القواعد الفقهية

اشارة

اسم الكتاب: الفقه، القواعد الفقهية

المؤلف: حسينى شيرازى، محمد

الموضوع: قواعد فقهى

اللغة: عربي

عدد المجلدات: 1

مقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام علي محمّد وآله الطاهرين

هذا هو كتاب (القواعد الفقهية)(1) ألّفته بإيجاز ليكون مرشداً لمن أراد الإطلاع علي هذا الجانب الفقهي، وهو من الأهمية بمكان، لأن اُلوف المسائل تتفرّع منها.

وقد ذكرها الفقهاء في كتبهم الفقهية بمختلف المناسبات إجمالاً أو تفصيلاً.

قال الإمام الرضا (ع): (علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع)(2).

وقال الإمام الصادق (ع): (إنَّما علينا أن نلقي عليكم الأصول وعليكم أن تفرّعوا)(3).

وقد ذكرنا في الكتاب بعض ما يتفرّع علي تلك القواعد من المسائل الشرعية.

وهذه القواعد علي قسمين:

الأول: ما ورد التصريح بها في الشريعة، فيمكن استخراج الفروع منها ابتداءاً.

الثاني: ما استنبطها الفقهاء من الأدلة، وجعلوها قاعدة لاستخراج الأحكام منها. وهذه إنما يفرع عليها إذا كان الفرع من مصاديق تلك الأدلة أو قام الإجماع علي ذلك الفرع وإلاّ فهي بما هي هي لا شأن لها كما هو واضح.

وأسأل الله سبحانه التسديد والنفع والقبول وهو المستعان.

محمد الشيرازي

15 صفر 1413 ه

قم المقدسة

1 يمكن أن يُعدّ هذا الكتاب مدخلاً ومقدمةً للفقه بلحاظٍ، ومن (الفقه) بلحاظ واعتبار آخر كما لا يخفي.

2 وسائل الشيعة: ج 18، ص 41، ح 52.

3 وسائل الشيعة: ج 18، ص 40، ح 51.

الفصل الاول: قاعدة اليد

أدلة القاعدة

(قاعدة اليد): وقد استدل بها الفقهاء في مختلف أبواب المعاملات وغيرها.

والدليل عليها قبل الإجماع المقطوع به في كلامهم، وإن كان يستشكل بأنه محتمل الإستناد، والسيرة المستمرّة، وبناء العقلاء، وقد وردا علي لسان الشرع حيث قال سبحانه: (يتّبع غير سبيل المؤمنين)(1). والسيرة معناها: سبيل المؤمنين. وفي الروايات: (لو لم يجز هذا لما قام للمسلمين سوق)(2) كما في رواية حفص. (ومن استولي علي شيء منه فهو له(3) كما في رواية يونس، إلي غيرها:

جملة من الروايات:

كرواية حفص المروية في الكتب الثلاثة عن

الصادق (ع): (أرأيت إذا رأيتُ شيئاً في يد رجل أيجوز لي أن أشهد أنه له؟ قال (ع): نعم، فقال الرجل: أشهد أنه في يده ولا أشهد أنه له فلعله لغيره؟ فقال أبو عبد الله (ع): أفيحلّ الشراء منه؟ قال: نعم، فقال أبو عبد الله (ع): فلعلّه لغيره فمن أين جاز لك أن تشتريه ويصير ملكاً لك، ثم تقول بعد الملك: هو لي وتحلف عليه، ولا يجوز أن تنسبه إلي من صار ملكه من قبله إليك؟ ثم قال أبو عبد الله (ع): لو لم يجز هذا لم يقم للمسلمين سوق)(4).

أقول: المسألة لها صور متعدّدة:

1 قد يكون في يده ويقول: أنه ملكه، ولا إشكال فيه.

2 وقد يقول أنه ليس ملكه، ولا إشكال.

3 وقد لا يعلم ذلك وهو لا يصرّح بالملكية أو عدمها مع صلاحيته للقول، وهذا لا دليل علي أن نتصرف فيه تصرف من يحق له ذلك بالنسبة إلي أملاك الناس، مثل التصرف في بيت من تضمنته الآية(5).

والرواية المذكورة لا تشمله، لأن الإمام (ع) ذكر مثال (تشتريه) وهو في ادعائه الملكية، إذ لا يحتاج الأمر إلي اللفظ، بل يكفي قرائن الملك ولو بالبيع والهبة ونحوهما، فلا إطلاق للرواية ليشمل المورد المذكور، خصوصاً ولا سيرة ولا بناء للعقلاء في مثل ذلك.

4 وقد يكون بلا صلاحية للقول، وذلك لمن صار مجنوناً أو مات أو ما أشبه، ولا يبعد أن يشمل الدليل ذلك.

فإذا وجدنا في صندوقه أموالاً، أو في بيته، أو كان جالساً في البيت ولم نقطع بأنها ليست له، قسَّمناه بين ورثته، كما نجعل ما تحت يد المجنون له في تصرف الولي فيه تصرف ما ملكه المجنون.

وبذلك تبيّن حال ما تحت يد الصغير كما ذكره الفقهاء في كتاب اللقطة(6).

ورواية

مسعدة عن الصادق (ع) قال: سمعته يقول: (كل شيء هو لك حلال حتي تعلم أنه حرام بعينه فتدعه من قبل نفسك، وذلك مثل الثوب يكون عليك وقد اشتريته ولعلّه سرقة، والمملوك عندك لعله حرّ قد باع نفسه، أو خدع فبيع قهراً، وامرأة تحتك وهي أختك أو رضيعتك، والأشياء كلها علي هذا حتي يستبين لك غير ذلك أو تقوم به البينة)(7).

وقد ذكرنا في (الفقه) أن الاستبانة عرفية، وهي تحصل بالثقة، كما هي عادة العرف في كافة شؤونهم، فإنّ ركّاب الطائرة يسلّمون أنفسهم وأموالهم إلي الطيّار، وكذا الملاّح والسائق، مع أنه واحد، ويضع المريض جسمه تحت تصرّف الطبيب لإجراء العملية الجراحية وهكذا.

أمّا قيام البيّنة [التي هي عبارة عن شاهدين كما ادعي القطع عليه جماعة اصطلاحاً وإن كان خلاف اللغة والمستعمل في القرآن الحكيم (حتي تأتيهم البيّنة)(8) وغيره] فإن الحاجة إليها في مقام الشهادة فقط، إذ لا دليل علي أكثر من ذلك.

والإشكال في الرواية بأنها لا تدل علي قاعدة اليد غير سديد، فإن من أظهر ما تدل عليه بالملاك القطعي أو الإطلاق هو ذلك، فإن الإنسان إنما يعتمد علي بائع الثوب والمملوك وعلي قول المرأة ونحوها.

والمروي عن الصادق (ع) في قصة فدك: أنّ مولانا أمير المؤمنين (ع) قال لأبي بكر: (أتحكم فينا بخلاف حكم الله تعالي في المسلمين؟ قال: لا، قال: فإن كان في يد المسلمين شيء يملكونه ادعيت أنا فيه من تسأل البيّنة؟ قال: إياك كنت أسأل البيّنة علي ما تدعيه علي المسلمين، قال (ع): فإذا كان في يدي شيء فادعي فيه المسلمون تسألني البينة علي ما في يدي وقد ملكته في حياة رسول الله (ص) وبعده، ولم تسأل المؤمنين البينة علي ما ادعوا عليّ كما سألتني

البينة علي ما ادعيت عليهم؟ إلي أن قال: وقد قال رسول الله (ص): البينة علي من ادعي واليمين علي من أنكر)(9).

فإن الرواية صريحة في حجية اليد وهي تدل علي الملك، وأن المدَّعي، عليه إقامة الدليل.

قضية فدك

ولا يخفي أن قضية (فدك) كانت واضحة وإنما السلطة هي التي أرادت أن تمنح الشرعية للخليفة كما هو دأب الحكومات دائماً، ولذا نري في التاريخ أن خلفاء الجور ردوا فدك تارة وغصبوها أخري، إلي أربع عشرة مرة أو أكثر.

وأما أن الإمام (ع) لم يسترد فدكاً عند تسلّمه السلطة، فلما أشار إليه في نهج البلاغة، ولعلّ السرّ الواقعي هو أن الإمام (ع) أراد شيئين:

الأول: إبقاء الظلامة حتي تكون دليلاً علي اغتصاب الخلافة.

الثاني: انه قضية مهمّة، إلاّ أن الأهم هو قضية الخلافة، فإن العقلاء دائماً يتركون المهم لصالح الأهم، حتي لا ينشغلوا عن الأمر الأهم، لقاعدة (الأهم والمهم).

ورواية حمزة بن حمران: (أدخل السوق فأريد أن أشتري جارية تقول: أني حرّة؟ فقال (ع): اشترها إلاّ أن يكون لها بيّنة)(10).

فإن (اليد) لو لم تكن حجّة كان اللازم علي البائع أن يأتي بالبيّنة، والمراد بالبينة في الرواية:

إما العلم من القرائن، إذ ربما تدل القرائن علي ذلك، مثلاً يحقق الحاكم من البائع عن وقت تملّكها وبأي سبب وما أشبه، ثم يسأله ثانياً، ليري التطابق بين الجواب الأول والثاني، وما أشبه ذلك، ليظهر زيف ادعائه.

أو خصوص الشاهدين، ولكنه من باب المثال الغالب.

وقد كشف أمير المؤمنين (ع) صدق مدّعي السيادة في قصة مشهورة ادعي كل منهما انه السيد والآخر العبد.

ومثل الرواية السابقة: صحيحة العيص (عن مملوك ادعي أنه حرّ ولم يأت ببيّنة علي ذلك، أشتريه؟ قال (ع): نعم)(11).

ولا يخفي أنه لو علم حريته وأنه غصب أو ما أشبه،

كان له أن يعمل حسب الواقع من الهروب ونحوه.

وموثقة يونس في المرأة تموت قبل الرجل أو رجل يموت قبل المرأة، قال (ع): (ما كان من متاع النساء فهو للمرأة، وما كان من متاع الرجال والنساء فهو بينهما، ومن استولي علي شيء منه فهو له(12).

ولا يخفي أنه لو كان من متاعهما أو لم يكن من متاعهما أو متاع الطفل كان اللازم إعمال قاعدة (العدل) إذا لم يكن بيّنة ونحوها.

وقد ذكرنا تفصيل هذه المسألة في (الفقه)، والمراد هنا أن الإستيلاء دليل الملك، فيأتي في شريكين في محلّ تجاري أو في غرفة المدرسة، مثلاً كان أحدهما يدرس شرح اللمعة والآخر يدرس الكفاية فلكل منهما ما يدرس فيه، أما إذا كان مثل كتاب اللغة حيث تعمّ الحاجة إليه، أو لم تكن لأحدهما إليه حاجة، فهو لهما، إلي غير ذلك.

ورواية العباس بن هلال عن الرضا (ع): (ذكر أنه لو أفضي إليه الحكم لأقر الناس علي ما في أيديهم ولم ينظر في شيء إلاّ بما حديث في سلطانه، وذكر أن النبي (ص) لم ينظر في حدث أحدثوه وهم مشركون وأن من أسلم أقرّ علي ما في يده(13).

والظاهر أنها أعم ممّا في اليد، بل المراد انطباق حديث (الجب)(14) عليهم كما ذكرناه في كتاب (الفقه: الدولة)(15) وغيره.

المراد من (اليد)

ثم المراد من (اليد) في الروايات وكلام الفقهاء: ما كان تحت السلطة، سواء سلطة نفسه أو وكيله كالودعي والمستأجر والمستعير والمضارب ونحوهم بعد اعترافهم بأنه لأولئك، وإن كان الشيء في يد آخر لا يعلم بأنه لمن، كما إذا كان بستان أو دار تحت سلطة زيد، وكان الساكن فيهما جاهلاً بالمالك.

وقد ذكرنا في (الفقه) في مسألة (علي اليد ما أخذت)(16) أنه يشمل السيطرة كما إذا غصب الظالم

أملاك الناس وسجّلها باسمه بحيث صارت تحت سلطته وإن كان أربابها الواقعيّون ساكنين فيها فإن يدهم ضعيفة ويشمل (علي اليد) يد الغاصب كما هي العادة لدي الحكومات الظالمة.

وإذا كان هناك استيلاءان أي يدان علي شيء فهو لهما بصورة متساوية، أو مختلفة، كما إذا كانت الدار ذات طوابق واثنتان في يد أحدهما وواحدة في يد ثان.

وكذلك إذا كان الإستيلاء علي البستان علي نحو التثليث أو التربيع أو ما أشبه.

وإذا لم نعلم أن حصة الإثنين متساوية أو مختلفة فالأصل الأول.

وإذا ادعي أحدهما الأكثر فعليه البيّنة.

وإذا كانت هناك يدان أو أكثر إلاّ أن الملكية ظاهرة لأحدهما كان له، كما إذا جلس في السيارة السائق والركاب فالظاهر أنها له دونهم، وكذلك حال السائق ومعاونه، وقد ذكر الفقهاء مسألة الراكب وآخذ الزمام والسائق للدابة.

وإذا تبادل اثنان قيادة السيارة مثلاً كان بينهما أيضاً، إلاّ أن يقيم أحدهما الدليل علي أنها أو أكثرها له علي موازين الدعوي.

وكذلك لو أخذا طرفي الحبل يتنازعان فهو بينهما كذلك.

ولو ترتّبت الأيدي كان للاّحق، إلاّ أن يقيم السابق البينة علي الكل أو البعض.

ولا فرق في ما ذكر بين مسلمَيْن وكافرَيْن، رجلَيْن أو امرأتيْن، أو بالإختلاف، وكذلك حال غير البالغَيْن المميّزَيْن فيما لو قلنا بكراهة معاملتهما كما ذكره في الشرائع حيث إن يد الطفل تكون حجة حينئذ بخلاف المجنونَيْن.

والحاصل: أن حال الفردَيْن هو كالفرد الواحد، وبعض الكلام مذكور في كتاب (اللقطة).

إطلاق أدلة اليد

ولا فرق في حجية اليد بين من غلب عليه الغصب كالسارق والظالم أو لا، لإطلاق الأدلة، وليس الإعتبار بالظن حتّي يقال: لا ظن في الأولين.

ثم لو كانت يده عادية وبعد ذلك شك في أنها هل صارت شرعية أو أمانة مالكية كان الإستصحاب محكّماً، لأنه يوسع دائرة الموضوع.

فلا

يقال: أن اليد أمارة والإستصحاب أصل وهي مقدمة عليه كما نبه علي مثل ذلك الشيخ (قدس سره) في بعض مباحث الرسائل.

وسيرة العقلاء أيضاً علي ذلك فمن عرفوه بأنه غصب دار زيد ثم احتملوا شراءها منه أو ما أشبه يحكمون بالغصبية حتي يقيم الدليل.

وكذلك الحكم بالنسبة إلي حال سائر المحرمات، مثلاً: لو علمنا أن الدار وقف ثم رأيناه يبيعها، فإننا لا نقول أن موجب بيع الوقف قد حصل له.

أو علمنا أنه صحيح الجسم حاضر ثم رأيناه يفطر مما احتملنا مرضه أو سفره، أو رأيناه يشرب الخمر، وكما إذا علمناها متزوّجة ثم رأيناها مع إنسان آخر يباشرها واحتملنا أن الأول لم يدخل بها وطلّقها قبل ساعة وتزوّجها الثاني حتي تكون المباشرة شرعية، إلي غير ذلك من الأمثلة الكثيرة.

لا يقال: فلماذا لا تحكمون بالإستصحاب فيما إذا رأيتم امرأة مع رجل، أو شخصاً يبيع فاكهة ولا بستان له، أو رأيتم ميتاً دفن ولم تعلموا بغسله، فالإستصحاب يقتضي عدم الحلية في الأولين وعدم جواز الثالث؟

لأنه يقال: في كل مورد جرت (السيرة) ونحوها فنقول بخلاف الإستصحاب، وإلاّ كان الإستصحاب محكّماً، وقد ألمعوا إلي مثل ذلك في الأراضي المفتوحة عنوة حيث رأينا المسلم يعاملها معاملة الملك.

ويؤيّد المستثني سؤال علي (ع) عمّن أفطروا في شهر رمضان.

والظاهر الفرق بين العلم الوجداني بأن الدار كانت لغيره ولا مدعي، حيث يحكم باليد بلا يمين ولا بيّنة، وذلك للسيرة القطعية وبناء العقلاء والروايات، لأن أكثر الدور والدكاكين والحمامات بل والمنقولات يُعلم أنها لم تكن لذي اليد سابقاً ومع ذلك إذا رأيناها عند إنسان يُحكم بصحة يده كما أشارت إلي ذلك الرواية السابقة.

وبين ما إذا كان مدع فإن من بيده يلزم عليه أن يحلف إذا لم يأت المدعي

بالبينة وذلك لقوله (ص): (البيّنة علي من ادّعي واليمين علي من أنكر)(17).

أمّا طلب أبي بكر من فاطمة عليها السلام البيّنة إضافة إلي أنه خلاف مقتضي قاعدة اليد فقد عرفت أنه كان ذريعة وعُذراً، كان الهدف هو الغصب بالقوّة، لا بالمنطق والبرهان، فإن فدك كانت ملكاً للرسول (ص).

وحينئذ فهي للزهراء عليها السلام، سواء أعطاها إياها هبةً كما هو كذلك أو تصرّفاً فقط لأنها حينئذٍ تصبح إرثاً علي تفصيل ذكرناه في (الفقه)(18).

ولو فرضنا أنّ يده (ص) كانت يد ولاية فقط فبالإضافة إلي النقض بسائر أموال الرسول (ص) وأنهم أقرّوا سائر الزوجات علي مالكيتهنّ لحجرة الرسول إلي سائر أثاثه (ص) التي خلفها أن الأصل عدم التصرّف الولائي وإلاّ لم يكن (ص) أُسوة كما ذكرناه في بعض مباحث (الفقه).

ومما تقدّم يعلم أنه لو أقرّ أن الدار كانت لغيره أو قامت بذلك البيّنة أو حكم بذلك الحاكم ولم يكن مدع، فعند ذلك يُقَرَُّ علي أصالة صحة عمله في معاملته لها، وإن كان مدَّع فالكل سواء في احتياج ذي اليد إلي البيّنة.

نعم، إذا ادّعي مدع أن الدار التي ورثها زيد كانت قبل مائة سنة لجدّه وأنها كانت عارية بيد جد الوارث ولم يكن للوارث بينة الإنتقال، لم يسمع دعوي المدعي كي يقال للوارث: أقم البيّنة، بل المدعي يحتاج إليها، وذلك لعدم اعتبار مثل هذه الدعوي عند العقلاء فلا تشملها الأدلّة.

ومما تقدم ظهر أنه لا فرق في ادعاء المدعي علي صاحب اليد أن يدعي كلاهما الملك أو الإجارة أو نحوها أو بالإختلاف بأن يقول الأول: أنها ملكه وصاحب اليد غاصب أو مستأجر أو وديعة أو عارية عنده أو ما أشبه، أو يكون العكس بأن يدعي الأول أن الدار لزيد وأنها في إجارته،

وأن صاحب اليد غاصب أو نحوه، وذلك لوحدة الدليل والملاك في الجميع.

وكذا لا فرق فيما ذكر بين الأعيان والمنافع والحقوق مثل حق الرهانة وحق التولية وحق الاختصاص في مثل الميتة المحرمة إذا قلنا بأنها لا تباع وإنما له حق الإختصاص بحيث لا يحق لأحد مزاحمته.

وكذلك سائر النجاسات التي تتخذ للأسمدة في المزارع ونحوها، لكنا ذكرنا في (الفقه) عدم استبعادنا صحة بيعها، حتي الخمر تُتَّخذ لهدف قتل الديدان في البالوعة مثلاً وإن كان في الأخير تأمّل من جهة قوّة أدلّة المنع.

اللّهمّ إلاّ أن يقال: بانصرافها إلي مثل الشرب والدواء لا مطلقاً.

شمولية قاعدة اليد

وكما تجري قاعدة اليد في الموارد المتقدمة تجري في النسب والأعراض كما إذا قال ذو اليد: أن المجنون أو الصبي ولده، وأن المرأة التي في بيته زوجته، فالمدعي يحتاج إلي البينة، وذلك للملاك وبناء العقلاء والسيرة من غير ردع.

ولا يبعد جريان قاعدة اليد بالنسبة إلي يد الإنسان نفسه فيما إذا لم يزاحمه مزاحم، كما إذا وجد في داره أو صندوقه أو دكانه مجهولاً يحتمل أن يكون له، احتمالاً عقلائياً، لا فيما إذا كان الناس يتراودون إلي ذلك المكان، أو كان مشتركاً، مما يضعف احتمال كونه له.

ويدل علي المستثني بالإضافة إلي السيرة وبناء العقلاء بعض الروايات المعمول بها عند المشهور:

كصحيحة جميل بن صالح عن الصادق (ع): رجل وجد في منزله ديناراً؟ قال (ع): يدخل منزله غيره؟ قلت: نعم كثير، قال (ع): هذا لقطة، قلت: فرجل وجد في صندوقه ديناراً، قال (ع): يدخل أحد يده في صندوقه غيره أو يضع فيه شيئاً؟ قلت: لا، قال: فهو له(19).

والمراد ب (غيره) في الحديث الشريف: من يحتمل أن يكون له، لا إذا دخل داره من يقطع بأنه لا يرتبط بالمال

الذي وجد فيها وكذلك حال الصندوق وغيرهما، فاليد في المستثني قد سقطت عن الحجية باحتمال أنه لغيره، للداخلين والواضعين.

أما موثّقة إسحاق (عن رجل نزل في بعض بيوت مكّة فوجد فيها نحواً من سبعين درهماً مدفونة، فلم يزل معه ولم يذكرها حتي قدم الكوفة كيف يصنع؟

قال (ع): يسأل عنها أهل المنزل لعلّهم يعرفونها، قلت: فإن لم يعرفوها؟

قال (ع): يتصدّق بها)(20).

فإنها لا تعارض الصحيحة لأن ظاهرها علمه بأنها ليست له.

وما ذكرناه لا فرق فيه بين المسلم والكافر، إلاّ إذا كان لهم قانون غير ذلك، حيث يشمله قانون (الإلزام) حينئذ.

وقد ذكرنا في بعض مباحث (الفقه) أن هذا القانون ينطبق لهم وعليهم، ولهذا يزوّج المجوسي باُخته.

نعم، إذا تعارض مع مسلم قدِّم قانون الإسلام لأنه يعلو(21).

سوق المسلمين وأرضهم

ثم إنه لا إشكال في أن يد المسلم حجّة علي الحليّة والتذكية، وكذلك سوق المسلمين وأرضهم وقد ذكرنا روايات الأرض في كتاب (الفقه: اللقطة)(22) لكن السوق أقوي في الحجة من الأرض، مثلاً: لو كان في بلد الكفر سوق للمسلمين، فإن السوق حاكم، وإذا كان سوق من الكفار في أرض الإسلام كان السوق أيضاً حاكماً.

نعم، إذا كان سوق في أرض الإسلام ولا نعلم هل هو للمسلم أو للكافر؟ حكم أنه للمسلم تبعاً للأرض، وفي عكسه: لو كان سوق في أرض الكفار ولا نعلم انه للكافر أو للمسلم؟ حُكِم أنه للكافر.

ولا يبعد القول بكفاية أحد ثلاثة أشياء بالإضافة إلي (اليد):

1 الأرض.

2 والسوق، إذا كانا للمسلمين.

3 وكذا إذا كان الحاكم مسلماً، وإن كانت الأكثرية كفاراً، فإنه أيضاً بلد الإسلام.

ويدلّ عليه، أن البلاد التي فتحت علي أيدي المسلمين كانت الأكثرية فيها كفاراً، لأنهم ما كانوا يجبرون الناس علي الإسلام، كما دلّ علي ذلك تاريخ رسول الله (ص) حيث

لم يجبر أهل مكة وأهل المدينة وأهل البحرين وأهل اليمن وغيرها علي الإسلام.

بل أن ظاهر التواريخ يدل علي أن أكثر أهل المدينة في بداية هجرة رسول الله (ص) إليها كانوا كفاراً، حيث ذكروا أنه لم يكن بيت إلاّ فيه مسلم أو مسلمة، ومع ذلك لا شك أنها كانت بلد الإسلام ولعلّ قانون (الإسلام يعلو ولا يُعلي عليه)(23) يشمله.

ومنه يعلم حال الأرض والبلد والسوق الذي يتساوي فيها وجود المسلمين والكافرين حيث يحكم بأنه للإسلام، وإن كان الاحتياط اللزومي خلافه، لأن ظاهر الروايات أن يكون الأكثر مسلماً.

ففي رواية إسحاق بن عمار عن العبد الصالح (ع): (لا بأس في الصلاة في الفراء اليماني وفيما صنع في أرض الإسلام، قلت: فإن كان فيها غير أهل الإسلام؟ قال: إذا كان الغالب عليها المسلمون فلا بأس)(24).

اللّهمّ إلاّ أن يقال: أن المراد بالغالب غلبة الحكومة لا غلبة الأفراد فيكون دليلاً علي كفاية كون الحاكم مسلماً وإن كان الغالب علي الناس الكفر.

أمّا رواية إسماعيل بن موسي عن أبيه (قال: سألت أبا الحسن (ع) عن جلود الفراء يشتريها الرجل في سوق من أسواق الجبل أيسأل عن ذكائه إذا كان البائع مسلماً غير عارف؟ قال (ع): عليكم أنتم أن تسألوا عنه إذا رأيتم المشركين يبيعون ذلك، وإذا رأيتم يصلّون فيه فلا تسألوا عنه)(25).

فالظاهر أن المراد كفاية يد غير الشيعي، لأن (العارف) اصطلاح علي الشيعي في لسانهم، كما يعرف من بعض الروايات الأُخر مثل: (لا توضع العارفة إلاّ عند العارف)(26).

وذكر (يصلّون) لأن ما باعه المسلم يصلّي فيه، فيد المسلم مطلقاً حجة، لا يد الكافر أيّ قسم كان، وذكر الشرك من باب المثال أو من جهة أن كل كافر مشرك، ولذا قال سبحانه: (فتعالي الله عمّا يُِشْركون)(27)

فلا يحكم عليها بالصحّة إلاّ بعد الفحص، مثل أن يكون الكافر قد اشتراه من مسلم أو من سوقهم أو أرضهم أو أن ذابحه كان مسلماً.

وإذا سبقت يد الكافر علي المسلم، فالظاهر عدم الاعتبار بيد المسلم لاستصحاب عدم التذكية، وفي عكسه الاعتبار لأصالة التذكية مما لا تضرها يد الكافر الحالية.

وإذا تواردت يدان لمسلم وكافر ولم نعلم أن أيتهما السابقة من اللاحقة، كان الأصل أيضاً عدم التذكية لعدم تحقق الموضوع، كما ذكر في توارد الوضوء والحدث، ولم يعلم السابق منهما.

وإذا كان الحيوان مثلاً في يدهما معاً فالأصل: الكفاية، لأنه في يد المسلم، ويد الكافر كالحجر إلي جانب الإنسان.

ومن ذلك يعرف حال ما لو كان هناك مسلم وتلاميذه كفّار، وبالعكس.

ولا فرق في ما ذكر بين أن تكون ذبيحة متكاملة بعضها في يد المسلم وبعضها في يد الكافر، أو ذبيحة شقّت نصفين نصف في يد هذا ونصف في يد ذاك مثلاً.

إذا عرفت هذا.. فهل أن يد الكافر أمارة عدم التذكية، كما أن يد المسلم أمارة التذكية؟

اختلف الفقهاء في ذلك، فعلي الأول يتعارض الاستصحابان، وعلي الثاني تكون يد المسلم أقوي لأن الاستصحاب الأصل محكوم بأمارة اليد.

والمسألة طويلة البحث، وقد ذكرها صاحب الجواهر والشيخ، وقد أشرنا إلي بعض المبحث في (الأصول).

وإن كان لا يبعد أن يد الكافر لا أمارية لها لا أنها أمارة العدم.

ولا فرق في الكافر بين أن يكون يذكر اسم الله عليه أو لا يذكر، ولا بين أن يكون موحداً أو مشركاً، إذ لا دلالة في قوله تعالي: (لم يُذكَر اسمُ الله عليه)(28) و (ذكر اسم الله عليه)(29) علي ما نحن فيه.

كما لا فرق في المسلم بين المبالي وغير المبالي، ولا بين ما إذا علمنا انه لم يعمل بالشرائط

أم لا، إذ الأمارة حجّة في باب الشك لا مطلقاً.

ولو كان مسلم وكافر شريكين في الأغنام، فإن كان البائع مسلماً كفي، وإن كان كافراً لم يكف شراكة المسلم في الملك.

ولا فرق في المسلم بين المؤمن والمخالف والمنافق لأنهم مسلمون ظاهراً أي في المعاملات الإسلامية كما عاملهم الرسول (ص) وعلي (ع) علي ذلك.

قول ذي اليد

ثم الظاهر قبول قول ذي اليد في الطهارة والنجاسة، والحليّة والحرمة، والقبلة، والكريّة وعدمها، والملكية والغصبية، والرضاع والقرابة وغيرها.

وقد استدل لجملة منها بالإجماع، وفي الأوّلين قال صاحب الحدائق (قدس سره): ظاهر الأصحاب الاتفاق عليه.

ويدل علي الجميع: سيرة المتديّنين، وبناء العقلاء في كل الأمور المربوطة بإنسان لا ينازعه فيه منازع، وما نحن فيه منه، ولم نجد ردعاً من الشارع، بل الظاهر أنه من الاستبانة في رواية مسعدة(30)، وإن ذا اليد أهل خبرة وقولهم حجة كما تقدم، ولذا تري الإنسان يسلم نفسه وعرضه وماله إليهم.

وفي المقام بعض الروايات كصحيح معاوية بن عمار (عن الرجل أهل المعرفة بالحق يأتيني بالبختج ويقول: قد طبخ علي الثلث، وأنا أعرفه أنه يشربه علي النصف، فاشربه بقوله، وهو يشربه علي النصف؟ فقال (ع): لا تشربه، قلت: رجل من غير أهل المعرفة ممن لا نعرفه أنه يشربه علي الثلث ولا يستحله علي النصف يخبر أن عنده بختجاً علي الثلث قد ذهب ثلثاه وبقي ثلثه يشرب منه؟

قال (ع): نعم)(31).

فإن تتمّة الخبر يدل علي حجية قول ذي اليد، وإن لم يكن من أهل المعرفة.

وبذلك تبيّن أن الكافر كذلك أيضاً، لوحدة الملاك.

أما صدر الرواية فإن المسقط لحجية قول ذي اليد هو الإطمينان بكذبه، والعقلاء لا يعتمدون في مثل هذا، فمثلاً: إذا علمنا أن سائق السيّارة جاهل بالطريق، لامتنعنا من الركوب فيها معه، وهكذا في

سائر الموارد.

ومثل الصحيح السابق صحيحة معاوية بن وهب (عن البختج إذا كان هو يخضب الإناء وقال صاحبه: قد ذهب ثلثاه وبقي ثلثه فاشربه)(32).

وخضب الإناء لأنه بدونه أمارة كذبه، والكلام فيما لا أمارة علي خلاف قول ذي اليد.

وبذلك يظهر أن ما اشترط فيه شيئاً زائداً محمول علي الأفضلية لصراحة الصحيحين السابقين، وعمل المشهور بهما، وجريان السيرة العملية علي ذلك.

فعن عمار فيمن يأتي بالشراب ويقول: هو مطبوخ علي الثلث؟ فقال (ع): (إن كان مسلماً ورعاً مؤمناً فلا بأس أن يشرب)(33).

وفي خبر ابن جعفر: (لا يصدَّق إلاّ أن يكون مسلماً عارفاً).

ولذا نجدهم لا يشكّون إذا قال صاحب الدار أو صاحب الأثاث: انه ملكي أو انتفاعه لي بإجارة ونحوها، في انهم ينتفعون به، وإذا قال: انه غصب أو وقف ولست متولياً ولا مأذوناً، لا يمسّونه.

وكذا إذا قال: انه لحم ميتة، وفي عكسه بأن قال: انه مذكي.

ولا فرق بين القول والفعل بأن قدَّمه لضيوفه.

وهكذا حال الأم إذا قالت: أنا أرضعتك العدد المحرّم بشرائطه، أو قالت: إن الرضاع لم يكن بالشرائط.

أو قال صاحب المطعم: انه لحم غنم أو لحم أرنب، إلي غيرها من الموارد، بل ويأتي في كل ذلك قوله (ع): (لَما قام للمسلمين سوق)(34).

بل نراهم يعتمدون علي الأوزان والموزونات والموادّ الغذائية المركّبة وما أشبه، كمن قال: انه رطل أو صاع أو وسق أو كر، أو من قال: إن المعدودات بقدر كذا، فيما يتعارف إعدادها مسبقاً للمشتري، وكذلك الحكم بالنسبة إلي الأدوية المركّبة مع أنها قد تكون خطراً علي الجسم أو العضو، فيما إذا كانت خلاف الواقع أو مركبات الأغذية مما للإنسان عناية بصحّتها.

وقد تقدم أن معني (اليد) الاستيلاء لا أكثر من ذلك.

ولا فرق بين قول ذي اليد وفعله وتقريره لوحدة

الملاك وإطلاق الأدلة في الجميع.

فروع في إقرار ذي اليد

ولو أقرّ ذو اليد لأحد المتنازعين حتي يكون الآخر مدّعياً ويكون المقر له كنفس ذي اليد منكراً، فالظاهر قبوله.

وقد تسالم الفقهاء علي ذلك ولا محذور فيه، إلاّ أنه إقرار علي الغير، والإقرار إنما يقبل علي النفس.

وفيه:

أولاً: إن بناء العقلاء علي ذلك حيث لم يزد المقر علي بقاء المدعي علي كونه مدعياً، وأيّ فرق بين أن يدعي عليه أو علي المقر له.

وثانياً: إن الإقرار غالباً إلاّ فيما إذا خرج بالدليل إقرار علي الغير، وانه وإن كان مصبه عليه إلاّ أنه له أيضاً، و (إقرار العقلاء علي أنفسهم جائز)(35) يشمل الثلاثة.

فلو أقرّ أنه ولده قُبِلَ فإذا كبر الولد وأثري وافتقر الوالد كُلّف الولد بنفقته، وكان إقراراً علي سائر ورثته حتي يشترك معهم أو يتقدّم عليهم ويختصّ بالحبوَة إن كانت.

كما انه إقرار علي الولد بأنه لا يتمكّن أن يتزوّج بزوجة أبيه أو بنته أو ما أشبه ذلك.

ولو أقر أنها زوجته كان إقراراً علي أمها بحرمة تزويجها له، وإقراراً علي أختها وبنتها الربيبة والخامسة وما أشبه.

ولو أقر أنه قَتل فلاناً، كان إقراراً علي الحاكم انه يجب عليه قتله إذا كان الوارث يريد ذلك، أو لم يكن له وارث وكان الحاكم يري الصلاح في قتله.

نعم، فيما لو أقرّ انه قتله خطأً كان إقراراً علي العاقلة بوجوب دفع الدية عليهم فهل يقولون بذلك؟ أم يوجبون الدية علي نفسه لأنه القاتل كما إذا لم تكن له قرابة ولا بيت مال.

أم علي بيت المال، لأنه المعد لمصالح المسلمين، وهذا منه، وإلاّ لذهب دم امرء مسلم هدراً.

ولو أقرّ بأنه مديون لزيد أو انه ابن سبيل كان إقراراً علي بيت المال لنفع نفسه في الثاني وانه يستحق الأخذ منه إن

كان فقيراً بدون هذا المال الذي يعطيه لدائنه.

ولو أقر أنه مستطيع كان إقراراً علي وارثه أن يدافعوا من تركته بعد موته بقدر الحج.

ولو أقرّ بأنه مدين، صلاة وصياماً، كان إقراراً علي ولده الأكبر بالقضاء.

ولو أقر بأنه وقف عام كان إقراراً علي الحاكم بلزوم إدارته، إلي غير ذلك من الأمثلة الكثيرة.

وإن شئت قلت: إن الإقرار ينفذ بلوازمه إلاّ فيما إذا عُلِم بالخروج عنه.

ولو شك في الخروج فاللازم العمل بالإقرار لبناء العقلاء علي ذلك، ولذا لم أجد من خالفه إطلاقاً.

تطبيقات علي القاعدة

ولو اعترف بأن ما في يده لزيد ولعمرو، كلاً بالاستقلال فالمشهور بينهم انه يخسر العين للأول والقيمة أو المثل للثاني لأنه بإقراره الأول فوَّت المال علي الثاني فعليه تداركه، لكنا ذكرنا في (الفقه) أنه خلاف العلم الإجمالي إذ كيف يحكم الحاكم عليه وهو يعلم أنه ليس مطلوباً إلاّ شيئاً واحداً أن يعطي شيئين أو ثلاثة؟! بل ما ذكروه خلاف بناء العقلاء فاللازم التنصيف حسب قاعدة (العدل)، والتثليث إذا أقرّ لثلاثة.

ولو قال: هذا كله للأول ونصفه للثاني كان للأول ثلثان وللثاني ثلث، وهكذا

ولو قال: هذا لهما معاً، ولم يوضّح كيفية الاشتراك، وأنه بالتناصف أو التفاوت، كان مقتضي القاعدة الأول، من غير فرق فيما لو قال: هذا لزيد، ثم قال: لعمرو بأن يكون ذكر الثاني علي نحو الإضراب أو العطف الدال علي عدم الاشتراك.

نعم، إذا أمكن التداعي ونحوه كان منه كما ذكره في الدروس فقول صاحب الجواهر (قدس سره): (مقتضي قوله (ع): (إقرار العقلاء)(36) نفوذ كلا الإقرارين فتعطي العين للأول والمثل أو القيمة للثاني) محل نظر.

ولو قال: زوّجت بنتي لزيد ثم قال: لعمرو، ولم يمكن الفحص عن الحقيقة، فاللازم إجبار الحاكم الشرعي إياهما بالطلاق إن لم تصبر البنت علي

كونها معلقة ثم تتزوّج بمن شاءت، وهذا من الإجبار الشرعي كما ذكر صاحب الجواهر (قدس سره) مثله في باب الصلح في شبه هذه المسألة.

ولو قال: قتل ولدي زيد ثم قال: قتله عمرو ولم تُعرف حقيقة الحال، إلاّ أنّ المؤكّد أن القاتل أحدهما، لا يكون قصاص، ل (درء الحدود بالشبهات)(37) وحيث تبيّن انحصار الأمر فيهما جرت قاعدة العدل في تقسيم الدية بينهما.

هذا كلّه إن لم نقل في الموارد المذكورة بالقرعة، وإلاّ كان المجال لها.

ومثله لو قال: هذا ابني، لا بل هذا وأشار إلي غيره وتيقّن الحاكم أن أحدهما ابنه، فاللازم إجراء القاعدة في مثل إرثه وإرثهما، كما أن اللازم الاحتياط في مثل الفروج فلا يتزوّج أحدهما بنته لاحتمال كونها أخته.

