قصص و عبر

اشارة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام علي محمد وآله الطاهرين..

وبعد: هذه قصص جمعت من مختلف الكتب للوعظ والإرشاد، نسأله سبحانه أن يجعلها مفيدة لنا ولمن طالعها، وأن توجب الثواب والأجر في يوم لا ينفع مالا ولا بنون إلا من أتي الله بقلب سليم والله الموفق المستعان.

20 جمادي الأولي 1419ه.

قم المقدسة

محمد بن مهدي الحسيني الشيرازي

العلم في ست كلمات

التقي النبي عيسي المسيح (عليه السلام) براع في الصحراء، فقال له: أيها الرجل! أفنيت عمرك في الرعي، ولو قضيت عمرك في طلب العلم وتحصيله لكان أفضل لك؟

فقال الراعي: يا نبي الله! أخذت من العلم ست مسائل وأعمل بموجبها.

الأولي: ما دام الحلال موجوداً لا آكل حراماً.

الثانية: ما دام الصدق موجوداً لا أكذب.

الثالثة: ما دمت أري عيبي، لا أنشغل بعيوب الآخرين.

الرابعة: حيث لم أجد إبليس قد مات لا أئتمن وساوسه.

الخامسة: ما دمت لا أري خزانة الله خالية لا أطمع بكنز المخلوق، ولحد الآن لم تنقص خزانة الله حتي أحتاج لمخلوق.

السادسة: حيث لم أر رجلي تطئان الجنة، لا أؤمن عذاب الله تعالي.

فقال عيسي (عليه السلام): هذا هو علم الأولين والآخرين الذي قرأته أنت وأخذته.

استقامة الميرزا مهدي النراقي في طلب العلم

كان الحاج الميرزا مهدي النراقي (رحمه الله) صاحب (معراج السعادة) وكتب أخري في أيام التحصيل بمنتهي الفقر وخلو اليد لدرجة لا يمكن معها من تهيئة فانوس للمطالعة، وكان يستفيد من ضياء الفوانيس الموجودة في أماكن أخري من المدرسة، ولم يطلع عليه أحد.

ومع هذه الشدة والضيق في المعاش كان شديد التعلق والرغبة بطلب العلم، حتي أن الرسالة التي كانت تأتيه من موطنه لا يفتحها ولا يقرأها خوفاً من أن يكون فيها مطلب يكون باعثاً لتشتت حواسه، ويمنعه من الدرس، وكان يضع الرسائل مختومة كما هي تحت البساط.

وكان أبوه أبو ذر قد قتل فكتبوا إليه يخبرونه بقتله، فوضع كعادته الرسالة تحت البساط أسوة ببقية الرسائل، وبعد أن يأس منه الأهل والأقارب كتبوا إلي أستاذه وأخبروه بالحادثة وطلبوا منه أن يخبره بالأمر، وأن يرسله إلي قرية نراق لأجل إصلاح أمر التركة والورثة. فلما حضر النراقي (رحمه الله) الدرس أخذ بيده الأستاذ وكان مغتماً، فسأله النراقي: لماذا أراك

مغتماً وحزيناً؟ أجاب الأستاذ: ينبغي عليك الذهاب إلي نراق فقال النراقي: لأجل من؟ قال: إن والدك كان مريضا، فقال النراقي: إن الله سيحفظه ويعافيه، فابدأ بالدرس.

فصرح له الأستاذ بمقتل والده، وأمره أن يتوجه إلي نراق، فامتثل الأمر ولم يبق أكثر من ثلاثة أيام ثم عاد بعدها، وعلي هذا المنوال كان النراقي (رحمه الله) يطلب العلم حتي بلغ مكانة سامية فيه.

السيد نعمة الله الجزائري واستقامته في طلب العلم

كان السيد نعمة الله الجزائري (رحمه الله) من تلامذة العلامة المجلسي (رحمه الله) المقربين، وقد تحمل الكثير من الصعاب والمشقات في طلب العلم، وفي أوائل أيام تحصيله لما لم يكن متمكناً من تهيئة سراج، كان يستفيد من ضوء القمر للمطالعة، حتي ضعف بصره من كثرة المطالعة علي نور القمر، والكتابة، وكان يضع في عينيه من التربة المقدسة لسيد الشهداء (عليه السلام) طلباً لتقوية نور بصره، وببركة تلك التربة فقد قوي نور بصره.

وبعد أن نقل المحدث القمي (رحمه الله) هذه الحكاية قال: حينما يستولي الضعف علي عيني نتيجة زيادة المطالعة والكتابة، أتبرك بتربة مراقد الأئمة الأطهار (عليهم السلام)، وأحياناً أمسح كتب الأحاديث والأخبار عليها، والحمد لله أن عيني إلي الآن في غاية القوة والإبصار، آملاً أن ينور الله عيني في الدنيا والآخرة ببركتهم.

استقامة وصمود الآخوند الخراساني (رحمه الله) في طلب العلم

ذكروا بصدد عسر الآخوند الملا محمد كاظم الخراساني (رحمه الله) صاحب (الكفاية) أيام تحصيله العلم، وبعد وضعه الصعب من ناحية المأكل والملبس نقلاً عنه: لم أفكر تلك المدة إلا بالغداء، وكنت قانعا بهذا الوضع، … وكان الطلاب لا يعتنون بي، إلا من كان من الفقراء من مثلي أو أسوء مني حالاً، وكان نومي لا يزيد علي ست ساعات، لأن النوم العميق للإنسان لا يكون ببطن خالية، فكنت أسهر الليالي وأسامر النجوم، وفي تلك الأحوال كان يمر بخاطري أن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) كان يقضي أكثر لياليه علي هذا المنوال، وأني بهذه المعاناة وشدة الضيق من فاقة وفقر كنت أحس، وأفكر أني في عالم آخر، وهناك قوة تجذب روحي إليها.

وكان مع هذه المصاعب التي كان لها الوقع الكبير في نفس الآخوند، قد فقد أولاده وزوجته الشابة، وبقي لوحده، ولو كان غيره مكانه ربما

لم يستطع أن يقاوم ويصمد بوجه تلك الأعاصير التي أثقلت كاهله، وكادت أن تسوقه إلي غير ما ينبغي ويريد، إلا أن تلك الروح المستنيرة لم تتزلزل ولو قليلاً.

وبعد أن دفن ابنه وزوجته ترك البيت، وكان في النهار يحضر مجالس درس الأساتذة، وفي الليل وفي مكان حقير وصغير يقع في المدرسة يقضي وقته بالمطالعة وحل المسائل، وفي ليالي الشتاء القارصة كان يجلس دون أن يستعين بنار يتدفأ عليها، ويطالع فروع الفقه المختلفة والأصول ودقائق الدروس، وفي إحدي الليالي جلس إلي جنب شعلة النفط في الحجرة، ووضع يديه تحت رأسه وعيناه تنظر إلي الكتاب، ليدرك مسألة في الأصول ولكثرة مطالعته تعبت عيناه، واستغرق في نوم عميق، وكانت الشعلة قد أخذ نارها يتسرب إلي يده قليلاً قليلاً فأحرقت جلد يده اليمني، وكان أكله الحار فقط الخبز الذي يأخذه من الخباز لتوه، وبعد مدة أصاب مقداراً من الرز، فقام بتنظيفه وصبه في إناء، ووضعه علي النار ليطبخ، فلما أراد أن يأخذه سقط من يده علي الأرض وحرم من أكله، مضافاً إلي احتراق يده ومضت مدة وهو يعاني من آلام حرق اليد.

الحاج ملا هادي السبزواري في كرمان

ينقل: إن الحاج الملا هادي السبزواري ذهب إلي كرمان دون أن يعرفه أحد، فدخل المدرسة، وطلب من المتولي للمدرسة غرفة، ولما لم يعرف المتولي الملا هادي سأله: هل أنت من العلماء؟ فأجابه الملا كلا، فقال المتولي: بأن الغرف مخصوصة للطلبة.

وأخيراً أقنع المتولي بأن يستريح في زاوية الغرفة شريطة أن يقوم بمساعدة الخادم بأعمال المدرسة.

وفي بعض الأحيان كان يقوم السبزواري بمشاركة الطلبة في البحث، ولم يمض علي ذلك وقت طويل حتي تزوج بابنة خادم المدرسة، ثم عاد إلي سبزوار بصحبة زوجته ومضت السنون وشهرة الحاج تزداد يوماً بعد يوم،

وأخذ الطلبة يتوافدون من الأطراف إلي سبزوار لتلقي الحكمة والفلسفة، وقد وفد بعض طلبة كرمان إلي درس الحكيم فجاء الحكيم وصعد المنبر وأخذ يدرس، فما أن رآه طلبة كرمان حتي فهموا بأنه صهر خادم المدرسة في كرمان، ولم يتعرفوا عليه طيلة هذه المدة، وأسفوا علي ذلك لعدم استفادتهم خلال تلك المدة من مقامه العلمي، وأخذوا يتحدثون بصوت عال بشكل ألفت بقية الطلاب، وبعد انتهاء الدرس وخروج الأستاذ من المدرسة، اعترض طلاب سبزوار علي طلاب كرمان، فنقل طلاب كرمان القصة من أولها وكيف أن الحكيم الكبير كان لا يظهر نفسه ومقامه العلمي، طيلة هذه الفترة.

طلب العلم حتي الموت

جاء شخص وعليه علامات الانكماش إلي أمير المؤمنين علي (عليه السلام) وقال له: أحس في نفسي أني أموت بعد ساعة، فقال له (عليه السلام): (الموت ليس مشكلة، كلنا نموت).

فقال له: ماذا أعمل في هذه الساعة؟

قال (عليه السلام): (اطلب العلم).

أموت عالماً بالمسألة خير من أن أموت جاهلاً بها

كان أبو الريحاني البيروني وحيد زمانه في فنون الحكمة والرياضيات، وكان مسلّم أقرانه في صناعتي الطب والتنجيم، وكان في تحصيل المعارف والعلوم، بحيث لم يكد يفارق طرفة النظر، ولا قلبه الفكر، ولا يده التحرير، ولا لسانه التقرير، إلا في يوم النيروز والمهرجان.

ولما صنف (القانون المسعودي) أجازه السلطان بحمل من فضة فرده مظهراً الاستغناء عنه.

دخل عليه بعض أصحابه وهو يجود بنفسه، فقال له في تلك الحال: كيف قلت لي يوما: حساب الجدات في الإرث؟

فقال: أفي هذه الحال؟

قال: يا هذا، أودع الدنيا وأنا عالم بها، أليس خيراً من أن أخليها وأنا جاهل بها؟

قال: فذكرتها له، وخرجت. فسمعت الصراخ عليه، وأنا في الطريق.

في أثناء الدرس أغمي عليه من شدة الجوع

نقل عن الأستاذ جلال الهمائي إنه قال: كنت زميلاً للمرحوم آية الله الحاج الشيخ هاشم القزويني (من أساتذة الحوزة العلمية بالمشهد المقدس الرضوي) في أيام الشباب بأصفهان، وفي أحد الأيام وفي أثناء المباحثة تغير حاله وأغمي عليه وسقط إلي الأرض، فاستوحشنا واضطربنا من هذا المشهد، فجئنا إليه بطبيب من أطباء أصفهان ذلك اليوم وبعد الفحص الدقيق، أمر الطبيب بإعطائه شراب السكر، ففتح عينيه، وبدون فاصلة أخذ الكتاب وقال: ماذا بقي من البحث؟ وما إن خرج الطبيب من الحجرة، حتي أشار إلي أن أقترب منه، وأسر لي: بأن إغماء الشيخ من شدة الجوع، ودعاني إلي إحضار الغذاء إليه علي وجه السرعة، وبعد التحقيق تبين أن الشيخ هاشم لم يدخل الطعام في جوفه ليومين.

وهكذا كانوا يهتمون بالعلم ولذا بلغوا درجات رفيعة.

كتابة تفسير القرآن في ميدان الحرب!

روي الشيخ محمد علي الأراكي في وصف المرحوم الآقا نور الدين العراقي قائلاً: كان من أهل الكشف والكرامات ومن أهل الحقيقة، وكفي به كرامة أنه كان في جبهة الحرب، يأخذ القلم والورق ويكتب تفسير القرآن!

ولو كان غيره، لاشتبه في كلامه اليومي، ولم يميز المبتدأ عن الخبر فكيف تكون مشاعر الإنسان في داخل جبهة الحرب بهذه الكيفية ولكن هذا الشخص كان جالساً يقرر ويضع التصاميم، ويكتب تفسيراً مثل هذا بكل دقة وإتقان.

وكم يؤسف له أن الانشغالات منعته من إكمال هذا التفسير وكان في ذلك الوقت في مدينة (آراك) وكانت ترد عليه الأسئلة والاستفتاءات من الأطراف والأكناف والقري، إضافة إلي المراجعات في أمور أخري.

ولم يكن المرحوم الآقا نور الدين في المسائل محتاجاً إلي كتاب، فكل هذه الاستفتاءات التي ترد عليه، لم نذكر أنه قال: ائتوني بالكتاب الفلاني حتي أري ما فيه، فكان حاضر الجواب، فهذا التفسير الذي لم

يكن لديه كتاب لغة، وتاريخ وتفسير، بل كتبه بعقله ومحفوظاته، فأي محفوظات كانت لديه حتي يكتب مثل هذا التفسير في ذلك الوقت العسير!!

علماء الإمامية وتحمل الصعوبات

ذكر صاحب (اللمعات) قال: ذكر أستاذنا الشيخ حسن بن الشيخ جعفر صاحب كتاب (كشف الغطاء): (أن الشيخ الكبير بعد نوم طفيف في الليل، كان يطالع حتي وقت الصلاة صلاة الليل، ثم يقوم للصلاة والتضرع والمناجاة حتي الصبح، وفي إحدي الليالي سمعنا صراخه وصياحه وهو يضرب علي رأسه ووجهه، فاستوحش إخواني من هذا المشهد، فأسرعنا إليه فوجدناه في حالة غير طبيعية، ودموعه تسيل علي وجهه حتي ابتلت لحيته، فأخذنا بيده، ولما سألناه عن السبب في ذلك؟ قال: في أول الليل كانت تخطر علي بالي مسألة فقهية وبيّن العلماء الأعلام حكمها، وأردت دليلها من أحاديث أهل البيت (عليه السلام) فأخذت أبحث لساعات في كتب الأخبار فلم أهتد إليها، ولما بلغ بي التعب أشده قلت: جزي الله العلماء خيراً حكموا بدون دليل! ثم نمت فرأيت في عالم الرؤيا كأني أتوجه لزيارة الحرم المطهر لأمير المؤمنين (عليه السلام) فلما وصلت إلي مكان خلع الأحذية رأيت أمام الإيوان الفرش ومنبراً عالياً في صدر المجلس، وكان شخص موقر وصاحب وجه نوراني علي المنبر مشغولاً بالدرس، وكان أمام الإيوان مملوءاً من العلماء الأعلام، فسألت أحدهم: من هم هذه الجماعة؟

ومن يكون هذا المدرس؟ فقال في جوابي: إن هذا المدرس هو المحقق الأول صاحب (الشرائع) وهذه الجماعة هم علماء الإمامية، فسررت من ذلك وغمرني الفرح وتقدمت إلي المنبر وسلمت علي المحقق، وكنت متوقعاً أن يلتفت إلي ويعتني بي، فرأيت أنه لم يعر لي اهتماماً، ولم يكن رد سلامه لي حاراً فتألمت من ذلك وعتبت عليه وقلت له: ألست من علماء الإمامية؟

فقال

لي: أي جعفر! إن علماء الإمامية قد تحملوا المصاعب الكثيرة حتي جمعوا أخبار الأئمة الأطهار (عليه السلام) من الرواة في أطراف البلاد، وكتبوا كل حديث في محله مع أسماء الرواة وأحوالهم وتصحيح رواياتهم وتوثيقها وتضعيفها، حتي تكون سهلة المنال لأمثالكم، وأنت بأربع ساعات تجلس علي الفرش وتلاحظ بعض الكتب الحاضرة، دون جميعها وتعترض علي العلماء بأنهم أفتوا بدون مستند ودليل، مع أن هذا الرجل الحاضر والجالس تحت المنبر في عدة مواضع من كتابه كتب حديث هذا الحكم، وكتابه من ضمن الكتب الموجودة عندكم، ومؤلفه هو نفس هذا الشخص والمسمي الملا محسن الفيض فارتعشت من كلام المحقق هذا، وفزعت من النوم، مظهراً ندمي علي ما بدر مني وكانت في الكتاب المذكور الرواية التي أردتها.

كيف بدأ السكاكي بطلب العلم؟

الشيخ يوسف بن أبي بكر بن محمد بن علي الخوارزمي الملقب (سراج الدين السكاكي). صاحب كتاب (مفتاح العلوم) الذي يذكر فيه اثني عشر علماً من علوم العرب، مع أنه لم يكن من العرب.

كان في باديء أمره حداداً فعمل بيده محبرة صغيرة من حديد، وجعل لها قفلاً عجيباً، ولم يزد وزن تلك المحبرة وقفلها عن قيراط واحد، فأهداها إلي ملك زمانه، ولما رآه الملك وندماء مجلسه الرفيع لم يزيدوا علي الترحيب بالرجل علي صنعته، واتفق أنه كان واقفاً في الحضور إذ دخل رجل آخر، فقام الملك احتراماً لذلك الرجل، وأجلسه في مقامه، فسأل عنه السكاكي؟ فقيل: إنه من جملة العلماء.

ففكر السكاكي في نفسه أنه لو كان من هذه الطائفة لكان أبلغ إلي ما يطلبه من الفضل والشرف والقبول، وخرج من ساعته إلي المدرسة لتحصيل العلوم، وكان إذ ذاك قد ذهب من عمره ثلاثون سنة.

فقال له المدرس: لعلك في سن لا ينفعك فيه التعلم،

وأري ذهنك مما لا يساعدك علي أمر التحصيل، فلا بد من الامتحان، ثم أخذ يعلمه هذه المسألة التي هي من آراء إمامهم الشافعي، وقال له: قال الشيخ: جلد الكلب يطهر بالدباغة، وجعل يكرر له هذه العبارة عليه، ثم لما جاءه من الغد طلب منه أن يحكي درس أمسه الذي لقنه فقال: قال الكلب: جلد الشيخ يطهر بالدباغة، فضحك منه الحاضرون.. وعلّمه الأستاذ شيئاً آخر. وهكذا إلي أن مضي من عمر السكاكي في ذلك التعب في أمر التحصيل عشرة أعوام أخر، فيأس من نفسه بالكلية، وضاق خلقه، فخرج إلي البراري والجبال، فاتفق أنه كان يتردد يوماً في شعب الجبال، إذ وقع نظره علي قليل من الماء يتقاطر من فوقه علي صخرة صماء، وقد ظهر فيها ثقب من أثر ذلك التقاطر، فاعتبر بذلك وقال: ليس قلبك بأقسي من هذه الحجرة، ولا خاطرك أصلب منها، حتي لا يتأثر بالتحصيل، ورجع ثانياً إلي المدرسة بعزمه الثابت، وصمم في الأمر إلي أن فتح الله عليه أبواب العلوم والمعارف، وحاز قصب السبق علي كثير من الأماثل والأقران من العظماء والأعيان.

فقر الملا محمد صالح المازندراني أيام التحصيل وعاقبته

كان الملا محمد صالح المازندراني (رحمه الله) فقيراً جداً وخالي اليد، وكان يرتدي الملابس العتيقة الممزقة، فكان لا يشارك في مجلس الدرس خجلاً وحياءً، بل كان يجلس خارج المدرسة ويستمع إلي درس الأستاذ، وكان يكتب تحقيقاته علي أوراق الأشجار، وقد ظن سائر الطلاب أن هذا الرجل شحاذ فقير جاء ليستجدي.

وقد أشكلت علي الأستاذ الملا محمد تقي المجلسي (رحمه الله) مسألة في أحد الأيام، وأحال حلها إلي اليوم الثاني، وفي اليوم الثاني لم يتوصل إلي حل المسألة، فأحيلت إلي اليوم الثالث.

وفي هذه الأثناء دخل أحد طلاب المدرسة علي الملا صالح فوجد أمامه

أوراق الصفصاف فأخذ اثنين أو ثلاثة من أوراق الصفصاف فوجد فيها حل المشكلة المعضلة، فذهب في اليوم الثالث إلي مجلس الدرس، وطرحت المسألة ولم يتمكن أحد من إيجاد الحل لها، ثم بدأ ذلك الطالب ببيان حل المسألة، فتعجب الملا محمد تقي المجلسي وأصر علي القول: بأن هذا الجواب ليس من عندك بل هو من شخص آخر تعلمته منه فمن هو؟

وأخيراً، نقل ذلك الطالب قضية الملا محمد صالح، ولما اطلع الآخوند المجلسي علي كيفية حال الملا محمد صالح، ورآه جالساً خارج معهد الدرس، أرسل علي الفور أن يحضروا له الملابس، وطلب منه أن يدخل معهد الدرس، واستمع منه حل هذا الإشكال شفاهاً، وبعد ذلك عين له المجلسي حقوقاً شهرية. وقربه واشتهر بالعلم والفضل.

صبر الملا محمد صالح المازندراني واستقامته في طلب العلم

كان والد الملا محمد صالح المازندراني قد ابتلي بالفقر والفاقة، وقد قال لولده الملا محمد صالح يوماً: فكر في أمر معاشك لأني لا أتمكن من تحمل معاشك بعد هذا اليوم، فاضطر الملا محمد صالح إلي أن يهاجر إلي أصفهان ويسكن في إحدي مدارسها، وكانت لهذه المدرسة موقوفة تعطي لكل شخص في اليوم الواحد (غازيني) العملة الرائجة في ذلك الزمان، إلا أنها لم تكن كافية لمصرف يوم واحد، وكان الملا صالح ولمدة طويلة يطالع علي ضوء بيت الخلاء، ومع كل هذه الظروف القاسية التي مر بها إلا أنه استمر في طلب العلم صابراً صامداً حتي بلغ درجة من العلم والفضل أهلته للمشاركة في درس الملا محمد تقي المجلسي (رحمه الله) وما أن مرت الأيام حتي صار يشار إليه بالبنان، وصار من أبرز تلامذة المجلسي وكانت له مهارة فائقة في مسائل الجرح والتعديل، حتي أصبح موضع اعتماد الأستاذ ونال مرتبة سامية.

وذات يوم طلب منه أستاذه

الملا محمد تقي المجلسي (رحمه الله) بعد انتهاء الدرس أن يسمح له بانتخاب زوجة له، ثم دخل الملا محمد تقي بيته ونادي ابنته الفاضلة العالمة (آمنة بكم) وكانت قد بلغت من العلوم حد الكمال، وقال لها: أي بنية! وقع نظري علي زوج لك، هو في نهاية الفقر، ولكنه في الوقت نفسه في غاية الفضل والعلم والتقوي، والأمر موقوف علي إذنك.

فقالت آمنة بكم: الفقر ليس بعيب للرجل.

ثم بعد ذلك عقد المرحوم المجلسي مجلساً ليزوج ابنته (آمنة بكم) من الملا محمد صالح. وفي ليلة الزواج رفع الملا محمد صالح البرقع عن وجه العروس لينظر إليها فأخذ يشكر الله المنان وظل مشغولاً بالحمد والشكر، ثم اشتغل بمطالعة دروسه وتهيئتها، فاتفقت له مسألة مشكلة أشغلت باله حتي الصباح، ولما نهض وذهب إلي المسجد لحضور الدرس، أخذت العروس ورقة وحلت المسألة حلاً كاملاً وأودعت الورقة التي كتبت فيها حل المسألة في طيات الكتاب، فلما رجع الملا محمد صالح من الدرس وفتح الكتاب رأي أن المسألة قد حلت بواسطة زوجته، فسر سروراً كبيراً لما عرف من فضل زوجته، فسجد لله شكراً، ومضت علي ذلك ثلاثة أيام بلياليها كان الملا صالح مشغولاً فيها بالعبادة والشكر لله، وبعد أن أطلع الملا محمد تقي علي هذه القضية قال للملا محمد صالح: إذا لم تعجبك هذه الزوجة فسأختار لك غيرها، فقال: ليس الأمر كذلك، بل أني عاهدت الله أن أكون مشغولاً ثلاثة أيام بلياليها بالعبادة والشكر علي هذه النعمة الكبري.

الاستقامة والصبر العجيب في المباحثات العلمية

ذكر صاحب (التكملة) قال: نقل لي العبد الصالح الحاج كريم فرّاش الصحن المطهر لسيد الشهداء (عليه السلام) قال: كنت في سن العشرين من عمري أقوم بخدمة الصحن الحسيني، وفي إحدي الليالي نادي منادي الصحن: أن

تغلق أبواب الحرم، فرأيت الآقا الوحيد البهبهاني والشيخ يوسف البحراني معاً وهما مشغولان بمباحثة علمية وقد خرجا من داخل الحرم ووقفا في الرواق المطهر، وانشغلا أيضاً بالمذاكرة حتي نادي المنادي ثانية: أن تغلق أبواب الحرم، فخرجا من الصحن من باب القبلة واستمرا في المذاكرة خلف الباب، حتي طلع الصبح، وكنت قد أتيت لفتح أبواب الصحن المطهر فوجدتهما واقفين يتناظران، فاستغربت من ذلك، وصرت مبهوتاً من حالهما، ولما كان الشيخ يوسف (رحمه الله) إماماً للجماعة ذهب للصلاة، وافترش الآقا البهبهاني (رحمه الله) عباءته وصلي وذهب لمنزله، وهكذا كانا يهتمان بالعلم ويرجحانه حتي علي النوم ولذا نراهما بلغا ذلك المبلغ العظيم حتي خلدا في الخالدين.

همة صاحب (مفتاح الكرامة) في التعليم

تناول السيد الأمين في (أعيان الشيعة) الجد والسعي المتواصل للسيد جواد العاملي صاحب (مفتاح الكرامة) قائلاً: كان في الجد وتحصيل العلم قليل النظير، وقد أفني عمره في الدرس والتدريس والبحث والمطالعة والتأليف وخدمة الدين، وكان يستغرق وقته ليلاً ونهاراً في ذلك، دون أن يحدث له ضعف واضطراب، وكان مشغولاً بالبحوث العلمية حتي في أيام الأعياد وليالي القدر من شهر رمضان، واستمر علي هذه الحال حتي سن الشيخوخة وكله رغبة ونشاط في هذا المضمار، وكان لا ينام من الليل إلا قليلاً، ولما سئل: ما هي أفضل أعمال ليلة القدر؟

أجاب: بإجماع علماء الإمامية هو الاشتغال بطلب العلم.

وفي أيام محاصرة النجف من قبل الوهابية بين سنوات (1331 و 1336ه) كان العلماء مع الأهالي يقومون بالدفاع عن المدينة، وفي الوقت الذي كان يشارك العلماء في الجهاد والمحافظة علي المدينة ووسائل الدفاع وتشجيع المجاهدين والحراس وترغيبهم، تراه لا يفتر قلمه عن التأليف والتدريس، فقد كتب في تلك اللحظات رسالة في وجوب الدفاع عن النجف، كما استمر في

كتابة بعض مجلدات (مفتاح الكرامة) مثل: مجلد الضمان والشفعة والوكالة وكان له من العمر حدود السبعين.

وإحدي الأمثلة علي استمرارية الجد والجهد في الليل والنهار هي: أنه في نهاية العديد من مجلدات (مفتاح الكرامة) تراه يكتب: (قد تم الفراغ منه ليلة كذا) وذكر في مجلد الوقف (قريب منتصف الليل)، والمجلد الثاني من الطهارة (في الربع الأخير من الليل) ومجلد الوكالة (بعد منتصف الليل) ومجلدين من الشفعة (في الليل) وبعض المجلدات الأخري (في ليلة القدر) أو (ليلة عيد الفطر).

وفي آخر مجلد الإقرار من (مفتاح الكرامة) كتب: في شهر رمضان من هذه السنة كتبت ثمانية أو تسعة أو عشرة أجزاء من الأبحاث، إضافة إلي الأعمال الأخري التي أقوم بها في شهر رمضان، وما تركت الكتابة إلا لبعض المؤثرات التي كانت سبباً للتعطيل.

ونقل حفيده السيد جواد بن السيد حسن قال: كانت ابنة صاحب (مفتاح الكرامة) سيدة جليلة القدر ومشهورة بالتقوي والعبادة وكانت قد عاشت خمسة وتسعين عاماً من العمر، دون أن تعاني من ضعف الحواس أو عدم القدرة، وكانت تقول: إن والدي ما كان ينام الليل إلا قليلاً من الوقت، ولم يتفق لي أن رأيته وهو نائم بل كان مستيقظاً علي الغالب مشغولاً بالمطالعة والكتابة.

ونقل حفيده الشيخ رضا بن زين العابدين العاملي الذي كان مدة في بيته وكان ينام بعد الفراغ من مطالعاته في الليالي قال: كنت أري جدي يقظاً ومشغولاً بعمله، وكان يلتفت إلي حفيده ويقول: ما هذا العشق بالنوم، وهذا المقدار الذي نأخذه من النوم يكفينا، وكان يضع رأسه علي يده، ويغفو إغفاءة قصيرة جداً، ثم يعود إلي عمله، وأحياناً يوقظ حفيده لصلاة الليل، ويقوم هو بالمطالعة.

وكان معروفاً بين العلماء في زمانه وحتي موته بالدقة والضبط وصفاء

الذات، وكان يرجع إليه كبار العلماء لحل المسائل المشكلة فيأخذون منه الجواب أو يطلبون منه تأليفاً في ذلك، وكان تأليف كتبه بالتماس أساتذته: كالشيخ جعفر كاشف الغطاء، والسيد صاحب الرياض.

منزلة العلم واحترام المعلم عند الرازي

روي ياقوت الحموي في كتابه (معجم الأدباء) عن أبي طالب عزيز الدين (من أدباء وعلماء القرن السادس الهجري) قال: في اليوم الذي ورد الفخر الرازي إلي مرو كانت له منزلة كبيرة وصيت ذائع وأبهة عظيمة، حتي أن أحداً لم يكن يستطيع أن يقاطع كلامه، وكنت قد حضرت عنده للاستفادة منه.

فقال لي يوماً: أحب أن تكتب لي كتاباً في سلسلة الطالبيين (أولاد أبي طالب) حتي أقرأه، ولا أبقي جاهلاً في هذا الصدد.

فقلت له: تريد أن أرسمه علي شكل مشجرات الأنساب أو أكتبه بشكل نثر؟

فقال: أريد شيئاً أتمكن من حفظه، وكتابة المشجرات لا تفي بهذا الغرض.

فقلت: سمعاً وطاعة! وذهبت وكتبت الكتاب بعد أن أسميته (الفخري) وجئت به إليه.

وبعد أن رأي الكتاب نزل من مسنده الشخصي وجلس علي الحصير، وقال لي: اجلس أنت علي هذا المسند.

