دفن رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) اقبلت علي فاطمة فقالت: يا انس كيف طابت انفسكم ان تحثوا [132] علي وجه رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) التراب، ثم بكت ونادت يا ابتاه اجاب رباً دعاه يا أبتاه، من ربه ما ادناه.

سيدة نساء العالمين وبضعة خاتم النبيين وام الأئمة الطاهرين فاطمة الزهراء

اشاره

مشكاة نور اللّه جل جلاله
زيتونة عمَّ الوري بركاتها
صلوات اللّه عليها وعلي أبيها وبعلها وبنيها.
ولدت في جمادي الآخرة يوم العشرين منها سنة خمس واربعين من مولد النبي (صلي اللّه عليه وآله وسلم) وكان بعد مبعثه بخمس سنين كما رُوي عن الصادقين (عليهما السلام).
(البحار) بينا النبي (صلي اللّه عليه وآله وسلم) جالس بابطح [133] ومعه عمار بن ياسر والمنذر بن الضحضاح وابو بكر وعمر وعلي بن ابي طالب (عليه السلام) والعباس بن عبد المطلب وحمزة بن عبد المطلب (رحمه اللّه) اذ هبط عليه جبرائيل (عليه السلام) في صورته العظمي قد نشر أجنحته حتي اخذت من المشرق الي المغرب فناداه يا محمد، العليّ الأعلي يقرأ عليك السلام وهو يأمرك ان تعتزل [134] عن خديجة اربعين صباحاً، فشق ذلك علي النبي (صلي اللّه عليه واله وسلم) وكان محبّاً لها وبها وامقاً [135] قال: فأقام النبي (صلي اللّه عليه وآله وسلم) اربعين يوماً يصوم النهار ويقوم الليل حتي اذا كان في آخر ايامه تلك بعث الي خديجة بعمار بن ياسر وقال: قل لها يا خديجة لا تظني ان انقطاعي عنك هجرة ولا قلي [136] ولكن ربي عز وجل امرني بذلك لينفذ امره فلا تظني يا خديجة الا خيراً فان اللّه عز وجل ليباهي بك كرام ملائكته كل يوم مراراً فاذا جنك الليل فاجيفي [137] الباب وخذي مضجعك من فراشك فإني في منزل فاطمة بنت اسد رضي اللّه عنها فجعلت خديجة تحزن في كل يوم مراراً لفقد رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) فلما كان في كمال الاربعين هبط جبرائيل (عليه السلام) فقال: يا محمد العليّ الأعلي يقرئك السلام وهو يأمرك ان تتأهب لتحيته وتحفته قال النبي (صلي اللّه عليه وآله وسلم) يا جبرائيل وما تحفة رب العالمين وما تحيته قال: لا علم لي، قال: فبينا النبي (صلي اللّه عليه وآله وسلم) كذلك اذ هبط ميكائيل ومعه طبق مغطي بمنديل سندس [138] او قال: استبرق، فوضعه بين يديْ النبي (صلي اللّه عليه وآله وسلم) واقبل جبرائيل علي النبيّ (صلي الله عليه وآله وسلم) وقال: يا محمد يأمرك ربك ان تجعل الليلة افطارك علي هذا الطعام، فقال عليّ بن أبي طالب (عليه السلام): كان النبي (صلي اللّه عليه وآله ولم) اذا أراد أن يفطر أمرني ان افتح الباب لمن يرد الي الإِفطار فلما كان في تلك الليلة أقعدني النبي (صلي اللّه عليه وآله وسلم) علي باب المنزل وقال يا ابن ابي طالب انه طعام محرم الا عليَّ. قال عليّ (عليه السلام): فجلست علي الباب وخلا النبي (صلي اللّه عليه وآله وسلم) بالطعام وكشف الطبق فاذا عذق من رطب [139] وعنقود من عنب فأكل النبي (صلي اللّه عليه وآله وسلم) منه شبعاً، وشرب من الماء رياً، ومد يده للغسل فافاض الماء عليه جبرائيل وغسل يده ميكائيل (عليه السلام) وتمندله [140] اسرافيل (عليهم السلام) فارتفع فاضل الطعام مع الاناء الي السماء، ثم قام النبي (صلي اللّه عليه وآله وسلم) ليصلّي فأقبل عليه جبرائيل فقال الصلاة [141] محرمة عليك في وقتك حتي تأتي الي منزل خديجة فتواقعها فان اللّه عز وجل آلي [142] علي نفسه ان يخلق من صلبك في هذه الليلة ذرية طيبة فوثب رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) الي منزل خديجة قالت خديجة رضوان اللّه عليها: وكنت قد الفت الوحدة فكان اذا [143] جنّني الليل غطيت رأسي وأسجفت [144] ستري وغلقت بابي وصليت وردي وأطفأت مصباحي وأويت الي فراشي فلما كان في تلك الليلة لم أكن بالنائمة ولا بالمنتبهة اذ جاء النبي (صلي اللّه عليه وآله وسلم) فقرع الباب فناديت من هذا الذي يقرع حلقةً لا يقرعها الا محمد (صلي اللّه عليه وآله وسلم) قالت خديجة: فنادي النبي (صلي اللّه عليه وآله وسلم) بعذوبة كلامه وحلاوة منطقه، افتحي يا خديجة فانِّي محمد، قالت خديجة: فقمت فرحة مستبشرة بالنبي (صلي اللّه عليه وآله وسلم) وفتحت الباب ودخل النبي المنزل، وكان اذا دخل المنزل دعا بالاناء فتطهر للصلاة ثم يقوم فيصلي ركعتين يوجز فيهما ثم يأوي الي فراشه فلما كان في تلك الليلة لم يدع بالاناء ولم يتأهب للصلاة غير انه اخذ بعضدي وأقعدني علي فراشه وداعبني ومازحني وكان بيني وبينه ما يكون بين المرأة وبعلها فلا والذي سمك [145] السماء وأنبع الماء ما تباعد عني النبي (صلي اللّه عليه وآله وسلم) حتي حسست بثقل فاطمة (عليها السلام)في بطني.
وروي الشيخ الصدوق رضي اللّه عنه في الأمالي بسنده عن المفضل بن عمر قال: قلت لأبي عبد اللّه الصادق (عليه السلام) كيف كانت ولادة فاطمة (عليها السلام) فقال نعم ان خديجة (رضي اللّه عنها) لما تزوّج بها رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) هجرتها [146] نسوان مكة فلم يدخلن عليها ولا يسلمن عليها ولا يتركن امرأة تدخل عليها، فاستوحشت خديجة لذلك وكان جزعها وغمّها حذراً عليه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) فلما حملت بفاطمة (سلام اللّه عليها) كانت فاطمة تحدثها من بطنها وتصبِّرها، [147] وكانت تكتم ذلك من رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم)، فدخل رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) يوماً فسمع خديجة رضي اللّه عنها تحدث فاطمة (عليها السلام)، فقال لها: يا خديجة هذا جبرائيل يخبرني أنها أنثي وأنها النسلة الطاهرة الميمونة وان الله تبارك و تعالي سيجعل نسلي منها و سيجعل من نسلها الأئمة ويجعلهم خلفاء في ارضه بعد انقضاء وحيه. فلم تزل خديجة علي ذلك الي ان حضرت ولادتها، فوجهت الي نساء قريش وبني هاشم ان تعالين [148] لتلين مني ما تلي النساء من النساء، فأرسلن اليها، انت عصيتينا ولم تقبلي قولنا وتزوجت محمدا (صلي اللّه عليه وآله وسلم) يتيم ابي طالب، فقيراً لا مال له فلسنا نجيء ولا نلي من أمرك شيئاً، فاغتمت خديجة لذلك فبينا هي كذلك اذ دخل عليها اربع نسوء سمر [149] طوال كأنهن من نساء بني هاشم ففزعت منهن لما رأتهن فقالت احداهن، لا تحزني يا خديجة فانّا رسل ربك اليك ونحن اخواتك: أنا سارة وهذه آسية بنت مزاحم وهي رفيقتك في الجنة، وهذه مريم بنت عمران وهذه كلثم أخت موسي بن عمران، بعثنا اللّه اليك لنلي منك ما يلي النساء فجلست واحدة عن يمينها واخري عن يسارها والثالثة بين يديها والرابعة من خلفها فوضعت فاطمة (عليها السلام) طاهرة مطهرة، فلما سقطت الي الأرض اشرق منها النور حتي دخل بيوتات مكة، ولم يبق في شرق الأرض وغربها موضع الا أشرق فيه ذلك النور ودخل عشر من الحور العين، كل واحدة منهن معها طست من الجنة وابريق من الجنة، وفي الابريق ماء من الكوثر، واخرجت خرقتين بيضاءتين أشد بياضاً من اللّبن واطيب ريحاً من المسك والعنبر فلفتها بواحدة وقنعتها بالثانية ثم استنطقتها فنطقت فاطمة (عليها السلام) بالشهادتين وقالت: اشهد ان لا اله إلا اللّه وان ابي رسول اللّه، سيد الأنبياء، وان بعلي سيد الأوصياء وولدي سادة الاسباط، ثم سلمت عليهن وسمت كل واحدة منهن باسمها، واقبلن يضحكن اليها وتباشرت الحور العين وبشر أهل السماء بعضهم بعضاً بولادة فاطمة (عليها السلام) وحدث في السماء نور زاهر [150] لم تره الملائكة قبل ذلك وقالت النسوة: خذيها يا خديجة طاهرة مطهرة زكية ميمونة، بورك فيها وفي نسلها فتناولتها فرحة مستبشرة والقمتها [151] ثديها فدر عليها، فكانت فاطمة (عليها السلام) تنمو في اليوم كما ينمو الصبي في الشهر وتنمو في الشهر كما ينمو الصبي في السنة. [152].

في مناقب فاطمة

كانت فاطمة (صلوات اللّه عليها) من اهل العباء والمباهلة والمهاجرة في اصعب وقت، وكانت فيمن نزلت فيهم آية التطهير، وافتخر جبرائيل (عليه السلام) بكونه منهم وشهد اللّه لهم بالصدق ولها أمومة الأئمة وعقب الرسول (صلي اللّه عليه واله وسلم) الي يوم القيامة، وهي سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين واحد الركبان الأربعة يوم القيامة ولها المصحف الذي كان عند الأئمة (عليهم السلام)، وكانت اشبه الناس كلاماً وحديثاً برسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم)، تحكي شيمتها [153] شيمته وما تخرم [154] مشيتها مشيته، وكانت اذا دخلت عليه رحّب بها وقبّل يديها واجلسها في مجلسه، فاذا دخل عليها قامت اليه فرحبت به وقبّلت يديه. وكان (صلي اللّه عليه وآله وسلم) يكثر تقبيلها وكلما اشتاق الي رائحة الجنة يشم رائحتها، وكان يقول: فاطمة بضعة مني، من سرَّها فقد سرّني ومن ساءها فقد ساءني، فاطمة اعز الناس اليَّ، الي غير ذلك مما يكشف عن كثرة محبته (صلي اللّه عليه وآله وسلم) لها. [155].
روي الشيخ الكليني عطر اللّه مرقده عن محمد بن سنان قال: كنت عند ابي جعفر الثاني (عليه السلام) فأجريت اختلاف الشيعة، فقال: يا محمد ان اللّه تبارك وتعالي لم يزل متفردا بوحدانيته ثم خلق محمدا وعليّاً وفاطمة صلوات اللّه عليهم فمكثوا ألف دهر، ثم خلق جميع الأشياء فأشهدهم خلقها وأجري طاعتهم عليها وفوّض [156] أمورها اليهم فهم يحلّون ما يشاءون ويحرمون ما يشائون ولن يشاءوا الا ان يشاء اللّه تبارك وتعالي ثم قال: يا محمد هذه الديانة من تقدمها مرق [157] ومن تخلّف عنها محق [158] ومن لزمها لحق [159] خذها اليك يا محمد.

في وفاة فاطمة

قبضت فاطمة صلوات اللّه عليها بعد وفاة النبي (صلي اللّه عليه وآله وسلم) في جمادي الآخرة يوم الثلاثاء لثلاث خلون منها [160] سنة احدي عشرة من الهجرة. روي ذلك الطبرسي عن ابي عبد اللّه (عليه السلام).
وعن روضة الواعظين [161] وغيره مرضت فاطمة (صلوات اللّه عليها) مرضاً شديداً ومكثت اربعين ليلة في مرضها الي ان توفيت فلما نعيت [162] اليها نفسها دعت ام أيمن [163] واسماء [164] بنت عميس ووجهت خلف عليّ (عليه السلام) واحضرته فقالت: يا ابن عم انه قد نعيت الي نفسي وانني لا اري ما بي الا انني لاحقة بابي ساعة بعد ساعة وأنا اوصيك باشياء في قلبي قال لها علي (عليه السلام): اوصيني بما احببت يا بنت رسول اللّه، فجلس عند رأسها واخرج من كان في البيت ثم قالت: يا ابن عم ما عهدتني كاذبة ولا خائنة ولا خالفتك منذ عاشرتني فقال: معاذ اللّه، انت أعلم باللّه وأبرّ وأتقي وأكرم وأشد خوفاً من اللّه ان أوبخك بمخالفتي، قد عز عليَّ مفارقتك وفقدك، الا انه أمر لا بد منه، والله جُدِّدت عليَّ مصيبة رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) وقد عظمت وفاتك وفقدك، فانا للّه وانا اليه راجعون من مصيبة ما أفجعها وآلمها وأمضها [165] وأحزنها هذه واللّه مصيبة لا عزاء لها، ورزية لا خلف لها، ثم بكيا جميعاً ساعة واخذ عليّ (عليه السلام) رأسها وضمها الي صدره ثم قال: اوصيني بما شئت، فانك تجدينني امضي فيها كما أمرتني به وأختار أمرك علي امري، ثم قالت: جزاك اللّه عني خير الجزاء يا ابن عم رسول اللّه ثم أوصته بان يتزوج بعدها امامة بنت اختها وأن يتخذ لها نعشاً [166] وان لا يشهد احد جنازتها من الذين ظلموها وأخذوا حقها وان لا يصلي عليها احد منهم، ولا من أتباعهم، وان يدفنها بالليل اذا هدأت [167] العيون ونامت الابصار.
وعن مصباح الانوار عن ابي عبد اللّه عن آبائه (عليهم السلام) قال: ان فاطمة (عليها السلام) لما احتضرت اوصت علياً [168] فقالت: اذا أنا مت فتول انت غسلي، وجهزني، وصلِّ عليَّ وانزلني في قبري وألحدني وسوّ التراب عليَّ واجلس عند رأسي قبالة وجهي فأكثر من تلاوة القرآن والدعاء فانها ساعة محتاج الميت الي أنس الاحياء، وأنا استودعك اللّه تعالي وأوصيك في وُلدي خيراً، ثم ضمت اليها ام كلثوم فقالت له: اذا بلَغَتْ فلها ما في المنزل، ثم اللّه لها، فلما توفيت فعل ذلك أمير المؤمنين (عليه السلام).
ورُوي انه لما حضرت فاطمة (عليها السلام) الوفاة، بكت فقال لها امير المؤمنين (عليه السلام): يا سيدتي ما يبكيك قالت: ابكي لما تلقي بعدي، قال لها: لا تبكي فواللّه ان ذلك لصغير عندي في ذات اللّه.
ورُوي عن ام سلمي امرأة ابي رافع قالت: اشتكت فاطمة (عليها السلام) شكواها التي قبضت فيها وكنت امرضها فاصبحت يوماً اسكن ما كانت، فخرج عليّ (عليه السلام) الي بعض حوائجه فقالت اسكبي [169] لي غسلاً [170] فسكبت، فقامت واغتسلت احسن ما يكون من الغسل ثم لبست اثوابها الجدد [171] ثم قالت: افرشي لي فراشي وسط البيت ثم استقبلت القبلة ونامت، وقالت: انا مقبوضة وقد اغتسلت فلا يكشفني احد ثم وضعت خدها علي يدها، وماتت (صلوات اللّه عليها).
وفي رواية اخري قالت لأسماء بنت عميس انتظريني هنيهة، [172] ثم ادعيني فان اجبتك، والا فاعلمي أني قد قِدمت علي ابي، قال الراوي: فانتظرتها اسماء هنيهة ثم نادتها فلم تجبها فنادت يا بنت محمد المصطفي، يا بنت اكرم من حملته السماء، يا بنت خير من وطأ الحصي، يا بنت من كان من ربه قاب قوسين أو أدني، فلم تجبها فكشفت الثوب عن وجهها فاذا بها قد فارقت الدنيا، فوقعت عليها تقبلها وهي تقول يا فاطمة اذا قدمت علي ابيك رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) فأقرئيه من اسماء بنت عميس السلام، ثم شقت اسماء جيبها وخرجت فتلقاها الحسن والحسين (عليهما السلام) فقالا: اين أمنا فسكتت، فدخلا البيت فاذا هي ممتدة فحركها الحسين (عليه السلام) فاذا هي ميتة فقال: يا اخاه آجرك اللّه في الوالدة فوقع عليها الحسن يقبلها مرة ويقول: يا أماه كلميني قبل ان يفارق روحي بدني قالت: واقبل الحسين (عليه السلام) يقبل رجلها ويقول يا أماه انا ابنك الحسين كلميني قبل ان ينصدع [173] قلبي فأموت قالت لهما اسماء: يا ابني رسول اللّه انطلقا الي ابيكما عليّ (عليه السلام) فاخبراه بموت أمكما، فخرجا يناديان يا محمداه يا احمداه، اليوم جدد لنا موتك، اذ ماتت أمنا، ثم أخبرا عليَّا (عليه السلام) وهو في المسجد فغشي عليه عليه حتي رش [174] عليه الماء ثم أفاق وكان (عليه السلام) يقول: بمن العزاء يا بنت محمد، كنت بك اتعزي ففيم العزاء من بعدك. قال الراوي: فحمل الحسنين (عليهما السلام) حتي ادخلهما بيت فاطمة (عليها السلام) وعند رأسها اسماء تبكي وتقول: وايتامي محمد كنا نتعزي بعدك. فكشف علي (عليه السلام) عن وجهها فاذا برقعة عند رأسها فاذا فيها: بسم اللّه الرحمن الرحيم هذا ما أوصت به فاطمة بنت رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) أوصت، وهي تشهد ان لا إله الا اللّه، وأن محمداً (صلي اللّه عليه وآله وسلم) عبده ورسوله، وأن الجنة حق، والنار حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن اللّه يبعث من في القبور، يا عليّ انا فاطمة بنت محمد (صلي اللّه عليه وآله وسلم) زوجني اللّه منك لأكون لك في الدنيا والآخرة أنت أولي بي من غيري، حنطني [175] وغسّلني بالليل، وصلّ علي وادفني بالليل ولا تعلم احدا، واستودعك اللّه واقرأ علي وُلدي السلام الي يوم القيامة.
قال الراوي فصاحت اهل المدينة صيحة واحدة واجتمعت نساء بني هاشم في دارها فصرخن صرخة واحدة كادت المدينة ان تزعزع لصراخهن وهن يقلن: يا سيدتاه يا بنت رسول اللّه، وأقبل الناس مثل عرف [176] الفرس الي عليّ (عليه السلام) وهو جالس والحسن والحسين (عليهما السلام) بين يديه يبكيان فبكي الناس لبكائهما وخرجت ام كلثوم وعليها برقعة [177] وتجر ذيلها متجللة بردائها غلبها نشيجها وهي تقول: يا ابتاه يا رسول اللّه الان حقاً فقدناك فقداً لا لقاء بعده ابداً.
واجتمع الناس فجلسوا وهم يضجون وينتظرون ان تخرج الجنازة فيصلون عليها فخرج ابو ذر (رضي اللّه عنه)، وقال: انصرفوا فان ابنة رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) قد أُخر اخراجها في هذه العشية فقام الناس وانصرفوا.
فلما جنّ الليل غسلها امير المؤمنين (عليه السلام) ولم يحضرها غيره والحسن والحسين وزينب وام كلثوم (عليهم السلام) وفضة جاريتها واسماء بنت عميس (رضي اللّه عنها). [178].
وفي رواية ورقة قال علي (عليه السلام): واللّه لقد اخذت في امرها وغسلتها في قميصها ولم اكشفه عنها فوالله لقد كانت ميمونة طاهرة مطهرة ثم حنطتها من فضلة حنوط رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) وكفنتها وادرجتها في اكفانها فلما هممت ان اعقد الرداء ناديت يا ام كلثوم يا زينب يا سكينة يا فضة يا حسن ويا حسين هلموا تزودوا من امكم فهذا الفراق، واللقاء في الجنة فاقبل الحسن والحسين (عليهما السلام) وهما يناديان واحسرة لا تنطفئ ابداً من فقد جدنا محمد المصطفي (صلي اللّه عليه وآله وسلم) وامنا فاطمة الزهراء يا ام الحسن يا ام الحسين اذا لقيت جدنا محمداً المصطفي فاقرئيه منا السلام وقولي له: إنا قد بقينا بعدك يتيمين في دار الدنيا، فقال امير المؤمنين عليّ (عليه السلام): إني أُشهد اللّه انها قد حنَّت [179] وأنت ومدَّت يديها وضمتهما الي صدرها ملياً واذا بهاتف من السماء ينادي يا ابا الحسن ارفعهما عنها فلقد ابكيا واللّه ملائكة السماوات فقد اشتاق الحبيب الي المحبوب قال: فرفعتهما عن صدرها.
وروي ان كثير بن عباس كتب علي اطراف كفن سيدة النساء، تشهد ان لا إله لا اللّه وان محمدا (صلي اللّه عليه وآله وسلم) رسول اللّه.
فلما ان هدأت [180] العيون ومضي شطر من الليل اخرجها عليّ والحسن والحسين (عليهم السلام) وعمار والمقداد وعقيل والزبير وابو ذر وسلمان وبريدة [181] ونفر من بني هاشم وخواصه، صلّوا عليها ودفنوها في جوف الليل وسوي عليّ (عليه السلام) قبوراً مزورة مقدار سبعة حتي لا يعرف قبرها.
ورُوي انه (عليه السلام) لما دفن فاطمة (صلوات اللّه عليها) وعفَّي موضع قبرها ونفض يده من تراب القبر، هاج به الحزن فارسل دموعه علي خديه، وحوّل وجهه الي قبر رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) فقال: السلام عليك يا رسول اللّه عني وعن ابنتك النازلة في جوارك والسريعة اللحاق بل قلّ يا رسول اللّه عن صفيتك صبري ورقَّ عنها تجلُّدي [182] إلا أن لي في التأسي بعظيم فرقتك وفادح [183] مصيبتك موضع تعز فلقد وسدتك [184] في ملحودة قبرك وفاضت بين نحري وصدري نفسك انا لله وانا اليه راجعون فلقد استرجعت [185] الوديعة واخذت الرهينة اما حزني فسرمد واما ليلي فمسهد [186] الي ان يختار اللّه لي دارك التي انت بها مقيم وستنبئك ابنتك بتظافر [187] امتك علي هضمها [188] فاحفها [189] السؤال واستخبرها الحال هذا ولم يطل العهد ولم يخل منك الذكر والسلام عليكما سلام مودع لا قال [190] ولا سئم فإن انصرف فلا عن ملالة وان أقم فلا عن سوء ظن بما وعد اللّه الصابرين.
روي الشيخ عن يزيد بن عبد الملك عن أبيه عن جده قال: دخلت علي فاطمة (عليها السلام) فبدأتني بالسلام، ثم قالت: ما إذ بك [191] قلت: طلب البركة قالت: أخبرني وهوذا: [192] هو أنه من سلَّم عليه وعليّ ثلاثة أيام أوجب اللّه له الجنة قلت لها في حياته وحياتك قالت نعم وبعد موتنا.
البحار، عن مصباح الأنوار، عن امير المؤمنين (عليه السلام)، عن فاطمة (عليها السلام) قالت: قال لي رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم): من صلي عليك غفر اللّه له وألحقه بي حيث كنت من الجنة.

ابو الحسن امير المؤمنين علي بن ابي طالب

اشاره

ولد (عليه السلام) بمكة في البيت الحرام في يوم الجمعة لثلاث عشرة ليلة خلت من رجب بعد عام الفيل بثلاثين سنة.
امه فاطمة بنت اسد بن هاشم بن عبد مناف وهو واخوته اول هاشمي ولد بين هاشميين ولم يولد في البيت الحرام قبله احد وهي فضيلة خصه اللّه تعالي بها اجلالاً له واعلاء لمرتبته واظهارا لكرامته.
وروي عن علي بن الحسين (عليه السلام) قال ان فاطمة بنت اسد ضربها الطلق [193] وهي في الطواف فدخلت الكعبة فولدت امير المؤمنين (عليه السلام) فيها.
وروي الصدوق عن سعيد بن جبير قال: قال يزيد بن قعنب: كنت جالساً مع العباس بن عبد المطلب وفريق من عبد العزي، بأزاء بيت اللّه الحرام إذ اقبلت فاطمة بنت اسد أم أمير المؤمنين (عليه السلام) وكانت حاملة به لتسعة اشهر وقد اخذها الطلق فقالت: ربِّ اني مؤمنة بك وبما جاء من عندك من رسلٍ وكتب واني مصدقة بكلام جدّي ابراهيم الخليل (عليه السلام) وانه بني البيت العتيق، فبحق الذي بني هذا البيت، وبحق المولود الذي في بطني لما يسَّرْت عليَّ ولادتي، قال يزيد بن قعنب: فرأينا البيت وقد انفتح عن ظهره ودخلت فاطمة فيه وغابت عن ابصارنا والتزق [194] الحائط فرمنا ان ينفتح لنا قفل الباب فلم ينفتح، فعلمنا ان ذلك أمر من أمر اللّه عز وجل. ثم خرجت بعد الرابع وبيدها امير المؤمنين (عليه السلام)، ثم قالت: اني فُضِّلت علي من تقدمني من النساء لأن آسية بنت مزاحم عبدت اللّه عز وجل سرّاً في موضع لا يحب ان يعبد اللّه فيه الا اضطراراً وان مريم بنت عمران هزت النخلة اليابسة بيدها حتي أكلت منها رطباً جنيّاً واني دخلت بيت اللّه الحرام فأكلت من ثمار الجنة وأوراقها، فلما اردت ان اخرج هتف بي هاتف: يا فاطمة سميه علياً، فهو عليّ، واللّه العلي الاعلي، يقول اني شققت اسمه من اسمي وأدبته بأدبي ووقفته علي غامض علمي وهو الذي يكسر الاصنام في بيتي وهو الذي يؤذن فوق ظهر بيتي ويقدسني ويمجدني فطوبي لمن احبه واطاعه وويل لمن ابغضه وعصاه.

فضائل أمير المؤمنين

فاما فضائله (عليه السلام): فهي كما قال ابن ابي الحديد قد بلغت من العظم والجلال والانتشار والاشتهار، مبلغاً يسمج [195] معه التعرض لذكرها، والتصدي لتفصيلها، فصارت كما قال ابو العيناء لعبيد اللّه بن يحيي بن خاقان وزير المتوكل والمعتمد، وانني فيما اتعاطي من وصف فضلك كالمخبر عن ضوء النهار الباهر والقمر الزاهر الذي لا يخفي علي الناظر. فايقنت اني حيث انتهي بي القول منسوب الي العجز، مقصر عن الغاية. فانصرفت عن النثاء عليك الي الدعاء لك، وكانت الاخبار عنك الي علم الناس بك، وما أقول في رجل اقر له اعداؤه وخصومه بالفضل، ولم يمكنهم جحد مناقبه ولا كتمان فضائله، فقد علمت انه استولي بنو امية علي سلطان الإِسلام في شرق الأرض وغربها، واجتهدوا بكل حيلة في اطفاء نوره والتحريف عليه ووضع المعائب والمثالب له، ولعنوه علي جميع المنابر، وتوعدوا مادحيه بل حبسوهم وقتلوهم، ومنعوا من رواية حديث يتضمن له فضيلة، او يرفع له ذكراً حتي حظروا ان يسمي احد باسمه، فما زاده ذلك الا رفعة وسمّواً، وكان كالمسك كلما ستر انتشر عرفه، [196] وكلما كتم تضوع نشره، وكالشمس لا تستر بالراح، [197] وكضوء النهار ان حجبت عنه عيناً واحدة ادركته عيون كثيرة، وما اقول في رجل تُعْزي [198] اليه كل فضيلة، وتنتهي اليه كل فرقة، وتتجاذبه كل طائفة، فهو رئيس الفضائل وينبوعها، وابو عذرها [199] وسابق مضمارها، [200] ومجلّي [201] حلبتها، كل من بزغ [202] فيها بعده، فمنه اخذ، وله اقتفي، وعلي مثاله احتذي، [203] الي آخر ما قال في ذلك.
وقال صاحب مدينة المعاجز: [204] واما ما جاء في فضل عليّ امير المؤمنين (عليه السلام)، فاحاديثه لا تحصي، وآثاره لا تستقصي، فمن طريق المخالفين ما ذكر صاحب ثاقب المناقب، عن محمد بن عمر الواقدي قال: كان هارون الرشيد يقعد للعلماء في يوم عرَّفه، [205] فقعد ذات يوم وحضره الشافعي وكان هاشمياً يقعد الي جنبه وحضر محمد بن [206] الحسين وابو يوسف [207] فقعدا بين يديه، وغص [208] المجلس بأهله، فيهم سبعون رجلاً من اهل العلم، كل منهم يصلح ان يكون امام صقع [209] من الاصقاع، قال الواقدي: فدخلت في آخر الناس، فقال الرشيد لم تأخرت، فقلت: ما كان لاضاعة حق، ولكني شغلت بشغل عاقني، قال: فقربني حتي اجلسني بين يديه، وقد خاض الناس في كل فن من العلم، فقال الرشيد للشافعي: يا ابن عمّي كم تروي في فضائل علي بن ابي طالب، فقال: اربعمئة حديث واكثر فقال له: قل ولا تخف، قال: تبلغ خمسمئة وتزيد ثم قال لمحمد بن الحسن: كم تروي يا كوفي من فضائله، قال: الف حديث او اكثر فاقبل علي ابي يوسف، فقال: كم تروي انت يا كوفي من فضائله اخبرني ولا تخشَ، قال: يا امير المؤمنين لولا الخوف لكانت روايتنا في فضائله اكثر من ان تحصي، قال: مم تخاف؟ قال: منك ومن عمالك واصحابك، قال: انت آمن، فتكلم واخبرني كم فضيلة تروي فيه، قال: خمسة عشر الف خبر مسند وخمسة عشر الف حديث مرسل، قال الواقدي فاقبل عليَّ، فقال: ما تعرف في ذلك؟ فقلت مثل مقالة ابي يوسف. قال الرشيد: لكني اعرف له فضيلة رأيتها بعيني وسمعتها باذني، اجلّ من كل فضيلة تروونها انتم الي آخر ما ذكره من الفضيلة.
وروي الصدوق عن الطبري عن الحسن بن محمد عن الحسن بن يحيي الدهان قال: كنت ببغداد عند قاضي بغداد، واسمه سماعة، اذ دخل عليه رجل من كبار اهل بغداد، فقال له: اصلح اللّه القاضي، اني حججت في السنين الماضية فمررت بالكوفة فدخلت في مرجعي الي مسجدها، فبينا انا واقف في المسجد اريد الصلاة اذا امامي امرأة اعرابية بدوية مرخية الذوائب، عليها شملة وهي تنادي وتقول: يا مشهوراً في السماوات، يا مشهوراً في الأرضيين، يا مشهوراً في الآخرة، يا مشهوراً في الدنيا، جهدت الجبابرة والملوك علي اطفاء نورك، واخماد ذكرك، فابي اللّه لذكرك الا علواً ولنورك الا ضياءً وتماماً ولو كره المشركون، قال: فقلت: يا امة اللّه ومن هذا الذي تصفينه بهذه الصفة قالت: ذاك امير المومنين، قال فقلت لها: أي امير المؤمنين هو، قالت عليّ بن أبي طالب الذي لا يجوز التوحيد الا به وبولايته. قال فالتفت اليها فلم أر أحداً.
وحكي عن الشافعي، انه قيل له ما تقول في عليّ (عليه السلام) قال: ما تقول في حقّ من أخفي اولياؤه فضائله خوفاً، وأخفي أعداؤه فضائله حسداً، وشاع من بين ذين ما ملأ الخافقين.
ولقد اجاد مادح اهل البيت الشيخ الازري (قدس سره) في قوله:
لا فتي في الجود الا علي
ذاك شخص بمثله اللّه باها
لا ترم وصفه ففيه معانٍ
لم يصفها الا الذي سوّاها
ما حوي الخافقان انس وجن
قَصَبَات السبق الّتي قد حواها
انما المصطفي مَدينةُ علم
وهو البابُ من اتاه أتاها
وهما مقلتا العوالم يسرا
ها عليّ واحمد يمناها
هل أتي هل أتي بمدح سواه
لا ومولي بذكره حلاها
فتأمل بعمَّ [210] تُنْبئك عنه
نبأً كل فرقة أعياها
وبمعني أحبّ [211] خلقك فانظر
تجد الشمس قد أزاحت دجاها
وتفكر بانت منِّي [212] تجدها
حكمة تورث الرقود [213] انتباها
او ما كان بعد موسي اخوه
خير اصحابه واعظم جاهَا
ليس [214] تخلو إلا النبوة منه
ولهذا خير الوري استثناها
وهي في آية [215] التباهل نفس
المصطفي ليس غيره اياها
ثم سل انما وليكم اللّه
تري الاعتبار في معناها
آية خصّت الولاية للّه
وللطهر حيدراً بعد طه
لك في مرتقي العلي والمعالي
درجات لا يرتقي أدناها
يا اخا المصطفي لدي ذنوب
هي عين القذي [216] وانت جلاها
كيف تخشي العصاة بلوي المعاصي
وبك اللّه منقذ مبتلاها
وقال سبط بن الجوزي في التذكرة سمعت جدي ينشد في مجالس وعظه ببغداد (سنة 592هجري) بيتين ذكرهما في كتاب تبصرة المبتدي وهما:
اهوي علياً وإيماني محبتُه
كم مشرك دمُه من سيفه وكفا
ان كنت ويحك لم تسمع فضائله
فاسمع مناقبه من هل أتي وكفي
(وقال غيره)
بآل محمد عُرِفَ الصَّوابُ
وفي ابياتهم نزلَ الكتابُ
وهم حججُ الإِله علي البرايا
بهم وبجدّهم لا يسترابُ
ولا سيما ابو حسن عليّ
له في الحرب مرتبة تهابُ
طعامُ سيوفه مهجُ [217] الاعادي
وفيضُ دمِ الرقاب لهُ شرابُ
وضرْبَتُهُ كبيعتِهِ بخمّ
معاقدهُا من القومِ الرِّقابُ
عليُّ الدرّ والذهب المصفَّي
وباقي الناس كلهمُ ترابُ
هو البكّاء في المحراب ليلاً
هو الضحاك اذا اشتد الضّراب
هو النبأ العظيم وفلك [218] نوح
وباب اللّه وانقطع الخطاب

في قتل أمير المؤمنين

قبض سلام اللّه عليه ليلة احدي وعشرين من شهر رمضان سنة اربعين، ضربه ابن ملجم الملعون بالسيف المسموم علي رأسه في مسجد الكوفة، وقت التنوير [219] ليلة الجمعة لتسع عشرة ليلة مضين من الشهر فبقي يومين الي نحو الثلث الأول من الليل ثم قضي نحبه شهيداً ولقي ربه تعالي مظلوماً وله يومئذ ثلاث وستون سنة.
قال المسعودي في مروج الذهب في ذكر مقتله: وفي سنة اربعين اجتمع بمكة جماعة من الخوارج، فتذاكروا الناس وما هم فيه من الحرب والفتنة، وتعاهد ثلاثة منهم علي قتل عليّ (عليه السلام) ومعاوية وعمرو بن العاص وتواعدوا واتفقوا علي ان لا ينكص [220] رجل منهم عن صاحبه الذي يتوجه اليه، حتي يقتله او يقتل دونه: وهم عبد الرحمن بن ملجم، (لعنه اللّه) وكان من تجيب. [221] وكان عدادهم في مراد فنسب اليهم، وحجاج بن عبد اللّه الصريمي ولقبه البرك، وزادويه مولي بني العنبر، فقال ابن ملجم: أنا اقتل علياً وقال البرك: انا اقتل معاوية وقال زادويه انا أقتل عمرو بن العاص. واتَّعدوا ان يكون ذلك ليلة [222] تسع عشرة من شهر رمضان، وقيل، ليلة احدي وعشرين، فخرج عبد الرحمن بن ملجم المرادي الي عليّ (عليه السلام) فلما قدم الكوفة اتي قطام بنت عمه وكان عليّ (عليه السلام) قتل اباها واخاها يوم النهروان وكانت أجمل أهل زمانها فخطبها، فقالت: لا اتزوج حتي تسمي [223] لي قال: لا تسأليني شيئاً الا اعطيته، فقالت: ثلاثة آلاف، وعبداً وقينة وقتل عليّ (عليه السلام)، فقال: ما سألت هو لك مهر، الا قتل عليّ (عليه السلام) فلا اراك تدركينه، قالت: فالتمس غرته [224] فان اصبته شفيت نفسي ونفعك العيش معي، وان هلكت فما عند اللّه خير لك من الدنيا، فقال: والله ما جاء بي الي هذا المصر، وقد كنت هارباً منه الا ذلك، وقد اعطيتك ما سألت وخرج من عندها وهو يقول:
ثلاثة آلاف وعبد وقينة
وقتل علي (ع) بالحسام المصمم
فلا مهر اغلي من علي وان علا
ولا فتك الا دون فتك ابن ملجم
فلقيه رجل من اشجع، يقال له شبيب بن بجرة من الخوارج، فقال له: هل لك في شرف الدنيا والآخرة، فقال: وما ذاك قال: تساعدني علي قتل علي قال: ثكلتك امك، لقد جئت شيئاً إدّاً [225] قد عرفت عناءه في الإِسلام وسابقته مع النبي (صلي اللّه عليه وآله وسلم) فقال ابن ملجم: ويحك اما تعلم انه قد حكَّم الرجال في كتاب اللّه وقتل اخواننا المصلين فنقتله ببعض اخواننا، فأقبل معه حتي دخل علي قطام وهي في المسجد الأعظم، وقد ضربت كلة بها، وهي معتكفة يوم الجمعة لثلاث عشرة ليلة مضت من شهر رمضان، فاعلمته ان مجاشع بن وردان بن علقمة قد انتدب لقتله معهما، فدعت لهما بحرير وعصبتهما واخذوا أسيافهم وقعدوا مقابلين لباب السدة التي يخرج منها عليّ (عليه السلام) للمسجد، وكان عليّ يخرج كل غداة اول الأذان للصلاة وقد كان ابن ملجم مر بالاشعث [226] وهو في المسجد فقال له: فضحك الصبح فسمعها حجر بن [227] عدي فقال: قتلته يا اعور قتلك اللّه، وخرج علي (عليه السلام) ينادي: ايها الناس الصلاة فشد عليه ابن ملجم واصحابه، وهم يقولون: الحكم للّه لا لك، وضربه ابن ملجم علي رأسه بالسيف في قرنه، واما شبيب فوقعت ضربته بعضادة [228] الباب واما ابن وردان فهرب، وقال عليّ (عليه السلام) لا يفوتنكم الرجل وشد الناس علي ابن ملجم يرمونه بالحصباء ويتناولونه ويصيحون، فضرب ساقه رجل من همدان برجله، وضرب المغيرة بن نوفل الحرث بن عبد المطلب وجهه فصرعه، واقبل به الي الحسن (عليه السلام) ودخل شبيب بين الناس فنجا بنفسه، وهرب، حتي أتي رحله، فدخل عليه عبد اللّه بن بحرة، وهو احد بني ابيه فرآه ينزع الحرير عن صدره، فسأله عن ذلك فخبّره خبره، فانصرف عبد اللّه الي رحله واقبل اليه بسيفه فضربه حتي قتله.
وقيل: ان عليّاً (عليه السلام) لم ينم تلك الليلة، وانه لم يزل يمشي بين الباب والحجرة، وهو يقول: واللّه ما كذَبت ولا كُذبت وانها الليلة التي وعدت، فلما صرخ بط (كان للصبيان) صاح بهن بعض من في الدار فقال عليّ (عليه السلام): ويحك دعن فانهن نوائح.
وقال المسعودي: أنه (عليه السلام) قد خرج الي المسجد وقد عسر عليه فتح باب داره، وكان من جذوع النخل فاقتلعه، وجعله ناحية، وانحل ازاره فشده وجعل ينشد:
أشدُدْ حيازيمك [229] للموت فان الموت لاقيكا
ولا تجزع من الموت إذا حل بواديكا [230].
وروي الشيخ المفيد انه لما دخل شهر رمضان كان امير المؤمنين (عليه السلام) يتعشي ليلة عند الحسن، وليلة عند الحسين، (عليهما السلام)، وليلة عند عبد اللّه بن العباس، وكان لا يزيد علي ثلاث لقم فقيل له ليلة من تلك الليالي في ذلك، فقال: يأتيني امر اللّه وانا خميص [231] انما هي ليلة او ليلتان فاصيب اخر الليل.
ورُويَ عن ام موسي خادمة عليّ (عليه السلام) وهي حاضنة [232] فاطمة ابنته، قالت: سمعت عليّاً (عليه السلام) يقول لابنته ام كلثوم: يا بنية اني أراني قلَّ ما أصحبكم، قالت: وكيف ذلك يا أبتاه، قال: إني رأيت رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) في منامي، وهو يمسح الغبار عن وجهي، ويقول: يا عليّ لا عليك قضيت ما عليك. قال: [233] فما مكثنا الا ثلاثاً حتي ضُرب تلك الضربة، فصاحت ام كثلوم، فقال: يا بنية لا تفعلي فانّي أري رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) يشير الي بكفه ويقول: يا عليّ هلم الينا فان ما عندنا هو خير لك.
وروي صاحب قرب الاسناد عن جعفر بن محمد عن ابيه (عليهم السلام) ان علي بن أبي طالب (عليه السلام) خرج يوقظ الناس لصلاة الصبح فضربه عبد الرحمن بن ملجم (لعنه اللّه) بالسيف علي ام رأسه، فوقع علي ركبتيه واخذه فالتزمه، حتي أخذه الناس، وحُمل عليّ حتي افاق ثم قال للحسن والحسين (عليهما السلام): احبسوا هذا الاسير واطعموه واسقوه وأحسنوا آثاره، فان عشت فانا اولي بما صنع بي، ان شئت استقدت [234] وان شئت عفوت، وان شئت صالحت، وان مت فذلك اليكم، فان بدا لكم ان تقتلوه فلا تمثلوا به. [235].
وروي ابن شاذان عن الاصبغ قال: لما ضرب امير المؤمنين (عليه السلام) الضربة التي كانت وفاته فيها، اجتمع اليه الناس بباب القصر وكان يراد قتل ابن ملجم، لعنه اللّه، فخرج الحسن (عليه السلام) فقال: معاشر الناس ان ابي اوصاني ان اترك امره الي وفاته، فان كان له الوفاة، وإلا نظر هو في حقه فانصرفوا يرحمكم اللّه، قال: فانصرف الناس ولم أنصرف، فخرج ثانية وقال لي: يا اصبغ اما سمعت قولي عن قول امير المؤمنين (عليه السلام)، قلت: بلي ولكني رأيت حاله فاحببت ان انظر اليه، فاسمع منه حديثاً، فاستأذن لي رحمك اللّه، فدخل ولم يلبث ان خرج، فقال لي: ادخل فدخلت فاذا امير المؤمنين (عليه السلام) معصب بعصابة، وقد علت [236] صفرة وجهه علي تلك العصابة، واذا هو يرفع فخذاً ويضع اخري، من شدة الضربة وكثرة السم، فقال لي: يا اصبغ اما سمعت قول الحسن عن قولي قلت: يا امير المؤمنين ولكني رأيتك في حالة فاحببت النظر اليك، وان أسمع منك حديثاً، فقال لي: اقعد فما أراك تسمع مني حديثاً بعد يومك هذا، اعلم يا اصبغ اني أتيت رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) عائداً كما جئت الساعة، فقال: يا ابا الحسن اخرج فناد في الناس الصلاة جامعة واصعد المنبر وقم دون مقامي مرقاة وقل للناس ألا من عق [237] والديه، فلعنة اللّه عليه، ألا من ابق من مواليه، فلعنة اللّه عليه ألا من ظلم اجيراً اجرته، فلعنة اللّه عليه، يا اصبغ، ففعلت ما أمرني به حبيبي رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم)، فقام من اقصي المسجد رجل فقال: يا ابا الحسن تكلمت بثلاث كلمات وأوجزتهن فاشرحهن لنا فلم ارد جواباً حتي أتيت رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) فقلت ما كان من الرجل، قال الاصبغ: ثم اخذ بيدي وقال ابسط يدك فبسطت يدي، فتناول اصبعا من اصابع يدي وقال: يا اصبغ كذا تناول رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) اصبعا من اصابع يدي، كما تناولت اصبعا من اصابع يدك، ثم قال: مه يا ابا الحسن الا وأني وأنت أبوا هذه الأمة، فمن عقنا فلعنة اللّه عليه، ألا وإني وانت موليا هذه الأمة فعلي من أبق عنا لعنة اللّه، ألا وإني وأنت أجيرا هذه الأمة، فمن ظلمنا اجرتنا فلعنة اللّه عليه، ثم قال: آمين فقلت: آمين.
قال الاصبغ: ثم اغمي عليه ثم افاق فقال لي: اقاعد انت يا اصبغ قلت: نعم يا مولاي قال: ازيدك حديثاً آخر، قلت: نعم زادك اللّه من مزيدات الخير، قال: يا اصبغ لقيني رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) في بعض طرقات المدينة و أنا مغموم قد تبين الغم في وجهي، فقال لي: يا ابا الحسن أراك مغموماً ألا احدثك بحديث لا تغتم بعده ابداً؟ قلت: نعم، قال: اذا كان يوم القيامة نصب اللّه منبراً يعلو منابر النبيين والشهداء ثم يأمرني اللّه، اصعد فوقه، ثم يأمرك اللّه ان تصعد دوني بمرقاة، ثم يأمر اللّه ملكين فيجلسان دونك، بمرقاة، فاذا استقللنا علي المنبر، لا يبقي احد من الاولين والآخرين الا حضر فينادي الملك الذي دونك بمرقاة، معاشر الناس، ألا من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فانا اعرفه بنفسي: انا رضوان خازن الجنان الا ان اللّه بمنه وكرمه وفضله وجلاله، أمرني ان ادفع مفاتيح الجنة الي محمد (صلي اللّه عليه وآله وسلم)، وان محمداً (صلي اللّه عليه وآله وسلم) أمرني ان ادفعها الي علي بن ابي طالب (عليه السلام). فاشهدوا لي عليه، ثم يقوم ذلك الذي تحت ذلك الملك بمرقاة مناديا، يسمع اهل الموقف: معاشر الناس من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فانا اعرفه بنفسي: انا مالك خازن النيران الا ان اللّه بمنه وفضله وكرمه وجلاله، قد أمرني ان ادفع مفاتيح النار الي محمد (صلي اللّه عليه وآله وسلم) وان محمداً (صلي اللّه عليه وآله وسلم) قد أمرني ان ادفعها الي علي بن أبي طالب (عليه السلام) فاشهدوا لي عليه، فاخذ مفاتيح الجنان والنيران ثم قال: يا عليّ فتأخذ بحجزتي [238] واهل بيتك يأخذون بحجزتك وشيعتك يأخذون بحجزة اهل بيتك، قال (عليه السلام): فصفقت بكلتا يدي والي الجنة يا رسول اللّه، قال: اي وربّ الكعبة قال الاصبغ: فلم اسمع من مولاي غير هذين الحديثين ثم توفي صلوات اللّه عليه.
قال ابو الفرج ثم جمع له اطباء الكوفة فلم يكن منهم اعلم بجرحه من اثير بن عمرو بن هاني السلولي، وكان متطبباً [239] صاحب الكرسي، يعالج الجراحات وكان من الاربعين غلاما الذين كان ابن الوليد اصابهم في عين التمر [240] فسباهم، فلما نظر أثير إلي جرح امير المؤمنين (عليه السلام)، دعا برئة شاة حارة، فاستخرج منها عرقاً ثم نفخه، ثم استخرجه واذا عليه بياض الدماغ، فقال: يا امير المؤمنين اعهد عهدك فان عدو اللّه قد وصلت ضربته الي أم رأسك.
روي الشيخ يوسف بن حاتم الشامي في الدر النظيم عن الاصبغ بن نباتة قال: دعا أمير المؤمنين الحسن والحسين (عليهم السلام) لمّا ضربه ابن ملجم (لعنه اللّه) فقال: اني مقبوض في ليلتي هذه ولاحق برسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم)، فاسمعا قولي، وعياه: [241] أنت يا حسن وصيّي والقائم بالامر بعدي، وانت يا حسين شريكه في الوصية، فانصت [242] ما نطق وكن لامره تابعاً ما بقي، فاذا خرج من الدنيا فأنت الناطق بعده والقائم بالامر، وعليكما بتقوي اللّه الذي لا ينجو الا من اطاعه، ولا يهلك الا من عصاه، واعتصما بحبله، وهو الكتاب العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه، ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد، ثم قال للحسن (عليه السلام): انك ولي الأمر بعدي، فان عفوت عن قاتلي فذاك، وان قتلت فضربة مكان ضربة، واياك والمثلة، فان رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) نهي عنها ولو بكلب عقور، واعلم ان الحسين وليّ الدم معك، يجري فيه مجراك وقد جعل اللّه تبارك وتعالي له علي قاتلي سلطاناً كما جعل لك وان ابن ملجم ضربني ضربة فلم تعمل فثناها فعملت، فان عملت فيه ضربتك فذاك، وان لم تعمل فمر اخاك الحسين، وليضربه اخري بحق ولايته، فانها ستعمل فيه فان الإِمامة له بعدك وجارية في ولده الي يوم القيامة، واياك ان تقتل بي غير قاتلي، فان اللّه عز وجل يقول: ولا تزر وازرة وزر اخري (الوصية).
روي الشيخ المفيد وغيره عن مولي لعلي بن أبي طالب (عليه السلام) قال لما حضرت امير المؤمنين (عليه السلام) الوفاة قال للحسن والحسين (عليهما السلام): اذا أنا مت فاحملاني علي سريري ثم اخرجاني، ثم احملا مؤخر السرير فانكما تكفيان مقدمه ثم اتيا بي الغريّ [243] فانكما ستريان صخرة بيضاء تلمع نوراً فاحتفرا فيها فانكما تجدان فيها ساجة، فادفناني فيها، قال فلما مات (صلوات اللّه عليه) اخرجناه وجعلنا نحمل مؤخر السرير ونكفي مقدمه وجعلنا نسمع دويا [244] وحفيفاً حتي اتينا الغريين فاذا صخرة بيضاء تلمع نورها فاحتفرنا فاذا ساجة مكتوب عليها هذه مما ادخرها نوح لعلي بن ابي طالب (عليه السلام) فدفناه فيه وانصرفنا، ونحن مسرورن باكرام اللّه تعالي لأمير المؤمنين (عليه السلام)، فلحقنا قوم من الشيعة لم يشهدوا الصلاة عليه، فاخبرناهم بما جري وباكرام اللّه لامير المؤمنين (عليه السلام)، فقالوا نحب ان نعاين من امره ما عاينتم فقلنا لهم ان الموضع قد عفي أثره بوصية منه (عليه السلام)، فمضوا وعادوا الينا فقالوا انهم احتفروا فلم يجدوا شيئاً.
ورُوي عن جابر بن [245] يزيد، قال: سألت ابا جعفر محمد بن عليّ الباقر (عليه السلام) اين دفن امير المؤمنين (عليه السلام)، قال: دفن بناحية الغريين ودفن قبل طلوع الفجر، ودخل قبره الحسن والحسين ومحمد بنو عليّ (عليهم السلام) وعبد اللّه بن [246] جعفر، (رضي اللّه عنهما).
قال الشيخ المفيد فلم يزل قبره (عليه السلام) مخفياً حتي دل عليه الصادق جعفر بن محمد (عليهما السلام)، في الدولة العباسية، وزاره عند وروده إلي أبي جعفر، وهو بالحيرة، فعرفته الشيعة واستأنفوا اذ ذاك زيارته، عليه وعلي ذريته الطاهرين السلام وكانت سنه يوم وفاته ثلاثاً وستين سنة.
قال محمد بن بطوطة، في رحلته التي سماها تحفة النظار في غرائب الامصار، وقد فرغ منها سنة 756 هجري ستة وخمسين وسبعمائة في ذكر وروده من مكة الي مشهد مولانا عليّ بن أبي طالب (عليه السلام).
ذكر الروضة والقبور التي بها، ويدخل من باب الحضرة الي مدرسة عظيمة يسكنها الطلبة والصوفية [247] من الشيعة ولكل وارد ضيافة ثلاثة ايام من الخبز واللحم والتمر، مرتين في اليوم، ومن تلك المدرسة يدخل الي باب القبة، وعلي بابها الحجاب والنقباء والطواشية، [248] فعندما يصل الزائر يقوم اليه احدهم او جميعهم، وذلك علي قدر الزائر فيقفون معه علي العتبة، ويستأذنون له، ويقولون عن امركم يا امير المؤمنين، هذا العبد الضعيف يستأذن علي دخوله للروضة العلية، فان أذنتم له، والا رجع، وان لم يكن اهلا لذلك، فانتم اهل المكارم والستر ثم يأمرونه بتقبيل العتبة، وهي من الفضة، وكذلك العضادتان، ثم يدخل القبة وهي مفروشة بانواع البسط من الحرير وسواه وبها قناديل الذهب والفضة منها الكبيرة والصغيرة وفي وسط القبة مسطبة [249] مربعة مكسوة بالخشب عليها صفائح الذهب المنقوشة المحكمة العمل مسمرة بمسامير [250] الفضة، قد غلبت علي الخشب بحيث لا يظهر منه شيء وارتفاعها دون القامة، وفوقها ثلاثة من القبور، يزعمون ان احدها قبر آدم (عليه الصلاة والسلام) والثاني قبر نوح (عليه الصلاة والسلام) والثالث قبر علي (رضي اللّه عنه) وبين القبور طسوت [251] ذهب وفضة، فيها ماء الورد والمسك، وانواع الطيب، يغمس الزائر يده في ذلك، ويدهن به وجهه تبركاً، وللقبة باب آخر، عتبته ايضاً من الفضة وعليه ستور من الحرير الملون، يفضي الي مسجد مفروش بالبسط الحسان، مستورة حيطانه وسقفه بستور الحرير، وله اربعة ابواب، عتبتها فضة وعليها ستور الحرير، وأهل هذه المدينة كلهم رافضية، وهذه الروضة ظهرت لها كرامات ثبت بها عندهم، ان بها قبر علي (رضي اللّه عنه)، فمنها: ان في ليلة السابع والعشرين من رجب ويسمي عندهم ليلة المحيا يؤتي الي تلك الروضة بكل مقعد [252] من العراقين وخراسان وبلاد فارس والروم، فيجتمع منهم الثلاثون والاربعون ونحو ذلك فاذا كان بعد العشاء الآخرة جعلوا عند الضريح المقدس، والناس ينتظرون قيامهم، وهم ما بين مصلّ وذاكر وتال ومشاهد للروضة، فاذا مضي من الليل نصفه، او ثلثاه او نحو ذلك، قام الجميع اصحاء من غير سوء، وهم يقولون لا اله الا اللّه محمد رسول اللّه عليّ وليّ اللّه، وهذا امر مستفيض عندهم سمعته من الثقات، ولم أحضر تلك الليلة، لكني رأيت بمدرسة الضياف ثلاثة من الرجال احدهم من ارض الروم، والثاني من اصبهان، والثالث من خراسان، وهم مقعدون فاستخبرتهم علي شأنهم، فاخبروني انهم لم يدركوا ليلة المحيا، وانهم ينتظرون.
أوانها من عام آخر، وهذه الليلة يجتمع لها الناس من البلاد ويقيمون سوقاً عظيمة، مدة عشرة ايام. الخ.
وقال ايضاً ورأيت بغربي جبانة الكوفة موضعاً مسوداً، شديد السّواد، في بسيط ابيض، فاخبرت انه قبر الشقي، ابن ملجم، وان أهل الكوفة يأتون كل سنة بالحطب الكثير، فيوقدون النار علي موضع قبره سبعة ايام، وعلي قرب منه قبة، اخبرت انها علي قبر المختار بن ابي عبيد (انتهت الحاجة من كلامه).
والاحاديث في فضل زيارة امير المؤمنين (عليه السلام) أكثر من أن تذكر.
رُوي عن ابن مارد انه قال لأبي عبد الله (عليه السلام): ما لمن زار جدك امير المؤمنين (عليه السلام)، فقال يا ابن مارد، من زار جدي عارفاً بحقه كتب اللّه له بكل خطوة حجة مقبولة، وعمرة مبرورة، واللّه يا ابن مارد ما يطعم اللّه النار قدماً اغبرت [253] في زيارة امير المؤمنين (عليه السلام) ماشياً او راكباً، يا ابن مارد اكتب هذا الحديث بماء الذهب.

السيد الزكي ابو محمد الحسن بن علي بن ابي طالب

اشاره

سيد شباب اهل الجنة عليه السلام ولد (عليه السلام) بالمدينة يوم الثلاثاء منتصف شهر رمضان سنة اثنتين او ثلاث من الهجرة.
روي الشيخ الصدوق باسناده عن الرضا عن آبائه عن علي بن الحسين (عليهم السلام)، عن اسماء بنت عميس، قالت قَبَلتُ [254] جدتك فاطمة (عليها السلام) الحسن والحسين (عليهما السلام) فلما ولد الحسن جاء النبي (صلي اللّه عليه وآله وسلم) فقال: يا اسماء هاتي ابني فدفعته اليه في خرقة صفراء فرمي بها النبي (صلي اللّه عليه وآله وسلم) وقال: يا اسماء الم اعهد اليكم ان لا تلفوا المولود في خرقة صفراء، فلففته في خرقة بيضاء فدفعته إليه فأذّن في اذنه اليمني، واقام في اليسري، ثم قال لعليّ: بأي شيء سميت ابني قال: ما كنت اسبقك باسمه يا رسول اللّه، قد كنت احب ان اسميه حرباً، فقال النبي (صلي اللّه عليه وآله وسلم): و لا اسبق انا باسمه ربي ثم هبط جبرائيل فقال: يا محمد العلي الأعلي يقرئك السلام ويقول: علي منك بمنزلة هارون من موسي، ولا نبي بعدك، سم ابنك هذا باسم ابن هارون. قال النبي (صلي اللّه عليه وآله وسلم) وما اسم ابن هارون قال شبر، قال النبي (صلي اللّه عليه وآله وسلم): لساني عربيّ قال جبرئيل سمه الحسن، فسماه الحسن (عليه السلام)، فلما كان يوم سابعه عق النبي (صلي اللّه عليه وآله وسلم) عنه بكبشين املحين [255] واعطي القابلة فخذاً وديناراً فحلق رأسه وتصدق بوزن الشعر ورقاً [256] وطلي رأسه بالخلوق [257] ثم قال: يا اسماء الدم فعل الجاهلية. الخ.
وروي ايضاً عن جابر، قال: لما حملت فاطمة (عليها السلام) بالحسن (عليه السلام) فولدت وقد كان النبي (صلي اللّه عليه وآله وسلم) أمرهم ان يلفوه في خرقة بيضاء فلفوه في صفراء وقالت فاطمة: يا عليّ سمّه، فقال: ما كنت لاسبق باسمه رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) فأخذه وقبله وأدخل لسانه في فيه فجعل الحسن (عليه السلام) يمصه، ثم قال لهم رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم)، الم اتقدم اليكم ان لا تلفّوه في خرقة صفراء فدعا بخرقة بيضاء فلفه فيها فرمي بالصفراء، واذّن في اذنه اليمني واقام في اليسري، ثم قال لعليّ (عليه السلام): ما سميته، قال: ما كنت لاسبقك باسمه، قال: فأوحي اللّه عز ذكره الي جبرائيل، انه قد ولد لمحمد (صلي اللّه عليه وآله وسلم) ابن، فاهبط اليه فأقرئه السلام وهنئه مني ومنك، وقل له: ان علياً منك بمنزلة هارون من موسي فسمه باسم ابن هارون قال: ما كان اسمه قال شبر، قال: لساني عربي قال: سمه الحسن فسمّاه الحسن، فلما ولد الحسين (عليه السلام) جاء اليهم النبي (صلي اللّه عليه وآله وسلم) ففعل به كما فعل بالحسن، وهبط جبرائيل علي النبي (صلي اللّه عليه وآله وسلم) فقال: ان اللّه عز وجل يقرئك السلام ويقول لك: ان علياً منك بمنزلة هارون من موسي، فسمه باسم ابن هارون، قال: وما كان اسمه، شبير، قال: لساني عربي، قال فسمه الحسين، فسماه الحسين.
وفي كشف الغمة، ورُوي مرفوعاً الي علي (عليه السلام)، قال: لما حضرت ولادة فاطمة (عليها السلام)، قال رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) لاسماء بنت عميس وام سلمة احضراها، فاذا وقع ولدها واستهل، فأذنا في اذنه اليمني، وأقيما في اذنه اليسري، فانه لا يفعل ذلك بمثله الا عصم من الشيطان، ولا تحدثا شيئاً حتي آتيكما، فلما ولدت فعلتا ذلك فأتاه النبي (صلي اللّه عليه وآله وسلم) فسرّه ولبّاه بريقه، وقال اللهم اني اعيذه بك وولده من الشيطان الرجيم.

في مناقب الإمام الحسن

كان الحسن بن علي بن ابي طالب (عليه السلام)، أعبد الناس في زمانه وازهدهم وافضلهم، وكان اذا حج، حج ماشياً وربما مشي حافياً، وكان اذا ذكر الموت بكي، واذا ذكر القبر بكي، واذا ذكر البعث والنّشور بكي، واذا ذكر الممر علي الصراط بكي، واذا ذكر العرض علي اللّه تعالي ذكره شهق شهقة يغشي عليه منها، وكان اذا قام في صلاة ترتعد فرائصه [258] بين يدي ربه عز وجل، وكان اذا ذكر الجنة والنار اضطرب اضطراب السليم وسأل اللّه الجنة، وتعوذ باللّه من النار، وكان لا يقرأ من كتاب اللّه عز وجل: يا ايها الذين آمنوا الا قال لبيك اللهم لبيك، ولم ير في شيء من احواله الا ذاكراً للّه سبحانه. وكان اصدق الناس لهجة، وكان اذا توضّأ ارتعدت مفاصله واصفر لونه، فقيل له في ذلك، فقال: حقّ علي كل من وقف بين يدي رب العرش ان يصفر لونه وترتعد مفاصله. وكان اذا بلغ باب المسجد رفع رأسه، ويقول: الهي ضيفك ببابك، يا محسن قد اتاك المسيء فتجاوز عن قبيح ما عندي بجميل ما عندك، يا كريم. وكان اذا فرغ من الفجر لم يتكلم، حتي تطلع الشمس. ولقد حج خمساً وعشرين حجة ماشياً وان النجائب لتقاد معه، وقاسم اللّه تعالي ماله مرتين، وروي ثلاث مرات، حتي انه كان يعطي من ماله نعلاً ويمسك خفاً.
وروُي انه (عليه السلام) كان يحضر مجلس رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) وهو ابن سبع سنين، فيسمع الوحي فيحفظه، فيأتي امه فيلقي اليها ما حفظه، كلما دخل عليّ (عليه السلام) وجد عندها علماً بالتنزيل، فسألها عن ذلك فقالت: من ولدك الحسن (عليه السلام) فتخفي يوماً في الدار وقد دخل الحسن وقد سمع الوحي فأراد أن يلقيه اليها، فارتج [259] فعجبت امّه من ذلك فقال: لا تعجبي يا امّاه، فان كبيراً يسمعني، واستماعه قد أوقفني، فخرج عليّ (عليه السلام) فقبّله، وفي رواية، يا اماه قلَّ بياني وكلَّ لساني، لعل سيداً يرعاني. [260].
وعن انس بن مالك قال لم يكن احد اشبه برسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) من الحسن بن علي (عليه السلام).
وعنه قال: حيَّت [261] جارية للحسن بن علي (عليه السلام) بطاقة [262] ريحان فقال لها: انت حرة لوجه اللّه، فقلت له في ذلك، فقال: ادبنا اللّه تعالي، فاذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردُّوها، وكان احسن منها اعتاقها.
وروي انه لم يسمع قط منه (عليه السلام) كلمة فيها مكروه، الا مرة واحدة، فانه كان بينه وبين عمرو بن عثمان خصومة في ارض، فقال له الحسن (عليه السلام): ليس لعمرو عندنا الا ما يرغم انفه.
ومن حلمه ما روي المبرد [263] وغيره أن شامياً رآه راكباً فجعل يلعنه، والحسن (عليه السلام) لا يرد، فلما فرغ أقبل الحسن (عليه السلام) فسلم عليه وضحك، فقال: أيها الشيخ اظنك غريباً، ولعلك شبهت، فلو اشبعتنا اعتبناك، [264] ولو سألتنا اعطيناك، ولو استرشدتنا أرشدناك، ولو استحملتنا أحملناك، وان كنت جائعاً أشبعناك، وان كنت عرياناً كسوناك، وإن كنت محتاجاً أغنيناك، وان كنت طريداً آويناك، وان كان لك حاجة قضيناها لك، فلو حركت رحلك الينا وكنت ضيفنا الي وقت ارتحالك، كان أعود عليك، لأن لنا موضعاً رحباً وجاهاً عريضاً ومالاً كثيراً، فلما سمع الرجل كلامه بكي، ثم قال: أشهد أنك خليفة اللّه في أرضه اللّه اعلم حيث يجعل رسالته، وكنت انت وابوك ابغض خلق اللّه الي، وحول رحله اليه وكان ضيفه الي ان ارتحل وصار معتقداً لمحبتهم.
وروي انه لما مات الحسن (عليه السلام) اخرجوا جنازته فحمل مروان بن الحكم سريره، فقال له الحسين (عليه السلام): تحمل اليوم جنازته وكنت بالامس تجرعه الغيظ، قال مروان: نعم كنت افعل ذلك، بمن يوازن حلمه الجبال.

في وفاة الامام الحسن

توفي الحسن بن علي (عليه السلام) بالسّم، يوم الخميس السابع من صفر سنة تسع واربعين، وكان ابن سبع واربعين، وقيل في الثامن والعشرين منه، وقيل في آخر صفر، ودفن بالبقيع من المدينة.
الكليني، عن ابي بكر الخضرمي، قال: ان جعدة بنت الاشعث بن قيس الكندي سمَّت الحسن بن عليّ (عليه السلام) وسمَّت مولاة له، فأما مولاته فقاءت السم، واما الحسن فاستمسك في بطنه ثم انتفط [265] به، فمات.
قلت: جعدة بنت الأشعث بن قيس، كانت ابنة ام فروة، اخت ابي بكر بن ابي قحافة.
رُوي ان معاوية بذل لها عشرة آلاف دينار، واقطاع عشرة ضياع من سقي سوراء [266] وسواد الكوفة علي ان تسم الحسن (عليه السلام).
وقال الشيخ المفيد ضمن معاوية ان يزوجها بابنه يزيد، وأرسل اليها معاوية الف درهم، فسقته جعدة السم، فبقي اربعين يوماً مريضاً، ومضي لسبيله في صفر.
وذكر ابو الفرج في مقاتل الطالبيين ان الحسن بن عليّ (عليه السلام) بعد صلحه لمعاوية انصرف الي المدينة، فأقام بها وأراد معاوية البيعة لابنه يزيد، فلم يكن شيء اثقل عليه من امر الحسن بن علي (عليه السلام)، وسعد بن [267] أبي وقاص، فدس اليهما سما فماتا منه.
الاحتجاج، عن الاعمش، عن سالم بن ابي الجعد، قال: حدثني رجل منا قال: اتيت الحسن بن علي (عليه السلام)، فقلت: يا ابن رسول اللّه اذللت رقابنا وجعلتنا معشر الشيعة عبيداً، ما بقي معك رجل، قال: ومم ذاك قال: قلت: بتسليمك الأمر لهذا الطاغية [268] قال: واللّه ما سلّمت الأمر اليه الا أني لم اجد انصاراً، ولو وجدت انصاراً لقاتلته ليلي ونهاري حتي يحكم اللّه بيني وبينه. ولكني عرفت اهل الكوفة وبلوتهم، [269] ولا يصلح لي منهم ما كان فاسداً، انهم لا وفاء لهم، ولا ذمة [270] في قول ولا فعل، إنهم لمختلفون، ويقولون لنا: ان قلوبهم معنا وان سيوفهم لمشهورة [271] علينا، قال: وهو يكلمني: اذ تنخع الدم فدعا بطست، فحمل من بين يديه ملآن مما خرج من جوفه من الدم، فقلت له: ما هذا يا ابن رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) اني لأراك وجعاً قال أجل، دسّ إليّ هذا الطاغية من سقاني سمّاً، فقد وقع علي كبدي فهو يخرج قطعاً كما تري، قلت له: افلا تتداوي قال: قد سقاني مرتين وهذه الثالثة لا اجد لها دواء.
وروي الثقة الجليل عليّ بن محمد الخزاز القمي بسنده عن جنادة بن أبي اميّة، قال: دخلت علي الحسن بن عليّ بن ابي طالب (عليه السلام) في مرضه الذي توفّي فيه، وبين يديه طست يقذف عليه الدم، ويخرج كبده قطعة قطعة من السم الذي اسقاه معاوية، فقلت: يا مولاي مالك لا تعالج نفسك فقال: يا عبد اللّه بماذا اعالج الموت، قلت: انا للّه وإنا اليه راجعون. ثم التفت اليّ فقال: واللّه لقد عهد الينا رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) ان هذا الامر يملكه اثنا عشر اماماً من ولد عليّ وفاطمة، ما منا الا مسموم او مقتول. ثم رُفعت الطست وبكي قال، فقلت له: عظني يا ابن رسول اللّه قال: نعم استعد لسفرك وحصّل زادك قبل حلول اجلك، واعلم انك تطلب الدنيا والموت يطلبك، ولا تحمل هم يومك الذي لم يأت علي يومك الذي انت فيه، وساق الكلام في ذكر موعظته (عليه السلام) الي أن قال: ثم انقطع نفسه واصفر لونه حتي خشيت عليه ودخل الحسين (عليه السلام)، والاسود بن ابي الاسود، فانكب، [272] عليه حتي قبّل رأسه وعينيه، ثم قعد عنده فتسارا جميعاً، فقال ابو الأسود: إنا للّه ان الحسن قد نُعَيت اليه نفسه، وقد أوصي الي الحسين (عليه السلام)، وتوفّي يوم الخميس في آخر صفر سنة خمسين من الهجرة وله سبعة واربعون سنة ودفن بالبقيع انتهي.
قلت: ومما اوصي (عليه السلام) الي اخيه الحسين (عليه السلام) ان قال: اذا انا متُّ فهيئني ثم وجهني الي قبر جدّي رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) لأجدّد به عهداً، ثم ردني الي قبر جدتي فاطمة [273] فادفني هناك، وستعلم يا ابن امي ان القوم يظنون انكم تريدون دفني عند رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) فيجلبون [274] في ذلك ويمنعونك منه، وباللّه اقسم عليك ان تهرق في امري محجمة [275] دم، ثم وصي اليه باهله وولده، وتركاته، وما كان وصي اليه أمير المؤمنين (عليه السلام)، حين استخلفه، فلما قبض (سلام اللّه عليه) غسله [276] الحسين (عليه السلام) وكفنه وحمله علي سريره وانطلق به الي مصلي رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) الذي كان يصلي فيه علي الجنائز، فصلي عليه ولم يشك مروان ومن معه من بني امية انهم سيدفنونه عند رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) فتجمعوا ولبسوا السلاح فلما توجه به الحسين (عليه السلام) الي قبر جده رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم)، ليجدد به عهداً، اقبلوا اليه في جمعهم ولحقتهم الحميراء، علي بغل، وهي تقول: مالي ولكم تريدون ان تدخلوا بيتي من لا أحبُّ، نحُّوا ابنكم عن بيتي فانه لا يدفن فيه شيء ولا يهتك علي رسول اللّه حجابه:
منعته عن حرم النَّبي ضلالةً
وهو ابنهُ فلأيِّ امر يمنعُ
فكأنه روحُ النبَّي وقد رأت
بالبعد بينهما العلائق تقطعُ
فقال لها الحسين (عليه السلام): قديما هتكت انت وابوك حجاب رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم)، وأدخلت بيته من لا يحب رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) قربه، وان اللّه تعالي يسألك عن ذلك، وجعل مروان يقول: يا رب هيجاء هي خير من دعة ايدفن عثمان في اقصي المدينة، ويدفن الحسن مع النبي، لا يكون ذلك ابدا، وانا [277] احمل السيف، وكادت الفتنة ان تقع بين بني هاشم وبين بني امية، فبادر ابن عباس الي مروان فقال له: ارجع يا مروان من حيث جئت فإنّا ما نريد دفن صاحبنا عند رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) ولكنا نريد ان نجدد به عهداً بزيارته ثم نرده الي جدته فاطمة فندفنه عندها بوصيته بذلك، ولو كان اوصي بدفنه مع النبي (صلي اللّه عليه وآله وسلم) لعلمت انك اقصر باعاً من ردنا عن ذلك لكنه كان أعلم باللّه وبرسوله وبحرمة قبره من ان يطرق عليه هدما كما طرق ذلك غيره، ودخل بيته بغير اذنه، وفي المناقب ورموا [278] بالنبال جنازته حتي سل [279] منها سبعون نبلاً.
وفي زيارة امير المؤمنين: وانتم بين صريع في المحراب قد فلق السيف هامته [280] وشهيد فوق الجنازة قد شكت بالسهام اكفانه وقتيل بالعراء [281] قد رفع فوق القناة رأسه ومكبل [282] في السجن قد رضّت [283] بالحديد اعضاؤه ومسموم قد قطعت بجرعة السم امعاؤه.
(اقول شكت بالشين بعدها الكاف أي خرقت وشبكت بالموحدة بينهما تصحيف، ففي الحديث ان رجلا دخل بيته فوجد حية فشكها بالرمح أي خرقها وانتظمها به).
«وقال الشاعر في رثاء الحسن (عليه السلام)»:
نعش له الروحُ الأمينُ مشيِّع
وغدت به زمرُ الملائكِ تخضعُ
نَثَلوا له حقد الصدورِ فما يُري
منها لِقوس بالكنانةِ منزعُ
ورموا جنازتَه فعادَ وجسمُهُ
غرض لراميةِ السهامِ وموقعُ
شكّوة حتي اصبحت من نعشهِ
تستلُّ غاشيةُ النبالِ وتنزعُ
روي المسعودي في مروج الذهب عن أهل البيت (عليهم السلام)، انه لما دفن الحسن (عليه السلام)، وقف محمد بن الحنفية اخوه علي قبره فقال: ابا محمد لئن طابت حياتك، لقد فجع مماتك، وكيف لا تكون كذلك وانت خامس اهل الكساء، وابن محمد المصطفي، وابن عليّ المرتضي، وابن فاطمة الزهراء، وابن شجرة طوبي ثم انشأ يقول:
ءأدَهن رأسي ام تطيب مجالسي
وخدك معفور [284] وأنت سليبُ [285].
ءاَشرب ماءَ المزنِ [286] من غير مائِهِ
وقد ضمن الاحشاءَ منكَ لهيبُ
سأبكيكَ ما ناحتْ حمامةُ ايكةٍ [287].
وما اخضرّ في دوح [288] الحجازِ قضيبُ [289].
غريب [290] واكناف الحجازِ تحوطهُ
الا كلّ من تحت الترابِ غريبُ
وفي المناقب، وقال الحسين (عليه السلام) لما وضع الحسن (عليه السلام) في لحده:
ءَاَدهن رأسي ام اطيب محاسني
ورأسك معفور وأنت سليب
الحميري عن جعفر عن ابيه (عليهما السلام)، قال: ان الحسين بن عليّ (عليه السلام) كان يزور قبر الحسن (عليه السلام) في كل عشية جمعة.
وروي الشيخ في يَب، انه قال الحسن بن عليّ (عليه السلام): يا رسول اللّه ما لمن زارنا، قال: من زارني حياً او ميتاً او زار اباك حيّاً او ميتاً او زار اخاك حياً او ميتاً او زارك حيّاً او ميتاً كان حقاً عليَّ ان استنقذه يوم القيامة، الي آخره.

الشهيد المظلوم ابو عبد الله الحسين بن علي بن ابي طالب

اشاره

امام الانس والجن سيد شباب اهل الجنة عليه السلام ولد (عليه السلام) بالمدينة آخر شهر ربيع الاول سنة ثلاث من الهجرة كما اختار ذلك المفيد في المقنعة، والشيخ [291] في يب، والشهيد [292] في الدروس، والبهائي في تاريخه [293] وصاحب [294] كشف الغطاء وغيرهم، وهذا يوافق ما رواه الكليني عن ابي عبد اللّه (عليه السلام) قال: كان بين الحسن والحسين طهر وكان بينهما في الميلاد ستة اشهر وعشراً حيث اراد بالطهر مقدار اقل زمان الطهر، وهو عشرة ايام، وروي ايضاً لم يكن بين الحسن والحسين (عليهما السلام) الا طهر واحد، وان مدة حمل الحسين (عليه السلام) ستة اشهر، ولكن المشهور انه ولد (عليه السلام) في ثالث شعبان واختاره الشيخان [295] في مسار الشيعة، والمصباح، وهو يوافق التوقيع الشريف.
وروي عن النبي (صلي اللّه عليه وآله وسلم) انه صلي الظهر يوماً، فرأي جبرائيل (عليه السلام) فقال: اللّه اكبر، فاخبره جبرائيل برجوع جعفر من ارض الحبشة، فكبر ثانياً، فجاءت البشارة بولادة الحسين (عليه السلام) فكبر ثالثاً، اورده صاحب جواهر الكلام في اواخر مبحث التعقيب.
وروي ان اللّه تعالي هنأ النبي (صلي اللّه عليه وآله وسلم) بحمل الحسين وولادته وعزّاه بقتله فعرفت فاطمة (عليها السلام) فكرهت ذلك، فنزلت حملته امه كرهاً ووضعته كرهاً وحمله وفصاله ثلاثون شهراً.
اقول الذي يظهر لي من بعض اخبار اللوح، ان مولاتنا فاطمة (عليها السلام) لما اغتمت بولادة الحسين (عليه السلام) اعطاها ابوها اللوح ليسرها بذلك، والخبر هذا:
روي الصدوق عن ابي بصير عن ابي عبد اللّه (عليه السلام)، قال: قال ابي لجابر بن عبد اللّه الانصاري: ان لي اليك حاجة فمتي يخف عليك ان اخلو بك فاسألك عنها، قال له جابر في أي الاوقات شئت، فخلا به ابي (عليه السلام) فقال له يا جابر: اخبرني عن اللوح الذي رأيته في يدي امي فاطمة بنت رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) وما اخبرتك به امي، ان في ذلك اللوح مكتوباً قال جابر: اشهد باللّه اني دخلت علي امك فاطمة (صلوات اللّه عليها) في حياة رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) اهنئها بولادة الحسين (عليه السلام)، فرأيت في يدها لوحاً اخضر ظننت انه زمرد ورأيت فيه كتاباً ابيض شبه نور الشمس فقلت لها، بأبي انت وامي، يا بنت رسول اللّه، ما هذا اللوح فقالت: هذا اللوح اهداه اللّه عز وجل، الي رسوله، فيه اسم ابي واسم بعلي واسم ابنيّ واسماء الاوصياء من ولدي، فاعطانيه ليسرني بذلك، قال جابر: فاعطتنيه امك فاطمة فقرأته وانتسخته فقال ابي (عليه السلام): فهل لك يا جابر ان تعرضه عليّ قال نعم فمشي معه ابي (عليه السلام) حتي انتهي الي منزل جابر، فاخرج الي ابي صحيفة من رق، قال جابر فأشهد باللّه أني هكذا رأيته في اللوح مكتوباً: بسم اللّه الرحمن الرحيم هذا كتاب من اللّه العزير العليم لمحمد نوره وسفيره [296] الي آخره …
ورُوي انه لما ولد الحسين (عليه السلام) امر اللّه تعالي جبرائيل ان يهبط في ملأ من الملائكة فيهنئ محمداً (صلي اللّه عليه وآله وسلم)، فهبط فمر بجزيرة فيها ملك يقال له فطرس، بعثه اللّه في شيء فأبطأ فكسر جناحه، فالقاه في تلك الجزيرة فعبد اللّه سبعمئة عام، فقال فطرس لجبرائيل، الي اين فقال: الي محمد (صلي اللّه عليه وآله وسلم) قال احملني معك لعله يدعو لي، فلما دخل جبرائيل واخبر محمداً (صلي اللّه عليه وآله وسلم) بحال فطرس قال له النبي (صلي اللّه عليه وآله وسلم): قل له يتمسح بهذا المولود فتمسح فطرس بمهد الحسين (عليه السلام) فاعاد اللّه عليه في الحال جناحه، ثم ارتفع مع جبرائيل الي السماء. وفي بعض الروايات ان الملك كان اسمه صلصائيل فلما قصوا علي النبي (صلي اللّه عليه وآله وسلم) قصته، قام رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) فدخل علي فاطمة صلوات اللّه عليها) فقال: ناوليني ابني الحسين فأخرجته اليه مقموطاً يناغي [297] جده رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) فخرج به الي الملائكة فحمله علي بطن كفه فهللوا وكبروا وحمدوا اللّه تعالي واثنوا عليه، فتوجه به الي القبلة نحو السماء فقال: اللهم اني اسألك بحق ابني الحسين ان تغفر لصلصائيل خطيئته وتجبر كسر جناحه، وترده الي مقامه مع الملائكة المقربين، فتقبل اللّه تعالي من النبي (صلي اللّه عليه وآله وسلم) ما أقسم به عليه، وغفر لصلصائيل خطيئته وجبر كسره، ورده الي مقامه مع الملائكة المقربين.
وفي مدينة المعاجز قال ولم يبق ملك في السماء الا ونزل علي رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) يعزيه بولده الحسين (عليه السلام)، ويخبرونه بثواب ما يعطي من الزلفي والأجر والثواب يوم القيامة ويخبرونه بما يعطي من الاجر زائره والباكي عليه والنبي (صلي اللّه عليه وآله وسلم) مع ذلك يبكي ويقول اللهم اخذل من خذله، واقتل من قتله، ولا تمتعه بما أمَّله في الدنيا، واصله [298] حر نارك في الآخره.

