الفقه السلم و السلام

اشارة

اسم الکتاب: الفقه، السلم و السلام

المؤلف: حسینی شیرازی، محمد

تاریخ وفاة المؤلف: 1380 ش

الموضوع: فقه استدلالی

اللغة: عربی

عدد المجلدات: 1

الناشر: دارالعلوم

مکان الطبع: بیروت

تاریخ الطبع: 1426 ق

الطبعة: اول

ص:1

اشارة

الطبعة الأولی

1425ه- 2004م

تهمیش:

مرکز الرسول الأعظم صلی الله علیه و آله للتحقیق والنشر

بیروت - لبنان

ص:2

ص:3

تحمید

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِیمِ ﴿1﴾

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِینَ ﴿2﴾

الرَّحْمَنِ الرَّحِیمِ ﴿3﴾

مَالِکِ یَوْمِ الدِّینِ ﴿4﴾

إِیَّاکَ نَعْبُدُ وَإِیَّاکَ نَسْتَعِینُ ﴿5﴾

اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِیمَ ﴿6﴾

صِرَاطَ الَّذِینَ أَنْعَمْتَ عَلَیْهِمْ غَیْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَیْهِمْ وَلَا الضَّالِّینَ ﴿7﴾

صدق الله العلی العظیم

ص:4

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِیمِ

وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَکَّلْ عَلَی اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِیعُ الْعَلِیمُ

صدق الله العلی العظیم

سورة الأنفال: 61

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِیمِ

یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِی السِّلْمِ کَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّیْطَانِ إِنَّهُ لَکُمْ عَدُوٌّ مُبِینٌ

صدق الله العلی العظیم

سورة البقرة: 208

ص:5

قال أمیر المؤمنین علیه السلام:

»لا عاقبة أسلم

من عواقب السلم«

غرر الحکم ودرر الکلم: ص476 ح10921

وقال علی علیه السلام:

«من عامل بالعنف ندم»

غرر الحکم ودرر الکلم: ص458 ح10473

ص:6

کلمة الناشر

ما من أمر فی الإسلام إلا ویدل علی أنه دین السلم والسلام، إذ یتجلی السلم فی أهم مسائله العقائدیة وذلک حینما لم یکره الإنسان علی اعتناقه، وإلی غیرها من مسائله الفرعیة، فکل شیء فیه سلم وسلام، ومن هنا فقد اختار المؤلف الراحل رحمة الله جملة من هذه المسائل للتدلیل علی ذلک واستطاع توظیف هذا النموذج الذی ورد فی هذا الکتاب شاهداً ومصداقاً لقانون السلم والسلام فی الإسلام.  

کما أن الإمام الشیرازی رحمة الله لم یبحث مسألة السلام من الناحیة السیاسیة کما تطرح فی وسائل الإعلام العالمیة، ومنها علی سبیل المثال الالتزام بقرارات الأمم المتحدة وأنها تؤدی إلی السلام فی العالم فهی وإن کانت خطوات فی تحقیق السلام، مع غض النظر عن مصالح القوی الاستعماریة التی عادة ما تکون المحافل الدولیة غطاء وستراً لها ولتنفیذ مخططاتها، لکن الشرع الإسلامی هو داعیة السلم والسلام الحقیقی ویعمل لغرس هذه الفکرة عبر مقوماتها ومقدماتها الإنسانیة، ویضمن دوامه واستمراره بقوانینه السمحة الفطریة.

وقد استخلص المؤلف آراءه فی السلم والسلام فی مختلف جوانب الحیاة من المصادر التشریع، مستلهماً إیاها من الآیات القرآنیة والأحادیث النبویة وسیرة العترة

الطاهرة علیهم السلام .

وهناک میزة نلحظها فی بحوث السید الشیرازی وهی شجاعته فی طرق بعض البحوث التی لم یتناولها العلماء ممن سبقه، کالبحوث الفقهیة فی الطب والبیئة والأسرة والقانون وغیرها مما یعرف الناس شمولیة الإسلام لمتطلبات الحیاة وأنه ما من شیء فی هذه الدنیا إلا وللإسلام فیه رأی وقانون.

ص:7

ولم یأل المؤلف جهداً فی مواجهة الحیاة مواجهة فعلیة، فوضع کل جدید علی بساط البحث وخرج بنتائج طیبة بینت أن الفقه یسایر الحیاة.

کما فصّل الحدیث فی المسائل المستجدة، فی أحکام المعاملات المالیة والجنائیة والقضائیة والدستوریة وغیرها.

وکان متطوراً فی الفقه مع سنة الحیاة فی التطور  فواکب تطور المجتمع الحدیث وانتقاله إلی عصر الصناعة وتنقله فی الفضاء وفی استخدامه الأثیر وزرع الجنین ونقل بعض أعضاء الجسم من إنسان آخر، إلی عالم الانترنیت والعولمة.

وهذا الکتاب القیم (فقه السلم والسلام) من تلک المؤلفات القیمة التی تبین للمجتمع أطروحة الإسلام فی التعایش الدولی والإنسانی لمختلف جوانب الحیاة.

الناشر

ص:8

کلمة المرکز

کلمة المرکز

تواجد الإنسان - ومنذ بدأ الخلیقة - وهاجسه الأول تحقیق أعلی درجة من الاطمئنان والأمان والراحة، ل-ه ولعائلته، فکانت نتائج رغبته أن بدأ بمعرفة نفسه ومعرفة الآخر ومعرفة المخلوقات والطبیعة.

فهو یدرک المخاطر، ویعلم بضرورة اتخاذ خطوات تبعده عن الأذی، ومن هنا اختار لنفسه نظاماً وقائیاً یحمی نفسه من نفسه، ویحمی نفسه من الآخرین، فکان أفضل الطرق التی جربها طول التاریخ مضافاً إلی تصریح المبادئ السماویة بذلک، هو الاهتداء إلی مبدأ (اللاعنف) أو (المسالمة) کسلوک یدعو إلی الرکون إلی العقل، واللجوء إلی التسامح، فهو السبیل العقلانی لحل إشکالات العصر المتزاحمة بفعل فوضی الطموحات المتسارعة ونشر الأفکار القسریة علی الناس والمجتمع.

وأول دعاة اللاعنف والسلم هم الأنبیاء علیهم السلام، فالدین الإسلامی الحنیف صان للإنسان حقوقه، وحرّم الاعتداء علی النفس والغیر، وهی ضروریات اعتبرها الإسلام غایة وهدفاً أساسیاً لیکون فرداً فعالاً فی بناء الحضارة البشریة وتقدمها وازدهارها.

ومن هنا فإن الأصل فی الإسلام السلم واللاعنف.

وقد کان ذلک واضحاً فی بناء دعوته علی السلم والسلام بقوله تعالی: )ادْخُلُواْ فِی السّلْمِ کَآفّةً(((1)).

وعلیه فإن التاریخ الإسلامی والتشریع والفقه الإسلامیین زاخران بمواقف الرسول الأعظم صلی الله علیه و آله والأئمة الصالحین علیهم السلام. یقول الإمام علی علیه السلام: «فإنهم

ص:9


1- سورة البقرة: 208

صنفان: إما أخ لک فی الدین وإما نظیر لک فی الخلق»((1)).

إن الأساس الفکری والعملی والتطبیقی للدین الإسلامی قام علی إنسانیة الإنسان، أیّاً کان دینه أو جنسه أو لونه أو عرقه أو معتقده، فقد قال الله عزوجل:

)وَلَقَدْ کَرّمْنَا بَنِی آدَمَ(((2))، وقال تعالی: ﴿إِنّ أَکْرَمَکُمْ عَندَ اللّهِ أَتْقَاکُمْ(((3)).

إن الإسلام کدین ونظام کونی ومنهج حیاتی یقف من العنف والعدوان والتعسف والإرهاب موقف المضاد، فکرة وسلوکاً، فقد کان الرسول صلی الله علیه و آله یدعو الناس إلی الإیمان بالإسلام بأسلوب المسالمة واللاعنف، یقول سبحانه وتعالی: )وَلَوْ شَآءَ رَبّکَ لاَمَنَ مَن فِی الأرْضِ کُلّهُمْ جَمِیعاً أَفَأَنتَ تُکْرِهُ النّاسَ حَتّیَ یَکُونُواْ مُؤْمِنِینَ(((4)).

وقال تعالی: ﴿فَذَکّرْ إِنّمَآ أَنتَ مُذَکّرٌ * لّسْتَ عَلَیْهِم بِمُصَیْطِرٍ﴾((5)).

فلا إکراه فی الدین ولا عنف، وإنما الأسلوب الحسن والکلمة الطیبة والمجادلة بالحسنی وإلقاء السلام والاستماع إلی رأی الآخرین ومحاولة الإقناع.

قال تعالی: ﴿لاَ إِکْرَاهَ فِی الدّینِ﴾((6)).

وقال سبحانه: ﴿ادْعُ إِلِیَ سَبِیلِ رَبّکَ بِالْحِکْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالّتِی هِیَ أَحْسَنُ﴾((7)).

وقال تعالی: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ کُنْتَ فَظّاً غَلِیظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضّواْ مِنْ حَوْلِکَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِی الأمْرِ﴾((8)).

وقال سبحانه: ﴿الّذِینَ یَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَیَ-تّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَ-َئِکَ الّذِینَ

ص:10


1- نهج البلاغة: الکتب 53
2- سورة الإسراء: 70
3- سورة الحجرات: 13
4- سورة یونس: 99
5- سورة الغاشیة: 21-22
6- سورة البقرة: 256
7- سورة النحل: 125
8- سورة آل عمران: 159

هَدَاهُمُ اللّهُ وَأُوْلَ-َئِکَ هُمْ أُوْلُو الألْبَابِ﴾((1)).

وقال عزوجل: )وَلاَ تَسْتَوِی الْحَسَنَةُ وَلاَ السّیّئَةُ ادْفَعْ بِالّتِی هِیَ أَحْسَنُ فَإِذَا الّذِی بَیْنَکَ وَبَیْنَهُ عَدَاوَةٌ کَأَنّهُ وَلِیّ حَمِیمٌ * وَمَا یُلَقّاهَا إِلاّ الّذِینَ صَبَرُواْ وَمَا یُلَقّاهَآ إِلاّ ذُو حَظّ عَظِیمٍ(((2))

وعلی ضوء ذلک فإن الدین الإسلامی وخاصة مدرسة أهل البیت علیهم السلام لا یتفق مع من یؤمن بالإرهاب والعنف کوسیلة لفرض رأی أو محاولة تغییر، حتی وإن کان مسلماً ویتبع مذهباً ما أو معتقداً ما، فموجة العنف والقسوة والإرهاب تأسست فی أفکار بعض المتطرفین وعشش فی خیالهم وأفکارهم، فأخذوا بالتصفیة الجسدیة والتدمیر أولاً، بدلاً من المحاورة الفکریة والمسالمة، لکن الإسلام لا یؤمن مطلقاً بمفهوم العنف أو مفهوم المعاملة السیئة أو إیقاع الظلم بالآخرین، أو استخدام القسوة أو التعسف ببنی الإنسان، فأفعال العنف بأنواعه التی تقع فی المجتمعات وتستهدف الآخرین، والتی قد تبلغ أحیاناً مستوی من التطرف والشدة أو الخروج عن القوانین، تعد خروجاً عن الدین وتعالیمه السمحة ودعوته إلی السلم والسلام وقول الله تعالی: )وَقُولُواْ لِلنّاسِ حُسْناً(((3)).

وقد خطا الإسلام خطوة جبارة فی رسم معالم لمنهج المسالمة والسلام وتمثل ذلک فی الدعاء للعدو والصلاة لأجله، فرسول الله صلی الله علیه و آله وعلی الرغم مما تسبب به الأعداء ل-ه من الأذی کان یدعو لهم بقوله: «اللهم اغفر لقومی فإنهم لا یعلمون»((4)).

وهذه الروح العظیمة تجسدت فی بکاء الإمام الحسین علیه السلام علی الجیش الذی وقف أمامه فی کربلاء حیث أجاب حین سُئل عن بکائه: «أبکی علی قوم یدخلون النار بسببی».أی لأجل محاربتهم إیای.

 لذا فالرسول الأکرم صلی الله علیه و آله وآل بیته الطاهرون علیهم السلام هم دعاة السلم وحملة

ص:11


1- سورة الزمر: 18
2- سورة فصلت: 34 - 35
3- سورة البقرة: 83
4- بحار الأنوار: ج95 ص167

مبدأ الإنسانیة فی المسالمة واللاعنف، ونبذ ما هو نقیضه فی الحیاة الیومیة، فنری الإمام جعفر الصادق علیه السلام یقول: «إنا أهل بیت مروتنا العفو عمن ظلمنا»((1))، فیعبر عن أعلی درجات تطبیق مبدأ السلام واللاعنف وکذلک الصفح الجمیل بأن لا تعاقب علی الذنب.

وقد ورد عن رسول الله صلی الله علیه و آله مبدأ اللاعنف أو المسالمة فی العدید من الأحادیث حیث قال صلی الله علیه و آله: «إصلاح ذات البین أفضل من عامة الصلاة والصیام»((2)).

وقال صلی الله علیه و آله أیضاً فی استخدام العفو ومبدأ اللاعنف: «تعافوا تسقط الضغائن بینکم»((3)).

ویطرح الرسول صلی الله علیه و آله التطبیق العملی لمبدأ المسالمة واللاعنف بقوله: «العفو أحق ما عمل به»((4)).

وقول الإمام علی علیه السلام: «شر الناس من لا یعفو عن الزلة، ولا یستر العورة»((5)).

لقد عد الإمام علی بن أبی طالب علیه السلام حکیم القوم فی زمانه، وداعیة السلم والمسالمة، وراعی مبدأ اللاعنف، رغم شجاعته وقدرته الفائقة علی المواجهة فقوله علیه السلام: «متی أشفی غیظی إذا غضبت؟ أحین أعجز عن الانتقام، فیقال لی: لو صبرت، أم حین أقدر علیه، فیقال لی: لو عفوت - غفرت - » ((6)). فقد عد علیه السلام فارساً فی الجهاد والبسالة فی القوة وبنفس القدر من المسالمة واللاعنف والسیطرة علی المشاعر المختلفة، یقول علیه السلام: «إذا قدرت علی عدوک فاجعل العفو عنه شکراً للقدرة علیه»((7)).

ص:12


1- بحار الأنوار: ج68 ص414 ح31
2- وسائل الشیعة: ج18 ص440 ح24005
3- مجمع الزوائد للهیثمی: ج8 ص82 باب تعافوا تسقط الضغائن
4- وهکذا ورد بالنسة إلی الباری عزوجل وأنه أهل العفو وأحق به، قال الإمام موسی بن جعفر علیه السلام : «یا أهل العفو، یا أحق من عفا، اغفر لی». مستدرک الوسائل: ج10 ص37 ح11399
5- غرر الحکم ودرر الکلم: ص245 ح5016
6- نهج البلاغة: الحکم القصار 194
7- وسائل الشیعة: ج12 ص171 ح15990

ویظهر الإمام زین العابدین علیه السلام فی مبدأ المسالمة والسلام فی أسمی وأرقی صوره وهو اللاعنف المطلق: «حق من أساءک أن تعفو عنه، وإن علمت أن العفو عنه یضر، انتصرت»((1)).

وقول أمیر المؤمنین علیه السلام: «صافح عدوک وإن کره، فإنه مما أمر الله عزوجل به عباده یقول: )ادْفَعْ بِالّتِی هِیَ أَحْسَنُ فَإِذَا الّذِی بَیْنَکَ وَبَیْنَهُ عَدَاوَةٌ کَأَنّهُ وَلِیّ حَمِیمٌ * وَمَا یُلَقّاهَا إِلاّ الّذِینَ صَبَرُواْ وَمَا یُلَقّاهَآ إِلاّ ذُو حَظّ عَظِیمٍ(((2)) ما تکافئ عدوک بشیء أشد علیه من أن تطیع الله فیه»((3)).

إن آل بیت النبوة علیهم السلام مارسوا السلام واللاعنف المطلق بکل أشکاله وأبعاده، ثم أوصوا المسلمین بعدهم بالسیر علی خطاهم، لأنهم کانوا دعاة صلح ومحبة ووفاق بین عامة المسلمین ودعاة سلم بین البشریة، فیقول الإمام علیه السلام: «بالعفو تستنزل - تنزل - الرحمة»((4)).

وقول الإمام العسکری علیه السلام: «من کان الورع سجیته، والإفضال حلیته، انتصر من أعدائه بحسن الثناء علیه»((5)).

وهکذا تتناغم طروحات آل بیت النبوةعلیهم السلام فی تطبیق السلم ونبذ العنف فی معالجة الکثیر من المشکلات التی تنتج عن العنف وحالات الغضب، فقول رسول الله صلی الله علیه و آله موجهاً حدیثه إلی الإمام علی علیه السلام:

«یا علی من صفات المؤمن:

أن یکون عظیماً حلمه، جمیل المنازعة..

أوسع الناس صدراً، وأذلهم نفساً..

لا یؤذی من یؤذیه..

ص:13


1- من لا یحضره الفقیه: ج2 ص625 ح3214
2- سورة فصلت: 34 - 35
3- بحار الأنوار: ج10 ص110
4- غرر الحکم ودرر الکلم: ص246 ح5053
5- بحار الأنوار: ج66 ص407 ح115

لین الجانب، طویل الصمت، حلیماً إذا جهل علیه، صبوراً علی من أساء إلیه..

حلیماً رفیقاً..

ذا قوة فی لین، وعزمة فی یقین..

إذا قدر عفا..

لسانه لا یغرق فی بغضه..

یعطف علی أخیه بزلته»((1)) الحدیث.

وعلیه فإن آل بیت الرسولعلیهم السلام کانوا دعاة سلام ومسالمة فی السلوک والتعامل والتعایش مع عامه الناس، رغم ما تحملوه من مصاعب ومتاعب من أبناء قومهم، ولکنهم کانوا علی حق فی استمرار دعوتهم السلمیة ومبدئها اللاعنف فی السلوک والتطبیق، والمسالمة وتحقیق السلام بین الناس التی هی سمة من سماتهم علیهم السلام والتی هی من مصادیق قوله سبحانه وتعالی: )وَجَزَآءُ سَیّئَةٍ سَیّئَةٌ مّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَی اللّهِ إِنّهُ لاَ یُحِبّ الظّالِمِینَ(((2)).

وقول الإمام علی علیه السلام: «شیئان لا یوزن ثوابهما: العفو والعدل»((3)).

وقوله علیه السلام: «من قابل الإحسان بأفضل منه فقد جازاه»((4)).

إن الدین الإسلامی دین سلام، دین محبة بین البشریة جمعاء، وإن الله سبحانه وتعالی بعث للبشریة أفضل السبل عن طریق رسوله محمد صلی الله علیه و آله حیث أرسله رحمة وهدی للعالمین لینیر لهم الدروب والسبل ویوضح لهم طریق الخیر والمحبة، فالنبی صلی الله علیه و آله وآل بیته الطاهرون علیهم السلام هم دعاة سلم ومحبة ومسالمة، دعاة نبذ العداوة والعنف، وحل المنازعات باللاعنف، رغم أن الإنسان فی تکوینه قد یرغب فی القسوة واتباع طرق العدوان، إلا أن آل البیت علیهم السلام کانوا أشد رحمة بالبشریة جمعاء.

وکان المرجع الدینی الراحل الإمام السید محمد الحسینی الشیرازی رحمة الله فی

ص:14


1- مستدرک الوسائل: ج11 ص178 ح12686
2- سورة الشوری: 40
3- مستدرک الوسائل: ج11 ص320 ح13146
4- غرر الحکم ودرر الکلم: ص278 ح6130

عصرنا الحالی أبرز العلماء والفقهاء الذین تبنوا نظریة السلم واللاعنف فی مختلف جوانب الحیاة، ابتداءً من علاقة المرء بذاته، وانتهاءً بعلاقته بالآخر أیاً کان هذا الآخر، وبمعنی أوضح فإن الإمام الشیرازی 6 لم یقصر تنظیره حول فقه السلم واللاعنف فیما یتعلق بالجانب الفقهی فحسب، بل انطلق بطرحه لیضفی علی هذا المفهوم بعداً أشمل وأوسع برفضه کل أشکال العنف السیاسی والاقتصادی والاجتماعی والأسری وحتی فی الحرب، وذلک اعتماداً علی أن المسالمة نظریة متکاملة، ومنهج سلوک متواصل، وخیار حضاری، وعلیه کان الشیرازی 6 داعیة اللاعنف ومجدداً ورائداً فی مبدأ السلام ونبذ الإرهاب فی حل جمیع المشکلات والقضایا المعاصرة، وکل ما تعانیه البشریة من سلوکیات منحرفة، فانتشار الأسالیب والآلیات التی یدعو إلیها سماحته فی حل الصراعات الفردیة والجماعیة والدولیة فی طریقها إلی التنفیذ، وما زالت کل دعواته إلی المسالمة واللاعنف تجد طریقها إلی التطبیق المیدانی، فقد جمع رحمة الله فی طرحه لمبدأ المسالمة واللاعنف أرقی الآراء والاتجاهات والأفکار المعاصرة، بل تنوعت بأبعادها أکثر مما طرحه (المهماتا غاندی)((1)) - وهو أحد أبرز رواد مبدأ اللاعنف فی القرن العشرین - وذلک لأن الإمام الشیرازی 6 استلهم هذه الفکرة من القرآن الکریم وسیرة النبی صلی الله علیه و آله وأهل بیته الطاهرین علیهم السلام ومن هنا یتضح أفضلیة أطروحته علی سائر الأطروحات الموجودة عالمیاً.

وربما تجاوز معاصریه فی التقسیمات التخصصیة النوعیة لمبدأ السلام، فهو أبدع بطرحه کنظریة مصرفیة تارة، وأبدع باعتباره یشکل مدرسة اجتماعیة إنسانیة لمبدأ اللاعنف تارة أخری، فضلاً عن العنصر الفعّال فی العمل والسلوک أو التنظیر العقلی تارة ثالثة، فقد نسج 6 نظریة واتجاهات متجانسة فی السلام واللاعنف تناول خلالها رؤیته وأفکاره وأسلوبه العلمی وخلفیته کإطار نظری مرجعی للرؤیة الإسلامیة

ص:15


1- (موهنداس کرامشاند) (1869 - 1948م): فیلسوف ومجاهد هندی، ولد فی بور بندر. اشتهر بلقب (المهاتما) أی النفس السامیة، دعا إلی تحریر الهند من الإنجلیز بالطرق السلمیة والمقاومة السلبیة بعیداً عن العنف. وکان سلاحه الأقوی الإضراب عن الطعام، أدت جهوده إلی استقلال الهند عام (1947م)، یعد من أبرز دعاة السلام، اغتاله براهمانی متعصب

ونجح فی ذلک أکبر نجاح.

فحینما یرفض الإمام المجدد * العنف والعدوان کأسلوب لحل المشاکل، إنما یستند فی ذلک إلی فکرة الإسلام القائم علی جانب السلام بقوله:

(إن السلام یصل بصاحبه إلی النتیجة الأحسن، والمسالمون یبقون سالمین مهما کان لهم من الأعداء).

وإزاء ذلک عندما یطرح آراءه ونظریاته کاتجاهات حدیثة تواکب السیاقات الدولیة فی رفض التسلط والعنف والإرهاب بکل أشکاله علی الأفراد أو علی الشعوب، إنما یستمد رؤیته من القرآن الکریم، والسنة النبویة، وما قاله آل البیت علیهم السلام، وکذلک الاعتماد علی الحجج فی المنطق العقلی لاستنباط مبدأ المسالمة، بالإضافة إلی القدرة الفائقة علی الاجتهاد حول قضایا العصر وکذلک التشخیص الموضوعی للواقع الإسلامی ومشکلاته، وإزاء ذلک نستنتج من خلال هذه المعاییر العمیقة الفکر النظری والتطبیقی لوضع الإطار العام حیز التطبیق المیدانی.. وتأسیساً علی ذلک یمکن نستنتج:

1: لم تکن طروحات الإمام  رحمة الله الفکریة، نظریة خالصة، بل اعتمد مبدأ التطبیق المیدانی للمشکلات.

2: تفاعل ظروف الوضع الراهن للمجتمعات الإسلامیة (عربیة وغیر عربیة) بالأحداث وتطابقها مع آرائه ونظریاته.

3: توافق المتغیرات الدولیة الحالیة مع طروحاته النظریة حتی ما طرحها قبل عدة عقود سابقة.

4: تأکد طروحاته فی رؤیته لمبدأ السلم والسلام (وهی متغیرات مستقلة) کالأفکار والتعلیمات والآراء،علی التأثیر بشکل متشابک علی الوضع الدولی الراهن، اجتماعیاً واقتصادیاً وسیاسیاً وهی متغیرات تابعة.

وهنا نلاحظ أن السلام رکیزة أساسیة فی النظریة السیاسیة التی یطرحها الإمام الشیرازی 6 فی بحوثه ودراساته وفی ممارساته وتطبیقاته.

ص:16

فالسلام عنده هدف وغایة من جهة، ووسیلة وطریقة من جهة أخری، أی إن السلام مبدأ استراتیجی شامل، وهو لیس هاجسا کما یتصوره البعض وإنما هو رؤیة سیاسیة کاملة، بدلیل الشمولیة والتوکید، فالهاجس طارئ، فیما الرؤیة ثبات واستمرار ونظر ودلیل..

فنراه رحمة الله یقول کقاعدة أولیة وکقانون أصلی: (إن الأصل فی الإسلام السلم واللاعنف)..