فرأيت بجلوسي علي المسند بحضوره فيه نوع من التجاسر، إلا أنه خاطبني بقوة وقال: اجلس في المكان الذي أقوله لك.

وعلي مهابته وبدون اختيار جلست في المكان الذي عينه لي، وجلس هو مقابلي، وقرأ الكتاب بحضوري، وكان يسأل مني بعض الكلمات غير المفهومة والصعبة حتي قرأ الكتاب بكامله عندي، ثم قال لي: الآن اجلس أي مكان تريده، لأن في هذا الكتاب علماً، وأنت في هذا العلم أستاذي وأنا تلميذك، وأتتلمذ في حضورك لأستفيد وليس من الأدب أن يبتعد التلميذ عن الأستاذ ولا يقابله، ويجلس بعيداً عنه أو فوقه. وبعد ذلك طلبت منه أن يجلس علي مسنده، وأنا أجلس في المكان الذي جلس منه لأقرأ

أنا عليه وأستفيد من علومه.

أسلوب الميرزا الشيرازي (رحمه الله) في أجوبة المسائل

أورد العلامة الأمين (رحمه الله) في (أعيان الشيعة) في شرح أحوال الميرزا حسن الشيرازي (قده) أنه قال: حينما يستفتي في مسألة يتوجه بنظره إلي أهل العلم الحاضرين في المجلس، ويسأل منهم واحداً واحداً: ما رأيكم في هذه المسألة؟

وهذه الطريقة لها فائدتان: الأولي: يضم هؤلاء إلي رأيه، ويستفيد من بعض النقاط التي لم تخطر علي باله، والأخري: إن ميزان القدرة العلمية للأشخاص تعرف بهذه الطريقة.

وهناك طريقة أخري لدي الشيرازي (رحمه الله) وهي: أنه عندما يسأل أو يريد أن يريد أن يسأل أو يدخل مبحثاً، وقبل إعطاء الجواب أو الدخول في البحث أول ما يبدأ بكتابة المسألة والموضوع وما قيل فيه من النقض والإبرام، وقيل كان يجمع كل أسبوع هذه الكتابات ويطرحها في نهر دجلة، ولم نعلم ما العلة في عدم حفظ مثل هذه الأوراق المكتوبة، ولو حفظت لاستفيد منها، ومن الجائز أن تكون تلك الأوراق المطروحة في نهر دجلة غير متعلقة بالمسائل العلمية.

نِلْتَ ولم أنل

قال شقيق البلخي: كنت أحضر مع أبي يوسف القاضي مجلس أبي حنيفة، وبعد الفراغ من التحصيل افترقت عن أبي يوسف مدة ليست بالقصيرة، ولما قدمت بغداد رأيت أبا يوسف جالساً في مجلس الفتوي والقضاء، والناس مجتمعون حوله، فلما أبصرني عرفني، وقال لي: أيها الشيخ! ما الذي حملك علي تغيير زيك؟ (حيث كنت لابساً السواد).

فقلت له: ما كنت تتوقع من طلب العلم قد نلته يعني الرياسة والمال والجاه ومقصودي من طلب العلم يعني المعرفة لم أنله،

فلبست السواد، وإذا أردت أن تعرف الرجل فانظر إلي ما وعده الله ووعده الناس، بأيهما يكون قلبه أوثق، فلما سمع أبو

يوسف هذا الكلام بكي بكاءً شديداً.

توفيق صاحب الجواهر

قال صاحب (التكملة): كان للشيخ محمد حسن مؤلف الكتاب النفيس (الجواهر) من العمر خمسة وعشرون عاماً حين بدأ بتأليفه وقد نقل الشيخ الأجل فقيه العصر الشيخ محمد حسن آل ياسين الكاظمي عن صاحب (الجواهر) ما يرجع إلي سبب تأليف هذا الكتاب، قال: أمرني أستاذي صاحب (الجواهر) أن أسكن في الكاظمية مشغولاً بترويج الأحكام وتبليغ الإسلام، فعرضت علي جنابه العالي أن يكتب برسالة إلي الحاج علي بن الحاج (محسن بوست فروش) التاجر المعروف في الكاظمية ليعيرني بعض مجلدات (الجواهر) التي بحوزته.

فلما سمع مني الشيخ هذا الكلام قال: سبحان الله! إن كتاب (الجواهر) بلغ إلي هذا الحد، وأن التجار يأخذون من نسخته ويراجعهم الناس؟ أقسم بالله يا ولدي! ما كنت أقصد في كتابي أن يكون يوماً بصورة كتاب، ولو كان لي قصد التصنيف والتأليف من الكتابة، أحببت أن يكون علي غرار كتاب (رياض المسائل) للمير سيد علي الطباطبائي، وإنما كتبت (الجواهر) لنفسي.

يقول صاحب (التكملة): لما سمعت هذا الكلام من هذا الشيخ العظيم، قلت: سبحان الله كان تعجبي

لما يرجع إلي كتاب (الجواهر) من جهتين، والآن قد زال تعجبي.

فقال الشيخ: ما كان تعجبكم وما هي العلة في إزالة هذا التعجب؟

قلت: أولاً: كيف أن المرحوم صاحب (الجواهر) قد حالفه التوفيق في كتابة كتاب بهذه العظمة من أول الفقه إلي آخره، مع أن العادة تقتضي أن يكون من الصعب لشخص واحد أن ينهض بهذا العبء. وثانياً: بالنسبة إلي محبوبية ومرغوبية الكتاب الذي راح بسرعة بين أهل العلم، فهم يطلبونه ويسعون وراءه، ولما سمعت هذا الكلام تبين لي أن الباعث في تأليفه لم يكن إلا رضي الله تعالي لا الرياء والتظاهر وطلب الدنيا وإبراز المرتبة العلمية والمقام، وهذا الخلوص في النية لهذا العالم الرباني كان السبب في موفقية هذا الكتاب ومحبوبيته.

يقول الشيخ الفقيه مهدي بن الشيخ علي: عندما كان صاحب الجواهر مشغولاً بكتابة (الجواهر) كان هناك علماء آخرون يتجاوز عددهم خمسة وعشرين كلهم كانوا مشغولين بهذا الموضوع (شرح (الشرائع)) ولكن لم ينتشر لأحد منهم شيء.

العالم بين الأشرار

في أوائل حياة الآخوند الملا محمد تقي المجلسي (رحمه الله) وقبل أن يبلغ الشهرة، كان قد جاءه رجل من مريديه وقال له: إن جاري يضايقني، فتراه يجمع الفساق والأشرار في بيته ليلاً، ويقضي عيشه وعشرته بالرقص والشراب، فهل عندكم سبيل لإصلاحه؟

قال له الشيخ: ادعهم هذه الليلة إلي وليمة وسأحضر أنا أيضاً، فدعاهم الرجل لتناول طعام العشاء في بيته، فقال رئيس الأشرار: ما الذي حدث حتي تنضم إلينا؟

قال: هكذا حدث، فسر الأشرار وغمرهم الفرح والابتهاج بهذا الحدث لأنه أضيف واحد إلي حلقتهم ليزيد عددهم، وفي الليل دخل الآخوند المنزل قبلهم جميعاً وجلس في زاوية من المنزل، ثم جاء رئيس الأشرار يصحبه أتباعه فجلسوا فلما شاهدوا الآخوند في المجلس بدت عليهم علائم عدم

الارتياح ولم يستطيبوا ذلك، لأن الآخوند من غير جنسهم، وبوجوده يكون عيشهم مراً، فأراد رئيسهم إخراج الآخوند من المجلس فالتفت إليه وخاطبه بالقول: الشيء عندكم أفضل أم الشيء عندنا؟

قال الآخوند: كل واحد منا يبين خواص ولوازم عمله، وعند ذلك يظهر أينا أفضل؟ فقال رئيس الأشرار: هذا الكلام منتهي الإنصاف، قال الرئيس إن من إحدي صفاتنا وخواصنا أننا لم نخن أحداً ممن أكلنا من زاده، فقال الآخوند: إنني لا أقبل هذا الكلام منك، قال رئيس الأشرار: وهذا مسلم عندنا، فقال الآخوند: ألم تأكل من طعام الله فلماذا تخونه؟

فلما سمع رئيس الأشرار هذا الكلام أخذ يتأمله وقام من مكانه دفعة واحدة وذهب وتبعه أصحابه بالخروج. فقال صاحب المنزل للآخوند: لقد ساء الوقف أكثر، واشتد حراجة، وهاهم خرجوا من المنزل بغضب وانزعاج، فقال الآخوند: أما والأمر قد بلغ إلي هذه الحال لنري بعدها ماذا يكون؟

فلما أصبح الصبح جاء رئيس الأشرار إلي باب منزل الآخوند، وقال: إن كلاكم لي في الليل قد أثر بي تأثيراً بالغاً، فها أنذا قد تبت واغتسلت غسل التوبة، وجئتك لتعلمني مسائل الدين، وهكذا اهتدي بسبب تأثير نفس الآخوند محمد تقي المجلس (رحمه الله).

اختبار صفاء النفس

كان بين السيد محمد باقر الداماد والشيخ البهائي (رحمهما الله) خلطة تامة ومؤاخاة عجيبة قل ما يوجد نظيرها وقد نقل: أن السلطان شاه عباس الصفوي ركب يوماً إلي بعض مقاصده، وكان الميرداماد والبهائي أيضاً في موكبه لأنه كان لا يفارقهما غالباً، وكان السيد الداماد عظيم الجثة بخلاف الشيخ البهائي فإنه كان نحيف البدن في غاية الهزال.

فأراد السلطان أن يختبر صفاء الخواطر فيما بينهما، فجاء إلي السيد الداماد، وهو راكب فرسه في مؤخر الجمع وقد ظهر من وجناته الإعياء والتعب لثقل جثته،

وكان جواد الشيخ البهائي في مقدم الجمع يركض كأنما لم يحمل عليه شيء.

فقال: يا سيدنا! ألا تنظر إلي هذا الشيخ في مقدم الجمع كيف يلعب بجواده ولا يمشي علي وقار بين هذا الخلق مثل جنابك المتأدب المتين؟

فقال السيد: أيها الملك! إن جواد شيخنا لا يستطيع أن يتأني في جريه من شغف ما حمل عليه، لأنه يعلم من ذا الذي ركبه؟

ثم جاء إلي الشيخ البهائي وقال: يا شيخنا! ألا تنظر إلي ما خلفك كيف أتعب هذا السيد المركب، وأورده من غاية سمنه في العي والنصب، والعالم لا بد أن يكون مثلك مرتاضاً خفيف المؤونة؟

فقال: لا، أيها الملك! بل العي الظاهر في وجه الفرس من عجزه عن تحمل حمل العلم الذي يعجز عن حمله الجبال الرواسي علي صلابتها.

فلما رأي السلطان المذكور تلك الألفة التامة والمودة الخالصة بين عالمي عصره، نزل من ظهر دابته بين الجمع، وسجد لله تعالي، وعفر وجهه بالتراب، شكراً علي هذه النعمة العظيمة.

وحكايات سائر ما وقع أيضاً بينهما من المصادقة والمصافاة وتأييدهما الدين المبين بخالص النيات كثيرة، فأكرم بهما من عالمين صفيين ومخلصين رضيين.

سر الفراق

كان المقدس الأردبيلي (رحمه الله) يعيش لوحده في غرفة، وكان أحد طلاب المدرسة يرغب أن يكون مع المقدس في غرفة واحدة، وفي هذا الصدد تكلم مع الشيخ فرفض طلبه، وبعد أن زاد في إصراره والتماسه، أجاب الشيخ قائلاً: أوافق علي ذلك بشرط أن لا تطلع أحداً علي حالي وتظهر ما عندي، فوافق الرجل علي ذلك وقضينا مدة معاً، حتي جاء زمان ابتلي فيه الاثنان بضيق المعاش ولم يظهرا لأحد ذلك الذي يعانيانه، حتي بدت عليهما آثار الضعف وعدم القدرة.

وفي أثناء ذلك مر رجل فرأي زميل الأردبيلي وقد علاه الضعف وسوء

الحال فسأله فلم يجبه، فأصر عابر السبيل عليه بأن يبين له علته، فما كان من زميل الأردبيلي إلا أن يعلمه بالقضية ويفشي له بذلك، ويقول له: نحن طالبان من طلاب العلوم الدينية، لم نذق طعاماً لمدة طويلة، فلما اطلع هذا الشخص علي حقيقة الأمر ذهب لإحضار الطعام، وجاء به مع مقدار من المال وأعطاه لزميل الأردبيلي وقال له: خذ نصفه، ونصفه الباقي لصاحبك.

فلما دخل المقدس الغرفة ورأي ذلك، سأل صاحبه: من أين وصل إلينا هذا؟ فنقل له صاحبه الحكاية التي جرت له مع عابر سبيل.

فقال المقدس: الآن حان وقت افتراقنا، ثم تناولا الطعام، وصادف أن احتلم المقدس تلك الليلة، فنهض مسرعاً وذهب إلي الحمام حتي لا تفوته صلاة الليل، فرأي الحمام مغلقاً فطلب المقدس من صاحب الحمام أن يفتح الباب مقابل أن يزيد له في الأجرة فلم يوافق علي ذلك، فأخذ يضيف ويضيف علي أجرة الحمام حتي وصل إلي قدر سهمه، ففتح صاحب الحمام الباب فأعطاه ذلك المبلغ فاغتسل وأدي صلاة الليل ثم افترق عن صاحبه، وبذلك نعرف أن من هذه العبادات والمجاهدات والرياضات حصلت له المقامات العالية حتي صار من أهل الكشف والكرامة.

التواضع وظيفة العلماء

كان زيد بن ثابت من صحابة رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) قد صلي علي جنازة، وبعد ذلك جيء إليه بركابه ليركب ويرجع إلي مكانه، فأخذ ابن عباس بركابه حتي يركب زيد.

فقال زيد: يا ابن عم رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) هل يمكنني ذلك؟ قال ابن عباس: أمرنا أن نتواضع للعلماء والكبار.

فأخذ زيد بيد ابن عباس وقبلها، وقال: وكذلك نحن أمرنا بأن نتواضع لأهل بيت النبي (صلي الله عليه وآله وسلم).

حب الدنيا عدو العلماء

عن أبي عبد الله (ع) قال: (كان لموسي بن عمران جليس من أصحابه قد وعي علماً كثيراً، فاستأذن موسي في زيارة أقارب له، فقال له موسي: إن لصلة القرابة حقاً، ولكن إياك أن تركن إلي الدنيا، فإن الله قد حملك علماً فلا تضيعه وتركن إلي غيره.

فقال الرجل: لا يكون إلا خيراً، ومضي نحو أقاربه، فطالت غيبته فسأل موسي عنه فلم يخبره أحد بحاله، فسأل جبرائيل عنه، فقال له: أخبرني عن جليسي فلان ألك به علم؟ قال: نعم، هوذا علي الباب قد مسخ قرداً في عنقه سلسلة، ففزع موسي إلي ربه وقام إلي مصلاه يدعو الله ويقول: يا رب! صاحبي وجليسي، فأوحي الله إليه: يا موسي! لو دعوتني حتي تنقطع ترقوتك ما استجبت لك فيه، إني كنت حملته علماً فضيعه وركن إلي غيره).

الشيخ الأنصاري وقران من سهم الإمام (ع)

روي أحد أعاظم العلماء قال: عندما كنت بخدمة الشيخ الأكبر المرتضي الأنصاري (رحمه الله) في النجف الأشرف، رأيت في إحدي الليالي في المنام شيطاناً وبيده عدد من الأطواق وهو يذهب لحاله فقلت له: إلي أين تذهب؟ فقال: أريد أن أضع هذه الأطواق في أعناق أشخاص، كما وضعت أمس إحداها في عنق الشيخ الأنصاري من الغرفة حتي خارج الزقاق فسحبته بها إلا أنه تمكن من طرح الطوق في الزقاق.

ولما انتبهت من نومي تشرفت بخدمة الشيخ ونقلت له ما رأيته في المنام، فقال: صحيح ما قاله الشيطان، فهذا الملعون أراد أن يغريني أمس، حيث لم يكن عندي من المال شيء، وكان المنزل بحاجة إلي شيء، ففكرت في نفسي أن أستقرض قراناً أصغر عملة إيرانية من سهم الإمام (ع) وأصرفه في الحاجة وبعد ذلك أؤديه فأخذت القران وخرجت من المنزل إلي الزقاق ثم ندمت أثناء الطريق

فرجعت إلي البيت وأرجعت القران إلي موضعه.

ومقتضي القاعدة أن أخذ الشيخ للقران لم يكن بنظره الشريف جائزاً.

زهد وورع الملا عبد الله التستري (رحمه الله)

كان المولي الفاضل التقي الورع المتقي الملا عبد الله التستري يقول لابنه وهو يعظه: يا بني إني بعدما أمرني مشايخي (رضوان الله عليهم) بجبل عامل بالعمل برأيي ما ارتكبت مباحاً حتي الأكل والشرب، وكان يعد ذلك بأصابعه، وهو (رحمه الله) أصدق من أن يتوهم في مقاله غير محض الحقيقة.

وكأن ما يوجد في بعض المواضع من أن بعض العلماء، كان يقول: لم يصدر مني منذ ثلاثين سنة إلي الآن، غير الواجب والمندوب شيء من الأحكام الخمسة، أيضاً يشير إلي هذا العالم الكبير.

وروي: أنه جاء يوماً إلي زيارة الشيخ البهائي (رحمه الله)، فجلس عنده ساعة إلي أن أذن المؤذن، فقال الشيخ: صل صلاتك هاهنا حتي نقتدي بك ونفوز بثواب الجماعة، فتأمل ساعة، ثم قام ورجع إلي المنزل، ولم يرض بالصلاة جماعة هناك، فسأله بعض أحبته عن ذلك، فقال: أنك مع غاية اهتمامك بالصلاة في أول الوقت كيف لم تجب الشيخ إلي مسؤوله؟! فقال: راجعت نفسي سويعة، فلم أر نفسي لا تتغير بإمامتي لمثله، فلم أرض بذلك.

ونقل أيضا أنه كان يحب ولده المولي حسن علي كثيراً، فاتفق أنه مرض مرضاً شديداً فحضر المسجد لأداء صلاة الجمعة مع تشتت حواسه، فلما بلغ في سورة المنافقين إلي قوله تعالي: (يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله) جعل يكرر ذلك، فلما فرغ سألوه عن ذلك؟ فقال: إني لما بلغت هذا الموضع تذكرت ولدي، فجاهدت مع النفس بتكرار هذه الآية إلي أن فرضته ميتاً وجعلت جنازته نصب عيني، ثم تلوت ما بعدها.

وكان من عبادته أنه لا يفوت منه شيء من

النوافل، وكان يصوم الدهر، ويحضر عنده في جميع الليالي جماعة من أهل العلم والصلاح وكان مأكوله وملبوسه علي أيسر وجه من القناعة، ونقل أنه اشتري عمامة بأربعة عشر شاهياً وتعمم بها أربع عشرة سنة، وكان مبجلاً للغاية عند الناس.

دعاء الحاج ملا أحمد النراقي (رحمه الله)

روي أن المرحوم الحاج ملا أحمد النراقي قد طرد حاكم كاشان، لظلمه وسوء استعماله السلطة، مما أدي بالسلطان فتح علي شاه أن يستدعي الملا أحمد إلي كاشان وخاطبه بلهجة قاسية مفادها: أنكم تتدخلون في شؤون السلطنة وفي أمور الدولة مما يؤدي إلي الإخلال بالأمن.

فرفع النراقي (رحمه الله) يديه إلي السماء وقال: إلهي! إن هذا السلطان ظالم قد نصب حاكماً ظالماً علي الناس، وأنت تعلم أني ما أخرجت هذا الحاكم من البلد إلا لرفع الظلم، والآن هذا السلطان الظالم يؤنبني علي ما قمت به.

فتحول فتح علي شاه من مكانه، وأمسك بيد النراقي وأنزلها إلي الأرض، وأخذ يعتذر للملا أحمد، وأرسل السلطان حاكماً لكاشان أفضل من الذي طرده النراقي وكان السلطان حذراً من أن يستجاب دعاء النراقي (رحمه الله).

الميرزا محمد تقي الشيرازي لا أحد يخدمه

روي الشيخ عبد الكريم الحائري (رحمة الله عليه): أن المرحوم الميرزا محمد تقي الشيرازي (رحمه الله) الذي كان من كبار مراجع الدين وقد قاد الثورة ضد الكفار وأخرجهم من العراق لم يكن من عادته أن يكلف أحداً بخدمته، حتي أنه مرض في أحد الأيام، وجاء أهله إليه بالطعام ووضعوه عند باب غرفته وذهبوا، وحيث أنه كان مريضاً لم يتمكن من النهوض، ولما ذهب أهله خارج المنزل وعادوا وجدوا أن الطعام الذي قدموه إليه علي حاله، لأنه (رحمه الله) فكر في نفسه أنه إذا أراد أن يتناول الطعام فلا بد أن ينادي أحد أولاده ليساعده في تقديمه إليه، وهذا ليس من طبعه وأخلاقه.

عزة نفس السيد الرضي

كان السيد الرضي محمد بن أبي أحمد الحسين بن موسي الموسوي عالي الهمة شريف النفس، لم يقبل من أحد صلة ولا جائزة، أما الملوك من بني بويه فإنهم اجتهدوا علي قبوله صلاتهم فلم يقبل، وكان يرضي بالإكرام وصيانة الجانب وإعزاز الأتباع والأصحاب.

حكي أبو إسحاق الصابي قال: كنت عند الوزير أبو محمد المهدي ذات يوم فدخل الحاجب واستأذن للشريف الرضي (رحمه الله) وكان الوزير قد ابتدأ بكتابة رقعة فألقاها ثم قام كالمندهش حتي استقبله من دهليز الدار، وأخذ بيده وأعظمه وأجلسه في دسته، ثم جلس بين يديه متواضعاً، وأقبل عليه بجميعه.

فلما خرج الرضي خرج معه وشيعه إلي الباب ثم رجع، فلما خف المجلس قلت: أيأذن الوزير لي أعزه الله تعالي أن أسأله عن شيء؟ قال: نعم، وكأنك تسأل عن زيادتي في إعظام الرضي؟ فقلت: نعم، أيد الله الوزير.

فقال: بلغني ذات يوم أنه ولد له غلام، فأرسلت إليه بطبق فيه ألف دينار فرده، وقال: قد علم الوزير أني لا أقبل من أحد شيئاً فرددته، وقلت:

إني إنما أرسلته للقوابل فرده ثانية، وقال: قد علم الوزير إنا أهل بيت لا يطلع علي أحوالنا قابلة غريبة، وإنما عجائزنا يتولين هذا الأمر من نسائنا، ولسن ممن يأخذن أجرة ولا يقبلن صلة، فرددته إليه، وقلت: يفرقه الشريف علي ملازميه من طلبة العلم، فلما جاءه الطبق وحوله الطلبة، قال: هاهم حضور فليأخذ كل أحد ما يريد.

فقام رجل وأخذ ديناراً فقرض من جانبه قطعة وأمسكها ورد الدينار إلي الطبق، فسأله الشريف عن ذلك، فقال: إني احتجت إلي دهن السراج ليلة ولم يكن الخازن حاضراً، فاقترضت من فلان البقال دهناً، فأخذت هذه القطعة لأدفعها إليه عوض دهنه، وكان طلبة العلم الملازمون للشريف الرضي في دار قد اتخذها لهم سماها (دار العلم) وعين لهم فيها جميع ما يحتاجون إليه. فلما سمع الرضي أمر في الحال أن يتخذ للخزانة مفاتيح بعدد الطلبة ويدفع إلي كل منهم مفتاح ليأخذ ما يحتاج إليه، ولا ينتظر خازناً يعطيه، ورد الطبق علي هذه الصورة، فكيف لا أعظم من هذه حاله؟

عيسي (ع) كان يركب الحمار حافياً

وصل الخبر يوماً أن الشيخ مرتضي الأنصاري (رحمه الله) يريد أن يدخل مدينة بغداد، فأعلن أهالي بغداد التعطيل العام لاستقبال الشيخ، وكان من جملة المستقبلين السفير الإيراني في بغداد، وكانت مشاركة السفير إما رغبة أو تصنعاً وفي هذه الأثناء دخل عليه أحد السفراء الأجانب، وفهم أن السفير الإيراني كان ينوي الذهاب إلي مكان ما فسأله: إلي أين تريد أن تذهب؟ فأجاب قائلاً: أذهب لاستقبال أحد علماء الشيعة يريد أن يدخل هذه المدينة، ففهم السفير الأجنبي من التعطيل العام للأسواق أن هناك واقعة مهمة، فأظهر الميل والرغبة في أن يصاحب السفير الإيراني للمشاركة في الاستقبال المذكور، فركبا ومضيا من بين الناس، وبسرعة استطاعا أن

يتقدما أمام الناس بانتظار موكب الشيخ الجليل، وفجأة رأيا شيخاً راكباً علي حمار وبدون تشريفات متوجهاً إلي بغداد، ففكر السفيران في نفسيهما أن هذا المسافر غريب، ومن غير الممكن أن يكون هو الشيخ المقصود، ولما لم يعرف السفير الإيراني ومن معه الشيخ الأنصاري مروا عليه بدون أن يعيروه اهتماماً أو ترحيبا، ولم تمض لحظات حتي وصل الشيخ واقترب من المجتمعين وتعالت الأصوات بالصلوات والسلام وغمرهم الفرح والسرور، وجاء الناس إليه كالبحر المواج وأحاطوا به، وعلم السفيران أن هذا الشيخ البسيط هو مرجع تقليد المسلمين الذي يقبل الناس يديه ورجليه.

فاندهش السفير الأجنبي وسأل السفير الإيراني: إن هذا الرجل الذي له هذا النفوذ والمحبوبية عند الناس ما موقعه وعنوانه؟

فقال السفير الإيراني: إن مثل هؤلاء الأشخاص يسمونهم حجة الإسلام ومرشد المسلمين. فقال السفير الأجنبي: هذا هو الحق بعينه، سمعت أن عيسي (ع) مع تلك العظمة والمكانة التي كانت له كان يمشي راجلاً ويركب الحمار حافياً، إلا أني لم أكن أتصور ذلك، ولكن اليوم برؤيتي هذا الشيخ الجليل حصل لي اليقين بأن ما سمعته من سيرة الأنبياء (ع) صحيح وواقع.

الوحيد البهبهاني والزهد

ولد الآقا محمد باقر بن المولي محمد أكمل الأصفهاني البهبهاني الحائري سنة (1118 ه) في أصفهان بعد وفاة خاله العلامة المجلسي بخمس أو ست سنين، وقد جاء في (نخبة المقال) هذا الشعر:

والبهبهاني معلم البشر مجدد المذهب الثاني عشر

أزاح كل شبهة وريب فبان للميلاد (كنه الغيب 1118)

وقطن برهة في بهبهان ثم انتقل إلي كربلاء شرفها الله وكان ربما يخطر بخاطره الارتحال منها إلي بعض البلدان لتغير الدهر وتنكد الزمان، فرأي الإمام الحسين (ع) في المنام يقول له: (لا أرضي لك أن تخرج من بلادي) فجزم العزم علي الإقامة بذلك البلد،

وقد كانت بلدان العراق سيما المشهدين الشريفين مملوءة قبل قدومه من الجاهلين والقاصرين، حتي أن الرجل منهم كان إذا أراد حمل كتاب من كتب الفقهاء حمله مع منديل، وقد أخلي الله البلاد منهم ببركة قدومه، واهتدي المتحيرون في الأحكام بأنوار علومه، وبالجملة كل من عاصره من المجتهدين فإنما أخذ من فوائده واستفاد من فرائده، وله مصنفات رشيقة وتحقيقات أنيقة، وقد تخرج علي يديه أعيان العلماء وأساطين الفضيلة، أمثال: السيد بحر العلوم، وصاحب الرياض، والميرزا القمي صاحب (القوانين)، والشيخ جعفر كاشف الغطاء، والميرزا مهدي النراقي، والميرزا مهدي الشهرستاني، والميرزا مهدي الخراساني، وغيرهم من أعاظم العلماء.

وكان سلطان الوقت محمد خان قد أمر أن يكتب قرآن بخط الميرزا التبريزي وأن يكون جلده من الياقوت والماس والزبرجد وسائر الأحجار الثمينة، وزين الإطار بقيمة عالية، وأرسله إلي الشيخ الوحيد البهبهاني بمعية بعض الشخصيات والوزراء، فلما طرق بابه جاء الوحيد بنفسه ففتحه، فسلموا عليه وقالوا: إن السلطان قد بعث إليكم هذا القرآن.

فقال لهم الوحيد: ما هذه المجوهرات التي صرفت علي هذا القرآن؟ اقلعوها وتصدقوا بها علي الفقراء والمساكين.

فقالوا: القرآن بخط التبريزي وقيمته عالية، خذه واقرأه.

فقال: كل من أتي بالقرآن يأخذه ويحتفظ به ويقرأه، وبهذا الكلام قد سد عليهم الطريق فرجعوا من عنده.

يقول جمال الدين البهبهاني: وهو من تلامذة الوحيد في (التحفة الرضوية): إن زهد الآقا محمد باقر لا يوصف، فقد كان يلبس اللباس الخشن وغالباً ما كانت زوجته هي التي تقوم بحياكتها، ولم يلتفت إلي الأقمشة الثمينة وأمتعة الدنيا.

زهد الشيخ المرتضي

كان الشيخ الأنصاري المرجع الأعلي للشيعة، ولكنه عاش كأحد الطلبة الفقراء.. ومات كأحدهم، قال أحد الأشخاص للشيخ يوماً: أيها الشيخ! إنك تعمل عملاً عظيماً حيث تأتيك هذه الحقوق الشرعية الكثيرة دون أن

تتصرف فيها.

فقال الشيخ: لا يوجد هنالك شيء مهم، فالحد الأعلي لعملي أنه مثل عمل أصحاب الحمير في كاشان، حيث يحملون أمتعة الناس إلي مقاصدهم، في مقابل المبلغ الذي يتقاضونه منهم، فهل رأيت هؤلاء قد خانوا أموال الناس؟ فقال: كلا، لأن هؤلاء أمناء الناس.

فقال الشيخ: ونحن هكذا أمناء الناس ولا نستطع أن نتصرف في هذه الحقوق التي تأتينا لمنافعنا الشخصية.

هكذا كانوا عازفين عن الدنيا

كانت ضياء السلطنة.. إحدي بنات السلطان فتح علي ذات مال وجمال وكمال فالتمس أبوها من المرحوم الآخوند الملا حسن اليزدي صاحب (مهيج الأحزان) أن يزوج ابنته ضياء السلطنة من ابنه، فرفض الآخوند طلبه واعتذر له: بأننا رعايا لا يليق أن تكون بنات السلاطين في بيوتنا.