في مواعظ مولانا الامام الحسين

في ذكر موعظة من كلامه (عليه السلام)، قال (عليه السلام): اوصيكم بتقوي اللّه واحذركم ايامه، وارفع لكم اعلامه، فكأنّ المخوف قد أفل بمهول وروده، ونكير حلوله، وبشع مذاقه، فاعتلق [299] مهجكم وحال بين العمل وبينكم، فبادوا بصحة الاجسام، ومدة الاعمار، كأنكم نبعات [300] طوارقه، فتنقلكم من ظهر الارض الي بطنها، ومن علوها الي أسفلها، ومن انسها [301] الي وحشتها ومن روحها وضوئها الي ظلمتها، ومن سعتها الي ضيقها، حيث لا يزار حميم ولا يعاد سقيم، ولا يجاب صريخ، أعاننا اللّه واياكم علي اهوال ذلك اليوم ونجانا واياكم من عقابه، واوجب لنا ولكم الجزيل من ثوابه، عباد اللّه فلو كان ذلك قصر مرماكم [302] ومدي [303] مظعنكم، كان حسب [304] العامل شغلاً يستفرغ عليه احزانه ويذهله [305] عن دنياه، ويكثر نصبه [306] لطلب الخلاص منه، فكيف وهو بعد ذلك مرتهن باكتسابه، مستوقف علي حسابه، لا وزير له يمنعه ولا ظهير عنه يدفعه، ويومئذٍ لاينفع نفسا ايمانها، لم تكن آمنت من قبل او كسبت في ايمانها خيراً. قل انتظروا، انّا منتظرون، اوصيكم بتقوي اللّه فان اللّه قد ضمن لمن اتقاه ان يحوله عما يكره الي ما يحب، ويرزقه من حيث لا يحتسب، فايّاك ان تكون ممن يخاف علي العباد من ذنوبهم، ويأمن العقوبة من ذنبه، فان اللّه تبارك وتعالي لا يخدع عن جنته، ولا ينال ما عنده، الا بطاعته ان شاء اللّه.
وفي وصية موسي بن جعفر (عليه السلام) لهشام، قال وقال الحسين بن علي (عليهما السلام): ان جميع ما طلعت عليه الشمس في مشارق الارض ومغاربها، بحرها وبرها وسهلها وجبلها، عند وليّ من اولياء اللّه وأهل المعرفة بحق اللّه، كَفَيء [307] الظلال، ثم قال (عليه السلام) ألا حُرّ [308] يدع هذه اللُّماظة [309] لأهلها، يعني الدنيا، ليس لانفسكم ثمن الا الجنة فلا تبيعوها بغيرها، فانه من رضي من اللّه بالدنيا فقد رضي بالخسيس.
ونقل السيد الاجلّ السيد علي خان، من كتاب خلق الانسان، للفاضل النيسابوري انه قال: كان الحسين بن عليّ سيد الشهداء (عليه السلام) كثيراً ما ينشد هذه الابيات، وتزعم الرواة انها مما أملته [310] نفسه الطاهرة علي لسان مكارمه الوافرة:
لِئن كانت الافعالُ يوماً لأهلها
كمالاً فحسنُ الخلقِ ابهي [311] وأكملُ
وان كانت الارزاقُ رزقاً مقدراً
فقِلَّةُ جهدِ المرءِ في الكسب اجملُ
وان كانت الدنيا تعدُّ نفيسةً
فدارُ ثوابِ اللّه أعلي وانبلُ [312].
وان كانت الأبدان للموتِ أُنشِئَتْ
فقتلُ امرئ بالسيفِ في اللّه افضلُ
وان كانت الاموالُ للتركِ جمعُها
فما بالُ متروكٍ به المرءُ يبخلُ
ورُويَ انه (عليه السلام) لما نزل كربلاء أقبل علي اصحابه فقال: الناس عبيد الدنيا، والدين لعق [313] علي النستهم، يحوطونه ما درّت معايشهم، فاذا محصوا [314] بالبلاء قلَّ الديّانون.

في استشهاد الامام الحسين وفضل زيارته

قال شيخنا المفيد رضي اللّه عنه في الارشاد: مضي الحسين (عليه السلام) في يوم السبت العاشر من المحرم، سنة احدي وستين من الهجرة بعد صلاة الظهر منه، قتيلاً مظلوماً، ظمآن صابراً، محتسباً علي ما شرحناه، وسنه يومئذ ثمان وخمسون سنة، اقام منها مع جده رسول اللّه (صلي اللّه عليه واله وسلم) سبع سنين، ومع ابيه امير المؤمنين (عليه السلام) سبعاً وثلاثين سنة، ومع اخيه الحسن (عليه السلام) سبعاً واربعين سنة، وكانت مدة خلافته بعد اخيه احدي عشرة سنة، وكان يخضب بالحناء والكتم وقتُل (عليه السلام) وقد نصل الخضاب من عارضيه، وقد جاءت روايات كثيرة، في فضل زيارته (عليه السلام) بل في وجوبها:
فرُويَ عن الصادق جعفر بن محمد (عليهما السلام)، انه قال: زيارة الحسين بن عليّ (عليهما السلام) واجبة علي كل من يعتقده ويقر للحسين (عليه السلام)بالامامة من اللّه عز وجل.
وقال (عليه السلام) زيارة الحسين (عليه السلام) تعدل مئة حجة مبرورة ومئة عمرة متقبَّلة.
وقال رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) من زار الحسين بعد موته فله الجنة والاخبار في هذا الباب كثيرة، انتهي.
وقال في المقنعة، وروي يونس بن ظبيان قال: قلت لابي عبد اللّه (عليه السلام)، جعلت فداك، إني كثيراً ما اذكر الحسين (عليه السلام) فاي شيء اقول، قال: قل صلي اللّه عليك يا ابا عبد اللّه، تعيد ذلك ثلاثاً فان التسليم يصل الينا من قريب ومن بعيد.
وقال شيخنا الشهيد، قدس سره في الدروس، وثواب زيارته لا يحصي، حتي رُويَ ان زيارته فرض علي كل مؤمن وان ترْكَها تركُ حقٍّ للّه تعالي ولرسوله وان تركَها عقوقُ رسول اللّه وانتقاص في الايمان والدين، وانه حق علي الغني زيارته في السنة مرتين، والفقير في السنة مرة وان من أتي عليه حول ولم يات قبرَهُ نقص من عمره حول، وانها تطيل العمر، وأن أيام زيارته لا تعد من الاجل، وتفرج الهم وتمحص الذنوب [315] ولكل خطوة حجة مبرورة وله بزيارته اجر عتق الف نسمة [316] وحمل علي ألف فرس، في سبيل اللّه، وله بكل درهم انفقه عشرة آلاف درهم، وان من أتي قبره عارفاً بحقه غفر اللّه له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، الي أن قال: ومَن بَعُدَ عنه وصعد علي سطحه ورفع رأسه الي السماء ثم توجه الي قبره (عليه السلام)، كتب اللّه له زورة، والزورة حجة وعمرة ولو فعل ذلك في كل يوم خمس مرات كتب اللّه له ذلك.

ابو محمد علي بن الحسين زين العابدين

اشاره

سيّد الساجدين ومصباح المتهجّدين وقدوة المتقين عليه السلام ولد (عليه السلام) بالمدينة المعظمة، يوم النصف من جمادي الاولي سنة 36 هجري ست وثلاثين يوم فتح البصرة ونزول النصر علي امير المؤمنين (عليه السلام) وغلبته علي اصحاب الجمل وقيل في الخامس من شعبان سنة 38 ثمان وثلاثين وامه ذات العلي والمجد، شاه زنان بنت يزد جرد:
وهو ابن شهريار بن كسري
ذو سؤددٍ ليس يخاف كسري
وقيل كان اسمها شهر بانويه وفيه يقول ابو الاسود:
وان غلاماً بين كسري وهاشمٍ
لأكرمُ من نيطتْ [317] عليه التمائمُ [318].
كان يقال له ذو الثفنات (جمع ثفنة بكسر الفاء) وهي من الانسان الركبة ومجتمع الساق والفخذ لان طول السجود اثر في ثفناته.
قال الزهري: ما رأيت هاشمياً افضل من عليّ بن الحسين (عليه السلام).
وعن ابي جعفر (عليه السلام) قال: كان عليّ بن الحسين (عليه السلام) يصلّي في اليوم والليلة الف ركعة، ورُويَ انه كان (عليه السلام) له خمسمئة نخلة وكان يصلّي عند كل نخلة ركعتين وكانت الريح تميله بمنزلة السنبلة، وكان اذا توضأ للصلاة يصفرّ لونه فيقول له اهله: ما هذا الذي يعتريك عند الوضوء، فيقول: تدرون بين يدي من أريد أن اقوم.
وعن ابن عائشة قال: سمعت اهل المدينة يقولون فقدنا صدقة السرّ حين مات علي بن الحسين (عليه السلام).
ولما مات وجردوه للغسل، جعلوا ينظرون الي آثار في ظهره، فقالوا ما هذا، قيل: كان يحمل جربان [319] الدقيق علي ظهره ليلاً ويوصلها الي فقراء المدينة سراً وكان يقول ان صدقة السرّ تطفئ غضب الرب.
وعن علي بن ابراهيم عن ابيه قال: حج عليُّ بن الحسين (عليه السلام) ماشياً فسار من المدينة الي مكة عشرين يوماً وليلة.
وعن زرارة بن [320] اعين قال: سمع سائل في جوف الليل وهو يقول: اين الزاهدون في الدنيا، والراغبون في الآخرة، فهتف به هاتف من ناحية البقيع يسمع صوته ولا يري شخصه، ذاك عليّ بن الحسين (عليه السلام).
وفي تذكرة السبط حكي الزهري عن عائشة قالت: رأيت عليّ بن الحسين (عليه السلام) ساجداً في الحجرّ وهو يقول: عبيدك بفنائك، مسكينك بفنائك، سائلك بفنائك، فما دعوت بها في كرب الا وفرّج عني.
وعن طاوس اني لفي الحِجز ليلة، اذ دخل علي بن الحسين (عليه السلام) فقلت: رجل صالح من اهل بيت النبوة لاسمعن دعاءه، فسمعته يقول: عبدك بفنائك، فقيرك بفنائك، قال: فما دعوت بهن في كرب الا فرّج عني.
وعن ربيع الابرار للزمخشري، انه قال: لما وجه يزيد بن معاوية مسلم بن عقبة لاستباحة اهل المدينة ضم عليّ بن الحسين (عليه السلام) الي نفسه اربعمأة منانية (كذا) بحشمهن يعولهن الي أن تقوض [321] جيش مسلم فقالت امرأة منهن: ما عشت واللّه بين ابويّ بمثل ذلك الشريف.
وكان يقال له آدم بني حسين لانه الذي تشعبت منه افنانهم وتفرعت عنه اغصانهم.
وكان (عليه السلام) اذا حضرت الصلاة اقشعر [322] جلده واصفر لونه وارتعد كالسعفة، [323] وكان اذا قام في صلاته غشيَ لونه لون آخر وكان في قيامه في صلاته قيام العبد الذليل بين يدي الملك الجليل كانت اعضاؤه ترتعد من خشية اللّه.
وكان يصلي صلاة مودّع.
وكان في الصلاة كأنه ساق شجرة لا يتحرك منه شيء الا ما حركت الريح منه، واذا سجد لم يرفع رأسه حتي يرفضّ [324] عَرَقاً، واذا كان شهر رمضان لم يتكلم الا بالدعاء والتسبيح والاستغفار والتكبير، وكان له خريطة فيها تربة الحسين (عليه السلام)، وكان لا يسجد الا علي التراب.
وكان (عليه السلام) يقول: لو مات من بين المشرق والمغرب لَمَا استوحشت بعد ان يكون القرآن معي.
وكان اذا قرأ (مالك يوم الدين) يكررها حتي كاد أن يموت.
وكان اذا صلي يبرز الي موضع خشن فيصلّي فيه ويسجد علي الارض فاتي الجبان [325] يوماً، ثم قام علي حجارة خشنة محرقة، فأقبل يصلي وكان كثير البكاء، فرفع رأسه من السجود وكأنما غمس في الماء من كثرة دموعه.
وكانت شدة اجتهاده (عليه السلام) في العبادة، بحيث اتت فاطمة بنت عليّ (عليه السلام) الي جابر الانصاري وقالت له: ان لنا عليكم حقوقاً من حقنا عليكم اذا رأيتم احدنا يهلك نفسه اجتهاداً، ان تذكروه وتدعوه الي البقيا [326] علي نفسه، وهذا عليّ بن الحسين بقية ابيه قد انحزم [327] انفه وثفنت [328] جبهته وركبتاه وراحتاه أدأب [329] نفسه في العبادة، فاتي جابر الي بابه واستأْذن، فلما دخل عليه وجده في محرابه قد انضته [330] العبادة، فدعاه الي البقيا علي نفسه فقال: يا جابر لا ازال علي منهاج ابويّ متأسياً بهما حتي ألقاهما.
ورُويَ انه (عليه السلام) كان اذا وقف في الصلاة لم يسمع شيئاً لشغله بالصلاة، فسقط بعض ولده في بعض الليالي فانكسرت يده فصاح اهل الدار، واتاهم الجيران وجيء بالمجبر [331] فجبر الصبي وهو يصيح من الالم وكل ذلك لا يسمعه فلما اصبح راي الصبي يده مربوطة الي عنقه فقال: ما هذا فاخبروه.
ووقع حريق في بيت هو فيه ساجد، فجعلوا يقولون يا ابن رسول اللّه النار النار، فما رفع رأسه حتي اطفئت، فقيل له بعد قعوده ما الذي ألهاك [332].
ورُوي انه (عليه السلام) كان في الصلاة فسقط محمد ابنه (عليه السلام) في البئر فلم يثن [333] عن صلاته، وهو يسمع اضطراب ابنه في قعر البئر، فلما فرغ من صلاته مدَّ يده الي قعر البئر، فأخرج ابنه وقال: كنت بين يدي جبار لو ملت [334] بوجهي عنه لمال بوجهه عني، وكان حضور قلبه في العبادة بحيث تمثل ابليس بصورة افعي ليشغله فما شغله.
ورُوي عن حماد بن حبيب العطار الكوفي قال: خرجنا حجاجاً فرحلنا من زبالة [335] ليلاً فاستقبلتنا ريح سوداء مظلمة، فتقطعت القافلة فتهت [336] في تلك الصحاري والبراري، فانتهيت الي واد قفر فلما ان جن الليل أويت الي شجرة عادية، فلما ان اختلط الظلام، اذا أنا بشاب قد اقبل عليه اطمار [337] بيض، تفوح منه رائحة المسك، فقلت في نفسي هذا وليّ من اولياء اللّه، متي ما احسن بحركتي خشيت نفاره، وأن امنعه عن كثير مما يريد فعاله فاخفيت نفسي ما استطعت فدنا الي الموضع فتهيأ للصلاة ثم وثب قائماً وهو يقول، يا من حاز كل شيء ملكوتاً وقهر كل شيء جبروتاً أولج [338] قلبي فرح الاقبال عليك، والحقني بميدان المطيعين لك، قال ثم دخل في الصلاة فلما ان رأيته قد هدأت أعضاؤه وسكنت حركاته قمت الي الموضع الذي تهيأ للصلاة فاذا بعين تفيض بماء ابيض فتهيأْ للصلاة ثم قمت خلفه، فاذا انا بمحراب كأَنه مثل في ذلك الوقت، فرأيته كلما مر بآية فيها ذكر الوعد والوعيد يرددها باشجان [339] الحنين، فلما أن تقشع [340] الظلام وثب قائماً وهو يقول: يا
من قصده الطالبون فاصابوه مرشداً، وأَمَّه [341] الخائفون فوجدوه متفضلاً، ولجأ اليه العابدون فوجدوه موئلاً، [342] متي راحة من نصب لغيرك بدنه، ومتي فرج من قصد سواك بنيته، إلهي قد تقشع الظلام ولم اقض من خدمتك وَطَرا، ولا من حياض مناجاتك صدرا، صلّ علي محمد وآله وافعل بي اولي الامرين بك، يا ارحم الراحمين، فخفت ان يفوتني شخصه، وان يخفي عليَّ اثره، فتعلقت به فقلت له: بالذي اسقط عنك ملال التعب ومنحك شدة شوق لذيذ الرغب [343] الا لحقتني منك جناح رحمة، وكنف رقة، فإني ضال وبغيتي كلما صنعت، ومناي كلما نطقت، فقال لو صدق توكلك ما كنت ضالاً، ولكن اتبعني واقفُ اثري فلما ان صار بجنب الشجرة اخذ بيدي فخيل الي ان الارض تمد من تحت قدمي، فلما انفجر عمود الصبح، قال لي: ابشر فهذه مكة، قال فسمعت الضجة، ورأيت المحجة، فقلت بالذي ترجوه يوم الآزفة [344] ويوم الفاقة، من انت فقال: اما اذا قسمت، فأنا عليّ بن الحسين بن عليّ بن ابي طالب (عليه السلام).
وفي اثبات الوصية رُويَ عن سعيد بن المسيب قال: قحط الناس يميناً وشمالاً، فمددت عيني فرأيت شخصاً اسود علي تل قد انفرد، فقصدت نحوه فرأيته يحرك شفتيه، فلم يتم دعاءه حتي اقبلت غمامة، فلما نظر اليها حمد اللّه وانصرف وادركنا المطر حتي ظنناه الغرق، فاتبعته حتي دخل دار عليّ بن الحسين (عليه السلام) فدخلت اليه (عليه السلام) فقلت له (عليه السلام) يا سيدي في دارك غلام اسود تفضل عليَّ ببيعه، فقال: يا سعيد ولم لا يوهب لك، ثم أمر القيم علي غلمانه يعرض كل من في الدار عليه فجمعوا فلم ارَ صاحب بينهم، فقلت: فلم أَره، فقال: انه لم يبق الا فلان السائس [345] فأمر به، فاحضر فاذا هو صاحبي، فقلت له (عليه السلام) هذا هو فقال له: يا غلام ان سعيداً قد ملكك فامض معه، فقال لي الاسود ما حملك عليَّ ان فرقت بيني وبين مولايَ، فقلت له انّي رأيت ما كان منك علي التل، فرفع يده الي السماء مبتهلاً، ثم قال: ان كانت سريرة بينك وبيني فاذن قد اذعتها عليّ فاقبضني اليك، فبكي عليّ بن الحسين (عليه السلام) وبكي من حضره، وخرجت باكياً فلما صرت الي منزلي وافاني رسوله فقال لي: ان اردت ان تحضر جنازة صاحبك فافعل فرجعت معه ووجدت العبد قد مات بحضرته.

في مكارم اخلاق الامام زين العابدين

كان علي بن الحسين (عليه السلام)، ليخرج في الليلة الظلماء، فيحمل الجراب علي ظهره وفيه الصرر [346] من الدنانير والدراهم، وربما حمل علي ظهره الطعام او الحطب، حتي يأتي باباً باباً، فيقرعه ثم يناول من يخرج اليه، وكان يغطي وجهه لئلا يعرفه الفقير، ولما وضع علي المغتسل نظروا الي ظهره، وعليه مثل ركب الابل، وكان يعول مئة اهل بيت من فقراء المدينة، وكان يعجبه ان يحضر طعامه اليتامي والزمني [347] والمساكين، وكان يناولهم بيده ويحمل الطعام لمن كان له عيال الي عياله، وكان اذا جنَّه الليل وهدأَت [348] العيون، قام الي منزله، فجمع ما يبقي فيه عن قوت اهله، وجعله في جراب ورمي به علي عاتقه، وخرج الي دور الفقراء وهو متلثم، ويفرق عليهم.
وروي عن علي بن يزيد قال: كنت مع عليّ بن الحسين (عليه السلام) عندما انصرف من الشام الي المدينة، فكنت احسن الي نسائه واقضي حوائجه فلما نزلوا المدينة، بعثن الي بشيء من حليهن فلم آخذه فقلت: فعلت هذا للّه تعالي، فأخذ علي بن الحسين (عليه السلام) حجراً اسود صماً [349] فطبعه بخاتمه ثم قال لي خذه وسل كل حاجة لك منه فوالذي بعث محمداً (صلي اللّه عليه وآله وسلم) بالحق لقد كنت اسأَله الضوء في البيت فيسرج في الظلماء وأضعه علي الاقفال فتنفتح وآخذه بيدي وأقف بين يدي السلاطين فلا أري منهم شراً.
قال شيخنا الحر العاملي مشيراً الي هذه المعجزة:
والحجرُ الاسودُ لما طَبَعه
أري عجيباً الذي كان مَعَه
وكم له من معجزٍ وفضلٍ
وشرفٍ بادٍ وقولٍ فصلِ
وروي معتب [350] عن الصادق (عليه السلام) قال كان عليّ بن الحسين (عليه السلام) شديد الاجتهاد في العبادة، نهاره صائم وليله قائم، فأضر بجسمه فقلت له: يا ابه كم هذا الدؤب [351] فقال له: أتحبب الي ربي لعله يزلفني.
وعن دعوات الراوندي عن الباقر (عليه السلام) قال: قال عليّ بن الحسين (عليهما السلام) مرضت مرضاً شديداً، فقال لي ابي (عليه السلام): ما تشتهي، فقلت: اشتهي ان اكون ممن لا اقترح علي اللّه ربي ما يدبره لي، فقال لي احسنت، ضاهيت [352] ابراهيم الخليل (عليه السلام) حيث قال جبرائيل: هل من حاجة، فقال: لا اقترح علي ربّي بل حسبي اللّه ونعم الوكيل، (اقول الاقتراح الاجتباء والاختيار والتحكم وارتجال الكلام).
ورُويَ انه ضرب غلاماً له، قرعه بسوط، ثم بكي وقال لابي جعفر (عليه السلام): اذهب الي قبر رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) فصلّ ركعتين ثم قل: اللهم اغفر لعليّ بن الحسين خطيئته يوم الدين، ثم قال للغلام اذهب فانت حر لوجه اللّه.
ورُويَ انه قيل له (عليه السلام) انك أبرّ الناس ولا تأكل مع امك في قصعة، وهي تريد ذلك، قال اكره ان تسبق يدي الي ما سبقت اليه عينها فاكون عاقّاً لها.
اقول الظاهر ان المراد من امه هي هنا ام ولد كانت تحضنه فكان يسميها اماً، واما امه شاه زنان فقد توفيت في نفاسها.
وعنه (عليه السلام) كان يدعو خدمه كل شهر ويقول اني قد كبرت ولا اقدر علي النساء فمن اراد منكن التزويج زوجتها، او البيع بعتها، او العتق اعتقتها، فاذا قالت احداهن: لا قال: اللهم اشهد حتي يقول ثلاثاً وان سكتت واحدة منهن قال لنسائه سلوها ما تريد، وعمل علي مرادها، وكان اذا اتاه السائل قال: مرحباً بمن يحمل زادي الي الآخرة.
قال ابن الاثير في الكامل، لما سير يزيد مسلم بن عقبة الي المدينة قال: فاذا ظهرت عليهم فابحها ثلاثاً، فكل ما فيها من مال او دابة او سلاح او طعام فهو للجند، فاذا مضت الثلاث فاكفف عن الناس وانظر عليّ بن الحسين فاكفف عنه، واستوص به خيراً فانه لم يدخل مع الناس وانه قد اتاني كتابه.
وقد كان مروان بن الحكم، كلَّم ابن عمر لما اخرج اهل المدينة عامل يزيد وبني امية في ان يغيب اهله عنده فلم يفعل، فكلم علي بن الحسين (عليه السلام) فقال ان لي حرماً وحرمي يكون مع حرمك، فقال: افعل، فبعث بامرأته وهي عائشة ابنة عثمان بن عفان، وحرمه الي علي بن الحسين (عليه السلام)، فخرج علي (عليه السلام) بحرمه وحرم مروان الي ينبع، [353] وقيل بل ارسل حرم مروان وارسل معهم ابنه عبد اللّه بن علي الي الطائف.
وروي عن ابي عبد اللّه (عليه السلام) قال: كان بالمدينة رجل بطّال يضحك اهل المدينة من كلامه، فقال: يوماً لهم: قد اعياني هذا الرجل يعني عليّ بن الحسين (عليه السلام)، فما يضحكه مني شيء ولا بد من ان احتال في ان اضحكه، قال فمر علي بن الحسين (عليه السلام) ذات يوم ومعه موليان له فجاء ذلك البطَّال حتي انتزع رداءه من ظهره واتبعه الموليان فاسترجعا الرداء منه والقياه عليه وهو مخبت [354] لا يرفع طرفه من الارض ثم قال لمولييه ما هذا فقالا له رجل بطّال يضحك اهل المدينة ويستطعم منهم بذلك، قال فقولا له يا ويحك ان للّه يوماً يخسر فيه البطّالون.

في ذكر نبذ من كلامه

رُويَ عنه (عليه السلام) انه كان يقول: ان بين الليل والنهار روضة يرتعي في رياضها الابرار، ويتنعم في حدائقها المتّقون فادأبوا [355] رحمكم اللّه في سهر هذا الليل، بتلاوة القرآن في صدره، وبالتضرع والاستغفار في آخره، واذا ورد النهار فاحسنوا قراه [356] بترك التعرض لما يرديكم من محقّرات الذنوب، فانها مشرفة بكم علي قباح العيوب، وكأن الرحلة قد أظلتكم وكأَن الحادي [357] قد حدا بكم جعلنا اللّه واياكم ممن اغبطه فهمه ونفعه علمه.
وقال (عليه السلام) في جملة كلامه، واياك والابتهاج بالذنب، فان الابتهاج بالذنب اعظم من ركوبه.
وعن الباقر (عليه السلام) قال: كان أبي زين العابدين (عليه السلام) اذا نظر الي الشباب الذين يطلبون العلم، ادناهم اليه وقال مرحباً بكم انتم ودائع العلم ويوشك اذا انتم صغار قوم، ان تكونوا كبار آخرين.
ورُويَ انه جاء رجل الي علي بن الحسين يشكو اليه حاله فقال: مسكين ابن آدم له في كل يوم ثلاث مصائب لا يعتبر بواحدة منهن ولو اعتبر هانت عليه المصائب وأمر الدنيا، فاما المصيبة الاولي فاليوم الذي ينقص من عمره، قال وان ناله نقصان في ماله اغتم به والدرهم يخلف عنه والعمر لا يرده شيء، والثانية انه يستوفي رزقه فان كان حلالاً حوسب عليه وان كان حراماً عوقب، قال: والثالثة اعظم من ذلك، قيل وما هي، قال ما من يوم يمسي الا وقد دنا من الآخرة مرحلة لا يدري علي الجنة ام علي النار، وقال: اكبر ما يكون ابن آدم اليوم الذي يلد من امّه، قالت الحكماء: ما سبقه الي هذا احد.
وقال الكفعمي في البلد الامين ندبة مولانا زين العابدين (عليه السلام) رواية الزهري، يا نفس حتام الي الحياة سكونك، والي الدنيا وعمارتها ركونك، اما اعتبرت بمن مضي من اسلافك [358] ومن وارته الارض من أُلاَّفك، [359] ومن فجعت به من اخوانك، ونقلت الي دار البلي من اقرانك،
فهمْ في بطون الارضِ بعد ظهورِها
محاسنهُم فيها بوالٍ [360] دواثرُ [361].
خلت دورُهُم منهم واقوتْ عراصهمْ [362].
وساقهم نحو المنايا المقادرُ
وخلوا عن الدنيا وما جمعوا لها
وضمتهم تحت التراب الحفائر [363].
كم اخترمت [364] ايدي المنون [365] من قرون بعد قرون، وكم غيرت الارض ببلاها [366] وغيّبت في ثراها، ممن عاشرت من صنوف الناس وشيعتهم الي الأرماس. [367].
وانت علي الدنيا مكبّ منافس [368].
لخطابها فيها حريص مكاثِرُ
علي خطر [369] تمسي وتصبحُ لاهياً
اتدري بماذا لو عقلتَ تخاطرُ
وإن امرءأً يسعي لدنياهُ جاهداً
ويذهل [370] عن اخراه لا شك خاسرُ
فحتَّام علي الدنيا اقبالك، وبشهوتها اشتغالك وقد وحظك [371] لقتير ووفاك النذير [372] وانت عما يراد بك ساه، وبلذة يومك لاه.
وفي ذكر هولِ الموتِ والقبرِ والبِلي
عن اللهو واللّذاتِ للمرءِ زاجرُ
أبعد اقترابِ الاربعين تربص
وشيب القذال منذ ذلك ذاعر [373].
كأنك معني [374] بما هو ضائر
لنفسِكَ عمداً [375] او عن الرشدِ جائرُ [376].
انظر الي الامم الماضية، والقرون الفانية، والملوك العاتية [377] كيف انتسفتهم [378] الايام فافناهم الحمام [379] فامتحت من الدنيا آثارهم، وبقيت فيها اخبارهم.
واضحوا رميماً في الترابِ واقفرَتْ [380].
مجالسُ منهمُ عُطّلتْ ومقاصرُ [381].
وحلّوا بدارٍ لا تزاوُرَ بينهمْ
وأنّي لسكانِ القبورِ التزاوُرُ
فما إن تري الاجثيً [382] قد ثروا بها
مسنمةً [383] تسفي [384] عليها الأَعاصرُ [385].
كم عاينت من ذي عز وسلطان، وجنود واعوان، تمكن من دنياه، ونال منها مناه، فبني الحصون والدساكر [386] وجمع الاعلاق [387] والذخائر.
فما صرَفتْ كفُّ المنيةِ إذ أتت
مبادرةً تهوي اليهِ الذخائرُ
ولا دفعتْ عنهُ الحصونُ التي بَنَي
وحفّ بها انهارها والدساكِرُ
ولا قارَعت [388] عنهُ المنيةَ خيلُهُ
ولا طمِعَتْ في الذبّ عنه العساكِرُ
اتاه من امر اللّه ما لا يرد، ونزل به من قضائه ما لا يصد، فتعالي الملك الجبار المتكبر القهار، قاصم الجبارين ومبير المتكبرين.
مليك عزيز ما يردُّ قضاؤهُ
عليم حكيم نافذُ الامرِ قاهرُ
عنا كل ذي عزٍّ لعزّةِ وجههِ
فكلُّ عزيزِ للمهيمنِ صاغرُ [389].
لقد خَشَعَتْ واسْتَسْلَمَتْ وتضاءَلَتْ
لعزةِ ذي العرشِ الملوكُ الجبابرُ [390].
فالبدار [391] البدار، والحذار الحذار من الدنيا ومكائدها، وما نصبت لك من مصائدها، وتجلي لك من زينتها، واستشرف لك من فتنتها:
وفي دونِ ما عاينتَ من فَجَعاتِها
الي رفضِها داع وبالزهد آمرُ
فجدَّ ولا تغفل فَعَيْشُكَ زائِل
وانتَ الي دارِ المنيةِ صائرُ
ولا تطلبِ الدنيا فإنّ طِلابَهَا
وان نلت منها غِبُّهُ لكَ ضائرُ
فهل يحرص عليها لبيب، او يسر بلذتها اريب، وهو علي ثقة من فنائها، وغير طامع في بقائها، ام كيف تنام عين من يخشي البيات او تسكن نفس من يتوقع الممات.
ألا لا ولكنّا تَغُر نفوسَنا
وتشغلُنا اللذّاتُ عما نحاذِرُ
وكيف يلذُ العيشُ من هو موقن
بموقف عدلٍ حين تُبلي السرائرُ
كأنَّا نري ألا نشورَ وانَّنا
سدي [392] ما لنا بعد الفناء مصائر [393].
وما عسي ان ينال طالب الدنيا من لذتها، ويتمتع به من بهجتها مع فنون مصائبها، واصناف عجائبها، وكثرة تعبه في طلابها، وفي اكتسابها وما يكابد من اسقامها واوصابها. [394].
وما ان بني في كل يوم وليلة
يروح عليها صرفها ويباكر
تعاوره [395] آفاتها وهمومها
وكم ما عسي يبقي لها المتعاور
فلا هو مغبوط بدنياه آمن
ولا هو عن تطلابها النفس غادر [396].
كم غرّت من مخلد [397] اليها، وصرعت من مكب عليها، فلم تنعشه [398] من صرعته، ولم تقله من عثرته، ولم تداوه من سقمه ولم تشفه من المه.
بلي اوردته بعد عز ومنعة
موارد سوء ما لهنَّ مصادر
فلما رأي الا نجاة وأنه
هو الموت لا ينجيه منه المؤازر [399].
تندم لو يغنيه طول ندامة
عليه وابكته الذنوب البكائر
بكي علي ما اسلف من خطاياه، وتحسر علي ما خلف من دنياه حيث لا ينفعه الاستعبار [400] ولا ينجيه الاعتذار من هول المنية، ونزول البلية.
احاطت به آفاته وهمومه
واُبْلسَ [401] لما اعجزته المعاذر
فليس له من كربة الموت فارج
وليس له مما يحاذر ناصر
وقد جشأت [402] خوف المنية نفسه
ترددها دون اللهاة [403] الحناجر
هنالك خف عنه عوّاده، واسلمه اهله واولاده، وارتفعت الرنة [404] والعويل، ويئسوا من برء العليل، غمَّضوا بأيديهم عينيه، ومدوا عند خروج نفسه رجليه.
فكم موجع يبكي عليه تفجعاً
ومستنجد [405] صبراً وما هو صابر
ومسترجع داع له اللّه مخلص
يعدد منه خير ما هو ذاكر
وكم شامت مستبشر بوفاته
وعما قليل كالذي صار صائر
شق جيوبها نساؤه، ولطم خدودها اماؤه، واعول [406] لفقده جيرانه، وتوجع لرزئه [407] اخوانه ثم اقبلوا علي اجهازه وتشمروا [408] لابرازه:
فظل احب القوم كان لقربه
يحث علي تجهيزه ويبادر
وشمر من قد احضروه لغسله
ووجه لما [409] فاض [410] للقبر حافر
وكفّن في ثوبين فاجتمعت له
مشيعة اخوانه والعشائر
فلو رأيت الاصغر من اولاده، وقد غلب الحزن علي فؤاده، فغشي من الجزع عليه، وقد خضبت الدموع خديه، ثم افاق وهو يندب اباه، ويقول بشجو [411] واويلاه:
لأبصرت من قُبحِ المنية منظراً
يهال [412] لمرآه ويرتاع [413] ناظر
اكابر اولاد يهيج اكتئابهم
اذا ما تناساه البنون الاصاغر
ورنة نسوان عليه جوازع
مدامعها فوق الخدود غزائر [414].
ثم اخرج من سعة قصره، الي ضيق قبره، فحثوا بايديهم التراب واكثروا التلدد والانتحاب [415] وقفوا ساعة عليه، وقد يئسوا من النظر اليه.
فولوا عليه معولين [416] وكلهم
لمثل الذي لاقي اخوه محاذر
كشاء رتاع [417] آمنات بدا لها
بمدية باد الذراعين حاسر [418].
فراعت ولم ترتع قليلاً وأجفلت [419].
فلما انتحي منها الذي هو حاذر
عادت الي مرعاها، ونسيت ما في اختها دهاها، افبافعال البهائم اقتدينا، وعلي عادتها جرينا، عد الي ذكر المنقول الي الثري، والمدفوع الي هول ما تري.
هوي مصرعاً في لحده وتوزّعت [420].
مواريثه ارحامه والاواصر [421].
وانخوا علي امواله يخضمونها [422].
فما حامد منهم عليها وشاكر
فيا عامر الدنيا ويا ساعياً لها
ويا آمناً من أن تدور الدوائر
كيف امنت هذه الحالة، وانت صائر اليها لا محالة، ام كيف تتهنأ بحياتك وهي مطيتك [423] الي مماتك، ام كيف تسيغ طعامك وانت تنتظر حمامك. [424].
ولم تتزود للرحيل وقد دنا
وانت علي حال وشيكاً مسافر [425].
فيا ويح نفسي كم اسوف توبتي
وعمريَ فانٍ والرّدي لي ناظر [426].
وكل الذي اسلفت في الصحف مثبت
يجازي عليه عادل الحكم قاهر
فكم ترقع بدينك دنياك، وتركب في ذلك هواك، إني لأراك ضعيف اليقين يا راقع الدنيا بالدين، ابهذا امرك الرحمن، ام علي هذا دلك القرآن.
تُخرِّبُ ما يبقي وتَعْمر فانياً
فلا ذاك موفور ولا ذاك عامرُ
وهل لك ان وافاك حتفك [427] بغتة
ولم تكتسب خيراً لدي اللّه عاذر
اترضي بأن تفني الحياة وتنقضي
ودينك منقوص ومالك وافر
فبك إلهنا نستجير يا عليم يا خبير، من نؤمل لفكاك رقابنا غيرك ومن نرجو لغفران ذنوبنا سواك، وانت المتفضل المنَّان، القائم الدّيان العائد علينا بالإحسان، بعد الاساءة منا والعصيان. يا ذا العزة والسلطان والقوة والبرهان، اجرنا من عذابك الاليم، واجعلنا من سكان دار النعيم، يا ارحم الراحمين.

في مدحه واستلامه الحجر الأسود

روي الشيخ الكشي وغيره عن ابن عائشة ان هشام بن عبد الملك حج في خلافة عبد الملك، وطاف بالبيت فأراد ان يستلم الحجر فلم يقدر عليه من الزحام فنصب له منبر فجلس، واطاف به اهل الشام، فبينا هو كذلك اذ أقبل عليّ بن الحسين (عليه السلام) وعليه ازار ورداء من احسن الناس وجهاً واطيبهم رائحة، و بين عينيه سجادة كأنها ركبة عنز فجعل يطوف بالبيت فاذا بلغ الحجر تنحي الناس عنه حتي يستلمه هيبة له واجلالاً، فغاظ ذلك هشاماً، فقال رجل من اهل الشام لهشام: من هذا الذي قد هابه الناس هذه الهيبة فافرجوا له عن الحجر، فقال هشام: لا اعرفه لئلا يرغب فيه أهل الشام، فقال الفرزدق وكان حاضراً: لكني أعرفه، وقال الشامي: ومن هذا يا ابا فراس فقال:
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته
والبيت يعرفه والحلُّ والحرمّ
هذا ابن خير عباد اللّه كلهمُ
هذا التقيُّ النقيُّ الطاهرُ العلمُ
هذا عليّ رسولُ اللّه والدُهُ
امست بنورِ هداهُ تهتدي الاممُ
اذا رأته قريش قال قائلُها
الي مكارمِ هذا ينتهي الكرَمُ
ينمي الي ذروة العز التي قَصرتْ
عن نيلها عربُ الإِسلامِ والعجم
يكاد [428] يمسكهُ عرفانُ راحتِهِ
ركنَ الحطيمِ اذا ما جاء يستلِمُ
ينشقُّ نورُ الهدي عن نورِ غرّتِهِ
كالشمس تنجابُ في اشراقها الظلمُ
بكفهِ خيزران ريحها عَبِق
من كف اروَع من عرنينه شمَمُ
مشتقة من رسول اللّه نبعته
طابت عناصره والخيم والشيمُ
هذا ابنُ فاطمة قدْماً وشرّفَهُ
جري بذاكَ له في لوحهِ القلَمُ
وليسَ قولُك من هذا بضائِرِهِ
العربُ تعرفُ من انكرت والعَجَمُ
لا يخلف الوعدَ ميمون نقيبته
رحب الفناء اريب حين يعتزمُ [429].
عم الرية بالاإِحسان فانقعشت
عنها الغيابة والاملاق والعدم
من معشرٍ حبهمّ دين وبغضهم
كفر وقربهم منجي ومعتصم
ان عد اهل التقي كانوا ائمتهم
او قيل من خير اهل الأرض قيل همُ
يستدفع السوء والبلوي بحبهم
ويسترب به الاحسان والنعمُ
مقدم بعد ذكر اللّه ذكرهم
في كل بدء ومختوم به الكلم
لا يستطيع جواد بعد غايتهم
ولا يدانيهم قوم وان كرموا
لا يقبض العسر بسطاً من اكفهم
سيان ذلك ان اثروا وان عدموا
أي الخلائق ليست في رقابهم
لأولية هذا أو له نعم
من يعرف اللّه يعرف اولوية ذا
فالدين من بيت هذا ناله الامم
ما قال لا قطُّ الا في تشهده
لولا التشهد كانت لاؤه نعم
ولم اذكر تمامها رعاية للاختصار، فغضب هشام وأمر بحبس الفرزدق فحبس بعسفان [430] بين مكة والمدينة، وبلغ ذلك علي بن الحسين (عليه السلام) فبعث اليه باثني عشر الف درهم (الخبر).
قال الاستاذ الاكبر المحقق البهبهاني (رحمه اللّه) قال جدي وذكر عبد الرحمان الجامي في سلسلة الذهب هذه القصيدة منظومة بالفارسية، وذكر ان كوفية رأت في النوم الفرزدق وقالت له: ما فعل اللّه بك، قال: غفر اللّه لي بقصيدة علي بن الحسين (عليه السلام)، قال الجامي وبالحري ان يغفر اللّه للعالمين بهذه القصيدة، مع اشتهاره بالنصب والعداوة.

في حلم علي بن الحسين وعفوه

روي شيخنا المفيد في الارشاد أنه وقف علي عليّ بن الحسين (عليه السلام) رجل من اهل بيته، فاسمعه وشتمه فلم يكلمه فلما انصرف قال لجلسائه: قد سمعتم ما قال هذا الرجل، وانا احب ان تبلغوا معي اليه حتي تسمعوا مني ردي عليه، قال: فقالوا له نفعل، ولقد كنا نحب ان تقول له ويقول، قال فاخذ نعليه ومشي وهو يقول، والكاظمين الغيظ، والعافين عن الناس، واللّه يحب المحسنين، فعلمنا انه لا يقول له شيئاً، قال فخرج الينا متوثباً للشر وهو لا يشك انه انما جاءه مكافياً له علي بعض ما كان منه، فقال له عليّ بن الحسين (عليه السلام) يا اخي انك كنت قد وقفت عليّ آنفاً وقلت وقلت، فان كنت قد قلت ما فيّ فأنا استغفر اللّه منه، وان كنت قلت ما ليس فيّ فغفر اللّه لك، قال: فقبل الرجل بين عينيه وقال بلي بل قلت فيك ما ليسك فيك، وانا احق به، قال الراوي للحديث: والرجل هو الحسن بن الحسن (رضي اللّه عنه)، قلت ويقرب منه ما روي عن مشكاة الانوار لسبط الشيخ الطبرسي عن حماد اللحام، قال: اتي رجل ابا عبد اللّه (عليه السلام) فقال ان فلاناً ابن عمك ذكرك، فما ترك شيئاً من الوقيعة والشتيمة الا قاله فيك، فقال ابو عبد اللّه (عليه السلام) للجارية ايتيني بوضوء فتوضأ ودخل فقلت في نفسي: يدعو عليه، فصلي ركعتين، فقال يا رب هو حقي قد وهبته له وانت اجود مني وأكرم فهبه لي ولا تؤاخذه ولا تقايسه، ثم رق فلم يزل يدعو فجعلت اتعجب.
وقال الشيخ المفيد (رحمه اللّه) وقد روي عنه فقهاء العامة من العلوم ما لا يحصي كثرة، وحفظ عنه من المواعظ والادعية وفضائل القرآن والحلال والحرام والمغازي والايام ما هو مشهور بين العلماء، ولو قصدنا الي شرح ذلك لطال به الخطاب وتقضي به الزمان، وقد روت الشيعة له آيات ومعجزات وبراهين واضحات لم يتسع لذكرها هذا المكان. انتهي.

في وفاة الإمام زين العابدين

توفي (عليه السلام) بالمدينة يوم السبت لاثنتي عشرة ليلة بقيت او مضت من المحرّم سنة (95 هجري) خمس وتسعين من الهجرة، وله يومئذ سبع وخمسون سنة، سمّه هشام بن عبد الملك وكان في ملك الوليد بن عبد الملك.
وقال الشيخان انه توفي (سلام اللّه عليه) في اليوم الخامس والعشرين من المحرّم سنة 94 هجري اربع وتسعين من الهجرة.
اقول سُمّيت سنة وفاته سنة الفقهاء لكثرة من مات فيها من العلماء والفقهاء.
قال السبط في التذكرة: وكان (عليه السلام) سيد الفقهاء مات في اولها وتتابع الناس بعده سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير وسعيد بن جبير وعامة فقهاء المدينة، وقبره بالبقيع في القبة التي فيها العباس وعمه الحسن بن عليّ (عليه السلام).
روي الكليني عن ابي جعفر (عليه السلام) قال: لما حضر عليّ بن الحسين (عليه السلام) الوفاة ضمّني الي صدره وقال يا بنيّ: اوصيك بما اوصاني به أبي حين حضرته الوفاة، وبما ذكر ان اباه اوصاه به، قال: يا بنيّ اياك وظلم من لا يجد عليك ناصراً الا اللّه.
وعن ابي الحسن (عليه السلام) قال: ان عليّ بن الحسين لما حضرته الوفاة اغمي عليه ثم فتح عينيه وقرأ، (اذا وقعت الواقعة وانا فتحنا لك)، وقال: الحمد للّه الذي صدقنا وعده واورثنا الأرض نتبوّأ من الجنة حيث نشاء فنعم اجر العاملين، ثم قبض من ساعته ولم يقل شيئاً.
وروي انه لما مات عليّ بن الحسين (عليه السلام) كانت له ناقة وقد حج عليها اثنتين وعشرين حجة ما قرعها بمقرعة قط فجاءت، فأتت عليّ بن الحسين (عليه السلام) وضربت بجرانها علي القبر وتمرغت عليه ورغت [431] وهملت عيناها، فأتي محمد بن علي (عليه السلام) فقيل: ان الناقة قد خرجت الي القبر فضربت بجرانها ورغت وهملت فأتاها، فقال مه الآن قومي، بارك اللّه فيك، فثارت ودخلت موضعها، فلم تلبث ان خرجت حتي اتت القبر فضربت بجرانها ورغت وهملت عيناها، فأتي محمد بن علي (عليه السلام) فقيل له ان الناقة قد خرجت، فأتاها فقال مه الآن قومي فلم تفعل، قال دعوها فانها مودعة فلم تلبث الا ثلاثة حتي نفقت (اي ماتت).
وقال الشيخ جمال الدين يوسف بن حاتم الشامي في الدر النظيم: كان سبب وفاة علي بن الحسين (عليه السلام)، ان الوليد بن عبد الملك سمَّه ولما دفن ضربت امرأته علي قبره فسطاطاً.
تتميم: روي انه (عليه السلام) كان يقول في دعائه اللهم من انا حتي تغضب علي، فوعزتك ما يزين ملكك احساني ولا يقبحه اسائتي، ولا ينقص من خزائنك غنائي ولا يزيد فيها فقري.
ومن دعائه (عليه السلام) كما في الصحيفة الكاملة التي هي من منشآته (صلوات اللّه عليه)، فاسألك اللهم بالمخزون من اسمائك وبما وارته الحجب من بهائك، الا رحمت هذه النفس الجزوعة وهذه الرِّمة الهلوعة التي لا تستطيع حرَّ سمشك فكيف تستطيع حرَّ نارك، والتي لا تستطيع صوت وعدك فكيف تستطيع غضبك، فارحمني اللهم فاني امرؤ حقير وخطري يسير وليس عذابي مما يزيد في ملكك مثال ذرة، الي آخر الدعاء.
فانظر ايدك اللّه في اخباره، والمح بعين الاعتبار عجائب آثاره، وفكر في زهده وتعبده وخشوعه وتهجده وادعيته وصلاته وصدقاته وملازمة عباداته وتوسلاته وادعيته ومناجاته التي تدل مع فصاحته وبلاغته علي خشوعه لربه وضراعته، ووقوفه موقف العصاة مع شدة طاعته، واعترافه بالذنوب مع براءة ساحته، وبكائه ونحيبه وخفوق قلبه من خشية اللّه ووجيبه وانتصابه، وقد ارخي الليل سدوله [432] وجر علي الأرض ذيوله، مناجياً ربِّه، ملازماً بابه، ممثلاً نفسه بين يديه، معرضاً عن كل شيء مقبلاً عليه، قد انسلخ من الدنيا الدنيَّة، وتعرَّي من الجثة البشرية، فجسمه ساجد في الثري، وروحه متعلقة بالملأ الأعلي، يتململ اذا مر بآية من آيات الوعيد حتي كأنه المقصود بها مع انه عنها بعيد. تجد اموراً عجيبة واحوالاً غريبة ونفساً من اللّه سبحانه قريبة، فلنقطع الكلام في هذا المقام ان ينتهي الي آخره، فان العبارة تعجز عن وصف فضله وعدّ مفاخره، (صلوات اللّه عليه) وعلي آبائه وابنائه.

ابو جعفر محمد بن علي بن الحسين باقر علم النبيين

اشاره

ولد بالمدينة يوم الاثنين الثالث من صفر سنة 57 سبع وخمسين من الهجرة، وقيل غرة رجب.
امه (عليه السلام) ام عبد اللّه فاطمة بنت الحسن بن علي بن ابي طالب (عليهم السلام)، وهو هاشمي من هاشميين وعلويّ من علويين.
روي عن ابي جعفر (عليه السلام) قال كانت أمي قاعدة عند جدار، فتصدع الجدار، وسمعنا هدّة شديدة فقالت بيدها لا وحق المصطفي (صلوات اللّه عليه وآله) ما اذن اللّه لك في السقوط فبقي معلقاً حتي جازته، فتصدق عنها ابي بمئة دينار.
وذكرها الصادق (عليه السلام) يوماً فقال: كانت صديقة لم يدرك في آل الحسن مثلها.
سمي ابو جعفر (عليه السلام) باقراً لأنه بقر العلم بقراً أي شقه شقاً واظهره اظهاراً.
وقال السبط بن الجوزي سمِّي الباقر من كثرة سجوده [433] بقر السجود جبهته، أي فتحها ووسعها، وقيل لغزارة علمه.
قال الجوهري في الصحاح: التبقر التوسع في العلم.
وكان يتختم (عليه السلام) بخاتم جده الحسين (عليه السلام) ونقشه: ان اللّه بالغ امره.
ورُوي في وصف علمه (عليه السلام) عن عبد اللّه بن عطا المكي قال: ما رأيت العلماء عند احد قط اصغر منهم عند ابي جعفر محمد بن عليّ بن الحسين (عليه السلام)، ولقد رأيت الحكم بن عتيبة مع جلالته في القوم بين يديه كأنّه صبيّ بين يدي معلمه، وكان جابر بن يزيد الجعفي اذا روي عن محمد بن عليّ (عليه السلام) شيئاً يقول: حدثني وصيُّ الاوصياء ووارث علوم الانبياء محمد بن عليّ بن الحسين (صلوات اللّه عليهم).
وعن محمد بن مسلم قال ما شجر في دائي [434] شيء قط الا سألت عنه ابا جعفر (عليه السلام) حتي سألته عن ثلاثين الف حديث وسألت ابا عبد اللّه (عليه السلام) عن ستة عشر الف حديث.
وروي في حديث عن النبي (صلي اللّه عليه وآله وسلم) قال: اذا مضي الحسين (عليه السلام) قام بالأمر بعده عليّ ابنه (عليه السلام) وهو الحجة والإِمام ويخرج اللّه من صلب عليّ ولداً سميي واشبه الناس بي، علمه علمي وحكمه حكمي، وهو الإِمام والحجة بعد ابيه.
وروي عن الباقر (عليه السلام) قال: لو وجدت لعلمي لنشرت التوحيد والإِسلام والدين والشرائع من الصمد، وكيف لي ولم يجد جدّي امير المؤمنين (عليه السلام) حَمَلَةً لعلمه.
وبالجملة اظهر (عليه السلام) من مخبآت [435] كنوز المعارف وحقائق الاحكام والحكم واللطائف ما لا يخفي الا علي منطمس البصيرة، وفاسد الطوية والسريرة ومن ثم قيل هو باقر العلوم وشاهرها.
وكانت الشيعة قبل ان يكون ابو جعفر (عليه السلام) وهم لا يعرفون مناسك حجهم وحلالهم وحرامهم حتي كان ابو جعفر (عليه السلام) ففتح لهم وبيّن لهم مناسك حجهم وحلالهم وحرامهم حتي صار الناس يحتاجون اليهم من بعد ما كانوا يحتاجون الي الناس.
قال الشيخ المفيد ولم يظهر عن احد من ولد الحسن والحسين (عليهما السلام) من علم الدين والآثار والسنة وعلم القرآن والسيرة وفنون الادب ما ظهر عن ابي جعفر (عليه السلام) وروي عنه معالم الدين بقايا الصحابة ووجوه التابعين ورؤساء فقهاء المسلمين وصار بالفضل علماً لأهله تضرب به الامثال، وتصير بوصفه الآثار والأشعار، وفيه يقول القرطبي:
يا باقر العلم لأهل التّقي
وخير من لبّي علي الاجبُلِ [436].
وروي عن ميمون القداح عن جعفر بن محمد عن ابيه (عليهما السلام) قال: دخلت علي جابر بن عبد اللّه الانصاري (رحمه اللّه) فسلمت عليه فرد عليَّ السلام ثم قال لي: من انت وذلك بعد ما كفّ بصره، فقلت محمد بن عليّ بن الحسين (عليه السلام) فقال يا بنيّ ادن مني فدنوت منه فقبل يدي ثم اهوي الي رجلي يقبلهما، فتنحيت عنه، ثم قال لي ان رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) يقرئك السلام، فقلت وعلي رسول اللّه السلام ورحمة اللّه وبركاته، وكيف ذلك يا جابر، فقال كنت معه ذات يوم فقال لي يا جابر لعلك تبقي حتي تلقي رجلاً من ولدي يقال له محمد بن علي بن الحسين (عليه السلام) يهب اللّه له النور والحكمة فأقرئه مني السلام.
وروي الشيخ الكليني في كتاب الاطعمة من الكافي عن أبي حمزة الثمالي قال: كنت جالساً في مسجد الرسول (صلي اللّه عليه وآله وسلم) اذ اقبل رجل فسلم فقال: من انت يا عبد اللّه، قلت: رجل من اهل الكوفة فقلت ما حاجتك فقال لي: اتعرف ابا جعفر محمد بن علي (عليه السلام) فقلت نعم، فما حاجتك اليه قال هيأت له اربعين مسألة اسأله عنها، فما كان من حق اخذته وما كان من باطل تركته، قال ابو حمزة، فقلت له: هل تعرف ما بين الحق والباطل، قال نعم فقلت له فما حاجتك اليه، اذا كنت تعرف ما بين الحق والباطل فقال لي: يا اهل الكوفة انتم قوم ما تطاقون اذا رأيت ابا جعفر فاخبرني فما انقطع كلامي معه حتي اقبل ابو جعفر (عليه السلام) وحوله اهل خراسان وغيرهم يسألونه عن مناسك الحج، فمضي حتي جلس مجلسه وجلس الرجل قريباً منه، قال ابو حمزة فجلست حيث اسمع الكلام وحوله عالم من الناس، فلما قضي حوائجهم وانصرفوا التفت الي الرجل، فقال له من انت قال: انا قتادة بن دعامة [437] البصري فقال له ابو جعفر (عليه السلام) انت فقيه اهل البصرة، قال نعم، فقال أبو جعفر (عليه السلام) ويحك يا قتادة ان اللّه جل وعز خلق خلقاً من خلقه، فجعلهم حججاً علي خلقه، فهم اوتاد في ارضه، قوام بأمره، نجباء في علمه، اصطفاهم قبل خلقه اظلة عن يمين عرضه، قال فسكت قتادة طويلاً، ثم قال: اصلحك اللّه واللّه لقد جلست بين يدي الفقهاء وقدام ابن عباس، فما اضطراب قلبي قدام واحد منهم ما اضطرب قدامك، قال له ابو جعفر (عليه السلام) ويحك تدري اين انت، انت بين يدي بيوت أذِنَ اللّه ان ترفع ويذكر فيها اسمه يسبّح له فيها بالغدو والآصال، رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر اللّه، واقام الصلاة وايتاء الزكاة، فانت ثم [438] ونحن اولئك، فقال له قتادة صدقت واللّه جعلني اللّه فداك واللّه ما هي بيوت حجارة ولا طين، قال قتادة فاخبرني عن الجبن فتبسم ابو جعفر (عليه السلام)، ثم قال رجعت مسائلك الي هذا قال ضلت عليّ فقال لا بأس به. الحديث.

في احوال الإمام ابي جعفر الباقر

روي عن الزهري [439] قال دخلت علي عليّ بن الحسين (عليه السلام) في مرضه الذي توفي فيه فدخل عليه محمد ابنه (عليه السلام) فحدثه طويلاً بالسر فسمعته يقول فيما يقول، عليك بحسن الخلق.
وعن ابي بكر الحضرمي، قال: لما حمل ابو جعفر (عليه السلام) الي الشام الي هشام بن عبد الملك وصار ببابه قال هشام لاصحابه اذا سكتُّ من توبيخ محمد بن علي فلتوبخوه، ثم امر ان يؤذن له فلما دخل عليه ابو جعفر (عليه السلام) قال بيده: السلام عليكم فعمهم بالسلام جميعاً ثم جلس فازداد هشام عليه حنقاً بتركه السلام عليه بالخلافة، وجلوسه بغير اذن، فقال يا محمد بن علي لا يزال الرجل منكم قد شق عصا المسلمين ودعا الي نفسه وزعم انه الإمام سفهاً وقلة علم وجعل يوبخه فلما سكت أقبل القوم عليه رجل بعد رجل يوبخه، فلما سكت القوم نهض (عليه السلام) قائماً، ثم قال: ايها الناس اين تذهبون واين يراد بكم، بنا هدي اللّه اوَّلكم، وبنا يختم آخركم، فان يكن لكم ملك معجل فان لنا ملكاً مؤجّلاً وليس بعد ملكنا ملك لأنّا اهل العاقبة، يقول اللّه عز وجل والعاقبة للمتقين، فامر به الي الحبس فلما صار في الحبس تكلم فلم يبق في الحبس رجل الا ترشفه [440] وحنّ عليه فجاء صاحب الحبس الي هشام واخبره بخبره فأمر به، فحمل علي البريد هو واصحابه ليردوا الي المدينة، وامر ان لا تخرج لهم الاسواق وحال بينهم وبين الطعام والشراب، فساروا ثلاثاً لا يجدون طعاماً ولا شراباً حتي انتهوا الي مَدْين: [441] فاغلق باب المدينة دونهم، فشكا اصحابه العطش والجوع قال: فصعد جبلاً اشرف عليهم فقال باعلي صوته: يا اهل المدينة الظالم اهلها، انا بقية اللّه، يقول اللّه بقية اللّه خير لكم ان كنتم مؤمنين وما انا عليكم بحفيظ، قال وكان فيهم شيخ كبير فأتاهم فقال يا قوم هذه واللّه دعوة شعيب (عليه السلام) واللّه لئن لم تخرجوا الي هذا الرجل بالاسواق لتؤخذون من فوقكم ومن تحت ارجلكم فصدقوني هذه المرة واطيعوني وكذبوني فيما تستأنفون فاني ناصح لكم، قال فبادروا واخرجوا الي ابي جعفر واصحابه الأسواق. [442].
اقول، قال العلامة المجلسي (رحمه اللّه) في شرح الخبر: فلم يبق في الحبس رجل الا ترشّفه (الترشف المص والتقبيل مع اجتماع الماء في الفم وهو كناية عن مبالغتهم في اخذ العلم عنه (عليه السلام) او عن غاية الحبّ ولعله تصحيف ترسفه بالسين المهملة يعني مشي اليه مشي المقيد يتحامل رجله مع القيد) انتهي.
وروي عن ابي عبد اللّه (عليه السلام) قال ان محمد بن [443] المنكدر كان يقول ما كنت اري ان مثل عليّ بن الحسين (عليه السلام) يدع خلفاً لفضل عليّ بن الحسين (عليهما السلام) حتي رأيت ابنه محمد بن عليّ (عليه السلام) فأردت ان اعظه فوعظني فقال له اصحابه باي شيء وعظك قال: خرجت الي بعض نواحي المدينة في ساعة حارّة فلقيت محمد بن عليّ (عليه السلام) وكان رجلاً بديناً وهو متكئ علي غلامين له اسودين او موليين له، فقلت في نفسي شيخ من شيوخ قريش في هذه الساعة علي هذه الحال في طلب الدنيا، واللّه لأعظنه، فدنوت منه فسلمت عليه فسلم عليّ بنهر وقد تصبَّب عرقاً فقلت: اصلحك اللّه، شيخ من اشياخ قريش في هذه الساعة علي هذه الحال في طلب الدنيا، لو جاءك الموت وانت علي هذه الحال، قال فخلي عن الغلامين من يده ثم تساند وقال: لو جاءني واللّه الموت وانا في هذه الحال جاءني وانا في طاعة من طاعات اللّه، اكف بها نفسي عنك وعن الناس، وانما كنت اخاف الموت لو جاءني وانا علي معصية من معاصي اللّه، فقلت: يرحمك اللّه اردت ان اعظك فوعظتني.
وروي انه (عليه السلام) خرج حاجاً فلما دخل المسجد ونظر الي البيت بكي حتي علا صوته ثم طاف بالبيت وصلّي عند المقام فرفع رأسه من سجوده، فاذا موضع سجوده مبتل من كثرة دموع عينيه، وكان (عليه السلام) اذا ضحك قال اللهم لا تمقتني، وكان يقول في جوف الليل في تضرعه: أمرتني فلم أأتمر، ونهيتني فلم انزجر فها انا ذا عبدك بين يديك ولا اعتذر.
وروي عن ابي عبد اللّه (عليه السلام) قال: كان ابي (عليه السلام) اذا احزنه امر جمع النساء والصبيان ثم دعا، وأمنوا.
وقال ابو عبد اللّه (عليه السلام) كان أبي كثير الذكر لقد كنت امشي معه وانه ليذكر اللّه ولقد كان يحدث القوم وما يشغله ذلك عن ذكر اللّه، وكنت اري لسانه لازقاً [444] بحنكه يقول لا اله الا اللّه وكان يجمعنا فيأمرنا بالذكر حتي تطلع الشمس، ويأمر بالقراءة من كان يقرأ منّا ومن كان لا يقرأ منّا امره بالذكر.

في مكارم أخلاقه

كان ابو جعفر الباقر (عليه السلام) مع ما وصف من الفضل في العلم والسؤدد [445] والرياسة والإِمامة ظاهر الجود في الخاصة والعامة، مشهور الكرم في الكافة، معروفاً بالتفضل والاحسان مع كثرة عياله وتوسط حاله.
قال ابو عبد اللّه (عليه السلام): كان أبي أقل اهل بيته مالاً واعظمهم مؤونة وكان يتصدق كل جمعة بدينار وكان يقول الصدقة يوم الجمعة تضاعف، لفضل يوم الجمعة علي غيره من الايام.
وروي عن الحسن بن كثير قال: شكوت الي ابي جعفر محمد بن عليّ (عليه السلام) الحاجة وجفاء الاخوان، فقال بئس الاخ اخاً يرعاك غنياً ويقطعك فقيراً ثم أمر غلامه فاخرج كيساً فيه سبعمئة درهم وقال استنفق هذه فاذا نفدت فاعلمني.
روي انه (عليه السلام) كان يجير [446] الخمسمئة درهم الي الستمئة الي الالف درهم وكان لا يملّ من صلة الاخوان وقاصديه ومؤمليه وراجيه.
وروي عنه عن آبائه (عليهم السلام) ان رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) كان يقول: اشد الاعمال ثلاثة، مواساة الاخوان في المال وانصاف الناس من نفسك وذكر اللّه علي كل حال.
ورُوي عنه (عليه السلام) قوله ما شيب [447] شيء بشيء احسن من حلم بعلم.
وعن الجاحظ في كتاب البيان والتبيين، قال: قد جمع محمد بن عليّ بن الحسين (عليه السلام)، صلاح حال الدنيا بحذافيرها [448] في كلمتين، فقال صلاح جميع المعايش والتعاشر، ملء مكيال، ثلثان فطنة، وثلث تغافل.
وقال له نصراني: انت بقر، قال لا، انا باقر، قال انت ابن الطباخة قال: ذاك حرفتها، قال انت ابن السوداء الزنجية البذية، [449] قال ان كنت صدقت غفر اللّه لها، وان كنت كذبت غفر اللّه لك قال فأسلم النصراني.
اقول ولقد اقتدي به سلام اللّه عليه في هذا الخلق الشريف افضل الحكماء والمتكلمين سلطان العلماء والمحققين الوزير الاعظم الخواجة نصير الملة والدين (قدس اللّه روحه) فقد ذكرنا في ترجمته في الفوائد الرضوية، ان ورقة حضرت اليه من شخص من جملة ما فيها، يا كلب ابن كلب فكان الجواب اما قوله يا كذا فليس بصحيح لأن الكلب من ذوات الأربع وهو نابح [450] طويل الأظفار، واما انا فمنتصب القامة بادي البشرة عريض الاظفار ناطق ضاحك فهذه الفصول والخواص غير تلك الفصول والخواص، واطال في نقض كل ما قال، وهكذا رد عليه بحسن طوية [451] وتأنٍ غير منزعج [452] ولم يقل في الجواب كلمة قبيحة، قلت ليس هذا ببدع ممن قال في حقه العلامة في اجازته الكبيرة، وكان هذا الشيخ افضل عصره في العلوم العقلية والنقلية، وله مصنفات كثيرة في العلوم الحكمية، والاحكام الشرعية علي مذهب الإِمامية، وكان اشرف من شاهدناه في الاخلاق، نور اللّه مضجعه، قرأت عليه إلهيات الشفا لأبي علي بن سينا وبعض التذكرة في الهيئة، تصنيفه، ثم ادركه الموت المحتوم (قدس اللّه روحه). انتهي.

في كلماته وحكمه

ومن كلمات مولانا الباقر (عليه السلام) في الحكم.
قال: الكمال كل الكمال التفقه في الدين والصبر علي النائبة [453] وتقدير المعيشة.
وقال (عليه السلام): من لم يجعل اللّه له في نفسه واعظاً فان مواعظ الناس لن تغني عنه شيئاً.
وقال (عليه السلام) كم رجل قد لقي رجلاً فقال له: كبتَ اللّه عدوك وما له عدو الا اللّه.
وقال (عليه السلام): ما عرف اللّه من عصاه وانشد:
تعصي الإِله وانت تُظهر حبَّهُ
هذا لعمرك في الفعالِ بديعُ
لو كان حبُّك صادقاً لأَطعتَهُ
ان المحبّ لمِن أحبَّ مُطيعُ
وقال في وصيته لجابر الجعفي: يا جابر اغتنم من اهل زمانك خمساً: ان حضرت لم تعرف [454] وان غبت لم تفتقد، وان شهدت لم تشاور، وان قلت لم يقبل قولك، وان خطبت لم تتزوج.
وقال: مثل الحاجة الي من اصاب ماله حديثاً كمثل الدرهم في فم الافعي انت اليه محوج [455] وانت منها علي خطر.
وقال (عليه السلام) الحياء والايمان مقرونان في قرن فاذا ذهب احدهما تبعه صاحبه.
وقال لبعض شيعته وقد اراد سفراً، فقال له (عليه السلام): أوصني، فقال: لا تسيرن سيراً وانت حاف، ولا تنزلن عن دابتك ليلاً الا ورجلاك في خف، ولا تبولن في نفق ولا تذوقن بقلة [456] ولا تشمها حتي تعلم ما هي، ولا تشربن من سقاء [457] حتي تعرف ما فيه ولا تسيرن الا مع من تعرف، واحذر من لا تعرف.
وقال من اعطي الخلق والرفق فقد اعطي الخير والراحة وحسن حاله في دنياه وآخرته ومن حرم الخلق والرفق كان ذلك سبيلاً الي كل شر وبلية الا من عصمه اللّه.
اقول قد وردت روايات كثيرة في مدح الرفق وكفي في ذلك ما ورد عن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم)، قال لجابر (رضي اللّه عنه): ان هذا الدين لمتين، فاوغل فيه برفق ولا تبغض الي نفسك عبادة اللّه فان المنبتَّ لا ارضاً قطع ولا ظهراً أبقي.
بيان: يقال للرجل اذا انقطع في سفره وعطب راحلته قد انبَتَّ من البت (اي القطع)، يريد انه بقي في طريقه عاجزاً عن مقصده لم يقض وطره وقد اعطب ظهره، والظهر الابل التي يحمل عليها وتركب.
قال المحقق الطوسي في آداب المتعلم: ويغتنم ايام الحداثة وعنفوان الشباب ولا يجهد نفسه جهداً يضعف النفس وينقطع عن العمل بل يستعمل الرفق في ذلك والرفق اصل عظيم في جميع الأشياء.

في وفاة الإمام محمد بن علي الباقر

توفي ابو جعفر محمد بن علي بن الحسين (عليهم السلام) بالمدينة يوم الاثنين سابع ذي الحجة سنة 114 هجري اربع عشرة ومئة وله سبع وخمسون سنة.
قيل سمَّه ابراهيم بن الوليد بن عبد الملك فتكون وفاته في ايام هشام بن عبد الملك، وقبره بالبقيع في القبر الذي فيه ابوه وعم ابيه الحسن (عليهم السلام) في القبة التي فيها العباس، وأوصي الي ابنه جعفر (عليه السلام) وامره ان يكفنه في برده الذي كان يصلّي فيه يوم الجمعة وان يعمّمه بعمامته وان يربع قبره ويرفعه اربع اصابع وان يحل عنه اطماره عند دفنه.
ورُوي عن ابي عبد اللّه (عليه السلام)، قال كتب ابي في وصيته، ان اكفنه في ثلاثة اثواب احدها رداء له حبرة، كان يصلي فيه يوم الجمعة وثوب آخر وقميص، فقلت لأبي: لِمَ تكتب هذا؟ فقال: اخاف ان يغلبك الناس وان قالوا كفّنه في اربعة او خمسة فلا تفعل، وعمّمني بعمامة، وليس تعد العمامة من الكفن انما يعد ما يلف به الجسد.
وعنه (عليه السلام) ايضاً قال لي ابي: يا جعفر اوقف لي من مالي كذا وكذا لنوادب تندبني عشر سنين بمني، ايام مني.
ورُوي انّه اوصي بثمانمئة درهم لمأتمه، وكان يري ذلك من السنة، لأن رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) قال اتخذوا لآل جعفر طعاماً فقد شغلوا.
وعن ابي عبد اللّه (عليه السلام) ان رجلاً كان علي اميال من المدينة فرأي في منامه، فقيل له انطلق فصلّ علي ابي جعفر (عليه السلام) فان الملائكة تغسله في البقيع فجاء الرجل، فوجد ابا جعفر قد توفّي (صلوات اللّه وسلامه عليه).

مولانا ابو عبد الله جعفر بن محمد الصادق الامين

اشاره

ينبوع العلم ومعدن الحكمة واليقين صلوات اللّه عليه وعلي آبائه وابنائه الطاهرين ولد (عليه السلام) بالمدينة يوم الاثنين سابع عشر من شهر ربيع الأول سنة 83 هجري ثلاث وثمانين من الهجرة، وهو اليوم الذي ولد فيه النبي (صلي اللّه عليه وآله وسلم)، وهو يوم شريف عظيم البركة ولم يزل الصالحون من آل محمد (عليهم السلام) من قديم الايام يعظمون حقّه، ويرعون حرمته وفي صومه فضل كبير وثواب جزيل ويستحب فيه الصدقة وزيارة المشاهد المشرّفة والتطوع بالخيرات وادخال المسرّة علي اهل الايمان.
امّه (عليه السلام) النجيبة الجليلة المكرمة فاطمة المعروفة بأم فروة بنت القاسم بن محمد بن ابي بكر، وامّها اسماء بنت عبد الرحمان بن ابي بكر. قال ابو عبد اللّه (عليه السلام): كانت امّي ممّن آمنت واتقت واحسنت، واللّه يحب المحسنين.
وعن عبد الأعلي، قال: رأيت ام فروة تطوف بالكعبة، عليها كساء، متنكرة، فاستلمت الحجر بيدها اليسري فقال لها رجل يا امَةَ اللّه اخطأت السّنة فقالت إنّا لأغنياء من علمك. [458].
اقول الظاهر ان الرجل كان من فقهاء العامة وكان المعروف [459] بابن خَرَّبوذ يعبِّر عن الصادق (عليه السلام) بابن المكرمة.
قال المسعودي في اثبات الوصية: وكان ابوها القاسم من ثقات اصحاب عليّ بن الحسين (عليه السلام)، وكانت من اتقي نساء زمانها، وروت عن علي بن الحسين (عليه السلام) احاديث:
منها قوله لها: يا امّ فروة اني لادعو لمذنبي شيعتنا في اليوم والليلة مئة مرة يعني الاستغفار، لأنا نصبر علي ما نعلم وهم يصبرون علي ما لايعلمون انتهي.
ولأم فروة اخت تعرف بأم حكيم كانت زوجة اسحاق العريضي بن عبد اللّه بن جعفر بن ابي طالب، ولدت له القاسم وهو رجل جليل كان اميراً علي اليمن، وهو ابو داود بن القاسم المعروف [460] بابي هاشم الجعفري البغدادي، العالم الورع، الثقة الجليل، الذي ادرك الرضا وبقية الأئمة (عليهم السلام)، وكان من وكلاء الناحية المقدّسة، ولم يكن في آل ابي طالب مثله في علو النسب فانه ينتهي الي عبد اللّه بن جعفر بن ابي طالب بأبوين، القاسم بن اسحاق، توفي في جمادي الاولي سنة 261 مئتين واحدي وستين وكان قبره مشهوراً يزار علي ما صرح به المسعودي. ولابن عياش كتاب في اخبار ابي هاشم الجعفري، يروي عنه الطبرسي في اعلام الوري.

في احوال الإمام جعفر الصادق

قال السيد الشبلنجي الشافعي في نور الابصار في احوال ابي عبد اللّه الصادق (عليه السلام) ما هذا لفظه: ومناقبه كثيرة تكاد تفوت عند الحاسب ويحار [461] في انواعها فهم اليقظ الكاتب، وروي عنه جماعة من اعيان الأئمة واعلامهم، كيحيي بن سعيد، وابن جريح، ومالك بن انس، والثوري، وابن عيينة، وابي أيوب السجستاني، وغيرهم، قال ابو حاتم: جعفر الصادق (عليه السلام) ثقة لا يسأل عن مثله. قال ابن قتيبة في كتاب ادب الكاتب وكتاب الجفر: كتبه الإِمام جعفر الصادق بن محمد الباقر، فيه كل ما يحتاجون الي علمه الي يوم القيامة والي هذا الجفر اشار ابو العلاء المعري بقوله:
لقد عجبوا لآل البيت لمّا
اتاهم علمهم في جلد جَفْرِ
ومرآةُ المنجمِ وهي صغري
تريهِ كل عامرة وقَفْرِ
والجفر من اولاد المعز، ما بلغ اربعة اشهر، وانفصل عن امه.
وفي الفصول المهمة، نقل بعض اهل العلم، ان كتاب الجفر الذي بالغرب يتوارثه بنو عبد المؤمن بن عليّ من كلام جعفر الصادق (عليه السلام) وله فيه المنقبة السّنية والدرجة التي في مقام الفضل علية، انتهي.
وقال شيخنا المفيد (رحمه اللّه): وكان الصادق جعفر بن محمد بن عليّ بن الحسين (عليهم السلام) من بين اخوته خليفة ابيه محمد بن عليّ (عليه السلام) ووصيه والقائم بالامامة من بعده وبرز علي جماعتهم بالفضل وكان أنْبههم [462] ذكراً واعظمهم قدراً واجلهم في العامة والخاصة، ونقل الناس عنه من العلوم ما سارت به الركبان وانتشر ذكره في البلاد ولم ينقل عن احد من اهل بيته العلماء ما نقل عنه ولا لقي احد منهم من اهل الآثار ونقلة الاخبار، ولا نقلوا عنهم كما نقلوا عن ابي عبد اللّه (عليه السلام)، فان اصحاب الحديث قد جمعوا اسماء الرواة عنه من الثقات، علي اختلافهم في الآراء والمقالات فكانوا اربعة آلاف رجل وكان له (عليه السلام) من الدلائل الواضحة في امامته ما بهرت [463] القلوب واخرست [464] المخالف عن الطعن فيها بالشبهات، انتهي.
ورُوي انه (عليه السلام) كان يجلس للعامة والخاصة ويأتيه الناس من الاقطار يسألونه عن الحلال والحرام، وعن تأويل القرآن وفصل الخطاب فلا يخرج احد منهم الا راضياً بالجواب، وبالجملة نقل عنه (عليه السلام) من العلوم ما لم ينقل عن احد.
وذكر عن بعض علماء المخالفين انهم كانوا من تلامذته ومن خدمه واتباعه والآخذين عنه كأبي حنيفة [465] ومحمد بن الحسن وان ابا يزيد [466] طيفور السقّاء خدمه وسقاه وابراهيم [467] بن ادهم ومالك بن دينار، كانا من غلمانه.
وروي عنه (عليه السلام) قال: اني اتكلم علي سبعين وجهاً لي من كلها المخرج.
ودخل اليه سفيان الثوري يوماً فسمع منه كلاماً اعجبه فقال: هذا واللّه يا ابن رسول اللّه الجوهر، فقال له: بل هذا خير من الجوهر، وهل الجوهر الا الحجر. وروي عن سفيان ايضاً انه قال للصادق (عليه السلام): يا ابن رسول اللّه لم جعل الموقف من وراء الحرم ولم يصر في المشعر فقال: الكعبة بيت اللّه والحرم حجابه والموقف بابه فلما قصدوه وقفهم بالباب يتضرّعون، فلما اذن لهم بالدخول ادناهم من الباب الثاني وهو المزدلفة فلما نظر الي كثرة تضرعهم وطول اجتهادهم رحمهم، فلما رحمهم امرهم بتقريب قربانهم، فلما قربوا قربانهم وقضوا تفثهم [468] وتطهّروا من الذنوب، امرهم بالزيارة لبيته، فقال له سفيان: فلم كره الصوم ايام التشريق، قال: لأنهم في ضيافة اللّه ولا يحب للضيف ان يصوم قال سفيان: جعلت فداك فما بال الناس يتعلقون بأستار الكعبة وهي خرق لا تنفع شيئاً فقال: ذلك مثل رجل بينه وبين آخر جرم، فهو يتعلق به ويطوف حوله رجاء ان يهب له جرمه.
وروي ابن شهرآشوب عن مسند ابي حنيفة قال الحسن بن زياد: سمعت ابا حنيفة وقد سئِل من افقه من رأيت، قال: جعفر بن محمد (عليه السلام)، لما اقدمه المنصور، بعث اليّ، فقال: يا ابا حنيفة ان الناس قد فتنوا بجعفر بن محمد فهيئ له من مسائلك الشداد، فهيأت له اربعين مسألة، ثم بعث اليّ ابو جعفر وهو بالحيرة فاتيته فدخلت عليه وجعفر (عليه السلام) جالس عن يمينه فلما بصرت به دخلني من الهيبة لجعفر ما لم يدخلني لابي جعفر، فسلمت عليه، فأومأ اليّ فجلست، ثم التفت اليه فقال: يا ابا عبد اللّه هذا أبو حنيفة، قال: نعم أعرفه، ثم التفت إليَّ فقال: يا ابا حنيفة الق علي ابي عبد اللّه من مسائلك، فجعلت القي عليه فيجيبني فيقول انتم تقولون كذا واهل المدينة يقولون كذا فربما تابعنا وربما تابعهم وربما خالفنا جميعاً حتي اتيت علي الأربعين مسألة فما اخلّ منها بشيء ثم قال ابو حنيفة: اليس ان اعلم الناس اعلمهم باختلاف الناس.

