بقايا حضارة الإسلام كما رأيت

اشارة

اسم الكتاب: بقايا حضارة الإسلام كما رأيت

المؤلف: حسيني شيرازي، محمد

تاريخ وفاة المؤلف: 1380 ش

اللغة: عربي

عدد المجلدات: 1

الناشر: مركز الرسول الاعظم(ص)

مكان الطبع: بيروت لبنان

تاريخ الطبع: 1420 ق

الطبعة: اول

بسم الله الرحمن الرحيم

ولو أن أهل القري آمنوا واتقوا

لفتحنا عليهم بركات

من السماء والأرض

سورة الأعراف: 96

صدق الله العلي العظيم

كلمة المركز

بسم الله الرحمن الرحيم

الإسلام: حضارة كونية، ورسالة حياة سماوية متكاملة، تهدف وهي قادرة علي انتشال بني البشر من مآسيهم وحل جميع مشاكلهم العالقة والمستعصية، وحلحلة جميع الأزمات الإنسانية السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية والأخلاقية وغيرها..

فالإسلام: دين وتمدن.. فكر ونظريات، وعمل وتطبيقات.. يسير بالإنسان خطوة بخطوة، ومع الإنسانية نقلة بنقلة، ليسير بهما إلي عالم كل ما فيه نور وسرور.

هذا هو الإسلام بكلمات بسيطة إلا انه حضارة عالمية عاشها الإنسان عندنا في هذا الشرق السعير، وكل من قرأ تاريخ الحضارة الإنسانية لا بدّ له من الوقوف طويلاً أمام تاريخ الحضارة الإسلامية، وكثير من العلماء انبهروا بهذه الحضارة العملاقة، والمنصفين منهم اعترفوا بعلوِّ كعبها وكبير فضلها علي مسيرة الحضارة العالمية..

إلا أننا نحن وأبناء جيلنا حالياً لم نشهد من تلك الحضارة إلا الاسم، وعلينا تذكر الرسم والمعالم من خلال الكتب التأريخية، أو الدراسات الحضارية، والوقوف علي تلك الأطلال ونبكي كبكاء شعرائنا الجاهليين: كعنترة وامرئ القيس (الملك الضليل) وغيرهما، وكما قال هذا الأخير في مطلع معلقته اللامية الشهيرة» قفا نبك من ذكري حبيب ومنزل… «.

حيث بكي واستبكي، ووقف واستوقف بشطر بيت من الشعر فقط.. ونحن ألا يحق لنا أن نقول: قفوا نبك من ذكري حضارتنا الإسلامية التليدة..؟

وفي هذا الكراس الذي بين يديك يا عزيزي (بقايا حضارة الإسلام كما رأيت) حديث عن بعض تلك الأطلال والجوانب المضيئة في حضارتنا حيث عاشها ورأي بقاياها الإمام المؤلف وذلك قبل نصف

قرن من الزمن..

وسماحته حين ينقل إلينا هذه الذكريات الجميلة، ويتناول بعض العناوين الهامة والضرورية للحضارة الإسلامية مثل (الاخوة، والوحدة، والنظام، والنظافة، والأمن، والأخلاق، والوفاء، والصفاء، والمرأة، والعمل، والثقافة، والقناعة… وغيرها من العناوين الجميلة) ويكتب كيف رآها أو رأي بعض بقاياها حين كان في ريعان شبابه وهو في العراق الجريح.

والذي نود التنويه إليه هو أن رؤية سماحة الإمام الشيرازي ليست كبقية الرؤي، إذ أنها رؤية عالمة واعية مثقفة ملتزمة رسالية.. بكل ما تحتويه هذه الكلمات من معني ومبني.. فالذي يراه العالم والأديب والفقيه والعارف بالله –سبحانه- غير ما يراه بقية الناس، فرؤيته أعمق، وأشمل وأكمل ودروسه أبلغ وأنفع..

ونحن إذ نقوم بإعادة طبع ونشر هذا الكراس لنقدم مثل تلك الرؤية الجميلة عن الإسلام الحنيف، وحضارته التليدة، سائلين الله التوفيق لهذه الأمة للعودة إلي حضارتها، وسابق عهدها المشرق، والمشرِّف..

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

مركز الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله للتحقيق والنشر

بيروت – لبنان ص.ب 5951/13

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علي محمد وآله الطاهرين، واللعنة علي أعدائهم أجمعين إلي يوم الدين.

(بقايا حضارة الإسلام) كما شاهدتها قبل حوالي نصف قرن في العراق، كانت تحكي صورة ما عن الإسلام العظيم الذي نقرأه في التاريخ الإسلامي وفي الفقه وفي غيرهما من الكتب المعنية بشؤون الإسلام، فإن الحضارة شيء والتكنولوجيا الحاضرة شيء آخر، كما أن التمدّن شيء ثالث.

فإن التمدّن أن يعيش الإنسان في المدينة في قبال أن يعيش في القرية، لأن لكل من المدينة والقرية مزايا وخصوصيات.

ومن الواضح إن الذين يعيشون في المدينة يتنعّمون بمزايا المدينة، بينما الذين يعيشون في القرية لا يتنعّمون بمثل تلك المزايا، وإن كانت في المدينة أضرار لا توجد في القرية

إلا أن مزايا المدينة أكثر من أضرارها، كما إن أضرار القرية أكثر من مزاياها، وقد ألمعنا إلي جانب من ذلك تبعاً لعلماء الاجتماع في كتاب (الفقه الاجتماع).. فسهولة الوصول إلي العلم والطب والمستوي الأرفع في المعيشة وغيرها وإمكانية الاشتراك في الأمور الاجتماعية وإمكان الوصول إلي القضاء والشرطة ونحوهما في المدينة أكثر من القرية، بينما في القرية الهواء الأنقي، والطبيعة الأنظف، والبساطة الأكثر، مما يسبب قلة القلق والأمراض ونحوهما.

أما التكنولوجيا فهي تدخل في القرية وفي المدينة كالماء والكهرباء والتلفون والراديو والتلفزيون والمواصلات وسائر الآلات الحديثة.

أما النسبة بين الحضارة والتكنولوجيا فهي العموم من وجه، كما أن بين المدنية والقروية والتكنولوجيا أيضاً عموماً من وجه (علي الاصطلاح المنطقي).

والإسلام له حضارة خاصة تتسم بطابع الإيمان والفضيلة والتقوي والاطمئنان والنظافة، والنظام، وقلة المرض والجهل والفقر، وكثرة التعاطف والتعاون وما أشبه، فإذا دخلت في المدينة كانت أكثر روعة، وإن كانت الروعة موجودة في القرية أيضاً ولذا ورد في الحديث() التشويق إلي السكني في المدن الكبار وذمّ السكني في الرساتيق، كما أن التكنولوجيا إذا دخلت في الحضارة الإسلامية ظهر بريق الحضارة أكثر فأكثر، ولذا ورد في الحديث: صلي الله عليه و الهمن ساوي يوماه فهو مغبون?().

وفي حديث آخر: صلي الله عليه و الهمن ترك دنياه لآخرته فليس منا، ومن ترك آخرته لدنياه فليس منا?().

وقبل ذلك قال القرآن الحكيم: ? فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار أولئك لهم نصيب مما كسبوا?().

والحضارة المادية التي تقابل الحضارة الإسلامية، حيث دخلت في حياة المسلمين – منذ نصف قرن تقريباً أخذت بالتصاعد، بينما أخذت الحضارة

الإسلامية في الضعف – تغيرت أحوال المسلمين. وإن الذين أدركوا الحضارتين يرون البون الشاسع بينهما، فقد أوجبت الحضارة المادية: التنازع والتخاصم والتدابر، وذهاب الرضي والقناعة والاطمئنان النفسي، مما أخذ مكانها القلق والنهم وضعف الإيمان بالله واليوم الآخر وكثرة الجرائم، ومن جرّاء ذلك صارت البلاد الإسلامية بكاملها أسواقاً للغرب، ومحطاً لا للمشكلات المادية الموجودة في بلاد الغرب فحسب بل وأضيفت علي ذلك مشكلات العبيد أمام السادة، فصارت تصدّر المواد الخام بأبخس الأثمان، وتستورد الآلة أعلي الأثمان، وتقطعت البلاد وقامت الثورات والحروب المتتالية.

وإني أذكر قبل زهاء نصف قرن كيف كان المسلمون في الرفاه ولم يكن وارد العراق أكثر من مليون ونصف مليون من الدنانير، وقد قال ذات مرة المرحوم الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء() لفيصل الأول(): إن أزقة النجف تحتاج إلي التبليط، فأجابه فيصل: إن وارد العراق اليوم مليون ونصف مليون وإذا وصل وارد العراق حسب تخطيطنا إلي ثلاثة ملايين فنبلط كل شوارع النجف وأزقتها.وفي الواقع: أنه أي وقت يأخذ الإسلام بالزمام يقلب المجتمع إلي مجتمع الرضي والفضيلة والتقوي والإيمان والسكينة والاطمئنان – ?ألا بذكر الله تطمئن القلوب? ()- والتعاون والمشاركة الوجدانية والقناعة والبساطة والرفاه والأمن والحلم والمروءة والحرية والحكومة الاستشارية، وغير ذلك من أسباب الرفاه والسعادة والتقدم.

وإني أذكر قبل زهاء خمسين سنة حيث اشتغل الشرق والغرب بمقدمات الحرب ثم بالحرب العالمية الثانية، وحيث لم تتغلغل الحياة المادية في البلاد الإسلامية، كيف كنا؟ وكيف تحولنا إلي حالة سيئة بعد تغلغل الشرق والغرب والحياة المادية في البلاد الإسلامية ابتداءً من انتهاء الحرب وتصاعداً في المشاكل والمآسي إلي يومنا هذا.

وفي هذا الكراس شيء مما شاهدته ولمسته ورأيته قبل الحرب العالمية الثانية مع العلم أن ما شاهدته لم يكن الإسلام

الكامل، وإنما بعض الإسلام، فالحكومة لم تكن استشارية إسلامية علي رأسها المراجع، ولم تكن الانتخابات الحرة بمعني الكلمة، وكان علي رأس الحكم الملك فيصل الذي كان من عملاء بريطانيا، وكانت في البلاد جملة من القوانين الغربية، كما لم يكن النظام والنظافة الإسلاميتان بصورة كاملة، وكان ظاهراً في البلاد بقايا التخلف الذي فرضته الحكومة العثمانية() الجديدة الزوال في تركيا وبقايا الحكومة القاجارية() الجديدة الزوال في إيران ولذا سميت الكتاب ب (بقايا حضارة الإسلام..كما رأيت).

والقول ب (إن ما يوجد في البلاد الآن هو من لوازم التكنولوجيا)، غير مستند إلي دليل، فإن التكنولوجيا توجب التقدم لا التأخر لأنها تزيد في قدرة الإنسان لا في ضعفه، وإنما سوء استغلالها بسبب الحضارة المادية هو الذي أوجب تأخير الإنسان، لا الإنسان المسلم فحسب، بل الإنسان الغربي أيضاً.

نعم صار الفرق بين المسلم والغربي، أن الغربي مستعمِر (بالكسر) والمسلم مستعمَر (بالفتح) فزادت مشاكل المسلمين إلي الضعف، ولو فرض – وهو شيء كائن بإذن الله تعالي – أن الحضارة الإسلامية سيطرت علي العالم وتمكنت من توجيه التكنولوجيا لرأي الناس من الهدوء والسكينة والاطمئنان والخير والسعادة والرفاه ما لم يكونوا يحلمون بها حتي في تخطيطاتهم المالية.