ثم طلب السلطان فتح علي من الميرزا القمي صاحب (القوانين) أن يزوج ابنه من إحدي بنات السلطان، وبعد انتهاء مجلس الطلب أخذ الميرزا يدعو الله تعالي أن يعجل بموت ابنه لكي لا تصح بنت السلطان زوجة لإبنه، وبعد أن أتم الميرزا دعاءه غرق ابنه ومات وقيل مرض ولم يدم مرضه أكثر من ثلاثة أيام حتي توفي.

وبعد وفاة السلطان فتح علي، سافرت ضياء السلطنة إلي العتبات المشرفة في العراق، وأرسلت إلي المرحوم السيد محمد مهدي بن السيد علي الطباطبائي صاحب (رياض المسائل) وطلبت منه أن يختارها زوجة له، فامتنع السيد المذكور من طلبها، ثم التمست بنت السلطان من الشيخ محمد حسين صاحب (الفصول) أن يتزوجها فلم يوافق الشيخ علي علي رجائها، ثم أرسلت إلي السيد إبراهيم الموسوي القزويني صاحب (ضوابط الأصول) وطلبت منه التزويج بها، فأجابها: إن مصارف بنات الملوك والسلاطين عالية جداً، وليس بمقدورنا ذلك، ونحن نعيش الفقر والفاقة، فأرسلت إليه ثانية: بأني لم أطالبك بأي مصرف، بل أن مصارفك ومصارف أهلك

أقوم أنا بتكفلها؟ والمقصود أن يبقي اسمك فقط علي رأسي، فامتنع السيد أيضاً من الاستجابة لطلبها.

هل أنت كما يدل عليه ظاهرك؟

كان الحاج الميرزا مسيح الطهراني من كبار علماء طهران وحاكم الشرع في وقته، وفي أحد الأيام كان راكباً حماره وقد عبر الشارع فاتبعته امرأة فاحشة وقالت له: يا حاج ميرزا مسيح! الكل يعرف أني امرأة بهذا الشكل فهل أنت بهذا الشكل كما يدل عليه ظاهرك؟

قيل: إن هذا الكلام قد تأثر به الحاج ميرزا مسيح، حتي لم يخرج من بيته مرة، ولم يتدخل في شؤون الناس والقضاء بينهم.

وينقل مثل ذلك عن امرأة بذيئة قالت للآخوند الخراساني مثل هذا الكلام.

ناصر الدين شاه في منزل الملا السبزواري

روي الراوي في سفر الشاه إلي المشهد المقدس قال: كان يستقبلنا أهالي كل مدينة ندخل إليها، وعندما نغادرها يقوم أهاليها بتوديعنا، وفي شيراز جاءوا لاستقبالنا باستثناء الملا هادي مع أن استقبالنا كان سهلاً، ولم يتأثر الشاه من ذلك الموقف واعتبره مسألة عادية، ولما كان الشاه يعرف الملا هادي، فقد عين وقتاً وبصحبة أحد الخدمة ذهب إلي منزل الحاج ملا هادي وكان الوقت نهاراً، وبعد تدارس الأمور، قال الشاه: إن الله العالم تفضل علي بنعم كثيرة، وعلي أن أشكره علي كل نعمة أولاني بها، فأرجو منكم أن تؤمن لي خدمة أقوم بها حتي أؤدي شكر نعمة السلطنة.

فأظهر الحاج الملا هادي استغناءه وعدم احتياجه، ولم يؤثر فيه إصراره، حتي اقترح علي قائلاً: سمعت أن لك أرضاً زراعية، فأرجو منكم أن تقبلوا إعفاءها من الرسوم والضرائب المالية، فرد هذا الاقتراح بعذر وقال: إن الضرائب المالية للدولة وفي كل بلد، قد اتخذت بصورة قطعية لا تقبل التغيير، وإذا أنا (هادي) لم أعط ضريبة سيقطع المسؤولون علي الضرائب مقدارها من سائر آحاد الرعية، ومن الممكن أن تلحق بامرأة أرملة أو يتيم، وأنت لا ترضي أن يلحق إعفائي من الضريبة ضرراً بامرأة لا

معيل لها أو بطفل يتيم.

قال الشاه: نريد أن نأكل معكم طعامكم فأمر الملا هادي خادمه بتقديم الغذاء، فجاء الخادم بطبق فيه عدد من أقراص الخبز واللبن والملح وبعض الملاعق ووضعه أمامنا، وذهب لحاله، فابتدأ الملا هادي بتقبيل أقراص الخبز، وأخذ يشكر الله كثيراً من صميم قلبه، وبعد ذلك أخذ يقطع الخبز ويضعه في اللبن، ووضع ملعقة أمام الشاه وقال: أيها السلطان! كل إنه خبز حلال من زراعة وأتعاب هاتين اليدين، فأكل الشاه منه ملعقة واحدة فقط لأنه وجد أن الاستمرار في أكل هذا الشيء خارج عن نطاق قدرته، وبعد الاستئذان أخذ الشاه بيده بقية الأقراص وأعطاها للخادم واحتفظ بها لأفراد العائلة ليستشفوا بها عند الإصابة بالمرض وقمنا ونحن في عجب من زهد هذا العالم بعدم رغبته في الدنيا.

يوجد هناك من هو أعلم مني

كان الشيخ محمد حسن صاحب (الجواهر) يطوي اللحظات الأخيرة من عمره الشريف، وكان يحيط به جميع الفقهاء وكبار أهل العلم وهم يفكرون في مصير المرجعية ومن يخلفه، ففتح عينيه ونظر إلي الجموع الملتفة حوله وقال: أين بقية العلماء؟

فقيل له: كلهم موجودون في خدمتكم، فقال: أين الملا مرتضي؟ فذهب جماعة امتثالاً لأمر الأستاذ للبحث عن الشيخ الأنصاري فوجدوه في حرم أمير المؤمنين (ع) فقالوا له: لماذا تركت الأستاذ في هذا الوقت؟

فقال: جئت أدعو له بالشفاء، وأخيراً جيء بالشيخ الأنصاري إليه، وبعد السلام والسؤال عن الحال جلس، فالتفت صاحب (الجواهر) إلي الحاضرين وقال: إنه الذي يصلح للزعامة بعدي والتفت إلي الشيخ وقال: أيها الشيخ! قلل من احتياطك في المسائل وكان الأنصاري يحتاط كثيراً فأجاب الشيخ: أنا لا أصلح لزعامة الدين، فلما سمع العلماء هذا الجواب من الشيخ الأنصاري تعجبوا، وسألوا الشيخ نفسه عن السبب في انصرافه عن هذا الأمر

الخطير؟

فقال: هناك من هو أجدر وأليق مني بهذا الأمر، قالوا: لا نعرف أحداً غيرك، فقال الشيخ الأنصاري: نعم، إن الأستاذ سعيد العلماء المازندراني أفضل مني وأعلم وأفقه، وهو الآن موجود في إيران، لأني رأيته في كربلاء في درس المرحوم شريف العلماء، وأنا أدري أنه أعلم مني، فكتب الشيخ الأنصاري إلي سعيد العلماء وطلب منه أن يقبل المرجعية والزعامة الحوزوية، فلما وصلت الرسالة إلي سعيد العلماء، كتب في جوابها: نعم، إن ما ذكرت وكوني أعلم منك في زمان حضورنا درس شريف العلماء صحيح، أما الآن فإنك متفوق علي، لأني تركت المباحثة لسنوات طويلة، كما أني انشغلت بأمور الناس والتدخل في حل وفصل قضاياهم، وأنت أدمت التحصيل بحضور الأساتذة، فعلي هذا أنت أعلم مني.

فلما وصل جواب الرسالة إلي الشيخ الأنصاري أخذ يبكي لعظم المسؤولية التي أنيطت به، وتوجه إلي الحرم المطهر لأمير المؤمنين (ع) واستغاث به ليعينه علي تأدية هذا الأمر الخطير علي أحسن وجه.

هذا الشيخ أكثر كفاءة مني للتدريس

كان المرحوم آية الله السيد حسين الكوه كمري من تلامذة صاحب (الجواهر) وكان مجتهداً مشهوراً ومعروفاً، وكان علي طبق المتعارف يدرس في ساعة معينة في إحدي مساجد النجف الأشرف، وفي أحد الأيام جاء قبل الوقت المقرر للدرس فجلس في المسجد حتي يجتمع الطلاب، ولكن رأي في إحدي زوايا المسجد شيخاً جالساً مع بعض الطلاب، وهو يقوم بتدريسهم.

فأخذ السيد حسين يستمع جيداً إلي كلام هذا الشيخ ومع كمال التعجب أحس بأن هذا الشيخ محقق كبير، فجاء في اليوم الثاني عمداً وقبل وقت درسه وجلس جانباً من المسجد يستمع جيداً إلي درس الشيخ، وبعد أيام تيقن أن هذا الشيخ أفضل منه في التدريس، ولو أن طلابه حضروا درس هذا الشيخ لكانت استفادتهم أكثر.

وفي اليوم

التالي وعندما جاء الطلاب واجتمعوا حوله قال لهم: أريد اليوم أن أقول لكم مطلباً جديداً، إن هذا الشيخ الجالس في زاوية من المجلس وهو يعطي الدرس أراه أكفأ مني في التدريس فلنذهب سوية إلي درسه، ومن ذلك اليوم أصبح من حضار درس الشيخ.

كان هذا الشيخ هو الشيخ المرتضي الأنصاري الذي عرف فيما بعد، ولقب بأستاذ المتأخرين، وكان الشيخ في ذلك الوقت قد جاء من السفر تواً، بعد أن زار ولسنوات طويلة كلاً من: مشهد وأصفهان وكاشان.

السيد بحر العلوم (رحمه الله) يختبر المرحوم النراقي (رحمه الله)

ينقل أن المرحوم الملا مهدي النراقي وكان متبحراً في كثير من العلوم وقد ألف كتاب (جامع السعادات) في علم الأخلاق وتزكية النفس كان قد أرسل نسخة من كتابه المذكور إلي السيد بحر العلوم في النجف الأشرف، ومن ثم سافر بنفسه إلي زيارة العتبات المشرفة ودخل النجف، فجاء العلماء إليه تجليلاً لمكانته السامية، إلا أن السيد بحر العلوم امتنع عن المجيء لزيارته، ولم تمض أيام حتي قام المرحوم النراقي بزيارة السيد بحر العلوم، إلا أن السيد لم يعر اهتماماً كبيراً به، ومرة أخري قام السيد النراقي بزيارة بحر العلوم في بيته وأمضي معه ساعة من الوقت، وهذه المرة لم تكن بأفضل من سابقتها حيث إن بحر العلوم لم يهتم اهتماماً كبيراً بالنراقي، فرجع النراقي إلي منزله، ومرة أخري زار النراقي بحر العلوم دون أن يفكر بأنه لا فائدة مرجوة من اللقاء ببحر العلوم و.. و.. وهذه هي المرة الثالثة، فما أن وصل منزل السيد وطلب الاستئذان، حتي خرج إليه بحر العلوم حافياً لاستقباله واحتضنه وقبله وأدخله المنزل بكل احترام وتجليل، وبعد أداء الاحترام قال السيد مخاطباً النراقي: كتبتم كتاباً في الأخلاق وتزكية النفس وأهديتمونا نسخة منه، وأنا قد طالعت الكتاب

من أوله إلي آخره بكل دقة وإمعان، والحق يقال: أنه كتاب يقل نظيره، ومفيد جداً، وأما السبب في عدم مجيئي لزيارتكم واستقبالكم منذ ورودكم إلي النجف، وعدم الاهتمام اللائق بشأنكم عند زيارتكم لنا في المنزل، كل ذلك قمت به عمداً، لأطلع علي أنك عامل بما كتبت، أو لا؟ فظهر لي أنك في أعلي درجات تزكية النفس، وأنت بنفسك كتاب أخلاق، تهدي الآخرين بأخلاقك، وليس بكتابك فحسب.

قناعة الخليل بن أحمد الفراهيدي

كان الخليل بن أحمد الفراهيدي من أفضل الناس في الأدب، وقد اخترع علم العروض، وكان صدوقاً عالماً عابداً، وفضله أشهر من أن يذكر، وكان إمامي المذهب، روي عنه النضر قال: كان منزله في البصرة وكان يسكن في غرفة من الحصير، ولم يملك قرشاً أسود، وقد تخرج علي يديه الكثير من أهل العلم والأدب وكان تلامذته من أصحاب الأموال، وكان زهده غير قابل للوصف، حتي نقل عنه: أن أحد الملوك طلب منه أن يؤدب أولاده، فأرسل له رسولاً فرآه وبيده قطعة من الخبز اليابس ليأكلها، فقال للرسول: ارجع إلي الذي بعثك وقل له: مادام تصلني أمثال هذه القطعة من الخبز اليابس فلا حاجة لي بك، ولم يذهب إلي الأمير.

وعن سفيان بن عيينة أنه قال: من أحب أن ينظر إلي رجل خلق من الذهب والمسك، فلينظر إلي الخليل بن أحمد.

وكان النضر بن شميل بن خرشة البصري الذي هو من كبار أصحاب الخليل يقول: ما رأيت أحداً أعلم بالسنة من الخليل بن أحمد، ويقول: أكلت الدنيا بأدب الخليل وكتبه، وهو في خص لا يشعر به.

وقال أبو عبيده: ضاقت المعيشة علي الخليل بالبصرة، فخرج يريد خراسان، فشيعه من أهل البصرة ثلاثة آلاف رجل ما فيهم إلا محدث أو نحوي أو لغوي أو إخباري،

فلما صار بالمربد قال: يا أهل البصرة: يعز علي فراقكم، والله لو وجدت كل يوم كليجة باقلا ما فارقتكم، قال: فلم يكن فيهم من يتكلف ذلك. وكان الخليل كثيراً ما ينشد عن الأخطل هذا البيت:

وإذا افتقرت إلي الذخائر لم تجد ذخراً يكون كصالح الأعمال

ورع المرحوم الميرزا محمد حسن الشيرازي

ذكر المرحوم السيد محسن الأمين في شرح أحوال الميرزا الشيرازي (قدس سره) صاحب قضية (التنباك) قال: كان يكتب بخطه الجميل الحوالات المالية لمساعدة المحتاجين في ورقة لا تتجاوز كف اليد، وكان يختمها بختمه الشريف، ولم يكن يترك مكاناً خالياً لإضافة شيء، وقد سئل عن ذلك؟ فقال في الجواب: مصرف الورق أكثر من هذا إسراف، ومن جهة أخري، عندما تمتلئ الورقة لا يكون بمقدور أحد أن يضيف شيئاً إليها.

وكان الميرزا قانعاً في لباسه ومعاشه وأموره الأخري، وكان يتعيش هو وعائلته من أملاكه الموروثة في شيراز، وغالب تلك الأموال كان يقوم بتقسيمها بين الفقراء والطلاب وفي الأمور الخيرية.

ونقل أحد الذين كان مطلعاً علي أحواله قال: إن الميرزا كان يجمع عيدان الكبريت التي يستعملها في إشعال التبغ نهاراً ويستفيد منها ليلاً بعد أن يقربها من شعلة الفانوس.

وإذا كان يسمع عن أحد من أهل العلم مطلباً خلاف العدالة، فكان موقفه منه أنه لا يسأل عن حاله عندما يدخل عليه، ويكتفي

بهذا. وطلب منه أن يكتب لأحد المعروفين بالفضل إجازة اجتهاد، فامتنع من ذلك، فقيل له: أتشكون في اجتهاده؟ قال: لا، ولكن

لا تعطي الإجازة لكل مجتهد، وليس كل مجتهد يعطي الإجازة قيل: وكان ذلك الشخص بدون تدبير.

من المقامات العملية للشيخ الأنصاري

كان الشيخ مرتضي الأنصاري يتأخر في بعض الأيام عن التدريس، ولما سئل عن السبب في ذلك؟

قال: كان أحد السادة يرغب في تحصيل العلوم الدينية، واقترحت علي البعض أن يقوم بتدريسه المقدمات إلا أنه اعتذر عن ذلك، ولهذا السبب اضطررت أن أقوم بتدريسه بنفسي.

ونقل أنه قال أحد الأشخاص للشيخ: إن الميرزا الشيرازي يشرب الشاي وكان غرضه السعاية حتي يقلل الشيخ من مرتبه الشهري، فقال له الشيخ: رحمك الله، لقد ذكرتني أمراً، وكنت عنه غافلاً، ثم

طلب من خادمه الملا رحمه الله أن يكثر من المرتب الشهري لذلك الطالب بمقدار مصارف الشاي، حتي يتفرغ إلي تحصيل العلم ويستمر عليه.

ونقل الآقا الشيخ منصور سبط الشيخ الأنصاري عن والده المعظم قال: رأي أحد أجلة العلماء في المنام أنه دخل في مجلس كبير، وكان النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) قد شرف ذلك المجلس، وكان أئمة الهدي (ع) واحداً بعد الآخر علي جهته اليمني وهم جالسون، وعلماء الإمامية بحسب الزمان في الجهة اليسري من تلك الحضرة الشريفة وهم جالسون، وفي تلك اللحظة رأيت الشيخ الأنصاري قد دخل، وأراد أن يجلس خلف أستاذه، ولكن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) أمره أن يجلس مع حضرة ولي العصر (أرواحنا فداه) فاعتذر الشيخ، فأمره رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) بذلك ثانية، فأجاب الشيخ وجلس بجنب الإمام الحجة (عج).

فسأل بعض الحضور عن السبب؟

فقال (ص): (كان في حياته يبدي نهاية الاحترام لأولادي، ولم يكن احترام الآخرين مثل احترامه).

تعهد بالعبادة الاستيجارية لسنتين

قال صاحب (لؤلؤة الصدف): حكي أحد أعاظم العلماء للمؤلف أنه ذهب إلي الشيخ الأنصاري وقال له: إن أحد السادات من فضلاء الحوزة مضطر جداً وزوجته علي وشك أن تضع حملها، فتفضل بمساعدته.

فقال الشيخ: ليس عندي شيء، إلا ما كان من مقدار وجه لعبادة استيجارية صلاة أو صوم لسنتين، وهذا يكفيه للتغلب علي حاجاته.

فقلت له: إن فلاناً من السادات، وليس من أهل العبادة الاستيجارية، علاوة علي ذلك أنه شديد العلاقة بالدرس، وهذا العمل يكون مانعاً من مواصلة دروسه.

فتأمل الشيخ جيداً وقال: خذ هذا المبلغ عن عبادة استيجارية لمدة سنتين له وأنا أقضيها عن الميت، فأخذ هذا العمل علي عهدته رغم مشاغله الكثيرة.

وأيضاً قال السيد علي الدزفولي المعروف بالسيد المحتاط لكثرة

احتياطاته: لما غلب علي الفقر في النجف الأشرف، ذهبت إلي الشيخ الأنصاري وأخبرته عن حالي، فقال لي: ليس عندي شيء، ولكن اذهب إلي الشخص الفلاني وقل له: أن يعطيك سنتين صلاة وخذ أجرتها لك، وأنا أقضي الصلاة بدلك عن الميت.

امتناع السيد بحر العلوم عن التدريس

روي الآخوند الملا زين العابدين السلماسي وكان من أبرز تلامذة السيد مهدي بحر العلوم أن السيد بحر العلوم (رحمه الله) كان يطوف شوارع النجف ليلاً ويطعم الفقراء. وبعد أيام قام بتعطيل الدرس، فشفعني الطلاب إليه ووسطوني أن أسأله عن السبب في تعطيل درسه؟

فقال السيد: لا أدرس بعدئذ.

ولم تمض أيام حتي وسطني الطلاب مرة أخري عن السبب في تركه التدريس؟

فجئت إليه ونقلت له ما عرضه الطلاب.

فقال السيد: لم أسمع قط من هؤلاء الطلاب صوت التضرع ومناجاة الله بصوت عال في منتصف الليل، مع أني في أغلب الليالي أطوف شوارع النجف، فمثل هؤلاء الطلاب لا يستحقون أن أقوم بتدريسهم.

فلما سمع الطلاب هذا الكلام أخذوا يتضرعون ويناجون، وارتفعت أصواتهم ليلاً في المناجاة والبكاء، فرجع السيد بحر العلوم (رحمه الله) إلي التدريس.

ترك الرئاسة وسكن في إحدي القري للتبليغ

كان المرحوم الميرزا الشيرازي الكبير في المجلس، وفي الأثناء دخل المجلس رجل روحاني، فقام له الميرزا وأبدي له احتراماً وإكراماً كبيراً، الأمر الذي جلب انتباه الحاضرين وأثار تعجبهم لهذا الموقف، فسألوا عن سبب ذلك؟

فأجاب الميرزا (رحمه الله): أنا وهذا الشخص الروحاني كنا زميلين في الدرس وشريكين في المباحثة، وبعد أن نال درجة الاجتهاد أراد الهجرة إلي وطنه ليكون مرجعاً لأهلها، وفي أثناء الطريق شاهد قرية ظاهراً تقع في أطراف كرمانشاه ويدين أهل هذه القرية بالغلو ويعتبرون الإمام علي بن أبي طالب (ع) إلهاً، فوجد هذا العالم الكبير أن الواجب الشرعي يحتم عليه أن يبقي في هذه القرية ليهدي أهلها للرشاد، فترك الرئاسة وبقي في هذه القرية، وأعلن في المسجد مخاطباً أهل القرية:

أيها الناس! أنا أستاذ ومعلم لأولادكم، وأجرتي هي إمرار المعاش، وبهذا النحو تمكن أن يجلب عدداً كبيراً من الأطفال، وأصبح مشغولاً بتعليمهم القراءة والكتابة والعقائد ومعرفة

الله وسائر البرامج الإسلامية، وتمكن بهذا العمل أن يجعل من أهل القرية المغالين موحدين مؤمنين عارفين بالله.

بعض أحوال المرحوم السيد علي خان

نقل السيد نعمة الله الجزائري (رحمه الله) قال: في وقت من الأوقات تشرفت بخدمة السيد علي خان فرأيت لحيته قد غلب عليها البياض، فسألته: لماذا لم تخضب لحيتك؟ فقال: أردت أن أكتب تفسيراً للقرآن المجيد، وفي هذا الخصوص استخرت بالقرآن، فخرجت هذه الآية الشريفة: (وإن له عندنا لزلفي وحسن مآب) فعلمت أن أجلي قد اقترب، فقمت بتفسير مختصر، وتركت الخضاب حتي ألقي الله بشيبة بيضاء، وقد ودع (رحمه الله) هذه الدنيا الفانية بعد سنة.

وكان السيد علي خان معاصراً للشيخ البهائي، وكانت له أملاك ومزارع، وكان يصرف حاصلها علي هذا النحو: يكتب في الدفتر علامة (زاء) دلالة علي صرف الزكاة، وعلامة (ق) دلالة علي صرف الصدقة، وعلامة (ص) إشارة إلي صرفها في صلة الرحم، والباقي يصرفه علي الواردين والشعراء والمخالفين وكان يقصد به حفظ العرض كما قال الإمام الحسين: خير المال ما وقي به العرض، وكان يقدم علي نفسه المؤمنين والفقراء، ولم يرغب في جمع مال الدنيا.

وإذا زاد شيء عن المصارف المقررة يقول: يا رب! لا تجعلني من الذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فكان ينفقها في سبيل الله.

ومع كل هذه الأملاك والمكنة كان زاهداً مرتاضاً وكان يلبس اللباس الخشن، ويأكل الخبز مع قشوره، وكانت عبادته يضرب بها المثل، ولم يترك الصلوات والصوم المستحب، وكان يقرأ القرآن كثيراً في ليالي الجمعة.

احترت من العلم بشيئين

نقل الآقا الميرزا أبو القاسم العطار الطهراني عن العالم الكبير الحاج الشيخ عبد النبي النوري وكان أحد تلامذة الحكيم الحاج ملا هادي السبزواري، قال: في أواخر عمر السبزواري جاء إلي منزله يوماً شخص وأخبره: بأنه عثر في المقبرة علي شخص نصف بدنه في التراب والنصف الآخر في الخارج، ويلقي ببصره إلي السماء،

وكلما يزاحمه الأطفال لا يعتني بذلك.

فقال السبزواري: لا بد أن أراه بنفسي، فلما ذهب الملا إلي قبره رآه علي تلك الحال فاقترب منه ورأي أنه لم يعتن به.

فقال له الملا: من أنت وما عملك؟ لأني لم أرك مجنوناً، ومن جهة أخري فإن عملك غير عقلاني؟

فقال في جوابه: أنا شخص جاهل ولكن لي علم بشيئين، أحدهما: علمت أن لهذا العالم خالقاً عظيم الشأن ويجب معرفته وعدم التقصير في عبادته، الثاني: علمت أني لا أبقي في هذا العالم وسأذهب إلي عالم آخر، ولم أعرف كيف يكون حالي في ذلك العالم؟ إني في حيرة من هذين العلمين، وقد اشتد خوفي حتي يظن الناس أني مجنون. وأنت عالم المسلمين وتعرف ذلك، وأخذت كثيراً من العلم، لماذا لا تتوجع ذرة ولا تبالي ولا تفكر؟

هذا الكلام أصاب كالسهم قلب السبزواري وولد له جرحاً عميقاً، وكان في آخر عمره يفكر في سفر الآخرة، وتحصيل زاد هذا السفر، وطريقه المحفوف بالخطر، حتي فارق الدنيا.

الشيخ عبد الكريم الحائري وإغاثة محتاج

كان للمرحوم الشيخ عبد الكريم الحائري (رحمه الله) مؤسس الحوزة العلمية بقم المقدسة خادم يدعي الشيخ علي قال: في إحدي ليالي الشتاء كنت نائماً، في ساحة منزل الشيخ، فسمعت صوتاً بالباب، فنهضت وفتحت الباب فوجدت امرأة فقيرة تقول: إن زوجي مريض وليس عندنا دواء ولا غذاء وحتي الفحم للتدفئة، فأجبتها بالقول: أيتها السيدة، لا نستطيع في هذا الوقت من الليل أن نعمل شيئاً، وأنا أعلم بأن الشيخ ليس بحوزته شيء حتي يقوم بمساعدتك.

فرجعت المرأة خائبة! فصاح بي الشيخ بعد أن سمع كلامنا، وقال لي: يا شيخ علي! إذا كان يوم القيامة وسأل الله مني ومنك: في هذه الساعة من الليل جاءت أمتي إلي باب داركم ولم تلبوا حاجتها؟

ماذا يكون

جوابنا؟

فقلت: أيها الشيخ! ما الشيء الذي نستطيع أن نفعله الآن لهذه المرأة؟

فقال: أنت تعرف منزل هذه المرأة؟

فقلت: نعم، أعرفه ولكن يصعب الذهاب إليه الآن حيث أن الشوارع مكسوة بالطين والثلج.

فقال: قم، لنذهب.

فلما وصلنا رأينا زوجها المريض، وشاهدنا المنزل، ورأينا صحة أقوال المرأة.

فأمرني الشيخ بأن أذهب إلي الدكتور صدر الحكماء وأنقل له عن لسان الشيخ: أن يأتي لفحص الرجل المريض، فذهبت إلي الطبيب المعالج وجئت به فكتب له العلاج وأعطاني الورقة وذهب، فطلب مني الشيخ أن أذهب إلي صيدلية فلان لأشتري الدواء بحساب الشيخ، فذهبت وجئت بالأدوية، ثم طلب الشيخ مني أن أذهب إلي منزل فلان لأشتري كيساً من الفحم علي نفقة الشيخ، فجئت بالفحم مع مقدار من الأكل.

والخلاصة، أن عائلة الفقير في تلك الليلة قد دخلها السرور من كل جانب، فمريضهم تحسنت حالته بعد تناول الدواء، وأكلوا الطعام، وتدفئوا.

ثم قال لي الشيخ: ما كمية اللحم التي تأتي بها إلي منزلنا؟

قلت سبعمائة غرام، فقال: أعط نصفه إلي هذه العائلة كل يوم، والنصف الباقي يكفينا، ثم طلب مني أن نذهب لننام.

إيثار المدرس

روت زوجة المدرس قالت: كنت أشاهد المدرس عند عودته من مجلس الشوري كل يوم وإحدي ملابسه غير موجودة عليه، وعندما سألت عن السبب في ذلك أجاب: أعطيته لسائل في الطريق.

وفي أحد الأيام طرقنا سائل، ولم يكن لدي المدرس أي شيء، فطلب مني أن آخذ القدر الذي نستعمله لطبخ الطعام إلي دكان عبد الكريم البقال وآخذ منه مبلغاً من المال لأعطيه لهذا السائل! فقلت له: ليس لدينا غيره؟

فقال: لا بأس.

وأخيراً قتله البهلوي لأنه كان يعارضه في إفساد المسلمين وخراب إيران.

إسلام يهودي ببركة سخاء السيد المرتضي (رحمه الله)

كان للسيد المرتضي علم الهدي حوزة علمية غنية، وكان (رحمه الله) يدرس بها علوماً كثيرة، ويجري علي تلامذته رزقاً، فكان للشيخ أبي جعفر الطوسي أيام قراءته عليه كل شهر اثنا عشر ديناراً، وللقاضي ابن البراج كل شهر ثمانية دنانير.

وأصاب الناس في بعض السنين قحط شديد، فاحتال رجل يهودي علي تحصيل قوت يحفظ به نفسه، فحضر يوماً مجلس المرتضي (رحمه الله) وسأله أن يأذن له في أن يقرأ عليه شيئاً من علم النجوم، فأذن له وأمر له بجراية تجري كل يوم، فقرأ عليه برهة، ثم أسلم علي يديه.

السيد الشفتي والترحم علي الكلبة

كان المرحوم السيد (الشفتي) أحد كبار مراجع التقليد في أصفهان، وكانت له منزلة عظيمة مشهوراً بالعلم والتقوي وكان يتعبد في الليل، وتحدث له حالات من الخوف والرجاء في المناجاة والاستغاثة، وكان يضع القيد في عنقه ويتأوه ويصرخ ويصيح شوقاً إلي الثواب وخوفاً من العقاب وفي زمان ظل السلطان ابن ناصر الدين شاه والذي كان يمسك بزمام الأمور، جاء فقير إلي السلطان، فقال له السلطان: لم جئتني؟

إن كنت تريد العلم فاذهب إلي مسجد السيد، وهكذا كان.

فكيف وصل إلي هذه الدرجة؟

يحدثنا السيد (رحمه الله) نفسه فيقول: أوصلتني كلبة إلي هذا المقام! فعندما كنت طالباً في النجف، ومرت أيام علي، ولم يأتني شيء من المال ثم اقترضت من رفيقي مقداراً من المال، وصممت أن آكل شيئاً، فاشتريت عند الصباح الخبز واللحم، وأثناء عودتي إلي المنزل رأيت كلبة جائعة جداً ولها ثلاثة أولاد علي ثدييها مع أن ثدييها خاليتان من الحليب، فتألمت لهذه الكلبة وقلت في نفسي: إنني إلي الآن قد تحملت الجوع وأيضاً سأتحمل الجوع، فوضعت الخبز في ماء اللحم وعملته ثريداً وقدمته إلي الكلبة فأكلته، وبعد ذلك أنعم الله علي

بوصول مبلغ من المال، فلم تمض مدة قصيرة حتي جاءني أحد أهالي شفت إحدي مدن كيلان وكان السيد من أهاليها وقال: إن الحاج الفلاني قد مات وقد أوصي بثلث ماله إليك، وكانت وصيته لي عصر ذلك اليوم الذي أطعمت فيه الكلبة، ومنذ ذلك الوقت وبالتدريج حصلت لي المرجعية في أصفهان.