في نبذ من كلامه

قال لحمران: يا حمران انظر الي من هو دونك ولا تنظر الي من هو فوقك في المقدرة فان ذلك أقنع لك بما قسم لك، واحري ان تستوجب الزيادة من ربك، واعلم ان العمل الدائم القليل علي اليقين افضل عند اللّه من العمل الكثير علي غير يقين واعلم انه لا ورع أولي من تجنب محارم اللّه والكف عن اذي المؤمنين واغتيابهم، ولا عيش أهنأ من حسن الخلق، ولا مال انفع من القنوع باليسير المجزي، ولا جهل اضر من العجب.
وقال (عليه السلام): ان قدرت علي أن لا تخرج من بيتك فافعل، فان عليك في خروجك ان لا تغتاب ولا تكذب ولا تحسد ولا ترائي [469] ولا تتصنع ولا تداهن، ثم قال: نعم صومعة المسلم، بيته، يكفُّ فيه بصره ولسانه ونفسه وفرجه.
أقول: حث (عليه السلام) فيه علي الاعتزال عن الناس والانس باللّه تعالي (قال الشاعر):
رغيف خبز يابس تأكله في زاوية
وكف ماء بارد تشربه في ساقية
وغرفة ضيقة نفسك فيها خالية
او مسجد بمعزل عن الوري في ناحية
تتلو به صحيفة مستدثراً ببادية
خير من التيجان في قصر ودار عالية
يا حسنها موعظة
فاين اذن واعية
وقال (عليه السلام) لفضيل بن عثمان: اوصيك بتقوي اللّه وصدق الحديث واداء الأمانة وحسن الصحابة لمن صحبك، واذا كان قبل طلوع الشمس وقبل الغروب فعليك بالدعاء، واجتهد ولا تمتنع من شيء تطلبه من ربك، ولا تقل هذا ما لا أُعطاه، وادع فان اللّه يفعل ما يشاء.
وقيل له (عليه السلام): علي ماذا بنيت أمرك، فقال: علي أربعة اشياء علمت ان عملي لا يعمله غيري فاجتهدت، وعلمت ان اللّه عز وجل مطلع عليّ فاستحييت، وعلمت ان رزقي لا يأكله غيري فاطمأننت، وعلمت ان آخر امري الموت فاستعددت.
وقال (عليه السلام) في وصيته لعبد اللّه بن جندب: يا ابن جندب أقلّ النوم بالليل والكلام بالنهار، فما في الجسد شيء اقل شكراً من العين واللسان، فان ام سليمان قالت لسليمان: يا بنيّ ايّاك والنوم فانه يفقرك يوم يحتاج الناس الي اعمالهم.
وقال له: واقنع بما قسمه اللّه لك، ولا تنظر إلا ما عندك، ولا تتمن ما لست تناله، فإنّ من قنع شبع، ومن لم يقنع لم يشبع، وخذ حظك من آخرتك، ولا تكن بطراً في الغني ولا جزعاً في الفقر، ولا تكن فظّاً غليظاً يكره الناس قربك، ولا تكن واهناً يحقّرُك من عرفك، ولا تشارّ [470] من فوقك، ولا تسخر بمن هو دونك، ولا تنازع الامر اهله، ولا تطع السفهاء، ولا تكن مهيناً [471] تحت كل احد، ولا تتكلنَّ علي كفاية احد، وقفْ عند كل امر حتي تعرف مدخله من مخرجه قبل ان تقع فيه فتندم..
قوله: (عليه السلام): وقف عند كل امر الخ (فيه الأمر بالتدبر في عاقبة كل امر اهتم به) كما روي عن النبي (صلي اللّه عليه وآله وسلم) قال لمن طلب منه وصية: اوصيك اذا انت هممت بأمر فتدبر عاقبته، فان يك رشداً فامضه، وان يك غياً فانته منه.
عن كتاب ربيع الأبرار ان يهودياً سأل النبي (صلي اللّه عليه وآله وسلم) مسألة، فمكث النبي (صلي اللّه عليه وآله وسلم) ساعة ثم اجابه عنها.
وقال (عليه السلام) لداود الرقّي، تدخل يدك في فم التنين [472] الي المرفق خير لك من طلب الحوائج الي من لم يكن له فكان.
وعن كنز الفوائد قال: جاء في الحديث ان أبا جعفر المنصور خرج في يوم جمعة متوكئاً علي يد الصادق جعفر بن محمد (عليه السلام) فقال رجل يقال له رزام مولي خالد بن عبد اللّه: من هذا الذي بلغ من خطره ما يعتمد امير المؤمنين علي يده؟ فقيل له: هذا أبو عبد اللّه جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام)، فقال إنّي واللّه ما علمت لوددت ان خد ابي جعفر نعل لجعفر ثم قام فوقف بين يدي المنصور، فقال له: سل يا امير المؤمنين فقال له المنصور: سل هذا، فالتفت رزام الي الإِمام جعفر بن محمد (عليه السلام) فقال: اخبرني عن الصلاة وحدودها، فقال له الصادق (عليه السلام)، للصلاة اربعة آلاف حدّ لست تؤاخذ بها، فقال اخبرني بما لا يحل تركه ولا تتم الصلاة إلا به، فقال أبو عبد اللّه (عليه السلام): لا تتم الصلاة الا لذي طهر سابغ [473] واهتمام بالغ غير نازغ ولا زائغ عرف فوقف، واخبت [474] فثبت، فهو واقف بين اليأس والطمع والصبر والجزع، كأن الوعد له صنع، والوعيد به وقع، بذل عرضه وتمثل غرضه، وبذل في اللّه المهجة [475] وتنكب غير الحجة مرتغماً [476] بارغام، يقطع علائق الاهتمام، يعين من له قصد واليه وفد، ومنه استرفد، فإذا اتي بذلك كانت هي الصلاة التي بها أَمَرَ، وعنها أَخْبَرَ، وانها هي الصلاة التي تنهي عن الفحشاء والمنكر، فالتفت المنصور الي أبي عبد اللّه (عليه السلام) فقال له: يا ابا عبد اللّه لا نزال من بحرك نغترف، واليك نزدلف [477] تبصر من العمي، وتجلو بنورك الطّخياء فنحن نعوم في سبحات قدسك، وطامي بحرك، قوله (عليه السلام) غير نازغ ولا زائغ، النزغ الظن والاغتياب والافساد والوسوسة، والزيغ الميل، والطخياء في قول المنصور الظلمة، ونعوم أي نسبح، ففي الخبر علّموا صبيانكم العوم أي السباحة وسبحات وجه ربنا جلاله وعظمته وقيل نوره وطما البحر، امتلأ) فانظر الي اعدائهم أقروا بفضلهم هل فوق ذاك فخر.

في مكارم اخلاقه واقرار المخالفين بفضله

الصدوق عن مالك بن انس فقيه المدينة، قال: كنت أدخل علي الصادق جعفر بن محمد (عليه السلام) فيقدم لي مخدّة ويعرف لي قدراً، ويقول: يا مالك اني كنت احبك، فكنت أسرَّ بذلك واحمد اللّه عليه وكان (عليه السلام) رجلاً لا يخلو من احدي ثلاث خصال، اما صائماً واما قائماً واما ذاكراً.
وكان من عظماء العباد واكابر الزهاد والذين يخشون اللّه عزَّ وجل.
وكان كثير الحديث طيِّب المجالسة كثير الفوائد فاذا قال: قال رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم): اخضر مرة واصفر اخري حتي ينكره من كان يعرفه.
ولقد حججت معه سنة، فلما استوت به راحلته عند الاحرام كان لكما همَّ بالتلبية انقطع الصوت في حلقه وكاد ان يخرَّ من راحلته، فقلت: قل يا ابن رسول اللّه، ولا بدّ لك من ان تقول، فقال: يا ابن ابي عامر كيف اجسر ان اقول لبيك اللهم لبيك، واخشي ان يقول عز وجل لا لبيك ولا سعديك.
وفي توحيد المفضل انه لما سمع المفضل من ابن ابي العوجاء، بعض كفرياته، لم يملك غضبه فقال، يا عدو اللّه أَلَحدتَ في دين اللّه، وانكرت الباري جل قدسه، الي آخر ما قال له، فقال ابن ابي العوجاء: يا هذا ان كنت من اهل الكلام كلمناك، فان ثبتت لك الحجة تبعناك وان لم تكن منهم فلا كلام لك، وان كنت من اصحاب جعفر بن محمد الصادق فما هكذا يخاطبنا، ولا بمثل دليلك يجادلنا، ولقد سمع من كلامنا اكثر مما سمعت فما افحش في خطابنا ولا تعدي في جوابنا، وانه للحليم الرزين [478] العاقل الرصين [479] لا يعتريه خرق ولا طيش ولا نزق، يسمع كلامنا ويصغي الينا ويستغرق [480] حجتنا حتي اذا استفرغنا ما عندنا وظننا انا قد قطعناه ادحض حجتنا بكلام يسير وخطاب قصير يلزمنا به الحجة ويقطع العذر ولا نستطيع لجوابه رداً، فان كنت من اصحابه فخاطبنا بمثل خطابه.
في تذكرة السبط، قال: ومن مكارم اخلاقه (عليه السلام) ما ذكره الزمخشري في كتاب ربيع الأبرار عن الشّقراني مولي رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) قال: خرج العطاء ايام المنصور وما لي شفيع، فوقفت علي الباب متحيراً، واذا بجعفر بن محمد (عليه السلام) قد أقبل، فذكرت له حاجتي فدخل وخرج واذا بعطائي في كمِّه، فناولني اياه وقال ان الحسن من كل احد حسن وانه منك احسن لمكانك منا، وان القبيح من كل احد قبيح وانه منك اقبح لمكانك منا، وانما قال له جعفر (عليه السلام) ذلك: لأن الشّقراني كان يشرب الشراب، فمن مكارم اخلاق جعفر (عليه السلام) انه رحب به وقضي حاجته مع علمه بحاله ووعظه علي وجه التعريض، وهذا من اخلاق الانبياء عليهم السلام.
رُوي انه كان يأكل الخل والزيت، ويلبس قميصاً غليظاً خشناً تحت ثيابه، وفوقه جبة صوف وفوقها قميص غليظ، ودخل عليه بعض اصحابه فرأي عليه قميصاً فيه قب قد رقعه، فجعل ينظر اليه، فقال ابو عبد اللّه (عليه السلام): ما لك تنظر، فقال قب يلقي في قميصك قال، فقال: اضرب يدك الي هذا الكتاب فاقرأ ما فيه، وكان بين يديه كتاب او قريب منه، فنظر الرجل فيه فإذا فيه، لا إيمان لمن لا حياء له، ولا مال لمن لا تقدير له ولا جديد لمن لا خلق له (قال في القاموس القبُّ ما يدخل في جيب القميص من الرقاع).
وكان (عليه السلام) يختضب بالحناء خضاباً قانياً، وكان يحفي شاربه حتي يلصقه بالعسيب (اي منبت الشعر).
ودخل الحمام يوماً، فقال لصاحب الحمام اخليه لك، فقال لا حاجة لي في ذلك، المؤمن اخف من ذلك.
وكان يتصدق بالسُّكر لأنه احب الاشياء عنده، وأُتي له بطعام حار فجعل يكرر: نستجير باللّه من النار نعوذ باللّه من النار نحن لا نقوي علي هذا فكيف النار، حتي امكنت القصعة فوضع يده فيها.
ورُئي عليه قميص شبه الكرابيس كانه مخيط عليه من ضيقه وبيده مسحاة يفتح بها الماء، وقال احب ان يتأذّي الرجل بحر الشمس في طلب المعيشة.
وكان يأمر باعطاء اجور العَمَلَةِ قبل ان يجف عرقهم، وروي انه (عليه السلام) كان يتلو القرآن في صلاته فغشي عليه، فسئل عن ذلك فقال: ما زلت اكرر آيات القرآن حتي بلغت الي حال كأنني سمعتها مشافهة ممن أنزلها، وروي انه كان يتمثل (بابيات ظ) لأبي ذر الغفاري (رحمه اللّه).
انت في غفلةٍ وقلبك ساه
نفد العمر والذنوب كما هي
جمة حصِّلت عليك جميعاً
في كتاب وانت عن ذاك ساهي
لم تبادر بتوبةٍ منك حتي
صرت شيخاً وعظمك اليوم واهي
عجباً منك كيف تضحك جهلاً
وخطاياك قد بدت لإِلهي
فتفكر في نفسك اليوم جهداً
وانفِ عن نفسك الكري [481] يا مناهي
وروي ان المنصور سهر ليلة، فدَعا الربيع وارسله الي الصادق (عليه السلام) ان يأتي به، قال الربيع فصرت الي بابه فوجدته في دار خلوته، فدخلت عليه من غير استئذان، فوجدته معفراً خديه، مبتهلاً بظهر يديه، قد اثر التراب في وجهه وخديه.
وروي الكليني عن المفضل بن عمر قال: وجه ابو جعفر المنصور الي الحسن بن زيد، وهو واليه علي الحرمين، ان احرق علي جعفر بن محمد داره فالقي النار في دار ابي عبد اللّه (عليه السلام) فأخذت النار في الباب والدهليز، فخرج ابو عبد اللّه (عليه السلام) يتخطي النار ويمشي فيها، ويقول: انا ابن اعراق الثري [482] انا ابن ابراهيم خليل اللّه.

في احوال ابي عبد الله الصادق

روي أنه سُعِيَ بابي عبد اللّه الصادق (عليه السلام) عند المنصور، بانه بعث مولاه المعلّي بن خنيس بجباية الاموال من شيعته، وأنه كان يمد بها محمد بن عبد اللّه، فكاد المنصور ان يأكل كفه علي جعفر غيظاً، وكتب الي عمه داود، وهو اذ ذاك أمير المدينة، ان يسيّر اليه جعفر بن محمد (عليه السلام)، ولا يرخص له في التلوّم [483] والمقام، فبعث اليه داود بكتاب المنصور، وقال: اعمل في المسير الي أمير المؤمنين في غد، ولا تتأخر، قال صفوان الجمال: وكنت يومئذ بالمدينة فأنفذ الي ابو عبد اللّه (عليه السلام) فصرت اليه فقال لي: تعهد راحلتنا فانّا غادون في غد ان شاء اللّه الي العراق، ونهض من وقته وانا معه الي مسجد النبي (صلي اللّه عليه وآله وسلم)، وركع فيه ركعات ثم رفع يديه ودعا بدعاء، قال صفوان سألته (عليه السلام) ان يعيد الدعاء عليّ فأعاده وكتبته، فلما اصبح ابو عبد اللّه (عليه السلام) رحلت له الناقة وسار متوجهاً الي العراق حتي قدم مدينة ابي جعفر، واقبل حتي استأذن فأذن له وقربه وادناه، ثم اسند قصة الرافع علي ابي عبد اللّه (عليه السلام) ونحن نوردها برواية الشيخ الكليني، فروي مسنداً عن صفوان الجمال قال حملت ابا عبد اللّه (عليه السلام) الحملة الثانية الي الكوفة، وابو جعفر المنصور بها، فلما أشرف (عليه السلام) علي الهاشمية مدينة ابي جعفر اخرج رجله من غرز [484] الرحل ثم نزل ودعا ببغلة شهباء ولبس ثياباً بيضاً وتكة بيضاء، فلما دخل عليه قال له ابو جعفر: لقد تشبهت بالانبياء، فقال ابو عبد اللّه (عليه السلام): وأنَّي تبعدني من ابناء الأنبياء، قال لقد هممت ان ابعث الي المدينة من يعقر [485] نخلها ويسبي ذريتها، فقال: ولم ذاك يا امير المؤمنين، فقال رفع اليّ ان مولاك المعلي بن خنيس يدعو اليك ويجمع لك الأموال، فقال واللّه ما كان، فقال لست ارضي منك الا بالطلاق والعتاق والهدي والمشي، فقال أبالأنداد من دون اللّه تأمرني أن أحلف؟ انه من لم يرض باللّه فليس من اللّه في شيء، فقال اتتفقه عليّ، فقال واني تبعدني من التفقه وانا ابن رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم)، قال: فانّي اجمع بينك وبين من سعي بك، قال فافعل، قال فجاء الرجل الذي سعي به فقال ابو عبد اللّه (عليه السلام): ما هذا قال: فقال نعم واللّه الذي لا اله الا هو عالم الغيب والشهادة الرحمان الرحيم لقد فعلت، فقال له ابو عبد اللّه (عليه السلام) يا ويلك تبجل اللّه تعالي فيستحيي من تعذيبك، ولكن قل برئت من حول اللّه وقوته والتجأتُ الي حولي وقوتي، فحلف بها الرجل فلم يستتمها حتي وقع ميتاً، قال له ابو جعفر لا اصدق بعدها عليك ابداً، واحسن جائزته وردّه.
اقول قد ظهر من هذه الرواية ومن روايات اُخر أن مجيء الصادق (عليه السلام) من المدينة الي العراق كان اكثر من مرة واحدة، ويظهر من روايات كثيرة ان المنصور احضره (عليه السلام) مرات عديدة ليقتله فدعا اللّه تعالي لكفاية شرِّ المنصور فكفاه اللّه تعالي شرَّه، فكان من دعائه مرة لما احضره ليقتله وطرح له سيفاً ونطعاً، حسبي الرب من المربوبين، وحسبي الخالق من المخلوقين، وحسبي الرازق من المرزوقين، وحسبي اللّه رب العالمين، حسبي من هو حسبي، حسبي من لم يزل حسبي، حسبي اللّه لا اله الا هو، عليه توكلت وهو ربّ العرش العظيم.
وكان من دعائه (عليه السلام)، لما اخذه صاحب المدينة ووجّه به الي المنصور وكان المنصور استعجله واستبطأ قدومه حرصاً منه علي قتله، يا من لا يضام [486] ولا يرام، وبه تواصل الارحام، صلِّ علي محمد وآله واكفني شره بحولك وقوتك.
وكان من دعائه (عليه السلام) ايضاً، اللهم انت تكفي من كل شيء، ولا يكفي منك شيء، فاكفنيه.
وكان من دعائه (عليه السلام) حين امر المنصور باحضاره، فلما بصر به قال قتلني اللّه ان لم اقتلك، اتلحد في سلطاني وتبغيني [487] الغوائل. قال الربيع: وكنت رأيت جعفر بن محمد (عليه السلام) حين دخل علي المنصور يحرك شفتيه، وكلما حركهما سكن غضب المنصور، حتي أدناه منه وقد رضي عنه، فلما خرج (عليه السلام) اتبعته وقلت له بأي شيء كنت تحرك شفتيك حتي سكن غضبه، قال بدعاء جدي الحسين بن عليّ (عليه السلام)، قلت: جعلت فداك وما هذا الدعاء، قال: يا عدتي عند شدتي، ويا غوثي في كربتي، احرسني بعينك التي لا تنام، واكنفني بركنك الذي لا يرام. قال الربيع: فحفظت هذا الدعاء فما نزلت بي شدة قط الا دعوت به ففرج.

فيما جري عليه من المنصور

ونقل السيد بن طاوس عن كتاب عتيق باسناده فيه عن محمد بن الربيع الحاجب، قال: قعد المنصور يوماً في قصره في القبة الخضراء، وكانت قبل قتل محمد وابراهيم تدعي الحمراء، وكان له يوم يقعد فيه يسمي ذلك اليوم، يوم الذبح، وكان أشخص جعفر بن محمد (عليه السلام) من المدينة، فلم يزل في الحمراء نهاره كله حتي جاء الليل، ومضي اكثره، قال: ثم دعا ابي، الربيع فقال له: يا ربيع، انك تعرف موضعك مني، وأنّي يكون لي الخبر ولا تظهر عليه امهات الأولاد وتكون انت المعالج له. فقال: قلت يا أمير المؤمنين ذلك من فضل اللّه عليّ، وفضل امير المؤمنين، وما فوقي في النصح غاية، قال: كذلك انت، سر الساعة الي جعفر بن محمد بن فاطمة، فأتني به علي الحال الذي تجده عليه، لا تغيّر شيئاً مما هو عليه فقلت انا للّه وانا اليه راجعون، هذا واللّه هو العطب [488] ان اتيت به علي ما اراه من غضبه قتله وذهبت الآخرة، وان لم آت به وادهنت في امره قتلني وقتل نسلي واخذ اموالي، فخيرت بين الدنيا والآخرة فمالت نفسي الي الدنيا، قال محمد بن الربيع، فدعاني ابي وكنت افظ ولده واغلظهم قلباً، فقال لي: امض الي جعفر بن محمد بن علي فتسلّق [489] علي حائطه ولا تستفتح عليه باباً، فيغير بعض ما هو عليه، ولكن انزل عليه نزولاً فأت به علي الحال التي هو فيها، قال: فأتيته وقد ذهب الليل الا أقله، فامرت بنصب السلاليم، وتسلقت عليه الحائط فنزلت عليه داره، فوجدته قائماً يصلّي وعليه قميص ومنديل قد ائتزر به، فلما سلم من صلاته قلت له: اجب امير المؤمنين، فقال: دعني ادعو والبس ثيابي، فقلت ليس الي تركك وذلك سبيل، قال: وأدخل المغتسل فاتطهر، قال: قلت وليس الي ذلك سبيل، فلا تشغل نفسك فانّي لا ادعك تغّير شيئاً، قال فأخرجته حافياً حاسراً [490] في قميصه ومنديله، وكان قد جاوز السبعين، فلما مضي بعض الطريق ضعف الشيخ، فرحمته فقلت له اركب فركب بغلاً شاكرياً [491] كان معنا، ثم صرنا الي الربيع فسمعته وهو يقول له: ويلك يا ربيع قد ابطأ الرجل، وجعل يستحثه استحثاثاً شديداً، فلما ان وقعت عين الربيع علي جعفر بن محمد (عليه السلام) وهو بتلك الحال، بكي وكان الربيع يتشيع، فقال له جعفر (عليه السلام) يا ربيع انا اعلم ميلك الينا، فدعني أصلّي ركعتين وادعو، قال: شأنك وما تشاء، فصلّي ركعتين خففهما، ثم دعا بعدهما بدعاء لم افهمه الا أنه دعاء طويل، والمنصور في ذلك كله يستحث الربيع فلما فرغ من دعائه، علي طوله، اخذ الربيع بذراعيه فأدخله علي المنصور، فلما صار في صحن الايوان وقف ثم حرك شفتيه بشيء لم ادر ما هو، ثم ادخلته فوقف بين يديه فلما نظر اليه قال: وانت يا جعفر ما تدع حسدك وبغيك وافسادك علي اهل هذا البيت من بني العباس وما يزيدك اللّه بذلك الا شدة حسد ونكد ما تبلغ به ما تقدره، فقال له: واللّه يا أمير المؤمنين ما فعلت شيئاً من هذا ولقد كنت في ولاية بني امية وأنت تعلم انهم اعدي الخلق لنا ولكم، وأنهم لا حق لهم في هذا الأمر فواللّه ما بغيت عليهم، ولا بلغهم عنّي سوء مع جفائهم الذي كان بي، وكيف يا أمير المؤمنين أصنع الآن هذا وانت ابن عمي وامس الخلق بي رحماً واكثرهم عطاء وبراً، فكيف افعل هذا، فاطرق المنصور ساعة وكان علي لبدٍ وعن يساره رفقة [492] جرمقانية، وتحت لبده سيف ذو فقار، كان لا يفارقه اذا قعد في القبة، قال: ابطلت [493] واثمت، ثم رفع ثني الوسادة، فأخرج منها اضبارة كتب فرمي بها اليه، وقال هذه كتبك الي اهل خراسان تدعوهم الي نقض بيعتي وان يبايعوك دوني، فقال واللّه يا أمير المؤمنين ما فعلت ولا استحل ذلك ولا هو من مذهبي، وإني لممن يعتقد طاعتك علي كل حال وقد بلغت من السن ما قد اضعفني عن ذلك لو اردته، فصيّرني في بعض حبوسك حتي يأتيني الموت، فهو مني قريب، فقال لا ولا كرامة، ثم اطرق وضرب يده الي السيف فسل منه مقدار شبر واخذ بمقبضه، فقلت: انا للّه ذهب واللّه الرجل، ثم رد السيف وقال: يا جعفر اما تستحيي مع هذه الشيبة ومع هذا النسب ان تنطق بالباطل، وتشق عصا المسلمين، تريد ان تريق الدماء وتطرح الفتنة بين الرعية والاولياء، فقال: لا واللّه يا امير المؤمنين ما فعلت ولا هذه كتبي ولا خطي ولا خاتمي فانتضي من السيف ذراعاً، فقلت انا للّه مضي الرجل، وجعلت في نفسي ان امرني فيه بامر ان اعصيه، لأنني ظننت انه يأمرني ان آخذ السيف فاضرب به جعفر فقلت ان أمرني ضربت المنصور وان أتي ذلك عليَّ وعلي ولدي، وتبت الي اللّه عز وجل مما كنت نويت فيه أولاً فأقبل يعاتبه، وجعفر يعتذر، ثم انتضي السيف الا شيئاً يسيراً منه، فقلت انا للّه مضي واللّه الرجل ثم اغمد السيف واطرق ساعة، ثم رفع رأسه وقال: اظنك صادقاً، يا ربيع هات العيبة [494] من موضع كانت فيه في القبة، فاتيته بها فقال: ادخل يدك فيها فكانت مملوءة غالية وضعها في لحيته وكانت بيضاء فاسودت، وقال لي احمله علي فاره [495] من دوابي التي اركبها، واعطه عشرة آلاف درهم، وشيعه الي منزله مكرّماً، وخيره اذا اتيت به الي المنزل بين المقام عندنا فنكرمه، والانصراف الي مدينة جدّه رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم)، فخرجنا من عنده وانا مسرور فرح بسلامة جعفر، ومتعجب مما اراد المنصور وما صار اليه من أمره، الخبر، اقول: ما ذكر في هذا الخبر أنه (عليه السلام) قد جاوز السبعين لا يوافق ما ذكره العلماء وارباب السير من تاريخ عمره الشريف.
قال الشيخ الكليني والشيخ المفيد في ذكر وفاته (عليه السلام)، ومضي في شوال من سنة ثمان واربعين ومئة، وله خمس وستون سنة، وقال الشهيد في الدروس، وقبض في شوال، وقيل في منتصف رجب يوم الاثنين سنة 148 ثمان واربعين ومئة، عن خمس وستين سنة، ومثله في اعلام الوري بأدني تفاوت.
وعن ابن الخشاب عن محمد بن سنان قال مضي أبو عبد اللّه (عليه السلام) وهو ابن خمس وستين سنة ويقال ثمان وستين سنة.
فعلي هذا إنّي احتمل قوياً ان يكون لفظ السبعين مصحف الستين وان كان قولاً ضعيفاً انه (عليه السلام) توفي وهو ابن احدي وسبعين سنة، نقله صاحب كشف الغمة عن محمد بن سعيد وسبط بن الجوزي عن الواقدي.
وروي الشيخ باسناده عن محمد بن ابراهيم قال: بعث ابو جعفر المنصور إلي أبي عبد اللّه جعفر بن محمد (عليه السلام)، وامر بفرش فطرحت الي جانبه فاجلسه عليها، ثم قال: عليّ بمحمد عليّ بالمهدي يقول ذلك مراراً، فقيل له: الساعة الساعة يأتي يا أمير المؤمنين ما يحسبه الا انه يتبخر، فما لبث ان وافي وقد سبقته رائحته، فاقبل المنصور علي جعفر (عليه السلام) فقال يا ابا عبد اللّه حديث حدثته في صلة الرحم، اذكره يسمعه المهدي، قال نعم حدثني ابي عن ابيه عن جدّه عن علي (عليه السلام) قال: قال رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) ان الرجل ليصل رحمه وقد بقي من عمره ثلاث سنين فيصيرها اللّه عز وجل ثلاثين سنة ويقطعها وقد بقي من عمره ثلاثون سنة يصيرها اللّه ثلاث سنين، ثم تلا (عليه السلام): يمحو اللّه ما يشاء ويثبت وعنده ام الكتاب، قال هذا حسن يا ابا عبد اللّه وليس اياه اردت، قال ابو عبد اللّه (عليه السلام) نعم، حدثني أبي عن أبيه عن جدّه عن عليّ (عليه السلام)، قال: قال رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم): صلة الرحم تعمر الديار وتزيد في الاعمار وان كان أهلها غير أخيار، قال هذا حسن يا ابا عبد اللّه وليس هذا اردت فقال ابو عبد اللّه (عليه السلام): نعم حدثني ابي عن ابيه عن جده عن عليّ (عليه السلام) قال: قال رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم)، صلة الرحم تهون الحساب وتقي ميتة السوء قال المنصور: نعم هذا أردت.

بامر المنصور بالصادق

روي الشيخ ابن شهرآشوب (رحمه اللّه) عن محمد بن سنان عن المفضل بن عمر أن المنصور قد كان همّ بقتل ابي عبد اللّه (عليه السلام) غير مرة فكان اذا بعث اليه ودعاه ليقتله فاذا نظر اليه هابه ولم يقتله، غير أنه منع الناس عنه، ومنعه من القعود للناس، واستقصي عليه أشد الاستقصاء، حتي انه كان يقع لاحدهم مسألة في دينه في نكاح او طلاق او غير ذلك فلا يكون علم ذلك عندهم ولا يصلون اليه، فيعتزل الرجل وأهله، قلت ويؤيد هذا الخبر ما رواه القطب الراوندي عن هارون بن خارجة، قال: كان رجل من اصحابنا طلق امرأته ثلاثاً، فسأل أصحابنا، فقالوا: ليس بشيء، فقالت امرأته: لا ارضي حتي تسأل ابا عبد اللّه، وكان بالحيرة اذ ذاك ايام ابي العباس، قال: فذهبت الي الحيرة ولم اقدر علي كلامه، اذ منع الخليفة الناس من الدخول علي ابي عبد اللّه (عليه السلام)، وانا انظر كيف التمس لقاءه، فاذا سواديّ عليه جبة صوف يبيع خياراً، فقلت له بكم خيارك هذا كله، قال بدرهم، فاعطيته درهماً وقلت له اعطني جبتك هذه فاخذتها ولبستها وناديت من يشتري خياراً ودنوت منه (عليه السلام)، فاذا غلام من ناحية ينادي يا صاحب الخيار، فقال (عليه السلام) لي لما دنوت منه ما أجود ما احتلت، أي شيء حاجتك، قلت اني ابتليت فطلقت اهلي في دفعة ثلاثاً فسألت اصحابنا فقالوا: ليس بشيء، وان المرأة قالت لا ارضي، حتي تسأل ابا عبد اللّه (عليه السلام)، فقال ارجع الي اهلك فليس عليك شيء.
وروي كش [496] عن عنبسة قال سمعت ابا عبد اللّه (عليه السلام) يقول: اشكو الي اللّه وحدتي وتقلقلي [497] من اهل المدينة حتي تقدموا وأراكم واسرّ بكم، فليت هذه الطاغية اذن لي فاتخذت قصراً فسكنته واسكنتكم معي، واضمن له ان لا يجيء من ناحيتنا مكروه ابداً.
اقول: لما منع الصادق من القعود للناس شقّ ذلك علي شيعته، وصعب عليهم، حتي القي اللّه عز وجل في روع المنصور ان يسأل الصادق (عليه السلام) ليتحفه بشيء من عنده لا يكون لاحد مثله، فبعث اليه بمخصرة [498] كانت للنبي (صلي اللّه عليه وآله وسلم) طولها ذراع، ففرح بها فرحاً شديداً، وامر ان تشق له اربعة ارباع، وقسمها في اربعة مواضع ثم قال: ما جزاؤك عندي الا ان اطلق لك ونُفشي علمك لشيعتك، ولا اتعرض لك ولا لهم، فاقعد غير محتشم وافت الناس، ولا تكن في بلد أنا فيه، ففشا العلم عن الصادق (عليه السلام).
اقول: ويظهر من رواية المحاسن، ان الناس اجتمعوا عنده وتداكوا [499] عليه حتي يأخذوا من علمه (عليه السلام)، والرواية هذه عن معاوية بن ميسرة بن شريح، قال: شهدت ابا عبد اللّه (عليه السلام) في مسجد الخيف وهو في حلقة فيها نحو من مئتي رجل، وفيهم عبد اللّه بن [500] شبرمة فقال يا أبا عبد اللّه انّا نقضي بالعراق فنقضي من الكتاب والسنّة، وترد علينا المسألة فنجتهد فيها بالرأي قال: فانصت الناس جميع من حضر للجواب واقبل ابو عبد اللّه (عليه السلام) علي من يمينه، يحدثهم، فلما رأي الناس ذلك اقبل بعضهم الي بعض، وتركوا الانصات، ثم تحدثوا ما شاء اللّه، ثم ان ابن شبرمة قال يا أبا عبد اللّه، انّا قضاة العراق، وانّا نقضي بالكتاب والسنة، وانه ترد علينا اشياء ونجتهد فيها بالرأي، قال: فأنصت جميع الناس للجواب، واقبل ابو عبد اللّه (عليه السلام) علي من علي يساره يحدثهم، فلما رأي الناس ذلك اقبل بعضهم علي بعض وتركوا الانصات، ثم ان ابن شبرمة سكت ما شاء اللّه ثم عاد لمثل قوله، فاقبل ابو عبد اللّه (عليه السلام) فقال: أي رجل كان عليّ بن ابي طالب (عليه السلام) فقد كان عندكم بالعراق ولكم فيه خبر، قال فأطراه [501] ابن شبرمة وقال فيه قولاً عظيماً، فقال له ابو عبد اللّه (عليه السلام) فان عليّاً أبي ان يدخل في دين اللّه الرأي، وان يقول في شيء من دين اللّه بالرأي والمقاييس.

في وفاته و وصيته

قبض ابو عبد اللّه (عليه السلام) في شوّال من سنة 148 ثمان واربعين ومئة مسموماً، في عنب سمّه المنصور، وله خمس وستون سنة، وقد عيّن بعض المتتبعين يوم وفاته (عليه السلام) في الخامس والعشرين منه، وقيل يوم الاثنين لنصف من رجب كما اشرنا الي ذلك سابقاً.
نقل عن مشكاة الانوار انه دخل بعض اصحاب ابي عبد اللّه (عليه السلام) في مرضه الذي توفي فيه اليه وقد ذبل [502] فلم يبق الا رأسه، فبكي فقال: لأي شيء تبكي، فقال كيف لا أبكي وانا أراك علي هذه الحال؟ قال: لا تفعل فان المؤمن تعرض (عليه ظ) كل خير ان تقطع أعضاؤه كان خيراً له، وان ملك ما بين المشرق والمغرب كان خيراً له.
وروي الشيخ عن سالمة مولاة ابي عبد اللّه (عليه السلام)، قالت: كنت عند ابي عبد اللّه جعفر بن محمد (عليه السلام) حين حضرته الوفاة واغمي عليه، فلما افاق قال: أعطي الحسن بن علي بن علي بن الحسين (عليه السلام) وهو الافطر، سبعين ديناراً وأَعطي فلاناً كذا، وفلاناً كذا، فقلت اتعطي رجلاً حمل عليك بالشفرة [503] يريد أن يقتلك، قال تريدين ان لا أكون من الذين قال اللّه عز وجل: والذين يصلون ما أمر اللّه به ان يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب، نعم يا سالمة ان اللّه تعالي خلق الجنة فطيبها وطيب ريحها، وان ريحها يوجد في مسيرة ألفي عام، ولا يجد ريحها عاق ولا قاطع رحم.
وروي الشيخ الصدوق عن ابي بصير قال دخلت علي ام حميدة اعزيها بابي عبد اللّه (عليه السلام)، فبكت وبكيت لبكائها، ثم قالت يا ابا محمد لو رأيت ابا عبد اللّه (عليه السلام) عند الموت لرأيت عجباً، فتح عينيه ثم قال: اجمعوا لي كل من بيني وبينه قرابة، قالت: فلم نترك احداً الا جمعناه، قالت فنظر اليهم ثم قال: ان شفاعتنا لا تنال مستخفّاً بالصلاة.
روي القطب الراوندي عن داود بن كثير الرقّي، قال، وفد من خراسان وافد يكني ابا جعفر، واجتمع اليه جماعة من اهل خراسان فسألوه ان يحمل لهم اموالاً ومتاعاً ومسائلهم في الفتاوي والمشاورة، فورد الكوفة ونزل وزار امير المؤمنين (عليه السلام)، ورأي في ناحية رجلاً حوله جماعة، فلما فرغ من زيارته قصدهم فوجدهم شيعة فقهاء، يسمعون من الشيخ، فسألهم عنه، فقالوا: هو ابو حمزة الثمالي، قال: فبينا نحن جلوس اذ اقبل اعرابي، فقال جئت من المدينة وقد مات جعفر بن محمد (عليه السلام)، فشهق ابو حمزة ثم ضرب بيده الأرض ثم سأل الاعرابي هل سمعت له بوصية، قال اوصي الي ابنه عبد اللّه والي ابنه موسي (عليه السلام) والي المنصور، فقال الحمد للّه الذي لم يضلّنا، دل علي الصغير وبيَّن علي الكبير وستر الامر العظيم، ووثب الي قبر امير المؤمنين (عليه السلام) فصلي وصلينا، ثم اقبلت عليه وقلت له: فسِّر لي ما قلته، قال: بيَّن ان الكبير ذو عاهة، ودل علي الصغير، بان ادخل يده مع الكبير، وستر الامر العظيم بالمنصور حتي اذا سأل المنصور من وصيه، قيل: انت.
قال المسعودي: ودفن (عليه السلام) بالبقيع مع ابيه وجده، وله خمس وستون سنة، وقيل انه سمَّ، وعلي قبورهم في هذا الموضع من البقيع رخامة، عليها مكتوب: بسم اللّه الرحمن الرحيم الحمد للّه مبيد الامم، ومحيي الرمم، هذا قبر فاطمة بنت رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) سيدة نساء العالمين، وقبر الحسن بن علي بن ابي طالب، وعلي بن الحسين بن علي بن ابي طالب، ومحمد بن علي، وجعفر بن محمد رضي اللّه عنهم انتهي.
وانا اقول صلوات اللّه عليهم، فقد رفعهم اللّه من ان يقال فيهم رحمهم اللّه واما فاطمة التي دفنت الأئمة (عليهم السلام) معها فهي فاطمة بنت اسد أم امير المؤمنين (عليه السلام)، واما فاطمة بنت رسول اللّه (صلي اللّه عليها) فالظاهر انها دفنت في بيتها كما حقق ذلك في محله.
ورُوي عن عيسي بن داب، قال لما حُمِل ابو عبد اللّه جعفر بن محمد (عليه السلام) علي سريره واخرج الي البقيع ليدفن قال ابو هريرة: [504].
اقول وقد راحوا به يحملونه
علي كاهل [505] من حامليه وعاتق
اتدرون ماذا تحملون الي الثري
ثبيرا [506] ثوي [507] من رأس علياء شاهق
غداة حثي [508] الحاثون فوق ضريحه
تراباً وأولي كان فوق المفارق
قال شيخنا المفيد (رحمه اللّه) في المقنعة، باب فضل زيارة علي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد، (عليهم السلام):
رُوي عن الصادق (عليه السلام) انه قال: من زارني غُفرت له ذنوبه ولم يمت فقيراً.
وروي عن ابي محمد الحسن بن علي العسكري (عليه السلام) انه قال: من زار جعفراً وأباه، لم يشتك عينه، ولم يصبه سقم، ولم يمت مبتلي.
قال الصادق (عليه السلام) من زار اماماً من الأئمة وصلي عنده اربع ركعات، كتبت له حجة وعمرة.
وقيل للصادق (عليه السلام) ما حكم من زار احدكم، قال: يكون كمن زار رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم).
وقال الرضا (عليه السلام) ان لكل امام عهداً في اعناق شيعته وأوليائه، وان من تمام الوفاء بالعهد وحسن الاداء زيارة قبورهم، فمن زارهم رغبة في زيارتهم وتصديقاً بما رغبوا فيه، كانوا شفعاءه يوم القيامة وللّه در السيد صالح القزويني في قوله من قصيدة بائية:
وللّه [509] افلاك البقيع فكم بها
كواكب من آل النبي غوارب [510].
حوت منهم ما ليس تحويه بقعة
ونالت بهم ما لم تنله الكواكب
فبوركت ارضاً كل يوم وليلة
تطوف من الاملاك فيك كتائب [511].
وفيك الجبال الشم [512] حلماً هوامد [513].
وفيك البحور الفعم جوداً نواضب [514].
مناقبهم مثل النجوم كأنها
مصائبهم لم يحصها الدهر حاسب
وهم للوري امّا نعيم مؤبدُ
واما عذابُ في القيامة واصب [515].

ابو الحسن موسي بن جعفر الكاظم

اشاره

باب الحوائج الي اللّه تعالي العبد الصالح عليه السلام قال كمال الدين محمد بن طلحة الشافعي في حقّه: هو الإِمام الكبير القدر، العظيم الشأن، الكثير التهجد، الجاد في الاجتهاد، المشهور بالعبادة، المواظب علي الطاعات، المشهود بالكرامات، يبيت الليل ساجداً وقائماً، ويقطع النهار متصدقاً وصائماً، ولفرط حلمه وتجاوزه عن المعتدين عليه، دُعي كاظماً، كان يجازي المسيء باحسانه اليه، ويقابل الجاني عليه بعفوه عنه، ولكثرة عباداته كان يسمي بالعبد الصالح، ويعرف في العراق بباب الحوائج الي اللّه، لنجح المتوسلين الي اللّه تعالي به، كراماته تحار منها العقول، وتقضي بان له عند اللّه تعالي قدم صدق لا تزل ولا تزول. انتهي.
ولد (عليه السلام) بالابواء منزل بين مكة والمدينة، يوم الاحد [516] لسبع خلون من صفر سنة 128 هجري [517] ثمان وعشرين ومئة.
امه: (عليه السلام) حميدة المصفاة البربرية، وكانت من اشراف الأعاجم، قال الصادق (عليه السلام): حميدة مصفاة من الادناس كسبيكة الذهب، ما زالت الاملاك تحرسها، حتي أدَّت اليّ كرامة من اللّه لي، والحجّة من بعدي، ويظهر من بعض الروايات ان الصادق (عليه السلام) كان يأمر النساء في اخذ الاحكام اليها.
روي عن ابي بصير قال: كنت مع ابي عبد اللّه (عليه السلام) في السنة التي ولد فيها ابنه موسي (عليه السلام) فلما نزلنا الابواء، وضع لنا ابو عبد اللّه (عليه السلام) الغداء ولأصحابه، وكان عليه السلام إذا وضع الطعام لاصحابه اكثره واطابه، فبينا نحن نتغدي اذ اتاه رسول حميدة: ان الطلق قد ضربني، وقد امرتني ان لا اسبقك بابنك هذا، فقام ابو عبد اللّه (عليه السلام) فرحاً مسروراً فلم يلبث ان عاد الينا حاسراً عن ذراعيه، ضاحكاً سنّهُ، فقلنا اضحك اللّه سنك، واقر عينك ما صنعت حميدة، فقال: وهب اللّه لي غلاماً، وهو خير من برأ اللّه [518] ولقد خبرتني بأمر كنت اعلم به منها، قلت: جعلت فداك وما خبرتك عنه حميدة، قال ذكرت انه لما وقع من بطنها وقع واضعاً يديه علي الأرض، رافعاً رأسه الي السماء، فأخبرتها ان تلك امارة رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم)، وامارة الإِمام من بعده، الخ.
روي البرقي عن منهال القصاب، قال: خرجت من مكة وانا أريد المدينة فمررت بالابواء وقد ولد لأبي عبد اللّه (عليه السلام)، فسبقته الي المدينة ودخل (عليه السلام) بعدي بيوم فأطعم الناس ثلاثاً، فكنت آكل فيمن يأكل، فما أكل شيئاً الي الغد حتي اعود فآكل، فكنت بذلك ثلاثاً اطعم حتي أرتفق ثم لا اطعم شيئاً الي الغد، قال الفيروزآبادي ارتفق (اتكأ علي مرفق يده او علي المخدة وامتلأ).
وروي انه قيل لأبي عبد اللّه الصادق (عليه السلام) ما بلغ بك من حبك ابنك موسي (عليه السلام)، فقال: وددت ان ليس لي ولد غيره حتي لا يشاركه في حبّي له احد.

في معاجز طفولته

روي الشيخ المفيد عن يعقوب السراج قال دخلت علي ابي عبد اللّه (عليه السلام) وهو واقف علي رأس ابي الحسن موسي (عليه السلام) وهو في المهد، فجعل يساره طويلاً، فجلست حتي فرغ، فقمت اليه، فقال ادنُ الي مولاك، فسلم عليه، فدنوت فسلمت عليه، فرد عليَّ بلسان فصيح، ثم قال لي: اذهب فغير اسم ابنتك التي سميتها امس، فانه اسم يبغضه اللّه، وكانت ولدت لي بنت فسميتها بالحميراء، فقال ابو عبد اللّه (عليه السلام): انته الي امره ترشد، فغيرت اسمها.
وفي ثاقب المناقب، قال اشتهر عند الخاص والعام من حديث ابي حنيفة حين دخل دار الصادق (عليه السلام) فرأي موسي (عليه السلام) في دهليز داره وهو صبيّ، فقال في نفسه: ان هؤلاء يزعمون انهم يعطون العلم صبية وانا اسبر [519] ذلك، فقال له يا غلام اذا دخل الغريب بلدة، اين يحدث، فنظر اليه نظر مغضب وقال: يا شيخ اسأت الأدب، فاين السلام، قال: فخجلت ورجعت حتي خرجت من الدار وقد نَبُلَ [520] في عيني، ثم رجعت اليه وسلمت عليه وقلت: يا ابن رسول اللّه، الغريب اذا دخل بلدة اين يحدث، فقال (صلوات اللّه عليه)، يتوقي شطوط البلد (الانهار خ د) ومشارع الماء، وفيء [521] النُزَّال، ومسقط الثمار، وافنية [522] الدور، وجاد الطرق، ومجاري المياه ورواكدها، ثم يحدث اين شاء، قال، قلت: يا ابن رسول اللّه ممن المعصية، فنظر الي وقال: اما أن تكون من اللّه او من العبد او منهما معاً، فان كانت من اللّه فهو اكرم ان يؤاخذه بما لم يجنه، وان كانت منهما فهو اعدل من ان يأخذ العبد بما هو شريك فيه، فلم يبق الا أن يكون من العبد، فان عفا فبفضله، وان عاقب فبعدله، قال ابو حنيفة فاغرورقت عيناي وقرأت: ذرية بعضها من بعض واللّه سميع عليم.
وروي الصدوق وغيره عن هشام بن الحكم ان جاثليقاً من جثالقة النصاري يقال له بريهة، قد مكث في النصرانية سبعين سنة، فكان يطلب الإِسلام ويطلب من يحتج عليه ممن يقرأ كتبه، ويعرف المسيح بصفاته ودلائله وآياته، قال: وعرف بذلك حتي اشتهر في النصاري والمسلمين واليهود والمجوس، حتي افتخرت به النصاري وقالت: لو لم يكن في دين النصرانية إلاّ بريهة لأجزأنا، وكان طالباً للحق والإِسلام مع ذلك، وكانت معه امرأة تخدمه طال مكثها معه، وكان يستر ضعف النصرانية وضعف حجتها، قال: فعرفت ذلك منه، فضرب بريهة الامر ظهراً لبطن واقبل يسائل عن ائمة المسلمين وعن صلحائهم وعن علمائهم واهل الحجي منهم، وكان يستقرئ فرقة فرقة لا يجد عند القوم شيئاً، وقال لو كانت ائمتكم ائمة علي الحق لكان عندكم بعض الحق، فوصفت له الشيعة ووصف له هشام بن الحكم، فقال يونس بن عبد الرحمان: فقال لي هشام: بينما انا علي دكاني علي باب الكرخ جالس، وعندي قوم يقرأون عليَّ القرآن، فاذا انا بفوج من النصاري، ما بين القسيسين الي غيرهم من نحو مئة رجل، عليهم السوار والبرانس، والجاثليق الاكبر فيهم بريهة، حتي بركوا (نزلوا خد) حول دكاني، وجعل لبريهة كرسي يجلس عليه، فقامت الاساقفة والرهابنة علي عصيهم [523] وعلي رؤوسهم برانسهم فقال بريهة: ما بقي للمسلمين احد ممن يذكر بالعلم بالكلام الا وقد ناظرته في النصرانية فما عندهم شيء فقد جئت اناظرك الإِسلام ثم ذكر مناظرته معه وغلبة هشام عليه في حديث طويل، حتي افترق النصاري وهم يتمنون ان لا يكونوا رأوا هشاماً ولا اصحابه، ورجع بريهة مغتماً مهتماً حتي صار الي منزله، فقالت امرأته التي تخدمه: مالي اراك مهتماً مغتماً، فحكي لها الكلام الذي بينه وبين هشام، فقالت لبريهة: ويحك اتريد أن تكون علي حق او باطل، قال بريهة بل علي الحق، فقالت له: اينما وجدت الحق فمل اليه، واياك واللجاجة فان اللجاجة شك، والشك شؤم، واهله في النار، قال: فصوَّب قولها وعزم علي الغدو علي هشام، قال: فغدا اليه وليس معه احد من اصحابه، فقال: يا هشام الك من تصدر عن رأيه، فترجع الي قوله وتدين بطاعته، قال هشام: نعم يا بريهة، ثم سأله بريهة عن صفته فوصف له هشام الإِمام (عليه السلام)، فاشتاق بريهة اليه (عليه السلام)، فارتحلا حتي أتيا المدينة، والمرأة معهما، وهما يريدان ابا عبد اللّه (عليه السلام)، فلقيا موسي بن جعفر (عليه السلام) في الدهليز، وفي رواية ثاقب المناقب: فسلم هشام عليه وسلم بريهة عليه، ثم اخبرهما بما جاءا له، وكان (صلوات اللّه عليه) صبياً، وفي رواية الصدوق: فحكي له هشام الحكاية، قال موسي بن جعفر (عليه السلام) يا بريهة كيف علمك بكتابك؟ قال: انا به عالم، قال: كيف ثقتك بتأويله؟ قال ما اوثقني بعلمي به، قال: فابتدأ موسي (عليه السلام) يقرأ الأنجيل، قال بريهة: والمسيح لقد كان يقرأ هكذا، وما قرأ هذه القراءة الا المسيح، قال بريهة اياك كنت اطلب منذ خمسين سنة او مثلك، قال: فآمن وحسن ايمانه وآمنت المرأة وحسن ايمانها، قال: فدخل هشام وبريهة والمرأة علي أبي عبد اللّه (عليه السلام)، فحكي هشام الحكاية والكلام الذي جري بين موسي (عليه السلام) وبريهة، فقال ابو عبد اللّه (عليه السلام): ذرية بعضها من بعض واللّه سميع عليم، قال بريهة: جعلت فداك أنَّي لكم التوراة والانجيل وكتب الانبياء، قال: هي عندنا وراثة من عندهم، نقرأها كما قرأوها ونقولها كما قالوها، ان اللّه لا يجعل حجة في ارضه يسأل عن شيء فيقول لا ادري، فلزم بريهة ابا عبد اللّه حتي مات ابو عبد اللّه (عليه السلام)، ثم لزم موسي (عليه السلام) حتي مات في زمانه، فغسله (عليه السلام) بيده وكفّنه بيده ولحده بيده، وقال هذا حواري من حواريي [524] المسيح (عليه السلام)، يعرف حق اللّه عليه فتمني اكثر اصحابه ان يكونوا مثله.

في ذكر نبذ من كلام موسي بن جعفر

قال لبعض شيعته: أي فلان اتق اللّه وقل الحق وان كان فيه هلاكك، فان فيه نجاتك، أي فلان، اتق اللّه ودع الباطل وان كان فيه نجاتك، فان فيه هلاكك.
وقال (عليه السلام) عند قبر حضره: ان شيئاً هذا آخره لحقيق ان يزهد في اوله، وان شيئاً هذا اوله لحقيق ان يخاف آخره.
اقول: هذا مثل ما روي عن النبي (صلي اللّه عليه وآله وسلم)، قال البراء بن عازب: بينا نحن مع رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) اذ أبصر جماعة، فقال علي ما اجتمع هؤلاء؟ فقيل: علي قبر يحفرونه، قال: فبدر رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) وبين يديه أصحابه مسرعاً حتي اتي القبر، فجثا عليه، قال فاستقبلته من بين يديه لانظر ما يصنع، فبكي حتي بل التراب من دموعه، ثم اقبل علينا فقال: اخواني، لمثل هذا فأعدّوا.
وقال (عليه السلام): من تكلم في اللّه هلك، ومن طلب الرئاسة هلك ومن دخله العجب هلك، وقال اشتدت مؤونة الدنيا والدين، فاما مؤونة الدنيا فانك لا تمد يدك الي شيء منها الا وجدت فاجراً قد سبقك اليه، واما مؤونة الآخرة فانك لا تجد اعواناً يعينونك عليه.
وقال لعلي بن يقطين: كفارة عمل السلطان الاحسان الي الاخوان.
وقال (عليه السلام): كلما احدث الناس من الذنوب ما لم يكونوا يعلمون احدث اللّه لهم من البلاء ما لم يكونوا يعدّون.
وقال: تَعجُّبُ الجاهل من العاقل اكثر من تعجّب العاقل من الجاهل.
وقال: المصيبة للصابر واحدة، وللجازع اثنتان.
وقال: يعرف شدة الجور من حكم به عليه.
وقال: واللّه ينزل المعونة علي قدر المؤونة، وينزل الصبر علي قدر المصيبة، ومن اقتصد وقنع بقيت عليه النعمة، ومن بذر واسرف زالت عنه النعمة، واداء الامانة والصدق يجلبان الرزق، والخيانة والكذب يجلبان الفقر والنفاق، وإذا أراد اللّه بالنملة شراً أنبت لها جناحين، فطارت فأكلها الطير.
قوله (عليه السلام): ومن بذر واسرف الخ، (التبذير التفريق واصله القاء البذر وطرحه فاستعير لكل مضيع لماله، فتبذير البذر تضييع في الظاهر لمن لا يعرف مآل ما يلقيه، والسرف تجاوز الحد في كل فعل يفعله الانسان وان كان ذلك في الانفاق اشهر ويكون تارة اعتباراً بالقدر وتارة بالكيفية، كذا قال الراغب).
وقال (عليه السلام): أولي العلم بك ما لا يصلح لك العمل الا به، واوجب العمل عليك ما انت مسؤول عن العمل به، والزم العلم لك ما دلك علي صلاح قلبك واظهر لك فساده، واحمد العلم عاقبة ما زاد في علمك العاجل، فلا تشغلن بعلم ما لا يضرك جهله ولا تغفلن عن علم ما يزيد في جهلك تركه.
روي السيد بن طاوس انه كان جماعة من خاصة ابي الحسن موسي (عليه السلام) من اهل بيته وشيعته يحضرون مجلسه، ومعهم في كمامهم الواح ابنوس لطاف واميال، فاذا نطق أبو الحسن (عليه السلام) بكلمة وافتي في نازلة اثبت القوم ما سمعوا منه في ذلك.
أقول: وله (عليه السلام) وصية لهشام طويلة جمعت فيها حكم جليلة، وبأيدينا مسائل علي بن جعفر (عليه السلام) وهي سؤالات سأل عنها علي اخاه موسي (عليه السلام) فأجاب عنها، يرجع اليها فقهاؤنا (رضوان اللّه عليهم) في الأحكام (اوردها العلامة المجلسي (رحمه اللّه) في المجلد الرابع من البحار).

في عبادته و فقهه و كرمه

كان ابو الحسن موسي (عليه السلام) أعبد أهل زمانه وأفقههم وأسخاهم كفاً وأكرمهم نفساً.
وروي انه كان يصلي نوافل الليل ويصلها بصلاة الصبح ثم يعقب حتي تطلع الشمس ويخر للّه ساجداً فلا يرفع رأسه من السجود والتحميد حتي يقرب زوال الشمس.
وكان يدعو كثيراً فيقول: اللهم اني اسألك الراحة عند الموت والعفو عند الحساب ويكرر ذلك.
وكان من دعائه (عليه السلام): عظم الذنب من عبدك [525] فليحسن العفو من عندك.
وكان يبكي من خشية اللّه حتي تخضل لحيته بالدموع.
وكان اوصل الناس لأهله ورحمه، وكان يتفقد فقراء المدينة في الليل فيحمل اليهم الزبيل فيه العين والورق والادقة والتمور فيوصل اليهم ذلك ولا يعلمون من أي جهة هو، وكان كريماً بهياً وعتق الف مملوك.
وانه قد حضره فقير مؤمن يسأله سد فاقته فضحك (عليه السلام) في وجهه فقال اسألك مسألة فان أصبتها اعطيتك عشرة اضعاف ما طلبت، وكان قد طلب منه مئة درهم يجعلها في بضاعة يتعيش بها، فقال الرجل سل، فقال موسي (عليه السلام) لو جعل اليك التمني لنفسك في الدنيا ماذا كنت تتمني؟ قال: كنت اتمني ان ارزق التقية في ديني وقضاء حقوق اخواني، قال (عليه السلام): وما لك لم تسأل الولاية لنا اهل البيت، قال ذلك قد اعطيته وهذا لم اعطه، فانا اشكر علي ما اعطيت وأسأل ربي ما منعت، فقال احسنت اعطوه الفي درهم، وقال اصرفها في كذا يعني في العفص فانه متاع يابس.
وقد روي الناس عنه فأكثروا، وكان أفقه أهل زمانه وأحفظهم لكتاب اللّه وأحسنهم صوتاً بالقرآن، وكان اذا قرأه يحزن ويبكي السامعون بتلاوته وكان الناس بالمدينة يسمونه زين المجتهدين وسمي الكاظم لما كظمه من الغيظ وصبر عليه من فعل الظالمين حتي مضي قتيلاً في حبسهم ووثاقهم. وكان يقول: اني استغفر اللّه في كل يوم خمسة آلاف مرة.
وروي الصدوق انه كانت لأبي الحسن موسي بن جعفر (عليه السلام) بضع عشرة سنة كل يوم سجدة بعد ابيضاض الشمس إلي وقت الزوال، قال: فكان هارون ربما صعد سطحاً يشرف منه علي الحبس الذي حبس فيه ابا الحسن (عليه السلام) فكان يري أبا الحسن (عليه السلام) ساجداً، فقال للربيع ما ذاك الثوب الذي أراه كل يوم في ذلك الموضع؟ قال يا أمير المؤمنين ما ذاك بثوب وانما هو موسي بن جعفر له كل يوم سجدة بعد طلوع الشمس الي وقت الزوال قال الربيع: فقال لي هارون اما ان هذا من رهبان بني هاشم، قلت فما لك فقد ضيقت عليه في الحبس، قال هيهات لا بد من ذلك.
وعن أبيه عن علي بن ابراهيم عن اليقطيني عن احمد بن عبد اللّه القزويني عن ابيه، قال: دخلت علي الفضل بن الربيع وهو جالس علي سطح فقال لي: ادن مني فدنوت حتي حاذيته، ثم قال لي اشرف الي البيت في الدار فأشرفت، فقال ما تري في البيت، قلت: ثوباً مطروحاً، فقال انظر حسناً فتأملت ونظرت فتيقنت فقلت: رجل ساجد، فقال لي تعرفه قلت لا، قال: هذا مولاك، قلت: ومن مولاي، فقال: تتجاهل عليَّ، فقلت: ما اتجاهل ولكني لا اعرف لي مولي، فقال هذا ابو الحسن موسي بن جعفر (عليه السلام) اني اتفقده في الليل والنهار فلم اجده في وقت من الاوقات الا علي الحال التي اخبرك بها، انه يصلي الفجر فيقف ساعة في دبر صلاته الي ان تطلع الشمس ثم يسجد سجدة فلا يزال ساجداً حتي تزول الشمس، وقد وكل من يترصد له الزوال، فلست ادري متي يقول الغلام قد زالت الشمس اذ يثب فيبتدئ بالصلاة من غير ان يجدد وضوءاً فاعلم انه لم ينم في سجوده ولا اغفي [526] فلا يزال كذلك الي ان يفرغ من صلاة العصر، فاذا صلي العصر سجد سجدة فلا يزال ساجداً الي ان تغيب الشمس، فاذا غابت الشمس وثب من سجدته فصلي المغرب من غير ان يحدث حدثاً ولا يزال في صلاته وتعقيبه الي ان يصلي العتمة [527] فاذا صلي العتمة افطر علي شوي يؤتي به، ثم يجدد الوضوء ثم يسجد ثم يرفع رأسه فينام نومة خفيفة، ثم يقوم فيجدِّد الوضوء ثم يقوم فلا يزال يصلّي في جوف الليل حتي يطلع الفجر فلست أدري متي يقول الغلام ان الفجر قد طلع اذ قد وثب هو لصلاة الفجر فهذا دأبه منذ حوّل اليّ.
وروي عن الخطيب البغدادي، وهو من اعاظم اهل السنة وثقات المؤرخين وقدمائهم، انه قال: كان موسي (عليه السلام) يدعي العبد الصالح من شدة عبادته واجتهاده.
روي انه دخل مسجد رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) فسجد سجدة في اول الليل فسمع وهو يقول عظم الذنب من عبدك فليحسن العفو من عندك، يا اهل التقوي ويا أهل المغفرة فجعل يرددها حتي اصبح.
قلت وفي حديث طويل عن المأمون يصف فيه موسي بن جعفر (عليه السلام) ويذكر وروده علي أبيه الرشيد بالمدينة يقول: اذ دخل شيخ مسخّد [528] قد انهكته العبادة كأنه شنُّ بال قد كلم [529] السجود وجهه وانفه.
وبالجملة كان (عليه السلام) حليف السجدة الطويلة والدموع الغزيرة [530] وكان له غلام اسود بيده مقص [531] يأخذ اللحم من جبينه وعرنين انفه من كثرة سجوده:
طالت [532] لطول سجود منه ثفنته
فقرحت جبهةً منه وعرنينا
رأي فراغته في السجن منيته
ونعمةً شكر الباري بها حينا
وحُكي انه توفي (صلوات اللّه عليه) في حال السجود للّه تعالي.
اقول: ولقد اقتدي به (عليه السلام) في ذلك جماعة ممن لقيه ورآه، منهم محمد بن ابي عمير الثقة الجليل الاواه.
روي عن الفضل بن شاذان، قال: دخلت العراق فرأيت احداً يعاتب صاحبه ويقول له: انت رجل عليك عيال وتحتاج ان تكتسب عليهم وما آمن من ان تذهب عيناك لطول سجودك، فلما اكثر عليه قال: اكثرت عليَّ، ويحك لو ذهب عين احد من السجود لذهبت عين ابن ابي عمير، ما ظنك برجل سجد سجدة الشكر بعد صلاة الفجر فما رفع رأسه الا الي زوال الشمس.
وقال الفضل اخذ يوماً شيخي بيدي وذهب بي الي ابن ابي عمير فصعدنا اليه في غرفة وحوله مشائخ له يعظمونه ويبجلونه، فقلت لأبي: من هذا، قال هذا ابن ابي عمير قلت: الرجل الصالح العابد؟ قال نعم.
وروي ان هارون الرشيد انفذ الي موسي بن جعفر (عليه السلام) جارية حصيفة [533] لها جمال ووضاءة لتخدمه في السجن، وانفذ الخادم اليه ليستفحص عن حالها فرآها ساجدة لربها لا ترفع رأسها تقول: قدوس قدوس سبحانك سبحانك سبحانك، فأتي بها وهي ترعد شاخصة الي السماء بصرها، واقبلت في الصلاة، فاذا قيل لها في ذلك، قالت هكذا رأيت العبد الصالح فما زالت كذلك حتي ماتت.

فيما جري عليه من الرشيد

قبض الرشيد علي موسي بن جعفر (عليه السلام) سنة 179 تسع وسبعين ومئة في سفره إلي مكة المعظمة، وهو عند رأس النبي (صلي اللّه عليه وآله وسلم) قائماً يصلي، فقطع عليه صلاته وحمل وهو يبكي ويقول اليك أشكو يا رسول اللّه ما القي، واقبل الناس من كل جانب يبكون ويضجون، فلما حمل الي بين يدي الرشيد سلم علي الرشيد فلم يرد عليه السلام وشتمه وجفاه وقيده، فلما جن عليه الليل امر بقبتين فهيِّئتا له فحمل موسي بن جعفر (عليه السلام) الي إحداهما في خفاء ودفعه الي حسان السروي وامره ان يسير به في قبة الي البصرة فيسلمه الي عيسي بن جعفر بن ابي جعفر، وهو اميرها، ووجه قبة اخري علانية نهاراً الي الكوفة معها جماعة ليعمي علي الناس امر موسي بن جعفر، فقدم حسان البصرة قبل التروية بيوم فدفعه الي عيسي بن جعفر بن ابي جعفر نهاراً علانية حتي عرف ذلك وشاع امره، فحبسه عيسي في بيت من بيوت المحبس الذي كان يحبس فيه، واقفل عليه وشغله عنه العيد، فكان لا يفتح عنه الباب الا في حالتين، حال يخرج فيها الي الطهور وحال يدخل اليه فيها الطعام، قال نصراني من كتاب عيسي: لقد سمع هذا الرجل الصالح في ايامه في هذه الدار التي هو فيها من ضروب الفواحش والمناكير ما اعلم ولا اشك انه لم يخطر بباله، وروي انه حبسه عنده سنة ثم كتب الي الرشيد ان خذه مني وسلمه الي من شئت والا خليت سبيله، فقد اجتهدت بان اجد عليه حجة فما اقدر علي ذلك، حتي اني لأتسمَّع عليه اذا دعا لعله يدعو عليَّ او عليك فما اسمعه يدعو الا لنفسه يسأل الرحمة والمغفرة، فوجّه من تسلمه منه وحُمل سراً الي بغداد وروي انه لما حمل الي بغداد كان ذلك في رجب يوم المبعث سنة تسع وسبعين ومئة.
قال الراوي: ولما حمل الي بغداد حبسه الرشيد عند الفضل بن الربيع، فبقَي عنده مدة طويلة، واراده الرشيد علي شيء من أمره، فابي، فكتب بتسليمه (عليه السلام) الي الفضل بن يحيي فتسلمه منه وأراد ذلك منه فلم يفعل وبلغه انه عنده في رفاهية وسعة وهو حينئذ بالرقة، فكتب الي العباس بن محمد والسندي بن شاهك في ذلك علي يد مسرور الخادم، فدعا العباس بسياط وعقابين وامر بالفضل فجرِّد وضربه السنّدي بين يديه مئة سوط، وكتب مسرور بالخبر الي الرشيد، فأمر بتسليم موسي (عليه السلام) الي السندي بن شاهك، فلم يزل (سلام اللّه عليه) ينقل من سجن الي سجن حتي نقل الي حبس السندي بن شاهك الملعون.
وفي الدر النظيم قال: قال السندي بن شاهك: وافي خادم من قبل الرشيد الي ابي الحسن (عليه السلام) وهو محبوس عندي، فدخلت معه وقد كان قال له تعرف خبره، فوقف الخادم فقال: ما لك، فقال: بعثني الخليفة لأعرف خبرك، قال، فقال: قل له يا هارون ما من يوم ضراء انقضي عني الا انقضي عنك من السراء مثله حتي نجتمع انا وانت في دار يخسر فيها المبطلون، قال الفضل بن الربيع عن ابيه، قال: بعثني هارون الي ابي الحسن (عليه السلام) برسالة وهو في حبس السندي بن شاهك، فدخلت عليه وهو يصلّي فهبته ان اجلس، فوقفت متكئاً علي سيفي فكان (عليه السلام) اذا صلي ركعتين وسلم واصل بركعتين أخراوَين، فلما طال وقوفي وخفت ان يسأل عني هارون وحانت منه تسليمة فشرعت في الكلام فامسك، وقد كان قال لي هارون لا تقل بعثني امير المؤمنين اليك ولكن قل بعثني اخوك وهو يقرئك السلام ويقول لك انه بلغني عنك اشياء اقلقتني فاقدمتك اليّ وفحصت عن ذلك فوجدتك نقيَّ الجيب بريئاً من العيب مكذوباً عليك فيما رميت به ففكرت بين اصرافك الي منزلك ومقامك ببابي فوجدت مقامك ببابي ابرأ لصدري وأكذب لقول المسرعين فيك ولكل انسان غذاء قد اغتذاه والفت عليه طبيعته، ولعلك اغتذيت بالمدينة اغذية لا تجد من يصنعها لك‌ها هنا وقد امرت الفضل ان يقيم لك من ذلك ما شئت فمره بما احببت وانبسط فيما تريده، قال فجعل (عليه السلام) الجواب في كلمتين من غير ان يلتفت اليّ فقال: لا حاضر مالي فينفعني ولم اخلق سؤولاً، اللّه اكبر، ودخل في الصلاة، قال فرجعت الي هارون فاخبرته فقال لي: فما تري في أمره، فقلت: يا سيدي لو خططت في الأرض خطة فدخل فيها ثم قال لا اخرج منها ما خرج منها، قال هو كما قلت ولكن مقامه عندي احب الي.
وروي غيره قال: قال هارون: اياك ان تخبر بهذا أحداً، قال فما اخبرت به احداً حتي مات هارون.
وروي الشيخ عن محمد بن غياث في خبر، قال: قال هارون ليحيي بن خالد انطلق اليه (عليه السلام) واطلق عنه الحديد وابلغه عني السلام وقل له يقول لك ابن عمك انه قد سبق مني فيك يمين انّي لا اخليك حتي تقر لي بالإِساءة وتسألني العفو عما سلف منك وليس عليك في اقرارك عار ولا في مسألتك اياي منقصة وهذا يحيي بن خالد هو ثقتي ووزيري وصاحب أمري، فسله بقدر ما اخرج من يميني وانصرف راشداً، قال محمد بن غياث فاخبرني موسي بن يحيي بن خالد ان ابا ابراهيم قال ليحيي: يا ابا عليّ انا ميت وانما بقي من اجلي اسبوع. الخ.
قال الراوي وجلس الرشيد مجلساً حافلاً، وقال: ايها الناس ان الفضل بن يحيي قد عصاني وخالف طاعتي ورأيت ان ألعنه فالعنوه، فلعنه الناس من كل ناحية حتي ارتج البيت والدار بلعنه، وبلغ يحيي بن خالد فركب الي الرشيد ودخل من غير الباب الذي يدخل الناس منه حتي جاءه من خلفه وهو لا يشعر، ثم قال التفت اليّ يا امير المؤمنين فاصغي اليه فزعاً، فقال له: ان الفضل حدث وانا اكفيك ما تريد، فانطلق وجهه وسر واقبل علي الناس، فقال: ان الفضل كان عصاني في شيء فلعنته وقد تاب واناب الي طاعتي فتولوه، فقالوا نحن اولياء من واليت واعداء من عاديت، وقد توليناه، ثم خرج يحيي بن خالد بنفسه علي البريد حتي اتي بغداد فماج [534] الناس وارجفوا [535] بكل شيء، فاظهر انه ورد لتعديل السواد والنظر في امر العمال وتشاغل ببعض ذلك ودعا السنديَّ فامره فيه بامره فامتثله، وروي انه بعث يحيي بن خالد الي موسي بن جعفر (عليه السلام) بالرطب والريحان المسمومين، وفي رواية انه سمه في ثلاثين رطبة، قال الراوي: ثم ان السندي بن شاهك احضر القضاة والعدول وذلك قبل وفاة موسي (عليه السلام) بايام واخرجه (عليه السلام) اليهم وقال ان الناس يقولون ان ابا الحسن موسي في ضنك [536] وضر وها هوذا لا علة به ولا مرض ولا ضر، فالتفت (عليه السلام) فقال لهم: اشهدوا عليّ أني مقتول بالسم منذ ثلاثة ايام، اشهدوا أني صحيح الظاهر لكني مسموم وساحمر في آخر هذا اليوم حمرة شديدة منكرة واصفر غداً صفرة شديدة وابيض بعد غد وأمضي الي رحمة اللّه ورضوانه.
وروي الصدوق عن الحسن بن محمد بن بشار قال: حدثني شيخ من اهل قطيعة الربيع من العامة ممن كان يقبل قوله، قال: قال لي قد رأيت بعض من يقرون بفضله من اهل هذا البيت فما رأيت مثله قط في نسكه وفضله، قال: قلت من وكيف رأيته؟ قال: جمعنا ايام السندي بن شاهك ثمانين رجلاً من الوجوه ممن ينسب الي الخير، فادخلنا علي موسي بن جعفر عليه السلام)، فقال لنا السندي يا هؤلاء انظروا الي هذا الرجل هل حدث به حدث فان الناس يزعمون انه قد فُعِلَ مكروه به ويكثرون في ذلك وهذا منزله وفرشه موسَّع عليه غير مضيق ولم يرد به امير المؤمنين سوءاً وانما ينتظره ان يقدم فيناظره امير المؤمنين، وها هو ذا صحيح موسع عليه في جميع امره، فاسألوه، قال ونحن ليس لنا هم الا النظر الي الرجل والي فضله وسمته، [537] فقال (عليه السلام) اما ما ذكر من التوسعة وما اشبه ذلك فهو علي ما ذكر غير اني اخبركم ايها النفر اني قد سقيت السم في تسع تمرات، واني احتضر غداً وبعد غد أموت، قال: فنظرت الي السندي بن شاهك يرتعد ويضطرب مثل السعفة، قال الحسن وكان هذا الشيخ من خيار العامة، شيخ صدوق مقبول القول ثقة جداً عند الناس.
وروي انه لما كان من الغد جاء به الطبيب، فقال له ما حالك، فتغافل عنه، فلما اكثر عليه عرض عليه خضرة في بطن راحته، وكان السم الذي سم به قد اجتمع في ذلك الموضع ثم قال له هذه علّتي، فانصرف الطبيب اليهم وقال واللّه لهو اعلم بما فعلتم به منكم، ثم توفي (عليه السلام).
وروي القطب الراوندي عن محمد بن الفضل الهاشمي قال: اني اتيت موسي بن جعفر (عليه السلام) قبل وفاته بيوم واحد فقال اني ميت لا محالة فاذا واريتني في لحدي فلا تقيمنَّ، وتوجه الي المدينة بودائعي هذه وأوصلها الي عليّ بن موسي (عليه السلام) فهو وصيي وصاحب الأمر بعدي ففعلت ما أمرني به وأوصلت الودائع اليه.
قال الشيخ المفيد وروي انه لما حضرته الوفاة سأل السندي بن شاهك ان يحضره مولي له مدنيا ينزل عند دار العباس بن محمد في مشرعة القصب ليتولي غسله وتكفينه ففعل ذلك، قال السندي فكنت سألته في الاذن لي ان اكفنه، فأبي وقال: انّا اهل بيت، مهور نسائنا وحج صرورتنا [538] واكفان موتانا من طاهر اموالنا وعندي كفن اريد ان يتولّي غسلي وجهازي مولاي فلان فتولي ذلك منه.

في وفاته

قبض موسي بن جعفر (عليه السلام) مسموماً ببغداد، في حبس السندي بن شاهك في الخامس والعشرين من رجب [539] سنة 183 هجري ثلاث وثمانين ومئة. [540].
روي عن عمر بن واقد، قال: أرسل الي السندي بن شاهك في بعض الليل وانا ببغداد يستحضرني فخشيت ان يكون ذلك لسوء يريده بي فاوصيت عيالي بما احتجت اليه وقلت: انا للّه وانا اليه راجعون. ثم ركبت اليه فلما رآني مقبلاً قال يا ابا حفص لعلنا ارعبناك وافزعناك قلت: نعم. قال: فليس هنا إلا خير، قلت فرسول تبعثه الي منزلي يخبرهم خبري، قال نعم ثم قال يا ابا حفص اتدري لم ارسلت اليك، فقلت: لا، قال: اتعرف موسي بن جعفر فقلت اي واللّه اني لأعرفه وبيني وبينه صداقة منذ دهر، فقال: من‌ها هنا ببغداد تعرفه ممن يقبل قوله؟ فسميت له اقواماً ووقع في نفسي انه (عليه السلام) قد مات، قال فبعث وجاء بهم كما جاء بي، فقال: هل تعرفون قوماً يعرفون موسي بن جعفر فسموا له قوماً فجاء بهم فاصبحنا ونحن في الدار نيف وخمسون رجلاً ممن يعرف موسي بن جعفر (عليه السلام) وقد صحبه، قال: ثم قام فدخل وصلينا فخرج كاتبه ومعه طومار فكتب اسماءنا ومنازلنا واعمالنا وخلانا، ثم دخل الي السندي قال فخرج السندي فضرب يده الي فقال لي: قم يا ابا حفص فنهضت ونهض اصحابنا ودخلنا، فقال لي يا ابا حفص اكشف الثوب عن وجه موسي بن جعفر فكشفته فرأيته ميتاً، فبكيت واسترجعت، ثم قال للقوم: انظروا اليه فدنا واحد بعد واحد فنظروا اليه، ثم قال: تشهدون كلكم ان هذا موسي بن جعفر بن محمد، ثم قال يا غلام اطرح علي عورته منديلاً واكشفه، فقال ففعل، فقال: اترون به اثراً تنكرونه فقلنا لا ما نري به شيئاً ولا نراه الا ميتاً، قال فلا تبرحوا حتي تغسلوه واكفنه وادفنه، قال فلم نبرح حتي غسل وكفّن وحمل فصلي عليه السندي بن شاهك.
اقول: وفي الخبر المروي عن المسيب قال: فواللّه لقد رأيتهم بعيني وهم يظنون انهم يغسلونه فلا تصل ايديهم اليه ويظنون انهم يحنطونه ويكفنونه وأراهم لا يصنعون به شيئاً ورأيت شخصاً اشبه الاشخاص به يتولي غسله وتحنيطه وتكفينه وهو يظهر المعاونة لهم وهم لا يعرفونه فلما فرغ (عليه السلام) من أمره، قال لي ذلك الشخص: يا مسيب مهما شككت فيه فلا تشكن فيّ فإنّي امامك ومولاك وحجة اللّه عليك بعد أبي، يا مسيب مثلي مثل يوسف الصديق (عليه السلام) ومثلهم مثل اخوته حين دخلوا عليه فعرفهم، وهم له منكرون.
قال الراوي: فحمل (عليه السلام) علي نعش ونودي عليه هذا امام الرافضة فاعرفوه، ثم أتيَ به الي السوق فوضع هناك ثم نودي عليه هذا موسي بن جعفر قد مات حتف انفه، الا فانظروا اليه، فحف به الناس وجعلوا ينظرون اليه، لا اثر به من جراحة ولا خنق [541] وكان في رجله اثر الحناء ثم امروا العلماء والفقهاء ان يكتبوا شهادتهم في ذلك فكتبوا جميعاً الا احمد بن حنبل فكلما زجروه لم يكتب شيئاً. [542].
وروي ان السوق الذي وضع فيه النعش الشريف سمّي سوق الرياحين وبني علي الموضع بناء وجعل عليه باب لئلا يطأه الناس باقدامهم بل يتبركون به وبزيارته.
وقد حكي عن المولي اولياء اللّه صاحب تاريخ مازندران، انه قال في كتابه: اني مررت به مرات عديدة وقبلت الموضع الشريف منه.
قال الشيخ المفيد واخرج فوضع علي الجسر ببغداد ونودي هذا موسي بن جعفر قد مات فانظروا اليه فجعل الناس يتفرسون في وجهه وهو ميت. انتهي.
نطق (عليه السلام) وقال قتلاً قتلاً قتلاً، ثم غسل وكفن وكان المتولي لذلك ذلك الرجل وصي اليه ودفن بالزوراء في مقابر قريش من باب التين. قال ابن حجر في الصواعق: في احوال موسي بن جعفر (عليه السلام) وحمله الرشيد معه الي بغداد وحبسه فلم يخرج من حبسه الا ميتاً مقيداً (منه).
قال الراوي: فلما اتي به (عليه السلام) مجلس الشرطة اقام اربعة نفر فنادوا الا من أراد أن يري موسي بن جعفر فليخرج، وخرج سليمان بن جعفر من قصره الي الشط فسمع الصياح والضوضاء [543] فقال لولده وغلمانه ما هذا قالوا السندي بن شاهك ينادي علي موسي بن جعفر (عليه السلام) علي نعش فقال لولده وغلمانه: يوشك ان يفعل هذا به في الجانب الغربي فاذا عبر به فانزلوا مع غلمانكم فخذوه من ايديهم فان مانعوكم فاضربوهم وخرقوا ما عليهم من السواد، فلما عبروا به نزلوا اليهم فاخذوه من ايديهم وضربوهم وخرقوا ما عليهم من سوادهم ووضعوه في مفرق اربعة طرق واقام المنادون ينادون الا من أراد أن يري الطيب ابن الطيب موسي بن جعفر (عليه السلام) فليخرج، وحضر الخلق وغسل وحنط بحنوط فاخر وكفنه بكفن فيه حبرة استعملت له بألفين وخمسمائة دينار عليها القرآن كله واحتفي ومشي في جنازته متسلباً [544] مشقوق الجيب حاسر الرأس الي مقابر قريش في باب التين، وكانت هذه المقبرة لبني هاشم والاشراف من الناس قديماً فدفنه هناك وكتب بخبره إلي الرشيد فكتب الي سليمان بن ابي جعفر وصلتك رحم يا عم واحسن اللّه جزاءك واللّه ما فعل السندي بن شاهك لعنه اللّه ما فعله عن أمرنا.

