إلي الوكلاء في البلاد

اشارة

اسم الكتاب: إلي الوكلاء في البلاد

المؤلف: حسيني شيرازي، محمد

تاريخ وفاة المؤلف: 1380 ش

اللغة: عربي

عدد المجلدات: 1

تاريخ الطبع: 1415 ق

الطبعة: پنجم

كلمة الناشر

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد للّه رب العالمين وصلي اللّه علي محمد وآله الطاهرين.

يعد كتاب إلي الوكلاء في البلاد من أهم الكتب التي قدمت ارشادات أساسية للوكلاء المنتشرين في أقطار العالم، وقد قُدِّم فيه منهج عملي يستطيع من خلاله الوكلاء أن يقوموا بخدمة المؤسسة الدينية والإجتماعية بالشكل الأفضل.

والكتاب بشكل عام يعد ابداعاً جديداً في الساحة الإسلامية من خلال اهتمامه بقضية الوكلاء الذين ينتشرون في اصقاع الأرض وقد ينقطعون عن تلقي التوجيه المباشر. وهو بذلك يلقي المسؤولية الدينية تجاه تبليغ الدين الإسلامي وأحكامه الشرعية والأخلاقية بالصورة الصحيحة والمناسبة، فهو كتاب قد يغني الإنسان العامل في سبيل اللّه ويوفّر له خطة عمل علي المستوي البعيد وهو كذلك مما يغني المكتبة الإسلامية من حيث موضوعه واُسلوبه وفكرته.

وقد طبع الكتاب مرات عديدة وبلغات مختلفة، وبما أن الطلب قد ازداد عليه من مختلف بلاد العالم فقد أحسسنا بالمسؤولية لطبعه من جديد، مع العلم بأن سماحة الإمام المؤلف (دام ظله) قام بإضافة فصول جديدة فيه.

ويُعَد الإمام المؤلف أحد أبرز المراجع القياديّين في الساحة الإسلامية، إذ يرجع إليه قسم كبير من المؤمنين في شؤون الفتيا والتقليد في كثير من بلدان العالم.

وقد قام بتأسيس ورعاية الكثير من المراكز الإسلامية والمؤسسات الدينية والحوزات العلمية في مختلف البلاد.

ويمتاز بنظراته الثاقبة وإحاطته الشاملة باُمور المسلمين والتطلّع علي أوضاعهم وما يجري في بلادهم.

كما يتميّز بفكره المعطاء المختمر بالتجارب والمفعم بالنضج والنظرة الواقعية إلي الاُمور.

ويؤمن بضرورة تحكيم الاُخوة الإسلامية وإعادة الاُمة الإسلامية وتوفير الحريات الإسلامية.

كما وأنه يدعو إلي الإنفتاح والحوار والتعددية السياسية وشوري المراجع، وقد أسهب في الحديث عن

هذه الأفكار في العديد من مؤلفاته.

ومن أبرز خصوصيات الإمام الشيرازي هو تنوّع مؤلفاته وشموليتها وتلبيتها لحاجة مختلف المستويات العلمية والإجتماعية، ومواكبتها لمتطلّبات العصر.

فقد كتب في التفسير والحديث والعقائد والكلام والفلسفة والسياسة والإقتصاد والإجتماع والإدارة والحقوق والتاريخ.

وكتب بحوثاً ودراسات معمّقة ومفصّلة في الفقه والاُصول.

كما كتب كراسات وكتيبات مبسطة للجيل الناشئ، وكتب للطالب الحوزوي كما كتب للشاب الجامعي.

وقد تجاوز مؤلفاته في شتّي الحقول980 كتاباً ودراسة وكراساً، منها:

موسوعة الفقه التي تشكل أكبر موسوعة فقهية إستدلالية كاملة، كتبت للفقهاء والمجتهدين، تضمّ 150 مجلّداً، وتقع في أكثر من ستّين ألف صفحة.

والاُصول يقع في 8 أجزاء طبع ثلاث مرات، ايصال الطالب إلي المكاسب 16 مجلداً طبع عدّة مرات، الوصائل إلي الرسائل 15 مجلّداً تحت الطبع، تقريب القرآن إلي الأذهان 30 جزءً، توضيح نهج البلاغة 4 مجلدات، شرح الصحيفة السجادية، الدعاء والزيارة، الفضيلة الإسلامية، القول السديد في شرح التجريد، شرح منظومة السبزواري، جامع مناسك الحج، ممارسة التغيير لإنقاذ المسلمين، السبيل إلي إنهاض المسلمين، الصياغة الجديدة لعالم الإيمان والحرية والسلام، الشوري في الإسلام، الحرية الإسلامية وغيرها.

وللإلمام بمؤلفات الإمام الشيرازي وأفكاره وآرائه وجوانب من حياته السياسية والإجتماعية وإنجازاته ونشاطاته الدينية في مختلف بلدان العالم، نحيل القاريء الكريم إلي كتاب أضواء علي حياة الإمام الشيرازي دام ظله.

تمهيد

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد للّه ربّ العالمين والصلاة والسلام علي محمّد وآله الطاهرين، واللعنة علي اعدائهم إلي قيام يوم الدين.

وبعد: فإن من فضل اللّه سبحانه علي البشر، ان بعث اليهم انبياء مرشدين، وجعل لهم أئمة راشدين، وقيض فيهم علماء مصلحين لإرشادهم إلي الحق وإلي صراط مستقيم، ولهدايتهم إلي ما فيه صلاح دنياهم وسعادة آخرتهم.. والنبي والإمام خليفة اللّه في الأرض، كما قال سبحانه: (يا داود انا جعلناك خليفة

في الأرض)(1).

وقال سبحانه للملائكة قبل بدء خلق آدم عليه السلام: (إني جاعل في الأرض خليفة)(2).. وقد عيّن النبي صلي الله عليه وآله وسلم والأئمة الطاهرون عليهم السلام العلماء خلفاء لهم، فقد روي عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم: اللهم ارحم خلفائي.. قيل: يا رسول اللّه ومن خلفاؤك؟.. قال صلي الله عليه وآله وسلم: الذين يأتون من بعدي، ويروون حديثي وسنتي(1).

وفي الحديث الشريف عن مهابط الوحي والتنزيل: اما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلي رواة حديثنا فانهم حجّتي عليكم، وانا حجّة اللّه(2) ومن كان من الفقهاء صائناً لنفسه، حافظاً لدينه، مخالفاً علي هواه، مطيعاً لامر مولاه، فللعوام ان يقلدوه(3).

فالعلماء هم المحور، والنواب للائمة الطاهرين صلوات اللّه عليهم اجمعين، وقد القي علي عاتقهم مهام الدنيا والدين، ووكلاء العلماء في البلاد الذين يمثلونهم، هم الاعوان لنشر الإسلام، واقامة الأحكام، وهداية الانام، وحفظ البلاد والعباد، وتقديم الحياة إلي الأمام، لذا كان من حق العلماء والمراجع ووكلائهم ان يراعوا مقامهم ومتطلباته الكثيرة، وينهضوا بالواجب الملقي علي عواتقهم، بكل حزم وقوة ونشاط، فانه لولا ذلك لآل امر المسلمين إلي فساد، ولآل الناس إلي خبال.

وحيث وفقنا اللّه سبحانه بمحض لطفه، كما ورد في الدعاء: وكم من ثناء جميل لست اهلا له نشرته(1) ان نكون مورد الثقة، وان يكون بيدنا بعض مهام المسلمين، تفكرت في ذلك، واستشرت العديد من العلماء في أمر البلاد؟ وانه كيف ينبغي لنا ان نشكر اللّه تعالي عملاً، ازاء هذه النعمة العظيمة التي اسبغها علينا كرماً محضاً ولطفاً صرفا؟ وكيف ينبغي ان ننهض بالاعباء، ونؤدي الواجب؟

واخيراً.. كانت الكراسة: إلي الوكلاء في البلاد لنسير: علي ضوء هذه المواد المذكورة في طيها، لعل اللّه يتقبل عملنا بقبول حسن، ويوفقنا لخدمة الإسلام

والمسلمين، ونشر الدين الحنيف، وترويج هدي أهل البيت الطاهرين، صلوات اللّه عليهم اجمعين.

واني لست اعلم بالضبط، كم هي النقائص، والنواقص، التي ينبغي أن تدوّن في هذا الكتاب؟ وانما الهدف القاء الضوء علي بعض الجوانب، بعد التفكير والمشاورة، والمرجو من الوكلاء أدام اللّه اعزازهم ان لا يألوا جهداً في تطبيق هذه المواد، كما ارجو منهم ان يرشدوني إلي نقاط النقص في الكتاب، ونقاط الضعف في غيره، مما لا يرونها لائقة بمثل هذا المقام، لعل اللّه سبحانه يوفقنا لتدارك النقص، ويبدل الضعف قوة، والاسفاف ارتفاعاً، وما ذلك علي اللّه بعزيز.

ان النقص الذي طرء علي بلاد الإسلام، وان التأخر والجمود الذين اصابا المسلمين، وان الجهل الذي ساد قطاعات كبيرة من المنضوين تحت لواء الدين الحنيف حتي اصبح المسلمون في ذيل القافلة، بعد ان كانوا بفضل تعاليم الإسلام وتمسكهم بالقرآن في المقدمة، وفي مكان السيادة المطلقة، فإن ذلك كله، يتطلب منا مضاعفة الجهود والجهاد، والسهر الدائم، والعمل المتواصل، والنشاط الذي لا يعرف الكلل، حتي يرجع الامر إلي نصابه، وتجري المياه في مجاريها.

واني واثق كل الوثوق، انه يأتي يوم وقريب ذلك ان شاء اللّه تعالي نري فيه الإسلام ترفرف اعلامه، وتقام احكامه، ويكون هو المصدر والمورد، والمبدء والمنتهي، في بلاد الإسلام، وفي البلاد التي ستنضوي طوعاً ورغبة وشوقاً تحت لواء الدين الإسلامي الحنيف في المستقبل، وانما المهم ان نعمل جادين ليحصل هذا الامر في أقرب وقت، وفي ذلك عز الدنيا، وثواب الآخرة..

واللّه الموفق المستعان.

محمّد بن المهدي الحسيني الشيرازي

كربلاء المقدسة

27 / جمادي الثانية / 1390 ه

1 التوكل

علي العالم ان يكون كثير التوكل علي اللّه سبحانه، في كل الاُمور صغارها وكبارها، قال اللّه تعالي: ومن يتوكل علي اللّه فهو حسبه(1) وفي الحديث:

من توكل علي اللّه كفاه الامور، ومن وثق باللّه اراه السرور(2).

والتوكل كما عرفه الشرع، ان يعمل الإنسان بالأسباب الظاهرية إلي اقصي حد ممكن، ويفوض ما لا قدرة له من الأسباب الخفية، إلي اللّه سبحانه، ولذا قال النبي صلي الله عليه وآله وسلم لذلك الاعرابي اعقل وتوكل(3) حيث كان ترك ابله بدون عقال، في الصحراء..

فإن لكل شيء أسباباً ظاهرة وأسباباً خفية وقد أمرنا بالتصدي للاسباب الظاهرة، كما قال تعالي في قضية ذي القرنين: (ثمّ أتبع سبباً)(1) أما الأسباب الخفية التي لا مدخلية للانسان فيها، فان قصد انها موكولة إلي اللّه تعالي، وتوجه في باطنه إليه سبحانه، واستمد العون منه جل وعز، هييء اللّه تلك الأسباب، لتأتي النتيجة المطلوبة، أما إذا لم يتوكل عليه تعالي، فالنتيجة إذا حصلت، كانت مبتورة عن الخير، وكثيراً ما، لا تحصل النتيجة اصلاً..

مثلاً لحصول التمر اسباب ظاهرة، كالكراب، والزرع، والسقي، والحفظ، وهذه يجب علي الإنسان ان يأتي بها إذ أراد التمر، وأسباب خفية، كالهواء المناسب والملابسات الموافقة، لا برد شديد، ولا حر شديد يضران بالزرع، ودون مجيء الجراد، وتسمم التمر، وما اشبه، وهذه يلزم علي الإنسان ان يتوكل فيها علي اللّه سبحانه.

والعالم حيث انه في سبيل تنفيذ اوامر اللّه سبحانه، يلزم ان يكون اكثر توكلاً من سائر الناس، كممثل الدولة الذي يجب عليه احترام الدولة والنظام، اكثر من سائر الناس.

2 التملّي من العلم

يلزم علي العالم أن يستمر في التملي من العلم الإسلامي، فإن العلم من المهد إلي اللحد، ولعل العلوم الإسلامية تشتمل علي مليون مسألة، وذلك فإن العلم الإسلامي يتشعب إلي شعب عديدة:

1 التفسير.

2 تاريخ الإسلام.

3 اُصول الدين.

4 الحديث.

5 فقه الإسلام.

6 نظرة الإسلام إلي الكون والحياة.

7 الأخلاق الإسلامية كالمذكورة في (جامع السعادات).

8 الآداب الإسلامية

كالمذكورة في (مرآة الكمال).

9 المقارنات الإسلامية مع الأديان والمذاهب والمباديء.

10 تطبيق الإسلام علي مختلف شعب العالم المعاصر مثل البنوك والتأمين وارتياد الفضاء وما أشبه..

ويكفيك أن تعلم انّ جزءاً واحداً من هذه الأجزاء العشرة وهو الفقه الإسلامي يشتمل علي اكثر من مائة ألف مسألة، وكذا التاريخ الإسلامي الطويل منذ فجر الرسالة إلي اليوم، يحتوي علي أبحاث ومواضيع كثيرة جداً للسيرة الطاهرة، والفتوحات، والحضارات، والتراجم، وغيرها.. وهكذا..

فينبغي للعالم أن يستمر في مدارسة الكتب ومطالعتها، والتملي من هذا المعين الذي تنتهي الإعمار ولا ينتهي، وكلما ازداد الإنسان علماً ومعرفة، ازداد سموّاً ومقدرة لخدمة الإسلام وإرشاد المسلمين، وهداية غير المسلمين.

3 الأخذ من مصادر الإسلام الرئيسية

يلزم علي العالم ان يتملي من مصادر الإسلام الثلاثة: القرآن الحكيم و نهج البلاغة و الصحيفة السجادية.

فالقرآن كتاب المسلم الأول، الذي هو سبب سعادته في الدنيا والآخرة.

ونهج البلاغة مجموعة تعاليم قيمة لها شأن رفيع جداً في مختلف مجالات العلم والعمل.

والصحيفة السجادية بحر من المعارف والعلوم جعلت في قالب الأدعية السلسة الألفاظ، البليغة المعاني، الجميلة الاُسلوب.

فعلي العالم التملي من هذه الكتب الثلاثة، حفظاً، وقرائة، وفهماً، ونشراً بين المجتمع، وتطبيقاً علي نفسه وعلي غيره، وتحريضاً للتطبيق والتمسك بها..

كما ان من الضروري السعي لإدخال النهج والصحيفة، في الوسائل الإعلامية، كما ان القرآن الحكيم، له حصة من تلك الوسائل، وذلك بأن تقرء الاذاعة نهج البلاغة ترتيلاً مناسباً لا كترتيل القرآن وتقرء الصحيفة السجادية باُسلوب قراءة الدعاء، وكذلك تنشر الصحف روائع هذين الكتابين وكلها روائع فإن ذلك من أفضل أسباب اسعاد البشر في حياتهم الدنيا، واسعادهم في حياتهم الآخرة.

4 المؤسسات

علي العالم ان يهتم لبناء المؤسسات بمختلف اشكالها، كالمؤسسات الدينية من قبيل المساجد والمدارس، والمؤسسات الصحية كالمستوصفات، والمؤسسات الإجتماعية كدور العجزة، والمؤسسات المالية كالبنوك، إلي غيرها.

فإن لتأسيس المؤسسات فوائد جمة مثل التفاف الناس حول الدين، وقضاء حوائج الناس التي هي من أهم الامور الإسلامية، وحكومة تعاليم الإسلام علي المجتمع، فان المجتمع منقاد إلي من يقوم بحاجته.

بالإضافة إلي انه كلما توسعت المؤسسات الإسلامية، تقلصت المؤسسات غير الإسلامية، سواء كانت مؤسسات ضد الإسلام، كمؤسسات التبشير، أو موسسات حيادية.

5 الاهتمام بطلاب العلوم الدينية

علي العالم ان يهييء جمعاً من الشباب لتحصيل العلوم الدينية، فان القري والارياف، غالباً خالية عن أهل العلم، ولا يقوم باعباء البلد، الا أهله، كما قال سبحانه: (فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة، ليتفقّهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا اليهم لعلهم يحذرون)(1).

والعالم الوكيل هو الذي يتمكن من القيام بهذه المهمة، فيتعرف إلي بلده ونواحيه، ويخمن المقدار المحتاج إليه من اعداد أهل العلم، ثم ليشمر عن ساعده، لتشويق افراد نشطين اذكياء من الشباب، لدخولهم في سلك أهل العلم، وتجنيدهم لان يكونوا من جنود الإمام المهدي عليه الصلاة والسلام وعجّل اللّه تعالي فرجه الشريف.

والذي اقدره (تقديراً بدائياً) انَّ كل مأتي دار بحاجة إلي عالم يقوم بشؤونهم المختلفة، مثل حل منازعاتهم، وزواجهم، وطلاقهم، واقامة الجماعة فيهم، وبيان مسائلهم المحتاج اليها، ومعاشرتهم في الامور الإجتماعية، كتشييع جنائزهم، وزيارة قادميهم..

ثمّ علي كل دار ان تخصّص جزءاً من مائة جزء (مثلاً) من واردها لادارة شؤون العالم، حتي يكون العالم مكفي المؤنة من جهة معاش نفسه ويكون معاشه كأحدهم ومن جهة ادارة شؤونه الإجتماعية.