طريقة المرحوم الميرزا حسن الشيرازي في مساعدة المحتاجين

نقل السيد الأمين العاملي (رحمه الله) في (أعيان الشيعة) في ترجمة الميرزا الشيرازي (قدس سره): أنه كان يقرر الحقوق الشهرية بشكل سري إلي العوائل الكريمة التي: (يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف) وكذلك للتجار المحترمين الذين خسرت تجارتهم، ولم يعلم بذلك أحد حتي وفاته (رحمه الله)، وكذلك الحال بالنسبة للطلبة الذين هم خارج سامراء، وبالخصوص الطلبة المتفوقين علمياً فقد كانت لهم حقوق شهرية مقررة.

ونقل لي: أن الآخوند الملا محمد كاظم الخراساني (رحمه الله)، الذي كان في النجف الأشرف، كان هو الآخر يتقاضي مرتباً شهرياً حتي آخر حياة المرحوم الميرزا الشيرازي، ثم أن الآخذين من الميرزا أخبروا بالأمر بعد وفاة الميرزا.

سخاء السبزواري وعدم اعتداده بالدنيا

كانت للملا هادي السبزواري غلة يتولاها بنفسه وزوجته ويخرج منها سهم الزكوات ليقوم بتقسيمها بين الفقراء، وعلاوة علي أداء الحقوق الواجبة، ولسنوات طويلة كان يجمع كافة فقراء مدينة سبزوار في ساحة منزله عصر كل يوم خميس، ويقف بنفسه بباب المنزل ويعطي للفقراء أموالاً حسب القابلية، وفي أواخر شهر صفر من كل عام تقام ثلاثة مجالس للتعزية في منزله يدعو فيها فقراء البلدة، ويرتقي الخطيب المنبر وبعد ختم التعزية يقدم الخبز وماء اللحم، وبعد الانتهاء من تناول الطعام يوزع علي كل واحد منهم شيئاً من المال.

وفي أيام شبابه وعندما كان يطلب العلم في المشهد المقدس باع جميع الدكاكين الموروثة بالتدريج وأنفق أموالها في سبيل الله.

وفي السنوات الأخيرة من حياته وبسبب القحط والضائقة، باع ما كان عنده في سبزوار، وقسمه بين الفقراء والمستحقين.

وكانت الدنيا بنظر هذا الرجل صغيرة لا قيمة لها، ولو لم تكن هذه الآية الشريفة: (وليخش الذين لو تركوا ذرية من خلفهم ضعافا خافوا عليهم) تقطع عليه، لصرف ما كان يملكه في يوم واحد في سبيل

رضا الله، ويؤيد هذا الأمر أنه حضره شخص وقال له: إنك درويش فلم أبقيت بعض المال ولم تنفق كله، فقال في جوابه: نعم، صدقت، ولكن ما الحيلة والأطفال ليسوا بدراويش؟

من عفو الآخوند الخراساني (رحمه الله)

في وقايع المشروطة انقسم الناس إلي قسمين، وفي إحدي المرات جاء أحد كبار المخالفين للمرحوم الآخوند الخراساني، وكان هذا الشخص دائماً وفي كل مكان ينتقص من شخصية الآخوند ويذمه ويسيء إليه.

وكان هذا الرجل من خطباء كربلاء المعروفين، وأراد أن يبيع داره ليسدد بثمنها الديون التي عليه، لكن المشتري طلب منه أن يقوم الآخوند بإمضاء سند بيع الدار، وإلا فلن يشتري منه الدار، ولم يكن الرجل الواعظ مستعداً للذهاب إلي الآخوند لأنه وبسبب المشروطة التي كان الآخوند من أنصارها، كان ينال من الآخوند، ومن جهة أخري كان يخشي أن يتعرض لمكروه في منزل الآخوند، ولما كانت القروض قد ثقلت عليه أصبح مضطراً أن يسافر من كربلاء إلي النجف ليري الآخوند.

فقابله الآخوند باحترام بالغ، وأظهر السرور بهذا اللقاء، فبين الرجل الواعظ الغرض من المراجعة، وقال: الذي أرجوه أن تذيلوا السند بإمضائكم حتي أستطيع بيع داري، فأخذ الآخوند سند البيت من يده وطالعه ووضعه تحت البساط.

فوقع في قلب الرجل الواعظ الشك، وقال في نفسه: الآن كشف هذا الرجل يعني الآخوند عن حقيقته، فلم يقتنع بعدم إمضاء السند، بل صادره مني ليوقعني في متاعب.

وفي هذه الأثناء تحرك الآخوند من مكانه، وأخرج بعض الأكياس من الليرات الذهبية من داخل صندوق حديدي وسلمها للرجل الواعظ، وقال له: إنك من أهل العلم، وأني غير راض أن يكون أهل العلم في ضائقة، خذ هذه المبالغ واستعن بها علي ديونك، ولا تبع منزلك فتجعل زوجتك وأولادك مشردين، وإذا لا سمح الله أصبحت في ضائقة

مالية فتعال إلينا لنساعدك عليها.

فلما شاهد هذا الرجل الواعظ ما قام به الآخوند (رحمه الله) تجاهه ندم أشد الندم علي ما صدر منه، وأخيرا أصبح من أنصار الآخوند، وهكذا تصنع الأخلاق.

تأثر حتي الموت

روي عن المرحوم الآقا ميرزا مهدي الخلوصي، أنه قال: في زمان العالم العامل والزاهد العابد الآقا ميرزا محمد حسين اليزدي (أعلي الله مقامه) المتوفي في (38 / ربيع الأول / سنة 1307ه) والمدفون في مقبرة غرب الحافظية، أقيم في بستان الحكومة مجلس للضيافة وكان حفلاً غريباً يحضره جمع من التجار وكان يطغي علي ذلك المجلس أنواع من الفسق والفجور وكان أحد المطربين اليهود يرقص ويغني، فأخبر المرحوم الميرزا بما يجري في ذلك المجلس، فتأثر تأثرا شديداً من ذلك، وفي يوم الجمعة وفي مسجد وكيل شيراز وبعد صلاة العصر صعد المنبر وأخذ يبكي بكاء شديداً وبعد أن ذكر جملة من المواعظ والنصائح قال:

أيها التجار الفجار! كنتم دائماً خلف العلماء والروحانيين تسندوهم، وها أنتم تحضرون وتدعون إلي مجلس الفسوق الذي ترتكب فيه المحرمات علناً دون حياء، وبدل أن تؤنبوهم وتوبخوهم صرتم شركاء لهم، لقد أصبتم كبدي وأحرقتم قلبي، ودمي يقع علي عاتقكم، ثم نزل من المنبر وذهب إلي منزله، وفي الليل لم يحضر صلاة الجماعة، وعندما ذهبنا إلي بيته للسؤال عن حاله؟ قالوا: إن الميرزا ابتلي بالحمي، يوماً بعد يوم ازدادت الحمي عنده بشكل عجز الأطباء عن مداواته وقالوا: يجب أن يغير الماء والهواء، فأخذوه إلي بستان سالاري، وفي ذلك الوقت كان قد جاء إلي شيراز أحد الهنود المرتاضين، وكان مشهوراً في الإخبار عن الوقائع والحوادث، واتفق أنه مر يوماً من محلّنا، فقال لي والدي: تعال به لأسأله عما يتعلق بأحوال الميرزا وشفائه، فذهبت إلي الهندي

وجئت به إلي محلنا، فقال والدي دون أن يذكر اسم الميرزا: عندي شيء أريد أن أعرف هل يصل بسلامة أم لا؟ ولكن في باطنه كان ينوي هل أن الميرزا يشفي من مرضه أم لا؟

فأخذ يحسب المرتاض الهندي واستغرق في الفكر ولم يستطع الإجابة، فقال له والدي: أرجو أن لا تؤخر نفسك أو تؤخرنا إذا كان لك اطلاع فأخبرنا، وإن لم يكن لك ذلك فخذ صلتك وانصرف، فقال الهندي: حسابي صحيح ولكن سؤالك جعلني أستغرق في التفكير، لأن ما قلته لي ظاهراً غير ما عندك باطناً، فقال له والدي: ماذا كانت نيتي؟

فقال الهندي: الآن أزهد رجل علي الأرض مريض وأنت تريد أن تعرف عاقبته، فأقول لك: لا يشف من مرضه هذا ويموت بعد ستة أشهر، فتعجب والدي مما ذكره، وأعطاه مبلغاً من المال، وبعد ستة أشهر ودع الميرزا الدنيا.

(الجمهرة) مع ثمنه

حكي الخطيب أبو زكريا يحيي بن علي التبريزي اللغوي: أن أبا الحسن علي بن محمد بن علي بن سلك الفالي الأديب كانت له نسخة من كتاب (الجمهرة) لابن دريد في غاية الجودة، فدعته الحاجة إلي بيعها، فاشتراها الشريف المرتضي بستين دينار، فتصفحها فوجد فيها أبياتاً بخط بائعها أبي الحسن الفالي، وهي:

أنست بها عشرين حولاً وبعتها لقد طال وجدي بعدها وحنيني

وما كان ظني أنني سأبيعها ولو خلدتني في السجون ديوني

ولكن بضعف وافتقار وصبية صغار عليهم تستهل عيوني

فقلت ولم أملك سوابق عبرة مقالة مكوي الفؤاد حزين

وقد تخرج الحاجات يا أم مالك كرائم من رب بهن ضنين

فرد عليه النسخة، وأعطاه الثمن ليستعين به علي أموره.

من سخاء الشيخ الأعظم الأنصاري (رحمه الله)

نقل السيد محمد طاهر الشفيعي الدزفولي إمام جماعة دزفول عن جدته: أن إحدي العادات الجميلة عند الشيخ مرتضي الأنصاري (رحمه الله) أنه كان يزور أقاربه ويصل أرحامه.

وفي إحدي الليالي وبعد صلاة المغرب والعشاء اشتقت إلي أكل السمك، وقلت: يا ليتنا نتمكن من تهيئة سمكة ليوم غد، فجاء الشيخ في الصباح وأعطاني مبلغاً من المال، وقال: أوصيت الملا رحمه الله أن يشتري لكم سمكاً، كما نقل أيضاً السيد أسد الله الدزفولي ابن السيد محمد المجاهد الذي كان من تلامذة الشيخ الأنصاري عن أمه قالت: رأيت والدي ليلة أثناء المطالعة وقد استغرق بالفكر، فسألته: بأي شيء تفكر؟

فقال: أفكر في ديوني التي بلغت ثمانين توماناً، وكيف لي أن أؤديها، وذهب للنوم.

ثم استيقظ من النوم فرأيته مسروراً وهو يشكر الله تعالي، فقلت له: ما الذي جري؟

قال: رأيت في المنام رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) وقال لي: (أوصيت الشيخ مرتضي أن يفي ديونك).

فلما أصبحنا رأيت الملا رحمه الله خادم الشيخ يقول: الشيخ يستدعيك، فذهب السيد إلي

الشيخ، فقال له الشيخ: اكتب لي أسماء دائنيك وأعطني إياها، ولا تفكر، فأنا أسددها عنك.

كل من يحب شيبة الشيخ فليساعد الفقير

روي: أن الشيخ جعفر الكبير آل كاشف الغطاء (رحمه الله) كان يقسم الوجوه بين الفقراء يوماً في أصفهان، وبعد الانتهاء من ذلك وقف للصلاة، فأعْلِم أحد الفقراء بالتقسيم المذكور فورد بين الصلاتين، وقال للشيخ: أعطني سهمي، فقال الشيخ: جئتنا متأخراً وقد انتهي التقسيم.

فغضب الرجل الفقير وقال ما لا يليق.

فقام الشيخ من محراب الصلاة وأخذ بثوبه يمر بين صفوف المصلين ويقول: كل من يحب شيبة الشيخ فليساعد الفقير، فملأ الناس ثوب الشيخ من الحمراء والبيضاء، فأعطاها الشيخ للفقير.

الرد علي الجاهل

بعد أن أنهي الميرزا أبو القاسم بن الملا حسن القمي تحصيله العلمي في كربلاء، عاد إلي مسقط رأسه (جايلق) وسكن في قرية تسمي (قلعة بابو) مشغولاً بترويج الدين وبيان الأحكام الدينية، وكان في تلك القرية رجلان جاهلان، أحدهما: يدعي (سبز علي) والآخر يسمي (شاه مراد) وكانا يحسدان الميرزا القمي (رحمه الله) ويضمران له سوءاً، فأخذا يشنعان عليه عند أهل القرية، ويقولان: إن الميرزا جاهل لا يعرف شيئاً، وأنهما أعلم منه.

وفي إحدي المجالس اجتمع أهل القرية وكان الميرزا القمي موجوداً بينهم، فقال أحد الرجلين للميرزا: اكتب لنا الأفعي، وحيث أن الميرزا لم يعلم قصده وغرضه، أخذ القلم والورقة وكتب له كلمة أفعي علي الورقة.

فقال الرجل: هل هذه أفعي؟

ثم أخذ القلم وعلي صفحة الورقة خط صورة الأفعي بالرسم، ثم قال: انظروا أيها الناس! وانصفوا في الحكم والقضاء هل الأفعي ما كتبه الميرزا أم الذي كتبته أنا؟

ولما كان الناس من الجهلة فصدقوا ما كتبه سبز علي.

ومن ذلك الوقت استغل سبز علي جهالة الناس، وقال: أنا عالم والميرزا جاهل، فقبل الناس مقولته، فضاق قلب الميرزا من

الجهل وعدم المعرفة، فترك القرية وارتحل إلي قم وسكنها وشرع بالتدريس، حتي اجتمع عليه العلماء والطلاب.

العبور علي الماء

كتب السيد شفيع البروجردي في (الروضة البهية) قال: سمعت البعض ممن أثق به بأنه كان للسيد المرتضي علم الهدي (رحمه الله) منزل في بغداد القديمة، وكان أحد تلامذته في بغداد الجديدة، وكان التلميذ يتأخر في حضور الدروس، إذ كان ينتظر فترة حتي يتم ربط ضفتي النهر بجسر كل صباح، وخلال هذه الفترة من الانتظار كان السيد المرتضي ينتهي من الدرس، فطلب التلميذ من الأستاذ أن يقوم بتأخير درسه حتي يصل ويستفيد من الحضور.

فكتب السيد المرتضي (رحمه الله) له

شيئاً وقال له: احتفظ بهذا عندك وفي أي وقت أردت المجيء ورأيت أن الجسر لم يربط، فامشي علي الماء ولا تنظر إليه، ولا تخف.

فعمل التلميذ بما أمره به الأستاذ فكان حين يتأخر ربط الجسر يمشي علي الماء دون أن تتبلل رجلاه، ويصل إلي الدرس في الموعد المحدد.

وفي أحد الأيام فكر التلميذ في نفسه: ما هذا الشيء الذي كتبه الأستاذ، والذي له هذا القدر الكبير من التأثير؟

ففتح الورقة ونظر فيها، فإذا مكتوب فيها: (بسم الله الرحمن الرحيم) وفي اليوم التالي حين أراد التلاميذ العبور كالأيام السالفة انغمس في الماء.

فرجع، ولم يعد يستطيع الاستفادة من ذلك، حيث خالف شرط السيد الذي أمره أن لا ينظر في الورقة.

جسد الآخوند الخراساني بعد خمسين سنة

بعد خمسين سنة من وفاته نبش قبر الآخوند الخراساني (رحمه الله) صاحب (الكفاية) لتدفن ابنته زهراء بجنبه، وجدوا أن جسده وبالرغم من مرور هذه المدة لم يتلاش، ولم يتغير وجهه وملامحه.

وسمع من المرحوم الحاج ميرزا هادي الكفائي وكان حاضراً ينظر مراسم حفر القبر قال: والأغرب من هذا أني لما أخذت يد الآخوند ووضعتها علي يد ابنته، وجدته كالشخص النائم مما أثار تعجب الحاضرين، وعند ملاحظة الكفن والوجه وجد كأن الآخوند قد دفن يوم أمس، فأردت أن ألتقط له صورة إلا أنه خالفني البعض بعدم جواز ذلك حسب اعتقادهم.

مكاشفة للعلامة الطباطبائي

قال العلامة الطباطبائي: في سنوات تحصيلي بحوزة النجف الأشرف كنت أتلقي مصارفي من والدي، وكنت فارغ البال مشغولاً بالتحصيل، حتي مرت بعض الشهور علي ولم يأت أحد من المسافرين الإيرانيين إلي العراق، ونفد مصرفي، وذات يوم كنت مشغولاً بالمطالعة وكنت أفكر في مسألة علمية، وفي الأثناء زاحمتني أفكار خلو اليد من المال، ووضع الروابط بين إيران والعراق، وانشغلت بنفسي فخرجت عن التفكير في المسألة العلمية، ولم تمر لحظات حتي سمعت طرق الباب وكنت في تلك الحالة واضعاً رأسي علي يدي ويدي علي المنضدة فلما أردت أن أفتح باب المنزل رأيت رجلاً طويل القامة وله لحية مخضبة بالحناء ويرتدي لباساً لا يشبه لباس رجال الدين في عصرنا الحاضر لا من ناحية القباء ولا من ناحية العمامة، ومع كل ذلك فقد كانت له هيئة جذابة، فما أن فتحت له الباب حتي بادرني بالسلام وقال: أنا الشاه حسين ولي، إن الله المتعال يقول: في هذه المدة (الثمانية عشر عاماً) هل تركتك جائعاً حتي تركت درس المطالعة وأخذت تفكر في معيشة يومك هذا؟

ثم ودعني وخرج.

وبعد أن أغلقت باب المنزل ورجعت لأجلس

خلف المنضدة تعجبت مما رأيت، وخطر لي بعض الأسئلة، منها:

السؤال الأول: هل من الصحيح أني قمت من خلف المنضدة وذهبت إلي باب المنزل، أم إن ما رأيت رأيته وأنا هنا، مع العلم بأن لي يقيناً بأني لم أكن نائماً.

السؤال الثاني: من هذا الشخص الذي عرف نفسه باسم الشاه حسين ولي؟

وقد بقي هذا السؤال بدون جواب إلي أن كتب لي والدي من تبريز بأن أزور إيران في الصيف، وفي تبريز وحسب العادة المتبعة في النجف كنت أمشي بين الطلوعين، وفي أحد الأيام مررت من المقبرة القديمة في تبريز فنظرت إلي أحد القبور وكان يبدو إنه قبر أحد الأعاظم، وعندما قرأت الكتابة علي الصخرة رأيته قبر رجل عارف باسم الشاه حسين ولي وأنه متوفي حدود ثلاثمائة سنة قبل أن يأتي إلي منزلي.

والسؤال الثالث: الذي خطر ببالي تاريخ ثمانية عشر سنة، أين تاريخ ابتدائه هل هو في شروعي بتحصيل العلوم الدينية؟

فإن لي خمسة وعشرين عاماً، أو هو في الوقت الذي تشرفت به إلي حوزة النجف الأشرف؟

وهذا أيضاً لم يتجاوز عشرة سنين، وبعد أن فكرت جيداً رأيت أن ثمانية عشر سنة هو مدة تلبسي بلباس رجال الدين.

كلام المقدس الأردبيلي مع أمير المؤمنين (عليه السلام)

نقل عن السيد الفاضل الأمير فضل الله بن السيد محمد الأستر آبادي من أجلاء تلامذة المقدس الأردبيلي أنه قال: كانت لي حجرة في المدرسة المحيطة بالقبة الشريفة يعني بذلك حجرات الصحن المطهر فاتفق أني فرغت من مطالعتي في ظلمة من الليل، فخرجت من الحجرة أنظر في ساحة الحضرة، فرأيت رجلاً مقبلاً إليها.

فقلت: لعله سارق يريد أخذ شيء من قناديل الحضرة، فنزلت إلي قربه وهو لا يراني، فرأيته مضي إلي الباب ووقف، فرأيت القفل قد سقط وفتح له الباب الأول ثم الثاني، ثم

الثالث، حتي أشرف علي القبر وسلم، فأتي من جانب القبر رد السلام فعرفت صوته فإذا هو يتكلم مع الإمام (عليه السلام) في مسألة علمية، ثم خرج متوجهاً إلي مسجد الكوفة، فخرجت خلفه وهو لا يراني.

فلما وصل إلي المحراب سمعته يتكلم مع رجل في مسألة، ثم رجع، فرجعت من خلفه إلي أن بلغ باب البلد فأضاء الصبح فدنوت منه وقلت: يا مولانا! كنت معك من الأول إلي الآخر، فأعلمني من الرجلان وماذا جري؟

فأخذ علي المواثيق في الكتمان إلي موته، ثم قال: يا ولدي! إن بعض المسائل تشتبه علي، فربما خرجت بعض الليل إلي قبر مولانا (عليه السلام) وكلمته فيه وسمعت الجواب، وفي هذه الليلة قال لي: (إن ولدي المهدي (عليه السلام) هذه الليلة في مسجد الكوفة، فامض إليه لمسألتك).

وفاة الملا كتاب في طريق مكة

كان الشيخ مهدي الملا كتاب من أتقياء العلماء، زاهداً عابداً، وصاحب كرامات باهرة، أطراه المحدث النوري (رحمه الله) كثيراً، ونقل عنه: أن هذا العالم الرباني في السنة الأخيرة من حياته قصد زيارة بيت الله الحرام، فقيل له: لو زرت الإمام الحسين (عليه السلام) يوم عرفة لكان لك من الثواب ما يعادل الحج وزيادة.

فقال: أريد الذهاب إلي مكة لسببين، أحدهما: لعله أن تدركني الوفاة في الطريق حتي أدخل الرضوان، لأنه ورد في الروايات المخصوصة أن من مات في طريق مكة يدخل الجنة، الثاني: أنه في يوم عرفة من المؤكد أن يكون الإمام الحجة (عليه السلام) حاضراً هناك، وأحب أن أكون بحضوره.

وكان الآقا والسيد حسين النهاوندي وعدة من العلماء من أصدقاء مقربي الملا كتاب (رحمه الله) قد تحركوا معه، واتفق بعد الرجوع من مكة وفي صحراء نجد أن الموت أدرك الشيخ، فأرادوا حمل جنازته إلي النجف الأشرف إلا أن

الجمال أطلع عمال السلطة علي هذا الخبر، ولما كانت الوهابية تري أن نقل الجنازة إلي مكان آخر من البدع المحرمات اضطروا إلي دفن الجنازة في ذلك المكان ومحوا آثار القبر، وكانوا قد تأثروا كثيراً لعدم استطاعتهم حمل الجنازة إلي النجف.

فقال لهم الشيخ محمد: لا تتأثروا فقد نقلت الجنازة البارحة إلي النجف، فقالوا له: كيف؟

فقال: لما ذهب مقدار من ليلة البارحة ونمتم، كنت يقظاً وكنت قريباً من ناري أتدفأ بها، فرأيت ركباناً بقرب قبر الشيخ، فقلت: ما عملكم في هذا المكان؟

فقالوا: جئنا لنحمل جنازة الشيخ إلي النجف، وعند ذلك تحركوا فرأيت الشيخ راكباً علي الحصان ويريد أن يذهب، فأسرعت إلي الشيخ، وقلت له: خذني معك، فالتفت إلي الشيخ وقال: ارجع ليس الآن وقت مجيئك ولكن في اليوم الثالث الذي يصادف يوم الجمعة وقت الظهر ستحمل إلي جوار أمير المؤمنين (عليه السلام) فرجعت، ومن بين هؤلاء الجماعة علماء أعرفهم ورأيتهم وكانوا قد ماتوا، وعلامة صدق رؤياي هذه أني أموت يوم الجمعة، وفي اليوم الثالث الذي صادف الجمعة مات (رحمة الله عليهم).

تشرف الشيخ محمد باقر الدهدشتي بحضور الإمام الحجة (عج)

نقل صاحب (أعلام الشيعة): أن الفاضل الجليل الآقا الشيخ محمد باقر الدهدشتي البهبهاني صاحب كتاب (الدمعة الساكبة) كان يبيع الكتب في صحن أمير المؤمنين (عليه السلام) وكان رجلاً متقياً وصاحب دين وقد نقل عن ولده الحاج محمد علي بائع الكتب أنه قال: إن والدي كتب دورة الجواهر ثلاث مرات بالأجرة لإمرار المعاش، وعلي أثر كثرة المطالعة ومراجعة الكتب والكتابة أصبحت له ملكة التأليف حتي ألف كتاب الدمعة الساكبة في خمسة مجلدات، وقرظه العديد من العلماء الأعلام، وكانت له منامات صادقة، نقل عنه المحدث النوري في (جنة المأوي) أن المذكور الشيخ محمد باقر من الذين تشرفوا بلقاء

حضرة إمام الزمان (عج) في مسجد السهلة وعرف الإمام وكان قد أراد أن يشتري بستاناً حوالي المسجد مسجد السهلة وعندما تشرف بلقاء الحجة (عليه السلام) قال له: (أي فلان! اشتر بستاناً علي أن يكون نصفه لإمام الزمان) فلما رجع إلي النجف الأشرف، جاء إليه خادم العلامة الفقيه الآقا سيد أسد الله بن المرحوم حجة الإسلام الأصفهاني (الرشتي)، وأعطاه كيساً من المال، وهو مبلغ البستان الذي كان الإمام (عليه السلام) قد أمر بشرائه، وكان المبلغ بقدر قيمة ذلك البستان.

فاشتري الشيخ محمد باقر البستان بذلك المبلغ، وكان بيده لسنوات طويلة، ثم انتقل إلي أولاده، ولما اطلع الناس علي واقع الأمر، كانوا يذهبون إلي البستان ويأكلون من ثماره بقصد التبرك.

مقابلة الحسنات والسيئات بعد الموت

حكي القاضي سعيد القمي في كتاب (الأربعينات) عن الشيخ بهاء الدين العاملي (رحمه الله) قال: أراد الشيخ يوماً أن يزور أحد أهل الباطن في منزله الواقع في مقبرة من مقابر أصفهان.

فخرج من أصفهان، وحين التقي بذلك الرجل تكلما في كل باب، فحكي للشيخ حكاية وقال: بالأمس رأيت أمراً عجيباً في هذه المقبرة، فقد جاء جماعة بجنازة إلي هذه المقبرة ودفنوها في الموضع الفلاني وخرجوا، وأشار إلي الشيخ بموضع الدفن.

وبعد أن مضت ساعة من الوقت شممت ريحاً طيبة لم تكن من هذه النشأة وهي تحيط بي من اليمين والشمال، فنظرت فرأيت شاباً حسن الصورة متجهاً إلي ذلك القبر حتي وصل قريباً منه ودخل فيه، ولم يمض من الوقت إلا قليل حتي شممت ريحاً سيئة فتألمت منها وتقززت، فنظرت فوجدت كلباً وقد وقف علي ذلك القبر ودخل فيه، فتحيرت من مشاهدة هذه القضية وأخذت أفكر، ثم رأيت ذلك الشاب وقد خرج من القبر بملابس ممزقة وبدن مجروح فجئت إلي ورجوته

أن يبين لي حقيقة هذا الأمر.

فقال الشاب: أنا الأعمال الحسنة لهذا الميت، وكنت مأموراً بأن أرافقه وأؤنسه، وكان هذا الكلب أعمال الميت السيئة وكان يريد أن يؤذيه في القبر، فأردت أن أخرجه من القبر، إلا أن الكلب قد تمكن من التغلب علي وجرحني وأخرجني لأن أعماله القبيحة كانت تفوق في قوتها أعماله الحسنة، فلم أستطع أن أقاومه.

فلما سمع الشيخ هذه القضية قال: هذه الواقعة تؤيدها بعض الروايات في تجسم الأعمال وتصويرها بصور مناسبة حسب اختلاف الأحوال.

صلة شاعر

روي عن المرحوم الشيخ إبراهيم المشهور بصاحب الزماني إنه قال: نظمت قصيدة من الشعر في يوم الحادي عشر من شهر ذي القعدة وهو يوم ولادة ثامن الأئمة علي بن موسي الرضا (عليه السلام) وخرجت من بيتي لأذهب إلي منزل نائب التولية لأقرأ قصيدتي عليه، فلما وقع عبوري علي الصحن المقدس، قلت لنفسي: يا جاهل! السلطان هنا، فأين تذهب؟

لماذا لا تقرأ قصيدتك عليه؟

ثم ندمت علي ما بدر مني وتبت، وتشرفت إلي الحرم المطهر، وأنشدت قصيدتي مقابل الضريح المقدس، ثم قلت: يا مولاي! إنني في ضائقة من جهة المعيشة، واليوم هو يوم عيد، فلو مننت علي بصلة.

وفي هذه الأثناء رأيت أحداً عن يميني وقد وضع بيدي عشرة توامين، فأخذتها وقلت: أيها السيد! إن عشرة توامين قليلة، فرأيت أحداً قد وضع عشرة توامين أخري في يدي، فقلت: سيدي! إنها قليلة، والخلاصة كنت مرات أقول: بأنها قليلة، حتي وصل بيدي ستون توماناً، حتي خجلت واستحييت من أن ألح في الطلب.

فوضعت المبلغ في جيبي وشكرت الإمام (عليه السلام) وخرجت من الحرم، وفي محل خلع الأحذية رأيت العالم الرباني الحاج الشيخ حسن علي يريد التشرف بزيارة الحرم المطهر، فلما رآني احتضنني وقال: عملت يا حاج

شيخ إبراهيم شطارة مع حضرة الإمام الرضا (عليه السلام) وقد أعطتك تلك الحضرة صلة، فقل لي: كم هو مبلغ الصلة؟

فقلت: ستون توماناً، فقال لي: هل أنت مستعد أن أعوضك به ضعفين، فقبلت بذلك وأعطيته الستين توماناً وأعطاني مائة وعشرين توماناً، ثم ندمت بعد ذلك، حيث أن ما أعطاني الإمام (عليه السلام) هو شيء آخر، فرجعت إلي الشيخ وكلما حاولت الإصرار عليه بأن يفسخ المعاملة لم يرض بذلك.

الرؤيا الصادقة

رأي الفقيه العادل المرحوم الشيخ جواد بن مشكور في ليلة 26/صفر/1336ه في النجف الأشرف في منامه عزرائيل، وبعد السلام سأله الشيخ: من أين جئت؟

فقال: جئت من شيراز بعد أن قبضت روح الميرزا إبراهيم المحلاتي.