في دفنه

قال الشيخ الأجلُّ الاقدم ابو محمد الحسن بن موسي النوبختي في كتاب الفرق: ولد موسي بن جعفر (عليه السلام) في سنة ثمان وعشرين ومئة وقال بعضهم سنة تسع وحمله الرشيد من المدينة لعشر ليال بقين من شوال سنة تسع وسبعين ومئة وقد قدم هارون الرشيد المدينة منصرفاً من عمرة شهر رمضان ثم شخص هارون الي الحج وحمله معه ثم انصرف علي طريق البصرة فحبسه عند عيسي بن جعفر بن أبي جعفر المنصور ثم أشخصه الي بغداد فحبسه عند السندي بن شاهك فتوفي في حبسه ببغداد لخمس ليال بقين من رجب سنة 183 ثلاث وثمانين ومئة وهو ابن خمس او اربع وخمسين سنة ودفن في مقابر قريش.
ويقال في رواية اخري: انه دفن بقيوده وانه اوصي بذلك فكانت امامته خمساً وثلاثين سنة وشهوراً.
وفي الدّر النظيم، ودفن ببغداد في مقابر قريش في بقعة كان قبل وفاته قد ابتاعها لنفسه [545] وروي الشيخ الكليني عن علي بن ابراهيم عن محمد بن عيسي عن مسافر قال امر ابو ابراهيم (عليه السلام) حين اخرج به ابا الحسن (عليه السلام) ان ينام علي بابه في كلّ ليلة ابداً ما كان حياً الي ان يأتيه خبره قال: فكنا في كل ليلة نفرش لأبي الحسن (عليه السلام) في الدهليز ثم يأتي بعد العشاء فينام فاذا اصبح انصرف الي منزله قال فمكث علي هذه الحال اربع سنين فلما كانت ليلة من الليالي ابطأ عنا وفرش له فلم يأت كما كان يأتي فاستوحش العيال وذعروا [546] ودخلنا امر عظيم من ابطائه فلما كان من الغد اتي الدار ودخل الي العيال وقصد الي ام احمد فقال لها: هاتي الذي اودعك أبي، فصرخت ولطمت وجهها وشقت جيبها وقالت مات واللّه سيدي فكفّها وقال لها: لا تتكلمي بشيء حتي يجيء الخبر الي الوالي فاخرجت اليه سفطاً [547] والفي دينار واربعة آلاف دينار فدفعت ذلك اجمع اليه
دون غيره وقالت انه قال فيما بيني وبينه، وكانت [548] اثيرة عنده، احتفظي بهذه الوديعة عندك لا تطلعي عليها احداً حتي اموت فاذا مضيت فمن أتاك من وُلدي فطلبها منك فادفعيها اليه واعلمي اني قد متُّ وقد جاءتني واللّه علامة سيدي فقبض ذلك منها وامرهم بالامساك جميعاً الي ان ورد الخبر وانصرف فلم يعد بشيء من المبيت كما كان يفعل. فما لبثنا الا اياماً يسيرة حتي جاءت الخريطة بنعيه فعددنا الايام وتفقدنا الوقت فاذا هو قد مات في الوقت الذي فعل ابو الحسن (عليه السلام) ما فعل من تخلّفه عن المبيت وقبضه لما قبض.

في استحباب زيارته

يستحب زيارة ابي الحسن موسي بن جعفر (عليه السلام) ببغداد وورد أن لزائره الجنة وقال الرضا (عليه السلام) من زار قبر ابي ببغداد كان كمن زار رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) وقبر امير المؤمنين (عليه السلام) الا أن لرسول اللّه وامير المؤمنين (عليهما السلام) فضلهما وعن الخطيب في تاريخه عن علي بن الخلال قال: ما همني امر فقصدت قبر موسي بن جعفر (عليه السلام) وتوسلت به إلا سهل اللّه لي ما أحب، ورأي في بغداد امرأة تهرول فقيل: الي أين؟ قالت: الي موسي بن جعفر (عليه السلام) فانه حُبس ابني، فقال حنبلي انه قد مات في الحبس فقالت: بحق المقتول في الحبس ان تريني القدرة، فاذا بابنها قد اطلق واخذ ابن المتهزئ بجنايته. انتهي.
وروي عن الرضا (عليه السلام) انه سئل عن اتيان قبر ابي الحسن (عليه السلام) فقال صلوا في المساجد حوله.
وروي ايضاً ولا تصل عند رأس موسي (عليه السلام) فانه يقابل قبور قريش ولا يجوز اتخاذها قبلة وتقول في زيارته ما رواه ابن قولويه باسناده عن ابي الحسن (عليه السلام):
(السلام عليك يا ولي اللّه، السلام عليك يا حجة اللّه، السلام عليك يا نور اللّه في ظلمات الأرض، السلام عليك يا من بدا للّه في شأنه، اتيتك زائراً عارفاً بحقك، معادياً لأعدائك، فاشفع لي عند ربك يا مولاي.
قال وادع اللّه واسأل حاجتك.
اقول: وذكر السيد بن طاوس (رحمه اللّه) الصلاة عليه صلي اللّه عليه:
اللهم صل علي محمد واهل بيته، وصل علي موسي بن جعفر وصي الابرار، وامام الاخيار، وعيبة الانوار، ووارث السكينة والوقار، والحكم والآثار، الذي كان يحيي الليل بالسهر [549] الي السحر بمواصلة الاستغفار، حليف السجدة الطويلة، والدموع الغزيرة، والمناجاة الكثيرة، والضراعات المتصلة، ومقر النهي والعدل والخير والفضل والندي والبذل، ومألف البلوي والصبر والمضطهد بالظلم، والمقبور بالجور، والمعذب في قعر السجون وظلم المطامير [550] ذي الساق المرضوض [551] بحلق القيود والجنازة [552] المنادي عليها بذلِّ الاستخفاف، والوارد علي جدّه المصطفي وابيه المرتضي وامه سيدة النساء، بإرث مغصوب، وولاء مسلوب، وامر مغلوب، ودم مطلوب، وسمّ مشروب، اللهم وكما صبر علي غليظ المحن، وتجرع غصص [553].
الكرب واستسلم لرضاك واخلص الطاعة لك، ومحض الخشوع، واستشعر الخضوع، وعادي البدعة واهلها، ولم يلحقه في شيء من اوامرك ونواهيك لومة لائم، صل عليه صلاة نامية [554] منيفة زاكية، توجب له بها شفاعة امم من خلقك، وقرون من براياك، [555] وبلغه عنا تحية وسلاماً، وآتنا من لدنك في موالاته فضلاً واحساناً، ومغفرة ورضواناً، إنك ذو الفضل العميم، والتجاوز العظيم، برحمتك يا أرحم الراحمين).

مولانا ابو الحسن علي بن موسي الرضا الضامن

اشاره

المأمول المرتجي بضعة سيد الوري صلوات اللّه عليه وعلي آبائه واولاده ائمة الهدي ولد (عليه السلام) في حادي عشر من ذي القعدة يوم الخميس او يوم الجمعة [556] بالمدينة سنة 148 ثمان واربعين ومائة [557] بعد وفاة جده الصادق (عليه السلام) بايام قليلة وكان الصادق (عليه السلام) يتمني ادراكه، ففي الخبر عن موسي بن جعفر (عليه السلام) قال سمعت ابي جعفر بن محمد (عليه السلام) غير مرة يقول لي: ان عالم آل محمد (عليه السلام) لفي صلبك وليتني ادركته فانه سميّ امير المؤمنين (عليه السلام).
وروي عن يزيد بن سليط قال: لقينا ابا عبد اللّه (عليه السلام) في طريق مكة ونحن جماعة، فقلت له: بأبي انت وامي انتم الأئمة المطهرون والموت لا يعري منه احد فاحدث اليّ شيئاً القيه الي من يخلفني فقال لي: نعم هؤلاء ولدي وهذا سيدهم واشار الي ابنه موسي (عليه السلام) وفيه علم الحكم والفهم والسخاء والمعرفة بما يحتاج الناس اليه فيما اختلفوا فيه من امر دينهم وفيه حسن الخلق وحسن الجوار وهو باب من ابواب اللّه عز وجل وفيه اخري هي خير من ذلك كله، فقال له ابي: وما هي بابي انت وامي، قال:
يخرج اللّه تعالي منه غوث هذه الأمة وغياثها وعلمها ونورها وفهمها وحكمها خير مولود وخير ناشئ يحقن اللّه به الدماء [558] ويصلح به ذات البين ويلم به الشعث [559] ويشعب به الصدع [560] ويكسو به العاري ويشبع به الجائع ويؤمن به الخائف وينزل به القطر ويأتمر له العباد، خير كهل وخير ناشئ يبشر به عشيرته قبل أوان حلمه قوله حكم وصمته [561] علم يبين للناس ما يختلفون فيه الخ. [562].
امه (عليه السلام) ام ولد يقال لها ام البنين، واسمها نجمة ويقال لها تكْتمُ ايضاً، اشترتها حميدة المصفاة ام موسي (عليه السلام) وكانت من افضل النساء في عقلها ودينها وإعظامها لمولاتها.
روي ان حميدة رأت في المنام رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) يقول لها: يا حميدة هبي نجمة لابنك موسي (عليه السلام) فانه سيولد له منها خير اهل الأرض فوهبتها له فلما ولدت له الرضا (عليه السلام) سماها الطّاهرة.
وفي الدر النظيم لجمال الدين يوسف بن حاتم العاملي تلميذ المحقق (رحمهما اللّه) قال في ذكر الرضا (عليه السلام): امه ام ولد يقال لها تكتم قال [563] ابو الحسن موسي (عليه السلام): (لما ابتاع هذه الجارية) لجماعة من اصحابه: واللّه ما اشتريت هذه الجارية الا بأمر اللّه ووحيه، فسئل عن ذلك فقال: بينا انا نائم اذ أتاني جدي وابي (عليهما السلام) ومعهما شقة حرير فنشراها فاذا قميص وفيه صورة هذه الجارية فقالا يا موسي: ليكونن لك من هذه الجارية خير اهل الأرض بعدك ثم أمراني اذا ولدته ان اسميه علياً، وقالا: ان اللّه عز وجل سيظهر به العدل والرأفة والرحمة طوبي لمن صدقه وويل لمن عاداه وجحده.
روي الشيخ الصدوق عن نجمة ام الرضا (عليه السلام) تقول: لما حملتُ بابني عليّ لم اشعر بثقل الحمل وكنت اسمع في منامي تسبيحاً وتهليلاً وتمجيداً من بطني فيفزعني ذلك ويهوّلني، فاذا انتبهت لم اسمع شيئاً فلما وضعته وقع علي الأرض واضعاً يده علي الأرض رافعاً رأسه الي السماء يحرك شفتيه كأنه يتكلم فدخل الي ابوه موسي بن جعفر (عليهما السلام) فقال لي: هنيئاً لك يا نجمة كرامة ربك، فناولته اياه في خرقة بيضاء فأذن في أذنه الايمن واقام في الايسر ودعا بماء الفرات فحنكه ثم رده الي وقال: خذيه فانه بقية اللّه في ارضه، وروي عن البزنطي قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): ان قوماً من مخالفيكم يزعمون ان اباك انما سماه المأمون الرضا لما رضيه لولاية عهده، فقال كذبوا واللّه وفجروا بل اللّه تبارك وتعالي سماه الرضا لأنه كان رضيّ اللّه عز وجل في سمائه ورضي لرسوله والأئمة بعده (عليهم السلام) في ارضه، قال: فقلت له: الم يكن كل واحد من آبائك الماضين (عليهم السلام) رضي اللّه عز وجل ولرسوله والأئمة بعده (عليهم السلام)؟ فقال بلي، فقلت: فلم سمِّي ابوك (عليه السلام) من بينهم الرضا؟ قال لأنه رضي به المخالفون من اعدائه كما رضي به الموافقون من اوليائه ولم يكن ذلك لأحد من آبائه (عليهم السلام) فذلك سمّي من بينهم الرضا (عليه السلام). وروي ان نقش خاتم الرضا (عليه السلام) كان: ما شاء اللّه لا قوة الا باللّه.

في عبادته ومكارم اخلاقه ومعالي اموره

روي انه كان جلوس الرضا (عليه السلام) في الصيف علي حصير وفي الشتاء علي مسح ولبسه الغليظ من الثياب حتي اذا برز للناس تزيَّن لهم، وكان (عليه السلام) اذا صلي الغداة وكان يصليها في اول وقت ثم يسجد فلا يرفع رأسه الي ان ترتفع الشمس، ثم يقوم فيجلس للناس او يركب ولم يكن احد يقدر أن يرفع صوته في داره كائناً من كان، وكانت قيمة [564] في داره تنبه النساء بالليل وتأخذهن بالصلاة وكان ذلك من اشد ما عليهن حتي ان بعض الجواري تمنت الخروج من داره، وكان (عليه السلام) يكلم الناس قليلاً وكان كلامه وجوابه وتمثله انتزاعات من القرآن المجيد، وكان يختمه في كل ثلاث ويقول لو اردت ان اختمه في اقرب من ثلاث لختمتٍ ولكنِّي ما مررت بآية قط الا فكرت فيها وفي أي شيء انزلت وفي أي وقت فلذلك صرت اختم في كل ثلاثة ايام.
وروي عن ابي الصلت قال: جئت إلي باب الدار التي حبس فيها الرضا (عليه السلام) بسرخس وقد قيد فاستأذنت عليه السجان فقال لا سبيل لكم اليه فقلت: ولم قال: لأنه ربما صلي في يومه وليلته الف ركعة انما ينفتل في صلاته ساعة في صدر النهار وقبل الزوال وعند اصفرار الشمس فهو في هذه الاوقات قاعد في مصلاه يناجي ربه قال: فقلت له فاطلب لي في هذه الأوقات اذناً عليه فاستأذن لي عليه فدخلت عليه وهو قاعد في مصلاه متفكر، الخبر.
وعن ابراهيم بن العباس قال: ما رأيت ابا الحسن الرضا (عليه السلام) جفا احداً بكلامه قط، ولا اتكي بين يدي جليس له قط، ولا رأيته شتم احداً من مواليه ومماليكه قط، ولا رأيته يقهقه في ضحكه قط بل كان ضحكه التبسم، وكان اذا خلا ونصبت مائدته اجلس معه علي مائدته مماليكه حتي البواب والسائس، وكان (عليه السلام) قليل النوم بالليل كثير السهر يحيي اكثر لياليه من اولها الي الصبح، وكان كثير الصيام فلا يفوته صيام ثلاثة ايام في الشهر ويقول ذلك صوم الدهر، وكان (عليه السلام) كثير المعروف والصدقة في السر وأكثر ذلك يكون منه في الليالي المظلمة فمن زعم أنه رأي مثله في فضله فلا تصدقوه، اقول ومن أراد أن يقف علي ما كان يعمل (عليه السلام) في يومه وليله من العبادات فعليه ان يلاحظ الخبر المشهور المروي من رجاء بن ابي الضحاك الحميري عن ابيه عن معمر بن خلاد قال: كان ابو الحسن الرضا (عليه السلام) اذا اكل أُتي بصحفة فتوضع قرب مائدته فيعمد الي اطيب الطعام مما يؤتي به فيأخذ من كل شيء شيئاً فيوضع في تلك الصحفة ثم يأمر بها للمساكين ثم يتلو هذه الآية، فلا اقتحم العقبة، ثم يقول: علم اللّه عز وجل ان ليس كل انسان يقدر علي عتق رقبة فجعل لهم سبيل الي الجنة-. [565].
الكليني عن اليسع بن حمزة قال: كنت انا في مجلس أبي الحسن الرضا (عليه السلام) احدثه وقد اجتمع اليه خلق كثير يسألونه عن الحلال والحرام اذ دخل عليه رجل طوال آدم فقال له: السلام عليك يا ابن رسول اللّه، رجل من محبيك ومحبيّ آبائك واجدادك (عليهم السلام)، مصدري من الحج، وقد افتقدت نفقتي وما معي ما ابلغ به مرحلة، فان رأيت ان تنهضني الي بلدي وللّه عليّ نعمة فاذا بلغت بلدي تصدقت بالذي توليني عنك فلست موضع صدقة، فقال له اجلس رحمك اللّه واقبل علي الناس يحدثهم حتي تفرقوا وبقي هو وسليمان الجعفري وخيثمة وانا فقال اتأذنون لي في الدخول فقال له سليمان قدم اللّه امرك، فقام فدخل الحجرة وبقي ساعة ثم خرج ورد الباب واخرج يده من اعلي الباب وقال اين الخراساني؟ فقال‌ها أنذا فقال خذ هذه المئتي دينار واستعن بها في مؤونتك ونفقتك وتبرك بها ولا تتصدق بها عني واخرج فلا اراك ولا تراني، ثم خرج، فقال سليمان: جعلت فداك لقد اجزلت ورحمت فلماذا سترت وجهك عنه، فقال: مخافة ان أري ذل السؤال في وجهه لقضاء حاجته اما سمعت حديث رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) المستتر بالحسنة تعدل سبعين حجة والمذيع بالسيئة مخذول والمستتر بها مغفور له، اما سمعت قول الأول:
متي آتِه يوماً لأطلب حاجة
رجعت الي اهلي ووجهي بمائه
قال السبط في التذكرة وكان (عليه السلام) من الفضلاء الاتقياء الاجواد وفيه يقول ابو نواس: [566].
قيل لي: انت اوحد الناس في
كل كلام من المقال بديه
لك في جوهر الكلام فنون
ينثر الدر في يدي مجتنيه
فعلي ما تركت مدح بن موسي
والخصال التي تجمعن فيه
قلت: لا اهتدي لمدح امام
كان جبريل خادماً لأبيه
ابن شهرآشوب عن موسي بن سيار قال: كنت مع الرضا (عليه السلام) وقد اشرف علي حيطان طوس وسمعت واعية فاتبعتها فاذا نحن بجنازة فلما بصرت بها، رأيت سيدي وقد ثني رجله عن فرسه ثم أقبل نحو الجنازة فرفعها ثم أقبل يلوذ بها كما تلوذ السخلة [567] بامها ثم اقبل عليّ وقال يا موسي بن سيار، من شيع جنازة وليٍّ من اوليائنا خرج من ذنوبه كيوم ولدته امه لا ذنب عليه، حتي اذا وضع الرجل علي شفير قبره رأيت سيدي قد اقبل فافرج الناس عن الجنازة حتي بدا له الميت فوضع يده علي صدره ثم قال: يا فلان بن فلان ابشر بالجنة فلا خوف عليك بعد هذه الساعة فقلت جعلت فداك هل تعرف الرجل فواللّه انها بقعة لم تطأها قبل يومك هذا، فقال لي:
يا موسي بن سيار اما علمت انا معاشر الأئمة تعرض علينا اعمال شيعتنا صباحاً ومساء فما كان من التقصير في اعمالهم سألنا اللّه الشكر لصاحبه.
روي عن ياسر الخادم قال، كان الرضا (عليه السلام) اذا خلا جمع حشمه كلهم عنده الصغير والكبير فيحدثهم ويأنس بهم ويؤنسهم، وكان (عليه السلام) اذا جلس علي المائدة لم يدع صغيراً ولا كبيراً حتي السائس [568] والحجام الا اقعده معه علي مائدته. وقال: قال لنا ابو الحسن ان قمت علي رؤوسكم وانتم تأكلون فلا تقوموا حتي تفرغوا ولربما دعا بعضنا، فيقال: هم يأكلون فيقول: دعوهم حتي يفرغوا.
وروي الشيخ الكليني عن رجل من اهل بلخ قال: كنت مع الرضا (عليه السلام) في سفره الي خراسان فدعا يوماً بمائدة له فجمع عليها مواليه من السودان وغيرهم، فقلت: جعلت فداك لو عزلت لهؤلاء مائدة فقال: مه ان الرب تبارك وتعالي واحد والأم واحدة والاب واحد والجزاء بالاعمال.
اقول: هذا حاله (عليه السلام) مع الفقراء والرعايا ولكن لما دخل عليه الفضل بن سهل ذو الرياستين وقف بين يديه ساعة ثم رفع الرضا (عليه السلام) رأسه إليه فقال له: ما حاجتك قال الفضل: يا سيدي هذا كتاب كتبه [569] امير المؤمنين وأنت اولي ان تعطينا مثل ما اعطي امير المؤمنين اذ كنت وليّ عهد المسلمين، فقال له الرضا (عليه السلام): اقرأه وكان كتاباً في اكبر جلد فلم يزل قائماً حتي قرأه فلما فرغ قال له ابو الحسن (عليه السلام): يا فضل لك علينا هذا ما اتقيت اللّه عز وجل، فنقض عليه امره في كلمة واحدة فخرج من عنده.
روي عن ياسر الخادم قال: اكل الغلمان يوماً فاكهة فلم يستقصوا اكلها، ورموا بها، فقال لهم ابو الحسن (عليه السلام) سبحان اللّه ان كنتم استغنيتم فان أناساً لم يستغنوا اطعموه من يحتاج اليه. وروي انه (عليه السلام) رأي اسود يعمل مع غلمانه فقال لهم: قاطعتموه علي أجرته فقالوا لا هو يرضي منا بما نعطيه فضربهم بالسوط وغضب لذلك غضباً شديداً.
وعن محمد بن سنان قال: قلت لأبي الحسن الرضا (عليه السلام) في ايام هارون انك شهرت نفسك بهذا الأمر وجلست مجلس ابيك وسيف هارون يقطر الدم، قال جرأني علي هذا ما قال رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) ان اخذ ابو جهل من رأسي شعرة فاشهدوا اني لست بنبي وانا اقول لكم ان اخذ هارون من رأسي شعرة فاشهدوا اني لست بامام.

في علمه

روي عن محمد بن عيسي اليقطيني انه جمع من مسائله (عليه السلام) مما سأل عنه واجاب عنه خمسة عشر الف مسألة، وفي رواية اخري ثمانية عشر الف مسألة.
الشيخ الطبرسي عن ابي الصلت قال: ما رأيت اعلم من عليّ بن موسي الرضا (عليه السلام) ولا رآه عالم الا شهد له بمثل شهادتي، ولقد جمع المأمون في مجالس له ذوات عدد علماء الاديان وفقهاء الشريعة والمتكلمين فغلبهم عن آخرهم حتي ما بقي احد منهم الا اقر له بالفضل واقر علي نفسه بالقصور، ولقد سمعت علي بن موسي الرضا (عليه السلام) يقول: كنت اجلس في الروضة والعلماء بالمدينة متوافرون فاذا اعيي الواحد منهم عن مسألة اشاروا اليّ باجمعهم وبعثوا الي بالمسائل فاجيب (فاجبت. ظ) عنها قال ابو الصلت: ولقد حدثني محمد بن اسحاق بن موسي بن جعفر عن ابيه ان موسي بن جعفر (عليه السلام) كان يقول لبنيه: هذا اخوكم عليّ بن موسي عالم آل محمد (عليهم السلام) فاسألوه عن اديانكم واحفظوا ما يقول لكم، فانّي سمعت ابي جعفر بن محمد (عليه السلام) غير مرة يقول لي: ان عالم آل محمد (عليه السلام) لفي صلبك وليتني ادركته فانه سميُّ امير المؤمنين عليّ (عليه السلام).
قال شيخنا الصدوق (رحمه اللّه) كان المأمون يجلب إلي (علي ظ) الرضا (عليه السلام) من متكلمي الفرق واهل الاهواء المضلّة كل من سمع به، حرصاً علي انقطاع الرضا (عليه السلام) عن الحجة مع واحد منهم وذلك حسداً منه له ولمنزلته من العلم فكان لا يكلمه احد الا اقر له بالفضل وألزم الحجة له عليه.
وروي عن علي بن محمد بن الجهم، قال: حضرت مجلس المأمون وعنده الرضا علي بن موسي (عليه السلام)، فقال له المأمون: يا ابن رسول اللّه اليس من قولك ان الانبياء معصومون، قال: بلي قال: فما معني قول اللّه عز وجل وعصي آدم ربه فغوي فاجابه (عليه السلام) ثم سأله عن آية اخري فاجابه فلم يزل يسأله ويجيبه (عليه السلام) الي ان قال عليّ بن محمد بن الجهم، فقام المأمون الي الصلاة واخذ بيد محمد بن جعفر بن محمد (عليه السلام) وكان حاضراً المجلس وتبعتهما قال له المأمون كيف رأيت ابن اخيك، فقال: عالم ولم نره يختلف الي أحد من اهل العلم، فقال المأمون: ان ابن اخيك من اهل بيت النبي (صلي اللّه عليه وآله وسلم) الذين قال فيهم: الا ان ابرار عترتي واطايب ارومتي [570] احلم الناس صغاراً وأعلم الناس كباراً لا تعلّموهم فانهم اعلم منكم، لا يخرجونكم من باب هدي ولا يدخلونكم في باب ضلال وانصرف الرضا (عليه السلام) الي منزله، فلما كان من الغد غدوت عليه واعلمته ما كان من قول المأمون وجواب عمه محمد بن جعفر له فضحك ثم قال: يا ابن الجهم لا يغرنك ما سمعته منه فانه سيغتالني [571] واللّه ينتقم لي منه.
وفي الدر النظيم عن يحيي بن اكثم قال كنت يوماً عند المأمون وعنده عليّ بن موسي الرضا (عليه السلام) ودخل الفضل بن سهل ذو الرياستين فقال للمأمون: قد وليت الثغر الفلاني فلاناً التركي فسكت المأمون، فقال الرضا (عليه السلام): ما جعل اللّه تعالي لإِمام المسلمين وخليفة رب العالمين القائم بامور الدين ان يولي شيئاً من ثغور المسلمين احداً من سبي ذلك الثغر، لأن الانفس تحن الي اوطانها، وتشفق علي اجناسها، وتحب مصالحها وان كانت مخالفة لاديانها، فقال المأمون: اكتبوا هذا الكلام بماء الذهب.
اقول: من أراد أن يقف علي بعض ما يخبر عن علمه (عليه السلام) فعليه بان يراجع الخطب المروية عنه (عليه السلام) واحتجاجه (عليه السلام) مع الجاثليق ورأس الجالوت ورؤساء الصابئين والهربذ الأكبر واصحاب الزردشت ونسطاس الرومي والمتكلمين في مجلس المأمون وجوابه (عليه السلام) لاسئلة عمران الصابيء واسلام عمران ببركته، وكان عمران جدلاً لم يقطعه عن حجته احد قط واحتجاجه (عليه السلام) علي سليمان المروزي واحد خراسان وغير ذلك. [572].
ومن كلماته (عليه السلام)، صديق كل امرئ عقله وعدوه جهله. وقال (عليه السلام): التودد الي الناس نصف العقل.
وقال: ان اللّه تعالي يبغض القيل والقال واضاعة المال وكثرة السؤال. وقال: إنا اهل بيت نري ما وعدنا علينا ديناً كما صنع رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم): وقال: يأتي علي الناس زمان تكون العافية فيه عشرة اجزاء تسعة منها في اعتزال الناس وواحد في الصمت.
وقال عونك للضعيف افضل من الصدقة وقال الصمت باب من ابواب الحكمة ان الصمت يكسب المحبة، انه دليل علي كل خير.
وقال ان العابد من بني اسرائيل لم يكن عابداً حتي يصمت عشر سنين فاذ صمت عشر سنين كان عابداً.
وقال من رضي عن اللّه تعالي بالقليل من الرزق رضي اللّه منه بالقليل من العمل. وقال الاسترسال بالانس يذهب المهابة.
عن عبد العظيم الحسني (رضي اللّه عنه) عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال: يا عبد العظيم ابلغ عنّي اوليائي السلام وقل لهم ان لا يجعلوا للشيطان علي انفسهم سبيلاً، ومرهم بالصدق في الحديث واداء الامانة، ومرهم بالسكوت وترك الجدال فيما لا يعنيهم واقبال بعضهم علي بعض والمزاورة فان ذلك قربة إليَّ ولا يشغلوا انفسهم بتمزيق [573] بعضهم بعضاً فانّي آليت علي نفسي انه من فعل ذلك واسخط وليّاً من اوليائي دعوت اللّه ليعذبه في الدنيا أشد العذاب وكان في الآخرة من الخاسرين.

في ذكر طلب المأمون ابا الحسن الرضا من المدينة إلي المرو

روي الشيخ الصدوق عن محول السجستاني قال لما ورد البريد بإشخاص الرضا (عليه السلام) الي خراسان كنت انا بالمدينة فدخل المسجد ليودع رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) مراراً، كل ذلك يرجع الي القبر ويعلو صوته بالبكاء والنحيب، فتقدمت اليه وسلمت عليه فرد السلام وهنأته. فقال: ذرني فاني اخرج من جوار جدّي (عليه السلام) فأموت في غربة وادفن في جنب هارون قال: فخرجت متبعاً لطريقه حتي مات سلام اللّه عليه بطوس ودفن الي جنب هارون.
وفي الدر النظيم روي جماعة من اصحاب الرضا (عليه السلام) انه قال: لما اردت الخروج من المدينة الي خراسان جمعت عيالي فامرتهم أن يبكوا علي حتي اسمع بكاءهم [574] ثم فرقت فيهم اثني عشر الف دينار ثم قلت لهم: اني لا ارجع الي عيالي ابداً، ثم اخذت ابا جعفر فادخلته المسجد ووضعت يده علي حافة القبر والصقته به واستحفظته برسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) فالتفت اليّ ابو جعفر فقال لي: بأبي أنت واللّه تذهب الي اللّه، وامرت جميع وكلائي وحشمي له بالسمع والطاعة وترك مخالفته وعرفتهم انه القيم مقامي.
وروي الشيخ الاربلي عن دلائل الحميري عن امية بن علي قال: كنت مع ابي الحسن (عليه السلام) بمكة في السنة التي حج فيها ثم صار الي خراسان ومعه ابو جعفر (عليه السلام) وابو الحسن (عليه السلام) يودع البيت، فلما قضي طوافه عدل الي المقام، فصلي عنده، فصار ابو جعفر (عليه السلام) علي عنق موفق يطوف به فصار ابو جعفر (عليه السلام) الي الحجر فجلس فيه فأطال فقال له موفق: قم جعلت فداك فقال (عليه السلام) ما اريد ان ابرح من مكاني هذا الا ان يشاء اللّه واستبان في وجهه الغم فأتي موفق ابا الحسن (عليه السلام) فقال: جعلت فداك قد جلس ابو جعفر (عليه السلام) في الحجر وهو يأبي ان يقوم فقام ابو الحسن (عليه السلام) فاتي ابا جعفر (عليه السلام) فقال له قم يا حبيبي، فقال: ما أريد أن ابرح من مكاني هذا، قال بلي يا حبيبي. ثم قال: كيف اقوم وقد ودعت البيت وداعاً لا ترجع اليه فقال: قم يا حبيبي، فقام معه وروي ذلك المسعودي باختلاف في الالفاظ وفيه ان لأبي جعفر (عليه السلام) في ذلك الوقت سنة.
قال السيد عبد الكريم بن طاوس ان الرضا (عليه السلام) لما طلبه المأمون من خراسان توجه (عليه السلام) من المدينة الي البصرة ولم يصل الكوفة ومنها توجه علي طريق الكوفة إلي بغداد ثم الي قم ودخلها وتلقاه اهلها وتخاصموا فيمن يكون ضيفه منهم، فذكر (عليه السلام) ان الناقة مأمورة [575] فما زالت حتي بركت علي باب وصاحب ذلك الباب رأي في منامه أن الرضا (عليه السلام) يكون ضيفه في غد. فما مضي الا يسيراً حتي صار ذلك الموضع مقاماً شامخاً، وهو في اليوم مدرسة مطروقة، ثم منها الي فريومد. [576] وقال: في حالهم الخبر المشهور، ثم وصل الي مرو وعاد الي سناباد وتوفي بها واتفق لي زيارته (عليه السلام) في جمادي الأولي سنة ثمانين وستمائة انتهي.
اقول: قد ظهر من هذا الكلام ان بلدتنا الطيبة دار الايمان قم المحمية التي كانت حرم اهل البيت وعش آل محمد (عليهم السلام) وموضع قدم جبرائيل، قد تشرفت باقدام مولانا ابي الحسن الرضا عليه آلاف التحية والتحف، وزادها الشرف فوق الشرف، وان وروده (عليه السلام) اشبه بورود جده رسول اللّه (صلي الله عليه وآله وسلم) المدينة الطيبة، فقد روي عن سلمان (رضي اللّه عنه) قال: لما قدم النبي (صلي اللّه عليه وآله وسلم) المدينة تعلق الناس بزمام الناقة فقال النبي (صلي اللّه عليه وآله وسلم) يا قوم دعوا الناقة فانها (فهي: خ د) مأمورة، فعلي باب من بركت، فانا عنده، فاطلقوا زمامها وهي تهف [577] في السير حتي دخلت المدينة فبركت علي باب أبي ايوب الانصاري [578] (رضي اللّه عنه) ولم يكن في المدينة افقر منه فانقطعت قلوب الناس حسرة علي مفارقة النبي (صلي اللّه عليه وآله وسلم)، ولا غرو في ذلك من مولانا الرضا (عليه السلام) فانه بضعة النبي (صلي اللّه عليه وآله وسلم) ووضع اللّه عز وجل عليه اعباء [579] النبوة ومنحه الاضطلاع بها وكان صلوات اللّه عليه شبيهاً به تحكي شيمتّه شيمتَه ما تخرم [580] مشيتُه مشيتَه، بل روي أنه (عليه السلام) كان؟شبه الناس برسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم)، وكل من رأي رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) في المنام رآه علي صورته (عليه السلام).
الصدوق، عن ابن المتوكل، عن علي عن ابيه عن يوسف بن عقيل، عن اسحاق بن راهويه، قال: لما وافي ابو الحسن الرضا (عليه السلام) نيسابور وأراد أن يرحل منها الي المأمون اجتمع اليه اصحاب الحديث فقالوا له يا ابن رسول اللّه ترحل عنا ولا تحدثنا بحديث فنستفيده منك، وقد كان قعد في العمارية فأطلع رأسه وقال: سمعت ابي موسي بن جعفر، يقول: سمعت ابي جعفر بن محمد، يقول: سمعت ابي محمد بن علي يقول: سمعت ابي علي بن الحسين، يقول: سمعت ابي الحسين بن علي يقول: سمعت ابي أمير المؤمنين علي بن ابي طالب (عليهم السلام)، يقول: سمعت رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم)، يقول: سمعت جبرائيل (عليه السلام) يقول: سمعت اللّه عز وجل، يقول: لا اله الا اللّه حصني، فمن دخل حصني امن عذابي فلما مرت الراحلة نادانا بشروطها وانا من شروطها.
وروي الصدوق ايضاً عن ابي الصلت الهروي، قال: لما خرج الرضا عليّ بن موسي (عليه السلام) من نيسابور إلي المأمون، فبلغ قرب القرية الحمراء، قيل له: يا ابن رسول اللّه قد زالت الشمس افلا تصلي فنزل (عليه السلام) فقال: إيتوني بماء فقيل ما معنا ماء فبحث (عليه السلام) بيده الأرض فنبع من الماء ما توضأ به هو ومن معه، واثره باق الي اليوم فلما دخل سناباد اسند الي الجبل الذي ينحت منه القدور، فقال: اللهم انفع به وبارك فيما ينحت منه ثم امر فنحت له قدور من الجبل، وقال لا يطبخ ما آكله الا فيها، وكان (عليه السلام) خفيف الأكل قليل الطعم [581] فاهتدي الناس اليه من ذلك اليوم وظهرت بركة دعائه (عليه السلام) فيه.
ثم دخل دار حميد بن قحطبة الطائي ودخل القبة التي فيها قبر هارون الرشيد ثم خط بيده الي جانبه، ثم قال: هذه تربتي وفيها ادفن وسيجعل اللّه هذا المكان مختلف شيعتي واهل محبتي واللّه ما يزورني منهم زائر، ولا يسلّم عليّ منهم مسلم، الا وجب له غفران اللّه ورحمته بشفاعتنا اهل البيت، ثم استقبل القبلة وصلّي ركعات ودعا بدعوات، فلما فرغ سجد سجدة طال مكثه فيها، فاحصيت له فيها خمسمائة تسبيحة ثم انصرف.
مهج الدعوات عن ياسر الخادم، قال: لما نزل ابو الحسن علي بن موسي الرضا (عليه السلام) قصر حميد بن قحطبة نزع ثيابه وناولها حميداً فاحتملها وناولها جارية له لتغسلها فما لبثت ان جاءت ومعها رقعة فناولتها حميداً، وقالت: وجدتها في جيب ابي الحسن (عليه السلام) فقلت: جعلت فداك، ان الجارية وجدت رقعة في جيب قميصك فها هي، قال: يا حميد: هذه عوذة لا نفارقها فقلت لو شرفتني بها، فقال: هذه عوذة من امسكها في جيبه كان البلاء مدفوعاً عنه وكانت له حرزا من الشيطان الرجيم ثم املي علي الحميد العوذة، وهي بسم اللّه الرحمن الرحيم بسم اللّه اني اعوذ بالرحمن منك الخ.

في ذكر ولاية العهد من المأمون للرضا

قال صاحب نور الابصار ذكر جماعة من اصحاب السير ورواة الاخبار بأيام الخلفاء ان المأمون لما اراد ولاية العهد للرضا (عليه السلام) وحدث نفسه بذلك وعزم عليه احضر الفضل بن سهل واخبره بما عزم عليه وأمره بمشاورة اخيه الحسن في ذلك فاجتمعا وحضرا عند المأمون فجعل الحسن يعظم ذلك عليه ويعرفه ما في خروج الامر عن اهل بيته فقال المأمون اني عاهدت اللّه تعالي اني ان ظفرت بالمخلوع [582] سلمت الخلافة الي افضل بني طالب وهو افضلهم ولا بد من ذلك فلما رأيا تصميمه وعزيمته الي ذلك امسكا عن معارضته فقال تذهبان الآن اليه وتخبرانه بذلك عني وتلزمانه به فذهبا الي عليّ الرضا (عليه السلام) واخبراه بذلك وألزماه فامتنع فلم يزالا به حتي اجاب علي انه لا يأمر ولا ينهي ولا يعزل ولا يولي ولا يتكلم بين اثنين في حكومة ولا يغير شيئاً مما هو قائم علي اصله فاجابه المأمون الي ذلك، ثم ان المأمون جلس مجلساً خاصاً لخواص اهل دولته من الامراء والوزراء والحجاب والكتاب واهل الحل والعقد وكان ذلك في يوم الخميس لخمس خلون من شهر رمضان سنة احدي ومئتين واحضرهم فلما حضروا قال للفضل بن سهل: اخبر الجماعة الحاضرين، برأي امير المؤمنين، في الرضا عليّ بن موسي (عليه السلام)، وأنه ولاه عهده وأمرهم بلبس الخضرة والعود لبيعته في الخميس الثاني فحضروا وجلسوا علي مقادير طبقاتهم، ومنازلهم، كل في موضعه، وجلس المأمون، ثم جيء بالرضا (عليه السلام) فجلس بين وسادتين عظيمتين، وضعتا له وهو لابس الخضرة وعلي رأسه عمامة، متقلداً بسيف، فامر المأمون ابنه العباس بالقيام اليه ومبايعته اول الناس فرفع الرضا (عليه السلام) يده وجعلها من فوق، فقال له المأمون ابسط يدك فقال له الرضا (عليه السلام): هكذا كان يبايع رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) يده فوق ايديهم، فقال افعل ما تري ثم وضعت بدر [583] الدراهم والدنانير وبقج الثياب والخلع، وقام الخطباء والشعراء وذكروا ما كان من أمر المأمون، من ولاية عهده للرضا (عليه السلام)، وذكروا فضل الرضا (عليه السلام)، وفرقت الصّلات والجوائز علي الحاضرين علي قدر مراتبهم، واول من بدئ به العلويون، ثم العباسيون، ثم باقي الناس علي قدر منازلهم ومراتبهم، ثم ان المأمون قال للرضا (عليه السلام): قم فاخطب الناس فقام، فحمد اللّه وأثني عليه وثني بذكر نبيه محمد (صلي اللّه عليه وآله وسلم) فصلي عليه وقال: ايها الناس ان لنا عليكم حقاً برسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) ولكم علينا حق به فاذا اديتم الينا ذلك وجب لكم علينا الحكم (الحق [584] ظ) والسلام ولم يسمع منه في هذا المجلس غير هذا، وخطب للرضا (عليه السلام) بولاية العهد في كل بلد وخطب عبد الجبار بن سعيد في تلك السنة علي منبر رسول اللّه (صلي الللّه عليه وآله وسلم) بالمدينة فقال في الدعاء للرضا (عليه السلام)، وهو علي المنبر: ولي عهد المسلمين عليّ بن موسي بن جعفر بن محمد بن عليّ بن الحسين بن علي (عليهم السلام) وانشد:
ستة آباء همُ ما همُ
أفضل من يشرب صوب الغمام
ذكر المدائني قال: لما جلس الرضا (عليه السلام) ذلك المجلس وهو لابس تلك الخلع، والشعراء والخطباء يتكلمون، وتلك الالوية يخفف علي رأسه، نظر الرضا (عليه السلام) الي بعض مواليه الحاضرين ممن كان يختص به وقد داخله من السرور ما لا مزيد عليه، وذلك لِما رأي، فاشار اليه الرضا (عليه السلام) فدنا منه فقال له في اذنه سراً: لا تشغل قلبك بشيء مما تري من هذا الامر ولا تستبشر به فانه لا يتم.
اقول: لما جعل المأمون أبا الحسن الرضا (عليه السلام) وليَّ عهده وان الشعراء قصدوه ومدحوه وصوبوا رأي المأمون في الاشعار كان فيمن ورد عليه من الشعراء دعبل بن علي الخزاعي، فلما دخل عليه، قال: اني قد قلت قصيدة فجعلت علي نفسي ان لا انشدها علي احد قبلك، فأمره بالجلوس حتي خف مجلسه، ثم قال له هاتها، فانشده قصيدته التي أولها: [585].
مدارس آياتٍ خلت من تلاوة
ومنزل وحي مقفر العرصات
وكان مع دعبل ابراهيم بن العباس فانشده:
ازالت عزاء القلب بعد التجلد
مصارع اولاد النبي محمد (ص)
فوهب الرضا (عليه السلام) لهما عشرين الف درهم من الدراهم التي عليها اسمه، كان المأمون امر بضربها في ذلك الوقت، فأما دعبل فصار بالعشرة آلاف التي حصته الي قم فباع كل درهم بعشرة دراهم فتخلصت له مئة الف درهم، واما ابراهيم فلم تزل عنده بعد ان اهدي بعضها وفرق بعضها علي اهله الي ان توفي (رحمه اللّه) فكان كفنه وجهازه منه. قلت: ولابراهيم مدائح كثيرة في الرضا (عليه السلام)، وكان شعره في مدحه (عليه السلام) معروفاً، ينتسخ الي زمان المتوكل، فجمعه ابراهيم فاحرقه من خوف المتوكل. وكان له ابنان اسمهما الحسن والحسين فلما ولي المتوكل سمّاهما اسحاقاً وعباساً فزعاً منه.
وروي عن علي بن ابراهيم عن ياسر الخادم والريان بن الصلت جميعاً قالوا: لما حضر العيد وكان قد عقد للرضا (عليه السلام) الامر بولاية العهد بعث المأمون اليه في الركوب الي العيد والصلاة بالناس والخطبة لهم فبعث اليه الرضا (عليه السلام) قد علمت ما كان بيني وبينك من الشروط في دخول الامر فاعفني من الصلاة بالناس، فقال له المأمون انما اريد بذلك ان تطمئن قلوب الناس، ويعرفوا فضلك، ولم تزل الرسل تتردد بينهما في ذلك فلما الحّ عليه المأمون ارسل اليه ان اعفيتني، فهو احب الي وان لم تعفني خرجت كما خرج رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) وامير المؤمنين علي بن ابي طالب (عليه السلام)، فقال له المأمون: اخرج كيف شئت، وأمر القواد والحجاب والناس ان يبكروا الي باب الرضا (عليه السلام). قال فقعد الناس لأبي الحسن (عليه السلام) في الطرقات والسطوح واجتمع النساء والصبيان ينتظرون خروجه وصار جميع القواد والجند إلي بابه، فوقفوا علي دوابهم حتي طلعت الشمس فاغتسل ابو الحسن (عليه السلام) ولبس ثيابه وتعمم بعمامة بيضاء من قطن القي طرفاً منها علي صدره وطرفاً بين كتفيه ومس شيئاً من الطيب واخذ بيده عكازاً [586] وقال لمواليه افعلوا مثل ما فعلت فخرجوا بين يديه وهو حاف قد شمر سراويله إلي نصف الساق وعليه ثياب مشمرة، فمشي قليلاً ورفع رأسه إلي السماء وكبّر، وكبّر مواليه معه، ثم مشي حتي وقف علي الباب فلما رآه القواد والجند علي تلك الصورة، سقطوا كلهم عن الدواب الي الأرض، وكان احسنهم حالاً من كان معه سكين قطع بها شرابة حاجليته [587] ونزعها، وتحفَّي، وكبَّر الرضا (عليه السلام) علي الباب وكبر الناس معه فخيل الينا أن السماء والحيطان تجاوبه، وتزعزعت مرو بالبكاء والضجيج، لما رأوا ابا الحسن (عليه السلام) وسمعوا تكبيره، قلت ويحق ان انشد في هذا المقام:
ذكروا بطلعتك النبي فهللوا
لما خرجت الي الصلاة وكبروا
ومشيت مشية خاضع متواضع
للّه لا يزهي ولا يتكبر
فافتن فيك الناظرون فاصبع
يومي اليك بها وعين تنظر
يجدون رؤيتك التي فازوا بها
من أنعم اللّه التي لا تكفر
لكن المأمون كفر بهذه النعمة الجزيلة لما بلغه ذلك وخاف إن بلغ (عليه السلام) المصلّي علي هذا السبيل افتتن به الناس، فبعث اليه: قد كلفناك شططاً [588] واتعبناك، ولسنا نحب ان تلحقك مشقة، فارجع وليصلِّ بالناس من كان يصلي بهم علي رسمه، فدعا ابو الحسن (عليه السلام) بخفه فلبسه وركب ورجع واختلف امر الناس في ذلك اليوم، ولم ينتظم في صلاتهم.
روي الصدوق عن عليّ بن ابراهيم عن ياسر الخادم قال: كان الرضا (عليه السلام) اذا رجع يوم الجمعة من الجامع وقد اصابه العرق والغبار رفع يديه قال: اللهم ان كان فرجي مما أنا فيه بالموت فعجّل لي الساعة، ولم يزل مغموماً مكروباً الي أن قبض (صلوات اللّه علّيه).

في وفاة الرضا وسببها

روي ان المأمون لما ندم من ولاية عهد الرضا (عليه السلام) بإشارة الفضل بن سهل خرج عن مرو منصرفاً الي العراق، واحتال علي الفضل بن سهل، حتي قتله غالب خال المأمون في حمام سرخس مغافصة، [589] واحتال علي عليّ بن موسي الرضا حتي سمّ في علّة كانت اصابته.
روي عن الحسن بن عباد، وكان كاتب الرضا (عليه السلام) قال: دخلت عليه وقد عزم المأمون بالمسير الي بغداد، فقال الرضا (عليه السلام) يا ابن عباد ما ندخل العراق ولا نراه، فبكيت وقلت فآيستني ان آتي اهلي، وولدي، قال (عليه السلام): اما انت فستدخلها وانما عنيت نفسي، فاعتل وتوفي بقرية من قري طوس، وقد كان تقدم في وصيته ان يحفر قبره مما يلي الحائط بيته وبين قبر هارون ثلاث اذرع، وقال ياسر الخادم، لما كان بيننا وبين طوس سبعة منازل اعتل ابو الحسن (عليه السلام) فدخلنا طوس وقد اشتدت به العلة فبقينا بطوس اياماً فكان المأمون يأتيه في كل يوم مرتين.
وقال الشيخ المفيد: إن الحسن والفضل ابني سهل قلبا رأي المأمون في الرضا (عليه السلام) فعمل علي قتله فاتفق انه أكل هو والمأمون يوماً طعاماً، فاعتل منه الرضا (عليه السلام) واظهر المأمون تمارضاً، فذكر محمد بن عليّ بن حمزة عن منصور بن بشير عن اخيه عبد اللّه بن بشير قال: أمرني المأمون ان اطول اظفاري علي العادة فلا اظهر لاحد ذلك، ففعلت ثم استدعاني فاخرج الي شيئاً شبه التمر الهندي وقال لي اعجن هذا بيدك جميعاً، ففعلت ثم قام وتركني، فدخل عليّ الرضا (عليه السلام) فقال له: ما خبرك قال ارجو ان اكون صالحاً، قال: انا اليوم بحمد اللّه ايضاً، صالح، فهل جاءك احد من المترفقين في هذا اليوم، قال: فلا فغضب المأمون وصاح علي غلمانه ثم قال: خذ ماء الرمان الساعة فانه مما لا يستغني عنه، ثم دعاني، فقال: ائتنا برمان فاتيته به فقال اعصره بيديك ففعلت وسقا المأمون الرضا (عليه السلام) بيده، فكان ذلك سبب وفاته ولم يلبث الا يومين حتي مات (عليه السلام).
ورواه الصدوق بتفاوت وفيه كان الرمان في شجرة في بستان في دار الرضا (عليه السلام) وقال المأمون للرضا (عليه السلام) مص منه شيئاً، فقال: حتي يخرج امير المؤمنين فقال: لا واللّه الا بحضرتي ولولا خوفي ان يرطب معدتي لمصصته معك، فمص منه ملاعق وخرج المأمون فما صليت العصر حتي قام الرضا (عليه السلام) خمسين مجلساً وزاد الأمر في الليل، قلت قد اشير الي ذلك في زيارة ائمة المؤمنين في هذه الفقرة، ومسموم قد قطعت بجرع السم امعاؤه.
وفي اللوح السماوي مشيراً اليه (عليه السلام) وعلي وليي وناصري ومن اضع عليه اعباء النبوة وامنحه بالاضطلاع [590] بها، يقتله عفريت مستكبر يدفن بالمدينة التي بناها العبد الصالح، الي جنب شر خلقي.
وفي تذكرة السبط قيل: انه (عليه السلام) دخل الحمام ثم خرج فقدم اليه طبق فيه عنب مسموم قد ادخلت فيه الابر المسمومة من غير ان يظهر اثرها فاكله فمات، وله خمس وخمسون سنة.
وذكر ابو الفرج والشيخ المفيد عن محمد بن الجهم، انه يقول: ان الرضا (عليه السلام) كان يعجبه العنب فاخذ له عنب وجعل في موضع اقماعه [591] الابر فتركت اياماً فاكل منه في علته فقتله، وذكر ان ذلك من لطيف السموم.
روي عن ياسر الخادم قال لما كان في آخر يومه الذي قبض (عليه السلام) فيه، كان ضعيفاً في ذلك اليوم، فقال لي بعدما صلّي الظهر: يا ياسر أكل الناس شيئاً، قلت: يا سيدي من يأكل‌ها هنا مع ما انت فيه، فانتصب (عليه السلام) ثم قال هاتوا المائدة ولم يدع من حشمه احداً الا اقعده معه علي المائدة، يتفقد واحداً واحداً، فلما اكلوا قال: ابعثوا إلي النساء بالطعام فحمل الطعام إلي النساء، فلما فرغوا من الأكل أغمي عليه، وضعف، فوقعت الصيحة وجاءت جواري المأمون ونساؤه حافيات حاسرات، ووقعت الوجبة [592] بطوس وجاء المأمون، حافياً حاسراً، يضرب علي رأسه ويقبض علي لحيته، ويتأسف ويبكي، وتسيل الدموع علي خديه، فوقف علي الرضا (عليه السلام) وقد افاق، فقال: يا سيدي واللّه ما ادري أي المصيبتين اعظم علي فقدي لك وفراقي اياك او تهمة الناس لي اني اغتلتك وقتلتك؟ قال فرفع (عليه السلام) طرفه اليه ثم قال: احسن يا امير المؤمنين معاشرة ابي جعفر فان عمرك وعمره هكذا وجمع بين سبابتيه قال: فلما كان من تلك الليلة قضي عليه بعدما ذهب من الليل بعضه.
وروي انه كان آخر ما تكلم به: قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل الي مضاجعهم وكان امر اللّه قدراً مقدوراً فلما اصبح اجتمع الخلق وقالوا: هذا قتله واغتاله يعني المأمون وقالوا: قتل ابن رسول اللّه واكثروا القول والجلبة [593] وكان محمد بن جعفر بن محمد استأمن الي المأمون وجاء الي خراسان وكان عم ابي الحسن، فقال له المأمون: يا ابا جعفر اخرج الي الناس واعلمهم ان ابا الحسن لا يخرج اليوم وكره ان يُخرجه فتقع الفتنة فخرج محمد بن جعفر الي الناس، فقال: أيها الناس تفرقوا فان ابا الحسن اليوم لا يخرج، فتفرق الناس وغسل ابو الحسن في الليل ودفن.
وروي السيد الشبلنجي في نور الابصار عن هرثمة بن اعين، وكان من خدم الخليفة عبد اللّه المأمون وكان قائماً بخدمة الرضا (عليه السلام)، قال: طلبني سيدي ابو الحسن الرضا (عليه السلام) في يوم من الايام، وقال لي: يا هرثمة اني مطلعك علي امر يكون سرّاً عندك لا تظهره لاحد مدة حياتي فاذا اظهرته مدة حياتي، كنت خصماً لك عند اللّه، فحلفت له انّي لا اتفوه بما يقوله لي لأحد مدة حياته، فقال لي: اعلم يا هرثمة انه قد دنا رحيلي ولحوقي بآبائي واجدادي وقد بلغ الكتاب اجله واني اطعم عنباً ورماناً مفتوتاً فاموت ويقصد الخليفة ان يجعل قبري خلف قبر ابيه هارون الرشيد وان اللّه لا يقدره علي ذلك وان الأرض تشد عليهم فلا تعمل فيها المعاول [594] ولا يستطيعون حفرها، فاعلم يا هرثمة ان مدفني في الجهة الفلانية من اللحد الفلاني للموضع [595] عينه فاذا أنا مت وجهزت فاعلمه بجميع ما قلت لك لتكونوا علي بصيرة من امري وقل له اذا انا وضعت في نعشي واراد الصلاة عليّ، فلا يصلي علي، وليتأن قليلاً، يأتكم رجل عربي، متلثم علي ناقة له، مسرع من جهة الصحراء فينيخ ناقته، وينزل عنها، ويصلّي عليّ فصلوا معه عليّ فاذا فرغتم من الصلاة علي وحملت الي مدفني الذي عينته لك، فاحفر شيئاً يسيراً من وجه الأرض تجد قبراً مطبقاً معموراً، في قعره ماء ابيض، فاذا كشفت عنه الطبقات نضب الماء فهذا مدفني فادفنوني فيه، ثم ذكر وقوع جميع ما قال (عليه السلام).
وعن دلائل الحميري عن معمر بن خلاد قال: قال ابو جعفر (عليه السلام) يا معمر اركب، قلت: الي اين، قال: اركب كما يقال لك، قال: فركبت فانتهيت الي واد او وهدة فقال لي قف‌ها هنا فوقفت فأتاني، فقلت له: جعلت فداك اين كنت، قال: دفنت ابي الساعة وكان بخراسان.
وروي ابو الفرج عن ابي الصلت، انه لما مات الرضا (عليه السلام)، حضره المأمون قبل ان يحفر قبره وأمر ان يحفر الي جانب ابيه، ثم اقبل علينا فقال حدثني صاحب هذا النعش انه يحفر له قبر فيظهر فيه ماء وسمك احفروا فحفروا فلما انتهوا الي اللحد نبع ماء وظهر فيه سمك ثم غاض [596] الماء فدفن فيه الرضا (عليه السلام).
اقول: الذي أفيض عليَّ ببركة مولانا ابي الحسن الرضا (عليه السلام) في ظهور السمك والماء في قبره الشريف، لعل هو تنبيه المأمون بانتقام اللّه تعالي منه، بزوال ملكه وحلول الغضب عليه، وهلاكه بالسمك والماء، لاغتياله الرضا (عليه السلام).
قال الدميري [597] في تعبير السم، وربما دلت رؤيته علي الغم والنكد وزوال المنصب، وحلول الغضب، لأن اللّه تعالي حرّم علي اليهود صيدهم يوم السبت، فخالفوا امره واستوجبوا اللعن. انتهي.
واما هلاك المأمون بالسمك والماء فقد حكي المسعودي في مروج الذهب في اخبار المأمون وغزاته ارض الروم، ما هذا ملخصه: وانصرف في غزاته فنزل علي عين البديدون المعروفة بالقشيرة، فأقام هنالك فوقف علي العين فاعجبه برد مائها وصفاؤه وبياضه وطيب حسن الموضع، وكثرة الخضرة، فأمر بقطع خشب طوال فبسط علي العين كالجسر، وجعل فوقه كالازج من الخشب، وورق الشجر، وجلس تحت الكنيسة التي قد عقدت له، والماء تحته، وطرح في الماء درهماً صحيحاً فقرأ كتابته وهو في قرار الماء، لصفاء الماء، ولم يقدر احد أن يدخل يده في الماء من شدة برده، فبينا هو كذلك اذ لاحت سمكة نحو الذراع كانها سبيكة فضة، فجعل لمن يخرجها سيفه فبدر بعض الفراشين فأخذها وصعد، فلما صارت علي حرف [598] العين، او علي الخشب الذي عليه المأمون، اضطربت وافلتت [599] من يد الفراش، فوقعت في الماء كالحجر، فنضح من الماء علي صدر المأمون ونحره، وترقوته، فبلت ثوبه ثم انحدر الفراش ثانية، فأخذها ووضعها بين يدي المأمون، في منديل، تضطرب فقال المأمون: تقلي الساعة ثم اخذته رعدة من ساعته، فلم يقدر أن يتحرك من مكانه، فغطي باللحف والدواويج [600] وهو يرتعد كالسعفة ويصيح البرد البرد، ثم حول الي المغرب ودثر وأوقد النيران حوله، وهو يصيح البرد البرد، ثم اتي بالسمكة وقد فرغ من قليها، فلم يقدر علي الذوق منها، وشغله ما هو فيه عن تناول شيء منها، ولما اشتد به الأمر، سأل المعتصم بختيشوع وابن ماسويه [601] في ذلك الوقت عن المأمون، وهو في سكرات الموت، وما الذي يدل عليه علم الطب من أمره، وهل يمكن برؤه وشفاؤه؟ فتقدم ابن ماسويه وأخذ احدي يديه وبختيشوع الأخري اما ابن ماسويه فالمسمون به من الاطباء اربعة. والمراد به هنا يوحنا الطبيب المشهور. لازم المأمون والمعتصم والواثق والمتوكل توفي (243 هجري) وقد تلمذ عليه حنين بن اسحاق الذي ترجم كتب ابقراط وجالنيوس من اللغة اليونانية.
وأخذ المجسة من كلتا يديه فوجدا نبضه خارجاً عن الاعتدال، منذراً بالفناء، والانحلال، والتزقت ايديهما ببشرته لعرق كان يظهر منه، من سائر جسده، كالزيت او كلعاب بعض الافاعي، فأخبر المعتصم بذلك، فسألهما عن ذلك فانكرا معرفته، وانهما لم يجداه في شيء من الكتب، وانه دال علي انحلال الجسد، فاحضر المعتصم الاطباء حوله يؤمل خلاصه مما هو فيه، فلما ثقل قال: اخرجوني اشرف علي عسكري وانظر الي رحالي، واتبين ملكي، وذلك في الليل، فأخرج فاشرف علي الخيم والجيش وانتشاره وكثرته، وما قد وقد من النيران، فقال يا من لا يزول ملكه ارحم من قد زال ملكه، ثم رد الي مرقده واجلس المعتصم رجلاً يشهده، لما ثقل فرفع الرجل صوته ليقولها، فقال له ابن ماسويه: لا تصح فواللّه ما يفرق بين ربه وبين ما بي، [602] في هذا الوقت، ففتح عينيه من ساعته وبهما من العظم والكبر والاحمرار ما لم ير مثله قط، واقبل يحاول البطش [603] بيديه بابن ماسويه، ورام مخاطبته فعجز عن ذلك، وقضي عن ساعته وذلك لثلاث عشرة ليلة بقيت من رجب سنة ثماني عشرة ومئتين وحمل الي طرسوس فدفن بها.

في استشهاد الرضا وثواب زيارته

قبض ابو الحسن علي بن موسي الرضا (عليه السلام) في آخر صفر كما اختاره ابن الاثير والطبرسي والسيد الشبلنجي وغيرهم من سنة 203 ثلاث ومئتين وهو ابن خمس وخمسين سنة، وتوفي بطوس في قرية يقال لها سناباد من نوقان علي دعوة [604] ودفن بها (صلوات اللّه عليه)، وكتب المأمون الي اهل بغداد وبني العباس والموالي يعلمهم بموته (عليه السلام) وانهم نقموا ببيعته وقد مات وسألهم الدخول في طاعته، فكتبوا اليه اغلظ جواب.
وروي عن امية، بن علي، قال: كنت بالمدينة وكنت اختلف إلي أبي جعفر (عليه السلام) وابو الحسن بخراسان وكان اهل بيته وعمومة ابيه يأتونه ويسلمون عليه فدعا يوماً الجارية، فقال: قولي لهم يتهيأون للمأتم فلما تفرقوا قالوا ما سألناه مأتم من؟ فلما كان من الغد فعل مثل ذلك فقالوا مأتم من؟ قال مأتم خير من علي ظهرها، فأتانا خبر أبي الحسن بعد ذلك.
روي الصدوق عن دعبل بن علي، قال: جاءني خبر موت الرضا (عليه السلام) وانا بقم فقلت قصيدتي الرائية:
اري امية معذورين ان قتلوا
ولا أري لبني العباس من عذر
اولاد حرب ومروان واسرتهم
بنو معيط ولاة الحقد والوغر [605].
قوم قتلتم علي الإِسلام اولهم
حتي اذا استمسكوا جازوا علي الكفر
اربعْ [606] بطوس علي قبر الزكي به
ان كنت تربع من دين علي وطر
قبران في طوس خير الناس كلهم
وقبر شرهم هذا من العبر
ما ينفع الرجس من قرب الزكي وما
علي الزكي بقرب الرجس من ضرر
هيهات كل امرئ رهن بما كسبت
له يداه فخذ ما شئت او فذر
وقال [607] الصدوق: ولعلي بن ابي عبد اللّه الخوافي يرثي الرضا (عليه السلام) افضل الصلوات واكمل التحيات:
يا ارض طوس سقاك اللّه رحمته
ماذا حويت من الخيارت يا طوس
طابت بقاعك في الدنيا وطاب بها
شخص [608] ثوي بسناباد ومرموسُ [609].
شخص عزيز علي الإِسلام مصرعه
في رحمة اللّه مغمور ومغموس
يا قبره انت قبر قد تضمنه
حلم وعلم وتطهير وتقديس
فخراً بأنك مغبوط بجثته
وبالملائكة الأبرار محروس
وثواب زيارته (عليه السلام) اكثر من ان يذكر، قال الشيخ الشهيد في الدروس عن الكاظم (عليه السلام): من زار قبر ولدي عليّ كان عند اللّه كسبعين حجة مبرورة، قال له يحيي المازني سبعين حجة مبرورة قال نعم وسبعين الف حجة.
وقيل لأبي جعفر محمد بن علي الجواد (عليه السلام) زيارة الرضا (عليه السلام) افضل ام زيارة الحسين (عليه السلام)؟ فقال زيارة ابي افضل لأنه لا يزوره الا الخواص من الشيعة.
وعنه (عليه السلام) انها أفضل من الحج، وافضلها رجب.
وروي البزنطي قال: قرأت كتاب ابي الحسن الرضا (عليه السلام) بخطه: ابلغ شيعتي ان زيارتي تعدل عند اللّه الف حجة، والف عمرة، متقبلة كلها. قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): الف حجة قال إي واللّه والف الف حجة [610] لمن يزوره عارفاً بحقه.
وقال الرضا (عليه السلام) من زارني علي بعد داري ومزاري اتيته يوم القيامة في ثلاثة مواطن حتي اخلصه من اهوالها، اذا تطايرت الكتب يميناً وشمالاً وعند الصراط و(عند ظ) الميزان.
وروي الصدوق عن ابي الحسن الهادي (عليه السلام) يقول، من كانت له الي اللّه عز وجل حاجة، فليزر قبر جدي الرضا (عليه السلام) بطوس وهو علي غسل، وليصل عند رأسه ركعتين، وليسأل اللّه تعالي حاجته، في قنوته، فانه يستجيب له، ما لم يسأل في مأثم او قطيعة رحم، فان موضع قبره لبقعة من بقاع الجنة لا يزورها مؤمن الا اعتقه اللّه تعالي من النار واحله دار القرار.
قال الشيخ المفيد في المقنعة باب مختصر زيارته (عليه السلام) تقف علي قبره بعد ان تغتسل لزيارته وتلبس اطهر ثيابك وتقول:
(السلام عليك يا ولي اللّه وابن وليه، السلام عليك يا حجة اللّه وابن حجته، السلام عليك يا امام الهدي والعروة الوثقي ورحمة اللّه وبركاته. اشهد انك مضيت علي ما مضي عليك آباؤك الطاهرون، صلوات اللّه عليهم، لم تؤثر عمي علي هدي، ولم تمل من حق الي باطل، وانك نصحت للّه ولرسوله، واديت الامانة، فجزاك اللّه عن الإِسلام واهله خير الجزاء، أتيتك بأبي وأمي زائراً عارفاً بحقك موالياً لأوليائك معادياً لاعدائك، فاشفع لي عند ربك).
ثم انكب علي القبر وضع خديك عليه ثم تحول الي عند الرأس فقل:
(السلام عليك يا مولاي يا ابن رسول اللّه ورحمة اللّه وبركاته اشهد انك الإِمام الهادي والولي المرشد، ابرأ الي اللّه تعالي من اعدائك، واتقرب الي اللّه بولايتك، صلي اللّه عليك ورحمة اللّه وبركاته).
ثم صل ركعتي الزيارة وصل بعدهما ما بدا لك وتحول الي عند الرجلين فادع بما شئت ان شاء اللّه.
قال السيد بن طاوس في الاقبال: ورأيت في بعض تصانيف اصحابنا العجم (رضوان اللّه عليهم)، انه يستحب ان يزار مولانا الرضا (عليه السلام) يوم ثالث وعشرين من ذي القعدة من قرب او بعد ببعض زياراته المعروفة او بما يكون كالزيارة من الرواية بذلك.
قلت وروي العلامة المجلسي (رحمه اللّه) عن صاحب كتاب العدد القوية انه قال: ان وفاة الرضا (عليه السلام) كانت في ذلك اليوم، واللّه العالم.
قال السيد الداماد قدس سره في رسالة اربعة ايام في ذكر اعمال يوم دحو الأرض، يوم الخامس والعشرين من ذي القعدة، ان زيارة الرضا (عليه السلام) فيه افضل الاعمال المستحبة وآكد الآداب المسنونة.

ختام

قال شيخنا الطبرسي (رحمه اللّه) في اعلام الوري بعد ذكر جملة من دلائل الرضا ومعجزاته (عليه السلام) وأمّا ما ظهر للناس بعد وفاته من بركة مشهده المقدس وعلاماته والعجائب التي شاهدها الخلق فيه واذعن العام والخاص له واقر المخالف والمؤالف به الي يومنا هذا فكثير خارج عن حد الاحصاء والعد، ولقد اُبرئ فيه الاكمه [611] والابرص، واستجيبت الدعوات، وقضيت ببركته الحاجات وكشفت الملمَّات وشاهدنا كثيراً من ذلك وتيقناه الخ.
قال شيخنا الحر العاملي (قدس سره) في اثبات الهداة بعد نقل هذا الكلام من الاعلام، يقول محمد بن الحسن الحر، مؤلف هذا الكتاب: ولقد رأيت وشاهدت كثيراً من ذلك وتيقنته كما شاهده الطبرسي وتيقنه في مدة مجاورتي لمشهد الرضا (عليه السلام)، وذلك ستة وعشرون سنة، وسمعت من الأخبار في ذلك ما يجاوز حد التواتر وليس في خاطري اني دعوت في هذا المشهد وطلبت منه [612] من اللّه تعالي حاجة الا وقضيت لي، والحمد للّه، وتفصيل ذلك يضيق عنه المجال ويطول فيه المقال فلذلك اكتفيت بالاجمال ومن ذلك [613] ان بنتاً من جيراننا كانت خرساء ثم زارت قبر الرضا (عليه السلام) يوماً فرأت عند القبر، رجلاً حسن الهيئة ظنت انه الرضا (عليه السلام) فقال لها: ما لك لا تتكلمين تكلمي، فنطقت في الحال وزال عنها الخرس بالكلية، فقلت فيها هذه الأبيات:
يا كليم الرضا (عليه السلام)
وعليك السلام والاكرام
كلميني عسي اكون كليماً
لكليم الرضا (عليه السلام)
(انتهي).
يقول عباس بن محمد الرضا القمّي مؤلف هذا الكتاب ولقد رأيت وشاهدت في مدة مجاورتي لهذا المشهد المقدس خصوصاً في هذا التاريخ وهو شوال سنة 1343 ثلاث واربعين بعد الف وثلاثمائة كثيراً من ذلك وتيقنته وعلمت علماً لا يخالج الشك والريب في معناه، فلو ذهبت للخوض في ايراد ذلك لخرجت عن الغرض في هذا [614] الكتاب ولقد صدق شيخنا العاملي في قوله:
وما بدا من بركات مشهده
في كل يوم امسه مثل غده
وكشفاء العمي [615] والمرضي به
اجابة الدعاء في اعتابه [616].

ابو جعفر الثاني محمد بن علي التقي

اشاره

امام كل عاكف وباد وحجة اللّه علي جميع العباد صلوات اللّه عليه وعلي آبائه واولاده الامجاد ذكر ابن عياش ان ولادته (عليه السلام) كانت يوم العاشر من رجب ولكن المشهور بين العلماء والمشائخ انه ولد بالمدينة في 9 من شهر رمضان من سنة 195 خمس وتسعين ومئة. [617].
امه ام ولد يقال لها سبيكة وسماها الرضا (عليه السلام) الخيزران وكانت نوبية من اهل بيت مارية القبطية ام ابراهيم ابن الرسول (صلي اللّه عليه وآله وسلم) وكانت من افضل نساء زمانها واشار اليها النبي (صلي اللّه عليه وآله وسلم) بقوله: بأبي ابن خيرة الاماء النوبية الطيِّبة.
وفي خبر يزيد بن سليط وملاقاته موسي بن جعفر (عليه السلام) في طريق مكة وهم يريدون العمرة قال: ثم قال ابو ابراهيم (عليه السلام) اني أوخذ في هذه السنة والأمر الي ابني عليّ سميّ عليّ وعليّ، فاما عليّ الأول فعليّ بن ابي طالب (عليه السلام) واما عليّ الآخر فعليّ بن الحسين اعطي فهم الأول وحكمته وبصره وودّه ودينه ومحنة الآخر وصبره علي ما يكره وليس له ان يتكلم الا بعد هارون باربع سنين ثم قال يا يزيد فاذا مررت بالموضع ولقيته وستلقاه فبشره انه سيولد له غلام امين مأمون مبارك وسيعلمك انك لقيتني فاخبره عند ذلك ان الجارية التي يكون منها هذا الغلام جارية من اهل بيت مارية القبطية جارية رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) وان قدرت ان تبلغها مني السلام فافعل ذلك.
قلت: وكفي في جلالة هذه المعظمة الجليلة ما في هذا الخبر المعتبر من امر موسي بن جعفر (عليه السلام) يزيد بن سليط ان يبلغها منه السلام كما ان رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) أمر جابر بن عبد اللّه ان يبلغ ابا جعفر الباقر (عليه السلام) سلامه (وسيأتي خبر عن عيون المعجزات فيه ما يدل علي فضلها).
روي ابن شهرآشوب عن حكيمة بنت ابي الحسن موسي بن جعفر (عليه السلام) قالت: لما حضرت ولادة الخيزران ام ابي جعفر (عليه السلام) دعاني الرضا (عليه السلام) فقال: يا حكيمة احضري ولادتها وادخلني واياها والقابلة بيتاً ووضع لنا مصباحاً واغلق الباب علينا فلما اخذها الطلق طفيء المصباح وبين يديها طست واغتمت بطفء المصباح فبينا نحن كذلك اذ بدر ابو جعفر (عليه السلام) في الطست واذا عليه شيء رقيق كهيئة الثوب يسطع نوره حتي اضاء البيت فابصرناه، فاخذته فوضعته في حجري ونزعت عنه ذلك الغشاء فجاء الرضا (عليه السلام) وفتح الباب وقد فرغنا من أمره فاخذه ووضعه في المهد وقال لي: يا حكيمة الزمي مهده، قالت: فلما كان في اليوم الثالث رفع بصره الي السماء ثم نظر يمينه ويساره ثم قال: اشهد ان لا اله الا اللّه واشهد ان محمداً رسول اللّه فقمت ذعرة [618] فزعة فأتيت ابا الحسن (عليه السلام) فقلت سمعت من هذا الصبي عجباً فقال: وما ذاك، فاخبرته الخبر، فقال: يا حكيمة ما ترون من عجائبه اكثر.
وفي الدر النظيم بالاسناد عن حكيمة بنت ابي الحسن موسي (عليه السلام) قالت: كتبت لما علقت ام ابي جعفر (عليه السلام) به الي ابي الحسن الرضا (عليه السلام) خادمتك قد علقت، فكتب الي علقت يوم كذا من شهر كذا فاذا هي ولدت فالزميها سبعة ايام، قالت: فلما ولدته قال: اشهد ان لا اله إلا اللّه فلما كان يوم الثالث عطس فقال الحمد للّه وصلي اللّه علي سيدنا محمد وعلي الأئمة الراشدين.
اقول: وحج ابو الحسن الرضا (عليه السلام) بعد ذلك بسنة ومعه ابو جعفر (عليه السلام) فكان من امر البيت والحجر وجلوسه فيه ما قد ذكرناه في تاريخ ابي الحسن الرضا (عليه السلام).
وروي عن عيون المعجزات عن كليم بن عمران قال: قلت للرضا (عليه السلام): ادع اللّه ان يرزقك ولداً فقال: انما ارزق ولداً واحداً وهو يرثني، فلما ولد ابو جعفر (عليه السلام) قال الرضا (عليه السلام) لاصحابه: قد ولد لي شبيه موسي بن عمران فالق البحار وشبيه عيسي بن مريم، قدست ام ولدته، قد خلقت طاهرة مطهرة ثم قال الرضا (عليه السلام): يقتل غصباً فيبكي له [619] وعليه اهل السماء ويغضب اللّه علي عدوه وظالمه فلا يلبث الا يسيراً حتي يعجل اللّه به الي عذابه الاليم وعقابه الشديد، وكان طول ليلته يناغيه [620] في مهده.
وروي عن ابي يحيي الصنعاني قال كنت عند ابي الحسن (عليه السلام) فجيء بابنه ابي جعفر (عليه السلام) وهو صغير فقال: هذا المولود الذي لم يولد مولود اعظم، علي شيعتنا، بركة منه.
روي الشيخ الكليني (رحمه اللّه) عن محمد بن الحسن بن عمار قال: كنت عند علي بن جعفر بن محمد (عليه السلام) جالساً بالمدينة وكنت اقمت عنده سنتين اكتب عنه ما سمع من اخيه يعني ابا الحسن (عليه السلام) اذ دخل عليه ابو جعفر محمد بن علي الرضا (عليه السلام) المسجد، مسجد رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) فوثب علي بن جعفر (رحمه اللّه) بلا حذاء ولا رداء فقبل يده وعظَّمه فقال له ابو جعفر (عليه السلام): يا عم اجلس رحمك اللّه فقال: يا سيدي كيف اجلس وانت قائم فلما رجع علي بن جعفر الي مجلسه جعل اصحابه يوبخونه ويقولون: انت عم ابيه وانت تفعل به هذا الفعل فقال: اسكتوا اذا كان اللّه عز وجل، وقبض علي لحيته، لم يؤهل هذه الشيبة واهَّل هذا الفتي ووضعه حيث وضعه أأُنكر فضله؟ نعوذ باللّه مما تقولون بل انا له عبد.
اقول: علي بن جعفر هذا، هو السيد الجليل الذي كان راوية للحديث سديد الطريق شديد الورع كثير الفضل. وكان (رضي اللّه عنه) شديد التمسك باخيه موسي (عليه السلام) والانقطاع اليه، والتوفر علي اخذ معالم الدين منه، ولو مسائل مشهورة عنه، وجوابات رواها سماعاً منه، وكان ملازماً لاخيه (عليه السلام)، حتي في اربع عمر [621] يمشي اخوه فيها الي مكة بعياله واهله. وروي: انه كان عند ابي جعفر (عليه السلام) ودنا الطبيب ليقطع له العرق فقام علي بن جعفر قال: يا سيدي تبدأ بي لتكون حدّة الحديد فيّ [622] قبلك ولما اراد ابو جعفر (عليه السلام) النهوض قام علي بن جعفر (عليه السلام) فسوي له نعليه حتي يلبسهما.