مثلاً إذا كان مصرف كل دار مائة دينار، كان وارد العالم مأتي دينار، مائة لمعاش نفسه وأهله، ومائة، لإجل شؤونه الإجتماعية

وهذا تقريب فقط قصدت به الإلماع إلي لزوم الدقة في كمية أهل العلم الذين يجب علي الوكيل ان يهيئهم لمستقبل البلاد، والا فالدقة والتحقيق يحتاجان إلي التجربة وجمع الآراء.

هذا بالنسبة إلي الكمية اللازمة من أهل العلم، لنفس ذلك البلد الذي فيه الوكيل، ولأطراف ذلك البلد، وأما بالنسبة إلي سائر حوائج البلاد الإسلامية وغير الإسلامية، فهو اكثر من ذلك الذي ذكرناه.

وأما الكيفية فهي بحاجة إلي دقة اكبر وقد تعرضنا لها في مطاوي الكتاب.

وذلك كله مع قطع النظر عن ضرورة وجود متخصصين في كل الحقول وبالمقدار الكافي.

6 معاشرة الناس

يحتاج العالم، إلي اكبر قدر من حسن المعاشرة، فانه يعاشر مختلف الفئات والإتجاهات والميول والرغبات، فإذا كان مزوداً بالعشرة الحسنة، والأخلاق الطيبة، كان انجح في تأدية رسالة الإسلام، واقدر علي جمع الناس حول كلمة التوحيد، والعشرة بالحسني ملكة في النفس، قبل ان تكون عملاً علي الجوارح.

فالعالم يلزم عليه بيان الأحكام والمسائل بكل لطف، والدعوة إلي اللّه وإلي الفضيلة، وتشييع الجنائز، وزيارة القادمين، والإشتراك في افراح الناس واحزانهم، وتحمل سوء أخلاق العامة وغلظتهم، والصبر علي الثقلاء من الناس، إلي غيرها مما يتفق للعالم في كل يوم عدة مرات.

وقد قال تعالي: (فبما رحمة من اللّه لنت لهم ولو كنت فظّاً غليظ القلب لانفضّوا من حولك)(1).

وقال جلّ وعلا: (خذ العفو وأمُرْ بالعرف واعرض عن الجاهلين)(1).

7 الامربالمعروف والنهي عن المنكر

يلزم علي العالم ان يشمر عن ساعد الجد للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وذلك اُسوة وقولاً وعملاً.

فأول الضروريات عليه ان يتجنب هو ويجنب ذويه عن المنكرات، حتي لا يكون في البلاد الإسلامية مظهر من المظاهر المحرمة، كالإفطار العلني في شهر رمضان، وحوانيت الخمور، وموائد القمار، ومظاهر السفور والتبرج، وما إلي ذلك.

وقد يبدو هذا الأمر صعباً خصوصاً بالنسبة إلي البلاد التي اعتادت تعاطي المنكرات ولكن من جدّ وجد و من زرع حصد و من اكثر طرق الباب اوشك ان يسمع الجواب ويقول الشاعر:

لا تقولن مضت ايامه

ان من جد علي الدرب وصل

ومهما يكن من مقاومة لأصحاب المنكرات فان مواصلة العالم المسيرة لإزالتها بالأساليب اللائقة اخيراً ينتج النتيجة الطيبة، إما نتيجة كلية، وإما نتيجة في الجملة.

والحد من نشاط المنكر له فائدتان: فائدة تقليل المنكر، وفائدة انه لو لم يحد من نشاطه أخذ في التكثر والإنتشار.

8 التعاون في الخير

علي العالم أن يتعاون في الخير، فانه لا بد وان يكون في كل بلد اُناس خيّرون، يعملون لصالح الإسلام والمسلمين، بانفاق أو تأسيس، أو اقامة مراسيم، أو اعانة محاويج أو ما اشبه.

والعالم حيث له المكانة الاُولي في البلد يتمكن ان يخدم بلسانه، وقلمه، وماله، وجاهه في تلك الاُمور الخيرة.

فإذا اعتاد العالم علي التعاون في الخير، اخذ البر والتقوي ينتشران في البلد، مما يعود بأفضل الفوائد، له وللإسلام وللمسلمين، وإذا كف يده، كان الأمر بالعكس من ذلك.

وفي بعض الأحيان يأخذ نوع من الأنانية بعض الناس فلا يريدون ان يقوم غيرهم بالخير، ليذهب بالسمعة، ولذلك لا يتعاونون معه، بل أحياناً يطلقون السنتهم بالإستهانة بذلك الخير، وبالقائم به.

واني اذكر مثل هؤلاء انهم بهذا العمل يخسرون سمعة اكثر، ويخسرون اصدقاء كثيرين، ويعوقون الإسلام والخير من التقدم، فيكون

ما حسبوه خيراً لانفسهم شراً، وما ظنوه رفعة لانفسهم، مهانة وذلاً.

أعاذنا اللّه وسائر المؤمنين من هذه الأعمال والمواقف

9 رفع المستوي الثقافي

الدين والدنيا يتقدمان بالثقافة، لذا يلزم علي العالم ان يهتم لترفيع مستوي الثقافة في البلد، من غير فرق بين الثقافة الدينية، أو الثقافة الدنيوية، ولا فرق بين الثقافة البدائية كالقرائة والكتابة أو الثقافة الواقعية كمعرفة الاُصول والأحكام، وعرفان اُسلوب الحياة الفاضلة.

فعلي العالم أن يخطّط لهذه الناحية المهمة في بلده، بفتح المدارس، وتأسيس المكتبات، وطبع الكتب ونشرها، وتكوين مجالس الإرشاد، وتدريس الطلاب مباشرة وسببا، وبجعل مدرسين لهم، إلي غيرها من وسائل التثقيف والتعليم، فإذا عمل العالم بذلك رفع قدر نفسه وقدر بلده، وجعلها موضع كل تقدير واحترام وقد قال اللّه سبحانه: (هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون)(1).

وقال الإمام المرتضي عليه الصلاة والسلام: قيمة كل امرء ما يحسنه(1).

10 المستوي الصناعي والزراعي

بعض الناس يظنون ان العالم شأنه امور الآخرة والفضائل النفسية فقط. والحال ان العالم بما هو يمثل الإسلام يرتبط بكل شأن من شؤون الحياة، أليس القرآن هو كتاب المسلم الذي يجب العمل به؟

ألم يقل سبحانه وتعالي: (ولا رطب ولا يابس الا في كتاب مبين)(1).

إذاً.. فعلي عالم البلد ان يهتم بالصناعة فقد قال سبحانه: (وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس)(2).

وقال في آية اُخري: (وأعِدّوا لهم ما استطعتم من قوّة)(3).

وأما الزراعة فقد امر الإمام أمير المؤمنين عليه السلام مالك الأشتر حين ولاّه مصر بالإهتمام بهذا الشأن في عهده إليه(1)، إلي سائر الأدلة التي يجدها من أراد في كتب التفسير والحديث والفقه.

هذا من ناحية، ومن ناحية اُخري، ان ترفيع المستوي الصناعي والزراعي للبلد وما أشبه، يوجب قلة احتياج الأهالي، وقلة البطالة، وهما يؤثران بدورهما في اسعاد المسلمين، والعالم الديني مسؤول عن اسعادهم.

11 الوقار

علي العالم ان يتبني الهيبة والوقار، في المجلس، والتكلم والمشي، والمنبر، والتدريس، وغيرها، فإن الرسول والأئمة صلوات اللّه عليهم أجمعين كانوا في كمال الهيبة والوقار، كما يظهر من الأحاديث، وفي الحديث: سرعة المشي يذهب ببهاء المؤمن(1).

والإنسان الوقور أوقع في النفوس، وأقرب إلي قبول العامة والخاصة، وانفذ أمراً، واحسن تلقياً، ولذا قال المتكلّمون: يجب أن يكون النبي والإمام بريئاً من العيوب في الخُلق وفي الخلقة، لان تلك العيوب توجب النفرة، وذلك نقض للغرض. فعلي العالم أن يكون وقوراً وزيناً، بدون أن يكون ذلك عن كبرياء وترفع، بل عن رصانة وتواضع.

12 احترام الضيوف

ينبغي لعالم البلد، أو القرية، ان يهتم باحترام الضيوف، فإن العالم يكون محل التوقع من الزائرين، ولهم الحق في الإستضافة، وفي الحديث ورد: اطعام الضيف واحترام الضيف(1) مما يوجب التفاف الناس حول العالم، وكثيراً ما يكون ذلك سبيلاً لإنجاح المهمة، أو تسهيلها.

والضيف علي قسمين:

الأول: ضيوف الطعام والمنام.

والثاني: ضيوف اللقاء والكلام.

فليهيّء عالم البلد، للأولين المكان اللائق، والاُمور التي هم بحاجة اليها، وللآخرين ديواناً وما يتعارف لديهم تحضيره لهم من المأكل والمشارب وغيرهما، واللازم ان يخطط لمقدار الزمان، ومقدار المال الذي ينبغي صرفهما للضيوف، ويأخذ في ذلك الوسط بلا افراط ولا تفريط..

13 رعاية الإقتصاد

لعالم البلد أو القرية، مصارف لأهله، ومصارف للضيوف، ومصارف للفقراء والمحاويج، ومصارف للامور الإسلامية الاُخري، فعلي العالم ان يخطط لاموره الإقتصادية ويهتم لترفيع وارداته، سواء من الحقوق الشرعية، وعائدات الاوقاف أو نتائج تجارات يشتغل بها بسبب وكيله أو بعض ذويه إذا كان صلاحاً، فإنه كلما كان وارد العالم اكثر كان تمكنه من تسيير مهمته احسن، وفي الحديث: لما عال من اقتصد(1).

اما اعطاء الزمان بيد الأقدار، فذلك ما لا يرتضيه الإسلام، بالإضافة إلي انه يوجب ضئالة الإنتاج الإسلامي، وربما الفشل.

وفي الحديث: نعم العون علي الدين الغني'(2).

وفي حديث آخر: من لا معاش له لا معاد له.

فإنه من حق العالم أن يعيش هو واهله عيشا متوسّطاً بدون افراط ولا تفريط، واظن انه لو هيء كل بلد أو قرية وارداً لمصارف عالم المنطقة، لم تشتك كثير من البلاد والقري والأرياف من مشكلة عدم وجود عالم لهم يقوم بشؤونهم، فانه انما تخلو البلاد من العلماء، لان المصارف باهضة، والمراكز العلمية لا تتمكن من القيام بتلك المصارف، والاهالي غالباً يتلكئون عن الإقدام لفداحة المصارف والنتيجة الحتمية خلو كثير من البلاد والقري

من العالم، مما يضر بالإسلام والمسلمين.

14 عرفان المنطق العصري

لكل قطر، ولكل زمان، ولكل امة منطق خاص، ان عرفه العالم تمكن من القيام بالشؤون الإسلامية، وان لم يعرفه العالم كانت النتيجة الضمور والفشل، مثلاً للقطر العراقي منطق، وللقطر اللبناني منطق آخر، ولزمان ركوب الدواب منطق، ولزمان ركوب الطائرة منطق آخر، للعرب منطق وللفرس منطق آخر، فعلي العالم ان يتعلم المنطق الملائم لحل مهمته، فقد قال سبحانه: (ما أرسلنا من رسول إلاّ بلسان قومه)(1).

وفي الحديث: إنا معاشر الأنبياء اُمرنا أن نكلّم الناس علي قدر عقولهم(2).

مثلاً إذا عرف العالم الامور الإقتصادية الإسلامية، حسب ما هو مذكور في كتاب الشرائع وشرح اللمعة والمكاسب لكنه لم يعرف النشاطات الإقتصادية في زماننا هذا، من بنوك وتأمين وبورصة، وما أشبه، كيف يتمكن أن يجيب علي مئات المسائل التي توجه إليه بهذه الشؤون؟ فانه سواء لم يجب عنها اصلاً، أو اجاب باجوبة غير ملائمة للعصر كان الضعف والضمور.

وعرفان منطق اليوم صعب نوعاً ما، لأنه يحتاج إلي تطبيق الإسلام، علي العصر الحاضر، وحيث انه بعد لم تتوفر بالقدر الكافي: الكتب التطبيقية بهذا الشأن في مختلف مباحث الفلسفة والإقتصاد والإحتجاج وما إلي ذلك، يلاقي العالم الذي ينصب نفسه علماً بين الناس لخدمة الإسلام، عنتا ومشاكل.

لكن الأمر يحتاج إلي خوض هذا الميدان، علي كل حال وكثرة المطالعة، والتفكر والبحث والإستعلام من الأعلام.

15 مع الأعداء

لا بد وأن يكون لكل بارز في مجتمعه، عالماً كان أو تاجراً، أو كاتباً، أو غيرهم، اعداء وحساد، وهؤلاء يبدئون عدوا ضئيلاً، ثمّ لا يزالون يتجمعون ويتكاثرون وكثيراً ما يكونون لأنفسهم فئة وجبهة، وفي كثير من الاحيان، يقفون لوضع السدود في وجه الإنسان البارز، حتي يمنعوه عن العمل بل وربما يمنعونه عن البقاء في المنطقة.

فعلي العالم ان يكون دقيقاً في هذه الناحية،

ويعمل بكل قواه وامكاناته من حدة عدائهم وتوترهم، والتقليل من اعدادهم، بكل ما اُوتي من اسلوب ولباقة.

فتري ان الإسلام خصص ثُمن الزكاة للمؤلفة قلوبهم، وفي الآية الكريمة: (ادفع بالّتي هي أحسن، فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه وليّ حميم، وما يلقّاها الاّ الذين صبروا، وما يلقّاها إلاّ ذو حظّ عظيم)(1).

وفي دعاء الإمام السجّاد: سدّدني لأن اُعارضَ مَن غَشَّني بالنُصح، واَجْزيَ مَن هَجَرَني بالبرّ، واُثيبَ مَن حَرَمني بالبذل، واُكافِيَ مَن قَطَعني بالِصلَةِ واُخَالف من اغتابني إلي حُسنِ الذكر، وأن اَشْكُرَ الحسنة، واُغضي عن السيّئة(2).

ويروي عن المسيح عليه السلام: احبوا اعدائكم وحبك للعدو يسبب حب العدو لك، لان القلب مرآة القلب وذلك بنحو المقتضي طبعاً.

16 إتقان اُسلوب الكلام

قسم من الناس يظنون ان التكلم لا يحتاج إلي عرفان وتعلم، وهذا خطأ فاضح، فالإنسان العارف بالاُسلوب يتمكن ان يتكلم بما يؤثر، والإنسان غير العارف بالاُسلوب لا يتمكن من ذلك.

وعرفان الاُسلوب ليس موهبة في الأكثر وانما اكتساب، فقد ذكروا ان بدوياً شبه الخليفة في شعره بالتيس: صراحة، وبالكلب: وفاءاً.. ولما ربي تربية حضرية قال ارق الأشعار التي منها:

عيون المها بين الرصافة والجسر

سلبن فؤادي حيث ادري ولا ادري

فعلي العالم ان يمرن نفسه علي اسلوب الكلام وصب المعاني في القوالب المناسبة، فانه كما نري اجسام الناس مختلفة، وأذواقهم في الملبس مختلفة، يجب ان نعلم ان اقدار اذهانهم واذواق افكارهم أيضاً مختلفة.

وكما ان الخياط الذكي، يقدر الأجسام والأذواق، يجب ان يقدر العالم الأذهان والأفكار، فرب كلمة تطرد انساناً، ورب كلمة تجلب انساناً، ورب لفظة تردع فاسقاً، وربّ لفظة توجب وقوع الطرف في الفسق والحرام.

17 إمتلاك الاسلوب الأدبي والكتابي

من الضروري علي العالم، ان يكون ذا قلم، إلي جانب كونه ذا لسان، فان اللسان والقلم هما جناحا المبلغ، بالأخص في ظروفنا الحاضرة التي للراد يوات والتلفاز، والجرائد والمجلات والكتب مكان الصدارة في التوجيه والدعاية.

وبالقلم يتمكن العالم من ايصال صوت الإسلام إلي اقاصي البلاد، وبالقلم يتمكن من بيان حقائق الإسلام، ومن توجيه الناس وارشادهم، ومن رد الإعتداءات التي تنهال علي حقائق الإسلام اصولاً وفروعاً كل يوم..

فإذا كان العالم قبل تقلده منصب الوكالة تعلّم القلم، فبها ونعمت، وبعد ذلك يلزم عليه ان يستعمله للخدمة، وان لم يكن تعلم قبل ذلك، فعليه ان يتعلمه، ولا يظن ان تعلّم القلم شيء صعب بل يكفي لذلك ستة اشهر فقط بشرط الإهتمام والمداومة.

فإذا كان هناك مرشد مرغوب فيه فالتعلم لديه سهل، والا فاللازم ان يتعلم من كتب الأدب والمجلات

المعنيّة بهذا الشأن، فيكتب كل يوم (الوصفيات): كوصف مدرسة، أو شارع، أو إنسان، أو مجلس، أو غيرها، ويتعمد توصيف دقائق ذلك الشيء، وهكذا كل يوم إلي' ستة اشهر، وبعد ذلك يكون له قلم لا بأس به، وربما قلم راق جذاب.

18 نشر الآداب الإسلامية والعامة

لقد أعدّ الإسلام جمهرة كبيرة من الأحاديث بصدد الآداب الإسلامية، كآداب الكلام، والمجلس، والزواج، والعبادة، والسلام، والصداقة، والجوار، والعائلة، والكسب، وغيرها، مما يجدها الإنسان في كتاب الوسائل والمستدرك والبحار و مكارم الأخلاق وغيرها.