ولو قيل بجريان البراءة في كل واحد منهما والبنت، أشكل بأن الحاكم كيف يفتي وهو عالم بأن أحد حكميه باطل؟ فإذا أفتي بتزويج زيد الأول لها، وبعد الطلاق أفتي بتزويج عمرو الثاني لها، قَطَع بأن فتواه أدّي إلي زواج الأخ بأخته.

ومثله في المنع: ما إذا جاءه رجلان وامرأتان وكل يريد الزواج بأحدهما، والحاكم يعلم بأن رجلاً وامرأة من هؤلاء أخ وأخت فهل يتمكن من زواجهما؟ أو زوَّجهما وهو يعلم انه زوَّج أخاً بأخته؟

ومثله لو كانت خنثيان وعلمنا بأن أحدهما ذكر والآخر أنثي، أو أن الرجل الذي يريد الزواج لا يعلم إلاّ أن أحدهما ذكر والآخر أنثي فهل يتمكن من الزواج بهذه تارة وبذلك أُخري؟

جواز الشهادة والحلف

والشهادة والحلف يجوزان مستنداً إلي اليد، لما تقدم من رواية حفص، فإن من المعلوم أن الإنسان إذا ورث من أبيه شيئاً ثم ادعاه مدّع حلف علي عدم صحّة كلامه، مع أن ذلك لا يستند إلاّ إلي يد الأب، إلي غيره من الأمثلة، فإن

أصل الملك وإن كان ابتداؤه بحيازة المباحات أما بعد ذلك يكون بالمعاملات ونحوها، وحيث إن الأب لم يكن الحائز الأول فرضاً ولم يجد الوارث الشيءَ إلاّ في يده أو في يد من باعه، يكون مستنده في حلفه ذلك.

وكذلك لو شهد لصديقه أن الشيء له وهو لا يعلم بذلك إلاّ يده، أو اشتري شيئاً ممّن يقطع بأنه ليس الحائز فرضاً.

وقد ذكرنا في (الأصول) في باب حجّية القطع أن الإمارات والأصول التنزيلية يقومان مقام القطع الطريقي.

هذا وربما يقال: إن (اليد) عند العقلاء كاشفة عن الملكية إذا لم يقم دليل علي العدم، ولذا يري الناس ما في يد الغير أنه ملكه إلاّ إذا قامت الحجّة علي أنه غصب أو وقف أو إجارة أو ما أشبه، والشارع لم يغيّر هذه الطريقة بل أمضاها، ولذا فإن ما يوجد تحت يد الميّت يكون إرثاً للوارث حتي إذا كان الميت كثير المعاملة مع الناس، إلاّ إذا أقام المدعي دليلاً علي العدم، أو علمنا به وجداناً وتنزيلاً.

ويؤيّده الأكل من بيوت من تضمنته الآية(38)، وإن احتمل أن الشيء لغيره وإنما كان في داره وديعة ونحوها، وهكذا الحكم بالنسبة إلي الأمتعة التي كانت تحت تصرفه.

وبذلك تبيَّن جواز الشهادة والحلف وترتيب سائر الآثار كالإرث والتقاص وما أشبه علي ما تحت اليد بالمعني الذي ذكرناه سابقاً لليد.

تعاقب الأيدي

وإذا تعدّدت الأيدي علي شيء واحد بدون تفاوت في الاستيلاء ولا تقسيم بينهما كأن تكون هناك دار وتفرّد أحدهما بغرفة وذاك بأخري كان بينهما علي نحو الشركة مما يحتمل أن تكون قهرية أو اختيارية أو بالاختلاف.

وبذلك أفتي الفقهاء، كما يجده المتتبّع في كتبهم، وذلك: لبناء العقلاء وإطلاق بعض الأدلة المتقدّمة ولو بالملاك.

واحتمال أن تكون الدار لأحدهما والآخر ضيف أو نحوه،

أو هي بينهما بغير التساوي كاحتمال أن يكونا ضيفين مما لا يعبأ به العقلاء.

أما إذا كان الأمر بالتفاوت كما إذا انهدم السقف عليه فمات، ولم نعلم ملكيته، إلاّ أن أحدهما كان في صورة المالك، فهو لورثته دون من كان في صورة المشتري، ونحوهم.

وكذلك الحكم فيما لو مات الركاب بحادث سيارة حكمنا بالسيارة للسائق وهكذا.

وكذلك حال ما كان مقسماً بأن كان أحدهما جالساً في غرفة وآخر جالساً في غرفة أخري حيث يختصّ كل مكان بجالسه.

ولذا لو كانا في دكان وباع أحدهما ثلثيه، فإن العرف يطالبه بالدليل علي ملكية السدس الزائد علي النصف واحتاج طرفه إلي الحلف.

وكما يُنفي التفاوت يُنفي الكلي في المعيّن بأن احتمل أن لأحدهما النصف علي نحوه كما ذكروه في أطنان القصب.

وهل من التفاوت ما لو كانت حصة أحدهما في الرعاية أكثر؟ كما إذا كان أحدهما يجلس في الدكان في الأسبوع يومين والآخر بقية أيام الأسبوع، أو يرعي الأغنام كذلك؟ احتمالان: من أن كل واحد مستولي فلا فرق، ومن أن تفاوت الحصص في نظر العرف لتفاوت المحصص.

ضمان اليد

ثم إن (اليد) غير المأذونة من قبل الله سواء مباشرة أو بواسطة من ملكه الله سبحانه ملك عين أو ملك اعتبار كمتولّي الوقف ضامنة سُنةً حيث قال (ص): (علي اليد ما أخذت حتي تؤدّي)(39) واشتهارها كاف عن البحث عن سندها.

وإجماعاً وعقلاً وسيرة.

وليس معني (علي) الاستعلاء حتي يقال: ماذا يعلو اليد، بل معناه الضرر، فإن الغالب انه بعكس اللام الذي للنفع، وقد يتعاكسان، مثل: (سلام عليك) و (فللعوام)(40) وليس المراد بالضرر إلاّ التكليف كما لا يخفي.

وحيث إن اليد هي الغالبة في الأخذ نسبت إليها، وإلاّ فعلي غير المأذون العهدة مثل: (لا تلقوا بأيديكم)(41) حيث إنها الغالبة في الضرب

والرمي وما أشبه.

و (ما): أعم من الحق.

و (الأخذ): هو الاستيلاء فالسلطة إذا لم تمنع المالك من التصرّف في ملكه، ولكنها استخدمت معه أسلوب التهديد والإرعاب، عُدّت غاصبة وشملها الحديث، بل وحتّي إذا تركته يتصرّف لكنها كانت المستولية وجعلت المالك كالعبد الذي يتصرّف في ملك المولي.

و (الأداء): أعم من العين إن كانت سالمة، والمثل إذا كان لها بعد عدمها، والقيمة إذا لم يكن، وبالقيمة، إذا لم تكن القيمة أيضاً مثلاً لو غصب ماءاً ولا ماء له ولا له قيمته، وإنما له اللّبن فإنه يجب عليه أن يدفع ما يساوي قيمته منه.

وكل هذا أداء بنظر العقلاء مع الترتّب، نعم في المثل يكون الاختيار بيد المعطي إذا كان متعدداً، وكذلك القيمة، أما إذا لم يكونا، لم يستبعد أن يكون الاختيار بيد المغصوب منه إذا كان متعدداً، مثلاً كان للغاصب اللبن والفحم وأراد الأول فإنه لم يكن للغاصب اختيار الفحم.

وعلي هذا فالمال أو الحق كالأرض المحجّرة علي قول المشهور وإلاّ فقد رأينا أنها تُملك بسبب الحجر الذي وقع تحت سلطة غير المأذون، عليه أن يؤديه، والفقهاء وإن ذكر أكثرهم (العادية) إلاّ أنه لا خصوصية لها بل كل غير مأذون كذلك، أو نقول: ان مرادهم العادية واقعاً أي التي تعدّت الواقع وإن كان قاصراً كمن زعم انه ملكه أوله حق الإنتفاع به.

و (العهدة) وإن كانت اعتباراً إلاّ أنّ العقلاء وتبعهم الشرع إذ كان العقلاء يرون ذلك قبله يرون تبدّل الخارج إليه ثم تبدله إلي الخارج من غير فرق بين العين والإعتبار في مثل الحق المستولي عليه.

ثم ان المشهور بين الفقهاء في مسألة تعاقب الأيدي: ضمان الجميع وإن كان استقرار الضمان علي الأخير، ومعني استقراره أنّ كل واحد إذا رُجع إليه

رجع إلي الأخير المتلف ولا عكس، نعم هو أيضاً يرجع إلي الغارّ لو كان هناك غارّ، فإذا أهدي الغاصب زيداً شاة فذبحها وأكلها فرجع المغصوب منه إليه، حقَّ له أن يرجع إلي الغار لقاعدة (المغرور يرجع إلي من غرّه)(42).

فالمالك له أن يرجع إلي أيّ واحد منهم شاء، بالكل أو بالبعض، حسب اختياره، فله أن يرجع بالدينار المغصوب منه إلي زيد أو إلي زيد وعمرو، بالتساوي أو بالاختلاف، أيّ صور الإختلاف شاء وله أن يقول: ليعطه أحدكم علي نحو الواجب الكفائي.

نعم إذا أعطاه أحدهم لم يكن له الحقّ في الرفض ولا أن يقول: أني أريده من الآخر، لأصالة العدم، كما أن الاختيار مع المدين لا الدائن.

وفي أخذ القيمة: الظاهر له قيمة اليوم لا قيمة وقت الأخذ، علي تفصيل ذكرناه.

فلو غصب منه ألف دينار يوم كانت قوّته الشرائية عالية ثم يوم الرد قيمتها ألفان كان علي الغاصب إعطاء الألفين، أو كانت قيمته يوم الردّ خمسمائة كان عليه إعطاء الخمسمائة، إذ النقد دلال يراد للقوّة الشرائية.

وكذلك يأتي الكلام في القرض والمهر والضمان وغيرها، لكن المشهور لا يقولون بذلك إطلاقاً، وإنما ذكروا مثيلاً له في الوصية والنذر والثلث، كما أشرنا إليه في بعض مباحث (الفقه).

وإذا تردّدنا في الأمر بين قولهم وقول علماء الاقتصاد الذي يؤيّده العرف فيشمله الدليل كان اللازم التصالح، وحيث أن المسألة معنونة في بابي (الغصب) و (المقبوض بالعقد الفاسد) نكتفي هنا بهذا القدر.

نعم، قد لا تشمل قاعدة اليد مورداً وان شمله (لا ضرر) أو الملاك فيها، كما إذا منعه عن حيازة المباحات مما سبّب ضرره عرفاً فإن (لا ضرر) يشمله، علي ما ذكرناه في رسالتها.

فروع

ولو كان أحياناً يصيد ما قيمته مائة، وأحياناً ما قيمته خمسون،

كان علي المانع أن يعطيه النصف منهما لقاعدة العدل.

ولو كان أحياناً يصيد ما قيمته عشرة وأحياناً لا يصيد، فهل ينتفي الضمان لأصالة العدم أو يضمن المانع النصفَ لأنه مقتضي قاعدة العدل؟ لا يبعد الثاني كما هو العقلائي وإن كانت المسألة بحاجة إلي تتبّع أكثر.

ولو استولي إنسان علي مباح بدون قصد الملكية بل بقصد النظر أو اللعب أو ما أشبه لم يملكه، ولا يشمله قوله (ص): (من سبق إلي ما لم يسبق إليه أحد فهو أحق به) لأن المنصرف منه قصد التملّك.

وقد قال (ع): في موثقة يونس: (ومن استولي علي شيء فهو له)(43) وهذا ليس استيلاءاً، ولذا لا يري العرف الاستيلاء فيمن نزل في أرض يريد الذهاب منها بعد ساعة فهل يصدق أنها له؟

نعم إذا أخرجه إنسان من تلك الأرض مما سبَّب تفويت المنفعة عليه عرفاً كان علي المخرج الضمان، بل قلنا في (الفقه): أن الضمان آت فيمن أخرج إنساناً من محله من المسجد أو المدرسة أو الحسينية أو ما أشبه ذلك من الأوقاف العامة والخاصة والمباحات التي أذن أصحابها لمن سكنها.

وروايات المسألة مذكورة في بابي (الإحياء) و (أمتعة البيت) حيث يستولي عليها الزوجان.

ولو كان لأحدهما يد ولم نعرف أنها لأيّهما؟ فالمحكّم قاعدة العدل.

ولا فرق في ضمان اليد بين أن يكونا كافرين أو مسلمين أو بالاختلاف، نعم إذا استولي المسلم علي ما لا يري الكافر ضمانه فلا ضمان، لقاعدة الإلزام.

ولو تخاصم مسلم وكافر فهو للمسلم، لقاعدة علوّ الإسلام.

ولو تخاصم إلينا كافران متحدان في الأحكام من مسلك واحد في فقههم وإن كانا مختلفين في دينهم حكمنا لهما وفق فقههم، أو فقهنا، أو نعرض عنهما كما ذُكر في كتاب القضاء، ولو كانا مختلفَيْن في الأحكام وإن كانا من

دين واحد تخيَّرنا إذا أردنا أن نحكم بحكمهم بين هذا أو ذاك إذ لا أولويّة في المقام.

ولو تخاصم إلينا مسلمان من مذهبَيْن فإن كانا متّحدي الأحكام فالحكم وفق ذلك، وإن كانا مختلفي الأحكام سواء كانا من مذهبين أو مذهب واحد حكمنا وفق أيهما شئنا، إذ لا دليل علي الترجيح ولا دليل علي الأخذ برأي ثالث، كما ان القرعة في الموضوعات لا الأحكام.

ولو جاءنا مقلّدان مع وحدة المسلك حكمنا وفق مسلكهما إن لم نر الحكم علي مسلك القاضي، ومع تعدّد المسلك حكمنا علي رأينا وإن كان مخالفاً لكلا المسلكَيْن، والتفصيل في باب القضاء. 1 النساء: 115.

2 وسائل الشيعة: ج 18، ص 215، ح 2.

3 وسائل الشيعة: ج 17، ص 525، ح 3.

4 وسائل الشيعة: ج 18، ص 215، ح 2.

5 النور: 61.

6 راجع موسوعة (الفقه) ج 81 كتاب اللقطة.

7 وسائل الشيعة: ج 12، ص 60، ح 4.

8 البينة: 1.

9 وسائل الشيعة: ج 18، ص 215، ح 3.

10 وسائل الشيعة: ج 13، ص 31، ح 2.

11 وسائل الشيعة: ج 13، ص 30، ح 23606.

12 وسائل الشيعة: ج 17، ص 525، ح 3.

13 وسائل الشيعة: ج 18، ص 214، ح1.

14 المستدرك: ج 7، ص 448، ح 8625، ب 15.

15 موسوعة (الفقه) ج101 و102 كتاب الدولة.

16 عوالي اللئالي: ج 1، ص 224، ح 106.

17 مستدرك الوسائل: ج 17، ص 368، ح 21601.

18 راجع كتاب الفقه أحكام مستفادة من سيدة النساء (سلام الله عليها).

19 وسائل الشيعة: ج 17، ص 353، ح1.

20 وسائل الشيعة: ج 17، ص 355، ح 3.

21 مستدرك الوسائل: ج 17، ص 142، ح 20985، ب 1: قال رسول الله (ص): (الإسلام يعلو ولا يُعلي عليه).

22 موسوعة (الفقه)

ج 81 كتاب اللقطة.

23 الوسائل: ج 17، ح 378، ح 32368.

24 وسائل الشيعة: ج 3، ص 332، ح3.

25 وسائل الشيعة: ج 2، ص 1072، ح 7.

26 وسائل الشيعة: ج 14، ص 424، ح 5.

27 سورة الأعراف: 190.

28 الأنعام: 121.

29 الأنعام: 119.

30 وسائل الشيعة: ج 12، ص 60، ح 22050.

31 وسائل الشيعة: ج 17، ص 234، ح 31924.

32 وسائل الشيعة: ج 17، ح 31923 باختلاف يسير.

33 وسائل الشيعة: ج 17، ص 235، ح 6.

34 وسائل الشيعة: ج 18، ص 215، ح 2.

35 وسائل الشيعة: ج 16، ص 133، ح 2.

36 وسائل الشيعة: ج 16، ص 133، ح 2.

37 راجع مستدرك الوسائل: ج 18، ص 26، ح 21911، ب 21.

38 النور: 61.

39 عوالي اللئالي: ج1، ص 224، ح 106.

40 وسائل الشيعة: ج 18، ص 94، ح 33385.

41 البقرة: 195.

42 راجع المستدرك: ج 15، ص 46، ح 17492، ب 1.

43 وسائل الشيعة: ج 17، ص 525، ح 3

الفصل الثاني: قاعدة جب الاسلام

أدلة القاعدة

ذكر جمع من العلماء الإستدلال له بقوله سبحانه: (قل للّذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف)(1) الآية.

أما (الإسلام يجبّ ما قبله)(2) فهو حديث مشهور عن رسول الله (ص) ذكره الخاصة والعامة، وقد ظفرت بزهاء ثلاثين حديثاً يشمل ما ذكرناه، والغالب بهذا اللّفظ وفي بعضها: (هَدَم الإسلام ما كان قبله)(3) فالحديث متواتر عند العامة والخاصة وقد عملا به في مختلف الأبواب.

وقد كانت سيرة الرسول (ص) والمسلمين علي ذلك، بالنسبة إلي الذين يدخلون في الإسلام وإلي اليوم، فلا كلام في السند، وإنما في الدلالة، وهي مطلقة تشمل كلّ شيء إلاّ ما علم خروجه كالعقود والايقاعات حيث إن الحديث منصرف عنها، لا لأنها ثابتة في الإسلام وفي الكفر والحديث يدل علي

هدم ما هو في الإسلام فقط، وإلاّ نوقض بأن كثيراً من الأشياء أيضاً ثابتة فيهما ومع ذلك هدمها الإسلام كالصلاة والصيام والحج والزكاة والديات، وغيرها كثير.

بل لما عرف من الإنصراف، فكل أثر للفعل لا يبقي بعد الإسلام وكذلك كل أثر للترك، فإذا كان قد حجّ وصاد أو أتي بسائر المحرّمات حتي في دينه ثم أسلم فلا كفّارة عليه ولا حج عليه في القابل كمن جامع في الحج حيث عليه الحج في القابل، وكذلك إذا صام في دينه وأفطر بما يوجب القضاء والكفّارة.

وهكذا لو ترك الصيام أو الصلاة أو الحج الواجب عليه في دينه، ثم أسلم فليس عليه شيء بسبب تلك التروك، مع أن المسلم لو تركها كان عليه القضاء والكفّارة.

ولا فرق في ذلك بين أن يكون الفعل المذكور أو الترك موجباً للأثر في الإسلام وحده أو في الكفر وحده أو فيهما معاً علي ما عرفت لإطلاق الدليل.

أمّا المعاملات أي العقود والإيقاعات فلا يشملها الدليل ومنها: الديون والقروض وما أشبه، فإذا اشتري شيئاً أو باع شيئاً أو تزوّج امرأة أو طلّقها أو أعتق عبده أو استملكه أو غصب داراً أو نحوها فالحكم باق كما كان، فالمعاملة ثابتة والقروض صحيحة والمرأة زوجته والمطلّقة بائنة والعبد حرّ، وملكه للعبد باق كما كان إلاّ إذا استثني كما إذا قال حاكم المسلمين: أن عبيدهم أحرارٌ إذا التحقوا بالمسلمين فالتحق العبد ثم أسلم سيّده فإنه لا يرجع إليه كما فعله الرسول (ص) في فتح الطائف، وكذلك حال داره وعقاره وأثاثه فهي له بعد الإسلام كما كانت له من قبل.

ولا طهارة عليه بعد الإسلام وإن كان أجنب أو حاضت حال الكفر، إذ النبي (ص) لم يأمرهم بالغسل، ولذا لم يرد في نصٍ

الأمر به إطلاقاً مع كثرة الإبتلاء بها (فلو كان لبان).

وكذلك المسلمون عندما كانوا يفتحون البلاد ويسلم الكفّار علي أيديهم لم يكونوا يأمرونهم بذلك.

نعم في قصة إسلام بعض أهل المدينة قبل هجرة رسول الله (ص) إليها ذُكر أنه أسلم ثم قفز في بئر ليغتسل، لكن في سنده ودلالته إشكال.

وكذلك حال الطهارة الخبثية فلم يرد نص بوجوب تطهير داره وأثاثه وما يتعلّق به مع أنهم كانوا يستعملون النجاسات ولا يتورَّعون عن البول ونحوه، ولو كان لبان.

وللإستيناس نقول: الإسلام في قوّة تطهيره ليس أقل من تطهير البئر بالنزح ونحوه.

نعم إذا كانت عين النجاسة باقية كالعذرة ونحوها علي بدنه أو لباسه احتاج إلي التطهير لأنه ليس من مصاديق (عمّا قبله).

وكذلك الحكم بالنسبة إلي أمواله، من المعاملات الباطلة قبل الإسلام، كثمن ما باع من الخمر والخنزير أو اُجرة الزانية أو الرشوة والقمار وبيع الصليب وآلة اللّهو، إلي غير ذلك، كلّ ذلك للإطلاق والسيرة.

النكاح السابق

أمّا نكاحه السابق فهو صحيح ولا يحتاج إلي الإعادة وإن كانت الصيغة ليست كما في الإسلام، والخارج من هذا ما لو كانت زوجاته أكثر من أربع، فهذا مقطوع به كما هو مورد النص أيضاً حيث أمر النبي (ص) بإمساك أربع وإطلاق الزائد.

والزائد الذي اُطلق إن كانت غير مدخولة، لها حق الزواج فوراً، وإن كانت مدخولة وهي مسلمة احتاج الأمر إلي انقضاء العدّة، وإن كانت غير مسلمة التزمت بدينها أو قانونها، ولو اختلف دينها مع قانونها عملت بما اعتادوا عليه من اتباع الدين أو القانون كما هو الحال في الغرب الآن حيث يعملون بالقانون لأن المستظهر من دليل الإلزام ذلك.

نعم إذا أرادت أن تتزوّج بالمسلم وقانونها أو دينها أصعب من حكم الإسلام كان للمسلم الزواج بها لأنّ قانون

الإلزام لا يقيّد المسلم كما أنه قانونها الواقعي أيضاً حيث إن الكفار مكلّفون بالفروع.

كما أنه يخرج من ذلك: المحرّمات القطعية من البنات والأمّهات والعمّات والخالات وغيرهنّ من المحرّمات بالنسب، فإذا أسلم المجوسي أو المجوسية حصلت الفرقة بين الأب وبنته الّتي زوجته أو الولد واُخته، إلي غير ذلك، وكذلك الجمع بين الأم والبنت، والاُختين.

أمّا محرّمات الرضاع، وأخت الموطوء واُمّه فالّذي نستظهره أنه لا يجب مفارقتهنّ، لإطلاق دليل (الجبّ)، ولا نصّ ولا إجماع ولا قطع بالإستثناء، بل لم ينه النبي (ص) عن ذلك مع وقوع هذه المحرّمات بين الكفّار كثيراً.

كما أنه لم تدل السيرة علي النهي بل لعلّ السيرة بالعكس حيث لم يُعهد من المتشرّعة أن يأمروا الزوجين بالمفارقة بعد إسلامهما بسبب رضاع سابق أو وطي للأخ ونحوه.

وإذا طلَّق الكافر وتزوّجت المرأة بغيره فلا إشكال في أنها لا ترجع، فلا يقال: إنّ الإسلام يهدم الطلاق السابق حتي ينهدم النكاح المبني عليه وترجع إلي الزوج الأول، بل اللازم أن يكون كذلك ما إذا لم تتزوّج.

وإذا طلّق المجوسي الأم أو البنت وتزوّج بالأخري ثم أسلم لم يؤمر بالمفارقة، للإطلاق.

نعم يجب مفارقة الخليل الذي يلوطه وكان بالعقد الرسمي، كما كان متعارفاً قديماً وجديداً في الغرب من تزويج الرجلين أحدهما للآخر.

وإذا طلّق الكافر ثلاث طلقات مثلاً ثم أسلم لم يحتج إلي المحلّل في رجوعه إليها بعقد جديد، بل وكذا لو طلق تسع مرّات.

ويدلّ عليه بالإضافة إلي إطلاق دليل الجبّ: ما رواه في البحار عن علي (ع): (أنه جاء رجل إلي عمر بن الخطّاب فقال: إني طلقت امرأتي في الشرك تطليقة وفي الإسلام تطليقتين فما تري؟ فسكت عمر فقال الرجل: ما تقول؟ قال: كما أنت حتي يجيء علي بن أبي طالب، فجاء

علي (ع) فقال: قصّ عليه قصّتك، فقصّ عليه القصّة، فقال علي (ع): هدم الإسلام ما كان قبله، هي عندك علي واحدة)(4).

والتوارث يكون كالسابق من الإعطاء أو عدم الإعطاء أو الزيادة أو النقيصة، فإذا أعطوا من لا يستحق أو أعطوا من يستحق زائداً أو ناقصاً عن حقّه إلي غير ذلك لم يؤخذوا بحكم الإسلام، وإنما يكون الحكم فقط في المستقبل.

وكذلك إذا خالفوا دينهم في أخذ الزائد ضريبة فلا عليهم الإرجاع كما في قصّة عدي بن حاتم مع النبي (ص) حيث لم يأمره بإرجاع ما أخذ زائداً.

إذا أسلم ولد الزنا

والظاهر أن ولد الزنا إذا أسلم وإن كان من الزنا في دينهم وديننا لم يكن له حكم ولد الزنا في الإمامة والقضاء وغيرهما، ولذا أعطي علي (ع) الولاية لابن زياد فإن ابن عبّاس وإن كان ولاّه إلاّ أنّ علياً (ع) قرّره كما يفهم من كتابه إليه في نهج البلاغة، وقد ذكرنا تفصيل الكلام في ذلك في كتاب (التقليد)(5) والعمدة إطلاق دليل الجبّ فتأمّل.

والكافرة إذا أسلمت وهي في عدة زوجها، هدم الإسلام العدة فيحق لها الزواج فوراً، اللّهمّ إلاّ أن يقال في مورد اختلاط المياه قطعاً أو احتمالاً إنه لا يحق للزوج الجديد الدخول بها إلي أن تري الدم وإن كان في المسألة إشكال من جهة استرقاقهن، ومن جهة جب الإسلام، ومن جهة أن الإسلام لا يحترم نطفة الكافر كما لا يحترم نطفة الزاني فيحق للرجل التزوّج بالزانية علي كراهة ويدخل بها ولو بعد ساعة من زناها.

كما أن الكافر إذا أسلم وقد أحبل أختين، أو أمّاً وبنتاً، أو بنته وأمه في المجوسي، أو فوق الأربع، كان أولاده أولاد حلال، لأن لكل قوم نكاح، اللّهم إلاّ إذا كان زنا في دينه وفي

الإسلام، اللّهمّ إلاّ أن يقال: ان حديث الجب(6) يشمله أيضاً فالولد حلال.

أما إذا كان في دين الإسلام حلالاً فلا إشكال لأن الإسلام حكم لكل الناس وإن كان في دينه ولد زنا.

والظاهر أن الجب يشمل نذوره وأيمانه وإن كانت موافقة للإسلام ودينه، فلا يلزم عليه الوفاء، أمّا إذا كان الإسلام لا يقر مثل ذلك النذر كنذر قتل ولده فلا إشكال لا من جهة الجب فقط بل من جهة أن المسلم لا يحق له أن يفعل المحرم.

أمّا قتلي الحرب بين المسلمين والكافرين إذا أسلموا فلا إشكال في الجبّ وكان ذلك سيرة النبي (ص) أيضاً، وكذلك الجرح وهدر الأموال وهتك الأعراض.

نعم، إذا كانت الأموال موجودة لم يشمله الجب لأنه ليس (مما سبق) بل حاضر الآن وهو مال فلان فرضاً لا مال المسلم الجديد، ولذا ورد في باب الجهاد أن الإمام يرد أموال الناس (لأن الغصب كله مردود)(7).

ولو أسلم فراراً عن الحدّ فالمشهور حدّ لرواية خاصة، لكنه محل تأمّل أيضاً إذا لم يكن إجماع ونحوه إذ لا شك أن جماعة من الكفار أسلموا خوفاً وقد وجب عليهم الحدّ بسبب ارتكابهم للمحرّمات، ومع ذلك لم يُقم الرسول (ص) عليهم الحدّ، بل قال لهم: (الإسلام يجب عمّا قبله)(8) كما في أهل مكة، وهذا هو العمدة إلاّ إذا قيل أن الرسول (ص) فعل ذلك لقانون (الأهم والمهمّ) كما لم يعاقب الفارّين من الزحف ونحوهم.

ولعلّ من المؤيدات ما رواه العامة: ان المغيرة وفد مع جماعة من بني مالك علي المقوقس ملك مصر فلما رجعوا قتلهم المغيرة في الطريق وفرّ إلي المدينة مسلماً وعرض خمس أموالهم علي النبي (ص) فلم يقبله وقال (ص): (لا خير في غدر) فخاف المغيرة علي نفسه، وهجمت عليه الهواجس

والأفكار فقال (ص): (الإسلام يجبّ ما قبله).

وعلي هذا فلا حدّ ولا تعزير ولا قصاص ولا سجن علي ما سبق الإسلام.

المرتد إذا رجع

والمشهور بين الفقهاء أن المرتدّ إذا رجع لا ينطبق عليه حكم الكافر فلا يشمله حديث الجب، واستدلالهم بالإنصراف في حديث الجب، لكنّا نري الإطلاق خصوصاً بعد مثل قوله سبحانه: (إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا)(9) الآية مضافاً إلي الملاك لوضوح أن الجب تشويق وامتنان، ومثله آت في الراجع عن الإرتداد.

ثمّ لا فرق بين أقسام الكفر إذا أسلم، كما لا فرق بين أقسام الإسلام من التشيّع والخلاف والنفاق، لأن الرسول (ص) كان يقبل إسلام المنافقين ويعاملهم في الظاهر معاملة المؤمنين.

ولو شكّ في أنه فعل ما فعل أو ترك ما ترك في حال إسلامه حتي يجب عليه التدارك أو حال كفره حتي يجبّ فالظاهر الجب، دون الأعمال والتروك ذات الآثار المشروطة بالإسلام، ومع الشك في الشرط يشك في المشروط، كما إذا لم يعلم أنه ترك الصلاة في حال جنونه أو صباوته أو عقله أو بلوغه.

وإذا كان مسلماً وترك الصلاة مثلاً ثم ارتدّ ثم أسلم فهل يقضي صلاته حال إسلامه؟ لا يبعد العدم لإطلاق الجب، اللّهمّ إلاّ أن يقال بإنصرافه إلي التروك حال الكفر، وهكذا بالنسبة إلي سائر الأعمال والتروك، لكن الأول غير بعيد وإن كان الأحوط القضاء.

الجبّ عزيمة أو رخصة؟

وهل الجب عزيمة فلا تشريع في القضاء والكفّارة وما أشبه حاله حال الطفل والمجنون حيث لا تشريع لقضائهما الصلاة والصيام وما أشبه أو رخصة؟

الظاهر: الأول، لأن المستفاد من أحاديثه عرفاً الإمتنان، فلا تشريع كعدم التشريع للصيام وإتمام الصلاة حال السفر.

فقد روي علي بن إبراهيم القمي في تفسير قوله تعالي: (وقالوا لنْ نُؤمن لك حتّي تفجر لنا من الأرض ينبوعاً)(10) الآية: أنها نزلت في عبد الله بن أبي اُميّة أخي أم سلمة (رضي الله عنها)، وذلك أنه قال

هذا لرسول الله (ص) بمكّة قبل الهجرة، فلمّا خرج رسول الله (ص) إلي فتح مكة استقبله عبد الله بن أبي أمية فسلّم علي رسول الله (ص) فلم يرد عليه السلام وأعرض عنه ولم يجبه بشيء، وكانت أخته أم سلمة مع رسول الله (ص) فدخل عليها وقال: يا أختي إن رسول الله (ص) قبل إسلام الجميع وردَّ عليَّ إسلامي.

فلمّا دخل رسول الله (ص) علي أم سلمة قالت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله سعد بك جميع الناس إلاّ أخي من بين قريش والعرب، رددتَ إسلامه وقبلت الناس كلّهم؟

فقال: يا أم سلمة إن أخاك كذّبني تكذيباً لم يكذّبني أحد من الناس، هو الذي قال لي: لن نؤمن لك حتي تفجر لنا من الأرض الآيات.

قالت أم سلمة: بأبي أنت وأمي يا رسول الله ألم تقل إن الإسلام يجب ما كان قبله؟ قال (ص): نعم، فقبل رسول الله إسلامه(11).

ولا يخفي: أن الردّ وأمثاله في هذه القضية ونحوها يراد به بيان عظم الذنب لا الرد حقيقة فقد يصب الكلام أو العمل لأجل المعني المطابقي وقد يصبان لأجل المعني الالتزامي، مثل: (طويل النجاد) و (كثير الرماد).

وورد في حديث هبار الذي سبّب قتل زينب وبنتها عند هجرتهم من مكة إلي المدينة، أن النبي (ص) قبل إسلامه بعد أن أهدر دمه ولو كان متعلقاً بأستار الكعبة وقال (ص): (الإسلام يجب ما قبله).

وفي حديث الطبراني: (الإسلام يجب ما قبله، والهجرة تجب ما قبلها) والمراد: آن الباقي الذي بقاؤه معصية إذا هاجر مُحِيَتْ خطيئته.

وفي مجمع البحرين: (الإسلام يجب ما قبله والتوبة تجب ما قبلها من الكفر والمعاصي والذنوب)(12).

وقد تقدم في حديث ابن هلال عن الرضا (ع) الإشارة إليه.

وفي حديث إسلام المغيرة أن النبي (ص) لم

يأخذ الأموال لكنه قبل إسلامه وقال: (الإسلام يجب ما قبله).

ثم إن ما ذكرناه من احتمالي الرخصة أو العزيمة إنما هو بالنسبة إلي مثل الصلاة والصيام، وإلاّ فمثل حدّ الزنا واللّواط لا شك أنه عزيمة، كما أن مثل أكل أموال الناس بالباطل كما فعله عدي حال مسيحيته فلاشك أنه رخصة، إذ من الواضح أنه يجوز له إعطاء الناس أموالهم التي أكلها أما الأموال الموجودة فقد عرفت وجوب الردّ.

1 الأنفال: 38.

2 عوالي اللئالي: ج 2، ص 54، ح 145.

3 بحار الأنوار: ج 40، ص 230، ح 9، ط بيروت.

4 بحار الأنوار، ج 40، ص 230، ح 9.

5 موسوعة (الفقه) ج 1 كتاب الاجتهاد والتقليد.

6 المستدرك: ج 7، ص 448، ح 8625، ب 15.

7 وسائل الشيعة: ج 6، ص 365، ح 4.

8 عوالي اللئالي: ج 2، ص 54، ح 145.

9 سورة النساء: 137.

10 سورة الإسراء: 90.

11 المستدرك: ج 7، ص 448، ح 8626، ب 15.

12 المستدرك: ج 12، ص 129، ح 13706، ب 86، وفيه: (التوبة تجبّ ما قبلها).

قاعدة القرعة

أدلة القاعدة

وهذه القاعدة متواترة سنداً كما لا يخفي علي من راجع الوسائل والمستدرك باب الحكم بالقرعة في القضايا المشكلة في كتاب القضاء وباب تحريم البهيمة الموطوءة، وفي غيرهما، وفي البحار وغيره متفرّقاً.

كما أن عليها الإجماع القطعي قولاً وعملاً.

وقبلها يدل عليها الكتاب في قوله سبحانه: (فساهم فكان من المدحضين)(1) حيث إن الله سبحانه لم يرده فإنه كان عمل أهل السفينة لا عمل النبي (ع)، ويحتمل أن يكون عمل النبي (ع) حيث قال: (فساهم).

وعلي أيّ حال ففيه دليل علي كلا الإحتمالين.

وقال تعالي: (إذ يلقون أقلامهم أيّهم يكفل مريم)(2) وكان من جملتهم زكريّا النبيّ، وقد ذكرنا في (الأصول) أنّ قول الأنبياء (ع) وفعلهم

وتقريرهم حجّة إلاّ إذا عُلم النسخ، وهذا ليس من الإستثناء، بالإضافة إلي تقرير الأئمة (ع) للقصّتين.

كما ورد أن موسي (ع) أيضاً أقرع في كشف ذلك النمّام.

ويدل عليه من العقل: أنه طريق العقلاء في كشف الموضوع إذا لم يكن بدّ منها، في غير مثل الأمور المالية التي تقسم، لقاعدة العدل، أو قاعدة المهاياة، كما إذا كان هناك محلّ تجاري صغير ولا نعلم أنه لأيهما ولا يمكن البيع ولا الإيجار ولا التراضي علي أن ينفرد كل واحد منهما به شهراً مثلاً.

مورد القرعة

وحيث إن موارد قاعدة القرعة هي الموضوعات لا الأحكام، فهي قرينة علي إنصراف الإطلاقات إليها فلا تجري في الأحكام، بالإضافة إلي إمكان استفادة ذلك من بعض القرائن الواردة في بعض الروايات حيث إنها تدلّ علي عدم المشكل في الكتاب والسنّة، بضميمة أنه ليس شيء إلاّ في أحدهما بنحو الكلية أو الجزئية.

فعن عبد الرحمن القصير عن أبي جعفر (ع): (كان علي (ع) إذا ورد أمر ما نزل به كتاب ولا سنّة قال: رجم (أي: اقرع) فأصاب، قال أبو جعفر (ع): وهي المعضلات).

وفي رواية أخري مثلها، إلاّ أنّ في آخرها: وتلك (المعضلات)(3).

وبذلك يظهر أنها ليست في الشبهة البدوية أيضاً حيث إن الأدلة الشرعية تشمل الشبهة البدوية فليست بمعضلة.

وبهذه القرينة وما ذكرناه بالإضافة إلي الإجماع القولي والعملي من الفقهاء تخصّ القرعة بما ذكرناه، من غير فرق بين أن يكون المورد من المخاصمات أو غيرها، للإطلاق ولروايات خاصة.

فمن الأول: ما عن رسول الله (ص) أنه قال: (ليس من قوم تنازعوا ثمّ فوَّضوا أمرهم إلي الله إلاّ خرج سهم المحق)(4).

وفي رواية أبي بصير عن الباقر (ع) نحوه، إلاّ أنّه قال: (تقارعوا)(5) بدل تنازعوا.

ومن الثاني: ما رواه محمد بن عيسي عن الرجل

(ع) أنه سئل عن رجل نظر إلي راع نزا علي شاة قال: (إن عرفها ذبحها وأحرقها وإن لم يعرفها قسّمها نصفين أبداً حتي يقع السهم بها فتذبح وتحرق وقد نجت سائرها)(6).

أقول: ولا يبعد جريان الإحراق إن علم بذلك بعد ذبحها وكذلك إذا ذبح البعض وبقي البعض حيث يقرع بينها.