وها أنا أذكر مشاهداتي في ذلك الزمان في بضع وعشرين فصلاً.

والله الموفق المستعان.

محمد الشيرازي

قم المقدسة

1 الحريات

كانت الزراعة حرة يزرع من يشاء ما يشاء، في أي موضع من الأرض كيف يشاء، ولذا كثرت الزراعة كثرة غريبة، ورخصت الأسعار رخصاً كبيراً.

كما كانت الصناعة حرة أيضاً وأقصد بها الصناعة البدائية التي شاهدتها، مثلاً: كان في كربلاء أربعمائة قسم من الصناعة أخذاً من صناعة الجلال والسروج والمراوح والحصران الخوصية، وانتهاءً إلي صناعة الأواني والأبواب والبريمزات النفطية والمصابيح وغير ذلك، كان ذلك بدون قيود أو

شروط، أو ضرائب، أو ما أشبه.

كما إن التجارة والاكتساب والتجمع والسفر والإقامة والعمران كانت كلها حرة فكان العراقي يسافر إلي إيران ويرجع، والي الحج ويرجع، ولا جواز ولا ضرائب ولا ما أشبه مما هو معتاد في عالم اليوم إلا نادراً ندرة قليلة، حيث أخذت الحضارة المادية تدخل في البلاد الإسلامية.

أما قبل ذلك فقد حدثني بعض أجدادي ممن سافر إلي الحج قبل ثمانين سنة تقريباً أن سفره كان بحيث زار خلاله لبنان وسورية ومصر وفلسطين والأردن ومكة المكرمة والمدينة المنورة ولم يطالب في مكان من هذه الأمكنة بشيء يسمي بالجواز أو ما أشبه، وقد ذكر: أن سفره طال زهاء سنة وإنما أطال السفرة هذه الإطالة الطويلة ودخل هذه البلاد بعضها اضطراراً لركوب السفن، وبعضها اختياراً لزيارة المراقد المقدسة في مصر وسوريا والأردن وغيرها.

كما أن حيازة المباحات كانت حرة إلي أبعد الحدود، وقد كان الإنسان يستولي علي ما يشاء من الأرض لزراعته، أو عمارته وإني أذكر أن حياً من أحياء كربلاء بني قبل ما يقارب خمسين سنة ولم تأخذ الدولة علي الأرض إلا بمعدل كل متر أربعة فلوس، وكان المتدينون يقولون إنه ظلم بحت.

أما الاستفادة من صيد الماء والهواء والصحراء فكانت مباحة للجميع.

كما أن الكتابة والخطابة كانتا حرتين، فلا قيود كما هو موجود الآن في كثير من بلاد الإسلام علي المنابر، كما لا قيود كذلك علي الكتب أو المجلات أو ما أشبه.

فهذه الحريات الواسعة كان الناس يتمتعون بها، وإذا ضغطت الدولة علي مكان من هذه الحريات كان الناس يقفون صفاً واحداً أمام الحكومة حتي تنتهي الحكومة عن غيها.

كما كان السلاح حراً. فمن يشاء اشتري السلاح، وإني أذكر كيف كانت في كربلاء دكاكين لصنع الأسلحة وتصليحها وبيعها.

أما الانتخابات

لمجلس الأمة فكانت نصف حرة، حيث أن فيصلاً وجماعته كانوا يسعون بالترغيب والترهيب والتضليل في انتخاب جملة من النواب حسب آرائهم، ولكن مع ذلك كانت الحرية طابع الانتخاب العام.

وإني أذكر كيف كانت الحملات الانتخابية والتجمعات في الشوارع وغيرها؟ وكيف كان المتنافسون يبذلون قصاري جهودهم لأجل اكتساب الأصوات؟ ويركضون ليل نهار لأجل جلب ثقة الناس حتي يُنتخبوا، فمثلاً: كان لأحد المرشحين للانتخاب في كربلاء دار مفتوحة ليلاً ونهاراً للضيوف والواردين، وكان يطعم الناس كل ليلة، وله مجلس عزاء للحسين عليه السلام كل يوم صباحاً وليلاً، وكان هو بنفسه يركض من أول الصباح إلي نصف الليل بسيارته ويتجول في الدور والمستشفيات ويحضر المجالس والمناسبات لأجل جلب ثقة الناس، كما أنه كان يحل مشاكلهم إذا راجعوه، سواء المشاكل الاجتماعية أو غيرها.

2 الثقة بين الناس

لقد كان المجتمع يتمتع بثقة بعضهم ببعض في أرفع درجات الثقة، فكان الاقتراض مطلقاً إلا ما شذّ بدون سند()، كما أن البيع والإجارة والرهن وسائر المعاملات كانت تجري كذلك حتي في معاملات الدور والبساتين وما أشبه من الأمور الكبار.

وإني أذكر أن الدار التي كانت محل سكنانا وكنا نستأجرها لم يكن لها أي سند رسمي أو غير رسمي، وإنما كان الأبناء يتوارثونها من الآباء، وكنا نستأجرها منهم، وكذلك كانت غالبية دور كربلاء وبساتينها -كما كانوا يقولون-، أما الدار أو البستان، أو الدكان، أو الحمام الذي كان يتمتع بورقة شرعية، أو رسمية، فقد كان قليلاً جداً.

إن من غير الشك استحباب الإتقان وأخذ الورقة والكتابة كما في القرآن الحكيم() والسنة المطهرة، لكن كانت الثقة الطاغية علي المجتمع موجبة لترك هذا المستحب إلا ما شذّ وندر.

نعم الغالب الذي يشذّ خلافه في النكاح والطلاق أن يكون لهما ورقة، لكن الغالب الذي يشذّ

خلافه أن تكون الورقة شرعية بحتة، كما أن ثقة بعض الناس ببعض في التحفّظ علي نواميس الآخرين وأعراضهم كان في أرفع مستوي وذلك شيء طبيعي في بلد يسود فيه الإيمان والفضيلة والتقوي والعفة وحجاب النساء ويسود الزواج المبكر حتي أنه كان من النادر أن تجد الإنسان شاباً غير متزوج أو شابة غير متزوجة.

3 الأخوّة الإسلامية

وكانت الأخوة موجودة بمعناها الإسلامي الصحيح، فكنت تجد العربي والعجمي والهندي والأفغاني والخليجي وسائر المسلمين أخوة في كل شيء، متراصين في صفوف الجماعة ومتواجدين في المشاهد المشرفة بعضهم إلي جانب بعض، كما أن بعضهم كان يشتري من بعض ويبيع لبعض، ويشتري الأرض ويعمر الأرض ويتزوج من الآخرين ويزوج الآخرين وهم في كل شيء متساوون إلا بالتقوي وإلا بالكفاءة، فلم تكن مسألة القوميات والإقليميات واللونيات وما أشبه، ولم يكن لكلمة (الأجنبي) مفهوم إطلاقاً إلا بالنسبة إلي اليهود الذين كانوا يتواجدون بصورة قليلة في كربلاء المقدسة، كما أنهم كانوا يتواجدون قليلاً في مرقد النبي دانيال عليه السلام بين طريق كربلاء المقدسة والنجف الأشرف، ويضاف عليهم المسيحيون والصابئة في بغداد، حيث كان منهم فئة قليلة، هؤلاء كان يصطلح عليهم بالأجانب.

أما المسلمون فكانوا كلهم أخوة، كما أن الأجانب أيضاً كانوا يعيشون في المجتمع الإسلامي بكل حرية ورفاه وثقة متبادلة وما أشبه ومن الطبيعي أن القلة في المجتمع الكبير تتلون بلون المجتمع، وقد كانت هذه الأقليات تتمتع بعناية المسلمين حسب توصية الرسول صلي الله عليه و اله كما ورد في حديث عنه أنه قال صلي الله عليه و اله: صلي الله عليه و الهمن آذي ذمياً فقد آذاني?().

وإني أذكر كيف ازدري الناس بالحزب القومي الذي ظهر بعد الحرب العالمية الثانية ورأوه خارجاً عن الإسلام، ومخالفاً لموازين المجتمع،

كما أن المجتمع كان يزدري بالأحزاب الأخري التي كانت متواجدة في العراق بصورة قليلة جداً، ولم يكن طابعها الإسلام كالحزب الديمقراطي، وحزب الدستور، وحزب الأمة الاشتراكية، وحزب الاستقلال، إلي غيرها.. فلم تكن هذه الأحزاب بأجمعها تحظي إلا بنسبة ضئيلة من تأييد المجتمع العراقي، حيث أن الطابع العام الإسلام، وهذه الأحزاب لم تكن تتبني الإسلام في دساتيرها، وإنما كانت أحزاباً سياسية تدخل في برامجها شيئاً من الإسلام.

4 الرخص

وقد كان الرخص ضارباً بأجرانه في المجتمع، ولم يكن من الغلاء أثر إلا حين ابتدأت الحرب العالمية الثانية، فقد كان الرخص هو الطابع العام الدائم في المجتمع.

فمثلاً: كان الخبز كل واحد بفلس وأحياناً كل واحد ونصف بفلس، والخبز الواحد هو أكثر من ربع كيلو غرام() حيث كان الوزن المتعارف ذلك اليوم ما يسمي ب (الوقية) والوقية كانت أكثر من الكيلو غرام، كما أن المتعارف كانت (الحقة) والحقة كانت أكثر من أربع كيلوات، و(الوزنة) أكثر من مائة كيلو غرام والبيض كان كل ثمانية بأربعة فلوس، وأحياناً كل ستة بأربعة فلوس، والدهن كل أربع حقات بربع دينار، أي مائتين وخمسين فلساً، واللحم كل أكثر من ربع كيلو() بستة فلوس للحم الشاة الطازج، والدجاجة السمينة كانت بخمسة عشر فلساً، وأحياناً تصل إلي عشرين فلساً، (وكيس) من الأرز العنبر وهو قسم عال من الأرز كان بربع دينار، والكيس يحتوي علي أكثر من مائة كيلو، والملح كانت النساء تأتي به من معدن هناك قرب كربلاء فكان يباع كل كيلو بفلس أو أقل من فلس، وإذا دخل الإنسان الحمام العمومي لأجل الاغتسال فقط كانت الأجرة فلساً، وإذا أراد التدليك والتنوير وما أشبه فكانت الأجرة أربعة فلوس، وأجرة السيارة الصغيرة بين النجف وكربلاء خمسة عشر فلساً

وأحياناً تصل إلي عشرين فلساً، أما السيارة الكبيرة فكانت أجرتها عشرة فلوس، وأحياناً تنزل عن ذلك.

أما الفواكه فكان رخصها شيئاً غريباً في عالم هذا اليوم، فمثلاً: الرقي (الدابوعة)() كانت كل وزنة منه (والوزنة تعادل أكثر من مائة كيلو) بربع دينار وأحياناً أكثر إلي نصف دينار، وعلي هذا قس سائر الفواكه كالرمان والعنب والبطيخ والتفاح وما أشبه.

وعلي هذا المستوي سائر البضائع والحاجيات، فقد كنا نستأجر دارنا التي كنا نسكنها كل عام بثلاثة دنانير، كما إني أذكر أن أصحاب الدار اقترحوا لوالدي? أن يشتري الدار بأربعة وعشرين ديناراً، فاعتذر والدي عن اشترائها.