في طرف من الاخبار عن مناقب ابي جعفر الثاني ودلائله ومعجزاته

الكشي عن محمد بن مرزبان عن ابن سنان قال: شكوت الي الرضا (عليه السلام) وجع العين فاخذ قرطاساً فكتب الي ابي جعفر (عليه السلام) وهو اقل من ثلاث [623] ودفع الكتاب الي الخادم وأمرني ان اذهب معه وقال: اكتم، فأتيناه وخادم قد حمله، قال ففتح الخادم الكتاب بين يدي ابي جعفر (عليه السلام) قال فجعل ابو جعفر (عليه السلام) ينظر في الكتاب ويرفع رأسه الي السماء ويقول: بأح [624] ففعل ذلك مراراً فذهب كل وجع في عيني وابصرت بصراً لا يبصره احد. قال فقلت لأبي جعفر (عليه السلام) جعل اللّه [625] شيخاً علي هذه الأمة كما جعل عيسي بن مريم شيخاً علي بني اسرائيل، قال: ثم قلت يا شبيه صاحب فطرس، قال فانصرف وقد امرني الرضا (عليه السلام) ان اكتم، فما زلت صحيح البصر حتي أذعت ما كان من ابي جعفر (عليه السلام) في امر عيني فعاودني الوجع.
قال: قلت لمحمد بن سنان ما عنيت بقولك يا شبيه صاحب فطرس، قال فان اللّه عز وجل غضب علي ملك من الملائكة يدعي فطرس فدق جناحه ورمي به في جزيرة من جزائر البحر فلما ولد الحسين (عليه السلام) بعث اللّه عز وجل جبرائيل الي محمد (صلي اللّه عليه وآله وسلم) ليهنئه بولادة الحسين (عليه السلام) وكان جبرائيل صديقاً لفطرس فمر به وهو في الجزيرة مطروح فخبّره بولادة الحسين (عليه السلام) وما أمر اللّه به، فقال له: هل لك ان احملك علي جناح من اجنحتي وامضي بك الي محمد (صلي اللّه عليه وآله وسلم) يشفع فيك؟ قال فقال له فطرس نعم، فحمله علي جناح من اجنحته حتي اتي به محمداً (صلي اللّه عليه وآله وسلم) فبلغه تهنئة ربِّه تعالي ثم حدّثه بقصة فطرس فقال محمد (صلي اللّه عليه وآله وسلم) لفطرس امسح جناحك علي مهد الحسين (عليه السلام) وتمسح به ففعل ذلك فطرس، فجبر اللّه تعالي جناحه ورده الي منزله مع الملائكة.
وروي القطب الراوندي ان المعتصم دعا جماعة من وزرائه فقال: اشهدوا لي علي محمد بن علي بن موسي (عليه السلام) زوراً واكتبوا انه أراد أن يخرج، ثم دعاه، فقال: انك أردت أن تخرج علي فقال: واللّه ما فعلت شيئاً من ذلك قال: ان فلاناً وفلاناً شهدوا عليك، فاحضروا فقال: نعم هذه الكتب اخذناها من بعض غلمانك، قال وكان جالساً في بهو [626] فرفع ابو جعفر (عليه السلام) يده وقال اللهم ان كانوا كذبوا عليّ فخذهم، قال فنظرنا الي ذلك البهو كيف يرجف ويذهب ويجيء وكلما قام واحد وقع، فقال المعتصم يا ابن رسول اللّه اني تائب مما قلت فادع ربك ان يسكنه، فقال: اللهم سكنه انك تعلم انهم اعداؤك واعدائي، فسكن.
قال الشيخ المفيد في الارشاد وكان المأمون قد شغف بابي جعفر (عليه السلام) لما رأي من فضله مع صغر سنه وبلوغه في العلم والحكمة والادب وكمال العقل ما لم يساوه احد من مشائخ اهل الزمان فزوجه ابنته ام الفضل وحملها معه الي المدينة وكان متوفراً علي اكرامه وتعظيمه واجلال قدره.
اخبرني الحسن بن محمد بن سليمان عن علي بن ابراهيم بن هاشم عن ابيه عن الريان بن شبيب قال: لما اراد المأمون ان يزوج ابنته ام الفضل ابا جعفر محمد بن علي (عليهما السلام)، بلغ ذلك العباسيين فغلظ عليهم واستكبروه (استنكروه) وخافوا ان ينتهي الامر معه الي ما انتهي اليه مع الرضا (عليه السلام) فخاضوا في ذلك واجتمع منهم اهل بيته الأدنون منه فقالوا: ننشدك اللّه يا امير المؤمنين ان تقيم علي هذا الأمر الذي قد عزمت عليه من تزويج ابن الرضا، فأنا نخاف ان تخرج به عنا امراً قد ملّكناه اللّه، وتنزع منا عزّاً قد البسناه اليك، قد عرفت ما بيننا وبين هؤلاء القوم قديماً وحديثاً وما كان عليه الخلفاء الراشدون قبلك من تبعيدهم والتصغير بهم وقد كنا في وهلة من عملك مع الرضا ما عملت حتي كفانا اللّه المهم من ذلك فاللّه اللّه ان تردنا الي غم قد انحسر [627] عنا واصرف رأيك عن ابن الرضا واعدل الي من تراه من اهل بيتك يصلح لذلك دون غيره، فقال لهم المأمون: اما ما بينكم وبين آل أبي طالب فانتم السبب فيه، ولو انصفتم القوم لكانوا اولي بكم، واما كان يفعله من قبلي بهم فقد كان به قاطعاً للرحم واعوذ باللّه من ذلك، واللّه ما ندمت علي ما كان مني من استخلاف الرضا، ولقد سألته ان يقوم بالامر وانزعه عن نفسي فابي وكان امر اللّه قدراً مقدوراً، واما ابو جعفر محمد بن علي قد اخترته لتبريز علي كافة اهل الفضل في العلم والفضل مع صغر سنه، والاعجوبة فيه بذلك. وانا ارجو أن يظهره للناس ما قد عرفته منه فيعلموا ان الرأي ما رأيت فيه، فقالوا ان هذا الفتي وان راقك منه هديه فانه صبي لا معرفة له ولا فقه، فامهله ليتأدب ويتفقه في الدين ثم اصنع ما تراه بعد ذلك، فقال لهم: ويحكم اني أعرف بهذا الفتي منكم، وان هذا من اهل بيت علمهم من اللّه ومواده والهامه، [628] لم يزل آباؤه اغنياء في علم الدين والأدب عن الرعايا الناقصة عن حد الكمال، فان شئتم فامتحنوا ابا جعفر بما تبين لكم به ما وصفت من حاله، قالوا له قد رضينا لك يا امير المؤمنين ولأنفسنا بامتحانه، فحل بيننا وبينه لننصب من يسأله بحضرتك عن شيء، من فقه الشريعة فان اصاب الجواب عنه لم يكن لنا اعتراض في امره وظهر للخاصة والعامة سديد رأي امير المؤمنين، وان عجز عن ذلك فقد كفينا الخطب في معناه، فقال لهم المأمون شأنكم وذاك متي أردتم، فخرجوا من عنده واجتمع رأيهم علي مسألة يحيي بن اكثم وهو يومئذ قاضي الزمان (القضاة. خ - د) علي ان يسأله مسألة لا يعرف الجواب فيها، ووعدوه باموال نفيسة علي ذلك، وعادوا الي المأمون فسألوه ان يختار لهم يوماً للاجتماع، فاجابهم الي ذلك، فاجتمعوا في اليوم الذي اتفقوا عليه وحضر معهم يحيي بن اكثم، فأمر المأمون ان يفرش لأبي جعفر (عليه السلام) دست [629] ويجعل له فيه مسورتان [630] ففعل ذلك، وخرج ابو جعفر (عليه السلام) وهو يومئذ ابن سبع سنين واشهر، فجلس بين المسورتين وجلس يحيي بن اكثم بين يديه وقام الناس في مراتبهم، والمأمون جالس في دست متصل بدست ابي جعفر (عليه السلام)، فقال يحيي بن اكثم للمأمون تأذن لي يا امير المؤمنين ان اسأل ابا جعفر؟ فقال له المأمون استأذنه في ذلك، فاقبل عليه يحيي بن اكثم فقال: اتأذن لي جعلت فداك في مسألة؟ قال له ابو جعفر سل ان شئت، قال يحيي ما تقول، جعلني اللّه فداك، في محرم قتل صيداً؟ فقال له ابو جعفر (عليه السلام) قتله في حل او حرم؟ عالماً كان المحرم ام جاهلاً؟ قتله عمداً او خطأ؟ حراً كان المحرم ام عبداً؟ صغيراً كان او كبيراً؟ مبتدئاً بالقتل ام معيداً؟ من ذوات الطير كان الصيد ام من غيرها؟ من صغار الصيد كان ام من كباره مصراً علي ما فعل او نادماً؟ في الليل كان قتله للصيد ام نهاراً؟ محرماً كان بالعمرة او بالحج؟ فتحير يحيي بن اكثم وبان في وجهه العجز والانقطاع، وتلجلج حتي عرف جماعة اهل المجلس امره، فقال المأمون الحمد للّه علي هذه النعمة والتوفيق لي في الرأي، ثم نظر الي اهل بيته وقال لهم اعرفتم الآن ما كنتم تنكرونه؟ ثم اقبل علي ابي جعفر (عليه السلام) فقال له اتخطب يا ابا جعفر؟ قال نعم يا امير المؤمنين، فقال له المأمون اخطب جعلت فداك لنفسك؟ فقد رضيتك لنفسي، وانا مزوجك ام الفضل ابنتي فقال ابو جعفر (عليه السلام): الحمد للّه اقراراً بنعمته، ولا إله الا اللّه اخلاصاً لوحدانيته، وصلي اللّه علي محمد سيد بريته، والاصفياء من عترته، اما بعد، فقد كان من فضل اللّه علي الانام ان اغناهم بالحلال عن الحرام، فقال سبحانه: وانكحوا الأيامي منكم والصالحين من عبادكم وامائكم، ان يكونوا فقراء يغنهم اللّه من فضله، واللّه واسع عليم، ثم ان محمد بن علي بن موسي يخطب ام الفضل بنت عبد اللّه المأمون، وقد بذل لها من الصداق مهر جدته فاطمة بنت محمد (عليهما السلام)، وهو خمسمائة درهم جياداً فهل زوجته يا امير المؤمنين بها علي هذا الصداق المذكور؟ قال المأمون: نعم زوجتك يا ابا جعفر ام الفضل ابنتي علي الصداق المذكور، فهل قبلت النكاح؟ فقال ابو جعفر (عليه السلام) قد قبلت ذلك ورضيت به فأمر المأمون ان يقعد الناس علي مراتبهم في الخاصة والعامة، قال الريّان ولم نلبث ان سمعنا اصواتاً تشبه اصوات الملاحين في محاوراتهم، فاذا الخدم يجرون سفينة مصنوعة من الفضة يشبه الجبال (مشدودة بالحبال خ د) من الابريسيم علي عجلة [631] مملوءة من الغالية فأمر المأمون ان يخضب لحاء الخاصة من تلك الغالية، ثم مدت الي دار العامة فطيبوا منها، ووضعت الموائد، تأكل الناس وخرجت الجوائز الي كل قوم علي قدرهم الخ.

في ذكر بعض اخباره وبراهينه وبيناته

روي عن زكريا بن آدم قال: اني لعند الرضا (عليه السلام) اذ جيء بابي جعفر (عليه السلام) وسنه اقل من اربع سنين، فضرب بيديه الي الأرض ورفع رأسه الي السماء فاطال الفكر، فقال له الرضا (عليه السلام) بنفسي فلم طال فكرك؟ فقال فيما صنع بامي فاطمة (عليها السلام)، اما واللّه لأخرجنهما ثم لأحرقنهما ثم لأذرينهما [632] ثم لأنسفنهما في اليم نسفاً [633] فاستدناه وقبل بين عينيه، ثم قال بأبي انت وامي انت لها (يعني الامامة).
الشيخ الكليني (رحمه اللّه) عن محمد بن ابي العلا قال: سمعت يحيي بن اكثم قاضي سامراء بعدما جاهدت به وناظرته وحاورته وراسلته وسألته عن علوم آل محمد (عليهم السلام)، فقال: بينا انا ذات يوم دخلت اطوف بقبر رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) ورأيت محمد بن علي الرضا (عليه السلام) يطوف به، فناظرته في مسائل عندي فاخرجها اليّ فقلت له: واللّه اني اريد ان اسألك مسألة واحدة واني واللّه لأستحيي من ذلك، فقال لي: انا اخبرك قبل ان تسألني، تسألني عن الإِمام، فقلت هو واللّه هذا، فقال انا هو، فقلت علامة، فكان في يده عصا فنطقت، فقالت: ان مولاي امام هذا الزمان وهو الحجة.
وفي الدر النظيم قال ابراهيم بن سعيد رأيت محمد بن علي أي الجواد (عليه السلام) يضرب بيده الي ورق الزيتون فيصير في كفه وَرِقاً [634] فاخذت منه كثيراً وانفقته في الاسواق فلم يتغير.
وقال محمد بن يحيي لقيت محمد بن علي الرضا (عليه السلام) علي دجلة فالتقي له طرفاها حتي عبر، ورايته بالانبار علي الفرات فعل مثل ذلك.
عن كتاب الاختصاص عن علي بن ابراهيم عن ابيه قال لما مات ابو الحسن الرضا (عليه السلام) حججنا فدخلنا علي ابي جعفر (عليه السلام) وقد حضر خلق من الشيعة من كل بلد لينظروا الي ابي جعفر (عليه السلام)، فدخل عمه عبد اللّه بن موسي وكان شيخاً كبيراً نبيلاً عليه ثياب خشنة وبين عينيه سجادة فجلس وخرج ابو جعفر (عليه السلام) من الحجرة وعليه قميص قصب ورداء قصب ونعل حذو بيضاء، فقام عبد اللّه واستقبله وقبل بين عينيه وقامت الشيعة، وقعد ابو جعفر (عليه السلام) علي كرسي، ونظر الناس بعضهم الي بعض تحيراً لصغر سنه فانتدب رجل من القوم فقال لعمه اصلحك اللّه ما تقول في رجل أتي بهيمة؟ فقال يقطع يمينه ويضرب الحد، فغضب ابو جعفر (عليه السلام) ثم نظر اليه فقال: يا عم اتق اللّه، اتق اللّه انه لعظيم ان تقف يوم القيامة بين يدي اللّه عز وجل فيقول لك لِمَ أفتيت الناس بما لا تعلم؟ فقال عمه يا سيدي اليس قال هذا ابوك صلوات اللّه عليه، فقال ابو جعفر: انما سئل ابي عن رجل نبش قبر امرأة، فنكحها فقال ابي: تقطع يمينه للنبش ويضرب حد الزنا، فان حرمة الميتة كحرمة الحية، فقال صدقت يا سيدي وانا استغفر اللّه، فتعجب الناس، فقالوا يا سيدنا اتأذن لنا ان نسألك؟ فقال نعم: فسألوه في مجلس عن ثلاثين الف مسألة فاجابهم فيها وله تسع سنين.
وعن عيون المعجزات لما قبض الرضا (عليه السلام) كان سن ابي جعفر (عليه السلام) نحو سبع سنين، فاختلفت الكلمة من الناس ببغداد وفي الامصار، واجتمع الريان بن الصلت وصفران بن يحيي ومحمد بن حكيم وعبد الرحمان بن الحجاج ويونس بن عبد الرحمان (رضوان اللّه عليهم اجمعين) وجماعة من وجوه الشيعة وثقاتهم في دار عبد الرحمان بن الحجاج في بركة ذلول، يبكون ويتوجعون، من المصيبة، فقال لهم يونس بن عبد الرحمان، [635] دعوا البكاء، من لهذا الأمر؟ والي من نقصد بالمسائل الي ان حين عرض عليه ابو هاشم كتاب يوم وليلة ليونس: اعطاه اللّه بكل حرف نوراً يوم القيامة وذكر له المحقق الاسترآبادي في رجاله الكبير نيفاً وعشرين مصنفاً، مات سنة ثمان وماتين.
يكبر هذا يعني ابا جعفر (عليه السلام)؟ فقام اليه الريان بن الصلت [636] ووضع يده في حلقه ولم يزل يلطمه ويقول له انت تظهر الايمان لنا وتبطن الشك والشرك [637] ان كان أمره من اللّه جل وعلا فلو انه كان ابن يوم واحد لكان بمنزلة الشيخ العالم وفوقه، وان لم يكن من عند اللّه فلو عمر الف سنة فهو واحد من الناس، هذا مما ينبغي ان يكفر فيه فاقبلت العصابة عليه تعذله وتوبخه وكان وقت الموسم فاجتمع من فقهاء بغداد والامصار وعلمائهم ثمانون رجلاً فخرجوا الي الحج وقصدوا المدينة ليشاهدوا ابا جعفر (عليه السلام) فلما وافوا أتوا دار جعفر الصادق (عليه السلام) لأنها كانت فارغة ودخلوها وجلسوا علي بساط كبير وخرج اليهم عبد اللّه بن موسي فجلس في صدر المجلس، وقام مناد وقال هذا ابن رسول اللّه فمن اراد السؤال فليسأله، فسئل عن اشياء اجاب عنها بغير الواجب فورد علي الشيعة ما حيرهم وغمهم واضطربت الفقهاء وقاموا وهموا بالانصراف وقالوا في انفسهم لو كان ابو جعفر (عليه السلام) يكمل لجواب المسائل لما كان من عبد اللّه ما كان، ومن الجواب بغير الواجب، ففتح عليهم باب من صدر المجلس ودخل موفق وقال هذا ابو جعفر (عليه السلام) فقاموا اليهم بأجمعهم واستقبلوه وسلموا عليه، فدخل (عليه السلام) وعليه قميصان وعمامة بذؤابتين وفي رجليه نعلان وجلس وامسك الناس كلهم، فقام صاحب المسألة فسأله عن مسائل فاجاب عنها بالحق ففرحوا ودعوا له واثنوا عليه وقالوا له ان عمك عبد اللّه افتي بكيت وكيت فقال: لا إله الا اللّه يا عم، انه عظيم عند اللّه ان تقف غداً بين يديه فيقول لك لم تفتي عبادي بما لم تعلم؟ وفي الامة من هو اعلم منك.
وروي عن عمر بن فرج الرخجي [638] قال قلت لأبي جعفر (عليه السلام) ان شيعتك تدعي انك تعلم كل ماء في دجلة ووزنه، وكنا علي شاطئ دجلة فقال لي: يقدر اللّه تعالي ان يفوض علم ذلك الي بعوضة من خلقه ام لا؟ قلت نعم يقدر فقال: انا اكرم علي اللّه تعالي من بعوضة ومن اكثر خلقه.
الشيخ الكليني عن رجل من بني حنيفة، من اهل بست [639] وسجستان [640] قال رافقت ابا جعفر (عليه السلام) في السنة التي حج فيها في اول خلافة المعتصم، فقلت له وانا معه علي المائدة وهناك جماعة من أولياء السلطان، ان والينا جعلت فداك، رجل يتولاكم اهل البيت، ويحبكم وعليَّ في ديوانه خراج، فان رأيت، جعلني اللّه فداك ان تكتب اليه بالاحسان اليّ، فقال لا اعرفه، فقلت: جعلت فداك انه علي ما قلت من محبيكم، اهل البيت، وكتابك ينفعني عنده فاخذ القرطاس وكتب: بسم اللّه الرحمن الرحيم اما بعد فان موصل كتابي هذا ذكر عنك مذهباً جميلاً، وان مالك من عملك ما احسنت فيه، فاحسن الي اخوانك واعلم ان اللّه عز وجل سائلك عن مثاقيل الذر والخردل، قال فلما وردت سجستان سبق الخبر الي الحسين بن عبد اللّه النيسابوري وهو الوالي فاستقبلني علي فرسخين من المدينة، فدفعت اليه الكتاب فقبله ووضعه علي عينيه، وقال لي: حاجتك؟ فقلت خراج عليَّ في ديوانك، قال: فامر بطرحه عني وقال لا تؤد خراجاً ما دام لي عمل ثم سألني عن عيالي فاخبرته بمبلغهم فامر لي ولهم بما يقوتنا وفضلاً [641] فما اديت في عمله خراجاً ما دام حياً ولا قطع عني صلته حتي مات.
وروي عن موسي بن القاسم قال: قلت لأبي جعفر الثاني (عليه السلام) قد اردت ان اطوف عنك وعن ابيك فقيل لي ان الاوصياء لا يطاف عنهم، فقال لي بل طف ما امكنك فان ذلك جائز، ثم قلت له بعد ذلك بثلاث سنين اني كنت استأذنتك في الطواف عنك وعن ابيك فاذنت لي في ذلك، فطفت عنكما ما شاء اللّه، ثم وقع في قلبي شيء فعملت به، قال وما هو؟ قلت طفت يوماً عن رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) فقال ثلاث مرات صلي اللّه علي رسول اللّه ثم اليوم الثاني عن امير المؤمنين (عليه السلام) وثم طفت اليوم الثالث عن الحسن (عليه السلام) والرابع عن الحسين (عليه السلام) والخامس عن علي بن الحسين (عليه السلام) والسادس عن ابي محمد بن علي (عليه السلام) واليوم السابع، عن جعفر بن محمد (عليه السلام) واليوم الثامن عن ابيك موسي (عليه السلام) واليوم التاسع عن ابيك علي (عليه السلام) واليوم العاشر عنك يا سيدي وهؤلاء الذين ادين اللّه بولايتهم (عليهم السلام)، فقال اذن واللّه تدين اللّه بالدين الذي لا يقبل من العباد غيره، قلت وربما طفت عن امك فاطمة (صلوات اللّه عليها) وربما لم اطف، فقال استكثر من هذا فانه افضل ما انت عامله ان شاء اللّه تعالي.
الصدوق عن البزنطي [642] قال قرأت كتاب ابي الحسن الرضا إلي ابي جعفر (عليه السلام): يا ابا جعفر بلغني ان المووالي اذا ركبت اخرجوك من الباب الصغير وانما ذلك من بخل لهم، لئلا ينال منك احد خيراً فاسألك بحقي عليك لا يكن مدخلك ومخرجك الا من الباب الكبير، واذا ركبت فليكن معك ذهب وفضة ثم لا يسألك احد الا أعطيته، ومن سألك من عمومتك أن تبرَّه [643] فلا تعطه اقل من خمسين ديناراً، والكثير اليك، ومن سألك من عماتك فلا تعطها اقل من خمسة وعشرين ديناراً والكثير اليك، اني انما اريد ان يرفعك اللّه فانفق ولا تخش من ذي العرش إقتاراً.
قال شيخنا الحر العاملي في اثبات الهداة قال الشيخ ابو الصلاح الحلبي في كتاب تقريب المعارف عند ذكر بعض معجزات الأئمة (عليهم السلام) ومن ذلك توضأ ابو جعفر محمد بن علي (عليه السلام) في مسجد ببغداد يعرف موضعه بدار المسيب في اصل نبقة يابسة فلم يخرج من المسجد حتي اخضرت واينعت حدثني الشيخ ابو الحسن محمد بن محمد قال حدثنا الشيخ ابو عبد اللّه محمد بن محمد المفيد (رضي اللّه عنه) انه اكل من نبقها وهو لا عجم له. [644].
بيان: (النبق بفتح النون وكسر الباء وقد تسكن ثمر السدر واحدته نبقة واشبه شيء به العناب قبل ان تشتد حمرته).

في ذكر بعض كلامه

قال من استفاد اخا في اللّه فقد استفاد بيتاً في الجنة وقال: القصد الي اللّه تعالي بالقلوب ابلغ من اتعاب الجوارح بالاعمال. وقال: من اطاع هواه اعطي عده مناه. وقال: راكب الشهوات لا يقال [645] عثرته. وقال: بالثقة باللّه تعالي ثمن لكلِّ غالٍ وسلَّم الي كل عال. وقال: عز المؤمن غناه عن الناس. وقال: لا تكن ولي اللّه في العلانية عدوَّاً له في السر. وقال: اصبر علي ما تكره فيما يلزمك الحق واصبر عما تحب فيما يدعوك الي الهوي [646].
وقال: كيف يضيع مَن اللّه كافله وكيف ينجو من اللّه طالبه ومَن انقطع الي غير اللّه وكله اللّه اليه ومَن عمل علي غير علم افسد اكثر مما يصلح وقال: مَن استغني كرم علي اهله، فقيل له وعلي غير اهله؟ قال: لا الا ان يكون يجدي عليهم نفعاً، وقال: قد عاداك من ستر عنك الرشد اتباعاً لما يهواه. وقال (عليه السلام): اياك ومصاحبة الشرير فانه كالسيف المسلول يحسن منظره ويقبح آثاره. وقال (عليه السلام): كفي بالمرء خيانة ان يكون اميناً للخونة. [647].

في وروده الي بغداد وشهادته

قبض ابو جعفر الجواد (عليه السلام) مسموماً ببغداد في آخر ذي [648] القعدة سنة 220 عشرين ومئتين وهو ابن خمس وعشرين سنة ودفن بمقابر قريش في ظهر جده موسي بن جعفر (عليه السلام).
وعن ابي الحسن الهادي (عليه السلام) في جواب من سأله عن فضل زيارة الحسين وزيارتهما (عليهم السلام): ابو عبد اللّه المقدم، وهذان اجمع واعظم اجراً.
وكان سبب وروده بغداد، إشخاص المعتصم له من المدينة، فورد اليها لليلتين بقيتا من المحرم سنة عشرين ومئتين.
روي الشيخ المفيد عن اسماعيل بن مهران قال: لما خرج ابو جعفر (عليه السلام) من المدينة الي بغداد في الدفعة الأولي من خرجته [649] قلت له عند خروجه: جعلت فداك اني اخاف عليك في هذا الوجه، فالي من الأمر بعدك؟ قال فكرَّ اليّ [650] بوجهه ضاحكاً وقال لي: ليس حيث كما ظننت في هذه السنة، فلما استدعي به المعتصم صرت اليه فقلت له: جعلت فداك انت خارج فالي من هذا الأمر من بعدك؟ فبكي حتي اخضلَّت [651] لحيته، ثم التفت اليّ فقال عند هذه [652] تخاف عليّ، الأمر من بعدي الي ابني عليّ وروي ان زوجته ام الفضل سمته.
وفي البحار، عن تفسير العياشي، عن زرقان صاحب ابن ابي داود [653] وصديقه بشدة، قال رجع ابن ابي داود ذات يوم من عند المعتصم وهو مغتم، فقلت له في ذلك، فقال وددت اليوم انّي قد مت منذ عشرين سنة، قال قلت له ولم ذاك؟ قال لما كان من هذا الاسود، أبو جعفر محمد بن علي بن موسي اليوم بين يدي امير المؤمنين، قال: قلت له وكيف كان ذلك؟ قال ان سارقاً اقر علي نفسه بالسرقة وسأل الخليفة تطهيره باقامة الحد عليه، فجمع لذلك الفقهاء في مجلسه، وقد احضر محمد بن علي (عليه السلام)، فسألنا عن القطع في أي موضع يجب ان يقطع؟ قال فقلت من الكرسوع قال وما الحجة في ذلك؟ قال قلت لأن اليد هي الاصابع والكف الي الكرسوع، لقول اللّه في التيميم (فامسحوا بوجوهكم وايديكم) واتفق معي في ذلك قوم، وقال آخرون بل يجب القطع من المرفق، قال وما الدليل علي ذلك؟
قالوا لأن اللّه لما قال: (وايديكم الي المرافق) في الغسل دل ذلك علي ان حد اليد هو المرفق، قال فالتفت الي محمد بن عليّ (عليه السلام) قال ما تقول في هذا يا ابا جعفر؟ فقال قد تكلم القوم فيه يا امير المؤمنين، قال دعني مما تكلموا به، أي شيء عندك؟ قال اعفني عن هذا يا امير المؤمنين، قال اقسمت عليك باللّه لما اخبرت بما عندك فيه، فقال اما إذ أقسمت عليّ باللّه اني اقول انهم اخطأوا فيه السنة، فان القطع يجب ان يكون من مفصل اصول الأصابع فيترك الكف، قال: وما الحجة في ذلك؟ قال قول رسول اللّه السجود علي سبعة اعضاء الوجه واليدين والركبتين والرجلين، فاذا قطعت يده من الكرسوع او المرفق لم يبق له يد يسجد عليها، وقال اللّه تبارك وتعالي: (وان المساجد للّه) يعني بها هذه الأعضاء السبعة التي يسجد عليها: (فلا تدعوا مع اللّه احداً) وما كان للّه لم يقطع قال: فاعجب المعتصم ذلك وأمر بقطع يد السارق من مفصل الاصابع دون الكف، قال ابن ابي داود قامت قيامتي وتمنيت اني لم اك حياً، قال زرقان، قال ابن ابي داود: صرت الي المعتصم بعد ثلاثة فقلت ان نصيحة امير المؤمنين علي واجبة وانا اكلمه بما اعلم اني ادخل به النار، قال وما هو؟ قلت اذا جمع امير المؤمنين في مجلسه فقهاء رعيته وعلماءهم لامر واقع من امور الدين، فسألهم عن الحكم فيه فاخبروه بما عندهم من الحكم في ذلك، وقد حضر مجلسه اهل بيته وقواده ووزراؤه وكتابه، وقد تسامع الناس بذلك من وراء بابه ثم يترك اقاويلهم كلهم، لقول رجل يقول شطر هذه الأمة بامامته، ويدعون انه اولي منه بمقامه، ثم يحكم بحكمه دون حكم الفقهاء، قال فتغير لونه وانتبه لما نبهته له، وقال جزاك اللّه عن نصيحتك خيراً، قال: فأمر اليوم الرابع فلاناً من كتاب وزرائه بان يدعوه الي منزله، فدعاه فأبي ان يجيبه وقال قد علمت اني لا احضر مجالسكم، فقال انّي انما ادعوك الي الطعام واحب ان تطأ ثيابي وتدخل منزلي فاتبرك بذلك، فقد احب فلان بن فلان من وزراء الخليفة لقاءك، فصار اليه، فلما طعم منها احس السم فدعا بدابته فسأله رب المنزل ان يقيم، قال خروي من دارك خير لك، فلم يزل يومه ذلك وليله في حلقه [654] حتي قبض (عليه السلام).
وفي اثبات الوصية قال لما انصرف ابو جعفر (عليه السلام) الي العراق لم يزل المعتصم وجعفر بن المأمون يدبِّران ويعملان الحيلة في قتله (عليه السلام)، فقال جعفر لأخته ام الفضل (وكانت لأمه وابيه) في ذلك، لأنه وقف علي انحرافها عنه وغيرتها عليه لتفضيله ام ابي الحسن ابنه (عليه السلام) عليها مع شدة محبتها له ولانها لم ترزق منه ولداً، فاجابت اخاها جعفراً وجعلوا سماً في شيء من عنب رازقي وكان يعجبه العنب الرازقي، فلما اكل منه ندمت وجعلت تبكي، فقال لها ما بكاؤك؟ واللّه ليضربنك بفقر لا ينجي (لا ينجبر ظ) وبلاء لا يتستر (لا يستتر ظ) فبليت بعلة في اغمض المواضع في جوارحها صار ناسوراً [655] ينتقض عليها في وقت، فانفقت ما لها وجميع ملكها علي العلة، حتي احتاجت الي رفد الناس، ويروي ان الناسور كان في فرجها، وترّدي جعفر بن المأمون في بئر فاخرج ميتاً، وكان سكراناً.

ابو الحسن الثالث علي بن محمد النقي الهادي

اشاره

والبدر الباهر ذو الشرف والكرم والمجد والايادي صلوات اللّه عليه ولد بصريا من المدينة للنصف من ذي الحجة سنة 212 اثنتي عشرة ومئتين وقيل يوم الجمعة ثاني رجب وقيل خامسه من تلك السنة.
امه المعظمة الجليلة سمانة المغربية. وفي الدر النظيم هي تعرف بالسيدة وتكني ام الفضل، قال: قال محمد بن الفرج بن ابراهيم بن عبد اللّه بن جعفر: دعاني ابو جعفر الجوا (عليه السلام) فاعلمني ان قافلة قد قدمت فيها نخاس معه جواري ودفع الي ستين ديناراً وامرني بابتياع جارية، وصفها، فمضيت فعملت ما أمرني به، فكانت تلك الجارية ام ابي الحسن الهادي (عليه السلام).
وروي محمد بن الفرج وعلي بن مهزيار عن السيد [656] (عليه السلام) انه قال: امي عارفة بحقي وهي من اهل الجنة، لا يقربها شيطان مارد، ولا ينالها كيد جبار عنيد، وهي مكلوءة [657] بعين اللّه لا تنام، ولا تختلف عن امهات الصديقين والصالحين. انتهي.
وكان نقش خاتمه: اللّه ربّي وهو عصمتي من خلقه، وله ايضاً خاتم نقشه حفظ العهود من اخلاق المعبود.

في ذكر طرف من دلائل ابي الحسن الهادي واخباره وبراهينه وبيناته

روي الطبرسي عن ابن عياش بسنده عن ابي هاشم الجعفري، قال: كنت بالمدينة حين مر بها بغا [658] ايام الواثق في طلب الاعراب، فقال ابو الحسن (عليه السلام): اخرجوا بنا حتي ننظر الي تعبئة هذا التركي، فخرجنا فوقفنا فمرت بنا تعبئته، فمر بنا تركي فكلمه ابو الحسن (عليه السلام) بالتركية فنزل عن فرسه فقبل حافر دابته، قال فحلفت التركي وقلت له: ما قال لك الرجل؟ قال هذا نبي؟ قلت ليس هذا بنبي، قال دعاني باسم سميت به في صغري في بلاد الترك، ما علمه احد الي الساعة.
وعنه ايضاً عن ابي هاشم الجعفري، قال: دخلت علي ابي الحسن (عليه السلام) فكلمني بالهندية، فلم احسن ان ارد عليه، وكان بين يديه ركوة ملئت حصيً، فتناول حصاة واحدة ووضعها في فيه فمصها ملياً ثم رمي بها اليَّ فوضعتها في فمي، فواللّه ما برحت من عنده حتي تكلمت بثلاثة وسبعين لساناً اولها الهندية.
وروي الشيخ عن كافور الخادم قال: قال لي الإِمام علي بن محمد (عليهما السلام)، اترك لي السطل الفلاني في الموضع الفلاني لأتطهَّر منه للصلاة، وانفذني في حاجة، وقال اذا عدت فافعل ذلك ليكون معدّاً اذا تاهبت للصلاة، واستلقي (عليه السلام) لينام، ونسيت ما قال لي، وكانت ليلة باردة فأحسست به وقد قام الي الصلاة، وذكرت انني لم اترك السطل، فبعدت عن الموضع خوفاً من لومه وتألمت له حيث يشقي بطلب الإناء فناداني نداء مغضب، فقلت إنا للّه ايش [659] عذري ان اقول نسيت مثل هذا، و لم اجد بداً من اجابته فجئت مرعوباً، فقال: يا ويلك اما عرفت رسمي انني لا اتطهر الا بماء بارد فسخنت لي ماء فتركته في السطل، فقلت و اللّه يا سيدي ما تركت السطل ولا الماء، قال الحمد للّه واللّه لا تركنا رخصته و لا رددنا منحه، الحمد للّه الذي جعلنا من اهل طاعته، ووفقنا للعون علي عبادته، ان النبي (صلي اللّه عليه و آله وسلم) يقول: ان اللّه يغضب علي من لا يقبل رخصته.
الشيخ الصدوق عن ابي هاشم الجعفري: قال اصابتني ضيقة شديدة، فصرت الي ابي الحسن بن علي بن محمد (عليه السلام) فاذن لي، فلما جلست قال: يا أبا هاشم أي نعم اللّه عز وجل عليك تريد ان تؤدي شكرها؟ قال ابو هاشم فوجمت فلم ادر ما اقول له، فابتدأ (عليه السلام) فقال: رزقك الايمان فحرم به بدنك علي النار، ورزقك العافية فاعانتك علي الطاعة، ورزقك القنوع فصانك عن التبذل، يا ابا هاشم انما ابتدأتك بهذا لأني ظننت انك تريد ان تشكو لي من فعل بك هذا، و قد امرت لك بمئة دينار فخذها.
الطبرسي عن محمد بن الحسن الاشتر العلوي: قال كنت مع ابي علي باب المتوكل وانا صبّي في جمع من الناس ما بين طالبي الي عباسي و جعفري، و نحن وقوف اذ جاء ابو الحسن (عليه السلام) ترجل الناس كلهم حتي دخل، فقال بعضهم لبعض لِمَ نترجل لهذا الغلام؟ وما هو بأشرفنا ولا بأكبرنا ولا باسنِّنا، والله لا ترجلنا له، فقال ابو هاشم الجعفري والله لتترجلن له صغرة اذا رأيتموه، فما هو الا ان اقبل وبصروا به حتي ترجل له الناس كلهم فقال لهم ابو هاشم اليس زعمتم انكم لا تترجلون له فقالوا له واللّه ما ملكنا انفسنا حتي ترجلنا.
وروي ان ابا هاشم شكا الي مولانا ابي الحسن علي بن محمد (عليه السلام) ما يلقي من الشوق اليه اذا انحدر من عنده الي بغداد، وقال له:
يا سيدي ادع اللّه لي فما لي مركوب سوي برذوني هذا علي ضعفه، فقال قواك اللّه يا ابا هاشم وقوي برذونك، قال فكان ابو هاشم يصلّي الفجر ببغداد ويسير علي البرذون فيدرك الزوال من يومه ذلك عسكر سُرَّ من رأي ويعود من يومه الي بغداد اذا شاء علي ذلك البرذون بعينه، فكان هذا من اعجب الدلائل التي شوهدت.
اقول: ابو هاشم الجعفري هو داود بن القاسم بن اسحاق بن عبد اللّه بن جعفر بن ابي طالب (عليه السلام) البغدادي الثقة الجليل الذي ادرك الرضا والجواد والهادي والعسكري وصاحب الأمر عليهم السلام). وقد اشرنا اليه عند ولادة الصادق (عليه السلام)، وكان عظيم المنزلة عندهم (عليهم السلام). وقد روي عنهم كلهم، وله اخبار ومسائل، وله شعر جيد فيهم، ومن شعره في ابي الحسن الهادي (عليه السلام) وقد اعتل:
مادت [660] الأرض بي وآدت [661] فؤادي
واعترتني موارد العرواء
حين قيل الإِمام نضو [662] عليل
قلت نفسي فدته كل الفداء
مرض الدين لاعتلالك واعت
ل وغارت [663] له نجوم السماء
عجباً ان منيت بالداء والسق
م وانت الامام حسم الداء
انت آسي [664] الادواء [665] في الدين
والدنيا ومحيي الأموات والاحياء
القطب الراوندي عن جماعة من اهل الصفهان، قالوا: كان باصفهان رجل يقال له عبد الرحمان وكان شيعياً، قيل له ما السبب الذي وجب عليك القول بامامة علي النقي (عليه السلام) دون غيره من الزمان؟ قال شاهدت ما اوجب ذلك عليَّ وهو أنّي كنت رجلاً فقيراً وكان لي لسان وجرأة فأخرجني اهل اصفهان سنة من السنين (فخرجت خ) مع قوم آخرين الي باب المتوكل متظلمين، فكنا بباب المتوكل يوماً اذ خرج الأمر باحضار علي بن محمد بن الرضا (عليه السلام)، فقلت لبعض من حضر من هذا الرجل الذي قد امر باحضاره؟ فقيل هذا رجل علوي تقول الرافضة بإمامته، ثم قال ويقدَّر ان المتوكِّل يحضره للقتل، فقلت لا ابرح من‌ها هنا حتي انظر الي هذا الرجل، أيّ رجل هو، قال فأقبل راكباً علي فرس وقد قام الناس يمنة الطريق ويسرتها صفين ينظرون اليه، فلما رأيته وقع حبه في قلبي، فجعلت ادعو له في نفسي بان يدفع اللّه عنه شر المتوكل، فاقبل يسير بين الناس وهو ينظر علي عرف [666] دابته لا ينظر يمنة ولا يسرة وانا اكرر في نفسي الدعاء له، فلما صار بازائي اقبل بوجهه اليَّ (علي خ د) وقال: قد استجاب اللّه دعاءك وطوَّل عمرك وكثر مالك وولدك، قال فارتعدت من هيبتته ووقعت بين اصحابي فسألوني وهم يقولون ما شأنك؟ فقلت خيراً ولم اخبر بذلك مخلوقاً، فانصرفنا بعد ذلك الي اصفهان، ففتح اللّه عليّ بدعائه وجوهاً من المال حتي انا اليوم أغلق بابي علي ما قيمته الف الف درهم سوي مالي خارج داري، ورزقت عشرة من الاولاد، وقد بلغت الآن من عمري نيفاً و سبعين سنة، وانا اقول بامامة الرجل علي الذي علم ما في قلبي واستجاب اللّه دعاءه في امري.
وروي عن هبة اللّه بن ابي منصور الموصولي انه قال: كان بديار ربيعة كاتب نصراني وكان من اهل كفر توثا [667] يسمي يوسف بن يعقوب وكان بينه وبين والدي صداقة، قال: فوافانا فنزل عند والدي، فقلت (فقال د) له ما شأنك قدمت في هذا الوقت، قال دعيت الي حضرة المتوكل ولا ادري ما يراد مني الا أنّي اشتريت نفسي من اللّه بمئة دينار قد حملتها لعلي بن محمد بن الرضا (عليهم السلام) معي، فقال له والدي: قد وفقت في هذا، قال: وخرج الي حضرة المتوكل وانصرف الينا بعد ايام قلائل فرحاً مستبشراً، فقال له والدي: حدثني حديثك، قال صرت الي سر من رأي وما دخلتها قط، فنزلت في واد وقلت احب ان اوصل المئة الدينار الي ابن الرضا (عليه السلام) قبل مصيري الي باب المتوكل وقبل ان يعرف احد قدومي، قال فعرفت ان المتوكل قد منعه من الركوب وانه ملازم لداره، فقلت كيف اصنع؟ رجل نصراني يسأل عن دار ابن الرضا (عليه السلام)؟ لا آمن ان يبدر بي فيكون ذلك زيادة فيما احاذره، قال: ففكرت ساعة في ذلك، فوقع في قلبي ان اركب حماري واخرج في البلد ولا امنعه من حيث يذهب لعلي اقف علي معرفة داره من غير ان أسأل احداً، قال فجعلت الدنانير في كاغذة وجعلتها في كمي وركبت، فكان الحمار يتخرق الشوارع والاسواق يمر حيث يشاء الي ان صرت الي باب دار فوقف الحمار، فجهدت ان يزول فلم يزل، فقلت للغلام سل لمن هذه الدار، فقيل هذه دار ابن الرضا (عليه السلام)، فقلت: اللّه اكبر دلالة مقنعة، قال واذا خادم اسود قد خرج فقال: أنت يوسف بن يعقوب؟ قلت نعم، قال انزل، فنزلت فاقعدني في الدهليز فدخل، فقلت في نفسي: هذه دلالة اخري، من اين عرف هذا الغلام اسميُ وليس في هذا البلد من يعرفني ولا دخلته قط، فخرج الخادم فقال مئة دينار التي في كمك في الكاغذة هاتها، فناولته اياها، قلت وهذه ثالثة، ثم رجع اليَّ، و قال: ادخل فدخلت اليه، وهو في مجلسه وحده فقال يا يوسف ما ان لك؟ فقلت يا مولاي قد بان لي من البرهان ما فيه كفاية لمن اكتفي، فقال هيهات انك لا تسلم ولكن سيسلم ولدك فلان وهو من شيعتنا، يا يوسف ان اقواما يزعمون ان ولايتنا لا تنفع امثالكم، كذبوا، واللّه انها لتنفع امثالك، امض فيما وافيت له فانك ستري ما تحب وسيولد لك ولد مبارك، قال فمضيت الي باب المتوكل فنلت كل ما اردت فانصرفت، قال هبة اللّه: فلقيت ابنه بعد هذا (يعني بعد موت والده) وهو مسلم حسن التشيع، فاخبرني ان اباه مات علي النصرانية وانه اسلم بعد موت ابيه، و كان يقول انا بشارة مولاي (عليه السلام).
روي السيد بن طاوس في امان الاخطار عن ابي محمد القاسم بن العلا، قال: حدثنا خادم لعلي بن محمد (عليه السلام) قال استأذنته في الزيارة الي طوس، فقال لي: يكون معك خاتم فصه عقيق اصفر عليه ما شاء اللّه لا قوة الا باللّه استغفر اللّه وعلي الجانب الآخر محمد وعليّ فانه امان من القطع واتم للسلامة واصون لدينك، قال: فخرجت واخذت خاتماً علي الصفة التي امرني بها ثم رجعت اليه، فقال يا صافي قلت لبيك يا سيدي، قال ليكن معك خاتم آخر فيروزجفانه يلقاك في طريقك اسد بين طوس و نيسابور فيمنع القافلة من المسير فتقدم اليه وأره الخاتم وقل له: مولاي يقول لك تنح عن الطريق، ثم قال ليكن نقشه اللّه الملك وعلي الجانب الآخر الملك للّه الواحد القهار فأنه خاتم امير المؤمنين علي (عليه السلام) كان عليه: اللّه الملك، فلما ولي الخلافة نقش علي خاتمه الملك للّه الواحد القهار و كان فصه فيروزج وهو امان من السباع خاصة وظفر في الحروب، قال الخادم فخرجت في سفري فلقيني واللّه السبع ففعلت ما امرت ورجعت وحدثته، فقال لي: بقيت عليك خصلة لم تحدثني بها ان شئت حدثتك بها، فقلت يا سيدي لعلي نسيتها، فقال: نعم، بت ليلة بطوس عند القبر. فصار الي القبر قوم من الجن لزيارته فنظروا الي الفص في يدك فقرأوا نقشه فأخذوه من يدك وصاروا الي عليل لهم وغسلوا الخاتم بالماء وسقوه ذلك الماء فبرئ وردوا الخاتم اليك، وكان في يدك اليمني فصيروه في يدك اليسري، فكثر تعجبك من ذلك ولم تعرف السبب فيه، ووجدت عند رأسك حجر ياقوت فاخذته وهو معك فاحمله الي السوق فانك ستبيعه بثمانين ديناراً، فحملته الي السوق وبعته بثمانين ديناراً كما قال سيدي (منه) في الحاشية.
وعن زرارة حاجب المتوكل، قال: وقع رجل مشعبذ من ناحية الهند الي المتوكل يلعب بالحق لم ير مثله، وكان المتوكل لعاباً [668] فاراد ان يخجل علي ابن محمد بن الرضا (عليه السلام)، فقال لذلك الرجل: ان انت اخجلته اعطيتك الف دينار ركنية قال: تقدم بان يخبز دقاق خفاف واجعلها علي المائدة واقعدني الي جنبه، ففعل واحضر عليّ بن محمد (عليهما السلام)، وكانت له مسورة عن (علي خ د) يساره كان عليها صورة اسد، وروي انه كان علي باب من الابواب ستر وعليه صورة اسد، وجلس اللاعب الي جانب المسورة وقدم الطعام، فمد علي بن محمد (عليه السلام) يده الي دقاقة فطيرها المشعبذ في الهواء، فمد (عليه السلام) يده الي اخري فطيرها، فتضاحك الناس، فضرب علي بن محمد (عليه السلام) يده علي تلك الصورة التي علي المسورة وقال خذ عدو اللّه، فوثبت تلك الصورة من المسورة فابتلعت الرجل اللاعب وعادت في المسورة كما كانت، فتحيَّر الجميع، فنهض علي بن محمد (عليه السلام) ليمضي، فقال المتوكل سألتك الا جلست ورددته، فقال واللّه لا يري بعدها، اتسلط اعداء اللّه علي اولياء اللّه، وخرج من عنده فلم ير الرجل بعد ذلك.
وروي ان المتوكل امر العسكر وهم تسعون الف فارس من الاتراك الساكنين بسر من رأي ان يملأ كل واحد مخلاة فرسه من الطين الأحمر ويجعل (ويجعلوا خ د) بعضه علي بعض في وسط برية واسعة هناك، فلما فعلوا ذلك صار مثل جبل عظيم واسمه تل المخالي، صعد فوقه واستدعي ابا الحسن (عليه السلام) واستصعده وقال استحضرتك لنظارة خيولي، وقد كان امرهم ان يلبوا التجافيف، [669] ويحملوا الاسلحة، وقد عرضوا باحسن زينة وأتم عدد وعظم هيبة، وكان غرضه ان يكسر قلب كل من يخرج عليه، و كان خوفه من ابي الحسن (عليه السلام) ان يأمر احدا من اهل بيته ان يخرج علي الخليفة، فقال له ابو الحسن (صلوات اللّه عليه) وهل (تريد ان) اعرض عليك عسكري؟ قال نعم فدعا اللّه سبحانه فإذا بين السماء والأرض من المشرق والمغرب ملائكة مدججون [670] فغشي علي الخليفة، فلما افاق قال له ابو الحسن (عليه السلام) نحن لا ننافسكم في الدنيا، نحن مشتغلون بأمر الآخرة، فلا عليك مني مما تظن بأس.
الدر النظيم، قال محمد بن يحيي، قال: يحيي بن اكثم: في مجلس الواثق و الفقهاء بحضرته، من حلق رأس آدم (عليه السلام) حين حج؟ فتعايي القوم [671] عن الجواب، فقال الواثق انا احضركم من ينبئكم بالخبر، فبعث الي علي بن محمد الهادي (عليه السلام) فاحضره، فقال له يا ابا الحسن من حلق رأس آدم حين حج؟ فقال سألتك يا امير المؤمنيين إلا أعفيتني، قال اقسمت لتقولن، قال: اما اذا ابيت فان ابي حدثني عن جدي، عن ابيه عن جدَّه قال: قال رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم)، أمر جبرائيل ان ينزل بياقوتة من الجنة فهبط بها فمسح بها رأس آدم فتناثر الشعر منه، فحيث بلغ نورها صار حرماً.
روي الاربلي ان ابا الحسن (عليه السلام) خرج يوماً من سر من رأي الي قرية، لمهّم عرض له، فجاء رجل من الاعراب يطلبه، فقيل له: قد ذهب الي الموضع الفلاني، فقصده، فلما وصل اليه قال (عليه السلام) له: ما حاجتك؟ فقال انا رجل من اعراب الكوفة المتمسكين بولاء جدِّك عليّ بن ابي طالب (عليه السلام) وقد ركبني دين فادح [672] اثقلني حمله، ولم أر من اقصده لقضائه سواك، فقال له ابو الحسن (عليه السلام) طب نفساً وقر عيناً، ثم انزله فلما اصبح ذلك اليوم قال له ابو الحسن (عليه السلام): اريد منك حاجة، اللّه اللّه ان تخالفني فيها، فقال الأعرابي لا أخالفك، فكتب ابو الحسن (عليه السلام) ورقة بخطه معترفاً فيها ان عليه للاعرابي مالاً عينه فيها يرجح علي دينه، وقال خذا هذا الخط فاذا وصلت الي سر من رأي احضر الي وعندي جماعة، فطالبني به واغلظ القول علي في ترك ابقائك اياه، اللّه اللّه في مخالفتي، فقال افعل واخذ الخط، فلما وصل ابوالحسن (عليه السلام) الي سر من رأي وحضر عنده جماعة كثيرون من اصحاب الخليفة، وغيرهم، حضر ذلك الرجل واخرج الخط وطالبه، وقال: كما أوصاه، فألان [673] ابو الحسن (عليه السلام) له القول ورفقه وجعل يعتذر اليه ووعده بوفائه وطيبة نفسه، فنقل ذلك الي الخليفة المتوكل فامر ان يحمل الي ابي الحسن (عليه السلام) ثلاثون الف درهم، فلما حملت اليه تركها الي ان جاء الرجل، فقال: خذ هذا المال فاقض منه دينك، وانفق الباقي علي عيالك واهلك، واعذرنا فقال له الاعرابي: ياابن رسول اللّه و اللّه ان أملي كان يقصر عن ثلث هذا ولكن الّله اعلم حيث يجعل رسالته، واخذ المال و انصرف، وهذه منقبة من سمعها حكم له بمكارم الاخلاق، قلت ويشبه هذا ما روي عن الديلمي في كتاب اعلام الوري عن ابي امامة: ان رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) قال ذات يوم لاصحابه الا احدثكم عن الخضر؟ قالوا بلي يا رسول اللّه، قال بينا هو يمشي في سوق من اسواق بني اسرائيل، اذ بصر به مسكين فقال تصدق عليَّ بارك اللّه فيك، قال الخضر آمنت باللّه، ما يقضي اللّه يكون، ما عندي من شيء اعطيكه، قال المسكين بوجه اللّه لما تصدقت عليَّ، اني رأيت الخير في وجهك ورجوت الخير عندك، قال الخضر (عليه السلام) آمنت باللّه، انك سألتني بامر عظيم، ما عندي من شيء اعطيكه الا ان تأخذني فتبيعني، قال المسكين و هل يستقيم هذا، قال: الحق اقول لك، انك سألتني بأمر عظيم، سألتني بوجه ربي عز وجل، اما اني لا اخيبك في مسألتي بوجه ربّي، فبعني، فقدمه الي السوق فباعه باربعمئة درهم فمكث عند المشتري زماناً لا يستعمله في شيء، فقال الخضر (عليه السلام) انما ابتعتني التماس خدمتي فمرني بعمل، قال: اني اكره ان اشق عليك، انك شيخ كبير، قال: لست تشق عليَّ، قال فقم فانقل هذه الحجارة، قال وكان لا ينقلها دون ستة نفر في يوم، فقام فنقل الحجارة في ساعته، فقال له احسنت واجملت واطقت ما لم يطقه احد، قال: ثم عرض للرجل سفر فقال إنِّي احسبك أميناً فاخلفني في أهلي خلافة حسنة، وانِّي اكره ان اشق عليك، قال: لست تشق عليَّ، قال: فاضرب من اللبن شيئاً حتي ارجع اليك، قال فخرج الرجل لسفره ورجع و قد شيد بناء فقال له الرجل اسألك بوجه اللّه ما حسبك و ما أمرك؟ قال إنّك سألتني بامر عظيم، بوجه اللّه عز وجل، ووجه اللّه اوقعني في العبودية، و سأخبرك من انا، انا الخضر الذي سمعت به، سألني مسكين صدقة ولم يكن عندي شيء اعطيه، فسألني بوجه اللّه [674] عز وَجل فراد سائله و هو قادر علي ذلك وقف يوم القيامة ليس لوجهه جلد و لا لحم و لا دم الا عظم يتقعقع [675] قال الرجل شققت عليك ولم اعرفك، قال لا بأس اتقيت واحسنت، قال: بأبي انت وامّي احكم في اهلي ومالي بما أراك اللّه عز وجلّ، ام اخيرك فاخلي سبيلك، قال احب اليَّ ان تخلي سبيلي فاعبد اللّه علي سبيله، فقال الخضر: الحمد للّه الذي اوقعني في العبودية فأنجاني منها.

في نبذ من كلامه

قال: من رضي عن نفسه كثر الساخطون عليه. و قال: راكب الحرون [676] اسير نفسه والجاهل اسير لسانه. وقال: الناس في الدنيا بالاموال وفي الآخرة بالاعمال. وقال: المصيبة للصابر واحدة وللجازع اثنتان، وقال: الهزل (الهزء خ د) فكاهة السفهاء وصناعة الجهال، وقال: السهر الذُّ للمنام والجوع يزيد في طيب الطعام، يريد به الحث علي قيام الليل وصيام النهار. وقال: اذكر مصرعك بين يدي اهلك، فلا طبيب يمنعك ولا حبيب ينفعك. وقال: المقادير تريك ما لا يخطر ببالك. وقال لرجل وقد اكثر من افراط الثناء عليه: اقبل علي شأنك، فان كثرة الملق [677] يهجم علي الظنة، واذا حللت من اخيك، في محل الثقة فاعدل عن الملق الي حسن النية. وقال: الحكمة لا تنجع [678] في الطباع الفاسدة. وقال: اذا كان زمان العدل فيه اغلب من الجود فحرام ان تظن باحد سوءاً حتي تعلم ذلك، واذا كان زمان الجور فيه اغلب من العدل فليس لأحد ان يظن باحد خيرا حتي يري ذلك، منه.
عن سهل بن زياد قال: كتب اليه بعض اصحابنا يسأله ان يعلمه دعوة جامعة للدنيا والآخرة، فكتب اليه: اكثر من الاستغفار و الحمد، فانك تدرك بذلك الخير كله.
وقال للمتوكل في جواب كلام دار بينهما لا تطلب الصفاء ممن كدرت عليه، ولا الوفاء ممن غدرت به، ولا النصح ممن صرفت سوء ظنك اليه فانما قلب غيرك كقلبك له، الي غير ذلك. ومن أراد أن يقف علي الكلمات الصادرة عن جنابه فعليه بالزيارة الجامعة الكبيرة المروية عنه (سلام اللّه عليه)، فانها كما قال العلامة المجلسي اصح الزيارات سنداً وافصحها لفظاً وابلغها معنيً واعلاها شأناً.

فيما جري بين ابي الحسن الهادي وبين بعض خلفاء زمانه

اشخص ابا الحسن (عليه السلام) المتوكل من المدينة الي سر من رأي، و كان السبب في ذلك، ان عبد اللّه بن محمد، وكان والي المدينة سعي به (عليه السلام) اليه،فكتب المتوكل اليه كتاباً، يدعو به فيه الي حضور العسكر علي جميل من القول، وبعث يحيي بن هرثمة ثلاثمئة رجل لاشخاصه من طريق البادية، وقد رأي يحيي منه (عليه السلام) في ايام المصاحبة معه من الدلائل والآيات ما لا يتحملها المقام.
روي المسعودي عن يحيي بن هرثمة، قال وجهني المتوكل الي المدينة لإشخاص علي بن محمد (عليه السلام) لشيء بلغه عنه، فلما صرت اليها ضج اهلها، وعجوا ضجيجاً وعجيجاً، ما سمعت مثله، فجعلت أسكنهم وأحلف اني لم أؤمر فيه بمكروه، وفتشت بيته فلم اصب فيه الا مصحفاً [679] ودعاءً وما اشبه ذلك، فاشخصته وتوليت خدمته واحسنت عشرته، فبينا انا في يوم من الايام والسماء صاحية والشمس طالعة اذ ركب وعليه ممطر وقد عقد ذنب دابته، فعجبت من فعله فلم يكن بعد ذلك الا هنيهة حتي جاءت سحابة فارخت عزاليها [680] ونالنا من المطر امر عظيم جداً، فالتفت اليَّ، وقال: انا اعلم انك انكرت ما رأيت، وتوهمت اني علمت من الامر ما لا تعلمه، وليس ذلك كما ظننت، ولكني نشأت بالبادية فانا اعرف الرياح التي يكون في عقبها المطر، فلما اصبحت هبت ريح لا تخلف، وشممت منها رائحة المطر، فتأهبت لذلك، فلما قدمت مدينة السلام بدأت باسحاق بن ابراهيم الطاطري وكان علي بغداد، فقال يا يحيي ان هذا الرجل قد ولده رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) والمتوكل من تعلم، وان حرضته علي قتله كان رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) خصمك فقلت واللّه ما وقفت منه الا علي كل امر جميل، فصرت الي سامراء فبدأت بوصيف التركي، وكنت من اصحابه، فقال: واللّه لئن سقطت من رأس هذا الرجل شعرة لا يكون المطالب بها غيري، فعجبت من قولهما وعرَّفت المتوكل ما وقفت عليه وما سمعته من الثناء عليه، فاحسن جائزته واظهر بره وتكرمته. انتهي.
وقال في اثبات الوصية حدَّث ابو عبد اللّه محمد بن احمد الحلبي القاضي قال: حدثني الخضر بن محمد البزاز، وكان شيخاً، مستوراً ثقة يقبله القضاة والناس: قال: رأيت في المنام كأني علي شاطئ دجلة بمدينة السلام في رحبة الجسر [681] والناس مجتمعون خلقاً كثيراً يزحم بعضهم بعضاً وهم يقولون قد اقبل بيت اللّه الحرام فبينا نحن كذلك اذ رأيت البيت بما عليه من الستائر الديباج والقباطي [682] قد اقبل ماداً علي الأرض يسير حتي عبر الجسر من الجانب الغربي الي الجانب الشرقي والناس يطوفون به وبين يديه حتي دخل دار خزيمة الي ان قال: فلما كان بعد أيام خرجت في حاجة حتي انتهيت الي الجسر، فرأيت الناس مجتمعين، وهم يقولون قد قدم ابن الرضا (عليه السلام) من المدينة فرأيته قد عبر من الجسر علي شهري تحته كبير، يسير عليه سيراً رفيقاً، والناس بين يديه وخلفه، وجاء حتي دخل دار خزيمة بن حازم فعلمت انه تأويل الرؤيا التي رأيتها، ثم خرج الي سر من رأي انتهي.
وقال الشيخ الطبرسي، (رضي اللّه عنه)، فلما وصل إلي سرَّ من رأي تقدم المتوكل ان يحتجب عنه في منزله، فنزل في خان يعرف بخان الصعاليك [683] فقام فيه يومه، ثم تقدم المتوكل بإفراد دار له فانتقل اليها، ثم روي عن صالح بن سعيد، قال: دخلت علي ابي الحسن (عليه السلام) في يوم وروده فقلت له جعلت فداك في كل الامور أرادوا اطفاء نورك، والتقصير بك، حتي انزلوك هذا الخان الاشنع، خان الصعاليك، فقال‌ها هنا انت يا بن سعيد ثم اومأ بيده فاذا بروضات انقات [684] وانهار جاريات فيها خيرات عطرات وولدان كانهن اللؤلؤ المكنون فحار بصري وكثر عجبي، فقال: حيث كنا فهذا يا ابن سعيد لسنا في خان الصعاليك.
وفي اثبات الوصية روي انه (عليه السلام) دخل دار المتوكل فقام يصلي فاتاه بعض المخالفين فوقف حياله فقال له: الي كم هذا الرياء؟ فاسرع الصلاة وسلم، ثم التفت اليه فقال: ان كنت كاذباً سحتك اللّه، فوقع الرجل ميتا فصار حديثاً في الدار.
وروي عنه (عليه السلام) قال: اخرجت الي سر من رأي كرهاً ولو أخرجت عنها أخرجت كرهاً، قيل ولم يا سيدي؟ قال لطيب هوائها وعذوبة مائها وقلة دائها.
الشيخ المفيد عن ابن قولويه عن الكليني عن علي بن محمد عن ابراهيم بن محمد الطاهري، قال: مرض المتوكل من خرّاج [685] خرج به فأشرف منه علي الموت، فلم يجسر احد ان يسِمه بحديدة، فنذرت أمه إن عوفي ان تحمل الي ابي الحسن علي بن محمد (عليه السلام) مالاً جليلاً من مالها وقال له الفتح بن خاقان لو بعثت الي هذا الرجل يعني ابا الحسن (عليه السلام) فسألته فإنه ربما كان عنده صفة شيء يفرج اللّه به عنك، فقال ابعثوا اليه فمضي الرسول ورجع، فقال: خذوا كسب [686] الغنم فديفوه [687] بماء الورد وضعوه علي الخراج فانه نافع، باذن اللّه، فجعل من يحضر المتوكل يهزأ من قوله، فقال لهم الفتح: وما يضر من تجربة ما قال، فواللّه اني لأرجو الصلاح به، فاحضر الكسب وديف بماء الورد ووضع علي الخراج فانفتح وخرج ما كان فيه وسرّت أم المتوكل بعافيته فحملت الي ابي الحسن (عليه السلام) عشرة آلاف دينار تحت ختمها واستقل [688] المتوكل من علته، فلما كان بعد أيام، سعي البطحائي بأبي الحسن (عليه السلام) الي المتوكل، وقال عنده اموال وسلاح فتقدم المتوكل الي سعيد الحاجب، ان يهجم عليه ليلاً ويأخذ ما يجده عنده من الأموال والسلاح ويحمل اليه، قال ابراهيم بن محمد، قال لي سعيد الحاجب: صرت الي دار ابي الحسن (عليه السلام) بالليل ومعي سلم فصعدت منه الي السطح ونزلت من الدرجة الي بعضها في الظلمة فلم ادر كيف أصل الي الدار فناداني ابو الحسن (عليه السلام) من الدار يا سعيد مكانك، حتي يأتوك بشمعة، فلم ألبث ان آتوني بشمعة فنزلت فوجدت عليه جبة صوف وقلنسوة منها، وسجادته علي حصير بين يديه، وهو مقبل علي القبلة، فقال لي: دونك البيوت، فدخلتها وفتشتها فلم اجد فيها شيئاً ووجدت البدرة مختومة بخاتم ام المتوكل، وكيساً مختوماً معها، فقال لي ابو الحسن (عليه السلام): دونك المصلي فرفعته فوجدت سيفاً في جفن ملبوس، فاخذت ذلك، وصرت اليه، فلما نظر الي خاتم امه علي البدرة بعث اليها فخرجت اليه فسألها عن البدرة فأخبرني بعض خدم الخاصة انها قالت: كنت نذرت في علتك ان عوفيت ان أحمل اليه من مالي عشرة آلاف دينار فحملتها اليه وهذا خاتمي علي الكيس، ما حركه، وفتح الكيس الآخر فاذا فيه أربعمئة دينار فأمر أن يضم الي البدرة بدرة اخري، وقال لي: احمل ذلك الي ابي الحسن (عليه السلام) واردد عليه السيف والكيس بما فيه فحملت ذلك اليه واستحييت منه، فقلت له: يا سيدي عزَّ عليَّ دخولي دارك بغير اذنك، ولكني مأمور، فقال لي وسيعلم الذين ظلموا أيَّ منقلب ينقلبون.

في ذكر ما جري بين علي الهادي والمتوكل وهجوم الاتراك عليه

كان المتوكل يجتهد في ايقاع حيلة بعلي بن محمد (عليه السلام)، ويعمل علي الوضع من قدره في عيون الناس، فلا يتمكن من ذلك، وله معه احاديث يطول بذكرها الكتاب، فيها آيات له (عليه السلام) ودلالات فلا بأس بذكر بعضها رجاء ان يملأ اللّه تعالي به صحائفنا من الحسنات.
منها ما رواه القطب الراوندي عن أبي سعيد سهل بن زياد قال: حدثنا ابو العباس فضل بن احمد بن اسرائيل الكاتب ونحن في داره بسامراء فجري ذكر ابي الحسن (عليه السلام)، فقال: يا ابا سعيد اني احدثك بشيء حدثني به ابي، قال: كنا مع المعتز وكان ابي كاتبه، فدخلنا الدار واذا المتوكل علي سريره قاعد فسلم المعتز ووقف ووقفت خلفه، وكان عهدي به اذا دخل رحب به ويأمره بالقعود فاطال القيام وجعل يرفع رجلا ويضع اخري، وهو لا يأذن له بالقعود، ونظرت الي وجهه يتغير ساعة ويقبل الفتح بن خاقان ويقول: هذا الذي تقول فيه ما تقول ويردد عليه القول، والفتح مقبل عليه يسكنه ويقول مكذوب عليه يا امير المؤمنين، وهو يتلظّي ويقول: واللّه لاقتلن هذا المرائي وهو الذي يدَّعي الكذب ويطعن في دولتي، ثم قال جئني باربعة من الخزر جلاف [689] لا يفقهون فجيء بهم ودفع اليهم اربعة اسياف وامرهم ان يرطنوا بألسنتهم اذ دخل ابو الحسن (عليه السلام) ويقبلوا عليه باسيافهم فيخبطوه وهو يقول واللّه لأحرقنه بعد القتل، وانا منتصب قائم خلف المعتز، من وراء الستر، فما علمت الا بأبي الحسن (عليه السلام) قد دخل وقد بادر الناس قدامه وقالوا قد جاء، والتفت فاذا انا به وشفتاه يتحركان وهو غير مكروب ولا جازع، فلما بصر به المتوكل رمي بنفسه عن السرير اليه وسبقه وانكب عليه فقبل ما بين عينيه ويديه وسيفه بيده، وهو يقول: يا سيدي يا ابن رسول اللّه يا خير خلق الله، يا ابن عمي، يا مولاي يا ابا الحسن، وابو الحسن (عليه السلام) يقول اعيذك يا امير المؤمنين باللّه، اعفني من هذا، فقال ما جاء بك يا سيدي في هذا الوقت؟ قال جاءني رسولك، فقال: المتوكل يدعوك، ثم قال: كذب ابن الفاعلة ارجع يا سيدي من حيث شئت، يا فتح يا عبد اللّه يا معتز شيعوا سيِّدكم وسيِّدي، فلما بصر به الخزر خروا سجَّداً مذعنين [690] فلما خرج دعاهم المتوكل ثم امر الترجمان ان يخبره بما يقولون، ثم قال لهم: لِمَ لم تفعلوا ما امرتكم به؟ قالوا: شدة هيبته، رأينا حوله أكثر من مئة سيف لم نقدر أن نتأملهم فمنعنا ذلك عما أمرت به وامتلأت قلوبنا من ذلك رعباً، فقال المتوكل يا فتح هذا صاحبك، وضحك الفتح في وجهه، فقال: الحمد للّه الذي بيَّض وجهه وأنار حجته.
ومنها ما رواه المسعودي عن محمد بن عرفة النحوي عن المبرد، قال: قال المتوكل لأبي الحسن علي بن محمد بن علي بن موسي بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب (عليهم السلام): ما يقول ولد أبيك في العباس بن عبد المطلب؟ قال: وما يقول ولد ابي يا امير المؤمنين في رجل افترض اللّه طاعه نبيه علي خلقه وافترض طاعته علي نبيه، فأمر له بمئة الف درهم، وانما أراد ابو الحسن (عليه السلام) طاعة اللّه علي نبيِّه فعرض، فظن المتوكل انه (عليه السلام) أراد من طاعته علي نبيه طاعة عمه العباس وانما أراد (عليه السلام) طاعة اللّه تعالي لا طاعة عمه.
وقد كان سُعي بأبي الحسن عليّ بن محمد (عليه السلام) الي المتوكل وقيل له: ان في منزله سلاحاً وكتباً وغيرها من شيعته فوجه اليه ليلاً من الاتراك وغيرهم من هجم عليه في منزله، علي غفلة ممن في داره، فوجده في البيت وحده، مغلق عليه، وعليه مدرعة من شعر ولا بساط في البيت الا الرمل والحصي، وعلي رأسه ملحفة من الصوف متوجهاً الي ربه، يترنم بآيات من القرآن في الوعد والوعيد، فأخذ علي ما وجد عليه وحمل الي المتوكل في جوف الليل، فمثل بين يديه والمتوكل يشرب وفي يده كأس، فلما رآه اعظمه واجلسه الي جنبه، ولم يكن في منزله شيء مما قيل فيه، ولا حالة يتعلل عليه بها، فناوله المتوكل الكأس الذي في يده، فقال: يا امير المؤمنين ما خامر [691] لحمي ودمي قط، فاعفني منه، فعفاه وقال: انشدني شعراً استحسنه، فقال اني لقليل الرواية للاشعار، فقال لا بد أن تنشدني فانشده:
باتوا علي قلل الاجبال تحرسهم
غلب الرجال فما اغناهم القلل
واستنزلوا بعد عز عن معاقلهم [692].
فاودعوا حفراً يا بئس ما نزلوا
ناداهم صارخ من بعدما قبروا
اين الاسرة [693] والتيجان والحلل
اين الوجوه التي كانت منعمة؟
من دونها تضرب الاستار والكلل [694].
فأفصح القبر عنهم حين ساءلهم
تلك الوجوه عليها الدود يقتتل
قد طال ما اكلوا دهراً وما شربوا
واصبحوا بعد طول الاكل قد اكلوا
وطالما عمروا دوراً لتحصنهم [695].
ففارقوا الدور والاهلين وانتقلوا
وطالما كنزوا الاموال وادخروا
فخلفوها علي الاعداء وارتحلوا
اضحت منازلهم قفراً معطلة
وساكنوها الي الاجداث [696] قد رحلوا
قال فاشفق من حضر علي عليّ (عليه السلام) وظنوا ان بادرة [697] تبدر منه اليه، قال واللّه لقد بكي المتوكل بكاءً طويلاً حتي بلت دموعه لحيته، وبكي من حضره، ثم أمر برفع الشراب، ثم قال له يا ابا الحسن اعليك دين؟ قال نعم اربعة آلاف دينار، فأمر بدفعها اليه ورده الي منزله من ساعته مكرَّماً.
ومنها ما عن القطب الراوندي عن زرارة حاجب المتوكل، قال: اراد المتوكل ان يمشي علي بن محمد بن الرضا (عليهم السلام) يوم السلام فقال له وزيره: ان في هذا شناعة عليك وسوء قالة [698] فلا تفعل، قال: لا بد من هذا، قال: فان لم يكن بد من هذا فتقدم بأن يمشي القواد والاشراف كلهم حتي لا يظن الناس انك قصدته بهذا دون غيره، ففعل ومشي (عليه السلام) وكان الصيف، فوافي الدهليز وقد عرق، قال فلقيته واجلسته في الدهليز ومسحت وجهه بمنديل وقلت: ابن عمك لم يقصدك بهذا دون غيرك، فلا تجد عليه في قلبك، فقال: ايهاً [699] عنك، تمتعوا في داركم ثلاثة ايام ذلك وعد غير مكذوب، قال زرارة وكان عندي معلم يتشيع وكنت كثيراً ما امازحه بالرافضي فانصرفت الي منزلي وقت العشاء وقلت تعال يا رافضي حتي احدثك بشيء سمعته اليوم من إمامكم، قال لي وما سمعت؟ فاخبرته بما قال فقال: اقول لك فاقبل نصيحتي، قلت هاتها قال: ان كان علي بن محمد (عليه السلام) قال بما قلت فاحترز واخزن كل ما تملكه فان المتوكل يموت او يقتل بعد ثلاثة ايام، فغضبت عليه وشتمته وطردته من بين يديّ، فخرج فلما خلوت بنفسي تفكرت، وقلت: ما يضرني ان آخذ بالحزم، فان كان من هذا شيء كنت قد اخذت بالحزم، وان لم يكن لم يضرّني ذلك، قال فركبت الي دار المتوكل فاخرجت كل ما كان لي فيها، وفرقت كل ما كان في داري الي عند اقوام اثق بهم، ولم اترك في داري الا حصيراً اقعد عليه، فلما كانت الليلة الرابعة قتل المتوكل وسلمت، انا ومالي، وتشيعت عند ذلك فصرت اليه، ولزمت خدمته وسألته ان يدعو لي، وتواليته حق الولاية.
اقول وقصته (عليه السلام) مع زينب الكذَّابة بحضرة المتوكل ونزوله (عليه السلام) الي بركة السباع وتذللها له ورجوع زينب عما ادعته مشهورة، اغنانا شهرتها عن ذكرها.
قال القطب الراوندي وأما عليّ بن محمد الهادي (عليه السلام) فقد اجتمعت فيه خصال الإَمامة وتكامل فضله وعلمه وخصاله الخيِّرة، وكانت اخلاقه كلها خارقة للعادة كاخلاق آبائه وكان بالليل مقبلا علي القبلة لا يفتر ساعة وعليه جبة صوف وسجادته علي حصير، ولو ذكرنا محاسن شمائله لطال بها الكتاب. انتهي.
وقد تقدم ما نقلناه عن المسعودي مما يشهد لكلامه، وتقدم ايضاً انه لما دخل دار المتوكل قام يصلّي، فقال بعض المخالفين: الي كم هذا الرياء فوقع الرجل ميتاً.

في تاريخ وفاة ابي الحسن الهادي

قبض ابو الحسن علي بن محمد الهادي (عليه السلام) مسموماً بسر من رأي في يوم الاثنين ثالث رجب سنة 254 اربع وخمسين ومئتين [700] وله يومئذ احدي واربعون سنة واشهر، وكانت مدة امامته ثلاثاً وثلاثين سنة واشهراً، وكان ايام امامته بقية ملك المعتصم ثم ملك الواثق ثم ملك المتوكل ثم ملك المنتصر ثم ملك المستعين ثم ملك المعتز، ودفن في داره بسر من رأي، وخرج ابو محمد (عليه السلام) في جنازته وقميصه مشقوق وصلي عليه ودفنه.
وقال المسعودي: وكانت وفاة ابي الحسن (عليه السلام) في خلافة المعتز باللّه وذلك في يوم الاثنين لاربع بقين من جمادي الآخرة سنة 254 وهو [701] ابن اربعين سنة وقيل ابن اثنتين واربعين وقيل اكثر من ذلك، و سمع في جنازته جارية، تقول: ماذا لقينا في يوم الاثنين قديماً وحديثاً، وصلي عليه احمد بن المتوكل علي اللّه في شارع ابي احمد في داره بسامراء، ودفن هناك. انتهي.
اقول: اشارت الجارية بهذه الكلمة الي يوم وفاة النبي (صلي اللّه عليه وآله وسلم) وجلافة [702] المنافقين الطغام [703] والبيعة التي عمّ شؤمها الإِسلام، واخذت الجارية هذه عن عقيلة الهاشميين زينب بنت امير المؤمنين، (عليهما السلام)، في ندبتها علي الحسين (عليه السلام): يأبي من اضحي عسكره يوم الاثنين نهباً.
وقال في اثبات الوصية: حدثنا جماعة كل واحد منهم يحكي، انه دخل الدار، أي دار ابي الحسن (عليه السلام)، يوم وفاته وقد اجتمع فيها جل بني هاشم من الطالبيين والعباسيين واجتمع خلق من الشيعة ولم يكن ظهر عندهم، امر ابي محمد (عليه السلام)، ولا عرف خبره الا الثقات الذين نص ابو الحسن (عليه السلام) عندهم عليه، فحكوا انهم كانوا في مصيبة وحيرة، فهم في ذلك اذ خرج من الدار الداخلة خادم فصاح بخادم آخر يا رياش خذ هذه الرقعة وامض بها الي دار امير المؤمنين، وادفعها الي فلان، وقل له: هذه رقعة الحسن بن علي، فاستشرف الناس لذلك،ثم فتح من صدر الرواق باب وخرج خادم اسود، ثم خرج بعده ابو محمد (عليه السلام) حاسراً مكشوف الرأس مشقوق الثياب وعليه مبطنة ملحم بيضاء وكان وجهه وجه ابيه (عليه السلام) لا يخطئ منه شيئاً وكان في الدار اولاد المتوكل وبعضهم ولاة العهد فلم يبق احد الا قام علي رجله، ووثب اليه ابو احمد الموفق، فقصده ابو محمد (عليه السلام) فعانقه ثم قال له: مرحباً بابن العم وجلس بين بابي الرواق والناس كلهم بين يديه، وكانت الدار كالسوق بالاحاديث، فلما خرج وجلس امسك الناس فما كنا نسمع شيئاً الا العطسة والسعلة وخرجت جارية تندب ابا الحسن (عليه السلام) فقال ابو محمد (عليه السلام) ما‌ها هنا من يكفي مؤونة هذه الجاهلة (الجارية - خ)، فبادر الشيعة اليها فدخلت الدار، ثم خرج خادم فوقف بحذاء ابي محمد فنهض صلي اللّه عليه وأخرجت الجنازة وخرج يمشي حتي اخرج بها إلي الشارع الذي بازاء دار موسي بن بغا، وقد كان ابو محمد (عليه السلام)، صلي عليه، قبل ان يخرج الي الناس، وصلي عليه لما اخرج المعتمد، ودفن صلي اللّه عليه في دار من دوره، الي ان قال: وتكلمت الشيعة في شق ثيابه (عليه السلام) وقال بعضهم رأيتم احداً من الأئمة شق ثوبه في مثل هذا الحال؟ فوقع الي من قال ذلك: يا احمق ما يدريك ما هذا، قد شق موسي علي هارون (عليهما السلام). انتهي.
وروي عنه (عليه السلام) قال هذا الدعاء كثيراً ما ادعو اللّه به وقد سألت اللّه عز وجل ان لا يخيب من دعا به في مشهدي بعدي وهو:
(يا عدتي عند العُدد (بضم العين) ويا رجائي والمعتمد ويا كهفي والسند ويا واحداً يا احد ويا قل هو اللّه احد، اسألك اللهم بحق من خلقته من خلقك، ولم تجعل في خلقك مثلهم احداً، صلِّ علي جماعتهم وافعل بي كذا وكذا).

ابو محمد الحسن بن علي العسكري

اشاره

وسبط سيد البشر ووالد الخلف المنتظر السيد الرضي الزكي صلوات الله عليه وعلي آبائه الكرام وخلفه خاتم الأئمة الاعلام ولد (عليه السلام) بالمدينة الطيبة يوم العاشر او الثامن من شهر ربيع الآخر وقيل في رابعه 232 اثنتين وثلاثين ومئتين. [704].
قال شيخنا الحر العاملي في تاريخه:
مولده شهر ربيع الآخر
وذاك في اليوم الشريف العاشر
في يوم الاثنين وقيل الرابع
وقيل في الثامن وهو شائع
امه (عليه السلام) تسمي حديث [705] او سليل، ويقال لها الجدة، وكانت من العارفات الصالحات، وكفي في فضلها انها كانت مفزع الشيعة بعد وفاة ابي محمد (عليه السلام)، روي الشيخ الصدوق عن احمد بن ابراهيم قال: دخلت علي حكيمة بنت محمد بن علي الرضا اخت ابي الحسن صاحب العسكر (عليهم السلام) في سنة اثنتين وستين ومئتين فكلمتها من وراء حجاب وسألتها عن دينها فسمت لي من تأتم بهم، ثم قالت: والحجة بن الحسن (عليه السلام)، فسمته الي ان قال: فقلت لها: اين الولد؟ يعني الحجة (عليه السلام) قالت مستور، فقلت: الي من تفرغ الشيعة؟ فقالت الي الجدة ام ابي محمد (عليه السلام)، فقلت لها أَقْتَدِي بمن وصيَّتُه الي امرأة؟ قالت: اقتداء بالحسين بن علي، والحسين بن علي (عليه السلام)، اوصي الي اخته زينب بنت علي (عليهما السلام)، في الظاهر، وكان ما يخرج عن علي بن الحسين (عليه السلام) من علم ينسب الي زينب ستراً علي علي بن الحسيين (عليه السلام).
قال القطب الراوندي، واما الحسن بن علي العسكري (عليه السلام) فقد كانت اخلاقه كأخلاق رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم)، وكان رجلاً اسمر، حسن القامة جميل الوجه، جيد البدن، حدث السن، له جلالة وهيبة وهيئة حسنة، يعظمه العامة والخاصة اضطراراً، يعظمونه لفضله، ويقدمونه لعفافه وصيانته وزهده وعبادته وصلاحه واصلاحه، وكان جليلاً نبيلاً فاضلاً كريماً يحمل الاثقال ولا يتضعضع [706] للنوائب، اخلاقه خارقة للعادة علي طريقة واحدة.