والظاهر أنّ فائدة الحرق هي شدّة التنفير والترهيب وإلاّ فالظاهر أن الحيوان لم يتلوّث بالجراثيم التي توجب الأمراض كما في ميّت الفارة حيث توجد في ميتها جرثومة الطاعون بكثرة علي ما ذكروا.

ولا يبعد جريان ذلك في غير الشاة من الحيوانات المحلّلة حتي الطيور، لفهم المناط.

نعم لا يجري في غير المأكول كالكلب، ولا في الدابّة الواطئة كما تفعله بعض النساء المنحرفات في الغرب حيث تنزو الدابّة عليها.

أما إذا كان البعض خارج محل الإبتلاء فلا يشمله الدليل بل تجري البراءة، كما ذكروا في باب العلم الإجمالي.

كما أن الشارع إذا جعل طريقاً فلا مجال للقرعة، كما في زوج وزان، حيث إن (الولد للفراش وللعاهر الحجر)(7)، وإنما تجري فيما إذا كان كلّهم زناة، أو كلهم وطأوا شبهة، أو الزوج والمشتبه.

ويدل عليه، بالإضافة إلي القاعدة الكلية:

ما رواه الشيخ بإسناده إلي الباقر (ع) قال: (بعث رسول الله (ص) عليّاً (ع) إلي اليمن فقال له حين قَدِم: حدّثني بأعجب ما ورد عليك! فقال: يا رسول الله أتاني قوم قد تبايعوا جارية فوطؤوها جميعاً في طهر واحد فولدت غلاماً واحتجّوا كلّهم يدعيه، فأسهمت بينهم فجعلته للّذي خرج سهمه وضمّنته نصيبهم، فقال رسول الله (ص): ليس من قوم تنازعوا ثمّ فوّضوا أمرهم إلي الله عزّ وجلّ إلاّ خرج سهم المحق)(8).

أقول: والظاهر أنّ خروج سهم المحق من باب أن الله جعل القرعة سبباً لأن يكون الحق لمن

خرجت باسمه لا أنها تطابق الواقع أبداً، فكما أن قاعدة الطهارة والحلية وما أشبه حكم ثانوي لا أنها تطابق دائماً الحكم الأولي كذلك حال القرعة لكنها ليست توجب الموضوع، ولذا لو انكشف الخلاف عمل بالواقع كما في القاعدتين أيضاً.

ولا يخفي أن الواطي إنما يضمن الواحد فقط الذي خرجت القرعة باسمه، لأنّ الشارع عيّن ذلك بها كما إذا عيّن بالشاهد.

نعم لو لم ترد القرعة كان اللازم ضمان الكلّ كما إذا نجّس ماء الناس حيث علم إجمالاً بأنه أحدهما، فإن المنجّس يضمن كليهما بعد أمر الشارع بالإجتناب، وقد قال (ع): (يهريقهما ويتيمّم)(9) فإن الممنوع شرعاً كالممنوع عقلاً فيشمله دليل (لاضرر)(10) ونحوه.

نعم إذا أمكنت الإستفادة بما هو أقل من القيمة الواقعية كان الضمان بقدر الإتلاف لا بقدر الكلّ.

لكنا ذكرنا في بعض مباحث (الفقه): ان للمالك أن يضمن المتلف كلّ الشيء ويسلمه الباقي، كما إذا عمد إلي الرزّ الذي أعدّ لضيوفه فألقي فيه نجاسة بعد طبخه، بما يفيد في أكل الدوابّ بنصف القيمة، فللمالك أن يقول أعطني قيمة الكل واستعمله أنت حيث شئت.

ثمّ إنّ موارد القرعة في الروايات وكلمات الفقهاء متعدّدة، وقد ذكر القمي (قدس سره) في سفينة البحار جملة من مواردها الواردة في الروايات، ولا يهمّنا التعرض لها.

كيفيّة القرعة

وكيفيّة القرعة ليست خاصة بل هي كلّما صدقت عليه: من العبارة والكتابة في الأوراق وغير ذلك، لأن الموضوع موكول إلي العرف، وقد كان بعض الفقهاء يراها حتي بمرتفعات الأضرحة المقدّسة.

وإذا كان في أحد الجانبين استصحاب لم يكن موردها، لأنه ليس من عناوين الروايات حينئذ التي هي: المشكل والمعضل والملتبس والمجهول والمشتبه.

ولو كان إنسان عالماً بحقيقة أمر، والحاكم يجهلها، فالتجأ إلي القرعة، فخرجت علي خلاف علم ذلك الإنسان كان العالم في

سعة من الإلتزام بذلك الحكم، لأن الحكم المستند إلي القرعة لا يغيّر الواقع وليس له موضوعية كما هو الحال في سائر موارد الحكم إلاّ فيما إذا غيّر الحكم الواقعي كما ورد في أن (اليمين تذهب بالحقّ).

وكذلك الحال إذا كانت مورد الشبهة عند الحاكم أعمّ من موردها لدي بعض فأقرع في الواسع لم يكن ملزماً بالنسبة إلي غير الضيق عنده، مثلاً: الموطوء عنده منحصر بين خمسة البيض وعند الحاكم في ستّة لأن السادس من مصاديق الكبري التي ذكرناها.

والقرعة وإن كانت في الموضوعات في مورد العلم الإجمالي، إلاّ أنه يستبعد كونها في مثل ما إذا تردّد الزوج بين زيد وعمرو أو الزوجة بين أحد الأختين وذلك لأن الأمثلة الواردة في الروايات تختلف عن هذه الموارد، فالإحتمال قويّ بالإنصراف عنها إلي غيرها.

ولو خرج بعض الأطراف عن محل الإبتلاء لم يستبعد بقاء القرعة، كما إذا ضاعت إحدي الشاتين المشتبه بهما أو نحوه، وذلك لإطلاق الأدلة.

والقرعة حاسمة حتي بالنسبة إلياللوازم، فلو أقرع وخرجت الشاة الموطوءة، كانت نجسة أيضاً لأنّه الظاهر من الأدلة، إلاّ إذا كان نصّ أو إجماع علي الخلاف كما في مورد الواطئين في الرواية المتقدمة حيث قال (ع): (وضمنته نصيبهم)(11).

المشكل

ولا فرق في (المشكل) بين كونه عندنا أو في الواقع أو لا يكون له واقع، كمن تزوّج إحداهنّ أو طلّقها إذا قلنا بصحّة ذلك فرضاً، حيث لا واقع فإنه يقرع لإخراج إحداهما.

وفي رواية عن الصادق (ع) (في رجل قال: أول مملوك أملكه فهو حُرّ فورث ثلاثة؟ قال: يقرع بينهم فمن أصابته القرعة أعتق(12).

ولا يخفي أن اقتراع عبد المطلب (ع) لإخراج أيّهما من الولد أو الإبل لم يكن إلاّ أمراً ظاهرياً، فليس من المشتبه في شيء، وذلك لأن قصته

كقصّة إبراهيم وإسماعيل (ع) حيث كانت من أجل إلغاء عادة جاهلية بذبح الأولاد، لكن إلغاء الأمر أخرج بهذه الصورة المقبولة عند مجتمعهم، فالنذر من عبد المطلب أيضاً كان مقدمة لذلك، فإنه (ع) كان من أوصياء عيسي (ع) كما في الأحاديث، ولم يكن من الجاهلية في شيء، وهذا ما نستظهره وإن أمكن أن يكون له مخرج آخر.

والإلتزام باللوازم أيضاً هو مقتضي الأصل، إلاّ إذا ورد نصّ أو إجماع علي الخلاف كما تقدّم في حديث علي (ع) في اليمن فيمن وطؤوا جارية.

وكما ورد في مورد الحرّ والعبد فعن المختار قال: (دخل أبو حنيفة علي أبي عبد الله (ع) فقال له أبو عبد الله (ع): ما تقول في بيت سقط علي قوم وبقي منهم صبيان أحدهما حرّ والآخر مملوك لصاحبه فلم يعرف الحرّ من العبد؟ فقال أبو حنيفة: يعتق نصف هذا ويعتق نصف هذا. فقال أبو عبد الله (ع): ليس كذلك ولكنه يقرع بينهما فمن أصابته القرعة فهو الحرّ ويعتق هذا فيجعل مولي لهذا(13).

وفي رواية أخري عنه (ع) قال: قضي أمير المؤمنين (ع) باليمن في قوم انهدمت عليهم دار لهم فبقي صبيان أحدهما مملوك والآخر حرّ فأسهم أمير المؤمنين (ع) بينهما فخرج السهم علي أحدهما فجعل المال له وأعتق الآخر(14).

نعم إذا ظهر بغير القرعة لم يحتج إلي العتق كما استكشف الإمام (ع) الحرّ من العبد بإحداث ثقبين في حائط المسجد، في قصّة مذكورة.

هل تحتاج القرعة إلي عمل الفقهاء؟

والمشهور بين الفقهاء أن القرعة تحتاج إلي عمل الفقهاء، إما لضعف رواياتها، أو لأنه لو عُمل بها مطلقاً لزم تأسيس فقه جديد.

وكلاهما محلّ تأمّل، إذ قد عرفت تواتر الروايات بها ولو إجمالاً، ولا يُعرف لماذا يلزم تأسيس فقه جديد، فإنه إذا عمل بها في غير

الموارد التي فيها نص أو إجماع علي غيرها لا يلزم المحذور.

ولذا نري الفقهاء يعملون بها حتي في الموارد التي لم يعمل بها من قبلهم كما لا يخفي علي من راجع كتبهم.

قال المحقّق (قدس سره) في (الشرائع) في كتاب القضاء: (ولو كانت أي العين المتنازع عليها في يد ثالث، قضي بأرجح البيّنتين عدالة، فإن تساويا قضي لأكثرهما شهوداً، ومع التساوي عدداً وعدالة يقرع بينهما، الخ).

وفي خبر عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله (ع): (قال: كان علي (ع) إذا أتاه رجلان يختصمان بشهود عدلهم سواء وعددهم، أقرع بينهم …)(15) الخ.

وفي خبر عبد الله بن سنان قال: (سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: ان رجلين اختصما في دابة إلي علي (ع) فزعم كل واحد منهما أنها نتجت عنده علي مذوده، وأقام كل واحد منهما البيّنة سواء في العدد فأقرع بينهما)،الخ(16).

وفي موثقة سماعة قال: (إن رجلين اختصما إلي علي (ع) في دابة إلي أن قال: وأقام كل واحد منهما بيّنة سواء في العدد فأقرع بينهما، الخ)(17).

قال في الجواهر: وأصرح من ذلك المرسل عن أمير المؤمنين (ع) أيضاً في البينتين يختلفان في الشيء الواحد يدعيه الرجلان: إنه يقرع بينهما فيه إذا اعتدلت بيّنة كلّ واحد منهما.

الاستخارة

ولا يخفي أن من أقسام القرعة الاستخارة المتعارفة سواء بالقرآن الحكيم كما ورد أن الحسين (ع) تفأّل بالقرآن لمجيئه إلي العراق فخرجت سورة التوحيد، ولذا قال ابن عبّاس: إن هذه السورة علامة علي قتله.

أو بالرقاع كما في ذات الرقاع.

أو بالسبحة كما دلّ علي ذلك ما ذكره الجواهر من نسبتها إلي الإمام الحجّة (عجل الله تعالي فرجه)،إلي غير ذلك.

ولا يخفي أن هذه الاستخارة يختلف معناها عن طلب الخير من الله في

ما يريد الإنسان العمل به، والتي فيها روايات متواترة لأن الثانية طلب الخير فقط والأولي الاستشارة للعمل فعلاً أو تركاً، وهي بالإضافة إلي الشرعية عقلية حيث إن المردّد في الأمر لا يُقدم في فعله أو تركه بجدّ لحالة التردّد، أما إذا ظهرت الخيرة علي أحدهما كان جاداً في مفاده، والجدّية في الأمر من أسباب النجاح.

وبهذا تبيَّن أنها ليست من (الاستقسام بالأزلام) التي كانت في الجاهلية وهي نوع قمار، ومحرّمة، وتفصيله في التفاسير.

1 سورة الصافات: 141.

2 سورة آل عمران: 44.

3 المستدرك: ج 17، ص 378، ح 21630، ب 11.

4 وسائل الشيعة: ج 14، ص 567، ح 4.

5 وسائل الشيعة: ج 18، ص 188، ح 6.

6 وسائل الشيعة: ج 16، ص 436، ح 1.

7 المستدرك: ج 15، ص 33، ح 17452، ب 38.

8 وسائل الشيعة: ج 14، ص 567، ح 4.

9 تهذيب الأحكام، ج 1، ص 249، ح 44.

10 الوسائل: ج 12، ص 364، ح 23071.

11 وسائل الشيعة: ج 14، ص 567، ح 4.

12 وسائل الشيعة: ج 18، ص 187، ح 2.

13 وسائل الشيعة: ج 17، ص 592، ح 2.

14 وسائل الشيعة: ج 17، ص 592، ح 1.

15 الوسائل: كتاب القضاء، أبواب كيفية الحكم، الباب 12، ح5.

16 الوسائل: كتاب القضاء، أبواب كيفية الحكم، الباب 12، ح 12.

17 الوسائل: كتاب القضاء، أبواب كيفية الحكم، الباب 12، ح12.

الفصل الثالث: قاعدة نفي السبيل

أدلة القاعدة

وهي قاعدة دلّ عليها الكتاب بقوله سبحانه: (لن يجعل الله للكافرين علي المؤمنين سبيلاً)(1).

والسُنَّة: حيث رأينا أن الكافر لا يرث المسلم ولا يحجبه إلي غير ذلك.

فقد روي الصدوق في الفقيه عن النبي (ص): (الإسلام يعلو ولا يُعلي عليه والكفّار بمنزلة الموتي لا يحجبون ولا يورثون)(2).

وقالت الصدّيقة الطاهرة عليها السلام: (أهل ملّتين

لا يتوارثان) والمراد: أن الكافر لا يرث المسلم وإلاّ ففي الإرث يؤخذ بما التزموا به، ولذا ترث زوجة المجوسي وهي بنته أو أمّه أو أخته أو ما أشبه ميراثين، وكذلك الزوج عن زوجته إلي غير ذلك.

ومن المعلوم أن الآية والرواية في مقام التشريع لا التكوين، لوضوح أن الكفار أحياناً يغلبون المسلمين ويعلون عليهم علوّاً مادّياً كما (علا فرعون في الأرض)(3) وكما قال تعالي: (إن يمسسكم قرح فقد مسّ القوم قرح مثله وتلك الأيّام نداولها بين الناس)(4) وقال تعالي: (وأنتم أذلّة)(5) إلي غير ذلك.

أما رواية الطبري: قال لعلي (ع) رجل: يا أمير المؤمنين أرأيت قول الله: (ولن يجعل الله للكافرين علي المؤمنين سبيلاً)(6) وهم يقاتلوننا فيظهرون ويقتلون؟ قال له علي (ع): (فالله يحكم بينهم يوم القيامة، ولن يجعل الله للكافرين علي المؤمنين سبيلاً يوم القيامة) فهو:

أولاً: ضعيف السند.

وثانياً: علي فرض صحّة الحديث فهو بيان مصداق، لأنه إما تشريع أو تكوين في الدنيا، أو حجّة في الآخرة أو حجّة في الدنيا، وحيث خرج التكوين قطعاً بقي الثلاثة الاُخر، فالإمام (ع) بعد الغض عن ضعف السند كان في مقام ردّ المتصوّر أنه بالتكوين وكفي ذكره مصداقاً من المصاديق.

فالمراد: أمّا أن الإسلام يعلو تشريعاً وحجة وآخرة، وأما تكويناً في الدنيا فلا، إلاّ أن يراد بالآية والرواية تكويناً أيضاً في زمان المهدي (عجل الله تعالي فرجه الشريف) حيث قال سبحانه: (ليُظهِرَه علي الدّين كلّه)(7).

والإجماع القطعي قولاً وعملاً: فإن الفقهاء بالإضافة إلي دعواهم القاعدة مستدلّين بالإجماع عملوا بها في موارد كثيرة من الفقه من غير خلاف، بل بعضهم تعدّي إلي التكوين فقالوا: بأنّه لا يسمح للكافر بأن يعلو بيته علي بيت المسلم، إلي غير ذلك فتأمّل.

والعقل: فإن رفعة الإسلام وعزّه وشرفه

تمنع من تشريع حكم يجعل المسلم أذلّ من الكافر أو مساوياً له، فلا يبقي إلاّ كونه أرفع، قال سبحانه: (ولله العزّة ولرسوله وللمؤمنين ولكنّ المنافقين لا يعلمون)(8) وبذلك ظهر أن آية (وأنتم أذلّة)(9) لا تنافي هذه الآية بل قال سبحانه: (حتي يُعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون)(10).

لا يقال: فكيف جعل الله سبحانه الكفّار أخوة للأنبياء كما قال: (وإلي عاد أخاهم هوداً)(11) و (إخوان لوط)(12) إلي غيرهما.

وكيف قال (ع): (إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق)(13)؟

لأنه يقال: (صاغر) بمعني أصغر، لأنه من مادته، فإن المحكوم صاغر أمام الحاكم، وإلاّ لم يقصد بذلك إهانة الكفّار، ولذا قال (ع): (لكلّ كبد حرّي أجر)(14)، وأعطي علي (ع) والحسين (ع) الماء لمن جاء لقتله، إلي غير ذلك.

وعلي هذا فهذه القاعدة مقدمة علي العمومات والمطلقات مثل: (يوصيكم الله في أولادكم للذّكر مثلُ حظّ الأنثَيَيْن)(15)، (ولا يغتب بعضكم بعضاً)(16) إلي غير ذلك.

موارد القاعدة

ثم إن موارد هذه القاعدة حسب ما ذكرها الفقهاء كثيرة، ونحن نكتفي ببعضها بإيجاز إلماعاً:

فإن الكافر إذا التقط طفل المسلم أو مجنونه لا يقرّ يده عليهما، لأنه من السبيل والعلوّ.

كما أنه لا حقّ في القصاص له علي المسلم، فلو قتل المسلم مسلماً عمداً وكان للمقتول ولد كافر أو نحوه لم يحقّ له القصاص، وإنما هو حق وارثه المسلم إن كان وإلاّ فالحاكم الشرعي الذي هو وليّ القاصر، ومثل القتل الجروح.

وكذلك لا يحقّ له أن يكون جلاّد الحاكم علي المسلمين، وإن جاز كونه جلاّده علي الكافرين.

كما لا يحق للرجل الكافر أن يبقي زوجاً للمسلمة فإذا كانان كافرَيْن وأسلمت ولم يسلم الزوج في العدّة انفسخ النكاح، علي التفصيل الذي ذكر في كتاب (النكاح).

ولا يصح له أن يكون مصدقاً، لأنه

نوع تسّلط علي أرباب الزكاة، ويصح كونه آخذ الجزية من الكفّار.

وعدم ثبوت حقّ الشفعة إذا كان المشتري مسلماً ولو كان البائع كافراً، لأنه يستلزم حقّه في انتزاع ملك المشتري المسلم من يده قهراً عليه.

وهذا لازمه أن لا يكون له حقّ التقاص من المسلم، نعم للحاكم أن يقتصّ من المسلم ويعطيه للكافر.

ولا يصح أن يكون متولّياً علي أوقاف المسلمين: كالمدارس علي أقسامها والمساجد والحسينيّات والمكتبات والمستوصفات والمستشفيات وما أشبه ذلك، لأنه سبيل علي المسلمين.

نعم يصحّ كونه متولّياً علي هذه المؤسّسات من الكافرين وعليهم، وهكذا حال مدارس الأطفال ونحوها.

وإذا كان جميعهم كفاراً فأسلموا وبقي علي كفره خرج عن يده، لظهور إطلاق الآية(17) في الوضع والتكليف معاً، من غير فرق بين أن يكون الواقف مسلماً أو كافراً بل وإن كان هو بنفسه الواقف.

وكذلك حال جعله ناظراً علي أمثال هذه المؤسّسات وإن لم تكن موقوفة.

أما كونه متاجراً أو نحوه علي البنوك وطبيباً ومحامياً للكافر علي الكافر أو للمسلم علي الكافر فلا بأس به لأنه ليس سيطرة وسبيلاً.

ولا يبعد أن يكون من الممنوع كونه شرطياً ولو شُرطي المرور أو نحوه أو ما أشبه لأنه سبيل عرفاً، أما أن يكون محاسب القاضي ونحوه فلا بأس لأنه ليس بسبيل عرفاً وليس علوّاً علي المسلم.

ولا يتوقّف صحّة نذر الولد علي إذن أبيه الكافر بناءً علي توقّف صحة نذر الولد المسلم علي إذن أبيه، أما إذا قلنا: بأن النذر لا يتوقف وإنما له فكّه فلا يبعد أن يكون للأب الكافر ذلك لأنه ليس بسبيل بل هو مثل حق الكافر في الخيار إذا أشتري من المسلم.

أما إذا كان الأب مسلماً والولد كافراً فهل يتمكّن من فكّ نذره؟ الإطلاق يقتضي ذلك إلاّ إذا كان من دين

الكافر العدم، لقاعدة الإلزام.

ولا يصح جعله قيّماً علي الأولاد الصغار والمجانين المسلمين لأنه سبيل، وإذا مات المسلم وله ولد كافر أو قريب آخر ممّا كان له ولاية تجهيزه فلا ولاية هنا لأنه من السبيل.

كما لا يصح أن يكون إمام الحاج.

ثم قد ذكر الفقهاء: مسألة العبد المسلم تحت سلطة الكافر بتفصيل، لكن حيث لا يكون في الحال الحاضر محل الإبتلاء نكتفي من البحث بما ذكرناه.

المراد بالمسلم

والمراد بالمسلم الأعم حتّي من المنافق علي ما تقدّم وذلك لأن الإيمان كما يعرف من إطلاقاته في الآيات والأخبار يقال:

علي وجه العموم الشامل لهم، ولذا قرأ النبي (ص) آية المؤمنات علي هند، وكان يعاشر بعض نسائه المنافقات، إلي غير ذلك.

وعلي وجه الخصوص في قبال النفاق الشامل للخلاف أيضاً، ولذا تصح ذبائحهم ويجوز نكاح نسائهم، إلي غير ذلك.

وعلي وجه الأخص في قبال الخلاف في مثل أدلة الشهادة والقضاء ومرجع التقليد والإمامة ونحوها.

روي في الكافي عن حمران عن الباقر (ع) قال: سمعته يقول: (الإيمان ما استقرّ في القلب وأفضي به إلي الله عزّ وجلّ وصدقه العمل بالطاعة لله والتسليم لأمره، والإسلام ما ظهر من قول أو فعل وهو الذي عليه جماعة المسلمين من الفرق كلها، وبه حُقنت الدماء وعليه جرت المواريث، وجاز النكاح، واجتمعوا علي الصلاة والزكاة والصوم والحج، فخرجوا بذلك من الكفر واضيفوا إلي الإيمان إلي أن قال: فهل للمؤمن فضل علي المسلم في شيء من الفضائل والأحكام وغير ذلك؟ فقال: لا هما يجريان في ذلك مجري واحد)(18) الحديث.

نعم الإسلام الكيدي أو المصلحي والإنتهازي أي أسلم ليتزوّج بنتاً أو يدخل حرم الأئمة (ع) أو ما أشبه ذلك ممّا لا يستعد بالعمل بشيء من الإسلام فليس بإسلام، إذ المنافق أيضاً كان مستعداً لتطبيق

الإسلام علي نفسه كما أشار إليه الإمام (ع).

فروع

ولا يخفي أن السائق والطيّار والملاح ليس من السلطة حتي يكون ممنوعاً في الكافر علي المسلم.

كما لا يمنع الأجير للكافر ولذا امتحي علي (ع) الماء لليهودي.

وكذلك ليس منه ما لو استأجر الكافر المسلم لتعليمه لغةً أو صنعة، حيث إن المسلم الأعلي لا الكافر.

ولكن فيه للفقهاء أقوال، كما لا يخفي علي من راجع المفصّلات.

وكذلك حال رهن المسلم داره مثلاً للكافر، إذ ليس هو من العلوّ والسبيل عرفاً.

وهكذا لو اشتري المسلم من الكافر في ذمّته فلا يقال: إنه سبيل علي ذمّة المسلم، ولذا اقترض الرسول (ص) من اليهودي ورهن عنده درعه(19) بناءاً علي صحّة الحديث.

وكون الكافر مضيفاً للمسلم ليس من السبيل والعلوّ، ولذا ذهبت الزهراء عليها السلام إلي عرس اليهود(20).

وكذلك حال استئجار المسلم لهم لبناء دار أو ما أشبه.

نعم استئجارهم لبناء المسجد وحرم الأئمة (ع) لا يصحّ، لأن نجاستهم علي المشهور تمنع من ذلك.

وهكذا يمنع تولّيهم رئاسة بيت المال لأنه يستلزم الأمر والنهي والتقريب والتبعيد وهو سلطة.

ولا دليل علي عدم حقهم في اللباس الحسن أو المركوب كذلك، أو بناء دارهم أرفع من دار المسلمين وما أشبه ذلك، لأنه ليس من السبيل عرفاً، فما كان يفعله بعض العثمانيين من أشباه ذلك خال عن الدليل.

لا يقال: أن عدم السبيل يستلزم التفرقة بين الناس، أليس من الأفضل عدم التفرقة كما فعله الغرب؟

لأنه يقال: إن التفرقة عند الغرب أسوء، فتراهم يفرّقون بين الأسود والأبيض، مع العلم أنهما من بلد واحد، ولغة واحدة، ودين واحد، وإنما كان أسوء لأن التفرقة المذكورة عندنا بحجّة ودليل وهي الأدلة العقلية القائمة علي أصول الدين، بالإضافة إلي أنها توجب جلب المنحرف عقيدة إلي الاستقامة بينما التفرقة الغربية توجب

المزيد من البغضاء والشحناء والحقد، فلا دليل لهم إطلاقاً.

1 سورة النساء: 141.

2 من لا يحضره الفقيه: ج 4، ص 243، ح 3.

3 إشارة إلي قوله تعالي: (إن فرعون لعالٍ في الأرض)، يونس: 83.

4 سورة آل عمران: 140.

5 سورة آل عمران: 123.

6 سورة النساء: 141.

7 سورة الصف: 9.

8 سورة المنافقون: 8.

9 سورة آل عمران: 123.

10 سورة التوبة: 29.

11 سورة الأعراف: 65، وهود: 50.

12 سورة ق: 13.

13 نهج البلاغة: الكتاب، 53.

14 بحار الأنوار: ج 71، ص 370، ح63 ب 23، ط بيروت.

15 سورة النساء: 11.

16 سورة الحجرات: 12.

17 سورة النساء: 141.

18 الكافي: ج 2، ص 26، ح5.

19 بحار الأنوار: ج 43، ص 30، ح 37، ب 3.

20 بحار الأنوار: ج 17، ص 297، ح 7، ب 2.

قاعدة الالزام

أدلة القاعدة

وهي قاعدة مشهورة، دلّ عليها النصّ والإجماع، بل ربما العقل أيضاً: حيث إن مقتضي عدم الزام الناس بالإسلام يلازم تقريرهم علي أحكامهم.

وقد ذكرنا في (الفقه) إن الإسلام يخيّر الكافر ولو غير الكتابي بين الجزية والإسلام والقتال، وانه ليس خاصاً بالكتابي كما دلّت عليه سيرة النبي (ص) والوصي (ع) بل وسيرة المسلمين إلي اليوم.

بل يدلّ عليه أيضاً قوله سبحانه: (لكم دينكم)(1).

وقوله: (لستَ عليهم بمسيطر)(2).

وقوله: (وما أنت عليهم بجبّار)(3).

وقوله: (لا إكراه في الدين)(4).

أما قوله تعالي: (ومن يبْتَغ غيرَ الإسلام ديناً فلن يُقْبَل منه)(5) فعدم القبول عند الله ليس معناه أنه يجبر علي تركه حتي يقع التدافع بينه وبين هذه الآيات.

وربما استدل له بالكتاب أيضاً: ما دل علي حكم أهل الكتاب بكتابهم: (وليحكم أهل الإنجبيل)(6)، و (إنا أنزلنا التوراة)(7).

لكن الظاهر أن المراد ما كان عندهم من الكتابَيْن الصحيحَيْن، والحكم بالنسبة إلي النبي وأحكامه غير المنسوخة.

والروايات في ذلك بحدّ التواتر:

فعن ابن محرز عن أبي

عبد الله (ع) قال: (قلت له: رجل ترك ابنته وأخته لأبيه وأمه؟ قال: المال كلّه لابنته وليس للأخت من الأب والأم شيء، فقلت: أنّا قد احتجنا إلي هذا والرجل الميّت من هؤلاء الناس وأخته مؤمنة عارفة؟ قال: فخذ لها النصف، خذوا منهم ما يأخذون منكم في سنتهم وقضائهم وأحكامهم، قال: فذكرت ذلك لزرارة فقال: ان علي ما جاء به ابن محرز لنوراً خذهم بحقّك في أحكامهم وسنّتهم كما يأخذون منكم فيه)(8).

ورواية عبد الرحمن البصري عن أبي عبد الله (ع) قال: (قلت له: امرأة طلقت علي غير السنّة؟ فقال: يتزوّج هذه المرأة لا تترك بغير الزوج)(9).

ورواية علي بن حمزة: (إنه سأل عن أبي الحسن (ع) عن المطلّقة علي غير السنّة أيتزوّجها الرجل؟ فقال: ألزموهم من ذلك ما ألزموه أنفسهم وتزوّجوهنّ فلا بأس بذلك)(10).

ورواية ابن سماعة: (انه سئُل عن المرأة طلّقت علي غير السنّة إلي أن أتزوّجها؟ فقال: نعم، فقلت له: أليس تعلم أن علي بن حنظلة روي إياكم والمطلّقات ثلاثاً علي غير السنّة فإنّهن ذوات أزواج؟ فقال: يا بني رواية علي بن أبي حمزة أوسع علي الناس، روي عن أبي الحسن (ع) انه قال: ألزموهم من ذلك ما ألزموه أنفسهم وتزوّجوهن فلا بأس بذلك)(11).

ورواية ابن طاووس: (قال: قلت لأبي الحسن الرضا (ع): أنّ لي ابن أخ زوّجته ابنتي وهو يشرب الشراب ويكثر ذكر الطلاق؟ فقال (ع): إن كان من إخوانك فلا شيء عليه، وإن كان من هؤلاء فابنها منه فإنه عني الفراق، قال: قلت: أليس قد روي عن أبي عبد الله (ع) انه قال: إيّاكم والمطلّقات ثلاثاً في مجلس فإنّهن ذوات الأزواج؟ فقال: ذلك من إخوانكم لا من هؤلاء انه من دان بدين قوم لزمته أحكامهم)(12).

ورواية

العلوي عن أبيه قال: (سألت أبا الحسن الرضا (ع) عن تزويج المطلّقات ثلاثاً؟ فقال لي: ان طلاقكم الثلاث لا يحلّ لغيركم وطلاقهم يحلّ لكم لأنكم لا ترون الثلاث شيئاً وهم يوجبوها)(13).

رواية ابن بزيع قال: (سألت الرضا (ع) عن ميّت ترك أمه وإخوة وأخوات فقسّم هؤلاء ميراثه فأعطوا الأم السدس وأعطوا الإخوة والأخوات ما بقي فمات الأخوات فأصابني من ميراثه فأحببتُ أن أسألك هل يجوز لي أن آخذ ما أصابني من ميراثها علي هذه القسمة أم لا؟ فقال (ع): بلي، فقلت: ان أم الميّت فيما بلغني قد دخلت في هذا الأمر أعني الدين، فسكت قليلاً، ثم قال: خذه)(14).

ورواية محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) قال: (سألته عن الأحكام؟ قال: تجوز علي كل ذوي دين ما يستحلّون)(15).

ورواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله قلت: (سألت أبا عبد الله (ع) عن امرأة طلّقت علي غير السنّة ما تقول في تزويجها؟ قال: تزوّج ولا تترك)(16).

ورواية ابن سنان قال: (سألته عن رجل طلّق امرأته لغير عدّة ثم أمسك عنها حتي انقضت عدّتها هل يصلح لي أن أتزوّجها؟ قال: نعم لا تترك المرأة بغير زوج)(17).

ورواية البصري، عن أبي عبد الله (ع) قال: (قلت له: امرأة طلّقت علي غير السنّة؟ فقال: تتزوّج هذه المرأة لا تترك بغير الزوج)(18).

ورواية الغوالي: (روي أنّ رجلاً سبّ مجوسياً بحضرة الصادق (ع) فزبره ونهاه فقال له (ع): انه تزوّج بأمّه، فقال: أما علمتَ أنّ ذلك عندهم النكاح؟(19).

ورواية الدعائم عن الصادق (ع): (انه قال: لا ينبغي ولا يصلح للمسلم أن يقذف يهودياً ولا نصرانياً ولا مجوسياً بما لم يطلع عليه منه وقال: ان أيسر ما في هذا أن يكون كاذباً)(20).

وعنه (ع): (أنه قال لبعض أصحابه: ما فعل

غريمك؟ قال: ذاك ابن الفاعلة، فنظر إليه أبو عبد الله (ع) نظراً شديداً، فقال: جعلتُ فداك انه مجوسي أمه أخته!، قال (ع): أو ليس ذلك من دينهم نكاحاً)(21).

ورواية الغوالي: (ان الصادق (ع) قال: كل قوم دانوا بشيء يلزمهم حكمه)(22).

هذه هي التي وجدناها في الكتب الأربعة والوسائل والمستدرك، وكفي بها تواتراً.

شمولية القاعدة

وهذه القاعدة شاملة للمخالفين سواء منهم المنافق وغيره، وللكفّار كتابيّاً أو غير كتابيّ، لما ذُكِر فيها من التعاليل، مثل قوله (ع): (تجوز علي كل ذوي دين ما يستحلّون)(23).

وقوله (ع): (انه من دان بدين قوم لزمته أحكامهم)(24).

وقوله (ع): (لأنكم لا ترون الثلاث شيئاً وهم يوجبونها)(25).

وقوله (ع): (تتزوّج هذه المرأة لا تترك بغير الزوج)(26) إلي غير ذلك.

ولا فرق في الكافر بين من له قانون ومن له دين سماويّ بزعمه، إذ القانون أيضاً دين، أتري ان قوله سبحانه: (لكم دينكم ولي دين)(27) لا يشمل عبّاد البقر والنار وأمثالهما؟! حيث في أول السورة (لا أعبد)(28) الآية.

كما أنه لو كان لجماعة دين وقانون فإنه يؤخذ بالأغلب عندهم، مثلاً: في الغرب حاليّاً القانون هو الأغلب، بل هو أيضاً دينهم السماوي لما رووه من قول المسيح (ع): (دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله) ولذا نلزمهم بقانونهم.

ولا فرق في الإلزام بين نفعهم وضررهم، للإطلاق، ولذا حكم الفقهاء للمجوسي بإرثين، مع أنه في نفعه لا في ضرره.

وممّا تقدّم يعلم عدم الفرق بين أقسام الكفّار والمخالفين معنا، أو مع بعضهم المتّفق، أو مع بعضهم المختلف، مثلاً: الحنفي والحنبلي أو اليهودي والنصراني، فإذا تحاكموا إلينا اخترنا ما نري من هذا المذهب أو ذلك المذهب، أو هذا الدين وذلك الدين.

نعم بين المسلم مطلقاً والكافر مطلقاً يُقدّم المسلم، كما أن بين المؤالف والمخالف يقدّم المؤالف، الأول لعلوّ

الإسلام، والثاني لأن الحق معنا.

نعم في مورد الخلاف بين المجتهدين أو المقلّدين يكون الفيصل رأي المرجوع إليه من القاضي المجتهد، سواء وافق أحدهما أو خالفهما، لإطلاق دليل القضاء.

ولذا قال في الجواهر: (لو ترافع مقلّدة مجتهد يري الصحّة عند مجتهد يري البطلان، حَكم عليهم بمقتضي مذهبه، وليس له إلزامهم بما وقع منهم من التقليد قبل المرافعة).

أقول: لكن لا يبعد اختيار المجتهد المترافع إليه، فيما إذا لم يعلم بخطأ المجتهدين أن يحكم حسب رأيه أو حسب رأي أيّهما شاء، وكذلك له الحكم حسب رأي المترافعين إذا كانا من تقليد واحد أو تقليد مشابه في الحكم، وذلك لأنه قامت الحجّة علي كل الآراء الثلاثة منه ومنهما أو منهما ومنه، عند القاضي لأن المفروض أنهم وكلاء الإمام (ع) الذي أمر بالرجوع إليهم.

وعلي ما عرفت من الإطلاق في التعاليل ونحوه فليس الإلزام خاصاً بالأبواب الثلاثة: النكاح والطلاق والإرث، بل يشمل سائر أبواب العبادات والمعاملات الأعم من الايقاعات ونحوها.

ويؤيده: ما ذكره الإمام (ع): إنه إن جاءه من يري رأيهم أتاه بما يرون، وقد قال علي (ع): (لحكمتُ بين أهل التوارة)(29) الحديث.

ومنه قوله (ع): (صار ثُمنها تسْعاً)(30) وإلاّ فهو لا يستقيم علي مذهب الإمامية.

وليس هذا من التقيّة، وإن صحّت في موردها أيضاً، عموماً وخصوصاً، كما رواه علي بن محمد علي ما في التهذيب قال: (سألته هل نأخذ في أحكام المخالفين ما يأخذون منّا في أحكامهم أم لا؟ فكتب (ع): يجوز لكم ذلك إن شاء الله إن كان مذهبكم فيه التقيّة منهم والمداراة لهم)(31).

وعلي هذا يصح الإلزام في البيع والشراء والشركة والشفعة إذا كان يري الشفعة ولا نراها فنأخذه بالشفعة والمضاربة والمزارعة والمساقاة والوصيّة والرهن والوقف والهبة وإحياء الموات والحيازة وغيرها.

الإلزام رخصة لا عزيمة

نعم ليس

الإلزام عزيمة علينا مطلقاً بل رخصة فإذا رأي أنّ الحيازة لا تكون إلاّ برخصة الدولة لا يلزمنا ذلك، بل لنا الحيازة.

كما أنه يلزم أن لا يفوت محلّه، مثلاً: طلّقها ثلاثاً باطلاً فإنّ لنا أن نزوّجها لكن إذا تزوّجت فات المحلّ، فلا مجال لنا بزواجها، كما هو واضح.

ومنه يعلم انه لنا إلزامها بديننا أو مذهبنا مع بقاء المحل وذلك لأنّ الواقع للكل وإلاّ فلا، مثلاً: طلّقها ثلاثاً، فإنّ لنا إرجاعها إلي الزوج حسب مذهبنا الذي يقول بالصحّة فيما إذا لم تتزوّج، وإلاّ فقد فات موضع الإرجاع.

ولذا ارجع العلاّمة الحلي (قدس سره) زوجة الملك في قصّة مشهورة.

ولو كان مسلماً فكفر لم يُلزم بالسابق، بل بدينه الفعلي، فإذا طلّقها الشيعي ثلاثاً بالشروط، ثمّ كفرت الكتابيّة حقّ له أن يزوّجها بغير محلّل، لقاعدة الإلزام حيث تري الصحّة في دينها ولا يستصحب، لتبدّل الموضوع بل يشملها قاعدة الإلزام، لإطلاق دليله الشامل للكافر الأصلي والمرتد، وقد تقدّم الإشكال في الإنصراف في بعض المباحث السابقة.