وهذه الآداب بالإضافة إلي فوائدها الجمة الدينية والدنيوية، إذا التزم بها الإنسان، يكون مثاراً لإحترام الجماهير.. فاللازم علي العالم مراعاتها، ولا يقول انها مستحبات فلا بأس بتركها، فان قسماً كبيراً من نجاحه متوقف عليها.

كما يلزم علي العالم ان ينشر هذه الآداب في المجتمع، فانها قسم من الإسلام، وفي نشرها نشر الإسلام، بالإضافة إلي كونها ذات فوائد كبيرة تعود إلي دين المجتمع ودنياه.

19 تكوين الصناديق الخيرية

صناديق التعاون، تبتديء سهلة يسيرة، ولكنها تعطي ثماراً كبيرة، وفوائد جمة، وللعالم مصارف كثيرة، بإعتباره مصدر الاخذ والعطاء، وملاذ المشاريع والفقراء.

فاللازم علي العالم تكوين صناديق خيرية لمختلف حاجيات البلد، من حوائج دينية، أو اجتماعية، أو غيرهما.

ولنفرض ان العالم نشر الف صندوق في بلد كبير بكل صندوق اودع فيه يومياً خمسة فلوس، كان الحاصل في كل سنة ما يقارب الفي دينار.

وبمثل هذا المال تبني المؤسسات، وتسد الحوائج، وتقام الإحتفالات وينقذ البائسون، بينما لا وقع في جمعه علي أحد.

ويلزم أن لا يستبد العالم بالصرف، بل يجعل هيئة من الامناء مشرفين علي الجمع والصرف حتي يكون في نظر الناس ابعد عن الطمع، واقرب إلي صرف المال في مصارفه اللائقة، ولا يكون هو بنفسه مثار الشبهة، ومنال المغرضين.

20 تزويج العزاب

العزوبة داء فردية، كما انها داء اجتماعية، وليس اعتباطاً ما ورد: من تزوّج فقد أحرز ثلثي دينه، فليتق اللّه في الثلث الآخر(1).

فعلي العالم ان يهتم لتزويج العزاب، بالتشويق، وتسهيل المشاكل، وتذليل الصعاب.

فانه بذلك يوجب محبوبيّة لنفسه، وقد خدم الإسلام بتنفيذ احد بنوده المهمة، بالإضافة إلي وقاية المجتمع عن الإنزلاق، والتحفظ علي صحة الشبان والشابات عن التدهور، فان الزواج من وسائل مكافحة الأمراض، وقاية وعلاجاً، كما قرر في الطب.

ولو كوّن العالم فئة تساعده علي هذه المهمة، اختصاصها تسهيل أمر الزواج، والتشويق إليه، وجمع المال لاجل اقراض المحتاجين، ومساعدة الفقراء الذين لا يتمكنون من الزواج، كان سبباً لنجاح المهمة اكثر فأكثر..

والذي اظن ان عالم البلد لو تبني هذه المسؤولية لتمكن من تخفيف العزوبة خمسين في المائة علي الاقل، وهذا قدر كبير جداً، وخدمة جلية للإسلام والمسلمين.

21 بناء حوزة علمية للبلد

من اللازم علي العالم في المدينة، أو القرية التي تحيط بها العشائر، أو في القري المتقاربة، ان يبني مدرسة دينية، ويكون حوزة علمية، تتناسب مع كمية اهالي المنطقة، فان هذا العمل لو تم في البلاد، لأتي بأحسن الثمار وخير الفوائد.

وقد يظن انه عمل صعب، ولكنه عمل بسيط ويسير في نفس الوقت، ان بناء مدرسة بدائية، ليس اكثر نفقة وصعوبة من بناء مسجد، أو بناء دار للعالم، أو بناء مكتبة.

ففي المنطقة الثرية يمكن بناء المدرسة في ظرف ثلاثة اشهر، وفي المنطقة الفقيرة يمكن بنائها في سنة حسب التقريب لا التحقيق، طبعاً-.

واما الطلاب، فهم يزدلفون اليها، بأقل قدر من المساعدة والعون، حيث ان الحب الفطري للإسلام من اكثر المحفزات، للانخراط في سلك حملته.

وليس ما ذكرناه خيالاً بعيداً عن الواقع، فقد كان احد العلماء خطط لهذا الامر، وفي ظرف ما يقارب عشر سنوات، بني

اكثر من مائة مدرسة في مناطق مختلفة من قطر واحد.

وهناك فائدة اُخري يجتنيها العالم من بناء المدرسة وتكوين الطلاب، وهي ان الطلاب يكونون اعوانه في الهداية والإرشاد، ويلتف الناس حول الإسلام بسببهم اكثر فأكثر، وفي ذلك خير الدنيا والآخرة، للناس، وللعالم علي حد سواء.

22 اكتساب ثقة الناس

كل إنسان يعيش بثقة الناس به، مثلاً التاجر الذي تُسلب ثقة الناس منه تؤول تجارته إلي الإضمحلال، لان الناس لا يتعاملون معه، والحاكم الذي تزول ثقة الناس عنه، يُنحّي عن منصبه إما بعدم انتخابه إذا كانت بلاد حرية أو ازاحته بالقوة إذا كانت بلاد ديكتاتورية والإمام الذي تزول ثقة الناس عنه، ينتهي إلي ان يصلي فرادي، وهكذا في سائر الشؤون الإجتماعية.

والعالم من احوج الناس إلي الثقة به، والا لانفض الناس من حوله، ولم يتمكن من الهداية والإرشاد، ولذا يجب عليه ان يتحفظ باكبر كمية من ثقة الناس. كيفاً وكماً، فيجلب إلي نفسه اكبر عدد ممكن من الناس، ويعمل لتزايد ثقتهم به، فإنه كلما كان الاعوان اكثر، وكانت ثقتهم ازيد، كان تمكن العالم من خدمة الإسلام اكثر..

وزيادة ثقة الناس، تتطلب جهداً كبيراً من الإنسان، وعملاً دائباً متواصلاً نلمع إلي بعض بنوده الأساسية:

1 - الإخلاص للّه تعالي، فإن من احبه اللّه سبحانه، أحبه الناس كما في مضمون بعض الأحاديث (1).

2 - استواء الظاهر والباطن، وهذا من أشكل الاُمور.

3 - قطع الطمع عن الناس.

4 - الدؤب في العمل، فان الناس يلتفون حول العاملين المجاهدين.

5 - الأخلاق الحسنة بما فيها الشجاعة والشهامة والسخاء وحفظ اللسان.

6 - عدم التبجح، ولو بالكتابة والإشارة.

7 - القصد في جميع الامور.

8 - مراقبة انعكاسات عمله، فان لعمل الإنسان انعكاساً في المجتمع حسناً أو سيئاً، فقسم من الناس يلاحظ الهدف ويمشي

بدون ملاحظة انعكاس مشيه هل يستحسنه الناس أم لا؟ وهذا الإنسان خليق بأن لا يصل إلي الهدف، وقسم آخر يخطو خطوة خطوة. ملاحظاً في كل خطوة انعكاس عمله، فان رأي انعكاساً حسناً زاد في السير، وان رأي انعكاساً سيئاً اصلح عمله حتي لا يستمر سوءاً علي سوء، واخيراً ينفض الناس من حوله، ولا يصل إلي الهدف..

وليس معني هذا ان يأتي الإنسان بالباطل، أو يترك الصحيح، بل معناه ان يأتي بالصحيح باسلوب ذكي وبحكمة، لئلا ينفضوا من حوله، انظر إلي هذه الآية الكريمة: (انّا أو إيّاكم لعلي هدي أو في ضلال مبين)(1) انه كلام لا يستفز الطرف، مع انه صدق وحق، ولو قال: انكم علي باطل ايها الكفرة الفجرة لكان صدقاً أيضاً، وحقاً، لكنه ربما أوجب استفزازاً.

23 إقامة الاحتفالات والمناسبات

ينبغي للعالم حفظ المناسبات الدينية، بعقد احتفالات بمناسبة الأعياد، وتأبينات بمناسبة الوفيات، فانه احياء لذكري المعصومين عليهم السلام، وبدوره يؤثر في اتخاذ الناس، للائمة عليهم السلام، اسوة وقدوة.

وهذه خطوة نحو الهدف، بالإضافة إلي انه يوجب التفاف الناس حول العالم، مما يساعده علي نشر الإسلام وهداية الانام وترويج الأحكام.

24 العالم اسوة وقدوة

ينبغي للعالم الإلتزام حسب الإمكان بالحج وبزيارة المشاهد المشرّفة، في المواسم الخاصة فإن في ذلك ترويجاً للإسلام، وتعليماً للناس، إذ العالم اُسوة، فما فعله يفعله الناس تلقائياً، وما تركه يتركه الناس تلقائياً. فإن الناس ينظرون إلي الأعمال أكثر مما ينظرون إلي الأقوال.

ومن المعلوم ان تعوّد الناس علي الحج والزيارة يوجب توجههم إلي اللّه سبحانه وإلي اولياءه، أكثر فأكثر، وذلك بدوره تقوية للدين واقامة لعماد الإسلام، وتعويد للناس علي السير في طريق الهداية والصلاح.

25 الأخلاق

انّ أحوج ما يحتاج إليه العالم هو الأخلاق والأخلاق هو الهدف الأسمي من بعثة الرسول صلي الله عليه وآله وسلم فقد قال صلي الله عليه وآله وسلم: انما بعثت لاُتمّم مكارم الأخلاق(1) والأخلاق توجب:

أولاً: التفاف الناس حول العالم، وفي المثل ولامناقشة في الأمثال: انّ نقطة من العسل تجلب من الذباب ما لا يجلبه برميل من العلقم.

ثانيا: اتباع الناس للعالم في الأخلاق، فتحسن اخلاقهم، والمراد بالأخلاق ليس التعارف والسلام والبشر فقط بل ما ذكره (جامع السعادات) وغيره من الكتب الأخلاقية، فالصدق والأمانة والغيرة والحياء والنشاط ولين الكلام والمراقبة وغيرها كلها من الأخلاق.

26 تنظيم المستوي الصحي

العالم طبيب الجسد إلي جنب كونه طبيب الروح، وقد قال الإمام أمير المؤمنين علي عليه السلام: انما العلوم اربع … والطب لحفظ الأبدان.

ولو جمعت الإرشادات الصحيّة وقاية وعلاجاً الواردة في القرآن الحكيم والسُنَّة المطهرة مع التوضيح والتعليق ليبلغ ما يقارب الف صفحة.

فعلي العالم ان يهتم بالمستوي الصحي للناس، بارشادهم إلي طرق الوقاية والعلاج حسب خبرويته ثمّ بالإهتمام بامورهم الصحية من العمل لاجل الوقاية، ولاجل علاج الامراض والمرضي.

وفي ذلك خدمة مزدوجة، خدمة الجسم وخدمة الروح، حيث ان الناس إذا شعروا من العالم الإهتمام بشئونهم التفوا حوله، وامتثلوا اوامره، وفي ذلك صلاح الإسلام والمسلمين.

27 حفظ الأقرباء

صحيح ان العالم لا يمكن ان يؤثر علي كل اقرباءه، ويهديهم سبيل الرشاد فإنا نري ابن نوح عليه السلام: وعم النبي صلي الله عليه وآله وسلم (ابا لهب)، ولكن للحفظ والرعاية اهمية كبيرة.

فإن اولاد العالم واهله واقرباءه لو كانوا صالحين كان تأثيركلام العالم اكثر، وان كانوا بالعكس من ذلك كان تأثير كلامه اقل، فإن الناس خصوصاً المغرض منهم يقولون: لو كان ما قاله العالم صدقاً فلماذا لا ينصح ولده؟ ولا يزجر قريبه؟ ولا ينهي أهله؟

وكثيراً ما يكون العمل الذي يأتي به القريب جائزاً لكنه خلاف الأليق بالعالم، فاللازم علي العالم ان يردعه بالتي هي أحسن.

28 أهمية التخطيط

من أهم الامور لكل انسان عامل ان يخطط ويوزع اعماله، فان للتخطيط أهمية كبري في النجاح، والوصول إلي الهدف، والتخطيط لا بد وان يسبقه التفكير الناضج.

وهذان مما لا بد للعالم منهما، ان العالم يضع نفسه في نقطة تيارات واتجاهات وآمال وآلام، فإن لم يخطط، وترك الأمر كيفما سارت به الرياح خسر الهدف، وخسر العمر، وبخسارتهما يخسر الإسلام خسارة عظيمة.

فمثلاً: ينبغي ان يخطط العالم:

1 من اين يأتي بالمال، وكم يحتاج من المال لاهدافه؟

2 وماذا يصنع بالمال؟

3 وكم ينبغي له من الاعوان وكم يحتاج إلي الطاقة لوصوله إلي هدفه المنشود؟

4 وكيف ينبغي البناء لاسس الإيمان والهدم لاسس الضلال؟

5 ومن يعتمد؟

6 وكيف يعاشر؟

إلي غيرها وغيرها..

وينبغي ان يكون التخطيط كبيراً ورفيعاً وبعيد المدي، وان كان التطبيق يبدء به من زاوية صغيرة، مثلا: يخطط المهندس لبناء دار ذات عشرين طابق في مدة كذا سنة، علي مساحة عشرة آلاف متر، ثمّ يبدأ بالبناء في الاسبوع الأوّل من التخطيط مبتدءاً ببناء طابق واحد فقط وهكذا.

فالعالم إذا كان في قطر نفوسه مائة ألف، يخطط لتكوين مائة مبلّغ، وعشرة

مدارس ومائة مسجد، وخمس مستوصفات، وعشرة مكتبات، وهداية عشرة آلاف من الشباب، وتزويج الفي اعزب فتي وفتاة، وهكذا، ثمّ يقدر المدة الممكنة لتنفيذ التخطيط وسائر ما يحتاجه هذه المشاريع.

فانه إذا خطط، وعمل جاداً، فالغالب ان يصل إلي قدر كبير من الهدف، بينما لا يصل حتي إلي قدر ضئيل من النجاح والهدف الممكن إذا لم يخطط، أو لم يعمل حسب ما يخططه من الأعمال الممكنة.

29 توزيع الكتب

يلزم علي العالم نشر ثقافة الاسلام بكل الوسائل الممكنة، ومن الوسائل الفعالة لذلك، نشر الكتب وتوزيعها، بان يشتري منها كميات، ويوزع حسب مستويات المثقفين، فان الإسلام قد غطه ركام من الأفكار الغريبة، ولذا ظن كثير من المثقفين ان لا اقتصاد، ولا سياسة، ولا نظام، ولا قوانين اجتماعية أو جنائية أو ما أشبه … في الإسلام، وهذا الركام الكثيف انما ينقشع بالمقابلة بالمثل، بأن توزع الكتب الإسلامية المتعرضة لمختلف جوانب الإسلام.

ثمّ: لنجعل علماء البلاد (غير المراجع الكبار) علي ثلاثة اقسام:

1 - ينبغي له ان يوزع علي الأقل كل يوم بمعدل عشرة كتب.

2 -ينبغي له ان يوزع كل يوم بمعدل ستة كتب.

3 - ينبغي له ان يوزع كل يوم بمعدل اربعة كتب.

ولا نستغرب من هذا إذا علمنا ان مجلة (العربي) توزع كل شهر ما يتراوح بين (150) و(250) الف نسخة، وإذا علمنا ان المسيحيين في قطر اسلامي نفوسه 25 مليون نسمة يوزعون كل سنة 60 مليون كتاب.

30 السمو بالروح

ينبغي للعالم ان يرفع مستويات المسلمين، بايجاد روح العزة وروح الرجاء فيهم، لا العزة الكبريائية، ولا الرجاء المكذوب، بل العزة التي ذكرها اللّه سبحانه بقوله: (للّه العزّة ولرسوله وللمؤمنين)(1) والرجاء المقترن بالعمل.

فإن روح العزة الكبريائية، تكبر واستعلاء، وأخلق بالإنسان المتكبر ان يتأخر ويسقط، والرجاء الفارغ تمني وباطل، وقد قال اللّه سبحانه: (ليس بأمانيّكم ولا أماني أهل الكتاب، من يعمل سوءاً يُجز به)(2) فالأماني لا توجب التقدم، وانما رفعة النفس المقترنة بالعمل اللائق هي التي توجب التقدم.

وانما ينبغي للعالم ذلك، لان المسلمين قد انهزموا امام بريق الغرب والشرق واختطفت زخارف المدنية قلوبهم والبابهم فحسوا بالذل وباليأس.

ومن المعلوم ان الإنسان الذي يحسّ بانه ذليل، والإنسان الذي ييأس عن التقدم لا يمكن لهما

ان يتقدما ولو مقدار انملة، فإن أول كل تقدم: عزة النفس والرجاء المتزايد.

31 الحاشية

الإنسان وحده لا يتمكن ان يعمل عملاً كبيراً، ولذا ينبغي للعالم ان يكوّن لنفسه حاشية صالحة يستعين بها علي مآربه الإسلامية.

والحاشية تجب أن تكون منظمة، فمثلاً يجعل العالم حاشية لنفسه مكونة من عشرة اناس صالحين نشطين، ويجعل لكل واحد من العشرة اربعة اعوان منظمين أيضاً، فيخصص فئة للامور الإقتصادية، وفئة للاُمور الثقافية، وفئة للاُمور البنائية، وفئة للامور الإجتماعية، وهكذا.

فالفئة الإقتصادية: همّها جمع الحقوق والإستثمار.

والفئة الثقافية: همّها نشر الثقافة الإسلامية بالطبع والنشر والتوزيع.

والفئة البنائية: همّها بناء المدارس والمساجد والمكتبات.

والفئة الإجتماعية: همّها اقامة الإحتفالات.. وهكذا..

ويجتمع العالم بالحاشية كل شهر مرة للتفكير والتخطيط وكيفية التنفيذ وحل المشاكل، وهذا العمل من اكبر المساعدات لتمشية الامور، والوصول إلي الهدف.

