دور الشباب في إنهاض الأمة

اشارة

اسم الكتاب: دور الشباب في إنهاض الأمة

المؤلف: حسيني شيرازي، محمد

تاريخ وفاة المؤلف: 1380 ش

اللغة: عربي

عدد المجلدات: 1

الناشر: موسه المجتبي

مكان الطبع: بيروت لبنان

تاريخ الطبع: 1424 ق

الطبعة: اول

كلمة الناشر

بسم الله الرحمن الرحيم

هناك عناصر عديدة يلزم الأخذ بها بعين الاعتبار قبل القيام بأي مشروعٍ نهضوي من أجل الإنسان والإنسانية، ومن أهم هذه العناصر:

أولاً: الخلق الذي يتمتع به صاحب الفكرة أو المشروع.

ثانياً: تهيئة القاعدة أو الأتباع.

ثالثاً: وجود الدعم المادي أو القوة الاقتصادية.

وهناك عوامل أخري قد تكون ثانوية قياساً إلي ما ذكر.

تعتبر القاعدة أو الأتباع من الأمور المهمة لديمومة الفكرة والدفاع عنها والتضحية من أجلها. وكذلك الجانب الاقتصادي والدعم المالي، فهو أيضاً له الدور المهم، قد لا يقل أهمية عن العنصر الأول. وكذلك أخلاق صاحب الفكرة وصاحب الدعوة الذي لابد أن يتمتع بأخلاق عالية كي يكون قدوة أسوة لغيره من أتباعه.

ولو نظرنا إلي الإسلام كدين سماوي، وفكر رسالي، نلاحظ أنه اعتمد اعتماداً أساسياً علي هذه العناصر التي ذكرناها آنفاً. فلولا سيف علي بن أبي طالب عليه السلام للدفاع عن المسلمين أمام هجمات المشركين، ولولا فتوته الشريفة، وتفانيه الجم لنشر الدعوة لما قامت للإسلام قائمة، حيث نري المولي أمير المؤمنين عليه السلام ومنذ نعومة أظفاره كان يدافع عن الإسلام وصيانته، منذ اليوم الأول لبزوغ فجر الإسلام العظيم علي الإنسانية، مروراً بأيام النشأة الأولي للدين الجديد، وخلال تسنّمه المهام العديدة من حماية صاحب الرسالة بمبيته بفراشه الشريف، وهجرته من مكة بخروجه حارساً عظيما للفواطم بعد أمر الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله له باللحاق به في المدينة. فخرج من مكة ومعه الفواطم ولم يعبأ بقريش وأذنابها من الذين تبعوه في عمق الصحراء لإعادة ودائع رسول الله صلي الله عليه و اله

وهناك جندل أحد فرسان قريش الذي حاول الاقتراب منهم، فلما رأي القرشيون ما صُنع بصاحبهم ولّوا هاربين. إلي غير ذلك من المواقف البطولية العظيمة له عليه السلام، كمواقفه المشهورة في معركة بدر وأحد والخندق وخيبر وحنين وغيرها، فقد كان لسيفه ذي الفقار الدور البارز في الدفاع عن هذا الدين الحنيف، حتي ورد عن الإمام الحسن عليه السلام: «استوي الإسلام بسيف علي» ().

أما في الجانب المادي أو الاقتصادي الذي له فعله الفاعل في نشر الفكر، ودعم الأتباع والأنصار، فقد كان لأموال السيدة خديجة بنت خويلد أم المؤمنين (صلوات الله عليها) الأثر الكبير، خاصة في بدو الإسلام، وكذلك عندما حوصر المسلمون في شعب أبي طالب وقاطعتهم قريش ومن تحالف معها، فهذه المرأة العظيمة ضحت بأموالها من أجل الإسلام، كل ذلك قربة إلي الله سبحانه وتعالي.

وكيفما كان، فهذا الدين الحنيف الذي أرسي قواعده الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله وأشاد بنائه أمير المؤمنين والأئمة الأطهار من ولده (صلوات الله عليهم أجمعين)، اعتمد علي الشباب في بداية نهضته بشكل كبير ورئيسي، فهذا علي بن أبي طالب عليه السلام سيف الله في أرضه، وذاك عمار بن ياسر الذي ضرب أروع الأمثلة في الصبر والثبات في جميع مراحل حياته مع هذا الدين الحنيف، سواء المرحلة التي عاشها مع رسول الله صلي الله عليه و اله في مكة، أو المرحلة التي كان فيها الاستقرار للمسلمين في المدينة، أو المرحلة الخطرة في حياة الأمة بعد غياب صاحب الرسالة صلي الله عليه و اله والانحراف الكبير الذي حصل عند قسم كبير من المسلمين بالسكوت علي اغتصاب الخلافة من أهلها الحقيقيين، فنراه (رضوان الله عليه) كيف وقف مع الحق ولم يفارقه حتي أواخر عمره،

وكذلك موقفه في صفين واستشهاده بين يدي المولي العظيم أمير المؤمنين عليه السلام لايخفي علي البصير.

وهذا الصحابي مصعب بن عمير الفتي اليافع صاحب النضارة والحسن والأدب الرفيعين، كيف يهجر حياة الترف والدعة والرفاه إلي رضا الله الواحد الأحد رغم الحياة الصعبة والمعاناة التي تعرض لها لاعتناقه الدين الجديد، ورغم كونه محاطاً بجشوبة العيش وخشونة الملبس وعداوة الأحبة، يرضي هذا الشاب اليافع بكل ذلك من أجل رضا الله …

لقد نظر رسول الله صلي الله عليه و اله إلي الشباب نظرةً ثابتة، وأولاهم أهمية قصوي في حركة الأمة.. فنراه صلي الله عليه و اله أعطي الراية لأسامة بن زيد الشاب الذي لم يتجاوز العشرين من العمر وقيل الثامنة عشر وأمر الصحابة أن يأتمروا بأمره ويطيعوا قائد الجيش الشاب، حتي كان بعض المسلمين يناديه بالأمير بقية حياته. فقد جعلهم رسول الله صلي الله عليه و اله أتباع لفتي شاب، وأراد صلي الله عليه و اله بهذا الأمر وغيره أن يبين للأمة المقاييس الحقيقية للتفاضل، وأن العمر ليس مقياساً فالرجل المناسب في المكان المناسب، وقد قال صلي الله عليه و اله في قضية تولية عتاب بن أسيد علي مكة بعد فتحها: «ولا يحتج محتج منكم في مخالفته بصغر سنه، فليس الأكبر هو الأفضل بل الأفضل هو الأكبر، وهو الأكبر في موالاتنا وموالاة أوليائنا ومعاداة أعدائنا» ().

ولعل رسول الله صلي الله عليه و اله أراد في قصة إمارة أسامة أن يمهّد لتسلّم الخلافة لأمير المؤمنين علي عليه السلام، حتي لا يحتج البعض بأن فلاناً أسنّ من علي بن أبي طالب عليه السلام. وربما كان من رواسب الأفكار والعادات الجاهلية أن البعض كانوا لايعيرون أهمية للشباب، ولا يعطونهم الدور المناسب في

شؤون الحياة. ولكن الأمم والحضارات تقوم بشيبها وشبابها كل في اختصاصه.

ونحن إذ نعيش الآن في القرن الواحد والعشرين نري أغلب الأنظمة تضع الأطروحات والخطط المريبة للسيطرة علي القوي الشبابية في العالم عبر برامج عديدة، فإذا استطاعوا السيطرة علي الشباب استطاعوا السيطرة علي مستقبل الأمم ومقدرات والشعوب.

ولو عدنا إلي الوراء وبالتحديد قبل أربعة عقود من الآن أو أكثر، وعند مجيء أغلب الأحزاب العميلة للشرق والغرب، الغريبة عن مبادئ الإسلام الحنيف، نراها اهتمت أشد الاهتمام بالشباب، بل وباليافعين والأطفال أيضاَ؛ فقد أوجدوا المؤسسات التي تحتضن الأطفال كي يربوهم وفق مبادئهم وأهدافهم التي يصبون إليها، تربيةً بعيدةً عن الخلق الإسلامي، ورفعوا شعار (نكسب الشباب لنضمن المستقبل) فأخذوا يفسدون الطفل والفتيان والفتيات عبر مؤسسات اتحاد الشباب أو منظمات الطلائع والفتوة، وما أشبه، فإذا سيطروا علي الطفل ضمنوا مستقبلهم في البلد، وبالتالي يكون من السهولة السيطرة علي ذلك الشعب ومقدراته.

وفي هذا الكتاب يبين المرجع الراحل الإمام الشيرازي (أعلي الله مقامه) دور الشباب وأهميتهم في بناء المجتمع الإسلامي، وأهمية النضج الذي من المفروض أن يتمتعوا به؛ لكي يكونوا قادة المستقبل. كما يبين ? كيف أن الإسلام أولي اهتمامه ومنذ نشوئه بالشباب، وأعطاهم الفرصة لإثبات إمكانياتهم وطاقاتهم.. حتي كيفية محاورتهم بأسلوب شيق وبناء من أجل تهيأتهم لغدٍ مشرق وحياةٍ أفضل.

هذا ونظراً لما نشعر به من مسؤولية كبيرة في نشر مفاهيم الإسلام الأصيلة قمنا بطبع ونشر هذه المحاضرة، التي هي جزء من سلسلة المحاضرات الإسلامية القيمة لسماحة الإمام الراحل (أعلي الله درجاته) والتي ألقاها خلال فترة زمنية تتجاوز الأربعة عقود من الزمن في العراق والكويت وإيران..

نرجو من المولي العلي القدير أن يوفقنا لطبع ونشر ما يتواجد منها، والسعي لتحصيل المفقود منها وإخراجه إلي

النور، لنتمكن من نشر سلسلة إسلامية كاملة ومختصرة، تنقل إلي الأمة وجهة نظر الإسلام تجاه مختلف القضايا الاجتماعية والسياسية الحيوية بأسلوب واضح وبسيط..

إنه سميع مجيب.

مؤسسة المجتبي للتحقيق والنشر

بيروت لبنان ص.ب: 5955/ 13

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام علي نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين، واللعنة الدائمة علي أعدائهم أجمعين إلي قيام يوم الدين.

الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله قدوة وأسوة

قال عزوجل في كتابه العزيز: ?وإِنَّكَ لَعَلي خُلُقٍ عَظِيمٍ?().

وقال سبحانه وتعالي: ?لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيراً?().

جاء في تفسير هذه الآية: ?لَقَدْ كانَ لَكُمْ? معاشر المكلّفين ?في رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ? أي: قدوة صالحة، يقال: لي في فلان أسوة، أي: لي به إقتداء، والأسوة من الإتساء، كما أن القدوة من الإقتداء، اسم وضع موضع المصدر. والمعني: كان لكم برسول الله صلي الله عليه و اله إقتداء، لو اقتديتم به في نصرته، الصبر معه في مواطن القتال، كما فعل هو يوم أُحد إذ انكسرت رباعيته()، وشُجَّ حاجبه، وقتل عمه، فواساكم مع ذلك بنفسه، فهلاّ فعلتم مثل ما فعله هو. وقوله: ?لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ? بدل من قوله ?لَكُمْ?، وهو تخصيص بعد العموم للمؤمنين، يعني: أن الأسوة برسول الله صلي الله عليه و اله إنما تكون ?لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ? أي: يرجو ما عند الله من الثواب والنعيم، عن ابن عباس. وقيل: معناه يخشي الله ويخشي البعث الذي فيه جزاء الأعمال().

فحياة الرسول الكريم صلي الله عليه و اله مليئة بالدروس الأخلاقية والعبر التي ينبغي للإنسان المسلم أن يتبعها ويطبقها في سلوكه اليومي.

فمن جملة هذه الدروس التي حفظها لنا التاريخ أنه صلي الله عليه و اله في حياته الشريفة، وبإخلاصه وجهده المبارك وصبره وتحمله،

تمكن من نشر الفكر الإسلامي وقضي علي عادات الجاهلية التي كانت متفشية حينذاك، فعمل من أجل بناء مجتمع تسوده المحبة والإخاء، واستطاع أن ينقل الإنسان المسلم إلي أعلي مراتب العلم والكمال، وأن يحدث هذا التغيير العملي العظيم في واقع المجتمع الجاهلي، الذي كان يسوده التخلف والجهل والظلم والظلام، وذلك بقوة إيمانه، وعميق فكره، وطول صبره علي الأذي، حتي قال صلي الله عليه و اله: «لقد أخفت في الله وما يخاف أحد، ولقد أوذيت في الله وما يؤذي أحد، ولقد أتت علي ثلاثون ما بين ليلة ويوم مالي ولبلال طعام يأكله ذو كبد إلا شيء يواريه إبط بلال» ().

وعن حفص بن غياث، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: «يا حفص، إن من صبر صبر قليلاً، وإن من جزع جزع قليلاً ثم قال: عليك بالصبر في جميع أمورك؛ فإن الله عزوجل بعث محمداً صلي الله عليه و اله، فأمره بالصبر والرفق فقال: ?وَاصْبِرْ عَلي ما يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً? وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ?()، وقال تبارك وتعالي: ?ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ? وَما يُلَقَّاها إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَما يُلَقَّاها إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ?().

فصبر رسول الله صلي الله عليه و اله حتي نالوه بالعظائم، ورموه بها، فضاق صدره، فأنزل الله عزوجل: ?وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ? فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ?().

ثم كذبوه ورموه، فحزن لذلك، فأنزل الله عزوجل: ?قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللهِ يَجْحَدُونَ? وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلي ما كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّي أَتاهُمْ نَصْرُنا ?().

فألزم النبي صلي الله عليه و اله نفسه الصبر، فتعدوا فذكروا الله تبارك

وتعالي وكذبوه، فقال: قد صبرت في نفسي وأهلي وعرضي، ولا صبر لي علي ذكر إلهي، فأنزل الله عزوجل: ? وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ? فَاصْبِرْ عَلي ما يَقُولُونَ?(). فصبر النبي صلي الله عليه و اله في جميع أحواله، ثم بشر في عترته بالأئمة عليهم السلام ووصفوا بالصبر، فقال جل ثناؤه: ?وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا وَكانُوا بِآياتِنا يُوقِنُونَ?(). فعند ذلك قال صلي الله عليه و اله: الصبر من الإيمان كالرأس من الجسد، فشكر الله عزوجل ذلك له فأنزل الله عزوجل: ?وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْني عَلي بَنِي إِسْرائِيلَ بِما صَبَرُوا وَدَمَّرْنا ما كانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَما كانُوا يَعْرِشُونَ?().

