موسوعه المناسبات الاسلاميه و العالميه

اشارة

عنوان و نام پديدآور : المناسبات الاسلامیه و الاعمال العبادیه لجمیع الاشهر الهجریه/فیصل احمد البغلی

مشخصات نشر : مشهد: مکتبه الامام الرضا علیه السلام، 1388.

مشخصات ظاهری : 414ص.؛12×17س م.

وضعیت فهرست نویسی : در انتظار فهرستنویسی (اطلاعات ثبت)

شماره کتابشناسی ملی : 1969687

تقديم

وَذَكّرْهُمْ بِأَيّامِ اللهِ

الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على خير خلقه أجمعين ، محمد وآله الطيبين الطاهرين ، وصحبه المنتجبين .

منذ أن ظهر الإنسان على هذه البسيطة ، وهو محكوم بعدد من الأمور منها : الزمان والمكان حيث لا يمكن للإنسان أن ينفصل عنهما .

وقد لعبا هذان - ولا يزالان - دوراً مهماً في تحديد رقي الحضارات والأمم ، وذلك حسب استثمارهما بالطريقة المثلى ، فكم من دول تمتاز برقعة جغرافية هائلة ولكن لا تستثمرها بشكل جيد فتبقى في عداد الدول المتخلفة حضارياً ، وفي المقابل توجد دول صغيرة من الناحية الجغرافية ولكنها استطاعت باستثمارها عامل الزمن بالطريقة المثلى أن ترقى إلى صف الدول المتقدمة صناعياً والمؤثرة حضارياً .

ومن هذا المنطلق ، اهتم الإسلام أشد الاهتمام بالزمان والتاريخ كعامل مهم في حياة الأمم ، حيث وردت في القرآن الكريم سور بكاملها بأسماء الزمان مثل : سورة الدهر ، وسورة العصر ، حيث أقسم تعالى به .

وتزداد مكانة بعض الأيام والتواريخ في الإسلام ، بحسب الأحداث التي وقعت فيها ، أو التي ستقع فيها ، وهذا ما نلمسه من واقع حياتنا كمسلمين ، إذ وردت أحاديث كثيرة في فضل بعض الأيام بالخصوص ، فليلة القدر ، في القرآن ، خير من ألف شهر

، ويوم الجمعة لها خصوصية معينة ، وحدث هجرة الرسول له مكانة عالية إذ جعل مبدأ للتاريخ في الإسلام ، فسميت السنة بالهجرية نسبة إلى هذه الحادثة العظيمة .

وليست هذه منحصرة بالإسلام ، بل سارت إلى غيره من الديانات ، فقد اعتمد المسيحيون يوم ميلاد السيد المسيح مبدءاً لتقاويمهم تخليداً لذلك الحدث الهام .

المناسبات الإسلامية ، حقائق وأهداف :

قد تبلغ بعض الحوادث التاريخية شهرة عظيمة لأهميتها ، فلا يتطرق إليها أي شك ، ولكن يقع الاختلاف في كيفية الحساب التاريخي وأدواته ، وهو في غالب الأحيان لا يقلل من عظمة ذلك الحدث ، غاية الأمر أنه تختلف التقاويم وتتنوع .

وهو ما أشار إليه القرآن الكريم حيث يقول تعالى : فَالِقُ الإِصْبَاحِ وَجَعَلَ الْلّيْلَ سَكَناً وَالشّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَاناً .

إذ يستخدم البعض القمر وسيلة للحساب ، وآخرون يستعملون الشمس ، فإذا كان المعيار هو الشمس لحساب التاريخ الهجري ، من خلال دوران الأرض حول الشمس ، سميت السنة هجرية شمسية ، وتساوي 365 يوماً تقريباً .

أما إذا كان المقياس هو القمر لحساب التاريخ الهجري ، من خلال دوران القمر حول الأرض ، سميت السنة هجرية قمرية ، وتساوي 355 يوماً تقريباً من هجرة الرسول .

ولهذا فالسنة الشمسية تزيد عن مثيلتها القمرية ب_ 10 إلى 11 يوما .

فمبدأ التقويمين الهجريين الشمسي والقمري واحد ، ولكن الاختلاف في عدد الأيام ولذلك بسبب طريقة الحساب لكل من السنة الهجرية القمرية والشمسية .

ومما ينبغي الإشارة إليه في هذا المجال ، هو التركيز

على الاستفادة المثلى من هذه المناسبات لما فيه خير الإسلام والمسلمين ، ولا يتم ذلك إلا من خلال نشر الوعي والثقافة الإسلامية الصحيحة ، والسعي لتمثل تلك التجارب الإسلامية الناجحة في واقعنا المعاصر ، ولاسيما فيما يتعلق بذكريات الشخصيات الإسلامية الخالدة ، من خلال جعلهم قدوات في حياتنا العملية ، وتذكير الأمة بالقدرات العلمية والثقافية والنماذج الصالحة التي زخرت بها في كل العصور إلى يومنا هذا .

هذا الكتاب موسوعة المناسبات الإسلامية والعالمية :

إن هذه الموسوعة التي بين يديك أيها القارئ الكريم تحتوي على المناسبات الإسلامية السنوية بهدف واضح ومركّز وهو تكوين ثقافة واعية وهادفة منبعثة من المبادئ والعقائد التي سنّها إسلامنا العزيز ، ومواكبة لمسيرة مجتمع قام ببناء حضارة مميّزة فاقت الحضارة المادية

منطلقاً من إيمانه الراسخ بثوابت لطالما عمل على إحيائها والحفاظ عليها علماء هذه الأمة ومفكريها ، وجاء الدور علينا اليوم لكي نحييها ونحافظ عليها .

ومن هذا المنطلق جاء هذا الكتاب ، لتعريف الأمة الإسلامية بتاريخها المجيد وأبرز شخصياتها من خلال عرض أهم المناسبات التي مرت بها ، حسب التاريخ الهجري القمري .

وبما أن الإسلام دين الحوار والتفاهم مع جميع البشر ، ضُمَّ إلى المناسبات الإسلامية مجموعة من المناسبات العالمية التي يحتفل بها ، والتي لم ير الإسلام فيها أي مانع أو محذور ، بل تتفاعل معها بعض الشعوب والدول الإسلامية أو بعض المناسبات الإسلامية التي يعمل بها حسب التقويم الميلادي فجاء هذا الكتاب في موسوعة يضم جزئين ، الجزء الأول المناسبات الإسلامية حسب تقويم الهجري القمري والجزء الثاني المناسبات العالمية وبعض المناسبات الإسلامية حسب تقويم الشمسي

بمبدأ هجرة النبي أو رأس السنة الميلادية ، سائلين المولى أن ينفع به عموم المسلمين لاسيما علماء الدين وخاصة المبلغين وننتفع به نحن يَوْمَ لاَ يَنفَعُ مَالٌ وَلاَ بَنُونَ إِلاّ مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وسلام على المرسلين وصلى الله على نبيه محمد وآله الطاهرين .

وفي نهاية المطاف نشكر كل الأخوة الذين ساهموا في إخراج هذا السفر القيم بهذه الحلة القشيبة لاسيما الأخ العزيز الباحث المحقق الشيخ أيوب الحائري الذي كان له الدور الأساسي في إنجاز وإعداد هذا المشروع المعطاة .

سيد مجتبى الحسيني دمشق - السيدة زينب

محرم الحرام 1428ه_ = 2007م

الجزء الأول

مناسبات شهر محرم الحرام

مناسبات شهر محرم الحرام

اليوم المناسبةالسنة

1/ محرم الحرام رأس السنة الهجرية القمرية1 ه_/ 13 للبعثة

2/ وصول الإمام الحسين إلى كربلاء61 ه_

7/ منع الماء عن أهل البيت في كربلاء61 ه_

9/ تاسوعاء الإمام الحسين61 ه_

10/ ليلة عاشوراء ويومها61 ه_

11/ سبي العترة الطاهرة من كربلاء إلى الكوفة61 ه_

13/ دفن شهداء الطف في كربلاء61 ه_

19/ خروج السبايا من الكوفة إلى الشام 61 ه_

25/ شهادة الإمام علي بن الحسين95 ه_

تمهيد

لا ريب أن لشخصية الإنسان أبعاداً متعددة ، منها :

المادي والمعنوي والعقائدي والفكري والعاطفي والديني والعبادي . . .

ومما يميز الإسلام أنه راعى في تعاليمه كل هذه الأبعاد بدون استثناء ، فكما أمره بالعبادة فإنه وجهه إلى السعي والكدّ والعمل ، ومثلما أمره بالتقوى والزهد والإخلاص فإنه دعاه إلى حسن التعامل والمعاشرة مع الناس ، وهكذا . . .

وعندما يحلّ شهر محرم الحرام ، يستذكر محبي أهل البيت ملحمة كربلاء الخالدة ، عندما استشهد الإمام أبو عبد الله الحسين مع ثلة من أهل بيته الأطهار وأنصاره الأخيار ، في سبيل الدفاع عن مبادئ الإسلام الحقة ورسالته السماوية المقدسة .

وتعبيراً عن الحزن على تلك الفاجعة الأليمة ، وتأسياً بالمعصومين في تعاملهم معها ، ينبغي أن يستشعر التفجع في قلبه ويظهر الأسى في وجهه ، ولذا فقد ورد في الحديث عن الإمام الرضا :

كان أبي صلوات الله عليه إذا دخل شهر المحرم لم يُرَ ضاحكاً وكانت كآبته تغلب عليه حتى يمضي منه عشرة أيام ، فإذا كان اليوم العاشر كان ذلك اليوم يوم مصيبته وجزعه وبكائه ، ويقول هو اليوم الذي قتل فيه الحسين .

وبناءً على ما سبق

لا ينبغي لهذا البعد العاطفي الجيّاش ، على أهميته ، أن يطغى على غيره من الأبعاد ، بل يجب أن يكون دافعاً ، وهو كذلك ، لتفعيل الجوانب والأبعاد الأخرى في شخصيته وحياته نحو الأفضل اقتداءً بأبي عبد الله الحسين ، ولاسيما الجوانب العبادية والروحية التي تشدّه إلى الله عز وجل ، من خلال أداء بعض العبادات والأعمال المخصوصة لهذا الشهر الفضيل ، ومنها :

1- الصلاة : حيث يستحب في الليلة الأولى أداء صلاة ركعتين ، يقرأ في الأولى الحمد والأنعام ويقرأ في الثانية الحمد و يس .

وكذلك صلاة ركعتين ، يقرأ في كل منهما الحمد ، والإخلاص إحدى عشرة مرة .

2- الصيام : إذ ورد في رواية الريان بن شبيب عن الإمام الرضا ، أنه قال : من صام هذا اليوم ودعا الله ، استجاب الله دعاءه كما استجاب لزكريا .

فيستحب صيام تسعة أيام من الأيام الأولى من هذا الشهر ، والإمساك في اليوم العاشر منه عن الطعام والشراب إلى وقت العصر .

3- زيارة سيد الشهداء أبي عبد الله الحسين من قريب أو بعيد ، والسعي لإحياء ليلة عاشوراء بجوار ضريحه الطاهر ، إن أمكن ، بالدعاء والمناجاة والذكر ، وزيارته في يوم عاشوراء ، والعمل لخدمة زوار مرقده الشريف .

4- إقامة مجالس العزاء ، والسعي لنشر الثقافة الإسلامية الصحيحة من خلالها ولاسيما في أوساط الشباب ، والتعريف بحقيقة ثورة الحسين وأهدافها السامية .

بالإضافة إلى غيرها من الأعمال التي ذكرت في كتب الدعاء والزيارة .

أما

فيما يتعلق بأهم الأحداث التي وقعت في هذا الشهر ، فسنستعرضها فيما يلي :

1رأس السنة الهجرية1/ محرم / من كل سنة

يصادف هذا اليوم رأس السنة الهجرية القمرية .

وقد اتفق المسلمون بمختلف مذاهبهم على جعل حدث هجرة الرسول مبدءاً لتأريخهم حيث جعله النبي مبدأ لتأريخ الحوادث والمناسبات ، وروى ابن عساكر في تاريخ دمشق عن أنس ، قال : كان التأريخ من مقدم رسول الله المدينة .

وذكر المؤرخون وبعض الرواة على أن وقوع الهجرة كان بتاريخ أول ربيع الأول أو يوم الثاني عشر من ربيع الأول بحسب الاختلاف في النقل ، وذلك عندما خرج من مكة متوجهاً إلى المدينة ، وقصة الهجرة بإختصار فيما يلي :

لما علم مشركوا قريش بأمر بيعة العقبة الثانية بين النبي وأهل المدينة الذين عاهدوه على أن يحفظوه ويحرسوه كما يحفظون أنفسهم ويدافعوا عنه وعن أهل بيته ، أثار ذلك حقد المشركين وغيظهم ، فدعوا إلى اجتماع في دار الندوة لاتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع هذا الخطر ، وقد حضره أربعون من كبارهم وقادتهم ، فاتفقوا على أن يختاروا من كل قبيلة رجلاً ويسلّحوه حساماً قاطعاً ، فيهجموا عليه بغتة ويقتلوه ، فيذهب دمه بين القبائل فلا يستطيع بنو هاشم وبنو عبد المطلب مناهضتها كلّها ، مما يضطرهم لقبول الدية ، وبدؤوا تنفيذ خطتهم في أول ليلة من شهر ربيع الأول حيث اجتمعوا حول دار النبي ليهجموا عليه ويقتلوه في فراشه ، فهبط عليه جبرائيل وأخبره بمكرهم .

فأبقى علياً نائماً مكانه في الفراش ، ليغطي خروجه إلى المدينة ، فقال لعلي : إنّ الروح هبط عليّ يخبرني أن

قريشاً اجتمعت على قتلي ، وأمرني ربّي أن أهجر دار قومي ، وأن أنطلق إلى غار ثور ، وإنه أمرني أن آمرك بالمبيت على مضجعي ، تخفي بمبيتك عليه أثري . فما أنت قائل وصانع؟

فقال علي : أو تسلمنّ بمبيتي هناك يا نبي الله؟

قال : نعم ، فتبّسم علي ضاحكاً وأهوى إلى الأرض ساجداً شكراً . فكان أوّل من سجد لله شكراً . فلما رفع رأسه قال : امض لما أمرت ، فداك نفسي ، ومرني بما شئت أكن فيه بمشيّتك وما توفيقي إلاّ بالله ، ثم ضمّه النبي إلى صدره وبكيا معاً .

فأخذ جبرائيل يد النبي وأخرجه من الدار وقرأ النبي : وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً ومِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً فَأغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ .

ونثر التراب على وجوههم وقال : شاهت الوجوه .

وتوجه إلى غار ثور .

أما أمير المؤمنين ، فإنه بات تلك الليلة على فراش النبي وتغشّى ببرده الأخضر الحضرمي ، وقد أحاط المشركون بالدار منتظرين حلول الصباح ، فلما أصبحوا دخلوا الدار فوثب علي في وجوههم ، فقالوا له : أين محمد؟ ، قال : أجعلتموني عليه رقيباً ، ألستم قلتم نخرجه من بلادنا؟ فقد خرج عنكم ، فنزلت هذه الآية في حق علي بعد ذلك في المدينة : وَمِنَ النّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَآءَ مَرْضَاتِ اللهِ وَاللهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ .

ومكث رسول الله ثلاثة أيّام في الغار ، ثم اتجه في اليوم الرابع إلى المدينة ، فنزل قرية قُبا قبل المدينة في الثاني عشر من شهر ربيع الأول للسنة الثالثة

عشر من البعثة ، فصارت هذه الهجرة مبدأ تاريخ المسلمين .

من خلال هذه القصة ، يتضح بشكل جلي أن الهجرة حدثت في الأول من شهر ربيع الأول ، وتوجد شواهد في كتب التاريخ والسيرة ، على أنّ رسول الله والصحابة استمروا بتأريخ الحوادث من ربيع الأول .

2وصول الإمام الحسين إلى كربلاء2/ محرم / السنة 61 ه_

إنّ كربلاء اسم قديم في التاريخ ، يرجع على عهد البابليين ، وقد استطاع المؤرخون والباحثون التوصل إلى لفظة كربلاء من نحت الكلمة وتحليلها اللغوي ، فقيل أنها منحوتة من كلمة كور بابل العربية ، وهي عبارة عن مجموعة قرى بابلية قديمة ، منها نينوى شرق كربلاء ، والغاضرية ، ثم كربلاء أو عقربابل ثم النواويس .

وقد ذكرها الحسين في خطبته المشهورة : وكأني بأوصالي تقطّعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء

ويطلق عليها اسم الطف أيضاً .

نزول الحسين إلى كربلاء :

أجمعت المصادر التأريخية أن الحرّ بن يزيد الرياحي التقى بالحسين في طريقه المؤدي إلى الكوفة ، وكاد الحر يقتنع بالخيارات التي عرضها الحسين على الحر ، غير أن ابن زياد أرسل عيناً وكتاباً إلى الحر جاء فيه : أما بعد فجعجع بالحسين حين يأتيك كتابي ويقدم عليك رسولي ، ولا تنزله إلا بالعراء في غير حصن وعلى غير ماء ، وقد أمرت رسولي أن يلزمك فلا يفارقك حتى يأتيني بانفاذك أمري ، والسلام .

فلمّا قرأ الكتاب ، قال لهم الحر : هذا كتاب الأمير عبيد الله يأمرني أن أجعجع بكم في المكان الذي يأتي كتابه وهذا رسوله قد أمره أن لا يفارقني حتى أنفذ أمره

فيكم .

فقال له الحسين : دعنا ويحك ننزل في هذه القرية يعني نينوى أو الغاضرية أو هذه يعني شفية .

قال : لا والله لا أستطيع ذلك ، هذا رجل قد بعث عيناً عليّ .

فقال له زهير بن القين : إني والله ما أراه يكون بعد الذي ترون إلا أشدّ مما ترون يا ابن رسول الله ، إنّ قتال هؤلاء الساعة أهون علينا من قتال من يأتينا من بعدهم ، فلعمري ليأتينا بعدهم ما لا قبل لنا به . فقال له الحسين : ما كنت لأبدأهم بالقتال .

ثم نزل وذلك يوم الخميس ، وهو اليوم الثاني من المحرم سنة إحدى وستين .

لما نزل الحسين بأرض كربلاء ، قال : ما هي؟ قالوا : العقر ، فقال الحسين : اللهم إني أعوذ بك من العقر .

ثم قال : ما يقال لهذه الأرض؟ فقالوا : كربلاء ، ويقال لها أرض نينوى قرية بها ، فبكى وقال : كرب وبلاء ، أخب_رتني أم سلمة قالت : كان جب_رئيل عند رسول الله وأنت معي فبكيت ، فقال رسول الله : دعي ابني .

فتركتك فأخذك ووضعك في حجره ، فقال جب_رئيل : أتحبّه؟

قال : نعم .

قال : فإن أمتك ستقتله .

قال جب_رئيل : وإن شئت أن أريك تربة أرضه التي يقتل فيها .

قال : نعم .

قالت أم سلمة : فبسط جب_رئيل جناحه على أرض كربلاء فقبض منها قبضة فأراه إياها .

فلما قيل للحسين : هذه أرض كربلاء شمّها ، وقال : هذه والله هي الأرض التي أخب_ر

بها جب_رئيل رسول الله وأنني أقتل فيها .

وفي الملهوف ، وكشف الغمّة : لما وصل الحسين المكان الذي جعجع به ، قال : ما اسم هذه الأرض؟

فقيل : كربلاء .

فقال : اللهم إني أعوذ بك من الكرب والبلاء .

ثم قال : هذا موضع كرب وبلاء فانزلوا ، ها هنا محطّ رحالنا ومسفك دمائنا ، وهنا محل قبورنا ، بهذا حدّثني جدي رسول الله .

فنزلوا جميعاً ونزل الحر بنفسه وجيشه قبالة الحسين ، ثم كتب إلى عبيد الله بن زياد وأعلمه بنزول الحسين بأرض كربلاء .

ثم دعا الحسين بدواة وقرطاس ، وكتب إلى أشراف الكوفة ممن كان يظن أنه على رأيه :

بسم الله الرحمن الرحيم ، من الحسين بن علي إلى سليمان بن صرد ، المسيب بن نجبة ، ورفاعة بن شداد ، وعبد الله بن وال ، وجماعة المؤمنين ، أما بعد :

فقد علمتم أن رسول الله قد قال في حياته : من رأى سلطاناً جائراً مستحلاً لحرم الله ناكثاً لعهد الله مخالفاً لسنة رسول الله ، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان ، ثم لم يغيّر بقول ولا فعل كان حقاً على الله أن يدخله مدخله ، وقد علمتم أن هؤلاء القوم قد لزموا طاعة الشيطان وتولّوا عن طاعة الرحمن ، وأظهروا الفساد وعطّلوا الحدود ، واستأثروا بالفيء ، وأحلّوا حرام الله وحرّموا حلاله ، وإني أحقُّ بهذا الأمر لقرابتي من رسول الله .

وقد أتتني كتبكم ، وقد قدِمَتْ عليّ رسلكم ببيعتكم أنّكم لا تسلموني

ولا تخذلوني ، فإن وفيتم لي ببيعتكم فقد أصبتم حظّكم ورشدكم ، ونفسي مع أنفسكم وأهلي وولدي مع أهاليكم وأولادكم ، فلكم بي أسوة ، وإن لم تفعلوا ونقضتم عهودكم ، وخلفتم بيعتكم ، فلعمري ما هي منكم بنكرٍ لقد فعلتموها بأبي وأخي وابن عمّي ، والمغرور مَنِ اغتّر بكم ، فحظّكم أخطأتُم ونصيبكم ضيّعتُم ، ومن نَكثَ فإنمّا ينكث على نفسِهِ ، وسيُغني الله عنكم والسلام .

ثم طوى الكتاب وختمه ودفعه إلى قيس بن مسهر الصيداوي .

ولما علم ابن زياد بنزول الحسين بكربلاء كتب إليه يقول :

أما بعد يا حسين فقد بلغني نزولك بكربلاء ، وقد كتب إليّ أمير المؤمنين يزيد أن لا أتوسّد الوثير ولا أشبع من الخمير أو ألحقك باللطيف الخبير أو ترجع إلى حكمي وحكم يزيد بن معاوية ، والسلام .

فلمّا ورد كتابه على الحسين وقرأه رماه من يده ثم قال : لا أفلح قوم اشتروا مرضاة المخلوق بسخط الخالق .

فقال الرسول : جواب الكتاب أبا عبد الله؟

فقال : ما له عندي جواب لأنه قد حقّت عليه كلمة العذاب .

فرجع الرسول إليه فأخبره بذلك ، فغضب عدو الله من ذلك أشد الغضب ، والتفت إلى عمر بن سعد وأمره بقتال الحسين ، وقد كان ولاه الريّ قبل ذلك فاستعفى عمر من ذلك ، فقال ابن زياد : فأردد إلينا عهدنا . فاستمهله ثم قبل بعد يوم خوفاً من أن يعزل عن ولاية الري .

والظاهر أنّ مفاتحة ابن زياد لعمر بن سعد في أمر قتال الحسين كان قبل هذا

الوقت ، وربما كان في حين ورود الحسين أرض العراق وبعد استشهاد مسلم بن عقيل ، لأنّ المؤرّخين اتفقوا على أنّ عمر بن سعد نزل بكربلاء بعد نزول الحسين بها بيوم وهو اليوم الثالث من محرم .

قال ابن الأثير : وسبب مسير عمر بن سعد إلى الحسين أن عبيد الله ابن زياد كان قد بعثه على أربعة آلاف إلى دستبى ، وكانت الديلم قد خرجوا إليها وغلبوا عليها وكتب له عهده على الري ، فعسكر بالناس في حمّام أعين ، فلما كان من أمر الحسين ما كان؛ دعا ابن زياد عمر بن سعد وقال له : سر إلى الحسين فإذا فرغنا مما بيننا وبينه سرت إلى عملك ، فاستعفاه .

فقال : نعم على أن ترد عهدنا .

فلما قال له ذلك قال : أمهلني اليوم حتى أنظر ، فاستشار نصحاءه فكلّهم نهاه ، وأتاه حمزة بن المغيرة بن شعبةو هو ابن أخته فقال : أنشدك الله يا خالي أن لا تسير إلى الحسين فتأثم وتقطع رحمك ، فو الله لئن تخرج من دنياك ومالك وسلطان الأرض وكل ما كان لك خير من أن تلقى الله بدم الحسين . فقال : أفعل ، وبات ليلته مفكّراً في أمره ، فسمع وهو يقول :

أأترك ملك الريّ والريّ منيتي

وفي قتله النار التي ليس دونها

أم أرجع مأثوماً بقتل حسينِ

حجاب وملك الريّ قرّة عينِ

ثم أتى ابن زياد وقال له : إنك وليتني هذا العمل وسمع الناس به فإن رأيت أن تنفّذ لي ذلك فافعل وابعث إلى الحسين من أشراف الكوفة من لستُ بأغنى ولا أجزأ في

الحرب منه فسمّى له أناساً .

فقال له ابن زياد : لا تعلمني بأشراف أهل الكوفة ، ولست استأمرك فيمن أريد أن أبعث فإن سرت بجندنا وإلا فابعث إلينا بعهدنا .

قال : فإني سائر . فاقبل في ذلك الجيش حتى نزل بالحسين .

فلما بلغ عمر بن سعد كربلاء نزل نينوى وبعث إلى الحسين عروة بن قيس الأحمسي فقال : ائته فاسأله ما الذي جاء بك وماذا تريد؟ وكان عروة ممن كتب إلى الحسين فاستحيى منه أن يأتيه ، فعرض ذلك على الرؤساء الذين كاتبوه فكلهم أبى ذلك وكرهه ، فقام إليه كثير بن عبد الله الشعبي وكان فارساً شجاعاً لا يرد وجهه شيء فقال له : أنا أذهب إليه والله لئن شئت لأفتكنّ به . فقال له عمر : ما أريد أن تفتك به ولكن ائته فاسأله ما الذي جاء به؟ فأقبل كثير إليه ، فلما رآه أبو ثُمامة الصائدي قال للحسين : أصلحك الله يا أبا عبد الله قد جاءك شر أهل الأرض وأجرأه على دم وأفتكه .

وقام إليه فقال له : ضع سيفك .

قال : لا ولا كرامة ، إنما أنا رسول فإن سمعتم مني بلغتكم ما أرسلت به إليكم وإن أبيتم انصرفت عنكم .

قال : فإني آخذ بقائم سيفك ثم تكلم بحاجتك .

قال : لا والله لا تمسّه .

فقال له : فاخبرني بما جئت به وأنا أبلّغه عنك ولا أدعك تدنو منه فإنك فاجر . فاستبّا وانصرف إلى عمر بن سعد فأخبره الخبر .

فدعا عمر بن سعد قرة بن قيس الحنظلي فقال له : ويحك يا قرّة إلق حسيناً

فاسأله ما جاء به؟ وماذا يريد؟

فأتاه قرّة ، فلما رآه الحسين مقبلاً قال : أتعرفون هذا؟

فقال له حبيب بن مظاهر : نعم هذا رجل من حنظلة تميم وهو ابن أختنا وقد كنت أعرفه بحسن الرأي وما كنت أراه يشهد هذا المشهد .

فجاء حتى سلم على الحسين وأبلغه رسالة عمر بن سعد إليه ، فقال له الحسين : كتب إليّ أهل مصركم هذا أن أقدم فأما إذ كرهتموني فأنا أنصرف عنكم . ثم قال له حبيب بن مظاهر : ويحك يا قرّة أين ترجع إلى القوم الظالمين أنصر هذا الرجل الذي بآبائه أيدك الله بالكرامة .

فقال له قرة : أرجع إلى صاحبي بجواب رسالته وأرى رأيي .

قال : فانصرف إلى عمر بن سعد فأخبره الخبر .

فقال عمر : أرجو أن يعافيني الله من حربه وقتاله .

3منع الماء عن أهل البيت في كربلاء 7/ محرم / السنة 61 ه_

أخلاقيات الحرب :

للحرب سنن وقواعد أخلاقية مع أنها حرب في كل زمان ومكان ، إلا أن بني أمية لا قواعد تمنعهم ولا أخلاق تردعهم ، فقد منع معاوية الماء عن جيش الإمام علي في بداية حرب صفين ، وعندما تفوق عليه الإمام وطرد جيشه عن المشرعة وسيطر هو عليها لم يمنعهم من الماء .

وهكذا تكرر الأمر مع الحسين ، فعندما استقبل الحر وجيشه في وسط الصحراء وكادوا يموتون عطشاً ، سقاهم الحسين ورشف خيولهم ، وعندما بلغوا كربلاء سيطروا على المشرعة ومنعوا الحسين من الماء .

فقد وضع عمر بن سعد 4000 فارس لحماية المشرعة من أن يصلها الحسين وأصحابه ، وذلك ليقتلهم عطشاً ، وهكذا كان .

وليس هذا فقط ،

فقد استباح الأمويون وجيشهم كل القواعد الأخلاقية التي عرفها المسلمون في الحرب من الرسول .

فمن القواعد المعروفة في الإسلام أثناء الحرب :

1- عدم بدء الناس بقتال ، إلا بعد أن تستنفذ منهم وسائل الدعوة للإسلام والسلام .

2- عدم الإجهاز على الجريح ، وعدم طلب المدبر .

3- عدم التعرض للنساء ولو شتمن أعراض الجيش الإسلامي المنتصر .

4- حسن معاملة الأسير .

إلى غيره من القواعد الأخلاقية التي يعرفها العامة فضلاً عن الخاصة .

وقد خالف جيش بني أمية كل خلق وقاعدة عرفها الإسلام .

فقد خطب الحسين يوم عاشوراء فيهم خطبة يدعوهم فيها لتحكيم الإسلام والرجوع إلى دين جده المصطفى ، ثم استشهدهم على نفسه أنه ابن بنت نبيهم ، وليس ما بين المشرق والمغرب ابن بنت نبي غيره فيهم وفي غيرهم .

ثم سألهم : هل يحل لهم قتلي وانتهاك حرمتي؟!

ثم عندما قتلوه ، مثلوا به وسلبوه ، فلا رادع من دين لأنّ المثلة حرام! ، وكشف الميت حرام! ثم داسوا صدره بالخيل ، ثم قطعوا رأسه ورؤوس أصحابه وأهل بيته وعلقوها على الرماح بعد أن قسموها بين القبائل ، وسبيت النساء وروّعت الأطفال وضربوا وعذبوا ، وأساءوا معاملتهم ، ولكنّ المهم في الواقعة هو أنها كشفت زيف إسلام بني أمية وكذبهم ونفاقهم والثلة الذين تبعوهم على عمى .

كان ابن زياد يستحثُّ عمر بن سعد لستة أيام مضين من المحرم ، بينما كان الإمام الحسين يجلس إلى عمر بن سعد فينصحه ويحذّره من مغبّة إقدامه على الحرب وهتك حرمة الإسلام وحرمة نبيّه ، حتى أوشك أن

يتخلى عمر عن أمر القتال ، فكتب إلى عبيد الله بن زياد يقول فيه : بسم الله الرحمن الرحيم : أما بعد فإني حيث نزلت بالحسين بعثت إليه رسولي فسألته عما أقدمه وماذا يطلب ويسأل؟ فقال : كتب إليّ أهل هذه البلاد وأتتني رسلهم فسألوني القدوم ففعلت فأما إذْ كرهتموني فبدا لهم غير ما أتتني به رسلهم فأنا منصرف عنهم .

فلما قُرئ الكتاب على ابن زياد ، قال :

الآن إذ علقت مخالبنا به

يرجو النجاة ولات حين مناص

قال وكتب إلى عمر بن سعد :

بسم الله الرحمن الرحيم : أما بعد ، فقد بلغني كتابك وفهمت ما ذكرت ، فأعرض على الحسين أن يبايع ليزيد بن معاوية هو وجميع أصحابه ، فإذا فعل ذلك رأيْنا رأَينا ، والسلام

قال : فلما أتى عمر بن سعد الكتاب ، قال : قد حسبت ألا يقبل ابن زياد العافية .

وذكرت كتب المقاتل والسير أن الحسين وعمر بن سعد إلتقيا مراراً ثلاثاً أو أربعاً .

فمن ذلك حدّث أبو جناب ، عن هاني بن ثُبيت الحضرمي وكان قد شهد قتل الحسين ، قال : بعث الحسين إلى عمر بن سعد عمرو بن قرظة بن كعب الأنصاري أن ألقني الليل بين عسكري وعسكرك ، قال : فخرج عمر بن سعد في نحو عشرين فارساً وأقبل الحسين في مثل ذلك ، فلما التقوا أمر الحسين أصحابه أن يتنحّوا عنه ، وأمر عمر بن سعد أصحابه بمثل ذلك .

قال : فانكشفنا عنهما بحيث لا نسمع أصواتهما ولا كلامهما ، فتكلّما فأطالا حتى ذهب من الليل هزيع

، ثم انصرف كل واحد منهما إلى عسكره بأصحابه ، وتحدّث الناس فيما بينهم ظناً يظنونه أنّ حسيناً قال لعمر بن سعد : أخرج معي إلى يزيد بن معاوية وندع العسكرين .

قال عمر : إذن تهدم داري .

قال الحسين : أنا أبنيها لك .

قال : إذن تؤخذ ضياعي .

قال الحسين : إذا أعطيك خيراً منها من مالي بالحجاز .

قال : فتكرَّه ذلك عمر .

قال : فتحدث الناس بذلك وشاع فيهم من غير أن يكونوا سمعوا من ذلك شيئاً ولا علموه .

روى حميد بن مسلم الأزدي فقال : جاء من عبيد الله بن زياد كتاب إلى عمر بن سعد : أما بعد ، فحل بين الحسين وأصحابه وبين الماء ولا يذوقوا منه قطرة كما صنع بالزكي عثمان بن عفان .

قال : فبعث عمر بن سعد خمس مائة فارس مع عمرو بن الحجاج ، فنزلوا على الشريعة وحالوا بين الحسين وأصحابه وبين الماء أن يسقوا منه قطرة وذلك قبل قتل الحسين بثلاث .

حؤول عمر بن سعد بين الحسين والماء :

من الحوادث المتصلة بهذا المنع : أن عبد الله بن أبي حصين الأزدي قال :

يا حسين ألا تنظر إلى الماء كأنه كبد السماء والله لا تذوق منه قطرة حتى تموت عطشاً .

فقال الحسين : اللهم اقتله عطشاً ولا تغفر له أبداً .

قال حميد بن مسلم : والله لعدته بعد ذلك في مرضه ، فو الله الذي لا إله إلا هو لقد رأيته يشرب ، ثم يقيء ثم يعود فيشرب حتى يبغر فما يروى ، فما زال ذلك دأبه

حتى لفظ غصته يعني نفسه .

ولما اشتدّ على الحسين وأصحابه العطش دعا العباس بن علي بن أبي طالب أخاه؛ فبعثه في ثلاثين فارساً وعشرين راجلاً ، وبعث معهم بعشرين قربة ، فجاءوا حتى دنوا من الماء ليلاً واستقدم أمامهم باللواء نافع بن هلال الجملي ، فقال عمرو بن الحجاج الزبيدي : من الرجل وما جاء بك؟

قال : جئنا نشرب من هذا الماء الذي حلأتمونا عنه .

قال : فاشرب هنيئاً .

قال : لا والله لا أشرب منه قطرة وحسين عطشان ومن ترى من أصحابه فطلعوا عليه ، فقال : لا سبيل إلى سقي هؤلاء ، إنما وضعنا بهذا المكان لنمنعهم الماء ، فلما دنا منه أصحابه ، قال لرجاله : املؤوا قربكم .

فشدّ الرجّالة فملؤوا قربهم وثار عليهم عمرو بن الحجاج وأصحابه ، فحمل عليهم العباس بن علي ونافع بن هلال فكشفوهم ، ثم انصرفوا إلى رحالهم ، فقالوا : امضوا ، ووقفوا دونهم فعطف عليهم عمرو بن الحجاج وأصحابه واطردوا قليلاً . وجاء أصحاب الحسين بالقِرَب فأدخلوها عليه .

4تاسوعاء الإمام الحسين عليه السلام9/ محرم / السنة 61 ه_

ذكرنا فيما سبق المراسلات بين عمر بن سعد وعبيد الله ، وكان ابن زياد على اطلاع كامل فيما يجري على ساحة كربلاء حيث العيون والجواسيس الذين نشرهم عبيد الله فلا يخفى عليه تحرّك الجند ورأي قيادته ، ثم الأوامر القاسية التي كان يصدّرها ابن زياد تجاه قائده عمر بن سعد؛ جعلت من الكتب والرسائل التي كان يبعثها ابن سعد من ساحة الحرب إلى الكوفة تُعدّ وثائق عسكرية وأسراراً حربية تصل تباعاً إلى والي الكوفة .

وقد كتب عمر

بن سعد في كتابه الثاني لابن زياد :

أما بعد ، فإنّ الله قد أطفأ النائرة وجمع الكلمة ، وأصلح أمر الأمّة ، هذا حسين قد أعطاني أن يرجع إلى المكان الذي منه أتى ، أو أن نسيّره إلى أيّ ثغر من ثغور المسلمين شئنا فيكون رجلاً من المسلمين له ما لهم وعليه ما عليهم ، أو أن يأتي يزيد أمير المؤمنين فيضع يده في يده فيرى فيما بينه وبينه رأيه . وفي هذا لكم رضاً وللأمّة صلاح .

فلما قرأ عبيد الله الكتاب ، قال : هذا كتاب رجل ناصح . . إلى آخر ما تقدم ذكره .

فقام إليه شمر بن ذي الجوشن فقال : أتقبل هذا منه وقد نزل بأرضك وإلى جنبك ، والله لئن رحل من بلادك ولم يضع يده في يدك ليكوننّ أولى بالقوة ولتكوننّ أولى بالضعف والعجز ، فلا تعطه هذه المنزلة فإنها من الوهن ، ولكن ينزل على حكمك هو وأصحابه فإن عاقبت فأنت ولي العقوبة وإن عفوت كان ذلك لك .

فقال له ابن زياد : نعم ما رأيت ، الرأي رأيك ، أخرج بهذا الكتاب إلى عمر بن سعد .

وكتب إلى عمر بن سعد :

إني لم أبعثك إلى الحسين لتكف عنه ولا لتطاوله ولا لتمنّيه السلامة والبقاء ، ولا لتقعد له عندي شافعاً… أنظر فإن نزل حسين وأصحابه على الحكم واستسلموا ، فابعث بهم إليّ سلماً ، وإن أبوا فازحف إليهم حتى تقتلهم وتمثّل بهم ، فإنهم لذلك مستحقون فإن قتل حسين فأوطىء الخيل صدره وظهره! فإنه عاقّ شاق

، قاطع ظلوم! وليس دهري في هذا أن يضرّ بعد الموت شيئاً ، ولكن عليّ قول : لو قد قتلته فعلت هذا به! إن أنت مضيت لأمرنا فيه جزيناك جزاء السامع المطيع ، وإن أبيت فأعتزل عملنا وجندنا ، وخلّ بين شمر بن ذي الجوشن وبين العسكر ، فإنّا قد أمرناه بأمرنا ، والسلام .

ثم إنّ عبيد الله بن زياد دعا شمر بن ذي الجوشن فقال له : أخرج بهذا الكتاب إلى عمر بن سعد ، فليعرض على الحسين وأصحابه النزول على حكمي فإن فعلوا فليبعث بهم إليّ سلماً ، وإن هم أبوا فليقاتلهم فإن فعل فاسمع له وأطع وإن أبى فاضرب عنقه وأنت أميرهم .

أخذ شمر الكتاب وأقبل مسرعاً يجدّ في السير حتى وصل كربلاء في اليوم الثامن أو صباح التاسع وسلّم كتاب عبيد الله بن زياد إلى عمر بن سعد ، فلما قرأه قال له عمر : ويلك ما لك! لا قرب الله دارك ، وقبّح الله ما قدمت به عليّ! والله لأظنّك أنت ثنيته أن يقبل ما كتبتُ به إليه أفسدت علينا أمراً كنّا رجونا أن يصلح ، لا يستسلم والله حسين ، إن نفساً أبيّة لبين جنبيه .

فقال له شمر : أخبرني ما أنت صانع! أتمضي لأمر أميرك وتقتل عدوّه؟ وإلاّ فخلِّ بيني وبين الجند والعسكر .

قال : لا ، ولا كرامة لك ، وأنا أتولّى ذلك ، فدونك وكن أنت على الرجّالة .

ونهض عمر بن سعد إلى الحسين عشية الخميس لتسع مضين من محرم . وجاء شمر حتى وقف على

أصحاب الحسين فقال : أين بنو أختنا؟

فخرج إليه العباس وجعفر وعبد الله وعثمان بنو علي بن أبي طالب فقالوا : ما تريد؟ . فقال : أنتم يا بني أختي آمنون .

فقالت له الفتية : لعنك الله ولعن أمانك ، أتؤمننا وابن رسول الله لا أمان له .

وفي رواية : فناداه العباس : تبت يداك وبئس ما جئتنا به من أمانك يا عدو الله أتأمرنا أن نترك أخانا وسيدنا الحسين بن فاطمة وندخل في طاعة اللعناء وأولاد اللعناء .

فرجع شمر لعنه الله إلى عسكره مغضباً ، ثم نادى عمر بن سعد : يا خيل الله اركبي وبالجنة أبشري . فركب الناس ثم زحف نحوهم بعد العصر .

روي عن الإمام الصادق فقال : تاسوعاء يوم حوصر فيه الحسين وأصحابه ، وأيقنوا أنه لا يأتي الحسين ناصر ولا يمدّه أهل العراق ، بأبي المستضعف الغريب .

فلمّا نادى عمر بن سعد أصحابه بالركوب ركب أصحابه واقتربوا نحو خيم الحسين والحسين جالس أمام بيته محتبياً بسيفه ، إذ خفق برأسه على ركبتيه وسمعت أخته زينب الضجة ، فدنت من أخيها فقالت : يا أخي أما تسمع الأصوات قد اقتربت! .

فرفع الحسين رأسه فقال : إني رأيت رسول الله الساعة في المنام فقال لي : إنك تروح إلينا .

فلطمت أخته ونادت بالويل ، فقال لها الحسين : ليس لك الويل يا أخية اسكتي رحمك الله .

ولما توجّه الجند نحو الحسين قال له العباس بن علي : يا أخي قد أتاك القوم ، قال فنهض ثم قال : يا عباس اركب بنفسي أنت يا أخي حتى

تلقاهم وتقول لهم : ما لكم وما بدا لكم وتسألهم عما جاءهم .

فأتاهم العباس في نحو من عشرين فارساً فيهم زهير بن القين وحبيب بن مظاهر ، فقال لهم العباس : ما بدا لكم وما تريدون؟ .

قالوا : جاء أمر الأمير أن نعرض عليكم أن تنزلوا على حكمه أو نناجزكم .

قال : فلا تعجلوا حتى أرجع إلى أبي عبد الله فأعرض عليه ما ذكرتم .

فوقفوا وقالوا : إلقه فاعلمه ثم إلقِنا بما يقول لك .

فانصرف العباس راجعاً يركض إلى الحسين يخبره الخبر ووقف أصحابه يخاطبون القوم .

ولمّا وصل العباس إلى أخيه الحسين أخبره بما قال القوم ، فقال : إرجع إليهم فإن استطعت أن تؤخرهم إلى غدوة وتدفعهم عنا العشيّة لعلنا نصلي لربنا الليلة وندعوه ونستغفره فهو يعلم أني قد كنت أحب الصلاة له وتلاوة كتابه وكثرة الدعاء والاستغفار .

فمضى العباس إلى القوم ورجع من عندهم ومعه رسول من قبل عمر بن سعد فقام حيث يسمع الصوت ، فقال : إنا قد أجلناكم إلى غد فإن استسلمتم سرّحنا بكم إلى أميرنا عبيد الله بن زياد وإن أبيتم فلسنا تاركيكم! ثم انصرف .

5 ليلة عاشوراء ويومها 10/ محرم / السنة 61 ه_

كانت ليلة عصيبة ، جمع الحسين أصحابه عند حلول المساء .

قال الإمام زين العابدين : فدنوت منه لأسمع ما يقول لهم وأنا إذْ ذاك مريض ، فسمعت أبي يقول لأصحابه :

أثني على الله أحسن الثناء وأحمده على السراء والضراء ، اللهم إني أحمدك على أن أكرمتنا بالنبوة وعلمتنا القرآن وفقّهتنا في الدين وجعلت لنا أسماعاً وأبصاراً وأفئدة فاجعلنا من الشاكرين ، أما بعد :

فإني لا

أعلم أصحاباً أوفى ولا خيراً من أصحابي ، ولا أهل بيت أبر ولا أوصل ولا أفضل من أهل بيتي ، فجزاكم الله عني خيراً ، ألا وإني لأظن لنا يوماً دنا من هؤلاء الأعداء ، ألا وإني قد أذنت لكم فانطلقوا جميعاً في حل ليس عليكم مني ذمام ، هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملاً ، ثم ليأخذ كل رجل منكم بيد رجل من أهل بيتي ثم تفرقوا في سوادكم ومدائنكم حتى يفرج الله ، فإن القوم إنما يطلبوني ولو قد أصابوني للهُوا عن طلب غيري .

فقال له إخوته وأبناؤه وبنو أخيه وابنا عبد الله بن جعفر : ولِمَ نفعل ذلك؟ لنبقى بعدك؟! لا أرانا الله ذلك أبداً .

بدأهم بهذا القول العباس بن علي واتبعته الجماعة عليه فتكلموا بمثله ونحوه .

فقال الحسين : يا بني عقيل حسبكم من القتل بمسلم فاذهبوا أنتم فقد أذنت لكم .

قالوا : سبحان الله فما يقول الناس لنا! يقولون إنا تركنا شيخنا وسيدنا وبني عمومتنا خير الأعمام ، ولم نرم معهم بسهم ولم نطعن معهم برمح ولم نضرب معهم بسيف ولا ندري ما صنعوا لا والله لا نفعل ذلك ولكن نفديك بأنفسنا وأموالنا وأهلينا ونقاتل معك حتى نرد موردك ، فقبّح الله العيش بعدك .

أحداث يوم عاشوراء :

بدأ الإمام الحسين يوم عاشوراء مع أصحابه بصفهم للقتال ، قائلاً : إن الله قد أذن بقتلكم وقتلي في هذا اليوم فعليكم بالصبر والقتال .

فاستشهد في الحملة الأولى 50 رجلاً من أصحابه .

وبعد ذلك بدأ أصحاب الإمام الحسين يبرزون الواحد تلو الآخر ، حتى

استشهدوا جميعاً ، بعد الأصحاب برز آل بيته ابتداءً بعلي الأكبر ، وانتهاءً بالعباس .

وأخيراً لم يبق إلا رضيع للحسين اسمه عبد الله ، حيث كان يعاني الضمأ ، فجاء به الحسين إلى القوم ، وقال : إن كان للكبار ذنب فما ذنب هذا الطفل ، اسقوه ماءً .

فكان جواب القوم أن ذبحه حرملة بين يدي أبيه .

ثم استشهد الحسين ، وقطعت الرؤوس وتقاسمتها العشائر .

وأخيراً سبيت العيال إلى الكوفة .

صوم عاشوراء :

عاشوراء اسم إسلامي عُرف بعد استشهاد الإمام الحسين ، ولم يكن معروفاً من قبل .

يقول أبو ريحان البيروني عندما ذكر الحسين واستشهاده في يوم عاشوراء :

فأما بنو أمية فقد لبسوا فيه ما تجدّد وتزينوا واكتحلوا ، وعيّدوا وأقاموا الولائم والضيافات ، وأطعموا الحلاوات والطيبات ، وجرى الرسم في العامة على ذلك أيام ملكهم ، وبقي فيهم بعد زواله عنهم ، وأما الشيعة فإنهم ينوحون ويبكون أسفاً لقتل سيد الشهداء فيه . . .

ويقول المقريزي في حديثه عن العلويين المصريين وما يقومون به في يوم عاشوراء ، إذ تعطّل الأسواق والدكاكين لأنه يوم حزن…

. . . فلما زالت الدولة ، اتخذ الملوك من بني أيوب يوم عاشوراء يوم سرور ، يوسعون فيه على عيالهم ، وينبسطون في المطاعم ويتخذون الأواني الجديدة ، ويكتحلون ، ويدخلون الحمام جرياً على عادة أهل الشام ، التي سنّها لهم الحجاج في أيام عبد الملك بن مروان ، ليرغموا به آناف شيعة علي بن أبي طالب كرم الله

وجهه الذين يتخذون يوم عاشوراء يوم عزاء وحزن على الحسين بن علي لأنه قتل فيه .

هكذا اتخذ الأمويون يوم عاشوراء يوم فرح وسرور ووضَعوا الأحاديث المكذوبة على الرسول وأئمة الهدى ونسبوا إلى الرسول أنه صام عاشوراء إقتداءً باليهود لأنهم - على زعمهم - كانوا يصومونه ، فقد جاء على لسان بعض الرواة من أنصار الأمويين أن الرسول حينما قدم المدينة وجد يهود المدينة يصومون يوم عاشوراء ، وهو العاشر من محرم ، فسألهم عن ذلك ، فقالوا : هذا يوم عظيم أنجى الله فيه موسى وقومه ، وأغرق فرعون وقومه .

وقد جاء في صحيح البخاري وصحيح مسلم عن عائشة ، وعن آخرين : كانت قريش تصوم عاشوراء في الجاهلية ، وكان رسول الله يصومه ، فلما هاجر إلى المدينة صامه وأمر بصيامه ، فلما فرض شهر رمضان قال : من شاء صامه ومن شاء تركه .

وبما أننا آلينا على أنفسنا أن يكون هذا البحث لشهر محرم بحثاً موجزاً بما يتناسب مع هذه المناسبة لذا اختصرنا الحديث فيه وتركنا مناقشة هذه المواضيع لمناسبة أخرى . .

غير أننا نؤكد أن هذه الروايات قد نسجتها قرائح الأمويين طعناً منهم في أهل البيت وشماتة بعيال الحسين .

وعليه فإنّ ما ورد في الصحيحين وبقية المصادر من أنّ يوم عاشوراء يوم فرح وسرور ، وأن النبي صامه ، وأنّ في هذا اليوم نجى موسى من الغرق ، وفيه هلاك فرعون و…و… كل تلك الروايات مختلقة مكذوبة ، فهي من نسج الخيال ورواتها معروفون كأبي هريرة ، وأبي موسى الأشعري ، وعبد

الله بن الزبير ، ومعاوية ، وعائشة ، حيث أنّ بعضهم أسلم بعد الفتح ، والبعض الآخر لما هاجر النبي كان طفلاً صغيراً كابن الزبير .

فهذه الروايات المتقدمة مخدوشة سنداً ومتناً .

وقد ذكر بعض مؤرخي السنة في كتاباتهم وجوه الاختلاف في تلك الروايات والباحث المتحرّي للحقيقة سيجد العديد منها .

6سبي العترة الطاهرة من كربلاء إلى الكوفة11/ محرم / السنة 61 ه_

في صبيحة يوم الحادي عشر من المحرم ، عمد عمر بن سعد إلى قطع رؤوس الباقين من آل الحسين ، فسرّح باثنين وسبعين رأساً مع شِمر بن ذي الجوشن ، وقيس بن الأشعث ، وعَمْرو بن الحجاج ، وعُزرة بن قيس ، فأقبلوا حتى قدموا بها على عبيد الله بن زياد في الكوفة .

وعند الزوال حمل معه بنات الحسين وأخواته ، وكنّ عشرين امرأة مع صبيانهن ، وعلي بن الحسين زين العابدين وابنه محمد الباقر وعمره سنتان . وكان الإمام مريضاً . حملهم سبايا مقيدين إلى ابن زياد في الكوفة .

ولما دخل موكب السبايا الكوفة اجتمع الناس من أهلها للنظر إلى الركب ، فصاحت أم كلثوم : يا أهل الكوفة أما تستحون من الله ورسوله أن تنظروا إلى حرم النبي . .

وبانتظار دخول السبايا إلى قصر ابن زياد ، استبقت ذلك السيدة زينب بخطبة موجّهة إلى أهل الكوفة ، إذ أومأت إلى الناس أن اسكتوا ، فسكتوا ، فقالت :

الحمد لله والصلاة على أبي محمد وآله الطيبين الأخيار ، أما بعد : يا أهل الكوفة ، يا أهل الختل والغدر ، أتبكون! فلا رقأت الدمعة ، ولا

هدأت الرنّة ، إنما مثلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً ، تتخذون أيمانكم دخلاً بينكم ، ألا وهل فيكم إلا الصّلف النّطف ، والعجب والكذب ، والشنف ، وملق الإماء وغمز الأعداء ، أو كمرعى على دمنة ، أو كقصعة على ملحودة ، ألا بئس ما قدمت لكم أنفسكم أن سخط الله عليكم وفي العذاب أنتم خالدون .

أتبكون وتنتحبون! إي والله فابكوا كثيراً ، واضحكوا قليلاً ، فلقد ذهبتم بعارها وشنارها ، ولن ترحضوها بغسل بعدها أبداً ، وأنّى ترحضون ، قتل سليل خاتم النبوة ، ومعدن الرسالة ، ومدرة حجتكم ومنار محجتكم ، وملاذ خيرتكم ، ومفزع نازلتكم وسيد شباب أهل الجنة ، ألا ساء ما تزرون ، فتعساً ونكساً وبعداً لكم وسحقاً ، فلقد خاب السعي ، وتبت الأيدي وخسرت الصفقة ، وبؤتم بغضب من الله ورسوله ، وضربت عليكم الذلّة والمسكنة .

ويلكم يا أهل الكوفة ، أتدرون أيّ كبد لرسول الله فريتم؟! وأيّ كريمة له أبرزتم؟! وأيّ دم له سفكتم؟! وأيّ حرمة له انتهكتم؟! لقد جئتم شيئاً إدّاً تكاد السماوات يتفطّرن منه ، وتنشق الأرض ، وتخر الجبال هدّاً .

ولقد أتيتم بها خرقاء ، شوهاء ، كطلاع الأرض ، وملء السماء ، أفعجبتم أن مطرت السماء دماً!! وَلَعَذَابُ الاَخِرَةِ أَخْزَىَ وَهُمْ لاَ يُنصَرُونَ ، فلا يستخفنّكم المهل ، فإنه لا يُحفّزه البدار ، ولا يخاف فوت الثأر ، وإنّ ربكم لبالمرصاد

.

ثم خطبت فاطمة بنت الحسين ولها من العمر أحد عشر عاماً ، ومما قالت :

أما بعد يا أهل الكوفة ، يا أهل المكر والغدر والخيلاء ، فإنا أهل البيت ابتلانا الله بكم ، وابتلاكم بنا ، فجعل بلاءنا حسناً ، وجعل علمه عندنا ، وفهمه لدينا ، فنحن عيبة علمه ، ووعاء فهمه وحكمته ، وحجته على الأرض في بلاده لعباده ، أكرمنا الله بكرامته ، وفضَّلنا بنبيه محمد على كثير ممن خلق الله تفضيلا .

فكذّبتمونا وكفّرتمونا ، ورأيتم قتالنا حلالاً ، وأموالنا نهباً ، كأننا أولاد ترك أو كابل كما قتلتم جدنا بالأمس ، وسيوفكم تقطر من دمائنا أهل البيت لحقد متقدم . . . .

واستمرت في خطبتها حتى ارتفعت الأصوات بالبكاء والنحيب ، وقالوا : حسبكِ يا ابنة الطاهرين فقد أحرقت قلوبنا . . .

ومما قالت أم كلثوم : صه يا أهل الكوفة تقتلنا رجالكم وتبكينا نساؤكم ، فالحاكم بيننا وبينكم الله يوم فصل الخطاب .

ومن خطبة السجاد في ذلك الموقف قوله : رحم الله امرءاً قبل نصيحتي ، وحفظ وصيتي في الله وفي رسوله وأهل بيته ، فإن لنا في رسول الله أسوة حسنة .

فقالوا بأجمعهم : نحن يا ابن رسول الله سامعون مطيعون حافظون لذمامك ، غير زاهدين فيك ، ولا راغبين عنك ، فمرنا بأمرك يرحمك الله ، فإنا حرب لحربك ، وسلم لسلمك ، نبرأ ممن ظلمك وظلمنا .

فقال : هيهات هيهات أيها الغدرة المكرة

، حيل بينكم وبين شهوات أنفسكم ، أتريدون أن تأتوا إليّ كما أتيتم إلى أبي من قبل ، كلا وربِّ الراقصات ، فإن الجرح لما يندمل ، قتل أبي بالأمس وأهل بيته ولم ينس ثكل رسول الله وثكل أبي وبني أبي ، إن وجْده والله لبين لهاتي ومرارته بين حناجري وحلقي ، وغصته تجري في فراش صدري .

دخول السبايا إلى قصر ابن زياد :

أمر ابن زياد بإدخال سبايا آل محمد وأذن إذناً عاماً للناس بالدخول ، فدخلوا ووجدوا رأس الحسين موضوعاً بين يدي ابن زياد وهو ينكته بقضيب بين ثنيتيه .

فلما رآه الصحابي زيد بن أرقم صاح : اُعلُ بهذا القضيب عن هاتين الشفتين فو الذي لا إله غيره لقد رأيت شفتي رسول الله على هاتين الشفتين يقبلهما ، ثم أجهش بالبكاء ، فنهره ابن زياد وقال له : لولا أنك شيخ قد خرفت وذهب عقلك لضربت عنقك . فخرج زيد بن أرقم وهو يقول للناس : أنتم العبيد بعد اليوم ، قتلتم ابن فاطمة وأمّرتم ابن مرجانة .

وكانت زينب متنكّرة تحيط بها إماؤها ، فقال ابن زياد : من هذه الجالسة؟ فلم تكلّمه ، ثم كرر ذلك ثلاثاً ، وهي لا تكلمه ، فقال بعض إمائها : هذه زينب ابنة فاطمة .

فقال لها ابن زياد : الحمد لله الذي فضحكم وقتلكم وأكذب أحدوثتكم .

فقالت : الحمد لله الذي أكرمنا بمحمد وطهرنا تطهيرا ، وإنما يفتضح الفاسق ويكذب الفاجر وهو غيرنا يا عدوّ الله .

فقال ابن زياد : فكيف رأيت صنع الله

بأهل بيتك؟

فقالت : ما رأيت إلا جميلاً ، هؤلاء قوم كتب عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم ، وسيجمع الله بينك وبينهم فتحاج وتخاصم عنده ، فانظر يومئذ ثكلتك أمك يا ابن مرجانة .

وكان هذا مما جعله يستشيط غضباً ، وبعد ذلك التفت إلى الإمام السجاد وقال له : ما اسمك؟

قال : أنا علي بن الحسين .

قال ابن زياد : أولم يقتل الله علي بن الحسين؟ فسكت الإمام فقال له ابن زياد : ما لك لا تتكلم؟ فقال الإمام : كان لي أخ يقال له أيضاً علي قتله الناس ، فقال ابن زياد : بل قتله الله .

فسكت الإمام فقال ابن زياد : ما لك لا تتكلم؟

قال : اللهُ يَتَوَفّى الأنفُسَ حِينَ مِوْتِ_هَا ، وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاّ بِإِذْنِ الله .

قال ابن زياد : أنت والله منهم ، ثم قال لمري بن معاذ الأحمري : ويحك اقتله .

فتعلّقت به عمته زينب وأصرّت إن كان ينوي قتله أن يقتلها معه فتركه ابن زياد .

ثم نودي الصلاة جامعة بأمر ابن زياد . واجتمع الناس ، وصعد ابن زياد المنبر ، فقال : الحمد لله الذي أظهر الحق وأهله ونصر أمير المؤمنين يزيد بن معاوية وحزبه وقتل الكذاب ابن الكذاب الحسين وشيعته .

ولم يتم ابن زياد كلامه بأكثر من هذا حتى وثب إليه عبد الله بن عفيف الأزدي الغامدي قائلاً : إنّ الكذاب ابن الكذاب هو أنت وأبوك ومن استعملك وأبوه ، يا ابن مرجانة أتقتلون أبناء الأنبياء وتتكلمون على منابر المسلمين بكلام الصدّيقين؟ فطلبه ابن زياد فوثب إليه

الجلاوزة وأمسكوا به ، إلا أنه استنهض الأزد بشعارهم يا مبرور ، فوثب إليه شبان من الأزد وخلصوه من يد الجلاوزة وأوصلوه إلى بيته ، فأمر ابن زياد أن يأتوه به فقتله وصلبه في السبخة .

7دفن شهداء الطف في كربلاء13/ محرم / السنة 61 ه_

الشهادة سنة إسلامية أصلها الإمام الحسين :

جاء استشهاد الإمام الحسين وآله وصحبه في سياق منهج تربوي يقدمه الإسلام ، كما هي المناهج العبادية ، ليعيش كل مسلم معنى المسؤولية الإسلامية أمام الله عز وجل ، في الدفاع عن الإسلام والمسلمين .

وعندما تتأصل الشهادة في أمة ، فإنها أمة لا تقهر ولابد أن تسود وإن تأصلت في شخص ، فذاك شخص امتلك ذاته وصار سيداً حراً ، فالشهادة وحبها وتأصلها ، هو تأصل جوهر الإنسانية في ذات الفرد .

يقول الإمام الخميني في معنى ذلك :

شهدت قبل أيام مجلس عقد زواج في طهران ، وبعد انتهاء المجلس ، سلمتني العروس ورقة ، قرأتها فوجدت أنّ العروس تطلب مني أن أدعو لها بالفوز بالشهادة .

عروس دخلت بيت الزوجية ، تنشد الشهادة؟! .

كان الحسين يوم عاشوراء قد أعدّ خيمة في حومة الميدان ، وكان يأمر بحمل من قتل من أهل بيته وأصحابه إليها ، وكلما يؤتى بشهيد يقول : قتلة مثل قتلة النبيين وآل النبيين .

أما العباس بن علي بن أبي طالب ، فقد بقي في محله حيث صرع على شاطئ الفرات أو قريباً منه .

وترك صرعى الطف على الصعيد مجزّرين تصهرهم الشمس أولئك الذين وصفهم أمير المؤمنين بأنهم سادة الشهداء في الدنيا والآخرة لم يسبقهم سابق

ولا يلحق بهم لاحق .

قد غيّر الطعن منهم كلّ جارحة

إلا المكارم في أمن من الغيَّر

وفيهم الجثمان الطاهر لسيد شباب أهل الجنة حبيب الله وحبيب رسوله وفلذة كبد الزهراء والمرتضى . . متروك هكذا على حاله بعد أن سلب .

وفي اليوم الثالث عشر من المحرم أقبل الإمام السجاد لدفن أبيه لأنّ الإمام لا يلي أمره إلا إمام مثله ، وقد صادق على هذه المقولة الشيخ المفيد في المقالات : 84 ، والكراجكي في كنز الفوائد ، والمجلسي في مرآة العقول : 1/373 ، وكاشف الغطاء في منهج الرشاد : 51 ، والنوري في دار السلام : 1/289 .

ويشهد لصدق هذه الرواية ، المناظرة التي دارت بين الإمام الرضا مع علي بن حمزة ، حيث قال الرضا : أخبرني عن الحسين بن علي كان إماماً؟

قال علي بن أبي حمزة : بلى .

فقال الرضا : فمن ولي أمره؟ قال ابن أبي حمزة : تولاه السجاد .

فقال الرضا : فأين كان علي بن الحسين؟

قال ابن أبي حمزة : كان محبوساً في الكوفة عند ابن زياد ولكنه خرج وهم لا يعلمون حتى ولي أمر أبيه ، ثم انصرف إلى السجن .

فقال الرضا : إنّ من مكّن علي بن الحسين أن يأتي كربلاء فيلي أمر أبيه ثم ينصرف يمكن صاحب هذا الأمر أن يأتي بغداد فيلي أمر أبيه وليس هو في حبس ولا أسار .

مراسم الدفن

لما أقبل السجاد وجد بني أسد مجتمعين عند القتلى متحيّرين لا يدرون ما يصنعون ولم يهتدوا إلى معرفتهم وقد فرق القوم بين رؤوسهم وأبدانهم ، وربما يسألون من أهلهم وعشيرتهم

.

فأخبرهم عما جاء إليه من مواراة هذه الأجساد الطاهرة وأوقفهم على أسمائهم كما عرفهم بالهاشميين من الأصحاب فارتفع البكاء والعويل وسالت الدموع منهم كل مسيل ، ونشرت الأسديات الشعور ولطمن الخدود .

ثم مشى الإمام زين العابدين إلى جسد أبيه واعتنقه وبكى بكاءاً عالياً وأتى إلى موضع القبر ورفع قليلاً من التراب فبان قبر محفور وضريح مشقوق ، فبسط كفيه تحت ظهره ،

وقال : بسم الله وفي سبيل الله وعلى ملة رسول الله صدق الله ورسوله ما شاء الله لا حول ولا قوة إلا بالله العظيم .

وأنزله وحده لم يشاركه بنو أسد فيه وقال لهم : إنّ معي من يعينني ، ولما أقرّه في لحده وضع خده على منحره الشريف قائلاً :

طوبى لأرض تضمنت جسدك الطاهر ، فإن الدنيا بعدك مظلمة والآخرة بنورك مشرقة ، أما الليل فمسهّد والحزن سرمد ، أو يختار الله لأهل بيتك دارك التي أنت بها مقيم ، وعليك مني السلام يا ابن رسول الله ورحمة الله وبركاته .

وكتب على القبر : هذا قبر الحسين بن علي بن أبي طالب الذي قتلوه عطشاناً غريباً .

ثم مشى إلى عمه العباس . . ووقع عليه يلثم نحره المقدس قائلاً : على الدنيا بعدك العفا يا قمر بني هاشم ، وعليك مني السلام من شهيد محتسب ورحمة الله وبركاته . . وشقّ له ضريحاً وأنزله وحده كما فعل بأبيه الشهيد ، وقال لبني أسد : إنّ معي من يعينني .

وقد ترك مساغاً لبني أسد بمشاركته في مواراة الشهداء وعيّن لهم موضعين وأمرهم أن يحفروا حفرتين ،

ووضع في الأول بني هاشم وفي الثانية الأصحاب .

ويروى أن الإمام الصادق قال لحماد البصري :

قتل أبو عبد الله غريباً بأرض غربة ، يبكيه من زاره ، ويحزن له من لم يزره ، ويحترق له من لم يشهده ، ويرحمه من نظر إلى قب_ر ابنه عند رجليه في أرض فلاة ، ولا حميم قربه ، ثم منع الحق ، وتوازر عليه أهل الردة حتى قتلوه وضيعوه وعرضوه للسباع ومنعوه شرب ماء الفرات الذي يشربه الكلاب ، وضيعوا حق رسول الله ، ووصيته به وبأهل بيته ، فأمسى مجفواً في حفرته صريعاً بين قرابته وشيعته قد أوحش قربه في الوحدة والبعد عن جده ، والمنزل الذي لا يأتيه إلا من امتحن الله قلبه للإيمان ، وعرف حقنا .

ولقد حدثني أبي أنه لم يخل مكانه منذ قتل؛ من مصلٍّ عليه من الملائكة أو من الجن والإنس أو من الوحش ، وما من أحد إلا ويغبط زائره ويتمسح به ويرجو في النظر إليه الخير لنظره إلى قب_ره .

وإن الله ليباهي الملائكة بزائريه .

وأما ما له عندنا فالترحم عليه كل صباح ومساء .

ولقد بلغني أن قوماً من أهل الكوفة وناساً غيرهم من نواحيها يأتونه في النصف من شعبان فبين قارئ يقرأ وقاص يقص ونادب يندب ، ونساء يندبنه ، وقائل يقول المراثي .

فقال حماد : قد شهدت بعض ما تصف .

فقال : الحمد لله الذي جعل في الناس من يفد إلينا ويمدحنا ويرثي لنا وجعل عدونا من يطعن عليهم ويهددونهم ويقبّح ما يصنعون .

8خروج السبايا من الكوفة إلى الشام19/ محرم / السنة 61 ه_

بعث

ابن زياد رسولاً إلى يزيد يخبره بقتل الحسين ومن معه ، وأن عياله في الكوفة ، وهو ينتظر أمره فيه . فعاد الجواب بحملهم والرؤوس معهم .

وكتب رقعة ربط فيها حجراً ورماه في السجن المحبوس فيه آل محمد وفيها : خرج البريد إلى يزيد يأمركم في يوم كذا ويعود في يوم كذا ، فإذا سمعتم التكبير فأوصوا ، وإلا فهو الأمان .

ورجع البريد من الشام يخبر بأن يسرّح آل الحسين إلى الشام . فأمر ابن زياد زجر بن قيس ، وأبا بردة بن عوف الأزدي ، وطارق بن ضبيان ، في جماعة من الكوفة أن يحملوا رأس الحسين ورؤوس من قتل معه إلى يزيد . وهناك قول بأنّ الذي ذهب برأس الحسين هو يجبرة بن مرة بن خالد بن قتاب بن عمر بن قيس بن الحرث بن مالك بن عبيد الله بن خزيمة بن لؤي .

ثم سرح ابن زياد الإمام السجاد مغلولة يديه إلى عنقه وعياله معه على حال تقشعرّ منها الأبدان ، وقال اليافعي : سيقت بنات الحسين بن علي ومعهم زين العابدين وهو مريض كما تساق الأسرى ، قاتل الله فاعل ذلك ، وخالف ابن تيمية ضرورة التاريخ فقال كما في المنتقى من منهاج الاعتدال للذهبي 288 : سير ابن زياد حرم الحسين بعد قتله إلى المدينة .

وكان مع السبايا شمر بن ذي الجوشن ، ومجفر بن ثعلبة العائدي ، وشبث بن ربعي ، وعمر بن الحجاج ، وجماعة وأمرهم أن يلحقوا بركب الرؤوس ، وليشهروها في كل بلد يأتونها ، فجدّوا السير

حتى لحقوا بهم في بعض المنازل .

وحدث ابن ميعة أنه رأى رجلاً متعلّقاً بأستار الكعبة يستغيث بربه ، ثم يقول : ولا أراك فاعلاً!

فأخذته ناحية وقلت : إنك لمجنون ، فإنّ الله غفور رحيم ، ولو كانت ذنوبك عدد القطر لغفرها لك ، قال لي : اعلم كنت ممن سار برأس الحسين إلى الشام ، فإذا أمسينا وضعنا الرأس وشربنا حوله .

وفي ليلة كنت أحرسه وأصحابي رقود ، فرأيت برقاً وخلقاً أطافوا بالرأس ، ففزعت وأدهشت ولزمت السكوت ، فسمعت بكاءاً وعويلاً وقائلاً يقول : يا محمد إن الله أمرني أن أطيعك ، فلو أمرتني أن أزلزل بهؤلاء الأرض كما فعلت بقوم لوط ، فقال له : يا جبرائيل إن لي موقفاً معهم يوم القيامة بين يدي ربي سبحانه ، فصحت يا رسول الله الأمان . . فقال لي : اذهب فلا غفر الله لك ، فهل ترى الله يغفر لي؟ .

9شهادة الإمام علي بن الحسين 25/ محرم / السنة 95 ه_

الإمام علي بن الحسين ، الملقّب بزين العابدين والسجاد ، هو الإمام الرابع من الأئمة الاثني عشر المعصومين من عترة النبي محمد .

هو الإمام الزاهد العابد زين العابدين وسيد الساجدين ، علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، وأمه شاه زنان بنت يزدجرد ، وقيل شهربانو ، وقيل شهربانويه بنت كسرى ، وقيل : اسمها غزالة… إلى غير ذلك مما ورد في أسمائها .

وروي عنه أنه كان يقول : أنا ابن الخيرتين .

وقال الشاعر في مدحه :

وإنّ وليداً بين كسرى وهاشم

لأكرم من نيطت عليه

التمائم

كان مولده بالمدينة سنة ثمان وثلاثين من الهجرة ، فقضى مع جده أمير المؤمنين سنتين ، ومع عمه الحسن اثني عشرة سنة ، ومع أبيه ثلاثاً وعشرين سنة ، وبعد أبيه أربعاً وثلاثين سنة ، وقيل أربعين سنة .

لقد كانت فاجعة مقتل أبيه واخوته وبني عمومته التي شاهدها أمام عينيه في واقعة الطف وتجرّع مرارتها ، وهو مريض يعاني من وطأة المرض خلال أحداث الطف الفظيعة ، تنغّص عليه حياته كلها فتلك الصور لم تفارق مخيلته ، ومع هذا نهض بمهام الإمامة ونشر الأحكام والأخلاق وتفقد الفقراء والمساكين ، وكان رأس مدرسة الفقه والحديث التي كانت تضم الموالي والتابعين .

وقد أحصى الطوسي في رجاله ، أكثر من مائة وستين من التابعين والموالي ممن كان ينهل منه ، ويروون عنه في مختلف المواضيع ، وعدَّ منهم سعيد بن المسيب وابن جبير ، وجبير بن مطعم ، والقاسم بن محمد بن أبي بكر ، وجابر بن عبد الله الأنصاري ، ويحيى بن أم الطويل ، وأمثال هذه الطبقة من أعلام التابعين .

وجاء في طبقات ابن سعد : أن علي بن الحسين كان ثقة مؤموناً كثير الحديث عالياً رفيعاً ورعاً .

وقال المبرِّد في الكامل : أن سعيد بن المسيب سئل عن السجاد ، فقال : هذا الذي لا يسع مسلماً أن يجهله

وقال الراغب الأصفهاني في محاضراته ، وابن الجوزي في مناقبه : أن عمر بن عبد العزيز قال وقد قام علي بن الحسين من مجلسه : من أشرف الناس؟

قال المتزلفون ممن حضر عنده :

أنت يا أمير المؤمنين .

فقال عمر بن عبد العزيز : كلا ، أشرف الناس هو علي بن الحسين ، ذلك الذي من أحب الناس أن يكونوا منه ، ولم يحب أن يكون من أحد .

وروى الشيخ الصدوق في كتابه العلل بسنده إلى سفيان بن عيينة أنه قال : قلت لمحمد بن شهاب الزهري : لقيتَ علي بن الحسين؟

قال : نعم لقيته وما لقيت أحداً أفضل منه ، والله وما علمت له صديقاً في السر ولا عدواً في العلانية ، فقيل له : وكيف ذلك؟

فقال : لأني لم أر أحداً وإن كان يحبه إلا وهو لشدة معرفته بفضله يحسده ، ولا رأيت أحداً ، وإن كان يبغضه إلا وهو لشدة مداراته له يداريه .

وقال المفيد في ارشاده : ثبتت الإمامة للسجاد من وجوه :

أحدهما أنه كان أفضل خلق الله بعد أبيه علماً وعملاً ، والإمامة للأفضل دون المفضول بدلائل العقول .

ومنها : أنه كان أولى بأبيه الحسين .

ومنها : وجوب الإمامة عقلاً في كل زمان .

ومنها : ثبوت الإمامة في العترة خاصة .

ومنها : نص رسول الله بالإمامة عليه ، فيما روى من حديث اللوح ، الذي رواه جابر بن عبد الله الأنصاري عن النبي ، ورواه محمد بن علي الباقر ، ونص جده أمير المؤمنين عليه ، ووصية أبيه الحسين إليه ، وإيداعه أم سلمة ما قبضه عليّ من بعده .

وذكر المفيد في إرشاده القصيدة المشهورة التي مدح فيها السجاد من قبل الشاعر المعروف الفرزدق ، بعد أن رأى أن هشام

بن عبد الملك يظهر له تجاهلاً وهو يرى تداعي الناس سماطين لهيبة الإمام وهو يسعى لاستلام الحجر الأسود في ركن الكعبة :

هذا الذي تعرف البطحاء وطأته

هذا ابن خير عباد الله كلهم

يكاد يمسكه عرفان راحته

يغضي حياء ويُغضى من مهابته

أيّ الخلائق ليست في رقابهم

من يعرف الله يعرف أوّليّة ذا

إذا رأته قريش قال قائلها

والبيت يعرفه والحلُّ والحرمُ

هذا التقي النقي الطاهر العلم

ركنُ الحطيم إذا ما جاء يستلم

فما يكلّم إلاّ حين يبتسم

لأوّليّة هذا - أوله - نعم

فالدّين من بيت هذا ناله الأمم

إلى مكارم هذا ينتهي الكرم

وكانت وفاته في يوم السبت الخامس والعشرين من محرم كما هو المشهور وقيل الثامن عشر من شهر محرم الحرام ، وقيل في الثاني والعشرين منه ، وأما السنة ، فقيل : سنة اثنتين وتسعين ، وقيل : أربع وتسعين ، وقيل : خمس وتسعين .

وعمره الشريف سبع وخمسون سنة كأبيه ، وقيل تسع وخمسون وأربعة أشهر وأيام ، وقيل : أربع وخمسون ، وقيل : ثمان وخمسون ، وقيل إنه مات في ملك هشام بن عبد الملك وأنه هو الذي سمّه ، ودفن مع عمه الحسن في مقبرة البقيع .

الإمام السجاد والدعاء :

تمتد الأدعية بأنواعها وأساليبها المختلفة للتناسب مع جميع شؤون الإنسان وأبعاده ، فهي تستنزل دموع حيائنا في لحظات الإنابة إلى الله الغفور الرحيم ، وتجسّد تضرعنا إليه ، وترفع أيدينا الملتمسة إلى مالك الوجود ، ونعفّر جباهنا بالتراب استكانة له ، وتبصرنا عجزنا وضعفنا وفقرنا وذلتنا تجاهه جلت عظمته ، وتكشف لنا قدرته المطلقة ، وحكمته البالغة

ورحمته الواسعة .

فالصحيفة السجادية ، ودعاء كميل ، ودعاء عرفة ، ودعاء أبي حمزة الثمالي ، ودعاء مكارم الأخلاق ، ورسالة الحقوق ، هي تجليات من بحار هذه الأنوار .

فهذا الإمام السجاد في دروسه الرائعة التي بثّها في الدعاء التي تتضمنه صحيفته ، أنها مناهج قويمة تصلح البشر في سرّهم وعلانيتهم ، وفي سكونهم وحركاتهم ، في أبطى البواطن من ميولهم وعواطفهم وخلجاتهم وانفعالاتهم ، وفي أظهر الظواهر من أخلاقهم ومظاهرهم وأعمالهم وأقوالهم .

ففي الصحيفة ورسالة الحقوق ركائز تربوية ومناهج تثقيفية وطرق تعليمية .

إنّ أدعية الإمام السجاد ورسالة الحقوق ، تحمل رسالة جليلة قويمة تجري مع الفطرة في بساطتها ومع البرهان في قوته ومع حقائق الكون في ثباتها واضطرادها .

أجل . . ماذا تمثل هذه الصحيفة الشريفة بالنسبة للمسلمين؟ وماذا تقدم لهم من إضاءات في طريق الهداية والرشاد؟

إنّ هذه الصحيفة هي من إنشاء وإملاء إمام العارفين وسيد الساجدين وزين العابدين علي بن الحسين ، وتعد هذه الشخصية الإسلامية الكبرى واحدة من بين أشهر وأهمّ شخصيات الإسلام الذين حملوا لواء الدعوة والتبليغ وعانوا آلام الطريق الصعب وعاشوا هموم الرسالة ، فكانت أيامهم كلها لله ، وحياتهم في خدمة الدين المبارك ، ووظفوا كل طاقاتهم وإمكاناتهم وما يملكون من مواهب واستعدادات ، لغرض هداية الناس ودعوتهم إلى الالتزام بمبادئ الرسالة الحقة من أجل إسعادهم في ظل ما ينتجه الالتزام والاهتداء بذلك من عدل وإنصاف وأمان وسعادة .

عرض موجز لرسالة الحقوق

ترجع أهم حقوق الإنسان العامة إلى حقين هما : المساواة والحرية ، وقد ادعت الأمم

الغربية ، أنّ العالم الإنساني مدين لها بتقرير هذين الحقين .

والحق أن الإسلام هو أول من قرر المبادئ الخاصة بحقوق الإنسان في أكمل صوره وأوسع نطاق . وأن الأمم الإسلامية في عهد الرسول والخلفاء من بعده كانت أسبق الأمم في السير عليها .

فهذه رسالة الحقوق ، القانون الخالد ، الذي أوصى به الإمام زين العابدين تتضمن حقائق كبيرة من حقائق العقيدة والشريعة ومن حقائق الوجود والإنسانية .

فلنمرّ مروراً سريعاً ، على رسالة الحقوق للإمام زين العابدين بديباجتها النظرية البليغة التي لم تفصل بين السماء والأرض كما تفعل إعلانات حقوق الإنسان العالمية اليوم ، بل راحت تؤكّد على تغيير المحتوى الداخلي للإنسان الذي به ومنه تنطلق إرادات التغيير نحو عالم أفضل وأكمل .

يقول الإمام زين العابدين في ديباجته لرسالة الحقوق هذه :

«اعلم رحمك الله ، إن لله عليك حقوقاً محيطة بك ، في كل حركة تحركتها ، أو سكنة سكنتها ، أو منزلة نزلتها ، أو جارحة قلبتها ، وآلة تصرفت بها ، بعضها أكب_ر من بعض . وأكب_ر حقوق الله عليك ، ما أوجبه لنفسه تبارك وتعالى من حقه الذي هو أصل الحقوق ، ومنه تفرع ، ثم أوجبه عليك لنفسك من قرنك إلى قدمك ، على اختلاف جوارحك ، فجعل لبصرك عليك حقاً ، ولسمعك عليك حقاً ، وللسانك عليك حقاً ، وليدك عليك حقاً ، ولرجلك عليك حقاً ، ولبطنك عليك حقاً ، ولفرجك عليك حقاً ، فهذه الجوارح السبع التي بها تكون الأفعال

.

ثم جعل عز وجل لأفعالك عليك حقوقاً ، فجعل لصلاتك عليك حقاً ، ولصومك عليك حقاً ، ولصدقتك عليك حقاً ، ولهديك عليك حقاً ، ولأفعالك عليك حقاً ، ثم تخرج الحقوق منك ، إلى غير ذلك من ذوي الحقوق الواجبة عليك ، وأوجبها عليك حقاً أئمتك ، ثم حقوق رعيتك ، ثم حقوق رحمك ، فهذه حقوق يتشعب منها حقوق ، فحقوق أئمتك ثلاثة أوجبها عليك : حق سائسك بالسلطان ثم سائسك بالعلم ، ثم حق سائسك بالملك ، وكل سائس أمام ، وحقوق رعيتك ثلاثة : أوجبها عليك حق رعيتك بالسلطان ، ثم حق رعيتك بالعلم ، فإن الجاهل رعية العالم ، وحق رعيتك بالملك من الأزواج ، وما ملكت من الإيمان ، وحقوق رحمك متصلة بقدر اتصال الرحم في القرابة ، فأوجبها عليك حق أمك ، ثم حق أبيك ، ثم حق ولدك ، ثم حق أخيك ثم الأقرب فالأقرب ، والأول فالأول .

ثم حق مولاك ، المنعم عليك ، ثم حق مولاك الجاري نعمته عليك ، ثم حق ذوي المعروف لديك ، ثم حق مؤذنك بالصلاة ، ثم حق إمامك في صلاتك ، ثم حق جليسك ثم حق جارك ، ثم حق صاحبك ، ثم حق شريكك ، ثم حق مالك ، ثم حق غريمك الذي تطالبه ، ثم حق غريمك الذي يطالبك ، ثم حق خليطك ، ثم حق خصمك

المدعي عليك ، ثم حق خصمك الذي تدعي عليه ، ثم حق مستشيرك ، ثم حق المشير عليك ، ثم حق مستنصحك ثم حق الناصح لك ، ثم حق من هو أكب_ر منك ، ثم حق من هو أصغر منك ، ثم حق سائلك ، ثم حق من سألته ، ثم حق من جرى لك على يديه مساءة بقول أو فعل أو مسرة بذلك بقول أو فعل ، عن تعمد منه أو غير تعمد منه ، ثم حق أهل ملتك عامة ، ثم حق أهل الذمة ، ثم الحقوق الجارية بقدر علل الأحوال ، وتصرف الأسباب .

فطوبى لمن أعانه الله على قضاء ما أوجب عليه من حقوقه ، ووفقه وسدده . . . » .

لقد احتوت هذه الفقرات المشرقة من كلام الإمام على عرض موجز للحقوق الأصيلة التي قنّنها للإنسان المسلم .

شهادته

لقد كان وجود الإمام مقلقاً لحكومة الوليد بن عبد الملك ، خصوصاً ما يراه من إقبال الناس ، بل اندفاعهم إليه ، مما أدى إلى أن يوسوس له شيطانه فدسّ إليه السم فقضى شهيداً محتسباً صابراً في 25 محرم سنة 95 للهجرة .

فسلام على الإمام زين العابدين يوم ولد ، سلام عليه يوم أدى رسالته ، وسلام عليه يوم استشهد ، وسلام عليه يوم يبعث حياً .

مناسبات شهر صفر الخير

مناسبات شهر صفر الخير

اليوم المناسبةالسنة

1/ صفر الخيروقعة صفين37 ه_

دخول السبايا إلى الشام61 ه_

3/ شهادة زيد بن علي بن الحسين على رواية المفيد121 ه_

5/ وفاة رقية بنت الحسين في الشام61 ه_

7/ولادة الإمام الكاظم128ه_

8/ وفاة سلمان

الفارسي المحمدي 35 ه_

9/شهادة عمار بن ياسر في معركة صفين37 ه_

8وقعة النهروان بين الخوارج والإمام علي بن أبي طالب38ه_

14/شهادة محمد بن أبي بكر37 ه_

17/سقوط الأندلس636 ه_

20/أربعينية الإمام الحسين61 ه_

28/وفاة النبي الأكرم11 ه_

28/شهادة الإمام الحسن على رواية الطبرسي50 ه_

29/شهادة الإمام الرضا على رواية الطبرسي وابن الأثير203 ه_

28/واقعة الحرة 63 ه_

تمهيد

لكل شهر من الشهور القمرية ميزة خاصة تطغى عليها فتطبعها بطابعها المميز ، فشهر محرم الحرام يتميز بغلبة مناسبة عاشوراء على سائر المناسبات الأخرى التي حدثت فيها ، وكذلك شهر ذي الحجة فيتميز بغلبة مناسبة الحج وما يتعلق بها من أحداث مهمة مثل عيد الغدير .

أما شهر صفر فيتميز بغلبة الحزن والمناسبات والأحداث التي وقعت فيها ، ولذلك يقول الشيخ عباس القمي في كتابه وقائع الأيام عند ذكر وقائع وأعمال شهر صفر : اعلم أن هذا الشهر عُرف بالشؤم ، وربما كان السبب وقوع وفاة رسول الله في هذا الشهر ، يوم الاثنين ، وربما كان الشؤم بسبب وقوع شهر صفر بعد ثلاثة من أشهر الحرم حيث حرّم الله فيها القتال ، وقد سمح لهم بالقتال في هذا الشهر ، فكان الناس يتركون بيوتهم ، ويتأهبون للحرب وهذا مدعاة للشؤم . . .

الإسلام دين الفكر والحياة :

لقد أصبحت تعاليم الإسلام ثورة شاملة على كل ما يعيق تقدم الإنسان باتجاه الكمال ، فكانت رسالة الرسول العمل على كسر كل القيود الفكرية والاجتماعية . . التي كبّلت الإنسان ، ومنعته من التطور في جميع المجالات ، يقول تعالى ، في وصف نبيه : وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأغْلاَلَ الّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ .

فلذلك حدث تحول

كبير في تاريخ الجزيرة العربية بعد ظهور الإسلام إذ حوّل العرب الحفاة العراة ، إلى قادة وسادة يحكمون أعظم امبراطورية في التاريخ .

ومن الدروس التي تعلمناها من الرسول لمواجهة تحديات الحياة ، هو الحث على التفاؤل ونبذ التشاؤم ، فقد عرف عن النبي أنه كان يحب الفأل الحسن ويكره الطيرة كما ورد في الحديث عن رسول الله : إن الله يحب الفأل الحسن .

ولذلك كان يأمر من رأى شيئاً يكرهه ويتطير منه أن يقول : اللهم لا يؤتي الخير إلا أنت ولا يدفع السيئات إلا أنت ولا حول ولا قوة إلا بك .

ومن هذا المنطلق ، جعل الشارع المقدس وسائل فعّالة لرفع الشؤم الذي عرف عنه شهر صفر ، وذلك بالصدقة والدعاء والاستعاذة من الشيطان الرجيم ، وقد ورد في الحديث أنه إذا أراد امرؤ أن يصبح في مأمن من الأضرار في هذا الشهر فليقرأ هذا الدعاء عشر مرات :

يا شديد القوى ، يا شديد المحال ، يا عزيز ، يا عزيز ، يا عزيز ، ذلّت لعظمتك جميع خلقك ، فاكفني شر خلقك يا محسن يا مجمل ، يا منعم ، يا مفضل ، يا لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ، فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين ، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين .

ويُستحسن عند ذكر شهر صفر وصفه بالخير والبركة ، فيقال : شهر صفر المظفّر ، أو شهر صفر الخير ، من باب التفاؤل واقتداءً برسول الله الذي كان

يغير الأسماء القبيحة في الرجال والبلدان وغيرها . . فقد غيّر اسم غاوي بن ظالم إلى راشد بن عبد ربه ،

وغيّر اسم أرض من بئسان إلى نعمان ، وغيّر اسم عاصية إلى جميلة .

أحداث شهر صفر :

إن من يطالع الكتب التاريخية يلاحظ وقوع أحداث مهمة في هذا الشهر أثرت كثيراً على التاريخ الإسلامي ، من قبيل : وقعة صفين في الأول منه ، وأربعينية الإمام الحسين في أواسطه ، ووفاة الرسول وسبطه الحسن وحفيده الإمام الرضا في أواخره .

وغيرها من الأحداث والتي سنستعرضها فيما سيأتي ، عسى أن ينتفع بها إخواننا المبلّغون في أداء رسالتهم الإلهية ، والله ولي التوفيق .

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .

1وقعة صفين1/ صفر / السنة 37 ه_

كان ابتداء القتال بصفّين في أول يوم من صفر سنة 37 للهجرة ، وذلك عند نهر الفرات في وادي صفين قرب الرّقة .

ويذكر المؤرخون أنه لما عزم أمير المؤمنين على المسير لقتال معاوية ومن معه من أهل الشام ، خطب في أصحابه ، ومما جاء في كلامه بعد حمد الله والثناء عليه والصلاة على رسوله :

اتقوا الله - عباد الله - وأطيعوه وأطيعوا إمامكم ، فإن الرعية الصالحة تنجو بالإمام العادل . ألا وإن الرعية الفاجرة تهلك بالإمام الفاجر ، وقد أصبح معاوية غاصباً لما في يديه من حقي ، ناكثاً لبيعتي ، طاعناً في دين الله عز وجل . . .

فالعجب من معاوية بن أبي سفيان ، ينازعني الخلافة ، ويجحدني الإمامة ويزعم أنه أحقّ بها مني ، جرأة منه

على الله وعلى رسوله ، بغير حق له فيها ولا حجة ، لم يبايعه عليها المهاجرون ، ولا سلّم له الأنصار والمسلمون . . .

إلى أن قال :

اتقوا الله - عباد الله - وتحاثّوا على الجهاد مع إمامكم ، فلو كان لي منكم عصابة بعدد أهل بدر؛ إذا أمرتهم أطاعوني ، وإذا استنهضتهم نهضوا معي ، لاستغنيت بهم عن كثير منكم ، وأسرعت النهوض إلى حرب معاوية وأصحابه فإنه الجهاد المفروض .

منع الماء

وقد كشف معاوية عن نواياه العدائية ، عندما بادر إلى الاستيلاء على الماء ، وحال بينه وبين أهل العراق ، فأضرّ بهم وبدوابّهم العطش ، فأرسل إليهم أمير المؤمنين : إنا لم نأت هذه الأرض لنسيطر على الماء والكلأ ، ولو سبقناكم إليه ، لا نمنعكم منه .

ولكن لم تجد هذه الكلمات آذاناً صاغية من الطرف المقابل ، ما اضطرّ علياً إلى استعمال القوة لإنقاذ عشرات الألوف ممن كان معه من الموت عطشاً ، فأرسل الأشتر في كتيبة من عسكره فأظهروا من البسالة ما أبهر جيش معاوية وأجبرهم على الانسحاب ، فاستعاد أصحاب أمير المؤمنين الماء من أهل الشام .

وهنا ظهرت سماحة الإمام حيث حاول بعض أصحابه إقناعه أن يقابل أهل الشام بالمثل ويمنع عنهم الماء ، فأبى عليهم أشدّ الإباء .

فبقي الجيشان ينهلان من الماء على قدم المساواة ، واستمرت جهود الإمام في حلّ النزاع سلمياً كما يظهر ذلك من أكثر المرويات في هذا المجال ، ولكن جهود الإمام ذهبت سدىً ، بعد أن واصل أصحاب

معاوية استفزازاتهم ، وغاراتهم حتى أوقعوا في أصحاب الإمام عدداً من القتلى ، عندها أذن الإمام بالقتال ، وبدأت حرب بين الطرفين استمرت شهوراً وراح ضحيتها أكثر من مئة ألف من المسلمين ، في فتنة أشعل نارها ابن هند لمآربه الخاصة .

فتنة رفع المصاحف

تفاجأ معاوية ومن معه من بسالة أصحاب الإمام في الذود عن الحق الذي يمثله

الإمام ، وفيهم أكابر صحابة رسول الله حتى إن عمار بن ياسر كان ينادي : والله لو ضربونا حتى يبلغوا بنا سعفات هجر لعلمنا أننا على الحق وأنهم على الباطل .

ونتيجة لذلك انهار عسكر معاوية ، وأوشك جيش العراق أن يحتل مضارب معاوية ويقبض عليه حياً حتى إنه دعا بفرسه لينجو ، فتذكر مستشاره عمرو ابن العاص ، فلجأ إليه لينقذه من هذه الورطة فأشار عليه برفع المصاحف على أسنة الرماح فكان ما أراد وارتفعت الأصوات من ناحية عسكر معاوية :

يا أهل العراق ، هذا كتاب الله بيننا وبينكم فهلموا إلى العمل به .

فانطلت الحيلة على ضعاف النفوس والخونة المنبثين في جيش علي ، وضموا أصواتهم إلى أصوات أصحاب معاوية لمنع علي وأصحابه المخلصين من الاستمرار في القتال والقضاء على رأس الفتنة .

حتى إنه جاء الأشعث بن قيس إلى أمير المؤمنين قائلاً له : إن لم تحكم ، قتلناك بهذه السيوف التي قتلنا بها عثمان .

فقال حينئذ : لا رأي لمن لا يطاع ، وقال لأصحابه : هذه كلمة حق يراد بها باطل ، وهذا كتاب الله الصامت وأنا المعبِّر عنه ، فخذوا بكتاب الله الناطق وذروا الحكم بكتاب

الله الصامت إذ لا معبّر عنه غيري .

ولما لم يرجع أصحابه إلى رأيه الذي تقدم ذكره ، حتى إن نحواً من عشرين ألف مقاتل أحاطوا به مقنعين بالحديد وهم يقولون مهدّدين : أجب القوم وإلا قتلناك كما قتلنا ابن عفان .

وإزاء هذا الوضع الخطير ، لم يجد أمير المؤمنين أمامه إلا خيارين أحلاهما مر :

إما المضي بالقتال ، وهذا يعني أنه سيقاتل ثلاثة أرباع جيشه وأهل الشام بأجمعهم .

وإما القبول بالتحكيم وهو أهون الشرين ، فاختاره على مضض .

التحكيم

ولم تكن مرحلة التحكيم بأيسر من مرحلة القتال على أمير المؤمنين . فبعد أن اجتمعت كلمة أهل الشام على اختيار عمرو بن العاص كمندوب لهم للتفاوض ، اختلف أهل العراق مع علي على اختيار مندوب لهم .

فقد كان رأيه وعدة من أصحابه اختيار أحد الثلاثة عبد الله بن عباس ، أو مالك الأشتر ، أو الأحنف بن قيس ، وكانوا من أفضل المرشحين .

ولكن الكثرة الغالبة من ضعاف النفوس التي انطلت عليهم خديعة رفع المصاحف ، رفضوا هؤلاء الثلاثة ورشحوا أبا موسى الأشعري ، الذي رفض الإمام ترشيحه لانحرافه عنه .

ولكنهم ضغطوا على الإمام فخشي الإمام أن تدبّ الفتنة مرة أخرى في صفوف جيشه فاضطرّ لقبول مرشحهم ، فكانت النتيجة بلا ريب لغير صالحه .

وعند اجتماع الطرفين للاتفاق على بنود التحكيم ظهرت نوايا معاوية المبيتة ، عندما رفض إدراج صفة أمير المؤمنين خلف اسم الإمام حيث جاء في الكتب المعتبرة أنهم حينما شرعوا في كتابة بنود الاتفاق كتب الكاتب : هذا ما تقاضى عليه أمير المؤمنين

ومعاوية بن أبي سفيان .

فقال عمرو بن العاص : اكتب اسمه واسم أبيه ، ولا تسمّه بإمرة المؤمنين ، فإنما هذا أمير هؤلاء وليس بأميرنا ، فقال له الأحنف بن قيس : لا تمح هذا الاسم ، فإني أتخوّف إن محوته لا يرجع إليك أبداً .

فامتنع أمير المؤمنين من محوه فتراجع الخطاب فيه ملياً من النهار ، فقال الأشعث بن قيس : امح هذا الاسم . . .

فقال أمير المؤمنين :

الله أكب_ر سنة بسنة ومثل بمثل والله إني لكاتب رسول الله يوم الحديبية وقد أملى علي : هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله وسهيل بن عمرو ، فقال له سهيل : امحُ رسول الله ، فإنا لا نقر لك بذلك ، ولا نشهد لك بذلك ، اكتب اسمك واسم أبيك ، فامتنعت من محوه ، فقال النبي : امحه يا علي ، وستدعى إلى مثلها فتجيب وأنت على مضض . . .

وتمّ الكتاب بين الطرفين ووقّعه من كل منهما عشرة من قادتهم ووجهائهم ، ويتلخص مضمونه بأن يقفوا عند أحكام الله ويرجعوا إلى حكم الكتاب فيما يختلفون فيه ، وإلى سنّة رسول الله فيما لم يجدوا حكمه في الكتاب ، والتزم علي ومعاوية ومن يتبعهما من المؤمنين والمسلمين بما يحكم به الحكمان ، وأن يجتمع الحكمان في مكان بين الشام والحجاز يدعى دومة الجندل ، وأن لا يحضر معهما إلاّ من أرادوه ، وأن يعمل الطرفان على توفير الجو المناسب لهما خلال اجتماعهما وفيما بعده .

ومن الغريب أنه لم

يرد في نص الوثيقة أي ذكر لأسباب الصراع وموضوعه الحقيقي من قريب أو بعيد ، في حين أن أسباب الصراع واضحة لأن معاوية كان قبل معركة الجمل يطالب بمحاكمة أولئك الذين قتلوا عثمان أو تسليمهم إليه ليتولّى القصاص منهم ، وبعد تمرّد السيدة عائشة وطلحة والزبير تعزّز موقفه وأصبح يطالب بإعادة الخلافة شورى بين المسلمين على أن يكون له رأي في ذلك .

وقد ردّ علي على طلبه الأول بأن يدخل فيما دخل فيه المسلمون ثم يحاكم القوم إليه ليقتصَّ لعثمان من قاتليه إذا أدينوا بجريمة توجب القصاص ، وردّ على طلبه الثاني ، بأنّ خلافته قد تمّت بإجماع أهل الحرمين الذين بايعوا الخلفاء الثلاثة من قبله ، بل بايعه جميع الأمصار ما عدا الشام .

وتشير بعض الروايات إلى أن إقصاء أمير المؤمنين عن الخلافة كان أمراً مفروغاً منه لدى الطرفين ، ولكن الخلاف كان على البديل ، فقد اقترح أبو موسى الأشعري عبد الله بن عمر بن الخطاب ، فردّ عليه ابن العاص بأن عثمان بن عفان قتل مظلوماً ومعاوية وليه .

ولم يُبدِ أبو موسى أية ملاحظة حول هذه الناحية ، ومضى ابن العاص يغريه بالسلطة إن هو وافق معه على أن تكون الخلافة لمعاوية .

وبعد حوار طويل بين الطرفين استطاع ابن العاص أن يخدعه فأظهر له موافقته على إقصائهما معاً وترك الأمر للمسلمين يختارون لأنفسهم من يريدون ، وكان ما أراده ابن العاص فخلع أبو موسى علياً وأثبت ابن العاص معاوية .

وانتهت مهزلة التحكيم على هذا النحو كما يرويها المؤرخون . وهي نتيجة مفروغ منها بعد أن رفض كل

اقتراحات الإمام ومناشداته ، من قبل الكثرة التي غلب عليها الشيطان فأضل أعمالهم .

وقد نصَّت المرويات على أنه أقام في صفين بعد إعلان الهدنة وكتابة بنود الاتفاق يومين أو ثلاثة مشغولاً بتهدئة الخواطر والنفوس ، ودفن القتلى من أصحابه ، ثم خرج بعدها متوجهاً إلى الكوفة ليواجه مشاكل جديدة .

2دخول السبايا إلى الشام1/ صفر / السنة 61 ه_

بعث ابن زياد رسولاً إلى يزيد يخبره بقتل الإمام الحسين ومن معه ، وأن عياله في الكوفة ، وينتظر أمره فيهم ، فأتاه الجواب بحملهم والرؤوس معهم .

فأمر ابن زياد زجر بن قيس ، وأبا بردة بن عوف الأزدي ، وطارق بن ضبيان في جماعة من أهل الكوفة؛ أن يحملوا رأس الإمام الحسين ورؤوس من قتل معه إلى يزيد .

وسرح في أثرهم الإمام علي بن الحسين مغلولة يداه إلى عنقه وعياله معه .

وكان معهم شمر بن ذي الجوشن ، وشبث بن ربعي ، وعمرو بن الحجاج ، وجماعة ، وأمرهم أن يلحقوا الرؤوس ويشهروهم في كل بلد يأتونه .

وفي الأول من شهر صفر سنة 61ه_ أدخل رأس الإمام الحسين وموكب السبايا إلى الشام ، ولما وضعت الرؤوس بين يدي يزيد تمثّل قائلاً :

يفلّقن هاماً من رجال أعزّة

علينا وهم كانوا أعقّ وأظلما

ثم أذن للناس ، فدخلوا والرأس بين يديه وهو ينكت ثغر الإمام بقضيب ، فقال له أبو برزة الأسلمي من أصحاب رسول الله :

أتنكت بقضيبك في ثغر الحسين؟! أما ، لقد أخذ قضيبك من ثغره مأخذاً ، لربما رأيت رسول الله يرشفه! أما ، إنك يا يزيد تجيء يوم

القيامة وشفيعك ابن زياد! ويجيء هذا يوم القيامة وشفيعه محمد ، ثم قام فولّى .

وسمعت هند بما دار من هذا الحديث ، فخرجت مذهولة ودخلت على يزيد وهي تصيح : يزيد ، رأس من هذا؟

فأراد يزيد التملّص من مسؤوليته في ارتكاب الجريمة فقال : أعولي عليه يا هند ، وحدّي عليه ، فإنه ابن بنت رسول الله ، وصريخة بني هاشم ، عجل عليه ابن زياد فقتله .

وقد يكون من المفيد أن نذكر ما ذكره ابن نما وابن طاووس : لما سمعت زينب بنت علي يزيداً ، يتمثل بأبيات ابن الزبعرى ، حتى قال :

لعبت هاشم بالملك ف_لا

لست من خندف إن لم أنتقم

خب_ر ج_اء ولا وحي ن_زل

من بني أحمد ما كان فع_ل

فوقفت خطيبة فقالت بعد حمد الله والثناء عليه والصلاة على نبيه وآله :

ثُمّ كَانَ عَاقِبَةَ الّذِينَ أَسَاءُواْ السّوَءَىَ أَن كَذّبُواْ بِآيَاتِ اللهِ وَكَانُواْ بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ ، أظننت يا يزيد ، حيث أخذت علينا أقطار الأرض ، وآفاق السماء ، فأصبحنا نساق كما تساق الأسارى أن بنا على الله هوانا ، وبك عليه كرامة ، وأنّ ذلك لعظم خطرك عنده فشمخت بأنفك ، ونظرت في عطفك ، جذلان مسروراً ، حين رأيت الدنيا لك مستوسقة ، والأمور متّسقة ، وحين صفا لك ملكنا وسلطاننا فمهلاً مهلاً ، أنسيت قول الله تعالى : وَلاَ يَحْسَبَنّ الّذِينَ كَفَرُواْ أَنّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأنْفُسِهِمْ إِنّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوَاْ إِثْمَاً وَلَهْمُ عَذَابٌ مّهِينٌ .

أمن العدل يا ابن الطلقاء ، تخديرك حرائرك

وإماءك ، وسوقك بنات رسول الله سبايا ، قد هتكت ستورهنّ ، وأبديت وجوههنّ ، تحدو بهنّ الأعداء من بلد إلى بلد ، ويستشرفهنّ أهل المناهل والمعاقل ، ويتصفّح وجوههنّ القريب والبعيد ، والدنيّ والشريف ، ليس معهنّ من حماتهنّ حمي ولا من رجالهنّ ولي؟ وكيف يرتجى مراقبة من لفظ فوه أكباد الأزكياء ، ونبت لحمه من دماء الشهداء ، وكيف يستبطئ في بغضنا أهل البيت من نظر إلينا بالشّنف والشّنآن ، والإحن والأضغان ، ثم تقول غير متأثم ولا مستعظم :

لأهلّوا واستهلّوا فرحاً

ثم قالوا يا يزيد لا تشل

منحنياً على ثنايا أبي عبد الله سيد شباب أهل الجنة تنكتها بمخصرتك! وكيف لا تقول ذلك ، وقد نكأت القرحة ، واستأصلت الشأفة ، بإراقتك دماء ذرية محمد ونجوم الأرض من آل عبد المطلب ، وتهتف بأشياخك زعمت أنك تناديهم فلتردنّ وشيكاً موردهم ، ولتودنّ أنك شللت وبكمت ولم تكن قلت ما قلت وفعلت ما فعلت .

اللهم خذ لنا بحقنا ، وانتقم ممّن ظلمنا ، وأحلل غضبك بمن سفك دماءنا ، وقتل حماتنا .

فوالله ما فريت إلا جلدك ، ولا حززت إلا لحمك ، ولتردنّ على رسول الله بما تحمّلت من سفك دماء ذريته ، وانتهكت من حرمته في عترته ولحمته ، حيث يجمع الله شملهم ، ويلمّ شعثهم ، ويأخذ بحقهم : وَلاَ تَحْسَبَنّ الّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبّهِمْ يُرْزَقُونَ .

وحسبك بالله حاكماً ، وبمحمد خصيماً ، وبجبرئيل ظهيراً

، وسيعلم من سوّل لك ومكّنك من رقاب المسلمين بئس للظالمين بدلاً وأيّكم شرّ مكاناً ، وأضعف جنداً .

ولئن جرت عليّ الدواهي مخاطبتك ، إني لأستصغر قدرك ، وأستعظم تقريعك ، وأستكثر توبيخك ، لكن العيون عبرى ، والصدور حرّى ، ألا فالعجب كلّ العجب ، لقتل حزب الله النجباء ، بحزب الشيطان الطلقاء ، فهذه الأيدي تنطف من دمائنا ، والأفواه تتحلّب من لحومنا ، وتلك الجثث الطواهر الزواكي تنتابها العواسل ، وتعفّرها أمهات الفراعل ولئن اتخذتنا مغنماً ، لتجدنا وشيكاً مغرماً ، حين لا تجد إلا ما قدمت يداك وما ربك بظلام للعبيد ، وإلى الله المشتكى وعليه المعول .

فكد كيدك ، واسع سعيك ، وناصب جهدك ، فوالله لا تمحو ذكرنا ، ولا تميت وحينا ، ولا يرحض عنك عارها ، وهل رأيك إلا فند وأيامك إلا عدد ، وجمعك إلا بدد ، يوم ينادي المنادي : ألا لعنة الله على الظالمين .

والحمد لله رب العالمين ، الذي ختم لأولنا بالسعادة والمغفرة ولآخرنا بالشهادة والرحمة ، ونسأل الله أن يكمل لهم الثواب ، ويوجب لهم المزيد ويحسن علينا الخلافة ، إنه رحيم ودود ، وحسبنا الله ونعم الوكيل .

ثم أمر يزيد الخطيب أن يصعد المنبر ويثني على معاوية وينال من الحسين وآله . ففعل الخطيب وأكثر من الوقيعة في علي والحسين ، فصاح به السجاد : أيها الخاطب لقد اشتريت مرضاة المخلوق بسخط الخالق فتبوأ مقعدك من

النار .

ثم التفت إلى يزيد وقال له : أتأذن لي أن أرقى هذه الأعواد فأتكلم بكلام فيه لله رضى ولهؤلاء أجر وثواب .

فأبى يزيد ، وألحّ الناس عليه ، فلم يقبل ، فقال ابنه معاوية الثاني : ائذن له ، ما قدر أن يأتي به؟ فقال يزيد : إن هؤلاء ورثوا العلم والفصاحة وزقوا العلم زقاً . وما زالوا به حتى أذن له .

فقال : الحمد لله الذي لا بداية له ، والدائم الذي لا نفاد له ، والأول الذي لا أولية له ، والآخر الذي لا آخرية له ، والباقي بعد فناء الخلق ، قدر الليالي والأيام ، وقسم فيما بينهم الأقسام ، فتبارك الله الملك العلام . . .

إلى أن قال : أيها الناس ، أُعطينا ستاً وفضلنا بسبع؛ أُعطينا العلم والحلم والسماحة والفصاحة والشجاعة والمحبة في قلوب المؤمنين ، وفضّلنا بأن منا النبي والصديق والطيار وأسد الله وأسد رسوله وسبطا هذه الأمة ومنا مهديها .

أيها الناس من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني أنبأته بحسبي ونسبي .

أيها الناس أنا ابن مكة ومنى ، أنا ابن زمزم والصفا ، أنا ابن من حمل الركن بأطراف الردى ، أنا ابن خير من ائتزر وارتدى وخير من طاف وسعى ، وحج ولبّى ، أنا ابن من حُمل على الب_راق وبلغ به جب_رائيل سدرة المنتهى ، فكان من ربه كقاب قوسين أو أدنى ، أنا ابن من صلى بملائكة السماء ، أنا ابن من أوحى إليه الجليل ما أوحى

، أنا ابن من ضرب بين يدي رسول الله ببدر وحنين ، ولم يكفر بالله طرفة عين ، أنا ابن صالح المؤمنين ووارث النبيين ، ويعسوب المسلمين ، ونور المجاهدين ، وقاتل الناكثين ، والقاسطين ، والمارقين ، ومفرق الأحزاب ، أربطهم جأشاً ، وأمضاهم عزيمة ذاك أبو السبطين الحسن والحسين ، علي بن أبي طالب .

أنا ابن فاطمة الزهراء ، وسيدة النساء ، وابن خديجة الكب_رى .

أنا ابن المرمل بالدماء ، أنا ابن ذبيح كربلاء ، أنا ابن من بكى عليه الجن في الظلماء ، وناحت الطير في الهواء .

فلما بلغ إلى هذا الموضع ضجّ الناس بالبكاء وخشي يزيد الفتنة فأمر المؤذن أن يؤذن للصلاة فقال المؤذن : الله أكبر .

فقال الإمام : الله أكب_ر وأجلّ وأعلى وأكرم مما أخاف وأحذر .

ولما قال المؤذن : أشهد أن لا اله إلا الله .

قال : نعم أشهد مع كل شاهد أن لا إله غيره ولا ربّ سواه .

فلما قال المؤذن : أشهد أنّ محمداً رسول الله .

قال الإمام للمؤذن : أسألك بحق محمد أن تسكت حتى أكلم هذا .

والتفت إلى يزيد وقال : هذا الرسول العزيز الكريم جدّك أم جدّي؟ فإن قلت أنه جدك علم الحاضرون والناس كلهم أنك كاذب ، وإن قلت جدي فلم قتلت أبي ظلماً وعدواناً ، وانتهبت ماله وسبيت نساءه ، فويل لك يوم القيامة إذا كان جدّي خصمك .

فصاح يزيد بالمؤذن : أقم الصلاة ، فوقع بين الناس همهمة

وصلى بعضهم وتفرق الآخر ، وخشي يزيد الفتنة ، فأمر بنقل السبايا إلى الخرب

3شهادة زيد بن الإمام علي بن الحسين على رواية المفيد3/ صفر / السنة 121 ه_

في هذا اليوم من شهر صفر استشهد زيد بن علي ، وقبل ذكر خبر استشهاده نورد بعض الأخبار الدالة على فضله وكرامته ، فقد روى علي بن العباس بسنده عن أبي جعفر قال : قال رسول الله للحسين : يخرج رجل من صلبك يقال له زيد يتخطى هو وأصحابه يوم القيامة رقاب الناس غراً محجّلين يدخلون الجنة بغير حساب .

وعن الحسن بن الحسين عن يحيى بن مساور عن أبي الجارود قال : قدمت المدينة فجعلت كلما سألت عن زيد بن علي قيل لي : ذاك حليف القرآن .

قصة الاستشهاد :

ولإلقاء الضوء على قصة استشهاده نقتبس ما أورده المرحوم السيد محسن الأمين فيه من كتابه المجالس السنية :

كان زيد بن علي بن الحسين عين إخوته بعد أخيه أبي جعفر الباقر وأفضلهم ، وكان عابداً ورعاً فقيهاً سخياً شجاعاً وظهر بالسيف يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، ويطلب بثارات الحسين وكان سبب خروجه مضافاً إلى طلبه بدم الحسين ، أنه دخل على هشام بن عبد الملك وقد جمع هشام أهل الشام وأمر أن يتضايقوا في المجلس حتى لا يتمكن من الوصول إلى قربه . فقال له زيد : إنه ليس من عباد الله أحد فوق أن يوصى بتقوى الله ، ولا من عباده أحد دون أن يوصي بتقوى الله وأنا أوصيك بتقوى الله فاتقه .

فقال له هشام : ما فعل أخوك البقرة؟

فقال : سماه رسول الله باقر العلم وأنت تسميه بقرة لشد ما اختلفتما في الدنيا ولتختلفان في الآخرة!

فقال له

هشام : أنت المؤهل نفسك للخلافة الراجي لها؟ وما أنت وذاك لا أم لك وإنما أنت ابن أمة!

فقال له زيد : إني لا أعلم أحداً أعظم منزلة عند الله من نبي بعثه وهو

ابن أمة فلو كان ذلك يقصر عن منتهى غاية لم يبعث وهو إسماعيل بن إبراهيم فالنبوة أعظم منزلة عند الله أم الخلافة يا هشام؟ وبعد فما يقصر برجل أبوه رسول الله وهو ابن علي بن أبي طالب .

فوثب هشام من مجلسه ودعا قهرمانه وقال : لا يبيتنّ هذا في عسكري .

فخرج زيد وهو يقول : إنه لم يكره قوم قط حد السيوف إلا ذلّوا . فحملت كلمته إلى هشام . فعرف أنه يخرج عليه فأرسل معه من يخرجه على طريق الحجاز ولا يدعه يخرج على طريق العراق . فلما رجع عنه الموكلون به بعد أن أوصلوه إلى طريق الحجاز . رجع إلى العراق حتى أتى الكوفة ، وأقبلت الشيعة تختلف إليه وهم يبايعونه ، حتى أحصى ديوانه خمسة عشر ألف رجل من أهل الكوفة سوى أهل المدائن والبصرة وواسط والموصل وخراسان والري وجرجان والجزيرة . فحاربه يوسف بن عمرو الثقفي ، فلما قامت الحرب انهزم أصحاب زيد وبقي في جماعة يسيرة فقاتلهم أشد القتال وهو يقول متمثلاً :

فذل الحياة وعزّ الممات

فإن كان لابد من واح_د

وكلاً أراه طعام_اً وبيلا

فسيري إلى الموت سيراً جميلا

وحال المساء بين الصفين ، وانصرف زيد وهو مثخن بالجراح وقد أصابه سهم في جبهته ، وطلبوا من ينزع السهم فأتي بحجام ، فاستكتموه أمره ، فأخرج النصل فمات من ساعته ، فدفنوه في ساقية ماء وجعلوا على قبره التراب والحشيش

وأجري الماء على ذلك ، وحضر الحجام وقيل عبد سندي مواراته فعرف الموضع ، فلما أصبح مضى إلى يوسف فدلّه على موضع قبره فاستخرجه يوسف بن عمرو وبعث برأسه إلى هشام وبعثه هشام إلى المدينة فنصب عند قبر النبي يوماً وليلة . ولمّا قتل بلغ ذلك من الصادق كل مبلغ وحزن عليه حزناً عظيماً وفرق من ماله في عيال من أصيب معه من أصحابه ألف دينار وكتب هشام إلى يوسف بن عمرو أن اصلبه عرياناً فصلبه في الكناسة فنسجت العنكبوت على عورته من يومه ومكث أربع سنين مصلوباً ، حتى مضى هشام وبويع الوليد بن يزيد ، فكتب الوليد إلى يوسف بن عمرو : أما بعد فإذا أتاك كتابي فاعمد إلى عجل أهل العراق فاحرقه ثم انسفه في اليم نسفاً . فأنزله وحرقه ثم ذراه في الهواء .

وبالفعل كانت طريقة قتل زيد فظيعة من الفظائع التي يندى لها جبين الإنسانية خجلاً ، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون والعاقبة للمتقين .

4وفاة السيدة رقية بنت الإمام الحسين 5/ صفر / السنة 61 ه_

من هي السيدة رقية؟

السيدة رقية طفلة لأبي عبد الله الحسين ، من زوجته أم إسحاق وذكروا ارباب المقاتل أنّ عمرها خلال السبي وبعد حادثة الطف كان يبلغ ثلاث سنين .

وكانت هذه الطفلة مثالاً للمظلومية ، فقد رافقت ركب السبايا إلى الشام في رحلة مريرة شاقة ، حتى إنها فارقت الحياة في خربة الشام ، في موقف مؤثّر لم يشهد التاريخ مثيلاً له .

ففي الخربة ، حيث مستقر السبايا استفاقت رقية ليلاً من منامها ، وهي مضطربة اضطراباً شديداً ،

وهي تقول : أين أبي الحسين؟ فإني رأيته الساعة في المنام .

فلما سمعت النسوة ذلك صرخن وأعولن وارتفعت أصواتهن بالبكاء ، فانتبه يزيد من نومه ، وقال : ما الخبر؟ فأعلموه بما جرى ، فأمر أن يذهبوا برأس أبيها إليها ، فجاءوا بالرأس ووضعوه في حجرها ، فرفضته وكانت تظن أنه طعام لأنه كان مغطى بمنديل ، ولما رفعوا المنديل عنه ، احتضنته ووضعت فمها على فمه وهي تبكي بحرقة وتخاطب الرأس بكلمات ملؤها الأسى والحسرة ، وما هي إلا لحظات حتى فارقت روحها جسدها رحمة الله عليها . .

وكان مشهداً فيه من القسوة والظلم ما لا يطيقه بشر . ودفنت في المكان الذي قضت فيه ، ودارت الأيام والسنون وأبى الله إلا أن تكون كلمته هي العليا ، فارتفع فوق ذلك المكان الذي يحتضن الجسد الصغير مقام يناطح السماء في عليائه ويرتّل على مدى الدهور معاني انتصار الحق على الباطل, وما أجمل قول الشاعر معبّراً عن ذلك بهذه الأبيات :

ويظلّ مجدك يا رقية عبرة

للظالمين على الزمان يج_دّد

يزكو به عطر الأذان ويزدهي

بج_لال مفرق_ه النبي محمد

ويكاد من وهج التلاوة صخره

يندى ومن وضح الهدى يتورّد

وعليه أسراب الملائك حوّم

وهموم أفئدة الموالي حشّد

و به يطوف فم الخلود مؤرّخاً

بالشام قبر رقية يتجدّد

مقام السيدة رقية بنت الإمام الحسين :

يقع مقام السيدة رقية على بعد 100م أو أكثر قليلاً من الجامع الأموي بدمشق في سوق مشهور بدمشق يسمى سوق العمارة ، وعندما تريد الدخول إلى صحنها المطهر فإنّ أول ما يلفت نظرك ، اللوحة التي على باب مقامها الشريف ،

مكتوب فيها : «هذا مقام السيدة رقية بنت الحسين الشهيد بكربلاء» ، وهناك لوحة أخرى بالبرونز على باب الفناء الداخلي للقبة الشريفة فيها شجرة نسبها الطاهر التي تربطها بجدتها الزهراء وجدها الأكبر النبي وجدها أمير المؤمنين .

وقد ذكرت السيدة رقية في كتب أهل السنة ، حيث ذكرها الشيخ عبد الوهاب بن أحمد الشافعي المصري المتوفى 973ه_ ، في كتابه المنن ، الباب العاشر ، وتحدّث عن مقامها الشريف ، فقال : ¬هذا البيت بقعة شرفت بآل النبي في دمشق ، وبنت الحسين الشهيد رقية» .

وذكرها أيضاً الشيخ القندوزي الحنفي المتوفى عام 1294ه_ ، في ينابيع المودة : ص416 .

5 ولادة الإمام موسى الكاظم 7/ صفر / السنة 128 ه_

هو الإمام موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين الشهيد بن علي بن أبي طالب . السابع من أئمة أهل البيت المعصومين المطهرين .

ولد في الأبواء سنة ثمانٍ وعشرين ومئة للهجرة ، وقبض ببغداد في حبس السندي بن شاهك ، لستٍ بقين من رجب سنة ثلاث وثمانين ومئة للهجرة . وله من العمر يومئذٍ خمس وخمسون سنة ، وأمه أم ولد يقال لها : حميدة البربرية ، ويقال لها حميدة المصفاة وكانت من خيار النساء ، وقد مدحها الإمام الصادق فقال فيها :

حميدة المصفاة من الأدناس كسبيكة الذهب . ما زالت الأملاك تحرسها حتى أديت إليّ ، كرامة من الله لي والحجة من بعدي .

وكانت مدة إمامته خمساً وثلاثين سنة ، وكان يكنى أبا إبراهيم وأبا الحسن وأبا علي ، وكان يعرف بالعبد الصالح ، ويلقّب

بالكاظم .

صفت نفسه الطاهرة ، وخلصت سريرته ، فكان أحد كواكب البيت النبوي ، يضيء طريق الأجيال ، وينوّر ظلمات الدنيا بعطائه السيّال ، تألّق نجمه في عنان السماء ، وارتقى إلى مشارف العلى ، علماً وحلماً ، شجاعة وسماحة ، فضلاً وكرماً ، مضافاً إلى انقطاعه التام إلى الله سبحانه وتعالى ، فصار مهوى للقلوب والأفئدة ، ولذلك تسابقت الأقلام على مختلف انتماءاتها تشيد بفضله وتذكر مناقبه وعلوّ شأنه .

عاش الإمام الكاظم مدة مديدة من حياته في ظلمات السجون ، فقد سجنه المهدي العباسي ثم أطلقه ، ولما آلت الأمور إلى هارون الرشيد أعاد اعتقال الإمام ، وظلّ ينقله من سجن إلى آخر حتى استشهد في سجن السندي بن شاهك في بغداد بسم دسّه له الرشيد .

وكانت شهادته في الخامس والعشرين من شهر رجب لسنة مئة وثلاث وثمانين للهجرة 183ه_ .

ودفن في مقبرة قريش في بغداد ، في جانب الكرخ ، والتي تعرف اليوم بالكاظمية ومرقده معروف يؤمّه الزوار من كل حدبٍ وصوب ومن مختلف المذاهب الإسلاميّة ، وله كرامات مشهودة .

قال الإمام الشافعي المتوفى : 204ه_ كما في تحفة العالم : قبر موسى الكاظم الترياق المجرّب ، يقصد به استجابة الدعاء عنده .

وقال الحسن بن إبراهيم ، أبو علي الخلال ، شيخ الحنابلة من علماء القرن الثالث الهجري : ما همّني أمر ، فقصدت قبر موسى بن جعفر ، فتوسّلت به ، إلاّ سهّل الله تعالى لي ما أحب .

وقال أبو الفرج

عبد الرحمن بن الجوزي المتوفى : 597ه_ في كتابه صفة الصفوة عن الكاظم : كان يدعى العبد الصالح لأجل عبادته واجتهاده وقيامه بالليل وكان كريماً حليماً ، إذا بلغه عن رجل ما يؤذيه بعث إليه بمال .

وجاء عن ابن الأثير الجزري في كتابه الكامل في التاريخ : وكان يلقّب بالكاظم لأنه يحسن إلى من يسيء إليه ، كان هذا عادته أبداً .

وهناك ما لا يحصى من نصوص علماء أهل السنة في الثناء على الإمام الكاظم .

واللافت في حياة هذا الإمام العظيم الذي قضى معظم حياته في السجون حتى قضى فيها ، أنه أكثر الأئمة ذرية ، وما ذلك إلا ليظهر الله أمره ولو كره الكارهون .

فقد جاء في كتاب الإرشاد للمفيد : وكان لأبي الحسن موسى سبعة وثلاثون ذكراً وأنثى منهم : علي بن موسى الرضا ، وإبراهيم ، والعباس ، والقاسم لأمهات أولاد ، وإسماعيل وجعفر وهارون والحسين لأم ولد . وأحمد ومحمد وحمزة لأم ولد . وعبد الله وإسحاق ، وعبيد الله ، وزيد ، والحسن ، والفضل ، وسليمان لأمهات أولاد . وفاطمة الكبرى ، وفاطمة الصغرى ، ورقية ، وحكيمة ، وأم أبيها ، ورقية الصغرى ، وكلثوم ، وأم جعفر ، ولبابة ، وزينب ، وخديجة ، وعُليّة ، وآمنة ، وحسنة ، وبُريهة ، وعائشة ، وأم سلمة ، وميمونة ، وأم كلثوم ، لأمهات أولاد .

وكان أفضل ولد أبي الحسن موسى

، وأنبههم وأعظمهم قدراً ، وأعلمهم وأجمعهم فضلاً أبو الحسن علي بن موسى الرضا

فسلام عليه يوم ولد ، ويوم استشهد ، ويوم يبعث حياً .

6وفاة الصحابي سلمان الفارسي المحمدي8/ صفر / السنة 34 ه_

إنّ دراسة حياة الأفذاذ من الرجال ، إنّما تصبح ضرورة ملحّة ، حينما تكون فرصة لاستيعاب كثير من المعاني البناءة ، وللتعرف على حقائق الحياة ، والوقوف على عميق أسرارها ، من خلال دراسة فكر ورؤية ، ثم حركة وموقف هؤلاء القمم؛ ليكون ذلك رافداً ثرّاً للجانب العاطفي ، ومسهماً في تعميق الوعي العقيدي ، المهيمن على هذا الإنسان في كل شؤونه ، ومختلف أحواله وأطواره . .

دراستنا لسلمان المحمّدي :

ومن هنا . . فاننا لن نسمح لدراستنا لحياة سلمان المحمّدي ، أن تتخذ إلا طابع الاستفادة من التجربة الفاضلة ، لتسمو بنا ، ونسمو نحن بها ، لتكون ربيعاً لنا نتخير من أزهاره ، ونجني من أثماره ، ونلتذ بأفانين تغريد أطياره .

ونكون نحن لها التجسيد الحي ، والنموذج الفذ ، والمثل الأعلى . .

ولكننا . . إذ نؤمن بأن قضايا التاريخ ، مما لا يمكن حسم الأمر فيها ، بسهولة ، الأمر الذي يتخذ صفة الضرورة ، قبل أن يمكن استيحاء العبرة والفكرة من أية قضية . .

معلومات أولية :

اسمه : سلمان .

كنيته : أبو عبد ا لله ، أو أبو الحسن ، أو أبو إسحاق .

ولادته : لا مجال لتحديدها .

وفاته : في الثامن من شهر صفر سنة

أربع وثلاثين للهجرة .

بلده : جي قرية في أصفهان . وقيل : إنه من رامهرمز ، من فارس .

محل دفنه : المدائن . . بلد قرب بغداد ، فيه قبره رحمه الله ، وقبر حذيفة بن اليمان . .

أبوه : كان أبوه دهقان أرضه . وهو يعدّ من موالي رسول الله .

وكان قد تداوله بضعة عشر مالكاً ، حتى أفضى إلى رسول الله وعتقائه وأصحابه بل من خواص أصحابه .

وكان قد قرأ الكتب في طلب الدين .

حرفته : كان يسفّ الخوص ، ويبيعه ويأكل منه ، وهو أمير على المدائن .

إسلامه : عدّ في بعض الروايات من السابقين الأولين . كما قال ابن مردويه ويقال : بل أسلم أوائل الهجرة

مشاهده : روي : أنه شهد بدراً وأحداً ، ولم يفته بعد ذلك مشهد .

عطاؤه : في عصر الخلافة : خمسة آلاف ، وكان يتصدق بها ، ويأكل من عمل يده .

بيت سكناه : لم يكن له بيت يسكن فيه ، إنما كان يستظل بالجدر والشجر ، حتى أقنعه البعض بأن يبني له بيتاً ، إن قام أصاب رأسه سقفه ، وإن مدّ رجليه أصابهما الجدار .

من خصائص سلمان :

قد عرفنا من بيت سكناه ومن حرفته ، ومما يصنعه بعطائه زهد سلمان ، وعزوفه عن الدنيا ، ولا نريد استقصاء ذلك هنا أكثر من ذلك . .

وقد وصفه البعض بأنه : كان خيراً فاضلاً ، حبراً عالماً

، زاهداً ، متقشّفاً . وكانت له عباءة يفرش بعضها ، ويلبس بعضها . . .

كان يحب الفقراء ويؤثرهم على أهل الثروة والعدد . وكان ، كما يقال ، يعرف الاسم الأعظم . وكان من المتوسّمين ، وقد قيل : الإيمان عشر درجات ، وكان سلمان في الدرجة العاشرة ، وكان يحب العلم والعلماء .

إنّ سلمان - كما روي عن الإمام الصادق - كان عبداً صالحاً ، حنيفاً ، مسلماً ، وما كان من المشركين . وفي حديث رسول الله : لا تغلطنّ في سلمان ، فإنّ الله تبارك وتعالى أمرني أن أطلعه على علم البلايا والمنايا والأنساب ، وفصل الخطاب . . .

منزلته ومقامه :

بعض ما سبق يشير إلى علو مقامه ، وسامق منزلته ، ولا نرى أننا بحاجة إلى المزيد ، ولكننا ننقل هذا الخبر عن عائشة :

عن عائشة ، قالت : كان لسلمان مجلس من رسول الله ينفرد به بالليل ، حتى يكاد يغلبنا على رسول الله

وقد قال رسول الله - كما سيأتي : سلمان منّا أهل البيت

وعن الصادق : كان رسول الله ، وأمير المؤمنين يحدثان سلمان بما لا يحتمله غيره ، من مخزون علم الله ، ومكنونه .

ويأتيه الأمر : يا سلمان ، ائت منزل فاطمة بنت رسول الله ، فإنها إليك مشتاقة ، تريد أن تتحفك بتحفة قد اُتحفت بها من الجنة . . .

وعلَّمته صلوات الله وسلامه عليها أحد الأدعية

المهمة أيضاً . .

وعن النبيّ : سلمان منّي ، ومن جفاه فقد جفاني ، ومن آذاه فقد آذانيالخ . .

وقال الإمام الصادق لمنصور بن بُزُرْج - كما روي - : لا تقل : سلمان الفارسي ، ولكن قل : سلمان المحمّدي .

من لطائف الإشارات :

ونذكر من لطائف الإشارات ، وطرائف الأحداث :

إن رسول الله قد آخى بين سلمان ، وأبي ذر ، وشرط على أبي ذر : أن لا يعصي سلمان .

ويقال : إن تاج كسرى وضع على رأس سلمان ، عند فتح فارس ، كما قال له رسول الله . وكان سلمان أحد الذين استقاموا على أمر رسول الله بعد وفاته . .

وكان من المعترضين على صرف الأمر عن علي أمير المؤمنين إلى غيره ، وله احتجاجات على القوم في هذا المجال .

وفاة سلمان :

وحين توفي سلمان تولى غسله وتجهيزه ، والصلاة عليه ودفنه ، علي أمير المؤمنين ، وقد جاء من المدينة إلى المدائن من أجل ذلك . وهذه القضية من الكرامات المشهورة لأمير المؤمنين ، بل من الكرامات المؤكدة لسلمان .

7 شهادة الصحابي عمار بن ياسر في معركة صفين9/ صفر / السنة 37 ه_

كان عمار بن ياسر من السابقين الأولين هاجر الهجرتين إلى الحبشة والمدينة وصلى إلى القبلتين وشهد بدراً واليمامة وأبلى فيهما بلاءاً حسناً وكان هو وأمه ممن عذّبوا في الله فأعطاهم ما أرادوا بلسانه ، فنزل فيه : إِلاّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنّ بِالإِيمَانِ .

وقال رسول الله كما رواه ابن حجر في الإصابة : من عادى عماراً عاداه الله ومن أبغض عماراً أبغضه

الله

قال : وتواترت الأحاديث عن النبي إنّ عماراً تقتله الفئة الباغية وأجمعوا على أنه قتل مع علي بصفين .

وفي الاستيعاب : هذا من إخباره بالغيب وإعلام نبوته وهو من أصحّ الأحاديث .

وقال رسول الله : إن عماراً ملىء إيماناً إلى مشاشه .

ويروى : إلى أخمص قدميه .

وقال : عمار جلدة ما بين عيني .

ورآه النبي يوم بناء المسجد يحمل لبنتين لبنتين وغيره لبنة لبنة ، فجعل ينفضّ التراب عنه ويقول : ويح عمار يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار .

وقيل لحذيفة حين احتضر وقد ذكر الفتنة إذا اختلف الناس بمن تأمرنا؟ قال : عليكم بابن سمية يعني عماراً فإنه لن يفارق الحق حتى يموت .

وروى نصر بن مزاحم أنه لما كانت وقعة صفين ، ونظر عمار إلى راية عمرو بن العاص قال : والله هذه الراية قد قاتلتها ثلاث عركات وما هذه بأرشدهنّ .

ولما كان يوم صفين خرج عمار إلى أمير المؤمنين فقال : يا أخا رسول الله أتأذن لي في القتال . فقال : مهلاً رحمك الله . فلما كان بعد ساعة أعاد عليه الكلام فأجابه بمثله فأعاده ثالثاً فبكى أمير المؤمنين فنظر إليه عمار فقال : يا أمير المؤمنين إنه اليوم الذي وصفه لي رسول الله ، فنزل أمير المؤمنين عن بغلته وعانق عماراً وودعه ، ثم قال : يا أبا اليقظان جزاك الله عنا وعن نبيك خيراً فنعم الأخ كنت ونعم الصاحب كنت ثم بكى أمير المؤمنين وبكى عمار .

ثم ركب أمير المؤمنين وركب عمار .

وبرز عمار إلى القتال وكان قد جاوز التسعين ، وأنشأ يقول :

نحن ضربناكم على تنزيله

ضرباً يزيل الهام عن مقيله

فاليوم نضربكم على تأويله

ويُذهل الخليل عن خليله

أو يرجع الحق إلى سبيله

ثم قال : والله لو ضربونا حتى يبلغوا بنا سعفات هجر لعلمنا أنّا على الحق وإنهم على الباطل . ثم قال :

الجنة تحت ظلال الأسنة

اليوم ألقى الأحبة محمداً وحزبه

واشتدّ به العطش فاستقى فأتي إليه بلبن فشربه ، ثم قال : هكذا عهد إليّ رسول الله أن يكون آخر زادي من الدنيا شربة من لبن .

وحمل عليه ابن جون السكسكي ، وأبو العادية الفزاري ، فأما أبو العادية فطعنه وأما ابن جون فاحتزّ رأسه .

وروى ابن سعد بسنده قال : لما بلغ علياً نعي عمار قال : إن امرءاً من المسلمين لم يعظم عليه قتل عمار ، ولم يدخل عليه بقتله مصيبة موجعة لغير رشيد! رحم الله عماراً يوم أسلم ، ورحم الله عماراً يوم قتل ، ورحم الله عماراً يوم يبعث حياً ، فوالله لقد رأيت عماراً وما يُذكر من أصحاب النبيّ ثلاثة إلا كان رابعاً ، ولا أربعة إلا كان خامساً! .

إنّ عمّاراً قد وجبت له الجنة في غير موطن ولا موطنين ولا ثلاث! فهنيئاً له الجنّة ، فقد قُتل مع الحقّ والحقّ معه ، يدور الحقَّ معه حيثما دار ، فقاتل عمّار وسالبه في النار .

ثم تقدم علي فجمع عمّار بن ياسر إلى هاشم المرقال أمامه ثم صلى عليه فكبّر خمساً أو ستاً أو سبعاً ، ورثاه الحجّاج بن عمرو الأنصاري بأبيات مشجية .

وقال المسعودي في مروج الذّهب : وكان قَتْلهُ عند المساء ، ولم يغسله علي

وصلى عليه ودفنه في صفّين .

ويُنسب إلى عمّار من الشعر قوله :

تَوَقَّ من الطُّرْق أوساطها

وسمْعَك صُن عن سماع القبيح

فإنّك عند سماع القبيح

وعُدَّ من الجانب المشتَبِه

كصون اللسان عن النُطق به

شريك لقائله ، فانتبه

فسلام الله على عمّار وأبويه الشهيدين ياسر وسُميّة ، يوم ولدوا ، ويوم استشهدوا ، ويوم يبعثون أحياء ، بل هم اليوم أحياء عند ربّهم يرزقون وَلَكِن لاّ تَشْعُرُونَ .

مقام عمار بن ياسر في الرقة :

أما اليوم فقد تحوّل مكان استشهاد عمار إلى مزار يؤمّه المحبّون والموالون ، وذلك في مدينة الرقة السورية في منطقة صفين التي شهدت أحداث تلك الوقعة الشهيرة ، وقد حاز هذا المقام اهتماماً بالغاً من قبل الجمهورية الإسلامية حيث تمّ بناؤه وتشييده على أحسن ما يكون .

8 وقعة النهروان بين الخوارج والإمام علي بن أبي طالب 9/ صفر / السنة 38 ه_

النهروان موقع بين بغداد وحلوان من محافظة في العراق بعد بعقوبة إلى خانقين ، وفيها جرت الوقعة المعروفة بين الإمام علي أمير المؤمنين والخوارج .

والخوارج ، هم الذين أنكروا التحكيم الذي وقع بعد معركة صفين ، واتخذت حركتهم بعد أن تحرك موكب الإمام من صفين شكلاً جديداً ، فاعترفوا بخطئهم في قبول التحكيم وأعلنوا توبتهم وجاءوا إلى أمير المؤمنين يطلبون منه أن يتراجع ويتوب كما تابوا . فلم يستجب لطلبهم لأنه لم يخطئ إنما خالفوا أمره الذي تابوا إليه الآن ، فانفصلوا عنه قبل أن يدخل الكوفة في مكان يدعى حروراء ، ومن أجل ذلك سمّاهم المؤرخون بالحرورية ، وسُمّوا بالخوارج لأنهم خرجوا على إمامهم أمير المؤمنين ، وقد رفعوا شعاراً : لا حكم إلا لله .

بعد أن رفع الخوارج

شعارهم ذلك ، حاورهم أمير المؤمنين بالتي هي أحسن وفنّد معتقداتهم وآراءهم ، إلاّ أنهم لم يصغوا إلى توجيهات أمير المؤمنين واستمرّوا في غيّهم ، وتعاظم خطرهم بعد انضمام أعداد جديدة لمعسكرهم ، وراحوا يعلنون القول بشرك المنتمين إلى معسكر الإمام علي ، بالإضافة إلى الإمام ورأوا استباحة دمائهم!

وقد كان أمير المؤمنين عازماً على عدم التعرّض لهم ابتداءً ، ليمنحهم فرصة التفكير جدياً بما أقدموا عليه عسى أن يعودوا إلى الرأي السديد .

ولكن هذه الفئة الخارجة عن الطاعة المارقة عن الدين تمادت في غيّها فقامت بقتل الأبرياء وتهديد أمن البلاد ، وقد قتلوا الصحابي عبد الله بن خباب وبقروا بطن زوجه الحامل ، كما قتلوا نسوة من طي .

وعندما أرسل إليهم الإمام الحارث بن مرّة العبدي ليتعرّف على حقيقة موقفهم ، قتلوا رسول أمير المؤمنين .

وعندها كرّ راجعاً من الأنبار حيث كان اتخذها مركزاً لتجميع قواته المتجهة نحو الشام وتوجه إلى قتالهم ، والتقى الجيشان فأمر الإمام أصحابه بالكفّ عنهم حتى يبدؤوا القتال .

فتنادى الخوارج من كلّ جانب : الرواح إلى الجنة ، وشهروا السلاح على أصحابه وأثخنوهم بالجراح ، فاستقبلهم الرماة بالنبال والسهام ، وشدّ عليهم أمير المؤمنين وأصحابه فما هي إلا سويعات حتى صرعهم الله كأنما قيل لهم : موتوا فماتوا . .

ومن كرامات أمير المؤمنين في هذه الوقعة أنه كان قد أخبر أصحابه قبل المعركة بأنه لا يقتل منكم عشرة ولا يفلت منهم عشرة ، وكان الأمر كما أخبرهم ، فلم ينج منهم إلا تسعة أو ثمانية ، ولم يقتل من

أصحابه إلا تسعة كما روى ذلك أكثر المؤرخين .

وهنا يروي المؤرخون حديث المُخْدَج المعروف ب_ذي الثديَّة ، أحد القتلى في هذه المعركة ، حيث كان النبي قد أخبر أمير المؤمنين بقتل الخوارج وقتل المُخْدَج

معهم ، لذلك فإنه بعد انتهاء المعركة فتش عنه وألحّ في طلبه حتى وجدوه بين القتلى ، وهو يقول : والله ما كَذبت ولا كُذبت .

فكانت من كرامات أمير المؤمنين الباهرة التي أبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكارهون .

9 شهادة محمد بن أبي بكر والي علي بن أبي طالب على مصر14/ صفر / السنة 37 ه_

ولادته ونشأته :

نشأ محمد بن أبي بكر بن أبي قحافة ، في بيت النبوة والخلافة ، في بيت تربّى فيه الحسن والحسين . وترعرع عندهم وهو يرتشف من منهل أخلاقهم ويسمو بعزّ فضائلهم ، وشرف مكانتهم .

ربّاه أمير المؤمنين كأحد أبنائه ينفق عليه كما ينفق عليهم ويعلمه كما يعلمهم ، وقد قال : محمد ابني من ظهر أبي بكر .

فشبّ وهو عارف بحقيقة أهل البيت ، ومكانتهم من الله ورسوله ، وفضلهم على بقية الناس ، وخصائصهم التي خصّهم الله تعالى بها .

روى ابن سعد في طبقاته : إنّ أبا بكر تزوّج أسماء بنت عميس فولدت له محمداً ، ثم توفي عنها أبو بكر فتزوجها علي بن أبي طالب فأنجبت له يحيى .

وقد رضع محمد بن أبي بكر الولاء والحب لأهل بيت النبوة من ثدي أمه ، وتعلم الإسلام والإيمان من مربيه علي .

وقعة الجمل :

شهد محمد بن أبي بكر وقعة الجمل ، وقاتل بكل بسالة وشجاعة إلى جانب مولاه أمير المؤمنين . ولما استعر القتال

واشتبكت الصفوف ، نادى أمير المؤمنين بعقر الناقة .

فكان محمد بن أبي بكر من بين المتقدمين في الصفوف لعقر الناقة ، وبعد أن عقرت ، وفرّ أصحاب الجمل ، قطع محمد بن أبي بكر البطان وأخرج الهودج ، فقالت عائشة : من أنت؟

فقال محمد : أبغض أهلك إليك .

فقالت عائشة : ابن الخثعمية .

فقال محمد : نعم ، ولم تكن دون أمهاتك .

فقالت عائشة : لعمري ، بل هي شريفة ، دع عنك هذا ، الحمد لله الذي سلمك .

فقال محمد : قد كان ذلك ما تكرهين .

فقالت عائشة : يا أخي لو كرهته ما قلته .

فقال محمد : كنت تحبين الظّفر ، وأني قتلت؟

فقالت عائشة : قد كنت أحب ذلك ، ولكنه لما صرنا إلى ما صرنا إليه ، أحببت سلامتك لقرابتي منك ، فاكفف ولا تعقب الأمور ، وخذ الظاهر ولا تكن لومة ولا عذلة ، فإنّ أباك لم يكن لومة ولا عذلة .

ولايته على مصر :

ولّى أمير المؤمنين محمد بن أبي بكر على مصر ، بعد أن عزل عنها واليها قيس بن سعد .

ولما وصل محمد بن أبي بكر إلى مصر قرأ على أهلها كتاب أمير المؤمنين :

بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما عهد به عبد الله علي أمير المؤمنين إلى محمد بن أبي بكر حين ولاّه مصر وأمره بتقوى الله في السر والعلانية وخوف الله عز وجل في الغيب والمشهد وباللين على المسلمين ، وبالغلظة على الفجار ، وبالعدل على أهل الذمّة

، وبإنصاف المظلوم ، وبالشدة على الظالم ، وبالعفو عن الناس ، وبالإحسان ما استطاع ، والله يجزي المحسنين . . إلى آخر الكتاب .

ثم إن محمد بن أبي بكر قام خطيباً ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال :

الحمد لله الذي هدانا وإياكم لما اختلف فيه من الحق ، وبصرنا وإياكم كثيراً مما عمي عنه الجاهلون .

ألا إن أمير المؤمنين ولاّني أمركم وعهد إليّ ما قد سمعتم ، وأوصاني بكثير منه مشافهة ، ولن آلوكم خيراً ما استطعت ، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب ، فإن يكن ما ترون من إمارتي وأعمالي طاعة لله وتقوى فاحمدوا الله عز وجل ما كان من ذلك فإنه هو الهادي ، وإن رأيتم عاملاً لي عمل غير الحق زائغاً فارفعوا إليّ وعاتبوني فيه ، فإني بذلك أسعد وأنتم بذلك جديرون .

ولم يتخذ محمد بن أبي بكر مواقف حازمة تجاه الأوضاع في مصر ، لا سيما تجاه الذين اعتزلوا عن قبول ولايته وخلافة أمير المؤمنين ، وعملوا على بث الدعايات المغرضة المطالبة بدم عثمان مما أضعف مركز محمد بن أبي بكر ووصلت أخبار ذلك وانفضاض أهل مصر من حول محمد بن أبي بكر إلى أمير المؤمنين فبعث مالك الأشتر والياً عليها ، فعظم ذلك الخبر على معاوية لمعرفته بمقام مالك وسعى لقتله بكل وسيلة لئلا يصل إلى مصر .

فبعث معاوية إلى الجايستار رجلاً من أهل الخراج ، فقال له : إنّ الأشتر قد ولي مصر فإن أنت كفيتنيه لم آخذ منك خراجاً

ما بقيت . فخرج الجايستار حتى أتى القلزم ، وكان الأشتر قد خرج من العراق إلى مصر ، فلما انتهى إلى القلزم استقبله الجايستار فقال له : هذا منزل وهذا طعام وعلف . فنزل به الأشتر ، وأتاه الرجل بعسل جعل فيه سم ، فسقاه إياه فلما شربها مات . ولما سمع معاوية بن أبي سفيان ذلك قال : إن لله جنوداً من عسل . ثم أقبل على أهل الشام ، وقال : كان لعلي بن أبي طالب يمينان أحدهما قطعت في صفين وهو عمار بن ياسر ، والآن قطعت الثانية وهو مالك الأشتر .

خبر شهادة محمد بن أبي بكر :

وأما مسلمة بن مخلد ومن شايعه من العثمانية في مصر فقد كتبوا كتاباً إلى معاوية بن أبي سفيان : عجّل علينا خيلك ورجلك .

فقال معاوية لعمرو بن العاص : تجهز يا أبا عبد الله .

فبعثه إلى مصر في ستة آلاف رجل ، فلما وصل عمرو بن العاص إلى مصر ، اجتمعت إليه العثمانية ، وكتب إلى محمد بن أبي بكر كتاباً :

أما بعد؛ فتنحّ عني بدمك يا ابن أبي بكر فإني لا أحب أن يصيبك مني ظفر ، إنّ الناس بهذه البلاد قد اجتمعوا على خلافك ورفض أمرك . . . .

فلما قرأ محمد بن أبي بكر الكتاب ، كتب كتاباً إلى أمير المؤمنين يطلب فيه العون والمدد ، ويخبره بالموقف عنده .

وبعد أن وصله كتاب أمير المؤمنين كتب إلى معاوية يردّ فيه بما قاله ، وينتدب لقتاله ، ثم قام خطيباً في الناس

، يحضّهم فيه على جهاد أعداء الله .

فانتدب معه نحو ألفي رجل ، وخرج محمد بن أبي بكر لمقاتلة الخارجين عليه . وكان على رأس جيش الشام عمرو بن العاص الذي خرج لقتال محمد ابن أبي بكر .

والتقى الجيشان ودارت بينهما معركة عظيمة ، فكانت الغلبة في البداية لجيش محمد ، إلا أن عمرو بن العاص استنجد بجيش الشام ، فجاءه المدد وكان يفوق جيش محمد أضعافاً ، فاحتوشوا جيش محمد من كل مكان وقتلوا معظم رجاله وفرّ الباقون ، وانسحب محمد بن أبي بكر .

فخرج معاوية بن حديج في طلب محمد بن أبي بكر ، فمرّ في قوم في قارعة الطريق فسألهم : هل لمح أحدكم غريباً؟ فقال أحدهم : إني دخلت الخربة فوجدت فيها رجلاً جالساً . فقال ابن حديج : هو وربّ الكعبة . فانطلقوا يركضون حتى دخلوا عليه فاستخرجوه وقد أهلكه العطش ، فطلب محمد أن يشرب ، فقال له ابن حديج بوجود عمرو بن العاص : لا سقاه الله من سقاك قطرة ، منعتم عثمان أن يشرب الماء حتى قتلتموه صائماً ، ثم قتله وألقاه في جيفة حمار وألقاه في النار وهو حي .

وقيل إن معاوية بن حديج قطع رأس محمد بن أبي بكر وأرسله إلى معاوية ابن أبي سفيان بدمشق ، وطيف برأسه وهو أول رأس طيف به في الإسلام .

10سقوط الأندلس 17/ صفر / السنة 636 ه_

سقطت الأندلس في يوم الثلاثاء السابع عشر من شهر صفر عام 636ه_ ، وفي هذا اليوم ، حيث وقع الاتفاق بين زيان وملك الروم خايمي ، إلا

أن خايمي دخل دخول الفاتحين هو وجنده إلى بلنسة في يوم الجمعة 27 صفر سنة 636ه_ ، الموافق لليوم التاسع من أكتوبر سنة 1238م .

فكانت بلنسية ، بعد قرطبة ثانية القواعد الأندلسية العظيمة التي سقطت في تلك الفترة في أيدي الأسبان ، وقد كان انهيارها في القواعد الأولى من الصرح الأندلسي الشامخ مقدمة لانهيار معظم القواعد الباقية تباعاً في فترة قصيرة ، لا تتجاوز العشرة أعوام .

وجدير بالذكر أن المسلمين في كل الأمصار التي احتلوها لم يذكر عنهم أنهم تنبأوا بمصيرها سوى الأندلس .

فقد شعر المسلمون بأنّ نجمهم بدأ يأفل في الأندلس منذ بدأت الطوائف في أواخر القرن الخامس الهجري في دويلات ، فقد أخذ المسلمون يترقّبون ذلك اليوم الذي سيغادرون فيه إسبانيا الأندلس ، مما ألجأ الكثير منهم إلى التحالف مع العرب في المغرب العربي وعبر البحر .

فعقب سقوط طليطلة 478ه_ /1085م واشتداد الوطأة النصرانية على ملوك الطوائف ، صارت الكارثة قاب قوسين أو أدنى ، استنجد المسلمون بإخوانهم المغاربة عبر البحر المرابطين ، واستجاب المرابطون إلى غوث إخوانهم في الأندلس وعبروا البحر إلى إسبانيا ، والتقوا بالجيوش النصرانية إلى جانب الطوائف الضئيلة في موقعة الزلاقة الكبرى ، وأحرزوا فيها نصرهم الباهر بسحق جيوش النصرانية 479ه_/1086م ، وأنقذت الأندلس بذلك من الفناء المحقق ، ثم استولى المرابطون على الأندلس ، وحكموها زهاء نصف قرن آخر ، وخلفهم الموحدون وحكموا زهاء قرن آخر ، ثم جاشت الأندلس بالثورة ضد حكامها المغاربة ، واجتمعت فلول الثورة آخر الأمر في الجنوب ، حيث قامت مملكة

غرناطة آخر الممالك الأندلسية ، وقدر لها أن تعيش مائتين وخمسين عاماً أخرى .

وقد ورد الإنذار بالخطر على الأندلس ، قبل سقوط طليطلة ، في أقوال ابن حيان المؤرخ الأندلسي الكبير في تعليقه على موقعة بريشتر من أعمال الثغر الأعلى أراغون وسقوطها في يد النصارى سنة 456ه_/1063م في وابل من القتل والسبي وشنيع الاعتداء .

ولما سقطت طليطلة وارتجت الأندلس فرقاً ورعباً ، قال شاعرهم :

يا أهل الأندلس شدّوا رحالكم

السلك ينشر من أطرافه وأرى

من جاور الشرّ لا يأمن بوائقه

فما المقام بها إلا من الغلط

سلك الجزيرة منشور من الوسط

كيف الحياة مع الحيّات في سقط

وكان آخر ملوك غرناطة لا يجازفون بالذهاب إلى الحج خوفاً من وقوع المكروه والهجوم عليها من قبل النصارى ، وكانوا يكتفون بكتابة الرسائل إلى التربة النبوية ، ويرسلون المصاحف المذهبة كهدايا .

وعندما نرجع إلى التاريخ نجد أن سبب النكبة في الأندلس ، هو انفصال الأندلس عن الدولة الإسلامية وقيامها ككيان مستقل لا تربطه بالقاعدة أية رابطة .

فالإسلام الذي حرّر أوروبا ابتداءً من الأندلس إلى جنوب فرنسا والذي كان يتوقع له أن يجتاز كل أوروبا توقف أولاً ثم عاد إلى الانحسار في الوقت الذي وصل فيه عبد الرحمن بن معاوية بن هشام إلى الأندلس ، فقامت الفتن بين المسلمين داخل إسبانيا وانشغلوا في تعزيز الانفصام عن جسد الدولة الإسلامية ، ومنذ ذلك اليوم وقفت الأندلس لوحدها في مواجهة أوروبا الغربية كلها ، ولم تعد الدولة الأم مسؤولة عنها ، وصار عليها أن تواجه مصيرها بنفسها .

آن لنا أن نعيد النظر في دراسة التاريخ ونواجه الحقائق كما هي فلا

نتغاضى عنها ، وأن نأخذ من كل ذلك العبرة ، وما أكثر ما يمكن أن نأخذ منه العبر .

11اربعينية الإمام الحسين 20/ صفر / السنة 61 ه_

لقد سرّ يزيد قتل الحسين ومن معه وسبي حرم رسول الله ، وظهر عليه السرور في مجلسه ، فلم يبال بإلحاده وكفره ، حين تمثل بشعر ابن الزبعرى :

ليت أشياخي ببدر شهدوا

جزع الخزرج من وقع الأسل

حتى قال :

لعبت هاشم بالملك فلا

خبر جاء ولا وحي نزل

ولم يدم سرور يزيد طويلاً ولا سيما بعدما أحدثته خطبة السيدة العظيمة زينب وخطبة الإمام السجاد ، من أثر عظيم بين الناس بما وضحته من الحقائق التي سعى يزيد إلى إخفائها فعاب عليه خاصته وأهل بيته ونساؤه ذلك . واستنكر الناس بأجمعهم ما ارتكبه يزيد من جرائم فظيعة في قسوتها وانقلابها على كل مفاهيم الدين العظيم ولا سيما أنها تمت بمرأى من الصحابة ، فأقرفتهم الجريمة وضاقوا بيزيد ذرعاً مع ما عليه من فسق وفجور وتحدٍّ لحدود الله .

عندها خشي يزيد الفتنة ، وانقلاب الأمر عليه؛ عجل بإخراج السجاد والعيال من الشام إلى وطنهم ومقرهم المدينة ، وهيأ لهم ما يريدون ، وأمر النعمان ابن بشير وجماعة معه أن يسيروا معهم إلى مدينة جدهم مع الرفق .

فلما وصلوا إلى العراق قالوا للدليل : مُرَّ بنا على كربلاء . فوصلوا إلى مصرع الحسين فوجدوا جابر بن عبد الله الأنصاري وجماعة من بني هاشم ورجالاً من آل الرسول وردوا لزيارة قبر الحسين ، فتلاقوا بالبكاء والحزن واللطم ، وأقاموا في كربلاء ينوحون على الحسين ثلاثة أيام .

ووقف جابر الأنصاري على القبر فأجهش بالبكاء وقال :

يا حسين . . ثلاثاً .

ثم قال : حبيب لا يجيب حبيبه! وأنّى لك بالجواب وقد شحطت أوداجك على أثباجك ، وفُرِّق بين رأسك وبدنك ، فأشهد أنك ابن خاتم النبيين ، وابن سيد المؤمنين ، وابن حليف التقوى ، وسليل الهدى ، وخامس أصحاب الكساء ، وابن سيد النقباء ، وابن فاطمة الزهراء سيدة النساء . .

وما لك لا تكون كذلك وقد غذّتك كف سيد المرسلين ، ورُبِّيت في حجر المتقين ، ورُضعت من ثدي الإيمان ، وفُطمت بالإسلام ، فطبت حياً وطبت ميتاً ، غير أنّ قلوب المؤمنين غير طيبة بفراقك ، ولا شاكة في الخيرة لك ، فعليك سلام الله ورضوانه ، وأشهد أنك مضيت على ما مضى عليه أخوك يحيى بن زكريا .

ثم جال ببصره حول القبر ، وقال : السلام عليكم أيتها الأرواح التي حلّت بفناء الحسين وأناخت برحله ، أشهد أنكم أقمتم الصلاة ، وآتيتم الزكاة ، وأمرتم بالمعروف ونهيتهم عن المنكر ، وجاهدتم الملحدين ، وعبدتم الله حتى أتاكم اليقين .

ثم قال : والذي بعث محمداً بالحق نبياً ، لقد شاركناكم فيما دخلتم فيه .

فقال له عطية العوفي : كيف! ولم نهبط وادياً ولم نعلُ جبلاً ولم نضرب بسيف ، والقوم فُرِّق بين رؤوسهم وأبدانهم وأُوتمت أولادهم وأُرملت الأزواج؟!

فقال له : إني سمعت حبيبي رسول الله يقول : من أحب قوماً كان معهم ومن أحب عمل قوم أشرك في عملهم ، والذي بعث محمداً بالحق نبياً إن نيتي

ونية أصحابي على ما مضى عليه الحسين وأصحابه .

رأس الحسين مع رؤوس أهل بيته وأصحابه تعاد للأجساد :

لما عرف زين العابدين الموافقة من يزيد طلب منه الرؤوس كلها ليدفنها في محلها ، فلم يرفض يزيد رغبة الإمام ، فدفع إليه رأس الحسين مع رؤوس أهل بيته وصحبه فألحقها بالأبدان .

وقد نصّ على مجيء علي بن الحسين السجاد بالرؤوس إلى كربلاء ، المصادر التالية من علماء العامة :

1- قال ابن شهر آشوب في المناقب : 2/200 : ذكر المرتضى في بعض رسائله أن رأس الحسين أعيد إلى بدنه في كربلاء .

2- والقزويني في عجائب المخلوقات : 67 ، قال : في العشرين من صفر ردّ رأس الحسين إلى جثته .

3- وفي تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي : 150 ، قال : الأشهر أنه رُدَّ إلى كربلاء فدفن مع الحسين .

وبناء على ذلك فإنه لا يعبأ بما يقال خلافه من أن الرأس قد دفن في مكان آخر بعيداً عن الجسد . ولعلّ من الجميل إيراد ما تمثله أبو بكر الآلوسي عندما طُرحت عليه هذه المسألة ، فعبّر عن شدّة ولائه وحبه للحسين بغض النظر عن محلّ دفن الرأس ، قائلاً هذين البيتين :

لا تطلبوا رأس الحسين

ودعوا الجميع وعرّجوا

بشرق أرض أو بغرب

نحوي فمشهده بقلبي

أما من علماء الإمامية فنذكر منهم : الفتال في روضة الواعظين : 165 ، وابن نما الحلي في مثير الأحزان ، وابن طاووس في اللهوف : 112 حيث قال : عليه عمل الإمامية . والطبرسي في إعلام الورى : 151 ، ومقتل العوالم : 154 ،

حيث قال : إنه المشهور بين العلماء .

وأخيراً ، يستحب في هذا اليوم زيارة الحسين والمعروف بزيارة الأربعين . وقد حثّ عليها الأئمة ، فقد روي عن الإمام العسكري قوله :

علامات المؤمن خمس : صلاة إحدى وخمسين ، وزيارة الأربعين ، والتختم باليمين ، وتعفير الجبين ، والجهر ببسم الله الرحمن الرحيم .

12وفاة النبي الأكرم

28/ صفر / السنة 11 ه_

المشهور بين العلماء أن رسول الله قبض يوم الاثنين لليلتين بقيتا من صفر سنة إحدى عشرة من الهجرة ، وهو ابن ثلاث وستين سنة .

مواقف مهمة قبل وفاته :

لما أحسّ رسول الله بدنوّ أجله ، اتخذ مواقف وخطوات مهمة تجاه الأمة ومستقبلها فجعل يقوم في مقام بعد مقام في المسلمين يحذّرهم من الفتنة بعده والخلاف عليه . ويؤكد عليهم بالتمسك بسنّته والاجتماع عليها والوفاق ، ويحثّهم على الاقتداء بعترته والطاعة لهم والنصرة والحراسة والاعتصام بهم في الدين ، ويزجرهم عن الخلاف والارتداد . . وكان أوصى :

أيها الناس ، إني فرطكم ، وأنتم واردون عليّ الحوض ، ألا وإني سائلكم عن الثقلين ، فانظروني كيف تخلفوني فيهما ، فإن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقا حتى يلقياني ، سألت ربي ذلك فأعطانيه ، ألا وإني قد تركتهما فيكم ، كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، فلا تسبقوهما فتفرقوا ولا تقصِّروا عنهم فتهلكوا ، ولا تعلّموهم فإنهم أعلم منكم . .

أيها الناس ، لا ألفيكم بعدي ترجعون كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض . . ألا وإن علي بن أبي طالب

أخي ووصيي يقاتل بعدي على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله .

جيش أسامة :

ثم إنه عقد لأسامة بن زيد بن حارثة الإمرة ، وندبه أن يخرج بجمهور الأمة إلى حيث أصيب أبوه من بلاد الروم ، واجتمع رأيه على إخراج جماعة

من متقدّمي المهاجرين والأنصار في معسكره ، حتى لا يبقى في المدينة عند وفاته من يختلف في الرئاسة ويطمع في التقدم على الناس بالإمارة ، ويستتب الأمر لمن استخلفه من بعده ، ولا ينازعه في حقه منازع ، تعقد له الإمرة على من ذكرناه .

فأمر أسامة بالخروج عن المدينة ليعسكر بالجرف ، وحثّ الناس على الخروج إليه والمسير معه ، وحذَّرهم من الإبطاء عنه .

وحين بدأ به المرض خرج للبقيع واستغفر لمن دفن فيها طويلاً . . ثم قال للإمام علي : . . . فإذا أنا مت فاغسلني واستر عورتي ، فإنه لا يراها أحد إلا كمه .

ثم عاد إلى منزله عليه وآله السلام فمكث ثلاثة أيام موعوكاً ، ثم خرج إلى المسجد معصوب الرأس معتمداً على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب بيده اليمنى وعلى الفضل بن العباس باليد الأخرى ، حتى صعد المنبر فجلس عليه ، ثم قال :

معاشر الناس قد حان مني خفوق من بين أظهركم ، فمن كان له عندي عدة فليأتني أعطه إياها ، ومن كان له عليّ دين فليخب_رني به .

معاشر الناس ، ليس بين الله وبين أحد شيء نعطيه به خيراً أو يصرف به شراً إلا العمل .

أيها الناس ، لا يدّع مدّع

، ولا يتمنّ متمنٍّ ، والذي بعثني بالحق ، لا ينجي إلا عمل مع رحمة ، ولو عصيت لهويت ، اللهم هل بلّغت؟ .

ومكث في بيت أم سلمة يوماً أو يومين ، ثم انتقل إلى بيت عائشة ، واستمرّ به المرض أياماً وثقل عليه . وعلم أن بعضاً من أكابر الصحابة قد تأخر عن جيش أسامة ، فاستدعاهم وجمعهم في المسجد ، ثم قال : ألم آمركم أن تنفذوا جيش أسامة؟! قالوا : بلى يا رسول الله .

قال : فلمَ تأخرتم عن أمري؟ .

فقال أحدهم : إنني كنت خرجت ثم عدت لأُجدّد بك عهداً ، وقال الآخر : يا رسول الله ، لم أخرج لأنني لم أحب أن أسأل عنك الركب .

فقال النبي : فأنفذوا جيش أسامة فأنفذوا جيش أسامة يكررها ثلاثاً ، ثم أغمي عليه . ولما أفاق قال :

إيتوني بدواة وكتف ، أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعدي أبداً ، فقام بعض من حضر يلتمس دواةً وكتفاً ، فقال له أحد الصحابة : ارجع ، فإنه يهجر !!

إلى الرفيق الأعلى :

ثم ثقل وحضره الموت وأمير المؤمنين حاضر عنده ، فلما قرب خروج نفسه قال له : ضع رأسي يا علي في حجرك ، فقد جاء أمر الله عز وجل فإذا فاضت نفسي فتناولها بيدك وامسح بها وجهك ، ثم وجّهني إلى القبلة وتولّ أمري وصلّ عليّ أول الناس ، ولا تفارقني حتى تواريني في رمسي ، واستعن بالله تعالى .

وهكذا فعل أمير المؤمنين ،

فأكبت فاطمة تنظر في وجهه وتندبه وتبكي ، وهي تقول :

وأبيض يستسقى الغمام بوجهه

ثمال اليتامى عصمة للأرامل

ففتح رسول الله عينيه ، وقال : يا بنية ، هذا قول عمك أبي طالب ، لا تقوليه ، ولكن قولي : وَمَا مُحَمّدٌ إِلاّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرّسُلُ أَفإِنْ مّاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَىَ أَعْقَابِكُمْ فبكت طويلاً ، فأومأ إليها بالدنوّ منه ، فدنت فأسرّ إليها شيئاً ، تهلل له وجهها .

ثم قضى ، ثم وجهه أمير المؤمنين وغمض عينيه ومدّ عليه إزاره ، واشتغل بالنظر في أمره . وغسله والفضل بن العباس يناوله الماء ، وتولّى تحنيطه وتكفينه ولما فرغ من غسله وتجهيزه تقدم فصلى عليه وحده لم يشركه معه أحد في الصلاة عليه .

وكان المسلمون في المسجد يخوضون فيمن يؤمّهم في الصلاة عليه ، وأين يدفن؟! فخرج إليهم أمير المؤمنين فقال لهم :

إن رسول الله إمامنا حياً أو ميتاً ، فيدخل إليه فوج إثر فوج فيصلون عليه بغير إمام فينصرفون ، ثم أردف قائلاً : وإن الله تعالى لم يقبض نبياً في مكان إلا وقد ارتضاه لرمسه فيه ، وإني دافنه في حجرته التي قبض فيها ، فسلم القوم لذلك ورضوا به .

ونزل علي القبر ، فكشف عن وجه رسول الله ووضع خده على الأرض موجهاً إلى القبلة على يمينه ، ثم وضع عليه اللبن وهال عليه التراب .

فسلام عليك يا رسول الله يوم ولدت ، ويوم مت ، ويوم تبعث حياً ، اللهم ارزقنا شفاعته ،

وارفع درجته ، وقرّب وسيلته ، واحشرنا معه وأهل بيته الطيبين الطاهرين .

13شهادة الإمام الحسن المجتبى على رواية الطب_رسي28/ صفر / السنة 50 ه_

لمحات من سيرته :

تعدّدت الروايات حول تاريخ شهادة الإمام الحسن ، ولكن المشهور هو الثامن والعشرون من شهر صفر على رواية الشيخين المفيد والطوسي ، وهو المعمول به في الجمهورية الإسلامية الإيرانية وبعض الدول العربية .

كان عمره الشريف عند شهادته سبعاً وأربعين سنة وأشهراً ، أقام منها مع جده رسول الله سبعاً ، أو ثماني سنين ، وقام بالأمر بعد أبيه علي بن أبي طالب وله سبع وثلاثون سنة .

وأقام في خلافته ستة أشهر وثلاثة أيام ، وصالح معاوية بن أبي سفيان سنة إحدى وأربعين ، وإنما صالحه وهادنه خيفة على نفسه وأهل بيته وشيعته ، لأن جماعة من رؤساء صحابته كاتبوا معاوية وضمنوا له تسليم الحسن ، ولم يكن فيهم من يأمن غائلته ، إلا فرقة قليلة من أهل بيته وشيعته لا تقوم بقتال أهل الشام فاضطرّ للمصالحة .

وبعث إليه معاوية في الصلح ، وشرط عليه الإمام شروطاً كثيرة منها : أن يرفع السبّ عن علي ، وأن يؤمن شيعته ولا يتعرض لأحد منهم ، فأجابه معاوية إلى ذلك ، وكتب كتاب الصلح بناءً عليه ، ولم يلتزم الفاسق بأي شروط .

ثم خرج الحسن إلى المدينة ، وأقام بها عشر سنين ، حتى دسّ إليه معاوية السم على يد زوجه جعدة بنت الأشعث ، فانتقل إلى رضوان الله تعالى .

قصة استشهاد الإمام الحسن :

لما تم الأمر لمعاوية عشر سنين ، عزم

أن يجعل ابنه يزيد ولي عهده ، فنظر في نفسه فرأى أثقل الناس عليه مؤونة هو الحسن بن علي بن أبي طالب ، وسعد ابن أبي وقاص الزهري ، أما الحسن فلن تعدل الناس عنه إلى يزيد ، لأنه ابن بنت رسول الله ، وأما سعد فإنه من الصحابة الستة أصحاب الشورى ، فسعى إلى التخلّص منهما بكل شكل ووسيلة حتى يخلو له الأمر عن منازع ينازعه في ذلك . فأرسل إلى سعد رجلاً فدسّ إليه سماً فمات ، ثم عزم على التخلص من الحسن ، فأرسل إلى الأشعث بن قيس ، وهو قبل ذلك من حزب علي ، وكان علي ولاّه على أذربيجان فاقتطع من فيء مال المسلمين مالاً وهرب إلى معاوية وبقي عنده ، فاستشاره معاوية في قتل الحسن ، فقال : الرأي عندي؛ أن ترسل إلى ابنتي جعدة ، فإنها تحت الحسن وتعطيها مالاً جزيلاً ، وتعدها أن تزوجها من ابنك يزيد وتأمرها أن تسم الحسن ، فقال معاوية : نعم الرأي ، ولتكن أنت الرسول إليها ، فقال : لا بل يكون الرسول غيري ، لأني إذا سرت إليها يستوحش الحسن من ذلك .

وهكذا كان ، ووعدها بالمال الجزيل وأن يزوجها يزيد إذا قتلت الحسن ، فرضيت بالمهمة وسُرّت بها ، وبقيت تتحيّن الفرص حتى كان ذلك اليوم الذي قدم فيه الإمام إلى منزله وكان صائماً في يوم صائف شديد الحر ، فقدَّمت إليه طعاماً فيه لبن ممزوج بعسل قد ألقت فيه سُمّاً ، فلما شربه الحسن

أحسّ بالسم ، فالتفت إلى جعدة وقال لها : قتلتيني يا عدوّة الله ، قتلك الله ، وأيم الله لا تصيبين مني خلفاً ، ولقد غرك وسخر بك فالله مخزيه ومخزيك .

ودخل عليه أخوه الحسين ، فرأى وجهه قد تغيّر وقد مال بدنه إلى الخضرة من أثر السمّ ، فقال له الحسين : بأبي أنت وأمي ما بك؟

فقال : صحّ يا أخي حديث جدي رسول الله فيّ وفيك! فقال له الحسين : ما حدثك به جدك؟ وماذا سمعته منه؟

فبكى الحسن ومدّ يده إلى أخيه الحسين واعتنقا طويلاً وبكيا بكاءً شديداً ، ثم قال : أخب_رني رسول الله : مررت ليلة المعراج على منازل أهل الإيمان وبروضات الجنان ، فرأيت قصرين عاليين متجاورين على صفة واحدة ، لكن أحدهما من الزبرجد الأخضر ، والثاني من الياقوت الأحمر . . إلى آخر الحديث الذي فيه إشارة إلى كيفية شهادة كل منهما أحدهما بالسم والآخر بالسيف .

ثم إن الحسن قام في مرضه أربعين يوماً ، فلما تحقق من دنوّ أجله ، دعا بالحسين ونصبه علماً للناس ، ودفع إليه كتب رسول الله وسلاحه ، وكتب أمير المؤمنين وسلاحه ، وأوصاه بوصاياه . ولما حضره الموت وكان الحسين عنده جعل يجود بنفسه ، حتى قال الحسن : أستودعكم الله ، والله خليفتي عليكم ، ثم غمض عينيه ومد يديه ورجليه ، ثم قضى نحبه وهو يحمد الله ويقول : لا إله إلا الله . . .

ودفن في البقيع عند جدته فاطمة بنت أسد ، كما أوصى

، لأنه علم أنه لن يسمح له أن يدفن في جوار جده رسول الله . وخاف أن تراق الدماء عند دفنه .

ذكر شيء من مناقبه :

وللحسن من الفضائل والمناقب ما لا يخفى على أحد من العامة أو الخاصة وبما لا يدع لذي لب ريباً في أن الذي ناصب الحسن العداء ودسّ له السم ، إنما خرج من ربقة الإسلام وحارب الله ورسوله ، وإليك بعض فضائله مع أخيه الحسين من الكتاب والسنّة . فأما من الكتاب : فيكفي أن نذكر الآيات التالية والسور التالية :

1- آية التطهير ، 2- آية المباهلة ، 3- آية المودة ، 4- سورة الدهر . والتي اتفق المسلمون على أنها نزلت في الخمسة أهل الكساء .

وأما فضائلهما من السنة فقد اتفق عليها الفريقان :

1- حديث الثقلين : إني تارك فيكم الثقلين؛ كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي ، إنهما لن يتفرقا حتى يردا عليّ الحوض .

2- حديث السفينة : مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلّف عنها غرق .

3- قول النبي : النجوم أمان لأهل السماء وأهل بيتي أمان لأهل الأرض . . أو أمان لأمتي .

4- قول النبي لعلي وفاطمة والحسن والحسين : أنا حرب لمن حاربكم وسلم لمن سالمكم .

5- قول النبي : والذي نفسي بيده ، لا يبغضنا أهل البيت أحد إلا أدخله الله النار . قال الحاكم في المستدرك عن هذا الحديث : صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه . وهناك أحاديث غيرها كثيرة ،

وفي ذلك كفاية لمن له عقل أو قلب .

فسلام عليك يا سيدي يا أبا محمد الحسن يوم ولدت ، ويوم استشهدت مسموماً مظلوماً ، ويوم تبعث حياً

14شهادة الإمام علي الرضا

على رواية الطب_رسي وابن الأثير29/ صفر /السنة 203ه_

إنّ من يقرأ سيرة الإمام الرضا يلفت نظره قصة ولاية العهد التي أسندت إليه من قبل المأمون ، وقد ابتلي الإمام ابتلاءاً شديداً في فرض ولاية العهد عليه من قبله ، فقد ضيّق عليه المأمون غاية التضييق ، بحيث سئم الإمام الحياة ، وراح يدعو اللّه تعالى أن ينقله إلى دار الخلود قائلاً : اللهم إن كان فرجي مما أنا فيه بالموت فعجّل لي الساعة . . . ،

وما اكتفى المأمون بالتضييق على الإمام ، بل كان يترصّد الفرصة المناسبة ليقضي عليه كما قضى من قبل على وزيره فضل بن سهل لمّا أحسّ بالخطر منه على خلافته ، ولذا لم يتمكن من إضمار ما في نفسه من حقد على الإمام وأخذ يغتنم الفرص ليتخلص من

الإمام ، ولو اقتضى ذلك أن يقتله بيده الغادرة ، وقد فعل ذلك حيث ذكر معظم المؤرخون والرواة أن المأمون هو الذي دسّ السّم في العنب أو الرّمان إلى الإمام في قرية يقال لها : سناباد من قرى طوس ، في آخر صفر سنة 203ه_ ، وأخفى المأمون موت

الإمام يوماً وليلة ، وبعد ذلك شُيّع جثمان الإمام تشييعاً حافلاً لم تشهد مثله خراسان في جميع أدوار تاريخها ، وجيء بالجثمان الطاهر فحفر له قبر بالقرب من قبر هارون الرشيد ، وواراه المأمون فيه ، ويقال إنّه أقام

عند قبره الشريف ثلاثة أيام ، في محاولة منه لرفع التهم عنه في قضية قتل الإمام وإظهار إخلاصه وحبه له .

سبب دفن الإمام إلى جانب قب_ر هارون العباسي :

قد يسأل سائل عن السبب في دفن الإمام بقرب هارون مع ما هو معروف عن هارون من حقده على العلويين من أهل البيت ، وقد سئل المأمون عن ذلك فأجاب : ليغفر الله لهارون بجواره للإمام الرضا ، وقد فنّد ذلك شاعر أهل البيت دعبل الخزاعي بقوله :

أربع بطوس على قبر الزّكيّ بها

قبران في طوس خير الناس كلهم

ما ينفع الرجس من قرب الزكيّ

إن كنت تربع من دين على وطر

و قبر شرهم ، هذا من العبر

ولا على الزكي بقرب الرجس من ضرر

قيل : فضرب المأمون بعمامته الأرض وقال : صدقت واللّه يا دعبل .

وحيث وصل الحديث بنا إلى دعبل الخزاعي ، فالجدير بنا أن نذكر علاقته مع

الإمام ، ثم نذكر مقتطفات من قصيدته التائية المعروفة التي نظمها في مدح ورثاء

أهل البيت ، والإمام الرضا .

الإمام الرضا والشاعر دعبل الخزاعي :

كان الإمام الرضا يشجّع الشعراء الرساليين المحبين لأهل البيت على نظم الشعر من أجل نشر فضائل أهل البيت ودورهم العلمي والقيادي في الأمة ، وتبيان مظلوميتهم على مرّ التاريخ ، لأنَّ الشعر كان خير وسيلة إعلامية في ذلك العصر ، لسرعة انتشاره وسهولة حفظه وإنشائه .

ومن أولئك الشعراء الرساليين الذين نذروا حياتهم وشعرهم لخدمة أهل البيت ، دعبل الخزاعي الذي كان لأشعاره أكبر الأثر في نشر فضائل أهل البيت ، ولا سيما قصيدته التائية التي صارت لقوة سبكها وسلاسة

أسلوبها تتلى على كل لسان عبر التاريخ ولهذه القضية قصة نوردها بالتفصيل :

دخل دعبل على الإمام الرضا بمرو - بعد البيعة بولاية الإمام - فقال له : يا ابن رسول اللّه إني أنشدتُ فيكم قصيدة وآليت على نفسي ألا أنشدها أحداً قبلك ، فقال له الإمام : هاتها يا دعبل .

فأنشده إياها وفيها استعراض للوقائع التي مرت على أهل البيت من حين وفاة النبي مروراً بأحداث السقيفه ، وموقف المسلمين من الخلافة ، وما جرى على أهل البيت خلال العهدين الأموي والعباسي ، والخصائص التي حباهم اللّه بها ، ثم ختم القصيدة بخروج الإمام العادل الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً ، وقد تأثّر الإمام بهذه القصيدة وأخذ يبكي ويقول : صدقت يا دعبل .

ولما فرغ دعبل من إنشاد القصيدة التائية المعروفة ، قام الإمام الرضا وأنفذ إليه صرّة فيها مئة دينار ، وقيل عشرة آلاف درهم من الدّراهم التي ضربت بإسمه ، فردّها دعبل وقال : واللّه ما لهذا جئت ، وإنما جئت للسلام عليك والتبرك بالنظر إلى وجهك الميمون وإني لفي غنى ، فإن رأى أن يعطينى شيئاً من ثيابه للتبرك فهو أحب إليّ ، فأعطاه الإمام جبة خزّ وردّ عليه الصرة ، وانصرف دعبل .

وينبغي هنا أن نذكر على سبيل الاختصار مقتطفات من تلك القصيدة التائية الرائعة تبركاً وتوسلاً بأهل البيت ، وبالإمام الرضا :

ذكرتُ محلّ الرَّبع من عرفات

فأجريتُ دمع العين بالعبرات

مدارس آيات خلت من تلاوة

ومنزل وحي مقفر العرصات

ديار علي والحسين وجعفر

وحمزة والسجّاد ذي الثّفنات

منازل كانت للصّلاة وللتقى

وللصوم والتطهير والحسنات

أفاطم لو خلت الحسين مجدّلاً

وقد

مات عطشاناً بشطّ فرات

إذاً للطمت الخدّ فاطم عنده

وأجريت دمع العين في الوجنات

أفاطم قومي يا ابنة الخير واندبي

نجوم سماوات بأرض فلاة

قبور بكوفان وأخرى بطيبة

وأخرى بفخ نالها صلواتِ

وقبر بأرض الجوزجان محلّه

و قبر بباخمرى لدى الغربات

قبور بجنب النهر من أرض كربلاء

معرّسهم فيها بشط فرات

توفوا عطاشى بالعراء فليتني

توفيت فيهم قبل حين وفاتي

وقبر ببغداد لنفس زكية

تضمّنها الرحمن في الغرفات

ولما وصل دعبل إلى هذا البيت من القصيدة ، قال له الإمام الرضا : أفلا أُلحق لك بيتين بهذا الموضع ، بهما تمام قصيدتك؟ فقال : بلى يا ابن رسول اللّه .

فقال الرضا :

وقب_ر بطوسيا لها من مصيبة

إلى الحشر حتى يبعث اللّه قائماً

ألحّت على الأحشاء بالزّفرات

يفرّج عنّا الغمّ والكربات

فقال دعبل : هذا القبر الذي بطوس قبر من؟

قال الرضا : هو قب_ري ، ولا تنقضي الأيام والليالي حتى تصير طوس مختلف شيعتي وزوّاري ، ألا فمن زارني في غربتي بطوس كان معي في درجتي يوم القيامة مغفوراً له

15واقعة الحرة28/صفر/السنة 63 ه_

وهي حادثة مشهورة وقعت في عام 63 هجرية ، استباح فيها يزيد بن معاوية مدينة الرسول ، والواقعة حدثت في حرّة واقم ، وهي الحرّة الشرقية من المدينة وهي : أطم من آطام المدينة تنسب إليه الحرّة ، وكانت أول واقعة يتمرّد فيها أهل المدينة على حكومة يزيد بن معاوية بعد واقعة الطف ، استنكاراً لمقتل الحسين بن علي ورفضاً للسيادة الأموية على مقدّرات المسلمين ، وانتهت الواقعة بسيطرة جيش الشام واستباحته المدينة ثلاثة أيام فكثر القتل والنهب والسلب والاعتداء على الأعراض ، خلافاً لتحذيرات رسول الله المتكررة من الاعتداء على أهل المدينة .

قال : من أخاف أهل المدينة أخافه الله

، وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، ولما مرّ رسول الله بالحرّة وقف فاسترجع وقال : يُقتل في هذه الحرة خيار أمتي

العوامل والأسباب القريبة للواقعة :

كان لمعاوية سياسة خاصة تختلف عن سياسة ابنه يزيد ، فكان يستخدم الشدّة مع اللين في سياسته مع أهل المدينة ، كما وكان مدارياً للأنصار بأساليب عديدة من إغراء وخداع وترغيب وإذا لم تنفع هذه فيأتي دور الترهيب ، فأبقى أحقادهم وكراهيتهم لحكمه في نطاق المعارضة السلمية ، ولم تظهر منه موبقات كالتي ظهرت في عهد يزيد ، فتحولت المعارضة السلمية الى معارضة مسلحة أفرزتها الممارسات السلبية التي ارتكبها يزيد في سنوات حكمه القليلة منها :

أولاً : نشر الفسق والفجور والفساد .

اشتهر يزيد بولعه بالمعازف وشرب الخمر والغناء واتخاذ الغلمان والقيان والكلاب ، والنطاح بين الكباش والدباب والقرود ، وما من يوم إلاّ ويصبح فيه مخموراً ، وكان يشدّ القرد على مسرجة ويسوق به ويلبسه قلانس الذهب .

كما كان فاسقاً قليل الدين مدمن الخمر . . وله أشياء كثيرة غير ذلك غير أنني أضربت عنها لشهرة فسقه ومعرفة الناس بأحواله ، وانتقل الفسق والانحراف من يزيد الى كثير من ولاته ، ولم ينحصر ذلك بين الحاكم وولاته بل عملوا على : تشجيع حياة المجون في المدينة من جانب الأمويين الى حد الإباحية . . لأجل أن يمسحوا عاصمتي الدين مكة والمدينة بمسحة لا تليق بهما ولا تجعلهما صالحتين للزعامة الدينية .

فوجد أهل المدينة أن الإسلام بدأ ينحسر عن التأثير وتنطمس معامله وأسسه التي شيدها رسول الله والتي شيدوها بمؤازرته ومناصرته ،

وإن الجاهلية عادت من جديد ودبّ الانحراف واستشرى في عاصمة الإسلام مصحوباً بإلغاء دور المدينة في سير الأحداث وإصلاح الأوضاع الطارئة ، فلم يبق لهم إزاء هذه التطورات الخطيرة إلا التخطيط لإعادة الأمور الى مجاريها التي أرادها رسول الله فأعدّوا العدّة لاسترجاع مكانة المدينة ، واسترجاع المفاهيم والقيم الإسلامية الى ما كانت عليه قبل حكم الأمويين بتحكيم الإسلام وتقرير مبادئه في العقول والقلوب والمواقف ، وتأجّل الموقف الثوري الى وقته وظرفه المناسب .

ثانياً : مقتل الإمام الحسين وأهل بيته .

كان مقتل الإمام الحسين وأهل بيته وخيرة الصحابة والتابعين معه ذا أثر كبير على نفوس أهل المدينة؛ لأن الإمام الحسين يمثل القيادة الحقيقية للمسلمين ، والأمل المنشود في إعادة الإسلام الى ما كان عليه في عهد رسول الله مضافاً الى الحب والتكريم الذي يكنّه أهل المدينة له باعتباره ابن بنت رسول الله وابن أمير المؤمنين علي الذي وقف أهل المدينة معه في جميع أدوار مسيرته التاريخية ، فازدادت كراهية أهل المدينة خصوصاً والمسلمين عموماً للحكم الأموي بمقتل الحسين تلك القتلة المأساوية ، من قتل الكبار والصغار وقتل بعض النساء ، وما رافقها من تمثيل بجثث القتلى واقتياد بنات رسول الله سبايا الى الكوفة ثم الى الشام ، وحمل رؤوس الشهداء على الرماح ، وضرب عبيد الله بن زياد لوجه الحسين بالقضيب .

فوجدوا أن هتك حرمة الإسلام بمقتل سبط رسول الله لم يبق لأحد حرمة بعده ، ومما زاد في كراهيتهم ليزيد وتحريك ضمائرهم باتجاه التمرد على حكم يزيد قيام الإمام علي بن الحسين وعمته زينب وزوجة أبيه الرباب بإثارة المظلومية وإبراز تفاصيل الظلم

الذي تعرض له الإمام الحسين وأهل بيته ، فحرّكت تلك المظلومية كوامن الغضب والكراهية وتحولت من طور القوة الى طور الفعل والتحدي العسكري ، فتظافرت جميع الوقائع في إنضاج الموقف الثوري ، كما قال المسعودي : ولما شمل الناس جور يزيد وعمّاله وعمهم ظلمه ، وما ظهر من فسقه من قتله ابن بنت رسول الله وأنصاره ما أظهر من شرب الخمور وسيره سيرة فرعون ، بل كان فرعون أعدل منه في رعيته ، وأنصف منه لخاصته وعامته . . أخرج أهل المدينة عامل يزيد . . .

وقال الدياربكري : إن أكابر أهل المدينة نقضوا بيعة يزيد لسوء سيرته ، وأبغضوه لما جرى من قتل الحسين

ثالثاً : الاستهانة بالمفاهيم والقيم الإسلامية .

لم يكتف يزيد بقتل الحسين وأهل بيته ، بل تسافل في موبقاته ليعلن بصراحة ما يختلج في خاطره من مفاهيم واعتقادات ومن أهداف أراد تحقيقها فتحققت أولى خطواتها بمقتل الحسين ، فحينما شاهد يزيد رؤوس الشهداء على المحامل لم يتمالك خواطره وأفصح عن سريرته في شعره الذي يقول فيه :

لما بدت تلك الحمول وأشرفت

نعب الغراب فقلت قل أو لا

تقتلك الرؤوس على شفا جيرون

فقد اقتضيت من الرسول ديوني

فأثبت يزيد أن دوافع قتل الحسين دوافع جاهلية تعود إلى طلب ثأر المشركين الذين قتلهم رسول الله وأمير المؤمنين علي ، وتأسف يزيد على قتلى المشركين في معركة بدر وتمنّى حضورهم لمشاهدة أخذ الثأر فأنشد شعراً له أو لغيره متمثلاً به :

ليت أشياخي ببدر شهدوا

لأهلّوا واستهلّوا فرحاً

حين حكت بقباء بركها

قد قتلنا الضعف من أشرافكم

جزع الخزرج من وقع الأسل

ثم قالوا

لي هنيّاً لا تُشَل

واستحرّ القتل في عبد الأشل

وعدلنا ميل بدرٍ فاعتدل

وقد أضاف ابن العماد الحنبلي بيتاً آخر ليزيد :

لعبت هاشم بالملك فلملك جاء ولا وحي نزل

ومن خلال هذه الأشعار أفصح يزيد عن متبنياته الفكرية والعاطفية والسلوكية ، وأعلن تحديه الواضح لأفكار المسلمين وعواطفهم ، فأيقن أهل المدينة انحراف الحكم الأموي عن الإسلام وتخطيطه لعودة الجاهلية الى مسرح الأحداث من جديد ، فوجد أهل المدينة أن إصلاح الأوضاع القائمة لا يتحقق من خلال المعارضة السلمية الهادئة ، فلا جدوى للقول ولا معوّل على الكلام ، ما لم يُتخذ موقف يتناسب وحجم التحدي ، حجم المخاطر المحيطة بالإسلام وبالكيان الإسلامي ، فكان الموقف هو الثورة المسلحة في أوانها .

رابعاً : السخط العام على الحكم الأموي .

واجه الحكم الأموي سخط عام من قبل المسلمين جميعاً وفي جميع الأمصار ، واستشرى السخط العام ليمتد إلى الأسرة الحاكمة نفسها والموالين لها ، فتبرأت أم عبيد الله بن زياد من ابنها لإصدار أوامره بقتل الإمام الحسين وساندها في البراءة أحد أبنائها ، ولاقى يزيد استنكاراً شديداً من قبل نسائه ومن قبل أخواته ، واستنكر يحيى بن الحكم أخو مروان مقتل الإمام الحسين وأصاب الندم الغالبية العظمى من قادة الجيش وجنوده الذين شاركوا في مقتل الحسين كعمر بن سعد وشبث بن ربعي .

كما استنكر البقية من صحابة رسول الله مقتل الحسين ومنهم زيد بن أرقم وواثلة بن الأسقع ، وندم الكثير من المسلمين لعدم اشتراكهم في المعركة إلى جنب الحسين ، خصوصاً أهل الكوفة والبصرة والمدائن ، وأخذوا يعدّون العدّة للوثوب على الحكم الأموي

في ثورة مسلحة ، وقد اعترف يزيد بالسخط العام على حكومته ، وحاول التنصّل عن جريمة قتل الحسين وإلقاء اللوم على عبيد الله بن زياد فقال : بغّضني بقتله إلى المسلمين ، وزرع في قلوبهم العداوة ، فأبغضني البر والفاجر .

وقد اضطرّ يزيد الى إكرام الإمام زين العابدين ، وإرساله مع نساء الحسين الى المدينة بتبجيل واحترام ملقياً باللوم على ابن زياد ، وهذه الأحداث جعلت أهل المدينة يشعرون بضعف الحكم الأموي وانحسار شعبيته في داخل الشام وحدها ، خصوصاً أنه لم يتخذ موقفاً حازماً من تمرّد عبد الله بن الزبير في مكة وجمعه للأتباع والأنصار ، فازداد شعور أهل المدينة بضعف الحكم الأموي ، مما دفعهم للتخطيط الى القيام بثورة مسلحة .

العوامل والأسباب الفعلية للواقعة

أولاً : الاعتداء على بعض أهل المدينة .

جعل والي المدينة عمرو بن سعيد الأشدق على شرطته عمرو بن الزبير ، فأرسل بدوره الى نفر من أهل المدينة فضربهم ضرباً شديداً منهم المنذر بن الزبير وابنه محمد ، وعبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث ، وعثمان بن عبد الله بن حكيم ، ومحمد بن عمار بن ياسر وغيرهم ، مما أثر هذا الموقف في نفوس أهل المدينة من بقية المهاجرين وأبنائهم والأنصار وأبنائهم ، واعتبروا ذلك بداية للاستهانة بهم والاعتداء على كرامتهم وأرواحهم ، وأيقنوا أن الحكم الأموي الذي تجرأ على قتل ابن بنت رسول الله ، سيكون أكثر جرأة وإقداماً على قتلهم وهو يعلم بكراهيتهم لحكمه ، فأيقنوا أن الهجوم على المدينة بات وشيكاً فتهيأوا للمواجهة المسلحة .

ثانياً : التحولات الإدارية .

عزل يزيد عمرو بن سعيد الأشدق عن ولاية المدينة ، وأعاد الوليد بن عتبة إليها ، ثم عزله فولّى مكانه عثمان بن محمد بن أبي سفيان ، وهو فتى حدث صغير السن قليل التجربة في الإدارة وفي التعامل مع أهل المدينة ، وفيهم بقايا المهاجرين والأنصار ، ورافق كل التحولات تغيير في الأجهزة الحكومية العاملة في المدينة مما أضعف السيطرة عليها وأصبحت الفرصة مناسبة للخروج من قبضة الحكومة الحالية .

ثالثاً : الإطلاع المباشر على ممارسات يزيد .

أرسل عثمان بن محمد وفداً من أهل المدينة الى يزيد ومنهم عبد الله بن حنظلة غسيل الملائكة ، وعبد الله بن أبي عمرو بن حفص المخزومي وبعض الأشراف فأكرمهم يزيد بالأموال والعطايا لشراء ذممهم ، ولكن ذلك لم يثنهم عن عزمهم بعد أن اطلعوا اطلاعاً مباشراً على ممارسات يزيد المخالفة للمنهج الإسلامي ، فلما رجعوا أظهروا شتم يزيد وعيبه وقالوا : . . قدمنا من عند رجل ليس له دين يشرب الخمر ويضرب بالطنابير ويعزف عنده القيان ويلعب بالكلاب .

وقال ابن حنظلة موضحاً دوافع الثورة : . . فوالله ما خرجنا على يزيد حتى خفنا ان نرمى بالحجارة من السماء ، إنه رجل ينكح أمهات الأولاد والبنات والأخوات ، ويشرب الخمر ويدع الصلاة ، وقد أخذوا العطايا من يزيد لتعينهم على التمرّد المسلّح في وقته المناسب .

رابعاً : مصادرة الأموال وردود الأفعال الحكومية .

منع أهل المدينة من وصول الحنطة والتمر إلى الشام ، واعتبروا ذلك حقاً لهم في ظرف الفقر الذي خيّم عليهم والذي فرضه الحكم الأموي

عليهم ، فأخبر المسؤول عن إيصالها الوالي عثمان بن محمد فأرسل الى رؤوس أهل المدينة وكلمهم بكلام غليظ وتأزم الموقف فأعلنوا الخروج عليه ، وحينما سمع يزيد بالحدث كتب إليهم كتاباً شديد اللهجة جاء فيه : . . . وأيم الله لئن آثرت أن أضعكم تحت قدمي لأطأنكم وطأة أقلّ منها عددكم ، وأترككم أحاديث تتناسخ كأحاديث عادٍ وثمود ، وأيم الله لا يأتينكم مني أولى من عقوبتي فلا أفلح من ندم .

ولما قُرئ الكتاب وأيقن عبد الله بن مطيع ورجاله معه أن يزيد باعث الجيوش إليهم أجمعوا على الخلاف والخروج عن طاعته .

وهكذا كان تحرك المدينة استنكاراً مباشراً لمقتل الحسين ورفضاً للسيادة الأموية التي حادت برأيهم عن الشرعية وانحرفت عن روح الإسلام .

واستثمر يزيد موقفهم لإبراز موقفه الانتقامي منهم بدافع الثأر لما حدث في بدر ، لأن غزوة بدر التي كانت غالبيتها من الأنصار . . قد أثار حقد قريش على هؤلاء مُلقية عليهم مسؤولية الهزيمة التاريخية التي ظلّت تتفاعل أجيالاً في نفوس بني أمية .

سير الأحداث :

ولّى يزيد عثمان بن محمد بن أبي سفيان المدينة وهو فتى حدث ، لم يمر بتجربة في التعامل مع الأفراد أو التعامل مع الأحداث ، فأرسل وفداً من أهل المدينة إلى يزيد ومنهم عبد الله بن حنظلة غسيل الملائكة ، وعبد الله بن أبي عمرو بن حفص المخزومي فأكرمهم يزيد بالعطايا ، ولكن ذلك لم يمنعهم من إظهار مساوئه التي اطلعوا عليها ، فلما وصلوا إلى المدينة اتفقوا على خلع يزيد ، ومنعوا من وصول الحنطة والتمر إلى الشام ،

فلما سمع يزيد بالخبر بعث الجيوش إليهم ، فأعلنوا العصيان المسلح وتهيأوا للمقاومة وحصروا بني أمية ومواليهم وكانوا ألفاً ثم أخرجوهم بعدما أخذوا منهم المواثيق أن لا يظاهروا عدوّهم عليهم .

أوصى يزيد قائد الجيش مسلم بن عقبة : أدع القوم ثلاثاً فإن أجابوك وإلا فقاتلهم فإذا ظهرت عليهم فانهبها ثلاثاً .

وقام أهل المدينة بحفر خندقٍ حولها ، وحين وصول جيش الشام؛ خان مروان وأبناؤه الميثاق ، وظاهروا الجيش على قتال أهل المدينة ، وأقنعوا بني حارثة بإدخال جيش الشام من جهتهم ، فدخل الى جوف المدينة ، فكان الهجوم على أهلها من الأمام ومن الخلف ثم من الجهات الأربع ، فحوصرت المدينة ، لكن أهلها استبسلوا بالقتال واستطاع عبد الله بن حنظلة أن يهزم كل من توجه إلى قتاله إلى أن قُتل أخوه وأبناؤه العشرة ، وبعد مقتلهم انهزم أهل المدينة ، واستطاع الجيش الأموي إخماد حركتهم وأباح قائدهم المدينة ثلاثاً يقتلون الناس ويأخذون المتاع والأموال ، ودعى ابن عقبة أهل المدينة إلى البيعة على أنهم عبيد ليزيد يحكم في دمائهم وأموالهم وأهليهم فمن أبى البيعة بهذه الصورة قُتل ، واستثنى من ذلك الإمام علي بن الحسين واستطاع أن يشفع لبقية أهل المدينة ، وأنقذهم من القتل .

نتائج الحقد الأموي على المدينة وأهلها :

أولاً : عدد القتلى .

استمرّ الجيش الشامي بإبادة أهل المدينة وإكثار القتل فيهم ثلاثة أيام ، حتى بلغ العدد الذي أحصي يومئذٍ من قريش والأنصار والمهاجرين ووجوه الناس ألفاً وسبعمائة ، ومن سائر الناس عشرة آلاف سوى النساء والصبيان .

وقتل من

أصحاب النبي ثمانون رجلاً ، ولم يبق بدريّ بعد ذلك

وفي رواية الزهري : سبعمائة من وجوه الناس ، ومن لا يعرف من عبد وحر وامرأة عشرة آلاف

وفي رواية ابن أعثم 6500 ورواية المسعودي 4200 .

والظاهرة البارزة في هوية القتلى تُظهر التركيز على أبناء الصحابة وبقية الصحابة من حملة القرآن ومن المشاركين في بدر ، حتى كانت الحرّة نهاية للبدريين جميعاً وقتل فيها سبعمائة من حملة القرآن .

ومن الوجوه البارزة التي قتلت في الواقعة : عبد الله بن حنظلة غسيل الملائكة وأبناؤه العشرة وأخوه لأمه محمد بن ثابت بن قيس وزيد بن عبد الرحمن بن عوف ، وعبد الله بن زيد بن عاصم ، ومحمد بن عمرو بن حزم ، وعبد الله بن عبد الرحمن بن حاطب ، ومعقل بن سنان الأشجعي ، وإبراهيم بن نعيم النحّام ، ومحمد بن أبي كعب ، وسعد وسليمان وإسماعيل وسليط وعبد الرحمن وعبد الله أبناء زيد بن ثابت ، وعون وأبو بكر ابنا عبد الله بن جعفر بن أبي طالب ، وجعفر بن محمد بن الحنفية والفضل بن العباس بن ربيعة ، وحمزة بن عبد الله بن نوفل بن الحارث ، والعباس بن عتبة بن أبي لهب ، ومحمد بن أبي الجهم .

ثانياً : الاعتداء على النساء والأطفال .

لم يرع الجيش الشامي أية حرمة للنساء والأطفال ، فاستقبلوا أوامر الإباحة باندفاع منقطع النظير ، وحولوها إلى واقع ملموس ، فبعد هزيمة أهالي المدينة افتض فيها ألف عذراء وأنه حبلت ألف امرأة في تلك الأيام من غير زوج

.

فقد خالف الجيش المسلّمات الأساسية في الشريعة الإسلامية وفي الأعراف القائمة ، فمهما كان ذنب الرجال فلا ذنب للنساء وهنّ مؤمنات مسلمات لا يجوز سبيهنّ أو الاعتداء عليهنّ ، ودخلت الجيوش الشامية أحد البيوت فلم يجدوا فيها إلا امرأة وطفلاً ليس لديها مال أخذوا طفلها وضربوا رأسه بالحائط فقتلوه . وقام أحد جنود الشام بتكرار العملية حينما ضرب ابناً لابن أبي كبشة الأنصاري بالحائط فانتشر دماغه في الأرض .

ثالثاً : النهب والسلب .

أول دور انتهبت والحرب قائمة دور بني عبد الأشهل ، فما تركوا في المنازل التي دخلوها شيئاً إلا نهبوه من أثار وحلي وفرش حتى الحمام والدجاج كانوا يذبحونها ، ودخلوا على أبي سعيد الخدري . فقال لهم : أنا صاحب رسول الله . فقال له جنود الشام : ما زلنا نسمع عنك ، ولكن أخرج إلينا ما عندك ، فلما لم يجدوا عنده شيئاً نتفوا لحيته وضربوه ، ثم أخذوا ما وجدوه من مواد عينية لا قيمة لها ، وأرسلت سعدى بنت عوف المري الى مسلم بن عقبة المري تطلب منه عدم التعرض لإبلها باعتبارها ابنة عمٍّ له ، فقال : لا تبدأوا إلا بها ، واستمر جيش الشام بالنهب والسلب ثلاثة أيام فما تركوا مالاً او ممتلكات عينية إلا أخذوها .

رابعاً : انتهاك المقدسات .

لم يرع جيش الشام أي حرمة للمقدسات الإسلامية فكان همّه إرضاء يزيد بن معاوية بأي أسلوب كان ، وكانت طاعته مقدمة على كل شيء ، فكان الجيش يخاطب بقايا المهاجرين والأنصار يا يهود .

وسمّى ابن عقبة المدينة نتنة وقد سماها

رسول الله طيبة .

وعطلت الشعائر الإسلامية ثلاثة أيام ، قال أبو سعيد الخدري : فوالله ما سمعنا الأذان بالمدينة . . ثلاثة أيام إلا من قبر النبي وحينما وصلت الأخبار الى يزيد وفي رواية حينما ألقيت الرؤوس بين يديه جعل يتمثل بقول ابن الزبعري :

ليت أشياخي ببدر شهدوا

حين حكت بقباء بركها

جزع الخزرج من وقع الأسل

واستحر القتل في عبد الأشل

وسبق ليزيد أن تمثل بهذه الأبيات حينما وصل إليه رأس الإمام الحسين .

وهكذا كانت الواقعة تعبيراً عن الحقد الذي يكنّه الأمويون للأنصار منذ واقعة بدر ، والذي ظهر في توجيهات يزيد لابن عقبة قبل الواقعة : فإذا قدمت المدينة فمن عاقك على دخولها أو نصب لك الحرب ، فالسيف السيف ، أجهز على جريحهم وأقبل على مدبرهم وإياك أن تبقي عليهم .

وقد نفّذ ابن عقبة تلك التوجيهات وشجّع على الإبادة الجماعية فكان مناديه ينادي : من جاء برأس فله كذا وكذا ومن جاء بأسير فله كذا وكذا ، فلم يبق بدري إلا قتل .

فأخذ يزيد ثأر المشركين الذين قتلوا ببدر يوم الحرّة فانتقم من بقايا المهاجرين والأنصار وأبنائهم انتقاماً متناسباً مع درجة الحقد التي يكنّها لهم .

مناسبات شهر ربيع الأول

3مناسبات شهر ربيع الأول

اليومالمناسبةالسنة

1/ ربيع الأول هجرة النبي إلى المدينة المنورة13 للبعثة

1/ مبيت الإمام علي في فراش النبي ص3 للبعثة

4/ خروج النبي من غار ثور13 للبعثة

5/وفاة السيدة سكينة بنت الحسين117 ه_

8/شهادة الإمام الحسن العسكري260 ه_

11/ ولادة السيدة نفيسة145ه_

12/ وفاة عبد المطلب جد النبي8 بعد عام الفيل

10/ زواج النبي بخديجة15 قبل البعثة

12/ بناء مسجد قباء أول مسجد في الإسلام13 للبعثة

15/ دخول علي بن أبي طالب إلى المدينة13 للبعثة

15/ دخول النبي إلى المدينة المنورة13

للبعثة

17/ ولادة النبي الأكرمعام الفيل

17/ولادة الإمام جعفر الصادق83 ه_

18/بناء مسجد النبي في المدينة المنورة1 ه_

22/غزوة بني النضير3 ه_

26/إبرام معاهدة الصلح بين الإمام الحسن ومعاوية 41 ه_

تمهيد

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على شمس الهداية نبينا محمد ، وعلى الأقمار المضيئة الأئمة الطاهرين .

مع إطلالة شهر ربيع الأول ربيع الشهور ، لما ظهر فيه من آثار الرحمة الإلهية حيث نزل فيه من ذخائر بركاته وأنوار جماله على الأرض ، حيث اتفق فيه ميلاد الرسول الأعظم على المشهور بين الإمامية وذلك في اليوم السابع عشر منه ، وهجرته المباركة من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة في اليوم الثاني عشر منه والتي أصبحت مبدءاً للتاريخ الإسلامي .

وفي التاريخ المذكور على رواية بعض علمائنا ورواية إخواننا علماء أهل السنة كانت ولادة الرسول الأعظم في الثاني عشر من سنة عام الفيل ، ولذا فقد أعلنت الجمهورية الإسلامية الإيرانية ، ما بين التاريخين المذكورين أعلاه أسبوعاً للوحدة بين المسلمين ، وفيه يحتفل جميع المسلمين بهذه المناسبة الميمونة ، ومضت إيران على نهج إمامها الراحل واستمرت بقيادة ولي أمر المسلمين الإمام الخامنئي تسعى إلى إيجاد روابط التوحيد بين المسلمين والوقوف في وجه عدوهم المشترك الاستكبار العالمي المتمثّل اليوم بأمريكا والكيان الغاصب لفلسطين ، وورد البحث عن هذا الموضوع مفصلاً في بحث المناسبات ، ونكتفي هنا بالإشارة عنه فقط ، فراجع هناك .

وليس بالأمر الغريب أن يلتقي ميلاد رسول الإسلام الجدّ محمد بميلاد مجدّد الإسلام الحفيد الصادق ، فمن مدرسة الصادق الكبرى وتلاميذه كانت رحلة الحق والعلم والفضيلة .

ونحن نقدم بين يديك أيها القارئ الكريم

هذه السلسلة من المناسبات التي تبحث في أهم الأحداث والوقائع التي جرت في هذا الشهر بدءاً من خروج النبي إلى المدينة ، ومروراً بشهادة الإمام العسكري ، وزواج السيدة خديجة الكبرى ، وبناء أول مسجد في الإسلام ، وانتهاءاً بمعاهدة الصلح المشهور بين الإمام الحسن ومعاوية ، وإلى غيرها من المناسبات .

ومع هذه الوقائع المهمّة نقف خاشعين نحني الرؤوس أمام تلك الرحمة المحمدية والسواعد الجعفرية لنبي الإسلام ومجدّده ، ولنوجّه التهنئة بميلاده الميمون لجميع المسلمين ، ولنلقي إليهم تحايا القلب والروح .

وتأكيداً للأهمية التي نوليها للأحداث والوقائع الإسلامية التي جرت في هذا الشهر ومساهمة منا في الدعوة إلى القراء الكرام للاستفادة أكثر وأكثر من هذه البحوث من سلسلة المناسبات الإسلامية ، ندعو الجميع أن يتخذوا من شهر ربيع الأول شهراً للوحدة والتآخي والمحبّة .

وفّق الله الجميع لإحياء هذه المناسبات لما فيه الخير والصلاح للأمة الإسلامية جمعاء ، والقيام بإحياء هذا الشهر العظيم من الأعمال العبادية وفهم معانيها والعمل بمقتضاها .

والله من وراء القصد .

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .

1هجرة النبي إلى المدينة المنورة1 ربيع الأول/ السنة 13 للبعثة

قال الله تعالى : إِلاّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنّ اللهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيّدَهُ بِجُنُودٍ لّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الّذِينَ كَفَرُواْ السّفْلَىَ وَكَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ .

كان النبي يعيش في مكة بمنعة عمه أبي طالب ، وكانت لا تجترئ عليه قريش ، ولا يمكنهم النيل منه ما دام أبو طالب إلى جانبه ، وخوفاً

من سيوف بني هاشم ، غير أنه بعد رحيل أبي طالب فقد النبي ناصره ومعينه ، وانكشف أمام قريش ، فبدأت بحياكة المؤامرات لاغتياله ، وبدأ بذلك النبي مرحلة جديدة في مواجهة قريش ، وهي الخروج من مكة ليدعو إلى دينه بمعزل عن أولئك الذين كابدوه وعاندوه وأحاطوا به الدوائر ، فاختار الرحيل إلى الطائف علّه يجد مناصراً لدينه في بني ثقيف ، غير أنهم قابلوه بأن سلطوا عليه صبيانهم وغلمانهم يرمونه بالحجارة والأشواك وغيرها ، فأيس منهم وأقفل عائداً إلى مكة يترقّب مواسم الحج والعمرة ليلتقي بالقوافل فيعرض دينه عليها ، لعلّه يجد من يدعو لنشره في بلادهم بعيداً عن مكة حيث لا أبو جهل ولا أبو سفيان ولا غيرهما من صناديد الشرك وفراعنته .

وبينما كان النبي ذات يوم جالساً في حِجر إسماعيل يذكر ربه ويناجيه؛ إذ مرّ به أسعد بن زرارة ، وكان قد قدم من يثرب يطلب من قريش مؤازرته وقومه على الأوس ، فتقدم من النبي فقال له : إلى ما تدعو يا محمد؟!! فقال : إلى شهادة أن لا إله إلاّ الله ، وأني رسول الله ، وأدعوكم إلى ألا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً . . .

فلما سمع أسعد ذلك أسلم ، وقال : بأبي أنت وأمي أنا من أهل يثرب من الخزرج ، وبيننا وبين إخوتنا من الأوس حبال مقطوعة ، فإن وصلها الله بك فلا أحد أعزّ منك ، والله يا رسول الله لقد كنّا نسمع من اليهود ، خبرك ، وكانوا يبشّروننا بخروجك ،

ويخبروننا بصفتك ، وأرجو أن نكون دار هجرتك وعندنا مقامك ، فقد أعلمنا اليهود ذلك ، فالحمد لله الذي ساقنا إليك ، والله ما جئت إلاّ لأطلب الحلف على قومنا ، وقد أتانا الله بأفضل مما أتيتُ له ، ثم رجع إلى المدينة وأخبر بأمر النبي ، وشاع خبره فيها ، ودخل في الإسلام عدد كبير ، حتى إذا كان في العام المقبل وافى الموسم من أهل يثرب اثنا عشر رجلاً ، فلقوه بالعقبة وبايعوه على أن لا يشركوا بالله شيئاً ، ولا يسرقوا ولا يزنوا ، ولا يقتلوا أولادهم ، ولا يأتوا ببهتان يفترونه بين أيديهم وأرجلهم ، ولا يعصوه في معروف ، وإنهم إن وفوا بذلك كان لهم الجنة ، وإن غشوا في ذلك شيئاً ، فأمرهم إلى الله إن شاء عذب وإن شاء غفر .

وقد طلبوا من رسول الله أن يبعث معهم من يعلمهم القرآن وأحكام الإسلام ، ويفقههم في الدين ، فأرسل معهم مصعب بن عمير .

وكان مصعب حريصاً جداً على الدعوة إلى الإسلام ، وعلى انتشاره في المدينة ، فكان يدعو إلى الإسلام ، ويعلّم من أسلم القرآن وأحكام الإسلام ، حتى دخل في الإسلام خلق كثير ، وفي العام المقبل أقبل مصعب في موسم الحج مع وفود المدينة تدعو رسول الله ليهاجر إليهم ، وبايعوه على النصرة ، وعلى أن يمنعوه ما يمنعوا منه أولادهم وأهليهم ، فقبل النبي الهجرة إليهم .

وبعد ذلك أخذ النبي يأمر أصحابه بالهجرة إلى

المدينة ، فأخذ الرجل والرجلان والثلاثة ، يركبون سواد الليل مهاجرين إلى المدينة ، وكان ينتظر رسول الله الأمر الإلهي في هجرته .

قريش تتآمر لقتل النبي :

لما علمت قريش أن المسلمين قد صاروا إلى يثرب ، وقد دخل أهلها الإسلام ، قالوا : هذا شر شاغل لا يطاق . فأجمعوا أمرهم على قتل رسول الله في ليلة معينة ، وكانوا قد انتخبوا من كل قبيلة فارساً حتى بلغ عددهم خمسة عشر رجلاً ينتظرون خروج النبي لصلاة الصبح فيغيرون عليه فيضربونه ضربة رجل واحد فيتفرق دمه بين العرب ، ولا تطلب بنو هاشم بثأره فيقبلون بالدية ، ويروى أن من دبر لهم هذه الحيلة إبليس الذي اجتمع معهم في دار الندوة بصفة رجل نجدي .

وأمره الله أن يأمر علياً بالمبيت في فراشه ، فخرج النبي في فحمة العشاء والرصد من قريش قد أطافوا بداره ينتظرون ، وقد قرأ عليهم قوله تعالى : وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً ومِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً فَأغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ ، وأخذ بيده قبضة من تراب فرمى بها على رؤوسهم ، ومرّ من بينهم ، فما شعروا به ، وأخذ طريقه إلى غار ثور .

أدركت قريش الأمر ، فركبوا في طلب النبي ، واقتفوا أثره ، حتى وصل القافي إلى نقطة لحوق أبي بكر به ، فأخبرهم أن من يطلبونه صار معه رجل آخر ، فاستمروا يقتفون الأثر حتى وصلوا إلى باب الغار ، فصرفهم الله عنه ، حيث كانت العنكبوت قد نسجت على باب الغار وباضت

في مدخله حمامة وحشية ، فاستدلوا من ذلك على أن الغار مهجور ولم يدخله أحد ، وإلا لتخرق النسج ، وتكسّر البيض ، ولم تستقر الحمامة الوحشية على بابه .

ولما أمن النبي الطلب خرج من غار ثور متوجهاً وصاحبه إلى يثرب .

فوائد وغايات :

ولهذه الحادثة العظيمة الأثر البليغ في حياتنا ، وينبغي أن نقتبس منها الدروس والعبر ، ويمكن تلخيصها بما يلي :

الفائدة الأولى : أن العلاقة مع الدين والمبادئ الإلهية ليست علاقة مرهونة بمعايير الظروف والحالات ، فإذا كان الإنسان يعيش في رخاء وطد علاقته مع دينه ومبادئه ، فإذا ضُيّق عليه ، وحورب كان هذا عذراً له في التنازل عما يؤمن به ويعتقد بمبدئيته ، بل يجب أن يكون الارتباط مع الدين ارتباطاً أصيلاً يذلل من أجله كل الصعوبات ، ويتحمل في سبيله كل الأخطار إلى أن يفتح الله عليه ، ويعلي كلمته التي وعد الله تعالى بإعلائها ، ولو استلزم الفرار بدينه من بلده ، والخروج من ماله ، والهجرة إلى بلد آخر ، ولذا فلا يعذر يوم القيامة من يتخلى عن دينه نتيجة ما يجده من صعوبة وعناء في ممارسته في وطنه ، قال تعالى : إِنّ الّذِينَ تَوَفّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِيَ أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَ_َئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنّمُ وَسَآءَتْ مَصِيراً .

وقال تعالى : مَا لَكُمْ مّن وَلاَيَتِهِم مّن شَيْءٍ حَتّىَ يُهَاجِرُواْ .

الفائدة الثانية : أن على المبلغ لرسالات الله الثقة الكبيرة بالله تعالى في أن

ينصره ويوفقه ، ويحرسه بعينه رغم كل الصعاب ، وعليه دائماً أن يتأمل في شدة ارتباط النبي بربه ، وفي قوله لصاحبه في الغار : لا تحزن إن الله معنا ، فعليه دائماً أن يستشعر معية الله تعالى وهدايته وتسديده ، وأن الله وعد الصادقين والصابرين والمجاهدين في سبيله بالكفاية والنصر والهداية ، قال تعالى : أَلَيْسَ اللهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ، وقال : وَالّذِينَ جَاهَدُواْ فِينَا لَنَهْدِيَنّهُمْ سُبُلَنَا .

وقد نهج المسلمون - كسائر الأمم - أن يؤرخوا الحوادث والأيام وما في ذلك من مناسبات مهمة تشكّل الجزء الأكبر من حضارة المسلمين ، فعمدوا إلى الهجرة المباركة للرسول الأعظم من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة ، في السنة الثالثة عشر من البعثة فجعلوها مبدءاً للتاريخ . فإذا بنى هذا التاريخ وحسب على دوران القمر على الأرض يسمى التاريخ الهجري القمري وإذا بنى وحسب على دوران الأرض على الشمس يسمى التاريخ الهجري الشمسي .

2مبيت الإمام علي في فراش النبي 1 ربيع الأول/ السنة 13 للبعثة

قال تعالى في كتابه العزيز :

وَمِنَ النّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَآءَ مَرْضَاتِ اللهِ وَاللهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ ، في الليلة التي عزم فيها النبي على الهجرة إلى المدينة ، حيث أخبره ربه بمكيدة قريش لقتله ، وأمره أن يأمر علياً بالمبيت في فراشه ، فما كان من علي غير أن سأله : أو تسلم بمبيتي هناك يا نبي الله؟ قال : نعم ، فأهوى إلى الأرض ساجداً شكراً لله ، فنام على فراش النبي واشتمل ببرده الحضرمي ، فخرج .

وجعل المشركون يرمون علياً بالحجارة ، وهم يحسبونه رسول الله ، وعلي يتضور

- أي يتلوى ويتقلب - وقد لفّ رأسه في الثوب لا يخرجه حتى أصبح ، فهجموا عليه ، فلما بصر بهم علي قد انتضوا السيوف ، وأقبلوا عليه ، وثب في وجوههم فأجفلوا أمامه ، وتبصروه فإذا علي ، فقالوا : وإنك لعلي؟ قال : أنا علي ، قالوا : فما فعل صاحبك ، فقال : وهل جعلتموني عليه حارساً .

وقد ورد : أن الله تعالى أوحى إلى جبرائيل وميكائيل : إني آخيت بينكما ، وجعلت عمر أحدكما أطول من الآخر ، فأيكما يؤثر صاحبه بالحياة؟ فاختار كلاهما الحياة . فأوحى الله إليهما ألا كنتما مثل علي بن أبي طالب ، آخيت بينه وبين محمد ، فبات على فراشه يفديه بنفسه ويؤثره بالحياة؟ إهبطا إلى الأرض فاحفظاه من عدوه ، فنزلا جبرئيل عند رأسه ، وميكائيل عند رجليه ، وجبرئيل ينادي : بخٍ بخٍ ، من مثلك يا ابن أبي طالب ، يباهي الله به الملائكة ، فأنزل الله تعالى الآية التي ابتدأنا بها؛ وَمِنَ النّاسِ مَن يَشْرِي . . . .

قال الإسكافي : وقد روى المفسرون كلهم . أن قوله تعالى : وَمِنَ النّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَآءَ مَرْضَاتِ اللهِ ، نزلت في علي ليلة المبيت على الفراش .

وقد أنكر ابن تيمية نزول هذه الآية في مبيت علي في فراش النبي ، فقال على ما نقله عنه الحلبي في سيرته : كذب بإتفاق أهل العلم بالحديث والسير .

وأيضاً قد حصلت له الطمأنينة بقول الصادق له : لن يخلص إليك شيء

تكرهه منهم ، فلم يكن فيه فداء النفس ، ولا إيثار بالحياة ، والآية المذكورة في سورة البقرة ، وهي مدنية بالاتفاق ، وقد قيل : إنها نزلت في صهيب لما هاجر .

وقد رد على قوله الكثير من الأعلام وخلاصته :

أولاً : إن اتفاق أهل العلم بالحديث والسير على كذب نزول هذه الآية في علي ، لا عين له ولا أثر ، بل على العكس تماماً حيث تلقاه العلماء والحفاظ والمحدثون من دون غمز فيه أو لمز ، بل إن الحاكم النيسابوري ، والذهبي صححاه .

ثانياً : إن ما ذكره من قول النبي لعلي حين مبيته : لن يخلص إليك شيء تكرهه منهم ، غير موجود في الرواية ، فقد علّق على ذلك الحلبي بقوله : لكنه في الإمتاع لم يذكر أنه قال لعلي ما ذكر ، أي لن يصل . . ، وعليه فيكون فداؤه للنبي بنفسه واضحاً ، نعم ذكر النبي ذلك له بعد ما خرج وصاحبه من غار ثور باتجاه المدينة وأمر علياً أن يعود إلى مكة ليؤدي الأمانات إلى أهلها ويأتيه بالفواطم .

ثالثاً : إن سورة البقرة وإن كانت مدنية ، ولكن هذه الآية باعتراف الجميع مكية ، ومجرد كون هذه الآية مكية لا يخرج سورة البقرة عن كونها مدنية ، لأن الحكم يكون للغالب .

رابعاً : أما نزولها في صهيب فخطأ كبير ، لأنّ الحادثة التي يروونها فيه ، وفي نزول الآية فيه عارية عن الصحة ، للاختلاف الكبير في نقلها ومضمونها ، ومن

أراد الوقوف على المزيد من تفاصيلها فليراجع الإصابة في ترجمة صهيب ، والسيرة الحلبية : 2/23 - 24 .

معطيات الفداء :

ولفداء علي بنفسه معطيات كثيرة ينبغي الالتفات إليها :

أولاً : إن الدين والإسلام يستحق أبلغ التضحيات ، وأعظم وأثمن ما عند الإنسان وهي حياته ، وأولاده وكل غال ونفيس ، ولذا ورد قوله تعالى : إِنّ اللهَ اشْتَرَىَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنّ لَهُمُ الّجَنّةَ .

ثانياً : أن موقف الأمير في فدائه النبي بحياته ووجوده يعطي تحرره من قيود الدنيا وعبوديتها ، فإن المانع الذي يحول دون التضحية بالنفس حب الدنيا والتعلق بها ، وقد أعطى بمبادرته للمبيت في فراشه أنه متحرر من كباح الدنيا ومفاتنها .

ثالثاً : أن على المؤمن أن يكون على استعداد دائم للقاء الله تعالى ، إذ لعله في أي لحظة يدعى للقائه ، فلا بد وأن يكون مستعداً للوفادة عليه .

3خروج النبي من غار ثور 4 ربيع الأول/ السنة 13 للبعثة

قال تعالى : يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُواْ نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللهُ مُتِمّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ .

بعد أن بقي النبي وصاحبه في غار ثور ثلاثة أيام كان يتردد خلالها أمير المؤمنين عليهما ، حتى إذا كانت ليلة اليوم الرابع هيأ علي بأمر النبي ثلاث رواحل ودليلاً أميناً يدعى أريقط ليترحلوها إلى المدينة ويدلهم الدليل على طريقها .

أوصى النبي علياً في تلك الليلة بأن يؤدي أمانته على أعين الناس ، وذلك بأن يقيم صارخاً بالأبطح غدوة وعشياً : ألا من كان له قبل محمد أمانة أو وديعة فليأت فلنؤد إليه أمانته .

ثم أوصاه بالفواطم وهنّ : فاطمة الزهراء ، وفاطمة بنت أسد

أم علي ، وفاطمة بنت الزبير ، وبكل من يريد الهجرة معه ، وقال له عبارته المشهورة : إنهم لن يصلوا من الآن إليك يا علي بأمر تكرهه حتى تقدم علي

ثم توجه النبي هو وصاحبه إلى المدينة سالكين إلى ذلك الخط الساحلي ، وقد جاء ذكر المنازل التي مُّرا بها في السيرة النبوية لابن هشام ، فراجع .

وعن أبي عبد الله الصادق : إنّ رسول الله لما خرج من الغار متوجهاً إلى المدينة ، وقد كانت قريش جعلت لمن أخذه مئة من الإبل ، خرج سراقة بن جشعم فيمن يطلب ، فلحق رسول الله ، فقال : اللهم اكفني سراقة بما شئت ، فساخت قوائم فرسه ، فثنى رجله ثم اشتد ، فقال : يا محمد إني علمت أن الذي أصاب قوائم فرسي إنما هو من قبلك ، فادع الله أن يطلق لي فرسي ، فلعمري إن لم يصبكم خير مني لم يصبكم مني شر ، فدعا رسول الله فأطلق الله عز وجل فرسه ، فعاد في طلب رسول الله حتى فعل ذلك ثلاث مرات ، فلما أطلقت قوائم فرسه في الثالثة ، قال : يا محمد ، هذه إبلي بين يديك فيها غلامي ، فإن احتجت إلى ظهر أو لبن فخذ منه ، وهذا سهم من كنانتي علامة ، وأنا أرجع فأرد عنك الطلب ، فقال : لا حاجة لي فيما عندك .

ولعل رفضه ما عرضه عليه سراقة قد كان من منطلق أنه لا يريد أن يكون لمشرك

عليه يد ، ثم سار رسول الله حتى بلغ خيمة أم معبد ، فنزل بها ، وطلبوا عندها قِرى ، فقالت ما يحضرني شيء ، فنظر رسول الله إلى شاة في ناحية قد تخلفت من الغنم لضرها ، فقال : أتأذنين في حلبها؟ قالت : نعم ، ولا خير فيها ، فمسح يده على ظهرها ، فصارت أسمن ما يكون من الغنم ، ثم مسح يده على ضرعها ، فأرخت ضرعاً عجيباً ، ودرّت لبناً كثيراً ، فطلب العس ، وحلب لهم فشربوا جميعاً حتى رووا .

ثم عرضت عليه أم معبد ولدها الذي كان كقطعة لحم ، لا يتكلم ولا يقوم فأخذ تمرة فمضغها وجعلها في فيه ، فنهض في الحال ومشى وتكلم ، وجعل نواها في الأرض فصارت نخلة في الحال ، وقد تهدّل الرطب منها ، وأشار إلى جوانبها فصار مراعي .

ويروى أنه لما توفي لم ترطّب ، ولما قتل علي لم تخضر ، ولما قتل الحسين سال منها الدم .

فلما عاد أبو معبد ، ورأى كل ذلك فسأل زوجته عن سببه قالت : مرّ بي رجل من قريش ظاهر الوضاءة ، أبلج الوجه ، حسن الخلق ، لم تعبه ثجلة خلة ، ولم تزر به صحلة صقلة ، وسيم ، في عينيه دعج ، وفي أشفاره عطف ، وفي صوته صحل ، وفي عنقه سطع ، وفي لحيته كثاثة ، أزج ، أقرن ،

إن صمت فعليه الوقار ، وإن تكلم سما وعلاه البهاء ، أكمل الناس وأبهاهم من بعيد ، وأحسنه وأعلاه من قريب ، حلو المنطق فصل ، لا نزر ولا هذر ، كأن منطقه خرزات نظمن يتحدرن ، ربعة لا تشنؤه من طول ، ولا تقتحمه العين من قصر ، غصن بين غصنين ، وهو أنظر الثلاثة منظراً ، وأحسنهم قدراً . . . محفود محشود لا عابس ولا مفند . . ، وهذا الوصف مشهور ومعروف لأم معبد .

وليس هذا بالشيء العجيب أو الكثير على رسول الله فمريم العذراء أنبت الله لها من جذع النخلة رطباً جنياً يتساقط عليها ، وأخرج لها الماء من تحت قدميها ، فكيف به وهو سيد الكائنات ، وأشرف الخلق وأكرمهم على الله من الأولين والآخرين إلى يوم الدين ، وقد ظهرت على يديه الكثير من المعجزات والكرامات مما ينوء عن حمل ما سجل منه العصبة أولوا القوة .

كما أن حصول هذه الكرامات بعد مصاعب الهجرة مباشرة إنما يؤكد أنه قد كان من الممكن أن تتم الهجرة بتدخل من العناية الإلهية ، ولكن الله تعالى أبى أن تجري الأمور إلا بأسبابها ، وليكون هذا الرسول هو الأسوة الحسنة ، والقدوة لكل أحد في مواجهة مشاكل الحياة ، وتحمل أعباء الدعوة إلى الله بكل ما فيها من متاعب ، ومصاعب وأزمات ، فإن للأزمات التي يمرّ بها الإنسان دور رئيس في صنع خصائصه وبلورتها ، وتجعله جدياً في موقفه ، فإنه إذا كان هدف الله

سبحانه ، وهو إعمار هذا الكون بالإنسان ، فإن الإنسان الخامل الذي يعتمد على الخوارق والمعجزات لا يمكنه أن يقوم بمهمة الإعمار هذه ، فهذا إذاً مما يساعد على تربية الإنسان وتكامله في عملية إعداده ليكون عنصراً فاعلاً وبانياً ومؤثّراً ، لا منفعلاً ومتأثّراً فحسب

4وفاة السيدة سكينة بنت الإمام الحسين 4 / ربيع الأول / السنة 117 ه_

سيأتي صفوة الحديث عن حياتها في مناسبات شهر رجب فليراجع ونكتفي هنا بذكر تاريخ وفاتها حيث كان في يوم الخميس في الرابع من ربيع الأول سنة 117 ، ودفنت في المدينة ، وكانت السيدة سكينة من الذين عمّروا كثيراً وكانت مشهورة بكثرة العبادة .

وقيل أنّها دفنت في الشام في مقبرة باب الصغير جنب مرقد السيدة أم كلثوم بنت الإمام علي .

5شهادة الإمام الحسن العسكري 8 / ربيع الأول / السنة 260 ه_

شهادة الإمام العسكري :

إنّ المعتمد العباسي كان قلقاً من شعبية الإمام الحسن العسكري ونفوذه ومحبوبيته بين الناس ، واهتمام الناس به وانجذابهم إليه ، وقد عرف أن الاعتقال والاضطهاد له مردوداته عكسية ، فعندئذ لجأ إلى سمّ الإمام وقتله ، وكان ذلك في سنة 260 هجرية في 8 ربيع الأول .

وبهذه المناسبة سنستعرض بإختصار الوضع السياسي العام في عصر الإمام وكيفية مواجهة السلطة الحاكمة آنذاك من قبل الإمام وأهم نشاطاته وقصة ولادة ولده الإمام المهدي ، ثم نختم الحديث بمقتطفات من كلامه الشريف .

الوضع السياسي العام في عصر الإمام

يطلق على فترة خلافة المتوكل العباسي وما بعده العصر العباسي الثاني ، لما لهذه الفترة من خصائص امتازت بها عن خصائص العصر العباسي الأول الذي بدأ بعد سقوط الدولة الأموية سنة 132ه_ .

لقد عاصر الإمام العسكري في هذا العصر أعواماً عصيبة منه مع خلفاء مستبدين علوا عرش الدولة منذ أن أقدم سامراء مع أبيه الإمام الهادي أيام المتوكل سنة 234ه_ ، واستمر مقيماً فيها إقامة جبرية حتى استشهد سنة 260ه_ في خلافة المعتمد العباسي .

وأهم ظواهر هذا العصر هو النفوذ الذي تمتع به الأتراك الذين غلبوا الخلفاء ،

في سلب زمام إدارة الدولة ، وما اتصفوا به من سلوك شائن في التعامل مع الأهالي .

ويمكن إبراز أهم مظاهر هذا العصر فيما يلي :

1- تدهور الوضع السياسي للدولة العباسية ، حيث استولى الموالي الذين كانوا في الأغلب من الأتراك ، وكانت سيطرتهم على مقاليد السلطة في العاصمة والأمصار ، حيث ساهموا في خلع المتوكل ، والمهتدي وقتلهما ، ونصب غيرهما .

2- ظهور اللهو والمجون وحياة الترف التي كان يحياها الخليفة وأتباعه ، والتي كانت عاملاً مهماً في سيطرة الأتراك ، وسقوط هيبة الخليفة عند عامة الناس .

3- حوادث الشغب والفتن التي حدثت في بغداد ، وكانت نتيجتها أن بويع لخليفتين في آن واحد ، حيث بويع المستعين في بغداد ، وكان الأتراك في نفس الوقت قد بايعوا المعتز في سامراء ، وقد جهز الأخير جيشاً بقيادة أخيه لقتال المستعين في بغداد .

4- ظهور الحركات الإنفصالية في أطراف الدولة ، ونشأت دويلات صغيرة من هنا وهناك لا تخضع لمركزية الدولة في سامراء ، وكل ذلك لضعف سلطان الخليفة ، كما نشأت الحروب الدامية بين الأمراء على الأمصار ، فشهدت الدولة العباسية مسرحاً لحروب دامية ، ولأعمال التخريب من حرق ونهب للأموال والغلات وغيرها .

ولكن على الرغم من الضعف الذي أحاط بالدولة العباسية في عصر الإمام إلا أن السلطة القائمة ضاعفت إجراءاتها التعسفية في مواجهة الإمام الحسن العسكري والجماعة الصالحة المنقادة لتعاليمه وإرشاداته ، فلم تضعف في مراقبته ، ولم تترك الشدة في التعامل معه ، بسجنه أو محاولة تسفيره

إلى الكوفة خشية منه ، ومن حركته الفاعلة في الأمة .

نشاطات الإمام العسكري

قام الإمام العسكري - على الرغم من حرجية المرحلة التي عاصرها ، والمراقبة الشديدة له وللشخصيات الشيعية البارزة - بخطة للقيام بمهام إمامته ، ويمكن سردها في النقاط التالية :

النقطة الأولى : أنه حيث اتسعت رقعة التشيع في عهده ، وامتدت إلى مدن ومناطق مختلفة ، وتمركز الشيعة في عدة مدن ، كالكوفة وبغداد ونيشابور وقم ، والمدائن واليمن والري وآذربايجان وسامراء وجرجان والبصرة ، فقد أوجد الإمام شبكة اتصالات منظمة تؤمن اتصال الشيعة بالإمامة من جهة ، واتصالهم ببعضهم من جهة أخرى ، ويتم من خلال ذلك توجيههم دينياً وسياسياً ومعنوياً ، فنصب الإمام العسكري الوكلاء ، والنواب في مختلف المناطق ، وبذلك كان يراقب الأوضاع ، فنصب إبراهيم بن عبده في نيشابور ، وأحمد بن إسحاق في قم ، وإبراهيم بن مهزيار الأهوازي ، وغيرهم .

وكان على رأس وكلاء الإمام محمد بن عثمان العمري الذي كان حلقة الوصل بينهم وبين الإمام ، فكانوا يأتون بالأموال والأسئلة والشبهات إليه ، ويقوم هو بدوره ليدفعها إلى الإمام .

النقطة الثانية : كان يتصل بشيعته أيضاً عبر إرسال الرسل والمبعوثين ، فكان يعالج مشاكلهم بهذا الطريق ، وعلى سبيل المثال ، كان يرسل أبا الأديان - أحد أصحابه المقربين - برسائله وخطاباته إلى شيعته ، كما كان يحمل منهم أيضاً الرسائل والأسئلة والأخماس والحقوق الأخرى إلى الإمام في سامراء .

النقطة الثالثة : كان يدعم ويساند الشيعة مالياً

، لا سيما أصحابه المقربين ، مما يمنع الكثير من أن تلجئهم الحاجة والفاقة والضغط المالي إلى الحكم العباسي الظالم ، وكانت طريقة الإمام أن يدفع المبالغ الطائلة إلى أحد مقربيه لينفقها بدوره على شيعته ومواليه ، كما فعل مع علي بن جعفر صاحبه وصاحب أبيه .

النقطة الرابعة : تجهيز الشيعة وإعدادهم لعصر الغيبة ، فكانت الشيعة ولعدة عقود

من الزمن قد ألفت الاتصال المباشر بالإمام ، ولم تألف غيابه عنها إلا في حالات خاصة كالسجن ، بل حتى في حالة سجن الإمام كان هناك من يتمكن من الاتصال به ، أما بعد عصر العسكري فستدخل الشيعة مرحلة جديدة في علاقتها وارتباطها مع الإمام لم تألفها بعد ، وهي غياب الإمام وعدم اتصاله بشيعته ، وهي مرحلة خطيرة جداً من الصعب تحملها أو الاعتقاد بها إلاّ لمن امتحن الله قلبه للإيمان ، فكان دور الإمام الحسن العسكري أن يستخدم الأساليب التي تساعد الشيعة على التعايش والتأقلم على تلك المرحلة ، فقام - كما ذكرنا - بالاتصال بشيعته عبر الوكلاء والنواب لتعتاد الشيعة على هذا النمط من التعامل مع الإمامة .

كما أنه أرسل إلى الخلّص من أصحابه في الأمصار يدعوهم إلى انتظار الفرج بخروج ولده الموعود المنتظر ، فقد كتب إلى علي بن الحسين بن بابويه القمي جاء فيها :

. . . عليك بالصبر وانتظار الفرج ، قال النبي : أفضل أعمال أمتي انتظار الفرج ، ولا يزال شيعتنا في حزن حتى يظهر ولدي الذي بشّر به النبي ، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً

، فاصبر يا شيخي يا أبا الحسن علي ، وأمر جميع شيعتي بالصبر ، فإنّ الأرْضَ للهِ يُورِثُهَا مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتّقِينَ ، والسلام عليك وعلى جميع شيعتنا ورحمة الله وبركاته .

اطلاعه على ولادة ولده الموعود

بعد ولادة الإمام المهدي أرسل الإمام العسكري إلى خلّص أصحابه يعرّفهم بولادته ، كما أنه اطّلع البعض منهم عليه ، فقد دخل عليه أحمد بن إسحاق - وكان من أصحابه المقربين إليه - لكي يسأله عن الخلف من بعده ، فقال له الإمام مبتدئاً : يا أحمد بن إسحاق إن الله لم يخل الأرض منذ خلق آدم ولا يخليها إلى أن تقوم الساعة من حجة لله على خلقه ، به يدفع البلاء عن أهل الأرض ، وبه ينزل الغيث وبه تخرج بركات الأرض .

قال : فقلت : يا ابن رسول الله فمن الإمام والخليفة بعدك؟

فنهض مسرعاً فدخل البيت ، ثم خرج وعلى عاتقه غلام كأنّ وجهه القمر ليلة البدر ، من أبناء ثلاث سنين ، فقال : يا أحمد بن إسحاق لولا كرامتك على الله وعلى حججه ما عرضت عليك ابني هذا ، إنه سمي رسول الله وكنيّه ، والذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً ، مثله في هذه الأمة مثل الخضر ومثل ذي القرنين ، والله ليغيبن غيبة لا ينجو من الهلكة فيها إلاّ من ثبّته الله على القول بإمامته ووفقه للدعاء بتعجيل فرجه .

مقتطفات من كلام الإمام

قال لجماعة من شيعته : أوصيكم بتقوى الله ، والورع في دينكم ، وصدق الحديث وأداء

الأمانة إلى من ائتمنكم من برٍّ أو فاجر ، وطول السجود ، وحسن الجوار ، فبهذا جاء محمد ، صلّوا في عشائركم ، واشهدوا جنائزكم ، وعودوا مرضاكم ، وأدوا للنّاس حقوقهم ، فإنّ الرجل منكم إذا ورع في دينه ، وصدق في حديثه ، وأدى للناس الأمانة ، وحسّن خلقه معهم ، وقيل هذا شيعي ، يسرّني ذلك .

اتقوا الله وكونوا لنا زيناً ولا تكونوا علينا شيناً, جرّوا إلينا كلّ مودّةٍ ، وادفعوا عنّا كل قبيحٍ ، فما قيل فينا من خيرٍ فنحن أهله ، وما قيل فينا من سوء فنحن منه بُراء ، لنا حقٌّ في كتاب الله ، وقرابة من رسول الله ، وولادة طيّبة لا يدّعي ذلك غيرنا إلاّ كذّاب . وقال أيضاً : ليس العبادة كثرة الصيام والصلاة ، وإنّما هي كثرة التفكّر في أمر الله ، بئس العبد عبد يكون ذا وجهين وذا لسانين ، يطري أخاه شاهداً ويأكله غائباً ، إن أُعطي حسده ، وإن ابتلي خذله .

وقال أيضاً : من وعظ أخاه سرّاً فقد زانه ، ومن وعظه علانية فقد شانه .

6ولادة السيدة نفيسة11/ ربيع الأول/ السنة 145ه_

ولدت السيدة نفيسة

ولدت السيدة نفيسة بمكة المكرمة في يوم الأربعاء الحادي عشر من شهر ربيع الأول سنة خمس وأربعين ومائة من الهجرة النبوية 145ه_ وسماها أبوها نفيسه على اسم عمتها وبعد خمسة سنوات هاجرت مع أبيها إلى مدينة جدها رسول الله .

أبوها هو الحسن الأنورابن زيد الأبلج ابن الحسن السبط ابن علي بن أبي طالب ،

كان عالماً جليلاً يعد من التابعين وهو مجاب الدعوة ، ويقال : مرّت به امرأة وهو في الأبطح ومعها ولدها فاختطفه عقاب فسألت الحسن أن يدعو الله لها برده ، فرفع يديه إلى السماء ودعا ربه ، فإذا بالعقاب قد ألقى الصغير من غير أن يضره بشيء فأخذته أمه ، وأمّا أم السيدة نفيسة فهي أم ولد .

تزوجت نفيسة بإسحاق المؤتمن ابن الإمام جعفر الصادق في سنة 161ه_ وبزواجها هذا اجتمع في بيتها نوران : نور الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ، فالسيدة نفيسة جدها الإمام الحسن والسيد إسحاق جده الإمام الحسين ، وكان إسحاق من أهل العلم والفضل والورع والصلاح وروى عنه بعض الأحاديث والأخبار ، وقد ولدت نفيسة من إسحاق ولدين هما القاسم وأم كلثوم ، وعاشت السيدة نفيسة في المدينة مع أبيها وزوجها إلى أن هاجرت إلى مصر ودخلتها في يوم السبت الموافق 26 من شهر رمضان/ سنة 193ه_ وقيل وفي طريقها إلى مصر زارت المسجد الأقصى والأنبياء والأولياء المدفونين في فلسطين ، ثم زارت بغوطة دمشق السيدة زينب ، ومن ثم زارت قبر عمتها فاطمة بنت الإمام الحسن ، وفضة جارية جدتها فاطمة الزهراء ، وغير أولئك المدفونين في مقبرة باب الصغير .

نفيسة العلم والتقوى

بدأت السيدة نفيسة في سن مبكرة في تلاوة القرآن وحفظه ، حتى تم لها حفظ القرآن خلال سنة واحدة ، وكانت تؤدي الصلوات الخمسة بانتظام مع والديها في المسجد الحرام ، وحتى في السادسة من عمرها ، وقد شغفت بحديث جدها المصطفى ، وروت من الحديث

والآثار الكثير من أبيها وآل بيتها وعلماء عصرها بحيث عدت من المحدّثات ، ومن بين من التقت بهم في المدينة الإمام مالك بن أنس ، الذي كان حديث الفقهاء وقرأت كتابه الموطأ وناقشته ، وفي مصر التقت السيدة نفيسة بالإمام الشافعي الذي نزل مصر بعدها بخمس سنوات ، ومع جلالة قدر الإمام الشافعي كان يزورها في بيتها ويسمع عنها الحديث ويسألها الدعاء فتدعو له فيستجاب ، ولما مرض مرضه الذي مات فيه أرسل لها على جاري العادة يلتمس منها الدعاء فقالت للقاصد : متعه الله بالنظر إلى وجهه الكريم ، فعلم الإمام الشافعي أنه ميت وأوصى أن تصلي عليه فلما توفى سنة أربع ومائتين مرّوا به على بيتها فصلت عليه ، مأمومة وكان الذي صلى بها للإمام أبو يعقوب البويصلي .

وفاتها

استقرت السيدة نفيسة في الدار التي وهبها لها أمير مصر السرى بن الحكم في خلافة المأمون العباسي ، وانتقلت إليها سنة إحدى ومائتين ، وقد حضرت السيدة نفيسة جدها في دارها ، وكانت تنزل فيه للتعبد والتذكر بالآخرة وكانت تصلي فيه النوافل العديدة .

كما قالت زينب بنت أخيها : تألمت عمتي في أول من رجب وكتبت إلى زوجها إسحاق المؤتمن كتاباً ، وكان غائباً بالمدينة تطلب إليه المجيء إليها لدنو أجلها وفراقها لدنياها وإقبالها على أخراها ، وكانت صائمة فأشاروا الأطباء عليها بالإفطار لحفظ قوتها ولتتغلب على مرضها وضعفها ، فقالت : واعجباه إن لي ثلاثين سنة وأنا أسأل الله عز وجل أن يتوفاني وأنا صائمة أفأفطر؟! معاذ الله تعالى ، ثم أنشدت تقول :

أصرفوا عني طبيبي

زاد بي

شوقي إليه

ودعوني وحبيبي

وغرامي في لهيب

وقالت زينب : ثم إنها بقيت كذلك إلى العشر الأواسط من شهر رمضان ، فاشتد بها المرض واحتضرت ، فاستفتحت بقراءة سورة الأنعام ، فلا زالت تقرأ إلى أن وصلت إلى قوله تعالى فَقُلْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبّكُمْ عَلَىَ نَفْسِهِ الرّحْمَةَ ففاضت روحها الكريمة ، وقيل إنها قرأت لَهُمْ دَارُ السّلاَمِ عِندَ رَبّهِمْ وَهُوَ وَلِيّهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ فغشي عليها وقبضت واختارها الله لجواره ونقلها إلى دار كرامته وكان ذلك في سنة ثمان ومائتين 208ه_ وذلك بعد موت الإمام الشافعي بأربع سنين رحمهم الله جميعاً .

ولما توفيت اجتمع الناس ووصل زوجها في ذلك اليوم وأراد حملها إلى المدينة لدفنها بالبقيع فاجتمع أهل مصر إلى أمير البلد واستجاروا به إلى زوجها ليدفنها عندهم فقبل ذلك بعد الإصرار الكثير ، فدفنها في مصر القاهرة ولذلك كان المصريون يسمونها بنفيسة المصرية .

فسلام عليها يوم ، ولدت ويوم ماتت ، ويوم أدّت رسالتها ، ويوم تبعث حيّة شافعة لزوارها إن شاء الله .

كراماتها

لا شك إن السيدة نفيسة تعد من أولياء الله المقربين لعلمها ومعرفتها بالله ، وكثرة عبادتها ولشدة زهدها وتقواها ولذا صدرت منها كرامات في حياتها وبعد مماتها بحيث عدّ لها ابن حجر العسقلاني نحواً من مائة وخمسين كرامة ، وقد ذكرها ابن حجر على سبيل المثال لا الحصر ، وهذا دفع الناس قديماً وحديثاً للتوسل بها إلى الله لقضاء حوائجهم وقد اشتهرت بسرعة استجابة ، دعاء من توسل بها ، وإنّا لنذكر بعضاً منها لنكشف قبساً من ساطع نورها .

1- عن سعيد بن الحسن قال :

توقف النيل بمصر في زمن السيد ة نفيسةفجاء الناس إليها وسألوها الدعاء فأعطتهم قناعها ، فجاءوا به إلى النهر وطرحوه فيه ، فما رجعوا حتى زخر النيل بمائه وزاد زيادة عظيمة .

2- قال أبو موسى دخلت إلى ضريحها فوضعت يدي على الضريح فسمعت قائلاً : أهكذا تدخل على أهل البيت النبوة؟! .

7وفاة عبد المطلب جد النبي 12/ ربيع الأول/ السنة 8 من ولادته

إضاءة من حياة عبد المطلب :

هو عبد المطلب بن هاشم سيد مكة وزعيمها ، وإليه ترجع الوفادة والسقاية ، وكان القوم يرجعون إليه في الحل والعقد ، وكان يوحّد الله ، ويرفض عبادة الأصنام ، وكان يوصي ولده بصلة الأرحام وإطعام الطعام ، ويرغّبهم ويرهّبهم فعل من يرقب معاداً وبعثاً ونشوراً ، وكان يأمرهم بترك الظلم والبغي ، ويحثهم على مكارم الأخلاق ، وينهاهم عن دنيّات الأمور ، وكان يقول في وصاياه : إنه لن يخرج من الدنيا ظلوم حتى يُنتقم منه ، وتصيبه عقوبة ، وقد هلك رجل ظلوم لم تصبه عقوبة ، فقيل لعبد المطلب في ذلك ففكر ، فقال : والله إن وراء هذه الدار داراً يُجزى فيها المحسن بإحسانه ، ويعاقب فيها المسيء بإساءته .

وقد بلغ من العظمة مبلغاً حتى كانت تأتيه الهدايا والتحف من أقصى البلاد والأمصار ، وكان كلما أصيب العرب بداهية أخذوه إلى جبل ثبير ، ودعوا الله بجاهه وشرفه كي يكشف عنهم البلاء ، وكانوا يذبحون القرابين لأجله .

ولم يكن يُعدل به أحد في شرافته وعظيم خطره ، وكان لا يقرب من المقامرة ، ولم يعبد

صنماً ، ولم يأكل لحم ذبيحة قدمت لصنم ، وكان يقول : إني على دين أبي إبراهيم . وكان إذا أهّل رمضان دخل حراء فبقي فيه طول الشهر ، وكان يطعم المساكين ، ويعظّم الظلم ، ويكثر الطواف بالبيت . وقد سنّ سنناً سنّها رسول الله بعد ذلك في الإسلام ونزل بها القرآن الكريم ، وهي الوفاء بالنذور ، وجعل مئة من الإبل في دية القتل ، وأن لا تُنكح المحارم ، ولا تؤتى البيوت من ظهورها ، وقطع يد السارق ، والنهي عن قتل الموؤدة ، والمباهلة ، وتحريم الخمر ، وتحريم الزنا والحد عليه ، والقرعة ، وأن لا يطوف أحد بالبيت عرياناً ، وإقراء الضيف ، وأن لا ينفقوا إذا حجوا إلاّ من طيب أموالهم ، وتعظيم الأشهر الحرم ، ونفي ذوات الرايات ، فكانت قريش تقول عبد المطلب هو إبراهيم الثاني .

وأضافت بعض الأخبار إلى ما سنّه : تحديد الطواف بسبعة أشواط بعد أن كان يطوف الزائر ما بدا له ، وإخراج خمس الغنائم ، وتسمية زمزم سقاية الحاج .

وكان عبد المطلب يبحث وينقب عن بئر زمزم مدة من الزمن ، حتى عثر عليها ، فأخرج الحجر الأسود ، والغزالين الذهبيين ، وأسيافاً وأدرعاً ، وقد نازعه قومه فيها قائلين : إنها كانت لأجدادنا . فقال عبد المطلب : الأفضل أن نقرعها بيننا . فقسم الأشياء قسمين ، وضرب عليها السهام بينه وبين البيت وبين قريش ، فكانت الغزالتان

الذهبيتان للبيت ، والسيوف والدروع لعبد المطلب ، ثم باع عبد المطلب السيوف والأدرع ، واشترى بثمنها باباً للبيت .

وأيضاً حسده قومه على ماء زمزم ، وقالوا : إنها بئر أبينا إسماعيل ، وإن لنا فيها حقاً فأشركنا معك فيها ، قال : ما أنا بفاعل ، إنّ هذا الأمر قد خُصّصت به دونكم وأُعطيته من بينكم ، فقالوا له : فأنصفنا فإنّا غير تاركيك حتى نخاصمك فيها ، فأظهر الله تعالى حق عبد المطلب في ذلك الخصام .

فلما رأى من العنت الذي أصابه من قريش في حفر بئر زمزم ، نذر لله إن ولد له عشرة ذكور أن يذبح واحداً منهم قرباناً لله تعالى ، فلما أراد الوفاء به أخبر أولاده العشرة بالأمر فانصاع الجميع لإرادته ، وكل واحد يقدم نفسه على أخيه تلبية لوالده ، غير أنّ عبد المطلب أوكل أمر تشخيص الذبيح إلى القرعة ، فخرجت على عبد الله ، فأخذ بولده والشفرة أمام البيت وتلّه ليذبحه ، إلا أن القوم حالوا دون تحقق ذلك ، وألحّوا على عبد المطلب أن يعذر فيه أمام ربه ، فاقترحوا أن يخرجوا إلى العرّافة ليعرفوهم كيف العذر ، فسألتهم العرّافة : كم دية الرجل الحر عندكم؟ فأجابوا : عشرة من الإبل ، فقالت : اقرعوا بينه وبين العشرة ، فإذا خرجت على صاحبكم فزيدوا في الإبل عشرة حتى يرضى ربكم . ففعلوا حتى إذا بلغت الإبل المئة خرجت القرعة عليها دونه ، فتصايح القوم فرحين : قد انتهى رضى ربك يا

عبد المطلب ، فقال : لا والله حتى أضرب عليها ثلاثاً ، فتثبت بعدها من صواب ما فعل . ثم أمر بالإبل فنحرت ، ونجى عبد الله ، ولذلك كان يقول النبي : أنا ابن الذبيحين ، ويعني إسماعيل وعبد الله .

ولما توفي عبد المطلب أعظمت قريش موته ، وغسّلوه بالماء والسدر ، ولفوّه في حلّة من حلل اليمن ، وطرح عليه المسك ، وحمل على أيدي الرجال ، إعظاماً وإكراماً وإكباراً لتغييبه في التراب .

ودفن في مقبرة الحجون ، وقد خرج في حقه عن النبي والأئمة ثناءً بليغاً ، فعن النبي أنه قال : إن الله يبعث جدي عبد المطلب أمّةً وحده ، في هيئة الأنبياء وزيّ الملوك .

قصة النذر ومشروعيتها

قد يقال : إنه لا يحق لأحد التصرف في حياة الآخرين ، فكيف بمن نذر أن يذبح إنساناً ، ويصّر على الوفاء به؟! ، وهل أن ديانات السماء شرّعت مثل هذا النذر ، وأوجبت الوفاء به؟! ، وهل فعلاً نقل لنا التاريخ حادثة أخرى من هذا القبيل؟

هذه التساؤلات وغيرها قد تأخذ بالبعض إلى أن عبد المطلب لم يكن موحّداً ، ولا مؤمناً ، وإلا فكيف ينذر ما يخالف الإيمان والتوحيد .

وقد تقدم ما يدلّ على إيمانه وتوحيده ، مما نقله كبار المؤرخين ، من دون مدافع من أحد ، بل ما نقلناه يكشف عن أن إيمان عبد المطلب كان واعياً ، حركياً حيث كان يأمر الآخرين بما يعتقد به .

وأما قضية نذر وذبح أحد

أولاده لله لعل الأقرب أن مثل هذه التضحية كان معروفاً ومشروعاً ، وذلك :

أولاً : لأنه قد تعلق به الوحي في قصة إبراهيم وابنه إسماعيل

ثانياً : لقد نذرت امرأة عمران ما في بطنها لخدمة بيت الله ، وهذا أيضاً تصرف في حياة الولد ، وهي أيضاص إمرأة طاهرة مطهرة وموحدة .

ثالثاً : أنه إن كانت العرّافة مؤمنة بالله ، فلما لم تعترض على عبد المطلب في نذره وتقول له : هذا النذر غير مشروع ولا يجب الوفاء به ، بل على العكس نجدها أقرت نذره وقدمت له طريقة الإعذار مع ربه . وإن لم تكن مؤمنة ، فلا يمكن لعبد المطلب المؤمن بالله أن يطلب العذر لربه من كافر أو مشرك ، بل قام بهذا العذر من تفكيره وعقله ، فقد روي أنه لم يقدر أن يذبحه ورسول الله في صلبه ، فجاء بعشر من الإبل ساهم عليها وعلى عبد الله . . . .

وفي بعضها أن ابنته عاتكة من أشارت عليه بذلك .

فعلى كل حال ليس ببعيد مشروعية مثل هذا النذر في الشرايع السابقة ، وإن كانت محرّمة في شريعتنا ، كما كانت التوبة في شريعة موسى - لفترة من الزمان -القتل ، وهو محرم في شريعتنا ، وكان إذا أصاب أحداً من بني إسرائيل البول ، طهره بقرضه بالمقاريض ، وقد وسّع الله عليكم بأوسع ما بين السماء والأرض وجعل الماء طهوراً .

وأما قضية الأسماء فلا تعدو أن تكون تسمية لا يروم من ورائها بشيء ، فلقد تعارف كثيراً تسمية عبد العزى

وعبد مناف فعبد مناف مثلاً كان اسماً لأحد أجداد عبد المطلب ، كما كان اسماً لجد آمنة أم النبي وهكذا . .

8زواج النبي بالسيدة خديجة 10 / ربيع الأول / السنة 15 قبل البعثة

لما تاجر رسول الله مضاربة في أموال خديجة ، وخرج بقوافلها إلى الشام رجع وفير الربح سريع القدوم ، فأخذ - ميسرة - خادمها يخبرها عما رآه بعينه من كرامة محمد ونبله وخلقه وسموه ، ولأجل ما كانت تعرفه عنه وما شاع في الأوساط من أخلاقه في قومه رغبت في الزواج منه . قال ابن هشام في سيرته : فلما أخبرها ميسرة ما أخبرها بعثت إلى رسول الله فقالت له : يا ابن عم إني قد رغبت فيك لقرابتك ووسطتك عراقتك في قومك ، وأمانتك وحسن خلقك ، وصدق حديثك ، ثم عرضت نفسها عليه .

رجع النبي إلى أعمامه وأخبرهم بذلك ، وطلب منهم أن يخطبوها له ، فخرج جمع من بني هاشم يرأسهم أبو طالب إلى ابن عمها ورقة بن نوفل ، وقيل : إلى عمها عمرو ابن أسد ليخطبوا خديجة لمحمد ، فلما استقرّ بهم المقام قام أبو طالب وقال : الحمد لرب هذا البيت الذي جعلنا من زرع إبراهيم وذرية إسماعيل ، وأنزلنا حرماً آمناً ، وجعلنا الحكام على الناس ، وبارك لنا في بلدنا الذي نحن فيه . .

ثم إن ابن أخي هذا من لا يوزن برجل من قريش إلاّ رجح به ، ولا يقاس به رجل إلاّ عظم عنه ، ولا عدل له في الخلق ، وإن كان مقلاً في المال؛ فإن المال رفد جار وظل زائل ،

وله في خديجة رغبة ، وقد جئناك لنخطبها إليه برضاها وأمرها ، والمهر عليّ في مالي الذي سألتموه عاجله وآجله ، وله ورب هذا البيت حظ عظيم ودين شائع ورأي كامل .

قال القمي : فلم يسعف عمها الرد فغالبت خديجة حياءها وقالت بلسان فصيح : أي عم ، إنك وإن كنت الأولى بالكلام في هذا المقام غير أني بما أختاره الأولى ، فقد زوجت نفسي منك يا محمد ، وأما مهري فهو من مالي .

فقال أبو طالب : أيها الناس اشهدوا أن خديجة زوجت نفسها من محمد ، وأنها ضمنت مهرها ، فقال بعضهم : عجباً أن تضمن النساء مهورهنّ للرجال!

فانتفض أبو طالب غاضباً وقال : لو كان الأزواج مثل ابن أخي لطلبتهم النساء بأغلى القيم ، وأغلى المهور ، ولو كان مثلكم لطلبن منهم مهراً غالياً .

ثم إن أبا طالب نحر جزوراً لوليمة الزواج ، وتم زفاف درة الأنبياء على جوهرة النساء ، وأنشد عبد الله بن غنم ، فقال :

هنيئاً مريئاً يا خديجة قد جرت

تزوج_ت من خير البرية كلها

لك ال_طير فما ك_ان منك بأسعد

فمن ذا الذي في الناس مثل محمد

إضاءة من سيرة السيدة خديجة :

كان عمر خديجة عند زواجها بالرسول على القول المشهور أربعين سنة .

وكان عمر النبي عندما بنى بخديجة خمساً وعشرين سنة . وكانت خديجة آنذاك عذراء لم تتزوج كما يذكر ذلك السيد جعفر مرتضى العاملي المؤرخ المعاصر في كتابه الصحيح من السيرة استناداً ما روى عن أحمد البلاذري وأبو القاسم الكوفي في كتابيهما والسيد المرتضى في كتابه الشافي .

فقال السيد جعفر مرتضى : خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي ، كانت تعرف في قومها ب_سيدة قريش والطاهرة ، فقد كانت ذات حسب وشرف ومال وحزم ، وكان رجال قومها حريصين على الزواج بها لو يقدرون ، وقد خطبها عظماء قريش ، وبذلوا لها الأموال ولم ترض .

وقد كانت جميلة الخلقة ، وكريمة الصفات ، يعرف الكل سجاياها وكرم خلقها ، ومنزلتها في قومها ، وكان لها قوافل تجارية تجوب ما حول مكة من البلاد ، وكان الكل يرغب في الاتجار معها .

نعم هكذا كانت خديجة ، ولما لم تجد من أوصاف النبي السامية في غيره عرضت عليه الزواج بها ، فيا للعجب ، خديجة ترفض العظماء - بلحاظ الحكم الجاهلي - رغم ما يقدمون من المهور الغالية ، وتقبل بالنبي وتضمن له مهرها من مالها ، بل تهبه كل ما تملك وتضعه تحت تصرفه ، كل ذلك لما وجدته فيه من صفات كانت غريبة جداً في مجتمع متردي الأطراف ، وكذلك قبل النبي بها لا لشيء سوى سموها وحسن خلقها وطهارتها في قومها ، وما كان المال يهمه ، ولذا أنفقه بعد البعثة في نشر الإسلام .

9بناء مسجد قباء أول مسجد في الإسلام 12 / ربيع الأول / السنة 13 للبعثة

لّمَسْجِدٌ أُسّسَ عَلَى التّقْوَىَ مِنْ أَوّلِ يَوْمٍ أَحَقّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبّونَ أَن يَتَطَهّرُواْ وَاللهُ يُحِبّ الْمُطّهّرِينَ ، وقد ورد في الأحاديث أن الصلاة فيه تعدل عمرة مفردة .

وصل النبي بعد خروجه من الغار إلى قرية قباءالاثنين في الثاني عشر من ربيع الأول ، ونزل

وصاحبه على كلثوم بن الهدم ، وهو شيخ من بني عمرو ، وقد خط رسول الله مسجداً لقبيلته بني عمرو بن عوف ، ونصب لهم قبلته ، وكان أول مسجد بني في الإسلام ، وقد عبّر عنه القرآن بأنه المسجد الذي أسس على التقوى .

مكانة المسجد في الإسلام :

إن للمساجد مكانة عالية ومرموقة في الإسلام ، وقد جعلها الله تعالى بيوته في الأرض ، فعن رسول الله أنه قال : مكتوب في التوراة ، أن بيوتي في الأرض المساجد ، فطوبى لعبد تطهر في بيته ثم زارني في بيتي ، ألا إن على المزور كرامة الزائر ، ألا بشّر المشائين في الظلمات إلى المساجد بالنور الساطع يوم القيامة .

وعن الإمام جعفر الصادق أنه قال : عليكم بإتيان المساجد ، فإنها بيوت الله في الأرض ، ومن أتاها متطهراً طهره الله من ذنوبه ، وكتب من زواره ، فاكثروا فيها من الصلاة والدعاء .

وقد اعتبر الإسلام المساجد مراكز للمسلمين ، فمنها يستفيدون علوم دينهم ، ويحيون نفوسهم ، ويتأدبون بآداب نبيهم ، فعن علي قال : من اختلف إلى المسجد أصاب إحدى ثمان : أخاً مستفاداً في الله ، أو علماً مستظرفاً ، أو آية محكمة ، أو رحمة منتظرة ، أو كلمة ترده عن ردى ، أو يسمع كلمة تدله على هدى ، أو يترك ذنباً خشية أو حياء .

وعن رسول الله أنه قال : لا يرجع صاحب المسجد بأقل من إحدى ثلاث : إما

دعاء يدعو به يدخله الله به الجنة ، وإما دعاء يدعو به ليصرف الله به عنه بلاء الدنيا ، وإما أخ يستفيده في الله عز وجل .

الآداب المعنوية للمساجد :

قد جعل الإسلام لبيوت الله في الأرض آداباً قلبية وروحية ونفيسة ، ينبغي على زائرها الالتفات إليها ، وفيما يلي حديث للإمام الصادق قد جمع فيه جملة من هذه الآداب فقال : إذا بلغت باب المسجد فاعلم أنك قصدت باب بيت ملك عظيم ، لا يطأ بساطته إلا المطهّرون ، ولا يؤذن بمجالسة مجلسه إلاّ الصدّيقون ، وَهَبَ القدوم إلى بساط خدمة الملك ، فإنك على خطر عظيم ، إن غفلت هيبة الملك ، واعلم أنه قادر على ما يشاء من العدل والفضل معك وبك .

واعترف بعجزك وتقصيرك وفقرك بين يديه ، فإنك قد توجهت للعبادة له ، والمؤانسة واعرض أسرارك عليه ، ولتعلم أنه لا تخفي عليه أسرار الخلائق أجمعين وعلانيتهم ، وكن كأفقر عباده بين يديه ، وأخل قلبك عن كل شاغل يحجبك عن ربك ، فإنه لا يقبل إلاّ الأطهر والأخلص .

الآداب السلوكية للمساجد :

كما جعل الإسلام آداباً معنوية للمساجد ، جعل لها أيضاً آداباً عملية سلوكية ، وهي كما يلي :

الأول : أن يتطهر زائرها في بيته ثم يأتيها ، فعن النبي أنه مكتوب في التوراة : أن بيوتي في الأرض المساجد ، فطوبى لعبد تطهر في بيته ثم زارني في بيتي .

الثاني : صلاة ركعتين تحية المسجد ، فقد ورد عن النبي الأكرم

أنه قال : لا تجعلوا المساجد طرقاً حتى تصلّوا فيها ركعتين .

الثالث : التطيّب والتنظّف لدخولها ، قال تعالى : خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُوَاْ إِنّهُ لاَ يُحِبّ الْمُسْرِفِينَ .

الرابع : أن لا يصلي جار المسجد إلا في المسجد ، فعن علي بن أبي طالب أنه قال : لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد ، إلا أن يكون له عذر أو به علة ، فقيل : ومن جار المسجد يا أمير المؤمنين؟ قال : من سمع النداء .

الخامس : إعمارها بالصلاة والذكر والدعاء ، قال تعالى : إِنّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الاَخِرِ وَأَقَامَ الصّلاَةَ وَآتَىَ الزّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاّ اللهَ فَعَسَىَ أُوْلَ_َئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ .

السادس : ترك ما لا ينفع من الأفعال والأقوال ، والتحدث بحديث الدنيا والبيع والشراء ورفع الأصوات ، فقد سأل أبو ذر رسول الله عن كيفية عمارة المساجد ،

فقال : لا ترفع فيها الأصوات ، ولا يخاض فيها بالباطل ، ولا يشترى فيها ولا يُباع ، واترك اللغو ما دمت فيها ، فإن لم تفعل فلا تلومنّ يوم القيامة إلا نفسك .

وعنه أنه قال : كل جلوس في المسجد لغو إلا ثلاثة : قراءة مصلّ ، أو ذكر الله ، أو سائل عن علم .

10دخول الإمام علي بن أبي طالب إلى المدينة المنورة

15 / ربيع الأول / السنة 13 للبعثة

لما وصل النبي في هجرته من مكة إلى قرية قباء من ضواحي يثرب وكان ذلك في 12 من ربيع الأول أقام فيها عدة أيام منتظراً قدوم ابن

عمه وأخيه علي بن أبي طالب بركب الفواطم ، وكان قد ألح ّ أبو بكر عليه لكي يدخل المدينة في ليلته إلاّ أن النبي قال له : ما أنا بداخلها حتى يقدم ابن عمي وأخي وابنتي ، يعني علياً وفاطمة .

فلما أمسى فارقه أبو بكر ، ودخل المدينة ، ونزل على بعض الأنصار ، وبقي النبي في قباء نازلاً على كلثوم ابن الهدم ، ينتظر قدوم ابن عمه من مكة المكرمة ليدخلوا مدينة يثرب معاً .

وقد خرج الإمام علي بن أبي طالب من مكة المكرمة ، بعد خروج النبي بثلاثة أيام بعدما نفَّذ وصايا النبي وكان معه من ضعفاء المؤمنين ، وأمرهم أن يتسللوا ويتخفّوا تحت جنح الليل إلى ذي طوى ، وخرج بالفواطم ، وتبعهم أيمن ابن أم أيمن مولى رسول الله وأبو واقد ، فجعل يسوق بالرواحل فأعنف بهم ، فأمره بالرفق فاعتذر بخوفه من الطلب ، فقال أمير المؤمنين : أربع عليك ، فإن رسول الله قال لي : يا علي أما إنهم لن يصلوا من الآن إليك بأمر تكرهه .

وأدركه الطلب قرب ضجنان ، وهم سبع فوارس متلثمون ، وثامنهم مولى للحارث بن أمية يدعى جناحاً ، فأنزل علي النسوة ، وأقبل على القوم منتضياً السيف ، فأمروه بالرجوع ، فقال : فإن لم أفعل؟ قالوا : لترجعن راغماً ، أو لنرجعن بأكثرك شعراً ، وأهون بك من هالك .

ودنا الفوارس من المطايا ليثوّروها ، فحال علي بينهم وبينها فأهوى جناح بسيفه ، فراغ

علي عن ضربته ، وتختله علي فضربه على عاتقه فأسرع السيف مضياً فيه ، حتى مس كاثبة فرسه ، ثم شد عليهم بسيفه فتصدع القوم عنه ، وقالوا : أغن عنا نفسك يا ابن أبي طالب ، قال : فإني منطلق إلى ابن عمي رسول الله بيثرب ، فمن سره أن أفري لحمه ، وأهريق دمه فليتبعني ، أو فليدن مني ، ثم أقبل على صاحبيه ، فقال لهما : أطلقا مطاياكما .

ثم سار فنزل ضجنان ، فتلوم بها قدر يومه وليلته ، ولحق به نفر من المستضعفين من المؤمنين ، فعبدوا الله تلك الليلة قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم حتى طلع الفجر ، فصلى بهم علي صلاة الفجر ، ثم سار بهم ، فجعلوا يصنعون ذلك في كل منزل حتى قدم قباء .

ولما بلغ النبي قدوم علي ، قال : ادعوا لي علياً ، قيل : يا رسول الله ، لا يقدر أن يمشي ، فأتاه النبي ، فلما رآه اعتنقه ، وبكى رحمة لما بقدميه من الورم ، وكانتا تقطران دماً ، فقال : يا علي ، أنت أول هذه الأمة إيماناً بالله ورسوله ، وأولهم هجرة إلى الله ورسوله ، وآخرهم عهداً برسوله ، لا يحبك والذي نفسي بيده إلا مؤمن قد امتحن الله قلبه للإيمان ولا يبغضك إلا منافق أو كافر .

ثم بعد ذلك دخل النبي والإمام علي ومن معه إلى المدينة .

يقول المقريزي : قدم رسول الله قباء في

الثاني عشر من ربيع الأول ، والتحق به علي في منتصف ذلك الشهر نفسه ، ويؤيد هذا القول ما ذكره الطبري في تاريخه إذ كتب يقول : أقام علي بن أبي طالب بمكة ثلاث ليال وأيامها حتى أدى عن رسول الله الودائع التي كانت عنده إلى الناس .

10دخول النبي المدينة المنورة15 / ربيع الأول / السنة 13 للبعثة

المدينة تهبّ لقدوم النبي

لقد خرج النبي مهاجراً من مكة المكرمة في الأول من ربيع الأول السنة 13 للبعثة وقد وصل إلى منطقه قباء من ضواحي يثرب في 12 من ربيع الأول من تلك السنة وانتظر ابن عمه والذين معه من الفواطم والأصحاب ولم يدخل المدينة ، إلى أن التحقوا به في 15 من ربيع الأول ودخلوا معه إلى مدينة يثرب التي سميت بعد ذلك بمدنية الرسول ، واشتهرت بالمدينة المنورة إلى يومنا هذا .

وكان اليوم الذي دخل فيه رسول الله يوماً عظيماً مشهوداً ، فكم ترى ستكون عظيمة فرحة الذين آمنوا برسول الله منذ ثلاث سنين ، وظلوا طوال هذه الأعوام يبعثون برسلهم ووكلائهم إليه ، ويذكرون اسمه المقدّس ، ويصلّون عليه في صلواتهم كل يوم ، إذا سمعوا أن قائدهم ذلك الذي طال انتظارهم له ، واشتد تشوقهم إليه قد حان لقاؤهم به ، وقدومه عليهم .

حطّ قدمه على تراب يثرب استقبله الناس رجالاً ونساءً ، كباراً وصغاراً ، استقبالاً عظيماً مهيباً ، ورحّبوا به أعظم ترحيب . وكان في مقدمة المستقبلين أصحاب بيعة العقبة الثانية ، وهم سبعون رجلاً وكذلك المهاجرون وفي مقدمتهم مصعب بن عمير .

وكانت بنو عمرو بن عوف قد اجتمعت عنده ،

وأصرّت عليه بأن ينزل في قباء ، وقالوا له : أقم عندنا يا رسول الله ، فإنا أهل الجد والجلد والحلقة أي السلاح والمنعة ، ولكن رسول الله لم يقبل .

وبلغ الأوس والخزرج خروج رسول الله ، وقرب نزوله المدينة قلبوا السلاح وأقبلوا يعدون حول ناقته لا يمرّ بحيّ من أحياء الأنصار إلاّ وثبوا في وجهه ، وأخذوا بزمام ناقته ، وأصروا عليه أن ينزل عليهم ، ورسول الله يقول : خلّوا سبيل الناقة فإنها مأمورة .

وأخيراً لما انتهت ناقته إلى أرض واسعة كانت ليتيمين من الخزرج يقال لهما : سهل وسهيل ، وكانا في حجر أسعد بن زرارة ، فبركت على باب أبي أيوب خالد بن زيد الأنصاري الذي كان على مقربة من تلك الأرض ، فاغتنمت زوجة أبي أيوب الفرصة فبادرت إلى رحل رسول الله فحلّته وأدخلته منزلها ، بينما اجتمع عليه الناس يسألونه أن ينزل عليهم ، فلما أكثروا عليه ، وتنازعوا في أخذه ، قال : أين الرحل؟ فقالوا : أم أيوب قد أدخلته في بيتها ، فقال : المرء مع رحله ، وكان أبو أيوب أفقر أهل المدينة ، وبقي النبي عنده حتى بُني مسجده .

11ولادة النبي الأكرم 17 / ربيع الأول/ عام الفيل

اتفق المسلمون - إلا من شذّ - على أن ولادته في عام الفيل في شهر ربيع الأول ، ولكنهم اختلفوا في يومه ، فذهب المشهور من العلماء إلى أنه في اليوم السابع عشر منه ، وقد نقله الأثبات من الأعلام كالمفيد ، والطبرسي ، وابن طاووس ، والمجلسي

الأول قال في البحار : إعلم أنه اتفقت الإمامية - إلا من شذّ منهم - على أن ولادته كانت في السابع عشر من ربيع الأول عام الفيل ، وذلك لأربع وثلاثين سنة مضت من ملك كسرى أنوشيروان

وذهب إخواننا السنة إلى أن ولادته كانت في الثاني عشر من ربيع الأول ، وتابعهم عليه الكليني والشيخ المفيد .

وقد أعلنت الجمهورية الإسلامية هذه الأيام بين تقدير التاريخين أسبوع الوحدة الإسلامية .

وقد ولد النبي في شِعب أبي طالب أو شِعب بني هاشم في الدار التي اشتراها محمد بن يوسف أخو الحجاج من ورثة عقيل بن أبي طالب ، ثم صيرتها الخيزران أم هارون الرشيد مسجداً .

قال المحدث القمي : قالت آمنة بنت وهب : إن النبي - والله - سقط فاتقى الأرض بيده ، ثم رفع رأسه إلى السماء فنظر إليها ، ثم خرج مني نور أضاء كل شيء ، فسمعت في الضوء قائلاً يقول ، إنك قد ولدت سيد الناس فسميه محمداً ، وفي الخرائج كما عن البحار : أنه ولد مختوناً مقطوع السرة .

وترافق مع ولادته المباركة حوادث كانت غريبة وعجيبة على قريش والعالم بأسره ، منها : انكباب الأصنام جميعاً على وجوهها حول الكعبة ، واضطراب إيوان كسرى ، وسقوط أربعة عشر شرفة منه ، وانخماد نار فارس التي لم تخمد منذ ألف سنة ، ولم يبق سرير لملك من ملوك الأرض إلا نكس ، وانتزع علم الكهنة ، وبطل سحر السحرة ، قال أمير المؤمنين : ولما حل الليل سمع هذا النداء من السماء :

جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً ، وأشرقت الدنيا كلها في هذه الليلة ، وضحك الحجر والمدر ، وسُبح الله في السماوات والأرضين ، وبكى إبليس وقال : خير الأمة وأفضل الخلائق ، وأكرم العباد وأعظم العالمين؛ محمد .

عناية الله بنبيه :

فقد النبي أباه عبد الله بن عبد المطلب وهو لا يزال جنيناً في بطن أمه ، فكان اليتم ملازماً لحياته ، فجعل الله تعالى كفالته لجده عبد المطلب الذي كان يهتم به أكثر من سائر بني هاشم ، وقد أوصى بكفالته من بعده إلى ابنه أبي طالب الذي كان نعم الناصر والمآزر والمحامي عن النبي ، فكان يباشر بنفسه حمايته ، وبعد انطلاق النبي بالدعوة إلى الحق ، كان أبو طالب قد جند بني هاشم لحمايته والذب عنه ونصرته ، وهذه العناية الإلهية بالنبي كان قد بينها القرآن الكريم بقوله تعالى : أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَىَ .

من أوصاف النبي :

أن النبي الأكرم كان قد كرّس جلّ حياته في سبيل دعوة الناس إلى الله تعالى وإلى تعاليمه ، دون أن يستعين بأية وسيلة مادية كبيرة أو قوّة عسكرية هائلة .

فما الذي مكّن رسول الله من إحراز ذلك النجاح الباهر في مجتمع الجاهلية مغرق في القسوة والجفاء ، وغلظة الطبع وشكاسة الخلق؟!

كيف طوى خاتم الأنبياء رحلة قرن ونصف من الزمان في ربع قرن؟ وكيف لم تحتج عملية الهداية المحمدية والتغيير الاجتماعي والفكري العميق إلى زمن طويل؟!

ويأتي الجواب القرآني واضحاً من خلال وصفه تعالى لرسوله الكريم بالخلق العظيم حيث وصف به نبيه تارة على نحو الإجمال

، إذ قال عنه : وَإِنّكَ لَعَلَىَ خُلُقٍ عَظِيمٍ .

وتارة بالتفصيل ، نسبياً ، إذ قال : فَبِمَا رَحْمَةٍ مّنَ اللهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضّواْ مِنْ حَوْلِكَ .

وقوله تعالى : عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رّحِيمٌ .

وفيما يلي باقة عطرة من خُلُق النبي وأدبه مع نفسه ومع ربه ومع مجتمعه كانت هي سرَّ نجاحه ، ورمز خلوده ، نقلاً عن ابن عمه الإمام علي بن أبي طالب يتحدث عن أخلاق رسول الله .

الإمام علي يصف النبي

قال الإمام الحسين بن علي سألتُ أبي عن رسول الله ، فقال :

كان دخولُه في نفسه مأذوناً في ذلك .

فإذا آوى إلى منزله جَزّأ دُخولَه ثلاثة أجزاءٍ جزءاً لله ، وجزءاً لأهله وجزءاً لنفسه ثم جزّأ جزءه بينه وبين الناس فيردُّ ذلك بالخاصَّة على العامة ، ولا يَدّخر عنهم منه شيئاً .

وكان من سيرته في جزء الأمُّة ، إيثار أهل الفضل بأدبه ، وقسّمه على قَدَر فضلهم في الدين ، فمنهم : ذو الحاجة ومنهم ذوالحاجتين ، ومنهم ذوالحوائج ، فيتشاغل بهم ، ويشغَلهم فيما أصلَحَهم ، والأُمّةَ ، مِن مسألته عنهم ، وبإخبارهم بالذي ينبغي ، ويقول : ليبلّغِ الشاهدُ منكم الغائبَ وأبلغوني حاجةَ من لا يقدرُ على إبلاغ حاجته ، فإنه من أبلغ سلطاناً حاجةَ من لا يقدرُ على إبلاغها ثبّت الله قدمَيْه يوم القيامة ، لا يُذكر عنده إلاّ ذلك ، ولا يقبل من أحدٍ غيرَه ،

يدخلون رُوّاداً ، ولا يفترقونَ إلاّ عن ذواق ويخرجون أدلّةً .

كان رسول الله يخزن لسانه إلاّ عمّا كان يعنيه .

ويؤلّفهُّم ولا ينفّرهم .

ويُكرمُ كريمَ كلِّ قوم ويولَّيه عليهم .

ويحذَرُ الناس ويحترسُ منهم من غيرِ أن يطوي عن أحدٍ بِشره ولا خُلُقه .

ويتفقَّد أصحابَه .

ويسأل الناسَ عمّا في الناس .

ويحسّنُ الحسنَ ويقوّيه .

ويقبّحُ القبيحَ ويوهنُه .

معتدلَ الأمر غير مختلف فيه .

لا يغفَل مخافةَ أن يغفلوا ويميلوا .

ولا يقصّرُ عن الحقِ ولا يجوِّزُهُ .

الذين يَلُونه من الناسِ خيارُهم .

أفضلُهم عنده أعمّهم نصيحةً للمسلمين .

وأعظمهُم عنده منزلةً أحسنُهم مواساة وموازرة .

كان لا يجلس ولا يقومُ إلاّ على ذكرٍ .

وإذا انتهى إلى قوم ، جَلَسَ حيث ينتهي به المجلس ويأمر بذلك .

ويعطي كلَّ جلسائه نصيبَه ، ولا يحسب أحدٌ من جلسائه أنَّ أحداً أكرمُ عليه منه .

مَن جالسَهُ صابره حتى يكونَ هو المنصرف .

مَن سأله حاجة لم يرجع إلاّ بها ، أو ميسورٍ مِنَ القول .

قد وسع الناسَ منه خُلُقُهُ فصارَ لهم أباً ، وصاروا عنده في الخَلق سواء .

مجلسُه مجلسُ حلمٍ وحياءٍ وصدقٍ وأمانةٍ ، لاتُرفَعُ عليه الأصوات ، ولا تؤبَنُ فيه الحُرَم ، ولا تُثَنى فلتاتُه ، مُتعادلين ، متواصلين فيه بالتقوى ، متواضعين ، يوقرون الكبيرَ ، ويَرحمون الصَّغير ، ويؤثرون ذا الحاجة ويحفظون الغريب .

كان دائمَ البشْر

.

سَهْلَ الخُلُقِ .

لَيّنَ الجانب .

ليس بفِظِّ ولا غليظٍ ، ولا ضَحّاكٍ ، ولا فحّاشٍ ، ولا عَيّابٍ ، ولا مَدّاحٍ .

يتغافلُ عما لا يشتهي ، فلا يؤيَس منه ، ولا يُخيّبُ فيه مؤمليه .

قد ترك نفسَه من ثلاث : المراء ، والإكثار ، ومالايعنيه .

وترك الناس من ثلاث : كان لا يذمُّ أحداً ولا يعيّره ، ولا يطلب عثراتِه ولا عورته .

ولا يتكلم إلاّ فيما رُجِي ثوابَه .

إذا تكلم أطرقَ جُلساؤه كأنَّ على رؤوسهم الطير ، فإذا سكت سكَتوا .

ولا يتَنازعون عنده الحديث .

من تكلم أنصَتوا له حتى يفرَغ ، حديثهم عنده حديث أوّلهم .

يضحكُ ممّا يضحكون منه .

ويتعجبُ ممّا يتعجَّبون منه .

ويصبرُ للغريب على الجفوة في مسألته ومنطِقِه ، حتى إن كان أصحابه يستجلبونهم ، ويقول : إذا رأيتم طالبَ الحاجة يطلبُها فأرْفِدُوهُ .

ولا يقبل الثناء إلاّ مِن مكافىء .

ولا يقطعُ على أحدٍ كلامَهُ حتى يجوز فيقطعُه بنهيٍ أو قيامٍ .

كان سكوته على أربع : على الحلمِ ، والحذرِ ، والتقدير ، والتفكير .

فأمّا التقدير ففي تسوية النظر والاستماع بين الناس .

وأمّا تفكّرهُ ففيما يبقى ويفنى .

وجمع له الحلم والصبرَ فكان لا يغضبهُ شيء ولا يستفزُّه .

وجمع له الحذرَ في أربع : أخذُه بالحَسَن ليقتدى به ، وتركُه القبيح ليُنتهى عنه ، واجتهادُه الرأيَ في صلاح اُمَّتِه ، والقيام

فيما جمع له خير الدنيا والآخرة .

وقال عنه علي بن أبي طالب أيضاً

كان رسول الله يأكل على الأرض ،

ويجلس جِلسَة العبد ،

ويخصفُ بيدِهِ نَعله ،

ويرقّع ثوبَه ،

ويركبُ الحمارَ العاري ،

ويردفُ خلفه ،

ويكون الستر على بابه فيكون عليه التصاويرُ فيقول : يا فلانة – لإحدى زوجاته – غيِّبيه عنّي ، فإنيّ إذا نَظَرْتُ إليه ذكرتُ الدنيا وزخارفها .

فأعرضَ عن الدنيا بقَلبه ، وأمات ذكرَها عن نفسه ، وأحبَّ أن تغيب زينتها عن عينيه لكيلا يتخذ منها ريشاً ، ولا يعتقدها قراراً ، ولا يرجو فيها مقاماً ، فأخرجها من النفس وأشخصها عن القلب وغيّبها عن البصر .

12ولادة الإمام جعفر الصادق 17/ ربيع الأول/ السنة 83 ه_

الإمام جعفر الصادق في سطور :

هو الإمام الهمام جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم أفضل الصلاة والسلام ، أبوه الإمام محمد الباقر سيد الناس وأعلمهم في عصره ، ولم يظهر من أحد في ولد الإمامين الحسن والحسين من علم الدين والسنن ، وعلم القرآن والسير ، وفنون الأدب والبلاغة مثل ما ظهر منه .

وأمه هي السيدة الفاضلة أم فروة بنت الفقيه القاسم بن محمد بن أبي بكر ، وكانت من سيدات النساء عفة وشرفاً وفضلاً ، فقد تربت في بيت أبيها ، وهو من الفضلاء اللامعين في عصره ، كما تلقّت الفقه والمعارف الإسلامية من زوجها الإمام محمد الباقر ، وكانت على جانب كبير من الفضل ، فقد كانت مرجعاً لنساء عصرها

في مهام أمورهنّ الدينية .

لقّب بالصادق ، ونصّ المؤرخون : أن النبي هو الذي سماه بجعفر ولقّبه بالصادق ، كما لقب بالصابر والفاضل والطاهر وعمود الشرف ، والقائم والكافل والمنجي ، وكان يكنى بأبي عبد الله ، وأبي إسماعيل ، وأبي موسى .

وقد اختلف المؤرخون في السنة التي ولد فيها ، فمن قائل إنه ولد بالمدينة سنة 80 ه_ ، وآخرون أنه ولد سنة 83 ه_ يوم الجمعة ، وقيل يوم الاثنين لثلاث عشرة ليلة بقيت من ربيع الأول ، وقيل سنة 86 ه_ .

رحل إلى جوار ربه عن عمر يناهز 65 سنة في عام 148ه_ ، ودفن في البقيع إلى جوار أبيه الباقر ، وقد تزامنت إمامته مع نهاية الحكم الأموي في سنة 132ه_ ، وبدايات الحكم العباسي الذي بدأ من ذلك التاريخ ، فقد عاصر من الخلفاء العباسيين ، هشام بن عبد الملك ، والوليد بن يزيد بن عبد الملك ، ويزيد بن الوليد بن عبد الملك ، وإبراهيم بن الوليد ، ومروان بن محمد المعروف بمروان الحمار ، ومن الخلفاء العباسيين ، عبد الله بن محمد المعروف بالسفاح ، وأبو جعفر المعروف بالمنصور الدوانيقي .

المقام العلمي العظيم للإمام الصادق :

اعترف أئمة المذاهب ، وعلماء الأمة بالمقام العلمي الشامخ للإمام الصادق ، فقد قال أبو حنيفة النعمان بن ثابت وهو إمام المذهب الحنفي الشهير : ما رأيت أعلم من جعفر بن محمد ، وقد استدل على أعلميته بأن أعلم الناس أعلمهم باختلاف الناس

.

وقال مالك إمام المذهب المالكي : اختلفت إلى جعفر بن محمد زماناً ، فما كنت أراه إلا على إحدى ثلاث خصال : إما مصلياً ، وإما صائماً ، وإما يقرأ القرآن ، وما رأيته قط يحدّث عن رسول الله إلاّ على طهارة ، ولا يتكلم بما لا يعنيه ، وكان من العلماء العباد والزهاد الذين يخشون الله ، وما رأت عين ولا سمعت أذن ، ولا خطر على قلب بشر أفضل من جعفر بن محمد الصادق علماً وعبادة وورعاً .

وقال ابن حجر الهيثمي : جعفر الصادق نقل الناس عنه من العلوم ما سارت به الركبان ، وانتشر صيته في جميع البلدان ، ولم ينقل عن أحد من أهل بيته ما نقل عنه من العلوم .

ويقول أبو بحر الجاحظ أحد علماء القرن الثالث : جعفر بن محمد الذي ملأ الدنيا علمه وفقهه ، ويقال إن أبا حنيفة من تلامذته ، وكذلك سفيان الثوري ، وحسبك بهما في هذا الباب .

وكتب ابن خلكان المؤرخ الشهير : أبو عبد الله جعفر بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين أحد الأئمة الاثني عشر على مذهب الإمامية ، وكان من سادات آل البيت ، ولقّب بالصادق لصدقه ، وفضله أشهر من أن يذكر ، وكان أبو موسى جابر ابن حيان الكوفي تلميذاً عنده ، وصنف جابر كتاباً في ألف ورقة يتضمن رسائل الإمام جعفر الصادق ، وهي خمسمائة رسالة .

الجامعة الجعفرية الكبرى :

كان عصر

الإمام الصادق عصراً فريداً ، والظروف الاجتماعية والثقافية التي عاشها لم يعشها أيّ واحد من الأئمة ، ذلك أن تلك الفترة كانت من الناحية السياسية فترة تزعزع الحكم الأموي ، واشتداد شوكة العباسيين ، وكان الطرفان في صراع مستمر ، بدأ الصراع الإعلامي ، والنضال السياسي للعباسيين منذ عهد هشام بن عبد الملك ، وفي عام 129ه_ دخل الصراع نطاق الكفاح المسلح ، وفي نهاية المطاف انتصر العباسيون عام 132ه_ .

ونظراً لانشغال الأمويين خلال هذه الفترة بالمشاكل السياسية الكثيرة لم تسنح لهم الفرصة لمضايقة الإمام الصادق وشيعته ، كما أن العباسيين ، ولأنهم كانوا يرفعون شعار الدفاع عن أهل البيت والثأر لهم قبل استلامهم مقاليد الحكم لم تكن هناك مضايقة من جانبهم أيضاً ، ومن هنا كانت هذه الفترة فترة هدوء وحرية نسبية للإمام الصادق وشيعته ، فكانت فرصة مناسبة جداً لتفعيل نشاطهم العلمي والثقافي .

ومن جهة أخرى كان عصره عصر تلاقح وتضارب الأفكار ، وظهور الفرق والطوائف والتيارات المختلفة ، وانبثقت شبهات وإشكاليات متعددة جراء تضارب عقائد المسلمين مع عقائد أهل الكتاب وفلاسفة اليونان .

وقد ظهرت تيارات وفرق ، مثل المعتزلة والجبرية ، والمرجئة ، والغلاة ، والزنادقة ، والمشبهة ، والمتصوفة ، والمجسّمة ، والتناسخية وغيرها ، وكانت كل فرقة تروّج أفكارها وعقائدها ، وفضلاً عن ذلك كله كان الخلاف يدب في العلم الواحد من العلوم الإسلامية بين علماء ذلك العلم ، فمثلاً كانت تحدث مناقشات حادة في علوم القراءة والتفسير والحديث والفقه والكلام .

نظراً لذلك كله واصل الإمام الصادق الجهود التي ابتدأها أبوه الإمام الباقر ، وأسس جامعة علمية كبيرة ، علّم وربّى فيها تلامذة كباراً وبارزين ، أمثال هشام بن الحكم ، ومحمد بن مسلم ، وأبان ابن تغلب ، وهشام بن سالم ، ومؤمن الطاق ، والمفضل بن عمر ، وجابر بن حيان ، وغيرهم كثير في مختلف العلوم العقلية والنقلية ، وقد ناهز عدد تلامذته الأربعة آلاف عالم ، وكان لبعضهم مؤلفات علمية وتلامذة كثيرون ، فكان لهشام ابن الحكم واحد وثلاثون كتاباً ، ولجابر أكثر من مئتي كتاب وفي مواضيع مختلفة لا سيما في العلوم العقلية والطبيعية والكيمياوية ، وقد أشتهر بأبي الكيمياء .

لقد زخرت هذه الجامعة بطلاب من مختلف المذاهب والفرق ، وكان أئمة المذاهب السنية المشهورون بشكل مباشر وغير مباشر تلامذة لديه ، وكان على رأسهم أبو حنيفة الذي لازم الإمام سنتين ، وجعل هاتين السنتين مصدر علمه ومعرفته ، وكان يقول : لولا السنتان لهلك النعمان .

ويكفي ما قاله الحسن بن علي بن زياد الوشاء في سعة هذه الجامعة فقال : أدركت في هذا المسجد - أي مسجد الكوفة - تسعمائة شيخ كل يقول : حدثني جعفر بن محمد .

ويقول ابن حجر العسقلاني : فقد حدث عنه فقهاء ومحدثون ، مثل : شعبة ، وسفيان الثوري ، وسفيان بن عينية ، ومالك ، وابن جريح ، وأبي حنيفة ، وابنه موسى ، ووهيب بن خالد ، والقطان ، وأبي

عاصم ، وجماعة كثيرة .

13البدء ببناء مسجد النبي في المدينة المنورة18/ ربيع الأول/ السنة الأولى للهجرة

بعد وصول النبي بأيام إلى المدينة ابتاع الأرض التي بركت فيها ناقته يوم قدومه إلى المدينة ، والتي كانت ليتيمين هما سهل وسهيل من الخزرج ، وكانا عند أسعد بن زرارة ، وقد اشتراها بعشرة دنانير ، وذلك لإقامة مسجده فيها .

وقد اشترك كافة المسلمين في تهيئة مواده وبنائه ، كما أن رسول الله عمل بنفسه في تشييده فكان ينقل معهم اللبن والحجارة ، وبينما هو ذات مرة ينقل حجراً على بطنه استقبله أسيد بن حضير فقال : يا رسول الله ، أعطني أحمله عنك ، فقال : لا ، اذهب فاحمل غيره .

وبهذا الأسلوب العملي كشف رسول الله عن جانب من خلقه وسلوكه القويم ، إذ بيّن بعمله أنه رجل عمل ، وليس رجل قول ، وكان لهذا أثره الفعال في نفوس أتباعه ، حتى أنشد بعضهم :

لئن قعدنا والنبي يعمل

فذاك منا العمل المضلل

وفعلاً بنى المسلمون مسجدهم وبنى المهاجرون منازلهم حول المسجد ، وفتح كل واحد منهم بابه على المسجد شراعاً ، فكانوا يخرجون من منازلهم فيدخلون المسجد من تلك الأبواب ، ولكن فيما بعد أمر الله نبيه أن يأمر المسلمين بسد أبوابهم المشرعة على المسجد عدا بابه وباب علي . فضل ومستحبات مسجد النبي

إن مسجد النبي في المدينة المنورة الذي بني على يد النبي وأصحابه الكرام يُعد ثانى المساجد في الفضل بعد مسجد الحرام في مكة المكرمة ، وقد ورد في الحديث الشريف : وصلاة في مسجدي تعدل عشرة آلاف صلاة فيما سواه من المساجد

إلا المسجد الحرام ، ولهذا المسجد مستحبات وآداب نذكرها بإختصار :

1- الغسل لدخول المسجد وزيارة قبر رسول الله .

2- الإستئذان بالدخول إلى المسجد والأفضل أن يكون الدخول من باب جبرئيل .

3- الصلوات على النبي عند الدخول وعند الخروج من المسجد وقراءة ذكرالله أكبر مائة مرة .

4- صلاة ركعتين تحية المسجد النبوي الشريف .

5- زيارة قبر النبي وزيارة بضعته الطاهرة فاطمة الزهراء التي يحتمل أن تكون مدفونة في بيتها أو في الروضة الشريفة بين قبر أبيها رسول الله ومنبره ، ثم صلاة الزيارة .

6- الصلاة في الروضة الشريفة الواقعة بين قبر النبي ومنبره وقد جاء في الحديث النبوي الشريف ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة ، والصلاة عند اسطوانة التوبة والصلاة في مقام جبرئيل وإقامة الصلاة اليومية فيه ما أمكن .

7- الإكثار من تلاوة القرآن الكريم في المسجد النبوي الشريف .

14غزوة بني النضير 22 / ربيع الأول/ السنة 3 ه_

قال تعالى : هُوَ الّذِيَ أَخْرَجَ الّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لأوّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُواْ وَظَنّوَاْ أَنّهُمْ مّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مّنَ اللهِ فَأَتَاهُمُ اللهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُواْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُواْ يَا أُولِي الأبْصَارِ .

كانت غزوة بني النضير من أهم الأحداث التي تحمل في طياتها الكثير من الدروس والعبر ، وقد تركت آثاراً بارزة على منحى وعمق الفكر الإنساني والرسالي ، وعلى الفهم الدقيق للمسار العام في خط الرسالة ، فهي حدث فريد ومتميز لا يقل في أهميته عن أي من الأحداث الكبرى في العهد النبوي ، ومما يكشف عن ذلك أن سورة الحشر بتمامها قد نزلت

في هذه المناسبة ، وهذا يبرهن على الأهمية البالغة لهذه الواقعة ، وعلى أنها تمثل تحولاً كبيراً وإيجابياً في مسيرة العمل والعاملين في سبيل الله سبحانه وتعالى من جهة ، كما أنها تعتبر من الجهة الأخرى ضربة قاسية وقاصمة لأعداء الله وأعداء دينه من الكافرين .

فقد كان بنو النضير أقوى اليهود شوكة ، وأشدّهم شكيمة ، وأعزّهم عزةً ، يعيشون في قلب الدولة الإسلامية وكان بإمكانهم الإطلاع على أدقّ دقائقها ، وعلى كل الواقع الذي كان قائماً في داخل المجتمع الإسلامي ، سواءً على مستوى العلاقات والارتباطات فيما بين فئات ذلك المجتمع ، أو سائر المجالات ومختلف المواقع .

كما أنهم كانوا يملكون أذرعة ظاهرة وخفية ، ممتدة هنا وهناك ، وفي عمق المجتمع الإسلامي ، حتى على مستوى بعض قيادات الدولة الإسلامية التي كانت تساهم بشكل فعّال في صنع القرار ، أو في عرقلته وتعطيله .

وكانوا يملكون قوة كبيرة من الثروات والأموال ، ويكفي أنهم كانوا يملكون من الحلي الشيء الكثير ، حتى قال بعضهم : إنهم كانوا يعيرونه للعرب من أهل مكة وغيرهم ، وكذلك كان لهم ديون على الناس كثيرة وإلى آجال مختلفة ، فكان وجود بني النضير واحداً من أهم مصادر القوة والتحدي لدى أعداء الإسلام والمسلمين ، وبالأخص بالنسبة إلى المشركين ، وكل من يتعاطف معهم من القبائل والطوائف في المنطقة العربية .

متى كانت غزوة بني النضير؟

اختلف المؤرخون في زمن غزوة بني النضير ، فذهب جمع إلى أنها كانت قبل غزوة أحد ، كما حكاه البخاري

عن الزهري ، وذهب آخرون كابن إسحاق إلى أنها بعد حرب أحد ، ولعل الظاهر هو القول الثاني لما يأتي من سبب هذه الغزوة .

أسباب غزوة بني النضير :

لما رجع عمرو بن أمية من بئر معونة ، والتي قتل فيها أربعون مبلغاً وداعياً من دعاة الإسلام كان النبي قد أرسلهم إلى أهل نجد لينشروا الإسلام ويعلّموا الناس الدين نزولاً عند طلب أبي براء العامري - الذي طلب من النبي ذلك وأجار المبلغين حفاظاً عليهم - لما قدم عليه المدينة ، فلما بلغوا بئر معونة ، وهي بين أرض بني عامر وحرّة بني سليم ، وهم يحملون من رسول الله كتاباً إلى عامر بن الطفيل ، وقد كلّف المنذر بن عمرو - الذي كان زعيم البعثة - أحد المسلمين لإيصال الكتاب إلى عامر ، فلما أتاه الكتاب لم ينظر فيه حتى عدا على حامل الكتاب فقتله ، ثم استصرخ بني عامر على قتال المبلغين ، فأبوا أن يجيبوه إلى ما دعاهم ، وقالوا : لن ننقض عهد أبي براء ، وقد عقد لهم عقداً وجواراً ، فاستصرخ قبيلة أخرى من بني سليم فأجابوه فنزلوا عليهم ، ودارت بينهم وبين مبلغي الإسلام حرب ضروس كان نهايتها أن قتل جميع المبلغين إلاّ كعب بن زيد الذي جرح وعاد إلى المدينة ، وأخبر النبي بالأمر .

وكان عمرو بن أمية والحارث بن الصِّمَّة قد جعلهما جماعة المبلغين ليرعيا إبلهم ويحافظا عليها ، وبينما كان الرجلان يقومان بواجبهما إذ أغار عليهما عامر بن الطفيل فقتل حارث بن الصمة ، وأطلق سراح

عمرو بن أمية ، فعاد عمرو إلى المدينة ، وفي أثناء طريقه التقى رجلين من العامريين فرافقهما وأمهلهما حتى إذا ناما وثب عليهما فقتلهما ، وهو يرى أنه انتقم لزملائه من المسلمين ، ولكنه قد أخطأ في تصوره ، لأن بني عامر لم تخفر جوار سيدها أبي براء ، ولم تنقض أمانته كما بيّنا .

فلما رجع المدينة أخبر النبي بالأمر فقال له : لقد قتلت رجلين لأدينَّهما ،

فخرج إلى بني النضير يستعينهم في دية ذينك الرجلين من بني عامر ، وذلك طبقاً للعهد الذي كان أعطاهما ، وكان بين بني عامر وبني النضير عهد وحلف ، فلما أتاهم قالوا : نعم يا أبا القاسم نعينك على ما أجبت .

ثم خلا بعضهم ببعض فقالوا : إنكم لن تجدوا الرجل على مثل حاله هذا ، - وكان رسول الله إلى جنب جدار من بيوتهم قاعداً - فمَن رجل يعلو على هذا البيت فيلقي عليه صخرة ويريحنا منه . فانتدب لذلك عمرو بن حجاش بن كعب ، فقال : أنا لذلك . فصعد ليلقي عليه صخرة كما قال ، ورسول الله في نفر من أصحابه ، وفيهم علي وأبو بكر وعمر ، فأتى رسول الله الخبر من السماء بما أراد القوم ، فقام وخرج راجعاً إلى المدينة .

فلما استلبث النبي أصحابه قاموا في طلبه ، فلقوا رجلاً مقبلاً من المدينة ، فسألوه عنه فقال : رأيته داخلاً المدينة ، فأقبل أصحاب رسول الله حتى انتهوا إليه ، فأخبرهم بما كانت اليهود أرادت من الغدر

به .

فبعث رسول الله محمد بن مَسلمة يأمرهم بالجلاء عن جواره وبلده .

أحداث غزوة بني النضير :

بعد ما بلغهم أمر النبي بجلائهم عن جواره ، بعث إليهم المنافقون وعلى رأسهم عبد الله بن أبي بن أبي سلول يحرضونهم على المقام في حصونهم ويعدونهم بالنصر فقويت عند ذلك نفوسهم ، وحمي حيي بن أخطب ، وبعثوا إلى رسول الله : أنهم لا يخرجون ، ونابذوه بنقض العهود .

عند ذلك أمر النبي الناس بالخروج إليهم ، فاستعمل على المدينة ابن أم مكتوم ، ثم سار إليهم بأصحابه حتى نزل بهم فحاصرهم ست ليال ، وقد تحصّنوا في حصونهم وأظهروا المقاومة والإصرار على الامتناع ، فأمر رسول الله بقطع النخيل المحيطة بتلك الحصون ، وإلقاء النار فيها لييأس اليهود من البقاء في تلك المنطقة ما دامت بساتينهم أعدمت وأفنيت ، فتعالت نداءات اليهود تقول : يا محمد قد كنت تنهى عن الفساد وتعيبه على من صنعه ، فما بال قطع النخيل وتحريقها؟! ، فرد الله تعالى عليهم بقوله : مَا قَطَعْتُمْ مّن لّينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَآئِمَةً عَلَىَ أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ ، ومن جهة أخرى خذلهم عبد الله بن أبي بن أبي سلول فلم يأتوهم ، كما اعتزلتهم يهود قريظة فلم تعنهم بسلاح ولا رجال ، وقد ذكر الله تعالى خذلانهم إذ يقول : أَلَمْ تَرَ إِلَى الّذِينَ نَافَقُواْ يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمُ الّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنّ مَعَكُمْ وَلاَ نُطِيعُ فيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنّكُمْ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنّهُمْ لَكَاذِبُونَ ، لَئِنْ أُخْرِجُواْ لاَ يَخْرُجُونَ

مَعَهُمْ وَلَئِن قُوتِلُواْ لاَ يَنصُرُونَهُمْ وَلَئِن نّصَرُوهُمْ لَيُوَلّنّ الأدْبَارَ ثُمّ لاَ يُنصَرُونَ ، لأنتُمْ أَشَدّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مّنَ اللهِ ذَلِكَ بِأَنّهُمْ قَوْمٌ لاّ يَفْقَهُونَ ، لاَ يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلاّ فِي قُرًى مّحَصّنَةٍ أَوْ مِن وَرَآءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتّىَ ذَلِكَ بِأَنّهُمْ قَوْمٌ لاّ يَعْقِلُونَ .

وأخيراً رضخ اليهود لمطلب رسول الله ، وسألوه أن يجليهم ، ويكفّ عن دمائهم على أن يكون لهم ما حملت الإبل من أموالهم ، إلا السلاح والدروع فرضي النبي بذلك ، فاحتملوا من أموالهم أكبر قدر ممكن حتى أن الرجل منهم كان يخرب داره ويقلع بابه فيضعه على ظهر بعيره ، فخرج منهم جماعة إلى خيبر ، وجماعة أخرى إلى الشام ، وقد خرجوا وهم يضربون بالدفوف ، ويزمرون بالمزامير ، وقد ألبسوا نساءهم الثياب الراقية ، وحلي الذهب مظهرين بذلك تجلداً ليغطوا على هزيمتهم ، ويروا المسلمين أنهم غير منزعجين من مغادرتهم تلك الديار .

ويرى أكثر المؤرخين أنه لم يسفك في هذه الحادثة أيّ دم ، ولكن الشيخ المفيد ، يكتب في الإرشاد : بأنه وقع ليلة فتح حصون بني النضير قتال محدود ، قتل فيه عشرة من اليهود ، وكان ذلك هو السبب في فتح تلكم الحصون .

وقال المقريزي : وفُقد علي في بعض الليالي ، فقال النبي : إنه في بعض شأنكم ، فعن قليل جاء برأس عزوك ، وقد كمن له حتى خرج في نفر من اليهود يطلب غرة من المسلمين ، وكان شجاعاً رامياً ، فشد

عليه علي فقتله وفرّ اليهود .

15إبرام معاهدة الصلح بين الإمام الحسن ومعاوية26 / ربيع الأول / السنة 41 ه_

بعد شهادة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب خطب الحسن بجموع المسلمين في الكوفة بخطاب عرّفهم من فقدوا ، ثم بكى وبكى الناس معه ، فقال :

أيها الناس من عرفني فقد عرفني ، ومن لم يعرفني فأنا الحسن بن محمد رسول الله ، أنا ابن البشير ، أنا ابن النذير ، أنا ابن الداعي إلى الله بإذنه والسراج المنير ، أنا من أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً ، والذين افترض الله مودتهم في كتابه .

ثم قام عبد الله بن العباس بين يديه فدعا الناس إلى بيعته ، فاستجابوا ، وقالوا : ما أحبه إلينا وأحقّه بالخلافة ، فبايعوه .

وكان عدد المبايعين له أكثر من أربعين ألفاً ، وكان يشترط عليهم بقوله : أنكم مطيعون تسالمون من سالمت ، وتحاربون من حاربت ، فكانوا يبايعونه على ذلك .

وأول عمل قام به بعد بيعة الناس له أن كتب إلى معاوية يدعوه إلى البيعة والطاعة والدخول فيما دخل فيه الناس ، وفيما جاء في كتابه :

. . . فاليوم فليعجب المتعجب من توثّبك يا معاوية على أمر لست من أهله ، ولا بفضل في الدين معروف ، ولا أثرٍ في الإسلام محمود ، وأنت ابن حزب من الأحزاب ، وإنّ علياً لمّا مضى لسبيله - رحمة الله عليه - ولابن المسلمون الأمر بعده . . فدع التمادي في الباطل ، وادخل فيما دخل فيه الناس من بيعتي ، فإنّك تعلم

أنّي أحقّ بهذا الأمر منك عند الله ، وعند كل أوّاب حفيظ ، ومن له قلب منيب .

واتق الله يا معاوية ودع البغي ، واحقن دماء المسلمين . . فادخل في السلم والطاعة ، ولا تنازع الأمر أهله ، ومن هو أحقّ به منك ، ليطفئ الله النائرة بذلك ، وتجمع الكلمة ، وتصلح ذات البين ، وإن أنت أبيت إلاّ التمادي في غيّك نهدت إليك بالمسلمين ، فحاكمتك حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين .

فردّ عليه معاوية قائلاً له . . أنت أحق أن تجيبني إلى هذه المنزلة التي سألتني ، فادخل في طاعتي ، ولك الأمر من بعدي .

فأمر الإمام الناس بالتحرك لقتال معاوية ، كما أن معاوية حرّك جيش الشام باتجاه العراق ، فخطب الإمام الحسن في الناس فقال لهم : إنه بلغني أن معاوية بلغه أنّا كنّا أزمعنا المسير إليه ، فتحرك لذلك فاخرجوا رحمكم الله إلى معسكركم بالنخيلة .

فسكتوا ولم يجيبوه ، فقام عَدي بن حاتم الطائي ، وقيس بن سعد بن عبادة ، ومعقل بن قيس الرياحي ، وزياد بن صعصعة التميمي يؤنبون الناس ويلومونهم على سكوتهم ، ويحرّضونهم على الجهاد .

ولمّا تحرك الناس دعا عبيد الله بن العباس ، وبعثه مع اثني عشر ألفاً من فرسان الكوفة ، وأمره أن لا يقاتل معاوية حتى يبدأ بالقتال .

حروب نفسية قبل القتال :

كثّف معاوية جهوده على ضرب جيش العراق دون قتال ، وقد قام بعدة أساليب لإنزال الهزيمة به

.

الأسلوب الأول - استقطاب القيادة : أرسل معاوية مع بعض جلاوزته كتاباً إلى قادة جيش الإمام الحسن يمنّيهم بالمناصب ويغريهم بالأموال ، ويتبع معهم مغالطات ومراوغات يظهر من خلالها أنه سيصالح الحسن لا محالة .

فقد كتب إلى عبيد الله بن العباس فقال له : قد راسلني الحسن في الصلح ، وهو مسلّم الأمر إليّ فإن دخلت في طاعتي الآن كنت متبوعاً ، وإلاّ دخلت وأنت تابع ، ولك إن أجبتني الآن أن أعطيك ألف ألف درهم .

ولم يكن عبيد الله بن العباس ليتحمل مثل هذا الإغراء فانسل ليلاً ودخل معسكر معاوية ومعه ثمانية آلاف مقاتل .

فاستلم قيادة الجيش قيس بن سعد بن عُبادة ، فحثّ الناس على الجهاد فأجابوه بالطاعة ، وحاول معاوية مع قيس واستجلبه بالمال ، إلاّ أن قيس أجابه بجوابه الخالد : لا والله لا تلقاني أبداً إلا وبيني وبينك الرمح .

وكثّف معاوية حملته على قادة جيش الإمام الحسن فكاتب أربعة من كبار الشخصيات في جيش الإمام كلٌ على انفراد : إن قتلت الحسن بن علي فلك مائتا ألف درهم ، وجند من أجناد الشام ، وبنت من بناتي ، فأجابه بعضهم بالسمع والطاعة ، وضمنوا له تسليم الإمام الحسن عند دنوهم من عسكره ، أو الفتك به .

وقد علم الحسن بمثل هذه المؤامرات فكان لا يخرج من خبائه إلاّ لابساً درعه .

الأسلوب الثاني - اغتيالات في جيش الإمام الحسن : أرسل معاوية الكثير من جلاوزته لإجراء الاغتيالات السرية والليلية في جيش الإمام الحسن ، وقد شاعت كثيراً إلى درجة سلبت النوم

من العسكر ، فكانوا يبيتون طوال ليلهم دون نوم خوفاً من الفتك بهم ، حتى ضاق المعسكر بهم ذرعاً فقرر الكثيرون اعتزال المعسكر قافلاً إلى بلاده .

الأسلوب الثالث - إشاعة الصلح : أرسل معاوية إلى الإمام الحسن ، المغيرة بن شعبة وآخرون ، والتقوا بالإمام ثم خرجوا من عنده وأشاعوا في أوساط الجيش أن الحسن قد قبل الصلح ، يقول ابن الأعثم : وتوالت الإشاعات مما أدى إلى خلخلة جيش الإمام وإضعاف معنوياته ، وتشجيع أهل الأهواء والمنافع للالتحاق بمعاوية أو الفرار من معسكرات الجيش ، فبدأت القبائل تلتحق به قبيلة بعد قبيلة حتى خفّ عسكره .

الأسلوب الرابع - القضاء على الإمام الحسن : قام معاوية بمحاولات عديدة لقتل الإمام والخلاص منه ، وفعلاً تعرض الإمام الحسن وهو في قلب جيشه لعدة محاولات لاغتياله ، غير أنها باءت بالفشل .

هذه الأساليب التي قام بها معاوية لشلّ روحية جيش الإمام وإفقاده حيويته ومعنوياته ، إضافة إلى استمالة الكثير منهم إلى صفّه ، ومن جهة أخرى أن عقائد جيش الحسن وأهواءهم كانت مختلفة ، إذ لم يكونوا جميعاً خارجين بوازع ديني ومبدأي ، بل بعضهم كان بدافع الغنائم ، وبعضهم بدافع الاستجابة لرئيس القبيلة ، وهكذا استطاع معاوية افتراس جيش الإمام بمكره وخداعه ، ولم يبق مع الإمام إلاّ القلّة .

في هذه الأثناء أرسل معاوية وفده يدعوا الحسن للصلح ، ومعهم كتب رؤساء العشائر الذين ضمنوا لمعاوية فيها قتل الحسن أو تسليمه إليه ، وكان معهم أيضاً صحيفة بيضاء قد ختم معاوية أسفلها ليشترط الحسن

ما يشاء .

خرج الإمام الحسن وخطب في البقية من جيشه ، وأخبرهم بدعوة معاوية إلى الصلح ، ثم قال لهم : . . فإن أردتم الموت رددناه عليه وحاكمناه إلى الله عز وجل بظبى السيوف ، وإن أردتم الحياة قبلناه وأخذنا لكم الرضا ، فناداه الناس من كل جانب : البقية البقية .

الإمام الحسن والصلح :

تبين من خلال العرض السابق أن الإمام لم يكن يريد الصلح ، وأن البقية المتبقية من جيشه لو قبلوا بالموت لحارب الحسن معاوية ولو أدى ذلك إلى تسجيل كربلاء حسنية قبل قيام كربلاء الحسين ، ولكن من تبقى كان ينادي بالبقاء والحياة ، ولا يوجد عنده تنازل عنها ولا كان موطناً نفسه على لقاء الله ، ولا باذلاً فيه مهجته ، ولهذا فبقاء الإمام مصمماً على القتال لا طائل تحته ، بل لعله يؤدي إلى تسليم الحسن أسيراً إلى معاوية ، ويستلم معاوية زمام الأمور دون قيد أو شرط ، ولهذا نزل الإمام عند رغبة أصحابه بالصلح - دون أن يكون راغباً فيه - ولكن حاول ترشيده ، بما يخفف من وطأة الأزمة ، ويعود على الأمة بالخير إلى حد ما ، وحاله في ذلك حال أبيه أمير المؤمنين في قضية التحكيم في صفين فإنه لم يقبل التحكيم ، لكن لما وجد جيشه مصمماً عليه حاول ترشيده باختيار مالك الأشتر حكماً عنه .

ولذا فقد حاول الحسن ترشيد الصلح فاشترط على معاوية شروطاً تعود بالنفع والخير للأمة والإسلام ، ومنها ما يلي :

1- أنه لا يحق لمعاوية أن يعهد

بالأمر بعده لأحد ، بل يلي أمر الناس بعده الحسن ، فإن قضى فللحسين .

2- إن للحسن خراج العراق بأكمله ، أو ألف ألف دينار ، يضعه حيث يشاء .

3- أن يعمل معاوية بكتاب الله وسنة رسوله .

4- أن الناس آمنون حيثما كانوا في كوفتهم أو شامهم . . .

5- الأمان العام لشيعة عليّ وأصحابه .

6- عدم البغي على أهل البيت .

وعلى الرغم من قبول معاوية لهذه الشروط إلا أنه لم يفِ بواحد منها ، حيث هو صرح بذلك بقوله : إني قد أعطيت الحسن بن علي عهوداً وإني جعلتها تحت قدمي . وكان الإمام الحسن على علم ودراية بذلك ، ولكن لكي تدرك الأمة خطورة ترك السلاح وأيضاً لتعيش تجربة في ظل جور بني أمية ، حيث ضاق عليهم عدل علي ، فلينعموا في سعة جور بني أمية .

مناسبات شهر ربيع الثاني

4مناسبات شهر ربيع الثاني

اليوم المناسبة السنة

8 ربيع الثاني شهادة السيدة فاطمة على رواية الأربعين غير المشهورة11 ه_

8/ ولادة الإمام الحسن العسكري 232 ه_

10/وفاة السيدة فاطمة المعصومة 201 ه_

12/استقرار فرض الصلاة حضراً وسفراً 1 ه_

13/سقوط دولة بني أمية 132 ه_

14/ثورة المختار بن أبي عبيدة الثقفي 66 ه_

تمهيد

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على شمس الهداية نبينا محمد ، وعلى الأقمار المضيئة الأئمة الطاهرين .

لا يقاس بآل محمد من هذه الأمة أحد ، ولا يسوّى بهم من جرت نعمتهم عليه أبداً ، هم أساس الدين ، وعماد اليقين ، إليهم يفيء الغالي ، وبهم يلحق التالي ، ولهم خصائص حق الولاية ، وفيهم الوصية والوراثة .

بهذه الكلمات البليغة المطرّزة بألوان الذهب الغالي ، يقدّم لنا الإمام علي ابن أبي طالب وصفاً لمقام أهل بيت النبوة السامي ، ويكشف لنا بعضاً من حقائق هذه الجواهر النفيسة والدرر الثمينة .

وشهر ربيع الثاني شهر عظيم ، ولابد من تعظيمه بالمساعي الجميلة بما يناسب معرفته ، وقد خصّ السيد ابن طاووس غرّة هذا الشهر بدعاء عن أهل بيت العصمة والطهارة .

وفي العاشر منه ولادة مولانا وإمامنا أبي محمد الحسن العسكري ، وهو يوم شريف جداً ، ويستحب فيه الصيام لله على هذه النعمة العظمى .

ولهذا اليوم خصوصية من جهة أنه والد إمامنا أرواحنا وأرواح العالمين له الفداء ، فينبغي لرعيته تهنئته بما يليق به ، وأن يزيد في حوائجه التي يعرضها لصاحب الولادة بالتضرّع والسؤال في أن يوصيه لصاحب العصر في أن يدخله في همّه ، ونظر لطفه ، ويخصّه من بين رعيته بمكارمه .

ونحن

وإيماناً منّا بما صنعه أهل البيت وما قدّموه من خدمات جليلة في سبيل تشييد أركان هذا الدين ، وتأسيس دعائمه وإيصاله إلى الأمة صافياً نقياً ، وبحسب تعبير الإمام الخميني : الإسلام المحمدي الأصيل ، نقدّم للقرّاء الأعزّاء هذه الباقة من المواضيع في هذه السلسلة من المناسبات الإسلامية بدءاً من ولادة الإمام الحسن العسكري ، ووفاة السيدة فاطمة المعصومة ، ومروراً باستقرار فرض الصلاة ، وانتهاءاً بثورة المختار الثقفي .

لعلّها تلامس بعض حقائق أهل البيت وتكشفها لمن يريد الحقيقة ، علّنا بذلك نحظى بشفاعتهم ورضوانهم .

سائلين المولى أن يمدّنا بالعون لنكون في خدمة من يحيون هذا الشهر العظيم .

والله من وراء القصد .

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .

1شهادة السيدة فاطمة الزهراء 8 / ربيع الثاني/ السنة 11 ه_

سيأتي الحديث عن السيدة الزهراء بمناسبة ولادتها وذكرى شهادتها على الروايتين المشهورتين وبمناسبة ذكرى شهادتها على الرواية الأولى التي تقرر أنها بقيت بعد أبيها رسول الله أربعين يوماً وهي ضعيفة لا يعمل بها ، سنذكر أهم وأخطر جوانب شخصيتها ، وهذه الجوانب هي كالتالي :

الجانب الأول : الزهراء مبلّغة لرسالة السماء :

كانت الزهراء مواكبة لأبيها رسول الله ، وكانت تتصدى لتعليم النساء في المدينة أحكام دينهنّ ، حتى أن النساء كنّ يأتين بيت فاطمة في كثير من الأحيان طلباً للعلم والمعرفة ، فقد روي عن أبي محمد الحسن العسكري أنه قال : حضرت امرأة عند الصديقة فاطمة الزهراء ، فقالت : إن لي والدة ضعيفة ، وقد لبس عليها في أمر صلاتها شيء ، وقد بعثتني إليكِ أسألك ، فأجابتها فاطمة عن

ذلك ، فثنّت فأجابت ، ثم ثلّثت فأجابت . . إلى أن عشرت ، فأجابت ، ثم خجلت المرأة من الكثرة ، فقالت لها : لا أشقّ عليك يا ابنة رسول الله ، فقالت فاطمة : هاتي وسلي عمّا بدا لك ، أرأيت من اكترى يوماً يصعد إلى سطح بحمل ثقيل ، وكِراه مائة ألف دينار يثقل عليه؟ فقالت : لا ، قالت : اكتريت أنا بكل مسألة بأكثر من ملء ما بين الثرى إلى العرش لؤلؤاً فأحرى أن لا يثقل عليّ ، سمعت أبي يقول : «إن علماء شيعتنا يحشرون فيخلع عليهم من خلع الكرامات على قدر كثرة علومهم ، وجدهم في إرشاد عباد الله ، حتى يخلع على الواحد منهم ألف ألف حلة من نور» .