ولو كانت كافرة لا تري صحّة زواجها بنا ثمّ أسلمت، فلا إشكال في صحّة تزويجنا لها، لإطلاق الأدلّة، ولذا نري صحّة زواج المتعة بالسُنّية، وصحّة زواج السنّي متعةً بالشيعيّة، وإن لم يعتقدا الصحّة في مذهبهما.

ثمّ إنّ هناك بعض ما يقطع بأنه من قانون الإلزام، وبعض ما يقطع بأنه ليس منه، وبعض ما يشك فيه، فاللازم الرجوع إلي القواعد المرتطبة بموضع الشكّ.

مثلاً: لاشك في جريان القاعدة في النكاح والطلاق والإرث وما أشبه ممّا تقدّم ذكره، لكن من المقطوع به ولو لضرورة أو إجماع أو ارتكاز أو سيرة أنه لا يجوز لنا شرب الحرام وأكله، وكذا النجس ممّا يعتقدون طهارته وحلّيته، ولا يجوز لنا الزنا بنسائهم واللّواط بغلمانهم، وإن أباحوا

ذلك، حسب ما في كتبهم المقدّسة، من زنا لوط (ع) ببنتيه، وسليمان (ع) بزوجة أوريا والعياذ بالله.

والأخير جائز في قانونهم، وحيث لم يصرّح بالحرمة في دينهم يرونه حلالاً يتعاطونه.

وكذلك لا يجوز للمسلم نكاح أخته المجوسية وسائر محارمه وبالعكس في المسلمة وإن رأوه حلالاً.

وأما بالنسبة إلي الرضاع وأخت الملوط ونحوها فهل يحرم علينا للأدلة الأولية أم لا لأنه مثل نكاح المطلّقة؟ احتمالان.

وهكذا لا يجوز سُحق المسلمة بالكافرة حيث يجوز عندها.

أما الشفعة بدون شروطنا فالظاهر جواز أخذنا منهم، لإطلاق الأدلة، فيما إذا لم نقطع علي خلافه، كما تقدّم.

وهل تجوز نكاح امرأة دواماً أو متعة بعد مدّة، مثلاً: يجري صيغة العقد في شهر شعبان علي أن تحلّ له من شهر رمضان، لجوازه عندهم؟ احتمالان.

وقد قال العلاّمة (قدس سره) بشبه ذلك تبعاً لرواية في المتعة، خصوصاً وانها اجارة، كما في الآية، لكن القول به من أشكل المشكلات، بل المشهور المنع، ولا محيص عنه.

ومن المقطوع به في قانون الإلزام لو لم يأت بطواف النساء، رجلاً كان أو امرأة فإنه لا يحرم علي الزوج الآخر.

كما أن موضع الشك أخذ المرأة في حال عدّتها، طلاقاً أو وفاةً أو فسخاً فيما لا يرون محذوراً.

نعم هناك دليل خاص في عدّة الوفاة كما ذكرناه، فيستثني من القاعدة، إلاّ أن الكلام في إطلاقه.

من موارد الشبهة

كما أنّ من موارد الشبهة: وطي الحائض منهنّ في الحيض والنفاس حيث يرون الحلية، أما إذا لم تر القسم في المتعدّد فلا قَسم لها.

وكذلك من موارد الشبهة: جواز إحراق أمواتهم أي من يرون ذلك إذا كان الميّت قد أوصانا بذلك.

وإن كان المستأنس في وطي الحيض العدم رجلاً كان الموالي أو امرأة في قبال الكافر، وفي حرق الميّت الجواز.

وهل يجوز أن يتزوّج الكافرة المزوّجة

حيث يرون الجواز؟ احتمالان، والأحوط الترك.

وكذلك ان تكون زوجة لمن اتّخذ أختها الكافرة، أو أمها كانت زوجة له، أو كانت المؤمنة الخامسة فيما يري الزوج المسلم أنهما قطعاً ليستا أختين أو أمّاً وبنتاً، أو ان المسلم يعلم بأنّها الرابعة حيث طلّق الرابعة، لكنها تعلم بطلان الطلاق.

ومن المعلوم أن بعض الفروع المذكورة ليس من موارد قاعدة الإلزام، وإنما ذكرناه استطراداً.

كما أن بعض ما ذكرناه يرتبط بكتاب (القضاء) وإنما ذكرناه لأن بين المسألتين عموماً من وجه.

ولا يجوز تقبيل المسلم الأجنبية الكافرة، أو الغلامَ الكافر، أو لمسهما بشهوة، أو بدون شهوة في الأجنبية كالمصافحة.

كما يحرم علي المسلم أن يسمح لزوجته الكافرة باتّخاذ الخليل المتعارف والجائز عندهم، وكذلك لا يجوز له أن يكون خليلاً لكافرة متزوّجة أو غير متزوّجة بالخلّة المتعارفة عندهم، من الخلوة والقبلة واللّمس وما أشبه.

فروع

وممّا تقدّم اتّضح حكم الفروع الآتية:

مثل أنّ صحّة النكاح عند العامة تتوقّف علي الاشهاد فإذا تزوّج رجل منهم بامرأة منهم بدون اشهاد، وراجعونا صحّحنا نكاحهم، لأن الإلزام ليس معناه إبطال الواقع، إذ الواقع للكلّ، ولذا لا يحقّ لنا الزواج منها حتي إذا لم تكن موطوءة بشبهة.

وكذلك يصحّ نكاح أحدهم للموافقة، أو أحدنا للمخالفة بدون الاشهاد، وقد تقدّم صحّة المتعة سواء كانا مخالفين أو أحدهما مخالفاً.

ومثل ما إذا جَمَعَ أحد العامَة بين العمَة والخالة وبنت الأخ والأخت برضاهما كما نري فإن البطلان عندهم ليس معناه بطلان الواقع حتي يصحّ لنا إبطال الزواج والتزويج علي كلّ منهما بقاعدة الإلزام.

ومثل وجوب العدّة عندهم علي اليائسة والصغيرة إذا طلّقها الزوج فإنه يجوز لنا الزواج بهما بدون العدّة حيث لا عدّة لهما عندنا، من غير فرق بين أن تتشّيع حال العدّة أو لا.

وكذلك الحال لو تشيّع

زوجها فله أن يتزوّج بأختها إذ لا عدّة لها عند الشيعة، وإن شئت قلت: لا عدّة في الصور الأربع من السنّيَيْن والشيعيَيْن والمختلفَيْن.

نعم لو راجعنا أحد أهل السنّة حق لنا أن نحكم بحكمهم أو بحكمنا، كما هو كذلك في الكفّار، ومثل ما إذا طلق السني زوجته بدون الشهود، أو طلّق إصبعها مثلاً، حيث يقع الطلاق علي جميعها، فإن راجعَنَا إخترنا اقرار الطلاق كما هو مذهبه أو الفتوي له حسب مذهبنا حتي إذا بقيا علي مذهبهما.

وإذا طلق الزوج زوجته بإكراه كما هو صحيح عند الحنفيّة جاز لنا أن ننكحها، لقاعدة الإلزام، وجاز لنا الفتوي له بعدم وقوع الطلاق، لأنه الواقع الثابت علي الجميع.

ولو طلّق أحد العامّة زوجته من دون حضور شاهدين صحّ الطلاق علي مذهبه، فإن أراد الزواج بأختها فيما لا عدّة للمطلّقة جاز لنا تزويجها به، لأنه لا يكون جمعاً بين الأختين، كما يجوز لنا نكاح تلك المطلّقة.

وحيث يصح الحلف بالطلاق عندهم، فلو حلف وطلقت زوجته عندهم جاز للشيعي نكاحها، أو تزويجه بأختها.

وكذلك حال طلاق المرأة بالكتابة، فيجوز للشيعي زواجها، لأن الكتابة طلاق صحيح عندهم.

ولو تغيّر القانون عندهم، بأن اشترطوا الشاهدين في الطلاق كما هو الحال في بعض محاكمهم وطلّق بدون الشاهدين فإن كان قد اعترف بذلك القانون لم يصح طلاقه ولا يصحّ لنا زواجها، لأنه صار طريقه ودان بذلك، والدينيّة عبارة عن الطريقة، لأنها تسبب الجزاء بعلاقة السبب والمسبّب، وإن لم يدن بالقانون كان علي طريقته السابقة في صحّة الطلاق.

ولو كانت المرأة الشيعية زوجة لرجل سني، فمات جاز لها أخذ الإرث من الأرض، لأنهم يرون ذلك، وكذلك بالنسبة إلي أخذ العصبة مما ليس في مذهبنا وهو جار في مذهبهم، علي فروعها المتعدّدة.

وحيث لا يثبت

خيار الغبن للمغبون في مذهب الشافعي، فلو كان المغبون من الشافعية حق للغابن الشيعي أن لا يقبل فسخه، علي قاعدة الإلزام.

نعم لا يصح فرض مذهب علي أهل مذهب آخر، كما أنه إذا تغيّر دينه من الكفر إلي الإسلام، أو بالعكس، أو من مذهب إلي مذهب، فمقتضي القاعدة أن يكون محكوماً بأحكام دينه أو مذهبه الجديد إلاّ إذا قام دليل علي الإستثناء.

وفروع المسألة كثيرة جداً، اكتفينا منها بهذا القدر، والله سبحانه العالم العاصم.

1 الكافرون: 6.

2 الغاشية: 22.

3 ق: 45.

4 البقرة: 256.

5 آل عمران: 85.

6 المائدة: 27.

7 المائدة: 44.

8 التهذيب: ج 9، ص 321، ح 9.

9 وسائل الشيعة: ج 15، ص 320، ح 3.

10 الاستبصار: ج 3، ص 292، ح 5.

11 تهذيب الأحكام: ج 8، ص58، ح 109.

12 معاني الأخبار: ص 263، ح 1.

13 تهذيب الأحكام: ج 8، ص 59، ح 112.

14 تهذيب الأحكام: ج 9، ص 323، ح 17.

15 وسائل الشيعة: ج 17، ص 484، ح 4،

16 وسائل الشيعة: ج 15، ص 324، ح 3.

17 تهذيب الأحكام: ج 8، ص 58، ح 108.

18 وسائل الشيعة: ج 15، ص 320، ح 3.

19 وسائل الشيعة: ج 17، ص 596، ح 2

20 دعائم الإسلام: ج 2، ص 460، ح 1622.

21 وسائل الشيعة: ج 18، ص 430، ح 3.

22 تهذيب الأحكام: ج 9، ص 365، ح 3.

23 وسائل الشيعة: ج 17، ص 484، ح 4.

24 من لا يحضره الفقيه: ج 3، ص 407، ح 4421، الباب 2.

25 تهذيب الأحكام: ج 8، ص 59، ح 112.

26 وسائل الشيعة: ج 15، ص 320، ح 3.

27 الكافرون: 6.

28 الكافرون: 2.

29 تفسير العياشي: 1، ص 15، ح 3.

30 بحار الأنوار: ج 40، ص 159،

ح 54.

31 تهذيب الأحكام: ج 9، ص 322، ح 10.

أدلة القاعدة

وهي قاعدة مشهورة ذكرها الفقهاء في (الأصول) و (الفقه).

وتدلّ عليه الأدلة الأربعة:

فمن الكتاب: قوله سبحانه: (ما جعل عليكم في الدين من حَرَج)(1).

وقوله تعالي: (ما يُريدُ الله ليجعل عليكم من حرج)(2).

وقوله سبحانه: (يُريد الله بكم اليُسر ولا يُريد بكم العُسْر)(3).

أما قوله سبحانه: (لا يُكلّف الله نفساً إلا وُسعها)(4) وقوله تعالي: (لا يكلّف الله نفساً إلا ما آتاها)(5) فدلالاتهما مبنية علي أن المراد ب (الوسع) و (ما آتي) العرفية لا الدقّية، إذ لو كان المراد الدقّية لكان مثل قولك: لا يكلف الله إلاّ الممكن، وهو خارج عن نطاق كلام البلغاء، فاللازم أن يراد بهما أيضاً ما ذكر في الآيات السابقة.

ومن الإجماع: تواتره في كلماتهم، حيث الإجماع العملي والقولي، إلاّ أنه ظاهر الاستناد لا محتمله فقط.

ومن العقل: قبح أن يوقع الحكيم عبيده في الحرج إلاّ لأمر أهمّ، والإستثناء قليل، وإنما الكلام في جعل التكليف مطلقاً كذلك، ولذا إذا رأينا سيداً أوقع عبده في المشقّة سألناه عن السبب، ولا نكتفي بجوابه إلاّ إذا ذكر الأمر الأهمّ.

والجهاد والصوم في الصيف وما أشبه من الإستثناء العقلي أيضاً، بالإضافة إلي الشرع، والأول للاستقلال والسيادة، والثاني للتذكير نفساً والتصحيح بدناً، فإذا لم يأمر المولي عبده بهما، لكان محلاً للتساؤل، ولذا يفعلهما العقلاء.

ومن السنة: متواتر الروايات مثل ما عن عبد الأعلي مولي آل سالم قال: قلت لأبي عبد الله (ع): عثرت فانقطع ظفري فجعلت علي أصبعي مرارة فكيف أصنع بالوضوء؟ قال (ع): يعرف هذا وأشباهه من كتاب الله عزّ وجل، قال الله عزّ وجل: (ما جعل عليكم في الدين من حرج)(6).

إلي غيرها من الروايات المذكورة في (الوسائل) و (المستدرك) وغيرهما.

معني العسر والحرج

والعسر والحرج إذا ذكرا معاً، كان الأول بَدنَياً والثاني نفسياً، وإن أفرد أحدهما عن

الآخر شمل كلٌ الآخر.

فالفتاة في بيت أبيها إذا إحتملت وكان غسلها حرجاً شديداً عليها تبدّل حكمها إلي التيمّم.

وكذلك إذا تزوّجت متعة حيث لا أب لها أو قلنا بكفاية رضاها، كما هو قول جمع من الفقهاء.

أما الحرج الجسدي فهو الشدّة البدنية، كما ذكر الإمام (ع) مثالاً له في الرواية، وعطف عليه أشباهه، وذلك لا يلازم الضرر كالحرج، إذ بينهما عموم من وجه، فقد تصاب الفتاة المذكورة بالمرض أو العمي مثلاً إذا اغتسلت، وقد لا يكون إلاّ الشدّة النفسية، كما أن العسر قد يؤدي إلي الضرر، كما إذا مرض بسبب المسح علي البشرة، وقد لا يؤدي إلي ذلك.

وعلي هذا فهي عناوين ثلاثة ثانوية حاكمة علي الأدلة الأولية، فالقول بالفرق بين الحرج والضرر في الحكومة غير ظاهر الوجه.

ومما تقدّم ظهر أنّ قوله سبحانه: (ما لا طاقة لنا به)(7) لا يُراد به المحال، إذ ما ليس فيه قدرة علي الطرفين لا يعقل التكليف به فهو مثل أن يقال: لا تكلّفني التناقض، فالمراد به ما هو غاية طاقتنا الممكنة، ومنه قوله تعالي: (وعلي الذين يطيقونه)(8).

ولا ينافي ما ذكرناه قوله سبحانه: (لا تحمل علينا إصراً كما حملته علي الذين من قَبْلِنا)(9) حتي يقال: إنه إذا كان خلاف العقل كيف كلّف سبحانه بذلك بعض الأمم، إذ هو مما ذكرناه من الإستثناء، حيث إن التحميل عليهم كان كالجهاد علينا لطفاً عقلاً، فإن الصبي إذا لم يؤدّب فهو خلاف الحكمة، وتلك الأمم كانت في بداية المسيرة الحضارية كما يظهر من إشكالاتهم لموسي (ع) وغيره.

أما ما ورد في بعض الأحاديث من أنّ بني إسرائيل كانوا يقرضون لحومهم إذا أصابها البول، فالمراد به القرص لأنهم كانوا في مصر وابتلوا بمرض (البلهارزيا) مما لا يدفع جرثومته إلاّ

بالقرص الشديد، وفي العرف يطلق القرض علي القرص.

وحيث إن الأدلة مطلقة فلا فرق في الحكم المرفوع أن يكون وضعياً أو تكليفياً إذا لم نَقُل بأن الوضع ليس أكثر من التكليف انتزاعاً كما ذكره الشيخ (قدس سره) وغيره.

الأحكام ميسورة

ويظهر من الآيات والروايات ان الأحكام ليست معسورة فقط، وإنما ميسورة أيضاً كما قال سبحانه: (يُريدُ الله بكم اليُسْرَ ولا يريد بكم العُسْرَ)(10) أي أن المنفي ليس العسر فقط، بل فوقه: إرادة اليسر لوضوح أن بينهما واسطة، ولذا ورد عنه (ص): (بُعِثْتُ بالحنيفية السمحة السهلة)(11).

وعلي هذا فالأحكام المجعولة من الشارع كلها سهلة يسيرة.

وفي رواية عن الإمام (ع): ان شيعتنا في أوسع مما بين ذه وذه وأشار إلي السماء والأرض)(12).

والمراد:

إما في مقابل الخوارج، حيث ورد عن الباقر (ع) في صحيحة البزنطي: (إن الخوارج ضيّقوا علي أنفسهم بجهالتهم، وانّ الدين أوسع من ذلك)(13) حيث إنهم كانوا يكفّرون كلّ عاص، وهذا أشدّ أنحاء الضيق.

وإما أنه من مفهوم اللّقب، حيث إن المسلمين كلهم كذلك.

وإما أنه في قبال سائر المذاهب، حيث تكثر فيها الأحكام المشدّدة فيها مثل: استياك المقعد بالحجر ونحوه.

لا يقال: ما ذكرتم من رفع الوضع غير تام، لأن الحرج لا يوجب رفع النجاسة أو ما أشبه.

لأنه يقال: الوضع الموجب للحرج جعل الشارع له المخرج مادام الحرج، مثلاً: يحق للمرأة التي هي في حرج من زوجها مراجعة الحاكم الشرعي، ويطلقها الحاكم إن لم يرضخ الزوج ل (إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان)(14).

واجتناب النجاسة مادام حرجاً يجوز استعمالها، فإذا ارتفع الحرج يلزم ترتيب آثارها.

وإذا كان عدم نظر الطبيب إليها لعلاجها يوجب الحرج الشديد مثلاً، جاز النظر واللّمس، إلي غيرها من الأمثلة.

ثم الحرج كما هو مخصّص للأحكام الأولية كذلك مخصّص بما هو أهم لقاعدته، كما

ان الضرر كذلك، فإذا بلغت الغريزة الجنسية في إنسان حدّ الحرج، ولا يزول الحرج إلاّ بالجماع مع امرأة ذات بعل لم يكن حرجه مبيحاً له، ذلك لأن حرمة ذات البعل أهمّ من الحرج.

والمشهور بين الفقهاء: انه علة وليست بحكمة، فلو كان كل الناس من الحكم الفلاني في حرج دون زيد لم يرفعه حكمه.

نعم قد يرفع الشارع الحكم حكمة، فيرتفع حتي عمن لا حرج عليه كما أشار إليه (ص) بقوله: (لو لا أن أشقّ علي أمتّي لأمرتهم بالسواك)(15).

والحرج كالضرر في أن خوفه المستقبلي شخصاً أو أحد الأشخاص يوجب رفع الحكم، فكما إذا خاف الضرر في المستقبل ارتفع الحكم.

وكما إذا علم بضرر أحد شخصين، علماً أو خوفاً، يرتفع الحكم عنهما، كذلك حال خوف الحرج المستقبلي، كما إذا خاف إن فعل كذا أن يقع في حرج رافع للحكم في المستقبل، أو خيف وقوع أحدهما في مثل ذلك.

نعم لا معني لاحتمال الحرج الحالي، لأنه نفسي يوجد أولا يوجد،بينما الضرر الحالي محتمل فهو رافع دون الحرج كذلك، لأنه من السالبة بانتفاء الموضوع.

الحرج البعضي

والحرج البعضي كالضرر كذلك لا يرفع كلي الحكم بل يقدّر بقدره إلاّ إذا علم الارتباط ولم يمكن التدارك، مثلاً إذا كان غسل الرأس للمرأة المتمتّع بها موجباً للحرج الشديد، دون بقيّة الجسد، لأنّ أهلها يكتشفون ذلك من الغسل الكامل، دون غسل بعض الجسد، فإنه وإن كان بعضياً إلاّ أنه يرتفع الغسل ويبدل بالتيمّم إذ لم يشرّع الشارع مثل هذا الغسل.

وكذلك الحكم لو كان ترك الجماع في نهار شهر رمضان موجباً للحرج الشديد، فإنه لا صوم عليه، لا أن له صوماً بعضياً، لما عُلِم من الشارع من عدم تشريع صوم كذلك.

وهكذا حال الضرر.

وأما إذا أمكن التدارك، كالحرج في الطواف

فقط أو الضرر فيه، فإنه يحج ويستنيب، فالقاعدة إنهما يقدران بقدرهما كمّاً وكيفاً، إلاّ إذا علم من الشارع انه لا يريد الفاقد.

مثلاً: لو اضطرّت المرأة إلي الزنا كما في قصّة المرأة في عصر الإمام علي (ع) واكتفي الزاني بالدخول قليلاً زماناً أو موضعاً، لم يرفع الضرر الحرمة بالنسبة إلي الزمان الأطول وكلّ الموضع، لوضوح انه لا حرج ولا ضرر بالنسبة إلي الزائد.

وكما يرفع الضرر بين الإثنين شخصاً أو شيئاً أو زماناً كذلك حال الحرج، مثلاً: لو علم انه إذا ذهب أحد الشخصين إلي الحج أخذه الجائر، لا حج علي أيّ منهما.

أو إذا علم في الصلاة الجهرية ان الظالم يسمع، إما جهره في المغرب أو العشاء، فيلقي عليه القبض، فإنه لا جهر عليه في كليهما.

وكذلك إذا علم بأنّ صومه في أحد اليومين يوجب ضرره، فإنه لا صوم عليه في كِلَيهما.

نعم يلزم عليه القضاء هنا دون مثل الصلاة لدليل (لا تُعاد)(16).

الحرج لا يرفع اللوازم

والحرج كالضرر لا يرفع اللوازم، إلاّ إذا كان الدليل دالاً علي الرفع، مثلاً: لو اضطر الإنسان إلي شرب الخمر أو الزنا كان عليه غَسل الفم والغُسل، أما إذا اضطرّ إلي إخراج الدم في الحج كالحجامة مثلاً وفرضنا أن الدليل دلّ علي الكفارة في العمد، لا تجب عليه الكفّارة لا لأجل الإضطرار إلي الاحتجام بل لأجل اقتصار دليل الكفّارة علي العمد.

ومما تقدم ظهر أنه لو كان بعض الأفراد الطولية أو العرضية ضرراً أو حرجاً ارتفع ذلك الضرر لا سائر الأفراد، مثلاً: كانت الصلاة أول الوقت عليه ضرراً أو حرجاً، أو كانت الصلاة في البيت عليه ضرراً أو حرجاً، فإنه تثبت الصلاة في سائر الأزمنة والأمكنة.

والضرر والحرج قد يوجب التبديل الكلي، وقد يوجب البعضي.

فمن الأول: كالحرج والإضطرار إلي

الإفطار فإنه يبدل إلي القضاء.

ومن الثاني: كمن لا يتمكّن إلاّ من إتيان ثلاث ركعات فقط من صلاة الظهر فإنه يصلّيها ويجعل مكان الرابعة التسبيحات الأربع.

والحرج كالضرر في التقدير بقَدَره إلاّ إذا قال الشارع أنه بعد رفعه الحكم الأولي يرتفع الحكم مطلقاً، مثلاً: إذا كان الضرر يوجب الصلاة بنجاسة البدن لا يرفع لزوم طهارة اللباس.

أما إذا كان الضرر يوجب أكل لقمة في شهر رمضان لم يكن عليه صوم بعد ذلك.

التعارض بين الحرج والضرر

ولو تعارض حرج وضرر تخيّر، إذ لا دليل علي تقديم أحدهما علي الآخر، إلاّ إذا كان أحدهما أهمّ إلي حد المنع عن النقيض.

وكذلك حال العسر مع أيّ منهما مثلاً: لو كان في اغتسال الفتاة المحتلمة أمام أهلها بالماء الحار حرج، وكان في اغتسالها بالماء البارد في غرفتها ضرر، إلاّ أن الحرج كان خفيفاً والضرر شديداً، اختارت الأول، لأنه ليس بقدر يرفع الحكم، ولو انعكس اختارت الثاني، ولو كان كل منهما يرفع الحكم، تيمّمت.

ولو كان في جانب حرج وفي ضدّه أو نقيضه ضرر اختار الأهم، وإلاّ تخيّر.

ولو كان واجبان طوليان: أحدهما حرجي أو ضرري، ولم يكن أحدهما أهم إلي حد المنع من النقيض، فالمشهور الأحوط تقديم الأول.

وقد مُثّل له في (الأصول) بما لو اضطر إلي الإفطار في اليوم الأول من شهر رمضان أو اليوم الثاني، وللأهم بما لو اضطرّ إلي الإفطار في اليوم الأول أو الإفطار بقية الشهر كلّه.

وربما يقال: بالتخيير في اضطرار إفطار أحد اليومين، لأنّ كلاً منهما مفوّت لمصلحة ملزمة، فلا فرق بينهما عند المولي.

ثم الضرر يتعدّي إذا لم يُرفع إلاّ به، كالمريضة تضطر إلي أن يلمسها الطبيب الأجنبي، فإنه يجوز للطبيب حينئذ.

وهل الحرج كذلك؟ مقتضي القاعدة: التساوي، لوحدة الدليل، فلو كانت في حرج نفسي

شديد من عدم لمسه جاز له اللّمس أيضاً.

ولو تصوّر الضرر ولم يكن كذلك، لم يكن عليه شيء إلاّ إذا كان لازم كالقضاء والإعادة.

ولو زعم عدمه وكان، وقد تجرّأ في ترك الواجب أو فعل الحرام لم يكن أكثر من التجرّي.

ولو زعم الضرر وكان حرج أو بالعكس فرضاً أو كذلك بالنسبة إلي أحدهما والعسر، لم يكن عليه إلاّ التجرّي.

وعلي ذلك فلو تصوّر الضرر مثلاً وأفطر، ثم ظهر في النهار عدمه لزم الإمساك.

ولو تصوّر الضرر في القيام فجلس في الصلاة وظهر في الأثناء عدمه، أتم الصلاة قائماً، ولا إعادة لدليل (لا تُعاد)(17).

ولو تصوّره في الطهارة المائية فتيمّم، وفي الأثناء ظهر الخلاف فالصلاة باطلة، وعليه الوضوء والإستيناف، لأنه صلاة بلا طهور والزعم لا يجعل الإنسان متطهّراً فحديث (لا تُعاد) لا يشمله.

هل يجب التدارك

وكما يجب علي الضار تدارك الضرر فهل يجب علي المحرج والمعسر التدارك خصوصاً بعد قول الصادق (ع) بأنه حتي في غمز اليد الأرش؟

الجواب: ان الملاك في (من أتلف) و (من أضرّ)، فإذا كان منقّص المال فعليه الغرامة وإن لم يتلف، لفهم الملاك منه، ولدليل (اليد)، والمضر عليه التدارك، والمحرج والمعسر كذلك.

ويؤيده بل يدل عليه (لا يتوي حق امرء مسلم).

لا يقال: فما هو قدر المعطي لمن تحرّج أو تعسّر عليه؟

لأنه يقال: الحكومة حسب قوله سبحانه: (يحكم به ذوا عدل منكم)(18) وقد أعطي الرسول (ص) الدية لأجل إخافة خالد بن الوليد عشيرة بني جذيمة، كما في الرواية.

لكني لم أجد من الفقهاء من عنون هذه المسألة، وهي بحاجة إلي تتبّع أكثر وتعمّق أدقّ، والبحث والفحص عن الأشباه والنظائر في الروايات وكلمات الفقهاء.

وعليه: فإذا كان الحرج والضرر في جسم كان علي الفاعل تدارك كليهما.

كما لم نستبعد كون ذلك أيضاً في الديات إذا

أورثت اضراراً، مثلاً: قطع يد إنسان واحتاج العلاج إلي ألفي دينار فعليه الخمسمائة، لدليل الدية، وبقيّة الألفين لدليل (لا ضرر)(19).

لا يقال: إن الشارع لم يحدّد إلاّ الأول.

لأنه يقال: كان العلاج في السابق بسيطاً لا يكلف شيئاً يذكر، بخلاف الوقت الحاضر.

هذا.. مضافاً إلي الجمع بين الدليلين حسب القاعدة، لكني لم أجد تعرّضهم لمثل هذه المسألة اثباتاً أو نفياً، كما لم أجد تعرضهم لضمان الفاعل فيما لو فعل بالولد قهراً بالإضافة إلي حدّه، فهو حسب الملاك ليس أقل من إزالة البكارة قهراً، حيث الحد والأرش فتأمّل لكنها كالسابقتين لم أجد تعرّضهم له.

عدم جواز احراج الكافر واعساره

وكما لا يجوز ضرر الكافر كذلك لا يجوز إحراجه أو إعساره إلاّ في مباح الدم والمال، لكن بقدر ما عُلم من الشرع لا أكثر، مثلاً: لا يجوز التمثيل بالكافر الحربي ولا تعذيبه النفسي أو الجسدي، كتسليط الكلب عليه، أو نشر يده أو رجله بالمنشار، أو سائر أقسام التعذيب المتعارف عليها لدي المجرمين من الحكومات الباطلة.

لأن الإنسان بما هو إنسان (أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق)(20) وقد كرّمه الله سبحانه(21) فالمباح منه هو القدر المصرّح به في الشرع أو ما يفهم منه بالأولي فيما إذا كان الملاك قطعياً، وما عدا ذلك يعمل به حسب الأصل.

ثم إن أدلة الضرر والحرج والعسر حاكمة علي الأدلة الأولية بل الثانوية في الجملة كالتيمم إذا صار عسراً أو ضاراً، كما هو كذلك بالنسبة إلي بعض الأمراض الجلدية حكومة واقعية في جانب المحمول، ولذا هي حاكمة عليها وإن كان بينهما عموم من وجه، فليس النفي في (لاضرر) و (لا حرج) بمعني النهي وإن استلزمه مؤيداً بالأدلة الأُخر.

وهذا ما ذكره الشيخ المرتضي (قدس سره)، لا أنه بمعني النهي كما ذكره

شيخ الشريعة رحمه الله، ولا أنه من قبيل رفع الحكم بلسان رفع الموضوع كما ذهب إليه الكفاية، وقد فصّلنا الكلام في ذلك في (الأصول).

فلا فرق بين أن يكون نفس الحكم ضررياً أو حرجياً أو أن ينشأ منه الضرر والحرج، كما إذا علم علي نحو الإجمال أن استعماله الماء ضرر إما في هذا اليوم أو في غد، فإنه رافع لوجوب الوضوء إلي التيمم.

فإنه بناءاً علي قول الآخوند (قدس سره) لا حكومة لأدلة الحرج ونحوه علي الاحتياط العقلي في أطراف العلم الإجمالي فيما كان موجباً للضرر والعسر والحرج.

أما بناءاً علي ما ارتضيناه فحيث أن الثلاثة تنتهي في النهاية إلي الحكم الشرعي فهي مرفوعة وإن كان الاحتياط في الجمع بين المحتملات بحكم العقل.

بل يقال: انه بحكم الشرع أيضاً، فإن أدلة الاحتياط شاملة للشبهة المقرونة بالعلم الإجمالي، كما تشمل الشبهة البدوية قبل الفحص.

ثم إن الثلاثة علي قسمين:

1 - ما منع الشارع عنه، كما إذا كان الصوم يوجب فقدان البصر للصائم، أو ما أشبه، وهذا إذا فعله عالماً كان باطلاً، لأن الشارع منع عنه، والنهي يوجب الفساد.

2 - وما رفعه الشارع امتناناً مما ظاهره الرخصة، فهو مخيّر بين الفعل والترك، سواء كان ضرراً في الفعل فله الترك، أو ضرراً في الترك فله الفعل، وقد أفتي بذلك جمع من الفقهاء كما لا يخفي علي من راجع شرح العروة وغيره.

وحيث إن السياق في الضرر والحرج واحدٌ فلا فرق بينهما من هذه الجهة، فقول بعض الفقهاء بالفرق بينهما غير ظاهر الوجه، وكذلك حال العسر.

وفي الكلام تفصيل أشرنا إلي بعضه في (الأصول) و (الفقه) وبعضه يطلب من مظانه في المفصّلات.

1 الحج: 78.

2 المائدة: 6.

3 البقرة: 185.

4 البقرة: 286.

5 الطلاق: 7.

6 وسائل الشيعة: ج 1،

ص 152، ح 537، باختلاف يسير.

7 البقرة: 286.

8 البقرة: 184.

9 البقرة: 286.

10 البقرة: 185.

11 الوسائل: ج 5، ص 246، ح 1.

12 بحار الأنوار: ج 57، ص 46، ح 27 وج62، ص 125 باختلاف يسير.

13 بحار الأنوار: ج 2، ص 281، ح 54، ب 33.

14 البقرة: 229.

15 عوالي اللئالي: ج 2، ص 21، ح 43.

16 المستدرك: ج 4، ص 196، ح 4474، ب 24.

17 المستدرك: ج 5، ص 13، ح 5250، ب 5.

18 المائدة: 95.

19 المستدرك: ج 13، ص 307، ح 15443، ب 13.

20 نهج البلاغة: الكتاب: 53.

21 إشارة إلي قوله تعالي: (ولقد كرّمنا بني آدم)، الإسراء: 70.

الفصل الرابع: قاعدة نفي العسر و الحرج

قاعدة الغرور

أدلة القاعدة

وهي من القواعد المسلّمة بين الفقهاء، وعليها إجماعهم القولي والعملي، وإن كانت هناك مناقشة ففي الصغريات.

ويدل عليها: ما رواه صاحب جامع المقاصد (قدس سره) عن النبي (ص): (المغرور يرجع إلي من غره).

واستدلّ به الجواهر وغيره، فعدم كونها في كتب الحديث غير ضارّ، إذ كثير من الروايات وجدت في كتب الفتاوي دونها، وذلك يكفي في الوثاقة التي هي المعيار في قبول الخبر، فإن كون الراوي ثقة لا خصوصية له.

ومن المحتمل ان المحقق الثاني (قدس سره) وجد الحديث في كتاب (مدينة العلم) للصدوق (قدس سره) مما لم نظفر به.

وجملة من الروايات المتفرقة الظاهرة فيها بعد إلغاء الخصوصية:

مثل ما رواه ابن محبوب، عن بعض أصحابه، عن الصادق (ع) (في أربعة شهدوا علي رجل محصن بالزنا، ثم رجع أحدهم بعد ما قتل الرجل؟ قال (ع): إن قال الرابع: أوهمت، ضُرب الحد وأغرم الدية، وإن قال: تعمّدتُ قُتِل)(1).

وحيث إن القاصر لا شيء عليه، فالمراد بالجملة الأولي: أنه لم يبال بالشهادة كما هي حقها، وبالجملة الثانية: التعمّد، كما أن القتل له إنما يكون مع

طلب الورثة حسب موازين القصاص.

ورواية أبي عبيدة عن أبي جعفر (ع) قال: في رجل تزوّج امرأة من وليّها فوجد بها عيباً بعد ما دخل بها؟ قال: فقال (ع): (إذا دلّس العفلاء والبرصاء والمجنونة والمفضاة ومن كان بها زمانة ظاهرة فإنها تُردّ علي أهلها من غير طلاق، ويأخذ الزوج المهر من وليّها الذي كان دلّسها …)(2).

وفي رواية: (ويرجع بالمهر علي من غرّه بها)(3).

وفي رواية أخري: (لأنه دلّسها)(4).

وفي رواية بالنسبة إلي المهر: (ويكون الذي ساق الرجل إليها علي الذي زوّجها لم يبيّن)(5).

وفي رواية: (يرجع به علي الذي غرّه).

وفي رواية: يرجع بالمهر علي من غرّه.

لكنّهما عن طريق العامّة مرويتان عن علي (ع).

وفي رواية: (وعلي الذي زوّجه قيمة ثمن الولد يؤتيه إلي مَوالي الوليدة كما غرّ الرجل وخدعه)(6).

إلي غيرها من الروايات المتعدّدة في بابي النكاح والشهادة بالباطل وغيرهما، كما يجدها المتتبّع في الوسائل والمستدرك والبحار.

هذا بالإضافة إلي بناء العقلاء الذي لم يردعه الشارع في المتلفات، وأدلّة الضمان مثل (من أتلف) وغيره.

والإشكال في ذلك: بأن المفاد ليس الجزء الأخير من العلة فلا صغري، وكون السبب أقوي من المباشر الذي هو الميزان في الضمان غير حاصل هنا، فلا كبري غير وارد، لأن المعيار هو النسبة وهي حاصلة في المقام، ولذا يضمن الطبيب إلاّ إذا استبرأ، نصاً وإجماعاً، ويضمن حافر البئر فيما لو سقط فيه إنسان أو نحوه، بالإضافة إلي الصغريات السابقة في الروايات.

ولذا اختار الشيخ المرتضي (قدس سره) رجوع المغرور إلي الغار فيما إذا كان المشتري عن الفضولي جاهلاً بأن البائع فضولي وليس بمالك، فتضرّر، وقد جعل التلف مدركاً لهذه القاعدة.

وكيف كان.. ففي المذكورات كفاية، وإن كان بعضها محلّ تأمّل، إطلاقاً أو في الجملة.

المعيار رؤية العرف

وقد ذكرنا في بعض المباحث: أن المعيار

رؤية العرف في النسبة لا اقوائية السبب والمباشر فقط، ولذا لم نستبعد أنه لو أعطي سيّارته لمن لا يُحسن القيادة، وهو يعرف ذلك، فاصطدمت بإنسان أو حيوان أو مال كان الضمان علي كليهما، لأن العرف ينسبه إليهما معاً، وقد جرت بذلك بعض القوانين العالمية.

ولذا ينسب قتل الأئمّة المعصومين الحسن والحسين وموسي والكاظم والرضا والجواد (ع) إلي كل من المباشر والسبب.

وفي الحديث: (إن يزيد قاتل الحسين (ع))(7).

ثم إذا كان الطرفان السبب والمباشر، المحرّض والفاعل عالَمْين بالضرر، فليس هناك غارّ ومغرور، وإن كان قد يطلق عليهما توسّعاً، بل الضمان ونحوه علي الفاعل، وإن كان التعزير علي السبب في بعض الأحيان لأمره بالمنكر.

وهكذا فيما إذا كان الفاعل عالماً والمحرّض جاهلاً، لعدم صدق التغرير مع علمه، أما إذا كان الغار عالماً والمغرور جاهلاً فهو مصداق القاعدة.

نعم اختلفوا في الصورة الرابعة، وهي جهلهما معاً.