قال صلي الله عليه و اله: إنه بشري وانتقام، فأباح الله عزوجل له قتال المشركين، فأنزل الله: ?فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ?() ?وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفتُمُوهُمْ?() فقتلهم الله علي يدي رسول الله صلي الله عليه و اله وأحبائه، وجعل له ثواب صبره، مع ما ادخر له في الآخرة، فمن صبر واحتسب لم يخرج من الدنيا حتي يقر الله له عينه في أعدائه، مع ما يدخر له في الآخرة» ().

فاستطاع (صلوات الله وسلامه عليه) أن يقضي علي جميع المحاولات التي كان من ورائها إلقاء الفتن والتفرقة والاختلاف بين فئات المجتمع، حيث بيّن صلي الله عليه و اله لهم أن المسلمين يد واحدة علي من سواهم، وقوة واحدة وأخوة في الله، لا يفرق بين أحد منهم؛ لأنهم ما داموا يشكّلون شرائح المجتمع الإسلامي، وينصرون الله ورسوله، فإنه لا فرق بين غني ولا فقير، ولا كبير وصغير، ولا ضعيف وقوي إلا بالتقوي والإيمان، وأن أكرمهم عند الله

أتقاهم، حيث قال تبارك وتعالي: ?يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثي وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ?().

وكما استطاع (صلوات الله وسلامه عليه) أن ينقي المجتمع الإسلامي من حالة التمايز وحالة الخصوصيات الطبقية التي كانت منتشرة بين مختلف طبقات المجتمع قبل الإسلام. فمثلاً، كان الغني يظلم الفقير، والقوي يأكل الضعيف، وكان كل واحد منهم يريد سحق الآخر، وكان الشاب في العصر الجاهلي يحاول وبكل ما أوتي من قوة أن يُلغي دور كبار السن، وفي الوقت نفسه كان أولئك الشيوخ الطاعنون في السن يحاولون إلغاء دور الشباب، باعتبارهم أصحاب تجربة طويلة وحنكة في الحياة.

فقد قال أمير المؤمنين في خطبة له عليه السلام: «فالله الله في كبر الحمية وفخر الجاهلية؛ فإنه ملاقح الشنئان() ومنافخ الشيطان، التي خدع بها الأمم الماضية والقرون الخالية، حتي أعنقوا() في حنادس() جهالته ومهاوي ضلالته، ذللا() عن سياقه، سلسا في قياده، أمراً تشابهت القلوب فيه، وتتابعت القرون عليه، وكبرا تضايقت الصدور به.

ألا فالحذر الحذر، من طاعة سادتكم وكبرائكم الذين تكبروا عن حسبهم، وترفعوا فوق نسبهم، وألقوا الهجينة() علي ربهم، وجاحدوا الله علي ما صنع بهم، مكابرة لقضائه، ومغالبة لآلائه؛ فإنهم قواعد أساس العصبية، ودعائم أركان الفتنة، وسيوف اعتزاء الجاهلية(). فاتقوا الله ولا تكونوا لنعمه عليكم أضدادا، ولا لفضله عندكم حسادا، ولا تطيعوا الأدعياء() الذين شربتم بصفوكم كدرهم()، وخلطتم بصحتكم مرضهم، وأدخلتم في حقكم باطلهم، وهم آساس() الفسوق وأحلاس() العقوق، اتخذهم إبليس مطايا ضلال، وجنداً بهم يصول علي الناس، وتراجمة ينطق علي ألسنتهم، استراقا لعقولكم، ودخولا في عيونكم، ونفثا في أسماعكم، فجعلكم مرمي نبله وموطئ قدمه ومأخذ يده.

فاعتبروا بما أصاب الأمم المستكبرين من قبلكم من بأس

الله وصولاته ووقائعه ومثلاته، واتعظوا بمثاوي خدودهم ومصارع جنوبهم، واستعيذوا بالله من لواقح الكبر كما تستعيذونه من طوارق الدهر، فلو رخص الله في الكبر لأحدٍ من عباده لرخص فيه لخاصة أنبيائه وأوليائه، ولكنه سبحانه كره إليهم التكابر ورضي لهم التواضع. فألصقوا بالأرض خدودهم، وعفروا في التراب وجوههم، وخفضوا أجنحتهم للمؤمنين، وكانوا قوما مستضعفين، قد اختبرهم الله بالمخمصة، وابتلاهم بالمجهدة، وامتحنهم بالمخاوف، ومخضهم بالمكاره، فلا تعتبروا الرضي والسخط بالمال والولد، جهلا بمواقع الفتنة والاختبار، في موضع الغني والاقتدار، فقد قال سبحانه وتعالي: ?أَيَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَبَنِين? نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ بَلْ لايَشْعُرُونَ?() فإن الله سبحانه يختبر عباده المستكبرين في أنفسهم بأوليائه المستضعفين في أعينهم» ().

الرسالة العظيمة والمرأة

وهكذا تجد الصراع قائماً حول المرأة، فقد كانت المرأة في ذلك العصر مغلوبة علي أمرها، ومنتهكة الحقوق، مسلوبة الحرية؛ فقد كانوا لا يسمحون لها بأن تُظهر قدراتها لممارسة دورها المشروع في الحياة، والمشاركة في بناء وتطوير المجتمع، فيصف أمير المؤمنين عليه السلام حال العرب في الجاهلية فيقول: «فاعتبروا بحال ولد إسماعيل وبني إسحاق وبني إسرائيل عليهم السلام فما أشدّ اعتدال الأحوال وأقرب اشتباه الأمثال إلي أن قال فتركوهم عالة مساكين إخوان دبر ووبر، أذل الأمم دارا، وأجدبهم قرارا، لا يأوون إلي جناح دعوة يعتصمون بها، ولا إلي ظلّ ألفة يعتمدون علي عزّها، فالأحوال مضطربة والأيدي مختلفة، والكثرة متفرّقة، في بلاء أزل وأطباق جهل، من بنات موءودة، وأصنام معبودة، وأرحام مقطوعة وغارات مشنونة» ().

فجاء الإسلام العزيز وأكرم المرأة أيما إكرام، فقد قال رسول الله صلي الله عليه و اله: «استوصوا بالنساء خيرا، فإنهن عوان عندكم» ().

وقيل لرسول الله صلي الله عليه و اله في حديث: فما للنّساء علي الرجال؟

قال

صلي الله عليه و اله: «أخبرني أخي جبرئيل، ولم يزل يوصيني بالنساء حتي ظننت أن لا يحل لزوجها أن يقول لها: أف فقال جبرئيل يا محمد، اتقوا الله عزوجل في النساء فإنهن عوان بين أيديكم، أخذتموهن علي أمانات الله عزوجل ما استحللتم من فروجهن، بكلمة الله وكتابه من فريضة وسنة وشريعة محمد بن عبد الله صلي الله عليه و اله، فإن لهن عليكم حقاً واجباً لما استحللتم من أجسامهن، وبما واصلتم من أبدانهن، ويحملن أولادكم في أحشائهن حتي أخذهن الطلق من ذلك. فأشفقوا عليهن، وطيبوا قلوبهن حتي يقفن معكم، ولا تكرهوا النساء ولا تسخطوا بهن، ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا برضاهن وإذنهن» ().

وقال صلي الله عليه و اله: «إن أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم أخلاقا، وخياركم خياركم لنسائه» ().

وقال صلي الله عليه و اله: «خيركم خيركم لنسائه، وأنا خيركم لنسائي» ().

وقال رسول الله صلي الله عليه و اله: «إن الله تبارك وتعالي علي الإناث أرأف منه علي الذكور، وما من رجل يدخل فرحة علي امرأة بينه وبينها حرمة إلا فرحه الله يوم القيامة» ().

الابتعاد عن الروح الإسلامية

وما زال ذلك الاختلاف والتمايز الجاهلي في تلك العصور، يتغلغل بين صفوف بعض المجتمعات التي يعيش أفرادها بعيداً عن الإسلام والروح الإسلامية، فكما لا يخفي أن الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله قضي علي حالة التفاضل بالجاه والأنساب، التي كانت منتشرة وقت ذاك، حيث قال رسول الله صلي الله عليه و اله يوم فتح مكة: «أيها الناس، إن الله تبارك وتعالي قد ذهب عنكم بنخوة الجاهلية وتفاخرها بآبائها، ألا إنكم من آدم وآدم من طين، وخير عباد الله عنده أتقاهم، إن العربية ليست بأب والد ولكنها لسان ناطق فمن قصر

به عمله فلم يبلغه رضوان الله حسبه، ألا إن كل دم كان في الجاهلية أو إحنة فهو تحت قدمي هاتين إلي يوم القيامة» ().

إذ أنه صلي الله عليه و اله قام بإرساء قواعد وقوانين جديدة، علي أساسها يكون التفاضل، وهي قاعدة التقوي والإيمان، وحث علي المنافسة بين المسلمين في أعمال الخير والصلاح، حيث باشر صلي الله عليه و اله بعملية المساواة بين المسلمين، وذلك عن طريق جمع شمل جميع الفئات المتنازعة والمتصارعة، وجعلها في خط واحد، وهدف مشترك، وهو خط الإسلام الصحيح ومبادئه، وبدون أن يفرّط بأحد منهم، فكان صلي الله عليه و اله كثيراً ما يتلو علي أسماعهم الآية الشريفة: ?إنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ?()، وكذلك دائماً يقول لهم: «ألا أنكم من آدم، وآدم من تراب، والله لعبد حبشي حين أطاع الله خير من سيد قرشي عصي الله» ().

وقال الإمام الباقر عليه السلام قال: «كان سلمان جالسا مع نفر من قريش في المسجد فأقبلوا ينتسبون ويرفعون في أنسابهم، حتي بلغوا سلمان فقال له عمر بن الخطاب: أخبرني، من أنت، ومن أبوك، وما أصلك؟

فقال: أنا سلمان بن عبد الله، كنت ضالا فهداني الله عزوجل بمحمد صلي الله عليه و اله، وكنت عائلا فأغناني الله بمحمد صلي الله عليه و اله، وكنت مملوكا فأعتقني الله بمحمد صلي الله عليه و اله، هذا نسبي وهذا حسبي.

قال: فخرج رسول الله صلي الله عليه و اله وسلمان (رضي الله عنه) يكلمهم، فقال له سلمان: يا رسول الله ما لقيت من هؤلاء، جلست معهم فأخذوا ينتسبون ويرفعون في أنسابهم، حتي إذا بلغوا إلي قال عمر بن الخطاب: من أنت وما أصلك وما حسبك؟

فقال النبي صلي الله عليه و اله: فما

قلت له يا سلمان؟

قال: قلت له: أنا سلمان بن عبد الله، كنت ضالا فهداني الله عز ذكره بمحمد صلي الله عليه و اله، وكنت عائلا فأغناني الله عز ذكره بمحمد صلي الله عليه و اله، وكنت مملوكا فأعتقني الله عز ذكره بمحمد صلي الله عليه و اله، هذا نسبي وهذا حسبي.

فقال رسول الله صلي الله عليه و اله: يا معشر قريش، إن حسب الرجل دينه، ومروءته خلقه، وأصله عقله، وقال الله عزوجل: ?يا أَيُّهَا النَّاسُ إنَّا خَلَقْنَاكُمْ منْ ذَكَرٍ وَأُنْثَي وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائلَ لتَعَارَفُوا إنَّ أَكْرَمَكُمْ عنْدَ الله أَتْقَاكُمْ إنَّ اللهَ عَليمٌ خَبير?() ثم قال النبي صلي الله عليه و اله لسلمان: ليس لأحد من هؤلاء عليك فضلٌ إلا بتقوي الله عزوجل، وإن كان التقوي لك عليهم فأنت أفضل» ().

فجعل لكل فرد من أفراد المجتمع دوره الذي يؤدّيه لخدمة دينه وأمته الإسلامية، فكان صلي الله عليه و اله يحترم الشباب أمثال (علي عليه السلام، مصعب، أسامة، بلال) ويمجّد بمواقفهم البطولية وقدراتهم، وكان أيضاً يكرّم كبار السن، ويبين دورهم الكبير بين المسلمين.

ونتيجة لهذه المساواة، وتنظيم وتعبئة طاقات المسلمين وتوحيد صفوفهم وجهودهم، عمت المجتمع الإسلامي آنذاك حالة رفاه عام، في مختلف مجالات الحياة، فساد الأمن والاستقرار ربوع الدولة الإسلامية.

لكنك إذا أخذت بعين الاعتبار مثل هذا الاحترام والمساواة في الحياة الغربية، فإنك ستجدها بلا شك خالية من مثل هذه العقائد النبيلة السامية؛ ولهذا كثير من الغربيين لا يحترمون كبار السن أبداً، حتي إذا كان ذلك الكبير والده أو والدته أو أحد أقربائه، بل إنه ما إن يكبر ويصبح عاجزاً عن أداء العمل تراهم يذهبون به إلي مصحات خاصة، تسمي: ب(دور العجزة) ويبقي هناك إلي أن يموت وينتهي أجله،

ولا يستفيدون عادة من آرائهم وتجاربهم الحياتية الطويلة، لكونهم ينظرون إلي الأشخاص بمقدار ما يمتلكون من قدرة العمل والإنتاج المادي، بينما الإنتاج المادي ليس بوحده مقياساً للشخص في الإسلام، بل إن مقياس وقيمة الشخص التي ينظر لها الإسلام عند كبار السن أو الشباب أو النساء هو مقدار التقوي والإيمان الذي يمتلكه ذلك الشخص؛ لذا فقد وردت أحاديث كثيرة تؤكد علي توقير الشيوخ من الآباء والأجداد وحتي غير الأقرباء، وتحث علي احترامهم ورعايتهم، فقد قال رسول الله صلي الله عليه و اله: «من عرف فضل كبيرٍ لسنه فوقّره آمنه الله من فزع يوم القيامة» ().