وفیه تتفق رؤیته مع الآراء والاتجاهات النظریة الحدیثة فی دراسة المجتمعات والشعوب ودعواتها إلی السلم والمحبة، واستخدام المنطق والعقل، وقوته فی قدرة التمییز بین الخیر والشر.

هذه الرؤیة هی رؤیة الإسلام، الذی یدعو إلی التفاهم والحوار وحل النزاعات کافة مهما تغیرت الأزمنة، لا سیما أن الإنسان هو المخلوق الذی اصطفاه الله بین الکائنات الحیة الأخری لنشر تعالیم الأدیان کافة وحمل الرسالات وإشاعة الصفاء والمحبة بین الجمیع.

یُعرّف الإمام الشیرازی 6 مبدأ المسالمة أو اللاعنف فی تطبیقه العملی: (أن یعالج الإنسان الأشیاء سواء کان بناءً أو هدماً، بکل لین ورفق، حتی لا یتأذی أحد من العلاج، فهو بمثابة البلسم الذی یوضع علی الجسم المتألم حتی یطیب).

ثم یضیف: لذا فالواجب علی التیار الإسلامی والدولة الإسلامیة، اختیار مبدأ المسالمة واللاعنف فی الوصول إلی الغایة وهی إقامة الدولة الإسلامیة بالنسبة إلی التیار، وإبقاؤها بالنسبة إلی الدولة القائمة حتی تتسع فی بُعدَی الکم والکیف.

ویری الإمام الشیرازی رحمة الله أن السلم یحتاج إلی نفس قویة جداً، تتلقی الصدمة بکل رحابة ولا تردها، حتی وإن سمحت الفرصة بالرد.

ثم یطرح سماحته تقسیماً نوعیاً للاّعنف أو المسالمة علی ثلاثة أقسام:

الأول: اللاعنف الملکی، أی تکوین النفس بحیث تظهر علی الجوارح.

الثانی: اللاعنف القسری الخارجی، أی أن الضعف أوجب ذلک، فإن الضعیف

- عادة - یلتجأ إلی هذا النوع من المسالمة للوصول إلی هدفه.

ص:17

الثالث: اللاعنف القسری العقلانی، أی أن یرجح اللاعنف علی العنف، من باب الأهم والمهم، وهذا قادر علی العنف لا کالثانی، ولا ینبع اللاعنف عن ضمیر وفضیلة، وإنما یرجحه حیث یراه طریقاً للوصول إلی هدفه.

وهکذا ربی الإمام الشیرازی 6 أجیالا علی مبدأ اللاعنف وأسس مدرسة السلم فی عالمنا المعاصر. فهذا نجله آیة الله السید مرتضی الشیرازی یقول: إن الإسلام یدعو إلی اللاعنف والمسالمة حتی فی اللسان، ویستشهد بقول الله سبحانه وتعالی:

)وَلاَ تَسُبّواْ الّذِینَ یَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَیَسُبّواْ اللّهَ عَدْواً بِغَیْرِ عِلْمٍ(((1))، وقول أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب علیه السلام: «إنی أکره لکم أن تکونوا سبابین»((2)) ویصل بالنتیجة بقوله: إن من یملک قوة المنطق لا یحتاج إلی منطق القوة.

وعند عرض آراء ونظریات الإمام الشیرازی 6 نجدها مستلهمة من مدرسة القرآن والعترة، وعند ملاحظتها مع الآراء والمنطلقات الأخلاقیة للأدیان، السماویة منها وغیر السماویة، والاتجاهات الإصلاحیة المعاصرة، نجد أنها تتفق مع المنطق الفکری والسلوکی لمبدأ اللاعنف، فجمیعها تدعو إلی المسالمة واحترام الرأی والمعتقد عند الإنسان، واحترام الإنسان کمخلوق بشری، فیری الإمام الشیرازی 6 أن قوة الروح غالبة علی قوة الجسد، وملکة المسالمة واللاعنف من صفات الروح التی تؤثر علی سلوک الإنسان وتصرفاته.

وهنا نلاحظ ترابطاً جدلیاً فی نظریة الإمام الشیرازی * بین السلام العالمی والعدالة الاجتماعیة، وهی أطروحة تؤکد علیها جمیع الدراسات المعاصرة بقوة، ففی هذا المجال یقول (لیستر بیرسون)((3)) الحائز علی جائزة نوبل للسلام: (إن رخاء الشعوب هو دعامة من دعائم السلام، وقد تطور هذا الموضوع فی أذهاننا)، وهذه مقاربة فکریة رائعة مع طروحات ونظریة الإمام الشیرازی6 فی السلم والسلام،

ص:18


1- سورة الأنعام: 108
2- نهج البلاغة: الخطب 206
3- لیستر بیرسون: سیاسی کندی 1897 – 1972م. رئیس الوزراء 1963 – 1968م. قام بدور الوساطة فی کثیر من المنازعات الدولیة, ومن أجل ذلک منح جائزة نوبل للسلام لعام 1957م

وأیضاً هنالک ترابط روحی خلاّق فی فکر الإمام الشیرازی بین السلام والأخلاق، یدعمه العالم (سیبنوز) فی قوله: (إن السلام لیس شیئاً آخر غیر العزم الذی ینبثق من فضائل الروح).

وهکذا یکتمل البناء النظری والتطبیقی للسلام فی سیاسة الدولة الإسلامیة، فهو عمل دائب تتفاعل فی نطاقه العاطفة، والفکر، والمادة، والروح، والإرادة..

ثم إن العمل السیاسی لتشکیل الحکومة الإسلامیة ینبغی أن یقوم علی السلام، فالإمام الشیرازی 6 یرفض العنف طریقاً لهذا الهدف العقائدی الکبیر، ویطرح مبدأ اللاعنف والمسالمة بکل مجالاتها واتجاهاتها المتعددة النظریة والتطبیقیة بدلاً عنه، وهو فی ذلک یستلهم الفکرة من المنهج الإسلامی الذی نص علیه القرآن الکریم ورسوله العظیم صلی الله علیه و آلهوأهل بیته الطاهرون علیهم السلام، فقول-ه رحمة الله : (من الضروری لممارسی التغییر أن یعملوا فی مقدمة أهدافهم مسالمة الجمیع، وأن یعیش الکل بسلام، فکما أن للإنسان الحق فی أن یعیش بکرامة وحریة ورفاه وسلام، علیه أن یترک الآخرین یعیشون کذلک).

وبناءً علی ما تقدم فإن الإمام الشیرازی 6 عد داعیة اللاعنف فی العصر الحدیث لما لطروحاته النوعیة والکمیة فی مبدأ السلم والسلام، والتی تعد مؤشراً مهماً للغایة من حیث دلالتها علی إمکانیة التطبیق المیدانی فی السلوک والممارسات، فالاتجاهات الإسلامیة التی تؤمن بقوة هذا المبدأ، تستطیع أن تتلمس بدقة وعنایة المفاهیم والآراء التی طرحها الراحل الإمام الشیرازی 6 والتی تستند إلی مفاهیم ورؤی القرآن والسنة النبویة وروایات أهل بیت النبوة علیهم السلام.

                                 مرکز الرسول الأعظم صلی الله علیه و آله للتحقیق والنشر

                                 بیروت - لبنان

ص:19

المقدمة

المقدمة

الحمد لله رب العالمین، والصلاة والسلام علی محمد وآل-ه الطاهرین.

إن (السلم والسلام) بمعناهما الأعم والشمولی یقتضیان الأمن والعافیة، والاستقرار والازدهار، وکل ما یوجب تقدم الحیاة وتطورها، ووضعها فی أبعادها الصحیحة، صحیة واجتماعیة، واقتصادیة وسیاسیة، وعسکریة وإعلامیة، وغیرها.

وهی کلمة تدخل فی نفس الإنسان الاطمئنان والراحة والهدوء، وتوحی إلیه بذلک. ومن الواضح أن الکل یبحث عن السلم والسلام فی حیاته، ویطلبه بفطرته، بل هذا ما نشاهده عند الحیوانات أیضاً، فکلها تطلب السلام((1)).

ونحن لا نعلم عن الأشجار والجمادات کثیراً، لکن إذا کان هناک شعور فیها، کما تدل علیه الآیات والروایات((2)) وکما ذکر جماعة من الفلاسفة القدماء والعلماء المتأخرین أیضاً، فإنها تطلب السلام - إن صح التعبیر -.

لکن الواضح أن سلام الإنسان غیر سلام الحیوان، وسلام الحیوان غیر سلام

ص:20


1- لا یخفی أن المراد بالسلام هنا معناه الأعم
2- قال تعالی: ) فما بکت علیهم السماء والأرض وما کانوا منظرین ( سورة الدخان: 29. وراجع بحار الأنوار: ج57 ص177 ح6، وفیه عن الإمام محمد الباقر علیه السلام أنه دخل علیه رجل فقال ل-ه: فداک أبی وأمی إنی أجد الله یقول: ) وإن من شیء إلا یسبح بحمده ولکن لا تفقهون تسبیحهم ( سورة الإسراء: 44 ، فقال علیه السلام : « هو کما قال » ، فقال ل-ه: أتسبح الشجرة الیابسة؟ قال علیه السلام : « نعم، أما سمعت خشب البیت تنقض؟ وذلک تسبیحه، فسبحان الله »

الشجر والنبات، وسلام الشجر والنبات غیر سلام الجماد من الأنهار والجبال والنجوم وغیرها، وکلامنا عن الإنسان.

إن للسلم والسلام فی الإسلام مفهوما شمولیا، یشمل العدید من الأبواب الفقهیة المتعارفة من الطهارة إلی الدیات، بل الأبواب الفقهیة المعاصرة، کفقه السیاسة

وفقه الاجتماع وفقه الاقتصاد وفقه الحرب وفقه الإعلام وفقه العولمة  وفقه القانون وغیرها.

وهناک بعض الأسئلة حول السلم والسلام ینبغی الإجابة علیها علی ضوء الکتاب والسنة والإجماع والعقل، مثلاً:

1: ما هی مصادیق السلم والسلام الذی یطلبه الإنسان کفرد أو مجتمع، حتی یبقی وجوده صحیحاً، وینمو نموّاً کاملاً مطرداً؟

2: ما هی کیفیة الوصول إلی السلم والسلام بمختلف مصادیقهما؟

3: هل السلم والسلام مطلب کل إنسان، سواء أظهر الطلب ل-ه أم لم یظهره، وهل هو محصور علی أولئک الذین یبحثون عنه لأمن أنفسهم واستقرارهم فقط، أم یعم الجمیع؟ وبعبارة أخری هل هو أمر فطری، أم لا؟

4: ما هی مقومات السلم والسلام بقاءً وحدوثاً؟ وهل السلام أمر یصعب الوصول إلیه، أو طریقه سهل، أو بین هذا وذاک، أو یختلف طریق السلام باختلاف المصادیق، فطریقه إلی الصحة مثلاً یختلف عن طریقه إلی الأمن، وهکذا، فلکل شیء سلام خاص وبعضه أصعب من بعض؟

5: هل یحتاج السلم والسلام إلی السبب الذی یعین علی تحقیقه کسائر ما فی هذه الدنیا، حیث جعل الله لکل شیء سبباً، کما قال تعالی: )ثم أتبع سبباً(((1)) ذکر ذلک مکرراً، وفی الأدعیة: «یا مسبّب الأسباب»((2)).

6: ثم إذا کانت هناک وسائل - وهو کذلک - فهل هذه الوسائل التی یتحتم علی

ص:21


1- سورة الکهف: 89 و92
2- مصباح الکفعمی: ص170 الفصل20

الإنسان استعمالها أمور تسهل لکل أحد، أو یختلف الناس فی نیلها؟

7: الأمم التی فقدت سلمها وسلامها فی ناحیة من النواحی، هل تتمکن من إعادته لنفسها؟

8: ما هو الموقف الشرعی تجاه السلم والسلام بالمفهوم العالمی؟

9: کیف یمکن الموازنة بین قانون السلم والسلام کأصل إسلامی وبین قانون المطالبة بالحقوق المهدورة؟

10: ما هی النسبة بین السلم والسلام والأحکام الخمسة من الوجوب والحرمة والاستحباب والکراهة والإباحة؟

إلی غیر ذلک من المباحث المتعلقة بالسلم والسلام، والتی ینبغی الإشارة إلیها وبیان حکمها الشرعی من الأدلة الأربعة والله ولی التوفیق.

قم المقدسة

محمد الشیرازی

ص:22

تمهید

تمهید

السلام فی الإسلام

*السلام من أسماء الله الحسنی

*السلام فی سورة القدر

*مصدر کلمة الإسلام واشتقاقها

*خاتم الأنبیاء صلی الله علیه و آله حامل لواء السلام

*السلام تحیة الإسلام

*الصلاة تنتهی بالسلام

*الجنة دار السلام

السلام مسؤولیة الجمیع

*الحاجة إلی السلام

*عقد المؤتمرات الدولیة للبحث فی السلام

*البحث عن السلام فی وسائل الإعلام

المعنی الشمولی للسلام

*السلام بالمعنی الأعم

ص:23

ص:24

السلام فی الإسلام

السلام فی الإسلام

مسألة: استعملت کلمة السلم والسلام فی الإسلام کتاباً وسنة فی موارد کثیرة منها:

السلام من الأسماء الحسنی

إن (السلام) من أسماء الله الحسنی، قال تعالی: )هُوَ الله الّذِی لاَ إِل-ه إِلاّ هُوَ عَالِمُ الْغَیْبِ وَالشّهَادَةِ هُوَ الرّحْم-َنُ الرّحِیمُ * هُوَ الله الّذِی لاَ إِل-ه إِلاّ هُوَ الْمَلِکُ الْقُدّوسُ السّلاَمُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَیْمِنُ الْعَزِیزُ الْجَبّارُ الْمُتَکَبّرُ سُبْحَانَ الله عَمّا یُشْرِکُونَ * هُوَ الله الْخَالِقُ الْبَارِیءُ الْمُصَوّرُ ل-ه الأسْمَآءُ الْحُسْنَیَ یُسَبّحُ ل-ه مَا فِی السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَهُوَ الْعَزِیزُ الْحَکِیمُ(((1)).

لأن الله عزوجل خالق السلم والسلام، ویضمن ذلک للناس بما شرعه من مبادئ، وبما رسمه من خطط ومناهج، وبمن بعثهم من أنبیاء وأوصیائهم علیهم السلام، وبما أنزل-ه من کتب، فهو تعالی مصدر السلم والسلام، والخیر والفضیلة.

قال الإمام الباقر علیه السلام: «إن السلام اسم من أسماء الله عزوجل»((2)).

السلام فی سورة القدر

ویظهر من الآیة المبارکة فی سورة القدر أن الله تعالی یقدر ƒالسلام‚ فی کل شیء ولکل شخص، وإنما الإنسان نفسه هو الذی یحرّف السلام عن مجراه الطبیعی بسوء اختیاره، أو بنی نوعه، أو بعض عوامل الطبیعة مما هی خاضعة لقانون الأسباب والمسببات.

قال سبحانه: )إِنّا أَنزَلْنَاهُ فِی لَیْلَةِ الْقَدْرِ* وَمَآ أَدْرَاکَ مَا لَیْلَةُ الْقَدْرِ* لَیْلَةُ الْقَدْرِ خَیْرٌ مّنْ أَلْفِ شَهْرٍ* تَنَزّلُ الْمَلاَئِکَةُ وَالرّوحُ فِیهَا بِإِذْنِ رَبّهِم مّن کُلّ أَمْرٍ*

ص:25


1- سورة الحشر: 22-24
2- من لا یحضره الفقیه: ج1 ص368 ح1066

سَلاَمٌ هِیَ حَتّیَ مَطْلَعِ الْفَجْرِ(((1)).

فإن الملائکة فی لیلة القدر یأتون بمقدّرات العباد وبکل ما یکون فی السنة المقبلة، إلی خلیفة الله فی الأرض علیه السلام  وحجته علی عباده، غائباً مستوراً أو ظاهراً مشهوداً، ویکون ذلک سلاماً فی کل أمر، سواء کان السلام فردیاً أم اجتماعیاً، وسواء کان فی المال (السلام الاقتصادی) أم فی الأسرة کسلام الزوج والزوجة، وسلام الآباء والأولاد، أم فی الصحة بدنیا أو نفسیاً، أم غیر ذلک.

إلی غیرها من الآیات الشریفة والروایات الکثیرة التی وردت بلفظ السلم والسلام وسائر المشتقات منهما.

مصدر کلمة الإسلام واشتقاقها

ثم إن لفظ (الإسلام) مأخوذ من مادة السلم والسلام، وذلک کتناسب الحکم والموضوع، لأن السلام والإسلام یلتقیان فی توفیر الطمأنینة والأمن والسکینة والتقدم، کما قال سبحانه: )الّذِینَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنّ قُلُوبُهُمْ بِذِکْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِکْرِ اللّهِ تَطْمَئِنّ الْقُلُوبُ(((2)).

خاتم الأنبیاء صلی الله علیه و آله حامل لواء السلام

وحامل هذه الرسالة خاتم الأنبیاء محمد صلی الله علیه و آله هو حامل رایة السلم والسلام، لأنه یحمل إلی البشریة الهدی والنور، والخیر والرشاد، والرحمة والرأفة. وهو یحدث عن نفسه فیقول:«إنما أنا رحمة مهداة«((3))، ویحدث القرآن عن رسالته فیقول: )وَمَآ أَرْسَلْنَاکَ إِلاّ رَحْمَةً لّلْعَالَمِینَ(((4))، وقال صلی الله علیه و آله:«إن الله بعثنی هدی ورحمة للعالمین…«((5)) فإن الرحمة والسلم والسلام جاء بها الإسلام للناس کافة.

وکثرة تکرار لفظ السلام علی هذا النحو، مع إحاطته بالجو الدینی النفسی، من

ص:26


1- سورة  القدر: 1-5
2- سورة الرعد: 28
3- کشف الغمة: ج 1 ص 8
4- سورة الأنبیاء: 107
5- مستدرک الوسائل: ج13 ص219 ح15175

شأنه أن یوقظ الحواس جمیعها، ویوجه الأفکار والأنظار إلی المبدأ السلمی العظیم.

السلام تحیة الإسلام

کما إن الإسلام جعل (السلام) شعاراً ل-ه واختاره تحیة للمسلمین، حیث إن المسلم إذا التقی بمسلم قال: (سلام علیکم) أو ما أشبه ذلک من الصیغ المذکورة فی باب السلام وأحکامه((1)).

وتحیة الله للمؤمنین تحیة سلام: )تَحِیّتُهُمْ یَوْمَ یَلْقَوْنَهُ سَلاَمٌ(((2)).

وتحیة الملائکة للبشر فی الآخرة سلام: )وَالمَلاَئِکَةُ یَدْخُلُونَ عَلَیْهِمْ مّن کُلّ بَابٍ * سَلاَمٌ عَلَیْکُم(((3)).

وتحیة المؤمنین بعضهم لبعض فی الجنة هی سلام: ﴿لاَ یَسْمَعُونَ فِیهَا لَغْواً وَلاَ تَأْثِیماً * إِلاّ قِیلاً سَلاَماً سَلاَماً﴾((4)).

الصلاة تنتهی بالسلام

وفی آخر کل صلاة یذکر المصلی لفظ (السلام) ثلاث مرات، فتبدأ الصلاة بتکبیرة الإحرام وتنتهی بالسلام، حیث نقول: (السلام علیک أیها النبی ورحمة الله وبرکاته) وهو سلام علی القائد الأعلی.

کما نقول بعد ذلک: (السلام علینا وعلی عباد الله الصالحین) وهو سلام علی المجموعة الصالحة من العباد.

و(السلام علیکم ورحمة الله وبرکاته) وهو سلام علی جمیع من ینطبق علیه الخطاب.

الجنة دار السلام

ص:27


1- کقول-ه: (السلام علیک) و(علیکم السلام)
2- سورة الأحزاب: 44
3- سورة الرعد: 23-24
4- سورة الواقعة: 25-26

ومن أسماء الجنة (دار السلام) کما فی الآیة المبارکة: )لَهُمْ دَارُ السّلاَمِ عِندَ

رَبّهِمْ(((1))، فإنها مستقر الصالحین.

وأهل الجنة لا یسمعون من القول ولا یتحدثون بلغة غیر لغة السلام:

)لاّ یَسْمَعُونَ فِیهَا لَغْواً إِلاّ سَلاَماً(((2)).

وحتی جوابهم رداً علی الجاهلین هو السلام: )وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُواْ سَلاَماً(((3)).

السلام مسؤولیة الجمیع

السلام مسؤولیة الجمیع

مسألة: إن الإنسان لیس مأموراً بحفظ نفسه وسلمها وسلامها فقط، بل مأمور بحفظ غیره وسلمه وسلامه أیضاً، فلو سمع مسلم من ینادی: یا للمسلمین، فلم یجبه فلیس بمسلم، کما قال رسول الله صلی الله علیه و آله:«من أصبح لا یهتم بأمور المسلمین فلیس منهم، ومن سمع رجلاً ینادی: یا للمسلمین، فلم یجبه فلیس بمسلم«((4)).

ومن هنا تظهر الحاجة إلی السلم والسلام ومعرفة مقدماتها ومقوماتها.

الحاجة إلی السلام

السلم والسلام کلمة ترددها الألسن فی المحافل الصغیرة والکبیرة، الدولیة والمحلیة، خصوصا فی هذا العصر الذی تقدم فی علومه وحضارته، کما تقدم  فی أسباب التناحر، فإن الحیاة حیث صارت ضیقة إلی أبعد الحدود، والکل یرید کل الخیر لنفسه ویرید إبعاد کل الشر عنها، تصادمت المصالح فی إرادة الاستحواذ علی مقتضیات الزمان، وفی هذا الإطار تنشأ الحروب والثورات والإضرابات والمظاهرات وأسباب العنف وما أشبه ذلک کما هو مذکور فی علم الاجتماع. ومن هنا تتضح الحاجة إلی تطبیق قانون السلم والسلام ومعرفة مقوماته فی مختلف مجالات الحیاة.

ص:28


1- سورة الأنعام: 127
2- سورة مریم: 62
3- سورة الفرقان: 63
4- الکافی: ج2 ص164ح5

عقد المؤتمرات الدولیة للبحث فی السلام

وفی هذا العصر بالذات خصوصاً فی النصف الأخیر من هذا القرن، التفت الإنسان إلی ضرورة البحث عن السلم والسلام، وصار الشغل الشاغل للناس فی وسائلهم الإعلامیة وغیرها، ومدارسهم الخاصة ومدارسهم الدولیة، فصاروا یتکلمون فی الشرق والغرب عن السلم والسلام، ویبحثون عنه فی المؤتمرات الدولیة وفی المؤتمرات القطریة، وینشدونه فی کل محفل من المحافل، فی شتّی أقسامها وباختلاف مستویاتها، حتی تلک الدول التی تثیر الرعب وتشیع الخوف فی بلدانها وبین جیرانها، نراهم یبحثون عن السلام أو یتکلمون فیه.

هذا وقد أسس الإسلام أسس السلام وبین مصادیقه، فیلزم علی المجامع الدولیة أخذ ذلک بنظر الاعتبار للاستفادة من برکات الإسلام فی تطبیق العدالة الاجتماعیة ونشر السلم والسلام فی العالم.

البحث عن السلام فی وسائل الإعلام

والظاهرة الواضحة: إنه کلما اشتد البحث عن السلم والسلام فی الوسائل الإعلامیة وغیرها، وعلت الأصوات فی ترویج کلمة السلام وتکرارها، ربما دل ذلک علی مدی مشکلة البشریة ومعاناتها وصعوبة الوصول إلی السلام وتعقد مسالک سبل-ه وضیاع معالمه، وإلا لم یکن البحث عنه شدیداً، فإن الإنسان إذا فقد شیئاً طلبه حثیثاً لکی یصل إلیه.

ومن الواضح أن السلام بطرقه المختلفة وتباعد الآراء فیه ل-ه واقع واحد، کما قال الشاعر:

وَکلٌّ إلی ذاکَ الجمَالِ یُشیرُ

عِبَاراتُنا شَتَّی وَحُسنُک وَاحِدٌ

فکیف یمکن الوصول إلی السلام، حیث إن الوصول إلیه قد صعب، وذلک بسبب سلوک بعض الانتهازیین والمنحرفین ودول الاستعمار الذین یعرقلون عملیة السلم والسلام ویجعلون طریقه صعب الوصول وإن أخذوا یتظاهرون بالنداء به.

ص:29

المعنی الشمولی للسلم  والسلام

المعنی الشمولی للسلم  والسلام

مسألة: للسلم والسلام معنی شمولی علی ما سیأتی.

ولکن کثرة استخدام کلمة (السلام) فی وسائل الإعلام مقرونة بالمسائل السیاسیة لعلها توحی بأنه من مصطلحاتها ومفرداتها، والصحیح أنه مصطلح عام فلا یقتصر استعمال-ه فی المجال السیاسی فحسب، بل ل-ه علاقة فی کل مجالات العلم والمعرفة، ول-ه دور فی مختلف الحیاة الإنسانیة، إذ ما من أمر یتعلق بشؤون الإنسان إلا وللسلام علاقة فیه.

کما أن السلم والسلام لا یختص فی المعنی بما یقابل الحرب، نعم کثیراً ما یراد منه المفهوم المقابل للحرب.