والظاهر: صدق التغرير، لأن العلم ليس له مدخلية في الصدق، إذ التغرير عبارة عن ترغيب شخص إلي فعل يترتّب عليه الضرر أو فوت المنفعة، وإن كان المرغّب جاهلاً بالغرر بل كان قاطعاً بالنفع، أو لم يكن له علم بأحدهما.

وإن كان ربما يقال: بعدم صدق عنوان الغار علي مثله خصوصاً في الصورة الثانية، لكنه غير تام عرفاً.

وعلي هذا فكل ما يغرمه الشخص الجاهل كلاً أو بعضاً بسبب الغارّ، يكون عليه، سواء كان الغار عالماً أو جاهلاً، قاطعاً بالعدم أو شاكاً.

مصاديق القاعدة

وقد أكثر الفقهاء من أول الفقه إلي آخره من ذكر المصاديق، ونحن نذكر بعضها وبعض الأمثلة الأخر مما يمكن جريان القاعدة فيها.

مثل أنه لو غرّه بأن الماء لا يضرّه، فتوضأ أو اغتسل فمات أو عطب له عضو أو قوّة، فإن الغار ضامن، سواء كان طبيباً أو غيره، ولذا

قال الرسول (ص) (قتلوه قتلهم الله)(8) فنسب القتل إليهم، لكن في كون الرواية ممّا نحن فيه تأمّل.

ومثل ما ذكره الشيخ المرتضي (قدس سره) وغيره في باب بيع الفضولي: ان المشتري إذا لم يخبره الفضول ان هذا مال الغير موهماً أنه ماله ثم تبيّن الخلاف بعد ذلك، فأخذ المالك المال وغرمه أجرة السَكَن ونحوه، كان له الرجوع فيهما إلي الغار.

ومثل ما إذا أعطاه مال الغير بعنوان الهدية فاستعمله بما أوجب عليه خسارة الأصل فيما صرفه كالماء شربه، أو الأجرة ونحوها كسكني الدار وركوب الدابّة، كان علي المُهدي التدارك.

بل ومثل ما إذا أعطاه دجاجة هدية بما لو علم المهدي إليه أنها ليست له لما أكلها، فإنه يكون ضامناً، لقاعدة الغرور، كما أفتي به بعض الفقهاء.

ومثل رجوع الزوج إلي الزوجة المدلّسة أو وليها المدلّس، وإن لم يكن ولياً شرعياً، كما دل عليه النص والفتوي، وقد أشرنا إلي بعض النصوص في أول البحث.

ومثل رجوع المتضرّر جسماً أو مالاً إلي شاهد الزور، وقد تضرّر بسبب شهادته، سواء كان الشاهد عامداً أو لا، كما دلّ عليه النص والفتوي، وقد تقدّم الإلماع إليه.

ومثل ما إذا غُرّ الزوج بأن فلانة زوجته فدخل بها وهي ظانة ذلك حيث إن المهر لها، ويكون المتحمل الغار.

ومثل ما إذا قدّم الغاصب طعاماً إلي شخص لضيافته، أو أسكنه في دار باعتبار أنها داره أو هو متوليها، أو اركبه دابة الغير كذلك، فإذا رجع المالك الأصيل أو الجهة المرتبطة بالوقف علي المتصرّف، رجع إلي الغار.

ومثل ما إذا أشار إلي الصيّاد بأنه صيد مباح فأراده وتبيّن أنه مال الغير، فإنه يضمن الغار.

ومثله ما لو غره بأنه صيد فرماه وتبيّن انه إنسان فإنّ دية القتل أو الجرح علي الغار.

لا يقال: فماذا

بمسألة السبب والمباشر؟ وماذا بمسألة ان الخطأ علي العاقلة؟

لأنه يقال: السبب هنا أقوي لأنه الغار المشمول لقاعدته، وليس ذلك من الخطأ الذي علي العاقلة.

ومثل ما إذا قال للخيّاط: إن كان يكفي هذا القماش فاقطعه، فقال: يكفي، وقطعه فلم يكف وسقط عن القيمة أو قلّت قيمته، فيرجع صاحب الثوب إلي الخيّاط بما غرّه.

ومثل رجوع المستعير والمستأجر إلي المعير والمؤجر فيما إذا تبيّن له أنّه مال الغير فغرم له، أو كانت الإجارة بالأقل وكانت تساوي الأكثر، فإن التفاوت علي الغار.

ومثل ما إذا ذكر له، ان الطريق آمن، فذهب وأصيب في نفسه أو ماله، حيث تشمله القاعدة.

ومثل ما إذا ذكر له: ان فلانة لا زوج لها فتزوّجها وهي لا تعلم حتي لا تكون زانية فإن المهر علي الغار، وكذا لو غرّه بأنها ليست أخت زوجته أو ما أشبه وهي لا تعلم أنه متزوّج بأختها، إلي غير ذلك.

ومثل ما إذا غرّه بأن ترك الطعام الفلاني أو الدواء الفلاني لا يضره، أو بأن ترك الذهاب لا يضرّه، فضرّه الترك أو البقاء من جهة أسد ونحوه.

بل يحتمل أن تشمل القاعدة فيما لو قال له: ان الطريق غير آمن فلم يذهب، مما سبب ضرره حتي خسر في تجارته بالبقاء، وما أشبه ذلك، لأن العرف يري انه الضار وانه الغار.

ومثل أن يصف البنت بالجمال، فأمهرها بما يمهر البنت الجميلة بينما كانت قبيحة تستحق دون ذلك المهر.

ومثل أن قال له: ان البضاعة تساوي كذا، وبعد الشراء والتلف، تبيّن أنّ قيمتها دون ذلك.

ومثل أن شهدوا ان الجراح ديته أكثر، فتبيّن أقل، حيث علي الشاهد التفاوت، إلي غيرها من الأمثلة الكثيرة.

فروع

ولو غرّه اثنان فالخسارة عليهما بالسويّة، أما لو كان التغرير بالتفاوت بأن كان أحدهما أكثر

من الآخر، فهل يلزم بالتفاوت أو بالتساوي كما ذكروا في الجنايات والجنات؟

لا يبعد الثاني، وإن كان مقتضي السببية الأول، والمثال خرج بالدليل، وإلاّ فإذا رماه أحدهما بسهمين والآخر بسهم مما اشترك الثلاثة في قتله بأن كان لكل ثلث، كان مقتضي العرف والعقلاء التثليث، كما لو أحرق داره اثنان كان لأحدهما نصيب الثلث وللآخر نصيب الثلثين وهكذا.

ثم اللازم استناد الغرور إليه وبدونه لا خسارة عليه، كما إذا مدح بنتاً بالصحة الجيّدة، فتزوّجها بعد مدة حيث انقلبت الصحة إلي المرض، وكذلك البكارة إلي الثيبوبة، فأخذها استناداً إليه باستصحاب السابق، لم يكن عليه شيء لعدم الاستناد عرفاً.

ومثله ما لو أسكنه المالك، ثم انتقل الملك إلي غيره واستمرّ هو في السكني، فإنه ليس بغار حتي يلزم عليه التدارك، إلي غير ذلك.

ولو شكّ في مورد انه من مصاديق القاعدة، فاللازم العمل حسب الموازين الأولية، إذ الحكم إنما يترتّب بعد تحقّق الموضوع والفرض انه مشكوك.

ولو غرّه أحد اثنين، أو في أحد شيئين، أو غرّ أحدهما إنساناً، فاللازم إعمال قاعدة (العدل) كما ذكرنا مثله في بعض المسائل السابقة.

ولو غرّه في شيء فاشتبه وعمل بآخر لم يكن علي الغار، كما إذا دلّس فتاةً اسمها هند بنت زيد، فاشتبه وتزوّج بهند بنت عمرو، مما لو دلّسه فيها كان علي الغار، لم يكن عليه شيء، لأنه ليس غاراً بالنسبة إليه، إذ ما غُرّ فيه لم يكن، وما كان، لم يغر فيه.

ولو علم بأنه غرّ أحداً بما فيه المال ولم يعرفه كان عليه المظالم ولو لم يعلم هل كان فيه المال أم لا؟ فالأصل البراءة.

ومثله ما لو غرّه في أحد اثنين والآخر ليس غروراً ولم يعلم هل أنه فعل ما فيه الغرور أو الثاني؟ كان كذلك،

لأصالة البراءة.

وهل الحكم تكليفي حتي لا يكون علي الصبي الغار، أو وضعيّ حتي يكون عليه؟

الظاهر الثاني، لأنه من قبيل (من أتلف) ونحوه، خصوصاً إذا كان الغرور بالتلف، لأنه حينئذ يكون من مصاديقه.

ولو غرّه في زمان فعمل في زمان آخر لا غرور فيه، كان الحكم بالثاني، لأنه ليس حينئذ بمغرور.

1 الوسائل: ج 18، ص 240، ح 1.

2 الكافي: ج 5، ص 408، ح 14.

3 المستدرك: ج 15، ص 46، ح 17492، ب 1.

4 المستدرك: ج 15، ص 45، ح 17490، ب 1.

5 الوسائل: ج 14، ص 597، ح 7.

6 الوسائل: ج 14، ص 602، ح 1.

7 بحار الأنوار: ج 44، ص 244، ح 43.

8 المستدرك: ج 2، ص 528، ح 2631، ب 4.

الفصل الخامس: قاعدة الزعيم غارم

أدلة القاعدة

وهي من القواعد الفقهية المذكورة في كلامهم كثيراً، وقد استدلّوا بها في موارد متعدّدة.

ويدل عليه:

من الكتاب قوله سبحانه: (ولِمَن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم)(1) بمعني المتعهّد بإعطاء ذلك الحمل، وهو أمر مالي.

لا يقال:

أولاً: من قال هذا كلام يوسف (ع)؟

وثانياُ: فهل هو حجّة في ديننا؟

وثالثاً: فهل هو علي العموم وهو مورد خاص؟

والجواب:

أولاً: انه كلام يوسف (ع) كما يظهر من الآيات كقوله سبحانه: (ما كان ليأخذ أخاه)(2) إلي غيره.

وثانياً: ما ذكرناه في (الأصول) من استصحاب الشرائع السابقة.

وثالثاً: المستفاد منه قاعدة كلية، كسائر الموارد الجزئية في الآيات والروايات المفيدة للعموم عرفاً.

أما قوله سبحانه: (سلهم أيّهم بذلك زعيم)(3) فالظاهر عدم الدلالة، لأن معناه: كفيل بإثبات صحّة ذلك، فاستدلال بعضهم به غير ظاهر الوجه.

ومن السنّة: قول النبي (ص) فيما رواه الخاصة والعامة في خطبته يوم فتح مكة: (الزعيم غارم)(4) وهو إخبار بقصد الإنشاء كما في أمثاله، ومعناه: أنه يغرم ما ضمنه.

أما قول موسي بن جعفر (ع)

حين سأله حسين بن خالد: جُعلتُ فداك قول الناس: (الضامن غارم)؟ فقال (ع): (ليس علي الضامن غرم، الغرم علي من أكل المال)(5) فيراد به قرار الضمان.

وما رواه فضيل وعبيد، عن أبي عبد الله (ع) قال: (لما حضر محمد بن أسامة الموت دخل عليه بنو هاشم، فقال لهم: قد عرفتم قرابتي ومنزلتي منكم وعليّ دَيْن فأحبّ أن تضمنوه عنّي، فقال علي بن الحسين (ع): ثلث دَيْنك عليّ، ثم سكت وسكتوا، فقال علي بن الحسين (ع): عليّ دَينْك كله، ثم قال علي بن الحسين (ع): أما انه لم يمنعني أن أضمنه أولاً إلاّ كراهية أن يقولوا سبقنا)(6).

وفي رواية أخري: (ان رسول الله (ص) لم يصلّ علي ميّت لأنه كان مديوناً درهمين وقال: صلّوا علي صاحبكم، فقال علي (ع): هما عليّ يا رسول الله أنا لهما ضامن، فقام رسول الله (ص) فصلّي عليه، ثم أقبل (ص) علي علي (ع) فقال: جزاك الله عن الإسلام خيراً وفكّ رهانك كما فككت رهان أخيك)(7).

فإنه دليل علي أن الضمان يوجب براءة ذمّة المضمون، والميّت وإن كان انتقل دَيْنه إلي تركته إذا كانت له تركة، إلاّ أن ذمّته تبقي مشغولة أيضاً، ولذا يؤخذ به يوم القيامة إن لم يؤدّ عنه وكان مقصّراً في ذلك.

وقريب منه رواية أبي قتادة حيث ضمن دينارَيْن لميّت، فصلّي عليه رسول الله (ص)(8).

الضمان

ولا يخفي ان المشهور بين فقهائنا ان الضمان ينتقل من ذمّة المضمون عنه إلي ذمّة الضامن، خلافاً للعامّة الذين جعلوه مِن ضمّ ذمّة إلي ذمّة، لكنا لم نستبعد في (الفقه) صحّة ذلك أيضاً، إذا جعل الضمان بهذه الكيفية، حيث إن العقود حتي المخترعة منها لازمة، فيكون له الحق في الرجوع إلي أيّهما شاء، كجماعة وضعوا أيديهم

عرضاً علي مال إنسان فهو من قبيل الواجب التخييري والكفائي وما أشبه.

إلي غيرها من الأخبار التي يجدها المتتبّع في الوسائل والمستدرك وغيرهما.

ومن الإجماع: ما تواتر في كلماتهم قولاً وعملاً.

ومن العقل: انه عقلائي بلا إشكال، ولم يردع عنه الشارع.

ولا فرق فيه بين أن يتعهّد بمال حوالة أو ضماناً أو بنفس مما يسمّي كفالة أو بشي آخر كعلاج المريض وايصال المسافر وتحصيل دار للسكني أو ما أشبه، إلي غير ذلك.

لا يقال: المشهور عندهم ان الوعد غير لازم الوفاء.

فإنه يقال: الوعد كذلك لكن الكلام في العهد، وهما اعتباران عقلائيان وشرعيان، وعدم لزوم أحدهما لا يلازم عدم لزوم الآخر، وقد ألمعنا إلي ذلك في بعض مباحث (الفقه).

وبذلك ظهر انه لا يلزم وجود الدّيْن في ذمة المضمون عنه، بل يصح التعهّد لما سيكون فيما بعد قطعاً أو احتمالاً، فيجوز ضمان مال الجعالة المسمّي بالجُعل قبل فعل ما جعل عليه.

وكذا ضمان مال السبق والرماية المسمّي بالسَبَق علي وزن فرس.

وكذا ضمان المهر الغائب للمرأة قبل العقد، وضمان الثمن في البيع ونحوه قبله، وضمان أجرة الحمّال والطبيب والمهندس والسائق والطيّار والسفان ونحوهم قبل الفعل، ولا حاجة إلي بعض التوجيهات التي ذكرها بعض الفقهاء في الموردين الأولين الذين قال بهما المشهور.

بين العهد والوعد

نعم فرق بين أن يعهد أو يَعِد، فالثاني لا يجب الوفاء به علي المشهور بخلاف الأول، حيث تقدّم انه واجب الوفاء لأنه نوع عقد، بل قال جمع بأن معني (أوفوا بالعقود)(9) في الآية الكريمة: أوفوا بالعهود، وقد قال سبحانه: (بلي من أوفي بعهده واتقي فإن الله يحب المتقين)(10).

وقال تعالي: (وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولاً)(11) إلي غيرها من الآيات والروايات.

كما ظهر أنه يصح ضمان نفقة الزوجة في المستقبل قبل العقد فيما إذا كانت

ترفض الزواج منه لعدم إنفاقه مثلاً فيقول ضامن: أنا أضمنه، فتتزوّج به.

ومن الواضح: أنّ معني الضمان حينئذ مشروط بتوفّر الشرائط، كأن لا تصير ناشزة أو ما أشبه.

وهكذا حال من يضمن وفاء موجّه الحملة بتعهّده، والمقاول بما يريد المقاولة عليه، والطبيب الذي يريد التطبيب بعلاجه، إلي غيرهم.

والقول بأن الضمان في هذه الموارد من قبيل (ضمان ما لم يجب) وهو باطل بل غير معقول، لم يعرف وجهه، لأنه من قبيل المعاهدة لا الضمان، وفيه تعامل وتبادل من هذا النوع، ووجه كونه غير معقول غير ظاهر بعد كونه من الأمور العقلائية، ولا يستلزم محالاً من التناقض أو ما يتفرّع عليه كاجتماع الضدّين حيث حُقّق في الحكمة: أن كل المحالات ترجع إلي التناقض.

ومنه ظهر أن نفقة الزوجة الحاضرة كنفقة اليوم الذي يقع فيه الضمان لا إشكال فيه سواء كان واجباً حالاً أو مستقبلاً.

ومما تقدم ظهر صحّة ضمان الأعيان الخارجية كما قال به الأساطين لأنّ معني ذلك تعهّد ردّها مع وجودها كلاً، أو بعضاً مع البدل، وتعهّد رد المثل أو القيمة، أو ما له قيمته إذ كان مثلياً أو قيمياً لكن لا مثل ولا قيمة له حالاً فرضاً.

ولو فرض أن أدلة الضمان لا تشمل مثل ذلك، نقول: انه معاملة عقلائية فيشملها (أوفوا بالعقود)(12) ونحوه، ولذا قال في التذكرة: إنّ معني الضمان هنا الإلتزام برد نفس أعيانها إذا كانت موجودة وضمان قيمتها علي تقدير التلف.

ولا يرد الإشكال عليه بأنه من (ضمان ما لم يجب) أو انه خارج عن الضمان المصطلح، ولذا التجئ المستشكل مع رؤيته صحّة مثل هذا الضمان إلي أن الوجود الاعتباري مضمون لا الوجود الحقيقي الخارجي.

وفيه: ان المضمون هو الوجود الحقيقي بالمعني الذي ذكرناه، فلا يبقي داع لتصوّر الوجود

الاعتباري.

وبذلك يظهر انه لا وجه للإشكال في ضمان الأعيان الخارجية بأنها قبل أداء من في يده من الغاصب ونحوه لا معني له إذ لا ضمانين لشيء واحد، وبعد أدائه لا موضوع للضمان.

إذ فيه: ان معناه ان الضامن يلزم الغاصب مثلاً بالأداء، فإذا لم يؤدّ أدّي بدله مما تقدّم ويكون بدله المؤدّي حينئذ من قبيل بدل الحيلولة مع بقاء العين في يد الغاصب، ومع تلفها يكون قرار الضمان علي الغاصب ونحوه، وإن كان كل منهما ضامناً، بل لا يلزم أن يكون هناك إنسان فلو أُلقي متاعه في البحر أو هرب حيوانه ونحو ذلك صح ضمانه، للعقلائية التي عرفت.

لا يقال: لا مقابل لضمانه.

لأنه يقال: يمكن فرض ذلك فيما أراد المضمون عنه التشّبث بالوسائل غير اللائقة لإنقاذ ماله فاطمأنه الضامن بذلك.

الضمانات الطولية والعرضية

ثم إنه كما يجوز ترامي الضمان في الضمانات المتعارفة يجوز هنا، كأن يضمن زيد لعمرو عينه، وبكر يضمن عن زيد فتكون ضمانات طولية، إلي آخر ما ذكروه هناك من الفروع والخصوصيات.

هذا في الضمانات الطولية، ويمكن في العرضية أيضاً بأن يضمنه اثنان سواء في العين أو غيرها فإذا أطلقا كانا شريكين في التناصف، وإذا قيّد كلّ باختلاف النسبة كان كذلك.

كما أن في الصورة الأولي إذا لم يقصد الضامن الشراكة أو لم يعرفها أصلاً فتخلّف أحدهما كان كله علي الآخر، وعلي الغريمين المذكورين فيصح ثلاث ضمانات مثلاً اثنان عرضياً والآخر طولياً قبلهما أو بعدهما وهكذا.

وكما يصح الضمانان علي نحو الكليّة يصح علي نحو الشخصية بأن يضمن الدار الخارجية، أحدهما: طرفها الأيمن، والآخر: طرفها الأيسر، وكذلك يضمن اثنان أحدهما مطلقاً والآخر علي تقدير عدم وفاء الضامن الأول، إلي غير ذلك من الصور.

ثم إن حكم الرهن في باب ضمان الغارم عيناً

أو غيرها حكم الرهن علي الديون الخارجية، وحيث إن الأمور المذكورة اعتبارية منضمّة إلي صحّة كل عقد عقلائي علي ما ألمعنا إليهما لا يبقي مجال في الكبري كما لا إشكال في تصوّر الصغري، والرهن حينئذ لا ينفك بالضمان بل انفكاكه يكون بالأداء أو نحوه كالهبة والإرث وغيرهما مما يوجب فقد الموضوع.

ولو ادعي أحد علي آخر مالاً وأنكره صح أن يقول الغارم: هو علي تقدير الثبوت، أو مطلقاً، أو إن لم يؤدّ إليك إلي وقت كذا فأنا أعطيك لما عرفت من العقلائية.

ولو أراد الجائر غصب ماله أو سجنه أو قتله، فقال الغارم: أترك ذلك، علي كذا، فهل يلزم لأنه عهد والعهد يلزم الوفاء به حتي مع الكافر الذي ليس علي الحق، وإلاّ فمن الواضح أن صلح الرسول (ص) في الحديبية وصلح الإمام الحسن (ع) مع معاوية كانا صلحاً مع غير المحق، ومع ذلك كان واجب الوفاء، كما دل عليه بعض الروايات في باب معاهدة الكفّار أم لا، لأن المبطل لا يستحق شيئاً وفي باب الصلح مع الكفار ونحوهم دل الدليل عليه، ففي ما سواه يعمل حسب الأدلة الأولية؟ وهذا لعله أقرب، ويترتّب عليه عدم إعطائه إن تمكن، والتقاص إن لم يتمكن.

الحوالة

ويأتي في باب الغارم الحوالة أيضاً كما إذا امتنعت البنت عن قبول الزواج لأن من تريد الزواج به لا يُؤدي المهر أو النفقة أو لا يعمل بالقسم أو ما أشبه، فقال أب الولد مثلاً: أنا زعيم بإعطائك أو أنا أعطيك كذا إن لم يقسم لك، فقالت البنت: أنت لا تملك المال، فقال الأب: أحوّلك علي فلان الثري، ووافق ذلك الثري، وجب عليه الوفاء لما تقدم من أنه من (العهد) ويشمله (أوفوا بالعقود)(13).

وبقية الفروع تظهر من

باب الحوالة فلا حاجة إلي الإطالة.

وكما ذكروا في باب الحوالة يصح ترامي الزكاة بأن قال زيد: أنا زعيم عن عمرو فيقول خالد: أنا زعيم عن زيد وهكذا.

وكذلك يصح تعدّدهما بالتساوي أو بالاختلاف علي ما تقدم مثله.

والزعيم يصح أن يطلق أو يقيّد بأن يقول: أنا أضمن مهر المرأة التي يراد زواجها إن لم يعط الزوج، كله أو بعضه بكله أو بعضه مطلقاً، أو إذا لم يعط إلي سنة، أو إذا لم يعط مع مطالبة الزوجة أو ما أشبه ذلك، لإطلاق الأدلة.

أو أن يقول: أنا أضمن نفقات الزوجة إن لم ينفق الزوج أو أنا أضمن نفقتها في حال كون الزوج في السفر إلي غير ذلك.

وكما يجوز الزعامة في المال يجوز في النفس كأن يقول المكفول له: أنا غير واثق بالكفيل فيقول: إن لم يف الكفيل فأنا أضمن، مطلقاً أو مقيّداً.

نعم لا تصح الزعامة التي لم يأذن بها الشارع، كأن يقول: أنا كفيل بإحضار القاتل عمداً فإن لم أحضره فاقتلني، أو في الجارح: إن لم أحضره فاقطع يدي.

نعم في الضرر الذي أجازه الشارع مثل إدماء الجسم وما أشبه يصح أن يقول الكفيل إن لم أحضر الجارح فاجرحني لأن جوازه يوجب شمول الإطلاقات له.

ومن الجائز أن يقول: احبسني إن لم أحضر المكفول.

ويدل عليه بالإضافة إلي القاعدة روايات خاصة نقلها صاحب الوسائل وغيره في كتاب الضمان.

فمنها: عن عمّار، عن أبي عبد الله (ع) (قال: أُتي أمير المؤمنين (ع) برجل قد تكفّل بنفس رجل فحبسه، قال: اطلب صاحبك)(14) إلي غيرها من الروايات.

وهذا يجري في الحقوق لا في الأحكام فلو قالت الزوجة للزوج: إن لم أحضر فلاناً أو ما أشبه ذلك فلا حقّ لي عليك في الملامسة أو البيتوتة فيما لها الحق

في نفسه، صحّت الكفالة.

ولو تكفلت بأنه إن لم تحضر المكفول حق للمكفول له الزواج بها جبراً فهل يصح للحاكم الشرعي إجبارها لأنه حق عليها؟ احتمالان: مقتضي القاعدة الحق، لكني لم أجد من صرّح به.

لو مات الزعيم

ولو مات الزعيم وكان حق مالي أو يمكن تبديله بالمال وكان له مال، انتقلت الزعامة إلي ماله ويكون من أصل التركة، فإن لم يقبلوه بأن أنكروا الزعامة وقامت البيّنة فهو، وإلاّ لم يثبت إلاّ بموازين الدعوي.

ولو كانوا ورثة وأثبت بعض وأنكر بعض ولم يكن المثبت مشتملاً علي العدد والعدالة ثبت في حصّة المقرّ، لكن الظاهر بنسبة حصته لا الكل.

وهذه المسألة شبيهة بما لو كان للميّت ولدان وكان أحدهما يقرّ بولد ثالث والآخر ينكره حيث يأخذ من حصة المقر، لكن هل ينصّف معه نصيبه أو يعطيه الزائد، فإذا كان للميت ستة وأقر زيد بعمرو وأنكره خالد فهل يعطي المقر للثالث ديناراً أو ديناراً ونصفاً؟

ولا فرق في أخذ المال من الورثة بالنسبة، بين الرجل والزوجة والولد الأكبر في باب الحبوة.

ولو صار زعمياً ثم تبدّل مذهبه أو تقليده أو دينه إلي ما يري عدم الزعامة، فالظاهر البقاء علي ما كان للإستصحاب ولأنه العقلائي، فلا يقال: قد تبدل الموضوع، فإن مثل ذلك ليس من تبدل الموضوع عرفاً.

ولو انعكس بأن تبدل إلي ما يري الزعامة ووقت الزعامة لم يكن يراها فالظاهر عدم اللزوم عليه لأنه فَعَل باطلاً عند الزعامة ولا دليل علي التبدل.

والفروع في ذلك كثيرة وبعض ما ذكرناه يحتاج إلي تتبّع أكثر وتعمّق أدق، والله المستعان.

1 يوسف: 72.

2 يوسف: 76.

3 القلم: 40.

4 جامع أحاديث الشيعة: ج 18، ص 389، ح 3.

5 جامع أحاديث الشيعة: ج 18، ص 389، ح 1.

6 جامع أحاديث الشيعة: ج 18،

ص 327، ح 8.

7 جامع أحاديث الشيعة: ج 18، ص 326، ح 4.

8 جامع أحاديث الشيعة: ج 18، ص 327، ح 6.

9 المائدة: 1.

10 آل عمران: 76.

11 الإسراء: 34.

12 المائدة: 1.

13 المائدة: 1.

14 الوسائل: ج 13، ص 156، ح 1.

قاعدة الاتلاف

أدلة القاعدة

لا إشكال في هذه القاعدة، والآيات والروايات بها متواترة.

قال سبحانه: (فمن اعتدي عليكم …)(1).

وقال تعالي: (وإن عاقبتم..)(2).

وقال عزّ شأنه: (وجزاء سيئة سيئة)(3).

ومن الروايات: (من أتلف مال الغير فهو له ضامن) حيث ذكر بعضهم أنه رواية.

ورواية: (علي اليد ما أخذت حتّي تؤدي)(4).

وفي رواية أخري: (تؤديه) إلي غيرهما من متواتر الروايات المذكورة في أبواب الضمان والحدود والديات والقصاص وضمان الأجير وشاهد الزور والعارية والرهن والزكاة وغيرها، مما يقرب من مائة رواية مذكورة في الوسائل والمستدرك والبحار وغيرها.

وعليه الإجماع القولي والفتوائي، وبناء العقلاء كافة، والسيرة، والمركوز في أذهان المتشرّعة.

والمعيار صدق العناوين الواردة في الكتاب والسنّة، مثل (الاعتداء) و(السيئة) و(الإتلاف)، ولا يهم بعد ذلك صدق المباشرة والتسبيب وإيجاد الشرط والمعدّ ورفع المانع.

مثلاً: كان هناك أسد يريد أن يفترس إنساناً، يمنعه عن ذلك باب، فإذا فتح الباب فافترسه، كان من السبب عرفاً، وإن كان من رفع المانع اصطلاحاً.

ولا فرق في المباشرة بين عدم وجود الآلة كإتلافه بيده أو رجله أو نفخه في الهواء أو نحوها، أو وجودها كالقتل بالرصاص أو السم أو النار أو ما أشبه، للصدق علي ما عرفت.

كما لا فرق بين العلم والجهل والاختيار والإلجاء والإكراه مما لم يكن دليل آخر علي العدم، ولذا ورد ضمان الضّئر لو انقلبت علي الطفل في حال نومها فمات.

وكذلك أفتوا بالضمان إذا كان التلف بيده أو رجله في حال النوم فكسر الإناء مثلاً.

ومثله لو اضطرّ إلي السير علي لَبِِن الغير إلي النهر

لإنقاذ ولده فإنه ضامن لخرابها، أو اكره، لكن يلاحظ هنا أنّ أيهما أقوي السبب أم المباشر؟ لأنه المسند إليه القتل والكسر ونحوهما، لا لدليل خاص يفرق بينهما.

وما ذكره بعض المعاصرين من عدم ضمان النائم إذا انقلب وأتلف نفساً أو طرفاً لا في ماله ولا علي عاقلته لم يظهر له مدرك.

وإن قيل: ان ظاهر الفعل الاختيار.

قلنا: مناسبة الحكم والموضوع ينفي هذا الظاهر فأيّ فرق بين النائم والغافل والسكران وعدم القاصد وأشباههم؟ ولذا ذكروا: أنه لو ارتضع من النائمة نشر الحرمة.

وقد ذكرنا في بعض المباحث: انه إذا لم ير العرف اقوائية أحدهما كان عليهما، كمن يسلم سيارته إلي من لا يحسن القيادة فيصيب بها إنساناً فيقضي عليه، فإن العرف يري تقصيرهما، وانه لا اقوائية لأحدهما علي الآخر.

نعم ذكر الشارع في أبواب الحدود والديات والقصاص: ما يفرّق بين العمد وغيره، فمن جرح إنساناً من غير عمد لا حدّ عليه ولا قصاص، وإنما الدية علي عاقلته علي تفصيل مذكور هناك.

كما لا فرق بين الإسلام والكفر إلاّ إذا استثني بدليل الإلزام ونحوه، كما إذا كانت عقيدة الكفّار أنّ من أتلف شيئاً منهم لا شيء علي المتلف، أو ان التلف علي شركة التأمين، فيما كان مؤمّناً فليس كإتلاف المسلم المؤمّن حيث إنه أولاً وبالذات علي المتلف وإنما تدفعه الشركة حسب الشرط، ولذا لو لم تدفع حق للمتلَف عليه الرجوع إلي المتِلف.

المال والمالية

ثم إن التلف أعم من المال أو المالية، وإن كان الأصل موجوداً بشرط أن لا يكون الشارع حرّمه، فتلف المال إحراق الخشب مثلاً، والمالية جعل الثلج ماءاً فيما لا مالية له أو له مالية ناقصة حيث يضمن التفاوت، كما أن منه حفظ الثلج إلي الشتاء حيث لا مالية له إطلاقاً،

أو الذهاب بالماء إلي النهر كذلك.

أما لو تبدّلت المالية للشيء الفلاني إلي شيء آخر كالتمر يصبح خلا، وفُرض أنهما يتساويان في المالية فإنّ صاحبه له الحقّ في مطالبة التمر، فإن الأدلة تشمله.

بل ذكرنا في (الفقه): أنه لو حفظ التمر حتي صار بالياً أو حامضاً، فله الحق في مطالبة مثله وإن كان له قيمة، إذ هو لا يريده، ولا وجه لإعطائه مع التفاوت وإلزامه بأن يبيعه.

وكذلك الحال لو جعل الماء ثلجاً في الشتاء حيث لا يمكن الاستفادة منه وتبديله إلي الماء، ولو بدل ثلجه ماءاً ثم بدل الماء ثلجاً وسلّمه، فالظاهر عدم الضمان لصدق (تؤديه).

ولو احتفظ بالجارية حتي صارت كبيرة مما قلّ مهرها، ضمن التفاوت، وكذلك لو شوّه وجهها ببعض المساحين وما أشبه.

وكذلك لو فعل بالحيوان ما نقصت قيمته، ولو قطع ذَنَب الفرس أو أذنه بما لم تختلف القيمة لكن القاضي مثلاً ليس من شأنه ركوبه، حقّ له مطالبة البَدَل.

وممّا تقدّم يظهر حال ما إذا حفظ ورقة النقد حتي سقطت القيمة، كلاً أو بعضاً، ولا فرق بين سقوط القيمة بصورة كاملة، أو تتبدل القيمة النقدية إلي القيمة الأثرية.

المنافع

وكما يشمل المال: النقود وسائر الأموال، فإنه يشمل المنافع أيضاً كسكني الدار وركوب الدابة، فلو أتلفهما كان ضامناً لهما ولعوارضهما، والعوارض مثل انه لو أتلف سكني الدار شهراً وكانت الدار تؤجر سنة بمائة، وأحد عشر شهراً بخمسين لأن السنة الكاملة لها ثمن أعلي كان ضامناً للخمسين المتلفة لا بقدر التقسيم علي الأشهر بالتساوي.

وحيث قد عرفت الأدلة فلا يشترط أن يصدق الغصب، أو لا، أو الإتلاف، أو لا، وإن كان اللفظان واردَيْن في النص والفتوي، قال (ع): (فإن الغصب كلّه مردود)(5) إلي غير ذلك.

عمل الحر

وممّا تقدّم عُرف عدم الفرق بين أن يكون المتلف مملوكاً كعمل العبد، أو لا كعمل الحُر، بل الظاهر الضمان فيما لو حبس الفتاة المطلوبة للخاطب مدّة بحيث قلّ مهرها، فإنه يضمن التفاوت.

وحيث إن الأمر ضمان وهو حكم وضعي فلا فرق فيه بين العاقل والمجنون والكبير والصغير إلاّ إذا لم يشمله الدليل عرفاً كالمجنون الفاقد للشعور إطلاقاً أو الصغير غير المميّز إذا لم يكن بتسبيب من العاقل الكبير حيث يضمن هو، لكن ربما يشكل ذلك بتقلّب النائم ونحوه.

ولو أتلف أحد شخصين لم يعرف أيهما، لم يستبعد التنصيف لقاعدة العدل، كما لو أتلف مال أحدهما لم يعرف كذلك نُصّف بينهما.

ولو اشترك اثنان ففي القتل والجراحات لا فرق بين التساوي وغيره لأنه حسب الجُناة لا الجنايات كما قرر في موضعه أما في الأموال فهو حسب الجنايات لا الجنات لأنه الأصل الذي خرج منه الدماء فيبقي الباقي تحت الأصل.

وحيث فصلنا كثيراً من المسائل في كتاب (الفقه) نكتفي بهذا القدر.

1 البقرة: 194.

2 النحل: 126.

3 الشوري: 40.

4 عوالي اللئالي: ج 1، ص 224، ح 106.

5 وسائل الشيعة: ج 6، ص 365، ح4.

الفصل السادس: قاعدة الميسور

أدلة القاعدة

وهي من القواعد المشهورة، ويدل عليها:

من الكتاب قوله سبحانه: (يُريدُ اللهُ بكمُ اليُسر)(1) وإطلاقه يشمل الأصل بعدم جعل الله أحكاماً عسرة، والفرع بعدم إرادته ما يعسر من الأجزاء والشرائط ونحوها، فيبقي الإطلاق بالنسبة إلي العبادة ونحوها شاملاً للبقية.

ويؤيّده استدلال الإمام ب (ما جعل عليكم في الدين من حرج)(2) للمسح علي المرارة حيث لم يرد الله الحرج وبقي دليل الوضوء بإتيان البقية وتبديل المسح بالإمرار علي البشرة(3) إلي غيرها من الآيات والروايات الدالة علي إرادة الله اليسر و (ان الدين رفيق) وما أشبه.

ومن السُنّة: (ما أمرتكم بشيء) و (ما لا

يُدرك) و (الميسور)(4) وسندها كدلالتها غني عن الكلام، وقد ألمعنا إليه في (الأصول).

وقطع النظر عن ذلك، الأصل العملي يقتضي البقاء إذا رأي العرف بقاء الموضوع الذي هو من أركان الاستصحاب كفي ونوبته بعد الأدلة الاجتهادية، وفيه مناقشات ذكرت في المفصّلات.

والإشكال الذي ذكره جماعة من الأصوليّين من أنه لا يمكن أن يراد من (الشيء) في النبوي الأعم من الكل والكلي، لأنه من استعمال اللفظ في أكثر من معني، المحال عند الآخوند (قدس سره)، وغير الظاهر عند غيره غير ظاهر بعد وجود الجامع، بالإضافة إلي الملاك حسب المتفاهم عرفاً.

ومنه يُعلم عدم تمامية إشكال ان (من) لا يستعمل في الأعم من الأفراد والأجزاء، إذ هو مستعمل في النسبة التبعيضية، فلا يهم بعد ذلك أن يكون الربط بالجزء أو الجزئي.

ومن الإجماع: ما لا يخفي علي المتتبّع قولياً وعملياً، وإن اختلفوا في بعض المواضع، فاختلافهم إنما هو في المصداق هل أنه ميسوره أم لا؟ وهل انه منه أم لا؟

ومن العقل: ان بناءهم علي ذلك إذا احرز الموضوع أي أنه ميسوره وانه المستطاع منه.

وإليك بعض الموارد التي قيل أو يمكن أن يقال بالأخذ بها فيها، وهي وإن كانت محل مناقشات لكنّا نذكرها إلماعاً لا استيعاباً:

مثل ما إذا تعذّر تعدّد الغسل في النجاسات المحتاجة إليه فإنه يغسل الممكن حتي في المحتاج إلي التعفير، خصوصاً بعد قول العلاّمة (قدس سره) وجماعة: أن النجاسات الشرعية كالقذارات العرفية فحالها حالها، وهذا هو ما يفهمه العرف.

بل لو أمكن تخفيف النجاسة بأن كانت علي الثوب أو البدن قذارة فأمكن إزالة بعضها كمّاً أو كيفاً كان من (الميسور).

ولعلّ منه صب علي (ع) الماء من الترس علي جبهة رسول الله (ص) المجروحة مع وضوح ان الماء لا يزيل كل

الدم من الجبهة التي فيها نتوآت فتأمل.

استطراد

ومن نافلة الكلام غير المرتبط بالمقام، وإنما نذكره استطراداً ان انكسار رباعية رسول الله (ص) إن أريد به سقوط بعضه، فالظاهر عدم تماميته لأنه يوجب التشويه الخَلقي، وقد ثبت في محله انه لا يكون في الرسول (ص).