فسأله الشيخ كيف حال روحه في البرزخ؟

فقال: في أحسن حال، وفي أفضل بساتين عالم البرزخ، وأنعم الله عليه بأن جعل له ألف ملك يمتثلون أمره.

فسأله الشيخ: أي عمل عمله حتي وصل إلي هذا المقام؟

قال: لكونه كان يقرأ زيارة عاشوراء (وكان المرحوم الميرزا المحلاتي قد واظب علي زيارة عاشوراء ثلاثين سنة في أواخر عمره) فلما انتبه الشيخ جواد من نومه ذهب من الغد إلي منزل آية الله الميرزا محمد تقي الشيرازي (رحمه الله) ونقل له ما رآه في منامه، فبكي المرحوم الميرزا الشيرازي، فلما سئل عن سبب بكائه؟

أجاب: ذهب الميرزا المحلاتي من هذه الدنيا، وكان اسطوانة الفقه.

فقيل له: لعله لا يصح نبأ وفاته، والشيخ رأي مناماً ويحتمل أن لا يصدقه الواقع.

فقال الميرزا الشيرازي (رحمه الله): نعم، إنها رؤيا في المنام، ولكنها رؤيا الشيخ مشكور.

وهذه الحكاية رواها البعض من فضلاء النجف عن المرحوم آية الله السيد عبد الهادي الشيرازي (قده) الذي كان حاضراً في

منزل الميرزا محمد تقي الشيرازي (قده) عند ورود الشيخ مشكور (رحمه الله) ونقل الرؤيا،

وكذلك نقل هذه القصة الحاج صدر

الدين المحلاتي حفيد المرحوم الميرزا إبراهيم المحلاتي.

تعهد المعاش

روي العالم المتقي الحاج ميرزا محمد الصدر البوشهري (عليه الرحمة) قال: عندما سافر والدي المرحوم الحاج الشيخ محمد علي من النجف الأشرف إلي الهند كان لي ولأخي الشيخ أحمد من العمر ست وسبع سنين، وقد طال سفر والدي بحيث إن المبلغ الذي تركه والدي عند أمي قد نفد، وقد بكينا من شدة الجوع وكان الوقت عصراً، وقد تعلقنا بأمنا.

فقالت لنا أمنا: أسبغا الوضوء والبسا ثياباً طاهرة، وخرجت بنا من المنزل حتي دخلنا الصحن المقدس، فقالت أمنا: أنا أجلس في هذا الإيوان، وأنتما اذهبا إلي الحرم وقولا لأمير المؤمنين (عليه السلام): إن أبانا غائب ونحن الليلة جياع، وخذا من الإمام (عليه السلام) مصرفاً وأتيا به حتي أهيئ لكما عشاءً.

فدخلنا الحرم ووضعنا رأسينا علي الضريح المقدس وقلنا: إن أبانا غائب عنا ونحن جياع، ومددنا أيدينا إلي داخل الضريح وقلنا: أعطنا مصرفنا حتي يمكن لأمنا أن تهيئ لنا عشاءً، ولم يمض من الوقت إلا قليل حتي حان أذان المغرب، وسمعنا صوت: قد قامت الصلاة، فقلت لأخي: إن أمير المؤمنين (عليه السلام) الآن مشغول بالصلاة وبتصور الطفولة، قلت: إن حضرة الأمير (عليه السلام) يصلي صلاة الجماعة وبعد ذلك جلسنا في زاوية من المحرم المطهر بانتظار انتهاء الصلاة، وبعد أقل من ساعة وقف شخص في مقابلنا وأعطاني كيساً من المال وقال: (خذ هذا الكيس وسلمه لأمك، وقل لها: في كل ما تحتاجه لتراجع المحل الفلاني حتي يأتي والدكما) وقد نسيت المحل الذي حولنا عليه.

والخلاصة: إن سفر والدنا قد دام شهوراً، وفي هذه المدة كنا نعيش بأحسن ما يكون حتي قدم علينا والدنا.

آية الله الميرزا محمد حسن الشيرازي والزائر الخراساني

نقل جناب السيد عبد الله التوسلي قال: إن زائراً من أهل خراسان اشتري حمارين ليزور كربلاء المقدسة مع

زوجته وأطفاله، فلما وصل إلي بعقوبة سرق أحد الحمارين مع خرجه، وكانت مصارف سفره في ذلك الخرج، فاضطر إلي أن يركب الأطفال علي الحمار ويترجل هو مع زوجته لزيارة سامراء، وبعد زيارة الإمامين العسكريين (عليه السلام) جاء إلي آية الله الحاج الميرزا حسن الشيرازي (رحمه الله)، وعند باب المنزل قال له الآخوند الملا عبد الكريم وكان ملازماً للميرزا: أنت فلان الخراساني الذي سرق حمارك؟

قال: نعم.

فجيء به إلي خدمة الميرزا في الوقت الذي كان يغص مجلس الميرزا بالحاضرين، فلما رأي الميرزا ذلك الرجل طلب أن يقرب منه وأعطاه خمسة وعشرين قراناً، وقال: إن ابنك قد ذهب إلي مكة وسمع أنك مع عيالك وأطفالك قد تشرفتم إلي كربلاء، فأعطي إلي أحد الحجاج الخراسانيين مائة تومان ليوصلها إليك، فاذهب إلي كربلاء وفي إيوان حضرة سيد الشهداء (عليه السلام) ستلتقي بذلك الحاج الخراساني ويعطيك المائة تومان، وهذه الخمسة والعشرون قراناً لمصارف الطريق من هنا إلي كربلاء.

فتعجب ذلك الشخص الخراساني من كلام المرحوم الميرزا، فخرج من عنده وذهب إلي كربلاء، وعند الإيوان رأي شخصاً من أهل خراسان، وبعد أن تحادثا قال له: الآن وفي الحرم المطهر هناك أحد الحجاج الخراسانيين قد عاد لتوه من مكة وهو يبحث عنك، لم يتم كلامه حتي خرج الحاج من الحرم ورأي ذلك الشخص عند الإيوان وعرفه وسلمه المائة تومان التي بعثها ابنه إليه.

التوسل بالصديقة الطاهرة (عليه السلام) والنجاة من الموت

كان الحاج الميرزا محمد رضا الفقيه الكرماني يخوض صراعا شديداً مع بعض المنحرفين وقد دعا المرحوم الحاج سيد يحيي الواعظ اليزدي للتبليغ ومكافحة أولئك المنحرفين، فقام السيد بفضح أولئك النفر..

فصمموا علي قتل السيد يحيي وقد دبروا خطة عجيبة للقضاء عليه، إذ دعوه أن يأتي المنزل الفلاني ليصعد المنبر، ومن ثم أخذوه

إلي بستان خارج المدينة، وفي البستان أحس السيد بخطر الموت، ولا يعلم أحد بخبره أو مكانه، فتوسل بالزهراء (سلام الله عليها) وصلي صلاة الاستغاثة إليها وكان مشغولا بقراءة: يا مولاتي! يا فاطمة! أغيثيني، ولم تمر لحظات حتي سمع أصوات التكبير تقترب، ثم تسلق مجموعة جدران البستان، ودخلوه وأنقذوا السيد يحيي وجيء به إلي منزله يصحبه المرحوم الحاج ميرزا محمد رضا الكرماني.

ولما سئل آية الله الكرماني بأنه كيف عرف السيد يحيي في معرض الخطر والمحنة؟

قال: كنت نائما، فرأيت في عالم الرؤيا السيدة فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) وقالت لي: (يا شيخ محمد رضا! أسرع لنجاة ابني السيد يحيي، فسيقتل إن تأخرت عنه) ودلتني علي مكانه ولذا جمعت الناس وأتينا حتي أنقذناه.

قصة الملا قلي جولا والسيد علي الشوشتري

ذكر العراقي في (دار السلام) قال: كان المرحوم الحاج السيد علي الشوشتري من أولاد السيد نعمة الله الجزائري، ومن مجاوري النجف الأشرف، وكان سلمان عصره في الورع والزهد والتقوي، وكانت له علاقة حميمة مع الشيخ مرتضي الأنصاري، وهو الذي صلي علي جنازة الشيخ، وفي السنة الأخيرة من حياة الشيخ أرجعت إليه أمور الناس وكان الناس يعتقدون بأنه تشرف بلقاء الإمام المهدي مراراً.

وقد أجمل صاحب (طرائق الحدائق) أحواله بقوله: بعد أن أنهي السيد (رحمه الله) تحصيله العلمي ونال مرتبة الاجتهاد وحصلت له الإجازة من علماء النجف، عاد إلي وطنه مشغولا بالتدريس والقضاء، وفي إحدي الليالي والساعة تشير إلي الثانية ليلاً سمع طرق الباب، فسأل من الطارق؟

أنا الملا قلي جولا جئت لخدمة السيد،، فقال السيد للخادم: قل له: لقد جئت متأخرا، فتعال لنا غداً في المدرسة، فقالت زوجة السيد: إن هذا المسكين لعله جاء لأمر مهم في هذا الوقت، فالأفضل أن تأذن له بالدخول وتسمع كلامه، فقال

السيد: حيث أنك رضيت بهذه الزحمة فاذهبي إلي غرفة أخري.

فلما دخل الملا قلي سأله: ما عندك؟

قال: جئت لأقول: إن هذا الطريق يؤدي إلي جهنم، هذا ما قاله وخرج، فسألت زوجة السيد زوجها: ماذا كان له من شغل؟

فقال لها: إنه رجل مصاب بالجنون، وبعد ثمان ليال أخري وفي نفس هذا الوقت من الليل طرقهم ثانية، فعلم من حاله أنه الملا قلي يريد أن يصل بخدمة السيد، فقال السيد: إن هذا الرجل كلما يشتد جنونه يأتينا، ولما كان الملا قلي داخل الغرفة قال: ألم أقل: إن هذا طريق جهنم، وحكم اليوم في ملكية هذا الموضع باطل، والسند الصحيح للوقف يجب أن يكون مختوماً بختم العلماء والمعتبرين، وباب المكان الفلاني علامة ذلك، قال هذا الكلام وخرج، فلما رأت زوجة السيد أن السيد استغرق في الفكر، قالت: ما الذي قاله الملا قلي؟

قال: قال كلاماً، فلما أصبح الصبح جاء السيد إلي معهد الدرس وذهب مع بعض خواصه إلي ذلك المكان الذي أرشده إليه الملا قلي،، وبعد التحقيق ظهر صحة كلام الملا قلي، وبعد ثمان ليال أخر وفي نفس الوقت طرق باب السيد، فعلم أن الطارق هو الملا قلي وهذه المرة قام السيد بنفسه لفتح الباب إليه فرحب به وأكرم مجيئه وقال له: علمت صدق قولك، فما هو الآن تكليفنا؟

فقال الملا قلي: أما الآن وجنوني قد ارتفع، فكل ما عندك بعه وبعد أداء الديون والقروض خذ ما تبقي منه واذهب إلي النجف الأشرف وابق فيه مشغولا حتي أراك ثانية، فاستجاب السيد لذلك، حتي رأي يوما الملا قلي في وادي السلام وهو يقرأ الدعاء، وما أن فرغ من قراءة الدعاء حتي جاء إليه وذهبا إلي مكان خال فقال الملا قلي: سأموت غداً

في شوشتر، ودستور عملك هذا، ثم ودع السيد وذهب، ويتبين من هذه القصص أنه من أولياء الله أرسله إلي السيد لإرشاده.

لا تخبر أحداً ما دمت حياً

اختار شخص الخدمة في مقبرة الميرزا القمي (رحمه الله) وكان مشغولاً دائماً بقراءة القرآن، ولم يتقاض أجراً، ولما سئل عن سبب ذلك؟

قال: عند عودتي من مكة المعظمة كان لي هميان وكانت أموالي كلها فيه، فلما ركبنا الباخرة سقط في البحر، فجئت إلي النجف الأشرف متوسلاً بأمير المؤمنين (عليه السلام) وفي تلك الليلة رأيت في المنام الإمام (عليه السلام) فقال لي: (اذهب إلي الميرزا القمي في قم وخذ حاجتك منه).

فجئت إلي قم ووصلت بخدمة الميرزا، فقال لي: كنت بانتظارك هذه الأيام، خذ هميانك ولا تخبر به أحداً ما دمت حياً فأعطاه هميانه كاملاً غير منقوص منه شيء.

الحاج الشيخ مهدي القمي وخاتم الشفاء

كان المرحوم الحاج الشيخ مهدي يسكن أطراف مدينة قم، وكان صاحب كرامات باهرة ومقامات عالية، ومن جملة كراماته: أنه لو وضع إصبعه أو خاتمه علي مكان لدغ الأفعي أو العقرب يسكن الألم ويذهب السم فوراً، ويشفي المريض، وهذا الموضوع تناقله العلماء وأعيان قم.

ونقل أنه سافر المرحوم الحاج الشيخ مهدي إلي أصفهان، وعندما أراد الرجوع إلي قم أراد أن يركب السيارة فامتنع السائق تحت تأثير جور رضا خان أن يركبه السيارة، وقال: أعتذر عن ركوب رجال الدين في السيارة، وأخيراً وبعد وساطة مدير الكراج اقتنع صاحب السيارة أن يركب الشيخ مهدي، وتحركت السيارة، واتفق أثناء الطريق أن حدث للسيارة عطل، فصاح السائق بصوت عال وكان منذ البداية لا يرغب في صعود الشيخ مهدي إلي السيارة قائلاً: ألم أقل بأن هذا الشيخ لا يصعد السيارة، أرأيتم كيف صح قولي، إن السيارة قد أصابها العطل إثر صعود هذا الشيخ.

وتجاوز هذا السائق الحد وأمام أنظار المسافرين وأخذ باللوم علي الشيخ، فتفرق المسافرون في أطراف الجادة، والشيخ مع بعض مريديه جلسوا في جهة أخري،

وفي هذه الأثناء قصد السائق مكاناً ليقضي حاجته فسمع صراخه وهو يقول: أيها الناس! أسعفوني أسعفوني، فهرع إليه الناس ليروا ما الذي جري له، ولما وصلوا إليه رأوا أن أفعي قد لدغت رجله، فعرف السائق حينذاك أن هذا البلاء الذي لحقه كان من جراء إهانته لشخصية الحاج الشيخ مهدي، وحيث لم يكن في تلك الصحراء وسيلة للعلاج، وموته أصبح حتمياً، قال للذين اجتمعوا حوله: قولوا للشيخ أن يعفو عني ويسامحني عن ذنبي الذي اقترفته.

فلما قيل لهذا العالم الجليل القدر ما جري للسائق وشرحوا له القضية، أجاب: بأني عفوت عنه، ائتوني به، فلما جيء به إلي الشيخ وهو يصرخ ويصيح من شدة الألم، عندها وضع الشيخ خاتمه علي مكان لدغ الأفعي فخرج السم علي الفور وسكن الألم، وكأن الله وببركة الشيخ قد أعطي السائق عمراً جديداً، وبقي حتي آخر عمره من مريدي الشيخ المخلصين وتاب عما بدر منه.

صلاة استسقاء آية الله السيد محمد تقي الخونساري

من الأمور الملفتة للنظر في حياة آية الله السيد محمد تقي الخونساري (رحمه الله) صلاة الاستسقاء في سنة (1362ه) وعندما احتلت إيران من قبل الأجانب، وأقام في قم في محلة خاك فرج مجموعة من الجنود البريطانيين والأمريكيين، لم ينزل المطر لمدة ليست بالقصيرة وكان الناس في مشقة وصعوبة من قلة الماء، وكانوا يتوقعون عواقب وخيمة في المستقبل.

طلبوا من السيد طبقاً للرسوم الإسلامية أن يصلي بهم صلاة الاستسقاء، حتي تنزل رحمة الله عليهم (المطر) فاستجاب السيد الخونساري (رحمه الله) لطلبهم، واتجه إلي المصلي يتبعه ما يقارب عشرين ألفاً من أهالي المدينة وكان ذلك في أحد أيام شهر رمضان المبارك.

تحرك السيد باتجاه المصلي الواقع في محلة خاك فرج قرب المحل الذي يستقر فيه الجنود الأجانب وفي هذه الأثناء كان بعض

الموظفين الإيرانيين من أنصار الحزب السياسي (البهائي) وكان لهم نفوذ في مركز تجمع الحلفاء فاستغلوا هذه الفرصة وهمسوا إلي الضباط بأن أهل المدينة إنما جاءوا للغارة عليكم وطردكم ويجب عليكم أن تقابلوهم علي وجه السرعة، فأصدر الضباط أوامرهم للجنود بأن يكونوا علي أهبة الاستعداد، فصوبوا مدافعهم باتجاه هذه الجموع من الناس، وأمسكوا بأيديهم الهاونات ووقفوا مقابل الناس بانتظار ما سينجم، ولكن وجدوا الأمر علي عكس ما تصوروه، إذ شاهدوا الناس يمشون بنظام كامل ووقار باتجاه المصلي، فوقفوا يصلون، وتقدم آية الله الخونساري (رحمه الله) لصلاة الاستسقاء ليومين متصلين، وفي اليوم الثاني لم تظهر علائم الاستجابة ولم ينزل المطر، حتي أن أمراء القوات المسلحة لجيش الحلفاء وبتحريك من بعض الأفراد البهائيين أخذوا يستهزئون بالمؤمنين، وبعد صلاة الناس غطي السحاب السماء، في الوقت الذي لم يرجع المصلون بعد إلي منازلهم، فمطرت السماء مطراً شديداً وتولدت السيول في الأنهار، ولم يمض من الوقت إلا قليل حتي نقلت الخبر وكالات الأنباء والصحف والإذاعات، والغريب في هذا أن هؤلاء البهائيين الذين قاموا بالشغب والتحريك قد رجحوا الفرار ليلاً، وأخذ جنود الحلفاء بالبحث عنهم لتقديمهم للجزاء العادل، ولكن دون جدوي إذ لم يعثروا لهم علي أثر.

استجابة دعاء الحاج الكلباسي في نزول المطر

كتب المرحوم الحاج ملا إسماعيل السبزواري في كتاب (جامع النورين) قائلاً: يخطر علي بالي أن المطر لم ينزل لمدة سنة كاملة وذلك في عهد الحاج الكلباسي (رحمه الله) فجاء منوجهر خان معتمد الدولة إلي الحاج الكلباسي وقال: إن الناس يلتمسون سماحتكم أن تشرفنا للدعاء بنزول المطر، فاعتذر له الحاج بقوله: أنا شيخ كبير السن ولا أقدر علي الحركة فكيف ذلك؟

فقال له معتمد الدولة: أرسل لكم تختاً متحركاً، تجلس عليه وتشرفنا.

فقال الحاج الكلباسي (رحمه الله): وأخيراً

أدعو الله بإنزال المطر بتخت غصبي، وهل أن الله تعالي يستجيب مثل هذا الدعاء؟

فقال له ابنه الآقا محمد مهدي: نحن نصنع لك تختاً جديداً، وعندنا أخشاب في البيت.

فقال الحاج: لا بأس، فأرسلوا إلي النجار في صنع ذلك، ثم أعلنوا بين الناس بأن يصوموا من يوم السبت حتي يوم الاثنين ويكونوا مع الحاج للدعاء بإنزال المطر، فصام الناس واجتمعوا في اليوم الموعود، فجلس الحاج علي التخت، فأخذوا بأطراف التخت وذهبوا به باتجاه تخت فولاذ، ومن جهة أخري جاء أرامنة جلفا أصفهان واصطفوا، كما جاء يهود أصفهان وهم ينظرون.

فلما رأي الحاج (رحمه الله) أن الأرامنة قد اصطفوا في جانب، واليهود اصطفوا في جانب آخر، رفع رأسه إلي السماء بعد أن رفع العمامة عن رأسه، وقال: إلهي! قد ابيضت شيبة إبراهيم في الإسلام، فلا تخجلنا هذا اليوم أمام اليهود والنصاري، وما أن تمت دعوته حتي غطي السحاب السماء وبدأ المطر في تلك الساعة بالنزول.

من كرامات السيد مرتضي الكشميري (رحمه الله)

نقل السيد الجليل الآقا سيد علي تقي الكشميري ابن الحاج السيد مرتضي الكشميري قال: سمعت الفاضل المحترم جناب السيد الآقا السيد عباس اللاري قال: في أيام تحصيل العلوم الدينية في النجف الأشرف، وفي عصر أحد أيام شهر رمضان المبارك كنت قد هيأت إفطاراً وتركت الحجرة بعد أن أغلقت بابها، وخرجت علي أن أعود إليها بعد صلاتي المغرب والعشاء، وبعد أن صليت جئت إلي المدرسة وأردت أن أفتح الحجرة، فوجدت أن المفتاح ليس معي، وكلما فحصت عنه لم أعثر عليه، وكنت متأثراً جداً من شدة الجوع وعدم العثور علي المفتاح، فخرجت من المدرسة متحيراً في مسيري، أنظر إلي الأرض حتي وصلت الحرم، فرأيت السيد مرتضي الكشميري، فسألني عن سبب عدم ارتياحي وتأثري؟

فعرضت له ما جري

لي، فجاء معي إلي المدرسة وقال: يقولون: كل من يعرف اسم أم موسي (عليه السلام) ويقرأه علي قفل مسدود يفتح، فهل أن جدتنا فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) أقل شأناً و مقاماً من أم موسي؟

ثم وضع يده علي القفل ونادي: يا فاطمة! ففتح القفل وقد نظر غير واحد من الطلبة إلي ذلك.

أحد عشر جواباً صائباً في عالم الرؤيا

يقول الشيخ الحر العاملي (رحمه الله): في سفري الثالث لحج بيت الله الحرام أديت أعمال الحج من محل الإحرام حتي آخر الأعمال ماشياً، حتي أن عدداً كبيراً اقتدي بي في أداء الأعمال مشياً علي الأقدام، وفي إحدي الليالي رأيت في عالم الرؤيا أحداً يسألني ويقول: لماذا كان الإمام الحسن (عليه السلام) يذهب إلي الحج ماشياً وكان يصحب معه حيواناً دون أن يركبه؟

فما هي المصلحة وما هي الفائدة من استصحابه المركوب؟

فذكرت في الجواب بعض العلل، ننقل منها:

1 أن لا يظن أن الإمام يمشي للإقلال من المصرف.

2 أراد بيان استحباب هذا العمل.

3 لأجل إنفاق المال في سبيل الله.

4 كان يحتمل أن يصيبه التعب والعجز في الطريق فحينئذ يستعين بالمركوب.

5 تطمين الخاطر وتطبيب النفس فلا يتحسس الإنسان بالتعب، كما تؤيده التجربة حيث أن الإنسان إذا كان معه مركوبه لم يشعر بالتعب، وهذا ما يشير إليه أمير المؤمنين علي (عليه السلام) بقوله: (من وثق بماء لم يظمأ).

6 يركبه بعد الرجوع من مكة.

7 يحتمل وجود السراق وقطاع الطريق، ففي هذه الحالة يحتاج الإنسان إلي المركوب.

8 إحضار مثل هذه المحامل والمراكب إلي مكة لأجل التبرك.

9 إظهار نعم الله تعالي: (وأما بنعمة ربك فحدث).

هذه هي المطالب التي مرت علي خاطري في المنام وقلتها، ونهضت من نومي وكتبتها، يقول المحدث القمي في (سفينة البحار): وخطه موجود عندي.

الشيخ الأعظم الأنصاري وأمه الصالحة

رأت أم الشيخ الأنصاري قبل تولد الشيخ في المنام الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) وقد أعطاها قرآن مذهباً، ولعله من هذه الجهة كانت (رحمها الله) ترضع ولدها الشيخ بوضوء كلما أرادت إرضاعه.

اعتقاد شديد بأهل البيت (عليه السلام)

نقل المرحوم الحاج الشيخ عبد الكريم الحائري (رحمه الله) قال: كنت يوماً عند الميرزا الشيرازي (قده) بسامراء أقرأ عليه، وفي أثناء الدرس دخل أستاذنا الكبير آية الله السيد محمد الفشاركي وعليه آثار الانكماش نتيجة ظهور مرض الوباء الذي شاع في العراق في ذلك الزمان.

فقال لنا: هل تعرفوني مجتهداً أم لا؟

فقلنا: نعم، قال: أتعلموني عادلاً؟ قلنا: نعم، وكان مقصده أخذ إقرارهم واعترافهم هل له شرائط الحكم والفتوي أم لا.

فقال بعد ذلك: أصدر حكمي إلي كافة شيعة سامراء من الرجال والنساء أن يقرأ كل واحد منهم كل يوم زيارة عاشوراء نيابة عن والدة إمام الزمان (عليه السلام) وهذه المكرمة تشفع لدي ابنها حضرة ولي الأمر (عج) ليشفع بدوره عند الله المتعال حتي ينجو الشيعة من هذا البلاء.

قال المرحوم الحائري: عندما أصدر هذا الحكم، أطاعه جميع الشيعة من سكنة سامراء، وكانت النتيجة أنه لم يتلف أحد من الشيعة في سامراء، في حين كان يتلف عشرة أو خمسة عشر يومياً من غير الشيعة من أثر الوباء.

نموذج من محبة أهل البيت (عليه السلام)

نقل عن آية الله العظمي البروجردي أنه كان في منزله يوماً مجلس عزاء، وكان الآقا الأنصاري القمي خطيباً للمنبر، فصادف أن أنشد أشعاراً في فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) ومنها:

ولست أنسي خبر المسمار سل صدرها خزانة الأسرار

فأخذ السيد البروجردي يبكي كثيراً حتي أغمي عليه، فجاء الحاج أحمد وطلب من الخطيب أن ينهي قراءة التعزية، وأخبره بأن السيد البروجردي قد أغمي عليه.

ما نفعنا شيء غير صاحب هذا القبر

رؤي المقدس الأردبيلي في المنام بأحسن هيئة، فسئل: كيف رأيت عالم الآخرة، وكيف عاملك الله؟

فقال في الجواب: رأيت سوق العمل كاسداً، ولم ينفعنا إلا حب صاحب هذا القبر يعني أمير المؤمنين (عليه السلام).

علاقة المرحوم الحائري بمصائب أهل البيت (عليه السلام)

من امتيازات المرحوم آية الله الحاج الشيخ عبد الكريم الحائري (رحمه الله) العلاقة الوطيدة بأهل بيت النبوة (ص) وسيد الشهداء الحسين بن علي (عليه السلام) فقد كان محباً صادقاً، وكان قبل الشروع بالدرس يطلب من المرحوم الحاج إبراهيم صاحب الزماني التبريزي أن يقرأ التعزية، فكان في كل يوم وقبل أن يباشر الشيخ بالتدريس يقف بعض الدقائق ليقرأ التعزية، ثم يشرع الشيخ بدرسه.

ولم تقتصر تعزية الشيخ الحائري علي أيام الدرس، بل كان يقيم العزاء في أيام عاشوراء، وفي يوم عاشوراء كان يخرج حافي القدمين ملطخاً جبهته ووجهه بالطين. وكان يشارك أهل مواكب العزاء ويعمل بمثل ما يعملونه من لطم وغيره.

تشفع عن بعد

قال الآقا الإيماني: عند رجوعي إلي شيراز من سفري إلي أصفهان تشرفت بخدمة الحاج البيد آبادي فقال لي: بلغ سلامي إلي جناب الميرزا المحلاتي وقل له: إني لا أنساه من الدعاء، وقد وقع له ثلاثة أخطار كبيرة، وإني تشفعت وتوسلت بحضرة ولي العصر (عجل الله تعالي فرجه الشريف) أن تصحبه السلامة وأن يحفظه الله من كل مكروه.

فقال الآقا الإيماني: ما أن وصلت إلي شيراز حتي أبلغت ما قاله الآقا البيد آبادي إلي جناب الميرزا المحلاتي، فقال: صحيح ما قاله، حيث كنت أجيء إلي المنزل لوحدي وما أن وصلت تحت الطاق حتي رأيت أحداً واقفاً فلما رآني عرضت له عطسة، ثم قام بالسلام علي، وقال: استخر لي، فاستخرت بالسبحة فجاءت الاستخارة غير جيدة، فقال لي: استخر لي ثانية، فاستخرت له فجاءت الاستخارة غير جيدة، فطلب مني أن أستخير له الثالثة، فاستخرت له فخرجت الاستخارة غير جيدة.

فقبل يدي واعتذر مني وقال: كلفت أن أقتلك هذه الليلة بهذه الأسلحة فلما رأيتكم عرضت لي عطسة بدون اختيار، وما أن عطست

حتي ترددت فيما كنت أنويه، فقلت: أستخير، فإذا خرجت الاستخارة جيدة قتلتكم، ولثلاث مرات خرجت الاستخارة غير جيدة، فعلمت أن الله لا يرضي بفعلي، وأن لكم منزلة عند الله.

وذكر جناب الآقا الإيماني: أن جناب حسين آقا فرده ابن عمة الإيماني كان هو وأمه مريضين وقد أشرفا علي الهلاك، فقال المرحوم الحاج البيد آبادي وكان قد جاء لزيارتهما: إن أحد هذين المريضين لا بد أن يذهب، وأنا طلبت من الله تعالي أن يعافي حسين آقا، وهذا ما رأيته في المنام، وبعد هذا الكلام وفي تلك الليلة توفيت والدة حسين آقا، وعافي الله حسين آقا.

نعم دعاء الأخيار لا يرد، فقد قال سبحانه: (ادعوني أستجب لكم).

لا تحضر جنباً

كتب الميرزا التنكابي في (قصص العلماء) قال: نقل المرحوم السيد عبد الكريم عن والده الآقا سيد زين العابدين اللاهيجي قال: في أواخر عمر الأستاذ الكبير الآقا باقر البهبهاني كنت أطلب العلم في النجف الأشرف، وكان الآقا البهبهاني لشيخوخته يمتنع من التدريس ولكن كان يدرس درس (شرح اللمعة) في منزله للتيمن والتبرك، وكنا بعض الطلبة نحضر درسه.

واتفق أني احتلمت يوماً، ولما حان موعد الدرس كنت أفكر أن أحضر بوقته ثم أذهب للحمام للغسل، ثم حضرنا الدرس وجاء الأستاذ إلي غرفة الدرس، وكالعادة توجه إلينا ببشاشة لا تكاد تفارقه، ثم التفت إلي وقد تغير حاله وقال: اليوم نعطل درسنا، وعلي السادة أن ينصرفوا لإكمال أعمالهم الأخري.

فقام الطلاب وقمت وأردت الخروج من غرفة الدرس، فأشار إلي بالجلوس فجلست بعد أن خرج زملائي وخلت الغرفة، فقال لي يوجد مقدار من المال تحت هذا البساط الذي تجلس عليه، خذه واذهب إلي الحمام واغتسل، ومن الآن فصاعداً لا تحضر مثل هذه المجالس وأنت جنب.