وعن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال: «إن من إجلال الله عزوجل إجلال الشيخ الكبير» ().

وقال عليه السلام: «رأي الشيخ أحب إلي من حيلة الشباب» ().

وخلاصة الكلام، فإن رسول الهداية صلي الله عليه و اله جاء إلي البشر عامة والمسلمين بوجه أخص وهو قدوة وأسوة لهم، وذلك بالنص الصريح والمحكم للقرآن الكريم. حيث قال الله تبارك وتعالي: ?لقد كان لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيراً? ().

واقع بلا أسوة

عندما ننظر إلي واقع حياتنا المعاصرة، نتساءل أين هي هذه الأسوة المباركة التي تحدث عنها الله في كتابه الكريم، وأمرنا بالتأسي بها؟.

وأين التطبيق العملي لها؟

إننا نتحدث عن الأسوة دائماً في كتبنا، ونتكلم بها في كل مجلس، لكن التأسي بها في الواقع الخارجي غير موجود، نري أن هذه الآية الشريفة غدت وكأنها حبر علي ورق، مع العلم بأن القرآن عندما يتطرق لمثل هذه الأمور فإنما هو لمصلحتنا، وللحفاظ علي مستقبلنا وديننا وحياتنا.

إن الذي نريد الإشارة إليه هو أننا وللأسف الشديد فقدنا الكثير والكثير من الأعمال والأفعال التي

كان رسول الله صلي الله عليه و اله يتخذها أساساً وقواعد لبناء وإرساء معالم الدين الإسلامي، التي هي عبرة لكل من يعتبر علي مر العصور وكرّ الأزمان اللاحقة، لذا يلزم أن نطبق تلك الأفعال ونجعلها دروساً نسلك بها مناهجها، حتي نستطيع التحرز من الوقوع بمطبات ومهالك، تؤثر علي مستقبلنا ومستقبل أمتنا الإسلامية().

لكن الذي نراه في هذا الوقت، أن بعضنا قد أصبح متأسياً ومتبعاً لعادات وتقاليد الحياة الغربية، لا الحياة الشريفة لرسولنا الكريم صلي الله عليه و اله وأئمتنا القادة الهُداة الطاهرين عليهم السلام.

الرسول صلي الله عليه و اله يختار الشباب الصالحين

لقد كان الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله يختار الشباب المؤمنين الصالحين، ويجعلهم في بعض المناصب والوظائف الحساسة، لإدارة ما يرتبط بالأمة الإسلامية؛ والسبب في ذلك الاختيار يرجع إلي عدة أمور:

أولاً: لأن الشاب في بداية شبابه يشعر بأن له قوة عظيمة تمكنه أن يكون مؤثراً في العالم، وله القابلية علي العمل والإبداع، وهو ذو حب كبير للنشاط والخدمة، واستعداد دائم للتضحية من أجل أفكاره وآرائه، ويحاول أن يضحّي بنفسه من أجلها، فإنه عادة لايتشبّث بالحياة كثيراً كالرجل الكبير؛ لأن طبيعة الإنسان كلما طال بقاؤه في الدنيا ازداد حرصاً وطمعاً فيها، وكما جاء في حديث الرسول صلي الله عليه و اله حيث قال: «ويهرم ابن آدم وتشبّ فيه اثنتان: الحرص وطول الأمل» ().

أما كثير من الشباب فتقل فيهم هذه الحالات عادة.

ثانياً: في مرحلة الشباب يشعر الشاب بتفتح عقله، وكذلك يشعر بأن مواهبه تتفجّر، حيث يبدأ بالتفكير الدقيق، فتشخص في ذهنه الكثير من الأسئلة وعلامات الاستفهام عن الحياة والمجتمع، والتي لابد له من تحصيل الإجابة عليها؛ لذلك نراه يقوم بالبحث عن الأجوبة، ولو كلّف ذلك حياته أحياناً، فتراه مستعداً لأن يعتنق الفكرة الجديدة

التي ينسجم معها أحياناً مهما كانت خطورتها ومصاعبها.

وإننا إذا راجعنا التاريخ متتبعين فيه حياة الأنبياء عليهم السلام يتبين لنا أن العديد من الرسالات السماوية إنما قامت علي أكتاف الشباب، فهم الذين كانوا يتسابقون إلي الإيمان بالدين وتقبل تلك الأفكار الجديدة، وكانوا علي أهبة الاستعداد دائماً للتضحية في سبيل هذه المبادئ القيمة.

فمثلاً: نبي الله نوح عليه السلام حينما أعلن دعوته التوحيدية في ذلك المجتمع المنحل، من الذي استجاب له ونصره؟ ومن الذي لبّي نداءه، وهو نداء الحق؟

نجد أن الذي تجاوب معه عليه السلام هم مجموعة من الشباب الفقراء المؤمنين، الذين سارعوا لنصرة نوح عليه السلام والإيمان بما جاء به من الحق، أما بقية قومه وهم كثرة، فإنهم ظلوا علي كفرهم، ولم يؤمنوا به، ولم يكتفوا بهذا، بل كانوا ينتقصون منه عليه السلام ومن أتباعه، ويقولون لهم: أنتم مجموعة من الشباب الفقراء الخاملي الذكر في المجتمع، كما ورد في القرآن الكريم حيث قال عزوجل: ?وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلاَ الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ?().

وعندما صدع رسول الله صلي الله عليه و اله بالدين الجديد والأفكار الإسلامية الجديدة، نري أن الذين سارعوا إلي الإيمان به صلي الله عليه و اله واعتنقوا الدين الجديد كان منهم ثلة ومجموعة من الشباب، فأول من آمن وأسلم هو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام والذي كان عمره لا يتجاوز العشر سنين()، وكان منهم جعفر بن أبي طالب، وعمار بن ياسر، ومصعب بن عمير، وبلال الحبشي، ومعاذ بن جبل، وزيد وغيرهم() … وهذا سبب من أسباب عديدة وقع بموجبها اهتمام الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله بالشباب وتحميلهم مسؤوليات كبيرة في أمور الدولة الإسلامية.

روي عن إسماعيل بن عبد الخالق قال: سمعت

أبا عبد الله عليه السلام يقول لأبي جعفر الأحول وأنا أسمع: «أتيت البصرة؟».

فقال: نعم.

قال: «كيف رأيت مسارعة الناس في هذا الأمر ودخولهم فيه؟».

فقال: والله إنهم لقليل، ولقد فعلوا، وإن ذلك لقليل.

فقال: «عليك بالأحداث فانهم أسرع إلي كل خير …» ().

ويقول أمير المؤمنين عليه السلام: «أَي بني، إني لما رأيتني قد بلغت سناً ورأيتني أزداد وهناً بادرت بوصيتي إليك، وأوردت خصالا منها، قبل أن يعجل بي أجلي دون أن أفضي إليك بما في نفسي، أو أن أنقص في رأيي كما نقصت في جسمي، أو يسبقني إليك بعض غلبات الهوي وفتن الدنيا؛ فتكون كالصعب النفور، وإنما قلب الحدث كالأرض الخالية ما ألقي فيها من شيء قبلته، فبادرتك بالأدب قبل أن يقسو قلبك، ويشتغل لبك؛ لتستقبل بجد رأيك من الأمر ما قد كفاك أهل التجارب بغيته وتجربته، فتكون قد كفيت مؤونة الطلب، وعوفيت من علاج التجربة، فأتاك من ذلك ما قد كنا نأتيه، واستبان لك ما ربما أظلم علينا منه» ().

طاقات الشباب

عندما يمر الإنسان بمرحلة الشباب تتفجر طاقاته العقلية والبدنية وتتفتق مواهبه، وكل ذلك يؤهله ويشجعه لكي يقوم بدور ما في المجتمع. فإذا فسحنا المجال للشاب لأن يمارس دوراً اجتماعياً، ووجهناه الوجهة المناسبة والملائمة له للقيام بدور صالح مفيد في المجتمع، يساعده علي بناء شخصيته، وينمي فيه كفاءاته، ويزوده بالخبرة الاجتماعية، نكون قد أحسنا الاستفادة من ملابسات مرحلة الشباب ومميزاتها.

وإن لم نهتم بهذه المسالة، ولم نفسح المجال للشباب في ممارسة رغبته المشروعة بأداء دور اجتماعي ضمن توجيه صالح، فستكون النتيجة أحد أمرين: إما أن تخمد طاقات الشاب وتقتل مواهبه وتدفن طموحاته، وإما أن يبادر إلي ممارسة أدوار منحرفة ويقوم بأعمال فاسدة.

لذا يلزم تعليمهم وتوجيههم الوجهة الصحيحة، وفي هذا

قال الإمام الباقر عليه السلام: «لو أتيت بشاب من شباب الشيعة لا يتفقه لأدبته» ().

لا لقياس العمر

لعل أكثر المجتمعات الحالية وهذا ما يؤسف له بما في ضمنها بعض المجتمعات الإسلامية ما زالوا يقيّمون الإنسان بمقياس العمر والزمن … وما دام الشباب لم يقطعوا من الحياة إلا مسافة قصيرة فإن مجتمع الكبار لا ينظر إليهم نظرة ثقة واحترام في بعض الأحيان ولا يفسح لهم مجال التحرك والنشاط، علي العكس من المقياس الذي اتخذه الرسول الكريم صلي الله عليه و اله في حياته الشريفة، فقد أعلن صلي الله عليه و اله رفض الإسلام لمقياس العمر والسن، وجعل المقياس الصحيح هو التقوي والعمل والكفاءة والقدرة علي الإبداع، فكان صلي الله عليه و اله يختار من بين أفراد المجتمع الإسلامي الطاقات المتفجرة، ويولّيهم إدارة وقيادة المسلمين.

فقد ولّي رسول الله صلي الله عليه و اله عتاب بن أسيد() علي مكة وعمره ثمانية عشر سنة، حيث روي عن الإمام السجاد عليه السلام قال: «لما بعث الله محمداً صلي الله عليه و اله بمكة وأظهر بها دعوته، ونشر بها كلمته، وعاب أديانهم في عبادتهم الأصنام، وأخذوه وأساؤوا معاشرته، وسعوا في خراب المساجد المبنية كانت لقوم من خيار أصحاب محمد وشيعته وشيعة علي بن أبي طالب عليه السلام. كان بفناء الكعبة مساجد يحيون فيها ما أماته المبطلون، فسعي هؤلاء المشركون في خرابها، وأذي محمد صلي الله عليه و اله وسائر أصحابه، وألجاؤه إلي الخروج من مكة إلي المدينة، التفت خلفه إليها فقال: الله يعلم أني أحبك، ولولا أن أهلك أخرجوني عنك لما آثرت عليك بلداً، ولا ابتغيت عنك بدلاً، وإني لمغتم علي مفارقتك. فأوحي الله تعالي إليه: يا محمد، إن العلي الأعلي يقرأ عليك

السلام، ويقول: سأردك إلي هذا البلد ظافراً، غانماً، سالماً، قادراً، قاهراً، وذلك قوله تعالي: ?إنَّ الَّذي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إلي مَعادٍ?() يعني: إلي مكة ظافراً غانماً.

وأخبر بذلك رسول الله صلي الله عليه و اله أصحابه، فاتصل بأهل مكة فسخروا منه، فقال الله تعالي لرسوله صلي الله عليه و اله: سوف أظهرك بمكة، وأجري عليهم حكمي، وسوف أمنع عن دخولها المشركين حتي لايدخلها منهم أحد إلا خائفا، أو دخلها مستخفياً من أنه إن عثر عليه قتل. فلما حتم قضاء الله بفتح مكة واستوسقت له، أمّر عليهم عتاب بن أسيد، فلما اتصل بهم خبره قالوا: إن محمداً لا يزال يستخف بنا؛ حتي ولي علينا غلاماً حديث السن ابن ثماني عشرة سنة، ونحن مشايخ ذوو الأسنان، خدام بيت الله الحرام وجيران حرمه الأمن، وخير بقعة له علي وجه الأرض.

وكتب رسول الله صلي الله عليه و اله لعتاب بن أسيد عهداً علي أهل مكة، وكتب في أوله:

بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله صلي الله عليه و اله إلي جيران بيت الله وسكان حرم الله، أما بعد:

فمن كان منكم بالله مؤمناً، وبمحمد رسول الله في أقواله مصدقاً، وفي أفعاله مصوباً، ولعلي أخي محمد رسوله وصفيه ووصيه وخير خلق الله بعده موالياً، فهو منا وإلينا. ومن كان لذلك أو لشيء منه مخالفاً، فسحقاً وبعداً لأصحاب السعير، لا يقبل الله شيئا من أعماله وإن عظم وكثر، ويصليه نار جهنم خالداً مخلداً أبداً. وقد قلد محمد رسول الله صلي الله عليه و اله عتاب بن أسيد أحكامكم ومصالحكم، قد فوض إليه تنبيه غافلكم، وتعليم جاهلكم، وتقويم أود مضطربكم، وتأديب من زال عن أدب الله منكم؛ لما علم من فضله عليكم

من موالاة محمد رسول الله صلي الله عليه و اله ومن رجحانه في التعصب لعلي ولي الله، فهو لنا خادم، وفي الله أخ، ولأوليائنا موال، ولأعدائنا معاد، وهو لكم سماء ظليلة، وأرض زكية، وشمس مضيئة، وقمر منير، قد فضله الله تعالي علي كافتكم بفضل موالاته ومحبته، لمحمد وعلي والطيبين من آلهما. وحكمته عليكم، يعمل بما يريد الله فلن يخليه من توفيقه، كما أكمل من موالاة محمد وعلي شرفه وحظه، لا يؤامر رسول الله صلي الله عليه و اله ولا يطالعه، بل هو السديد الأمين، فليعمل المطيع منكم، وليف بحسن معاملته، ليسر بشريف الجزاء، وعظيم الحباء، وليوفر المخالف له بشديد العقاب، وغضب الملك العزيز الغلاب. ولا يحتج محتج منكم في مخالفته بصغر سنه؛ فليس الأكبر هو الأفضل، بل الأفضل هو الأكبر، وهو الأكبر في موالاتنا وموالاة أوليائنا ومعاداة أعدائنا، فلذلك جعلناه الأمير لكم والرئيس عليكم، فمن أطاعه فمرحبا به، ومن خالفه فلا يبعد الله غيره.

