اغتنام الفرص

اشارة

المؤلف:

المرجع الديني الراحل

الإمام السيد محمد الحسيني الشيرازي

أعلي الله درجاته

الناشر:

مؤسسة المجتبي للتحقيق والنشر

كربلاء المقدسة

الطبعة الأولي 1427ه

كلمة الناشر

بسم الله الرحمن الرحيم

إن الظروف العصيبة التي تمر بالعالم.. والمشكلات الكبيرة التي تعيشها الأمة الإسلامية.. والمعاناة السياسية والاجتماعية التي تقاسيها بمضض.. وفوق ذلك كله، الأزمات الروحية والأخلاقية التي يئنّ من وطأتها العالم أجمع.. والحاجة الماسة إلي نشر وبيان مفاهيم الإسلام ومبادئه الإنسانية العميقة التي تلازم الإنسان في كل شؤونه وجزئيات حياته وتتدخل مباشرةً في حلّ جميع أزماته ومشاكله في الحرية والأمن والسلام وفي كل جوانب الحياة.. والتعطش الشديد إلي إعادة الروح الإسلامية الأصيلة، وبلورة الثقافة الدينية الحيّة، وبثّ الوعي الفكري والسياسي في أبناء الإسلام كي يتمكنوا من رسم خريطة المستقبل المشرق.. كل ذلك دفع المؤسسة لأن تقوم بنشر مجموعة من المحاضرات التوجيهية القيمة التي ألقاها المرجع الديني الإمام الراحل السيد محمد الحسيني الشيرازي (أعلي الله مقامه) في ظروف وأزمنة مختلفة، حول مختلف شؤون الحياة الفردية والاجتماعية، وقد قام سماحته رحمة الله عليه بتهذيبها والإضافة عليها، فقمنا بطباعتها مساهمةً منا في نشر الوعي الإسلامي، وسدّاً لبعض الفراغ العقائدي والأخلاقي لأبناء المسلمين من أجل غدٍ أفضل ومستقبل مجيد.. وذلك انطلاقاً من الوحي الإلهي القائل:

لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (). الذي هو أصل عقلائي عام يرشدنا إلي وجوب التفقه في الدين وإنذار الأمة، ووجوب رجوع الجاهل إلي العالم في معرفة أحكامه في مواقفه وشؤونه.. كما هو تطبيق عملي وسلوكي للآية الكريمة:

فَبَشِّرْ عِبَادِ ? الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُوا الأَلْبَابِ ().

إن مؤلفات الإمام الشيرازي (أعلي الله مقامه) تتسم ب:

أولاً: التنوّع والشمولية لأهم أبعاد الإنسان والحياة لكونها انعكاساً لشمولية الإسلام.. فقد أفاض قلمه

المبارك الكتب والموسوعات الضخمة في شتي علوم الإسلام المختلفة، بدءً من موسوعة (الفقه) التي بلغت المائة والستين مجلداً، حيث تُعدّ أكبر موسوعة علمية استدلالية فقهية في العالم الإسلامي، مروراً بعلوم الحديث والتفسير والكلام والأصول والسياسة والاقتصاد والاجتماع والحقوق وسائر العلوم الحديثة الأخري.. وانتهاءً بالكتب المتوسطة والصغيرة التي تتناول مختلف المواضيع والتي تتجاوز بمجموعها ال (1300) كتاب وكراس.

ثانياً: الأصالة حيث إنها تتمحور حول القرآن الكريم والسنة المطهرة وتستلهم منهما الرؤي والأفكار.

ثالثاً: المعالجة الجذرية والعملية المستبصرة بمشاكل الأمة الإسلامية ومشاكل العالم المعاصر. رابعاً: التحدث بلغة علمية رصينة في كتاباته لذوي الاختصاص ك(الأصول) و(القانون) و(البيع) وغيرها، وبلغة واضحة سهلة يفهمها الجميع في كتاباته الجماهيرية، مدعومة بشواهد من واقع الحياة.

نرجو من المولي العلي القدير أن يتقبل منا ذلك، إنه سميع مجيب.

مؤسسة المجتبي للتحقيق والنشر

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام علي نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين، واللعنة الدائمة علي أعدائهم أجمعين إلي قيام يوم الدين.

الزمن وعمر الإنسان

قال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: إن الفرص تمر مرّ السحاب، فانتهزوها إذا أمكنت في أبواب الخير، وإلاّ عادت ندماً ().

إن الإنسان في هذه الدنيا مرهون بساعات عمره من جهة، ومرهون بالزمن المحيط به من جهة أخري، فلكل منهما قيمة لاتقدر بشيء؛ لأن الإنسان إنما يقيّم بعمله.

فالله عزوجل يحاسب الإنسان من منظار العمل، كما أن المجتمع يقّدر الإنسان ويقيمّه من خلال عمله أيضاً. إذاً: فالعمل هو الجهة المهمة في الإنسان، وعلي أساسها يكون للإنسان الاعتبار، ولكن هذا العمل مرهون بأمرين: هما: العمر، والزمن.

ولا يخفي أن العمر يتكون من مجموعة ساعات متلاحقة، فإذا استطاع الإنسان أن يستثمر عمره هذا وساعاته تلك بعمل الخير، فإنه يكون قد ضمن مصيراً سعيداً لنفسه، يقول الإمام أمير

المؤمنين عليه السلام: إن عمرك عدد أنفاسك وعليها رقيب تُحصيها ().

فلا يحسب المرء أن لحظات عمره إنما تذهب اعتباطاً وبدون حساب، بل إنها تُسجل عليه، ويسجل كل ما يعمل فيها من عمل، خير أو شر، فهي محسوبة عليه وهو محاسب عليها بالنهاية، ولذا ينبغي له اغتنامها لحظة لحظة وجزءً جزءً، ولا يحسب أن عمره سيطول، فيؤجل عمله إلي الغد وبعد الغد، فإن: العمر تفنيه اللحظات ().

إن تقدم العمر بالإنسان عبارة عن قرب نهاية وجوده علي هذه البسيطة، وخاتمة عمره في هذه الدنيا، والدنيا كما في الحديث الشريف (مزرعة الآخرة)، فلا بدّ للعاقل من استغلالها للآخرة، وعليه: فالساعات التي يضيّعها الإنسان هنا وهناك، بلا استثمار ولا استغلال، فإنه إنما يضيع بها جزءً من وجوده، ويخسر عبرها مقداراً من أيام عمره.

يقول الإمام أمير المؤمنين (عليه أفضل الصلاة والسلام): الساعات تنهب الأعمار (). وقال عليه السلام في خطبة له: أيها الناس، إنه من مشي علي وجه الأرض فإنه يصير إلي بطنها، والليل والنهار يتنازعان في هدم الأعمار ().

وقال عليه السلام أيضاً: واعلموا، أن الأمل يسهي العقل وينسي الذكر، فأكذبوا الأمل، فإنه غرور وصاحبه مغرور ().

وقال عليه السلام: فالله الله معشر العباد، وأنتم سالمون، في الصحة قبل السقم، وفي الفسحة قبل الضيق، فاسعوا في فكاك رقابكم من قبل أن تغلق رهائنها ().

وقال عليه السلام: إنكم إن رغبتم في الدنيا أفنيتم أعماركم في ما لاتبقون له، ولا يبقي لكم ().

وقال عليه السلام: إن أوقاتك أجزاء عمرك، فلا تنفد لك وقتا إلا فيما ينجيك ().

استثمار العمر

لكي يحافظ الإنسان علي فرصة عمره يلزم عليه أن يستثمر ساعات العمر، ولحظات الزمن بالعمل الصالح؛ إذ بواسطته سوف يطول عمر الإنسان؛ لأن بركة العمر في

حسن العمل () أو كما جاءت الأخبار متظافرة، في أن الصدقة وصلة الرحم تزيدان في العمر. فعن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام قال: صلة الأرحام تثمر الأموال وتنسيء في الآجال ().

وقال عليه السلام: بالصدقة تفسح الآجال ().

وقال الإمام الباقر عليه السلام: صلة الأرحام تزكي الأعمال وتنمي الأموال، وتدفع البلوي، وتيسر الحساب، وتنسئ في

الأجل ().

وعن الإمام الصادق عليه السلام قال: من يموت بالذنوب أكثر ممن يموت بالآجال، ومن يعيش بالإحسان أكثر ممن يعيش

بالأعمار ().

وقال الإمام الرضا عليه السلام: يكون الرجل يصل رحمه فيكون قد بقي من عمره ثلاث سنين فيصيرها الله ثلاثين سنة، ويفعل الله ما يشاء ().

ولا يخفي أن الصدقة وصلة الرحم، كلاهما من العمل الصالح والبِرّ والخير الذي دعت الشريعة إليها وشجعت عليها.

ومن جهة ثانية: فإن الإنسان عندما يؤدي العمل الصالح ويأتي بفعل الخير، فإنه يشعر بالراحة النفسية؛ لأنه يري أن فعله هذا صدر في محله، وأنه قد استفاد من الزمن استفادة تامة، وأنه سوف لا يتحسر يوم القيامة علي هذه اللحظات والساعات.. علي العكس من الذي ضيع ساعات عمره في اللهو واللعب، فإنه يندم علي كل لحظة لم يستثمرها في فعل الخير، ويتعقب ذلك الندم حسرة نفسية وكآبة روحية.

ومن جهة ثالثة: فإن الذي يقدّر الزمن ويعمد إلي صالح الأعمال، إنما يزيد لروحه ومعنويته معنوية وكمالاً مضاعفاً، ومضافاً إلي طول عمره عندما يأتيه الموت تراه فرحاً مستبشراً؛ لأنه يشعر أنه غير مقصر في أمره، فلا يندم ولا يتحسر كما يتحسر من ضيع عمره، فبهذا الاهتمام والاغتنام وبفضل الله تعالي يضمن نجاته من أليم العذاب.

بعكس الذي لا يعرف قدر الزمن وثمن الساعات، فتمر عليه السنين والأعوام وهو في غفلة من أمره، فتراه يراوح في مكانه

دون أن يتقدم، ودون أن يضفي علي نفسه كمالاً، فهذا مضافاً إلي تأخره وتقهقره في حياته، واضطرابه وخوفه عند موته، يحصد يوم القيامة حسرة وندامة، نتيجة جهله بالزمن وتغافله عن قيمة العمر والحياة.

وعليه: فالزمن مجموعة ساعات تتخللها فرص ثمينة للإنسان، فالذكي من اغتنمها وعمل فيها فربحها، والشقي من غفل عنها ولم يعمل فيها فخسرها.. فإنها لن تعود أبداً.

الفُرَص وطول الأمل

الفُرَص هي عبارة عن أوقات زمانية رائعة، لما تحمل في طيّاتها من خير للإنسان، ولكن علي الإنسان أولاً: أن يدرك أن هذه اللحظات هي الفرصة التي لا تعود.

ويعرف ثانياً: كيف يستغلّها ويستفيد منها فائدة عقلائية، فالبعض من الناس عندما تتهيأ له الأسباب الجيدة، أو مقدمات النجاح، تراه يعرض عن استثمارها، بل أحياناً تأتي الفرصة جاهزة فيأتيه الخير كله، وما يبقي عليه إلا أن يمد يده نحوه ليأخذه، ومع ذلك يتواني ويفرّط ويترك الأمر، استجابة لطول الأمل، واتباعاً للهوي، واتكالاً علي أن في العمر فسحة، وفي الأجل مدة!، وأن عمره طويل!، واعتقاداً بأنه إذا ذهبت هذه الفرصة فسوف تأتي فرصة أخري بدلها، وهكذا يدع الفرص تمرّ من بين يديه مر السحاب، وهو ينظر إليها غير معتنٍ بها ولا مغتنم لها؛ والسبب في هذا التغافل هو انعدام الهدف في الحياة، ونسيان عالم الآخرة، والركون إلي الدنيا، والتعلق بها والانهماك فيها، ولكنه بعد مرور الزمن سوف يتحسر علي خسران تلك الفرص، ويندم علي إضاعة العمر وإتلاف الوقت، دون أن يستغله في خيره وكماله..

يقول أمير المؤمنين عليه السلام: قصّر الأمل، فإن العمر قصير، وافعل الخير فإن يسيره كثير ().

وقال عليه السلام أيضاً: الفرص خلس، الفوت غصص ().