السلام بالمعنی الأعم

والبحث فی هذا الکتاب لا یقتصر علی هذا البعد، وإنما السلم والسلام الذی ندعو إلیه هو معنی واسع متشعّب الأطراف، من مصادیقه (اللاعنف) وفی مختلف المیادین السیاسیة والإعلامیة والاقتصادیة والاجتماعیة والعائلیة والعسکریة وغیرها.

لا السلم بمعناه الضیّق فی مقابل الحرب أو العنف فقط، وقول-ه سبحانه: )یَ-ا أیّهَا الّذِینَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِی السّلْمِ کَآفّةً وَلاَ تَتّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشّیْطَانِ(((1)) ظاهر فی ما ذکرناه أیضاً، وذلک لأنه کما یقول البلاغیون: حذف المتعلق یفید العموم، فلم یقل سلماً فی الدعوة أو سلماً فی المصادمة أو سلماً فی التطبیق أو سلماً فی التنفیذ أو غیر ذلک من الوجوه المقیدة. مضافا إلی مکانة أل وما ذکر فی علم الأصول من دلالتها.

ص:30


1- سورة البقرة: 208

الفصل الأول :دعوة الإسلام للسلام

اشارة

الفصل الأول

دعوة الإسلام للسلام

والمقارنة بین الدیانات والحضارات

هل استطاعت الحضارات والأدیان من تهذیب الإنسان؟

*العنف والإرهاب فی المبادئ المنحرفة

دور الإسلام فی نشر السلام وتهذیب الإنسان

*صور من تسامح الإٍسلام للدیانات الأخری

*آراء علماء الغرب عن سلم الإسلام والمسلمین

*بین المادیة والإسلام

حریة العقیدة والأدیان فی ظل الإسلام

*مع ثمامة وقومه

*مع مشرکی مکة

*مع نصاری نجران

*مع المنافقین

*مع الخوارج

حقوق الأقلیات الدینیة فی البلاد الإسلامیة

*موارد لاختیار الإسلام

الفتوحات الإسلامیة ونشر الدعوة عبر السلم والسلام

ص:31

*الأصل فی الإسلام هو السلام

*انتشار الإسلام بقوته الذاتیة

*ترحیب الکفار بالفاتحین المسلمین

*المعاملة الحسنة ومنح الحریات

*سیرة المسلمین وتواضعهم

*وفاؤهم ورأفتهم بالبلاد المفتوحة

العلاقة بین المسلمین وغیرهم

*مبدأ التعارف فیما بینهم

*مبدأ الأمن والسلام

*مبدأ الحب والإحسان

أسس تعامل المسلمین مع غیرهم

*أولاً: المساواة

*ثانیاً: الحریة

*ثالثاً: الرعایة

*رابعاً: حسن المعاملة

*خامسا: الحمایة والدفاع

*نهی الإسلام من موالاة الأعداء

*من مصادیق قانون الإلزام

*الخلاصة

ص:32

هل استطاعت الحضارات والأدیان من تهذیب الإنسان؟

مسألة: الهدف الذی یتوخاه الإسلام ویسعی إلیه هو تهذیب الإنسان وتمکینه من العیش فی هذه الحیاة الأولی والحیاة الآخرة بأمن وسلام، وقد تحقق ذلک فترة حکومة القوانین الإسلامیة التی طبقها رسول الله صلی الله علیه و آله والإمام أمیر المؤمنین علیه السلام.

وهذا ما تدعیه أیضا سائر الحضارات والأدیان وتسعی إلیه، ولکن لم تصقل سلوک الإنسان وتروض حاجاته ولم تهذب طبیعته تهذیباً کاملاً حتی فی عصرنا الحاضر، فکان التهذیب - علی فرضه - بنحو المقتضی لا العلّة التامة، ولم تستطع تحقیق أسباب السلام ل-ه علی هذه الأرض.

وذلک لأن الإنسان کلما تقدم فی الحضارات المادیة وزادت معارفه، تعددت أهدافه واستولی علی الطبیعة وأفسدها أکثر فأکثر، وزاد حرصه وتشعبت مسالک هذا الطموح، ولذا یطلب الإنسان أکثر من القدر المحتاج إلیه، حیث قال سبحانه: )الّذِی جَمَعَ مَالاً وَعَدّدَهُ( ((1)) فالإنسان بالإضافة إلی احتیاجاته للشؤون الحیویة وجمال-ه العادی، یرید أن یزداد فی کل شیء، بما لا یحتاج إلیه إطلاقاً، حتی یصل إلی مرحلة الطغیان، کما  یشاهد ذلک فی غالب الحکام، وقد عدّ لأحد الحکام العباسیین بعد موته أربعة ملایین من الثیاب!.

وفی سنة (383ه-) عقد القادر علی ابنة بهاء الدولة بصداق مائة ألف دینار((2)).

وکانت حفلات زفاف العباسیین من أشهر أعیاد قصور الخلافة إلی جانب حفلات الختان وغیرها، وأن نفقات زفاف هارون العباسی والتی دفعت من بیت مال المسلمین بلغت خمسین ملیون درهم((3)).

وأن نفقات زفاف المأمون بلغت (38) ملیون درهم من غیر ما أعطاه لوالدها

ص:33


1- سورة الهمزة: 2
2- حیاة السید المرتضی 6 : ص303
3- ریاض المسائل: ج2 ص16

الحسن، وقد أعطاه عشرة ملایین درهم من خراج فارس((1)).

کما کان للمتوکل العباسی - وفی تاریخ آخر لهارون العباسی أیضاً - أکثر من أربعة آلاف جاریة((2)).

وکان لأحد ملوک القاجار ألف امرأة((3)).

وذکر أن المتوکل أنفق علی الأبنیة التی بناها مائتی ألف ألف وأربعة وسبعین ألف ألف درهم، ومن العین مائة ألف ألف دینار((4)).

کما أن أحد الذین کانوا یریدون النیابة فی مجلس الأمة فی العراق هیأ لضیافة نوری السعید((5)) رئیس الوزراء آنذاک طعاماً لما یقارب من نصف ملیون إنسان بینما الذین حضروا الضیافة لم یکونوا أکثر من ألف إنسان والزائد من الطعام فسد وألقی فی الصحراء وفی القمامة.

العنف والإرهاب فی المبادئ المنحرفة

یتسم تاریخ الکثیر من المبادئ وتعالیمها بالعنف والإرهاب.

ولم تستطع تلک المبادئ بل ولا الأدیان السابقة من إنجاز هدف الإنسان وتهذیبه وتحقیق الأمن والسلام ل-ه، وذلک بسبب التحریف المقصود الذی طرأ علی الکتب المقدسة کالتوراة والإنجیل، فنجد علی سبیل المثال لا الحصر فی (العهد القدیم) للدیانة الیهودیة، یقول فی الکتاب المقدس: (وإذا اقتربتم من مدینة لتحاربوها، فاعرضوا علیها السلم أولاً فإذا استسلمت وفتحت لکم أبوابها فجمیع سکانها یکونون لکم

ص:34


1- حیاة الإمام الرضا علیه السلام : ج2 ص192
2- راجع البدایة والنهایة: ج10 ص238
3- وفی البدایة والنهایة: ج10 ص319 :عمر بن مرزوق شیخ البخاری وقد تزوج هذا الرجل ألف امرأة
4- للمزید راجع ریاض المسائل: ج2 ص17
5- نوری سعید صالح من موالید بغداد عام (1306ه- = 1888م) أصبح رئیساً للوزراء بین عامی (1349-1377ه- = 1930 - 1958م) لأربع عشرة دورة، ووزیراً للدفاع فی خمس عشرة دورة، ووزیراً للخارجیة فی إحدی عشرة دورة ووزیراً للداخلیة فی دورتین. أحد عملاء بریطانیا فی العالم العربی، انتحر بإطلاق النار علی نفسه عام (1377ه- = 1958م)، من مؤلفاته: استقلال العرب ووحدتهم

تحت الجزیة ویخدمونکم، وإن لم تسالمکم بل حاربتکم فحاصرتموها، فأسلمها الرب إلهکم إلی أیدیکم فاضربوا کل ذکر فیها بحدّ السیف، وأما النساء والأطفال والبهائم وجمیع ما فی المدینة من غنیمة، فاغنموها لأنفسکم وتمتعوا بغنیمة أعدائکم التی أعطاکم الرب إلهکم، هکذا تفعلون بجمیع المدن البعیدة منکم جداً، التی لا تخص هؤلاء الأمم هنا، وأما مدن هؤلاء الأمم التی یعطیها لکم الرب إلهکم ملکاً فلا تبقوا أحداً منها حیّاً بل تحللون إبادتهم...)((1)).

وفیه: (کلّم الرب موسی فقال: انتقم لبنی إسرائیل من المدیانیین وبعد ذلک تموت وتنضم إلی آبائک، فقال موسی للشعب: جندوا منکم رجالاً یغزون مدیان لینتقم للرب منهم من کل سبط من أسباط بنی إسرائیل ترسلون ألفاً للحرب فاختیر من بنی إسرائیل ألف من کل سبط فبلغ عدد المحاربین اثنی عشر ألفاً فأرسلهم موسی للحرب ومعهم فنحاس بن العازار الکاهن وفی یده أمتعة القدس وأبواق الهتاف، فقاتلوا مدیان کما أمر الرب موسی وقتلوا کل ذکر ومنهم: ملوک مدیان الخمسة، أوی وراقم وصور وحور ورابع وکذلک قتلوا بلعم بن باعور بالسیف وسبی بنو إسرائیل نساء مدیان وأطفالهم وجمیع بهائمهم ومواشیهم وغنموا ممتلکاتهم وأحرقوا بالنار جمیع مدنهم بمساکنها وقصورها وأخذوا جمیع الأسلاب والغنائم من الناس والبهائم)((2)).

 وفیه: (کان داود یغزو البلاد فلا یبقی علی رجل ولا امرأة، ویأخذ الغنم والبقر والحمیر والجمال والثیاب)((3)).

وفیه: (هاجم یوآب مدینة ربة عاصمة بنی عمون واستولی علیها وأرسل إلی داود من یقول: هاجمت ربة واستولیت علی میاه المدینة فاجمع الآن بقیة الجیش واهجم علی المدینة وخذها أنت حتی لا آخذها أنا فتدعی باسمی، فجمع داود الجیش کل-ه وسار إلی ربة فهاجمها واستولی علیها وأخذ التاج عن رأس الإل-ه ملکام وکان وزنه ثلاثة عشر رطلاً من الذهب وفیه حجر کریم فوضعه علی رأسه وغنم داود من المدینة

ص:35


1- الکتاب المقدس: ص239 فصل الحرب المقدسة
2- الکتاب المقدس: ص204 فصل محاربة مدیان
3- الکتاب المقدس: ص367 فصل داود عند الفلسطیین

غنائم وافرة جداً وأخرج سکانها منها وأجبرهم علی العمل بالمناشیر والنوارج وفؤوس الحدید وعلی الاشتغال بالصناعة اللبن، هکذا فعل بجمیع مدن بنی عمون)((1)).

وکذلک بالنسبة للدیانة النصرانیة، فإنها لم تستطع تحقیق الأمن والسلام للإنسان ولم تتمکن من تهذیبه، وقد ورد فی: (بشارة متی) المتداول بأیدی المسیحیین بعد أن طرأت علیه التحریفات المقصودة:

(لا تظنوا إنی جئت لأحمل السلام إلی العالم، ما جئت لأحمل سلاماً، بل سیفاً، جئت لأفرق بین الابن وأبیه والبنت وأمها، والکنة وحماتها، ویکون أعداء الإنسان أهل بیته، من أحب أباه أو أمه أکثر مما یحبنی فلا یستحقنی، ومن أحب ابنه أو ابنته أکثر مما یحبنی فلا یستحقنی، ومن لا یحمل صلیبه ویتبعنی فلا یستحقنی، ومن حفظ حیاته یخسرها، ومن خسر حیاته من أجلی یحفظها)((2)).

ولا یخفی أن عقیدتنا فی النبی موسی والنبی عیسی 3، أنهما من أولی العزم من الرسل، وأنهما مبعوثان من عند إل-ه حکیم رؤوف رحیم، وجاءا للعالم بما یقتضی السلم والسلام ویمهدا لدین الإسلام،قال عزوجل: )وَمَآ أُوتِیَ مُوسَیَ وَعِیسَیَ وَمَا أُوتِیَ النّبِیّونَ مِن رّبّهِمْ لاَ نُفَرّقُ بَیْنَ أَحَدٍ مّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ

مُسْلِمُونَ(((3)) فلا نعتقد بمزاعم هذین الکتابین المحرفین، فلا شک أن تلک النصوص محرفة حتماً عن التعالیم السمحاء التی وردت فی تلک الکتب المقدسة قبل تحریفها.

ومن خلال مقارنة بین ما ورد فی العهد القدیم و(بشارة متی) نجد الأول أشد خطراً علی الإنسانیة من کتب النصاری، فإنه یتحدث عن القتل والإبادة والإرهاب خلافاً لمفهوم الرحمة والشفقة والأمن والسلام.

ومن الواضح أن النصرانیة تؤید کل ما کان فی الدین الیهودی، وما ورد فی کتابهم، ولذا یتبع النصاری الکتابین معاً، ویسمونهما (الکتاب المقدّس)، وفی القرآن الحکیم تصدیق لهذا الأمر، بالنسبة إلی عمل المسیح علیه السلام قبل تحریفهم للکتابین،

ص:36


1- الکتاب المقدس: ص386 فصل الاستیلاء علی ربة
2- الکتاب المقدس: بشارة متی ص18 فصل یسوع والعالم
3- سورة آل عمران: 84

حیث یقول عن لسان عیسی علیه السلام: )وَرَسُولاً إِلَیَ بَنِیَ إِسْرَائِیلَ أَنّی قَدْ جِئْتُکُمْ بِآیَةٍ مّن رّبّکُمْ أَنِیَ أَخْلُقُ لَکُمْ مّنَ الطّینِ کَهَیْئَةِ الطّیْرِ فَأَنفُخُ فِیهِ فَیَکُونُ طَیْراً بِإِذْنِ اللّهِ وَأُبْرِیءُ الأکْمَهَ والأبْرَصَ وَأُحْیِ-ی الْمَوْتَیَ بِإِذْنِ اللّهِ وَأُنَبّئُکُمْ بِمَا تَأْکُلُونَ وَمَا تَدّخِرُونَ فِی بُیُوتِکُمْ إِنّ فِی ذَلِکَ لاَیَةً لّکُمْ إِن کُنتُم مّؤْمِنِینَ * وَمُصَدّقاً لّمَا بَیْنَ یَدَیّ مِنَ التّوْرَاةِ وَلاُحِلّ لَکُم بَعْضَ الّذِی حُرّمَ عَلَیْکُمْ وَجِئْتُکُمْ بِآیَةٍ مّن رّبّکُمْ فَاتّقُواْ اللّهَ وَأَطِیعُونِ(((1)).

دور الإسلام فی نشر السلام وتهذیب الإنسان

دور الإسلام فی نشر السلام وتهذیب الإنسان

مسألة: عمل الإسلام علی تهذیب الإنسانیة بأکملها، وسموها ورفعتها، ولأجل وصول الإنسان إلی شاطئ الأمان والسلام، لأن الناس فی نظر القرآن الکریم والسنة المطهرة أسرة واحدة متعاونة متکاملة، وکلهم أُخوة کما قال سبحانه فی کتابه الکریم: ƒإنّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ‚((2))، ومن هذا المنطلق قرر الإسلام مبادئ العدالة والمساواة والإخاء والحریة والأمن والرفاه للجمیع. وأکد علی ذلک کثیراً، لأنّ الإسلام یحب الحیاة ویحرص علی الأمن، ویؤکد علی السلم والسلام.

وقد قال الله سبحانه: ) أُوْلَ-َئِکَ لَهُمُ الأمْنُ(((3)).

وقال تعالی: )الّذِیَ أَطْعَمَهُم مّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مّنْ خَوْفٍ(((4)).

    وحسب ما جاء فی النصوص الدینیة سیأتی یوم یهذب الدین الإسلامی البشریة کلها بل والحیوانات أیضا، ولذا یعبر الله سبحانه وتعالی عنه ب-: )یَوْمَ تُبَدّلُ الأرْضُ غَیْرَ الأرْضِ( ((5))، وهو زمان ظهور الإمام المهدی (عجل الله تعالی فرجه الشریف) حیث یضع یده علی رؤوس الناس فتکمل عقولهم کما قال الإمام أبو جعفر الباقر علیه السلام:«إذا قام

ص:37


1- سورة آل عمران: 49 - 50
2- سورة الحجرات: 10
3- سورة الأنعام: 82
4- سورة قریش: 4
5- سورة إبراهیم: 48

قائمنا وضع یده علی رؤوس العباد فجمع بها عقولهم وکملت بها أحلامهم«((1))، ویعیش الذئب مع الشاة فی سلام((2))، علی تفصیل ذکرناه فی کتاب (الإمام المهدی علیه السلام) ((3)) وکتاب (فقه المستقبل) ((4)).

صور من تسامح الإسلام للدیانات الأخری

ومن هنا أصبح الفرق الشاسع واضحاً بین تهذیب الأدیان والحضارات للإنسان من جهة، وبین تهذیب الدین الإسلامی وحضارته ل-ه من جهة أخری.

فکانت حضارة الإسلام وتهذیبه للإنسان مبتنیة علی السلم والسلام، علی عکس غیره.

ص:38


1- بحار الأنوار: ج52 ص328 ح47، والکافی: ج1 ص25 ح21
2- راجع بحار الأنوار: ج51 ص60 ح59، وفیه: عن ابن عباس فی قول-ه تعالی: ) لیظهره علی الدین کل-ه ولو کره المشرکون ( (سورة التوبة: 33، سورة الصف: 9) قال: لا یکون ذلک حتی لا یبقی یهودی ولا نصرانی ولا صاحب ملة إلاّ دخل فی الإسلام، حتی یأمن الشاة والذئب والبقرة والأسد والإنسان والحیة، وحتی لا تقرض فارة جراباً وحتی توضع الجزیة ویکسر الصلیب ویقتل الخن-زیر وذلک قول-ه: ) لیظهره علی الدین کل-ه ولو کره المشرکون ( وذلک یکون عند قیام القائم (عجل الله فرجه)
3- من تألیفات سماحة الإمام الشیرازی (أعلی الله مقامه) فی مدینة قم المقدسة. یقع الکتاب فی 144 صفحة قیاس 20×14. وقد تناول فیه الموضوعات التالیة: ولادة الإمام علیه السلام واسمه المبارک، قصة الولادة، هل تحرم تسمیته علیه السلام ، من شمائله، فضل الإمام المهدی علیه السلام ، من خصائصه، من أخبار ظهوره، من برکات الظهور، أخلاق الرسول صلی الله علیه و آله وسیرته، کثرة الروایات فیه، النص الوارد عن الله عز وجل، النص الوارد عن رسول الله صلی الله علیه و آله ، النص الوارد عن فاطمة الزهراء $ ، النص الوارد عن الأئمة المعصومین علیهم السلام ، روایات عن طریق أهل السنة، قصة ابن مهزیار، طول عمره الشریف، قصة رشیق، غانم الهندی، من واجباتنا أیام الغیبة، الدعاء للفرج، الثبات علی الولایة، انتظار الفرج، الحزن علی غیبته علیه السلام ، الإمام الصادق علیه السلام یبکی لغیبته، الصدقة للإمام علیه السلام ، القیام عند ذکر اسمه المبارک، التضرع إلی الله سبحانه، رقعة الحاجة، من علائم الظهور. قامت بطبعه ونشره مؤسسة المجتبی للتحقیق والنشر بیروت لبنان، عام 1420ه- / 1999م، ومؤسسة الإمامة للطباعة والنشر والتحقیق. کما أعادت طبعه هیئة محمد الأمین صلی الله علیه و آله الکویت، عام 1421ه- / 2000م
4- مخطوط ، ضمن موسوعة الفقه الاستدلالیة. تناول سماحته فی الکتاب موضوع: المستقبل من البعد الفقهی وما یترتب علیه من أحکام شرعیة. وقد تم تألیفه فی مدینة قم المقدسة. والنسخة موجودة عند مؤسسة الوعی الإسلامی للتحقیق والنشر

ویتضح ذلک بتصفح التاریخ وبملاحظة الکتب والقوانین المدونة، فالدین الإسلامی علی ما فی القرآن الکریم وسنة رسول الله صلی الله علیه و آله وسیرة الخلفاء الواقعیین بعده من الأئمة الطاهرین علیهم السلام تدل علی شمولیة السلم والسلام فی الإسلام حتی لسائر الأدیان، ویظهر جزء من ذلک فی الاحتجاجات بین الرسول الأعظم صلی الله علیه و آله وأهل بیته الطاهرین علیهم السلام وبین المشرکین والملحدین ومن أشبه((1)).

کما تری فی التاریخ الإسلامی کثیراً من حکام المسلمین - الذین لم یکونوا قساة علی أنفسهم وعلی غیرهم - کانوا یعاملون الیهود والنصاری وأتباع سائر الأدیان والمذاهب بالتسامح وإعطاء الحریات.

مثلاً: (کان الیهود قبل الفتح الإسلامی بالأندلس یرزحون تحت تعسف القوط، وظلّوا علی ذلک زمناً طویلاً إلی أن دخل المسلمون الأندلس فخلّصوهم من هذا الاضطهاد وسمحوا لهم بحریة طقوسهم وحریة العلم وحریة التجارة التی کانت محظورة علیهم من قبل، وأباحوا لهم أن یمتلکوا بعد أن کانت الملکیة محرّمة علیهم، ولهذا نهضوا واشتهر بعضهم فی العلم والأدب، بعد أن استنشقوا نسیم الحریة)((2)).

یقول أحد الغربیین: (وکان فی الأندلس طبقة العبید ورقیق الأرض فقد رحبوا بالمسلمین الفاتحین، لیخلصوهم من قیود سادتهم القوط، ثم اعتنق الکثیر منهم الإسلام واستمتعوا فی ظلال الحکم الإسلامی بحقوق مدنیة کانت محظورة علیهم، فصاروا یزرعون الأرض وینتفعون بثمراتها ویؤدّون عنها خراجها للدولة، ولم یحدث أن أجبرت الدولة أحداً علی أن یسلم، ولقد استطاع النصاری أن ینهضوا بدینهم وینشروا مذهبهم، وهم فی رعایة المسلمین وفی حکمهم، وفی العصر نفسه رسخت أقدامهم فی مصر، فإذا کانت الطوائف النصرانیة الأخری قد أخفقت فی إظهار مثل هذا النشاط القوی، فإن المسلمین لیسوا هم المسؤولون عن هذا الإخفاق، إذ کانت الحکومة الإسلامیة تعامل الطوائف المسیحیة کلها علی حد سواء، وکانت تحمی

ص:39


1- انظر کتاب (الاحتجاج) للعلامة الطبرسی 6
2- للتفصیل راجع کتاب (الکونت هنری کاست ری)

بعضهم من اضطهاد بعض).

ویقول أحدهم((1)): (شهد البطریق عیشوایان الذی تولی منصبه سنة کذا بأن العرب الذین مکّنهم الرب من السیطرة علی العالم یعاملوننا کما تعرفون، إنهم لیسوا أعداء النصرانیة بل یمتدحون ملتنا، ویوقّرون قدسیتنا وقسیسینا، ویمدّون ید المعونة إلی کنائسنا ودیننا).

ویقول آخر منهم((2)):(وإذا انتقلنا من الفتح الأول للإسلام إلی استقرار حکومته استقراراً منظماً رأیناه أکثر محاسنَ وأنعم ملمساً بین مسیحییّ الشرق علی الإطلاق، فما عارض العرب قط شعائر الدین المسیحی، بل بقیت روما نفسها حرّة فی المراسلات مع الأساقفة الذین کانوا یرعون الأمة الخالیة).

وفی سنة ألف وثلاث وخمسین کتب عالمهم إلی مسیحییّ أفریقیا یوصیهم باعتبار أسقف قرطاجنة مطراناً عاماً بینهم، وکان الوئام مستحکماً بین المسلمین والنصاری حتی أن غریغور السابع کتب إلی النصاری یلومهم علی المحاکمة مع أسقفهم أمام المسلمین إلی أن یقول: لقد أبقی المسلمون سکان الأندلس علی دینهم وشرعهم وقضائهم وتولّیهم بعض الوظائف حتی کان منهم موظفون بخدمة الخلفاء وکثیر منهم تولّی قیادة الجیوش وتولّد عن هذه السیاسة الرحیمة انحیاز عقلاء الأمة الأندلسیة إلی المسلمین وحصل بینهم زواج کثیر، وکانت حریة الأدیان بالغة منتهاها، لذلک لما اضطهدت أوروبا الیهود لجؤوا إلی خلفاء الأندلس فی قرطلّة، لکن لما دخل الملک (کارلوس) سر قسطة أمر جنوده بهدم جمیع معابد الیهود ومساجد المسلمین.

وقالوا: (لما فتح العثمانیون القسطنطینیة کان أکثر الشعب النصرانی فی عشیة الکارثة ینفرون من أی اتفاق مع کنیسة روم الکاثولیکیة، أشد من نفورهم من الإتفاق مع المسلمین).

إلی غیر ذلک من العبارات الکثیرة الموجودة فی کتبهم والمنقولة فی کتبنا أیضاً، ولو

ص:40


1- وهو (ترینون) فی کتابه: (أهل الذمة فی الإسلام)
2- وهو الکنت بندری دی کاستری

أراد أحد أن یجمعها لبلغت مجلداً ضخماً.