ولا يتوهم أن الغلاء الحالي في قباله أيضاً كثرة النقد، إذ قد ذكرنا في بعض كتبنا الاقتصادية أن الغلاء أكثر من النقد: فالأجور مثلاً ارتفعت إلي مائة ضعف، بينما الغلاء ارتفع إلي مائتي ضعف، ولذا يوجد في العالم أكثر من ألف مليون جائع()، كما جاء في تقرير أن ما يقرب من خمسين مليون طفل يموتون كل سنة لعدم توفر الغذاء والدواء وما أشبه().

فإن المادية الحاضرة فرضت علي الإنسانية غلاءً متفاحشاً، حيث يصرف قسم كبير من المال في السلاح والإبادة والتدمير، وقسم ثان منه في الإسراف والتبذير، وقسم ثالث منه في زيادة الموظفين، وقسم رابع منه في التجميلات المرتفعة الأسعار، مما سببت امتصاص أكبر قسم من أتعاب الناس وجعلت أكثر من نصف البشر لا يتمكنون حتي من تأمين أولياتهم، وذلك بسبب القيادة المنحرفة التي سيطرت علي العالم بسبب الحكومات الرأسمالية والشيوعية والاشتراكية، كما ذكرنا شيئاً من ذلك في كتبنا الاقتصادية().

5 قلة المشاكل

وحيث كانت الحريات وقلة الموظفين والرضي بالمعيشة والإيمان والفضيلة لم تكن المشاكل إلا قليلة جداً.

فلم تكن مشاكل للناس من جهة الإقامة والتذكرة والهوية والجنسية والجواز ورخصة البناء

ورخصة العمل ورخصة السفر ورخصة الإقامة.

ولم تكن منازعات بين الناس كالمنازعات بين الزوجين والشركاء والمتعاملين والجيران ومن إليهم إلا قليلاً.

وإني أذكر أنه لم تكن لهذه اللفظة (المشكلة) في المجتمع من أثر، وإذا وقعت مشكلة فرضاً كانت تحل حلاً يسيراً سريعاً().

6 قلة الأمراض

وذلك:

1 لوجود المناهج الصحية الإسلامية والسائدة بين المجتمع في المأكل والمشرب والملبس والمسكن والزواج والنوم والنظافة والطهارة والاستحمام وغيرها.

2 ولأن الناس كانوا يجتنبون المواد الضارة في الأطعمة والأشربة أمثال الخمر ولحم الخنزير ولحم الميتة ونحوها.

3 ولأنه لم يكن قلق ولا فوضي مما يسبب الأمراض، ولم يكن غش في الأطعمة.

ولأسباب أخري.. وقاية وعلاجاً..

أما الأمراض الدائمة فلم يكن لها أثر في المجتمع إلا نادراً ندرة إنسان واحد في كل عشرين ألف أو ثلاثين ألف، كما لم تكن من الأمراض الخبيثة أثر كالسرطان ونحوها.

وإني أذكر أني رأيت علي لافتة طبيب هذه العبارة (علاج الأمراض المستوطنة) فتعجبت من ذلك أكبر التعجب ونقلت ذلك للأصدقاء وتباحثنا حول أنه هل بالإمكان أن يكون مرض مستوطن؟

كما أنه وقعت سكتة قلبية في شارع الإمام علي عليه السلام (والذي كان يسمي سابقاً بشارع البلوش) فاجتمع الناس من كل نواحي كربلاء حتي غص الشارع بالناس وأخذ يتساءل بعضهم من بعض: وهل من الممكن أن ينام الإنسان ولا يستيقظ؟ فكان بعضهم يستشهد بالآية المباركة()، وبعضهم يتعجب وبعضهم يقول: إنه لم يمت وإنما غلبت عليه حالة الغشية، إلي غير ذلك..

وتبعاً لهذا فقد كان الأطباء قليلين جداً حتي أن مدينة واحدة كانت تحتوي علي طبيب واحد أو طبيبين، ولم يكن للصيادلة من أثر، حتي إني أذكر أن في كربلاء المقدسة علي كثرة جمعيتها وإنها محل الوافدين والزائرين كانت صيدلية واحدة فقط، ولم تكن مستوصفات ولا مستشفيات إلا مستشفي

واحداً قلّ ما يدخل فيه المرضي.

وأجرة الطبيب والأدوية كانت رخيصة، فمثلاً: الطبيب ما كان يتقاضي أجوراً، فمن أعطاه شيئاً فبها ونعمت ومن لم يعطه لم يسأله، والذي يعطي هو مخيّر في أن يعطي ما شاء حتي إني أذكر أن طبيباً واحداً كان يتقاضي من كل مراجع عشرة فلوس، ولما ارتفع السعر كان يتقاضي عشرين فلساً فقط.

وقد اجتاحت كربلاء المقدسة موجة من الملاريا فأصبنا نحن جميعنا (أهل الدار) باستثناء والدنا ? ()وكنا عشرة فكان رجل (نصف طبيب) يأتي كل يوم إلي دارنا صباحاً، ويصف لنا الدواء والأكل، وطال مرضنا ما يقارب الشهر وبعد إبرائنا من المرض كان كل مصاريف الطبيب والدواء نصف دينار، وقد كان الدواء عقارات طبية يونانية من الأعشاب ونحوها التي تحصل في نفس البلاد.

7 القضاء

وقد كان القضاء الإسلامي سائداً نوعاً ما في البلاد، مثلاً: كان في كربلاء المقدسة أحد العلماء واسمه (السيد عبد الحسين الحجة?)() كان يصلي الجماعة في صحن الإمام الحسين عليه السلام ويدرّس الدروس العالية في نفس الصحن ليلاً قرب باب الزينبية وكانت له رسالة عملية ويقلّده جماعة من الناس هو الذي يقضي في كربلاء قضاءً شرعياً، حسب قول الإمام عليه السلام: صلي الله عليه و الهفإني قد جعلته عليكم حاكماً?() وكان أهالي كربلاء يرجعون إليه، بل وأهالي حوالي كربلاء من القري والأرياف، في بيعهم وشرائهم ورهنهم وإجارتهم ووقفهم وصلحهم وزواجهم وطلاقهم، وأموال القصّر والغيّب والأيتام كانت بيده، كما إن المشاكل كان يحلّها، ولم يكن هنالك محامون ولا رسوم للقضاء ولا تشريفات ولا تعطيل، فكان يكتب المعاملة والنكاح والطلاق وغيرها في ورقة، ولم يكن يتقاضي حتي فلساً واحداً، وكان له محرر يكتب العقود ونحوها ويوقعها هو، وأحياناً كان شاهدان آخران جالسان

عنده يشهدان علي الورقة، كان في داره دهليز كبير في طرفي الدهليز مصطبتان مبنيتان من الآجر والجص، وكان علي المصطبة في الشتاء قسم من الزوالي الرخيص (گليم)()، وفي الصيف قسم من الحصير، وكان يجلس هناك صباحاً ثلاث ساعات أو ساعتين ويقضي في كل قضايا البلد.

وإذا كان إنسان يخالف أمره يهدده بالتعزير، وكان تعزيره خفيفاً جداً، بل ولم يكن يحتاج إلي التعزير في أكثر الأوقات، لأن الإهانة الاجتماعية التي كانت تلاحق المعزَّر، كانت تصرف المخالفين في القضاء عن إبدائهم المخالفة فيرضخون لأوامره، وكان حكمه مأخوذاً من الكتاب والسنة والإجماع والعقل، أي المستند الإسلامي بكامله.

كما أنه لم تكن هنالك سجون، وإنما كان للحكومة سجن هو عبارة عن غرفة كبيرة لا تعدو أن تكون عشرة أمتار في مجموعها في دار الحكومة (والتي كانت تسمي بالسراي)، وكان السجن في أغلب الأحوال فارغاً إلا من مجرم أو مجرمين أو ثلاثة أو ما أشبه.

وبعد الحرب العالمية الثانية حيث انتشرت الحضارة الغربية في البلاد حدثت قصة نزاع علي أرض زراعية بين شخصيتين كبيرتين من كربلاء وطالت لمدة ثلاث عشرة سنة وانتهت القضية بموت أحدهما.

كما أذكر أن قضية ثانية وقعت في النجف وطالت إحدي عشرة سنة، وأخيراً راجع الطرفان أحد علماء النجف فأنهي القضية في ظرف ثلاث ساعات.

وقضية ثالثة وقعت في أصفهان وقد دامت خمس عشرة سنة وانتهي الطرفان إلي عالم هناك فأنهي القضية في ظرف ساعتين.

وهكذا الإسلام بسيط في جميع شؤونه وواقعي في جميع شؤونه بغير التواء وتعطيل وانتهاب مال وتعقيد لمشاكل.

8 الأمن

وقد كان الأمن مستتبّاً في البلاد بصورة مذهلة، ولم تكن هناك مباحث أو ما يقال له في الاصطلاح (بالسرِّي) بالشكل الموجود حالياً وكان يعد ذلك في ذلك الوقت من التجسس

المحرم في الشريعة الإسلامية().

فكان الإنسان يري الدكاكين مفتحة إلي نصف الليل، والسيارات تأتي وتذهب، والبيوت أحياناً لا تغلق أبوابها، وكذلك جملة من الدكاكين، والإنسان كان يتمشي نصف الليل، وفي وقت السحر في كل شوارع البلد حتي البعيدة منها عن الصحنين المقدّسين.

نعم كان في بغداد دائرة تسمي ب(السايدي) تابعة لبريطانيا هي الدائرة المعروفة للتجسس، وكانت تتجسس في مستوي كبير لا في مستويات صغيرة مثلاً: كانت تتجسس علي كبار زعماء العشائر، أو علي كبار الشخصيات، أو علي كبار العلماء فكانت لكل واحد منهم في السايدي إضبارة خاصة، وكانت هذه القضية مثار تعجب الناس واستغرابهم، ويتساءل بعضهم من بعض إذا وصل الكلام إلي ذلك:

هل هذا صحيح؟

وهل هذا ممكن؟

وما هي الفائدة من ذلك؟

وأمثال هذه الأسئلة..

9 المجتمع

وكان المجتمع عائلة واحدة يرحم كبيرهم صغيرهم ويوقر صغيرهم كبيرهم، ويقضي بعضهم حوائج بعض.

وقد كان المجتمع مثالاً بارزاً لهذه القصة: فقد روي أنه التقي أمير من الأمراء بأحد الأئمة عليهم السلام، فقال الخليفة للإمام: عظني؟ فقال له الإمام عليه السلام:

إن في المسلمين الأكبر والمساوي والأصغر منك عمراً فاجعل أكبرهم أباً وأصغرهم ابناً وأوسطهم أخاً، فبرّ أباك وصل أخاك وارحم ابنك().

وقد كثرت في المجتمع - تبعاً لذلك -: الإطعامات في وفيات المعصومين وولاداتهم عليهم السلام، وفي أيّام عاشوراء، وأيام رمضان، وأيام الحج، وأيام الزيارات، وبمناسبات الأعراس، والوفيات، والختان، واشتراء الدار الجديدة والانتقال إلي دار أخري، ولو بعنوان الإيجار،أو بمناسبة الذهاب إلي الحج، والرجوع من الحج، وبمناسبة الذهاب إلي خراسان والرجوع من خراسان، إلي غير ذلك..

وقد كانت الأرحام موصولة، والجيران يتعاطف بعضهم مع بعض إلا ما شذّ.