قال: فلما وصل إليهم عتاب، وقرأ عهده، وقف فيهم موقفاً ظاهراً، ونادي في جماعتهم حتي حضروه، وقال لهم: معاشر أهل مكة إن رسول الله صلي الله عليه و اله رماني بكم شهاباً محرقاً لمنافقيكم، ورحمة وبركة علي مؤمنيكم، وإني أعلم الناس بكم وبمنافقيكم، وسوف آمركم بالصلاة فيقام لها، ثم أتخلف أراعي الناس، فمن وجدته قد لزم الجماعة التزمت له حق المؤمن علي المؤمن، ومن وجدته قد قعد عنها فتشته، فإن وجدت له عذرا أعذرته إلي أن قال فأما بعد، فإن الصدق أمانة، والفجور خيانة، ولن تشيع الفاحشة في قوم إلا ضربهم الله بالذل، قويكم عندي ضعيف حتي آخذ الحق منه، وضعيفكم عندي قوي حتي آخذ له الحق، اتقوا الله وشرفوا بطاعة الله

أنفسكم، ولا تذلوها بمخالفة ربكم.

ففعل والله كما قال، وعدل وأنصف وأنفذ الأحكام، مهتديا بهدي الله، غير محتاج إلي مؤامرة ولامراجعة» ().

نعم، حينما نطالع سيرة قادة الإسلام وتاريخهم المشرّف، نراهم يتعاملون مع الشباب بتشجيع واحترام، ويمنحون ذوي الكفاءة منهم ثقة عظيمة، ويحمّلونهم مسؤوليات خطيرة.

الرسول صلي الله عليه و اله يعيّن أسامة قائداً للجيش

كذلك في آخر حياة النبي صلي الله عليه و اله الشريفة هيأ جيشاً كبيراً فيه أكابر الصحابة وشيوخ المسلمين لحرب الروم، وجعل قيادة ذلك الجيش لتلك المعركة الخطيرة، بيد أسامة بن زيد()، وهو شاب لم يبلغ العشرين من العمر … وقد كان من ضمن الجيش الخاضع لقيادة أسامة الشاب: أبو بكر، وعمر، وأبو عبيدة بن الجراح،

وعبد الرحمن بن عوف، وطلحة والزبير … وأمثالهم. وقال صلي الله عليه و اله مكرراً: «أنفذوا جيش أسامة، لعن الله من تخلّف عن جيش أسامة» ().

وقد ذكر المؤرخون أن أسامة كان ذكياً منذ صغره ومقداماً، وكان عمره اثنتي عشرة سنة عندما تقدم للتطوع في غزوة أحد.

موقعة حنين

وهكذا كان الشباب المؤمنون لهم الدور البارز في التاريخ الإسلامي. ففي موقعة حُنين حينما انهزم جيش المسلمين لم يثبت إلا النبي صلي الله عليه و اله وعشرة من المسلمين، كان أحد أولئك الثابتين الإمام أمير المؤمنين عليه السلام وبعض أولاد العباس، فقد روي: لما كانت غزوة حنين، فاستظهر فيها رسول الله صلي الله عليه و اله بكثرة الجمع فخرج ومعه عشرة آلاف من المسلمين، فظن أكثرهم أن لن يغلبوا؛ لما شاهدوا من كثرة جمعهم وعددهم وعدتهم، وأعجب أبا بكر الكثرة يومئذ فقال: لن يغلب اليوم من قلة، فكان الأمر بخلاف ما ظنوه وعانهم أبو بكر، فلما التقوا لم يلبثوا وانهزموا بأجمعهم، ولم يبق مع النبي صلي الله عليه و اله إلا تسعة من بني هاشم وعاشرهم أيمن ابن أم أيمن وقتل رحمه الله، وثبت التسعة الهاشميون ورجعوا بعد ذلك وتلاحقوا وكانت الكرة لهم علي المشركين، فأنزل الله في إعجاب أبي بكر بالكثرة: ?وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأرْضُ

بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ ? ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَي رَسُولِهِ وَعَلَي الْمُؤْمِنِينَ? () يريد عليا عليه السلام ومن ثبت معه من بني هاشم: أمير المؤمنين عليه السلام وثمانية: العباس بن عبد المطلب عن يمين رسول الله صلي الله عليه و اله؛ والفضل بن العباس عن يساره، وأبو سفيان بن الحارث ممسك بسرجه عند نفر بغلته، وأمير المؤمنين بالسيف بين يديه، ونوفل بن حرث، وربيعة بن الحرث، وعبد الله بن الزبير بن عبد المطلب، وعتبة ومعتب ابنا أبي لهب حوله().

مصعب بن عمير

كانت الأخلاق التي يحملها الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله لها الأثر البالغ والمشجِّع علي دخول الناس في الإسلام، وكما وصفه الباري في قوله: ?وَإِنَّكَ لَعَلي خُلُقٍ عَظِيمٍ?(). وكان من ضمن هؤلاء الذين تأثروا بأخلاق رسول الله صلي الله عليه و اله فاعتنقوا الإسلام الشاب (مصعب بن عمير) ()، فقد تأثر بأخلاق الرسول صلي الله عليه و اله والصفات الحميدة التي يحملها تأثراً كبيراً، وانجذب إليها انجذاباً شديداً، دون أن يبالي بردود الفعل التي سيواجهها من قومه، وهذه هي طبيعة الشباب الذين يمتلكون الصفاء الروحي.

بينما بعض كبار السن قد لا يؤمل منهم ذلك؛ لكونهم كبروا في الأجواء الفاسدة، بحيث يصعب قلع تلك الحالات والصفات التي انغرست في نفوسهم.

فمصعب (رضوان الله عليه) ذلك الشاب الذي تمتع بصفاء روحي، اعتنق الإسلام بكل روحه وجوانحه، ولم يبال بما سيحدث له من المشاكل والضغوط بسبب ذلك التعصب الجاهلي الذي كان والداه يحملانه. ففي بداية إسلامه أخفي دينه، وكان مجبراً علي ذلك؛ لكون الذين أسلموا قبله كانوا يلاقون أنواع الأذي والعذاب من مشركي قريش وأتباعهم. وفي أحد الأيام وعندما كان يصلي، وإذا بأحد المشركين يشاهده وهو في حالة

الصلاة، فأخذ ذلك المشرك ينقل ما شاهده من ذلك المشهد العجيب في نظره إلي والدي مصعب، فلما سمعا بذلك الخبر وتيقنا بأن ولدهما قد دخل في الدين الجديد، الذي جاء به رسول الله صلي الله عليه و اله تألما كثيراً؛ لكونهما كانا يصفان الرسول الكريم صلي الله عليه و اله بالاتهامات والأكاذيب الباطلة، فكيف الآن وهما يريان ولدهما قد انضم إلي دين ذلك الرجل الذي كانا يتهمانه بالأباطيل ومختلف التهم.

فقاما بنصحه بترك هذا الدين، وعدم الالتقاء بالرسول صلي الله عليه و اله، ولكن ولدهم الشاب لم يتزلزل إيمانه، فأخذا يفكران بطريقة أخري علّهما يجعلان مصعباً بعيداً عن رسول الله صلي الله عليه و اله، فسجناه وحرماه من كل النعم والملذات التي كان فيها، ولكنه لم يبال ولم يتنازل عن عقيدته التي تمسك بها، وكان مستعداً لأن يضحي حتي بنفسه في سبيل إيمانه.

رسول الرسول صلي الله عليه و اله

في أحد الأيام جاء رجلان من قبيلة الخزرج إلي رسول الله صلي الله عليه و اله، وكان أحدهما يسمي: ابن زرارة، والثاني: عبد قيس، وقد أقبلا من المدينة فدخلا مكة علي حين غفلة من أهلها الذين كان أكثرهم كفاراً، فلمّا حضرا عند الرسول صلي الله عليه و اله أوضحا له بأنهما يريدان إنهاء حالة الحرب التي كانت قائمة بينهم وبين القبائل الأخري، والتي دامت أكثر من مائة سنة، فعرض عليهما رسول الله صلي الله عليه و اله الإسلام، فأسلما، ثم طلبا من الرسول صلي الله عليه و اله أن يرسل معهما إلي المدينة شخصاً من المسلمين ليدعو أهل المدينة إلي الإسلام، وبالفعل استجاب الرسول صلي الله عليه و اله لطلبهما، فأرسل معهما مصعب بن عمير إلي المدينة.

وكان في المدينة آنذاك ما يقارب العشرة

آلاف نسمة، وكانت معيشتهم قاسية، حيث كان اقتصادهم يعتمد علي الزراعة فقط، وبالإضافة إلي ذلك كان اليهود يمتلكون قدرة كبيرة من الناحية الاقتصادية، علاوة علي ما طبعوا عليه من نشر المفاسد الأخلاقية والجنسية كيفما شاؤوا، أينما حلوا وارتحلوا، وذلك لجلب الناس إليهم، لتكون لهم السيادة عليهم.

فبسبب هذه الظروف الشديدة كان يمكن لمصعب (رضوان الله عليه) أن يختار القري المجاورة للمدينة، لينطلق منها في عمله التبليغي بدل المدينة، ولكن مع هذا نراه يذهب إلي المدينة، ويجعلها محطته الأولي في عمله الرسالي، متحملاً المصاعب الجسام؛ كل ذلك في سبيل الله تعالي، ولكونه قد آمن بالإسلام، ومن آمن بالإسلام والعقيدة الصالحة حق الإيمان فإنه يبذل في سبيل ذلك الغالي والنفيس، وتسهل أمامه الصعوبات والمهمات.

دخل مصعب المدينة، وكأنه رحمة من الله قد نزلت علي أهلها، وبالفعل كان مصعب رحمة لهم، وذلك لما يحمل في نفسه من نفحات الإيمان والهدي، مضافاً إلي جمال سيرته وصورته وصوته، فأخذ يدعو الناس إلي الإسلام، فدعا إلي سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة، مبيناً لهم خصائص وامتيازات الدين الجديد، فكان الناس يجتمعون عنده ويسلمون علي يديه. وكلما كانت تخرج جماعة منه إلا وتأتي جماعة أخري، حتي أنه لم يبق بيت في المدينة إلا وقد دخله الإسلام؛ وذلك الإقبال الكبير من قبل أهالي المدينة علي الإسلام يرجع إلي أنهم كانوا يمتلكون نفوساً طيبة وصافية، فاستطاع مصعب الشاب أن ينفذ إلي نفوسهم، وأن يُدخل في قلوبهم الإيمان بسرعة، بالإضافة إلي عمله الدؤوب وقدرته علي إدارة الأمور، وامتلاكه للأخلاق العالية، كل هذه الأمور أدّت بأهل المدينة لأن يختاروا الإسلام علي معتقداتهم القديمة.

وهكذا ذهبت الأحقاد والأضغان التي كانت في قلوبهم فيما بين الأوس والخرزج، وذلك بسبب توجههم الإيماني، كما

قال الله في كتابه الكريم: ?وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً?().

فقد ورد: إن المراد ما كان بين الأوس والخزرج من الحروب التي تطاولت مائة وعشرين سنة، إلي أن ألف الله بين قلوبهم بالإسلام، فزالت تلك الأحقاد().

واستطاعوا أن يحفظوا الكثير من الآيات المباركة والسور القرآنية، وكانوا يصلّون جماعة في صفوف متراصة، وإذا ما ظهر أحد يحتاج إلي مساعدة ومعونة كانوا يسعون لقضاء حوائجه، وكانت حالة الصفاء والتقوي والعلم هي المعيار والمقياس الأساسي الذي يتميز به الأشخاص.

استشهاد مصعب بن عمير

شارك مصعب بن عمير مع الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله في معارك كثيرة وكان فارساً شجاعاً لا يهاب شيئاً، وآخر معركة شارك بها مع الرسول صلي الله عليه و اله هي معركة أُحد، وكان ممن حمل الراية في يوم أُحد، وعندما نشبت المعركة، واشتد القتال بين المعسكر الإسلامي ومعسكر المشركين، شعر مصعب بأن الشهادة قد اقتربت إليه وكان يتمني ذلك اليوم الذي يستشهد فيه في سبيل الله؛ ولهذا فإنه توجه إلي الله تعالي ودعاه بأن لا تسقط الراية من يده حتي بعد استشهاده، وبالفعل قد استجاب دعاءه فعندما حان وقت استشهاده، وكانت المعركة قد ألهبت نيرانها، بعث الله عزوجل ملكاً من الملائكة إلي الأرض، وكان هذا الملك قد نزل وهو في صورة مصعب بعد أن سقط مصعب شهيداً علي الأرض، فأخذ الملك الراية من يد مصعب وحملها إلي أن انتهت الحرب.

وبعد أن خمد لهيب الحرب سأل النبي صلي الله عليه و اله عن أحوال مصعب؟ فأجابه المسلمون بأنه ما زال علي قيد الحياة، وأنه ما زال يحمل الراية بيده فلم تسقط الراية من يده منذ بداية الحرب إلي انتهائها، فطلب النبي

صلي الله عليه و اله أن يحضره عنده، عندها تقرّب الملك الذي نزل بصورة مصعب قائلاً: «يا رسول الله إني ملك من الملائكة جئت بأمر الله عزوجل وحملت الراية بدلاً من مصعب؛ لأن مصعب قبل أن يستشهد دعا ربه بأن لا تسقط الراية من يده، فاستجاب له ربه فأمرني أن أهبط إلي ساحة المعركة، وأحمل الراية بدلاً من مصعب» هذا حسب بعض التواريخ، وفي بعض الروايات روي: إن مصعب عندما استشهد أعطي الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله اللواء إلي الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام().

ذو البجادين

كان عبد الله ذو البجادين() شاباً من إحدي القبائل القاطنة في أطراف المدينة المنورة، مات أبوه رئيس القبيلة وتولي الرئاسة عمه الذي كانت له بنت جميلة وكان صاحب ثروة عريضة وزعامة علي القبيلة. هذا الشاب كان مرشحاً لأن يكون زوجاً للفتاة، وأن يرث الزعامة والمال والمكانة الاجتماعية المميزة بعد عمه.