آراء علماء الغرب عن سلم الإسلام والمسلمین

وإضافة لما ورد فی البحث المتقدم من آراء لابد من تسجیل بعض الشهادات الصادرة من أبرز علماء الغرب التی تشید بحقیقة الدین الإسلامی والمسلمین، فإنها شهادة من علماء غیر مسلمین بمدی سلم الإسلام وسلامه.

ونبدأها برأی الکونت هندریک حیث قال: (إن المسلمین امتازوا بالمسالمة وحریة الأفکار فی المعاملات ومحاسنتهم المخالفین، وهذا یحملنا علی تصدیق ما قال-ه روبنسن: أن شیعة محمد صلی الله علیه و آله هم وحدهم الذین جمعوا بین المحاسنة ومحبة انتشار دینهم، وهذه المحبة هی التی دفعت العرب إلی طریق الفتح، فلم یترکوا أثراً للإفک فی طریقهم إلا ما کان لابد منه فی کل حرب وقتال ولم یقتلوا أمة رفضت الإسلام).

وقال غوستاف لوبون: (إن القوة لم تصمد أمام قوة القرآن، وأن العرب ترکوا المادیین أحراراً فی أدیانهم، فإذا کان بعض النصاری قد أسلموا واتخذوا العربیة لغة لهم، فذلک لما کان یتّصف به العرب الغالبون من ضروب العدل الذی لم یکن للناس عهد بمثله، ولما کان علیه الإسلام من السبل التی لم تعرفها الأدیان الأخری، فقد عاملوا أهل سوریا ومصر وإسبانیا وکل قطر استولوا علیه بلطف عظیم، تارکین لهم قوانینهم ونظمهم ومعتقداتهم، غیر فارضین علیهم سوی جزیة زهیدة فی مقابل حمایتهم لهم وحفظ الأمن بینهم، والحق أن الأمم لم تعرف فاتحین رحماء متسامحین مثل العرب)((1)).

وهنا لابد من جواب حول ما ذکره غوستاف لوبون فی رأیه المتقدم عما صدر من العرب تجاه المادیین أو النصاری وهو: أن تلک المعاملة الرفیعة لم تتوقف علی العرب المسلمین فقط، بل کل الأمة الإسلامیة من عربٍ أو عجمٍ أو غیرهم کانوا یحملون الإسلام إلی غیر المسلمین بهذه الروحیة الرفیعة والمعنویة المفعمة باللطف والحنان والسلام والواقعیة، وکان ذلک بفضل الإسلام کما لا یخفی، وإلا فتاریخ عرب

ص:41


1- حضارة العرب، لغوستاف لوبون

الجاهلیة ملیء بالعنف والإرهاب.

وعزو هذه الفتوحات للعرب فقط من قبل غوستاف لوبون ربما لم تصدر عن حسن نیة وسلامة صدر، فأرید منها إبعاد دور الآخرین من القومیات المختلفة فی هذه الفتوحات، وقد ذکر التاریخ لنا شاهداً مهماً علی التلاعب بهذه النسبة، یقول أمیر المؤمنین علی بن طالب علیه السلام فی إحدی خطبه:

(ثم نسبت تلک الفتوح إلی آراء ولاتها، وحسن تدبیر الأمراء القائمین بها، فتأکد عند الناس نباهة قوم وخمول آخرین، فکنا نحن ممن خمل ذکره، وخبت ناره، وانقطع صوته وصیته، وأکل الدهر علینا وشرب، ومضت السنون والأحقاب بما فیها، ومات کثیر ممن یعرف،ونشأ کثیر ممن لا یعرف...)((1)).

ولیس الحدیث هو التعرض لتفصیل هذه النسبة وما ذکر عنها بل هذه إشارة لابد من ذکرها.

فهذه النسبة التی ذکرها غوستاف لوبون لیست صحیحة وهناک شواهد تاریخیة تؤکد أن بعض العرب کان ضد الرحمة فی الفتوحات ول-ه موقف من الداخلین فی الإسلام …

عن أبی جعفر محمد بن جریر بن رستم الشیعی قال: لما ورد سبی الفرس أراد عمر بن الخطاب بیع النساء وأن یجعل الرجال عبید العرب، فقال ل-ه أمیر المؤمنین علیه السلام: إن رسول الله صلی الله علیه و آله قال:«أکرموا کریم کل قوم«.

قال عمر: قد سمعته یقول:«إذا أتاکم کریم قوم فأکرموه، فإن خالفکم فخالفوه«.

فقال ل-ه أمیر المؤمنین علیه السلام:«هؤلاء قوم قد ألقوا إلیکم السلم ورغبوا فی الإسلام ولابد من أن یکون لی فیهم ذریة وأنا أشهد الله وأشهدکم أنی أعتقت نصیبی منهم لوجه الله تعالی«.

فقال جمیع بنی هاشم: قد وهبنا حقنا أیضا لک.

ص:42


1- شرح نهج البلاغة: ج20 ص299 الحکم المنسوبة441

فقال علیه السلام:«اللهم اشهد إنی قد أعتقت ما وهبونی لوجه الله«.

فقال المهاجرون والأنصار: قد وهبنا حقنا لک یا أخا رسول الله.

فقال علیه السلام:«اللهم إنی أشهد أنهم قد وهبوا لی حقهم وقبلته وأشهدک أنی قد أعتقتهم لوجهک«.

فقال عمر: لم نقضت علی عزمی فی الأعاجم وما الذی رغبک عن رأیی فیهم.

فأعاد علیه السلام علیه ما قال رسول الله صلی الله علیه و آله فی إکرام الکرماء.

فقال عمر: قد وهبت لله ولک یا أبا الحسن ما یخصنی وسائر ما لم یوهب لک.

فقال أمیر المؤمنین علیه السلام:«اللهم اشهد علی ما قالوه وعلی عتقی إیاهم«((1)).

بین المادیة والإسلام

ولتأکید التباین والاختلاف أیضاُ بین تهذیب الحضارات المادیة للإنسان وبین تهذیب الشریعة الإسلامیة ل-ه نقول: إن تهذیب الإنسان وسلامته هو أحد المبادئ التی عمق الإسلام جذورها فی نفوس المسلمین کما قال سبحانه: )وَاللّهُ یَدْعُوَ إِلَیَ دَارِ السّلاَمِ(((2)) فأصبحت جزءً من کیانهم، وعقیدة من عقائدهم.

ولکن الإنسان یختلف عما هو علیه فی الحضارة المادیة حینما تزداد معارفه فتتعدد أهدافه فیسیطر علی الحیاة فیفسدها بعد أن یزداد حرصه وتتشعب طموحاته، بل هو فی الإسلام یعمل من أجل التطور والاستقرار والازدهار والسلام والتقدم فی کافة مجالات الحیاة ونواحیها، وقد أُمر الإسلام المسلمین بذلک، فی الآیة الکریمة: )وَأَنتُمُ الأعْلَوْنَ(((3)).

وفی الحدیث الشریف قال الإمام الصادق علیه السلام:«من استوی یوماه فهو مغبون ومن کان آخر یومیه شرهما فهو ملعون«((4)).

فالإسلام هو رسالة السلم والسلام الذی یرید للإنسانیة الرقی والتقدم والحضارة

ص:43


1- مستدرک الوسائل: ج15 ص483 ح18938
2- سورة یونس: 25
3- سورة آل عمران: 139، سورة محمد صلی الله علیه و آله : 35
4- الأمالی للشیخ الصدوق: ص668 المجلس95 ح4

والسکینة والاطمئنان فإن الإنسان غیر الآمن فی سربه ومسکنه وحیاته لا یتمکن من أن یحقق الازدهار والنمو، بل کثیراً ما یسبب فقدان الأمن - الناشئ من الخوف ونحوه - تحطیم الإنسان فی أبعاده المختلفة واستنفاد معنویاته السامیة التی تحافظ علی کرامته وإنسانیته.

حریة العقیدة والأدیان فی ظل الإسلام

حریة العقیدة والأدیان فی ظل الإسلام

مسألة: من مبادئ الإسلام المهمة الواجبة التطبیق هو مبدأ تنعم الإنسان بالسلم والسلام، والأمن والحریة، وأن لا یکره إنسان علی رأی خاص ونظریة خاصة، سواء ترتبط بالکون أو الطبیعة أو الإنسان، وحتی فی قضایا الدین فالمقرر عدم الإکراه فی الدین.

ومن أدل الآیات القرآنیة علی مبدأ عدم الإکراه فی الدین قول-ه تعالی: )لاَ إِکْرَاهَ فِی الدّینِ(((1)).

وقول-ه عزوجل: )لَکُمْ دِینُکُمْ وَلِیَ دِینِ(((2)).

وقول-ه تعالی: )وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأرْضُ(((3)).

وفی آیة أخری: )وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لّهُدّمَتْ صَوَامِعُ وَبِیَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ یُذْکَرُ فِیهَا اسمُ اللّهِ کَثِیراً(((4))، إشارة إلی الأدیان الأربعة التوحیدیة، وحتی المجوس کان أصل دینهم الدعوة إلی التوحید وإنما خالطته الأهواء فصاروا ثنویة((5))،کما أن الأهواء قد دخلت دین المسیح علیه السلام فصاروا مثلثین، حیث

ص:44


1- سورة البقرة: 256
2- سورة (الکافرون): 6
3- سورة البقرة: 251
4- سورة الحج: 40
5- الثنویة: المانویة، وهو مذهب یقول بإلهین اثنین، إل-ه للخیر وإل-ه للشر، ویرمز لهما بالنور والظلمة

قال سبحانه: )وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاَثَةٌ انتَهُواْ(((1)).

وقول-ه تعالی: ƒفَذَکّرْ إِنّمَآ أَنتَ مُذَکّرٌ* لّسْتَ عَلَیْهِم بِمُصَیْطِرٍ‚((2)).

وقول-ه سبحانه: ƒ إِنّکَ لاَ تَهْدِی مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَ-َکِنّ الله یَهْدِی مَن یَشَآءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِینَ‚((3)).

إلی غیرها من الآیات والروایات.

وعلی هذا فالإسلام لا یرغم أحداً علی اعتناق عقیدة معیّنة، ولا یکره غیر المسلمین علی اعتناق عقیدته لیکونوا مسلمین، وإنما کان یدعو الناس إلی دین الإسلام بالحکمة والموعظة الحسنة((4))، ویدعو إلی استعمال العقل والنظر فیما خلق الله من أشیاء، ویقول لکل إنسان: إن شئت السعادة الأبدیة فی الدنیا والآخرة فعلیک أن تعتنق الإسلام عن رغبة واختیار، کما قال سبحانه: )وَمَن یَبْتَغِ غَیْرَ الإِسْلاَمِ دِیناً فَلَنْ یُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِی الاَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِینَ(((5))، لکن الإکراه شیء والترغیب شیء آخر، ثمة فرق قصی بین الاثنین لا یمکن التغاضی عنه.

فقد ترک الإسلام للإنسان الحریة الکاملة لاختیار آرائه وأفکاره وعقائده التی یرتضیها لنفسه حیث خلقه مختارا وخلق ل-ه العقل، ولذا یقول سبحانه: )لاَ إِکْرَاهَ فِی الدّینِ قَد تّبَیّنَ الرّشْدُ مِنَ الْغَیّ(((6)).

وقال تعالی: )وَلَوْ شَآءَ رَبّکَ لاَمَنَ مَن فِی الأرْضِ کُلّهُمْ جَمِیعاً أَفَأَنتَ تُکْرِهُ النّاسَ حَتّیَ یَکُونُواْ مُؤْمِنِینَ(((7)) فإن الله لا یکرِهُ بنفسه، فهل للرسول صلی الله علیه و آله أن یُکرِه؟ وهل لمن یقتدی بالرسول صلی الله علیه و آله الحق بالقسر والإکراه؟.

ص:45


1- سورة النساء: 171
2- سورة الغاشیة: 21-22
3- سورة القصص: 56
4- إشارة إلی قول-ه سبحانه: ) ادع إلی سبیل ربک بالحکمة والموعظة الحسنة ( ، سورة النحل: 125
5- سورة آل عمران: 85
6- سورة البقرة: 256
7- سورة یونس: 99

ویقول: )وَمَا کَانَ لِنَفْسٍ أَن تُؤْمِنَ إِلاّ بِإِذْنِ اللّهِ وَیَجْعَلُ الرّجْسَ عَلَی الّذِینَ لاَ یَعْقِلُونَ(((1)).

ویقول: )قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِی السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا تُغْنِی الاَیَاتُ وَالنّذُرُ عَن قَوْمٍ لاّ یُؤْمِنُونَ(((2)).

ولذا لم یعهد عن رسول الله صلی الله علیه و آله ولا عن أمیر المؤمنین علی علیه السلام أنهما أجبرا الناس علی الإسلام، وسنذکر جملة من الشواهد علی ما ذکر، فمنها:

أن النبی الأعظم صلی الله علیه و آله لم یکره أحداً من أسرائه علی الإسلام. وکذلک کان أصحاب النبی صلی الله علیه و آله یفعلون، مهتدین بنوره ومقتدین بمعلمهم الأول حذو القذة بالقذة.

مع ثمامة وقومه

جاء فی الحدیث أن رسول الله صلی الله علیه و آله أرسل قبل نجد سریة فأسروا واحداً اسمه ثمامة بن أثال الحنفی سید یمامة، فأتوا به وشدوه إلی ساریة من سواری المسجد فمر به النبی صلی الله علیه و آله فقال:«ما عندک یا ثمامة؟« فقال: خیر، إن قتلت قتلت وارماً، وإن مننت مننت شاکراً، وإن أردت مالاً تُعطَ ما شئت، فترکه ولم یقل شیئاً، فمر به الیوم الثانی فقال مثل ذلک، ثم مرَّ به الیوم الثالث فقال مثل ذلک، ولم یقل النبی صلی الله علیه و آله شیئاً، ثم قال صلی الله علیه و آله:«أطلقوا ثمامة فأطلقوه«، فمرَّ واغتسل وجاء وأسلم وکتب إلی قومه فجاؤوا مسلمین((3)) وبذلک کانت هدایة شخص واحد مقدمة لعشیرته بدخول الإسلام، وقد وردت روایات کثیرة فی فضل هدایة الآخرین اختیاراً ومن دون إکراه، منها قول نبی الأکرم صلی الله علیه و آله للإمام علی علیه السلام:«لئن یهدی الله بک أحداً خیر لک مما طلعت علیه الشمس«((4)).

ص:46


1- سورة یونس: 100
2- سورة یونس: 101
3- مستدرک الوسائل: ج2 ص514 ح 2598
4- بحار الأنوار: ج32 ص447 ح394

مع مشرکی مکة

ولما دخل النبی صلی الله علیه و آله مکة المکرمة ترک أهلها المشرکین وشأنهم، ولم یکونوا أهل کتاب، ولم یدل دلیل علی أنه أجبرهم علی الإسلام، ولم یقتلهم بل عفا عنهم جمیعاً حتی عن المجرمین منهم.

قال أبو عبد الله علیه السلام:«لما کان فتح مکة قال رسول الله صلی الله علیه و آله: عند من المفتاح؟ قالوا: عند أم شیبة، فدعا شیبة فقال صلی الله علیه و آله: اذهب إلی أمک فقل لها ترسل بالمفتاح، فقالت: قل ل-ه: قتلت مقاتلنا وترید أن تأخذ منا مکرمتنا، فقال صلی الله علیه و آله: لترسلن به أو لأقتلنک - وکان هذا مجرد تهدید - فوضعته فی ید الغلام، فأخذه وقال ل-ه: هذا تأویل رؤیای من قبل. ثم قام صلی الله علیه و آله ففتحه وستره، فمن یومئذ یستر، ثم دعا الغلام فبسط رداءه فجعل فیه المفتاح وقال: رده إلی أمک، ودخل صنادید قریش الکعبة وهم یظنون أن السیف لا یرفع عنهم فأتی رسول الله صلی الله علیه و آله البیت وأخذ بعضادتی الباب ثم قال: (لا إل-ه إلا الله أنجز وعده ونصر عبده وغلب الأحزاب وحده)، ثم قال: ما تظنون وما أنتم قائلون؟ فقال سهیل بن عمرو: نقول خیرا ونظن خیراً أخ کریم وابن عم، قال: فإنی أقول لکم کما قال أخی یوسف: )لاَ تَثْرَیبَ عَلَیْکُمُ الْیَوْمَ یَغْفِرُ اللّهُ لَکُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرّاحِمِینَ(((1)) «((2)).

مع نصاری نجران

وأما بالنسبة لأهل الکتاب من النصاری فقصة نصاری نجران مشهورة فی عصر رسول الله صلی الله علیه و آله  کما عن أبی عبد الله علیه السلام قال:

»إن نصاری نجران لما وفدوا علی رسول الله صلی الله علیه و آله وکان سیدهم الأهتم والعاقب والسید، وحضرت صلواتهم فأقبلوا یضربون بالناقوس وصلوا، فقال أصحاب رسول الله صلی الله علیه و آله: یا رسول الله هذا فی مسجدک؟

فقال صلی الله علیه و آله: دعوهم.

ص:47


1- سورة یوسف: 92
2- بحار الأنوار: ج21 ص132

فلما فرغوا دنوا من رسول الله صلی الله علیه و آله فقالوا: إلی ما تدعو؟

فقال صلی الله علیه و آله: إلی شهادة أن لا إل-ه إلا الله وأنی رسول الله وأن عیسی عبد مخلوق یأکل ویشرب ویحدث.

قالوا: فمن أبوه؟

فن-زل الوحی علی رسول الله صلی الله علیه و آله فقال: قل لهم: ما یقولون فی آدم أکان عبداً مخلوقاً یأکل ویشرب ویحدث وینکح؟

فسألهم النبی صلی الله علیه و آله.

فقالوا: نعم.

فقال: فمن أبوه؟

فبقوا ساکتین، فأنزل الله تعالی: )إِنّ مَثَلَ عِیسَیَ عِندَ اللّهِ کَمَثَلِ آدَمَ(((1))  الآیة إلی قول-ه: )فَنَجْعَل لّعْنَت اللّهِ عَلَی الْکَاذِبِینَ(((2)).

فقال رسول الله صلی الله علیه و آله: فباهلونی إن کنت صادقاً أنزلت اللعنة علیکم وإن کنت کاذباً أنزلت علی.

فقالوا: أنصفت.

فتواعدوا للمباهلة، فلمَّا رجعوا إلی منازلهم قال رؤساؤهم السید والعاقب والأهتم: إن باهلنا بقومه باهلناه فإنه لیس بنبی وإن باهلنا بأهل بیته خاصة فلا نباهل-ه فإنه لا یقدم علی أهل بیته إلا وهو صادق.

فلما أصبحوا جاؤوا إلی رسول الله صلی الله علیه و آله ومعه أمیر المؤمنین وفاطمة والحسن والحسین علیهم السلام، فقال النصاری: من هؤلاء؟

فقیل لهم: هذا ابن عمه ووصیه وختنه علی بن أبی طالب، وهذه ابنته فاطمة، وهذان ابناه الحسن والحسین.

ففرقوا وقالوا لرسول الله صلی الله علیه و آله: نعطیک الرضا فاعفنا عن المباهلة، فصالحهم

ص:48


1- سورة آل عمران: 59
2- سورة آل عمران: 61

رسول الله صلی الله علیه و آله علی الجزیة وانصرفوا«((1)).

مع المنافقین

وقد کان المنافقون وهم من أشد أعداء الله ورسول-ه صلی الله علیه و آله، یعیشون فی المدینة المنوّرة مع المؤمنین بدون أن یُزاحموا فی شیء أو یجبروا علی ما لا یریدونه.

مع الخوارج

وکما کان الخوارج وهم من ألد أعداء الله ورسول-ه صلی الله علیه و آله وأعداء علی أمیر المؤمنین علیه السلام یعیشون فی الکوفة فی حریة کاملة.

ولم یحاربهم الإمام علیه السلام حتی بدؤوا هم بالحرب ضد المسلمین، ومع ذلک وصی بهم الإمام علیه السلام حیث قال:«لا تقتلوا الخوارج بعدی فلیس من طلب الحق فأخطأه کمن طلب الباطل فأدرکه«((2))  یعنی معاویة وأصحابه.

وعن أمیر المؤمنین علیه السلام أنه خطب بالکوفة فقام رجل من الخوارج فقال: لا حکم إلا لله، فسکت أمیر المؤمنین علیه السلام ثم قام آخر وآخر، فلما أکثروا قال علیه السلام:«کلمة حق یراد بها باطل لکم عندنا ثلاث خصال: لا نمنعکم مساجد الله أن تصلوا فیها، ولا نمنعکم الفی ء ما کانت أیدیکم مع أیدینا، ولا نبدؤکم بحرب حتی تبدءونا به، وأشهد لقد أخبرنی النبی الصادق صلی الله علیه و آله عن الروح الأمین عن رب العالمین أنه لا یخرج علینا منکم من فئة قلت أو کثرت إلی یوم القیامة إلا جعل الله حتفها علی أیدینا وإن أفضل الجهاد جهادکم وأفضل المجاهدین من قتلکم وأفضل الشهداء من قتلتموه فاعملوا ما أنتم عاملون فیوم القیامة یخسر المبطلون ولکل نبأ مستقر فسوف

تعلمون«((3)).

وقد أقام بعض أهل الکوفة المنحرفون مظاهرات وإضرابات فی زمان الإمام علی

ص:49


1- بحار الأنوار: ج21 ص340
2- وسائل الشیعة: ج15 ص83 ح20035
3- مستدرک الوسائل: ج11 ص65 ح12435

علیه السلام حول بعض الأمور مثل عزل-ه علیه السلام لشریح وصلاة التراویح ((1))، فلم یجبرهم الإمام علیه السلام علی تغییر موقفهم، بل أرجع علیه السلام شریح إلی منصبه، وترکهم یصلون صلاة التراویح.

ولم تتعرض الدول الإسلامیة فی مختلف العصور لغیر المسلمین من أهل الکتاب وغیرهم، فی عقائدهم وعبادتهم، ولا تزال الکنائس وسائر دور العبادة موجودة فی الدول الإسلامیة إلی عصرنا الحاضر.

والخلاصة إن الحریة التی قررها الإسلام لیست خاصة بالمسلمین بل تشمل الکافرین أیضاً، فلأهل الکتاب وغیرهم أن یمارسوا شعائرهم بکل حریة وهم آمنون علی عقائدهم، دون أن یجبرهم أحد علی تبدیل عقائدهم إلی عقیدة أخری، أو تبدیل أعمالهم إلی أعمال أخری.

حقوق الأقلیات الدینیة فی البلاد الإسلامیة

لقد شرع الإسلام جملة من الحقوق للذمیین من أهل الکتاب وغیرهم، ومن أهم هذه الحقوق:

أولاً: عدم إکراه أحد منهم علی التخلی عن دینه أو إجباره علی عقیدة معینة، یقول الله سبحانه وتعالی: )لاَ إِکْرَاهَ فِی الدّینِ قَد تّبَیّنَ الرّشْدُ مِنَ الْغَیّ(((2))، وفی

ص:50


1- راجع وسائل الشیعة: ج1 ص23، وفیه: المعروف عن سیرة رسول الله صلی الله علیه و آله أن صلاة نافلة شهر رمضان لم تشرع لها الجماعة، وإنما الجماعة فی الفریضة وما شرعت ل-ه، وکان الناس یصلون نافلة رمضان فرادی، واستمروا علی ذلک مدة خلافة أبی بکر، ولما جاء الخلیفة الثانی استحسن أن یوحدهم بصلاة إمام واحد، ففعل وعمم أمره إلی سائر البلدان الإسلامیة، متحدیاً السنة بالاستحسان، وکان یقول: نعمت البدعة هذه!!، وحین استلم أمیر المؤمنین الإمام علی علیه السلام الخلافة جدَّ لأن یمحو تلک البدعة، لکن الجند صاحوا: وا سُنة عمراه.. وا سنة عمراه..، فقال علیه السلام :« قد عملت الولاة قبلی أعمالاً خالفوا فیها رسول الله صلی الله علیه و آله متعمدین لخلافه، ناقضین لعهده، مغیرین لسنته، ولو حملت الناس علی ترکها، وحولتها إلی مواضعها وإلی ما کانت علیه فی عهد رسول الله صلی الله علیه و آله لتفرق عنی جندی حتی أبقی وحدی، أو قلیل من شیعتی الذین عرفوا فضلی وفرض إمامتی من کتاب الله عزوجل وسنَّة رسول الله صلی الله علیه و آله «
2- سورة البقرة: 256

هذه الآیة الکریمة دلیل ساطع وبیّنة جلیّة علی عدم جواز الإکراه فی الأدیان.

ثانیاً: من حق أهل الکتاب أن یمارسوا شعائر دینهم: فلا تهدم لهم کنیسة، ولایکسر لهم صلیب، بل إنّ مراکز عباداتهم تحمیها الدولة الإسلامیة وتمکن أصحابها من القیام بعبادتهم وطقوسهم الدینیة کیف ما شاءوا، ما لم یکن اعتداء وإضرار، وهذا لیس شرطاً علیهم فقط بل علی کل فرد یعیش فی رعایة الدولة الإسلامیة، فإنه یلزم أن لا یکون الفرد المعتنق لدین آخر معتدیاً علی الآخرین أو ضاراً بهم. بل من حق زوجة المسلم الیهودیة أو النصرانیة أن تذهب إلی الکنیسة أو إلی المعبد کما تذهب الزوجة المسلمة إلی المسجد.

ثالثاً: ومن حقوقهم تطبیق أحکام دینهم علی الموارد التی تتعلق بها، وقد ورد عن الإمام أبی عبد الله علیه السلام:«من کان یدین بدین قوم لزمته أحکامهم«((1)).