وقد كان النبي يعتمد عليها في تبليغ الإسلام ، وتعليم القرآن لنساء أهل المدينة ، والرواية السابقة توضح بشكل صريح أن نساء المدينة كنّ يأتينها لتعلّم أحكام الدين ، وهذا يكشف عن أن الزهراء كانت محطاً للتعليم والتثقيف وتبليغ الرسالة .

وأيضاً بعد وفاة النبي الأعظم كانت الزهراء مبلّغةً للوصاية والإمامة لأمير المؤمنين ، وكانت تواصل دفاعها عنه بشتى طرق الدفاع ، وبمختلف أساليبه ، فكانت تخرج مع علي إلى أبواب المهاجرين والأنصار؛ لتذكرهم حقوق الإمام على الأمة ، وتدعوهم إلى نصرته بعد أن ابتزوا حقه وغصبوه .

يقول ابن قتيبة : وخرج علي كرم الله وجهه يحمل فاطمة بنت رسول الله على دابة ليلاً في مجالس الأنصار تسألهم النصرة ، فكانوا يقولون : يا بنت رسول

الله ، قد مضت بيعتنا لهذا الرجل ، ولو أن زوجك وابن عمك سبق إلينا ما عدلنا به ، فيقول علي كرم الله وجهه : أفكنت أدع رسول الله في بيته لم أدفنه وأخرج أنازع الناس سلطانه؟! فقالت فاطمة : ما صنع أبو الحسن إلا ما كان ينبغي له ، ولقد صنعوا ما الله حسيبهم وطالبهم .

ولقد كان هذا الموقف منها دفاعاً واضحاً عن الإمامة ، وتبليغاً عظيماً في سبيل هذا الحق الإلهي العظيم .

الجانب الثاني : جهاد الزهراء :

كانت الزهراء في دائرة الجهاد التي خطّها رسول الله ، حيث أنها قد عاشت محن الجهاد بتمام تفصيلاته ، فلقد قاست مرارة الحصار في شعب أبي طالب مع أبيها وأمها وسائر بني هاشم ، ولم يمض من عمرها غير سنتين ، كما أنها عاشت آلام أبيها والمحن التي عصفت به ، والأذى الذي كان يلحقه القوم به ، فقد روى عبد الله بن مسعود : أنه بينما كان رسول الله يصلي عند البيت ، وأبو جهل وأصحابه جلوس ، وقد نحرت بالأمس جزور ، فقال أبو جهل : أيكم يقوم إلى سلا بني فلان فيأخذ منه ويضعه على كتفي محمد إذا سجد؟ فانبعث أشقى القوم فأخذه ، فلما سجد النبي وضعه بين كتفيه ، قال : فاستضحك القوم ، وجعل بعضهم يميل على بعض ، فلما علمت الزهراء بذلك جاءت إليهم وهي طفلة صغيرة ، فطرحته عنه ، ثم أقبلت عليهم تلومهم وتعنّفهم بالقول . كما أنها علمت ذات يوم بأن قريشاً تكيد

لقتل النبي فأعلمته بذلك .

واستمرت تواكب جهاد أبيها مع أمها ، إلى أن اختار الله لخديجة دار المقامة عنده ، ففقد النبي بفقدها الناصر والمعين ، والشفيق الحنون ، فلقد كانت نعم المواسيّ والمصبّر لرسول الله ، وشكّل فقدها فراغاً كبيراً في حياته حتى أطلق على عام وفاتها الذي ارتحل فيه أيضاً عمه أبو طالب عام الحزن ، كما أن الزهراء فقدت على صغر سنها الأم الحنون والحجر الدافئ ، إلا أنها تناست أحزانها ، ولم تدع المصيبة الجليلة تأخذ منها ومن عزيمتها ، وتحطّ من قدرتها ، فأخذت على عاتقها تسنّم مكانة أمها بفيض الحنان المتدفق على أبيها ، فكانت بمجرد أن يدخل رسول الله إلى البيت تفرغ عليه حنانها ، وتمارس دور أمها في تصبير النبي ومواساته ، حتى فاقت بحنانها حنان أمها ، فأسماها النبي فاطمة أم أبيها .

وهذا الوسام يعكس بجلاء مدى الحنان الكبير ، والمؤازرة العظيمة ، والموقف الجليل الذي كانت تقوم به تجاه أبيها .

كما أنها هاجرت في سبيل الله برفقة علي بركب الفواطم ، وعايشت سائر غزوات النبي ، حتى أنها خرجت في غزوة أحد إلى موقع المعركة ، ورأت أباها بتلك الحالة المؤلمة ، فأخذت تغسل عن وجهه الدماء المتخثّرة ، وهي تقول : اشتدّ غضب الله على من أدمى وجه رسول الله ، فكانت تغسل الدماء ، وعلي يصب الماء من المجن ، فلما رأت أن الماء لا يزيد الدم إلا كثرة ، عمدت إلى قطعة حصيرة فأحرقتها

، وجعلت رمادها ضماداً على جبهته ، وألزمته الجرح فاستمسك الدم .

وهكذا كانت تأتي أباها بكسيرات من الخبز في معركة الخندق ، مما يكشف بوضوح

أنها كانت تعايش محن الرسالة ، وهمّ الجهاد وتشارك بما يمكنها فيه المشاركة .

الجانب الثالث : عبادة فاطمة :

لقد عرفت الزهراء بعابدة البيت النبوي ، حتى قال الحسن البصري : ما كان في هذه الأمة أعبد من فاطمة بنت رسول الله ، وكانت تقوم بالأسحار حتى تورّمت قدماها

وعن ابن عباس عن رسول الله قال : « . . . وأما ابنتي فاطمة ، فهي سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين ، إنها لتقوم في محرابها فيسلّم عليها سبعون ألف ملك من الملائكة المقربين ، وينادونها بما نادت به الملائكة مريم ، فيقولون : يا فاطمة إن الله اصطفاك وطهّرك واصطفاك على نساء العالمين» . .

وورد أن رسول الله قد بعث سلماناً إلى فاطمة ، فوقف بالباب وقفة حتى سمع فاطمة تقرأ القرآن من جوا ، وتدور الرحى من برا ، ما عندها أنيس ، فتبسم رسول الله وقال : يا سلمان ، ابنتي فاطمة ملأ الله قلبها ، وجوارحها إيماناً إلى مشاشها ، تفرّغت لطاعة ربها ، فبعث الله ملكاً اسمه زوقابيل ، فأدار الرحى ، وكفاها الله مؤونة الدنيا ، مع مؤونة الآخرة .

وورد عنه أيضاً : متى قامت في محرابها بين يدي ربها جل جلاله زهر نورها لملائكة السماء كما يزهر نور الكواكب لأهل الأرض ، ويقول الله عز وجل لملائكته :

يا ملائكتي أنظروا إلى أمتي فاطمة ، سيدة إمائي قائمة بين يدي ، ترتعد فرائصها من خيفتي ، وقد أقبلت بقلبها على عبادتي ، أشهدكم أني قد أمنت شيعتها من النار . . .

وجاء في كتاب عدة الداعي : أن فاطمة كانت تنهج في الصلاة من خيفة الله ، ومعنى النهج تتابع النفس من شدة الخوف والخشوع .

ولشدة ما تعلقت الزهراء بالعبادة والأذكار وقراءة القرآن تنازلت عن الخادم الذي هي بأمسّ الحاجة إليه لأجل مداومة ذكر الله تعالى وتسبيحه وتقديسه ، حيث روي - بسند معتبر - أن فاطمة قد استقت بالقربة حتى أثّر في صدرها ، وطحنت بالرحى حتى مجلت يداها ، وكسحت البيت حتى اغبرّت ثيابها ، وأوقدت النار تحت القدر حتى دكنت ثيابها ، فأصابها من ذلك ضرر شديد ، وكان قد أهدي إلى رسول الله رقيق ، فأتته فاطمة فسألته أن يعطيها خادماً يعينها في أعمالها ، فقال لها رسول الله : يا فاطمة أعطيك ما هو خير لك من خادم ، ومن الدنيا بما فيها : تكبّرين الله بعد كل صلاة أربعاً وثلاثين تكبيرة ، وتحمدين الله ثلاثاً وثلاثين تحميدة ، وتسبحين الله ثلاثاً وثلاثين تسبيحة ، ثم تختمين ذلك بلا إله إلا الله ، وذلك خير لك من الذي أردت ومن الدنيا وما فيها .

فقبلت فاطمة وتنازلت عن طلبها ، على الرغم من أن الخادم في زمانها كان من ضروريات الحياة ، وكان عند أغلب الناس خدم ، فليس في طلب فاطمة هذا من النبي

ما يدلّ على طلب الترف والترفع ، بل ما هو ملائم لطبيعة الحياة آنذاك ، والنبي لم يرفض طلبها ، ولكنه خيّرها بين الخادم وهذا الذكر ، فاختارت التسبيح إيثاراً لرضا ربها على رضا نفسها ، ورغبة في الارتباط التام والعميق بالرب الرؤوف الرحيم ، فكانت صلوات الله عليها ملازمة لهذا التسبيح طيلة حياتها ، في أدبار الصلاة ، وإذا أخذت مضجعها ، وكانت قد عملت سبحتها من خيط صوف مفتّل ، معقود عليه عدد التسحبيات ، فكانت تديرها بيدها؟ ، وتكبّر وتسبّح ، ولما قتل حمزة بن عبد المطلب في أحد ، استعملت تربته ، وعملت السبحة منه ، فاستعملها الناس .

وقد أصبح هذا التسبيح الذي عرف ب__تسبيح الزهراء من أفضل تعقيبات الصلاة ، فقد ورد الحث البليغ والكثير عن الأئمة بملازمته ، والتعقيب به ، فعن أبي عبد الله الصادق أنه قال لأبي هارون : يا أبا هارون ، إنّا نأمر صبياننا بتسبيح فاطمة كما نأمرهم بالصلاة ، فالزمه ، فإنه لم يلزمه عبد فشقى .

وهكذا غدا هذا التسبيح - وبفضل فاطمة - شعار كل مؤمن ، وكل عابد وناسك ، حتى صار سبحة هذا الذكر شعاراً يتزين بحمله المؤمنون .

فضل تسبيح الزهراء والتعقيب به :

قد ورد الكثير من الأخبار التي تعكس فضلاً كبيراً ، وأجراً جزيلاً للتعقيب بتسبيح الزهراء ننقل بعضها تيمناً :

عن عبد الله بن سنان قال ، قال أبو عبد الله : من سبح تسبيح فاطمة قبل أن يثني

رجله من صلاة الفريضة غفر الله له ، ويبدأ بالتكبير .

وعن زرارة عن أبي عبد الله ، قال : تسبيح الزهراء من الذكر الكثير الذي قال الله عز وجل : اذْكُرُواْ اللهَ ذِكْراً كَثِيراً .

وعن محمد بن مسلم قال ، قال أبو جعفر : من سبّح تسبيح فاطمة ثم استغفر غفر له ، وهي مائة باللسان ، وألف في الميزان ، وتطرد الشيطان وترضي الرحمن .

وعن أبي جعفر قال : ما عبد الله بشيء من التحميد أفضل من تسبيح فاطمة ، ولو كان شيء أفضل منه لنحله رسول الله فاطمة .

وعن أبي خالد القماط ، قال : سمعت أبا عبد الله يقول : تسبيح فاطمة في كل يوم في دبر كل صلاة أحب إليّ من صلاة ألف ركعة في كل يوم

2ولادة الإمام الحسن العسكري 8 / ربيع الثاني/ السنة 232 ه_

الإمام العسكري في سطور :

ولد الإمام الحسن العسكري في عام 232 ه_ على المشهور بين المحققين وأبوه الإمام الهادي علي بن محمد ، وأمه حديثة ، وقيل : اسمها سوسن ، وكانت امرأة زاهدة مؤمنة ، ومن العارفات الصالحات ، ويكفي في فضلها أنها كانت مفزع الشيعة بعد وفاة أبي محمد ، وفي تلك الظروف الحرجة .

أشهر ألقابه :

النقي والزكي ، والعسكري ، ولقّب بالأخير؛ لأنه كان يقيم في سامراء مجبراً في حي يسمى بالعسكر ، وكني بأبي محمد ، وكان عمره 22 سنة عندما استشهد أبوه الهادي ، وكانت إمامته ستة أعوام ، حيث استشهد سنة 260ه_ ، ودفن في بيته إلى جوار قبر أبيه

في سامراء ، وتعتبر إمامته أقصر مدة للإمامة في تاريخ أهل البيت .

النص على إمامته :

ورد في النص على إمامته نصوصٌ كثيرة ، ولعلّه لأجل أنّ الشيعة كانت تظن أنّ الإمامة بعد الإمام الهادي ، لابنه محمد الذي كان أكبر سناً من أخيه الحسن العسكري ، فقد روى أحمد بن عيسى العلوي من ولد علي بن جعفر ، قال : دخلت على أبي الحسن ب_صريا فسلمنا عليه فإذا نحن بأبي جعفر وأبي محمد قد دخلا فقمنا إلى أبي جعفر لنسلم عليه ، فقال أبو الحسن : ليس هذا صاحبكم ، عليكم بصاحبكم . وأشار إلى أبي محمد .

ولكن بعد وفاة محمد بن الإمام الهادي علمت الشيعة أن الإمام بعده ابنه الإمام العسكري ، وروى الكليني بسنده عن يحيى بن يسار القنبري قال : أوصى أبو الحسن إلى ابنه الحسن قبل مضيه بأربعة أشهر ، وأشهدني على ذلك ، وجماعة من الموالي .

3وفاة السيدة فاطمة المعصومة 10 / ربيع الثاني / السنة 201 ه_

قال الإمام الصادق : «إنّ لله حرماً وهو مكة ، ولرسوله حرماً وهو المدينة ، ولأمير المؤمنين حرماً وهو الكوفة ، ولنا حرماً وهو قم ، وستدفن امرأة من ولدي سميت فاطمة من زارها وجبت له الجنة» .

لشدة تعلق السيدة فاطمة المعصومة بأخيها الإمام الرضا ، حيث كانت تحبه

حباً جماً ، وكان عزيزها الذي كانت تشعر بالأمن والراحة إلى جواره ، قررت أن تلتحق به في خراسان ، فتجهزت مع بعض إخوة الإمام وأبناء إخوته .

خرج في قافلة السيدة المعصومة خمسة من إخوتها ، وهم : فضل وجعفر

وهارون وقاسم وزيد ، ومعهم بعض أبناء إخوة السيدة المعصومة ، وعدة من العبيد والجواري ، وكان ذلك سنة 201ه_ .

ولما وصلت القافلة إلى ساوة هجم عليهم أعوان بني العباس وقتلوا جمعاً من أفراد القافلة ، وجرحوا البعض الآخر حتى قيل أنهم قتلوا 23 علوياً من أفراد القافلة ، وعلى أثر ذلك مرضت ونحلت وضعف بدنها ، وقيل إن سبب ضعفها ومرضها السم الذي دسّ إليها في ساوة من قبل أعوان بني العباس ، ولذلك لم تستطع مواصلة السير وإكمال السفر ، فسألت عن المسافة التي بينها وبين قم حيث مقر الكثير من وجوه الشيعة ، وأتباع مدرسة أهل البيت فقيل لها عشرة فراسخ ، أي ما يقارب 55 كيلوا متراً ، فطلبت منهم أن يحملوها إلى قم ، فحملت إليها ولما وصلت على مشارف الطريق مر بظعينتها راكب ، فسأل : لمن هذه الظعينة؟ فقيل له : هي لفاطمة بنت الإمام موسى بن جعفر ، وهي وافدة من الحجاز للقاء أخيها أبي الحسن الرضا ، فأقبل ذلك الرجل إلى مجلس موسى بن الخزرج الأشعري - وكان من وجوه الشيعة في قم آنذاك وزعيم الأشعريين - وكان حاشداً بالناس ، فقال الرجل وهو باك : يا موسى ، لقد حلّ الشرف في بلدكم ، ونزلت الخيرات والبركات بساحتكم . فقال موسى : لا زلت مبشراً بخير ما الذي جرى؟ قال ظعينة : أخت الرضا مقبلة على قم .

فخرج موسى مع أصحابه ، وجمع كثير من الناس لاستقبالها ، فلما وصل موسى إلى ظعينة

السيدة فاطمة تناول يد القائد لناقتها فقبلها ، وطلب منه أن يسلمه زمام الناقة ليقودها بيده وليتشرف بذلك ، فسلم إليه زمام الناقة فقادها موسى بيده حتى أنزل السيدة فاطمة بيته ، في 23 / ربيع الأول / سنة 201ه_ .

بقيت في بيته 17 يوماً وهي مريضة ناحلة حتى توفيت في العاشر من ربيع الثاني من نفس السنة ، فدفنت في قم ، ومقامها اليوم مشهور مشهود يؤمّه الناس ، ويأتونه من كل فج عميق يتقرّبون إلى الله تعالى بزيارتها ، وقد حصلت لهم كرامات كثيرة ومنيفة .

فسلام على السيدة المعصومة يوم ولدت ، ويوم أدّت رسالتها ، ويوم توفيت ، ويوم تبعث حية .

4استقرار فرض الصلاة حضراً وسفراً12/ ربيع الثاني/ السنة 1 ه_

قال الله تعالى : إِنّ الصّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مّوْقُوتاً

ورد في بعض الروايات المعتبرة : أن الصلاة كانت في أول الأمر ركعتين ركعتين ، فرضها الله تعالى على العباد مباشرة ، وفوّض لرسوله زيادة معينة يزيدها عليها في الوقت المناسب ، من دون حاجة إلى وحي جديد ، فزاد في المغرب ركعة واحدة ، وفي الظهر والعصر والعشاء ركعتين ركعتين .

وقيل إن هذه الزيادة كانت في السنة الأولى من الهجرة ، وقيل بعد ولادة الحسنين .

وفي قبال ذلك هناك قول آخر يثبت أن الصلاة قد فرضت من أول الأمر تامة كاملة ، فعن نافع بن جبير وغيره ، أنه لما أصبح رسول الله ليلة أسري به فيها ، لم يرعه جبرئيل يتدلى حين زاغت الشمس ، ثم تذكر الرواية : أنه صلى بهم

الظهر أربعاً ، والعصر كذلك ومعنى ذلك أن الصلاة أول ما فرضت فرضت تامة .

وعن الحسن البصري : إن صلاة الحضر أول ما فرضت فرضت أربعاً .

ولكننا لا نستطع قبول ذلك ، لوجود الروايات الثابتة والصحيحة عند الشيعة ، وعند غيرهم ، الدالة على أن صلاة الحضر قد فرضت أولاً ركعتين ، ثم زيد فيها ، ففي موثق فضيل بن يسار قال : سمعت أبا عبد الله يقول في حديث إن الله عز وجل فرض الصلاة ركعتين ركعتين ، عشر ركعات ، فأضاف رسول الله إلى الركعتين ركعتين ، وإلى المغرب ركعة ، فصارت عديل الفريضة ، لا يجوز تركهن إلا في سفر ، وأفرد الركعة في المغرب ، فتركها قائمة في السفر والحضر ، فأجاز الله له ذلك كله ، فصارت الفريضة سبع عشرة ركعة .

ولعل المراد أن الصلاة أبلغت إلى النبي أولاً كاملة ، ولكن المصلحة كانت تلزم أولاً بركعتين ، ثم صارت تلزم بالكل ، وفُوّض إلى النبي أمر تبليغ ذلك في الوقت المناسب ، ولذلك فقد اعتبرت الركعتان الأوليان فريضة ، أي ما فرض من الله مباشرة على العبد ، والباقي سُنّة ، وهو ما أبلغ حكمه للنبي ليبلغه في صورة تحقق موضوعه ، وهو المصلحة المقتضية له .

وهكذا فإن الله تعالى أول ما كلم موسى بن عمران في الوادي المقدس أمره بإقامة الصلاة ، قال تعالى : . . . وَأَقِمِ الصّلاَةَ لِذِكْرِيَ ، وهكذا عيسى الذي جعله الله تعالى نبياً

وهو في المهد صبياً ، فعندما كلّم الناس أخبرهم بأنّ الله تعالى أوصاه بالصلاة ، قال تعالى : وَأَوْصَانِي بِالصّلاَةِ وَالزّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً ، وكذلك لقمان الحكيم عندما كان يوصي ابنه ، جعل من كبريات وصاياه التذكير بإقامة الصلاة : يَبُنَيّ أَقِمِ الصّلاَةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ ، وكل هذا يكشف عن أن الصلاة من التشريعات التي اهتمت بها الأديان اهتماماً بليغاً .

وكذلك الإسلام فقد اهتم بها اهتماماً عظيماً ، ودعا إليها بما لم يدع إلى غيرها ، وقد ظهر اهتمامه بها في عدة نقاط .

النقطة الأولى : النداء إليها ، فإننا لا نجد عبادة ينادى إليها في كل يوم خمس مرات إلا الصلاة ، فالأذان هو الذي يذكّر الإنسان بالصلاة ، كما أننا لو تأملنا فصول الأذان وجدنا أن الصلاة قد وصفت فيه بصفات عظيمة وجليلة ، كقوله : حيّ على الفلاح ، وقوله : حيّ على خير العمل ، فالصلاة هي الفلاح ، وهي خير عمل يتقرب به الإنسان الى ربه .

النقطة الثانية : أنّ الله تعالى قد فرضها على الإنسان في كل يوم ، وفي خمسة أوقات ، وهذا يكشف عن شدة اهتمامه بها ، بينما لم يفرض الزكاة الا في زمن خاص ، وكذا الصيام والخمس ، ولم يفرض الحج إلا مرة واحدة في العمر ، فجميع العبادات فرضت في أوقات خاصة ، ولم يفرضها في كل وقت كالصلاة وهذا يعني أن الإسلام يريد من الإنسان حصول التذكر من الصلاة في كل مجريات حياته ،

ويستشعر بها في كل أوقات يومه ، ليعيش الصلة الوثيقة مع الله تعالى ، ولتكون المذّكرة للطاعة ، ولترك المعصية .

النقطة الثالثة : أنّ الصلاة لا تسقط عن الإنسان بحال من الأحوال ، حتى وإن كان مريضاً أو خائفاً أو غريقاً ، بل يجب عليه أداؤها بكيفية خاصة تتلاءم مع حاله ، بينما نجد أن الصيام يسقط عن المريض والمسافر ، كما أن الحج لا يجب على غير المستطيع ، والخمس والزكاة لا يجبان على غير المالك لأزيد من قوته ، وكل هذا دليل واضح على عظيم اهتمام الإسلام بأمر الصلاة .

النقطة الرابعة : أنه جعل قبول الأعمال رهين قبولها ، فعن النبي الأكرم أنه قال : الصلاة عمود الدين إن قبلت قبل ما سواها وإن ردت رد ما سواها

النقطة الخامسة : أن الصلاة مكفّرة للذنوب ، ففي تفسير قوله تعالى : إِنّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السّ_يّئَاتِ قال علي : إنّ الصلوات هي الحسنات التي تذهب السيئات الحاصلة بينهن

آثار الاستخفاف بالصلاة :

بعد ما ذكرنا من اهتمام الإسلام بأمر الصلاة ، فلابد وأن يعلم أن التهاون والاستخفاف بها يوجب تضيعها ، وتضيع آثارها الخيّرة التي تعود إلى كمال الإنسان وسعادته في الدنيا والآخرة ، وقد رتب على التهاون والاستخفاف بها آثار وخيمة نذكر بعضها :

1- إن الله لا ينظر إلى المستخف بصلاته : فقد تظافرت الأخبار على أن المستخف بصلاته لا يقبل الله منه عملاً ، ولا ينظر إليه ، فعن أبي عبد الله الصادق أنه قال : والله إنه ليأتِ على الرجل خمسون سنة ما

قبل الله منه صلاة واحدة ، فأي شيء أشد من هذا ، والله إنكم لتعرفون من جيرانكم وأصحابكم من لو كان يصلي لبعضكم ما قبلها منه لاستخفافه بها ، إن الله لا يقبل إلا الحسن فكيف يقبل ما يستخف به .

2- أن المستخف بصلاته لا تشمله شفاعة النبي وآله يوم القيامة ، فقد جاء عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أنه قال لما حضرته الوفاة : لا ينال شفاعتنا من استخفّ بالصلاة ، وقال الإمام جعفر الصادق : إن شفاعتنا لا تنال مستخفاً بالصلاة .

3- أن المستخف بصلاته يخرج عن ملة رسول الله ، ولا يرد عليه الحوض عندما يسقي المؤمنين ، بيده الشريفة ، فعن أبي جعفر الباقر قال : لا تتهاون بصلاتك ، فإن النبي قال عند موته : ليس مني من استخف بصلاته ، ولا يرد عليّ الحوض لا والله ، إلى غير ذلك من آثار الاستخفاف والتهاون .

بماذا يتحقق التهاون في الصلاة :

إن الاستخفاف والتهاون بالصلاة عنوان ينطبق على حالات نذكر بعضها :

أولاً : ما لو ترك الإنسان أداءها في أوقاتها المحدّدة لغير ضرورة ، حيث أنّ المكلف مأمور بتأديتها في أوقاتها المحددة شرعاً ، ويحاول جاهداً أن لا يقدّم عليها أي عمل مهما كان مهماً ، لأن الصلاة أهم من سائر الأعمال ، بل ينبغي المبادرة إلى الصلاة وأدائها في أول وقتها ، لأن ذلك من علامة الإيمان ، فقد كان نبي الرحمة يجلس في محرابه قبل دخول وقت الصلاة ، وينتظر حلول الوقت بفارغ الصبر

منادياً : يا بلال أرحنا؛ تعبيراً منه عن عشقه وحبه وتعلقه الشديد بالصلاة ، وهذا في الحقيقة درس لنا أراد النبي أن يعلمنا ، ويريد أن يقول لنا : أن على المؤمن أن ينتظر قدوم الصلاة ، وأن يتجهّز لها قبل حلول وقتها ، وأن ينادي للصلاة بنفسه ، لا أن ينتظر إلى أن تناديه ، وأن عليه أن تنبسط أسارير نفسه وينشرح صدره لدخول وقت الصلاة ، لا أن يرتاح وينبسط عند فراغه منها ، وكأنها الجبل أثقلت ظهره ، فعن الإمام الصادق أنه قال : لا يزال الشيطان ذعراً من المؤمن ما حافظ على الصلوات الخمس لوقتهن ، فإذا ضيعهن تجرأ عليه فأدخله في العظام .

وهذا معنى دقيق ينبغي التأمل فيه ، إذ أنّ الحفاظ على الصلاة بأدائها في أوقاتها المحدّدة شرعاً يقيّد إبليس ويحجّمه ، ويمنعه عن أن يخترق المملكة الإيمانية للإنسان ، فالصلاة هي الحصن المنيع الذي يحفظ كيان المؤمن ، ولا يسمح للشيطان أن يتوغّل فيه ، فإذا ضيّعها ، ولم يؤدها في أوائل أوقاتها انهدم هذا الحصن ، وفسح المجال أمام الشيطان للسيطرة على المؤمن ، فيدخله في الذنوب العظام .

وجاء عن محمد بن الفضيل ، قال : سألت الإمام موسى بن جعفر الكاظم عن قول الله عز وجل : الّذِينَ هُمْ عَن صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ ، قال : هو التضييع

ثانياً : يتحقق التهاون والاستخفاف بعدم إتمام أفعالها وأقوالها على الوجه

المطلوب شرعاً ، فالعجلة في أدائها بحيث لا تتأدى على وفق الأوامر الإلهية الواصلة إلينا

هو في الحقيقة

استخفاف بها وتهاون فيها ، فعن الإمام الباقر أنه قال : بينما كان رسول الله جالساً في المسجد ، إذ دخل رجل فقام يصلي فلم يتم ركوعه ولا سجوده ، فقال : نقر كنقر الغراب لئن مات هذا وهكذا صلاته ، ليموتنّ على غير ديني

ثالثاً : مما يصدق عليه التهاون عدم التوجه القلبي إلى مضامين الصلاة ، ومعانيها السامية التي من شأنها تربية المصلي على الفضائل ، والأخلاق الحميدة ، فقد قال الإمام الصادق : ليس لك من صلاتك إلا ما أقبل عليها قلبك

5 سقوط دولة بني أمية13/ ربيع الثاني/ السنة 132 ه_

في رواية يؤكّدها الطبري ، أصلها أن العباس بن عبد المطلب رأى أن دبابير تخرج من ظهره وتلدغ ظهر النبي ، فأوّلها النبي أنّ ذرية العباس تقتل ذريته ، وإنها تملك .

وكان بدء ذلك فيما ذكر عن رسول الله أنه أعلم العباس بن عبد المطلب أنه تؤول الخلافة إلى ولده ، فلم يزل ولده يتوقعون ذلك ويحدثون به بينهم . . .

واتخذوا لذلك وسيلة الدعوة إلى آل محمد ، واستفادوا كثيراً من هذه الوسيلة بل ربحوا قادة كبار جنّدوهم في سبيل الوصول إلى غايتهم ، من ذلك أبو سلمة الذي كانوا يسمّونه وزير آل محمد والذي قتلوه حين استنفذوا غايتهم .

اعتبرت ليلة الجمعة لثلاث عشرة مضت من شهر ربيع الآخر عام 132ه_حيث بويع أبو العباس السفاح عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس بالخلافة هو يوم قيام الدولة العباسية . .

أسباب سقوط الدولة الأموية :

يذكر المؤرّخون عدة أسباب لسقوط الدولة الأموية ، منها المنطقي المعقول ، ومنها

غير ذلك مما توحي به النفوس المريضة والأبصار الزائغة عن الحق .

والسبب الرئيسي والأساسي لسقوط الأمويين ، هو فسادهم وانحرافهم عن الدين وطعن الدين باسم الدين ، فقتلوا عترة رسول الله ، فبدؤوا بسبطي النبي وسيدي شباب أهل الجنة الحسن والحسين وسبوا حريمهم ، ومن قبل قتلوا عمار بن ياسر قتيل الفئة الباغية ، وقتلوا حجراً ، وأمَّروا أولاد الزنا ، وعاثوا في الأرض فساداً على أيد العتاة المردة من جلاوزتهم أمثال بسر بن أرطاة ، وعبيد الله بن زياد ، وعمر بن سعد ، وشمر ، والحجاج بن يوسف الثقفي ، وغيرهم من المجرمين .

فمنذ مقتل الحسين بدأت الثورات ضد الحكم الأموي تتوالى ، وكأنّ دم الحسين استصرخهم ، واشتعلت الثورة ابتداءً من خطبة زينب ، إلى استنكار عام لهذا العمل الفظيع الذي تبلور فيما بعد في واقعة الحرة وانتفاضة المدينة ، وثورة التوابين ، وثورة المختار الثقفي ، وثورة عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث التي انضم إليها الشيعة والعباد والقرّاء وحتى الخوارج والمسيحيون ، وثورة يزيد بن المهلب ، وثورة المطرف بن المغيرة ، ثم ثورة زيد بن علي بن الحسين ، ثم انتفاضة يحيى بن زيد ، حتى ثورة عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر ، وأبي مسلم الخراساني .

وكان كل المناهضين للحكم الأموي ومهما اختلفوا يتخذون آل بيت النبي رمزاً وشعاراً لحركاتهم وتحركاتهم . والتي نهضت بها سواعد الشيعة ، وأبو مسلم الخراساني كان مثالاً لهذه الحركات . فقد

استطاع أن يتغلب على بلاد خراسان ، وأن يهزم نصر بن يسار عامل مروان الحمار على خراسان ، واستقر الأمر لأبي مسلم الذي كان يتخذ من الثأر للحسين شعاراً ، ثم اتجه إلى العراق واحتلها ، ولكنه يخفي تحت هذا الشعار الدعوة إلى العباسيين .

أما أبو سلمة الخلال فكان هو الآخر يدعو لآل محمد ولكنه كان مخلصاً في دعوته لهم .

إلا أن التباين والدهشة ثم التخاذل ظهر حين بايع أبو مسلم الخراساني بالخلافة لأبي العباس السفاح في الكوفة يوم العاشر من محرم سنة 132ه_ .

وكانت معركة الزاب هي نهاية الحكم الأموي إلى الأبد ، فقد جاء في مروج الذهب وتاريخ اليعقوبي وغيرهما من المؤرخين؛ أنّ مروان بن محمد قد انهزم في معركة نهر الزاب بعد أن قتل أكثر من معه من الجيش وغرق في نهر الزاب خلق كثير ممن كانوا معه ، وكان فيمن غرق من بني أمية ثلاثمائة غير من غرق من سائر الناس ، واتجه مروان فيمن بقي معه نحو الموصل فمنعه أهلها من دخولها فاتجه إلى حران وكانت داره بها وعياله يقيمون فيها ، ثم هرب بهم إلى فطرس في بلاد فلسطين ، وعبد الله بن علي في إثره ، وفي طريقه حاصر دمشق وفيها الوليد بن معاوية بن عبد الملك في خمسين ألف مقاتل ففتحها وأسر جماعة من أحفاد عبد الملك بن مروان وأرسلهم إلى أبي العباس في الحيرة ، فقتلهم وصلبهم فيها . كما قتل من بني أمية وغيرهم خلقاً كثيراً ، ومضى في طريقه إلى نهر أبي فطرس فقتل جماعة ممن كانوا مع مروان

الحمار وأسر من بني أمية بضعاً وثمانين رجلاً ، وقد كان جمعهم في مكان خاص وأمرهم بالدخول عليه ، وأعدّ لكل رجل منهم رجلين يحملان العمد ، وحينما دخلوا عليه أطرق ملياً . .

فقام أحد الشعراء وأنشد أبياتاً جاء فيها :

أما الدعاة إلى الجنان فهاشم

وبنو أمية من كلاب النار

وكان النعمان بن يزيد بن عبد الملك جالساً إلى جانب عبد الله بن علي ، فالتفت إلى الشاعر وقال : كذبت يا ابن اللخناء ، فرد عبد الله بن علي قائلاً : بل صدقت يا أبا محمد امض لقولك .

ثم التفت إلى الأمويين ، وأخذ يذكّرهم بمقتل الحسين وبنيه وإخوته وأنصاره وما جرى لأهل بيته من الإهانة والسبي والإذلال ، ثم صفّق بيديه ، فضرب القوم رؤوس الأمويين بالعمد التي أعدّوها فماتوا عن آخرهم ، فناداه رجل من أقصى القوم :

عبد شمس أبوك وهو أبونا

فالقرابات بيننا واشجات

لا نناديك من مكان بعيد

محكمات القوى بعقد شديد

فقال له عبد الله : هيهات هيهات . . لقد كان ذلك ولكن قطعه قتل الحسين بن علي وسبي نسائه وأطفاله .

ثم أمر بهم فسحبوا وطرحت عليهم البسط وجلس بمن معه عليها ودعا بالطعام فأكلوا ، وقال : يوم كيوم الحسين ولا سواء .

ثم دعا بذلك الرجل الذي أنشد البيتين وقال :

ومدخل رأسه لم يدنه أحد

بين الفريقين حتى لزّه القرن

وأمر بضرب عنقه .

وجاء في البداية والنهاية لابن كثير : أن عبد الله بن علي عندما احتلّ دمشق أباح القتل فيها ثلاث ساعات وأنه قتل جمعاً كبيراً من الأمويين قُدّر بعشرات الآلاف . . ونبش قبور حكام

آل أمية وأظهر العظام وحرقها إلا أنه لم يجد في قبر يزيد شيئاً إلا خط أسود على مساحة القبر كأنه خط بالرماد . ووجد جسد هشام بن الحكم على حاله وكان طلي بمعدن خاص يحفظه من الاهتراء فجلده ثمانين جلدة ثم أحرقه ، ويعلل بعض المؤرخين جلده بأنه فعل ذلك به لأنه كان قذف أم زيد بن علي بالزنا حينما وقف بين يديه ، وقال له : أخرج يا ابن الزانية ، وقيل : إنما فعل ذلك انتقاماً لأبيه علي بن عبد الله ، لأن هشاماً كان قد جلده ثمانين سوطاً . .

ويرى بعض الرواة أنّ الآية من سورة القدر ليلةٌ القَدْرِ خَيْرٌ مِنْ ألفِ شَهْرتشير إلى الزمان الذي تعيشه تلك الدولة التي لم تترك حرمة من حرمات الإسلام إلا وداستها ووطأتها بأقدامها ، ولا لوناً من ألوان التعذيب والتنكيل بالعلويين والأبرياء من صلحاء المسلمين إلا ومارسته ، وحققت لأبي سفيان وحزبه جميع ما كان يحلم به ويعمل من أجله ، ولكن الله يمهل ولا يهمل . .

لقد سقطت الدولة الأموية بعد تسعين عاماً على إنشاءها لتقوم دولة أخرى بدماء العلويين كما قامت دولة الأمويين على دمائهم .

6ثورة المختار بن أبي عبيدة الثقفي 14 / ربيع الثاني / السنة 66 ه_

هوية المختار :

ولد المختار في مدينة الطائف ، حيث كانت موطن أهله وعشيرته من ثقيف ، ويمكننا التثبيت من أن ولادته كانت في السنة الأولى للهجرة ، ذلك لأن جلّ المصادر تؤكد على أن مقتله كان في سنة 67 للهجرة ، عن عمر يناهز السابعة والستين ، ولازم ذلك أن ولادته كانت في السنة الأولى للهجرة .

أبوه أبو عبيدة بن

مسعود ، كان قد اعتنق الإسلام وأخلص له ، وقد اشترك في معارك المسلمين مع الفرس ، واختاره عمر بن الخطاب للقيادة ، فأبدى في ميادين القتال شجاعة واستبسالاً قلّ نظيرهما في تاريخ المعارك ، وقد وقع شهيداً في إحدى معاركه مع الفرس على شاطئ الفرات ، فاستلم القيادة بعده ابنه جبر وقتل بعده .

أمه دومة ، امرأة عربية كانت قد اشتركت مع زوجها في المعارك خلال معاركه للفرس ، وتلقت مصرعه ومصرع ولدها جبر بصبر وثبات ، وكان المختار يومذاك في الثالثة عشرة من عمره ، وقد بدت عليه علائم النجابة ، وهو في حداثة سنه ، ويروي بعض المؤرخين بهذه المناسبة : أن أباه جاء به إلى أمير المؤمنين وهو صبي فأجلسه في حجره ، ومسح رأسه وهو يقول : يا كيّس يا كيّس .

وقد استنتج البعض من هذه الكلمة : أن علياً كان يعبّر بها عن مخبآت المستقبل ، وبما يظهر له من بطولات ، وحنكة سياسية وآراء ، وتصرفات سديدة رشيدة كالأخذ بثارات أهل البيت ومناوأة المغتصبين لحقوقهم وتراثهم ، وليس ذلك ببعيد إن صحّ أن أمير المؤمنين قد وصفه بذلك ، كما استنتج فريق آخر من هذه الرواية ، بأنها تشير إلى فرق الكيسانية التي وضع المختار نواتها كما يدعون .

موقف المختار من أهل البيت

اشتهر المختار بالتشيع لأهل البيت منذ نعومة أظفاره ، ولكنه انصرف عن السياسة والمعارضة السلبية لمعاوية ، لأنه كان قوياً ، وقد استعمل سياسة البطش والقتل والتنكيل بالشيعة ، بل

حتى بمن يتهم بالتشيع بعد أن وجد أن المعارضة لا تجدي شيئاً ، فخرج من الكوفة الى ضيعة له خارجها ، ولم يرجع إلى الكوفة إلا بعد أن دخلها مسلم بن عقيل موفداً من الحسين لشيعتها ، وحينما دخلها مسلم بن عقيل نزل عليه ضيفاً ، فرحب بقدومه ، ومضى يدعو الناس إلى البيعة للحسين ولزوم طاعته ، ويعزو بعض الباحثين في هذا الموضوع وهو اختيار مسلم لدار المختار إلى ما كان بينهما من روابط المودة والصداقة القديمة منذ نعومة أظفارهما ، وإلى تشيّع المختار وولائه الأكيد لأهل البيت وإخلاصه لمبادئ التشيع بالإضافة إلى مصاهرة المختار لوالي الكوفة النعمان بن بشير حيث كان زوجاً لعمرة بنت أبي عبيدة مما يجعله في مأمن من الوالي ما دام مقيماً في دار صهره .

غير أن ما ذكره من الصداقة والمودة البعيدة الأمد بينهما منذ نعومة أظفارهما فليس في المصادر التي تعرضت لتاريخهما ما يشير إلى ذلك ، هذا بالإضافة إلى الفارق الكبير بينهما في السن ، فلقد كان المختار في الستين من عمره يومذاك ، ومسلم في حدود الأربعين ، وكان المختار يعيش في العراق بينما مسلم في الحجاز .

وكيفما كان الحال فالمؤكد الذي عليه المؤرخون ، أن دار المختار كان مركزاً لمسلم وللقائه بالوفود المبايعة له إلى حين قدوم عبيد الله بن زياد واستلامه إمارة الكوفة ، خلفاً للنعمان بن بشير الذي عزله يزيد بسبب ما يتصف به من لين وضعف تجاه تحركات مسلم وأصحاب الحسين .

وبعد مقتل مسلم ، ووصول الخبر ببلوغ الحسين إلى كربلاء ، جمع

المختار جماعة من الشيعة ، واتجه بهم قاصداً نصرة الحسين فأخذته الشرطة التي كلفها ابن زياد بملاحقة الخارجين لنصرة الحسين فاعتقلوه ، وحينما أدخلوه على ابن مرجانة ، تناول الأخير قضيباً ، وانهال به يضربه على وجهه ورأسه ، فأصاب عينه وشترها ، ثم ألقاه في السجن مع من اعتقلهم من الشيعة .

ويروي ابن أبي الحديد : أنه لما زجّ بالمختار في السجن ، كان ميثم التمار معتقلاً فيه وعبد الله بن الحارث بن نوفل بن الحارث ، وكان عبد الله والمختار يعتقدان أن ابن زياد سيقتلهما لا محالة فجعلا يستعدان للقاء الله تعالى ، غير أن ميثم التمار وبما انتهى إليه من أمير المؤمنين من الغيبيات التي كان النبي يختصّه بها ، أخبرهما بما يجري لهما ، فقال لابن الحارث : إنك ستخرج من سجن هذا الطاغية ، وتحكم البصرة ، وقال للمختار : إنك ستخرج وتتولى الثأر من قتلة الإمام الحسين وأنصاره ، وتطأ بقدميك على وجنتيه ، وبهذا أخبرني أمير المؤمنين علي بن أبي طالب .

هذا ولما علمت أخت المختار زوجة عبد الله بن عمر بخبر سجنه ، طلبت من زوجها عبد الله بن عمر أن يتدخل ويطلب من يزيد إطلاق سراحه ، ففعل فأطلق سراحه ، وأمره ابن مرجانة أن يغادر العراق خلال ثلاثة أيام ، وإن وجده بعدها ضرب عنقه .

موقف المختار من الأمويين

مما لا يمكن لباحث أن ينكره معارضة المختار الكبيرة للحكم الأموي ، ولسياسة الأمويين ، وتسلطهم منذ دخل معترك السياسة ، وتعرض

بسبب ذلك لسجونهم ومعتقلاتهم وتعذيبهم ، وقد حاربهم مع ابن الزبير حينما فرّ من ابن زياد من الكوفة ، والتحق به في مكة ، وفيها اشترك مع المكيين في صدهم عن الكعبة التي كانت هدفاً لنيرانهم ووسائل الدمار التي استعملوها للإجهاز على حركة ابن الزبير قبل ان يستفحل أمرها ، وحارب قتلة الحسين والجيش الأموي الذي قاده ابن زياد لاسترجاع العراق إلى الحكم الأموي حتى قضى عليه في الموصل ، وعلى أعوانه ممن اشترك في معركة كربلاء .

موقف المختار من عبد الله بن الزبير :

لما خرج المختار من سجن ابن زياد في الكوفة إلى الحجاز وهو يقول : والله لأقطعنّ أنامل ابن زياد ، ولأقتلنّ بالحسين بن علي عدد من قتل بدم يحيى بن زكريا ، وكان ابن الزبير قد رفع رأسه ، وعادت إليه كل أمانيه وأحلامه بخروج الحسين إلى العراق ومصرعه على ثرى الطف ، والحجاز هو البلد الأول الذي حمل لواء المعارضة للدولة الأموية بعد مقتل الحسين بن علي ، وتركزت المعارضة فيه بشخص ابن الزبير الذي أصبح سيد الموقف يومذاك بعد مجزرة كربلاء .

لم يكن المختار ممن يجهل نوايا ابن الزبير وأطماعه ، وحقده على البيت العلوي ، ولكنه لم يجد سبيلاً لمحاربة الأمويين ، والانتقام من قتلة الحسين إلا بالالتجاء إلى أقوى المعارضين لدولتهم ، فلجأ إلى ابن أبي الزبير وكان يريد بالالتجاء إليه إضعاف الأمويين ، وخلق جو من الاضطرابات والفوضى في مختلف المناطق ، وبخاصة العراق معقل التشيع فحثّه على القيام والقتال ، وشارك في معاركه وأبلى معه

بلاءً حسناً .

انتقام المختار من قتلة الحسين

بعد أن قضى المختار وقتاً مع ابن الزبير كان قد تحقّق ما أراده من إشاعة الفوضى والاضطرابات في أرجاء الدولة الأموية ، وخاصة في العراق ، فلما تبين له أن الكوفة قد ثارت ، وهي على استعداد للأخذ بثأر الحسين لو تيسر لهم الزعيم الذي يجمعهم تحت لوائه توجّه إلى الكوفة ، وترك ابن الزبير المعادي لأهل البيت ، وكان سليمان بن صرد ومن معه من التوابين يستعدون لقتال الأمويين ، فلم يشترك معهم وانتهت حركتهم على النحو المعروف ، وعادت فلولهم إلى الكوفة وانضموا إلى المختار .

فجاهر المختار في الدعوة إلى العلويين ، وأخذ البيعة لهم ، فكثرت أنصاره حتى طرد عامل ابن الزبير على الكوفة ، وانضم إلى المختار إبراهيم بن الأشتر ، وحارب فلول الأمويين والزبيريين حتى خضع العراق وسائر الأمصار عدا الحجاز والشام والجزيرة للمختار .

وما إن دخل المختار قصر الإمارة حتى بسط يده يطلب البيعة على كتاب الله والطلب بثأر أهل البيت ، ومناصرة من يناصرهم ، وفي هذه الأثناء فرّ شمر ابن ذي الجوشن ، وعمر بن سعد ، ومحمد بن الأشعث من الكوفة ، غير أنهم بعد ذلك سمعوا بخروج الناس على ا لمختار في الكوفة فعادوا إليها ، وجعلوا يحرّضون الناس عليه ، وقادوا معركة ضارية معه انتهت الى انتصار المختار .

ثم نادى منادي المختار في أرجاء الكوفة : من أغلق بابه فهو آمن إلا من اشترك في قتل الحسين . وأطلق العنان لجيشه لينتقموا من قتلة الحسين ،

وقال لأصحابه : اطلبوا قتلة الحسين وآل البيت ، فإنه لا يسوغ لي الطعام والشراب حتى أطهر الأرض والمصر منهم ، فتعالت الصيحات من كل جانب : يا لثارات الحسين . فأخذ الجيش باستخراجهم من مخابئهم وقتلهم ، ثم قبض على عمر ابن سعد فقتله واحتز رأسه ، وأحضر ابنه حفص ، فقال له : أتعرف هذا الرأس؟ فقال : نعم ولا خير في العيش بعده . فقال له : ومن أنبأك أنك تعيش من بعده . فأمر بقتله ووضع الرأسين بين يديه وبكى ، ثم قال : هذا برأس الحسين ، وهذا برأس علي الأكبر ، والله لو قتلت به ثلاثة أرباع قريش ما وفوا أنملة من أنامله .

ومضى المختار يطارد قتلة الحسين وآله وأصحابه ، حتى لم يبق أحد إلا فرّ أو قتل ، ثم استأجر نوادب من نساء الكوفة يندبن الحسين ، ومن قتل معه على باب عمر بن سعد .

ثم أنه قد وصله أخبار تحرك عبيد الله بن زياد بجيش نحو العراق لتحريره من الزبيريين عن طريق الموصل كان قد أعده عبد الملك بن مروان ، فجهز جيشاً مؤلفاً من سبعة آلاف لمقابلته ، فالتقى الجيشان عند نهر الخازر في ضواحي مدينة الموصل ، ودار بينهما قتال عنيف انتهى بهزيمة جيش ابن زياد وقتله ، فطلب ابن الأشتر جثة ابن زياد واحتز رأسه وأحرق جثته .

أرسل المختار رأسي عمر بن سعد وعبيد الله بن زياد إلى الإمام زين العابدين في المدينة ، ولما ورد الرسول المدينة بالرأسين ، نادى :

يا أهل بيت النبوة ، ومعدن الرسالة ومهبط

الوحي أنا رسول المختار بن أبي عبيدة ، ومعي رأس ابن مرجانة وعمر بن سعد ، فضج الناس وتصايحوا ، حتى أدخل الرأسين على الإمام زين العابدين ، ووضعهما بين يديه ، فلما رأهما قال : أبعدهما الله إلى النار ، ولم ير الإمام يوماً قط ضاحكاً منذ قتل أبوه إلا في ذلك اليوم .

وعندما علم ابن عباس بذلك قال : جزاه الله عنّا وعن رسول الله خير جزاء المحسنين ، لقد أخذ بثأرنا وأدرك وترنا . كما خرّ محمد بن الحنفية ساجداً شاكراً لله ، وقال : جزاه الله خير الجزاء ، لقد أدرك لنا ثأرنا ووجب حقه على كل من أولده عبد المطلب بن هاشم . وعن فاطمة بنت علي قالت : ما تخضّبت امرأة من العلويات ، ولا أجالت في عينيها مروداً ، ولا ترجّلت حتى بعث المختار برأس عبيد الله بن زياد إلى المدينة . وقد روى المرزباني نفس هذا المضمون عن الإمام الصادق .

وفي رواية عن المنهال بن عمرو أنه قال : حججت في السنة التي ظهر فيها المختار ، ودخلت على الإمام علي بن الحسين ، فقال لي : يا منهال ما فعل حرملة ابن كاهل؟ فقلت : تركته حياً يرزق ، فرفع الإمام يديه ، وقال : اللهم أذقه حر الحديد ، اللهم أذقه حر النار . ومضى المنهال يقول : فرجعت إلى الكوفة ، وذهبت لزيارة المختار ذات يوم ، وكان لي صديقاً ، فوجدته قد ركب

دابته ، فركبت معه حتى أتى الكناسة ، فوقف ينتظر شيئاً ، وكان قد وجّه الشرطة في طلب حرملة بن كاهل ، فلما وقف بين يديه ، قال : الحمد لله الذي أمكنني منك . ثم دعا الجزّار وأمره بأن يقطع يديه ورجليه ، وبحزمة قصباً ، فقطع يديه ورجليه وأحرقه بعد ذلك ، فقلت بعدما رأيت ذلك : يا سبحان الله . فالتفت إليّ المختار ، وقال : ممّ سبّحت يا منهال؟ فقصصت عليه ما سمعته من الإمام ، ودعاءه على حرملة ، فقال لي : بالله عليك لقد سمعت ذلك؟ فقلت : إي والله . فنزل وصلى ركعتين وصام نهاره شكراً لله على استجابة دعاء الإمام علي بن الحسين على يديه .

وبلا شك فإنّ المختار قد أدخل السرور على قلوب أهل البيت ، وقد ترحّم عليه الإمامان الباقر والصادق ، ونزهه الإمام الصادق من كل ما نسب إليه ، ويروى أنه دخل على الإمام الباقر الحكم بن المختار فتناول الحكم يد الإمام ليقبلها فمنعه ، وقال له من أنت؟ فقال : أنا الحكم بن المختار . وكان متباعداً من أبي جعفر فمد الإمام يده إليه وأدناه حتى كاد يقعده في حجره ، فقال له الحكم : أصلحك الله إن الناس قد أكثروا في أبي وقالوا ، والقول كثير ، يقولون إنه كذاب ، ولا تأمرني بشيء إلا قبلته .

فقال : يا سبحان الله لقد أخب_رني أبي أن مهر أمي كان مما بعث به المختار ، أو لم يبنِ دورنا ،

وقتل قاتلينا ، وطلب دماءنا رحمه الله . إلى أن قال : رحم الله أباك ، رحم الله أباك ، ما ترك لنا حقاً عند أحد إلا طلبه .

مناسبات شهر جمادى الأولى

5مناسبات شهر جمادى الأولى

اليوم المناسبة السنة

1/ جمادى الأولى واقعة مؤتة8 ه_

3/ معركة حطين 375 ه_5/ولادة السيدة زينب5 ه_

6/ قتل كسرى ملك الفرس الذي دعاه النبي للإسلام6 ه_

13/شهادة السيدة فاطمة الزهراء11 ه_

15/معركة الجمل 36 ه_

تمهيد

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على شمس الهداية نبينا محمد ، وعلى الأقمار المضيئة الأئمة الطاهرين .

مع إطلالة شهر جمادى الأولى تطلّ علينا أحداث ومناسبات مفرحة ومحزنة مهمة في الإسلام .

ففي اليوم الخامس منه للسنة الخامسة للهجرة يوم ولادة أسوة الصبر والجهاد وبطلة الطف والفداء السيدة زينب الكبرى ، فينبغي الاهتمام بهذه الذكرى العطرة من إقامة الاحتفالات ومجالس الفرح .

ومن الحوادث المهمّة التي جرت في هذا الشهر أيضاً واقعة مؤتة وشهادة جعفر الطيار ، ومعركة حطين والجمل ، وغيرها من المناسبات . .

وفي اليوم الثالث عشر من هذا الشهر ذكرى وفاة الصديقة الكبرى فاطمة الزهراء على إحدى الروايات المشهورة ، فينبغي على الإنسان المسلم المؤمن أن يهتم بهذا اليوم فيحضر المجالس التي تقام بهذه المناسبة لكي يتعرف على هذه الشخصية العظيمة ويشارك النبي وأهل البيت في هذا المصاب الجلل ، وهو أكبر مصيبة وأكثر حزن بعد فقد النبي .

ونحن إذ نقدّم هذه الباقة من سلسلة المناسبات الإسلامية للقرّاء الأعزّاء نرجو من العلي القدير أن تكون هذه البحوث قد كشفت جزءاً من تراثنا الإسلامي القيّم ، وذلك من أجل التعرّف على بعض من هذا التراث العظيم ، والله الموفّق والمسدّد ، وهو من وراء القصد .

1واقعة مؤتة1/ جمادى الأولى/ السنة 8 ه_

وقعت هذه الواقعة عام 8 ه_ ، ومؤتة قرية من قرى البلقاء في الكرك ، من بلاد الأردن ، وسببها؛ أن رسول الله بعث الحارث بن عمير الأزدي بكتاب إلى حاكم بصرى ، وهي قصبة من أعمال الشام ، فلما نزل مؤتة عرض له شرحبيل بن عمرو

الغسّاني وهو من كبار بلاط قيصر فقتله ، وبلغ ذلك رسول الله فاشتد عليه ، وندب الناس فأسرعوا وخرجوا فعسكروا بالجرف ، فأتى الجرف وعرض الجيش ، وكان يعدّ ثلاثة آلاف مقاتل ثم عقد لهم راية بيضاء ، وأسند الإمارة إلى جعفر بن أبي طالب ، ثم قال : فإن أصيب جعفر فزيد بن حارثة ، فإن أصيب زيد فعبد الله بن رواحة ، فإن أصيب عبد الله فليرتض المسلمون بينهم رجلاً فليجعلوه عليهم .

وكان بعض اليهود حاضراً فقال : يا أبا القاسم ، إن كنت نبياً فسيصاب من سمّيت قليلاً كانوا أو كثيراً ، إن الأنبياء في بني إسرائيل كانوا لو سمّوا مئة أُصيبوا جميعاً .

ثم أوصاهم رسول الله إذا بلغوا حيث قتل الحارث أن يدعوا الكفار إلى الإسلام فإن أبوا فليحاربوهم ، ومضى المسلمون حتى قاربوا مؤتة ، فلما بلغ شرحبيل مقدمهم استنجد بالقيصر فأمدّه بجيش قوامه مئة ألف أو أكثر .

كان المسلمون طلاّب شهادة ، فلم يسترهبوا كثرة الأعداء ولم يهنوا ويضعفوا لكثرة جموعهم ، واصطفّ الجيشان ، ونادى جعفر في الناس : أن ترجّلوا عن رواحلكم ، وقاتلوا رجالا . وكان هذا التدبير ليشعر المسلمين أنهم لا يستطيعون الفرار ، وأن عليهم أن يقاتلوا بصدق ، ثم نزل عن فرس له شقراء فعقرها ، ثم رفع الراية وتقدّم ، واحتدمت المعركة وأقدم جعفر على القتال ، وقد أنشد يقول :

يا حبّذا الجنة واقترابها

والروم روم قد دنا عذابها

طيبة وب_ارد ش_رابها

كافرة بعيدة أنسابها

عليّ إذا لاقيتها ضرابها

فقاتل قتالاً شديداً

والكفار يتعاقبون كالموج فوجاً إثر فوج ، وأحاطوا بجعفر كالحلقة ، ثم أهووا عليه بالسيوف فقطّعوا يمناه ، فأخذ الراية بيسراه فقاتل حتى أصيب مقبلاً بخمسين جراحة ، ثم قطعوا يسراه فأخذ الراية بين عضديه ، فضربوه في وسطه فوقع شهيداً .

ثم أخذ الراية زيد بن حارثة فقاتل حتى شاط في رماح القوم فقاتل قتالاً عظيماً حتى قتل فأخذ الراية عبد الله بن رواحة فتردد بعض التردّد ثم قال يخاطب نفسه :

أقسمت يا نفس لتنزلنّه

طائعة أو لا لتُكرهنه

إن أجاب الناس وشدّوا الرنة

مالي أراك تكرهين الجنة

قد طال ما كنت مطمئنة

هل أنت إلا نطفة في شنة

وقال أيضاً :

يا نفس إن لم تقتلي تموتي

هذا حمام الموت قد صليت

وما تمنيت فقد أعطيت

إن تفعلي فعلهما هديت

وإن تأخرت فقد شقيت

ثم نزل عن فرسه وأتاه ابن عم له بعرق لحم فأكل منه ، ثم سمع الحطمة في ناحية العسكر ، فقال لنفسه : وأنت في الدنيا ثم ألقاه وأخذ سيفه فقاتل حتى قتل ، ثم أخذ الراية خالد بن الوليد ورجع بالناس . قالت أسماء بنت عميس زوجة جعفر : أتاني رسول الله في اليوم الذي أصيب فيه جعفر وقد فرغت من أشغالي وغسلت أولاد جعفر ، ودهنتهم فضمهم وشمهم ، وجعل يمسح على رؤوسهم وذرفت عيناه بالدموع فبكى . فقلت : يا رسول الله بلغك عن جعفر شيء؟ قال : نعم قتل اليوم . فصحت ، واجتمع إليَّ النساء ، فقال : ألا أبشرك؟ قلت : بلى بأبي أنت وأمي . قال : إنّ الله جعل لجعفر جناحين يطير بهما في الجنة

2معركة حطين3 / جمادى الأولى / السنة 375 ه_

في يوم الجمعة

26 /حزيران/ 1187م استعرض الحاكم الأيوبي صلاح الدين عساكره بحوران ، فتولى هو قيادة قلب الجيش ، وجعل ابن أخيه على الجناح الأيمن ، وقائداً آخر على الجناح الأيسر ، وخرج الجيش إلى جنوب بحيرة طبرية حتى عبر نهر الأردن . أما الملك الصليبي غاي ، فإنه قد حشد كل ما بوسعه أن يحشد من الفرسان في عكا ، فلم يتركوا سوى حاميات صغيرة للدفاع عن القلاع الموكول أمرها إليهم ، وأصدر الأوامر بالتحرك إلى طبرية ، لكن صلاح الدين سبقهم وعسكر بجيشه جنوب حطين بحيث جعل البحيرة إلى ظهره ، وقرية حطين إلى يمينه ، وبعد الظهر وصل الفرنج إلى الهضبة التي تقع حطين خلفها مباشرة فوجدوا المسلمين أمامهم ، في أسفل السفح قد سدوا عليهم الطريق ، وحالوا بينهم وبين الوصول إلى البحيرة ، وتحت جنح الليل حرك صلاح الدين جيشه وعبأه للقتال ، ومدّ جناحيه يميناً ويساراً بحيث طوّق الجيش الصليبي كله ، وما كاد يبزغ فجر السبت الرابع من تموز حتى اكتشف الصليبيون أن المسلمين قد سدّوا عليهم المنافذ ، وأحاطوا بهم من ثلاث جوانب ، ومع بدء إرسال الشمس أشعّتها الذهبية بدأ المسلمون الهجوم ، فتقدمت فرقة الرماة ، وأمطرت العدو وابلاً من سهامها ، ثم تقدم القلب والجناحان بخيلهم ورجالهم ، فاشتبكوا مع العدو بالسيوف والرماح ، وأدرك الصليبيون أن الكارثة باتت وشيكة فانسحبوا إلى تل حطين يساراً ثم شنّوا هجوماً صاعقاً مستميتاً على ميمنة الجيش الإسلامي ، فأفسح لهم المسلمون المجال حتى يمروا ،

ثم سدّوا عليهم الثغرة فلم يستطيعوا العودة ، ولم تمض ساعات قليلة حتى ردوا جميعاً إلى التل ، وهناك أعمل المسلمون في رقابهم السيف ، وأبيد الجيش الإفرنجي ، وكان أكبر جيش استطاع الإفرنج حشده لمعركة ، وقتل ما يزيد على العشرين ألفاً منهم ، وزاد عدد الأسرى على الإثني عشر ألفاً .

وتعتبر معركة حطين أول معركة جديدة قابل بها الشرق المسلم أعداءه الصليبيين ، وهي نقطة انعطاف ما بين مرحلتين كان المسلمون في أولاهما مدافعين فأصبحوا في الثانية مهاجمين ، وقد قضت نهائياً على أسطورة الفارس الصليبي الذي لا يقهر .

3ميلاد السيدة زينب الكبرى 5 / جمادى الأولى / السنة 5 ه_

اسمها ونسبها

زينب بنت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، أمّها سيدة نساء العالمين ، فاطمة بنت النبي .

ولادتها

ولدت بالمدينة المنورة ، في الخامس من جمادى الأولى ، في السنة الخامسة للهجرة .

سيرتها وفضائلها

كانت عالمة غير معَلّمة ، وفهِمة غير مفهّمة ، كما وصفها بذلك الإمام زين العابدين ، عاقلة لبيبة ، جزلة ، وكانت في فصاحتها وزهدها وعبادتها كأبيها أمير المؤمنين وأمها الزهراء .

اتصفت بمحاسن كثيرة ، وأوصاف جليلة ، وخصال حميدة ، وشيم سعيدة ، ومفاخر بارزة ، وفضائل طاهرة .

حدثت عن أمها الزهراء ، وكذلك عن أسماء بنت عميس كما روى عنها محمد بن عمرو ، وعطاء بن السائب ، وفاطمة بنت الإمام الحسين ، وجابر بن عبد الله الأنصاري ، وعبّّاد العامري .

عرفت زينب بكثرة التهجّد شأنها في ذلك شأن جدّها الرسول وأهل البيت ،

وروي عن الإمام زين العابدين قوله : ما رأيت عمتي تصلي الليل عن جلوس إلا ليلة الحادي عشر أي أنها ما تركت تهجدها وعبادتها المستحبة حتى تلك الليلة الحزينة ، بحيث أن الإمام الحسين عندما ودّع عياله وداعه الأخير يوم عاشوراء ، قال لها : «يا أختاه لا تنسيني في نافلة الليل» .

وذكر بعض أرباب السير أن زينب كان لها مجلس خاص لتفسير القرآن الكريم تحضره النساء في الكوفة في زمن إمامة أمير المؤمنين ، حيث دخل عليها أبوها فوجدها تفسّر لهنّ كهيعص من سورة مريم ، وأيضاً روى أرباب السير أن دعاءها كان مستجاباً .

شخصية السيدة زينب

ولدت السيدة زينب الكبرى في جمادى الأولى السنة الخمسة للهجرة ، على ما حققه الشيخ جعفر النقدي ، وقيل في السادسة ، أبوها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، وأمها فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين ، وأخوتها الحسن والحسين من أمها فاطمة .

حينما علم النبي ص بهذه المولودة المباركة سارع إلى بيت بضعته فأخذها ، غير أن دموعه تبلورت على سحنات وجهه الكريم ، فضمها إلى صدره ، وجعل يوسعها تقبيلاً .

بهرت فاطمة من بكاء أبيها ، فانبرت قائلةً : ما يبكيك يا أبتي ، لا أبكى الله لك عيناً؟!

فقال : يا فاطمة ، اعلمي أنّ هذه البنت بعدي وبعدك سوف تنصبّ عليها المصائب والرزايا .

وحينما علم سلمان المحمدي بولادة هذه الوليدة المباركة أقبل على أمير المؤمنين يهنئه ، فألفاه حزيناً واجماً ، فتحدث له ما ستعانيه ابنته من المآسي والخطوب .

سألت فاطمة

علياً أن يسمي وليدته المباركة ، فقال : ما كنت لأسبق رسول الله 1 فعرض الإمام على النبي 1 أن يسميها ، فقال : ما كنت لأسبق ربي . . فجاءه النداء من السماء : سمّ هذا المولود زينب ، فقد اختار الله لها هذا الاسم . .

وكانت تكنّى بأم كلثوم ، وقيل بأم الحسن ، ولقّبت بألقاب سامية تنم عن صفاتها الكريمة ، ونزعاتها الشريفة ، فقد لقبت ب_ : عقيلة بني هاشم ، - ومعنى العقيلة : المرأة الكريمة على قومها ، والعزيزة في بيتها - ، والعالمة وعابدة آل علي ، والكاملة والفاضلة ، كما اشتهرت بأمّ المصائب ، لهول ما لاقته في مسيرة حياتها ، وكنّاها الكتّاب المتأخّرون ببطلة كربلاء .

تربّت السيدة زينب في بيت النبوة ، ومركز العلم والفضل ، ومنبع الكمال ، فجدّها المصطفى خير من على وجه الأرض ، وأبوها سيد الأوصياء ، وإمام المتقين ، وأمها سيدة نساء العالمين ، وإخوتها الحسن والحسين الإمامان إن قاما أو قعدا ، فورثت من جدها دعوته ورسالته ، ومن أبيها بلاغته وشجاعته ، ومن أمها عبادتها وجلالتها ، فكانت بحق مصداقاً فريداً للبيت النبوي .

فقدت السيدة زينب جدها النبي ص وعاصرت محنة علي وفاطمة ، وعايشت جميع مصائب أمها الزهراء ، وشاهدت عن كثب آلامها وأوجاعها بقلب حزين ، ومهما تخيلنا فلا نصل إلى واقع مصابها عندما فقدت أمها ولم تزل في ربيع الصبا ، في الوقت الذي

أحوج ما كانت تحتاجه إلى أمها ، وكم أظلم البيت عليها في تلك الليالي التي كانت تمر عليها ، ولا ترى لأمها فيه شخصاً ، ولا تسمع لها حسيساً .

لكن رغم كل الصعوبات كانت تقف مع إخوتها إلى جانب السيد الأكبر علي بن أبي طالب ، مجسّدة أفعال أمها ، وارثة عنها حنانها المتدفّق الذي أفرغته لسائر أفراد أسرتها ، ولئن وفّق الله النبي ص بابنته الزهراء التي كانت مصداقاً حقيقياً لخديجة في وفرة حنانها على النبي ص والوقوف إلى جانبه ، حتى قال فيها النبي ص : فاطمة أم أبيها . فكذلك كانت زينب أُماً حنوناً ليست لعلي فحسب بل لسائر أفراد أسرتها

لما بلغت مبلغ النساء هبّ لخطبتها الأشراف ، غير أن علياً اختار لها ابن أخيه عبد الله بن جعفر الطيار ، الذي ربّاه بعد شهادة أبيه ، وكانت أمه أسماء بنت عميس وثيقة الصلة والعلاقة بالسيدة الزهراء ، وقد أصدقها الإمام 480 درهماً من خالص ماله ، كصداق أمها الزهراء .

وكان عبد الله ممن صحب النبي وسمع حديثه ، وحفظ عنه ، ولازم عمه أمير المؤمنين ، وابني عمه الحسن والحسين ، وأخذ العلم عنهم . وكان أغنى بني هاشم وأيسرهم ، وكانت له ضياع كثيرة ، ومتاجرة واسعة ، وكان أسخى رجل في الإسلام ، وله حكايات في جوده وسخاءه وكرمه كثيرة وعجيبة .

عاشت زينب مع ابن عمها في حياة يسودها الإيمان والطمأنينة والرحمة ، وكان نتاج هذا الزواج المبارك أربعة أولاد : عون - الذي

استشهد مع خاله في كربلاء - ، وعلي المعروف بالزينبي ، وإليه يرجع نسل عبد الله من زينب ، وعباس ، وأم كلثوم البنت الوحيدة لزينب ، والتي خطبها مروان بأمر من معاوية ليزيد ، فجاء مروان وخطبها من أبيها عبد الله بن جعفر ، فقال له : إن أمرها ليس إليّ ، إنما هو لخالها الحسين ، فلما أخبر الحسين بذلك وجرى بينه وبين مروان حوار ، زوّجها من ابن عمها القاسم بن محمد بن جعفر الطيار ، وكان صداقها كصداق أمها وجدتها 480 درهماً .

وذكر بعض المؤرخين أن لها ولد آخر واسمه محمد ، وقد استشهد مع الحسين في كربلاء ولكنه خطأ ، لأن محمداً هذا هو ابن عبد الله بن جعفر من الخوصاء من بني بكر بن وائل ، فاشتبه البعض فظن أن نسبته إلى عبد الله يعني ابن زينب .

مواق_فها

يُسجل لنا التاريخ بكل فخر واعتزاز مواقف مشرّفة وبطولية للسيدة زينب في يوم عاشوراء ، حتى أنها أصبحت شريكة الحسين في نهضته ، فلا يمكن التحدّث عن واقعة الطف ونتجاهل مواقفها ، وسنذكر بعضاً من مواقفها في ذلك اليوم العصيب وفاءً لها ولصمودها بوجه أعداء آل البيت .

شاهدت زينب قتل أخيها الإمام الحسين وإخوتها وبني عمومتها من الشيوخ والشباب والأطفال ، وخلّص أصحاب الحسين يوم عاشوراء ، وكذلك قتل ولديها عون ومحمد مع خالهما أمام عينيها ، ثم حُملت أسيرة من كربلاء إلى الكوفة ومنها إلى الشام مع رؤوس الشهداء ، ومع ذلك قابلت ابن زياد بكل شجاعة

ورباطة جأش .

والملفت للنظر أن زينب كانت متزوجة من عبد الله بن جعفر ، واختارت مرافقة أخيها الحسين ، والخروج معه على البقاء عند زوجها ، وزوجها راضٍ بذلك ، وقد أمر ولديه بلزوم خالهما ، والجهاد بين يديه ففعلا حتى قُتلا ، وحق لها ذلك ، فمن كان لها أخ مثل الإمام الحسين وهي بهذا الكمال الفائق ، لا يستغرب منها تقديم أخيها على زوجها .

أمّا موقفها من ثورة الإمام الحسين فقد تبنّتْ التبليغ لهذه الثورة مع باقي نساء أهل البيت بلسان فصيح هو لسان علي ، والخطبتان المشهورتان اللتان ألقتهما في الكوفة والشام خير شاهد على ما نقول .

4مقتل كسرى ملك الفرس

الذي دعاه النبي للإسلام6/ جمادى الأولى / السنة 6 ه_

كان كسرى من الجبابرة في الأرض ، حتى أنه ما كان يعرف بقليل رحمة في قلبه ، وكان قد بنى لنفسه إمبراطورية عظيمة تحكم نصف العالم ، ولكثرة ما تعاظمه الغرور والاستكبار ، أمر قومه بالعبادة له وبتسميته رباً ، وكان ظلمه وعنفه قد طال الفرس فضلاً عن من كان تحت إمبراطوريته من غيرهم ، ولما استقرت حكومة النبي في المدينة كان قد أرسل كتاباً إليه يدعوه إلى الإسلام ، وقد حمل هذا الكتاب إلى كسرى عبد الله بن حذافة ، وجاء فيه :

من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس ، سلام على من اتبع الهدى ، وآمن بالله ورسوله ، وشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله ، وإني أدعوك بدعاء الله ،

وإني رسول الله إلى الناس كافة ، لأنذر من كان حياً ، ويحق القول على الكافرين . فأسلم تسلم ، وإن توليت فإنّ إثم المجوس عليك .

فلما قرأه مزّقه ، وقال : يكتب إليّ بهذا ، وهو عبدي .

ثم كتب إلى باذان وهو باليمن : أن ابعث إلى هذا الرجل الذي بالحجاز رجلين من عندك جلدين فليأتياني به . فبعث باذان بابويه ، وكان كاتباً حاسباً ، ورجلاً آخر من الفرس يقال له : خرخسوه ، وكتب إليه يأمره بالمسير إليه إلى كسرى ، وتقدم إلى بابويه أن يأتيه بخبر رسول الله ، وسمعت قريش بذلك ففرحوا ، وقالوا : أبشروا فقد نصب له كسرى ملك الملوك ، كفيتم الرجل . فخرجا حتى قدما على رسول الله ، وقد حلقا لحاهما وأعفيا شاربهما ، فكره النظر إليهما ، وقال : ويلكما من أمركما بهذا؟ قالا : ربنا ، يعنيان الملك . فقال : لكن ربي أمرني أن أعفي لحيتي وأقصّ شاربي ، فأعلماه بما قدما له ، وقالا : إن فعلت كتب باذان فيك إلى كسرى ، وإن أبيت فهو يهلكك ويهلك قومك . فقال رسول الله : ارجعا حتى تأتياني غداً . وأتى رسول الله الخبر من السماء : أنّ الله قد سلّط على كسرى ابنه شيرويه فقتله في شهر كذا وليلة كذا ، فدعاهما رسول الله وأخبرهما بقتل كسرى ، وقال لهما : قولا لهُ إن ديني وسلطاني سيبلغ ملك كسرى وينتهي ما انتهى الخف والحافر ،

وأمرهما أن يقولا لباذان : أسلم ، فإن أسلم أقره على ما تحت يده وملكه على قومه . ثم أعطى خرخسوه منطقة ذهب وفضة أهداها له بعض الملوك ، وخرجا فقدما على باذان ، وأخبراه الخبر ، فقال : والله ما هذا كلام ملك ، وإني لأراه نبياً ، ولننظرنّ فإن كان ما قال حقاً فإنه لنبي مرسل ، وإن لم يكن فنرى فيه رأينا . فلم يلبث باذان أن قدم عليه كتاب شيرويه يخبره بقتل كسرى وأنه قتله غضباً للفرس ، لما استحل من قتل أشرافهم ، ويأمره بأخذ الطاعة له باليمن ، وبالكف عن النبي ، فلما أتاه كتاب شيرويه أسلم وأسلم معه أبناء من فارس .

5شهادة السيدة فاطمة الزهراء 13 / جمادى الأولى/السنة 11 ه_

المقدمه

لقد أحبّ رسول الله فاطمة وأحبته ، وحنا عليها وحنت عليه ، وكان يؤكد على علاقته بها ، ويوضح مكانتها بين الأمة ، وهو بذلك يمهد لأمر عظيم يرتبط بها ، وبذريتها الطاهرة لكي تعطي الأمة حقها ، ويحفظوا لها مكانتها ، ويراعوا ذريتها حق رعايتها ، وتكبر فاطمة وتشب ويزداد حب رسول الله لها ، وتملأ قلبه بالعطف والرعاية فيسميها أم أبيها . فإذا كانت نساء النبي وزوجاته أمهات للمؤمنين ، فإن فاطمة قد احتلت الموقع الأعلى للأمومة ، فكانت أم النبي كما وصفها بذلك النبي .

لقد كان رسول الله النموذج والقدوة في العلاقة الأبوية الطاهرة التي تساهم في بناء شخصية الأبناء ، وتوجيه سلوكهم ، وتملأ نفوسهم بالحب والحنان ، لقد كانت هذه العلاقة هي المثل

الأعلى في رعاية الإسلام للفتاة والعناية بها وتحديد مكانتها .

قبس من فضائلها

1- جهادها :

عاشت السيدة الزهراء محن تبليغ الرسالة الإلهية بتمام تفاصيلها ومنذ نعومة أظافرها ، فلقد عاشت مرارة الحصار الذي فرضته قريش على النبي وبني هاشم في شعب أبي طالب ، حيث قاست مع سائر أفراد عشيرتها ، وعلى الرغم من عدم تجاوز عمرها عن السنتين الجوع والخوف والحر والبرد ، كل ذلك في سبيل الدعوة المقدسة إلى عبادة الله الواحد الأحد .

كما أنها كانت تعايش آلام أبيها ، والمحن التي كانت تعصف به ، والأذى الذي لحقه من قريش ، فقد روي أنه بينما كان النبي يصلي عند البيت إذ طلب أبو جهل من بعض الأشقياء أن يأخذ حواشي الجزور ويلقيها عليه فاستضحك القوم ، فجاءت وكانت صغيرة فطرحته عن أبيها ، ثم أقبلت على أبي جهل ومن معه وعنّفتهم بالقول حتى تفرّقوا .

واستمرت تواكب جهادها بخطى أبيها رسول الله حتى منيت بفقد أمها وهي في مقتبل العمر ، ولكن رغم المصاب الجلل لم تدع المصيبة تجمد قدراتها ومواصلة جهادها ، فأخذت على عاتقها أن تتسنّم مكان أمها بفيض الحنان المتدفق على أبيها ، حتى سمّاها النبي : فاطمة أم أبيها .

وبعد هجرة النبي من مكة إلى المدينة ، وهجرة أصحابه ، كانت أيضاً من المهاجرات في سبيل الله تعالى ، واستمر جهادها في المدينة مع النبي وزوجها علي ، فكانت تشكّل حلقة الوصل بين النبي والنساء ، ولقد كانت من معلمات القرآن والأحكام والمبادئ ، وكانت تقصدها النساء

في أمور دينهن ، وختمت جهادها بشهادتها مدافعة عن إمامة الحق علي ، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع في ذكرى مولدها في 20 جمادى الثانية .

2- عبادتها :

عرفت الزهراء بعابدة البيت النبوي ، حتى قال الحسن البصري : ما كان في هذه الأمة أعبد من فاطمة بنت رسول الله ، وكانت تقوم بالأسحار حتى تورمت قدماها .

وقال النبي عنها : متى قامت في محرابها بين يدي ربها جل جلاله زهر نورها لملائكة السماء كما يزهر نور الكواكب لأهل الأرض ، ويقول الله عز وجل لملائكته : يا ملائكتي انظروا إلى أَمَتي فاطمة ، سيدة إمائي قائمة بين يدي ، ترتعد فرائصها من خيفتي ، وقد أقبلت على عبادتي ، أُشهدكم أني قد آمنت شيعتها من النار .

وجاء في عدة الداعي : أن فاطمة كانت تَنهَج في الصلاة - أي تتابع النَفَس - من خيفة الله .

وعن ابنها أبي محمد الحسن قالت : رأيت أمي فاطمة قامت في محرابها ليلة جُمعتها ، فلم تزل راكعة ساجدة حتى اتضح عمود الصبح ، وسمعتها تدعو للمؤمنين والمؤمنات وتُسمّيهم وتكثر الدعاء لهم ، ولا تدعو لنفسها بشيء ، فقلت لها : يا أماه لِمَ لا تدعين لنفسك كما تدعين لغيرك؟ فقالت : يا بني الجار ثم الدار .

صبرها

مرض رسول الله في أواخر أيامه ، واشتدّ عليه المرض ، وفاطمة تنظر إليه وتشاطره آلامه ومرضه ، وتمر الأيام ثقيلة على المسلمين وتعايشها فاطمة بحزن وألم ، وينتقل النبي إلى جوار ربه ، وتشتد الرزية على فاطمة

، ويعظم المصاب في نفسها ، وتظل تعيش بعد أبيها في لوعة وحزن وهي تترقب ساعة اللحاق به ، والعيش معه في جنة الخلد ، وظلت صابرة محتسبة منقطعة إلى الله سبحانه بالعبادة حتى وافاها الأجل الذي كانت تحنو إليه وتشتاقه لتلقى أباها رسول الله .

شهادتها

بعد وفاة أبيها اشتد عليها الحزن والأسى ، ونزل بها المرض لما لاقته من ظلم واضطهاد من قبل أزلام الزمرة الحاكمة آنذاك من الهجوم على دارها ، وعصرها بين الحائط والباب ، وسقوط جنينها محسن ، وكسر ضلعها ، وغصب إرثها وأرض فدك .

وعندما أحسّت بالأجل يدنو طلبت من أسماء بنت عميس أن تضع لها فراشاً وسط البيت ، وطلبت إحضار علي فحضر ، فقالت له : . . . أوصيك بأشياء في قلبي ، فقال لها : أوصيني بما أحببت يا بنت رسول الله وأخرج مَنْ في البيت ، ثم أتمت وصيتها ، وارتفعت روحها الطاهرة إلى عالم الخلد والنعيم ، وكان ذلك في الثالث عشر من جمادى الأولى السنة 11 ه_ ، وفي رواية في 3 من جمادى الثانية كما سيأتي .

وبعد انتشار نبأ رحلة الزهراء احتشد أهل المدينة على باب الإمام علي ينتظرون التشييع ، فأخبرهم أمير المؤمنين بأنه أخّر تشييعها هذه الليلة ، فصلى عليها بعد تغسيلها وتكفينها ، وبقي جثمانها الطاهر حتى غطى الليل سماء المدينة ، فدفنها وعفى أثر قبرها لئلا يعرف حسب وصيتها ، لتؤكد للأجيال مظلوميتها واغتصاب الحقوق التي أوصى بها أبوها لها ، ولكي تبقى هذه

المظلومية دائماً في ضمير التاريخ .

فالمظلومية تحكي وإلى أن تقوم الساعة أنّ الدين يتجدّد بودّهم ، فما من إنسان مهما كان دينه يعلم مظلومية أحد إلا وإنحاز إليه إذا كان من ذوي الألباب . وهكذا فإن الدين ، هو الانحياز لأهل الكساء ، الذين اختاروا أن يكونوا مظلومين ولا يكونوا ظالمين .

6معركة الجمل15 / جمادى الأولى/ السنة 36 ه_

بعد مقتل عثمان ومبايعة المسلمين الإمام علياً ، اتخذت الأمور مجرى آخر ، حيث أن عدالة أمير المؤمنين وتمسكه بالإسلام لا تروق لأولئك الذين اكتنزوا الكنوز ، وامتلكوا الضياع وبنوا القصور من أموال المسلمين ، فقاموا متحدين لمقاومة عدالة الإسلام التي لن تكتفي بحرمانهم مما ألِفوه من النهب ، بل ستأخذ منهم حتى تلك الأموال التي نالوها بطريقة غير مشروعة ، وجعل أولئك الذين تمنوا الموت لعثمان ، وحرّضوا الناس ضده حتى أودوا بحياته ، جعلهم متحدين يطالبون بدمه ، حيث اتفق طلحة والزبير ومعهما عائشة زوج النبي ، وخرجوا إلى البصرة لجمع الأنصار وإثارة الفتنة ، خروجاً على إمام زمانهم .

إنها حقاً من الأمور التي تدهش العاقل ، وقد بذل الإمام جهداً كبيراً لتحاشي هذه الفتنة فلم يأل جهداً في بذل النصح لهم ، وتحميلهم مغبة ما سيكون إذا نشبت الحرب ، وهذه إحدى نصائحه لطلحة والزبير ، إذ يقول :

أما بعد يا طلحة ، ويا زبير ، فقد علمتما أني لم أرد الناس حتى أرادوني ، ولم أبايعهم حتى أكرهوني ، وأنتما عن بادر إلى بيعتي ، ولم تدخلا في هذا الأمر بسلطان غالب

، ولا لعرض حاضر ، وأنت يا زبير ، ففارس قريش ، وأنت يا طلحة فشيخ المهاجرين ، ودفعْكما هذا الأمر قبل أن تدخلا فيه كان أوسع لكما من خروجكما منه ، ألا وهؤلاء بنو عثمان هم أولياؤه المطالبون بدمه ، وأنتما رجلان من المهاجرين ، وقد أخرجتما أمكما [عائشة] من بيتها التي أمرها الله تعالى أن تقرّ فيه ، والله حسبكما .

وفي البصرة - المكان الذي دار فيه القتال - استمر الإمام علي يبذل نصحه من أجل حقن الدماء فأرسل إلى الناكثين يدعوهم للصلح ، ورأب الصدع ، والتقى بالزبير ، وذكّره بما قال النبي يوم قال : لا يدع ابن أبي طالب زهوه . فقال له النبي :

. . . مهلاً يا زبير ليس بعلي زهوّ ، ولتخرجنّ عليه يوماً وأنت ظالم له؟! فقال الزبير للإمام : بلى ولكني نسيت ذلك . وبعد أن تذكر ما ذكّره الإمام به ، انصرف إلى خارج البصرة ، ولم يحارب ، فقتله ابن جرموز ودفنه في وادي السباع .

وبعد أن فشلت المحاولات لإخماد الفتنة التي أثارها الناكثون في البصرة تفجرّ الموقف وأُعلن القتال بين جيش الإمام علي وجيش الناكثين ، لكن الإمام ظلّ ملتزماً بالصبر والأناة ، وبما امتاز به من الروح الإنسانية ، موضحاً لجماعته أحكام الشريعة الإسلامية في حق البغاة ، ثم دعا ربه متسجيراًً من الفتنة .

أما عن مصير طلحة فقد جاءه سهم عند الهزيمة لا يُعرف راميه فجرحه ثم مات ، وأسفرت هذه الفتنة عن قتل

10 آلاف من جيش الناكثين و 5 آلاف من جيش الإمام ، وقد جرت المعركة في 10 جمادى الأولى ، وقيل العاشر من جمادى الثانية سنة 36 ه_ وسميت بحرب الجمل لأن عائشة كانت تركب فيها جملاً .

وبعد أن وضعت الحرب أوزارها بانتصار ساحق على أهل الجمل أعلن الإمام العفو العام عن جميع المشتركين فيها ، وإنه حقاً موقف جسّد فيه روح العفو والصفح ، ومبادلة الإساءة بالإحسان ، ثم واصل الإمام خطواته الإنسانية إزاء الناكثين ، إذ قام بإعادة عائشة إلى المدينة المنورة معزّزة مُكرّمة على الرغم من موقفها المعاند لولي أمرها .

مناسبات شهر جمادى الثاني

6مناسبات شهر جمادى الثاني

اليوم المناسبة السنة

3/ جمادى الثانية شهادة السيدة فاطمة الزهراء 11 ه_

10/ = = ذكرى شهادة جعفر بن أبي طالب 8 ه_

13/ = = ذكرى وفاة السيدة فاطمة الكلابية الملقّبة

ب_ أم البنين زوجة الإمام علي بن أبي طالب 64 ه_

14/ = = هدم الكعبة وإعادة بنائها 64 ه_

20/ = = ذكرى مولد السيدة فاطمة الزهراء 8 ه_

20/ = = ذكرى مولد الإمام الخميني الراحل 1320 ه_

تمهيد

في هذه السلسلة من المناسبات الإسلامية لشهر جمادى الثانية نقدّم للقارئ الكريم باقات عطرة من باقات الأحداث والوقائع الإسلامية التي جرت في هذا الشهر شهر الأحزان والأفراح ، حيث اجتمعت فيه ذكرى شهادة الصدّيقة الكبرى أم أبيها سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء وذكرى ميلادها الميمون ، ولهذا ينبغي الاهتمام بهاتين المناسبتين من إقامة مجالس الأحزان والأفراح ، ففي ذكرى الشهادة في الثالث منه لابد من إقامة العزاء والزيارة ، وأما في ذكرى الولادة في العشرين منه فلابد من تجديد السرور والفرح ، واستحباب الصيام ، والتطوّع فيه بالخيرات والصدقات على المؤمنين ، وزيارة سيدة النساء .

والجدير بالذكر أنّ يوم ميلاد الزهراء يصادف ذكرى ميلاد حفيدها البار الإمام روح الله الموسوي الخميني مفجّر الثورة الإسلامية في إيران .

وقد أعلن الإمام رضوان الله عليه هذا اليوم يوماً وعيداً للمرأة المسلمة تكريماً لها ، وذلك من أجل ربط المرأة بالقدوة المثلى ، وتوجيه نساء الأمة للاتصاف بأوصافها والتخلّق بأخلاقها والالتزام بنهجها فكراً وعملاً ، لترتفع المرأة من حضيض حضارة الفساد إلى قمة القيم والعظمة .

ومن المناسبات الإسلامية المهمة التي جرت في الشهر المذكور واقعة مؤتة وشهادة جعفر بن أبي طالب ، وذكرى وفاة السيدة فاطمة الكلابية الملقّبة بأم البنين ، وهدم عبد

الله بن الزبير الكعبة وإعادة بنائها .

فحريٌّ على القارئ الكريم أن يستثمر هذا الشهر ، وينهض به إلى تحقيق الأهداف الإلهية المأمولة فيه .

ونرجو من العلي القدير أن تكون هذه السلسلة من البحوث والمواضيع مفيدة وتكوّن ثقافة واعية وهادفة .

منه تعالى التوفيق ، ومن القارئ العزيز حسن المتابعة ، وهو من وراء القصد ، إنه سميع مجيب .

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .

1شهادة السيدة فاطمة الزهراء 3 / جمادى الثانية / السنة 11 ه_

تاريخ

اختلف المؤرخون من العامة والخاصة في المدة التي عاشتها السيدة فاطمة الزهراء بعد أبيها رسول الله ، بعد اتفاقهم على أن سنة وفاتها كانت في السنة الحادية عشرة من الهجرة .

وأقوالهم في ذلك خمسة

القول الأول : أنها بقيت بعد أبيها 30 أو 35 يوماً ، كما اختاره اليعقوبي في تاريخه ، وجماعة من مؤرخي العامة ، وهذا أقل ما قيل في مدة بقائها بعد النبي .

القول الثاني : أنها عاشت بعده أربعين أو خمسة وأربعين يوماً ، كما اختاره القرطبي في تفسيره ، ونقل عن جماعة .

القول الثالث : أنها عاشت بعده 75 يوماً ، وهذا هو الأشهر بين المؤرخين ، ويتوافق مع 13 جمادى الأولى تقريباً .

القول الرابع : أنها عاشت بعده 95 يوماً ، ويتوافق في 3 جمادى الآخرة ، وقد رواه الطبري في كتابه دلائل الإمامة بإسناده ، عن الإمام الصادق ، قال : قُبضت فاطمة في جمادى الآخرة يوم الثلاثاء لثلاث خلون منه ، سنة إحدى عشرة من الهجرة .

القول الخامس : عاشت بعد وفاة أبيها ستة أشهر

، وهذا هو المشهور بين مؤرخي أبناء العامة .

وهناك أقوال أخرى لا يُعبأ بها بين جمهور المؤرخين ، وقد تقدم موجز عن حياتها في مناسبات جمادى الأولى ، فراجع .

وهنا ينبغي أن نذكر مواقف عن فاطمة الزهراء في :

دفاع السيدة الزهراء عن الوصي والإمامة

من أبرز ملامح شخصية الزهراء أنها كانت أول مدافعة ومجاهدة عن إمامة أمير المؤمنين ، وقد برزت مواقفها الجهادية في مواطن متعددة ، وإليك بعضها :

الموقف الأول :

لما هجم القوم على دارها ، وكان في الدار علي مع لفيف من أصحابه ، كانت قد منعتهم من دخوله ، غير أن القوم اقتحموا الدار ، ودخلوا على أمير المؤمنين وأخرجوه من الدار ، لكن السيدة فاطمة وقفت وصرخت في وجوههم رغم ما حلّ بها جراء الاقتحام ، وقالت : والله لا أدعكم تجرّون ابن عمّي ، ويلكم ما أسرع ما خلفتم الله ورسوله فينا أهل البيت ، وقد أوصاكم رسول الله باتباعنا ، ومودّتنا والتمسّك بنا ، فقال الله تعالى : قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى .

ولما أخرجوا الإمام من داره - على الرغم عنها - خرجت وراءهم وهي تنادي : خلّوا عن ابن عمي ، فو الله الذي بعث محمداً أبي بالحق إن لم تخلّّوا عنه لأنشرنّ شعري ، ولأضعنّ قميص رسول الله على رأسي ، ولأصرخن إلى الله تبارك وتعالى ، فما صالح بأكرم على الله من أبي ، ولا الناقة بأكرم مني ، ولا الفصيل بأكرم على الله من

ولدي .

وهذا الموقف منها فيه حجة واضحة على أنهم يتجرؤون على أهل بيتٍ أَمر الله تعالى باتباعهم ومودتهم والتمسك بهم ، ولقد أرادت عبر موقفها هذا أن تقارن بين ما نص التشريع عليه من حقهم ومقامهم ، وبين قلب الأمة لهذا التشريع إلى الظلم لهم ، والاستهانة بهم ، وهذا منها فضيحة لهم .

الموقف الثاني :

واصلت فاطمة ، دفاعها عن وصيّ رسول الله الإمام أمير المؤمنين بشتى طرق الدفاع ومختلف أساليبه ، فكانت تخرج مع إمامها وتأتي أبواب المهاجرين والأنصار لتذكرهم حقوق الإمام على الأمة ، ودعوتهم إلى نصرته بعد أن ابتزّوا حقّه وغصبوا خلافته .

وقال ابن قتيبة : وخرج عليّ كرم الله وجهه يحمل فاطمة بنت رسول الله على دابة ليلاً في مجالس الأنصار تسألهم النصرة ، فكانوا يقولون : يا بنت رسول الله ، قد مضت بيعتنا لهذا الرجل ، ولو أنّ زوجك وابن عمك سبق إلينا قبل أبي بكر ما عدلنا به ، فيقول عليّ - كرم الله وجهه - : أفكنتُ أدع رسول الله في بيته لم أدفنه ، وأخرج أنازع الناس سلطانه؟

فقالت فاطمة : ما صنع أبو الحسن إلاّ ما كان ينبغي له ، ولقد صنعوا ما الله حسيبهم وطالبهم .

وهذا الموقف من فاطمة انتفاضة صارخة بوجه الذين ابتزّوا الخلافة ، ورفض عنيف لفعلهم ، وإنما كان خروجها بتلك الحالة لرد الحق إلى نصابه ، والدفاع عن الإمام المشروع ، فإن لم توفق إلى ذلك فتكون قد أقامت الحجّة عليهم لتقتطع عذرهم .

الموقف الثالث

دخلت أم سلمة

على فاطمة ، فقالت لها : كيف أصبحت عن علتك يا بنت رسول الله؟ .

فقالت : أصبحت بين كمد وكرب ، فقد النبي وظلم الوصيّ هتك والله حجابه ، أصبحت إمامته مقتصة على غير ما شرع الله في التنزيل وسنّها النبي في التأويل ، ولكنّها أحقاد بدرية وتِرات أحديّة كانت عليها قلوب النفاق مكتمنة .

ولما سمعت نساء المهاجرين والأنصار خبر علّة فاطمة بنت رسول الله ، اجتمعن وذهبن إلى بيت فاطمة لعيادتها فقلن لها : كيف أصبحت من علّتك يا ابنة رسول الله؟ .

فحمدت الله وصلّت على أبيها ثم قالت : أصبحت والله عائفة لدنيا كنّ ، قالية لرجالكن ، لفظتهم بعد أن عجنتهم وشنأتهم بعد أن سب_رتهم ، فقبحاً لفلول الحدّ واللعب بعد الجدِّ وقرع الصفاة وصدع القناة وخطل الآراء وزلل الأهواء ، وبئس ما قدّمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون ، لا جرم لقد قلّدتهم ربقتها ، وحملتهم أوقتها ، وشنت عليهم غارها ، فجدعاً ، وعقراً وبعداً للقوم الظالمين .

ويحكم أين زعزعوها عن رواسي الرسالة وقواعد النبوة والدلالة ، ومهبط الروح الأمين ، والطيبين بأمور الدنيا والدين ، ألا ذلك هو الخسران المبين .

وما نقموا من أبي الحسن؟ نقموا منه والله نكير سيفه ، وقلّة مبالاته بحتفه ، وشدّة وطأته ، ونكال وقعته وتنمره في ذات الله ، وتالله لو مالوا على المحجة اللائحة وزالوا عن قبول الحجة الواضحة لردّهم إليها ، وحملهم عليها ، ولسار بهم سيراً سجحاً

لا يكلم خشاشه ، ولا يكلّ سائره ، ولا يملّ راكبه ، ولأوردهم منهلاً نميراً صافياً رويّاً تطفح ضفتاه ولا يترنق جانباه ، ولأصدرهم بطاناً ، ونصح لهم سراً وإعلاناً ، ولم يكن يحلى من الغنى بطائل ، ولا يحظى من الدنيا بنائل ، غير ريّ الناهل ، وشبعة الكافل ، ولبان لهم الزاهد من الراغب ، والصادق من الكاذب ، وَلَوْ أَنّ أَهْلَ الْقُرَىَ آمَنُواْ وَاتّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مّنَ السّمَآءِ وَالأرْضِ وَلَ_َكِن كَذّبُواْ فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ ، وَالّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْ هَ_َؤُلاَءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيّئَاتُ مَا كَسَبُواْ وَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ ، ألا هلمّ فاستمع ، وما عشت أراك الدهر عجباً ، وإن تعجب فعجب قولهم ، ليت شعري إلى أيّ سناد استندوا ، وعلى أيّ عماد اعتمدوا ، وبأيّة عروة تمسكوا ، وعلى أيّة ذريّة أقدموا واحتنكوا؟! لبئس المولى ولبئس العشير ، وبئس للظالمين بدلاً ، استبدلوا والله الذُّنابى بالقوادم والعجز بالكاهل ، فرغماً لمعاطس قوم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً ألا أنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون ، ويحهم أَفَمَن يَهْدِيَ إِلَى الْحَقّ أَحَقّ أَن يُتّبَعَ أَمّن لاّ يَهِدّيَ إِلاّ أَن يُهْدَىَ فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ .

أما لعمري لقد لُقحت فنظرة ريثما تُنتج ، ثم احتلبوا ملء القعب دماً عبيطاً وذُعافاً مُبيداً ، هنالك يخسر المبطلون ويعرف التالون ، غبّ ما أسَّس الأوّلون ، ثم طيبوا عن دنياكم أنفساً ، واطمأنوا للفتنة جأشاً ، وأبشروا بسيف صارم وسطوة معتد غاشم ، وبهرج

شامل واستبداد من الظالمين ، يدع فيئكم زهيداً وجمعكم حصيداً ، فيا حسرة لكم وأنّى بكم وقد عُمّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ ؟! .

فأعادت النساء قولها على الرجال ، فجاء إليها قوم من وجوه المهاجرين والأنصار معتذرين ، وقالوا : يا سيدة النساء لو كان أبو الحسن ذكر لنا هذا الأمر من قبل أن نبرم العهد ، ونحكم العقد ، لما عدلنا عنه إلى غيره . فقالت : إليكم عني فلا عذر بعد تعذيركم ، ولا أمر بعد تقصيركم .

لقد بيّنت لهم المستقبل الذي ينتظرهم جراء مخالفتهم للحق وعروجهم عن ولاية صاحبه ، وقدمت لهم الأدلة الناصحة على أن علياً هو الإمام المفترض الطاعة وعلى أن اتباعه يفتح لهم بركات السماء والأرض ، ومخالفته محقق للظلم والاستبداد ، وهي التي لا تنطق إلا عما يرضي الله . وختمت مواقفها الاحتجاجية على القوم ، بأن أوصت أن لا يحضر أحد منهم جنازتها ، ويعفى قبرها فلا يعرفها أحد ، لتبقى هذه حجّة على جبين التاريخ تصل إلى كل طالب للحق والحقيقة ، وتصل إلى كل من يسأل : أين قبر فاطمة؟ ، ولماذا أوصت أن لا يشهد جنازتها من القوم أحد؟ فيثيره ذلك البحث والاستفسار فيصل إلى حقيقة ما كانت الزهراء تناشد به وتدعو إليه .

2ذكرى شهادة جعفر بن أبي طالب 10 / جمادى الثانية / السنة 8 ه_

نسبه الشريف

هو جعفر بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم القرشي الهاشمي ، ابن عم النبي ، وأخو علي ، أمه فاطمة بنت أسد ، المرأة التي ربت رسول الله ، والتي كانت أمّاً له

بما لهذه الكلمة من معنى ، يُكنّى بأبي عبد الله ، كما يكنّى بأبي المساكين لرأفته عليهم وإحسانه إليهم كما في عمدة الطالب ، وروى في أسد الغابة : أن الذي كنّاه بهذه الكنية رسول الله .

تزوج أسماء بنت عميس وأنجب منها كما في عمدة الطالب ثمانية بنين ، وهم عبد الله ، وعون ، ومحمد الأكبر ، ومحمد الأصغر ، وحميد ، وحسين ، وعبد الله الأصغر وعبد الله الأكبر ، وأمهم أجمع أسماء بنت عميس الخثعمية ، وقد قتل محمد الأكبر مع عمه علي بصفين ، وقتل عون ومحمد الأصغر مع ابن عمهما الحسين يوم الطف وقد ولد جميع أولاده في أرض الحبشة .

إسلامه

اختلف المؤرّخون في وقت إسلامه ، فذهب ابن إسحاق في سيرته إلى أنه أسلم جعفر بعد خمسة وعشرين رجلاً ، ونقل قولاً : بأن إسلامه كان بعد واحد وثلاثين .

وفي أسد الغابة أنه أسلم بعد إسلام أخيه علي بقليل ، ونقل رواية تدلّ على ذلك ، وهي : أن أبا طالب رأى النبي وعلياً يصليان ، وعلي عن يمينه ، فقال لجعفر : صل جناح ابن عمك ، فصلي عن يساره . وكذا عن ابن سعد في كتاب الطبقات .

وروى الشيخ الصدوق : أن رسول الله كان يصلي وأمير المؤمنين علي ابن أبي طالب معه إذ مرّ أبو طالب به ، وجعفر معه ، فقال : يا بني صل جناح ابن عمك . فلما أحسه رسول الله تقدمهما ، وانصرف أبو طالب

مسروراً ، فكانت أول جماعة جمعت ذلك اليوم .

وقال الشيخ محمد علي آل عز الدين العاملي في كتابه تحية القاري لصحيح البخاري : إنّ جعفراً - على التحقيق - ثاني المسلمين ، أو المصلين من الرجال .

هجرته إلى الحبشة

بعدما فشلت قريش في التفاوض مع أبي طالب ، ومع النبي في أمر هذا الدين الجديد ، وتكلّلت جهودهم بالخيبة ، ولما رأى صناديد مكة تكاثر المنتسبين لهذا الدين ، قرروا تعذيب المستضعفين من أصحاب النبي ليثنوهم عن دينهم ، ويردوهم إلى دين آبائهم وأجدادهم ، وليكون ذلك مانعاً عن دخول غيرهم في الإسلام ، وفعلاً أنزلوا بهم أشدّ أنواع التعذيب ، حتى مات بعضهم صبراً ، وآخرون قتلاً ، ولكن قريش تركت من دخل في الإسلام ممن له عشيرة تمنعه ، خوفاً من نشوب حرب طاحنة بين القبائل ، ولما رأى النبي ما نزل بأصحابه ، وما هو فيه من المنعة بجوار عشيرته ، وعمه أبي طالب ، قال للمعذبين : إني أرى أن تهاجروا إلى أرض الحبشة ، فإن فيها ملكاً لا يظلم عنده أحد ، وهي أرض صدق .

وتسارع المستضعفون من المسلمين إلى الهجرة ، فهاجر ما يقارب السبعين من أصحاب النبي ، وقد أمر جعفراً أن يهاجر معهم ليكون معلماً لهم ومتكلماً عنهم ، ومبلغاً للإسلام في أرض الحبشة ، وإلاّ فجعفر ما كان من المعذبين ، بل كان ينعم بالمنعة بقومه وأبيه أبي طالب ، ولهذا فيمكننا القول بأن جعفراً كان أول مبلّغ في

الإسلام .

لقد كان اختيار جعفر في محله ، فلما علمت قريش بفرار المعذبين بدينهم إلى الحبشة ، أرسلت عمرو بن العاص ، وبرفقته رجل آخر ليستردّ الهاربين ، وكان من دهاء عمرو بن العاص أن هيأ جميع الأجواء التي تؤول إلى إقناع النجاشي ملك الحبشة لتسليم الفارّين ، فلقد قدّم لبطارقة الملك وحاشيته ما يحبون من هدايا مكة للوقوف إلى جانبه في إقناع الملك بذلك ، كما أنه قدّم هدايا ثمينة للملك لينفذ له رغبته ، علاوةً على العلاقة الوطيدة والصداقة العميقة التي تربط الملك بعمرو بن العاص .

ولكن الذي حال دون تحقيق رغبة عمرو وما جاء من أجله ، موقف جعفر أمام الملك ، وإليك بعض ما جاء في ذلك :

لما دخل جعفر وأصحابه على الملك ، وكان عمرو بن العاص قد حدثه عن مفارقتهم دين آبائهم ، وعدم دخولهم في دينه ، وإنما ابتدعوا ديناً خاصاً مخالفاً لشريعة عيسى وموسى ، قال لهم : ما هذا الدين الذي فارقتم فيه قومكم ، ولم تدخلوا في ديني ، ولا في دين أحد من هذه الملل؟

فقال جعفر : أيها الملك ، كنّا قوماً أهل جاهلية نعبد الأصنام ، ونأكل الميتة ، ونأتي الفواحش ، ونقطّع الأرحام ، ونسيء الجوار ، ويأكل القوي منا الضعيف ، فكنّا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولاً نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه ، فدعانا إلى الله لنوحّده ونعبده ، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان ،

وأمرنا بالمعروف ونهانا عن المنكر ، وأمرنا بصدق الحديث وأداء الأمانة ، وصلة الرحم وحسن الجوار ، والكف عن المحارم والدماء ، ونهانا عن الفواحش وقول الزور وأكل مال اليتيم ، وقذف المحصنات ، وكل ما يعرف من السيئات ، وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام ، والصدقة ، وكل ما يعرف من الأخلاق الحسنة . - فعدّد عليه أمور الإسلام - وتلا شيئاً لا يشبهه شيء ، فصدقناه وآمنا به واتبعناه ، وعرفنا أن ما جاء به هو الحق من عند الله ، فعبدنا الله وحده فلم نشرك به شيئاً ، وحرّمنا ما حرّم علينا ، وأحللنا ما أُحل لنا ، فعدا علينا قومنا فعذّبونا وفتنونا عن ديننا ليردونا إلى عبادة الأوثان من عبادة الله ، فلمّا قهرونا وظلمونا وضيقوا علينا ، وحالوا بيننا وبين ديننا خرجنا إلى بلادك ، واخترناك على من سواك ، ورغبنا في جوارك ، ورجونا أن لا نظلم عندك أيها الملك .

فقال له النجاشي : هل معك مما جاء به عن الله من شيء؟

فلما كان يعلم جعفر أن النجاشي كان من أهل الكتاب ، وعلى دين عيسى ، اختار له تلاوة قصة مريم من سورة كهيعص فلما أكمل ، بكى النجاشي حتى اخضلّت لحيته ، وبكى أساقفته حتى اخضلّت لحاهم ، ثم قال النجاشي : إنّ هذا والذي جاء به عيسى ليخرج من مشكاة واحدة .

ثم توجه إلى عمرو بن العاص ، وقال له : والله لا أسلمهم إليكم ولا يكادون . .

وهكذا وطّد الله أرض الحبشة للمسلمين المهاجرين ، بفضل حنكة جعفر ودرايته في التعامل والتخاطب مع ملك الحبشة ، وهذا يكشف عن سر اختيار النبي جعفراً ليكون على رأسهم وزعيمهم .

ولم يكتف جعفر بهذا ، بل وطد علاقته مع الملك ، وأكثر الكلام معه إلى أن دخل هو وابنه في الإسلام ، ودخل من أهل الحبشة خلق كثير ، وكان مبلّغهم ومعلمهم والداعي لهم جعفر ، ولعلّ هذا هو السر في عدم هجرة جعفر إلى المدينة للالتحاق بالنبي فيها ، على الرغم من أن النبي كان بحاجة ماسة إلى شخصية كجعفر .

وعلى أيّ حال بقي جعفر في الحبشة حتى قدم على النبي في خيبر ، ففرح بقدومه كثيراً حتى ضمه إلى صدره ، وقبّل ما بين وجنتيه ، وترافق مع قدوم جعفر عودة علي من خيبر منتصراً ظافراً ، فازداد انبساط النبي وفرحه ، حتى قال : لا أدري بأيّهما أنا أكثر فرحاً بفتح خيبر أم بقدوم جعفر .

وروي أن النبي عند قدوم جعفر ، قال له : ألا أحبك ، ألا أهديك . فعلّمه الصلاة التي أصبحت بعد ذلك تسمى بصلاة جعفر الطيار ، والتي اتفق المسلمون جميعاً على روايتها وعظيم فضلها ، وغدت هذه الصلاة المباركة وسيلة التضرع والتقرب للمكروبين والمضطرين إلى ربهم لكشف كربهم وضرهم ، وللإطلاع على كيفية إقامة هذه الصلاة عليك بمراجعة كتاب مفاتيح الجنان .

شهادته

قتل جعفر شهيداً في غزوة مؤتة ، وكانت في السنة الثامنة للهجرة ، وقد ذكرنا في مناسبات شهر جمادى الأولى تفصيل

هذه المعركة وأسبابها فراجع . ولكن الجدير بالذكر أن جعفراً كان يقاتل في هذه المعركة قتالاً مستميتاً على الرغم من كثرة الروم ، حتى قيل : كان عددهم مئة ألف أو مئتي ألف مقاتل ، وجعفر يوسع بهم ضرباً ، وبيده الراية لا يتخلى عنها على الرغم من كثرة الطعنات والضربات ، حتى أضحى في جسده تسعون ضربة ، فعمدوا إلى قطع يديه اللذين أخبر النبي أن الله تعالى عوضه عنهما بجناحين يطير بهما مع الملائكة في الجنة . دفن في أدنى البلقاء في مدينة الكرك التي هي الآن من أراضي الأردن ، فسلام على جعفر يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حياً .

ما جاء في فضله :

روي عن النبي - كما جاء في شرح النهج لابن أبي الحديد - قال : سادة أهل المحشر ، سادة أهل الدنيا أنا وعلي وحسن وحسين وحمزة وجعفر .

وروي كثيراً أن النبي قال لجعفر : أشبهت خَلقي وخُلقي .

وروي أنه لما قتل جعفر دعا النبي فقال : اللهم أخلف جعفراً في أهله خير ما خلّفت عبداً من عبادك الصالحين . وفي رواية أخرى : اللهم إن جعفرا قدم إلي أحسن الثواب فاخلفه في ذريته بأحسن ما خلفت أحدا من عبادك في ذريته .

3ذكرى وفاة فاطمة الكلابية

نسبها الشريف

الملقّبة ب_أم البنين زوجة الإمام علي بن أبي طالب 13 / جمادى الثانية /السنة 64 ه_

هي فاطمة بنت حزام بن خالد الكلابية ، كان أبوها حزام بن خالد من أعمدة الشرف في العرب ، ومن الشخصيات النابهة في السخاء والشجاعة وقرى الأضياف ، وكانت أسرتها من أجلّ الأسر العربية

وقد عُرفت بالنجدة والشهامة .

كيفية زواج علي بها

يُذكر أن أمير المؤمنين ندب أخاه عقيلاً - الذي كان عالماً بأنساب العرب - أن يخطب له امرأة قد ولدتها الفحول ليتزوجها ، حتى تلد له غلاماً زكياً شجاعاً لينصر ولده الحسين في كربلاء ، فأشار عليه عقيل بالسيدة فاطمة بنت حزام الكلابية ، فإنه ليس في العرب من هو أشجع من أهلها ولا أفرس ، فندبه الإمام إلى خطبتها ، فانبرى عقيل إلى أبيها وعرض عليه الأمر ، فاستجاب هو وابنته بكلّ فخر واعتزاز .

وقد رأى فيها الإمام علي العقل الراجح ، والإيمان الوثيق ، وسموّ الآداب ، ومحاسن الصفات ، فأعزها وأخلص لها كأعظم ما يكون الإخلاص .

علاقتها بأولاد علي

منذ الأيام الأولى لانتقالها إلى دار الإمام قامت برعاية أولاد فاطمة الزهراء على أحسن ما ترعى أمّ ولدها ، وقد وجدوا عندها العطف والحنان ، ما عوّضهما من الخسارة الأليمة بفقد أمّهم فاطمة .

ولقد كانت السيدة أم البنين تكنّ في نفسها من المودة والحب للحسن والحسين وزينب ، ما لا تكنّه حتى لأولادها ، ولقد قدمت أبناء رسول الله على أبنائها في الخدمة والرعاية ، امتثالاً لأمر الله تعالى فيهم ، حيث قال : قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى .

ومن مآثر هذه السيدة الفاضلة ، أنها طلبت من أمير المؤمنين أن لا يناديها باسمها فاطمة ، معتذرة إليه بأنها تخاف أن يسمع الحسنان باسم أمهما فيتذكّراها ويحزنا عليها ، مما جعل أمير المؤمنين يلقّبها بعد ذلك ب_ أم البنين

.

وقد كانت تأمر أولادها العباس وإخوته منذ الصغر باحترام وتقدير أبناء فاطمة وخدمتهم ، وفعلاً لقد ضرب العباس الذي ارتشف من معين وفائها وإخلاصها واحترامها لأبناء الزهراء ، أروع وأعظم مثالاً في الاحترام والتقدير لأخويه الحسن والحسين ، فلقد كان يمشي دائماً خلف أخيه الحسين ، وما عهد طيلة حياته أن نادى الحسين ب_ يا أخي و يا حسين ، إلاّ كان يقول له : سيدي ولقد أثّرت هذه التربية أثرها العميق إلى أن استشهد العباس وإخوته عطاشى فداءً لأخيهم وسيدهم الحسين .

ومن مآثرها أنه عندما دخل بشر بن حذلم إلى المدينة ناعياً الحسين بعد واقعة الطف ، جاءت وسألته عن الحسين ، فأخبرها باستشهاد أولادها الأربعة العباس وإخوته ، فكرّرت عليه السؤال عن حال الحسين ، فلما أخبرها بمصرعه وقعت على الأرض مغشياً عليها ، وكان حزنها على الحسين أكثر من حزنها على أولادها ، حتى أنها عندما دخلت على زينب لتعزّيها ، كانت تصيح : واحسيناه وا ولداه ، ولم تندب عندها واحداً من أولادها ، بيد أن زينب تبادلها الندب وتصيح : وا أخاه وا عباساه . ولهذا كانت هذه المرأة العظيمة محطّ احترام السيدة زينب وتقديرها مما لم تحضَ به امرأة قط عندها ، ولقد كانت تزورها بين الفينة والأخرى ، وفي أيام العيد تقديراً ووفاءً لما قدمته لهذه العترة الطاهرة .

امتنعت عن الزواج بعد علي ، على الرغم من أنّ الأشراف قد تقدّموا لخطبتها لنيل شرف الاقتران بها .

أولادها

أنجبت من أمير المؤمنين ذكوراً أربعة ، وهم : العباس

وجعفر وعبد الله ، وعثمان ، وقيل إن اسم الأخير منهم ، عبد الرحمن .

وفاتها

توفيت في الثالث عشر من جمادى الآخرة سنة 64 من الهجرة النبوية الشريفة ، ودفنت في البقيع قُرب قبور الأئمة ، وقبرها الآن مقصد للملهوفين والمؤمنين ، وقد اشتهر بينهم أنها أحد أبواب الله التي ما قصدها أحد إلا استجاب الله له .

يقول الشهيد الأول في حقها : كانت أم البنين من النساء الفاضلات ، العارفات بحق أهل البيت ، مخلصة في ولائهم ، ممحّضة في مودّتهم ، ولها عندهم الجاه الوجيه ، والمحل الرفيع ، وقد زارتها زينب الكبرى بعد وصولها المدينة تعزّيها بأولادها الأربعة ، كما كانت تعزّيها أيام العيد .

4هدم الكعبة وإعادة بنائها14 / جمادى الثانية/ السنة 64 ه_

تزامن خروج الإمام الحسين من المدينة إلى مكة مع خروج عبد الله ابن الزبير على الحكم الأموي ، وقد لازم الأخير الحِجر ، وجعل يحرّض الناس على بني أمية ، وكان يأتي إلى الحسين ويشير عليه بالخروج إلى العراق بحجة أن من فيها شيعته وشيعة أبيه ، ولكن الحسين قد خرج إلى العراق لمّا وصلته كتب أهل الكوفة بالقدوم عليهم ، فانفرد ابن الزبير بمكة ، وبينما كان يزيد منشغلاً بحرب الحسين في كربلاء ، كان قد دعا ابن الزبير الناس إلى نفسه ، وخلع بيعة يزيد ، حتى استغلظ أمره في مكة وبويع عليها .

فلما فرغ يزيد من قتال أهل المدينة بسبب خروجهم على بيعته فكانت واقعة الحرة التي لم يعرف تاريخ الإسلام بعد واقعة كربلاء أبشع ولا أشرس وأعنف منها

، أمر يزيد قائد جيشه مسلم بن عقبة - الذي سمي بعد ذلك مسرفاً لإسرافه في قتل المسلمين والتنكيل بهم - بالتوجه إلى مكة لقتال عبد الله بن الزبير وكسر شوكته ، فتوجه من فوره نحو مكة ، غير أن الأجل أسرع إليه قبل بلوغها ، وكان قد ولّى على الجيش الحُصين بن نمير ، فقدم مكة وحاصرها ، وقاتل أهلها ورماهم بالمنجنيق ، وكانوا يوقدون حول الكعبة فأقبلت شرارة هبت بها الريح فأحرقت أستار الكعبة ، وخشب سقفها ، واحترق قرنا الكبش الذي فدى الله به إسماعيل ، كما وقع عليها النار إثر رمي المنجنيق .

وفي هذه الأثناء بلغ عبد الله بن الزبير موت يزيد ، فنادى بأهل الشام : إن طاغيتكم قد هلك ، فسرعان ما رجع الحصين بن نمير بجيشه إلى الشام بعدما تأكّد له موت يزيد .

فأخذ يدعو ابن الزبير الناس إلى نفسه ، بعد أن كان يدعو إلى الشورى ، فبايعه أهل مكة ، وبعده هدم الكعبة لما احترقت ، وبناها على قواعد إبراهيم الخليل ، وضم الحِجر إلى البيت فكُبر ، وجعل له بابين شرقي وغربي .

5ميلاد السيدة فاطمة الزهراء 20 / جمادى الثاني / السنة 5 للبعثة

وليدة الأسرة المباركة

غني عن التعريف أن نذكر حياة كلّ من النبي الأكرم والسيدة خديجة وكيفية زواجهما ، إمّا النبي الأكرم فهو خير البشر أجمع ولا يقاس به أحد وهو أفضل المخلوقات وسر وجودها وأمّا السيدة خديجة الكبرى فهي أول إمرأة آمنت برسول الله وصدقته وآزرته بمالها فلذا كان رسول الله يودّها ويحترمها ويشاورها في أموره ، وكانت له وزير

صدق . . .

وفي حقها قال النبي : وخير نساء أمّتي خديجة بنت خويلد .

ففاطمة الزهراء ولدت من هذين الشخصيتين العظيمتين وهما النبي الأعظم محمد بن عبد الله والسيدة خديجة الكبرى بنت خويلد .

وقد روى أكثر العلماء ومنهم الشيخ الطوسي في المصباح والعلامة المجلسي في حياة القلوب أن ولادة تلك السيدة الجليلة تصادف العشرين من شهر جمادى الثانية ويوم الجمعة في السنة الخامسة بعد المبعث وقيل لسنتين بعد المبعث .

وفي رواية أخرى عن عائشة قالت : فادركتني الغيرة يوماً ، فقلت : وهل كانت إلا عجوزاً قد أخلف الله لك خيراً منها .

قالت : فغضب حتى اهتزّ مقدم شعره ، وقال : والله ما أخلف لي خيراً منها ، لقد آمنت بي إذ كفر الناس ، وصدّقتني إذ كذّبني الناس ، وأنفقتني مالها إذ حرمني الناس ، ورزقني الله أولادها إذ حرمني أولاد الناس

قالت : فقلت في نفسي والله لا أذكرها بسوء أبداً .

في هذا الجو من البهجة والسعادة والاحترام المتبادل وُلِدَت الزهراء؛ فأبوها أشرف الخلق ، وسيد الرسل ، وخاتم الأنبياء ، وحبيب الله ، وهو الذي كان يتمتّع بالخُلُق السّامي حتى أثنى عليه القرآن الكريم فقال سبحانه وتعالى : وَإِنّكَ لَعَلَىَ خُلُقٍ عَظِيمٍ وأمّها كانت سيدة قومها ذات الشرف السامي والنسب الرفيع ، والجمال المهذّب ، والمال الوفير ، والعقل الموزون ، والشخصية المتميّزة ، فهي سيدة قومها . . .

الزهراء كانت وليدة من هكذا أمٍّ وأبٍ فهي من دوحة النبوة ، ومن ذلك الشرف والعز والعظمة .

أما

كيف انعقدت نطفتها الطاهرة؟ فإليك ما اتفق عليه مؤرخوا المسلمين عن الإمام الرضا قال : قال النبي : لما عرج بي إلى السماء أخذ بيدي جب_رئيل وأدخلني الجنة فناولني من رطبها فأكلته ، فتحوّل ذلك نطفة في صلبي فلمّا هبطت واقعت خديجة ، فحملت بفاطمة ، ففاطمة حوراء إنسية ، فكلّما اشتقت إلى رائحة الجنة شممت رائحة ابنتي فاطمة .

وفي الروض الفائق لشعيب المصري : روى بعض الرواة الأجلاء أن خديجة الكبرى تمنّت يوماً من الأيام على سيد الأنام النبي أن تنظر إلى بعض فاكهة الجنة ، فأتى جبرئيل إلى نبي الرحمة بتفّاحتين من الجنة ، وقال : يا محمد يقول لك من جعل لكل شيء قدراً كُلْ واحدةً وأطعِم الأخرى لخديجة الكبرى ، واغشها ، فإني خالق منكما فاطمة الزهراء ، ففعل المختار ما أشار به الأمين وأمر . . إلى أن قال : فكان المختار كلّما اشتاق إلى الجنة ونعيمها قبّل فاطمة وشمّ طيب نسيمها ، فيقول حين يستنشق نسمتها القدسيّة : إن فاطمة حوراء إنسية .

أقول : هذه الرواية وعشرات في مضمونها وردت في أمّهات المصادر وكتب التاريخ تؤكد أن نطفة الزهراء انعقدت من فاكهة الجنة ، وإنّ الجليل سبحانه وتعالى شاء أن تكون الزهراء حوراء إنسية كما أشار إلى ذلك النبي ، لذا وجدتُ من الأهمية بمكان أن أشير إلى جملة من المؤرخين وإلى بعض المصادر التي ذهبت إلى ذكر هذا المعنى المتّحد في ذاك المضمون وبألفاظ متقارب منهم :

الخطيب البغدادي في تاريخه الجزء الخامس ص87 .

والخطيب الخوارزمي في فضل الحسين ص63 .

والحافظ الذهبي

في ميزان الاعتدال الجزء الأول ص38 .

والعلامة الزرندي في نظم درر السمطين .

والحافظ العسقلاني في لسان الميزان الجزء الخامس ص160 .

والعلامة القندوزي في ينابيع المودة .

والعلامة محب الدين الطبري في ذخائر العقبى ص43 .

أقول : لقد روى هؤلاء الأعلام خبر فاكهة الجنة وانعقاد نطفة الزهراء منها ، وبطرق عديدة ، ورواتها كلّ من : عائشة ، وابن عباس ، وسعيد بن مالك ، وعمر بن الخطاب .

إذاً متى ولدت أم الأئمة فاطمة؟

اتفقت الأخبار من طرقنا الخاصة ومن طرق غيرنا أنها ولدت بعد البعثة بخمس سنوات ، وفي بعض الأخبار أنها ولدت بعد المعراج مباشرة ، وسنة المعراج الأول للنبي كانت في السنة الثالثة من المبعث ، وقيل في السنة الثانية .

ومن خلال عدة من النصوص أنّ النبي عرج به إلى السماء أكثر من مرة لذا تصدق تلك الروايات التي قالت كانت ولادة فاطمة في السنة الخامسة بعد المبعث وهي السنة التي عرج بها النبي إلى السماء وأكل من فاكهة الجنة .

أما اليوم فإنه كان في العشرين من جمادى الآخرة وأقامت مع أبيها بمكة ثماني سنين ، ثم هاجرت مع الفواطم إلى المدينة المنورة ، وعلى هذا التحديد جملة كبيرة من علماء الأمة وكبار المؤرخين كالشيخ الكليني في كتابه الكافي .

وابن شهر آشوب في مناقب آل أبي طالب .

والشيخ المفيد كما في إقبال الأعمال ، وحدائق الرياض .

والشيخ الكفعمي في المصباح ، وهكذا الشيخ الطوسي .

والطبري في دلائل الإمامة؛ كما هو المروي عن الإمام الصادق ، والشيخ المجلسي في بحار الأنوار

الجزء 43 .

وعليه تأكّد لنا أن ولادة الزهراء كان بعد المعراج مباشرة ، وهذا يعني أنها ولدت بعد البعثة المباركة بخمس سنين . ومن قال غير ذلك فهو ضعيف لا يقوم على دليل لأن قبل المبعث لم يكن معراج ولا إسراء ، فافهم وتدبّر ، ولا تذهب بك الظنون والمذاهب .

فاطمة . . . فداها أبوها

روى الصدوق في أماليه ، بسنده عن محمد بن قيس ، قال : كان النبي إذا قدم من سفر بدأ بفاطمة فدخل عليها فأطال عندها المكث ، وقد خرج مرة في سفر فصنعت فاطمة مسكتين من ورق وقلادة وقرطين وستراً لباب البيت لقدوم أبيها وزوجها ، فلمّا قدم رسول الله دخل عليها فوقف أصحابه على الباب لا يدرون يقفون أو ينصرفون لطول مكثه عندها ، فخرج عليهم رسول الله وقد عرف الغضب في وجهه حتى جلس عند المنبر ، فظنّت فاطمة أنه إنّما فعل ذلك رسول الله لما رأى من المسكتين والقلادة والقرطين والستر ، فنزعت قلادتها وقرطيها ومسكتيها ، ونزعت الستر ، فبعثت به إلى رسول الله وقالت للرسول : قل له تقرأ عليك ابنتك السلام وتقول : اجعل هذا في سبيل الله : فلمّا أتاه قال : فعلت! . فداها أبوها - ثلاث مرات - ليست الدنيا من محمد ولا من آل محمد ، ولو كانت الدنيا تعدل عند الله من الخير جناح بعوضة ما أسقى فيها كافراً شربة ما . ثم قام فدخل عليها .

محبة فاطمة وشفاعتها

عن الصحابي الجليل جابر بن عبد الله الأنصاري قال : قلت لأبي جعفر الباقر :

جعلت فداك يا ابن رسول الله حدّثني بحديث فضل جدتك فاطمة ، إذا أنا حدّثت به الشيعة فرحوا بذلك .

فقال أبو جعفر : حدّثني أبي عن جدّي عن رسول الله قال : إذا كان يوم القيامة تُنصب للأنبياء والرسل منابر من نور ، فيكون منب_ري أعلى من منابرهم يوم القيامة .

ثم يقول : اخطب ، فاخطب بخطبة لم يسمع أحد من الأنبياء والرسل بمثلها .

ثم ينصب للأوصياء منابر من نور ، وينصب لوصيّ علي بن أبي طالب في أوساطهم منب_ر ، فيكون منب_ره أعلى من منابرهم .

ثم يقول : يا علي اخطب ، فيخطب بخطبة لم يسمع أحد من الأوصياء بمثلها .

ثم ينصب لأولاد الأنبياء والمرسلين منابر من نور ، فيكون لابني وسبطي وريحانتي أيام حياتي منب_ر من نور ، ثم يقال لهما : اخطبا . فيخطبان بخطبتين لم يسمع أحد من أولاد الأنبياء والمرسلين بمثلها .

ثم ينادي المنادي وهو جب_ريل : أين فاطمة بنت محمد؟ فتقوم ، إلى أن قال : فيقول الله تبارك وتعالى : يا أهل الجمع لمن الكرم اليوم؟

فيقول : محمد وعلي والحسن والحسين : لله الواحد القهار .

فيقول الله تعالى : يا أهل الجمع إني قد جعلتُ الكرم لمحمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين .

يا أهل الجمع : طأطؤا الرؤوس ، وغضّوا الأبصار ، فإن هذه فاطمة تسير إلى الجنة ، فيأتيها جب_رئيل بناقة من نوق الجنّة ، مدبّجة الجنبين ، خطامها من اللؤلؤ الرطب ، عليها رحل من المرجان فتناخ بين يديها ، فتركبها ،

فيبعث الله مائة ألف ملك ليسيروا عن يمينها ، ويبعث إليها مائة ألف ملك ليسيروا عن يسارها ، ويبعث إليها مائة ألف ملك يحملونها على أجنحتهم ، حتى يصيروا على باب الجنة ، فإذا صارت عند باب الجنة تلتفت ، فيقول الله : يا بنت حبيبي ما التفاتك ، وقد أمرتُ بك إلى جنّتي؟

فتقول : يا رب أحببت أن يعرف قدري في مثل هذا اليوم .

فيقول الله : يا بنت حبيبي! ارجعي فانظري من كان في قلبه حبٌ لكِ أو لأحد من ذريتك ، خُذي بيده فأدخليه الجنة .

قال أبو جعفر الباقر : والله يا جابر ، إنها ذلك اليوم لتلتقط شيعتها ومحبّيها ، كما يلتقط الطير الحبّ الجيد من الحبّ الرديء ، فإذا صار شيعتها معها عند باب الجنة يلقي الله في قلوبهم أن يلتفتوا ، فإذا التفتوا يقول الله تعالى : يا أحبّائي ما التفاتكم ، وقد شفّعت فيكم فاطمة بنت حبيبي؟

فيقولون : يا رب أحببنا أن يعرف قدرنا في مثل هذا اليوم .

فيقول الله : يا أحبّائي . ارجعوا وانظروا من أحبّكم لحب فاطمة .

انظروا من أطعمكم لحب فاطمة .

انظروا من سقاكم شربة ماء لحب فاطمة .

انظروا من ردّ عنكم غيبة في حب فاطمة .

فخذوا بيده وأدخلوه الجنة .

نعم إنها الجنة إن شاء الله ، هذه فاطمة بنت محمد إنها لتشفع لمحبّيها يوم المحشر على رغم أنوف مبغضيها .

منزلة فاطمة عند رسول الله

روى جابر بن عبد الله الأنصاري قال : قال رسول الله في مرضه الذي قبض فيه ،

لفاطمة : بأبي وأمي انتِ! أرسلي إلى بعلك فادعيه لي .

فقالت فاطمة للحسين أو للحسن : انطلق إلى أبيك فقل : يدعوك جدّي .

فانطلق إليه الحسين فدعاه ، فأقبل علي بن أبي طالب حتى دخل على رسول الله وفاطمة عنده وهي تقول : وا كرباه لكربك يا أبتاه! .

فقال رسول الله : لا كرب على أبيك بعد اليوم يا فاطمة ، ولكن قولي كما قال أبوك على إبراهيم : تدمع العينان ، وقد يوجع القلب ، ولا نقول ما يسخط الرب ، وإنّا بك يا إبراهيم لمحزونون .

وروي أن النبي دعا علياً وفاطمة والحسن والحسين وقال لمن في بيته : أخرجوا عني .

وقال لأم سلمة : كوني على الباب فلا يقربه أحد .

ثم قال لعلي : اُدنُ منّي ، فدنا فأخذ بيد فاطمة فوضعها على صدره طويلاً وأخذ بيد علي بيده الأخرى ، فلما أراد رسول الله الكلام غلبته عبرته ، فلم يقدر على الكلام ، فبكت فاطمة بكاءً شديداً وبكى علي والحسن والحسين لبكاء رسول الله .

فقالت فاطمة : يا رسول الله قد قطَّعت قلبي ، وأحرقت كبدي لبكائك يا سيد النبيين من الأولين والآخرين ، ويا أمين ربه ورسوله ، ويا حبيبه ونبيه .

مَنْ لِوُلدي بعدك؟

ولذُلٍّ ينزل بي بعدك؟

مَنْ لعليّ أخيك وناصر الدين؟

مَنْ لوحي الله وأمره؟

ثم بكت وأكبّت على وجهه فقبّلته ، وأكبّ عليه علي والحسن والحسين فرفع رأسه إليهم ، ويد فاطمة في يده فوضعها في يد علي ، وقال له : يا أبا الحسن وديعة الله ووديعة

رسوله محمد عندك فاحفظ الله واحفظني فيها ، وإنك لفاعل هذا .

يا علي هذه والله سيدة نساء أهل الجنة من الأولين والآخرين ، هذه والله مريم الكب_رى .

أما والله ما بلغت نفسي هذا الموضع حتى سألت الله لهم ولكم فأعطاني ما سألته .

يا علي أنفذ ما أمرتك به فاطمة ، فقد أمرتها بأشياء أمر بها جب_رئيل .

واعلم يا علي إني راضٍ عمّن رضيت عنه ابنتي فاطمة ، وكذلك ربّي وملائكته .

يا علي : ويل لِمَنْ ظلمها ، ويل لِمَنْ انبزها حقها ، وويل لمن هتك حرمتها .

ثم ضمَّ فاطمة إليه وقبّل رأسها وقال : فداك أبوك يا فاطمة .

عصمة فاطمة

عن أم سلمة قالت : في بيتي نزلت إِنّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُ_مُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيراً فجاءت فاطمة ببرمة فيها ثريد ، فقال لها : ادعي زوجك وحسناً وحسيناً . فدعتهم ، فبينما هم يأكلون إذ نزلت هذه الآية فغشّاهم بكساء خيبري كان عليه ، فقال :

اللّهم هؤلاء أهل بيتي وخاصّتي فاذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا قالها ثلاث مرات .

وعن عائشة بنت أبي بكر قالت : خرج رسول الله غداة غدٍ وعليه مرط مرجل من شعر أسود ، فجاء الحسن فأدخله ، ثم جاء الحسين فأدخلهُ ، ثم جاءت فاطمة فأدخلها ، ثم جاء علي فأدخله ، ثم قال : إِنّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُ_مُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيراً .

نقول : لقد نزلت في حق فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها آيات عديدة ، استدلّ بها المفسّرون والمؤرخون من

أصحاب الفقه وأرباب المذاهب ، على عصمة هؤلاء الخمسة الأطهار ، ونحن توخينا الاختصار وتركنا البحث للقارئ النبيه ، إذ هناك العشرات من المصادر ينبغي مراجعتها .

من فضائل فاطمة ومناقبها

رُوي عن جابر بن عبد الله قال : إنّ رسول الله أقام أياماً ولم يُطعم طعاماً حتى شقّ ذلك عليه ، فطاف في ديار أزواجه فلم يصب عند إحداهن شيئاً فأتى فاطمة ، فقال : يا بنية هل عندك شيء آكله ، فإني جائع؟

قالت : لا والله بنفسي وأخي .

فلمّا خرج عنها بعثت جارية لها رغيفين وبضعة لحم فأخذته ووضعته تحت جفنة وغطّت عليها وقالت : والله لأوثرنّ بها رسول الله على نفسي وغيري . وكانوا محتاجين إلى شبعة طعام ، فبعثت حسناً أو حسيناً إلى رسول الله فرجع إليها ، فقالت : قد أتانا الله بشيء فخبأته لك . فقال : هلمّي علي يا بنية . فكشفت الجفنة فإذا هي مملوءة خبزاً ولحماً ، فلما نظرت إليه بهتتْ وعرفت أنه من عند الله ، فحمدت الله وصلّت على نبيه أبيها وقدّمته إليه ، فلمّا رآه حمد الله ، وقال : من أين لك هذا؟

قالت : هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب ، فبعث رسول الله إلى علي فدعاه وأحضره وأكل رسول الله وعلي وفاطمة والحسن والحسين وجميع أزواج النبي حتى شبعوا .

قالت فاطمة : وبقيت الجفنة كما هي فأوسعت منها على جميع جيراني جعل الله فيها بركة وخيراً كثيراً .

أقول : ليهنك يا بنت محمد حيث أجراك الله سبحانه مجرى مريم بنت

عمران إذْ كُلّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً . قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنّىَ لَكِ هَ_َذَا؟ قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللهِ .

بل أنت يا أمّ الهداة أعلى وأزكى وأطهر ، فكم لك من آيات باهرات وكرامات ساطعات؟!

وهل يغيب عن الأذهان ما قال فيكِ النبي الأكرم؟! فممّا قاله؛ كما هو عن

ابن عباس قال : إن رسول الله كان جالساً ذات يوم وعنده علي وفاطمة والحسن والحسين ، فقال : اللهم إنك تعلم أنّ هؤلاء أهل بيتي وأكرم الناس عليّ فأحبب من أحبهم ، وأبغض من أبغضهم ، ووال من والاهم ، وعاد من عاداهم ، وأعن من أعانهم ، واجعلهم مطهّرين من كل رجس ، معصومين من كل ذنب ، وأيّدهم بروح القدس منك .

ثم قال : يا علي أنت إمام أمتي وخليفتي عليها بعدي ، وأنت قائد المؤمنين إلى الجنة ، وكأني أنظر إلى ابنتي فاطمة قد أقبلت يوم القيامة على نجيب من نور عن يمينها سبعون ألف ملك ، وعن يسارها سبعون ألف ملك ، وبين يديها سبعون ألف ملك ، وخلفها سبعون ألف ملك ، تقود مؤمنات أمتي إلى الجنة .

فقيل يا رسول الله هي سيدة نساء عالمها؟

فقال : ذاك لمريم بنت عمران ، فأما ابنتي فاطمة فهي سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين وإنها لتقوم في محرابها فيسلّم عليها سبعون ألف ملك من الملائكة المقرّبين وينادونها بما نادت به الملائكة مريم ، فيقولون : يا فاطمة : يَا مَرْيَمُ إِنّ اللهَ اصْطَفَاكِ وَطَهّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَىَ نِسَآءِ الْعَالَمِينَ .

وفي المناقب روى

أبو علي الصولي في أخبار فاطمة ، وأبو السعادات في فضائل العشرة بالإسناد عن أبي ذر الغفاري قال : بعثني النبي أدعو علياً فأتيت بيته وناديته فلم يجبني فأخبرت النبي .

فقال : عد إليه فإنه في البيت ودخلت عليه فرأيت الرحى تطحن ولا أحد عندها .

فقلت لعلي : إنّ النبي يدعوك فخرج متّشحاً حتى أتى النبي فأخبرت النبي بما رأيت .

فقال : يا أبا ذر لا تعجب فإنّ لله ملائكة سيّاحون في الأرض موكّلون بمعونة آل محمد .

وعن الحسن البصري ، وابن إسحاق ، عن عمار ، وميمونة ، أن كليهما قالا : وجدت فاطمة نائمة والرحى تدور ، فأخبرت رسول الله بذلك ، فقال : إنّ الله علم ضعف أمته فأوحى إلى الرّحى أن تدور فدارت .

ومن مناقبها؛ أسلم ببركتها جمع غفير :

إنها رهنت كسوة لها عند امرأة زيد اليهودي في المدينة واستقرضت الشعير فلما دخل زيد داره قال : ما هذه الأنوار في دارنا؟

قالت : لكسوة فاطمة ، فأسلم في الحال ، وأسلمت امرأته ، وجيرانه حتى أسلم ثمانون نفساً .

وتزامناً مع ذكرى ميلاد سيدة نساء العالمين حبيبة المصطفى وأمّ أبيها فاطمة الزهراء نعيش ذكرى ميلاد مؤسس وقائد الثورة الإسلامية في إيران الإمام الخميني حفيد الزهراء ، وابنها البار ، الذي اقتدى بنهجها وجهادها ، حتى أعاد إلى الأذهان قدرة الله سبحانه ، وعز الإسلام ، وما وعده الله لنبيّه ، فقد أنجز وعده ، ونصر عبده ، وأعزّ جنده ، وهلك الأحزاب وحده . .

6ولادة الإمام الخميني الراحل 20/ جمادى الثانية/ 1320ه_

في ذكرى مولد آية الله العظمى المرجع الديني والقائد الكبير الإمام روح الله الموسوي الخميني يحتار الكاتب والباحث في أيّ جانب يتطرّقون إليه في شخصيته العظيمة ، فما من جانب من جوانبها إلا وتتأصّل فيه الفكر والعظمة والابتكار ، كما أنّ كل جانب منها يحتاج إلى خوض بحوث معمّقة لاكتنافها وتوضيح معالمها .

1- مرحلة الطفولة :

ولد الإمام الخميني عام 1320 ه_ 21/9/1902م بمدينة خُمين وهي تبعد 349 كلم جنوب غربي طهران في بيت عُرف بالعلم والفضل والتقوى . . ولم تمضِ على ولادته ستة أشهر حتى استُشهد والده آية الله السيد مصطفى الموسوي على أيدي قطّاع الطرق ، المدعومين من قِبل الحكومة آنذاك ، وكان استشهاده في الحادي عشر من ذي القعدة عام 1320 ه_ . وهكذا ، تجرّع الإمام الخميني منذ صباه مرارة اليتم ، وتعرّف على مفهوم الشهادة .

أمضى الإمام فترة طفولته وصباه تحت رعاية والدته المؤمنة السيدة هاجر ، التي تنتسب لأسرة اشتُهرت بالعلم والتقوى ، وكفالة عمّته الفاضلة صاحبة خانم ، التي عُرفت بشجاعتها وقول الحق ، وفي الخامسة عشرة من عمره الشريف افتقد وجود هاتين العزيزتين .

الأسرة والأبناء :

اقترن عام 1929م بكريمة المرحوم آية الله الحاج الميرزا محمد الثقفي الطهراني ، وكانت ثمرة هذا الاقتران ثمانية أبناء هم :

1- الشهيد آية الله السيد مصطفى .

2- ابن اسمه علي توفي في سن الرابعة .

3- السيدة صديقة عقيلة المرحوم آية الله إشراقي .

4- السيدة فريدة عقيلة السيد الأعرابي .

5- السيدة فهيمة زهراء عقيلة الدكتور السيد البروجردي .

6- بنت اسمها

سعيدة توفيت ولها من العمر سبعة شهور .

7- المرحوم حجة الإسلام والمسلمين السيد أحمد الخميني .

8- بنت اسمها لطيفة توفيت وهي طفلة .

ومع أنّ سماحته كان يعتمد طوال حياته السياسية وجهاده على الله ، ويتوكل عليه فحسب ، ويستمد العون منه وحده ، ويواصل خطواته بوحي من ثقته بإيمانه ، إلاّ أنّ الدور الفعّال والمؤثر لولده الأكبر السيد مصطفى - إلى جواره - طوال مراحل النهضة الإسلامية ، لم يكن خافياً على أحد . ونظراً لهذا الدور الذي كان يضطلع به السيد مصطفى في تنظيم طاقات الثورة ، وجمع الأخبار والمعلومات اللازمة ، وإيصال نداءات قائد الثورة السرّية إلى المراجع العظام والعلماء وزعماء الفصائل السياسية ، وإيجاد قنوات الاتصال والتواصل مع العناصر الثورية ، ألقت عناصر نظام سلطة الشاه القبض عليه وأُودع السجن ، ثم تم نفيه بعد إطلاق سراحه ، كوالده الكبير إلى تركيا ، ومن ثم إلى العراق . ولا شكّ أنّ الذي مهّد الطريق لاستشهاده عام 1978 لم يكن غير دوره الفاعل في النهضة الإسلامية ومواصلتها .

ومن تلك اللحظة التي استُشهد فيها ، ألقت المشيئة الإلهية المسؤولية التي كانت ملقاة حتى ذلك التاريخ على عاتق السيد مصطفى الخميني ، على كاهل شاب لا يقلّ عن أخيه حنكة وتدبيراً ، ألا وهو السيد أحمد الخميني .

ولا يخفى إنّ طريقة حياة الإمام ، وبساطة عيشه ، ولكونها نابعة من معتقداته الدينية ، بقيت ثابتةً لم تتغير في مختلف مراحل حياته ، وطوال مسيرة جهاده السياسي الحافلة بالأحداث .

لقد دُهِش

الصحفيون الأجانب ومراسلو وكالات الأنباء العالمية ، الذين سُمح لهم بعد رحيل الإمام بزيارة محل إقامة سماحته ، دُهِشوا لمشاهدتهم البيت المتواضع ، ووسائل المعيشة البسيطة . وإنّ ما رأَوه لا يمكن مقارنته بأيّ وجه مع نمط حياة رؤساء البلدان والزعماء السياسيين والدينيين في عصرنا الراهن . . إنّ أسلوب حياته وبساطة معيشته يعيدان إلى الأذهان الصورة التي كانت عليها حياة الأنبياء والأولياء والصالحين ومن أراد أن يطلع على سيرته الكاملة فليراجع الكتب المدّونة في ذلك بما فيها مجموعة قبسات من سيرة الإمام الخميني إعداد غلام علي الرجائي ، ومن أراد أن يطلع باختصار فليراجع كتاب الإمام الخميني سيرة ومسيرة من إعداد مكتب الإمام الخامنئي في سورية .

مؤلفات حول الثورة الإسلامية والإمام الخميني :

1- قبسات من سيرة الإمام الخميني لغلام علي رجائي ، طبعة الدار الإسلامية ، بيروت .

2- رجل من أهل قم للشيخ حسن فؤاد حمادة ، طبعة دار الهادي ، بيروت .

3- حديث اليقظة للأستاذ حميد أنصاري ، طبعة دار الولاء ، بيروت .

4- الإمام الخميني والثورة الإسلامية في إيران المحامي أحمد حسين يعقوب ، طبعة الغدير للدراسات والنشر ، بيروت .

مناسبات شهر رجب

مناسبات شهر رجب

اليوم المناسبةالسنة

1/ رجب ولادة الإمام محمد الباقر75 ه_

2/ ولادة الإمام علي الهادي212ه_

3/ شهادة الإمام علي الهادي254 ه_

10/ ولادة الإمام محمد الجواد195 ه_

12/ قدوم الإمام علي بن أبي طالب إلى الكوفة واتخاذها مقراً لخلافته36 ه_

13/ ولادة الإمام علي بن أبي طالب 23 ق . ه_

13-14-15/الأيام البيض من كل سنة

15/ تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة بمكة2 ه_

15/ وفاة السيدة زينب الكبرى62 ه_

21/ ولادة السيدة

سكينة بنت الحسين

24/فتح حصون خيبر بيد علي بن أبي طالب7 ه_

25/ شهادة الإمام موسى الكاظم183 ه_

26/ وفاة شيخ الأبطح أبي طالب10 للبعثة

27/ المبعث النبوي المباركأربعين خلت من عام الفيل

27/ الإسراء والمعراج3 للبعثة

28/ خروج الإمام الحسين من المدينة إلى مكة60 ه_

29/ غزوة تبوك9 ه_

تمهيد

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على شمس الهداية نبينا محمد ، وعلى الأقمار المضيئة الأئمة الطاهرين .

جعل الله تعالى لعباده رحمة بهم مواقيت زمانية ومكانية ، بغية تعميق العلاقة والارتباط بخالقهم والتفرغ فيها عمّا سواه .

ومن هذه المواقيت شهر رجب وشعبان ورمضان ، حيث جعلها الله تعالى موعداً للقاءه والقرب منه والزلفى إليه ، مثلما جعل شهري رجب وشعبان بوابة لشهر رمضان ، كما جعل أرض عرفة بوابة لدخول حرمه المقدس ، فعلى المؤمن أن يبدأ فيهما بتهذيب نفسه ، والتخلّق بأخلاق ربّه ، والسّعي الدؤوب لتذليل كل شيء في ذات الله ، وجلببته بثوب العبودية والفقر لله تعالى ، ليأتي عليه شهر رمضان المبارك ، وهو طاهرٌ من درن الذنوب والخطايا ، قد نفض عن قلبه ونفسه وعقله غبار التعلق بغيره تعالى .

ويعتبر شهر رجب من أكثر الشهور مناسبات ، وأيام الله فيه كثيرة ، ومن تلك المناسبات ولادة المعصومين : أمير المؤمنين ، والأئمة الباقر والجواد والهادي ، وشهادة الإمامين الكاظم والهادي ، ووفاة السيدة زينب .

ومن أيام الله المشهودات في هذا الشهر المبارك الإسراء والمعراج ويوم المبعث ، والأيام البيض ، وهي 11-12-13 من الشهر ، ويوم النصف منه إذ يحظى

باهتمام خاص من لدن أئمتنا .

ففي منتصف رجب ليلة ونهاراً يطلبه الغسل وزيارة الحسين والصلاة والدعاء بزيارة يا مذل كل جبار ، ودعاء أم داود على ما ذكر في مفاتيح الجنان ص194 من أعمال شهر رجب .

وقد وصفه الرسول الأعظم فقال : إن رجباً شهر الله وشعبان شهري ، ورمضان شهر أمتي ، فمن صام من رجب يوماً ، استوجب رضوان الله الأكبر .

وفيه أعمال مهمةً موزّعة على أيامه ولياليه ، أهمها الصوم ، والصدقة ، والصلوات ، والغسل ، والدعاء بالمأثور ، والاجتهاد في طلب الحوائج من الله تعالى . وخصّ من الشهر اليوم الأول بأعمال أهمها الصدقة والصيام وزيارة الحسين حيثما تكون .

والليلة الخامسة والعشرون ويومها ، حيث ذكرى وفاة الإمام موسى الكاظم .

وليلة السابعة والعشرون منه باعتبارها بعثة الرسول الأكرم .

وفي اليوم الأخير من الشهر يستحب الغسل والصيام .

نسأل الله العلي القدير أن يوفقنا جميعاً للفوز ببركات هذا الشهر ، ونيل رضاه ، إنه ولي السداد والتوفيق .

1ولادة الإمام محمد الباقر 1 / رجب / السنة 57 ه_

مولده ونسبه الشريف

ولد الإمام محمد الباقر يوم الجمعة - وقيل الاثنين - في غرة رجب سنة 57ه_ ، وهناك من قال بأن ولادته كانت في الثالث من صفر ، أبوه الإمام الهمام علي بن الحسين زين العابدين وسيد الساجدين ، وأمه فاطمة بنت الإمام الحسن المجتبى .

وعلى هذا فيعتبر الإمام الباقر أول فاطمي من فاطميين ، وأول من اجتمعت له ولادة الحسن والحسين .

ويروى أنه كان كثير الشبه بجده المصطفى محمد ، ولذا كان يلقّب بالشبيه

، وكان ربع القامة ، رقيق البشرة ، جعد الشعر ، أسمر اللون ، له خال على خده ، وكان يكنّى بأبي جعفر ، ويلقّب بالشاكر لله ، والهادي ، والأمين ، وأشهر ألقابه على الإطلاق ما لقبّه به جدّه رسول الله : أي الباقر ، فقد روي عن جابر بن عبد الله الأنصاري : أنّ النبي قال له : يوشك أن تبقى حتى تلقى ولداً لي من الحسين ، يقال له محمد ، يبقر علم الدين بقراً ، فإذا لقيته فأقرئه مني السلام .

وجاء في معاجم اللغة ، أن الباقر هو المتبحر بالعلم ، المستخرج غوامضه ولبابه ، وأسراره ، والمحيط بفنونه ، ومغازيه .

النص على إمامته

جرت عادة الأئمة أن ينصّ المتقدم منهم على المتأخر ، ويشير السابق على اللاحق ، قطعاً للمعاذير ، وإقامة للحجة ، وقد نصّ الإمام علي بن الحسين على إمامة ولده في مواضع متعددة ، فمنها قوله : ألا وإنه الإمام أبو الأئمة ، معدن العلم يبقره بقراً ، والله لهو أشبه الناس برسول الله ، وقد تواترت النصوص على إمامته ، ونقلها العامة كالمسعودي والزهري ، فضلاً عن الخاصة .

جوانب من شخصية الإمام الباقر

1- الجانب الروحي : المتتبع لحياة الأئمة يجدها حلقات متصلة في العبادة ، وهي كلها لله وفي الله وإلى الله تعالى ، والإمام الباقر واحد من هؤلاء الأئمة ، والذي كان له السبق في سلّم العبادة والتعلق المطلق بذات الله

تعالى ، فقد ارتقى فيه حتى بلغ ذروته .

يقول الإمام الصادق في حقه : كان أبي كثير الذكر ، لقد كنت أمشي معه وإنّه ليذكر الله ، وآكل معه الطعام وإنّه ليذكر الله ، ولقد كان يحدث القوم وما يشغله ذلك عن ذكر الله ، وكنت أرى لسانه لازقاً بحنكه ، يقول : لا إله إلا الله ، وكان يجمعنا فيأمرنا بالذكر حتى تطلع الشمس ، ويأمر بالقراءة من كان يقرأ منّا ، ومن كان لا يقرأ أمره بالذكر .

وقال أفلح - مولى للإمام الباقر - : خرجت مع محمد بن علي الباقر حاجاً ، فلما دخل المسجد ، نظر إلى البيت فبكى حتى علا صوته ، فقلت : بأبي أنت وأمي إنّ الناس ينظرون إليك فلو رفقت بصوتك قليلاً ، فقال لي : ويحك يا أفلح ، ولم لا أبكي ، لعل الله ينظر إليّ برحمة فأفوز بها عنده غداً ، ثم طاف بالبيت ، ثم جاء حتى ركع عند المقام ، أي صلّى ركعات فرفع رأسه من سجوده فإذا موضع سجوده مبتل من دموع عينيه .

2- الجانب الاجتماعي : كان الإمام الباقر - كسائر أئمة أهل البيت - أباً عطوفاً للأمة بأسرها ، فعنده محط محتاجهم ، وإلى كنفه منتهى مكروبهم ، وبفناء داره شفاء مغمومهم ، فقد روي عن الأسود بن كثير : شكوت إلى أبي جعفر الحاجة ، وجفاء الإخوان ، فقال : بئس الأخ يرعاك غنياً ويقطعك فقيراً . ثم أمر غلامه

فأخرج كيساً فيه سبعمئة درهم ، فقال : استنفق هذه فإذا فرغت فأعلمني .

وقالت سلمى - مولاة أبي جعفر - : كان يدخل عليه أصحابه ، فلا يخرجون من عنده حتى يطعمهم الطعام الطيب ، ويكسوهم الثياب الحسنة ، ويهب لهم الدنانير ، فأقول له في ذلك ليقلل منه فيقول : يا سلمى ما حسنة الدنيا ، إلا صلة الإخوان والمعروف .

وعن أبي عبد الله قال : دخلت على أبي يوماً وهو يتصدق على فقراء أهل المدينة بثمانية آلاف دينار ، وأعتق أهل بيت بلغوا أحد عشر مملوكاً .

3- الجانب العلمي والثقافي : لا نشكّ أبداً أنّ هدف الأئمة هو : بثّ روح العلم والثقافة في أرجاء العالم الإسلامي من شرقه إلى غربه ، ولكن كل إمام يحقق من هذا الهدف ما تسنح له الظروف ، غير أن الإمام الباقر قد سنحت له الظروف أن يبثّ الكثير الكثير من علوم الدين والثقافة الإسلامية بما لم تسمح لغيره منهم ، فقد أدى تمادي معاوية في قتل الصحابة والتشنيع بهم ، وكذلك أدى قتل يزيد للحسين وأهل بيته وأصحابه ، وواقعة الحرة . . واستباحة المدينة المنورة ورميه الكعبة بالمنجنيق و . . . أدّى كل ذلك إلى تدهور أوضاع الدولة الأموية ، حتى وصلت إلى حافة الانهيار في عهد هشام بن عبد الملك ، حيث بدأت دعوة العباسيين ب_الثورة للقضاء على الدولة الأموية ، داعين إلى الرضا من آل محمد ظاهراً فاستغلّ الإمام الباقر هذا الظرف لفتح مدرسته ، وليتخرج منها المئات من العلماء ، الذين

انتشروا في مختلف البقاع ليبثّوا الدين والفكر والثقافة على مذهب آل محمد ، هكذا شاء الله وكان .

قال جابر الجعفي : حدثني أبو جعفر سبعين ألف حديث ، وقال محمد ابن مسلم : ما شجر في رأيي شيء إلا سألت عنه أبا جعفر حتى سألته عن ثلاثين ألف حديث .

ونقل بعض من شاهد الإمام في الحج : انثيال الناس عليه يستفتونه عن المعضلات ، ويستفتحون أبواب المشكلات ، فلم يرم حتى أفتاهم في ألف مسألة ثم نهض يريد رحله .

واليوم ، وبعد مضي ثلاثة عشر قرناً على تأسيسه لهذه المدرسة العظيمة ، لا يزال الفقه والحديث والتفسير وغيرها من العلوم معوّلاً عليها ، تستمد من منهلها العذب ، وتغترف من معينها الفيّاض .

أما تلامذته : فقد قال ابن شهر آشوب : . . وقد روى عنه معالم الدين بقايا الصحابة ، ووجوه التابعين ، ورؤساء فقهاء المسلمين ، فمن الصحابة : جابر عبد الله الأنصاري ، ومن التابعين : جابر بن يزيد الجعفي ، وكيسان السختياني صاحب الصوفية ، ومن الفقهاء نحو : ابن المبارك ، والزهري ، والأوزاعي ، وأبي حنيفة ، ومالك ، والشافعي ، وزياد بن المنذر النهدي ، ومن المصنفين نحو : الطبري ، والبلاذري ، والسلامي ، والخطيب في تواريخهم ، وفي الموطأ ، وشرف المصطفى والإبانة ، وحلية الأولياء ، وسنن أبي داود ، والالكاني ، ومسندي أبي حنيفة ، والمروزي ، وترغيب

الأصفهاني ، وبسيط الواحدي ، وتفسير النقاش والزمخشري ، ومعرفة أصول الحديث ، ورسالة السمعاني ، فيقولون : قال محمد ابن علي ، وربما قالوا : قال محمد الباقر .

4- منفاه وسجنه وشهادته :

كان الإمام الباقر في وجوده وحركاته وسلوكه ، وجميع تصرفاته في المدينة يشكّل خطراًً ضد الجهاز الأموي الحاكم آنذاك ، المتمثل بهشام بن عبد الملك ، والإمام وإن تخلى عن الجهاد والكفاح المسلح ، وعمد إلى التغيير الفكري ، وترويج الثقافة والمعرفة ، ولكن مع ذلك فقد كان الجهاز الحاكم يعتبر ذلك مخالفاً لسلطته وجهاداً ضد حكومته ، فعزم هشام على استقدام الإمام إلى الشام ، فحُمل مع ولده الصادق إليها ، ومبالغة في إذلاله حُبس عن لقاء هشام ثلاثة أيام لم يأذنوا له بالدخول عليه ، وأنزلوهم في دار الغلمان .

ثم أذن له بالدخول ، فسلم الإمام على الجميع وجلس ، دون أن يخصه بالسلام ، فقال له هشام :

يا محمد بن علي لا يزالُ الرجل منكم قد شقَّ عصا المسلمين ، ودعا إلى نفسه ، وزعم أنه الإمام سفهاً وقلة علم .

فأقبل القوم الذين في مجلس هشام على توبيخه - تنفيذاً لما طلبه هشام منهم قبل دخول الإمام عليه - ، فلما سكت الجميع نهض الإمام وقال : أيها الناس أين تذهبون ، وأين يراد بكم ، بنا هدى الله أولكم ، وبنا يختمُ آخركم ، فإن يكن لكم ملكٌ معجّلٌ فإن لنا ملكاً مؤجّلاً ، وليس

بعد مُلكِنا مُلكُ ، لأنا أهل العاقبة بقول الله عز وجل : وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ .

فأمر هشام بسجنه ، ولكن لم يمضِ وقت طويل حتى تناقلت الأخبار إلى هشام بأنّ الإمام قد استطاع بأخلاقه وعلمه وعبادته أن يأسر قلوب السجّان إليه ، فخاف انقياد أهل الشام إليه ، فأمر بإعادة الإمام إلى المدينة .

وحين خرج من القصر يريد المدينة ، وإذا براهب قد اجتمعت حوله الناس من النصارى والمسلمين ، وكان من كبار رهبانهم في الشام ، فلما وقع بصره على الإمام سأله عن معضلات فأتى الإمام على آخرها ، مما جعل الراهب يقول للناس : جئتم بأعلم مني كي يفضحني ، لعمري ما رأيت بعيني قط أعلم من هذا الرجل ، لا تسألوني عن حرف وهذا بالشام ، فكل ما أردتم تجدوه عنده حاضراً ، فسرّ المسلمون وأخذوا يتناقلون الحديث عن الإمام .

اشتعل هشام حقداً وحنقاً على الإمام إثر هذه الحادثة ، فأرسل إليه أن يعجل بالذهاب إلى المدينة ، كما أرسل إلى عامله على المدينة أن يبلّغ الناس أنه لا يحق لأحد أن يتحدث مع محمد بن علي وابنه ، فإنهما وردا عليّ ، ولما صرفتهما إلى المدينة مالا إلى القسيسين والرهبان ، وأظهرا لهم ميلاً ، ومرقا من الإسلام إلى الكفر ، وتقرّباً إليهم بالنصرانية ، فكرهت أن أنكّل بهما لقرابتهما ، فإذا قرأت كتابي هذا ، ووصلا إليكم فناد في الناس : برئت الذمة منهما .

وبعد هذا فقد أخذ عامل هشام يُضيّق على الإمام

مدة من الزمان ، حتى ختم ذلك بدسه السم إليه بأمر من هشام بن عبد الملك ، فقضى صلوات الله عليه شهيداً ، ودفنه ولده الصادق في البقيع أمام عمه الحسن ، وأبيه علي ابن الحسين .

فسلام على الإمام الباقر يوم ولد ، ويوم أدّى رسالته ، ويوم استشهد ويوم يبعث حياً .

2ولادة الإمام علي الهادي 2/ رجب / السنة 212 ه_

شخصية الإمام علي الهادي

ولد الإمام علي الهادي في صريا ، وأكثر المؤرخين على أنه ولد في سنة 212ه_ ، وقيل في سنة 214ه_ ، وقد اختلفوا في الشهر واليوم الذي ولد فيهما ، فبعض المصادر على أنها كانت في منتصف ذي الحجة ، والبعض الآخر منها على أنها في رجب ، في اليوم الثاني منه أو في الخامس على الاختلاف ، وقد صرّحت بولادته في رجب بعض الأدعية منها : اللهم إني أسألك بحق المولودين في رجب محمد بن علي الثاني - الجواد - وعلي بن محمد المنتجب - الهادي - .