وأظن لو ان الوكلاء في البلاد اتخذوا هذه الخطة، لقفزت البلاد إلي الإسلام قفزاً، في مدة لا تعدوا خمس سنوات.

32 نقد النفس

من الاُمور المهمة علي العالم ان يري نفسه دائماً مقصراً، أمام اللّه وأمام خدمة الإسلام والمسلمين، فإن نقد النفس ورؤية الإنسان نفسه مقصراً، من أكبر حوافز التقدّم واصلاح الأخطاء، والإستعداد للمشاورة مع الناس وتقبل آرائهم.

ولذا ورد في الدعاء: اللّهمَّ لا تخرجني من التقصير(1) أي أكون بحيث أري نفسي مقصرة دائماً.

وورد في الحديث: احبّ إخواني إليَّ من أهدي إليَّ عيوبي(2).

و: المؤمن مرآة المؤمن(3).

كما ورد: صديقك من صَدَقك لا من صدّقك.

33 الإستطلاع

علي العالم ان يستطلع عن أحوال البلد وحواليه، وعن مختلف احوال الناس وشؤونهم، العامة والخاصة، إذ العمل في الإجتماع بدون الإطلاع علي احواله لا يمكن ان يأتي بنتيجة حسنة. فإذا رأي في الشباب إنحرافاً، وعرف اتجاه الإنحراف، عمل لإزالة ذلك الإنحراف، وإذا رأي تدهوراً في الإقتصاد عمل لترفيع المستوي الإقتصادي، وإذا رأي كثرة الجرائم في المجتمع، وتعرّف علي اسبابها، تمكن من ازالة تلك الأسباب، وهكذا في سائر الامور المرتبطة بالعالم، ديناً أو دنيا.

ومن الأفضل ان ينتخب اناساً مخصوصين لهذا الشأن يخبرونه يومياً بالأخبار والأحوال … هذا حال البلد، وهكذا بالنسبة إلي احوال الأطراف القريبة والبعيدة.وفي الحديث الشريف: العالم بزمانه لا تهجم عليه اللوابس(1).

34 التوسط في المعيشة

علي العالم ان يتوسط في المعيشة، حتي إذا كان من اغني الأغنياء، فان الإرتفاع في المعيشة يوجب تكلم الناس عليه، بالإضافة إلي ارتداد الفقراء عنه، وكلا الامرين مضران بهدف العالم، فان سقوط مكانته في القلوب يوجب تعسر وصوله إلي الهدف المنشود، وهو نشر الأحكام واقامة عمود الإسلام، والاسفاف في المعيشة يوجب ازدراء الناس به، وترفع الكبراء والاغنياء عليه، ومن المعلوم ان هذا موجب لابتعاد الناس ايضاً عنه، وذلك ضار بهدفه، وخير الاُمور أوسطها(1).

35 التعاضد والتنسيق

وفي غالب الأحيان يكون في البلد وكيلان أو وكلاء أو علماء متعددون، ومن اهم الامور ان يتعاضد ويتعاون وينسق هؤلاء بعضهم مع بعض، فان التعاون له فوائد:

1 - فائدة القوة، فإن القوّة تكون مع الجماعة، والضعف يكون مع الفرد، والقوة من اهم ما يحتاج إليه العالم.

2 - قطع ألسنة بعض الناس علي العلماء، وتكلّمهم علي العالم مما يضره ضرراً كبيراً.

3 - انه إذا اشتغل بعض العلماء بتنقيص آخرين اوجب ذلك صرف بعض قواه، وصرف القوة في البناء اولي من صرفها في الهدم.

وكثيراً ما يوجد اناس في صورة العلماء لا يستعدون للتعاون، بل يذهبون إلي التنقيص والازدراء، فاللازم علي العالم النبيه ان يكف لسانه، ولا يشغل نفسه بالتهاتر والمحاربة، ولا يظن ان عدم تنقيص الطرف يوجب كسر هذا، فان عدم تنقيص هذا لذاك يوجب ارتفاع مكانته في القلوب، وسقوط مكانة ذلك،وفي دعاء مكارم الأخلاق: ومن اغتابني إلي حسن الذكر(1)، لكن هذه الصفة (ما يلقّاها إلاّ ذو حظّ عظيم)(2) كما قال القرآن الحكيم.

36 هداية المنحرفين

علي العالم ان يهتم لهداية الفئات المنحرفة عن الإسلام، فانه كثيراً ما يكون في البلد أو في نواحيه فئات خارجة عن الإسلام، أو منحرفة عن الإسلام المستقيم.

والغالب أن العالم يظهر اليأس عن الجدوي في التكلم مع هؤلاء لهدايتهم، لكن الأمر بالعكس فإن البشر غالباً ليس معانداً، وغير المعاند إذا عرف الحق اتبعه، وحتي المعاند إذا عرف الحق خشع له وان لم يدخل في سلك المستقيمين.

وقد أرانا التاريخ، كثيراً من العلماء الذين جاهدوا لأجل هداية الضالّين فنجحوا نجاحاً باهراً ومن لجّ وَلَجَ ومن اكثر طرق الباب يوشك ان يسمع الجواب.

فعلي العالم ان يشمّر عن ساعد الجد لهداية الفئات المنحرفة سواء كانوا غير مسلمين أو مسلمين

منحرفين

37 الغضب والضجر

شيئان يذهبان ببهاء العالم، والعالم غالباً معرض لهما لسبب كثرة التفاف الناس حوله بمختلف أقسامهم هما:

1 - الغضب.

2 - والضجر.

وكلاهما معرض لهما العالم فإن بعض الاُناس الذين يلتفون حول العالم، كثيراً ما يسببون له استفزازاً، بالحافهم والحاحهم، وجهلهم وخشونتهم، وسوء ادبهم، وكثرة تكلمهم، والعالم مهما كان، فهو بَشَر يستفّزه الأمر السيّء، فيضجر ويظهر الضجر، ويغضب ويظهر الغضب، وكلا الأمرين يوجبان انفضاض الناس من حوله.

فإنه ربما يلح فقير في الطلب، أو يسيء الأدب فيضجر العالم ويتفوه بكلمة نابية، فستكون تلك الكلمة سبب انكماش الآخرين من حوله، خصوصاً والناس يتوقعون من العالم ان يتحلي بأجمل الأخلاق، وان يكون اُسوة لهم، في المجاملة والمداراة، وان الناس يرون العالم خليفة رسول اللّه صلي الله عليه وآله وسلم والائمة الطاهرين عليهم السلام المعروفين بأرقي الصفات وأجمل الملكات.

فعلي العالم أن يصمم علي عدم الضجر والغضب مهما كلف الامر، وكثيراً ما يعتاد الإنسان الصفة إذا مارسها، مدة مديدة، وبذلك يسهل عليه الإحتمال ولا يصعب عليه تحمل الخشونه من الناس وغلظتهم، فلا ينفض الناس من حوله، ولا يكون ذلك سبباً لبعده عن الهدف المنشود له.

38 الاهتمام بالحقوق الشرعية

الحقوق الشرعية عصب الهداية، وتوجب تقديم الإسلام، فان غالب الامور يحتاج إلي المال، وقد جعل اللّه الحقوق لاقامة المشاريع وسد الحاجات، وفي الحديث: ان الخمس عوننا علي ديننا(1).

فعلي العالم أن يهتمّ اهتماماً خاصاً لتوجيه الناس نحو اعطاء الحقوق الشرعية، فإن في الإعطاء فوائد جمة:

منها: تنزيه الناس عن الحرام حيث ان عدم دفع الحقوق من اشد المحرمات، وربما كان سبباً لبطلان الصلاة والصوم والحج وسائر الامور العبادية كما ذكره الفقهاء في كتب الفقه.

ومنها: قيام المشاريع الإسلامية، وسد حاجات الفقراء والمعوزين وتمشية أمور أهل العلم والدين.

ومنها: التفاف الناس حول الدين

وأهله أكثر فأكثر، فإن الدافع للحقوق تحدث في نفسه علاقة خاصة للدين، فإن من دفع لأجل امرٍ، رأي نفسه قريباً لذلك الأمر، فيدافع عنه ويهتم بشأنه، كأنه وليه.

ألا تري ان من دفع ديناراً لحسينية أو مسجد أو مدرسة، يري في نفسه انه ملزم بذكر محاسنها والدفاع عنها، بخلاف من لم يقدم شيئاً، فانه يري نفسه اجنبياً عنها فلا عليه ان ذمت، ولا يهمه ان مدحت، وذلك لان الإنسان مجبول عن الدفاع عن نفسه وعن شؤونه المتعلقة به، مهما كان التعلق ضعيفاً واهياً، ومن أنواع التعلق اعطاء المال.

39 تعمير مراقد الصالحين

علي العالم ان يهتمّ بكل الشؤون الإسلامية، فإن في رفعة تلك الشؤون، تمكين الدين في النفوس، بالعكس من انحطاط تلك الشؤون فإن فيه ازدراء النفوس بالدين.

ومن الشؤون الدينية: مراقد الأنبياء والائمة وذويهم صلوات اللّه عليهم والعلماء والمساجد وما اليها.

فعلي العالم ان يهتم بعمارة تلك المراقد والمشاهد والمساجد، بما يليق بمكانتها وقدسيتها، وتنزيه اطرافها عن المنكرات والآثام، وما لا يليق بشأنها، فهي من البيوت التي: (أذن اللّه أن ترفع ويذكر فيها اسمه)(1).

وفي كثير من البلاد مرقد عظيم من عظماء المسلمين أو مسجد كبير، وقد لاحظت ان انهدام مسجد الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام قرب مدينة البصرة في العراق، ومسجد الجمجمة للإمام عليه السلام أيضاً قرب الحلة في العراق، يثير ازدراءاً بالمؤمنين يبعث علي الإستفهام: لماذا بقي هذان الاثران العظيمان خراباً؟

ولعل له عذراً وأنت تلوم فربما هناك اعذار وجيهة محتملة في حق الذين لا يقومون بالبناء، لكن ذلك لا يوجب عدم توجه اللوم، وعدم التأمل، فعلي الإنسان ان يخرج نفسه من هذا المأزق مهما كلف الأمر، وان كان معذوراً واقعاً عند الشرع وعقلاء العرف.

40 التدرج بالسلطات

السلطات غالباً حيث تبطرها القوّة والسلطان والجاه والمال، تنحرف عن الإسلام انحرافاً كبيراً أو قليلاً، والعنف غالباً لا يزيد الأمر إلا اعضالاً خصوصاً في ظروف انحطاط المسلمين وكون الدفة بيد الأجانب.

فمن الضروري علي العالم ان يستدرج بالسلطة إلي حظيرة الإسلام، والحيلولة دون استغلال الفساق لها في مأربهم المنحرفة، وذلك بالتعرف والتعارف، والمجاملة والمودة حسب الموازين الشرعية في مقابل عدم سماح السلطة للفسقة وأهل المنكرات، وتمشيتها للامور الإسلامية في البلاد، ذلك حتي يقوم حكم الإسلام من جديد باذن اللّه تعالي.

ولا يخفي ان ما ذكرناه انما نقصد به غير الظروف الإستثنائية،

التي يرجح فيها مقاطعة السلطات لأنها تقوم بمنكرات كبيرة، أو ارادت ان تقوم، مما يكون القطع أنفع من الصلة.

كما ان من اللازم أن يلاحظ العالم الذي يراود السلطة لأجل تمشية اُمور الإسلام، كم يعطي؟ وكم يأخذ؟ فان مجاملة العالم للسلطة إعطاء لها وأي إعطاء؟ وقيام السلطة بخدمة الإسلام ومكافحة المنكرات أخذ منها، فاللازم المقارنة بينها، لئلا يكون العالم قد اعطي أكثر مما اخذ ليخسر بذلك سمعته وآخرته في وقت واحد.

41 عدم الدخول في الخلافات الاجتماعية

لابّد في كل مجتمع أن يكون هناك خلافات بين الناس، خلافات تافهة، أو خلافات عميقة.

فمثلاً: من الخلافات: ان الرزق بالقسمة أو بالهمّة، أو أن الزوجة بالحظ أو بالإختيار أو ما أشبه، وكذلك قد يكون الخلاف من قبيل الخلاف في ان العالم الفلاني الذي مات منذ قرن انسان طيب أو خبيث، أو من قبيل ان هذه المحلة أفضل ام تلك، إلي غيرها.

ومن الضروري علي العالم ان لا يدخل في أمثال هذه الخلافات فأنها خلافات تضر العالم إذا دخل فيها لانشقاق الناس عليه، ولا تنفعه، فاللازم ان يتجنبها بكل ذكاء ولباقة.

ثمّ: إذا تمكن فاللازم عليه التقليل منها والحد من نشاطها والتوجيه إلي الصحيح الذي ينبغي اتباعه بكل لطف ولين.

ومن هذا القبيل، ان هناك اناساً في المجتمع ينقسم الناس حولهم فمن مؤيّد ومن مخالف فاللازم علي العالم أن يجتنبهم بدون محاربة وأن يحفظ لسانه وحركاته من ابداء المخالفة أو الموافقة لهم، فإن ذلك أيضاً يوجب انشقاق الناس عليه بدون ان يستفيد من وراء ذلك أية فائدة.

42 الشجاعة

ان من أهم ما يجب ان يعوّد العالم نفسه هو الشجاعة بحكمة، فإن الشجاعة مفتاح التقدم في كل زمان أو مكان.

ولو نظرت إلي تاريخ الأديان، والمباديء، والمذاهب، والحكومات لرأيت انها ابتدأت بالشجاعة وانتهت بالنسبة إلي ما انتهت واضمحلت بالجبن، لكن اللازم إقتران الشجاعة بالحكمة، والا كان تهوراً.

وكثيراً يكون الإنسان بطبعه جباناً، لكنه إذا خطط وفكر، ونظر في اسوء الإحتمالات ولقن نفسه الشجاعة، وتبني الإقدام، انقلب شجاعاً.

والعالم يحتاج إلي الشجاعة في التكلم، والشجاعة في مناهضة الباطل، والشجاعة في الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، والشجاعة في التأسيس، والشجاعة في خوض المهمات، وفي الحديث: ان اللّه يحب المؤمن الشجاع.

43 التطهيرالاجتماعي

لقد اصبحت حالة المسلمين بحيث تجد في كل بلد وقرية، بل وبرية، منكرات كثيرة أو قليلة، تجاهر بخرق حرمات الإسلام، وتجلب إلي حضيرتها الفتيان والفتيات، بل وكثير من الأحيان الشيوخ والعجائز أيضاً، والمنكر بطبعه توسعي، فاللازم علي العالم ان يبدء بمكافحة المنكر، وتطهير البلاد منه، وإذا خطط العالم وفكر واستشار واستعان بالأعوان، في رفع المنكرات، كثيراً ما يوفق لإزالتها أو التقليل منها.

وهذا من اوجب الخدمات التي يلزم علي العالم القيام بها، فإن ازالة المنكر خدمة إسلامية، وتضفي علي العالم هيبة كبيرة في النفوس، وتوجب التفاف الناس حوله وتحفظ الإجتماع عن الإنزلاق.

44 الحضور الدائم للعلماء

علي العالم ان يجند نفسه للقيام بالشؤون الإسلامية، كالقضاء بين الناس واصلاح شؤونهم، والمواظبة علي صلاة الجماعة في الاوقات الثلاثة مهما وجد قلة المأمومين، والحضور في الحفلات الدينية، إلي غيرها، فإن للمظاهر والشعائر الأثر الكبير في جلب الناس إلي حظيرة الإسلام.

لكن ينبغي ان يقرن ذلك بالدعاية الواسعة النطاق وليس هذا من الدعوة إلي النفس، بل من الدعوة إلي الإسلام فيدعو الناس إلي الترافع عند العلماء وإلي حضور الجماعة، وإلي حضور الإحتفالات، وهكذا فإن النبي صلي الله عليه وآله وسلم والائمة الطاهرين عليهم السلام كانوا يدعون إلي انفسهم لا انانية والعياذ باللّه بل دعوة إلي الإسلام وهداية للناس، وهم اسوة لخلفائهم العلماء فاللازم اتباع العالم لهذه الخطوة المباركة.

45 القانون

من ادهي ما مني به المسلمون، القوانين المخالفة للإسلام، فقد قال اللّه تعالي: (ومن قال ساُنزل مثل ما أنزل اللّه)(1).

والمقننين لم يقتنعوا بذلك، بل ذهبوا إلي ابعد حيث ان لسان حالهم: سننزل أفضل مما أنزل اللّه لذا يجب علي العالم ان يجاهد للحد من نشاط القوانين المخالفة، والسعي لإزالتها بالتوسط لدي السلطات، والتنبيه علي مواضع الخطأ، وايقاظ المسلمين لهذه الكارثة، وتأليف الكتب والمقالات حول مضار القوانين المخالفة.

واني اظن انه لو قام مائة عالم مخلصين فاقهين مجاهدين لإزالة القوانين المخالفة وتبديلها بالقوانين الإسلامية، لنالوا بغيتهم في أقل من عشر سنوات، وفي مثل هذا اكبر خدمة للإسلام والمسلمين.

46 اثارة الروح الجهادية

روح الجهاد روح خاصة قد تكون في جسم الاُمة، وقد لا تكون، وهذه الروح هي ميزان الرقي والتعالي، فأية اُمة اتسمت بهذه الروح، تأخذ بالسمو والإرتفاع بقدر اتصافها بهذه الصفة وأية اُمة خلت من هذه الروح، تأخذ في الإنحطاط والإضمحلال، حتي تكون من منسيات التاريخ.