10 قلة الجرائم

وكانت الجرائم قليلة جداً، فلا سرقة ولا اغتصاب للفتيات، ولا قتل ولا جرح، مع أن السلاح كان بيد الكثير من الناس وقد كان الزمان شبيه زمان وجود السيف، حيث كان الغالب يمتلكون السيف، ومع ذلك لم يكونوا يستعملون السيف للأغراض الإجرامية.

وقد كان كل إنسان يعرف أنه يجب أن يعيش بسلام، وأنه مسؤول محاسب أمام الله، وأن المجتمع ينظرون إليه باحترام، فإذا خالف موازين المجتمع لحقته عيون الازدراء، فكان خوف الله من الباطن وضغط المجتمع من الخارج يسببان عدم وقوع الجريمة.

11 الزواج

وكان الزواج المبكر هو السائد في المجتمع، والفتاة كانت تزوَّج في السنة الثانية عشرة والثالثة عشرة والرابعة عشرة، كما أن الشاب كان يزوَج في السادسة عشرة والسابعة عشر والثامنة عشرة، فقد اتخذ المجتمع قوله صلي الله عليه و اله:

صلي الله عليه و الهتناكحوا تناسلوا تكثروا فإني مباه بكم الأمم يوم القيامة ولو بالسقط?().

وقوله صلي الله عليه و اله: صلي الله عليه و الهمن سعادة المرء أن لا تحيض ابنته في بيته?().

وقوله صلي الله عليه و اله: صلي الله عليه و الهمن تزوج فقد أحرز نصف دينه – أو ثلثي دينه – فليتق الله في النصف الباقي?() اتخذها أسوة وشعاراً.

ولذلك لم تكن تجد – غالباً – رجلاً بدون زوجة ولا امرأة بدون زوج، وحتي إني أذكر أن أربعة رجال فقط كانوا غير متزوجين، كل اثنين منهما أخوة، فكان هؤلاء مثار تعجب الناس.

وكانت المهور بسيطة إلي أبعد الحدود، فكان يقتنع بمهر يؤمّن الأوليات البسيطة جداً، وكان الزواج غالباً – مما يندر خلافه – يقع في بيت أب الزوج، أو أب الزوجة فكانت العائلة تخصص غرفة في دارها، لأجل الزواج الجديد، فلم تكن الأخشاب، ولا التشريفات الحالية إطلاقاً،

ولذا كانت المهور رخيصة إلي أبعد الحدود.

حتي إن والدي ? ذكر أنه لما تزوج المرحوم السيد عبد الهادي الشيرازي?() لم تكن تختلف ليلة الزواج عن ليلة ما قبلها إلا بأنه اشتُريت للزوجة أشياء بسيطة جداً، ثم انتقلت الزوجة في ليلة الزواج من غرفة العائلة إلي غرفة الزوج، وهي غرفة أخري في نفس الدار.

وكانت العائلة تتعامل مع الزوجة الجديدة كبنتهم، أو مع الزوج الجديد كولدهم.

وما كانت الدراسة، أو الجندية أو ما أشبه تمنع عن الزواج، ولذا لم تكن حاجة للشباب والشابات إلي الانحراف الجنسي والمحرمات كالزني واللواط والاستمناء وما أشبه.

نعم يجب أن أذكر أن تعدد الزوجات كان قليلاً، ولم يكن كأوائل الإسلام مما كان متعارفاً، وأظن أن السر كان يعود إلي أن جملة من الأزواج المتعددي الزوجات أساؤوا إلي الزوجة الثانية أو إلي الزوجة الأولي، مما سبب امتعاض المجتمع عن مثل ذلك.

12 الوفاء والصفاء

وقد كان المجتمع، مجتمع وفاء وصفاء – غالباً – فلا مكر ولا خداع ولا التواءات ولا ما أشبه، فقد كان المجتمع في الطابع العام متخذاً من قوله سبحانه:

?ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين?.()

وقوله تعالي: ?يخادعون الله وهو خادعهم?.()

وقول الإمام عليه السلام حيث أجاب عن سؤال من سأله: ما الحيلة؟ بقوله: صلي الله عليه و الهفي ترك الحيلة?،أسوة وشعاراً.

وقد كان الوفاء سائداً في المجتمع بعضهم يكون صديق بعض من أول عمره، أو من حين يصادقه إلي آخر عمره، فلا تقاطع ولا تدابر ولا تنازع، وكانوا يعتقدون أنه لو هجر بعضهم بعضاً فوق ثلاثة أيام لم تقبل صلاتهم وعباداتهم –كما ورد في الحديث-.

كما أن الصفاء كان سائداً في المجتمع، وكان لا يخفي بعضهم عن بعض شيئاً، ولا يلتوي معه في كلام أو عمل، ولذا لم يكن

بعضهم يواجه الآخر بوجهين وبلسانين، وكان في أذهان الكل صلي الله عليه و الهمن حفر بئراً لأخيه وقع فيها?().

13 الالتزام بالدين

فقد كان المجتمع ملتزماً بالدين في أصوله وفروعه وعقائده وأخلاقه وآدابه، فلم تكن تجد في كل المجتمع حتي رجلاً واحداً أو امرأة واحدة ترمي، أو يرمي بالإلحاد، كما لم يكن غالباً ظلم ظاهر من أرباب العمل بالنسبة إلي العمال، ولا من أصحاب المزارع بالنسبة إلي الفلاحين، فلم يكن يسمع من مشاكل العمال والفلاحين إلا نادراً، ولم يكن يسمع تارك صلاة ولا تارك صوم.

وكانت تقام في كثير من الدور مجالس العزاء والوعظ والإرشاد في الأسبوع مرة، أو في كل وفاة، أو ما أشبه ذلك..

وقد نقل لنا أحد علماء كربلاء وهو المرحوم السيد محمد حسين الكشميري أنه ذات مرة ذهب إلي بغداد وسمع فيها أن شاباً لا يصلي، فتعجب من ذلك، وطلب اللقاء بالشاب، وبعد ما هيئ له اللقاء سأل الشاب هل أنت مسلم؟ فقال الشاب: نعم. فقال: وهل أنك تارك للصلاة؟! فأطرق الشاب برأسه ولم يقل شيئاً. فنصحه السيد بأن يعود إلي صلاته ودينه.

ومن هذه القصة يظهر أنه كيف كان حتي تارك صلاة واحد مثار التعجّب والاستغراب.

ولم يكن الإنسان يسمع بخمّار ولا زانٍ ولا قمّار ولا امرأة سافرة، ولا بمحل خمر أو قمار أو مبغي، أو ما أشبه..

وإني أذكر حتي أن الإنسان لم يكن يري حالق ذقن واحد إطلاقاً، نعم المظهر الوحيد لآلات اللهو كان في أيام الأعراس، حيث أن فرقة مخصصة من الطبالين والزمّارين كانوا يأتون إلي دار الزوج في اليوم الأول، وكان هناك خلاف بين محرم له ومحلل.

وقد نقل لي أحد علماء كربلاء:

أنه ذهب إلي بغداد فرأي في بغداد امرأة سافرة في الشارع تتفرج، فتعجب

منها وكان ذلك صباحاً، ثم رآها أيضاً عصراً، ثم رآها في صباح اليوم الثاني، فسأل عنها؟ فقالوا: إنها امرأة بريطانية تسكن السفارة البريطانية، وإنها جاءت خصيصاً إلي بغداد لأجل أن تتفرج في الشوارع سافرة متبرجة لأجل أن تتعلم منها نساء بغداد وإنها أسست جمعية نسوية لأجل تعليم السفور، وانضمت إليها جملة من النساء المسيحيات واليهوديات.

كما نقل لي أحد علماء بغداد وهو المرحوم السيّد هبة الدين الشهرستاني()? أنه لما ظهرت هذه المرأة اجتمع جملة من العلماء لأجل مكافحة السفور، وحيث لم يكونوا يتصورون أن وراء هذا الشيء قوة استعمارية كبيرة، انفض المجلس بدون نتيجة، حيث أن أحد الحاضرين قال: إنه ليس بشيء وإنه يضمحل تدريجياً ثم تمثل بهذا المصرع من الشعر:

(سحابة صيف عن قريب تقشع).

قال السيّد: وحين أن تفشي السفور بعد سنوات اجتمعنا اجتماعاً ثانياً لأجل مكافحة السفور، وإذا بنفس ذلك الرجل الذي تمثل بذلك البيت في الاجتماع الأول قال متمثلاً:

(اتسع الخرق علي الراقع).

لكنا اتخذنا تدابير لأجل المكافحة، ولم تنفع تلك التدابير إلا قليلاً.

وإني أذكر أنه وصلت حالة بغداد أواخر الملكيين إلي حيث أن المرأة المتحجبة كانت ترمي بالسوء! وهكذا أصبح المنكر معروفاً والمعروف منكراً، كما أخبر به رسول الله() صلي الله عليه و اله، أما في زمان الجمهوريين فالأمر صار أشنع.

14 الرضي والقناعة

وأذكر أن شعار الجميع إلا من شذّ وندر كان الرضي والقناعة، وذلك يوجب من ناحية اطمئنان النفس، وفي الدعاء: (والرضي بالقضاء)().

وليس معني الرضي أن لا يسعي الإنسان، وإنما معناه أن يرضي بقدر سعيه، لا أن يمد رجله أكثر من ذلك، وقد قال سبحانه وتعالي: ?ولا تمدن عينيك إلي ما متعنا به أزواجاً منهم زهرة الحياة الدنيا?()، وفي الأحاديث: ينظر الإنسان في دنياه إلي من

هو دونه، وفي آخرته إلي من هو فوقه.

أما القناعة فهي كنز لا ينفد، إذ توجب عدم استغلال الغني مال الفقير لأجل الجشع والحرص، ولا طمع الفقير في مال الغني.

وفي الحال الحاضر يشاهد أن التعب النفسي والجسدي ومد اليد إلي مال الناس بالاحتكار والربا والاستغلال والسرقة والالتواء وما أشبه تحت مختلف العناوين البراقة أحياناً، والباهتة أحياناً لا يكون إلا لأن الرضي والقناعة ذهبا عن المجتمع.

والحكومة وإن كانت استعمارية حيث أن الغرب هو الذي أتي بفيصل إلا أن الحكومة لم تكن مثالاً فاضحاً ل (سبعاً ضارياً) علي حدّ تعبير الإمام أمير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة() في وصف بعض الحكومات، بل ولو فرض أنها كانت حكومة ضارية فكان ضررها قليلاً نسبياً، ولذا لم يكن الناس يكرهون الحكم إلا من جهة الدين، أو من جهة الوطن كجماعة من العلماء وآخرين من المثقفين، وآخرين من المتدينين الذين يفهمون أنها ليست حكومة دينية، أو ليست حكومة وطنية بمعني الكلمة، ولذا لم تثمر محاربتهم لحكومة فيصل ولم يساعدهم الناس في إسقاطه حتي آل الأمر إلي تسفير جماعة من العلماء أمثال: السيد أبو الحسن الأصفهاني()، والشيخ ميرزا حسين النائيني()، والسيد محمد علي الطباطبائي، والشيخ مهدي الخالصي() وغيرهم من علماء النجف وكربلاء والكاظمية (رحمهم الله).

وحتي إني أذكر أن الملك لما كان يأتي إلي كربلاء كان بدون تشريفات زائدة، وإنما معه بضع سيارات فقط، وإنه كان ينزل قرب حرم الإمام الحسين عليه السلام، ولا حرس ولا شرطة إلا قليلاً، وحتي لو أرادت الجماهير قتله لأمكن قتله مائة مرة لا مرة واحدة لازدحام الطريق والسطوح لرؤيته، وسر ذلك أن الحكومة لم تكن سبعاً ضارياً بمعني الكلمة، وكان في العراق آنذاك نوع من الحرية.