أبوه الإمام الجواد ، وأمه السيدة القديرة سمانة المغربية التي اشتراها له محمد بن الفرج بسبعين ديناراً ، وتولى الإمام تربيتها ، فأقبلت على العبادة والطاعة ، حتى كانت من القانتات المتهجّدات والتاليات لكتاب الله تعالى ، ويكفي في جلالتها أنها كانت المفزع للشيعة في نقل الأحكام الشرعية ، في أيام الشدة .

كان الإمام الهادي متوسط القامة ، ذا وجه أبيض مشرّباً بالحمرة ، وذا عينين كبيرتين ، وحاجبين واسعين ، وكانت أسارير وجهه تبعث على الفرح والسرور لكل من رآه .

تولى منصب

الإمامة بعد شهادة أبيه الجواد وكان عمره ثمان سنوات ، وكان ذلك في سنة 220 ه_ ، ودامت ثلاثاً وثلاثين سنة .

وقد ورد الكثير ممّا دلّ على إمامته ، قال الشيخ المفيد : الأخبار في هذا الباب كثيرة جداً . . . وفي إجماع العصابة على إمامة أبي الحسن ، وعدم من يدَّعيها سواه في وقته ممن يلتبس الأمر فيه غنى عن إيراد الأخبار بالنصوص على التفصيل .

ولنذكر نصاً واحداً منها ، فقد قال الصقر بن دُلف : سمعت أبا جعفر محمد بن علي الرضا يقول : إنَّ الإمام بعدي ابني علي ، أمره أمري ، وقوله قولي ، وطاعته طاعتي ، والإمامة بعده في ابنه الحسن .

يكنى الإمام الهادي بأبي الحسن الثالث ، ويلقّب بالناصح ، والتقي ، والمرتضى ، والفقيه ، والعالم ، والأمين ، والطيب ، والعسكري ، والرشيد ، والشهيد ، والوفي ، والخالص ، وأشهر ألقابه الهادي .

عاصر الإمام الهادي ستة من خلفاء بني العباس ، وهم المعتصم والواثق والمتوكل ، والمنتصر ، والمستعين ، والمعتز ، وله مع كل واحد منهم قضايا لا يتسع المقام لذكرها أجمع .

إِشخاص الإمام الهادي إلى سامراء :

لقد مارس المتوكل العباسي نفس الأسلوب الذي رسمه المأمون ، ثم أخوه المعتصم من إشخاص أئمة أهل البيت من مواطنهم ، وإجبارهم على الإقامة في مقر الخلافة ، وجعل العيون والحرّاس عليهم ، حتى يطّلعوا على دقيق شؤونهم .

وكان

المتوكل من أشدّ الخلفاء العباسيين عداءاً لعلي وآله ، فبلغه مقام علي الهادي بالمدينة ، ومكانته بين أهلها ، وميلهم إليه ، فخاف على نفسه منه ، خصوصاً وقد كتب له بريحة العباسي - أحد أنصاره وأزلامه - إن كان لك بالحرمين حاجة فأخرج منها علي بن محمد ، فإنّه قد دعا الناس إلى نفسه ، وتبعه خلق كثير .

فدعى يحيى بن هرثمة ، وقال له : اذهب إلى المدينة وانظر في حاله وأشخصه إلينا .

قال يحيى : فذهبت إلى المدينة ، فلمّا دخلتها ضجَّ أهلها ضجيجاً عظيماً ما سمع الناس بمثله ، خوفاً على علي الهادي ، وقامت الدنيا على ساق ، لأنه كان محسناً إليهم ، ملازماً للمسجد ، لم يكن عنده ميل إلى الدنيا .

قال يحيى : فجعلت أسكِّنهم وأحلف لهم أني لم أؤمر فيه بمكروه ، وأنه لا بأس عليه ، ثم فتشت منزله فلم أجد فيه إلاّ مصاحف وأدعية وكتب العلم ، فعظم في عيني ، وتولّيت خدمته بنفسي ، وأحسنت عشرته ، فلما قدمت به بغداد ، بدأت بإسحاق بن إبراهيم الطاهري ، وكان والياً على بغداد ، فقال لي : يا يحيى إنّ هذا الرجل قد ولده رسول الله ، والمتوكل من تعلم ، فإن حرّضته على قتله ، كان رسول الله خصمك يوم القيامة ، فقلت له : والله ما وقعت منه إلاّ على كل أمر جميل ، ثم صرت إلى سر من رأى ،

فلما دخلت على المتوكل وأخبرته بحسن سيرته وسلامته وورعه وزهادته ، وأني فتشت داره فلم أجد فيها إلا المصاحف وكتب العلم ، وأنّ أهل المدينة خافوا عليه ، فأمر المتوكّل به فأنزلوه في خان يقال له خان الصعاليك ، ليوهن الإمام ويقلل من شأنه ، فأقام فيه الإمام يومه ، ثم تقدم المتوكل فأفرد له داراً ، فانتقل إليه ، وكان تحت رقابة شديدة .

ولكن مع هذه الرقابة الشديدة ، وعلى الرغم من أنّ الإمام يعيش في نفس بلد المتوكل ، إلاَّ أنه وشي به إلى المتوكل بأنّ في داره كتباً وسلاحاً من شيعته ، وأنه عازم على الوثوب على الدولة ، فبعث إليه جماعة من الأتراك ، فهاجموا داره ليلاً فلم يجدوا فيها شيئاً ، ووجدوه وعليه مدرعة من صوف ، وهو جالس على الرمل والحصى ، متوجه إلى الله تعالى يتلو آيات القرآن ، فحملوه على هذه الحالة إلى المتوكل ، وكان الأخير جالساً في مجلس الشرب ، والكأس في يده ، فلما أدخلوه عليه ناوله الكأس ، فقال : والله ما خامر لحمي ودمي قط فاعفني ، فأعفاه ، ثم قال له : أنشدني شعراً! فقال : أنا قليل الرواية للشعر : فقال : لابد ، فأنشده :

باتوا على قلل الأجيال تحرسه

غُلْب الرجال فما أغنتهم القلل

واستنزلوا بعد عزّ من معاقلهم

وأسكنوا حُفراً يا بئس ما نزلوا

ناداهم صارخ من بعد دفنهم

أين الأسرة والتيجان والحلل؟

أين الوجوه التي كانت منعّمة

من دونها تضرب الأستار والكلل؟

فأفصح القب_ر عنهم حين ساءلهم

تلك الوجوه عليها

الدود يقتتل

قد طالما أكلوا دهراً وما شربوا

فأصبحوا بعد طول الأكل قد أُكلوا

فبكى المتوكل حتى بلّت لحيته دموع عينه ، وبكى الحاضرون .

اهتمامات الإمام الهادي

اهتم الإمام في نشر الثقافة الإسلامية ، والدفاع عن فكر الإسلام ، ومحاربة المفوّضة والمجبّرة ، وإثبات العدل والمنزلة بين المنزلتين ، وله رسالة في ذلك أوردها الحرّاني في تحف العقول .

كما اهتم بتفسير القرآن الكريم كثيراً ، ورفع غوامضه ، كما عمل على إرشاد الضالين ، والإجابة على جميع التساؤلات الواردة من مختلف بقاع العالم الإسلامي ، كما كان حلّالاً لمعضلات المتوكل وغيره من الخلفاء ، وبسبب إلتفاف الأمة حوله عمد المتوكل إلى زجّه في سجن مظلم وبحذاه قبر محفور ، ولكن كل ذلك لم يوهن من عزم الإمام على مواصلة طريق أجداده ، وفي النهاية وجدوا أن الطريقة الوحيدة للتخلص من كل ما يعانونه إطفاء نور الله ، فدسّ المعتز السم إليه ، فاستشهد في رجب سنة 254ه_ ، ودفن في داره في سامراء .

فالسلام على علي الهادي يوم ولد ، ويوم أدّى رسالته ، ويوم استشهد ، ويوم يبعث حياً .

3شهادة الإمام علي الهادي 3/ رجب / السنة 254 ه_

قد تقدم الحديث حول الإمام علي الهادي بمناسبة ولادته في 2/رجب / السنة 212 ه_ وفيما يلي بإختصار حول تاريخ وكيفية شهادته .

المشهور أن الإمام استشهد في أواخر ملك المعتز وقد سمّه المعتمد بالله ، ونقل العلامة المجلسي عن أبي جعفر الطوسي في مصابيحه إنّ الإمام قبض بسرَّ من رأى يوم الاثنين ثالث رجب .

والكل متفقون على أنّه استشهد في سن 254ه_ ولمّا

قضى نحبه تولى تغسيله وتكفينه والصلاة عليه ولده الإمام أبو محمد الحسن العسكري ودفنه في بيته .

4ولادة الإمام محمد الجواد 10/ رجب / السنة 195 ه_

شخصية الإمام الجواد

ولد الإمام الجواد في المدينة المنورة سنة 195ه_ ، والمشهور بين المؤرخين أن ولادته في 19 رمضان ، وذهب بعضهم إلى أنها في رجب ، وقد صرّحت بعض الأدعية بالأخير ، فقد جاء : اللهم إني أسألك بالمولودين في رجب محمد ابن علي الثاني ، وابنه علي بن محمد المنتجب .

أبوه الإمام علي بن موسى الرضا ، وأمه سبيكة ، وكان اسمها درّة ، وقد سمّاها الإمام الرضا بعد ذلك ب_خيزران ، وهي - على ما قيل - من آل مارية القبطية زوج النبي .

وكانت امرأة فاضلة تمتعت بفضائل أخلاقية سامية ، وكانت أفضل نساء عصرها ، حتى قال الإمام الرضا في حقها : قُدست أمّ ولدته - أي الجواد - قد خلقت طاهرة مطهرة .

كانت ملامحه كملامح آبائه التي تحكي ملامح الأنبياء ، فأسارير التقوى بادية على وجهه الكريم ، وقد وصفته بعض المصادر بأنه كان أبيضاً معتدل القامة .

يكنّى بأبي جعفر الثاني تمييزاً له عن جده الإمام الباقر الذي كان يكنّى بأبي جعفر أيضاً ، ولقّب بالجواد ، لكثرة ما أسداه من الخير والبر والإحسان إلى الناس ، كما لُقِّب بالتقي ، والمرتضى ، والرضي ، والمختار ، والمتوكل ، والزكي ، وباب المراد ، وقد عُرف بالأخير بين عامة المسلمين لقناعتهم بأنه باب من أبواب الرحمة الإلهية .

تولّى منصب الإمامة بعد شهادة أبيه الرضا

، وكان في الثامنة أو السابعة من عمره ، وكان ذلك في سنة 203ه_ ، وكانت ظاهرة الإمامة المبكرة لأهل البيت غير مألوفة للشيعة ، فضلاً عن غيرهم فأوجبت إمامته بهذا السن المبكر اضطراباً بين بعض رجالات الشيعة ، فأظهر الله المعجزات القاطعة ، والبراهين الساطعة والحجج الباهرة ، والبينات النيرة ، مما قوي به موقف الفكر الإسلامي ، فأجلّه وسلّم بفضله جميع من عرفه فضلاً عن شيعته ومحبيه .

وقد نقل الشيخ المفيد روايات كثيرة ومتواترة في النص من الإمام الرضا على إمامته ، وبعد أن ذكر عدداً من رواة النص قال : في جماعة كثيرة يطول بذكرهم الكتاب .

عاصر الجواد في تمام فترة إمامته خليفتين عباسيين ، هما المأمون 193-218ه_ والمعتصم 218-227ه_ ، وقد دامت إمامته 17 سنة .

استشهد في آخر ذي القعدة سنة 220ه_ ببغداد متأثراً بسم دسه إليه المعتصم على يد زوجته أم فضل ، ودفن في مقابر قريش في بغداد إلى جانب قبر جده الإمام الكاظم .

نشأة ظاهرة الإمامة المبكرة عند الشيعة

كان الإمام الجواد أول إمام يبلغ الإمامة في طفولته ، فمن الطبيعي أن يكون مثاراً للتساؤل والجدل بين صفوف الشيعة ، وغيرهم من المسلمين ، حيث كيف يمكن لحدث أن يتحمل مسؤولية ومهمة إمامة وقيادة المسلمين الحساسة والكبيرة؟! ويُشبع الساحة فكرياً وسياسياً ودينياً ، فهل يمكن أن يبلغ إنسان وهو بذلك العمر إلى الكمال الذي يجعله خليفة رسول الله؟!

يتبين من خلال دراسة حياة الأئمة أنهم كانوا يواجهون هذا الأمر ، ولا سيما في عهد الجواد ، وكانوا

يدحضون التشكيكات بما نصّ عليه القرآن الكريم من نبوة يحيى وهو صبي ، قال تعالى : يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا .

ونبوة عيسى وهو في المهد ، قال تعالى :

قالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا وَجَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا وَبَرًّا بِوالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيًّا .

وفي هذا الصدد ننقل ثلاث روايات :

الرواية الأولى :

عن علي بن أسباط قال : قدمت المدينة ، وأنا أريد مصر ، فدخلت على أبي جعفر محمد بن علي الرضا ، وهو إذ ذاك خماسي ، فجعلت أتأمّله لأصفه لأصحابنا بمصر ، فنظر إليّ ، وقال : يا علي إنّ الله أخذ في الإمامة كما أخذ في النبوة ، فقال سبحانه في يوسف : وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً .

وقال عن يحيى : وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا .

الرواية الثانية :

يقول بعض أصحاب الإمام الرضا : كنت واقفاً بين يدي أبي الحسن الرضا بخراسان ، فقال له قائل : يا سيدي إن كان كون فإلى من؟ قال : إلى أبي جعفر ابني . فكأن القائل استصغر سن أبي جعفر ، فقال أبو الحسن : «إن الله تبارك وتعالى بعث عيسى بن مريم رسولاً نبياً صاحب شريعة مبتدأة في أصغر من السن الذي فيه أبو جعفر» .

الرواية الثالثة :

قال الإمام الرضا ، لمعمر بن خلاد : هذا أبو جعفر قد أجلسته مجلسي : وصيّرته مكاني ، إنّا أهل بيت يتوارث أصاغرنا عن أكاب_رنا القذة بالقذة .

أدّى صغر

سن الإمام الجواد إلى كثرة المناظرات والحوارات معه ، وقد كان لبعضها صدى كبيراً جداً ، لما كان يدحض فيها من الشبهات التي كانت تثار في ذلك الوقت مع الكثير من المعتزلة ، وقد كان الكثير من الناس بما فيهم بعض الشيعة يطرحون عليه أسئلة معقّدة وغامضة ظناً منهم أنه لا يتمكن من الإجابة عليها ، ولكنه كان يجيب عن آخرها ، بل ويضيف بعض الشقوق ويكثر في تعميق التساؤلات وتعقيدها بحيث لا يتسطيع أن يدرك إجابتها جميع المناظرين ، ثم يجيبهم عن بكرتها بجواب يشفي الغليل ، ويبرد قلب الحبيب .

مناظرة يحيى بن أكثم

لما قدم المأمون بغداد أشخص الجواد إليها ، واقترح عليه الزواج بابنته أمّ الفضل ، وكان غرضه من هذا الزواج التخفيف من وطئة الظروف السياسية الحرجة التي سببها انكشاف قتلة الإمام الرضا عند العلويين ، فثار غضبهم وانزعجوا من ذلك كثيراً ، فلاحظ المأمون أنّ هناك خطراً آخر قد يهدد حكمه ، وهو وجود الإمام الجواد وإلتفاف الشيعة حوله فعمد إلى تزويج الجواد من ابنته ليتقرب بنفسه إلى أهل البيت ، ويخمد ثائرة الثائرين من العلويين ، وتنقل له ابنته عن قرب جميع ما يجري على الساحة الشيعية . وعلى كل حال فقد واجه المأمون معارضة شديدة في ذلك من العباسيين حتى قالوا له : إن هذا الفتى - وإن راقك منه هديه - فإنه صبي لا معرفة له ولا فقه .

فقال المأمون : ويحكم إني أعرف بهذا الفتى منكم ، وإنّ أهل هذا البيت علمهم من الله تعالى ومدده وإلهامه ، فإن

شئتم فامتحنوا أبا جعفر بما يتبيّن لكم به ما وصفت لكم من حاله .

فاختار بنو العباس يحيى بن أكثم من بين جميع العلماء لشهرته العلمية ، وقد جاء يحيى ومعه وفود العلماء فقال له يحيى : ما تقول في محرم قتل صيداً؟

فقال الإمام الجواد : قتله في حلِّ أو حرم؟ عالماً كان المحرم أو جاهلاً؟ قتله عمداً أو خطأً؟ حراً كان المحرم أو عبداً؟ صغيراً كان أو كبيراً؟ مبتدئاً بالقتل أو معيداً؟ من ذوات الطير كان الصيد أم من غيرها؟ من صغار الصيد أم من كبارها؟ مصرّاً على ما فعل أو نادماً؟ في الليل كان قتله للصيد أم في النهار؟ محرماً كان بالعمرة إذ قتله أو بالحج كان محرماً؟ .

فتحيّر يحيى بن أكثم من كلّ هذه الفروع التي فرّعها الإمام على هذه المسألة ، وبان في وجهه العجز والانقطاع ولجلج وتعتع في الكلام حتى عرف جميع أهل المجلس أمره .

فطلب المأمون من الجواد أن يجيب عن جميع هذه الشقوق ، فأجاب عنها ، فقال المأمون : الحمد لله على هذه النعمة والتوفيق لي في الرأي ، ثم نظر إلى أهل بيته ، فقال : أعرفتم الآن ما كنتم تنكرون .

وله الكثير من هذه النماظرات فمن رام الاطلاع فليراجع .

رجوع الإمام إلى المدينة

ثم إنّ أبا جعفر بعد أن أقام في بغداد هاجر إلى المدينة وسكن فيها مدة ، كان خلالها المأمون يترصد تصرفاته وتحركاته من ابنته أم الفضل ، ولما توفي المأمون وبويع لأخيه المعتصم لم يزل المعتصم متفكراً في أبي جعفر يخاف من اجتماع الناس حوله ، ووثوبه على الخلافة ،

ولأجل ذلك مارس نفس السياسة التي مارسها أخوه المأمون ، فاستقدم الإمام الجواد إلى بغداد سنة 220ه_ ، وبقي فيها حتى دس إليه السم فقتله وعمره 25 سنة .

5قدوم الإمام علي بن أبي طالب إلى الكوفة

واتخاذها مقراً لخلافته12 / رجب/ السنة 36 ه_

بعد أن أنهى أمير المؤمنين علي حرب الجمل ، وهدأت الأوضاع في البصرة تحرّك نحو الكوفة ليتخذها مقرّاً له بعد أن بعث برسالة أوضح لأهل الكوفة فيها تفاصيل الأحداث .

وكان لاختيار الإمام الكوفة عاصمةً جديدةً للدولة الإسلامية أسباباً عديدة منها :

1- توسّع رقعة العالم الإسلامي ، ولابد أن تكون العاصمة الإدارية والسياسية للدولة في موقع يُعين الحكومة في التحرك نحو جميع نقاط العالم ، وموقع الكوفة استراتيجي إلى حد كبير بالنسبة إلى هذه الجهة .

2- تقع الكوفة في تماس مع ولاية الشام التي يتحصّن فيها معاوية بن أبي سفيان معلناً التمرّد دون باقي أقطار العالم الإسلامي ، فيكون وجود الإمام في الكوفة ضرورياً لقمع تمرد الشام ، وللتهيئة السريعة أمام أي اعتداءٍ محتمل من قبل الشام .

3- إن الثقل الأكبر الذي وقف مع الإمام في القضاء على فتنة أصحاب الجمل هم كبار شخصيات العراق ووجهاء الكوفة وجماهيرها ، فكان يرى فيهم مادةً صالحة لمجتمع إسلامي سليم وقويّ بإمكانه أن يربيهم لينطلق بهم إلى العالم أجمع .

4- إن الظروف السياسية المتوتّرة والناجمة عن مقتل عثمان ، وحرب أصحاب الجمل جعلت الإمام يستقر في الكوفة ليعيد الأمن والاستقرار للمنطقة التي يحكمها ، وخاصة العراق ويمنع من حدوث انشقاقات محتملة في المجتمع الإسلامي بشكل عام .

وبمناسبة قدوم أمير المؤمنين إلى الكوفة نتعرض إلى معطيات

حكومته العادلة .

معطيات حكومة الإمام علي

سيرة الإمام علي متعدّدة الأبعاد والجوانب ، فمن العسير بمكان الإلمام بها جميعاً غير أننا اخترنا جانباً مهماً ، وبعداً عميقاً في شخصيته المباركة ألا وهو معطيات حكومته التي أسسها على أنقاض من سبقه ، حيث أنّ الاضطرابات السياسية والاقتصادية عصفت بالمسلمين إلى أن ثاروا على ولاتهم ، وبعدها اتجه الناس بكلهم نحو الإمام علي ، يطالبون إستخلافه ويصرّون على مبايعته إلا أنّ علياً كان يرفض لما أيقن - نتيجة لابتعاد الناس و انفصالهم الكبير عن خط الإسلام الحقيقي الأصيل بأنه من الصعب جداً ممارسته الحكم بعد ذلك الفساد والانحراف الكبيرين اللذين عصفا بالأمة الإسلامية ، وقد لا يحتمل الناس وخاصة كبار القوم تعديلاته وإصلاحاته التي يرمي إليها ، ولا يطيقون عدالته ، ولهذا رفض الخلافة عندما عرضت عليه

عاش الناس مدة خمسة أيام بعد مقتل عثمان فوضى عارمة ، وضياعاً كبيراً كان خلالها الناس يراجعون الإمام أفواجا تلو أفواجاً ، والإمام يبعد الخلافة عن نفسه ، إذ يرى الظروف غير مناسبة لقبولها ، وأنّ الحجة لم تتم عليه بهذا الاقتراح ، فقال لهم : دعوني والتمسوا غيري ، فإنا مستقبلون أمراً له وجوه وألوان لا تقوم له القلوب ولا تثبت عليه العقول ، وإن الآفاق قد أغمت والحجة قد تنكرت ، واعلموا أني إن أجبتكم ركبت بكم ما أعلم ، ولم أصغ إلى قول القائل وعتب العاتب ، وإنّ تركتموني فأنا كأحدكم ، ولعلّي أسمعكم وأطوعكم لمن وليتموه أمركم ، وأنا لكم وزيراً خير لكم مني أميراً .

غير أنّ الناس ترابضوا على داره وتكاثروا على مراجعته ، وقد وصف شغف الناس وإقبالهم وإصرارهم عندما طالبوه بالبيعة في مواضع عديدة من النهج منها : فتداكوا عليّ تداك الإبل الهيم يوم وردها ، وقد أرسلها راعيها وخلعت مثانيها حتى ظننت أنهم قاتلي ، أو بعضهم قاتل بعض ولدي ، وقد قلّبت هذا الأمر بطنه وظهره حتى منعني النوم .

وقال : فما راعني إلا والناس كعرف الضبع إليّ ، ينثالون عليّ من كلّ جانب حتى لقد وطىء الحسنان ، وشقّ عطفاي مجتمعين حولي كربيضة الغنم .

ولولا أن تمّت الحجة على الإمام علي لما قبلها ، فقد قال :

أما والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة لولا حضور الحاضر ، وقيام الحجة بوجود الناصر ، وما أخذ الله على العلماء أن لا يقارّوا على كظّة ظالم ولا سغب مظلوم ، لألقيت حبلها على غاربها ولسقيت آخرها بكأس أولها ، ولألفيتم دنياكم هذه أزهد عندي من عفطة عنز .

هذا الحكم الذي مارسه علي على الرغم من قصر عمره إلا أنه كان نموذجاً كاملاً للحكومة الإسلامية التي أشاد صرحها النبي 1 في المدينة ، وعلى الرغم من أنه لم يصل إلى كافة أهدافه الاصلاحية التي نادى بها ، نتيجة المؤامرات الداخلية التي حيكت ضده إلا أنه استطاع بدون شك أن يطرح نموذجاً ناجحاً للحكومة ، وفق تعاليم الإسلام ومعاييره .

وفيما يلي لمحة سريعة للخطوط العريضة والمعطيات العامة لسيرته في الحكم :

1- من خلال أقواله الكثيرة في نهج البلاغة يؤكد الإمام علي أنّ قبوله للخلافة فقط لأجل إجراء العدالة الاجتماعية في

المجتمع ، ومكافحة الفوارق الطبقية التي تجذّرت في نفوس الناس ، نتيجة للحكم السابق ، فقد قال :

أما والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لولا . . ما أخذ الله على العلماء أن لا يقارّوا على كظّة ظالم ولا سغب مظلوم لألقيت حبلها على غاربها .

وقال عندما رد على المسلمين قطائع عثمان : والله لو وجدته قد تزوّج به النساء وملك به الإماء لرددته ، فإنّ في العدل سعة ، ومن ضاق عليه العدل فالجور عليه أضيق .

2- يرى أمير المؤمنين أنّ الحكم والمنصب ليس إلا وسيلة يستخدمها الحاكم لخدمة الناس و إحقاق الحق ، ودحض الباطل لا أنه غاية لدرّ الأرباح ، وقد إلتزم الإمام بهذه الرؤية إلى أبعد الحدود حتى نراه يجتنب عن إعطاء المهام الحساسة كالولاية وبيت المال إلى المتعطّشين للسلطة كطلحة والزبير ، ولهذا السبب فقد أجّجوا نائرة الفتن ، ورفعوا لواء العصيان ضد الإمام ، وقال لما عاتبه البعض على التسوية بين المسلمين : أتأمروني أن أطلب النصر بالجور فيمن وليت عليه؟! والله ما أَطُورُ به ما سَمَرَ سمير وما أمّ نجم في السماء نجماً ، ولو كان المال لي لسوّيت بينهم ، فكيف وإنما المال مال الله .

وقال : اللهم إنك تعلم أنه لم يكن الذي كان منا منافسة في سلطان ، ولا التماس شيء من فضول الحطام ، ولكن لنرد المعالم من دينك ، ونظهر الاصلاح في بلادك فيأمن المظلومون من عبادك ، وتقام المعطلة من حدودك .

3- كانت لأمير المؤمنيين رؤيا عميقة في زهادة الحاكم وعيشة البساطة

والعزوف عن الدنيا ذلك كي لا يؤثر هوى على هداية ، وباطلاً على حق ، ولا تغرّه الدنيا فيقضم مال الله ، ويجعله دولاً ويتخذ من عباد الله خولاً .

لقد كان عزوفه عن الدنيا وزخارفها من أبرز خصائصه الذاتية ، وسيرته الحكومية فقد كتب إلى عامله على البصرة عثمان بن حنيف ، وقد بلغه أنه دعي إلى وليمة قوم من أهلها فمضى إليها ، فقال له :

ألا وإن إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه ثوبين خرقين ، ومن طعامه بقرصيه ، … . فو الله ما كنزت من دنياكم تب_راً ، ولا ادخرت من غنائمها وفراً ، ولا أعددت لبالي ثوبي طمراً - أي ثوباً آخر- ، ولا حزت من أرضها شب_راً ، ولا أخذت منه إلا كقوت أتان دبرةٍ ، ولهي في عيني أوهى من عفصة مِقرَة … ولو شئت لاهتديت الطريق إلى مصفى هذا العسل ، ولباب هذا القمح ، ونسائج هذا القزّ ، ولكن هيهات أن يغلبني هواي ، ويقودني جشعي إلى تخيّر الأطعمة ، ولعلّ بالحجاز أو اليمامة من لا طمع له في القرص ، ولا عهد له بالشبع ، أوَ أبيت مبطاناً وحولي بطون غرثى ، وأكباد حرى ، أو أكون كما قال القائل :

وحسبك داء أن تبيت ببطنة

وحولك أكباد تحنُّ إلى القدِّ

أأقنع من نفسي بأن يقال أمير المؤمنين ولا أشاركهم في مكاره الدهر ، أو أكون أسوة لهم في جشوبة العيش .

4- لم يكن أمير المؤمنين على منوال الزعماء والرؤساء حيث عندهم

الغاية تبرر الوسيلة ، إذ لم يتوصل إلى أهدافه الإلهية النبيلة بوسائل غير شرعية ، ولهذا لم يقرّ معاوية من اليوم الأول لخلافته على ولاية الشام ، على الرغم من أنّ البعض اقترح عليه إقراره إلى حين ، ثم عزله في وقت أمكن لعلي عزله إلا أنّ علياً لم يكن ليداهن الباطل على الحق ، ولا يتوسّل به عليه ، وقد كتب إلى معاوية بعد ما طلب الأخير إبقاءه على الشام ، قال :

. . وحاشى لله أن تلي للمسلمين بعدي صدراً أو ورداً ، أو أجري لك على أحد منهم عقداً أو عهداً .

5- كان يراعي الأصول والضّوابط في تعامله مع أعدائه ومخالفيه ، دون أن يصادر حرياتهم ، إلا إذا فعلوا ما يستوجب ذلك ، ففي الأشهر الأولى من خلافته همّ طلحة والزبير بالخروج ، من المدينة ، بعد أن يئسا منه في الحصول على الولاية ، وأقبلا على الإمام ، وقالا : إنا نريد العمرة . فأذن لهما بالخروج فقال لبعض أصحابه : والله ما أرادا العمرة ، ولكنهما أرادا الغدرة .

يعكس هذا النص التاريخي أنّ الإمام لم يصادر حريتهما قبل أن يرفعا لواء العصيان على الرغم من علمه بما يضمران له .

وأيضاً لمّا خالف الخوارج إمامهم وأميرهم ، إثر جهلهم وعنادهم ، وسوء فهمهم إعتزلوا معسكر الإمام حين رجوعهم من صفين ، وأقاموا معسكراً في النهروان ، فخاطبهم الإمام بعد أن كانت مخالفتهم سياسية ، ولم تتعدى القيام بعمليات عسكرية بقوله :

أما أنّ لكم

عندنا ثلاثاً ما صحبتمونا ، لا نمنعكم من مساجد الله أن تذكروا فيها اسمه ، ولا نمنعكم الفيء ما دامت أيديكم مع أيدينا ، ولا نقاتلكم حتى تبدؤونا .

وبهذه الطريقة فقد سايرهم الإمام من منطلق القوة ، إلى أن قاموا بنشر الرعب والخوف والإخلال بالأمن حينها اضطر الإمام إلى استعمال القوة بغية القضاء على فتنتهم .

6- على الرغم من أن الإمام كان ينصب عمالاً وولاةً صالحين وكفوئين ، إلا أنه كان لا يحرمهم من نصائحه ومواعظه ، على الرغم من انشغاله في الحوادث المتكاثرة عليه سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وعسكرياً ، كما كان له عيون على الولاة في مناطقهم ينقلون إليه كل مخالفة ولو جزئية للوالي فسرعان ما يبدأ بالتقريع والتوبيخ والتهديد في بعض الأحيان لقمعها ومعالجتها ، راجع قسم الكتب في نهج البلاغة ترى ما كتبه لمالك الأشتر ، ولمحمد بن أبي بكر ، وعثمان بن حنيف ، ولزياد بن أبيه ، ولغيرهم .

هذه بعض معطيات خلافة الإمام علي التي ما عرف المسلمون بعد رسول الله1 مثلها أبداً وكانت جميع الثورات التي ثارت على الدولتين الأموية والعباسية للوصول إلى حكومة الإمام علي ، والى عدالته التي تذوّقها المسلمون فترة من الزمن ، ثم غابت عنهم شمسها لتقصيرهم وجهلهم .

6ولادة الإمام علي بن أبي طالب

13 / رجب / السنة 23 قبل الهجرة

قال يزيد بن قعنب : كنت جالساً مع العباس بن عبد المطلب وفريق من عبد العزّى بإزاء بيت الله الحرام ، إذ أقبلت فاطمة بنت أسد أمّ أمير المؤمنين وكانت حاملة به لتسعة أشهر ، وقد أخذها الطلق ،

فقالت : رب إني مؤمنة بك وبما جاء من عندك من رسل وكتب ، وإني مصدقة بكلام جدي إبراهيم الخليل ، وإنه بنى البيت العتيق ، فبحق الذي بنى هذا البيت ، وبحق المولود الذي في بطني لما يسرت عليّ ولادتي .

قال يزيد بن قعنب ، فرأينا البيت وقد انفتح من ظهره ، ودخلتفاطمة فيه وغابت عن أبصارنا ، والتزق الحائط ، فرمنا أن ينفتح لنا قفل الباب فلم ينفتح ، فعلمنا أن ذلك أمر من أمر الله عز وجل .

ثم خرجت بعد الرابع ، وبيدها أمير المؤمنين ، ثم قالت : . . . فلما أردت أن أخرج هتف بي هاتف ، يا فاطمة سميه علياً . . .

وقد ولد بمكة في البيت الحرام يوم الجمعة الثالث عشر من شهر رجب سنة ثلاثين من عام الفيل ، 23 عاماً قبل الهجرة .

الطفولة وإحضان النبي

عاش الإمام علي منذ نعومة أظفاره في كنف محمد رسول الله حيث نشأ وترعرع في ظل أخلاقه السماوية السامية ، ونهل من ينابيع مودته وحنانه ، ورباه وفقاً لما علمه ربه تعالى ، ولم يفارقه منذ ذلك التاريخ .

وقد أشار الإمام علي إلى أبعاد التربية التي حظي بها من لدن أستاذه ومربيه النبي الأكرم ومداها وعمق أثرها ، وذلك في خطبته المعروفة بالقاصعة :

. . . وَقَدْ عَلِمْتُمْ مَوْضِعِي مِنْ رَسُولِ الله بِالْقَرَابَةِ الْقَرِيبَةِ وَالْمَنْزِلَةِ الْخَصِيصَةِ وَضَعَنِي فِي حِجْرِهِ وَأَنَا وَلَدٌ يَضُمُّنِي إِلَى صَدْرِهِ وَيَكْنُفُنِي فِي فِرَاشِهِ وَيُمِسُّنِي جَسَدَهُ وَيُشِمُّنِي عَرْفَهُ وَكَانَ يَمْضَغُ الشَّيْ ءَ ثُمَّ

يُلْقِمُنِيهِ وَمَا وَجَدَ لِي كَذْبَةً فِي قَوْلٍ وَلاَ خَطْلَةً فِي فِعْلٍ وَلَقَدْ قَرَنَ الله بِهِ مِنْ لَدُنْ أَنْ كَانَ فَطِيماً أَعْظَمَ مَلَكٍ مِنْ مَلاَئِكَتِهِ يَسْلُكُ بِهِ طَرِيقَ الْمَكَارِمِ وَمَحَاسِنَ أَخْلاَقِ الْعَالَمِ لَيْلَهُ وَنَهَارَهُ وَلَقَدْ كُنْتُ أَتَّبِعُهُ اتِّبَاعَ الْفَصِيلِ أَثَرَ أُمِّهِ يَرْفَعُ لِي فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ أَخْلاَقِهِ عَلَماً وَيَأْمُرُنِي بِالِاقْتِدَاءِ بِهِ وَلَقَدْ كَانَ يُجَاوِرُ فِي كُلِّ سَنَةٍ بِحِرَاءَ فَأَرَاهُ وَلاَ يَرَاهُ غَيْرِي وَلَمْ يَجْمَعْ بَيْتٌ وَاحِدٌ يَوْمَئِذٍ فِي الْإِسْلاَمِ غَيْرَ رَسُولِ الله وَخَدِيجَةَ وَأَنَا ثَالِثُهُمَا أَرَى نُورَ الْوَحْيِ وَالرِّسَالَةِ وَأَشُمُّ رِيحَ النُّبُوَّةِ وَلَقَدْ سَمِعْتُ رَنَّةَ الشَّيْطَانِ حِينَ نَزَلَ الْوَحْيُ عَلَيْهِ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ الله مَا هَذِهِ الرَّنَّةُ فَقَالَ هَذَا الشَّيْطَانُ قَدْ أَيِسَ مِنْ عِبَادَتِهِ إِنَّكَ تَسْمَعُ مَا أَسْمَعُ وَتَرَى مَا أَرَى إِلاَ أَنَّكَ لَسْتَ بِنَبِيٍّ وَلَكِنَّكَ لَوَزِيرٌ وَإِنَّكَ لَعَلَى خَيْرٍ . . .

7الأيام البيض

13-14-15 من كل شهر

عن الإمام الصادق : أعطيت هذه الأمة ثلاثة أشهر لم يعطها أحد من الأمم؛ رجب وشعبان وشهر رمضان ، وثلاث ليال لم يعطى أحد مثلها؛ ليلة ثلاث عشرة وليلة أربع عشرة وليلة خمس عشرة ، من كل شهر .

فضل صيام هذه الأيام

وعن الإمام الصادق : من صام أيام البيض من رجب كتب الله له بكلّ يوم صيام سنة وقيامها ووقف يوم القيامة موقف الآمنين .

وفي الرواية أنه قال آدم : «يا ربّ أخبرني بأحبّ الأيام إليك وأحبّ الأوقات ، فأوحى الله تبارك وتعالى إليه : يا آدم أحبّ الأوقات إليّ يوم النصف من رجب ، يا آدم تقرّب إليّ يوم النصف من رجب بقربان وضيافة و صيام ودعاء واستغفار» .

أعمال يوم النصف من رجب

1- الغسل .

2- زيارة الإمام الحسين .

3- صلاة سلمان : يصلي منها في هذا اليوم عشر ركعات يسلم بعد كل ركعتين ، يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب مرة ، وقُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ثلاث مرات ، وقُلْ يَا أَيّهَا الْكَافِرُونَ ثلاث مرات .

فإذا سلّم رفع يديه وقال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو حي لا يموت ، بيده الخير وهو على كل شيء قدير ، إلهاً واحداً أحداً فرداً صمداً لم يتخذ صاحبة ولا ولداً .

4- أن يصلي أربع ركعات يقرأ فيها ما يشاء ويسلم بعد كل ركعتين ، فإذا سلّم بسط يديه ، وقال الدعاء التالي : اللهم يا مذلّ كلّ جبّار ، ويا معزّ المؤمنين أنت كافي . . .

5- أن يقرأ بعد صلاتي الظهر والعصر ، الحمد مائة مرة ، وسورة الإخلاص مائة مرة ، وآية الكرسي عشر مرات ، ثم يقرأ بعد ذلك سورة الأنعام ، وبني إسرائيل ، والكهف ، ولقمان ، ويس ، والصافات ، وحم السجدة ، وحم عسق ، وحم الدخان ، والفتح ، والواقعة ، والملك ، ون ، وإِذَا السّمَآءُ انشَقّتْ ، وما بعدها إلى آخر القرآن .

6- قراءة دعاء أم داوود .

وغيرها من الأعمال ، عليك بمراجعة مفاتيح الجنان للإطلاع عليها .

8تحويل القبلة من بيت المقدس إلى بيت الكعبة المشرّفة15/ رجب / السنة 2 ه_

فقد ذكر المؤرخون والمفسرون ، في سبب تحويل القبلة أن النبي حين قدم المدينة كان يتوجه إلى بيت المقدس ،

حين عبادته ما كان يفعل ذلك طوال وجوده في مكة فصار اليهود يعيّرونه ، ويقولون : أنت تابع لنا ، تصلي إلى قبلتنا ، أو كانوا يقولون : تخالفنا يا محمد في ديننا وتتبع قبلتنا .

فشق هذا الكلام على رسول الله واغتم من ذلك غماً شديداً ، وكان قد وعده الله تعالى سابقاً بتحويل القبلة ، فخرج في جوف الليل يقلّب وجهه في السماء ، ينتظر أمر الله تعالى في ذلك ، وأن يكرمه بقبلة تختص به ، فلما أصبح وحضرت صلاة الظهر - وقيل العصر - وكان في مسجد بني سالم ، صلى النبي بأصحابه ركعتين ، فنزل جبرئيل ، فأخذ بعضديه فحوله إلى الكعبة ، فاستدارت الصفوف خلفه ، فأنزل الله عليه :

قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ .

فصلى ركعتين إلى الكعبة ، فقالت اليهود - الذين شقّ عليهم ذلك - والسفهاء ما ولاّهم عن قبلتهم التي كانوا عليها وإلى هذا أشار قوله تعالى : وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الّتِي كُنتَ عَلَيْهَآ إِلاّ لِنَعْلَمَ مَن يَتّبِعُ الرّسُولَ مِمّن يَنقَلِبُ عَلَىَ عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاّ عَلَى الّذِينَ هَدَى اللهُ وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنّ اللهَ بِالنّاسِ لَرَءُوفٌ رّحِيمٌ .

وقد سئل الإمام العسكري عن سبب تحويل القبلة فأجاب : إن هوى أهل مكة كان في الكعبة ، فأراد الله أن يبين متبع محمد من مخالفه باتباع القبلة التي كرهها ومحمد يأمر بها ، ولما كان هوى أهل المدينة في بيت

المقدس ، أمرهم بمخالفتها والتوجه إلى الكعبة ، ليبين من يتبع محمداً فيما يكرهه ، فهو مصدقه وموافقه . . .

إن الكعبة التي رفعت قواعدها على يدي بطل التوحيد وناشر لوائه النبي العظيم إبراهيم الخليل كانت موضع احترام وتقديس من المجتمع العربي ، فقد كان العرب يحبون الكعبة ويعظمونها غاية التعظيم على ما هم عليه من الشرك والفساد ، فكان اتخاذه قبلة من شأنه كسب رضا العرب ، واستمالة قلوبهم ، وترغيبهم في الإسلام تمهيداً لاعتناق دين التوحيد ونبذ الأوثان والأصنام .

وأيضاً كان تغيير القبلة واحداً من مظاهر الابتعاد عن اليهود واجتنابهم .

9وفاة السيدة زينب الكبرى 15 / رجب / السنة 62 ه_

السيدة زينب الكبرى

هي حفيدة النبي ص ومنذ فجر الصبا كانت آية في ذكائها ، فقد حفظت القرآن الكريم ، والكثير من أحاديث جدها النبي ص ، وخصوصاً ما يتعلق بأحكام الدين .

وقد بُهر أمير المؤمنين من فرط ذكائها ، حينما قالت له : أتحبنا يا أبتاه؟ ،

فقال : وكيف لا أحبكم وأنتم ثمرة فؤادي . فأجابته - بأدب واحترام - : يا أبتاه إنّ الحب لله تعالى ، والشفقة لنا .

وقد روت عن أمها الزهراء أخباراً كثيرة ، وفي طليعتها خطبتها العظيمة في الاحتجاج على الخليفة الأول ، وقد نقلها ابن أبي الحديد ، عن أبي بكر الجوهري بأسانيد متعددة كلها تنتهي إلى زينب ، وروت أيضاً عن أبيها وأخويها الحسنين .

ولم تختزن العقيلة العلم لنفسها ، بل أفاضت من معارفها ومروياتها على الأمة نساءً ورجالاً ، فممن روى عنها ابن عباس الذي كان يفتخر بالرواية

عنها ، ويقول : حدثتنا عقيلتنا ، وكان مع ما هو عليه من العلم يسألها عن المسائل التي لا يهتدي لحلها ، كما روى عنها غيره كثير . ويكفي لمعرفة نمير علمها ، وعظيم معرفتها ، ما شهده في حقها الإمام زين العابدين حيث قال لها : يا عمة أنت - بحمد الله - عالمة غير معلمة ، وفهمة غير مفهمة .

جهاد العقيلة زينب

يحقّ لنا القول بأنّ زينباً ورثت الجهاد منذ نعومة أظفارها عن أمها فاطمة ، فكانت - كما ذكرنا - تقف إلى جانب أبيها بعد فقد أمها ، وانتقلت مع أبيها إلى الكوفة لتواصل جهادها المقدس ، كما أنها رجعت مع الحسنين ، إلى المدينة بعد شهادة أبيها وخذلان الناس لأخيها الحسن ، وكذلك عندما أعلن الإمام الحسين الثورة على يزيد كانت إلى جانبه وخرجت معه إلى كربلاء ، ورأت بأمّ عينها مصرع أخيها وأبنائها وأبناء عمومتها وإخوانها ، ولشدّة صبرها وعقيدتها برسالة الحسين جاءت إلى جثمانه الطاهر ، ووضعت يديها تحته ، وقالت : اللهم تقبّل منا هذا القربان .

واصلت زينب مسيرة أخيها الحسين في مسيرة السبي من كربلاء إلى الكوفة ومنها إلى الشام ، موضّحة أهدافه ، ومعرّفةً أنّ الذي قتله يزيد؛ هو الحسين ابن فاطمة بنت رسول الله وليسوا بخوارج ، وقد أحدث خطابها في الكوفة اضطرابات خاف ابن زياد أن تتحوّل إلى ثورة فأسرع بتسريحها وسائر أفراد عائلتها إلى الشام ، وقد خطبت في الشام خطاباً أفرغت فيه عن لسان أبيها أمير المؤمنين ، وبفعل هذا الخطاب

، وخطاب الإمام زين العابدين كادت أن تندلع الثورة ، فعجّل يزيد بتسريحهم إلى المدينة .

وفي المدينة أخذت تواصل الطريق الذي شقّه الحسين ، وكان لها الأثر البليغ في خروج الكثير عن بيعة يزيد ، حتى كتب واليه إليه : إن كان لك شغل بالمدينة فأخرج زينباً منها فأخرجوا زينب من المدينة وتوجهت مع زوجها عبد الله بن جعفر إلى الشام ، حيث كان عبد الله يملك أرضاً فيه ، وبعد أن بقيت فيه مدة من الزمن انتقلت إلى جوار ربّها يوم الأحد 15/ رجب/ السنة 62ه_ ودفنت في قرية رواية في غوطة دمشق بحسب القول المشهور ، وقيل أنّها توفيت في مصر ودفنت فيها ، وقيل أنها توفيت في المدينة ودفنت في البقيع وهو خلاف المشهور .

يا زائراً قبر العقيلة قف وقل

منيّ السلام على عقيلة هاشم

هذا ضريحك في دمشق الشام قد

عكفت عليه قلوب أهل العالم

10ولادة السيدة سكينة بنت الحسين 21 / رجب

شخصية السيدة سكينة

اسمها - على المشهور - أميمة ، وقيل : آمنة ، ولقّبت بسكينة ، أبوها الإمام أبو عبد الله الحسين سبط رسول الله ، وسيد شباب أهل الجنة ، والإمام إن قام وإن قعد ، وأمها - بالاتفاق - الرباب بنت امرئ القيس بن عدي القضاعية ، المرأة الوفية للحسين ، والتي لم تبق بعد واقعة الطف إلا عاماً - على الأغلب - ثم ماتت حزناً وكمداً على زوجها وإمامها ، وقد هبّ لخطبتها أجلاء العرب وشيوخهم ، فكانت تقول لبني هاشم :

والله لا أبتغي صهراً بصهركم

حتى أوسد بين الرمل والطين

وكانت في ذلك العام الذي عاشته

بعد الحسين باكية حزينة ، حتى أنها اقتلعت سقف بيتها وبقيت تحت حرارة الشمس ، ولما كانت تسألها زينب عن فعلها هذا ، تقول : كيف أستظل بظل وبعيني رأيت جسد الحسين تصهره رمضاء كربلاء .

ترعرعت سكينة في حجر هذه الأم ، وتغذّت من فكر الحسين ، وارتشفت من أخلاقه وعلمه وقداسته ، حتى أن الحسين كان شغفاً بها وبأمها ، لما وجده فيهما من الإخلاص والإيمان والفضيلة ، وقد قال فيهما؛ - على ما رواه البعض - :

لعمري إنني أحب داراً

تكون بها سك_ينة والرباب

أحبهما وأبذل جلّ مالي

وليس لعاتب عندي عتاب

وكان هذا الحب قد أوجد روابط الإيمان والتعلّق بالله تعالى في نفس سكينة ، حتى بلغت من التقوى والانقطاع مبلغاً جعلت الحسين يعرض عن زواجها لمّا خُطبت؛ لأنها لا تصلح إلا للانقطاع والتبتل ، حيث قال : أما سكينة فغلب عليها الاستغراق مع الله فلا تصلح للرجال ، وقيل تزوّجها مصعب بن الزبير وذكر لها صاحب كتاب الأغاني أزواجاً أخر .

وقد ذكر جميع المؤرخين أنها كانت قد خرجت مع أبيها الحسين إلى كربلاء ورأت بأم عينها مقتل أبيها وأعمامها وإخوتها ، وكانت صابرة محتسبة ، كما أنها آخر

من ودعت الحسين في حملته الأخيرة والتي نادى فيها : يا سكينة يا فاطمة يا زينب يا أم كلثوم عليكنّ مني السلام ، فنادته سكينة : يا أبه استسلمت للموت؟ فقال : كيف لا يستسلم للموت من لا ناصر له ولا معين ، فقالت : يا أبه ردّنا إلى حرم جدنا ، فقال : هيهات لو ترك القطا لنام

، فتصارخن النساء ، ثم أقبل على أخته زينب ، وقال لها : أوصيك يا أخية بنفسك خيراً ، وإني بارز إلى هؤلاء القوم . فأقبلت سكينة وهي صارخة ، وكان يحبها حباً شديداً ، فضمّها إلى صدره ومسح دموعها ، وقال :

سيطول بعدي يا سكينة فاعلمي

لا تحرقي قلبي بدمعك حسرة

فإذا قتلت فأنت أولى بالذي

منك الب_كاء إذا الحمام دهاني

ما دام مني ال_روح في جثماني

تأتينه يا خي_رة النّسوان

وبعد مقتل الحسين تحمّلت مرارة السبي من أرض الطف إلى الكوفة ، ومنها إلى الشام ، ولشدة ما كانت عليه من الصون والحجاب ، لما دخلوا الشام قالت لسهل بن سعد الساعدي صاحب رسول الله1 : قل لصاحب هذا الرأس - أي حامل رأس الحسين - أن يقدم الرأس أمامنا حتى ينشغل الناس بالنظر إليه ، ولا ينظروا إلى حرم رسول الله1 .

رجعت مع الإمام زين العابدين ونساء العترة إلى المدينة ، وبقيت فيها عابدة زاهدة ، كان قد غمرها الحزن على أبيها وأهلها حتى أدركتها الوفاة ، في يوم الخميس 5 ربيع الأول سنة 117ه_ ، ودفنت في المدينة .

11فتح حصون خيبر بيد علي بن أبي طالب 24/ رجب/ السنة 7 ه_

حين شجّع يهود خيبر جميع القبائل العربية على محاربة الحكومة الإسلامية ، والقضاء عليها ، واستطاع جيش الأحزاب المشترك بمساعدة يهود خيبر أن يتحركوا في يوم واحد من مختلف مناطق الجزيرة العربية لاجتياح المدينة ، واستئصال المسلمين في أكبر تحالف عسكري ، واتحاد نظامي من نوعه في ذلك العصر ، كانت خيانتهم ولؤمهم يدعو النبي أن يقضي على بؤرة المؤامرة ، ومركز الفساد والخطر

، وأن يجرد سكانها جميعاً من السلاح ، كل ذلك لما كان منهم من خيانة العهد ، ونقض المعاهدة التي أجراها النبي مع جميع اليهود القاطنين حول المدينة .

كما أنّ هناك خطراً آخر كان يهدّد الحكومة الإسلامية ، وهو أن النبي كان قد أرسل إلى ملوك العالم وسلاطينه يدعوهم بشكل قوي إلى الإسلام ، فلم يكن من المستبعد أن يستغلّ كسرى و قيصر يهود خيبر فيتعاونوا جميعاً للقضاء على الإسلام ، أو أن يحرك اليهود ذينك الملكين ضد الإسلام ، كما حرّكت من قبل المشركين ضد هذا الدين .

ومن هنا رأى رسول الله إنّ من الحكمة ، بل ومن الضرورة بمكان أن يطفئ شرارة الخطر هذه إلى الأبد ، ولهذا فقد أمر1 المسلمين بالتهيّؤ لغزو خيبر آخر مراكز اليهود في الجزيرة العربية ، وقال لأصحابه : لا تخرجوا معي إلا راغبين في الجهاد وأما الغنيمة فلا ، فاستخلف رسول الله على المدينة نميلة بن عبد الله الليثي .

وفي بداية المسير تصور البعض أن النبي يقصد شمال المدينة لتأديب قبائل غطفان وفزارة الذين تعاونوا مع اليهود في معركة الأحزاب ، لما وجدوه متوجهاً نحو الشمال ، ولكنه عندما وصل إلى منطقة الرجيع عرج بجيشه صوب خيبر ، وبهذا قطع الطريق على الإمدادات العسكرية من ناحية الشمال إلى خيبر ، بقطع خط الارتباط بين قبائل غطفان وفزارة ويهود خيبر ، مع أنّ حصار خيبر طال مدة شهر تقريباً لم تستطع القبائل المذكورة أن تمدّ حلفاءها اليهود بأيّ شيء .

لقد خرج مع النبي إلى خيبر ما يقارب من

ألف وستمائة مقاتل ، بينهم مائتا فارس ، وعندما أشرف على خيبر قال داعياً ربه : اللهم ربّ السماوات وما أظللن ، ورب الأرضين وما أقللن ، ورب الشياطين وما أضللن ، ورب الرياح وما أذرين ، فإنا نسألك خير هذه القرية ، وخير أهلها ، وخير ما فيها ، ونعوذ بك من شرّها ، وشرّ أهلها ، وشرّ ما فيها .

وكانت حصون خيبر سبعة وهي : ناعم والقموص والكتيبة والنطاة وشق والوطيح وسلالم ، وقد شيدت هذه الحصون بحيث يسيطر سكانها على خارج الحصن سيطرة كاملة ، وكانوا يستطيعون إبعاد أي عدو ، وإفشال أي محاولة تهدف للاقتراب من الحصن .

وكانت خطة النبي في بداية التحرك قطع النقاط والطرق الحساسة ليلاً عن كل حصن من هذه الحصون ، وفعلاً خرج مزارعوا خيبر وعمالهم إلى أراضيهم في الصباح وإذا بهم يفاجؤون بجنود الإسلام حول حصونهم ، وقد سدّوا عليهم جميع الطرق ، فأفزعهم ذلك ، وخافوا خوفاً شديداً ، فأدبروا وهم يقولون : محمد والجيش معه . وبادروا فوراً إلى إغلاق أبواب الحصون وإحكامها .

ولكن على الرغم من كلّ التكتيك العسكري لليهود والحصانة الكبيرة ، والقتال المستميت فقد استطاع المسلمون فتح أكثر هذه الحصون ، وكان أول حصن فُتح هو ناعم ثم القموص الذي كان يرأسه أبناء أبي الحُقيق ، وأُسرت فيه صفية بنت حُيي بن أخطب ، التي صارت فيما بعد من زوجات رسول الله ، ثم فتح الكتيبة وبعده النطاة . .

واستعصت باقي الحصون كسلالم

والوطيح على المسلمين ، فبعث رسول الله أبا بكر وأعطاه رايته البيضاء على رأس جماعة من المقاتلين ، ولكنه سرعان ما رجع ، ولم يفتح واحداً منها ، وكان كل من أبي بكر والجيش يلقي اللوم على الآخر ، ويتهمه بالجبن والفرار ، فبعث النبي في اليوم الآخر عمر بن الخطاب ، فسرعان ما عاد فزعاً مرعوباً ، أو يجبّن أصحابه ، وأصحابه يجبّنونه ، فأغضب النبي ذلك ، فجمع الناس وقال لهم :

لأعطينّ الراية غداً إلى رجل يحبّ الله ورسوله ، ويحبّه الله ورسولهُ ، يفتح الله على يديه ، كرّار غير فرّار .

بات الأصحاب وكل واحد منهم يتمنى أن يكون صاحب هذا الوسام الخالد ، وفي الصباح نادى النبي : أين علي؟ فقيل : يا رسول الله به رمد ، وهو راقد بناحية ،

فقال : إئتوني بعلي ، فأمرّ - رسول الله يده الشريفة على عيني علي ودعا له بخير فعوفي من ساعته ، ثم دفع اللواء إلى علي ، وقال له : اذهب ولا تلتفت . فوقف علي ومن دون أن يلتفت ، قال لرسول الله : وعلى ماذا أقاتلهم ، قال : على الإسلام أو الجزية .

لمّا وصل علي إلى الحصون كان قد ارتدى درعاً قوياً ، وحمل ذا الفقار ، وأخذ يهرول بشجاعة منقطعة النظير والجند خلفه ، حتى ركز راية النبي البيضاء على الأرض تحت الحصن ، فلما رأى اليهود دنوه نحو الحصن أخذ يخرج كبار صناديدهم ،

وكان أول من خرج إليه أخو مرحب ويدعى الحارث ، فتقدم إلى علي وصوته يدوي في ساحة القتال ، بحيث تأخر من كان خلف علي من الجند فزعاً وخوفاً ، ولكن سرعان ما جندله أمير المؤمنين بسيفه ورمى به جثة هامدة على الأرض ، فغضب مرحب بطل خيبر المعروف لقتل أخيه ، فخرج من الحصن وهو غارق في السلاح ، قد لبس درعاً يمانياً ، -وقيل داودياً ، ووضع على رأسه خوذة منحوتة من حجارة خاصة ، وتقدم نحو علي كالفحل الصؤول يرتجز ، ويقول :

قد عَلِمَت خيبرُ أني مرحبُ

إن غلب الدهرُ فإني أغلبُ

شاكي السِّلاح بطلٌ مجربُ

والقرنُ عندي بالدّما مخضّبُ

فأجابه علي مرتجزاً :

أنا الذي سمّتني أمي حيدرة

عَبل الذراعين غَليظُ القيصرة

ضرغامُ أجام وليثٌ قسورة

كليث غاباتٍ كريهُ المن_ظرة

فأخذا يتبادلان الضربات بالسيوف ، وقعقعتها تثير الرعب والفزع في قلوب المشاهدين ، وفجأة هبط سيف بطل الإسلام القاطع على المفرق من رأس مرحب قدّت خوذته نصفين ونزلت على رأسه وشقته نصفين إلى أسنانه .

لقد كانت هذه الضربة من القوة بحيث أفزعت أكثر من خرج مع مرحب من أبطال اليهود وصناديدهم ففروا من فورهم ، ولجأووا إلى الحصن ، وبقي جماعة فقاتلوا علياً منازلة حتى قتلهم جميعاً ، ثم لاحق الفارين منهم حتى باب الحصن ، فضربه عند الحصن رجل من اليهود فطاح ترسه من يده ، وجاءته السهام تترى فقلع باباً على الحصن وأخذ يتترس به عن نفسه ، فلم يزل ذلك الباب في يده وهو يقاتل حتى فتح الله على يديه ، ثم ألقاه من يديه

حين فرغ ، وقد حاول ثمانية من أبطال الإسلام ، ومنهم أبو رافع مولى رسول الله أن يقلبوا ذلك الباب ، أو يحركوه من مكانه فلم يقدروا على ذلك .

يقول اليعقوبي في تاريخه : إنّ الباب الذي قلعه علي كان من الصخر ، وكان طوله أربعة أذرع وعرضه ذراعين ، وكان هذا الباب يفتحه 22 رجلاً ، ويغلقه مثلهم .

وقد نقل المؤرّخون قضايا عجيبة حول قلع باب خيبر ، وخصوصياته ، ومواصفاته ، وعن بطولات علي في هذا الفتح ، وجميعها لا تتمشى ولا تتيسر مع القدرة البشرية العادية ، وفي هذا الصدد يقول علي : ما قلعتها بقوة بشرية ، ولكن قلعتها بقوة إلهية ونفس بلقاء ربها مطمئنة راضية .

وعاد علي إلى النبي منتصراً ظافراً ، وفي هذه الأثناء وصل جعفر بمن معه من المهاجرين من الحبشة ، فاستقبله النبي وقال : ما أدري بأيّهما أنا أسرُّ بفتح خيب_ر أم بقدوم جعفر .

فسلام الله على الإمام علي وأخيه جعفر لما قدّماه للنبي وللإسلام .

12شهادة الإمام موسى الكاظم 25/ رجب/ السنة 183 ه_

شخصية الإمام الكاظم

ولد أبو الحسن موسى في الأبواء بين مكة والمدينة في يوم الأحد السابع من شهر صفر سنة 128ه_ ، وقيل : 129ه_ ، أبوه الإمام الصادق رئيس المذهب ، ومعجزة الإسلام ، ومفخرة الإنسانية على مرّ العصور وعبر الأجيال ، وأمه حميدة التي طلب الإمام الباقر من عُكاشة الأسدي أن يشتريها من نخّاس كان قد عيّنه له ، وعين وقت مجيئه ، فلما جاءه بها ، سألها الباقر عن اسمها ،

فقالت : حميدة ، فقال : حميدة في الدنيا محمودة في الآخرة . وقال الإمام الصادق في وصفها : حميدة مصفاة من الأدناس كسبيكة الذهب ، ما زالت الملائكة تحرسها حتى أُدّيت إليّ ، كرامة من الله لي ، والحجة من بعدي .

كان الإمام الكاظم أسمر شديد السمرة ، ربع القامة ، كثّ اللحية ، حسن الوجه ، نحيف الجسم ، تحكي هيبته هيبة الأنبياء ، وبدت في ملامح شكله سيماء الأئمة الطاهرين من آبائه ، فما رآه أحد إلا هابه وأكبره

تولى منصب الإمامة بعد شهادة أبيه الإمام الصادق ، وكان عمره عشرين سنة ، وكان ذلك في سنة 148ه_ ، ودامت 35 سنة .

وقد ورد الكثير من النصوص على إمامته ، منها ما رواه ابن مسكان عن سليمان بن خالد ، قال : دعا أبو عبد الله أبا الحسن يوماً ونحن عنده ، فقال لنا : عليكم بهذا بعدي ، فهو والله صاحبكم بعدي .

كُنّي بأبي الحسن ، وأبي إبراهيم ، وأبي إسماعيل ، وأبي علي ، وله ألقاب تعكس شخصيته ، وتنبئ عن سجاياه وفضله ، فقد لقّب ب_ : الصابر ، والزاهد ، والعبد الصالح ، والسيد ، والوفي ، والأمين ، والكاظم ، وباب الحوائج ، وبالأخيرين اشتهر ، يقول شيخ الحنابلة أبو علي الخلاّل : ما همّني أمر فقصدت قبر موسى ابن جعفر إلاّ سهّل الله تعالى لي ما أحب .

عاصر

الإمام الكاظم

أربعة من خلفاء بني العباس : المنصور الدوانيقي ، ومحمد المهدي ، وموسى الهادي ، وهارون الرشيد ، وله مع كل واحد منهم حوادث عظيمة يضيق المقام بذكرها .

حراسته للجامعة الجعفرية وحمايتها

أتاح ضعف الدولة الأموية ، وولادة الدولة العباسية للإمام الصادق تأسيس جامعته الإسلامية الكبرى التي غذّت المسلمين على اختلاف مشاربهم ، وأثرت المكتبة الإسلامية بعلوم كثيرة ، كاد المسلمون - لولا جهوده - ينسلخون عن إسلاميتهم ويضيع إيمانهم لكثرة الشبهات ، ولا رادّ يردها . . غير أنه بعد وفاة الصادق كانت قد قويت شوكة الدولة العباسية ، وتفرغت لآل علي فبدأت بالقتل والسجن لأتباعهم ، وكل من يتصل بهم ، فكانت ترصد تحركات أبناء الإمام الصادق وبالأخص الإمام الكاظم ، وقد بثت الجواسيس في كل مكان ، وفرضت المراقبة على كثيرين ، حتى أن رجال الشيعة الذين لا يعرفون بتنصيص الإمام الصادق على ابنه الكاظم ، يخافون أن يسألوا عن الإمام بعد الصادق ، ومن هنا كانت فترة الإمام الكاظم من أحلك الفترات التي مرَّت على أهل البيت وأصعبها ، ولكن مع هذا كله فقد كان همّ الإمام الحفاظ على ما أسسه أبوه وبناه ، وهو الجامعة الإسلامية الكبرى ، فأخذ يواصل التدريس في داره لمجموعة من خواصه .

قال ابن طاووس : كان جماعة من خاصة أبي الحسن موسى من أهل بيته ، وشيعته يحضرون مجلسه ، ومعهم في أكمامهم ألواح آبنوس لطاف ، وأميال ، فإذا نطق بكلمة ، أو أفتى في نازلة

أثبت القوم ما سمعوا منه فيها .

وقال السيد أمير علي : قد توفي الإمام جعفر الصادق عام 148ه_ في المدينة غير أن مدرسته ولحسن الحظ لم تنته ، بل حافظت على ازدهارها بقيادة خليفته وابنه موسى الكاظم .

الإمام والتحرك السياسي

لقد كابد المسلمون عموماً ، والعلويون وشيعة آل البيت الويلات جراء الحكم العباسي المتغطرس ، فقد قاسوا ظلم المنصور طيلة 22 عاماً ، تحمّلوا خلالها الاضطهاد والعناء ، وبعد موته خلفه ابنه محمد المعروف بالمهدي ، وكانت سيرته في بداية الأمر حسنة ، حيث أطلق سراح العلويين من السجون ، ووزع الأموال على الناس حتى ساد الرفاه الاقتصادي في أرجاء الدولة العباسية .

ولم يستغرق ذلك إلا سنة واحدة حتى غيّر سيرته ، وراح يحيي مجالس اللهو والمجون ، وسادت إثر ذلك الميوعة والتحلل في المجتمع الإسلامي ، فقد ذاع شعر بشار ، وحفظ الناس تغزّله بالنساء ، وانتشرت الرشوة انتشاراً عظيماً ، وأمر المهدي بجباية أسواق بغداد ، وشدّد على أخذ الخراج ، وعمد إلى ظلم الناس والإجحاف بحقهم ، واشتد الضغط عليهم .

وواصل ابنه موسى الملقّب بالهادي سيرة أبيه ، فقد كان شاباً خليعاً ماجناً ، لم يكن متمتعاً بشيء من المؤهلات الأخلاقية ، فكان شارباً الخمر ، وقاسي القلب ، سيء الأخلاق ، صعب المرام .

لقد واصل الهادي سيرة أجداده في الضغط على العلويين وبني هاشم ، وضيق عليهم منذ بداية خلافته حتى أحدث الرعب والخوف بينهم من خلال مطاردته المستمرة لهم ، وأمر

باعتقالهم في جميع الأرجاء وإحضارهم إلى بغداد .

أثارت هذه المضايقات الأحرار من بني هاشم ودفعتهم إلى مواجهة الاضطهاد ، وراحت تنمو حركة مناهضة للحكم العباسي بقيادة الحسين بن علي أحد أحفاد الإمام الحسن المجتبى والملقّب الحسين شهيد فخ .

ما أن ثار الحسين التحق به الكثير من الهاشميين ، وأهل المدينة ، وقاتلوا قوات الهادي معه حتى أجبروهم على التراجع ، ثم قاموا بتجهيز أنفسهم ، وانطلقوا نحو مكة كي يستغلوا اجتماع الناس هناك خلال موسم الحج ، فأرسل إليهم الهادي جيشاً كثيفاً ، والتقى الجيشان في أرض فخ ، ونشبت حرب طاحنة ، فاستشهد فيها الحسين ، وجماعة من سادات بني هاشم ، وتفرّق بقية جيشه .

إن فشل شهيد فخ أدّى إلى مأساة مريرة ومؤلمة ، أوجعت قلوب شيعة أهل البيت ، وقد بلغ أثر هذه المأساة وفداحتها حداً دفع بالإمام الجواد أن يقول بعد عدة سنوات : لم يكن لنا بعد الطف مصرع أعظم من فخ .

ولم تكن هذه الثورة بلا اتصال مع الإمام الكاظم ، وقد كانت هناك روابط قوية بين شهيد فخ وبين الإمام ، وعلى الرغم من أنه كان يتنبأ بفشل الثورة ، غير أنه لما شعر أن الحسين مصمم على المضي قال له : إنك مقتول ، فأجدّ الضّراب ، فإن القوم فسّاق ، يظهرون إيماناً ، ويضمرون نفاقاً وشركاً ، فإنا لله وإنا إليه راجعون ، وعند الله عز وجل احتسبكم من عصبة .

وكان الهادي يعلم بأن الإمام الكاظم هو الملهم والمرشد

الروحي لبني هاشم ولهذه الثورة ، فكان يقول : والله ما خرج حسين إلا عن أمره ، ولا اتّبع إلاّ محبته؛ لأنه صاحب الوصية في أهل هذا البيت ، قتلني الله إن أبقيت عليه .

لقد حزن الإمام الكاظم على الحسين شهيد فخ كثيراً ، خصوصاً عندما جاؤوا برأسه إلى المدينة ، فأبّنه بقوله : والله كان مسلماً صالحاً صواماً ، كثير الصلاة ، محارباً للفساد ، آمراً بالمعروف ، وناهياً عن المنكر ، ولم يكن مثله بين أهله .

وكانت حكومة هارون الرشيد أكثر من سوابقها في التشديد على الإمام وأتباعه ، فلقد كان هارون مخادعاً ، يظهر نفسه للناس - وبمساعدة قاضيه أبي يوسف - بأنه الحاكم الورع العادل ، وعلى الرغم من انفتاح الدنيا له إلاّ أنه كان يشعر بميل الناس إلى الإمام الكاظم حتى قال له ذات مرة - عندما التقيا في الحج - هل أنت من بايعه الناس خُفية ورضوا به إماماً؟ فقال الإمام : أنا إمام القلوب وأنت إمام الجسوم .

ولشدة ما خافه هارون الرشيد على سلطانه سجنه في البصرة عند عيسى بن جعفر ، ثم نقله إلى بغداد عند الفضل بن الربيع ، ثم عند الفضل بن يحيى ، ثم عند السندي بن شاهك ، وكان أقسى ما لاقاه عند السندي بن شاهك ، حتى دسّ السم إليه برطب مسموم بأمر من الرشيد ، فقبض في يوم الجمعة 25 رجب سنة 183ه_ .

وحسب أوامر السلطة وضع جثمان الإمام على جسر الرصافة في بغداد وأمر السندي جلاوزته أن

ينادوا : هذا إمام الرافضة ما عرفوه ، وقد حاول هارون بهذا الأسلوب بالإضافة إلى احتقار الشيعة وإذلالهم ، التعرف على أتباع الإمام ومناصريه ، وحين سمع سليمان بن أبي جعفر عمّ الخليفة أمر أبناءه بأخذ الجنازة من الشرطة وأمر في الوقت أن ينادى في شوارع بغداد : ألا من أراد أن يحضر جنازة الطيب بن الطيب موسى بن جعفر فليحضر .

13وفاة شيخ الأبطح أبي طالب

26/ رجب/ السنة 10 للبعثة

كان شيخ البطحاء أبو طالب الدرع الواقية لرسول الله1 منذ بزوغ شمس الرسالة إلى يوم قبضه الله إليه ، حيث وقف كالسدّ المنيع يحول بين الوثنية - وهي القوّة التي كانت حينذاك تمسك بمقدّرات مكة - وبين تحقيق أهدافها في وأد الرسالة السماوية والدعوة إليها .

وله في هذا السبيل مواقف مشهورة تفوق الإحصاء ، فلقد كان المحامي والناصر لرسول الله1 ، وحدب عليه منذ طفولته ، وقد نصره بيده ولسانه ، وواجه المصاعب الكبيرة ، والمشاق العظيمة في سبيل الدفع عنه ، والذود عن دينه ورسالته .

وهو الذي كان يقدمه على أولاده جميعاً ، وقد أرجعه بنفسه من بصرى الشام إلى مكة ، لما أخرجه في تجارته ، وحذّره الراهب بحيرى من اليهود بعدما علم عن مستقبله ، وهو الذي رضي بعداء قريش بأجمعها له ، وبمعاناة الجوع والفقر والنبذ الاجتماعي ، ورأى الأطفال - أطفال بني هاشم - يتضوّرون جوعاً ، حتى اقتاتوا ورق الشجر في الشِعب والحصار ، بل لقد عبّر صراحة أنه على استعداد لأن يخوض حرباً طاحنة ، تأكل الأخضر واليابس ،

ولا يسلم محمداً لهم ، ولا يمنعه من الدعوة إلى الله ، بل لا يطلب على الأقل منه ذلك .

وهو الذي وقف ذلك الموقف البطولي من جبابرة قريش وصناديدها حينما جاءه

النبي 1 وقد ألقت عليه قريش سلا ناقة ، فأخذ أبو طالب سيفه ، وأمر حمزة أن يأخذ السلاء ، وتوجه إلى القوم ، فلما رأوه مقبلاً عرفوا الشّر في وجهه ، ثم أمر حمزة أن يلطخ سِبالهم واحداً واحداً ، ففعل ، والقوم دون حراك .

وفي الشعب كان يحرس النبي بنفسه في الليل ، ويأمر جميع بني هاشم بتوالي حراسته في النهار ، وكان ينقله من مكان إلى آخر ، ويجعل ولده علياً في موضع النبي ، أو جعفراً أو غيره ، حتى إذا كان أمر أصيب ولده دونه .

وكان يدفع قريشاً عنه باللين تارة ، وبالشدة أخرى ، وينظم الشعر السياسي والديني ليحرك العواطف ، ويدفع النوازل ، ويهيئ الأجواء لإعلاء كلمة الله ونشر دينه ، وحماية أتباعه .

ولقد افتقد النبي ص مرة ، فبحث عنه - وكان ذلك عندما أسري بالنبي ص - فلم يجده فجمع ولده ومواليه ، وسلّم إلى كل رجل منهم مُدية ، وأمرهم أن يباكروا الكعبة ، فيجلس كل رجل منهم إلى جانب رجل من قريش ممن كان يجلس بفناء الكعبة ، وهم يومئذٍ سادات أهل البطحاء ، فإن أصبح ولم يعرف للنبي ص1 خبراً ، أو سمع فيه سوءاً ، أومأ إليهم بقتل القوم ،

ففعلوا ذلك ، فأقبل رسول الله ص إلى المسجد مع طلوع الشمس .

وواضح أن الإلمام بكل مواقف أبي طالب وتضحياته الجسام يحتاج إلى وقت طويل ، وجهد بليغ ، لكنه قد ختم كل هذه التضحيات بوصيته لبني هاشم بحمايته والذود عنه ، ووقف ذلك القلب الكبير ، والمؤمن العظيم في السنة العاشرة للبعثة ، ففقد النبي ص بفقده نصيراً قوياً ، وعزيزاً وفياً ، وسداً منيعاً بوجه كل أعدائه ، ولعظيم الخطب ، وجليل المصاب أطلق على العام الذي توفي فيه ، هو وخديجة عام الحزن

منزلة أبي طالب ومقامه

لأبي طالب منزلة عظيمة في الإسلام ، وقد ورد عن الأئمة العظام أحاديث كثيرة بعلو قدره ، وإليك بعضها :

عن أبي عبد الله الصادق أن رسول الله ص قال : إن أصحاب الكهف أسرّوا الإيمان وأظهروا الكفر ، فآتاهم الله أجرهم مرتين ، وإن أبا طالب أسرّ الإيمان وأظهر الشرك فآتاه الله أجره مرتين .

وعن الإمام الحسين ، عن أمير المؤمنين : أنه كان جالساً في الرحبة والناس حوله فقام إليه رجل فقال له : يا أمير المؤمنين إنك بالمكان الذي أنزلك الله ، وأبوك معذّب في النار . فقال له : مه فضّ الله فاك ، والذي بعث محمداً بالحق نبياً لو شفع أبي في كل مذنب على وجه الأرض لشفعه الله . أبي معذب في النار وابنه قسيم الجنة والنار؟! والذي بعث محمداً بالحق ، إنّ نور أبي طالب يوم القيامة ليطفئ أنوار الخلائق إلا خمسة أنوار : نور محمد ونور

فاطمة ونور الحسن ونور الحسين ونور ولده من الأئمة ، ألا إن نوره من نورنا . . .

وعن أبي بصير ليث المرادي قال : قال الباقر : . . والله إن إيمان أبي طالب لو وضع في كفّة ميزان ، وإيمان هذا الخلق في كفّه ميزان لرجح إيمان أبي طالب على إيمانهم .

إيمان أبي طالب

من المؤسف حقاً أن يقع الكلام - بعد الموجز الذي قدمناه في جهاده ونصرته لدين الله ونبيه ص - بين المسلمين في إيمان أبي طالب ، أفلا ينبئ جهاده عن إسلامه ، ونصرته عن شدة اعتقاده؟ أوليس سلوك المرء حاكياً عن ما جُبلت عليه نفسه ، علاوة على التصريحات البليغة والواضحة التي سبكها أبو طالب في قوالب شعرية تمثل إيمانه واعتقاده ، وإليك غيضاً من فيض منها :

قال سلام الله عليه في رسالة أرسلها إلى النجاشي يحثّه على حسن جوار من هاجر إليه من المسلمين :

ليعلمْْ خيار الناس أنّ محمداً

وزيرٌلموسى والمسيح ابن مريم

أت_انا بهديٍ مثل ما أتيا به

وإنكمُ تتل_ونه في كتاب_كم

وإنك ما ت_أتيك منها عصابة

فك_ل بأمر الله يهدي ويعصم

بصدق حديثٍ لا حديث المبرم

بفضلك إلاّ أرجعوا بالتكرّم

وقال مخاطباً النبي 1 :

والله لن يصلوا إليك بجمعهم

فاصدع بأمرك ما عليك غضاضةٌ ودعوتني وعلمتُ أنّك ناصحي

ولقد علمتُ بأنّ دين مح_مد

اتى أوسَّد في التراب دفينا

وأبش_ر بذاك وقرّ منك عيونا

ولقد دعوتَ وكنتَ ثم أمينا

من خير أديان البرية دينا

قال الثعلبي بعد نقل هذه الأبيات : وقد اتفق على صحّة نقل هذه الأبيات عن أبي طالب : مقاتل ، وعبد الله بن العباس ، والقسم بن محضرة ، وعطاء بن دينار .

وأشعاره كثيرة جداً ، ومعظمها صريح في إيمانه وإسلامه ، وبيان لكون نصرته عن عقيدة وإيمان ، لا عن حمية نسب - كما يدعيه البعض - .

وبعد هذا تسقط جميع المرويات التي رواها العامة عن كفر أبي طالب ، وأنه في ضحضاح في النار ، وللإطلاع على كل ذلك راجع الغدير للعلامة الأميني : ج7/444-550 ، والصحيح من سيرة النبي الأعظم : 3/228 - 259 ، وإيمان أبي طالب ، للشيخ المفيد .

14المبعث النبوي المبارك

27 / رجب / لأربعين خلت من عام الفيل

اليوم 27 من رجب كان بعثة النبي وهبوط جبرئيل بالرسالة على أشهر الأقوال ومن الأعمال الواردة في هذا اليوم العظيم ، الغسل ، الصيام ، زيارة النبي وزيارة أمير المؤمنين وغيرها من الأعمال يمكنك مراجعة مفاتيح الجنان للإطلاع عليها .

وقد اختلف علماء المسلمين في اليوم والشهر الذي وقع فيه المبعث النبوي على أقوال خمسة ذكرها المجلسي في بحار الأنوار ، ومنشأ الاختلاف ، الخلط بين مبدأ حدث النبوة ، ومبدأ نزول القرآن؛ إذ مما لا يمكن التشكيك فيه أن نزول القرآن على قلب النبي ص كان في ليلة القدر في شهر رمضان ، قال تعالى : إِنّآ أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مّبَارَكَةٍ إِنّا كُنّا مُنذِرِينَ ، وقال : شَهْرُ رَمَضَانَ الّذِيَ أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ، وقال : إِنّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ .

ومع هذه البديهة ، اتفقت كلمة الإمامية على أن مبعث النبي ص في السابع والعشرين من رجب ، مع أن النبي ص إنما بُعث بالقرآن ، إذ ترافق مع

بعثته نزول بعض الآيات من سورة اقرأ كما هو المشهور بين المفسرين ، وعليه فكيف يمكننا التوفيق بين ذينك الأمرين؟!

ذكر المحققون وجوهاً للتوفيق بين المبعث في رجب ، وبدء نزول القرآن في شهر رمضان ، ارتقت بعد ذلك إلى مستوى النظريات التي لها أصحابها ومتبنيها وإليك أشهرها :

نظرية النزولين

ذهب جماعة من أرباب الحديث إلى أن القرآن الكريم نزل في ليلة القدر جملة واحدة إلى السماء الرابعة ، أي البيت المعمور - كما ورد في روايات الخاصة - أو إلى بيت العزة - كما ورد في روايات العامة - وبعد ذلك بدأ نزوله في 27 رجب على رسول الله1 حسب المناسبات ، طول عشرين أو ثلاثة وعشرين عاماً .

قال الشيخ الصدوق : نزل القرآن في شهر رمضان في ليلة القدر جملة واحدة إلى البيت المعمور ، في السماء الرابعة ، ثم نزل من البيت المعمور في مدة عشرين سنة ، وأن الله أعطى نبيه العلم جملة واحدة ، ثم قال له : وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ .

وقال المجلسي تعقيباً عليه : قد دلت الآيات على نزول القرآن ليلة القدر ، والظاهر نزوله جميعاً فيها ، ودلت الآثار والأخبار على نزول القرآن في عشرين أو ثلاث وعشرين سنة . وورد في بعض الروايات أن القرآن نزل في أول ليلة من شهر رمضان ، ودلّ بعضها على أن ابتداء نزوله في المبعث ، فيجمع بينها بأن في ليلة القدر نزل القرآن جملة من اللوح المحفوظ إلى السماء الرابعة البيت المعمور لينزل من السماء الرابعة إلى الأرض تدريجاً

. ونزل في أول ليلة من شهر رمضان جملة القرآن على النبي 1 ليعلمه هو ، ولا يتلوه على الناس ، ثم ابتدأ نزوله آية آية وسورة سورة في المبعث أو غيره ليتلوه على الناس .

واستدلّ على هذه النظرية بجملة من الروايات ، منها - ما رواه المفضل بن عمر عن الصادق قال : يا مفضّل ، إن القرآن نزل في ثلاث وعشرين سنة ، والله يقول : شهر رمضان الذي أُنْزِلَ فيهِ القُرآن ، وقال : إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ، وقال : لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ .

قال المفضل : يا مولاي فهذا تنزيله الذي ذكره الله في كتابه ، فكيف ظهر الوحي في ثلاث وعشرين سنة

قال : نعم يا مفضّل ، أعطاه الله القرآن في شهر رمضان ، وكان لا يبلّغه إلاّ في وقت استحقاق الخطاب ، ولا يؤديه إلاّ في وقت أمر ونهي ، فهبط جبرئيل بالوحي ، فبلّغ ما يؤمر به ، وقوله : لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ .

ومنها ما رواه العياشي عن إبراهيم أنه سأل الصادق عن قوله تعالى : شهر رمضان الذي أُنْزِلَ فيهِ القُرآن ، كيف أنزل فيه القران ، وإنما أنزل القرآن في طول عشرين سنة من أوله إلى آخره؟! فقال : نزل القرآن جملة واحدة في شهر رمضان إلى البيت المعمور ، ثم أنزل من البيت المعمور في طول عشرين سنة .

وهذه النظرية هي المشهورة بين

المحققين وقد اختارها الصدوق والمجلسي والعلامة الطباطبائي في الميزان ، والطبري في تفسيره ، والسيوطي في إتقانه ، كما هو مروي عن عطية الأسود عن ابن عباس ، وأسند إلى جابر بن عبد الله الأنصاري ، وغيرهم .

بماذا بعث النبي محمد

بعث الله تعالى نبيّه محمّداً على حين فترة من الرسل خاتماً للنبيين وناسخاً لشرائع من كان قبله من المرسلين إلى الناس كافة أسودهم وأبيضهم عربيهم وعجميهم وقد ملئت الأرض من مشرقها إلى مغربها بالخرافات والسخافات والبدع والقبائح وعبادة الأوثان .

فقام في وجه العالم كافة ودعا إلى الإيمان بإله واحد خالق رازق مالك لكل أمر ، بيده النفع والضر ، لم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل ولم يتخذ صاحبة ، لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد .

بعثه آمراً بعبادته وحده لا شريك له مبطلاً عبادة الأصنام والأوثان التي لا تضر ولا تنفع ولا تعقل ولا تسمع ولا تدفع عن أنفسها ولا عن غيرها ضراً ولا ضيماً ، متمماً لمكارم الأخلاق حاثاً على محاسن الصفات آمراً بكل حسن ناهياً عن كل قبيح .

سهولة الشريعة الإسلامية وسماحتها

واكتفى من الناس بأن يقولوا لا إله إلاّ الله محمد رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة ويصوموا شهر رمضان ويحجوا البيت ويلتزموا بأحكام الاسلام . وكان قول هاتين الكلمتين لا إله إلاّ الله ، محمد رسول الله يكفي لأن يكون لقائله ما للمسلمين وعليه ما عليهم .

سمو التعاليم الإسلامية

وبعث بالمساواة في الحقوق بين جميع الخلق ، وأنّ أحداً ليس خيراً من أحد إلا بالتقوى .

وبالاُخوّة بين جميع المؤمنين وبالكفاءة بينهم : تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم ، وبالعفو العام عمن دخل في الاسلام .

وسنّ شريعة باهرة وقانوناً عادلاً تلقّاه عن الله تعالى فكان هذا القانون جامعاً لأحكام عباداتهم ومعاملاتهم وما يحتاجونه في معاشهم ومعادهم وكان عبادياً اجتماعياً سياسياً أخلاقياً لا يشذّ عنه شيء مما يمكن وقوعه في حياة البشر مستقبلاً ويحتاج اليه بنو آدم ، فما من واقعة تقع ولا حادثة تحدث إلاّ ولها فى الشريعة الإسلامية أصل مسلّم عند المسلمين ترجع اليه .

على أن العبادات في الدين الاسلامي لا تتمحض لمجرد العبادة ففيها منافع بدنية واجتماعية وسياسية فالطهارة تفيد النظافة ، وفي الصلاة رياضة روحية وبدنية ، وفي صلاة الجماعة والحج فوائد اجتماعية وسياسية ظاهرة ، وفي الصوم فوائد صحية لا تنكر ، والاحاطة بفوائد الاحكام الإسلامية الظاهرة فضلاً عن الخفية أمر متعذّر أو عسير .

ولما في هذا الدين من محاسن وموافقة أحكامه للعقول وسهولتها وسماحتها ورفع الحرج فيه والاكتفاء بإظهار الشهادتين ولما في تعاليمه من السمو والحزم والجد دخل الناس فيه افواجاً وساد أهله على أعظم ممالك الأرض واخترق نوره شرق الارض وغربها ودخل جميع أقاليمها وأقطارها تحت لوائه ودانت به الأمم على اختلاف عناصرها ولغاتها .

ولم يمض زمن قليل حتى أصبح ذلك الرجل الذي خرج من مكة مستخفياً وأصحابه يعذّبون ويستذلون ويفتنون عن دينهم ، يعتصمون تارة بالخروج إلى الحبشة مستخفين واُخرى بالخروج الى المدينة متسللين ، يدخل مكة بأصحابه هؤلاء في عمرة القضاء ظاهراً لا يستطيعون دفعه ولا منعه ولم تمض إلاّ مدة قليلة حتى دخل مكة فاتحاً لها وسيطر على أهلها من

دون أن تراق محجمة دم بل ولا قطرة دم فدخلوا في الاسلام طوعاً وكرهاً وتوافدت عليه رؤساء العرب ملقيةً إليه عنان طاعتها وكان من قبل هذا الفتح بلغ من القوة أن بعث برسله وسفرائه إلى ملوك الأرض مثل كسرى وقيصر ومن دونهما ودعاهم إلى الاسلام وغزا بلاد قيصر مع بُعد الشقة وظهر دينه على الدين كله كما وعده ربه حسبما صرّح تعالى بذلك في سورة النصر ، والفتح وغيرهما وكما تخبرنا بذلك كتب التاريخ .

ولم يقم هذا الدين بالسيف والقهر كما يصوّره من يريد الوقيعة فيه بل كما أمر الله تعالى : ادْعُ إِلِىَ سَبِيلِ رَبّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالّتِي هِيَ أَحْسَنُ ولم يحارب أهل مكة وسائر العرب حتى حاربوه وأرادوا قتله واخرجوه ، وأقر أهل الاديان التي نزلت بها الكتب السماوية على أديانهم ولم يجبرهم على الدخول في الاسلام .

القرآن الكريم

وانزل الله تعالى على نبيّه حين بعثه بالنبوّة قرآناً عربيّاً مبيّناً لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، وقد أعجز النبي به البلغاء وأخرس الفصحاء وتحدّاهم فيه فلم يستطيعوا معارضته وهم أفصح العرب بل واليهم تنتهي الفصاحة والبلاغة ، وقد حوى هذا الكتاب العزيز المنزل من لدن حكيم عليم من أحكام الدين وأخبار الماضين وتهذيب الاخلاق والأمر بالعدل والنهي عن الظلم وتبيان كل شيء ما جعله يختلف عن كل الكتب حتّى المنزّلة منها وهو ما يزال يتلى على كر الدهور ومر الأيام وهو غض طري يحيّر ببيانه العقول ولا تملّه الطباع مهما تكررت تلاوته وتقادم عهده ، وقد كان القرآن الكريم معجزة فيما أبدع من ثورة علمية وثقافية في ظلمات الجاهلية الجهلاء وقد

أرسى قواعد نهضته على منهج علمي قويم ، فحثّ على العلم وجعله العامل الأوّل لتسامي الانسان نحو الكمال اللائق به وحثّ على التفكير والتعقّل والتجربة والبحث عن ظواهر الطبيعة والتعمق فيها لاكتشاف قوانينها وسننها وأوجب تعلّم كل علم تتوقف عليه الحياة الاجتماعية للانسان واهتم بالعلوم النظرية من كلام وفلسفة وتاريخ وفقه وأخلاق ، ونهى عن التقليد واتباع الظن وأرسى قواعد التمسك بالبرهان ، وحثّ القرآن على السعي والجد والتسابق في الخيرات ونهى عن البطالة والكسل ودعا إلى الوحدة ونبذ الفرقة . وشجب العنصرية والتعصبات القبلية الجاهلية .

وأقرّ الإسلام العدل كأساس في الخلق والتكوين والتشريع والمسؤولية وفي الجزاء والمكافأة ، وهو أوّل من نادى بحق المساواة بين أبناء الإنسان أمام قانون الله وشريعته وأدان الطبقية والتمييز العنصري وجعل ملاك التفاضل عند الله أمراً معنويّاً هو التقوى والاستباق إلى الخيرات ، من دون أن يجعل هذا التفاضل سبباً للتمايز الطبقي بين أبناء المجتمع البشري .

وبالغ الإسلام في حفظ الأمن والمحافظة على الأموال والدماء والأعراض وفرض العقوبات الشديدة على سلب الأمن بعد أن شيّد الأرضية اللازمة لاستقرار الأمن والعدل وجعل العقوبة آخر دواء لعلاج هذه الأمراض الاجتماعية بنحو ينسجم مع الحرية التي شرّعها للإنسان . ومن هنا كان القضاء في الشريعة الإسلامية مرتكزاً على إقرار العدل والأمن وإحقاق الحقوق المشروعة مع كل الضمانات اللازمة لذلك .

واعتنى الإسلام بحفظ الصحة والسلامة البدنية والنفسية غاية الاعتناء وجعل تشريعاته كلها منسجمة مع هذا الأصل المهم في الحياة .

15الإسراء والمعراج27 / رجب/ السنة 3 للبعثة

لا إشكال ولا خلاف في وقوع الإسراء

وأن الله تعالى أسرى بنبيه 1 من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ، ويدلّ عليه قوله تعالى

: سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ . وكذا معراجه1 من المسجد الأقصى إلى السماوات العلا ، ويمكن الاستدلال على ثبوته بأحد الدليلين الآتيين أو بكليهما : الأول : بعض من آيات سورة النجم الثاني : كثرة الأخبار الواردة في المعراج .

الدليل الأول : الآيات من سورة النجم ، قال تعالى : وَالنَّجْمِ إِذا هَوى ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحى عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوى وَهُوَ بِالأُفُقِ الأَعْلى ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى أَ فَتُمارُونَهُ عَلى ما يَرى وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى .

فإنّ هذه الآيات تحكي رؤية النبي ص لجبرئيل على هيئته الواقعية والأصلية ، لأن جبرئيل كان يصغر كلما أراد الهبوط إلى النبي ص ، ولكن هذه المرة رآه على صورته الأصلية بالأفق ، ثم أخذ جبرئيل يقترب من النبي ص ويدنو منه حتى كان بينهما ما بين قاب قوسين أو أدنى .

ولكي تدلّ هذه الآيات على المعراج ، يلزم رجوع الضمير في قوله : وَهُوَ بِالأُفُقِ الأَعْلى وفي سائر الآيات إلى النبي ص ليصبح المعنى؛ أن النبي ص عندما كان بالأفق رأى جبرئيل على صورته الأصلية . أما لو رجع الضمير إلى ذو مرة الذي هو جبرئيل - كما استظهره بعض المحققين وأدعى وجود

رواية صحيحة الإسناد على ذلك - فلا دلالة فيها على المعراج أبداً .

الدليل الثاني : كثرة الأخبار الواردة في المعراج ، والتي يمكن دعوى تواترها القطعي ، بحيث لا تدع مجالاً للشك في وقوعه .

وما قد يقال : هناك تعارض بين آية الإسراء ، وبين الروايات الدالة على المعراج ، على اعتبار أن الآية تدل على أن انتهاء السريان كان إلى المسجد الأقصى ، ولم يكن سير بعده .

والجواب : إن الآية بصدد بيان الرحلة الأولى بين المسجدين ، ولم تنف وجود رحلة أخرى ، فما تعطيه الروايات غير ما تعطيه الآية .

وبعد هذا فلا يبقى مجال للتشكيك في الإسراء والمعراج ، وأن مجرد عدم تعقل خصوصياتهما من قلة الزمن الذي وقعا فيه ، أو ما شاكل ذلك لا يذهب بحقانيتهما ، بعدما عرضناه من أدلة .

نعم إن كان خلاف ففي أمرين

الأمر الأول : في تاريخهما : حيث ذهب مشهور المؤرخين إلى أنهما وقعا قبل الهجرة بمدة وجيزة ، كستة أشهر ، كما عن بعضهم ، أو بسنة كما عن بعض آخر ، أو بسنتين كما عن ثالث ، وهناك من قال بوقوعهما بعد الهجرة ولكنه نادر جداً ، ومخالف لكون الإسراء ، من المسجد الحرام الذي دلت عليه الآية .

في قبال ذلك ما ذهب إليه جماعة منهم الزهري من أنهما في السنة الثانية من البعثة ، وقيل في الخامسة ، وقيل في الثالثة .

والأرجح وقوعه في السنة الثالثة أو الرابعة للبعثة لوجوه ، منها :

أولاً -

ما روي عن علي قال : إن الإسراء قد كان بعد ثلاث سنين من مبعثه .

ثانياً - ما روي عن ابن عباس ، وسعد بن مالك ، وسعد بن أبي وقاص ، والإمام الصادق ، وعمر بن الخطاب ، وعائشة : من أن النبي 1 قال لعائشة - حينما عاتبته على كثرة تقبيله ابنته فاطمة - : نعم يا عائشة؛ لما أسري بي إلى السماء أدخلني جبرئيل الجنة ، فناولني منها تفاحة ، فأكلتها ، فصارت نطفة في صلبي ، فلما نزلتُ واقعتُ خديجة ، ففاطمة من تلك النطفة ، ففاطمة حوراء إنسية ، وكلما اشتقت إلى الجنة قبّلتها .

وقد ثبت بالتحقيق أنّ فاطمة قد ولدت بعد البعثة بخمس سنوات ، فلابد وأن يكون الإسراء والمعراج ، على ضوء هذه الرواية - قبل ذلك بأكثر من تسعة أشهر ، فتكون حادثة الإسراء والمعراج في السنة الرابعة إن حملت خديجة بعدها مباشرةً ، وإن احتمل - لأجل الرواية الأولى تأخر الحمل عن ذلك بسنتين .

الأمر الثاني - اختلفوا أيضاً في أن الإسراء والمعراج كانا جسمانيين ، أم روحانيين ، بمعنى هل فعلاً خرج النبي ص بجسمه من مكة إلى المسجد الأقصى ، ثم عرج بجسمه إلى السماء ، فكان كلّ ما رآه بجسده ، أو أنها كانت رؤيا رآها ص في نومه؟

يرى البعض : أنهما كانا بالروح فقط في عالم الرؤيا ، كما روي عن عائشة قولها : ما فقدت جسد رسول الله 1 ، وعن معاوية : أنها رؤيا

صالحة ، وحكي مثله عن الحسن البصري .

لكن الصحيح - على ما ذهب إليه الإمامية والكم الساحق من الجمهور - أنه إنما كان بالروح والجسد معاً ، ولم تكن عائشة زوجة له1 ، آنذاك إذ أن زواج النبي ص بها كان في السنة الأولى أو الثانية من الهجرة ، والإسراء والمعراج على ما ذكره أبعد الأقوال في السنة الثانية عشر من البعثة ، فلا يصح الأخذ بقولها ، وأما معاوية فلا يعتمد على قوله ، بعد ما علم من محاربته للدين ورموزه .

أضف إلى ذلك ، أن الآية تذكر : سُبْحَانَ الّذِي أَسْرَىَ بِعَبْدِهِ ولفظ العبد إنما يطلق على مجموع الروح والجسد ، فلو كان مناماً ، لكان حق الخطاب : سبحان الذي أسرى بروح عبده ، وأيضاً لو كانت مجرد رؤية صالحة ذكرها النبي ص للمشركين لما أنكروها عليه ، ولما ضجّ الناس حتى أدى ذلك إلى ارتداد بعض من أسلم ، خصوصاً أن الرؤيا الصالحة كثيراً ما كانت تحصل في مجتمع مكة ، وأيضاً رووا أن المشركين سألوا النبي ص عن عدد أعمدة المسجد الأقصى ، وعن علامة صدق قوله ، فأخبرهم بعددها بعد أن أظهر له جبرئيل المسجد نصب عينيه ، وذكر لهم سقاء قافلتهم ، وضياع جمل من جمالها ، وهذا المطلب لا يتأتى منهم لو كان النبي ص قد أدّعى مجرّد الرؤيا ، بل يكشف عن أنّ معراجه 1 كإسرائه كان بروحه وجسده معاً ، ومن هنا ، ولعدم إيمان المشركين وتصديقهم به طلبوا منه 1

ما طلبوه .

بعض ما رآه النبي في المعراج

قال رسول الله ص1 - في حديثه عن معراجه لما رأى النار - : ثم مضيت ، فإذا أنا بقوم يريد أحدهم أن يقوم فلا يقدر من عظم بطنه ، فقلت : من هؤلاء يا جبرئيل؟ قال : هؤلاء الذين يأكلون الربا لا يقومون إلاّ كما يقوم الذي يتخبطّه الشيطان من المس . .

ثم مضيت ، فإذا أنا بقوم بين أيديهم موائد من لحم طيب ولحم خبيث ، يأكلون اللحم الخبيث ، ويدعون الطيب ، فقلت من هؤلاء يا جبرئيل؟ فقال : هؤلاء يأكلون الحرام ويدعون الحلال وهم من أمتك يا محمد .

3- وقال 1 لعلي وفاطمة فيما رآه في معراجه :

رأيت امرأة معلّقة بشعرها يغلي دماغ رأسها .

ورأيت امرأة معلّقة بلسانها والحميم يصب في حلقها .

ورأيت امرأة معلّقة برجليها في تنور من نار .

ورأيت امرأة يُحرق وجهها ويداها ، وهي تأكل أمعاءها .

ثم طلبت فاطمة منه ص أن يبين لهما الذنوب التي اقترفتها كل واحدة فاستوجبت هذا العذاب ، فقال :

أما المعلقة بشعرها ، فإنها كانت لا تغطي شعرها من الرجال .

وأما المعلقة بلسانها ، فإنها كانت تؤذي زوجها .

وأما المعلقة برجليها ، فإنها كانت تخرج من بيتها بغير إذن زوجها .

وأما التي كانت تأكل لحم جسدها ، فإنها كانت تزين بدنها للناس .

وهُناك أشياء أخرى متنوعة رآها النبي في معراجه فمن أراد الإطلاع علهيا فليراجع الكتب المدونة في هذا الموضوع ومنها المصدر المذكور .

16خروج الإمام الحسين من المدينة إلى مكة28/ رجب/ السنة 60 ه_

لما مات معاوية ، وبويع

لابنه يزيد بالخلافة كتب إلى عامله على المدينة الوليد بن عتبة يخبره بموت معاوية ، كتاباً صغيراً فيه : أما بعد فخذ حسيناً ، وعبد الله بن عمر ، وابن الزبير ، بالبيعة أخذاً ليس فيه رخصة حتى يبايعوا ، والسلام ، فبعث الوليد إلى مروان يستشيره ، فقال : أرى أن تدعوهم الساعة ، وتأمرهم بالبيعة ، فإن فعلوا قبلت منهم ، وكففت عنهم ، وإن أبوا ضربت أعناقهم قبل أن يعلموا بموت معاوية . . .

وسار الحسين إلى الوليد ، وبعد ما نعى إليه معاوية واسترجع ، قرأ عليه كتاب يزيد ، وما أمره فيه من أخذ البيعة منه ، فقال له الحسين : إني لا أراك تقنع ببيعتي ليزيد سراً حتى أبايعه جهراً فيعرف ذلك الناس ، ولكن نصبح وتصبحون ، فقال مروان للوليد : والله لئن فارقك الحسين الساعة ولم يبايع لا قدرت من على مثلها أبداً حتى تكثر القتلى بينكم وبينه ، احبس الرجل فلا يخرج من عندك حتى يبايع أو تضرب عنقه ، فوثب إليه الحسين ، وقال : أأنت تقتلني أو هو؟! كذبت والله وأثمت ، والله لو رام ذلك أحد لسقيتُ الأرض من دمه قبل ذلك ، فإن شئت ذلك فرم أنت ضرب عنقي إن كنت صادقاً . ثم أقبل الحسين على الوليد فقال : أيها الأمير إنا أهل بيت النبوة ، ومعدن الرسالة ، ومختلف الملائكة ، ومهبط الرحمة ، بنا فتح الله وبنا ختم ، ويزيد رجل

فاسق شارب خمر ، قاتل النفس ، معلن بالفسق ، فمثلي لا يبايع مثله ، ولكن نصبح وتصبحون ، وننظر وتنظرون أينا أحقّ بالخلافة والبيعة .

ووصل خبر تباطؤ الوليد في أمر الحسين إلى يزيد فعزله وولى مروان ابن الحكم - كما في بعض المصادر - . . وفي بعضها ، أن يزيد أرسل إلى الوليد يشدد في أمر الحسين ويطلب بعث رأسه إن لم يبايع ، وتكون للوليد عنده الجائزة العظمى .

فأرسل الوليد الرجال إلى الحسين ليحضر فيبايع ، فقال لهم الحسين : أصبحوا ثم ترون ونرى ، فخرج من تحت ليلته ، وكانت ليلة الأحد ليومين بقيا من رجب متوجهاً نحو مكة ، ومعه بنوه وإخوته وبنو أخيه وجلّ أهل بيته إلا محمد بن الحنفية ، حيث كلّفه الحسين بمراقبة الأوضاع في المدينة ، وإخباره بها وقد كتب وصيته ودفعها إليه :

هذا ما أوصى به الحسين بن علي بن أبي طالب ، إلى أخيه محمد المعروف بابن الحنفية ، أن الحسين يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمداً1 عبده ورسوله ، جاء بالحق من عند الحق ، وأنّ الجنة والنار حق ، وأن الساعة آتية لا ريب فيها ، وأنّ الله يبعث من في القبور ، وإني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً ، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي1 ، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر وأسير بسيرة جدي وأبي علي بن أبي طالب ،

فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق ، ومن ردّ عليّ هذا أصب_ر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق وهو خير الحاكمين . هذه وصيتي يا أخي إليك ، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب .

ولما فصل متوجهاً دعا بقرطاس وكتب فيه لسائر بني هاشم :

من الحسين بن علي بن أبي طالب ، إلى بني هاشم : أما بعد فإنه من لحق بي منكم استشهد ، ومن تخلّف لم يبلغ مبلغ الفتح ، والسلام .

ثم ودّع قبر جدّه وأمه وأخيه ، وسار بركبه تلقاء مكة المكرمة .

17غزوة تبوك

واستخلاف الإمام علي في المدينة29 / رجب/ السنة 9 ه_

لقد كان لانتشار الإسلام في شبه الجزيرة العربية ، وفتوحات المسلمين المشرقة في الحجاز صداه في خارج الحجاز ، وكان ذلك يُرعب الأعداء ، ويدفعهم إلى التفكير في حيلة .

وهذا ما دفع إمبراطور الروم إلى أن يحشد جموعاً كبيرة ، ويتهيأ بكل ما أوتي من قوة لمهاجمة المسلمين وغزوهم بغتة ، ليحدّ من انتشار الإسلام ، ومن قوته التي أخذت تتعاظم ، ومن انتشار نفوذه السياسي ، الذي بات يزلزل سلطانه .

فحشد ما يقارب أربعين ألف فارس وراجل ، وكان مجهّزاً بأحدث الأسلحة والتجهيزات ، وقد استقرّ على الشريط الحدودي لأرض الشام ، في منطقة تبوك ، التحقت به قبائل عديدة تسكن الحدود مثل قبيلة لخم وعاملة وغسان وجذام ، وتقدمت طلائع ذلك الجيش حتى منطقة البلقاء .

ولما حملت الأنباء هذا الخبر إلى النبي ص أمر أصحابه بالتهيؤ لغزوهم ،

فجهّز جيشه وعسكر في ثنية الوداع ، وكان يتألف من عشرة آلاف فارس ، وعشرين ألف راجل ، وقد أمر رسول الله ص أن تتخذ كل قبيلة راية لنفسها .

المتخلفون عن القتال

تخلّف البعض عن المشاركة في هذه الغزوة ، فمنهم الجدّ بن قيس - وكان من الشخصيات ذات المكانة الاجتماعية المرموقة - حيث قال ص له : يا أبا وهب هل لك العام تخرج معنا؟

فقال : يا رسول الله أو تأذن لي ، ولا تفتني ، فوالله لقد عرف قومي ما أحدٌ أشدُّ عجباً بالنساء مني ، وإني لأخشى أن رأيتُ بنات بني الأصفر الروم لا أصبرُ عليهنَّ . فأعرضَ عنه رسول الله1 بعد أن سمع منه ذلك العذر الصبياني ، وقد نزل فيه قول الله تعالى : وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ ، كما تخلّف عن النبي ثلاثة حتى يفرغوا من القطاف والحصاد ، ثم يلتحقوا به ، فوبّخهم القرآن .

وتخلّف جماعة ممن تظاهروا بالإسلام والإيمان ، فأخذوا يثبّطون الناس عن رسول الله1 ، وقالوا لهم : يغزو محمدٌ بني الأصفر مع جهد الحال والحرّ ، والبلد البعيد إلى ما لا قِبَل له به ، يحسب محمدٌ أن قتال بني الأصفر اللعب ، فنزل قوله تعالى : وقالوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيراً جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ .

وعلى إثر هذه الأحداث التي أوجدها المنافقون اكتشف النبي ص شبكة جاسوسية في المدينة تجلس في

بيت سويلم اليهودي ويحيكون المؤامرات ليثبطوا المسلمين ، فبعث إليهم من أحرق الدار عليهم فلاذوا بالفرار .

ومن جانب آخر أتى رجال إلى النبي ص يرغبون في الخروج مع رسول الله ، وطلبوا منه ما يحملهم عليه من دابّة ، فقد كانوا أهل حاجة فقراء ، فقال لهم : لا أجد ما أحملكم عليه . فتولوا وهم يبكون لعدم تمكنهم من المشاركة في الغزو مع النبي 1 ، ونزل فيهم قوله تعالى : وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلاَّ يَجِدُوا ما يُنْفِقُونَ .

استخلاف الإمام علي في المدينة

لم يغزو النبي 1 غزواً إلاّ كان علي معه وحامل لوائه ، غير أن النبي ص في هذه المرة منع علياً من الخروج من المدينة معه ، لأنه ص كان يدرك جيداً أن المنافقين والمتربصين والمتحينين الفرص من رجال قريش سيستغلون فرصة غيبة النبي القائد عن المدينة فيثيرون فيها فتنة ، ويجهزون على الحكومة الإسلامية الفتية بانقلاب أو ما شابه ذلك ، وأن هذه الفرصة إنما تسنح لهم إذا قصد رسول الله ص مكاناً نائياً ، وانقطع ارتباطه بالمدينة ، ولقد كانت تبوك أبعد نقطة يخرج إليها النبي ص من جميع غزواته ، فخوفاً من أن يقلبوا الأوضاع في غيابه ترك فيها علياً ، على الرغم من أنه استخلف على المدينة محمد بن مَسْلَمة ، حيث قال لعلي : أنت خليفتي في أهل بيتي ودار هجرتي وقومي ، يا علي إن المدنية لا تصلح إلاّ بي وبك .

ولقد

استاء المنافقون من إبقاء علي في المدينة ، وحاولوا بثّ الدعايات والشائعات الخبيثة بغية تحريض علي على الخروج من المدينة والالتحاق بالنبي 1 ، فقالوا : ما خلّف رسول الله علياً إلا استثقالاً له وتخفيفاً منه ، أو أنه دعاه إلى الخروج لتبوك ، ولكن علياً امتنع من الخروج بحجة الحر الشديد ، وبُعد الطريق ، وإيثاراً للدعة والراحة والرفاهية ، أو أنه خلفه مع النساء والأطفال .

ولإبطال مثل هذه الشائعات توجّه علي إلى النبي ص وقال له : يا نبي الله زعم المنافقون أنك إنما خلّفتني أنك استثقلتني ، أو تخففت مني ، أو خلفتني مع النساء والأطفال . فقال له النبي ص : كذبوا ، ولكنني خلفتك لما تركت ورائي ، فارجع فاخلفني في أهلي وأهلك ، أفلا ترضى يا علي أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي - أو قال له : لا ينبغي أن أذهب إلاّ وأنت خليفتي .

النبي في طريقه إلى تبوك

تحرك النبي ص من معسكره إلى تبوك ، وفي طريقه راسل كلاً من قبيلة تميم ، وغطفان وطي ، التي كانت تسكن في مناطق بعيدة عن المدينة ، بغية الاشتراك في هذا الغزو الاستثنائي ، وقد استجاب لدعوته الكثير من الفدائيين الغيارى .

وقد واجه جيش الإسلام في طريقه إلى تبوك مصاعب كثيرة ، ومشاقاً بليغة حيث الرياح الشديدة والسامّة ، والعواصف القوية بحيث ربما تحتمل البعير بصاحبه ، وتلقيه في واد آخر ، ولهذا فكان النبي ص قد نبه هم

بعقل آبالهم ، وأن لا يخرج أحد منهم في تلك الليلة وحده من خبائه .

كما أن الجيش واجه في الطريق أزمة العطش ، وعدم وجود الماء حتى حمل ذلك البعض على نحر إبلهم ليشقوا أكراشها ، ويشربوا ماءها ، بينما صبر آخرون .

ولم يدم صبرهم طويلاً حتى أغاثهم الله تعالى بسحابة ممطرة ، أروت جيش الإسلام ، واحتملوا ما يحتاجون إليه .

حلّ جيش الإسلام في أرض تبوك في غرة شعبان في السنة التاسعة للهجرة ، ولكن لم يرَ أثراً لجيش الروم ، وكأن جيش الروم لما علموا بكثرة جنود الإسلام ، وكانوا قد سمعوا عن شجاعتهم وتضحياتهم الفريدة ، رأوا أنه من صالحهم الانسحاب ، وعدم دخول حرب قد تكسر شوكتهم وكبريائهم وعظمتهم .

وهنا كان النبي ص أمام خيارين ، فإما أن يقفل راجعاً إلى المدينة ، وكأنّ شيئاً لم يقع ، وإمّا أن يهاجم الروم عبر الدخول في أراضي الشام ، فاستشار النبي ص أصحابه ، فقالوا : إن كنت أُمرت بالسير فسر ، فقال ص : لو أمرتُ به ما استشرتكم فيه . فأشاروا عليه بالرجوع إلى المدينة ، فقبل النبي اقتراحهم وأقفل راجعاً بجيشه .

قطاف غزوة تبوك

هب أن هذا المسير الطويل لم ينتج غزواً ولا فتحاً ، ولكن كانت له قطاف مهمة جداً ، وإليك بعضها :

أولاً : كانت هناك قبائل من النصارى كأيلة ، وأذرح والجرباء ودومة الجندل ، وكان من المحتمل أن يستغل الروم قواهم ضد الإسلام ، ويحملوا بمساعدتهم على

الحجاز ، فعقد النبي أثناء رجوعه من تبوك معاهدة عدم اعتداء ، وأن لا يعينوا على المسلمين أحداً ، فحصل النبي ص على أمن واسع على الحجاز من الحدود الشامية .

ثانياً : ارتقاء سمعة الجيش الإسلامي ، وازدياد عظمته في قلوب سكان الحجاز ، وعرف الصديق والعدو أن المقدرة العسكرية الإسلامية بلغت من القوة والعظمة بحيث أصبح بمقدورها أن تواجه أكبر القوى في العالم ، وهذا ما أدّى أن يتخلّى الكثير من القبائل عن التفكير في التمرد والطغيان .

ثالثاً : كان هذا السفر بمثابة التمهيد لفتح الشام ، فقد تعرّف قادة هذا الجيش طرق هذه المنطقة ومشاكلها ، وتعلموا كيفية تجييش الجيوش الكبرى في وجه القوى العظمى ، ولعله لذلك ، كانت الشام أول منطقة فتحها المسلمون بعد وفاة النبي ص .

المنافقون يخططون لاغتيال النبي ص

لدى عودة النبي ص إلى المدينة تآمر 12منافقاً منهم ثمانية من قريش ، والباقي من المدينة لاغتيال رسول الله 1 في أثناء الطريق ، وذلك بتنفير ناقته ليطرحوه في واد كان هناك ، حيث كان بين الشام والمدينة عقبة لما وصل الجيش إليها قال لهم النبي ص : من شاء منكم أن يأخذ بطن الوادي فإنه أوسع لكم ، فأخذ الناس بطن الوادي ، بينما

أخذ ص طريق العقبة ، فيما يسوق حذيفة بن اليمان ناقة النبي ، ويقودها عمار بن ياسر فبينما هم يسيرون إذ التفت النبي إلى خلفه ، فرأى في ضوء ليلة مقمرة فرساناً ملثمين لحقوا به من ورائه لينفروا به ناقته ، وهم يتخافتون ،

فغضب النبي ص ، وصاح بهم ، وقال لحذيفة : اضرب وجوه رواحلهم . فأرعبوا وهربوا وخالطوا الناس كيما يعرفوا .

يقول حذيفة : فعرفتهم برواحلهم ، وذكرتهم للنبي 1 ، وقلت : يا رسول الله ألا تبعث إليهم لتقتلهم . فأجابه : إن الله أمرني أن أعرض عنهم ، وأكره أن يقول الناس إن محمداً دعا أناساً من قومه وأصحابه إلى دينه ، فاستجابوا له ، فقاتل بهم حتى ظهر على عدوّه ، ثم أقبل عليهم فقتلهم ، ولكن دعهم يا حذيفة فإن الله لهم بالمرصاد .

هذا وقد منع النبي 1 حذيفة من إذاعة أسمائهم ، والعجيب أن عمر بن الخطاب كان يكرر على حذيفة قوله : أقسمت عليك بالله أأنا منهم؟ .

مناسبات شهر شعبان

مناسبات شهر شعبان

اليومالمناسبةالسنة

2/ شعبان فرض صيام شهر رمضان المبارك2 ه_

3/ولادة الإمام الحسين بن علي4 ه_

4/ولادة أبي الفضل العباس26 ه_

5/ولادة الإمام زين العابدين38 ه_

8/بداية الغيبة الصغرى260 ه_

11/ ولادة علي بن الحسين الأكبر33 ه_

15/ ولادة الإمام المهدييوم المستضعفين255 ه_

تمهيد

الحمد لله رب العالمين وصل اللهم على أفضل الخلق أجمعين محمد وآله الطاهرين .

جعل الله تعالى لعباده رحمة بهم مواقيت زمانية ومكانية بغية تعميق العلاقة والارتباط بخالقهم والتفرغ فيها عمّا سواه .

ومن هذه المواقيت الزمانية شهر رجب وشعبان وشهر رمضان ، حيث جعلهما الله تعالى موعداً للقائه والقرب منه والزلفة إليه ، مثلما جعل شهري رجب وشعبان بوابة لشهر رمضان ، كما جعل أرض عرفة بوابة لدخول حرمه المقدس ، فعلى المؤمن أن يبدأ فيهما بتهذيب نفسه ، والتخلّق بأخلاق ربّه ، والسعي الدؤوب لتذليل كل شيء في ذات الله ، وجلببته بثوب العبودية والفقر لله تعالى ، ليأتي عليه شهر رمضان المبارك ، وهو طاهر من درن الذنوب والخطايا ، قد نفض عن قلبه ونفسه وعقله غبار التعلّق بغيره تعالى .

فحريّ بالمؤمن الكريم أن يستثمر هذا الشهر لنفسه وللعامة ، والنهوض بهم إلى تحقيق الأهداف الإلهية المأمولة فيه .

فشهر شعبان هو من أهمّ الشهور عند الله تعالى ، وهو منسوب إلى رسول الله ، وكان يصوم هذا الشهر ، ويصل صيامه بشهر رمضان . . وكان يقول : شعبان شهري ، من صام يوماً من شهري وجبت له الجنة .

وروي عن الإمام الصادق أنه قال : كان السجاد إذا دخل شعبان جمع أصحابه ، وقال : يا أصحابي

أتدرون ما هذا الشهر؟ هذا شهر شعبان ، وكان النبي يقول : شعبان شهري ، فصوموا هذا الشهر حباً لنبيكم ، وتقرّباً إلى ربكم . أقسم بمن نفسي بيده لقد سمعت أبي الحسين يقول : سمعت أمير المؤمنين يقول : من صام شعبان حباً لرسول الله وتقرباً إلى الله ، أحبه الله وقرّبه إلى كرامته يوم القيامة ، وأوجب له الجنة .

وهذا الشهر المبارك مليء بالمناسبات ، التي من أهمّها ميلاد الإمام الحسين في الثالث منه ، وميلاد أبي الفضل العباس في الرابع منه ، وميلاد الإمام علي بن الحسين زين العابدين في الخامس منه ، وميلاد الحجة المنتظر في منتصفه ، فلابد للمؤمن من إحياء هذه المناسبات العظيمة ، وهناك أعمال مهمة في هذا الشهر ، أهمها الغسل وزيارة الإمام الحسين بالإضافة إلى الصوم كما أسلفنا ، وإحياء ليلة ويوم النصف منه ، على سبيل الانتظار والدعوة له بالفرج والنصر .

ويذكر أنّ في النصف من الشهر لابد من الإلحاح في الدعاء ، فلا يحرم المؤمن من الاجتهاد في الدعاء بالمأثور وطلب الحاجة إلى مانحها جل وعلا ، خصوصاً المناجاة الشعبانية لأمير المؤمنين .

نسأل الله تعالى أن يرزقنا بركات شهر شعبان ويوفّقنا لطاعته فيه ونيل الشفاعة لدى الشفيع الحبيب يوم لا ظل إلا ظله .

1فرض صيام شهر رمضان المبارك2/ شعبان /السنة 2 ه_

ذكر ابن كثير أن صيام شهر رمضان قد فرض في المدينة في السنة الثانية للهجرة ، حين نزول قوله تعالى : كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ

عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ .

وذكر القمي في تفسيره : أنّ النّاس قبل فرض صيام شهر رمضان كانوا يصومون أياماً ، كما ذكر الحلبي : أنه كان قبل فرض شهر رمضان يصوم هو وأصحابه ثلاثة أيام ، وهي الأيام البيض من كل شهر .

2ولادة الإمام الحسين بن علي 3 / شعبان / السنة 4 ه_

ولد أبو عبد الله الحسين

ولد أبو عبد الله الحسين في الثالث من شعبان ، وقيل في الخامس من السنة الرابعة للهجرة ، أبوه أمير المؤمنين ومصباح المتقين ونور العارفين ، علي بن أبي طالب ، وأمه سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء .

لما بُشّر جده الرسول الأعظم ص خفّّّّ مسرعاً إلى بيت بضعته فاطمة الزهراء ، وهو مثقل الخطا ، قد ساد عليه الحزن والأسى ، فنادى بصوت خافت وحزين : هلّموا ولدي . فلما ناولته الزهراء الوليد ، احتضنه ، وجعل يوسعه تقبيلاً ، ثم دفعه إلى صفية بنت عبد المطلب ، وهو يبكي ويقول : لعن الله قوماً هم قاتلوك يا بني . قالها 1 ثلاثاً ، فقالت صفية : فداك أبي وأمي ، ومن يقتله؟ قال : تقتله الفئة الباغية من بني أمية .

وقد سمّاه حسيناً كما سمّى أخاه حسناً ، ويقول المؤرخون : لم تكن العرب في جاهليتها تعرف هذين الإسمين حتى تسمّي أبناءها بهما ، وإنّما سماهما النبي

ص بهما بوحي من السماء .

وكان رسول الله ص يشرف بنفسه على رعاية الحسين ، وقد اهتم به اهتماماً بليغاً ، وكان يضع إبهامه في فيه . وروي أنه أخذه بعد ولادته فجعل لسانه في فمه ليغذيه بريقه المبارك ، وجعل يقول : إيهاً حسين ، إيهاً حسين ، أبى الله إلا ما يريد هو أي من جعل الإمامة فيك وفي ولدك .

لقب بالسبط ، وسيد شباب أهل الجنة ، أحد الكاظمين ، التابع لمرضاة الله ، الدليل على ذات الله ، المطهّر ، الشهيد ، وسيد الشهداء ، وكان يكنّى بأبي عبد الله ، وقيل بأبي علي أيضاً ، وكنّاه الناس من بعد شهادته بأبي الشهداء ، وأبي الأحرار .

إستلم الإمامة بعد شهادة أخيه الحسن المجتبى سنة 50 للهجرة ، واستمرت إلى سنة 61 هجرية ، فكانت لمدة 10 سنوات وأشهر ، وقد نص على إمامته وإمامة أخيه الحسن الرسول1 بقوله : إبناي هذان إمامان قاما أو قعدا .

عاش الإمام الحسين برفقة جدّه المصطفى ما يزيد عن خمس سنوات ، ومع أمه فاطمة قرابة الست سنوات ، وقضى ما يزيد على 35 سنة مع أبيه الإمام علي وقد اشترك في حروبه الثلاثة ، الجمل وصفين والنهروان ، وبعد أبيه رافق أخاه الحسن عشر سنوات .

عاصر الإمام الحسين خليفتين من الخلفاء الأمويين : معاوية بن أبي سفيان ، ودامت 10 سنوات ، ويزيد بن معاوية ، ودامت ست أشهر .

الظروف السياسية في عهد

الإمام الحسين

بلغ الانحراف عن مبادئ الإسلام إلى ذروته في عصر الإمام الحسين حيث كان معاوية يستولي باسم خليفة المسلمين على مقدّرات الأمة ويعبث بمصيرها ، وكان قد سلّط العصابة من آل أمية على المسلمين ، وشكل حكومة ملكية قسرية مستبدة ، شوّه من خلالها وجه الإسلام .

وقد قام بكل ذلك تحت وطأة تخدير الرأي العام بوضع الأحاديث ، وتفسير الآيات وتأويلها بما يخدم مصالحه ، ويسبغ القداسة والشرعية لحكمه وشخصيته .

لقد كان الكثير من المسلمين البسطاء يرون في معاوية الحاكم الإسلامي الذي يجب طاعته ، ويلزم احترامه ، إثر تلك الأحاديث التي حشّدها بعض الصحابة والتابعين لبيان موقعية معاوية والتصاقه بالإسلام ، وقربه الشرعي من نبيه الكريم ، وإنه خال المؤمنين وهكذا كانت ترى الناس معاوية من زاوية هؤلاء الرواة ، وما يضعونه من فضائل في حقه .

وللأسف لقد أضلت هذه الروايات بعض البسطاء ممن يدّعون الدراية والعلم ، فأخذ بهذه المرويات وهضمها ، واعتقد بها دون تفحص وتدبر ، فخلط وضيّع الحق .

ومن هنا باتت الثورة التي يريدها الحسين في زمن معاوية غير مثمرة ، ولا مقنعة لهؤلاء البسطاء - وهم يشكلون الغالبية الساحقة في المجتمع الإسلامي - ، ولا بد من توضيح للأسباب القيّمة التي لأجلها ثار الحسين كما أن هناك معوّقات أخرى يمكن اختصارها :

المعاهدة التي أبرمها هو وأخوه الإمام الحسن على السكوت والتسليم إلى معاوية ما دام حياً ، فلو ثار الحسين في زمن معاوية لأمكن لمعاوية أن يصوّره بصورة منتهز ناقض لعهده وميثاقه ، والإمام كان يرى أنه

قد عاهد وعليه أن يفي ، و إن كان معاوية قد نقض العهد ، وهذه سيرة الأئمة في معاهداتهم حتى مع ظالميهم ، فأمير المؤمنين ، عندما طالبه الخوارج بقتال معاوية ، بعد إجباره على التحكيم والرضوخ إلى حكمهما أبى عليهم لأجل العهد الذي قطعه بالالتزام بالتحكيم ، ولو كان مقهوراً عليه ، وهكذا الإمام الرضا عندما جاء قواد جيش المأمون شاكين له ظلم المأمون بحقهم ، والخوف من وقيعته بهم بعدما شاهدوا قتله لهرثمة قائد الجيوش ، وكان بإمكانه أن يستغل الموقف بإعلان الثورة عليه بواسطتهم ، غير أنه أجابهم بأنه كان قد قال للمأمون عند تنصيبه القسري لولاية العهد بأن لا يتدخل بشيء قط ، وقد وفّى بقوله . فهذه سيرة الأئمة في قطع العهود والوعود على أنفسهم .

وكان معاوية يتظاهر بالدين ، حيث أنّه كان يدرك جيداً أنه ليس ينبغي له وهو يحكم الناس بسلطان الدين أن يرتكب من الأعمال ما يراه العامة تحدياً للدين وخروجاً عنه ، بل عليه أن يضفي على أعماله طابعاً دينياً لتنسجم مع ما يتمتع به من المنصب ، وأما ما لا يمكن تغطيته وتمويهه من التصرفات فليرتكبه في السر .

فأمام هذا كله لا تجد ثورة الحسين المناخ المناسب في عهد معاوية لانطلاقها وإظهار مبادئها الأصيلة ، ولهذا لم يكن الحسين ليفكر في الثورة عليه أبداً .

مواجهة الإمام الحسين لمعاوية

هب أن الظروف السياسية لم تتح لإعلان الإمام الحسين الثورة في عهد معاوية ، ولكن لا يعني ذلك أن يسكت الإمام الحسين عن ممارسات معاوية المخالفة للإسلام ،

بل كان يبذل قصارى جهده في الوقوف ضد كل تصرفاته الظالمة ، فلقد رد الحسين على مواقفه رداً عنيفاً عرف معاوية أن هناك رقيب على أمة محمد 1 ، وأنه يواجه الرد اللاّذع كلما بدر من معاوية أعمال غير إسلامية ، وإليك نماذج من ذلك :

1- الرد عليه من أخذ البيعة لابنه يزيد .

2- الرد عليه في قتله لحجر بن عدي الكندي وأصحابه ، وعمرو بن الحمق ، والحضرمي ، وقتل كل من كان على دين علي .

3- الرد عليه في ادعائه زياد بن أبيه ، وبسطه يده على رقاب المسلمين يقتلهم ، وبقطع أيديهم وأرجلهم .

4- إظهار فسق معاوية ومخالفاته العظيمة للإسلام أمام الملأ ، وخصوصاً في مواسم الحج .

5- الاستيلاء على بعض الأموال الحكومية التي تزف إلى معاوية من البلاد ، والتي هي حقوق الناس والتي كان يوزعها معاوية على آل أمية ، خدمة لمجونهم وشياطينهم ، فكان الحسين يستولي عليها ويوزعها على المحتاجين .

إعلان الثورة في عهد يزيد

كان يزيد الذي اعتلى سلطان الأمة شاباً غير ناضج ، شهوانياً أنانياً ، ومن أبعد الناس عن الحيطة والتروي ، وكان صغير العقل متهوّراً ماجناً ، لا يهم بشيء إلا ركبه ، ولم يأل جهداً في استخدامه أية وسيلة لإرضاء رغباته وشهواته ، وكان معلناً بشرب الخمر ومتظاهراً بالفسق واقتراف المعاصي ، وكان مستهتراً في الدين ، ينشد أشعار الاستخفاف به على سكره في لياليه الحمراء ، وقد كان ينشد تهوراً :

معش_ر النّدمان قوموا

واشربوا كأس المدام

شغلتني

نغمة العيدان

وتعوضت عن الحور

واسمعوا صوت الأغاني

واتركوا ذكر المعاني

ع_ن صوت الأذان

خموراً في الدنان

وقد أوضح ما في مكنون نفسه من عدائه للإسلام ورموزه بعد قتله للحسين ، فكان يتغنى بقوله :

ليت أشياخي ببدر شهدوا

لأهلّوا واستهلّوا فرحاً

قد قتلنا القرم من ساداتهم

لعبت هاشم بالملك فلا

جزع الخزرج من وقع الأسل

ثم قالوا : يا يزيد لا تشل

وعدلناه ببدر فاعتدل

خبر جاء ولا وحي نزل

لقد تحوّل بلاط يزيد إلى مركز يشكّل أنواع الفساد وارتكاب المحرمات ، وقد اتسعت رقعة الفساد والانحراف مدة حكومته حتى تلوّثت مدن مقدسة كمكة والمدينة .

قال المسعودي : سار يزيد في الناس بسيرة فرعون ، بل كان فرعون أعدل منه . هذا بالإضافة إلى أنه نشأ نشأة مسيحية ، أو أنه كان يميل إليها على أقل التقادير ، والشواهد على ذلك كثيرة منها :

1- تحريضه للأخطل الشاعر المسيحي ليهجوا الأنصار .

2- عهد بابنه معاوية الصغير إلى مسيحي ليربيه ويعلمه .

3- كان مستشاره الخاص سرجون بن منصور الرومي ، وهو الذي أشار عليه بتولية عبيد الله بن زياد الكوفة

4- كان يقول في سكره :

فإن حرمت على دين أحمد

فخذها على دين المسيح بن مريم

والآن وقد اتضحت حقيقة يزيد الوضيعة وعداوته للإسلام ، نفهم جيداً دوافع ثورة الحسين ، وحيث أن موانع الثورة كانت قد زالت بموت معاوية كان عليه أن يخوض الثورة ، ولو كان يبايع يزيداً لكانت بيعته هذه أكبر حجة على شرعية سلطانه .

أسباب الثورة على حكومة يزيد

لم تكن ثورة الحسين حالة افتعالية دون أن تكون لها أهداف وأسباب ويمكن تلخيصها بما يلي :

رفض البيعة ليزيد ،

فبعد موت معاوية طلب يزيد من عامله على المدينة أن يأخذ البيعة من الحسين أو يضرب عنقه ، ويرسل برأسه إلى الشام ، لكن الحسين رفضها وقال له : إنا لله وإنا إليه راجعون ، وعلى الإسلام السلام إذ قد بليت الأمة براع مثل يزيد .

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر : انطلق الحسين من المدينة وشعاره الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، واستمر يؤكد في خطابه بأصحابه ، وأصحاب الحر في منطقة بيضة . ورسالته التي بعثها إلى قبائل البصرة بعد دخوله مكة . وخطابه بأصحابه في ذي حسم ، فمن خطابه عندما خرج من المدينة : إني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً ، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي وأبي ، وأريد أن آمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق ، ومن ردّ عليّ هذا أصب_ر حتى يحكم الله بيني وبين القوم بالحق ، وهو خير الحاكمين .

أنّ السكوت على حكومة يزيد الفاجرة لا يغفر لأحد قادر على القيام والثورة .

فقال عندما خطب في أصحابه وأصحاب الحر : أيها الناس إن رسول الله1 قال : من رأى سلطاناً جائراً مستحلاً لحرام الله ناكثاً لعهد الله مخالفاً لسنة رسول الله ، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان ، فلم يغيّر عليه بفعل ولا قول ، كان حقاً على الله أن يدخله مدخله .

ولهذا ثار الحسين وكان كل هدفه بعد مرضاة الله وصول صرخته إلى كل مكان وفي جميع العصور ليكسر المسلمون حاجز الخوف ، وليهبّوا

بالثورة على الجائرين .

3ولادة أبي الفضل العباس 4 / شعبان / السنة 26 ه_

ولد أبو الفضل العباس

ولد أبو الفضل العباس في الرابع من شعبان سنة 26 هجرية - على الظاهر - كما ذكره بعض المحققين ، أبوه أمير المؤمنين وسيد الموحدين علي ابن أبي طالب ، وأمه السيدة الجليلة ، والمرأة العظيمة ، فاطمة بنت حزام الكلابية ، الملقّبة ب_ أم البنين . .

تزوج بها أمير المؤمنين بإشارة من أخيه عقيل بن أبي طالب الذي كان عالماً بأنساب العرب ، فقد قال له : أنظر لي امرأة قد ولدتها الفحولة من العرب لأتزوّجها فتلد لي غلاماً فارساً . فأشار عليه بها ، وقد ولدت لأمير المؤمنين أربعة أولاد هم : العباس ، وعبد الله ، وجعفر ، وعثمان ، وبهم كانت تَكنّى أم البنين ، وقد استشهدوا جميعاً بين أيدي أخيهم الحسين في كربلاء .

عاش العباس مع أبيه علي بن أبي طالب أربعة عشر عاماً ، ومع أخيه الحسن بعد شهادة أبيه عشر سنوات ، ومع أخيه الحسين بعد شهادة الحسن عشر سنوات ، فكان عمره يوم استشهد حوالي أربعة وثلاثين سنة .

تزوج من لبابة بنت عبيد الله بن العباس ، وولد له منها ولدان هما : عبيد الله ، والفضل ، وبالأخير كان يكنى ، وكان عابداً ، عالماً ، فارساً ، طويل القامة ، يركب الفرس المطهَّم ورجلاه تخطان في الأرض ، شجاعاً وسيماً .

كُنّي بأبي الفضل ، وأبي القاسم ، وله ألقاب عظيمة تكشف عن مكنون شخصيته ، وطهارة

عرقه ، وسموه ونبله ، وهي :

1- قمر بني هاشم : لقّب به لما كان فيه من روعة البهاء ، وجمال الصورة بحيث كان آية من آياتها .

2- السقّاء : لقّب بذلك ، لأنه قام مرات عديدة باقتحام الفرات وإحضار الماء للعطاشى في مخيم الحسين

3- بطل العلقمي : والعلقمي اسم النهر الذي استشهد ، على ضفافه .

4- حامل اللواء : إذ كان العباس قد دفع إليه أخوه الحسين لواءه في كربلاء .

5- كبش الكتيبة ، أظفاه عليه أخوه الحسين ، عندما استأذنه للبراز ، فقال له : أنت كبش كتيبتي ، وهو وسام لأعلى قائد في الجيش ، الذي يقوم بحماية كتائب جيشه بحسن التدبير .

6- باب الحوائج : لما رأته الشيعة وغيرهم ، من استجابة الله تعالى الدعاء تحت قبة قبره المبارك .

أجلسه أمير المؤمنين ذات مرة في حجره - وكان صغيراً - فشمّر العباس عن ساعديه ، فجعل الإمام يقبلهما وهو غارق في البكاء ، فسألته أم البنين : ما يبكيك؟

فقال : نظرت إلى هذين الكفين ، وتذكرت ما يجري عليهما .

فقالت : ماذا يجري عليهما؟

قال : إنهما يقطعان من الزند .

فقالت : ولماذا؟

فأخذ أمير المؤمنين يخبرها عما يجري عليه وعلى إخوته في كربلاء .

من فضائل العباس :

1- قال في حقه أمير المؤمنين : إن ولدي العباس قد زقّ العلم زقّاً .

2- قال فيه الإمام زين العابدين : رحم الله عمّي العباس فلقد آثر وأبلى ، وفدى أخاه بنفسه حتى قطعت يداه فأبدله الله بجناحين يطير

بهما مع الملائكة ، كما جعل لجعفر بن أبي طالب ، وإن للعباس عند الله تبارك وتعالى منزلة يغبطه عليها جميع الشهداء يوم القيامة .

3- قال فيه الإمام الصادق : كان عمي العباس بن علي نافذ البصيرة ، صُلب الإيمان ، جاهد مع أخيه الحسين ، وأبلى بلاءً حسناً ، ومضى شهيداً .

4- زيارة الحجة ، المنسوبة إليه : السلام على أبي الفضل العباس بن أمير المؤمنين ، المواسي أخاه بنفسه الآخذ لغده من أمسه ، الفادي له ، الواقي ، الساعي إليه بمائه المقطوعة يداه ، لعن الله قاتليه يزيد بن الرقاد ، وحكيم بن الطفيل .

4- عُرِضَ الأمان عليه فأبى : لما نادى شمر : أين بنو أختنا؟ أين العباس وأخوته ، فلم يجبه أحد منهم ، فقال لهم الحسين : أجيبوه وإن كان فاسقاً ، فإنه بعض أخوالكم . فقال له العباس : ما تريد؟ فقال : أنتم يا بنو أختي آمنون . فقال له العباس : لعنك الله ولعن أمانك ، أتؤمننا ، وابن رسول الله لا أمان له .

5- آباؤه ترك الحسين : لما جمع الحسين أهل بيته وأصحابه ليلة العاشر من المحرم ، وخطبهم فقال في خطبته : أما بعد فإني لا أعلم أصحاباً أوفى ولا خيراً من أصحابي ، ولا أهل بيت أبرّ ولا أوصل من أهل بيتي ، وهذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملاً ، وليأخذ كل واحد منكم بيد رجل من أهل بيتي ، وتفرّقوا في سواد هذا الليل

، وذروني وهؤلاء القوم ، فإنهم لا يريدون غيري . .

قام العباس وقال : ولم نفعل ذلك لنبقى بعدك ، لا أرانا الله ذلك اليوم أبداً .

6- لما وصل العباس الماء : أقحم العباس في هجومه الأخير فرسه الماء ، وكان قلبه يتفطّر عطشاً ، ولسانه قد يبس ، فغرف غرفة من الماء ليشرب تذكر عطش الحسين فرمى الماء من يده وقال :

يا نفس من بعد الحسين هوني

وبعده لا كنت أو تكوني

هذا حسين وارد المنون

وتشربين بارد المعين

تالله ما هذا فعال دين

ولا فعال صادق اليقين

أبى العباس أن يرطّب كبده الماء ، ويطفئ به حرارة قلبه ، قبل إمامه وسيده الحسين ، والذي يظهر في الشطر الأخير من شعره المتقدم أن هذا الإيثار ليس نابعاً عن الارتباط النسبي بينه وبين الحسين ، بل نتاج الروابط الدينية ، فدين العباس ويقينه يحتم عليه أن لا يشرب الماء قبل إمامه وإن مات عطشاً .

وهذه نظرية خاصة بالعباس في فهم طاعة الإمام والولاية إليه ، فليس إمامة الإمام بنظره الطاعة في الكلمة والموقف فحسب ، بل حتى في غرائز الموالي ومشتهياته ، وحالاته ، ينبغي أن تكون تبع الإمام ومواسية أو متأسية لحالته .

7- الإيمان الواعي : كان أبو الفضل العباس على أعلى مستوى في الوعي الإيماني ، فعلى الرغم من أنه يخوض معركة يقودها أخوه ضد أسرة معادية لأسرته ، لم يظهر في رجزه ظل العاطفة الشخصية ، أو القبلية ، وإنّما عبّر عن قيم دينية يجسدها أخوه الحسين لكونه إماماً وقائداً ،

فقال :

والله إن قطعتم يميني

إني أحامي أبداً عن ديني

وعن إمام صادق اليقين

نجل النبي الطّاهر الأمين

8- لما جاء الحسين إلى مصرعه ، قال : الآن انكسر ظهري وقلّت حيلتي وشمت بي عدوي .

لقد كان الحسين صلب الظهر ، كثير الحيلة ، لا يتجرّأ عليه أحد ما دام العباس إلى جنبه رغم كل الجراح ، رغم كل البلاء ، ولكن كل ذلك تغيّر عندما قُُتل العباس .

4ولادة الإمام علي بن الحسين زين العابدين 5 / شعبان / السنة 38 ه_

الإمام زين العابدين

الإمام زين العابدين أبوه الإمام الحسين وأمه - على الأشهر من أسمائها - شاه زنان بنت يزدجرد بن شهريار بن كسرى ملك الفرس .

ولد الإمام الرابع في 5 / شعبان / لعام 38 للهجرة النبوية ، واستشهد في سنة 95 للهجرة ، فيكون عمر الإمام 57 سنة ، أدرك سنتين منها في زمن إمامة جده علي بن أبي طالب ، وبعده عاصر عمه الإمام الحسن 10 سنوات ، وبعده عاصر أباه الحسين مدة عشرة سنوات أيضاً ، وأصبح إماماً بعد شهادة أبيه الحسين سنة 61 للهجرة ، وكان عمره آنذاك 22 سنة .

الإمام زين العابدين كان يسمى علياً الأصغر مقابل علي الأكبر الذي كان يكبره بخمس سنوات ، ومن أخوته عبد الله الرضيع ، وجعفر ، وكان أصغر من الإمام إلا أنه وافاه الأجل في حياة الإمام الحسين وأما أخواته فهنّ سكينة وفاطمة .

قد تزوج الإمام في زمن أبيه بابنة عمه فاطمة بنت الإمام الحسن ، وأنجب منها الإمام الباقر وكان الإمام الباقر أول مولود يولد بين الحسن والحسين ، وأنجب منها ،

ومن غيرها عشرة ذكور منهم زيد ، وبناته أربعة خديجة وأم كلثوم وفاطمة وعلية .

عاش الإمام تمام حياته بعد واقعة الطف إلى جانب قبر جده في المدينة المنورة مدة 35 سنة يلجأ إليه الناس ، ويفزعون إليه من كل حدب وصوب .

فضل الإمام

قال رسول الله : إذا كان يوم القيامة ينادي منادٍ : أين زين العابدين؟ فكأني أنظر إلى ولدي علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب يخطر بين الصفوف .

وعن جابر بن عبد الله الأنصاري قال : والله ما رؤي في أولاد الأنبياء بمثل علي ابن الحسين إلا يوسف بن يعقوب ، والله لذرية علي بن الحسين أفضل من ذرية يوسف بن يعقوب .

وفي الفصول المهمة 187 قال علي بن عيسى الاربلي : فإنه الإمام الرباني والهيكل النوراني ، بدل الأبدال وزاهد الزهاد ، وقطب الأقطاب ، وعابد العباد ، ونور مشكاة الرسالة ، ونقطة دائرة الإمامة ، وابن الخيرتين ، والكريم الطرفين ، قرار القلب ، وقرة العين علي بن الحسين ، وما أدراك ما علي بن الحسين ، الأواه الأواب ، العامل بالسنة والكتاب ، الناطق بالصواب ، ملازم المحراب ، المؤثر على نفسه ، المرتفع في درجات المعارف ، فيومه يفوق على أمسه ، المنفرد بمعارفه الذي فضل الخلائق بتليده وطارفه ، وحكم في الشرف فتسنم ذروته ، وخطر في مطارفه وأعجز بما حواه من طيب المولد ، وكرم المحتد ، وذكاء الأرومة وطهارة الجرثومة ، عجز عنه لسان

واصفه ، وتفرد في خلواته بمناجاته فتعجبت الملائكة من مواقفه ، وأجرى مدامعه خوف ربه . . .

أخلاق الإمام

يقول الإمام الصادق : كان علي بن الحسين يخرج في الليلة الظلماء فيحمل الجراب فيه الصرر من الدنانير والدراهم حتى يأتي باباً باباً فيقرعه ، ثم ينيل من يخرج إليه .

فلما مات علي بن الحسين فقدوا ذلك فعملوا أن علياً كان يفعل ذلك .

وقال سفيان الثوري : جاء رجل إلى علي بن الحسين فقال : إن فلاناً وقع فيك وأذاك ، فقال له : فانطلق بنا إليه .

فانطلق معه ، - وهو يرى أنه سينتصر لنفسه - فلما أتاه ، قال له : يا هذا إنّ كان ما قلته فيّ حقاً فالله تعالى يغفر لي ، وإن كان ما قلته فيّ باطلاً ، فالله تعالى يغفر لك .

ولما أخرج بنو أمية من المدينة إلى الشام في واقعة الحرة آوى إليه ثقل مروان بن الحكم وامرأته عائشة بنت عثمان بن عفان ، فقد كان مروان لما أخرج أهل المدينة عامل يزيد

وبني أمية من المدينة ، كلّم عبد الله بن عمر أن يغيّب أهله عنده ، فأبى أن يفعل ، فكلّم مروان عليّ بن الحسين ، فقال له : يا أبا الحسن إن لي رحماً وحرمي تكون مع حرمك ،

فقال : أفعل .

فبعث بحرمه إلى علي بن الحسين فخرج بحرمه وحرم مروان حتى وضعهم بينبع بالبغيبغة . . . .

وهذا منتهى مكارم الأخلاق ، والمجازاة على الإساءة بالإحسان ، فبنوا أمية الذين سبوا نساء

الإمام وأدخلوهم الشام بتلك الحالة المزرية ، وقتلوا آله في كربلاء ، يقابلهم الإمام بصون حرم أعدائه ، في لحظة المكنة من الانتقام ، وهذا خلق الأنبياء والصديقين والأبرار .

هذا غيض من فيض من أخلاق وسجايا هذا الإمام الهمام ، وإلا فهناك العجب العجاب الذي ينبئ عن استمرار سيرة المصطفى في أمته ببنيه .

الأحداث التي مر بها الإمام

1- حادثة الطف وما تبعها :

كان الإمام قد عاش مأساة الطف بكل تفاصيلها ، وكان قد كابد فيها مرارة المأساة ، وصعوبة المحن ، ولقد شاطر تلك الزمرة الخالصة العطش والجوع ، الذي فرضته قيادة جيش يزيد ، وكان تأثيره عليه بليغاً وعنيفاً لشدة مرضه الذي نزل به ، فلقد ابتلى بمرض شديد جعله طريح الفراش منعه حتى من الجهاد بين يدي والده الإمام وقد أوعز الكثير من المحققين ذلك إلى حكمة من الله تعالى لبقاء الإمام بعد أبيه مواصلاً مسيرة الإمامة والقيادة للأمة الإسلامية ، ولكن على الرغم من ذلك ، فلما سمع واعية الحسين ، قام يتكيء على سيفه لنصرة الحسين فأمر الحسين أخته زينب أن أرجعيه لئلا ينقطع نسل آل محمد .

وبعد انقضاء مأساة الطف ، وتخييم الأحزان على آل البيت بقتل الحسين وآله وأصحابه بدأت مأساة الإمام زين العابدين وبدأت معها رسالته المكملة لرسالة الحسين والمبيّنة لأهداف هذه الثورة المباركة ، فكان على الإمام أن يوضح للمسلمين سرّ قيام الإمام بالثورة على حكومة يزيد ، ولولا ذلك لضاعت كل الجهود التي بذلت لهذه الثورة ، ولضاع دم الحسين في كثير

من بقاع الأرض .

فكانت خطته عندما أدخلوهم إلى الكوفة توبيخ أهلها الذين كاتبوا الحسين وخذلوه ليوقفهم على عظيم الجرم الذي اقترفوه ، وليشعل نار الندم والثورة على ذات كل واحد منهم ، قبل أن تشتعل على الحكومة الفاسدة ، قال تعالى : إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ .

وفعلاً أثّر خطاب الإمام بأهلها فقد دبّ الاضطراب والهلع في صفوف أهلها ، بل كاد ينقلب الأمر على ابن زياد لولا أن عجل بتسريح السبايا والرؤوس إلى الشام .

فقد جاء في خطبته عليهم :

أيها الناس من عرفني فقد عرفني ، ومن لم يعرفني فأنا أعرّفه بنفسي ، أنا علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، أنا ابن المذبوح بشط الفرات بغير ذحل ولا تراث ، أنا ابن من انتهك حريمه وسلب نعيمه ، وانتهب ماله وسبي عياله ، أنا ابن من قتل صب_راً وكفى بذلك فخراً ، أيها الناس ناشدتكم الله هل تعلمون أنكم كتبتم إلى أبي وخدعتموه وأعطيتموه من أنفسكم العهد والميثاق والبيعة وقاتلتموه وخذلتموه؟ فتباً لما قدمتم لأنفسكم وسوءاً لرأيكم ، بأية عين تنظرون إلى رسول الله إذ يقول لكم : قتلتم عترتي وهتكتم حرمتي فلستم من أمتي .

كان هذا الخطاب قد شكّل هزةً عنيفةً أحيت ضمائر أهل الكوفة ، وأخذوا يبكون ويندمون ويتلاومون حتى كادت تقوم الثورة ضد حكومة ابن زياد ، فخاف الأخير من ذلك فأسرع في حمل الإمام وثقله إلى الشام .

وفي الطريق إلى الشام لم يألُ الإمام جهداً في بثّ أهداف ثورة الحسين في كل

بلد أو قرية يمر بها الركب ، فقضى الإمام نهائياً على تلك الحملة الإعلامية التي قام بها يزيد وأتباعه من أن الحرب التي دارت في طف كربلاء كانت مع خوارج خرجوا عن دين الإسلام .

حيث ركّز الإمام في بياناته وخطاباته على التعريف بأن المقتول بكربلاء هو إمام ابن إمام جده النبي ، وقد توّج الإمام بيان حقيقة واقعة كربلاء وأهدافها عند دخوله الشام ، هذا البلد الذي لم يتعرف أهله على الإسلام إلا عن طريق آل أمية ، فكان أول ولاته بعد فتحه يزيد بن أبي سفيان ، ثم بعد موته ولّى الخليفة الثاني عليه الولد الآخر لأبي سفيان ، معاوية ، ثم ولّى الأخير عليه يزيد بن معاوية .

فلم يكن أهل الشام يعرفون أهل البيت على حقيقتهم إلا النزر القليل ، وكان الكثير منهم يحقد على الإمام علي وأولاده ، لما تشبعت أذهانهم من افتراءات وسموم وتضليلات حاكتها أيدي الأمويين حتى أن الكثير من أهل الشام تعجبوا من قتل علي في المسجد ، وأبدى بعضهم استغرابه بقوله : أكان علي يصلي حتى يقتل في المسجد؟! ، فلم يكن يعتقد الكثير من أهله أن علياً على فطرة الإسلام ، بل سيد من فطر على الإسلام ، ولذا استساغوا سبه على المنابر ، وافتتاح خطبهم به وختمها به ، فكانوا يظنونها سنة نبوية ، فقد نادوا على الخطيب الذي امتثل لأمر عمر بن عبد العزيز بإيقاف السب ، وقالوا له : نسيت السنة .

ولم يكن بالإمكان اختراق أحد من أولياء البيت العلوي ذلك البلد لإشاعة

فضائل علي ، وبيان واقع الأمر ، لأنه كان حصيناً ومنيعاً ، قد ضرب عليها الجهاز الحاكم العيون والأرصاد لكل من يدخل إليه من شيعة علي ، فإذا علموا به حملوه إلى القصر الحاكم ، فيعرض عليه أن يحدث الناس بفضائل آل أمية ، والوقيعة في علي وآل علي ، فإن امتنع ضيقوا عليه ، بل حجروا عليه ، ومنعوه من لقاء الناس حتى يخرج من الشام

هذه البلاد المنيعة على الأئمة وشيعتهم المرموقين ، دخلها الإمام بمحض إرادة بني أمية فهم الذين جاؤوا به إليها ، وكان هدفهم المبالغة في توهين وذل الإمام ، ولكن وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ .

فإن دخول الإمام وخطابه الذي عرّف فيه الناس حقيقة الخط والبيت العلوي ، وعرّف الناس من هو علي بن أبي طالب ، الذي لطالما تمادوا في سبّه والوقيعة فيه .

ففي بداية الخطاب بدأ بالتعريف بمن هم أهل البيت ، فقال :

أيها الناس أعطينا ستاً وفُضّلنا بسبع ، أعطينا العلم والحلم والسماحة والفصاحة والشجاعة والمحبة في قلوب المؤمنين .

وفضلنا بأنّ منّا النبي المختار محمد ومنا الصديق ، ومنا الطيار ، ومنا أسد الله وأسد رسول الله ، ومنا سيدة نساء العالمين ، ومنا سبطا هذه الأمة الحسن والحسين ، ومنا المهدي .

وبدأ بعد ذلك بتعريف نفسه على ضوء التعريف بجده رسول الله ، وجده علي بن أبي طالب ، وجدته الزهراء ، وأبيه الحسين ، ليعرّف الناس بحقيقة علي أولاً ، وعترته الطاهرة

تالياً .

فقال : أيها الناس : من عرفني فقد عرفني ، ومن لم يعرفني فأنا أعرفه بنفسي ، أنا ابن مكة ومنى ، أنا ابن زمزم والصفا ، أنا ابن من حمل الركن بأطراف الرداء ، أنا ابن خير من ائتزر وارتدى ، أنا ابن خير من انتعل واحتفى ، أنا ابن خير من طاف وسعى ، أنا ابن من حجّ ولبّى ، أنا ابن من حُمل على الب_راق في الهواء ، أنا ابن من أسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ، أنا ابن من بلغ به جب_رائيل إلى سدرة المنتهى ، أنا ابن من دنا فتدلّى فكان قاب قوسين أو أدنى ، أنا ابن من صلّى بملائكة السماء ، أنا ابن من أوحى الله الجليل إليه ما أوحى ، أنا ابن محمد المصطفى ، أنا ابن علي المرتضى ، أنا ابن من ضرب خراطيم الخلق حتى قالوا لا إله إلا الله ، أنا ابن من ضرب بين يدي رسول الله بسيفين ، وطعن برمحين ، وهاجر الهجرتين ، وبايع البيعتين ، وقاتل ببدر وحنين ، ولم يكفر بالله طرفة عين ، أنا ابن صالح المؤمنين ، ووارث النبيين ، وقامع الملحدين ، ويعسوب المسلمين ، ونور المجاهدين ، وزين العابدين ، وتاج البكّائين ، وأمير الصابرين ، وأفضل العالمين ، وأفضل القائمين من آل طه وياسين ، أنا ابن المؤيد بجب_رائيل ، المنصور بميكائيل ،

أنا ابن المحامي عن حرم المسلمين ، وقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين ، والمجاهد أعداءه الناصبين ، وأفضل من مشى من قريش أجمعين ، وأول من استجاب لله ولرسوله من المؤمنين ، وأول السابقين ، وقاصم المعتدين ، ومبيد المشركين ، وسهم من مرامي الله على المنافقين ، ولسان حكمة العابدين ، وناصر دين الله ، وولي أمر الله ، وبستان حكمة الله ، وعيبة علمه . . . ذلك سجدي علي بن أبي طالب . .

واستمر الإمام في خطابه يعرّف بجدته الزهراء ، ثم يعرف بأبيه الحسين ، ويعرّف بمظلوميته وثورته الهادفة المصلحة ، فما كان إلا أن ضجّ الناس بالبكاء والنحيب ، وبدأت هتافات اللعن على يزيد والبراءة من عمله . . . فبعد أن زين الناس الشام حتى يحسب الغريب أن فيها عيداً ، انقلب الفرح حزناً ، والزينة سواداً ، وكان أول انتصار لدم الحسين . إنّ أول مجلس أقيم في الشام لأحياء ذكرى الحسين في بيت يزيد ، واشتركت بنات أمية في النياحة والبكاء مع نساء العترة الطاهرة ، حتى أنّ هنداً زوجة يزيد كانت قد ضربت السواد في جميع حجر القصر . وعلى إثر خطاب الإمام بدأ أهل الشام بالتحرك ، فخاف يزيد من انقلاب الأمر عليه فعجّل بترحيل الإمام مع ثقله إلى المدينة ، وأخذ يعتذر إلى الناس بأن ابن زياد هو الذي قتله ، ولكن . . .

لقد أكمل الإمام زين العابدين ما بدأ به أبوه الحسين ، ولولا هذه

الجهود ، والجهود التي بذلتها عمته زينب في هذا المجال لضاع عند الكثير نور ثورة كربلاء .

2- واقعة الحرة :

بعد مقتل الحسين اضطربت الأوضاع على يزيد في المدينة ، وفي كل أرجاء الدولة الإسلامية فأراد والي المدينة الوليد بن عتبة بن أبي سفيان ومحمد بن أبي سفيان ، أن يكسبا رضا أهلها فأرسلا وفداً من أبناء المهاجرين والأنصار إلى دمشق ليشاهدوا الخليفة عن كثب ، وينالوا نصيبهم من هداياه ، فلما وصلوا رؤوا الخليفة يشرب الخمر ويُضرب أمامه بالدفوف ، وفي سلوكه ما يشين ويقبح ، فلما رجعوا من الشام إلى المدينة ، أظهروا شتم يزيد وعيبه ، وقالوا : قدمنا من عند رجل ليس له دين ، يشرب الخمر ، ويضرب بالطنابير ، وتعزف عنده القيان ، ويلعب بالكلاب ، و يسمر عنده الحراب - اللصوص - وإنا نشهدكم أنّا قد خلعناه .

وقال عبد الله بن حنطلة غسيل الملائكة : لو لم أجد إلاّ بنيّ هؤلاء لجاهدته بهم ، وقد أعطاني وأكرمني ، وما قبلت عطاءه إلاّ لأتقوّى به .

فخلع الناس يزيد وبايعوا عبد الله بن حنظلة وولّوه عليهم ، وطردوا عامل يزيد من المدينة مع من هو موجود من بني أمية ، فلما وصلت الأنباء إلى الشام عقد يزيد لمسلم بن عقبة جيشاً لمحاربة أهل المدينة ، وقال له : أدع القوم ثلاثاً ، فإن أجابوك و إلا فقاتلهم ، فإذا ظهرت عليهم فأبح المدينة ثلاثاً فما فيها من مال أو دابة أو سلاح أو طعام فهو للجند

. وأمره أن يجهز على جريحهم ويقتل مدبرهم .

وصل مسلم إلى المدينة ، وبعد قتال عنيف مع أهلها ، أباح المدينة لجنده مدة ثلاثة

أيام ينتهبون منها ما شاؤوا حتى دخلوا البيوت ، وقتلوا النساء والأطفال والشيوخ ، وافتضت ألف عذراء ، وبلغ عدد القتلى عشرة آلاف ، ثم نصب مسلم - الذي سمي بعد ذلك مسرفاً - وجيء بالأسرى من أهل المدينة بين يديه فكان يطلب منهم أن يبايع كل واحد ويقول : إنني عبد مملوك ليزيد بن معاوية يتحكم فيّ وفي دمي ومالي وأهلي ما يشاء ، فبايع أهل المدينة على أنهم خول ليزيد ، وكان كل من امتنع ولم يبايع بالعبودية ، وأصرّ على أنه عبد الله يقتل .

وجيء بزين العابدين إلى مسلم وهو مغتاظ منه فتبرأ منه ومن آبائه ، لكن لما اقترب منه ارتعدت فرائصه فقام له وأقعده ، وقال له : سلني حوائجك . فكان يتشفع لأهل المدينة حتى استنقذ عدداً كبيراً من القتل ، والإمام لم يشارك في هذه الانتفاضة ، بل لم يكن في المدينة ، إذ بعد مقتل الحسين اتخذ بيتاً في البادية من الشعر ، لما لاقاه من أهلها والذي يشير إليه قوله : ما بمكة والمدينة عشرون رجلاً يحبنا .

وكان الإيعاز في الانتفاضة من عبد الله بن الزبير الذي حاصر مكة وملكها ، فكانت هذه الثورة لا على أساس شرعي ، فعلى الرغم من عدم مشاركته في هذه الانتفاضة ، وعلى الرغم من عدم اكتسابها الطابع الشرعي من الإمام ، غير أنه كان

يعول أربعمئة بيت من يتامى وأرامل من قتل في هذه المعركة .

3-حكومة عبد الملك بن مروان وابنه الوليد :

لقد عاصر الإمام مجموعة من حكام الأمويين ، فقد عاصر حكم يزيد بن معاوية ثلاث سنوات ، ومن بعده ولده معاوية الصغير لبضع أشهر, ثم عاصر حكم مروان بن الحكم تسعة أشهر ، وكانت أكثر حكومة عاصرها حكومة عبد الملك بن مروان الممتدة ما بين 65 - 86 ه_ ، وحكومة ولده الوليد الممتدة ما بين 86- 96ه_ ، وكما كانت هذه الفترة طويلة كانت عصيبة ، فعبد الملك الذي كان يقول للناس : إني لا أداوي هذه الأمة إلا بالسيف حتى تستقيم قناتكم ، وإنكم تكلفوننا أعمال المهاجرين الأولين ولا تعملون أعمالهم ، وإنكم تأمرون بتقوى الله وتنسون أنفسكم ، والله لا يأمرني أحد بتقوى الله بعد مقامي هذا إلا ضربت عنقه .

ويذكر المؤرخون : أن من ضمن صحائفه السوداء : أنه أول من غدر في الإسلام ، وأول من نهى عن الكلام بحضرة الخلفاء ، وأول من أسقط قداسة إعطاء الأمان ، وأول من نهى عن الأمر بالمعروف ، وقد أرسل الحجاج لقتال ابن الزبير في مكة فرمى الحجاج الكعبة بالمنجنيق ، ولم يكترث .

وكذلك كان ابنه الوليد ، فلقد كان جباراً ظالماً ، رباه والده على الخلاعة واللامبالاة ، فكان أسوأ مما كان عليه أبوه .

وانتشر في عصرهما المجون والغناء ، وابتعد الناس عن الإسلام ، وأقبلوا على المنكرات ، وتفسّخت أخلاقهم ، وأهملت السنن والآداب والتعاليم الإسلامية

، حتى أن الكثير من التابعين ، وبعض الأصحاب يقولون : لم يبق من الإسلام في حياة الناس إلا أنهم يصلون جماعة .

وعلاوة على ذلك كله كانا قد ضيّقا على الإمام في المدينة ، وكان كل من يتصل به يحذف اسمه من ديوان العطاء ، ويهدم داره ، وقد يشمله التعذيب والقتل .

فاتخذ الإمام أسلوبين لبثّ الثقافة والمعرفة ، ولإحياء الموات من الأحكام والسنن ، كان أسلوبه الأول : أن يصيغ جميع هذه التعاليم الدينية أصولها وفروعها في قوالب دعائية ، إذ السلطة الحاكمة مهما منعت فلا تستطيع أن تمنع الداعي من دعاء ربه .