والمسلمون اتصفوا بهذه الروح منذ عصر الرسالة إلي ما يقارب من قرن، ثمّ الغربيون جاهدوا والسلطات الجاهلة للمسلمين ساعدتهم لإخماد هذه الروح، وبالفعل صارت الروح الجهادية غالباً من أخبار ليس.

فمن أوجب الضروريات علي العالم إيجاد هذه الروح في المنطقة التي يتولي شأنها، بالخطابة، والكتابة، والتوجيه، واقدامه بنفسه علي ذلك، وتسخير سائر امكاناته لهذه الغاية النبيلة.

والمراد بالجهاد: معناه الواسع، الذي يبتدء بالإرشاد، والأمر بالمعروف، وينتهي إلي ميادين القتال والمحاربة المشروعة فقد قال اللّه تعالي: (..وما لكم لاتقاتلون في سبيل اللّه والمستضعفين..)؟(1) فالجهاد يكون لأمرين:

الأوّل: لإعلاء كلمة اللّه سبحانه في الأرض.

الثاني: لإنقاذ المستضعفين من أيدي الجبابرة والطغاة.

47 الاطلاع علي أحوال المسلمين

ينبغي للعالِم ان يكون دائم التطلع علي أحوال العالَم بمختلف قطاعاته، واتجاهاته، وحركاته، وخصوصاً إلي احوال مسلمي العالم، ثمّ بعد ذلك يجند نفسه لخدمة المسلمين في مختلف شؤونهم وقضاياهم، واسعافهم في مشاكلهم ونكباتهم، بقدر الإمكان، ببرقية أو وساطة، أو لقاء سفير، أو ارسال عون، أو تحريك السلطات المحلية لإسعاف المنكوبين والمظلومين، إلي غيرها من وسائل الدعم والعون.

وأمثال هذه الاُمور وإن كانت سهلة صغيرة بالنسبة إلي العالم خصوصاً إذا كان عالماً ذا مكانة مرموقة لكنها ذات فوائد جمة بالنسبة إلي المظلومين والمنكوبين.

48 حل المشاكل

علي العالم ان يتبني حل مشاكل الناس وينصب من نفسه قائماً بمهامهم، فإن العالم إنما جعل للدين والدنيا، والناس يلتفون حول الحلاّل للمشاكل، بما لا يلتفون حول سواه.

ولذا ورد في متواتر الأحاديث التحريض والحث علي قضاء حوائج الناس.

والعالم بما اوتي من قوة ومنعة ونفوذ كلمة ببركة الدين يجب عليه ان يقابل ذلك بالشكر، ومن اقسام شكر هذه النعم: القيام بحوائج الناس، وحل مشكلاتهم، وانقاذهم من المعاضل والنكبات فقد قال سبحانه: (اعملوا آل داود شكرا)(1) فإن الشكر له مركز في القلب ومركز في اللسان ومركز في الجوارح..

وإذا قام العالم بحل المشاكل التف الناس ببركة ذلك حول الإسلام، وكان ذلك من اسباب خدمته لهدفه الذي هو ترويج الدين ونشر الشريعة وترسيخ الإسلام في القلوب.

49 توفير الأئمة والمبلغين

يلزم علي العالم ان يوفر ائمة الجماعة والمبلغين، في اطراف بلده وعشائره المحيطة بالبلد بل في كل أقطار العالَم حتي يتوسع الإسلام وتنكمش الآثام.

وهذا شيء سهل لا يطلب من العالم الا جهداً ابتدائياً، إذ الرزق علي الله سبحانه، والناس يلتفون حول الإمام والمبلغ، بعد مرور زمان، وتوفير الأئمة والمبلغين، يعود إلي نفس العالم بافضل ثمار دينية ودنيوية، فإن الشجرة لا تقوم الا بالجذور، والائمة والمبلغون في اطراف البلد وقراه وعشائره، بمنزلة الجذور للعالم فيدفعون عنه عادية اعداء الإسلام، كما يجلبون إليه فوائد مادية ومعنوية.

50 تسهيل طرق التبليغ

من اللازم علي العالم ان يسهل طرق البلاغ والرشاد، وذلك بان يوجد مجالس للمبلغين، ويوصي الناس بهم، ويكوّن مساجد لائمة الجماعة، ومدارس لطلاب العلوم الدينية، واوقاف للشؤون الإسلامية، ويفتح المكتبات الإسلامية للمطالعين، ويستحصل علي اجازة التأليف والنشر، ويتصل بالمراكز العلمية لقبول الجدد من أهل العلم، ويحل مشاكلهم.

فإن فتح الطريق أمام المبلغين وأهل العلم، وتذليل الصعاب أمام الحركة الإسلامية، من أهم وسائل تقدم الإسلام ونشر الأحكام، وذلك يوجب محبوبية العالم، والتفاف الناس حوله، وذلك مما يخدم هدفه، ويسهّل مهمته ويسبّب تخفيف الوطأة عليه وقوة جهازه الدفاعي أمام الأعداء، وعند النكبات الطارئة.

51 المظاهرات والإضرابات السلمية

ينبغي للعالم أن يتّخذ ازاء الحكومات الجائرة التي تعارض الإسلام وتعادي قوانينه اُسلوب النصيحة أوّلاً، فإذا لم ينفع فاللازم الإستفادة من التجمّعات الضاغطة وتوسيط الوجهاء ورؤساء العشائر والأحزاب وغيرها حتّي تكفّ الدولة عن ظلمها وجورها وتلتزم بشرائع الإسلام، وإذا لم ينفع ذلك فاللازم الإستفادة من الإضرابات والإعتصامات والمظاهرات السلمية الجماهيرية حتّي يتحقّق المطلوب.

أما الإنقلابات العسكرية فهي مرفوضة جملة وتفصيلاً، كما أن استخدام أية طريقة عنف كالإغتيال والإختطاف والتفجيرات و … محرّم شرعاً، ولا يجرّ إلاّ الضرر علي المسلمين، وسوء السمعة للإسلام، قال تعالي: (ادع إلي سبيل ربِّك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالّتي هي أحسن)(1).

52 اشاعة حالة التعدّدية

من الضروري علي العالِم أن يوجد حالة من التنافس الايجابي علي أعمال الخير بين مختلف الناس، فقد ورد في الآية الشريفة: (وفي ذلك فليتنافس المتنافسون)(1) و: (وسارعوا إلي مغفرة مِن ربّكم)(2) و: (فاستبقوا الخيرات)(3).

فعليه أن يوجد عدّة تجمّعات وهيئات وتكتلات ولجان متنافسة، في طباعة الكتب الدينية والفكرية، وتاسيس المؤسسات الإسلامية والإنسانية، وتزويج العزاب، وقضاء حوائج الناس وهكذا، فإن ذلك من أهم اسباب سد الثغرات وتقدم الاُمّة وتطور البلاد.

وكما في البنية الداخلية للمجتمع فكذلك في الدولة فإن الدولة التي تحكمها احزاب متعددة تتناوب علي السلطة في الإنتخابات حرة، تكون أقوي وأسلم وأفضل وأصلح للاُمة من الدولة التي يحكمها الحزب الواحد أو الفرد الواحد أو التيار الواحد.

وقد قال علي عليه السلام: أعقل الناس من جمع عقول الناس إلي' عقله وهل الجماعة الواحدة أعقل أو جماعات كثيرة؟

فالواجب علي الوكلاء ان يسعوا لتحقيق التعددية السياسية في الدولة عبر الطرق السليمة و الموعظة الحسنة.

53 إصلاح ذات البين

ورد في الحديث الشريف: اصلاح ذات البين أفضل من عامة الصلاة(1) فعلي الوكلاء ان يهتموا للإصلاح بين المؤمنين في اي خلاف قد يحدث بينهم، فيما بين الاخوين، والشريكين والعاملين، وبين هيئتين، وحسينيتين، وتنظيمين، وقبيلتين، وغير ذلك.

ان جمع الكلمة من أهم اسباب رقي الاُمّة، كما ان الخلاف والتفرقه من أهم عوامل السقوط.

قال سبحانه: (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم)(2).

54 التنظيم

التنظيم من أهم سبل حفظ الناس خصوصاً الشباب واستثمار طاقاتهم وتوجيهها إلي الخير.

فاللازم الإهتمام لتكوين تنظيمات إسلامية في كل بلد من العالم تستوعب كل الشباب، وتنظيمات دينية تستوعب الفتيات، ويكون من برامج تلك التنظيمات.

أ: ملأ الفراغ الفكري عبر الكتب والمحاضرات والأفلام التربوية وغير ذلك.

ب: احتواؤهم نفسياً وروحياً والتنفيس عن كرباتهم.

ج: قضاء حوائجهم الإقتصادية والإجتماعية وغيرها.

وقد ورد في الحديث:

اللّه الله في نظم أمركم و: اُوصيكما بتقوي اللّه ونظم أمركم(1).

ومن الواضح اننا إذا لم ننظم شبابنا فإن التنظيمات الشرقية والغربية ستجدهم طعمة سائغة كما حدث ذلك في الكثير من البلاد الإسلامية.

55 المؤتمرات

ان للمسلمين قوّة هائلة، إذ لهم علماء وتجّار ومفكرون وعاملون بكميات لا تحصي، ولهم تنظيمات واحزاب وهيئات وتجمعات بأعداد غفيرة، وأنشطة في مختلف أبعاد الحياة: ثقافية وسياسية وصحية واقتصادية وغيرها.

فمن الضروري أن يسعي الوكلاء إلي جمع العلماء والتجار و …

وكذا التنظيمات والهيئات في مؤتمرات صغيرة وكبيرة، تنعقد بشكل دوري ومتواصل لأجل تبادل الآراء والأفكار وتنسيق الجهود وبلورة خطط عمل مشتركة لنصرة الإسلام والمسلمين.

والمؤتمرات يمكن ان تبدأ من عشرة افراد وتتوسع لتشمل مآت الاُلوف.

وحج بيت اللّه الحرام والمراقد المشرفة للرسول الأعظم صلي الله عليه وآله وسلم وأهل بيته الأطهارعليهم السلام تعد إحدي الفرص الجيدة لذلك، فاللازم التخطيط لاستثمارها حيث يتوافد اليها المسلمون بمختلف الوانهم من مختلف دول العالم.

قال تعالي: (وأذّن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلي كل ضامر يأتين من كلّ فجّ عميق ليشهدوا منافع لهم)(1).

56 انتهاج مسلك اللاعنف

علي الوكلاء حفظهم اللّه تعالي ان ينتهجوا منهج السلم واللاعنف في اللسان والقلم والعمل، فعليهم ان لا يسبوا احداً اني أكره لكم أن تكونوا سبّابين(1) ولا يجرحوا شخصاً باللسان والقلم.

كما ينبغي ان لا يتخذوا مواقف حادة كالمقاطعة والحصار الإجتماعي وشبه ذلك.

وقد ورد في الحديث الشريف: ان هذا الدين رفيق فأوغل فيه برفق و: ما وضع الرفق علي شيء الا زانه وما وضع العنف علي شيء الا شانه(2).

بل اللازم (ادفع بالتي هي أحسن فإذا الّذي بينك وبينه عداوة كأنّه وليّ حميم وما يلقّاها إلاّ الّذين صبروا وما يلقّاها إلاّ ذو حظ عظيم)(1).

ان السلم حالة نفسية تبدأ من الداخل لتنتشر علي الجوارح فعلي الإنسان ان يروض نفسه علي' السلم ويلقنها، حتي يتم له ضبط اعصابه في ساعات الغضب الذي ورد في الحديث: الحدة ضرب من الجنون لأن صاحبها يندم فإن لم يندم

فجنونه مستحكم(2).

وما ذكر انما هو بنحو المقتضي والأصل.

57 السعي الي احياء تعاليم القرآن في الحياة

ان القرآن الكريم كتاب حياة، فهو مجموعة متكاملة من التعاليم الإلهية التي تكفل السعادة الدنيوية والاُخروية للتجمع البشري.

وبتخطيط من الاعداء وتواكل كثير من المسلمين، نسيت ايات كثيرة واعرض عنها في مجال التطبيق.

ومن هذه الايات الكريمة: (إنَّ هذه اُمَّتكم اُمَّة واحدة)(1) و: (انما المؤمنون إخوة)(2) و: (يضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم)(3).

فالواجب علي كافة العلماء والوكلاء السعي لتطبيق هذه الآيات الكريمة وذلك:

1 بإعادة البلاد الإسلامية بلداً واحداً لا تقسمه الحدود الجغرافية.

2 الاخوة الإسلامية: باعتبار ان المسلمين من اية جنسية كانوا اخوة فلكل مسلم من اية دولة إسلامية ان يسكن في اية دولة إسلامية اخري ويتاجر ويمتلك ويتزوج و … إذ البلاد الإسلامية كلها وطن لكل المسلمين.

3 وباعطاء الحريات الإسلامية للناس من: حرية الزراعة والعمارة الأرض للّه ولمن عمّرها والصناعة والتجارة والسفر و … وبذلك سيعود للمسلمين عزهم ومجدهم إن شاء اللّه تعالي.

58 توسعة العلاقات الاجتماعية

من اللازم أن يقوم العالِم بتوسعة العلاقات مع مختلف طبقات المجتمع: الجامعيين والتجار والكسبة والعلماء والخطباء ومدراء الشركات والعشائر والأحزاب والمثقفين كالأطباء والمهندسين والهيئات واصحاب الصحف والجرائد والمجلات والراديو والتلفزيون ودور النشر وغيرهم وكذلك: أعضاء مجلس الاُمّة، والقضاة، والمحامون، ومجلس الاعيان الجماعات الضاغطة.

كما ينبغي مد الجسور مع سائر العلماء والعاملين في الدول الاُخري بحيث يترابط مختلف الوكلاء والعلماء في كافة دول العالم.

وعلي الوكيل ان يوظف كل هذه الصداقات والعلاقات لرفع ظلم أو إحقاق حق أو الضغط لتطبيق قانون اسلامي أو رفع المنكر أو إعطاء الحاجات أو نشر تعاليم الشريعة الغراء.

وعليه ان يتجنّب استغلال هذه العلاقات خاصة إذا كانت مع السياسيين في سبيل تحقيق رغبات أو حاجات شخصية فإن ذلك يوجب تلويث سمعة الإنسان والتقليل من قيمته وتقليص تأثيره في ما سيطالب به من

قضايا دينية هذا إذا لم يؤد لا سمح اللّه إلي ان ينحشر في ركاب الظالمين بالتدريج ومن حيث لا يشعر.

59 الإكتفاء الذاتي

في الحديث الشريف: احتج إلي من شئت تكن أسيره واستغن عمن شئت تكن نظيره وأفضل إلي من شئت تكن أميره(1).

ان من أهم ما يجب ان يسعي اليه العلماء والوكلاء (الإكتفاء الذاتي) في كل الحقول، في حقل الصناعة والزراعة والتغذية والعمارة … وعلي كل المستويات، بدءاً من المعلم والطبيب، وانتهاءاً بالأخصائيّين في مجالات الصناعات المتطورة.

والإكتفاء الذاتي يبدء من الفرد ويمر بالعائلة وينتهي بالاُمة جمعاء.

فعلي الوكلاء تشويق الأفراد والعوائل والتجمعات للاعتماد علي طاقاتهم الذاتية، وأبسط صورة لذلك ان تلتزم كل عائلة في حدود دارها علي الأقل بتربية الدواجن وتعلم الخياطة والحياكة والنسيج وسائر الصناعات اليدوية، وتخصيص حيز من ساحة الدار للزراعة وهكذا.

ان أكبر بوّابة نفذ منها الإستعمار إلي بلادنا هي بوابة الحاجة وان المخطط الرئيسي الذي يتكرس باستمرار هو: مزيد من الإحتياج والإستجداء للخبراء والصناعات والمواد التموينية وحتي الأفكار!

ومفتاح الحل هو الإكتفاء الذاتي في كافة ميادين الحياة.

60 المنبر سلاح العالم

ذكر بعض المؤرخين ان النبي الأعظم صلي الله عليه وآله وسلم كان يخطب في الناس في المدينة المنوّرة يومياً خمس خطب بعد الصلوات الخمس، بين خطبة طويلة وقصيرة.

ومن الجلي التأثير الهائل الذي تركته خطابات امير المؤمنين عليه السلام والصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السلام والإمام السجّاد عليه السلام والسيّدة زينب عليها السلام وسائر المعصومين عليهم السلام في مختلف الأزمنة والأمكنة وفي شتّي المناسبات.

ولذلك فإنّ من الضروري أن يتسلّح كل رجل دين بهذا السلاح الذي ظل مآت السنين من أكبر وسائل الدفاع عن الحق ومجابهة الظالمين.

ويجب علي العالِم أن يكون منبره متنوّعاً يشمل: الوعظ والإرشاد، والأخلاق، والبحوث العقائدية والفكرية، اضافة لتصدّي كل المعضلات والشبهات التي يثيرها أعداء الإسلام في أذهان الناس، إلي جانب بيان وجهة نظر الإسلام في مختلف شؤون السياسة

والإقتصاد والإجتماع و …

ف: ما من شيء يقربكم إلي الجنّة ويباعدكم من النار إلاّ وقد أمرتكم به، وما من شيء يباعدكم من الجنّة ويقربكم من النار إلاّ وقد نهيتكم عنه(1) و: (تبياناً لكلّ شيء)(2) ويتجلّي للملاحظ في خطب نهج البلاغة مدي تنوّعها ونظرتها لشتّي المجالات الفكرية والعملية.

كما ينبغي أن يجعل العالِم من نفسه المثل الأول لما يوجّه إليه الناس، إذ انهم يلاحظون أوّلاً مدي عمل الإنسان بما يقوله.

وفي الحديث الشريف: ان العالم إذا لم يعمل بعلمه زلّت موعظته عن القلوب كما يزل المطر عن الصفا(3).