فعلي الإنسان العاقل والذكي أن يستغل أوقاته بشكل تام وصحيح، وأن يستقبل الفرص ويتقدم هو

نحوها، لا أن ينتظر قدومها هي نحوه..

يقول الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: رحم الله امرأ اغتنم المهل وبادر العمل.. ().

أما الإتكال علي طول الأمل، ومجّرد الأماني، والاغترار بالوساوس الشيطانية، والأفكار الواهية، وإقناع المرء نفسه بأنه طويل العمر، وأن عمل اليوم سوف يقوم به غداً، وما إلي ذلك، فهذا كله عبارة عن الإسراف والتبذير للعمر الغالي، والتسويف والتضييع للوقت الثمين، وهي ليست من علامات الإنسان الناجح، بل وليست من علامات الإنسان العاقل والمؤمن أيضاً.

يقول الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: شيمة الأتقياء اغتنام المهلة والتزود للرحلة ().

ولا يخفي أن الفرص التي تتهيأ اليوم لعلها بل غالباً لا تتهيأ غداً، ولن تتوفّر أبداً، فيظل الإنسان يتجرع غصص الندم والحسرة. يقول الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: من وجد مورداً عذباً يرتوي منه فلم يغتنمه، يوشك أن يظمأ ويطلبه فلا يجده ().

ثم إن هناك أخباراً كثيرة تذم طول الأمل، وتعتبره من لوازم حب الدنيا المهلك للإنسان، وإنه أحد أسبابه. فقد قال رسول الله صلي الله عليه و اله: يا أبا ذر، إياك والتسويف بأملك، فإنك بيومك، ولست بما بعده، فإن يكن غده لك تكن في الغد كما كنت في اليوم، وإن لم يكن غده لك لم تندم علي ما فرطت في اليوم. يا أبا ذر، لو نظرت إلي الأجل ومسيره لأبغضت الأمل وغروره، يا أبا ذر، إذا أصبحت فلا تحدث نفسك بالمساء، وإذا أمسيت فلا تحدث نفسك بالصباح ().

وقال أمير المؤمنين عليه السلام: أيها الناس، إن أخوف ما أخاف عليكم اثنان: اتباع الهوي، وطول الأمل، فأما اتباع الهوي فيصد عن الحق، وأما طول الأمل فينسي الآخرة ().

وقال عليه السلام أيضاً: من أطال الأمل أساء العمل ().

وقال عليه السلام أيضاً: إياك

وطول الأمل، فكم من مغرور افتتن بطول أمله، وأفسد عمله، وقطع أجله، فلا أمله أدرك، ولا ما فاته استدرك ().

ثم إن الجهل هو السبب الآخر لطول الأمل، ويمكن معالجته ودفعه بالعلم والفكر الصافي، كما ويمكن معالجة ودفع الأول، أي: حب الدنيا، بالتوجه إلي الله عز وجل.

وبالجملة: فاللازم علي الإنسان أن يقصر أمله في هذه الحياة، وأن يري الآخرة علي مقربة منه، وأنه صائر عن قريب إليها، ومنقطع عن تدارك ما فاته فيها.

مع أسامة بن زيد

ورد في التاريخ أن أسامة بن زيد() اشتري وليدة بمائة دينار إلي شهر، فسمع رسول الله صلي الله عليه و اله، فقال: «ألا تعجبون من أسامة المشتري إلي شهر؛ إن أسامة لطويل الأمل، والذي نفسي بيده، ما طرفت عيناي إلا ظننت أن شفريّ لا يلتقيان حتي يقبض الله روحي، ولا رفعت طرفي وظننت أني خافضه حتي أقبض،

ولا لقمت لقمة إلا ظننت أني لا أسيغها لحصرتها من الموت، ثم قال: يا بني آدم، إن كنتم تعقلون، فعدّوا أنفسكم من

الموتي، والذي نفسي بيده، إِنَّ ما تُوعَدُونَ لآتٍ وَما أَنْتُمْ

بِمُعْجِزِينَ () ().

وكان رسول الله صلي الله عليه و اله يقول في دعائه: اللهم، إني أعوذ بك من دنيا تمنع خير الآخرة، ومن حياة تمنع خير الممات، وأعوذ بك من أمل يمنع خير العمل ().

وقال الأصمعي(): حدثني من أثق به قال: غزونا البحر سنة، فمالت بنا السفينة إلي جزيرة، فإذا قصر شاهق، وللقصر بابان وإلي جنبه قبر، وبين القبر والقصر فسيل() لم أر فسيلاً أحسن منه، وعلي القبر مكتوب:

يؤمّل دنيا لتبقي له

فمات المؤمل قبل الأمل

وبات يروي أصول الفسيل

فعاش الفسيل ومات الرجل

وعلي وجه القصر مكتوب:

وفتي كأن جبينه بدر الدجي

قامت عليه نوائح وروامس()

غرس الفسيل مؤملاً لبقائه

فبقي الفسيل ومات عنه

الغارس()

اغتنام الفرص دليل الحزم

قال رسول الله صلي الله عليه و اله: يا أبا ذر، اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك ().

وقال أمير المؤمنين عليه السلام: اغتنم المهل، وبادر الأجل، و تزود من العمل ().

وقال الغلابي: سألت الإمام الهادي عليه السلام عن الحزم؟ فقال عليه السلام: هو أن تنهز فرصتك، وتعاجل ما أمكنك ().

لما كان طول الأمل أحد الدواعي الرئيسية لتفويت الفرص، كان التفريط هو السبب الثاني لذلك. ولكن تارة يكون التفريط فرعاً عن طول الأمل، أي: بسبب طول الأمل ينتج التفريط، وتارة أخري ينتج بسبب الجهل، فالجاهل قدر الفرصة تمر الفرص من بين يديه وهو غير ملتفت إليها أبداً.

وعكس التفريط في الأمر هو الحزم في الأمور، وعدم تركها للظروف الإستثنائية، لأن ترك الأمر يؤدي إلي هدم حزم الإنسان وانهياره في داخله، يقول الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: ضادوا التفريط بالحزم ().

وحيث إن التفريط موجب لتفويت الفرصة وخسرانها، نري أهل البيت عليهم السلام يؤكدّون علي الحزم والجزم في الأمور، وينهون عن التهاون والتفريط في الأعمال، ويحثّون علي قصر الأمل وعدم التعويل علي الأماني، لكي يكون الإنسان غانماً في حياته..

فهذا الإمام الحسن عليه السلام وهو في آخر لحظاته، وكان يقذف كبده الشريف قطعة قطعة!، كان في تلك اللحظات يَعِظْ (جنادة)، فقد روي عن جنادة بن أبي أمية() قال:

دخلت علي الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام في مرضه الذي توفي فيه، وبين يديه طست يقذف عليه الدم، ويخرج كبده قطعة قطعة من السم الذي أسقاه معاوية، فقلت: يا مولاي،

ما لك لا تعالج نفسك؟

فقال عليه السلام: يا عبد الله، بماذا أعالج الموت؟!.

قلت: إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ

رَاجِعونََ ().

ثم التفت عليه السلام إليّ فقال: والله، لقد عهد إلينا رسول الله صلي الله عليه و اله أن هذا الأمر يملكه اثنا عشر إماما من ولد علي وفاطمة، ما منا إلا مسموم أو مقتول.

ثم رفعت الطست، وبكي صلوات الله عليه وآله، قال: فقلت له: عظني يا ابن رسول الله.

قال: نعم، استعد لسفرك، وحصل زادك قبل حلول أجلك. واعلم، أنك تطلب الدنيا والموت يطلبك. ولا تحمل همّ يومك الذي لم يأت علي يومك الذي أنت فيه. واعلم، أنك لا تكسب من المال شيئا فوق قوتك إلا كنت فيه خازنا لغيرك. واعلم، أن في حلالها حساب، وفي حرامها عقاب، وفي الشبهات عتاب. فأنزل الدنيا بمنزلة الميتة خذ منها ما يكفيك، فإن كان ذلك حلالا كنت قد زهدت فيها، وإن كان حراما لم يكن فيه وزر، فأخذت كما أخذت من الميتة، وإن كان العتاب فإن العتاب يسير. وأعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا، وأعمل لآخرتك كأنك تموت غدا. وإذا أردت عزا بلا عشيرة، وهيبة بلا سلطان، فاخرج من ذل معصية الله إلي عز طاعة الله عز وجل..الحديث ().

وهكذا كان الإمام الحسن عليه السلام فإنه قد اقتدي بجدّه رسول الله صلي الله عليه و اله، حيث إن الرسول الكريم صلي الله عليه و اله وهو في آخر لحظة من لحظات حياته الشريفة يحاول أن يستغل تلك الثواني ويستخدمها من أجل نفع الأمة، قائلاً: أئتوني بدواة وكتف، اكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده أبداً () فكان صلي الله عليه و اله حريصاً علي سعادة الأمة بعده، وحريصاً علي بقاء السير الواعي فيها، لكيلا تنقلب علي عقبها..

فالرسول الكريم صلي الله عليه و اله وأهل بيته المعصومون عليهم السلام كانوا قد وظفوا

كل أعمارهم حتي آخر لحظات حياتهم من أجل تقديم الهداية والسعادة للبشرية.

مع مؤلف مستدرك البحار

كنت وقبل خمسين عاماً تقريباً برفقة والدي المرحوم السيد ميرزا مهدي الشيرازي رحمة الله عليه() في زيارة للمرحوم السيد حسين القمي رحمة الله عليه () في سامراء، وكان الجوّ حاراً للغاية، فلما فرغ السيد القمي رحمة الله عليه من صلاة العشائين وتناول قليلاً من الطعام، ذهب مع أصحابه العلماء إلي منطقة الشطيّة () وقضي ليلته هناك، وكان من جملة أصحابه الذين رافقوه: المرحوم الميرزا محمد الطهراني() ذلك العالم الفقيه، المتقي الخدوم، الذي كان لايعرف الكلل والملل، وكان منشدّاً ومنكباً علي تأليف كتابه: مستدرك البحار. وكان طوال تلك الليلة لا يفتر من الكتابة، وقضي أكثرها بالتأليف والتحقيق، وكان لا تصدّه الموانع، ولاتعيقه المشاكل والصعوبات، وكان يستضيء للكتابة بمصباح ذي بطّارية، حيث كان يأخذ المصباح بيد ويكتب باليد الأخري، فاستغل وقت الراحة هذا بالتأليف والكتابة والبحث، فأفاد واستفاد رحمة الله عليه.

مع المحدث القمي رحمة الله عليه

ومما يذكر في هذا المجال أيضاً: إن إحدي الشخصيات المعروفة في النجف الأشرف، سافر ذات مرة إلي لبنان برفقة جماعة لأجل الاستجمام، فعمد إلي الشيخ عباس القمي رحمة الله عليه() مؤلف كتاب

مفاتيح الجنان وأخذه معه.

يقول ذلك الشخص: فلما وصلنا إلي لبنان واستقر بنا المقام، انكب الشيخ عباس القمي رحمة الله عليهعلي التأليف والكتابة ولزم غرفته، ولم يخرج منها إلا للأمور الضرورية اللازمة، وكلما أصررنا عليه حتي نأخذه معنا للمنتزهات البهيجة والمصايف الجميلة، لكي يرفه عن نفسه ويبتهج بمناظرها ومباهجها، وطراوة أشجارها وصفاء هوائها، لكنه لم يقبل ولم يستجب لنا، بل اغتنم الفرصة بجزم وحزم، وبقي مشتغلاً بالتأليف والتصنيف، وألفّ في ذلك المكان عدة مؤلفات، فللّه درّه وعليه أجره رحمة الله عليه.

الكتب بساتين العلماء

وكان والدنا السيد الميرزا مهدي رحمة الله عليه من هذا الركب، فقد كان يؤثر البقاء في كربلاء المقدسة، ولم يكن يخرج منها للتنّزه والاستجمام في بساتينها ومزارعها، بين أشجارها وسنابلها، وأنهارها وعيونها، علماً بأن كربلاء المقدسة كانت تمتاز بكثرة بساتينها الوارفة ومياهها الغزيرة، وأشجارها ونخيلها، وكانت البساتين قريبة علي كربلاء، هذا علي الرغم من أن كثيراً من أصحابه ومقلديه كانوا يطلبون منه ذلك، ويصرّون عليه في الخروج إليهم، لكنه رحمة الله عليه لم يخرج ولا مرّة، وذلك ليغتنم فرصة العمر ولايفوّت علي نفسه لحظة من لحظاته قدر الإمكان، فإنه لو فات شيء منها لم يمكن استردادها ولا تداركها، لذلك كانوا كلما أشاروا عليه بالتنّزه وقالوا بأن النزهة ضرورية لمثل سماحتكم وهكذا الاستراحة والترفيه، كان يذكر الحديث الوارد عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: الكتب بساتين العلماء ().