دعاء العالم العامل

قيل: أن الحاج الكلباسي (رحمه الله) دعا علي حاكم أصفهان ولم يمض شيء من الوقت حتي عزل الحاكم، فكتب إليه الحاج يقول: أرأيت كيف أن دم الفراشة الذي أريق بغير حق، لم يمهل الشمعة ليلة إلي الصبح؟

لم يتغير جسده بعد خمسة وثلاثين عاماً

في سنة (1357ه) وعندما أرادت الحكومية العراقية تعمير المشهد المقدس الحيدري، وصممت علي هدم القبور المحيطة بالحرم، عثر في أثناء الهدم والتخريب علي بعض أجساد الأموات، ومن جملتها: الجسد الشريف للعلامة الفاضل الشرابياني (رحمه الله)، فوجدوه وبعد مضي خمسة وثلاثين عاماً علي وفاته ودفنه لم يتغير أصلاً، وكأنما مات لتوه حيث لم يتلاشي جسده، حتي أن كفنه لم يمزق، وحيث أن الهواء الخارجي لم يصل إلي الكفن فقد تغير، إلا أن بدنه الشريف لم يصبه أي تغيير، فجددوا كفنه وأعادوا بناء قبره.

اعتقاد عموم الناس بعالم عامل

كان السيد محمد بن علي بن محمد علي الطباطبائي صاحب (المفاتيح) و (المناهل) وكتب أخري وهو ابن المرحوم السيد علي صاحب (رياض المسائل) والمعروف بالآقا السيد محمد المجاهد، وقد انتقلت إليه الرياسة العامة للشيعة بعد أبيه، وكان مقبولاً في المجتمع الإسلامي عند الخاص والعام، مجمعاً علي جلالته، محترماً عندهم، رفيع المنزلة والشأن، وكانت له عزة ومنعة، حتي نقل عنه: أنه (رحمه الله) عندما توضأ من حوض مسجد الشاه بقزوين، أخذ أهالي المدينة ماء ذلك الحوض للتبرك والتيمن والشفاء حتي فرغ ماء الحوض.

وهذه الواقعة شبيهة بما رواه أبو الفرج الأصفهاني قال: لما قيّد نصر بن سيار يحيي بن زيد بن علي بن الحسين (عليه السلام) بالسلاسل وحبسه، أمر الوليد بن يزيد بن عبد الملك أن يطلق سراحه من الحبس، فلما تم ليحيي الخلاص من القيد والحبس، ذهب جماعة من الشيعة وكانوا أصحاب ثروة إلي الحداد الذي أخرج القيد والسلاسل من رجلي يحيي، وقالوا له: بع لنا السلاسل التي أخرجتها من رجلي يحيي، فعرض الحداد القيد والحديد للبيع، وحدثت مزايدة في الشراء من قبل الحضور، حتي بلغت القيمة إلي عشرين ألف درهم.

وأخيراً أعطوا الثمن معاً،

واشتركوا في شراء السلاسل، وقسموها قطعة قطعة فيما بينهم، وأخذ كل منهم جزءاً منها وجعله خاتماً للتبرك.

إما أن تترك المنبر أو تنقل من الكتب المعتبرة

جاء شخص في كرمانشاه إلي العالم الكامل الآقا محمد علي بن الوحيد البهبهاني صاحب (مقامع الفضل) وغيره، فقال: رأيت في المنام أن أسناني تقطع لحم بدن الإمام الحسين (عليه السلام)! وحيث أن الآقا محمد علي لم يعرف هذا الشخص، أطرق برأسه إلي الأرض، وأخذ يفكر، ثم قال له: لعلك خطيب منبر؟

قال: نعم، فقال له: إما أن تترك المنبر، أو تنقل من الكتب المعتبرة.

توسل القاسم بن عباد عز الدين الكاظمي

كان الشيخ الكبير، صاحب الكرامات الباهرة، (شارح الاستبصار) القاسم بن عباد عز الدين الكاظمي مجاوراً للنجف الأشرف.

وفي سبب مجاورته للنجف الأشرف، روي عن ابنه الأكبر الشيخ إبراهيم أنه قال: قال والدي، وهو يشرح كيفية مجاورته لهذا المكان المقدس:

ابتليت بقروض كثيرة عجزت عن أدائها، ولم يكن لي وسيلة أتعيش بها، فاضطررت أن أهاجر إلي ديار العجم، وفي الليلة الأخيرة زرت مرقد أمير المؤمنين (عليه السلام) للوداع، فتشرفت بالزيارة وزرت زيارة الوداع، ووقفت إلي جنبه بقلب منكسر حزين، ثم خاطبت الإمام (عليه السلام) وقلت: يا مولاي! لشدة الضيق والفاقة، سأضطر للسفر إلي ديار العجم، وفي هذا السفر سأضطر إلي الالتقاء ببعض الوجهاء والوزراء، وإذا كان لسان مقالي لم يسأل هؤلاء، فلسان حالي يسألهم، ولو أن لسان مقال هؤلاء لا يسألني، فلسان حالهم يسألني ويقول: أيها الشيخ! تركت التمسك بمولاك، وتمسكت بأذيال الآخرين، في حين أن أهل الدنيا كلهم محتاجون إليه.

وبعد الزيارة ودعت الحضرة وذهبت ونمت، فرأيت في المنام رجلاً يسمي الحاج علي وكان دائماً يظهر لي اللطف والمحبة ويزيد في إكرامي واحترامي، فجاء لي وهو في حالة غضب وغيظ، فقلت له: أيها الحاج! أستغرب منك هذا الجفاء، ولم أكن أتوقعه منك، حيث لم يسبق منك ذلك، فما هو الذنب الذي صدر مني حتي أستحق

كل هذا؟

وفي هذه الأثناء سمعت صوتاً من منارة صحن أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: أيها الغافل! هنا مكان يأتيه الملوك ويقصدونه ويقبلون عتبته، وأنت تريد تركه؟

فاستيقظت من نومي وصممت علي المجاورة في هذا المكان المقدس، وأن لا أتركه، وتوكلت علي الله، فأرسلت إلي أهلي وعيالي فجيء بهم إلي النجف الأشرف، ولم تمض سنة حتي أديت جميع ديوني، ونلت الرفاه في العيش.

يقول صاحب (رياض العلماء) تشرفت بخدمة هذا العالم في النجف الأشرف، وكانت تلوح عليه سيماء الإيمان، فكان مصداق

الآية الشريفة: (سيماهم في وجوههم من أثر السجود).

شفاء عين آية الله البروجردي بتربة سيد الشهداء (عليه السلام)

روي آية الله البروجردي قال: ابتليت في بروجرد بوجع شديد في عيني ولم تفد معها العلاجات حتي يأس الأطباء من شفائي.

وفي أحد الأيام من محرم الحرام جاءت مواكب أجراء العزاء إلي منزلنا وكنت جالساً أذرف الدموع وقد زاد الألم في عيني، وفي تلك الحال ألهمت بأن آخذ من الطين الذي يضعه أهل العزاء علي رؤوسهم وصدورهم وأن أمسح به عيني، فأخذت طيناً من رأس أحد أهل العزاء ومسحت به عيني فأحسست علي الفور بتخفيف الألم بالكامل.

ولوحظ عليه وهو في سن التاسعة والثمانين أنه لم يعان ضعفاً في عينه، مما أثار دهشة واستغراب أطباء العيون الحاذقين الذين قالوا: من غير المألوف أن يصل الشخص إلي سن (89) عاماً مع كثرة القراءة والكتابة ولا يحتاج إلي النظارة الطبية.

هذا المبلغ تركه جدك لك

نقل الحاج آقا تاج الدين الدزفولي عن أحد أجداده السيد محمد علي: أنه سافر إلي كربلاء، ونفد ما عنده من المال، وكانت عفة النفس ومناعة الطبع تمنعه من إظهار حاجته لأحد، وقد أخذ يشتد به الضعف من كثرة الجوع، فتشرف بزيارة الحرم المطهر لسيد الشهداء (عليه السلام) وقال مخاطباً الحسين (عليه السلام): إذا لم تساعدني فسأضطر إلي أخذ شيء من الذهب العائد للضريح، وزرت زيارة مختصرة، وخرجت من الحرم، وعند الصحن التقيت بخادم الشيخ مرتضي الأنصاري فقال لي: أمرني الشيخ أن أصحبك إليه، ثم ذهبنا سوية إلي منزل الشيخ، فأعطاني ثلاثين توماناً، وقال لي: إن جدك ترك هذا المبلغ عندي لأوصله إليك، فأخذت المبلغ ورجعت من عنده، ولم أخطو إلا خطوات قليلة حتي هتف الشيخ لي قائلاً: لا تأخذ بعدها ذهب الحضرة!!

علة بكاء رجل علي قبر الشيخ الأنصاري (رحمه الله)

نقل أحد أسباط الشيخ الأنصاري (رحمه الله) بالواسطة: أنه شوهد رجل وقد طرح بنفسه علي قبر الشيخ الأنصاري وكان يبكي بكاء شديداً. وعندما سئل عن سبب بكائه؟

قال: أوعز إلي جماعة أن أقتل الشيخ، فاستجبت لطلبهم وأخذت سيفي، وذهبت إلي منزل الشيخ، وكان الوقت منتصف الليل، فلما دخلت عليه غرفته، وجدته علي سجادته في حالة الصلاة، فلما جلس رفعت السيف بيدي لأضربه، فامتنعت يدي عن الحركة، ولم أتمكن من القيام، فبقيت علي هذه الحال حتي فرغ من صلاته، وبدون أن يرجع بطرفه إلي قال: إلهي! ما الذي عملته حتي أن فلان وفلان وصرح بأسمائهم قد أرسلوا فلانا وصرح باسمي ليقتلني، إلهي! قد غفرت لهم فاغفر لهم.

وفي ذلك الوقت التمست منه وطلبت العفو، فقال لي: لا ترفع صوتك حتي لا يفهم أحد، اذهب إلي منزلك، وتعال لي عند الصباح.

فخرجت من عنده، وقد استغرقت في الفكر

حتي الصباح، وعند الصباح فكرت وقلت في نفسي: أأذهب أم لا أذهب، وما الذي يحدث لي في حالة امتناعي عن الذهاب؟

وأخيراً تملكت الجرأة وذهبت، فرأيت الناس حوله في المسجد، فتقدمت إليه وسلمت عليه فأعطاني كيساً من المال في الخفاء وقال لي: اذهب وتكسب به، ومن بركة هذا المبلغ أني أصبحت اليوم أحد تجار السوق، وكل ما عندي هو من بركة صاحب هذا القبر.

لا يقال: لم لم يتفق مثل ذلك لأمير المؤمنين (عليه السلام) حيث قتله ابن ملجم؟

لأنه يقال: تلك إرادة الله يفعلها حيث يشاء كما أن بدن الحسين (عليه السلام) رضته الخيل في كربلاء ولم تتمكن الثيران من محو معالم قبره حينما أراد المتوكل ذلك وأمثال ذلك كثير كما لا يخفي علي من راجع المعجزات والكرامات.

رؤيا بصدد موت الآخوند الخراساني

روي الشيخ عبد الله الرشتي وكان أحد فضلاء النجف قال: في الليلة التي توفي فيها الآخوند رأيت في المنام شيئاً عجيباً، رأيته أي الآخوند يناجي ربه بحرقة وقلب حزين ويدعوه، وكلما يدعو يطلب من ربه أن يعجل بموته، وفي الأثناء ارتفع صوت: (قد أجبنا دعوتك)، وكلما التفت وصوبت ببصري لم أجد أحداً، ومن شدة الهيجان استيقظت من نومي، وبعد ساعات قليلة أخبرت بوفاة الآخوند (رحمه الله).

من كرامات الميرزا الشيرازي الأكبر

روي أن ثلاثة من الفقراء زاروا سامراء، والتقوا بالمرحوم الميرزا الشيرازي المعروف بالميرزا الكبير وطلبوا منه المساعدة، فأعطي لأولهم عشرين قرشاً، وللثاني خمسة قروش، وحرم الثالث، فلم يرض الفقراء الثلاثة بهذا التقسيم، وقالوا للميرزا: لم تراع المساواة والعدالة بيننا؟

فقال الميرزا (رحمه الله): راعيت المساواة علي أكمل وجه، فلا تصروا علي الاعتراض، إلا أنهم تمادوا ولم يقتنعوا وأصروا، فأمر الميرزا بأن تفتش جيوبهم، فظهر أن الرجل الأول الذي أعطاه الميرزا عشرين قرشاً كان معه خمسة قروش، والرجل الثاني الذي أعطاه الميرزا خمسة قروش كان يحمل معه عشرين قرشاً، والرجل الثالث الذي لم يأخذ شيئاً كان يحمل معه خمسة وعشرين قرشاً، ومن هنا حصل التساوي بين الجميع.

نعم: المؤمن ينظر بنور الله.

المير الفندرسكي وخراب الكنيسة

نقل عن المير الفندرسكي أنه في أيام سياحته وصل إلي إحدي ولايات الكفار، وفي أحد الأيام قال له البعض من أهل الولاية: من الأدلة علي أحقية ديننا وبطلان دينكم أن بعض معابدنا وكنائسنا بالرغم من مرور ألفي سنة علي بناءها إلا أنها لم تتصدع ولم يظهر عليها أي نوع من الخراب، علي العكس من مساجدكم فإنه لا يمضي مائة عام علي بنائها حتي ينالها الهدم والخراب.

فقال السيد (رحمه الله): إن بقاء معابدكم وخراب معابدنا ليس لهذا السبب، بل أن في مساجدنا تقام العبادة الصحيحة، ويذكر فيها اسم الله، وتطاع أوامره، فلم يطق البناء ذلك، ومن هذه الناحية تتعرض مساجدنا للتصدع والخراب، وأما معابدكم، فلو كنا نعبد الله فيها، لم تتحمل ذلك لحظة وانهدمت وأصابها الدمار.

فقال له الكفار: إن اختيار هذا العمل سهل جداً، إن صح قولك، فتعال إلي أحد معابدنا، واعبد الله، واذكره، حتي يتبين الصدق من الكذب.

فوافق السيد علي اقتراحهم، وتوكل علي الله، وتوسل بالأرواح

الطيبة للأئمة المعصومين (عليه السلام)، فأسبغ الضوء، وذهب إلي كنيستهم العظمي، وكانت محكمة جداً، وقد مضي علي بنائها ألفا عام، ولم يشاهد فيها أثر لخراب، وجاء عدد كثير من الناس للمشاهدة يراقبون السيد، فدخل السيد وقرأ الأذان والإقامة، وبعد النية رفع يديه وقال بصوت عال: الله أكبر، وخرج من الكنيسة مسرعاً، فاهتز سقف الكنيسة وسقطت حيطانها وكان ذلك من كرامات السيد عند المباهلة.

طراوة جسد الشيخ الصدوق (رحمه الله)

جاء في (روضات الجنات) أنه في حدود سنة (1238ه) وعلي أثر تساقط الأمطار بكثرة وجريان السيول، تعرض قبر الشيخ الصدوق (رحمه الله) الواقع في مدينة ري في سرداب للخراب، وعندما هدم القبر لأجل تعميره، شوهد جسد الصدوق (رحمه الله) باقياً علي حاله لم يتغير، كأنه قد دفن لتوه، إلا ما كان من الكفن فقد تمزق وأصبح كالفتائل المنتشرة علي بدنه، وكان البدن مكشوفاً بكله باستثناء العورة.

فذهب الناس من العلماء والمؤمنين لمشاهدة البدن الطاهر في ذلك السرداب وزيارته، حتي لم يبق أدني شك لأحد من الأهالي في ذلك.

فلما وصل الخبر إلي سلطان الوقت فتح علي شاه، حضر بنفسه مع حاشيته إلي ذلك المكان، فظهرت للجميع تلك الكرامة الباهرة، فأمر السلطان بتعمير القبر وبناء قبة محكمة عليه مع وضع الزينة علي البناء.

فكر بنفسك

نقل عن المرحوم المجلسي الأول أنه ذهب إلي مقبرة (تخت فولاد) بأصفهان بصحبة الشيخ البهائي (رحمه الله) لزيارة أهل القبور، قال: فلما وصلنا قبر بابا ركن الدين سمع الشيخ البهائي صوتاً من داخل قبر يقول له: يا شيخنا! فكر بنفسك.

فالتفت إلي الشيخ البهائي وقال: هل سمعت هذا الصوت؟

قلت: كلا.

فأخذ الشيخ بالبكاء، وراح يدعو الله. فأصررت عليه أن يشرح لي ما جري؟

فقال أخبرني بأن أستعد للموت.

ولم يمض علي هذه القضية إلا ستة أشهر حتي فارق الشيخ الحياة في أصفهان.

إطلاق سراح السيد رضي الدين من السجن

ذكر العلامة (رحمه الله) في كتاب (منهاج الصلاح) في شرح دعاء العبرات: أن هذا الدعاء مروي عن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام)، وبصدد هذا الدعاء هناك حكاية عن السيد رضي الدين محمد بن محمد الآوي معروفة، وتفصيلها هكذا: أن أحد أمراء (جرماعوت) قد أخذ المرحوم السيد رضي الدين وحبسه، وقد طال حبسه، وفي هذه المدة تعرض للمشقة واشتد به الضيق، وقد رأي في إحدي الليالي بقية الله الإمام الحجة (عج) في المنام، فأخذ في البكاء وشكي إليه الضيق وضغط الحبس، وقال: يا مولاي! اشفع لي حتي أنجو من الحبس.

فقال له: (اقرأ دعاء العبرات).

فسأل السيد: ما هو دعاء العبرات؟

فقال (عليه السلام): إنه في كتابك (المصباح).

فقال السيد: يا مولاي! لم أكتب في (المصباح) مثل هذا الدعاء.

فقال (عليه السلام): أنظر فيه فسوف تراه.

فاستيقظ من النوم، وأدي صلاة الصبح، وفتح كتاب (المصباح) وعثر علي ورقة بين أوراقه وكان قد كتب الدعاء فيها، فقرأه أربعين مرة.

وكان للأمير زوجتان، وكانت إحداهما امرأة عاقلة ومدبرة وكان للأمير بها علاقة شديدة، فعندما جاء إليها الأمير قالت: أيها لأمير! هل أخذت أحد أولاد أمير المؤمنين (عليه السلام) وحبسته؟

فقال الأمير: ما الذي حدث حتي تسأليني هذا السؤال؟

قالت:

رأيت في منامي شخصاً كأنه القمر فقال لي: (إن زوجك قد أخذ ابني وحبسه وقد ضاق به العيش).

فقلت له: أيها السيد! من أنت؟

قال (عليه السلام): (أنا علي بن أبي طالب أخبري زوجك وقولي له: إذا لم يخرج ولدي من الحبس، سأهدم علي رأسه القصر).

فلما سمع السلطان ذلك قال: لم أعلم هذا وليس عندي خبر بذلك، فلما سأل حارس السجن، قال: نعم، أخذ أحد السادة وألقي به في الحبس، فأمر الأمير أن يطلق سراحه، وأعطي له فرساً حتي يركبها ويذهب إلي منزله.

الاعتبار بقبر الكليني (رض)

نقل أن بعض حكام بغداد لما رأي إقبال الناس علي زيارة الأئمة (عليهم السلام) حمله النصب علي إرادة نبش قبر سيدنا أبي الحسن موسي بن جعفر (عليهما السلام)، وقال: إن كان كما يزعم الرافضة من فضله فهو موجود في قبره، وإلا نمنع الناس من زيارة قبورهم، فقيل له وقيل إن القائل وزير ذلك الحاكم: إنهم يدعون في علمائهم أيضاً ما يدعون في أئمتهم، وأن هنا رجلاً من علمائهم المشهورين، واسمه محمد بن يعقوب الكليني، وهو من أقطاب علمائهم، فيكفيك الاعتبار بحفر قبره.

فأمر بحفر قبره فوجدوه بهيئته كأنه قد دفن في تلك الساعة، فأمر ببناء قبة عظيمة عليه وتعظيمه، وصار مزاراً مشهوراً.

سماع السيد ابن طاووس لصوت ولي العصر (عج)

نقل: أن السيد رضي الدين علي بن طاووس (رحمه الله) قد سمع صوت صاحب الأمر (عجل الله تعالي فرجه) في السرداب المبارك بسامراء، ولم ير شخصه، سمعه يقول في القنوت هذا الدعاء: (اللهم! إن شيعتنا خلقوا من فاضل طينتنا، وعجنوا بماء ولايتنا..) الدعاء.

قرأ في أذني كل سورة الحمد

نقل الآقا مير سيد علي البهبهاني عن أحد تلامذة الشيخ مرتضي الأنصاري (رحمه الله) قال: ذهبت إلي النجف الأشرف لاستكمال العلوم الدينية، وحضرت درس الشيخ مرتضي الأنصاري إلا أني لم أكن أستوعب مطالبه، وكنت متأثراً من هذا الوضع الذي ألم بي، فالتجأت إلي الختومات ولكن لم أحصل علي الفائدة المرجوة.

وأخيراً توسلت بأمير المؤمنين (عليه السلام) حتي رأيته في منامي فقرأ في أذني: (بسم الله الرحمن الرحيم)، فلما أصبحت وحضرت مجلس الدرس استوعبته كاملاً، حتي بلغ بي الأمر أن استشكل علي الشيخ، وفي أحد الأيام وتحت منبر الدرس تحدثت كثيرا مع الشيخ وباحثته، وبعد انتهاء الدرس اقترب الشيخ مني وهمس في أذني قائلاً: إن الذي قرأ بإذنك بسم الله الرحمن الرحيم، قرأ أيضاً بإذني إلي ولا الضالين.

قال هذا وذهب، فتعجبت من هذه القضية، لأنه لم يطلع أحد علي رؤياي، فعلمت أن للشيخ مقاماً وكرامات، وموضع توجه أئمة الدين (عليه السلام).

لا تؤخر سهم الطلاب

نقل الفاضل العراقي في (دار السلام) عن الشيخ محمد حسين الكاظمي قال: دخلت حرم سيد الشهداء (عليه السلام) وأسندت ظهري إلي الباب وجعلت وجهي اتجاه الضريح المقدس، فشاهدت الشيخ مرتضي الأنصاري وقد دخل الحرم المطهر، فلما وصل قريباً مني ناولني كيساً من المال، وقال: لك نصف المبلغ فاصرفه، والنصف الآخر قسمه بين الطلاب المستحقين، فلما جئت إلي منزلي أحصيت المبلغ، فوقع في خاطري أن أسدد ديوني بالمبلغ، وأقوم بعدها بتهيئة سهم الطلاب وأرد الأموال إليهم.

وفي الليلة الثانية تشرفت بزيارة الحرم المطهر ورأيت أيضاً الشيخ الأنصاري وقد جاء للزيارة، فلما اقترب مني همس لي وقال: لا تؤخر سهم الطلاب، أعطه إياهم، وسوف أعطيك أيضاً حتي تؤدي قروضك، قال هذا الكلام وذهب.

فعلمت أن هذا الشيخ كان مطلعاً علي

ما كنت قد فكرت فيه، وهذه إحدي كرامات هذا العالم التقي.

ابن قولويه يشهد نصب الحجر الأسود

الشيخ جعفر بن محمد بن موسي بن قولويه القمي البغدادي من ثقاة الإمامية، وعلمائهم في الفقه والحديث، وله تصانيف علي عدد كتب الفقه، وله كتاب (كامل الزيارات).

وفي سنة (339ه) قصد الحج، إذ كان من المؤمل في تلك السنة أن يعاد الحجر الأسود الذي أخذه القرامطة لسنوات طويلة إلي هجر، لينصب أيام الحج في مكانه، ومن المعلوم أن الإمام المعصوم هو الذي يقوم بنصب الحجر الأسود، وكان الشيخ يعرف ذلك، فلما وصل بغداد ساءت حالته الصحية ولم يستطع معها السفر إلي مكة، واضطر إلي أن يتخذ نائباً له، وأرسله إلي مكة، وكتب رسالة وختمها، وقال لنائبه: تعطي هذه الرسالة لكل من يقوم بنصب الحجر في مكانه، وسأل في الرسالة عن مدة عمره، وهل يشفي من مرضه الذي هو فيه أو يموت به؟

وفي اليوم الذي أريد فيه نصب الحجر، أعطي النائب مقداراً من المال لخدمة الكعبة حتي يجد له مكاناً قريباً من الركن، ليعرف من هو الذي يقوم بنصب الحجر، قال النائب: كل من أراد أن ينصب الحجر لم يستطع إذ كان الحجر يضطرب ويسقط، حتي جاء شخص حسن الصورة فأخذ الحجر ووضعه في مكانه فاستقر عند ذلك، فتعالت أصوات الناس ثم رجع هذا الشخص من الطريق الذي جاء منه، فاتبعت أثره، واخترقت زحام الناس وشققت الطريق بكل صعوبة، وأخذت أسرع الخطو لألحق به، وهو يمشي بهدوء، ومع كل ذلك لم أستطع اللحاق به، حتي وصلت مكان لم يكن فيه أحد، فالتفت إلي ذلك الشخص وقال: (هات ما عندك)، فقدمت له تلك الرقعة، وقبل أن يفتح الرسالة قال: (قل له: لا خوف عليك من هذا المرض،

وستموت بعد ثلاثين سنة)، فأجهشت بالبكاء ولم أستطع أن أنطق حرفاً، ولم أتمكن من الحركة، وذهب عني.

وبعد أن رجع نائب الشيخ من مكة، وأبلغ الشيخ بهذا الخبر، وكان الأمر كما ذكر فقد توفي (رحمه الله) سنة (369ه) ودفن في البقعة المطهرة بالكاظمية تحت أرجل الإمامين (عليه السلام) جنب قبر الشيخ المفيد.

الوحيد البهبهاني يأتمر بأمر الإمام الحسين (عليه السلام)

كان للوحيد البهبهاني (رحمه الله) في كربلاء حوزة درس ومرجعية تامة، وكان يخطر علي باله في بعض الأحيان أن يغادر كربلاء إلي المدن الأخري، حتي رأي في المنام الإمام الحسين (عليه السلام) وهو يقول له: (أنا غير راض بخروجك من مدينتي) فعدل عن رأيه السابق وصمم علي البقاء بجوار الحسين (عليه السلام).

سبب كثرة التأليفات

قال الشيخ أسد الله صاحب (مقاييس الأنوار): دخلت يوماً علي السيد عبد الله شبر صاحب التأليفات الكثيرة، وسألته: عن العلة في كثرة تأليفاته وقلة تأليفاتي؟

فأجاب السيد: سبب كثرة تأليفاتي وتصنيفاتي هو لطف الإمام الهمام موسي بن جعفر (عليهما السلام)، فقد رأيته في المنام

فأعطاني قلماً وقال لي: (أكتب) ومنذ ذلك الوقت وفقت للتأليف، وكل ما خرج من قلمي فهو من بركة ذلك، قالوا وحين نهض

من ذلك المنام كان ذلك القلم الشريف بيده، ومثله قصة البردة التي أعطاها رسول الله (ص) للشاعر في المنام فلما نهض من

نومه رأي بردة رسول الله موجودة عنده.

خروج الشيخ الطبرسي من القبر

في سنة (548ه) توفي صاحب كتاب (تفسير مجمع البيان) أمين الإسلام أبو علي الفضل بن الحسن بن الفضل الطبرسي في سبزوار، ونقلت جنازته إلي المشهد المقدس الرضوي، ودفن في المقبرة المعروفة ب (قتلكاه).

وقد نقل صاحب (روضات الجنات) عن صاحب (رياض العلماء)، قال: ومن عجيب أمر هذا الطبرسي بل من غريب كراماته، ما اشتهر بين الخاص والعام، أنه قد أصابته السكتة، فظنوا به الوفاة، فغسلوه وكفنوه ودفنوه ثم رجعوا، فلما أفاق وجد نفسه في القبر، وقد سد عليه سبيل الخروج عنه، من كل جهة، فنذر في تلك الحالة أنه إذا نجي من تلك الداهية، ألف كتاباً في (تفسير القرآن)، فاتفق أن بعض النباشين قصده لأخذ كفنه، فلما كشف عن القبر أخذ الشيخ بيده، فذهل النباش مما رآه ثم تكلم معه، فازداد ذهولاً، فقال له: لا تخف أنا حي، وقد أصابتني السكتة فدفنوني، ولما لم يقدر علي النهوض والمشي من غاية ضعفه حمله النباش علي عاتقه، وجاء به إلي بيته الشريف، فأعطاه خلعة وأولاه مالاً جزيلاً، وتاب علي يده النباش، ثم إنه بعد ذلك وفي بنذره

وشرع في تأليف (مجمع البيان).

وقد تنسب هذه القضية إلي المولي فتح الله الكاشي، ويقال: إنه ألف بعد نجاته من تلك الواقعة تفسيره الكبير، المسمي ب (منهج الصادقين).

تشرف العلامة الحلي بخدمة الإمام الحجة (عج)

ذكر صاحب (قصص العلماء) قال: سمعت من الملا صفر علي اللاهيجي: أن أستاذه المرحوم الآقا سيد محمد بن الآقا سيد علي صاحب (المناهل) حكي عن العلامة الحلي قال: كان العلامة الحلي في إحدي ليالي الجمعة قد تشرف بزيارة سيد الشهداء (عليه السلام) وكان لوحده راكباً علي حماره وبيده سوط، وفي أثناء الطريق صاحبه شخص عربي وكان راجلاً، ثم تكلما في المسائل العلمية، والعلامة يسأله عن مشكلاته في العلوم واحدة تلو الأخري، وكان هذا الشخص يجيب عليها ويقوم بحلها حتي انجر الحديث إلي إحدي المسائل فأفتي ذلك الشخص بخلاف ما يراه العلامة الحلي وقال: لم يرد حديث عندنا يؤيد هذه الفتوي.

فقال الرجل: (إن حديثاً في هذا الباب قد ذكره الشيخ الطوسي في التهذيب فتصفح كتاب التهذيب، وفي الصفحة الفلانية والسطر الفلاني تجده مذكوراً).

فأخذت العلامة الحيرة، من يكون هذا الشخص؟

فسأل الرجل وقال: هل يمكن في زمان الغيبة الكبري أن نري صاحب الأمر (عليه السلام) أو لا؟

وفي هذه الأثناء سقط السوط من يد العلامة، فأخذ الرجل السوط من الأرض ووضعه بيد العلامة وقال: (وكيف يمكن أن يري صاحب الزمان (عليه السلام) والحال أن يده في يدك).

فسقط العلامة وبدون اختيار من حماره إلي الأرض وهو يقبل قدمي الإمام (عليه السلام) وأغمي عليه، ولما انتبه لم ير أحداً، وبعد أن رجع إلي البيت تصفح كتاب (التهذيب) فوجد الحديث المذكور في تلك الصفحة وذلك السطر، كما دله عليه.

وبعد ذلك كتب العلامة بخطه علي حاشية كتاب (التهذيب): وهذا الحديث هو الذي أرشدني إليه صاحب الأمر..