في ذكر طرف من اخبار ابي محمد ومناقبه وآياته ومعجزاته

ونبدأ بنبذ مما شاهده ابو هاشم الجعفري ورواه الطبرسي من كتاب ابن عياش وغيره من غيره: فمن ذلك، ما روي انه قال ابو هاشم دخلت علي ابي محمد (عليه السلام) وانا اريد أن اسأله ما اصوغ به خاتماً اتبرك به، فجلست ونسيت ما جئت له، فلما ودعته ونهضت رمي الي بخاتم، فقال: اردت فضة فاعطيناك خاتماً وربحت الفص والكرا، هنأك اللّه يا أبا هاشم، فتعجبت من ذلك فقلت يا سيدي إنك وليّ اللّه وامامي الذي ادين اللّه بفضله وطاعته، فقال غفر اللّه لك يا ابا هاشم. وعنه ايضاً قال شكوت الي ابي محمد (عليه السلام) ضيق الحبس وثقل القيد فكتب اليَّ تصلي الظهر اليوم في منزلك، فاخرجت في وقت الظهر وصليت في منزلي كما قال (عليه السلام)، وقال: كنت مضيقاً فاردت ان اطلب منه دنانير في كتابي، فاستحييت فلما صرت الي منزلي وجه اليَّ مئة دينار وكتب الي اذا كانت لك حاجة فلا تستحيي ولا تحتشم [707] واطلبها فانك تري ما تحب، قال: وكان ابو هاشم حبس مع ابي محمد (عليه السلام)، كان (المعتمد ظ) حبسهما مع عدة من الطالبيين في سنة ثمان وخمسين ومئتين، وروي عنه قال: كنت في الحبس مع جماعة فحبس ابو محمد (عليه السلام) واخوه جعفر، قال: وكان الحسن (عليه السلام) يصوم فاذا أفطر أكلنا معه من طعام كان يحمله غلامه اليه في جونة مختومة وكنت اصوم معه، فلما كان ذات يوم ضعفت فافطرت في بيت آخر علي كعكة وما شعر بي واللّه احد، ثم جئت فجلست معه، فقال لغلامه اطعم ابا هاشم شيئاً فانه مفطر فتبسمت، فقال: ما يضحكك يا ابا هاشم؟ اذا اردت القوة فكل اللحم فان الكعك لا قوة فيه، فقلت صدق اللّه ورسوله وانتم عليكم السلام، فأكلت، فقال لي: افطر ثلاثاً فان المنة [708] لا ترجع لمن انهكه [709] الصوم في اقل من ثلاث. وعنه قال: سأل الفهفكي ابا محمد (عليه السلام) ما بال المرأة المسكينة تأخذ سهماً واحداً ويأخذ الرجل سهمين؟ فقال ان المرأة ليس عليها جهاد ولا نفقة ولا معقلة [710] انما ذلك علي الرجال، قال ابو هاشم، فقلت في نفسي: قد كان قيل لي ان ابن ابي العوجاء سأل ابا عبد اللّه (عليه السلام) عن هذه المسألة فأجابه بمثل هذا الجواب، فأقبل ابو محمد (عليه السلام) فقال:
نعم هذه مسألة ابن ابي العوجاء والجواب منها واحد، اذا كان معني المسألة واحداً جري لآخرنا ما جري لأولنا، وأولنا وآخرنا في العلم والامر سواء، ولرسول اللّه وامير المؤمنين (صلوات اللّه عليهما وآلهما) فضلهما.
وعنه (رضي اللّه عنه) قال: سمعت ابا محمد (عليه السلام) يقول: من الذنوب التي لا يغفر قول الرجل ليتني لا اؤاخذ الا بهذا، فقلت في نفسي ان هذا لهو الدقيق، وينبغي للرجل ان يتفقد من نفسه كل شيء. فأقبل عليّ ابو محمد (عليه السلام) فقال: صدقت يا ابا هاشم الزم ما حدثتك به نفسك، فان الاشراك في الناس اخفي من دبيب الذر [711] علي الصفا [712] في الليلة الظلماء ومن دبيب الذر علي المسح [713] الاسود.
اقول: يعبر عن هذا القسم من الذنوب بالمحقرات، قال ابو عبد اللّه (عليه السلام): ان رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) نزل بارض قرعاء فقال لاصحابه ائتونا بحطب، فقالوا يا رسول اللّه نحن بأرض قرعاء ما بها من حطب، قال فليأت كل انسان بما قدر عليه، فجاءوا به حتي رموا بين يديه بعضه علي بعض، قال رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) هكذا تجتمع الذنوب، ثم قال إياكم والمحقرات من الذنوب، فان لكل شيء طالباً وان طالبها يكتب ما قدموا وآثارهم وكل شيء احصيناه في امام مبين.
وحكي عن توبة بن الصمة انه كان محاسباً لنفسه في اكثر اوقات ليله ونهاره، فحسب يوماً ما مضي من عمره فاذا هو ستون سنة فحسب ايامها فكانت احد وعشرين الف يوم وخمسمئة يوم، فقال يا ويلتي القي كذا ما لك باحد وعشرين الف ذنب، ثم صعق صعقة كانت فيها نفسه.
وعنه قال: سمعت ابا محمد (عليه السلام) يقول ان في الجنة لبابا يقال له المعروف لا يدخله الا اهل المعروف فحمدت اللّه في نفسي وفرحت مما اتكلفه من حوائج الناس فنظر الي ابو محمد (عليه السلام) وقال: نعم فدم علي ما انت عليه، وان اهل المعروف في الدنيا هم اهل المعروف في الآخرة، جعلك اللّه منهم يا ابا هاشم ورحمك.
وعن ابي هاشم ايضاً انه راكب ابو محمد (عليه السلام) يوماً الي الصحراء فركبت معه فبينما يسير قدامي وانا خلفه اذ عرض لي فكر في دين كان عليَّ قد حان أجله، فجعلت افكر في أيّ وجه قضاؤه فالتفت الي وقال: اللّه يقضيه، ثم انحني علي قربوس سرجه فخط بسوطه خطة في الأرض فقال يا ابا هاشم انزل فخذ واكتم، فنزلت فاذا سبيكة [714] ذهب، قال: فوضعتها في خفي وسرنا، فعرض لي الفكر، فقلت: ان كان فيها تمام الدين والا فاني ارضي صاحبه بها ونحب ان ننظر في وجه نفقة الشتاء وما تحتاج اليه فيه من كسوة وغيرها، فالتفت الي ثم انحني ثانية فخط بسوطه مثل الاولي، ثم قال: انزل وخذ واكتم، قال فنزلت بسبيكة فجعلتها في الخف الاخر وسرنا يسيراً ثم انصرف الي منزله وانصرفت الي منزلي فجلست وحسبت ذلك الدين وعرفت مبلغه، ثم وزنت سبيكة الذهب، فخرج بقسط ذلك الدين وعرفت مبلغه، ثم وزنت سبيكة الذهب، فخرج بقسط ذلك الدين ما زادت ولا نقصت، ثم نظرت ما نحتاج اليه لشتوتي من كل وجه فعرفت مبلغه الذي لم يكن بد منه، علي الاقتصاد بلا تقتير [715] ولا اسراف ثم وزنت سبيكة الفضة، فخرجت علي ما قدرته ما زادت ولا نقصت.
وعنه (رضي اللّه عنه) قال دخلت علي ابي محمد (عليه السلام) وكان يكتب كتاباً فحان وقت الصلاة الأولي فوضع الكتاب من يده وقام الي الصلاة فرأيت القلم يمر علي باقي القرطاس من الكتاب ويكتب حتي انتهي. إلي آخره، فخررت ساجداً، فلما انصرف من الصلاة اخذ القلم بيده واذن للناس.
اقول: هذا قليل من كثير ما شاهده ابو هاشم من آياته ودلائله فقد روي عنه، رحمه اللّه، قال: ما دخلت علي ابي الحسن وابي محمد (عليهما السلام) قط الا رأيت منهما دلالة وبرهاناً.

في آيات ابي محمد الحسن العسكري وبراهينه

قال القطب الراوندي في الخرايج حدث فطرس (بطريق خ د) رجل متطبب [716] وقد أتي عليه مئة سنة ونيف [717] فقال: كنت تلميذ بختيشوع [718] طبيب المتوكل وكان يصطفيني، فبعث اليه الحسن العسكري (عليه السلام) ان يبعث اليه بأخص اصحابه عنده، ليفصده، فاختارني وقال: قد طلب مني الحسن (عليه السلام) من يفصده فسر اليه وهو اعلم في يومنا هذا ممن هو تحت السماء فاحذر ان تتعرض عليه فيما يأمرك به فمضيت اليه فامرني الي حجرة، وقال كن‌ها هنا الي ان اطلبك، قال: وكان الوقت الذي اتيت اليه فيه عندي جيداً محموداً للفصد، فدعاني في وقت غير محمود له فاحضر طستاً كبيراً عظيماً، ففصدت الاكحل، فلم يزل الدم يخرج حتي امتلأ الطست، ثم قال لي اقطع الدم فقطعته وغسل يده وشدها وردني الي الحجرة، وقدم لي من الطعام الحار والبارد شيئاً كثيراً، وبقيت الي العصر ثم دعاني وقال: سرح [719] ودعا بذلك الطست فسرحت وخرج الدم الي ان امتلأ الطست، فقال: اقطع فقطعت وشد يده وردني الي الحجرة فبت فيها، فلما اصبحت وظهرت الشمس دعاني واحضر ذلك الطست وقال: سرح، فسرحت وخرج من يده مثل اللبن الحليب [720] الي ان امتلأ الطست، ثم قال: اقطع فقطعت وشد يده وتقدم اليَّ بتخت ثياب وخمين ديناراً، وقال: خذ هذا واعذر وانصرف، فاخذت ذلك وقلت يأمرني السيد بخدمة؟ قال نعم، بحسن صحبة من يصحبك من دير العاقول، فصرت الي بختيشوع فقلت له القصة، فقال اجمعت الحكماء علي ان اكثر ما يكون في بدن الانسان سبعة امنان من الدم وهذا الذي حكيت لو خرج من عين ماء لكان عجباً، واعجب ما فيه اللبن، ففكر ساعة ثم مكث ثلاثة أيام بلياليها يقرأ الكتب علي ان يجد في هذه القصة ذكراً في العالم، فلم يجد، ثم قال: لم يبق اليوم في النصرانية اعلم بالطب من راهب بدير العاقول [721] فكتب اليه كتاباً يذكر فيه ما جري، فخرجت وناديته فاشرف علي وقال: من انت؟ قلت صاحب بختيشوع، قال معك كتابه؟ قلت نعم، فأرخي اليّ زنبيلاً فجعلت الكتاب فيه فرفعه وقرأ الكتاب، فنزل من ساعته، فقال: انت الرجل الذي فصدت؟ قلت نعم، قال طوبي لأمك، وركب بغلاً ومر في فيافي [722] سر من رأي، وقد بقي من الليل ثلثه، قلت: اين تحب دار استاذنا او دار الرجل؟ فقال دار الرجل فصرنا الي بابه قبل الأذان ففتح الباب، فخرج الينا خادم اسود، وقال: ايكما صاحب دير العاقول؟ فقال الراهب: انا، جعلت فداك، فقال انزل، وقال لي الخادم: احفظ البغلين، واخذ بيده ودخلا، فأقمت الي أن اصبحنا وارتفع النهار، ثم خرج الراهب وقد رمي ثياب الرهابين (بثياب الرهبانية خ د) ولبس ثيابا بيضاء وقد اسلم، وقال خذ بي الآن الي دار استاذك، فسرنا الي باب بختيشوع، ولما رآه بادر يعدو اليه، ثم قال: ما الذي ازالك عن دينك؟ قال وجدت المسيح فأسلمت علي يده، قال: وجدت المسيح؟ فقال: نعم او نظيره فان هذه الفصدة لم يفعلها في العالم الا المسيح وهذا نظيره في آياته وبراهينه، ثم عاد الي الإِمام (عليه السلام) ولزم خدمته الي ان مات.
وروي انه وقع ابو محمد (عليه السلام) وهو صغير في بئر الماء وابو الحسن (عليه السلام) في الصلاة والنسوان يصرخن، فلما سلم قال: لا بأس، فرأوه وقد ارتفع الماء الي رأس البئر وابو محمد (عليه السلام) علي رأس الماء يلعب بالماء.
وعن محمد بن (احمد خ د) الاقرع قال كتبت الي ابي محمد (عليه السلام) اسأله عن الإِمام هل يحتلم؟ وقلت في نفسي بعد ما فصل الكتاب: الاحتلام شيطنة وقد أعاذ اللّه اولياءه من ذلك، فورد الجواب حال الأئمة في النوم، حالهم في اليقظة، لا يغير النوم منهم شيئاً، وقد أعاذ اللّه اولياءه من لمة [723] الشيطان، كما حدثتك نفسك.
وعن عيسي بن صبيح قال دخل الحسن العسكري (عليه السلام) علينا الحبس وكنت به عارفاً وقال: لك خمس وستون سنة، واشهرا ويوماً، وكان معي كتاب دعاء وعليه تاريخ مولدي وإنني نظرت فيه، فكان كما قال (عليه السلام)، وقال: هل رزقت من مولد (ولد ظ) قلت لا، قال اللهم ارزقه ولدا يكون له عضداً، فنعم العضد الولد، ثم تمثل (عليه السلام):
من كان ذا ولد يدرك ظلامته
ان الذليل الذي ليست له عضد
قلت الك ولد؟ قال اي واللّه، سيكون لي ولد يملأ الأرض قسطاً وعدلاً فأما الان فلا، ثم تمثل:
لعلك يوماً أن تراني كأنّما
بنيّ حواليّ الاسود اللوابد [724].
فان تميماً قبل ان يلد الحصي [725].
اقام زماناً وهو في الناس واحد
المفيد عن ابن قولويه، عن الكليني، عن محمد بن يحيي، عن احمد بن اسحاق، عن ابي هاشم الجعفري، قال: قلت لابي محمد الحسن بن علي (عليه السلام) جلالتك تمنعني من مسألتك، افتأذن لي أن أسألك؟ فقال سل، فقلت يا سيدي هل لك ولد؟ قال نعم؟ فقلت ان حدث حادث فأين اسأل عنه؟ قال بالمدينة.
الشيخ الكليني، عن علي بن محمد، عن محمد بن ابراهيم المعروف بابن الكردي، عن محمد بن علي بن ابراهيم بن موسي بن جعفر (عليه السلام)، قال: ضاق بنا الأمر فقال لي ابي: امض بنا حتي نصير الي هذا الرجل يعني ابا محمد (عليه السلام) فإنه قد وصف عنه سماحة [726] فقلت: تعرفه؟ قال: ما اعرفه ولا رأيته قط، قال فقصدناه، فقال لي ابي، وهو في طريقه: ما أحوجنا الي ان يأمر لنا بخمسمئة درهم مئتا درهم للدين (للدقيق. خ د) ومئة للنفقة، فقلت في نفسي ليته امر لي بثلاثمئة درهم مئة اشتري بها حماراً ومئة للنفقة ومئة للكسوة واخرج الي الجبل، قال فلما وافينا الباب خرج الينا غلامه، فقال: يدخل علي بن ابراهيم ومحمد ابنه، فلما دخلنا عليه وسلمنا قال لأبي: يا علي ما خلّفك عنا الي هذا الوقت فقال: يا سيدي استحييت ان القاك علي هذه الحال، فلما خرجنا من عنده جاءنا غلامه فناول ابي صرة فقال هذه خمسمئة درهم، مئتان للكسوة ومئتان للدين (للدقيق. خ د) ومئة للنفقة، وأعطاني صرة فقال هذه ثلاثمئة درهم اجعل مئة في ثمن حمار، ومئة للكسوة، ومئة للنفقة، ولا تخرج الي الجبل وصر الي سوراء [727] فصار الي سوراء وتزوج بأمرأة فدخله اليوم الف دينار [728] ومع هذا يقول بالوقف، فقال محمد بن ابراهيم، فقلت له: ويحك اتريد امراً هو أبين من هذا؟ قال: فقال هذا امر [729] قد جرينا عليه.
وعن ابي حمزة نصير الخادم قال: سمعت ابا محمد (عليه السلام) غير مرة يكلم غلمانه بلغاتهم، ترك وروم وصقالبة، فتعجبت من ذلك وقلت: هذا ولد بالمدينة ولم يظهر لأحد حتي مضي ابو الحسن (عليه السلام) ولا رآه احد، فكيف احدث نفسي بذلك؟ فأقبل عليَّ فقال: ان اللّه تبارك وتعالي بيَّن حجته من سائر خلقه لكل شيء ويعطيه اللغات ومعرفة الانساب والآجال والحوادث، ولولا ذلك لم يكن بين الحجة والمحجوج فرق.
وعن اسماعيل بن محمد بن علي بن اسماعيل بن علي بن عبد اللّه بن العباس بن عبد المطلب قال: قعدت لأبي محمد (عليه السلام) علي ظهر الطريق فلما مر بي شكوت اليه الحاجة، وحلفت له انه ليس عندي درهم، فما فوقه ولا غداء ولا عشاء، قال فقال: تحلف باللّه كاذباً وقد دفنت مئتي دينار. وليس قولي هذا دفعاً لك عن العطية، اعطه يا غلام ما معك، فاعطاني غلامه مئة دينار، ثم أقبل عليَّ فقال لي: إنك تحرمها احوج ما تكون اليها يعني الدنانير التي دفنت، وصدق (عليه السلام) وكان كما قال، دفنت مئتي دينار وقلت: تكون ظهراً وكهفاً لنا، فاضطررت ضرورة شديدة الي شيء انفقه وانغلقت عليَّ ابواب الرزق، فنبشت عنها فاذا ابن لي قد عرف موضعها فأخذها وهرب، فما قدرت منها علي شيء.
وروي عن احمد بن اسحاق قال: قلت لأبي محمد (عليه السلام) جعلت فداك اني مغتم بشيء يصيبني في نفسي وقد أردت أن أسأل اباك فلم يقض لي ذلك، فقال وما هو يا احمد؟ فقلت يا سيدي روي لنا عن آبائك (عليهم السلام)، ان نوم الانبياء علي اقفيتهم ونوم المؤمنين علي ايمانهم ونوم المنافقين علي شمائلهم، ونوم الشياطين علي وجوههم، فقال (عليه السلام): كذلك هو، فقلت يا سيدي: فإني اجهد ان أنام علي يميني فما يمكنني ولا يأخذني النوم عليها، فسكت ساعة، ثم قال: يا احمد ادن مني، فدنوت منه، فقال: ادخل يدك تحت ثيابك فادخلتها فأخرج يده من تحت ثيابه وادخلها تحت ثيابي، فمسح بيده اليمني علي جانبي الايسر وبيده اليسري علي جانبي الايمن ثلاث مرات، قال احمد: فما اقدر ان انام علي يساري منذ فعل ذلك بي (عليه السلام) وما يأخذني نوم عليها اصلاً.
روي الشيخ المفيد وغيره، أنه دخل العباسيون علي صالح بن وصيف عندما حبس ابو محمد (عليه السلام)، فقالوا له ضيق عليه ولا توسع، فقال لهم صالح ما أصنع به وقد وكلت به رجلين، شر من قدرت عليه، (علي بن بارمش وافنامش خ د) فقد صارا من العبادة والصلاة والصيام علي أمر عظيم، ثم أمر باحضار الموكلين، فقال لهما: ويحكما ما شأنكما في أمر هذا الرجل؟ فقالا: ما نقول في رجل يصوم النهار ويقوم الليل كله، لا يتكلم ولا يتشاغل بغير العبادة، فاذا نظر الينا ارتعدت فرائصنا [730] وداخلنا ما لا نملكه من انفسنا، فلما سمع ذلك العباسيون انصرفوا خاسئين. [731].
اقول: يظهر من الروايات انه (عليه السلام) كان أكثر أوقاته محبوساً وممنوعاً من المعاشرة وكان مشغولاً بالعبادة للّه عز وجل، فروي انه لما حبسه المعتمد في يدي علي بن حزين وحبس جعفر اخاه معه، كان المعتمد يسأل علياً عن اخباره في كل وقت، فيخبره انه يصوم النهار ويصلي الليل، وفي بعض الأدعية اشير اليه بهذه العبارة: (وبحق النقي والسجاد الاصغر، وببكائه ليلة المقام بالسهر).
وعن السيد بن طاوس قال: إعلم أن مولانا الحسن بن علي العسكري (عليه السلام) كان قد أراد قتله الثلاثة ملوك الذين كانوا في زمانه حيث بلغهم ان مولانا المهدي (عليه السلام) يكون من ظهره (صلي اللّه عليه وآله وسلم) وحبسوه عدة دفعات فدعا علي من دعا عليه منهم، فهلك في سريع من الأوقات.
وروي انه (عليه السلام) سلم الي نحرير، وكان يطبق عليه ويؤذبه فقالت له امرأته: اتق الله فانك لا تدري من في منزلك، وذكرت له صلاحه وعبادته وقالت له: إني اخاف عليك منه، فقال: والله لأرمينه بين السباع. ثم استأذن في ذلك، فاذن له، فرمي به اليها ولم يشكوا في اكلها له، فنظروا الي الموضع ليعرفوا الحال، فوجدوه (عليه السلام) قائماً يصلي، وهي حوله فأمر بإخراجه الي داره.
اقول: والي هذه الدلالة الباهرة اشير في التوسل به (عليه السلام) في الساعة الحادية عشر: (وبالامام الحسن بن علي (عليه السلام) الذي طرح للسباع فخلصته من مرابضها [732] وامتحن بالدواب الصعاب فذللت له مراكبها)، وفي الفقرة الثانية اشارة إلي ما شاع وذاع من انه كان للخليفة المستعين باللّه بغل صعب شموس [733] لا يقدر أحد علي إلجامه ولا إسراجه ولا علي ركوبه، فجاء ابو محمد (عليه السلام) يوماً الي رؤية الخليفة فقال له التمس منك يا ابا محمد إلجام هذا البغل وإسراجه، وكان غرضه اما يذلل البغل ويركبه او يقتله البغل، فقام (عليه السلام) ووضع يده علي كفل البغل فعرق، حتي سال العرق منه، وصار في غاية التذلل له، فاسرجه والجمه ثم ركبه واركضه [734] في الدار فتعجب الخليفة من ذلك ووهبه له (عليه السلام).
المناقب، ابو القاسم الكوفي في كتاب التبديل: أن اسحاق الكندي كان فيلسوف العراق في زمانه اخذ في تأليف تناقض القرآن وشغل نفسه بذلك، وتفرد به في منزله، وان بعض تلامذته دخل يوماً علي الإِمام الحسن العسكري (عليه السلام)، فقال له ابو محمد (عليه السلام) أما فيكم رجل رشيد يردع استاذكم الكندي عما اخذ فيه من تشاغله بالقران؟ فقال التلميذ نحن من تلامذته، كيف يجوز منا الاعتراض عليه في هذا، او في غيره؟ فقال له ابو محمد (عليه السلام): اتؤدي اليه ما القيه اليك؟ قال نعم، قال: فسر اليه وتلطف في مؤانسته ومعونته علي ما هو بسبيله، فاذا وقعت الأنسة في ذلك فقل قد حضرتني مسألة اسألك عنها فإنه يستدعي ذلك منك فقل له: ان أتاك هذا المتكلم بهذا القران هل يجوز ان يكون مراده بما تكلم منه غير المعاني التي قد ظننتها أنك ذهبت اليها، فسيقول انه من الجائز لأنه رجل يفهم اذا سمع، فاذا أوجب ذلك فقل له: فما يدريك لعله قد أراد غير الذي ذهبت انت فيه فتكون واضعاً لغير معانيه، فصار الرجل الي الكندي وتلطف الي ان القي عليه هذه المسألة، فقال له اعد علي فأعاد عليه، فتفكر في نفسه، ورأي ذلك محتملاً في اللغة، وسائغاً في النظر، فقال اقسمت عليك الا اخبرتني من اين لك؟ فقال انه شيء عرض بقلبي فاوردته عليك، فقال كلا، ما مثلك من اهتدي الي هذا ولا من بلغ هذه المنزلة، فعرفني من أين لك هذا؟ فقال أمرني به ابو محمد (عليه السلام)، فقال: الآن جئت به وما كان ليخرج مثل هذا الا من ذلك البيت، ثم انه دعا بالنار واحرق جميع ما ألفه، والروايات في هذه كثيرة، وفيما اثبتناه منها كفاية فيما نحوناه [735] ان شاء اللّه تعالي.

في ذكر بعض كلامه

قال: لا تمار [736] فيذهب بهاؤك، ولا تمازح فيجترئ عليك. وقال: من التواضع السلام علي كل من تمر به والجلوس دون شرف المجلس. وقال: من الجهل الضحك من غير عجب. وقال: أورع الناس من وقف عند الشبهة، اعبد الناس من اقام علي الفرائض، ازهد الناس من ترك الحرام اشد الناس اجتهادا من ترك الذنوب. وقال: المؤمن بركة علي المؤمن وحجة علي الكافر. وقال: اذا نشطت القلوب فأودعوها واذا نفرت فودعوها. [737] وقال: قلب الاحمق في فمه وفم الحكيم في قلبه. وقال: لا يشغلك رزق مضمون عن عمل مفروض. وقال: ليس من الأدب اظهار الفرح عند المحزون. وقال: رياضة الجاهل ورد المعتاد عن عادته كالمعجز. وقال: التواضع نعمة لا يحسد عليها. وقال: لا تكرم الرجل بما يشق عليه. وقال: من وعظ اخاه سراً فقد زانه، ومن وعظه علانية فقد شانه. وقال: ما اقبح بالمؤمن تكون له رغبة تذله. وقال: لو عقل اهل الدنيا خربت. وقال: ان للجود مقدارا فاذا زاد عليه فهو سرف، وللحزم مقداراً فاذا زاد عليه فهو جبن، وللاقتصاد مقدارا فاذا زاد عليه فهو بخل، وللشجاعة مقدارا فاذا زاد عليه فهو تهور، كفاك ادباً لنفسك تجنبك ما تكره من غيرك. وقال: حسن الصورة جمال ظاهر، وحسن العقل جمال باطن. وقال: من أنس باللّه استوحش من الناس. وقال: من أكثر المنام رأي الاحلام، يعني ان طالب الدنيا كالنائم وما يظفر به كالحلم. وقال: جعلت الخبائث في بيت والكذب مفاتيحها. وقال: من كان الورع سجيته والكرم طبيعته والحلم خلته كثر صديقه والثناء عليه وانتصر من اعدائه بحسن الثناء عليه. وقال: ان الوصول الي اللّه عز وجل سفر لا يدرك الا بامتطاء [738] الليل، من لم يحسن ان يمنع لم يحسن ان يعطي.
وكتب (عليه السلام) الي الشيخ الجليل، عليّ بن الحسين بن بابويه القمي المدفون بقم (رحمه اللّه) بسم اللّه الرحمن الرحيم، الحمد للّه رب العالمين والعاقبة للمتقين والجنة للموحدين، والنار للملحدين، ولا عدوان الا علي الظالمين، ولا إله الا اللّه احسن الخالقين، والصلاة علي خير خلقه محمد وعترته الطاهرين، اما بعد، اوصيك يا شيخي ومعتمدي وفقيهي (خ) ابا الحسن علي بن الحسين القمي، وفقك اللّه لمرضاته، وجعل من صلبك اولاداً صالحين برحمته، بتقوي اللّه، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، فإنه لا تقبل الصلاة من مانع (مانعي خ د) الزكاة، واوصيك بمغفرة الذنب، وكظم الغيظ وصلة الرحم، ومواساة الاخوان، والسعي في حوائجهم في العسر واليسر، والحلم عند الجهل، والتفقه في الدين، والتثبت في الامور، والتعاهد للقرآن، وحسن الخلق، والامر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال اللّه تعالي: (لا خير في كثير من نجويهم الا من امر بصدقة او معروف او اصلاح بين الناس)، واجتناب الفواحش كلها، وعليك بصلاة الليل، فان النبي (صلي اللّه عليه وآله وسلم) اوصي عليّاً (عليه السلام) فقال: يا علي عليك بصلاة الليل، عليك بصلاة الليل، ومن استخف بصلاة الليل فليس منا، فاعمل بوصيَّتي وامُر جميع شيعتي بما امرتك به حتي يعملوا عليه، وعليك بالصبر وانتظار الفرج، فإن النبي (صلي اللّه عليه وآله وسلم) قال: افضل اعمال امتي انتظار الفرج، ولا تزال شيعتنا في حزن حتي يظهر ولدي الذي بشَّر به النبيُّ (صلي اللّه عليه وآله وسلم): انه يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، فاصبر يا شيخي ومعتمدي ابا الحسن، وأمر جميع شيعتي بالصبر، (فان الأرض للّه يورثها من يشاء من عباده، والعاقبة للمتقين)، والسلام عليك وعلي جميع شيعتنا ورحمة اللّه وبركاته، وحسبنا اللّه ونعم الوكيل نعم المولي ونعم النصير.
اقول: قد اكد (عليه السلام) التوصية بالصبر لما في الصبر من الفوائد والعوائد [739] قال أبو جعفر (عليه السلام) الجنة محفوفة بالمكاره والصبر، وقال الصادق (عليه السلام) اذ ا أُدخل المؤمن قبره كانت الصلاة عن يمينه، والزكاة عن يساره، والبرُّ مطلّ [740] عليه ويتنحي الصبر ناحية، فاذا دخل عليه الملكان اللذان يليان مساءلته قال الصبر للصلاة والزكاة والبر: دونكم صاحبكم، فان عجزتم عنه فأنا دونه، وعن امير المؤمنين (عليه السلام) قال:
اني وجدت وفي الايام تجربة
للصبر عاقبة محمودة الأثر
وقلَّ من جد في امر يطالبه
فاستصحب الصبر الا فاز بالظفر
حكي عن بعض التواريخ، انه سخط كسري علي بوذرجمهر، فحبسه في بيت مظلم وامر أن يصفد [741] بالحديد، فبقي اياماً علي تلك الحال، فأرسل اليه من يسأله عن حاله، فاذا هو منشرح الصدر، مطمئن القلب، فقالوا له أنت في هذه الحالة من الضيق ونراك ناعم [742] البال؟ فقال اصطنعت ستة اخلاط، وعجنتها واستعملتها فهي التي ابقتني علي ما ترون، فقالوا صف لنا هذه الأخلاط لعلنا تنتفع بها عند البلوي، فقال نعم، اما الخلط الأول: فالثقة باللّه عز وجل، واما الثاني: فكل مقدَّر كائن، واما الثالث: فالصبر خير ما استعمله الممتحن، واما الرابع: فاذا لم اصبر فماذا اصنع؟ ولا اعين علي نفسي بالجزع، واما الخامس: فقد تكون اشد مما انا فيه، واما السادس: فمن ساعة الي ساعة فرج، فبلغ ما قاله كسري فاطلقه واعزه.

في وفاة و إقرار المخالف والمؤالف بفضل ابي محمد الحسن العسكري

قبض ابو محمد (عليه السلام) بسر من رأي يوم الجمعة ثامن شهر ربيع الأول [743] سنة ستين ومئتين في خلافة المعتمد، وهو ابن ثمان وعشرين سنة، ودفن في داره في البيت الذي دفن فيه ابوه (عليه السلام) بسر من رأي.
قال شيخنا الطبرسي ذهب كثير من اصحابنا الي انه مضي مسموماً وكذلك ابوه وجده وجميع الأئمة (عليهم السلام)، خرجوا من الدنيا بالشهادة، واسناده في ذلك، بما رُوِيَ عن الصادق (عليه السلام)، ما منا الا مقتول او شهيد، واللّه اعلم بحقيقة ذلك.
اقول: وروي عن ابي محمد الحسن ابن امير المؤمنين (عليه السلام) انه قال عند وفاته لجنادة بن ابي امية: ما منا الا مسموم او مقتول.
وقال الكفعمي وغيره: سمه المعتمد.
روي الشيخ الصدوق عن ابيه وابن الوليد معاً، عن سعد بن عبد اللّه قال: حدثنا من حضر موت الحسن بن علي، بن محمد العسكري (عليهم السلام)، ودفنه ممن لا يوقف علي احصاء عددهم ولا يجوز علي مثلهم التعاطي بالكذب، وبعد، فقد حضرنا في شعبان سنة ثمان وسبعين ومئتين وذلك بعد مضي ابي محمد الحسن بن علي العسكري (عليه السلام) بثمانية عشر سنة او اكثر مجلس احمد بن عبيد اللّه بن خاقان، وهو عامل السلطان يومئذ علي الخراج والضياع بكورة قم، وكان من أنصب خلق اللّه واشدهم عداوة لهم، فجري ذكر المقيمين من آل ابي طالب بسر من رأي ومذاهبهم وصلاحهم واقدارهم عند السلطان، قال احمد بن عبيد اللّه ما رأيت ولا عرفت بسر من رأي رجلاً من العلوية مثل الحسن بن علي بن محمد بن الرضا، (عليهم السلام)، ولا سمعت به في هديه وسكونه وعفافه ونبله وكرمه عند اهل بيته، والسلطان وجميع بني هاشم، وتقديمهم اياه علي ذوي السن منهم والخطر، وكذلك القواد والوزراء والكتاب وعوام الناس، وإني كنت قائماً ذات يوم علي رأس ابي وهو يوم مجلسه للناس، اذ دخل عليه حجابه فقالوا له: ابن الرضا علي الباب، فقال بصوت عال ائذنوا له، فدخل رجل اسمر، اعين، حسن القامة، جميل الوجه، جيد البدن، حدث السن، له جلالة وهيبة، فلما نظر اليه ابي قام فمشي اليه خطوات (خطي خ د) ولا اعلمه فعل هذا بأحد من بني هاشم، ولا بالقواد ولا بأولياء العهد، فلما دنا منه عانقه وقبل وجهه ومنكبيه، واخذ بيده واجلسه علي مصلاه الذي كان عليه، وجلس الي جنبه مقبلاً عليه بوجهه، وجعل يكلمه ويكنيه ويفديه بنفسه وأبويه، وانا متعجب مما اري منه، اذ دخل عليه الحجاب، فقالوا الموفّق قد جاء، وكان الموفّق [744] اذا جاء ودخل علي ابي، تقدم حجابه وخاصة قواده، فقاموا بين مجلس ابي، وبين باب الدار سماطين الي ان يدخل ويخرج، فلم يزل ابي مقبلاً عليه يحدثه حتي نظر الي غلمان الخاصة، فقال (رحمه اللّه) اذا شئت فقم، جعلني اللّه فداك، أبا محمد، ثم قال لغلمانه خذوا به خلف السماطين لئلا يراه الامير، يعني الموفّق، وقام ابي فعانقه وقبل وجهه ومضي، فقلت لحجاب ابي وغلمانه ويلكم، من هذا الذي فعل به ابي، هذا الذي فعل؟ فقالوا هذا رجل من العلوية يقال له الحسن بن علي، يعرف بابن الرضا، فازددت تعجباً، فلم أزل يومي ذلك قلقاً متفكراً في أمره وأمر ابي وما رأيت منه حتي كان الليل، وكانت عادته ان يصلّي العتمة [745] ثم يجلس فينظر فيما يحتاج من المؤامرات وما يرفعه الي السلطان، فلما نظر وجلس جئت فجلست بين يديه، فقال يا احمد الك حاجة؟ قلت نعم يا ابه، ان اذنت سألتك عنها، فقال قد اذنت لك يا بني، فقل ما احببت، فقلت: يا أبه من الرجل الذي رأيتك الغداة فعلت به ما فعلت، من الاجلال والاكرام والتبجيل، وفديته بنفسك، وابويك؟ فقال يا بني ذلك ابن الرضا، ذاك امام الرافضة، فسكت ساعة فقال: يا بني لو زالت الخلافة عن خلفاء بني العباس ما استحقها احد من بني هاشم غير هذا، فان هذا يستحقها في فضله وعفافه وهديه وصيانة نفسه وزهده وعبادته وجميل اخلاقه وصلاحه، ولو رأيت أباه، لرأيت رجلا جليلاً نبيلاً خيّراً فاضلاً، فازددت قلقاً وتفكّراً وغيظاً علي ابي مما سمعت منه فيه، ولم يكن لي همة بعد ذلك الا السؤال عن خبره، والبحث عن امره، فما سألت عنه احدا من بني هاشم والقواد والكتاب والقضاة والفقهاء وسائر الناس الا وجدته عندهم في غاية الاجلال والاعظام والمحل الرفيع، والقول الجميل، والتقديم له، علي اهل بيته ومشايخه وغيرهم، وكل يقول: هو امام الرافضة، فعظم قدره عندي، اذ لم أر له ولياً ولا عدواً الا وهو يحسن القول فيه، والثناء عليه فقال له بعض اهل المجلس من الاشعريين: يا ابا بكر: فما حال اخيه جعفر؟ فقال ومن جعفر فيسأل عن خبره او يقرن به؟ ان جعفر معلن بالفسق، ماجن [746] شريب [747] للخمور، اقلّ من رأيت من الرجال، وأهتكهم لستره، فدم خمار جبار، قليل في نفسه، خفيف واللّه، لقد ورد علي السلطان واصحابه في وقت وفاة الحسن بن علي، (عليهما السلام)، ما تعجبت منه، وما ظننت انه يكون، وذلك انه لما اعتلّ بعث الي ابي ان ابن الرضا (عليه السلام) قد اعتل، فركب من ساعته مبادراً الي دار الخلافة ثم رجع مستعجلاً ومعه خمسة نفر من خدم امير المؤمنين كلهم من ثقاته وخاصته، فمنهم نحرير، وأمرهم بلزوم دار الحسن بن علي، (عليهما السلام)، وتعرف خبره وحاله، وبعث الي نفر من المتطببين، فأمرهم بالاختلاف اليه، وتعاهده في صباح ومساء فلما كان بعد ذلك بيومين جاءه من اخبره، انه قد ضعف، فركب حتي بكر اليه، ثم امر المتطببين بلزومه وبعث الي قاضي القضاة فاحضره مجلسه، وامره ان يختار من اصحابه عشرة ممن يوثق به في دينه وأمانته وورعه، فاحضرهم فبعث بهم الي دار الحسن (عليه السلام) وأمرهم بلزومه ليلاً ونهاراً، فلم يزالوا هناك حتي توفي (عليه السلام) لأيام مضت من شهر ربيع الأول من سنة ستين ومئتين، فصارت سر من رأي ضجة واحدة، مات ابن الرضا، وبعث السلطان الي داره من يفتشها ويفتش حجرها، وختم علي جميع ما فيها، وطلبوا اثر ولده وجاءوا بنساء يعرفن بالحبل، فدخلن علي جواريه، فنظر [748] اليهن، فذكر بعضهن ان هناك جارية بها حبل، فأمر بها فجعلت في حجرة، ووكّل بها نحرير الخادم واصحابه، ونسوة معهم، ثم اخذوا بعد ذلك في تهيئته (عليه السلام)، وعطلت الاسواق، وركب ابي وبنو هاشم والقواد والكتاب وسائر الناس الي جنازته (عليه السلام)، فكانت سر من رأي يومئذ شبيهة بالقيامة، فلما فرغوا من تهيئته بعث السلطان الي أبي عيسي المتوكل فأمره بالصلاة عليه، فلما وضعت الجنازة للصلاة دنا ابو عيسي منها فكشف عن وجهه فعرضه علي بني هاشم من العلوية والعباسية والقواد والكتاب والقضاة والفقهاء والمعدلين وقال: هذا الحسن بن علي بن محمد بن الرضا (عليهم السلام)، مات حتف انفه، علي فراشه، حضر من خدم امير المؤمنين وثقاته فلان وفلان ومن المتطببين، فلان وفلان ومن القضاة فلان وفلان، ثم غطي وجهه، وقام، فصلي عليه وكبر عليه خمساً وأمر بحمله، وحمل من وسط داره ودفن في البيت الذي دفن فيه ابوه، (عليهما السلام)، فلما دفن وتفرق الناس اضطرب السلطان واصحابه في طلب ولده. وكثر التفتيش في المنازل والدور، وتوقفوا علي قسمة ميراثه، ولم يزل الذين وكلوا بحفظ الجارية التي توهموا عليها الحبل ملازمين لها سنتين وأكثر حتي تبين لهم بطلان الحبل، فقسم ميراثه بين امه واخيه جعفر، وادعت امه وصيته، وثبت ذلك عند القاضي، والسلطان علي ذلك، يطلب اثر ولده، فجاء جعفر بعد قسمته الميراث الي ابي، وقال له: اجعل لي مرتبة ابي واخي وأوصل اليك في كل سنة عشرين الف دينار، فزبره [749] أبي واسمعه [750] وقال له: يا احمق ان السلطان اعزه اللّه جرد سيفه وسوطه في الذين زعموا ان اباك واخاك ائمة ليردهم عن ذلك، فلم يقدر عليه ولم يتهيأ له صرفهم عن هذا القول فيهما، وجهد ان يزيل اباك واخاك عن تلك المرتبة، فلم يتهيأ له ذلك، فان كنت عند شيعة أبيك وأخيك إماماً فلا حاجة بك الي سلطان، يرتبك مراتبهم، ولا غير سلطان، وإن لم تكن عندهم بهذه المنزلة لم تنلها بها، واستقله عند ذلك واستضعفه، وأمر ان يحجب عنه فلم يأذن له بالدخول عليه حتي مات أبي، وخرجنا والأمر علي تلك الحال، والسلطان يطلب اثر ولد الحسن بن علي، (عليهما السلام)، حتي اليوم.
وصل: روي الشيخ عن ابي سهل اسماعيل بن علي النوبختي قال: دخلت علي ابي محمد الحسن بن علي (عليه السلام) في المرضة التي مات فيها وانا عنده، اذ قال لخادمه عقيد، وكان الخادم اسود نوبياً قد خدم من قبله علي بن محمد وهو ربي الحسن، (عليه السلام) فقال له: يا عقيد اغل لي ماء بمصطكي، فاغلي له، ثم جاءت به صيقل الجارية ام الخلف (عليه السلام)، فلما صار القدح في يديه وهمّ بشربه جعلت يده ترتعد حتي ضرب القدح ثنايا الحسن (عليه السلام)،فتركه من يده، وقال لعقيد ادخل البيت فإنك تري صبيا ساجداً فأتني به، قال ابو سهل قال عقيد: فدخلت اتحري فاذا انا بصبي ساجد رافع سبابته نحو السماء، فسلمت عليه، فأوجز في صلاته، فقلت ان سيّدي يأمرك بالخروج اليه اذ جاءت امه صيقل، فاخذت بيده واخرجته الي ابيه الحسن (عليه السلام)، قال ابو سهل فلما مشي الصبي بين يديه سلم، واذا هو دري اللون، وفي شعر رأسه قطط مفلج الاسنان فلما رآه الحسن (عليه السلام) بكي، وقال يا سيد أهل بيته، اسقني الماء فإني ذاهب الي ربّي، وأخذ الصبي القدح المغلي بالمصطكي بيده، ثم حرك شفتيه ثم سقاه فلما شربه، قال: هيئوني للصلاة، فطرح في حجره منديل فوضاه الصبي واحدة واحدة، ومسح علي رأسه وقدميه، فقال له ابو محمد (عليه السلام) ابشر يا بنيّ، فانت صاحب الزمان، وانت المهدي، وانت حجة اللّه علي ارضه، وانت ولدي ووصيي، وانا ولدتك، وانت م ح م د بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسي بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب، (عليهم السلام)، ولدك رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم)، وانت خاتم الأئمة الطاهرين، وبشر بك رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم)، وسماك وكناك بذلك، عهد الي أبي عن آبائك الطاهرين، (صلي اللّه علي اهل البيت)، ربنا انه حميد مجيد، ومات الحسن بن علي من وقته، (صلوات اللّه عليهم اجمعين)، انتهي.
وروي انه لما مات الحسن بن علي (عليه السلام)، حضر غسله عثمان بن سعيد (رضي اللّه عنه وأرضاه)، وتولي جميع أمره في تكفينه وتحنيطه وتقبيره، وقال الشيخ علي السدابادي في المقنع: ان الحسن بن علي نصّ علي ولده الخلف الصالح (عليه السلام)، وجعل وكيله ابا محمد عثمان بن سعيد العمري الوسيط بينه وبين شيعته في حياته، فلما ادركته الوفاة امره فجمع شيعتهم واخبرهم ان ولده الخلف صاحب الامر بعده، وان ابا محمد عثمان بن سعيد العمري وكيله، وهو بابه والسفير بينه وبين شيعته، فمن كانت له حاجة قصده كما كان يقصده في حال حياته، وسلم اليه جواريه، فلما قبض (عليه السلام) تكلم اخوه جعفر، وادعي الامامة لنفسه، وبذل للمعتمد بذلًا اشاع ذكره، فقال له وزير المعتمد قد كان المتوكل وغيره يروم نسخ ناموس اخيك فلم يصح لهم، فاستمل انت شيعته بما تقدر عليه، فلما لم يبلغ غرضه سعي بجواري اخيه، وقال: في جملة الجواري جارية اذا ولدت ولداً يكون ذهاب دولتكم علي يده فانفذ المعتمد الي عثمان بن سعيد وأمره ان ينقلهن الي دار القاضي، او بعض الشهود حتي يستبرئهن بالوضع، فسلمهن الي ذلك العدل، فأقمن عنده سنة، ثم ردهن الي عثمان بن سعيد، لأن الولد المطلوب كان قد ولد قبل ذلك بست سنين، وقيل بخمس، وقيل باربع، واظهره ابو الحسن بخاصة شيعته، وأراهم شخصه، وعرفهم بأنه الذي يقصد اليه منه، فلما تسلم عثمان بن سعيد الجواري وفيهم ام صاحب الأمر (عليه السلام) نقلهن الي مدينة السلام، وكانت الشيعة تقصده من كل بلد: بقصص وحوائج، وكانت الاجوبة تخرج اليهم علي يده. انتهي.
وروي عن ابي محمد (عليه السلام) انه قال يوماً لأمه، تصيبني في سنة ستين ومئتين خزارة اخاف ان انكب منها نكبة فاظهرت الجزع، واخذها البكاء، فقال لابد من وقوع امر اللّه لا تجزعي، وفي رواية انه امرها بالحج في سنة تسع وخمسين ومئتين وعرّفها ما يناله في سنة ستين، وخرجت ام ابي محمد (عليه السلام) الي مكة.
وروي عنه (عليه السلام) قال: في سنة مئتين وستين تفترق شيعتي، ففيها قبض (عليه السلام) فتفرقت شيعته.
قال شيخنا المفيد (رحمه اللّه) ومرض ابو محمد (عليه السلام) في اول شهر ربيع الأول سنة ستين ومئتين، ومات في يوم الجمعة لثماني ليال خلون من هذا الشهر في السنة المذكورة، وله يوم وفاته ثمان وعشرون سنة ودفن في البيت الذي دفن فيه ابوه من دارهما بسر من رأي، وخلف ابنه المنتظر لدولة الحق، وكان قد أخفي مولده، وستر أمره، لصعوبة الوقت وشدة طلب سلطان الزمان، واجتهاده في البحث عن أمره، ولما شاع من مذهب الشيعة الإِمامية فيه، وعرف من انتظارهم له، فلم يظهر ولده (عليه السلام) في حياته ولا عرفه الجمهور بعد وفاته، وتولي جعفر بن علي، اخو ابي محمد (عليه السلام) اخذ تركته، وسعي في حبس جواري ابي محمد (عليه السلام) واعتقال [751] حلائله، وشنع علي اصحابه بانتظارهم ولده، وقطعهم بوجوده، والقول بإمامته، واغري بالقوم حتي اخافهم وشردهم [752] وجري علي مخلفي ابي محمد (عليه السلام) بسبب ذلك كل عظيمة من اعتقال وحبس وتهديد وتصغير واستخفاف وذل، ولم يظفر السلطان منهم بطائل [753] وحاز جعفر ظاهر تركة ابي محمد (عليه السلام)، واجتهد في القيام عند الشيعة مقامه، ولم يقبل احد منهم ذلك، ولا اعتقده فيه، فصار الي سلطان الوقت يلتمس مرتبة اخيه وبذل مالاً جليلاً، وتقرب بكل ما ظن انه يتقرب به، فلم ينتفع بشيء من ذلك، انتهي.
وقال عثمان بن سعيد (قدس اللّه روحه) لعبد اللّه بن جعفر الحميري ان الأمر عند السلطان أن ابا محمد (عليه السلام) مضي ولم يخلف ولداً، وقسم ميراثه واخذه من لا حق له، وصبر علي ذلك وهو ذا عياله يجولون وليس احد يجسر ان يتعرف اليهم او ينيلهم شيئاً.
وفي الدروس، وروي ابو هاشم الجعفري قال: قال لي ابو محمد الحسن بن علي (عليه السلام): قبري بسر من رأي أمان لأهل الجانبين، وقال المفيد (رحمة الله): يزاران من ظاهر الشباك، ومنع من دخول الدار، وقال الشيخ ابو جعفر وهو الاحوط، لأنها ملك الغير فلا يجوز التصرف فيها الا بإذنه، قال ولو أن أحداً دخلها لم يكن مأثوماً. وخاصة اذا تأول في ذلك، ما روي عنهم (عليهم اسلام)، انهم جعلوا شيعتهم في حل من مالهم.
اقول: قال علي بن عيسي الاربلي (رحمه اللّه): حكي لي بعض الاصحاب ان الخليفة المستنصر مشي مرة الي سر من رأي وزار العسكريين (عليهما السلام)، وخرج، فزار التربة التي دفن فيها الخلفاء من آبائه، وأهل بيته، وهم في قبة خربة يصيبها المطر وعليها ذرق [754] الطيور، وأنا رأيتها علي هذه الحال، فقيل له انتم خلفاء الأرض وملوك الدنيا ولكم الأمر في العالم وهذه قبور آبائكم بهذه الحال؟ لا يزورها زائر ولا يخطر بها خاطر، وليس فيها احد يميط [755] عنها الاذي، وقبور هؤلاء العلويين كما ترونها بالستور [756] والقناديل والفروش والزلالي والفراشين والشمع والبخور وغير ذلك، فقال هذا امر سماويّ لا يحصل باجتهادنا ولو حملنا الناس علي ذلك ما قبلوه ولا فعلوا، وصدق، فان الاعتقادات لا تحصل بالقهر ولا يتمكن احد من الإِكراه عليها.

الحجة بن الحسن صاحب الزمان

اشاره

حجة اللّه علي عباده، وبقيته في بلاده، الغائب عن الأبصار، والحاضر في قلوب الاخيار، كاشف الاحزان، وخليفة الرحمن، صلوات اللّه عليه وعلي آبائه ما توالت الازمان
صاحب العصر الإِمام المنتظر
من بما يأباه لا يجري القدر
حجة اللّه علي كل البشر
خير اهل الأرض في كل الخصال
شمس اوج المجد مصباح الظلام
صفوة الرحمن من بين الانام
الإِمام ابن الإِمام ابن الإِمام
قطب افلاك المعالي والكمال
فاق اهل الأرض في عز وجاه
وارتقي في المجد اعلي مرتقاه
لو ملوك الأرض حلوا في ذراه
كان أعلي صفهم صف النعال
يا أمين اللّه يا شمس الهدي
يا امام الخلق يا بحر الندي
عجّلن عجّل فقد طال المدي
واضمحل الدين واستولي الضلال
ولد (عليه السلام) بسر من رأي في ليلة النصف من شعبان سنة 255 هجري خمس وخمسين ومئتين. [757].
امه (عليه السلام) مليكة بنت يشوعا بن قيصر ملك الروم، وامها من ولد الحواريين، تنسب الي شمعون وصي المسيح (عليه السلام)، ولما أُسرت، سمت نفسها نرجس، لئلا يعرفها الشيخ الذي وقعت اليه، ولما اعتراه من النور والجلاء بسبب الحمل المنّور سميت صقيلا، (صيقلا. - ظ).
واما كيفية الولادة فروي عن حكيمة بنت ابي جعفر الجواد (عليه السلام) قالت، بعث الي ابو محمد الحسن بن علي (عليه السلام) فقال: يا عمة اجعلي افطارك الليلة عندنا فإنها ليلة النصف من شعبان، فان اللّه تبارك وتعالي سيظهر في هذه الليلة الحجة، وهو حجته في ارضه، قالت فقلت له: ومن امه؟ قال لي: نرجس، قلت له واللّه جعلني اللّه فداك ما بها أثر، فقال: هو ما أقول لك، قالت فجئت فلما سلّمت وجلست، جاءت تنزع خفي وقالت لي: يا سيدتي كيف امسيت؟ فقلت بل انت سيدتي وسيدة أهلي، قالت: فانكرت قولي وقالت ما هذا يا عمة؟ قالت فقلت لها: يا بنية ان اللّه تبارك وتعالي سيهب لك في ليلتك هذه غلاماً سيداً في الدنيا والآخرة، قالت: فجلست واستحت، (استحيت خ د) فلما فرغت من صلاة العشاء الآخرة افطرتُ واخذت مضجعي، فرقدت، فلما ان كان في جوف الليل قمتُ الي الصلاة ففرغت من صلاتي وهي نائمة ليس بها حادث، ثم جلست معقبة، ثم اضطجعت، ثم انتبهت فزعة وهي راقدة، ثم قامت فصلّت، قالت حكيمة: فدخلتني الشكوك، فصاح بي ابو محمد (عليه السلام) من المجلس، فقال: لا تعجلي يا عمة فان الأمر قد قرب، قالت فقرأت، الم السجدة ويس، فبينما انا كذلك اذ انتبهت فزعة، فوثبت اليها، فقلتُ: اسم اللّه عليك، ثم قلت لها: تحسين شيئاً؟ قالت نعم يا عمة، فقلت لها اجمعي نفسك، واجمعي قلبك، فهو ما قلت لك، قالت حكيمة، ثم اخذتني فترة واخذتها فترة، فانتبهت بحس سيدي، فكشفت الثوب عنه فإذا انا به (عليه السلام) ساجداً يتلقي الأرض بمساجده، فضممته الي فاذا أنا به نظيف منظف، فصاح بي ابو محمد (عليه السلام) هلمّي اليّ ابني يا عمة، فجئت به اليه، فوضع يديه تحت اليتيه وظهره، ووضع قدميه علي صدره، ثم ادلي لسانه في فيه وامر يده علي عينيه وسمعه ومفاصله، ثم قال تكلم يا بني، فقال: اشهد ان لا إله الا اللّه وحده لا شريك له واشهد ان محمداً (صلي اللّه عليه وآله وسلم) رسول اللّه، ثم صلّي علي امير المؤمنين (عليه السلام) وعلي الأئمة الي ان وقف علي ابيه ثم احجم، قال ابو محمد (عليه السلام) يا عمة اذهبي به الي امه ليسلم عليها، وائتيني به فذهبت به فسلم عليها ورددته ووضعته في المجلس، ثم قال يا عمة: اذا كان يوم السابع فأتينا، قالت حكيمة، فلما اصبحت جئت لأسلم علي ابي محمد (عليه السلام) فكشفت الستر لأفتقد سيدي، فلم اره، فقلت له جعلت فداك، ما فعل سيدي، فقال يا عمة استودعناه الذي استودعته أم موسي (عليه السلام)، قالت حكيمة فلما كان في اليوم السابع جئت وسلمت وجلست، فقال هلمي الي ابني، فجئت بسيدي في الخرقة، ففعل به كفعلته الأولي، ثمن ادلي لسانه في فيه كأنه يغذيه لبناً او عسلاً، ثم قال تكلم يا بني، فقال: اشهد ان لا إله الا اللّه وثني بالصلاة علي محمد وعلي امير المؤمنين والأئمة (صلوات الله عليهم اجمعين) حتي وقف علي ابيه (عليه السلام)، ثم تلا هذه الآية (بسم اللّه الرحمن الرحيم ونريد ان نمن علي الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم ائمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون).
وفي رواية اخري فلما كان بعد اربعين يوماً دخلت علي ابي محمد (عليه السلام) فاذا مولانا الصاحب يمشي في الدار، فلم ار وجهاً أحسن من وجهه ولا لغة افصح من لغته، فقال ابو محمد (عليه السلام): هذا المولود الكريم علي اللّه عز وجل، فقلت: سيدي اري من أمره ما اري وله اربعون يوماً، فتبسم وقال يا عمتي اما علمت انا معاشر الأئمة ننشأ في اليوم ما ينشأ غيرنا في السنة، فقمت فقبلت رأسه وانصرفت، ثم عدت وتفقدته فلم اره، فقلت لأبي محمد (عليه السلام) ما فعل مولانا؟ فقال: يا عمة استودعناه الذي استودعت ام موسي.
وروي عن محمد بن عثمان العمري [758] (قدس اللّه روحه) قال: لما ولد الخلف المهدي (صلوات اللّه عليه) سطع نور من فوق رأسه الي عنان السماء، ثم سقط ساجداً لربه تعالي ذكره، ثم رفع رأسه وهو يقول: اشهد ان لا إله الا هو، والملائكة اولو العلم، قائماً بالقسط، لا إله الا هو العزيز الحكيم، ان الدِّين عند اللّه الإِسلام.
قال: وكان مولده ليلة الجمعة وقال: ولد (عليه السلام) مختوناً، وسمعت حكيمة تقول: لم تر بأمه دماً في نفاسها، وهذا سبيل أمهات الأئمة (عليهم السلام).
وروي عن جارية لأبي محمد (عليه السلام) قالت: لما ولد السيد رأيت له نوراً ساطعاً قد ظهر منه وبلغ افق [759] السماء، ورأيت طيوراً بيضاء تهبط من السماء، وتمسح اجنحتها علي رأسه ووجهه وسائر جسده، ثم تطير، فاخبرنا أبا محمد (عليه السلام) بذلك، فضحك ثم قال تلك ملائكة السماء نزلت لتتبرك به، وهي انصاره اذا خرج.
وروي عن ابي جعفر العمري (رضي اللّه عنه) قال لما ولد السيد قال ابو محمد (عليه السلام): ابعثوا اليَّ ابا عمرو، فبعث اليه، فقال اشتر عشرة آلاف رطل خبزاً وعشرة آلاف رطل لحماً، وفرقها حسبة، علي بني هاشم، وعقّ عنه بكذا وكذا شاة.
وعن نسيم الخادم قال: دخلت علي صاحب الزمان (عليه السلام) بعد مولده بليلة، [760] فعطست عنده، فقال لي يرحمك اللّه، قال نسيم: ففرحت بذلك، فقال لي الا ابشرك في العطاس؟ فقلت بلي، قال هو امان من الموت ثلاثة ايام.
وروي انه ورد من ابي محمد (عليه السلام) علي احمد [761] بن اسحاق كتاب، واذا فيه مكتوب بخط يده الذي كان يرد به التوقيعات عليه، ولد المولود فليكن عندك مستوراً، وعن جميع الناس مكتوماً، فانّا لم نظهر عليه الا الاقرب لقرابته، والمولي لولايته، احببنا اعلامك ليسرك اللّه به كما سرنا، والسلام.
فروي: انه كان بقم منجم يهودي موصوف بالحذق بالحساب، فاحضره احمد بن اسحاق وقال له: قد ولد مولود في وقت كذا وكذا، فخذ الطالع واعمل له ميلاداً، قال فأخذ الطالع ونظر فيه وعمل عملاً له، وقال لأحمد بن اسحاق لست أري النجوم تدلني (فيما يوجبه الحساب) ان هذا المولود لك، ولا يكون مثل هذا المولود الا نبياً او وصيَّ نبي، وان النظر ليدل علي انه يملك الدنيا شرقاً وغرباً وبرّاً وبحراً وسهلاً وجبلاً، حتي لا يبقي علي وجه الأرض احد الا دان بدينه، وقال بولايته.
وروي عن طريف ابي نصر الخادم قال دخلت علي صاحب الزمان (عليه السلام) (وهو في المهد) فقال لي: علي بالصندل الاحمر، فأتيته به، فقال أتعرفني؟ قلت نعم انت سيدي وابن سيدي، فقال ليس عن هذا سألتك فقلت فسر لي، [762] فقال انا خاتم الاوصياء، وبي يرفع البلاء عن اهلي وشيعتي.
وفي إثبات الوصية، وروي عن ابي محمد (عليه السلام) انه قال: لما ولد الصاحب (عليه السلام) بعث اللّه عز وجل ملكين فحملاه الي سرادق العرش حتي وقف بين يدي اللّه، فقال له مرحبا بك، وبك أعطي وبك اعفو وبك اعذّب، ثم روي مسنداً عن نسيم ومارية قالتا: لما خرج صاحب الزمان (عليه السلام) من بطن امه، سقط جاثياً علي ركبتيه، [763] رافعاً سبابته نحو السماء، ثم عطس، فقال: الحمد للّه رب العالمين وصلي اللّه علي محمد وآله، عبد داخر للّه، [764] غير مستنكف ولا مستكبر، ثم قال زعمت الظلمة ان حجة اللّه داحضة [765] ولو اذن لنا في الكلام زال الشك.

في ذكر بعض النصوص عليه

الشيخ الصدوق باسناده عن جابر الجعفي، قال: سمعت جابر بن عبد اللّه يقول لما انزل اللّه عز وجل علي نبيه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) (يا ايها الذين آمنوا اطيعوا اللّه واطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) قلت يا رسول اللّه عرفنا اللّه ورسوله، فمن اولو الأمر الذين قرن اللّه طاعتهم بطاعتك؟
قال هم خلفائي يا جابر وائمة المسلمين بعدي، اولهم عليّ بن ابي طالب، ثم الحسن، ثم الحسين، ثم علي بن الحسين، ثم محمد بن علي المعروف في التوراة بالباقر، وستدركه يا جابر، فاذا لقيته فأقرئه مني السلام، ثم الصادق جعفر بن محمد، ثم موسي بن جعفر، ثم علي بن موسي، ثم محمد بن علي، ثم علي بن محمد، ثم الحسن بن علي، ثم سميي وكنيي [766] حجة اللّه في ارضه وبقيته في عباده، ابن الحسن بن علي، ذاك الذي يفتح اللّه تعالي ذكره علي يديه مشارق الأرض ومغاربها، ذاك الذي يغيب عن شيعته واوليائه غيبة لا يثبت فيها علي القول بإمامته الا من امتحن اللّه قلبه للإِيمان، قال فقال جابر: يا رسول اللّه فهل ينتفع الشيعة به في غيبته؟ فقال (صلي اللّه عليه وآله وسلم) اي والذي بعثني بالنبوة، انهم لينتفعون به ويستضيئون بنور ولايته في غيبته كانتفاع الناس بالشمس وان جلَّلها [767] السحاب، يا جابر هذا مكنون سر اللّه ومخزون علمه فاكتمه الا عن اهله.
وبإسناده عن الصادق (عليه السلام) عن آبائه عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: قال رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم): لما أسري [768] بي الي السماء أوحي اليَّ ربي، جل جلاله، فقال: يا محمد إنّي اطلعت الي الأرض اطلاعة فاخترتك منها فجعلتك نبياً، وشققت لك اسماً من اسمائي، فانا المحمود وانت محمد، ثم اطلعت الثانية فاخترت منها علياً، وجعلته وصيك وخليفتك وزوج ابنتك وأبا ذريتك، وشققت له اسماً من أسمائي، فأنا العليُّ الاعلي وهو علي، وجعلت فاطمة والحسن والحسين من نوركما، ثم عرضت ولايتهم علي الملائكة، فمن قبلها، كان عندي من المقربين، يا محمد لو أن عبداً عبدني حتي ينقطع ويصير كالشنّ [769] البالي ثم أتاني جاحداً لولايتهم ما اسكنته جنتي، ولا اظللته تحت عرشي، يا محمد أتحب ان تراهم، قلت: نعم يا رب قال عز وجل: إرفع رأسك، فرفعت رأسي فاذا أنا بانوار علي وفاطمة والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد وموسي بن جعفر وعلي بن موسي ومحمد بن علي وعلي بن محمد والحسن بن علي، والحجة بن الحسن القائم في وسطهم كأنه كوكب دري، قلت يا رب من هؤلاء، قال: هؤلاء الأئمة وهذا القائم الذي يحل حلالي ويحرم حرامي، وبه انتقم من اعدائي، وهو راحة لأوليائي، وهو الذي يشفي قلوب شيعتك من الظالمين والجاحدين والكافرين، فيخرج اللات والعزي طريين فيحرقهما، فلفتنة الناس بهما يومئذ اشد من فتنة العجل والسامري.
وروي صاحب كفاية الأثر، عن عبد اللّه بن عباس، قال رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم): إن اللّه تبارك وتعالي اطلع الي الأرض اطلاعة فاختارني منها فجعلني نبياً، ثم اطلع الثانية فاختار منها علياً فجعله إماماً، ثم أمرني ان اتخذه أخاً ووصيّاً وخليفة ووزيراً، فعليّ مني وأنا من عليّ، وهو زوج ابنتي وابو سبطيَّ الحسن والحسين، ألا وإن اللّه تبارك وتعالي جعلني وإياهم حججاً علي عباده، وجعل من صلب الحسين أئمة يقومون بأمري ويحفظون وصيتي، التاسع منهم قائم أهل بيتي، ومهدي امتي، اشبه الناس بي في شمائله وأقواله وأفعاله، ليظهر بعد غيبة طويلة وحيرة مضلة [770] فيعلي [771] أمر اللّه، ويظهر دين اللّه، ويؤيّد بنصر اللّه وبنصر بملائكة اللّه، فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً، كما ملئت ظلماً وجوراً.
وبإسناده عن جابر بن عبد اللّه الانصاري قال: كان رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) في الشكاة [772] التي قبض فيها، فاذا فاطمة عند رأسه، قال فبكت حتي ارتفع صوتها، فرفع رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) طرفه إليها، فقال: حبيبتي فاطمة ما الذي يبكيك؟ قالت أخشي الضيعة [773] من بعدك، قال: يا حبيبتي لا تبكي، فنحن أهل بيت قد اعطانا اللّه سبع خصال لم يعطها احداً قبلنا، ولا يعطيها احداً بعدنا، منا خاتم النبيين وأحب المخلوقين الي اللّه عز وجل، وهو أنا ابوك، ووصينا خير الاوصياء واحبهم وهو بعلك وشهيدنا خير الشهداء واحبهم الي اللّه وهو عمك، ومنا من له جناحان في الجنة يطير بهما مع الملائكة وهو ابن عمك، [774] ومنا سبطا هذه الأمة وهما ابناك الحسن والحسين، سوف يخرج اللّه من صلب الحسين تسعة من الأئمة، امناء معصومين [775] ومنا مهدي هذه الأمة، اذا صارت الدنيا هرجاً ومرجاً، وتظاهرت الفتن، وتقطعت السبل، وأغار بعضهم علي بعض، فلا كبير يرحم صغيراً، ولا صغير يوقر كبيراً، فيبعث اللّه عز وجل، عند ذلك مهدينا، التاسع من صلب الحسين، يفتح حصون الضلالة، وقلوباً غلفاً، يقوم بالدين في آخر الزمان كما قمت به في اول الزمان، ويملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً.
وبإسناده عن محمود بن لبيد قال: لما قبض رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) كانت فاطمة (صلوات اللّه عليها) تأتي قبور الشهداء وتأتي قبر حمزة وتبكي هناك، فلما كان في بعض الأيام اتيت قبر حمزة (رحمه اللّه) فوجدتها (سلام اللّه عليها) تبكي هناك، فأمهلتها حتي سكنت، فأتيتها وسلمت عليها، وقلت: يا سيدة النساء قد واللّه قطَّعت أنياط [776] قلبي، من بكائك، فقالت يا أبا عمرو يحق لي البكاء فلقد اصبت بخير الآباء رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم)، واشوقاه الي رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم)، ثم أنشأت تقول (عليها السلام):
اذا مات يوماً ميت قل ذكره
وذكر أبي مذ مات واللّه اكثر
قلت يا سيدتي إني سائلك عن مسألة تتلجلج في صدري، قالت سل، قلت: هل نص رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) قبل وفاته علي علي بالإِمامة؟ قالت واعجباً انسيتم يوم غدير خم؟ قلت قد كان ذلك، ولكن أخبريني بما أشير اليك، قالت أشهد اللّه تعالي لقد سمعته يقول: علي خير من أخلفه فيكم، وهو الإِمام والخليفة بعدي، وسبطاي وتسعة من صلب الحسين أئمة ابرار، لئن اتبعتموهم وجدتموهم هادين مهديين، ولئن خالفتموهم لَيكون الاختلاف فيكم الي يوم القيامة، قلت: يا سيدتي، فما باله قعد عن حقه؟ قالت يا أبا عمر، لقد قال رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم): مثل الإمام مثل الكعبة اذ يؤتي ولا يأتي [777] او قالت [778] مثل علي، ثم قالت أما والله لو تركوا الحق علي أهله واتبعوا عترة نبيه لما اختلف في اللّه اثنان، ولورثها سلف عن سلف وخلف بعد خلف، حتي يقوم قائمنا التاسع من ولد الحسين (عليه السلام)، ولكن قدموا من أخره اللّه، واخروا من قدمه اللّه، حتي اذا لحدوا المبعوث واودعوه الجدث والمجدوث [779] اختاروا بشهوتهم وعملوا بآرائهم، تبّاً لهم، او لم يسمعوا اللّه يقول: (وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة)؟ بل سمعوا ولكنهم كما قال اللّه سبحانه: (فانها لا تعمي الابصار ولكن تعمي القلوب التي في الصدور) هيهات بسطوا في الدنيا آمالهم، ونسوا آجالهم، فتعساً لهم [780] واضل اعمالهم، اعوذ بك يا رب من الحور بعد الكور. [781].
وبإسناده عن محمد بن همام بسنده عن ابي هريرة قال: كنت عند النبي (صلي اللّه عليه وآله وسلم) وابو بكر وعمر والفضل بن العباس وزيد بن حارثة وعبد اللّه بن مسعود، اذ دخل الحسين بن علي (عليه السلام) فأخذه النبي (صلي اللّه عليه وآله وسلم) وقبله، ثم قال حزقَّه حزقّه ترقَّ عين بقة [782] ووضع فمه، وقال: اللهم إنّي احبه فأحبه وأحب من يحبه، يا حسين أنت الإِمام ابن الإِمام أبو الأئمة، تسعة من ولدك ائمة أبرار، فقال له عبد اللّه بن مسعود: ما هؤلاء الأئمة الذي ذكرتهم في صلب الحسين؟ فأطرق ملياً ثم رفع رأسه فقال: يا عبد اللّه سألت عظيماً، ولكنّي اخبرك ان ابني هذا، ووضع يده علي كتف الحسين (عليه السلام)، يخرج من صلبه ولد مبارك سمي جده علي (عليه السلام) يسمي العابد، ونور الزهاد، ويخرج اللّه من صلب علي (عليه السلام) ولداً اسمه اسمي، وأشبه الناس بي، يبقر العلم بقراً وينطق بالحق ويأمر الصواب ويخرج اللّه من صلبه كلمة الحق، ولسان الصدق، فقال له ابن مسعود: فما اسمه يا رسول اللّه؟ قال يقال له جعفر، صادق في قوله وفعله، الطاعن عليه كالطاعن علي، والرَّاد عليه كالرّاد علي، ثم دخل حسان بن ثابت وأنشد في رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) شعراً، وانقطع الحديث، فلما كان من الغد، صلي بنا رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) ثم دخل بيت عائشة ودخلنا معه، أنا وعلي بن أبي طالب (عليه السلام) وعبد اللّه بن العباس، وكان من دأبه (صلي الّه عليه وآله وسلم) اذا سئل أجاب واذا لم يسأل ابتدأ، فقلت له: بابي انت وامي يا رسول اللّه الا تخبرني بباقي الخلفاء من صلب الحسين (عليه السلام)؟ قال نعم يا أبا هريرة، ويخرج اللّه من صلب جعفر مولوداً نقياً طاهراً اسمر ربعة [783] سميُّ موسي بن عمران، ثم قال له ابن عباس ثم من يا رسول اللّه؟ قال يخرج من صلب موسي علي ابنه، يدعي بالرضا، موضع العلم ومعدن الحلم، ثم قال بأبي المقتول في أرض الغربة، ويخرج من صلب علي ابنه محمد المحمود، أطهر الناس خلقاً واحسنهم خلقاً، ويخرج من صلب محمد علي ابنه، طاهر الحسب صادق اللهجة، ويخرج من صلب علي الحسن الميمون النقي الطاهر الناطق عن اللّه وابو حجة اللّه، ويخرج اللّه من صلب الحسن قائمنا اهل البيت، يملأها قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، له هيبة موسي وحكم داود وبهاء عيسي، ثم تلا (صلي اللّه عليه وآله وسلم): (ذرية بعضها من بعض واللّه سميع عليم)، فقال له علي بن ابي طالب (عليه السلام) بأبي انت وأمي يا رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) من هؤلاء الذين ذكرتهم؟ قال يا علي اسامي الاوصياء من بعدك، والعترة الطاهرة والذرية المباركة، ثم قال (صلي اللّه عليه وآله وسلم) والذي نفس محمد بيده لو ان رجلاً عبد اللّه ألف عام ثم الف عام ما بين الركن والمقام، ثم أتاني جاحداً لولايتهم لأكبه اللّه [784] في النار، كائناً من كان.
قال ابو علي محمد بن همام: العجب كل العجب من ابي هريرة انه [785] يروي مثل هذه الاخبار ثم ينكر فضائل أهل البيت (عليهم السلام).
وبإسناده عن عبد العظيم الحسني قال: دخلت علي سيدي علي بن محمد، فلما بصرني قال: مرحباً يا أبا القاسم أنت ولينا حقاً، قال فقلت له، يا ابن رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) إني اريد أن أعرض عليك ديني، فإن كان مرضياً ثبتُّ عليه، حتي ألقي اللّه عز وجل، فقال هات يا أبا القاسم، فقلت: اني أقول أن اللّه تبارك وتعالي واحد ليس كمثله شيء خارج من الحدين حد الابطال [786] وحد التشبيه، وأنه ليس بجسم ولا صورة ولا عرض ولا جوهر، بل هو مجسم الاجسام، ومصور الصور، وخالق الأعراض والجواهر، ورب كل شيء ومالكه وجاعله ومحدثه، وان محمداً عبده ورسوله خاتم النبيين، لا نبي بعده الي يوم القيامة، وان شريعته خاتمة الشرائع ولا شريعة بعده الي يوم القيامة، واقول ان الإِمام والخليفة وولي الأمر بعده أمير المؤمنين علي بن ابي طالب (عليه السلام)، ثم الحسن ثم الحسين ثم علي بن الحسين ثم محمد بن علي ثم جعفر بن محمد ثم موسي بن جعفر ثم علي بن موسي ثم محمد بن علي ثم أنت يا مولاي، فقال (عليه السلام) ومن بعدي الحسن ابني، فكيف للناس بالخلف من بعده؟ قال: وقلت وكيف ذلك يا مولاي؟ قال: لأنه لا يري شخصه ولا يحل ذكره باسمه حتي يخرج، فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً، كما ملئت جوراً وظلماً، قال فقلت اقررت وأقول: إن وليَّهم ولي اللّه وعدوَّهم عدوُّ اللّه وطاعتهم طاعة اللّه ومعصيتهم معصية اللّه، وأقول: ان المعراج حق والمسألة في القبر حق، وإن الجنة حق، والنار حق، والصراط حق، والميزان حق، وإن الساعة آتية لا ريب فيها وأن اللّه يبعث من في القبور، وأقول إن الفرائض الواجبة بعد الولاية الصلاة والزكاة والصوم والحج والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فقال علي بن محمد: يا ابا القاسم هذا واللّه دين اللّه الذي ارتضاه لعباده فاثبت عليه ثبتك اللّه بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة.
وعن الصقر بن أبي دلف قال سمعت أبا جعفر محمد بن علي الرضا (عليه السلام) يقول: الإِمام بعدي ابني علي، أمره أمري وقوله قولي وطاعته طاعتي، والإِمام بعده ابنه الحسن (عليه السلام) أمره أمر ابيه، وقوله قول أبيه، وطاعته طاعة ابيه، ثم سكت، فقلت له: يا ابن رسول اللّه فمن الإِمام بعد الحسن (عليه السلام)؟ فبكي بكاء شديداً ثم قال: إن من بعد الحسن ابنه القائم بالحق المنتظر، فقلت له يا ابن رسول اللّه ولم سمي القائم؟ قال لأنه يقوم بعد موت ذكره، وارتداد اكثر القائلين بإمامته، فقلت له: ولم سمّي المنتظر؟ قال إن له غيبة يكثر أيامها ويطول أمدها فينتظر خروجه المخلصون وينكره المرتابون ويستهزئ به الجاحدون ويكذب فيه الوقاتون [787] ويهلك فيه المستعجلون وينجو فيها المسلِّمون.
الشيخ المفيد عن ابي جعفر (عليه السلام) عن جابر بن عبد اللّه الانصاري قال: دخلت علي فاطمة بنت رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) وعليها، وبين يديها لوح فيه أسماء الاوصياء والأئمة من ولدها، فعددت اثني عشر اسماً، آخرهم القائم من ولد فاطمة (صلي اللّه عليه وآله وسلم)، ثلاثة منهم محمد، وأربعة منهم علي، (عليهم السلام).