قال رسول الله صلي الله عليه و اله: أدلكم علي الخلفاء من أمتي، ومن أصحابي، ومن الأنبياء قبلي؛

هم: حملة القرآن والأحاديث عني وعنهم في الله ولله عزوجل، ومن خرج يوماً في طلب العلم فله أجر سبعين نبياً ().

نماذج أخري

هذا ولا يخفي: أن التنزه مع رعاية الشروط الشرعية شيء جائز، وربما كان ممدوحا وجميلا، فهناك روايات تدعو إليه وتمدحه، وليس قصدنا هنا ذم التنزه والتحامل عليه، وإنما نريد أن نقول: إن بعض الناس حريصون علي وقتهم، شحيحون علي عمرهم، بحيث يعتبرون التنزّه مضيعة للوقت، والاستجمام متلفة للعمر؛ ولذلك تراهم دائماً يرّجحون الأعمال والانجازات التي كانت تحت أيديهم علي الاستجمام والتنزه ويقدّمون للمجتمع منجزات كبيرة ومعطيات عظيمة.. وعلي الإنسان المؤمن أن يتعلم منهم ومن قدوتهم وأسوتهم الرسول الكريم صلي الله عليه و اله وأهل بيته الطاهرين عليهم السلام ذلك.

فقد روي عن عبد الأعلي مولي آل سامٍ قال: استقبلت

أبا عبد الله الإمام الصادق عليه السلام في بعض طرق المدينة في يومٍ صائفٍ شديد الحر، فقلت: جعلت فداك، حالك عند الله عزوجل وقرابتك من رسول الله صلي الله عليه و اله، وأنت تجهد لنفسك في مثل هذا اليوم؟!

فقال: يا عبد الأعلي، خرجت في طلب الرزق لأستغني عن مثلك ().

وعن الإمام أبي جعفر الباقر عليه السلام قال: لقي رجل أمير المؤمنين عليه السلام وتحته وسق من نوي، فقال له: ما هذا يا أبا الحسن تحتك؟ فقال: مائة ألف عذقٍ، إن شاء الله، قال: فغرسه، فلم يغادر منه نواة واحدة ().

وفي رواية أخري عن الإمام أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال:

إن أمير المؤمنين عليه السلام كان يخرج ومعه أحمال النوي، فيقال له: يا أبا الحسن، ما هذا معك؟ فيقول: نخلٌ، إن شاء الله، فيغرسه فلم يغادر منه واحدة ().

وعن أبي عمرٍو الشيباني قال: رأيت أبا عبد الله

عليه السلام وبيده مسحاة وعليه إزار غليظ يعمل في حائط له، والعرق يتصاب عن ظهره، فقلت: جعلت فداك، أعطني أكفك؟ فقال لي: إني أحب أن يتأذي الرجل بحر الشمس في طلب المعيشة ().

نعم، هكذا كانوا (صلوات الله عليهم أجمعين)، وكذلك يلزم أن يكون شيعتهم.

مع مؤلف اللمعة الدمشقية

يُذكر أن الشهيد الأول رحمة الله عليه () استطاع أن يكتب كتابه:

اللمعة الدمشقية في مدة لا تتجاوز السبعة أيام، ولم يحضره من المراجع الفقهية غير كتاب: المختصر النافع للمحقق الحلي()، علما بأن الشهيد رحمة الله عليه كان لا يخلو بيته من أبناء العامة، ورجال السياسة الذين كانوا يضيّقون عليه، ولكنه عندما بدأ بكتابة اللمعة الدمشقية لم يدخل بيته ولم يمر به أحد منهم لمدة سبعة أيام!

وما زال هذا الكتاب المبارك يستفيد منه عشرات الآلاف من طلاب العلوم الدينية، والذين بدورهم ينشرونه علي الملايين من البشر، عن طريق المنبر، والمحراب، والوكلاء، وكذلك المجتهدون مباشرة.

الشهيد الأول وكيفية شهادته

ولبيان همة هذا العالم الكبير الشهيد الأول وشدة معاناته، لابأس بذكر قصة استشهاده، فقد ذكر أن شخصاً يدعي محمد اليالوشي أسس في جبل عامل حزباً منحرفاً، استطاع أن يغوي به بعض عوام الناس ويخدعهم، ويثير بينهم النعرات الطائفية وفتنة داخلية، راح ضحيتها الكثير من الناس، ذلك بسبب حدوث الاضطرابات والمشاحنات في بعض بلاد الشام.

غير أن الشهيد الأول رحمة الله عليه تصدي له، وأقنع الحكومة المركزية آنذاك بضرورة مواجهته وإخماده، فتحركت قطعات من الجيش لقمع الفتنة واستئصالها، فقتل محمد اليالوشي وبعض جماعته وأسر آخرون، واندحرت فلوله، لكن البعض استطاع الفرار إلي مناطق أخري.

وكان من نتيجة ذلك أن جمع (قرن الشيطان) فلول تلك الحركة الضالة تحت قيادة (تقي الدين الجبلي) في الجنوب اللبناني، ثم توسعت الحركة في عهد (يوسف بن يحيي) الذي خلَّف (الجبلي) في قيادة الحركة، وقد تمكن بعض أفراده من الاندساس في القوة القضائية في مدينتي بيروت وحلب، وكان شغلهم الشاغل الانتقام من الشهيد الأول (رضوان الله تعالي عليه).

وهكذا استغلوا نفوذهم في القوة القضائية، وتقربوا من حاكم دمشق (بيدمر) وهو صاحب السلطة

المطلقة آنذاك، ودبّجوا التقارير، وحاكوا المؤامرات للكيد بالشهيد الأول رحمة الله عليه.

وآخر تلك المؤامرات، كان افتعال رسالة مزورة تطفح بالارتداد ومخالفة الشرع الإسلامي، دبّجها يوسف بن يحيي المذكور ونسبها إلي الشهيد، وأشهد عليها من جماعته سبعين رجلاً، وادّعوا أن الشهيد رحمة الله عليه قد ارتد عن دين الإسلام!.

ورفعوا المذكرة إلي قاضي صيدا، وهو أحد أعضاء حركتهم، ثم رفعها هو بدوره إلي القاضي عبّاد بن جماعة الشافعي، قاضي قضاة الشام في دمشق، وهو المنصب الثاني في البلاد، ولم يكن حقد هذا الأخير وحسده للشهيد بأقل من سابقيه، وطالما كان يتحيّن للشهيد فرصة كهذه ليزيحه من طريقه، خصوصاً وإن الشهيد كان قد سلب الأنظار عن ابن جماعة وأشباهه، وذلك لما اشتهر به من علم وتواضع، بحيث كان قاضياً محبوباً من جميع الأطراف والمذاهب، يقضي لكلّ علي مذهبه، ويسعي دائماً من أجل لمّ الشمل ووحدة الصف.. ففف

اعتقال الشيخ الشهيد

عند ذلك أصدر (ابن جماعة) أمراً باعتقال الشهيد رحمة الله عليه، وشكل محكمة صورية تحت إشراف برهان الدين المالكي، للنظر في تهمة الارتداد، واجتمع الملك بيدمر والأمراء والقضاة والشيوخ، وأُحضر الشهيد العاملي، وقرؤوا عليه المحضر. فأنكر الشهيد جميع التهم والافتراءات التي وجهت ضده.

فقيل له: قد ثبت ذلك عليك شرعاً، وإنّ القاضي قد حكم بارتدادك.

فرد الشهيد قائلاً: الحكم الغيابي الذي صدر بحقي باطل استناداً إلي قاعدة: إن الغائب علي حجته، فإن أتي بما يناقض الحكم جاز نقضه، وإلا فلا، وها أنا أبطل شهادات من شهد بالجرح ولي علي كل واحد حجة بينة وهو كلام معقول، إلا أن ذلك لم يسمع منه.

فقال القاضي برهان الدين، الذي يحكم وفق المذهب المالكي: إن الشهود قد أدلوا بشهاداتهم، وردّك للتهمة لا ينفي الحكم.

قال الشهيد: إنني علي

استعداد ان أبطل شهادات الشهود، بعد أن أثبت جرحهم.

قال القاضي: إن حكم القاضي غير قابل للفسخ.

فلمّا علم الشهيد إصرار القاضي علي الباطل، توجه إلي القاضي عباد بن جماعة بالقول: أتزعم أنك إمام لمذهب الشافعي، فاقض لي حسب موازين مذهبك.

لكن ابن جماعة الشافعي قطع مقولة الشهيد وقال: إن المرتد حسب المذهب الشافعي يسجن سنة واحدة، ويفرج عنه إذا تاب، وإنك قد أنهيت مدة السجن، وما عليك إلا أن تستغفر ربك، وتتوب لكي يطلق سراحك.

لكن مكرهم وحيلتهم لم تكن لتنطلي علي رجل مثل الشهيد؛ ذلك لأنه لو نفذ طلبهم لاحتجوا بذلك لقتله؛ بذريعة أنه اعترف بالارتداد، فضلاً عن سقوطه اجتماعياً أمام الرأي العام، الذي سرعان ما تنطلي عليه أحابيل الإعلام ودعايته، ثم كيف يتوب من ذنب هو لم يرتكبه؟!

عندئذ توجّه ابن جماعة الشافعي إلي برهان الدين، وأوعز له بالقضاء علي ضوء المذهب المالكي، فأصدر القاضي حكم الإعدام بحقه.

إن كنت عبدي فاصطبر

بعد ذلك اقتيد الشهيد الأول رحمة الله عليه إلي قلعة دمشق، وفي وسط الطريق، كتب الشهيد علي رقعةٍ كانت عنده: ربّ إني مغلوب

فانتصر () ثم وضعها علي الأرض، وما هي إلاّ خطوات، وإذا بريح ترفع الرقعة وتلقي بها أمام الشهيد، وقد كتب علي طرفها الآخر بخط غيبيّ: إن كنت عبدي فاصطبر.

هناك أيقن الشهيد أن التقدير الإلهي هو أن يقتل في سبيل الله عزوجل. كما ورد بالنسبة إلي سيد الشهداء الإمام أبي عبد الله الحسين عليه السلام: شاء الله أن يراك قتيلاً ().

وعند الفجر قطعوا رأس الشهيد رحمة الله عليه وصلبوه، ثم نادوا في الناس، أن يرموا جثمانه الشريف بالحجارة. وعصر ذلك اليوم المشؤوم أضرموا في جسده الطاهر النار، ثم جمعوا رماده وذرّوه في الهواء.

نعم، لقد قتل الشهيد وأحرق وذرّ

في الهواء، ولكن إرادة السماء شاءت أن يبقي اسم الشهيد خالداً، رغم مكر الآثمين وكيد الحاقدين. وصار قبر الشهيد في قلب كل مؤمن، وآراؤه وعلومه في قلب كل عالم، وقد انتقم الله سبحانه من كل من اشترك في بهذه الجريمة البشعة بأنواع العذاب حتي أبادهم عن آخرهم، ولعذاب الآخرة أشد().

مع مصنّف تبصرة المتعلمين

ينقل عن العلامة الحلي رحمة الله عليه() الذي كان يقطن الحّلة الفيحاء، وكانت يوم ذاك مركزاً علمياً وحوزوياً كبيراً،أنه دعي ذات مرة لحضور مجلس عقد قران في قضاء المسيب في العراق، واستغرق سفره أسبوعاً كاملاً، وحينما رجع العلامة لم يحضر ولده فخر المحققين() صلاته وكان فخر المحققين من العبّاد والزهاد وعندما سُئل عن سبب عدم حضوره لاة جماعة والده، قال: كيف ترك والدي أعماله وذهب لإجراء عقد قران، لمدة أسبوع كامل؟! فلما سمع العلامة الحلي رحمة الله عليه مقالته أخرج كتابه تبصرة المتعلمين () وقال: إنني قد اغتنمت الوقت هناك، وألفت هذا الكتاب في سبعة أيام فقط، وكانت مصادر العلامة لتأليف كتابه هذا هي ذاكرته لا غير، فقد كان يتمتع بإحاطة كاملة بالفقه.