وقال علیه السلام:«ألزموهم بما ألزموا أنفسهم«((2)).

وعن علی بن إبراهیم، عن أبیه، عن أبی طالب عبد الله بن الصلت قال: کتب الخلیل بن هاشم إلی ذی الرئاستین وهو والی نیسابور أن رجلاً من المجوس مات وأوصی للفقراء بشیء من مال-ه فأخذه قاضی نیسابور فجعل-ه فی فقراء المسلمین، فکتب الخلیل إلی ذی الرئاستین بذلک، فسأل المأمون عن ذلک، فقال: لیس عندی فی ذلک شیء، فسأل أبا الحسن علیه السلام فقال علیه السلام: «إن المجوسی لم یوص لفقراء المسلمین ولکن ینبغی أن یؤخذ مقدار ذلک المال من مال الصدقة فیرد علی فقراء المجوس»((3)).

وعن علی بن إبراهیم عن أبیه عن الریان بن شبیب قال: أوصت ماردة لقوم نصاری فراشین بوصیة، فقال أصحابنا: اقسم هذا فی فقراء المسلمین من أصحابک، فسألت الرضا علیه السلام فقلت: إن أختی أوصت بوصیة لقوم نصاری وأردت أن أصرف ذلک إلی قوم من أصحابنا مسلمین؟ فقال علیه السلام:«أمض الوصیة علی ما أوصت به،

ص:51


1- من لا یحضره الفقیه: ج3 ص407 ح4421
2- تهذیب الأحکام: ج9 ص322 ح12
3- الکافی: ج7 ص16 ح1

قال الله: ƒفَإِنّمَا إِثْمُهُ عَلَی الّذِینَ یُبَدّلُونَهُ‚((1)) «((2)).

وهناک جملة من الروایات فی هذا الشأن ذکرناها فی کتاب (القواعد الفقهیة)، کما یطبق قانون الإلزام أیضا فی باب الإرث، فیقسم إرث المجوسی عند قاضی المسلمین حسب عقائدهم، إلی غیر ذلک من فروع قانون الإلزام فی باب النکاح والطلاق و...

موارد لاختیار الإسلام

 لیس للإنسان حریة التعدی علی الآخرین أو إضرار نفسه ضرراً بالغاً، فإذا رأینا إنساناً یرید الانتحار وجب علینا منعه، أو رأینا إنساناً یرید سرقة مال إنسان، أو اغتصاب فتاة، أو ما إلی ذلک، وجب علینا الحیلولة دون عمل-ه هذا وإحباط ما ینوی تنفیذه من خطأ وخطیئة بحق الغیر. والعقیدة المنحرفة أو العمل المنحرف یقلّل من حظ الإنسان فی الدنیا، ویرسل-ه إلی العذاب فی الآخرة، فاللازم عقلاً الحیلولة دون تلک العقیدة أو ذلک العمل، بالترغیب تارة علی العقیدة الصحیحة والعمل الصحیح، وربما یقتضی الأمر - وفی بعض الموارد فقط - أن یکون العمل معه کمعاملة الطفل الذی یجبر علی شرب الدواء. وذلک لما ذکرناه من أن الأصل فی الإسلام هو عدم الإکراه علی الدین، وقد تقدم عدة شواهد قرآنیة وروائیة وقصص من سیرة رسول الله صلی الله علیه و آله وأمیر المؤمنین علی علیه السلام التی تؤکد ذلک المبدأ، ولکن هناک استثناء فی هذه القاعدة لبعض الحالات، فیرغب الشخص إلی الإسلام لکی یتخلص من القتل، وهذا أمر یعود علیه بالنفع والفائدة، ویتمثل فی نوعین:

الأول: من یکون إسلامه عاصماً ل-ه من القتل.

هناک أفراد قلائل کانوا یستحقون القتل لجرائم ارتکبوها، فشرط رسول الله صلی الله علیه و آله علیهم الإسلام للکف عن قتلهم، ولیس هذا إکراهاً بل ترغیباً یعود علیهم وعلی الأمة بالخیر والنفع.

عن علی بن الحسین علیه السلام قال:«خرج رسول الله صلی الله علیه و آله ذات یوم وصلی الفجر

ص:52


1- سورة البقرة: 181
2- الاستبصار: ج4 ص129 ب77 ح3

ثم قال: معاشر الناس أیکم ینهض إلی ثلاثة نفر قد آلوا باللات والعزی لیقتلونی وقد کذبوا ورب الکعبة، قال علیه السلام: فأحجم الناس وما تکلم أحد.

فقال صلی الله علیه و آله: ما أحسب علی بن أبی طالب علیه السلام فیکم.

فقام إلیه عامر بن قتادة فقال: إنه وعک فی هذه اللیلة ولم یخرج یصلی معک أفتأذن لی أن أخبره؟

فقال النبی صلی الله علیه و آله: شأنک.

فمضی إلیه فأخبره، فخرج أمیر المؤمنین علیه السلام کأنه نشط من عقال وعلیه إزار قد عقد طرفیه علی رقبته فقال علیه السلام: یا رسول الله ما هذا الخبر؟

قال صلی الله علیه و آله: هذا رسول ربی یخبرنی عن ثلاثة نفر قد نهضوا إلی لقتلی وقد کذبوا ورب الکعبة.

فقال علی علیه السلام: یا رسول الله أنا لهم سریة وحدی هو ذا ألبس علی ثیابی.

فقال رسول الله صلی الله علیه و آله: بل هذه ثیابی وهذا درعی وهذا سیفی، فدرعه وعممه وقلده وأرکبه فرسه، وخرج أمیر المؤمنین علیه السلام فمکث ثلاثة أیام لا یأتیه جبرئیل بخبره ولا خبر من الأرض وأقبلت فاطمة $ بالحسن والحسین 3 علی ورکیها تقول: أوشک أن یؤتم هذین الغلامین!

فأسبل النبی صلی الله علیه و آله عینه یبکی ثم قال صلی الله علیه و آله: معاشر الناس من یأتینی بخبر علی أبشره بالجنة، وافترق الناس فی الطلب لعظیم ما رأوا بالنبی صلی الله علیه و آله وخرج العواتق فأقبل عامر بن قتادة یبشر بعلی علیه السلام وهبط جبرئیل علیه السلام علی النبی صلی الله علیه و آله وأخبره بما کان فیه، وأقبل علی أمیر المؤمنین علیه السلام ومعه أسیران ورأس وثلاثة أبعرة وثلاثة أفراس.

فقال النبی صلی الله علیه و آله: تحب أن أخبرک بما کنت فیه یا أبا الحسن؟

فقال المنافقون: هو منذ ساعة قد أخذه المخاض وهو الساعة یرید أن یحدثه.

فقال النبی صلی الله علیه و آله: بل تحدث أنت یا أبا الحسن لتکون شهیداً علی القوم.

قال علیه السلام: نعم یا رسول الله لما صرت فی الوادی رأیت هؤلاء رکبانا علی الأباعر فنادونی من أنت؟

ص:53

فقلت: أنا علی بن أبی طالب ابن عم رسول الله صلی الله علیه و آله.

فقالوا: ما نعرف لله من رسول، سواء علینا وقعنا علیک أو علی محمد، وشد علی هذا المقتول ودار بینی وبینه ضربات وهبت ریح حمراء سمعت صوتک فیها یا رسول الله وأنت تقول: قد قطعت لک جربان درعه فاضرب حبل عاتقه، فضربته فلم أخفه أحفه، ثم هبت ریح صفراء سمعت صوتک فیها یا رسول الله وأنت تقول: قد قلبت لک الدرع عن فخذه فاضرب فخذه فضربته ووکزته وقطعت رأسه ورمیت به، وقال لی هذان الرجلان: بلغنا أن محمداً رفیق شفیق رحیم فاحملنا إلیه ولا تعجل علینا وصاحبنا کان یعد بألف فارس.

فقال النبی صلی الله علیه و آله: یا علی أما الصوت الأول الذی صک مسامعک فصوت جبرئیل علیه السلام وأما الآخر فصوت میکائیل علیه السلام، قدم إلی أحد الرجلین فقدمه.

فقال صلی الله علیه و آله: قل لا إل-ه إلا الله واشهد أنی رسول الله.

فقال: لنقل جبل أبی قبیس أحب إلی من أن أقول هذه الکلمة.

قال صلی الله علیه و آله: یا علی أخره واضرب عنقه.

ثم قال صلی الله علیه و آله: قدم الآخر.

فقال: قل لا إل-ه إلا الله واشهد أنی رسول الله، قال: ألحقنی بصاحبی.

قال صلی الله علیه و آله: یا علی أخره واضرب عنقه، فأخره وقام أمیر المؤمنین علیه السلام لیضرب عنقه، فهبط جبرئیل علیه السلام علی النبی صلی الله علیه و آله فقال: یا محمد إن ربک یقرئک السلام ویقول: لا تقتل-ه فإنه حسن الخلق، سخی فی قومه، فقال النبی صلی الله علیه و آله: یا علی أمسک فإن هذا رسول ربی عزوجل یخبرنی أنه حسن الخلق، سخی فی قومه.

فقال المشرک تحت السیف: هذا رسول ربک یخبرک؟

قال صلی الله علیه و آله: نعم.

قال: والله ما ملکت درهماً مع أخ لی قط ولا قطبت وجهی فی الحرب وأنا أشهد أن لا إل-ه إلا الله وأنک رسول الله.

فقال رسول الله صلی الله علیه و آله: هذا ممن جره حسن خلقه وسخاؤه إلی جنات

ص:54

النعیم«((1)).

وهؤلاء إنما خیروا بین الإسلام وبین القتل لأجل الحفاظ علی حیاتهم من خطر الموت، علماً بأنهم کانوا یستحقون القتل لما کانوا قد ارتکبوه ربما من قتل أو غیر ذلک.

الثانی: أصحاب المذاهب من غیر أهل الکتاب.

 وقد تطرقنا فی بعض کتبنا، إلی الأمر المشهور بأن غیر الکتابی إذا أخذ بمحاربة المسلمین فإنه یخیر بین قبول الإسلام أو القتل، فإنه یمکنه الإسلام لیقی نفسه من الهلاک، ولکن قلنا بأن غیر الکتابی فی حکم الکتابی أیضاً، حیث یقبل منه الجزیة أو ما أشبه، وربما ترکوا حسب المعاهدات التی تنعقد بین الطرفین.

کما هو حال فی معظم المسلمین الذین استولوا علی الهند وغیر الهند، حیث یعیش فیها المسلمون وغیر المسلمین، الکتابیون وغیر الکتابیین، من عبدة الأصنام وعبدة النار، وعبدة الماء وعبدة البقرة، وغیر ذلک من الأدیان المتعددة، التی لا تمت إلی الیهود والنصاری والمجوس بشیء.

فمن حق غیر المسلمین أن یمارسوا شعائرهم ویحتفظوا بعقائدهم ودینهم، ولا تهدم لهم کنائس ولا بیع ولا صلوات، ولا سائر المعابد، ولا یکسر لهم صلیب أو ما یدل علی شعاراتهم، ولا یهضم لهم حق، ولا ینتقص من حقوقهم ماداموا ملتزمین بقوانین الدولة محترمین لعقیدتها غیر متعاونین مع أعداء الدولة بصفة جواسیس وما أشبه، ضد الدولة الإسلامیة.

وتفصیل الکلام فی کتاب الجهاد((2)).

ص:55


1- الأمالی للصدوق: ص105 ح4
2- انظر موسوعة الفقه: ج47-48 کتاب الجهاد

الفتوحات الإسلامیة ونشر الدعوة عبر السلم والسلام

الفتوحات الإسلامیة ونشر الدعوة عبر السلم والسلام

وفی البحث المتقدم (حریة العقیدة والأدیان فی الإسلام) قد یرد إشکال وهو: کیف تصح نظریة حریة العقیدة والأدیان فی الإسلام وقد کانت فی عصور الإسلام الأولی الفتوحات الإسلامیة وما هی إلا اسم آخر لحرب فرض من خلالها الإسلام بالقوة علی شعوب تلک البلدان المفتوحة؟

والجواب علی هذا الإشکال هو: أن الفاتحین لم یفرضوا الإسلام بالإکراه علی أحد، ولم یکن دخول الناس فی الإسلام بقوة السیف والسلاح، ویتضح ذلک عبر الإجابة علی هذه الأسئلة الثلاثة:

1: ما هو الأصل فی الإسلام؟ الحرب أم السلام؟.

2: کیف تم انتشار الدین الإسلامی فی البلدان النائیة وغیرها؟

3: ما هی آراء شعوب البلدان المفتوحة فی هذه الفتوحات؟

الأصل فی الإسلام هو السلام

جواب السؤال الأول: إن الأصل فی الإسلام هو السلام، فقد کادت الإمبراطوریات المختلفة أن تقضی علی الحرث والنسل، قبل بعثة النبی الأکرم صلی الله علیه و آله فاختار الله سبحانه وتعالی الإسلام حدباً علیها((1)) ورحمة بها وشریعة سمحاء لها، بعد أن اصطفی الرسول محمدا صلی الله علیه و آله لأداء هذه المهمة المقدسة ونشر الرسالة الطاهرة المطهرة المتمثلة بنشر الرحمة والسلام للبشریة، یقول تعالی: )وَمَآ أَرْسَلْنَاکَ إِلاّ رَحْمَةً لّلْعَالَمِینَ(((2))، وهکذا کانت سیرة عترته الطاهرة علیهم السلام، فلم یعرف عن الإسلام أنه أعلن الحرب فی العالم وهو فی ذروة دعوته وانتشاره فی أزهی عصور سیادته، إلا ما شرعه دفاعاً ((3)) لدرء الخطر والذود عن النفس والعرض والمال والوطن

ص:56


1- حدب فلان علی فلان حدباً: أی عطف علیه وحنا، وإنه کالوالد. انظرکتاب العین: ج3 ص186 مادة (حدب)
2- سورة الأنبیاء: 107
3- راجع کتاب (ولأول مرة فی تاریخ العالم): ج1-2، للإمام المؤلف (أعلی الله مقامه الشریف)

عند الاعتداء علی أحدها، من قبل المولعین بالعدوان، من أعداء الإسلام، أو حروب الدفاع عن المستضعفین الذین یرضخون تحت الظلم والعدوان، کما قال سبحانه:

) وَمَا لَکُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِی سَبِیلِ الله وَالْمُسْتَضْعَفِینَ(((1))، وهی حروب عقلانیة إلی أبعد حدّ، ولم یر العالم قبل الإسلام ولا فی هذا الیوم ولا فی مختلف الحضارات حروباً أطهر وأرفع من الحروب الإسلامیة، وذلک ما صرّح به وبنزاهتها حتی بعض علماء الغرب الذین یتحرّون الحقیقة ویقولونها، فإن الحرب قد لا یکون منها مناص عقلاً للدفاع عن الدعوة فی مواجهة المعتدی والتصدی له، أو الدفاع عن النفس وما أشبه من أسباب مبررة ومسوّغة للحرب، ولذا فإن القاعدة فی الإسلام هو السلام، والحرب استثناء ولا یکون إلا فی أقصی حالات الضرورة، بینما نشاهد منذ أن أخذت الحضارة الغربیة بزمام المبادرة، وتسنمت مقالید الأمور اشتعل العالم بحروب دمویة ضاریة لا مثیل لها فی التاریخ المکتوب، تجاوزت کل المعاییر والقیم والمبادئ، وحسبنا شاهداً فی هذا القرن الحربان العالمیتان الأخیرتان ونتائجهما الوخیمة السیئة علی البشریة إلی هذا الیوم((2))، فمن الصحیح أن الحضارة الغربیة أمدت البشریة بشیء من الرفاه والتقدم الصناعی وما أشبه ذلک، إلا أنه من الصحیح أیضاً والذی لا یقبل الریبة واللبس أنها دمرت البشریة بالحروب الکبیرة والثورات الفوضویة والفقر وأمثال ذلک.

وحقیقة الفتوحات الإسلامیة هی القضاء علی الظلم والطغیان من قبل تلک الحکومات التی کانت تعمل کلما هو خلاف الإنسانیة، وهی أیضاً وفی نفس الوقت

ص:57


1- سورة النساء: 75
2- لقد قتل فی حروب القرن العشرین طبقاً لتقریر بریجنسکی (33) ملیون شاب، تتراوح أعمارهم بین (18 - 30) عاماً، وهؤلاء قضوا نحبهم باسم القومیة والأیدلوجیة، وأهلکت الحربان العالمیتان الأولی والثانیة من العسکریین حوالی (8.5) و(19) ملیوناً علی الترتیب، ویقدر عدد المدنیین من ضحایا الأعمال العدائیة الذین سقطوا أثناء الحرب العالمیة الأولی ب-(13) ملیوناً من النساء والأطفال وکبار السن، بینما سقط (20) ملیوناً منهم أثناء الحرب العالمیة الثانیة

دعوة للشعوب لاعتناق الدین الإسلامی باختیارهم ومن دون إکراه، وذلک لمبادئه السامیة السمحاء، وأسلوب هذه الدعوة لم یکن القوة والقسر والضغط، ولم یکن الإکراه فیه وسیلة من وسائل الدخول فی الدین کما قال سبحانه: ) لاَ إِکْرَاهَ فِی الدّینِ قَد تّبَیّنَ الرّشْدُ مِنَ الْغَیّ (((1))، وإنما کان السبیل هو النظر المتریث والبحث المتأنی واستعمال العقل وإعمال الفکر الرصین، والنظر فی ملکوت السماوات والأرض کما قال سبحانه وتعالی: ) أَوَلَمْ یَنْظُرُواْ فِی مَلَکُوتِ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا خَلَقَ الله مِن شَیْءٍ وَأَنْ عَسَیَ أَن یَکُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَیّ حَدِیثٍ بَعْدَهُ یُؤْمِنُونَ (((2)).

أما النصاری وغیرهم من الأدیان وحتی المشرکین، فلم یبدأ الرسول صلی الله علیه و آله بقتل أحد منهم، وقد أرسل صلی الله علیه و آله رسل-ه بعد صلح الحدیبیة إلی جمیع الملوک یدعوهم إلی الإسلام، فأرسل إلی قیصر، وإلی کسری، وإلی المقوقس، وإلی النجاشی، وإلی ملوک العرب بالیمن والشام، فدخل فی الإسلام من دخل من النصاری وغیرهم.

 ومن هنا لا تعتبر الفتوحات الإسلامیة حروبا توسعیة، ولا استعماریة، ولا استثماریة، ولا تنازعیة، بل هی الدعوة الدمثة اللینة إلی دین متکامل من ألفه إلی یائه، فإذا وقف أحد فی سبیل هذه الدعوة بتعذیب من آمن بها، أو وضع العقبات فی سبیل تقدمها، أو صد من أراد الدخول فیه، أو حجب الداعی عن تبلیغه، أو أخذ یخطط لضعضعته وإیهانه، فإن الإسلام یأمر بصد ذلک، وإذا اقتضی الأمر وجب إشهار السیف بالقدر الذی یزیل العثرة والضرر والاعتداء فقط.

وقد ذکر فی التاریخ أن أول قتال بدء بین المسلمین والنصاری فی الشام، وذلک لما عمدوا إلی قتل بعض من أسلم، فلما شرعوا بقتل المسلمین ظالمین أرسل رسول الله صلی الله علیه و آله عسکراً إلی مؤتة ولَّی علیهم زید بن حارثة ودفع الرایة إلیه وقال إن قتل زید فالوالی علیکم جعفر بن أبی طالب علیه السلام وإن قتل جعفر فالوالی علیکم عبد الله بن

ص:58


1- سورة البقرة: 256
2- سورة الأعراف: 185

رواحة الأنصاری وسکت((1))، وهو أول قتال بین المسلمین والنصاری.

ومما تقدم یتبین بوضوح، أن الإسلام لم یأذن بالحرب إلا درءاً للعدوان، وحمایة للدعوة، وتصدیاً للاضطهاد، والتماساً لحریة التدین، فإنها حینئذ تکون فریضة من فرائض الدین، وواجباً من واجباته المقدسة ویطلق علیها اسم (الجهاد)((2)). ویستدل مما ذکر ومن الشواهد الکثیرة المذکورة فی محلها علی دور الإسلام العظیم فی نشر الأمن والرخاء فی أرجاء المعمورة وذلک من خلال الفتوحات الإسلامیة وما کان لها من عظیم الأثر ورفیع العقبی فی نشر السلام ونشر العلم والتقدم بین شعوب العالم.

انتشار الإسلام بقوته الذاتیة

جواب السؤال الثانی: إذا تتبعنا خطوات المسلمین وتأملنا بإمعان فی الفتوحات الإسلامیة نجد أن الإسلام لم ینتشر بقوة السیف وإنما انتشر بقوَّته الذاتیة وحقیقته المنسجمة مع الفطرة الإنسانیة وتلبیته لسائر ما یحتاجه البشر من قوانین حیویة، وذلک بأفکاره الغراء المیمونة ومبادئه الحمیمة الرفیعة، ونری من جهة أخری أن الذین دخلوا فی الإسلام، لم یدخلوه عنوة بالسیف والإکراه، وإنما کان السیف لأجل تغییر الحاکم الظالم فقط، فکان إسلام الشعوب لعدة عوامل مهمة منها: أنهم رأوا فیه الحسن والواقعیة والمنطق والبرهان، ومسایرته للفطرة الإنسانیة وملائمته للطبیعة البشریة، ومن هنا نجد المسلمین إذا اندحروا فی جبهات القتال کانوا آخذین بناصیة الأمل وزمام المبادرة فی جبهات الروح والمعنی.

قال الطبرسی فی تفسیر قول-ه تعالی: )فَبِمَا رَحْمَةٍ(:

ما زائدة - أی للتأکید - )مّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ( أی إن لینک لهم مما یوجب دخولهم فی الدین )وَلَوْ کُنْتَ فَظّاً( أی جافیاً سیئ الخلق ƒغَلِیظَ الْقَلْبِ‚ أی قاسی الفؤاد غیر ذی رحمة )لاَنْفَضّواْ مِنْ حَوْلِکَ( لتفرق أصحابک عنک )فَاعْفُ عَنْهُمْ( ما بینک وبینهم )وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ(((3))، ما بینهم وبینی((4)).

ص:59


1- للتفصیل راجع الاحتجاج: ج1 ص166
2- للتفصیل راجع موسوعة (الفقه): ج47-48 کتاب الجهاد
3- سورة آل عمران: 159
4- مجمع البیان: ج2 ص428 سورة آل عمران

وقال الزمخشری فی کتاب الکشاف فی تفسیر قول-ه تعالی: )وَلَوْ کُنْتَ فَظّاً غَلِیظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضّواْ مِنْ حَوْلِکَ (قال: لتفرقوا عنک حتی لا یبقی حولک أحد منهم((1)).

یقول السیر توماس أرنولد: فتصدّعت أرکان الإمبراطوریة العظمی وتبعت قوة الإسلام السیاسیة وظلت غزواته الروحیة مستمرة دون انقطاع، وعندما خرّبت جماعة المغول بغداد وأغرقوها بالدماء والخراب، وطرد ملک لیون وقشتالة المسلمین من قرطبة، ودفعت غرناطة - آخر معقل للإسلام فی إسبانیا - الجزیة للملک المسیحی، فی هذا الوقت بالذات کان الإسلام قد استقرت دعائمه وتوطّدت أرکانه فی جزیرة سومطرة بإندونیسیا وکان علی عهدته أن یحرز تقدماً ناجحاً فی الجزر الواقعة فی بلاد الملایو، وفی هذه الفترة التی قوی فیها الإسلام نری أنه قد حقق بعض غزواته الروحیة الرائعة، حتی أن الفاتحین الجبابرة القساة تمسکوا بالإسلام واعتنقوا دیانته، أمثال اعتناق الصلیبیین دیانة المسلمین فی سوریا وحوالیها، واعتناق الأتراک السلاجقة والمغول للإسلام، فحیث کانوا هم یحاربون المسلمین وإذا بهم ینقلبون إلی مسلمین یدافعون عن الإسلام والمسلمین، یقرر السیر توماس أرنولد: وقد حمل دعاة الإسلام الذین فقدوا مذهب السلطان والقوه عقیدتهم إلی أفریقیة الوسطی والصین والجزائر والهند الشرقیة وروسیا وغیرها، ثم صار للإسلام فی السنوات الأخیرة أتباع فی إنجلترا وأمریکا وأسترالیا والیابان، وذلک بفضل معنویة الإسلام وفطریته کما قال سبحانه: ) فِطْرَتَ اللّهِ الّتِی فَطَرَ النّاسَ عَلَیْهَا (((2)).

ترحیب الکفار بالفاتحین المسلمین

جواب السؤال الثالث: إن الشعوب المختلفة فی البلاد المفتوحة رحّبوا بالفاتحین المسلمین أشدّ ترحیب، مضافا إلی ما یستفاد من الشواهد فی موضوعات الاحتجاج بین الإسلام ودیانة الیهود والنصاری وغیرهم، وفی صورة من أقوال بعض علماء الغرب عن حقیقة الإسلام، وذلک لعدة عوامل کانت سبباً فی استقرارهم وأمنهم، منها:

ص:60


1- الطرائف: ج2 ص389
2- سورة الروم: 30

1. المعاملة الحسنة ومنح الحریات

لقد کان المسلمون علی امتداد تاریخ الإسلام یعاملون غیر المسلمین أحسن من معاملة أمثالهم لهم، وقد ذکر (نورمان لینزانه) لمّا فتح العثمانیون القسطنطینیة، کان أکثر أفراد الشعب المسیحی فی عشیة الفتح ینفرون من أی اتفاق مع کنیسة روما الکاثولیکیة، أشد من نفورهم من الاتفاق مع المسلمین، فما زال الناس یرددون الکلمة المشهورة التی نطق بها رئیس دینی فی بیزنطة، فی ذلک الحین قال: (لخیر لنا أن نری العمامة فی مدینتنا من أن نری فیها تاج البابویة)، وذلک لأن تاج البابویة کان یضطرهم إلی قیود کثیرة تحدّ من حریاتهم وتحملهم ما لا طاقة لهم به، وتثقلهم بما تضیق به النفس البشریة ذرعاً، بینما العمامة الإسلامیة لم تکن کذلک، وإنما تعطی لهم الحریة فی مختلف مشاریعهم وشعائرهم ولا تحملهم ما لا طاقة لهم به وما یضیقون به ذرعاً.