وكان قسم

من الحريات متوفراً كما أشرنا إليه في فصل سابق.

كما إن السجون كانت فارغة، وكان السجن غالباً مختصاً بقسم من المجرمين ممن كان جرمهم كبيراً، وكانت المحاكم تعمل بقدر متوسط من النزاهة، كما أن أحد الخطباء شتم الحكومة فوق منبره وهاجمها مهاجمة قارصة وأمر الناس بإسقاط الحكم فلم تفعل الحكومة أكثر من أن سفّرته من النجف إلي كربلاء وحجزته في فندق، وكان الناس يذهبون زرافات زرافات لزيارته. وكان كل معني حبسه أنه لا يخرج من الفندق، ولم يدم ذلك إلا ما يقارب الشهر ثم أطلق سراحه.

وإني أذكر أيضاً أنه لم تكن الإعدامات حتي أن أربعة شيوعيين فقط أعدموا في زمان متأخر أحدهم مسيحي، والآخر يهودي، والثالث شيعي، والرابع سني، أعدمهم نوري السعيد حيث كانوا من الهيئة المركزية للحزب الشيوعي، وقد فزع الناس لإعدامهم مع اعتقاد الناس بأنهم ملحدون مرتدّون، وأنهم فاسدون مفسدون ويجب قتلهم، لكن القتل كان شيئاً بشعاً في أنظار الناس جداً.

كما إني أذكر أن أحد المحامين قتل حاكماً في المحكمة، وكان ذلك خرقاً للقانون:

أولاً: لأجل القتل.

وثانياً: لأجل انتهاك المحكمة.

وثالثاً: لأجل قتل الحاكم الذي كان في ذلك اليوم بمثل الملك، فكان يعد هذا الشيء اعتداءً علي الملك بذاته.

ولم يعدم هذا الشخص إلا بعد ما يقارب السنة من التداول والمحاكمات والاستئناف والتمييز والنشر في الصحف والمؤتمرات حول قتله، ولما قتل جيء به إلي كربلاء وشيّع تشييعاً كبيراً واتخذت له الفاتحة، وكان الناس بين مؤيد لقتله لأنه قتل وجزاء القتل القتل، وبين منكر حيث كانوا يلقون اللوم علي الحكومة وأنها هي التي أفسدت المجتمع مما سبب مثل هذه الجريمة.

وربما يتصور أن مثل هذا التحرك بدون محافظة بالنسبة إلي الحكومة لا يمكن في الحال الحاضر، لأن حكومات الغرب

والشرق تحرض علي قتل الكبار واغتيالهم فكيف يمكن أن ترجي إعادة الحالة السابقة؟!

والجواب: إن منح الحريات المعقولة ووجود الأحزاب الإسلامية الحرة والصحف الحرة وظهور الكفاءات وعدم البطالة وما أشبه يوجب الرفاه وعدم الكبت، مما تكون فرص الاغتيال والانفجار قليلة جداً، ولذا نشاهد هذا الشيء في جملة من البلاد، وفي المثل: (الضغط يولد الانفجار).

ولماذا يقتل شخص حتي الرئيس، فإنه يعلم أن في حالة الاستشارية الإسلامية لا ينفع قتل الرئيس، فإن الرئيس إذا ذهب يأتي غيره مكانه بدون تغيير نظام أو زيادة أو نقيصة.

نعم ربما يكون الأمر عداءً شخصياً للرئيس وهو قليل جداً أيضاً.

وإن شئت قلت: إن الاستشارية (الإسلامية) تخفف من خوف رئيس الدولة وأعضائها كثيراً.

15 الاكتفاء الذاتي

وكان الاكتفاء الذاتي سائداً في البلاد، فالإنتاج كان من نفس البلاد إلا ما شذّ وندر، فكانت الملابس والمآكل والمشارب وحتي المراكب من إنتاج نفس الوطن، حيث أن الدواب كانت هي المركب المنتشر وكانت هي سبب نقل البضائع والفواكه وغير ذلك إلا في بعض الأسفار لبعض الناس كالسفر من النجف إلي كربلاء، ومن كربلاء إلي بغداد والي غير ذلك.

ومن الواضح أن الإنتاج الوطني يوجب أولاً: الرخص، وثانياً: تشغيل الأيادي العاملة، وثالثاً: عدم اضطراب السوق، بأن يرتفع الشيء مرّة وينخفض مرّة فيقع الغلاء مرّة والرخص مرّة كما هو طابع عالم اليوم خصوصاً في العالم الإسلامي.

وأذكر أنه لما قامت الحرب العالمية الثانية لم يقع الناس في الاضطراب إلا من جهة السكّر والقماش، وقد فرض عليهما تموين، فبينما كان العالم يحترق في أتون الحرب كنا نستمع إلي أخبار الحرب من الإذاعات فقط، ولماذا الاضطراب؟ و الحال أن المسكن والمأكل والمشرب والفواكه والدواب والزراعة والصناعة الخفيفة وغيرها كلها كانت من البلد.

كما أنه لم يكن عند الناس

إسراف وتبذير وتجمل مثل ما حدث في هذا اليوم، وكانوا يطبّقون حتي الحديث() الوارد في النهي عن طرح النواة وصب فضل الماء، وحتي أن نويات التمر كانت تطحن لطعمة الدواب، بل حتي النفايات كانت تباع لأجل أن يُنتفع بها، وكانت النجاسات والأوساخ تلقي في المزارع كسماد.

وإن شئت قلت: إن الحضارة كانت موجودة بأكثرية معني الكلمة -ولا أقول بكل معني الكلمة- بدون أن يكون قد تدخلت التكنولوجيا فيها.

16 الدوائر الحكومية

وكانت الدوائر الحكومية قليلة جداً حتي أن الغرف في دار الحكومة والتي كانت تسمي بالسراي في شارع سيّدنا العباس عليه السلام كانت قليلة جداً: غرفة للمتصرف، وغرفة للحاكم، وغرفة للقاضي الشرعي، وغرفة لمدير الشرطة، وبضع غرف أخري لمساعدة هؤلاء، وغرفة للسجن.

كما كانت هناك دائرة ثانية تسمي بالبلدية لشؤون البلد لم يكن فيها إلا غرف قلائل، وكانت عمارة عادية في مكان يسمي بالميدان قرب الصحن المقدّس. وكانت السراي والبلدية تفتح أبوابها ثلاث ساعات أو أربع ساعات في الصباح فحسب، حيث لم تكن أشغالها كثيرة.

وكان الموظفون قليلين جداً، ومع ذلك كانوا مزدرين من قبل الناس بانهم الظلمة وأعوان الظلمة وإن مراجعتهم لا تجوز، وحتي أني أذكر أنه إذا وقع نزاع وروجع الحاكم أو القاضي مما كان يسمي قاضياً شرعياً وكان تابعاً للحكومة كان الناس يرون أن هذه المراجعة محرمة شرعاً، ويتعجبون من المراجعين، لأن القضايا كانت تحل علي يد العلماء كما ذكرنا في فصل سابق، كما أن كثيراً من القضايا لم تكن يرجع فيها حتي إلي العلماء، وإنما أهل الصنف يفصلونها بينهم في السوق. ونزاعات العوائل كانت تحل من قبل كبير العائلة أو من قبل الجيران أو من أشبه.

وقد ذهبت مرة بصحبة أحد الأصدقاء والذي كان له شغل في السراي

إلي السراي فرأيتها فارغةً إلا من بضعة أشخاص فقط.

17 الأحزاب

وفي العراق وإن كانت بعض الأحزاب علمانية كحزب الدستور والأمة الاشتراكية وغيرهما إلا أن الأحزاب الدكتاتورية لم تكن موجودة كالحزب القومي والبعثي والشيوعي، ولذا لم تكن حدة إطلاقاً بين الناس، وإنما جاء بها الأحزاب التي سمت نفسها بالثورية مما كونها الشرق أو الغرب والغالب أن هذه الأحزاب في بلادنا حتي الشيوعية منها مكونة بسبب الاستعمار البريطاني كما هو واضح.

والأحزاب العلمانية الديمقراطية التي كانت موجودة كانت ضئيلة جداً، ومع ذلك كانت تخدم المجتمع لأجل أن تحصل علي الأصوات وكانت تركض ليل نهار لأجل جلب رضي المجتمع.

نعم، إنه من الضروري في المستقبل أن تكون الأحزاب إسلامية ومنتهية إلي المرجعية حتي تتمكن من جمع الشباب تحت لواء المرجعية، وحتي لا يتمكن الشرق والغرب من سحب الشباب وجمعهم تحت لواء أحزاب ديمقراطية غربية أو دكتاتورية شرقية.

وقد ذكرنا في بعض الكتب الإسلامية: أنه من الضروري وجود التجمعات، وقد كان التجمع منذ القديم لكن في القديم كان التجمع بشكل العشائر وهو تجمع طبيعي، ولما جاء عصر الآلة انتقل ذلك النحو من التجمع وصار تجمعاً ثقافياً وهو ما يسمي في الاصطلاح الحديث بالحزب.

18 السلطة والقدرة

وقد كانت القدرة موزعة في فئات كبيرة أولاً، ثم في كل قسم كانت القدرة موزعة في وحدات أصغر، مما كان لا يدع مجالاً للدكتاتورية.

فقد كانت القدرة موزعة بين ثلاث طوائف: الحكومة من ناحية والعشائر من ناحية ثانية، والعلماء من ناحية ثالثة، وكانت قدرة العشائر متحالفة مع قدرة العلماء، حيث أن العشائر كانوا مقلِّدين للمراجع، ولذا كانت الحكومة تخشي العلماء لأن بيدهم قدرة الاجتماع من طرف وقدرة العشائر السلاحية والتجمعية من طرف آخر.

وفي ظل توزيع السلطة والقدرة وكذا التعددية كانت البلاد مزدهرة، والصناعة والتجارة والزراعة والثقافة والحوزات العلمية والعتبات المقدسة

والمجالس والتجمعات عامرة.

ثم إن كل قدرة من هذه القدرات الثلاث كانت موزعة، فكانت قدرة الحكومة موزعة بين الأحزاب التي كانت تسمي بالديمقراطية وغيرها، وقدرة العلماء أيضاً كانت موزعة بين مراجع التقليد، كما أن قدرة العشائر كانت أيضاً موزعة بين العشائر المتنوعة، وبهذه الكيفية من توزيع القدرة حصل التوازن وسلم الناس في أعراضهم وأموالهم ودمائهم وشخصياتهم، وقد دل التاريخ علي أن القدرة إذا اجتمعت في مكان تَفسُد وتُفسِد، وإن القدرة إذا كانت موزعة في إطارات معقولة تَصلُح وتُصلِح، فإن القدرة كالنار إذا زمّت نفعت، وإذا أطلقت فسدت وأفسدت.

وإني أذكر كيف أن الحكومة البريطانية كانت تحاول بشتي الوسائل والسبل للإيقاع بين هذه القدرات بعضها مع بعض تبعاً لقانون (فرق تسد) لكن العقلاء كانوا يقفون لذلك بالمرصاد وكانوا يعبِّرون عن حكومة بريطانيا بالدولة المنافقة ذات وجهين وذات لسانين كما كانوا يعبِّرون عنها بالحكومة المفسدة.