في ذكر طرف من دلائل صاحب الزمان وبيناته وآياته

روي الشيخ بإسناده عن محمد بن أحمد الأنصاري قال: وجه قوم من المفوضة والمقصرة كامل بن إبراهيم المدني إلي ابي محمد (عليه السلام) (ليناظره في امرهم خ) قال كامل: فقلت في نفسي أسأله لا يدخل الجنة إلا من عرف معرفتي، وقال بمقالتي، قال: فلما دخلت علي سيدي ابي محمد (عليه السلام) نظرت إلي ثياب بيض ناعمة عليه، فقلت في نفسي وليُّ اللّه وحجته يلبس الناعم من الثياب ويأمرنا نحن بمواساة الإِخوان وينهانا عن لبس مثله؟ فقال متبسماً يا كامل وحسر ذراعيه فإذا مسح اسود خشن علي جلده، فقال هذا للّه وهذا لكم (فخجلت خ د) فسلمت وجلست الي باب عليه ستر مرخي (مسبل خ د) فجاءت الريح فكشفت طرفه فإذا أنا بفتي كأنه فلقة [788] قمر من أبناء أربع سنين او مثلها، فقال لي يا كامل بن إبراهيم، فاقشعررت [789] من ذلك وألهمت ان قلت لبيك يا سيدي، فقال جئت الي وليَّ اللّه وحجته وبابه تسأله، هل يدخل الجنة إلا من عرف معرفتك، وقال بمقالتك؟ فقلت إي واللّه قال اذن واللّه يقل [790] داخلها، واللّه انه ليدخلها قوم يقال لهم الحقيِّة، قلت يا سيدي ومن هم؟ قال قوم من حبهم لعليّ يحلفون بحقه ولا يدرون ما حقه وفضله (وفي بعض الروايات مكان ثم سكت هذه الجملة: انهم قوم يعرفون ما تجب عليهم معرفته جملاً لا تفصيلاً من معرفة اللّه ورسوله والأئمة (عليهم السلام) ونحوها ثم قال (الخ كذا في الحاشية) ثم سكت (عليه السلام) عني ساعة، ثم قال وجئت تسأله عن مقالة المفوضة، كذبوا، بل قلوبنا أوعية لمشيئة اللّه فاذا شاء: شئنا، واللّه يقول: وما تشاءون الا ان يشاء اللّه، ثم رجع الستر الي حالته فلم أستطع كشفه، فنظر اليَّ أبو محمد (عليه السلام) متبسماً فقال: يا كامل ما جلوسك وقد أنبأك بحاجتك الحجة من بعدي، فقمت وخرجت ولم أعاينه بعد ذلك.
وعن القنبري من ولد قنبر الكبير، مولي أبي الحسن الرضا (عليه السلام)، أنه حدّث عن رشيق صاحب (حاجب خ د) المادراي قال: بعث إلينا المعتضد ونحن ثلاثة نفر فأمرنا أن يركب كل واحد منا فرساً ويجنب آخر ونخرج مخففين لا يكون معنا قليل ولا كثير إلا علي السرج مصلي، [791] وقال لنا الحقوا بسامرة ووصف لنا محلة وداراً وقال: اذا أتيتموها تجدوا علي الباب خادماً اسود، فاكبسوا الدار، ومن رأيتم فيها فأتوني برأسه، فوافينا سامرة فوجدنا الأمر كما وصفه وفي الدهليز خادم اسود وفي يده تكة [792] ينسجها، فسألناه عن الدار ومن فيها، فقال صاحبها، فواللّه ما التفت إلينا وقل اكتراثه بنا، فكبسنا الدار كما أمرنا فوجدنا دارا سرية ومقابل الدار ستر ما نظرت قط الي أنبل منه [793] كأن الأيدي رفعت عنه في ذلك الوقت، [794] ولم يكن في الدار احد، فرفعنا الستر فإذا بيت كبير كأنَّ بحراً فيه، وفي اقصي البيت حصير قد علمنا أنه علي الماء وفوقه رجل من احسن الناس هيئة، قائم يصلي، فلم يلتفت إلينا ولا إلي شيء من اسبابنا، فسبق أحمد بن عبد اللّه ليتخطي البيت فغرق في الماء وما زال يضطرب حتي مددت يدي اليه فخلصته وأخرجته وغشي عليه وبقي ساعة، وعاد صاحبي الثاني إلي فعل ذلك الفعل، فناله مثل ذلك، وبقيت مبهوتاً، فقلت لصاحب البيت المعذرة الي اللّه واليك، فواللّه ما علمت كيف الخبر ولا إلي من اجيء، وأنا تائب الي اللّه، فما التفت الي شيء مما قلنا وما انفتل [795] عما كان فيه، فهالنا ذلك وانصرفنا عنه، وقد كان المعتضد ينتظرنا، وقد تقدم الي الحجاب اذا وافيناه أن ندخل عليه في أي وقت كان، فوافيناه في بعض الليل، فأدخلنا عليه، فسألنا عن الخبر فحكينا له ما رأينا، فقال ويحكم لقيكم أحد قبلي وجري منكم الي أحد سبب أو قول؟ قلنا: لا فقال أنا لَغاً [796] من جدي وحلف بأشد ايمانٍ له، أنه رجل إن بلغه هذا الخبر ليضربن أعناقنا، فما جسرنا أن نحدث به إلا بعد موته.
الصدوق عن اسحاق بن حامد الكاتب قال: كان بقم رجل بزاز مؤمن وله شريك مرجئ فوقع بينهما ثوب نفيس، فقال المؤمن يصلح هذا الثوب لمولاي، فقال شريكه لست اعرف مولاك ولكن افعل بالثوب ما تحب، فلما وصل الثوب شقه (عليه السلام) بنصفين طولاً فأخذ نصفه ورد النصف وقال: لا حاجة لي في مال المرجئ.
وقال الصدوق حدثنا الحسين بن علي بن محمد القمي المعروف بأبي علي البغدادي قال كنت ببخارا فدفع اليّ المعروف بابن جاوشير عشرة سبائك ذهباً وأمرني أن أسلمها بمدينة السلام [797] الي الشيخ ابي القاسم الحسين بن روح (قدس اللّه روحه) [798] فحملتها معي فلما بلغت أموية [799] ضاعت مني سبيكة من تلك السبائك ولم اعلم بذلك حتي دخلت مدينة السلام، فاخرجت السبائك لاسلمها فوجدتها ناقصة واحدة منها، فاشتريت سبيكة مكانها بوزنها واضفتها الي التسع سبائك ثم دخلت علي الشيخ ابي القاسم الروحي (قدس اللّه روحه) ووضعت السبائك بين يديه، فقال لي خذ لك تلك السبيكة التي اشتريتها واشار اليها بيده فان السبيكة التي ضيعتها قد وصلت الينا وهوذا هي، ثم اخرج إليّ تلك السبيكة التي كانت ضاعت مني باموية فنظرت اليها وعرفتها.
فقال الحسين بن علي بن محمد المعروف بأبي علي البغدادي، ورأيت تلك السنة بمدينة السلام امرأة تسألني عن وكيل مولانا (عليه السلام) من هو؟ فاخبرها بعض القميين انه ابو القاسم الحسين بن روح وأشار لها إليه، فدخلت عليه وانا عنده فقالت له: ايها الشيخ أي شيء معي؟ فقال ما معك فالقيه في دجلة ثم ائتيني حتي اخبرك قال فذهبت المرأة وحملت ما كان معها فالقته في دجلة ثم رجعت ودخلت الي أبي القاسم الروحي (قدس اللّه روحه)، فقال ابو القاسم (رضي اللّه عنه) لمملوكة له: أَخرجي الي الحقة فاخرجت اليه حقة، فقال للمرأة: هذه الحقة التي كانت معك ورميت بها في دجلة، اخبرك بما فيها او تخبريني؟ فقالت له بل اخبرني فقال في هذه الحقة زوج سوار [800] ذهب وحلقة كبيرة فيها جوهر وحلقتان صغيرتان فيهما جوهر وخاتمان احدهما فيروزج والآخر عقيق وكان الأمر كما ذكر لم يغادر [801] منه شيئاً، ثم فتح الحقة فعرض علي ما فيها، ونظرت المرأة اليه، فقالت: هذا الذي حملته بعينه ورميت به في دجلة، فغشي [802] علي وعلي المرأة فرحاً بما شاهدناه من صدق الدلالة، قال الحسين لي من بعد ما حدثني بهذا الحديث: اشهد باللّه تعالي، ان هذا الحديث كما ذكرته لم ازدد فيه ولم انقص منه وحلف بالأئمة الاثني عشر، (صلوات اللّه عليهم)، لقد صدق فيما حدث به ما زاد فيه ولا نقص منه.
وروي الشيخ عن ابن نوع عن ابي عبد اللّه الحسين بن محمد بن سورة القمي عن جماعة من مشائخ اهل قم، ان علي بن الحسين بن موسي بن بابويه كانت تحته بنت عمه محمد بن موسي بن بابويه فلم يرزق منها ولداً، فكتب الي الشيخ ابي القاسم حسين بن روح (رضي اللّه عنه) ان يسأل الحضرة ان يدعو اللّه ان يرزقه اولاداً فقهاء، فجاء الجواب انك لا ترزق من هذه وستملك جارية ديلمية وترزق منها ولدين فقيهين، قال ابو عبد اللّه بن سورة: ولابي الحسن بن بابويه (رحمه اللّه) ثلاثة اولاد، محمد [803] والحسين فقيهان ماهران في الحفظ يحفظان ما لا يحفظ غيرهما، من اهل قم، ولهما اخ اسمه الحسن هو الاوسط، مشتغل بالعبادة والزهد، لا يختلط بالناس ولا فقه له، قال ابن سورة كلما روي ابو جعفر وابو عبد اللّه ابنا علي بن الحسين شيئاً، يتعجب الناس من حفظهما ويقولون لهما هذا الشأن خصوصية لكما بدعوة الإِمام (عليه السلام) لكما، وهذا امر مستفيض في اهل قم.
وقال ابن سورة سمعت سروراً وكان رجلاً عابداً مجتهداً لقيته بالاهواز غير اني نسيت نسبه، يقول: كنت اخرس لا اتكلم فحملني ابي وعمي في صباي، وسني اذ ذاك ثلاث عشرة او اربع عشرة، الي الشيخ ابي القاسم بن روح (رضي اللّه عنه)، فسألاه ان يسأل الحضرة ان يفتح اللّه لساني فذكر الشيخ ابو القاسم الحسين بن روح انكم أُمرتم بالخروج الي الحائر قال سرور فخرجنا انا وابي وعمي الي الحائر فاغتسلنا وزرنا، قال فصاح بي ابي وعمي يا سرور فقلت بلسان فصيح لبيك، فقالا لي ويحك تكلمت؟ فقلت نعم، قال ابو عبد اللّه بن سورة وكان سرور هذا رجلاً ليس بجهوري الصوت.
وفي كتاب الصراط المستقيم [804] ذكر الشيخ الموثوق به عثمان بن سعيد العمري [805] ان ابن ابي غانم القزويني قال: ان العسكري (عليه السلام) لا خلف له فشاجرته الشيعة وكتبوا الي الناحية، وكانوا يكتبون لا بسواد، بل بالقلم الجاف، علي الكاغد الابيض ليكون علما [806] معجزا، فورد جواباً اليهم: بسم اللّه الرحمن الرحيم عافانا اللّه واياكم من الضلال والفتن، انه انتهي الينا شك جماعة منكم في الدين وفي ولاية ولي امرهم، فغمنا ذلك لكم لا لنا، لأن اللّه معنا والحق معنا فلا يوحشنا من بَعُدَ علينا، ونحن صنائع ربنا والخلق صنائعنا، [807] ما لكم في الريب تترددون؟ اما علمتم ما جاءت به الآثار من ائمتكم أفرأيتم كيف جعل اللّه لكم معاقل تأوون اليها [808] واعلاما تهتدون بها من لدن آدم الي ان ظهر الماضي [809] (عليه السلام)؟ كلما غاب علم بدا علم، واذا أفل نجم طلع نجم، فلما قبضه اللّه اليه ظننتم انه ابطل دينه وقطع السبب بينه وبين خلقه؟ كلا ما كان ذلك ولا يكون حتي تقوم الساعة ويظهر امر اللّه وهم كارهون، فاتقوا اللّه وسلموا لنا وردوا الامر الينا، فقد نصحت لكم واللّه شاهد عليّ وعليكم.

في ذكر من رآه

روي الصدوق بإسناده عن محمد بن معاوية بن حكيم ومحمد بن ايوب بن نوح ومحمد بن عثمان العمري [810] (رضي اللّه عنهم)، قالوا عرض علينا ابو محمد الحسن بن علي (صلوات اللّه عليه) ابنه (عليه السلام) ونحن في منزله وكنا اربعين رجلاً، فقال: هذا امامكم من بعدي وخليفتي عليكم اطيعوه ولا تتفرقوا من بعدي، فتهلكوا في اديانكم، اما انكم لا ترونه [811] بعد يومكم هذا، قالوا فخرجنا من عنده فما مضت الا أيام قلائل حتي مضي ابو محمد (صلوات اللّه عليه).
وبإسناده عن يعقوب بن منقوش قال دخلت علي ابي محمد الحسن بن علي (عليه السلام) وهو جالس علي دكان [812] في الدار وعن يمينه بيت، عليه ستر مسبل، فقلت له سيدي، من صاحب هذا الأمر؟ فقال ارفع الستر، فرفعته فخرج الينا غلام خماسي له عشر او ثمان او نحو ذلك [813] واضح الجبين ابيض الوجه، دري المقلتين، شثن الكفين [814] معطوف الركبتين في خده الايمن خال، وفي رأسه ذؤابة [815] فجلس علي فخذ ابي محمد (عليه السلام)، فقال هذا صاحبكم، ثم وثب فقال: يا بني ادخل الي الوقت المعلوم فدخل البيت وانا انظر اليه، ثم قال لي: يا يعقوب انظر في البيت فدخلت فما رأيت احداً.
وعن علي بن عبد اللّه الوراق، عن سعد، عن احمد بن اسحاق، قال: دخلت علي ابي محمد الحسن بن علي (عليه السلام) وانا اريد ان أسأله عن الخلف بعده، فقال لي مبتدئاً يا احمد بن اسحاق، ان اللّه تبارك وتعالي لم يخل الأرض منذ خلق آدم ولا تخلو الي يوم القيامة من حجة للّه علي خلقه (به ظ) يدفع البلاء عن اهل الأرض وبه ينزل الغيث، وبه يخرج بركات الأرض، قال فقلت: يا ابن رسول اللّه فمن الإِمام والخليفة بعدك؟ فنهض (عليه السلام) فدخل البيت ثم خرج وعلي عاتقه غلام كأنَّ وجهه القمر ليلة البدر من ابناء ثلاث سنين، فقال: يا احمد بن اسحاق لولا كرامتك علي اللّه وعلي حججه ما عرضت عليك ابني هذا، انه سميَّ رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) وكنيه [816] الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، يا احمد بن اسحاق، مثله في هذه الامة مثل الخضر (عليه السلام) ومثله كمثل ذي القرنين، واللّه ليغيبن غيبة لا ينجو فيها من الهلكة الا من يثبته اللّه علي القول بإمامته، ووفقه للدعاء بتعجيل فرجه، قال احمد بن اسحاق فقلت له: يا مولاي هل من علامة يطمئن اليها قلبي؟
فنطق الغلام (عليه السلام) بلسان عربي فصيح، فقال: انا بقية اللّه في ارضه، والمنتقم من اعدائه فلا تطلب اثراً بعد عين، يا احمد بن اسحاق، قال احمد بن اسحاق: فخرجت مسروراً فرحاً، فلما كان من الغد عدت اليه فقلت له: يا ابن رسول اللّه، لقد عظم سروري بما انعمت علي فما السنة الجارية فيه من الخضر وذي القرنين؟ فقال طول الغيبة يا أحمد، فقلت له: يا ابن رسول اللّه وان غيبته لتطول؟ قال اي وربي حتي يرجع عن هذا الأمر اكثر القائلين به، فلا يبقي الا من اخذ اللّه عهده بولايتنا وكتب في قلبه الايمان وايده بروح منه، يا احمد بن اسحاق هذا أمر من اللّه وسر من سر اللّه وغيب من غيب اللّه، فخذ ما اتيتك واكتمه، وكن من الشاكرين، تكن معنا. غداً في عليين.
روي الشيخ الطوسي عن احمد بن عبدون، عن ابي الحسن الشجاعي عن ابي عبد اللّه محمد بن ابراهيم النعماني، عن يوسف بن احمد الجعفري، قال حججت سنة ست وثلاثمئة وجاورت بمكة تلك السنة، وما بعدها الي سنة تسع وثلاثمئة، ثم خرجت عنها منصرفاً الي الشام، فبينا أنا في بعض الطريق وقد فاتتني صلاة الفجر فنزلت من المحمل وتهيأت للصلاة فرأيت اربعة نفر في محمل، فوقفت اعجب منهم، فقال احدهم مم تعجب، تركت صلاتك وخالفت مذهبك، فقلت للذي يخاطبني وما علمك بمذهبي؟ فقال تحب ان تري صاحب زمانك؟ قلت نعم، فأومأ الي احد الأربعة، فقلت ان له دلائل وعلامات، فقال: أيّها احب اليك ان تري الجمل وما عليه صاعدا الي السماء؟ او تري المحمل صاعداً الي السماء، فقلت ايهما كان، فهي دلالة، فرأيت الجمل وما عليه يرتفع الي السماء وكان الرجل، أومأ الي رجل به سمرة، وكان لونه الذهب، بين عينيه سجّادة.
عن القطب الراوندي قال: روي ان ابا محمد الدعلجي كان له ولدان وكان من اخيار اصحابنا وكان قد سمع الاحاديث، وكان احد ولديه علي الطريقة المستقيمة، وهو ابو الحسن، كان يغسل الأموات، وولد آخر يسلك مسالك الاحداث، في الاجرام ودفع الي ابي محمد حجة يحج [817] بها عن صاحب الزمان (عليه السلام)، وكان ذلك عادة الشيعة وقتئذ، فدفع شيئاً منها الي ابنه المذكور بالفساد، وخرج الي الحج، فلما عاد حكي انه كان واقفاً بالموقف، فرأي الي جانبه شاباً حسن الوجه، اسمر اللون، بذؤابتين، مقبلاً علي شأنه في الابتهال والدعاء، والتضرع وحسن العمل، فلما قرب نَفرُ [818] الناس التفت الي، فقال: يا شيخ أما تستحيي؟ فقلت من أي شيء يا سيدي؟ قال يدفع اليك حجة عمن تعلم، فتدفع منها الي فاسق يشرب الخمر، يوشك ان تذهب عينك هذه، وأومأ الي عيني، وانا من ذلك الي الآن علي وجل ومخافة، وسمع ابو عبد اللّه [819] محمد بن محمد بن النعمان، ذلك، قال: فما مضي عليه اربعون يوماً بعد مورده حتي خرج في عينه التي اومأ اليها قرحة فذهبت.
عن الشيخ الصدوق، قال سمعنا شيخاً من اصحاب الحديث، يقال له احمد بن فارس [820] الأديب يقول: سمعت بهمدان حكاية حكيتها، كما سمعتها لبعض اخواني، فسألني ان اثبتها له بخطي ولم اجد الي مخالفته سبيلاً، وقد كتبتها وعهدتها الي من حكاها، وذلك ان بهمدان أناساً يعرفون ببني راشد، وهم كلهم يتشيعون ومذهبهم مذهب اهل الإِمامة، فسألت عن سبب تشيعهم من بين اهل همدان، فقال لي شيخ منهم، رأيت فيه صلاحاً وسمتاً [821] ان سبب ذلك ان جدّنا الذي ننسب اليه خرج حاجاً فقال: انه لما صدر عن الحج، وساروا منازل في البادية، قال فنشطت في النزول والمشي فمشيت طويلاً حتي اعييت، وتعبت، وقلت في نفسي: انام نومة تريحني، فاذا جاء أواخر القافلة قمت، قال فما انتبهت الا بحرّ الشمس، ولم أر أحداً، فتوحشت ولم ار طريقاً ولا اثراً، فتوكلت علي اللّه عز وجل، وقلت: اسير حيث وجّهني، ومشيت غير طويل فوقعت في ارض خضراء نضرة، كأنها قريبة عهد بغيث، واذا تربتها اطيب تربة، ونظرت في سواء [822] تلك الأرض، الي قصر يلوح كأنه سيف، فقلت: يا ليت شعري ما هذا القصر الذي لم اعهده ولم اسمع به؟ فقصدته فلما بلغت الباب رأيت خادمين ابيضين، فسلمت عليهما فرداً عليّ رداً جميلاً، وقالا: اجلس فقد اراد اللّه بك خيراً، وقام احدهما فدخل واحتبس غير بعيد ثم خرج فقال، قم فادخل، فدخلت قصراً لم ار بناءً احسن من بنائه، ولا اضوأ منه، وتقدم الخادم الي ستر علي بيت فرفعه، ثم قال لي: ادخل، فدخلت البيت فاذا فتي جالس في وسط البيت، وقد علّق علي رأسه من السقف سيف طويل تكاد ظبته [823] تمس رأسه، والفتي بدر يلوح في ظلام، فسلمت فرد السلام، بألطف الكلام واحسنه، ثم قال لي: اتدري من أنا؟ فقلت لا واللّه، فقال، انا القائم من آل محمد (صلي اللّه عليه وآله وسلم)، انا الذي اخرج في آخر الزمان بهذا السيف، وأشار اليه فاملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً، فسقطت علي وجهي وتعفرت، [824] فقال: لا تفعل ارفع رأسك أنت فلان من مدينة، بالجبل، يقال لها همدان، قلت صدقت يا سيدي ومولاي، قال فتحب ان تؤوب الي اهلك؟ [825] قلت نعم يا سيدي، وابشّرهم بما اتاح اللّه [826] عز وجل لي، فأومأ الي الخادم، فاخذ بيدي وناولني صرة وخرج. ومشي معي خطوات فنظرت الي ظلال واشجار، ومنارة مسجد، فقال: اتعرف هذا البلد، قلت ان بقرب بلدنا بلدة تعرف باستاباد وهي تشبهها، قال: فقال هذه استاباد امض راشداً، فالتفت فلم اره. ودخلت استاباد واذا في الصرة اربعون او خمسون ديناراً، فوردت همدان وجمعت اهلي وبشرتهم بما أتاح اللّه لي ويسّره عز وجل ولم نزل بخير، ما بقي معنا من تلك الدنانير.
(اقول استاباد هي التي تعرف اليوم باسداباد وهي قريب من همدان وبينهما عقبة كئود) [827] وسمعت ان قبر هذا الرجل باسداباد معروف واللّه تعالي العالم.
قال العلامة المجلسي، أخبرني والدي (رحمه اللّه) قال: كان في زماننا رجل شريف صالح كان يقال له امير اسحاق الاسترابادي، وكان قد حج اربعين حجة ماشياً، وكان قد اشتهر بين الناس انه، تطوي له الأرض، فورد في بعض السنين بلدة اصفهان فأتيته وسألته عما اشتهر فيه، فقال كان سبب ذلك اني كنت في بعض السنين مع الحاج متوجهين الي بيت اللّه الحرام، فلما وصلنا الي موضع كان بيننا وبين مكة سبعة منازل او تسعة، تأخرت وغلبني العطش حتي آيست من الحياة، فناديت يا صالح يا ابا صالح ارشدونا الي الطريق يرحمكم اللّه، فتراءي لي في منتهي البادية، شبح، فلما تأملته حضر عندي في زمان يسير، فرأيته شاباً حسن الوجه نفي الثياب اسمر علي هيئة الشرفاء، راكباً علي جمل، ومعه الاداوة [828] فسلمت عليه فرد عليَّ السلام وقال: انت عطشان؟ قلت نعم، فاعطاني الاد واة فشربت، ثم قال: تريد ان تلحق القافلة؟ قلت نعم، فاردفني خلفه وتوجه نحو مكة، وكان من عادتي قراءة الحرز اليماني، في كل يوم، فاخذت في قراءته، فقال (عليه السلام) في بعض المواضع اقرأ هكذا، قال فما مضي الا زمان يسير حتي قال لي: تعرف هذا الموضع؟ فنظرت فاذا أنا بالابطح [829] فقال انزل، فلما نزلت، رجعت وغاب عني، فعند ذلك عرفت انه القائم (عليه السلام)، فندمت وتأسفت علي مفارقته وعدم معرفته، فلما كان بعد سبعة ايام اتت القافلة فرأوني في مكة، بعدما آيسوا من حياتي فلذا اشتهرت بطيّ الأرض.
وحكي صاحب كشف الغمة، قصة اسماعيل الهرقلي والسيد عطوة الحسيني [830] في كشف الغمة، وانا اذكر من ذلك قصتين قرب عهدهما من زماني، وحدثني بهما جماعة من ثقات اخواني، كان في البلاد الحلية شخص يقال له اسماعيل بن الحسن الهرقلي من قرية يقال لها هرقل، مات في زماني وما رأيته، حكي لي ولده شمس الدين قال: حكي لي والدي انه خرج فيه وهو شاب علي فخذه الايسر توثة [831] مقدار قبضة الانسان وكانت في كل ربيع تشقق ويخرج منها دم وقيح ويقطعه ألمها عن كثير من اشغاله، وكان مقيماً بهرقل، فحضر الحلة يوماً ودخل الي مجلس السعيد رضي الدين علي بن طاوس، (رحمه اللّه)، وشكا اليه ما يجده منها وقال اريد ان اداويها، فاحضر له اطباء الحلة وأراهم الموضوع، فقالوا هذه التوثة فوق العرق الاكحل، وعلاجها خطر، ومتي قطعت خيف ان ينقطع العرق، فيموت، فقال له السعيد رضي الدين (قدس اللّه روحه): انا متوجه الي بغداد وربما كان اطباؤها أعرف وأحذق من هؤلاء فاصحبني، فأصعده معه واحضر الاطباء، فقالوا كما قال اولئك، فضاق صدره فقال له السعيد: ان الشرع قد فسح لك في الصلاة في هذه الثياب وعليك الاجتهاد في الاحتراس ولا تغرر بنفسك فاللّه تعالي قد نهي عن ذلك ورسوله فقال له والدي: اذا كان الأمر علي ذلك وقد وصلت الي بغداد فاتوجه الي زيارة المشهد الشريف، بسر من رأي علي مشرفه السلام، ثم انحدر الي اهلي فحسن له ذلك فترك ثيابه ونفقته عند السعيد رضي الدين، وتوجه، قال: فلما دخلت المشهد وزرت الأئمة (عليهم السلام) ونزلت السرداب واستغثت باللّه تعالي وبالامام (عليه السلام) وقضيت بعض الليل في السرداب وبقيت في المشهد الي الخميس، ثم مضيت الي دجلة واغتسلت ولبست ثوباً نظيفاً وملأت ابريقاً كان معي، وصعدت اريد المشهد فرأيت اربعة فرسان خارجين من باب السور، وكان حول المشهد قوم من الشرفاء، يرعون اغنامهم فحسبتهم منهم فالتقينا فرأيت شابين احدهما عبد مخطوط وكل واحد منهم متقلد بسيف وشيخاً منقباً، بيده رمح والآخر متقلد بسيف وعليه فرجية ملونة، فوق السيف، وهو متحنك بعذبته فوقف الشيخ صاحب الرمح يمين الطريق، ووضع كعب الرمح في الأرض، ووقف الشابان عن يسار الطريق، وبقي صاحب الفرجية علي الطريق مقابل والدي ثم سلموا عليه فرد عليهم السلام، فقال له صاحب الفرجية، انت غدا تروح الي اهلك، فقال نعم فقال له تقدم حتي ابصر ما يوجعك قال فكرهت ملامستهم، وقلت في نفسي اهل البادية ما يكادون يحترزون من النجاسة، وانا قد خرجت من الماء وقميصي مبلول ثم اني بعد ذلك تقدمت اليه، فلزمني بيده ومدّني اليه، وجعل يلمس جانبي من كتفي الي ان أصابت يده التوثة فعصرها بيده فأوجعني ثم استوي في سرجه كما كان فقال لي الشيخ: افلحت يا اسماعيل فعجبت من معرفته باسمي فقلت افلحنا وافلحتم ان شاء اللّه، قال فقال لي الشيخ: هذا هو الإِمام، قال فتقدمت اليه فاحتضنته وقبلت فخذه، ثم انه ساق وانا أمشي معه محتضنه، فقال ارجع، فقلت لا افارقك ابداً، فقال: المصلحة رجوعك فاعدت عليه مثل القول الأول فقال الشيخ يا اسماعيل ما تستحيي، يقول لك الإِمام مرتين ارجع وتخالفه، فجبهني بهذا القول فوقفت فتقدم خطوات والتفت اليَّ وقال: اذا وصلت بغداد فلا بد ان يطلبك ابو جعفر، يعني الخليفة المستنصر، رحمه اللّه فاذا حضرت عنده واعطاك شيئاً فلا تأخذه، وقل لولدنا الرضي ليكتب لك الي علي بن عوض، فانني اوصيه يعطيك الذي تريد ثم سار واصحابه معه، فلم ازل ابصرهم الي ان غابوا عنّي وحصل عندي أسف لمفارقته، فقعدت الي الأرض ساعة، ثم مشيت الي المشهد، فاجتمع القوم حولي وقالوا نري وجهك متغيراً أوجعك شيء قلت لا، قالوا اخاصمك احد؟ قلت لا ليس عندي مما تقولون خبر لكن اسألكم هل عرفتم الفرسان الذين كانوا عندكم، قالوا هم من الشرفاء ارباب الغنم، فقلت لا بل هو الإِمام (عليه السلام) فقالوا الإِمام هو الشيخ او صاحب الفرجية، فقلت هو صاحب الفرجية، فقالوا أريته المرض الذي فيك؟ فقلت هو قبضه بيده واوجعني ثم كشفت رجلي، فلم أر لذلك المرض أثراً فتداخلني الشك من الدهش فاخرجت رجلي الاخري فلم ار شيئاً فانطبق الناس علي ومزقوا قميصي فادخلني القوم خزانة ومنعوا الناس عنّي، وكان ناظر بين النهرين بالمشهد فسمع الضجة وسأل عن الخبر فعرفوه فجاء الي الخزانة، وسألني عن اسمي وسألني منذ كم خرجت من بغداد، فعرفته اني خرجت في اول الاسبوع فمشي عني وبت في المشهد وصلّيت الصبح، وخرجت وخرج الناس معي، الي ان بعدت عن المشهد ورجعوا عني ووصلت إلي (أوانا) فبت بها وبكرت منها اريد بغداد فرأيت الناس مزدحمين علي الفطرة العتيقة يسألون من ورد عليهم عن اسمه ونسبه واين كان، فسألوني عن اسمي ومن اين جئت فعرفتهم فاجتمعوا علي ومزقوا ثيابي، ولم يبق لي في روحي حكم، وكان ناظر بين النهرين كتب الي بغداد وعرفهم الحال، ثم حملوني الي بغداد وازدحم الناس علي وكادوا يقتلونني من كثرة الزحام وكان الوزير القمي (رحمه اللّه تعالي) قد طلب السعيد رضي الدين (رحمه اللّه) وتقدم ان يعرفه صحة هذا الخبر، قال: فخرج رضي الدين ومعه جماعة فوافينا باب النوبي، فرد اصحابه الناس عنّي، فلما رآني قال: أعنك يقولون، قلت: نعم فنزل (فترجل خ د) عن دابته وكشف عن فخذي فلم ير شيئاً فغشي عليه ساعة واخذ بيدي وادخلني علي الوزير، وهو يبكي، ويقول: يا مولانا هذا أخي واقرب الناس الي قلبي، فسألني الوزير عن القصة، فحكيت له فاحضر الاطباء الذين اشرفوا عليها وأمرهم بمداواتها فقالوا ما دواؤها الا القطع بالحديد ومتي قطعها مات، فقال لهم الوزير فبتقدير ان تقطع ولا يموت، في كم تبرأ فقالوا في شهرين ويبقي في مكانها حفيرة بيضاء لا ينبت فيها شعر، فسألهم الوزير متي رأيتموه قالوا منذ عشرة ايام فكشف الوزير عن الفخذ الذي كان فيه الألم وهي مثل اختها ليس فيها أثر اصلاً فصاح احد الحكماء هذا عمل المسيح فقال الوزير حيث لم يكن عملكم فنحن نعرف من عملها ثم انه احضر عند الخليفة المستنصر، (رحمه اللّه تعالي)، فسأله عن القصة فعرفه بها كما جري فتقدم له بألف دينار فلما حضرت قال: خذ هذه فانفقها فقال ما أجسر اخذ منه حبة واحدة، فقال الخليفة: ممن تخاف، فقال: من الذي فعل معي هذا، قال لا تأخذ من ابي جعفر شيئاً فبكي الخليفة وتكدر، وخرج من عنده، ولم يأخذ شيئاً.
قال افقر عباد اللّه تعالي الي رحمته عليّ بن عيسي عفا اللّه عنه: كنت في بعض الأيام احكي هذه القصة لجماعة عندي وكان هذا شمس الدين محمد، ولده عندي، وانا لا اعرفه فلما انقضت الحكاية قال: انا ولده لصلبه فعجبت من هذا الاتفاق وقلت: هل رأيت فخذه وهي مريضة، فقال: لا لأني اصبو عن ذلك ولكنّي رأيتها بعدما صلحت، ولا أثر فيها، وقد نبت في موضعها شعر، وسألت السيد صفي الدين محمد بن بشر العلوي الموسوي، ونجم الدين حيدر بن الايسر (رحمهما اللّه تعالي)، وكانا من اعيان الناس وسراتهم وذوي الهبات منهم، وكانا صديقين لي وعزيزين عندي، فاخبراني بصحة هذه القصة، وانهما رأياها في حال مرضها وحال صحتها، وحكي لي ولده هذا، أنه كان بعد ذلك شديد الحزن لفراقه (عليه السلام) حتي انه جاء الي بغداد وأقام بها في فصل الشتاء، وكان كل ايام يزور سامراء ويعود الي بغداد فزارها في تلك السنة اربعين مرة، طمعاً ان يعود له الوقت الذي مضي او يقضي له الحظ بما قضي ومن الذي اعطاه دهره الرضا، أو ساعده بمطالبه صرف القضا فمات (رحمه اللّه) بحسرته، وانتقل الي الآخرة بغصته، واللّه يتولاه وإيانا برحمته، بمنه وكرامته، وحكي لي السيد باقي بن عطوة العلوي الحسيني، ان اباه عطوة، كان به ادرة وكان زيدي المذهب، وكان ينكر علي بنيه الميل الي مذهب الامامية، ويقول: لا اصدقكم ولا اقول بمذهبكم حتي يجيء صاحبكم يعني المهدي فيبرئني من هذا المرض، وتكرر هذا القول منه، فبينا نحن مجتمعون عند وقت عشاء الآخرة، اذا ابونا يصيح ويستغيث بنا، فاتيناه سراعا، فقال: الحقوا صاحبكم فالساعة خرج من عندي فخرجنا فلم نر احدا، فعدنا اليه وسألناه فقال: انه دخل اليّ شخص، وقال يا عطوة فقلت من انت؟ فقال انا صاحب بنيك قد جئت لابرئك مما بك، ثم مد يده فعصر قروتي ومشي، ومددت يدي فلم ار لها اثراً، قال لي ولده: وبقي مثل الغزال ليس به قلبة، واشتهرت هذه القصة وسألت عنها غير ابنه فاخبر عنها، فاقرَّ بها. انتهي.
وتشرفهما بخدمة مولانا صاحب الزمان (صلوات اللّه عليه)، وبرء ما بهما من التوثة والادرة ببركته، ثم قال والاخبار عنه (عليه السلام) في هذا الباب كثيرة وأن جماعة قد انقطعوا في طرق الحجاز، وغيرها، فخلصهم وأوصلهم الي حيث ارادوا ولولا التطويل، لذكرت منها حملة، ولكن هذا القدر الذي قرب عهده من زماني كاف انتهي.

في التمحيص والنهي عن التوقيت

روي الشيخ الصدوق باسناده عن ابي علي بن همام، قال: سمعت محمد بن عثمان العمري، (رضي اللّه عنه)، قال: سمعت ابي يقول سئل ابو محمد الحسن بن علي، (صلوات اللّه عليهم)، ان الأرض لا تخلو من حجة اللّه علي خلقه، الي يوم القيامة، وان من مات ولم يعرف امام زمانه مات ميتة جاهلية، فقال (عليه السلام) ان هذا حق، كما ان النهار حق، فقيل له يا ابن رسول اللّه فمن الحجة والإِمام بعدك؟ قال ابني (م ح م د) وهو الإِمام والحجة بعدي من مات ولم يعرفه مات ميتة جاهلية، اما ان له غيبة يحار [832] فيها الجاهلون، ويهلك فيها المبطلون، ويكذب فيها الوقَّاتون، ثم يخرج فكأني انظر الي الاعلام البيض تخفق فوق رأسه بنجف الكوفة.
وبإسناده عن منصور، قال قال ابو عبد اللّه (عليه السلام): يا منصور إن هذا الأمر لا يأتيكم الا بعد يأس، لا واللّه حتي تميزوا، لا واللّه حتي تمحصوا، لا واللّه، حتي يشقي من يشقي، ويسعد من يسعد.
وبإسناده عن ابي عبد اللّه (عليه السلام) قال ان لصاحب هذا الامر غيبة، المتمسك فيها بدينه كالخارط للقتاد [833] ثم قال هكذا بيده، ثم قال ان لصاحب هذا الأمر غيبة، فليتق اللّه عبد وليتمسك بدينه.
وروي الشيخ الطوسي عن الفضيل، قال: سألت ابا جعفر (عليه السلام) هل لهذا الأمر وقت؟ فقال كذب الوقّاتون كذب الوقّاتون.
وعن الصادق (عليه السلام)، في حديث مهزم الاسدي، قال يا مهزم: كذب الوقّاتون وهلك المستعجلون ونجا المسلِّمون والينا يصيرون.
وعن ابي جعفر (عليه السلام) انه قال لتمحصن [834] يا معشر الشيعة، شيعة آل محمد، كمحيص الكحل في العين لأن صاحب الكحل، يعلم متي يقع في العين، ولا يعلم متي يذهب، فيصبح احدكم وهو يري، انه علي شريعة من امرنا، فيمسي وقد خرج منها، ويمسي وهو علي شريعة من امرنا فيصبح وقد خرج منها.
النعماني باسناده، [835] عن ابن نباتة [836] عن امير المؤمنين (عليه السلام) انه قال: كونوا كالنحل [837] في الطير، ليس شيء من الطير الا وهو يستضعفها ولو علمت الطير ما في اجوافها من البركة لم يفعل بها ذلك، خالطوا الناس بالسنتكم وابدانكم وزايلوا بقلوبكم واعمالكم، فوالذي نفسي بيده ما ترون ما تحبون، حتي يتفل بعضكم في وجوه بعض، وحتي يسمي بعضكم بعضاً كذابين، وحتي لا يبقي منكم (او من شيعتي إلا) كالكحل في العين والملح في الطعام، وسأضرب لكم مثلاً: وهو مثل رجل كان له طعام فنقاه وطيبه ثم ادخله بيتاً وتركه فيه، ما شاء اللّه، ثم عاد اليه فاذا هو قد اصاب طائفة منه السوس فاخرجه ونقاه وطيبه واعاده ولم يزل كذلك حتي بقيت منه رزمة [838] كرزمة الاندر [839] ولا يضره السوس شيئاً، وكذلك انتم تميزون حتي لا يبقي منكم، الا عصابة لا تضرها الفتنة شيئاً.
وبإسناده عن ابي بصير، عن ابي عبد اللّه (عليه السلام) قال: قلت له: جعلت فداك متي خروج القائم (عليه السلام)؟ فقال يا أبا محمد إنّا اهل بيت لا نوقت، وقد قال محمد (صلي اللّه عليه وآله وسلم): كذب الوقاتون، يا محمد ان قدام هذا الأمر خمس علامات اولهن النداء في شهر رمضان، وخروج السفياني، وخروج الخراساني وقتل النفس الزكية، وخسف بالبيداء، ثم قال يا محمد إنه لا بد ان يكون قدام ذلك الطاعونان، الطاعون الأبيض والطاعون الأحمر، قلت جعلت فداك ايّ شيء الطاعون الأبيض واي شيء الطاعون الأحمر قال الطاعون الأبيض الموت الجارف [840] والطاعون الاحمر السيف، ولا يخرج القائم حتي ينادي باسمه من جوف السماء، في ليلة ثلاث وعشرين، ليلة جمعة، قلت بم ينادي؟ قال باسمه واسم ابيه: الا ان فلان بن فلان قائم آل محمد (صلي اللّه عليه وآله وسلم) فاسمعوا له واطيعوا، فلا يبقي شيء خلق اللّه فيه الروح الا سمع الصيحة، فتوقظ النائم، ويخرج الي صحن داره، وتخرج العذراء من خدرها، ويخرج القائم مما يسمع وهي صيحة جبرائيل (عليه السلام).

في فضل انتظار الفرج

روي الصدوق بإسناده عن الباقر، عن آبائه (عليهم السلام)، قال: قال رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم): افضل العبادة انتظار الفرج. وعن عمار الساباطي قال قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام) العبادة مع الإِمام منكم المستتر في السرِّ في دولة الباطل افضل، ام العبادة في ظهور الحق ودولته مع الإِمام الظاهر منكم؟ فقال يا عمار الصدقة في السر واللّه افضل من الصدقة في العلانية وكذلك عبادتكم في السر مع امامكم المستتر في دولة الباطل، افضل لخوفكم من عدوكم في دولة الباطل.
وروي البرقي عن ابي عبد اللّه (عليه السلام) قال: من مات منكم وهو منتظر لهذا الأمر كمن هو مع القائم (عليه السلام) في فسطاطه، قال: ثم مكث هنيهة ثم قال: لا بل كمن قارع [841] معه بسيفه، ثم قال: لا واللّه الا كمن استشهد مع رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم).
وروي الشيخ الطوسي عن جابر قال: دخلنا علي ابي جعفر محمد بن علي (عليه السلام) ونحن جماعة بعد ما قضينا نسكنا فودعناه وقلنا له: أَوْصِنا يا ابن رسول اللّه، فقال: ليعن [842] قويكم ضعيفكم، وليعطف غنيكم علي فقيركم، ولينصح الرجل اخاه كنصحه لنفسه، واكتموا أسرارنا ولا تحملوا الناس علي اعناقنا، [843] وانظروا أمرنا وما جاءكم عنا فان وجدتموه، والقرآن موافقاً فخذوا به، وان لم تجدوه موافقاً فردوه، وان اشتبه الأمر عليكم فقفوا عنده وردوه النيا، حتي نشرح لكم من ذلك ما شرح لنا، فاذا كنتم كما أوصيناكم، لم تعدوا الي غيره، فمات منكم ميت قبل ان يخرج قائمنا كان شهيداً، ومن ادرك قائمنا فقتل معه كان له اجر شهيدين، ومن قتل بين يديه عدوّاً لنا كان له اجر عشرين شهيداً.
النعماني سنداً عن جابر بن يزيد عن ابي جعفر الباقر (عليه السلام) انه قال: اسكنوا [844] ما سكنت السماوات والأرض، أي لا تخرجوا علي احد فان أمركم ليس به خفاء أَلا انها آية من اللّه عز وجل، ليست من الناس أَلا انها اضوأ من الشمس لا يخفي علي بر ولا فاجر، اتعرفون الصبح، فانه كالصبح ليس به خفاء. [845].
الصدوق عن ابي عبد اللّه (عليه السلام) قال: يأتي علي الناس زمان يغيب عنهم امامهم. فيا طوبي للثابتين علي أمرنا في ذلك الزمان، ان أدني ما يكون لهم من الثواب، ان يناديهم الباري عز وجل، عبادي آمنتم بسري وصدقتم بغيبتي فابشروا بحسن الثواب مني فانتم عبادي وامائي حقّاً، منكم أتقبل، وعنكم اعفو، ولكم اغفر، وبكم اسقي عبادي الغيث وادفع عنهم البلاء، ولولاكم لأنزلت عليهم عذابي، قال جابر: فقلت يا ابن رسول اللّه فما افضل ما يستعمله المؤمن في ذلك الزمان؟ قال حفظ اللسان ولزوم البيت.
وبإسناده عن ابراهيم الكرخي قال دخلت علي ابي عبد اللّه (عليه السلام) واني لَجالس عنده اذ دخل ابو الحسن موسي بن جعفر (عليه السلام) وهو غلام؟ فقمت اليه فقبلته وجلست، فقال ابو عبد اللّه (عليه اسلام) يا ابراهيم أَمَا إنه صاحبك من بعدي، أَمَا ليهلكن فيه قوم ويسعد آخرون، فلعن اللّه قاتله وضاعف علي روحه العذاب، أَمَا ليخرجن اللّه من صلبه خير أهل الأرض في زمانه سميَّ جده ووارث علمه واحكامه وفضائله. معدن الامامة ورأس الحكمة، يقتله جبار بني فلان بعد عجائب طريفة حسداً له، ولكن اللّه بالغ امره ولو كره المشركون، يخرج اللّه من صلبه تمام اثني عشر مهديّاً اختصهم اللّه بكرامته واحلهم دار قدسه، المقرّ بالثاني عشر منهم كالشاهر سيفه بين يدي رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) يذب عنه، قال: فدخل رجل من موالي بني امية، فانقطع الكلام، فعدت إلي أبي عبد اللّه (عليه السلام) إحدي عشر مرة اريد ان يستتم الكلام فما قدرت علي ذلك، فلما كان قابل السنة الثانية دخلت عليه وهو جالس فقال يا ابراهيم، المفرج لكرب شيعته بعد ضنك [846] شديد، وبلاء طويل، وجزع وخوف، فطوبي لمن ادرك ذلك الزمان، حسبك يا ابراهيم، فما رجعت بشيء أسرَّ من هذا لقلبي ولا اقر لعيني.

في ذكر علة غيبته

روي الصدوق عن سعيد بن جبير قال: سمعت سيد العابدين علي بن الحسين (عليه السلام) يقول في القائم منا سنن من سنن الأنبياء (عليهم السلام)، سنة من آدم وسنة من نوح وسنة من ابراهيم وسنة من موسي وسنة من عيسي وسنة من ايوب وسنة من محمد (صلي اللّه عليه وآله وعليهم)، فاما من آدم (عليه السلام) ومن نوح (عليه السلام) فطول العمر، وأما من ابراهيم (عليه السلام) فخفاء الولادة واعتزال الناس، واما من موسي (عليه السلام) فالحوف والغيبة واما من عيسي (عليه السلام) فاختلاف الناس فيه وأما من ايوب (عليه السلام) فالفرج بعد البلوي واما من محمد (صلي اللّه عليه وآله وسلم) فالخروج بالسيف.
وعن عبد اللّه بن الفضل الهاشمي، قال: سمعت الصادق جعفر بن محمد (صلوات اللّه عليه) يقول: ان لصاحب هذا الأمر غيبة لا بد منها، يرتاب فيها كل مبطل، فقلت له ولم جعلت فداك؟ قال لأمر لم يؤذن لنا في كشفه لكم، قلت فما وجه الحكمة في غيبته؟ قال وجه الحكمة في غيبته وجه الحكمة في غيبات من تقدمه، من حجج اللّه تعالي ذكره، ان وجه الحكمة في ذلك لا ينكشف الا بعد ظهوره كما لم ينكشف وجه الحكمة فيما اتاه الخضر (عليه السلام) من خرق السفينة، وقتل الغلام واقامة الجدار لموسي (عليه السلام) الا وقت افتراقهما. يا ابن الفضل ان هذا الأمر امر من أمرِ اللّه وسر من سر اللّه وغيب من غيب اللّه، ومتي علمنا انه عز وجل حكيم، صدقنا بأن افعاله كلها حكمة، وان كان وجهها غير منكشف لنا.
وعن حنان بن سدير عن ابيه عن ابي عبد اللّه (عليه السلام) قال ان للقائم منا غيبة يطول امدها، فقلت له: ولِمَ ذاك يا ابن رسول اللّه؟ قال: ان اللّه عز وجل ابي إلا ان يجري فيه سنن الأنبياء (عليهم السلام) في غيباتهم، وإنه لا بد له يا سدير، من استيفاء مدد غيباتهم، قال اللّه عز وجل لتركبن طبقاً عن طبق (اي سنناً عن سنن من كان قبلكم).
وعن ابي عمير [847] عمن ذكره عن ابي عبد اللّه (عليه السلام) قال قلت له: ما بال امير المؤمنين (عليه السلام) لم يقاتل مخالفيه في الأوّل؟ قال لآية في كتاب اللّه عز وجل (لو تزيلوا لعذّبنا الذين كفروا منهم عذاباً أليماً)، قال قلت: وما يعني بتزايلهم؟ قال ودائع مؤمنون في اصلاب قوم كافرين، فكذلك القائم (عليه السلام)، لن يظهر ابداً حتي تخرج ودائع اللّه عز وجل، فاذا خرجت ظهر علي من ظهر من اعداء اللّه عز وجل فقتلهم.
عن الاحتجاج عن اسحاق بن يعقوب انه ورد عليه من الناحية المقدسة علي يد محمد بن عثمان (رضي اللّه عنه): واما علة ما وقع من الغيبة فان اللّه عز وجل يقول: (يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن اشياء ان تُبدَ لكم تسؤكم)، انه لم يكن احد من آبائي الا وقعت في عنقه بيعة لطاغية زمانه، وإني اخرج حين اخرج ولا بيعة لأحد من الطواغيت في عنقي، واما وجه الانتفاع بي في غيبتي فكالانتفاع بالشمس اذا غيَّبها عن الابصار السحاب، وإنّي لأمان لأهل الأرض كما ان النجوم أمان لأهل السماء، فاغلفوا ابواب السؤال عما لا يعنيكم، ولا تتكلفوا علي ما قد كفيتم، واكثروا الدعاء بتعجيل الفرج فان ذلك فرجكم والسلام عليك يا اسحاق بن يعقوب، وعلي من اتبع الهدي.
روي الشيخ الصدوق بإسناده عن علي بن جعفر عن اخيه موسي بن جعفر (عليهما السلام)، قال: اذا فقد الخامس من ولد السابع فاللّه اللّه في اديانكم، ولا يزيلكم احد عنها، يا بني، انه لا بد لصاحب هذا الأمر من غيبة حتي يرجع عن هذا الأمر من كان يقول به، انما هي محنة من اللّه عز وجل امتحن بها خلقه، ولو علم آباؤكم واجدادكم دينا اصح من هذا لاتَّبعوه، فقلت: يا سيدي من الخامس من ولد السابع؟ قال يا بني عقولكم تصغر عن هذا وأحلاقكم [848] تضيق عن حمله ولكن ان تعيشوا فسوف تدركونه.

علامات الظهور

روي الصدوق (رحمه اللّه) باسناده عن محمد بن مسلم الثقفي، قال: سمعت ابا جعفر (عليه السلام) يقول: القائم منا منصور بالرعب، مؤيد بالنصر، تطوي له الأرض، وتظهر له الكنوز، ويبلغ سلطانه المشرق والمغرب ويظهر اللّه عز وجل به دينه ولو كره المشركون، فلا يبقي في الأرض خراب الا عمر، وينزل روح اللّه عيسي بن مريم (عليه السلام) فيصلي خلفه، قال: فقلت له يا ابن رسول اللّه، متي يخرج قائمكم؟ قال اذا تشبه الرجال بالنساء والنساء بالرجال، واكتفي الرجال بالرجال، والنساء بالنساء، وركب ذوات الفروج السروج، وقبلت شهادات الزور ورُدّت شهادات العدل، واستخف الناس بالدماء وارتُكب الزنا وأكل الربا، وأتّقي [849] الاشرار مخافة السنتهم [850] وخرج السفياني من الشام، واليماني من اليمن، وخسف بالبيداء، وقتل غلام من آل محمد بين الركن والمقام اسمه محمد بن الحسن النفس الزكية، وجاءت صيحة من السماء بان الحق فيه وفي شيعته، فعنذ ذلك خروج قائمنا، فاذا خرج اسند ظهره الي الكعبة واجتمع اليه ثلاثمئة وثلاثة عشر رجلاً، فاول ما ينطق به هذه الآية: بقية اللّه خير لكم ان كنتم مؤمنين. ثم يقول: انا بقية اللّه وحجته وخليفته عليكم، فلا يسلم عليه مسلم، الا قال السلام عليك يا بقية اللّه في ارضه، فاذا اجتمع اليه العقد وهو عشرة آلاف رجل خرج فلا يبقي في الأرض معبود دون اللّه، عز وجل، من صنم ووثن وغيره الا وقعت فيه نار فاحترق، وذلك بعد غيبة طويلة ليعلم اللّه من يطيعه بالغيب ويؤمن به.
وبإسناده الي النبي (صلي اللّه عليه وآله وسلم)، في حديث ابي بن كعب، الوارد في فضائل الأئمة، (عليهم السلام)، وصفاتهم واحداً بعد واحد، قال في آخره: وان اللّه جل وعز ركب في صلب الحسن، يعني العسكري (عليه السلام)، نطفة مباركة نامية زكية طيبة طاهرة مطهرة، يرضي بها كل مؤمن ممن قد اخذ اللّه عليه ميثاقه في الولاية، ويكفر بها كل جاحد، فهو إمام تقي نقي بار مرضي هادٍ مهديٍ أوله العدل وآخره، يصدق اللّه عز وجل ويصدقه اللّه في قوله، يخرج من تهامة حين تظهر الدلائل والعلامات، وله بالطالقان [851] كنوز لا ذهب ولا فضة الا خيول مطهمة ورجال مسومة [852] يجمع اللّه عز وجل له من اقاصي البلدان علي عدد اهل بدر ثلاثمئة وثلاث عشر رجلاً، معه (عليه السلام) صحيفة مختومة فيها عدد اصحابه باسمائهم وانسابهم وبلدانهم وصنائعهم (طبايعهم خ د) وحلاهم [853] وكناهم كدادون [854] مجدون في طاعته، فقال له ابي: وما دلائله وعلاماته يا رسول اللّه؟ قال له: علم اذا حان وقت خروجه، انتشر ذلك العلم من نفسه، وانطقه اللّه تبارك وتعالي، فناداه العلم، اخرج يا ولي اللّه واقتل اعداء اللّه، وهما (خ د) رايتان وعلامتان وله سيف مغمد، فاذا حان وقت خروجه اقتلع ذلك السيف من غمده، وانطقه اللّه عز وجل، فناداه السيف اخرج يا ولي اللّه، فلا يحل لك ان تقعد عن اعداء اللّه، فيخرج ويقتل اعداء اللّه، حيث ثقفهم، ويقيم حدود اللّه، ويحكم بحكم اللّه تعالي، يخرج جبرائيل عن يمينه وميكائيل عن يساره وشعيب وصالح علي مقدمته، سوف تذكرون ما أقول لكم، ولو بعد حين، وأفوض امري الي اللّه عز وجل، يا طوبي لمن لقيه وطوبي لمن احبه وطوبي لمن قال به، به ينجيهم اللّه من الهلكة، وبالإِقرار باللّه وبرسول اللّه وبجميع الأئمة، يفتح اللّه لهم الجنة، مثلهم في الأرض، كمثل المسك الذي يسطح ريحه، فلا يتغير ابداً، ومثلهم في الأرض، كمثل القمر المنير الذي لا يُطفأ نوره ابدا، قال أبي يا رسول اللّه، كيف بيان حال هؤلاء الأئمة، عن اللّه جل وعز؟ قال ان اللّه تبارك وتعالي انزل علي اثني عشر خاتماً واثنتي عشرة صحيفة، اسم كل امام علي خاتمه وصفته في صحيفته.
قال شيخنا المفيد (رحمه اللّه) في الإِرشاد: قد جاءت الآثار بذكر علامات زمان قيام القائم المهدي (عليه السلام) وحوادث تكون أمام قيامه وآيات ودلالات.
فمنها: خروج السفياني، وقتل الحسيني، واختلاف بني العباس في الملك الدنيوي، وكسوف الشمس في النصف من شهر رمضان، وخسوف القمر في آخره، علي خلاف العادات، وخسف بالبيداء، وخسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وركود الشمس من عند الزوال الي وسط اوقات العصر، وطلوعها من المغرب، وقتل نفس زكية بظهر الكوفة في سبعين من الصالحين، وذبح رجل هاشمي بين الركن والمقام، وهدم حائط مسجد الكوفة، واقبال رايات سود من قبل خراسان، وخروج اليماني، وظهور المغربي بمصر، وتملكه الشامات ونزول الترك الجزيرة، ونزول الروم الرملة، وطلوع نجم بالمشرق، يضيء كما يضيء القمر، ثم ينعطف حتي يكاد يلتقي طرفاه، وحمرة تظهر في السماء وتلتبس (تنتشر خ د) في آفاقها، ونار تظهر في المشرق طولاً وتبقي في الجو ثلاثة أيام او سبعة أيام، وخلع العرب اعنتها، وتملكها البلاد وخروجها عن سلطان العجم، وقتل أهل مصر أميرهم، وخراب الشام، واختلاف ثلاث رايات فيه، ودخول رايات قيس والعرب الي أهل مصر، ورايات كندة الي خراسان، وورود خيل من قبل المغرب حتي تربط بفناء الحيرة، واقبال رايات سود من قبل المشرق نحوها، وبثق في [855] الفرات حتي يدخل الماء ازقة [856] الكوفة، وخروج ستين كذاباً كلهم يدعي النبوة، وخروج اثني عشر من آل ابي طالب كلهم يدعي الإمامة لنفسه، وإحراق رجل عظيم القدر من شيعة بني العباس بين جلولا وخانقين، وعقد الجسر مما يلي الكرخ بمدينة بغداد، وارتفاع ريح سوداء بها في اول النهار، وزلزلة حتي ينخسف كثير منها، وخوف يشمل اهل العراق وبغداد، وموت ذريع فيه، ونقص من الأموال والانفس والثمرات، وجراد يظهر في أوانه وفي غير أوانه حتي يأتي علي الزرع والغلات، وقلة ريع [857] لما يزرعه الناس واختلاف صنفين من العجم، وسفك دماء كثيرة فيما بينهم، وخروج العبيد عن طاعة ساداتهم وقتلهم مواليهم، ومسخ القوم من اهل البدع حتي يصيروا قردة وخنازير، وغلبة العبيد علي بلاد السادات، ونداء من السماء حتي يسمعه اهل الأرض، اهل كل لغة بلغتهم، ووجه وصدر يظهران من السماء، للناس في عين الشمس، وأموات ينشرون من القبور حتي يرجعوا الي الدنيا فيتعارفون فيها ويتزاورون، ثم يختم ذلك باربع وعشرين مطرة تتصل فتحيا بها (به خ د) الأرض بعد موتها وتعرف بركاتها، ويزول بعد ذلك كل عاهة من معتقدي الحق من شيعة المهدي (عليه السلام)، فيعرفون عند ذلك ظهوره بمكة ويتوجهون نحوه لنصرته كما جاءت بذلك الاخبار، ومن جملة هذه الاحداث محتومة، وفيها مشترطة، واللّه اعلم بما يكون، وانما ذكرناها علي حسب ما ثبت في الاصول وتضمنتها الآثار المنقولة وباللّه نستعين واياه نسأل التوفيق.
اخبرني ابو الحسن، علي بن بلال المهلبي، قال: حدثني جعفر المؤدب عن احمد بن ادريس، عن علي بن محمد بن (عن خ د) قتيبة، عن الفضل بن شاذان، عن اسماعيل بن الصباح، قال: سمعت شيخاً من اصحابنا يذكر عن سيف بن عميرة، قال: كنت عند ابي جعفر المنصور فقال لي ابتداءً يا سيف بن عميرة، لا بد من مناد ينادي من السماء، باسم رجل من ولد ابي طالب، فقلت: جعلت فداك يا امير المؤمنين تروي هذا؟ قال إي والذي نفسي بيده لسماع اذني له، فقلت له: يا امير المؤمنين ان هذا الحديث ما سمعته قبل وقتي هذا، قال: يا سيف انه لَحَق، فإذا كان فنحن اول من يجيبه، أَمَا إن النداء لرجل من بني عمنا، فقلت رجل من ولد فاطمة (عليها السلام)؟ فقال نعم يا سيف، لولا انني سمعت (سمعته خ د) من ابي جعفر محمد بن علي (عليه السلام) يحدثني به، وحدثني به اهل الأرض كلهم، ما قبلته منهم، ولكنه محمد بن علي (عليهما السلام).
وروي يحيي بن ابي طالب، عن علي بن عاصم، عن عطا بن السائب، عن ابيه عن عبد اللّه بن عمر، قال: قال رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) لا تقوم الساعة حتي يخرج المهدي من ولدي، ولا يخرج المهدي حتي يخرج ستون كذاباً، كلهم يقول انا نبي.
حدثني الفضل بن شاذان، عمن رواه عن أبي جعفر الثمالي، قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام) خروج السفياني من المحتوم؟ قال نعم والنداء من المحتوم، وطلوع الشمس من مغربها من المحتوم، واختلاف بني العباس في الدولة من المحتوم، وقتل النفس الزكية محتوم، وخروج القائم من آل محمد (صلي اللّه عليه وآله وسلم) محتوم، قلت وكيف يكون النداء؟ قال ينادي من السماء اول النهار: أَلا ان الحق مع عليّ وشيعته، ثم ينادي ابليس في آخر النهار الا ان الحق مع عثمان وشيعته، فعند ذلك يرتاب المبطلون.

في ظهور القائم

فاما السَّنة التي يقوم فيها القائم، عليه وعلي آبائه السلام، واليوم بعينه فقد جاءت فيه آثار رويت عن الصادقَين (عليهما السلام):
روي الحسن بن محبوب عن علي بن ابي حمزة عن ابي بصير عن ابي عبد اللّه (عليه السلام) قال لا يخرج القائم (عليه السلام) إلا في وتر من السنين، سنة احدي او ثلاث او خمس او سبع او تسع.
الفضل بن شاذان، عن محمد بن علي الكوفي، عن وهيب بن حفض، عن ابي بصير، قال: قال ابو عبد اللّه (عليه السلام) ينادي باسم القائم (عليه السلام) في ليلة ثلاث وعشرين، ويقوم في يوم عاشوراء (السبت خ د) وهو اليوم الذي قتل فيه الحسين بن علي (عليهما السلام)، لكأني به في اليوم العاشر من المحرم، قائماً بين الركن والمقام، جبرائيل عن (علي خ د) يمينه ينادي البيعة للّه فتصير اليه شيعته من اطراف الأرض تطوي لهم طياً حتي يبايعونه فيملأ اللّه به الأرض عدلاً كما ملئت جوراً وظلماً.
وقد جاء الاثر بانه، عليه وعلي آبائه السلام، يسير من مكة حتي يأتي الكوفة فينزل علي نجفها ثم يفرق الجنود منها في الامصار.
وروي الحجال عن ثعلبة عن ابي بكر الحضرمي عن ابي جعفر (عليه السلام) قال كأني بالقائم (عليه السلام) علي نجف الكوفة قد سار اليها من مكة في خمسة آلاف من الملائكة، جبرائيل عن يمينه وميكائيل عن شماله والمؤمنون بين يديه وهو يفرق الجنود في البلاد.
وفي رواية عمرو بن شمر، عن ابي جعفر (عليه السلام)، قال: ذكر المهدي فقال يدخل الكوفة وبها ثلاث رايات قد اضطربت، فتصفو له ويدخل حتي يأتي المنبر فيخطب فلا يدري الناس ما يقول من البكاء، فاذا كانت الجمعة الثانية سأله الناس ان يصلي بهم الجمعة، فيأمر ان يخط له مسجد علي الغريّ، ويصلي بهم هناك، ثم يأمر من يحفر من ظهر قبر الحسين (عليه السلام) نهراً يجري الي الغريين حتي ينزل الماء في النجف، ويعمل علي فوهته القناطر والارحاء فكأني بالعجوز علي رأسها مكتل [858] فيه بر تأتي تلك الارحاء فتطحنه بلا كري.
وفي رواية صالح بن أبي الاسود، عن ابي عبد اللّه (عليه السلام)، قال: ذكر مسجد السهلة فقال أما انه منزل صاحبنا اذا قدم باهله.
وفي رواية المفضل بن عمر قال سمعت ابا عبد اللّه (عليه السلام) يقول اذا قام قائم آل محمد (عليهم السلام) بني في ظهر الكوفة مسجداً له الف باب واتصلت بيوت اهل المكوفة بنهري كربلاء.

في صفاته

وقد جاء الاثر بصفة القائم (عليه السلام)، فروي عمرو بن شمر، عن جابر الجعفي، قال: سمعت ابا جعفر (عليه السلام) يقول: سأل عمر بن الخطاب امير المؤمنين (عليه السلام)، فقال اخبرني عن المهديّ ما اسمه، فقال اما اسمه فان حبيبي (عليه السلام) عهد الي ان لا احدث به حتي يبعثه اللّه، قال اخبرني عن صفته، قال: هو شاب مربوع حسن الوجه حسن الشعر (الثغر خ د) يسيل شعره علي منكبيه ويعلو نور وجهه سواد شعر لحيته ورأسه بأبي ابن خيرة الاماء.

سيرته واحكامه عند قيامه

واما سيرته (عليه السلام) عند قيامه وطريقة احكامه وما يبينه اللّه تعالي من آياته، فقد جاءت الآثار به حسب ما قدمناه فروي المفضل بن عمر الجعفي، قال: سمعت ابا عبد اللّه جعفر بن محمد (عليهما السلام)، يقول: اذا أذن اللّه تعالي للقائم في الخروج، صعد المنبر، فدعا الناس الي نفسه وناشدهم باللّه ودعاهم الي حقه، وان يسير فيهم بسنة رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم)، ويعمل فيهم بعمله، فيبعث اللّه جل جلاله جبرائيل (عليه السلام) حتي يأتيه فينزل علي الخطيم يقول الي أي شيء تدعو؟ فيخبره القائم (عليه السلام)، فيقول جبرائيل أنا أول من ابايعك، ابسط يدك فيمسح علي يده وقد وافاه ثلاثمئة وبضعة عشر رجلاً، فيبايعونه ويقيم بمكة حتي يتم اصحابه عشرة آلاف نفس، ثم يسير منها الي المدينة.
وروي محمد بن عجلان، عن ابي عبد اللّه (عليه السلام)، قال: إذا قام القائم (عليه السلام) دعا الناس الي الإِسلام جديداً، وهداهم الي امر قد دثر [859] فضل عنه الجمهور وانما سمي القائم مهدياً لأنه يهدي الي أمر مضلول عنه (قد ضلوا عنه خ د) وسمي بالقائم لقيامه بالحق.
وروي عبد اللّه بن المغيرة، عن ابي عبد اللّه (عليه السلام)، قال: اذا قام القائم من آل محمد (عليهم السلام)، اقام خمسمئة من قريش، فضرب اعناقهم ثم أقام خمسمئة اخري فضرب اعناقهم، ثم خمسمئة اخري، حتي يفعل ذلك ست مرات، قلت ويبلغ عدد هؤلاء هذا، قال نعم منهم ومن مواليهم.
وروي ابو بصير، قال: قال ابو عبد اللّه (عليه السلام): اذا قام القائم (عليه السلام) هدم المسجد الحرام حتي يرده الي أساسه، وحول المقام الي الموضع الذي كان فيه، وقطع أيدي بني شيبة وعلقها بالكعبة. وكتب عليها هؤلاء سراق الكعبة.
وروي ابو الجارود عن ابي جعفر (عليه السلام)، في حديث طويل، أنه قال: اذا قام القائم (عليه السلام) سار الي الكوفة فخرج منها بضعة عشر الف نفس يدعون البترية [860] عليهم السلاح، فيقولون له ارجع من حيث شئت، فلا حاجة لنا في بني فاطمة، فيضع فيهم السيف حتي يأتي علي آخرهم، ثم يدخل الكوفة، فيقتل بها كل منافق مرتاب، ويهدم قصورها ويقتل مقاتلها، حتي يرضي اللّه عز وعلا.
وروي ابو خديجة، عن ابي عبد اللّه (عليه السلام)، قال: اذا قام القائم (عليه السلام) جاء بامر جديد، كما دعا رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) في بدء الإِسلام الي امر جديد.
وروي علي بن قبة، عن ابيه، قال: اذ قام القائم (عليه السلام) حكم بالعدل، وارتفع في أيامه الجور وأمنت به السبل، وأخرجت الأرض بركاتها، ورد كل حق الي أهله، ولم يبق أهل دين حتي يظهروا الإِسلام، ويعرفوا بالإِيمان، اما سمعت اللّه سبحانه يقول: (وله أسلم من في السموات والأرض طوعاً، وكرهاً، واليه يرجعون)، وحكم بين الناس بحكم داود وحكم محمد (صلي اللّه عليه وآله وسلم)،، فحينئذ تظهر الأرض كنوزها وتبدي بركاتها، ولا يجد الرجل منكم يومئذ موضعاً لصدقته، ولا لبره، لشمول الغني جميع المؤمنين، ثم قال: إن دولتنا آخر الدول ولم يبق اهل بيت لهم دولة الا ملكوا قبلنا، لئلا يقولوا اذا رأوا سيرتنا: إذا ملكنا سرنا بمثل سيرة (بسيرة خ د) هؤلاء وهو قول اللّه تعالي والعاقبة للمتقين.
وروي ابو بصير، عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث طويل، انه قال: اذا قام القائم (عليه السلام) سار الي الكوفة، فهدم بها اربعة مساجد، ولم يبق مسجد علي وجه الأرض له شرُف [861] الا هدمها، وجعلها جُمّاً [862] ووسع الطريق الاعظم، وكسر كل جناح [863] خارج في الطريق، وابطل الكنف والمآزيب [864] ولا يترك بدعة الا أزالها ولا سنة الا أقامها، ويفتح قسطنطينية والصين وجبال الديلم، فيمكث علي ذلك سبع سنين، كل سنة عشر سنين من سنيكم هذه، ثم يفعل اللّه ما يشاء، قال: قلت له جعلت فداك، فكيف يطول السنين؟ قال يأمر اللّه تعالي الفلك باللبوث [865] وقلة الحركة فتطول الأيام لذلك والسنون، قال: قلت له انهم يقولون ان الفلك ان تغير فسد قال ذلك قول الزنادقة، فاما المسلمون فلا سبيل لهم الي ذلك، وقد شق اللّه تعالي القمر لنبيه (صلي اللّه عليه وآله وسلم)، ورد الشمس من قبله ليوشع بن نون (عليه السلام)، وأخبر بطول يوم القيامة وأنه كالف سنة مما تعدون.
وروي جابر، عن ابي جعفر (عليه السلام)، انه قال: اذا قام قائم آل محمد (صلي اللّه عليه وآله وسلم)، ضرب فساطيط [866] لمن يعلّم الناس القرآن، علي ما انزل اللّه عز وجل، فاصعب ما يكون علي من حفظه اليوم، لأنه يخالف فيه التأليف.
وروي المفضل بن عمر، عن ابي عبد اللّه (عليه السلام)، قال: يخرج مع القائم (عليه السلام) من ظهر الكوفة سبع وعشرون رجلاً، خمسة عشر من قوم موسي (عليه السلام) الذين كانوا يهدون بالحق، وبه يعدلون، وسبعة من اهل الكهف ويوشع بن نون، وسليمان، وابو دجانة الأنصاري، والمقداد، ومالك الأشتر، فيكونون بين يديه انصاراً وحكاماً.
وروي عبد اللّه بن عجلان عن ابي عبد اللّه (عليه السلام)، قال: اذا قام قائم آل محمد (صلي اللّه عليه وآله وسلم) حكم بين الناس بحكم داود (عليه السلام)، ولا يحتاج الي بينة، يلهمه اللّه تعالي فيحكم بعلمه، ويخبر كل قوم بما استنبطوه، ويعرف وليه من عدوه بالتوسم.
قال اللّه سبحانه ان في ذلك لآيات للمتوسمين وانها لَبِسَبيلٍ مقيم. انتهي.
ولنختم الكلام: بهذا الدعاء المروي عن الإِمام الهمام، موسي بن جعفر، صلوات اللّه عليه: (اللهم صل علي محمد وآل محمد، وعلي منارك في عبادك، الداعي اليك باذنك القائم بأمرك، المؤدي عن رسولك، عليه وآله السلام، اللهم اذا اظهرته فانجر له ما وعدته، وسق اليه اصحابه، وانصره وقوّ ناصريه، وبلغه افضل امله واعطه سؤله، وجدد به عن محمد وأهل بيته، (عليهم السلام) بعد الذل الذي قد نزل بهم، بعد نبيك فصاروا مقتولين، مطرودين، مشردين، خائفين، غير آمنين، لَقُوا في جنبك الاذي والتكذيب، ابتغاء مرضاتك، وطاعتك، فصبروا علي ما اصابهم فيك، راضين بذلك مسلمين لك، في جميع ما ورد عليهم وما يرد اليهم، اللهم عجل فرج قائمهم بأمرك، وانصره وانصر به دينك، الذي غُيِّر وبدل، وجدد به ما امتحي منه وبدل بعد نبيك (صلي اللّه عليه وآله وسلم)، اللهم صلِّ علي جميع النبيين، والمرسلين الذين بلغوا عنك الهدي واعتقدوا لك المواثيق بالطاعة، اللهم صل عليهم وعلي ارواحهم واجسادهم والسلام عليهم ورحمة اللّه وبركاته).
وفيما رسمناه من موجز تاريخهم (عليه السلام) ومختصر من اخبارهم كفاية فيما قصدناه، واللّه ولي التوفيق وهو حسبنا ونعم الوكيل. كتبه بيمناه الوازرة عباس بن محمد رضا القمي في ليلة الجمعة الآخر من شهر رمضان سنة 1343 في المشهد المقدس علي ساكنه السلام.