إذن، علي الإنسان المؤمن أن يستفيد من الوقت، حتي ذلك الذي يخصصه للنزهة والاستجام، فإنه ينبغي له أن لا يضيّعه هدراً، بل عليه استغلاله في تدارك ما مضي، أو تهيئة مقدمات المستقبل. ومستقبل المؤمن عمله الذي يدّخره للآخرة، لذا عليه أن يملأ أوقات فراغه، بكل أمر مفيد ولو بالذكر، لأن الله يسمع ما يتكلم به عبده، وأنه يبصر ويري، وهو عليم بذات الصدور.

مع أحد المأمومين

دعاني ذات مرة أحد المقلدين وكان من المواظبين علي الاقتداء بنا والصلاة معنا. وطلب مني أن أستجيب لدعوته، فقلت له: إني أعتذر من قبول هكذا دعوات؛ وذلك لما فيها من الوقوع في محاذير أتجنبها، إلا أنه أصر علي كثيراً، فقلت له: إذاً بشرط أن لا تكلف نفسك، وكان معي أحد السادة الفضلاء رحمة الله عليه وعندما ذهبنا إلي بيته، وجدناه قد وفي بوعده جزاه الله خيرا.

وعندما جلسنا واستقر بنا المقام، رأيت من المناسب أن أغتنم هذا الوقت لأطرح علي الحاج

موضوعاً لربما تكون من ورائه نتائج نافعة.

فقلت له: عندي موضوع أودّ أن أكلمك فيه.

فقال: تفضل.

قلت له: إن بعض المدارس الدينية في مدينة مشهد المقدسة تعرضت للهدم ونالها التخريب، فقلّ عددها هناك، فما رأيك لو كنت قادراً أن تبني مدرسة علمية هناك بإسم الإمام الرضا عليه السلام؟

فقال: وأنت تشجّع علي هذا المشروع؟

قلت له: نعم، فقال: وهل يمكن حساب كلفة البناء من الحقوق الشرعية؟

قلت له: نعم، فإن الإمام الرضا عليه السلام قال: الخمس عوننا علي ديننا ().

فقال الحاج: لا مانع لدي من ذلك، ثم قال: وكم تبلغ تكاليف هذا المشروع؟

قلت له: سأتصل بأحد أصدقائنا في طهران، وأخبرك بالموضوع، وبالفعل أخيراً تم بناء مدرسة الإمام الرضا عليه السلام في مدينة مشهد المقدسة، وكان سبب بنائها هو ذلك الحديث الذي لم يستمر أكثر من عشر دقائق!.

يوم القيامة وساعات عمر الإنسان

قال رسول الله صلي الله عليه و اله: لا تزول قدم عبد يوم القيامة حتي يسأل عن أربع: عن جسده فيما أبلاه، وعن عمره فيما أفناه، وعن ماله مما اكتسبه وفيما أنفقه، وعن حبنا أهل البيت ().

وجاء في بعض الروايات: أن في يوم القيامة يؤتي بساعات عمر الإنسان، كل ساعة علي هيئة صندوق، ثم يفتحون تلك الصناديق واحداً واحداً، فإن كانت ساعات خير، خرج منها نور يضيء المحشر، فيسرّ به صاحبه. ولو كان الانسان والعياذ بالله قد ارتكب عملاً قبيحاً، خرجت من الصندوق رائحة كريهة، أو الأفاعي والعقارب، أما تلك الساعات التي لم يعمل فيها الإنسان لا شراً ولا خيراً، فإن الصندوق لتلك الساعة يأتي خالياً فيتحسّر عليها. أما ساعات النوم فإن كان نام الليل علي وضوء، فإن جميع صناديق ساعات ليله تكون صناديق نور، أما لو نام الإنسان ليلة وباتت معه نية

سوء، فستكون صناديق تلك الساعات، مملوءة بما يعبّر عن السوء.

قال الشيخ ابراهيم الكفعمي رحمة الله عليه في كتاب محاسبة

النفس (): يا نفس، وهذا يوم جديد، وهو عليك شهيد، فاعملي فيه لله بطاعته، وإياك إياك من إضاعته، فإن كل نفس من الأنفاس، وحاسة من الحواس، جوهرة عظيمة، ليس لها من قيمة:

أولي الذخائر في الحماية

والرعاية والحراسة

عمر الفتي فهو النهاية

في الجلالة والنفاسة

وحذار من تضييعه

إن كنت من أهل الكياسة

يا نفس، إن اليوم والليلة أربع وعشرون ساعة، فاشتغلي فيها بالطاعة، فقد ورد في الخبر، عن سيد البشر صلي الله عليه و اله: أنه ينشر للعبد كل يوم أربع وعشرون خزانة، بعضها فارغة وبعضها ملانة، فإذا فتحت له خزانة الحسنات، والمراضي والمثوبات، ناله من الفرح والسرور، والبهجة والحبور، بمشاهدة تلك الأنوار، التي هي وسيلة عند الملك الجبار، ما لو وزع علي أهل النار، لأدهشهم ذلك الفرح عن ألم السعار. وإن فتحت له خزانة العصيان، والغيبة والبهتان، غشاه من نتنها وظلامها، وأصابه من شرها وآلامها، ما لو قسم علي أهل النعيم، لنغص عليهم التنعيم. وإن فتحت الفارغة من الأعمال، الموصوفة بالتكاسل والإهمال، لحقه الحزن العظيم، علي خلوها من الثواب الدائم المقيم. يا نفس، فاملئي تلك الساعات من الحسنات، واشحنيها بما شق من العبادات والقربات، ولا تميلي إلي الكسل والاستراحة، فما ملا الراحة من استوطأ الراحة. وهب كنت مسيئة قد عفي عن جريرتك، وستر علي سريرتك، أليس قد فاتك ثواب المحسنين، ودرجات الأبرار في عليين().

هذا وقد سبق أن أشرنا إلي أن تفويت الفرص لا تخلو من آثار سلبية علي شخصية الإنسان وروحه، لأنه سوف يتأخر في الحصول علي الكمالات، وبالتالي سوف يحرم من المقامات العالية في الدنيا والآخرة. قال أمير المؤمنين عليه السلام:

من أخر الفرصة عن وقتها، فليكن علي ثقة من فوتها ().

وقال عليه السلام أيضاً: من الخرق ترك الفرصة عند الإمكان ().

وقال عليه السلام أيضاً: من قعد عن الفرصة أعجزه الفوت ().

وقال عليه السلام أيضاً: عود الفرصة بعيد مرامها ().

وقال عليه السلام: بادر الفرصة قبل أن تكون غصة، بادر البرّ فإن أعمال البر فرصة ().

نسأل الله تعالي أن يوفقنا لكي تكون كل ساعات عمرنا ميداناً لعمل الخير، ومجلبةً لرضا الله وثوابه، وأن يوفقنا لأغتنام الفرص، والقدرة علي استخدامها واستغلالها في صالح الأعمال لخدمة النوع الإنساني، إن شاء الله تعالي.

اللهم صل علي محمد وآل محمد، ونبّهني لذكرك في أوقات الغفلة، واستعملني بطاعتك في أيام المهلة، وانهج لي إلي محبتك سبيلاً سهلة، وأكمل لي بها خير الدنيا والآخرة، بحق محمد وآله الطاهرين ().

من هدي القرآن الحكيم

هكذا املأ وقتك:

1 بالعمل المفيد للدنيا والآخرة

قال الله تعالي: وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ ().

وقال سبحانه: وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحاتِ فَأُولئِكَ لَهُمُ الدَّرَجاتُ الْعُلي ().

وقال عزوجل: وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ ().

وقال جل وعلا: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهارُ ذلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ ().

2 فعل الخير

قال الله تعالي: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَي الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ().

وقال سبحانه: وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ وَإِقَامَ الصَّلاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ ().

وقال عزوجل: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ().

وقال جل وعلا: أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَهُمْ لَها سابِقُونَ ().

3 طلب العلم

قال الله تعالي: وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً ().

وقال سبحانه: وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ

أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ ().

وقال عزوجل: قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لايَعْلَمُونَ إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الأَلْبابِ ().

وقال جل وعلا: يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ ().

4 ذكر الله علي كل حال

قال تعالي:

فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ ().

وقال سبحانه:

وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيراً وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكارِ ().

وقال عزوجل: الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلي جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ().

وقال جل وعلا: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّي ? وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ

فَصَلَّي ().

من هدي السنة المطهرة

هكذا املأ وقتك:

1 بالعمل الصالح المفيد دنياً وآخرة

قال رسول الله صلي الله عليه و اله: الإيمان معرفة بالقلب، وإقرار باللسان، وعمل بالأركان ().

وقال أمير المؤمنين عليه السلام: عليك بإدمان العمل في النشاط والكسل ().

وقال الإمام زين العابدين عليه السلام: إن أحبكم إلي الله عزوجل أحسنكم عملاً، وإن أعظمكم عند الله عملاً أعظمكم فيما عند الله رغبة، وإن أنجاكم من عذاب الله أشدكم خشية، وإن أقربكم من الله أوسعكم خلقاً، وإن أرضاكم عند الله أسبغكم علي عياله، وإن أكرمكم عند الله أتقاكم لله ().

وقال الإمام أبو الحسن الثالث الهادي عليه السلام: الناس في الدنيا بالأموال، وفي الآخرة بالأعمال ().

2 فعل الخير

قال الرسول الأكرم صلي الله عليه و اله: من فتح له باب خير فلينتهزه؛ فإنه لا يدري متي يغلق عنه ().

وقال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: عليكم بأعمال الخير فتبادروها، ولا يكن غيركم أحق بها منكم ().

وقال الإمام الباقر عليه السلام لزرارة: اعلم، أن أول الوقت أبداً أفضل، فعجل الخير ما أستطعت، وأحب الأعمال إلي الله ما داوم عليه العبد وإن قل ().

وقال الإمام الصادق عليه السلام: إذا هممت بخير

فلا تؤخره، فإن الله تبارك وتعالي ربما اطلع علي عبده وهو علي الشيء من طاعته، فيقول: وعزتي وجلالي لا أعذبك بعدها أبداً، وإذا هممت بمعصية فلا تفعلها فإن الله تبارك وتعالي ربما اطلع علي العبد وهو علي شيء من معاصيه فيقول: وعزتي وجلالي، لا أغفر لك

أبداً ().

3 طلب العلم

قال الإمام علي بن أبي طالب أمير المؤمنين عليه السلام: بينما أنا جالس في مسجد النبي صلي الله عليه و اله إذ دخل أبو ذر، فقال: يا رسول الله، جنازة العابد أحب إليك، أم مجلس العالم؟

فقال رسول الله صلي الله عليه و اله: يا أبا ذر، الجلوس ساعة عند مذاكرة العالم، أحب إلي الله من ألف جنازة من جنازة الشهداء، والجلوس ساعة عند مذاكرة العلم، أحب إلي الله من قيام ألف ليلة يصلي في كل ليلة ألف ركعة، والجلوس ساعة عند مذاكرة العلم أحب إلي الله من ألف غزوة، وقراءة القرآن كله.

قال: يا رسول الله، مذاكرة العلم خير من قراءة القرآن كله؟!

فقال رسول الله صلي الله عليه و اله: يا أبا ذر، الجلوس ساعة عند مذاكرة العلم، أحب إليّ من قراءة القرآن كله اثني عشر ألف مرة، عليكم بمذاكرة العلم؛ فإن بالعلم تعرفون الحلال من الحرام؛ ومن خرج من بيته ليلتمس باباً من العلم كتب الله عزوجل له بكل قدم ثواب نبي من الأنبياء، وأعطاه الله بكل حرف يستمع أو يكتب مدينة في الجنة، وطالب العلم أحبّه الله وأحبّه الملائكة وأحبّه النبيون، ولايحب العلم إلا السعيد، وطوبي لطالب العلم يوم القيامة.

يا أبا ذر، والجلوس ساعة عند مذاكرة العلم خير لك من عبادة سنة صيام نهارها وقيام ليلها، والنظر إلي وجه العالم خير لك من عتق ألف رقبة،

ومن خرج من بيته ليلتمس بابا من العلم كتب الله له بكل قدم ثواب ألف شهيد من شهداء بدر، وطالب العلم حبيب الله، ومن أحب العلم وجبت له الجنة، ويصبح ويمسي في رضا الله، ولا يخرج من الدنيا حتي يشرب من الكوثر، ويأكل من ثمرة الجنة، ولا يأكل الدود جسده، ويكون في الجنة رفيق الخضر عليه السلام، وهذا كله تحت هذه الآية قال الله تعالي: يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ () ().