2. سیرة المسلمین وتواضعهم

لقد تحدث مندوبو المقوقس عظیم القبط فی مصر، بعد أن قابلوا الفاتح الإسلامی، فقالوا: رأینا قوماً الموت أحب إلیهم من الحیاة، والتواضع أحب إلیهم من الرفعة، لیس لأحد منهم فی الدنیا رغبة کجلوسهم علی التراب وأمیرهم کواحد منهم، لا یُعرف کبیرهم من صغیرهم، ولا السید فیهم من العبد، فإذا حضرت الصلاة لم یتخلف عنها أحد، یغسلون أطرافهم بالماء، ویخضعون فی صلاتهم.

3. وفاؤهم ورأفتهم بالبلاد المفتوحة

کتب النصاری فی الشام إلی رئیس المسلمین کتاباً یقولون فیه: یا معشر المسلمین أنتم أحب إلینا من الروم، وإن کانوا علی دیننا، أنتم أوفی لنا وأرأف بنا وأکف عن ظلمنا، وأحسن ولایة علینا، ولکنهم غلبونا علی أمرنا وعلی منازلنا، کما فی (فتوح الشام) للأزدی البصری، وفی (فتوح البلدان) للبلاذری، إن أهل حمص أغلقوا أبواب مدینتهم حتی لا یدخلها جیش هرقل وأعلنوا للمسلمین أن ولایتَهم وعَدْلَهمُ

ص:61

أحب إلیهم من ظلم الرومان وتعسفهم، وکانت فی الشمال قبائل عربیة دانت بالنصرانیة زمناً طویلاً، فلما بدأ الإسلام یصطرع مع الروم سارع بعضهم إلی اعتناق الإسلام والانضمام إلی المسلمین، مثل بنی غسان وغیرهم، وکذلک صنعت بعض القبائل العربیة التی کانت موالیة للفرس فی العراق، فقد وفد علی قائد المسلمین بعد موقعة القادسیة، کثیر من العرب النصاری المقیمین علی نهر الفرات وأسلموا، کما أسلم إخوان لهم من قبل، وکذلک رحّب القبط فی مصر بالفتح الإسلامی وبالقائد الذی قاد إلی الفتح وشکروه لأنه أنقذهم من الاضطهاد الدینی ومن عنف الروم وتنکیلهم بمخالفیهم فی المذهب، وإن کان دیناً واحداً. ولما فتح المسلمون بلاد الفرس لم یلقوا من الشعب مقاومة تذکر لأن حکّامه کانوا قد استبدوا بهم غایة الاستبداد وأعنتوهم غایة العنت ولأنهم کانوا یناصرون دیانة زرادشت، التی صارت الدّین الرسمی للدولة بعدما کانت مبغوضة بالنسبة إلی کثیر من الأهالی، فمنذ صارت الدیانة الزرادشتیة دین الدولة الرسمی علا مکان کهنتها واستغلوا نفوذهم فی اضطهاد الفرق وکانت کثیرة، کما أنهم کانوا یضطهدون النصاری والیهود والصابئة أیضاً، هذا بالإضافة إلی فرض الضرائب الباهضة علی مختلف الطبقات، وکان الأغلبیة یکرهون تزویجهم من بناتهم وأخواتهم وأمهاتهم، ولما انتصر المسلمون علیهم تنفسوا الصعداء من جهة الدین والضرائب والنکاح، ورحبوا بهم حباً للخلاص من ظلم الحکام ورغبة فی إعفائهم من الخدمة العسکریة الجبریة المستغنی عنها، ولأن الحکام الجدد أعطوهم الحریات الدینیة والعملیة، ولما حارب المسلمون مع أهل الشام النصاری، ائتمر قادة أهل الحرب النصاری لعلاج الأمر وسألوا واحداً واحداً عن سبب تقدم المسلمین علیهم، فأجاب کل بجواب حتی وصل الأمر إلی خادم کان یخدمهم فی ذلک المجلس، ولما سألوا منه عن سبب انتصار المسلمین علیهم مع أن أهل البلاد نصاری والجیش نصرانی فکیف تمکّن المسلمون من الانتصار علیهم، فأجاب الخادم بعد أن أخذ الأمان

ص:62

منهم قال: لأنهم أفضل منکم وإن کنت علی دینکم لکنی أدعو الله سبحانه وتعالی فی قلبی کل یوم أن ینتصر المسلمون، ثم بیّن السبب قائلاً: قد کانت لی مزرعة نعیش فیها أنا وزوجتی وأولادی البنین والبنات ولما جئتم أنتم اغتصب هذا الضابط، (وأشار إلی أحدهم) ابنتی، وهذا الضابط (وأشار إلی ضابط آخر) زوجتی، وهذا الضابط (وأشار إلی ضابط ثالث أولادی) للاستخدام فی الجیش، وهذا الضابط (وأشار إلی شخص رابع) اغتصب مزرعتی، فهل تریدون منی أن أنتظر انتصارکم أو أخدمکم بکل قلبی، وإن شعب الشام کلهم علی شاکلتی أنتم تحاربونهم فی أرزاقهم ومعایشهم وأولادهم وأراضیهم ومزارعهم وزوجاتهم، ولذا یرحّب أهل الشام بالمسلمین ویکون ذلک سبب انتصارهم علیکم.

فانتصر المسلمون علی النصاری وطردوا الحکام السابقین الظلمة ورحّب بهم أهل البلاد أعظم ترحیب.

ولهذا أحب الکفار المسلمین ودخلوا فی دینهم أفواجاً، فالآیة الکریمة وإن کانت فی زمن رسول الله صلی الله علیه و آله: )وَرَأَیْتَ النّاسَ یَدْخُلُونَ فِی دِینِ الله أَفْوَاجا(((1))، إلاّ أن ذلک استمر إلی یومنا هذا حیث الکافرین یدخلون فی دین الله أفواجاً، وقد اطّلعنا علی تقریر صدر من لندن، أن جماعات من نساء الیهود یدخلن الإسلام فی إسرائیل وغیرها، لما یرین من سماح الإسلام، وإن معاشرة رجال مسلمین أفضل لهن من معاشرة رجال یهود، ومن الواضح أن الکیان الصهیونی یدّعی غایة الدیمقراطیة والحضارة، والقصص من هذا القبیل کثیرة وسردها یحتاج إلی مجلّد ضخم.

وقد وصل الإسلام إلی الجزر النائیة فی إندونیسیا والمحیط الهندی بالإقناع والبحث والمناظرة وبواسطة التجار المسلمین وذلک عند ما وجد الناس فیهم الوفاء وأداء الأمانة، کما قال الإمام علی علیه السلام:«أصل الدین أداء الأمانة والوفاء بالعهود«((2)).

ص:63


1- سورة النصر: 2
2- غرر الحکم ودرر الکلم: ص86 ح1407

وهکذا کان المسلمون ینجحون نجاحاً باهراً ویتقدمون فی مختلف بلاد العالم ل-مّا أخذوا بتلک الأسباب المذکورة وبالتسامح والسلم والسلام وعرف ذلک منهم، وحیث ترکوا ذلک التسامح ورجعوا إلی التفرقة والتشدد والتعصب مما نشاهده الآن عند البعض انفضَّ الناس من حولهم کما قال سبحانه وتعالی: )فَبِمَا رَحْمَةٍ مّنَ الله لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ کُنْتَ فَظّاً غَلِیظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضّواْ مِنْ حَوْلِکَ(((1))، والتف الناس إلی موضع آخر فیه شیء من التسامح وهم بعض المتحضرین الغربیین، مع الفرق الشاسع بین المتحضرین الغربیین فی الحال الحاضر وبین المسلمین المتسامحین الأوائل، حیث إن التسامح کان عند المسلمین((2)) أکثر من التسامح عند هؤلاء المادیین، بالإضافة إلی أن المسلمین کانوا یبشرون بالدنیا والآخرة بینما المتحضرون الغربیون لا یبشرون إلا بالدنیا، والدنیا لا تملأ إلا جزءً واحداً من جزئی الإنسان، والإنسان یطالب بالجزء الآخر المربوط بروحه ولا یملأه إلا الآخرة، ثم إنّ کلاًّ من الآخرة والدنیا عند المسلمین مؤیدتان بالعقل القطعی والبراهین الجلیة، والمنطق الإنسانی الرفیع.

والتسامح الذی أشرنا إلیه لیس فیما ذکر فحسب، بل شمولی فی کل جوانب الإسلام، فالتسامح أصل بالنسبة إلی شخص المسلم، وبالنسبة إلی سائر المسلمین، وبالنسبة إلی غیر المسلمین، وحتی بالنسبة إلی الحیوانات، کما ستأتی الإشارة إلیه فی الفصول القادمة بإذن الله تعالی.

العلاقة بین المسلمین وغیرهم

العلاقة بین المسلمین وغیرهم

مسألة: یبین الإسلام قانون العلاقة بین المسلمین وغیرهم علی أساس السلم والسلام.

فتمیل الآیات القرآنیة فی العدید من خطاباتها إلی مخاطبة کل طوائف البشر، مثلاً

ص:64


1- سورة آل عمران: 159
2- راجع مجموعة ورام: ج1 ص170، وفیه: عن جابر: قیل یا رسول الله أی الإیمان أفضل؟ قال صلی الله علیه و آله : « الصبر والسماحة« ، وراجع أیضاً مستدرک الوسائل: ج15 ص258 ح18172، وفیه: عن رسول الله صلی الله علیه و آله أنه قال: « خیر خصال المسلمین السماحة والسخاء«

قال سبحانه وتعالی: (یَ-ا أیّهَا النّاسُ اتّقُواْ رَبّکُمُ الّذِی خَلَقَکُمْ مّن نّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثّ مِنْهُمَا رِجَالاً کَثِیراً وَنِسَآءً وَاتّقُواْ الله الّذِی تَسَآءَلُونَ بِهِ وَالأرْحَامَ إِنّ الله کَانَ عَلَیْکُمْ رَقِیباً)((1)).

وقال تعالی: ƒإِن یَشَأْ یُذْهِبْکُمْ أَیّهَا النّاسُ وَیَأْتِ بِآخَرِینَ وَکَانَ الله عَلَیَ ذَلِکَ قَدِیراً‚((2)).

وقال عزوجل: ƒیَ-ا أیّهَا النّاسُ قَدْ جَآءَکُمُ الرّسُولُ بِالْحَقّ مِن رّبّکُمْ فَآمِنُواْ خَیْراً لّکُمْ وَإِن تَکْفُرُواْ فَإِنّ لله مَا فِی السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَکَانَ الله عَلِیماً

حَکِیماً‚((3)).

وقال سبحانه: ƒیَا أَیّهَا النّاسُ قَدْ جَآءَکُمْ بُرْهَانٌ مّن رّبّکُمْ وَأَنْزَلْنَآ إِلَیْکُمْ نُوراً مّبِیناً‚((4)).

وقال تعالی: ƒقُلْ یَ-ا أیّهَا النّاسُ إِنّی رَسُولُ الله إِلَیْکُمْ جَمِیعاً‚((5)).

وقال سبحانه: ƒیَ-ا أیّهَا النّاسُ إِنّمَا بَغْیُکُمْ عَلَیَ أَنفُسِکُمْ مّتَاعَ الْحَیَاةِ الدّنْیَا ثُمّ إِلَینَا مَرْجِعُکُمْ فَنُنَبّئُکُمْ بِمَا کُنتُمْ تَعْمَلُون‚((6)).

وقال تعالی: ƒیَ-ا أیّهَا النّاسُ قَدْ جَآءَتْکُمْ مّوْعِظَةٌ مّن رّبّکُمْ وَشِفَآءٌ لّمَا فِی الصّدُورِ وَهُدًی وَرَحْمَةٌ لّلْمُؤْمِنِینَ‚((7)).

وقال سبحانه: ƒقُلْ یَ-ا أیّهَا النّاسُ إِن کُنتُمْ فِی شَکّ مّن دِینِی فَلاَ أَعْبُدُ الّذِینَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله وَلَ-َکِنْ أَعْبُدُ الله الّذِی یَتَوَفّاکُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَکُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ‚((8)).

ص:65


1- سورة النساء: 1
2- سورة النساء: 133
3- سورة النساء: 170
4- سورة النساء: 174
5- سورة الأعراف: 158
6- سورة یونس: 23
7- سورة یونس: 57
8- سورة یونس: 104

وقال تعالی: ƒقُلْ یَ-ا أیّهَا النّاسُ قَدْ جَآءَکُمُ الْحَقّ مِن رّبّکُمْ فَمَنُ اهْتَدَیَ فَإِنّمَا یَهْتَدِی لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلّ فَإِنّمَا یَضِلّ عَلَیْهَا وَمَآ أَنَاْ عَلَیْکُمْ بِوَکِیلٍ‚((1)).

وقال سبحانه: ƒیَ-ا أیّهَا النّاسُ اتّقُواْ رَبّکُمْ إِنّ زَلْزَلَةَ السّاعَةِ شَیْءٌ عَظِیمٌ‚((2)).

وقال تعالی: ƒیَ-ا أیّهَا النّاسُ إِن کُنتُمْ فِی رَیْبٍ مّنَ الْبَعْثِ فَإِنّا خَلَقْنَاکُمْ مّن تُرَابٍ ثُمّ مِن نّطْفَةٍ ثُمّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمّ مِن مّضْغَةٍ مّخَلّقَةٍ وَغَیْرِ مُخَلّقَةٍ لّنُبَیّنَ لَکُمْ وَنُقِرّ فِی الأرْحَامِ مَا نَشَآءُ إِلَیَ أَجَلٍ مّسَمّی ثُمّ نُخْرِجُکُمْ طِفْلاً ثُمّ لِتَبْلُغُوَاْ أَشُدّکُمْ وَمِنکُمْ مّن یُتَوَفّیَ وَمِنکُمْ مّن یُرَدّ إِلَیَ أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِکَیْلاَ یَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَیْئاً وَتَرَی الأرْضَ هَامِدَةً فَإِذَآ أَنزَلْنَا عَلَیْهَا الْمَآءَ اهْتَزّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن کُلّ زَوْجٍ

بَهِیجٍ‚((3)).

وقال سبحانه: ƒقُلْ یَ-ا أیّهَا النّاسُ إِنّمَآ أَنَاْ لَکُمْ نَذِیرٌ مّبِینٌ‚((4)).

وقال تعالی: ƒیَ-ا أیّهَا النّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُواْ ل-ه إِنّ الّذِینَ تَدْعُونَ مِن دُونِ الله لَن یَخْلُقُواْ ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُواْ ل-ه وَإِن یَسْلُبْهُمُ الذّبَابُ شَیْئاً لاّ یَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ‚((5)).

وقال سبحانه: ƒیَ-ا أیّهَا النّاسُ اتّقُواْ رَبّکُمْ وَاخْشَوْاْ یَوْماً لاّ یَجْزِی وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلاَ مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَیْئاً إِنّ وَعْدَ الله حَقّ فَلاَ تَغُرّنّکُمُ الْحَیَاةُ الدّنْیَا وَلاَ یَغُرّنّکُم بِالله الْغَرُورُ‚((6)).

وقال تعالی: ƒیَ-ا أیّهَا النّاسُ اذْکُرُواْ نِعْمَةَ الله عَلَیْکُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَیْرُ الله یَرْزُقُکُمْ مّنَ السّمَآءِ وَالأرْضِ لاَ إِل-ه إِلاّ هُوَ فَأَنّیَ تُؤْفَکُونَ‚((7)).

ص:66


1- سورة یونس: 108
2- سورة الحج: 1
3- سورة الحج: 5
4- سورة الحج: 49
5- سورة الحج: 73
6- سورة لقمان: 33
7- سورة فاطر: 3

وقال سبحانه: ƒیَ-ا أیّهَا النّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَآءُ إِلَی الله وَالله هُوَ الْغَنِیّ الْحَمِیدُ‚((1)).

إلی غیرها من الآیات.

وهکذا فی أحادیث النبی صلی الله علیه و آله وآل-ه الطاهرین علیهم السلام مما هو کثیر.

قال رسول الله صلی الله علیه و آله فی خطبة الوداع:«أیها الناس إن ربکم لواحد وإن أباکم واحد کلکم لآدم وآدم من تراب أکرمکم عند الله اتقاکم لیس لعربی علی عجمی ولا لعجمی علی عربی ولا لأحمر علی أسود ولا لأسود علی أحمر فضل إلا بالتقوی، ألا هل بلّغت اللهم اشهد ألا فلیبلّغ الشاهد منکم الغائب«((2)).

وقد قال أمیر المؤمنین علیه السلام: فی بیان قانون العلاقة بین المسلمین وغیرهم: « وإما نظیر لک فی الخلق»((3)).

ومن خلال ما تقدم تتضح مبادئ طبیعة العلاقة بین المسلمین وغیرهم من المذاهب والملل ومنها:

مبدأ التعارف فیما بینهم

أولا: إن العلاقة بین المسلمین وغیرهم هی علاقة تعارف، وتعاون، وبر، وعدل، یقول الله سبحانه وتعالی فی التعارف المفضی إلی التعاون: )یَ-ا أیّهَا النّاسُ إِنّا خَلَقْنَاکُم مّن ذَکَرٍ وَأُنْثَیَ وَجَعَلْنَاکُمْ شُعُوباً وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوَاْ إِنّ أَکْرَمَکُمْ عَندَ الله أَتْقَاکُمْ إِنّ الله عَلِیمٌ خَبِیرٌ (((4)).

فکذلک یجب أن تکون العلاقة الإنسانیة الشاملة، وکما قال الإمام علی علیه السلام لمالک الأشتر:«فإنهم - الناس - صنفان، إما أخ لک فی الدین، وإما نظیر لک فی

الخلق«((5)).

ص:67


1- سورة فاطر: 15
2- معدن الجواهر: ص21، وراجع أیضاً تحف العقول: ص30
3- نهج البلاغة: الرسائل 53
4- سورة الحجرات: 13
5- نهج البلاغة: الرسائل 53

والمسلمون فی مشارق الارض و مغاربها یتعاملون مع الناس علی هذین المبدأین

فإما أن یکون أخاً ل-ه فی الإیمان، وإما أن یکون ل-ه نظیراً فی الخلق ومثیلاً ل-ه فی الإنسانیة.

ویقول عزوجل فی الالتزام بالبر والعدل: ) لاّ یَنْهَاکُمُ الله عَنِ الّذِینَ لَمْ یُقَاتِلُوکُمْ فِی الدّینِ وَلَمْ یُخْرِجُوکُمْ مّن دِیَارِکُمْ أَن تَبَرّوهُمْ وَتُقْسِطُوَاْ إِلَیْهِمْ إِنّ الله یُحِبّ الْمُقْسِطِینَ (((1)).

وفی الحدیث:«أسرع الخیر ثواباً البر«((2)) کما یرشدنا الرسول الکریم صلی الله علیه و آله.

مبدأ الأمن والسلام

ثانیا: الإسلام لا یقف عند حد الإشادة بمبدأ التعارف فحسب بل یذهب بفکره ومبادئه إلی مدی أعمق ومسافة أقصی، لقد جعل العلاقة بین الأفراد، وبین الجماعات، وبین الدول، علاقة سلم وسلام وأمان، یستوی فی ذلک علاقة المسلمین بعضهم ببعض کما قال رسول الله صلی الله علیه و آله:«المؤمن مرآة لأخیه المؤمن ینصحه إذا غاب عنه، ویمیط عنه ما یکره إذا شهد، ویوسع ل-ه فی المجلس«((3)

إلی غیر ذلک من سائر روایات الحقوق بین المسلمین والمؤمنین.

أما علاقة المسلمین ببعضهم وبغیرهم فأیضاً یبتنی علی السلم والسلام، وفیما یلی إشارة إلی ذلک:

مبدأ الحب والإحسان

لقد حث الإسلام المسلمین وحفزهم فی الغدو والرواح علی حب الخیر لجمیع البشریة والإحسان لها بما هی علیه، وبما فیها من الکفار، ومن الواضح أن حب الخیر للکفار علی قسمین:

1: محبة الخیر فی هدایتهم ومثابرة السعی فی ذلک، وهذا عمل الأنبیاء والأولیاء

ص:68


1- سورة الممتحنة: 8
2- من لا یحضره الفقیه: ج4 ص379 ح5803
3- مستدرک الوسائل: ج8 ص330 ح9546

علیهم السلام، فإنهم أخذوا بهدایة الکفار فأتعبوا أنفسهم فی ذلک، وکانوا یحبون لهم هذا الخیر، أی الهدایة إلی الصراط المستقیم.

وفی القرآن الحکیم:ƒاهْدِنَا الصّرَاطَ الْمُسْتَقِیمَ‚((1)).

حیث لم یقل اهدنی بل قال اهدنا.

وقال رسول الله صلی الله علیه و آله لعلی أمیر المؤمنین علیه السلام: «وایم الله لئن یهدی الله علی یدیک رجلاً خیر لک مما طلعت علیه الشمس وغربت»((2)).

وقال صلی الله علیه و آله: «لئن یهد الله بک عبداً من عباده خیر لک مما طلعت علیه الشمس من مشارقها إلی مغاربها»((3)).

وعن أبی بصیر عن أبی جعفر علیه السلام قال: سألته ƒوَمَنْ أَحْیَاهَا فَکَأَنّمَا أَحْیَا النّاسَ جَمِیعاً‚((4)) قال: «من استخرجها من الکفر إلی الإیمان»((5)).

وقال علی بن الحسین علیه السلام: «أوحی الله تعالی إلی موسی علیه السلام حببنی إلی خلقی وحبب خلقی إلی، قال: یا رب کیف أفعل؟ قال: ذکرهم آلائی ونعمائی لیحبونی فلئن ترد آبقا عن بابی أو ضالا عن فنائی أفضل لک من عبادة مائة سنة بصیام نهارها وقیام لیلها، قال موسی علیه السلام: ومن هذا العبد الآبق منک؟ قال: العاصی المتمرد، قال: فمن الضال عن فنائک؟ قال: الجاهل بإمام زمانه تعرّفه، والغائب عنه بعد

ما عرفه الجاهل بشریعة دینه تعرفه شریعته وما یعبد به ربه ویتوصل به إلی

مرضاته»((6)).

وعن عبد العظیم الحسنی علیه السلام عن علی بن محمد الهادی علیه السلام عن آبائه علیهم السلام عن علی علیه السلام قال: «لما کلم الله موسی بن عمران قال موسی:إلهی ما جزاء من دعا

ص:69


1- سورة الفاتحة: 6
2- تنبیه الخواطر ونزهة النواظر: ج2 ص277 باب ذکر جمل من مناهی رسول الله صلی الله علیه و آله
3- مستدرک الوسائل: ج12 ص241 ب18 ح13999
4- سورة المائدة: 32
5- تفسیر العیاشی: ج1 ص313 من سورة المائدة ح88
6- تفسیر الإمام الحسن العسکری علیه السلام : ص342 ح219

نفسا کافرة إلی الإسلام؟ قال:یا موسی آذن ل-ه فی الشفاعة یوم القیامة لمن یرید»((1)).

وعلی بن إبراهیم فی تفسیره، عن أبی عبد الله علیه السلام فی قول الله عزوجل: ƒقُل لّلّذِینَ آمَنُواْ یَغْفِرُواْ لِلّذِینَ لاَ یَرْجُونَ أَیّامَ اللّهِ‚((2)) قال: «قل للذین مننا علیهم بمعرفتنا أن یعرفوا الذین لا یعلمون فإذا عرفوهم فقد غفر لهم»((3)).

وعن جابر قال: سمعته یقول: قال أبی علیه السلام: «کونوا من السابقین بالخیرات وکونوا ورقا لا شوک فیه، فإن من کان قبلکم کانوا ورقا لا شوک فیه، وقد خفت أن تکونوا شوکا لا ورق فیه، وکونوا دعاة إلی ربکم وأدخلوا الناس فی الإسلام ولا تخرجوهم منه، وکذلک من کان قبلکم یدخلون الناس فی الإسلام ولا یخرجونهم

منه»((4)).

إلی غیرها من الروایات الدالة علی لزوم السعی لهدایة الآخرین بالحکمة والموعظة الحسنة.

2: محبة الخیر لغیر المسلمین بقضاء حوائجهم مثلاً، وذلک بصفتهم من البشر أو لجهة خاصة کالرحم الکافر، وفی الحدیث عن رسول الله صلی الله علیه و آله قال: «الراحمون یرحمهم الرحمن، ارحموا من فی الأرض یرحمکم من فی السماء»((5)).

وفی حدیث آخر عن أمیر المؤمنین الإمام علی علیه السلام:«ارحم من دونک یرحمک من فوقک« ((6)).

وقال صلی الله علیه و آله : «لکل کبد حری أجر»((7)).