پاورقي

[1] قد تهيأ لدار الأضواء للنشر ان توفق في طبعه طباعة حديثة أنيقة.
[2] ولم نذكر كتاب التهذيب لشيخ الطائفة ورئيسها، شيخنا الطوسي قدس سره وسائر كتب الزيارات كالمصباحين له وللكفعمي وكذا بعض كتب الفقه كالسرائر للشيخ ابن ادريس والدروس لشيخنا الشهيد، للاختصار ولأنهم لا يزيدون عن إثبات المواليد والوفيات.
[3] أي أشرق وأضاء.
[4] أي شديد السواد.
[5] أي وسط الطريق.
[6] أي ظهر واعترض.
[7] بضم العين وهو خلاف العجم.
[8] وكان عبد اللّه أصغر ولد أبيه. فكان هو وأبو طالب والزبير وعبد الكعبة وعاتكة واميمة وبرة ولد عبد المطلب أمهم جميعاً فاطمة بنت عمرو بن عائذ.
[9] كامل التواريخ لابن الاثير (ص 5 - ج 2).
[10] كامل التواريخ لابن الاثير (ص 5 - ج 2).
[11] شاب شيبة: ابيض شعره. واليبة اسم من شاب.
[12] إنما قيل له عبد المطلب لأن اباه هاشماً شخص في تجارة الي الشام فلما قدم المدينة نزل علي عمرو بن لبيد الخزرجي من بني النجار وتزوج ابنته وشرط عليه أبوها أن لا تلد الا في أهلها فمضي هاشم الي الشام ورجع. فبني بها في اهلها. ثم حملها الي مكة فلما حملت وأثقلت ردها الي اهلها التزاماً بالشرط ومضي الي الشام فمات بغزة فولدت له سلمي عبد المطلب. فمكث بالمدينة سبع سنين ولم يعلم به أعمامه فلما علم به المطلب. سافر الي المدينة وأخذه وأركبه علي عجز ناقته وسار الي مكة. فقدمها صحوةً والناس في مجالسهم. فجعلوا يقولون من وراءك؟ فيقول هذا عبدي حتي أدخله منزله. ثم خرج به العشي الي مجلس بني عبد مناف. فأعلمهم أنه ابن أخيه. فكان بعد ذلك يطوف بمكة ويقال هذا عبد المطلب.
[13] وله مئة وعشرون سنة وكان قد عمي (ابن الاثير).
[14] أي كسر الخبز وبلّه بالمرق فهو هاشم.
[15] أي الخبز المفتوت المبلول بالمرق.
[16] أي أصابهم القحط.
[17] أي غير ممطورين. أو تاركي طعام لقلّة أو هزال.
[18] كان هاشم أكبر ولد عبد مناف والمطلب أصغرهم.
[19] ابن الأثير (ص 6 - ج 2).
[20] وهذا سبب خصومته مع عبد شمس.
[21] ابن الأثير.
[22] وله عشرون سنة وقيل خمس وعشرون سنة وهو أول من مات من بني عبد مناف.
[23] ثوي المكان وفيه وبه: أقام. ثوي الرجل: مات.
[24] أودي الرجل: هلك.
[25] الجفنة: القصعة الكبيرة، جمعها: جفان.
[26] الورم - مصدر بمعني الفاعل. أي مراوم.
[27] انتابهم. أي اتاهم مرة بعد أخري: من النوب.
[28] وكنيته أبو عبد شمس. وسبب تسميته بعبد مناف أن أمه لما ولدته، دفعته الي مناف (صنم بمكة) تديناً به.
[29] ابن الأثير.
[30] ابو المغيرة.
[31] هو ابو القبائل.
[32] أي حجابة البيت وسقاية الحاج ورفادة الضيوف و مركزية دار الشوري وعقد ألوية الحروب العامة.
[33] ويكني أبا زهرة.
[34] ويكني أبا يقظة.
[35] ابن الأثير (ص9 - ج 2).
[36] ويكني أبا كعب.
[37] وهي أول العواتك التي ولدن رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) من قريش.
[38] ويكني أبا تيم.
[39] ويكني أبا غالب.
[40] قيل لما جمعهم قصي قيل لهم قريش. والتقرش: التجمع. وقيل لاجتماع خصال الخير فيه.
[41] اسمها ليلي، قيل لها خندف لمشيتها تخندفاً. والخندفة، ضرب من المشي.
[42] ذكرها ابن الجوزي في الأذكياء والدميري في حياة الحيوان في الافعي (منه) أقول وذكرها أيضاً ابن الأثير في تاريخه (ص 11 ج 2) وفيها غرابة.
[43] في تاريخ ابن الاثير (بالجيم المعجمة).
[44] لعله لاختلاف النسّابين فيمن بعد عدنان اختلافاً عظيماً لا يحصل منه علي غرض. فبعضهم يجعل بين عدنان وإسماعيل (عليه السلام) أربعة آباء ويجعل آخر بينهما أربعين أباً.
[45] في قول مشهور بين الشيعة ولكن أكثر العامة وبعض الشيعة قالوا بولادته في اثني عشر منه وفيها أقوال أخر غير مشهورة.
[46] لما كانت لفظة الدار من المؤنثات السماعية كان الأولي إرجاع ضمائر المؤنثة اليها.
[47] الارتجاس الاضطراب والتزلزل الذي يسمع منه الصوت الشديد (منه).
[48] غاضت بحيرة ساوة أي غار ماؤها وذهب (منه).
[49] وفاض الوادي أي كثر ماؤه حتي سال (منه).
[50] والسماوة بادية بين الكوفة والشام (منه).
[51] والموبذان بضم الميم وفتح الباء فقيه الفرس وحاكم المجوس (منه).
[52] وانسربت أي دخلت.
[53] وانخرقت عليه دجلة العوراء يظهر أن كسري كان سكن بعض دجلة وبني عليها بناء فلعله لذلك وصفوا دجلة بعد ذلك بالعوراء لأنه عور وطم بعضها فانخرقت عليه وانهدم بنيانه (منه).
[54] حراء بالكسر والتخفيف والمد: جبل من جبال مكة علي ثلاثة أميال (منه).
[55] أي ارجع الي ورائك.
[56] السوار: حلية كالطوق تلبسه المرأة في زندها جمعه: أساور وأساورة.
[57] يعني به جبرئيل.
[58] وهو المسيح (عليه السلام) (منه).
[59] أي الإِشراق.
[60] أي سيف هندي.
[61] أي خارج عن الغمد.
[62] أي أظهرت ورفعت.
[63] الذكاء بالضم: علم للشمس.
[64] الثري: التراب.
[65] علو الشيء: نقيض سفله.
[66] من الجولان.
[67] النهي: العقل.
[68] كهف قرب مكة.
[69] البوصيري هو شرف الدين ابو عبد الله محمد بن سعيد الدلاصي المتوفي سنة 694 صاحب القصيدة المعروفة بالبردة الموسومة بالكواكب الدرية في مدح خير البرية عليه وآله آلاف التسليم والتحية اولها:
أمِن تذكر جيران بذي سلم
مزجت دمعاً جري من مقلة بدم
(منه).
[70] اغترف الماء بيده: اخذه بها.
[71] أي نداوة.
[72] أي المطر الشديد.
[73] أي يدعون انه ابن الله تعالي عن ذلك.
[74] أي انكشف عنهم.
[75] النومة الطيبة.
[76] أي قصد.
[77] جمع ناقة.
[78] اسم فاعل من دجي الليل أي اظلم.
[79] أي لم تقصد.
[80] مصدر شأي القوم: أي سبقهم او اسم بمعني الغاية.
[81] أي الماشي الي العلو.
[82] أي الخسران.
[83] أي يهجم.
[84] أي ذو علو وبعد.
[85] أي لا يخدش الوجه عليه يعني به ابنه (ص).
[86] يعني الخفيف.
[87] أي فذهب وانكشف.
[88] أي انطلق.
[89] والصحيح امرت به.
[90] أي الي القبلة.
[91] وذلك من أثر كتف الشاة المسمومة التي قدمتها له اليهودية في الطعام.
[92] أي مالت.
[93] أي مد عليه الثوب.
[94] أي تداركا.
[95] أي قهراً وقسراً.
[96] أي المصيبة النازلة.
[97] أي ورأيت.
[98] عطف بيان لكتاب اللّه (منه).
[99] أي ترفعهم فوقها.
[100] أي جعل شفعهم وترا. يعني افرادهم.
[101] أي ابعد.
[102] أي جعل علي عينيه عصابة.
[103] أي يبكون شديداً.
[104] لفظة اذا فجائية.
[105] أي في مصيبتك خصوصية. حتي ان غيرها من المصائب يسلي بها لشدة تأثيرها علينا.
[106] أي مع ذلك تكون مصيبتك عامة لكل مسلم.
[107] أي لأفنينا علي فراقك ومصيبتك ماء عيوننا.
[108] من الشؤونة وهي منابع الدمع من الرأس.
[109] أي مسامحاً في الشفاء والبرء.
[110] أي الحزن.
[111] أي ملازما.
[112] تثنية (قل) أي مماطلة الداء ومخالفة الكمد قليلان في جنب مصيبتك.
[113] نقطة (ما) موصولة بمعني الموت.
[114] أي في خاطرك عند ورودك الجنة.
[115] يعني رواها الإِمام (عليه السلام).
[116] ضرب من برود اليمن.
[117] جمع قربة.
[118] سليم (بضم السين) بن قيس الهلالي الكوفي. صاحب امير المؤمنين له كتاب.
[119] يعني بها عائشة.
[120] أي لتربته وقبره.
[121] سجي الميت: مد عليه ثوباً.
[122] نواحي في اطراف المدينة.
[123] هو بريدة الاسلمي من السابقين الذين رجعوا الي امير المؤمنين.
[124] من الخيرة وهي الصلاح.
[125] جمع لبنة بكسر الأول.
[126] أي مجعول فيه الحصي.
[127] هو عبد اللّه بن جعفر. كذا في الرجال الكبير.
[128] ألا. يألو في الأمر: قصر. يعني انا لننصره علي مقدار طاقتنا ولا نقصر في حقه.
[129] أي رجعوا علي اعقابهم.
[130] أي الشجاعة والبأس.
[131] جمع فناء (بالكسر) وهو الساحة.
[132] أي أن تصبُّوا.
[133] كل مسيل فيه دقاق الحصي فهو ابطح قال ابو زيد الابطح اثر المسيل والابطح يضاف الي مكة والي مني لأن مسافته منهما واحدة وربما كان الي مني أقرب وهو المحصب وهي خيف بني كنانة وقيل انه ذو طوي وليس به (مراصد الاطلاع).
[134] لعل اعتزال النبي (صلي اللّه عليه وآله) عن خديجة (رضي اللّه عنها) اربعين يوماً كان للتأهب لتحية رب العالمين وتحفته والمراد بها فاطمة (صلوات اللّه عليها) كما اشير الي ذلك في زيارتها فاطمة بنت رسولك وبضعة لحمه وصميم قلبه وفلذة كبده والتحية منك له والتحفة وفي هذا الاعتزال دليل علي جلالة فاطمة (عليها السلام) سيدة النسوان بما لا يطيق بتحرير بيانه البنان (منه).
[135] أي محباً. يقال ومقه: أي احبه.
[136] قلي الرجل: ابغضه.
[137] اجيفوا ابوابكم: أي ردّوها (منه).
[138] للترديد من الراوي (منه).
[139] لعل تخصيص الرطب والعنب لكثرة بركتهما وما يتولد منهما من المنافع فانه ليس في الاشجار ما يبلغ نفعهما مع انهما خلقتا من فضلة طينة آدم عليه السلام ولا يبعد ان يكون في ذلك اشارة الي كثرة نفع هذه النسلة الطاهرة المباركة وكثرة ذريتها وبركاتها (سلام اللّه عليها) (منه).
[140] أي وضع علي يده المنديل.
[141] الظاهر انها الصلاة النافلة دون الفريضة فانه كان يقدمها علي الافطار (منه).
[142] أي حلف.
[143] أي اظلم.
[144] أي ارسلت (منه).
[145] أي رفع.
[146] أي ابعدتها.
[147] أي تحثُّها علي الصبر.
[148] أي أَقبِلنَ.
[149] جمع سمراء وهو اللون المائل الي السواد.
[150] أي مشرق.
[151] أي جعلت في فمها.
[152] هذا كناية عن سرعة نموها والا فالمناسب لنموه في اليوم قدر الاسبوع نموه في الشهر قدر سبعة اشهر.
[153] أي خلقها (بالضم).
[154] أي لا تعدل.
[155] كندائه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) اياها يا حبيبة ابيها اقول قد كتبنا في احوال مولاتنا فاطمة (صلوات اللّه عليها) رسالة سميناها بيت الاحزان في مصائب سيدة النسوان.
[156] اقول قد ذهب بعض الي تفويض الاحكام الي الأئمة بمعني ان لهم بحسب ما يرون من المصالح والمفاسد جعل الاحكام التكليفية الخمسة ولكن قد عدهم المحقق البهبهاني في تعليقته علي الرجال من غلاة الشيعة فعليه لا بد من حمل الرواية علي انهم أوعية مشيئة اللّه فما حرمه اللّه تعالي حرموه وما احله احلوه ولذا استدرك (عليه السلام) في هذه الرواية الشريفة: يقول: (ولن يشاءوا الا ان يشاء اللّه تبارك و تعالي).
[157] أي خرج من الدين.
[158] أي هلك.
[159] أي كان ملازماً للدين.
[160] وقيل لخمسة وسبعين من وفاة رسول اللّه وقيل لاربعة اشهر منه وفيها اقوال أُخر شاذة بين الشيعة.
[161] للشيخ الأجل ابن فتال النيشابوري من اعاظم المحدثين.
[162] أي اخبرت بموتها.
[163] هي مولاة النبي (صلي اللّه عليه وآله وسلم) وحاضنته كانت لأمه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) فاعتقها وزوجها من عبيد بن زيد فولدت له (ايمن) فاستشهد يوم خيبر فزوجها رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) من زيد بن حارثة فولدت له اسامة بن زيد وهي من المنقطعين الي فاطمة (عليها السلام).
[164] هي اسماء بنت عميس الخثعمية. من المهاجرات الي ارض الحبشة مع زوجها الأول جعفر بن ابي طالب وتزوجها بعده ابو بكر فولدت له محمد بن ابي بكر. ثم مات عنها فتزوجها علي بن ابي طالب فولدت له يحيي بن ابي طالب (انتهي ملخصاً من الاستيعاب).
[165] من مضَّ الجرح فلاناً آلمه وأوجعه.
[166] ولم يكن قبل معمولاً لحمل الجنائز.
[167] أي سكنت.
[168] لعله مولي رسول اللّه (صلي الله عليه وآله وسلم) وهو الذي اعتقه رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) اذ بشره باسلام عمه العباس.
[169] أي صبي.
[170] الغسل بالضم والكسر ما يغتسل به (منه).
[171] جدد جمع جديد.
[172] أي مقداراً قليلاً من الوقت.
[173] أي ينشق.
[174] رش عليه: أي نفض الماء وفرقه عليه.
[175] أي اجعل عليَّ الحنوط.
[176] بالضم هو الشعر النابت في محدب رقبة الفرس.
[177] أي النقاب.
[178] وفي رواية سليمان ونفر آخر سيأتي ذكرهم.
[179] حنين وانين بمعني تأوهت.
[180] أي سكنت.
[181] بريدة الاسلمي من السابقين الذين رجعوا الي امير المؤمنين (عليه السلام).
[182] تجلد: أي تكلف الجلد وصبر.
[183] أي الصعب المثقل. الفادحة: النازلة.
[184] أي صيرت اللحد لك وسادة.
[185] هذا كناية عن كونها قليلة المكث عنده لان مبني الوديعة علي فورية الفك ولعله لهذه النكتة قال له الرسول (صلي اللّه عليه وآله وسلم) حين زوجها منه هذه وديعتي عندك. ومعني اخذت الرهينة كناية عن جلالة مقامها لأن الرهينة تطلق علي الشيء الغالي. يقال ارهنه في السلقة: أي غالي بها.
[186] سهد وتسهد: ارق ولم ينم. قل نومه.
[187] أي بتعاونهم.
[188] الضمير راجع الي الخلافة.
[189] أي اكثر السؤال عن حالها.
[190] أي مبغض.
[191] أي ما سبب مجيئك إليَّ.
[192] أي أن ما اخبرني هو ذات الذي سأخبرك به.
[193] الطلق بفتح الأول: وجع الولادة.
[194] أي التصق.
[195] أي يقبح.
[196] أي رائحته الطيبة.
[197] جمع راحة وهي باطن اليد.
[198] أي انتسب.
[199] أي اول من اقتضبها.
[200] المضمار: غاية الفرس في السباق، او الفتحة الواسعة لسباق الخيل.
[201] بالتشديد (كالمعلم) أي الفرس السابق. والجلة هي الخيل تجمع للسباق.
[202] أي طلع.
[203] أي اقتدي.
[204] هو المحدث البحراني صاحب تفسير البرهان.
[205] أي سماه لهم.
[206] هو محمد بن الحسن الشيباني راجع ترجمته من وفيات الاعيان.
[207] يعقوب بن ابراهيم الكوفي تلميذ ابي حنيفة راجع ترجمته ص 180 ج 1 من الكني والالقاب.
[208] أي امتلأ وضاق.
[209] الصقع: الناحية.
[210] أي بسورة عم وهي سوة النبأ.
[211] اشارة الي حديث الطير المشوي حيث قال (صلي اللّه عليه وآله وسلم) اللهم ائتني باحب خلقك اليك يأكل معي.
[212] اشارة الي حديث المنزلة حيث قال (صلي اللّه عليه وآله وسلم) انت مني بمنزلة هارون من موسي.
[213] الرقود جمع راقد.
[214] يعني انه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) استثني من تنزيله في ذاك الحديث النبوة والاستثناء دليل تعميم المماثلة.
[215] اية المباهلة هي قوله تعالي قل تعالوا ندع ابناءنا وابناءكم الخ.
[216] القذي ما سقط علي العين.
[217] جمع مهجة وهي الدم.
[218] اشارة الي الحديث الوارد عن النبي (صلي اللّه عليه وآله وسلم) حيث قال فيه مثل اهل بيتي كمثل سفينة نوح.
[219] وقت التنوير أي وقت صيرورة الليل منوراً بالشفق.
[220] أي يرجع.
[221] قال الجوهري في الصحاح وتجوب قبيلة من حمير حلفاء المراد ومنهم ابن ملجم قال الكميت الا ان خير الناس بعد ثلاثة قتيل التجوبي الذي جاء من مصر وتجيب بطن من كندة انتهي ولصاحب القاموس هنا كلام لا يهمنا ايراده (منه).
[222] كان في النسخة سبع عشرة والظاهر انه تصحيف تسع عشرة (منه).
[223] تسمي لي: أي تجعل لي المهر المسمي.
[224] الغرة: الغفلة.
[225] الإدّ بالكسر: الامر الفظيع. الداهية.
[226] وهو ابن قيس الكندي. رأس منافقي اصحابه (عليه السلام). وكان من مرتدي زمن ابي بكر وهو في الواقع سبب التحكيم في صفين.
[227] هو من خيار اصحابه.
[228] أي خشبة من جانبه.
[229] الحيزوم وسط الصدر. وشد الحيازيم كناية عن الصبر.
[230] أي بساحتك.
[231] خميص البطن: أي خاليه.
[232] أي مربيتها.
[233] والظاهر (قالت) بدل (قال).
[234] أي اخذت منه القَود.
[235] والمثلة ان يقطع بعض اعضاء الرجل.
[236] أي غلبت.
[237] أي عصاهما وترك الشفقة عليهما والاحسان اليهما واستخفّ بهما.
[238] الحجزة: مقعد الازار موضع التكة من السراويل.
[239] صيغة التفعل هنا للمبالغة.
[240] عين التمر: بلدة في طرف البادية في غربي الفرات (منه).
[241] من الوعي وهو الحفظ.
[242] الانصات هو السكوت للاستماع.
[243] هو ارض النجف.
[244] الدويُّ هو صدي الأصوات كدويِّ النحل.
[245] الظاهر انه الجعفي وهو من خواص اصحاب الصادق (عليه السلام) وقد سمع منه احاديث وله كرامات. راجع ترجمته في الرجال الكبير وغيره.
[246] هو زوج زينب (سلام اللّه عليها). وهو من الأجواد، وله حكايات في السخاء.
[247] أي العرفاء والزهاد والنساك (منه).
[248] جمع طاش وهو ذو منصب خاص.
[249] بفتح الميم وكسرها: مكان ممهد مرتفع قليلاً يقعد عليه.
[250] جمع مسمار وهو الوتد من الحديد.
[251] جمع طست وهو معرب طشت.
[252] من لا يستطيع المشي علي قدميه.
[253] صارت مغبرة أي ذات غبار.
[254] أي كنت القابلة عند ولاتها.
[255] الاملح هو ما خالط شعره الأسود شعر أبيض.
[256] أي فضة مسكوكة.
[257] طيب مركب متخذ من الزعفران، وغيره.
[258] جمع الفريصة وهي اللحمة بين الجنب والكتف ترعد عند الفزع.
[259] أي فاضطرب.
[260] أي يراقبني.
[261] من التحية.
[262] يعني باقة من زهر الريحان.
[263] هو ابو العباس محمد بن يزيد البصري من كبار النحويين واللغويين. وكان امامي المذهب. مقبول القول عند الفريقين وله الكامل والمقتضب ومعاني القرآن توفي سنة 285 ببغداد.
[264] أي ازلنا عنك العتبة (اي الشدائد).
[265] نفط القدر (بالكسر) أي غلت، نفط يده: قرحت او تجمع فيها بين الجلد واللحم.
[266] سوراء: بالمد والضم: موضع. قيل في جنب بغداد و يروي بالقصر (مراصد الاطلاع).
[267] من اصحاب رسول اللّه. وكان من العشرة المبشرة بالجنة بزعمهم وكان فاتح فارس علي عهد عمر. والرجل وان لم يبايع علياً الا انه لم يسبه وقد دعاه اليه معاوية مراراً. فخالفه واعلن بفضائل أمير المؤمنين (عليه السلام).
[268] يعني به معاوية.
[269] أي امتحنتهم.
[270] أي الامان والعهد.
[271] شهر سيفه: أي اخرجه من الغمد.
[272] أي لزمه.
[273] أي فاطمة بنت الاسد يعني ام ابيه أمير المؤمنين.
[274] أي يتوعدون بالشر.
[275] الة الحجامة وهي شيء كالكأس يفرغ من الهواء ويوضع علي الجلد فيحدث فيه تهيجاً ويجذب الدم بقوة.
[276] وفي كشف الغمة ولي غسله الحسين عليه السلام ومحمد والعباس واخوته وصلي عليه سعيد بن العاص.
[277] لفظ الواو هنا للحال.
[278] الواو للعطف علي ما سبق.
[279] سل الشيء من الشيء: انتزعه واخرجه برفق.
[280] الهامة: راس كل شيء وتطلق علي الجثة.
[281] العراء: الفضاء لا يستتر بشيء.
[282] أي مقيد. والكبل بالفتح او الكسر: القيد، او اعظم ما يكون من القيد.
[283] أي دقت.
[284] أي مجعول عليه التراب ومغبرة به.
[285] أي مأخوذ عنا.
[286] أي السحاب.
[287] الشجر الكثير الاغصان.
[288] الشجرد العظيمة او البيت الضخم. والمراد هنا الروض.
[289] الشجرة الرطبة.
[290] أي انت غريب.
[291] أي شيخ الطائفة. محمد بن الحسن الطوسي (رحمه اللّه) في التهذيب.
[292] كلما ذكر الشهيد مطلقتً او بقيد الأول فهو الشهيد الأول ابو عبد اللّه محمد بن المكي العالمي المتوفي سنة 786 هجري. راجع ترجمته في الكني والالقاب.
[293] المسمي بتوضيح المقاصد. وقد طبع بمصر منضماً الي شرح القصيدة الذهبية.
[294] هو الشيخ الكبير الشيخ جعفر ابن الشيخ خضر النجفي. فقيه زمانه. توفي (رحمه اللّه) سنة 1228 هجري. وقد ذكر في مقدمة كتابه كشف الغطاء مواليد الأئمة ووفياتهم.
[295] أي الشيخ المفيد والشيخ الطوسي (رحمهما اللّه).
[296] والخبر مذكور بتمامه في البحار ج 13. وفي الكافي.
[297] ناغي الرجل للصبي أي كلمه بما يعجبه ويسره.
[298] أي ادخله في النار واذقه منها.
[299] أي احبها.
[300] وطوارقه أي حوادثه والضمير يرجع الي المخوف (منه).
[301] مقابل الوحشة.
[302] مرماكم. أي مقصدكم.
[303] أي غاية مسيركم.
[304] أي كفاه.
[305] أي ينسبه الشغل ويصرفه عنه.
[306] أي بلاءه وتعبه.
[307] الفيء هو الظل اذا رجع.
[308] أي ليس رجل حر الخ.
[309] اللماظة كتمامه ما يلاك في الفم وهو تافه.
[310] أي أنشأته (عليه السلام).
[311] أي اجمل.
[312] اسم تفضيل من النبل (بالضم) وهو الذكاء والنجابة.
[313] أي ملصق بها. يقال لعق العسل: أي تناوله بلسانه ولحسه.
[314] أي اختبروا وابتلوا.
[315] أي تبعد الذنوب وتنقِّي منها.
[316] أي ذي الروح والمراد به مطلق الرق.
[317] أي علقت.
[318] التميمة ما علق علي العضد من الاحراز والجواهر.
[319] أي الأوعية من الجلد.
[320] زرارة بن اعين الشيباني. شيخ اصحابنا في زمانه ومتقدمهم وكان قارئاً فقيهاً. متكلماً. اديباً. قد اجتمعت فيه خلال الفضل والدين. ثقة فيما يرويه. راجع ترجمته ص 142من الرجال الكبير وغيره.
[321] أي ترك الاستقرار.
[322] أي اخذته القشعريرة: أي الرعدة.
[323] أي جريدة النخل.
[324] ارفضاضاً أي يتقطّر منه العرَق.
[325] والجبان في الاصل الصحراء والجبانة موضع بالمدينة.
[326] أي الابقاء والمحافظة.
[327] أي شق وترة انفه.
[328] أي غلظت من السجود.
[329] أي اتعب.
[330] نضي الثوب: ابلاه.
[331] أي الذي يُصلح كسر العظم.
[332] عنها، قال ألهتني عنها النار الكبري.
[333] أي لم يعطف ولم ينصرف.
[334] أي لو انعطفت عنه.
[335] بضم اوله، موضع معروف بطريق مكة قرب الثعلبية بها بركتان.
[336] بصيغة المتكلم. أي ضللت فيها.
[337] اطمار: جمع طمر بكسر الطاء وهو الثوب البالي.
[338] اولج: بصيغة الاستدعاء: أي ادخل في قلبي.
[339] اشجان: جمع الشجن بفتحتين بمعني الهم والحزن.
[340] أي انكشف.
[341] أي قصده.
[342] أي ملجأ.
[343] الرغب: المرغوب المحبوب.
[344] أي ان ما فعلته كان مبتغاي. من ازف: بمعني اقترب او بمعني عجل.
[345] السائس: رائض الدواب والقائم عليها.
[346] الصرر. جمع صرة.
[347] جمع زمن ككتف: المقعد.
[348] أي سكنت ونامت.
[349] أي شديد الصلابة.
[350] كمؤيد.
[351] جمع دأب وهو الحالة الخاصة.
[352] أي شابهته.
[353] ينبع. بفتح اوله وضم الثالث حصن وقرية علي يمين رضوي لمن كان منحدراً من اهل المدينة الي البحر وهي لبني الحسن بن علي (عليه السلام) وفيها عيون عذاب.
[354] أي متخشع ومطمئن الي الأرض.
[355] دأب في العمل جد واستمر عليه.
[356] مصدر قري الضيف: اضافه.
[357] الحادي من يغني للابل والمراد هنا المنذر.
[358] أي آبائك المقدمين (منه).
[359] بصيغة الجمع. بمعني الاصدقاء.
[360] أي الدواثر. يقال بلي الثواب أي رث ودرس.
[361] الدثور: الدروس (منه).
[362] أي خلت عرصات دارهم منهم (منه).
[363] جمع حفير وهو القبر (منه).
[364] أي اقتطعت واستأصلت (منه).
[365] المنون: المنية أي الموت.
[366] أي قديمها البالي.
[367] جمع رمس أي تراب القبر (منه).
[368] أي راغب (منه).
[369] الخطر: الاشراف علي الهلاك (منه).
[370] أي ينسي.
[371] أي خلطك الشيب (منه).
[372] أي اتاك نذير الموت (منه).
[373] أي خائف.
[374] انا بها معني علي مفعول أي اهتممت بها.
[375] أي منتظر (منه).
[376] أي مائل (منه).
[377] من العتو (منه).
[378] انتسفت الريح التراب: قلعته وفرقته.
[379] بكسر الأول: الموت.
[380] اقفرت. أي صارت قفراً.
[381] المقاصر: اصول الشجر. والمقاصير: جمع مقصورة وهي الدار الواسعة او الحجلة.
[382] أي تربة مجموعة (منه).
[383] أي مرتفعة (منه).
[384] أي تذر (منه).
[385] أي ريح تثير الغبار (منه).
[386] الدساكر: جمع دسكرة وهي بناء شبه القصر حواليه بيوت تكون للملوك (منه).
[387] الاعلاق: جمع علق بالكسر وهو النفيس من كل شيء (منه).
[388] مقارعة الابطال: قرع بعضهم بعضاً (منه).
[389] أي ذليل.
[390] أي شراكها وآلات صيدها.
[391] البدار: المسارعة.
[392] السدي: المهمل (منه).
[393] مصائر: جمع مصير (منه).
[394] الاوصاب: جمع الوصب وهو المرض (منه).
[395] عاوره الشيء: اعطاه اياه عارية.
[396] اسم فاعل من غدر اصحابه: أي تخلف. يعني ليس بمتخلف او من غدر بمعني مكر: أي ليس له حيلة.
[397] اخلد اليه: ركن اليه.
[398] لم تنعشه: أي لم ترفعه.
[399] أي المعاون.
[400] الاستعبار: البكاء وارسال الدمع.
[401] أي يئس (منه).
[402] جاشت النفس: ارتفعت من خوف او فزع (منه).
[403] اللهاة بالفتح: اللحمة في أعماق الحلق.
[404] الرنة: الانين.
[405] الاستنجاد: الاستعانة (منه).
[406] العويل: رفع الصوت بالبكاء (منه).
[407] الرزء: المصيبة العظيمة.
[408] أي تهيأوا لاخراجه واظهاره (منه).
[409] أي ارسل (منه).
[410] أي مات (منه).
[411] أي بحزن.
[412] من الهول (منه).
[413] من الروع وهو الاخافة (منه).
[414] جمع الغزيرة: أي الكثيرة.
[415] التلدد: الالتفات يميناً وشمالاً. والانتحاب: رفع الصوت بالبكاء (منه).
[416] أي باكين باصوات عالية.
[417] والرتاع: جمع راتع كنائم ونيام (منه).
[418] بمدية باد للذراعين حاسر (خ د) والمدية بالضم: الشفرة أي السكين العظيم (منه).
[419] أي اسرعت وجدت في الهرب (منه).
[420] توزِّعت: تقسِّمت.
[421] جمع آصره كصاحبه يعني أقرباؤه.
[422] قال امير المؤمنين (عليه السلام) يخضمون مال اللّه خضم الابل نبتة الربيع(منه).
[423] المطية: الدابة التي تركب.
[424] الحمام بالكسر: الموت.
[425] أي سريعاً (منه).
[426] الردي: الهلاك (منه).
[427] أي موتك.
[428] الخرائج روي ان الحجاج بن يوسف لما خرب الكعبة بسبب مقاتلة عبد اللّه بن الزبير ثم عمروها فلما اعيد البيت وارادوا ان ينصبوا الحجر الأسود فكلما نصبه عالم من علمائهم او قاض من قضاتهم او زاهد من زهادهم ينزلزل ويضطرب ولا يستقر الحجر في مكانه فجاءه علي بن الحسين (عليه السلام) واخذه من ايديهم وسمي اللّه ونصبه فاستقر في مكانه وكبر الناس ولقد أسلم الفرزدق في قوله يكاد يمسكه عرفان راحته ركن الحطيم اذا ما جاء يستلم، (منه).
[429] الخرائج روي ان الحجاج بن يوسف لما خرب الكعبة بسبب مقاتلة عبد اللّه بن الزبير ثم عمروها فلما اعيد البيت وارادوا ان ينصبوا الحجر الأسود فكلما نصبه عالم من علمائهم او قاض من قضاتهم او زاهد من زهادهم ينزلزل ويضطرب ولا يستقر الحجر في مكانه فجاءه علي بن الحسين (عليه السلام) واخذه من ايديهم وسمي اللّه ونصبه فاستقر في مكانه وكبر الناس ولقد أسلم الفرزدق في قوله يكاد يمسكه عرفان راحته ركن الحطيم اذا ما جاء يستلم، (منه).
[430] أي يقصد كعثمان إسم لبلدة أكل ما يستر.
[431] أي صاحت.
[432] جمع السدل بضم السين وهو الستر.
[433] اذ. ظ.
[434] أي ما خلج في خاطري وبالي.
[435] أي المختفيات.
[436] وقال ابن حجر مع نصبه وشدة عداوته في الصواعق في حقه (عليه السلام) هو باقر العلم وجامعه وشاهر علمه ورافعه صفا قلبه وذكا علمه وعمله وطهرت نفسه وشرف خلقه وعمرت اوقاته بطاعة اللّه وله من الرسوخ في مقامات العارفين ما تكل عنه ألسنة الواصفين وله كلمات كثيرة في السلوك والمعارف لا تحتملها هذه العجالة. انتهي كلام ابن حجر (منه).
[437] بكسر الدال (منه).
[438] بفتح الثاء.
[439] الزهري: بضم الزاء وسكون الهاء. ابو بكر محمد بن مسلم ينتهي نسبه الي زهرة بن كلاب. كان من فقهاء المدينة من طبقة التابعين وقد ذكره الجمهور واثنوا عليه راجع ترجمته من الكني والالقاب.
[440] سيأتي تفسيره.
[441] مدين: بالفتح ثم السكون وفتح الياء. مدينة قوم شعيب وهي تجاه تبوك علي بحر القلزم بينهما ست مراحل.
[442] وفي الكافي فبلغ هشام بن عبد الملك خبر الشيخ فبعث اليه فحمله فلم يدر ما صنع به (منه).
[443] الظاهر ان محمد بن المنكدر كان من متصوفة العامة كطاوس وشقيق وابن ادهم وامثالهم حكي صاحب المستطرف عن محمد بن المنكدر انه جزأ عليه وعلي امه وعلي اخته الليل اثلاثاً فماتت اخته فجزأ عليه وعلي امه فماتت امه فقام الليل كله اقول لو صح هذا من ابن المنكدر فقد اخذ هذا من آل داود فقد روي ان داود (عليه السلام) جزّأ ساعات الليل والنهار علي اهله فلم يكن ساعة الا وانسان من اولاده في الصلاة فقال تعالي اعملوا آل داود شكراً (منه).
[444] أي لاصقاً.
[445] أي السيادة والرفعة.
[446] اجار فلاناً: اغاثه.
[447] من الشوب وهو المزج.
[448] حذافير: جمع حذفار (بكسر الحاء) وهو الجانب. يقال بحذافيرها أي بجوانبها وبأسرها.
[449] البذاء: الفحش والسفاهة.
[450] النبح: صوت الكلب.
[451] الطوية: النية والضمير.
[452] انزعج: قلق.
[453] النائبة: المصيبة الواردة.
[454] لم تعرف: بصيغة المبني للمفعول وكذا ما بعده.
[455] اسم مفعول من الحاجة.
[456] المراد بها كلما نبت من الأرض لأن فيها مظنة التسمم.
[457] السقاء: وعاء من جلد للماء واللبن.
[458] الذي يظهر لي من الروايات ان سعيدة المعروفة بالفضل وبالعبادة كانت مولاة أم فروة وهي التي قالل لها الصادق (عليه السلام) اسأل اللّه الذي عرفنيك في الدنيا ان يزوجنيك في الجنة (منه).
[459] معروف بن خرّبوذ (بتشديد الراء) من اصحاب الباقرين (عليهما السلام) وكان حليف السجدة الطويلة وهو ممن اجتمعت العصابة علي تصديقهم وممن انقادوا له بالفقه. راجع ترجمته من الرجال الكبير، ولا يخفي انه غير المعروف بابن فيروز الكرخي العارف المشهور المتوفي سنة (200) ببغداد.
[460] المعروف: صفة داود (منه).
[461] أي يضل ويجهل وجه الصواب.
[462] أي اشرفهم واشهرهم.
[463] أي غلبت او اضاءت.
[464] أي رمته بالخرس (بفتحتين) وهو انعقاد اللسان عن الكلام.
[465] ابي حنيفة: النعمان بن ثابت الكوفي احد الأئمة الاربعة لأهل السنة. وكان صاحب الرأي والقياس وقد قيل فيه مدحاً وذماً ما قيل في احد توفي سنة 150 وقبره ببغداد معروف (راجع ترجمته في تاريخ بغداد وغيره).
[466] ابا يزيد. هو طيفور بن عيسي البسطامي الصوفي المشهور وكان من الزهاد. قيل كان سقاء للإِمام الصادق وبعده انه (عليه السلام) مات سنة 148 وهو مات سنة 261 فالتفاوت ما بين وفاتيهما 113 سنة مع انهم لم يذكروا عمر ابي يزيد اكثر من الثمانين؟.
[467] هو والمالك من كبار الزهاد وقد ذكر لهما كرامات. راجع ترجمتهما من تذكرة الشيخ العطار.
[468] التفث محركة: قيل هو التنظيف من الوسخ وقيل ما يفعله المحرم عند احلاله كقص الشارب والظفر.
[469] من الرياء وهو من حبال الشيطان لمنتحلي العلم اعاذنا اللّه منه.
[470] أي لا تخاصم (منه).
[471] أي ذليلاً.
[472] أي الافعي.
[473] أي الوافي التام.
[474] اخبت الي اللّه: اطمأن اليه تعالي وتخشع امامه.
[475] أي الدم.
[476] رغم انفه للّه: ذل وخضع.
[477] أي نتقرب.
[478] أي الوقور (منه).
[479] الرصين: أي محكم ثابت، والخرق: ضد الرفق: والنزق: الخفة عند الغضب (منه).
[480] أي يستقصيها ويحيط بها.
[481] الكري: الشدة في المشي ويمكن ان يكون بمعني الاكراء وهو السهر في الليل.
[482] الاعراق جمع عرق وهو اصل كل شيء. والثري: الأرض: يعني نحن أوتاد الأرض.
[483] التلوم: التمكث.
[484] غرز: ركاب (منه).
[485] أي يقطع.
[486] لا يضام: أي لا يقهر ولا ينتقص.
[487] الغوائل: ولكن الظاهر ان معناه الاحقاد الباطنة والشرور والخرق في السلطنة.
[488] العطب: الهلاك.
[489] أي اصعد عليه.
[490] أي منكشفاً.
[491] أي المستخدم والاجير.
[492] الظاهر انها مرفقة كمكنسة وهي المخدة.
[493] أي جئت بالباطل(منه).
[494] العيبة: ما يجعل فيه الثياب كالصندوق.
[495] أي سمين حاذق ذي نشاط.
[496] كش: رمز للكشي وهو الشيخ ابو عمر ومحمد بن عمر الكشي. ثقة. بصير بالاخبار والرجال. له كتاب الرجال الذي اختصره شيخ الطائفة وسماه اختيار الرجال. والموجود بايدينا هو ذاك الاختيار.
[497] تقلقل في البلاد: تقلب فيها.
[498] المخصرة: شيء كالسوط: او ما يتوكأ عليه كالعصا.
[499] أي ازدحموا.
[500] عبد اللّه بن شبرمة بالشين المعجمة وبعدها باء منقطة تحتها نقطة والراء قبل الميم من اصحاب علي بن الحسين (عليه السلام) كان قاضياً لابي جعفر علي سواد الكوفة مات سنة 144 اربع واربعين ومئة (صه) في القسم الثاني وكان كوفياً شاعراً (منه).
[501] اطري فلاناً: احسن الثناء عليه وبالغ في مدحه.
[502] ذبل النبات: ذهبت نضارته. ضمر.
[503] الشفرة: السكين العظيم. حد السيف.
[504] ليس هذا أبا هريرة الصحابي المعروف بالكذب، بل هو ابو هريرة العجلي الذي عد في شعراء اهل البيت (عليهم السلام) المجاهرين، رُويَ عن ابي بصير قال: قال ابو عبد اللّه (عليه السلام) ينشدنا شعر ابي هريرة، قلت جعلت فداك انه كان يشرب، فقال له (رحمه اللّه) وما ذنب الا ويغفره اللّه لولا بغض علي (عليه السلام) (منه).
[505] أي اعلي الظهر مما يلي العنق.
[506] اسم لأربعة جبال قرب مكة. احدها ثبير الاعرج والثاني ثبير المني.
[507] أي اقام.
[508] حثا: أهال التراب.
[509] أي للّه دره يعني له من اللّه خير كثير.
[510] جمع غارب بمعني الآفل والمراد هنا افولهم تحت التراب.
[511] جمع كتيبة وهي القطعة من الخيل.
[512] أي المرتفعة.
[513] جمع هامد وهو الساكن.
[514] نضب الماء: جفَّ وقلَّت مادته.
[515] أي دائم (منه).
[516] وقيل في الثلاثاء.
[517] وقيل سنة 129 في خلافة ابراهيم بن وليد.
[518] أي خلق اللّه من العدم.
[519] أي امتحن (منه).
[520] أي كبر وعظم، والنبالة: النجابة والفضل.
[521] أي الظل الذي يستريح فيه الواردون.
[522] جمع فناء وهو الساحة او امام البيت.
[523] جمع عصا وهي ما يتوكأ عليها.
[524] حواري: ناصر الانبياء والمراد به انصار عيسي (عليه السلام) واصحابه.
[525] قيل في اعترافهم بالذنب مع عصمتهم (عليهم السلام) وخلوهم عن المعاصي ان حسنات الابرار سيئات المقربين. حيث ان انعطافهم عنه تعالي ذنب عندهم، وقيل ان ذلك كناية عن دنو مقامهم في جنب عظمة اللّه ونحو من التذلل، وقيل ان ذلك صدر عنهم تعليماً للعباد في التضرع والاستكانة وقيل ان معني الذنب هو الفقر الذاتي المعبر عنه بالامكان الذي لا يخلو منه غيره تعالي، ولكن في غير الوجهين الأولين ما لا يخفي علي العارف بحالاتهم ومقالاتهم (عليهم السلام).
[526] غفي الرجل: نعس، نام نومة خفيفة، يقال اغفيت وقل ما يقال غفيت.
[527] العتمة: ظلمة الليل او الثلث الأول منه وقد استعير لصلاة العشاء.
[528] اصبح فلان مسخداً بالخاء المعجمة والدال المهملة اذا اصبح مصفراً ثقيلاً مورماً (منه).
[529] أي جرح.
[530] أي الكثيرة (منه).
[531] مقراض (منه).
[532] اولها: يا ساجداً عدوة للّه مبتهلاً الي الزوال بضيق السجن مرهوناً.
[533] بمهملتين (منه) يعني مُحكمة العقل.
[534] ماج القوم دخل بعضهم في بعض.
[535] أي خاضوا فيه.
[536] أي ضيق.
[537] السمت: الطريق والخلق.
[538] الصرورة: الذي لم يتزوج. والمراد هنا من لم يحج قبل سفره هذا.
[539] وقيل في خامسه وقيل في اربع وعشرين منه. اقول يمكن ان يكون لفظة خمس مضين تصحيف خمس بقين.
[540] في تذكرة السبط حمله (عليه السلام) الرشيد معه الي بغداد فحبسه بها سنة سبع وسبعين ومات فأقام في حبسه الي ثمان وثمانين ومئة فتوفي في رجب بها (منه).
[541] الخنق كالضرب: الشد علي الحلق حتي يموت.
[542] اقول ولعل ذلك لما استفاد منه (عليه السلام) في حياته وشاهد من دلائله وآياته، روي صاحب الدر النظيم عنه قال: دخلت في بعض الأيام علي الإِمام موسي بن جعفر (عليه السلام) حتي اقرأ عليه اذا ثعبان قد وضع فمه علي اذن موسي بن جعفر (عليه السلام) كالمحدث له فلما فرغ حدثه موسي بن جعفر (عليه السلام) حديثاً لم افهمه ثم انساب الثعبان فقال (عليه السلام) يا احمد هذا رسول من الجن قد اختلفوا في مسألة جاءني يسألني فاخبرته بها باللّه عليك يا احمد لا تخبر بهذا احداً الا بعد موتي فما اخبرت به احداً حتي مات (عليه السلام) (منه)، وفي كتاب التتمة في تاريخ الأئمة (عليهم السلام) للسيد تاج الدين العاملي ونقله الشيخ الحر العاملي نور اللّه مضجعه في اثبات الهداة ايضاً قال: في تاريخ احوال موسي بن جعفر (عليه السلام) ولما مات امر السندي بوضعه علي الجسر واظهر للناس انه مات بقضاء اللّه تعالي فكان الناس ينظرون اليه وليس به جرح، وروي ان بعض المخلصين من الإِمامية جاء حينئذ والناس مجتمعون وهم يقولون مات بغير قتل لهم انا استخبر منه بماذا مات، فقالوا: انه ميت، فكيف يخبرك فدنا منه وقال يا ابن رسول اللّه انت صادق وابوك صادق فاخبرنا مضيت موتاً او قتلاً؟
[543] أي الغوغاء.
[544] أي منتزعاً ثوبه.
[545] وعن الخطيب صاحب تاريخ بغداد المتوفي سنة 463 ثلاث وستين واربعمائة وهو من اعاظم علماء الجمهور قال فيه (عليه السلام) توفّي (عليه السلام) بالحبس ودفن في مقابر الشونيز خارج البقعة وقبره مشهور يزار، عليه مشهد عظيم فيه من قناديل الذهب والفضة وانواع الآلات والفرش مالاً يحد وهو في الجانب الغربي (عليه السلام) جعلنا اللّه من المحبين له ولآبائه الكرام وكان الموكل به ايام حبسه ابن شاهك السندي جد كشاجم الشاعر المشهور واللّه اعلم واحكم (منه).
[546] أي دهشوا وخافوا.
[547] السفط: وعاء كالصندوق.
[548] جملة معترضة (منه).
[549] أي عدم النوم في الليل.
[550] جمع مطمورة وهي الحفرة تحت الأرض وتستعمل في الحبس.
[551] أي المدقوق.
[552] تستعمل في الميت في عرف المتقدمين.
[553] جمع غصة وهي الحزن والهم.
[554] أي الشامخة الشريفة المرتفعة الشأن.
[555] جمع برية وهي الخلق.
[556] او يوم الثلاثاء.
[557] وقيل في 15 من ذي القعدة او ذي الحجة وقيل في سنة ولادته انها سنة ثلاث وخمسون ومئة نقله الطبرسي في اعلام الوري.
[558] لأن قبل توليه (عليه السلام) ولاية العهد لم يزل يخرج رجل بعد رجل من بني علي (عليه السلام) علي بني العباس ويسفك دماء الفريقين. وذلك لما يري بنو علي لأنفسهم من التقدم علي بني العباس في امرة المؤمنين. وبعد ولايته (وهو مقبول الفضل علي من عداه) لم يبق مستمسك لبني علي في الخروج.
[559] اي يسد به الخلل.
[560] أي يجمع به الشق والفرقة.
[561] الصمت كالضرب: السكوت.
[562] اقول يأتي في النور الرابع عشر في فصل فضل انتظار الفرج حديث يناسب هذا المقام (منه).
[563] ذكر هذا الخبر المسعودي في اثبات الوصية ايضاً (منه).
[564] أي متولية.
[565] اذ انه تعالي جعل شكر الايادي، اقتحام العقبة وفسره بقوله عتق رقبة او اطعام في يوم ذي مسغبة (اي مجاعة) فاشار (عليه السلام) الي عدم امكان الأول لأكثر الناس وقدرتهم للثاني.
[566] له ظرف وملاميح. راجع ترجمته في الكني والالقاب وغيره.
[567] ولد الشاة.
[568] أي رائض الدواب والمتولي لها.
[569] كان هو كتاب الحبوة فيه ما اعطاه المأمون وحباه كلما احب من الاموال والضياع والسلطان وبسط له من الدنيا امله (منه).
[570] الارومة: اصل الشجرة.
[571] أي سيفتك بي ويقتلني غيلة.
[572] راجع الاحتجاج للشيخ الطبرسي وبحار الأنوار للعلامة المجلسي ج 12 و4.
[573] أي بشق اعراضهم والطعن فيها.
[574] وقد اشير الي ذلك في زيارته: السلام علي من امر اولاده وعياله بالنياحة عليه قبل وصول القتل اليه (منه).
[575] قد ظهر من هذا الخبر انه (عليه السلام) كان راكباً ناقة في سفره الي الخراسان ويؤيد ذلك ما رواه الراوندي في الدعوات ان رجلاً من اهل كرمند قرية من اصفهان كان جمالاً لمولانا أبي الحسن (عليه السلام) عند توجهه الي خراسان فلما اراد الانصراف قال له يا ابن رسول اللّه شرفني بشيء من خطك اتبرك به وكان الرجل من العامة فاعطاه مكتوباً فيه كن محباً لآل محمد (عليهم السلام) وان كنت فاسقاً ومحباً لمحبيهم وان كانوا فاسقين وانا احب ان اتمثل‌ها هنا بهذين البيتين:
وتحمله الناقة الأدماءُ معتجرا
بالبرد كالبدر جلي ليلة الظلم
وفي عِطافَيْهِ او اثناء بردته
ما يعلم اللّه من دين ومن كرم
.[576] الظاهر ان هذه الكلمة تصحيف فربوند وهي قرية بقرب عباس آباد ومزينان علي ما سمعت (منه).
[577] الهفيف: سرعة السير والخفة (منه).
[578] هو زيد بن خالد الخزرجي من بني النجار. شهد القعبة وبدراً وسائر المشاهد وشهد مع امير المؤمنين مشاهده كلها وكان من خواص اصحابه. ولما غزا يزيد بن معاوية الروم اخذ معه ابا ايوب (تبركاً) وكان شيخاً هرماً فتوفي عند القسطنطنية فامر يزيد ان يدفن بالقرب من سورها وكانت وفاته سنة 50 خمسين.
[579] جمع عبء وهو الثقل.
[580] أي لا تعدل عنها.
[581] كالخبز وزنا: الطعام.
[582] المراد من المخلوع اخوه محمد الامين (منه).
[583] جمع بدرة وهو الكيس الموضوع فيه الدراهم. وقد يطلق علي عشرة آلاف درهم او كمية عظيمة منه.
[584] حرف ظ بعد كلمة الحق وما أشبه هذا، معناه: الحق بحسب الظاهر.
[585] وقد شرحها بعض العلماء وطبع ذاك الشرح بإيران.
[586] كطلاب وزنا: عصا ذات زج في اسفلها يتوكأ عليها الرجل.
[587] الحاجلية: يقصد بها الحذاء المشدود برباط.
[588] أي جوراً وتجاوزاً عن الحد.
[589] أي مفاجأة واخذاً علي غرة (منه).
[590] اضطلع بحمله: نهض به وقوي عليه.
[591] جمع قمع كضرب وحبر وعنب: ما التصق باسفل التمر ونحوه.
[592] الوجبة: السقطة مع الهدة او صوت الساقط.
[593] أي الشدة في القول.
[594] جمع معول وهو اداة الحفر.
[595] كلام متعرض من هرثمة بين كلامه (عليه السلام) (منه).
[596] أي نقص او غار واختفي.
[597] الدميري هو كمال الدين محمد بن موسي بن عيسي المصري الشافعي تلميذ اسنوي صاحب كتاب حياة الحيوان وغيره توفي سنة 808 نسب الي دميرة كسفينة (منه).
[598] يعني جانب وكنار وطرف (منه).
[599] أي سقطت.
[600] الدواج: اللحاف (منه).
[601] اثنان من الاطباء يسميان بهذا الاسم. والكبير منهما هو الذي التحق بخدمة هارون الرشيد واشتهر بالدربة في صناعته. وقصده الناس من كل مكان وكان قبل ذلك بجند يشابور. واما الصغير فهو ابن جبرائيل بن بختيشوع الكبير وكان معاصراً للمتوكل. ومعني بختيشوع عبد عيسي.
[602] يعني انه في حالة الاغماء ولا يفهم ما تقول ولا يتميز الاشخاص.
[603] أي يريد ان يضربه بشدة وقصد ان يخاطبه بما يسوؤه.
[604] أي فاصلتها من نوقان علي مسيرة صوت واع.
[605] الوغر: الغيظ.
[606] ربَعَ ربعاً بالمكان اقام واطمأن.
[607] أي الصدوق (منه).
[608] أي اقام.
[609] أي مدفون.
[610] قد ظهر عن هذه الفقرة الشريفة ان الاختلاف الوارد في قدر الفضل والثواب محمولة علي اختلاف الاشخاص واختلاف مراتب الاخلاص والمعرفة والتقوي وغير ذلك (منه) اقول والاظهر ان ذلك من باب المبالغة في الاجر لا التحديد الواقعي حتي احتيج الي ذلك التوجيه.
[611] أي الاعمي والاعشي.
[612] به. ظ.
[613] ومن ذلك. ظ.
[614] وقد ذكر شطراً منها، الشيخ الصدوق في كتابه عيون اخبار الرضا. واما ما وضع لايداع جل المعجزات الصادرة عنهم (عليهم السلام) في كتابي (الخرائج للقطب الراوندي (رحمه اللّه)) و(مدينة المعاجز. للسيد البحراني) فراجعهما.
[615] العمي كقفل وزنا: جمع اعمي.
[616] ولقد اجاد من قال:
سلام علي آل طه ويس
سلام علي آل خير النبيين
سلام علي روضة حل فيها
امام يباهي به الملك والدين
روي عن ابي عبد اللّه الحافظ انه قال: كنت في الروضة الرضوية (صلوات اللّه علي مشرفها) ليلة جمعة احييتها فغلبني النوم في آخرها وكنت بين النوم واليقظة فرأيت في تلك الحالة ملكين نزلا من السماء وكتبا بخط اخضر علي جدار القبة هذين البيتين.
اذا كنت تأمل او ترتجي
من اللّه في حالتيك الرضا
فلازم مودة آل الرسول
وجاور علي بن موسي الرضا
وروي الشيخ الصدوق بإسناده عن ابي الحسن علي المعدل قال: رأي رجل من الصالحين فيما يري النائم الرسول (صلي اللّه عليه وآله وسلم) فقال له يا رسول اللّه من ازور من اولادك؟ فقال (صلي اللّه عليه وآله وسلم) ان من اولادي من اتاني مسموماً وان من اولادي من اتاني مقتولاً قال: فقلت له من ازور منهم يا رسول اللّه، مع تشتت اماكنهم، او قال مشاهدهم، قال من هو اقرب منك يعني بالمجاورة وهو مدفون بارض الغربة، قال: فقلت يا رسول اللّه: تعني الرضا (عليه السلام) فقال (صلي اللّه عليه وآله وسلم)، قل (صلي اللّه عليه قل صلي اللّه عليه قل صلي اللّه عليه) (منه).
[617] وقيل في 15 من ذلك الشهر وقيل في 18 منه وقيل في 17 منه في سلطنة هارون الرشيد.
[618] أي خائفة متفرقة الحواس.
[619] أي يرثيه ويبكي عليه اهل السماء (منه).
[620] أي يكلمه بما يعجبه ويسره.
[621] جمع عمرة.
[622] بتشديد الياء.
[623] أي من الذين لهم ثلاث سنين.
[624] (تاج. راح. خ د).
[625] جعلك اللّه.
[626] البهو: البيت المقدم امام البيوت (منه).
[627] أي انكشف ورفع عنا.
[628] وبارادته. ظ.
[629] يمكن ان يكون بمعني صدر المجلس.
[630] المسور والمسورة: متكأ من جلد.
[631] العجلة: بالتحريك أي الآلة التي تحمل عليها الاثقال أي تجري عليها. او بمعني الاستعجال، أي تجرون علي الاستعجال.
[632] ذري ذرواً وذري تذرية واذري اذراء الريح التراب: اطارته وفرقته.
[633] أي لنطيرنه ونذرينه في البحر.
[634] أي نقداً مسكوكاً.
[635] يونس بن عبد الرحمان مولي علي بن يقطين كان وجيهاً في اصحابنا مقدماً عظيم المنزلة. روي عن ابي الحسن موسي والرضا وكان الرضا يشير اليه في العلم والفتيا وكان وكيلاً له وكان بذل له علي الوقف مال جليل فامتنع من اخذه وثبت علي الحق وقال فيه ابو محمد صاحب العسكر.
[636] ريان صلت البغدادي القمي. خراساني الأصل روي عن الرضا (عليه السلام) وكان ثقة صدوقاً وقد اعطاه الرضا (عليه السلام) ثوباً من ثيابه وثلاثين درهماً من دراهمه.
[637] فيه ان يونس (رحمه اللّه) اجل شأناً من ان لا يعرف امامه. وقد صحب قبل ذلك ابا الحسن موسي والرضا (عليه السلام) وكان من ثقاتهما واسامي الائمة غير خفية عن مثله. وعليه لو كان الحديث صحيحاً لعله صدر منه اختباراً او تقية من بعضهم حيث ان الريان نفسه (مع وثاقته) كان من خواص المعتصم.
[638] كورة ومدينة من نواحي كابل.
[639] بست بالضم: مدينة بين سجتان وغزنين وهراة كثيرة الانهار والبساتين.
[640] سجستان بكثر الأولين: ناحية كبيرة وهي في جنوب هراة وارضها كلها رملة ويسمي الآن سيستان.
[641] أي زائداً عما يقوتهم.
[642] هو احمد بن محمد بن ابي نصر الكوفي البزنطي. ممن اجمع الاصحاب علي تصحيح ما يصح عنه واقروا له بالفقه وكان ممن لقي الرضا والجواد وكان من الواقفة فاستبصر وحسن ايمانه. توفي سنة 221 هجري.
[643] ان حين تقصد له الاحسان.
[644] أي لا نواة فيه.
[645] من الاقالة وهي الفسخ والمراد به الاغماض.
[646] يقول: التزم الصبر فيما كان حقا وان شق عليك، واعرض عما تحبه ولكن يدعوك الي اتباع الشيطان.
[647] أي الخائنين.
[648] وقيل في سادس ذي الحجة سنة 220 ويؤيد ذلك قوله (عليه السلام) الفرج بعد المأمون بثلاثين شهراً. وقد توفي المأمون في رجب سنة 218 واللّه العالم (منه) اقول وقيل في اول ذي القعدة وقيل في خامس ذي الحجة.
[649] الخرجة: المرة من الخروج.
[650] أي رجع وعطف اليه.
[651] خضل الشيء: ندي وابتل.
[652] أي السنة (منه).
[653] اقول الظاهر ان داود تصحيف والصحيح ابن دؤاد. فان الذي سعي في قتل ابي جعفر الجواد (عليه السلام) هو ابن ابي دؤاد كسعال. واسمه احمد وكان قاضياً في عهد المأمون والمعتصم والواثق والمتوكل وكان هلذه السعاية سبباً لأن ابتلي في آخر عمره بنكبة الزمان والفلج وتوفي بعد ثكله بولده محمد بعشرين يوماً سنة 240 ببغداد.
لدغته افعاله أي لدغ
رب نفس افعاله أفعاها
(منه).
[654] أي احس السم او جراحته في حلقه. والا فالسم ان لم يخالط الدم لا يؤثر الموت.
[655] نسر الجرح اللحم: نقضه. والناسور: العرق الغبر في باطنه فساد. وهي علة تكون في حوالي المقعدة.
[656] أي ابو الحسن.
[657] أي محفوظة ومحروسة.
[658] بغا: اسم لقائدين كبيرين من قواد الترك في سلطنة بني العباس اولهما مشهور ببغا الكبير والثاني بالشرابي وهو من الذين هجموا علي المتوكل وقتلوه.
[659] أي ايُّ شيء (منه).
[660] مادت أي اضطربت (منه).
[661] اد ت أي ثقلت (منه).
[662] نضو يعني مقلّ هزيل (منه).
[663] أي انخسفت.
[664] يعني طبيب وجراح (منه).
[665] بفتح الهمزة جمع داء وبالكسر: مصاحبة المريض.
[666] أي الشعر النابت علي مقدم عتق الفرس.
[667] كفر توثا: قرية كبيرة من اعمال الجزيرة بينها وبين دارا خمسة فراسخ وكفر توثا ايضاً من قري فلسطين. والجزيرة اسم للبلاد التي بين دجلة والفرات من امهات مدنها الموصل وحران ونصيبين وآمد.
[668] اي كثير اللعب.
[669] جمع تجفاف بالكسر وهو آلة للحرب يلب الفرس والحيوان ليقيه في الحرب (منه).
[670] فلان مدجج كمعظم أي شاك في السلاح (منه).
[671] أي عجزوا. من العي وهو ظهور العجز (بسكون الجيم).
[672] أي عظيم ثقيل.
[673] ألان له أي اخذه بالملاطفة واللينة: ضد الخشونة.
[674] فجعلت نفسي عبداً له حتي باعني، ومن سأل اللّه عز وجل الخ ظ.
[675] أي صوَّت عند التحريك.
[676] حرن البغل: وقف ولم ينقد فهو وهي حرون.
[677] ملقه: تودد اليه وتذلل له وابدي له بلسانه ما ليس في قلبه.
[678] نجع بالنون والجيم أي اثر (منه).
[679] وفي تذكرة السبط فلم اجد فيه الا مصاحف وادعية وكتب العلم فعظم في عيني وتوليت خدمته بنفسي الخ (منه).
[680] عزالي جمع عزلاء امطارها.
[681] أي محله المتسع.
[682] القبطية بضم القاف وبكسرها: ثياب من كتان منسوبة الي القبط. جمعها: القباطي.
[683] صعلوك كعصفور: درويش. صعاليك جمع، وصعاليك العرب: لصوصهم وفقراؤهم (منه).
[684] اي معجبات مؤثرات علي ما سواها.
[685] خراج كغراب: القرحة (منه).
[686] و الكسب بالضم عصارة الدهن ولعل المراد‌ها هنا ما يشبهها مما يتلبد من السرقين تحت ارجل الشاة والدوف الخلط والبل بماء ونحوه (منه).
[687] و3 الكسب بالضم عصارة الدهن ولعل المراد‌ها هنا ما يشبهها مما يتلبد من السرقين تحت ارجل الشاة والدوف الخلط والبل بماء ونحوه (منه).
[688] الظاهر انه تصحيف والصحيح استبل بالباء مكان القاف قال في منتهي الارب استبل.
[689] جمع جلف وهو الجافي الغليظ والصحيح في جمعها: اجلاف.
[690] صاغرين، مذعورين (ظ).
[691] أي خالط وداخل فيه.
[692] جمع معقل وهو الملجأ او الجبل المرتفع.
[693] جمع سرير وهو التخت، ويغلب علي تخت الملك.
[694] كلل: جمع كلة بكسر الكاف وهي الستر الرقيق.
[695] لتمنعهم وتحميهم.
[696] اجداث: جمع جدث بفتح الأولين وهو القبر.
[697] البادرة: ما يبدو من الإِنسان عند حدته. السهم من جهة النصل.
[698] أي باعث لقول السوء فيك، والقالة: القول الفاشي في الناس خيراً او شراً.
[699] بكسر الهمزة أي اسكت وكف، واذا اردت التبعيد قلت ايها بفتح الهمزة بمعني هيهات (منه).
[700] وقيل 26 من جمادي الآخر. وقيل ثاني الرجب، وقيل خامسة، وقيل ثالث عشره.
[701] وهذا مختاره في اثبات الوصية.
[702] مصدر جلف الرجل: كان جلفاً أي جافياً غليظاً.
[703] بفتح الطاء (للواحد والجمع): اوباش الناس ورذا لهم.
[704] وقيل في عاشر رمضان، وقيل في عام ولادته انه سنة 231 هجري.
[705] مصغراً (منه).
[706] أي لا يخضع للحوادث والمصائب.
[707] الاحتشام: الانقباض والاستحياء.
[708] المنة بالضم: القوة (منه).
[709] أي أضناه واجهده.
[710] معقلة، بضم القاف: الدية (منه).
[711] الذر: صغار النمل.
[712] الصفا: الحجر الصلب الملس.
[713] أي اللباس او الكساء من شعر.
[714] السبيكة: القطعة من الفضة او الذهب ذوبت وافرغت في قالب.
[715] التقتير: ضد الاسراف وهو المماكسة في المعيشة.
[716] متطبب ما علي بناء الفاعل: التاء فيه للمبالغة.
[717] نيف بالتشديد والتخفيف: كلما زاد عن العقد الثاني. مثلا يقال عشرة ونيف ومئة ونيف.
[718] وهو من اشهر اطباء الدولة العباسية. استخدمه الرشيد واشتهر بالدربة في صناعته، وقد استحضره الهادي قبل من جند يشابور لمعالجته وله حكاية مع الرشيد حين امتحنه. وله ولد يسمي بجبرائيل، فاق اقرانه.
[719] يقال سرح اذا اجراه جرياً سهلاً.
[720] الحليب: اللبن المحلوب، يقال حلب الشاة: اذا اخرج ما في ضرعها من اللبن.
[721] دير العاقول بين مداين كسري والنعمانية: موضع بين واسط وبغداد (منه) اقول ولزيادة الايضاح، انظر مراصد الاطلاع.
[722] جمع فيفاء وهي المفازة لا ماء فيها او المكان المستوي.
[723] أي المس (منه).
[724] اللبدة، بالكسر: الشعر المتراكب بين كتفيه (منه).
[725] أي العدد الكثير (منه).
[726] السماحة: الجود.
[727] سوراء بضم السين و المد ويروي بالقصر: موضع الي جنب بغداد وقيل سوراء موضع بالجزيرة، والجبل: كورة بحمص.
[728] اربعة آلاف في الإرشاد(منه).
[729] هذا هو التقليد الذي ذمه اللّه عز وجل في شريف كتابه فقال حكاية عن الكفار انا وجدنا آباءنا علي امة وانا علي آثارهم مقتدون (منه).
[730] جمع فريصة وهي اللحمة بين الجنب والكتف او بين الثدي والكتف ترتعد عند الفزع.
[731] أي متركين مطرودين.
[732] جمع مربض كمسجد: موضع ربض للدواب، يقال ربضت الدابة اذا بركت، والبروك هو ان يلصق صدره بالأرض.
[733] الشموس بفتح الشين: الدابة التي لا تمكن ابداً من ركوبها.
[734] ركضه برجليه، استحثه للعدو.
[735] أي قصدناه.
[736] من المراء وهو الجدال والنزاع.
[737] يقول اذا كانت القلوب ذات نشاط فاصرفوها في طلب العلم واقبلوا بها الي العبادة واذا كانت غير نشيطة وذات كدورة فدعوها وذروها ولا تتكلفوا التعلم والعبادة.
[738] أي بركوب الليل وجعلها مطية لسفره الي اللّه تعالي.
[739] اقول المراد بالصبر هنا الصبر في انتظار الفرج بقرينة قوله قبل وعليك بالصبر وانتظار الفرج وذكر الآية بعده.
[740] أي مشرف عليه.
[741] يصفد: أي يقيد ويوثق به.
[742] أي مرفه الحال: طيب العيش ومتسعه.
[743] وقيل يوم الاحد. وقيل يوم الأربعاء، وعلي أي تقدير قيل انه توفي في غرة الربيع. والاصح ما ذكره المصنف (رحمه اللّه).
[744] الموفق باللّه هو ابو احمد طلحة بن المتوكل اخو المعتمد علي اللّه وولي عهده وهو الذي الف باسمه زبير بن بكار الموفقيات وكان يخطب له بلقبين اللهم اصلح الأمير الناصر لدين اللّه ابا احمد طلحة الموفق باللّه ولي عهد المسلمين واخا امير المؤمنين ولقب بالناصر حين فرغ من امر محمد بن علي صاحب الزنج (منه).
[745] العتمة بفتح العين والتاء: صلاة العشاء الاخيرة.
[746] الماجن: من قل حياؤه وكثر مزاحه.
[747] الشريب: بفتح الأول وتخفيف الراء، او بكسر الاول وتشديد الراء: مبالغة شارب.
[748] فنظرن. (ظ).
[749] أي منعه ونهاه.
[750] أي شتمه (منه).
[751] أي حبسهن.
[752] التشريد: التبعيد.
[753] الطائل: المنفعة.
[754] الذرق: السلح وهو فضلة المأكولات بعد الهضم.
[755] أي يزيل الأوساخ.
[756] جمع الستر (بكسر السين): ما يستر به.
[757] وقيل في 13 شعبان، وقيل في 14 منه، والاصح ما ذكره المصنف وبه جزم الطبرسي والكليني وغيرهما من من الاعاظم.
[758] ابو جعفر العمري بفتح العين هو محمد بن عثمان بن سعيد الاسدي وكيل مولانا صاحب الزمان (صلوات اللّه عليه) وابو عمرو كنية والده (سلام اللّه عليهما) ويقال له ابو عمرو والسمان والزيات الاسدي من اصحاب ابي جعفر محمد بن علي الثاني (عليه السلام) خدمه وله احدي عشرة سنة وله اليه عهد معروف وهو وكيل ابي محمد (عليه السلام) وهو اجل واشهر من ان يذكر روي الشيخ في الصحيح عن عبد اللّه بن جعفر الحميري عن ابي علي احمد بن اسحاق بن سعد عن ابي محمد الحسن بن علي (عليه السلام) انه قال: العمري وابنه ثقتان فما اديا اليك فعني يؤديان وما قالا لك فعني يقولان فاسمع لهما واطعهما فانهما الثقتان المأمومان وكانت توقيعات صاحب الأمر (صلوات اللّه عليه) تخرج علي يدي عثمان بن سعيد وابنه ابي جعفر (رضي اللّه عنهما) الي شيعته وخواص ابيه ابي محمد (عليه السلام) (منه).
[759] الافق: الناحية. ما ظهر من نواحي الفلك ماساً الأرض.
[760] بعشر ليال في رواية اخري (منه).
[761] احمد بن اسحاق بن عبد اللّه بن سعد بن مالك الاشعري القمي ثقة جليل روي عن الجواد و الهادي (عليهما السلام) وكان خاصة ابي محمد (عليه السلام) وهو شيخ القمِّيين رأي صاحب الزمان (صلوات اللّه عليه) وعن ربيعة الشيعة أنه من الوكلاء وانه من السفراء والأبواب المعروفين الذين لا تختلف الشيعة القائلون بامامة الحسن بن علي (عليه السلام) فيهم وروي الصدوق انه توفي بخلوان في منصرفه من عند ابي محمد (عليه السلام) وانه كان اخبره بقرب وفاته ويأتي ما يدل علي جلالته منه، عفي عنه.
[762] استدعاء بصيغة الأمر من التفسير.
[763] أي جلس علي ركبتيه فهو الجاثي.
[764] أي ذليل حقير.
[765] داحضة (بالدال) أي باطلة زائلة.
[766] فعيل من الكنية أي من كني بكنيتي.
[767] أي غطتها واخفتها.
[768] الاسراء: السير في الليل. والمراد به معراجه (صلي اللّه عليه وآله وسلم).
[769] الشن بفتح الشين: القربة الصغيرة، والبالي: ما أصابه التلف.
[770] أي مزلة للاقدام.
[771] فيرفعه ويجعله عالياً.
[772] الشكاة بفتح الشين: المرض.
[773] الضيعة: بفتح الضاد: التلف والاهمال والهلاك.
[774] يعني به جعفر بن ابي طالب، شهيد غزوة مؤتة. والجناحان هما اللتان عوضه اللّه بهما عن يديه اللتين قطعتا في الغزو.
[775] أي منزَّهون عن المعاصي.
[776] جمع نائط وهو عرق مستبطن الصلب تحت المتن. او ممتد في الصلب.
[777] الظاهر تؤتي بدل يؤتي وكذا في قوله يأتي.
[778] ترديد من الراوي أي قالت فاطمة (ص) قال رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) مثل الإمام مثل الكعبة او مثل علي (عليه السلام) (منه).
[779] الجدث القبر والمجدوث أي المحفور والظاهر ان الواو زائدة من النساخ (منه) اقول وكذا الهاء من قولها دعوه.
[780] أي هلاكاً، وشقاوة.
[781] قال الجوهري نعوذ باللّه من الحور بعد الكور أي من النقصان بعد الزيادة وقيل من فساد امورنا بعد صلاحها (منه).
[782] الحزقة بفتح الحاء او بضمها. وبضم الزاء المعجمة وتشديد القاف: القصير الذي يقارب الخطوات، والبقة واحد بق (بتشديد القاف) وهو حيوان صغير لذاع، وقوله ترق: امر من الترقي وهو الارتقاء والتعالي، اقول وجه الشبه صغرها وقيل وجه الشبه تشبك عينها فشبهه بها لما اصابه (عليه السلام) من اللئام الطغام بأرض كربلاء من تقطيع اعضائه وتشبك بدنه بالنبال.
[783] ليس بالطويل ولا بالقصير.
[784] أي طرحه علي وجهه.
[785] هو الصحابي المعروف. المشهور بالاختلاق والجعل تقرباً لامراء زمانه. ومن اراد ان يقف علي خصوصيات احواله فليطالع كتاب (ابي هريرة) للعلامة شرف الدين العاملي (رحمه اللّه).
[786] حد الابطال هو ان لا تثبت له صفة وحد التشبيه ان تثبت له علي وجه يتضمن التشبيه بالمخلوقين (منه).
[787] أي الذين عينوا وقتاً لظهوره. لأنه بيد اللّه. ولا يظهر علي غيبه احداً.
[788] الفلقة بكسر الفاء: القطعة.
[789] أي اخذني القشعريرة أي الرعدة.
[790] أي الداخلون قليلون.
[791] اقول انه اسم لثاني الجياد التي يسابق بها. وهاك اسماؤها:
1 - السابق. 2 - المصلي. 3 - التالي. 4 - البارع. 5 - المرتاح. 6 - الحطي. 7 - العاطف. 8 - المؤمل (بكسر الميم الثاني). 9 - اللطيم. 10 - السكيت (بضم السين وفتح الكاف)، والقسكل اسم للاخير.
[792] التكة: رباط السراويل.
[793] أي افضل واعلي.
[794] يعني كان جديداً حديثاً.
[795] أي لم ينصرف عن فعله.
[796] لغا: سقط، غير معدود.
[797] يعني بغداد (منه).
[798] نائب إمام الزمان (عليه السلام).
[799] ويقال لها آمل البط: مدينة مشهورة في غربي جيهون في طريق بخارا من مزو، خربها التتر (منه).
[800] حلية كالطوق تلبسها المرأة في زندها او معصمها.
[801] أي لم يترك.
[802] أي ادخل.
[803] هو الشيخ الصدوق صاحب التصانيف الكثيرة المفيدة كلها كمن لا يحضر الفقيه والخصال والامالي وعلل الشرائع وعيون اخبار الرضا والتوحيد وغير هذه.
[804] للمحقق الداماد (رحمه اللّه).
[805] عثمان بن سعيد العمري الزيات ويقال له السمان. يكني ابا عمرو، جليل القدر ثقة من اصحاب الهادي والعسكري وكان وكيلاً للصاحب (عليه السلام).
[806] أي آية وعلامة.
[807] أي خلقوا لنا وهو مفاد قوله تبارك اسمه: لولاك لما خلقت الافلاك.
[808] جمع معقل كمسجد، الملجأ.
[809] هو ابو محمد الحسن العسكري (عليه السلام) (منه).
[810] هو ابن عثمان المتقدم ذكره. كان وكيلاً للناحية الشريفة بعد ابيه مات سنة خمس او اربع وثلاثمئة وكان يتولي هذا الأمر نحواً من خمسين سنة وقال عند موته امرت ان اوصي إلي ابي القاسم بن روح واوصي ابو القاسم عند موته الي ابي الحسن علي السمري.
[811] أي اكثركم او عن قريب فان الظاهر ان محمد بن عثمان رضي اللّه عنه كان يراه في ايام سفارته واللّه العالم (منه).
[812] الدكان هو الدكة أي المكان المرتفع الذي يقعد عليه الجمع.
[813] يعني ان له خمس سنين ولكن له نماء من مضي عليه عشرة او نحوها.
[814] بمفتوحة فساكنة: أي انهما يميلان الي الغلظ والقصر.
[815] هي الشعر المجتمع علي الرأس.
[816] علي وزن فعيل: أي له كنية رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم).
[817] أي الدعلجي (منه).
[818] أي التهيؤ للرحيل.
[819] هو شيخنا المفيد (رحمه اللّه) (منه).
[820] احمد بن فارس بن زكريا القزويني الرازي النحوي اللغوي كان اماماً في علوم شتي خصوصاً اللغة فانه اتقنها والف كتاب الجمهرة والجمل وسيرة النبي (صلي اللّه عليه وآله) وغير ذلك، الظاهر ان لاجل تشيعه لم ينقل الحلبي اسامي كتبه في كشف الظنون اخذ منه بديع الزمان الهمداني وروي عن الخطيب التبريزي والصاحب بن عباد والشيخ الصدوق (رحمه اللّه) (منه).
[821] اي الهيبة والوقار وزي الاخيار.
[822] سواء تلك الأرض، أي وسطها.
[823] أي طرفه (منه).
[824] أي مسست جبيني بالتراب.
[825] أي ترجع اليهم.
[826] اتاح اللّه له الشيء: أي قدره له. صحاح. (منه).
[827] أي صعبة.
[828] بالكسر: مطرة (منه).
[829] الابطح: مسيل واسع فيه رمل ودقاق الحصي، وموضع قرب مكة.
[830] هذه القصة بتمامها في الحاشية.
[831] التوثة الظاهر انها جرح والادرة نفخة في الخصية (منه).
[832] رجع وتحير.
[833] القتاد شجر عظيم له شوك كالابر وخرط القتاد يضرب مثلا للامور الصعبة (منه).
[834] أي لتختبرن وتنقين نقاء الكحل.
[835] هو الشيخ الأجل محمد بن ابراهيم الملكي بابن ابي زينب صاحب كتاب الغيبة يروي عن الكليني (رحمه اللّه).
[836] ابن نباتة هو الاصبغ بن نباتة بضم النون المجاشعي كان من خاصة امير المؤمنين (عليه السلام) وعمر بعده، وكان يوم صفين علي شرطة الخميس وقال لأمير المؤمنين (عليه السلام) قدمني في البقية من الناس فانك لا تفقد في اليوم صبراً ولا نصراً، قال (عليه السلام) تقدم باسم اللّه والبركة فتقدم واخذ رايته فمضي مرتجزاً وقد خضب سيفه ورمحه دما وكان شيخاً ناسكاً عابداً وكان إذا لقي القوم لا يغمد سيفه وكان (رحمه اللّه) من ذخائر علي (عليه السلام) ممن قد بايعه علي الموت ومن فرسان اهل العراق، وروي عنه (عليه السلام) عهد الاشتر ووصيته (عليه السلام) الي محمد ابنه وهو الذي دخل علي امير المؤمنين (عليه السلام) لما ضربه ابن ملجم لعنه اللّه فراه معصوب الرأس بعصابة صفراء وقد اصفر وجهه بحيث قد غلب صفرة وجهه علي تلك العصابة وهو يرفع فخذا ويضع اخري من شدة الضربة وكثرة السم فطلب منه (عليه السلام) ان يحدثه بحديث سمعه من رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) فحدثه (عليه السلام) (منه).
[837] امر بالتقية: أي لا تظهروا ما في اجوافكم من دين الحق (منه).
[838] رزمة بالفتح، أي حزمة، باقة.
[839] الاقل النادر، الصافي.
[840] في الحديث الطاعون الجارف سمي جارفاً لأنه كان سريعاً جرفُ الناس كجرف السيل والجرف هو اخذك الشيء عن وجه الأرض بالمجرفة (منه).
[841] أي ضرب وطعن.
[842] امر من الاعانة.
[843] أي لا تقولوا فينا وعنا ما فيه فسحة لاعدائنا في النكاية بنا.
[844] روي عن الرضا (عليه السلام) في تأويله اسكن ما سكنت السماء من النداء باسم القائم (عليه السلام) والأرض من الخسف بالجيش (منه).
[845] قال النعماني (رحمه اللّه) انظروا رحمكم اللّه الي هذا التأديب من الأئمة (عليهم السلام) والي امرهم ورسمهم في الصبر والكف والانتظار للفرج وذكرهم هلاك المحاضير والمستعجلين وكذب المتمنين ووصفهم نجاة المسلمين ومدحهم الصابرين الثابتين وتشبيهم اياه علي الثبات كثبات الحصن علي اودتاها فتأدبوا رحمكم اللّه بتأديبهم وسلموا لقولهم ولا تجاوزوا رسمهم الخ (منه).
[846] أي ضيق.
[847] هو الثقة الثبت الورع الذي مراسيله في حكم المسانيد وقد اجمع الاصحاب علي تصحيح ما يصح عنه واقروا له بالفقه وكان (رضوان اللّه عليه) حليف السجدة الطويلة راجع ترجمته في مجالس المؤمنين والرجال الكبير.
[848] جمع حلق وهو مجري الطعام وهي كنانة عن عدم سعة صدورهم ودرك عقولهم له.
[849] بصيغة المفعول.
[850] اقول الظاهر ان شيوع هذه المنكرات واذاعتها من علامات ظهوره بحيث غلبت هذه الفواحش في الناس لا ما وجدت نادرة.
[851] طالقان: بفتح اللام. بلدتان، احداهما بخراسان بين مرو روذ وبلخ بينهما وبين مرو روذ ثلاث مراحل، قال الاصطخري اكبر مدينة بخراسان طالقان، والاخري كورة وبلدة بين قزوين وابهر. بها عدة قري.
[852] أي معلمة بعلامة الايمان والعبادة.
[853] أي ما اشتهروا به من الزي والحلية.
[854] أي اتعبوا انفسهم في سبيله واجتهدوا في ارضائه وقبول طاعته.
[855] انبثق الماء: أي انفجر وجري (منه).
[856] أي اسواقها وشوارعها.
[857] الريع: الانتاج والمحصول.
[858] المكتل والمكتلة: زنبيل من خوص.
[859] أي اندرس.
[860] البترية بضم الباء: فرقة من الزيدية قائلون بامامة ابي بكر وعمر وان اخطأت الأمة في البيعة لهما مع وجود علي (عليه السلام) لكنه خطأ ليس علي درجة الفسق وتوقفوا في عثمان، ولعل المذكورين قوم من اعقابهم يسمون بهم، اذ من عقائد البترية بل مطلق الزيدية الخروج مع من ولده علي بن ابي طالب بادعائه الإِمامة.
[861] جمع شرفة بضم الشين وهو من القصر ما اشرف من بنائه.
[862] جمع اجم وهو البناء الذي ليس له شرف.
[863] وهو ما خرج من البناء عن اصوله في الشارع.
[864] الكنف: جناح الابنية، والمآزيب هي مجاري الماء من السطح.
[865] أي التوقف.
[866] جمع فسطاط وهو البيت من شعر.

تعريف مرکز القائمیة باصفهان للتحریات الکمبیوتریة

جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ في سَبيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (التوبة/41).
قالَ الإمامُ علیّ ُبنُ موسَی الرِّضا – علـَیهِ السَّلامُ: رَحِمَ اللّهُ عَبْداً أحْيَا أمْرَنَا... َ يَتَعَلَّمُ عُلُومَنَا وَ يُعَلِّمُهَا النَّاسَ؛ فَإِنَّ النَّاسَ لَوْ عَلِمُوا مَحَاسِنَ كَلَامِنَا لَاتَّبَعُونَا... (بَــنـادِرُ البـِحـار – فی تلخیص بحـار الأنوار، للعلاّمة فیض الاسلام، ص 159؛ عُیونُ أخبارِ الرِّضا(ع)، الشـَّیخ الصَّدوق، الباب28، ج1/ ص307).
مؤسّس مُجتمَع "القائمیّة" الثـَّقافیّ بأصبَهانَ – إیرانَ: الشهید آیة الله "الشمس آباذی" – رَحِمَهُ اللهُ – کان أحداً من جَهابـِذة هذه المدینة، الذی قدِ اشتهَرَ بشَعَفِهِ بأهل بَیت النبیّ (صلواتُ اللهِ علـَیهـِم) و لاسیَّما بحضرة الإمام علیّ بن موسَی الرِّضا (علیه السّلام) و بـِساحة صاحِب الزّمان (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرجَهُ الشَّریفَ)؛ و لهذا أسّس مع نظره و درایته، فی سَنـَةِ 1340 الهجریّة الشمسیّة (=1380 الهجریّة القمریّة)، مؤسَّسة ًو طریقة ًلم یـَنطـَفِئ مِصباحُها، بل تـُتـَّبَع بأقوَی و أحسَنِ مَوقِفٍ کلَّ یومٍ.
مرکز "القائمیّة" للتحرِّی الحاسوبیّ – بأصبَهانَ، إیرانَ – قد ابتدَأَ أنشِطتَهُ من سَنـَةِ 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریّة القمریّة) تحتَ عنایة سماحة آیة الله الحاجّ السیّد حسن الإمامیّ – دامَ عِزّهُ – و مع مساعَدَةِ جمع ٍمن خِرّیجی الحوزات العلمیّة و طلاب الجوامع، باللیل و النهار، فی مجالاتٍ شتـَّی: دینیّة، ثقافیّة و علمیّة...
الأهداف: الدّفاع عن ساحة الشیعة و تبسیط ثـَقافة الثـَّقـَلـَین (کتاب الله و اهل البیت علیهـِمُ السَّلامُ) و معارفهما، تعزیز دوافع الشـَّباب و عموم الناس إلی التـَّحَرِّی الأدَقّ للمسائل الدّینیّة، تخلیف المطالب النـّافعة – مکانَ البَلاتیثِ المبتذلة أو الرّدیئة – فی المحامیل (=الهواتف المنقولة) و الحواسیب (=الأجهزة الکمبیوتریّة)، تمهید أرضیّةٍ واسعةٍ جامعةٍ ثـَقافیّةٍ علی أساس معارف القرآن و أهل البیت –علیهم السّلام – بباعث نشر المعارف، خدمات للمحققین و الطـّلاّب، توسعة ثقافة القراءة و إغناء أوقات فراغة هُواةِ برامِج العلوم الإسلامیّة، إنالة المنابع اللازمة لتسهیل رفع الإبهام و الشـّـُبُهات المنتشرة فی الجامعة، و...
- مِنها العَدالة الاجتماعیّة: التی یُمکِن نشرها و بثـّها بالأجهزة الحدیثة متصاعدة ً، علی أنـّه یُمکِن تسریعُ إبراز المَرافِق و التسهیلاتِ – فی آکناف البلد - و نشرِ الثـَّقافةِ الاسلامیّة و الإیرانیّة – فی أنحاء العالـَم - مِن جـِهةٍ اُخرَی.
- من الأنشطة الواسعة للمرکز:
الف) طبع و نشر عشراتِ عنوانِ کتبٍ، کتیبة، نشرة شهریّة، مع إقامة مسابقات القِراءة
ب) إنتاجُ مئات أجهزةٍ تحقیقیّة و مکتبیة، قابلة للتشغیل فی الحاسوب و المحمول
ج) إنتاج المَعارض ثـّـُلاثیّةِ الأبعاد، المنظر الشامل (= بانوراما)، الرّسوم المتحرّکة و... الأماکن الدینیّة، السیاحیّة و...
د) إبداع الموقع الانترنتی "القائمیّة" www.Ghaemiyeh.com و عدّة مَواقِعَ اُخـَرَ
ه) إنتاج المُنتـَجات العرضیّة، الخـَطابات و... للعرض فی القنوات القمریّة
و) الإطلاق و الدَّعم العلمیّ لنظام إجابة الأسئلة الشرعیّة، الاخلاقیّة و الاعتقادیّة (الهاتف: 00983112350524)
ز) ترسیم النظام التلقائیّ و الیدویّ للبلوتوث، ویب کشک، و الرّسائل القصیرة SMS
ح) التعاون الفخریّ مع عشراتِ مراکزَ طبیعیّة و اعتباریّة، منها بیوت الآیات العِظام، الحوزات العلمیّة، الجوامع، الأماکن الدینیّة کمسجد جَمکرانَ و...
ط) إقامة المؤتمَرات، و تنفیذ مشروع "ما قبلَ المدرسة" الخاصّ بالأطفال و الأحداث المُشارِکین فی الجلسة
ی) إقامة دورات تعلیمیّة عمومیّة و دورات تربیة المربّـِی (حضوراً و افتراضاً) طیلة السَّنـَة
المکتب الرّئیسیّ: إیران/أصبهان/ شارع"مسجد سیّد"/ ما بینَ شارع"پنج رَمَضان" ومُفترَق"وفائی"/بنایة"القائمیّة"
تاریخ التأسیس: 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریة القمریّة)
رقم التسجیل: 2373
الهویّة الوطنیّة: 10860152026
الموقع: www.ghaemiyeh.com
البرید الالکترونی: Info@ghaemiyeh.com
المَتجَر الانترنتی: www.eslamshop.com
الهاتف: 25-2357023- (0098311)
الفاکس: 2357022 (0311)
مکتب طهرانَ 88318722 (021)
التـِّجاریّة و المَبیعات 09132000109
امور المستخدمین 2333045(0311)
ملاحَظة هامّة:
المیزانیّة الحالیّة لهذا المرکز، شـَعبیّة، تبرّعیّة، غیر حکومیّة، و غیر ربحیّة، اقتـُنِیَت باهتمام جمع من الخیّرین؛ لکنـَّها لا تـُوافِی الحجمَ المتزاید و المتـَّسِعَ للامور الدّینیّة و العلمیّة الحالیّة و مشاریع التوسعة الثـَّقافیّة؛ لهذا فقد ترجَّی هذا المرکزُ صاحِبَ هذا البیتِ (المُسمَّی بالقائمیّة) و مع ذلک، یرجو مِن جانب سماحة بقیّة الله الأعظم (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرَجَهُ الشَّریفَ) أن یُوفـِّقَ الکلَّ توفیقاً متزائداً لِإعانتهم - فی حدّ التـّمکـّن لکلّ احدٍ منهم – إیّانا فی هذا الأمر العظیم؛ إن شاءَ اللهُ تعالی؛ و اللهُ ولیّ التوفیق.