وقال الإمام الباقر عليه السلام: ما من عبد يغدو في طلب العلم أو يروح، إلا خاض الرحمة، وهتفت به الملائكة: مرحبا بزائر الله، وسلك من الجنة مثل ذلك المسلك ().

وقال الإمام الصادق عليه السلام: طالب العلم يستغفر له كل شيء، والحيتان في البحار، والطير في جو السماء ().

4 ذكر الله علي كل حال

قال الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله: بادروا إلي رياض الجنة فقالوا: وما رياض الجنة؟ قال: حَلَق الذّكر ().

وفيما أوصي به أمير المؤمنين عليه السلام عند وفاته: هذا ما أوصي به علي بن أبي طالب أخو محمد رسول الله صلي الله عليه و اله وابن عمه وصاحبه، أول وصيتي: أني أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسوله وخيرته اختاره بعلمه وارتضاه لخيرته، وأن الله باعث من في القبور، وسائل الناس عن أعمالهم عالم بما في الصدور.

ثم إني أوصيك يا حسن وكفي بك وصياً بما أوصاني به رسول الله (صلي الله عليه و آله) فإذا كان ذلك يا بني الزم بيتك، وابك علي خطيئتك، ولا تكن الدنيا أكبر همك، وأوصيك يا بني بالصلاة عند وقتها، والزكاة في أهلها عند محالها، والصمت عند الشبهة والاقتصاد، والعدل في

الرضاء والغضب، وحسن الجوار، وإكرام الضيف، ورحمة المجهود و أصحاب البلاء، وصلة الرحم، وحب المساكين ومجالستهم، والتواضع فإنه من أفضل العبادة، وقصر الأمل، واذكر الموت، وازهد في الدنيا، فإنك رهين موت، وغرض بلاء، وصريح سقم. وأوصيك بخشية الله في سر أمرك وعلانيتك، وأنهاك عن التسرع بالقول والفعل، وإذا عرض شي ء من أمر الآخرة فابدأ به، وإذا عرض شي ء من أمر الدنيا فتأنه حتي تصيب رشدك فيه، وإياك ومواطن التهم والمجلس المظنون به السوء، فإن قرين السوء يغر جليسه. وكن لله يا بني عاملا، وعن الخنا زجوراً، وبالمعروف آمراً، وعن المنكر ناهيا، وواخ الأخوان في الله، وأحب الصالح لصلاحه، ودار الفاسق عن دينك، وأبغضه بقلبك، وزايله بأعمالك، كي لا تكون مثله، وإياك والجلوس في الطرقات، ودع المماراة، ومجازاة من لا عقل له ولا علم. واقتصد يا بني في معيشتك، واقتصد في عبادتك، وعليك فيها بالأمر الدائم الذي تطيقه، والزم الصمت تسلم، وقدم لنفسك تغنم، وتعلم الخير تعلم، وكن لله ذاكراً علي كل حال، وارحم من أهلك الصغير، ووقّر منهم الكبير، ولا تأكلن طعاما حتي تتصدق منه قبل أكله، وعليك بالصوم فإنه زكاة البدن وجُنة لأهله، وجاهد نفسك، واحذر جليسك، واجتنب عدوك، وعليك بمجالس الذكر، وأكثر من الدعاء فإني لم آلك يا بني نصحا، وهذا فراق بيني وبينك. وأوصيك بأخيك محمد خيراً، فإنه شقيقك وابن أبيك، وقد تعلم حبي له، فأما أخوك الحسين فهو ابن أمك، ولا أزيد الوصاة بذلك، والله الخليفة عليكم، وإياه أسأل أن يصلحكم، وأن يكف الطغاة البغاة عنكم، والصبر الصبر حتي ينزل الله الأمر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ().

وقال الإمام زين العابدين عليه السلام في إحدي مناجاته: «اللهم صل

علي محمد وآل محمد واجعلنا من الذين اشتغلوا بالذكر عن الشهوات … ().

وقال الإمام الصادق عليه السلام: شيعتنا الذين إذا خلوا ذكروا الله كثيراً ().

وقال عليه السلام أيضاً: قال النبي صلي الله عليه و اله لأصحابه: ألا أخبركم بخير أعمالكم، وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من الدينار والدرهم، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتقتلونهم، ويقتلونكم؟. قالوا: بلي يا رسول الله. قال: ذكر الله كثيرا ().

وقال عليه السلام أيضاً: قال الله تعالي: ابن آدم، اذكرني في نفسك أذكرك في نفسي. ابن آدم اذكرني في خلاء، أذكرك في خلاء. ابن آدم اذكرني في ملأ، أذكرك في ملأ خير من ملائك وقال:

ما من عبد يذكر الله في ملأ من الناس إلا ذكره الله في ملأ من الملائكة ().

پي نوشتها

() سورة التوبة: 122.

() سورة الزمر: 17-18.

() مستدرك الوسائل: ج12 ص142 ب90 ح13731.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص158 ق1 ب6 ف5 ح3015.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص159 ق1 ب6 ف5 ح3041.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص159 ق1 ب6 ف5 ح3042.

() الكافي: ج8 ص23 خطبة لأمير المؤمنين عليه السلام وهي خطبة الوسيلة ح4.

() نهج البلاغة، الخطب: 86 من خطبة له عليه السلام وفيها بيان صفات الحق جل جلاله..

() نهج البلاغة، الخطب: 183 من خطبة له عليه السلام في قدرة الله وفضل القرآن.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص142 ق1 ب6 ف1 ح2518.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص159 ق1 ب6 ف5 ح3025.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص159 ق1 ب6 ف5 ح3031.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص406 ق6 ب1 ف2 ح9308.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص395 ق5 ب4 ف5 ح9141.

() الكافي: ج2 ص150 باب صلة الرحم ح4.

() تنبيه الخواطر ونزهة

النواظر: ج2 ص87.

() الكافي: ج2 ص150 باب صلة الرحم ح3.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص158 ق1 ب6 ف5 ح3017.

() مستدرك الوسائل: ج12 ص142 ب90 ح13731.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص473 ق6 ب6 ف2 ح10822.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص473 ق6 ب6 ف2 ح10823.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص474 ق6 ب6 ف2 ح10830.

() مستدرك الوسائل: ج2 ص107 ب18 ح1555.

() نهج البلاغة، الخطب: 42 من كلام له عليه السلام وفيه يحذر من ابتاع الهوي وطول الأمل في الدنيا.

() وسائل الشيعة: ج2 ص439 ب24 ح2585.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص313 ق3 ب3 ف7 ح7253.

() أسامة بن زيد بن حارثة بن شراحيل الكلبي، مولي رسول الله صلي الله عليه و اله، وأمه أم أيمن، وأسمها بركة مولاة رسول الله صلي الله عليه و اله، يكني أبا محمد أو أبا زيد. قيل: إنه تخلف عن أمير المؤمنين عليه السلام في حروبه، وقال: لا أقاتل رجلاً يقول: لا إله إلا الله. توفي أسامة بن زيد سنة (54 للهجرة) وله من الأولاد: الحسن وعبد الله ومحمد وزيد. انظر مستدرك سفينة النجاة: ج1 ص136 مادة (أسم). ورجال الشيخ الطوسي: ص21 باب ماروي عن النبي صلي الله عليه و اله.

ومن أخبار أسامة روي الشيخ الطوسي في الأمالي، عن شرقي بن القطامي، عن أبيه، قال: خاصم عمرو بن عثمان بن عفان، أسامة بن زيد إلي معاوية بن أبي سفيان مقدمه المدينة، في حائط من حيطان المدينة، فارتفع الكلام بينهما حتي تلاحيا، فقال عمرو: تلاحيني وأنت مولاي؟ فقال أسامة: والله ما أنا بمولاك ولا يسرني أني في نسبك، مولاي رسول الله صلي الله عليه و اله. فقال: ألا تسمعون بما يستقبلني به هذا العبد، ثم التفت

إليه عمرو فقال له: يا ابن السوداء، ما أطغاك. فقال: أنت أطغي مني وألأم، تعيرني بأمي، وأمي والله خير من أمك، وهي أم أيمن مولاة رسول الله صلي الله عليه و اله، بشرها رسول الله صلي الله عليه و اله في غير موطن بالجنة، وأبي خير من أبيك، زيد بن حارثة صاحب رسول الله صلي الله عليه و اله، وحبه ومولاه، قتل شهيدا بمؤتة علي طاعة الله وطاعة رسوله، وقبض رسول الله صلي الله عليه و اله وأنا أمير علي أبيك، وعلي من هو خير من أبيك، علي أبي بكر وعمر وأبي عبيدة، وسروات المهاجرين والأنصار، فأني تفاخرني يا ابن عثمان، فقال عمرو: يا قوم، أما تسمعون بما يجبهني به هذا العبد؟! فقام مروان بن الحكم فجلس إلي جنب عمرو بن عثمان، فقام الحسن بن علي عليه السلام فجلس إلي جنب أسامة، فقام عتبة بن أبي سفيان فجلس إلي جنب عمرو، فقام عبد الله بن عباس فجلس إلي جنب أسامة، فقام سعيد بن العاص فجلس إلي جنب عمرو، فقام عبد الله بن جعفر فجلس إلي جنب أسامة. فلما رآهم معاوية قد صاروا فريقين من بني هاشم وبني أمية، خشي أن يعظم البلاء، فقال: إن عندي من هذا الحائط لعلما. قالوا: فقل بعلمك فقد رضينا؟ فقال معاوية: أشهد أن رسول الله صلي الله عليه و اله جعله لأسامة بن زيد، قم يا أسامة فاقبض حائطك هنيئا مريئا، فقام أسامة والهاشميين.. فأقبل عمرو بن عثمان علي معاوية، فقال: لا جزاك الله عن الرحم خيرا؛ ما زدت علي أن كذّبت قولنا، وفسخت حجتنا، وشمت بنا عدونا. فقال معاوية: ويحك يا عمرو، إني لما رأيت هؤلاء الفتية من بني

هاشم قد اعتزلوا، ذكرت أعينهم تزور إلي من تحت المغافر بصفين، فكاد يختلط علي عقلي، وما يؤمنني يا ابن عثمان منهم وقد أحلوا بأبيك ما أحلوا، ونازعوني مهجة نفسي حتي نجوت منهم بعد نبأ عظيم وخطب جسيم، فانصرف فنحن مخلفون لك خيرا من حائطك إن شاء الله تعالي. أمالي الشيخ الطوسي: ص 212 المجلس 8 ح20.

() سورة الأنعام: 134.

() مشكاة الأنوار: ص87 ب2 ف4.

() تنبيه الخواطر ونزهة النواظر: ج1 ص273 بيان ذكر طول الأمل وفضيلة قصره وسبب طوله.

() عبد الملك بن قريب بن علي بن أصمع الباهلي، أبو سعيد الأصمعي (122 216 ه) أحد أئمة العلم باللغة والشعر والبلدان، مولده ووفاته في البصرة. كان كثير التطواف في البوادي، يقتبس علومها ويتلقي أخبارها، ويتحف بها الحكام والرؤساء، فيكافأ عليها بالعطايا الوافرة. كان يقول: أحفظ عشرة آلاف أرجوزة. له تصانيف منها: الإبل، والأضداد، والفرق، أي: الفرق بين أسماء الأعضاء من الإنسان والحيوان. جمع له أحد المستشرقين بعض القصائد سماه الأصمعيات.

() الفسيل: كل عود يقطع من شجرته فيغرس.

() الروامس: كل دابة تخرج بالليل.

() تنبيه الخواطر ونزهة النواظر: ج2 ص128.

() وسائل الشيعة: ج1 ص114 ب27 ح285.

() نهج البلاغة، الخطب: 76 من خطبة له عليه السلام في الحث علي العمل الصالح.

() مستدرك الوسائل: ج12 ص140 ب90 ح13728.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص474 ق6 ب6 ف3 ح10853.

() قال الشيخ في رجاله: جنادة بن أبي أمية الأزدي من أصحاب رسول الله صلي الله عليه و اله سكن مصر. رجال الطوسي: ص34.

() سورة البقرة: 156.

() بحار الأنوار: ج44 ص138 ب22 ح6.