كان هذا الفتي يذهب إلي المدينة كل شهر لأجل شراء ما تحتاجه القبيلة، وذات مرة وأثناء جولته في المدينة رأي رجلاً يخطب في ساحة تحيط بها جدران أربعة علي مجموعة من الناس، وقف يسمع، جذبته الخطبة، سأل رجلاً: من الخطيب، ومن المستمعون؟

أجابه الرجل: الخطيب، محمد رسول الله صلي الله عليه و اله والجالسون هم المسلمون، وهذا المحوطة مسجد بناه المسلمون.

رجع الشاب إلي قبيلته، وفي الشهر التالي عاد إلي المدينة للاشتراء وذهب إلي المسجد للاستماع، وفي المرة الثالثة والرابعة كان يحس بأنه ينجذب أكثر فأكثر نحو هذا النبي العظيم صلي الله عليه و اله.

وفي أحد الأيام خاطب عمه قائلاً: يا عم، لماذا نشتري كل شهر مرة، فلنشتر كل أسبوع مرة؛ حتي تكون البضائع والمواد التي نشتريها جديدة، وقبل العم،

وهكذا أصبح باستطاعة الشاب أن يستمع إلي الرسول صلي الله عليه و اله كل أسبوع مرة واحدة، وبعد مدة أسلم الشاب، فجاء إلي عمه قائلاً: يا عم، قد أسلمت.

فقال العم: أصبوت إلي دين محمد؟

قال: إن دين محمد صلي الله عليه و اله هو الإسلام لا انحراف فيه.

قال العم: يا بني لو أصررت علي إسلامك فلن أزوجك ابنتي.

أجابه الشاب: هذا هين، لا رغبة لي في النساء.

قال له العم: وسوف أمنعك من دخول بيتي.

أجابه الشاب: إن ذلك سهل، فارض الله واسعة.

قال له عمه: سأحرمك من الثروة.

أجابه: إن الثروة مال فانٍ وزائل.

فقال: ستحرم عن رئاسة القبيلة.

أجابه الشاب: إنني لا أريد الزعامة.

فقال له عمه: يجب عليك أن تنفصل عن قبيلتنا.

أجابه: سوف أخرج.

فقال له العم: وعليك أن تنزع كل ملابسك وتعطيها لي.

أجابه: لا بأس.

فجرده عمه القاسي من كل ملابسه وتركه عارياً، ولما رأته أمه عارياً أشفقت عليه وأعطته بجاداً() شقّه نصفين، وجعل نصفه إزاراً والنصف الآخر مئزراً ولبسهما، ثم اتجه نحو المدينة المنورة ووصلها ليلاً وليس معه أي شيء واتجه نحو المسجد ونام الليل فيه، وعندما جاء الرسول صلي الله عليه و اله إلي صلاة الصبح، رأي شاباً غريباً فسأله: «من أنت؟».

فذكر له الشاب اسمه الجاهلي: عبد العزي.

فقال له الرسول: «إن اسمك هو عبد الله ذو البجادين».

وبدأ الشاب يأتمر بأوامر الإسلام وكان من خيرة المسلمين حتي استشهد في إحدي المعارك.

فما الذي غير شخصية عبد الله ذي البجادين، وأحدث انقلاباً في ضميره؟

إن الذي تغير في هذا الشاب هو معرفته بالدين الجديد العظيم، الذي تنجذب إليه النفوس البريئة والنظيفة غير المتطبعة علي الانحراف.

الشباب والعمل التنظيمي

وهنا لا بأس بالإشارة إلي نقطة مهمة في أمر الشباب، وذلك من باب التذكرة، قال تعالي: ?وذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَي

تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ?()، لذا فمن الضروري العمل بذلك في سبيل إنقاذ المسلمين وهو:

تنظيم الشباب

قال أمير المؤمنين عليه السلام لولديه الإمامين الحسن المجتبي والحسين الشهيد (صلوات الله عليهما): «أُوصِيكُمَا وجَمِيعَ وَلَدِي وأَهْلِي ومَنْ بَلَغَهُ كِتَابِي، بِتَقْوَي اللَّهِ ونَظْمِ أَمْرِكُمْ وصَلاحِ ذَاتِ بَيْنِكُمْ؛ فَإِنِّي سَمِعْتُ جَدَّكُمَا صلي الله عليه و اله يَقُولُ: صَلاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ أَفْضَلُ مِنْ عَامَّةِ الصَّلاةِ والصِّيَامِ» ().

لابد للمسلمين من التنظيم؛ إذ عليهم أن يؤسسوا تنظيمات صالحة لكي تقوم بتنظيم الشباب ورعايتهم، لأنهم إذا لم يفعلوا ذلك فسيأتي غيرهم من مروجي الأحزاب الفاسدة والمنحرفة، فينظمهم ويرسّخ في أذهانهم أفكار منحرفة ومزيفة، وقد تكون أساساً أحزاباً ضد الإسلام، وهذا ما شاهدناه بالفعل في بعض بلادنا().

فإن الشاب يمتلك أماني وطموحات وأهداف كبيرة، وهو يحث الخطي في أغلب الأحيان لتحقيقها، وكذلك عنده حاجيات ومتطلبات، يحاول ويجهد نفسه أن يقضيها. لذا فمن الضروري أن نهتم بتنظيم الشباب تنظيماً حسب الموازين العلمية والشرعية، وحسب متطلبات العصر().

ويلزم أن يكون التنظيم عملياً بكل أبعاده، في خلاياه الحزبية والسياسية والثقافية والاجتماعية، فمثلاً: يلزم التأكيد علي أهداف ومبادئ مهمة أكد عليها الإسلام، منها:

مبدأ الحرية، حيث قال تعالي: ?وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ? ().

ومبدأ الأمة الواحدة؛ حيث قال سبحانه: ?إنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ?() وقال عزوجل: ?وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ?().

ومبدأ الأخوة؛ حيث قال عزوجل: ?إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ?().

كما يجب التأكيد علي ترسيخ مبدأ اللاعنف والرفق الذي هو من صميم الإسلام في صفوف التنظيم وبين الشباب المسلم، فقد قال الله تعالي:

?ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ? وَما يُلَقَّاها إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَما يُلَقَّاها إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ?().

وورد في الحديث الشريف عن

رسول الله صلي الله عليه و اله قال: «إن الرفق لم يوضع علي شيء إلا زانه، و لا نزع من شيء إلا شانه» ().

وعن أبي جعفر عليه السلام قال: «إن لكل شيء قفلا وقفل الإيمان الرفق» ().

وقال الإمام الصادق عليه السلام: «إن الله تبارك وتعالي رفيق يحب الرفق، فمن رفقه بعباده تسليله أضغانهم، ومضادتهم لهواهم وقلوبهم، ومن رفقه بهم أنه يدعهم علي الأمر يريد إزالتهم عنه رفقا بهم؛ لكيلا يلقي عليهم عري الإيمان ومثاقلته جملة واحدة فيضعفوا، فإذا أراد ذلك نسخ الأمر بالآخر فصار منسوخا» (). لذا يلزم زرع هذه المبادئ في نفوسهم، والتعاون علي تطبيقها.

وكذلك يلزم العمل علي ترسيخ مبدأ عدم وجود الحدود الجغرافية فيما بين البلاد الإسلامية، ولأنه مبدأ الإصلاح الحكيم، فيلزم عليهم أن يغيروا المحيط الفاسد بما يقتضيه الشرع، لا أن ينخرطوا في المحيط ويذوبوا فيه فإنه تبارك وتعالي قال: ?وَإِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً? ().

من لوازم التنظيم

إذا كان التنظيم يتوقف علي السرية والكتمان؛ لبعض الظروف التي تعيشها البلاد الإسلامية من سيطرة الطغاة والدكتاتوريين فلا بأس بذلك، فإنه يلزم أن يكون الأمر سراً فيما يقتضي السّرية، فقد ورد في الحديث الشريف: «واستعينوا علي قضاء الحوائج بالكتمان» ().

ومن الواضح أن في حياة الإنسان فرداً وجماعة أسرار خاصة وعلاقات متمايزة، لا يحب أو لا يصلح أن يطلّع عليها أحد من الناس، فإنه لا تخلو حياة الإنسان من أسرار ذات علاقة بعائلته ورزقه وعمله وعيشه، فحياة الإنسان مهما كانت جليّةً وواضحة، منطوية عادة علي أمور من الأفضل أو اللازم أن لا يطّلع عليها أحد، وقد قال سبحانه: ?وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلي بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً?() الآية.

وكان رسول الله صلي الله عليه و اله إذا أراد الحرب أخفي

توقيتها؛ حتي لايعرف العدو فيأخذ حيطته وحذره فتكون الحرب أشد، أو قد تسبب خسارة المسلمين للحرب وبالتالي وقوع عدد كبير من الضحايا. وقد كان صلي الله عليه و اله أخفي نية فتحه لمكة المكرمة؛ وذلك حذراً من إراقة الدماء في قصة مفصلة دونها التاريخ().

وقال سبحانه: ?وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَي الرَّسُولِ وَإِلَي أُولِي الأمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَ قَلِيلاً?().

وهكذا نجد أن السرّية في الجملة لازمة بالنسبة إلي أمثال هذه الأمور في العديد من المؤسسات علي تباين أعمالها واختلاف تخصصاتها، سواء المؤسسة الكبيرة المديرة التي تسمي بالحكومة أو الحزب الحاكم، أو المؤسسة الصغيرة. فإنه للمخترعين والمكتشفين أسرار يحبّون أن تُصان ويلجئون لحمايتها بأخذ حق الاختراع؛ حتي لا يسطو عليه أحد ولا يدّعيه آخرون. وكذلك أسرار في الصحافة ودور النشر والتوزيع وما أشبه، حيث يسعي أصحابها إلي كتمانها حرصاً علي حمايتها من التراجع والتأخر، وهكذا المؤسسات الهندسية ومكاتب التعهدات والمؤسسات التجارية التي ينافسها غيرها في السوق، بل وحتي للطهاة والطّباخين وصانعي الحلويات وما أشبه أسرارهم الخاصة، كما يُشاهد أيضاً أن للمرضي أسراراً عند أطبائهم لا يحبّون أن يطلّع عليها أحد.

فيصّح إذن أن يكون للتنظيم الذي يدار من جهة القيادة الصحيحة الشرعية أسراره الخاصة في حقولهم المختلفة، السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وليس معني ذلك أنهم يريدون الإيقاع بالآخرين أو المؤامرة علي الدولة، أو ما أشبه ذلك.

من هم قادة الشباب؟

ثم إن اللازم علي التنظيم أن يقدم للشباب قادة صلحاء فيلزم أن يكون التنظيم بيد القادة الناضجين الذين يخافون الله عزوجل واليوم الآخر، ويحبّون الناس شيوخاً وشباباً، ويسعون في هدايتهم إلي الخير، فإن هذا من أهم ما

يلزم تأسيسه لإدارة أمور الشباب، وبذلك يتمكنون من اطّراد العمل الصالح باستقامة وتقدم وعلو، فإن: «يد الله مع الجماعة» () والقوي إذا اجتمعت بعضها إلي بعض تأتي بشبه المعجز في السعة والعلو والعمق، كما قال أمير المؤمنين علي عليه السلام في آخر وصية له:

«أوصيكما وجميع ولدي وأهلي ومن بلغه كتابي بتقوي الله ونظم أمركم» ()، وقبل ذلك قال تبارك وتعالي: ?منْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ?().

فإن الله سبحانه وتعالي خلق الخلق من الذرة، أو الأصغر منها، إلي المجّرة أو الأكبر منها بكل دقة وتنظيم ووزن، حتي أن الأمر إذا زاد أو نقص عن حده التكويني أو التشريعي أوجب اضطراباً متزايداً أو في الجملة.

والإنسان إذا رأي النملة الصغيرة جداً يري الموزونية الشاملة والنظم الدقيق في جميع أعضائها وجوارحها ومتطلباتها وشهواتها، فإذا كانت رجلها مثلاً عوجاء ناقصة أوجبت لها تعرجاً واضطراباً، وهكذا، ?فتبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ?().

القائد الناجح والشباب

نقل لي أحد المراجع عن قائد ثورة العشرين الإمام الشيخ محمد تقي الشيرازي?() فقال: إن الإمام الثائر قد التفتْ حوله الجماهير التفافاً عجيباً، الشيوخ والعشائر، الكبار والصغار، ضد بريطانيا الغاصبة، وكان وراء بريطانيا في ذلك اليوم أكثر من ألف مليون إنسان الهند بكاملها والصين والشرق الأوسط ومناطق أخري من أفريقيا وغيرها لكن هذا القائد الإسلامي المحنّك تمكن أن يطرد الاستعمار البريطاني من العراق. وكان الازدحام هائلاً حول الميرزا محمد تقي الشيرازي، ومن الطبيعي أن المرجع وعمره الكبير لا يتمكن أن يجمع بين قيادة الثورة المتأججة؛ فهو كالقائد في ميدان المعركة المشتعلة، وبين تلبية حوائج الناس، فقال لنا نحن معاشر الطلبة وكنا في مقتبل العمر ذلك اليوم:

أيها الطلبة، إني قبل الثورة كنت أتمكن من قضاء حوائجكم شخصياً، وأما بعد الثورة فإني مشغول بالمسؤوليات، ولا

أتمكن من قضاء حوائجكم فرداً فردا، كما أنكم لا تتمكنون أن تصلوا إليّ للازدحام الذي حولي، فإذا كانت لأحدكم حاجة فإني في كل يوم بعد صلاة الصبح أخرج إلي الشوارع المحيطة بأطراف كربلاء المقدسة، فيتمكن كل طالب علم أو أي شخص آخر يريد لقائي علي انفراد، أن يأتي في ذلك الوقت لأقضي حاجته.

فهذا العالم الراوي للقصة يقول: إني شخصياً ذهبت إليه مرات عدة وعندي حاجة مادية أو معنوية، وكنت أري الشيخ يمشي وحده، علي النهر أو في الشارع المحاط بالأشجار، وأحياناً يذهب إليه فقير أو طالب أو جماعة لأخذ حاجاتهم وهكذا.