ويؤيّده: عدم ذكر أحد أنه رأي الرسول (ص) مكسور الرباعية، ولو كان لَبان.

ومثل ما إذا تعذّر كلّ الدلاء في نزح البئر، فيأتي بالبعض الممكن.

ومثل ما إذا تعذّر السدر، أو الكافور، أو كل الأغسال الثلاثة، أو قِطع الأكفان، أو الحنوط، أو كل الصلاة، أو كل الدفن بأن أمكن دفن نصف جسمه دون الباقي، فَعل الميسور منها.

بل يمكن أن يقال: إنه إذا لم يكن هناك ماء وأمكن مسح السدر أو الكافور فهو المتعيّن، لأنهما عرفاً من باب التطبيب والتنظيف وكلاهما ممكن.

بل لا يبعد أن يقال: بالوجوب فيما إذا كان هناك محلول منظّف دون الماء.

ويؤيده: ما ورد من انه إنما أُمر بذلك حتي يتلقّاه الملائكة بنظافة.

ومثل باب الصلاة حيث يأتي بالميسور منها كما ذكر في كتب الفقه، حتي أنه يتبدّل إلي التسبيحات الأربع، لكن تبدله إلي ركعة فقط من الثنائية أو غيرها محل تأمّل ولم أرَ من ذكره.

نعم ذكروا في باب الطهارة مسألة السلس، ولعلّ باب الستر والقبلة وما أشبه كذلك، فيأتي بالستر وبالقبلة في بعض الصلاة إن لم يتيسّر غير ذلك.

وفي الجهر والإخفات تجري القاعدة أيضاً، وفي باب الجلاّل إن لم يتمكن من تكميل الكم أو الكيف يأتي بما يتيسّر، فتأمّل.

وظاهرهم انه لا تبعيض في الصوم إلاّ في ذي العطاش حيث ورد به النص.

نعم في التقية يأتي بالصوم إلي الغروب الحسّي، ويكفي فلا قضاء، كما ذكر وجهه في بابه.

وفي باب الحج يأتي ببعض الطواف

أو السعي أو الوقوفين أو الجمار ويؤتي بالبقية نيابة، كما انه إذا لم يتمكن من بعض أعمال مني يأتي بالبعض الميسور ويستنيب في الذبح والرمي، وإذا لم يتمكن من بعضها إطلاقاً كفي الممكن.

وهل فاقد الطهورين يأتي بصورة التيمّم مثلاً حيث يضرّه الماء والتراب ويأتي بالحج، كما نري ذلك في باب الصلاة لأنها لا تترك بحال غير بعيد خصوصاً ويأتي لملاك ما ذكره (ص) من (لا حرج، لا حرج)(5) هنا أيضاً.

وفي الهدي إن أمكن الاشتراك فعل كما ورد به الدليل أيضاً، أما إذا لم يمكن إلاّ حيوان آخر غير الأنعام الثلاثة فهل يأتي به، لبعض العلل في النصوص والملاك، أم لا، لأنه لم يقل به أحد؟ الظاهر الثاني فيبدل إلي الصوم إلاّ إذا لم يتمكّن من الصوم.

وفي باب الكفارات يأتي بالممكن من الصيام والإطعام والعتق، أما إذا لم يتمكّن من العتق فلا ينتقل الوجوب إلي ثمنه لأنه ليس عرفاً ميسوراً منه.

وفي باب الحدود والقصاص والديات يأتي ببعضها الممكن، نعم إذا قَتَل فلم يمكن القصاص وأمكنه قطع يده أو رجله أو ما أشبه فهو ليس ميسوراً من القتل، وقد ذكرنا في كتاب (الدولة)(6) وغيره: ان التأديب يقوم مقام الحد في بعض الموارد.

وفي باب نفقات الزوجة ونحوها يأتي بالميسور، كما أن الزوج في القسم والمباضعة يأتي به أيضاً سواء في الكمّ أو في الكيف.

وفي باب الوصية وولاية الوقف ونحوهما يأتي بالميسور منهما كمّاً وكيفاً.

وفي باب الإرث كذلك.

وكذا باب القضاء، مثلاً: ثبت عند الحاكم ان الدار لزيد لكن لا يمكنه الحكم إلاّ بأن بعض الدار له أو أنها في اجارته حتي يتمكّن من الإنتفاع بمنافعها فإنه يأتي بالميسور، إلي غيرها من الموارد المتعدّدة.

المحرمات

كما أن في المحرمات يأتي بترك

الميسور تركه كمّاً أو كيفاً، مثلاً: في باب الحج يترك بعض محرماته دون بعض المضطرّ إليه.

كما يترك الشديد إن اضطرّ إلي الخفيف، كما إذا دار الأمر بين قلع شجر الحرم أو حشيشه فإنه يترك الشجر ويقلع الحشيش حيث إن العرف يري انه أهون.

وهكذا لو دار الأمر بين شرب انائين من الخمر أو إناءٍ، فإنه يترك الإنائين من الخمر إلي إناء، أو يشرب الإناء الخفيف السكر كساعة مثلاً بدل شربة شديدة كساعتين، لكن هذا ليس من باب الميسور إلاّ بالملاك بل من باب (ان الضرورات تقدّر بقدرها).

ونفس هذا الكلام يأتي في باب المستحبّات والمكروهات فيما إذا لم يعلم الارتباط بحيث كان ميسوراً عرفاً كما حدّد بعض الأشياء بعشرة أو أربعين أو سبعين، أو الدخول في الحرم بآداب كذا، أو كراهة شرب الماء قائماً في الليل حيث إذا تيسّر عدم الشرب ليلاً دون ليل أو بعض الماء دون بعض أتي بالميسور أو ترك الميسور.

1 البقرة: 185.

2 الحج: 78.

3 المستدرك: ج 1، ص 338، ح 778، ب 34.

4 وسائل الشيعة: ج 13، ص 368، ح 13.

5 راجع الوسائل: ج 7، ص 150، ح 1 وص 153، ح1.

6 موسوعة (الفقه) ج 101 و 102 كتاب الدولة.

قاعدة الاشتراك في التكليف

أدلة القاعدة

وهي قاعدة مشهورة، ويدل عليها:

من الكتاب خطابات: (يا أيها الناس) و (يا أيّها الذين آمنوا) وما أشبه، ممّا لا إشكال في اتحاد مفادها مع مفاد سائر الأحكام التي لم تصدر بهذه الجمل مثل (كُتِبَ عليكم الصيام)(1)، (وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة)(2)، (واعلموا أنّما غنِمْتُم)(3)، (ولله علي الناس حجّ البيت)(4) وما أشبه من غير فرق بين أن يكون للتكليف أو للوضع مثل (يوصيكم الله في أولادكم)(5) إلي غيرها.

واختصاص الخطاب بالمشافهين، أو الحاضرين دون الغائبين والقادمين،

لقبح خطاب غير الحاضر أو المعدوم إنما يتم إذا لم يكن تشريع للجميع كما يفهم كل أصحاب الأديان والقوانين، فإنها علي نحو القضايا الحقيقية.

نعم إذا كان علي نحو الخارجية مثل (جهّزوا جيش أسامة)(6) لم يشمل حتي غير المعنيين فكيف بغيرهم.

ومن السنّة: متواتر الروايات: كالنبوي (ص): (حكمي علي الواحد حكمي علي الجماعة)(7).

والخبر المشهور (حلال محمد (ص)) الحديث(8) بعد ثبوت ان المراد من الحرام: الحكمان الاقتضائيان، ومن الحلال غير الاقتضائية، كما ذكرناه في (الفقه) أو يشمل الثلاثة الأُخر بالملاك.

وقوله (ص) مكرّراً: (فليبلغ الشاهد الغائب)(9).

ومن الواضح أن المراد بالجملة الثانية أعم من المعدوم، وقبح خطابه أو ما أشبه قد عرفت جوابه.

إلي غيرها من الروايات أمثال: (فلان ثقة يؤخذ منه معالم الدين) كما ورد مكرّراً.

ومن قبيله آية النفر(10) وآية سؤال أهل الذكر(11)، والأخبار الدالة علي ذلك المضمون.

ومن الإجماع: إنه لا إشكال فيه، فهو متواتر في كلماتهم قولاً وعملاً بدون نكير.

ومن العقل: انه بناء كافة العقلاء في جميع الأمصار والأدوار، هذا بالإضافة إلي الإرتكاز والسيرة.

وعليه فلا خصوصية للرجل أو المرأة، والصبي أو الصبية، سواء كان الخطاب ونحوه للأول أم للثاني، مع حفظ القيود والشروط في الموضوع، وبالعكس، ولذا لو سأل زرارة أو أم فلان من الصادق (ع) ان ثوبه أو ثوبها أصابه بول، فقال: اغسله في الماء الجاري مرة، لم يشك في أنه لا خصوصية للسائل، كما لا يشك في أنه لا خصوصية لأهل المدينة محل السؤال أو للنهر الذي أشار إليه الإمام (ع) مثلاً بقوله: اغسله فيه.

ولذا لم يشك الفقهاء قديماً وحديثاً باستثناء المستند في أنّ قوله (ع): (انظروا إلي من معكم من الصبيان)(12)، إنه يشمل البنات أيضاً.

المستثنيات

وكما أنّ كثيراً من القواعد لها استثناء فهذه القاعدة كذلك فلا

يستشكل باختصاصات رسول الله (ص) أو اختصاص الزهراء عليها السلام بعدم زواج علي (ع) لغيرها ما دامت في الحياة.

أو الأحكام الخاصة بالرجل كالجهر دون المرأة أو بالعكس ككون إرثها نصف إرث الرجل في كثير من الأحيان.

والحاصل: ان الأصل: الاشتراك، والخارج يحتاج إلي الدليل.

ثم إنا ذكرنا في (الفقه): أن لا خنثي مشكل بل إما رجل أو امرأة، فإن أمكن التمييز بالعلائم فهو وإلاّ فله الخيار في جعل نفسه في أحدهما، أو المعيار القرعة، أو قاعدة العدل في الإرث كما في رواية فلا حاجة إلي الكلام في ذلك من جهة قاعدة الاشتراك.

نعم الاشتراك في التكليف لا ينافي وجوب تقليد كلّ مقلّد لمجتهده وإن كان رأي المجتهدين مختلفاً في الأحكام.

كما لا ينافي ذلك دليل الإلزام حيث إن الحكم الواقعي وإن كان واحداً بالنسبة إلي الجميع إلاّ أن الشارع سهّل لنا إلزام الكفّار بما التزموا به، كالأحكام الثانويّة بالنسبة إلي الأحكام الأولية.

1 البقرة: 183.

2 البقرة: 43.

3 الأنفال: 41.

4 آل عمران: 97.

5 النساء: 11.

6 بحار الأنوار: ج 22، ص 468، ح 19.

7 عوالي اللئالي: ج 2، ص 98، ح 270.

8 الكافي: ج 1، ص 58، ح 19.

9 المستدرك: ج 12، ص 88، ح 13596، ب 75.

10 التوبة: 122.

11 النحل: 43.

12 الوسائل: ج 8، ص 207، ح 3.1

الفصل السابع: قاعدة التسلط

أدلة القاعدة

وتسمّي بقاعدة (الناس مسلّطون علي أموالهم وأنفسهم).

وفي موضع من الجواهر زيادة: (وحقوقهم).

والقطعة الأولي رواية(1) مشهورة في ألسنة الفقهاء قديماً وحديثاً، بحيث لا يحتاج إلي البحث عن السند.

و(أنفسهم) مستفاد من قوله تعالي: (النبيّ أولي بالمؤمنين من أنفسهم)(2).

و(حقوقهم) مستفاد من (لا يبطل حق امرء مسلم)(3) بعد أخذ الموضوع من العرف، إن لم يتصرّف فيه الشرع بزيادة أو نقيصة.

ويدل علي القاعدة: الأدلة الأربعة:

فمن الكتاب: قوله سبحانه:

(لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل)(4).

وقوله تعالي: (وآتوا اليتامي أموالهم ولا تتبدّلوا الخبيث بالطّيب ولا تأكلوا أموالهم إلي أموالكم إنّه كان حوباً كبيراً)(5).

وقوله عزّ من قائل: (وآتوا النّساء صدُقاتِهِنّ نِحْلَة فإن طبن لكم عن شيء منه نفساً فكلوه هنيئاً مريئاً)(6).

وقوله تعالي: (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتُدلوا بها إلي الحكّام لتأكلوا فريقاً من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون)(7).

وقال سبحانه: (فلكم رؤوس أموالكم)(8).

ومن السنة:

الروايات الخارجة عن الإحصاء مثل ما تقدم من قوله (ص): (الناس مسلّطون علي أموالهم)(9).

وما رواه أبو بصير عن الصادق (ع): (إن لصاحب المال أن يعمل بماله ما شاء)(10) إلي غيرهما، بل باب المعاملات كله مبني علي الروايات الدالة علي ذلك.

ومن الإجماع: ما لم يختلف فيه أحد، فهو من أقوي الإجماعات القولية والعملية.

ومن العقل: ان العقلاء يرون ذلك من غير نكير.

ولا يقال: ان الشيوعيّين ينكرونه.

لأنه يقال: كل بديهي ينكره جماعة، حتي أصل الكون والوجود، حيث يقول السوفسطائيون بأنه ليس إلاّ الخيال.

كما يدل عليه أيضاً: المركوز في أذهان المتشرّعة والسيرة القطعية.

وقد جعل في الإسلام المال كالنفس، ووعد لمن أكله من غيره النار، واعتبر من قُتِل دون ماله شهيداً.

فعنه (ص): (من قُتِل دون ماله فهو بمنزلة الشهيد)(11).

وفي حديث آخر عنه (ص): (من أكل مال أخيه ظلماً ولم يردّ عليه أكَلَ جذوة من النار يوم القيامة)(12).

وفي ثالث عنه (ص): (حرمة ماله كحرمة دمه)(13) إلي غيرها ممّا يجده الطالب في (الوسائل) و (المستدرك) و (البحار) وغيرها.

الملكية الفردية والاجتماعية

ثم إن الملكية قد تكون فردية كمال زيد وعمرو، وقد تكون اجتماعية، والثاني قد تكون لطائفة كالخمس والزكاة، وقد تكون لكلّ المسلمين كالمفتوحة عنوة.

كما أنها تقسّم بتقسيم آخر إلي ما يكون محجوراً كالوقف الخاص، بل الوقف العام أيضاً علي ما يظهر من بعض

الأدلة والأقوال والشواهد، وقد لا يكون كذلك كسائر الأملاك.

ومن ناحية المتعلّق فقد حرّم الشرع ما ليس فيه جهة صلاح عرفي وإن أمكن الاستفادة منه في بعض الوجوه المحلّلة سواء نصّ عليه الشرع كالخمر، أو أطلق: ان كل ضار كذا.

لكن إذا اشتري الخمر لصبّه في بالوعته لقتل الديدان، والصليب لجعله حطباً للتنور فهل يحرم؟

احتمالان، لانصراف الأدلة إلي غير ذلك خصوصاً بعض فقرات رواية (تحف العقول)(14) وللإطلاق، لكن الأول أقرب إلي الصناعة.

وكذلك لو اشتري آلة اللهو لأجل استعمالها فيما يعكس أصوات العصافير وما أشبه، كما يتعارف الآن.

وقد يحرم الشيء من جهة المصرف مثل الإسراف والتبذير، والإضرار بالنفس أو الغير ممّا يحرم، أو من جهة أنه إعانة علي الظلم مثل إعطاء السوط للظالم.

والحاصل: ان كون الشيء مال الإنسان يتقلّب فيه كيف يشاء مقيّد بما لا مالية شرعية، وبما لا يجوز بعض التقلّبات لما تقدّم، أو لأنه حقّ الفقراء والمساكين وما أشبه.

شمولية القاعدة

والقاعدة المذكورة تشمل الحقوق من جهة (حقوق المسلمين لا تبطل)(15) إلي غيرها من الروايات الواردة بهذه المضامين.

ثم إن صرح الشارع بالموضوع أو لم يصرح لكن رآه العرف كان كذلك، وإلاّ فلا يكون مشمولاً لها، فالموضوع الشرعي لا إشكال فيه، والموضوع العرفي تابع لهم، فإذا رأي حقاً في زمان دون زمان أو مكان دون مكان، أو جماعة دون جماعة تبعه الحكم.

ويستثني منه قاعدة الإلزام، كما إذا رآه الشارع حقاً لكن الكافر أو المخالف لا يراه كذلك، فإنه لا احترام لحقه، ولو انعكس كان له الاحترام، وقد ذكرنا في كتاب (الحقوق)(16) جملة منها، فلا داعي إلي تكراره.

ولو شك في أنه حق شرعي أم لا؟ أو حق عرفي أم لا؟ فالأصل العدم.

والتسليط علي النفس محدود بحدّ عينه الشارع فلا حقّ

له في أن يتصرّف في نفسه محرماً كالأعمال الجنسية المحرّمة، أو كقتل نفسه أو قطع عضوه أو إتلاف قوّة من قواه، ولذا نري جواز منع الحمل لمدّة لا إذا فعل ما يعقم رحمها أبداً، فالأول كغمض العين، والثاني كقلعها أو عميها.

نعم قد يسلط الإنسان علي نفسه بمحرم طبيعي لإكراه أو اضطرار أو قاعدة أهمّ ومهمّ.

كما أنه لا تسلّط علي نفسه أو ماله في الواجبات كالجهاد والقصاص والخمس والزكاة وما أشبه، لكنا ذكرنا في بعض أبواب (الفقه) احتمال انه يجوز له الفرار عن القصاص فينتقل إلي الدية.

ويؤيده: قصة الزهري الذي قتل محقون الدم وأرشده السجاد (ع) إلي إعطاء الدية.

ثم إن قاعدة التسلّط مخصّصة بكل ما ورد في أبواب الواجبات والمحرّمات والمعاملات ونحوها من القيود والشروط، فإن الإنسان مسلّط علي نفسه وماله في غير المذكورات.

ومثل المال: الحق، ولذا فهو مخصّص بقانون (لاضرر) أيضاً، لأنه ثانوي، والقاعدة أولية، وهي واردة أو حاكمة عليه، ولذا لا حق له فيما يزعج الجيران، كأن يقيم في داره مصنعاً أو مَدْبَغاً أو يسقي الحديقة ماءاً غزيراً ممّا يؤثّر علي حائط جاره أو ينصب ما لَه صوت مزعج، أو ينشر الرائحة المؤذية لهم، أو يسبّب جريان الماء من داره إلي سردابهم، أو يزعج أسماعهم بأصواته المنكرة أو ما أشبه ذلك.

وكذلك الحال أن يرفع بناء حائطه بحيث يسدّ الهواء أو الضياء عن جاره ممّا يعدّ ضرراً عرفاً.

ولم يُعلم وجه قول بعضهم بالتعارض بينهما أو نحو ذلك، وحيث تكلّمنا في ذلك في (الفقه) وفي قاعدة (لا ضرر) فلا داعي إلي تكراره.

وإذا اختلف المالك والجار في أنه ضرر أو لا؟ كان المرجع أهل الخبرة.

ولو كان ضرر ثمّ شكّ فيه من جهة بعض التغييرات بما لا يكون

من تبدّل الموضوع كان مجري الاستصحاب، وكذلك العكس.

كما أن قاعدة الأهم والمهمّ تتقدّم علي قاعدة التسلّط، فلو كان هناك غريق واحتاج إنقاذه إلي التصرّف بحبل الغير جاز، للقاعدة، وإن لم يرض المالك.

نعم لا يبعد أن يكون له اجرته من بيت المال أو غيره جمعاً بين الحقّين.

وكذلك يقدم قانون الإلزام علي قاعدة التسلّط، فإذا لم يره الكافر أو المخالف حقاً أو مالاً لم يشمله (الناس مسلّطون) تخصيصاً علي ما تقدّم الإلماع إليه.

1 بحار الأنوار: ج 2، ص 272، ح7، ب 33.

2 الأحزاب: 6.

3 وسائل الشيعة: ج 19، ص 65، ح 1.

4 البقرة: 188.

5 النساء: 2.

6 النساء: 4.

7 البقرة: 188.

8 البقرة: 279.

9 بحار الأنوار: ج 2، ص 272، ح 7، ب 33.

10 الوسائل: ج 13، ص 381، ح 2.

11 وسائل الشيعة: ج 11، ص 93، ح 10.

12 بحار الأنوار: ج 7، ص 219، ح 131.

13 وسائل الشيعة: ج 8، ص 599، ح 12.

14 تحف العقول ص 331: عن الصادق (ع) في وجوه معايش العباد.

15 الوسائل: ج 14، ص 209، ح 9.

16 موسوعة (الفقه) ج100 كتاب الحقوق.

قاعدة الاهم و المهم

أدلة القاعدة

وهي من القواعد الفقهية، ويدل عليها الأدلة الأربعة:

فمن الكتاب: قوله سبحانه: (ولو لا أن يكون الناس)(1) وقصّة خرق السفينة(2).

ومن السنّة: قوله (ص) لعائشة: (لو لا أن قومك حديثوا عهد بالإسلام …).

وقوله (ص): (لو لا أن يقول الناس أنّ محمداً استظهر بجماعة) في قصة العقبة.

وعدم إقامة الحدّ أو التعزير علي الذين فرّوا من الزحف، وعلي من قال: انه (ص) ليهجر وما أشبه.

وترك علي (ع) من كانوا يصلّون التراويح بعد إتمام الحجّة عليهم.

وقوله (ع): (أمّا حقّي فقد تركته مخافة أن يرتدّ الناس)(3) إلي غير ذلك وهو كثير.

ومن الإجماع: العملي منهم في مختلف مسائل

الفقه ما لا يخفي.

ومن العقل: انه بناء كافة العقلاء فلا يشك أحد منهم ولا من المتشرّعة في أنه لو خيّر بين محرّمين أحدهما أهم كالزنا أو القُبلة أو واجبين كذلك كإنقاذ غريق أو سفينة فيها مائة وإذا اشتغل بإنقاذ دونها هلكوا جميعاً أو واجب وحرام كالصلاة ليوم أو قتل نفس محترمة في أنه يلزم تقديم الأهمّ.

وهذا هو المركوز في أذهان المتشرّعة، والسيرة القطعية، بل لعل جملة من الأحكام الثانوية كالتقية وأحكام الإضطرار والإكراه وما أشبه من صغريات هذه القاعدة وإن كانت هي قواعد مستقلة بل بين بعضها عموم من وجه.

لكن إنما يقدم الأهم علي المهمّ إذا كان إلي حد المنع عن النقيض كالزنا والموت عطشاً كما في قصة المرأة في زمان علي (ع) وإلاّ كان مخيّراً وإن كان تقديم الأهم الأفضل أفضل، كما إذا دار الأمر بين إنقاذ غريقين أحدهما عالم أو عادل دون الآخر.

ولو علم بالأهمية اللازمة إجمالاً، لكنه لم يستطع معرفتها بالضبط، مثل انه لم يعلم أيّ الغريقين رئيس الجيش بما يلحق غرقه الهزيمة بجيش المسلمين، دون الآخر الجندي، تخيّر، وكذلك في الاشتباه في الحكم.

لو ترك الأهم

ولو لم يفعل الأهم وفعل المهم فلو عرف من الدليل ان لا ملاك فيه بطل، حاله حال ما ذكروا من الحكم الإضطراري الذي يتركه للفعل الاختياري، كما إذا ترك التيمّم واغتسل مما سبب موته أو ما أشبه، فإن عمله باطل ويجب عليه القضاء والإعادة إن أمكن، وإلاّ فعلي ورثته، وإلاّ صحّ مع العقاب علي ترك الأهم، كما ذكروا في مسألة (الترتّب).

ولو لم يعلم انه علي أيّ النحوين كان مقتضي إطلاق دليل المهم وجود الملاك إلاّ إذا كانت هناك قرائن تدلّ علي الخلاف.

ثم إن تقديم الأهم يكون بقدره، كما

مثّلنا في دفع الأجرة للحبل، إذ الأهم إنما يسقط حرمة الغصب، أما ما عداه فلا يكون من الأهم والمهمّ حتي يسقطه.

وكذا لو أُجبر الطبيب علي المعالجة، لدليل حفظ النفس الأهم فاللازم دفع الأجرة إليه، ولو أراد أكثر فلا حق له، إذ عمله ليس أكثر من المثل.

نعم له أن يشترط الأكثر قبل المعالجة ل (تسلّط الناس علي أنفسهم).

وكذا في البيوع ونحوها ل (تسلّطهم علي أموالهم) مثل بيع الحنطة في حالة توفّرها فله حق الزيادة، وفي حالة القحط فلا حقّ له فيها لأنه من الإجحاف المحرّم، إلي غير ذلك مما ذكر في موضعه.

ومما تقدم علم أنه لو كان من الأهم ترك الزوجة وطياً أو قسماً أو نفقة لزم عليه التدارك بعد ذلك.

ولا تسقط الأحكام الوضعية بهذا القانون لو قلنا بها بل يرفع اليد عنها بقدر، مثلاً: لو كان الأهمّ أن لا تكون زوجته أو أن تكون زوجته فالأهم لا يوجب أحدهما بالنسبة إلي الزوجة والأجنبية.

وكذلك في باب الطهارة والنجاسة والملكية والرقية وما أشبه ذلك.

ولو كان من الأهمّ ترك الصلاة والصيام والحج أو بعض خصوصياته، فلا يسقط الإعادة إن كانت أو القضاء أو الكفّارة في ما فيه الكفارة مطلقاً، كبعض محرّمات الإحرام كالإستظلال، لما عرف من تقدير الأهم بقدره.

ثم القضاء والإعادة والكفّارة والضمان إن أمكن وإلاّ فلا شيء علي فاعل الأهم، ولذا لم يرد ضمان الخضر (ع) للسفينة التي خرقها، ولو كان لبان.

ولو كان أحد الشيئين أهمّ بالقدر المتساوي، ترك المهمّ مخيّراً بينهما.

وقاعدة الأهم تقدّم علي (لاضرر) فلو كان غريقان إنقاذ أحدهما أهم كما مثلنا في إنقاذ القائد أو الجندي، وكان في الأهم ضرر دون المهم قدّم الأهم.

وإن تضرّر، كأن يصيبه مرض يحتاج لعلاجه إلي بذل مال كثير،

فإن كان هناك بيت مال يتكفّل ذلك فهو، وإلاّ فهل يؤخذ من المنقَذ؟ احتمالان: من الجمع بين الحقّين ومن أنه لا دليل، بل ضرّره الشارع بأمره بإنقاذه، كما إذا استلزم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ضرراً، مثل أن يدفع أجرة السيّارة للذهاب إلي محل المنكر، وشرطُهُم أن لا يستلزم ضرراً يراد به الضرر المعتد به، فتأمّل.

ولو تعارضت الأهمية في الكمّ والكيف، كما إذا كان هناك غريقان من العاديين وغريق ثالث برتبة قائد جيش، لم يتقدّم أحدهما علي الآخر، إلاّ إذا علمت الأهمية المانعة من النقيض في جانب، بل يتخيّر بينهما لعدم تحقّق الموضوع.

ولو كان في جانب استصحاب الأهمية كفي، ولو كان استصحاب المهمية لكن لم يعلم ان الآخر أهم أم لا، فلا قاعدة لما ذكرنا في (الأصول): (ان الأصل في التعيين والتخيير: التخيير) وما نحن فيه من مصاديقه.

وحيث تجري القاعدة فلا مجال لقاعدة القرعة، لأنها للمشكل، والقاعدة لا تدع مشكلة، كما أن الاستصحاب كذلك.

نعم يمكن اتيانها فيما إذا علم بأهميّة أحدهما لكنه غير معيّن لعدم المعارض للقرعة حينئذ.

ولا فرق بين أن يكونا من جنس واحد أو جنسين كالقتل وشرب الخمر.

معرفة الأهم

وتعرف الأهمية من الدليل ومن الإرتكاز، كما إذا دار الأمر بين الزنا وأكل درهم من الربا فإنه يقدم الثاني، لارتكاز المتشرّعة ان الأول أهم حرمة وإن ورد في الحديث: أن درهماً من الربا أعظم من سبعين زنية(4) أو ما أشبه، إذ المتشرعة يحملون ذلك علي التخويف، علي أنّ كلاً من العقاب والثواب ليسا ميزان الأمر.

ولذا نري أن بعض المستحبات أكثر ثواباً من الواجبات، مثلاً للمبتدأ بالسلام من الحسنات أكثر مما للمجيب مع أنّ ردّ السلام واجب، وزيارة الحسين (ع) لها من الثواب شيء عظيم بينما

هي مستحبة، والإنفاق علي الأرحام شيء واجب إلي غير ذلك.

ولو قال: إقطع يد زيد وإلاّ قتلت نفسي، لم يجب القطع بتوهّم أن قتله نفسه الذي يمتنع بسببه أهم، لتوسّط الفاعل المختار.

بل الأمر كذلك لو أمره بمستحب وإلاّ ترك واجباً أو فعل محرماً، كما إذا قال: صلّ صلاة اللّيل وإلاّ لا أصلي الصبح أو أجرح نفسي جرحاً محرماً.

ومثله: لو قال الطبيب لثري: أعطني ألف دينار وإلاّ تركت معالجة الأرمد حتي يعمي.

ولو اشتبه الميّت المسلم بالكافر وجب تجهيز كليهما لأن وجوب تجهيز المسلم أهم عرفاً من حرمة تجهيز الكافر.

والمسائل في ذلك كثيرة نكتفي منها بهذا القدر، والله المستعان.

1 الزخرف: 33.

2 الكهف: 71 و 79.

3 بحار الأنوار: ج 43، ص 171، ح 11، ب7.

4 راجع بحار الأنوار: ج 100، ص 117، ح 13 وص 119، ح 22، ب5.

قاعدة العسر

أدلة القاعدة

العسر البدني الذي ليس فيه حرج نفسي ولا ضرر في المال والبدن، مثل كثرة التعب الذي ليس بعده ضرر منفي في الآية الكريمة في قوله: (ولا يُريد بكم العُسْر)(1).

والظاهر المستفاد عرفاً بالقرائن إرادة عدم العسر لا عدم الإرادة، وإنما ذكر الجملتين لأنّ بينهما واسطة: عسر ويسر وما لا يكون أحدهما، فكأنه قال: لا يريد بكم العسر، فسُئل: هل يريد الأعمّ من اليسر والواسطة؟ فقال: كلاّ لا يريد الواسطة أيضاً، وإنما يريد اليُسر.

وإنما ذكر عكس الكلام ولم يقل: لا يريد بكم العسر ويريد بكم اليسر لأهمّية اليسر، والموضوع الأهم يقدّم في الكلام، مثل (زيد شاعر) أو (الشاعر زيد)، علي ما ذكروه في البلاغة.

فإذا كان أحد الثلاثة: من الضرر والعسر والحرج فالحكم مرفوع.

نعم ذلك فيما إذا لم يسبّبه المكلف هو وإلاّ أمكن عدم الرفع مثلاً ترك الصلاة والصوم خمسين سنة مما قضاؤهما

عسر عليه، فإنه لم يسقط عنه لأنه السبب في ذلك.

كما ذكروا في مسألة اقدامه علي الضرر المالي حيث لا يبطل العقد، وليس له حق الفسخ لأنه السبب في ذلك.

نعم فيما إذا كان جاهلاً بالحكم قصوراً لا تقصيراً يحتمل عدم الوجوب بقدر العسر، لإطلاق دليل العسر الحاكم علي الأدلة الأولية، والتي منها (ما فاتتك من فريضة فاقضها كما فاتتك)(2).

وهل يجب القضاء عنه بعد موته؟ مقتضي الدليل العدم، لانتفاء التكليف في حال القصور، وفي حال الذكر لا يشمله الأدلة.

ويحتمل وجوب القضاء عن تركته وهو أقرب إلي الذوق الفقهي وإن كان أبعد عن الصناعة، لكن ربما يقال: حتي في صورة الجهل تقصيراً لا قضاء، كما إذا ألحق الضرر بنفسه عن تقصير فصلّي بتيمّم، أو عن قعود أو ما أشبه، حيث إنه عاص بترك التعلّم وإن لم يكن قضاء لما فاته لشمول الأدلة المذكورة له.

ومثله ما لو صلّي وصام لمدّة خمسين سنة بطهارة باطلة قصوراً، أو حجّ باطلاً كذلك، وكان الإتيان به ثانياً عسراً عليه.

ولم أرَ من أشار إلي أصل المسألة إلاّ تلميذ شريف العلماء قدس سرهما في حقائقه.

ويؤيده: انه (ص) بعث بالشريعة السمحة كما قال هو (ص)(3).

لا يقال: إن الصلاة والصوم والحج أيضاً عسرات وكذلك القصاص والحدود والتعزيرات.

لأنه يقال: لا إشكال في أنّ هذه الواجبات ثابتة في الشريعة، والظاهر أنها من باب التخصّص لأدلة العسر لا التخصيص، إذ أدلة العسر والحرج والضرر لا تشمل ما وضع شرعاً في موردها كالخمس والجهاد ونحوهما.

نعم إذا صارت عسرة فوق القدر المتعارف يكون المحكّم فيها دليل العسر، لأن أدلّتها منصرفة إلي المتعارف.

وأما الثلاثة الأخر فهو السبب في ذلك، فيكون كما ذكرناه في ضرر مالي سببه هو، ودفع العسر منصرف عنه فليس من

باب التخصيص، بل من باب التخصّص.

وكذلك حال الديات وإن لم يكن علي المرتكب كالعاقلة فإنه من الحرج أو الضرر لا من العسر وحالها حال الخمس والزكاة والكفّارات وما أشبه.

وكما أنّ دليل العسر رافع للأصل فهو رافع للجزء أيضاً، فإذا كان لهما بدل فهو، وإلاّ بقي الأصل بلا جزء أو شرط أو مع مانع أو ما أشبه، فالوضوء العسري مرفوع كما أنّ المسح علي البشرة في الشتاء القارص الذي يسبب عسراً مرفوع أيضاً إلي البدل وهو المسح علي العمامة، كما ورد بذلك النصّ والفتوي.

وكذلك يرفع القضاء إذا كان عسراً كما يرفع الأصل، كما عرفت في قضاء الجاهل صلاته وصيامه.

وهل يرفع الوضع كما يرفع التكليف عند من يراه؟

الإطلاق يقتضي ذلك، كما إذا صارت علي جلده جلبة في أثر الجرح مما رفعه حرج عليه، فإذا قلنا: برفع العسر النجاسة، غَسله أو مسح عليه، وإذا قلنا: بالعدم وضع فوقه الجبيرة.

وبذلك يظهر حال ما إذا كان الماء يضرّ بعض جسمه في الوضوء أو الغسل فهل يتركه ويغسل سائر الجسد وضوءاً أو غسلاً أم يضع عليه الجبيرة؟ مقتضي الأصل الذي في رفع العسر هو الأول.

ويصلي بالنجاسة إذا كانت الإزالة عسراً عليه، لكنه من رفع التكليف أما إذا قيل برفع الوضع فلا نجاسة.

وكما يأتي رفع العسر في ترك الفعل العسري يأتي في الإتيان بالمحرّم المعسور، بل ويسري ذلك إلي من لابدّ منه، كما إذا كانت المرأة في عسر من كثرة العرق واحتاجت إلي رؤية الطبيب أو لمسه فإنه يجوز لها وله.

وإذا تعارض عسر وضرر، أو أحدهما مع الحرج، قدّم أهمّهما لو كان إلي حد المنع عن النقيض، وإلاّ تخيّر مع الترجيح أو بدونه في المتساويين.

في المستحبّات

وهل يجري رفع العسر في المستحبّات؟

قال بعضهم:

لا، لأنه لا إلزام، وظاهر (ولا يريد بكم العسر)(4) الإرادة الإلزامية.

وقال بعضهم: نعم للإطلاق ولقوله (يريد الله بكم اليسر)(5) وقوله (ص): (بُعِثْتُ بالشريعة السمحة)(6) إلاّ أن الأوّل في نفسه أقرب لو لا الذي ثبت من سيرتهم (ع) وسيرة المتشرعة من تحمّل العسر والمشقّة في باب المستحبّات، كألف ركعة في الليل(7) أو قراءة أربعين ختمة في شهر رمضان(8)، كما كان يفعله بعض المعصومين (ع)، إلي غير ذلك مما يقرب إرادة الإلزام.

وكذلك حال الضرر ولذا كان بعض الأئمة (ع) يحجّ ماشياً مما يُلحق الأذي برجله، وتورّمت قدما رسول الله (ص)(9) وفاطمة عليها السلام(10) من كثرة العبادة، إلي غير ذلك.

ومن الواضح ان (لا) يسقط في الثلاثة في مثل الجهاد، وذلك لأمر أهم بحد المنع عن النقيض.

وفي الباب مسائل كثيرة تُعرف مما ذكرناه في بابي الضرر والحرج، فلا حاجة إلي ذكرها.

1 البقرة: 185.

2 راجع المستدرك: ج6، ص 435، ح 7167، ب6.

3 المستدرك: ج 1، ص 419، ح 1051، ب 59 وفيه: (بُعِثتُ بالحنفية السهلة).

4 البقرة: 185.

5 البقرة: 185.

6 الوسائل: ج 5، ص 246، ح 1 وفيه: (بالحنفية السمحة).

7 بحار الأنوار: ج 79، ص 310، ح 16، ب 4.

8 بحار الأنوار: ج 95، ص 5، ح 2، ب 5.

9 بحار الأنوار: ج 16، ص 85، ح2، ب6.

10 بحار الأنوار: ج 43، ص 84، ح 7، ب 4.

الفصل الثامن: أصالة الصحة

أدلة القاعدة من الكتاب

وهي قاعدة مشهورة، ويدلّ عليها: الكتاب والسنّة والإجماع والعقل والسيرة والمركوز.

فمن الكتاب:

1 - قوله سبحانه: (قولوا للناس حُسْناً)(1) بعد أن كان المراد من القول أعمّ من اللفظ، فإنّ القول في اللغة يستعمل فيهما، يقول: (قال كذا)، ويريد الإشارة بيده، بالإضافة إلي أنه بالملاك إن لم نقل بالأعميّة، فإذا أشار إنسان إلي إنسان بالسوء

أي بأنّه يعمل سوءاً قيل له: ألم يقل الله: (قولوا للنّاس حُسناً)؟

و(الناس): يشمل المؤمن والكافر، والعادل والفاسق، وما خرج إنّما يكون بالدليل.

و(الحُسن): أي كلاماً حسناً، وما يقوم مقام الكلام من الإشارة ونحوها ولذا لو كتب إنسان: انّ زيداً فاسق، قيل له هذا خلاف الآية.

ولا فرق بين أن يقول السيء أو يقول ما ليس بحسن، أي المتوسط بينهما، فإن الحسن خلاف كليهما، فإذا دخل إنسان في مجلس، فاستهزأ به هذا، أو سكت ولم يعر له اهتماماً واحتراماً، كان من القول بغير الحسن فيما كان هناك واسطة، أمّا إذا لم يكن كما لو كانت المعاملة صحيحة أو باطلة، فإذا قال: معاملة فلان باطلة كان من القول بغير الحسن، وكذا إذا قال: لا أعلم أنّها باطلة أو صحيحة، لم يكن من القول بالحسن.