() إعلام الوري بأعلام الهدي: ص135 الركن1 ب4. وذكر العلامة المجلسي في بحار الانوار، بسنده عن عبد الله بن عباس قال: لما حضرت

النبي صلي الله عليه و اله الوفاة، وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب، فقال رسول الله صلي الله عليه و اله: هلموا أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا فقال: لا تأتوه بشي ء، فإنه قد غلبه الوجع!، وعندكم القرآن، حسبنا كتاب الله، فاختلف أهل البيت واختصموا، فمنهم من يقول: قربوا يكتب لكم رسول الله، ومنهم من يقول ما قال عمر، فلما كثر اللغط والاختلاف قال رسول الله صلي الله عليه و اله: قوموا عني قال عبيد الله بن عبد الله بن عتبة: وكان ابن عباس رحمه الله يقول: الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله صلي الله عليه و اله وبين أن يكتب لنا ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم. بحار الأنوار: ج22 ص474 ب1 ح22. وروي باختلاف يسير في اللفظ، في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي: ج2 ص55 حديث السقيفة. ورواه البخاري في صحيحه: ج7 ص9 كتاب المرضي والطب. ومثله في السنن الكبري للنسائي: ج3 ص433 باب كتابة العلم ح5852. ورواه ابن حنبل في مسنده: ج1 ص222 باب مسند عبد الله بن عباس. وفي السنن الكبري للبيهقي عن سليمان بن أبي مسلم قال: سمعت سعيد بن جبير يقول: سمعت ابن عباس رضي الله عنهما يقول: يوم الخميس، وما يوم الخميس، ثم بكي، ثم قال: اشتد وجع رسول الله صلي الله عليه و اله فقال: ائتوني اكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده أبدا، فتنازعوا ولا ينبغي عند نبي تنازع فقال: ذروني، فالذي أنا فيه خير مما تدعوني إليه. السنن الكبري: ج9 ص207 باب لا يسكن أرض الحجاز مشرك. وعن الهيثمي في مجمع الزوائد عن ابن عباس قال: دعا رسول الله صلي الله

عليه و اله بكتف فقال: ائتوني بكتف، أكتب لكم كتابا لا تختلفون بعدي أبداً فأخذ من عنده من الناس في لغط، فقالت امرأة ممن حضر: ويحكم، عهد رسول الله صلي الله عليه و اله إليكم. فقال بعض القوم: اسكتي، فإنه لا عقل لك. فقال النبي صلي الله عليه و اله: أنتم لا أحلام لكم. مجمع الزوائد: ج4 ص215 باب وصية رسول الله صلي الله عليه و اله.

() هو الميرزا مهدي بن الميرزا حبيب الله بن السيد آقا بزرك بن السيد محمود بن السيد إسماعيل بن السيد فتح الله الحسيني الشيرازي، والد السيد الميرزا مهدي هو ابن أخ المجدد الشيرازي صاحب ثورة التنباك الشهيرة، ولد في مدينة كربلاء سنة (1304ه) وظل بها إلي سنين شبابه الأولي، فدرس علي أساتذتها مقدمات العلوم من نحو وصرف وحساب ومنطق وسطوح الفقه والأصول، ثم سافر إلي سامراء واشتغل فيها بالبحث والتحقيق والتدريس لفترة طويلة، ثم إلي مدينة الكاظمية، سافر بعدها إلي مدينة كربلاء وبقي فيها فترة من الزمن مواصلاً الدرس والبحث، إلي أن انتقل إلي النجف الأشرف وأقام بها ما يقرب من عشرين عاماً. درس الخارج علي فحول العلماء والمراجع في عصره أمثال: السيد الميرزا علي آغا نجل المجدد الشيرازي، والشيخ محمد تقي الشيرازي، والعلامة رضا الهمداني صاحب (مصباح الفقيه)، والسيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي صاحب (العروة الوثقي) وغيرهم. وكان يحضر في كربلاء المقدسة بحثاً علمياً دقيقا يسمي في الحوزة ببحث ال(كمباني) تحت رعاية المرحوم السيد حسين القمي رحمة الله عليه وكان البحث يضم جمعاً من أكابر ومشاهير المجتهدين في كربلاء. بعد وفاة السيد القمي سنة (1366ه) استقل بالبحث والتدريس، واضطلع بمسؤولية المرجعية الدينية ورجع الناس إليه في أمر التقليد.

له مواقف سياسية شهيرة أهمها: مشاركته في ثورة العشرين، وفي نهاية الخمسينات وقف بوجه المد الشيوعي في عهد حكومة عبد الكريم قاسم في العراق وما قبله، وبادر إلي استنهاض همم مراجع الدين الكبار في النجف الأشرف لاتخاذ موقف جماعي قوي إزاء الخطر الإلحادي علي العراق، فالتقي بالمرجع الديني الكبير السيد محسن الحكيم رحمة الله عليه وأصدر الأخير فتواه الشهيرة بتكفير الشيوعية.

له عدة مؤلفات منها: ذخيرة العباد، ذخيرة الصلحاء، الوجيزة، تعليقة علي العروة الوثقي، رسالة حول فقه الرضا، كشكول في مختلف العلوم.

توفي رحمة الله عليه في الثامن والعشرين من شهر شعبان سنة (1380ه) وشيع جثمانه في موكب مهيب قلما شهدت كربلاء مثله، ودفن في مقبرة العالم المجاهد الشيخ الميرزا محمد تقي الشيرازي في صحن الروضة الحسينية الشريفة، وأقيمت علي روحه الطاهرة مجالس الفاتحة والتأبين بمشاركة مختلف فئات وطبقات المجتمع استمرت لعدة أشهر. انظر كتاب (أسرة المجدد الشيرازي) لنور الدين الشاهرودي وكتاب (أضواء علي حياة الإمام الشيرازي).

() السيد حسين بن محمود بن محمد بن علي الطباطبائي القمي، الشهير ب(آقا حسين القمي)، كان من مشاهير المراجع في عصره، تزعم المرجعية بعد وفاة السيد أبو الحسن الأصفهاني رحمة الله عليه. ولد في مدينة قم المقدسة سنة (1282ه) ودرس فيها المقدمات وكذلك في طهران، ثم انتقل إلي النجف الأشرف سنة (1311ه) لحضور درس الشيخ حبيب الله الرشتي والشيخ النهاوندي والشيخ محمد كاظم الخراساني والسيد محمد كاظم اليزدي، ثم هاجر إلي سامراء المشرفة سنة (1321ه) فحضر علي الشيخ محمد تقي الشيرازي وبقي هناك عشرة سنوات. وفي سنة (1331ه) انتقل إلي مشهد الرضا عليه السلام وبدأ بالبحث والتدريس، ورجع الناس إليه في التقليد. نشر رسالته العملية في أرجاء إيران وكثرت الرغبة به

ومالت القلوب إليه، ثم هاجر إلي كربلاء المقدسة بعدما تصدي لرضا شاه البهلوي سنة (1354ه) الذي نشر اللادينية حيث أجبر النساء علي التبرج والسفور، ومنع إقامة الشعائر الدينية. رشح للزعامة الدينية بعد وفاة السيد أبو الحسن الأصفهاني وزادت وجاهته وعظم شأنه ثم هاجر إلي النجف الأشرف، من مؤلفاته: مجمع المسائل، الذخيرة الباقية في العبادات والمعاملات، مختصر الأحكام، طريق النجاة، منتخب الأحكام، مناسك الحج، هداية الأنام. توفي في (14ربيع الأول سنة 1366ه) عن عمر يناهز الرابعة والثمانين.

() الشطيّة: منطقة في مدينة سامراء تقع قرب نهر دجلة تمتاز باعتدال المناخ ولطافة الهواء.

() الشيخ الجليل الميرزا محمد بن رجب علي الطهراني (1281 1371 ه) العسكري، نزيل سامراء. فقيه، بحاثة، محدث، عارف بالرجال. من آثاره: الفوائد العسكرية في ثلاث مجلدات، الصحيفة المهدوية في أدعية الإمام الثاني عشر عليه السلام، ومستدرك بحار الانوار في (25 مجلدا) ومستدرك إجازات بحار الانوار في ست مجلدات. ورسالة في كرامات السيد محمد بن الإمام علي الهادي عليه السلام. جاء في الذريعة: مستدرك بحار الأنوار: لمولانا العلامة الميرزا محمد بن رجب علي الطهراني العسكري نزيل سامراء، كتب أولا (مصابيح الأنوار) في فهرس أبواب البحار ثم اشتغل باستدراك كل باب، واستدرك في كثير من أبوابه، واستدراك مجلده الأخير في الإجازات ثمينة جداً بلغ ست مجلدات كبار. انظر معجم المؤلفين: ج9 ص307 محمد الطهراني. والذريعة إلي تصانيف الشيعة: ج21 ص4 بالرقم 3675.

() الشيخ عباس بن محمد رضا بن أبي القاسم القمي، ولد بقم المقدسة سنة (1294ه)، كان والده من صلحاء أهل قم وزهادهم، وله تعلق بحضور مجالس الوعظ والإرشاد ومجالس سيد الشهداء عليه السلام. وأمه كانت من النساء الصالحات، وكان الشيخ القمي دائما يذكرها بالخير. عاش الشيخ

عباس في وسط اجتماعي متدين امتاز بكثرة الاهتمام بإقامة الشعائر الدينية، فتأثر كثيراً بهذا الجو الروحاني الذي عاشه، كان قوي الروح وصاحب قلب مطمئن بالله عز وجل، وقد تشبعت نفسيته بحب البحث والمعرفة من طفولته، رغم بنيته الضعيفة. قرأ مقدمات العلوم، وسطوح الفقه والأصول علي عدد من علماء قم وفضلائها، كالميرزا محمد الأرباب، الذي وصف بأنه من أعاظم علماء قم وخطبائها، وكان له دور بارز في تأسيس الجامعة العلمية مع الشيخ عبد الكريم الحائري. وفي سنة (1316ه) هاجر إلي النجف الأشرف، فأخذ يحضر حلقات دروس العلماء، إلا أنه لازم الميرزا حسين النوري صاحب مستدرك الوسائل، وكان يصرف معه أكثر وقته في استنساخ مؤلفاته ومقابلة كتاباته. ومع أن عمره قصر في مرافقة أستاذه النوري رحمة الله عليه إلا أنه كان له كبير الأثر في بناء وتنمية شخصية القمي، وبعد وفاة الشيخ النوري رحمة الله عليه أتم دراسته بالحضور علي المجتهدين الآخرين من أساتذة الحوزة العلمية. عاد إلي قم المقدسة وبقي يمارس أعماله العلمية منصرفاً إلي البحث والتأليف، لا يبعده عن ذلك شيء، ورغم معاناته من مرض الربو إلا أن ذلك لم يكن يمنعه عن ممارسة أبحاثه ونشاطه العلمي، وبطلب من آية الله السيد حسين القمي هاجر إلي مشهد المقدسة حيث مرقد الإمام الرضا عليه السلام، وطبع فيها بعض مؤلفاته، وصنف غيرها. وقد لمع اسم الشيخ القمي في هذه المدينة المقدسة وانتشر في بلدان العالم الشيعي عامة، خصوصا بعد طبع كتابه (مفاتيح الجنان). ونتيجة لإيمان الشيخ وتقواه وحبه لهداية المؤمنين فقد تصدي لمهمة التبليغ والخطابة من موقع الوظيفة الشرعية بدون أن يحترفها، وكان لمواعظه أثرها الكبير في النفوس، لأنه كان يتحدث بما يعتقد به وبما عمل به

قبل أن يتحدث عنه. فقد كان لمجالس وعظه الأثر الكبير في إقبال المؤمنين وأهل المعرفة عليه، وكان يحضر تحت منبره حدود الألف مستمع، وكان كلام الشيخ القمي يجعل الإنسان بعيداً وممتنعا عن السيئات والأعمال والذنوب كما نقل عن حضار مجالسه ويكون متوجها إلي الله تعالي والي العبادة. ونقل عن بعض علماء النجف: كانت طريقة الشيخ عباس عندما يرتقي المنبر ويبدأ حديثه ينقل في البداية الخبر، ثم يذكر سند الحديث ورجال السند، ثم يتحدث عن حياتهم وحالهم في الوثاقة وغيره، فإذا وصل به الحديث الي المعصوم عليه السلام فانه يتغير حاله، ويخيل للسامع كأنه يري المعصوم عليه السلام رأي العين.