ومما يذكر في هذا الصدد أنه أرسلت السفارة البريطانية أحد عملائها مع ألف ليرة ذهبية في كوفية إلي إحدي العشائر في الشمال مزوّدة له بتعليمات فذهب هذا الشخص إلي دار رئيس العشيرة وقدم له هذه الألف ليرة الذهبية باعتبار أنه سافر إلي الشمال فوجد هذه الليرات قرب دار الشيخ وكان الشيخ جالساً في مضيفه بمحضر أفراد كثيرين من عشيرته فتقبل الشيخ الليرات وقال: إني سوف أفحص عن صاحبها، وخرج الرجل وجاء إلي عشيرة ثانية تنافس العشيرة الأولي ونقل لشيخ العشيرة الثانية وهو جالس في مضيفه بحضور جماعة من عشيرته قصة الألف ليرة، وأنه وجدها في الشارع وأعطاها للشيخ الفلاني.. وطمع كلا الشيخين في المال، لأن ألف ليرة في ذلك اليوم كانت لها قيمة كبيرة وسبَّب ذلك أن يدّعي كل من الشيخين أن المال له وأخذا

يتحاربان ولم يخرج الرجل من القريتين إلا وبينهما تخاصم وتحارب وسفك دماء.

لكن كانت محاولات بريطانيا في إلقاء النفاق بين الناس تبوء غالباً بالفشل كما ذكرنا سابقاً، لأن العقلاء والعلماء كانوا يصدون عن هذه النزاعات أو يحلونها، ولذا فكرت بريطانيا طويلاً ماذا تصنع حتي تنهب خيرات العراق أكثر فأكثر وتذل أهلها أكثر فأكثر وذلك بسبب الحقد الدفين الذي عندها ضد المسلمين وضد العراقيين بصورة خاصة، وأخيراً توصلت إلي انقلاب عبد الكريم قاسم الذي جرد العشائر عن السلاح بمختلف الأعذار الواهية وسقط ميزان تكافؤ القوي، ولذا بقي العلماء أمام الحكومة بدون سلاح، وقدرة الشعب وحدها لم تكن آنذاك كافية لمقابلة قدرة السلاح، فضربوا العلماء كما ضربوا العشائر من ذي قبل وبقيت القدرة بيد الحكومة ففسدت وأفسدت حيث أن الحكومة أيضاً خرجت عن الديمقراطية النسبية إلي الدكتاتورية ولا علاج للعراق إلا بإرجاع موازين القوي الإسلامية وتقسيمها وتكافؤها علي النحو الذي ذكرناه في بعض الكتب الإسلامية.

19 البساطة

وقد كان الطابع العام للناس: البساطة في كل شؤونهم الزراعية والصناعية والعبادية والعائلية وغيرها.. فمأكلهم بسيط وملبسهم بسيط ومسكنهم بسيط ومركبهم بسيط، وحتي المساجد كانت تفرش بالحصران ويصلّي الناس علي تلك الحصران شتاءً وصيفاً، وكذلك كانوا يصلّون جماعات علي الحصران في الصحنين المقدسين للحسين والعباس?، وكان الشعار العام:

صلي الله عليه و الهإن الله لا يحب المتكلفين?().

و صلي الله عليه و الهشر الإخوان من تكلف له?().

وكانوا كما قال علي عليه السلام: صلي الله عليه و الهمنطقهم الصواب، وملبسهم الاقتصاد، ومشيهم التواضع? ().

وحتي في ضيافاتهم لم يكن الأمر يتعدي غالباً شكلين من الطعام: الأرز والمرق، كما أنه كان كثيراً المرق وحده، أو ماء اللحم وحده.

وبعبارة مجملة: (كان الإنسان المحور) وقد أصبح في هذا اليوم بعكس

ذلك (المادة هي المحور)، ولذا كان في ذلك اليوم للإنسان قيمته بينما اليوم للمادة قيمتها، فإذا خطب حينذاك شاب إلي عائلة سألوا عن دينه وأخلاقه، وفي هذا اليوم يسألون عن ماله وأملاكه.

20 العمل

وكان غالب الناس رجالاً ونساءً يعملون، فلم يكن للبطالة مفهوم، فالرجال كانوا يشتغلون في الزراعة والعمارة والتجارة والكسب والصناعة وفي البساتين وحيازة المباحات كالسمك والأعشاب والأعواد وما أشبه، كما أن النساء كن يشتغلن بالإضافة إلي إدارة أمور العائلة والطبخ والكنس والغسل وما أشبه بتربية الدواجن والغزل والنسج ومساعدة الرجال في كسبهم.

ولم تكن تجد أثراً للبطالة بين الناس لأن الجميع كانوا يشتغلون، حيث الحريات الواسعة، وحيث سهولة شروط العمل، وحتي الأطفال كانوا يشتغلون مع آبائهم ومع أمهاتهم ولم تكن هنالك طبقة خاصة من الشباب، أو الأطفال، لأن الكل كانوا طبقة واحدة متعاونة.

وإني أذكر كيف أن البنين والبنات من سن التمييز فما فوق كانوا يشتغلون في البيوت، ويساعدون أمهاتهم، وكيف كانوا يشتغلون في الدكاكين ويساعدون آبائهم، ولذا لم تكن هنالك مثل المشاكل الموجودة فعلياً للشباب، حيث صاروا طبقة متميزة وهم لعدم نضجهم لا يتمكنون من التمييز بين الضار والنافع فينخرطون في الأحزاب الضارة ويعملون الأعمال الشائنة في بعض الأحيان، بالإضافة إلي أن الشباب حيث كانوا يتزوجون في سن مبكر، لم يكن لهم وقت لمثل هذه الأفكار والأعمال، فيتمتع الكبار بشبابهم، كما يتمتع الشباب بخبرة وتجارب آبائهم.

21 النظام

وكان كثير من الأمور في المجتمع منتظماً، اتباعاً لقول علي عليه السلام: صلي الله عليه و الهنظم أمركم? ()وكانت مجموعة أمور تنظم أوقات الناس وشؤونهم، كالصلوات في الأوقات الثلاث صباحاً، وظهراً، ومغرباً، وكشهر رمضان، وأشهر الحج، ومحرم وما أشبه بالنسبة إلي الشهور، وكذلك المواليد والوفيات للمعصومين عليهم السلام، والزيارات وما أشبه.

وقد كانت الشهور قمرية والسنوات هجرية والساعات غروبية وكانت تضبط الأوقات للمواليد من جهة أحكام البلوغ والحيض، كما كانت تضبط وقت موت إنسان لجهة ثالثه وسابعه وأربعينه وسنته وعدة زوجته وما

أشبه، كما أن أوقات فتح الدكاكين وغلقها وأوقات فتح الكتاتيب ودروس أهل العلم وما أشبه، كلها كانت تساعد في نظم الأوقات، وهكذا بالنسبة إلي فتح الصحنين المقدّسين في كربلاء وغلقهما.

22 الثقافة

وكانت الثقافة مرتفعة بين الناس، صحيح إن الثقافة بمعني القراءة والكتابة، أو ما أشبه لم تكن بهذا المستوي الفعلي، لكن الثقافة بمجموعها عقيدة وأخلاقاً وشريعةً وتاريخاً وما أشبه كانت رفيعة، وكانت تساعد علي ذلك الكتاتيب الموجودة الرخيصة جداً التي كانت في متناول الجميع، أمثال: مدرسة الشيخ علي أكبر النائيني، والشيخ حسن في صحن الحسين عليه السلام، والشيخ عبد الكريم في صحن العباس عليه السلام وغيرها، فكان المعلم يتقاضي من الطالب عشرين فلساً في الشهر وأحياناً أقل، وبعض الطلاب الذين لا قدرة لهم لا يقدمون حتي هذا الشيء البسيط وإنما الشيوخ كانوا يعلمونهم (قربة إلي الله تعالي) القراءة والكتابة، والأخلاق والآداب والقرآن الحكيم وغير ذلك.

كما إن أثاث المدارس كانت بسيطة جداً كالحصر، أو نحوها وكان الناس يعتمدون علي المعلمين أكبر اعتماد، حتي إن بعضهم كان يؤم الناس وهم يعيشون عيشة بسيطة متواضعة إلي أبعد الحدود، وكانوا يختلطون بالناس كأحدهم، كما إنه كان كذلك حال الأطباء والبنائين والمعماريين – مما يسمّي في عرف هذا اليوم بالمهندسين -.

وكذلك كان يساعد في ترفيع مستوي الثقافة حلقات المساجد وحلقات الصحنين المقدّسين والمدارس العلمية والمنابر والمكتبات التي كانت تتوفر في جملة من منازل أهل العلم وغيرها.

وكان يعتقد الجميع أن طلب العلم فريضة علي كل مسلم ومسلمة حتي إني أذكر أن بعض العلماء كان يفتي بأن الولد لا يحق له أن يتزوج والبنت لا يحق لها أن تتزوج إلا أن يعلما أصول الدين عن الأدلة ولو البسيطة منها.

كما إن في مثل النجف

الأشرف وكربلاء المقدّسة والكاظمية وسامراء كانت الحوزة العلمية تساعد علي ترفيع مستوي الثقافة أيضاً، ففي النجف الأشرف كانت حوزة علمية تحتوي علي ما لا يقل عن خمسة آلاف طالب علم ديني، كما أن في كربلاء المقدسة كانت حوزة علمية تحتوي علي زهاء ألف طالب علم ديني، وهؤلاء كانوا بدورهم يدرسون ويدرِّسون ويعقدون المجالس وغيرها، وكان الزعيمان الكبيران السيد أبو الحسن الأصفهاني في النجف الأشرف، والحاج السيد حسين القمي في كربلاء المقدّسة يشوّقون الناس إلي الدرس والتدريس وصعود المنبر والتأليف وغيرها.

وإني أذكر أن خال والدتي السيّد ميرزا علي آغا الشيرازي ابن المجدد الشيرازي الكبير، كان يشوّق الطلبة بأن كل واحد منهم حفظ ألفية ابن مالك أعطاه ليرة عثمانية ذهبية، وقد كان جملة من أهل العلم يحفظون متوناً كثيرة. فمثلاً: والدي? كان يحفظ القرآن الحكيم بكامله عن ظهر القلب، وكان يقرأ كل يوم – حفظاً – جزءً من القرآن الحكيم، كما كان يحفظ ثمانية آلاف بيت من الأشعار الدرسية وغيرها كألفية ابن مالك والنجم الثاقب في الإمامة للسيد محمد باقر الطباطبائي الحجة، كما أنه كان يحفظ متوناً كثيرة أمثال التهذيب في المنطق وغيره..

وكان مما يزيد المجتمع تقدماً وصفاءً وإخاءً الخطباء الممتازون من العلماء الذين كانوا يصعدون المنابر، ويأمرون بتقوي الله، واتباع أمره وسائر الشؤون الإسلامية والإنسانية أمثال: المرحوم الشيخ محمد علي الخراساني في النجف الأشرف، والمرحوم السيد حسن الاسترآبادي في كربلاء المقدسة وغيرهم، ولذا كان مجتمع إخاء ومودة وإسلام وسلام وفضيلة وتقوي.