ومن الواضح أنّ المراد أعمّ من القول من كونه (للناس) أو (عن الناس) للإطلاق حسب فهم العرف، أو بالمناط فأيّ فرق بين أن يقول لزيد: إنّ عبادتك باطلة أو يقول عند غيابه: إنّ عبادته باطلة؟

وهل المراد الصحّة الواقعيّة حيث إنّ الألفاظ موضوعة للمعاني الواقعية أو الأعمّ منه ومن الصحّة عنده وإن كانت باطلة عند القائل؟

لا يبعد الثاني ولو لقرينة المقام، فإذا قال له: إنّ فتواي علي كفاية تسبيحة واحدة في الركعة الثالثة والرابعة وفتواك علي وجوب ثلاث تسبيحات، لم يصدق أنّه قال للناس سوءاً، الذي هو مقابل القول الحسن.

2 - وقوله سبحانه: (إجتنبوا كثيراً مِنَ الظنَ إنَ بعض الظنَ إثم)(2) فإنه من العلم الإجمالي بالحرام في البين إذ لو لم يكن منجزاً لم يحرم كثيراً من الظنّ لأجل البعض الذي هو إثم.

والمراد: إجتناب آثار الظنّ، وإلاّ فإنّ الظنّ لا إختياري فإنه كالشكّ واليقين يقع في القلب.

ولا

يمكن أن يقال: المراد مقدّمات الظنّ، لأنّه خلاف الظاهر.

إن قيل: إنّ الآثار أيضاً خلاف الظاهر.

قلنا: هو أقرب المجازين إلي اللفظ عرفاً.

وإن قيل: لماذا قال: (كثيراً) دون الجميع؟

قلنا: لأنّ بعض الظنّ ليس طرف العلم الإجمالي حتي يكون محرّماً من جهته.

فالظن بأنّ هذا الإنسان يصلي باطلاً ثم قوله أو إشارته بذلك، أو أنه زان، أو شارب أو ما أشبه مشمول للآية الكريمة، أما إذا ظنّ من دون إظهار فلم يقل أحد أنه من المحرّم.

إن قلت: (لا تظنّ السوء) لا يلازم الظنّ بالصحة.

قلت: يلازمه غالباً، فإذا كانت هناك معاملة لم يعلم أنّها ربويّة أم لا، أو وطي لا يعلم أنّه زنا أم نكاح، أو شرب خمر لا يعلم أنّه لمرض أم معصية، إلي نحوها، كان معني النهي عن الفساد القول بالصحة، وهذا معناه العرفي لا الدقّي حتي يقال: بأن الأمر بالشيء لا ينهي عن الضدّ.

نعم، إذا كان ظاهر الشيء منكراً كشرب الخمر والجماع بمن يعلم أنّها ليست زوجته، والوضوء منكوساً للصلاة والإفطار في شهر رمضان، لزم الفحص حتي يعلم أنّه يرتكبه لقاعدة ثانوية، أو محرّماً حتي يلزم الإنكار عليه.

ولذا سأل علي (ع) عن الذين كانوا يفطرون في شهر رمضان هل أنّهم مسافرون؟ وجرت السيرة بالسؤال والفحص في أمثال تلك الموارد، كمن يبيع الوقف حيث لم يعلم أنّه بمجوز أو حرام إلي غير ذلك.

أدلة القاعدة من السُنّة

ومن السنة: قول علي (ع): (ضع أمر أخيك علي أحسنه)(3) فإن الأمر أعمّ من القول والفعل.

والمراد بالأحسن: الحسن مثل (إلاّ بالتي هي أحسن)(4) وما أشبه من صيغ التفضيل الذي قالوا إنّه مجرّد عن الفضل وإنّما يراد به الأصل مثل (أولي لك فأولي)(5) و (أفمن يلقي في النار خير)(6) والأحوط، والأقوي، وما أشبه.

والمراد بالأخ: إما المسلم

حيث قال علي (ع): (إمّا أخٌ لك في دين أو نظيرٌ لك في الخلق)(7)، أو الأعمّ من قبيل: (وإلي عادٍ أخاهم هُوداً)(8)، (وإلي ثمودَ أخاهم صالِحاً)(9)، (وإخوان لوطٍ)(10)، إلي غير ذلك، وهذا أقرب إلي الذوق الإسلامي، وإن كان الأشهر الأول.

ومعني الوضع: ترتيب الأثر، فإذا شكّ في أنّه هل اشتراه صحيحاً أو فاسداً صحّ الشراء منه، وما أشبه الشراء.

وإذا شكّ في أنّه هل يزني بها أو بنكاح لم يصحّ له خطبتها والزواج بها.

وإذا شكّ في أنّه هل استولي عليه غصباً أو مباحاً بالحيازة، صحّ له ترتيب آثار الملك، إلي غير ذلك.

والروايات المتواترة التي هي بمضمون الآيتين السابقتين.

من الإجماع: متواتر دعاويهم الإجماع، والإجماع العملي.

كما أنّ السيرة القطعيّة والمركوز في أذهان المتشرّعة وبناء العقلاء علي ذلك.

ويؤيده: (لما قام للمسلمين سوق)(11) وما أشبه ذلك.

من غير فرق في كلّ ذلك بين أن يرجع الشك إلي السبب أو المسبب أو كليهما.

وإذا شكّ الإنسان بأنّ هذا الذي مرّ من عنده هل سلّم عليه أم سبّه؟ وجب عليه ردّ السلام لأنّه الحسن، فتأمّل.

أما لو شكّ بأنّه هل فعل أحدهما أو قرأ القرآن أو الذكر لم يكن من الأحسن أنه سلّم ولذا لا يجب ردّ السلام لعدم تحقق الموضوع، فتأمّل.

وحيث أنّ الأدلة من الآية والرواية وغيرهما تشمل الاعتقاد تجري أصالة الصحّة فيه أيضاً، فإذا شكّ في أنه صحيح الاعتقاد أو فاسده حتي لا يتمكن من زواج بنته له أو تزوجها به جاز العمل علي أصالة الصحّة.

ولعلّ من هذا القبيل تزوج الإمام (ع) بمن ظهرت بعد ذلك أنّها خارجيّة مع وضوح أنّ الخارجي كافر، ومن المعلوم أن الأئمّة (ع) ما كانوا يعملون بعلمهم الغيبي بل قال (ص): (إنّما أقضي بينكم بالبيّنات والإيمان)(12) كما أنّهم (ع)

ما كانوا يعملون بقدرتهم الغيبيّة وإلاّ لما ذهب علي (ع) إلي المسجد وحده وكان بإمكانه أن لا يذهب ذلك اليوم ويستخلف الحسن (ع) أو غيره، أو يذهب مع مسلّحين يحفظونه عن الشرّ، وقد ذكرنا ذلك في بحث آخر.

وعليه ففي البلاد الإسلامية أو المحلة المسلمة ولو في بلد كافر لا يحتاج من يريد الزواج إلي السؤال، كما لا يحتاج من يريد ذبح الذبيحة وشراء اللحم إلي السؤال عن عقيدة الذابح.

ولذا جرت العادة عند الحُجّاج علي كفاية رؤية الذابح هناك مما ظاهره الإسلام وإن كان يحتمل فساد عقيدته بما يوجب له الكفر.

وهذا ليس خاصّاً بالمسلم بل كذلك من ظاهره أنّه من أهل الكتاب مع احتمال كونه ملحداً، كما قد كثرت الشيوعيّة فيهم حيث يجوز للإنسان التزويج بهنّ من غير فحص عن أنّها شيوعيّة اعتقاداً أم لا، أمّا الشيوعية اقتصاداً فلا مانع من الزواج بها، كما ذكرناه في بعض المباحث.

جريان أصل الصحة في الكافر

بل ذكرنا في بعض المباحث أنّ أصل الصحّة جار في الكفّار، إلاّ فيما خرج بالدليل، ولذا لا يزال المسلمون يشترون من الكفّار مع احتمال أن يكون المبيع سرقة أو ما أشبه.

وممّا تقدّم ظهر جريانها في الاعتقادات كالأقوال والأفعال.

نعم، ليس موردها الأعيان، فإن أصالة الصحّة فيها فيما إذا شكّ في أنّها صحيح أو معيب من الأصول العقلائية لا من القواعد الفقهية.

كما أنّه يخرج عن محلّ الكلام استصحاب العدالة أو الوثاقة مثلاً فيما إذا شكّ في أنّ العادل الفلاني ارتكب معصية حتي يسقط عن العدالة أم لا؟ وكذلك في الثقة.

وكذلك يخرج عن محلّ الكلام احتمال الخطأ والغفلة والسهو وتعمّد الكذب في المخبر، فإذا احتمل الخطأ والصواب تمسّك بالأصل العقلائي في كلّ ذلك، وليس من أصل الصحّة الذي هو محلّ الكلام.

من

غير فرق في جريان أصل الصحّة والقاعدة بين الأحكام الوضعيّة والتكليفيّة لإطلاق أدلّته فالعقود والإيقاعات ونحوها من هذا الباب موضوعاً.

وقد عرفت أنّ المراد بالصحّة الفاعليّة الأعمّ من الواقعية حكماً إذا أريد حصر الأمر في الفاعل، وأمّا إذا كان محلّ الإبتلاء فالأصل الصحّة الواقعيّة كما في طرفي العقد حيث لا يعلم المشتري مثلاً هل أنّه عقد صحيح واقعاً أم لا.

ثمّ إنّ البحث هنا فيما كان قابلاً للصحة والفساد لا أن يكون أمره دائراً بين الوجود والعدم، من غير فرق في الشكّ بين الشرط أو الجزء أو المانع أو القاطع خلافاً لبعض ما يظهر من المحقق الثاني (قدس سره) ممّا ذكره الشيخ (رحمه الله) في المكاسب ممّا لا داعي إلي تكراره.

بل لربّما يجري الأصل المذكور في الأوسع من ذلك، كما إذا وجدنا جزءاً من ميّت في مقبرة المسلمين حيث لا نعلم أنّه غُسل أم لا؟ فإن الأصل أنه غُسل.

تفصيل الشيخ الطوسي وما يرد عليه

وحيث قد عرفت إطلاق الأدلة فلا فرق في الشكّ بين الأجزاء والشرائط وما أشبه وبين احتمال عدم قابلية مجري العقد لطفولة أو جنون أو سفه أو عدم قابلية المال لوقف أو حجر علي المالك كما إذا باع الدار من عمرو بشرط أن لا يبيعها وقلنا: ان الشرط يقتضي الوضع، فما ذكره الشيخ (قدس سره) من الفرق بين الأول بجريانه فيه والأخيرين بعدم الجريان خلاف ما نستظهره من الأدلة والسيرة.

وممّا تقدّم ظهر أنّه لو استناب أحداً للصلاة أو الصوم أو الحجّ عن ميّته، أو استنابه للحجّ عن نفسه أو دفع إليه كفّارة أو ما أشبه، ثمّ شكّ في أنه هل فعله أم لا؟ أو علم بأنه فعله لكن شكّ في أنه هل أتي به صحيحاً أم لا؟ جرت أصالة

الصحّة، لبناء المتشرّعة وسائر الأدلّة المتقدّمة.

ولذا لا يسأل أحد من الفقهاء الذين تُدفع إليهم أموال النيابة عن الميّت وشبهها عن الأجير هل فعل؟ أو هل فعل صحيحاً؟

وكذلك الحكم إذا رأينا من ظاهره يدلّ علي أنّه يصلي علي الميّت ولكنّنا لا نعلم أنه صلي أم لا؟ أو صلّي صحيحاً أم لا؟ فتجري الأصالة المذكورة.

والمستفاد من الأدلة أنّ هذا الأصل أمارة، فمثبتاتها حجّة كسائر الأمارات لا أصل، فتفرّع عليه المثبتات العقليّة أيضاً، فإذا اشتري شيئاً لم يعلم أنه اشتراه بالخمر أو بما يملكه؟ جرت أصالة الصحّة، فيكون للمشتري ويرثه الوارث.

ومقتضي الأمارية تقدّمها علي الاستصحاب الموضوعي، كما هي القاعدة.

وكما تجري أصالة الصحّة في عمل الغير كذلك تجري في فعل النفس كما إذا عقد عقداً ثمّ شكّ بعد مدّة هل كان جامعاً للشرائط فاعلاً وقابلاً وشرطاً بالمعني الأعمّ كان الأصل الجريان، كما هي السيرة وكذلك في عباداته السابقة، وسائر أموره.

وهذا إمّا من باب السيرة وبناء العقلاء والإجماع، وإمّا من باب الملاك كما ذكروا في التعاون علي الإثم انّه يشمل فعل الإنسان نفسه إذا فعل مقدّمات الإثم الواصلة إليه.

ولا يخفي أنّ الكلام في هذه المباحث طويل، وقد ذكرنا بعضه في (الفقه) وبعضه في (الأصول) ولذا لا نطيل البحث هنا وإنّما أردنا الإلماع فقط، والله سبحانه العالم.

1 البقرة: 83.

2 الحجرات: 12.

3 المستدرك: ج 9، ص 144، ح 10502، ب 141.

4 العنكبوت: 46.

5 القيامة: 34.

6 فصلت: 40.

7 نهج البلاغة: الكتاب 53.

8 الأعراف: 65.

9 ق: 13.

10 الأعراف: 73.

11 وسائل الشيعة: ج 18، ص 215، ح 2.

12 وسائل الشيعة: ج 18، ص 169، ح1.

قاعدة الحيازة

أدلة القاعدة

(من حاز ملك) قاعدة فقهيّة، ويظهر من الجواهر أنها رواية، وسواء كانت رواية أم لا، فتدل عليها الأدلة الأربعة.

فمن الآيات:

قوله

تعالي: (خلق لكُم)(1) واللام للملك إذا لم تكن قرينة، وحيث لا ملك بدون الحيازة بالنظر الأولي إجماعاً، فلابدّ أن يكون بالحيازة، فهي تسبب إثبات الملك كما أنّ الإعراض يسبب إسقاط الملك.

أما الروايات:

فهي متواترة، ذكروها في كتاب الإحياء والصيد واللقطة وغيرها، وقد ذكرنا جملة منها في (الفقه)(2) ممّا لا حاجة إلي الإعادة.

فعن الباقرين (ع): قال رسول الله (ص): (من أحيي أرضاً مواتاً فهي له)(3).

وعن الصادق (ع) في البعير الملقوطة (حتي أحياها من الكلال ومن الموت فهي له ولا سبيل لأحد عليها وإنما هي مثل الشيء المباح)(4).

وفي رواية الصادق عن آبائه عن علي (ع): (للعين ما رأت ولليد ما أخذت)(5).

والمراد بالجملة الأولي: أنّ حظّ العين الرؤية فقط، إلي غيرها من الروايات الكثيرة.

والإجماع: القطعي الذي لا مخالف له إطلاقاً قولاً وعملاً.

ومن العقل: دلالته علي أن الخالق غنيّ عن الكون وما فيه فبقاؤه عبثاً خلاف الحكمة المنافي لإتقان الخلق، فلابدّ من أن يفوّض إلي المخلوق، وأحسن صور التفويض هو التمليك، لكن بشرط أن لا يضرّ بعضهم بعضاً، لأنّه أيضاً خلاف الحكمة، وهو ما حدده الشارع بإطار (لكم)، فكلّ إنسان له الحقّ في أن يتمتّع من الكون والأرض من جملته بما شاء، بشرط عدم الإضرار بنفسه أو بالآخرين.

والحيازة بحاجة إلي القصد، فمن أخذ عشباً ليلعب به ساعة، أو صيداً كذلك أو ما أشبه، لم يكن من الحيازة في شيء.

وتدلّ عليه بالإضافة إلي بناء العقلاء: جملة من الروايات الواردة في مشتري السمكة والدابّة يجد في جوفها شيئاً ثميناً حيث حكم الإمام (ع) بأنّه له.

مع وضوح أنّ البائع لم يقصد بيع الشيء الثمين، وقد وضع يده عليه بوضعها علي الحيوان، لكن حيث لا قصد فلا ملكيّة له.

كروايات أبي حمزة وحفص والزهري والمروي

في تفسير الإمام، والحميري كما ذكره الوسائل والمستدرك في كتاب اللقطة.

من غير فرق بين المباحات الأصلية والمعرض عنها إعراضاً أو انعراضاً.

وهذا هو المركوز في أذهان المتشرّعة وقد جرت عليه السيرة، ولذا لا يشكّ أحد في ملك الإنسان للصيد ولفواكه الغابات وأشجارها المقطوعة وللماء الذي يمتحه ولما يجده في الخرائب السابقة أو يأخذه منها من الجواهر أو الأواني أو الأحجار، كخرائب الكوفة وسامراء وبابل وغيرها.

حيازة كل شيء بحسبه

وحيازة كلّ شيء بحسبه، فحيازة الأرض بالإستيلاء الانتفاعي عليها، بقصد الملك لا بقصد البقاء مدّة ثم الذهاب، كما في الزوار والسواح.

وكذلك حال حيازة الحيوان بوضع اليد أو الإلقاء في الشبكة أو في أرض موحلة، فَعَله بهذا القصد، أو ما أشبه.

فإذا لم يكن يد أو قصد لم يملك، كما إذا جري الماء أو السمك أو الطير من أرضه إلي مكان آخر، أو وضع اليد بقصد العبث، أو النظر إليه بدون قصد الملك.

ولذا كان ازهاق روح الحيوان بالآلة أو إثبات اليد عليه، من الحيازة، وعلي هذا فإذا شذب أشجار غابة أو أجمة بقصده كان له.

ويؤيّده: روايات جعل القصب في الماء ونصب الشبك كما يجدها الباحث في الوسائل والمستدرك في بابي الصيد والذباحة.

ثم إن بناء العقلاء الذي لم يرد من الشرع خلافه ممّا يدلّ علي إمضائه عدم الفرق في الحيازة بين التسبيب والمباشرة، سواء كان التسبيب بالإجارة أو الوكالة أو غيرها.

ولذا كان ذلك هو المركوز في أذهان المتشرعة، والذي جرت عليه السيرة منذ زمانهم (ع) فإن استخراج اللؤلؤ من عمق البحار والإتيان بالمعادن إلي السادة واصطياد الأسماك وغيرها بواسطة العمّال والأُجراء كان متعارفاً في ذلك العصر، ولم يكن عليه إنكار.

وربّما يؤيّده حديث أبي سيار(6) حيث ولي الغوص بالبحرين فأصاب أربعمائة ألف درهم وأتي بخمسه

للإمام (ع) ولم يسأله الإمام (ع) عن أنّه حصل عليه بمباشرته أو تسبيبه، مع أنّ من الواضح عدم المباشرة غالباً.

ولو قصد الأجير أو الوكيل الحيازة لنفسه أو لثالث لم يستبعد أن يكون لهما لا للموكل والمستأجر فقط، لعدم توفّر شرط القصد، فهو كأن يحج أو ما أشبه عن نفسه، أو ثالث، وتبطلان بانتهاء مدّتهما، وفي الضمان ما ذكروا في تخلف الأجير.

ولو لم يعلم هل قصد الحائز الملك أم لا؟ فالأصل العدم إذا لم تكن هناك قرائن تدلّ علي القصد أو عدمه، حيث لا حاجة حينئذْ إلي الأصل.

ولو علم بأنّه قصد لكن لا يعلم أنّه قصده لنفسه أو لغيره؟ كان بينهما، حسب قاعدة العدل، وإذا لم يعلم شخص الغير لا محصوراً ولا معيّناً كان النصف مجهول المالك فتأمل.

ولو علم بأنّه قصد نفسه وغيره لكن لا يعلم نسبة قصده: هل لكلٍ النصف أو بالتفاوت؟ فالأصل التساوي.

تفريع علي القاعدة

ثم إنّه لا حقّ للدولة أو لجهة أخري في المنع عن حيازة المباحات بحجج واهية والتي منها احتياج الدولة إلي المال، فإنّ المال المقرر للدولة الإسلامية هو الخمس والزكاة والجزية والخراج، وإذا اقتضت الضرورة للمزيد من ذلك كحالة حرب أو ما أشبه ولم تتمكّن الدولة من حيازة المباحات غير المانعة عن حرية الناس في الحيازة ولا من تحصيل التبرعات وما أشبه، جاز الأخذ من الناس، أو المنع عن حيازتهم للمباحات بقدر الأضطرار، بشرط تعيين مراجع التقليد حسب الشوري إن كانوا متعددين، وليس حينئذٍ إلاّ كصيغة الاستثناء كما ذكرناه في بعض كتب (الفقه) بتفصيل.

أما ما نراه اليوم في الدول المعاصرة من كثرة الضرائب ومنع الناس عن حيازة المباحات وما أشبه فهو خلاف الشريعة المقدّسة، جاء بدافع الجهل بالموازين وارادة التجمل بالسرف والترف،

وتكثير الموظفين اعتباطاً مما يعود بالأضرار الكثيرة، وشراء الأسلحة بالأموال الباهظة، بغية التخزين والإدخار، فإن دعت الضرورة إلي هذا الأخير فهو ممّا ذكرناه من الإستثناء بموازينه، وإلاّ كان ضرراً مضاعفاً وحرمة مغلّظة.

1 البقرة: 29.

2 راجع موسوعة (الفقه) ج 80 كتاب إحياء الموات، وج 75 كتاب الصيد والذباحة وج 81 كتاب اللقطة.

3 تهذيب الأحكام: 7، ص 152، ح 22.

4 الوسائل: ج 17، ص 364، ح 2 باختلاف يسير.

5 الوسائل: ج 16، ص 297، ح 1.

6 الوسائل: ج 6، ص 382، ح 12.

الفصل التاسع: قاعدة الاعراض

أدلة القاعدة

الملك عند العقلاء يبدأ بالحيازة في الجملة، بمعني أنّه لا يملك الإنسان كلّ ما حاز، بل بالقدر الذي يراه العقلاء.

مثلاً: لا يسمح العقلاء لشخص واحد أن يحوز كلّ أسماك البحر بواسطة جعل حاجز حول البحر أو اصطياد السمك بواسطة الوسائل الحديثة، وهكذا في الغابة والمعدن وغير ذلك.

وينتهي بسبب فاعل اختياري كالبيع أو غير اختياري كالإرث أو بالإعراض، وهذا أحد أدلة إسقاط الإعراض للملك.

ويدلّ عليه بالإضافة إلي ذلك:

السيرة، حيث يرون أنّ من ألقي متاعه في الطريق بقصد الإعراض، لا يملكه بعد ذلك، فإذا التقطه آخر دخل في ملكه، كسائر المباحات.

ومتواتر الروايات: كرواية السكوني عن الصادق عن أمير المؤمنين (ع) (في السفينة التي غرقت وما فيها … وما غاص عليه الناس وتركه صاحبه فهو لهم)(1).

وفي رواية أخري عن الصادق (ع): (وأمّا ما اخرج بالغوص فهو لهم وهم أحقّ به)(2).

ورواية ابن سنان في الحيوان الضائع عن الصادق (ع): (وإنما هي مثل الشيء المباح)(3).

وفي رواية مسمع عن الصادق عن علي (ع) في الدابّة إذا سرحها أهلها فهي للذي أحياها(4).

وفي رواية أخري عن أمير المؤمنين (ع) (فهي للذي أحياها)(5).

وفي رواية السكوني: (فهي لمن أصابها)(6).

وفي رواية حريز عن الصادق (ع):

(لا بأس بلقطة العصي والشطاط والوتد والحبل والسقال وأشباهه، قال: وقال أبو جعفر (ع): ليس لهذا طالب(7).

إلي غيرها من الروايات في هذه الأبواب المذكورة في (الوسائل) و (المستدرك) و (البحار).

مضافاً إلي روايات الكنز حيث أنّ الكنوز لا تكون إلاّ للناس فيعرضون عنها، أو يحصل الإنعراض.

وروايات الطير الذي يأتي وقد ملك جناحيه(8).

وروايات القرية التي خربت، ممّا يجدها الطالب في أبوابها في الكتب المذكورة وغيرها.

بل ويدلّ علي الحكم أيضاً: المركوز في أذهان المتشرّعة.

وعليه فلا فرق بين الإعراض والإنعراض القهري ولا ينفع عدم الإعراض إذا رآه عرف المتشرّعة التابع لعرف العقلاء أنّه ليس له، لأنّ المال عرفي فيشمله قبل الإعراض لا بعده (لا تأكلوا أموالَكم)(9) و(الناس مسلّطون)(10) و(لا يحل مال امرء) وما أشبه ذلك.

وعليه فلا مجال للاستصحاب، لا لعدم تحقق الموضوع فقط، بل لما عرفت من الأدلة.

موارد القاعدة

ومنه يعلم أنّه إذا أعرض فسبقه غيره إليه لم يكن له أخذه منه، ولو تجاذب المالك وغيره كان من التجاذب علي المباح.

ثمّ إنّه لا يبعد أن يكون الإعراض عن بعض منافع الملك كسكني الدار لا الزراعة فيها، أو لبعض دون بعض كأن يقول: أعرضت عن سكني الدار لكلّ أحد إلاّ لزيد، أو في بعض الأزمان كأن يقول: اعرضتُ عنها في أيّام الجمعة، حتي يحقّ لكل أحد بيعها في ذلك اليوم دون سواه، يكون حاله حال الإعراض المطلق للأولويّة وللعقلائيّة.

وعلي هذا فلا فرق بين الاختياري كإلقاء ماله في البحر، أو القهري كهروب غزاله إلي الغابة بما يراه العرف انفقدتا عن الملك.

وقد تبيّن بذلك أن الأقسام أربعة: النقل والانتقال الاختياري أو القهري كالبيع والإرث فيما جنس الملك باق عرفاً، وهما فيما لا يبقي جنس الملك كالإلقاء في البحر اختياراً أو قهراً.

ثم الإعراض كما

يكون بالأصيل يكون بالوكيل كما إذا وكله أن يلقي ماله في البحر.

وحيث قد عرفت أنّ الإنعراض كذلك فلا فرق بين أن يكون مالكه بالغاً عاقلاً أو لا، كما إذا ألقي مالهما بسبب الريح أو نحوه في البحر.

1 الوسائل: ج 17، ص 361، ح 32326.

2 الوسائل: ج 17، ص 362، ح 32327.

3 الوسائل: ج 17، ص 364، ح 32332.

4 الوسائل: ج 17، ص 364، ح 32333.

5 الوسائل: ج 17، ص 364، ح 3.

6 الوسائل: ج 17، ص 364، ح 32334.

7 الوسائل: ج 17، ص 362، ح 32328.

8 راجع الوسائل: ج 16، ص 290 وص 295.

9 البقرة: 188.

10 بحار الأنوار: ج 2، ص 272، ح 7، ب 33.

قاعدة التيسير

أدلة القاعدة

لم يذكرها الفقهاء، إكتفاءً منهم بقاعدة الميسور.

ولعلّ الأولي من مصاديق الثانية، وإن كانت بحاجة إلي شيء من التوضيح.

فإن قوله سبحانه: (يريد اللهُ بكم اليُسر)(1) يستفاد منه التيسير أيضاً، بالنسبة إلي النفس وإلي الغير.

كما يشمله أيضاً قوله (ص): (جئتُكم بالحنفية السمحة)(2) وما أشبه ذلك، فإنه يشمل الموضوع والحكم.

كما يشملها قوله (ص) لذلك الشاب الذي أنهكته العبادة: (إنّ هذا الدين رفيق فأوغل فيه برفق فإنّ المنبت لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقي)(3).

ويؤيّده أو يدلّ عليه في الجملة: ان (التعسير) الذي هو خلاف (التيسير) وليد جملة من الصفات الذميمة محرّمة أو مكروهة مثل:

سوء الظنّ، والتهمة، والوسوسة، والتدقيق في الموضوع أو الحكم ولواحقهما(4) وما أشبه..

وقد ورد: أنّ التدقيق في الشيء زندقة.

أقول: لأنه ينتهي إلي الزندقة في الجملة أو يكشف عنها كذلك، والقضية اقتضائية أو بنحو الموجبة الجزئية.

والإفراط والتفريط، وتصعيب الأمور ذهنياً وخارجياً، حيث إنّ للتعصيب تأثيراً نفسياً، بالإضافة إلي التأثير الخارجي.

وإرادة تطبيق الحياة والإحياء علي نفسه(5) لا كما أرادها الله سبحانه حيث خلق

الأحياء والحياة بصورة خاصّة، فإن مثل هذه الإرادة بالإضافة إلي أنها لا تنتهي إلي نتيجة توجب الهمّ والحزن والغضب وسوء الأخلاق وتوتّر الأعصاب في الإنسان دائماً، والتأثير، والقنوط، والإحباط، ممّا أشير إليه في النصوص لفظاَ أو معنيً.

بين التعسير والتيسير

وللتعسير مظاهر في كل أبواب الحياة أو ضدّ التيسير، ولعلّ ما ورد عن النبي (ص) أنه قال: (يسّروا ولا تعسّروا) إشارة إلي ذلك، فإنه من فصل الخطاب الشامل لكل شيء ونذكر هنا أُموراً:

(أ) التدقيق في الوضوء والغسل والتيمّم، والصلاة مثل إخراج الحروف عن المخارج بدقّة غير عرفية.

وكذلك في قراءة القرآن والأدعية والتلبيات والذكر وما أشبه.

وفي أغسال الميت وتجهيزه، والاعتكاف بأن لا يخرج عن المسجد حتي في أشد الحاجات الدينية أو الدنيوية، وما أشبه ذلك.

(ب) وهكذا التدقيق والتعقيد في إخراج حروف العقود والإيقاعات عن مخارجها الدقيقة، وفي تقييم الأشياء في المعاملات، وفي عدالة الشهود والإمام ونحوهم، إلي حدّ الإفراط.

(ج) وفي المحافظة علي النساء إلي حدّ الوسوسة والإتهام، وكذلك الحال في المحافظة علي الأولاد والأقرباء.

(د) والتدقيق في النظافة جسداً أو أثاثاً أو غير ذلك، بما يكون من الوسوسة الشرعية أو العرفية، وفي الأكل وفي الشرب وفي اللباس وفي المركب وفي المسكن وفي المتجر والبستان وما إلي ذلك، فإنّه قد يدقق الإنسان في كلّ هذه الأمور وقد يتساهل.

(ه) وهكذا التعقيد في اتخاذ الزوجة أو الزوج، في الأخلاق والسلوك وما إلي ذلك، وفي خصوصيات المباشرة والمعاشرة وفي تربية الأولاد، وإدارة أمور البيت وحفظ نفسه وعائلته عن الحرّ والبرد، ونحوهما، وفي المحافظة علي الصحّة إلي حدّ الإفراط.

(و) وفي الأمور السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية وغيرها، وقد ورد في الحديث: (إنّ المؤمن سهل البيع، سهل الشراء، سهل القضاء، سهل الاقتضاء)(6) وهذا من باب المثال وإلاّ

فالمؤمن سهل النفاذ، سهل الإمضاء، سهل الرضي، سهل الإرضاء، سهل البقاء، سهل الإبقاء، سهل المعاملات الفردية والاجتماعية، إلي غيرها.

(ز) وفي التصعيب علي النفس، فإن اللازم التسهيل عليها، فإن من يصعب علي نفسه يصيبه الحرج والعنت بدون فائدة بل يوجب ذلك تنفيره عن الأمور، ولذا قال علي (ع): (إنّ هذه القلوب تملّ كما تملّ الأبدان فابتغوا لها طرائف الحكمة)(7).

(ح) وفي التدقيق علي أخطاء الناس وعدم نسيان سيّئاتهم السابقة في قبال (خذ العفو)(8) حيث قد يدقق النظر في أمر الجار والصديق والتلميذ والأستاذ والشريك وغيرهم، وقد يتساهل معهم، فإنّه أفضل حتي من الوسط.

(ط) وفي التدقيق في أمور المستقبل والاهتمام الزائد به بدون مبرر.

(ي) وفي التدقيق فيما بيده من الأعلي والأوفي مثل الأخذ بالحدّ الأعلي من التعزيرات وما أشبه ذلك.

نعم، في الواجبات والمحرمات المحددة شرعاً لا تسهيل إلاّ في موارد الضرر الأكبر والإضطرار وما أشبه، علي ما ذكر في حديث الرفع(9) وغيره.

لا يقال: إنّا رأينا النبي (ص) والوصي (ع) أيضاً يسهّلان في تلك الأمور؟ واحتمال أنّها من باب الولاية خلاف الأصل الذي يقول: كلّما شكّ في أنه من باب الحكم أو الولاية، لابدّ وأن يحمل علي الحكم لأنّ الولاية بحاجة إلي أمر زائد.

لأنه يقال: لابدّ وأن يحمل مثل تلك الأمور علي قاعدة الأهمّ والمهمّ والإضطرار والضرورة وما أشبه ذلك بالإضافة إلي ما ذكرناه في (الفقه) من أنّ لهم (ع) حقّ العفو، وربما يقال بذلك بالنسبة إلي الفقيه.

مثلاً: الرسول (ص) عفي عمّن فرّ من الزحف، ولم يعاقب من لم يقبل حكمه في متعة الحج، ومن قال: إنه (ص) ليهجر، وعفي عمّن كان مهدور الدم، بعد أن هدر دمه ثمّ جعله محقون الدم.

وعلي (ع) عفي عن أهل البصرة اقتداءاً بالنبي

(ص) في عفوه عن أهل مكّة، وقال لمن اشتكي زوجه في معصيته: أنّه ينظر في الأمر فإن ثبت، حدّ الزوج، وإن لم يثبت أدّب الزوجة، ثمّ قام وصلي مما سبب هرب الشاكية، بعد أن رأت أنّ كلا الطرفين في ضررها، إلي غير ذلك.

ومتي اقتضت هذه الإستثناءات لفقيه أو غيره حسب الموازين المذكورة في الفقه كان في يسر، وإلاّ فعليه التطبيق في الأحكام الإقتضائية.

وقد ذكرنا في بعض المباحث كيفية الجمع بين (يريد الله بكم اليسر)(10) وبين (أفضل الأعمال أحمزها) وكذلك بين ما كان المعصومون يلاقونه من المشقّة في العبادة وما إلي ذلك وبين (أوغل فيه برفق) و (ما أنزلنا عليك القرآن لتشقي)(11) وأنّ المراد بالأحمز: الأصعب ذاتاً، لا الأصعب فرداً، وانّهم (ع) حيث كانوا بيدهم الحكم والأسوة، كان اللازم أن يسلكوا ذلك المسلك كما قاله علي (ع) بالنسبة إلي (أخ علاء) في البصرة.

وهذا آخر ما أردنا إيراده في هذا الكتاب من القواعد الفقهية ونسأله سبحانه أن يقرنه بقبوله وينفع به وهو الموفّق المستعان.

قم المقدسة

محمد الشيرازي

5 / ربيع الأول / 1413

1 البقرة: 185.

2 شبهه في الوسائل: ج 5، ص 246، ح 1 و ج 14، ص 74، ح 1.

3 الوسائل: ج1، ص83، ح7، وفيه: قوله (ص) لعلي (ع): (إن هذا الدين متين فأوغل …).

4 كالشرط والمانع و …

5 أي: السعي لتأطير الحياة والمعيشة ووضع برامج أو مناهج لها علي حسب ما يريده ويتصوّره في شتّي أبعادها الاجتماعية والعائلية وغيرها، لا حسب المنهج العام الذي بيّنه الشرع في مباحث (العِشرة) و (الأخلاق) وغيرها.

6 الوسائل: ج 12، ص 332، ح 22966 و 22967.

7 بحار الأنوار: ج 1، ص 182، ح 78، ب1.

8 الأعراف: 199.

9 المستدرك: ج6، ص 423، ح

7136، ب 26.

10 البقرة: 185.

11 طه: 2.

الخاتمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علي محمد وآله الطاهرين

وبعد: حيث ذكرنا العديد من (القواعد) وبعض ما يتفرّع عليها من المسائل الفقهية، رأينا أن نُلحِق بذلك الإشارة إلي عناوين مجموعة أخري من القواعد التي تضمّنتها الآيات أو الروايات أو كتب الأصول أو الفقه، من الأحكام التكليفية أو الوضعية، دون استظهار أو تفريع أو بيانٍ للإطلاق أو الاهمال أو ما شابه ذلك.

عسي أن يوفّقنا الله تعالي للبحث عنها، أنه سميع الدعاء.

قم المقدسة

محمد الشيرازي

القواعد

منها: الحكم المنوط بالأعذار العقلية كالعجز والنسيان لا يجوز استصحابه بعد رفع العذر.

ومنها: كل ما يعتبر في عبادة وماهيتها من حيث هي لا لخصوصية الفاعل فهو معتبر في النائب كالقصر والإتمام.

وأما ما يعرض بإعتبار خصوص مباشرة الفاعل فالمناط هو تكليف النائب كالجهر والإخفات، والعجز عن القيام مثلاً، والقدرة عليه.

ومنها: الحرمة التشريعية لا تمنع عن الاحتياط بالجمع بين الواجب وغير المحرم تشريعاً، بخلاف الحرمة الذاتية.

ومنها: إذا ورد امر بمطلق ثمّ ورد نهي عن فرد منه فالمراد به رفع الرخصة، دون التحريم إلاّ من جهة التشريع.

ومنها: كل عمل مباح مقصود للعقلاء لا يرجع نفعه إلي خصوص العامل ولم يجب عليه يجوز استيجاره عليه.

ومنها: لا يجب الفعل الواحد عيناً علي مكلّفين.

ومنها: كل ما يعتبر في الأداء يعتبر في القضاء.

ومنها: من وجد شيئاً لا مالك له فهو له.

ومنها: من ادعي شيئاً ولا منازع له دُفع إليه.

ومنها: كل صداق ظهر استحقاقه للغير فعلي المصدق مثله أو قيمته.

ومنها: الرضاع يوجب التحريم إذا اتحد فيه عنوان النسب مع الجهة الموجبة للتحريم.

ومن هنا لا تحرم عليك من ارتضعت مع أخيك، فإن أخت الأخ في النسب إنّما تحرم لكونها بنتك أو بنت زوجتك وهاتان الجهتان منتفيتان في المرضعة.

ومنها: يحرم

علي الإنسان بالنسب أصوله وفصوله وفصول أوّل أصوله، وأول فصل من كل أصل بعده، أي: بعد أول الأصول.

قاله بعض الفقهاء، وأراد بالأصول: الأمهات، وبالفصول: البنات، وبفصول أول الأصول: الأخوات، وبأول فصل: العمات والخالات.

ومنها: لا يجوز الإضرار بالغير لدفع الضرر عن النفس، كما لا يجب تحمل الضرر لدفع الضرر عن الغير إلاّ إذا كان هناك أهم في البين.

ومنها: كل ما أمكن الجواب به أمكن الحلف عليه.

ومنها: تعذّر البراءة لا يوجب سقوط الحق.

ومنها: كل شرط علم وجوده لا يفسد العقد المعلّق عليه، كقوله في يوم الجمعة: إن كان هذا اليوم يوم الجمعة فقد بعتك.