تشرف الشيخ الأنصاري (رحمه الله) بخدمة الإمام الحجة (عج)

نقل الآقا مير السيد محمد البهبهاني بواسطتين عن أحد تلامذة الشيخ مرتضي الأنصاري (رحمه الله) قال: في إحدي زياراتي المخصوصة لكربلاء، خرجت في إحدي الليالي بعد منتصف

الليل إلي الحمام، ولما كانت الشوارع مكسوة بالطين فقد أخذت معي سراجاً، فلاح لي من بعيد شخص شبيه بالشيخ الأنصاري، فلما اقتربت منه قليلاً وجدته الشيخ الأنصاري نفسه، فاتبعت أثره حتي لا يتعرض لمكروه من أحد، وكنت أخطو خطوات خفيفة في اقتفاء أثره حتي رأيته وقد وقف علي باب دار خربة، وقرأ الزيارة الجامعة، ثم دخل الدار الخربة، فسمعته يتحدث مع شخص إلا أني لم أره.

ثم ذهبت إلي الحمام، وبعدها تشرفت بزيارة الحرم، رأيت الشيخ في الحرم الشريف.

وبعد انتهاء هذا السفر وفي النجف الأشرف وصلت إلي خدمة الشيخ، وعرضت عليه قضية تلك الليلة، وبعد الإلحاح الشديد مني عليه قال: أحياناً ولأجل الوصول بخدمة إمام الزمان (عج) أطلب الاستئذان منه، وكنت قد ذهبت إلي ذلك المنزل الذي رأيتني علي بابه أقرأ الزيارة الجامعة، لأطلب الاستئذان من الحضرة الشريفة والتشرف بلقائه، لأسأله عن بعض المطالب.

ثم بعد ذلك أقسم علي الشيخ وأخذ مني عهداً علي أن لا أبوح لأحد بما جري له ما دام علي قيد الحياة.

الميرزا الشيرازي وفتوي تحريم الدخان

الناس يعدون اللحظات، وهم ينتظرون القرار النهائي من الميرزا الشيرازي (قدس سره)، وقد طلب علماء طهران وأصفهان وباقي المدن مراراً من الميرزا أن يصدر حكمه بتحريم الدخان، وأخيراً تلقوا حكم التحريم، وكانت فتوي الميرزا قصيرة وقاطعة وتتلخص بهذه العبارة: (بسم الله الرحمن الرحيم: اليوم استعمال التنباكو والتوتون بأي نحو كان في حكم محاربة إمام الزمان صلوات الله عليه حرره الأحقر محمد حسن الحسيني).

وكان انتظار الناس وحاجتهم إلي مثل هذه الفتوي قد تجاوز حد التصور، فما أن وصلت الفتوي إلي طهران بيد الميرزا الآشتياني حتي انتشرت بعد دقائق في جميع أنحاء المدينة، وفي كل مكان كان الوعاظ والخطباء يقرؤونها بصوت عال علي

مسامع الناس.

وكان حاكم طهران قد أمر مأموري الدولة أن يعملوا ما بوسعهم للحد من انتشار تلك الفتوي، وأن يقوموا بإيذاء كل من يقرأها، فأخذ كل من وجد بحوزته نسخة من تلك الفتوي وأحيل للعقاب، ومع كل هذه المضايقات من قبل الدولة فقد استنسخت فتوي الميرزا الشيرازي (رحمه الله) في حدود مائة ألف نسخة في نصف يوم، وكان الناس يعتبرون هذا العمل إحدي الوظائف الشرعية، ومن كان متعلماً كان يكتب عدداً من النسخ، ومن لا يعرف الكتابة كان يعطي مبلغاً من المال لمن يجيد الكتابة ليكتب له عدداً من النسخ، حتي يشارك في هذا الواجب الشرعي، وقد وصل هذا الحكم المبارك وانتشر في أقصي نقاط إيران، كما ذكره الشيخ محمد رضا الزنجاني في كتاب (تحريم تنباكو)، وقد أخضعت هذه الفتوي إيران كلها ونفذت إلي القلوب فأصبح الناس في دار الخلافة وغيرها منقادين لها.

كتب الدكتور فووريه قال: … راعي الناس الانضباط في هذه الفتوي فأغلق باعة التبغ محلاتهم وكسرت قناني النارجيلات حتي امتنع خدام الشاه من تقديم ذلك في القصر، واليوم الحكم بيد الملالي وفي قبضتهم.

فتوي التحريم تدخل قصر السلطان

كان لفتوي الميرزا الشيرازي (رحمه الله) أثر بالغ علي ناصر الدين شاه وأمين السلطان فحاصرتهما حتي في عقر دارهما، فلم يجد ناصر الدين شاه الغليون الذي اعتاد أن يشربه، فقد قام حرمه وعبيده بكسر النارجيلات وجمعوها أمام مكان نومه ليطلع عليها الشاه، فجاء الشاه إلي زوجته أنيس الدولة وكان للشاه بها علاقة واهتمام فوق ما يتصور، في الوقت الذي كانت خادمات أنيس الدولة يبحثن عن النارجيلات الفضية المرصعة، وكانت أنيس الدولة تشرف عليهن، فقال لها الشاه: أيتها السيدة! لماذا تعزلين النارجيلات وتجمعينها؟

فأجابت: لأن الغرشة أصبحت حراماً.

فالتفت إليها ناصر الدين شاه وقال

لها: من الذي حرمه؟

فقالت له أنيس الدولة: الذي حللني لك!

فلم يقل الشاه شيئاً ورجع ولم يأمر أحداً من خدامه أن يأتي إليه بالنارجيلة، وكذلك مقهي السلطان فقد امتنع من الدخانية، وبلغ الأمر إلي حد أن اليهود والنصاري تابعوا المسلمين، فقد تركوا الدخانيات ظاهراً.

وكان لهذا الحكم صدي واسع عند عموم الناس واستقبل استقبالاً حاراً وبطوعية دون تهديد أو وعيد، حتي أصبح اجتناب الدخانيات عند بعض الناس أهم من المحرمات الأخري.

نقل التيموري: أن الأوباش الذين لا يخشون أي معصية كسروا الأواني التي كانوا يستعملونها في الدخان، وبعض منهم وقف أمام عمارة الكمباني وقال: أنا لم أتخلي عن المعاصي، ولكن لا أضع الدخان في فمي ما لم يحلله الآقا الميرزا.

الشيخ محمد تقي البافقي والجهاد ضد البهلوي

كان المرحوم الشيخ محمد تقي البافقي من أعاظم العلماء، جليل القدر، وصاحب مقامات عالية وكرامات باهرة، وكان شجاعاً شديداً في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، رأي في أحد الحمامات عقيداً في الجيش يحلق لحيته، فاقترب منه وقال له: ألم تعلم أن الإسلام قد حرم حلق اللحي واعتبرها خطيئة، فكيف تقدم علي شيء محرم؟

فغضب العقيد من جرأة الشيخ عليه، وبلغ به الأمر أن لطم الشيخ علي وجهه، وقال له: ما علاقتك بحلق لحيتي.

فأدار الشيخ له الصفحة الأخري من وجهه وقال له: اضرب هذا الطرف أيضاً والذي أرجو أن لا يتكرر منك حلق اللحية، يخاطبه بهدوء كامل، وكأنه أب حريص علي نصيحة ابنه.

فلما شاهد العقيد هذا الحلم من الشيخ والنصيحة والموعظة البالغة ندم علي ما صدر منه، فسأل حلاق الحمام: من هذا الشيخ؟

فأجابه الحلاق: إنه الشيخ محمد تقي البافقي، فلما عرف العقيد أنه هو، تألم كثيراً وجاء إليه يقبل يده ويطلب المعذرة، وتاب علي يديه.

وأخيراً، اهتدي ببركات أنفاس الشيخ وكان

الشيخ محمد تقي البافقي يحذر وينكر علي الذين يحلقون لحاهم في كل مكان، وأخذ تعهداً من الحلاقين علي أن لا يحلقوا اللحي.

الثورة العراقية ودور العلماء والمراجع المجاهدين

في الحرب العالمية الأولي دخلت الدولة العثمانية الحرب بمساعدتها لألمانيا ضد البريطانيين والفرنسيين، فجرت العراق إلي الحرب، وأصبح هذا البلد الإسلامي معرضاً للخطر.

وفي هذه الأثناء قام علماء الشيعة المقيمون في كربلاء والنجف وعلي رأسهم المرحوم الميرزا محمد تقي الشيرازي بإعلان الجهاد، ودخل شخصياً معركة الجهاد، واستقر ولده في أحد الخنادق الواقعة في أطراف بغداد للدفاع عن الدولة الإسلامية، ومن جملة العلماء المشهورين الذين شاركوا في تلك الحرب والجهاد ضد الاستعمار، والذين خلد أسماءهم التاريخ الإسلامي، المرحوم السيد محمد الطباطبائي الابن الأكبر لآية الله العظمي السيد مصطفي الكاشاني وابنه آية الله السيد أبو القاسم الكاشاني، وآية الله السيد محمد تقي الخونساري، وآية الله الشيخ مهدي الخالصي، وابنه الشيخ محمد الخالصي، وآية الله الشيخ محمد باقر الزنجاني، ولكل واحد من هؤلاء قدم راسخة في قيادة النهضة الإسلامية تحت لواء الميرزا الثاني الشيخ محمد تقي الشيرازي، وكان لهم أثر بالغ وموقع حساس في بناء التاريخ الجديد.

وهذه القوة المتشكلة من العلماء المجاهدين استطاعت أن تحطم قوة الإنكليز، لتجر وراءها أذيال الخيبة والحرمان والتقهقر، كما أسرت العديد منهم، وأخيرا، وبعد مقاومة باسلة حمل العراقيون حملة عنيفة من كل جانب فهزموا الإنكليز وألحقوا بهم خسائر فادحة وانتزعوا العراق.

مقاطعة الانتخابات

في سنة (1341ه) أراد الملك فيصل الأول إجراء انتخابات وتأسيس مجلس برلمان وطني، وقد ضيق علي علماء الشيعة، لأنهم كانوا يرون أن الانتخابات يجب أن تكون حقيقية ويراعي فيها حقوق الشيعة الذين كانوا يشكلون ثلثي سكان العراق، وعلي فيصل أن لا يتجاهل هذا الأمر، إلا أن فيصل لم يستجب لمطالب مراجع الشيعة، مما أدي بالشيخ مهدي الخالصي أحد كبار علماء العراق أن يصدر فتواه من الكاظمية المقدسة بحرمة الانتخابات ومقاطعتها، وأيد هذا الحكم

كل من: آية الله النائيني، والسيد أبو الحسن الأصفهاني (قدس سره)، وكان لهذا الحكم صدي واسع في كل أنحاء العراق، فصممت حكومة العراق علي إبعاد الشيخ الخالصي وبقية العلماء ذوي النفوذ في هذا الموقف إلي إيران.

صورة من شجاعة المدرس

اجتمع حملة السكاكين في عهد رضا خان أمام المجلس النيابي ونادوا بشعار (الموت للمدرس) فأجابهم المدرس بالقول: إذا مات المدرس لم يعطكم أحد مالاً لترفعوا شعاراتكم ضده، وفي أحد الأيام وفي سفر رضا خان إلي أصفهان سأل من المدرس قائلاً: في هذه السفرة هل جلب انتباهكم شيء؟

وكان ينتظر ويتوقع من المدرس أن يذكر جلال وجبروت عسكر أصفهان.

ولكن أجابه المدرس بهذا القول: نعم، شيء واحد جلب انتباهي وهو أن كل الناس في إيران يخشون سطوتكم ولا يريدونكم، في حالة أنهم لا يخشونني ويحبونني.

ثم شرح له إيثار ومحبة أحد الرعاة وكيف أن سيارته قد تعطلت أثناء الطريق وأعطي ثوبه إلي المدرس ليحتفظ به إلي الصباح وقام بإصلاح السيارة، وفي الصباح جاء له بحليب حار، وهنا قال المدرس لرضا خان: أيها الجنرال! لو أنك في نصف الليل في تلك الصحراء وقد حصل لك التأخير، لا أعرف كيف كان يكون تعامل ذلك الراعي معك.

قتل إمام أهل السنة

في سنة (303ه) ورد الإمام أبو عبد الله أحمد بن شعيب بن علي بن بحر بن سنان النسائي أحد كبار المشاهير من محدثي أهل السنة وكان إمام عصره في الحديث، وله كتاب (السنن) المشهور الذي هو من جملة الصحاح الستة عند الجمهور، إلي دمشق الشام، وصنف بها كتاب (الخصائص) في فضائل أهل البيت (عليه السلام): دخلت دمشق والمنحرف فيها عن علي (عليهم السلام) كثير، فأردت أن يهديهم الله بهذا الكتاب.

وكان علي المنبر يحدث بفضائل علي (عليه السلام)، وما قاله رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) بأحاديث معتبرة في كتب القوم، وقد سئل يوماً عن أمر معاوية وما وضع من الروايات في فضائله، فقال: ما أعرف له فضلاً إلا (لا أشبع الله بطنه).

وإنما أراد بذلك

القول ما نقله الفريقان من: أن رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) أرسل يوماً ليحضر معاوية عنده في شأن، فقيل له: إنه مشغول بالطعام، فأرسل إليه ثانياً، فأعيد عليه القول، ثم أرسل إليه، فقيل له: مثل الأولين، فتغير عند ذلك وجه رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) ودعا عليه بالدعاء المذكور، ويمكن أن يكون الوجه في ذلك ما نقل أيضاً عن أهل بيت العصمة (عليهم السلام): (أن المؤمن يأكل في معاء واحد، والمنافق يأكل في سبعة أمعاء).

وبالجملة، فمازال أهل دمشق يدفعونه، حتي أخرجوه من المسجد بعد أن أشبعوه ضرباً مبرحاً، ثم أخرجوه إلي الرملة وهي من أراضي فلسطين، ولم يبق إلا أياماً حتي فارق الحياة من شدة الضرب، وأشار إلي أهله بأن يحملوه إلي مكة المعظمة فدفن فيها.

الشيخ الأنصاري والمتنفذون

جاء الشيخ الأنصاري (رحمه الله) إلي دزفول، وأخذ يستطلع أمور الناس وأحوالهم، وفي يوم من الأيام جاء إليه رجلان وكان بينهما نزاع وطلبا منه أن يترافعا إليه، ويضع نهاية لتخاصمهما.

فقال لهما الشيخ: احضرا غداً للمرافعة.

وفي الليل طلب من الشيخ أحد الشخصيات البارزة في المدينة أن يلتزم جانب أحد المتخاصمين لأنه يتصل به بقرابة.

فتألم الشيخ من هذا الكلام كثيراً لدرجة أنه عزم علي أن يغادر وطنه ويهجره، وقال: البلد الذي يتدخل متنفذوه في أحكامه الشرعية، من الأصلح أن لا يظل الإنسان فيه، وخرج منه إلي النجف الأشرف.

جهاد آية الله القمي ضد رفع الحجاب الإجباري

هذه القصة وقعت حوادثها في عهد الشاه رضا بهلوي في شيراز، فقضية كشف الحجاب ابتدأت من شيراز، وهذا تفصيلها:

كان الميرزا علي أصغر خان حكمت الشيرازي يشغل إدارة البريد في وزارة المعارف والثقافة، وفي يوم الخميس من شهر ذي الحجة سنة (1353ه) دخل شيراز، وأقامت مدرسة شاهبور حفلاً ترفيهياً علي شرفه، وكان مختلف طبقات الناس قد دعوا للحضور في هذا الحفل والمشاركة فيه، وكان في برنامج الاحتفال أنه بعد إيراد الكلمات والخطب ومشاهدة العروض الترفيهية ستقوم أربعون امرأة عارية بالرقص علي نغمات الموسيقي المطربة، وسيشجعن الفتيات الأخريات علي الرقص معهن، وكان هذا العمل مقدمة لكشف الحجاب الرسمي، والإجباري، وقد كان لهذه القضية صدي واسع بين الناس، وقد تأثر الناس كثيراً لما حدث، وكانوا يحتملون أن الشاه لا علم له بما جري، وبعد أيام نشر هذا الخبر في الصحف:

في ميدان الجلالية وبحضور رئيس الوزراء محمد علي فروغي ذكاء الملك حضرن بنات المدارس بدون حجاب، وقد قال علي أصغر خان حكمت ضمن كلام له قال: يظن البعض أن هذا الإقدام في شيراز كان من رأيي ولكنه رأي الحضرة العالية.

وبعد أن اطلع المرحوم

آية الله الحاج حسن القمي علي هذا الخبر المؤسف، خطب وبكي وقال: إن الإسلام يريد فدائيين، وأنا مستعد للفداء، ثم أبلغ محمد ولي خان الأسدي نائب التولية بأن يحذر الشاه من هذا العمل، وهدده أنه إذا لم يقبل هذه التوصية واستمر في غيه فإنه سيجاهدهم جهاداً عنيفاً، وأضاف في معرض حديثه قائلاً: كنتم تصرون بشكل مستمر علي بأن التقي الشاه وأنا أرفض هذا الطلب، أما الآن فأنا علي استعداد للذهاب إلي طهران والالتقاء مع الشاه للوقوف بوجه هذا الانحراف وهذا العمل غير المشروع، وفي غير هذه الصورة سأقاوم وأجاهد ما دامت لي رجلان أقف عليهما.

وبعد يوم واحد من هذا النداء حوصر بيت المرحوم، آية الله القمي وسدت أطراف الشوارع من قبل مسؤولي الدولة وأصبحت تحت المراقبة وذلك لمنع الاتصال بآية الله القمي، فكتب المرحوم آية الله القمي برسالة إلي الشيخ عبد الكريم الحائري مؤسس الحوزة العلمية في قم وطلب منه الدعم والمساعدة، كما اتصل مع عالمي من علماء مشهد وهما: الآقا ميرزا محمد الكفائي المعروف بآية الله زاده ابن الآخوند ملا محمد كاظم الخراساني صاحب (الكفاية)، وآية الله الشيخ مرتضي الآشتياني، وأطلعهما علي مجريات الحوادث.

وبالتدريج أخذت المحاصرة تشتد وتقوي خاصة في أطراف منزله إضافة إلي الطرق المؤدية إلي المنزل بواسطة المسؤولين الحكوميين، حيث كان يتم استجواب المارة، وقد بلغت المحاصرة أشدها لإيجاد جو يشوبه القلق والخوف والرعب، ولم يكن أحد يستطيع المقاومة إلا من كان له قلب مطمئن بالإيمان وشجاعة فائقة.

وعلي كل حال فقد صمم المرحوم القمي أن يقدم علي هذا العمل واتخذ قراره النهائي وأطلع العالمين الكفائي والآشتياني علي أنه يريد لقاء البهلوي، وأصبح وضع المدينة متشنجاً، وكان المرحوم القمي يدرس في بيته ويحضر

عنده الطلاب صباحاً وعصراً.

وفي إحدي الجلسات قال: إني أريد الإقدام علي ما أعتبره وظيفتي الشرعية، وهو الوقوف بوجه الانحراف وكشف الحجاب الإجباري، وهناك عشرة آلاف شخص مستعدون للمقاومة وأنا من ضمنهم، كان من الممكن أن ينتشر هذا الخبر بسعة في مشهد والأطراف ويترك أثراً واسعاً، فحاصرت الدولة وبشكل سافر وعلني منزل السيد القمي، وسجلوا أسماء الأشخاص الذين يدخلون عنده ويخرجون فتشنج الوضع في مشهد وبقية مدن محافظة خراسان، وفي يوم (28ربيع الأول سنة1358ه) اتصل هاتفياً آية الله القمي بطهران مع رضا خان البلهوي، وفي ليلة (29ربيع الأول) تحرك باتجاه طهران يصحبه اثنان من أولاده وأحد الخدمة.

وكان السيد القمي يحتمل أن لا يستطيع العودة من طهران، وأن يؤدي الأمر إلي قتله ولذا أوصي ولده الآخر السيد عباس النجاتي بعض الوصايا المتعلقة بعائلته، وقد أبرق أحد السادة إلي المرحوم السيد يحيي صدر العلماء بما جري، ووصلت البرقية بين صلاة الظهر والعصر إلي مسجد الحاج سيد عزيز الله في طهران، وقرأت علي مسامع المصلين، وفي آخر شهر ربيع الأول، ورد المرحوم القمي ومرافقوه إلي منطقة حضرة عبد العظيم ونزل في بستان سراج الملك.

وفي أول شهر ربيع الثاني جاء أهالي طهران يتقدمهم بعض السادة العلماء وأئمة الجماعة من المجاهدين لاستقبال آية الله القمي، وكان أكثرهم يأتون بشكل مجموعات وهم يركبون السيارات أو يستأجرون القطارات، وكانت تتزايد حركة الناس وتستمر إلي منتصف الليل، مما أدي إلي انزعاج الدولة، وفي اليوم الثاني منعت الدولة حركة السير، وصادرت وسائل النقل، وألغت حركة سير القطارات ذهاباً وإياباً إلي حضرة عبد العظيم، وأما وسائل النقل العامة فقد أخذت هي الأخري نصيبها من المنع وعدم حمل المسافرين إلي حضرة عبد العظيم، فأخذ الناس يمشون راجلين

بشكل مجموعات إلي محل إقامة آية الله القمي، فأوجد ذلك مشهداً حساساً مما أثار تخوف الدولة، واخذ قلقها يتزايد في كل لحظة.

وفي الساعة العاشرة من صباح اليوم الثاني من شهر ربيع الثاني أغلق باب البستان، وأخذ عملاء السلطة يحدون من نشاط الداخلين والخارجين من البستان، وما أن حل الليل حتي حوصر بستان سراج الملك من قبل أفراد الدولة.. وأعلن منع المجيء إلي البستان.

وبعد حبس آية الله القمي، ومنع الاتصال به، جاء إليه بعض الأفراد من مسؤولي الدولة والتقوا به، فقال لهم: يجب علي الاتصال بالبهلوي، وأعرض عليه لوحده فقط ما عندي من المطالب.

وفي اليوم التالي جاء رئيس ديوان القضاء الأعلي وحاكم الوقت للقاء آية الله القمي، وكان هدفه أن يدخل مع السيد في مباحثات ومذاكرات، إلا أنه رفض البحث معه، وأصر علي مجيئه هو للاتصال بالبهلوي والبحث معه وحده، وقد قيل للسيد القمي: إن رئيس الوزراء ووزير الداخلية والتخطيط جاءوا للقائكم، إلا أنه أجابهم بالقول: لا فائدة من ذلك وإني أرفض التحدث مع أي كان إلا مع البهلوي نفسه.

أما رضا خان فلم تكن لديه الرغبة في لقاء السيد القمي لأنه كان يعلم مسبقاً إنه سيكون بعد الاتصال واللقاء قد أخذت الحجة ولا يبقي عند الناس أي مجال للشك في أن عمله مخالف الإسلام هذا أولاً، وثانياً: إن آية الله القمي لم يلاحظ المقام الشاهنشاهي الكاذب عند لقائه بالشاه، وبعد أيام جاء مدير الأمن العام بصحبة محمد عبده الحاكم الأعلي للبلاد للسيد القمي، وأظهر له بأنه في مشهد علي أثر حركته حدث التمرد مما أدي إلي قتل العديد من الأبرياء، وان دماءهم تقع علي عاتقه في الحادثة هذه، فبكي المرحوم القمي لمقتل عدد من المسلمين الأبرياء،

وقال: إن دماءهم تقع علي مسؤولية الدولة وشخص الشاه، لأني جئت بيد خالية وبكامل المسالمة للتفاوض معه، وأنتم حبستموني، ومن المعلوم أن خبر اعتقالي قد وصل إلي مشهد فاعترض الناس علي ذلك وأدانوه، وأنتم بدلاً من أن تنفذوا مطالبهم فقد أمطرتموهم بالرصاص.

وأخيراً قال مبعوثو الشاه للسيد القمي: ما كنت تطمع به من الالتقاء بالشاه قد أصبح مستحيلاً، كما أنه لا يمكن رجوعك إلي مشهد، وأنت الآن بين أمرين: إما أن تبقي في هذا البستان علي هذه الحالة، أو أن تنتقل إلي مكان آخر تقبله الدولة؟!

فقال المرحوم القمي: إذا لم تتركوني وشأني، ولم تستجيبوا لمطالبي، ولم يسمح لي بالعودة إلي مشهد، فإني أريد أن أذهب إلي العتبات العاليات في العراق، فوافق رضا خان علي سفره.

فتحرك المرحوم القمي باتجاه العراق بصحبة ولديه مع أحد الخدمة وورد كربلاء بجوار سيد الشهداء عليه السلام، فأرسل آية الله السيد أبو الحسن الأصفهاني (قدس سره) وكان المرجع الأعلي في ذلك الوقت بلا منازع ممثلاً عنه وهو صهره الآقا السيد ميرزا حاملاً رسالة منه إلي آية الله القمي، وقال السيد ميرزا للسيد القمي في أثناء المقابلة: أمرني السيد أن أقبل يديكم نيابة عنه.

وقد أقام آية الله القمي بكربلاء، وقام بإدارة حوزتها العلمية، وكان مجموعة من كبار العلماء، أمثال المرحوم: آية الله الميلاني المتوفي سنة (1395ه) وآخرون غيرهما، وعدد من الطلبة الإيرانيين قد هاجروا إلي كربلاء.

القتل العام في مسجد كوهر شاه

ما ان انتشر في مشهد خبر محاصرة بستان سراج الملك وحبس آية الله القمي ومنع الاتصال به حتي صار ذلك حديث الناس في جميع المجالس وحتي في صلوات الجماعة اليومية، وكان الناس يفكرون في اتخاذ الإجراءات الرادعة ضد الدولة والتأييد لموقف آية الله القمي، وفي تلك الأيام

كان الشيخ محمد تقي النيشابوري الواعظ المعروف، وكان يسمي (بهلول) بسبب صراحة لهجته قد دخل مشهد، وبعد أن اطلع علي القضية ارتقي المنبر في مسجد كوهرشاد الذي ازدحم بالناس، فتكلم لمدة ساعة ونصف واستعرض مجري الحوادث وقضية كشف الحجاب، فاشتد الحماس بالناس وهاج غضبهم واستنكارهم واستعدوا جميعاً للقيام ضد النظام، وقد استمر التنديد والاستنكار إلي حدود الساعة الرابعة بعد منتصف الليل، وبسبب كثرة الزحام طلب من المجتمعين أن ينتقلوا إلي الصحن الجديد، ثم اتخذ قرار جاء فيه: أن يتحصن أهل خراسان في الصحن الجديد والحرم المطهر، تنديدا بما جري للمرحوم آية الله القمي، وطلباً لإطلاق سراحه.

وفي صباح اليوم العاشر من شهر ربيع الثاني تجمع عدد من العسكريين مقابل الصحن، وأمطروا الناس بوابل من الرصاص من الشارع حتي أن إحدي الطلقات النارية كانت قد أصابت الضريح المطهر، وقد قتل العديد في هذه الحادثة كما أصيب آخرون بجراح.

وعلي كل حال فقد أصاب الناس الانزعاج الشديد لهذا الحدث وازداد غضبهم علي الدولة وأياديها، وفي نفس الوقت أعلنوا استعدادهم الكامل للجهاد فرجعوا إلي الحرم ثانية، وفي هذه الأثناء ازدادت المعارضة وجاء عدد لا يستهان به من أطراف مشهد والمدن المجاورة للمشهد ليتحصنوا في المساجد وغيرها من أماكن العبادة.

ولما وصل خبر تحصن الناس في الحرم المطهر لليوم الثالث (الأحد 13 ربيع الثاني) إلي مسامع رضا خان، وكيف أن الناس يؤيدون مطالب المرحوم آية الله القمي، قام بإصدار أوامره بالهجوم علي الناس وقتلهم قتلاً عمداً، فنصبت المدافع والهاونات والدبابات الثقيلة في أطراف المسجد، وفي حوالي الساعة الرابعة بعد منتصف الليل تم الهجوم علي الناس من كافة الجهات من قبل مأموري رضا خان الذين أطلقوا رصاصاتهم كالمطر المتساقط، فراح الكثير من الناس

ضحايا، الرجل والمرأة الكبير والصغير، المدني والقروي، وقد روي: أن عدد المقتولين تجاوز الثلاثة آلاف قتيل، وفي ظرف ساعتين خلي المسجد من الناس، ونقل القتلي والجرحي بسيارات كبيرة كانت عند باب المسجد والسوق ليدفنوا خارج المدينة، وهذه النقطة تسمي ب (قتلكاه)، والمشهور أن الحرم والصحن ومسجد كوهر شاه أغلق لمدة يومين أو ثلاثة حتي يغسلوا الآثار الناجمة من هذه الجناية الفظيعة، ثم صدر دستور التوقيف لعدد كبير بعد يوم من الجناية الكبري فقد تم توقيف ما يقرب من مائة وخمسين شخصاً من مختلف الطبقات، منهم: العلماء والوكلاء وقضاة المحاكم والتجار والكسبة وذلك لإيجاد الرعب والوحشة في صفوف الناس، منهم علي سبيل المثال المرحوم الميرزا محمد الكفائي نجل الآخوند الخراساني الذي أوقف وأرسل إلي طهران ليحبس مع أنه كان مريضاً، وتم قتله علي يد الطبيب أحمدي جلاد رضا خان سنة 1316ه. وقد أعدم من السلطات محمد ولي خان الأسدي نائب التولية بعد أن عزل وذلك لتعاطفه مع الناس والعلماء.

فتوي آية الله الأصفهاني بمقاومة الاستعمار البريطاني

جاء في فتوي آية الله السيد أبو الحسن الأصفهاني (قدس سره) في ثورة العراق ضد الإنكليز: (بسم اله الرحمن الرحيم السلام علي الجميع وبالأخص الأخوة العراقيين: إن الواجب الشرعي يلزم علي جميع المسلمين العمل علي حفظ حوزة الدين والبلاد الإسلامية، وأن يشمروا عن سواعدهم بقدر الإمكان في ذلك، ويجب علي كافة المسلمين الدفاع عن أرض العراق أرض مشاهد أئمة الهدي (عليهم السلام) والمراكز الدينية، والحفاظ عليها من تسلط الكفار، كما أدعوكم إلي الدفاع عن النواميس الدينية، وفقنا الله وإياكم لخدمة الإسلام والمسلمين).

لقد صدرت هذه الفتوي أثر فتوي زعيم الثورة الإمام الشيرازي ونصها موجود في كتاب (الحقائق الناصعة).

لا تعمل ما يحرق هذه اللحية بالنار

قيل: إن المرحوم الميرزا القمي صاحب (القوانين) وضع يده يوماً علي لحية السلطان فتح علي شاه وكانت طويلة، فجرها وقال: أيها السلطان! لا تعمل عملاً يؤدي غداً يوم القيامة إلي إحراق هذه اللحية بنار جهنم.

قنبر خير منك ومن أبيك

كان أبو يوسف يعقوب بن إسحاق بن السكيت عالماً بالنحو والقرآن واللغة والشعر، راوية ثقة، وله تصانيف كثيرة في النحو ومعاني الشعر وتفسير دواوين العرب.