23 النظافة

وكانت النظافة هي الطابع العام في المجتمع بسبب الواجبات والمستحبات الإسلامية كالأغسال الواجبة والمستحبة والوضوءات الواجبة والمستحبة، وكنس البيوت والأفنية، واستعمال المطهرات والمنظفات، وكانت الحمامات العامة تساعد في النظافة، فقد كان الشعار العام للناس (النظافة

من الإيمان) وكذلك كان عمال البلدية ينظفون الشوارع ويكنسونها، صحيح أن قلة الماء كانت سبباً لعدم التقدم النظافي الذي نراه هذا اليوم، لكنه من الصحيح أيضاً إن الالتزام بأحكام الإسلام عند عامة الناس كان يسبِّب النظافة العمومية، سواء في الجسد أو في الملابس أو في الدكاكين أو غيرها..

24 المرأة

وكانت المرأة شريكة للرجل في كل الميادين (باستثناء الإمارة والقضاء والجيش).

وكانت تزاول كل الأعمال مع الحشمة والحجاب والحياء والعفة، فكانت تشارك الرجل في الأسفار، والزيارات، والحج، وصلوات الجماعات، ومجالس الوعظ والإرشاد، وكذلك في سائر الاجتماعات.

كما أن الفتيات أيضاً كن يحضرن بيوت (الملايات) النسوية لتعلم القراءة والكتابة والقرآن والحديث وغيرها، وكانت من النساء: (الملايات) القاريات والواعظات في المجالس النسوية.

كما كانت المرأة تشارك الرجال في الزراعة والصناعة والغزل والنسج وتربية الدواجن في البيوت والبساتين وغيرها، وحتي أنها كانت تشارك الرجال في البيع والشراء، وكانت للنساء أسواق خاصة يبعن فيها المنتجات الزراعية والصناعية ونحوهما..

وقد تقدم في فصل الزواج، وفصل كون المجتمع عائلة واحدة بعض ما كان يخص شؤون المرأة في ذلك الدور، ولم يكن مما يسمي بمشكلة المرأة في هذا العصر عين ولا أثر، ولم تكن تجد النساء العوانس ولا العجائز اللاتي يعشن في دار العجزة بكل ذلة ومهانة.

أما المناهج الحديثة فقد أساءت إلي المرأة أكبر قدر من الإساءة، واليك ما جاء في دراسة حول أوضاع المرأة في مختلف أنحاء العالم، فقد ظهر من الدراسة هذا الحاصل:

1: النساء يؤلفن ثلث القوي البشرية العاملة رسمياً، بمعني العاملات المسجلات في الضمان الاجتماعي والصحي اللاتي يقبضن أجوراً، لأن هناك كثيراً من النساء يساعدن الزوج في المتجر أو الحقل وهؤلاء لا يعتبرن عاملات رسمياً.

2: النساء يشكلن نصف سكان الكرة الأرضية، رغم ادعاء الرجال إنهن

قليلات العدد.

3: تؤكد النتائج: أن النساء يقمن بما يوازي ست وستين وست من العشرة بالمائة من مجموع ساعات العمل، والأرجح أن تكون الدراسة قد اعتبرت ساعات العمل المنزلي من ضمن ساعات الشغل للمرأة.

4: النساء يملكن أقل من واحد في المائة من مجمل ممتلكات الإنسان في العالم، وطبعاً هذه حقيقة واقعة ليست محتاجة إلي دراسة، فإن عمل النساء بأكثريتهن غير مأجور.

5: النساء يقبضن عشرة بالمائة من مجمل الدخل العام في السنة، وهذا لا يحتاج إلي تعليق، ولكن نذكركم أن النساء يؤدين ثلثي مجمل ساعات الشغل الذي تنتجه الطاقة البشرية في لعالم().

سقوط العالم الإسلامي في قبضة الاستعمار الغربي

وهنا نذكر سجلاً للدلالة علي أنه كيف سقطت الحضارة الإسلامية علي يد الاستعمار الغربي، حين سقطت بلاد الإسلام في يده.

فقد أوردت بعض المجلات() سجلاً تاريخياً لمراحل سقوط العالم الإسلامي تحت وطأة الهجمة الغربية عليه، ونلاحظ أن ذلك بدأ مع طلائع القرن التاسع عشر واستمر حتي أوائل القرن العشرين()..

السنة الميلادية الحَدَث

1798م سقوط الهند الغربية تحت السيطرة الهولندية

1802 1806 حرب جريبون في جزر جاوا

1820 الإمارات المتصالحة (عمان-قطر) تحت الحماية البريطانية

1821 – 1838 حرب بادري في جزر سومطرة

1825 – 1830 حرب جزر جاوا

1830 – 1857 غزو الجزائر بواسطة فرنسا

1834 – 1859 إخضاع القوقاز بواسطة روسيا القيصرية

1837 – 1847 الثورة في آسيا الوسطي ضد الروس

1839 بريطانيا تضم عدن

1839 – 1842 الحرب الأولي بين الأفغان والهند تحت الحكم البريطاني

1842 الهند تحت الحكم البريطاني تضم إمارات السند الإسلامية

1846 – 1849 حرب جزر بالي

1846 – 1864 غزو وادي سرداريا بواسطة روسيا القيصرية

1849 الهند تحت الحكم البريطاني تضم أراضي القبائل في مقاطعة الحدود الشمالية الغربية

1853 – 1865 الحملة الروسية الأولي علي خوكند والاستيلاء علي طشقند

1856 دولة عود الإسلامية تضم إلي الهند البريطانية

1857 إسقاط

حكم امبراطور المغول في الهند بواسطة البريطانيين

1866 - 1872 غزت روسيا المناطق المحيطة بسمرقند وبخاري

1872 – 1908 حرب أشيه في شمال سومطرة

1873 – 1887 اجتاح الروس أراضي أوزبكستان

1867 – 1875 غزت روسيا أراضي خوكند

1879 حرب أفغانستان الثانية

1881 – 1883 فرنسا تغزو تونس

1882 بريطانيا تحتل مصر

1883 – 1885 الحرب ضد المهدي في السودان

1885 – 1890 إيطاليا تغزو أريتريا

1890 فرنسا تغزو السنغال

1891 – 1899 حملة فرنسية لغزو أهالي النيجر وساحل العاج

1891 مسقط وعمان توضعان تحت الحماية البريطانية

1895 روسيا تضم منطقة هضبة بامير

1898 بريطانيا تخضع السودان تماماً

1899 ضم أراضي الخانات الإسلامية في بلوخستان إلي الهند البريطانية

1900 – 1910 صمود الصومال أمام الاحتلال البريطاني

1900 فرنسا تغزو تشاد

1903 معركة كانو في شمال نيجيريا

1906 السلطات المسلمة في شمال نيجيريا تصبح مجمعات بريطانية

1912 – 1930 إيطاليا تغزو المقاطعات الليبية في طرابلس وسرينة

1912 فرنسا واسبانيا تغزوان مراكش

1912 – 1915 مقاومة مراكش للحاكم الإسباني

1914 – 1918 الهجوم علي تركيا في الحرب العالمية الأولي

1914 الكويت تصبح محمية بريطانية

1916 البريطانيون يغزون ثوار دارفور في السودان

1919 – 1926 مقاومة مراكش للاحتلال الفرنسي

1919 – 1920 مقاومة مراكش للحكم الإسباني

1919 – 1921 اليونان تتقدم لاحتلال سميرنا وأراضي تركية أخري

1919 – 1921 إيطاليا تحتل منطقة أنطاكية التركية

1919 – 1921 فرنسا تحتل منطقة صقلية التركية

1919 الحرب الأفعانية الثالثة

1920 كسر المقاومة الصومالية نهائياً

1920 بلاد الرافدين (العراق) تحت الحماية البريطانية، قيام الثورة

1920 سوريا ولبنان تحت الوصاية الفرنسية رغم المقاومة السورية

1925 – 1927 ثورة الدروز ضد الفرنسيين في سوريا

1926 حملة لاستكمال احتلال كل الصومال الإيطالي

1941 الاحتلال الانجلوروسي في إيران

1945 – 1949 كفاح اندونيسيا للاستقلال عن هولندا ()

1954 – 1962 حرب الاستقلال الجزائري ضد فرنسا

1956 الهجوم البريطاني الفرنسي ضد مصر في السويس ()

خاتمة

وهكذا نري

أنه علي مدة 150 عاماً لم تكد تمضي عشر سنوات، أو حتي خمس سنوات دون أن تضيع أرض إسلامية في مكان ما من إفريقيا أو آسيا، لتسقط في أيدي القوي الغربية ويبدأ كفاح المسلمين ضد تدخل هذه القوي.

وهذا آخر ما أردنا إيراده في هذا الكتاب، والله المسؤول سبحانه وتعالي أن يرد إلي البشرية عامة والي المسلمين خاصة الإيمان والفضيلة والتقوي والإسلام والسلام، ويمنح المسلمين حكومة إسلامية عالمية ذات ألف مليون مسلم()، وما ذلك علي الله بعزيز.

والحمد لله رب العالمين، وصلي الله علي محمد وآله الطيبين الطاهرين.

محرم 1404 ه

محمد الشيرازي

من مؤلفات الإمام الشيرازي حول الحضارة الإسلامية

1: الآداب والسنن (ج14)

2: أثر الحجاب في صيانة المجتمع الإسلامي /مخطوط

3: أثر النشاط والحكمة في تقدم المسلمين

4: احترام الإنسان في الإسلام /مخطوط

5: إحياء معالم الإسلام

6: الاخلاص سرّ التقدم

7: الأخلاق الإسلامية

8: الأخلاق المثالية /مخطوط

9: الأخوة الإسلامية

10: الارث في الإسلام

11: الاستنساخ البشري في رأي الإمام الشيرازي

12: الإسلام هو الإسلام

13: إسلاميات /مخطوط

14: أشعة من أمير المؤمنين عليه السلام /مخطوط

15: أول حكومة إسلامية في المدينة المنورة

16: البيئة

17: التكامل والشمولية في الشريعة الإسلامية /مخطوط

18: تلخيص الحضارة الإسلامية (ج1-2)

19: ثلاثون سؤالاً في الفكر الإسلامي

20: جمع الكلمة وتعدد الأحزاب

21: الحرية الإسلامية

22: حقوق الإنسان في الإسلام /مخطوط

23: حكم الإسلام.. مبادئه، أهدافه، ماهيته

24: الحكم في الإسلام

25: الحكومة الإسلامية في عهد أمير المؤمنين عليه السلام

26: حكومة الرسول صلي الله عليه و اله والإمام أمير المؤمنين

27: حل الإسلام لمشاكل الإنسان

28: حوار حول تطبيق الإسلام

29: الدولة الإسلامية (ج1-2)

30: رسول الإسلام صلي الله عليه و اله في المدينة (ج1-3)

31: رسول الإسلام صلي الله عليه و اله في مكة

32: الزهد

33: الزهد في الإسلام

34: السيرة الفواحة

35: شخصية المؤمن

36: الشوري في الإسلام

37: العالم الإسلامي المعاصر /مخطوط

38: العودة

إلي المجتمع الإنساني /مخطوط

39: الفضيلة الإسلامية (ج1-4)

40: ضرورة التعاون

41: في ظل الإسلام

42: قادة الإسلام

43: القرآن حياة /مخطوط

44: كيف انتشر الإسلام؟ (ج1-2)

45: كيف نعاشر الناس؟ /مخطوط

46: كيف يمكن نجاة الغرب؟

47: اللاعنف منهج وسلوك

48: ما هو الإسلام؟

49: المستحبات والمكروهات (ج13) /مخطوط

50: المسلم

51: المسلمون الأوائل /مخطوط

52: مقتطفات من تاريخ المدينة المنورة

53: مقومات التكامل الأخلاقي عند المسلمين /مخطوط

54: من التمدن الإسلامي

55: من القانون الإسلامي في المال والعمل

56: موجز تاريخ الإسلام

57: موقف الإسلام من الأحزاب المستوردة /مخطوط

58: النظام الإسلامي والأنظمة المعاصرة

59: هذا هو النظام الإسلامي

60: ولأول مرة في تاريخ العالم (ج1-2)

Bakaya Hadaret AL-Islam Kama ra‘et

The subject of this book which means (Remainders of Islamic civilization as I saw) is about several vision of the last traces of the Islamic civilization which was seen by AL-Imam AL-Shirazy while the society was still working with a lot of the Islamic laws.