فكانت أدعيته مشحونة بالمعارف والثقافة على جميع أبعادها ، وجمعت في كتاب الصحيفة السجادية ، وكذلك أفرغ الإمام على الناس رسالة فيها نظام الحقوق لم يعرف التاريخ ولا التقنين أعظم وأعمق منها ، ذلك لما رآه من ضياع الحقوق في مجتمع سيطرت عليه الخلاعة والطرب ، وتعرف اليوم ب_ رسالة الحقوق .

وأسلوبه الثاني : شراء العبيد ، وتعليمهم الدين وتثقيفهم ، ثم عتقهم ليكونوا دعاة إلى الدين في المناطق ، ولذا ورد أنه ما كان يستخدم العبد فوق الحول فكان يعلّمه ويفقهه فإذا تمّ الحول أعتقه محمّلاً بمعارف الإسلام ليبثها بين المسلمين ، حتى روي أن العبيد الذين حررهم ، وكذا الجواري كانوا يشكلون مجموعة ضخمة في المدينة .

5 بداية الغيبة الصغرى8/ شعبان/ السنة 260 ه_

كان من مشيئة الله أن يغيب المهدي إلى أن يشاء ويقدر ، وقد قسمت غيبته إلى غيبتين . اصطلح عليهما الغيبة والصغرى ، والغيبة الكبرى .

وقد امتدت

الغيبة الصغرى من عام 260ه_ سنة استشهاد أبيه الإمام العسكري ، حتى عام 329ه_ ، وهي السنة التي توفي فيها آخر سفير له ، وعليه فمدة الغيبة الصغرى 69 سنة ، على هذا التقدير ، وإن عدّ المفيد بدايتها منذ ولادته سنة 255ه_ . فتكون الغيبة الصغرى 74 عاماً .

كان الإمام في هذه الفترة يتصل بأوليائه ومحبيه عبر سفراء أربعة ، وهم :

1- أبو عمرو عثمان بن سعيد العمري : من بني أسد ويعرف بالسمان ، لأنه كان يمارس نشاطاته السياسية تحت غطاء الاتجار بالسمن ، وكان يضع الأمانات والأموال المتعلقة بالإمام التي يجمعها من الشيعة في أواني السمن ، ثم يسلمها بعد ذلك إلى الإمام ، وقد كان يحظى بثقة واحترام جميع الشيعة .

كان أبو عمرو وقبل ذلك وكيلاّ عن الإمام الهادي والإمام العسكري ، وموثوقاً به من قبلهما ، فقد قال الإمام الهادي لأحمد بن إسحاق عندما قال الأخير له : أنا أغيب وأشهد ، ولا يتهيأ لي الوصول إليك إذا شهدت في كل وقت فقول من أقبل؟ وأمر من نمتثل؟

فقال : هذا أبو عمرو الثقة الأمين ، ما قاله لكم فعني يقوله ، وما أدّاه إليكم فعني يؤديه .

وبعد وفاة الهادي سأل العسكري عن ذلك ، فقال : هذا أبو عمرو الثقة الأمين ثقة الماضي وثقتي في المحيا والممات ، فما قاله لكم فعني يقوله ، وما أدّى إليكم فعني يؤديه .

2- محمد بن عثمان بن سعيد العمري : وهو كأبيه من كبار أعيان الشيعة ، وكان

يحظى باحترامهم وتقديرهم ، وكان من ثقات العسكري ، إذ لما سأله أحمد بن إسحاق عمن آخذ وقول من أقبل ؟ قال : العمري وابنه ثقتان فما أديا إليك فعني يؤديان ، وما قالا لك فعني يقولان فاسمع لهما وأطعهما فإنها الثقتان المأمونان .

وقد نصبه بعد وفاة أبيه وكيلاً من ناحيته ، يقول عبد الله بن جعفر الحِمْيَري : لما مضى أبو عمرو عثمان بن سعيد أتتنا الكتب بالخط الذي كنا نكاتب به - أي بخط الإمام الذي كان يرد فيه على مسائلهم - بإقامة أبي جعفر محمد بن عثمان بن سعيد مقامه .

بقي محمد بن عثمان وكيلا عنه قرابة الأربعين عاماً ، وتوفي سنة 304ه_ أو 305ه_ .

3- أبو القاسم الحسين بن روح النوبختي : لقد أمر صاحب الزمان محمد بن عثمان في أواخر حياته أن ينصب بعده الحسين بن روح ، حيث لما زاره كبار الشيعة قال لهم : إن حدث علي حدث الموت ، فالأمر إلى أبي القاسم الحسين بن روح النوبختي ، فقد أُمرت أن أجعله في موضعي بعدي ، فارجعوا وعولوا في أموركم عليه .

كان الحسين بن روح همزة الوصل بين السفير الثاني والشيعة ، وقد كان محمد بن عثمان يحيل الشيعة في دفع الأموال إليه ، مما يكشف عن أنه كان يعده من قبل لأمر السفارة والوكالة .

سجن الحسين بن روح مدة خمسة أعوام في عهد الخليفة المقتدر ، وحاول وسعه يعترف بمكان الإمام ، دون جدوى فأفرج عنه سنة 317ه_ ، دامت وكالته وسفارته 21 سنة ، ومات

سنة 326ه_ .

4- أبو الحسن علي بن محمد السمري ، فقد أمر صاحب الزمان الحسين بن روح أن يولي للسفارة السمري ، وقد كان من أصحاب العسكري ، وقد مارس النشاط الذي كان يمارسه السفراء بعده ، وقبل وفاته بستة أيام صدر كتاب بتوقيع من الإمام ، جاء فيه :

يا علي بن محمد السمري أعظم الله أجر إخوانك فيك ، فإنك ميت ما بين ستة أيام ، فأجمع أمرك ، ولا توص إلى أحد فيقوم مقامك بعد وفاتك ، فقد وقعت الغيبة التامة ، فلا ظهور إلا بعد إذن الله تعالى ذكره ، وذلك بعد طول الأمد ، وقسوة القلوب ، وامتلاء الأرض جوراً ، وسيأتي لشيعتي من يدعّي المشاهدة ألا فمن أدعّى المشاهدة قبل خروج السفياني ، والصيحة من السماء فهو كذّاب مفتر ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، وبعد ستة أيام من صدور هذا التوقيع مات السمري .

وبموت أبي الحسن علي السمري تبدأ مرحلة جديدة في تاريخ الشيعة وهي مرحلة الغيبة الكبرى والتي هي بحق غربلة للمجتمع المسلم ، وامتحان كبير لشيعة أهل البيت ثبتنا الله على ولايتهم ومحبتهم وخدمتهم إنه سميع مجيب .

شبهة وحل :

قد يتساءل البعض كيف يكون إماماً وهو غائب ، وما هي فائدته ؟

والجواب :

أولاً : إنّ أولياء الله وحججه ما بين ظاهر بالأمور أو متخفٍ قائم بها من دون أن يعرفه الناس ، ففي كلام لعلي إلى كميل ، يقول : اللهم بلى لا تخلو الأرض من

قائم لله بحجة ، إما ظاهراً مشهوراً ، أو خائفاً مغموراً ، لئلا تبطل حجج الله وبيناته .

وقد كان ذلك في الخضر الذي وجده موسى قال تعالى : فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً .

فيدل القرآن على أنّ الولي ربما يكون غائباً كالخضر ، ولكن مع ذلك لا يعيش في غفلة عن أمته ، بل يتصرف في مصالحها ، ويرعى شؤونها ، من دون أن يعرفه أبناء الأمة .

ثانياً : بعدما تقدم ثبت أنّ الغيبة ثابتة وحقة ، وبعد ذلك لا يكون طرح هذا السؤال موجباً لبطلان فكرة المهدي المنتظر ، لأن عدم العلم بفائدة وجود الشيء ، لا ينفي ثبوته إذا كان بشكل قطعي ، وكم من القضايا التي لا ندرك فائدتها مع إيماننا وإذعاننا بوجودها .

ثالثاً : إن عدم علمنا بفائدة وجوده في زمن غيبته لا يدلّ على عدم كونه مفيداً ، إذ لا تلازم بين عدم العلم بالفائدة وعدم وجودها ، لما تقرر من أن عدم العلم بالشيء لا يدل على عدم وجوده .

رابعاً : إنّ الغَيبة لا تلازم عدم التصرف في الأمور ، وعدم الاستفادة من وجوده ، فهذا الخضر الغائب والذي كان مصاحباً لموسى ، قد خرق السفينة التي يمتلكها المستضعفون ليصونها عن غصب الملك ، ولم يعلم أصحاب السفينة بتصرفه ، و إلا لصدوه عن خرقها ، وكذا بنى الجدار ليصون كنز اليتيمين ، وقتل الغلام خوفاً على والديه من إرهاقه لهما ، كل ذلك والناس لا

يعلمون به فأيّ مانع من أن يكون الإمام قد فاضت خيراته علينا دون علمنا بذلك خصوصاً ، بعد ما ورد من حضوره موسعاً الحج وحضور المجالس ، وربما يتكفل بنفسه قضاء حوائجهم ، وإن كان الناس لا يعرفونه .

خامساً : لا يجب على الإمام أن يتولى التصرف في الأمور الظاهرية بنفسه ، بل له تولية غيره على التصرف في الأمور ، كما فعل الإمام المهدي في الغيبة الصغرى حيث كان له وكلاء أربعة يقومون بحوائج الناس ، وكانت الصلة بينه وبينهم مستمرة بواستطهم ، وفي الغيبة الكبرى نصب الفقهاء والعلماء العدول العالمين بالأحكام للقضاء وإجراء السياسات وإقامة الحدود والحفاظ على الحدود ، وجعلهم حجة على الناس فهم يقومون في عصر الغيبة بصيانة الشرع عن التحريف وبيان الأحكام ودفع الشبهات وبكل ما يتوقف عليه نظم أمور الناس .

ولعله إلى هذا أشار الإمام المهدي بقوله : وأما وجه الانتفاع بي في غيبتي ، فكالانتفاع بالشمس إذا غيبها عن الأبصار السحاب .

6ولادة علي بن الحسين الأكبر 11/ شعبان/ السنة 33 ه_

ولد علي الأكبر

ولد علي الأكبر في الحادي عشر من شعبان سنة 33 ه_ ، وقيل 41 أو 35 ، والأصح ما قدمناه ، أبوه الإمام أبو عبد الله الحسين ، وأمه ليلى بنت أبي مرة بن عروة بن مسعود الثقفي ، وكانت أمها ميمونة بنت أبي سفيان أخت معاوية ، وعمة يزيد ، ولهذا عرض عليه الأمان لمّا برز للقتال ، رعاية لرحمه من يزيد بن معاوية ، غير أنه رفضه وقال : إن قرابة رسول الله أحقّ أن ترعى .

يكنّى بأبي الحسن ،

ويلقّب ب_ الأكبر تمييزاً له عن أخيه علي الأصغر ، وهو الإمام زين العابدين ، الذي كان يصغره بعدة سنوات .

كان من أصبح الناس وجهاً ، وأحسنهم خلقاً ، كان يشبه جده رسول الله في الخَلق والخُلق والمنطق ، كما ورد ذلك عن أبيه الحسين .

الظاهر أنه لا عقب له ، إذ لا يوجد ما يؤكّد زواجه ، وإن ما ورد في بعض زياراته تخصيصه وأولاده بالسلام ، ولعله من زيادة النسّاخ ، والله العالم بالحال .

استشهد مع أبيه الحسين في كربلاء ، وكان أول شهيد فيها من بني هاشم .

فضائل علي الأكبر

1- أخلاقه الرفيعة :

لما طلب علي الأكبر من أبيه الرخصة في القتال ، وخرج إلى الميدان ، رفع الحسين رأسه إلى السماء وقال : اللهم اشهد على هؤلاء القوم ، فإنه قد برز إليهم غلام أشبه الناس خلقاً وخُلقاً ومنطقاً برسولك ، وكنّا إذا اشتقنا إلى نبيك نظرنا إليه .

إن ما ذكره الحسين من حسن خُلق علي ، ومنطقه إلى درجة كان في ذلك أشد الناس شبهاً برسول الله تُعد شهادة من المعصوم ، الذي لا ينطق إلاّ حقاً وصدقاً في حق علي .

وقد قال الله في حق نبيه : وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ، وكان علي الأكبر شبيهاً لجده المصطفى في ذلك الخلق الذي امتدحه به ربه .

2- الإيمان الواعي العميق :

كان علي الأكبر يتمتع بأعلى مستويات الوعي الإيماني ، فقد جرى حوار بين الإمام الحسين وابنه الأكبر ، وذلك بعد أن علم

الحسين وصحبه ما جرى على مسلم بن عقيل في الكوفة .

سمع الأكبر أباه الحسين يقول : إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، والحمد لله رب العالمين .

سأله علي عن استرجاعه ، فقال له الحسين : إني خفقت برأسي فعنَّ لي فارس وهو يقول : القوم يسيرون والمنايا تسري إليهم ، فعلمت أنها أنفسنا نعيت إلينا .

فقال علي الأكبر : لا أراك الله سوءاً ألسنا على الحق؟ فقال الحسين : بلى والذي إليه مرجع العباد . فقال علي : إذن لا نبالي أن نموت محقين ، فقال الحسين : جزاك الله من ولد خير ما جزى ولداً عن والده .

فنظرية علي في هذه الوثيقة التاريخية واضحة بالنسبة للحياة والممات ، حيث أن الممات على الحق لا ضير فيه ما دام على الحق ، فعلي لا ينظر إلى أنه يموت أو يحيى ، وإنما كان معيار تفكيره وميزان عقله الحق ، وجادته ، وما دام هو على جادة الحق فلا يبالي أجاءه الموت ، أو قدم بنفسه إلى الموت .

7ولادة الإمام المهدي عجيوم المستضعفين15/ شعبان/ السنة 255 ه_

ولادة الإمام المهدي عج

ولد الإمام محمد بن الحسن المهدي عج في سامراء ليلة مباركة وهي ليلة النصف من شعبان سنة 255ه_ الموافق لسنة : 868م ، أبوه الإمام العسكري وأمه نرجس وتسمى بريحانة وسوسن صاحبة الفضل والكرامة العظيمة ، ولقب الإمام بالحجة ، والقائم ، وقائم آل محمد ، والخلف الصالح ، وصاحب الزمان ، وبقية الله في أرضه ، والغائب ، وأشهرها المهدي ، وقد سُمي هذا اليوم من قبل الإمام

الخميني الراحل بيوم المستضعفين لما يحمل من آمال كبيرة لهم لنصرتهم على المستكبرين بواسطة قيامه وإصلاحه العالمي المنتظر .

الإمام المهدي المصلح العالمي

اتفق المسلمون جميعاً على ظهور المهدي في آخر الزمان ، لإزالة الظلم والجور والفساد ، وإصلاح العالم ولنشر العدل وإعلاء كلمة الحق ، وإظهار الدين كله ولو كره المشركون ، وهو يحقق الوعد الإلهي الذي وعده للمؤمنين بقوله تعالى :

وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ .

قوله تعالى : وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ ، وقوله تعالى : وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ . . . .

هذا بالإضافة إلى ما تختزنه مصنفاتهم من روايات كثيرة بلغت حد التواتر ، منها :

1- ما رواه أحمد في مسنده ، عن رسول الله 1 ، أنه قال : لو لم يبق من الدهر إلا يومٌ واحد لبعث الله رجلاً من أهل بيتي يملأها عدلاً كما ملئت جوراً .

2- ما رواه أبو داود ، عن عبد الله بن مسعود ، أن رسول الله 1 قال : لا تنقضي الدنيا حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي .

3- وروي عن أم سلمة ، قالت : سمعت رسول الله 1 يقول : المهدي من عترتي من ولد فاطمة .

وعلى كل حال ففكرة المهدي المنقذ الذي يملا الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً ، ليست فكرة شيعية ، بل هي فكرة إسلامية - بل

هي فكرة دينية يدين بها أهل الشرائع الإلهية السابقة - توافق عليها المسلمون واعتقدوا بها وصدقوها لكثرة الروايات المنقولة عن النبي ص بالتبشير به .

نعم إذا كان هناك خلاف فإنما هو في أنه ولد أم سيولد ، فقد ذهب علماء الإمامية إلى أنه ولد في سنة 255ه_ . في مدينة سامراء واختفى بعد وفاة أبيه عام 260ه_ .

وقد تواترت الروايات عن آبائه الطاهرين عندهم بما لا تدع أدنى شك أو ارتياب بذلك وهي روايات صحيحة الإسناد ، وبدرجة عالية من الوثاقة اتصف رواتها ، وقد نقل الكليني والصدوق والطوسي كثيراً من هذه الأخبار الدالة على ولادته في ذلك الزمان ، وأن الإمام العسكري قد عقّ عنه وتصدّق عنه وبعث العطايا والهدايا لفقراء الشيعة ، كما تشرف جماعة من أصحابه برؤيته في حياة أبيه .

كما ورد عن الأئمة المعصومين التصريح بغيابه عن أمته ، إلى أن يأذن له الله تعالى بالظهور فيملأها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً ، بل في بعضها التصريح بوجود غيبتين له ، وللوقوف على ذلك نكتفي بما رواه الكليني بإسناده الصحيح عن أبي هاشم - داود بن القاسم - الجعفري قال : قلت لأبي محمد العسكري : جلالتك تمنعني من مسألتك أفتأذن لي أن أسألك؟

فقال : سل ، قلت : يا سيدي هل لك ولد؟ فقال : نعم .

فقلت : فإن حدث بك حدث فأين أسأل عنه ؟ قال : بالمدينة .

إلى غير ذلك من الأخبار التي تؤكد مولده المبارك .

وقد وافق في هذا الأمر جماعة من علماء السنة ، وقالوا بأنه ولد وأنه ابن

الإمام الحسن العسكري ، منهم كمال الدين محمد بن محمد القريشي الشافعي ، في كتابه مطالب السؤول في مناقب آل الرسول ، قال : المهدي الحجة ، الخلف الصالح المنتظر ، فأما مولده فبسر من رأى ، وأما نسبه أباً فأبوه الحسن الخالص . . . ثم قال : . . . . إنّ الرسول لما وصفه ، وذكر اسمه ونسبه ، وجدنا تلك الصفات والعلامات موجودة في محمد بن الحسن العسكري علمنا أنه هو المهدي .

ومنهم ، أبو عبد الله محمد بن يوسف بن محمد الكنجي الشافعي في كتابيه : البيان في أخبار صاحب الزمان ، وكفاية الطالب في مناقب علي بن أبي طالب ، ومنهم نور الدين علي بن محمد بن الصباغ المالكي في كتابه الفصول المهمة في معرفة الأئمة ، ومنهم الفقيه الواعظ شمس الدين المعروف بسبط ابن الجوزي في كتابه تذكرة الخواص ، وقد ذكر السيد الأمين في الأعيان عشرة من علمائهم ، غير ما ذكرناه ، ثم قال : والقائلون بوجود المهدي من علماء أهل السنة كثيرون . . . .

ليلة النصف من شعبان

وهي ليلة بالغة الشرف ، وقد روي عن الصادق قال : سئل الباقر عن فضل ليلة النصف من شعبان فقال : هي أفضل الليالي بعد ليلة القدر ، فيها يمنح الله العباد فضله ، ويغفر لهم بمنّه ، فاجتهدوا في القربة إلى الله تعالى فيها ، فإنها ليلة آلى الله عزّ جل على نفسه أن لا يردّ سائلاً فيها ، ما لم يسأل الله

المعصية ، وإنها الليلة التي جعلها الله لنا أهل البيت بإزاء ما جعل ليلة القدر لنبينا فاجتهدوا في دعاء الله تعالى والثناء عليه .

ومن عظيم بركات هذه الليلة المباركة أنها ميلاد سلطان العصر وإمام الزمان أرواحنا له الفداء ، ولد عند السحر سنة خمس وخمسين ومائتين في سرّ من رأى ، وهذا ما يزيد هذه الليلة شرفاً وفضلاً ، وقد ورد فيها أعمال :

أولها : الغسل ، فإنه يوجب تخفيف الذنوب .

الثاني : إحياؤها بالصلاة والدعاء والاستغفار ، كما كان يصنع الإمام زين العابدين .

وفي الحديث : من أحيا هذه الليلة لم يمت قلبه يوم تموت القلوب .

الثالث : أن يأتي بما ورد في هذه الليلة من الصلوات ، وأهمها صلاة جعفر الطيار .

الرابع : زيارة الحسين وهي أفضل أعمال هذه الليلة وتوجب غفران الذنوب ، وقراءة مجموعة من الأدعية الواردة في هذه الليلة ، يمكنك مراجعتها في كتب الأدعية ومنها مفاتيح الجنان .

مناسبات شهر رمضان المبارك

مناسبات شهر رمضان المبارك

اليومالمناسبةالسنة

6/ رمضان البيعة للإمام الرضا بولاية العهد 201 ه_

10/ وفاة أم المؤمنين السيدة خديجة الكبرى السنة 3 قبل الهجرة

2/ المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار وبين النبي والإمام علي1 ه_

14/ خروج مسلم بن عقيل رسولاً عن الإمام الحسين إلى الكوفة . 60 ه_

13/ وفاة أبو طالب عم النبي ووالد الإمام علي السنة 3 قبل الهجرة

6/ مولد الإمام الحسن 3 ه_

17/ غزوة بدر الكبرى 2 ه_

19/ جرح أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب40 ه_

20/ فتح مكة المكرمة 8 ه_

21/شهادة الإمام علي بن أبي طالب40 ه_

19-21-23/ يالي القدر المباركة من كل سنة

آخر جمعة من شهر رمضان يوم القدس العالمي الذي أعلنه الإمام الخميني من كل

سنة

تمهيد

الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على خير خلقه أجمعين محمد ، وآله الطيبين الطاهرين .

ورد في فضل شهر رمضان عن النبي مما لا يحصى ، فقد جاء بسند معتبر عن الرضا ، عن آبائه ، عن أمير المؤمنين ، قال : إن رسول الله خطبنا ذات يوم ، فقال :

أيها الناس إنه قد أقبل إليكم شهر الله بالب_ركة والرحمة والمغفرة ، شهر عند الله هو أفضل الشهور ، وأيامه أفضل الأيام ، ولياليه أفضل الليالي ، وساعاته أفضل الساعات ، هو شهر دعيتم فيه إلى ضيافة الله وجعلتم من أهل كرامته ، أنفاسكم فيه تسبيح ونومكم فيه عبادة ، وعملكم فيه مقبول ، ودعاؤكم فيه مستجاب ، فاسئلوا الله . . .

فشهر رمضان هو شهر الله رب العالمين ، وهو أشرف الشهور ، شهر يفتح الله فيه أبواب السماء ، وأبواب الجنان ، وأبواب الرحمة ، ويغلق فيه أبواب جهنم .

وفي هذا الشهر تكون فيه ليلة العبادة فيها تعدل عبادة ألف شهر ، وهي ليلة القدر ، فانتبه لنفسك وتبصّر ، وإيّاك وأن تكون في ليلتك ونهارك غافلاً ساهياً ، فتحرم بركات الله وعطاياه في هذا الشهر العظيم .

وبالإضافة لكونه شهراً كل أيامه هي أيام الله ولياليه هي ليالي الله ، فإنه يتضمّن مناسبات إسلامية عظيمة أهمّها نزول القرآن الكريم في ليلة القدر ، وفتح مكة ، وولادة الإمام الحسن في النصف منه ، وشهادة الإمام علي بن

أبي طالب في الحادي والعشرين منه .

ونظراً لأهمية هذا الشهر عقائدياً ولاتصاله مباشرة بتغذية الروح وتقويم العقيدة في النفس البشرية ، انطلق أهل البيت في كل موضع إرشاد ونصح إلى الأمة الإسلامية عموماً ، وإلى أتباعهم خصوصاً بضرورة الاحتفاء بشهر العبادة والرحمة والمغفرة ، هذا بما يليق به ولا يحرم المؤمن بركات ورحمات وثواب هذا الشهر الفضيل ، فالمحروم من حرم فضل هذا الشهر وخيره وبركاته ورحمة ربه .

هذا وقد نقلنا أغلب مطالب المتعلقة بالمناسبات في شهر رمضان من كتاب أفضل الليالي .

فنسأل الله تعالى أن يوفقنا جميعاً للتزوّد من معين هذا الشهر طاعة وبخوعاً لله ، وحباً لأهل بيت نبيه ، وسيراً على منهجهم .

1 البيعة للإمام الرضا بولاية العهد

6 / رمضان/ السنة 201 ه_

كانت البيعة للإمام الرضا بولاية العهد من قبل المأمون العباسي وأعوانه وسائر الناس ، في اليوم الخامس أو السادس من شهر رمضان المبارك؛ سنة مئتين وواحد للهجرة النبوية .

وبمناسبة هذه الذكرى الخالدة ندرس باختصار مسألة ولاية العهد ، وأهدافها ودوافعها السياسية ونتائجها العملية .

الإمام الرضا في طريقه إلى خراسان مرو :

استلم المأمون زمام الحكم بعد حرب دامية استمرت خمس سنين ، وقتل فيها الآلاف من بينهم أخوه الأمين ، الذي كان يحكم في بغداد بعنوان خليفة المسلمين ، وبعد سنتين من سيطرة المأمون على الحكم ، وبالتحديد في سنه 200 ه_ كتب إلى الإمام الرضا يدعوه للقدوم إلى خراسان ، فاعتلَّ بعلل كثيرة ، واستمر المأمون يكاتبه ويراسله حتى علم الإمام أنه لا يكفّ عنه ، فاستجاب له ، أرسل إليه

رجاء بن ضحاك ومعه الجلودي في إحضاره ، وقد كان أمرهما أن لا يسيرا بالإمام عن طريق الكوفة وقم ، لأن في هاتين المدينتين شيعة موالون للإمام ، فسارا به عن طريق البصرة والأهواز وفارس شيراز ، وصحراء يزد ونيسابور وطوس ، ثم سرخس حتى وصلوا إلى مرو عاصمة خلافة المأمون العباسي .

الإمام الرضا وولاية العهد

عندما قدم الإمام الرضا إلى مرو ، أكرمه المأمون ورحّب به ، وجمع خواصّ أوليائه وأصحابه فقال : أيّها الناس! إنّي نظرتُ في آل العبّاس وآل علي فلم أر أفضل ولا أورع ولا أحقّ من عليّ بن موسى بالخلافة .

ثمّ التفت إلى الإمام فقال له : إنّي قد رأيت أن أعزل نفسي عن الخلافة وأجعلها لك واُبايعك .

فقال له الإمام الرّضا :

إن كانت هذه الخلافة لك واللّه جعلها لك فلا يجوز أن تخلع لباساً ألبسكهُ اللّه وتجعله لغيرك ، وإن كانت الخلافة ليست لك فلا يجوز أن تجعل لي ما ليس لك .

فقال له المأمون : يا ابن رسول اللّه! لابدّ لك من قبول هذا الأمر .

فقال له الإمام : لست أفعل ذلك طائعاً أبداً .

فما زال يجهد به أيّاماً حتّى يئس من قبوله ، فقال له : فإن لم تقبل الخلافة ، ولم تحب مبايعتي لك فكن ولي عهدي لتكون لك الخلافة بعدي .

فقال الإمام الرّضا : واللّه لقد حدّثني أبي عن آبائه ، عن رسول اللّه ، أنّي أخرج من الدّنيا قبلك مقتولاً بالسمّ مظلوماً ، تبكي عليَّ ملائكة السّماء وملائكة الأرض ، واُدفن في أرض

غربة إلى جنب هارون الرّشيد .

فبكى المأمون ثمّ قال له : يا ابن رسول اللّه! ومن الّذي يقتلك ، أو يقدر على الإساءة إليك وأنا حيّ؟

فقال الإمام : أمّا إنّي لو أشاء أن أقول من الّذي يقتلني لقُلت .

فقال المأمون : يا ابن رسول اللّه! إنّما تريد بقولك هذا ، التخفيف عن نفسك ، ودفع هذا الأمر عنك ، ليقول النّاس أنّك زاهد في الدّنيا .

فقال الإمام الرضا : واللّه ما كذبت منذ خلقني ربّي عزّ وجلّ ، وما زهدت في الدّنيا للدّنيا ، وإنّي لأعلم ما تريد .

فقال المأمون : وما اُريد؟

قال : تريد بذلك أن يقول النّاس : إنّ عليّ بن موسى لم يزهد في الدنيا ، بل زهدت الدّنيا فيه ، ألا ترون كيف قبل ولاية العهد طمعاً في الخلافة؟

وغضب المأمون من قول الإمام ، ثم قال : إنّك تتلقّاني أبداً بما أكرهه ، وقد أمنت سطوتي ، فباللّه اُقسم لئن قبلت ولاية العهد ، وإلاّ أجبرتك على ذلك .

فقال الإمام الرضا : قد نهاني اللّه تعالى أن ألقي بيدي إلى التهلكة ، فإن كان الأمر على هذا فافعل ما بدا لك وأنا أقبل ذلك ، على أنّي لا اُولّي أحداً ، ولا أعزل أحداً ، ولا أنقض رسماً ولا سنّة ، وأكون في الأمر من بعيد مشيراً .

فرضي منه ذلك ، وجعله وليّ عهده على كراهة منه بذلك .

فرفع يده إلى السماء وقال : اللّهمّ إنّك قد نهيتني عن الإلقاء بيدي إلى التّهلكة ، وقد

أُكرهت واضطُررت ، كما اضطر يوسف ودانيال؛ إذ قبل كلّ واحدٍ منهما الولاية من طاغية زمانه ، اللّهمّ لا عهد إلاِ عهدك ، ولا ولاية لي إلاّ من قبلك ، فوفّقني لإقامة دينك ، وإحياء سنّة نبيّك ، فإنّك أنت المولى والنّصير ، ونعم المولى أنت ونعم النّصير .

دوافع المأمون في مسألة ولاية العهد

ولم تكن دوافع المأمون من نصب الإمام ولياً لعهده نابعة من ولائه لأهل البيت ، ولم يكن المأمون صادقاً في ولائه ، وكان ميله للعلويين اصطناعاً وتظاهراً ، فهل يعقل أن يضحّي المأمون بالحكم الذي قتل من أجله الآلاف من الجنود والقادة ، وقتل أخاه وبعض أهل بيته ، ثم يسلّمه إلى غيره؟!

فدوافع المأمون نابعة من مصلحة حكمه ومستقبل أهل بيته ، ويمكن تحديد هذه الدوافع بالنقاط التالية :

أولاَّ : تهدئة الأوضاع المضطربة ، واخماد ثورات العلويين في كل البلاد الإسلامية .

ثانياً : الحصول على شرعية الحكم والخلافة .

ثالثاً : منع الإمام من الدعوة لنفسه .

رابعاً : إبعاد الإمام عن قواعده الشعبية لتحجيم عمله أو تقليله .

خامساً : تشويه سمعة الإمام ، وقد كشف الإمام هذه الحقيقه للمأمون بقوله : تريد بذلك أن يقول الناس أن علي بن موسى الرضا لم يزهد في الدنيا ، بل زهدت الدنيا فيه ، ألا ترون كيف قبل ولاية العهد طمعاً بالخلافة .

أسباب قبول الإمام بولاية العهد

إنّ أهم تلك الأسباب والمكتسبات هي :

أولاً : تهديد المأمون بقتل الإمام إذا لم يقبل بولاية العهد ، حيث قال له : إنّ عمر

جعل الشورى في ستة ، أحدهم : جدك ، وقال : من خالف فاضربوا عنقه ، ولابد من قبول ذلك . . . . ، وقيل للإمام : يا ابن رسول اللّه ما حملك على الدخول في ولاية العهد؟ فقال : ما حمل جدي أمير المؤمنين على الدخول في الشورى .

ثانياً : حقن دماء أصحابه وأهل بيته : حيث قام المأمون تقرباً للإمام بإعلان العفو العام عن جميع قادة الثورات ، ومنهم زيد وإبراهيم شقيقي الإمام ، وأردف العفو بتنصيب بعضهم ولاة في بعض الأمصار .

ثالثاً : استثمار الظروف لإحياء السنة ، وعلوم أهل البيت ، ونشر فضائلهم .

هذه هي أهم فوائد ومكتسبات الإمام بقبوله لولاية العهد حيث اغتنم الإمام الفرصة ، وأخذ يبلّغ الإسلام الحقيقي المتمثّل بالسنة النبوية الشريفة ، وعلوم ومعارف وفضائل أهل البيت .

2وفاة أم المؤمنين السيدة خديجة الكبرى 10/ رمضان/ السنة 10 للبعثةثلاث سنوات قبل الهجرة

شخصية خديجة بنت خويلد

لم ينقل لنا التاريخ زمان ولادة السيدة خديجة بنت خويلد ، ولكن يمكن دركه مما اشتهر بينهم من أنها اقترنت برسول الله وعمرها 40 سنة ، وحيث كان عمر النبي 25 سنة ، وكانت ولادته في عام الفيل فتكون ولادة السيدة خديجة على هذا في سنة 15 قبل عام الفيل ، وفي سنة 55 قبل البعثة الشريفة ، ولكن هذا أيضاً غير ثابت لوجود روايات مختلفة في تحديد عمرها الشريف حين تزوّجها النبي .

والماديّون والمستشرقون الذين ينظرون إلى كل شيء من ناحية المال والمادة ، يزعمون : أن خديجة بما أنّها كانت ذات مال تتاجر به ، كانت أحوج ما تكون إلى رجل

«أمين» لإدارة أمور تجارتها ، لذلك اندفعت للزواج بمحمّد «الصادق الأمين» ، وكان النبي يعلم بوضعها المالي وحياتها الكريمة لذلك قبل خطوبتها مع ما بينهما من تفاوت العمر!

والجواب : إنّ كون خديجة هي التي عرضت نفسها على النبي ، وأنّه لم يكن هُو الذي تقدّم لخطبتها لخير جواب لما جاء في كلمات هؤلاء من اتهام باطل بأنّه إنّما تزوج خديجة طمعاً في مالها .

وأمّا بالنسبة إلى خديجة فإنّ الذي نراه في التاريخ هو أنَّ دوافع خديجة للزواج بالصادق الأمين كانت دوافع معنوية ، والشاهد لذلك : عندما أخبرها ميسرة بالكرامات الّتي ظهرت له وما قاله علماء النصارى في حقه ، ازدادت شوقاً وحباً له فعرضت عليه الزّواج ، وإنَّ سبقها إلى الإيمان بالإسلام ورسالة محمد بحيث كانت أوّل امرأة آمنت به لهو خير دليل على كون زواج خديجة كان بدافع معنوي لا مادي .

تقول عائشة : كان رسول اللّه لا يكاد يخرج من البيت حتى يذكر خديجة ، فيحسن الثناء عليها ، فذكرها يوماً من الأيام فأخذتني الغيرة ، فقلت : هل كانت إلاّ عجوزاً قد أبدلك اللّه خيراً منها ، فغضب حتى اهتز مقدم شعره من الغضب ، ثم قال : واللّه ما أبدلني اللّه خيراً منها ، آمنت بي إذ كفر الناس ، وصدقتني إذ كذبني الناس ، وواستني بمالها إذ حرمني الناس ، ورزقني منها اللّه أولاداً إذ حرمني أولاد النساء ، قالت عائشة : فقلت في نفسي لا أذكرها بعدها بسيئة .

وعن عائشة أن النبي كان إذا ذبح الشاة قال :

أرسلوا منها إلى صديقات خديجة ، وهذا الحديث وغيره من الأحاديث التي ذكرنا البعض منها ، تدل على أن وفاء رسول اللّه لخديجة الطاهرة ليس له نظير في دنيا الوفاء ، فقد كان يوّد من يودّ خديجة ومن كانت تودّ خديجة .

وفاة السيدة خديجة الكبرى أم المؤمنين

مضت ثلاث سنوات عجاف على الهاشميين والطالبيين وهم محاصرون داخل شعب أبي طالب ، فشاركته آلام المحنة ومرارتها راضية صابرة تواسي الحبيب المصطفى والمسلمين بنفسها ومالها ، حتى نفد مالها كله ، خلال سنين الحصار في شعب أبي طالب ، ثم جاء الفرج الإلهي ، ومزّقت الصحيفة الظالمة ، وخرج المسلمون وهم يكبرون وكان خروجهم من الحصار في السنة العاشرة من البعثة ، قبل الهجرة إلى المدينة بثلاث سنين ، وخرج محمد منصوراً يتابع دعوته ورسالته ، ولكن خديجة لم تلبث إلاّ قليلاً بعد الخروج من الحصار ، حتى ضعفت ومرضت ، ولما قرب منها الأجل أخذت توصي رسول اللّه فقالت : يا رسول اللّه إنّي مقصّرة في حقك فاعفني وسامحني . فقال لها رسول اللّه : حاشا وكلا ما رأيت منك تقصيراً فقد بلغت جهدك وتعبت في داري غاية التعب ، ولقد بذلت جميع أموالك في سبيل اللّه ، فجزاك اللّه خير الجزاء .

ثم قالت : يا رسول اللّه أوصيك بهذه ، وأشارت إلى ابنتها فاطمة ، فإنّها يتيمة غريبة من بعدي فلا يؤذيها أحد من نساء قريش . وكذلك أوصت أسماء بنت عميس أن تقوم مقامها عند ليلة زفاف فاطمة ، فتعهدت أسماء بذلك ،

وأمّا الوصية الثالثة يا رسول اللّه فإني أقولها لابنتي فاطمة وهي تقول لك : فإني مستحية منك . فقام النبي وخرج من الحجرة فدعت بفاطمة قالت لها : يا حبيبتي وقرة عيني قولي لأبيك رسول اللّه أنَّ أمي تقول : أنا خائفة من القبر ، أريد منك ردائك الذي تلبسه حين نزول الوحي ، تكفنني به ، فخرجت فاطمة وقالت لأبيها ما قالت أمها خديجة ، فقام النبي وسلم الرداء إلى فاطمة وجاءت به إلى أمها فسرّت به سروراً عظيماً ، فلما توفيت خديجة في يوم العاشر من رمضان من السنة العاشرة بعد البعثة النبوية وكان عمرها آنذاك 65 سنة ، أخذ رسول اللّه في تجهيزها وتغسيلها وتحنيطها ، فلما أراد أن يكفنها بالرداء ، هبط الأمين جبرئيل وقال : يا رسول اللّه إن الله يقرئك السلام ويخصّك بالتحية والإكرام ويقول لك : إن كفن خديجة من عندنا فإنّها بذلت مالها في سبيلنا . فجاء جبرئيل بكفن خديجة وهُو من أكفان الجنة أهداه اللّه إليها ، فكفنها رسول اللّه بردائه الشريف أولاً وبما جاء به جبرئيل ثانياً ، فكان لها كفنان من اللّه وكفن من رسول اللّه . ثم نزل رسول اللّه في قبرها ، ولم يكن يومئذٍ قد شرّعت الصلاة على الجنائز وأنزلها في حفرتها في مقبرة الحجون ودفنها بيده الشريفة ، ولما رجع إلى البيت هاج به الحزن ، واغتم ، وكان في زمان حياتها إذا غلب عليه الحزن ينظر إلى وجه خديجة فيذهب عنه الحزن ، ويسرّ بذلك كما أنه يسرّ بمجرد سماع اسم خديجة ،

والآن بعد وفاتها ، إذا اشتد حزنه نظر إلى ابنتها فاطمة ، فتذكّرهُ بخديجة ويسر بذلك سروراً عظيماً ، ولكن ماذا يصنع رسول اللّه بحزن فاطمة على أمّها ، وهى تبكي وتقول : أين أمي؟ أين أمي؟ حتى قالت يوماً : يا أبة ما أتغدى ولا أتعشى حتى أعلم أين أمي ، ولا يدري رسول اللّه ماذا يجيبها ، فنزل جبرئيل وقال : إنَّ ربّك يأمرك أن تقرأ على فاطمة السلام ، وتقول لها : أمك في بيت من قَصَبْ لا صَخَب فيه ولا نَصَب ، كعابه من ذهب وعمده من ياقوت أحمر ، بين آسية إمرأة فرعون ومريم بنت عمران . فقالت فاطمة : إن اللّه هُو السلام ومنه السلام وإليه السلام . وقد عزّاها اللّه ورسوله وجبرئيل بأمها ، ولكن لما توفي أبوها رسول اللّه هل عزّاها أحدٌ؟

زيارة أم المؤمنين خديجة الكبرى

السلام عليك يا أم المؤمنين ، السلام عليك يا زوجة سيد المرسلين ، السلام عليك يا أُمَّ فاطمة الزهراء سيد نساء العالمين ، السلام عليك يا أوّل المؤمنات ، السَّلام عليك يا من أنفَقتْ مالها في نصرة سيد الأنبياء ، ونصرته ما استطاعت ودافعت عنه الأعداء ، السّلام عليك يا من سلَّمَ عليها جبرَئيلُ ، وبلَّغها السلام من اللّه الجليل ، فهنيئاً لكِ بما أولاك اللّه من فضل ، والسلام عليك ورحمة اللّه وبركاتُهُ .

3المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار وبين النبي والإمام علي

12/ رمضان/ السنة 1 ه_

اليوم الثاني عشر من شهر رمضان المبارك ، من السنة الأولى للهجرة ، آخى النبي بين المهاجرين والأنصار وآخى بينه وبين

علي بن أبي طالب .

عن محدوج ابن زيد : إن رسول الله آخى بين المسلمين ، ثم قال : يا علي ، أنت أخي ، وأنت مني بمنزلة هارون من موسى ، غير أنه لا نبي بعدي .

كان النبي ومعه 740 شخصاً من المسلمين في منطقة النخيلة ، فنزل عليه جبرائيل وقال : لقد عقد رب العزة تبارك وتعالى عقد الأخوة بين الملائكة فأنت يا رسول الله ، اجعل بين أصحابك عقد الأخوة الإيمانية . فكل شخص توجه إلى الشخص الآخر الذي كان يميل إليه ويحبه أكثر ، فتآخى أبو بكر مع عمر ، عثمان مع عبد الرحمن ، وسلمان مع أبي ذر ، وطلحة مع الزبير ، ومصعب مع أبي أيوب الأنصاري ، وحمزة مع زيد بن حارثة ، وأبو الدرداء مع بلال ، وجعفر الطيار مع معاذ بن جبل ، والمقداد مع عمار ، وعايشة مع حفصة ، وأم سلمة مع صفية ، والنبي الأكرم مع أمير المؤمنين علي .

وعن الإمام علي : آخى رسول الله بين أصحابه ، فقلت : يا رسول الله ، آخيت بين أصحابك وتركتني فرداً لا أخ لي!! فقال : إنما اخترتك لنفسي؛ أنت أخي في الدنيا والآخرة ، وأنت مني بمنزلة هارون من موسى . فقمت وأنا أبكي من الجذل والسرور .

أبعاد ونتائج التآخي بين المسلمين

لهذه القضية أبعاد اقتصادية واجتماعية وسياسية يمكن أن نلخصها كالتالي :

1- إعالة المهجرين وإعادة تأهيلهم اقتصادياً للعودة لممارسة حياتهم الطبيعية ، وإزالة الفوارق الطبقية في

محاولة للقضاء على الفقر .

2- القضاء على الأمراض الاجتماعية المتأصلة في المجتمع ومخلفات التناحر القبلي وإشاعة روح الحب والود والتآلف .

3- تكوين نسيج مترابط من المسلمين يتحرك مستجيباً لأوامر الرسول والرسالة لتصبح أمة واحدة تشعر بالقوة في الدفاع عن نفسها .

نظرية الإسلام في التآخي

قد جاءت الأديان السماوية لتؤكد على نداء الفطرة الألهية والتآلف والتحابب بين أفراد الإنسان وتربط بين خلايا المجتمع ، وتوطّد الروابط والعلاقات بين أبناء البشر ، وقد جعلت له ركائز وأسس وقواعد ، لكي يبني هذا الارتباط على أساسها فتنتج وتؤثر في حياة الأفراد النتاج الصحيح .

لقد حثّ الإسلام كثيراً على أنه ينبغي للمؤمن أن يتخذ الأخ والصديق ، ويسعى جاهداً لتكثير الأصدقاء ، وأن سعادة المؤمن الظفر بأكثر عدد ممكن منهم ، فعن الصادق : من لم يرغب في الاستكثار من الاخوان ابتلي بالخسران . وعن الإمام علي : أعجز الناس من عجز عن اكتساب الإخوان ، وأعجز منه من ضيّع من ظفر به منهم .

وقال الإمام الصادق : إنّما سمّوا إخواناً لنزاهتهم عن الخيانة ، وسمّوا أصدقاء لأنّهم تصادقوا على حقوق المودة .

فالصداقة منزلة أعمق من الأخوة ، إذ جميع المؤمنين ، ولأجل إيمانهم إخوة من تعارف منهم ومن لم يتعارف ، القريب منهم والبعيد ، ولكن الصداقة هي مع خصوص بعض المؤمنين ممن يسرّ إليهم وممن يتعارفون ويتوادون ويتصاحبون على مصائب الدهر الخؤون .

صفات الصديق : لا يكون الشخص أخاً لشخص حتى تتحقق فيه جملة من الأوصاف ، ولهذا الأمر أهمية خاصة في الإسلام ، لأن الإسلام نهى

عن مصادقة من تدخل صداقته في الباطل ، وتوصل بالمرء إلى الضلال والضياع ، ولهذا فينبغي على المؤمن أن لا يتخذ صديقاً حتى يجد فيه صفات الصديق التي بيّنها الإسلام ، ومنها :

أ- أن يكون عاقلاً : فعن الإمام علي : صاحب العاقل ، وجالس العلماء ، وأغلب الهوى ترافق الملأ الأعلى

ب- أن يكون مؤمناً : ومما ينبغي أن يتوفّر في الصديق الإيمان والتقوى والعمل الصالح ، فإنّ هذه الأوصاف من شأنها أن تنعكس على صديقه بكثرة المخالطة والمجالسة ، فإنّ من طبع الإنسان إذا أنس بشخص أنس بأفعاله وسيرته وأخلاقه وسجاياه ، ومن هنا أكّدت الروايات على هذه الخصوصية .

وفي قبال ذلك نجد الروايات تؤكّد على ترك صحبة الفساق وأهل الذنوب والمعاصي ، فإن هذا السلوك فيهم قد يحفز من يصادقهم إلى الفسق والعصيان وخلع زيّ العبودية لله .

ج- أن يكون ذا خلق حسن : كما ينبغي أن يكون الصديق مؤمناً تقياً ، وينفع للآخرة ، فلابد وأن يتحلى بخلق رفيع ، وسجية كريمة ، ونفس طرية ، وروح هنيئة ، فإنّ صاحب الخلق الحسن تميل النفس إليه ويطمئن إليه العقل ، وترتاح إليه النفس ، مع ما له من سمعة طيبة في المجتمع تنعكس على سمعة من يصاحبه ، وما أحوج المجتمع ، وخصوصاً الشباب إلى الأصدقاء الخلوقين لتنتشر الأخلاق الحسنة بين جميع طاقم الحياة البشرية ، وقد ورد الكثير من الأخبار والأحاديث التي تؤكد على خلق الصديق وحسنه

حقوق الإخوان

ورد عن النبي الأكرم للمسلم على أخيه المسلم ثلاثون

حقاً ، لا بد له من أدائها منها :

أن يعفو عنه ، يكتم سره ، يستر زلّته ، أن يقبل عذره ، أن يدافع عنه ، أن يحب له الخير والصلاح ، أن يفي بوعده ، يعوده إذا مرض ، يشيّع جنازته ، يقبل دعوته وهديته ، أن يرد هديته بالأفضل ، أن يشكر سعيه له ، السعي في إيصال الخير له ، يحفظ عرضه ، أن يقضي حاجته ، أن يحلّ مشاكله ، أن يبحث عن ضالته ، أن يدعو له عند عطاسه ، أن يجيب سلامه ، أن يحترم كلامه ، أن يختار له أفضل هدية ، أن يقبل قَسَمَهُ ، أن يحب صديقه ولا يعاديه ، لا يتركه عند المصائب ، أن يحب له ما يحب لنفسه . . . .

أفضل الإخوان

أفضل الأخوان من كان مخلصاً وطالباً للخير لك ، ولو كان شديداً في دعوته لك إلى طاعة الله سبحانه وتعالى ويكون لك عوناً في الشدائد ، وأن يكون حبه لك لوجه الله عز وجل ، والذي يزيدك في العلم مَنطِقُهُ ويقربك إلى الله عمله ، وأن يغضّ طرفه عن أخطائك وعيوبك ، وأن يحفظك من الوقوع في شراك الأهواء والرغبات الشيطانية ، وإن رأى منك عيباً ذَكَّركَ ، وأن يكون مواظباً على الصلوات الخمس ، وأن يكون من أهل الحياء والأمانة والصدق ، وأن لا ينساك في الضيق والرخاء .

آثار الصداقة في الدنيا والآخرة

لا

شكّ في أنّ كل عمل يقوم به الإنسان له آثار تنعكس وتظهر في حياته الفردية والاجتماعية ، فالصدق والتعقل والتدين إذا قام بها الإنسان تظهر آثارها الخيّرة والحسنة على حياته ، والكذب والحمق والفسوق كذلك تظهر آثارها السيئة والوخيمة على حياة الإنسان إذا ما قام بها ، والصداقة هي واحد من تلك العناوين التي تظهر آثارها على حياة الفرد والمجتمع سلباً وإيجاباً في الدنيا وفي الآخرة ، وفيما يلي نذكر بعض الآثار المترتبة على صداقة المؤمنين بعضهم من بعض في عالم الآخرة : وهو كون الصديق يشفع لصديقه ، وهذا الحق من أهم حقوق عوالم الآخرة حيث أعطى الله تعالى هذا الحق لبعض البشر ليشفع في عباده ، فأعطاها للأنبياء والأئمة وللشهداء وللمؤمنين ، وأيضاً أعطي الصديق والخليل ، ومن هنا فإن أهل النار يندمون أنه ليس لهم صديق حميم يشفع لهم ، حيث قالوا كما أخبر عنهم الله تعالى بقوله : فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ .

ومن أعظم مصاديق الصداقة ، أصحاب النبي وأهل بيته لاسيما أصحاب الإمام الحسين الذين وقفوا معه في عرصات كربلاء ، حيث يروى أن زينب خشيت خذلان الأصحاب عند ساعة العسرة ، فقالت لأخيها الحسين : هل اختبرت أصحابك؟ فقال : لقد اختب_رتهم فما وجدتُ فيهم إلاّ الأشوس الأقعس يستأنسون في المنية دوني ، وحقّاً سطّروا بدمائهم وقرابين نفوسهم أروع وأعظم روابط الحب والصداقة والولاء لإمامهم الحسين .

4خروج مسلم بن عقيل رسولاً عن الحسين إلى الكوفة

14/ رمضان/ السنة 60 ه_

ترك مسلم أهله وأطفاله مع الحسين وعياله في مكة وانطلق في مهمته الشاقة التي أمره بها الإمام الحسين نحو العراق

بمعية أصحابه الذين أرسلهم الحسين معه ، وهم : قيس بن مسهر الصيداوي ، وعُمارة بن عبيد الله السلولي ، وعبد الرحمن بن عبد الله الأرحبي الأذري وعبد الله وعبد الرحمن ابني شداد الأرحبي ، وأمره بالتقوى وكتمان أمره واللطف ، فإن رأى الناس مجتمعين مستوسقين عجل إليه بذلك . . .

وقد عرج مسلم - في طريقه من مكة إلى الكوفة - على المدينة ، متسللاً إليها في أغلب الظن لأنه ربما كان مرصوداً من قبل أعوان السلطة ، وربما ألقي القبض عليه واحتجز أو قتل ، فخروجه من المدينة مع الحسين ورفضه مبايعة يزيد لم يكن من الأمور التي تغضّ السلطة أبصارها عنه . . . . . . فصلى في مسجد رسول الله ، وودع من أحب من أهله . . . .

وربما لم يمض في المدينة إلا الفترة القصيرة التي زار فيها رسول الله وجدّد العهد فيها على نصرة ابنه وخليفته على أمته ، وودّع من أحب من أهله وأصحابه ، وربما لم يستغرق ذلك سواد ليلة واحدة ، انطلق بعدها إلى مهمته . . . ثم استأجر دليلين من قيس ، فأقبلا به ، فضلا الطريق وحارا ، وأصابهم عطش شديد ، وقال الدليلان : هذا الطريق حتى تنتهي إلى الماء . وقد كادوا أن يموتوا عطشاً . . .

ومضى على الوصف ومات الدليلان عطشاً وأفضى مسلم إلى الماء فأقام به ، وهذا الموضع يعرف بالمضيق من بطن الخبيت .

وقد مضى مسلم في مهمته بعد ذلك دون أن يتردد أو

يجبن ، كما زعم من ذكر أنه أرسل رسالة اعتذار إلى الإمام عن إنجاز المهمة ، وأنه طلب إليه أن يكلف شخصاً آخر بها ، وهذا غير صحيح بل كتب مسلم إلى الإمام الحسين مع رسول استأجره من أهل هذا الموضع يعرفه خبر الدليلين وإنه ينتظر أمره .

وهنا نستفيد منزلة عالية لمسلم في التقوى والورع في أمر الدين وأنه لا يتخطى رأي حجة الوقت في حله وترحاله وإنما كتب إلى إمامه بهذه الحادثة لأنه احتمل أن يكون هذا الحادث يغير رأي الإمام فتوقف عن المسير ليرى ما عنده ويكون على بصيرة في إنفاذ أمره .

ولما قرأ السبط الشهيد كتاب مسلم أمره بالمسير إلى مقصده تعريفاً بأن هذه الأحوال لا تغير ما عزم عليه من إجابة طلب الكوفيين وقد ملأوا الأجواء هتافاً بأنهم لا إمام لهم غيره ينتظرونه ليقيم أودهم فلو لم يجبهم تكون لهم الحجة عليه يوم نصب الموازين ، والإمام المنصوب من قبل الله تعالى لا يعمل عملاً يسبب اللوم عليه .

ولاء مسلم بن عقيل للإمامة

1- الولاء العاطفي لمسلم بن عقيل : لقد امتلأ قلب مسلم حباً وعشقاً وودّاً لأهل بيت النبي ، ولإمام زمانه الحسين ، حيث أنه وكما قلنا أخرج معه أولاده ليكونوا في خدمة سيدهم الحسين ، فمسلم الذي كان يعلم بنهاية ثورة الحسين وأن كل من يلتحق به سيقتل ، لما سمع وصية الحسين لبني هاشم حيث جاء فيها : «من التحق بنا استشهد» فأخرج أولاده ليذبوا عن الحسين وهذه أعظم المواساة ، إذ لا أعزّ في هذه الدنيا من الأولاد ومع ذلك فمسلم يقدمهم قرابين بين يدي

الحسين وكذلك عندما خانته الكوفة وأمر به ابن زياد أن يلقى من أعلى القصر ، فصعدوا به الى أعلاه ، كان يتوجه بوجهه الى جهة مكة ويبكي ، فقيل له : أتبكي خوفاً من الموت؟ ، فقال : لا والله ، ولكن أبكي على سيدي الحسين إذ يأتي الى هذا المصر وفيه ما فيه من التصميم على قتله ، فانظر هذا مسلماً الذي ليس بينه وبين الموت شيء وكان فكره وأحاسيسه مع الحسين .

2- الولاء العقائدي لمسلم بن عقيل : كان مسلم صلباً في دينه وعقيدته ، فهم الإمامة كما أنزلها الله ، ووطن فكره وعقله لينهل من معين فكر الإمامة ، وعقيدة الأئمة ، فعلى سبيل المثال؛ فإن الغدر ممقوت عند أهل البيت حتى في حق الفاسق الفاجر ، فأمير المؤمنين كان يقول : «لولا كراهية الغدر لكنت أدهى العرب» ، ولم يعهد من أهل بيت النبي غدر حتى في حق أعدائهم ، وقد اتخذ مسلم من هذا النبل عقيدة اتبع فيها خطى أهل البيت حيث يروى أن شريك بن الأعور نزل في دار هاني بن عروة لمواصلة ما بينهما من العمل لتهيئة المناخ للحسين فمرض ذات يوم فأرسل ابن زياد : أني عائد لك . واغتنمها شريك فرصة فأخذ يحرّض مسلم بن عقيل على الفتك بابن زياد ، وقال له : إن غايتك وغاية شيعتك هلاكه ، فأقم في الخزانة حتى إذا اطمأن عندي أخرج إليه واقتله ، وأنا أكفيك أمره بالكوفة مع العافية .

وبينما هم على هذا إذ قيل : الأمير بالباب ،

فدخل مسلم الخزانة ، ودخل عبيد الله وأخذا يتحدثان ، فلما استبطأ شريك خروج مسلم أخذ عمامته من على رأسه ووضعها على الأرض ، ثم وضعها على رأسه ، ففعل ذلك مراراً ، ونادى بصوت عال يسمع مسلماً :

ما الانتظار بسلمى لا تحيّوها

حيّوا سُليمى وحيّوا من يحيّها

وأخذ يكرره ، وعينه رامقة على الخزانة ، ثم صاح بصوت رفيع : اسقونيها ، ولو كان فيها حتفي ، فالتفت ابن زياد الى هاني وقال له : إن ابن عمك يخلط في علته .

فخرج ابن زياد من عنده ، ولما خرج مسلم من الخزانة ، قال ل_ه شريك : ما منعك عنه؟

فقال : منعني حديث علي عن رسول الله : إن الإيمان قيد الفتك فلا يفتك مؤمن . . . .

فهذا الموقف يدل بوضوح على تقييد مسلم بالخط الذي نهجه ل_ه أئمة أهل البيت ، وهذا يكشف عن شدة ارتباطه عقائدياً بأئمة أهل البيت .

3- الولاء العملي لمسلم بن عقيل : كان عمل مسلم متوافقاً مع خط أهل البيت ، فهو يقبل في الليلة التي بات فيها عند طوعة ، على العبادة والصلاة وقراءة القرآن تأسياً بالنبي وبأهل بيته على الرغم من صعوبة الموقف وخطورته ، ولكن كان يرى ما كان يراه أهل البيت من أن شدّة الموقف وخطورته لا توجب قطع الروابط مع الله تبارك وتعالى .

أيضاً كان خط أهل البيت الشهادة ، ومسلم بن عقيل كان قد وطّن نفسه على ذلك ، فالسلام عليه ورحمة الله وبركاته .

5وفاة أبي طالب عم النبي ووالد الإمام علي 13/ رمضان / السنة 3 قبل الهجرة

أبو طالب كافل الرسول وناصره

أبو

طالب : هو عبد مناف بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي لُقّب بأبي طالب ، وسيد البطحاء ، وشيخ قريش ، رئيس مكة ، و«أبو طالب» لقب غلب عليه ، حتى لم يعد أحد يناديه باسمه الأصلي «عبد مناف» .

كان أبو طالب يتمتع بشخصية قوية مُهابة في نفوس قومه ، وكانت رئاسة قريش وبني هاشم بعد عبد المطلب له ، ولم يكن هو الإبن الأكبر لعبد المطلب ، ولم يكن غنياً ، ولذا قيل : لم يكن أحد يسود قريشاً بلا مال سوى أبا طالب ، وكانت لعبد المطلب علاقة خاصة بولده أبي طالب ، لما كان يعرفه من علوّ منزلته ، ولذا طلب عبد المطلب منه أن يتولّى كفالة النبي من بعده ، فكان أبو طالب عند حسن ظنّ أبيه ، فرعاه وعطف عليه ، وكان يقدمه على أبنائه أجمعين ، وكان يقول :

إنّ ابن آمنة النبي محمداً

عندي يفوق منازل الأولاد

وكان يحبّه حباً شديداً ، وكان لا ينام إلاّ إلى جنبه ، ويخرج فيخرج معه ، وكان يخصّه بالطعام ، فإذا أكل عيال أبي طالب جميعاً أو فرادى لم يشبعوا ، وإذا أكل معهم رسول الله شبعوا ، فيقول أبو طالب : إنّك لمبارك .

وهكذا فاطمة بنت أسد ، زوجة أبي طالب فإنّها كانت تفضّل الرّسول على أولادها ، وكانت ل_ه بمنزلة الأم الحنونة ، فتربّى في حجرها ، فكان رسول الله دائماً يذكرها بخير وكان شاكراً لبرِّها ،

وكان يُسميها «أمي» ، ولما توفيت كفّنها رسول الله بقميصه ، وأمر أن يحفر قبرها في البقيع ، فلما بلغوا لحدها حفره بيده واضطجع فيه وقال : اللهم اغفر لأُمي فاطمة بنت أسد ، ولقّنها حجّتها ووسّع عليها مدخلها .

وهكذا واصل أبو طالب رعايته ونصرته لرسول الله طيلة الإثنين والأربعين عاماً التي قضاها معه ، وأخذ يبلّغ النبي دعوته كما أمره اللّه تعالى ، ولم تشدّد قريش من مواجهتها للنبي حتى بدأ رسول اللّه يهاجم آلهتهم ، ولعلمها بأن وراء النبي محمد قوة لا يمكن تجاوزها قد تمثلت في أبي طالب وبني هاشم الذين أعلنوا بلسان أبي طالب أنهم حماة النبي ، ولذا اجتمعت قريش عدة اجتماعات وقرّروا عدة قرارات ، علّها تثني الرسول وعمّه ، أو تساهم في عزل النبي محمد عن بني هاشم وعبد المطلب ، ومن بين هذه القرارات ، المحاصرة والمقاطعة الاقتصادية ثلاث سنوات في شعب أبي طالب .

إيمان أبي طالب في كلام النبي وأهل بيته

إنّ أبا طالب لم يتخل عن حماية ونصرة الرّسول حتى آخر لحظات عمره الشريف ، بحيث أوصى أقاربه وأصحابه بأن يدافعوا عنه وينصروه ، ولذا كان رسول الله يحب أبا طالب ويثني عليه طيلة حياته ، ولمّا سمع بموته حزن عليه حزناً شديداً ، ثم قال لعلي : امضِ فتول غسله ، فإذا رفعته على سريره فاعلمني . ففعل فاعترضه رسول الله وهو محمول على رؤوس الرجال ، فقال : «يا عم جزيت خيراً ، فلقد ربّيت وكفلت صغيراً ونصرت وآزرت كبيراً ،

أما واللّه لأستغفرنّ لك ولأشفعنَّ فيك شفاعة يعجب لها الثقلان» ، ثم دفن في مقبرة الحجون .

وقد أجاد الشيخ المفيد بما علّقه على هذا الحديث بقوله : في هذا الحديث دليلان على إيمان أبي طالب :

الأول : أمر رسول الله علياً بغسله وتكفينه دون الحاضرين من أولاده ، لأنَّ جعفراً الطيار كان يومئذ ببلاد الحبشة . وطالب وعقيل كانا حاضرين ولكنهما يومئذٍ لم يُسلما بعد ، وأمير المؤمنين كان مؤمناً باللّه ورسوله ، فخصّ المؤمن منهم بولاية أمره ، ولو كان أبو طالب قد مات على ما يزعمه بعض علماء المسلمين ، كان طالب وعقيل أحقّ بتولي أمره من علي ولما جاز للمسلم من ولده القيام بأمره لانقطاع العصمة بينهما . ففي حكم النبي لعلي بتغسيل وتكفين أبي طالب ، شاهد صدق على إيمانه بالإسلام .

الثاني : دعاء النبي ل_ه بالخيرات ، وطلب الشفاعة ل_ه خير دليل على إيمانه ، ولو كان أبو طالب قد مات كافراً ، لما جاز لرسول الله الدعاء والصلاة عليه ، حيث يقول تعالى وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدَاً وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ ، وإذا كان الأمر على ما وصفناه ، ثبت أنَّ أبا طالب مات مؤمناً .

ودافع الإمام علي بن الحسين السجّاد عن جدّه أبي طالب ، حيث يستهدف منها النيل من علي وولده ، فأجاب الإمام عندما سئل عن أبي طالب أكان مؤمناً؟ فقال : «وا عجباً كل العجب! أيطعنون على أبي طالب أو على رسول الله ، وقد نهاه اللّه تعالى أن يقرن مؤمنة مع

كافر في غير آية من القرآن ، ولا يشك أحد أن فاطمة بنت أسد - رضي اللّه تعالى عنها - من المؤمنات السابقات ، فإنها لم تزل تحت أبي طالب حتى مات أبو طالب» .

وروي عن الإمام الباقر ، عن أبي بصير ، قال : قلت لأبي جعفر : سيّدي! إنّ الناس يقولون : إنّ أبا طالب في ضحضاح من النار يغلي منه دماغه . فقال : كذبوا ، واللّه إنّ إيمان أبي طالب لو وضع في كفّة ميزان وإيمان هذا الخلق في كفّة ميزان لرجح إيمان أبي طالب على إيمانهم . ثم قال : «ألم تعلموا أن أمير المؤمنين علياً كان يأمر أن يحجّ عن عبد اللّه وابنه وأبي طالب في حياته ثم أوصى في وصيته بالحج عنهم» .

إيمان أبي طالب في كلام الصحابة

لقد شهد الكثير من الصحابة بإسلام وإيمان أبي طالب . قال ابن أبي الحديد : قالوا : وقد روي بأسانيد كثيرة بعضها عن العباس بن عبد المطلب ، وبعضها عن أبي بكر ، أن أبا طالب ما مات حتى قال : لا إله إلاّ اللّه محمد رسول اللّه .

وفي شعر لابن أبي الحديد ، قال :

ولولا أبو طالبٍ وإبنُهُ

لما مَثُل الدّين شخصاً فقاما

فذاك بمكّة آوى وحامى

وهذا بيثرب جسّ الحِماما

وخير دليل على إيمان أبي طالب بدين النبي؛ أشعاره ووصيته ، ومن تلك الأشعار :

ولقد عَلمتُ بأنَّ دينَ محمَّدٍ

من خير أديان البريّة دينا

يا شاهد اللّه عليّ فاشهَدِ

أنّي على دين النبي أحْمَدِ

من ضلَّ في الدِّين فإِني مُهتدِ

وفي وصيته عند مماته يقول

«يا معشر بني هاشم! أطيعوا محمّداً وصدّقوه تفلحوا

وترشدوا ، يا معشر قريش كونوا ل_ه ولاة ولحزبه حُماة ، واللّه لا يسلك أحدٌ منكم سبيله إلاّ رشد ولا يأخذ أحدٌ بهديه إِلاّ سَعِد» .

هذه الأدلة التي ذكرناها ، كلها تدل على أنَّ أبا طالب كان مؤمناً باللّه طوال حياته على دين آبائه وأجداده على ملة إبراهيم ، وقد أسرَّ الإيمان وأظهر الشرك حفظاً للرِّسالة والرَّسول وأصحاب الرّسول ، وقد دخل الإسلام وآمن برسوله قبل وفاته .

وأما ما قاله البعض بأنَّ أبا طالب كان مشركاً ، ومات على غير الإسلام ، واستدلوا بحديث الضحضاح فمردودٌ لما ذُكر من الأدلة المثبتة لإيمانه أولاً ، وعدم موافقته للسنة القطعية ثانياً ، لأنَّ حديث الضحضاح ضعيف السند ، ثالثاً ، لأنه إنّما يرويه الناس كلهم عن رجل واحد غير عادل ، وفسقه غير خافٍ على الجميع ، وهو المغيرة بن شعبة ، وبغض هذا الرجل لبني هاشم على العموم ، ولعلي على الخصوص مشهور ومعلوم ، والظاهر أنّ الغرض من هذه التهمة ، هو الإمام علي بن أبي طالب ، والنيل من شخصيته كي يُساووه مع الذين كانوا هُم وآباؤهم من المشركين ، وهذه الأباطيل التي حاكوها لم تكن لتقف عند أبي طالب ، بل استمرت حتى وصلت إلى درجة أن يشيعوا في البلاد؛ أنّ الحسين الذي خرج لنصرة الدين والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، كان خارجياً .

زيارة أبي طالب

السلام عليك يا سيد البطحاء وابن رئيسها ، السلام عليك يا وارث الكعبة بعد تأسيسها ، السّلام عليك يا كافل الرَّسولِ

وناصره ، السلام عليك يا عمَّ المصطفى ، وأبا المرتضى ، السلام عليك يا بيضة البلد ، السلام عليك أيّها الذّابُ عن الدّين ، الباذِلُ نفسه في نصرة سيد المرسلين ، السلام عليك وعلى وَلَدِك أمير المؤمنين ورحمَة اللّه وبركاتُهُ .

6مولد الإمام الحسن المجتبى 15/ رمضان / السنة 3 ه_

ولد الإمام الحسن

ولد الإمام الحسن بالمدينة المنورة في ليلة النصف من شهر رمضان سنة ثلاث للهجرة على المشهور .

ولما أذيع نبأ ولادته المباركة ، ووصل الخبر إلى الرّسول فرح فرحاً شديداً ، وسارع إلى بيت ابنته الزهراء البتول ليهنئها بوليدها الجديد ، ويبارك لأخيه أمير المؤمنين ، فلما وصل إلى البيت نادى : يا أسماء هاتيني ابني . . . قامت أسماء ودفعته إليه في خرقة صفراء فرمى بها ، وقال : ألم أعهد إليكم أن لا تلفوا المولود في خرقة صفراء؟ ، وأمر أن يلفّ في خرقة بيضاء ، وقام بإجراء مراسم الولادة على مولوده المبارك ، فأذّن في أُذنه اليمنى ، وأقام في اليسرى ، وفي الخبر : إنّ ذلك عصمة للمولود من الشيطان الرجيم .

ثم التفت إلى أمير المؤمنين فقال له : هل سميت الوليد المبارك؟ .

فأجاب الإمام : ما كنت لأسبقك يا رسول اللّه .

فقال : و ما كنت لأسبق ربي . . . .

وما هي إلاّ لحظات وإذا بالوحي يناجي الرّسول ، ويحمل له «التسمية» من الحق تعالى يقول له جبرائيل : سمه «حسناً» .

حقاً إنه اسم من أحسن الأسماء ، وكفى به جمالاً وحسناً أنّ الخالق الحكيم هو الذي اختاره ليدلّ جمال لفظه

على جمال معناه وحسنه .

وبعد سبعة أيام على ولادته عقَّ عنه كبشاً ، وقال حين ذبحها عقيقة عن الحسن : اللّهمّ عظّمها بعظمه ، لحمها بلحمه ، اللهم اجعلها وقاءً لمحمد وآله . وأعطى القابلة منها الفخذ ، وصار فعله هذا سنة لأمته من بعده ، وأصبحت العقيقة من المستحبات الأكيدة ، بل ذهب بعض الفقهاء إلى وجوبها .

ثم بعد ذلك حلق رأس حفيده بيده المباركة ، وتصدق بزنته فضة على المساكين وطلى رأسه بالخلوق ، وهو طيب مركب من زعفران وغيره ، على خلاف العادة في الجاهلية حيث كانوا يطلون رأس الصبي بالدم ، وفي اليوم السابع أيضاً أجرى عليه الختان ، وكنّاه النبي أبا محمد ولا كنية له غيرها ، وبهذا انتهت جميع مراسم الولادة التي أجراها النبي على سبطه الأكبر الإمام الحسن الزكي المجتبى .

ملامحه وصفاته

كانت ملامح الحسن وصفاته تحاكي ملامح جده رسول الله وصفاته ، فعن الغزالي في إحياء العلوم أن رسول اللّه قال للحسن : أشبهت خلقي وخُلُقي ، فكان كجده في الأخلاق والصفات الحسنة من العبادة وحسن معاشرة الناس والسخاء والكرم والعفو ، والتجاوز عن الآخرين وغيرها من الفضائل الأخلاقية والصفات الحميدة .

وكيف لا يكون كذلك ، وهو من شجرة أصلها ثابت وفرعها في السماء ، قد نشأ في بيت الوحي ، وتربّى في مدرسة التوحيد ، فالرسول تولّى تربيته وأفاض عليه بمكرمات نفسه ، والإمام أمير المؤمنين غذّاه بحكمه ، والزهراء القدسية غرست في نفسه الفضيلة والكمال ، وبذلك سمت طفولته فكانت

مثلاً لخلق النبي ، والتكامل الإنساني ، فهو من أهل بيت أذهب اللّه عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، وأمر المسلمين بمودّتهم واطاعتهم ، ونزلت الآيات العديدة في فضلهم ، وتحدث الرّسول الكثير في فضلهم ، وحبهم ،

منه قوله : أحبّ أهل بيتي الحسن والحسين ، بل بلغ من حبه

لهما : أنه يقطع خطبته في المسجد وينزل عن المنبر ليحتضنهما .

وحينما مضى النبي إلى جنة المأوى ، وسمت روحه إلى الرفيق الأعلى ، انثالت الفتن على المسلمين تترا كقطع الليل المظلم ، وحدث بعده ما حدث ، من اقصاء أمير المؤمنين عن حقه ومنصبه الإلهي ، والمعاناة التي عصفت به خلال فترة ما قبل خلافته وكل ذلك يجري ، والإمام الحسن يشارك أباه أمير المؤمنين الصبر ، وفي العين قذا ، وفي الحلق شجا ، إلى أن تولى الأمر أبوه علي ابن أبي طالب فلازمه طيلة حياته ، وشهد معه حروبه الثلاث ، الجمل ، صفين ، والنهروان ، وقام بالأمر بعد شهادة أبيه وله سبعة وثلاثون سنة ، فحكم ستة أشهر وخمسة أيام ، ثم اضطره معاوية لمصالحته سنة إحدى وأربعين ، وخرج إلى المدينة وأقام بها عشر سنين ، واستشهد في السابع والعشرين من صفر سنة 50 ه_ ، إثر السّم الذي دسته زوجته جعدة بنت الأشعث ، بأمرٍ ومؤامرة من معاوية وبتخطيط من الأشعث بن قيس .

مدائح لأهل البيت

بما أنّ الليلة الخامس عشر من شهر رمضان المبارك ليلة ولادة ابن

بنت الرسول الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب عليهما السلام ، فهي ليلة فرح وسرور ، فلا بأس أن نختم حديثنا هذا بمدائح لأهل البيت عامة والإمام الحسن خاصة .

بآلِ محمدٍ عرف الصّواب

فهم حجج الإله على البرايا

لو فتشوا قلبي رأوا وسطه

العدل والتوحيد في جانب

قلبي يروم نجاة من ولائكم

فلنسأل الشمس هل ردّت لغيركم

فرض من اللّه في القرآن أنزله

و في أبياتهم نزل الكتاب

بهم وبجدِّهم لا يستراب

سطرين ، قد خُطّا بلا كاتبٍ

وحب أهل البيت في جانب

و بالشفاعة ربُّ البيت خصّكُم

يا آل بيت رسول اللّه حبكم

كفاكم من عظيم الفخر أنكم

من لم يصلِّ عليكم لا صلاة له

قلبي بكم يا آل طه مغرم

ولأجلكم بين الأنام مكرّم

بحبّكم أنا ذائب ومتيّم

فإذا وقفت بذكركم أترنَّم

صلَّى الجميع على النبي وسلّموا

فواللّه لا أخشى من النار في غد

وها أنا ذا أدعوكم رافعاً يدي

أنا تابعٌ لأولي العُلى والسؤدد

يا من أتاني سائلاً عن مذهبي

نفحة الطهر والقداسة فاحت

ولد المجتبى الزكيّ فأهلاً

هو ريحانة الرّسول وروحٌ

قد نما فوق صدره وتغذّا

وهو سبط الهادي وفرعٌ عليٌ

وأنتم ولاة الأمر يا آل أحمد

خذوا بيدي يا آل بيت محمدٍ

فهم مُرادي في الحياة ومسندي

أهوى لمذهب أهل بيت محمّد

بشذاها شمائلُ الأنبياء

بوليد الزكيّة الحوراء

من سجاياه عاطرُ الأشذاء

من هُداه فكان خير نماء

من عليٍّ ونبعة الزهراء

7غزوة بدر الكبرى

17 / رمضان / السنة 2 ه_

قال تعالى : وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ بَلى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هذا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ وَما جَعَلَهُ اللهُ إِلاَّ بُشْرى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ .

في شهر رمضان المبارك ،

في السنة الثانية من الهجرة كانت واقعة بدر الكبرى ، وكان النبي قد أرسل قبلها بعدة سرايا ، إلاّ أنه لم يقع فيها قتال ، وكان سببها أن النبي قد أطلعه الغيب على خروج قافلة تجارية لقريش بقيادة أبي سفيان ، فيها أموال كثيرة ، قُدّرت بخمسين ألف دينار ، فخرج النبي ومن معه لأخذها عوض أموالهم التي سلبت في مكة ، غير أنّ هذه القافلة سرعان ما أفلتت منهم إلى الشام ، فأخذ النبي يترقب رجوعها حتى إذ أعلم به انتدب الناس للخروج إليها وسلبها ، فخرج المسلمون يريدون العير ، وقد علم أبو سفيان بالأمر فأرسل رجلاً إلى قريش يستنفرهم لنجاة العير ، فوصل بعد ثلاثة أيام وهو يناديهم : يا آل غالب . . . يا آل غالب . . اللطيمة اللطيمة . فلما أخبرهم الخبر تجهّزت قريش لحرب النبي وما بقي أحد من عظمائها إلاّ أخرج ماله لتجهيز الجيش ، فخرجت قريش بألف فارس ويزيدون ، وأخرجوا معهم المغنيات والدفوف والطبول والخمر ، فلما وصل خبرهم إلى النبي استشار أصحابه بأمر حربهم ، وكان قد قرب بدر ، فقام المقداد ، فقال يا رسول الله : إنها قريش وخيلاؤها ، وقد آمنا بك وصدقناك ، وشهدنا أن ما جئت به حق من عند الله ، والله لو أمرتنا أن نخوض جمر الغضا وشوك الهراس لخضناه معك ، ولا نقول لك ما قالت بنو إسرائيل لموسى : اذهب أنت وربك فقاتلا ، إنا ها هنا قاعدون ، ولكنا

نقول : اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكم مقاتلون ، والله لنقاتلنّ عن يمينك وشمالك ، ومن بين يديك ، ولو خضت بحراً لخضناه معك ، ولو ذهبت بنا برك الغماد لتبعناك .

فأشرق وجه النبي ودعا له وسرّ لذلك وضحك .

ثم أمر أصحابه بالمسير وأخبرهم بأنّ الله تعالى قد وعده إحدى الطائفتين ، النفير أو العير ، وفي ذلك قوله تعالى : وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ وأن الله لن يخلف وعده .

فساروا حتى نزلوا بدراً إلاّ أن المشركين كانوا قد سبقوهم إلى بدر فنزلوا في العُدوة القصوى؛ في جانب الوادي مما يلي مكة ، حيث الماء ، وكانت العير خلف المشركين ، وقد سلمت ، لأنّ أبا سفيان قد سلك بها طريق البحر وابتعد عن المدينة وعن سير المسلمين ، وكان محلّ نزولهم صلباً ، ونزل المسلمون في العدوة الدنيا ، أي جانب الوادي مما يلي المدينة ، حيث لا ماء ، وحيث الأرض رخوة ، لا تستقر عليها قدم ، فباتوا إلى الليل ، واشتد العطش بالمسلمين ، فقال رسول الله لأصحابه : مَن منكم يمضي في هذه الليلة إلى البئر فيستسقي لنا؟ فصمتوا ولم يتقدم منهم أحدٌ على ذلك ، فأخذ أمير المؤمنين قربةً وانطلق ، وكانت ليلة باردة ظلماء ، ذات رياح وهواء حتى ورد البئر ، فلم يجد دلواً يستسقي به فنزل بنفسه في البئر وملأ

القربة ، وأخذ في الرجوع ، فعصفت عاصفة ، فجلس حتى سكنت ، ثم قام يسير وإذا بعاصفة ثانية فجلس حتى هدأت ، ثم قام يسير ، وإذا بعاصفة ثالثة فجلس حتى زالت ، ثم قام وسلك طريقه حتى أتى النبي فسأله النبي عن بُطئه فأخبره بالعواصف الثلاث ، فقال النبي : وهل علمت ما هي تلك العواصف يا عليّ؟ فقال : لا . فقال : العاصفة الأولى جب_رائيل ، ومعه ألفٌ من الملائكة سلم عليك وسلموا ، والثانية كانت ميكائيل ومعه ألف ملك سلم عليك وسلموا ، والثالثة كانت إسرافيل ومعه ألف ملك سلم عليك وسلموا ، وكلهم هبطوا مدداً لنا .

وإلى هذا المعنى يشير مَن قال : كانت لعليٍ ثلاثة آلاف منقبة في ليلة واحدة .

وفي هذا نزلت الآية الكريمة : إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ .

ولما أصبح يوم الواقعة ورأى المسلمون كثرة المشركين ، خافوا وتضرّعوا إلى الله ، ولمّا نظر النبي إلى كثرة المشركين ، وقلّة المسلمين استقبل القبلة ، وقال : اللهم أنجز لي ما وعدتني ، اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض . فنزل قوله تعالى : إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ وَما جَعَلَهُ اللهُ إِلاَّ بُشْرى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ .

ثم ألقى الله النعاس على المسلمين فناموا ليهدّئ من روعهم وخوفهم ، وليتمكنوا في الصباح من مواجهة المشركين بقوة وثبات ، وحتى لا تتضخّم الأمور في الليلة البهيم

فيأخذهم الاضطراب ويعصف بهم التخمين ويتملكهم الخوف . قال تعالى : إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدامَ .

وفي مقابل ذلك فقد ألقى الله سبحانه في قلوب المشركين الرعب والخوف ، قال تعالى : إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْناقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ .

المعركة ونتائجها

كان أول من برز للقتال عتبة وأخوه شيبة وابنه الوليد ، فبرز إليهم ثلاثة من الأنصار ، فنادى عتبة أو شيبة : يا محمد أخرج إلينا أكفاءنا من قومنا . فندب إليهم عبيدة بن الحارث وحمزة وعلياً قائلاً : قم يا عبيدة ، قم يا عم ، قم يا علي ، فاطلبوا بحقكم الذي جعله الله لكم . . . .

فتبارز الثلاثة ، وقتل علي الوليد ، وجاء فوجد حمزة معتنقاً شيبة بعد أن تثلمت في أيديهما السيوف ، فقال : يا عم طأطئ رأسك ، وكان حمزة طويلاً ، فأدخل رأسه في صدر شيبة ، فاعترضه علي بالسيف فطيّر نصف رأس شيبة ، وكان عتبة قد قطع رجل عبيدة ، وفلق عبيدة هامته ، فجاء علي فأجهز على عتبة ، وعلى هذا فيكون علي قد شرك في قتل الثلاثة .

وبدأت المعركة بعد المبارزة الفردية ، فأخذ النبي كفاً من الحصباء فرماها في وجوه المشركين فما بقي فرد منهم إلاّ امتلأت عينه منه ، ثم أخذ المسلمون يقتلون ويأسرون ،

وقد قُتل زعماؤهم وقُتل أبو جهل وأمية وأضرابهما . . .

واستشهد من المسلمين تسعة ، وقيل : أحد عشر . وقيل : أربعة عشر؛ ستة من المهاجرين ، وثمانية من الأنصار ، كما أنه لم يؤسر من المسلمين أحد ، كما أنهم قد غنموا من المشركين مئة وخمسين بعيراً ، وعشرة أفراس ، وقيل ثلاثين ، ومتاعاً وسلاحاً وأنطاعاً وثياباً وأدماً كثيراً .

وكان لعلي الدور الأساس في هذه المعركة ، حيث كان نصف القتلى تقريباً بسيفه ، وقد ذكر الواقدي أسماء تسعة وأربعين رجلاً ممن قتل في بدر من المشركين ، ونصّ على أنّ من قتله منهم أمير المؤمنين علي وشرك في قتله اثنان وعشرون رجلاً .

وقال بعضهم : إنّ أهل الغزوات أجمعوا على أنّ جملة من قتل يوم بدر سبعون رجلاً قتل علي منهم إحدى وعشرين نسمة باتفاق الناقلين ، وأربعة شاركه فيهم غيره ، وثمانية مختلف فيهم .

دروس وعبر من غزوة بدر

لقد حملت واقعة بدر الكثير من الدروس والعبر للمسلمين جميعاً على مرّ التاريخ ، فكل من يقرأ صفحات بدر ، وما بذله المسلمون ، في سبيل الله تعالى ، والقيادة الحكيمة للنبي يستحصل حصيلة كبيرة من الفوائد والدروس ، ومن أهم تلك الدروس الحصول على نتائج الاعتماد على الله تعالى والتمسك بالقيادة الإلهية الحكيمة للنبي حيث كان من الواضح جداً أن المسلمين يشكلون في عددهم وعتادهم من الناحية العسكرية الجانب الضعيف في هذه المعركة ، غير أنّ المسلمين وبسبب الاعتماد المطلق على الله ورسوله ، والعزم على إعلاء

كلمة التوحيد ، صغر كل ذلك في عيونهم ، فكان النصر حليفهم .

بين بدر وكربلاء

لا شكّ في أنّ معركة كربلاء استمرار واضح لمعركة بدر بنظر الحسين وبنظر يزيد ، فأراد يزيد من هذه المعركة أن ينتقم من النبي والإسلام ، ويثأر لأجداده من بني أمية ، ولذا فبعد قتل الحسين اعتبر نفسه منتصراً فقال تلك الأبيات المعروفة التي مرّت علينا ومنها هذا البيت :

قد قتلنا القوم من ساداتهم

وعدلناه ببدر فاعتدل

كما أنّ معركة كربلاء كانت بنظر الحسين كذلك ، أي استمراراً لمعركة بدر ، ولكن باتجاه آخر ، فإذا كان منظار يزيد الانتقام والأخذ بالثأر ، فكان منظار الحسين الوقوف بوجه الظلم والفساد والانحراف الذي بعث جده المصطفى لمحوه واستئصال شوكته ، ومن هنا كان الحسين استمراراً لرسول الله ، ومن هنا قال النبي : حسين مني وأنا من حسين .

فلئن حارب النبي قريشاً في بدر لأجل كسر فرعنة صناديدها ، فقد قاتل الحسين في كربلاء لكسر كبرياء آل أمية وفرعنتهم وتسلطهم على رقاب المسلمين ، ولئن حارب النبي قريشاً في بدر لقمع الجاهلية الموروثة فقد حارب الحسين في كربلاء ليقمع الجاهلية الموروثة ما بعد الإسلام ، وهكذا قدّم الحسين كل ما يملك ، وكل غالٍ ونفيس في سبيل هذا المبدأ العظيم ، حتى توّج تضحياته بتقديم نفسه ، الّتي بقيت حية على الدهور تحيي الإسلام في النفوس بمنهج رباني رصين وحصين إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها .

8جرح أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب

19/رمضان / السنة 4 ه_

الليلة التاسعة عشر من شهر رمضان سنة 40ه_ هي الليلة التي

أصاب ابن ملجم المرادي غيلة وغدراً رأس أمير المؤمنين علي بن أبي طالب بضربة سيف مسموم وهو يصلي صلاة الصبح في مدخل مسجد الكوفة ، وبهذه المناسبة؛ ينبغي أن نذكر ما وقع من الحوادث في هذه الليلة وحالات أمير المؤمنين قبل الشهادة ونبدأ الحديث ، حول حب الإمام للشهادة .

حب الإمام علي للشهادة :

لقد اشتهرت هذه المقولة عن الإمام علي : ألا إن ابن أبي طالب آنس بالموت من الطفل بثدي أمه والموت الذي كان يتمناه الإمام هو بالقتل والشهادة حيث أخبره به النبي الصادق .

كان الإمام كثيراً ما يخبر الناس بشهادته ، واختضاب لحيته الكريمة بدم رأسه ، وحينما رأى ابن ملجم ، قال : أريد حياته ويريد قتلي . وفي تلك السنة الأخيرة من حياته ، والشهر الأخير من حياته كان يخبر الناس بشهادته فيقول : ألا وإنكم حاجوا العام صفاً واحداً وآية علامة ذلك أني لست فيكم . فعلم الناس أنه ينعى نفسه ، ولم يكتف بذلك بل كان يدعو لنفسه بالشهادة ، ويسأل من الله تعالى تعجيل الوفاة ، قائلاً : اللهم إني قد سئمتهم وسئموني ومللتهم وملوني ، أما آن أن تخضّب هذه من هذه - ويشير إلى هامته ولحيته - .

وقبل الواقعة أخبر ابنته زينباً بأنه رأى رسول الله وهو يمسح الغبار عن وجهه ، ويقول : يا علي لا عليك قضيت ما عليك . وكان الإمام قد بلغ من العمر ثلاثاً وستين سنة ، وفي شهر رمضان من تلك السنة كان الإمام يفطر ليلة عند ولده الحسن ، وليلة عند ولده

الحسين ، وليلة عند ابنته زينب الكبرى ، زوجة عبد الله بن جعفر ، وليلة عند ابنته زينب الصغرى المكنّاة بأم كلثوم .

وفي الليلة التاسعة عشر كان الإمام في دار ابنته أم كلثوم ، فقدمت له فطوره في طبق فيه قرصان من خبز الشعير ، وقصعة فيها اللبن الفاتر ، وملح ، فأمر الإمام ابنته أن ترفع اللبن ، وقال لها : يا بنية أتريدين أن يطول وقوف أبيك بين يدي الله فتلوّنين له الطعام . وأفطر بالخبز والملح ولم يشرب من اللبن شيئاً ، لأن في الملح كفاية ، وأكل قرصاً واحداً ، ثم حمد الله وأثنى عليه ، وقام إلى الصلاة ، ولم يزل راكعاً وساجداً ومبتهلاً ومتضرعاً إلى الله تعالى ، وكان يكثر الدخول والخروج ، وينظر إلى السماء ، ويقول : هي والله الليلة التي وعدني بها حبيبي رسول الله . ثم رقد هنيئة وانتبه مرعوباً ، وجعل يمسح وجهه بثوبه ، ونهض قائماً على قدميه ، وهو يقول : اللهم بارك لنا في لقائك ، ويكثر من قول لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .

ثم صلى حتى ذهب بعض الليل ، ثم جلس للتعقيب ، ثم نامت عيناه وهو جالس ، فانتبه من نومته مرعوباً ، فقال لأولاده : إني رأيت في هذه الليلة رؤيا هالتني ، وأريد أن أقصّها عليكم . قالوا : ما هي؟ قال : إني رأيت الساعة رسول الله في منامي ، وهو يقول لي :

يا أبا الحسن إنك قادم إلينا عن قريب يجيء إليك أشقاها ، فيخضّب شيبتك من دم رأسك ، وأنا والله مشتاق إليك ، وإنك عندنا في العشر الآخر من رمضان ، فهلمّ إلينا فما عندنا خير لك وأبقى .

قال : فلما سمعوا كلامه ضجّوا بالبكاء والنحيب ، وأبدوا العويل ، فأقسم عليهم بالسكوت ، فسكتوا ، ثم أقبل عليهم يوصيهم ويأمرهم بالخير وينهاهم عن الشر ، قالت أم كلثوم : لم يزل أبي تلك الليلة قائماً وقاعداً وراكعاً وساجداً ثم يخرج ساعة بعد ساعة ، يقلب طرفه في السماء ، وينظر في الكواكب وهو يقول : والله ما كَذبت ولا كُذبت وإنها الليلة التي وعدني بها حبيبي رسول الله . ثم يعود إلى مصلاه ويقول : اللهم بارك لي في الموت . ويكثر من قول : إنا لله وإنا إليه راجعون ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، ويصلي على النبي ، ويستغفر الله كثيراً .

قالت أم كلثوم : فلما رأيته في تلك الليلة قلقاً متململاً كثير الذكر والاستغفار أرقت معه ليلتي وقلت : يا أبتاه ما لي أراك في هذه الليلة لا تذوق طعم الرقاد؟ قال : يا بنية إنّ أباك قتل الأبطال وخاض الأهوال وما دخل الخوف له جوفاً ، وما دخل في قلبي رعب أكثر مما دخل في هذه الليلة ، ثم قال : إنا لله وإنا إليه راجعون .

فقلت يا أبتاه : ما لك تنعى نفسك منذ الليلة؟ قال : بنية قد قرب الأجل وانقطع الأمل ، قالت

أم كلثوم : فبكيت . فقال لي : يا بنية لا تبكي فإني لم أقل ذلك إلا بما عهد إليّ النبي . ثم إنه نعس وطوى ساعة ، ثم استيقظ من نومه وقال : يا بنية إذا قرب الآذان فأعلميني ، ثم رجع إلى ما كان عليه أول الليل من الصلاة والدعاء والتضرّع إلى الله سبحانه وتعالى ، قالت أم كلثوم : فجعلت أرقب الآذان فلما لاح الوقت أتيته ومعي إناء فيه ماء ، فأسبغ الوضوء وقام ولبس ثيابه وفتح الباب ثم نزل إلى الدار وفيها إوز قد أهدي إلى أخي الحسين ، فلما نزل خرجن وراءه ورفرفن وصحن في وجهه ، وكان قبل تلك الليلة لم يصحن ، فقال : لا إله إلا الله صوائح تتبعها نوائح ، وفي غداة غد يظهر القضاء . فقلت : يا أبتاه هكذا تتطير ، فقال : بنية ما منا أهل البيت من يتطير ولا يتطير به ، ولكن قولٌ جرى على لساني . ثم قال : يا بنية بحقي عليك إذا جاع أو عطش فأطعميه واسقيه وإلا خلي سبيله يأكل من حشائش الأرض . فلما وصل إلى الباب عالجه ليفتحه فتعلق الباب بمئزره حتى سقط ، فأخذه وشده ، وهو يقول :

أشدد حيازيمك للموت

ولا تجزع من الموت

كما أضحكك الدّهر

فإنّ الموت لاقيكا

إذا حلّ بواديكا

كذاك الدّهر يبكيكا

ثم قال : اللهم بارك لنا في الموت ، اللهم بارك لي في لقاءك . قالت أم كلثوم : وكنت أمشي خلفه فلما سمعته يقول ذلك ، قلت : وا غوثاه يا أبتاه ، أراك تنعى نفسك

منذ الليلة . قال : يا بنية ما هو بنعاء ، ولكنها دلالات وعلامات للموت يتبع بعضها بعضاً ، ثم فتح الباب وخرج ، قالت أم كلثوم : فجئت إلى أخي الحسن فقلت : يا أخي قد كان من أمر أبيك الليلة كذا وكذا وهو قد خرج في هذا الليل الغلس فألحقه ، فقام الحسن بن علي وتبعه .

أما عدو الله عبد الرحمن بن ملجم فكان على رأي الخوارج ، وكانت بينه وبين قطام حب وغرام ، وقطام قد قتل أبوها وأخوها وزوجها ، في النهروان ، وقد امتلأ قلبها غيظاً وعداءً لأمير المؤمنين ، وأراد ابن ملجم أن يتزوجها فاشترطت عليه أن يقتل أمير المؤمنين فاستعظم هذا الأمر ، وطلبت منه ثلاثة آلاف ديناراً وعبداً وقينة جارية وينسب إليه هذه الأبيات :

فلم أر مهراً ساقه ذو سماحة

ثلاثة آلاف وعبد وقينة

كمهر قطام من فصيح وأعجم

وضرب علي بالحسام المسمّم

فقد جاء عبد الرحمن بن ملجم تلك الليلة ، وبات في المسجد ينتظر طلوع الفجر ، ومجيء الإمام للصلاة ، وهو يفكر حول الجريمة العظمى التي قصد ارتكابها ، ومعه رجلان شبيب بن بحرة ، ووردان بن مجالد ، يساعدانه على قتل الإمام .

وسار الإمام إلى المسجد فقام المجرم الشقي لإنجاز أكبر جريمة في تاريخ الكون؟ وأقبل يمشي حتى وقف بإزاء الاسطوانة التي كان الإمام يصلي إليها فأمهله حتى صلى الركعة الأولى ، وسجد السجدة الأولى ورفع رأسه منها فتقدم اللعين ، وأخذ السيف وهزّه ، ثم ضربه على رأسه الشريف ، وهو يقول :

الحكم لله لا لك يا علي . فوقعت الضربة على مكان الضربة التي ضربها عمرو بن عبد ود العامري .

فوقع الإمام على وجهه قائلاً : بسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله! ، ثم صاح : فزت ورب الكعبة ، قتلني ابن ملجم ، قتلني ابن اليهودية ، أيها الناس لا يفوتكم ابن ملجم .

أخبر الإمام عن قاتله كيلا يشتبه الناس بغيره فيقتلون البريء ، ونبع الدم العبيط من هامة الإمام ، وسال على وجهه المنير وخضب لحيته الكريمة ، وصدق كلام الرسول ووقع ما أخبر به ، لم يفقد الإمام وعيه ، وما انهارت أعصابه بالرغم من وصول الضربة إلى جبهته وبين حاجبيه فجعل يشدّ الضربة بمئزره ، وفي تلك اللحظة هتف جبرائيل بذلك الهتاف السماوي : تهدّمت والله أركان الهدى ، وانطمست والله نجوم السماء ، وأعلام التقى ، وانفصمت والله العروة الوثقى ، قتل ابن عم المصطفى ، قتل الوصي المجتبى ، قتل علي المرتضى ، قتل والله سيد الأوصياء ، قتله أشقى الأشقياء . وضجّت الملائكة في السماء ، وهبّت ريح عاصفة سوداء مظلمة .

فلما سمعت أم كلثوم نعي جبرائيل صاحت : وا أبتاه وا علياه وا محمداه وا سيداه .

وخرج الحسن فإذا الناس ينوحون وينادون : وا إماماه وا أمير المؤمنيناه ، قتل والله إمام عابد مجاهد لم يسجد لصنم قط ، وكان أشبه الناس برسول الله .

فلما سمع الحسن صرخات الناس نادى : وا أبتاه وا علياه ليت الموت أعدمنا الحياة . فلما

وصل إلى الجامع ، ودخل وجد أبا جعدة بن هبيرة ، ومعه جماعة من الناس وهم يجتهدون أن يقيموا الإمام في المحراب ليصلي بالناس .

فلم يطق على النهوض وتأخر عن الصف ، وتقدم الحسن فصلى بالناس وأمير المؤمنين صلى إيماء من جلوس ، وهو يمسح الدم عن وجهه وكريمته ، يميل تارة ويسكن أخرى ، والحسن ينادي : وا انقطاع ظهراه؟ يعز والله عليّ أن أراك هكذا . ففتح الإمام عينه وقال : يا بني لا جزع على أبيك بعد اليوم ، هذا جدك محمد المصطفى ، وجدتك خديجة الكب_رى ، وأمك فاطمة الزهراء ، والحور العين ينتظرون قدوم أبيك فطب نفساً وقرّ عيناً ، وكفّ عن البكاء ، فإن الملائكة قد ارتفعت أصواتها إلى السماء .

ثم إن الخبر شاع في جوانب الكوفة ، وانحشر الناس حتى المخدرات خرجن من خدورهن إلى الجامع ينظرون إلى الإمام علي بن أبي طالب ، فدخل الناس الجامع فوجدوا الحسن ورأس أبيه في حجره ، وقد غسل الدم عنه ، وشد الضربة وهي بعدها تشخب دماً ووجهه قد زاد بياضاً بصفرة وهو يرمق السماء بطرفه ولسانه يسبح الله ويوحده والحسن يبكي .

فقال له الإمام : يا بني ما هذا البكاء ، يا بني لا روع على أبيك بعد اليوم؟ يا بني أتجزع على أبيك ، وغداً تقتل بعدي مسموماً مظلوماً ويقتل أخوك بالسيف هكذا؟ وتلحقان بجدكما وأبيكما وأمكما؟

ثم أمر أن يحملوه إلى منزله فلما اقتربوا من منزل الإمام خرجت زينب فنظرت إلى أبيها أمير المؤمنين محمولاً على الأكتاف

، فنادت : وا أبتاه وا علياه .

9فتح مكة المكرمة

20/ رمضان / السنة 8 ه_

بتجلى في هذا القسم من التاريخ الإسلامي الوجه الإنساني الرحيم الذي كان يتسم به رسول الله الذي كان يحرصُ على دماء أعداء الرسالة الألداء ، وأموالهم ، ويسعى إلى حفظها وصيانتها ، كما لو كانوا أصدقاءً لا أعداءً .

فهو يعفو بمروءة كبيرة ، وبُعد مدى واسع ، ورؤية مستقبلية عميقة عن قريش ، ويغفر لهم جرائمهم وأذاهم ويُصدرُ عفواً عاماً لم يعرف له تاريخ الفاتحين نظيراً في أسبابه ، وعلله ، وفي ظروفه وملابساته .

تقدّم جيشُ التوحيد العظيم نحو مكة ، حتى أصبح على مقربة منها .

وقد كان رسول الله عازماً على أن يفتح مكة من دون إراقة دماء ، وإزهاق أرواح ، وأن يسلّم العدوُّ من دون أية شروط .

وكان من العوامل التي ساعدت على تحقيق هذه الغاية - مضافاً إلى عامل التكتم والتستر ومبدأ المباغتة - أن العباس عمّ النبي توجه إلى مكة كداعية صلح ووسيط سلام بين قريش والنبي .

وقد قام العباس بدوره على أفضل صورة ، فقد أرعب أبو سفيان من قوة الإسلام العسكرية الكبرى ، ولهذا رأى النبي أن يخلّى سبيله ليذهب إلى مكة قبل دخول جنود الإسلام فيها ، فيخبر أهلها بعظمة وقوة الجيش الإسلامي القادم إليهم ، ويحذرهم من مغبة المقاومة والمواجهة ، ويدلهم على طريق الخلاص والنجاة ، وهو التسليم للأمر الواقع ، ففعل ذلك .

فدخلت جميع وحدات الجيش الإسلامي وقطعاته وكتائبه وفرقه مكة من دون قتال ومن

دون أن تلقى من أهلها مقاومة .

ثم إن رسول الله دخل مكة من ناحية أذاخر ، وهي أعلى نقطة في مكة في موكب عظيم جليل ، فضرب له قبة من ادم بالحجون عند قبر عمه العظيم أبي طالب ليستريح فيها ، وقد أصروا عليه بأن ينزل في بعض بيوت مكة فأبى

كسرُ الأصنام وغسل الكعبة

لقد استسلمت مكة التي كانت مركزاً رئيسياً للشرك والوثنية طوال أعوام عديدة ومديدة ، أمام قوات التوحيد الظافرة ، وسيطر جنود الإسلام على جميع نقاط تلك المدينة المقدسة .

ولقد استراح رسول الله في الخيمة التي ضربوها له في الحجون بعض الوقت .

ثم إنه بعد أن اطمأن واغتسل ركب راحلته القصواء وتوجّه إلى المسجد الحرام لزيارة بيت الله المعظم والطواف به ، بينما كان يحمل معه السلاح ، والمغفر على رأسه ، وتحيط به هالة من العظمة والجلال ، ويحدق به المهاجرون والأنصار ، وقد صف له الناس من المسلمين والمشركين ، بعضٌ يغمره الفرح والسرور ، وآخرون يكادون ينفجرون من الغيظ .

فطاف رسول الله بالبيت على راحلته ، وقد أخذ بزمامها محمد بن مسلّمة وفيما احتبست الأصوات في الصدور ، واتجهت الأبصارُ إليه فوقعت عيناه الشريفتان - في الشوط الأول من طوافه - على الأصنام الكبرى هبل واساف ونائلة منصوبة فوق الكعبة ، فجعل رسول الله كلّما مر بصنم منها يشير بقضيب في يده ويقول : جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهُوقاً فيقع الصنم لوجهه .

وكانت جدران الكعبة من الداخل مغطّاة بصور الأنبياء والملائكة وغيرهم ، فأمر النبي

بمحوها جميعاً ، وغسلها بماء زمزم .

يقول المحدثون والمؤرخون : لقد كُسِرَت بعض الأصنام الموضوعة على الكعبة على يد علي بن أبي طالب وذلك عندما قال رسول الله لعلي : يا علي إصعد على منكبي .

فصعد علي على منكبه ، ثم نهض به فألقى صنم قريش الأكبر ، وكان من نحاس ، ثم ألقى بقيّة الأصنام إلى الأرض وحطّمها .

النبي يعلنُ عن العفو العام

ثم إن رسول الله أعلن العفو العام عن جميع أهل مكة بقوله :

ألا لبئس جيرانُ النبي كنتم ، لقد كذّبتم ، وطردتم ، وأخرجتم ، وآذيتم ، ثم ما رضيتم حتى جئتموني في بلادي تقاتلونني إذهبوا فأنتم الطُلقاء .

خطاب النبي التاريخي في المسجد الحرام

كان الاجتماع الذي شهده المسجد الحرام يوم فتح مكة اجتماعاً عظيماً جداً .

المسلمون والمشركون ، والصديق والعدو حضروا بأجمعهم في ذلك الاجتماع ، وكانت تجلل هالة من عظمة الإسلام وعظمة نبيه الكريم رحاب ذلك المكان المبارك ، وكان الصمت والهدوء ، وحالة من الانتظار والترقب ، تخيم على أجواء مكة .

لقد آن الأوان - الآن - لأن يكشف رسول الله للناس عن الملامح الحقيقة لدعوته المباركة ويوقف ذلك الحشد الهائل المتعطش على معالم رسالته العظمى ، ومبادئ دينه الحنيف ، وبالتالي أن يكمل حديثه الذي بدأه قبل عشرين عاماً ولكنّه لم يُوفق لإتمامه بسب مضايقات المشركين ، ومعارضتهم ، وبسبب ما أوجدوه من عقبات وعراقيل في طريقه .

ولقد كان رسول الله ابن تلك المنطقة ، وتلك البيئة ، ولهذا كان عارفاً

- تمام المعرفة - بأمراض المجتمع العربي ، وأدوائه ، وعلاج تلك الأدواء ودوائها .

لقد كان يعرف علل إنحطاط المجتمع المكي وأسباب تخلفه عن ركب الحضارة والمدنية ، وعن اللحاق بقافلة التكامل البشري الصاعد .

من هنا رأى أن يضع يده على مواضع الداء في ذلك المجتمع المريض ، وأن يعالج أمراض البيئة العربية بشكل كامل ، وكأي طبيب حاذق ، وحكيم ماهر .

ونحن هنا ندرج أبرز المقاطع في الخطاب التاريخي الذي ألقاه سيد المرسلين على الحشود الكبيرة المتجمعة في ذلك اليوم عند بيت الله المعظم .

تلك المقاطع التي يعالج كل منها مرضاً اجتماعياً خاصاً من أمراض المجتمع في ذلك العصر وحتى في عصرنا الحاضر .

1- التفاخر بالنسب :

كان التفاخر بالنسب والقبيلة والعشيرة من الأمراض المستحكمة المتجذرة في البيئة العربية الجاهلية ، وكان من أكبر أمجاد المرء أن ينتسب إلى قبيلة معروفة ، ويتفرع نسبه عن عشيرة بارزة كقريش مثلاً :

ولقد قال رسول الله في خطابه المذكور لإبطال هذه السنّة الجاهلية المقيتة : أيها الناس إنّ الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية وتفاخرها بآبائها ، ألا إنكم من آدم ، وآدم من طين ، ألا خير عباد الله عبدٌ اتقاه .

لقد عمد رسول الله في خطابه - لإفهام العالم البشري بأن ملاك الشخصية والتفوق إنما هو التقوى والورع فقط .

2- التفاضل بالقومية العربية :

لقد كان رسول الله يعلم جيداً أن هذه الجماعة من البشر تعتبر العربية والانتساب إلى العرق العربي من المفاخر الكبرى ، وكانت النخوة العربية قد ترسخت في قلوب تلك الجماعة وعروقها

كداء دفين ومرض مزمن ، فقال في خطابه لمعالجة هذا الداء الخبيث وتحطيم هذا الصرح الموهوم : إن العربية ، ليست بأب والد ، ولكنه لسان ناطق ، فمن قصُر عمله لم يبلغ به حسبه ، وقال : إن الناس من آدم إلى يومنا هذا مثل أسنان المشط ، لا فضل للعربي على أعجمي ، ولا لأحمر على الأسود إلا بالتقوى .

وقد ألغى رسول الإنسانية الأعظم بهذا البيان الصريح كل أنواع التمييز الظالمة ، وكل ألوان التشدد مع الآخرين ، وفعل وبيّن في ذلك العصر ما لم يفعله ومل يبينه ميثاق حقوق الإنسان مع كل هذه الضجة الإعلامية التي نشهدها في عالمنا الحاضر .

3- الأخوة الإسلامية :

ولقد ارتبط قسم من خطاب رسول الله في ذلك الحشد العظيم بمسألة اتحاد المسلمين ووحدة كلمتهم ، وحق المسلم على أخيه المسلم .

وقد كان مقصوده من بيان هذه الحقوق المتبادلة بين المسلمين التي تعتبر من مميزات الدين الإسلامي الحنيف ، هو أن يرغب غير المسلمين في الإسلام إذا هم سمعوا ورأوا مثل هذه الحقوق ، ومثل هذه العلاقات المتينة بين المسلمين .

فقد قال في هذا الصعيد : المسلم أخو المسلم ، والمسلمون إخوة وهو يد واحدة على من سواهم ، نتكافؤ دماؤهم ، ليسعى بذمتهم أدناهم .

10شهادة الإمام علي بن أبي طالب

21/ رمضان/ السنة 40 ه_

وهي من احتمالات ليلة القدر أيضاًً

وصايا الإمام عند الموت

ليلة الحادي والعشرين من شهر رمضان سنة 40 للهجرة هي الليلة التي في صبيحتها استشهد الإمام علي بن أبي طالب إثر الضربة بالسيف المسموم التي ضربه ابن ملجم

على أم رأسه في ليلة التاسع عشر من شهر رمضان ، وبقي الإمام في فراشه ثلاثة أيام وكان قد اصفرَّ لونه من أثر الضربة ، ولما قرب أجله أخذ يوصي أهله وأصحابه بجملة من الوصايا ، ومما جاء في وصيته : بالأمس أنا صاحبكم ، واليوم أنا عب_رة لكم ، وغداً مفارقكم ، كما أنه مثل هذه الليلة أوصى ولديه الحسن والحسين ، وأهل بيته بجملة وصايا ، وهي وصايا خالدة لكل أتباع علي منها :

أوصيك يا حسن ويا حسين وجميع ولدي وأهل بيتي ومن بلغهم كتابي هذا؛ بتقوى الله ربكم ، ولا تموتنّ إلا وأنتم مسلمون - إلى أن يقول - الله الله في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فإنه عماد دينكم . . . الله الله في الأيتام فلا يظلمنّ في حضرتكم . . . الله الله في القرآن فلا يسبقكم إلى العمل به غيركم ، الله الله في جيرانكم فإن رسول الله أوصى بهم ، الله الله في الصلاة فإنها خير العمل وعمود الدين ، الله الله في الزكاة فإنها تطفىء غضب ربكم ، الله الله في الصيام في شهر رمضان فإنّ صيامه جُنة من النار ، الله الله في الجهاد في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم ، الله الله في ذرية نبيكم فلا يظلمنّ بين أظهركم .

ثم التفت إلى بني عبد المطلب قائلاً لهم : ارفقوا بأسيركم وأطعموه من طعامي ، واسقوه من شرابي ، ثم إذا أنا مت - يا حسن - فاضربه ضربة واحدة ، ولا تحرقه بالنار ،

ولا تمثّل بالرجل ، فإني سمعت جدك رسول الله يقول : إياكم والمثلة ولو بالكلب العقور ، وإن أنا عشت ، فأنا أولى به ، ثم عرق جبينه وسكن أنينه ، فقالت زينب : يا أبه أراك عرق جبينك ، وسكن أنينك؟ قال : يا بنية سمعت جدك رسول الله يقول : إنّ المؤمن إذا نزل به الموت ، ودنت وفاته عرق جبينه ، وسكن أنينه ، فقامت زينب ، وألقت بنفسها على صدر أبيها ، وقالت : يا أبه حدثتني أم أيمن بحديث كربلاء ، وقد أحببت أن أسمعه منك ، فقال : يا بنية الحديث كما حدثتك أم أيمن ، وكأن بك ونساء أهلك سبايا بهذا البلد فصب_راً صب_راً .

ثم نظر إلى أولاده فرآهم تكاد تزهق أرواحهم من شدّة البكاء والنحيب ، فقال لهم : أحسن الله لكم العزاء ، ألا وإني منصرف عنكم ، وراحل في ليلتي هذه ، ولاحق بحبيبي محمد كما وعدني ، فإذا أنا مت يا أبا محمد ، فغسلني وكفني وحنطني ببقية حنوط جدّك رسول الله ، فإنه من كافور الجنة جاء به جب_رائيل إليه ، ثم ضعني على سريري ، ولا يتقدم أحد منكم على مقدم السرير ، واحملوا مؤخره ، واتبعوا مقدمه ، وصلّ عليّ يا بني حسن ، وكبّر عليّ سبعاً ، واعلم أنه لا يحلّ ذلك على أحد غيري إلا على رجل يخرج في آخر الزمان اسمه القائم المهدي من ولد أخيك الحسين ،

يقيم اعوجاج الحق ، فإذا أنت صليت عليّ فنح السرير عن موضعه ، ثم اكشف التراب عنه فترى قب_راً محفوراً ، ولحداً منقوباً ، وساحة منقوبة ، فضعني فيها ثم أشرج اللحد باللبن ، وأهِل التراب عليّ ، ثم غيّب قب_ري .

فلما سمعت زينب وصية أبيها لطمت وجهها ، ثم هوت عليه تشمه وتقبل يديه ، ثم دفع كتبه وسلاحه إلى الحسن ، وأمره أن يدفعها إلى الحسين إذا حضرته الوفاة ، وأمر الحسين أن يدفعها إلى ولده عليّ بن الحسين ، وأقبل على علي بن الحسين ، فقال له : وأمرك رسول الله أن تدفع وصيتك إلى ولدك محمد بن علي ، فأقرأه من رسول الله ومني السلام ، ثم قال للحسن : أنت ولي الأمر بعدي . ثم أخذ الإمام يودع أولاده الواحد بعد الآخر ، ثم أغمي عليه ساعة وأفاق ، وقال : هذا رسول الله وعمي حمزة وأخي جعفر وأصحاب رسول الله ، كلهم يقولون : عجّل قدومك علينا فإنا إليك مشتاقون . ولما دنت وفاته ، قال : يا أبا محمد ويا أبا عبد الله كأنكما وقد خرجت عليكما من بعدي الفتن من ها هنا ، وها هنا فاصب_را حتى يحكم الله ، وهو خير الحاكمين ، ثم قال : يا أبا عبد الله أنت شهيد هذه الأمة فعليك بتقوى الله والصب_ر على بلائه ، ثم أدار عينيه في أولاده وأهل بيته ، وقال : استودعكم الله جميعاً ، وحفظكم الله جميعاً ،

الله خليفتي عليكم وكفى بالله خليفة .

شهادة الإمام وتجهيزه ودفنه

ولم يزل وهو بتلك الحال يسبّح الله ويذكر الله تعالى كثيراً ، ثم استقبل القبلة ، وقال : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله ، رفقاً بي ملائكة ربّي . ثم عرق جبينه وسكن أنينه ، وغمض عينيه ، ومد رجليه ويديه ، وقضى نحبه شهيداً ، أي وا إماماه . . أي وا علياه . . وا سيداه . . ثم أقبل الناس رجالاً ونساء نحو بيت الإمام ، وهم ينادون : وا إمامنا . . فارتجّت الكوفة بأهلها وكثر البكاء والنحيب ، فكان ذلك كيوم مات فيه رسول الله . قال محمد بن الحنفية : ثم أخذنا بجهازه ليلاً ، وكان الحسن يغسله ، والحسين يصبّ الماء عليه ، وكان لا يحتاج إلى من يقلبه ، بل كان ينقلب كما يريد الغاسل يميناً وشمالاً ، وكانت رائحته أطيب من رائحة المسك والعنبر ، ثم نادى الإمام الحسن أخته زينب ، وقال : يا أختاه هلمّي بحنوط جدي رسول الله ، ثم لفوه بخمسة أثواب ووضعوه على السرير ، والحسين يقول : لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، إنا لله وإنا إليه راجعون ، وا أبتاه وا انقطاع ظهراه .

ثم أخذ الحسن يصلي على أبيه أمير المؤمنين ، وحمل السرير هو والحسين وسائر بني هاشم ، وتوجّه به حسب وصية أمير المؤمنين حتى وصلوا إلى النجف

، فوضع مقدم السرير ، فوضع الحسنان مؤخره ، ثم وجدوا حجراً كتب عليه : «هذا ما ادخره آدم ونوح للعبد الصالح علي بن أبي طالب» ، فلما كشفوا عن القبر وأرادوا إنزاله سمعوا هاتفاً يقول : أنزلوه إلى التربة الطاهرة فقد اشتاق الحبيب إلى الحبيب ، وانتهى الدفن قبل الفجر وأخفوا قبره كما أوصى به ، لأنه كان يعلم عداوة الخوارج والأعداء له ، وكان القبر مخفياً عن الناس لا يعرف به إلا أولاد الإمام وخواص الشيعة إلى أيام هارون الرشيد .

ولما فرغ أولاد الإمام من دفن أبيهم أمير المؤمنين هاج بهم الحزن وسالت دموعهم على خدودهم . ورجعوا إلى الكوفة ، وفي الطريق سمع الحسنان بكاءً ونحيباً من كوخ صغير على جادة الطريق فدخلا فيه ، فإذا بشيخ كبير ضرير يبكي ، فدنا منه الحسنان ، وقالا له : ما بالك تبكي بكاء من ثُكلت بوحيدها ، فقال الشيخ بصوت ضعيف : كان يتعهدني رجل كريم في كل ليلة ، يأتيني بطعامي ويؤنس وحدتي ، ومنذ ثلاث لم يأت إليّ ، فبكى الحسنان ، وقالا له : عظّم الله لك الأجر يا شيخ في أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، فبكى الشيخ وأبكى من حوله ، ويحق لجميع المسلمين بالأخص الموالين لعلي أن يبكوا عليه في مثل هذه الليلة ، لأنه كان إماماً عادلاً وأباً حنوناً لجميع المسلمين حيث يقول الرسول : يا علي أنا وأنت أبوا هذه الأمة ، وقد تيتمت هذه الأمة في مثل هذه الليلة ، وفجعت

بمقتله وشهادته فلابد من أن نواسي بالبكاء الحسنين وأم كلثوم والحوراء زينب ، هذا وهم مقبلون على العيد ، وقد تبدل عيدهم بعزاء على والدهم الحنون .

ألا يا عين ويحكي فاسعدينا

أفي شهر الصيام فجعتمونا

وكنّا قبل مقتله بخير

فلا والله لا أنسى علياً

إمام صادق بر تقي

وتبكي أم كلثوم عليه

ألا فابكي أمير المؤمنينا

بخير الناس طُرَّاً أجمعينا

نرى مولى رسول الله فينا

وحُسن صلاته في الراكعينا

فقيه قد حرى علماً ودينا

بعبرتها وقد علت الحنينا

11ليالي القدر المباركةليلة

19-21-23 من شهر رمضان المبارك

القدر في اللغة كون الشيء مساوياً لغيره من غير زيادة ونقصان . ومعنى قدّر الله هذا الأمر ، إذا جعله على مقدار ما تدعو إليه الحكمة .

فضل ليلة القدر

حسبك في فضلها أن الله تعالى أنزل في حقها سورة تتلى وآيات تقرأ وأنزل فيها القرآن الكريم إلى البيت المعمور دفعة واحدة . قال تعالى : انَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ، وهي ليلة لا يضاهيها في الفضل سواها من الليالي والعمل فيها خير من عمل ألف شهر ، وفيها يقدر شؤون السنة لكل أحد .

وهي الليلة المباركة في قوله تعالى : إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ لأن الله عز وجل ينزّل الخير والبركة والمغفرة فيها ، فإذا كانت ليلة القدر ، أمر الله تعالى جبرئيل فهبط في كتيبة من الملائكة إلى الأرض . . . ، فيسلمون على كل قائم وقاعد ومصلٍّ وذاكر ، ويصافحونهم ويؤمّنون على دعائهم حتى يطلع الفجر ، فإذا طلع الفجر نادى جبرئيل : يا معشر الملائكة ، الرحيل الرحيل . فيقولون : يا جبرئيل ، فماذا صنع الله تعالى في حوائج المؤمنين من أمة محمد؟

فيقول : إن الله تعالى نظر إليهم في هذه الليلة وعفا عنهم وغفر لهم إلاّ أربعة : مدمن الخمر ، والعاق لوالديه ، والقاطع الرحم ، والمشاجن .

وقد ورد في فضلها عن الباقر : من أحيا ليلة القدر غفرت ذنوبه ولو كانت عدد نجوم السماء ومثاقيل الجبال ومكاييل البحار .

وهي الليلة التي فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ يقدر الله عز وجل فيها ما يكون من حياة أو موت أو خير أو شر أو رزق ، وكل أمر من الحق ومن الباطل ، وله فيها البداء والمشيئة ، يقدم ما يشاء ويؤخّر ما يشاء ، ويزيد فيها ما يشاء وينقص ما يشاء .

واعلم أن للإنسان أجلان؛ الأجل غير المسمى عند الله فهو أجل موقوف يقدم فيه ما يشاء ويؤخر ما يشاء ، وأما الأجل المسمى فهو الأجل المحتوم .

وهي رأس السنة ، يكتب فيها ما يكون من السنة إلى السنة ، عن أبي عبد الله : غرة الشهور ، شهر رمضان ، وقلب شهر رمضان ليلة القدر . وعن رسول الله : إنّ الله له اختار من الأيام الجمعة ، ومن الشهور شهر رمضان ، ومن الليالي ليلة القدر .

وسئل الصادق : كيف تكون ليلة القدر خيراً من ألف شهر؟ قال : العمل الصالح فيها خير من العمل في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر .

ومما ورد في فضل هذه الليلة المباركة أن الدعاء فيها لا يرد . وورد عن النبي أنه قال : إن الشيطان لا يخرج في هذه الليلة حتى يضيء فجرها ولا يستطيع

أن يصيب فيها أحداً بختل أو داء أو ضرب من ضروب الفساد ولا ينفذ فيها سحر ساحر .

وقد اتفق علماؤنا على أنّ ليلة القدر باقية لم ترفع ، وسئل الصادق عن ليلة القدر كانت وتكون في كل عام؟ فقال : لو رفعت ليلة القدر لرفع القرآن . وقال بعض علماء السنّة : إن ليلة القدر كانت على عهد رسول الله ثم رفعت ، واتفق أكثرهم على أنها باقية إلى يوم القيامة .

تعيين ليلة القدر

لا شكّ ولا ريب أن ليلة القدر هي في شهر رمضان بصريح آيات القرآن واتفق أصحابنا تبعاً لروايات أهل البيت أنها في شهر رمضان في كل سنة ، وتدل بعض الأخبار على أن عدم تعيينها لأجل المحافظة على الشهر كله .

واتفق أصحابنا على أنها لا تخرج عن إحدى ثلاث ليال ، ليلة تسع عشرة وإحدى وعشرين وثلاث وعشرين ، وقد سئل الإمام الصادق عن ليلة القدر ، فقال : اطلبها في تسع عشرة وإحدى وعشرين وثلاث وعشرين وقال : التمسها في ليلة إحدى وعشرين أو ليلة ثلاث وعشرين .

وقد سئل المعصوم في عدة أحاديث عن ليلة القدر ، فأجاب : ما أيسر ليلتين فيهما تطلب ، أو قال : ما عليك أن تفعل خيراً في ليلتين . وقال الشيخ الصدوق : ومن أحيا هاتين الليلتين بمذاكرة العلم فهو أفضل .

وعن النبي محمد : من كان منكم يريد أن يقوم من الشهر شيئاً فليقيم ليلة ثلاث وعشرين .

من أعمال ليلة القدر

بعدما عرفت من فضل ليلة القدر ، وعظم شأنها ، وشرفها ، فلابد أن نعرف واجبنا

تجاهها حتى لا نضيع الثواب الجزيل الذي أعده الله عز وجل لمن عرف حق هذه الليلة المباركة وعمل بواجباته فيها . وقد ورد عن رسول الإسلام وآل بيته الطاهرين صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين ما ينير لنا الدرب ، ومما يوصى القيام به في ليلة القدر عدة أمور :

ا - الغسل : قال المجلسي : الأفضل أن يغتسل عند غروب الشمس ليكون على غسل لصلاة العشاءين .

2- إحياء ليلة القدر بالعبادة من الصلاة وقراءة القرآن والاجتهاد والدعاء والاستغفار والصدقة .

عن النبي قال موسى : إلهي ، أريد قربك ، قال : قربي لمن استيقظ ليلة القدر ، قال : إلهي ، أريد رحمتك ، قال : رحمتي لمن رحم المساكين ليلة القدر ، قال : إلهي ، أريد الجواز على الصراط ، قال : ذلك لمن تصدق بصدقة في ليلة القدر ، قال : إلهي أريد أشجاراً من الجنة وثمارها ، قال : ذلك لمن سبّح تسبيحة في ليلة القدر ، قال : إلهي أريد النجاة من النار ، قال : ذلك لمن استغفر في ليلة القدر ، قال : إلهي ، أريد رضاك ، قال رضاي لمن صلّى ركعتين في ليلة القدر .

قال العلامة المجلسي : إنّ أفضل الأعمال في هذه الليالي هو الاستغفار والدعاء لمطالب الدنيا والآخرة للنفس وللوالدين والأقارب وللإخوان المؤمنين ، الأحياء منهم والأموات ، والذّكر والصلاة على محمّد وآل محمّد ما تيسّر .

3- طلب العافية ومما يستحب الإتيان به في ليلة القدر هو طلب العلم كما

أنه يستحب طلب العافية في هذه الليلة كما أشار إلى ذلك الشيخ الصدوق :

ولما كانت عافية الدنيا والآخرة هي خير ما يحصل عليه الإنسان فيجب عليه أن لا ينسى طلبها في هذه الليلة المباركة ، ليلة قضاء الحاجات ، وليلة الرحمة ، والمغفرة ، فعندما سئل النبي : إذا أدركت ليلة القدر فما أسأل ربي؟ قال : العافية .

4- زيارة قبر الإمام الحسين : عن أبي عبد الله : إذا كان ليلة القدر وفيها يفرق كل أمر حكيم ، نادى مناد تلك الليلة من بطنان العرش : إن الله تعالى قد غفر لمن أتى قب_ر الحسين في هذه الليلة .

وهنا يطرح سؤال : لماذا هذا التأكيد على زيارة الإمام الحسين في أكثر المناسبات والمقامات بحيث أصبح من أهم التوسلات والقربات التي يتقرب المؤمن بها إلى الله تعالى .

وليس هذا فحسب ، بل هناك تأكيدات أخرى ، منها التأكيد على استحباب اتخاذ مسبحة من تربة الحسين ، والتأكيد على استحباب السجود على تربة الحسين ، وأن يكتب القرآن على الكفن بتربة الحسين ، فما هي الغاية من ذلك؟

الّذي نفهمه من هذه التأكيدات أن الإسلام يريد أن يبقى الحسين في ذاكرة الأمة ، لأن بقاءه في ذاكرتها بقاء للإسلام ، إذ الحسين ما خرج إلاّ ليصلح الأمة ، وخرج حاملاً لواء النبي بالرجوع إلى القرآن وإلى تعاليم الإسلام ، والى الدين المحمدي الأصيل ، وهو القائل : إنّي لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي رسول الله أريد أن

آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر ، وأسير بسيرة جدي وأبي ، فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق ، ومن رد عليّ أصب_ر حتى يحكم الله ، والله خير الحاكمين ، وكذلك ليكون قدوة للثائرين ، وكل من يهتم بإعلاء راية الإسلام عالية خفّاقة ، ونحن بزيارتنا للحسين نقول أننا قبلنا بالحسين ، وقبلنا بمبادئه الّتي خرج من أجلها ، وأننا بهذه الزيارة نعاهد الحسين على مواصلة درب الإصلاح في الأمة الّذي عبده وخطه بدمائه الزكية . والله أعلم .

12يوم القدس العالمي

آخر جمعة من شهر رمضان من كل سنة

لقد أعلن الإمام الخميني آخر يوم جمعة من شهر رمضان المبارك من كل سنة يوماً للقدس ، وبهذه المناسبة لا بد من الحديث حول قضية القدس وسبل تحريرها ولو باختصار :

يوم القدس العالمي

للإسلام في تربيته للفرد المسلم والمجتمع الإسلامي أساليب تربوية وأخلاقية متنوعة ، هدفت إلى الوصول بالمسلم ، وعموم المسلمين إلى درجة الكمال الأخلاقي ، والروحي والمعنوي ، وحتى المادي ، على الصعيد الدنيوي والديني والأخروي .

ومن إحدى أساليب الإسلام ، أن جعل للمسلمين مواسم معيّنة في أوقات محدّدة ، مواسم عبادية تعمل على تذكيرهم وتنشيطهم ، وشحذ هممهم الإيمانية ، على مدار الأيام لأجل أن تبقى شعلة الإيمان متّقدة وحيّة ، ولأجل التذكير الدائم بحقائق إيمانية عقائدية ، وأيضاً بحقائق دنيوية في سبيل نهضة المجتمع الإسلامي ، لأن الإسلام لم يأت بمعزلٍ عن الدنيا ، والمجتمع الدنيوي ، فجعل هذه المناسبات محطات ليجدّد الهمم ويشحذ الطاقات من جديد ،

قال تعالى وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللهِ .

فجعل شهر رمضان مثلاً في كل عام موسماً عبادياً روحياً بالإضافة إلى أنه مذكر بفقراء المجتمع ومعوّزيه

فجعل إجتماع الجمعة لسماع خطبة الإمام وصلاة الجماعة ، فرضاً من الفروض ، ولعل هذا الفرض الأساسي من خلال اجتماع أسبوعي هو ما دعا إلى المحافظة على قوة الإسلام في الصدور الإسلامية ، وترسيخ قواعده الفكرية ، والروحية بقوة في المجتمع الإنساني .

وقد جعل الإسلام للقدس مكانتها الروحية والمعنوية الكبرى ، إذ ذكرت في آيات عظام من كتاب الله تعالى ، وجعلت أرضاً للمعراج النبوي ، وكلام رسول الله محمد عنها كثير ، يؤكد حرص الإسلام عليها . وعلى التذكير بها ، وجعلها علماً من أعلام المسلمين ، وفي ذلك حكمة ربانية كبرى ، فهذه القدس تعبر بشكل واقعي عن حيوية المسلمين ، ومدى فاعليتهم التاريخية .

احتلت من قبل الصليبيين من قبل ، ولكن حيوية المسلمين حينها كانت متميزة وفاعليتهم كانت مؤكدة ، فتحررت القدس على أيدي المجاهدين في ذلك الزمن ، وبقيت تلك الأرض المباركة والمحررة حسرة في نفوس العنصريين في العالم المسيحي ، وعند اليهود أصحاب العُقد والنفوس المنحرفة .

وكان احتلالها واغتصابها من قبل اليهود الصهاينة بمساندة الاستعمار الغربي عنواناً لمرحلة جديدة عالمية تاريخية ، وتعبيراً جلياً عما وصل إليه المسلمون من ضعف وانحطاط .

وقد سلك الإمام من خلال طرحه إعلان آخر جمعة من أيام شهر رمضان ، في كل سنة يوماً عالمياً للقدس ، سلك من خلال هذا الطرح مسلك القرآن والإسلام في تربية للمجتمع

الإسلامي .

فإعلان الإمام «رضوان الله عليه» هذا اليوم يوماً لتذكير الأمة ، وشعوبها بالقدس الجريحة ، وبالأقصى المبارك المغتصبين من قبل اليهود والصهاينة مفسدي العالم .

إن الهدف من إعلان آخر جمعة من رمضان المبارك يوماً للقدس ، ليس الوقوف عند حد الشعارات والهتافات ، بل لأجل أن تتحد الشعوب والدول الإسلامية أكثر من أي وقت مضى لتستعد للجهاد لأخذ حق الشعب الفلسطيني ، وإلحاق الهزيمة بالعدو الصهيوني .

إن يوم القدس هو يوم التعبئة المستمرة للجماهير وإزالة هذه البقعة السوداء من خارطة العالم الإسلامي .

لقد عاشت فلسطين ومقدساتها في وجدان وقلب الإمام الخميني ، وكانت معه في محطات حياته كلها ، وكان «رضوان الله عليه» يؤكد بأقواله وأفعاله ومواقفه العلاقة الشرعية بين الجمهورية الإسلامية في إيران وفلسطين ، كبلدين إسلاميين ، وشعبين مسلمين ، وكانت أمنيته أن ترجع فلسطين إلى مكانها في العالم الإسلامي ، وكان أمله الصلاة في مسجدها الأقصى أولى القبلتين ، وثالث الحرمين الشريفين ، لذلك سعى جاهداً لتحريض المسلمين في كل مكان وتوعيتهم للقضاء على الصهيونية لتحرير فلسطين ، ولهذا فمن أولى واجباتنا كمسلمين أن نعمل ونخطط ، ونتعاون ونتحد لإنقاذ القدس من براثن الصهيونية .

ولتحقيق هذا الهدف لابد من تلبية نداء الإمام الخميني لإحياء يوم القدس العالمي ، ولا بد من الالتزام بدعوة الإمام لبناء جيش العشرين مليون الذي أطلق عليه «جيش القدس» .

وفي هذا المعنى نختم مقولتنا هذه بقول الإمام رضوان الله عليه : «لتبقى القدس في ذاكرة المسلمين ، لشحذ الهمم ، والتعبئة والاستعداد ،

لتطهيرها من رجس الصهاينة ، والمستوطنين» ، وقوله : «الذين لا يشاركون في يوم القدس مخالفون للإسلام وموافقون لإسرائيل» ، وقوله : «ينبغي إحياء يوم القدس بين المسلمين» .

مناسبات شهر شوال

10مناسبات شهر شوّال

اليوم المناسبة السنة

11/ شوال عيد الفطر المبارك

3/ معركة الخندق ودور الإمام علي5 ه_

3/ بداية الغيبة الكبرى للإمام المهدي 329 ه_

6/ غزوة حنين8 ه_

7/معركة أحد وشهادة حمزة عم النبي3 ه_

8/ هدم قبور أئمة البقيع1344 ه_

10/ غزوة وسرية بني سُليم2ه_

15/ردّ الشمس للإمام علي 3 ه_

وفاة السيد عبد العظيم الحسني252 ه_

17/ غزوة بني قينقاع يهود المدينة2 ه_

21/ فتح الأندلس على يد المسلمين92 ه_

25/ شهادة الإمام جعفر الصادق148ه_

29/ وفاة إبراهيم ابن النبي الأكرم10 ه_

تمهيد

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على شمس الهداية نبينا محمد وعلى الأقمار المضيئة الأئمة الطاهرين .

عندما يطلّ علينا شهر شوال المكرم يطلّ علينا العيد وفرحه ، فعن النبي : سمي شوالاً لأن فيه شالت ذنوب المؤمنين أي ارتفعت ، وعن الإمام أمير المؤمنين : كل يوم لا يعصي الله فيه فهو عيد .

وعلى العموم فإنّ العيد في الإسلام يعتبر شعاراً من شعائر الله تعالى ، فالفرح والسرور للتوفيق في العبادة ، ولغفران الله تعالى الذنوب ، ومن هذا المنطلق يعطي أمير المؤمنين بعداً عميقاً للعيد ، فيعتبر أنّ الفرحة والسرور ليست منحصرة بالعيد وهلال شوال ، بل يمكن أن يحصل ذلك في كل يوم لا يعصى الله فيه .

وفي هذا الشهر جرت وقائع وأحداث مهمة؛ منها معركتي الخندق وأحد حيث كان لأمير المؤمنين الدور الريادي فيهما . وغزوات كحنين ، وبني سليم ، وبني قينقاع ، إضافةً إلى وقائع كالغيبة الكبرى ، وهدم قبور أئمة البقيع ، وحادثة رد الشمس ، وشهادة الإمام جعفر بن محمد الصادق ، ووفاة إبراهيم ابن النبي .

مناسبات اجتمعت في هذا الشهر

لتكون معالماً وتراثاً إسلامياً لابدّ من إحيائها في القلوب والضمائر لنأخذ منها دروساً وعبراً ، ولتبقى مشعلاً وقّاداً لكل الأجيال عبر العصور .

1عيد الفطر المبارك

أول شهر شوال من كل سنة

اللهُمَّ رَبَّنا أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ تَكُونُ لَنا عِيداً لأَوَّلِنا وَآخِرِنا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِين .

العيد في اللغة ، مأخوذ من عاد بمعنى العود أي عاد إليه ، أو مأخوذ من العادة بمعنى اعتاده ، وعلى أي حال فهو كل يوم يحتفل فيه بذكرى كريمة أو حبيبة .

وفي الاصطلاح الإسلامي : هو الذكرى الّتي يجتمع المسلمون فيها ويبرزون إلى الله تعالى فيحمدونه على ما منّ عليهم من الرحمة فيه والمغفرة ، وليس العيد في الإسلام للعب والتلهي ، وارتداء أفخر الثياب وأغلاها ثمناً ، والتلذذ بأصناف الطعام ، وألوان الشراب ، وعدم المبالاة بالأحكام والحدود الشرعية ، كما درج على ذلك الناس في هذه الأزمنة ، فالعيد في التشريع المقدس وإن كان لا يمنع من فرح المؤمن فيه ، بل يدعو إليه ، ولا يمنع من ارتداء الجديد ، وأكل الطيبات ، لكن لا يعني ذلك أن يرضى بجعل الطعام واللباس والسرور في العيد إلى درجة التفاخر والتباهي وبذل المال الكثير في تحصيله ، بل لعل هذا العمل بداية لانحراف الكثير من الفقراء الّذين لا يتمكنون من جلب ما تراه أطفالهم من الطعام والثياب عند أطفال الأغنياء ، فيقدم رب الأسرة - لما يداخله من رحمة بأطفاله - على جلب المال ولو من غير حلّة ، أو إذا كان كثير التحفظ والتدين ،

فيقترض مبلغاً لعله يرهقه وفاؤه ويوجب التقصير على بيته وعياله ، وقد لا يتمكن من وفائه ، ويتنازع مع صاحبه فتفسد العلاقات الاجتماعية ، ويمنع الإحسان ويسود التفكك في المجتمع الإسلامي .

علينا جميعاً السعي لفهم المعنى الحقيقي للعيد ، وما هي الواجبات الملقاة علينا تجاهه؟ وما هي أعياد الدين الإسلامي وفلسفتها؟ وقبل ذلك كله ينبغي أن نتعرف على مشروعية الأعياد في الإسلام ، فنقول :

العيد حكم تشريعي خاص

ذكر العلماء المحققون أن الأحكام الإلهية لا يجوز الزيادة فيها أو النقيصة في الأعم الأغلب منها ، فمثلاً الصلاة فرضها الله تعالى بالكيفية الّتي نعرفها ، فلا يجوز أن نضيف عليها شيئاً ، وإن كان مستحسناً ، إذا كان ذلك الشيء الّذي تضيفه مما يخلّ بالهيئة التشريعية للصلاة ، كإضافة ركعة جديدة إليها ، فمثلاً أصلي الظهر خمسة ركعات ، أو أضيف في كل ركعة ركوعين أو غير ذلك مما يخلّ بالكيفية المشروعة ، نعم إذا كانت الإضافات غير مخلة بها فلا يضر ، كما لو أكثرت الدعاء فيها ، أو أطلت في سجودها وركوعها وقيامها على نحو لا يخلّ بالكيفية المشروعة ، إذاً فالزيادة أو النقيصة في الأحكام الإلهية إذا كانت مخلّة غير جائزة ، وهذا ما يصطلح عليه في عرف الفقهاء : أن الصلاة توقيفية ، بمعنى أن تشريعها ، بأجزائها وشرائطها وموانعها ومقدماتها موقف على إذن الشارع المقدس ، فما لم يأذن به لا يجوز الإدخال فيها أو الإخراج ، وما نريد أن نعرفه الآن ، هل أن الأعياد توقيفية؟

أو أن كل إنسان أو مجتمع ، أو قبيلة ، يمكنهم تشريع العيد في يوم أو أيام يختارونها؟

ظاهر الفقهاء العظام أن الأعياد في التشريع الإسلامي توقيفي ، بمعنى لا يحق لأحد أن يؤسس للمسلمين عيداً ، وينسبه إلى الإسلام إلاّ أن يأذن به الشارع المقدس ، مهما كان ذلك اليوم عظيماً عند الناس ، نعم لو اعتبر عيداً باسم الوطن ، أو المجتمع كيوم الانتصار ، أو يوم أعد تكريماً لعظيم كالأم أو العالم الفلاني ، أو ما شاكل ذلك ، فلا يضر ، ولكن لا يمكننا نسبته للإسلام والمسلمين ، بأن ينسب إلى الإسلام ، ويعتبر من ضمن طقوسه ، وممارساته ، واختياراته . وهذه المسألة على مقدار من الأهمية ينبغي أن يلتفت إليها المجتمع المسلم ، إذ كثيراً ما نجد تأثير هذه الأعياد الّتي لم ينص عليها الإسلام إلى درجة ، قد يتغافل عن مناسبة إسلامية تتعارض مع ذلك اليوم ، لشدة شيوع عيد ذلك اليوم في مجتمع ما ، فكم رأينا بعض المسلمين في مجتمع ما يحتفلون بيوم على أنه عيد متعارف عليه ، في حين يعتبر ذلك اليوم ذكرى محزنة في الإسلام ، وينبغي للمؤمن المسلم إظهار الحزن فيه لا الفرح والسرور .

الأعياد الإسلامية

يستفاد من النصوص الإسلامية ، أن أهم أعياد المسلمين أربعة ، وهي يوم الفطر ، وهو اليوم الأول من شوال ، وهو عيد الإفطار ، وحلية الطعام والشراب في النهار ، بعدما كان محظوراً في أيام شهر رمضان ،

ويوم النحر ، المسمى بعيد الأضحى ، وهو اليوم العاشر من ذي الحجة بعد ما يقضي الحاج من المزدلفة إلى منى ، ويوم الجمعة في كل أسبوع ، وعيد الغدير ، وهو اليوم الثامن عشر من ذي الحجة ، يوم تنصيب أمير المؤمنين إماماً للمسلمين ، وهناك بعض المناسبات الإسلامية كمولد الرسول ومبعثه وغيرها من المناسبا يستفاد من بعض الروايات أنّها من أعياد المسلمين .

وقد وردت الروايات الكثيرة في إثبات هذه الأعياد ، أما الفطر والأضحى فهما محل إجماع واتفاق بين المسلمين جميعاً ، وأما الجمعة ، فقد ورد عن أبي جعفر الباقر ، عن رسول الله أنه قال : «أن جب_رئيل أتاني بمرآة في وسطها كالنكتة السوداء ، فقلت له : يا جب_رئيل ما هذه؟ قال : هذه الجمعة ، قال : قلت ، وما الجمعة؟ قال : لكم فيها خير كثير ، قال : قلت ، وما الخير الكثير؟ فقال : تكون لك عيداً ولأمتك من بعدك إلى يوم القيامة ، قال : قلت وما لنا فيها؟ قال : لكم فيها ساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله مسألة فيها وهي ل_ه قسم في الدنيا إلاّ أعطاها ، وإن لم يكن ل_ه قسم في الدنيا ذخرت ل_ه في الآخرة أفضل منها ، وإن تعوّذ بالله من شرّ ما هو عليه مكتوب صرف الله عنه ما هو أعظم منه» .

وأما مشروعية عيد الغدير ، فقد وردت جملة من النصوص ما يدل عليه ، نذكر منها رواية واحدة فقط ، فقد

«سئل أبو عبد الله الصادق : هل للمسلمين عيد غير يوم الجمعة والأضحى والفطر؟ قال : نعم أعظمها حرمة ، قلت : وأي عيد هو جعلت فداك؟ قال : اليوم الّذي نصب فيه رسول الله أمير المؤمنين ، وقال : من كنت مولاه فعلي مولاه قلت : وأي يوم هو؟ قال : وما تصنع باليوم إنّ السنة تدور ولكنّه يوم ثامن عشر من ذي الحجة ، فقلت : وما ينبغي لنا أن نفعل في ذلك اليوم؟

قال : تذكرون الله عز وجل فيه بالصيام والعبادة والذكر لمحمد وآل محمد ، فإن رسول الله أوصى أمير المؤمنين أن يتخذ ذلك اليوم عيداً ، وكذلك كانت الأنبياء تفعل ، كانوا يوصون أوصيائهم بذلك فيتخذونه عيداً» .

فلسفة الأعياد الإسلامية

بعدما عرفنا أن أعياد المسلمين أربعة : الفطر والأضحى والغدير والجمعة ، ينبغي لنا أن نتعرف على معنى العيد في هذه الأيام ، حيث أن العيد في الإسلام يحمل عناوين متعددة في حالات معينة ، وهي كالآتي :

1- الفرح بالقبول والغفران :

لا شك في أن جميع الأعياد الأربعة لابد وأن تعبر عن فرح وسرور لكل فرد مسلم ، ولكن ليس المراد بفرحة العيد لذات العيد ، بل ما يحمله العيد من معان ومفاهيم عظيمة في الإسلام ، فعيد الفطر يعني أن يفرح الإنسان الصائم القائم برضا الله عنه وقبوله لأعماله ، لأن ذلك إن تحقق فيحقق للمؤمن فرحة ليس بعدها ولا قبلها فرحة ، فهو ينعم برضوان الله عليه ، إن لم يضيع ل_ه ما قدّمه في ذلك الشهر من الصيام والقيام والدعاء

والمناجاة والصلاة ، فعن علي أنه قال في بعض الأعياد : إنما هو عيد لمن قبل الله صيامه ، وشكر قيامه ، فالفرح بغفران الله تعالى هو عيد الصائم القائم ، وليس الفرح بالزينة والثياب وحلّ الطعام والشراب ، يروى أن سويد بن غفلة دخل على أمير المؤمنين في يوم عيد فإذا عنده خوان عليه خبز السمراء - أي الحنطة - وصحيفة فيها خطيفة وملبّنة ، فقال له : يا أمير المؤمنين يوم عيد وخطيفة؟! فقال : «هذا عيد من غفر ل_ه» ، لقد كان يظن سويد أنه لا تناسب بين الخطيفة ، وهي اللبن الّذي يطبخ ويختطف بالملاعق بسرعة ، وبين العيد ، حيث إن معنى العيد كما يفهمه الناس توفير الطعام الجيد والثياب الفاخرة الجديدة ، فأفصح الإمام عن مكنون العيد وحقيقته ، وأنه عيد المغفرة والقبول ، لا عيد اللبس والطعام والشراب ، وكما أن هذا المعنى قد سجلته النصوص في عيد الفطر ، كذلك في عيد الأضحى ، فهو عيد غفران ذنوب الحاج ، وقبول حجه وسعيه ، وقبول الرضا عليه .

فاللعب واللهو والانشغال في اللذائذ؛ يفقد العيد قدسيته وعظمته ووقاره ، ولهذا يروى أنه «مرّ الإمام الحسن في يوم فطر بقوم يلعبون ويضحكون ، فوقف على رؤوسهم ، فقال : إن الله جعل شهر رمضان مضماراً لخلقه ، فيستبقون فيه بطاعته إلى مرضاته ، فسبق قوم ففازوا ، وقصّر آخرون فخابوا ، فالعجب كل العجب من ضاحكٍ لاعب في اليوم الّذي يثاب فيه المحسنون

، ويخسر فيه المبطلون ، وأيم الله لو كشف الغطاء لعلموا أنّ المحسن مشغول بإحسانه ، والمسيئ مشغول بإساءته» ، ثم مضى .

وأما عيد الغدير فهو عيد البيعة ، عيد إكمال الدين وإتمام النعمة ، وقبول الإسلام ديناً خالداً ، كما ورد ذلك بقوله تعالى : الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً .

2- العيد هو العودة إلى الله تعالى :

ومن المعاني العميقة الّتي يحملها العيد أنه يعبّر عن تحقق العودة إلى الله تبارك وتعالى ، وقد ذكرنا سابقاً أن أهل اللغة يقولون بأن معنى العيد من عاد ويعود ، وهو ما يتناسب مع العودة إلى الله تعالى والرجوع إليه ذلك أن العابد إنما يقوم بطقوسه العبادية من الصيام والصلاة والدعاء والمناجاة لكي يعود إلى ربه ويرجع إليه بعد أن كان هارباً منه تاركاً لمراضيه ، عازفاً عن الطاعة ، ففي شهر رمضان يبدأ العبد بتطهير نفسه وقلبه وعقله حتى يرفع تمام الحجب المظلمة الّتي صنعها لنفسه مع ربه ، وبالعيد يتحقق العود إلى الله والرجوع إليه ، وكذا الحاج ، فإنه وبما يقوم به من فروض الطاعة من الإحرام والطواف والسعي والوقوف في عرفات والمزدلفة . . . يرجع ويعود إلى ربه تبارك وتعالى ، ليعود الله عليه بالرحمة والمغفرة ، فقد ورد أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب خطب في يوم الفطر فقال : «أيّها الناس ، إنّ يومكم هذا يثاب فيه المحسنون ويخسر فيه المبطلون ، وهو أشبه بيوم قيامكم ، فاذكروا بخروجكم من منازلكم

إلى مصلاّكم خروجكم من الأجداث إلى ربّكم ، واذكروا بوقوفكم في مصلاّكم وقوفكم بين يديّ ربّكم ، واذكروا برجوعكم إلى منازلكم رجوعكم إلى منازلكم في الجنة .

عباد الله إنّ أدنى ما للصائمين والصائمات أن يناديهم ملك في آخر يوم من شهر رمضان : أبشروا عباد الله فقد غفر لكم ما سلف من ذنوبكم ، فانظروا كيف تكونون فيما تستأنفون؟!

وعلى العموم فإن العيد في الإسلام يعتبر شعاراً من شعائر الله تعالى ، فالفرح والسرور للتوفيق في العبادة ، ولغفران الله تعالى الذنوب ، ومن هذا المنطلق يعطي أمير المؤمنين بعداً عميقاً للعيد ، فيعتبر أن الفرحة والسرور ليست منحصرة بالأعياد الأربعة ، بل يمكن أن يحصل ذلك في كل يوم لا يعصى الله فيه ، إذاً فالعيد في ترك المعصية ، قال علي : كل يوم لا نعصي الله فيه فهو عيد .

2معركة الخندق الأحزاب

وبطولة الإمام علي 3/ شوال / السنة 5 ه_

وقعت حادثة غزوة الخندق أو الأحزاب في السنة الخامسة للهجرة النبوية المباركة .

يقول الشيخ المفيد في الإرشاد : إن جماعة من اليهود خرجوا من المدينة حتى قدموا مكة إلى أبي سفيان لعلمهم بعداوته لرسول الله وتسرّعه إلى قتاله .

فذكروا له ما نالهم من وقعة بني النظير وسألوه المعونة على قتاله .

وأضاف قائلاً : فنشطت قريش لما دعوهم إليه من حرب رسول الله ، وجاءهم أبو سفيان فقال لهم : قد مكّنكم الله من عدوّكم فهذه اليهود تقاتله معكم ولا تنفكّ عنكم حتى يؤتى على جميعها أو تستأصله ومن اتبعه ، فقويت عزائمهم إذ ذاك في حرب النبي

.

ثم خرج اليهود من مكة إلى غطفان وقيس عيلان ، فدعوهم إلى حرب رسول الله وضمنوا لهم النصرة والمعونة ، وأخبروهم باجتماع قريش لهم على ذلك .

خروج الأحزاب للحرب :

وخرجت قريش وقائدها أبو سفيان ، وخرجت غطفان وقائدهم عُيينة بن حصن في بني فزارة ، والحارث بن عوف في بني مُرة ، ووبرة بن طريف في قومه من أشجع ، واجتمعت قريش معهم ، وذكرهم ابن شهر آشوب فقال : فكانوا ثمانية عشر ألف رجل ، والمسلمون في ثلاثة آلاف ، وقال المسعودي : فكان عدّة الجميع : أربعة وعشرين ألفاً ، والمسلمون نحو من ثلاثة آلاف .

مشاورة الأصحاب :

قال القمي : وبلغ ذلك رسول الله ، فاستشار أصحابه ، وكانوا سبعمئة رجل .

فقال سلمان الفارسي : يا رسول الله إن القليل لا يقاوم الكثير في المطاولة أي المجالدة .

فقال له رسول الله : فما نصنع؟

قال سلمان : نحفر خندقاً يكون بيننا وبينهم حجاباً ، فيمكنك منعهم في المطاولة ، ولا يمكنهم أن يأتونا من كلّ وجه . فإنّا كنا - معاشر العجم في بلاد فارس - إذا دهمنا دهم من عدوّنا نحفر الخندق ، فيكون الحرب من مواضع معروفة ، فنزل جبرئيل على رسول الله فقال : أشار سلمان بصواب .

ووكّل رسول الله بكل جانب من الخندق قوماً يحفرونه ، فكان المهاجرون يحفرون من جانب راتج إلى ذباب ، وكانت الأنصار تحفر من ذباب إلى جبل بني عبيد ، وكان سائر المدينة مشبكاً بالبنيان .

وكان سلمان

الفارسي قوياً عارفاً بحفر الخندق . وروى بسنده عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال : جعلوا لسلمان خمسة أذرع طولاً وعرضاً ، فما مرّ حين حتى فرغ منه وحده ، فتنافس الناس فيه ، فقال المهاجرون : سلمان منّا . وقالت الأنصار : هو منّا ونحن أحقّ به . فبلغ رسول الله قولهم فقال : سلمان رجل منّا أهل البيت .

وصول الأحزاب

وفرغ رسول الله من حفر الخندق قبل قدوم قريش بثلاثة أيام ، وقدمت قريش وكنانة وسليم وهلال فنزلوا الزغابة ، ووادي العقيق ، وفي عددهم قال : فوافوا في عشرة آلاف ، وهم المعنيون بقوله سبحانه : يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَآءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً يعني يوم الأحزاب وهو يوم الخندق إِذْ جَآءُوكُمْ مّن فَوْقِكُمْ وهم عيينة بن حصن في أهل نجد وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وهم أبو سفيان في قريش ، وواجهتهم قريظة .

قال الطبرسي : وخرج رسول الله والمسلمون حتى جعلوا ظهورهم إلى سلْع في ثلاثة آلاف من المسلمين ، فضرب هناك عسكره ، والخندق بينه وبين القوم . وأمر بالذراري والنساء فرفعوا في الحصون .

نقض بني قريظة

وكان بنو قريظة في حصنهم قد تمسّكوا بعهد رسول الله لهم ، فلمّا أقبلت قريش ونزلت العقيق جاء حيي بن أخطب في جوف الليل إلى حصنهم ودقّ باب الحصن .

فقال حيي بن أخطب لكعب بن أسد : انقض العهد الذي بينك وبين محمد ولا تردّ رأيي ، فإنّ محمداً لا يفلت من هذا الجمع أبداً ، فإن فاتك هذا الوقت فلا

تدرك مثله أبداً .

فقبل كعب بن أسد ورجع حيي بن أخطب إلى أبي سفيان وقريش فأخبرهم بنقض بني قريظة العهد بينهم وبين رسول الله ففرحت قريش بذلك .

مبارزة عمرو للإمام علي

وجعل المشركون ينظرون إلى الخندق فيتهيّبون القدوم ولم يكونوا قبل ذلك رأوا مثله ، فجعلوا يدورون ويدعون المسلمين : ألا هلمّوا للقتال والمبارزة ، وأقاموا على ذلك شهراً لم يكن بينهم قتال إلا نضح بالنبل ورمي بالحجارة ، فلما طال ذلك ندبوا من ينتدب منهم إلى اقتحام الخندق ، وكان أشدّ من فيهم وأنجدهم عمرو بن عبد ودّ الذي طفر بفرسه الخندق إلى جانب رسول الله ، وركز رمحه إلى الأرض وأقبل يجول حوله ويرتجز ويقول :

ولقد بححت من النداء بجمعكم : هل من مبارز

ووقفت إذ جبن الشجاع مواقف القرن المناجز

إني كذلك ، لم أزل متسرّعاً نحو الهزاهز

إن الشجاعة في الفتى والجود من خير الغرائز

فقال رسول الله : من له؟ فلم يجبه أحد ، فقام أمير المؤمنين وقال : أنا له يا رسول الله . فقال : يا علي هذا عمرو بن عبد ود فارس يليل . فقال علي : وأنا علي بن أبي طالب .

فقال رسول الله : أُدن مني ، فدنا منه ، فعممّه بيده ودفع إليه سيفه ذا الفقار ، وقال له : اذهب وقاتل بهذا . ثم دعا له فقال : اللهم احفظه من بين يديه ومن خلفه ، وعن يمينه وعن شماله ، ومن فوقه ومن تحته .

وذكر الكراجكي : أنّ النبي قال ثلاث مرات : أيكم يب_رز إلى عمرو وأضمن له

على الله الجنة؟! وفي كل مرّة يقوم علي والقوم ناكسوا رؤوسهم . فاستدعاه وعمّمه بيده ، فلما برز قال : برز الإيمان كلّه إلى الشرك كلّه .

فمرّ أمير المؤمنين يهرول في مشيه ، وهو يقول :

لا تعجلنّ ، فقد أتاك مجيب صوتك غير عاجز

ذو نيّة وبصيرة ، والص_دق من_جي كل فائز

إني لأرجو أن أقيم ع_ليك نائ_حة الجن_ائز

من ضربة نجلاء يبقى صوتها بعد الهزاهز

فقال له عمرو : من أنت؟ قال : أنا علي بن أبي طالب . فقال عمرو : والله إن أباك كان لي صديقاً قديماً وإني أكره أن أقتلك ، ما آمن ابن عمك حين بعثك إليّ أن أختطفك برمحي هذا فأتركك شائلاً بين السماء والأرض لا حيّ ولا ميّت .

فقال له علي : قد علم ابن عمي أنك إن قتلتني دخلت الجنّة وأنت في النار ، وإن قتلتك فأنت في النار وأنا في الجنة .

فقال عمرو : وكلتاهما لك يا علي؟ تلك إذاً قسمة ضيزى .

فقال علي : دع هذا يا عمرو ، وإني سمعت منك وأنت متعلّق بأستار الكعبة تقول : لا يعرضنّ عليّ أحد في الحرب ثلاث خصال إلاّ أجبته إلى واحدة منها ، وأنا أعرض عليك ثلاث خصال فأجبني إلى واحدة .

قال : هات يا علي . قال : أحدها أن تشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمداً رسول الله . قال عمرو : نحّ عنّي هذه فاسأل الثانية . فقال : أن ترجع وتردّ هذا الجيش عن رسول الله فإن يك صادقاً فأنتم أعلى به عيناً وإن يك كاذباً كفتكم ذؤبان العرب أمره

.

فقال : لا تتحدّث نساء قريش بذلك ، ولا تنشد الشعراء في أشعارها ، أني جبنت ورجعت على عقبي من الحرب وخذلت قوماً رأسوني عليهم .

فقال علي : فالثالثة أن تنزل إليّ ، فإنك راكب وأنا راجل ، حتى أنابذك . فوثب عن فرسه وعرقبه ، وقال : هذه خصلة ما ظننت أنّ أحداً من العرب يسومني عليها .

نزل عن فرسه ، وضرب وجهه حتى نفر ، وأقبل على علي مصلتاً سيفه ، فتجادلا ساعة ، ثم اختلفا بضربتين ، فضرب عمرو علياً على أمّ رأسه - وعليه البيضة - فقدّها وأثر السيف في هامته ، وضربه علي فوق طوق الدرع فرمى برأسه . وثارت لذلك عجاجة فما انكشف إلاّ وهم يرون علياً يمسح سيفه على ثياب عمرو وقد خرّ صريعاً .

وفي تفسير القمي : وارتفعت بينهما عجاجة فقال المنافقون : قتل علي بن أبي طالب . ثم انكشفت العجاجة فإذا أمير المؤمنين على صدر عمرو قد أخذ بلحيته يريد أن يذبحه ، فلم يضربه .

فوقع المنافقون في علي ، فردّ عنه حذيفة ، فقال له النبي : مه يا حذيفة فإن علياً سيذكر سبب وقفته .

قال الحلبي : فسأله النبي عن سبب وقفته؟ فقال : قد كان شتم أمي ، وتفل في وجهي ، فخشيت أن أضربه لحظّ نفسي ، فتركته حتى سكن ما بي ثم قتلته في الله ، فقال له عمر : فهلاّ سلبت درعه فإنها تساوي ثلاثة آلاف وليس في العرب مثلها؟

فقال : إني استحيت أن أكشف

ابن عمي .

ثم تلقّاه النبي فمسح الغبار عن عينيه وقال له : لو وُزن اليوم عملك بعمل جميع أمة محمد لرجح عملك على عملهم .

3بداية الغيبة الكبرى للإمام المهدي

4/ شوال/ 329 ه_

لعلّ أهم بحث يرغب المسلم معرفته ، ويتعطّش المؤمن لاستماعه وفهمه ، هو البحث عن غيبة الإمام المنتظر ، ومعرفة الأسباب التي دعت إلى هذه الغيبة ، والعوامل الكامنة خلف احتجابه عن أنظار المسلمين ، وعدم الحضور في المجتمع لممارسة مهامه كإمام وزعيم في الساحة الاجتماعية والسياسية وغيرها ، كما يهم القرّاء والمستمعين معرفة معنى الغيبة وأسبابها وفوائدها ، ومعرفة توابع الغيبة من امتداد عمره الشريف إلى يومنا هذا ، وعدم خضوع الإمام لظاهرة الشيخوخة وغيرها من المسائل المتعلقة بالغيبة والظهور ، التي سوف نتحدث عنها باختصار .

وقد اختلف العلماء والمحدثون حول بداية الغيبة الصغرى ، وأنّها هل بدأت من أوائل عمر الإمام المهدي ، وفي عهد والده الإمام العسكري ، أم بدأت بعد وفاة الإمام العسكري؟ المشهور هو القول الثاني ، وعليه فتكون الغيبة الصغرى للإمام في سامراء من عام 260 ه_ يوم وفاة أبيه الإمام العسكري إلى عام 329 ه_ الذي توفي فيه النائب الرابع للإمام المهدي ، أبو الحسن علي بن محمد السُّمَّري ، وحينئذ تكون الغيبة الصغرى 69 عاماً .

وفي زمن الغيبة الصغرى لمّا كان الإمام المهدي يرى ضرورة الارتباط بالأمّة ، وحلّ مشاكلها بقدر المستطاع ، وعلى الأخص في الجانب الفقهي والعقائدي رأى تعيين نواب عنه وأولى مهامهم ربط الأمّة به ، ورفع كتبها التي من خلالها تسأل عمّا ترد

إليه ، وعلى أيدي هؤلاء كانت ترد الأجوبة والحلول اللازمة في زمن الغيبة الصغرى ، وهم أربعة أشخاص من كبار الشيعة كانوا يحظون بلقائه ، وهكذا كانت الشيعة تأتي بالأموال الشرعية ، ويسلمونها إلى النوّاب ، ويأخذون توقيعات الإمام منهم .