61 برامج الفتيان والفتيات

من اللازم علي العالم ان يخصص برامج خاصة للفتيان والفتيات، فإن قطع صلة الأولاد عن الآباء علي النهج الذي انتهجه الغربي الحديث وعدم وجود من يعتني بشؤونهم وتوجيههم، سبب ضياع الشباب من الجنسين، لأنهم اصبحوا مطلقين السراح، في حال انهم غير ناضجين، ولا يعرفون المصالح والمفاسد وحيث انهم يقرؤون كتب المغامرين.

وحيث ان لهم توجيهات مستوردة، وحيث ان البلاد امتلأت بالمغريات، وحيث ان لهم فراغاً هائلاً مما هو مثار كل فتنة فإن كثيراً منهم اصبح جهاز هدم، وتحلل من العقيدة والأخلاق، والعمل الصالح، بل بالعكس اتجهوا إلي المفاسد.

فعلي العالم ان يستقطبهم ليوجههم بالوجهة الصحيحة، عقيدة واخلاقاً واعمالاً، فيجمعهم في هيئات تعقد في المساجد والمدارس والمكتبات والحسينيات وما اليها، لتثقيفهم بالثقافة الإسلامية وانقاذهم من براثن التحلل والفساد والفراغ.

ومن المعلوم ان تكوين الهيئات وحده لا ينفع، بل اللازم تزويج عزابهم، وتشغيل عاطلهم وانعاش فقيرهم، واملاء فراغاتهم بالوسائل المشروعة.

كما ان من الضروري أن يهتم عالم البلد بعفة الفتيات وارجاعهن إلي ثياب الحشمة والحجاب وحفظهنّ عن التبذل والميوعة واللامبالاة، وذلك بجعل برامج خاصة لهن وتأسيس هيئات نسوية وتعليمهن بسبب المجلات الدينية والكتب النافعة إلي غير

ذلك.

62 الاستفادة من الوسائل العصرية

من اللازم علي العالم الاستفادة من وسائل اليوم لخدمة الإسلام والمسلمين وتقدمهم في مضمار الحياة فالراديو والسينما والتلفزيون والمجلات والجرائد والنوادي وغيرها يجب ان توجه بالوجهه الإسلامية الصحيحة.

فعلي العالم الإهتمام بشأنها ونشر الإسلام والأخلاق والفضائل منها، وقد يظن انها لا يمكن ان تصبح اداة لخدمة الإسلام والا لنفرت الناس عنها، لكن هذا الظن لا اساس له من الواقع، فليس مرادنا بما ذكرناه ان تُخصص هذه الوسائل بالامور الإسلامية فقط، بل المراد ان تكون للإسلام فيها حصة غنية ويكون الباقي لسائر الشؤون الحياتية من زراعة وتجارة وصناعة وعمارة وثقافة واقتصاد واجتماع واخلاق وتربية واكتشافات وفضاء وهندسة وطب ونظام وغيرها، بأن تخرج الخلاعة والمحرمات منها وتبدل بأمور ذات جدوي مفيدة للدنيا والآخرة.

63 تحصيل القوة

كل انسان له أتباع وأصحاب، يحتاج إلي القوة بالمعني الاعم حتي يتمكن بها من حفظ الاتباع، وقضاء حوائجهم، والدفاع عنهم، وكذلك كل انسان له مبدأ، يحتاج إلي القوة، لنشر مبدئه، ودحض مناوئيه.

والعالم حيث ان له مبدءاً وأتباعاً يحتاج إلي القوة من ناحيتين، فاللازم عليه تحصيل القوة.

وذلك بأن يفكر العالم في هذا الأمر ويخطط له، القوة لها طرق، مثل طريق الحكومة، وطريق أشراف البلد، وطريق شيوخ العشائر، وطريق الشعبية الواسعة، وطريق قسم نزيه من المغامرين.

فقد ورد في الحديث: لا بد للإنسان من فقيه يرشده وسفيه يعضده(1).

فمن اللازم ان علي الإنسان اعداد هؤلاء بما يرضي اللّه سبحانه حيث انه يهدف من وراء ذلك خدمة الإسلام، وازالة المنكرات، وبما لا يوجب عليه وبالاً اجتماعياً، أو يعود بأضرار علي نفسه.

وقد قال تعالي: (وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوّة)(1).

64 الأوقاف

ولا بد للعالم من مال يقوم به اموره الكثيرة، ومشاريعه المتعددة، والمال الذي يجمعه بعنوان التبرع، والحقوق مهما كان فهو قليل ومنقطع، فينبغي له ان يوجد اوقافاً، لأجل الإستمرار في الربح، واجتناء الأرباح الطائلة الدائمة من وراء ذلك، لكن ينبغي له ملاحظة اُمور:

الأوّل: ملاحظة الوقف بحيث يكون ابعد عن تبديل الناس له، خصوصاً نسله ونسل المتولين.

الثاني: رعاية ان يقوم الوقف بمال قليل ويدر نتائج كبيرة، مثلاً: الدكان يشتري' بالف، ويربح كل عام مائة، بينما الدار تشتري' بألفين، والربح هو المائة مثلاً.

الثالث: أن يكون الوقف بحيث يقبل التبديل، وان يكون ربحه بحيث يمكن صرفه في مختلف المشاريع.

واحياناً يبدو الوقف شيئاً غير مهم، لكن إذا حسبنا ذلك كمجموع، رأينا الفائدة الكبيرة المترتبة عليه، مثلاً: إذا فرضنا مائة وكيل وقَفَ كل واحد في مدة عشر سنوات خمسة دور، كل دار لها في كل سنة

ربح مائة وخمسين ديناراً مصفي' أي بعد إخراج المؤن والعمارة لكان المال المهيأ للمشاريع والفقراء في كل سنة خمسة وسبعين الف دينار، وهذا قدر كبير جداً، بينما كان حسابنا هذا في الجملة، والا فالوكلاء في القطر الواحد اكثر من مائة، وامكانياتهم في عشر سنوات اكثر من وقف خمسة دور … خصوصاً وان الوكيل إذا كان نشطاً وجلب ثقة الناس، اكثر الناس من الوقف علي يده.

واللازم ان لا يكون التفكير بأن الوقف احياناً يؤكل، مانعاً عن السير في هذا المنهج (منهج وقف الدور وشبهها) بل ينظر إلي قوله سبحانه: (فمن بدله بعد ما سمعه، فإنما اثمه علي الذين يبدّلونه..)(1) وينظر إلي كثرة الفوائد التي تجني من الأوقاف، إلي الحال الحاضر، حتي بعد ان اكل كثيراً منها، فكم من مسجد، ومدرسة وحسينية، ومؤسسة ومكتبة، ودور وما أشبه.. ينتفع منها المسلمون في بلاد الإسلام.

65 الحزم

ومن اهم ما يحتاج إليه العالم الحزم في الاُمور، فإن الحزم بمعني ملاحظة جوانب الامر، ثمّ الإقدام عليه أو تركه، من اسباب النجاح، وعدم الفشل.

والحزم بعد ان يكون حالة نفسية للإنسان يحتاج إلي العلم الوسيع، والإستشارة الدائمة، والإعتبار بالاُمور، والتفكير الطويل، حتي يهتدي الإنسان إلي مواضع الخطأ والسداد في الاُمور، فيترك ما ينبغي ان يتركه، ويعمل ما ينبغي ان يعمله.

ففي الحديث: المؤمن كيّس(1)

ويقول الشاعر:

وأحزم الناس من لم يرتكب عملاً

حتي يفكر ما تجني عواقبه

وعلي هذا ينبغي للعالم ان يفكر دائماً في الاُمور التي يمكن ان يتقدم بسببها الإسلام، والمسلمون، ويستشير، ويخطط، ويطالع ما يزيده معرفة، وعبرة، ثمّ يقدم، ويعمل..

فإننا نري في التاريخ السابق والمعاصر اُناساً تقدموا ووصلوا إلي اهداف بعيدة كان يظن الوصول اليها مستحيلاً ببركة الحزم، بينما نري اُناساً آخرين فشلوا حين حرموا هذه

الصفة الرفيعة.

66 سيرة الرسول صلي الله عليه وآله وسلم

علي العالم الذي يريد العمل ويهدف خدمة الإسلام ان يطالع بدقة متناهية سيرة الرسول صلي الله عليه وآله وسلم ويستلهم منه صلي الله عليه وآله وسلم كيفية العمل، وكيفية التقدم، وقد قال اللّه تعالي' في كتابه: (لقد كان لكم في رسول اللّه اُسوة حسنة)(1).

فإن سيرة الرسول صلي الله عليه وآله وسلم حافلة بالعبر والدلالة والإشارة مثلاً: نري انّ الرسول صلي الله عليه وآله وسلم حالف بعض الكفار لأجل الإبقاء علي الإسلام والمسلمين، وتحصيل القوة امام القوي الكافرة المتحالفة المحاربة له، ونراه صلي الله عليه وآله وسلم جعل قسطاً من المال للمؤلفة قلوبهم، ولأجل تحبيب الإسلام إلي الناس، ونراه صلي الله عليه وآله وسلم فجّر الطاقات الكامنة، وأثار كنوز العقول الدفينة، ومما اتي بجلائل الآثار.

ونراه قد أقرّ الحصار الإقتصادي علي مكة بضرب قوافل تجارة المشركين، حينما ضرب المشركون الحصار الإقتصادي علي المدينة، فقابلهم اصحاب الرسول صلي الله عليه وآله وسلم بالمثل.

ونراه عفي عن ألدّ أعدائه: أهل مكة حيث عاد ذلك بأطيب الثمار علي سمعة الإسلام، وسمعة الرسول صلي الله عليه وآله وسلم.. إلي الوف الأمثلة، والتعاليم، والإرشادات..

وفي الحقيقة ان المكتبة الإسلامية بحاجة ملحة إلي تأليف تبين مواضع العبرة والدلالة في سيرة الرسول صلي الله عليه وآله وسلم، مع مقارنتها بما ينبغي ان يُعمل مثيلاً لها في الحال الحاضر، بل في كل عصر، وكل مصر.

67 توزيع الوقت

وقت الإنسان قصير جداً، فإذا لم يلاحظه الإنسان بدقة متناهية كان ثمره ضئيلاً جداً، وبالعكس إذا راقبه الإنسان ووزعه علي اعماله، واموره التي ينبغي له ان يقوم بها، في وقته القصير، اتي بما يشبه المعاجز.

فعلي العالم ان يوزع وقته بكل دقة ونظام، ويجعل لكل قدر من الوقت عملاً منتجاً، فوقت للتأليف، ووقت

لقضاء حوائج الناس، وحل مشاكلهم، ووقت للتأسيس والبناء ووقت لصلاة الجماعة، ووقت للمنبر ووقت للدراسة، وهكذا …

ويجب ان يصرف الوقت لأمر، لأفضل أقسام ذلك الأمر، مثلاً: إذا خصص وقتاً للدراسة، رأي ان أفضل أقسام الدرس ما هو؟ فباشره، وإذا خصص وقتاً للزيارة، لاحظ انّ أهمّ الناس الذين إذا زارهم عاد بأكبر الفائدة في مهمته من هم، فزار اُولئك، وهكذا. بالنسبة إلي سائر الامور التي خصص اوقاته لأجلها.

68 الاهتمام النوعي بالمجالس

ينبغي للعالم ان يكون مجلسه وتآليفه الإجتماعية ومنبره حافلاً بأنواع من القصص الشيقة، والعبر ذات الدلالة البالغة، والشؤون الإجتماعية، وأخبار العالَم والإحصاءات، والآيات، والروايات المثيرة، إلي غيرها، ليكون جالباً للناس، غير موجب لنفرتهم، وكللهم، مما يوجب انفضاض الناس من حوله وانحصار من يستمع اليه في الشيبة والذين خمدت جذوة النشاط والحركة في نفوسهم.

وحتي لا يكون مستوي الإذاعة والمجلة والجريدة والتلفزة، ارقي من مستوي المنبر والمجلس، فيرجح الناس تلك علي مجلس العالم، ويروا العالم احط مستوي، فتسري هذه النظرة إلي الدين، فينظر الناس إلي الدين بأنه لا يصلح للحياة، أو يزعمون ان مستوي الدين أحط من مستوي الحياة.

69 من أساليب التأثير في الناس

لا سوط للنفس كالآخرة ترغيباً وترهيباً، ولذا احتفل القرآن الحكيم بذكر الجنة والنار، فاللازم علي العالم ان يتبع اسلوب القرآن الحكيم في ذكر الجنة تشويقاً للاعمال الصالحة وذكر النار ترهيباً عن الأعمال الفاسدة، فإنها من اكبر المحفزات علي الإستقامة، خصوصاً إذا اعطاهما العالم حقهما من دقة الوصف، واتباع اُسلوب الخطابة، ومحاولة التأثير في السامعين.

فبينما لا يتمكن الإنسان من جمع مائة دينار لمشروع خيري، نراه يتمكن من جمع الف دينار، إذا اتبع اسلوب الترغيب المقترن بذكر الجنة والنار، وبينما لا ينتزع خمسة اشخاص من عادة الشرب، إذا ذكرت لهم المضار الدنيوية، ينتزع مائة عن هذه العادة، إذا ذكرت لهم العقاب والعذاب والنار والأغلال …

فيلزم علي العالم ان يمرن نفسه، ويحفظ كمية كبيرة، من الآيات والروايات لهذا الشأن، ويتعرف إلي اُصول علم النفس وعلم الإجتماع وعلم التربية، ليتمكن من اثارة النفوس والدخول إلي كوامن القلوب والعواطف، فيحركها لأجل المسير إلي الحق، والقيام بجلائل الأعمال الخيرة.

70 المحاسبة

من الزم اللوازم علي العالم ان يحاسب نفسه، آخر كل يوم واسبوع، ثمّ آخر كل شهر، ثمّ آخر كل ثلاثة اشهر ثمّ آخر كل ستة اشهر، ثمّ آخر كل سنة، ليري كم عمل؟

وكم نفذ من برامجه الإصلاحية؟

وكم هدي؟

وكم منع الناس عن المنكر؟

وكم اسس؟

وكم بني؟

وماذا قدم للمسلمين من فوائد؟

وكم تقدم الإسلام بسببه إلي الأمام؟

فإن المحاسبة من أكبر السياط تحفيزاً علي التقدم.. ولو تمكن ان يكتب كل مرة تقريراً لنفسه ويظن في نفسه انه يريد ان يرفع التقرير إلي الإمام المهدي عجل اللّه تعالي فرجه الشريف الذي هو ممثل من قبله عليه الصلاة والسلام كان أحسن.

وإذا كتب الإنسان هذه التقريرات بدقة لخجل، إذ يري ضحالة عمله، وقلة جدوي ما اتي به، وذلك مما يحفزه

علي العمل اكثر فاكثر.

وفي الحديث الشريف:

حاسبوا انفسكم قبل ان تحاسبوا وزنوها قبل ان توزنوا(1).

71 الاقتراب من جذور الإجتماع

للإجتماع جذور واُصول، سائر افراد الإجتماع كالأغصان الصغيرة، والأوراق بالنسبة إلي تلك الجذور والاُصول، فإذا راعي الإنسان الذي يريد ادارة الإجتماع، تلك الجذور والاُصول تمكن ان يسير الاُمور كما يرام.

أما إذا لم يلاحظ تلك الجذور، وأخذ الإجتماع علي ظاهره فإنه سرعان ما يسقط ويُزاح عن الوجود الإجتماعي إلي زوايا الخمول والنسيان، مثلا: هناك افراد تحفّ بهم جماعات، إما لكونهم رؤساء عشائر، وإما لكونهم اصحاب بيوت عريقة، وإما لأنهم ذووا مكانة اجتماعية لإنهم اُدباء أو شعراء، أو بلغاء، أو أخصائيّين في شتّي العلوم أو عارفين بموارد الاُمور ومصادرها أهل الخبرة، أو لغير ذلك.

فعلي العالم إذا اراد خدمة الإسلام، واخذ البلد بجميع جوانبه، كي يتمكن من اقامة شعائر الدين، ويكافح المنكرات، ان يقترب من هؤلاء ويجاملهم، ويتحبب إليهم بالمال، والهدايا والزيارات، وتبادل الولاء، والا بقي العالم وحوله جماعة من العجزة الذين لا ينتفع بهم في دين أو دنيا، وفي زيارة الجامعة وساسة العباد(1) والمفروض انهم عليهم السلام اُسوة كما في القرآن الحكيم: (لقد كان لكم في رسول اللّه اُسوة حسنة)(2).

والملاحظ لأحوال المراجع الكبار، والعلماء الوكلاء الذين اوتوا حظ ادارة بلادهم، وتقديم الدين وأهله في منطقتهم يشاهد هذه الظاهرة ظاهرة الإقتراب من جذور الإجتماع بادية عليهم، فهم مرتبطون بالجذور ارتباطهم بالفروع.

نعم.. ينبغي ان لا يميل العالم اليهم كل الميل، فيترك الفروع فارغة، فإن الماء إذا اروي الجذور دون الأغصان والأوراق جفّت ولم تأت بالثمر.

72 التوجه الي المراكز الحساسة في المجتمع

في الإجتماع مراكز حساسة يتمكن الإنسان بواسطتها من الخدمة اكثر فاكثر، والعالم حيث انه يريد عمران الدنيا، وتوجيه الناس إلي الآخرة يحتاج إلي هذه المراكز احتياجاً شديداً.

فمن الضروري التوجه إلي هذه النقطة، والإهتمام بإملاء المراكز الحساسة من الرجال الصالحين، الذين يخدمون الدنيا والدين..

فمثلاً: مدير

المدرسة له مركز حساس يتمكن أن يخدم بسبب هذا المركز خدمة جليلة.