وقال صلی الله علیه و آله: «یا علی أکرم الجار ولو کان کافراً، وأکرم الضیف ولو کان کافرا،

ص:70


1- بحار الأنوار: ج2 ص15 ب8 ح27
2- سورة الجاثیة: 14
3- تفسیر القمی: ج2 ص294 سورة الجاثیة
4- مستدرک الوسائل: ج12 ص241 ب18 ح13997
5- مستدرک الوسائل: ج9 ص55 ح10187
6- غرر الحکم ودرر الکلم: ص345 ح9974
7- جامع الأخبار: ص139 ف99

وأطع الوالدین ولو کانا کافرین، ولا ترد السائل وإن کان کافراً»((1)).

وعلی هذا کانت سیرة الرسول صلی الله علیه و آله وأهل بیته الأطهارعلیهم السلام ، حیث سقوا أعداءهم الماء وقضوا حوائجهم وأکرموهم علی ما ذکرناه فی بعض کتبنا((2)).

وخلاصة القول فی هذه العلاقة هو قول القرآن الحکیم إذ یصرح بأن الشعوب والقبائل إنما جعلوا للتعارف لا للتناکر)یَ-ا أیّهَا النّاسُ إِنّا خَلَقْنَاکُم مّن ذَکَرٍ وَأُنْثَیَ وَجَعَلْنَاکُمْ شُعُوباً وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوَاْ(((3))، والخطاب موجه لکل الناس.

لذا ینبغی أن یتوخی المسلم هدایة غیر المسلم دون إکراه، کذلک ینبغی أداء الخیر والرحمة بغیر المسلم حتی لو أصرّ علی کفره فإنه نظیر فی الخلق.

أسس تعامل المسلمین مع غیرهم

أراد الإسلام حسن تعامل المسلمین مع غیر هم من الکفار والمشرکین ومن أشبه لیطلع الآخرون علی عقائد المسلمین وأعمالهم وشعائرهم وأخلاقهم، حتی یرغبوا فی الإسلام عقیدة وعملاً، حیث إن الإسلام جمیل فی کل شؤونه، فإذا رآه غیر المسلم حرضه علی المقارنة والمفاضلة بین الإسلام وما هو علیه وانجذب إلیه ضمن مقتضیات حسن العلاقة بینهما.

ومن خصائص السلم والسلام فی هذا التعامل أنه یؤدی إلی تبادل المصالح والأفکار والسلوک والمنافع وتقویة الصلات سواء کان الطرف الآخر - غیر المسلم - من الکفار الذمیین، أو المحایدین، أو المعاهدین، بل وحتی المحاربین فی بعض الصور، وقد اقتبس البعض هذا الأسلوب الرائع فسماه بالوحدة الوطنیة أو ما أشبه، وقد کان الأمر علی هذا الحال منذ فجر الإسلام بین المسلمین ومختلف الکفار. ومن هنا نری أن الکفار کانوا یدخلون فی دین الله أفواجاً.

ص:71


1- جامع الأخبار: ص84 ف40
2- انظر کتاب (ولأول مرة فی تاریخ العالم) ج1و2 و(السبیل إلی إنهاض المسلمین) و(الصیاغة الجدیدة) والعدید من مؤلفات الإمام الشیرازی 6 فی سیرة رسول الله صلی الله علیه و آله وأهل بیته الطاهرین علیهم السلام
3- سورة الحجرات: 13

عن أبی عبد الله علیه السلام أن النبی صلی الله علیه و آله قال: «أنا أولی بکل مؤمن من نفسه وعلی أولی به من بعدی» فقیل ل-ه: ما معنی ذلک؟ فقال: قول النبی صلی الله علیه و آله: «من ترک دینا أو ضیاعا فعلی، ومن ترک مالا فلورثته» فالرجل لیست ل-ه علی نفسه ولایة إذا لم یکن ل-ه مال ولیس ل-ه علی عیال-ه أمر ولا نهی إذا لم یجر علیهم النفقة، والنبی صلی الله علیه و آله وأمیر المؤمنین علیه السلام ومن بعدهما ألزمهم هذا فمن هناک صاروا أولی بهم من أنفسهم، وما کان سبب إسلام عامة الیهود إلا من بعد هذا القول من رسول الله صلی الله علیه و آله وإنهم آمنوا علی أنفسهم وعلی عیالاتهم»((1)).

نعم قد جعل الإسلام علاقة المسلمین بغیرهم قائمة علی أسس عقلیة أخلاقیة وعلی أکمل وجه، مبتنیة علی السلم والسلام وبعیدة کل البعد عن العنف والإرهاب، وهذا مما یؤدی بالنتیجة إلی إحلال السلام وتأصیل-ه ومن جملة تلک الأسس:

أولاً: المساواة

فقد قال سبحانه بالنسبة إلی عموم العلاقة بین المسلمین وغیرهم ما سبق من قول-ه: )یَ-ا أیّهَا النّاسُ إِنّا خَلَقْنَاکُم مّن ذَکَرٍ وَأُنْثَیَ وَجَعَلْنَاکُمْ شُعُوباً وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوَاْ إِنّ أَکْرَمَکُمْ عَندَ اللّهِ أَتْقَاکُمْ إِنّ اللّهَ عَلِیمٌ خَبِیرٌ(((2))، فلم یخصص الله سبحانه وتعالی هذا الحکم بالمسلمین فحسب، بل یشمل المسلمین والکفار، فکلهم متساوون فی الإنسانیة وما یرتبط بها من القوانین.

کما أن المسلمین متساوون فی حقوقهم وواجباتهم العامة إلا إذا کان هناک استثناء لجهة، مثلاً الوظائف العامة فی الدولة الإسلامیة کلها للجمیع فلا یحق أن یقول الحاکم، أعطی هذه الوظیفة لعربی دون عجمی، أو لأبیض دون أحمر، أو للعنصر الفلانی دون العنصر الفلانی أو للمدینة الفلانیة دون المدینة الفلانیة، إلا إذا کان شخص أکفأ من شخص آخر حیث تعطی الوظیفة للأکفأ، وقول-ه تعالی: )إِنّ أَکْرَمَکُمْ

ص:72


1- الکافی: ج1 ص406 باب ما یجب من حق الإمام علی الرعیة ح6
2- سورة الحجرات: 13

عَندَ اللّهِ أَتْقَاکُمْ(((1))، وإن کان الکلام فی التقوی، لکن قد یفهم منه المعیار کما أشیر إلیه فی القرآن الحکیم: )إِنّ خَیْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِیّ الأمِینُ(((2))، فهو قوی فی العمل وأمین فی المعاملة، وفی کلام یوسف علیه السلام: )إِنّی حَفِیظٌ عَلِیمٌ(((3))، فإن العمل یحتاج إلی العلم والأمانة فی الحفظ، فإذا کان أحد شخصین ل-ه الکفاءة دون الآخر قدّم الأول، وهذا لیس ضد التساوی وإنما من جهة خارجیة انضمت إلی أحدهما دون الآخر، فإن الإنسان لا یسلّم الأمور الصغیرة إلی من لیس ل-ه حفظ أو إذا کان ل-ه حفظ لکنه لیست ل-ه أمانة فکیف بالکبیرة؟!، وکیف بوظائف الدولة العامة، وغیرها من سائر المعاملات؟!.

ویعرف مما سبق أنه إذا لم یکن محذور یکون المسلم والکافر متساویین أیضاً فإن علیاً علیه السلام صار أجیراً عند یهودی((4))، والرسول صلی الله علیه و آله استقرض من یهودی((5))، کذلک أمیر المؤمنین علی علیه السلام استقرض شعیراً من یهودی فاسترهنه شیئاً فدفع إلیه ملاءة فاطمة $ رهناً وکانت من الصوف فأدخلها الیهودی إلی داره ووضعها فی بیت، فلما کانت اللیلة دخلت زوجته البیت الذی فیه الملاءة لشغل فرأت نورا ساطعا أضاء البیت، الحدیث((6)).

ثم لم یقتصر الإسلام فی تشریعاته بأصل المساواة بین الإنسان والإنسان، بل ذهب إلی أبعد من هذا فقد أحلّ طعام أهل الکتاب فی غیر اللحوم فإنها مشروطة بالتذکیة، کما أحلّ النکاح منهم حیث قال سبحانه وتعالی: )الْیَوْمَ أُحِلّ لَکُمُ الطّیّبَاتُ وَطَعَامُ الّذِینَ أُوتُواْ الْکِتَابَ حِلّ لّکُمْ وَطَعَامُکُمْ حِلّ لّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ

ص:73


1- سورة الحجرات: 13
2- سورة القصص: 26
3- سورة یوسف: 55
4- راجع مستدرک الوسائل: ج14 ص28 ح16014، وفیه: « إن علیاً علیه السلام آجر نفسه من یهودی لیستقی الماء کل دلو بتمرة وجمع التمرات وحمل-ه إلی النبی صلی الله علیه و آله فأکل منه»
5- راجع فقه القرآن: ج2 ص58، وفیه: عن أبی عبد الله علیه السلام قال: « إن النبی صلی الله علیه و آله رهن درعه عند أبی الشحم الیهودی علی شعیر أخذه لأهله »
6- للتفصیل راجع الخرائج والجرائح: ج2 ص537

الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الّذِینَ أُوتُواْ الْکِتَابَ مِن قَبْلِکُمْ إِذَآ آتَیْتُمُوهُنّ أُجُورَهُنّ مُحْصِنِینَ غَیْرَ مُسَافِحِینَ وَلاَ مُتّخِذِیَ أَخْدَانٍ وَمَن یَکْفُرْ بِالإِیمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَل-ه وَهُوَ فِی الاَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِینَ(((1)).

وجاء عن أبی مریم الأنصاری عن أبی جعفر علیه السلام قال: سألته عن طعام أهل الکتاب ونکاحهم حلال هو؟ قال علیه السلام: «نعم کانت تحت طلحة یهودیة»((2)).

وفی موضوع حلیة طعام أهل الکتاب ورد أن الرسول صلی الله علیه و آله ذهب إلی ضیافة الیهود، کما أنه أکل من الشاة التی أهدتها إلیه یهودیة، وقد یرد سؤال هنا وهو: کیف أکل رسول الله صلی الله علیه و آله من ذبیحة الیهود وهی محرمة علی المسلمین؟

والجواب: إنه من المحتمل أن یکون ذلک قبل هذا التشریع، أو تکون الیهودیة اشترت الشاة من سوق المسلمین، أو غیر ذلک من الاحتمالات المذکورة فی الکتب المعنیة بهذه الشؤون.

ثانیاً: الحریة

إن الحریة الإسلامیة للجمیع، مسلمین وغیر مسلمین، ومن الواضح أن تکون الحریة فی إطار الأخلاق والفضیلة والتقوی وعدم الإضرار بالغیر وما أشبه مما هو مذکور فی بابه ، وکما هو شأن المسلم، بعیداً عن الهوی والریاء والتفاخر وحب الذات والأنانیة والجاه والسلطان والمال ونحو ذلک، ولا یکون ذلک إلا بالتعددیة فی الظاهر، وبالخوف من الله سبحانه وتعالی فی الباطن، فإن الإیمان رقیب غریب فی باطن الإنسان لا یترکه یحید عن جادة الحق والصواب والخیر العام.

والحریة التی قررها الإسلام لیست خاصة بالمسلمین بل تشمل أهل الکتاب والکافرین أیضاً، ونقتصر علی ذکر جملة منها:

1- الحریة الدینیة

وقد تکلمنا عن هذه الحریة قبل صفحات فی بدایة موضوع حریة العقیدة والأدیان

ص:74


1- سورة المائدة: 5
2- تهذیب الأحکام: ج7 ص298 ح4

فی الإسلام، وخلاصتها أن أهل الکتاب وغیرهم لهما الحق فی ممارسة شعائرهم بکل حریة وهم آمنون علی عقائدهم، دون أن یجبرهم أحد علی تبدیل عقیدتهم إلی عقیدة أخری، أو تبدیل أعمالهم إلی أعمال أخری کل فی إطاره وموازینه علی تفصیل ذکروه فی التاریخ والتفسیر والفقه الإسلامی.

2- الحریة الفکریة والثقافیة

جعل الإسلام لغیر المسلمین الحریة الفکریة، کما فی الحدیث والحوار والمجادلة والمناقشة فی حدود العقل والمنطق، مع حث المسلمین وغیرهم علی التزام الأدب والأخلاق والبعد عن الممارسات التی یأباها المنطق السلیم من الخشونة والعنف، یقول الله تعالی:)وَلاَ تُجَادِلُوَاْ أَهْلَ الْکِتَابِ إِلاّ بِالّتِی هِیَ أَحْسَنُ إِلاّ الّذِینَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ وَقُولُوَاْ آمَنّا بِالّذِیَ أُنزِلَ إِلَیْنَا وَأُنزِلَ إِلَیْکُمْ وَإِلَ-َهُنَا وَإِلَ-َهُکُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ ل-ه مُسْلِمُونَ(((1)).

وفی آیة أخری: ) وَإِنّآ أَوْ إِیّاکُمْ لَعَلَیَ هُدًی أَوْ فِی ضَلاَلٍ مّبِینٍ (((2)).

حیث تدل هذه الآیات علی غایة الحنان واللطف والعطف مما لا یتوفر إلاّ فی دین إلهیّ سماوی.

إن الإسلام یعترف بشکل صریح واضح بحق الحوار والمناقشة بین المسلم وغیر المسلم، ولا یقر واقعة إلغاء الحریة الفکریة والثقافیة ومصادرة حق النقاش والجدال.

3 - الحریة العلمیة والعملیة

الإسلام دین العلم والمعرفة، والتطور والتقدم، وما من شیء فیه إلا ویتحدث عن العلم والمعرفة، والآیات القرآنیة والروایات النبویة، وأحادیث العترة الطاهرة علیهم السلام فی هذا المجال کثیرة جداً، وهناک شواهد عدیدة علی حریة أهل الکتاب وغیرهم فی مجال العلم والتعلم فی عصر النبوة وبعدها، وکذلک فی التطور والتقدم العملی، فکانوا یتعلمون الإنجیل والتوراة وما أشبه، ویقرؤونها ویؤلفون فی ذلک ویعملون بها.

ص:75


1- سورة العنکبوت: 46
2- سورة سبأ: 24

مضافاً إلی الحریات الأخری التی منحت لهم کالحریات الاجتماعیة والتجاریة والاقتصادیة وغیرها، علی ما سیأتی.

ثالثاً: الرعایة

ولم یقف الإسلام عند حدّ رعایة الکفار فیما لهم من الحقوق، بل کان یرعاهم حتی لو أساءوا أو لم یکن لهم من الحقوق شیء، کما نشاهد ذلک فی قصة زید بن سعنة الذی کان من أحبار الیهود، فإنه أقرض النبی صلی الله علیه و آله قرضاً کان النبی صلی الله علیه و آله فی حاجة إلیه، ثم رأی زید أن یذهب قبل میعاد الوفاء المحدّد لیطالب بدینه، قال زید:

»أتیت الرسول صلی الله علیه و آله فأخذت بمجامع قمیصه وردائه، ونظرت إلیه بوجه غلیظ وقلت ل-ه: یا محمد ألا تقضی دینی، فو الله ما علمتکم یا بنی عبد المطلب إلا مماطلین، فنظر إلیّ عمر وعیناه تدوران فی وجهه ثم رمانی ببصره، فقال: یا عدو الله أتقول لرسول الله ما أسمع وتصنع به ما أری، فو الذی نفسی بیده لولا ما أحاذر لضربت بسیفی رأسک، ورسول الله ینظر فی هدوء، فقال: یا عمر أنا وهو کنا أحوج إلی غیر هذا، أن تأمرنی بحسن الأداء وتأمره بحسن الاقتضاء، اذهب یا عمر فأعطه حقه وزده عشرین صاعاً من تمر مکان ما روّعته.

قال زید فذهب عمر فأعطانی حقی وزادنی عشرین صاعاً من تمر، فقلت ما هذه الزیادة یا عمر؟

قال: أمرنی رسول الله أن أزیدک مکان ما روّعتک« ((1)).

وهکذا نری أنّ الیهودی کان معتدیاً علی رسول الله صلی الله علیه و آله، ومع ذلک لم یقابل-ه الرسول صلی الله علیه و آله بالمثل بل قابل-ه بالفضل.

وفی حدیث صفوان الذی کان للکفار کوزیر الدفاع، أن الرسول صلی الله علیه و آله لما أراد أن یذهب إلی غزوة حنین، طلب منه أن یعیره مائة من الدروع، فقال صفوان: أغصباً یا محمد؟

ص:76


1- راجع مجمع الزوائد: ج8 ص239، والسیرة النبویة لابن کثیر: ج296

فقال صلی الله علیه و آله: »بل عاریة مضمونة«.

قال: لا بأس((1)).

مع العلم أن النبی صلی الله علیه و آله کان هو المسیطر والفاتح، وکان یتمکن أن یأخذ الدروع بالقوة أو یصادرها کما یفعل غیره من الفاتحین.

رابعاً: حسن المعاملة

شواهد المعاملة الحسنة مع الملل المتواجدة فی بلاد المسلمین کثیرة، وفی الحدیث أن رسول الله صلی الله علیه و آله قال: »السلام تحیةً لملتنا وأمان لذمتنا«((2)).

وتحیة المسلمین التی تؤلف بین القلوب وتقوی الصلات، وتربط الإنسان بأخیه هی السلام، قال رسول الله صلی الله علیه و آله:«أولی الناس بالله وبرسول-ه من بدأ بالسلام»((3)).

وبذل السلام، وإفشاؤه جزء من الإیمان، کما عن الإمام علی بن أبی طالب علیه السلام قال: »ثلاثة من حقائق الإیمان… وبذل السلام لجمیع العالم«((4)).

وقال رسول الله صلی الله علیه و آله: »ألا أخبرکم بخیر أخلاق الدنیا والآخرة؟« قالوا: بلی یا رسول الله، فقال صلی الله علیه و آله: »إفشاء السلام فی العالم« ((5)).

وقد جعل الله تحیة المسلمین بهذا اللفظ، للإشعار بأن دینهم دین السلام والأمان کما عن رسول الله صلی الله علیه و آله قال: »ما فشا السلام فی قوم إلاّ أمنوا من العذاب، فإن فعلتموه دخلتم الجنة«((6))، وهم أهل السلم ومحبو السلام إذا ما التزموا بمنهج الإسلام الحنیف.

ص:77


1- راجع الکافی: ج5 ص240 ح10، وفیه: عن أبی عبد الله علیه السلام قال: « بعث رسول الله صلی الله علیه و آله إلی صفوان بن أمیة فاستعار منه سبعین درعاً بأطراقها، فقال صفوان: أ غصباً یا محمد؟ فقال النبی صلی الله علیه و آله : بل عاریة مضمونة »
2- مستدرک الوسائل: ج8 ص360 ح9670
3- الکافی: ج2 ص644 ح3
4- مستدرک الوسائل: ج8 ص361 ح9671
5- مستدرک الوسائل: ج8 ص362 ح9676
6- مستدرک الوسائل: ج8 ص363 ح9682

وکثرة تکرار لفظ السلام علی هذا النحو، مع إحاطته بالجو الدینی النفسی، من شأنه أن یوقظ الحواس جمیعها، ویوجه الأفکار والأنظار إلی المبدأ السامی العظیم المبنی علی السلم والسلام.

وهذا ما یشمل خیره غیر المسلمین أیضا، فیشکل أسس المعاملة الحسنة معهم.

ومن شواهد المعاملة الحسنة: الصحیفة التی وادع فیها النبی صلی الله علیه و آله الیهود وذلک لما هاجر النبی صلی الله علیه و آله إلی المدینة وأقام أول مجتمع إسلامی هناک، کتب صحیفة معروفة فی السِّیَر والتواریخ بصحیفة المدینة، تحدثت هذه الصحیفة عن علاقة المسلمین فیما بینهم، ثم علاقتهم مع بطون الیهود المقیمین آنذاک فی المدینة المنورة، مما یعطی درساً فی کیفیة التعایش السلمی بین المواطنین.

فقد روی ابن إسحاق أن رسول الله صلی الله علیه و آله کتب کتاباً بین المهاجرین والأنصار وادَعَ فیه الیهود وعاهدهم وأقر لهم علی دینهم وأموالهم وشرط لهم واشترط علیهم، وهذا نصه: «بسم الله الرحمن الرحیم، هذا کتاب من محمد النبی بین المؤمنین والمسلمین من قریش ویثرب ومن تبعهم ولحق بهم وجاهد معهم أنهم أمة واحدة من دون الناس، وأنه من تبعنا من الیهود فإن ل-ه النصر والأسوة غیر مظلومین ولا متناحرین علیهم، وأن الیهود ینفقون مع المؤمنین ما داموا محاربین، وأن یهود بنی عوف أمة مع المؤمنین، للیهود دینهم وللمسلمین دینهم، وأن لیهود بنی النجار مثل ما لیهود بنی عوف، وأن لیهود بنی الحارث مثل ما لیهود بنی عوف، وأن لیهود بنی ساعدة مثل ما لیهود بنی عوف، وأن لیهود بنی جشم مثل ما لیهود بنی عوف، وأن لیهود بنی الأوس مثل ما لیهود بنی عوف، وأن لیهود بنی ثعلبة مثل ما لیهود بنی عوف، ألا من ظلم وأثم فإنه لا یوتغ((1)) إلاّ نفسه وأهل بیته، وأن علی الیهود نفقتهم، وعلی المسلمین نفقتهم، وأن بینهم النصر علی من حارب أهل هذه الصحیفة، وأن بینهم النصح والنصیحة، والبر دون الإثم، وأنه لم یأثم امرؤٌ بحلیفه، وأن النصر للمظلوم، وأن الیهود ینفقون مع المؤمنین ما داموا محاربین، وأن یثرب حرام

ص:78


1- یوتغ: صار ملوماً

جوفها لأهل هذه الصحیفة، وأن الجار کالنفس غیر مضار ولا آثم» إلی آخر الصحیفة((1)).

والظاهر منها أن الیهود أصبحوا مع المسلمین فی المدینة المنورة کأمة واحدة فأراد الرسول صلی الله علیه و آله أن یجعل العیش المشترک علی أرض المدینة المنورة محمیاً من أی تصدع واختلاف، فألزم الجمیع بتلک الوثیقة الواحدة وبالعیش المشترک علی أرض المدینة التی کان یسکنها المسلمون وغیر المسلمین..

والحدیث وإن کان یخصُّ الیهود لکن من الواضح أنه لا خصوصیة للیهود، فإن أهل الکتاب کلهم بمنزلة واحدة کما قال الفقهاء: الکفر کل-ه ملة واحدة، بل وکذلک حال المشرکین من غیر أهل الکتاب کما أشرنا إلی ذلک فی بعض کتبنا، فإن أغلب البلاد التی فتحت کان فیها المشرکون إلی أیام أمیر المؤمنین علی علیه السلام مما نجده فی التواریخ، وفی نهج البلاغة کلام للإمام علیه السلام إلی عامل من عمال-ه یدل علی أنه کان هناک مشرکون تحت حکم الإمام وأنهم کانوا یعیشون بسلام.

وفی التاریخ أن ابن عباس کان مجاوراً لیهودی وکان یهتم بالإحسان إلیه کما کان یهتم بسواه مراعاة لحرمة الجوار، فالقریب ل-ه حرمة، والجار ل-ه حرمة، والزوجان لهما حرمتهما، والصدیق ل-ه حرمة، وإن کان أحدهما مسلماً والآخر غیر مسلم، فإن الإسلام یحث علی مکارم الأخلاق وإعطاء الحقوق ورعایة الآخرین  سواء کان مسلما أو غیر مسلم، فهم کلهم فی نظره سواء.

فی التاریخ: إن غلاماً لابن عباس ذبح شاة فقال ل-ه ابن عباس: إذا سلخت فابدأ بجارنا الیهودی، ثم کررها حتی قال ل-ه الغلام: کم تقول هذا؟ فقال: إنی سمعت رسول الله صلی الله علیه و آله یقول: «ما زال جبرئیل علیه السلام یوصینی بالجار حتی ظننت أنه

سیورثه»((2)).

وقد حرَّض الإسلام علی زیارتهم وعیادة مرضاهم وتقدیم الهدایا لهم ومبادرتهم البیع والشراء وسائر المعاملات، وهکذا عمل المسلمون طوال التاریخ

ص:79


1- الصحیفة طویلة تجدها کاملة فی بحار الأنوار: ج19 ص168
2- من لا یحضره الفقیه: ج1 ص52 ح108

الإسلامی، مع غیر المسلمین سواء کانوا من أهل الکتاب أو غیر أهل الکتاب، وقد ثبت أن النبی صلی الله علیه و آله مات ودرعه مرهونة عند یهودی فی دیْن علی الرسول صلی الله علیه و آله للیهودی کما فی الحدیث عن الإمام الصادق علیه السلام((1)).

وروی عن ابن عباس قال: إن رسول الله صلی الله علیه و آله توفّی ودرعه مرهونه عند رجل من الیهود علی ثلاثین صاعاً من شعیر أخذها صلی الله علیه و آله رزقاً لعیاله((2)).

کما ثبت أن الرسول صلی الله علیه و آله زار ذلک الیهودی الذی کان یصب علی رأس الرسول الرماد، وعاده فی مرضه، حیث أسلم ببرکة أخلاق رسول الله صلی الله علیه و آله.

وقد ذکر بعض الفقهاء: أن المجوسی لو أراد أن یتزوج بأمه وأخته وبنته ودعا مسلماً للحضور فی داره جاز ل-ه الذهاب.