ولما أكد مؤسس الحوزة العلمية في قم آية الله الشيخ الحائري رحمة الله عليه علي إحياء مصائب سيدة نساء العالمين عليها السلام في الفاطمية الثانية، كان يحضر للمنبر الشيخ عباس القمي، وكان المجلس يكتظ بالعلماء والفضلاء وطلبة العلوم الدينية وسائر الناس يستمعون بإصغاء كامل إلي حديث الشيخ القمي.

اهتم الشيخ القمي رحمة الله عليه بالعلم والتأليف والتصنيف والترجمة والبحث والدرس والمقابلة وما إلي ذلك اهتماما كبيراً، قال نجله الشيخ علي: كان والدي دائم الاشتغال بالكتابة، وحتي في حال مرضه فإنه كان يشتغل بالقراءة والكتابة في اليوم والليلة سبعة عشرة ساعة علي الأقل. وكان جيد الكتابة وسريعها، وقد كتب كثيرا حتي ثفنت أطراف أصابعه التي يمسك بها القلم، كان يعشق الكتاب بشكل عام ويرمقه بأريحية ومحبة، ولكنه كان ينظر الي كتب الحديث نظرة قداسة. وفقه الله تعالي توفيقاً منقطع النظير في كتابه مفاتيح الجنان إذ قلما نجد بيتا من بيوت شيعة أهل البيت عليهم السلام في العالم يخلو من كتابه النفيس مفاتيح الجنان. أما أشهر مؤلفاته، فهي: كتاب الأنوار

البهية في تاريخ النبي وآله عليهم السلام، والآيات البينات في أخبار أمير المؤمنين عليه السلام عن الملاحم والغائبات، وبيت الأحزان في مصائب سيدة النسوان عليها السلام، والباقيات الصالحات في الأعمال والأدعية والأذكار والأوراد، طبع في حاشية كتابه (المفاتيح)، ومنتهي الآمال، في تاريخ أهل البيت عليهم السلام، وتتمة المنتهي في تاريخ الخلفاء، وتحفة الأحباب في نوادر الأصحاب، في أحوال صحابة الرسول وأصحاب أئمة الهدي (صلوات الله عليهم)، وذخيرة العقبي في مثالب أعداء الزهراء عليها السلام. وسفينة البحار ومدينة الحكم والآثار، والفوائد الرجبية فيما يتعلق بالشهور العربية، والكني والألقاب، وكحل البصر في سيرة سيد البشر عليه السلام، ومنازل الآخرة والمطالب الفاخرة، ونفس المهموم في مصيبة سيدنا الحسين المظلوم عليه السلام.

توفي في النجف الأشرف في شهر ذي الحجة سنة (1359ه)، وحمل علي الأكتاف إلي الصحن العلوي الشريف وصلي عليه المرجع الكبير السيد أبو الحسن الأصفهاني ودفن بوصية منه عند رجلي أستاذه الشيخ النوري صاحب مستدرك الوسائل، في الصحن الغروي الشريف.

() مستدرك الوسائل: ج17 ص302 ب8 ح21411.

() مستدرك الوسائل: ج17 ص301 ب8 ح41407.

() الكافي: ج5 ص74 باب ما يجب من الاقتداء بالأئمة عليهم السلام في التعرض للرزق ح3.

() الكافي: ج5 ص74 باب ما يجب من الاقتداء بالأئمة عليهم السلام في التعرض للرزق ح6.

() الكافي: ج5 ص75 باب ما يجب من الاقتداء بالأئمة عليهم السلام في التعرض للرزق ح9.

() وسائل الشيعة: ج17 ص39 ب9 ح21924.

() أبو عبد الله شمس الدين محمد بن جمال الدين مكي العاملي النباطي الجزيني المعروف ب الشهيد الأول. ولد في بلدة جزين وهي قرية من قري جبل عامل تقع في جنوب لبنان سنة (734 ه) في بيت علم وصلاح جم، والده الشيخ جمال الدين النبطي الجزيني

من كبار علماء تلك الديار، اشتهر بالعلم والفضل. وكان هو المعلم الأول للشهيد الأول لبث روح العلم والجهاد في تربيته. بعدما أكمل دراساته الابتدائية، سافر إلي الحلة وله من العمر سبع عشرة سنة، وقيل أقل من ذلك، وكانت الحلة يومذاك من أكبر المدارس في العالم الشيعي، وكانت تحفل بكبار العلماء كفخر المحققين، وكان عمدة تلمذته في الحلة علي فخر المحققين ولازمه، وتتلمذ علي جماعة من تلامذة العلامة الحلي في الفقه وسائر العلوم، وحصل منهم الاجازة في الاجتهاد والرواية، كالسيد عميد الدين عبد المطلب الحلي الحسيني، وأخوه السيد ضياء الدين عبد الله، وحضر أيضا درس قطب الدين الرازي وغيرهم. ثم بعد مدة استقل بالتدريس في الحلة، وقد عرف بتدريسه لقواعد العلامة في الفقه، وتهذيب الأصول، فالتف حوله الطلاب يدرسون لديه، ولما رجع إلي جزين أسس مدرسة فيها، وكان لها الصدي العلمي بفضل الشهيد، فاجتمع هناك عدد كبير من طلاب العلم، وتربي علي يديه كثير من الفضلاء والعلماء وأحيوا مدرسته الخالدة منهم: السيد أبو طالب أحمد بن القاسم بن زهرة الحسيني، والشيخ جمال الدين أحمد بن النجار.

خلف من الآثار الخالدة التي تدل علي بعد شخصيته العلمية، مما تفتخر المدرسة الامامية بها، ما يربو علي اثنين وثلاثين كتابا، هذا بالاضافة إلي كثرة مشاغله وبث أفكار ومذهب أهل البيت عليهم السلام في تلك الديار والترويج للشريعة المقدسة، ومن هذه المؤلفات: اللمعة الدمشقية كتبها جوابا لرسالة حاكم خراسان علي بن مؤيد، الذي كان يطلب منه التوجه إلي خراسان ليكون مرجعا للشيعة فاعتذر، وصنف له هذه الرسالة، ولم يحضره من كتب الفقه سوي المختصر النافع، كتبه في سبعة أيام، وذكري الشيعة في أحكام الشريعة، والدروس الشرعية في فقه الامامية، والبيان في

الفقه، وغاية المراد في شرح نكت الارشاد، والقواعد والفوائد، وأربعون حديثا، والنفلية، والالفية في فقه الصلاة اليومية. قال في أمل الآمل: كانت وفاته سنة (786ه)، قتل بالسيف، ثم صلب، ثم رجم بدمشق في دولة بيدمر وسلطنة برقوق، بفتوي القاضي برهان الدين المالكي وعباد بن جماعة الشافعي، بعدما حبس سنة كاملة، في قلعة دمشق.

للتفصيل في ترجمته رحمة الله عليه ينظر مقدمة شرح اللمعة، وروضات الجنات: ج7 ص3 الشهيد الأول.

() الشيخ نجم الدين أبو القاسم جعفر بن الحسن بن يحيي بن الحسن بن سعيد الحلي الهذلي الملقب ب(المحقق) كان من أئمة الفضلاء وقدوة العلماء في الفضل والنبالة والعلم الفقه والجلالة والفصاحة والشعر والأدب والإنشاء، أشهر من أن يذكر وأظهر من أن يسطر، كان أبوه الحسن من الفضلاء المذكورين، وجده يحيي من العلماء الإجلاء المشهورين. ولد رحمة الله عليه في سنة (602ه)، وتوفي ليلة السبت في شهر محرم الحرام سنة (676ه). كان أفضل أهل عصره في الفقه، نقل أن المحقق الطوسي خواجة نصير الملة والدين رحمة الله عليه حضر ذات يوم حلقة درس المحقق بالحلة حين ورد الحلة، فقطع المحقق الدرس تعظيما له واجلالا لمنزلته، فالتمس منه إتمام الدرس، فجري البحث في مسألة استحباب تياسر المصلي للعراقي، فأورد الخواجة بأنه لا وجه لهذا الاستحباب، لأن التياسر إن كان من القبلة إلي غير القبلة فهو حرام، وإن كان من غيرها إليها فهو واجب، فأجاب المحقق (منها وإليها) أي من القبلة إلي القبلة، فسكت المحقق الطوسي رحمة الله عليه، ثم ألف المحقق الحلي رسالة لطيفة في المسألة وأرسلها إلي الخواجة نصير الدين الطوسي، فاستحسنها. وقد أورد الشيخ أحمد بن فهد هذه الرسالة في المهذب البارع في شرح مختصر الشرائع بتمامها.

له

رحمة الله عليه مؤلفات عديدة مهمة، أهمها: كتاب شرائع الاسلام في مسائل الحلال والحرام من الطهارة إلي الديات، وكتاب النافع مختصر الشرائع وهو تلخيص لكتاب الشرائع ويسمي أيضا: المختصر النافع في فقه الامامية، وكتاب المعتبر شرح المختصر، ورسالة التياسر في القبلة، وشرح نكت النهاية، والمسائل العزية، والمسائل المصرية، والمسلك في أصول الدين، والمعارج في أصول الفقه، وكتاب الكهنة في المنطق، ونهج الوصول إلي علم الأصول وغير ذلك. راجع رياض العلماء: ج1 ص103 ترجمة الشيخ المحقق نجم الدين الحلي.

() اقتباس من الآية 10 في سورة القمر قال تعالي: فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ.

() روي عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: سار محمد بن الحنفية إلي الحسين عليه السلام في الليلة التي أراد الخروج صبيحتها عن مكة، فقال: يا أخي، إن أهل الكوفة من قد عرفت غدرهم بأبيك وأخيك، وقد خفت أن يكون حالك كحال من مضي، فإن رأيت أن تقيم فإنك أعز من في الحرم وأمنعه، فقال: يا أخي، قد خفت أن يغتالني يزيد بن معاوية في الحرم، فأكون الذي يستباح به حرمة هذا البيت. فقال له ابن الحنفية: فإن خفت ذلك فصر إلي اليمن، أو بعض نواحي البر، فإنك أمنع الناس به ولا يقدر عليك. فقال: أنظر فيما قلت، فلما كان في السحر ارتحل الحسين عليه السلام فبلغ ذلك ابن الحنفية فأتاه، فأخذ زمام ناقته التي ركبها فقال له: يا أخي، أ لم تعدني النظر فيما سألتك؟! قال: بلي، قال: فما حداك علي الخروج عاجلا؟ فقال: أتاني رسول الله صلي الله عليه و اله بعد ما فارقتك، فقال: يا حسين عليه السلام اخرج، فإن الله قد شاء أن يراك قتيلا. فقال له ابن الحنفية:

إنا لله وإنا إليه راجعون، فما معني حملك هؤلاء النساء معك وأنت تخرج علي مثل هذه الحال؟ قال: فقال له: قد قال لي: إن الله قد شاء أن يراهن سبايا. وسلم عليه ومضي. اللهوف علي قتلي الطفوف: ص63 المسلك الأول.

() روضات الجنات: ج7 ص12 ترجمة محمد بن مكي العاملي الشهيد الأول.

() الحسن بن يوسف بن علي بن مطهر أبو منصور الحلي، مولدا ومسكنا. ولد في شهر رمضان عام (648ه). واختلفت المصادر في تحديد يوم ولادته، نشأ بين أبوين صالحين رؤوفين فتربي في حضن المرأة الصالحة بنت الحسن بن أبي زكريا يحيي بن الحسن بن سعيد الهذلي الحلي، وتحت رعاية والده الإمام الفقيه سديد الدين يوسف بن علي بن المطهر، وشارك في تربيته خاله المحقق الحلي، فكان له بمنزلة الأب الشفيق من كثرة رعايته له والاهتمام به. فولد المولود المبارك في محيط علمي مملوء بالتقوي وصفاء القلب، وبين أسرتين علميتين من أبرز أسر الحلة علما وتقوي وايمانا، ألا وهما: أسرة بني المطهر وأسرة بني سعيد.