فإن أهمل هذا المركز حتي يشغله انتهازي أو ملحد، أو منحرف أو نفعي، لم تكن تلك الخدمة المنشودة من هذا المركز، بل أحياناً كان الهدم والتحريف، بخلاف ما إذا كان العالم متوجهاً فإنه يهتم لإملاء هذا المنصب بانسان كفؤ يخدم البلاد والعباد.

وهكذا بالنسبة إلي سائر وظائف الدولة، أو المكانات الإجتماعية، كرئيس عشيرة فيما إذا دار بين ان يرئسها الاصلح، أو الصالح، أو يرئسها الصالح أو الطالح.

73 المجاملة مع حفظ الموازين الشرعية

ان المجتمع يسري ويتحرك، ان خيراً فخير، وان شراً فشر، ولا بد من اُناس يتقدَّمون، سواء شاء العالم أم أبي، اما إذا جري المجتمع نحو تقديم الصالح، وتكمن عالم البلد من تقديمه، فبها ونعمت، واما إذا رأي العالم الإتجاه بما لا تشتهي السفن، وعرف بوادر تدل علي تقدم الطالح، فاللازم حينئذ استثمار الفرصة، بأن يلقي السلام معه، ويجامله في حدود لا تضر بدينه أو دنياه حتي إذا وصل إلي المركز المرموق، وأخذ بيده الزمام لا يكون معادياً، أو إذا كان معادياً، لا يكون مظهراً للعداء، فإن المجاملة مع حفظ الموازين الشرعية، من اسباب الحد من نشاط المخرّب غالباً.

وقد قال احد الحكماء: إذا رأيت العدو ينافق فلا تجاهره بالعداء، فإن بقائه منافقاً، يظهر الصداقة، ويهدم باطناً، خيرٌ لك من ان تجاهره بالعداء، ليظهر العداء ويهدم ظاهراً وباطناً.

واننا نجد في التاريخ ان الرسول الأعظم صلي الله عليه وآله وسلم صلي علي جنازة المنافق المعروف اُبيّ بن كعب، وكان يحضر درس الإمام الصادق عليه السلام مختلف الأصناف فلم يجدوا منه إلاّ الأخلاق الكريمة والمعاملة الحسنة، والأمثلة علي ذلك كثيرة.

74 اتباع أفضل الأساليب

لكل من الأخذ والعطاء وتمشية الاُمور، اساليب، بعضها سيّيء، وبعضها حسن، والحسن قد يكون فاضلاً، وقد يكون أفضل، فعلي العالم الذي يهدف خدمة الإسلام ان يتبع الاسلوب الأفضل في اُموره.

مثلاً: إذا رأي منكراً وعلم انه إذا اصطدم به لم ينفع فإن الإصطدام حينئذٍ يكون الاسلوب السيء.

ثمّ إذا علم انه إذا وسَّط صديقاً للفاعل في ان ينقلع، الا ان ذلك يوجب عداء الفاعل للعالم، كان ذلك الاسلوب الفاضل.

ثمّ إذا علم انه إذا تكلم مع السلطة خفية، لتمنع عن ذلك المنكر، منعته السلطة، بدون ان يعرف الفاعل، ان المحرك هو العالم،

كان هذا هو الاسلوب الأفضل، الذي يجب ان يتبعه العالم.

وهكذا بالنسبة إلي تمشية الاُمور، مثلاً إذا توسط العالم لدي السلطة في العفو عن بريء لكن علم ان هذا التوسط يوجب ان تتوقع السلطة منه شيئاً، لا يتمكن من انجازه، لضررٍ دنيوي أو اخروي، فإن توسطه لدي السلطة حينئذٍ يكون اسلوباً سيئاً، في مقام وصوله إلي هدفه.

وإذا علم انه يتمكن من خلاص ذلك البريء بواسطة احد الوجهاء الذين لهم حب واخلاص لهذا العالم، بدون ان تتوقع السلطة شيئاً من العالم، كان الأسلوب الحسن في الوصول إلي الهدف، توسيط ذلك الوجيه، وهكذا في سائر موارد العمل والاخذ والعطاء.

75 الاهتمام بالمستوي الإسلامي

هناك مستويات حيادية، أو معادية للإسلام، في كل بلد وقطر، من غير فرق بين المستويات الثقافية، أو الصحية، أو الإجتماعية، وما اليها.

مثلاً: تكون في البلد مدارس حكومية، أو مسيحية، وكذلك مستوصفات خيرية حيادية أو تبشيرية، وهكذا..

واللازم علي العالم ان يهتم لترفيع المستويات الإسلامية عن سائر المستويات، فإذا بني مدرسة اهتم لان تكون بأجمل طراز، واحسن اُسلوب، وخير تدريس، وكذلك إذا انشأ مستوصفاً أو غيره.

وهذا العمل وان أخذ جهداً لكنه يعود بفائدة مزدوجة إلي الإسلام والمسلمين، فائدة تخريج الطلاب مثلاً علي أحسن ما يرام، وكونهم مثلاً في الثقافة والنظام، وفائدة رفعة الإسلام، وقدرته علي مالا يقدر عليه ما عداه.

وهذا مما يوجب ان ينظر الناس إلي الإسلام بنظر الاكبار والاعظام، مما يسبب التفافهم حول الإسلام اكثر فأكثر، ويوجب ذلك خير دنياهم، وسعادة آخرتهم.

76 تكوين جهاز إسلامي

يجب علي العالم ان يكون جهازاً اسلامياً، يعمل بكل قواه، وامكاناته، وطاقاته لتقديم الإسلام والمسلمين، فلا يضيع دقيقة من عمره، ولا فلساً من ماله، ولا طاقة من طاقاته، الا استخدمها للإسلام، حتي إذا كان في حال السير والسفر، نصح صديقه وان لم يجد صديقاً طالع كتاباً، أو ردَّد محفوظا لتقوي ملكته، وإذا فقد الكتاب، ولم يكون له محفوظ، فكر في أساليب جديدة، وخطط لبناء مستقبل، يتمكن بذلك الأسلوب وذلك البناء، من خدمة الإسلام، حتي يكون مثل العالم مثل جهاز المروحة، ولا مناقشة في الأمثال التي تشتغل بكل هدوء ليل نهار، بدون فتور أو وقوف.

وهذه الحالة ملكة، إذا داوم الإنسان مدة عليها، صارت ملكة له، حتي انه ليستوحش من تركها، وتكون الخدمة عملاً تلقائياً له، لا توجب جهداً، وتعباً، ولا تسبب ضجراً، ومللاً.. وانتاج مثل هذا العالم كثيرٌ جداً.

قالوا: ان العلامة الحلي قدس سره كان

يؤلف حتي في حالة أكل الطعام، فإن بعض خدمه كان يلقمه اللقمة، والعلامة قدس سره مشتغل بالتأليف، فلا يأخذ اللقمة نفسه، لئلا يشغله ذلك عن أخذ القلم والكتابة، وكذلك كان يؤلف وهو علي الدابة في حالة السفر، ولذا اتي بما يُبهر الألباب، من تآليف، ذكروا انها ألف أو تزيد!

وقد ورد في الحديث الشريف: انتهزوا الفرص فإنها تمر مر السحاب.

وورد: اضاعة الفرصة غصة(1).

77 التزين والبعد عن المنفرات

من آكد الامور علي العالم ان يكون بعيداً عن المنفرات، مهما كان المنفر ضئيلاً، فإن نفرة الناس عن العالم توجب فشله، وعدم وصوله إلي مهمته.

فعليه ان لا يكون بين الناس وقد أكل الثوم والكراث والبصل.ولا يكون وسخ الثياب والجسم والفرش والدار.ولا يكون ذا رائحة كريهة لعرقٍ، أو استعمال صابون يعطي رائحة كريهة، ويواظب علي نظافة أسنانه، وتعديل شعر لحيته، واستعمال العطر، ولتكن عمته معتدلة لا بالغة في الكبر، ولا بالغة في الصغر، وإذا اشتري شيئاً، أو أراد أن يبيع شيئاً فلا يداق في المعاملة مما يسقط هيبته، ولا يخوض مع الناس في مباحثات ومجادلات عقيمة، وليواظب علي جمال نفسه، وجمال ما يتعلق به.ففي الحديث: ان اللّه جميل يحب الجمال(1).

وحيث ترك بعض هذه الاُمور ظن بعض الناس بالعلماء بعض الظنون، وقالوا: ان الدين يصلح للموت لا للحياة، ولو طالع الإنسان سيرة الرسول صلي الله عليه وآله وسلم وعلم انه كيف كان يواظب علي النظافة والاناقة والجمال لرأي شيئاً غير مألوف عند بعض من الناس..

وبالجملة علي العالم ان يواظب أكبر المواظبة لان يكون المثل الاعلي في النظافة والاناقة، حتي لا ينفض الناس من حوله، أو يظنوا أن الإسلام لا يراعي هذه الجوانب من الحياة، أو يروا في من عدا المسلمين وعلمائهم، كون النظافة، والجمال والنظام

أكثر، فيميلوا إلي اُولئك، ويكون وبال هذا الأعراض علي جانب المسلمين.

وينبغي للعالم ان يهتم بعد ذلك بنظافة المسلمين وجمالهم وأناقتهم، كنظافة البلد، وجمال المدينة بالحدائق والعمارات المتراصة والشوارع الفسيحة المبلطة إلي غيرها.. وغيرها..

ليكون مظهر بلاد الإسلام ومظهر المسلمين بالذات، كما أمر الإسلام وجاء في روايات متواترة مذكورة في كتاب الطهارة، وكتاب احياء الموات، والكتب المعدة لذكر الآداب الإسلامية..

والعالم بما انه مطاع يُسمع منه يتمكن ان يؤثر أثراً كبيراً خصوصاً إذا سألهم بنفسه في هذا الجانب المهم من الحياة.

78 النشاط

ينبغي للعالم ان يكون ذا نشاط دائم، في مختلف شعب الحياة، فلا يهدء ليل نهار، في التعليم، والتزكية، والتربية، والبناء، والعمل، كما ينبغي له تنشيط الناس بصورة مستمرة، حتي يكون شعباً واعياً عارفاً بالمسؤولية، لا يفتأ يصلح ويعمل ويبني ويكدح، وفي ادعية شهر رمضان المبارك طلب النشاط من اللّه سبحانه، وفي دعاء مكارم الأخلاق للإمام السجاد عليه السلام: واجعل … أَقْوي قوّتِك في إذا نصبت(1)..

والنشاط الدائم هو الذي يتمكن ان يتقدم بالمسلمين إلي الأمام، والا فإن النشاط الذي يزاوله الكفار في مختلف الميادين، شيء مهولٌ جداً، لايصل اليهم المسلمون، إذا بقي هؤلاء علي كسلهم، واُولئك علي نشاطهم، فكيف يمكن ان يتقدموا عليهم ويستردوا سعادتهم الغابرة؟!

79 الإتقان

من أهم وسائل الرقي: الإتقان في مختلف الاُمور.

الإتقان في البناء.

الإتقان في النظام.

الإتقان في النقل والتأليف، إلي غيرها..

فعلي العالم ان يهتم بالإتقان في كل عمل، يتقن دراسة نفسه، ويتقن تدريس تلاميذه، ويتقن تربية الناس ويتقن ما يأتي وما يذر.

بالاضافة إلي انه ينبغي له ان يحرّض المسلمين علي الإتقان.

فقد قال الرسول صلي الله عليه وآله وسلم وهو يوصف لبن القبر: رحم اللّه امرءاً عمل عملاً فاتقنه حتي رصيف اللبن ينبغي ان يكون متقناً والحال انه شيء يختفي في تراب القبر، وهو للموت لا للحياة، وبعد أيام يبلي الجسم الذي ترصف عليه اللبن فكيف بما يكون للحياة والبناء، والتقدم والعمران؟..

والإتقان حالة إذا تكلفها الإنسان مدة، صارت ملكة عفوية تأتي بصورة طبيعية بدون الإحتياج إلي الكلفة والصعوبة، فليزاولها العالم ويربي اُمته علي ذلك، حتي يكون من المساهمين في تقديم بلاد الإسلام وفي سيادة المسلمين.

80 الاهتمام بتكميل المدينة

ينبغي للعالم ان يكون دائم المطالبة من السلطات بتكميل المدينة، وتجميلها وسد نقائصها، والإهتمام بما يوجب تقدمها.

فإذا لم يكن للبلد مستوصف، أو مستشفي أو مرافق لقضاء الحاجة، أو صناديق البريد، أو سكة الحديد، أو المواصلات الكافية، أو الماء، أو الكهرباء، أو ما أشبه، طلب من السلطات بصورة ملحة تكميل المدينة بايجاد تلك المهمات فيها.

وإذا كانت المدينة خربة أو كانت وسخة، أو كانت شوارعها غير مبلّطة، أو لا صناديق للأوساخ فيها، أو كانت تحيط بها مياه قذرة، أو ما أشبه ذلك، طلب من السلطات رفع تلك النقائص..

وإذا كانت المدينة بحاجة إلي معامل ومصانع ومطابع ومؤسسات استدعي من السلطات القيام بها، وهكذا.. وهكذا..

فإن الإسلام دين الحياة، فقد قال سبحانه: (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا اللّه وللرسول إذا دعاكم لما يُحييكم..)(1).

بالإضافة إلي ان طلب مثل هذه الاُمور يوجب

التفاف الناس حول الإسلام أكثر، فإن الناس يلتفون حول من يقوم بحاجاتهم ويريد ترقيهم وترقي بلادهم، فإذا رأوا في الإسلام ذلك التفوا حوله، وذلك يخدم هدف العالم الذي نذر نفسه لخدمة الإسلام والمسلمين.

81 التمسك بالمظاهر المسنونة

ينبغي للعالم ان يواظب علي المظاهر المسنونة، التي تحفز الناس إلي الإعتقاد باللّه، والتمسك بالدين، كأن يواظب علي وجود (الأذان) في المدينة بحيث يسمع كل الأهالي الاذان، فإذا كانت المدينة كبيرة، واحتاجت إلي عدة مؤذنين نصب في كل ركنٍ مؤذناً.. وان يواظب علي وجود (التمجيد) في كل ليالي السنة فإن التمجيد يوقظ القلوب، ويقرب الناس إلي اللّه، وان يواظب علي قراءة دعاء الندبة في صباح الجمعة، والسمات في عصرها، والكميل في ليلها، وادعية الاشهر خصوصاً أدعية شهر رمضان ليلاً ونهاراً.. وان يواظب علي وجود هيئات للمساجد وغيرها، لتعليم القرآن والمسائل الدينية والأخلاق والآداب مجالس رجالية ونسائية إلي غيرها.. وغيرها.. وقد تقدم الالماع إلي ذلك سابقاً.

82 الإستشارة الدائمة

ينبغي للعالم ان يكون دائم الإستشارة مع أصحابه الذين انتقاهم ليكونوا امناء سره، ومطلعين علي أمره، فإن الإنسان مهما كان عارفاً وملتفتاً، لا بد وان يجهل اشياء كثيرة، وتخفي' عليه اُمور متعددة، والإستشارة تكشف النقاب عن الخفايا والغوامض، فيكون العمل انفع، والوصول إلي الهدف أقرب.

هذا بالإضافة إلي ان الإستشارة تولد في الإنسان روح التواضع، وروح المناقشة الصحيحة، وكلاهما مما يحتاج إليه العالم في أهدافه واعماله، فإن الذي يدخل في الامر بروح التواضع يتبين له ما لايتبيّن للذي يدخل في الأمر بروح الكبرياء والإستعلاء. وكذلك الذي يعتاد مناقشة الاُمور يكون احري باصابة الحقيقة من الذي يدخل بمجرد ان تعين له امر، أو تظهر له واجهة.

ثم ان المستشير يربح ربحاً كثيراً وهو: انّ عمله إن كان صحيحاً وجد أنصاراً مدافعين مؤيّدين، وإن كان خطأً وجد اُناساً يتحملون عبأ المسؤولية، وأعظم بهما من فائدة.

وقد ورد في الحديث:

أعقل الناس من جمع عقول الناس إلي عقله.

و: ما خاب من استشار.

و: من استبدّ برأيه هلك(1).

83 استغلال الطاقات الكامنه في المجتمع

لا يخلوا المجتمع مهما كان راقياً، ونشطاً، ومستغلاً للطاقات المادية من طاقات لا تعد ولا تُحصي تصلح لأن ترقي المجتمع علي طول الخط.

والعالم ينبغي له ان يستغل ويستثمر هذه الطاقات الكامنة، وبقدر قدرته علي استغلال هذه الطاقات يتمكن من التقدم إلي الأمام، مثلاً إذا كان في البلد الف بيت وكانوا من متوسطي الحالة كان لا بد وان يكون خمسهم الشرعي مثلاً عشرة آلاف دينار، بمعدل كل بيت عشرة دنانير، فإذا تمكن الإنسان من جمع هذه المبالغ قدر علي القيام بالمشاريع، وسد النواقص، بينما إذا لم يستغل العالم هذه الطاقة لكان الإنتاج عُشر هذا المبلغ علي أكثر الإحتمالات وهكذا بالنسبة إلي تفجير الكفاءات الإنسانية، وتكوين المؤسسات الإجتماعية،

وتسيير الجهات الدينية، فإنه إذا قام العالم بالتأسيس انهال عليه المتبرعون، بينما إذا لم يقم لم يعط أحدهم ولا درهماً واحداً، وكذا إذا قام بتكوين هيئة للشباب، التف الشباب حول الهيئة، فصلحت دنياهم ودينهم، وبينما إذا لم يكوّن الهيئة بقوا فارغين صفر اليد عن الدين والدنيا.

ومن المعلوم استغلال الطاقات، بحاجة إلي معرفة الأشخاص وتقدير الاُمور، وقوة في الإدارة، فعلي العالم ان يمهّد المقدمات للوصول إلي هذا الهدف، الذي ان قدر عليه تمكن من خدمة كبري للإسلام والمسلمين.