ومنها: (الحج عرفة)(1) روي ذلك عن النبي (ص)، وفيه دلالة علي الإجتزاء بإدراك الوقوف بعرفة خاصة.

ومنها: إذا انحصر أفراد العام في فرد لم يخرج عن كونه عاماً في باب التعارض.

ومنها: الأرش يجري في فوات الوصف الخلقي.

ومنها: إذا استلزم كل من المجاز والتخصيص مجازاً، فالمجاز المجامع للعموم أولي من التخصيص.

ومنها: إذا كانت الجملة الشرطية مسوقة لتحقيق الموضوع، فلا مفهوم لها، والمعيار في ذلك: ان كل ما يتوقف وجود المشروط علي وجود الشرط بحيث لا يمكن تصوره بدونه فالشرط لتحقيق الموضوع، كقولك: إن رزقت ولداً فاختنه، بخلاف: إن جاء زيد فاكرمه، لا مكان تصور إكرامه بدون المجيء.

ومنها: إذا اعتمد الوصف علي موصوفه فتعليق الحكم عليه مشعر بالعلية، وإلاّ فيكون من باب التعليق علي اللّقب.

ومنها: تخصيص العام بمفهوم المخالفة لا يجري في الكلام الواحد لا سيّما في العلّة، والمعلول، كما في أية النبأ(2).

ومنها: المفهوم تابع للمنطوق في العموم والخصوص.

ومنها: لا يجوز إخراج مورد العام عن العموم.

ومنها: السكوت في معرض البيان يفيد الحصر لعدم جواز تأخير البيان عن وقت الحاجة.

ومنها: الحرّ يملك فوائده كما يملك منافعه.

ومنها: من سبق

إلي ما لم يسبق إليه أحد من المسلمين فهو أحقّ به.

ومنها: الفساد لا يتبعض، بمعني: ان المعاملة إذا فسدت من جانب فسدت من الجانبين.

ومنها: إذا توقف وجود واجب علي فعل جماعة فلم يقم به بعضهم سقط الوجوب عن الباقين، فإنّ فعل الجميع سبب واحد وفعل البعض خاصة يقع لغواً، كما لو أمروا بحمل شيء ثقيل متوقف علي اجتماعهم.

ومن هنا قالوا: لو توقف انزجار العاصي علي نهي اثنين فترك أحدهما النهي سقط وجوب النهي عن المنكر عن الآخر.

ومنها: ان الثمن لا يوزع علي الشروط.

ومنها: لا يجوز تعليق الواجب المطلق بالجائز بخلاف المشروط.

ومنها: كل ما أكل لحمه فلا بأس بما يخرج منه(3)، روي عن الصادق (ع).

ومنها: تعذر الشرط لا يكفي في سقوطه.

ومنها: إذا كان الأمر مضيقاً اقتضي عدم اجتماعه مع أمر آخر موسع يضاده.

ومنها: لا تقضي صلاة حتي يدخل وقت أخري.

ومنها: تحريم العين مستلزم لتحريم سائر وجوه الإنتفاعات.

ومنها: كل محرم الإنتفاع به بقول مطلق لا يجوز الإكتساب به.

ومنها: كل ما يحدث من العين فهو للمغصوب منه.

ومنها: كل ما جاز الشهادة عليه جاز الحلف عليه.

ومنها: الجملة الخبرية ظاهرة في إثبات أصل المحمول للموضوع، لا إثبات استمراره له بعد ثبوته له، ولذا لا دلالة في قوله (ع): (كل شيء طاهر حتي تعلم أنه قذر)(4) علي قاعدة الاستصحاب،بل هو من أدلة قاعدة الطهارة، وشمولها لقاعدة الاستصحاب لا يقتضي دلالة الرواية عليها،كما في قاعدة الحل والبراءة،ولذا لا يصح الاستدلال بأخبارها للاستصحاب.

ومنها: أن الحكم علي كلي لا ينافي الحكم علي بعض أفراده إلا مع الحصر،كما في قوله: (في الذهب والفضة ضمان)(5)، وقوله: (ليس في العارية ضمان إلاّ في الدينار والدرهم)، فإنهما متعارضان بالعموم من وجه، لأنّ الحصر إثبات ونفي، لا إثبات فقط.

ومنها:

المظلوم من ظُلِم، والغرامة علي الظالم، خرجوا عن هذه القاعدة في باب المزارعة لنصوص معتبرة.

ومنها: ما يُعطي لله فلا رجوع فيه.

ومنها: الاحتياط في الشرط لا يزيد علي الاحتياط في المشروط.

ومنها: التلف علي من لا خيار له.

ومنها: الحكم المعلّق بالمشتق معلل بما منه الإشتقاق، كالقطع المعلّق باسم السارق، والحدّ المعلّق باسم الزاني.

ومنها: لا يجوز تخصيص المورد، كتخصيص منطوق آية النبأ(6) بالرواية، مع أن مورده الشهادة، وهذا غير لازم في المفهوم لو خُصّ بالرواية.

ومنها: الاستثناء في سياق النفي مفيد للحصر.

ومنها: لا كفارة في ترك الكفارة، كما لو أفطر في صوم وجب بسبب النوم عن صلاة العشاء، علي القول به.

ومنها: إذا حرم شيء بقول مطلق حرم ثمنه مطلقاً، وإذا حرم منفعة خاصة منه لم يحرم ثمنه مطلقاً كما في الطين.

ومنها: الفعل الخاص مخصص لمتعلقه العام، كما في قولك: لا تضرب أحداً، فإن الضرب قرينة علي اختصاص العام بالأحياء.

ومنها: المجاز لا يدخل في النصوص، وإنما يدخل في الظواهر.

ومنها: القواعد الكلية لا تقدح فيها العوارض الجزئية.

ومنها: لايجوز لأحد أن يتصرف في مال غيره إلاّ بإذنه.

ومنها: حمل المطلق علي المقيد إنما هو في الكلي لا في الكل.

ومنها: الأمارات علي الموضوعات بمنزلة الأدلة علي الأحكام، مزيلة للشبهة.

ومنها: لا يحل مال إلاّ من حيث أحلّه الله.

ومنها: (الوقوف عند الشبهات خير من الإقتحام في الهلكات)(7)، كما في جملة من الروايات.

ومنها: فعل المكرَه بالفتح مستند إلي مكرهه.

ومنها: المعتبر في الإقرار الدلالة العرفية لا اللغوية.

ومنها: كل ما جاز للشاهد أن يشهد به جاز للحاكم أن يحكم به.

ومنها: يمين الدفع لا يوجب الجلب.

ومنها: تحقق العام متوقف علي تحقق الخاص، وإرادته لا تتوقف عليه.

ومنها: طلب ترك الممتنع محال كتحصيل الحاصل، نعم لو كان ممتنعاً بهذا المنع لم يمتنع.

ومنها:

التكليف بالممتنع بالإختيار قبل الإمتناع لا بعده.

ومنها: العبرة في العموم من وجه بالمفهوم لا بالفرد الخارجي، فلو انحصر العام في فرد لم يعدّ خاصاً عند التعارض.

ومنها: التمثيل لا يوجب تخصيص العام.

ومنها: القصد إلي غاية صحيحة كاف في صحة العقد.

ومنها: نِعم الشيء: الفرار من الحرام(8).

ومنها: يصان العقد عن الفساد مهما أمكن.

ومنها: لا يبقي ملك بلا مالك.

ومنها: لا عتق إلاّ بعد ملك.

ومنها: العبد وما في يده لمولاه.

ومنها: لا قطع علي السارق إلاّ بمرافعة الغريم.

ومنها: لا يُقطع إلاّ من نقب نقباً أو كسر قفلاً.

ومنها: كل فرع له حكم أصله، أي: في مسألة الربا بشرط كونه مكيلاً أو موزوناً، كما في الحنطة ودقيقها والقطن وغزله، بخلاف ما لو نسج ثوباً، إذ يجوز بيع ثوب بثوبين.

ومنها: كل ما كان مالاً أو كان المقصود منه المال فهو يثبت بشاهد وامرأتين.

ومنها: كل ما يثبت بشاهد وامرأتين يثبت بشاهد ويمين.

ومنها: كل قوم دانوا بشيء يلزمهم حكمه(9).

ومنها: كل ما كان في أصل الخلقة فزاد أو نقص فهو عيب.

ومنها: بطلان الخاص لا يستلزم بطلان العام.

ومنها: الشروط لا يوزّع عليها الأثمان.

ومنها: كل موضع حكمنا فيه بصحة الدعوي لزم المدعي عليه الجواب.

ومنها: كل من أمتنع عن حق ثبت عليه الحبس حتي يؤديه.

ومنها: كل حق واجب امتنع مستحقه من قبضه فتلف فهو منه إذا لم يمكن الرجوع إلي الحاكم ونحوه.

ومنها: التخيير في الوقت تخيير في لوازمه.

ومنها: تلف المبيع بعد القبض من المشتري وتلف الثمن من البائع.

ومنها: للأجل قسط من الثمن.

ومنها: التلف مدة الخيار ممن لا خيار له.

ومنها: يملك المبيع بالعقد.

ومنها: ينفسخ العقد من حينه، أي: حين الفسخ.

ومنها: مقتضي العقد الانتقال من حينه.

ومنها: إذا حرّم الله شيئاً حرّم ثمنه، كما في النبوي (ص).

ومنها: إذا جاهر الفاسق بفسقه فلا حرمة

له ولا غيبة، كذا قاله الصادق (ع)(10).

ومنها: ما الهاك عن ذكر الله فهو حرام.

ومنها: المريض مؤتمن عليه، فإن وجد ضعفاً فليفطر، وإن وجد قوة فليصم.

ومنها: الإنسان أعلم بما يطيقه، وقد ورد هذا في بعض الأخبار(11) تفسيراً لبعض الآيات.

ومنها: (الإنسان علي نفسه بصيرة)(12).

ومنها: لا عرار في صلاة ولا تسليم(13)، والعرار في الصلاة، نقصان ركوعها وسجودها، والتسليم يراد به: ان لا يسلّم المصلّي ابتداءاً.

ومنها: كل ذنب يكفّره القتل في سبيل الله، إلاّ الدَّين فلا كفارة له إلاّ الأداء أو يعفو الذّي له الحق(14).

ومنها: المبذر سفيه.

ومنها: الخبيث لا يطهّر خبيثاً مثله، إنما يطهره طاهر.

ومنها: اقبضوا علي أيدي سفهائكم.

ومنها: من الكبائر: تحليل ما حرّم الله وتحريم ما أحل الله، لأنه حكم بغير ما أنزل الله.

ومنها: إعانة الظالم من أعظم المآثم، وفي بعض الأخبار (من مشي مع ظالم ليعينه فقد خرج من الإسلام)(15).

وقيل: المراد بالركون المنهي عنه في الآية(16) هو الميل اليسير، فكيف بالكثير؟

وقد قيل: ان من دعا لظالم بالبقاء فقد أحبّ أن يعصي الله(17).

وأمّا ما ورد من قوله (ص): (أنصر أخاك ظالماً أو مظلوماً)، فالمراد: كفّه عن الظلم كما قال (ص).

ومنها: خير العمل أدومه وإن قلّ.

ومنها: المؤمن يُعظّم، ويحرم تحقيره.

وفي بعض الأخبار: أنه أعظم حرمة من الكعبة(18).

وفي بعضها: حسب ابن آدم من الشر أن يحقر أخاه.

ومنها: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة)(19) ويعرف هذا بقاعدة (التأسي) المستفادة أيضاً من قوله (ص): (صلوا كما رأيتموني اُصلّي) وقوله (ص): (خذوا عني مناسككم).

ومنها: الطرق يجوز لكل أحد التصرف فيها بما لا يتضرر به المارة.

ومنها: كل ما شك في كونه حكماً أو حقاً فهو حكم، لأغلبيته في أخبار الشارع ولأنه الأصل.

ومنها: كل ما تعارض فيه: الأصل والظاهر فمقتضي الأصل متبع.

ومنها: سيرة

المسلمين حجة إذا كانت قطعية.

ومنها: كما لا يجوز تغيير هيئة الواجب لا يجوز تغيير هيئة المستحب.

ومنها: لا يعزل الحاكم ولا ينقض حكمه غالباً.

ومنها: ليس لأحد إجبار غيره علي شيء، إلاّ ما استثني.

ومنها: الخيار في العقد يزلزله.

ومنها: كل عبارة لا يتم مضمونها إلاّ بالإيجاب والقبول فهي عقد؛ وما لا يحتاج إلي القبول فهو إيقاع.

ومنها: كل ما كان الغرض الأهم منه الآخرة فهو عبادة، وكل ما كان الغرض الأهم منه الدنيا فهو معاملة.

ومنها: يجوز تغيير الأحكام بتغيير العادات، كما في نفقات الزوجات والأقارب.

ومنها: كل حكم علّق علي سبب متوقع وكان الحكم مختلفاً بحسب وقت التعليق ووقت الوقوع فالمعتبر فيه هو وقت الوقوع، ولذا يعتبر الثلث عند وفات الموصي.

ومنها: الشرط إذا دخل علي السبب منع تنجيز حكمه لا سببيّته، كما في البيع بشرط الخيار، فإنه سبب لنقل الملك في الحال، وإنما أثر الشرط في تأخير حكم السبب وهو اللزوم.

ومنها: كل ما علم زيادة اهتمام الشارع بتركه من المعاصي فهو كبيرة.

ومنها: كلما كان وسيلة لشيء فبعدم ذلك الشيء تنعدم الوسيلة.

ومنها: كثيراً ما يعطي الموجود حكم المعدوم كما في فسخ العقد عند التحالف.

ومنها: الواقع يمتنع ارتفاعه ولكن يمكن ارتفاع حكمه.

ومنها: الإذن العام لا ينافي المنع الخاص، وعكسه.

ومنها: لا يدخل في ملك إنسان شيء قهراً إلاّ الإرث والوصية، والوقف علي قوم معينين ونسلهم وعلي الجهات العامة، والغنيمة ونصف الصداق إذا انتصف ونحوها.

ومنها: كل دَيْن حالّ لا يتأجل.

ومنها: كل فعل تعلق غرض الشارع بايقاعه، لا من مباشر بعينه، يصح التوكيل فيه.

ومنها: لا يصح بيع ما لا يتموّل، وما لا يقدر عليه، وكذا كل ما يعد معاملته سفهاً.

ومنها: لا يجوز أن يكون للبائع الثمن والمثمن، ولا للأجير المنفعة والأجرة، ولا للزوج البضع والمهر،

وهذا من فروع عدم جواز الجمع بين العوض والمعوض.

ومنها: لا يزاد الوصف علي الأصل، ولذا قالوا: ان المستحب لا يكون هيئته إلاّ مستحبة، نعم حكمهم بوجوب بعض الهيئات كالترتيب في الأذان والطهارة في النافلة إنما هو بمعني: الإشتراط لا الوجوب الشرعي.

ومنها: كلما حكم الشارع باتحاد شيئين لا يمكن فيهما الإتحاد وجب الحمل علي المماثلة والمساواة في الحكم، كما في قوله (ع): (الطواف بالبيت صلاة)(20)، وفي قوله (ع) في خطبتي الجمعة: (هي صلاة حتي ينزل الإمام)(21).

ومنها: كل إيجاب فقبوله بعد موت الموجب باطل إلاّ الوصية، وكذا موت القابل قبل القبول.

ومنها: كل من أنكر حقاً لغيره ثمّ رجع إلي الإقرار قُبِل منه.

ومنها: كل من قدر علي إنشاء شيء قدر علي الإقرار به، إلاّ في مواضع أشار إليها الشهيد (قدس سره) في قواعده.

ثم قال: وكذا كل من لا يقدر علي إنشاء لا يقبل إقراره إلاّ في من أقّر علي نفسه بالرّق فإنه يقبل مع جهالة نسبه، ولا يقدر علي أن ينشأ في نفسه الرّق.

ومنها: لا أثر لوجود المقتضي مع وجود المانع، ويترتب عليه أنه إذا دلّ دليل علي حكم، لا يكفي إلاّ بعدم المعارض.

ومنها: كل عقد أو إيقاع صدر عن مسلم ثمّ شك في أنه هل وقع علي وجه صحيح أو فاسد، فهو محكوم عليه بالصحة، لما تقدم من أن أفعال المسلمين وأقوالهم محمولة علي الصحة.

ومنها: كل عقد أو إيقاع شك في شرعيته فهو فاسد، إذ الأصل، عدم ترتب الأثر عليه، وقد قالوا: إنّ الأصل الأولي في المعاملات هو الفساد. وإن كان الأصل الثانوي الصحة كما ذكره الشيخ (قدس سره) في المكاسب.

ومنها: إجراء الاستصحاب في السبب مغن عن إجرائه في المسبب.

ومنها: كل من أسند إليه فعل فظاهره صدوره

عنه بالإرادة والتعمد.

ومنها: كل واجب مؤقت يسقط بإنقضاء وقته إلاّ مع الأمر بقضائه، بخلاف الفوري فإنه لا يسقط بالإخلال بفوريته إلاّ مع فوات الغرض كرد السلام وانقاذ الغريق.

ومنها: لا يجوز النيّة المرددة في شيء من العبادات إلاّ إذا تردد الواجب الواقعي بين أمرين، فيقصد التقرب بكل منهما مع الآخر.

ومنها: يدخل في المبيع كل تابع عقلي كالأجزاء، وعرفي كالشعر في الغنم، وعادي كالنعل في الفرس.

ومنها: العادة في كل معاملة بمنزلة الشرط الضمني، ولذا حكموا في بيع الفرس المنعل بدخول النعل في المبيع.

ومنها: كل حكم اثبتناه بالاستصحاب فهو من باب الإبقاء والبناء لا من باب الإحداث، فيترتب عليه كل ما يترتب علي الكشف لا النقل.

ومنها: الشك في الوصف يوجب الشك في الموصوف بعنوان اتصافه بذلك الوصف، لا بعنوان كونه موضوعاً، فالشك في زوجية إمرأة شك في إتصافها بهذه الصفة لا في كونها إمرأة.

ومنها: الأحكام الشرعية إراديّات ناشئة عن المصالح والمفاسد فتختلف باختلاف الموارد والمواضع نظراً إلي اختلاف المقتضي وتعدّده.

ومنها: كل ما كان القيد فيه للحكم تعدد الحالة للموضوع، فيثبت الحكم مع وجود القيد وينتفي مع عدمه، بخلاف ما لو كان القيد للموضوع، مثال الأول: لا يجوز الطلاق في حالة الحيض، ومثال الثاني: المحرم لا يجوز له التزويج.

ومنها: الدليل العقلي لا يخصص ولكنه يتخصص.

ومنها: كل متعارضين بالعموم من وجه يرجع في مادة اجتماعهما التي هي محل التعارض إلي المرجع الخارجي، إلاّ إذا كان أحدهما حاكماً وارداً فيقدم علي الآخر بالحكومة، كما في: (أحل الله البيع)(22) و (نهي (ص) عن الغرر)(23)، وأوفوا بالعقود(24) و (لا ضرر ولا ضرار)(25) فيرجّح قاعدتا الغرر والضرر.

ومنها: كل حكم واقعي ظاهري، ولا عكس، فإن الواقعي هو الحكم الموضوع للواقعة من حيث هي هي، فلا

تتفاوت بالنسبة إلي الجاهل والعالم.

ومنها: كل ما ليس للموكل التصرف فيه بالفعل لم يجز له التوكيل، ولذا لم يصح للمحرم التوكيل في التزويج ولو بعد الإحرام.

وكذا توكيل المعتدّة بعد انقضاء العدة، ويشكل بجواز توكيل الزوج في طلاق زوجته الحائض بعد زوال عذرها مع فقد القدرة الحالية، وذبّ عنه بأن القيد في الأول: للموضوع فالحالة واحدة، وفي الثاني: للحكم فتتعدد.

ومنها: يجب تنبيه الغافل وإرشاد الجاهل وهداية الضال.

ومنها: كل ما ثبت وجوبه بالدليل اللفظي ثمّ شك في إطلاقه ومشروطيته، فالأصل فيه الإطلاق، بخلاف ما لو ثبت بالدليل اللّبي فالأصل فيه المشروطية، إقتصاراً علي المتيقن.

ومنها: لا ملازمة بين الأداء والقضاء، وكثيراً ما يعبر عن هذا بأن: القضاء بأمر جديد.

ومنها: (صم للرؤية وافطر للرؤية)(26).

ومنها: (لا تلقوا بأيديكم إلي التهلكة)(27).

ومنها: ظواهر الألفاظ كنصوصها حجة.

ومنها: إذا نص علي العلّة فهي مطردة.

ومنها: ربما يتم المطلوب باتحاد طريق المسألتين.

ومنها: كثيراً ما يتم المدعي بعدم القول بالفصل.

ومنها: كل دليل يحتمل المعارض يجب الفحص عن معارضه.

ومنها: ترك الإستفصال في مقام السؤال يفيد العموم في المقال، وكذلك ترك التفصيل فيما يقبله.

ومنها: لا يجوز الإغراء بالجهل.

ومنها: لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة.

ومنها: كل اسراف وتبذير حرام.

ومنها: المشتبه الحرمة المحصور يُجتنب، والمشتبه الوجوب المحصور يُرتكب.

ومنها: المضطر إلي إرتكاب أحد محذورين يرتكب أقلهما بأساً.

ومنها: الكرامة لا تُرد(28).

ومنها: غلبة البيان في كلام الشارع أوجبت حمل الكلام علي المبيّن دون المجمل، وذلك فيما إذا كان لخطاب إعتباران يكون بالنسبة إلي أحدهما مجملاً، وإلي الآخر مبيّناً، كما في قوله تعالي: (محصنين غير مسافحين)(29) فإنّ تفسيره بالتزويج توجب البيان، بخلاف التعفف.

ومنها: العام والمطلق والمجمل يحمل علي الخاص والمقيّد والمبيّن.

ومنها: لا يحمل المطلق علي المقيد في باب المستحبات بل التقييد تأكيد.

ومنها: إذا كان

حكم سبباً لتقييد المطلق بالنادر فذلك موهن له.

ومنها: لا يثبت عوض علي من لا يستحق المعوض، فلا يكون الثمن علي غير المشتري، والصداق علي غير الزوج.

ومنها: يحرم علي الإنسان كل قريب عدا أولاد العمومة والخؤولة.

ومنها: لا ضمان في فوات البضع.

ومنها: لا ينتصف المهر إلاّ بطلاق غير المدخول بها ونحوه.

ومنها: كل ما بطل فيه المسمّي فالمرجع هو المثل.

ومنها: كل ما قرن في البيع بالباء فهو الثمن.

ومنها: لا يجمع بين العوض والمعوض.

ومنها: حكم الله علي الواحد حكمه علي الجماعة، ويعرف هذا بقاعدة (الاشتراك).

ومنها: كل دم نجس إلاّ دم غير ذي النفس، وربما يعبّر عنه ب (أصالة النجاسة في الدماء).

ومنها: لا تجزي النية عن اللفظ.

ومنها: إشارة الأخرس تقوم مقام لفظه.

ومنها: التفصيل قاطع للشركة.

ومنها: الأمر الوارد عقيب الحظر ولو موهوماً ليس بظاهر في الوجوب.

ومنها: (بُعثت علي الملّة السهلة السمحة)(30).

ومنها: يقوم العدول مقام الحكام مع تعذرهم، ويعرف هذا بقاعدة (الحسبة).

ومنها: لايُسجد إلاّ لله.

ومنها: لا يغيّر خلق الله، وقد قال: (ولأمرنّهم فليغيّرنّ خلق الله).

ومنها: (كل مولود يولد علي الفطرة، ولكن أبويه يهّودانه وينصّرانه ويمجّسانه)(31).

ومنها: لا يستدل بالحديث الشاذ النادر، وإن كان صحيح السند.

ومنها: الشهرة جابرة لضعف الحديث وكاسرة.

ومنها: يراعي الاحتياط في الفروج والدماء والأموال الكثيرة.

ومنها: كل أمين يُقبل قوله علي من أئتمنه خاصة، بمعني: انه لو ادعي الرد علي مالكه الذي ائتمنه، قُبل قوله بخلاف ما لو ادعي الرد علي وارثه، مثلاً فإنه لم يأتمنه.

ومنها: كل من قبض شيئاً لمصلحة لا يقبل قوله في رده المقبوض لمصلحة المالك.

ومنها: يجب المبادرة إلي رد الأمانات الشرعية وإن لم يطلبها المالك، بخلاف المالكية، فإنه لا يجب، ردها إلاّ بعد الطلب.

ومنها: كل ما بطل من الأمانة المالكية فهو من الأمانة الشرعية.

ومنها: كل ما أذن في

الاستيلاء عليه شرعاً ولم يأذن فيه المالك فهو أمانة شرعية.

ومنها: الشك في الشرط موجب للشك في المشروط بخلاف الشك في المانع.

ومنها: المشروط لا يجب إلاّ بعد العلم بتحقق شرطه.

ومنها: الأمر المطلق يكفي في الإمتثال به المرة.

ومنها: كل ما أمر به فضده حرام.

ومنها: كل ما استلزم الحرام فهو حرام.

ومنها: كل ما لا يتم الواجب إلاّ به فهو واجب ولو بالوجوب التبعي.

ومنها: كل حكم علّق علي كلي، فالمكلّف مخيّر في افراده تخييراً عقلياً.

ومنها: الدراهم والدنانير متعينان بالتعيين.

ومنها: الأثمان مصروفة إلي نقد البلد مع الإتحاد، وإلي الغالب مع الاختلاف، ويتخيّر مع التساوي، وكذا الكيل والوزن.

ومنها: كل المعاملات إذا أطلقت فهو مصروف إلي الحال.

ومنها: إذا تعذر الحمل علي الحقيقة فأقرب المجازات متعين.

ومنها: الحكمة قد تقتضي العموم في اللفظ فيجري العموم الحكمي مجري العموم الوضعي.

ومنها: كل ما تساوت قيمة أجزاء النوع الواحد منه فهو مثلي.

ومنها: الأيادي المتعاقبة علي المغصوب أياد عادية فتوجب الضمان.

ومنها: (علي اليد ما أخذته حتي تؤديه).

ومنها: كل قبض لم يأذن فيه المالك فهو كلا قبض.

ومنها: كل ما أخذ بأذن الشارع فلا ضمان فيه.

ومنها: يد الوكيل والولي بمنزلة يد المالك.

ومنها: لا عبرة باليد اللاغية.

ومنها: لا يُحمل المطلق إلاّ علي الأفراد الغالبة الشائعة.

ومنها: إذا ورد المطلق لبيان حكم آخر، فلا حجية في إطلاقه.

ومنها: كل ما حكم به الشرع حكم به العقل، وبالعكس.

ومنها: لا يجوز تخصيص المورد.

ومنها: يقتصر فيما خالف الأصل أو النص علي موضع اليقين.

ومنها: التخصيص بالمجمل يوجب الإجمال في العام.

ومنها: إذا اجتمعت الحقوق وتساوت الأصناف فالمقدم هو الأهم فالأهم.

ومنها: يقدّم حق الناس علي حق الله.

ومنها: يتعين الجمع بين الحقين مهما أمكن.

ومنها: المانع الشرعي كالعقلي.

ومنها: كل موضع يتعذر رد العين وهي باقية، يجب دفع بدلها إلي المالك.

ومنها: كما تُضمن

العين بالإتلاف تضمن بالحيلولة، كما لو دفنها في موضع بعيد لا يصل إليه يد المالك أو في موضع نسيه، ويعبر عن هذا ب (ضمان الحيلولة).

ومنها: كما يضمن العين يضمن أوصافها ومنافعها.

ومنها: الصحة لا تستلزم القبول والثواب.

ومنها: كل مكلّف بحسبه.

ومنها: الظن يلحق الشيء بالأعم الأغلب.

ومنها: الحديث المشتمل علي ما لا قائل به بمنزلة العام المخصص، فيكون حجة في الباقي.

ومنها: العبرة بعموم اللفظ دون خصوص المحل.

ومنها: الحديث الواحد ينحل إلي أحاديث متعددة، أي: المصاديق.

ومنها: التكليف بقدر الوسع.

ومنها: جهالة الشرط تبطل الشرط.

ومنها: مخالفة الشرط لمقتضي العقد توجب البطلان.

ومنها: كل شرط خالف إطلاق العقد لا بأس به.

ومنها: ليس الإسلام شرطاً في التكاليف.

ومنها: من حاز شيئاً من المباحات ملكه.

ومنها: لا يشترط العقل والبلوغ في الوضعيات.

ومنها: إذا بلغ الغلام أشدّه جاز له كل شيء، إلاّ أن يكون ضعيفاً أو سفيهاً.

ومنها: عبادة المجنون ملغاة.

ومنها: كل عوض تلف قبل القبض فهو من مال صاحب اليد لا من المالك.

ومنها: النماء تابع للملك.

ومنها: يجوز إسقاط الحق دون الحكم إلاّ ما خرج منهما.

ومنها: لا يجوز الاجتهاد في مقابل النص.

ومنها: لا تجتمع علتان مستقلتان علي معلول واحد.

ومنها: ترجيح المرجوح قبيح، وكذا ترجيح أحد المتساويين.

ومنها: إشتغال الذمة يقيناً لا يرتفع إلاّ بالبراءة اليقينية.

ومنها: لا امتثال عقيب الامتثال.

ومنها: إيّاك أن تفتي الناس برأيك أو تدين بما لا تعلم(32).

ومنها: لا يجوز إدخال ما ليس من الدين في الدين بقصد انه من الدين ويسمي هذا بالتشريع المحرم.

ومنها: كلّ بدعة حرام.

ومنها: دع القول فيما لا تعرف، والخطاب فيما لا تكلف(33).

ومنها: خذ بالاحتياط في جميع أمورك ما تجد إليه سبيلا(34).

ومنها: لا ترو ما أنت منه في شك.

ومنها: (دع ما يريبك إلي ما لا يريبك)(35).

ومنها: الوقوف عند الشبهات خير من الإقتحام في المحرمات.

ومنها: (أيما

امرء ركب أمراً بجهالة فليس عليه شيء)(36).

ومنها: التكليف لطف.

ومنها: لا حرمة لفاسق.

ومنها: لا غيبة لفاسق(37).

ومنها: ما جعل الله في الحرام شفاءً.

ومنها: (خذ الحائط لدينك).

ومنها: لا صلب بعد ثلاثة أيّام(38).

ومنها: لا يخلد في السجن إلاّ ثلاثة: الذي يمسك علي الموت، والمرتدة عن الإسلام، والسارق بعد قطع اليد والرجل(39).

ومنها: كان علي (ع) لا يري الحبس إلاّ في ثلاث: رجل أكل مال اليتيم، أو غصبه، أو رجل أؤتمن علي أمانة فذهب بها(40).

ومنها: المملوك نصف الحرّ في الحدود.

ومنها: لا يجني الجاني علي أكثر من نفسه(41).

ومنها: (البئر جبار والعجماء جبار والمعدن جبار)(42) أي: لا دية فيه.

ومنها: جراحات الرجل والمرأة سواء في الدية إلي أن تبلغ ثلث دية النفس فتتضاعف جراحات الرجل(43).

ومنها: من مات في زحام الناس ولا يعلمون من قتله فديته من بيت المال(44).

ومنها: من شهر سيفاً فدمه هدر(45).

ومنها: من قتله القصاص بأمر الإمام (ع) فلا دية له في قتل ولا جراحة(46).

ومنها: إنما جعلت القسامة لعلة الحوط(47).

ومنها: (فمن اعتدي عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدي عليكم)(48).

ومنها: من قتله الحد فلا دية له(49).

ومنها: كل ما لم يرد فيه دية من الشرع ففيه الحكومة.

ومنها: كل ما لم يرد فيه حد من الشرع في المعاصي ففيه التعزير.

ومنها: التعزير دون الحد(50).

ومنها: من شك في الله أو في رسوله (ص) فهو كافر(51).

ومنها: من لا يري للحرم حرمة فلا حرمة له(52).

ومنها: (هدم الإسلام ما كان قبله).

ومنها: لا يقيم الحد من لله عليه حد(53).

ومنها: إقامة الحدود إلي من إليه الحكم(54).

ومنها: ليس في الحدود نظرة، أي: لا يجوز تعطيل الحدود.

ومنها: (تُدرأ الحدود بالشبهات)(55).

ومنها: لا يمين في حد(56).

ومنها: الحدّ لا يورث(57).

ومنها: لا كفالة في حد(58).

ومنها: لا يشفع في حد(59).

ومنها: لا يقام علي أحد حدّ بأرض العدو(60).

ومنها: لاحدّ علي المجنون

حتي يفيق، ولا علي صبي حتي يدرك، ولا علي نائم حتي يستيقظ.

ومنها: كل من خالف الشرع فعليه حدّ أو تعزير(61).

وقد روي عن النبي (ص) أنه قال: (إنّ الله قد جعل لكل شيء حداً، وجعل لمن تعدي ذلك الحدّ حداً)(62).

ومنها: الحمل يرث ويورث إذا كان حيّاً(63).

ومنها: (المستلاط لا يرث ولا يورث)(64) والمراد به: هو الذي يدعي ولداً وليس به.

ومنها: لا يرث ولد الزنا ولا يورث.

ومنها: أيّ ما رجل أقرّ بولده، ثمّ انتفي منه فليس له ذلك قاله الصادق (ع)(65).

وعن علي (ع) قال: (إذا أقرّ الرجل بالولد ساعة لم ينف عنه أبداً)(66).

ومنها: كلّما قصرت التركة عن ذوي الفروض فالنقص علي البنت أو البنات والأخت للأم أو الأخوات لها.

ومنها: كلّما أخذ ذو الفرض فرضه فالباقي لمن لا فرض له.

ومنها: الإرث في النسب من الجانبين مطلقاً إلاّ فيما يستثني، دون السبب.

ومنها: كل إرث مشروط بسبق موت المورث قطعاً، إلاّ في ما يستثني.

ومنها: كل وارث يرث من جميع ما تركه الميت إلاّ الزوجة والغريقين والمهدوم عليهما.

ومنها: كل فريضة لم يهبطها الله إلاّ إلي فريضة فهذا ما قدم الله في باب الإرث.

ومنها: لا طعمة إلاّ للجد والجدة.

ومنها: كل متقرب بالأب يقتسمون بالتفاوت (للذكر مثل حظّ الاُنثيين)(67) وكل متقرب بالأم وحدها يقتسمون بالسوية.

ومنها: كل ما اجتمع قرابة الأبوين مع قرابة الأب سقطت قرابة الأب.

ومنها: لا يمنع كل من الزوجين عن نصيبه الأعلي إلاّ مع الولد للمورث.

ومنها: الزوج والزوجة يرثان مع كل وارث، ولا يَمنعان ولا يُمنعان.

ومنها: كل ذي رحم بمنزلة الرّحم الذي يجربه.

ومنها: لا يرث الكافر المسلم، وللمسلم أن يرث الكافر.

ومنها: المال للأقرب لا للعصبة(68).

تتمة الخاتمة

1 عوالي اللئالي: ج 2، ص 236، ح 5.

2 الحجرات: 6.

3 وسائل الشيعة: ج 2، ص 1011،

ح 12.

4 وسائل الشيعة: ج 2، ص 1054، ح 4 وفيه: (كل شيء نظيف).

5 راجع المستدرك: ج14، ص25، ح16005، ب3.

6 الحجرات: 6.

7 المستدرك: ج 17، ص 22، ب 12.

8 الوسائل: ج 12، ص 644، ح1.

9 الوسائل: ج 17، ص 597، ح 3.

10 الوسائل: ج 8، ص 604، ح 4.

11 راجع الوسائل: ج 1، ص 698، ح2.

12 القيامة: 14.

13 الوسائل: ج 8، ص 448، ح 6.

14 الوسائل: ج 13، ص 83، ح 1 باختلاف يسير.

15 المستدرك: ج 13، ص 125، ح 14966، ب 35، وفيه: (عن الإيمان).

16 إشارة إلي قوله تعالي: (ولا تركنوا إلي الّذين ظلموا) هود: 113.

17 شبهه في الوسائل: ج 12، ص 134، ح5.

18 المستدرك: ج9، ص 343، ح 11039، ب 12.

19 الأحزاب: 21.

20 المستدرك: ج 9، ص 410، ح 11203، ب 38.

21 الوسائل: ج 5، ص 15، ح 4 و ص 18، ح 4.

22 البقرة: 275.

23 المستدرك: ج 13، ص 283، ح 15363، ب 33 وفيه: (عن بيع الغرر).

24 المائدة: 1.

25 المستدرك: ج 17، ص 118، ح 20928، ب9.

26 المستدرك: ج 7، ص 405، ح 8538، ب 3.

27 البقرة: 195.

28 المستدرك: ج 8، ص 398، ح 9788، ب 58 وفيه: (لا تردّ الكرامة).

29 النساء: 24، والمائدة: 5.

30 شبهه في الوسائل: ج 5، ص 246، ح1.

31 الوسائل: ج 11، ص 96، ح4.

32 المستدرك: ج 17، ص 245، ح 21241، ب 4، والوسائل: ج 18، ص 10، ح 3.

33 الوسائل: ج 18، ص 117، ح 20.

34 الوسائل: ج 18، ص 127، ح 54.

35 الوسائل: ج 18، ص 122، ح 38.

36 شبهه في الوسائل: ج 9، ص 289، ح 3.

37 أي: يجوز غيبة المجاهر بالفسق.

38 راجع

الوسائل: ج 18، ص 541، ح1.

39 راجع الوسائل: ج 18، ص 550، ح 3.

40 الوسائل: ج 18، ص 579، ح1.

41 الوسائل: ج 19، ص 61، ح 10.

42 الوسائل: ج 19، ص 202، ح 2.

43 شبهه في الوسائل: ج 19، ص 295، ح1.

44 شبهه في الوسائل: ج 19، ص 194، ح1.

45 الوسائل: ج 19، ص 44، ح 7.

46 الوسائل: ج 19، ص 47، ح 8.

47 راجع الوسائل: ج 19، ص 117، ح3.

48 البقرة: 194.

49 الوسائل: ج 19، ص 46، ح1.

50 راجع الوسائل: ج 18، ص 472، ح 6.

51 الوسائل: ج 18، ص 568، ح 52.

52 راجع الوسائل: ج 9، ص 337، ح 4.

53 الوسائل: ج 18، ص 341، ح1.

54 الوسائل: ج 18، ص 220، ح1.

55 الوسائل: ج18، ص 399، ح 1.

56 الوسائل: ج 18، ص 399، ح 11.

57 الوسائل: ج 18، ص 334، ح1.

58 الوسائل: ج 13، ص 161، ح1.

59 راجع الوسائل: ج 18، ص 399، ح 11.

60 الوسائل: ج 18، ص 317، ح 1.

61 راجع الوسائل: ج 18، ص 309، ب 1.

62 الوسائل: ج 18، ص 309، ح 1.

63 شبهه في الوسائل: ج 17، ص 586.

64 الوسائل: ج 17، ص 571، ح1.

65 الوسائل: ج 17، ص 564، ح1.

66 الوسائل: ج 15، ص 214، ح1.

67 النساء: 11 و 176.

68 راجع الوسائل: ج 17، ص 415، ح 3، ص 431، ح1.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.