فهذا الإمام الأسوة والقائد الأعلي للمسلمين في ذلك اليوم كان يعطي بعض وقته لفرد فرد من أفراد الأمة ويقضي حاجاتهم، مما سبب التفاف الجماهير حوله وطاعته بمختلف فئات المجتمع خاصة شبابهم، وهو سبب تمكنه من طرد بريطانيا من بلد المقدسات العراق، وإنما تمكّن من ذلك للمحبوبية المنقطعة النظير التي اكتسبها جراء أخلاقه الطيبة وجماهيريته الواسعة.

فاللازم علي المجتمع الإسلامي أن يسعي بكل جهده للاهتمام بمتطلبات الشباب ورغباتهم المشروعة؛ والتي منها إيجاد التنظيمات الصالحة، إذ أن الشاب إذا لاحظ أن مجتمعه عاجز عن تلبية طموحاته وأهدافه، فربما سيقع في المحرمات والمعاصي، كالجائع الذي لا يستطيع الحصول علي ما يسد جوعه، فتراه يسعي في الحصول علي رغيفه حتي إذا كان عن طريق السرقة في بعض الأحيان، فكذلك الشاب لابد له من إيجاد وسائل وطرق تؤدي لحل مشاكله، وطرق تقوم بتلبية أمانيه، كي لا ينجرف إلي تيار الفساد والعصيان، وأفضل وسيلة لذلك هي التنظيم الصالح.

ربما يقرؤه أحد الشباب

ذكر أحد الأشخاص قصة فقال: كنت أعمل في سوق الصفّارين ببغداد وهو سوق كبير، والعاملون فيه كلهم مسلمون، وكنت واحداً من الصفّارين، وقد كان

أحد المسيحيين يأتي كل أسبوعين أو كل شهر مثلاً، ويقدّم لكل صفّار كتاباً، وربما كان الكتاب مجلداً ضخماً بقيمة دينار كامل وهو مبلغ كبير في ذلك الزمان وعندما كان المبشر المسيحي يخرج من السوق، كان الصفارون يلقون بالكتب في النار (في الكورة التي يستخدموها لصهر النحاس وما أشبه، حيث إنهم يعلمون أنها كتب مسيحية وحفظ كتب الضلال محرم).

يقول الراوي: فكرت ذات مرة أن أقول للمسيحي واقع الحال؛ حتي يمتنع عن الاستمرار في توزيع الكتب، وبالفعل عندما جاء هذه المرة ووزع الكتب، ولما أراد الذهاب تعقبته وقلت له: إنك تعلم أيها المبشر المسيحي إن هؤلاء مسلمون، وهم يحرقون هذه الكتب التي تعطيها لهم، فلماذا تفعل ذلك، إذ أنها جهود لا طائل تحتها ولا ثمرة لها؟!

فتبسم المسيحي، وقال: إني أعلم بذلك منذ اليوم الأول؛ لأني رأيت بطرف عيني إحراقهم للكتب!!

فقلت له: إذن ما الداعي لما تفعل؟!

قال: صحيح إن هؤلاء يحرقون الكتب ولكن ربما لا يحرق أحدهم الكتاب، بل يذهب به إلي داره فيقع في يد ابنه الشاب أو ابنته الشابة، فيطالعه أو تطالعه ويؤثر عليهما ولو جزئياً، وهذا ربح لنا!!

هكذا يضحون بالمال والأتعاب والطاقات في سبيل تحريف شخص واحد، فهؤلاء يعملون هكذا، أما نحن فلإننا لم نستطع أو لم نبذل الجهد المطلوب لتثقيف شبابنا وفتياتنا وهذا هو سبب تأخرنا نجد كثيراً من المسلمين لا يعرفون شيئاً عن الفكر الإسلامي في مجال السياسة الإسلامية، والاجتماع والاقتصاد وغيرها من معالم الإسلام، كما لا يعرفون شيئاً عن كيفية عمل المستعمرين في بلادنا وأساليبهم وخططهم، ولا يعرفون كيف يواجهونهم ويسدون الطريق عليهم.

الشباب والمبادئ والقيم

من اللازم أن يكون المعيار في العمل القيم والمبادئ والمعرفة الدينية، دون العمر أو القوميات أو اللون أو العرق؛

فإن الدين أعلي القيم وأشرفها، ولابد وضع الإنسان المؤمن المتقي والعارف بدينه وعقيدته في مكانه المناسب، كما في القول المأثور: الرجل المناسب في المكان المناسب()، حتي وإن كان هذا الرجل من قومية أخري، فلا فرق في الإسلام بين الهندي والباكستاني والعراقي والمصري والتركي والإيراني أو من أشبه؛ إذ ليست الجنسية والقومية هي المعيار في تحديد شخصية الإنسان، بل إن المعيار

هو التقوي والكفاءة، كما قال تعالي: ?إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ?().

وقال عزوجل: ?يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَي وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُم?().

وقال رسول الله صلي الله عليه و اله: «كلكم بنو آدم طفّ الصاع إلا من أكرمه الله بالتقوي، إن أكرمكم عند الله أتقاكم» ().

وروي عن الإمام الباقر عليه السلام قال: «كان سلمان جالساً مع نفر من قريش في المسجد، فأقبلوا ينتسبون ويرفعون في أنسابهم حتي بلغوا سلمان، فقال له عمر بن الخطاب: أخبرني من أنت، ومن أبوك، وما أصلك؟

فقال: أنا سلمان بن عبد الله، كنت ضالاً فهداني الله عزوجل بمحمد صلي الله عليه و اله، وكنت عائلاً فأغناني الله بمحمد صلي الله عليه و اله، وكنت مملوكاً فأعتقني الله بمحمد صلي الله عليه و اله، هذا نسبي وهذا حسبي.

فخرج رسول الله صلي الله عليه و اله وسلمان (رضي الله عنه) يكلمهم، فقال له سلمان: يا رسول الله، ما لقيت من هؤلاء، جلست معهم فأخذوا ينتسبون ويرفعون في أنسابهم، حتي إذا بلغوا إلي قال عمر بن الخطاب: من أنت، وما أصلك، وما حسبك؟

فقال النبي صلي الله عليه و اله: فما قلت له يا سلمان؟

قال: قلت له: أنا سلمان بن عبد الله، كنت ضالاً فهداني الله عز ذكره بمحمد صلي الله عليه

و اله، وكنت عائلا فأغناني الله عز ذكره بمحمد صلي الله عليه و اله، وكنت مملوكاً فأعتقني الله عز ذكره بمحمد صلي الله عليه و اله، هذا نسبي وهذا حسبي.

فقال رسول الله صلي الله عليه و اله: يا معشر قريش، إن حسب الرجل دينه، ومروءته خلقه، وأصله عقله، وقال الله عزوجل: ?إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثي وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ? ().

ثم قال النبي صلي الله عليه و اله لسلمان: ليس لأحد من هؤلاء عليك فضلٌ إلا بتقوي الله عزوجل، وإن كان التقوي لك عليهم فأنت أفضل» (). بالإضافة لمشورة سلمان التي عمل بها الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله في قضية حفر الخندق().

ومن هنا يلزم الاهتمام بعقائد الشباب ومبادئهم وقيمهم؛ فإن العقيدة هي التي تحمي الإنسان في مختلف المراحل الحياتية، فالعقيدة الصحيحة بشكل كامل هي الضمان لعدم الانجراف في مختلف المفاسد، أما العقيدة المنحرفة بشيء من الانحراف فبقدر انحرافها يكون لها الأثر السلبي، وإذا بقي لها نوع من الصحة فبقدر صحتها تكسب الإيجابيات، قال سبحانه: ? وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ وَمَساجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللهِ كَثِيراً? ().

فالشرق حيث تجرّد عن العقيدة الدينية بشكل مطلق، وأخذ يحاربها بمختلف صورها، سبّب أكبر شقاء للبشرية، وقد سجل التأريخ مآسيه البشعة، فقد ذكر أن ستالين() وحده قتل ما يزيد علي عشرين مليون إنسان غير قتلاه في الحروب، إلي أن تحطم الاتحاد السوفياتي تحطماً كاملاً().

وأن (ماو)() قتل تسعاً وثلاثين مليونا صبراً وقد تحطم بعد مدّة.

والغرب وإن كان أظهر اللامبالاة أمام العقيدة والدين إلاّ أنه اضطر إلي تقوية الكنيسة واتباع رجالها في العقيدة المسيحية.

ومنه يعلم حال اليهود والهندوك

ومن أشبه.

الشباب وطلب العلم

إن العقيدة الصحيحة عصمة للإنسان وللمجتمع من الانحراف الفكري والعملي، وعلي هذا فاللازم علي القادة والعلماء الاهتمام بعقائد الشباب كل الاهتمام، وإلاّ أصبح أمرهم مبعثراً، كما قال سبحانه وتعالي: ?وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً?() فإن الإنسان الذي لا ينظّم حياته وفي مختلف مراحلها وأبعادها ومنها العقيدية يكون أمره فرطاً، لا يعرف من أين يأخذ، وأين يعطي، وأين يسير، وماذا يعمل، وكيف يبني … حاله حال العنب الذي انفرط عن عنقوده، فإنه لا جامع له.

قال الإمام الصادق عليه السلام: «اطلبوا العلم من معدن العلم، وإياكم والولائج؛ فهم الصادون عن سبيل الله» ثم قال: «ذهب العلم وبقي غبرات العلم في أوعية سوءٍ، واحذروا باطنها فإن في باطنها الهلاك، وعليكم بظاهرها فإن في ظاهرها النجاة» ().

وحيث إن العقيدة الإسلامية المباركة مطابقة للعقل والفطرة والدليل، فالشباب يقبلونها بسرعة، وإنما المهم تسييرهم في أول الخط حتي يسيروا إلي آخر الخط باستقامة وثبات، إن شاء الله تعالي. قال الإمام الباقر عليه السلام: «كل شيء لم لا يخرج من هذا البيت فهو باطل» ().

كما علي الشباب الالتفات إلي ضرورة تحصيل العلم والدراسة بما للكلمة من معني، لا كالمتعارف في هذا الزمان حيث إنهم إذا اشتغلوا بدراسة العلوم، وأنهوا الجامعة ابتدؤوا الحياة تاركين التقدم العلمي وتطوير معلوماتهم أو تنويعها من دون استفادات أخري من التجارب والنظريات الجديدة؛ لذا يلزم المواظبة علي طلب العلم دائماً، فقد روي عن رسول الله صلي الله عليه و اله: «اطلبوا العلم من المهد إلي اللّحد» (). وهذا صحيح قطعاً، فمن المهد يتعلم الطفل كما ثبت في العلم الحديث(). وقد ورد عن المعصومين عليهم السلام استحباب ذكر الأذان في الأذن

اليمني والإقامة في الأذن اليسري من المولود().

وهكذا يكون العلم مستمراً إلي اللّحد، ولذا ورد في الأحاديث: أن الميت يلقّن في قبره، وربما كان ذلك ليتذكر ما نساه بسبب أهوال القبر، فإن الإنسان لا تموت روحه؛ فقد قال الإمام الصادق عليه السلام: «ينبغي أن يتخلف عند قبر الميت أولي الناس به بعد انصراف الناس عنه، ويقبض علي التراب بكفيه ويلقنه برفيع صوته، فإذا فعل كفي الميت المسألة في قبره» ().

هذا من جهة الامتداد الزمني، أما من جهة الامتداد المكاني، فقد رُوي عنه صلي الله عليه و اله: «اطلبوا العلم ولو بالصين» (). حيث إن الصين كانت أبعد نقطة حضارية معلومة في ذلك العصر، ولعل السفر من الحجاز إليها ذهاباً وإياباً كان يتطلب سنوات من الزمن.

قال رسول الله صلي الله عليه و اله: «اطلبوا العلم ولو بخوض اللجج وشق المهج» ().

وفي حديث آخر قال صلي الله عليه و اله: «طلب العلم فريضة علي كل مسلم ومسلمة» ().

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: «سارعوا في طلب العلم، فوالذي نفسي بيده، لحديث واحد في حلال وحرام تأخذه من صادق خير من الدنيا وما حملت من ذهب وفضة» ().

قصة في طلب العلم

يذكر أن أحد العلماء الفقهاء زار أحد العلماء الرياضيين وهو في حالة الاحتضار، فسأله العالم المحتضر عن مسألة فقهية عميقة، مثل إرث الأجداد الثمانية().

فقال له الفقيه: كيف تسأل هذا السؤال ولا تحتاج إليه، لأنك علي أبواب الآخرة وتقضي آخر يوم من أيام الدنيا؟

فأجابه العالم الرياضي بجواب جميل جداً قائلاً: هل إذا مت وأنا أعلم هذه المسألة أفضل أو مت وأنا لا أعلم هذه المسألة؟

قال الفقيه: إذا كنت تعرف هذه المسألة كان أفضل.

فقال العالم الرياضي للفقيه: إذاً فتفضل بالجواب، وأخذ الفقيه

يبين له الجواب.. وما أن انتهي من الجواب إلا وقد مات العالم الرياضي.

فهكذا يلزم أن يكون الاهتمام بالعلم..

فكلما كان الإنسان أعلم كان أفضل لحياته ومماته، لنفسه ولغيره.

«اللهم ارزقنا توفيق الطاعة وبُعدَ المعصية، وصدق النية، وعرفان الحُرمة، وأكرمنا بالهُدي والاستقامة، وسدّد ألسنتنا بالصواب والحكمة، واملأ قلوبنا بالعلم والمعرفة، وطهّر بطوننا من الحرام والشُّبهة، وأكفف أيدينا عن الظلم والسرقة، وأغضض أبصارنا عن الفجور والخيانة، واسدُد أسماعنا عن اللغو والغيبة، وتفضل علي علمائنا بالزهد والنصيحة، وعلي المتعلمين بالجهد والرغبة، وعلي المستمعين بالاتباع والموعظة، وعلي مرضي المسلمين بالشفاء والراحة، وعلي موتاهم بالرأفة والرحمة، وعلي مشايخنا بالوقار والسكينة، وعلي الشباب بالإنابة والتوبة، وعلي النساء بالحياء والعفة، وعلي الأغنياء بالتواضع والسعة..» ().

من هدي القرآن الحكيم

القدوة والأسوة الحسنة

قال تعالي: ?لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ?().

وقال سبحانه: ?قُلْ إنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ?().