84 الدعاء والصدقة والتوجّه

في الآية الكريمة: (.. ان إبراهيم لأوّاه..)(1) وقد فُسر: لأواه بالدعّاء.

وفي الحديث: ان اللّه يحب الدعّاء الملحّ(2).

وفي الحديث: ان الصدقة ترد البلاء وقد ابرم ابراماً(3) والإمام المهدي عليه الصلاة والسلام وعجّل اللّه تعالي فرجه هو الإمام الحيّ الحاضر الذي نعمل نحن معاشر أهل العلم تحت لوائه المبارك وباسمه الشريف ونتصرف في سهمه من الخمس سهم الإمام عليه السلام وقد أمرنا بالتوجه إليه.

وحيث ان العالِم خصوصاً في هذا الزمان يخوض أعنف المعارك مع القوي الشريرة.. فاللازم عليه ان يكون كثير الدعاء، كثير التصدق، دائم التوجه والإستمداد من الإمام المهدي عجّل اللّه تعالي فرجه الشريف، ولو ان انساناً عمل بهذه الاُمور الثلاثة، لرأي أغرب الأثر، واجمل التوفيق.

ولا بأس هنا بالإستطراد في حل اشكال، وهو: انه لو كان لهذه الاُمور أثر، فلماذا نري تأخّر المسلمين، وتقدم من لا يزاولون هذه الاُمور كالشرقيين، والغربيين؟

والجواب واضح بسيط، فإن المسلمين كغير المسلمين الآن كلهم في مشاكل متفاقمة، اليست ثلاث حروب عالمية في اقل من قرن إثنتان مضتا، والثالثة تهدد وترهص بالحروب الموضعية الضارية من أعتي المشاكل التي لم يكن لها سابقة؟ اليست الأمراض المتزايدة، والتوترات المتتالية، من شر ما مُني بها بشر هذا القرن؟

اذن، فهم أيضاً في مشاكل..

أمّا تأخّر المسلمين، وهم يملكون الدعاء والصدقة والتوجه، فلأن هذه الثلاثة جزء، وقد تمسك بها المسلمون أو جماعة منهم اما الجزء الآخر، وهو العمل فقد تركه المسلمون، ومن المعلوم ان الفائدة لا تترتب الا علي الجزئين معاً.

فقد قال سبحانه: (قل ما يعبأ بكم ربّي لو لا دعائكم..)(1).

وقال إلي جنب ذلك: (وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوّة..)(1).

وقال أيضاً: (قل اعملوا..)(2).

وقال أيضاً: (فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره)(3).

ثمّ.. كما يلزم علي العالم الدعاء والتصدق والتوجه، كذلك يلزم عليه ان يوجّه الناس إلي هذه الاُمور بكل جد واهتمام.

85 عدم هدر الطاقة والوقت

ينبغي للعالم ان يواظب اشد المواظبة علي مجلسه، كي لا يكون من مجالس البطالين، أو مجالس تستباح فيها الحرمات، وان فرضنا ان الإستباحة كانت محلّلة شرعاً، لوجود أحدي مستثنيات الغيبة مثلاً فإن المجالس الفارغة سواء كانت حيادية، أو مائلة إلي ما ظاهره المحظور، له ضرران:

الأوّل: ان طاقة هائلة تهدر، ويعرف ذلك إذا دققنا في الاُمر، فلنأخذ انه طال المجلس في كل يوم ثلاث ساعات، وكان الحاضرون ثلاثين انساناً فقط، ففي كل يوم تُهدر تسعون ساعة، وفي الشهر يكون الهدر ألفين وسبعمائة ساعة، وفي السنة 32400 ساعة، وإذا كانت اجرة كل ساعة مائة فلس، كانت الخسارة كل عام 3248 ديناراً، واضرب هذا في ثلاثين سنة الذي يُقدّر مدة بقاء العالم بين الناس فكم تكون الخسارة، انها ما يقارب مائة الف دينار.

والكلام وان كان تقريبياً، الا أنه حقيقة، فإن ساعة من التكلم المفيد، لا تقل ثمناً عن ساعة عملٍ مفيد، بل ربما كانت ساعة الكلام تثمّن باُلوف الدنانير ولذا يجب علي الإنسان ان يواظب اشد المواظبة علي مثل هذه الاُمور.

وفي الحديث ان

الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: لم يستعد لان يخاط كمّه، قائلاً: ان الوقت اسرع من ذلك.

وفي حديث آخر قال الحلاق للإمام إمير المؤمنين عليه السلام طبّق شفتيك حتي اقص شاربك قال له الإمام: قص ما يمكن فإني لا أترك الذكر لأجل ذلك. فانظر كيف ان الإمام عليه السلام لاحظ آنات عمره وثوانيه فكيف بالدقائق والساعات؟.

الثاني: انه هدم، فإن البطالة هدم مهما كان نوعها، وليس هدم الفضيلة باقل خسارة من هدم العمارة، فلو فرضنا في المثال السابق ان كان لكل ساعة هدمٍ مائة فلس، فنتيجة الهدم مائة الف دينار أيضاً.

هذا كله بالإضافة إلي كون الإغتياب حراماً، والبطالة موجبة لانحطاط درجات الإنسان في الآخرة، وبالإضافة إلي أن ذلك يوجب تنفر الناس عن المجلس، واحتقارهم للعالم البطّال، وبالإضافة إلي أن المجلس الحافل بالعبر والإرشادات والتخطيط والتفكير، يقبل الناس عليه كثيراً، فيكون خدمة جليلة للهدف، بينما العكس يوجب عدم الإقبال، فلا يتمكن العالم من الخدمة التي تنبغي.

86 المراجع والمؤسسات

ينبغي للعالم في البلد، ان يوجه الناس إلي المراجع، ويحرضهم للإلتفاف حولهم، والاخذ والعطاء منهم، وزيارتهم في المناسبات، وحل مشاكلهم المستعصية عليهم، عندهم.. كما ينبغي له أن يوجه الناس إلي المؤسسات الدينية كالمساجد، والمدارس والمكتبات والحسينيات والنوادي الإسلامية وما أشبهها.

فإن التفاف الناس حول المراجع والمؤسسات خطوة كبيرة إلي احياء الإسلام والفضيلة، وهادم كبير للمفاسد الخلقية، والزيغ العقيدي والإنحرافات العملية، فإن النفس تكتسب لون المحل الذي ترتاده، ولون الإنسان الذي تزوره، فإن داوم الإرتياد والزيارة، صار اللون ملكة وثابتاً، وان لم يداوم بقيت في نفسه منهما ذكريات خيّرة.

كالريح آخذة مما تمر به نتناً من النتن أو طيباً من الطيبِ

هذا بالإضافة إلي ثواب الآخرة، ففي الحديث: من جلس عند العالم لحظتين، وتعلم منه مسألتين

بني اللّه له جنّتين، كل جنة أكبر من الدنيا مرتين.

وفي حديث آخر: النظر إلي وجه العالم عبادة(1).

87 توجيه الناس وقيادتهم لأماكن العبادة ومواسمها

ينبغي للعالم ان يوجه الناس إلي أمكنة العبادة والطاعة، كالحج ومشاهد الأئمة الطاهرين عليهم السلام والمساجد المهمة: كمسجد الرسول صلي الله عليه وآله وسلم ومسجد القدس، ومسجد الكوفة، ومسجد البصرة، ومشاهد الأنبياء عليهم السلام، ومقابر المسلمين الموجبة للعبرة والزهد.

كما ينبغي للعالم ان يوجههم إلي أزمنة العبادة، كشهر رمضان المبارك والمواسم الدينية كشهري محرم وصفر، إلي غير ذلك، فإن التفاف الناس حول هذه المراكز، وحول تلك الأزمنة، يعود اليهم بفائدة مزدوجة: فائدة التطهير والتزكية، وفائدة قوة شوكة المسلمين، بالإضافة إلي الثواب الذي أعدّه اللّه سبحانه للحاج والزائر والصائم ومن اشبههم. وفي القرآن الحكيم: (ومن يعظِّم شعائر اللّه فإنَّها من تقوي القلوب)(1).

88 المستوي العلمي للوكيل الشرعي

هناك بُلدان تحتاج إلي مستوي راق من العلم والفضيلة، وبُلدان يكفيها المستوي المتوسط أو النازل، وهكذا بالنسبة إلي محلات بلد واحد، فعلي العالم ان يختار البلد أو المحلة اللائقة به، فإن كان مستوي العالم راقياً، وبقي في ريف مستواه منحط، ظَلَم نفسه، واهدر طاقته، وان كان مستواه واطئاً وبقي في البلد الراقي، فقد اجهد نفسه وجعلها محل السخرية والإزدراء، يقول الشاعر:

إذا لم تستطع شيئاً فدعه وجاوزه إلي ما تستطيع

وفي الحديث: رحم اللّه امرءاً عرف قدره، ولم يتعد طوره(1) فإذا ذهب العالم إلي مكان ورأي عدم لياقة نفسه، أو عدم لياقة المحل، عليه ان يتحول إلي محل لائق به.. كما انه علي المرجع ان ينتقي وكلاء البلاد حسب هذا الميزان.

89 الشعارات

للشعارات اثر كبير في النفوس، ولذا نري من قديم الزمان تمسك العقلاء بالشعارات، وللشعارات صور كثيرة، فعلي العالم ان يستغل هذا المؤثر لجلب الناس إلي الإيمان والفضيلة، مثلاً: يوزع القطع والملصقات الجدارية المكتوبة عليها آيات قرآنية، أو أحاديث واردة، أو كلمات حِكميّة، أو تحريضات مركزة، في الدكاكين والدور وغيرهما.. وينصب اللافتات في المناسبات الإسلامية كالأعياد، والوفيات، والمواسم، كموسم الحج، وعند حلول شهر رمضان،. وينشر الصور الإسلامية كصور المشاهد والمساجد في المحلات.. ويجعل كلمات شعاراً للفئات العاملة نحو: مزيداً من العمل للإسلام وسيراً إلي الفضيلة وادع إلي ربك بالحكمة وهكذا..

90 تقدير الناس

من الاُمور اللازمة علي العالم، تقدير الناس حق قدرهم، فإن لكل انسان مقداراً، ان جعله العالم فوق قدره، ظلم العالم نفسه، وان جعله دون قدره، ظلم العالم ذلك الإنسان..

بالإضافة إلي ان التقدير المخالف، يوجب تجرئة الصغار، وتجميد الكبار وفي كل ذلك عطبٌ وخبال، فللمثقف مقدار، وللتاجر مقدار، وللواعظ مقدار، وللموظف مقدار، ولشيخ العشيرة مقدار، وللشاعر مقدار، وهكذا.

ثمّ ان معرفة الناس، ومعرفة مقاديرهم وما يليق بهم، صعب لا يتأتّي إلاّ بجهد ومراعاة وطول تفكر واستشارة، فعلي العالم ان يجعل من برنامجه هذا الموضوع، ليتمكن من خدمة الإسلام أكثر فأكثر.

الخاتمة

هذه أمور استفدتها بالتجربة، أو الإستشارة، أو المطالعة في الكتب، أو بملاحظة أحوال المراجع والوكلاء، أو بالمقايسة والمعادلة.

فينبغي لكل وكيل ان يراعيها حق رعايتها.

ونسأل اللّه سبحانه للوكلاء ولنا ولسائر أهل العلم والتبليغ، التوفيق واللطف والعناية والرعاية، وهو المستعان.

كر بلاء المقدسة

27 جمادي الثانية 1390 ه

محمد بن المهدي الحسيني الشيرازي

الهوامش

(1) سورة ص. الآية: 26.

(2) سورة البقرة، الآية: 30

(1) بحار الأنوار: ج 2 ص 145 ح 7.

(2) وسائل الشيعة: ج 18 ص 101 ح 33408.

(3) بحار الأنوار: ج 2 ص 88 ح 12.

(1) دعاء كميل.

(1) سورة الطلاق، الآية: 3.

(2) بحار الأنوار: ج 68 ص 151 ح 51.

بحار الأنوار: ج 75، ص 79 ح 56.

(3) بحار الأنوار: ج 100 ص 5 ح 18.

(1) سورة الكهف، الآية: 89.

(1) سورة التوبة، الآية: 122.

(1) سورة آل عمران، الآية: 159.

(2) سورة الأعراف، الآية: 199.

(1) سورة الزمر، الآية: 9.

(2) بحار الأنوار: ج 74 ص 402 ح 23.

(1) سورة الأنعام، الآية: 59.

(2) سورة الحديد، الآية: 25.

(3) سورة الأنفال، الآية: 60.

(1) راجع نهج البلاغة: الكتاب 53: كتبه للأشتر النخعي، لمّا ولاّه علي مصر. و تحف العقول: ص 126.

(1) بحار الأنوار: ج 66 ص 49 ح 6.

بحار الأنوار: ج 73 ص 302 ح 5.

(1) راجع بحار الأنوار: ج 13 ص 21 ب 2.

راجع بحار الأنوار: ج 72 ص 458 ب 93.

(1) بحار الأنوار: ج 75 ص 203 ح 41.

(2) بحار الأنوار: ج 74 ص 155 ح 116، باختلاف يسير.

(1) سورة إبراهيم، الآية: 4.

(2) بحار الأنوار: ج 1 ص 85 ح 7.

بحار الأنوار: ج 16 ص 280 ح 122.

بحار الأنوار: ج 74 ص 142 ص 1

(1) سورة فصلت، الآية: 34 35.

(2) الصحيفة السجادية: دعاء مكارم الأخلاق.

(1) راجع

بحار الأنوار: ج 100 ص 219 ح 14.

(1) بحار الأنوار: ج 75 ص 79 ح 63.

(1) سورة سبأ، الآية: 24.

(1) بحار الأنوار: ج 16 ص 210.

بحار الأنوار: ج 68 ص 382 ح 17.

(1) سورة المنافقون، الآية: 8.

(2) سورة النساء، الآية: 23.

(1) الكافي: ج 2 ص 73 ح 4.

الكافي: ج 2 ص 579 ح 7.

(2) بحار الأنوار: ج 75 ص 247 ح 108

(3) بحار الأنوار: ج 71 ص 268 ح 7 و ج 74 ص 271 ح 1.

(1) الكافي: ج 1 ص 26 ح 29.

(1) بحار الأنوار: ج 48 ص 154 ح 26.

بحار الأنوار: ج 48 ص 176 ح 19.

بحار الأنوار: ج 61 ص 196 ح 41.

(1) الصحيفة السجادية: دعاء مكارم الأخلاق.

(2) سورة فصلت، الآية: 35.

(1) الكافي: ج 1 ص 547 ح 25.

التهذيب: ج 4 ص 139 ح 17.

الإستبصار: ج 2 ص 59 ح 9 ب 32.

(1) سورة النور، الآية: 36

(1) سورة الأنعام، الآية: 93.

(1) سورة النساء، الآية: 75.

(1) سورة السبأ، الآية: 13.

(1) سورة النحل، الآية: 125.

(1) سورة المطففين، الآية: 26.

(2) سورة آل عمران، الآية: 133.

(3) سورة البقرة، الآية: 148 و سورة المائدة، الآية: 48.

(1) بحار الأنوار: ج 73 ص 43 ح 2 عن الرسول (ص).

(2) سورة الأنفال، الآية: 46.

(1) نهج البلاغة: الكتاب 47.

(1) سورة الحج، الآية: 27.

(1) بحار الأنوار: ج 32 ص 561 ح 466.

(2) راجع بحار الأنوار: ج 72 ص 54 ح 19.

(1) سورة فصلت، الآية: 34 - 35.

(2) بحار الأنوار: ج 70 ص 236 ح 20.

(1) سورة الأنبياء، الآية: 92.

(2) سورة الحجرات، الآية: 10.

(3) سورة الأعراف، الآية: 157.

(1) بحار الأنوار: ج 74 ص 423 ح 40 ب 15.

(1) بحار الأنوار: ج 67 ص

96 ح 3.

(2) سورة النحل، الآية: 89.

(3) اُصول الكافي: ج 1 ص 44 ح 3.

(1) راجع بحار الأنوار: ج 75 ص 158 ح 19 ب 21.

(1) سورة الأنفال، الآية: 60.

(1) سورة البقرة، الآية: 181.

(1) بحار الأنوار: ج 64 ص 307 ح 40 ب 14.

(1) سورة الأحزاب، الآية: 21.

(1) بحار الأنوار: ج 67 ص 73 ح 26 ب 45.

(1) بحار الأنوار: ج 95 ص 320 ح 3 ب 4

بحار الأنوار: ج 97 ص 342 ح 33 ب 4.

(2) سورة الأحزاب، الآية: 21.

(1) بحار الأنوار: ج 68 ص 217 ح 22 ب 66 عن علي (ع).

(1) بحار الأنوار: ج 70 ص 192 ح 1 ب 130.

(1) الصحيفة السجادية دعائه (ع) في مكارم الأخلاق.

(1) سورة الأنفال، الآية: 88.

(1) بحار الأنوار: ج 72 ص104 ح 38 ب 49.

(1)سورة التوبة، الآية: 114.

(2) راجع الدعوات للراوندي ص 20 ح 15. وعدة الداعي ص 143.

(3) راجع الكافي: ج 4 ص 5 ب ان الصدقة تدفع البلاء.

(1) سورة الفرقان، الآية: 77.

(1) سورة الأنفال، الآية: 60.

(2) سورة التوبة، الآية: 105.

(3) سورة الزلزلة، الآية: 7 - 8.

(1) بحار الأنوار: ج 1 ص 195 ح 14 ب 2.

من لا يحضره الفقيه: ج 2 ص 205 ح 2144 ب 2.

(1) سورة الحج، الآية: 32.

(1) غرر الحكم: ج 2 الفصل 32 ص 367 ط بيروت.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.