قال ابن خلكان في (وفيات الأعيان): وكان يميل في رأيه واعتقاده إلي مذهب من يري تقدم علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وكان يؤدب أولاد المتوكل، وكان المتوكل كثير التحامل علي علي بن أبي طالب وعلي ابنيه الحسن والحسين (عليهم السلام)، فبينما هو مع المتوكل يوماً إذ جاء المعتز والمؤيد، فقال المتوكل: يا يعقوب! أيهما أحب إليك: ابناي هذان أم الحسن والحسين؟!

فقال ابن السكيت: والله، إن قنبر خادم علي (ع) خير منك ومن ابنيك، فقال المتوكل: سلوا لسانه من قفاه، ففعلوا به فمات، وكان ذلك لخمس خلون من رجب سنة 334ه عن ثمان وخمسين سنة.

رد الأعمش علي رسالة هشام بن عبد الملك

كان الأعمش وهو أبو محمد سليمان بن مهران الأزدي معروفاً بالفضل والجلالة والعامة أيضاً مثنون عليه، مطبقون علي فضله ووثاقته مقرون بجلالته مع اعترافهم بتشيعه.

نقل صاحب (شذرات الذهب) وابن خلكان في (وفيات الأعيان)، عن أبي معاوية الضرير قال: بعث هشام بن عبد الملك إلي الأعمش: أن أكتب لي مناقب عثمان ومساوئ علي (عليه السلام)؟!

فأخذ الأعمش (رحمه الله) القرطاس وأدخله في فم شاة فلاكته، وقال لرسوله: قل له: هذا جوابك.

فقال له الرسول: إنه قد آلي أن يقتلني إن لم آته بجوابك، وتحمل عليه بإخوانه، فقالوا له: يا أبا محمد! نجه من القتل، فلما

ألحوا عليه كتب له: بسم الله الرحمن الرحيم: أما بعد، فلو كانت لعثمان مناقب أهل الأرض ما نفعتك، ولو كانت لعلي (عليه

السلام) مساوئ أهل الأرض ما ضرتك، فعليك بخويصة نفسك.

احمل خشبتي منذ خمسين عاماً

كان دعبل بن علي الخزاعي شاعراً فاضلاً مادحاً لأهل البيت (عليهم السلام)، صاحب أشعار فاخرة كثيرة، معروفاً بجودة الكلام، مع لطافة الطبع وظرافة الصنع، والالتفات إلي دقائق نكات المعاني والبيان وكان معاصراً لبني العباس، مولعاً بالحط من أقدارهم، وطال عمره، فكان يقول: لي خمسون سنة أحمل خشبتي علي كتفي أدور علي من يصلبني عليها، فما أجد من يفعل ذلك.

ولما عمل في إبراهيم بن المهدي العباسي أبياته التي أولها:

نعر ابن شكلة بالعراق وأهله فهفا إليه كل أطلس مائق

إن كان إبراهيم مضطلعاً بها فلتصلحن من بعده لمخارق

ولتصلحن من بعد ذلك لزلزل ولتصلحن من بعده للمارق

أني يكون وليس ذاك بكائن يرث الخلافة عن فاسق

دخل إبراهيم علي المأمون فشكي إليه حاله وقال: قد هجاني دعبل فانتقم لي منه.

فقال: ما قال؟ لعل قوله: نعر ابن شكلة بالعراق، وأنشده الأبيات، فقال: هذا من بعض هجائه، وقد هجاني بما هو أقبح

من هذا؟

فقال المأمون: لك أسوة بي، فقد هجاني واحتملته وقال فيّ:

إني من القوم الذين سيوفهم قتلت أخاك وشرفتك بمقعدي

شادوا بذكرك بعد طول بقائهم واستنقذوك من الحضيض الأوهد

وكان دعبل قوي القلب، وكان يهجو من يستحق الهجاء ولو كلفه حياته.

فتوي السيد محمد كاظم الطباطبائي بالجهاد ضد الاستعمار

لما دخلت القوات الإيطالية لاحتلال ليبيا في شمال أفريقيا، ودخلت القوات الروسية إلي شمال إيران، وقام الإنكليز بشن هجوم علي جنوبها، فعند ذلك أصدر السيد اليزدي (رحمه الله) فتواه الشهيرة: (بسم الله الرحمن الرحيم في هذه الأيام تقوم دول أوروبا مثل إيطاليا بالهجوم علي ليبيا، ومن جهة أخري تحتل القوات الروسية شمال إيران، وكذلك الإنكليز فقد أنزلوا قواتهم في جنوب إيران، مما يعرض الإسلام إلي الخطر، إن الواجب الشرعي يحتم علي عموم المسلمين من الممالك الإسلامية، أن يبذلوا كل غال من أرواح وأموال في سبيل طرد القوات الغازية، وأن لا يقصروا في ذلك، لأن القيام بهذا العمل من أهم الفرائض الإسلامية، ونسأل المولي العلي القدير أن يحفظ المملكتين الإسلاميتين من الهجوم الصليبي.

من مواقف السيد كاظم اليزدي (رحمه الله)

عندما دخل الجيش الإنكليزي العراق، قوبل بمواجهة عنيفة من أهالي العراق المسلمين، وكان من جملة من وقف بوجهه موقفاً بطولياً أهالي النجف الأشرف.

وعندما استولي الإنكليز علي العراق استيلاء كاملاً أرادوا الانتقام من أهالي النجف الأشرف، وبهذا الصدد جاء الحاكم الإنكليزي إلي السيد محمد كاظم اليزدي ئ وقال له: إن الدولة ترجو منكم ترك النجف والذهاب إلي الكوفة، لأن الدولة تريد تأديب أهالي النجف.

فأجابه السيد (رحمه الله) قائلاً: هل أخرج من النجف لوحدي أم مع أهل بيتي؟

فقال الحاكم: بل مع أهل بيتك.

فقال السيد (رحمه الله): إن أهل النجف كلهم أهل بيتي، وإني لا أخرج لوحدي، وكل ما يصيب أهل بيتي فليصيبني، وببركة هذه الاستقامة والقدم الثابتة بقي أهل النجف في أمان من شر الإنكليز.

وكان السيد (رحمه الله) يحب الناس وكذلك الناس يحبونه، وكان أهل النجف يعتبرونه أباً باراً لهم، وكان أعراب البادية يأخذون من تراب رجليه ويضعونه في الكيس ويقسمون به ويقولون: بحق تراب

قدم السيد.

ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل؟

لما أريد بناء قصر السلطنة في زمان المرحوم الشيخ علي الكني وكان هناك مسجداً يقع قريباً من القصر، وطبقاً لتصميم البناء الجديد فالمسجد يدخل ضمن القصر، وبدونه سيبقي البناء ناقصاً، فما كان من السلطان إلا أن يستفتي العلماء بصدد خراب المسجد ليدخل في بناء قصر السلطنة، علي أن يعين أرضاً أخري لبناء مسجد، ولما جاءوا إلي الشيخ الكني وعرضوا عليه الأمر، وطلبوا منه أن يكتب فتواه بالجواز في ذلك، استمهلهم إلي الغد، فاستر السلطان والوزراء والمعماريون عند سماعهم هذا الخبر، وفي الغد أمر السلطان أن يستعدوا للمقدمات، فجاء الشيخ الكني، وانشغل السلطان بنفسه بالمقدمات فوضع الطومار الذي يتعلق بخراب المسجد في صينية، وجاء بالدواة والقلم ووضعه علي الأرض في مقابل الشيخ الكني ليمضي ذلك، أخذ المرحوم الكني الطومار وأمعن النظر فيه وكتب بذيله شيئاً وأردفه بإمضائه، وقام مسرعاً، وكان السلطان ومرافقوه قد قاموا بتوديع الشيخ بمنتهي الاحترام والتجليل.

وبعد ذلك جاء السلطان فأخذ الطومار وهو مسرور جداً فقرأ ما كتبه الكني فوجد هذه العبارة: (ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب

الفيل) فتأثر السلطان من هذا الموضوع، فأخر بناء القصر، وفي اليوم الذي توفي فيه الكني، باشروا بخراب المسجد الواقع في

انتهاء شارع باب همايون وضموه إلي العمارات السلطانية.

أبو حازم يبكي السلطان

دخل أبو حازم وهو أحد الوعاظ علي سليمان بن عبد الملك، فقال له سليمان: لم نكره الموت ولا نرضي به؟ فقال أبو حازم: لأنكم عمرتم الدنيا وخربتم الآخرة، وبالموت تذهبون من العمار إلي الخراب.

فقال سليمان: كيف يكون دخولنا علي الله في الآخرة؟ فقال أبو حازم: أما صاحب العمل الصالح فحاله كحال المسافر يرجع من سفره إلي وطنه، ويرتاح من مشاق السفر، وأما صاحب العمل الطالح فحاله حال الغلام الذي فر

من سيده ثم رجع إليه بألف خجل.

فقال سليمان: أي الأعمال أفضل؟ فقال أبو حازم: أداء الواجبات واجتناب المحرمات.

فقال سليمان: ليتني كنت أعلم بما ينتظرني.

فقال أبو حازم: اقرأ بكتاب الله.

فقال سليمان: وأين؟

قال أبو حازم: هذه الآية: (إن الأبرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم).

فقال سليمان: ما كلمة العدل؟

فأجاب أبو حازم: العدل ما تأمل منه وتطمع فيه.

فسأل: من هو أعقل الناس؟

أجاب: الذي يطيع الله.

قال: من هو أجهل الناس؟

أجاب: من باع آخرته بدنيا غيره.

فسأل: ما تقول في حكمي؟

أجاب: أعفني من هذا.

قال سليمان: لا أعفيك أريد أن أتعظ؟

قال: إن آباءك حكموا الناس بقوة السيف وبدون رضاهم وقتلوا الناس، يا ليتك تعلم ما الذي جري لهم.

فقال سليمان: زدني موعظة باختصار.

فقال أبو حازم: اسع أن لا يراك الله في مكان قد نهي عنه، وأن يراك في مكان قد أمر به. فبكي سليمان بكاءً شديداً، فاعترض أحد الحاضرين علي أبي حازم وقال له: ما هذا العمل الذي قمت به لتؤذي الخليفة؟! قال أبو حازم: صه، إن الله أخذ علي العلماء بأن يظهروا للناس علمهم ولا يكتموه، قال هذا وخرج من عند الخليفة، فأرسل إليه سليمان مقداراً من المال فردها، وقال: إن هذا المال لا أرتضيه لك فكيف أرضاه لنفسي.

سأجيبك فيما بعد

سأل المرحوم الملا عبد الله التستري من المرحوم المقدس الأردبيلي في مجلس مسألة، فقال له المقدس: سأجيبك بعد ذلك، وبعد انتهاء المجلس أخذ بيد التستري وخرج به من المجلس وذهبا إلي الصحراء، وهناك شرح جواب المسألة.

فقال له الملا عبد الله: لماذا لم تورد هذه المطالب في المجلس؟

فقال المقدس: لو أننا تكلمنا في المجلس بحضور الناس، فمن المحتمل أن ينبري لكل واحد منا من ينتصر له من الحضور، وهذه النفس الأمارة بالسوء تستغل مثل

هذا الظرف، ولم تكن المباحثة خالية من شائبة الرياء، أما الآن وفي هذا المكان الخالي من الناس ليس معنا غير الله، فالرياء والشيطان، والنفس الأمارة ليس لها أثر في المباحثة.

كتاب القانون في ذاكرة ابن سينا

كتب الحاج الملا أحمد النراقي في (سيف الأمة) قال: فر أبو علي بن سينا وجاء إلي أصفهان ولم يصحب معه كتاب(القانون) ثم إن الطلاب والعلماء طلبوا منه أن يعطيهم نسخة من القانون، فقال لهم: إني لم أصحبه معي ولكني أحفظه عن ظهر قلب، فأنا أقرأ وأنتم اكتبوا، وقرأ لهم القانون وكان حجمه ستين ألف سطر من حفظه وهم يكتبون، ولما جيء بالقانون من خراسان وقوبل مع ما كتبوه وجدوه مطابق تمام الانطباق، لم يخطأ بحرف منه.

واتفق أن الشيخ الرئيس كان جالساً في الباخرة، وكان معه رجل لغوي في الباخرة أيضاً، فسأله الشيخ: لأي شيء سافرت؟

فقال العالم اللغوي: كتبت كتاباً في علم لغة العرب، وأريد أن يطلع عليه الملك.

فقال أبو علي: هل تسمح لي بمطالعته مدة وجودنا علي ظهر الباخرة؟

فقال اللغوي: لا مانع من ذلك.

فأخذ الشيخ الرئيس الكتاب وطالعه وأتمه في هذه المدة، فلما وصلوا إلي مقصدهم، ذهب العالم اللغوي في اليوم الثاني حاملاً كتابه معه إلي السلطان، فرأي صاحبه الذي كان معه في الباخرة عند السلطان، والسلطان يحترمه احتراماً كبيراً، فقال في نفسه: لو كنت أعلم أن صاحبي له مكانة وقرب واحترام عند السلطان لرجوته أن يوصي السلطان بي، فقدم الكتاب للسلطان، وترك السلطان الكتاب عند أبي علي وقال له: هل يستحق الجائزة حتي نعطيه؟

فأخذ الشيخ الرئيس الكتاب ونظر فيه وقال: هذا الكتاب كتبه شخص آخر قبلك! فأنكر العالم اللغوي ذلك، وقال: لم يكتب أحد مثل هذا الكتاب غيري.

فقال الشيخ: والدليل علي قولي أن هذا

الكتاب من أوله إلي آخره هو من محفوظاتي، فلو كتبته أنت فمن أين لي حفظه؟

فخذ الكتاب حتي أقرأ عليك، فأخذ الرجل اللغوي الكتاب وأخذ ينظر فيه، وبدأ الشيخ الرئيس بالقراءة، وكان الشيخ يحفظ المطالب من أي صفحة من صفحات الكتاب.

فتحير العالم اللغوي في ذلك المجلس وأصابه الخجل.

قال الشيخ الرئيس للملك: إن هذا الكتاب قد كتبه هذا الرجل ويستحق الجائزة، ولكني حفظت مطالب هذا الكتاب في الباخرة، فأعطي السلطان الجائزة لهذا العالم اللغوي، وتعجب الحاضرون من حافظة أبي علي.

الميرزا الشيرازي ومحضر الشيخ الأنصاري

كان الميرزا محمد حسن الشيرازي (قدس سره) ذا فكر ثاقب ونظر صائب، وقد جاء من أصفهان إلي النجف للتشرف بالزيارة، وكان الشيخ الأنصاري (قدس سره) في النجف، وبعد إتمام مراسم الزيارة أراد الرجوع إلي أصفهان، فلما اطلع أشخاص علي الفهم العالي للميرزا ذكروا للشيخ الأنصاري: أنه من المؤسف أن يذهب الميرزا، والتمسوا من الشيخ أن يعمل ما بوسعه لبقاء الميرزا عندهم.

فاجتمع الشيخ معه في المجلس، وطرح بحث (البيع الفضولي) وهل أن الإجازة كاشفة أو ناقلة؟

فقال الشيخ: ما أثبت وجهاً واحداً للمسألة، فاستأنس الميرزا جداً، وقال إنه تقريب عجيب! فطرح الشيخ تقريباً آخر، وقام بإثباته، قال الميرزا: إن هذا النقض عجيب جداً! ثم انتقل الشيخ إلي نقض النقض، وتكرر الأمر لثمان مرات، فتعجب الميرزا كثيراً وتبدل عزم رحيله بالإقامة وبقي يتتلمذ علي الشيخ إلي أن توفي الشيخ (رحمه الله) فأصبح المرجع الأعلي للأمة.

الفيض الكاشاني ومبعوث إمبراطور الإفرنج

في زمان الشاه عباس الصفوي أرسل ملك الإفرنج مبعوثاً إلي السلطان حاملاً معه رسالة يقول فيها: قل لعلماء مذهبك أن يناظروا مبعوثي في أمر المذهب والدين، فإذا ألزمهم الحجة فعليكم أن تدخلوا في ديننا، وإذا كان علماؤكم قد ألزموه الحجة فسنؤمن بدينكم.

وهذا المبعوث من قبل إمبراطور الإفرنج وكان يعرف معرفة ما يكون في اليد، فيعرف أوصافه وما هو؟

فجمع السلطان العلماء وكان علي رأسهم الملا محسن الفيض الكاشاني، فقال محسن للسفير: ألم يكن لسلطانكم عالم يرسله إلينا؟

فأرسلك وأنت من العوام لتناظر علماء الأمة الإسلامية؟!

فقال الإفرنجي: إنك لا تستطيع أن تخرج من عهدتي والآن خذ شيئاً بيدك حتي أقول لك: ما هو؟

فأخذ المولي محسن سبحة من تربة سيد الشهداء (ع) بيده وقبض المولي عليها، وقال له: قل لنا: ما هذا الشيء الذي أخبئه في يدي؟

فغاص

الإفرنجي في بحر من الفكر، وكلما فكر لم يجد جواباً.

فقال له الفيض: لماذا بقيت عاجزاً عن الجواب؟

فقال له: لم أعجز عن ذلك، ولكن طبقاً لقواعدي أري في يدك قطعة من تراب الجنة، وأنا أفكر كيف وصلت بيدك.

قال الفيض (رحمه الله): صحيح ما قلته، في يدي قطعة من تراب الجنة، فإن هذه سبحة من التربة الطاهرة لابن نبينا (ص) الذي هو الإمام (عليه السلام) فبهذا ظهر أحقية ديننا ومذهبنا وبطلان مذهبكم ودينكم.

فاختار الإفرنجي بعدها الدين الإسلامي.

جواب الشيخ البهائي لسفير الروم

ذكر الشيخ أحمد أخو الشيخ البهائي (رحمه الله) قال: في يوم من الأيام دخل أخي الشيخ البهائي مجلس الشاه عباس الصفوي، فقال له الشاه عباس: أتدري ماذا يقول سفير الروم؟

وكان سفير الروم جالساً في المجلس، وكان يقول للشاه والسائرين: بأن في بلادنا علماء لهم معرفة بالعلوم الغريبة، والأعمال العجيبة التي تصدر منهم، وكذا.. وكذا يفعلون، ولكن في علمائكم يندر من يعرف هذه العلوم الغريبة.

فرأي الشيخ البهائي (رحمه الله) أن هذا الكلام قد أخذ تأثيره الكبير في نفس الشاه، حتي أصبح خاضعاً لقول السفير الأجنبي.

فقال الشيخ للشاه: إن مثل هذه العلوم في نظر أهل الكمال والعلم لا اعتبار لها، وعلماؤنا لا يعيرون اهتماماً لمثل هذه الأمور، ولا يعتبرونها جزءاً من العلم.

وبينما كان يتحدث إليه وضع عمامته علي وجه سفير الروم فتحول ذلك القماش إلي أفعي بدأت تتحرك وتدور في المجلس، فاستوحش السفير وأهل المجلس كثيراً، ثم قام الشيخ بسحب رأسها إليه، ورجعت إلي حالها الأولي، ثم قال الشيخ للشاه: إن هذه الأعمال ليست بشيء، ولا اعتبار لها عند أولي الأبصار، وأنا أخذت هذا العلم في أوائل أيام الشباب في أصفهان.

فخجل السفير من كلامه، وأخذه الإيرادات علي العلماء بهذه الأمور، وندم علي

ما صدر منه.

تدبير الملا التوني لبيان منزلة العلم والعالم

كان المولي عبد الله ابن الحاج محمد التوني البشروي الساكن بالمشهد المقدس الرضوي عالماً فاضلاً ماهراً فقيهاً زاهداً له كتاب (الوافية) في أصول الفقه، وقد كان من أروع أهل زمانه وأتقاهم.

روي أن الشاه عباس جاء لزيارة الآخوند الملا عبد الله التوني يوماً وكان الآخوند (رحمه الله) قد بني مدرسة إلا أنها كانت خالية من الطلاب ومحصلي العلوم الدينية، فأخذ السلطان يتجول في المدرسة، واستفسر من الملا عبد الله عن سبب خلو المدرسة من الطلاب؟

فأجابه الآخوند: سأرد علي سؤالكم فيما بعد. إلي أن قام الآخوند يوماً بزيارة الشاه، وبعد الترحيب بالقدوم والتجليل والاحترام، قال الشاه للآخوند: هل من أمر حتي أمتثله، فقال الآخوند: لا أطلب شيئاً، فأصر السلطان وقال: أود أن أقوم لكم بخدمة، فقال الآخوند: أما إذا كان الأمر كذلك، فلي حاجة واحدة فقط هي عندك إن كنت مستعداً لها.

قال السلطان: أي أمر كان أمتثله وأطيعه.

فقال الآخوند: أحب يوماً أن أكون راكباً وأنت تسير معي راجلاً ونتجول في المدينة.

فقال السلطان: ما الفائدة المرجوة من هذا العمل؟

قال الآخوند: ستظهر الحكمة بعد ذلك.

فقبل الشاه ذلك، وفي أحد الأيام رأي الناس الآخوند الملا عبد الله راكباً والشاه عباس أمامه راجلاً فتعجبوا من هذا المشهد، وفي تلك الأثناء طلب الآخوند من الشاه أن يودعه، ويرجع إلي بيته.

وفي يوم من الأيام تكررت الزيارة من السلطان إلي الآخوند، فرأي المدرسة مملوءة بالطلاب، فتعجب من ذلك، وسأل الآخوند عن السبب في ذلك؟

أجاب الآخوند: من ذلك اليوم الذي عرف الناس احترام سلطان الدولة لعالم ديني وكيف يترجل في طرق المدينة احتراماً للعلم، فهموا أن للعلم أهمية واعتباراً، وأصبحوا مشتاقين لتلقي العلوم الدينية، وهذه فائدة العمل الذي قمنا به ذلك اليوم.

رواية في القضاء

نقل الشيخ الجليل

القطب الراوندي عن الصدوق (رحمه الله) بسنده عن أبي حمزة الثمالي، عن الإمام الباقر (عليه السلام) ما مؤداه: (كان أحد حكام الشرع من بني إسرائيل يقضي بالحق، فلما دنت وفاته قال لزوجته: إذا أنا مت فغسليني وكفنيني وغطي وجهي وضعيني علي سريري، حتي لا يسوءك مني شيء إن شاء الله.

فلما توفي وقامت المرأة بما أوصاها، أزيل الكفن عن وجهه فرأت أن دودة قد دخلت في منخريه، ففزعت المرأة وصرخت، فلما نامت تلك الليلة رأت زوجها في المنام يقول لها: أفزعت مما رأيت؟ قالت: نعم، قال: والله، إن هذه الدودة لم تتسلط علي إلا بسبب أخيك.

فقد كان لأخيك دعوي مع أحد الأشخاص، وجيء بهما إلي للمرافعة، فقلت في نفسي: إلهي! اجعل الحق مع أخ زوجتي، فلما ذكر دعواهما كان الحق مع أخيك، ومن هذه الجهة فقد غمرني السرور والفرح، ولما كان ميلي إلي أحد الطرفين، فقد حلت العقوبة علي كما رأيت.

طعام الطغاة

ذكروا في أحوال القاضي شريك بن عبد الله النخعي: أنه كان معروفاً بالعبادة والزهد والتقوي وقد دعاه يوماً المهدي العباسي ثم قال له: لابد أن تجيبني إلي خصلة من ثلاث خصال، قال: وما هن؟ قال: إما القضاء، أو تعلم ولدي، أو تأكل عندي أكلة.

ففكر ساعة، ثم قال: الأكلة أخفها علي نفسي، فأجلسه وتقدم إلي الطباخ أن يصنع له ألواناً من المخ المعقود بالسكر الطبرزد والعسل وغير ذلك.

فعمل ذلك وقدمه إليه فأكل، فلما فرغ من الأكل، قال له الطباخ: والله، يا أمير المؤمنين ليس يفلح الشيخ بعد هذه الأكلة أبداً.

قال الفضل بن الربيع: فحادثهم شريك بعد ذلك، علّم أولادهم، وولّي القضاء عنهم.

ولقد كتب له برزقه علي الصيرفي، فضايقه في النقد، فقال له الصيرفي: إنك لم تبع

له زيتاً، فقال له شريك: بل والله، بعت أكثر من الزيت، بعت به ديني.

رأي مكة ولم ير الدجاجة

كان الشيخ عبد السلام أحد المخالفين المتظاهرين بالزهد، وكانت له شهرة واسعة، إلي درجة بلغت بمريديه وأتباعه أن يكتبوا اسمه علي الأعلام تبركاً به، فكانوا يكتبون: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، شيخ عبد السلام ولي الله!!

وفي يوم من الأيام قال هذا الشيخ علي المنبر: كل من يشتري الجنة فليأت، فازدحم الناس عليه ليشرعوا بشراء الجنة، فباع الشيخ كل الجنة، وبعد ذلك جاءه أحد الأشخاص وقال: وصلت متأخراً ولي أموال طائلة وعلي أن أشتري مكانا في الجنة، فأجابه الشيخ: لم يبق مكاناً بعد في الجنة إلا مكاني ومكان حماري، فطلب من الشيخ أن يبيع مكانه له، ويكتفي الشيخ بمكان حماره، فقبل الشيخ ذلك ورحب به!!

وفي يوم من الأيام قال الشيخ في الصلاة: جخ جخ، وبعد انتهاء الصلاة قيل له: لماذا قلت جخ جخ فأجاب: مع أني في البصرة شاهدت مكة وقد أراد كلب أن يدخل المسجد الحرام فطردته! فلما سمع الناس منه هذا الكلام ازداد تعلقهم بالشيخ.

وكان أحدهم قد نقل هذه القصة إلي زوجته وكانت موالية وكان قد رغّبها بترك مذهبها.

فقالت الزوجة: لا بأس بذلك، بشرط أن تدعو الشيخ ومريديه لتناول الغداء، حتي أختار مذهبك بحضور الشيخ، فقبل الرجل ذلك وبان عليه الفرح والسرور، فدعا الشيخ وأتباعه إلي وليمة فلما حضروا فرشت سفرة الطعام وجاءت الزوجة بمائدة ووضعت لكل واحد منهم دجاجة علي الرز، إلا الشيخ فقد وضعت دجاجته تحت الرز، فلما حضر الطعام، التفت الشيخ إلي طعام رفاقه فرأي الدجاج علي الرز، ولم ير دجاجته لأنها تحت الرز، فصاح بصاحب البيت وقال: لماذا لم تقدموا لي دجاجة كهؤلاء، لماذا

تحقروني؟

وكانت المرأة تنتظر مثل هذه الفرصة فخرجت إليه وقالت: أيها الشيخ!

أنت في البصرة وقد شاهدت مكة مع بعد المسافة وطول الطريق، فَلِمَ لم تر الدجاجة تحت الرز، مع قرب المسافة.

فغضب الشيخ وقال: هذه رافضية خبيثة!!

وخرج من المجلس، فاختار الزوج مذهب زوجته.

حكمة البهلول

دخل بهلول ذات يوم علي هارون وهو يتنزه في بعض عماراته الجديدة، فسأله أن يكتب شيئاً عليها، فأخذ بهلول فحمة وكتب بها علي بعض الجدران: رفعت الطين ووضعت الدين، رفعت الجص ووضعت النص، فإن كان من مالك فقد أسرفت، والله لا يحب المسرفين، وإن كان من مال غيرك فقد ظلمت، والله لا يحب الظالمين.

سره في أضعف خلقه

ينقل أن الخواجة نصيرالدين الطوسي قد حل ضيفاً علي طحان في الصحراء، فقال الخواجة: ضع فراش النوم في الخارج علي السطح.

فقال الطحان: هواء الليلة ينذر بالمطر، ومن غير المناسب أن تنام في الخارج.

واسترجع قواعده الفلكية فلم يجد علائم تشير إلي سقوط المطر، فلم يلتفت إلي كلام الطحان وأمره أن يأخذ فراش نومه ويضعه علي السطح، ثم ذهب إلي السطح فنام، وحدث أنه بعد ساعة أمطرت السماء، فلما تبلل الخواجة اضطر أن يغير مكانه ويتحول ويلجأ إلي الداخل، وفهم من ذلك أن علمه وحسابه كان علي خطأ، وأن ما قاله الطحان هو الصواب، ولشدة تعجبه سأل الخواجة الطحان: من أين لك هذا العلم بأن المطر سيسقط هذه الليلة، مع أنه ليس هناك من علامة تشير إلي ذلك؟

فقال الطحان: عندي كلب فكلما أراه في أول الليل يدخل إلي مكان الطحن وينام فيه علمت منه أن المطر سيهطل الليلة، وبما أني رأيته هذه الليلة عند الغروب قد دخل مكان الطحن، علمت أن المطر سينزل.

فسبحان من علم الحيوان ما لم يعلمه الإنسان.

طريقة صحيحة لأحد العلماء في إعانة محتاج

روي أحد الأشخاص الموثقين من علماء النجف الأشرف قال: رأيت في النجف الأشرف السيد علي القاضي الطباطبائي يشتري الخس ولكن عكس ما شاهدته لدي المشترين من انتقاء الخس الجيد، كان ينتقي غير المرغوب فيه ثم سلم حسابه لبائع الخس وتحرك من عنده، فاتبعته وقلت له: ما بالك لم تنتقي الخس الجيد؟

فأجاب: بأن بائع هذا الخس رجل فقير وأحببت أن أساعده، وأردت أن لا تكون مساعدتي بشكل مجاني، حتي يمكن الحفاظ علي شخصيته وماء وجهه من جهة، ومن جهة أخري لا يتعود علي أخذ المبلغ مجاناً، فهذا الخس الذي أخذته لم يكن أحد ليشتريه.

دراية مؤمن آل فرعون

شكي بعض الشياطين (حزبيل) مؤمن آل فرعون إلي فرعون، وقالوا في سعايتهم: إن حزبيل لم يتخذك إلهاً، وهو يؤمن بإله غيرك.

فأمر فرعون بإحضار حزبيل، وأراد أن ينتقم منه، ولما كان حزبيل رجلاً عاقلاً أراد أن ينجي نفسه من هذه المهلكة، فوصل فكره إلي أن يتخذ تدبيراً، فقال: أيها الملك! هل سمعت مني كذباً حتي الآن؟

فقال فرعون: لم أسمع ذلك.

فقال: أطلب منكم أن تأمروا بإحضار هؤلاء الذين اتهموني وسعوا بالوشاية بي.

وعندما حضر هؤلاء الأشخاص، سألهم حزبيل: من ربكم وخالقكم ورازقكم؟

فقالوا كلهم: ربنا ورازقنا فرعون.

فقال حزبيل: أيها الملك! أشهدك بأن ربي وخالقي ورازقي هو رب وخالق ورازق هذه الجماعة ومقصوده الرب الواقعي

لهؤلاء فلما سمع فرعون هذا الكلام من حزبيل خلي سبيله، وعاقب الجماعة بأشد العقوبات حتي هلكوا.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.