We can make benefit of this book by doing comparison between that period and our present society which effected by the western civilization.

Written by:

AL-Imam Mohammed AL-Husaini AL-Shirazi

Second edition: 1420 H –2000 A.C

AL-Rasool AL-adam center for research and publishing

Beirut – Lebanon P.O.BOX 13/5951/Shuran

E-mail: alrasool@shiacenter.com

رجوع إلي القائمة

پي نوشتها

) مستدرك الوسائل: ج11 ص274 ب21 ح12984 وفيه: عن النبي ? أنه قال: ?من لم يتورع في دين الله تعالي ابتلاه الله بثلاث خصال: إما أن يميته شاباً، أو يوقعه في خدمة السلطان، أو يسكنه في الرساتيق?.

) وسائل الشيعة: ج11 ص376 ب95 ح5 وفيه: عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: ?من استوي يوماه فهو مغبون، ومن كان آخر يوميه خيرهما فهو مغبوط، ومن كان آخر يوميه شرهما فهو ملعون? الخبر.

) وسائل الشيعة: ج12 ص49 ب28

ح1 وفيه: قال عليه السلام: ?ليس منا من ترك دنياه لآخرته ولا آخرته لدنياه?.

) سورة البقرة: 200-202.

) محمد حسين آل كاشف الغطاء (1294-1373ه) من أعلام الإمامية والمراجع وله عشرات المؤلفات في الفقه والسياسة والأدب وله مواقف تفخر بها الأمة الإسلامية.

) فيصل ابن الشريف حسين اصبح ملكاً علي العراق بعد تنصيبه من قبل الإنكليز وذلك نتيجة الضغوطات الكثيرة التي تعرض لها الإنكليز إبان وبعد ثورة العشرين وقد نصب في 23/آب/1921م المصادف 18/ذي الحجة/1339ه.

) سورة الرعد: 28.

) سلالة السلاطين الأتراك، أسسها عثمان الأول عام 1281م وتفككت عند إعلان الجهورية التركية عام 1923م.

) سلالة حكمة إيران (1795-1925م).

) أو أية وثيقة رسمية بل وحتي غير رسمية.. ما دامت الثقة يتبادل بها في التعامل بين أعضاء المجتمع.

) إشارة إلي قوله تعالي في سورة البقرة: 28 ?يا أيها الذين أمنوا إذا تداينتم بدين فاكتبوه وليكتب بينكم كاتب بالعدل?.

) الصراط المستقيم: ج3 ص13.

) و2) حيث يعادل ربع الأوقية الوزن المتعارف في ذلك الزمان.

) وهذه الفاكهة تسمي أيضاً ب (البطيخ الأحمر).

) 800 مليون جائع في العالم عام 1993 (جريدة العالم الإسلامي عدد (1339-6/رجب/1414).

) 40 ألف طفل يموتون يومياً من الجوع فقط في العالم. (تقرير منظمة الأغذية والزراعة الدولية والمعهد الدولي لأبحاث السياسة الغذائية في واشنطن التابع للأمم المتحدة).

) راجع بعض مؤلفات الإمام الشيرازي دام ظله في الاقتصاد: 1- الاقتصاد الإسلامي المقارن، 2- الاقتصاد الإسلامي في خمسين سؤالاً وجواباً، 3- الاكتفاء الذاتي والبساطة في العيش، 4- حل المشكلة الاقتصادية علي ضوء القوانين الإسلامية، 5- الحاجة والغني، 6- الغرب والحصار الاقتصادي علي المسلمين، 7- كيف يمكن علاج الغلاء؟ 8- من أسباب الفقر والحرمان في العالم، 9- لمحة عن البنك الإسلامي، 10- ماذا بعد النفط؟ 11-

الكسب النزيه، 12- انفقوا لكي تتقدموا، 13- موسوعة (الفقه: الاقتصاد ج1-2)، 14- آداب المال، 15- الاقتصاد عصب الحياة، 16- الاقتصاد للجميع، 17- موسوعة (الفقه: البيع ج1-5)، 18- موسوعة (الفقه: التجارة)، 19- المكاسب المحرمة (ج1-2)، 20- من القانون الإسلامي في المال والعمل.

) راجع: كتاب (الأزمات وحلولها) للإمام المؤلف دام ظله.

) وهي قوله تعالي: ?الله يتوفي الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها..? الزمر: 42.

) هو آية الله العظمي السيد ميرزا مهدي الشيرازي (1304-1380ه) تصدي للمرجعية بعد وفاة آية الله العظمي السيد حسين الطباطبائي القمي عام (1366ه)

) السيد عبد الحسين الحجة الطباطبائي الحائري (000-1363ه) وانتهت إليه الرئاسة في كربلاء سنة (1337ه) وشغل منصب الزعامة الدينية بجدارة.

) الكافي: ج1 ص67 ح10 عن أبي عبد الله عليه السلام.

) باللغة الفارسية، وتعني: البساط المحاك من صوف وغيره..، أو المكبوس والمضغوط منه.

) راجع (موسوعة الفقه ج93: كتاب المحرمات): ص81 الفقرة 9 (التجسس).

) راجع تحف العقول: رسالة الحقوق للإمام زين العابدين عليه السلام وفيه: ?وأما حق أهل ملتك عامة –إلي أن قال عليه السلام-: وأنزلهم جميعاً منك منازلهم.. كبيرهم بمنزلة الوالد وصغيرهم بمنزلة الولد وأوسطهم بمنزلة الأخ?.

) جامع الأخبار: ص101 وفيه: ?تناكحوا تناسلوا تكثروا فإني أباهي بكم الأمم يوم القيامة ولو بالسقط?.

) من لا يحضره الفقيه: ج3 ص472 ب2 ح4647 وفيه: ?من سعادة الرجل أن لا تحيض ابنته في بيته?.

) بحار الأنوار: ج100 ص219 ب1 ح14 وفيه: ?من تزوج فقد أحرز نصف دينه فليتق الله في النصف الباقي?.

) آية الله العظمي السيد عبد الهادي الشيرازي (1305-1382ه) آلت إليه المرجعية بعد وفاة آية العظمي السيد حسين البروجردي سنة 1380ه.

) سورة الأنفال: 30.

) سورة النساء: 142.

) الكافي: ج8 ص19 ح4 وفيه: ?من حفر

لأخيه بئراً وقع فيها?.

) أحد علماء بغداد الكبار في بدايات القرن العشرين الميلادي اشترك في عمليات الجهاد ضد الإنكليز.

) الكافي: ج5 ص59 ح14 وفيه: ?كيف بكم إذ رأيتم المعروف منكرا والمنكر معروفا?.

) الكافي: ج2 ص48 ح4.

) سورة طه: 131.

) نهج البلاغة: الكتاب 53 الفقرة 8، من كتاب له عليه السلام إلي مالك الأشتر حين ولاه مصر وفيه: ?… وأشعر قلبك الرحمة للرعية، والمحبة لهم، واللطف بهم، ولا تكونن عليهم سبعاً ضارياً تغتنم أكلهم…?.

) آية الله العظمي السيد أبو الحسن الموسوي الإصفهاني: (1277-1365) آلت إليه المرجعية منذ سنة 1355 ه ثم توسعت مرجعيته حتي صار المرجع الأعلي للطائفة.

) آية الله العظمي الميرزا الشيخ محمد حسين النائيني: (1277-1355) من كبار المراجع وتصدي للمرجعية عام (1339) وكان له دور بارز في الحياة السياسية للعراق إبان الاحتلال الإنكليزي.

) وهو من أكبر علماء الإمامية في الكاظمية في عشرينات القرن العشرين الميلادي، وتولي القيادة الروحية للثوار العراقيين بعد وفاة شيخ الشريعة الإصفهاني ونفي من العراق أثناء حكومة عبد المحسن السعدون في 26/حزيران/ 1923م.

) راجع مكارم الأخلاق: ص103 الفصل الثاني، وفيه: عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ?أدني الإسراف: هراقة فضل الاناء، وابتذال ثوب العون، وإلقاء النوي?.

) دعائم الإسلام: ج2 ص326 ح1228،وهذا الحديث مروي عن رسول الله ?.

) نهج البلاغة: قصار الحكم الرقم 479.

) نهج البلاغة: الخطبة 193 الفقرة 2 وفيه: ?فالمتقون فيها هم أهل الفضائل: منطقهم الصواب وملبسهم الاقتصاد ومشيهم التواضع?.

) نهج البلاغة: رقم الكتاب 47 الفقرة 3.

) مجلة الدستور: الاثنين /16 أيار – مايو/ 1983م – العدد (286).

) مجلة الدعوة: العدد (85) السنة 33 – شوال 1403، ص36 عن كتاب (الإسلام المجاهد).

) هذا الذي ذكر بعض ما هو واقع،

وإلا فالواقع أكثر.

) احتلال اليهود الصهاينة لفلسطين، وقبل ذلك احتلال النصاري للبنان.

) وأما الأحداث المؤلمة التي داهمت البلاد الإسلامية في النصف الثاني من القرن العشرين الميلادي فحدث عنها ولا حرج، وعلي سبيل المثال:

1961م العراق يطالب بالكويت، ونزول القوات البريطانية إلي الكويت لإفشال المطالبة

1965م

1967م إنقلاب عسكري في إندونيسيا بدعم أمريكي، يذهب ضحيته نصف مليون إنسان.

حرب حزيران واحتلال إسرائيل لبعض الأراضي العربية

1971 نشوب الحرب الهندية الباكستانية.

1971 إنفصال باكستان الشرقية (بنغلادش) عن باكستان الغربية.

1975 نشوب الحرب الأهلية في لبنان.

1979 إحتلال الاتحاد السوفييتي لأفغانستان بالقوات العسكرية.

1980 نشوب حرب الخليج الأولي بين العراق وإيران.

1982

1983 الاجتياح الإسرائيلي للبنان، وبداية المقاومة الوطنية الإسلامية من يوم عاشوراء تلك السنة واستمرت حتي الأربعين الحسيني من عام 1421/ 2000).

حركة تمرد عسكرية في جنوب السودان تطالب بالانفصال بسبب مذهبي وعرقي

1990 غزو النظام العراقي للكويت، بضوء أخضر من الغرب، ومن ثم فرض الحصار الاقتصادي علي العراق.

1991 نشوب حرب الخليج الثانية.

1991 نشوب الحرب الأهلية في الصومال والتي مهدت لتدخل القوات الغربية

1992 إشتعال الحرب الأهلية في البوسنة، وقيام الصرب وأمثالهم بالتصفية العرقية للمسلمين.

) علماً بأن نفوس المسلمين اليوم بلغت المليارين، وما ورد في نص الكتاب فهو إحصاء زمن تأليف الكتاب.

راجع كتاب (المتخلفون مليارا مسلم) صدر حديثاً للإمام المؤلف (دام ظله).

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.