وقال عزوجل: ?أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَي الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لاَ يَهِدِّي إِلاَ أَنْ يُهْدَي فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ?().

وقال جل وعلا: ?الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأمِّيَّ … يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ … فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ?().

درجات التفضيل بين الناس

قال سبحانه وتعالي: ?أجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجاهَدَ فِي سَبِيلِ اللهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللهِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ? ().

وقال سبحانه: ?لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَي الْقاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللهُ الْحُسْني وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَي الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً?().

وقال عزوجل: ?انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَي بَعْضٍ

وَلَلآَخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً?().

العمل التبليغي

قال تعالي: ?الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاَتِ اللهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلاَ يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلاَ اللهَ وَكَفَي بِاللَّهِ حَسِيباً?().

وقال سبحانه: ?ادْعُ إِلَي سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ?().

وقال عزوجل: ?ومن أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَي اللهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ?().

العمل مقياس للكفاءة

قال عزوجل: ?منْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ?().

وقال جل وعلا: ?ومنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلي?().

وقال سبحانه: ?ولكل دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ?().

وقال تعالي: ?أمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الأرْضِ?().

من هدي السنة المطهرة

رسول الله صلي الله عليه و اله هو القدوة

قال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: «أحب العباد إلي الله المتأسي بنبيه صلي الله عليه و اله والمقتص لأثره» ().

وقال عليه السلام: «ارض بمحمد صلي الله عليه و اله رائداً وإلي النجاة قائداً» ().

وقال عليه السلام: «اقتدوا بهدي نبيكم فإنه أصدق الهدي، واستنوا بسنته فإنها أهدي السنن» ().

وقال عليه السلام: «يا أيها الناس، إنه لم يكن لله سبحانه حجة في أرضه أوكد من نبينا محمد صلي الله عليه و اله، ولا حكمة أبلغ من كتابه القرآن العظيم، ولا مدح الله تعالي منكم إلا من اعتصم بحبله واقتدي بنبيه، وإنما هلك من هلك عندما عصاه وخالفه واتبع هواه؛ فلذلك يقول عز من قائل: ?فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيم?()» ().

أفضل الناس

سئل عيسي عليه السلام من أفضل الناس قال: «من كان منطقه ذكراً وصمته فكراً ونظره عبرة» ().

وقال أمير المؤمنين عليه السلام: «إن أفضل الناس عند الله من كان العمل بالحق أحب إليه وإن نقصه» ().

وقال عليه السلام: «فاعلم أن أفضل عباد الله عند الله إمام عادل هُدِيَ وهَدَي، فأقام سنة معلومة، وأمات بدعة مجهولة» ().

وقال عليه السلام: «إن أفضل الناس عند الله، من أحيا عقله، وأمات شهوته، وأتعب نفسه لصلاح آخرته» ().

الإخلاص في العمل

قال رسول الله صلي الله عليه و اله لابن مسعود: «يا ابن مسعود، إذا عملت فاعمل لله خالصاً، لأنه لا يقبل من عباده الأعمال إلا ما كان خالصاً» ().

وقال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: «طوبي لمن أخلص لله عمله وعلمه، وحبه وبغضه، وأخذه وتركه، وكلامه وصمته، وفعله وقوله» ().

وقال عليه السلام: «العمل كله هباء إلا ما خلص فيه» ().

وقال عليه السلام أيضاً: «في إخلاص الأعمال تنافس أولي النهي» ().

العمل مقياس للكفاءة

قال رسول الله صلي الله عليه و اله: «إن الله تعالي لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصاً وابتغي به وجهه» ().

وقال صلي الله عليه و اله: «إن الله تعالي لا ينظر إلي صوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلي قلوبكم وأعمالكم» ().

وقال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: «الشرف عند الله سبحانه بحسن الأعمال لا بحسن الأقوال» ().

وقال أبو الحسن الثالث الإمام علي الهادي عليه السلام: «الناس في الدنيا بالأموال وفي الآخرة بالأعمال» ().

رجوع إلي القائمة

پي نوشتها

() بحار الأنوار: ج36 ص180 ب39 ح174.

() بحار الأنوار: ج21 ص121 ب26 فتح مكة.

() سورة القلم: 4.

() سورة الأحزاب: 21.

() الرباعية: بالفتح، السن التي بين الثنية والناب من كل جانب، والجمع رباعيات بالتخفيف، وللإنسان أربع رباعيات، انظر مجمع البحرين: ج4 ص329 (ربع).

() تفسير مجمع البيان: ج8 ص144 سورة الأحزاب.

() حلية الأبرار في أحوال محمد وآله الأطهار: ج1 ص350 ب49 ح6.

() سورة المزمل: 10، 11.

() سورة فصلت: 34 35.

() سورة الحجر: 97 98.

() سورة الأنعام: 34 35.

() سورة ق: 38 39.

() سورة السجدة: 24.

() سورة الأعراف: 137.

() سورة التوبة: 5.

() سورة البقرة: 191.

() حلية الأبرار في أحوال محمد وآله الأطهار: ج1 ض 339 ب48 ح1.

() سورة الحجرات: 13.

() الشنآن: البغض.

() أعنقوا: من أعنقت الثريا، أي غابوا واختفوا.

() الحنادس: جمع حندس، الظلام الشديد.

() الذلل: جمع ذلول، من الذل، ضد الصعوبة، والسياق هنا السوق.

() الهجينة: الفعلة المستهجنة.

() اعتزاء الجاهلية: تفاخرهم بأنسابهم، كل منهم يعتزي أي: ينتسب إلي أبيه، وما فوقه من أجداده.

() الادعياء: جمع دعي، وهو من ينتسب إلي غير أبيه، والمراد منهم الأخساء المنتسبون إلي الأشراف، والأشرار المنتسبون إلي الأخيار.

() أي: خلطوا صافي إخلاصكم بكدر نفاقهم، وسلامة أخلاقكم مرض أخلاقهم.

() آساس:

جمع أساس، دعامة الشيء.

() الأحلاس: جمع حلس، كساء رقيق يكون علي ظهر البعير ملازما له، فقيل لكل ملازم لشيء هو حلسه، والعقوق العصيان.

() سورة المؤمنون: 55 56.

() نهج البلاغة، الخطب: 192، من خطبة له عليه السلام تسمي القاصعة.

() نهج البلاغة، الخطب: 192، من خطبة له عليه السلام تسمي القاصعة.

() مستدرك الوسائل: ج14 ص252 ب68 ح16628.

() مستدرك الوسائل: ج14 ص252 ب68 ح16627.

() أمالي الطوسي: ص392 المجلس 14 ح12.

() من لايحضره الفقيه: ج3 ص443 باب حق المرأة علي الزوج ح4538.

() الكافي: ج6 ص5 باب فضل البنات ح6.

() معاني الأخبار: ص207 باب معني العربية ح1.

() سورة الحجرات: 13.

() تفسير القمي: ج2 ص94 سورة المؤمنون.

() سورة الحجرات: 13.

() الكافي: ج8 ص181 كتاب الروضة ح203.

() الكافي: ج2 ص658 باب وجوب إجلال ذي الشيبة المسلم ح2.

() الكافي: ج2 ص658 باب وجوب إجلال ذي الشيبة المسلم ح1.

() بحار الأنوار: ج72 ص105 ب48 ح39.

() سورة الأحزاب: 21.

() يتجلي عدم الاهتمام الكافي بالشباب لو أخذنا في الاعتبار الإحصائيات الأخيرة التي تقول: إن الشباب في العالم بلغ عددهم مليار وخمسة ملايين شاب وهؤلاء تتراوح أعمارهم بين الخامسة عشرة والرابعة والعشرين وهي أعلي نسبة للشباب في التاريخ وهذا العدد هو لغاية 12/11/1999.

() إرشاد القلوب: ص1 ص39 ب7.

() سورة هود: 27.

() انظر بحار الأنوار: ج35 ص43 ب1 ح38.

() لا يخفي أن كل هؤلاء الصحابة قد أسلموا في بداية الدعوة المحمدية وأغلبهم لايتجاوز عمره العشرين عاماً، وقد روي: إن عمر معاذ بن جبل كان ثمانية عشر سنة حين أرسله رسول الله ? قاضياً علي أهل اليمن. وقيل: إن رسول الله صلي الله عليه و اله تركه بمكة يفقه أهلها. للمزيد.

() الكافي: ج8 ص93 حديث الرياح ح66.

() نهج البلاغة،

الكتب: 31 من وصية له، للحسن بن علي ? …

() بحار الأنوار: ج1 ص214 ب6 ح16.

() عتاب بن أسيد بن أبي العيص بن أمية بن عبد شمس، بن عبد مناف بن قصي، وأمه زينب وقيل: أروي، بنت أبي عمرو بن أمية بن عبد شمس أسلم يوم فتح مكة.

() سورة القصص: 85.

() راجع تفسير الإمام العسكري عليه السلام: ص554 ح329.

() أسامة بن زيد بن حارثة بن شراحبيل بن عبد العزي بن أمرئ القيس الكلبي،أبوه زيد يقال له: حب رسول الله ويكني أبا أسامة، وأمه سعدي بنت تغلبة بن عبد عمرو، وأما أسامة بن زيد فيكني أبا محمد ويقال له: أبا زيد، وكان يقال له أيضاً: حب رسول الله ? وابن حبه. روي إنه ? قال: «أسامة أحب الناس إلي». ومر به? بين الصبيان في قفوله من بدر، فنزل إليه وقبله واحتمله، ثم قال: «مرحبا بحبي وابن حبي». وكان عمره يوم مات رسول الله ? عشرين سنة، وقيل: ثماني عشرة، وقيل: تسع عشرة سنة. انظر الدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة: ص437 ب2 أسامة بن زيد.

() بحار الأنوار: ج30 ص430 ب22.

() سورة التوبة: 25-26.

() انظر كشفة الغمة: ج1 ص221 ذكر الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، وفي ذلك يقول مالك بن عبادة الغافقي:

هاشم عند السيوف يوم حنين

لم يواس النبي غير بني

فهم يهتفون بالناس أين

هرب الناس غير تسعة ورهط

فأبوا زينا لنا غير شين

ثم قاموا مع النبي علي الموت

القوم شهيدا فاعتاض قرة عين

وثوي أيمن الأمين من

وقال العباس بن عبد المطلب في هذا المقام:

وقد فر من قد فر عنه فاقشعوا

نصرنا رسول الله في الحرب تسعة

علي القوم أخري يا بني ليرجعوا

وقولي إذا ما الفضل شد بسيفه

لما ناله في الله لا يتوجع

وعاشرنا

لاقي الحمام بنفسه

يعني به أيمن ابن أم أيمن…

() سورة القلم: 4.

() مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي بن كلاب العبدري، أحد السابقين إلي الإسلام، كنيته أبو عبد الله. كتم إسلامه خوفاً من أمه وقومه، فعلمه عثمان بن طلحة فأعلم أهله، فأوثقوه، فلم يزل محبوساً إلي أن هرب مع من هاجر إلي الحبشة، ثم رجع إلي مكة فهاجر إلي المدينة وشهد بدراً، ثم شهد أحداً ومعه اللواء، فاستشهد بأحد. روي: كان مصعب بن عمير أنعم غلام بمكة وأجود حلة مع أبويه. وروي: رأي رسول الله صلي الله عليه و اله مصعب بن عمير في بردة مرقوعة بفروة فبكي ?؛ للذي كان فيه من النعمة ولما صار إليه. وقيل: إن مصعباً لم يترك إلا ثوباً، وعند استشهاده كان إذا غطوا رأسه خرجت رجلاه، وإذا غطوا رجليه خرج رأسه، فقال رسول الله صلي الله عليه و اله: «اجعلوا علي رجله شيئاً من الأذخر».. بعثه رسول الله صلي الله عليه و اله مع الاثني عشر أهل العقبة الثانية ليفقه أهل المدينة وليقرأهم القرآن. وهو أول من جمع الجمعة في المدينة. أسلم علي يديه سعد بن معاذ، كان عمره أربعين سنة حين استشهد، زوجته حمنة بنت جحش. انظر الإصابة في تمييز الصحابة: ج6 ص98.

() سورة آل عمران: 103.

() انظر مجمع البيان: ج2 ص357 سورة آل عمران. وقد اشتهرت تلك الحروب بين الأوس والخزرج حتي كانت لها أيام مشهورة عند العرب، منها: يوم الصفينة، وهو أول يوم جرت الحرب فيه، ويوم السرارة، ويوم وفاق بني خطمة، ويوم حاطب بن قيس، ويوم حضير الكتائب، ويوم أطم بني سالم، ويوم أبتروة، ويوم البقيع، ويوم مضرس ومعبس،

ويوم الدار، ويوم بعاث الاخر، ويوم فجار الأنصار. وكانوا ينتقلون في هذه المواضع التي تعرف أيامهم بها ويقتتلون قتالاً شديداً. انظر موسوعة العتبات المقدسة، لجعفر الخليلي: ص45.

() انظر بحار الأنوار: ج20 ص144 ب12 ح51. وروي: أعطي رسول الله صلي الله عليه و اله اللواء مصعب بن عمير يوم أحد فاستشهد ووقع اللواء من يده، فتشوفته القبائل، فأخذه رسول الله صلي الله عليه و اله ودفعه إلي علي بن أبي طالب عليه السلام فجمع له الراية واللواء، فهما إلي اليوم في بني هاشم. انظر إعلام الوري بأعلام الهدي: ص192 الركن الثاني ب4 ف2.

() عبد الله بن عبد نهم بن عفيف المزني، صحابي راجز، كان دليل النبي ? في بعض الغزوات. وحدا بناقته في غزوة تبوك، ومات في تلك الغزوة. ويقال: إن النبي ? لم ينزل في قبر أحد إلا خمسة، منهم عبد الله المزني ذو البجادين. وقيل: كان يلبس كساءين في بعض أسفاره. الأعلام للزركلي: ج4 ص101.

() كساء من أكسية العرب مخطط.

() سورة الذاريات: 55.

() نهج البلاغة، الكتب: 47 من وصية له ? للحسن والحسين ?.