قرأ علي جهابذة عصره في شتي العلوم من العامة والخاصة، كما روي عنهم وعن غيرهم، منهم: والده الشيخ سديد الدين يوسف بن علي بن المطهر الحلي، وهو أول من قرأ عليه، فأخذ منه الفقه والأصول والعربية وسائر العلوم، وروي عنه الحديث. وخاله الشيخ نجم الدين جعفر بن الحسن بن سعيد الحلي، أخذ منه الكلام والفقه والاصول والعربية وسائر العلوم، وروي عنه، وكان تتلمذه عليه أكثر من غيره. والخواجة نصير الدين الطوسي أخذ منه العقليات والرياضيات، وابن عم والدته الشيخ نجيب الدين يحيي بن سعيد الحلي صاحب الجامع للشرائع، والشيخ كمال الدين ميثم بن علي البحراني صاحب الشروح الثلاثة علي نهج البلاغة، قرأ

عليه العقليات وروي عنه الحديث، والسيد جمال الدين أحمد بن موسي بن طاووس الحسيني أخذ عنه الفقه. والسيد رضي الدين علي بن موسي بن طاووس الحسيني صاحب كتاب الاقبال، وغيرهم.

وقرأ عليه وروي عنه جمع كثير من العلماء الأفذاذ. قال العلامة الطهراني في طبقاته الحقائق الراهنة في المائة الثامنة: وأما تلاميذه فكثير ممن ترجمته في هذه المائة كانوا من تلاميذه والمجازين منه، أو المعاصرين المستفيدين من علومه، فليرجع إلي تلك التراجم حتي يحصل الجزم بصدق ما قيل من أنه كان في عصره في الحلة (400) مجتهد. ونقل السيد حسن الصدر في كتابه تأسيس الشيعة: أنه تخرج من عالي مجلس تدريس العلامة 500 مجتهد.

قال فيه نصير الدين الطوسي: لما سئل بعد زيارته الحلة عما شاهده فيها؟ قال: رأيت خريتا ماهراً وعالما إذا جاهد فاق. وقال معاصره ابن داود: شيخ الطائفة وعلامة وقته وصاحب التحقيق والتدقيق كثير التصانيف، انتهت رئاسة الامامية إليه في المعقول والمنقول. وقال الصفدي وهو من علماء العامة: الإمام العلامة ذو الفنون.. عالم الشيعة وفقيههم صاحب التصايف التي اشتهرت في حياته.. وكان يصنف وهو راكب.. وكان ابن المطهر ريض الاخلاق مشتهر الذكر تخرج به أقوام كثيرة.. وكان إماما في الكلام والمعقولات..

كان رحمة الله عليه آية الله لأهل الأرض، وله حقوق عظيمة علي زمرة الإمامية والطائفة الحقة الشيعة الاثني عشرية، لسانا وبيانا وتدريسا وتأليفا، وكان جامعا لأنواع العلوم مصنفا في أقسامها حكيما متكلما فقيها محدثا أصوليا أديبا شاعرا ماهراً، وكان وافر التصنيف متكاثر التأليف، أخذ واستفاد عن جم غفير من علماء عصره من العامة والخاصة، وأفاد وأجاد علي جمع كثير من فضلاء دهره من الخاصة بل من العامة أيضا، كما يظهر من إجازات علماء الفريقين. وكان

وحيد عصره وفريد دهره الذي لم تكتحل حدقة الزمان له بمثل ولا نظير.

ألف في شتي العلوم من الفقه والأصول والحديث والرجال والطبيعي وغيرها، وكانت مؤلفاته ولا زالت محط أنظار العلماء تدريسا وشرحا وتعليقا. منها: الأبحاث المفيدة في تحصيل العقيدة، وأربعون مسألة في أصول الدين، وإرشاد الأذهان إلي أحكام الايمان، واستقصاء الاعتبار في تحرير معاني الأخبار، واستقصاء النظر في القضاء والقدر، والأسرار الخفية في العلوم العقلية، والإشارات إلي معاني الإشارات، وأنوار الملكوت في شرح الياقوت، وإيضاح التلبيس من كلام الشيخ الرئيس، وإيضاح مخالفة أهل السنة للكتاب والسنة، وإيضاح المقاصد من حكمة عين القواعد، والباب الحادي عشر في أصول الدين، وبسط الإشارات في شرح إشارات ابن سينا، وتبصرة المتعلمين في أحكام الدين، وتحرير الفتاوي والأحكام، وتذكرة الفقهاء، وتهذيب الوصول إلي علم الأصول، وتهذيب النفس في معرفة المذاهب الخمس، والدر المكنون في علم القانون، وقواعد الأحكام في معرفة الحلال والحرام، والقواعد والمقاصد في المنطق والطبيعي والالهي، وكشف الحق ونهج الصدق، وكشف الخفاء من كتاب الشفاء، وكشف الفوائد في شرح قواعد العقائد، وكشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد، ومختلف الشيعة في أحكام الشريعة، ونهاية الإحكام في معرفة الأحكام، ونهاية المرام في علم الكلام، إلي غيرها من الكتب والرسائل وأجوبة المسائل.

توفي رحمة الله عليه في شهر المحرم سنة (726 ه)، ونقل جثمانه الطيب من مدينة الحلة إلي النجف الأشرف، ودفن في الحجرة عن يمين الداخل إلي الحضرة العلوية الشريفة، وقبره ظاهر معروف مزار للمؤمنين.

() فخر المحققين أبو طالب محمد بن الحسن بن يوسف بن المطهر الحلي، ولد في ليلة العشرين من جمادي الأخرة سنة (682ه) هو وجه من وجوه هذه الطائفة وثقاتها، جليل القدر، عظيم المنزلة، رفيع الشأن، كثير العلم،

وحيد عصره وفريد دهره، جيد التصانيف، حاله في علو قدره وسمو مرتبته وكثرة علومه أشهر من أن يذكر، كفي في ذلك أنه فاز بدرجة الإجتهاد في السنة العاشرة من عمره الشريف، وكان والده العلامة يعظمه ويثني عليه ويعتني بشأنه كثيراً حتي أنه ذكره في صدر جملة من مصنفاته الشريفة، وأمره في وصيته التي ختم بها القواعد باتمام ما بقي ناقصاً من كتبه بعد حلول الاجل، وإصلاح ما وجد فيها من الخلل له غير ما أتم من كتب والده العلامة كتب شريفة، منها: شرح القواعد سماه إيضاح الفوائد، والفخرية في النية، وحاشية الإرشاد، والكافية الوافية في الكلام، وشرح نهج المسترشدين، وشرح تهذيب الأصول الموسوم بغاية السؤول، وشرح مبادئ الأصول وشرح خطبة القواعد إلي غير ذلك. يروي عن أبيه العلامة وغيره، ويروي عنه شيخنا الشهيد الأول رحمة الله عليه وأثني عليه في بعض إجازاته ثناء بليغا. توفي ليلة (25 ج2 سنة 771ه). راجع الكني والالقاب: ج3 ص16 فخر المحققين.

() ذكره الآقا بزرك الطهراني في الذريعة، فقال: تبصرة المتعلمين في أحكام الدين، لآية الله العلامة الشيخ جمال الدين أبي منصور الحسن بن سديد الدين يوسف بن علي بن المطهر الحلي المتوفي سنة (726 ه) هو كتاب في تمام الفقه علي طريق الفتوي.. طبع مكررا وعليه حواش وتعليقات، وله تكملة تأتي بعنوانها، وشروح كثيرة نشير إلي بعضها، توجد نسخة عتيقة منه ترجع إلي عصر المؤلف تاريخ كتابتها (749 ه) وهي من موقوفات مدرسة فاضل خان بالمشهد الرضوي، وأقدم منها تاريخا نسخة شيخنا العلامة النوري فإنها بخط ابن عم الآبي قرأها علي المؤلف العلامة، فكتب العلامة بخطه إجازة له علي ظهرها، ولم أدر إلي من انتقلت بعده، ولعلها اليوم في

طهران عند سبطه النوري. الذريعة إلي تصانيف الشيعة: ج3 ص321 بالرقم 1180.

() وسائل الشيعة: ج6 ص538 ب3 ح12665.

() أعلام الدين: ص214 باب وصية النبي صلي الله عليه و اله لأبي ذر.

() هو تقي الدين إبراهيم بن علي بن الحسن بن محمد بن صالح بن إسماعيل، الكفعمي الجبعي. والكفعمي، نسبة إلي كفر عيما، قرية من ناحية الشقيف في جبل عامل قرب جبشيت، واقعة في سفح الجبل مشرفة علي البحر. أحد أعيان القرن التاسع، الجامعين بين العلم والادب، والكمال والعرفان، والزهد والعبادة، ويحكي في كثرة عبادته: أنه كان يقوم بجميع العبادات المذكورة في مصباحه، وتقوم زوجته بما لا يتسع له وقته منها. يروي عن والده الشيخ زين الدين علي بن الحسن، وكان من أعاظم الفقهاء والورعين، وأخيه الشيخ شمس الدين محمد صاحب كتاب زبدة البيان في عمل شهر رمضان. والسيد الشريف الفاضل حسين بن مساعد الحسيني الحائري صاحب كتاب تحفة الابرار في مناقب الائمة الاطهار. والشيخ زين الدين البياضي صاحب كتاب الصراط المستقيم، وغيرهم من أجلاء العلماء. قال فيه المحدث الحر العاملي: كان ثقة فاضلا شاعرا عابدا زاهدا ورعا. وقال فيه العلامة المجلسي: وكتب الكفعمي أغنانا اشتهارها وفضل مؤلفها عن التعرض لحالها وحاله. وقال فيه العلامة الخوانساري: الشيخ العالم الباذل الورع الامين والثقة النقة الاديب الماهر المتقن المتين. أقام الشيخ الكفعمي رحمة الله عليه مدة في كربلاء المقدسة، ثم عاد إلي جبل عامل وتوفي فيها، وبها دفن. له مؤلفات كثيرة، أهمها: البلد الامين والدرع الحصين، ومحاسبة النفس، والمقام الاسني، وتاريخ وفيات العلماء، وتعليقات علي كشف الغمة، والتلخيص في مسائل العويص، ومسائل العويص للشيخ المفيد رحمة الله عليه، وجنة الأمان الواقية وجنة الإيمان الباقية المعروف بمصباح الكفعمي لسبقه

بمصباح المتهجد للشيخ الطوسي، وعلي منواله نسج الكفعمي، وهو كبير كثير الفوائد.

() محاسبة النفس: ص38 النهي عن تضييع العمر.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص474 ق6 ب6 ف2 ح10838.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص474 ق6 ب6 ف2 ح10843.

() مستدرك الوسائل: ج12 ص143 ب90 ضمن ح13731.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص474 ق6 ب6 ف2 ح10835.

() مستدرك الوسائل: ج12 ص142 ب90 ضمن ح13731.

() الصحيفة السجادية: من دعائه عليه السلام في مكارم الأخلاق ومرضي الأفعال.

() سورة الأنعام: 132.

() سورة طه: 75.

() سورة النمل: 19.

() سورة البروج: 11.

() سورة آل عمران: 104.

() سورة الأنبياء: 73.

() سورة الحج: 77.

() سورة المؤمنون: 61.

() سورة طه: 114.

() سورة الروم: 22.

() سورة الزمر: 9.

() سورة المجادلة: 11.

() سورة البقرة: 152.

() سورة آل عمران: 41.

() سورة آل عمران: 191.

() سورة الأعلي: 14 15.

() الخصال: ج1 ص178 باب الثلاثة ح239.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص152 ق1 ب6 ف4 ح2799.

() الكافي: ج8 ص68 حديث علي بن الحسين عليه السلام ح24.

() أعلام الدين: ص311 من كلام الإمام أبي الحسن علي بن محمد بن الرضا عليه السلام.

() غوالي اللألي: ج1 ص289 ف10 ح146.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص105 ق1 ب3 ف4 ح1879.

() وسائل الشيعة: ج4 ص121 ب3 ح4681.

() الأمالي، للشيخ المفيد رحمة الله عليه: ص205 المجلس23 ح36.

() سورة المجادلة: 11.

() جامع الأخبار: ص37 ف20 في العلم.

() بحار الأنوار: ج1 ص174 ب1 ح39.

() بصائر الدرجات: ج1 ص4 ب2 ضمن ح2.

() معاني الأخبار: ص321 باب معني قول النبي صلي الله عليه و اله بادروا إلي رياض الجنة ح1.

() الأمالي، للشيخ الطوسي رحمة الله عليه: ص7 المجلس1 ح8.

() بحار الأنوار: ج91 ص127 ب32.

() الكافي: ج2 ص499 كتاب الدعاء باب ذكر الله عزوجل

ح2.

() المحاسن: ج1 ص38 ب32 ح42.

() المحاسن: ج1 ص39 ب34 ح44.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.