وهؤلاء النوّاب الأربعة بحسب الترتيب الزمني كما يلي :

الأوّل : أبو عمرو عثمان بن سعيد بن عمرو العمري الأسدي وكيل الإمام الهادي والعسكري .

الثاني : ابنه أبو جعفر محمد بن عثمان بن سعيد العمري ، المتوفى سنة 304 ه_ .

الثالث : أبو القاسم الحسين بن روح النوبختي ، المتوفى سنة 326 ه_ .

الرابع : أبو الحسن علي بن محمد السَّمري ، المتوفى سنة 329 ه_ .

بداية الغيبة الكبرى

وهكذا استمرت النيابة الخاصة للإمام المهدي إلى عام 329 ه_ الذي توفي فيه النائب الرابع ، وهو أبو الحسن علي بن محمد السُّمَّري .

وابتدأت الغيبة الكبرى من عام 329 ه_ ، ولا تزال مستمرة إلى الآن ، وبذلك انقطعت طرق الاتصالات بالإمام المهدي ، وقد أرشد الإمام الشيعة لحلّ مشاكلهم وأخذ معالم دينهم بإرجاعهم إلى رواة الأحاديث ، والعلماء في التوقيع الذي كتبه إلى أحد وجهاء الشيعة ، وهو إسحاق بن يعقوب ، بواسطة النائب الثاني محمد بن عثمان والذي جاء فيه : . . . وأمّا الحوادث الواقعة ، فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا ، فإنّهم حجّتي عليكم وأنا حجة اللَّه عليكم . . . .

وينقل المرحوم الطبرسي في كتاب الاحتجاج عن الإمام الصادق أنه قال ضمن حديثٍ : وأمّا من كان

من الفقهاء صائناً لنفسه حافظاً لدينه ، مخالفاً لهواه ، مطيعاً لأمر مولاه ، فللعوام أن يقلّدوه .

فقد فوض الإمام شؤون المسلمين في زمان الغيبة الكبرى إلى الولي الفقيه

الجامع للشرائط ، وصحيح انَّ منصب الفتوى والقضاء كان قد جعل للفقهاء من قبل بواسطة الأئمة ، وفي عهدهم إلاّ أنَّ شرعية المرجعية ، والزعامة والحكومة تبدأ من تاريخ الغيبة الكبرى ، وهي مستمرة إلى ظهور الإمام صاحب الأمر والزمان ، وعندما يظهر يكون هو المرجع والزعيم والحاكم إن شاء اللَّه .

وفي ضوء الغيبة الكبرى للإمام المهدي أثيرت بعض الشكوك والأوهام ، وتبادرت إلى أذهان الناس ، بعض التساؤلات ، عن جدوى وجود الإمام المهدي حال غيبته الكبرى؟ وما فائدة الناس به؟ وما ينتفعون منه؟ وكيف عمّر إلى هذا اليوم؟ وغيرها من الشبهات والتساؤلات ، نطرح بعضها ونجيب عنها باختصار .

أسباب غيبة الإمام المنتظر وفوائدها :

لا شكّ أنَّ الغيبة هي من أسرار اللَّه تعالى ، وهو أعرف بأسبابها وفوائدها الحقيقية ، ولكن هناك ثمة أسباب صرَّحت بها الأخبار والأحاديث نذكر بعضها :

من تلك الأسباب أن حياة الإمام المهدي كانت مهددة بالقتل من قبل الحكّام العباسيين فكانوا يبحثون عنه في كل مكان حتى فتشوا دار الإمام العسكري ، ولذا كان الإمام العسكري يحاول إخفاء ولادة الإمام عن عامّة الناس ، تحفّظاً على حياة ولده من شر الحكّام العباسيين ، وهكذا استمر الخطر عليه من قبل سائر الحكّام كالعثمانيين ، وغيرهم ممّن حكموا بلاد الشرق ، لأنهم علموا بأنّ المهدي هو الذي يزلزل كراسي الظالمين

، ويدمِّر كيانهم ، ولا زال الخطر محدقاً بالإمام ، وهذا الأمر سبب طول غيبته ، لذا شيعته دائماً يدعون له بالسلامة من الأعداء ، والتعجيل في ظهوره وفرجه .

وثمة سبب آخر عُلّل به غيبة الإمام ، وهو امتحان العباد واختبارهم ، وتمحيصهم ، ولذا كان انتظار الفرج والظهور من أفضل العبادات ، كما صرحت بذلك الروايات .

وهنا يطرح سؤال وهو : ما الفائدة من وجود إمامٍ غائبٍ؟ وكيف ينتفع الناس به؟!

لقد وردت أحاديث متعددة تذكر فوائد وجود الإمام الغائب ، ووجه الانتفاع به ، وفيما يلي نذكر بعضها :

عن جابر بن عبد اللَّه الأنصاري ، أنه سأل النبي : هل ينتفع الشيعة بالقائم في غيبته؟

فقال : إي والذي بعثني بالنبوة ، إنهم لينتفعون به ، ويستضيئون بنور ولايته في غيبته ، كانتفاع الناس بالشمس وإن جلّلها السحاب ، وهذا تمثيل غاية في العلمية والدقة .

فالشمس أمان للمجموعة الشمسيّة من الفناء والزوال ، وفيها فائدة عظيمة للإنسان والحيوان والنبات ، والهواء والماء والجماد ، وأن عملية التمثيل الضوئي التي هي اساس الحياة على الأرض تجري بوجود الشمس من خلف السحاب كذلك .

ومن الواضح أن السحاب لا يغير شيئاً من تأثير الشمس ، وفوائدها ، وإنّما يحجب الشمس عن الرؤية - في المنطقة التي يخيم عليها السحاب - فقط .

فالإمام المهدي الذي شُبِّه بالشمس وراء السحاب هو الذي بوجوده يتنعم البشر وتنتظم حياتهم وهو أمان لأهل الأرض ، لأنّ الأرض لا تخلو من الحجة ، ولو خلت

لساخت بأهلها . وورد هذا المعنى في رسالة الإمام المهدي إلى إسحاق بن يعقوب :

. . . وإني لأمان لأهل الأرض كما أنّ النجوم أمان لأهل السماء . . . .

وأيضاً قد أعلن الإمام عن فائدة وجوده وهو غائب عن الأنظار في إحدى رسائله للشيخ المفيد ، حيث قال : إنّا غير مهملين لمراعاتكم ولا ناسين لذكركم ، ولولا ذلك لنزل بكم الأواء ، واصطلمكم الأعداء . . . .

وبالإضافة إلى هذا فإنّ إمام العصر أرواحنا فداه يحضر في مواسم الحج كل عام ، ويتردد على المجالس والمحافل ، وما أكثر المشاكل التي يحلّها بالواسطة ، أو من دون واسطة لبعض المؤمنين ، ولعل الناس لا يرونه ولا يعرفونه ، ولكن الإمام يراهم ويعرفهم ، وقد ظفر كثير من الناس بلقائه خلال الغيبة الصغرى ، والكبرى ورأوا الكثير من معاجزه وكراماته ، وحُلّت على يديه مشاكل عدد من المؤمنين .

ويستفاد من الأحاديث والأخبار المتواترة بأن لقاءات الإمام المهدي لا تنحصر في عدد معين ومكانٍ معين ، بل تشمل كل من له صلاحية هذا الالتقاء في كل عصرٍ ، وفي أي مكان بالأخص الأماكن المقدسة والمشاهد المشرفة ، فالأخبار الدالة على مشاهدته في الغيبة الكبرى كثيرة وعددها يفوق حد التواتر ، بحيث نعلم لدى مراجعتها واستقرائها ، عدم الكذب والخطأ فيها في الجملة .

وتشمل هذه المقابلات قضاء حوائج المؤمنين بمختلف أقسامها المادية والمعنوية ، كما تشتمل على توجيه ، الوصايا التربوية ، وتوضيح غوامض المعارف الإلهية ، أو التنبيه إلى

الأحكام الشرعية الصحيحة ، وغير ذلك من مهام الإمام في كل عصر .

وتحققت من هذه اللقاءات إضافة لذلك ثمار مهمة تتمحور حول ترسيخ الإيمان

بوجوده ، وإزالة التشكيكات الواردة حوله في كل عصر بما يعزز سيرة المؤمنين في التمهيد لظهوره .

وهذه الكتب المؤلفة في أزمنة مختلفة ، وبلاد متفاوتة ألّفها ثقات لا يعرف بعضهم بعضاً ، وفيها من الحكايات الشاهدة لما ذكرنا من مشاهدة الإمام المهدي ، والتشرف بخدمته .

حقيقة انتظار الظهور ، وأهميته في عصر الغيبة :

الانتظار عبارة عن : كيفية نفسانية وقلبية ينبعث منها التهيؤ لما ينتظر ، وضده اليأس ، فكلما كان الانتظار أشد كان التهيؤ آكد ، فالمؤمن المنتظر مولاه كلما اشتد انتظاره ازداد جهده في التهيؤ لذلك ، بالورع والاجتهاد وتهذيب النفس عن الرذائل ، والتحلي بالأخلاق الحميدة حتى يفوز بزيارة مولاه ، ومشاهدة جماله في زمان غيبته كما اتفق ذلك لجمع كثير من الصالحين ، ورواية أبي بصير دالة على توقف فوز المشاهدة والصحبة على ذلك ، حيث قال الإمام الصادق : من سره أن يكون من أصحاب القائم فلينتظر وليعمل بالورع ومحاسن الأخلاق وهو منتظر ، فإن مات وقام القائم بعده كان له من الأجر مثل مَن أدركه . . . .

فالانتظار الحقيقي لفرج وظهور إمام العصر الذي يكون عبادة ، بل أفضل الأعمال والعبادات ، كما صرحت به الروايات هو الانتظار البنّاء الباعث للتحرك والالتزام الديني ، ولا يتحقق هذا الانتظار الحقيقي إلاّ ضمن الشروط التالية التي تعتبر من تكاليف المؤمنين الموالين للإمام المهدي المنتظر

في زمن غيبته الكبرى .

هذا والإمام المهدي قد صرّح بحقيقة إنتظار فرج ظهوره في كتابه إلى الشيخ المفيد ، بقوله : فليعمل كل امرء بما يقرب به من محبتنا ، ويتجنب ما يُدنيه من كراهتنا وسخطنا ، فإنّ أمرنا بغتة فجاءة حين لا تنفعه توبة ، ولا يُنجيه من عقابنا ندم على حوبة واللَّه يلهمكم الرشد ، ويلطف لكم في التوفيق برحمته .

ومن أهم تكاليف المؤمنين في عصر الغيبة التي أكّدتها الأحاديث الشريفة ، هو الدعاء للإمام المهدي بالحفظ والسلامة من الأعداء ، والتصدق عنه وتعجيل فرجه وظهوره والنصر على أعدائه ، والمواظبة على زيارته ، وغير ذلك مما ذكرته الروايات .

ومن أفضل الأدعية التي يندب بها الإمام الحجة لتعجيل ظهوره ، هو دعاء الندبة المعروف الذي يستحب قرائته في صباح كل جمعة ، وقد اعتاد شيعة الإمام ومحبوه ومنتظروه أن يقرأوا هذا الدعاء كل جمعة ، في الأماكن المقدسة والمشاهد المشرّفة ، وفي البيوت .

ومن تلك الأدعية المهمة المعروفة التي ينبغي لكل مؤمن منتظر أن يدعو بها في زمن الغيبة ، دعاء الإمام الصادق الذي علّمه لزرارة ، وقال له : إذا أدركت زمن غيبة القائم ادع بهذا الدعاء : اللهمّ عرفني نفسك فإنك إن لم تعرفني نفسك لم أعرف نبيك ، اللهمّ عرفني نبيك فإنك إن لم تعرفني نبيك لم أعرف حجتك ، اللهم عرفني حجتك فإنك إن لم تعرفني حجتك ضللت عن ديني ، اللهم لا تمِتني ميتة جاهلية . . . .

ثم إن من جملة معتقدات الإمامية استحباب

زيارة الأئمة ، ويتأكد هذا الاستحباب في حق مولانا صاحب العصر والزمان ، لأنه إمام عصرنا وسيد زماننا ، فنزوره بالزيارة الجامعة الكبيرة ، ونتأمل في معانيها خصوصاً في : مؤمن بإيابكم ، مصدق برجعتكم ، منتظر لأمركم ، مرتقب لدولتكم ، لأنه يعكس الحالة النفسية للانتظار المشروع ، وكذا ينبغي زيارته بالزيارات الأخرى الواردة في كتب الأدعية والزيارات خصوصاً زيارة آل ياسين ، والتي أراد الإمام المهدي من شيعته أن يزوره بها ، ثم يدعو له عقيبها بما يأتي من الدعاء بعدها ، الذي فيه الدعاء له بالتعجيل في الظهور ، والنصر له على الأعداء ، وقد وردت هذه الزيارة بكاملها مع الدعاء المبارك للمهدي في كتاب الاحتجاج للطبرسي 2 : 591 ، عن محمّد بن عبد اللَّه بن جعفر الحميري انّه قال : خرج التوقيع من الناحية المقدسة حرسها اللَّه تعالى - بعض المسائل - : بسم اللَّه الرحمن الرحيم ، لا لأمر اللَّه تعقلون ، ولا من أوليائه تقبلون ، حكمة بالغة فما تغني النذر عن قوم لا يؤمنون السّلام علينا وعلى عباد اللَّه الصالحين . . . التوجه بنا إلى اللَّه وإلينا ، فقولوا كما قال اللَّه تعالى : سَلاَمٌ عَلَىَ إِلْ يَاسِينَ . . . .

4غزوة حنين

6/ شوال/ عام 8 ه_

حنين وادٍ بين مكة إلى الطائف إلى جانب ذي المجاز ، وهو اليوم يبعد40 كم عن مكة تقريباً . وكان يبعد عن مكة كما يقولون ، مسير ثلاث ليال .

بلغ الخبر هوازن في مضاربها حوالي الطائف ،

بأن رسول الله يتجهز لإخضاعهم لدين الله تعالى ، والواقع أن الرسول عندما خرج إلى فتح مكة أظهر أنه يريد هوازن . فاجتمع رؤساء هوازن وأمروا عليهم مالك بن عوف وأخذ يتهيأون بالرجال والسلاح منذ ذلك الحين . ولكي يستميت الرجال في قتال المسلمين أمر مالك بالخروج بالعوائل وملاقاة المسلمين في واد حنين . . وهكذا كان .

وذكر خبر هوازن هذا للرسول ، وأنهم اجتمعوا في أوطاس ، وكان في مكة بعد فتحها . بدأ يعد الجيش حتى بلغ أكثر من عشرة آلاف رجل وألف من أهل مكة بعد الفتح مسلمة الفتح .

قال المفيد في الإرشاد : لما استظهر رسول الله في غزاة حنين بجمع كثير وخرج متوجهاً إلى القوم في عشرة آلاف من المسلمين ، ورأوا جمعهم وكثرة عدتهم وسلاحهم ، ظن أكثرهم أن لن يغلبوا لذلك ، وقد وصفهم الله تعالى في محكم كتابه : وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمّ وَلّيْتُم مّدْبِرِينَ .

ولما كان الليل عمد مالك بن عوف إلى أصحابه فعبّأهم في وادي حنين وكان وادياً أجوفاً له شعاب ومضائق ففرق الناس فيه ، على أن يحملوا على محمد وأصحابه حملة واحدة .

وعلى الجانب الثاني وفي سحر نفس الليلة عبّأ رسول الله أصحابه فصفهم صفوفاً . . وطاف على الجيش وبشرهم بالفتح إن صدقوا وصبروا ، وجعل شعار المهاجرين ، بني عبد الرحمن ، وجعل شعار الأوس ، بني عبيد الله ، وسمى خيله خيل الله .

قال القمي في تفسيره : كانت بنو سليم

على مقدمته ، فخرجت عليها كتائب هوازن من كل ناحية ، فانهزمت بنو سليم ، وانهزمن وراءهم ، ولم يبق أحد إلا انهزم ، وبقي أمير المؤمنين يقاتل في نفر قليل .

محاولة قتل رسول الله

صفوان بن أمية بن خلف المقتول في بدر ، وشيبة بن عثمان بن أبي طلحة من بني عبد الدار المقتول هو الآخر ببدر بسيف حمزة وعلي تعاهدا : إن دارت الدائرة على رسول الله أن ينقلبا عليه فينتقمان منه .

وفي لحظات الحرج تلك ، حيث انهزم المسلمون إلا الثابتين ، كان صفوان مع شيبة يقفان خلف النبي ، لكن صفوان أعرض عما تعاهد عليه مع شيبة ، فصاح به أخوه كلدة بن الحنبل : ألا بطل السحر اليوم!

فصاح به صفوان : اسكت فضّ الله فاك! فوالله لئن يربني رجل من قريش أحب إليّ من أن يربني رجل من هوازن .

والثابتون في ذلك اليوم مع النبي عشرة ، ثمانية من بني هاشم وعلي وأيمن بن أم أيمن الذي قتل في المعركة .

والثوابت من النساء ، كانت أم حارث الأنصارية ، أوقفت زوجها عن الهرب وأعادته إلى جنب رسول الله ومر بها عمر بن الخطاب موليّاً ، فصاحت به : يا عمر! ما هذا! فقال عمر : أمر الله .

وكذا أم عمارة ، جردت سيفاً وثبتت ومعها أم الحارث ، وأم سليط وأم سُليم وهي حامل بعبد الله بن أبي طلحة ، ومعها خنجر سلّته وهي تصيح بالأنصار : أية عادة هذه! ما لكم والفرار! ونظرت إلى رجل من هوازن حامل

لواء لهم على جمل وهو يتابع المسلمين ، فاعترضته وضربت بخنجرها عرقوب جمله فوقع على ذيله ، فضربت الرجل بخنجرها حتى قتلته وأخذت سيفه .

تقول أم سُليم : وكان المسلمون قد بلغ أقصى هزيمتهم مكة ، ورسول الله قائم مصلت بيده سيفه قد طرح غمده وينادي : يا أصحاب سورة البقرة!

وروى الطبرسي في إعلام الورى عن سلمة بن الأكوع قال : نزل رسول الله عن البغلة بنفسه فقبض قبضة من التراب ثم ركب واستقبل به وجوه القوم ورماه وقال : شاهت الوجوه ، فما خلق الله منهم إنساناً إلا ملأ عينيه تراباً من تلك القبضة ، فولوا مدبرين وأتبعهم المسلمون يقتلون فيهم ، وفرّ مالك بن عوف زعيم هوازن .

نزول النصر

ونزل النصر من السماء ، فكانت هوازن تسمع قعقعة السلاح في الجو ، قال الطبرسي عن سعيد بن المسيب عن رجل من هوازن كان معهم يوم حنين :

لما التقينا يوم حنين كشفناهم وجعلنا نسوقهم حتى انتهينا إلى رسول الله على البغلة الشهباء ، فتلقانا رجال بيض الوجوه ، قالوا لنا ارجعوا ، وركبوا أكتافنا فرجعنا ، يعني الملائكة .

وبعد أن انهزمت هوازن هرب مالك بن عوف إلى الطائف وتحصّن في قصر هناك ، حيث تجمعت ثقيف ، أما الأعراب فقصدوا أوطاس ، فأمر النبي أبا عامر الأشعري في جماعة ليتبعهم إلى هناك ، فتبعهم وقتلهم إلا أنه قتل .

وأمر رسول الله بالغنائم أن تجمع ونادى مناديه : من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يفل ، ومن أصاب شيئاً من المغنم فليرده .

وروى الطبرسي في إعلام الورى عن . . الصادق قال :

سبى رسول الله يوم حنين أربعة آلاف إنسان ، واثني عشر ألف ناقة سوى ما لا يعلم من الغنائم ، وكان السبي من النساء والذراري ستة آلاف .

5معركة أحد وشهادة حمزة عم النبي

7/ شوال/ السنة 3 ه_

كان سبب غزوة أحد : أن قريشاً لما رجعت من بدر إلى مكة وقد أصابهم ما أصابهم من القتل والأسر ، فقد قتل منهم سبعون وأسر منهم سبعون . قال أبو سفيان : يا معشر قريش لا تدعوا النساء يبكين على قتلاكم فإنّ البكاء والدمعة إذا خرجت أذهبت الحزن والحرقة والعداوة لمحمد ويشمت بنا هو وأصحابه .

فلما أرادوا أن يغزوا رسول الله إلى أحد ساروا في حلفائهم من كنانة وغيرها ، فجمعوا الجموع والسلاح ، وخرجوا من مكة في ثلاثة آلاف ، وأخرجوا معهم النساء يذكّرنهم ويحثنّهم على حرب رسول الله ، وخرجت معهم هند بنت عتبة بن ربيعة .

فلما بلغ رسول الله ذلك جمع أصحابه وأخبرهم : أن الله قد أخبره : أنّ قريشاً قد تجمعت تريد المدينة .

قال الطبرسي : واستشار أصحابه ونزل الشعب من أحد في عدوة الوادي إلى الجبل .

وأصبح رسول الله فتهيأ للقتال ، وجعل على راية المهاجرين علياً ، وعلى راية الأنصار سعد بن عبادة ، وقعد رسول الله في راية الأنصار .

ووضع عبد الله بن جبير في خمسين من الرماة على باب الشِّعب ، وقال له ولأصحابه : إن رأيتمونا قد هزمناهم حتى أدخلناهم مكة فلا تخرجوا من هذا المكان ، وإن رأيتموهم قد هزمونا حتى

أدخلونا المدينة فلا تبرحوا والزموا منازلكم .

وقال لهم : اتقوا الله واصب_روا ، وإن رأيتمونا يخطفنا الطير فلا تب_رحوا مكانكم حتى أرسل إليكم .

وقال : لا تب_رحوا مكانكم هذا وإن قتلنا عن آخرنا ، فإنما نُؤتى من موضعكم هذا .

نشوب الحرب

وأوّل من أنشب الحرب هو أبو عامر عبد عمرو إذ طلع في خمسين من قومه ، فتراموا فيما بينهم والمسلمين بالحجارة ، ثم ولّوا مدبرين .

وتقدّمت نساء المشركين أمام صفوفهم قبل اللقاء يضربن بالدفوف والطبول الكبار ، ثم رجعن فكنّ في أواخر الصفوف خلف الرجال وبين أكتافهم يذكرن من أصيب ببدر ويحرّضن بذلك الرجال ويضربن بالدفوف ويقلن :

نحن بنات طارقْ

إن تُقبلوا نعانقْ

نمشي على النمارقْ

أو تدبروا نفارقْ

فراق غير وامق

بدء البراز بأحد :

قال القمي في تفسيره : كانت راية قريش مع طلحة بن أبي طلحة العبدوي ، فبرز ونادى : يا محمد تزعمون أنكم تجهزونا بأسيافكم إلى النار ، ونجهزكم بأسيافنا إلى الجنة ، فمن شاء أن يلحق بجنته فليبرز إليّ .

فبرز إليه أمير المؤمنين يقول :

يا طلح إن كنت كما تقول

فاثبت لننظر أيّنا المقتول

فقد أتاك الأسد الصؤول

لنا خيول ولكم نصول

وأيّنا أولى بما تقول

بصارم ليس به فلول

ينصره القاهر والرسول

فقال طلحة : من أنت يا غلام؟ قال : أنا علي بن أبي طالب . قال طلحة : قد علمت أنه لا يجسر عليّ أحد غيرك .

فشدّ عليه طلحة فاتقاه أمير المؤمنين بالترس ، ثم ضربه أمير المؤمنين على فخذيه فقطعهما جميعاً ، فسقط على ظهره وسقطت الراية ، فذهب علي ليجهز عليه فحلّفه بالرحم فانصرف

عنه ، فقال المسلمون : ألا أجهزت عليه؟ قال : قد ضربته ضربة لا يعيش منها أبداً .

وأخذ الراية أبو سعيد فقتله علي وسقطت الراية إلى الأرض ، فأخذها مسافع فقتله علي فسقطت الراية إلى الأرض ، إلى أن قتل أمير المؤمنين التاسع من بني عبد الدار أرطاة فسقطت الراية إلى الأرض .

معصية الرُّماة

فحمل الأنصار على مشركي قريش فانهزموا هزيمة قبيحة ، ووقع أصحاب رسول الله في سوادهم ، وانحطّ خالد بن الوليد في مئتي فارس فلقي عبد الله بن جبير وأصحابه فوق الجبل فاستقبلوهم بالسهام فردّوا .

ونظر أصحاب عبد الله بن جبير إلى أصحاب رسول الله ينهبون سواد القوم ، فقالوا لعبد الله : تقيمنا ههنا وقد غنم أصحابنا ونبقى نحن بلا غنيمة؟! فقال لهم عبد الله : اتقوا الله فإنّ رسول الله قد تقدم إلينا أن لا نبرح .

فلم يقبلوا منه وأقبل ينسلّ رجل فرجل حتى أخلوا مراكزهم ، وبقي عبد الله بن جبير في إثني عشر رجلاً .

وانحطّ خالد بن الوليد على عبد الله بن جبير وقد فرّ أصحابه وبقي في نفر قليل ، فقتلوهم على باب الشعب ، واستعقبوا المسلمين فوضعوا فيهم السيف .

ونظرت قريش في هزيمتها إلى الراية قد رفعت ، فلاذوا بها .

هزيمة المسلمين ووقوف علي وبعض الصحابة

وانهزم أصحاب رسول الله هزيمة قبيحة ، وأقبلوا يصعدون في الجبال وفي كل وجه . فلما رأى رسول الله الهزيمة كشف البيضة عن رأسه وقال : إني أنا رسول الله فإلى أين تفرّون عن الله ورسوله .

لم يبق مع الرسول إلاّ أمير المؤمنين

وأبو دجانة ، وكلما حملت طائفة على الرسول استقبلهم أمير المؤمنين فيدفعهم عنه ويقتل فيهم حتى انقطع سيفه . فلما انقطع سيفه جاء إلى الرسول فقال : يا رسول الله إنّ الرجل يقاتل بالسلاح وقد انقطع سيفي . فدفع إليه الرسول سيفه ذا الفقار وقال : قاتل بهذا .

فلم يكن يحمل على رسول الله أحد إلاّ يستقبله أمير المؤمنين فإذا رأوه رجعوا ، وانحاز الرسول إلى ناحية أحد فوقف ، فلم يزل علي يقاتلهم حتى أصابه في وجهه وصدره وبطنه ويديه ورجليه تسعون جراحة .

وسمعوا منادياً ينادي من السماء : لا سيف إلاّ ذو الفقار ، ولا فتى إلاّ علي . ونزل جبرئيل على الرسول وقال : هذه والله المواساة يا محمد .

فقال الرسول : لأني منه وهو مني . فقال جبرئيل : وأنا منكما .

استشهاد حمزة

وكان حمزة بن عبد المطلب يحمل على القوم فإذا رأوه انهزموا ولم يثبت له واحد منهم . وكان وحشي عبداً حبشياً لجبير بن مطعم . وكانت هند بنت عتبة قد أعطت وحشياً عهداً : لئن قتلت محمداً أوعلياً أو حمزة لأعطينّك رضاك .

يقول وحشي : أما محمد فلا أقدر عليه ، وأما علي فرأيته رجلاً حذراً كثير الالتفات فلم أطمع فيه ، فكمنت لحمزة فرأيته يهدّ الناس هداً ، فمرّ بي فوطأ على جرف نهر فسقط ، فأخذت حربتي فهززتها ورميته بها فوقعت في خاصرته وخرجت مغمّسة بالدم .

وجاءت هند فأمرت بشق بطن حمزة وقطع كبده والتمثيل به ، فجدعوا أنفه وأذنيه ومثّلوا به ، ورسول الله مشغول عنه لا يعلم بما انتهى

إليه أمره .

وقال القمي في تفسيره : وجاءت إليه هند فقطعت مذاكيره وقطعت أذنيه وجعلتهما خرصين حلقتين وشدّتهما في عنقها ، وقطعت يديه ورجليه .

6هدم قبور أئمة البقيع

8 / شوال/ 1344 ه_

بعد سيطرة الوهابيين على تلك البلاد المقدسة قاموا بهدم تلك القباب الطاهرة في البقيع وغيرها ، وكان هدم البقيع في الثامن من شوال عام 1344ه_ الموافق ل_ 21 نيسان ابريل1925م .

البقيع

بباء موحدة مفتوحة ، بعدها قاف مثناة ، بعد القاف ياء مثناة ساكنة ، وآخره عين مهملة : هي بقعة طاهرة بجوار قبر رسول الله في الجنوب الشرقي مقابل المسجد النبوي الشريف في المدينة المنورة ، وتضم أربعة من أئمة المسلمين من أهل بيت رسول الله وهم :

1- الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب .

2- الإمام علي بن الحسين زين العابدين .

3- الإمام محمد بن علي الباقر .

4- الإمام جعفر بن محمد الصادق .

كما يضم البقيع أيضاً : قبر العباس بن عبد المطلب عم النبي ، وقبر إبراهيم بن رسول الله ، وقبر عدد من عمات النبي وزوجاته ، وبعض أصحابه وعدد من شهداء صدر الإسلام والعديد من الأولياء وكبار شخصيات المسلمين ، وفي بعض التواريخ أن عشرة آلاف صحابي دفنوا فيه .

وقد كان البقيع منذ عهد رسول الله مزاراً للمؤمنين إلى يومنا هذا ولكن الوهابيين هدموا تلك القباب الطاهرة ومنعوا المسلمين من تأدية شعائرهم الدينية .

وكان ذلك في اليوم الثامن من شوال سنة 1344 ه_ . ولأجل أن لا تذهب فعلة اولئك الأوباش التكفيريين هباءً . لابد من اتخاذ هذه الذكرىللتعريف بماهية التكفيريين .

وتبلغ مساحة البقيع الحالية مئة وثمانين ألف متر مربع ، ويعتبر البقيع من أقرب الأماكن التاريخية إلى مبنى المسجد النبوي حالياً .

رسول الله يزور البقيع

ورد في سيرة رسول الله أنه لما أحسّ بالمرض الذي عراه أخذ بيد علي بن أبي طالب واتبعه جماعة من الناس وتوجه إلى البقيع فقال للذي اتبعه : إنني قد أمرت بالاستغفار لأهل البقيع .

فانطلقوا معه حتى وقف بين أظهرهم وقال : السلام عليكم أهل القبور ليهنئكم ما أصبحتم فيه مما فيه الناس ، أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع آخرها أولها ثم استغفر لأهل البقيع طويلاً .

الوهابيون وهدم البقيع

يعتقد الوهابيون على خلاف جمهور المسلمين أن زيارة وتعظيم قبور الأنبياء وأئمة أهل البيت عبادة لأصحاب هذه القبور وشرك بالله يستحق معظمها القتل وإهدار الدم!

ولقد انصبّ غضبهم في كل مكان سيطروا عليه ، على هدم قبور الصحابة وخيرة التابعين وأهل بيت النبي الذين طهرهم الله من الرجس تطهيرا . . وكانت المدينتان المقدستان مكة والمدينة ولكثرة ما بهما من آثار دينية ، من أكثر المدن تعرضاً لهذه المحنة العصيبة ، التي أدمت قلوب المسلمين وقطعتهم عن تراثهم وماضيهم التليد .

وكان من ذلك هدم بقيع الغرقد بما فيه من قباب طاهرة لذرية رسول الله وأهل بيته وخيرة أصحابه وزوجاته وكبار شخصيات المسلمين .

الهدم الأول عام 1220ه_

وكان أول هدم للبقيع عام 1220ه_ وعندما سقطت الدولة على يد العثمانيين أعاد المسلمون بناءها على أحسن هيئة من تبرعات المسلمين . فبنيت القبب والمساجد بشكل فني رائع حيث عادت هذه القبور المقدسة محط رحال المؤمنين بعد أن ولّى خط الوهابيين لحين من الوقت .

الهدم الثاني عام

1344ه_

ثم عاودوا الكرّة على المدينة المنورة مرة أخرى في عام 1344ه_ وقاموا بتهديم المشاهد المقدسة للأئمة الأطهار عليهم السلام وأهل بيت رسول الله بعد تعريضها للإهانة بفتوى من وعاظهم .

فأصبح البقيع وذلك المزار المهيب قاعاً صفصفاً ، ولكن مع كل ما فعلوه لإبعاد المسلمين إخماد حبهم لرسول الله وأهل بيته وأصحابه الأخيار لم تتحقق أهدافهم وبقي مكانة أصحاب تلك المراقد والقبور عند المسلمين فيزوروها طوال السنة خصوصاً في موسم الحج والعمرة .

7غزوة وسرية بني سليم 10 / شوال / السنة 2 ه_

إنَّ سرية رسول الله التي بعثها بقيادة غالب بن عبد الله الليثي إلى بني سُليم وغطفان ، كانت في يوم الأحد لعشر ليالٍ مضين من شوال من السنة الثانية للهجرة .

فكان النصر لسرية رسول الله مع أنهم فقدوا ثلاثة ، وعادوا بالنعم والغنيمة إلى المدينة يوم السبت لأربع عشرة ليلة بقيت من شوال .

ويقول الطبري عن سبب الغزوة والسرية إلى بني سليم وغطفان أنه بلغ رسول الله اجتماعهم عليه ، إذ كان البدء بحصار قينقاع يوم السبت للنصف من شوال في قول الواقدي .

إذن فمقدمات الغزوة وقعت في هذهِ الفترة ثلاثة أيام بين عودة الرسول من بني سليم وحصار بني قينقاع . . وحيث يستمر حصارهم إلى هلال ذي القعدة .

8رد الشمس للإمام علي في مسجد الفضيخ 15/ شوال/ السنة 3 ه_

إنّ حادثة رد الشمس لعلي وردت في مصادر كتب الفريقين وصحّحها بعض من علماء أهل السنة ، قال ابن حجر في فتح الباري :

وقع في الأوسط للطبراني من حديث جابر أن النبي أمر الشمس فتأخرت ساعة من نهار ، وإسناده حسن .

ووجه الجمع أن الحصر محمول على ما مضى للأنبياء قبل نبينا فلم تحبس الشمس إلا ليوشع ، وليس فيه نفي أنها تحبس بعد ذلك لنبينا .

وروى الطحاوي والطبراني في الكبير والحاكم والبيهقي في الدلائل عن أسماء بنت عميس أنه دعا لما نام على ركبة علي ففاته صلاة العصر . فردت الشمس حتى صلى علي ثم غربت وهذا أبلغ في المعجزة .

وقال ابن حجر الهيثمي في كتابه الصواعق المحرقة عند ذكر فضائل علي : ومن كراماته الباهرة أن الشمس ردت عليه لما كان رأس النبي في حجره والوحي ينزل عليه

وعلي لم يصل العصر فما سري عنه إلا وقد غربت الشمس فقال النبي : اللهم إنه كان في طاعتك وطاعة رسولك ، فأردد عليه الشمس فطلعت بعدما غربت .

ويعتبر ابن كثير أن فعل علي وحده حجة وهذا دأب كل من يحسن الأدب أمام أمثال الإمام علي ، فعلى قول رسول الله : اللهم إنه كان في طاعتك وطاعة رسولك فأردد عليه الشمس . فهذا إقرار لعلي على فعله .

ولكن مع ذلك كله فالرواية الأسلم من مصادر الشيعة أن علي صلى من جلوس إيماءاً وردّت الشمس لكي يصلي صلاة تامة من الركوع والسجود ، فقد قال الشيخ المفيد في الإرشاد : ومما أظهره الله تعالى من الأعلام الباهرة على يد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ما استفاضت به الأخبار ورواه علماء السيرة والآثار ونظمت فيه الشعراء الأشعار : رجوع الشمس له مرتين : في حياة النبي مرة وبعد وفاته مرة أخرى .

وكان من حديث رجوعها عليه في المرة الأولى ما روته أسماء بنت عميس وأم سلمة زوج النبي وجابر بن عبد الله الأنصاري وأبو سعيد الخدري في جماعة من الصحابة : أن النبي كان ذات يوم في منزله وعلي بين يديه إذ جاءه جبريل يناجيه عن الله سبحانه فلما تغشاه الوحي توسد فخذ أمير المؤمنين فلم يرفع رأسه عنه حتى غابت الشمس فاضطر أمير المؤمنين لذلك أن يصلي صلاة العصر جالساً يومئ بركوعه وسجوده إيماءاً فلما أفاق من غشيته قال لأمير المؤمنين : أفاتتك صلاة العصر؟ قال له : لم أستطع أن أصليها قائماً لمكانك يا رسول الله والحال التي كنت عليها في استماع الوحي ، فقال له

: ادع الله حتى يردد عليك الشمس لتصليها قائماً في وقتها كما فاتتك فإن الله تعالى يجيبك لطاعتك الله ورسوله ، فسأل أمير المؤمنين الله في رد الشمس فردت… .

ثم ذكر المرة الثانية قائلاً :

وكان رجوعها بعد النبي أنه لما أراد أن يعبر الفرات ببابل اشتغل كثير من أصحابه بتعبير دوابهم ورحالهم فصلى بنفسه في طائفة معه العصر ، فلم يفرغ الناس من عبورهم حتى غربت الشمس وفاتت الصلاة كثيراً منهم وفات الجمهور فضل الاجتماع معه ، فتكلموا في ذلك فلما سمع كلامهم فيه سأل الله تعالى أن يرد الشمس عليه لتجتمع كافة أصحابه على صلاة العصر في وقتها فأجابه الله في ردها عليه .

وكذلك نقل العلامة المجلسي في البحار قول الشيخ الصدوق تعليقاً على رواية ظاهرها أنه لم يصل : ولعله صلى إيماء قبل ذلك أيضاً .

وهذه الحادثة ردّ الشمس نظمها السيد الحميري في شعر له ، فقال :

ردّت عليه الشمس لما فاته

حتى تبلّج نورها في وقتها

وعليه قد ردّت ببابل مرة

وقت الصلاة وقد دنت للمغرب

للعصر ثم هوت هوى الكوكب

أخرى وما ردّت لخلق مغرب

9وفاة السيد عبد العظيم الحسني 15/ شوال/ السنة 252 ه_

عبد العظيم الحسني ينتهي نسبه الشريف بوسائط أربع إلى سبط خير الورى الإمام الحسن المجتبى فهو عبد العظيم بن عبد الله بن علي بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب .

ولد في الرابع من ربيع الثاني عام 173ه_ في المدينة المنورة ، وتوفي في النصف من شوال عام 252 ه_ ، كما في منتخب التواريخ للخراساني وكما في كتاب الشجرة المباركة في الأنساب الطالبية للإمام فخر الرازي ، ومرقده الشريف في الرّي بجوار

طهران ، معروف مشهور ، وعلوّ مقامه وجلالة شأنه أظهر من الشمس فإنه من سلالة خاتم النبيين وهو مع ذلك من أكابر المحدثين واعاظم العلماء والزهّاد والعباد وذوي الورع والتقوى وهو من أصحاب الإمام الجواد والهادي ، وقد روى عنهما أحاديث كثيرة ، وهو المؤلف لكتاب خطب أمير المؤمنين وكتاب اليوم والليلة ، وهو الذي عرض دينه على إمام زمانه الإمام الهادي ، فأقرّه وصدّقه ، وقال :

يا أبا القاسم هذا والله دين الله الذي ارتضاه فاثبت عليه ، ثبتك الله بالقول الثابت في الدنيا والآخرة .

وفي كتاب الرجال للنجاشي أنه خاف من السلطان المتوكل العباسي فطاف بالبلدان ثم ورد إلى ري وسكن سرباً في دار رجل من الشيعة في سكة الموالي وكان يعبد الله في ذلك السرب ويصوم نهاره ويقوم ليله وكان يخرج مستتراً فيزور القبر المقابل لقبره ويقول هو قبر حمزة من ولد موسى بن جعفر فلم يزل يأوي إلى ذلك السرب ويقع خبره إلى الواحد بعد الواحد من شيعة آل محمد عليه وعليهم السلام حتى عرفه أكثرهم رجال النجاشي : برقم 653 .

وقال المحقق الداماد في كتاب الرواشح إن في فضل زيارة عبد العظيم روايات متضافرة ، وروي أن من زار قبره وجبت له الجنة .

وروى ابن بابويه وابن قولويه بسند معتبر عن رجل من أهل الري عن الإمام علي الهادي النقي صلوات الله عليه قال : دخلت عليه فقال : أين كنت؟ فقلت : زرت الحسين . قال : أما لو أنك زرت قبر عبد العظيم عندكم لكنت كمن زار الحسين بن علي صلوات الله عليهما .

10غزوة بني قينقاع 17/ شوال/ السنة 2 ه_

لقد قدّم رسول الله أفضل المثل في الأخلاق والآداب ، ولا سيما مع يهود المدينة ، وبالأخص المعاهدة التي عقدها مع بني قينقاع ، وقد كان حريصاً كل الحرص على تنفيذ ما جاء في هذه المعاهدة ، وفعلاً لم يأت من المسلمين ما يخالف حرفاً واحداً من نصوصها ، ولكن اليهود الذين ملؤوا تاريخهم بالغدر والخيانة ونكث العهود ، لم يلبثوا أن عادوا إلى طبائعهم القديمة ، وأخذوا في طريق الدسّ والمؤامرة والتحريش وإثارة القلق والاضطراب في صفوف المسلمين .

قال ابن سعد : وكانت أي غزوة بني قينقاع يوم السبت للنصف من شوال على رأس عشرين شهراً من الهجرة .

وقال ابن إسحاق : وكان من أمر بني قينقاع أن رسول الله جمعهم بسوق بني قينقاع ثم قال : يا معشر يهود احذروا من الله مثل ما نزل بقريش من النقمة وأسلموا فإنكم قد عرفتم أني نبي مرسل تجدون ذلك في كتابكم وعهد الله إليكم . قالوا : يا محمد إنك ترى أنا قومك ولا يغرنك أنك لقيت قوماً لا علم لهم بالحرب فأصبت لهم فرصة ، أما والله لو حاربتنا لتعلمنّ أنا نحن الناس . فحدثني مولى لآل زيد بن ثابت عن سعيد بن جبير أو عن عكرمة عن ابن عباس قال : ما نزل هؤلاء الآيات إلاّ فيهم قُلْ لّلّذِينَ كَفَرُواْ سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَىَ جَهَنّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا أي أصحاب بدر من أصحاب رسول الله وقريش - فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللهِ وَأُخْرَىَ كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مّثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللهُ يُؤَيّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَآءُ إِنّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً

لاُوْلِي الأبْصَارِ قال : وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة أنهم كانوا أول يهود نقضوا ما بينهم وبين رسول الله وحاربوا فيما بين بدر وأحد فحاصرهم رسول الله حتى نزلوا على حكمه .

قال ابن سعد : وكانوا قوماً من يهود حلفاء لعبد الله بن أبي بن سلول ، وكانوا أشجع يهود ، وكانوا صاغة فوادعوا النبي ، فلما كانت وقعة بدر أظهروا البغي والحسد ونبذوا العهد والمدة فأنزل الله تعالى : وَإِمّا تَخَافَنّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَىَ سَوَآءٍ إِنّ اللهَ لاَ يُحِبّ الخَائِنِينَ .

فقال رسول الله : أنا أخاف خيانة بني قينقاع . فسار إليهم ولواؤه بيد حمزة بن عبد المطلب وكان أبيض ولم تكن الرايات يومئذ واستخلف على المدينة أبا لبابة بن عبد المنذر وحاصرهم خمس عشرة ليلة إلى هلال ذي القعدة ، وكانوا أول من غدر من اليهود ، وحاربوا وتحصّنوا في حصنهم فحاصرهم أشدّ الحصار حتى قذف الله في قلوبهم الرعب فنزلوا على حكم رسول الله على أن لرسول الله أموالهم وأن لهم النساء والذرية فأنزلهم فكتفوا واستعمل على كتافهم المنذر بن قدامة السلمي فكلم ابن أبي فيهم رسول الله وألح عليه فقال : حلوهم لعنهم الله ولعنه معهم وتركهم من القتل . وأمر أن يجلوا من المدينة وتولى ذلك عبادة بن الصامت فلحقوا بأذرعات فما كان أقل بقائهم ، بها وذكر ما تنفّل رسول الله من سلاحهم وسيأتي ذكرنا له وخمست أموالهم فأخذ رسول الله صفية الخمس وفض أربعة أخماس على أصحابه .

فكان أول ما خمّس بعد بدر .

وكان الذي ولي قبض أموالهم محمد بن مسلمة

.

11فتح الأندلس على يد المسلمين23/ شوال/ سنة 92ه_

غزا طارق بن زياد مولى موسى بن نصير الأندلس في اثني عشر ألفاً ، فلقي ملك الأندلس واسمه أذرينوق - وكان من أهل أصبهان وهم ملوك عجم الأندلس - فزحف له طارق بجميع من معه وزحف الأذرينوق في سرير الملك وعليه تاجه وجميع الحلية التي كان يلبسها الملوك فاقتتلوا قتالاً شديداً فقتل الأّذرينوق وفتح الأندلس سنة اثنتين وتسعين ، قالوا : أول من سكنها قوم يعرفون بالأندلش - بشين معجمة - فسمي البلد بهم ثم عرب بعد ذلك بسين مهملة ، والنصارى يسمون الأندلس إشبانية باسم رجل صلب فيها يقال له : إشبانس ، وقيل : باسم ملك كان بها في الزمان الأول اسمه إشبان بن طيطس ، وهذا هو اسمها عند بطليموس ، وقيل : سميت بأندلس بن يافث بن نوح وهو أوّل من عمرها .

وبعد أكثر من خمسمئة عامٍ من حكم المسلمين على هذا البلد سقطت الأندلس في 17 من شهر صفر السنة 636ه_ على يدي الإفرنج وكان لسقوطها عدة أسباب منها انفصالها عن الدولة الإسلامية الكبرى وغيرها من الأسباب عليك بمراجعة الكتب المدّونة في هذا الموضوع وقد أشرنا إلى تاريخ سقوط الأندلس وأسبابه في مناسبات شهر صفر فليراجع .

12شهادة الإمام جعفر الصادق 25/ شوال/ السنة 148 ه_

شهادته

قبيل وفاته نصّ على إمامة ولده موسى بن جعفر وأرشد أصحابه إليه كما تواترت بذلك النصوص الصحيحة ، وكانت شهادته في الخامس والعشرون من شهر شوال من سنة 148 ه_ ، وقيل في النصف من شهر رجب عن ثمانية وستين عاماً ، وقيل أكثر من ذلك .

وجاء في رواية الكليني عن أبي أيوب الجوزي أنه قال : بعث إليّ أبو

جعفر المنصور في جوف الليل فدخلت عليه وهو جالس على كرسي وبن يديه شمعة وفي يده كتاب ، فلما سلمت رمى إليّ الكتاب وهو يبكي ، وقال : هذا كتاب محمد بن سليمان والي المدينة يخبرني أن جعفر بن محمد قد مات فإنا لله وإنا إليه راجعون وأين مثل جعفر ، ثم قال : اكتب فكتبت صدر الكتاب وقال لي : اكتب إن كان أوصى إلى رجل بعينه فقدمه واضرب عنقه ، فرجع الجواب من والي المدينة أنّه أوصى إلى خمسة : أبي جعفر المنصور ومحمد بن سليمان وعبد الله وموسى ابني جعفر وحميدة ، فقال المنصور : ليس إلى قتل هؤلاء من سبيل .

وكان المنصور العباسي دائم الوقعية بالإمام الصادق ، فما زال يغتنم فيه الفرص ويوقعه في المحذور والغصص ، وقد طلبه مراراً وعزم على قتله سرّاً وجهاراً ، وحيث لم يحتم المقدور صرف الله تعالى عنه ذلك البلاء والشرور ، فلما أحب الله تعالى شهادته وحضر وقته وأحبّ لقاءه أغار عليه المنصور ، فدسّ إليه سمّاً نقيعاً في عنب أو رمان ، فأكله سلام الله عليه فجعل يجود بنفسه وقد اخضرّ لونه وصار يتقيأ كبده قطعاً قطعاً حتى قضى نحبه ولقي ربّه شهيداً مظلوماً ، فلما مات تزعزعت المدينة بسكانها ، وخرجت المخدرات من خدورها وأوطانها لاطمات للخدود ، كل تنادي : وا إماماه وا جعفراه ، وا سيداه .

فقام الإمام الكاظم في جهاز أبيه فغسّله وحنّطه كما أمره وكفّنه وعيناه تهملان دموعاً ، وحمل جنازته إلى البقيع ودفنه بجوار أبيه وعمه كما مرّ

.

لمحات مما قيل فيه

لقد أجمع واصفوه بأنه لُقِّب بالصادق لأنه عُرف بصدق الحديث والقول والعمل حتى أصبح حديثَ الناس في عصره ، وقال فيه ابن الحجاج :

يا سيداً أروي أحاديثه

كأنني أروي حديث النبي

رواية المستبصر الحاذق

محمد ، عن جعفر الصادق

واتصف مع ذلك بنبل المقصد وسمو الغاية والتجرّد في طلب الحقيقة من كل هوى أو غرض من أغراض الدنيا ، لقد كان يطلب الحق للحق لا يبتغي عنه بديلاً ولا تلتبس عليه الأمور .

قال فيه مالك بن أنس أحد أئمة المذاهب : لقد كنت آتي جعفر بن محمد فكان كثير التبسم فإذا ذكر عنده النبي تغيّر لونه وقد اختلفت إليه زماناً فما كنت أراه إلا على إحدى ثلاث خصال : إما مصلياً ، وإما صائماً ، وإما يقرأ القرآن .

ومضى يقول : ما رأت عين ولا سمعت أذن ولا خطر على قلب بشر أفضل من جعفر بن محمد الصادق علماً وعبادة وورعاً .

وقال فيه أبو حنيفة النعمان : ما رأيت أفقه من جعفر بن محمد .

وكان أبو حنيفة قد تتلمذ على يد الإمام الصادق نحواً من سنتين متصلتين حينما فرّ من حبس ابن أبي هبيرة والتجأ إلى الحجاز ، فأقام بها إلى أن ظهر أبو العباس السفاح ، وبهذه المناسبة كان أبو حنيفة يقول : لولا السنتان لهلك النعمان .

وقال فيه ابن أبي العوجا عندما قصد الإمام الصادق ليناظره وقد قال له الإمام : ما يمنعك من الكلام؟ فقال له : إجلالاً لك ومهابة منك ولا ينطق لساني بين يديك وإني شاهدت العلماء وناظرت المتكلمين فما تداخلني من هيبة أحد منهم مثلما تداخلني

من هيبتك يا ابن رسول الله .

وقال فيه عبد الله بن المبارك :

أنت يا جعفر فوق

إنما الأشراف أرض

جاز حدّ المدح م_ن

المدح والمدح عناء

ولهم أنت سماء

قد ولدته الأنبياء

جامعة أهل البيت

لقد عاش الإمام الصادق مع أبيه الباقر مؤسس جامعة أهل البيت نحواً من خمسة وثلاثين عاماً ، وفي تلك الفترة وما تلاها من الفترات رافق تلك الحلقات العلمية التي كانت في مسجد المدينة وخارجه بإشراف أبيه الباقر ، وكانت تتألف كما تؤكد المصادر الموثوقة من مئات الطلاب والعلماء من مختلف البلاد الإسلامية .

وقد نشطت الوفود العلمية في عهد الإمام الصادق إلى أبعد الحدود ، وبلغ عدد المنتمين إليها أربعة آلاف كما أحصاهم أبو العباس ابن عُقدة ، وكان من أصحاب الرضا تسعمائة شيخ كانوا يجتمعون في مسجد الكوفة يحدثون عن جعفر بن محمد ويتدارسون الفقه وذلك بعد أكثر من عشرين عاماً مضت على وفاة الإمام الصادق .

وقال المحقق في المعتبر : إن الذين برزوا من تلامذته وألّفوا من أحاديثه وأجوبة مسائله أربعمائة كتاب عُرفت بعد عصره بالأصول وقد اعتمدها المحمدون الثلاثة الكليني والصدوق والطوسي في كتبهم الأربعة الكافي ، و كتاب من لا يحضره الفقيه ، و الوافي ، و الاستبصار .

ومجمل القول : إن جامعة أهل البيت التي أسسها الإمام الباقر واستقلّ بها ولده الصادق من بعده أكثر من ثلاثين عاماً وقصدها العشرات من العلماء وطلاب العلم في كل مكان كان لها أطيب الأثر في تاريخ التشريع الإسلامي وإليها يشير إمام المذهب الحنفي بقوله : لولا السنتان لهلك النعمان ، كما انتمى إليها ولازمها الإمام الثاني من أئمة من المذاهب مالك

بن أنس لمدة من الزمن كما تؤكد المصادر التي تعرَّضت لتاريخه .

13وفاة إبراهيم ابن النبي الأكرم 29/ شوال عام/ 8 ه_

كان مولده في السنة الثامنة للهجرة في شهر ذي الحجة على رواية للكازروني في بحار الأنوار واليعقوبي والطبري عن الواقدي .

جاء في المناقب للحلبي عن تفسير النقاش بإسناده إلى ابن عباس قال : كنت عند النبي وعلى فخذه الأيسر ابنه إبراهيم ، وعلى فخذه الأيمن الحسين بن علي هو تارة يقبل هذا وتارة يقبل هذا ، إذ هبط جبرئيل بوحي من رب العالمين ، فلما سرى عنه قال : أتاني جبرئيل من ربي فقال : يا محمد ، إن ربك يقرأ عليك السلام ويقول لست أجمعهما ، فافد أحدهما بصاحبه .

فقال : يا جبرائيل ، قل لربي أن يقبض إبراهيم فديته للحسين .

فقبض بعد ثلاث ، فكان النبي إذا رأى الحسين مقبلاً قبّله وضمّه إلى صدره ورشف ثناياه ، وقال : فديت من فديته بابني إبراهيم .

وروى البرقي في المحاسن بسنده عن الإمام الكاظم قال : لما قبض إبراهيم ابن رسول الله جرت في موته ثلاث سنن : أما واحدة ، أن الشمس انكسفت فقال الناس : إنما انكسفت الشمس لموت ابن رسول الله! فصعد رسول الله المنب_ر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال :

أيها الناس إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله يجريان بأمره مطيعان له ، لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته ، فإذا انكسفا أو أحدهما صلوا ، قال : ثم نزل المنب_ر فصلى بالناس الكسوف ، فلما سلّم ، قال : يا علي ، قم فجهز ابني ،

فقام علي فغسل إبراهيم وحنطه وكفّنه ، ومضى رسول الله حتى انتهى به إلى قب_ره ، فقال الناس ، إن رسول الله نسي أن يصلي على ابنه لما دخله من الجزع عليه! فانتصب قائماً ثم قال : إن جب_رئيل أتاني وأخب_رني بما قلتم ، زعمتم أني نسيت أن أصلي على ابني لما دخلني من الجزع! ألا وإنه ليس كما ظننتم ، ولكن اللطيف الخبير فرض عليكم خمس صلوات ، وجعل لموتاكم من كل صلاة تكبيرة ، وأمرني أن لا أصلي إلا على من صلى ، ثم قال : يا علي إنزل وألحد إبني ، فنزل علي فألحد إبراهيم في لحده .

فقال الناس : إنه لا ينبغي لأحد أن ينزل في قب_ر ولده إذ لم يفعل رسول الله بابنه ، فقال رسول الله : أيها الناس ، إنه ليس عليكم بحرام أن تنزلوا في قبور أولادكم ، ولكن لست آمن إذا حل أحدكم الكفن عن ولده أن يلعب به الشيطان فيدخله عند ذلك من الجزع ما يحبط أجره .

وروى الطوسي في الأمالي ، بسنده عن عائشة قالت : لما مات إبراهيم بكى النبي حتى جرت دموعه على لحيته ، فقيل له : يا رسول الله تنهى عن البكاء وأنت تبكي؟!

فقال : ليس هذا بكاء ، إنما هو رحمة ، ومن لا يرحم لا يُرحم .

وروى الكليني في فروع الكافي بسنده عن الإمام الصادق قال : لما مات إبراهيم ابن رسول الله ، هملت عين رسول الله بالدموع ثم قال :

تدمع العين ويحزن القلب ولا

نقول ما يسخط الرب ، وإنا بك يا إبراهيم لمحزونون .

مناسبات شهر ذي القعدة

11مناسبات شهر ذي القعدة

1/ ذي القعدة صلح الحديبية6 ه_

1/ولادة السيدة فاطمة المعصومة173ه_

5/تجديد بناء الكعبة المشرفة 2004 قبل الميلاد

11/ولادة الإمام علي بن موسى الرضا148ه_

22/غزوة بني قريظة5 ه_

25/يوم دحو الأرض قبل التاريخ

26/خروج النبي من المدينة إلى لأداء فريضة الحج10 ه_

آخر ذي القعدة شهادة الإمام محمد الجواد 220ه_

تمهيد

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على شمس الهداية نبينا محمد وعلى الأقمار المضيئة الأئمة الطاهرين .

شهر ذي القعدة الحرام هو أول أشهر الحرم .

ومن أعمال هذا الشهر ومهامه عمل ليلة النصف من الشهر المذكور ، فقد روي في الإقبال عن أحمد بن جعفر بن شاذان قال : روي عن النبي أن في ذي القعدة ليلة مباركة وهي ليلة خمس عشرة ، ينظر الله إلى عباده المؤمنين فيها بالرحمة ، أجر العامل فيها بطاعة الله أجر مائة سائح له لم يعص الله طرفة عين ، فإذا كان نصف الليل فخذ في العمل بطاعة الله والصلاة وطلب الحوائج ، فقد روي أنه لا يبقى أحد سأل الله فيها حاجة إلا أعطاه .

وقد ورد في الأخبار الكثيرة أن في الخامس والعشرين من ذي القعدة نصبت الكعبة ، ودحيت فيه الأرض ، وهبط فيه آدم ، وولد فيه الخليل وعيسى ، ونشرت فيه الرحمة .

ومنها عن أمير المؤمنين : إن أول رحمة نزلت من السماء إلى الأرض في خمس وعشرين من ذي القعدة ، ومن صام ذلك اليوم وقام تلك الليلة فله عبادة مائة سنة ، صام نهارها وقام ليلها .

في هذه السلسلة من المناسبات الإسلامية لشهر ذي القعدة الحرام نقدم للقارئ الكريم وروداً عطرة مكلّلة بباقات من الأحداث والوقائع الإسلامية

التي جرت في هذا الشهر ، من ذكرى ميلاد السيدة فاطمة المعصومة بنت الإمام موسى الكاظم في الأول منه ، وميلاد أخيها سيدنا ومولانا الإمام علي بن موسى الرضا في الحادي عشر منه ، وذكرى أليمة مكلّلة بألوان من الأحزان والشجون ألا وهي مناسبة شهادة الإمام محمد الجواد في آخره ، إلى غيرها من المناسبات كبناء الكعبة المشرفة ، وغزوة بني قريظة ، وخروج النبي من المدينة لأداء الحج .

وفي الختام . . نستمد العون من العلي القدير مواصلة الطريق لإحياء التراث الإسلامي الأصيل متمثلاً بتاريخه الحافل بالقيم والمبادئ ، وذلك بعزيمة أشدّ وانطلاقة أكبر للعمل على تقديم كل ما هو مفيد من البحوث والمواضيع .

راجين منه سبحانه وتعالى التوفيق ، ومن القارئ الكريم والمؤمن العزيز حسن المتابعة والمطالعة .

وهو من وراء القصد ، وعليه التكلان ، وهو نعم المولى ونعم النصير .

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .

1صلح الحديبيةذي القعدة/ السنة 6 ه_

عن الصادق : إن الله عز وجل ، أرى رسول الله في النوم أنه دخل بأصحابه المسجد الحرام مع الداخلين ، وطاف مع الطائفين وحلق مع المحلقين ، وكان ذلك أمراً له بذلك .

فأخبر أصحابه بذلك وأمرهم فخرجوا ، قال الواقدي : واغتسل رسول الله في بيته ولبس ثوبين هما أصلاً من منبح حمّار وهي بلدة في عمان ، وركب راحلته القصواء من عند بابه وخرج من المدينة يوم الاثنين لهلال ذي القعدة ، واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم ، فلما نزل ذي الحليفة . . وكان قد ساق رسول الله

ستاً وستين بدنه فأحرم بالعمرة وأشعرها عند إحرامه ، وأحرم المسلمون بلين العمرة مشعرين .

وكان رسول الله في طريقه يستنفر الأعراب ، فلم يتبعه أحد منهم ، وكانوا يقولون : أيطمع محمد وأصحابه أن يدخلوا الحرم وقد غزتهم قريش في عقر دارهم فقتلوهم؟ إنه لا يرجع محمد وأصحابه إلى المدينة أبداً .

وروى المفيد في الإرشاد : نزل رسول الله في منزل الجحفة فلم يجد بها ماءً ، فبعث سعد بن ملك أبي وقاص الزهري بالروايا ، حتى إذا كان غير بعيد ، رجع وقال يا رسول الله ما أستطيع أن أمضي ، لقد وقفت قدماي رعباً من القوم!

وهكذا حصل مع رجلين آخرين . فبعث بعلي بن ابي طالب ، فخرج علي بالروايا حتى ورد الحزار فاستقى ثم أقبل بها إلى النبي فكبر النبي ودعا له بخير .

بيعة الرضوان : بعثت قريش سُهيل بن عمرو العامري ، وحويطب بن عبد العزى ومكرز بن حفظ إلى رسول الله للصلح .

قال الطبرسي : قال رسول الله إن الله أمرني بالبيعة . فبايعه الناس تحت الشجرة على أن لا يفروا عنه أبداً ، وعندما وصل سهيل بن عمرو وحويطب إلى رسول الله فقالا : إن قومك يناشدونك الله والرحمة أن تدخل عليهم بلادهم بغير إذنهم وتقطع أرحامهم وتجرئ عليهم عدوهم ، فأبى رسول الله إلا أن يدخلها .

وفي خبر القمي في تفسيره بسنده عنه : فأجابهم رسول الله إلى ذلك وقالوا له : وترد إلينا كل من جاءك من رجالنا ، ونرد إليك كل من جاءنا من رجالك؟ فقال رسول الله :

من جاءكم من رجالنا فلا حاجة لنا فيه ، ولكن : على أن المسلمين بمكة لا يؤذون في أظهارهم الإسلام ، ولا يكرهون ولا ينكر عليهم شيء يفعلونه من شرائع الإسلام فقبلوا ذلك ، ورجع سهيل بن عمرو ومكرر بن حفص بن الأحنف إلى قريش فأخبراهم بالصلح .

قال : ورجع بن حفظ وسهيل إلى رسول الله وقالا : يا محمد ، قد أجابت قريش إلى ما اشترطت . . ثم قال : يا أبا القاسم ، إن مكة حرمنا وعزنا ، وقد شايعت العرب بك أنك قد غزوتنا ، ومتى تدخل علينا مكة عنوة تطمع فينا فتنخطف وإنا نذكرك الرحم ، فإن مكة بغيتك التي تفلقت عن رأسك . فقال رسول الله : فما تريد .

قال : أريد أن أكتب بيني ويبنك هدنة على أن أخليها لك في قابل ، فتدخلها ، ولا تدخلها بخوف ولا فزع ولا سلاح إلا بسلاح الراكب ، القسي والسيوف في القراب .

يقول المفيد في الإرشاد : نزل الوحي إلى رسول الله أن يجيب فأجاب .

بنود صلح الحديبية :

محمد بن عبد الله والملأ من قريش وسهيل بن عمرو ، اصطلحوا على :

وضع الحرب بينهم عشر سنين على أن يكف بعض عن بعض ، وعلى أنه لا اسلال ولا أغلال ، وان وبينهم غيبة مكفوفة ، وأنه من أحب أن يدخل في عهد محمد وعقده فعل ، وإن من أحب أن يدخل في عهد قريش وعقدها فعل ، وأنه من أتى من قريش إلى أصحاب محمد بغير إذن

وليه يردوه إليه ، وأنه من أتى قريشاً من أصحاب محمد لم يردوه إليه .

وأن يكون الإسلام ظاهراً بمكة ، لا يكره أحد على دينه ولا يؤذى ولا يعير ، وأن محمداً يرجع عنهم عامه هذا وأصحابه ، ثم يدخل في العام القابل مكة فيقيم فيها ثلاثة أيام ولا يدخل عليها بسلاح إلا سلاح الراكب أو سلاح المسافر : والسيوف في القراب .

هناك ملاحظة مهمة في صلح الحديبية ، وهي أن المشركين رفضوا أن يذكر اسم محمد مقروناً بالرسالة وكان الكاتب هو أمير المؤمنين علي ، فتردد في الإستجابة لسهيل بن عمر ، ولكن الرسول أمر أن يستجيب وقال : ستدعى لمثلها وتجيب ، اخباراً بالغيب عما سيؤول إليه حال الإمام مع معاوية في مؤامرة رفع المصاحف في حرب صفين .

2ولادة السيدة فاطمة المعصومة 1/ ذي القعدة/ السنة 173ه_

ولدت فاطمة المعصومة في المدينة المنورة في الأول من ذي القعدة سنة 173ه_ ، أبوها الإمام موسى بن جعفر الكاظم ، وأمها أم الإمام الرضا تسمى خيزران وتكتم ونجمة ، وتكنى بأم البنين .

كانت من أعظم نساء زمانها علماً وعملاً وعبادة وتقوى وأخلاقاً وفضلاً وتحملاً للمحن والمصائب ، فقد فقدت أباها وهي في العاشرة من عمرها ، وفارقت أخاها الرضا بعد ذلك بمدة وجيزية ، كما عاصرت قتل إخوانها الذين ثاروا في بقاع الأرض لدفع الظلم عن الناس .

لقبت بألقاب عظيمة منها كريمة أهل البيت ، وفاطمة الثانية ، وذلك لشدة شبهها بجدتها فاطمة الزهراء .

كما لقبت بالمحدثة لكثرة علمها ، ومن أشهر ألقابها المعصومة ، لإيمانها العميق وشدة ارتباطها

بربها ولعظيم تقواها .

وامتازت السيدة المعصومة بعلمها الواسع ، وكانت من المحدثات التي روت عن أبيها وأخيها ، كما كانت تجيب على استفتاءات الناس في غيابهما ، حيث روي أنه أتى جمع من الشيعة إلى المدينة لكي يعرضوا بعض أسئلتهم على الإمام الكاظم ، غير أنه وولده الإمام الرضا لم يكونا حاضرين في المدينة ، فاغتم الجميع وكتبوا أسئلتهم وأودعوها في بيت الإمام ، بنية أن يحصلوا على جوابها في سفرهم القادم ، وعزموا على الرجوع إلى حيث جاؤوا ، وإذا بأجوبة أسئلتهم تأتي من قبل السيدة فاطمة المعصومة ، وعندئذٍ تبدل حزنهم بفرح ، ورجعوا إلى بلدهم ، وفي طريقهم التقوا بالإمام موسى الكاظم فأخبروه بما جرى ، فنظر الإمام إلى أجوبة ابنته فقال : فداها أبوها .

كما أنه بعد وفاة أبيها ، وسفر أخيها الإمام الرضا إلى خراسان كانت المرجع الديني للناس في المدينة وبقيت على هذا الحال ردحاً من الزمان ، غير أنها ولشدة تعلقها بأخيها الرضا ، حيث كانت تحبه حباً جماً ، وكان عزيزها الذي كانت تشعر بالأمن والراحة إلى جواره ، قررت أن تلتحق بالإمام في خراسان فتجهزت مع بعض إخوة الإمام وأبناء أخوته .

خرج في قافلة السيدة المعصومة خمسة من إخوتها وهم : فضل وجعفر وهارون وقاسم وزيد ، ومعهم بعض أبناء إخوة السيدة المعصومة ، وعدة من العبيد والجواري ، وكان ذلك سنة 201ه_ ، وبعد المسير الطويل نزلت مدينة قم في 23/ ربيع الأول/ 201ه_ .

3تجديد بناء الكعبة المشرفة 5/ ذو القعدة/ زمن النبي إبراهيم

قال تعالى : إِنّ أَوّلَ

بَيْتٍ وُضِعَ لِلنّاسِ لَلّذِي بِبَكّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لّلْعَالَمِينَ فِيهِ آيَاتٌ بَيّ_نَاتٌ مّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً .

من المتواتر المقطوع به أن الذي جدّد بناء الكعبة إبراهيم الخليل وابنه إسماعيل ، وأن الكعبة هي أول بيت وضعه الله تعالى للعبادة ، حتى قبل بيت المقدس ، لأن بيت المقدس بناه النبي سليمان ، وهو بعد إبراهيم الخليل بزمن .

ولكن هذه الآية وآيات أخرى تشير بشكل واضح إلى أن الكعبة كانت موجودة قبل إبراهيم ، وكان قائماً منذ زمن آدم ، ومما يكشف عن ذلك أيضاً قوله تعالى : رّبّنَآ إِنّيَ أَسْكَنتُ مِن ذُرّيّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرّمِ ، فإنّها تدل على أن الكعبة كان لها نوع من الوجود حين جاء إبراهيم مع زوجته ، وابنه إسماعيل الرضيع إلى مكة .

وقد أكد أمير المؤمنين هذا المعنى فقال : ألا ترون أن الله سبحانه اختب_ر الأولين من لدن آدم صلوات الله عليه إلى الآخرين من هذا العالم بأحجار . . . فجعلها بيته الحرام . . . ثم أمر آدم وولده أن يثنوا أعطافهم نحوه . . . .

وعلى أي حال فقد روى المسلمون وغيرهم أنه لما ولدت هاجر اسماعيل؛ أمر الله نبيه إبراهيم أن يُسكناهما أمام البيت الحرام ، وكان في ذلك الوقت على شكل قواعد ، فجاء إبراهيم وبرفقته هاجر وابنها إسماعيل وتركهما عند البيت الحرام دون ماء ولا كلاء ولا حتى خيمة تطبيقاً لإرادة الله ونزولاً على بلاءه ، فسألته هاجر ، أتتركنا في أرض لا يوجد فيها أحد؟ فقال لها : ألله الذي أمرني

أن أضعكم في هذا المكان ، وهو الذي يكفيكم ، ثم انصرف عنهما فلما بلغ كداء وهو جبل بذي طوى التفت إبراهيم ، وقال : رّبّنَآ إِنّيَ أَسْكَنتُ مِن ذُرّيّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرّمِ رَبّنَا لِيُقِيمُواْ الصّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مّنَ النّاسِ تَهْوِيَ إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مّنَ الثّمَرَاتِ لَعَلّهُمْ يَشْكُرُونَ ، ثم مضى وبقيت هاجر ، فلما ارتفع النهار عطش إسماعيل ، فقامت هاجر في موضع السعي فصعدت على الصفا ، ولمع لها السراب في الوادي ، فظنت أنه ماء ، فنزلت في بطن الوادي ، وسعت فلما بلغت المروة غاب عنها إسماعيل ، فعادت حتى بلغت الصفا ، وهكذا إلى سبعة أشواط ، فلما كانت على المروة نظرت إلى إسماعيل وقد ظهر الماء من تحت رجليه فعادت حتى جمعت حوله الرمال وزمّته ، فلذلك سميت زمزم ، وكانت قبيلة جرهم نازلة بذي المجاز وعرفات ، فلما ظهر الماء بمكة لهاجر وابنها قالوا لها : من أنت وما شأنك وشأن هذا الصبي؟ قالت : أنا أم ولد إبراهيم خليل الرحمن ، وهذا ابنه ، أمره الله ان ينزلنا هيهنا ، فقالوا لها : أتأذنين لنا أن نكون بالقرب منكم؟ فقالت : حتى يأتي إبراهيم ، فلما زارهم إبراهيم في اليوم الثالث ، قالت هاجر : يا خليل الله إن ههنا قوماً من جرهم يسألونك أن تاذن لهم حتى يكونوا بالقرب منا ، أفتأذن لهم في ذلك؟ فقال إبراهيم : نعم ، فأذنت لهم هاجر ، فنزلوا بالقرب منهم ،

وضربوا خيامهم ، فأنست هاجر وإسماعيل بهم ، فلما زارهما إبراهيم في المرة الثانية نظر إلى كثرة الناس حولهم ، فسرّ بذلك سروراً شديداً .

ومرت الأيام وبلغ إسماعيل مبلغ الرجال ، فأمر الله تعالى خليله إبراهيم أن يبني البيت ، وقد أرسل له جبرئيل ليعرّفه موضع القواعد وخطها له ، فأخذ إسماعيل ينقل حجار البيت من ذي طوى ، فجعل له جدراناً أربعة ، ورفعه إلى السماء تسعة أذرع ، وجعل له أركاناً أربعة ، وسمى الشمالي بالركن العراقي ، والغربي بالركن الشامي ، والجنوبي بالركن اليماني ، والشرقي الذي فيه الحجر بالركن الأسود ، وتسمى المسافة التي بين الباب وركن الحجر بالملتزم ، لالتزام الطائف إياه في دعائه واستغاثته ، وأما الميزاب على الحائط الشمالي يسمى ميزاب الرحمة .

وقد جعل له بابين ، باباً إلى الشرق ، وباباً إلى الغرب ، والباب الذي إلى الغرب يسمى المستجار ، ثم لما فرغ من بنائه حج إبراهيم وإسماعيل ، ولذا ينسب حج المسلمين إلى إبراهيم الخليل فيقال الحج الابراهيمي .

منزلة الكعبة :

كانت الكعبة مقدسة ومعظمة عند الأمم المختلفة ، فكانت الهنود يعظمونها ، وكانت الصابئة من الفرس والكلدانيين يعدونها أحد البيوت السبعة المعظمة ، وكان الفرس يحترمون الكعبة أيضاً ، كما كانت اليهود تعظمها ويعبدون الله فيها على دين إبراهيم ، وكانت في الكعبة صورتا العذراء والمسيح ، ويشهد ذلك على تعظيم النصارى لأمرها أيضاً ، وكانت العرب أيضاً تعظمها كل التعظيم ،

وتعدها بيتاً لله تعالى ، وكانوا يحجون إليها من كل جهة وهم يعدون البيت بناء إبراهيم ، والحج من دينه الباقي بينهم بالتوارث .

4ولادة الإمام علي بن موسى الرضا 11/ ذي القعدة / السنة 148 ه_

الإمام أبو الحسن علي بن موسى الرضا ثامن أئمة أهل البيت ، ولد في المدينة المنورة في الحادي عشر من ذي القعدة سنه 148 ه_ ، أبوه الإمام موسى بن جعفر ، وأمه خيزران ، وقيل نجمة ، وتكنَّى بأم البنين ، وقيل غير ذلك ، استشهد بطوس متأثراً بسّم دسه إليه المأمون في نهاية صفر سنه 203 ه_ على المشهور ، أو في السابع عشر منه كما في خبر آخر ، وقضى أكثر عمره في مدينة جده ، إلى أن استدعاهُ المأمون سنة 200 ه_ إلى خراسان ، ليكون ولياً للعهد وخليفة من بعده ، فعاش فيها ثلاث سنوات من عمره الشريف ، إلى أن توفي ودفن فيها ، ولم يترك الإمام إلا ولداً واحداً هو الإمام الجواد ، بناءً على الإرشاد للشيخ المفيد وله أربع بنون وبنت واحدة على رواية كشف الغمة للأربلي .

إمامة الإمام الرضا :

قام الإمام الرضا بعد أبيه بإمامة المسلمين عشرين سنة ، قال الشيخ المفيد : كان الإمام بعد موسى بن جعفر : ابنه علي بن موسى الرضا فضله على جماعة إخوته وأهل بيته وظهور علمه وحلمه ، وورعه ، واجتماع الخاصة والعامة على ذلك منه ، ومعرفتهم به ، ولنص أبيه على إمامته من بعده وأشار إليه بذلك دون إخوته وأهل بيته ، وبالإضافة إلى النصوص العامة على

إمامة الأئمة الاثني عشر من النبي ، فلقد كان كل إمام ينص على الإمام من بعده ويُبّينُه للمسلمين وشيعته ، حتى لا يدَّعي الإمامة أحد من بعده .

من خصائص الإمام الرضا وصفاته :

لابد وأن يكون الإمام المعصوم ، جامعاً لجميع العلوم والمعارف الإلهية والطبيعية ، والفضائل والمكارم الأخلاقية ، ليكون مناراً يهتدى به ، وأسوة لجميع الناس يقتدى به ، لأنّه حجة اللّه في أرضه على خلقه ، ويجب أن يكون في جميع هذه الخصائص والصفات أعلى من غيره لتتم الحجة .

والإمام الرضا كجده المصطفى وآبائه الأئمة البررة ، قد اتصف بجميع تلك الخصال والصفات الحميدة ، ولم تكن صفة يسمو بها الإنسان نحو الكمال إلاّ وهي موجودة فيه .

أما أخلاقه؛ فيقول إبراهيم بن العباس الصولي : ما رأيت أبا الحسن الرضا جفا أحداً بكلمة قط ، ولا رأيته قطع على أحد كلامه حتى يفرغ منه ، وما ردَّ أحداً عن حاجة يقدر عليها ، ولا مد رجله بين يدي جليس له قط ، ولا اتكأ بين يدي جليس له قط ، ولا رأيته شتم أحداً من مواليه ومماليكه قط ، ولا رأيته تفل قط ، ولا رأيته يقهقه في ضحكه قط ، بل كان ضحكه التبسم ، وكان إذا خلا ونصب مائدته أجلس معه على مائدته مماليكه ومواليه ، وكان كثير الصيام فلا يفوته صيام ثلاثة أيام في الشهر ، ويقول : ذلك صوم الدهر ، وكان كثير المعروف والصدقة في السّر ، وأكثر ذلك منه في

الليالي المظلمة ، فمن زعم أنه رأى مثله في فضله فلا تصدقوه .

وأما علمه : فقد أحاط الإمام بجميع العلوم ، وكان أعلم أهل زمانه ، وذلك مما اشتهر وهو الشيء البارز في شخصية الإمام لا يستطيع أن ينكره أحد ، وقد لقّب بعالم آل محمد ، وقد اعترف المأمون بنفسه أكثر من مرة ، وهو من العلماء البارزين ، وفي مناسبات عديدة أن الإمام الرضا أعلم أهل الأرض .

ومن مظاهر علم الإمام ومعرفته التامة؛ إخباره عن كثير من الملاحم والأحداث قبل وقوعها ، ومن جملة ما أخبر يحل بهم ، وقتل الأمين على يد أخيه المأمون ، وقتل المأمون له ، وقد تحقق كل ما اخبر به .

ومن مظاهر علم الإمام مناظراته في البصرة ، والكوفة وخراسان مع علماء اليهود والنصارى ، والمسلمين ، والتي اعترف له فيها جميع هؤلاء العلماء بالفضل والعلم والتفوق عليهم .

أقوال العلماء وأهل السنة في الإمام الرضا :

قال محمد بن عمر الواقدي ت : 207ه_ : سمع علي الحديث من أبيه وعمومته وغيرهم ، وكان ثقة يفتي بمسجد رسول الله وهو ابن نيف وعشرين سنة ، وهو الطبقة الثامنة من التابعين من أهل المدينة .

وقال الإمام أحمد بن حنبل ت : 241ه_ ، معلّقاً على سند فيه الإمام الرضا : لو قرأت هذا الإسناد على مجنون لبرئ من جنونه .

وجاء في كتاب الثقات لابن حيان ت : 354ه_ : وهو علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي

طالب أبي الحسن ، من سادات أهل البيت وعقلائهم ، وجلة الهاشميين ونبلائهم . . ومات علي بن موسى الرضا بطوس من شربة سقاه إياها المأمون فمات من ساعته . .

وقبره بسناباد خارج النوقان مشهور يزار ، قرب قبر الرشيد ، قد زرته مراراً كثيرة ، وما حلت بي شدة في وقت مقامي بطوس فزرت قبر علي بن موسى الرضا صلوات الله على جده وعليه ودعوت الله إزالتها عني إلا استجيب لي وزالت عني تلك الشدة ، وهذا شيء جرّبته مراراً فوجدته كذلك ، أماتنا الله على محبة المصطفى وأهل بيته صلى الله عليهم أجمعين .

وهكذا تحدث الحاكم النيسابوري ت : 405 في تاريخه ، ونقل قوله ابن حجر في تهذيب التهذيب ، وأثنى عليه الحافظ جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن الجوزي ت : 597ه_ ، ومدحه عبد الكريم بن محمد السمعاني ت : 562ه_ فقال في الأنساب : والرضا كان من أهل العلم والفضل مع شرف النسب .

وقال الفخر الرازي ت : 604ه_ عند تفسيره الكوثر : والقول الثالث في الكوثر ، أولاده : فالمعنى أنه يعطيه نسلاً يبقون على مر الزمان ، فانظر كم قتل من أهل البيت ثم العالم ممتلئ منهم على مر الزمان ، ولم يبق من بني أمية في الدنيا أحد يعبأ به ، ثم أنظر كم كان فيهم من الأكابر من العلماء كالباقر والصادق والكاظم والرضا . . .

5 غزوة بني قريظة22/ ذي القعدة/ السنة 5 ه_

لما قدم رسول الله في السنة الأولى من هجرته إلى المدينة ، كان من أول ما أقدم على فعله

عقد ميثاق تعايش بين سكان المدينة وما حولها ، ذلك لأجل إنهاء جميع أشكال الاختلاف والتنازع والصراع الداخلي ، وتوحيد المدينة سياسياً وعسكرياً .

فأقام ميثاقاً بين الأوس والخزرج ، وبين أهل المدينة واليهود من بني النضير ، وقينقاع وقريظة في أن يعيشوا جميعاً بأمان ، وأن يدافعوا عن المدينة وما حولها .

هذا ما كان بين رسول الله وبين الطوائف الثلاثة من اليهود القاطنين حول المدينة ، ولكن اليهود - جرياً على عادتهم في نقض العهود والمواثيق والإفساد في الأرض - لم يراعوا لرسول الله عهداً ولا ذمة ، فأقدم بنو قينقاع على قتل مسلم ظلماً وعدواناً ، كما أن بني النضير خططوا لاغتيال رسول الله ، فما كان من رسول الله إلاّ أن أجلاهم عن المدينة ، وإنما ذلك نزولاً عند رغبة الخزرج وبخاصة عبد الله بن أُبي بشأن بني النضير . وإلا فكان له الحق في قتل رجالهم وسبي نسائهم وذراريهم ، عملاً بالعهد والميثاق الذي أبرمه معهم ، وأما بنوا قريظة فقد تعاونوا مع الأحزاب في وقعة الخندق للقضاء على النبي والمسلمين ، فلمّا انهزم الأحزاب وغادرت آخر مجموعة من جيوشهم أرض المدينة خائفة ذعرة ، وبعد هذا نادى منادي رسول الله لصلاة الظهر ، وبعد أن صلى النبي بأصحابه صلاة الظهر ، نادى منادياً على لسان النبي : من كان سامعاً مطيعاً فلا يصلينّ العصر إلاّ ببني قريظة .

فعقد النبي رايته لعلي وخرج ومعه الجيش ، فوصلت الأنباء إلى بني قريظة بتحرك النبي إليهم فبادروا إلى إغلاق أبواب الحصون والتحصن في داخلها

، فوصل المسلمون وحاصروا الحصون ، ونشبت بينهما في اللحظات الأولى الحرب .

غير أن المسلمين حاصروا حصونهم ومنعوا من دخول المعونات عليهم ، وبقي الأمر على هذه الشاكلة قرابة 15 يوماً .

فاشتد الحصار عليهم وقد اجبروا على الاتفاق على واحدة مما يلي لمعالجة الموقف ، وهي :

1_ أن يؤمنوا برسول الله ، ويصدقونه؛ لأنه قد تبين لهم أنه نبيٌّ مرسل ، وأنه الذي يجدونه في كتابهم ، وبذلك يأمنون على دمائهم وأموالهم ونسائهم ، وأبنائهم .

2_ أن يقتلوا أبناءهم ونساءهم ، ثم يخرجوا إلى محمد وأصحابه يقاتلونهم ، فاذا هلكوا لم يتركوا وراءهم نساءً ولا نسلاً يخشى عليهم ، وإن انتصروا تزوجوا من جديد ، ووجدوا أبناءاً لهم ونساء .

3_ أن الليلة هي ليلة السبت ، وأنه عسى أن يكون محمد وأصحابه قد منّاهم فيها ، لعلمهم بأن اليهود لا يقاتلون في السبت ، فلينزلوا من الحصون لعلهم يصيبون من محمد وأصحابه على غفلة .

واستمرت المحاصرة أياماً فطلبوا ان يبعث إليهم النبي أبا لبابة الأوسي ليتشاوروا معه في الموقف ، وقد كان حليفاً لهم قبل دخوله الإسلام ، فأرسله إليهم ، فلما رأوه قام إليه الرجال وجهش إليه النساء والصبيان يبكون في وجهه ، وقالوا : يا أبا لبابة أترى أن ننزل على حكم محمد؟

فقال لهم : نعم وأشار بيده إلى حلقه ، يريد أنهم سوف يقتلون ، وأن النبي لن يحقن دماءهم لو سلّموا إليه

أدرك أبو لبابة أنه خان بفعله هذا المسلمين ، ومصالح الإسلام

العليا ، وافشى سرّاً كان عليه أن يكتمه قبل وقوعه ، وقد نزل في خيانته قوله تعالى : يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللهَ وَالرّسُولَ وَتَخُونُوَاْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ، فندم أبو لبابة ندماً شديداً ، فخرج من حصن بني قريظة وهو يرتجف ويقول : إنّي خنت الله ورسوله ، وانطلق على وجهه ولم يأت رسول الله مع أنه كان ينتظر رجوعه إليه - فربط نفسه في المسجد بعمود من أعمدته ، وقال لا أبرح مكاني هذا حتى يتوب الله عليّ ما صنعت ، فبلغ النبي خبره فقال : أما إنه لو جاءني لاستغفرت له ، فأما إذ قد فعل فما أنا بالذي أطلقه من مكانه حتى يتوب الله عليه .

وبقي أبو لبابة مرتبطاً بالعمود ، وكانت زوجته أو ابنته تأتيه في مواعيد الصلاة ، وتحل رباطه ، فيصلّي ثم تعيدا الرباط ، فما مضى سبعة أيام حتى نزلت توبته في سحَرها ، قال تعالى : وَآخَرُونَ اعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيّئاً عَسَى اللهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنّ اللهَ غَفُورٌ رّحِيمٌ .

وعلى أي حال فقد حاول بنو قريظة ان يفاوضوا النبي حتى وصلوا إلى ان يدفعوا إليه ما يملكون ويتركون حصونها ويخرجون ، كما فعل ببني النضير وقينقاع ، غير أن النبي أجاب : لا ، إلاّ أن تنزلوا على حكمي .

وفعلاً نزلوا على حكم رسول الله ففتحوا الحصون ، ودخل علي في كتيبة خاصة من المسلمين ، وجرّدوا بني قريظة من السلاح وحبسوهم في منازل بني النجار ليقرر النبي مصيرهم

.

فجاء الأوسيون الذين كانوا متحالفين مع بني قريظة إلى رسول الله وأخذوا يستميلون النبي عن قتلهم وأصروا عليه إصراراً شديداً بأن يعفوا عنهم ، وذلك منافسة للخزرج حيث تشفعوا من قبل في بني قينقاع الذين كانوا متحالفين معهم ، فأجابهم النبي :

ألا ترضون يا معشر الأوس أن يحكم فيهم رجل منكم؟

فقالوا : بلى .

قال : فذاك إلى سعد بن معاذ فهو يحكم فيهم .

والطريف في الأمر أن بني قريظة رضوا أيضاً بحكم سعد ، حيث بعثوا إليه : يا محمد ننزل على حكم سعد بن معاذ .

وجاء سعد لينفذ حكمه وكان جريحاً ، فحكم بأن يقتل رجال بني قريظة ، وتقسّم أموالهم وتسبى ذراريهم ونساؤهم .

6 يوم دحو الأرض25/ ذي القعدة/ قبل التاريخ

ومعناه أن الله تعالى أول ما خلق الأرض خلقها من الماء ، والظاهر أنه كان ذلك بعد خلق السماء ، ويشعر بذلك الآيات التي تقدم ذكر السماء على الأرض عند استعراض خلق الله تعالى ، وعلى أي حال فقد خلق الله تعالى الكعبة الشريفة قبل دحو الأرض بألفي عام على ما أخبر به الإمام الصادق : حيث قال : وهذا بيت استعبد الله به عباده ليختب_ر طاعتهم في اتيانه فحثهم على تعظيمه وزيارته وجعله محل أنبيائه ، وقبلة للمصلين له ، فهو شعبة من رضوانه ، وطريق يؤدي إلى غفرانه ، منصوب على استواء الكمال ، ومجتمع العظمة والجلال ، خلقه الله قبل دحو الأرض بألفي عام . . ، ثم بسط الأرض على الماء وبدأ البسط من تحت الكعبة المشرفة ، إذن فمعنى الدحو الانبساط ،

ومنه قوله تعالى : وَالأرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا أَخْرَجَ مِنْهَا مَآءَهَا وَمَرْعَاهَا ، أي بسطها ، وهذا اليوم هو أحد الأيام الأربعة التي خصّت بالصيام بين أيام السنة وروي أن صيامه ، يعدل صيام سبعين سنة ، وهو كفارة لذنوب سبعين سنة .

7خروج النبي لأداء فريضة الحج حجة الوداع26/ ذي القعدة/ السنة 10 ه_

في أواخر السنة العاشرة للهجرة قرر النبي أن يسير إلى حج بيت الله الحرام في مكة المكرمة ، فأمر مناديه أن ينادي في المدينة وبين القبائل بأن رسول الله يقصد مكة للحج هذا العام ، فأحدث ذلك شوقاً وابتهاجاً عظيمين في نفوس جمع كبير من المسلمين ، فتهيأت أعداد كبيرة لمرافقة رسول الله ، وضربت مضارب وخيم كثيرة خارج المدينة المنورة بانتظار حركة النبي وتوجهه إلى مكة .

وفي مطلع اليوم السادس والعشرين من شهر ذي القعدة خرج رسول الله من المدينة متوجهاً إلى مكة ، وقد استخلف مكانه في المدينة أبا دجانة الأنصاري ، وقد ساق معه ما يزيد عن ستين بدنة ، وعندما بلغ الموكب ذي الحليفة - وهي نقطة فيها مسجد الشجرة - أحرم بلبس قطعتين عاديتين من القماش الأبيض من مسجد الشجرة ، ثم أحرم ولبى بقوله : لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك . . .

وهذه التلبية هي في الحقيقية تلبية لنداء إبراهيم الخليل ، كما أنه كان يكرر هذه التلبية كلما شاهد راكباً ، أو علا مرتفعاً من الأرض ، أو هبط وادياً ، ولم يقطع تلبيته حتى شارف مكة في الثالث من ذي الحجة وسيأتي تفصيل ذلك في مناسبات شهر ذي

الحجة .

8شهادة الإمام محمد الجواد

آخر ذي القعدة/ السنة 220 ه_

الإمام التاسع من أئمة أهل البيت المطهرين المعصومين؛ هو الإمام محمد الجواد ابن الإمام علي الرضا ، ابن الإمام موسى الكاظم ، ابن الإمام جعفر الصادق ،

وأمه سبيكة من أهل بيت مارية القبطية أم إبراهيم بن رسول الله ، ولادته كانت في المدينة المنورة في ليلة الجمعة 19 من شهر رمضان سنة 195ه_ ، ويكنى أبو جعفر الثاني تميزاً له عن جده الإمام الباقر أبو جعفر ، من ألقابه المعروف بها الجواد ، التقي .

وكان نقش خاتمه نعم القادر المولى .

تزوج أولاً بأم الفضل بنت المأمون ، وبعدها سمانة المغربية ، وله ولدان ، هما الإمام علي الهادي ، وموسى . وبنتان هما : فاطمة وإمامة ، عاصر مملكة العباسيين في عهدي المأمون والمعتصم .

قصة استشهاده :

تميزت ظروف الإمام الجواد ، بمميزات كثيرة ، أهمها صغر سنه ، فقد قام بالإمامة وهو ابن ثمان سنين ، فكان لموضوع عمره الشريف خصوصية خاصة في لفت الأنظار إليه ، حتى قيل أنه سئل في مجلس واحد عن ثلاثين ألف مسألة . . وكان وقع كلامه يفصح عن مكنون النبوة بشكل مثلج لصدور المتلقين وكان مفحماً ومغيضاً لصدور المنافقين والجبابرة ، فإن في إجاباته مع صغر سنه معجزة جذبت إليه قلوب الخلق ، وهذا ما يشكل بالنسبة للطغاة خطراً لابد أن يتخلصوا منه .

وقد يستغرب المرء هذا الحال المبكر للإمام الجواد مع أنه تواتر به النقل ، ورواه العلماء في كتبهم ، ولكن

هذا ليس بكثير على الإمام الجواد وهو الوارث لآبائه علماً وفهماً ، لكن الشيخ المجلسي ، يقول في بحار الأنوار 12 : 122 تعليقاً على ما قيل في أنه أجاب على 30000 مسألة في مجلس واحد ، بأمور هي :

أولاً : إن الكلام محمول على المبالغة في كثرة الأسئلة والأجوبة ، فإن عدد مثل ذلك مستبعد جداً .

ثانياً : يمكن أن يكون في خواطر القوم أسئلة كثيرة متفقة ، فلما أجاب عن واحد فقد أجاب عن الجميع .

ثالثاً : أن يكون إشارة إلى كثرة ما يستنبط من كلماته الموجزة ، المشتملة على الأحكام الكثيرة ، وهذا وجه قريب .

إلى غيره من ما يعني الإعجاز وبسط الزمان الذي يقول به الصوفية . . والتي كلها تعني شيئاً واحداً وهو تميز الإمام الجواد ، بالرد المقنع السريع المعجز الذي زاد في حنق العباسيين عليه ، مما دفع المعتصم العباسي إلى أشخاصه من المدينة إلى بغداد سنة 220ه_ ، ثم دس له السم على يد زوجته أم الفضل بنت المأمون .

وقد وصل بغداد في الثامن والعشرين من المحرم من ذلك العام حتى تسنى للسم أن ينال الجسد الطاهر في يوم السبت الآخر من ذي القعدة من نفس العام 220ه_ .

وقد دفن في مقابر قريش في الكرخ جنب قبر جده الإمام موسى الكاظم .

مناسبات شهر ذي الحجة

12مناسبات شهر ذي الحجة

اليوم المناسبة السنة

1/ ذو الحجة زواج الإمام علي من فاطمة الزهراء2 ه_

3/ أمر النبي علياً تبليغ سورة براءة في الحج9 ه_

وصول النبي إلى مكة لحجة الوداع 10 ه_

7/ شهادة الإمام محمد الباقر95 ه_

8/ خروج الإمام الحسين من مكة إلى العراق60 ه_

9/ يوم

عرفة من كل عام

7 شهادة مسلم بن عقيل وهاني بن عروة59 ه_

10/عيد الأضحى المبارك يوم النحر من كل عام

18/يوم الغدير نصب علي وصياً من قبل النبي ص0 ه_

22/ شهادة ميثم التمار 60 ه_

24/يوم المباهلة مع نصارى نجران10 ه_

24/ يوم تصدّق الإمام علي بالخاتم للفقير 10 ه_

25/نزول سورة الإنسان في فضل أهل البيت .

25/ البيعة لعلي ابن أبي طالب بالخلافة 35 ه_

اليوم الأخير من ذي الحجة يوم الختام للسنة الهجرية القمريةمن كل عام

تمهيد

وَوَاعَدْنَا مُوسَىَ ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمّ مِيقَاتُ رَبّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً

جعل الله تعالى لعباده مواقيت زمانية ومكانية بغية تعميق العلاقة والارتباط بخالقهم والتفرّغ له عمّا سواه رحمة بهم ، ومن هذه المواقيت شهر ذي الحجة الحرام ، خصوصاً العشرة الأولى منه حيث جعلها الله تعالى موعداً للقائه والتقرب منه والزلفة إليه ، وهذه العشرة الأولى هي المراد منها في قوله تعالى : وَاذْكُرُواْ اللهَ فِيَ أَيّامٍ مّعْدُودَاتٍ ، وأيضاً قد ورد في الأحاديث أن العشرة التي أتم بها موسى ميقاته هي العشرة الأولى من شهر ذي الحجة . واليوم التاسع من تلك العشرة هو يوم عرفة ، اليوم الذي دعا الله تعالى عباده فيه إلى طاعته وعبادته وبسط لهم موائد إحسانه وجوده ، فحريّ بالمسلم أن يستثمر هذا الشهر بالأخص العشرة الأولى منه لكي يربّي نفسه تربية إلهية من خلال الاهتمام بالأعمال العبادية من القيام والصيام وتلاوة القرآن وقراءة الأدعية والأذكار الواردة في هذا الشهر المبارك ، وفقنا الله جميعاً لأداء تلك العبادات واستمراراً على النهج السابق نقدم لكم مناسبات آخر شهر من الأشهر الهجرية القمرية سائلين المولى حسن القبول واستمرار التوفيق لخدمة شريعة سيد المرسلين ومذهب أهل بيته الطاهرين ،

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .

1زواج الإمام علي من فاطمة الزهراء 1/ ذي الحجة / السنة الثانية للهجرة

كان عمر الإمام علي قد بلغ أربع وعشرين سنة فلا بد له من الزواج وبدء الحياة المشتركة والسيدة فاطمة الزهراء قد أكملت التاسعة من عمرها وقد تقدم إلى رسول الله الكثير من الصحابة يطلبون يدها ، إلا أن الرسول امتنع عن ذلك وصرح بأنه ينتظر فيها قضاء الله ، إلى أن تقدم أمير المؤمنين ، لخطبتها من رسول الله ، فقال له : يا علي قد ذكرها قبلك رجال ، فذكرت ذلك لها ، فرأيت الكراهة في وجهها ، ولكن على رسلك حتى أخرج إليك ، فلما دخل النبي على فاطمة ، وأخبرها بالأمر الذي جاء لأجله علي ، سكتت ولم تولّ وجهها ، ولم يرَ فيه الكراهية التي كان يراها في عرض غيره عليها ، فقام وهو يقول : الله أكب_ر ، سكوتها إقرارها ، فخرج إلى علي وموافقة الزهراء بادية على قسائم وجهه ، تحكيها ابتسامته المباركة ، فقال : يا علي هل معك ما أزوّجك به؟ فقال : فداك أبي وأمي ، والله لا يخفى عليك من أمري شيء ، أملك سيفي ودرعي وناضحتي . فقال : يا علي ، أما سيفك فلا غنى بك عنه ، تجاهد به في سبيل الله ، وتقاتل به أعداء الله ، وناضحتك تنضح به على نخلك وأهلك ، وتحمل عليه رحلك في سفرك ، ولكني قد زوّجتك بالدرع ، ورضيت بها منك ، بع الدرع ، وائتني بثمنه

.

باع الإمام علي الدرع بأربعمئة وثمانين درهماً ، وقيل بخمسمئة ، وجاء بالدراهم وطرحها يبن يدي النبي ، فكان هذا فقط صداق أشرف وأعظم فتاة عرفتها دنيا الإنسان .

ثم إنّ النبي قسّم المبلغ أثلاثاً ، ثلثاً لشراء الجهاز ، وثلثاً لشراء الطيب ، وثلثاً تركه عند أم سلمة أمانة ، ثم ردّه بعد ذلك إلى علي قُبيل الزفاف ، إعانةً منه لوليمة الزفاف .

دفع النبي الثلث لأبي بكر وسلمان وبلال ليشتروا لفاطمة متاع بيتها ، فكان ما اشتروه متواضعاً غاية التواضع ، بحيث لما طرح بين يدي النبي أخذ يقلّبها بيده ، ثم رفع رأسه إلى السماء ، وقال : اللهم بارك لقوم جُلُّ آنيتهم الخزف .

ومن السنن النبوية الوليمة عند الزواج ، وقد روي عن ابن عباس : إن النبي دعا بلالاً فقال : يا بلال ، إني قد زوجت ابنتي ابن عمي ، وأنا أحب أن يكون من سُنّة أمتي إطعام الطعام عند النكاح ، فائت الغنم فخذ شاة وأربعة أمداد أو خمسة ، فاجعل لي قصعة لعلّي أجمع عليها المهاجرين والأنصار ، فإذا فرغت منها فآتني بها .

فانطلق ففعل ما أمره ، ثم أتاه بقصعة ، فوضعها بين يديه ، فطعن رسول الله في رأسها ، ثم قال : أدخل عليّ الناس زفة زفة ، ولا تغادرن زفة إلى غيرها . فجعل الناس يردون كلما فرغت زفة وردت أخرى حتى فرغ الناس .

ومن خلال هذه النظرة السريعة لهذا الحدث الكبير في تاريخ الإسلام

يمكن استقراء جملة من الدروس التربوية العظيمة التي جعلها النبي معالم للأجيال ، يمكن الإشارة إلى أهمها وهي :

أولاً : اختيار علي لفاطمة - وإن كان من قبل السماء بقوله : إن الله أمرني بأن أزوِّج فاطمة من علي - لكنه كان وفق ضوابط الإيمان وأهلية كل طرف للطرف الآخر ويدلل ذلك بوضوح على أهمية هذه الضوابط واعتبارها هي الأساس الذي يجب أن تبني عليه أركان الأسرة المسلمة وكيانها .

ولعلّ في الكلام الذي روي عن النبي : يا فاطمة ، أما إني ما آليت أن أنكحتك خير أهلي إشارة إلى لزوم انتخاب الأصلح .

ثانياً : السنن والدروس النبوية التي طبعت في معالم تشكيل هذه الأسرة المباركة من قلة المهر وإطعام الطعام وإقامة الفرح والسرور وتوصية الطرفين أحدهما بالآخر والبساطة في تجهيز أثاث البيت ومتطلباته .

عاش علي وفاطمة على أحسن حال ، فلم يشتك علي من فاطمة طيلة حياته معها ، وكذلك فاطمة ، بل كان كل منهما نِعم العون على طاعة الله للآخر ، وهناك كثير من النصوص تؤكّد هذه الحقيقة ، فقد قال علي في بيان العلاقة بينهما : فوالله ما أغضبتها ولا أكرهتها على أمر حتى قبضها الله عز وجل ، ولا أغضبتني ولا عصت لي أمراً ، لقد كنت أنظر إليها فتنكشف عني الهموم والأحزان .

وجاء في آخر كلام لها مع علي : يا بن العم ما عهدتني كاذبة ولا خائنة ، ولا خالفتك منذ عاشرتني ، فقال : معاذ الله أنتِ أعلم وأبرّ وأتقى وأكرم وأشدّ خوفاً من الله أن أوبخك بمخالفتي .

لقد كان

التناغم والتلاؤم بين الإمام علي والسيدة فاطمة ما تعكسه هاتان العبارتان ، وكيف لا يكونان كذلك وهما من البيت الذي أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا بنص كتابه العزيز إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً .

2أمر النبي علياً تبليغ سورة براءة في الحج3/ ذي الحجة / السنة 9 ه_

وفي هذا اليوم من السنة التاسعة للهجرة أرسل النبي أبا بكر إلى مكة بالآيات الأولى من سورة براءة ليقرأها على كفار مكة ، فأتاه جبريل الأمين فقال : يا محمد إن الله يأمرك أن لا تبعث هذا وأن تبعث علي بن أبي طالب ، وأنه لا يؤديها عنك غيره . وفي رواية أخرى : قال جبريل : إن الله يقرئك السلام ويقول لك : لا يؤدي عنك إلا أنت أو رجل منك ، فاستدعى رسول الله علياً وقال : اركب ناقتي العضباء ، والحق أبا بكر فخذ براءة من يده وامض بها إلى مكة ، وانبذ بها عهد المشركين إليهم ، وخيِّر أبا بكر بين أن يسير مع ركابك ، أو يرجع إليّ ، فركب أمير المؤمنين ناقة رسول الله العضباء ولحق به وأخذها منه ، وعاد أبو بكر إلى النبي مستفسراً عن الأمر قائلاً له : أنزل فيّ قرآن؟ فقال : لا ولكن الأمين هبط إليّ عن الله جل جلاله بأنه لا يؤدي عنك إلا أنت أو رجل منك ولا يؤدي عني إلا علي .

والحادثة تشير بوضوح إلى جملة من النقاط المهمة التي يمكن الإشارة إليها :

أولاً : الأهمية الخاصة لهذه الآيات الشريفة وما تتضمنه من إمهال الكفار والمشركين فترة أربعة أشهر ، تبدأ من العاشر من ذي الحجة وتنتهي

باليوم العاشر من شهر ربيع الأول للسنة العاشرة .

ثانياً : تبين الحادثة فضل أمير المؤمنين عند الله عز وجل وعند رسوله وقد ورد في بعض النصوص كما في مسند أحمد بن حنبل : أن علياً قال : يا رسول الله لست خطيباً ، فقال النبي : لا محيص عن ذلك ، فإما أن أذهب بها أو تذهب بها ، فقال علي : إذا كان ولا بد فأنا أذهب بها ، فقال له النبي : انطلق بها فإن الله يثبت لسانك ويهدي قلبك .

ثالثاً : مع أهمية العهود والمواثيق في الإسلام إلا أن الأمر الإلهي أعلن من خلال هذه الآيات إعلاناً عاماً أمام الناس كافة : وَأَذَانٌ مّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النّاسِ يَوْمَ الْحَجّ الأكْبَرِ أَنّ اللهَ بَرِيَءٌ مّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ . .

فقد تصرف الوحي والرسول معهم كما تصرف مع اليهود الذين نقضوا عهودهم ومواثيقهم من جانب واحد ، وذلك بالتآمر سراً مع أعداء الإسلام ، أو محاولة اغتيال النبي فتمت مواجهتهم وطردهم من المدينة ، لكن بعض المعاهدات بقيت سارية المفعول سواء كانت ذات أجل مسمى أم لم تكن ذات أجل مسمى .

إن القرائن والدلائل التي ظهرت من جانب المشركين تدل على أنهم كانوا على استعداد فيما لو استطاعوا أن يوجهوا ضربة قاضية للمسلمين دون أدنى اعتناء بعهودهم ، ومن المنطقي أنه إذا رأى الإنسان عدوه يتربص به ويستعد لنقض عهده ، ولديه قرائن على ذلك وعلائم واضحة ، فمن المنطقي أن ينهض لمواجهته قبل أن يستغفله ، ويعلن إلغاء عهده ، ويرد عليه بما يستحق .

ومن الجدير

ذكره في هذا الباب أن القوانين الدولية المعاصرة لا تعترف بالمعاهدات بين الدول إذا ما تم إقرارها والتوقيع عليها تحت الضغوط والقوة القاهرة .

رابعاً : إن الأديان والعقائد الفاسدة مثل عبادة الأصنام ليست عقيدة ولا فكراً ، بل هي خرافة ووهم باطل خطر ، فيجب القضاء عليها وإزالتها من المجتمع الإنساني . فإذا كانت قوة عبدة الأصنام وقدرتهم بالغة في الجزيرة العربية آنذاك ، فاضطر النبي بسبب تلك الظروف إلى معاهدتهم ومصالحتهم ، فإن ذلك لا يعني أنه لا يحق له إلغاء معاهدته - إذا ما قويت شوكته - وأن ينقض عهده الذي سيعتبر مخالفاً للمنطق والعقل فيما لو استمر عليه . كما أن هذا الحكم مختص بالمشركين ، أما أهل الكتاب وسائر الأقوام الذين كانوا في أطراف الجزيرة العربية فقد بقيت المعاهدات معهم على حالها ولم ينقض النبي مواثيقهم وعهودهم حتى وفاته .

إن البراءة في الآية المذكورة أعلاها لا تختصّ بمشركي الجزيرة بل إنها تشمل البراءة من مشركي العالم كله ، الموجودين في عصر الرسالة ومن بعدهم إلى يوم القيامة . وهذه الآية تعلن عن أوضح موقف سياسي تجاه المشركين وأعداء الإسلام .

وأما من تمسّك بقوله تعالى : فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجّ لتحريم المظاهرات وإعلان البراءة من المشركين ، فمردود ، لأنّ المشهور عند المفسرين في تفسير هذه الآية أنّ الرفث هو الجماع والفسوق هو جميع المعاصي ، والمراد بالجدال هو المراء والمشاجرة والمنازعة ، هذا ما عند القوم ، وأمّا عند أهل البيت فقد فُسّر الجدال المذكور في الآية بقول الرجل : لا والله ،

وبلى والله ، وأين هذا من تحريم مطلق الجدال الذي يدعيه القوم ، وقد اتخذه الوهابيون دليلاً على حرمة المظاهرات وإظهار البراءة من الكفار والمنافقين في موسم الحج .

ومن هذا المنطلق كان الإمام الخميني يرى بأن السياسة جزء من الدين ، وأن عملية فصل السياسة عن الدين التي شاعت خلال العقود الأخيرة من هذا القرن ، إنما روّج لها المستعمرون ، وأن النتائج المشؤومة لهذا الفصل واضحة في العالم الإسلامي وبين أتباع سائر الأديان الإلهية .

وكان الإمام الخميني يعتقد بأنّ الإسلام دين الهداية البشرية في جميع مراحل وأبعاد وأدوار الحياة الفردية والاجتماعية ، ولما كانت العلاقات الاجتماعية والسياسية جزءاً لا يتجزأ من حياة البشر ، فإنّ الإمام الخميني كان يرى أن الإسلام الذي يهتم بالجوانب العبادية والأخلاقية الفردية فحسب ، ويصدّ المسلمين عن تقرير مصيرهم وعن المسائل الاجتماعية والسياسية ، إسلام محرّف ، وعلى حد تعبير سماحته إسلام أمريكي .

لقد بادر الإمام الخميني بعد انتصار الثورة الإسلامية فضلاً عن الحكومة الإسلامية بأسلوب يختلف تماماً عن الأنظمة السياسية المعاصرة ، أوضح أركانه أصوله دستور الجمهورية الإسلامية ، الى إحياء شعائر الإسلام الاجتماعية ، وإعادة الروح السياسية للأحكام الإسلامية ، وما إحياء وإقامة مراسم صلاة الجمعة ، ومراسم صلاة الجماعة ، ومراسم صلاة الأعياد الإسلامية الكبرى في مختلف أنحاء البلاد ، إلاّ توكيد على أنّ الإسلام عقيدة عبادية سياسية ، وطرح المسائل والمشكلات التي يتعرض لها المجتمع الإسلامي داخل البلاد وخارجها في خطب صلوات الجمعة والأعياد الدينية ، وتغيير أسلوب ومحتوى مراسم العزاء والرثاء

، وغيرها من مضامين التغيير إلا نماذج بارزة على ذلك .

إن أحد أبرز إنجازات الإمام الخميني إحياء الحج الإبراهيمي ، واعتبر الحج من أبرز مظاهر التلاقي وإعلان البراءة من المشركين ، إلا أن الناظر الى الحج لا يرى أيّ أثر من طرح لمشكلات العالم الإسلامي والبراءة من المشركين . وقد اعتبر من خلال بياناته السنوية التي كان يوجّهها الى الحجاج في موسم الحج على وجوب اهتمام المسلمين بالأمور السياسية للعالم الإسلامي ، واعتبار إعلان البراءة من المشركين ركن من أركان الحج ، وتوضيح مسؤوليات الحجيج في هذا الخصوص .

وبالتدريج اتخذ مؤتمر الحج العظيم شكله الحقيقي وصارت سيرة البراءة تقام سنوياً بمشاركة عشرات الآلاف من الحجاج الإيرانيين والمسلمين الثوريين من البلدان الأخرى ، يردّدون خلالها شعارات تطالب بإعلان البراءة من أمريكا والاتحاد السوفيتي آنذاك وإسرائيل باعتبارها مصاديق بارزة للشرك والكفر العالمي ، وتدعو المسلمين الى الاتحاد .

وفي هذا الصّدد يقول سماحة ولي أمر المسلمين الإمام الخامنئي في نداءه لحجاج بيت الله الحرام وذلك في موسم الحج لعام 1424ه_ :

إنهم المستكبرون يشعرون بوجود الصحوة الإسلامية ، ويشعرون بالخطر من انتشار فكرة الإسلام السياسي وسيادة الإسلام ، وترتعد فرائصهم عندما يفكرون بيوم تنهض فيه الأمة الإسلامية موحدة مليئة بالأمل ، فإن الأمة الإسلامية بما تملكه من ثروات طبيعية ، وتراث حضاري تاريخي عظيم ، ورقعة جغرافية مترامية الأطراف ، وكم بشري هائل ، لن تسمح في ذلك اليوم المنشود ، لقوى الهيمنة التي طفقت تمتص دم الأمة وتنتهك حرمتها وكرامتها طوال مائتي عام ، أن تستمر في هذا

الطغيان والعدوان .

إن النخب السياسية والفكرية في عالمنا الإسلامي تتحمل اليوم مسؤولية جسيمة في إقامة مناسك الحج وشعائره بما جاء به الإسلام العظيم .

إننا نستشرف أفق المستقبل مشرقاً أمام شعبنا والعالم الإسلامي مستمرين بعزيمة راسخة في الدرب الذي رسمه الإمام الخميني العظيم واثقين من تحقق الوعد الإلهي وثوقاً يتزايد يوماً بعد يوم .

3وصول النبي إلى مكة لحجة الوداع4/ ذي الحجة/ السنة 10 ه_

كان وصول النبي إلى كدي أو كداء ، يوم الاثنين الرابع من ذي الحجة في العام العاشر للهجرة ، وكان في آخر نهار ذلك اليوم ، فلما أصبح في اليوم التالي اغتسل ودخل مكة نهاراً وذلك من العقبة ، فلما انتهى إلى باب المسجد - باب شيبة - استقبل القبلة الكعبة فحمد الله وأثنى عليه وصلى على أبيه إبراهيم ، ثم دخل بناقته العضباء واستلم الركن الحجر الأسود بمحجته عصاً قصيرة معوجة الرأس ، وقبّل الحجر ثم طاف بالبيت سبعة أشواط ، ثم صلى ركعتين خلف مقام إبراهيم ، قرأ في الأولى بعد الفاتحة سورة الكافرون ، وفي الثانية التوحيد ، ثم دخل زمزم فشرب منه ، ثم استقبل الكعبة وقال : اللهم إني أسألك علماً نافعاً ورزقاً واسعاً ، وشفاءً من كلّ داء وسقم . ثم رجع إلى الحجر الأسود ليستلمه وقال لأصحابه : ليكن آخر عهدكم بالكعبة استلام الحجر ثم استلمه وخرج إلى الصفا ، وقال لأصحابه : ابدؤوا بما بدأ به الله تعالى إذ قال : إِنّ الصّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللهِ حتى صعد الصفا فقام عليه ، فاستقبل القبلة فوحّد الله وكبّره قال :

لا إله لا الله وحده لا شريك

له ، له الملك وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير ، لا إله إلا الله وحده ، أنجز وعده ، ونصر عبده ، وهزم الأحزاب وحده . قال مثل هذا ثلاث مرات ، ودعا بين ذلك ، ثم نزل إلى بطن الوادي ومشى حتى صعد المروة ، ففعل على المروة كما فعل على الصفا .

لحوق علي بركب الرسول :

كان علي في اليمن ، وكان الرسول قد كاتب علياً بالتوجه إلى الحج من اليمن ، فخرج أمير المؤمنين بمن معه من العسكر الذي صحبه ، وساق معه أربعاً وثلاثين بدنة هدياً ، معه الحلل ، ولما بلغ يلملم عقد نيته بنية النبي ، وقال : اللهم إهلالاً كإهلال نبيك .

فلما قارب رسول الله مكة من طريق المدينة قاربها أمير المؤمنين من طريق اليمن ، فلما كان بالفتق قرب الطائف خلّف على أصحابه أبا رافع القبطي ، وتقدمهم للقاء النبي ، فأدركه وقد أشرف على مكة ، فسلم وأخبره بما صنع وأنه سارع للقائه قبل الجيش .

فسرّ رسول الله بذلك وابتهج بلقاء علي ، وكان محرماً فسأله : بمَ أهللت يا علي؟ فقال : يا رسول الله ، إنك لم تكتب إليّ بإهلالك ، ولا عرفتنيه ، فعقدت نيتي بنيتك . وقلت : اللهم إهلالاً كإهلال نبيك ، وسقت معي من البدن أربعاً وثلاثين بدنة ، فقال رسول الله : الله أكب_ر فقد سقت أنا ستاً وستين ، وأنت شريكي في حجتي ومناسكي وهديي ،

فأقم على إحرامك ، وعد إلى جيشك ، فعجّل بهم إليّ حتى نجتمع في مكة إن شاء الله .

خطبته في آخر عمرته :

روى الكليني بسنده عن الصادق : أنه لما فرغ رسول الله من سعيه وهو على المروة أقبل على الناس بوجهه ، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال :

إن هذا جب_رائيل - وأومأ بيده إلى خلفه - يأمرني أن آمر من لم يسق هدياً أن يحل ، ولو استقبلت من أمري ما استدبرت لصنعت مثل ما أمرتكم ، ولكني سقت الهدي ، ولا ينبغي لسائق الهدي أن يحل حَتّىَ يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلّهُ ، فقال رجل من القوم : أنخرجن حجاجاً ورؤوسنا وشعورنا تقطر؟! يعني من غسل الجنابة .

فقال رسول الله : أما إنك لن تؤمن بهذا أبداً!

فقال سراقة بن ملك الكناني : يا رسول الله ، علمنا ديننا كأننا خلقنا اليوم؛ فهذا الذي أمرتنا به ألعامنا هذا أم لما يستقبل؟

فقال رسول الله : بل هو للأبد إلى يوم القيامة ، وشبك أصابعه وقال : دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة .

وفي يوم التروية خرج إلى مناسك الحج وكان بعد الزوال وبعد الغسل والإهلال بالحج ، فمرّ بمنى وصلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر ، ثم بعد طلوع الشمس جاء نمرة من موقف عرفات ثم سار إلى عرفات ، وانتهى النبي إلى نمرة . بجبال شجر الأراك من بطن عرفة من عرفة فوجد قبته قد ضربت هناك فنزل بها حتى زاغت الشمس .

فلما زاغت الشمس أمر بناقته القصواء فرحلت له ، فخرج وقد اغتسل

فقال : أيها الناس ، إن الله باهى بكم في هذا اليوم ليغفر لكم عامة ، ثم التفت إلى علي فقال : ويغفر لعلي خاصة ، ثم قال : ادن مني يا علي ، ودنا منه فأخذ بيده وقال : إن السعيد كل السعيد حق السعيد من أطاعك وتولاك من بعدي ، وإن الشقي كل الشقي حق الشقي من عصاك ونصب لك العداوة من بعدي .

خطبة الرسول في عرفات :

ثم ركب وسار حتى وقف حيث المسجد اليوم في بطن الوادي فخطب الناس

فقال : الحمد لله ، نحمده ونستعينه ، ونستغفره ونتوب إليه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيّئات أعمالنا من يهد الله فلا مضلّ له ، ومن يضلل فلا هادي له . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .

أوصيكم عباد الله بتقوى الله ، وأحثّكم على العمل بطاعته ، وأستفتح الله بالذي هو خير ، أيها الناس! اسمعوا مني ما أبيّن لكم فإني لا أدري لعلّي لا ألقاكم بعد عامي هذا في موقفي هذا .

أيها الناس! إن دماءكم وأعراضكم عليكم حرام إلى أن تلقوا ربكم كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا . ألا هل بلّغت؟ اللهم اشهد . فمن كانت عنده أمانة فليؤدّها إلى من ائتمنه عليها . وإنّ ربا الجاهلية موضوع ، وإن أول رباً أبدأ به ربا العباس بن عبد المطلب . وإنّ دماء الجاهلية موضوعة ، وإن أول دم أبدأ به دم ابن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب

كان مسترضعاً في بني سعد فقتلته هذيل . وإن مآثر الجاهلية موضوعة غير السدانة والسقاية . والعمد قود وشبه العمد ما قُتل بالعصا والحجر ، وفيه مئة بعير ، فمن ازداد فهو من الجاهلية .

أيها الناس! إن الشيطان قد يئس أن يُعبد بأرضكم هذه ، ولكنه قد رضى بأن يطاع فيما سوى ذلك فيما تحتقرون من أعمالكم .

أيها الناس! إِنّمَا النّسِيَءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلّ بِهِ الّذِينَ كَفَرُواْ يُحِلّونَهُ عَاماً وَيُحَرّمُونَهُ عَاماً لّيُوَاطِئُواْ عِدّةَ مَا حَرّمَ اللهُ . . ، وإن الزمان قد استدار كهيئة يوم خلق السماوات والأرض وإِنّ عِدّةَ الشّهُورِ عِندَ اللهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السّمَاوَات وَالأرْضَ مِنْهَآ أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ : ثلاثة متوالية وواحدٌ فرد؛ ذو القعدة وذو الحجة ومحرم ، ورجب بين جمادى وشعبان . ألا هل بلغت؟ اللهم اشهد .

أيها الناس! إن لنسائكم عليكم حقاً ولكم عليهن حقاً ، حقكم عليهن : أن لا يوطئن أحداً فرشكم ، ولا يدخلن أحداً تكرهونه بيوتكم إلا بإذنكم ، وأن لا يأتين بفاحشة ، فإن فعلن فإن الله قد أذن لكم أن تعضلوهنّ وتهجروهن في المضاجع وتضربوهن ضرباً غير مب_رح ، فإن انتهين وأطعنكم فعليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف ، أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهنّ بكتاب الله ، فاتقوا الله في النساء واستوصوا بهنّ خيراً .

أيها الناس! إِنّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ولا يحل لمؤمن مال أخيه إلاّ عن طيب نفس منه - ألا هل بلغت؟ اللهم اشهد - فلا ترجعنّ كفّاراً يضرب بعضكم رقاب بعض ، فإني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به

لن تضلّوا : كتاب الله وعترتي أهل بيتي . ألا هل بلغت؟ اللهم اشهد .

أيها الناس! إن ربكم واحد ، وإن أباكم واحد ، كلكم لآدم وآدم من تراب ، إِنّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ وليس لعربي على عجمي فضل إلاّ بالتقوى ، ألا هل بلغت؟ اللهم اشهد .

أيها الناس! إن الله قسم لكل وارث نصيبه من الميراث ، ولا يجوز لوارث كذا وصية في أكثر من الثلث . والولد للفراش وللعاهر الحجر ، ومن ادّعى الى غير أبيه وتولّى غير مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، ولا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً ، والسلام عليكم ورحمة الله .

ألا وإنه سيرد عليّ الحوض منكم رجال فيدفعون عني ، فأقول : رب أصحابي ، فيقال : يا محمد ، إنهم أحدثوا بعدك ، وغيّروا سنتك! فأقول : سحقاً سحقاً .

وقد أخبر النبي الناس عند مسجد الخيف أن نفسه نعيت له ، ومن خطبته هناك : أيها الناس ، إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا ولن تزلوا : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، فإنه قد نبأني اللطيف الخبير ، إنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض كإصبعي هاتين . وجمع بين سبابتين ، ولا أقول كهاتين وجمع بين سبابته والوسطى ، فتفضل هذه على هذه .

التأكيد على النقاط التالية في الخطبة :

1- تحريم دماء المسلمين وأموالهم بعضهم على بعض ، فقد قال :

أيها الناس اسمعوا قولي واعقلوه ، فإني لا أدري لعلي

لا ألقاكم بعد عامي هذا بهذا الموقف أبداً ، أيها الناس إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام إلى أن تلقوا ربكم . . . وبالغ كثيراً في المحافظة على دماء المسلمين وأموالهم .

2- إلغاء العادات الجاهلية الوثنية في الأخذ بالثأر ، فقد قال : إن كل دم كان في الجاهلية موضوع ، وأنا أضع دم ابن ربيعة بن الحارث .

ما أروع النبي حيث إنه قدوة للمسلمين جميعاً ، فبدأ بأقربائه في تنفيذ أحكام الإسلام فابن ربيعة بن الحارث الذي قتله البعض ، وضع النبي دمه وأسقطه ، لكي يشجع المسلمين على ترك الثأر .

3- أداء الأمانة إلى أهلها ، فقد قال : إنكم ستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم ، وقد بلّغت فمن كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها .

وقد أكد الإسلام كثيراً على أداء الأمانة إلى أهلها ، فقد جاء عنهم : أدِ الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك .

4- التأكيد على حرمة الربا ، وأن ذلك المال الحاصل منه لا يملكه المرابي ، ولا يجوز قبضه ، وقد بدأ بأقربائه في إسقاط الربا ، فأسقط ربا عمه العباس ، قال : أيها الناس إن كل ربا موضوع ، ولكن لكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون ، وإن ربا عباس بن عبد المطلب موضوع كله .

5- الوصية بالنساء خيراً ، قال : أيها الناس إن لكم على نسائكم حقاً ، ولهن عليكم حقاً ، لكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه ، وعليهن أن

لا يأتين بفاحشة مبينة ، فإن فعلن فإن الله قد أذن لكم أن تهجروهن في المضاجع ، وتضربوهن ضرباً غير مب_رح ، فإن تبن فلهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف ، واستوصوا بالنساء خيراً ، فإنهن عندكم عوان لا يملكن لأنفسهن شيئاً ، وإنكم إنما أخذتموهن بأمانة الله ، واستحللتم فروجهن بكلمات الله ، إعقلوا أيها الناس قولي فإني قد بلغت .

6- التركيز على حق المسلم على أخيه المسلم ، قال : أيها الناس اسمعوا قولي واعقلوه تعلمون أن كل مسلم أخ للمسلم ، وأن المسلمين إخوة ، فلا يحل لامرئٍ من أخيه إلا ما أعطاه عن طيب نفس منه ، فلا تظلمُن أنفسكم ألا فليبلغ شاهدكم غائبكم؛ لا نبي بعدي ولا أمة بعدكم ، ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع .

7- الإيصاء بالتمسك بالكتاب والعترة ، وأن التمسك بهما سببٌ لكل هداية

ومجنبٌ عن كل غواية وضلالة ، كما أن تركهما أو ترك أحدهما مفتاح الضلالة والانحراف ،

قال : إني تارك فيكم ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبداً ، كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، أوصيكم الله في أهل بيتي . . . أوصيكم الله في أهل بيتي . . . أوصيكم الله في أهل بيتي .

ثم اشهد النبي ربه عليهم بقوله : اللهم اشهد . . . اللهم اشهد . . . اللهم اشهد .

وهكذا أكمل النبي حجه ، وعلّم المسلمين حجهم ، وكانت آخر حجّة حجّها النبي ، ولذلك سميت حجة الوداع .

وهكذا

حتى يبلغ الرسول غدير خم فتكون لنا مناسبة أخرى نتحدث فيها في تناغم رسالي عن حقيقة الدين الذي أنزله الله على عباده .

4شهادة الإمام محمد الباقر

7/ ذي الحجة / السنة 95 ه_

هو محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام ، وهو الإمام الخامس من أئمة أهل البيت . ولد بالمدينة سنة سبع وخمسين من الهجرة . وقبض في المدينة أيضاً سنة أربع عشرة ومئة ، فعمره الشريف سبع وخمسون سنة وهو أول علوي من علويين ، أبوه زين العابدين وأمّه فاطمة بنت الحسن السبط .

وقبره في البقيع في مدينة الرسول .

شهادة الإمام

كانت شهادة الإمام أبي جعفر محمد بن علي الباقر على يد هشام بن عبد الملك . وفي بعض الروايات قيل إن عبد الملك بن مروان بعث بسرج مسموم إلى الإمام وعندما وضعوه فوق الفرس وجلس عليه الإمام أحس بحرارة السم ، فتورم جسده الشريف وظهرت عليه آثار الموت .

روي عن الإمام جعفر الصادق أنه قال : في أحد الأيام طلبني أبي وقال لي : يا جعفر إذا أنا مت فغسلني وكفّني وارفع قب_ري أربع أصابع ورشه بالماء وكان عنده قوم من أصحابه فلما خرجوا قلت : يا أبت لو أمرتني بهذا صنعته ، ولم ترد أن أدخل عليك قوماً تشهدهم ، فقال : يا بني أردت أن لا تنازع أي في أمر الإمامة .

والحادثة تشير إلى أنه أوضح للحاضرين من شيعته وأتباعه من هو الإمام المفترض الطاعة من بعده . لأن الشيعة يعرفون من خلال أئمتهم أن المعصوم لا يتولى تغسيله وتجهيزه ودفنه إلاّ خليفته المعصوم من بعده

والإمام

الباقر يمثل حلقة الوصل في استكمال الخطة التي بدأها الإمام زين العابدين وذلك بالسعي الدؤوب في بث علوم آل البيت ، ومواجهة مخططات التحريف ونشر الشبه والضلالات والأفكار الإلحادية من قبل الزنادقة والمخطط الأموي في الطمس والتعتيم على أحقية آل البيت في الإمامة السياسية والفكرية للأمة الإسلامية .

لقد أنشأ الإمام زين العابدين حلقات الدرس والمناظرات في مسجد جده رسول الله وتوسعت هذه الحركة الفكرية في زمن الإمام الباقر وبلغت ذروتها في زمن ولده الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق ، حيث كانت الدولة الأموية قد أوشكت على الانهيار وقد نقلت التفاسير وكتب الحديث والتاريخ عن الإمام محمد الباقر أحاديث وحوارات كثيرة حصلت بينه وبين رجال الفكر والعلماء المعاصرين له من أمثال نافع مولى عمر بن الخطاب ، حيث التقى به في داخل البيت الحرام ، وكان نافع قد ذهب إلى الحج مع الخليفة هشام بن عبد الملك ، فنظر نافع إلى الإمام الباقر في ركن البيت وقد اجتمع عليه الخلق وقال : يا أمير المؤمنين من هذا الذي قد تكافأ عليه الناس . فقال : هذا محمد بن علي ، قال : لآتينه ولأسألنه عن مسائل لا يجيبني فيها إلاّ نبي أو وصي نبي ، قال الخليفة هشام : فاذهب إليه لعلك تخجله ، وذهب نافع والتقى الإمام الباقر وسأله عن مسائل كثيرة لا يتسع هذا البحث المختصر لإيرادها ، ولكن نكتفي بسؤال واحد هو عن قول الله تبارك وتعالى : وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رّسُلِنَآ أَجَعَلْنَا مِن دُونِ الرّحْمَ_َنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ قال نافع : من الذي سأل محمد وكان بينه

وبين عيسى خمسمائة عام ، فأجابه الإمام الباقر بأن ذلك كان من الآيات التي أراها الله عز وجل لنبيه الكريم في الإسراء إلى بيت المقدس . قال تعالى : سُبْحَانَ الّذِي أَسْرَىَ بِعَبْدِهِ لَيْلاً مّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَىَ الْمَسْجِدِ الأقْصَى الّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَآ ، حيث حشر الله الأولين والآخرين من النبيين والمرسلين ، ثم أمر جبرائيل فأذّن شفعاً وأقام شفعاً ، وقال في أذانه حي على خير العمل ، ثم تقدم رسول الله فصلى بالقوم ، فلما انصرف قال الله تعالى : وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رّسُلِنَآ أَجَعَلْنَا مِن دُونِ الرّحْمَ_َنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ فقال النبي : على ما تشهدون وما كنتم تعبدون؟ قالوا : نشهد أن لا اله إلاّ الله وحده لا شريك له وأنك رسول الله ، أخذت على ذلك عهودنا ومواثيقنا .

قال نافع : صدقت يا أبا جعفر .

وللإمام حوارات كثيرة مع الحسن البصري وطاووس اليماني ، ومن أراد التوسعة والاطلاع فليراجع الاحتجاج للمرحوم الطبرسي ، وبحار العلامة المجلسي : 6 : 125 ، والارشاد للشيخ المفيد 244 .

وختاماً نشير إلى ما روي عنه من أنه أوصى بثمانمئة درهم تعطى لإقامة المآتم عليه بعد موته ، روي عن الصادق أنه قال : قال لي أبي : يا جعفر أوقف لي من مالي كذا وكذا لنوادب يندبني عشر سنين بمنى أيام منى .

والحكمة من هذا الأمر الذي أمره الإمام الباقر لولده الإمام جعفر الصادق أنه أراد ان يعرّف المسلمين عامة والشيعة خاصة بأهمية إقامة الشعائر وبالأخص إحياء مجالس أهل البيت لأن إحياء مجالسهم وذكرهم

هو إحياء للإسلام ، والقرآن ، فأهل البيت هم عدل القرآن ولا يفترقا أبداً كما صرح بذلك نبي الإسلام محمد في حديث الثقلين المعروف .

5خروج الإمام الحسين من مكة إلى العراق8/ ذي الحجة /السنة 60 ه_

سمي اليوم الثامن من شهر ذي الحجة بيوم التروية لأن الحجاج يخرجون فيه من مكة محرمين إلى منى وهم يتروون من الماء ، أي يحملونه معهم في الروايا إلى عرفات ، لأنه لم يكن في الزمن السابق بعرفة ماء .

وفي هذا اليوم من ذي الحجة يوم التروية سنة ستين أعلن مسلم بن عقيل حركته في الكوفه قبل الأجل الذي بينه وبين الناس ، وذلك بسبب استشهاد هانئ بن عروة واجتمع إليه أربعة آلاف ينادون بشعار المسلمين يوم بدر : يا منصور أمت .

وقد نجحت حركته في بدايتها وأقبل الثوار نحو قصر الإمارة ، فتحرز عبيد الله بن زياد وغلّق الأبواب لعدم قدرته على المواجهة ، لأنه لم يكن معه إلاّ خمسون رجلاً من الشرطة وبعض الأشراف والموالي ، لكنه عمد إلى حيلة استطاع من خلالها تفتيت القوة المجتمعة حول مسلم بن عقيل إذ صاح الخائفون المتحصنون معه في القصر : يا أهل الكوفة اتقوا الله ولا توردوا على أنفسكم خيول الشام ، فقد ذقتموهم وجربتموهم ، فتفرق الأربعة آلاف ولم يبق منهم إلاّ ثلاثمئة مقاتل . وروى أن الرجل كان يأتي ابنه أو أخاه أو ابن عمه فيقول له : انصرف ، والمرأة تأتي زوجها فتتعلق به حتى يرجع .

وفي نفس اليوم - الثامن من ذي الحجة سنة ستين - توجه الحسين من مكة إلى العراق بعد مقامه بمكة من اليوم الثالث من شعبان وكان

قد اجتمع إليه مدة مقامه بمكة نفر من أهل الحجاز ونفر من أهل البصرة ، وكان قد طاف وسعى وأحل إحرامه وجعلها عمرة لمّا بلغه أن يزيد أنفذ عمرو بن سعيد بن العاص في عسكر ، وأمّره على الحاج وأوصاه بالفتك بالحسين أينما وجده فكره الإمام الحسين أن تستباح به حرمة البيت .

وخطب الإمام الحسين في مكة خطبته الشهيرة التي قال فيها : الحمد لله وما شاء الله ولا قوة إلاّ بالله وصلى الله على رسوله خُطّ الموت على وُلد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة ، وما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف ، وخير لي مصرع أنا لاقيه ، كأني بأوصالي تقطعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلا فيملأنّ مني أكراشاً جوفاً وأجربة سغباً . لا محيص عن يوم خط بالقلم . رضا الله رضانا أهل البيت ، نصب_ر على بلائه ويوفينا أجور الصاب_رين ، لن تشذ عن رسول الله لحمته بل هي مجموعة له في حظيرة القدس ، تقر بهم عينه وينجز بهم وعده ، ألا من كان فينا باذلاً مهجته ، موطّناً على لقاء الله نفسه فليرحل معنا ، فإني راحل مصبحاً إن شاء الله تعالى .

وروي أنه قال لعبد الله بن الزبير : إن أبي حدثني أن بمكة كبشاً به تستحل حرمتها فما أحب أن أكون ذلك الكبش ، ولئن أقتل خارجاً منها بشب_ر أحبّ إليّ من أقتل فيها ، وأيم الله لو كنت في ثقب هامة من هذه الهوام لاستخرجوني حتى يقضوا فيّ حاجتهم ، والله ليعتدنّ عليّ كما اعتدت اليهود في السبت!

.

وفي حادثة أهل الكوفة مع مسلم بن عقيل يتجسد خذلان الأمة وتقاعسها عن قادتها والساعين من أجل عزتها وكرامتها ، وهي استمرار لصور متلاحقة من الجبن والغدر ونقض العهود والمواثيق ، سجلها التاريخ صفحات سوداء في سيرتهم وتعاملهم مع أمير المؤمنين وسبط الرسول الأكبر أبي محمد الحسن الزكي وهكذا حصل مع أبيّ الضيم وسيد الشهداء الحسين بن علي إذ كاتبوه ودعوه فلم يف منهم بوعده مع ابن بنت النبي إلاّ ثلة قليلة أودعت السجون أو قتلت صبراً في نهضة سفير الحسين إلى الكوفة مسلم بن عقيل ، أو قدّمت نفوسها رخيصة مع الحسين في عرصة كربلاء المقدسة .

ونقرأ في حركة الحسين وخروجه من مكة وخطابه فيها نداء يستصرخ الضمائر ويهز الوجدان في الأمة ، يوضح فيه ملامح حركته وأهدافها ، وأن رضا الله عن الأمة لا يكون في سكوتها عن الظلم وانتهاك الحرمات وتعطيل الحدود وإماتة السنة وإحياء البدعة ، وأن الصلاة والقصد إلى حج البيت الحرام لا معنى له وابن بنت النبي مهدد من قبل الدولة الأموية بالاغتيال ، ولو كان متعلقاً بأستار الكعبة ، قال : رضا الله رضانا أهل البيت ، فهذا هو العنوان الكبير الذي يجب على المسلمين تمثله والسير وراءه .

6يوم عرفة

9/ ذي الحجة / من كل سنة

اليوم التاسع من ذي الحجة من كل سنة هو يوم عرفة ، وهو يوم دعا الله عباده فيه إلى طاعته وعبادته وبسط لهم موائد إحسانه وجوده والشيطان فيه ذليل حقير طريد غضبان أكثر من أيّ وقت سواه ، ولهذا اليوم عدة أعمال :

قال الكفعمي في المصباح : يُتسحب

صومُ عرفة لمن لا يضعف عن الدعاء ، والاغتسال قبل الزّوال ، وزيارة الإمام الحسين فيه وفي ليلته ، ومن أعمال هذا اليوم قراءة الأدعية المأثورة عن الأئمة وهي كثيرة والمشهور منها دعاء عرفة لأبي عبد الله الحسين وكذلك دعاء الإمام السجاد في هذا اليوم .

عرفات : جبل الرحمة والمغفرة هضبة تبعد عن الكعبة مدينة مكة حوالي 21 كيلو متر ، يقصدها الحجيج لأداء حج التمتع ، بعد ارتدائهم لملابس الإحرام ويقفون في هذه المنطقة من ظهر يوم التاسع من ذي الحجة إلى أوان غروب الشمس ، منهمكين بالدعاء والتضرع ، لينزل الله تعالى عليهم رحمته ، ويعطيهم الرخصة مرة أخرى للدخول إلى الحرم .

في رواية عن معاوية بن عمار قال : سألت أبا عبد الله عن عرفات لِمَ سميت عرفات؟

فقال : إن جب_رائيل خرج بإبراهيم يوم عرفة ، فلما زالت الشمس قال جب_رائيل : يا إبراهيم اعترف بذنبك ، واعرف مناسكك ، فسميت عرفات لقول جب_رائيل اعترف فاعترف ، وهناك أسباب أخرى للتسمية أعرضنا عنها لضرورة الإيجاز .

الوقوف بعرفة

قبل الإسلام كانت جرهم تتأسى بإبراهيم فيطوفون بالبيت ويقفون على عرفات ، وجاء الإسلام فجعل الحج عرفة ، فمن أدرك عرفة فقد أدرك الحج .

يقول الأزرقي : . . عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه أنه قال : أضللت بعيراً لي يوماً عرفة ، فخرجت أطلبه حتى جئت عرفة ، فإذا رسول الله ، واقف بعرفة مع الناس ، فقلت : هذا رجل من الحمس ، فما له خرج من الحرم؟

يعني قريشاً كانت تسمي الحمس والأحمسي المشدد في دينه ، فكانت قريش لا تجاوز الحرم تقول : نحن أهل الله لا نخرج من الحرم ، وكان سائر الناس يقف بعرفة ، وذلك قول الله عز وجل : ثُمّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النّاسُ .

أرض المغفرة وقبول الدعاء

إحدى أهم الألطاف التي يحصل عليها الحجاج من رحلة الحج المعنوية ، هو غفران الذنوب ، ففي اليوم التاسع من شهر ذي الحجة الحرام ، يأتي الحجيج من كل فج عميق ويجتمعون في عرفات ، ويطلبون من الله تعالى أن يغفر لهم ما تقدم من ذنوبهم ويطهرهم من الأدران ، فهم في دعاء وبكاء وتوسل .

عن علي قال : إن رسول الله لما حج حجة الوداع ، وقف بعرفة فأقبل الناس بوجهه فقال : مرحباً بوفد الله - ثلاث مرات - الذين إن سألوا أعطوا ، وتُخلف نفقاتهم ، ويجعل لهم في الآخرة بكل درهم ألفاً من الحسنات ، ثم قال : يا أيها الناس ألا أبشركم؟! قالوا : بلى يا رسول الله : قال : إنه إذا كانت هذه العشية باهى الله بأهل هذا الموقف الملائكة ، فيقول : يا ملائكتي انظروا إلى عبيدي وإمائي أتوني من أطراف الأرض ، شعثاً غب_راً ، هل تعلمون ما يسألون؟ فيقولون : ربنا يسألونك المغفرة ، فيقول : أشهدكم أني قد غفرت لهم ، فانصرفوا من موقفكم مغفوراً لكم ما سلف .

الصوم في يوم عرفة

ورد النهي عن الصوم في يوم عرفة في بعض الروايات من الفريقين ، ولعل السبب في

ذلك يعود إلى ضرورة أن يكون الفرد نشيطاً أثناء الدعاء والتضرع ، لأن الفرد الصائم ، يستحوذ عليه الضعف ولا يجد القدرة على الدعاء وكان رسول الله لا يصوم عرفة ، وفعل ذلك الخلفاء وبعض الصحابة أيضاً تأسياً به ، وقال الشيخ الكفعمي في المصباح : يستحب الصوم يوم عرفة ، لمن لا يخاف الضعف في الدعاء .

مسجد عرفات

يوجد في عرفات مسجد ذكره التاريخ باسم مسجد عرفة ، والمسجد الجامع للنبي إبراهيم ، وقد بلغت مساحة مسجد نمرة في العمارة الأخيرة 124000م2 ويأتي جمع من الحجاج يوم عرفة إلى مسجد نمرة ، ليستمعوا إلى خطبة خطيب المسجد ، ثم يصلوا الظهر والعصر بأذان وإقامتين ، ثم يشرعوا بالدعاء والتضرع ومسألة الله تعالى حتى الغروب .

نهاية الوقوف بعرفة ، تبدأ عند غياب الشمس من اليوم التاسع لذي الحجة حيث يفيض الناس إلى المزدلفة بعد أن يصلوا المغرب والعشاء قصراً وجمعاً .

7شهادة مسلم بن عقيل وهاني بن عروة

9/ ذي الحجة /السنة 60 ه_

هو مسلم بن عقيل بن أبي طالب بن عبد المطلب ، ابن عم الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب ، ولد مسلم في المدينة واستشهد في الكوفة عام ستين ، وروي أن عمره 34 أو 38 سنة ، وربما كان أكثر من ذلك ، وقد نشأ في بيت عمه أمير المؤمنين ، وحضر معه وقائع الجمل وصفين والنهروان ، وكان لنشأته مع ابني عمه الحسن والحسين أثره البالغ في سلوكه وتربيته الرسالية ، وتحمّله مسؤولية السفارة بين الحسين ، وأهل الكوفة وأدائه الرائع لرصّ الصفوف حوله

ورفضه التخلي عنه ومواجهته الشجاعة للطاغية ابن زياد ودولة الظلم الأموية .

وقد كانت زوجته رقية الصغرى بنت أمير المؤمنين مع الحسين في ركبه مع بنتها وأولادها الذين استشهدوا في واقعة الطف وبعدها .

ولعلّ ميزاته الشخصية الفريدة جعلت الإمام يرى فيه الشخص المؤهل الوحيد القادر على القيام بالمهمة التي قام بها .

ويكاد يكون خروج مسلم بن عقيل ، وابن عم الإمام الحسين ، إلى العراق ملحمة لوحدها ، تكوّن مع أختها ملحمة الطف ، أهم حدث أثّر على حياة المسلمين ومصيرهم ، مع أنّ العديد من المؤرّخين المسلمين وغيرهم لم يلتفتوا إليها ولم يدرسوها على هذا الأساس…

إن كل موقف من المواقف التي اتخذها مسلم منذ وصوله إلى الكوفة وحتى استشهاده ، موضعٌ لتأمل عميق ودروس كبيرة ، لابد أن نخرج منها بحصيلة واسعة لكي نضيفها إلى مجمل حصيلتنا عن رجال هذه الثورة .

مسلم على مستوى المهمة الموكلة إليه :

عندما وردت كتب أهل الكوفة إلى الحسين تستدعيه ، وتعلن ولاء العراقيين له ، واستعدادهم ليكونوا خلفه جنداً مجنّدة ، دعا مسلم بن عقيل فسرحه مع قيس بن مسهر الصيداوي ، وعُمارة بن عُبيد السلولي ، وعبد الرحمن بن عبد الله ابن الكدن الأرحبي ، فأمره بتقوى الله وكتمان أمره واللطف ، فإن رأى الناس مجتمعين ، مستوثقين عجّل إليه بذلك .

لقد بعثه إلى الكوفة ليكشف له حقيقة هذا الأمر والاتفاق ، فإن كان متحتماً وأمراً حازماً محكماً بعث له ليركب في أهله وذويه ويأتي الكوفة .

أجل… أرسله الإمام الحسين إلى أهل الكوفة بعدما تواترت

عليه كتبهم ورسائلهم ، وأنفذ معه كتاباً إليهم : وأنا باعث إليكم أخي وابن عمي وثقتي من أهل بيتي .

وقد أوصاه قائلاً : إني موجّهك إلى أهل الكوفة ، وسيقضي الله من أمرك ما يحب ويرضى ، وأنا أرجو أن أكون أنا وأنت في درجة الشهداء ، فامض ببركة الله وعونه حتى تدخل الكوفة ، فإذا دخلتها فانزل عند أوثق أهلها ، وادع الناس إلى طاعتي ، فإن رأيتهم مجتمعين على بيعتي فعجّل عليّ بالخبر حتى أعمل على حسب ذلك إن شاء الله تعالى .

وقد مضى مسلم في مهمته دون أن يتردّد أو يجبن ، وليس كما زعم من ذكر أنه أرسل رسالة اعتذار إلى الإمام عن إنجاز المهمة ، وأنه طلب إليه أن يكلف شخصاً آخر بها .

إن ما ورد بهذا الخبر يتناقض وما عرف عن مسلم وصلابته في الحق ، وما عرف عن مواقفه القوية ، وليس أدلّ من ذلك تصديه بمفرده لأعداد كبيرة من أعدائه ، وعدم استطاعتهم التغلب عليه إلاّ بمكيدة غادرة ، ثم موقفه الشجاع بوجه ابن زياد وهو أعزل :

كما أنه يتناقض مع ما عُرف من استعداداته الخلقية والنفسية التي جعلت الإمام يختاره من بين كل أصحابه وأهله لهذه المهمة الشاقة .

في بيت المختار الثقفي

ثم أقبل مسلم حتى دخل الكوفة ، فنزل دار المختار بن عبيدة ، وهي التي تدعى اليوم دار مسلم في المسيب ، وأقبلت الشيعة تختلف إليه .

وكان اختيار مسلم لدار المختار صائباً وموفقاً ، فالمختار من الشخصيات النادرة القوية التي التزمت خط

أهل البيت .

وأقبلت الشيعة تختلف إليه ، فكلما اجتمعت إليه جماعة منهم قرأ عليهم كتاب الحسين فيبكون ، ويعدونه من أنفسهم القتال والنصرة .

وقد ألقيت خطبة حماسية أمام الوفود التي جاءت لتقديم البيعة ، وكان الخطباء بمستوى أقوالهم ، وقد استشهد بعضهم مع الإمام فعلاً .

قال عابس بن أبي شبيب الشاكري موجهاً الخطاب لمسلم : فإني لا أخبرك عن الناس ، ولا أعلم ما في أنفسهم ، وما أغرك منهم ، والله لأحدثنّك عمّا أنا موطّن نفسي عليه ، والله لأجيبنكم إذا دعوتم ، ولأقاتلنّ معكم عدوّكم ، ولأضربنّ بسيفي دونكم حتى ألقى الله ، لا أريد بذلك إلا ما عند الله .

وقد اختلف المؤرخون حول عدد الذين بايعوا مسلم للإمام الحسين فذكر أغلبهم أنهم كانوا ثمانية عشر ألفاً ، وهو عدد كبير يشكّل جيشاً قوي الشكيمة لو أنهم استمروا على مواقفهم خلف مسلم . لذلك كتب مسلم إلى ابن عمه الحسين في رسالة له ، وهو يقول فيها :

أما بعد ، فإن الرائد لا يكذب أهله ، وقد بايعني من أهل الكوفة ثمانية عشر ألفاً ، فعجّل الإقبال حين يأتيك كتابي ، فإن الناس كلهم معك ، ليس لهم في آل معاوية رأي ولا هوى ، والسلام .

مضت الدعوة إلى الحسين تتسع في الكوفة وجوارها ، وأصبح الناس يهتفون باسمه حتى ضاق الأمر على النعمان بن بشير الأنصاري والي الكوفة .

عندها كتب أنصار الأمويين إلى يزيد بن معاوية بالشام ، وعرّفوه إقبال الناس على مسلم ودعوته

، وبيعة الحسين ، وضعف الوالي النعمان .

فجمع يزيد أنصاره ومستشاريه وعلى رأسهم سرجون الرومي ، وسألهم ما العمل؟

فأشاروا عليه بتولية عبيد الله بن زياد وعزل النعمان بن بشير .

دخول عبيد الله بن زياد إلى الكوفة

خرج عبيد الله بن زياد من البصرة ، وأقبل إلى الكوفة حيث عُيّن والياً عليها بدلاً من الوالي السابق النعمان ، ولما قدم ابن زياد الكوفة انفضّ أنصار مسلم بن عقيل من حوله ، لأن ابن زياد استخدم بحكم نفسيته الخبيثة إلى الترهيب تارة والترغيب أخرى .

عظمت الرشاوى ، واستمال الذين في قلوبهم مرض ، وأرهب الضعفاء ، فتوارى مسلم عن الأنظار لكن ابن زياد استطاع العثور على موضع اختفائه بواسطة جواسيسه ، فقبض على هاني بن عروة الذي كان يخفيه في داره ، فاضطرّ مسلم إلى إعلان ثورته قبل موعدها المقرّر ، وحاصر ابن زياد في قصر الإمارة .

وكانت الخيانة ، فانقلب الأشراف والرؤساء الذين عظمت رشوتهم وملئت جيوبهم من الدرهم والدينار ، فمالوا إلى جانب ابن زياد وخذلوا مسلماً .

مسلم لا يغدر

أقام مسلم بن عقيل في دار هاني بن عروة متكتماً لا يعلم بوجوده سوى خواص الشيعة ، وتشاء الصدف أن يأتي شريك بن الأعور من البصرة فينزل ضيفاً على هاني ، ويجتمع بمسلم ، وتشاء الصدف أن يمرض شريك .

جاءت الأخبار لابن زياد : أن شريك بن الأعور مريض في بيت هاني فسارع لعيادته لأن شريكاً من كبار الأشراف والوجهاء .

لما علم شريك أن ابن زياد قادم لاحت بفكره خطة فقال لمسلم بن

عقيل :

إن غايتك وغايتي هلاك الظالمين وهذا عبيد الله قادم لزيارتي فاقتله وأرح البلاد والعباد من جوره . فقال مسلم : وكيف ذلك؟ فقال شريك : أقم في هذه الخزانة - وأشار بيده إلى خزانة في الحائط - حتى إذا دخل ابن زياد وأخذ في الحديث أخرج أنت إليه فاقتله وأرح الناس من شره ، وضع يدك على زمام الحكم ريثما يحضر مولانا الحسين .

اختبأ مسلم في الخزانة ، دخل ابن زياد منزل هاني بن عروة وجلس بالقرب من شريك وراح يستفسر عن صحته .

كانت عين شريك ترمق الخزانة بين الحين والآخر يتوقع خروج ابن عقيل شاهراً سيفه يضرب ابن زياد ضربة واحدة ويقتله . لكن مسلماً لم يخرج وطال الانتظار ولم يخرج مسلم . ونادى بأعلى صوته :

ما الانتظار بسلمى لا تحيّوها

وإن تخشيت من سلمى مراق_بة

حيّوا سليمى وحيّوا من يحيّيها

فلست تأمن يوماً من دواهيها

ثم صاح شريك بصوت رفيع ليسمع مسلماً : اسقونيها ولو كان فيها حتفي .

ولما خرج ابن زياد من دار هاني ، التفت شريك إلى مسلم بن عقيل وقال له معاتباً : بالله عليك يا ابن عقيل ألا أخبرتني لماذا لم تقتله؟ وما الذي منعك من قتله؟ فقال مسلم : لقد منعني من قتله حديثان :

الأول : حديث أمير المؤمنين عن رسول الله حيث قال : إن الإيمان قيد الفتك فلا يفتك مؤمن ، والثاني : امرأة هاني ، فإنها تعلّقت بي وأقسمت عليّ بالله أن لا أفعل هذا في دارها ، وبكت في وجهي .

فقال هاني : يا ويلها من حمقاء جاهلة ، قتلتني وقتلت نفسها

، والذي فرّت منه وقعت فيه .

مسلم في دار طوعة

استطاع ابن زياد من السيطرة على أوضاع الكوفة بالإغراء والوعيد ، وفرض عليها من الخوف والرعب ، فتفرق أصحاب مسلم من حوله ، وظل وحيداً غريباً بالكوفة بلا مأوى ، فما زالوا يتفرقون حتى لم يبق من الأربعة آلاف الذين كانوا معه إلا ثلاثمائة رجل ، ولما أمسى المساء صلّى مسلم بن عقيل المغرب والعشاء بالمسجد فلم يبق معه سوى ثلاثين رجلاً ، ولما خرج من المسجد لم يبق معه غير عشرة نفر ، وبعد برهة رأى خلفه وإذا به وحيداً ليس معه أحد يدلّه على الطريق ، مشى في أزقة الكوفة لا يدري أين يذهب ، واستبد بمسلم العطش والتعب ، حتى وصل على باب دار امرأة يقال لها طوعة .

شاهد مسلم طوعة واقفة على باب دارها وكان قد أعياه المسير ، فاتجه نحوها وقال لها : السلام عليك يا أمة الله . فردّت طوعة بلطف وأدب : وعليك السلام يا عبد الله .

فقال مسلم : يا أمة الله هل لك أن تسقيني شربة ماء ، فلساني قد تشقق من العطش .

أجابت طوعة : حباً وكرامة . ودخلت الدار بسرعة وجاءت بالماء ، شرب مسلم وأعاد إليها الإناء شاكراً . ثم جلس ليستريح واضعاً رأسه بين يديه مهموماً .

أدخلت طوعة الإناء ، ثم رجعت لتجد مسلماً ما زال جالساً على بابها ، فقالت له باستنكار وتعجّب : يا عبد الله ألم تشرب الماء؟ أجابها مسلم : بلى .

فقالت : إذن قم فاذهب إلى

أهلك .

سكت مسلم ، فعادت طوعة تكرر وتقول له : يا عبد الله اذهب إلى أهلك فإنه لا يصحّ لك الجلوس على باب داري ولا أحلّه لك .

عندها قام مسلم بتثاقل يجر رجليه ثم وقف وقال : يا أمة الله ما لي في هذا البلد أهل ولا عشيرة فهل إلى أجر ومعروف؟ ولعلّي أكافئك به بعد هذا اليوم .

فقالت طوعة بدهشة وتعجب : يا عبد الله ما هذه المكافأة وكيف ذلك؟ ومتى بعد هذا اليوم؟ فقال : يا أمة الله أنا مسلم بن عقيل من آل بيت رسول الله وأنا سفير الحسين إلى أهل الكوفة .

لكن طوعة ما إن سمعت باسمه حتى صاحت بلهفة : أحقاً أنت مسلم؟ أحقاً أنت سفير الإمام الحسين ؟ أجاب مسلم : نعم يا أمة الله . فقالت : سيدي يا مسلم اغفر لي خشونتي وما بدر مني أدخل بأبي أنت وأمي إلى داخل الدار .

رحبت به وامتلأ قلبها سروراً ، وأدخلته بيتاً غير الذي يأوي إليه إبنها وعرضت عليه الطعام فأبى .

ولما وافى ابنها المنزل ورآها تكثر الدخول لذلك البيت استراب منه فاستفهمها عنه فأعرضت وألحّ عليها فلم تخبره إلا بعد أن أخذت عليه العهود لا يعلم أحداً بمن في البيت فبات الغلام فرحاً بجائزة ابن زياد .

وما كاد الصبح يتنفس حتى أسرع ولدها إلى القصر وأخبر بمكان مسلم ، وفور وصول النبأ إلى ابن زياد أرسل قوة كبيرة إليه ، وما أن سمع مسلم بالضجة حتى أدرك أن القوم يطلبونه ، فخرج إليهم بسيفه وكانوا قد طوّقوا الدار من كل جهاتها فانهزموا بين يديه وهم أكثر

من مائتي مقاتل ، وبعد معارك ضارية بينه وبينهم في الشوارع استعملوا فيها النار والحجارة من أعلى السطوح استسلم لهم بعد أن أمنه ابن الأشعث وأعطاه العهود .

ومضى معهم إلى القصر فأدخل على ابن زياد ولم يسلم عليه وجرى بينهما حوار طويل كان فيه ابن عقيل رضوان الله عليه رابط الجأش منطلقاً في بيانه قوي الحجة حتى أعياه أمره وانتفخت أوداجه وجعل يشتم علياً والحسن والحسين ، ثم أمر جلاوزته أن يصعدوا به إلى أعلى القصر ويقتلوه ويرموا جسده إلى الناس ويسحبوه في شوارع الكوفة ثم يصلبوه إلى جانب هانئ بن عروة ، هذا وأهل الكوفة وقوف في الشوارع وكأنهم لا يعرفون من أمره شيئاً ، وقد صوّر الفرزدق الشاعر هذه المأساة بقوله :

فإن كنت لا تدرين ما الموت فانظري

إلى بطل قد غيّر الموت لونه

فإن أنتم لم تثأروا لأخيكم

إلى هانئ في السوق وابن عقيل

وآخر يهوي من طمار قتيل

فكونوا نساء أرضيت بقليل

8عيد الأضحى المبارك يوم النحر10/ ذي الحجة /من كل سنة

وهو ثاني أعياد المسلمين بعد عيد الفطر المبارك ، وفيه يقوم الحجاج بالإحلال من إحرامهم في منى بعد الإفاضة من المزدلفة وأعمال هذا اليوم هي على الترتيب : رمي جمرة العقبة الكبرى ، وذبح الهدي ، والحلق أو التقصير .

ويحرم في عيد الفطر والأضحى الصيام ، ويستحب فيهما صلاة العيد ، ويستحب لغير الحاج الأضحية في يوم عيد الأضحى المبارك .

والعيد في الإسلام ، يعني العودة إلى الله عز وجل بنفس وقلب طاهرين ولا يكون هذا إلاّ بعد عمل عبادي عظيم يؤدي إلى المغفرة والرضوان الإلهي ، فالصيام الذي يستمر شهراً كاملاً ، وفيه ليالي القدر التي

يتم إحياؤها بالعبادة والتضرع إلى الله عز وجل ، وفيه ربيع القرآن الكريم ، وحيث يسعى المسلم في هذا الشهر الفضيل إلى تلاوته والتدبر فيه ، فبعد هذه الفترة المباركة من صيانة السمع والبصر والقلب عن المحرمات والطاعة لله عز وجل يأتي عيد الفطر المبارك ، وكذلك بالنسبة إلى عيد الأضحى المبارك إذ يقع بعد فترة عبادية هي الحج إلى بيت الله الحرام وأداء العمرة .

ومن مستحبات عيد الأضحى : صلاة العيد والغسل ، وأن يلبس الإنسان أنظف ثيابه ، والدعاء بالمأثور كما ورد في الإقبال : الله أكبر الله أكبر لا إله إلاّ الله والله أكبر ولله الحمد اللهم ربنا لك الحمد كما ينبغي لعز سلطانك وجلال وجهك لا إله إلا أنت الحليم الكريم . . . إلى آخر الدعاء ، وورد في كتب الأدعية والزيارات أعمال مستحبة في ليلة عيد الأضحى يومها ومما ورد من المستحبات زيارة الإمام الحسين في ليلة العيد ، وروي أن الصادق كان يعجبه أن يفرغ نفسه إلى العبادة أربع ليال في السنة ، وهي أول ليلة من رجب وليلة النصف من شعبان وليلة الفطر وليلة الأضحى .

وفي يوم الأضحى المبارك يتذكر المسلم التسليم المطلق لله من قبل النبي إبراهيم ولده إسماعيل ، فالأب يصارح ولده البالغ من العمر 13 عاماً بالرؤيا التي رآها بأن يذبحه قراباً لله تعالى ، والولد يسلم لأمر الله بإخلاص والقرآن الكريم ينقل لنا هذا التخاطب الجميل بينهما بقوله تعالى : فَلَمّا بَلَغَ مَعَهُ السّعْيَ قَالَ يَبُنَيّ إِنّيَ أَرَىَ فِي الْمَنَامِ أَنّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَىَ قَالَ يَأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤمَرُ

سَتَجِدُنِيَ إِن شَآءَ اللهُ مِنَ الصّابِرِينَ .

وبهذا يقدم إبراهيم وابنه إسماعيل أعظم درجة في الحب والعشق الإلهي والتضحية والفداء في سبيل الله وإعلاء كلمة لا إله إلا الله ، ولا يسع المجال في هذا المقال أن نبحث هذه القصة بكاملها فمن أراد التعرف عليها ، عليه بمراجعة الآيات 101 - 110 من سورة إبراهيم ومعانيها في كتب التفاسير .

9يوم الغدير نصب الإمام علي وصياً من قبل النبي

18/ذي الحجة/السنة 10 ه_

أجمع رسول الله الخروج إلى الحجّ في سنة عشرٍ من الهجرة ، وأذّن في الناس بذلك ، فقدم المدينة خلق كثير يأتمّون به في حجّته تلك التي يطلق عليها حجّة الوداع ، وحجّة الإسلام ، وحجّة البلاغ ، وحجّة الكمال ، وحجّة التمام ، ولم يحجّ غيرها منذ هاجر إلى أن توفّاه الله سبحانه .