() كما حصل في العراق وأفغانستان وما أشبه؛ حيث روجوا فيهما لأحزاب وأفكار عديدة كالقومية والشيوعية والبعثية والاشتراكية والرأسمالية وغيرها، وهي أحزاب ومبادئ منحرفة عن الإسلام وتهدف إلي التخلي عن الإسلام تحت مسميات عديدة، وتنعت الملتزمين به بالرجعيين والمتخلفين، وما إلي ذلك.

() للتفصيل انظر كتاب (نحو يقظة إسلامية) للإمام الراحل (أعلي الله مقامه) والفقه، كتاب الدولة الإسلامية: ص89 الاهتمام بالشباب.

() سورة الأعراف: 157.

() سورة الأنبياء: 92.

() سورة المؤمنون: 52.

() سورة الحجرات: 10.

() سورة فصلت: 34 35.

() الكافي: ج2 ص119 باب الرفق ح6.

() الكافي: ج2 ص118 باب الرفق ح1.

() الكافي: ج2 ص118

باب الرفق ح3.

() سورة الأنبياء: 92.

() تنبيه الخواطر ونزهة النواظر: ج1 ص127 باب ما جاء في الحسد.

() سورة التحريم: 3.

() انظر بحار الأنوار: ج21 ص101 ب26 وفيه قال رسول الله صلي الله عليه و اله: «اللهم خذ العيون والأخبار عن قريش حتي نبغتها في بلادها»، وراجع أيضاً كتاب (ولأول مرة في تاريخ العالم).

() سورة النساء: 83.

() انظر (الرسالة السعدية) للعلامة الحلي: ص155 ق3، ثالثاً في العدل واصطناع المعروف.

() نهج البلاغة، الكتب: 47 من وصية له ? للحسن والحسين ?.

() سورة الحجر: 19.

() سورة المؤمنون: 14.

() الشيخ محمد تقي بن الميرزا محب علي بن أبي الحسن الميرزا محمد علي الحائري الشيرازي زعيم الثورة العراقية، ولد بشيراز عام (1256ه) ونشأ في الحائر الشريف، فقرأ فيه الأوليات ومقدمات العلوم، وحضر علي أفاضلها حتي برع وكمل، فهاجر إلي سامراء في أوائل المهاجرين، فحضر علي المجدد الشيرازي حتي صار من أجلاء تلاميذه وأركان بحثه، وبعد أن توفي أستاذه الجليل تعين للخلافة بالاستحقاق والأولوية والانتخاب، فقام بالوظائف من الإفتاء والتدريس وتربية العلماء. ولم تشغله مرجعيته العظمي وأشغاله الكثيرة عن النظر في أمور الناس خاصهم وعامهم، وحسبك من أعماله الجبارة موقفه الجليل في الثورة العراقية، وإصداره تلك الفتوي الخطيرة التي أقامت العراق وأقعدته لما كان لها من الوقع العظيم في النفوس. وكان أفتي من قبل بحرمة انتخاب غير المسلم. وكان العراقيون طوع إرادته لا يصدرون إلا عن رأيه، وكانت اجتماعاتهم تعقد في بيته في كربلاء مرات عدة. توفي (قده) في الثالث عشر من ذي الحجة عام (1338ه) ودفن في الروضة الحسينية المطهرة، ومقبرته فيها مشهورة. راجع طبقات أعلام الشيعة، نقباء البشر: القسم الأول ج1 ص261 الرقم561.

() انظر نهج البلاغة، الكتب: 53 كتاب

أمير المؤمنين عليه السلام للأشتر النخعي، وهو أطول عهد كتبه وأجمعه للمحاسن. وفي هذا العهد يبين الإمام (صلوات الله عليه) لمالك المقاييس والضوابط لاختيار العمال كل حسب مؤهلاته وإمكانياته.

() سورة الحجرات: 10.

() سورة الحجرات: 13.

() مستدرك الوسائل: ج11 ص267 ب20 ح13.

() سورة الحجرات: 13.

() الكافي: ج8 ص181 كتاب الروضة ح203.

() انظر تفسير القمي: ج2 ص176 سورة الأحزاب، كيفية غزوة الأحزاب.

() سورة الحج: 40.

() جوزيف ستالين (1879-1953م) سياسي روسي من رجال الثورة البلشفية، أمين عام الحزب الشيوعي عام (1922م) خلف لينين في زعامة الحزب والدولة السوفياتية عام (1924م) حتي وفاته، قضي علي مناوئيه في محاكمات صورية واستبد بالسلطة، حكم الاتحاد السوفيتي حكماً دكتاتورياً، من قادة الحرب العالمية الثانية، أطلق الحرب الباردة في مطلع الخمسينات ضد الدول الرأسمالية، هوجم تسلطه بعد موته فتعرض لحملة عنيفة كشفت عن فساد حكمه، دانه مؤتمر الحزب الشيوعي عام (1956م) فشجب عبادة الشخصية التي كان يتصف بها، تم تحطيم تماثيله ونصبه التذكارية، يعتبر صاحب وشريك لينين في فكره الباطل وعمله الذي جّر علي البشرية أبشع المآسي والويلات، راجع قصة موت ستالين في كتاب: (من قصص المستبدين) للإمام الراحل (أعلي الله مقامه): ص50 القصة رقم 28.

() الاتحاد السوفيتي، أو اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية، دولة سابقة كانت تقع في أوروبا وآسيا، تتألف من خمس عشرة دولة تأسيسية هي: روسيا وأوكرانيا وآذربيجان وأرمينيا واوزبكستان وتاجيكستان وتركمانستان وجورجيا وبيلوروسيا وكازخستان وقرغيزيا ومولدافيا وأستونيا ولتوانيا وتبعتها جمهوريات أخري، كان الاتحاد السوفياتي أكبر دول العالم مساحة وبلغ عدد سكانه عام (1990م) (292 مليون) نسمة، والاتحاد السوفياتي هو روسيا سابقاً أمبراطورية القياصرة الواسعة التي حكمتها أسرة رومانوف من عام (1613 1917م). بعد هزيمة الحرب العالمية الأولي قويت الحركة الماركسية

فقامت ثورة (1917م) فنجح البولشفيك وسقط القيصر نقولا الثاني وسيطر الحزب الشيوعي بقيادة لينين، وتأسست الدولة الاشتراكية. وصل غورباتشوف إلي السلطة عام (1985م) فاطلق سياسة إصلاحية أطلق عليها: البيروسترويكا، وأعلن نظاماً رئاسياً عام (1990م) ثم استعادت دول البلطيق استقلالها وانحل الاتحاد السوفياتي واستقال غورباتشوف عام (1991م). ومن أهم أسباب انهيار هذا الاتحاد هو محاربة الدين والشعور الديني بين الشعوب وكبت الحريات إلي أبعد حد، فعاد إلي عدة دول متنافسة كما كان سابقاً.

() ماو تسه تونغ (1893-1976م) زعيم ومنظر سياسي صيني صاحب الثورة الاشتراكية، ومن مؤسسي الحزب الشيوعي في الصين، يعتبر الأب الروحي للثورة الصينية في العصر الحديث حتي الآن، وكتابه (الكتاب الأحمر) ترجم ونشر ب 400 لغة خلال فترة غير طويلة. نظم قوات حرب العصابات الصينية المؤلفة في المقام الأول من فلاحين جندوا بوصفهم نواة قوات الثورة الصينية، انتصر علي قوات شيانغ كاي شيك وأسس جمهورية الصين الشعبية عام (1949م) رئيس الدولة عام (1954 1959م) وتزعم الحزب الشيوعي الصيني.

() سورة الكهف: 28.

() مستدرك الوسائل: ج17 ص285 ب8 ح21358.

() مستدرك الوسائل: ج17 ص309 ب10 ح21432.

() شرح الأسماء الحسني: ج2 ص113.

() لقد أثبت الباحث الأمريكي بيترجوسيزبك من جامعة جون هوبكتر في بلتيمور أن بإمكان الطفل في شهره الثامن أن يسمع ويتذكر الكلمات التي يسمعها، انظر مجلة النبأ: العدد 17-18 ص41.

() فقد قال رسول الله?: «من ولد له مولود فليؤذن في أذنه اليمني بأذان الصلاة وليقم في أذنه اليسري؛ فإنها عصمة من الشيطان الرجيم». تهذيب الأحكام: ج7 ص437 ب40 ح6.

() وسائل الشيعة: ج3 ص202 ب35 ح3405.

وانظر (المسائل الإسلامية) للإمام الراحل (أعلي الله مقامه) المسألة 668: يستحب أن تقرأ الأدعية المقررة المأثورة قبل الدفن وحين الدفن، وأن تفك عقد

كفن الميت بعد أن يوضع في اللحد، وأن يوضع خد الميت علي الأرض، وتوضع تحت رأسه مخدة من تراب.. وقبل أن يستر اللحد يضرب الدافن بيده اليمني علي منكب الميت اليمني، ويضع يده اليسري علي منكب الميت اليسري، ويقرب فمه من أذن الميت، ويحرّكه بقوة ويقول له ثلاث مرات: اسمع افهم يا فلان بن فلان، ويذكر بدل (فلان بن فلان) اسم الميت واسم أبيه، فلو كان اسم الميت (محمداً) واسم أبيه (علياً) يقول الملقن ثلاث مرات: اسمع افهم يا محمد بن علي. ثم يقول:

(هل أنت علي العهد الذي فارقتنا عليه، من شهادة أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً? عبده ورسوله، وسيد النبيين وخاتم المرسلين، وأن عليا أمير المؤمنين وسيد الوصيين، وإمام افترض الله طاعته علي العالمين، وأن الحسن والحسين، وعلي بن الحسين، ومحمد بن علي، وجعفر بن محمد، وموسي بن جعفر، وعلي بن موسي، ومحمد بن علي، وعلي بن محمد، والحسن بن علي، والقائم الحجة المهدي صلوات الله عليهم، أئمة المؤمنين وحجج الله علي الخلق أجمعين، وأئمتك أئمة هدي أبرار، يا فلان بن فلان فيذكر مكان فلان بن فلان، اسم الميت واسم أبيه..

ثم يقول: (إذا أتاك الملكان المقربان، رسولين من عند الله تبارك وتعالي، وسألاك عن ربك، وعن نبيك، وعن دينك، وعن كتابك، وعن قبلتك، وعن أئمتك، فلا تخف ولا تحزن، وقل في جوابهما: الله ربي، ومحمد? نبيي، والإسلام ديني، والقرآن كتابي، والكعبة قبلتي، وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب إمامي، والحسن بن علي المجتبي إمامي، والحسين بن علي الشهيد بكربلا إمامي، وعلي زين العابدين إمامي، ومحمد الباقر إمامي، وجعفر الصادق إمامي، وموسي الكاظم إمامي، وعلي الرضا إمامي، ومحمد الجواد

إمامي، وعلي الهادي إمامي، والحسن العسكري إمامي، والحجة المنتظر إمامي، هؤلاء صلوات الله عليهم أجمعين أئمتي وسادتي وقادتي وشفعائي، بهم أتولي ومن أعدائهم أتبرأ في الدنيا والآخرة، ثم اعلم يا فلان بن فلان (ويذكر مكان فلان بن فلان اسم الميت واسم أبيه ثم يقول) أن الله تبارك وتعالي نعم الرب، وأن محمداً? نعم الرسول، وأن علي بن أبي طالب وأولاده المعصومين الأئمة الأحد عشر نعم الأئمة، وأن ما جاء به محمد? حق، وأن الموت حق، وسؤال منكر ونكير في القبر حق، والبعث حق، والنشور حق، والصراط حق، والميزان حق، وتطاير الكتب حق، وأن الجنة حق، والنار حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور، (ثم يقول): أفهمت يا فلان، ويذكر مكان فلان اسم الميت ثم يقول: ثبتك الله بالقول الثابت وهداك الله إلي صراط مستقيم، عرف الله بينك وبين أوليائك في مستقر رحمته، (ثم يقول): اللهم جاف الأرض عن جنبيه، وأصعد بروحه إليك، ولقّه منك برهانا، اللهم عفوك عفوك).

() روضة الواعظين: ص11 باب الكلام في ماهية العلوم وفضلها.

() بحار الأنوار: ج75 ص277 ب23 ضمن ح113.

() مستدرك الوسائل: ج17 ص249 ب4 ح21250.

() وسائل الشيعة: ج27 ص18 ب8 ح33313.

() راجع كتاب (الإرث في الإسلام) للإمام الشيرازي? و(المسائل الإسلامية) ص739 الطبعة 25 دار العلوم بيروت لبنان.

() المصباح الكفعمي: ص280 ف29 دعاء مروي عن الإمام المهدي?.

() سورة الممتحنة: 6.

() سورة آل عمران: 31.

() سورة يونس: 35.

() سورة الأعراف: 157.

() سورة التوبة: 19.

() سورة النساء: 95.

() سورة الإسراء: 21.

() سورة الأحزاب: 39.

() سورة النحل: 125.

() سورة فصلت: 33.

() سورة البقرة: 62.

() سورة طه: 75.

() سورة الأنعام: 132.

() سورة ص: 28.

() نهج البلاغة، الخطب: 160 من

خطبة له عليه السلام في عظمة الله.

() نهج البلاغة، الكتب: 31 من وصية له عليه السلام للحسن بن علي ? …

() نهج البلاغة، الخطب: 110 من خطبة له عليه السلام في أركان الدين.

() سورة النور: 63.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص110 ق1 ب4 ف3 ح1961.

() تنبيه الخواطر ونزهة النواظر: ج1 ص250 باب التفكير.

() نهج البلاغة، الخطب: 125 من كلام له عليه السلام في التحكيم.

() نهج البلاغة، الخطب: 164 من كلام له عليه السلام لما اجتمع الناس إليه وشكوا ما نقموه علي عثمان …

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص50 ق1 ب1 ف4 ح308.

() بحار الأنوار: ج74 ص105 ب5 ح1.

() تحف العقول: ص100 باب ما روي عن أمير المؤمنين ? من خطبته المعروفة بالوسيلة.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص155 ق1 ب6 ف4 ح2896.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص155 ق1 ب6 ف4 ح2905.

() نهج الفصاحة: ص146 ح717.

() تنبيه الخواطر ونزهة الناظر: ج2 ص228.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص153 ق1 ب6 ف4 ح2838.

() بحار الأنوار: ج74 ص105 ب28 ح3.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.