فلما قضى مناسكه ، وانصرف راجعاً نحو المدينة ومعه من كان من الجموع المذكورات ، وصل إلى غدير خُم من الجحفة التي تتشعّب فيها طرق المدنيّين والمصريّين والعراقيّين ، وذلك يوم الخميس الثامن عشر من ذي الحجّة ، نزل إليه جبرائيل الأمين عن الله بقوله : يا أيّها الرَّسُولُ بَلغ ما اُنزل إليك من ربّك . . . ، وأمره أن يقيم عليّاً عَلَماً للناس ، ويبلغهم ما نزل فيه من الولاية وفرض الطاعة على كلّ أحد ، وكان أوائل القوم قريباً من الجحفة ، فأمر رسول الله أن يردّ من تقدّم منهم ، ويحبس من تأخّر عنهم في ذلك المكان ، ونهى عن سَمُرات خمس متقاربات دَوْحات عظام أن لا ينزل تحتهنّ أحد ، حتى

إذا أخذ القوم منازلهم ، فقمّ ما تحتهنّ ، حتى إذا نودي بالصلاة - صلاة الظهر - عمد إليهنّ ، فصلى بالناس تحتهنّ ، وكان يوماً هاجراً يضع الرجل بعض ردائه على رأسه ، وبعضه تحت قدميه ، من شدّة الرمضاء . وظُلّل لرسول الله بثوب على شجرة سمرة من الشمس ، فلما انصرف من صلاته ، قام خطيباً وسط القوم على أقتاب الإبل ، وأسمع الجميع ، رافعاً عقيرته ، فقال :

«الحمد لله ونستعينه ونؤمن به ، ونتوكّل عليه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا ، الذي لا هادي لمن أضلّ ، ولا مُضلّ لمن هدى ، وأشهد أن لا إله إلاّ الله ، وأنّ محمداً عبده ورسوله .

أما بعد : أيّها الناس قد نبّأني اللطيف الخبير : أنه لم يُعمّر نبيّ إلا مثل نصف عمر الذي قبله . وإنّي أُوشك أن أُدعى فأُجيب ، وإني مسؤول ، وأنتم مسؤولون ، فماذا أنتم قائلون؟

قالوا : نشهد أنّك قد بلّغت ونصحت وجاهدت ، فجزاك الله خيراً .

قال : ألستم تشهدون أن لا إله إلاّ الله ، وأنّ محمداً عبده ورسوله ، وأن جنّته حق وناره حقّ ، وأنّ الموت حقّ ، وأنّ الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث مَن في القبور؟ .

قالوا : بلى نشهد بذلك . قال : اللهم اشهد ، ثم قال : أيها الناس ألا تسمعون؟ قالوا : نعم .

قال : فإنّي فرط على

الحوض ، وأنتم واردون عليّ الحوض ، وإنّ عرضه ما بين صنعاء وبُصرى ، فيه أقداح عدد النجوم من فضّة ، فانظروا كيف تخلفوني في الثقلين .

فنادى مناد : وما الثقلان يا رسول الله ؟

قال : الثقَل الأكبر كتاب الله طرفٌ بيد الله عزّ وجل وطرفٌ بأيديكم ، فتمسّكوا به لا تضلوا ، والآخر الأصغر عترتي ، وإنّ اللطيف الخبير نبّأني أنّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض ، فسألت ذلك لهما ربّي ، فلا تقدّموهما فتهلكوا ، ولا تقصّروا عنهما فتهلكوا .

ثم أخذ بيد عليّ فرفعها حتى رُؤي بياض آباطهما وعرفه القوم أجمعون ، فقال : أيّها الناس من أولى الناس بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا : الله ورسوله أعلم .

قال : إنّ الله مولاي ، وأنا مولى المؤمنين ، وأنا أولى بهم من أنفسهم فمن كنت مولاه فعليّ مولاه ، يقولها ثلاث مرات - وفي لفظ أحمد إمام الحنابلة أربع مرات - ثم قال : اللهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه ، وأحبّ من أحبّه ، وأبغض من أبغضه وانصر من نصره ، واخذل من خذله ، وأدر الحق معه حيث دار ، ألا فليبلّغ الشاهد الغائب .

ثم لم يتفرقوا حتى نزل أمين وحي الله بقوله : الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي .

فقال رسول الله : الله أكبر على إكمال الدين ، وإتمام النعمة ، ورضا الربّ برسالتي ، والولاية لعليّ من بعدي» .

ثم طفق القوم يهنِّئون أمير المؤمنين صلوات الله

عليه ، وممّن هنّ_أه في مُقدّمة الصحابة الشيخان : أبو بكر وعمر كلّ يقول : بخٍ بخٍ لك يا ابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة . قال ابن عباس : وجبت - واللهِ - في أعناق القوم .

فقال حسان : ائذن لي يا رسول الله أن أقول في عليٍّ أبياتاً تسمعهنّ ، فقال : قل على بركة الله .

فقام حسّان فقال : يا معشر مشيخة قريش أتبعها قولي بشهادةٍ من رسول الله في الولاية ماضية ، ثم قال :

يناديهم يوم الغدير نبيهم

وقال : فمن مولاكم ووليّكم؟

إلهك مولانا وأنت ولينا

فقال له : قم يا علي فإنني

فمن كنت مولاه فهذا وليه

هناك دعا : اللهم وال وليه

بخمّ وأسمع بالرسول مناديا

فقالوا : ولم يبدوا هناك التعاديا

ولن تجدنّ منا لك اليوم عاصيا

رضيتك من بعدي إماماً وهاديا

فكونوا له أنصار صدق مواليا

وكن للذي عادى علياً معاديا

فقال له رسول الله : لا تزال مؤيداً بروح القدس ما نصرتنا بلسانك ، هذا مجمل القول في واقعة الغدير .

عيد الغدير في التاريخ الإسلامي

لقد تعلّ_قت المشيئة الربّانية بأن تبقى واقعة الغدير التاريخية في جميع القرون والعصور كتاريخ حيّ يجتذب القلوب والأفئدة ، ويكتب عنه الكت_ّ_اب الإسلاميون في كلّ عصر وزمان ، ويتحدثون حوله في مؤلفاتهم المتنوعة ، في مجال التفسير والتاريخ والحديث والعقائد ، كما يتحدث حوله الخطباء في مجالس الوعظ والشعراء في قصائدهم ، ويعتبرونها من فضائل الإمام علي الذي لا يتطرّق إليها أي شك أو ريب .

إنّ من أسباب خلود هذه الواقعة الكبرى ودوام هذا الحدث العظيم هو : نزول آيتين من آيات القرآن الكريم فيها

، فما دام القرآن الكريم باقياً مستمراً يُتلى آناء الليل وأطراف النهار ، فسوف تبقى هذه الحادثة حيّة في العقول والقلوب .

إنّ أبناء المجتمع الإسلامي في العصور السالفة ، لاسيّما أتباع أهل البيت ، كانوا يعتبرون هذا اليوم عيداً من الأعياد الإسلامية الكبرى .

وقد عدّه أبو ريحان البيروني في كتابه الآثار الباقية ممّا استعمله أهل الإسلام من الأعياد .

وقد روي عن أبي هريرة أنه قال : من صام يوم الثامن عشر من ذي الحجة; كتب الله له صيام ستين شهراً أو سنة ، وهو يوم غدير خم; لمّا أخذ النبي بيد علي فقال : مَن كنت مولاه فعلي مولاه ، اللّهمّ والِ من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره ، فقال عمر بن الخطاب : بخٍ بخٍ لك يا ابن أبي طالب! أصبحت مولاي ومولى كل مسلم ومسلمة .

والثعالبي أيضاً قد اعتبر ليلة الغدير من الليالي المعروفة بين المسلمين .

إنّ عهد هذا العيد الإسلامي وجذوره ترجع إلى نفس يوم الغدير; لأن النبي أمر المهاجرين والأنصار بل أمر زوجاته ونساءه في ذلك اليوم بالدخول على علي وتهنئته بهذه الفضيلة الكبرى .

يقول زيد بن أرقم : كان أول من صافق النبي وعلياً : أبو بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير ثم باقي المهاجرين والأنصار ، ثم باقي الناس .

ويكفي أهميّة هذا الحدث التاريخي أنّ هذه الواقعة التاريخية رواها مائة وعشرة من الصحابة .

حديث الغدير لا يقبل التأويل

زعم البعض أنّ النبي لم يقصد من عمله ومما قاله في يوم الغدير أن ينصّب عليّاً وليّاً ، بمعنى كونه قائداً للمسلمين وخليفة له

من بعده ، وإنما أراد أن يبيّن فضله ومنزلته ، فإنّ كلمة الولي تستعمل أيضاً بمعنى الناصر والصديق والحبيب ، ولا ضرورة لحملها على الأولوية بالتصرّف لتكون بمعنى القائد والحاكم والمتولي لأمور المسلمين .

ولكن ملاحظة ظروف هذا الحدث التاريخي التي صنعها الرسول لا تدع مجالاً لهذا التأويل ، وتجعله زعماً بلا دليل; فإنّ منع الألوف المؤلفة عن المسير وحبسهم في رمضاء الهجير ، والاهتمام بإرجاع من تقدّم منهم وإلحاق من تأخّر عنهم ، وأمرهم بأن يبلّغ الشاهد منهم الغائب عنهم ، ونعي نفسه المباركة إليهم ، وأخذ الإقرار منهم بالتوحيد والرسالة والمعاد ، وأنّه الأولى بهم من أنفسهم ، إنّما ينسجم كلّ هذا مع قصده لبيان أمر مهمّ جداً ، فإنّ كلّ إنسان يفهم أنّه من هذا الاستعداد والإعداد إنّما كان يقصد أمراً مهمّاً في غاية الأهمية ، ويرتبط به مصير الأمّة أيّما ارتباط .

هذا فضلاً عن تهديد الله سبحانه له بأنّه إن لم يبلغ هذا الأمر المهم فكأنّه لم يبلغ رسالته التي جاهد لها ليل نهار طيلة ثلاثة وعشرين عاماً . .

ويا ترى ما هو هذا الأمر المهم الذي وعده الله بأنّه يعصمه من الناس حين يبلغه؟

فهل هناك خطر في تبليغ المفاهيم التي لا ترتبط بأمر القيادة الخطير حتى يحتاج الرسول إلى من يعصمه من الناس؟

ومن هم الناس الذين يحتاج الرسول إلى أن يعصمه الله تعالى منهم لو بلّغ ما أمر به؟

وهكذا نعرف أنّ أيّ تأويل لهذا الحديث الصريح في معناه سخيف جداً ، وإنّما يستهدف قائله الفرار من الحجّة البالغة التي أكّدها الرسول بصريح كلامه في مجال

تعيين القيادة النائبة عنه على الأمّة المسلمة من بعده ، وإنّه لم يترك أمر الخلافة الخطير ولم يُهمل بيان حكم هذا الموقع السياسي الجليل في مثل تلك الفرصة التاريخية التي كانت أمامه يوم الغدير .

والذي يثبت زيف وبطلان هذا التأويل هو فهم الصحابة الكبار لهذا النص - من أمثال أبي بكر وعمر وحسان بن ثابت وغيرهم ممّن حضروا هذه الواقعة التاريخية بأنفسهم - وسمعوا من النبي ذلك ووعوه وفهموا منه أنه كان يعني القيادة للأُمة والتصرف في أمورهم لا غير ، وقد تَعزّز فهمهم هذا بمواقف فعلية من قبلهم حسب هذا الفهم .

بيان وتحليل للواقعة

الإسلام دينٌ عالمي ، وشريعة خاتمة تتضمن كل ما تحتاجه البشرية في الحياة . وقد كانت قيادة الأُمّة الإسلامية من شؤون النبي الأكرم ما دام حيّاً ، ولا يمكن للشريعة الخالدة أن تهمل أمر القيادة العليا للأمّة بعد النبي ، وتوكل هذا الأمر إلى الصُّدف والأهواء والرغبات أو إلى الاجتهادات الشخصية للصحابة الذين تختلف آراؤهم واجتهاداتهم واتجاهاتهم حيث ينتهي الأمر حينئذ بلا ريب إلى الاختلاف والتشتت وانهيار الدولة الإسلامية بشكل عام .

فلا يمكن للرسول الخاتم لمسيرة المرسلين جميعاً وللشريعة الإسلامية الخالدة أن يهملا هذا الأمر الخطير

ومن هنا كان التنصيص من سيد المرسلين على من يتحمّل مسؤولية القيادة من بعده أمراً طبيعياً ولازماً ومتوقعاً للمسلمين جميعاً .

فمن هذا الذي نصّ الرسول على أنّه القائد للأمّة الإسلامية من بعده؟ ومتى نص الرسول على ذلك؟ وكيف تم هذا التنصيص منه؟

إن أهل البيت وأتباعهم يعتقدون بأن القيادة العليا للأمة الإسلامية وخلافة الرسول منصب ربّاني ينصّ عليه الرسول بأمر من الله تعالى ولم يتركه الله ورسوله

إلى الانتخاب الشعبي والرأي العام ما دام الرسول القائد وخليفته يحكمان الشعب باسم الله تعالى وباسم دينه القويم . .

وقد اختار الله ورسوله أفضل أفراد الأمّة بعد الرسول ونصّ على إمامته وقيادته للأمّة من بعده ، منذ بدايات الدعوة الإسلامية وظلّ يواصل طرحها ويمهّد لها ولطرحها العام خلال العهدين المكّي والمدني بدءً بيوم الإنذار والى يوم رجوعه من حجة الوداع بل وبشكل خاص في الثامن عشر من ذي الحجة السنة 10 للهجرة بعد إنذار إلهي صريح وفيما بعد ذلك وحتى في يوم ارتحاله .

بينما يرى الخط الذي استلم الحكم بعد الرسول أن الخلافة لم تكن منصباً ربّانياً ولا حاجة للتنصيص فيها ، بل يمكن لأن تقرر من قبل المسلمين حتى عدد قليل منهم لتكون الخلافة لهذا الشخص أو ذاك .

إن الأوضاع السياسية داخل الدولة الإسلامية وخارجها قبيل وفاة النبي كانت تتطلّب أن يعيّن النبي بأمر من الله تعالى خليفة له من بعده; إذ المنافقون وأهل الكتاب في داخل أراضي الدولة الإسلامية من جهة ، والدولة البيزنطية وسائر القوى المشركة خارج الدولة الإسلامية من جهة أخرى كانوا يشكّلون عدة مراكز للخطر الداهم ضد المسلمين .

إنّ هذا الوضع الاجتماعي والسياسي يفيد : أنّه كان ينبغي للرسول الأعظم أن يمنع من ظهور أيّ اختلاف وانشقاق في المجتمع من بعده ، وأن يضمن استمرار وبقاء الوحدة الإسلامية ، وذلك بإيجاد حصن قوي متين حول تلك الأمّة ، من خلال تعيين قائد كفوء لها ليمنعها من التشتت والفرقة واختلاف الكلمة وتنازع الأهواء .

فإنّ تحصين الأُمّة ، وصيانتها من الحوادث المشؤومة ، وعدم السماح لأصحاب الأهواء ليطالب كل

فريق بالزعامة لنفسه ، وبالتالي التنازع على مسألة الخلافة والزعامة والحكم وقيادة الأمة سياسياً لم يكن ليتحقق إلاّ بتعيين قائد كفوء للأمّة من قبل مكوّن الأُمة وربّانها وقائدها الأوّل ، وعدم ترك الأمور للصُّدَف والأهواء .

إن هذه المحاسبة الاجتماعية تهدينا إلى صحة نظرية «ضرورة التنصيص على القائد بعد رسول الله » وتحقّقها وعمل الرسول بها .

ومن هنا نعرف السرّ في طرح رسول الإسلام مسألة الخلافة في الأيام الأولى من ميلاد الرسالة الإسلامية ، يوم لم يكن قد انضوى تحت راية رسالته سوى عدد قليل جداً ممّن أعلن إسلامه وآمن برسالة ربّه . كما نعرف السرّ في مواصلة طرحها من قبله والتذكير بها طوال حياته وحتى الساعات الأخيرة منها .

وقد كان أبرزها يوم الثامن عشر من ذي الحجّة السنة 10 للهجرة ، الذي عرف فيما بعد بيوم الغدير ، أو يوم غدير خُم .

الاستشهاد بالواقعة

وقد استشهد أمير المؤمنين بهذه الواقعة العظيمة أمام الناس كافة في زمن خلافته عدة مرات - كما ذكر ذلك المؤرخون - منها ما روي عن زيد بن أرقم قال : نشد علي الناس في المسجد فقال : أنشد الله رجلاً سمع النبي يقول : من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه فقام اثنا عشر بدرياً ، ستة من الجانب الأيمن ، وستة من الجانب الأيسر ، فشهدوا بذلك .

قال زيد بن أرقم : وكنت أنا فيمن سمع ذلك فكتمته ، فذهب الله ببصري ، وكان يتندم على ما فاته من الشهادة ويستغفر .

ومن ذلك أيضاً ما روي عن طلحة

بن عميرة قال : نشد علي الناس في قول النبي : من كنت مولاه فعلي مولاه فشهد اثنا عشر رجلاً من الأنصار ، وأنس بن مالك في القوم لم يشهد ، فقال له أمير المؤمنين : يا أنس ، قال : لبيك ، قال : ما يمنعك أن تشهد وقد سمعت ما سمعوا؟ فقال : يا أمير المؤمنين ، كبرت ونسيت ، فقال أمير المؤمنين : اللهم إن كان كاذباً فاضربه ببياض - أو بوضَحٍ - لا تواريه العمامة قال طلحة بن عميرة : فأشهد بالله لقد رأيتها بيضاء بين عينيه .

10شهادة ميثم التمار 22/ذي الحجة/السنة 60 ه_

وهو من خلّص أصحاب أمير المؤمنين وكان الإمام يخرج من جامع الكوفة ويجلس عند ميثم فيحادثه . وروي أنه كان عبداً لامرأة من بني أسد فاشتراه أمير المؤمنين وأعتقه ، وقال له : ما اسمك ، قال : سالم ، قال : أخبرني رسول الله أن اسمك الذي سماك به أبوك في العجم ميثم ، قال : صدق الله وصدق رسوله وصدقت يا أمير المؤمنين ، والله إنه لاسمي ، قال فارجع إلى اسمك الذي سماك به رسول الله ودع سالماً ، فرجع إلى ميثم واكتنى بأبي سالم .

قال له علي ذات يوم : ألا أبشرك يا ميثم؟ قال : بماذا يا مولاي؟ قال : بأنك تموت مصلوباً ، قال : يا مولاي وأنا على فطرة الإسلام؟ فقال : نعم يا ميثم ، فقال له : تريد أريك الموضع الذي تصلب فيه والنخلة التي تعلّق عليها وعلى جذعها؟ قال : نعم يا علي فجاء به إلى

رحبة الصيارفة فقال له : ها هنا . ثم أراه النخلة فكان يتعاهدها ويصلي عندها حتى قطعت وشقت نصفين فنصف تنصف منها وبقي النصف الآخر ، فما زال يتعاهد هذا النصف ويصلي في الموضع ويقول لبعض جوار الموضع : يا فلان إني أجاورك عن قريب فأحسن جواري . فيقول ذلك الرجل في نفسه يريد ميثم : يشتري داراً في جواره .

وحج في السنة التي قتل فيها فدخل على أم المؤمنين أم سلمة فقالت : من أنت؟ قال : أنا ميثم ، قالت : والله لربما سمعت رسول الله يوصي بك علياً في جوف الليل ، فسألها عن الحسين ، قالت هو في حائط له ، قال : أخبريه أني قد أحببت السلام عليه ، ونحن ملتقون عند رب العالمين إن شاء الله ، فدعت له بطيب فطيب لحيته ، وقالت له : أما إنها ستخضب بدم .

فقدم الكوفة فأخذه جلاوزة عبيد الله بن زياد فأدخل عليه فقيل : هذا كان من آثر الناس عند علي ، قال : ويحكم ، هذا الأعجمي! قيل له : نعم ، قال له عبيد الله : أين ربك؟ قال : بالمرصاد لكل ظالم وأنت أحد الظلمة . قال : إنك على عجمتك لتبلغ الذي تريد ، ما أخبرك صاحبك أني فاعل بك؟ قال : أخبرني أنك تصلبني عاشر عشرة ، أنا أقصرهم خشبة وأقربهم من المطهرة ، قال : لنخالفنه ، قال : كيف تخالفه؟ فوالله ما أخبرني إلا عن النبي عن جبريل عن الله تعالى ، فكيف تخالف هؤلاء!؟ ولقد

عرفت الموضع الذي أصلب عليه أين هو من الكوفة ، وأنا أول خلق الله ألجم في الإسلام ، فحبسه وحبس معه المختار بن أبي عبيد ، فقال ميثم للمختار : إنك تفلت وتخرج ثائراً بدم الحسين فتقتل هذا الذي يقتلنا .

فلما دعا عبيد الله بن زياد بالمختار ليقتله طلع بريد بكتاب يزيد إلى عبيد الله يأمره بتخلية سبيله ، فخلاه وأمر بميثم أن يصلب ، فأخرج . فقال له رجل لقيه : ما كان أغناك عن هذا يا ميثم! فتبسم وقال وهو يومي إلى النخلة : لها خلقتُ ولي غُذِيَتْ .

وكان مقتل ميثم رحمة الله عليه قبل قدوم الحسين العراق بعشرة أيام ، فلما كان اليوم الثالث من صلبه ، طُعن ميثم بالحربة فكبر ثم انبعث في آخر النهار فمه وأنفه دماً . فمقتله إذن في نهاية شهر ذي الحجة من عام 60ه_ .

11يوم المباهلة مع نصارى نجران24/ذي الحجة/السنة 10 ه_

إن يوم 24 من شهر ذي الحجة السنة العاشرة هو يوم المباهلة على الأشهر ، والقضية كما يلي :

لما انتشر الإسلام بعد فتح مكة وقوى سلطانه ، وفد إلى النبي الوفود ، فمنهم من أسلم ومنهم من استأمن ليعود إلى قومه برأيه فيهم ، وكان ممن وفد عليه أبو حارثة أسقف نجران في ثلاثين رجلاً من النصارى ، منهم العاقب والسيد وعبد المسيح ، فقدموا المدينة وقت صلاة العصر ، وعليهم لباس الديباج والصلب ، فلما صلى النبي العصر توجهوا إليه يقدمهم الأسقف ، فقال له : يا محمد ما تقول في السيد المسيح؟ فقال النبي عليه وآله السلام : عبد

الله اصطفاه وانتجبه فقال الأسقف : أتعرف له - يا محمد - أباً ولده؟ فقال النبي : لم يكن عن نكاح فيكون له والد ، قال : فكيف قلت : إنه عبد مخلوق ، وأنت لم تر عبداً مخلوقاً إلا عن نكاح وله والد؟ فأنزل الله تعالى الآيات من سورة آل عمران إلى قوله : إِنّ مَثَلَ عِيسَىَ عِندَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ الْحَقّ مِن رّبّكَ فَلاَ تَكُنْ مّن الْمُمْتَرِينَ فَمَنْ حَآجّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَآءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَآءَكُمْ وَنِسَآءَنَا وَنِسَآءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وأَنْفُسَكُمْ ثُمّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لّعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ فتلاها النبي على النصارى ، ودعاهم إلى المباهلة .

وقال : إن الله عز اسمه أخب_رني أن العذاب ينزل على المبطل عقيب المباهلة ، ويبين الحق من الباطل بذلك فاجتمع الأسقف مع عبد المسيح والعاقب على المشورة ، فاتفق رأيهم على استنظاره إلى صبيحة غد من يومهم ذاك فلما رجعوا إلى رحالهم قال لهم الأسقف : انظروا محمداً في غد ، فإن غدا بولده وأهله فاحذروا مباهلته ، وإن غدا بأصحابه فباهلوه ، فإنه على غير شيء ، فلما كان من الغد جاء النبي وقد اكتسى بعباءة ، وأدخل معه تحت الكساء ، علياً وفاطمة والحسن والحسين ، وقال : اللهم إنه قد كان لكل نبي من الأنبياء ، أهل بيت هم أخص الخلق إليه ، اللهم وهؤلاء أهل بيتي ، فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً ، فهبط جبرئيل بآية التطهير في شأنهم ،

ثم خرج النبي ، بهم للمباهلة ، فلما بصر بهم النصارى ، ورأوا منهم الصدق ، وشاهدوا أمارات العذاب ، لم يجرؤوا على المباهلة ، فطلبوا المصالحة ، وقبلوا الجزية عليهم .

فصالحهم النبي على ألفي حلة من حلل الأواقي قيمة كل حلة أربعون درهماً جياداً ، فما زاد أو نقص كان بحساب ذلك ، وكتب لهم النبي كتاباً بما صالحهم عليه .

والخلاصة : إن هذا اليوم يوم شريف ، وفيه عدة أعمال : الأول الغسل ، الثاني الصيام ، الثالث الصلاة ركعتين كصلاة عيد الغدير ، وقتاً وصفة وأجراً ، ولكن فيها تقرأ آية الكرسي إلى هم فيها خالدون ، والرابع أن يدعو بدعاء المباهلة .

12يوم تصدق الإمام علي بالخاتم للفقير24/ذي الحجة/السنة 10 ه_

هذا اليوم هو تصدق أمير المؤمنين بالخاتم ، في حال الركوع ونزول قوله تعالى : إِنّمَا وَلِيّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالّذِينَ آمَنُواْ الّذِينَ يُقِيمُونَ الصّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ .

جاء في تفسير مجمع البيان ، وتفاسير وكتب أخرى ، نقلاً عن عبد الله بن عباس عن أبي ذر الغفاري في حوار جرى بينهما في المسجد الحرام أمام الناس أنه قال : أيها الناس من لم يعرفني فأنا أبو ذر الغفاري سمعت رسول الله بأذنيّ هاتين وإلا صُمّتا ، ورأيت بعينيّ هاتين وإلا كفتا ، أنه قال : علي قائد البررة ، وقاتل الكفرة ، منصور من نصره مخذول من خذله .

وأضاف أبو ذر أنه كان في أحد الأيام يصلي مع النبي فدخل سائل إلى المسجد وطلب إعانة من الناس ، لكن لم

يقدم له أحد شيئاً ، فرفع هذا السائل يده إلى السماء وقال : اللهم اشهد بأني طلبت العون في مسجد رسولك ولم يرد عليّ أحد بشيء ، وكان علي يصلي في ذلك الوقت وهو في حالة الركوع ، فأشار بخنصره الأيمن ، فتقرب السائل فانتزع خاتماً كان في تلك الخنصر ، وقد شاهد النبي ذلك وهو في حالة الصلاة وما أن فرغ من صلاته حتى رفع رأسه إلى السماء وناجى ربه قائلاً ، بما مضمونه : اللهم إن أخي موسى سألك أن تشرح له صدره وتيسر له أمره وتحلل عقدة من لسانه ليفقه الناس قوله وسألك أن تجعل هارون أخاه وزيراً له ليشد أزره ويشاركه في أمره ، اللهم وإني نبيك الذي اصطفيته ، فاشرح لي صدري ويسر لي أمري ، واجعل لي من أهلي علياً وزيراً لتشدّ به أزري . . . .

قال أبو ذر : وما كاد النبي ينهي دعاءه حتى نزل عليه جبريل وقال له : اقرأ . . فسأل النبي : ماذا أقرأ؟ قال : اقرأ : إِنّمَا وَلِيّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ . . . .

لقد نقل هذه الواقعة الكثير من الرواة ومصادر أهل السنة ، وقد صرح البعض بقصة التصدق بالخاتم واكتفى آخرون بتأييد نزول الآية في حق أمير المؤمنين ، وقد نقل هذه الروايات ثلة من كبار الصحابة كابن عباس ، وعمار بن ياسر ، وعبد الله ابن سلام ، وسلمة بن كهيل ، وأنس بن مالك ، وعتبة بن حكيم ، وعبد الله بن أبيّ ، وعبد الله بن

غالب ، وجابر بن عبد الله الأنصاري ، وأبي ذر الغفاري .

ونقل صاحب غاية المرام 24 حديثاً عن طريق أهل السنة و19 حديثاً عن طريق الشيعة ، والقضية بدرجة من الوضوح بحيث أن حسان بن ثابت جاء بمضمون آية الولاية في قالب شعري من نظمه قاله في حق أمير المؤمنين حيث يقول :

فأنت الذي أعطيت إذ كنت راكعاً

فأنزل فيك الله خير ولاية

زكاة فدتك النفس يا خير راكع

وبيّنها في محكمات الشرائع

وأورد بعض الباحثين ممن يسعى إلى إسدال الستار - كما في كل حين - على فضائل أمير المؤمنين بإيراد الشبهات تارة وبالتشكيك في أصل ما روي تارة أخرى إلى إيراد جملة من الاعتراضات حول نزول هذه الآية في حق أمير المؤمنين .

13نزول سورة الإنسان الدهر في فضل أهل البيت 25/ ذي الحجة

يوم شريف ، وهو اليوم الذي نزلت فيه سورة هَلْ أَتَىَ في شأن أهل البيت لأنهم كانوا قد صاموا ثلاثة أيام ، وأعطوا فطورهم مسكيناً ، ويتيماً وأسيراً ، وأفطروا على الماء ، وينبغي على شيعة أهل البيت ، في هذه الأيام ، ولا سيما في الليلة الخامسة والعشرين ، أن يتأسوا بمولاهم في التصدق على المساكين والأيتام ، وأن يجتهدوا في إطعامهم ، وأن يصوموا هذا اليوم .

وفي هذه الآيات المباركة من سورة الإنسان يتحدث القرآن عن أهل البيت ويضعهم في قمة الإيثار والتقوى ، ويعرضهم نماذج وقدوة للبشرية لتقتدي بهم الأجيال وتسير على نهجهم . . فالحادثة التاريخية التي نزلت بسببها الآيات المباركة تشير إلى مقام أهل البيت ، وتساميهم في التطبيق والالتزام الشرعي والتجرد الكامل لله تعالى ، وأنهم هم الأبرار

المبشرون بالجنة ، فمن اقتدى بهم وسار على نهجهم حشر معهم .

فقد أورد الزمخشري وغيره من المفسرين في تفسير هذه الآية ، رواية الإطعام بكاملها .

14البيعة لعلي أمير المؤمنين بالخلافة

25/ذي الحجة/السنة 35 ه_

بقيت المدينة أياماً بعد قتل عثمان والناس يلتمسون علياً للقيام بالأمر وهو يأبى قائلاً : دعوني والتمسوا غيري ، وإن تركتموني فأنا كأحدكم ، ولعلّي أسمعكم وأطوعكم لمن ولّيتموه أمركم, وأنا لكم وزيراً خير مني لكم أميراً .

وظلّ يأبى حتى ازدحم الناس وألحّوا عليه ، وقالوا له : لا نجد غيرك ولا نرضى إلا بك فبايعنا لا نفترق ولا نختلف . ثم أخذ الأشتر النخعي بيده فبايعه وبايعه الناس وكلهم يقول : لا يصلح لها إلا علي .

وهتف الناس باسم علي على عادة الناس إذ يولون عليهم خبيراً بحاجاتهم مؤمناً بحقهم خالصاً لهم ، عالماً حكيماً أباً كريماً . وسروا بقبوله الولاية حتى لكأنهم يطلون على أمل لا ينتهي بعد أن عاشوا طويلاً في ظلمات دامسات من المهانة والحرمان .

وقد وصف هو نفسه بيعته بالخلافة وصفاً جميلاً قال : وبلغ من سرور الناس ببيعتهم إياي أن ابتهج بها الصغير ، وهدج إليها الكبير ، وتحامل نحوها العليل ، وحسرت إليها الكعاب .

وبدأ علي من يومه الأول يجنّد قواه للإصلاح ويقوّم ما أعوج من شؤون الناس . فإذا هو يعزل الولاة من عمال عثمان واحداً بعد واحد ، وهو لا يرى فيهم من يصلح للبقاء في عمله . وامتنع قوم عن بيعته من القرشيين وأصحاب الوجاهات والطامعين بالحكم ، فهم يحقدون عليه إما حسداً وإما انتقاماً لزعامة ونفوذ وجاه يرغبون

فيها ولا سبيل لها على يديه ، وقد أشار أكثر من مرة إلى معاداة قريش له إشارة صريحة لا تحتمل تأويلاً . وأعلن عن موقفه منهم قائلاً : ما لي ولقريش! والله لقد قاتلتهم كافرين ولأقاتلنّهم مفتونين! وإني لصاحبهم بالأمس كما أنا صاحبهم اليوم! .

أجل . . إن أمير المؤمنين قد واجه المشاكل التي اعترضت خلافته بمنتهى الحكمة والسياسة الرشيدة ، وإذا لم يكتب له النجاح في خلافته فمردّ ذلك إلى عدّة أسباب ، أهمها أنه تولى الخلافة من المسلمين ولكنهم لم يجتمعوا على هدف واحد وغاية واحدة ، وفي هذا الجو المحموم ووسط تمرّد وتحد وكره من أكثر القريشيين ومن الأمويين ، وفي مناخ سادت فيه المصالح على جميع القيم واستعملت فيه الأموال لشراء الضمائر والأنصار .

لذلك كله كان قتال الناكثين والقاسطين والمارقين ، ولا يخفى أن مردّ ذلك كله لأن علياً لم يهادن أحداً على حساب الإسلام ، او يستعمل قرشاً واحداً من بيت المال في غير موضعه ، فكان من الطبيعي أن تعترضه المشاكل من هنا وهناك ، وهو يحاول أن يحمل الناس على كتاب الله وسنّة رسوله وتأسيس خلافة جديدة لم يعهد المسلمون نظيراً لها من قبل .

إن علياً كان يرى ان أقل ما يطلب من خليفة رسول الله ان يحمي شريعة الله من التلاعب والأرض من الفساد ، ويحتفظ بخيرات الأرض لا لفئة من الحاكمين ولا لفريق دون فريق ، وقد عمل على ترسيخ هذه المبادئ وتنفيذها بدون هوادة ولم ينحرف عن سيرة رسول الله .

علي والخلافة

ولما وجد أمير المؤمنين أن الأمة قد تقاعست عن

نصرته والثبات على موقفها الذي أبدته بحضور الرسول في يوم الغدير ، وجد أنه بين أمرين لا ثالث لهما ، فإما أن يرفع السيف مطالباً بحقه المشروع فيصاب الإسلام الذي دافع عنه طيلة حياته مع رسول الله بكل غال ونفيس ، أو يكظم غيظه ويصبر حفاظاً على كرامة الدين وقوته وهو لا يزال غضاً طرياً . قال : وطفقت أرتئي بين أن أصول بيد جذاء أو أصب_ر على طخية عمياء ، يهرم فيها الكبير ، ويشيب فيها الصغير ، فرأيت أن الصب_ر على هاتا أحجى ، فصب_رت وفي العين قذى ، وفي الحلق شجى ، أرى تراثي نهباً .

وقال أيضاً : لأسالمنّ ما سلمت أمور المسلمين ما لم يكن فيها جور إلاّ عليّ خاصة .

فصبر علي كان على حساب حقه الخاص في الخلافة والحاكمية على الأمة الإسلامية لأجل مصلحة الإسلام العليا ، قال : ولئلاّ يصاب الدين بما تكون مصيبته عليّ أعظم من إمرتكم هذه .

إننا نقرأ في موقفه العظيم الشجاع هذا ما يوازي مواقفه البطولية الكبيرة في الذود عن الدين بين يدي الرسول ، فليس الصبر في مثل هذه المواقف المصيرية الصعبة بأقل مقاماً ومنزلة من مواقفه مع عمرو بن عبد ود المشركين ومرحب اليهود .

15يوم الختام للسنة الهجرية القمرية ، اليوم الأخير من ذي الحجة

يوم الأخير من ذي الحجة هو الختام للسنة الهجرية القمرية ، وقد ذكر الشيخ عباس القمي في مفاتيح الجنان عن السيد في الإقبال ، أنه يصلي فيه ركعتان ، بفاتحة الكتاب وعشر مرات سورة قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ، وعشر مرات آية الكرسي ثم يدعى بعد الصلاة بهذا الدعاء

: اللَّهُمَّ ما عَمِلْتُ فِي هذِهِ السَّنةِ مِنْ عَمَل نَهَيْتَنِي عَنْهُ وَلَمْ تَرْضَهُ وَنَسِيتُهُ وَلَمْ تَنْسَهُ وَدَعَوْتَنِي إِلَى التَّوْبَةِ بَعْدَ اجْتِرائِي عَلَيْكَ اللَّهُمَّ فَإِنِّي أَسْتَغْفِرُكَ مِنْهُ فَاغْفِرْ لِي وَما عَمِلْتُ مِنْ عَمَلٍ يُقَرِّبُنِي إِلَيْكَ فَاقْبَلْهُ مِنِّي وَلا تَقْطَعْ رَجائِي مِنْكَ يا كَرِيمُ .

فإذا قلت هذا : قال الشيطان : يا ويلي ما تعبت فيه هذه السنة هدمه أجمع ، بهذه الكلمات ، وشهدت له السنة الماضية ، أنه قد ختمها بخير .

تم بحمد الله الجزء الأول من الكتاب ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على النبي محمد وعلى أهل بيته الطاهرين وأصحابه الأخيار المنتجبين .

الجزء الثاني المناسبات الميلادية

مناسبات الشهر الأول - كانون الثانيجانوري/January

1رأس السنة الميلادية1/ كانون الثاني من كل سنة

هناك ثلاث روايات لتاريخ ميلاد النبي عيسى أكثرها شيوعاً هي التي تؤكد أن ولادته كانت في اليوم الخامس والعشرين من كانون الأول في نهاية العام 622 قبل هجرة النبي الأكرم ، والتي يحتفل بها العالم سنوياً وقد جعلت مبدءاً للتاريخ الميلادي ابتداءً من أول كانون الثاني .

2رسالة الإمام الخميني إلى غورباتشوف

1/ كانون الثاني/ 1989م = 11/ 10/ 1367ه_ . ش = 22 جمادى الأولى 1409ه_ . ق

من المواقف المهمة التي صدرت عن الإمام الخميني في الأشهر الأخيرة من عمره المبارك ، والتي تستحق التأمل ، الرسالة التي بعث بها سماحته إلى غورباتشوف . ففي هذه الرسالة التي بعث بها في 1/1/1989م أشار الإمام ، ضمن تحليله للتحولات التي شهدها الإتحاد السوفياتي ، إلى عجز النظام الماركسي الإلحادي عن إدارة المجتمع ، وأعلن بأنّ مشكلة الإتحاد السوفياتي الأساسية تكمن في عدم إيمان قادته بالله؛ وحذّرهم من الانقياد إلى النظام الرأسمالي الغربي ، وأن لا تخدعهم أميركا .

وفي جانب آخر من الرسالة ، وضمن تطرّقه إلى المسائل الفلسفية والعرفانية العميقة ، وإشارته إلى فشل الشيوعيين في سياساتهم المعادية للدين ، طلب الإمام الخميني من السيد غورباتشوف أن يؤمن بالله وبالدين بدلاً من عقد الآمال على التوجهات المادية للغرب .

رسالة الإمام المحتويات والمضامين :

وهنا ندخل في جوهر الموضوع ، وذلك بالتركيز على مضامين رسالة الإمام ومحتوياتها .

فبعد ذكر مناسبة الرسالة ، يفصح الإمام لغورباتشوف عن إدراكه بأنه لم يعد يؤمن بالماركسية ، كما يحدّد الإمام لبّ المشكلة في الاتحاد السوفياتي معتبراً أنه يتمثل في نكران وجود الله ذلك النكران النابع من الفكر المادي

والقائم على أساس المذهب التجريبي ، ثم يحذر الزعيم السوفياتي من مغبّة البحث عن الحلول في العالم الغربي الرأسمالي ، ويلفت نظره إلى النظام والفكر الإسلامي اللذين لا بدّ أن يوفرا الحلول للمعضلات الاجتماعية المادية والروحية في الإمبراطورية السوفياتية .

حيث يقول الإمام : «من الممكن جداً أن تبدو ، من خلال السياسة والممارسات الاقتصادية الخاطئة للمسؤولين الشيوعيين السابقين ، دنيا الغرب وكأنها الحديقة الغنّاء المنشودة ، ولكن الحقيقة هي شيء آخر ، فلو حاولتم في هذه الفترة أن تحلّوا العقد العمياء التي واجهتها الاشتراكية والشيوعية باللجوء إلى مركز الرأسمالية الغربية فإنكم بالإضافة إلى عدم تمكنكم من إزالة معاناة مجتمعكم ستحتاجون إلى أفراد آخرين لتصحيح ما ستقعون فيه من أخطاء في هذا المجال ، وذلك لأن الماركسية اليوم وأساليبها الاقتصادية والاجتماعية تواجه طريقاً مسدوداً ، وإن عالم الغرب هو أيضاً يعاني من هذه القضايا ولكن بشكل آخر ، كما يعاني من قضايا أخرى» .

ثم يشير الإمام إلى قوة الفكر الإسلامي وأصالته وقدرته على البقاء ، رغم كل الضغوط والعقبات والحصار الذي فرض عليه ، كما حدث ذلك في الاتحاد السوفياتي ، فقد قرّر الشيوعيون بعد ثورتهم سنة 1917م ، تحويل الكنائس والمساجد إلى زرائب للحيوانات ، وكرّسوا آلتهم الإعلامية للقضاء على الفكر الإلهي وعلى ممارسة الشعائر الدينية ، ولكن ، ما أن ارتفع الكابوس وسمح بممارسة الشعائر الدينية حتى تدافع المؤمنون إلى المساجد بقلوب ملؤها السرور ، وعيون دامعة من الفرح ، وهذا ما عبّر عنه الإمام في رسالته حيث يقول :

«السيد غورباتشوف ،

حين سُمع نداء الله أكبر بعد سبعين عاماً من مآذن مساجد بعض الجمهوريات السوفياتية وسمع نداء أشهد أن محمداً رسول الله ، فإن هذا النداء أبكى عيون أنصار الإسلام المحمدي الأصيل شوقاً . . » .

وهذا دليل كافٍ على الفرق النوعي الهائل بين عقيدتين : الإسلامية التي ما زالت حية نابضة منذ حوالي أربعة عشر قرناً ، رغم كل ما تعرضت له في بلاد السوفيات في السبعين سنة الأخيرة ، في حين أن العقيدة الماركسية استنفدت كل طاقاتها في فترة سبعين عاماً ، بل تحولت إلى كابوس ينتظر الناس الخلاص منه بفارغ الصبر .

ثم يبين الإمام نقطة هامة ، وهي أن الدين الحقيقي هو عامل تطوير الشعوب فإنه يصنع المعجزات ، ولكم كان نظر ماركس قاصراً عندما وصفه بأنه أفيون الشعوب ، هذا الوصف الذي لا يعتقد أن غورباتشوف يتبنّاه حسب رأي الإمام الذي يخاطبه قائلاً :

يا ترى هل الدين الذي جعل من إيران الجبل الصامد أمام القوى الكبرى هو أفيون المجتمع؟ هل الدين الذي يطالب بإقامة العدل في العالم ويطالب بحرية الإنسان من القيود المادية ، والمعنوية هو أفيون الشعوب؟ . . . .

وبالمقابل ، فإن أفيون الشعوب ، من وجهة نظر الإمام ، هو دين من نمط آخر ، هو دين الامبريالية والتسلط والقهر ، دين الاستغلال ، دين الغزو الثقافي واستلاب القيم المعنوية للشعوب الإسلامية ، وهذا الدين هو الذي تتولى التبشير به زعيمة العالم الامبريالي ، الشيطان الأكبر ، أي أمريكا ، وهذا مصداق قول الإمام :

.

. . أجل ، إن الدين الذي يصبح وسيلة لسلب القوى المادية والمعنوية للبلدان الإسلامية وغير الإسلامية ، ويضعها تحت تصرف القوى الكبرى وباقي القوى العالمية أو ينادي بفصل الدين عن السياسة هو أفيون المجتمع ، ولكن مثل هذا الدين ليس ديناً واقعياً بل هو دين يسميه شعبنا ديناً أميركياً . . . .

ويوجّه الإمام الزعيم السوفياتي إلى الدين الإسلامي كحل للمشاكل الإنسانية ، سواء فيها الفردية أو الجماعية ، ومن هذا المنطلق فالإسلام يؤمّن الحلول الإنقاذية للاتحاد السوفياتي ، ليس على الصعيد الداخلي وحسب بل وعلى الصعيد الدولي أيضاً ، حيث يقول الإمام مخاطباً غورباتشوف :

« . . . إن النظرة الجادة للإسلام بإمكانها إنقاذكم إلى الأبد من قضية أفغانستان وما شابهها من القضايا في العالم . . . » .

فالدين الإسلامي ، بما يحمل من قيم ومبادئ إلهية تتوافق مع الفطرة السليمة ، يوفّر الحلول لأزمة الفكر التي يعاني منها الاتحاد السوفياتي ، ويعطي الأجوبة لكل الأسئلة التي تدور في أذهان العديد من المفكرين من شتى التيارات والمدارس .

فقد حدّد الإمام سبب الإخفاقات الأساسية في الاتحاد السوفياتي ، موضحاً ذلك بقوله :

« . . . إن مشكلة بلادكم الأساسية ليست قضية الملكية والاقتصاد والحرية ، بل إن مشكلتكم هي فقدان الاعتقاد الواقعي بالله . . . »

فالفكر المادي الذي تبنّاه الشيوعيون ، يقف عند حدود المادة والحسّ ، وأنّ ما لا مادة له لا وجود له ، ما خلق حملة شعواء ضد الإيمان بالله في وسائل الإعلام الشيوعية ، فيطرح الإمام ردّاً

من القرآن الكريم على الفكر المادي الإلحادي فيقول :

« . . . إن القرآن المجيد ينتقد أساس الفكر المادي ويقول للذين يظنون عدم وجود الله لعدم إمكانية رؤيته حيث يقول القرآن على لسان هؤلاء لَن نّؤْمِنَ لَكَ حَتّىَ نَرَى اللهَ جَهْرَةً ويجيبهم القرآن : لاّ تُدْرِكُهُ الأبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأبْصَارَ وَهُوَ اللّطِيفُ الْخَبِيرُ . . . » .

ثم ينتقل الإمام بعد ذلك إلى المباحث الفلسفية لدى الغربيين وكذلك لدى فلاسفة الإسلام من المشائين كالفارابي وابن سينا رحمهما الله ، ويجري مقارنة علمية دقيقة بينهما في المباحث العقلية ، والإشارة بشكل خاص إلى قانون العلة والمعلولية ، معتبراً أن جميع المعارف تعتمد عليه .

ثم يحيل الإمام الزعيم السوفياتي إلى حكمة السهروردي الشهير وصدر المتألهين وابن العربي ، ليفتح الباب أمامه للدخول إلى عالم الإشراق والعرفان ، ولكن بشرط أن

يتم الاطلاع على هذه الحكمة من قبل بعثة من الأساتذة الكبار والخبراء الأذكياء الضالعين

في مثل هذه المعارف يفدون إلى مدينة العلم قم المقدسة والهدف من ذلك كما يقول

الإمام :

« . . . حتى يطلعوا ، وبعد التوكل على الله ، بعد أعوام ، على عمق منازل المعرفة اللطيفة التي هي أدقّ من الشعر ، لأنه ليس بالإمكان الاطلاع على هذه المعرفة بغير هذا الشكل . . . » .

النبوءة التي تحققت :

لقد كانت رسالة الإمام إلى غورباتشوف مجموعة قيّمة من الدروس في السياسة والفلسفة ، وحملت من النبؤات ما جعلها فريدة في بابها ، وسنستعرض لبعض هذه النبؤات التي تحققت .

لقد حذّر الإمام الزعيم السوفياتي من مغبّة الانجرار وراء مؤسسات

ونظريات الغرب الرأسالمية لأنها لن تحلّ المعضلات التي كانت تعاني منها بلاده ، ولكن المجتمع السوفياتي كان ينزلق بسرعة وقوة قياسيتين باتجاه قيم الغرب الرأسمالي ومؤسساته ، وها هو اليوم وبعد فترة غير قصيرة قد انفرط عقده وغرق في أنواع من المشاكل التي لم يكن أحد يتوقعها ، فما أن انهزمت قوى القمع الشيوعية حتى حلّت محلّها عصابات المافيا والمنظمات الصهيونية الطفيلية التي تجد في المجتمعات المتفسخة مرتعاً لها ، لخدمة أهداف الصهيونية العالمية ، وأضحت روسيا عالة على دول الغرب الرأسمالي ، تبتز كرامته كل يوم ثمناً لاستمرار النظام السياسي والاقتصادي فيه .

ولو أن غورباتشوف حاول التفكير جدياً وعملياً في ما اقترحه عليه الإمام الخميني لتغيرت خارطة العالم السياسية والإستراتيجية عما هي الآن ، ولكان المجتمع السوفياتي في أحسن حال بالمقارنة عمّا آلت إليه أحواله في الوقت الحاضر ، ولكن الإمام أدى الأمانة وبلّغ الرسالة ، ومارس الأعذار ليلقى ربه وقد أدّى ما عليه سواءٌ استجاب المعنيون أم لم يستجيبوا .

وسيبقى صوت الإمام خالداً عبر التاريخ وهو يردّد أن الإسلام المحمدي الأصيل هو الحلّ من خلال القيم العالمية الرفيعة التي يحملها ، رغم كل المؤامرات التي تحاك ضدّه .

مناسبات الشهر الثاني - شباطفيبروري/February

1ذكرى انتصار الثورة الإسلامية في إيران

11 شباط/ 1979 م = 22/ بهمن/ 1357 ه_ . ش

الاستقبال التاريخي :

منذ مغادرة الشاه إيران والجميع بانتظار عودة الإمام ، غالبية الشعب كانت تعتبر هذه العودة نصراً كبيراً وأن وجوده في إيران ضروري لدفع عملية الجهاد بزخم أكبر والحصول على الحرية والاستقلال وإقامة الحكومة الإسلامية . وقد سعت حكومة بختيار - وبدعم من أمريكا - إلى تأخير هذه العودة

قدر الإمكان لفسح المجال أمام حكومته للسيطرة على الأوضاع ، لكن الإمام كان قد قرر التعجيل بالعودة للسبب نفسه

وفي يوم الأحد الحادي والعشرين من يناير/ كانون الثاني 1979م ، ظهرت الصحف المحلية بعنوان كبير يقول : «الإمام الخميني سيأمّ مصلّى الجمعة في طهران» . فيما كانت الملايين من الناس تتقاطر على مطار طهران بانتظار العودة المظفرة ، موظفوا الإذاعة والتلفزيون المضربون أعلنوا أنهم سيعودون إلى عملهم من أجل تسجيل مراسم العودة والاستقبال .

العسكر احتلوا مطار مهر آباد بطهران لمنع الطائرة التي تقل قائد الثورة من الهبوط في المطار ، وفي اليوم التالي ، أعلنت الوكالات أن طائرة إير فرانس التي تقلّ الإمام ، هي في طريقها إلى طهران . شبكة التلفزيون الإيراني كانت على أهبة الاستعداد لنقل مراسم الاستقبال على الهواء .

وعندما وصل الإمام إلى طهران ، خطب في الجماهير المليونية ومما جاء في خطابه :

وهذا النصر هو المرحلة الأولى ، فقد طردتم الخائن الأصلي محمد رضا من البلاد .

إن على العملاء الذين يحاولون إعادة الشاه والإبقاء على النظام الملكي أن يعلموا أن الأوان قد فات وأن تحركاتهم ما هي إلا محاولات يائسة لن تثمر ، وعليهم الكفّ عن ذلك قبل أن يقوم الشعب بتأديبهم .

ومن مطار طهران اتجه مباشرة إلى مقبرة الشهداء في بهشت زهراء جموع المستقبلين كانت بحراً تتلاطم أمواجه ، والسيارة التي أقلّت الإمام كانت تشق طريقها بصعوبة بالغة ، بحيث أن الوصول إلى مقبرة الشهداء استغرق ساعات عديدة بالرغم من قصر المسافة . عشرات الدراجات النارية كانت ترافق سيارة الإمام ، وفوق السيارة

يجلس عدد من أفراد لجان الثورة التي شكّلت قبيل وصوله .

وداخل المقبرة وبجوار مراقد آلاف الشهداء ، ألقى الإمام خطابه التاريخي ، وعندما وصل إلى عبارة : سأقوم - وبدعم هذا الشعب - بتشكيل الحكومة ، سألقّن الحكومة الحالية درساً لن تنساه تعالت صرخات الله أكبر . . من ملايين الحناجر . وفي هذا الخطاب أكد الإمام أن النظام الملكي ليس شرعياً ، ودعم قوله بالأدلة والبراهين ، وعدد المصائب والويلات التي جلبها لهذا البلد واستمر في خطابه يوضح معالم المستقبل .

كان ذلك الخطاب خطاباً تاريخياً ، في حشد مليوني لم يشهد له التاريخ مثيلاً .

انتصار الثورة الإسلامية

يوم 22 بهمن 1357ه_ ش = 11 شباط 1979م يعني بعد عشر أيام من عودة الإمام من باريس إلى إيران والتي سميت بعد ذلك بعشر الفجر المباركة . كان يوم انهيار النظام الملكي وإلى الأبد ، ففي هذا اليوم تجسّدت أمام العالم وحدة الشعب الإيراني ، القصور انهارت في هذا اليوم ، والمعسكرات سقطت الواحد تلو الآخر ، والحاكم العسكري لمدينة طهران اعتقل بأيدي الناس .

لقد اجتاز الإمام ، باعتباره شخصية دينية كبيرة ، هذا الامتحان الصعب بنجاح كبير ، وأثبت أنه قائد محنّك مقتدر لهذه الثورة الكبرى ، فقد كان هو مركز القرار السياسي .

أما مجلس الثورة فقد لعب دوراً مصيرياً في تثبيت أركان الثورة في أيامها الأولى ، وكان مقرّه في مدرسة علوي أيضاً .

حكومة بازركان المؤقتة حلّت محل حكومة بختيار بدعم كامل من الإمام ، وهو ما أدى إلى كسب تأييد الشعب لهذه

الحكومة . المرحلة كانت حساسة جداً ، لكن الحكومة المؤقتة لم تكن ثورية بمستوى تلك المرحلة ، بلحاظ الأفراد الذين اختارهم بازركان لعضويتها . فبازركان وجماعته لم يدركوا ذلك المعنى العميق للثورة ، فكان يتصرف على أساس تشكيل حكومة وطنية إصلاحية ، وهذا الأمر دفع القوى الثورية إلى تشكيل مؤسسات وتنظيمات إلى جانب الحكومة ، مما أدّى إلى إثارة حفيظة الحكومة التي لم تستطع السيطرة على كل الأمور .

وظلت الحكومة تعزو فشلها إلى تدخل المؤسسات الثورية الجديدة وتطالب بحلها باستمرار ، وانسحب هذا الأمر إلى مجلس الثورة الذي ظهرت فيه خلافات بين الأعضاء حول عدة قضايا ومنها السياسة الخارجية للبلاد ، والتي كان يجب الإسراع برسمها على أساس مبادئ الثورة الإسلامية . فالصورة لم تكن واضحة بعد ، على الرغم من أن إيران قطعت روابطها مع إسرائيل ونظام جنوب إفريقيا العنصري ، وخرجت من حلف السنتو .

ولا ننوي هنا الخوض في مجريات الأمور بعد الثورة الإسلامية . فهذا عمل يجب أن يجري بحثه بشكل مستقل ومفصل .

من عوامل انتصار الثورة الاسلامية :

العامل الأول

وجود قيادة تتمتع بالإيمان التام بالله تبارك وتعالى .

إن الأمر بيد الله سبحانه وتعالى من قبل ومن بعد ، فإن هذا العامل هو الأساس والجذر لتحقيق انتصار أي ثورة ، و بدونه لا تكون الثورة منتجة ، ومحققة للانتصار ، قال تعالى :

إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا .

وقال تعالى : وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ .

والملاحظ في هاتين الآيتين أن هناك وعداً إلهياً بالنصر لمن آمن بالله ،

فإذن الإيمان شرط وركن أساسي لتحقيق النصر .

ولهذا نجد الإمام الخميني ، ومن خلال هذا العامل الأساسي توجه نحو شعبه العظيم ليصعّد من إيمانه ، ويبلغ به درجة الكمال ، فيكون الدفاع عنه ولو ببذل النفوس هو الحق كله .

ويقول الإمام الخميني في هذا المعنى : «إن الإيمان بالله وبالمبادئ الإسلامية هو الذي حقق لكم النصر . . . . . . لقد استطاع شعب إيران المجاهد أن يتغلب بالإيمان بالله ، ووحدة الكلمة على قدرة شيطانية عظيمة تدعمها جميع القوى ، وأن يقطع يد جميع القوى العظمى عن بلده» .

العامل الثاني : وجود شعب يتمتع بالصبر والاستعداد للتضحية .

من العوامل التي يقرر القرآن الكريم عللها للنصر ، عامل صبر الثائرين وإقدامهم على التضحية ، وتوطين أنفسهم على تقديم كل غالٍ ونفيس في سبيل قيمهم ودينهم ومبادئهم ، فقد جاء في القرآن الكريم : لَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلى ما كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتاهُمْ نَصْرُنا .

وقال أيضاً :

أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ .

وهاتان الآيتان تقرّران بوضوح أنّ الصبر والتحمل ، والتصميم على التضحية في سبيل الحق علل لحصول النصر .

وقد أرسى الإمام الخميني هذه الحقيقة وربّى شعبه المجاهد عليها ، فلقد ربّاهم على الصبر والتحمّل وقبول التضحية والاستعداد لها ، كما أنه نفسه كان صابراً على الرغم من الصعاب التي عصفت به وبشعبه ، وهذا ما أدّى كنتيجة

طبيعية إلى حتمية الانتصار .

والخلاصة إنَّ أعمدة الثورة الإسلامية هي ثلاث :

1- القيادة الحكيمة المتمثلة بالإمام الخميني وعلماء الدين .

2- الشعب الواعي ، المؤمن بالإسلام والمطيع للقيادة ولاية الفقيه .

3- مضمون الدعوة وهو الإسلام ، وهو أهم الأعمدة الذي كان سبباً لإقبال القلوب وانقلابها والإمام كان يؤكد عليه دائماً .

2حكم ارتداد سلمان رشدي14/ شباط/ 1989م= 25 بهمن 1376ه_ . ش

سلمان رشدي وكتابه الآيات الشيطانية

ومن الحوادث المهمة والمؤلمة التي شهدتها الشهور الأخيرة من عمر الإمام ، طباعة ونشر كتاب الآيات الشيطانية من قِبل إحدى دُور النشر الغربية . وإذا ما نظرنا الى حقيقة التأييد الغربي الرسمي لمؤلف هذا الكتاب - سلمان رشدي - ندرك أنّ هذا الدعم مثّل بداية فصل جديد من الهجوم الثقافي الغربي ضد القيم والمقدسات الإسلامية ، إذ إنّ الكتاب استهدف الطعن بالأصول الإسلامية ، والإساءة الى المقدّسات ، التي كان التحمس للذود عنها سبباً في توحد نهج الحركات الإسلامية التي ظهرت في العقود الأخيرة وانسجام أهدافها وتطلعاتها .

أصدر الإمام الخميني بتاريخ 14/2/1989م بياناً ، انطلاقاً من الحقائق المسلّمة بها ، وعلى ضوء المعتقدات الإسلامية التي تحظى بتأييد مذاهب المسلمين ، واستلهاماً من فتاوى علماء الإسلام الكبار التي تحتفظ بها الكتب الفقهية للفرق الإسلامية ، أكّد فيه ارتداد سلمان رشدي والحكم عليه ، وعلى ناشري الكتاب المطّلعين على محتواه ، بالقتل .

ومع صدور حكم الإمام ، وقف المسلمون ، بشتّى مذاهبهم ولغاتهم وقومياتهم ، بصفوف مرصوصة في مواجهة الهجوم الغربي ، الذي أعدّ له مسبّقاً .

وقد أظهرت هذه الحادثة للعيان ، تماسك المجتمع الإسلامي ووحدة الأمة الإسلامية

تجاه الأخطار التي تهدّدها ، وأوضحت بأنّ المسلمين - رغم اختلافاتهم الداخلية - متى ما توفرت لهم القيادة الحقيقية بإمكانهم - بوصفهم طليعة حركة الإحياء الديني - أن يضطلعوا بدور مصيري في رسم مستقبل العالم .

من هو سلمان رشدي :

إنه كاتب هنديُّ الأصل ، ولد عام 1947م في عائلة مسلمة في مدينة بومباي ، ورحل إلى إنكلترا ودرس في جامعاتها ، وهو الآن عضو في مؤسسة إنتاج الأفلام البريطانية ، وعضو مشاور في منظمة الفنون الحديثة ، وعضو الجمعية الملكية الأدبية البريطانية ، وله كتب منها كتاب الحياء ، وهذا الكتاب الذي نركز عليه وهو كتاب الآيات الشيطانية وقد صدر هذا الكتاب عن دار النشر البريطانية فايكنج بنجوين في 5/9/1988م .

حقيقة الكتاب

والملاحظ بكل دقة أن هذا الكتاب صيغ صياغة أدبية محكمة على شكل رواية خيالية ، تبدأ من حادثة طائرة وتنتهي إلى أنماط من الحوار الوهمي ، وقد حاول الكاتب فيه أن يدسَّ الكثير من الخرافات والطعن وينسب الكثير من الرذائل لأقدس الشخصيات الدينية ، بدءً من جبرائيل الأمين وإسماعيل وانتهاء بشخصية الرسول الكريم وزوجاته الطاهرات وأصحابه المنتجبين ، ناسباً لهم الكذب والتزوير والقبائح وناعتاً إيّاهم بشتى النعوت القبيحة ، ومشبهاً صدر الإسلام بمواخير الدعارة الغربية!! والعياذ بالله ، ومركّزاً على أسماء الرسول وزوجاته وأصحابه كلّ تركيز ، ومستهيناً بكل آيات القرآن الكريم ، ساخراً من العبادات الإسلامية ومستهيناً محرّفاً للأحكام الإسلامية ، وهو بالتالي يعمل على إعطاء صورة كالحة رذيلة لأعظم سيرة إنسانية مقدسة وذلك هدف صهيوني لئيم يسعى أعداء الإسلام لتركيزه عبر هذه

الصورة الرذيلة .

أبعاد المؤامرة الكافرة :

وتتجلّى أبعاد هذه المؤامرة إذا لاحظنا :

1- في الجهاد الضخم الواسع الذي بذلته الأوساط الغربية والصهيونية لإعداد هذا الكتاب وترجمته إلى مختلف اللغات ونشره بسرعة في أقصى نقاط الأرض ، والدعم المالي السخي الذي لاقاه من قبل الكثير من الرأسماليين الكبار .

2- في الجوائز التي منحت له في الدول الغربية ومنها اعتباره كتاب العام في بريطانيا لسنة 1988م .

3- في الوقوف السياسي والإعلامي لدول المجموعة الأوروبية وكل المعسكر الغربي خلف هذا الكتاب ، وعدم استماعها لكل أنماط الاحتجاج ضده ، واتخاذ شتى الإجراءات البوليسية والسياسية والإعلامية والتهديد باتخاذ الإجراءات القضائية والاقتصادية ضد كل من يدين هذا الكتاب ويعلن حكم الله تعالى فيه .

4- في تجنيد العشرات من دور النشر والكتّاب للعمل على الدفاع عن الكاتب تحت شعار حرية الرأي وإدانة كل ما يقال حوله .

رد الفعل السياسي

لم يمض وقت طويل على صدور الآيات الشيطانية وقبل أن يجد طريقه إلى الأسواق حتى انفجرت موجة غضب عارمة في مناطق عديدة من العالم الإسلامي . وفي يوم 14فبراير عام 1989م أصدر مفجر الثورة الإسلامية في إيران آية الله العظمى السيد روح الله الموسوي الخميني فتوى تدعو إلى إهدار دم المؤلف بما نصه : إنني أبلغ جميع المسلمين في العالم بأن مؤلف الكتاب المعنون الآيات الشيطانية الذي ألف وطبع ونشر ضد الإسلام والنبي والقرآن ، وكذلك ناشري الكتاب الواعين بمحتوياته ، قد حُكِموا بالم_وت ، وعلى جميع المسلمين تنفيذ ذلك أينما وجدوهم ، كي لا يجرؤ أحد بعد ذلك على إهانة الإسلام ومن يقتل في هذا السبيل فهو شهيد

.

ولا شك أن هذه الفتوى والحكم الإسلامي الأصيل هو مورد اتفاق علماء الإسلام من كل الطوائف والمذاهب .

ومن جهة ثانية بثت إذاعة طهران رسالة وجهها الإمام الخميني إلى مسلمي العالم جاء فيها إنني أطلب من جميع المسلمين في العالم تنفيذ الإعدام سريعاً في الكاتب والناشرين في أي مكان في العالم لئلا يجرؤ أحد في المستقبل على الإساءة إلى الإسلام .

في الجمهورية الإسلامية الإيرانية حيث إصدار هذه الفتوى وبث الرسالة تركتا أصداء واسعة على المستوى العالمي بالأخص العالم الإسلامي ، وانفجرت المظاهرات الشعبية التي عمت أغلب المدن الإيرانية تندد بالكتاب والكاتب كما اعتصمت جموع غفيرة أمام مبنى السفارة البريطانية في طهران فيما دعى وزير الخارجية الإيراني في 15/فبراير إلى عقد اجتماع طارئ لمنظمة المؤتمر الإسلامي لمناقشة قضية الكتاب .

من جانب آخر خصص الشيخ حسن صانعي أحد العلماء البارزين في ايران مكافأة مقدارها 3 ملايين دولار لكل من ينفذ حكم الإعدام في المرتد سلمان رشدي ، وكان من بين القرارات التي اتخذتها القيادة الإيرانية تجميد علاقاتها مع الدول الأوروبية التي سمحت بنشر الكتاب ، وقد كلفها ذلك حسب ما ذكره أحد المقربين من الحكومة - ملياري دولار أنفقتها إيران في وقت سابق لترميم علاقاتها بأوربا . وفي السابع من مارس من نفس العام قطعت ايران علاقاتها مع بريطانيا ثم تابعت بقطع العلاقات مع دول أوروبا

وما حصل في إيران تكرر في ساحات أخرى من بلاد المسلمين التي هبت لما يمكن وصفه بالدفاع عن كرامتها ومقدساتها فقد عمت المظاهرات الباكستان و الهند وبنغلادش وماليزيا واندونيسيا ، وقد خرج المسلمون الهنود في مظاهرة احتجاجية في بومباي مسقط رأس سلمان رشدي

رغم انتشار أكثر من 5 آلاف شرطي مسلح فيما أعلن حزب المؤتمر الإسلامي في سريلانكا عن تأييده لفتوى الإمام الخميني وأعلن مؤكداً : أن قتله وإهدار دمه ليس موضع شك .

تذكرة

وليتذكر أولوا الألباب :

لنتذكر من أجل المقارنة : كيف أن الدول الغربية وعلى رأسها فرنسا وبريطانية ثارت ثائرتها ضد كتاب أساطير الصهيونية للكاتب روجيه غارودي فغرمت الناشر وأحالت غارودي إلى المحاكمة .

بينما حمت بكل ثقلها سلمان رشدي ، وترجمت كتابه إلى كل اللغات العالمية وطبعته ووزعته لحساب الشيطان .

والمنصف يجد أن غارودي هو أوروبي وابن أوروبا الأصلي ومن مؤسسي الحزب الشيوعي الفرنسي ، بينما سلمان رشدي هندي غريب عن أوروبا .

فأوروبا تلتزم الهندي لحساب الشيطان!! وتقاوم ابنها الأوروبي لنفس الحساب! بعيداً عن تشدقها بالديمقراطية وحرية الفكر .

إذن فلنعتبر . . والله تعالى يقول فاعتبروا يا أولي الأبصار .

3شهادة السيد عباس الموسوي

الأمين العام لحزب اللّه 16/ شباط 1992م

نبدأُ حديثنا عن الشهيد السيد عباس الموسوي بكلمات ندية عطرة من صاحب درب وواعي نهج وساع إلى حيث سعى السيد عباس ، نذكرها ونذكر بها بمناسبة ذكرى استشهاده ، عن لسان السيد حسن نصر الله حفظه الله .

إلى جوار ذلك السيد العزيز ، نحاول الاقتراب بالوصف ، وبه عاجزين أن نبلغ الحقيقية ، لكن وفاء لبعض الجميل ، أن نفرد بعض كلمات هي أضيق من أن تلم بمزاياه وأن تحيط بأمجاده ، لكننا نعلم اليقين بأنه يكفيه منا أن يسمعنا نهدهد في أذنيه تباشير النصر بعد أن حفظت وصيته الأساس ، ونقول له بأن المقاومة حفظته حتى انتصرت ، وأنه كان أحد

صانعي ذلك الفتح ، وأن دماءه ودماء زوجته وطفله في طليعة الوقود لأتون النار التي ألهبت مواقع الاحتلال حتى اندثرت ، وأن الشعارات التي أطلقها ستبقى مدويةً في الأرجاء حتى نكتبها رايات . . نزرعها خفاقة فوق قباب الأقصى وفي ربوع فلسطين ، وسيبقى ويبقى السيد عباس الموسوي فينا القائد والمرشد والمعلم والأستاذ والأب العطوف ، وستظل سيرته الطيبة المباركة حاضرة في وجداننا وعقولنا وأرواحنا ، نستلهمها عطاءً وجهاداً ودأباً وعملاً متواصلاً لا يعرف الكلل والملل .

حلم يتحقق :

في المرحلة التي أعقبت الاجتياح الإسرائيلي تستطيع أن تركز على أنشطة السيد الشهيد في عدة محاور :

1- تثبيت صلاة الجمعة في بعلبك .

2- مضاعفة الجهد في المجال التبليغي .

3- تهيئة المجاهدين بمختلف السبل .

4- السعي الحثيث لتوحيد المسلمين .

5- البدء بتأسيس حزب الله .

بعد نجاح الأنشطة الخمسة المار ذكرها ، صار من الممكن قتال العدو الإسرائيلي ، وقد اعتبر هذا أنه نعمة من نعم الله عليه ، مع أنه يعلم أن قتال إسرائيل ليس أمراً سهلاً ، وأن إسرائيل على قوتها تستعين بجيش كبير من العملاء الغادرين .

جمع السيد عباس ثلة من المؤمنين حوله ، وبدأ عدد الاستشهاديين المتطوعين يزداد ، وافتتح باب الشهادة الشهيد أحمد قصير في 11/11/1982 ، وبهذا بدأت المرحلة الأولى لمراحل نهضة الشعب اللبناني بل نهضة الأمة بكاملها .

واستمر الصراع سجالاً يقوده السيد عباس الموسوي .

اللحوق بقافلة الشهداء :

قبل أيام قليلة من شهادته المباركة ، كان هناك أشياء كثيرة تحصل . . وكان هو يشعر أنه راحل

، وكان يهمس بهذا الأمر لبعض إخوته ورفاق دربه . . كانت هناك رؤى يراها ، وكان هناك مؤشرات تدل على أنه راحل عن هذه الدنيا بعد أيام قليلة .

كان في كلامه في آخر جلسة له في مجلس الشورى إيحاء بأن أمراً غير عادي سوف يحصل . . كان يواجه إخوته بالمسؤولية ، ويحثهم على تحمل المسؤولية .

أما إسرائيل فقد أرهقتها عمليات المقاومة . . ولذلك أحكمت خطة لقتله .

كان السيد عباس ينوي الذهاب إلى جبشيت ليلقي كلمة في مناسبة الذكرى السنوية لاستشهاد أخيه ورفيق دربه الشيخ راغب حرب ، ليلة الأحد السادس عشر من شهر شباط ، فاتصل به أحد الإخوة يريد أن يثنيه عن نيته تلك ، فأخبرتهم زوجته أنه مريض جداً ورغم أن الخبر سيء إلا أن الحريصين على حياة السيد اعتبروه أمراً مطمئناً وناموا على أمل أنه لن يستطيع الذهاب إلى هناك .

لكنه عند الفجر من يوم السادس عشر من شهر شباط عام 1992م صلّى وأمر زوجته أن تتهيأ للذهاب إلى جبشيت ، وهو مستبشر تمام البشرى كما يصفه من رآه وهكذا بعد انتهائه من زيارة قبر الشيخ راغب حرب وبقية الشهداء واخترق موكبه قرى المنطقة ليصل إلى مشارف بلدة تفاحتا فقصفت الطائرات الإسرائيلية سيارته فاستشهد هو وزوجته وابنه الصغير وبذلك اختاره الرفيق الأعلى ليكون في قافلة الشهداء الأبرار .

مناسبات الشهر الثالث - آذارمارس/March

1يوم المرأة العالمي

8/ آذار/ 1977م

في هذا اليوم من عام 1977م ، أقرت الأمم المتحدة قراراً يدعو دول العالم لتخصيص تاريخ الثامن من آذار 8 مارس من كل عام يوماً للمرأة .

وقد عانت المرأة طوال تاريخها من أشكال مختلفة من

الاضطهاد والظلم ، حيث لم تعترف الحضارات القديمة في اليونان ومصر وروما بإنسانيتها ، إلا بعد ظهور الأديان السماوية ، التي أكدت على أن المرأة إنسان كالرجل ، ولكنها مع ذلك عاشت محرومة من حقوقها الفردية والاجتماعية ، حتى ظهور الإسلام الذي يعتبر الدين الوحيد الذي ضمن للمرأة كافة حقوقها وحافظ على كرامتها ، ويتضح ذلك كله من خلال الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة .

مكانة المرأة في الإسلام

أ- القرآن الكريم :

1- المرأة مساوية للرجل في الإنسانية ومكملة له :

قال تعالى : يَأَيّهَا النّاسُ اتّقُواْ رَبّكُمُ الّذِي خَلَقَكُمْ مّن نّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَآءً . . . . .

وقال تعالى : هُنّ لِبَاسٌ لّكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لّهُنّ . . . .

2- المرأة مسؤولة كالرجل عن أعمالها :

قال تعالى : وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىَ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَ_َئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنّةَ . . . .

وقال تعالى : . . . وَلَهُنّ مِثْلُ الّذِي عَلَيْهِنّ بِالْمَعْرُوفِ . . . . .

3- حقوق المرأة الفردية والاجتماعية مصونة :

قال تعالى : لاَ يَحِلّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النّسَآءَ كَرْهاً ، وَلاَ تَعْضُلُوهُنّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَآ آتَيْتُمُوهُنّ ، وَإِنْ أَرَدْتّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنّ قِنْطَاراً فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مّبِيناً ، لّلرّجَالِ نَصِيبٌ مّمّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنّسَآءِ نَصِيبٌ مّمّا اكْتَسَبْنَ .

4- كرامة المرأة محفوظة :

قال تعالى : وَعَاشِرُوهُنّ بِالْمَعْرُوفِ .

5- للمرأة كامل الحق في المشاركة السياسية والتعبير عن رأيها بحرية :

قال تعالى : يَا أَيّهَا النّبِيّ إِذَا جَآءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ

.

ب- في الأحاديث الشريفة :

1- احترام المرأة دليل على الرقي :

قال رسول الله : خيركم ، خيركم لنسائكم وبناتكم .

2- ضرورة مراعاة مشاعر المرأة :

قال الإمام علي : إن المرأة ريحانة وليست بقهرمانة .

3- المرأة مصدر الخير :

قال الإمام الصادق : أكثر الخير في النساء .

وغير ذلك من الأحاديث الكثيرة التي تدل على المكانة الرفيعة التي تحظى بها المرأة في الإسلام .

دور المرأة في الحضارة الإسلامية :

قدم التاريخ الإسلامي نماذج مشرفة عن دور المرأة المسلمة في مختلف الميادين ، سنتعرض لها فيما يلي

1- في الجهاد :

لعل أكبر مثال على ذلك الدور الهام ، نموذج السيدة زينب بنت أمير المؤمنين في ملحمة كربلاء ، عندما شاركت أخاها الحسين في الجهاد من خلال تقديم أولادها شهداء في سبيل الله ، وكذلك الصحابية الجليلة نسيبة بنت كعب المازنية التي بقيت تدافع عن رسول الله في غزوة أحد حتى استشهدت .

وغيرها الكثيرات من النساء المجاهدات . . .

2- في الشأن السياسي :

يعطينا التاريخ الإسلامي نموذج السيدة فاطمة الزهراء ، حينما وقفت في مسجد أبيها رسول الله تخطب تلك الخطبة البليغة ، مدافعة عن حقها وحق زوجها أمير المؤمنين ، في حضور عدد كبير من الصحابة ، وكذلك ابنتها السيدة زينب التي هزت بخطبها عرش يزيد مما ساهمت بسقوطه .

3- في الشأن العلمي :

يكفينا في هذا المجال قول الإمام زين العابدين لعمته زينب : أنت بحمد الله عالمة غير معلمة فهمة غير مفهمة ، وقد كان لها مجلس تدرس فيه النساء ،

كما يعطينا التاريخ الإسلامي نماذج لنساء عالمات ، فقد روى الحافظ ابن عساكر عن أكثر من ثمانين امرأة .

4- في الحكم :

وقد أعطى التاريخ الإسلامي نماذج لنساء حاكمات كان لهن الدور الأبرز في تدبير شؤون الحكم والإدارة ، ومنهن :

فاطمة بنت حسن بن محمد علي من اليمن والتي حكمت منطقتي صعدة ونجران .

وفي الهند أثناء الحكم الإسلامي كان لسيدتين دور هام في الحكم وهما : سكندر بيكم ، شاه جيهان .

وفي اندونيسيا حوالي سنة 1641م و1688م أدارت شؤون الحكم عدة نساء منهن صفية الدين تاج العالم ، نقية شاه ، عنايت شاه ، كمالت شاه .

وأخيراً :

من خلال هذه الإطلالة السريعة تتضح لنا المكانة الرفيعة التي حظيت بها المرأة في الإسلام حيث سبق بأحكامه وتعاليمه جميع القوانين والأديان الأخرى ، وفي ذلك رد على كل المشككين والطاعنين من غير علم في هذا الدين العظيم وتشريعاته .

المرأة في فكر الإمام الخميني

لقد اهتم الإمام بشأن المرأة حتى جعل لها يوماً خاصاً يتجدد كل عام ، لتبقى قضاياها وحقوقها وفعالياتها حاضرةعلى الدوام ، ولقد اختار لها يوماً من أشرف أيام الإنسانية وأعز الأيام على قلبه يوم ولادة السيدة فاطمة الزهراء تلك الإنسان الكامل وقد عبر عنها أنها الأساس للفضائل الإنسانية والقيم العالمية ، ويقول الإمام : نحن ندعو لأن تحتل المرأة مكانتها الإنسانية السامية .

وبهذا الطرح والفكر الأصيل الإسلامي حول المرأة استطاع الإمام أن يفجر في المرأة إنسانيتها المدفونة ويفعّل طاقاتها ، لتعود المرأة إلى دورها الطبيعي الذي أراده الله تعالى لها .

2عيد الأم 21/ آذار

يحتفل كثير من دول العالم في هذا اليوم بعيد الأم ، تكريماً لها ، لأنها تجسد معاني التضحية والعطاء الإنساني الذي لا حدود له .

مكانة الأم في الإسلام :

جاءت التعاليم الإسلامية لترسّخ هذا التكريم وتعطيه الطابع المقدّس ، من خلال التشديد على وجوب البر بها وعدم إيذائها ، وسنستعرض لنماذج من تلك التعاليم الواردة في القرآن الكريم والأحاديث الشريفة .

آ- القرآن الكريم :

جعل الإسلام بر الوالدين مقروناً بطاعة الله .

حيث يقول تعالى : لاَ تَعْبُدُونَ إِلاّ اللهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً

وَاعْبُدُواْ اللهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً .

وأعطى خصوصية معينة للأم لتحملها الشدائد والصعاب من أجل أولادها ،

حيث يقول تعالى : وَوَصّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمّهُ وَهْناً عَلَىَ وَهْنٍ

ب- الأحاديث الشريفة :

1- رضا الأم من ضمانات دخول الجنة .

لا ريب أن لدخول الجنة شروطاً متعددة أهمها طاعة الله عز وجل وإتباع سنة رسوله والمعصومين والعمل الصالح الذي يأتي على رأسه السعي لرضا الوالدين ولاسيما الأم ، حيث قال رسول الله : الجنة تحت أقدام الأمهات .

2- البر بالأم وصية رسول الله لأمّته :

يقول الإمام الصادق : جاء رجل إلى النبي فقال : يا رسول الله من أبر؟ قال : أمك ، قال : ثم من؟ قال : أمك ، قال : ثم من؟ قال : أمك ، قال : ثم من؟ قال : أباك .

3- رضا الأم ، من أهم ضمانات السعادة :

قال رسول الله : من سره أن يمد له في عمره ويبسط رزقه فليصل أبويه . . .

وعنه : من

بر والديه زاد الله في عمره

4- بر الوالدين عبادة وفريضة :

قال أمير المؤمنين : بر الوالدين أكب_ر فريضة .

وقال الإمام الرضا : بر الوالدين واجب وإن كانا مشركين ولا طاعة لهما في معصية الخالق .

5- أداء حق الوالدين ، من أداء حق الله :

قال الإمام الرضا : إن الله أمر بثلاثة مقرون بها ثلاثة أخرى ، أمر بالصلاة والزكاة فمن صلى ولم يزك لم تُقبل منه صلاته وأمر بالشكر له وللوالدين فمن لم يشكر والديه لم يشكر الله وأمر باتقاء الله وصلة الرحم فمن لم يصل رحمه لم يتق الله .

وغيرها من الأحاديث والروايات الكثيرة التي لا يسع المجال لذكرها ، والتي يتضح من خلالها أن الإسلام لم يجعل للأم يوماً واحداً للاحتفاء بها وتكريمها بل جعل احترام وتقدير الأم برنامج عمل مستمر في حياة المسلم ، حيث جعل ذلك عبادة لا تنقطع حتى بعد وفاتها من خلال الدعاء للوالدين حيث ورد في الحديث عن رسول الله : إن العبد ليكون باراً بوالديه في حياتهما ثم يموتان فلا يقضي عنهما ديونهما ولا يستغفر لهما فيكتبه الله عاقاً وإنه ليكون عاقاً لهما في حياتهما غير بار بهما فإذا ماتا قضى دينهما واستغفر لهما فيكتبه الله عز وجل باراً .

نماذج للأم المسلمة :

أفرز التاريخ الإسلامي ، ولا يزال ، نماذج رائعة للأم المسلمة التي ضحت بحياتها وأولادها في سبيل رفعة راية الإسلام ، وإليك نموذج أم عمرو بن جنادة التي دفعت ابنها للشهادة في سبيل الله في ملحمة كربلاء إذ جاء عمرو بن جنادة الأنصاري بعد أن قتل أبوه وهو ابن إحدى عشرة

سنة يستأذن الحسين فأبى ، وقال : هذا غلام قتل أبوه في الحملة الأولى ولعل أمه تكره ذلك ، قال الغلام : إن أمي أمرتني ، فأذن له فما أسرع أن قتل ورمي برأسه إلى جهة الحسين فأخذته أمه ومسحت الدم عنه وضربت به رجلاً قريباً منها فمات ، وعادت إلى المخيم فأخذت عموداً وقيل سيفاً وأنشأت :

إني عجوز سيدي ضعيفة

أضربكم بضربة عنيفة

خاوية بالية نحيفة

دون بني فاطمة الشريفة

فردها الحسين إلى الخيمة بعد أن أصابت بالعمود رجلين .

وغيرها من النماذج الإسلامية الراقية التي لا زالت الأمة الإسلامية تخرجها كالتي قدمتها الثورة الإسلامية المباركة في إيران ولاسيما خلال حرب الثماني سنوات المفروضة عليها من قبل نظام صدام المخلوع ، ولا ننسى كذلك ما قدمته المقاومة الإسلامية في لبنان وفلسطين ضد الاحتلال الصهيوني البغيض .

3عيد النيروز

21/ آذار = 1/ فروردين

لم تزل عادة البشر منذ ظهور الحضارات إلى الآن ، يحتفلون بأيام خاصة في السنة ، يستذكرون الأحداث أو المناسبات الهامة التي لها علاقة بتاريخهم وثقافتهم ، ويؤدون خلالها مراسم وطقوساً خاصة ، وتسمى بالأعياد ، ومنها تلك الأعياد التي ترتبط بتاريخ وثقافة الشعب الإيراني وبعض شعوب الدول المجاورة كأفغانستان وتاجيكستان وغيرها من البلدان ، هو عيد النيروز الذي تحتفل به هذه الشعوب في اليوم الأول من فروردين رأس السنة الهجرية الشمسية والذي يصادف 21/ آذار من السنة الميلادية وهذا اليوم هو بداية فصل الربيع وإخضرار الأرض وإزدهارها فالإنسان يستقبل هذه الأيام بفرح وسرور ويتمتع من الطبيعة الجميلة المهداة إليه من رب العالمين .

العيد في الكتاب والسنة

قَالَ عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ اللهُمّ رَبّنَآ أَنزِلْ عَلَيْنَا

مَآئِدَةً مّنَ السّمَآءِ تَكُونُ لَنَا عِيداً لأوّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مّنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرّازِقِينَ . .

في التعاليم الإسلامية ، أخذ مفهوم العيد معنى أعمق وأوسع يتعدى حدود الاحتفال والزينة والفرح ، ليؤثر على سلوك الإنسان ومصيره ، لذلك يقول الميبدي :

سمي العيد عيداً لأن الله تعالى يعود بالرحمة إلى العبد ، والعبد يعود بالطاعة إلى الرب .

وهذا ما نلاحظه عندما نرى أن أهم أعياد المسلمين هي :

عيد الفطر .

عيد الأضحى .

مولد الرسول الأعظم .

عيد الغدير .

يوم الجمعة .

فمعيار العيد في الإسلام ، هو التوفيق لإصلاح النفس ، والنجاح في ترويضها بالصبر والاستقامة ، وتوثيق عرى العلاقات بين المسلمين من أبناء الأمة الواحدة ، جاء عيد الفطر بعد صوم شهر رمضان وموسم العبادة والصبر ، ويأتي عيد الأضحى بعد أداء فريضة الحج ، وهكذا . . . .

ولذلك جاء في الحديث عن أمير المؤمنين : كل يوم لا يعصى الله فيه ، فهو يوم عيد .

ومن ميزات الدين الإسلامي الذي انتشر في أرجاء المعمورة بتلك السرعة الهائلة ، واستقر في القلوب والعقول بدون أي ضغط أو إرهاب ، أنه احترم خصوصيات الشعوب وعاداتها مع عدم تعارضها وتعاليم الإسلام الحنيف ، بل وشجع بعض العادات الجيدة التي كانت سائدة والتي تعبر عن سمو الأخلاق والروح ، ولذلك ورد في التاريخ أن الزبير بن عبد المطلب دعا بعد منصرف قريش من حرب الفجار إلى حلف الفضول ، وعقد الاجتماع في دار عبد الله بن جدعان ، وغمسوا أيديهم في ماء

زمزم ، وتحالفوا وتعاقدوا على نصرة المظلوم والتأسي بالمعاش ، والنهي عن المنكر وكان أشرف حلف ، والمتحالفون على ذلك هم :

بنو هاشم ، وبنو المطلب وبنو أسد بن عبد العزى ، وزهره ، وتيم .

وقد حضر هذا الحلف نبينا الأعظم ، وأثنى عليه بعد نبوته وأمضاه ، فقد روي

أنه قال : ما أحب أن لي بحلف حضرته في دار ابن جدعان حمر النعم ، ولو دعيت به لأجبت .

ولعيد النيروز جوانب إيمانية مهمة في حياة الإنسان ، باعتباره يحل مع بداية فصل الربيع ، حيث تتجدد الحياة على الأرض وتخضر ، فتذكر الإنسان بعظمة وقدرة الله ، وعلى إيجاد الحياة بعد الموت ، وتبصره بمواقف يوم القيامة ، وتحث الإنسان على العمل لطاعة الله وإرضائه ، يقول تعالى : وَمِنْ آيَاتِهِ أَنّكَ تَرَى الأرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَآ أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَآءَ اهْتَزّتْ وَرَبَتْ إِنّ الّذِيَ أَحْيَاهَا لَمُحْىِ الْمَوْتَىَ إِنّهُ عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ .

التاريخ الهجري الشمسي

ومن المناسب في هذا السياق ، أن نشير إلى موضوع مهم وهو التقويم الهجري الشمسي ، المعمول به في الجمهورية الإسلامية الإيرانية وبعض الدول الإسلامية الأخرى المجاورة ، إذ يشتبه كثير من الناس حول حقيقته وأساسه .

الظاهر أن العمل بالتاريخ الشمسي كان معروفاً قبل الإسلام مع اختلاف في مبدأ السنة الشمسية ، ولكن بعد ظهور الإسلام وانتشاره في إيران بكل ذلك القبول والشوق جعل عام هجرة الرسول من مكة إلى المدينة مبدأ للسنة الشمسية ، وأصبح يطلق على مثل هذا التقويم بالهجري الشمسي لأنهم اتخذوا

الشمس وسيلة للحساب ، من خلال دوران الأرض حول الشمس ، والتي تستغرق 365 يوماً تقريباً أما من اعتمد دوران القمر حول الأرض وحده للحساب فإن السنة تستغرق 355 يوماً تقريباً حيث اتخذ بعض المسلمين القمر وسيلة لحساب السنة ، ولذا فالسنة الشمسية أزيد من السنة القمرية ب_ 10 إلى 11 يوماً . فقد يتطابق مبدأ السنتين في إحدى السنوات ويتغايران لسنوات أخرى ، فمبدأ التاريخين الهجريين الشمسي والقمري واحد وهو هجرة الرسول مع اختلاف في طريقة حساب السنة من ذلك التاريخ .

وقد حاول النظام الشاهنشاهى في إيران أن يغيّر مبدأ التاريخ الشمسي من الهجرة النبوية إلى بداية الشاهنشاهية والملوكية في إيران فقاوم علماء الدين وتبعهم الناس وصار ذلك سبباً لتسريع سقوط ذلك النظام ببركة الثورة الإسلامية المباركة .

تنظيم التقويم الشمسي :

قسمت الأشهر الشمسية إلى 12 شهراً بحيث تتطابق مع فصول السنة الأربعة ، الربيع ، الصيف ، الخريف ، الشتاء ، ولذا نرى شهراً معيناً يتطابق مع بداية فصل معين ، وهو أدق من سائر التقاويم وأكثرها عملية بالنسبة للأمور الإدارية والمالية والمؤسسية .

فالسنة الميلادية تبدأ في منتصف فصل الشتاء ويتطابق مع 1 كانون الثاني ، وكذلك السنة الشمسية تبدأ في اليوم الأول من فصل الربيع والذي يتطابق مع 21 آذار من السنة الميلادية ، وتمتاز السنة الهجرية الشمسية على الميلادية الشمسية أنها تطابق أوّل الربيع وأول شهورها تطابق أول الفصول .

أما الشهور الشمسية فهي :

أشهر فصل الربيع : فروردين ، أرديبهشت ، خرداد .

أشهر فصل الصيف : تير ، مرداد ،

شهريور .

أشهر فصل الخريف : مهر ، آبان ، آذر .

أشهر فصل الشتاء : دي ، بهمن ، اسفند .

أما عدد أيامها فهي كما يلي :

الأشهر الستة الأولى من السنة = 31 يوماً .

والأشهر الخمسة الثانية من السنة = 30 يوماً .

آخر شهر من السنة اسفند = 29 يوماً إلا في السنة الكبيسة = 30 يوماً .

ومما يجدر ذكره أن من وضع التقويم الهجري الشمسي هم ثلاثة من علماء الفلك ، أحدهم عمر الخيام في عصر السلطان ملكشاه السلجوقي . .

النيروز في الأحاديث

على الرغم من اندثار العديد من العادات التي كانت منتشرة قبل ظهور الإسلام ، إذ حلت مكانها العادات الإسلامية ، إلا أن يوم النيروز ظل من الأيام النادرة التي حافظت على بقائها بعد ظهور الإسلام ، وربما يعود ذلك إلى وقوع أحداث هامة فيها أكسبت ذلك اليوم الخلود والدوام ، ولاسيما أنه وردت عدة روايات تشير إلى المكانة الهامة لهذا اليوم .

بقي أن نشير هنا إلى ملاحظات ينبغي أخذها بعين الاعتبار عند التعرض للأحاديث المتعلقة بهذا المقام :

أولاً : قد يطلق النيروز في بعض الروايات ، ويراد منها المعنى اللغوي فحسب ، إذ كلمة النوروز فارسية معربة إلى النيروز ومعناها اليوم الجديد ، بكل ما تحمله هذه الكلمة من معاني التجديد والتجدد في الحياة والسعي للبدء بصفحة جديدة نقية صافية نحو المستقبل المشرق الزاهر لما فيه رضا الله تعالى وإقامة شرعه ومنهاجه .

ثانياً : قد يطلق النيروز في بعض الروايات ، ويراد منها معناها الاصطلاحي ، أي

اليوم الأول من شهر فروردين ، رأس السنة الهجرية الشمسية ، وذلك حسب التقويم الهجري الشمسي ، وحينها قد يصادف ذلك اليوم حدثاً هاماً في التاريخ الإسلامي ، مثلما صرح بعض كبار العلماء ، استناداً إلى حسابات دقيقة ، أن يوم غدير خم صادف اليوم الأول من شهر فروردين من السنة العاشرة للهجرة .

ولذلك ورد في الحديث : عن المعلى بن خنيس عن الإمام الصادق : إن يوم النيروز ، هو اليوم الذي أخذ فيه النبي لأمير المؤمنين العهد بغدير خم ، فأقروا له بالولاية ، فطوبى لمن ثبت عليها ، والويل لمن نكثها . . . .

وقد يصادف في المستقبل حدثاً إسلامياً كبيراً ، وهو ظهور الإمام الحجة ، وعندها قد ينطبق يوم النيروز الأول من فروردين مع يوم ظهور الإمام ، كما ورد في الحديث : عن الإمام الصادق : يوم النيروز هو اليوم الذي يظهر فيه قائمنا أهل البيت .

وإليك بعض من تلك الأحاديث الشريفة :

1- قال رسول الله : فَنَيرِزُوا إن قدرتم كل يوم يعني تهادوا وتواصلوا في الله

2- قال الإمام الصادق : نيروزنا كل يوم

3- وعنه : يوم النيروز هو اليوم الذي يظهر فيه قائمنا أهل البيت

4- وعنه : ما من يوم نيروز إلا ونحن نتوقع فيه الفرج لأنه من أيامنا وأيام شيعتنا

آداب عيد النيروز

لعيد النيروز آداب ينبغي مراعاتها ، منها ما رواه المعلى بن خنيس عن الإمام الصادق ، حول عيد النيروز حيث قال : إذا كان يوم النيروز فاغتسل والبس أنظف ثيابك وتطيب بأطيب طيبك وتكون صائماً ذلك اليوم

. . . .

كما تستحب صلاة أربع ركعات بعد صلاتي الظهر والعصر ، وأداء سجدة الشكر وقراءة دعاء مخصوص بذلك اليوم ، حيث ينقل الشيخ البهائي ذلك الدعاء الذي يقرأ في السجدة وهو : اللهم صل على محمد وآل محمد الأوصياء المرضيين وعلى جميع أنبيائك ورسلك أفضل صلواتك وبارك عليهم بأفضل بركاتك وصل على أرواحهم وأجسادهم . اللهم بارك على محمد وآل محمد وبارك لنا في يومنا هذا الذي فضلته وكرمته وشرفته وعظمت خطره ، اللهم بارك لي فيما أنعمت به عليّ حتى لا أشكر أحداً غيرك ، ووسع عليّ في رزقي يا ذا الجلال والإكرام .

دعاء تحويل السنة :

وفي الختام نشير أن كتب الأدعية ذكرت العديد من الأدعية التي تستحب قراءتها في هذ ا اليوم ومنها ، هذا الدعاء المشهور :

يا مقلب القلوب والأبصار ، يا مدبر الليل والنهار ، يا محول الحول والأحوال ، حوّل حالنا إلى أحسن الحال

وقد كان الإمام الراحل الخميني يلتزم بقراءته في نص خطابه الذي كان يلقيه بمناسبة حلول رأس السنة الهجرية الشمسية الجديدة .

4اليوم العالمي للمياه

22/ آذار

يحتفل العالم باليوم العالمي للمياه ، بعد أن قررت الجمعية العامة للأمم المتحدة إعلان يوم 22 آذار يوماً عالمياً للمياه .

ولا يختلف اثنان في أهمية الماء ، وضرورة الحفاظ عليه ، فهو مصدر حياة البشر .

المياه في التعاليم الإسلامية :

جاءت التعاليم الإسلامية ، لتؤكد على أهمية المياه وتضع القوانين الكفيلة بالحفاظ على هذه النعمة الإلهية وعدم الإسراف فيها ، وسنمر على بعضها فيما يلي :

أ - القرآن الكريم :

قال تعالى

: وَأَنزَلْنَا مِنَ السّمَآءِ مَآءً طَهُوراً ، وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَآءِ كُلّ شَيْءٍ حَيّ .

ب- الأحاديث الشريفة :

1- الماء نعمة إلهية لا تقدر بثمن :

قال رسول الله : سيد شراب أهل الجنة الماء .

وعن أمير المؤمنين : الماء سيد الشراب في الدنيا والآخرة .

2- الماء مصدر الحياة :

قال الإمام الصادق : . . . طعم الماء طعم الحياة .

3- الثروة المائية عامة بين المسلمين :

قال رسول الله : الناس شركاء في ثلاث النار والماء والكلأ .

د - وجوب حفظ الماء من التلوث :

قال الإمام الصادق : لا تفسد على القوم ماءهم .

ه_ - منع هدر الماء والإسراف فيه :

قال رسول الله : أدنى الإسراف هراقة فضل الإناء .

وعنه : الوضوء بمد والغسل بصاع وسيأتي أقوام بعدي يستقلون ذلك فأولئك على خلاف سنتي .

ولا ريب أن هذه نماذج للإرشادات الإسلامية بخصوص المياه وضرورة المحافظة عليها ، إذ جعل الحفاظ عليها من صميم تعاليم الدين الحنيف .

ومن هذا المنطلق ينبغي للمهتمين بهذا الشأن أن يجعلوا من تلك التعاليم برنامج عمل لهم من خلال النشاطات الإرشادية والإعلامية ونشر الوثائق لتوعية الرأي العام بضرورة الحفاظ على الموارد المائية .

حقائق وأرقام :

لفت تقرير وزاري فرنسي إلى أن 15% من بلدان الكوكب تتلقى أكثر من 50% من مياهها من دول أخرى . وأن اثنين من أصل ثلاثة من الأنهار الكبرى أو الآبار الجوفية ، أي أكثر من 300 منها في العالم يتم تقاسمها بين دول عدة .

رأت مؤسسة الاستثمارات الدولية : إن النزعات ستزداد حدة بسبب نقص المياه الذي

يتوقع أن يطال قرابة الثلثين من سكان العالم .

لا يستخدم سكان العالم الستة مليارات حالياً سوى واحد على مئة ألف من مياه الكوكب التي تمثل المياه المالحة أو التي يتعذر الوصول إليها إلى 98% .

تتقاسم 23 دولة ثلثي الموارد المائية فيما يتوزع الثلث الباقي وبشكل غير متوازن على ما تبقى من بلدان .

يحذر تقرير صادر من الأمم المتحدة أن سوء استخدام الأنهار والمياه الجوفية والتلوث والتبذير وتزايد السكان والنمو الفوضوي للمدن ، كل ذلك من شأنه أن يجعل الشح الحالي في المياه الذي يطال 250 مليون نسمة في 26 بلداً ، يتحول إلى ظمأ هائل يطال ثلثي سكان الأرض بحلول العام 2050 .

تشير مذكرة حكومية فرنسية إلى أن مليار إنسان في العالم يفتقرون إلى المياه الصالحة للشرب فيما لا يتمتع 4 . 2 مليار إنسان بالبنى التي يمكن الركون إليها في تنقية المياه .

مناسبات الشهر الرابع - نيسانأبريل/April

1يوم تأسيس الجمهورية الإسلامية في إيران

1/ نيسان/ 1979م = 12/ فروردين/ 1358 ه_ . ش

في هذا اليوم من عام 1979م ، صوّت الشعب الإيراني بأغلبية 98 . 2% لصالح الجمهورية الإسلامية في أحد أكثر الانتخابات نزاهة وحرية وديمقراطية في تاريخ إيران ، وعلى أثر هذا تمّ إقرار الدستور بنفس الطريقة ، كما جرى انتخاب نواب مجلس الشورى الإسلامي ، وقد جاء هذا الحدث بعد سلسلة من الأحداث التاريخية التي جرت في نفس العام بدأت في 8/شباط/1979م عندما بايع أفراد القوة الجوية الإمام الخميني في مكان إقامته المدرسة العلوية في طهران ، وصار جيش الشاه على أبواب السقوط الكامل . إضافة إلى ذلك قام الكثير من جنود وضباط الجيش المؤمنين استناداً

لفتوى الإمام الخميني بترك معسكراتهم والالتحاق بصفوف الشعب الأبيّ .

وفي يوم 20 بهمن = 9 شباط انتفض أفراد القوة الجوية في أهم قاعدة جوية في طهران ، فتوجهت قوات حرس الشاه المخلوع لقمعهم ، فنزل الشعب إلى الميدان لحماية هذه القوات الثورية .

وفي 21 بهمن = 10 شباط سقطت مراكز الشرطة والمراكز الحكومية بيد الشعب ، وبهذا النحو تحطمت آخر مقاومة لنظام الشاه ، وفي صباح 22 بهمن = 11 شباط طلعت شمس انتصار ثورة الإمام الخميني الإسلامية ، ونهاية عهد سلطة الملوك الظالمة الجائرة في إيران .

ويعتبر ذلك الحدث من أهم التحولات التي شهدتها الساحة الإيرانية ، بعد انتصار الثورة الإسلامية بقيادة الإمام الخميني ، الذي أعطى نموذجاً رائعاً للقيادة ، عندما منح الشعب الفرصة ليبدي رأيه بحرية في نوع النظام الذي يختاره ، مع أن الشعب قد أعطى رأيه للجمهورية الإسلامية في مسيرة عاشوراء وتاسوعاء كما نصّ عليه الإمام وإنما عمد الإمام للاستفتاء من قبل الشعب كتباً كي يبقى سنداً وحجة على الشعب وعلى الآخرين ، وهذا يكشف عن الفكر الديمقراطي الحقيقي .

وتأتي أهمية هذا الحدث ، من خلال إجراء هذا الاستفتاء النزيه ولم يكن قد مضى على انتصار الثورة إلا حوالي شهرين ، في حين تمر الثورات الأخرى بفترات نقاهة اجتماعية قد تصل إلى عشرات من السنين دون أن تجد في نفسها القدرة على استفتاء شعوبها ، لكي تختار الطريق الأسلم ، وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على توق الشعب الإيراني إلى إقامة نظام إسلامي على أرضه يعطي للأمة دورها الحقيقي في

البناء والتطوير ، مما شكل ضربةً قوية في وجه القوى الاستكبارية .

وقد كان الشعب الإيراني حاسماً في اختياره حيث قطع الطريق على كل الطروحات التوفيقية الأخرى ، ومن الطريف أن بعض العناصر الليبرالية توسل إلى الإمام كي يضيف كلمة الديمقراطية مثلاً ليصار التصويت على الجمهورية الديمقراطية الإسلامية إلا أن الإمام رفضها بحسم قائلاً بكل حزم : الجمهورية الإسلامية الإيرانية . . لا كلمة تزيد ولا تنقص . . ، وقد سار الشعب الإيراني المسلم كله خلف خيار الجمهورية الإسلامية الذي تبناه الإمام الراحل .

معالم الحكومة الإسلامية

أثبتت الأيام صحة وصواب الخيار الشعبي على الإسلام الحقيقي كنظام يقود البلاد ، إذ تحولت الجمهورية الإسلامية إلى قلعة من قلاع الإسلام الحر والأصيل ، تقف في وجه كل المؤامرات الاستكبارية ، وتدعم كل القوى الخيرة التي تتوق للعدالة والحرية والاستقلال .

وما ذلك كله إلا بفضل الفهم العميق للإمام الراحل لمعالم الحكومة في تعاليم الإسلام المحمدي الأصيل الذي وضع الدستور للجمهورية الإسلامية على أساس تلك المعالم .

ولاية الفقيه أو الحكومة الإسلامية :

وضّح الإمام الراحل في كتابه الحكومة الإسلامية ، نظرة الإسلام المحمدي الأصيل بالنسبة إلى الحكم ، وهذا الكتاب عبارة عن مجموعة محاضرات ألقاها الإمام في الفترة ما بين 13 ذي القعدة إلى 2 ذي الحجة سنة 1389ه_ ، أيام إقامته في النجف الأشرف ، ووزعت في تلك الأيام بأشكال مختلفة ، كمجموعة كاملة أو على نحو دروس منفصلة . وفي خريف سنة 1970م طبعت من قبل أنصار الإمام في بيروت بعد مراجعتها من قبله وإعدادها للطبع ، ومن ثم أرسلت إلى إيران

بشكل سري كما أرسلت إلى عدد من المناطق الأخرى .

وكان كتاب الإمام كسائر آثاره على رأس لائحة الكتب الممنوعة في نظام الشاه ، ومع ذلك انتشر بطريقة مذهلة .

وميزة هذا الكتاب أنه تطرّق إلى مسألة الولاية بكثير من الاهتمام والتركيز وخصوصاً في مجال الحكومة وجوانبها السياسية ، حيث يشير كذلك إلى مخططات الأعداء التي تنفذ من أجل القضاء على الإسلام . ويرد على الشبهات المثارة حول عدم قدرة الإسلام على إدارة المجتمع والدولة في العصر الحديث ، وذلك بأسلوب استدلالي علمي معمق .

كما عرّف الإمام بشكل دقيق معالم الحكومة الإسلامية الحقيقية ، ومواضع الافتراق بينها وبين سائر أشكال الحكم .

وقام بإثبات ولاية الفقيه بمعنى التصدي للحكومة من خلال الإتيان بالروايات والاستدلال بها .

وعرض رؤاه حول تطوير الحوزات وإصلاحها والنهوض بالتعليم والتوجيه وإزالة آثار الاستعمار كلها .

وقد وفّق الإمام الراحل للتطبيق العملي لنظريته حول ولاية الفقيه والحكومة الإسلامية من خلال قيامه بالثورة الإسلامية وتولّيه قيادة المجتمع والدولة في إيران الإسلام بعد انتصار الثورة ، حيث أثبت كفاءة نادرة في هذا المجال وقدرةً بارعةً في الإدارة ، وفق تعاليم الإسلام المحمدي الأصيل والسير في ضوء الولاية ، وقد استمرّ خليفته بالحق الإمام الخامنئي في هذا الفكر والنهج من خلال قيادته للجمهورية الإسلامية الإيرانية بعد رحيل الإمام الخميني .

أحاديث في السياسة والحكومة

1- حسن السياسة الإدارة :

قال الإمام علي : حسن السياسة يستديم الرئاسة .

وعنه : رأس السياسة استعمال الرفق .

2- العدالة : قال الإمام علي : ملاك السياسة العدل .

وعنه : ثبات الدول بإقامة سنن العدل .

3- حسن التعامل

مع الناس الشعب :

قال الإمام علي : من سما إلى الرياسة صب_ر على مضض السياسة .

وعنه : من كثر جميله أجمع الناس على تفضيله .

4- ممارسة الرقابة على حسن أداء الحكومة :

قال الإمام علي : من دلائل الدولة قلة الغفلة .

5- حسن الاختيار :

قال رسول الله : من استعمل رجلاً من عصابة ، وفيهم من هو أرضى لله منه ، فقد خان الله ورسوله والمؤمنين .

2يوم الصحة العالمي

7/ نيسان/ 1948م

في مثل هذا اليوم يحتفل العالم بيوم الصحة العالمي ، حيث تم تشكيل هيئة عالمية تهتم بالصحة تحت عنوان منظمة الصحة العالمية ، وهي وكالة تابعة للأمم المتحدة متخصصة في مجال الصحة . وقد أنشئت هذه المنظمة في السابع من نيسان/ أبريل 1948م . وهدفها المنشود ، على النحو المبين في دستورها ، هو أن تبلغ جميع الشعوب أرفع مستوى صحي ممكن .

أما الصحة فهي استناداً إلى الدستور ذاته ، حالة من السلامة بدنياً وعقلياً واجتماعياً ، لا مجرد انعدام المرض أو العجز .

وتمارس الدول الأعضاء ، البالغ عددها 192 دولة ، سلطة رئاسية في المنظمة عن طريق جمعية الصحة العالمية . وتتألف جمعية الصحة من مندوبين يمثلون الدول الأعضاء ، وتتمثل الوظيفتان الرئيستان للجمعية في إقرار برنامج المنظمة وميزانيتها لفترة السنتين التاليتين والبت في أهم مسائل السياسة العامة .

الصحة في التعاليم الإسلامية

قد يظن بعض الناس ، جهلاً أو تجاهلاً ، أن دين الإسلام يقتصر في تعاليمه على الأمور العبادية كالصلاة والصوم والزكاة وغيرها من الفرائض التي لها علاقة بالآخرة فقط .

أما الأمور

الدنيوية والمعاشية فقد أهملها الإسلام ، وهذا من الأخطاء الفاضحة التي يقع فيها الكثير ممن لم يطلع على حقيقة الإسلام وتشريعاته .

فالإسلام منهاج حياة يرسم للإنسان طريق السعادة في الدنيا والآخرة ، ولذلك ورد في الحديث عن الإمام الباقر : نعم العون الدنيا على الآخرة .

فكانت هذه التعاليم أساساً لبناء حضارة إسلامية تعتبر من أعظم الحضارات في التاريخ ، لأنها اهتمت بالجانب المادي من حياة الإنسان ، بالإضافة إلى تركيزها على البعد الروحي المعنوي في حياته ، على عكس الحضارات الأخرى التي طغى فيها الجانب المادي على الجوانب الأخرى ، فكان ذلك سبب زوالها .

فالمعيار الإسلامي في التعامل مع الدنيا عدم جعلها غاية يلهث الإنسان وراء متاعها ، بل أن تكون وسيلة للآخرة ونعيمها ، من خلال التوازن في التعامل معها ، ولذلك ورد في الحديث : عن ابن أبي يعفور : قلت لأبي عبد الله : إنا لنحب الدنيا ، فقال لي : تصنع بها ماذا؟ قلت : أتزوج منها وأحج وأنفق على عيالي وأنيل أخواني وأتصدق ، قال لي : ليس هذا من الدنيا ، هذا من الآخرة .

من هذا المنطلق جاءت التعاليم الإسلامية لتهتم بكل جوانب حياة الإنسان ، فكما اهتمت بصيانة عقيدته من الانحراف ، فإنها اهتمت بصحته الجسدية من الأمراض والآفات .

بل وجعلته من أهم النعم ، حيث يقول الإمام علي : الصحة أفضل النعم .

ووضع الإسلام العديد من الإرشادات الصحية الوقائية والعلاجية ، وسنستعرض بعضاً منها فيما يلي :

1- الحث على النظافة :

قال رسول الله

: إن الله طيب يحب الطيب ، نظيف يحب النظافة .

وقال الإمام الرضا : من أخلاق الأنبياء التنظف .

2- التوازن في الأكل والتغذية :

قال رسول الله : كل وأنت تشتهي وأمسك وأنت تشتهي .

وعنه : من قلّ طُعمه صح بطنه وصفا قلبه ومن كثر طعمه سقم بدنه وقسا قلبه .

3- غسل اليدين قبل الطعام وبعده :

قال الإمام الصادق : اغسلوا أيديكم قبل الطعام وبعده .

4- الاغتسال والاستحمام :

قال الإمام علي : نعم البيت الحمام تذكر فيه النار ويذهب بالدرن .

5- الاعتناء بنظافة الملبس :

قال رسول الله : من اتخذ ثوباً فلينظفه .

وقال الإمام علي : النظيف من الثياب يذهب الهم والحزن .

6- الاعتناء بنظافة الشعر والاهتمام بصحته :

قال رسول الله : الشعر الحسن من كسوة الله تبارك وتعالى فأكرموه .

وقال الإمام الصادق : لا تتسرح في الحمام فإنه يرق الشعر .

7- الاعتناء بنظافة البشرة :

قال الإمام الصادق : الدهن يلين البشرة ويزيد في الدماغ ويسهل مجاري الماء ويذهب القشف ويسفر اللون .

8- الاعتناء بنظافة المسكن :

قال رسول الله : لا تبيتوا القمامة في بيوتكم وأخرجوها نهاراً .

وغيرها من الأحاديث الكثيرة التي وردت في تراثنا الحديثي ، مما يدل على شدة اهتمام الإسلام بالصحة الفردية والعامة ، ولو عملت البشرية بمثل هذه التعاليم ، لما عانت ، كما هي اليوم ، من الأمراض الخطيرة كالسارز وانفلونزا الطيور والإيدز وجنون البقر ، إذ إنها كلها من إفرازات الانسلاخ عن الفطرة والتمرد على الدين وتعاليمه .

3شهادة الإمام السيد محمد باقر الصدر 9/ نيسان/ 1980م

ولادته ونشأته

ولد آية الله العظمى

السيد محمد باقر الصدر في مدينة الكاظمية المقدسة في الخامس والعشرين من ذي القعدة سنة 1353 ه_ ، وكان والده العلامة المرحوم السيد حيدر الصدر ذا منزلة عظيمة ، وقد حمل لواء التحقيق والتدقيق والفقه والأصول ، وكان عابداً زاهداً عالماً عاملاً ، ومن علماء الإسلام البارزين .

وكان جده لأبيه السيد إسماعيل الصدر; زعيماً للطائفة ، ومربياً للفقهاء ، وفخراً للشيعة ، زاهداً ورعاً ضالعاً بالفقه والأصول ، وأحد المراجع العِظام للشيعة في العراق .

أما والدته فهي الصالحة التقية بنت المرحوم آية الله الشيخ عبد الحسين آل ياسين ، وهو من أعاظم علماء الشيعة ومفاخرها .

بعد وفاة والده تربى السيد محمد باقر الصدر في كنف والدته وأخيه الأكبر ، ومنذ أوائل صباه كانت علائم النبوغ والذكاء بادية عليه من خلال حركاته وسكناته .

دراسته وأساتذته

تعلم القراءة والكتابة وتلقى جانباً من الدراسة في مدارس منتدى النشر الابتدائية ، في مدينة الكاظمية المقدسة وهو صغير السن وكان موضع إعجاب الأساتذة والطلاب لشدة ذكائه ونبوغه المبكر ، ولهذا درس أكثر كتب السطوح العالية دون أستاذ .

بدأ بدراسة المنطق وهو في سن الحادية عشرة من عمره ، وفي نفس الفترة كتب رسالة في المنطق ، وكانت له بعض الإشكالات على الكتب المنطقية .

في بداية الثانية عشرة من عمره بدأ دراسة كتاب معالم الأصول عند أخيه السيد اسماعيل الصدر ، وكان يعترض على صاحب المعالم ، فقال له أخوه : إن هذه الاعتراضات هي نفسها التي اعترض بها صاحب كفاية الأصول على صاحب المعالم .

في سنة 1365 ه_ ، هاجر السيد الشهيد من الكاظمية المقدسة إلى النجف الاشرف ، لإكمال دراسته ، وتتلمذ عند شخصيتين بارزتين من أهل العلم والفضيلة وهما : آية الله الشيخ محمد رضا آل ياسين ، وآية الله العظمى الإمام السيد أبو القاسم الخوئي .

أنهى دراسته الفقهية عام 1379 ه_ والأصولية عام 1378 ه_ عند آية الله العظمى السيد الخوئي .

بالرغم من أن مدة دراسة السيد الصدر منذ الصبا وحتى إكمالها لم تتجاوز 17 أو 18 عاماً; إلا أنها من حيث نوعية الدراسة تعدّ فترة طويلة جداً ، لأن السيد كان خلال فترة اشتغاله بالدراسة منصرفاً بكلّه لتحصيل العلم ، فكان منذ استيقاظه من النوم مبكراً وإلى حين ساعة منامه ليلاً يتابع البحث والتفكير ، حتى عند قيامه وجلوسه ومشيه .

تدريسه

بدأ السيد الصدر في إلقاء دروسه ولم يتجاوز عمره الخامسة والعشرين عاماً ، فقد بدأ بتدريس الدورة الأولى في علم الأصول بتاريخ 12 / جمادي الآخرة / 1378 ه_ وأنهاها بتاريخ 12 / ربيع الأول / 1391 ، وشرع بتدريس الدورة الثانية في 20 رجب من نفس السنة ، كما بدأ بتدريس البحث الخارج في الفقه على نهج العروة الوثقى في سنة 1381ه_ .

تلامذته

ربى السيد الشهيد جملة من الفضلاء الذين تتلمذوا على يديه ، منهم :

1- آية الله السيد كاظم الحائري .

2- آية الله السيد محمود الهاشمي الشاهرودي .

3- آية الله الشهيد السيد محمد باقر الحكيم .

مؤلفاته

ألّف سماحته العديد من الكتب القيمة في مختلف حقول المعرفة ، وكان لها دور بارز في انتشار

الفكر الإسلامي على الساحة الإسلامية وهذه الكتب هي :

1- فلسفتنا : وهو دراسة موضوعية في معترك الصراع الفكري القائم بين مختلف التيارات الفلسفية ، وخاصة الفلسفة الإسلامية والمادية والديالكتيكية الماركسية .

2- اقتصادنا : وهو دراسة موضوعية مقارنة ، تتناول بالنقد والبحث المذاهب الاقتصادية للماركسية والرأسمالية والإسلام ، في أسسها الفكرية وتفاصيلها .

وغيرها من الكتب الهامة التي أغنت المكتبة الإسلامية .

3- دروس في علم الأصول 3 أجزاء .

4- فدك في التاريخ .

5- بحث حول المهدي .

6- نشأة التشيع و الشيعة .

7- نظرة عامة في العبادات .

أقوال العلماء حوله :

قال فيه صاحب كتاب أعيان الشيعة : هو مؤسس مدرسة فكرية إسلامية أصيلة تماماً ، اتسمت بالشمول من حيث المشكلات التي عنيت بها ميادين البحث ، فكتبه عالجت البُنى الفكرية العليا للإسلام ، وعنيت بطرح التصور الإسلامي لمشاكل الإنسان المعاصر . . . مجموعة محاضراته حول التفسير الموضوعي للقرآن الكريم طرح فيها منهجاً جديداً في التفسير ، يتسم بعبقريته وأصالته .

استشهاده

النشاط البارز للسيد الشهيد في نشر تعاليم الإسلام وضعه في صدام مع الزمرة البعثية البائدة الحاكمة آنذاك مما صدر أمر مباشر من الحاكم المستبد صدام التكريتي باعتقاله في 19/ جمادى الأولى/ 1400ه_ الموافق 5/4/1980م ، بعد أن أمضى 10 أشهر في الإقامة الجبرية .

وبعد ثلاثة أيام من الاعتقال استشهد السيد الصدر بنحو فجيع مع أخته العلوية الطاهرة بنت الهدى .

وفي مساء يوم 9/ 4/ 1980م 1400ه_ ، وفي حدود الساعة التاسعة أو العاشرة مساءً ، قطعت السلطة البعثية التيار الكهربائي عن مدينة النجف الأشرف ،

وفي ظلام الليل الدامس تسللت مجموعة من قوات الأمن إلى دار المرحوم حجة الإسلام السيد محمد صادق الصدر - أحد أقربائه - وطلبوا منه الحضور معهم إلى بناية محافظة النجف ، وكان بانتظاره هناك المجرم مدير أمن النجف ، فقال له : هذه جنازة الصدر قد تم إعدامه ، وطلب

منه أن يذهب معهم لدفنها ، فأمر مدير الأمن الجلاوزة بفتح التابوت ، فشاهد السيد محمد صادق ، الشهيد محمد باقر الصدر . مضرجاً بدمائه ، وآثار التعذيب على كل مكان من وجهه ، وقد تم دفن جثمانه الشريف في مقبرة وادي السلام ، المجاورة لمرقد الإمام علي في النجف الأشرف ، وأمّا أخته الشهيد بنت الهدى حتى هذا اليوم لا يعرف أين دفنت .

والسلام على روحهما الطاهرتان .

ومن حسن الصدفة أو الحكمة ولعله من عجائب التاريخ إن سقوط صدام المجرم كان في يوم الذي استشهد هذا العالم الجليل وذلك بعد عشرين عاماً من شهادته .

4عيد الجلاء يوم استقلال سورية

17/ نيسان/ 1946م

يحتفل الشعب السوري في هذا اليوم من كل عام بالعيد الوطني للاستقلال ، حيث جلت في مثل هذا اليوم من عام 1946م القوات الفرنسية المستعمرة ، من كافة الأراضي السورية .

تقع الجمهورية العربية السورية في غرب القارة الآسيوية على الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط ، وتبلغ مساحتها 185180 كيلو متراً مربعاً تحدها من الشمال تركيا ، ومن الشرق العراق ومن الجنوب الأردن وفلسطين ومن الغرب البحر المتوسط ولبنان .

وعاصمة سوريا هي مدينة دمشق التي تعتبر من أقدم مدن العالم المأهولة بالسكان ، ومن المدن المهمة في هذا

البلد : حلب وحمص واللاذقية .

وتمتاز سوريا بوجود العديد من الأماكن التاريخية والسياحية والدينية فيها ، مثل مقام السيدة زينب ، والمقامات في مقبرة باب الصغير ، ومقام السيدة رقية في دمشق ، ومقام عمار بن ياسر وأويس القرني في الرقة ، وغيرها من المقامات والمشاهد المشرفة .

لدفاع عن الأرض في القرآن والسنة :

لم ينل الشعب العربي السوري استقلاله إلا بعد سنوات من القتال والجهاد والتضحية قدم خلالها العديد من الشهداء في سبيل حريته وكرامته وعزته ، فمنذ أن وطأت أقدام جنود الاستعمار الفرنسي الأراضي السورية قامت الثورات في كل بقعة من أرضه ، ومن يطالع الأحاديث الشريفة يلاحظ أن أهم وسيلة لنيل الحرية والكرامة ودحر العدو هو الجهاد والتضحية ، وفيما يلي بعض هذه الآيات والأحاديث :

أ - قال تعالى : وَأَعِدّواْ لَهُمْ مّا اسْتَطَعْتُمْ مّن قُوّةٍ وَمِن رّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوّ اللهِ وَعَدُوّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللهُ يَعْلَمُهُمْ . .

ب - قال رسول الله : إن الله يبغض رجلاً يُدخل عليه في بيته ولا يقاتل .

ج - وعنه : من قتل دون ماله فهو شهيد .

د - وعنه : لغزوة في سبيل الله أحب إليَّ من أربعين حجة .

ولا زالت الجمهورية العربية السورية تقف اليوم سداً منيعاً في وجه الأطماع الغربية والصهيونية ، التي تتربص بها الدوائر وتكيد لها المؤامرات .

ولذلك فإن يوم الجلاء يجب أن يكون مناسبة هامة ، للتضامن مع الشعب العربي السوري وقيادته الحكيمة ، أمام كل المخططات المغرضة ، وقد أظهرت الجمهورية الإسلامية الإيرانية علناً

موقفاً مؤيداً وقوياً في مساندة الموقف السوري الرافض للهيمنة والتسلط على المنطقة .

5اليوم العالمي للكتاب

23/ نيسان/ 1991م

يحتفل العالم في مثل هذا اليوم باليوم العالمي للكتاب ، وتعود الخلفية التاريخية لهذه المناسبة ، إلى العام 1991م ، عندما انعقد المؤتمر العام لمنظمة اليونيسكو ، وقرر تخصيص اليوم الثالث والعشرين من شهر نيسان من كل عام ، للاحتفال باليوم العالمي للكتاب وحقوق الطبع والنشر ، ويعود اختيار هذا اليوم بالذات لأنه يصادف ذكرى ميلاد أو وفاة العديد من الأدباء العالميين ، مثل ويليام شكسبير وسرفانتس . .

وفي هذا اليوم لا يمكن أن ننسى ما أسهمت به الحضارة الإسلامية ، في رفد المسيرة الإنسانية ، بالعديد من الكتب والمؤلفات التي استفاد منها الغرب في القرون الوسطى ، لتكون أساساً لنهضتهم العلمية التي يفتخرون بها .

مكانة الكتاب في الإسلام

حظي العلم بشكل عام ، والكتاب بشكل خاص ، باهتمام كبير في التعاليم الإسلامية ، حيث أقسم تعالى بالقلم في سورة خص اسمها به يقول تعالى : نَ وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ . .

وسنستعرض بعض الروايات التي تدل على كل ذلك فيما يلي :

1- المطالعة أفضل وسيلة لملأ الوقت :

قال الإمام علي : الكتب بساتين العلماء .

وعنه : من تسلى بالكتب لم تنته سلوه .

وعنه : نعم المحدث الكتاب .

2- الحث على الكتابة والتأليف :

قال رسول الله : قيدوا العلم بالكتاب .

وقال الإمام الصادق : اكتبوا فإنكم لا تحفظون حتى تكتبوا .

3- ثواب التأليف والكتابة :

قال رسول الله : المؤمن إذا مات وترك ورقة واحدة عليها علم

تكون تلك الورقة يوم القيامة ستراً فيما بينه وبين النار وأعطاه الله تبارك وتعالى بكل حرف مكتوب عليها مدينة أوسع من الدنيا سبع مرات .

وعنه : من مات وميراثه الدفاتر والمحابر وجبت له الجنة .

4- ضرورة الاهتمام بالكاتب والمؤلف :

قال الإمام الصادق : يستدل بكتاب الرجل على عقله وموضع بصيرته .

5- الاهتمام بنوعية التأليف والكتاب :

قال الإمام علي : إذا كتبت كتاباً فأعد فيه النظر قبل ختمه فإنما تختم على عقلك .

6- الكتابة مسؤولية :

قال الإمام علي : كتاب الرجل عنوان عقله وبرهان فضله .

نماذج من التاريخ الإسلامي :

إتباعاً من المسلمين لتعاليم القرآن والرسول وأهل بيته الأطهار ، فقد نشطت حركة التأليف والترجمة بينهم ، وازداد اهتمامهم بالمكتبات فانتشرت المكتبات العامة والخاصة وتوسعت ، وتضاعفت النتاجات الأدبية والعلمية فيهم ، حتى أصبح الكتاب ضرورياً كالماء والهواء بالنسبة إليهم ، وقد قدم التاريخ الإسلامي نماذج لذلك الاهتمام ، حيث يذكر السيد محسن الأمين إن أول من ألف الكتاب في الإسلام من العلماء هم علماء الشيعة إذ يقول :

. . . بل الصحيح أن أول من صنف في الإسلام أمير المؤمنين ثم سلمان الفارسي ثم أبو ذر ثم الأصبغ بن نباتة ثم عبد الله بن أبي رافع ثم الصحيفة الكاملة . . . .

ويضيف قائلاً : . . . وقد كانت كل كلمة تصدر من أحد خصومهم أو أمر يحدث يكون سبباً في تأليف كتاب . فالنجاشي صنف فهرست أسماء المصنفين من الشيعة وكتبهم لما سمع من يقول : إنه لا سلف لكم ولا مؤلف . والشيخ أبو جعفر

محمد بن الحسن الطوسي صنف المبسوط في الفقه لما كان يسمع ما يقوله المتفقهة من غير الشيعة من نسبتهم الإمامية إلى قلة الفروع وقولهم أن من ينفي القياس والاجتهاد لا طريق له إلى كثرة المسائل ولا التفريغ على الأصول ، لأن جل ذلك مأخوذ من هذين الطريقين ، وأبان فيه أن جل ما ذكروه من المسائل موجود في أخبارنا خصوصاً أو عموماً ، تصريحاً أو تلويحاً ، وإنه لا فرع مما ذكروه في كتبهم من مسائل الفروع إلا وله مدخل في أصولنا ومخرج على مذاهبنا ، إلا على وجه القياس بأعلى طريقة توجب علماً يجب العمل عليها من البناء على الأصل وبراءة الذمة وغير ذلك .

فجاء كتاباً لا نظير له في كتب الشيعة ولا غيرهم ، ولما بلغ هذا الشيخ إن بعض الناس استنكر تعارض الأخبار الواردة عن أئمة أهل البيت صنف كتاب الاستبصار في الجمع بين ما تعارض من الأخبار .

وعلي بن محمد الخزاز القمي من أهل القرن الرابع لما سمع من يقول إنه لم يرد شيء في إمامة الأئمة الاثني عشر عن الصحابة والعترة صنف كتاب كفاية الأثر في النصوص على الأئمة الاثني عشر ذكر فيه ما ورد من ذلك عن الصحابة والعترة بأسانيده . والطبرسي لما سمع من ينكر الاحتجاج جمع كتاباً فيه مجموعة من الاحتجاجات في القرآن وما جاء من احتجاجات النبي والزهراء والأئمة وجماعة من الصحابة وبعض العلماء وهو المعروف باحتجاج الطبرسي . والشيخ زين الدين بن علي العاملي الجبعي المعروف بالشهيد الثاني لما رأى ندرة الشروح المزجية في مؤلفات الشيعة ألف عدة شروح مزجية كشرح اللمعة الدمشقية وشرح ألفية الشهيد ونفليته

وشرح الدراية وغيرها . . . .

ولم ينحصر دور علماء الشيعة في مجال واحد من العلم بل تعددت اهتماماتهم وتنوعت حيث يقول السيد الأمين : . . . وقد ألف علماء الشيعة في جميع فنون الإسلام وجملة منها لم يسبقهم إلى التأليف فيها سابق من التفسير والقراءة والحديث ، والفقه من الطهارة إلى الديات ، ومناسك الحج ، والفرائض والمواريث بالخصوص ، وأصول الدين وعلم التوحيد ، وأصول الفقه ودراية الحديث ، وشرح الأخبار ، وشرح الأربعين حديثاً ، وعمل اليوم والليلة ، وعمل الأسبوع ، وأعمال السنة ، وأعمال شهر رمضان بالخصوص ، والمزارات ، والدعوات ، والاحتجاج ، ورد الدهرية وغيرهم ، والأخلاق ، والمواعظ والحكم والآداب ، والتاريخ والمغازي والمقاتل والأنساب والشعر والآداب ، وعلم الرجال والتراجم وفهرست المصنفات والإجازات والجغرافيا وتقويم البلدان ، والهيئة ، وتشريح الأفلاك ، وعلم النجوم ، والهندسة . . . .

حقوق الطباعة والنشر

وأخيراً نشير إلى ملاحظة هامة ، وهي ما تعانيه حركة التأليف والنشر في العالم العربي بشكل خاص ، من التعدي على حقوق المؤلفين والناشرين بلا قيد أو شرط أو وازع ، مما يؤثر بشكل سلبي على حيوية تلك الحركة ونموها ولذا ينبغي لدور النشر أن تراعي الحقوق المعترف بها لكتاب والمؤلفين .

ومن يطالع فتاوى المراجع العظام يلاحظ ذلك .

فقد ذكر الإمام السيد علي الخامنئي في أجوبة الاستفتاءات ، حول حكم إعادة طبع الكتب والمقالات التي تستورد من الخارج أو المطبوعة في داخل الجمهورية

الإسلامية بلا إذن من ناشريها ، قائلاً : مسألة إعادة الطباعة ، أو التصوير بالأوفسيت ، بالنسبة للكتب المطبوعة خارج الجمهورية الإسلامية خاضعة للاتفاقيات المعقودة ، بشأنها بينها وبين تلك الدول ، وأما الكتب التي طبعت في داخل البلاد ، فالأحوط رعاية حق الناشر بالاستجازة منه في إعادة الطباعة وتجديد طبعها .

بل حتى في حالة غياب المصنف لسفر أو وفاة أو ما شابه ذلك ، يذكر سماحته : يرجع في الاستئذان وتسليم المال ، إلى وكيل المصنف ، أو قيِّمه الشرعي ، أو إلى وارثه بعد وفاته .

مناسبات الشهر الخامس - آيارمايو/May

1يوم العمال العالمي1/ أيار/ 1889م

بتاريخ 1/ أيار/ 1886م ، شنت قوات شرطة مدينة شيكاغو الأمريكية ، حملة قاسية ، على عدد كبير من العمال المتظاهرين الذين كان يحتجون على ظروف عملهم الصعبة ، حيث ذهب ضحية هذه الحملة عدد كبير من القتلى والجرحى ، وبعد عدة أيام أقيمت محاكمة لقادة أولئك العمال حيث حكم عليهم بالموت .

وفي عام 1889م عقد اجتماع مجلس العمال العالمي في باريس ، حيث تم فيه إقرار الأول من شهر أيار من كل عام ، يوماً عالمياً للعمال ، إحياءً لذكرى العمال الذين قتلوا في شيكاغو خلال مجزرة بشعة كشفت الوجه الحقيقي للإمبريالية الأمريكية التي تستهدف الربح فقط دون النظر إلى متطلبات العمال الطبيعية ، في حين أن التعاليم الإسلامية نصت على الحفاظ على كرامة العامل في تشريعاتها الاجتماعية .

قيمة العمل في الإسلام

الإسلام دين الفطرة السليمة ، حيث ينظر نظرة واقعية إلى مختلف جوانب حياة الإنسان ، ويراعي جميع متطلباته ،

ويأخذها بعين الاعتبار ، على عكس بعض الأديان الأخرى التي قد تركز على الجانب المعنوي في حياته من خلال دعوته إلى الرهبانية والتقوقع والانعزال عن حركة الحياة ، وكأن الإنسان خلق لأجل هذه المهمة فحسب ، ولذلك نهى الإسلام عن هذه البدعة ، حيث قال رسول الله لعثمان بن مظعون : يا عثمان ، إن الله تبارك وتعالى لم يكتب علينا الرهبانية ، إنما رهبانية أمتي الجهاد في سبيل الله .

فالعمل والسعي من الحقائق الأساسية في الحياة ، فلا يمكن للإنسان العيش بدون كسب قوت يومه لذلك يقول : إن النفس إذا أحرزت قُوْتَها استقرت .

والعمل من وجهة نظر الإسلام ، يشمل كل مهنة أو صنعة يتطلب وقتاً وجهداً من الفرد لإنجازه ، ولها مردود إيجابي في حياة الإنسان تكسبه الكرامة ، وتبعده عن الوقوع في الحرام ، فالطبيب عامل والمهندس عامل والطالب عامل والخطيب عامل والعالم عامل ، والكاتب عامل .

وسنستعرض فيما يلي بعض الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة في فضل العمل والعامل :

1-العمل واجب :

قال تعالى : فَإِذَا قُضِيَتِ الصّلاَةُ فَانتَشِرُواْ فِي الأرْضِ وَابْتَغُواْ مِن فَضْلِ اللهِ وَاذْكُرُواْ اللهَ كَثِيراً لّعَلّكُمْ تُفْلِحُونَ

عن زرارة قال : إن رجلاً أتى أبا عبد الله فقال : إني لا أحسن أن أعمل عملاً بيدي ولا أحسن أن أتجر وأنا محارف محتاج فقال : اعمل فاحمل على رأسك واستغن عن الناس .

2- العمل من أسس الحياة الكريمة :

قال تعالى : وَلَقَدْ مَكّنّاكُمْ فِي الأرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلاً مّا تَشْكُرُونَ .

وروي عن المعلى بن خنيس : رآني

أبو عبد الله وقد تأخرت عن السوق

فقال : اُغْدُ إلى عِزِّك .

3- العمل مكمل للعبادة :

قال شخص للإمام الصادق : رجل قال : لأقعدن في بيتي ، ولأصلين ولأصومن ولأعبدن ربي ، فأما رزقي فسيأتيني .

فقال أبو عبد الله : هذا أحد الثلاثة الذين لا يستجاب لهم .

4- مراعاة الأمانة والإخلاص في العمل :

قال الإمام علي : إن الله يحب المحترف الأمين .

5- مراعاة الإتقان في العمل :

قال رسول الله : إذا عمل أحدكم عملاً فليتقن .

6- مراعاة الاختصاص في أداء العمل :

قال رسول الله : من عمل على غير علم ، ما يفسد أكثر مما يصلح .

7- مراعاة التنظيم والتخطيط في العمل :

قال الإمام علي : أمضِ لكل يوم عمله فإن لكل يوم ما فيه .

وغيرها من الأحاديث الكثيرة في فضل العمل ومكانة العامل .

بقي أن نشير هنا إلى أن الأئمة المعصومين قد أعطوا المثال العملي على أقوالهم ، حيث نزلوا إلى ساحات العمل ، مع ما كانوا عليه من مكانة علمية واجتماعية بارزة ، ليشجعوا المسلمين على بذل الجهد والتعب عند أداء أعمالهم ، وإليكم بعض هذه النماذج الرائعة :

عن أبي عبد الله قال : إن محمد بن المنكدر كان يقول : ما كنت أظن أن علي بن الحسين يدع خلفاً أفضل منه حتى رأيت ابنه محمد بن علي فأردت أن أعظه فوعظني فقال له أصحابه : بأي شيء وعظك؟ فقال : خرجت إلى بعض نواحي المدينة في ساعة حارة فلقيني أبو جعفر محمد بن علي وكان رجلاً بادناً ثقيلاً وهو متكىء

على غلامين أسودين أو موليين فقلت في نفسي : سبحان الله شيخ من أشياخ قريش في هذه الساعة على مثل هذه الحالة في طلب الدنيا أما لأعظنه فدنوت منه فسلمت عليه فرد عليّ بنهر وهو يتصابب عرقاً فقلت أصلحك الله شيخ من أشياخ قريش في هذه الساعة على هذه الحال في طلب الدنيا أرأيت لو جاء أجلك وأنت على هذه الحال؟!! فقال : لو جاءني الموت وأنا على هذه الحال جاءني وأنا في طاعة من طاعة الله عز وجل أكف بها نفسي وعيالي عنك وعن الناس وإنما كنت أخاف لو أن جاءني الموت وأنا على معصية من معاصي الله ، فقلت : صدقت يرحمك الله أردت أن أعظك فوعظتني .

وعن عبد الأعلى مولى آل سام قال : استقبلت أبا عبد الله في بعض طرق المدينة في يوم صائف شديد الحر فقلت : جعلت فداك حالك عند الله عز وجل وقرابتك من رسول الله وأنت تجهد نفسك في مثل هذا اليوم؟ فقال : يا عبد الأعلى خرجت في طلب الرزق لأستغني به عن مثلك .

وفيما سبق قدمنا عرضاً موجزاً لمكانة العمل والعامل في الإسلام ، وما لم نقدر على إيراده أكثر بكثير حيث نتلمس روح الكرامة والعزة التي غرستها التعاليم الإسلامية في نفس الإنسان المسلم ، وما أحوجنا في هذه الأيام لتمثلها لكي تستعيد الأمة مجدها وسؤددها .

2اليوم العالمي للهلال والصليب الأحمر الدوليين8/ أيار/ 1864م

خصص هذا اليوم للهلال والصليب الأحمر الدوليين ، تكريماً لهاتين المنظمتين على جهودهما الجبارة في تخفيف الآلام والأمراض والحفاظ على الصحة وتقديم المساعدة لضحايا الحرب والعنف المسلح وقد أوكلت إليها بموجب القانون الدولي مهمة دائمة بالعمل غير المتحيز لصالح السجناء والجرحى

والمرضى والسكان المدنيين المتضررين من النزاعات .

ومقر اللجنة الدولية للصليب الأحمر في جنيف ، وهناك مراكز للجنة الدولية في حوالي 80 بلداً ويعمل معها عدد من الموظفين يتجاوز مجموعها 12000 موظف .

هذا وفي حالات النزاع ، تتولى اللجنة الدولية تنسيق العمل الذي تقوم به الجمعيات الوطنية للصليب الأحمر والهلال الأحمر واتحادها العام .

واللجنة الدولية هي مؤسس الحركة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر ومصدر إنشاء القانون الدولي الإنساني لاسيما اتفاقيات جنيف .

الإنسانية في التعاليم الإسلامية :

إن من يطالع التعاليم الإسلامية ، يجد أن الجانب الأخلاقي والإنساني قد طبعها بطابع الرحمة والرأفة ، فالإسلام دين الخير والسلام ، وقد وصف تعالى رسوله محمداً بهذه الصفة قائلاً : وَإِنّكَ لَعَلَىَ خُلُقٍ عَظِيمٍ

وهذه المبادئ الإنسانية في التعاليم الإسلامية ، ثابتة لا تتغير بتغير القرون والأحوال ، وسواء كان الطرف المقابل مسلماً أو غير مسلم ، سواء كان الطرف المقابل في حالة حرب أو حالة سلم .

فالأصل في الإسلام هو الرحمة ، يقول تعالى :

كَتَبَ عَلَىَ نَفْسِهِ الرّحْمَةَ لَيَجْمَعَنّكُمْ إِلَىَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ . . . .

وسنذكر نماذج من التعاليم الإسلامية التي نتلمس منها ضرورة المحافظة على إنسانية الإنسان وكرامته سواء في السلم أو الحرب :

كرامة الإنسان مصانة بغض النظر عن دينه أو عرقه :

قال تعالى : وَلَقَدْ كَرّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مّنَ الطّيّبَاتِ وَفَضّلْنَاهُمْ عَلَىَ كَثِيرٍ مّمّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً .

قال رسول الله : ما شيء أكرم على الله من ابن آدم ، قيل : يا رسول الله! ولا الملائكة؟! قال

: الملائكة مجبورون ، بمنزلة الشمس والقمر .

الحث على الإغاثة وعمل الخير :

قال الإمام الكاظم : عونك للضعيف من أفضل الصدقة .

وعن الإمام الصادق : أفضل الصدقة إبراد الكبد الحرى .

الإحسان إلى الأسير :

قال رسول الله : أفضل الصدقة على الأسير المخضرّ عيناه من الجوع .

وعن الإمام الصادق : إطعام الأسير حق على من أسره وإن كان يراد من الغد قتله ، فإنه ينبغي أن يطعم ويسقى ويظل ويرفق به كافراً كان أو غيره .

وغير ذلك من الأحاديث الكثيرة التي تحث على العمل الخيري والإغاثي ، وقد كان أهل البيت قدوة في هذا المجال ، من خلال إعطائهم النموذج العملي لذلك ، فهذا هشام بن سالم يقول : كان أبو عبد الله إذا اعتم وذهب من الليل شطره أخذ جراباً فيه خبز ولحم دراهم ، فحمله على عنقه ثم ذهب به إلى أهل الحاجة من أهل المدينة فقسمه فيهم ولا يعرفونه ، فلما مضى أبو عبد الله فقدوا ذلك ، فعلموا أنه كان أبا عبد الله .

3اليوم العالمي للأسرة

15/ أيار

الأسرة هي اللبنة الأولى في المجتمع فإذا صلحت صلح المجتمع وإذا فسدت فسد .

وقد ركزت العالم على مسألة الأسرة لما لها من علاقة مؤثرة في تطور المجتمع وتقدمه فعمدوا إلى وضع القوانين الناظمة لها والموجبة لرقيها وسعادتها وذلك بحسب ما تقتضيه ثقافة شعوبها .

وقد سبق الإسلام في تشريعاته كل الأنظمة في مجال العناية بالأسرة وتلبية متطلباتها منذ ما قبل الزواج من خلال اختيار الزوجة الصالحة إلى حين بناء العائلة ، وآداب علاقة أفرادها مع بعض وعلاقة

الأسرة مع المجتمع وبالعكس وسنتعرض لبعض هذه التعاليم فيما يلي .

الأسرة في الإسلام ، حقوق وواجبات

حدد الإسلام لأفراد الأسرة حقوقاً وواجبات ينبغي التقيد بها حتى تعيش بسعادة ووئام ، وفيما يلي بعض منها :

أ- دور الأب في الأسرة :

1- المعاملة الحسنة مع أفراد العائلة :

قال تعالى : وَعَاشِرُوهُنّ بِالْمَعْرُوفِ .

قال رسول الله : أحسن الناس إيماناً أحسنهم خلقاً وألطفهم بأهله .

وعنه : جلوس المرء عند عياله أحب إلى الله من اعتكاف في مسجدي هذا .

قال الإمام السجاد : إن أرضاكم عند الله أسبغكم على عياله .

وعنه : وأما حق الزوجة فأن تعلم أن الله جعلها لك سكناً وأنساً ، فتعلم أن ذلك نعمة من الله عليك فتكرمها وترفق بها .

2- السعي لتلبية حاجات الأسرة المادية :

قال الإمام السجاد : لأن أدخل السوق ومعي درهم أبتاع به لحماً لعيالي وقد قرموا إليه أحب إلي من أن أعتق نسمة .

قال الإمام الصادق : إن المرء يحتاج في منزله وعياله إلى ثلاث خلال يتكفلها وإن لم يكن في طبعه ذلك : معاشرة جميلة وسعة بتقدير وغيرة بتحصن .

3- تربية الأولاد :

قال رسول الله : رحم الله والداً أعان ولده على بره .

4- تعليم الأولاد حرفة نافعة :

من خلال وضع خبرته لأجل بناء مستقبل الأولاد ، ولذا يقول الإمام علي : أولى الأشياء أن يتعلمها الأحداث الأشياء التي إذا صاروا رجالاً احتاجوا إليها .

ب- دور الأم في العائلة :

1- إطاعة زوجها في غير معصية الله :

قال رسول الله : لو أمرت أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة

أن تسجد لزوجها .

وعنه : ما من امرأة رفعت من بيت زوجها شيئاً من موضع إلى موضع تريد به صلاحاً إلا نظر الله إليها ومن نظر الله إليه لم يعذبه .

2- مراعاة حال الزوج :

قال رسول الله : أيما امرأة حملته على ما لا يقدر عليه وما لا يطيق لم تقبل منها حسنة .

قال الإمام الصادق : سعيدة سعيدة امرأة تكرم زوجها ولا تؤذيه وتطيعه في جميع أحواله .

وعنه : لا غنى بالزوجة فيما بينها وبين زوجها المرافق لها عن ثلاث خصال وهن : صيانة نفسها عن كل دنس حتى يطمئن قلبه إلى الثقة بها في حال المحبوب والمكروه ، وحياطته لتكون ذلك عاطفاً عليها عند زلة تكن منها ، وإظهار العشق له بالخلابة والهيئة الحسنة لها في عينه .

ج- دور الأولاد في الأسرة :

لعل أهم واجب يقع على عاتق الأولاد تجاه الوالدين هو البر بهما وقد وردت آيات وأحاديث كثيرة في الحث على هذه الفريضة .

قال تعالى : وَقَضَىَ رَبّكَ أَلاّ تَعْبُدُوَاْ إِلاّ إِيّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمّا يَبْلُغَنّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لّهُمَآ أُفّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذّلّ مِنَ الرّحْمَةِ وَقُل رّبّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبّيَانِي صَغِيراً .

قال الإمام علي : بر الوالدين أكب_ر فريضة .

وعن الإمام الرضا : إن الله عز وجل . . . أمر بالشكر له وللوالدين فمن لم يشكر والديه لم يشكر الله .

وعنه : بر الوالدين واجب وإن كانا مشركين ولا طاعة لهما في معصية الخالق .

وعن الإمام الصادق : يجب للوالدين على الولد ثلاثة أشياء؛

شكرهما على كل حال وطاعتهما فيما يأمرانه وينهيانه عنه في غير معصية الله ونصيحتهما في السر والعلانية .

وفي هذا الإطار ينبغي الإشارة إلى الدور الهام الذي تلعبه الأنظمة والدول

من خلال سن تشريعات وقوانين هدفها الحفاظ على تماسك الأسرة وعدم تفكيكها من خلال تهيئة الأجواء المناسبة لكمال الأسرة وبنائها ، ولا يخفى على أي إنسان منصف ذلك الأثر الهام الذي تتركه التوجيهات الإلهية وإرشادات المعصومين الأطهار في تفعيل تلك القوانين ، كما يجدر بالذكر ضرورة اطلاع جميع أفراد الأسرة على تلك القوانين ليعرفوا حدود حرياتهم وآفاق حركاتهم وأعمالهم فلا يعلو فرد على أخر إلا ضمن هذه التشريعات .

عوامل سعادة الأسرة

ومن أهمها : الإنصاف :

وتتجلّى في محبة المرء لغيره ما يحب لنفسه وبغضه لهم ما يبغضه لها . وينبغي أن تسود هذه الحالة على تصرفات الزوجين فيما بينهما وعلى تصرفاتهما إزاء أولادهما وعلى تصرفات الأولاد إزاء والديهم ، فكل فرد في المجتمع مأمور بأن ينصف الآخرين وأن يراعي الناس في كل عمل يقوم به .

قال الإمام الصادق عن رسول الله : أعدل الناس من رضي للناس ما يرضى لنفسه وكره لهم ما يكره لنفسه

وقال رجل لرسول الله : علمني عملاً لا يحال بينه وبين الجنة قال : لا تغضب ، ولا تسأل الناس شيئاً ، وارض للناس ما ترضى لنفسك .

وقال أمير المؤمنين : ألا إنه من ينصف الناس من نفسه لم يزده الله إلا عزاً .

ما أجملها من حياة وأحلاها حين يتوسم الزوج الإنصاف إزاء زوجته ، والزوجة إزاء زوجها ، وكلاهما حيال أولادهما ، والأولاد حيال أبويهم ،

ويحب كل منهم للآخر ما يحب لنفسه ويكره له ما يكره لها .

فلا تكن الراحة من نصيب رب الأسرة وأولاده فيما تتحمل الأم أعباء البيت ومشاقّه ، أو يشقى الأبوان فيما يصب الأولاد همهم على الأكل والنوم فقط بل يمنون على أبويهم كذلك ، على الجميع أن ينصف بعضهم البعض ويخدمه ويعدل بحقه ، وأن يعين بعضهم بعضاً في إنجاز أعمال البيت كي يتوفر جانب من سعادتهم وينجون من الشقاء .

المداراة والرفق :

إن التحلي بالرفق واللين والانسجام ، استناداً إلى الأخلاق الفاضلة يعد نوعاً من العبادة تورث الثواب الجزيل والمنافع المهمة للغاية ، بالإضافة إلى كونها خلقاً رائعاً يدعو إليه الإسلام العزيز .

قال رسول الله : الرفق يمن ، والخرق شؤم .

وقال رسول الله : ما من عمل أحب إلى الله تعالى ورسوله من الإيمان بالله والرفق بعباده ، وما من عمل ابغض إلى الله تعالى من الإشراك بالله تعالى يرجى التأكد على عباده .

إن الواجب الإلهي يحتم على الزوج والزوجة وأولادهما التحلي بالرفق والمداراة واللين والتوقير والتساهل إزاء بعضهم البعض وتجاه الآخرين .

النصيحة

ويترتب عليها منافع دنيوية وأخروية ، أما قبول النصيحة فيورث نور القلب والبصيرة ، وعلى كل فردٍ تقديم النصح وحب الخير لغيره بما تسمح به قابليته ووسعه ، والحري بمن نُصح الاستماع للنصيحة والموعظة والاستجابة لها .

وأثناء تقديم النصح ينبغي التخلي عن الخجل والحياء لانتفائهما في هذا الموقف ،

ولا بد من ترك الكبر والغرور على تقبل النصح ، لأن الحياء - كما صرح بذلك النبي الأكرم - يحول دون تقديم النصيحة

، والكبر يمنع من قبولها وهو من الخصال الشيطانية .

ربما يتطلب الأمر أن يبادر رب الأسرة إلى تقديم النصح والموعظة لعياله ويوجههم إلى واجباتهم ، وتارة قد يستوجب الموقف أن تبادر الزوجة إلى نصح زوجها ، وأخرى قد يتوجب على الأولاد نصيحة والديهم ، وعلى كل منهم الاستماع إلى نصيحة الطرف الآخر والابتعاد عن التكبر والغرور .

يقول الإمام الصادق : من رأى أخاه على أمرٍ يكرهه فلم يرده عنه وهو قادر فقد خانه .

الأدب

إن الاتزان والتحلي بالوقار والتزام الآداب ومداراة الآخرين أثناء التعامل والمحافظة على الشخصية في جميع الأحوال وأمام جميع الناس ، والتكلم عند الضرورة ، واحترام الناس ، وما شابه ذلك ، كلها تعتبر من مراتب التأدب .

على الزوج ، أن يتحلى بالأدب إزاء زوجته ، وعلى الزوجة أن تكون مؤدبة قبال زوجها ، وعليهما أن يلتزما بالأدب حيال أولادهما ، وعلى الأولاد التحلي بالآداب إزاء أبويهم .

إن التأدب يرفع الإنسان ويصون شخصيته ويوجب عزته ، ويزيد في المحبة ، وينمي الأصحاب ، ويسمو بالمرء سواء داخل الأسرة أو خارجها ، وبالإضافة إلى كل ذلك فإن الأدب مدعاة لنزول الرحمة الإلهية ومراعاته تعتبر ضرباً من العبادة .

قال أمير المؤمنين : لا حسب أبلغ من الأدب .

وفي حديث له قال : حسن الأدب ينوب عن الحسب .

الوفاء بالعهد

إن الوفاء بالعهد يعد واجباً شرعياً ، ونقضه يُعدُّ حراماً .

إن العقد بين الرجل والمرأة يعتبر عهداً إلهياً على الجانبين المحافظة عليه والوفاء به ، إن الوعد الذي يعطيه الزوج

لزوجته والزوجة لزوجها ، ويعطيانها لأولادهما يُعد نوعاً من العهد يجب الوفاء به إذا لم يكن هنالك مانع شرعي عنه ، ويحرم نقضه حينئذٍ .

قال تعالى : أَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً .

قال الإمام الصادق : أداء الأمانة إلى الب_ر والفاجر ، والوفاء بالعهد للب_ر والفاجر ، وبر الوالدين بارّين كانا أو فاجرين .

التشاور

يجب أن لا تكون الدار مركزاً استبدادياً ينفرد بحكمه شخصٌ واحدٌ يفرضُ ما تمليه أفكاره ورغباته .

إن للمشاورة فوائد جمّة ، فإذا ما تشاور الزوجان حول شؤون الأسرة ، واستشارا البالغين من أولادهما ، أو كبار السن الذين خبروا الحياة وذاقوا حلاوتها ومرارتها فإنّ ذلك يصب في صالحهما وربما نفعهما في الدنيا والآخرة .

عليكم بالمواظبة على المشاورة فلا تتشبثوا بالمحورية ، ولا تهملوا آراء الآخرين أو تردوها ، ولا تنظروا إلى أنفسكم على أنكم أعلم من سواكم ، مهّدوا أرضية التشاور لجميع أفراد الأسرة ، إذ إن التشاور يعتبر عاملاً مساعداً وربما منقذاً من المهالك .

لقد اهتم القرآن الكريم اهتماماً بالغاً بالتشاور وذلك ما هو بارزٌ في الآية 159 من سورة آل عمران ، والآيات 36-38 من سورة الشورى ، والتشاور يعتبر في الحقيقة إتباعاً للقرآن وحلالاً للمشاكل وحصناً منيعاً في وجه المخاطر .

قال الإمام الصادق : شاور في أمرك الذين يخشون الله عز وجل .

وقال الإمام أمير المؤمنين : خاطر بنفسه من استغنى برأيه .

وعلى مَنْ استشير أن يلتزم الحق في الإجابة وتوجيه من طلب المشورة إلى أفضل السبل ، فالخيانة في المشورة من أعظم الذنوب .

قال الإمام الصادق : من غشَّ مسلماً في مشورةٍ فقد برئتُ منه .

العطف على الصغير واحترام الكبير :

إن أوامر الإسلام الموجهة للرجال والنساء كافة تركز على العطف على الصغير واحترام الكبير .

ينبغي أن تتحول الأسرة إلى محلِّ تطبق فيه الأحكام الإلهية وتعاليم الأنبياء والأئمة كي ترى السعادة في الدنيا والآخرة .

إن الغضب على الصغير والصراخ بوجهه واحتقاره وإهماله وعدم الوفاء بالوعد إزاءه كل ذلك يعتبر من المعاصي ، كما أن عدم احترام الكبير والنظر إليه نظرة غضب وعدم الاستماع إلى مطالبه وإظهار الملل والتعب منه يعتبر ذنباً ومعصيةً .

إننا الوسيلة التي من خلالها خُلق الصغار ، وعلينا إيلاؤهم المزيد من المحبة كي يشعر بالاطمئنان ، ونحنُ حصيلة الكبار ، إذن فلهم دينٌ عظيم في رقابنا ومن الواجب المحتّم علينا احترامهم .

قال أمير المؤمنين قبيل شهادته : وارحم من أهلك الصغير ووقِّر منهم الكبير ، وقال رسول الله : بجِّلوا المشايخ فإن من إجلال الله تبجيل المشايخ .

وعنه : ليس منّا من لم يرحم صغيرنا ولم يوقِّر كبيرنا .

4عيد المقاومة والتحرير

ذكرى انتصار المقاومة الإسلامية في لبنان 25/ أيار/ 2000م

يصادف هذا اليوم ذكرى تحرير جنوب لبنان من الاحتلال الصهيوني البغيض ، وذلك بفضل المقاومة الباسلة التي أبداها مجاهدوا حزب الله الأبطال ، طوال سنوات الاحتلال التي ابتدأت من غزو الصهاينة لبنان في عام 1982م ، حيث ارتكبت فيها أبشع المجازر بحق هذا الشعب الأعزل واللاجئين الفلسطينيين ، تحت ذريعة الحفاظ على أمن إسرائيل ، وقد وصلت إلى العاصمة بيروت حيث حولتها إلى أنقاض بفعل القصف المستمر لها .

وفي هذه

الأجواء الصعبة ، ولدت المقاومة الإسلامية في لبنان ، ممثلاً بحزب الله ، إثر التوجيهات المباركة للإمام الخميني العظيم ، حيث استطاعت بفضل إيمانها وإخلاصها وتضحياتها الغالية ، أن تجبر العدو الصهيوني إلى التقهقر حتى الجنوب ، ثم الانسحاب الذليل في جنح الليل ، في 25 أيار من عام 2000م ، بعد ثماني عشرة سنة من الاحتلال السافر .

وقد كان لدعم الجمهورية الإسلامية الإيرانية دور بارز في هذا النصر المبين ، كما لا يخفى الدور الذي لعبته الجمهورية العربية السورية في تحقيق هذا الإنجاز العظيم .

أهم عوامل انتصار المقاومة الإسلامية

1- العون والمدد الإلهي :

لقد ارتكزت المقاومة الإسلامية في لبنان في جهادها ضد العدو الذي استمر لأكثر من عقدين على أداء التكليف فهي كانت تتطلع دائماً إلى رضا الله سبحانه وتعالى والعون الإلهي لتحقيق النصر وتحقق ذلك كما قال تعالى : إِن تَنصُرُواْ اللهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبّتْ أَقْدَامَكُمْ .

وعليه كان انتصار المقاومة الإسلامية في لبنان أولاً وأخيراً انتصاراً إلهياً مَنَّ الله به على أبناء الأمة العربية والإسلامية بل الأحرار جميعاً .

2- القيادة الحكيمة :

لابد لكل حركة جهادية تريد النصر أن تتمتع بقيادة حكيمة واعية لكل الظروف في مختلف الأبعاد .

ومن أجله ، انتشر الإسلام وانتصر بفضل وجود رسول الله الذي كان قمة الكمال في كل الجوانب .

واستمراراً لهذا النهج المجيد فقد كان لارتباط المقاومة بالثورة الإسلامية في إيران بقيادة الإمام الخميني وانضوائها تحت لوائه واستلهامها من فكر القائد الإمام الخامنئي ، أثر بليغ في تحقيق النصر ، وهذا ما أكدّ عليه كل قادة حزب الله في مختلف

المواقف والمراحل منهم الشهيد السعيد السيد عباس الموسوي وسماحة السيد حسن نصر الله اللذان كانا لهما الدور المهم في انتصار المقاومة الإسلامية على عدوها إسرائيل وأمريكا .

3- تهيئة شروط النصر :

لابد لكل نصر من إعداد مركز من الناحيتين المادية والمعنوية ، فقد وضعت المقاومة الإسلامية نصب عينيها تحقيق شروط النصر وعملت لإنجازها فقدمت الشهيد تلو الأخر وقدمت آلاف الجرحى والأسرى والمفقودين كما عملت في حركتها الميدانية والسياسية على تامين كل مستلزمات المعركة المطلوبة بالإمكانات المتاحة لديها ، فراكمت كماً هائلاً من التجربة العسكرية وتعاملاً مرناً ومتقناً في أدائها السياسي والجماهيري والإعلامي فحشدت الشعب بكل فئاته وشرائحه ليشكل الحصن المنيع الذي يصعب اختراقه من قبل العدو .

4- استلهام فكر من النهضة الحسينية :

إن إحياء مجالس عاشوراء ، والتعرف على سيرة الإمام الحسين وصحبه ، والانطلاق من ركيزة الاستشهاد كتعبير عن الصدق والإخلاص للمبدأ ، والاقتداء بنهج الرسول والأئمة كل هذه الأمور ساهمت في تعبئة شباب المقاومة بحيوية شاملة وبنّاءة ، فعشقوا الشهادة وأرادوا التعبير عن الانتماء بالتضحية العملية ، ليكونوا جزءاً من كربلاء المعطاء المعاصرة .

ومنذ الاجتياح الإسرائيلي للبنان ، هبت ثلة من الشباب لقتال الصهاينة ، والتزموا أمر الإمام الخميني في وجوب قتال إسرائيل لطردها ، حيث أشار إلى عظمة المنزلة التي يحظى بها الشهيد عند الله عز وجل .

وقد أثمر هذا الالتزام بالنهج الحسيني مكاسب هامّة ، كما كان لإتّباع أمر الإمام الخميني وخليفته الإمام الخامنئي كل الأثر في مقاومة الاحتلال وتحقيق النصر لتكون خطوة إضافية عظيمة تساهم في تثبيت وتعميم الخط الإسلامي المحمّدي الأصيل .

وكان

لشعارات الثورة الحسينية دور كبير في دعم إيمان واعتقاد المقاومة الإسلامية والجهاد والتضحية في سبيل الله ، منها قول الإمام الحسين : هيهات منّا الذّلة ، وقوله : وإني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر وأسير بسيرة جدي وأبي علي بن أبي طالب فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق ومن رد عليّ هذا أصب_ر حتى يقضي الله بيني و بين القوم بالحق وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ .

ويمكن القول إنه كما كانت الثورة الإسلامية المباركة في إيران امتداداً لنهضة الإمام الحسين في يوم عاشوراء وانتصار دمه على السيف ، فإن المقاومة الإسلامية هي نبتة الإمام الخميني الذي ركّز على ثورة كربلاء كأساس لكل الإنجازات فهو القائل : كل ما عندنا هو من عاشوراء ، ثم امتد تأثيرها إلى الانتفاضة الفلسطينية المباركة ضد الاحتلال الصهيوني الغاشم .

معالم الجهاد في الإسلام

إن مفهوم الجهاد في الإسلام واسع يشتمل على معاني كثيرة منها الجهاد بالمال والنفس ، قال تعالى : إِنّ الّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالّذِينَ آوَواْ وّنَصَرُوَاْ أُوْلَ_َئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ .

وقال تعالى : الّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللهِ وَأُوْلَ_َئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ .

كما يشتمل على محاربة هوى النفس وشهواتها وهو أعلى مراتب الجهاد وإليه أشار رسول الله في قوله لسرية بعثها فرحب بها عند رجوعها قائلاً : مرحباً بقوم ٍ قضوا الجهاد الأصغر وبقي عليهم الجهاد الأكب_ر . قيل : يا رسول الله وما الجهاد الأكب_ر؟ قال : جهاد النفس

.

وقال رسول الله : أفضل الجهاد من جاهد نفسه التي بين جنبيه .

ولكن هذا لا يعني أن ينعزل الإنسان عن تغيرات مجتمعه وما تتعرض له من اعتداءات بذريعة الانشغال بإصلاح النفس وتهذيبها ، لأن محاربة هوى النفس هو دافع ومحرك للدفاع عن الدين والقيم والأخلاق ، يقول تعالى :

فَمَنِ اعْتَدَىَ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَىَ عَلَيْكُمْ وَاتّقُواْ اللهَ وَاعْلَمُواْ أَنّ اللهَ مَعَ الْمُتّقِينَ .

فالأصل الثابت الذي لا يتغير في الإسلام هو جهاد النفس ، أما الحرب فهي وسيلة لحفظ الكيان والدفاع عن الكرامة لأن الحق يحتاج إلى قوة تحميه في مقابل العتاة والجبابرة ، ولذلك قال رسول الله : إن الله عز وجل ليبغض المؤمن الضعيف الذي لا دين له . فقيل له : وما المؤمن الذي لا دين له؟ قال : الذي لا ينهى عن المنكر .

وقد قسم الفقهاء الجهاد إلى قسمين : جهاد للدعوة إلى الإسلام ، وهو ما سماه بعض الفقهاء بالجهاد الابتدائي ، والقسم الآخر ، هو الجهاد الدفاعي ، وموضوعه عندما يتعرض الإسلام والمسلمون ، في أي عصر ، إلى الاعتداء من قبل الأعداء فعندئذ يجب على كل مسلم أن يهب للدفاع .

الجهاد الحقيقي والإنتصار الإلهي :

الجهاد الحقيقي هو الذي يستهدف الاحتلال بأنواعه ويسعى لإخراجه بشتى الوسائل المشروعة كما هو الحال في المقاومة الإسلامية في لبنان والمجاهدين في فلسطين المحتلة وغيرها من المناطق المحتلة ، فهذا النوع من الجهاد والمقاومة هو المنتصر بوعد صادق من الله تعالى وقد رأينا بأم أعيينا انتصار الشعب الإيراني على النظام الشاهنشاهي العميل لأمريكا والاستكبار العالمي

في ثورته الإسلامية المباركة في عام 1979م وبعد ذلك انتصاره على النظام الحاكم في العراق في الحرب المفروضة وأخيراً رأينا مقاومة الشعب الفلسطيني في انتفاضته الأولى والثانية وانتصار المقاومة اللبنانية عام 2000م على أعدائهما الأمريكان والصهاينة المجرمين .

وأثناء إكمال إعداد هذا الكتاب ، حققت المقاومة الإسلامية حزب الله نصراً عزيزاً آخر وهو انتصارها على العدو الصهيوني الذي استمر 33 يوماً واشتهر بحرب تموز 2006م وأيضاً اشتهر بإنتصار الوعد الصادق .

ونحن في مكتب الإمام الخامنئي في سورية ننتهز هذه الفرصة لنظهر بهجتنا بمناسبة هذا النصر الإلهي المؤزر الذي منحه الله سبحانه للمقاومة الإسلامية الباسلة في لبنان والذي يعتبر تمهيداً لتحرير القدس الشريف من أيدي الصهاينة وخلاص الشعب الفلسطيني المظلوم والأمة الإسلامية من هذه الغدة السرطانية في قلب العالم الإسلامي ، إن شاء الله .

وما النصر إلا من عنده وَلَيَنصُرَنّ اللهُ مَن يَنصُرُهُ إِنّ اللهَ لَقَوِيّ عَزِيزٌ .

مناسبات الشهر السادس - حزيرانيونيو/June

1رحيل الإمام الخميني

مؤسس الجمهورية الإسلامية في إيران4/حزيران/1989م = 14/ خرداد/ 1368 ه_ ش

وصال الحبيب وفراق الأحبة :

كلمة وداع يقولها الإمام : بنفس مطمئنة ، وقلب هادئ ، وروح وادعة ، وضمير ملؤه الأمل برحمة الله أستأذن الأخوة والأخوات بالرحيل ، ولي حاجةٌ مب_رمةٌ لدعائكم الخير ، وأسأل الله الرحمن الرحيم أن يقبل عذري في القصور والتقصير في الخدمة .

الساعة العاشرة والثلث من ليلة الثلاثاء 13/ خرداد/ 1368ه_ . ش = 3/ حزيران/ 1989م كانت لحظة الانتقال إلى الرفيق الأعلى . توقف عن العمل قلبٌ أحيى ملايين القلوب بنور الله ، والمعنويات . وقد صُوِّرت أيام مرضه ، والعملية الجراحية ، ولحظة لقاء الحق بواسطة آلة

تصوير خفية وضعت من قبل عشاق الإمام في المستشفى . وعندما بُثّت الصور عن حالات الإمام المعنوية ، وهدوئه في تلك الأيام ، أحدث ذلك ثورة في القلوب لا يمكن إدراكها إلا بالتواجد في ذلك المكان . الشفاه كانت دائماً تتحرك بذكر الله . في آخر ليلة من حياته ، وبعد خضوعه لعدة عمليات جراحية صعبة وطويلة ، في عمر يقارب التسعين عاماً ، وفي حال أن عدة إبر مصل كانت موصولةً بيده؛ كان يصلي صلاة الليل ، ويقرأ القرآن . في الساعات الأخيرة كان لديه طمأنينة ، وهدوء ملكوتي ، وكان يذكر دائماً الشهادة بوحدانية الله ورسالة النبي ، وبهذه الحالة ارتفعت روحه إلى الملكوت الأعلى ، وترك رحيله في القلوب حرقة لا تبرد ، وجرحاً لا يلتئم .

عندما انتشر خبر الرحيل ، كأن زلزالاً عظيماً قد حدث . تفجرت الأحزان ، وبكت إيران كلها ، وكل من عرف اسم الإمام الخميني في العالم ، وسمع كلامه ، بكى وضرب على صدره . لم يكن أي قلم ، أو بيان قادراً على وصف آثار الحادثة .

للشعب الإيراني الحقّ وكذا المسلمين الثوريين أن يحدثوا هذه الضجة ، فهم قد فقدوا شخصاً أعاد لهم عزتهم التي دِيسَتْ . وقطع أيدي الملوك الظلمة ، والمستعمرين الأمريكيين ، والغربيين عن أرضهم . وأحيا الإسلام ، وأعطى المسلمين العزة ، وأقام الجمهورية الإسلامية . ووقف بوجه جميع القوى الإستكبارية .

وقاوم بعد تأسيسه الجمهورية الإسلامية مدة عشر سنوات في مواجهة مئات المؤامرات لإزاحة النظام الإسلامي

والانقلاب عليه ، وإثارة الاضطرابات ، ودبّ الفتن الداخلية فيه ، والضغوطات الخارجية عليه . وقاد ثمان سنوات من الدفاع ، وكان في الجبهة المقابلة له عدو مدعوم من قبل القوتين العظيمتين الشرقية والغربية من جميع النواحي .

لقد فقد الناس قائدهم المحبوب ، ومرجعهم الديني ، والمنادي بالإسلام الحقيقي . فعرفوا عند ذلك المعنى الحقيقي للحديث المأثور : إذا مات العالم ثلم في الإسلام ثلمة لا يسدها شيء .

انتخاب الخليفة الإمام الخامنئي :

في اليوم الرابع عشر من خرداد عام 1368ه_ . ش= 4/ حزيران/ 1989م ، اجتمع مجلس الخبراء ، وبعد قراءة آية الله السيد علي الخامنئي وصية الإمام الخميني التي طالت مدة ساعتين بدأ البحث ، وتبادلت الآراء لتعيين خليفة للإمام ، وقائدٍ للثورة الإسلامية .

وبعد عدة ساعات انتخب في النهاية آية الله الخامنئي رئيس الجمهورية في ذلك الوقت الذي هو من تلامذة الإمام الخميني ، ومن الوجوه المضيئة للثورة الإسلامية ، ومن قادة ثورة 15/ خرداد/ 1342ه_ . ش= 5/ حزيران/ 1989م ، وقد كانت له مواقف مشرّفة في جميع مراحل ثورة الإمام الصعبة والسهلة إلى جانب الأنصار الآخرين .

سنوات مضت ، والغربيون ، وعملاؤهم المدعومون من قبلهم في داخل البلاد قد يئسوا من هزيمة الإمام ، وكانوا يعدون أنفسهم لزمان موت الإمام . ولكن وعي الشعب الإيراني ، وانتخاب الخبراء السريع للقائد ودعم أبناء وأنصار الإمام ، أضاع كل آمال أعداء الثورة .

وموت الإمام لم يكن نهاية طريقه ، بل في الواقع إن عصر الإمام الخميني كان

قد بدأ بشكل أوسع مما سبق ، فهل يموت الفكر والصلاح والمعنويات الحقيقية؟!

الوداع المليوني

في يوم ، وليل الخامس عشر من خرداد سنة 68 ه_ ، 5/ حزيران/ 1989م ، اجتمع ملايين الأشخاص من أهل مدينة طهران العاصمة ، ومن المعزّين الذين جاؤوا من المدن ، والقرى القريبة والبعيدة إلى مصلى طهران الكبير ، ليودّعوا لآخر مرة الجسد المطهر لرجلٍ قامت بثورته عماد القيم والكرامة في عصر الظلم والطغيان .

وكان صوت القرآن يسمع من جميع المساجد ، والمراكز والإدارات والمنازل . وما أن حل الليل حتى أشعلت آلاف الشموع ، على أرض المصلى ، والتلال المحيطة .

واصل الناس الليل والنهار متواجدين إلى جانب جسد الإمام الطاهر ، وفي أول ساعة من صباح السادس عشر من خرداد السادس من حزيران أقام ملايين الأشخاص الصلاة على جسد الإمام بعيون دامعة وبإمامة آية الله العظمى السيد محمد رضا الگلپايگاني .

إن ملحمة كثرة الجموع وعظمة وحماس وحضور الناس في يوم دخول الإمام إلى الوطن في 12/ بهمن/ 1357ه_ . ش= 1/ شباط/ 1979م ، تكرّرت بشكل أعظم في مراسم تشييع الإمام وهي تعتبر بحق من عجائب التاريخ .

وقد قدرت وسائل الإعلام الرسمية العالمية جموع المستقبلين عام 1357ه_ . ش/1979م بستة ملايين شخص ، وجموع الحاضرين في مراسم التشييع بتسعة ملايين شخص .

الإرث الخالد للإمام الخميني

ينبغي على الأمة التي عاشت في ظل بركات ثورة الإمام ، ونهلت من معين فكره ، واكتسبت العزة بخطه ، أن تتحمل إرثه المبارك وفاءً لهذه الشخصية الفريدة والنسمة المباركة من خلال ما يلي

:

أولاً- الوفاء لشخصه :

من خلال وسائل عديدة أهمها تركيز البعد العاطفي في العلاقة بيننا وبين شخص الإمام بعد رحيله ، ونجعل منه بهذا الرابط امتداداً حقيقياً للإمام الحسين وقضيته ، فيبقى خالداً كجده الإمام الحسين بفكره وعطائه وثورته .

ثانياً- الوفاء لخطّه ومدرسته :

لقد تميّز خط الإمام بالأصالة الإسلامية ، واستقاء الفكرة والمنهج ، وتحديد الهدف والطريق ، وغيرها من القرآن والسنة خالصاً من كل شائبة ، غير متأثر بأي شيء آخر غيرها ، وعلى الأسس والقواعد الشرعية في التعامل مع مصادر الشرع والفكر الإسلامي .

مدرسة الإمام كانت وما زالت مدرسة عملية وواقعية مع كل ما تطرحه من أهداف ، وآمال كبيرة والاهتمام بهذا التراث ، ودراسته ونشره والعمل به يعتبر من أكبر مصاديق الوفاء للإمام والاستمرار على نهجه ، فينبغي على الملتزمين بفكره أن يحيوا هذا التراث بشتى السبل ، ويحافظوا على شعارات خط الإمام الحية ، ومبادئه القويمة في سلوكهم وممارساتهم ، ويصرفوا الجهد الأكبر والطاقة العظمى في إطار هذا الأمر المهم .

ثالثاً- الوفاء لأعماله وإنجازاته :

نظام الجمهورية الإسلامية في إيران ، يعتبر ثمرة دماء الشهداء ، وتضحيات المجاهدين تحت ظلّ توجيهات الإمام الخميني الراحل وهو خلاصة عصارة أعمال الإمام وإنجازاته .

ووفاءً لروحه الطاهرة ولدماء الشهداء الأبرار ينبغي العمل على الحفاظ على ذلك الانجاز المهم بكل الوسائل الممكنة والمتاحة .

الإمام الخامنئي . . استمرارٌ للمسيرة :

لقد كانت مسألة وجود خليفة للإمام يقود مسيرة الثورة إلى أهدافها المنشودة بكل أمانة وإخلاص من مصاديق بُعد النظر ، والفكر الاستراتيجي الذي

كان يتحلّى به الإمام الخميني ، فعمل على تخريج عدد كبير من الفقهاء والمفكرين من مدرسته ، ليؤدوا رسالتهم ودورهم المبارك ، وقد أثبتت الأيام أنهم بحق صمام أمان هذه الأمة ، وروّاد طلائعها وحصون مبادئها ، يشغل الواحد منهم مساحة كبيرة من وعي الأمة ، ويحتضن شريحة واسعة من أبنائها .

ومن أبرز هذه الفئة المباركة ، سماحة المرجع الديني الإمام السيد علي الخامنئي الذي تصدى بانتخاب أهل الخبرة لمقام القيادة والولاية الشرعية ، وأصبحت مهمة الدفاع عن الجمهورية الإسلامية منوطةً به ، وموكولة إلى قيادته ، وحكمته في إدارة الثورة والدولة والأمة .

ولذلك ينبغي على السائرين على خط الإمام أن يسخّروا جميع إمكانياتهم وقدراتهم ، ويضعوها تحت تصرفه حتى يتمكن من النجاح في مهمته الخطيرة .

وليست هذه المسألة اختيارية أو اعتباطية ، فإن الإيمان بولاية الفقيه يجعل من الائتمام بالقائد الإمام الخامنئي دام عزه واجباً على كل مسلم غيور .

فالأمة أحوج ما تكون الآن إلى قيادة ثابتة للفقيه الولي الذي حدد إمام الأمة طريقة انتخابه وتعيينه ، إذ أوكل هذا الأمر المهم إلى مجلس الخبراء ، الذي ضم أربعة وسبعين مجتهداً من أهل الخبرة ، اجتمعت كلمتهم بأغلبية ساحقة على تأييد سماحة آية الله العظمى الإمام الخامنئي كفقيه ولي .

وقد أثبت الإمام الخامنئي بقيادته الحكيمة ، وحنكته السياسية وقدرته الإدارية ، وبمنهجه الشامل ، بقاء شخص الإمام بشخصه وفكره وليس هذا بغريب فلقد كان في طول مسيرته التلميذ الوفي لأستاذه الإمام عاملاً بآرائه مقتدياً بسيرته ناهجاً خطه ، وقد عاهد

ربه والأمة ، بعد تنصيبه في هذا المقام ، على البقاء أميناً على هذه المبادئ .

2 اليوم العالمي للبيئة5/ حزيران/ 1972م

أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة اليوم العالمي للبيئة في الخامس من حزيران عام 1972م ليواكب افتتاح مؤتمر استكهولم المعني بالبيئة البشرية . وفي اليوم ذاته اتخذت الجمعية العامة قراراً أنشأت بموجبه برنامج الأمم المتحدة للبيئة اليوم العالمي للبيئة الذي يُحتفل به سنوياً كل 5 حزيران كيوم يخص الجميع ، وهو أحد الآليات الرئيسية التي توظفها الأمم المتحدة في حفز الوعي بالبيئة على نطاق العالم وتعزيز الاهتمام والعمل على الصعيد السياسي والديني كذلك من خلال اهتمامه بالإنسان ، باعتباره محور هذا الوجود ، وكل ما فيه مسخّر لأجله ، فكان لابدّ من أن ينعكس هذا الاهتمام على كل ما له علاقة به ، ومن ضمنها الطبيعة التي هي المحور الآخر لعلاقة الإنسان بعد علاقته بأخيه الإنسان ، وقبل الدخول في تفاصيل ذلك لابد من تعريف البيئة وتحديد موضوعها وموردها ومن ثم بيان بعض الآيات الكريمة التي تسلط الضوء على عمق علاقة الإنسان بمحيطه وبيئته .

تعريف البيئة :

البيئة مجموعة العوامل البيولوجية والكيماوية والطبيعية والجغرافية والمناخية المحيطة بالإنسان ، والمحيطة بالمساحة التي يقطنها ، والتي تحدد نشاط الإنسان واتجاهاته ، وتؤثر في سلوكه ونظام حياته ، وقد يكون لصراع الإنسان مع الطبيعة دخل كبير في حجم تأثيرات الطبيعة على حياة الإنسان ومصادر عيشه؛ فلقد أصبح الإنسان في القرن الحادي والعشرين يعيش في وسط مملوء بالتلوث ، هواؤه ملوث ، ماؤه ملوث ، طعامه ملوث ، شرابه ملوث ، وحتى سماؤه أصبحت ملوثة؛

نتيجة تطاير الغازات وتفاعلاتها في المنطقة الأيونية مسببة ثقباً خطيراً في طبقة الأوزون .

وعلى هذا يمكن تعريف البيئة على أنها الإطار الذي يعيش فيه الإنسان ويحصل منه على مقوّمات حياته من غذاء وكساء ودواء ، أي كل ما يحيط بالإنسان ويؤثر فيه ويتأثر به سلباً أو إيجاباً فتشمل جميع الموجودات التي تحيط بالإنسان من يابسة وماء وسماء ومخلوقات حيّة وغير حيّة من حيوان ونبات ومناخ وتربة ، كما أن مفهوم البيئة اليوم لم يعد قاصراً على الجوانب الطبيعية وإنما اتسع ليشمل النواحي الاجتماعية والاقتصادية والتكنولوجية التي صنعها الإنسان وعلى هذا نخلص إلى نموذجين للبيئة وهما :

- البيئة الطبيعية : وهي التي ليس للإنسان دخل في وجودها .

- والبيئة البشرية : وهي بيئة من صنع الإنسان وتعدّ انعكاساً لطبيعة التفاعل بين الإنسان وبيئته أي سلوك الإنسان وإنجازاته داخل بيئته الطبيعية .

البيئة من المنظار الإسلامي :

البيئة ، بأرضها وسمائها ومائها وهوائها وجمادها ونباتها وحيواناتها ، كل ذلك قد خلقه الحق تبارك وتعالى مسخّراً مذلّلاً للإنسان ، لينتفع بجميع ذلك .

وقد حفظ الله تعالى البيئة وحماها من مخاطر كثيرة كالإشعاعات الكونية الفضائية والشهب الثاقبة .

قال تعالى : وَجَعَلْنَا السّمَآءَ سَقْفاً مّحْفُوظاً وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ .

فالله تعالى أتقن صنع البيئة وأحاطها بدروع واقية من الأخطار القادمة من الفضاء ، هذه البيئة هي نعمة مهداة من الله تعالى يجب شكرها ومقتضى شكرها أن نسعى إلى حمايتها والمحافظة عليها .

وفي الأحاديث الشريفة دعوة صريحة إلى التعاطي الإيجابي مع مكوّنات البيئة بمائها ونباتها وحيوانها وهوائها وغيرها وفيما يلي إطلالة على ذلك :

1- في مجال الحفاظ

على الثروة النباتية :

عن رسول الله : ما من مسلم يغرس غرساً أو يزرع زرعاً فيأكل منه إنسان أو طير أو بهيمة إلا كانت له به صدقة .

وقال : لا تقطعوا الثّمار أي الأشجار المثمرة فيصبّ الله عليكم العذاب صبّاً .

2- في مجال الحفاظ على الثروة الحيوانية :

وعندنا من النصوص والأحكام ما يكفي لإلقاء ضوء على مدى العناية بهذه الثروة ، كحكم صيد اللهو الذي يشكل هدراً وإتلافاً لثروة حيوانية من دون مسوغ .

فقد ورد في الحديث عن رسول الله : من قتل عصفوراً عبثاً عج إلى الله تعالى يوم القيامة يقول : يا ربّ إن فلاناً قتلني عبثاً ولم يقتلني لمنفعة .

وعنه : أنه نهى عن قتل كل ذي روح إلا أن يؤذي .

بل لنا في الروايات التي ترشد إلى التعاطي بالرفق مع الحيوان ما يكفي لعكس صورة واضحة عن مدى الحرص على حياة المخلوقات .

3- في مجال المياه :

في هذا المجال نرى القرآن الكريم قد تحدث عن الماء فأشار إلى صبّه من السماء وأنه السبب في إنبات النبات :

أَلَمْ تَرَ أَنّ اللهَ أَنزَلَ مِنَ السّمَآءِ مَآءً فَتُصْبِحُ الأرْضُ مُخْضَرّةً إِنّ اللهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ .

فالعلاقة واضحة بين الماء وإنبات النبات ، وهناك موضوعان أساسيان في الماء ينبغي ملاحظتهما :

أ - الاقتصاد وعدم الإسراف : لا شك أن قلّة الماء تؤثر سلباً على نمو النبات وبالتالي على حياة الحيوان ، فالواجب يقتضي الحافظ على هذا الماء وعدم الإسراف في استخدامه ، وقد ورد عن الإمام الصادق : أدنى الإسراف هراقة فضل الإناء .

ب - المحافظة على نظافته ونقائه

: كمنع إلقاء الأقذار الإنسانية قريباً من مجاري المياه ، وقد ورد عن الإمام زين العابدين : أنه يمنع التغوّط على شطوط الأنهار .

فعن رسول الله : اتقوا الملاعن الثلاث : الب_راز في الماء ، وفي الظل ، وفي طريق الناس .

كما روي أن أمير المؤمنين نهى أن يُبال في الماء الجاري : ولا يبولن في ماء جارٍ .

محيط الإنسان :

النظافة والتطهير :

إن الطهارة هي من الوسائل التي حرص الإسلام عليها واعتمدها كوسائل مجدية في حفظ البيئة ، والدين الإسلامي لا نظير له في مدى اهتمامه بالنظافة حتى ورد عن النبي أنه قال : النظافة من الإيمان .

الطرق العامة أو الطريق العام :

إن حسن استخدام الطرق وإزالة الأذى والضرر عنها قد أكد عليه الإسلام ورغب فيه انطلاقاً من أحاديث النبي وأهل بيته فعن رسول الله : الإيمان بضع وسبعون شعبة أفضلها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق . . .

ورد عن الإمام الصادق : من أضرّ بشيء من طريق المسلمين فهو له ضامن .

التلوث الضوضائي :

من أنواع التلوث البيئي الذي يشكو منه الكثيرون ، التلوث الضوضائي أو السمعي ، ويراد به الضجيج والأصوات العالية التي تؤذي السمع وتقلق الراحة وتتلف الأعصاب ، وخصوصاً المرضى والأطفال والعالمين في المجالات التي تحتاج إلى فكر وسكينة وهدوء .

3حرب حزيران 5/ حزيران/1967

منذ هدنة عام 1948م صارت أجزاء من فلسطين تحت سيادة دولتين عربيتين هما مصر حيث تسيطر على قطاع غزة ، والأردن حيث تحكم الضفة الغربية لنهر الأردن والقدس .

وكانت إسرائيل الكيان الصهيوني الغاصب منذ ذلك الوقت

وحتى حزيران عام 1967م تعد العدة للسيطرة واحتلال كامل فلسطين ، بل وأجزاء من الوطن العربي ، تمتد من النيل غرباً إلى الفرات شرقاً كما هي العقيدة اليهودية الصهيونية .

ولم يدر بخلد العرب ، وحتى المثقفين منهم حيث أنهم إزاء عدو يتحين الفرص والانقضاض عليهم .

ولما رفضت مصر تجديد مهمة قوات السلام بين البلدين ، وأعلنت أنها تطالب بالحقوق العربية ، وتأزّم الموقف عسكرياً بين البلدين رأت إسرائيل أن الفرصة جاءت مواتية بالنسبة لها ، فهي على اطلاع تام بالقدرات العسكرية والفنية للعرب وهي أيضاً واثقة من دعم الدول الكبرى لها آنذاك .

فبادرت إلى ضربة استباقية مدروسة يوم الخامس من حزيران قبل بزوغ الشمس ، وتهاوت الجيوش العربية ، وخلال ستة أيام فقط بلغت الجيوش الصهيونية بور سعيد في مصر من الغرب ، واجتاحت حتى غزة ، واجتاحت الضفة الغربية ونهر الأردن واحتلت القدس من الشرق ، وصعدت شمالاً ، فبلغت القنيطرة بعد أن احتلت الجولان ومرتفعات جبل الشيخ .

وكانت الخسائر فادحة لا تقدر والأسرى بالآلاف ، مما أشعر كل عربي ومسلم بنكسة كبيرة .

اضطر معها جمال عبد الناصر إلى الاستقالة ، وكانت بمثابة نكسة كبرى وهزة وجدانية ألهبت الصحوة ، وكانت لها نتائج كبيرة جداً على الوضع النفسي والاجتماعي والسياسي العربي خصوصاً والإسلامي عموماً

فلم يتوقف التاريخ السياسي العربي المعاصر عند أحداث غيرت مجرى الحياة العربية ، بقدر ما توقف عند حرب حزيران عام 1967م ، رغم أنه قد شهد نكبات عدة وهزائم متتالية ، غطت بظلالها على الحياة العربية بمجملها

، بدءاً من تشريد شعب فلسطين واغتصاب أرضها ، مروراً باحتلال ما تبقى من أرضها ، وأراض عربية أخرى .

إن حرب عام 1967م ، هي أكثر الحروب المعاصرة في التاريخ الحديث غرابة ودهشة ، وأشدها إثارة للتساؤل ، لأن أحداً لم يجب بطريقة رسمية وموضوعية كيف حدث هذا؟ ومن المسؤول عنه؟ كيف انهارت منظومة كاملة من الدفاعات والمعاهدات العسكرية المشتركة ، أمام دولة صغيرة الحجم ، عدوانية الوجود منذ نشأتها؟ كيف لم تستعد دول المواجهة للدفاع عن أرض وطنها وكرامة شعبها ، كما كانت مستعدة؟

حرب حزيران ، هي ذكريات مليئة بالجراح والدموع ، أيام ستة مضت وكأن العالم قد اختفى فجأة ، أيام ستة من الدمار والقتل والتهجير ، تلتها سنوات من الخوف والضياع وانتظار المجهول .

لقد اخترق الخامس من حزيران الوجدان العربي في الصميم ، وأفرز هذا الواقع الذي تعيشه الأمة ، من بؤس متواصل وضياع الهيبة والكبرياء ، جعلنا نشهد على واقع اختزال الأوطان والأهداف والآمال . فبعد أن كنا نحلم بتحرير فلسطين من البحر إلى النهر ، أصبحنا نطالب باسترجاع الأراضي التي سقطت في حرب حزيران ، ومن الحق الكامل بعودة اللاجئين والمشردين إلى أوطانهم ، أصبحنا نطالب بالقليل من التعويض عن جريمة طردهم من وطنهم ، ومن حدود عام 1967م ، أصبحنا نتطلع إلى مساحات من الأرض لإقامة كانتونات نمارس عليها السيادة المنقوصة ، اختزلت قضية أوطاننا كما اختزل هذا الصراع التاريخي والحضاري بيننا وبين أعدائنا ، إلى نزاع إسرائيلي فلسطيني ، وإسرائيلي لبناني

وإسرائيليي سوري

ومن أجل خطوة أولى على الطريق لابد من اعتبار الصراع كله صراع وجود ، صراعٍ إسلامي صهيوني وليس يهودي .

ولنعم ما بيّن الإمام الخميني حقيقة هذا حيث قال : إن إسرائيل غدة سرطانية زرعها أعداء الإسلام في قلب العالم الإسلامي للقضاء على حياة الإسلام .

4 اليوم العالمي لمكافحة التصحر والجفاف17/ حزيران/ 2005

التصحر من أخطر ظواهر التدهور البيئي في العالم . فهو يهدد صحة ومعيشة جميع الموجودات . ويتسبب التصحر والجفاف كل عام خسارة كبيرة لا يمكن أن تعوّض . وقد أفضى الحجم الهائل لهذا التحدي بالجمعية العامة للأمم المتحدة إلى أن تُعلن سنة 2006م سنة دولية لمكافحة التصحر .

تساهم الهيئات المتخصصة لحماية الحياة الفطرية وإنمائها في الحد من هذه الظاهرة من خلال إنشاء المحميات الطبيعية والقيام بعدة مشروعات لإجراء الكثير من الدراسات النباتية والعمل على إنشاء بنك للبذور ودراسة إنشاء حديقة نباتية دولية والمضي قدماً في عمليات التشجير في تلك المناطق وإعادة تأهيل غطائها النباتي وصون نظامها البيئي .

إن الدراسات البيئية أظهرت أن الإنسان بممارسته الجائرة تجاه بيئته واستغلاله غير الرشيد لمواردها الطبيعية المتجددة الذي لا يتناسب مع قدرتها الإنتاجية ومعدلات تجددها هو الذي تسبب في ظهور وتفاقم هذه الظاهرة التي تهدد اليوم أكثر من 35% من مساحة الكرة الأرضية وتهدد معيشة نحو 2 ، 1 مليار إنسان بشكل مباشر أو غير مباشر إضافة إلى 250 مليون شخص بشكل مباشر .

والى جانب التأثير السلبي للسلوك البشري تجاه البيئة فان العوامل الطبيعية أيضاً تساعد على انتشار هذه الظاهرة ومنها الجفاف وقلة سقوط الأمطار ولذلك فان مجابهة هذه الظاهرة لا يمكن مواجهتها إلا بتعديل السلوك الإنساني تجاه موارده الطبيعية المتجددة ، ولقد تنبه

العالم لهذه الظاهرة وتم إعلان الاتفاقية الدولية لمكافحة التصحر عام 1993م .

الإسلام واستعمار الأرض :

لقد دعا الإسلام منذ أربعة عشر قرناً إلى إعمار الأرض واستثمارها وزرع النباتات والأشجار وحمايتها وحث على التشجير والزراعة وحذّر من قطع الأشجار ولدينا كمّ كبير من الآيات والروايات في هذا المجال .

يقول تعالى في كتابه العزيز : هُوَ أَنشَأَكُمْ مّنَ الأرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا .

أي طلب إليكم أن تعمروها ، وعمارة الأرض تقتضي حمايتها وحظر الإفساد فيها بتخريب عامرها وتلويث طاهرها وإهلاك أحياءها وإتلاف طيباتها .

فلا شك أن هكذا تشريع يوجد الحافز الكبير لدى الناس لاستثمار الأرض ، بالإضافة إلى ثواب الآخرة الذي أشارت له الروايات عن النبي الأكرم : ما من امرء يُحيي أرضاً فتشرب منها كبد حرى أو تصيب منها عافية إلا كتب الله تعالى له به أجراً .

وكما حث الإسلام على الزرع فقد نهى عن الفعل المعاكس أي القلع وقطع الأشجار لمكافحة التصحّر ، فقد ورد عن الإمام أبي عبد الله :

لا تقطعوا الثّمار أي الأشجار المثمرة فيصبّ الله عليكم العذاب صبّاً .

وهناك الكثير من التوجيهات الإلهية من خلال القرآن والكمية الهائلة من النصوص عن المعصومين صلوات الله عليهم ، تحث على الحفاظ على البيئة نظيفة ، خَضِرة ، زاهرة ، زاخرة بالحياة ، وتمنع العبث والقتل والقطع والفساد في الأرض .

وقد تحتاج إلى مؤلف بل مؤلفات لاستيفاء التشريعات والنصوص والتوجيهات الإسلامية التي بها يحيا الإنسان وبيئته بأفضل ما تكون معاني الحياة .

5 ذكرى شهادة الدكتور مصطفى شمران

21/ حزيران/ 1982م = 31/ خرداد/ 1360ه_ . ش

إن أهم ما يميز سيرة حياة ذلك الشهيد ،

سعيه الدائم ونشاطه الدؤوب ، للارتقاء الروحي والمعنوي ، في شتى مراحل حياته ، بدءًا من طفولته إلى شبابه حتى كهولته ، فقد كان دائماً من السابقين سواء في دراسته أو سلوكه أو عمله ونشاطه ، حتى بلغ القمة في ذلك كله في شهادته وهو في ميادين الدفاع عن الحق ، وهذه نبذة من سيرة حياته .

ولادته ونشأته ودراسته

ولد الشهيد مصطفى شمران عام 1311ه_ . ش ، 1932 م في العاصمة طهران ، وبعد أن أنهى دراسته الابتدائية والإعدادية والثانوية بتفوق ، التحق بالكلية الفنية بطهران .

دخل الشهيد قسم الهندسة الكهربائية بالكلية ، وهناك أظهر نبوغاً منقطع النظير ، إذ تخرج من الجامعة بدرجة ممتاز كأول على دفعته ، رغم انشغاله خلال تلك الفترة بنشاطات سياسية واجتماعية ضد النظام الملكي البائد في إيران .

وقد أهله ذلك التفوق للحصول على بعثة دراسية إلى أمريكا لمتابعة دراساته العلمية ، وهناك أسس الاتحاد الإسلامي للطلبة ، الذي ضم الكثير من الجامعيين الإيرانيين ، كما أصدر مجلة في هذا الإطار وقام بالعديد من الفعاليات ضد النظام البهلوي المقبور .

ثم انتقل بعدها إلى مصر ، وبعدها إلى لبنان ، حيث بقي هناك مدة ثماني سنوات ساهم خلالها مع الإمام المغيب موسى الصدر ، في خدمة إخوانه اللبنانيين في شتى المجالات ، لا زالت تذكر إلى الآن .

ومما يجدر ذكره هنا ، أن الشهيد بالتوازي مع دراسته الجامعية في إيران ، كان يحضر دروساً في تفسير القرآن الكريم عند المرحوم آية الله الطالقاني في

مسجد هدايت ، كما كان يحضر دروس الفلسفة والمنطق لدى الأستاذ الشهيد مرتضى مطهري .

نشاطه السياسي

كان للشهيد نشاط سياسي بارز ضد الحكم البهلوي ، قبل الثورة الإسلامية ، وخلالها ، فكان حاضراً في كل مظاهرة واحتجاج ، حيث أصيب بجروح في عدد منها ، ولاسيما لدى قدوم الرئيس الأمريكي نيكسون إلى إيران .

بالإضافة إلى نشاطه البارز في سنوات الغربة التي عاشها خارج إيران .

وبعد انتصار الثورة الإسلامية ، رجع الشهيد إلى أرض الوطن بعد 22 سنة قضاها خارج البلاد ، حيث أصبح نائباً لرئيس الوزراء ، ثم ممثلاً للإمام في مجلس الدفاع ، وبعدها عين وزيراً للدفاع ، وممثلاً عن طهران في مجلس الشورى الإسلامي .

كما قام الشهيد بتشكيل مجموعات المتطوعين في الأهواز لصد اعتداءات البعثيين ، حيث أنزل بهم ضربات موجعة ، كما كان له حضور بارز في القضاء على العناصر المناوئة للثورة في عدة مناطق .

استشهاده

كان هم الشهيد أن يلقى وجه ربه وهو في ساحات الجهاد ، إذ كان ذلك أمنية حياته ، وبالفعل ، فقد نال مراده ، عندما كان في منطقة دهلاوية قرب مدينة سوسنكرد جنوب إيران التي طهرها من فلول الصداميين المعتدين ، حيث استشهد هناك بعد أن أنجز آخر مهمة له في حياته بكل نجاح وتفوق كما كان ذلك عهده طوال حياته ، فالتحق بالرفيق الأعلى شهيداً ظهر 31/ خرداد/ 1360ه_ . ش = 21/ حزيران/ 1982م .

ودفن في مقبرة بهشت زهراء جنة الزهراء ، إلى جوار إخوانه الشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً

.

قال فيه الإمام الخميني بعد استشهاده :

. . . لقد كان مجاهداً تقياً ، ومعلماً بارزاً ، كانت بلادنا في أمسِّ الحاجة إليه ، وإلى أمثاله ، واستطاع شمران العزيز ، بعقيدة نقية خالصة ، بعيدة عن أي اتجاه سياسي ، وإيمان بالهدف الإلهي الأسمى ، أن يسير في طريق الجهاد من بداية حياته حتى الشهادة . . .

6اليوم العالمي لمكافحة المخدرات26 حزيران

نحو مجتمع خال من المخدرات :

يحتفل العالم بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة المخدرات 26/ 6 من كل عام .

وتعد مشكلة المخدرات من أهم الكوارث الدائمة التي تصيب جسد المجتمع الإنساني فلا يكاد بقعة على هذا الكوكب لم تتأثر بعواقب المخدرات ونتائجها ، وتعد مشكلة المخدرات بأنواعها وأصنافها المختلفة خطراً فتاكاً يواجهه العالم بأسره ، وخاصة الشباب . والمخدرات أصبحت ظاهرة عالمية .

إذ أن تقريراً صادراً عن الأمم المتحدة في فينّا ، يؤكد أن 200 مليون شخص تقريباً يستهلكون المخدرات

وأوضح مسؤول عن برنامج الأمم المتحدة أنه حوالي 42% من الأشخاص الذين تبلغ أعمارهم 15 عاماً على الأقل يدمنون على المخدرات ، وأن الذين يستهلكون مخدر القنب وصل عددهم 144 مليون مستهلك ، و20 مليون يستهلكون العقاقير المنبّهة ، بينما 14 مليون يستهلكون الكوكائيين ، و135 مليون يأكلون الأفيون ومن بينهم 9 ملايين مدمن .

العوامل المؤدية إلى الإدمان :

1- البعد عن الالتزام بتعاليم الأديان السماوية .

2- النشأة الاجتماعية غير السليمة .

3- الفقر أو الغنى المفرط .

4- نقص التوعية وعدم استغلال وقت الفراغ بين أوساط الشباب .

الآثار الاقتصادية :

1- خسارة

الفرد لذاته مما تسبب الخمول والكسل والاتكال .

2- الخسارة المادية للفرد والمجتمع .

3- إضعاف برامج التطوير والتنمية في المجتمع .

4- ازدياد معدل البطالة وما ينتج عنها من جرائم ، سرقة ، وجنوح .

إن انتشار ظاهرة تعاطي المخدرات بين الناشئة والشباب المسلم ، وإن كانت أقل مما هي في الغرب من حيث عدد المتعاطين والمدمنين ، فهي مؤشر على ابتعاد الأمة عن تعاليم دينها .

فلو قارنّا نسبة المدمنين والمتعاطين في الغرب إلى أمثالهم في العالم الإسلامي لرأينا أن هناك فرقاً كبيراً جداً ، والفضل يعود لتعاليم الدين الإسلامي وأعراف المجتمع الإسلامي .

وهذا طبعاً يؤدي للقول ، بأن المسلمين يمكن أن يكونوا بحال أفضل من هذه الناحية تعاطي المخدرات وكل النواحي الاجتماعية الأخرى ، إذا أظهروا تمسكهم بالإسلام .

لذا إن دور المبلغ الإسلامي ، يكمن في التوعية الإسلامية الشاملة ، التي تقوي الشخصية وبالتالي تحصّن على الفرد أن يكون تابعاً أسيراً لنزواته ورغابته .

فالإسلام يحرر الناس ، وبمقدار التزام الناس بالإسلام يكون مقدار تحررهم وسيادتهم ، فلا عبودية في الإسلام لغير الله تعالى ، وبالتالي فالأمة من خلال وعي دينها تستعصي على الإدمان من أي نوع .

فإذا تمت توعية الإنسان بمخاطر تلك الآفة الإدمان على المخدرات ، سواء من خلال المحاضرات أو الندوات أو حتى المواد الثقافية الأخرى بما فيها الأفلام ، فإن ذلك يعزز في المجتمع المناعة ضد هذه الآفة .

التوعية الصحية بمخاطر المخدرات على الجسد :

1- أمراض القلب والشرايين .

2- الفشل الكلوي .

3- أمراض الدم وما يصاحبها من

مضاعفات .

4- الإيدز .

5- الاختلال العقلي الذي قد يؤدي إلى الجنون مما يسببه من ضمور في الخلايا .

إضافة على الأمراض الجسدية فإنّ الإدمان على المخدرات سبب معضلة أخلاقية واجتماعية واقتصادية تعصف بالمجتمع الإنساني .

وستبقى قضية مكافحة المخدرات ومعالجتها موجودة إذا لم تعالج أسبابها الاجتماعية والاقتصادية وإذا لم توضع لمعالجتها استراتيجية وقائية وإجرائية للحد من هذه الظاهرة الخطيرة التي تهدد المجتمع البشري بالكثير من ضحاياه .

مراحل الوقاية :

تصنف منشورات الأمم المتحدة والصحة العالمية الوقاية في ثلاث فئات :

1- الوقاية من الدرجة الأولى أي تعديل الظروف في المؤسسات الاجتماعية لتقليل الإصابات النفسية إلى أدنى حد ممكن .

2- الوقاية من الدرجة الثانية : التدخل العلاجي المبكر .

3- الوقاية من الدرجة الثالثة : وهي مرادف للعلاج ويركز فيها على التقليل من المترتبات طويلة المدى للاضطرابات أو لتعاطي المخدرات .

وتجدر الإشارة إلى أهمية إلقاء الضوء على فهم موضوع الانحراف وعلاجه برؤية الإسلام ، المستندة إلى الرؤية الشرعية ليحدد منهاج العمل به :

1- الانحراف ليس قدراً مسلطاً على الإنسان .

2- الوقاية أفضل الطرق لمحاربة الانحراف وذلك من خلال الوعي وسيادة الشريعة .

ويرتبط الانحراف بالوضع النفسي والاجتماعي والاقتصادي والسياسي بالإضافة إلى العامل الوراثي الذي يمكن تعديله إلى الأحسن .

الجمهورية الإسلامية الإيرانية ومكافحة المخدرات :

إنَّ الاستكبار العالمي وعلى رأسه أمريكا ، أخذ يحارب الشعوب الحرة ومنها الجمهورية الإسلامية من خلال إنتاج وتوزيع المخدرات حيث يتم 86 % من إنتاج المخدرات من أفغانستان بعد الاحتلال الأمريكي لهذا البلد ، وقد قامت الجمهورية الإسلامية الإيرانية بمكافحة المخدرات في أراضيها ونحجت في ذلك وأخذت تحارب المهربين لهذه المواد

عبر حدوها مع أفغانستان وباكستان ولازال هذا الكفاح مستمراً وقدمت الكثير من الأموال والشهداء من أجل ذلك وهذا والمؤسسات الدولية لم تفِ بوعدها بمساعدة إيران في هذا الأمر ، ولاشك من وراء كل ذلك هو الاستكبار العالمي ليتسلط على الشعوب وينهب ثرواتها .

مناسبات الشهر السابع - تموزيوليو/July

1 اليوم العالمي للسكان11/ تموز/ 1989

يحتفل العالم يوم 11 تموز ب_ اليوم العالمي للسكان والذي يهدف إلى التركيز على الاهتمام بقضايا السكان عبر الخطط والبرامج الإنمائية الشاملة وضرورة إيجاد حلول للمشكلات السكانية المتعلقة بقضايا النمو الديموغرافي والصحة والتعليم والخدمات .

وكان مجلس إدارة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أوصى في عام 1989م في بيان صدر بهذه المناسبة بأن يكون ال_ 11 من يوليو تموز يوماً عالمياً للسكان .

وكان صندوق الأمم المتحدة للسكان قد دعا الدول الأعضاء في المنظمة الدولية إلى ضبط النمو الديموغرافي العالمي عبر إفساح المجال أمام كل فرد للحصول على وسيلة لتنظيم الأسرة .

إن الدول النامية ما زالت تواجه صعوبات اقتصادية ومناخاً اقتصادياً غير ملائم إلى جانب ارتفاع أعداد السكان الذين يعيشون في فقر شديد بالعديد من الدول . وتؤكد الدراسات زيادة مستوى تمدين سكان العالم والتركيز السكاني إذ يتوقع في عام 2025 ان يتركز 84 % من سكان العالم في البلدان النامية التي تضم حالياً 77% من سكان العالم . وستكون نسبة الزيادة في أفريقيا أكبر من أي مكان آخر إذ سيتجاوز عدد سكانها في عام 2025 ملياراً ونصف المليار نسمة فيما سيقفز عدد سكان جنوب آسيا من مليار و200 مليون إلى مليارين و100 مليون ومن المرجح أن تتركز نسبة ال_83% من الزيادة السكانية العالمية في المدن . ويعود السبب الأساسي لهذا النمو السكاني الكبير إلى قلة الوفيات وزيادة المواليد وعلى

وجه الخصوص بعد عام 1950م عندما أسهم التطور الطبي في إطالة أعمار الناس وبخاصة الأطفال منهم .

إن الإسلام بما يعتمد من ضمانات اجتماعية من سياق الكمال في عقيدته قادر للتصدي إلى معالجة الزيادة السكانية في العالم ومواجهة احتياجات السكان .

وربط الإسلام نشاطات الإنسان وقيادته بعقله ، وأمر بنظم أمره ووضع القواعد الأساسية لقيام مجتمع متكامل قوي ، ونظم الأمور الاجتماعية رهين بتنظيم السكان زيادة أو نقصاً وربط ذلك بمصالح الأمة والدولة الإسلامية واحتياجاتها .

وفي بعض المجتمعات التي تعيشها البشرية اليوم ، لا نجد معنى التكامل ، ولا نجد معنى لتنظيم السكان ، والإحصاءات تصدر منذرة بعواقب سيئة ، لذا فإن على الحكومات والقيادات الدينية أن تلتفت إلى ظاهرة الازدياد السكاني العشوائي وتوعي المجتمعات والأمة الإسلامية بضرورة وضع نظام فعال لحل أزمة السكن بحسب القوانين والأعراف لكل شعب ومجتمع بما يضمن مستقبلاً أفضل لمجتمعاتنا وأمّا فيما يرتبط بتحديد النسل وتنظيم الأسرة سيأتي البحث فيه إن شاء الله .

2 تأسيس دول عدم الانحياز6/تموز/1956م

يعتبر مؤتمر باندونغ للدول الأفروآسيوية الذي عقد قبل خمسين عاماً أول مؤتمر دولي تغيب عنه الدول الغربية في تاريخ العالم . ونتجت عن المؤتمر روح باندونغ والمبادئ العشرة الخاصة بالعلاقات الدولية والتي تعتبر المبادئ الجديدة لإقامة العلاقات الدولية الحديثة . وسيبقى هذا المؤتمر خالداً في ذاكرة التاريخ باعتباره حدثاً سياسياً دولياً فقد فتح صفحة جديدة في التاريخ وهو تأسيس دول عدم الانحياز .

ويرمز مؤتمر باندونغ إلى نهوض العالم الثالث ، وهو ما غير إلى حد كبير الملامح السياسية العالمية وهيكل العلاقات الدولية حينذاك .

في هيئة دولية عالمية تستقل عن الكتلتين الكبريتيين الشرقية والغربية ومقدمة لتحطيم

هيكل القطبية الثنائية وبدء المسيرة العالمية المتعددة الأقطاب .

تتضمن المبادئ العشرة عدم الاعتداء على سيادة الدول وعدم التدخل في الشئون الداخلية والمساواة بين كافة الدول ، كبيرة كانت أم صغيرة وصيانة العدالة الدولية وحل النزاعات الدولية عبر وسائل سلمية والاحترام المتبادل والتعاون المتبادل المنفعة والتعايش السلمي . وتعتبر هذه المبادئ مبادئ مثالية لمعالجة العلاقات بين مختلف الدول وضماناً قانونياً وأخلاقياً لإقامة العلاقات الدولية الحديثة ، وهي ما وضع حدا للقوانين والأعراف الدولية القديمة التي كانت أساساً للنظام العالمي القديم .

ولا بد من الإشارة إلى أنه في الواقع مع انهيار الاتحاد السوفيتي ، صار عدم الانحياز مفهوماً قديماً ، فلقد كان العالم آنذاك ، حين برزت كتلة عدم الانحياز من بين الدول - مقسماً إلى معسكرين يقودهما قطبان ، هما الاتحاد السوفيتي وحلف وارسو في الشرق والولايات المتحدة ، وأوروبا الغربية وحلف شمال الأطلسي في الغرب ، أما اليوم ، فإن هناك قطباً واحداً يحاول الاستئثار والسيطرة على العالم ، ولذا فإذا كان هناك معنى لعدم الانحياز ، فهو البقاء خارج استراتيجية الغرب والحلف الأطلسي .

وبهذا المعنى فإن بلداناً مثل كوبا وفنزويلا ، وإيران وسوريا وكوريا الشمالية ، تعتبر بالنسبة لسياسة القطب الواحد دولاً مارقة!

ولذا فإن تعزيز دور عدم الانحياز في الدول لا يلقى قبولاً من قبل الولايات المتحدة ، وهذه إيران اليوم تواجه تكالب قوى الغرب ضدها لا لشيء إلا لأنها دولة غير منحازة تعمل للحصول على حقوقها في العلم والتكنولوجيا المتطورة ، في حين يحق لإسرائيل أن تمتلك ، بل وتدعم لتمتلك كل أنواع التكنولوجيا

.

وقد أرسلت قمراً صناعياً للتجسس على إيران ، في حين لو أن إيران فعلت ذلك لكان مروقاً لا يغتفر على القانون الدولي فأي انحياز هذا؟! ولمن الانحياز؟!

مناسبات الشهر الثامن - آبأغسطس/August

1 اليوم العالمي للشباب12 آب

لا يخفى على أحد أهمية مرحلة الشباب في حياة الإنسان ، إذ فيها تنمو مداركه وتزيد قدراته حتى تصل إلى الأوج ، وهو ما ميّز هذه المرحلة عن سابقتها مرحلة الطفولة ولاحقتها مرحلة الكهولة والشيخوخة .

ولذلك كانت ، ولا زالت ، فئة الشباب هي جوهر حركة وازدهار أي مجتمع .

فإذا جُمِّدت نشاطات تلك الفئة أو حيِّدت ، فقد أوقف المجتمع حركته وقضى على عنصر حيويته بنفسه

من أجل ذلك كلَّه ، تضع الدول والحكومات البرامج والمشاريع بهدف إعطاء الشبيبة دورها وحمايتها من الضياع ، بل خصصت الأمم المتحدة يوماً خاصاً بالشباب ، أعلنته باسم اليوم العالمي للشباب ، يحتفل فيه العالم بتاريخ 12 آب من كل سنة ، ليتذكروا أن الشباب هم المستقبل والرهان عليهم رهان عليه .

الإسلام والشباب :

لا نغالي ، إذا قلنا ، أنه لم يهتم دين من الأديان ولا شريعة من الشرائع بالشباب ، كما اهتم بهم الإسلام ، في مختلف الجوانب : الروحية والنفسية والأخلاقية والجسدية والفكرية . .

إذ تأخذ الأفكار والعقائد بالتبلور في ذهن الشباب ، وتحتاج إلى توجيه ودعم . فقد أكّدت التعاليم الإسلامية على ضرورة حفظ وصيانة القيم والمفاهيم الإسلامية في الشباب ، وترسيخها لتكون أساساً يستند إليه المجتمع الإسلامي في مراحله المختلفة ، حيث جاء في الحديث عن الإمام الصادق : بادروا أحداثكم بالحديث قبل أن

يسبقكم إليهم المرجئة ، وكانت من الفئات المنحرفة عن الإسلام في المجتمع آنذاك .

مرحلة الشباب

الشباب هو الربيع الوحيد الذي يجرب مرة واحدة في ممر حياة الإنسان ووراء ربيع العمر هذا خريف فلابدّ أن نعرف قدر هذه المرحلة ومنزلتها ودورها في نمو الإنسان وحركته نحو الكمال ، ومن أجل ذلك جاءت الروايات لتأكد على أهمية هذه الفترة من عمر الإنسان وكيفية اغتنامها نستعرض بعضها هنا باختصار :

من وصايا النبي الأكرم لأبي ذر الغفاري : يا أبا ذر اغتنم خمساً قبل خمس شبابك قبل هرمك وصحتك قبل سقمك وغناك قبل فقرك وفراغك قبل شغلك وحياتك قبل موتك . . . ، وقال مولى الموحدين أمير المؤمنين : شيئان لا يعرف فضلهما إلا من فقدهما الشباب والعافية ، وعن رسول الله : نعمتان مجهولتان الصحة والأمان .

التواصل مع الشباب :

ما يميز الشاب في هذه المرحلة ، التنوع والتحول العاطفي والفكري والجسدي ، بالإضافة لذلك رهافة الحس ورفض التحكم من قبل الآخرين ، وحب الذات والتقليد ، وطلب الأسوة ، والاعتزاز . . وغيرها .

ولكي تكون تلك الخصائص والميزات التي يتحلّى بها الشباب خيَّرة ، تحتاج إلى مهارة عالية في التواصل والارتباط ، ولابد أن تكون مبنية على الأسس التالية :

1- الاحترام : ويتمثل ذلك في اتجاهين :

أ - تحفيز الشاب نحو الإنجاز في الأعمال الخيّرة ، ولاسيما في العلم ، والعمل ، حتى تتكون شخصيّته ولذلك ، ورد عن الإمام الصادق :

لست أحب أن أرى الشاب منكم إلا غادياً في حالتين إما عالماً أو

متعلماً فإن لم يفعل فرَط وضيَّع ، فإن ضيَّع أثم ، وإن أثم سكن النار والذي بعث محمداً بالحق .

ب - تقدير الشاب على إنجازه :

بالتشجيع والدعم ، حتى يستمرّ في هذا الخط ، كما ورد في الحديث : . . هذا ناصرنا بقلبه ولسانه . . ، للشباب طبع مرهف ، يتأثر بأدنى إشارة ، فكم من كلمة طيبة غيَّرت شاباً طائشاً ، وكم من نظرة عطف وتقدير حوَّلت آخر .

2- التفقّه في الدين :

أحد أسباب ابتعاد الشاب عن الدين والالتزام بأحكامه ، عدم معرفته لها بالشكل الصحيح ، ومن هنا ينبغي التركيز على تعليم الشباب معالم دينهم ، ومقاصد الشرع وآثار العبادات وحكمها ، لنسدّ بذلك الطريق أمام أعداء الإسلام في بث أفكارهم المغرضة .

عن الإمام الباقر : لو أتيت شاباً من شبان الشيعة لا يتفقه لأدبته .

3- وضع أسس الصداقة الحقيقية :

في مرحلة الشباب يرغب الشاب أن يصادق أقرانه ويبني لنفسه علاقات مع من في مثل سنه ، يفهمونه ويفهمهم ، وبتأثير هذا الاتجاه قد يقع الشاب في أشراك من لا يريد له الخير ، بل ويسعون لتخريبه فكرياً ، وأخلاقياً ولذلك كان من الضروري ، اختيار الصديق وفق معايير خاصة أشارت إليها أحاديث المعصومين .

لقد قدَّم لنا التاريخ الإسلامي نماذج رائعة لشباب استفادوا من فرصة العمر وسطروا أروع الأمثلة في مختلف المجالات ولا يسع المجال لذكرها هنا ونكتفي بذكر ملامح عن حياة قائد الشباب في هذا العصر وقدوتهم الإمام الخامنئي .

الإمام الخامنئي يتذكّر أيام الشباب

:

لا أتذكر متى بدأت أفكر في مستقبلي وماذا ينبغي أن أكون ، إلا أن ما كان معلوماً لي ولأسرتي منذ البداية هو أن الكل كان يرغب بأن أصبح أحد طلاب العلوم الدينية ، وكانت هذه رغبة والدي ووالدتي ، وكانت رغبتي أنا شخصياً فقد كنت أحلم بتلك الدراسة .

لم يكن من المتوقع أن أرتدي ذلك الزي منذ نعومة أظافري ، إلا أن والدي وبسبب معارضته لكل ما كان يتخذه رضا خان البهلوي من قرارات ومنها منع ارتداء الزي الديني لم يكن ليسمح لنا بارتداء الملابس التي أراد أن يفرضها علينا رضا خان بالقوة ، حيث أجبر الناس على التخلي عن الزي الوطني وارتداء الأزياء الأوروبية كوضع القبعة على الرأس وما شابه ذلك ، إضافة لذلك فقد كان والدي يرغب في أن أواصل دراستي في الحوزة العلمية ، أنا بدوري كنت أرغب بالدراسة في الحوزة .

أمنيات وهوايات :

كانت متعتي ومنيتي أبان مرحلة الشباب في حضوري وسط الطلاب ، أثناء الاستراحة وتجاذب أطراف الحديث في كافة الأمور ، وكانت أجواء المدرسة ممهدة لتلك الجلسات والنقاشات ، أضف إلى ذلك فقد كنا نجتمع في مسجد گ_وهرشاد مع بعض العلماء الأعلام الفضلاء ، وطلبة العلوم الدينية ونخوض في الأبحاث العلمية ، الثقافية والدينية ، كانت هذه نزهتي ومتعتي آنذاك ، كما كنت وما زلت أمارس الرياضة ، ومما يؤسف له أن بعض الشباب قد عزفوا عن الرياضة وهذا ليس من الصواب ، كنا نمارس رياضة السير على الأقدام وتسلق الجبال ، وكنت أستغرق عدة ليال وأيام في تسلق

جبال مشهد منتقلاً من هذا إلى ذاك ، والسير على الأقدام من هذه القرية إلى تلك وكان يشاركني في ذلك بعض الأصدقاء ، وما أجمل تسلق جبال البرز في العاصمة طهران بهذا الارتفاع العظيم .

الاهتمام بالمطالعة :

كنت كثير المطالعة في مرحلة الشباب ، فبالإضافة إلى الكتب الدراسية كنت أقرأ الكتب التاريخية ، الأدبية ، فنون الشعر والنثر ، القصص والروايات ، كنت أحب الروايات كثيراً وقد قرأت أغلب الروايات المشهورة آنذاك ، وقد شغفت بالأحاديث النبوية إثر إجادتي للغة العربية بفضل دراستي ومتابعتي للدروس العربية .

نظم الشعر :

ابتدأت إنشاد الشعر ونظمه منذ ريعان شبابي ، إلا أني ولبعض الأسباب تركت جمعية الأدباء التي أسست آنذاك في مشهد رغم أني كنت ناشطاً فيها منذ عدة سنوات .

نشاطات سياسية :

أما حول دخولي ساحة الجهاد والمعترك السياسي ، كان لي من العمر ربما خمس عشرة أو ست عشرة سنة ، حين قدم المرحوم نواب صفوي لمشهد وأخذ يلقي خطاباته ، الأمر الذي جعله ينفذ إلى أعماق قلبي ، ولم أكن في ذلك بدعاً من سائر الشباب الذين تعاطفوا معه وكان لهم مثل هذا العمر . . . .

كانت لي أبان نشاطي السياسي محاضرات في التفسير كنت القيها على أسماع الشباب سيما من الطلبة الجامعيين ، وذات يوم خلال طرحي لآيات بني إسرائيل ، أسهبت في شرح أوضاع بني إسرائيل واليهود ، فلم يمر وقت طويل حتى ألقي القبض عليّ وأودعوني السجن ، طبعاً لا على أساس ما تحدثت به ، بل ربطوا ذلك

بمسائل أخرى .

كان أول سؤال وجهوه إليّ في التحقيق ، لماذا تحدثت ضد اليهود وبني إسرائيل؟ أتشاهدون أيها الأعزة؟ هذا معناه أن من يتعرض لتفسير آية بشأن بني إسرائيل ، عليه أن يستعد للرد على استفسارات المحققين في الأجهزة الأمنية ، ولكم أن تتصوروا أيها الأعزة صعوبة الظروف السياسية إلى جانب السياسات الهوجاء التي كانت تمارسها الحكومة ضد أبناء الشعب .

في ذلك الوقت عندما كنا في ساحة المواجهة ، نفكر بشكل جدي وعميق ونبذل كل ما في وسعنا لأجل أن نخرج الشباب من دائرة نفوذ ثقافة النظام ، أنا شخصياً ، كنت أذهب للمسجد مثلاً أعطي دروس التفسير ، أخطب بعد الصلاة ، أذهب للمحافظات أحياناً لإلقاء المحاضرات ، والهدف الأساس من حركتي كان أن أنقذ الشباب من الفخ الثقافي المنصوب من قبل النظام ، والذي عبّرت عنه في ذلك الحين ، باسم شبكة الصيد الخفية .

2 تغييب الإمام السيد موسى الصدر

31/ آب/ 1978م

كان النظام الليب_ي في عام 1978 م قد وجّه للإمام السيد موسى الصدر دعوة رسمية للمشاركة في ذكرى الفاتح من سبتمبر ، فلبى الإمام الصدر الدعوة مصطحباً رفيقيه الشيخ محمد يعقوب والصحافي عباس بدر الدين ، وفي ليبيا انقطعت أخبارهم ، ولم يعثر لهم على أثر إلى هذا اليوم .

تقول مجلة بقية الله في عددها الرابع والثمانين :

يذكر أن الإمام الصدر وفي السنة الأخيرة قبيل اختطافه عمل بما يملكه من علاقات وصداقات على نقل صورة وحقيقة الثورة الإسلامية المباركة إلى الدول العربية والمنظمات الإسلامية ، وثمة معلومات أن الإمام الصدر كان ينوي السفر إلى باريس لزيارة

الإمام الخميني بعد انتهاء زيارته لليبيا والتي انقطعت أخباره فيها .

نبذة عن حياة الإمام السيد موسى الصدر

ولد الإمام السيد موسى الصدر في مدينة قم المقدسة في منتصف آذار عام 1928م ، وتلقى علومه الأولى في حوزتها وفي مدارسها العصرية ، وكان لهذه الدراسة أثرها في شخصيته ، برزت في قدراته على إدارة حوارات فكرية هادئة ، تستند إلى العلوم الحديثة . فقد حاز إجازة بالقانون من كلية الحقوق في طهران .

وكان يتقن اللغتين العربية والفارسية ويحسن الفرنسية والإنكليزية ، وكان يدرس المنطق والفقه في الحوزة العلمية بقم ، ثم استطاع أن يشارك في إصدار مجلة مكتب اسلام بقم باللغة الفارسية .

وفي العام 1954م انتقل إلى مدينة النجف الأشرف ودرس المرحلة المتقدمة على المراجع آنذاك كالسيد الحكيم والسيد الخوئي والشيخ محمد رضا آل ياسين . وتوطدت علاقته مع السيد الشهيد محمد باقر الصدر .

وفي عام 1955م تزوج وزار لبنان للمرة الأولى وحلّ ضيفاً على الإمام السيد عبد الحسين شرف الدين الذي أعجب بشخصيته وملكاته وأفكاره .

وفي لبنان زار الصدر موطن أجداده وتلمس خلال اللقاءات التي جمعته مع عدد كبير من الوفود الجنوبية حجم مشكلة الشيعة في لبنان والغبن اللاحق بهم مستشعراً الخطر الكبير على مستقبل الجنوب كمركز للاعتداءات الصهيونية ، وكساحة للحرمان الرسمي المتعمد .

عاد الصدر إلى النجف ، ولم يطل به الوقت حتى عاد إلى لبنان مرة أخرى سنة 1957م ، وفي العام 1958م فجع العالم الإسلامي بوفاة الإمام شرف الدين ، لكن حضور الإمام الصدر سدّ الثلمة الكبيرة بوفاة هذا الجهبذ الكبير . . وقد انتقل الإمام الصدر

ليعيش نهائياً في لبنان سنة 1959م متخذاً من مدينة صور مقراً له .

ومن ذلك العام ابتدأ العمل الديني والسياسي والاجتماعي للإمام الصدر في لبنان ، فأعاد هيكلة جمعية البر والإحسان التي أسسها السيد شرف الدين ، مروراً بإنشاء مؤسسات عامة تعنى بالشأن التربوي والمهني والصحي والاجتماعي والديني .

ومن إنجازاته تسليط الضوء على دور المرأة ، وضرورة مشاركتها في الحياة العامة ، ولذلك أقام دورات لمحو الأمية وغيرها من النشاطات .

ومن أهم إنجازاته ، والتي تمت بعد دراسات واستشارات وتحركات مكثّفة كان تأسيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى ، الذي هدف إلى تنظيم أوضاع الطائفة الإسلامية الشيعية ، محاولاً رفع الغبن اللاحق بها ، وقد أقرّ مجلس النواب اللبناني قانون إنشاء المجلس في العام 1967م .

وفي العام 1969م ، انتخب الإمام الصدر رئيساً لهذا المجلس ومنها ، وجّه دعوات لتوحيد الشعائر الدينية بين المذاهب الإسلامية ودعا للوحدة الوطنية ، وحذّر من الخطر الصهيوني المتزايد وأكد دعمه للمقاومة الفلسطينية ، ودعا للعدالة والمساواة بين طوائف لبنان ومناطقه .

وطالب بتأسيس مجلس للجنوب لرفع الحرمان عنه ولمواجهة العدوان الصهيوني المتواصل عليه .

وبعد سنوات من المطالبة والسعي لم توافق السلطة على عددٍ من مطالب الإمام الصدر فبدأ العمل الميداني ، بغية تعبئة الجماهير ، وصعّد حملته بمهرجانات شعبية عارمة كان أضخمها مهرجان بعلبك بتاريخ 17/4/1974م ، ثم مهرجان صور بتاريخ 5/5/1974م ، وفي تلك الفترة أعلن سماحته تأسيس حركة المحرومين التي رسم السيد الصدر مبادئها بالقول :

إن حركة المحرومين تنطلق من الإيمان الحقيقي بالله والإنسان وحريته الكاملة وكرامته

، وهي ترفض الظلم الاجتماعي ، ونظام الطائفية السياسية ، وتحارب بلا هوادة ، الاستبداد والإقطاع والتسلط وتصنيف المواطنين ، وهي حركة وطنية تتمسك بالسيادة الوطنية وبسلامة أرض الوطن ، وتحارب الاستعمار والاعتداءات والمطامع التي يتعرض لها لبنان .

وبعد إنجازه لمشروع المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى وتأسيس مجلس الجنوب وإطلاق حركة المحرومين قام الإمام الصدر بتشكيل جناح عسكري لحركة المحرومين بهدف مواجهة العدو الصهيوني على لبنان .

وفي عز عطائه وذروة تحركه اندلعت فتنة الحرب اللبنانية التي لم تميز بين لبناني وآخر ، فبادر الإمام إلى بذل المساعي والجهود للتوسط لدى الفرقاء بغية خنق الفتنة وتهدئة الوضع ، وقام لهذه الغاية بتأسيس عدة لجان وتنفيذ عدة اعتصامات .

ونظراً للإنجازات المهمة التي قام بها الإمام الصدر ، ولما كان يسعى إلى تحقيقه سواء على الصعيد الوطني أو على صعيد القضية الفلسطينية وغيرها ، كل ذلك أكسبه مكانة مرموقة ، شعر معها المتربصون بالمنطقة بالخطر على مصالحهم ، فتحول إلى هدف لأجهزة الاستكبار التي خططت للتخلص منه والقضاء على مشروعه الكبير ، فكان أن دبرت تلك الأجهزة عملية اختطافه في أواخر شهر آب من عام 1978م بعد قدومه إلى ليبيا في واحدة من رحلاته الساعية إلى وضع حد للجنون العبثي في لبنان .

قالوا في حق الإمام موسى الصدر :

الإمام الخميني : السيد موسى الصدر الذي عرفته سنوات طويلة بل يجب أن أقول أنني ربيته وهو بمنزلة ولد من أولادي الأعزاء أنا أعلم فضائله وخدماته عندما ذهب إلى لبنان كما أنني أعلم أن لبنان يحتاج إليه .

الإمام القائد السيد علي الخامنئي

: إن توحيده لشيعة لبنان ، وإعطائها هويتها ، وإيجاد جو العيش المشترك والاحترام المتبادل بين المقتدين بالمذاهب الدينية والسياسية في ذلك البلد من جهة ، والوضوح في تعريف النظام الغاصب الصهيوني بأنه شر مطلق وتحريمه للتعاون مع هذا النظام من جهة أخرى ، وثم احترامه ومحبته الحميمة لقائد الثورة ومؤسس الجمهورية الإسلامية الإيرانية ، في المجال الثقافي وفي كتاباته وفي مساعدته وتعاونه مع المناضلين الإيرانيين لمدة طويلة ، أوجدت من هذا العالم الجليل ، وهو الابن البارّ للحوزة العلمية في قم ولإحدى العائلات العلمية الكب_رى من عالم التشيّع ، شخصية شمولية .

ولأجل ذلك كله ، أظهر إمامنا الكبير الراحل تعلقه وتكريمه لهذه الشخصية المعززة منذ انتصار الثورة في مناسبات عدة .

لا شك أن حرمان الساحة في لبنان من حضور هذه الشخصية القيّمة الفذّة كانت ولا تزال خسارة كبيرة .

الشهيد السيد عباس الموسوي : كان عبئاً ثقيلاً على كل قوى الاستكبار ، ولذلك بشكل طبيعي نقول بأن الذي اختطف الإمام الصدر ، وهيأ مناخات الاختطاف ، ليس رجلاً واحداً ، ليس جهة واحدة ، ولذلك يجب أن نضع اختطاف الإمام موسى الصدر في هذا الموقع ، ضمن المواجهة الكبيرة لقوى الاستكبار العالمي .

سماحة السيد حسن نصر الله : لقد كان الإمام الصدر عنواناً للمستقبل المشرق في لبنان .

مناسبات الشهر التاسع - أيلولسبتمبر/September

1 الحرب العالمية الثانية1/ أيلول/ 1939

بدأت الحرب العالمية الثانية بحملة ألمان النازية على بولندا في 1 سبتمبر 1939 في أوربا واستمرت الحرب حتى عام 1945 باستسلام اليابان بعد أن ضربت الولايات المتحدة الأمريكية مدينتي نكازاكي وهيروشيما بالقنبلة الذرية .

تعد الحرب العالمية

الثانية من أوسع الحروب شموليةً وأكثرها كُلفة في تاريخ البشرية لأتساع بقعة الحرب وتعدد مسارح المعركة ، فكانت دول كثيرة طرفاً من أطراف النزاع . فقد حصدت الحرب العالمية الثانية زهاء 50 مليون نفس بشرية بين عسكري ومدني .

تكبّد المدنيون خسائر في الأرواح إبّان الحرب العالمية الثانية أكثر من أي حرب عرفها التاريخ ، ويعزى السبب لتقليعة القصف الجوي على المدن والقرى التي ابتدعها الجيش الألماني على مدن وقرى الحلفاء مما استدعى الحلفاء بالرّد بالمثل ، فسقط من المدنيين من سقط من كلا الطرفين . أضف إلى ذلك المذابح التي ارتكبها الجيش الياباني بحق الشّعبين الصيني والكوري إلى قائمة الضحايا المدنيين ليرتفع عدد الضحايا الأبرياء والجنود إلى أكثر من 50 مليون قتيل ، أي ما يعادل 2% من تعداد سكان العالم في تلك الفترة!

على عكس ما حدث في الحرب العالمية الأولى ، فإن المنتصرين في المعسكر الغربي لم يطالبوا بتعويضات من الأمم المهزومة . ولكن على العكس ، فإن خطة تم إنشاؤها على يد سكرتير الدولة جورج مارشال ، سميت برنامج التعافي الأوروبي والمشهور بخطة مارشال ، وطلب من الكونجرس الأمريكي أن يوظف بليون دولار لإعادة إعمار أوروبا . وكذلك كجزء من الجهود لإعادة بناء الرأسمالية العالمية ، ولإطلاق عملية البناء لفترة ما بعد الحرب ، طبق نظام بريتون وودز الاقتصادي بعد الحرب .

أدت الحرب أيضاً لزيادة قوة الحركات الانفصالية بين القوى الأوروبية ، والمستعمرات في أفريقيا ، آسيا وأمريكا ، وحصل معظمها على الاستقلال خلال العشرين عاماً التي تلت .

ثم أُنشئت الأمم المتحدة كنتيجة مباشرة للحرب العالمية الثانية

.

إن روح التفوق العرقي التي ابتدأت مع اييقور ثم نيتشه فهيكل لدى الألمان خصوصاً والأوربيون عموماً هو الذي دفع أدلف هتلر للمناداة بالعرق الألماني كأفضل العروق ، وكان ذلك عصب التغذية لدوام حرب كونية حصدت عشرات الملايين من أبناء الإنسانية .

وليكن في ذلك دعوة لنبذ تلك الروح التي لا زالت تتبناها أمريكا ضد شعوب العالم الأخرى .

أخلاقيات الحرب في الإسلام :

ارتكبت جرائم فظيعة خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية فاستبيحت الأعراض ودنست المقدسات ، وضاعت القيم ، ذلك بالإضافة إلى العدد الكبير جداً الذي بلغ أكثر من 50 مليون نفس من القتلى وأضعافهم من الجرحى والمعوقين ، هذا ولم تسطع القوانيين الدولية للحرب أن تمنع من إرتكاب تلك الجرائم لأنها كانت تفتقر إلى بث روح الإيمان والاعتقاد الديني الذي تجتمع عليه الأديان السماوية وأيضاً كانت تفتقر إلى الضمان التنفيذي لمنع وقوع الحرب أو عدم ارتكاب المجازر الإنسانية في الحروب ورعاية القوانيين الوضعية الأخلاقية المتفق عليها دولياً .

وأمّا الإسلام فقد سعى مبدئياً لعدم اندلاع الحروب بين البشر والأصل في الإسلام هو السلام والأمن وعدم الإعتداء على الآخرين وإذا ما فرضت الحرب فلابد من الدفاع وفي خضم الحرب يجب مراعاة الأصول والقيم الأخلاقية وأهم تلك الأخلاقيات كما يلي :

عدم بدء الخصم بالقتال؛ ذلك لأن الحرب حالة استثنائية لا تحصل إلا بموجب استثنائي ، فإذا تم وحصل بين الخصماء وأزالوا ذلك المقتضي للحرب ، زال الاستثناء واستغني عن الحرب وويلاتها .

عندما يضطر المسلمون لخوض الحرب ، فإن هناك التزامات أوجبها الشارع المقدس منها :

1- عدم الإفساد في الأرض؛ مثل قتل الحيوان والماشية وقلع الأشجار

إلا لحاجة كحطب أو غيره .

2- عدم التعرض للنساء ولو شتمن أعراض أفراد الجيش المنتصر .

3- عدم الإجهاز على الجريح ، بل يؤخذ ليعالج ثم يعتبر أسيراً .

4- عدم تتبع المدبر؛ فالذي يختار الفرار من الحرب يترك لخياره ولا يجوز تتبعه .

5- الرفق والإحسان إلى الأسرى .

ولو تحقق جزء من هذه الضوابط والأخلاقيات في أي حرب من الحربين العالميتين ، لما بلغ الدمار هذا المبلغ من العالم كله .

2 اليوم العالمي لمكافحة الأمية8 أيلول

كثر الحديث مؤخراً عن الأمية ودورها في تأخير عملية التنمية وانعكاس ذلك على تطور الوضع السياسي في العالم الإسلامي . وتفاوتت التقارير عن حجم الأمية بتفاوت مقاييس تحديدها ، وخلوص الأنظمة إلى نتائج مموهة حول حملات مكافحة الأمية ونتائجها .

لقد شهد مفهوم محو الأمية تطوراً كبيراً خصوصاً منذ بدء الاهتمام بالتنمية في أوساط العالم في القرن العشرين وصولاً إلى وقتنا الراهن . وقد بذلت منظمات دولية عدة مثل اليونسكو واليونيسيف - مجهوداً كبيراً في هذا المجال .

والأمّي في التعريف العام ليس الإنسان الذي لا يقرأ ولا يكتب ، بل الإنسان الذي لا يملك معرفة كافية ، بالأمور التي تتعلّق بحياته ، فيضطرّ للجوء إلى شخص آخر لفهم المطلوب وهذا ما يعبر عنه بالأمية المقنعة

الأمية في العالم الإسلامي :

لا شك ، تمثل الأمية في العالم الإسلامي أسوأ ظاهرة اجتماعية ، نقول ذلك لا لنثبت أن الحكومات لا تعمل على مكافحتها ، ولكن لنعترف أن التنمية المرتبطة بخارطة الأمية في العالم الإسلامي شهدت فشلاً ذريعاً وكان هو القاعدة ، أما النجاح في بعض الأحيان كان الاستثناء .

وحتى

نصل إلى إجابة صحيحة حول حجم الأمية ، نقول إن حجمها مرتبط بمفهوم الأمية المعتمد والمقاييس المستخدمة ومؤشرات النجاح التي أشرنا ونشير إليها .

لماذا تُسيَّس مكافحة الأمية؟

وللأسف ، يتجه المنحى الاجتماعي للحكومات الإسلامية باتجاه الرضوخ لشروط المنظمات الدولية وحكومات الدول المعنية بالتنمية .

ما هي نسبة الأمية في وسط النساء؟ وما هي تأثيراتها الاجتماعية؟

تبلغ نسبة الأمية في وسط النساء المسلمات نحو 80 % ، والسبب الرئيس أن الأمية غالباً ما تنبع في إطار عملية تهميش المرأة في حياة المجتمع وفي المدرسة ، ويتم ذلك أحياناً باسم الدين والدين بذلك مطعون مظلوم بل هو الذي يدعو للعلم ويجعله فريضة على كل مسلم ومسلمة كما هو معروف للجميع ، وأحياناً أخرى باسم العادات والتقاليد والأعراف .

مكافحة الأمية والصحوة الإسلامية :

إن حالة الأمية السائدة في العالم الإسلامي وبنسبة مذهلة ، هي عائق أساس أمام تعمق الوعي وتوسعة الصحوة الإسلامية ، إن الأمية التي تقارب نصف سكان العالم الإسلامي ، تعني أن نصف السكان بعيدون عن الحكم وليس لديهم الأهلية اللازمة لمسك زمام أمورهم ومستقبلهم بأيديهم .

الإسلام ومكافحة الأمية :

قد حث الإسلام على طلب العلم بما لا يحصى من النصوص ، والعلم لا يمكن أن يدرك بدون محو الأمية ولا يتحقق توسعة العلوم وانتقالها إلى الأجيال القادمة إلا بكتابتها ونشرها وهذا يستلزم تعلم القراءة والكتابة والأساليب المتطورة في كل عصر ، فلابد من حشد الجهود لمحو الأمية إذا أردنا لامتنا أن تكون مؤهلة لأداء دورها الريادي القيادي بشتى الوسائل والأساليب ، وقد قامت الجمهورية الإسلامية تمسكاً بتلك التعليم بمكافحة الأمية ولازال مستمرة

في ذلك إلى اليوم الذي لا يبقى فيها أميّاً إن شاء الله .

إن المواد الثقافية التي تعمق الوعي بالإسلام وترسخ مفاهيمه تحتاج لرفع الأمية ليس فقط بالقراءة والكتابة بل إلى الوسائل الأخرى من استعمال وسائل الإعلام الأخرى كالكمبيوتر والأفلام وكل أجهزة حفظ المادة العلمية والثقافية ونشرها وفيما يتعلق بالنصوص من الآيات الروايات الدالة على أهمية القراءة والكتابة إليك نماذج منها :

1- . . . قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ . . . . . .

2- . . . يَرْفَعِ اللهُ الّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ وَالّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ . . . . .

3- قَالَتْ يَا أَيّهَا الْمَلاُ إِنّيَ أُلْقِيَ إِلَيّ كِتَابٌ كَرِيمٌ إِنّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنّهُ بِسْمِ اللهِ الرّحْمَ_َنِ الرّحِيمِ أَلاّ تَعْلُواْ عَلَيّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ .

4- عن النبي : من حق الولد على والده . . . وأن يُعلمه الكتابة .

5- وعنه : قيدوا العلم بالكتاب .

6- في مسند أحمد : كان ناس من الأسرى يوم بدر لم يكن لهم فداء فجعل رسول الله فداءهم أن يُعلموا أولاد الأنصار الكتابة .

7- وعن الإمام الصادق : منَّ الله على الناس برِّهم وفاجرهم بالكتاب والحساب ولولا ذلك لتغالطوا .

3 اليوم السلام العالمي21/ أيلول/ 1981م

تحدد اليوم السلام العالمي سنة 1981 ، وذلك بمقتضى قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة المرقم 36/ 67 متزامناً مع دورتها الافتتاحية في أيلول من كل عام .

وفي سنة 2001 تم تعزيز القرار 55/ 282 لتحديد يوم 21 أيلول من كل عام ليصبح يوماً ضد العنف ولوقف إطلاق النار أو كيوم للسلام العالم ، وقد اعتمدت الجمعية العامة هذا القرار بالإجماع .

الغرض

من تحديد هذا اليوم وإعلانه ، هو أن يكون ميقاتاً لتوقف النزاعات الدولية ، ووقف إطلاق النار في أنحاء المعمورة ، ولتكون فرصة للأخيار والمصلحين أن يوجهوا نداءاتهم إلى البلدان والفرقاء المتنازعين كي يوقفوا الأعمال العدائية على الأقل طيلة هذا اليوم ، كي يتمتعوا بنعمة السلام ، ولكي تتوفر دقيقة صمت في الساعة الثانية عشر ظهراً من ذلك اليوم لنتذكر ضحايا العنف ودماء الأبرياء التي تراق دون طائل .

إن معنى السلام في الأصل هو السلامة والبراءة من كل سوء وعيب سواء كان في الظاهر أم في الباطن إلا أنه يأتي السلام غالباً في مقابل الحرب وبمعنى المعايشة القائمة على التعاون والمحبة .

يقول صاحب موسوعة لسان العرب : وكانت العرب في الجاهلية يحيون . . . ويقولون سلام عليكم فكأنه علامة المسالمة وأنه لا حرب هناك .

إن الصلة والعلاقة فيما بين الناس قائمة على أحد أساسين : إما السلام وإما الحرب والصدام ولكل منهما أصول ونتائج .

فأصول السلام في المجتمع وفيما بين الناس التحابب وحسن الظن ونتائجه : التعاون والتضامن والتكافل والصداقة وأصول الحرب والصدام الحقد والبغضاء والكراهية وسوء الظن في النفس وآثاره : العدوان والحسد والغيبة والوشاية والنميمة والإيذاء وما إلى ذلك .

وبما أن الحرب والحقد والبغضاء من أظهر أنواع السوء في السطح الظاهر وفي العمق الباطن لحياة الإنسان فبانتفاء هذه الظواهر السلبية من حياة الإنسان يتحقق السلام .

السلام في الإسلام :

كانت الجاهلية تعيش على القتل والغزو والسلب فجاء الإسلام بمفاهيمه وتعاليمه يدعو إلى السلام حيث تنعمت به الجزيرة العربية ثم امتد إلى بقية أقطار الأرض وأصقاعها حتى عمت الحضارة الإسلامية أكثر من

نصف الكرة الأرضية لقرون ولازالت آثارها باقية حتى الآن .

فإن الإسلام هو دين السلام .

يقول تعالى : وَاللهُ يَدْعُوَ إِلَىَ دَارِ السّلاَمِ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ إِلَىَ صِرَاطٍ مّسْتَقِيمٍ .

وقال تعالى : يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السّلْمِ كَآفّةً . . .

وقال تعالى : قَدْ جَآءَكُمْ مّنَ اللهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مّبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السّلاَمِ وَيُخْرِجُهُمْ مّنِ الظّلُمَاتِ إِلَى النّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَىَ صِرَاطٍ مّسْتَقِيمٍ .

وقال تعالى : . . . الصّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الأنْفُسُ الشّحّ . . . .

وقال تعالى : لاّ يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرّوهُمْ وَتُقْسِطُوَاْ إِلَيْهِمْ إِنّ اللهَ يُحِبّ الْمُقْسِطِينَ .

وقال تعالى : وَإِن جَنَحُواْ لِلسّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكّلْ عَلَى اللهِ .

وقال تعالى : وَإِذَا جَآءَكَ الّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ . . .

والتحية في الإسلام بالسلام تشير إلى هذا المعنى بالذات فإن التحية بجملة السلام عليكم التي يرددها المسلمون في لقاءاتهم كافة تشير إلى المضمون السلمي في علاقة الإنسان المسلم في المجتمع بالآخرين وتطبع علاقات المسلمين بعضهم ببعض في المجتمع بطابعه المميز الخاص الذي يحمل معاني المسالمة والتحابب والتحسيس بالأمن والسلام من كل طرف تجاه الآخر وإشعار الطرف الآخر بالسلام في العلاقة وانتفاء العدوان والظلم والمكر فيما بينهم .

وطبيعي أن السلام والصلح بهذا المعنى وبهذه الشمولية التي يعطيها الإسلام يشكّل أساساً لكل العلاقات في المجتمع .

مناسبات الشهر العاشر - تشرين الأولأكتوبر/October

1اليوم العالمي للمسنين1/ تشرين الأول/ 1999م

اليوم العالمي للمسنين :

في اجتماعات الأمم المتحدة سنة 1982 فينا - النمسا لبحث معضلات الترهل السكاني ، وضعت خطة عمل دولية وتم تحديد ثمانية عشر مبدأ لأجل

المسنين جمعت في خمسة فصول ، استقلالية ، مشاركة ، رعاية ، تحقيق ذات ، كرامة ، وكذلك تم تحديد هذا اليوم العالمي للمسنين في الأول من أكتوبر من كل عام ، وتواصل الاهتمام بإعلان سنة 1999م سنة دولية للمسنين تحت شعار نحو مجتمع لكل الأعمار نحن في هذا الميدان نحيّي هذه الفئة المهمة من المجتمع ونقف مع شعارات وخطط الأسرة الدولية تجاهها وسنظل ننادي ونناضل معها لأجل حقوقها في هذه المرحلة .

اهتمام الإسلام بالمسنين :

قال تعالى : اللهُ الّذِي خَلَقَكُمْ مّن ضَعْفٍ ثُمّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوّةٍ ثُمّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ .

لابد للإنسان إذا طال عمره أن يبلغ درجة الضعف تلك ، وعندها لابد له من ضمان في دين أو مجتمع أو سنن أخلاقية تحميه في تلك الظروف .

روي أنه في عهد الإمام علي : مر شيخ مكفوف كبير يسأل فقال أمير المؤمنين : ما هذا؟ قالوا : يا أمير المؤمنين نصراني ، فقال أمير المؤمنين : استعملتموه حتى إذا كب_ر وعجز منعتموه أنفقوا عليه من بيت المال .

اعتنى الإسلام بالمسنين رعايتهم أي اعتناء ، ولدينا في ذلك الكثير من الأدلة فالمسن يلقى في ديننا كل الرعاية والتكريم ونحن كمسلمين نحتفي بالمسنين ليس كما يحتفي بهم الآخرون في يوم واحد بل إن احتفاءنا بالمسن أباً كان أو أماً ، قريبا كان أو بعيداً يكون على الدوام فالأمر بالنسبة لنا يعتبر واجباً شرعياً نرى في تطبيقه سبيلاً إلى الفوز برضوان رب العالمين .

والأدلة والأمثلة على اهتمام ديننا الحنيف

بالمسن كثيرة ومستفيضة ، منها على سبيل المثال لا الحصر :

قول الله تعالى : وَقَضَىَ رَبّكَ أَلاّ تَعْبُدُوَاْ إِلاّ إِيّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمّا يَبْلُغَنّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لّهُمَآ أُفّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً .

وتوقير الكبير أصل مستقر في شريعتنا ففي الحديث : ليس منا من لم يوقر كبيرنا ويرحم صغيرنا ويعرف لعالمنا حقه وفي رواية : ليس منا من لم يبجل كبيرنا و يرحم صغيرنا .

وصايا رسول الله أنه قال : من إجلال الله إجلال ذي الشيبة المسلم .

وعنه : من وقر ذا شيبة لشيبته آمنه الله عز وجل من فزع يوم القيامة .

وعن الإمام الصادق : عظموا كباركم وصلوا أرحامكم .

وعنه أيضاً : ليس منا من لم يوقر كبيرنا ويرحم صغيرنا .

2اليوم العالمي للتخفيف من الكوارث الطبيعية2/ تشرين الأول

إن الكوارث الطبيعية والاصطناعية التي تزهق الأرواح على نطاق واسع وتتلف الممتلكات ، وتضر بالبيئة بصورة متكررة ومتزايدة تعيد ساعة التنمية إلى الوراء . ذلك أن الكوارث تطيل أجل الفقر حيث أنها تجبر البلدان النامية على تأجيل البرامج الإنمائية الوطنية لديها ، وبذلك تسوء الأوضاع المتردية بالفعل والتي تنطوي على أخطار اجتماعية واقتصادية وبيئية ، وبخاصة في المستوطنات البشرية .

وبما أن طبيعة الكوارث في المدن تزداد تعقيداً ، يمكننا إرجاع أسبابها إلى نهج إدارتها . ويمكن الدفع بأن الكثير من الكوارث الطبيعية ليست طبيعية وتحدث نتيجة لسوء ممارسة الإدارة الحضرية وعدم كفاية التخطيط والكثافة السكانية وعدم التوازن الإيكولوجي ، إلى غير ذلك ، من الأسباب والعلل التي تحدث بسببها تلك الكوارث الطبيعية ولاشك إن للإنسان دور مباشر أو غير مباشر في

وقوعها أو عدم وقوعها في كثير من الأمور وهذا الإنسان بإمكانه أن يخفف من تلك الكوارث بعلمه وعمله .

إن التخفيف من حدة الكوارث هي الخطوة الأولى نحو إتباع منهج شامل لإدارة الكوارث . ويُعرّف التخفيف من حدة الكوارث بأنه تدبير مستمر للتقليل أو للقضاء على التأثيرات والمخاطر المرتبطة بالكوارث الطبيعية والاصطناعية .

نظرة الإسلام إلى الكوارث الطبيعية :

هناك في الكون سنن حسنة تجري وفق مشيئة الله تعالى ، وللإنسان مصالح ومنافع تتنوع وتختلف إلى حدّ التضاد مع ذاتها ومع سنن الكون ، فيصير عندنا ما نكره شراً وما نحب خيراً ، إلا أن القرآن الكريم يقول :

وَعَسَىَ أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لّكُمْ وَعَسَىَ أَن تُحِبّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرّ لّكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ .

إن المقادير في الطبيعة تجري وفقاً لإرادة الخالق المحسن العظيم الذي خلق كل شيء فأحسن خلقه ، إلا أن الإنسان وحتى في أعلى المستويات له معايير خاصة .

فمثلآً ، رأى المسؤولون على المحميات الطبيعية في كينيا أفريقا أن الذئاب تأكل كثيراً من غزلان المحمية وعليهم أن يحجزوها ويحموها ، فما لبثوا أن وجدوا أن الغزلان تصاب بوباء كاد يقضي عليها ، وفي دراسة لهذه الظاهرة ، وجدوا أن الذئاب والحيوانات المفترسة إنما تتربص بالطرائد الضعيفة من الغزلان وتلحقها أما القوية فإنها تمتلك سرعة تنجيها من الافتراس ، وهكذا فإن بقاء الضعيف بين القطيع كان بؤرة لنقل المرض إلى الأصحاء ، ولهذا اضطر المسؤولون لرفع الحواجز بين المفترسات وغيرها .

وهكذا لو تصورنا أن الموت الذي هو سنة طبيعية ، قد توقف تماماً وصار كل

حي لا يموت ، تصور أي سوء تبلغه الطبيعة بدون الموت؟

فنحن نكره الموت ونعتبره كارثة ، ولكنه في مجريات السنن من محسنات الوجود .

وهكذا بمنظار سامي يمكن الحكم على ما نسميه كوارث ، إنها مقادير لمجريات السنن المحسنة للوجود والتي تسعى به إلى حال أفضل من الكمال وأنها وإن كانت مكدره إلا أنها ضرورات لابد منها في الوجود ، فمن دونها لا طعم للوجود إذا كان كله عسل فكيف نحس بطعم العسل؟! وإذا كان كله نوم فلا طعم لليقظة ، وإذا كان كله حياة ، فلا طعم للحياة . وإذا كانت الكوارث بلاء :

فالبلاء سنة كونية ، ولذا ورد في المأثور عن المعصوم ، أنه إذا أحب الله عبداً ابتلاه . . وأشد الناس قرباً من الله أشدهم بلاءً وهكذا فالأمثل ثم الأمثل .

والبلاء فيه ثوابت لا يفلت منها أحد .

1- بلاء الدين ، فقد أرسل الله تعالى رسله تترا إلى بني آدم وابتلاهم بالتشريع ، فمن آمن فقد اهتدى ومن كفر فقد خسر ، ويقع هذا البلاء في بلاء المعاصي والصبر عنها والطاعات والصبر عليها .

2- بلاء الخلافة واستعمار الأرض ، فقد جعل الله الإنسان خليفة في الأرض لينظر كيف يعمر الأرض وكيف يكمل المهمة الموكلة إليه والأمانة التي ابتلي بها .

3- بلاء العمر : فما لم يصرف من العمر في طاعة فإنه يصرف في معصية ، وهو بلاء عظيم لأنه دقيق لا يحتمل إلا الزلل أو الاستقامة .

4- بلاء متغير ، تأتي به الظروف ومتغيرات الزمان والمكان الذي يسميه الناس بالكوارث .

وفي كل هذه البلاءات يتطلب الصبر والاحتساب عند الله .

وهناك شيء آخر وهو الابتلاء ، وهو ما يقابل الامتحان ، ويقدره الله على البشر تقديراً للتمحيص وليرفع به درجتهم ، وهو لطف من الله ، فقد يبتلي الناس بالغنى ، وقد يبتليهم بالفقر ، وقد يبتليهم بالقوة وقد يبتليهم بالضعف .

والابتلاءات هذه تحتاج ليس إلى الصبر فقط بل للشكر وحسن استعمال الحال .

اللهم إني أسألك صبر الشاكرين لك .

3اليوم العالمي للمعلم 5/ تشرين الأول

الخامس من أكتوبر من كل عام يحتفل العالم بيوم المعلم العالمي ، حيث جعلت منظمة الأمم المتحدة اليونسكو هذا التاريخ يوماً يُحتفل به للمعلمين في دول العالم ، ويركز هذا الاحتفال على دعم المعلمين والهيئة التعليمية اجتماعياً واقتصادياً لتحقيق الهدف المنشود لكل معلم .

فأكثر من 100 دولة من دول العالم تتخذ هذا اليوم لتكريم معلميهم ، حيث خطط له عالمياً من قبل الأمم المتحدة اليونسكو ، فيوم المعلم العالمي يدعو الجميع للتنظيم والالتزام بالمبادئ والقوانين التي يجب أن يلتزم بها المعلم في كل الظروف سواء في الظروف الصعبة مثل الفصول المؤقتة للاجئين أو الظروف الاقتصادية الحسنة للدول .

والمعلم هو روح العملية التعليمية و لبّها وأساسها الأول وركنها المتين .

لا نكران لأثر المناهج الجيدة والكتب الجذابة والمباني النموذجية لكن هذه وسواها على أهميتها تأتى بعد المعلم المقتدر المتألق الذي يعلم بعقله وقلبه وسلوكه .

وإذا تباهى المهندس بأروع عمارة صممها وبناها ، والمخترع بأحدث جهاز أبتكره ، والصانع بأفخم سيارة صنعها ، والعالم باكتشافه المدهش ، والطبيب بالعملية المعقدة التي نجح في إجرائها ،

ألا يحق للمعلم أن يطيب نفساً ويقر عيناً بأن له - بعد الله - فضلاً مذكوراً وجهداً مشكوراً في بناء شخصية أولئك العلماء والأطباء والمهندسين والمخترعين؟!

ففي هذا اليوم يحتفل قطاع التعليم الخاص والنوعي, وقطاع التعليم العام في العالم بيوم المعلم حرصا على مواكبة هذا الحدث العالمي ، وتشجيع الحركة العلمية والثقافية في العالم .

مكانة العلم والمعلم في الإسلام :

لم يحض أحد بالتكريم في الإسلام مثلما حظي به المعلم من تكريم وتفضيل بل وتقديس .

ويأتي تكريم وتفضيل المعلم ، في الإسلام من تكريم وتقديس وتفضيل العلم ، فالعلم في الواقع هو ميزة الإنسانية وشرفها ، وبها نال الإنسان درجة الخلافة في الأرض .

إن أول آيات الوحي تقول :

اقْرَأْ بِاسْمِ رَبّكَ الّذِي خَلَقَ خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبّكَ الأكْرَمُ الّذِى عَلّمَ بِالْقَلَمِ عَلّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ وهذا أكبر دليل على أهمية العلم في الإسلام .

وقد رفع الإسلام من قيمة العلم حتى جعل النظر إلى وجه العالم عبادة ، فقد روي عن رسول الله أنه قال : النظر إلى وجه العالم عبادة .

وقد سئل الإمام الصادق عن معنى هذا الحديث ، قال : هو العالم الذي إذا نظرت إليه ذكرك الآخرة .

بمعنى أن المعلم بالعلم النافع ، يكتسب درجة عظيمة ، حيث يروى عن رسول الله أنه قال في معلم الخير : إن الله وملائكته ، حتى النملة في جحرها وحتى الحوت في البحر يصلون على معلم الناس الخير .

وفي حديث مثله يقول : إن معلم الخير يستغفر له دواب الأرض ، وحيتان

البحر ، وكل ذي روح في الهواء ، وجميع أهل السماء والأرض ، وعنه : بالتعليم أرسلت .

ففي قصة مشهورة؛ من أنه دخل المسجد ورأى حلقتين من الناس إحداهما مشغولة بالعبادة والأخرى مشغولة بالتعليم ، فقال كلاهما على خير ، ولكن بالتعليم أرسلت ثم اقبل نحو الحلقة المشتغلة بالتعليم والتعلم وجلس فيها .

وفي القرآن ثمة شواهد قوية تشير إلى معنى الرسول المعلم أو المعلم الرسول : هُوَ الّذِي بَعَثَ فِي الاُمّيّينَ رَسُولاً مّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكّيهِمْ وَيُعَلّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ .

وكلمة يزكيهم هنا تناسب التربية أكثر من التعليم ، لذا فالإسلام يربط الحكمة أي الحصول على الحقائق بالتربية الزاكية ، وهذه هي وظيفة المعلم وهذا ما يجب أن يتوضح للمعلم في يومه .

الواقع هو أن الإسلام لم يقل تعلموا الدين ، بل قال طبقوا الدين ، إلا أن تطبيقه لا يأتينا من دون تعلمه ، ومن هنا تأتي أهمية المعلم في التربية قبل التعليم .

وهناك صفات يتأهل بها المرء ليكون معلماً نافعاً ، وصفها أهل الخبرة والتفقه في الدين هي :

1- قوة الإرادة في العبادة : الإرادة قوة عقلية يسيطر بها الإنسان على نفسه ويملك بها خياراته ، العبادة نظام التسليم لخيارات الله ، وتصح الإرادة عندما تكون موجهة لخيارات الإنسان متطابقة مع خيارات الله تعالى .

2- السيطرة على النفس : يتجسد بالورع عن المحارم والتقوى وتزكية النفس ليكون المعلم بموقع الأسوة الحسنة للمتعلم .

3- الإيمان : باعتباره ضامناً لحكومة الإرادة ، التي توجه أفعال المعلم .

وهذا ما يؤيده الحكماء حتى من

غير المسلمين ، فهذا مثلاً ويليام جيمس في كتابه الدين والروح الذي ترجمه مهدي القائني؛ يقول بأصالة الشعور الديني وأنه جوهر في النفس لا تتكامل بدونه ، والمعلم لابد أن يتكامل في عمله المقدس بهذا الجوهر ، وعليه فالملحد لا يسعه أن يكون معلماً بناءاً حقيقياً .

4اليوم العالمي للتغذية16/ تشرين الأول

منذ أن سكن الإنسان هذه الأرض وهو يسعى بشكل دائم إلى تأمين احتياجاته من الغذاء ، حتى أصبح توفر الغذاء شرطاً لازماً للاستقرار والاستيطان ، وكان بذلك أن أصبح للزراعة دوراً حاسماً في تطور الحياة البشرية واستقرارها وفي تكون المجتمعات وتطور المدنية .

إن الأمن الغذائي ، هو ما تسعى إليه البشرية ، والذي نراه اليوم من حرمان الكثير من الناس من التغذية هو بسبب السياسة الاقتصادية المفروضة على العالم من قبل الاستكبار العالمي وأصحاب المصالح الكبرى وهوالذي يسبب عدم التوازن الغذائي .

ففي الولايات المتحدة الأمريكية مثلاً ، تلقى كميات هائلة من القمح في البحر من أجل أن يحتفظ القمح بثمن عالمي وفق شروط التجارة العالمية ، في حين يموت الملايين جوعاً في أفريقيا وجنوب آسيا وهم ينامون على مناجم كبيرة من الذهب والأحجار الكريمة كالألماس وغيره ، من هذا المنطلق رأت الأمم المتحدة ، أن تحدد يوماً عالمياً للتذكير بمسؤليات المجتمعات إزاء بعضها لتوفير الغذاء للجميع .

ثم حتى لو توفر الغذاء فقد لا يكون مجدياً ، بسبب عدم توفره على جميع العناصر التي يحتاجها الجسم .

فالجسم يحتاج إلى البروتين ، والماء ، والملح ، والعناصر المعدنية ، والفيتامينات والكربوهيدرات والدهون ، ولكل منها نسبة تحددها الاحتياجات

ولابد من مراعاتها .

إن عدم التوازن في الكم ، ليس أكثر خطراً من عدم التوازن في الكيف والنوع فلابد من مراعاة الأنواع ، والكيفيات ضمن عادات غذائية صحية مدروسة ومعتبرة لابد من معرفتها والتغذي وفقها .

وعند الحديث عن التغذية لابد من التذكير بالعادات السيئة للغذاء وهناك عادات عامة ابتلى بها سكان الأرض مثل الكحول والتدخين وتخزين القات ، ومنها ما يخص شعوب بعينها مثل استعمال أنواع قوية جداً من التوابل والبهارات التي تصلب الشرايين .

وهناك منهج معتدل يقدمه لنا الإسلام من خلال القرآن والسنة في التغذية وكيفية التغذي ، ابتداءً من الطفل - حيث يوصي الإسلام بالرضاعة الطبيعية وإن الفصال في عامين - إلى نهاية العمر .

وكثير جداً من الوصايا في الغذاء والتغذي والاختيار بما لا يسعه مجلدات ولو وسع الناس وصايا الإسلام من مصدريه ، لما كان هذا حالهم .

إن معظم أمراض سوء التغذية التي يعاني منها سكان العالم ، بل وأمراض تتعلق بالمناعة ، كلها تأتي من تجاهل الناس لوصايا الإسلام .

ولنأخذ مثالاً : إن في اللباء وهو الحليب الذي تنتجه الأم من صدرها خلال أيام الولادة الأولى يحتوي على جميع أنواع المادة المضادة الحيوية وبتركيز عال جداً ، بما يمنح الإنسان مناعة طبيعية ضد جميع الأمراض .

ولابد من التذكير بالجهد في سبيل تأمين الرزق ، فقال جل من قائل : هُوَ الّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ ذَلُولاً فَامْشُواْ فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُواْ مِن رّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النّشُورُ .

وقد حث الإسلام على الانتفاع بما خلق الله لعباده من الطيبات بغية التعرف على نعم الله وعطاياه ، والتي من

أظهرها أنواع الطعام المختلفة ، قال جلَّ وعلا : وَلَقَدْ مَكّنّاكُمْ فِي الأرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلاً مّا تَشْكُرُونَ ، وقال عز من قائل : يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ للهِ إِن كُنْتُمْ إِيّاهُ تَعْبُدُونَ .

كما حرم الإسلام على أتباعه حرمان أنفسهم من التمتع والتلذذ بطيبات ما أحل لهم من الرزق فقال جل وعلا : يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرّمُواْ طَيّبَاتِ مَآ أَحَلّ اللهُ لَكُمْ وبين أن في ذلك تعديا على حدود الله وتجاوزا لأوامره ، فقال جل وعلا في آخر الآية : وَلاَ تَعْتَدُوَاْ إِنّ اللهَ لاَ يُحِبّ الْمُعْتَدِينَ ، وقال جلَّ من قائل : وَكُلُواْ مِمّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلاَلاً طَيّباً وَاتّقُواْ اللهَ الّذِيَ أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ ، وفي الربط ما بين التقوى والأكل من رزق الله دليل واضح وصريح على ضرورة الالتزام بمنهج الله وتطبيق أوامره واجتناب نواهيه ، فيما يتعلق بالحصول على الغذاء وتناوله ، والتأكيد على ضرورة الحرص على الحلال وتجنب الحرام ، لما لذلك من تأثير كبير على حياة الإنسان وسلوكه ومعاشه .

الاعتدال وعدم الإسراف :

لقد حثّت آيات القرآن الكريم على عدم التبذير والإسراف في تناول الطعام ، وعلى سلوك منهج التوسط والاعتدال في كل شؤون الحياة ، فقال جل وعلا : وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُوَاْ إِنّهُ لاَ يُحِبّ الْمُسْرِفِينَ .

ودلت دراسات العلم الحديث على أن السمنة الناجمة عن الإفراط في تناول الطعام تعد من أخطر أمراض العصر .

وللمسلم نظرة خاصة للغذاء ، فهو لا ينظر إليه كما ينظر إليه غيره من ناحية شهوانية أو دنيوية ،

وإنما ينظر إليه على أساس تعبدي يعينه على عبادة ربه تعالى .

إن في مجمل توصيات وإرشادات ونصائح أهل البيت في الغذاء والتغذية ضماناً أكيداً للأمن الغذائي العالمي ، ولو كانت هناك إمكانية لبناء مجتمع بذلك المنهج الرباني لكان مجتمعاً فاضلاً متكافلاً لا يشكو جار من جوع وجاره من تخمه ، ولو أعطى المتخوم الزائد من غذائه لأخيه وجاره لما اشتكى الاثنين من ألم عدم التوازن الذي جاء من ضياع الدين .

قال الإمام علي : إن الله فرض أقوات الفقراء في أموال الأغنياء فما جاع فقير إلا بما شبع به غني .

الواقع أن الله سبحانه وتعالى ، خلق الغذاء ووفّره للجميع ، وإن ظاهرة الفزع الغذائي الذي يعيشه العالم ، فزع مصطنع ، تخضع بموجبه روسيا وهي دولة عظمى لقرارات أمريكية من أجل أن لا تقطع أمريكا إمدادات القمح والرز عنها ، هذا مثال لا للحصر .

5اليوم العالمي للقضاء على الفقر17/ تشرين الأول

الفقر في مجمله هو الحاجة والعوز ، والآفة الجامعة لضروب التعاسة المترتبة على نقص الغذاء والدواء وعدم القدرة على التعلم ، إلى ما يخلق من بيئة خالية من أبسط أنواع الاستجابة للحاجات المادية ، ومتطلبات الحياة الكريمة التي أراد الله تعالى للإنسان أن يحياها .

ولكي تتوفر تلك الحياة الكريمة لمخلوق أراده تعالى أن يكون خليفة في الأرض؛ سخر له كل ما في الأرض ، وزانها ونوّع له الثمار والمآكل والمشارب وطيبها ووفرها ، حتى يفترض أن لا يبقى من يشكو الفقر من ولد آدم وَآتَاكُم مّن كُلّ مَا سَأَلْتُمُوهُ ، إلا أن الواقع غير هذا ، حيث ملايين بل

مليارات البشر يرزحون تحت نير الفقر .

إن السبب الأول والكبير للفقر ، هو أن المجتمعات الإنسانية مجتمعات لمة ، بمعنى أنها مجتمعات تعيش شتات عقائد وشتات ملل ، لا تستوعبها عقيدة حق ، تضمن للإنسان حقه كما أراده الله تعالى .

إن الإسلام باعتباره عقيدة كاملة خاتمة تضمن وتكفل لجميع المسلمين حقهم في العيش الكريم ، وتفرض على الأغنياء حقاً في أموالهم للفقراء ، وبدافع من ضمير حي جعلت الأمم المتحدة يوم السابع عشر من تشرين الأول يوماً لمكافحة الفقر ، وهو وإن كان مجرد دعوى ، أو شعار يرفع إلا أنه يمكن أن يحسن من واقع مرٍّ تعيشه الشعوب في معظم بلدان العالم .

القضاء على الفقر في العالم يتطلب حلولا متعددة :

ويشير إلى ضرورة مشاركة الحكومات والشركات والمواطنين في جهد متكامل بالإضافة إلى الحاجة إلى تقوية شعوب الدول الفقيرة وهي تسعى من أجل إطلاق شرارة البداية للنمو الاقتصادي والتنمية في كل مناطق العالم .

إن إلغاء الديون الواجبة على الدول الفقيرة ، ومضاعفة المساعدات لها من أهم الخطوات للقضاء على الفقر ، ونظراً لوجود فائض كبير في العمالة بالقارتين إفريقيا وآسيا فإن أصحاب الأعمال يستطيعون دفع أجور منخفضة جداً لمن يعملون لديهم؛ وبناء على ذلك فإن الأسرة تحتاج للاعتماد على دخول متعددة لكي تستطيع أن تعيش . ولهذا السبب فإن الأسر تعتمد على تشغيل أطفالها ، وتمنعهم من الذهاب إلى المدارس وبذلك تبقيهم جهلة أميين غير قادرين على الخروج؛ مما يسميه الخبراء الاقتصاديون مصيدة الفقر .

إنّ هذه المصيدة أو المصايد هي التي أبقت الدول الفقيرة داخل حلقة مفرغة تقوض

جهود الفقراء ، حيث تتغذى عوامل الفقر على بعضها البعض ، مما يخلق مزيداً من الفقر . وفي أسباب الفقر لابد من الإشارة إلى عمالة الأطفال ، والأمية ، وقلة المهارات ، والدخل غير الثابت ، والخضوع لعبودية المديونية ، وعدم وجود ضمانات ، وسوء التغذية ، وارتفاع نسبة الخصوبة بالنسبة للإنجاب ، وسوء نظام الري ، وإساءة إدارة الممتلكات ، باعتبارها أمثلة لما وصفها بالمصايد التي تقع فيها الدول الإفريقية وبعض الدول الإسلامية .

القضاء على الفقر في الإسلام :

إنّه في عصر الوفرة الغزيرة ، لا يوجد أي مبرر لأي منا ، من الذين أنعم الله عليهم بتلك الوفرة ، لكي يقف موقف المتفرج بينما يعاني الآخرون من أقسى ظروف الحرمان . إن القضاء على الفقر بأسلوب فعال يتطلب بعض التضحيات ، ومع ذلك فإن الفوائد في نهاية المطاف ستكون عظيمة وستعم على الجميع .

إن الله قد فرض على الأغنياء ما يسد به رمق الفقراء ، وقد قال أمير المؤمنين علي : ما جاع فقير إلا بما متع به غني .

إن النظام الاجتماعي في الإسلام نظام تكاملي تكافلي ضامن لحياة أفضل ولكل البشرية عموماً .

وبما أن الفقر هو الموت الأكبر وكاد الفقر أن يكون كفراً كما ورد في الأحاديث الشريفة .

فلا بُدَّ من محاربة شتى ألوان الفقر والقضاء عليه .

فهناك تشريعات في الإسلام تفرض على الأغنياء حقاً معلوماً في أموالهم ، فِيَ أَمْوَالِهِمْ حَقّ مّعْلُومٌ لّلسّآئِلِ وَالْمَحْرُومِ .

وهناك تشريعات في الإسلام تمنع استغلال الفقير ، وتحض على

إعطائه حقه غير منقوص وتعديله من دون تأخير ، فعن الرسول : أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه .

وقال تعالى : وَلاَ تَبْخَسُواْ النّاسَ أَشْيَآءَهُمْ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأرْضِ مُفْسِدِينَ .

وهناك تشريعات تحض على العمل وتمجده ، وتحض على الاستثمار وتوصي بالأعمال وتزكي المال وتحفظه وتصونه ، فيزدهر الاقتصاد وينتفي الفقر .

وهناك تشريعات ضمانة ذاتية اجتماعية دافعة إلى نفي الفقر والتكامل الاجتماعي ، فليس منا من بات شبعان وجاره جائع ، من أصبح لا يهتم بأمور المسلمين فليس منهم .

وقد حث الإسلام على إطعام الطعام وإفشاء السلام ، وقضاء حوائج المحتاجين وإشباع الفقير الجائع ، وإكساء الفقير العريان . . إلى غيرها من الأفعال التي يمجدها الإسلام ويدفع إليها ويوصي بها للقضاء على الفقر .

وهناك تشريعات فرضت غرامات وكفارات على غير الملتزمين تدعم بيت المال الذي جزؤه الأكبر لمعالجة الأحوال الاجتماعية للناس وإعانة الفقراء .

ويعتبر الإسلام نموذجياً في كفالة الناس وحفظهم من كل آفة بما فيها الفقر ، فالمجتمع الإسلامي الصادق لا مكان للفقر فيه ، يقول رسول الله في وصف ذلك المجتمع : مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر ، هذا كله بالنسبة إلى معالجة الفقر الذي يظهر بصورة طبيعية .

أما الفقر المطبق الذي ينشأ وينتشر بسبب سوء تصرف الناس فهو أساساً غير معترف به ويجب أن تستأصل جذوره وَلَوِ اتّبَعَ الْحَقّ أَهْوَآءَهُمْ لَفَسَدَتِ السّمَاوَاتُ وَالأرْضُ وَمَن فِيهِنّ .

6يوم تأسيس الأمم المتحدة24/تشرين الأول/1945

كانت المنظمة الدولية قبل الحربين العالميتين تسمى عصبة الأمم وكانت بنظامها وقوانينها وبمنظماتها التابعة

لها لا تفي بمتطلبات ما بعد الحرب لذا أُنشئت الأمم المتحدة في 24 تشرين الأول/أكتوبر 1945 ، وقد أنشأها 51 بلداً ملتزماً بحفظ السلام عن طريق التعاون الدولي والأمن الجماعي ، وكان تأسيس الأمم المتحدة كإحدى نتائج الحرب العالمية الثانية حيث أحس المجتمع الدولي إلى ضرورة مؤسسة عالمية تدعو إلى السلام وتحافظ عليه فأنشئت الأمم المتحدة وتطورت بعد سنين وكثر أعضائها بحيث تنتمي إلى الأمم المتحدة اليوم كل دول العالم تقريباً إذ يبلغ عدد أعضاء الأمم المتحدة 191 بلداً في المجموع .

وعندما تصبح الدول أعضاءً في الأمم المتحدة ، فإنها توافق على القبول بالالتزامات المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة ، وهي معاهدة دولية تحدد المبادئ الأساسية للعلاقات الدولية . وللأمم المتحدة - وفقاً للميثاق - أربعة مقاصد هي :

1- صون السلم والأمن الدوليين . 2- تنمية العلاقات الودية بين الأمم .

3- تحقيق التعاون على حل المشاكل الدولية . 4- تعزيز احترام حقوق الإنسان؛ وجعل هذه الهيئة مركزاً لتنسيق أعمال الأمم .

وللأمم المتحدة ستة أجهزة رئيسية ، تقع مقار خمسة منها في ذات المقر الرئيسي للأمم المتحدة بنيويورك ، وهي :

1- الجمعية العامة 2- مجلس الأمن 3- المجلس الاقتصادي والاجتماعي

4- مجلس الوصاية 5- الأمانة العامة ، 6- محكمة العدل الدولية ، ومقره في لاهاي بهولندا .

الجمعية العامة :

جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة ، ممثلة في الجمعية العامة التي هي بمثابة برلمان دولي يجتمع للنظر في أشد المشاكل العالمية إلحاحاً . ولكل دولة عضو صوت واحد . وتتخذ القرارات في المسائل الهامة - كالتوصيات المتعلقة بصون السلم والأمن الدوليين

أو قبول أعضاء جدد أو التوصيات المتعلقة بميزانية الأمم المتحدة - بأغلبية الثلثين . أما المسائل الأخرى فيبت فيها بالأغلبية البسيطة . وقد بذل جهد خاص في السنوات الأخيرة للتوصل إلى القرارات عن طريق توافق الآراء عوضاً عن التصويت الرسمي .

وتعقد الجمعية العامة دورتها العادية السنوية من أيلول/سبتمبر إلى كانون الأول/ديسمبر . ولها - عند الاقتضاء - أن تستأنف دورتها أو أن تعقد دورة استثنائية أو طارئة بشأن المواضيع التي تشكل شواغل ذات شأن . وتنفذ أعمال الجمعية العامة - عندما لا تكون الجمعية منعقدة في دورة من دوراتها - لجانها الست الرئيسية وهيئات فرعية أخرى والأمانة العامة للأمم المتحدة .

مجلس الأمن :

يعهد ميثاق الأمم المتحدة إلى مجلس الأمن بالمسؤولية الرئيسية عن صون السلم والأمن الدوليين ، ويجوز دعوة المجلس إلى الانعقاد في أي وقت ، كلما كان السلام في خطر وبموجب الميثاق ، فإن جميع الدول الأعضاء ملزمة بتنفيذ قرارات المجلس .

ويتكون المجلس من 15 عضواً ، منهم خمسة أعضاء دائمين - الاتحاد الروسي والصين وفرنسا والمملكة المتحدة بريطانيا والولايات المتحدة أمريكا . أما الأعضاء العشرة الآخرون فتنتخبهم الجمعية العامة لفترات مدة كل منها سنتان . وتناقش الدول الأعضاء إمكانية إجراء تغييرات في عضوية المجلس وتعمل على أن تعكس تلك التغييرات الحقائق السياسية والاقتصادية الراهنة .

وتتطلب قرارات المجلس تسعة أصوات إيجابية . وباستثناء التصويت على المسائل الإجرائية ، لا يمكن اتخاذ قرار إذا أدلى أحد الأعضاء الدائمين بصوت سلبي أو مارس حق النقض ، وحق النقض هذا في الواقع إنما هو سلطة مطلقة للدول الاستعمارية الكبرى الدول الدائمة العضوية وهي أمريكا وبريطانيا وفرنسا

وروسيا والصين .

تستطيع هذه الدول فقط من بين كل دول العالم أن تعترض على أي قرار وإن صوتت عليه كل دول الأرض ، مما يعني أنها فرصة للدول الاستعمارية فقط أن تتصرف بمصير العالم .

ويعتبر أن النقض ال_ VITO هو تعسف في حق الدول الأخرى لمصالح الدول الاستعمارية ، وعلى المجتمع الدولي سلب منح ما يسمونه الحق لهذه الدول المعروفة بتاريخها الاستعماري وبقمعها لتطلعات الشعوب .

إن الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الملحقة بها مسيرة من قبل أمريكا وأتباعها .

وعلى صعيد الواقع تجد مئات القرارات التي اتخذت في الجمعية العامة لم تنفذ من قبل إسرائيل ، حتى قرارات مجلس الأمن التي تعتبر ملزمة نجدها غير ملزمة بالنسبة لإسرائيل .

إذن ما فائدة الأمم المتحدة ومجلس الأمن؟!

وكيف تتحقق العدالة من خلال معايير متفاوتة ومزدوجة تحكم بها الأمم المتحدة ومجلس الأمن؟!

مناسبات الشهر الحادي عشر - تشرين الثانينوفمبر/November

1يوم المنظمة الدولية للتربية والعلوم والثقافة اليونسكو16/ تشرين الثاني

ولدت اليونسكو يوم 16 نوفمبر/ تشرين الثاني 1945م . ولا يتمثل أهم شيء بالنسبة لهذه الوكالة المتخصصة من وكالات الأمم المتحدة ، في بناء قاعات الدراسة في البلدان المُخرّبة ، أو في ترميم مواقع التراث العالمي . بل إن الهدف الذي حددته المنظمة لنفسها هو هدف كبير وطموح وهو : بناء حصون السلام في عقول البشر عن طريق التربية والعلم والثقافة والاتصال .

UNESCO : هو اسم مكون من الحروف الأولى لأسمها بالحرف اللاتيني

Unitate Nation for Education Social of Comirication Organization

والسلام لا يعني مجرد عدم وجود نزاعات ، وإنما يعني : وجود ميزانيات تخصص للبناء وليس للقتل والتدمير ، وبنى أساسية ومرافق تعمل بصورة جيدة وتحسّن خدماتها دائما ، وشعوب تنهض بمشروعات من أجل

المستقبل ، ونفوس متحرّرة من صدمات العنف وأفكار الانتقام ، ومنفتحة على أفكار التضامن .

فالسلام هو توجّه طوعي يقوم على احترام الاختلاف والحوار . واليونسكو تريد أن تكون صانعة لهذا الحوار وعاملا مشجعا للتعاون بين الشعوب ، ورفيقة الدول على طريق التنمية المستدامة الساعية ، بالإضافة إلى تحقيق التقدم المادي ، إلى تلبية جميع أماني البشر دون الإضرار بتراث الأجيال القادمة ، وكذلك على طريق بناء ثقافة للسلام تقوم على أساس حقوق الإنسان والديمقراطية . هذه المهمة هي مبرّر وجود المنظمة ومادة عملها اليومي .

وهذه الرؤية العالمية لمشاكل الكوكب ورهاناته تجد التعبير المجازي عنها في عناصر الرمز المعبّر عن هويتها المرئية : وتتقابل هاتان السمتان تحت شعار اليونسكو حيث تشكلان دلتا مستطيل ، ترمز إلى التنوع ، والخصوبة ، وتوجيه مسار القوى الحية ، وتلخص جيداً مكانة اليونسكو في عالم اليوم .

وظائف اليونسكو الخمس :

تضطلع اليونسكو ضمن إطار ما تضطلع به من أنشطة ومشاريع ، بمهام متعددة طبقاً لدورها كوكالة رائدة في مجالات :

1- التربية ، 2- العلم ، 3- الثقافة 4- الاتصال ، 5- الزراعة .

وهي تهتم على سبيل الأولوية بالفئات الأكثر ضعفاً والأشد حرماناً كالنساء والشباب في أقل البلدان نمواً ، كأفريقيا .

مركز لتبادل المعلومات :

يشتمل دور اليونسكو أيضاً على عمليات جمع ونقل ونشر وتقاسم المعلومات والمعارف وأفضل الممارسات القائمة في مجالات اختصاص المنظمة وذلك بالإضافة إلى تحديد الحلول المجددة للمشاكل واختبارها عن طريق مشاريع رائدة . أما العمل على تقدم المعارف ، ونشرها على نحو ييسّر تشاطرها على

الصعيد العالمي فيمثل المهمة الرئيسية لليونسكو .

وبالتالي ، تقوم المنظمة بتشجيع ، وتنسيق ، وأحياناً إدارة شبكات إقليمية أو عالمية تعنى بثلاثة مجالات هي : البحوث ، وتبادل النتائج ، والتدريب .

هيئة معيارية :

ويشمل دور اليونسكو إعداد النصوص أو مراجعتها ، واعتمادها ، مع إمكانية الإشراف ، والقيام أحياناً بتقديم المساعدة إلى الدول من أجل تطبيقها . وللمجلس التنفيذي لليونسكو هيئة مؤهلة لتلقي البلاغات المتعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان التي تندرج في مجالات اختصاص المنظمة . وقد قامت هذه الهيئة بفحص ما يقرب من خمسمائة بلاغ منذ 1978 ، تمت تسوية أكثر من نصفها على نحو مرضٍ بفضل تدخّلها لدى الدول المعنية ، وكان الاحتفاظ بطابع السرّية هو خير ضمان لنجاحها في هذا الصدد .

2اليوم العالمي للطفل20/تشرين الثاني/1989

يعاني الأطفال في العالم من العنف والاستغلال ، فكثير جداً من المشردين كانوا ضحايا الحروب أو انفصال الوالدين أو اليتم ، أو الفقر . . . وكثير من الأطفال يستغلون في العمل ، بل وفي الأعمال التي لا تناسب أعمارهم وآخرون يستغلونهم جنسياً ، وآخرون فقدوا الرعاية الاجتماعية من الدولة ذاتها كما ينص عليها القانون ، لذا فقد وضعت الأمم المتحدة يوماً خاصاً للطفل للتذكير بأهميته وبحقوقه وإلزام المجتمعات بتكريمه كبشر وكإنسان المستقبل ولذا خصصت الأمم المتحدة اليوم العشرين من شهر تشرين الثاني من كل عام للاهتمام بالطفل ورعاية حقوقه .

أول التزام لحقوق الأطفال هو إعلان حقوق الطفل المعروف ب_إعلان جنيف ، الذي تم تبنيه من قبل عصبة الأمم في عام 1924 . تم إعادة النظر في إعلان جنيف والتوسع

فيه عام 1948 ، وفي عام 1959 نتج عنه إعلان لحقوق الطفل من الأمم المتحدة U . N ، والذي تم تبنيه بإجماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في 20/11/1959 . تم التوسع بهذا الإعلان و تطويره ليصبح بالنهاية إعلان الأمم المتحدة U . N عن حقوق الطفل الذي تم الإجماع عليه من الجمعية العامة في 20/11/1989 .

حقوق الطفل الأساسية :

1- الحق في الحياة : الحق في العيش و تلبية احتياجاته الأساسية مثل معايير ملائمة للعيش ، المسكن ، الغذاء ، والمعالجة الطبية .

2- الحق في التطور : الحقوق المعطاة للأطفال من تحقيق قدراتهم الكاملة مثل التعليم ، والحق في اللعب والمتعة ، النشاطات الاجتماعية ، التوصل إلى المعلومات ، حرية التفكير ، التعبير عمل يجول في الضمير والدين .

3- الحق بالمشاركة : الحق بإعطاء الأطفال الفرصة بلعب دور فعال في مجتمعاتهم الحق بالتعبير عن آرائهم ، المشاركة في اتخاذ القرارات التي تؤثر في مصيرهم

4- الحق بالحماية : الحقوق اللازمة من أجل حماية الأطفال من كافة أشكال الأذى ، الاستغلال ، الإهمال مثل حماية خاصة للأطفال اللاجئين ، حماية من انخراطهم في النزاعات المسلحة ، ومن استغلال الأطفال للعمل ، ومن الاستغلال الجنسي ، التعذيب ، المخدرات .

5- حق الطفل بعدم التمييز : لا بد من تأمين حق الطفل بدون تمييز من أي نوع ، و بغض النظر عن الهوية ، والعرق ، واللون ، والجنس ، واللغة ، والدين ، والاتجاهات السياسية ،

والآراء ، والوطنية ، والأصول الاجتماعية ، والملكية ، والعجز ، والإعاقة ، ومكان الولادة أو أي وضع آخر لآبائهم أو الأوصياء القانونيين عليهم .

مبادئ وقانون حقوق الطفل العالمي :

1- يجب أن يتمتع الطفل بجميع الحقوق المقررة في هذا الإعلان ، ولكل طفل بلا استثناء أن يتمتع بهذه الحقوق من دون أي تفريق أو تمييز بسبب العرق أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي سياسياً أو غير سياسي ، أو الأصل القومي أو الاجتماعي أو الثروة أو النسب أو أي وضع آخر يكون له ولأسرته .

2- يجب أن يتمتع الطفل بحماية خاصة ، وأن يمنح ، بالتشريع وغيره من الوسائل ، الفرص والتسهيلات اللازمة لإتاحة نموه الجسدي والعقلي والخلقي والروحي والاجتماعي نمواً طبيعياً سليماً في جو من الحرية والكرامة ، وتكون مصلحته العليا محل الاعتبار الأول في سن القوانين لهذه الغاية .

3- للطفل منذ مولده حق في أن يكون له إسم وجنسية .

4- يجب أن يتمتع الطفل بفوائد الضمان الاجتماعي ، وأن يكون مؤهلاً للنمو الصحي السليم ، ولهذه الغاية ، يجب أن يحاط هو وأمه بالعناية والحماية الخاصتين اللازمتين قبل الوضع وبعده . وللطفل حق في قدر كاف من الغذاء والمأوى واللهو والخدمات الطبية .

5- يجب أن يحاط الطفل المعوَّق جسدياً أو عقلياً أو اجتماعياً بالمعالجة والتربية والعناية الخاصة التي تقتضيها حالته .

6- يحتاج الطفل لكي ينعم بشخصية منسجمة النمو ، مكتملة التفتح ، إلى الحب والتفهم ، ولذلك يراعى أن تتم تنشئته إلى أبعد مدى

ممكن ، برعاية والديه وفي ظل مسؤوليتهما ، وفي كل الأحوال في جو يسوده الحنان والأمن المعنوي والمادي ، فلا يجوز إلا في ظروف استثنائية ، فصل الطفل الصغير عن أمه ، ويجب على المجتمع والسلطات العامة تقديم عناية خاصة للأطفال المحرومين من الأمومة وأولئك المفتقرين إلى كفاف العيش . ويحسن دفع مساعدات حكومية وغير حكومية للقيام بنفقة أطفال الأسر الكبيرة العدد .

7- للطفل حق في تلقي التعليم ، الذي يجب أن يكون مجانياً وإلزامياً ، في مراحله الابتدائية على الأقل ، وأن يستهدف رفع ثقافة الطفل العامة وتمكينه ، على أساس من تكافؤ الفرص ، من تنمية ملكاته وحصافته وشعوره بالمسؤولية الأدبية والاجتماعية ، ومن أن يصبح عضواً مفيدًا في المجتمع .

ويجب أن تكون مصلحة الطفل العليا هي المبدأ الذي يسترشد به المسؤولون عن تعليمه وتوجيهه ، وتقع هذه المسؤولية في الدرجة الأولى على أبويه .

ويجب أن تتاح للطفل فرصة كاملة للعب واللهو ، الذين يجب أن يوجها نحو أهداف التعليم نفسها ، وعلى المجتمع والسلطات العامة السعي إلى تيسير التمتع بهذا الحق .

8- يجب أن يكون الطفل في جميع الظروف ، بين أوائل المتمتعين بالحماية والإغاثة .

9- يجب أن يتمتع الطفل بالحماية من جميع صور الإهمال والقسوة والاستغلال ، ويحظر الاتجار به على أية صورة .

ولا يجوز استخدام الطفل قبل بلوغه السن الأدنى الملائم ، ويحظر في جميع الأحوال حمله على العمل أو تركه يعمل في أية مهنة أو صنعة تؤذي صحته أو تعليمه أو تعرقل نموه الجسدي أو العقلي

أو الخلقي .

10- يجب أن يحاط الطفل بالحماية من جميع الممارسات التي قد تدفع إلى التمييز العنصري أو الديني أو أي شكل آخر من أشكال التمييز ، وأن يربى على روح التفهم والتسامح ، والصداقة بين الشعوب والسلم والأخوة العالمية ، وعلى الإدراك التام لوجوب تكريس طاقته ومواهبه لخدمة إخوانه البشر .

حقوق الطفل في الإسلام :

لقد أقر الإسلام جميع حقوق الطفل التي ينادي به العالم اليوم قبل أربعة عشر قرناً لأنه تبنى الإنسان من قبل أن يولد إلى ما بعد الموت ولم يبق مسألة تحتاج إلى جواب في حياة الإنسان سواء كان طفلاً أو كان شيخاً .

ونستطيع أن ننبه إلى الحقوق التي أثبتها الإسلام للطفل ومنها :

أولاً : حقه في الاسم الحسن :

فعن رسول الله : حق الولد على الوالد أن يحسن اسمه .

وعنه : إن أول ما ينحل أحدكم ولده الاسم الحسن فليحسن أحدكم اسم ولده .

ثانياً : حقه في الدين والعلم :

عن الرسول : مروا صبيانكم بالصلاة إذا بلغوا سبع سنين .

وقال : حق الولد على والده أن يعلمه الكتابة ، وعن الإمام علي : حق الولد على والده أن . . . يعلمه القرآن ، وعن الإمام الصادق : علموا صبيانكم من علمنا ، عن الإمام علي : مروا أولادكم بطلب العلم .

ثالثاً : تعليمه الرياضة :

عن الرسول : علموا أولادكم السباحة والرماية .

رابعاً : حقه في التربية الخلقية :

قال : اكرموا أولادكم وأحسنوا أدابهم وقال السجاد في دعائه : . . . وأعني على تربيتهم وبرهم ، وعن الإمام الصادق

: إن خير ما ورث الأباء لأبنائهم الأدب لا المال .

خامساً : حقه في المعاملة الحسنة والأخلاق الفاضلة :

قال : اعدلوا بين أولادكم كما تحبون أن يعدلوا بينكم في الب_ر واللطف ، وقال : أحبوا الصبيان ارحموهم ، وقال : رحم الله من أعان ولده على بره وهو يعفو عن سيئته ويدعوا له فيما بينه وبين الله ، وقال الإمام الصادق : إن الله ليرحم العبد لشدة حبه لولده ، وقال : من كان عنده صبي فليتصابى له .

سادساً : حقه في اللعب :

قال الإمام الصادق : دع ابنك يلعب سبع سنين .

سابعاً : عدم جواز ضرب الطفل قبل السابعة :

الإمام علي : لا أدب مع غضب وعن الإمام الصادق : لا تضربه واهجره ولا تطل .

مناسبات الشهر الثاني عشر - كانون الأول ديسمبر/December

1اليوم العالمي للإيدز 1/كانون الأول/2001م

هناك مقولة تقول بأن الايدز يسلبنا المستقبل وهي مقولة مخيفة وسببها أن 75% من المصابين بفيروس الايدز في العالم والذين بلغ عددهم التقريبي في العالم أكثر من 40 مليون مصاب هم من الفئة الشبابية بين سن 15- 40 سنة وهي سن العطاء والإنتاج .

وإذا كانت هذه التوقعات صحيحة فانه بدلاً من أن يخرج من هذه الفئة الشبابية قياديين للمستقبل من أطباء ومحامين ومعلمين وعلماء ، سيخرج منهم كثيرون مصابون بمرض الايدز الذي سيدمر صحتهم ويقضي عليهم ، ويحرمنا من هذه الكوادر الشبابية المعطائة وسيسرق منا المستقبل بالفعل إنْ لم نتحرك وبسرعة ونتهيأ ونستعد لهذا البلاء قبل أن يستفحل ، وذلك بالتوعية والتثقيف والالتزام بتعاليم أدياننا السماوية الحنيفة وحماية أجيالنا وشبابنا من هذا الوباء الخفي الصامت المخيف .

الايدز : وهو مرض نقص المناعة

البشري أو بلغة علمية بحتة - متلازمة العوز المناعي المكتسب .

كيف ينتقل فيروس الإيدز إلى الإنسان؟

ينتقل فيروس الإيدز من الشخص المصاب بالإيدز أو الحامل للفيروس إلى الشخص السليم عبر ثلاث طرق رئيسية هي الجنس والدم ومن الأم المصابة إلى جنينها . وسنأخذ كل واحدة على حدة :

1-الاتصالات الجنسية بكافة أشكالها مع الشخص المصاب ذكراً كان أو أنثى :

وتعتبر هذه من أكثر الطرق التي انتشر فيها فيروس الايدز في العالم ، ويتواجد هذا الفيروس في دم الشخص المصاب وفي سوائله الجنسية أساساً ، وعليه فعندما يتم الاتصال الجنسي والتلامس مع هذه السوائل فان الفيروس سرعان ما ينتقل من الشخص المصاب إلى الشخص السليم .

2-نقل الدم الملوث أو مشتقاته الملوثة :

ينتقل فيروس الايدز أيضا عن طريق الدم ومشتقاته كما يحدث أثناء العمليات الجراحية من شخص يحمل فيروس الايدز أو مصاب بالمرض إلى شخص سليم وتشمل هذه الطريقة كذلك العدوى عن طريق نقل أعضاء أشخاص مصابين مثل القلب والكلى والشبكية والقرنية وغيرها . ومع الفحوصات الدقيقة التي يتم إجرائها على الدم قبل إعطائه فان نقل الدم أصبح سليماً 100% .

كما تشمل هذه الطريقة أيضاً استعمال الأدوات الملوثة بدم شخص مصاب كما في استعمال أية أداة ملوثة تخترق الجلد مثل استخدام الحقن والإبر الملوثة كما يحدث بين مدمني المخدرات أو مثل المشاركة في استخدام الأدوات الحادة كأدوات الحلاقة والشفرات أو أدوات الوشم أو الأدوات التي تستخدم في ثقب حلمة الأذن بغرض الزينة وغيرها من الأدوات القاطعة الملوثة .

3-انتقال الفيروس من الأم المصابة إلى جنينها .

خلال فترة ما قبل الولادة ، أو خلال عملية الولادة ، أو

ما بعد الولادة .

لا ينتقل فيروس الايدز في الحالات التالية :

إن فيروس الايدز لا ينتقل بسهولة كما يتصور البعض ، فهو :

لا ينتقل من خلال الاتصالات اليومية العابرة كالسلام والمصافحة والمعانقة ، أو من خلال أية علاقات اجتماعية عادية في الأماكن العامة أو الأماكن المزدحمة ، كما انه لا ينتقل باستخدام أحواض السباحة ، أو الحمامات أو دورات المياه التواليت أو المرحاض أو الهاتف العمومي ، أو استخدام المشط أو المشاركة في الملبس أو المأكل أو المشرب في المطعم أو الكافتيريا ، أو من خلال اللمس أو الجلوس إلى جوار شخص مصاب بالايدز في مقعد الدراسة أو مكان العمل أو في الباص أو التاكسي , أو حتى السكن مع مريض الإيدز تحت سقف منزل واحد .

لا ينتقل هذا الفيروس عن طريق الحشرات كالبعوض أو الذباب أو أية أنواع أخرى .

ما هي أعراض وعلامات الإصابة بالايدز؟ :

إن بعضا من الأشخاص - وكما قلنا سابقا - ومع بداية إصابتهم بفيروس الإيدز يتمتعون بصحة جيدة ولا تظهر عليهم أية عوارض للمرض لفترة طويلة قد تتجاوز أكثر من عشر سنوات ، لكن عند حوالي ما يقرب من 75% من المصابين تبدأ عوارض الإيدز بالظهور لديهم بعد هذه الفترة الزمنية الطويلة .

من العوارض الأولى والشائعة للمرض هي انتفاخ الغدد الليمفاوية وهي غدد بحوالي حجم حبة الحمص, تنتفخ وتتورم عند الإصابة بأي التهاب وهي مصيدة للجراثيم موزعة في أماكن محددة داخل وخارج الجسم ، خاصة في منطقة خلف العنق وتحت الإبطين والمغبن أو منطقة ثنية الفخذين .

قد يقف المرض عند هذا الحد

في بعض المصابين ، أما البعض الآخر فقد تظهر عليهم عوارض أخرى أكثر حدة مثل :

ارتفاع درجة الحرارة .

نقص حاد في الوزن دون أية أسباب ظاهرة .

إسهال شديدة دون أية أسباب ظاهرة أيضاً .

التهابات فطرية ، والتهابات في الفم حادة .

وفي هذه الحالات أيضاً من الممكن أن يقف تطور المرض عند بعض المصابين عند هذا الحد ، أو أن يتطور عند بعضهم الأخر إلى مرحلة ما يسمى بمرحلة الايدز الأكيدة .

كيف نعرف بحدوث الإصابة بفيروس الإيدز؟

خلال بضعة أسابيع من حصول الإصابة بفيروس الإيدز يبدأ جسم الإنسان بإنتاج أجسام مضادة لهذا الفيروس ، ومن الممكن اكتشاف هذه الأجسام المضادة من خلال فحص لعينة من دم المصاب ، والشخص الحامل لهذه الأجسام المضادة لفيروس الإيدز يدعى إيجابي الأجسام المضادة .

وجود هذه الأجسام المضادة في الدم لا يعني بأن المصاب سوف يقع فريسة للمرض فوراً أو قد تبدأ عوارض الإيدز بالظهور عليه قريباً ، إنما هذه النتيجة تؤكد بأن فيروس الايدز قد دخل إلى جسم هذا الإنسان والذي أصبح بمقدوره أن ينقل فيروس الإيدز إلى الآخرين من خلال طرق الانتقال المعروفة للفيروس والتي قد تم ذكرها سابقاً .

أي أن هذا الشخص قد أصيب بعدوى فيروس الايدز .

2اليوم العالمي لإزالة الرق العبودية3/ كانون الأول/ 2001م

بعد أن تفاقمت أزمة المتاجرة بالناس من أفريقا وأسيا وأوروبا الشرقية وروسيا بعد انحلال الاتحاد السوفيتي ، صار أمراً مشيناً في معاني الإنسانية أن يصير الإنسان مستغلاً لأخيه الإنسان بأبشع صور وأخذت التقارير الصحفية والإعلامية تشير إلى انتعاش سوق الرقيق والرقيق الأبيض خصوصاً في أوربا والولايات المتحدة ، وبدت السخرية

والانتقاد تتصاعد من وسائل الإعلام ، قررت الأمم المتحدة اعتبار الثالث من كانون الأول من كل عام يوماً لمكافحة هذه الظاهرة أسمته اليوم العالمي لإزالة الرق بقرار اتخذ في نفس التاريخ في سنة 2001م .

الرق في الإسلام :

إنّ العقيدة الإسلامية هي العقيدة الوحيدة في الكون التي وضعت خطة شاملة كاملة للقضاء على الرق من خلال تشريع رصين موقوت ، فقد جعلت الكفارات في عتق الرقبة ، وجعلت عتق الرقبة من الأعمال الحسنة الكبرى ، بل إن ما يجده مفكروا أوروبا ، أن حتى نظام الرق في الإسلام أكثر بكثير من نظام العمل البريطاني .

كان السيد في الإسلام يُلبس عبده ما يلبس ويطعمه مما يأكل ، بل من الأئمة ما كان يخيّر عبده في قميصين اشتراهما ، ولولا الإسلام لبقي الرقيق والتجارة بالإنسان لحد الآن .

الرق ، هو استعباد بعض الناس ، واستخدامهم للعمل في الخدمة في البيوت ، أو للعمل في الضياع والبساتين أو المصانع أو غيرها ، بالإضافة لاستخدام النساء في الرايات الحمر .

والإنسان الرق ، يسمونه عبداً ، وهو كسلعة أو متاع يباع ويشترى ويوهب وليس له من أمره شيء أو لخياره حرية ، إلا بأذن مولاه .

وللرقيق سوق ، يسمونه سوق النخاسة ، وله تجار ، وهذا أمر واقع في كل أنحاء العالم ، وأن يكون قد انتهى عندنا في العالم الإسلامي أمر السوق والمتاجرة بالعبيد بفضل الإسلام ، فإنه لازال يمارس في أوربا وأمريكا والعالم الذي يعتبر نفسه متطوراً ويسمي نفسه بالعالم الحر ، وقد

أصدرت الأمم المتحدة عدة قرارات منعت بموجبها تجارة الرقيق ، والتي تمارس تحت أسماء مختلفة .

إنها اليوم تجارة رائجة من قبل العصابات المنظمة والمافيات ، خصوصاً بالأطفال المجلوبين من روسيا وأوربا الشرقية وتركيا ، وبقايا يوغسلافيا السابقة خصوصاً البوسنة ، لابتياع النساء كجواري أو كعاملات في الرذيلة والمواخير ، بما يسمى تجارة الرقيق الأبيض .

إن علاج هذه القضية لا يأتي بجرة قلم في قانون أو قرار للأمم المتحدة إنما يأتي من عقيدة تستوعب النفوس وتحرّم استغلال الإنسان لأخيه الإنسان كما هو الحال مع العقيدة الإسلامية .

فعندما جاء الإسلام للجزيرة العربية ، وجد الرق أمراً واقعاً ، بدأ بوضع التشريعات المفضية إلى إنهاء هذا الواقع وإلى الأبد ، وذلك من خلال قيمومة الإسلام أصلاً على تكريم الإنسان ، ابتداءً من تغيير اسم العبد إلى مولى فكل الناس عبيد الله تعالى ، ومن خلال وضع التشريعات الضامنة لإنسانية الإنسان وكرامته ، والمؤدية على المدى البعيد لتحريره نهائياً .

فإن الإسلام ، لم يعترف بالواقع السائد قبله باعتبار الرق عرفا وقانوناً وتجارةً ، باعتبار الرق قانون الاستعباد البشري على ما كان المتداول عند الأمم آنذاك .

فقد كان الرومان يعتقدون دينياً وفلسفياً أن العنصر الأبيض متفوق على العنصر الأسود ، بل الأبيض خلق سيداً والأسود خلق عبداً ، وكان الموالي يعاملون العبيد معاملة سيئة بالإضافة لاستغلالهم .

ولذا فالإسلام بدأ بمحاربة هذا الاعتقاد وتلك الفلسفة ، بنسف الأساس الذي بني عليها الرق ، فجاء هذا الدين ليجعل الناس سواسية كأسنان المشط ، كما لا فضل لعربي على

أعجمي إلا بالتقوى ، وجاء الوحي لينور العقول :

يَا أَيّهَا النّاسُ إِنّا خَلَقْنَاكُم مّن ذَكَرٍ وَأُنْثَىَ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوَاْ إِنّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ .

وأعلن رسول الإسلام الأكرم : لا فضل للعربي على العجمي ولا للأحمر على الأسود بعد أن نسف الأسس الاعتقادية والنفسية للرق من المجتمع شرع ما يضمن القضاء على هذا الواقع نهائياً .

ولقد استغل الإسلام القانون ذاته لتحرير الناس من العبودية ، ففي حالة واحدة هي وقوع أسرى لدى المسلمين من المشركين والكافرين الحربيين ، لابد من اتخاذ أحد الإجراءات الثلاث التالية :

1- تخلية سبيلهم ، وهذا يؤدي إلى رجوعهم إلى الكفر ومنابذة الإسلام من جديد .

2- قتلهم جميعاً وتخليص البلاد والعباد من شرهم .

3- إبقائهم تحت تربية المسلمين في معاملة إسلامية لعلهم يرجعون ويرون الحسن والحق في الإسلام ، وينتفع بهم المجتمع .

ولذا اختار الإسلام الطريقة الثالثة ، وهي كما ترى مؤقتة تهدف لتحرير الإنسان من عبودية المجتمع السائد وعبودية نفسه .

وقد اوجد التشريع الإسلامي باباً مشرعاً للتحرير ، أسماه العتق ، وجعله كعبادة راقية تستحق الثواب الجزيل من الله تعالى ويقع في :

1- عتق الصدقة : قال الرسول الأعظم : من أعتق رقبة مؤمنة كانت فداءه من النار .

2- عتق الكفارة : كفارة الظهار ، كفارة الإيلاء ، كفارة الإفطار ، كفارة خلف النذر ، أو العهد ، أو اليمين ، كفارة الجزع المحرم في المصاب ، كفارة ضرب العبد ، كفارة القتل غير العمد .

3- عتق الاستيلاد .

4- عتق الإرث

.

وغيرها من موارد وأسباب العتق المذكورة في الكتب الفقهية فليراجع .

فالإسلام أراد أن يقضي على الرق والعبودية مطلقاً وقد وفق لذلك كما شهد بذلك تاريخ الإسلام من البدء إلى يومنا هذا .

ولذا فحري بالعالم وبالأمم المتحدة ، أن تعود للإسلام لتجد فيه روح وتطبيقات تحرير الإنسان من كل عبودية .

3اليوم العالمي للمعوقين3/ كانون الأول

اشاره

يوافق الثالث من كانون الأول/ديسمبر اليوم الدولي للمعوقين . وموضوع هذا العام هو حقوق المعوقين : إجراءات لتحقيق التنمية ، ويهدف هذا الموضوع إلى التعمّق في فهم القضايا المرتبطة بالعجز وحشد ما يلزم من دعم لضمان تمتّع المعوقين البالغ عددهم أكثر من 600 مليون نسمة بالكرامة والحقوق والعافية ، كما يسعى إلى زيادة الوعي بالمنافع المزمع جنيها من إدماج المعوقين في شتى المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية

كُرّس يوم 3 كانون الأول/ ديسمبر من كل عام ليكون يوماً عالمياً للمعوقين ، وتولي منظمة الأغذية والزراعة اهتماماً خاصاً بالمعوقين الريفيين في آسيا ومنطقة المحيط الهادي ، وذلك مساهمة منها في ما يعرف باسم : عقد المعوقين في آسيا ومنطقة المحيط الهادي 1993-2002 ، رعاية المعوقين .

الإسلام والمعوّقون :

نادى الإسلام منذ أربعة عشر قرناً بالمحافظة على المعوقين وأعطاهم حقوقهم كاملة في الإنسانية ، مما أبعد عن المعوقين شبح الخجل ، وظلال المسكنة ، بل إن الإسلام لم يقصر نداءه الإنساني على المعوقين فقط ، بل امتد النطاق فشمل المرضى عامة ، واستطاع المريض - أياً كان مرضه - أن يستظل براية الإسلام التي تحمل في طياتها الرأفة والرحمة والخير ، وأن يتنسم عبير الحياة ، في عزة وكرامة ،

كما أن الإسلام لم يقصر هذا النداء على

مناسبة خاصة بالمعوقين لأن القواعد التي أرساها الإسلام سارية المفعول منذ أن جاء بها

المصطفى ، وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها .

المعوق والمجتمع :

إن نفسية المعوق تختلف اختلافاً كلياً عن صنوه المعافى ، ويرجع هذا الشعور الداخلي للمعاق نفسه . فهو يشعر بعجزه عن الاندماج في المجتمع نظراً لظروفه .

هذه هي نظرة المعوق إلى المجتمع ، ونلاحظ أنها نظرة يغلفها الخجل والحياء ، من الانخراط في دائرة المجتمع المتسعة ، كما أن المجتمع نفسه لا ينظر إلى المعوق نظرته إلى الشخص السليم المعافى بل على أساس أنه عالة عليه ، وهذا يضاعف من عزلة المعوق وانكماشه ، ففي المجتمعات البدائية ينظر الناس إلى العجزة نظرتهم إلى شر مستطير يجب تجنبه ، ويشيح البعض بوجوههم إذا مرّوا بهم اتقاءاً للأذى ، وأن المعوق يتأثر من هذه النظرات التي يوجهها له المجتمع أنّى وجد ، فيزداد إحساساً بالعجز والقصور ، بل نجد بعض المعوقين يتمنون الموت لاعتقادهم أنه الخلاص الوحيد من واقعه الأليم ، وبسبب الخجل الداخلي من مواجهة المجتمع ، ونظرة المجتمع القاسية ، إلى المعوقين ، تتشكل نفسية المعوق مما يجعله ينظر إلى المجتمع والحياة نظرة الخوف والسخط والغضب .

هذا والقرآن يصرح بأن لا يتوقع من المريض والمعوق كما يتوقع من الإنسان السليم والمعافى .

قال تعالى : لّيْسَ عَلَى الأعْمَىَ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى الأعْرَجِ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ . . . .

4أسبوع تنظيم الأسرة5/ كانون الأول

تنظيم الإنجاب :

والمقصود به أن يحدث الحمل فقط إذا ما

أراد الزوجان ذلك وفى الوقت الذي يناسبهما ، وهو ضروري للمحافظة على صحة الأم والطفل ، وأيضاً له آثار طيبة على المجتمع .

ويجب أن يكون قرار تنظيم الإنجاب قرار مشتركاً بين الرجل والمرأة لأنه يحدد مستقبل الأسرة بأكملها وتذكر عدة فوائد لتنظيم الإنجاب وأفراد الأسرة منها .

1- اهتمام ورعاية الأبوين تكون أكثر في حالة تنظيم الإنجاب .

2- توفير موارد أكثر لكل فرد من الأسرة خصوصاً التغذية والملابس والدواء .

3- يعم الهدوء والتفاهم جو البيت .

4- تنشئة اجتماعية أفضل للأطفال من خلال تكريس وقت أطول لكل طفل .

رأى الدين في تحديد الإنجاب :

إن الأولاد هم ثمرة القلب وإحدى زينتي الحياة الدنيا ، ولكن الأولاد أيضاً أمانة في أيدي آبائهم ويجب تربيتهم دينياً وجسمياً وعلمياً وخلقياً ، وأن يقدموا لهم ما هم في حاجة إليه من عناية مادية ومعنوية .

ذكر القرآن الكريم ما يجب أن يكون فاصلاً زمنياً بين الطفل وأخيه الذي يليه ، وإلا فما الحكمة في أن يكون فصاله في عامين .

كل هذا لكي تسترد الأم صحتها وتعوض ما فقدته من عناصر حيوية في الحمل السابق وليصح الجنين ويأخذ حقه في الرضاعة الطبيعية .

تنظيم الإنجاب منذ القدم ومن عهد الرسول ، وكان العزل هو الوسيلة المتبعة في ذلك الوقت ، وفى رواية للإمام مسلم قال : كنا نعزل على عهد رسول الله فبلغه ذلك فلم ينهنا ثم تطورت طريقة تنظيم الإنجاب بمرور الأيام وابتكر الأطباء وسائل كثيرة لهذا الغرض ، وكل هذه الوسائل لا يعارضها الدين ما دامت لا تتنافى مع ثوابته وما دام قد حكم الأطباء

الموثوق بهم بصلاحيتها وعدم حدوث ضرر من استعمالها .

ولنا في رسول الله والأئمة من أهل بيته أسوة حيث نرى بأنهم قداختلف بعضهم مع بعض في عدد انجاب الأولاد بسبب الظروف السياسية والاجتماعية أو العائلية التي كان يعيشونها ولعل ذلك يوحي لنا أن العبرة ليس بكثرة الأولاد ، وإنّ الدين لا يعارض الإنجاب وحتى تحديد النسل ما دام لا يتنافى مع ثوابته وكان ذلك لمصلحة عقلائية .

ويجب أن نفرق بين تنظيم الإنجاب وتحديد النسل ، فالتنظيم هو أسلوب يتبع لغرض راحة المرأة وصحتها وصحة الطفل وحقه وهو جائز شرعاً ، أما تحديد النسل بعدد معين من الأولاد خوفاً من عدم القدرة على الإعالة أو غير ذلك من الأسباب فهو منهيّ عنه إلا إذا كان تحديد النسل إلى بعض الأشخاص لأجل حسن الإدارة في التعليم والتربية فهو جائز شرعاً ومطلوب عقلاً .

5الانتفاضة الفلسطينية الأولى والثانية9/ كانون الأول/ 1987م و 28/ أيلول/ 2000م

كل الدوائر تشير إلى أن انتفاضة الشعب الفلسطيني البطل في التاسع من كانون الأول سنة 1987م ، كانت نفحة إلهية ، وقدراً ربانياً ، وإلا فمن الذي جعل أطفالاً لا حساب لهم في الحرب ولا في السياسة ، يصبحون هم فتيل نهضة تحسب لها أكبر دوائر الحرب والسياسة في العالم ألف حساب ، فلقد أراد الله أن يذلّ أعدائه المتغطرسين المدججين بأعتى وأقوى الأسلحة بالحجارة وعلى يد أطفال طهر ، وحناجر تهتف الله أكبر .

إن الدماء الزكية التي أريقت في السهول والجبال والأودية من أرض الإسراء ، أنبتت ولا زالت تنبت جيلاً مؤمناً بالنصر ، يتسابق إلى الشهادة ، ويحلم بذلك اليوم الذي سوف يثأر به الله تعالى على

يد جند الله من القتلة مصاصي دماء البشر .

إن شهداء الانتفاضة ، قد أوجدوا جيلاً آخر في كل بلاد المسلمين يشد أنظاره إلى القدس ، ويتطلّع بحرارة إلى صحوة إسلامية تطيح بهذه النظم المستبيحة لحقوق الشعوب . . إن الانتفاضة صارت بمثابة بركان يقضّ مضاجع كل الطغاة في العالم ، وذلك ما يرجوه كل مسلم حر شريف .

إن جيل الانتفاضة ، هو جيل الجهاد والاستشهاد ، وإن أحرار العالم كلهم يرونه بعين البصيرة قادماً من كل صوب يملأ عين الشمس نحو قبلتهم الأولى القدس ، وهدفهم المسجد الأقصى . . قال تعالى : فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ الاَخِرَةِ لِيَسُوءُواْ وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُواْ الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوّلَ مَرّةٍ وَلِيُتَبّرُواْ مَا عَلَوْاْ تَتْبِيراً .

إن حقوق الشعب على مر التاريخ في مكافحة الاحتلال حق مشروع ، وإن المقاومة الفلسطينية المتمثّلة في الانتفاضة الباسلة الرائعة حق مشروع وعلى كل شريف في العالم عامة والعرب خاصة أن يقف مع هذا الحق .

واستمرت الانتفاضة حتى بلغت ذروتها في 28/9/2000م والتي عرفت بالانتفاضة الثانية أو انتفاضة الأقصى وستستمر انتفاضة الشعب الفلسطيني حتى زوال إسرائيل إن شاء الله .

6ميلاد النبي عيسى 25/ كانون الأول/ بدء التاريخ الميلادي

هناك ثلاث روايات لتاريخ ميلاد النبي عيسى أكثرها شيوعاً هي التي تؤكد أن ولادته كانت في يوم الخامس والعشرين من كانون الأول والتي يحتفل بها العالم سنوياً .

السيد المسيح عيسى بن مريم من أنبياء أولي العزم :

ولد في منطقة بيت لحم الواقعة في فلسطين في الخامس والعشرين من شهر ديسمبر السنة الأولى من الميلاد أي في القرن السادس قبل هجرة رسول الإسلام .

وقد تم اختيار هذا اليوم بعنوان عيد مولد

المسيح .

لقد كانت ولادته على شكل معجزة إلهية وبأمر من الله لأنه ولد من أم باكرة مقدسة وتكلم في مهده فبشر عن نفسه أنه مبعوث بالنبوة .

تزامنت أيام شبابه فترة الأزمة التاريخية لليهود لأنهم كانوا يرضخون تحت سيطرة الرومان فينتظرون الموعود الذي سوف ينجيهم .

وبالرغم من ذلك ومع ما شاهدوا من السيد المسيح بعد ظهوره من علائم ومعجزات إلا أنهم قاموا بمعارضته ومخالفته .

إن المعاجز العديدة التي صدرت من السيد المسيح من قبيل إحياء الموتى وشفاء الأمراض المستعصية علاجها إلى جانب بيان التعاليم الأخلاقية المدعومة بذكر الأمثلة الكثيرة وهكذا إصراره على الدعوة إلى إتباع شريعة السماء وعبادة الواحد الأحد كل ذلك أدى إلى نجاح دعوته والتفاف جمع كبير من الناس حوله وكان بينهم أتباعه الخواص الذين يعبر عنهم بالحواريين قد بلغوا أثني عشر حوارياً كانوا لا يفارقونه في أغلب الأحيان .

مريم بنت عمران أم عيسى :

لما علمت أم مريم أنها حامل ، نذرت أن تجعل ما في بطنها إذا وضعته محرراً يخدم المسجد ، وهي تظن أن ما في بطنها ذكراً ، فلما وضعتها ، وبان لها أنها أنثى حزنت وتحسرت ثم سمتها مريم أي الخادمة ، وكان والدها عمران قد توفّي قبل ولادتها ، فأتت بها المسجد تسلمها للكهنة وفيهم زكريا ، فتشاجروا في كفالتها ثم اصطلحوا على القرعة ، وساهموا فخرج لزكريا أن يكفلها ، حتى إذا بلغت ، ضرب لها من دونهم حجاباً ، فكانت تعبد الله سبحانه فيه ، لا يدخل عليها إلا زكريا ، كُلّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا

رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنّىَ لَكِ هَ_َذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللهِ إنّ اللهَ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ .

وكانت صدّيقة ، معصومة بعصمة الله ، طاهرة ، مصطفاة ، مُحدّثة من قبل الملائكة .

قال العلامة الطباطبائي في تفسير الميزان :

إن الله تعالى أرسل إليها الروح وهي متحجبة فتمثل لها بشراً سوياً ، وذكر لها أنه رسول من ربها ليهب لها بإذن الله ولداً من غير أب ، وبشرها بما يظهر من ولدها من المعجزات الباهرة ، وأخبرها أن الله سيؤيده بروح القدس ، ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل ، رسولاً إلى بني إسرائيل ذا الآيات البينات ، وأنبأها ، بشأنه وقصته ، ثم نفخ الروح فيها فحملت به حمل المرأة بولدها .

إذاً فقد تمثل لها الروح بشراً وبشّرها بأنّه سيهبها ولداً من غير أب . وحملت به كما تحمل النساء ، وولدته كما تلد النساء بعد مخاض ، وقد اتخذ النصارى يوم الخامس والعشرين من شهر كانون الثاني من كل عام عيداً لمولده . وهو الغالب ، مع أنّ هناك فئات منهم تتخذ غير هذا اليوم .

وبعد أن ولدت الصدّيقة الطاهرة ولدها النبي عيسى المسيح ، جاءت به إلى قومها وهي تحمله ، فلما رآها قومها ، ثاروا عليها بالطعن في شرفها وباللوم بما يشهد به الحال عن امرأة حملت ووضعت من غير بعل!! .

وقالوا : لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً يَا أخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمّكِ بَغِيّاً ؟!

فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُواْ كَيْفَ نُكَلّمُ مَن كَانَ

فِي الْمَهْدِ صَبِيّاً؟! فأجابهم سلام الله عليه : إِنّي عَبْدُ اللهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصّلاَةِ وَالزّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً وَبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبّاراً شَقِيّاً وَالسّلاَمُ عَلَيّ يَوْمَ وُلِدْتّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً .

إذاً إن عيسى هو نبي من أنبياء الله تعالى ، بعث إلى بني إسرائيل ، وهو ابن ثلاثين سنة فأخذ يدعوهم إلى دين التوحيد والفطرة ، بالكتاب الذي أنزل عليه وهو الإنجيل :

ثم إنّ اليهود ثاروا عليه يريدون قتله ، فتوفّاه الله ورفعه إليه ، وشُبّه لليهود : فمن زاعم أنهم قتلوه ، ومن زاعم أنهم صلبوه ، ولكن شُ_بّه لهم قال تعالى :

وَقَوْلِهِمْ إِنّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَ_َكِن شُبّهَ لَهُمْ وَإِنّ الّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكّ مّنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاّ اتّبَاعَ الظّنّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً بَل رّفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً

ولقد صرح أهل البيت في أحاديثهم أن السيد المسيح سوف ينزل من السماء عند ظهور الإمام المهدي ويصلي خلفه ويقتدي به وينصره ، إن شاء الله .

والسلام عليه يوم ولد ، ويوم رفع إلى السماء ، ويوم ينزل منها فيصلي خلف الإمام المهدي وينصره .

تم بحمد الله إعداد موسوعة المناسبات الإسلامية والعالمية

في أواخر ذي الحجة سنة 1427ه_ .

دمشق __ السيدة زينب

والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين وصحبه الأخيار المنتجبين وما توفيقنا إلا بالله العلي العظيم .

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.