کما أن الرسول صلی الله علیه و آله قبل من یهودیة شاة مشویة فی قصة مشهورة((3)).

ص:80


1- راجع وسائل الشیعة: ج18 ص322 ح23766، وفیه: عن جعفر بن محمد عن آبائه علیهم السلام قال: « لقد قبض رسول الله صلی الله علیه و آله وإن درعه لمرهونة عند یهودی من یهود المدینة بعشرین صاعاً من شعیر استلفها نفقة لأهله »
2- مستدرک الوسائل: ج13 ص388 ح15686
3- عن علی علیه السلام قال: « إن الیهود أتت امرأة منهم یقال لها عبدة فقالوا: یا عبدة قد علمت أن محمداً قد هد رکن بنی إسرائیل وهدم الیهودیة وقد غالی الملأ من بنی إسرائیل بهذا السم لهم وهم جاعلون لک جعلاً علی أن تسمیه فی هذه الشاة، فعمدت عبدة إلی الشاة فشوتها ثم جمعت الرؤساء فی بیتها وأتت رسول الله صلی الله علیه و آله فقالت: یا محمد قد علمت ما توجب لی وقد حضرنی رؤساء الیهود فزینی بأصحابک، فقام رسول الله صلی الله علیه و آله ومعه علی علیه السلام وأبو دجانة وأبو أیوب وسهل بن حنیف وجماعة من المهاجرین، فلما دخلوا وأخرجت الشاة سدت الیهود آنافها بالصوف وقاموا علی أرجلهم وتوکئوا علی عصیهم، فقال لهم رسول الله صلی الله علیه و آله : اقعدوا، فقالوا: إنا إذا زارنا نبی لم یقعد منا أحد وکرهنا أن یصل إلیه من أنفاسنا ما یتأذی به، وکذبت الیهود علیها لعنة الله إنما فعلت ذلک مخافة سورة السم ودخانه، فلما وضعت الشاة بین یدیه تکلم کتفها فقالت: مه یا محمد لا تأکلنی فإنی مسمومة، فدعا رسول الله صلی الله علیه و آله عبدة فقال لها: ما حملک علی ما صنعت؟ فقالت: قلت إن کان نبیاً لم یضره وإن کان کاذباً أو ساحراً أرحت قومی منه، فهبط جبرئیل علیه السلام فقال: الله السلام یقرئک السلام ویقول: قل بسم الله الذی یسمیه به کل مؤمن وبه عز کل مؤمن وبنوره الذی أضاءت به السماوات والأرض وبقدرته التی خضع لها کل جبار عنید وانتکس کل شیطان مرید من شر السم والسحر واللمم بسم الله العلی (بسم العلی) الملک الفرد الذی لا إل-ه إلا هو ) ونن-زل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنین ولا یزید الظالمین إلا خساراً ( - سورة الإسراء: 82 - فقال النبی صلی الله علیه و آله ذلک وأمر أصحابه فتکلموا به، ثم قال: کلوا، ثم أمرهم أن یحتجموا » . الأمالی للشیخ الصدوق ص224 ح2

وأن فاطمة الزهراء $ وبإجازة من رسول الله صلی الله علیه و آله ذهبت إلی عرس أقامه الیهود لبعض بناتهم((1)).

وفی الحدیث أن علیاً علیه السلام آجر نفسه من یهودی لیستقی الماء کلَّ دلو بتمرة وجمع التمرات وحملها إلی النبی صلی الله علیه و آله فأکلا منه«((2)).

وکان من أخلاق المسلمین أنهم إذا ذبح أحدهم شاة بدأ بجاره الیهودی فبعث إلیه شیئاً منها.

وأن علیاً علیه السلام فی الکوفة شایع یهودیاً.

وفی مجال السؤال وقضاء الحاجة بین الناس لا ینبغی مجابهة السائل بالجفاء والنفور أو رده بحجة أنه لیس مؤمناً لقول الله تعالی: ) وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَیَ إِلَیْکُمُ السّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِناً (((3)).

وعن مصادف قال: کنت مع أبی عبد الله علیه السلام بین مکة والمدینة فمررنا علی رجل فی أصل شجرة وقد ألقی بنفسه فقال علیه السلام: »مل بنا إلی هذا الرجل فإنی أخاف أن یکون قد أصابه عطش فملنا فإذا رجل من الفراسین طویل الشعر، فسأل-ه: أعطشان أنت؟

فقال: نعم.

ص:81


1- إن الیهود کان لهم عرس، فجاؤوا إلی رسول الله صلی الله علیه و آله وقالوا: لنا حق الجوار فنسألک أن تبعث فاطمة بنتک إلی دارنا حتی یزدان عرسنا بها، وألحّوا علیه، فقال صلی الله علیه و آله : إنها زوجة علی بن أبی طالب وهی بحکمه، وسألوه أن یشفع إلی علی فی ذلک وقد جمع الیهود الطم والرم من الحلی والحلل، وظن الیهود أن فاطمة $ تدخل علیهم فی بذلتها وأرادوا استهانة بها فجاء جبرئیل بثیاب من الجنة وحلی وحلل لم یر الراؤون مثلها فلبستها فاطمة $ وتحلت بها، فتعجب الناس من زینتها وألوانها وطیبها فلما دخلت فاطمة $ دار هؤلاء الیهود، سجد لها نساؤهم یقبلن الأرض بین یدیها، وأسلم بسبب ما رأوا خلق کثیر من الیهود. الخرائج والجرائح: ج2 ص537
2- مستدرک الوسائل: ج14 ص28 ح16014
3- سورة النساء: 94

فقال علیه السلام لی: انزل یا مصادف فاسقه.

فنزلت وسقیته ثم رکبت وسرنا فقلت: هذا نصرانی فتتصدق علی نصرانی؟ فقال علیه السلام: نعم إذا کانوا فی مثل هذا الحال«((1)).

خامساً: الحمایة والدفاع عنهم

کفل الإسلام لأهل الکتاب وغیرهم حریتهم الدینیة وحمایتهم ومساواتهم مع المسلمین بشرط أن یدفعوا الجزیة لدولة الإسلام، کما یدفع المسلمون حقوقهم الشرعیة من الخمس والزکاة وما أشبه.

ومعنی الجزیة لیس قبیحاً - کما تصوره البعض - وإنما هی مشتقة من الجزء، بمعنی أن جزءً من أموال الکفار یؤخذ منهم، مقابل حمایة الدولة لهم، ومقابل ما تهیؤه الدولة لهم من الخدمات، کالمدارس والمعاهد والطرق والمطارات والقطارات وما أشبه ذلک من المنافع العامة.

فأخذ الجزیة من غیر المسلمین، هو بدل أخذ الزکاة وما أشبه من المسلمین، وإنما الفرق فی اللفظ فإن الجزیة أخذ جزء من مال الکفار فی مقابل الزکاة التی هی عبارة عن التزکیة والتطهیر.

بل أحیاناً جعل التزامات غیر المسلمین أقل من التزامات المسلمین، کما یدل علی ذلک نظام الضریبة فی الإسلام، حیث إن الخمس والزکاة ضرائب مرتفعة بالنسبة إلی الجزیة، أما الجزیة فهی ضریبة منخفضة جداً، وفی نظرنا الفقهی - کما ذکرناه فی الفقه - یجوز أخذ الجزیة من غیر أهل الکتاب أیضاً من سائر المشرکین، فإذا سیطر المسلمون مثلاً علی الهند، ونفوس الکفار فیها بمختلف مذاهبهم وأدیانهم وطرائقهم وعقائدهم أربعة أضعاف نفوس المسلمین کما هو معلوم، فإن الحاکم الإسلامی یجوز ل-ه أن یأخذ من أولئک أیضاً الجزیة وإن لم یکونوا من أهل الکتاب.

وأما بالنسبة لحمایتهم فقد وردت جملة من الروایات فی ذلک ومنها ما ورد عن

ص:82


1- الکافی: ج4 ص57 ح4

رسول الله صلی الله علیه و آله أنه قال: »من أخذ شیئاً من أموال أهل الذمة ظلماً فقد خان الله ورسول-ه وجمیع المؤمنین«((1)).

وعنه صلی الله علیه و آله أیضاً: »من ظلم معاهداً کنت خصمه«((2)).

وفی الآیة: )لاّ یَنْهَاکُمُ الله عَنِ الّذِینَ لَمْ یُقَاتِلُوکُمْ فِی الدّینِ وَلَمْ یُخْرِجُوکُمْ مّن دِیَارِکُمْ أَن تَبَرّوهُمْ وَتُقْسِطُوَاْ إِلَیْهِمْ إِنّ الله یُحِبّ الْمُقْسِطِینَ * إِنّمَا یَنْهَاکُمُ الله عَنِ الّذِینَ قَاتَلُوکُمْ فِی الدّینِ وَأَخْرَجُوکُم مّن دِیَارِکُمْ وَظَاهَرُواْ عَلَیَ إِخْرَاجِکُمْ أَن تَوَلّوْهُمْ وَمَن یَتَوَلّهُمْ فَأُوْلَ-َئِکَ هُمُ الظّالِمُونَ(((3)).

نهی الإسلام من مولاة الأعداء الظلمة

ما ذکر فی هذه الصفحات المتقدمة هو الأصل فی علاقة المسلمین بغیرهم، سواء أکانوا فی البلاد الإسلامیة أو خارجها، ولا تتبدل هذه العلاقة إلا إذا عمل غیر المسلمین من جانبهم علی تقویض هذه العلاقة وتمزیقها بعداوتهم للمسلمین وظلمهم، وإعلانهم الحرب علیهم، فتکون المقاطعة أمراً دینیاً إسلامیاً، فضلاً عن أنها عمل سیاسی عادل، فهی معاملة بالمثل، والقرآن یوجه أنظار أتباعه إلی هذه الحقیقة، ویحکم فیها الحکم الفصل، فیقول: )لاّ یَتّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْکَافِرِینَ أَوْلِیَآءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِینَ وَمَن یَفْعَلْ ذَلِکَ فَلَیْسَ مِنَ الله فِی شَیْءٍ إِلاّ أَن تَتّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَیُحَذّرْکُمُ الله نَفْسَهُ وَإِلَیَ الله الْمَصِیرُ(((4))، وقد تضمنت الآیة المعانی الآتیة:

التحذیر من الموالاة والمناصرة للأعداء والظلمة،وذلک لما فیها من التعرض للخطر، وقد ورد عن عبد الله بن سنان أنه قال: سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول:

«من أعان ظالماً علی مظلوم لم یزل الله عزوجل علیه ساخطاً حتی ینزع عن

ص:83


1- الجعفریات: ص81
2- مستدرک الوسائل: ج11 ص168
3- سورة الممتحنة: 8-9
4- سورة آل عمران: 28

1. معونته»((1)).

2. أن من یفعل ذلک فهو مقطوع عن الله، إلا من باب التقیة.

فیقصد بالنهی عن موالاة الکافرین هو النهی عن محالفتهم ومناصرتهم ضد المسلمین، إذ أن مناصرة الکافرین علی المسلمین فیه ضرر بالغ بالکیان الإسلامی، وإضعاف لقوة الجماعة المؤمنة، کما أن الرضا بالکفر، یحظره الإسلام ویمنعه، وطبیعة الإیمان تأبی علی المؤمن أن یوالی الکفر الذی یتربص به الدوائر.

وإذا منع الإسلام موالاة من یحادّ الله ورسوله، فلأنه منطقی مائة بالمائة حیث قال سبحانه وتعالی: ƒلا تَجِدُ قَوْماً یُؤْمِنُونَ بِالله وَالْیَوْمِ الاَخِرِ یُوَآدّونَ مَنْ حَآدّ الله وَرَسُول-ه وَلَوْ کَانُوَاْ آبَآءَهُمْ أَوْ أَبْنَآءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِیرَتَهُمْ أُوْلَ-َئِکَ کَتَبَ فِی قُلُوبِهِمُ الإِیمَانَ وَأَیّدَهُمْ بِرُوحٍ مّنْهُ وَیُدْخِلُهُمْ جَنّاتٍ تَجْرِی مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِینَ فِیهَا رَضِیَ الله عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ أُوْلَ-َئِکَ حِزْبُ الله أَلاَ إِنّ حِزْبَ الله هُمُ الْمُفْلِحُونَ‚ ((2)).

أما الموالاة بمعنی المسالمة، والمعاشرة الجمیلة، والمعاملة بالحسنی، وتبادل المصالح، والتعاون علی البر والتقوی، فهذا مما دعا إلیه الإسلام، فکان المسلمون علی مر العصور یتعایشون بوئام مع أهل الدیانات الأخری قبل أن یغزوهم الاستعمار.

یقول القرآن الکریم: )أَلَمْ یَعْلَمُوَاْ أَنّهُ مَن یُحَادِدِ الله وَرَسُول-ه فَأَنّ ل-ه نَارَ جَهَنّمَ خَالِداً فِیهَا ذَلِکَ الْخِزْیُ الْعَظِیمُ(((3)).

فالآیة تبین أنه لا یصح أن یوجد بین المؤمنین من یصادق أعداءهم مصادقة تضر المؤمنین، ولو کان هؤلاء الأعداء آباء المؤمنین، أو أبناءهم، أو إخوانهم الأقربین.

وقد کان فی بدء الدعوة الإسلامیة رجال من المسلمین یوالون رجالاً من الکفار لما کان بینهم من قرابة أو جوار أو محالفة، وکانت هذه الموالاة خطراً علی سلامة المسلمین، فأنزل الله عزوجل محذراً من هذه الولایة الضارة فقال: )یَ-ا أیّهَا الّذِینَ

ص:84


1- وسائل الشیعة: ج16 ص57 ح20969
2- سورة المجادلة: 22
3- سوره التوبة: 63

آمَنُواْ لاَ تَتّخِذُواْ بِطَانَةً مّن دُونِکُمْ لاَ یَأْلُونَکُمْ خَبَالاً وَدّواْ مَا عَنِتّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَآءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِی صُدُورُهُمْ أَکْبَرُ قَدْ بَیّنّا لَکُمُ الاَیَاتِ إِنْ کُنْتُمْ تَعْقِلُونَ(((1)).

ففی هذه الآیة نهی سبحانه وتعالی عن اتخاذ غیر المؤمنین بطانة وأصدقاء، أی خاصة تطلعونهم علی أسرارکم، لأنها السبب فی إفساد أمرکم، وإنهم یحبون ویتمنون إیقاع الضرر بکم، وقد ظهرت علامات بغضهم لکم من کلامهم، ولشدتها عندهم یصعب علیهم إخفاؤها، وما تخفیه صدورهم من البغض لکم أقوی وأشد مما یفلت من ألسنتهم، فهذه الآیات تجعل المسلمین حذرین من مخططات الأعداء.

وفی موضع آخر من القرآن الکریم یقول الله جل وعلا: ƒبَشّرِ الْمُنَافِقِینَ بِأَنّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِیماً * الّذِینَ یَتّخِذُونَ الْکَافِرِینَ أَوْلِیَآءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِینَ أَیَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزّةَ فَإِنّ العِزّةَ لله جَمِیعاً * وَقَدْ نَزّلَ عَلَیْکُمْ فِی الْکِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آیَاتِ الله یُکَفَرُ بِهَا وَیُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتّیَ یَخُوضُواْ فِی حَدِیثٍ غَیْرِهِ إِنّکُمْ إِذاً مّثْلُهُمْ إِنّ الله جَامِعُ الْمُنَافِقِینَ وَالْکَافِرِینَ فِی جَهَنّمَ جَمِیعاً * الّذِینَ یَتَرَبّصُونَ بِکُمْ فَإِن کَانَ لَکُمْ فَتْحٌ مّنَ الله قَالُوَاْ أَلَمْ نَکُنْ مّعَکُمْ وَإِن کَانَ لِلْکَافِرِینَ نَصِیبٌ قَالُوَاْ أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَیْکُمْ وَنَمْنَعْکُمْ مّنَ الْمُؤْمِنِینَ فَالله یَحْکُمُ بَیْنَکُمْ یَوْمَ الْقِیَامَةِ وَلَن یَجْعَلَ الله لِلْکَافِرِینَ عَلَی الْمُؤْمِنِینَ سَبِیلاً‚((2)).

وقد تضمنت هذه الآیات:

1. إن المنافقین هم الذین یتخذون الکافرین أولیاء، یوالونهم بالمودة، وینصرونهم فی السر، متجاوزین ولایة المؤمنین ومعرضین عنها.

2. إنهم بعملهم هذا یطلبون عند الکافرین العزة والقوة، وهم بذلک مخطئون، لأن العزة والقوة کلها لله وللمؤمنین: )وَلِل-ه الْعِزّةُ وَلِرَسُول-ه وَلِلْمُؤْمِنِینَ وَلَ-َکِنّ الْمُنَافِقِینَ لاَ یَعْلَمُونَ(((3)).

ص:85


1- سورة آل عمران: 118
2- سورة النساء: 138 -141
3- سورة المنافقون: 8

وعن أبی عبد الله علیه السلام قال: »إن المؤمن أعز من الجبل، یستقل منه بالمعاول والمؤمن لا یستقل من دینه«((1)).

3. إن هؤلاء المنافقین ینتظرون ما یحل بالمؤمنین، فإن کان لهم فتح من الله ونصر قالوا: نحن معکم فی الدین والجهاد، وإن کان للکافرین نصیب من النصر قالوا: ألم نحافظ علیکم ونمنعکم من إیذاء المؤمنین لکم بخذلانهم وإطلاعکم علی أسرارهم حتی انتصرتم، فأعطونا مما کسبتم.

4. إن الله سبحانه وتعالی لن یجعل للکافرین علی المؤمنین المخلصین فی إیمانهم القائمین علی حدود الله، طریقاً إلی النصر علیهم: أی لا یمکنهم من أن یغلبوهم

)وَلَن یَجْعَلَ الله لِلْکَافِرِینَ عَلَی الْمُؤْمِنِینَ سَبِیلاً(((2)).

وهنا قد یرد سؤال عن قول-ه سبحانه وتعالی: )لَتَجِدَنّ أَشَدّ النّاسِ عَدَاوَةً لّلّذِینَ آمَنُواْ الْیَهُودَ وَالّذِینَ أَشْرَکُواْ(((3)).

الجواب: إن ظاهر الآیة القضیة الخارجیة لا القضیة الحقیقیة، کما أن قول الله سبحانه وتعالی: )وَلَتَجِدَنّ أَقْرَبَهُمْ مّوَدّةً لّلّذِینَ آمَنُواْ الّذِینَ قَالُوَاْ إِنّا نَصَارَیَ ذَلِکَ بِأَنّ مِنْهُمْ قِسّیسِینَ وَرُهْبَاناً وَأَنّهُمْ لاَ یَسْتَکْبِرُونَ(((4)) کذلک، وهذا یعرف من الجمع بین الآیات القرآنیة وکلمات النبی صلی الله علیه و آله وأهل البیت علیهم السلام وأعمالهم.

من مصادیق قانون الإلزام

وهنا لابد من الإشارة إلی الحکم الإسلامی بالنسبة إلی الکفار وما یرتکبونه من المحرمات، فالحکم هو ترکهم وشأنهم لقانون الإلزام((5))، نعم لا یجوز لهم إظهار

ص:86


1- مستدرک الوسائل: ج12 ص210 ح13906
2- سورة النساء: 141
3- سورة المائدة: 82
4- سورة المائدة: 82
5- قول-ه علیه السلام : « ألزموهم من ذلک ما ألزموه أنفسهم » تهذیب الأحکام: ج8 ص58 ح109، وقول-ه علیه السلام : « وألزموهم بما ألزموا أنفسهم » نفس المصدر: ج9 ص322 ح12

المنکرات لأن ذلک خلاف المعایشة السلمیة، فإن اللازم علی من یعیشون فی دولة أن یحترموا قوانینها.

وأما إذا عرف عنهم - علی سبیل المثال - أنهم یتعاونون مع أعداء المسلمین ویتجسسون لهم ویتربصون الدوائر بالمسلمین کما هو حال البعض منهم فی عصرنا الحاضر فهم فی حکم الأعداء، فإن هذا العمل خیانة لله عزوجل ولکتابه، ولرسول-ه صلی الله علیه و آله ولأئمة المسلمین علیهم السلام وعامتهم، وأنهم لم یراعوا حق الإسلام، ولا حق التاریخ، ولا حق الجوار، ولا حق المظلومین، ولا حق حاضر هذه المنطقة، ولا حق مستقبلها.

الخلاصة:

ونختم هذا الفصل بذکر خلاصة لهذه العلاقة التی تربط بین المسلمین وغیرهم من المذاهب والملل فی البلاد الإسلامیة بجملة من النقاط بعد أن رأینا کیف حقق الإسلام المساواة بین الذمیین والمسلمین، فکان لهم ما للمسلمین، وعلیهم ما علیهم:

أولاً: عدم إکراه أحد منهم علی ترک دینه أو إکراهه علی عقیدة معینة، یقول الله سبحانه وتعالی: )لاَ إِکْرَاهَ فِی الدّینِ قَد تّبَیّنَ الرّشْدُ مِنَ الْغَیّ(((1)).

ثانیاً: من حق أهل الکتاب أن یمارسوا شعائر دینهم: فلا تهدم لهم کنیسة، ولا یکسر لهم صلیب، وقد ورد عن الإمام أبی عبد الله علیه السلام: «من کان یدین بدین قوم لزمته أحکامهم»((2))، بل من حق زوجة المسلم (الیهودیة أو النصرانیة) أن تذهب إلی الکنیسة أو إلی المعبد حالها حال الزوجة المسلمة فی ذهابها إلی المسجد.

ثالثاً: ترک لهم الإسلام ما أباحه لهم دینهم من الطعام وغیره، ما دام ذلک جائزاً عندهم ولم یتظاهروا به فی المجتمع الإسلامی.

رابعاً: لهم الحریة فی قضایا الزواج والطلاق والنفقة حسب دینهم، ولهم أن

ص:87


1- سورة البقرة: 256
2- من لا یحضره الفقیه: ج3 ص407 ح4421

یتصرفوا کما یشاؤون فیها، دون أن توضع لهم قیود أو حدود إلا ما حدده الشرع الإسلامی مثلاً: إذا حصل تزاوج بین المسلمین وأهل الکتاب.

خامساً: حمی الإسلام کرامتهم، وصان حقوقهم، وجعل لهم الحریة فی الجدل والمناقشة فی حدود العقل والمنطق، مع التزام الأدب والبعد عن الخشونة والعنف.

 سادساً: ساوی بینهم وبین المسلمین فی القوانین العامة للبلاد.

سابعاً: حکم الإسلام بطهارة أهل الکتاب وأحل طعامهم((1)) والتزوج بنسائهم، وجواز التعامل معهم.

ثامناً: یحبّذ الإسلام زیارتهم وعیادة مرضاهم، وتقدیم الهدایا لهم، وقضاء حوائجهم، ویسمح بمبادلتهم البیع والشراء ونحو ذلک من المعاملات.

تاسعاً: یحرض الإسلام علی السعی لهدایتهم بالحکمة والموعظة الحسنة، ومن دون إی إکراه.

عاشراً: منحهم الإسلام حریة الحوار والنقاش والمحاجة مع علماء المسلمین، کما  هو المشاهد فی کتاب الاحتجاج للعلامة الطبرسی رحمة الله .

ص:88


1- فی غیر اللحوم فإنها مشروطة بالتذکیة الشرعیة

الفصل الثانی :السلم والسلام فی السیاسة والحکم

اشارة

فصل الثانی

السلم والسلام فی السیاسة والحکم

أصالة الحریة السیاسیة

*مساحة الحریة فی النظریة الإسلامیة

*معنی الحریة

*الفرق بین الحریات الإسلامیة والغربیة

*حریة الروح

*مفهوم الحریة السیاسیة

*حق الانتخاب

مبدأ الاستشارة وخصائصه وبعض تطبیقاته

*خصائص مبدأ الاستشارة

*نماذج من سیرة الرسول صلی الله علیه و آله فی الاستشارة

*دلالات مبدأ الاستشارة

الحرکات والتیارات الإسلامیة المعاصرة

*أسباب عدم تمکن الحرکات الإسلامیة من الوصول إلی الحکم

*مؤتمرات لنجاح الحرکات الإسلامیة

*الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر

ص:89

نظرة الإسلام لظاهرة العنف والإرهاب

*أوجه الصراع البشریة

*دلالات مصطلح الإرهاب

*خصائص الإرهاب

أنواع الإرهاب

*إرهاب الدولة والأفراد

*الإرهاب السیاسی

*الإرهاب الاستعماری

الدور الإسلامی فی إزالة الإرهاب

*زوال الإرهاب المدنی

*الحکمة فی تشریع الحدود والقصاص

*زوال الإرهاب الدولی والإرهاب السیاسی

*زوال الإرهاب الاستعماری

مسائل فی السلم والسلام السیاسی

ص:90

أصالة الحریة السیاسیة

أصالة الحریة السیاسیة

مسألة: جاء الإسلام بمجموعة من المبادئ والمفاهیم الخالدة التی حظیت بعظیم الاهتمام والعنایة، ووفیر الانتباه والتوقیر من قبل شعوب العالم، وخاصة فی باب السلم والسلام، فکانت محط أنظار الإنسانیة ومحور تفکیرها علی مر القرون والأزمان، وأصبحت -- بالإضافة إلی کثیر من الأحکام المشرقة الأخری - سببا لاستقطاب سائر أممها وشعوبها إلی الإسلام، ومن هذه المفاهیم علی سبیل المثال مفهوم (الأمة الواحدة) و(الأخوة الإسلامیة) ومن أدل الآیات القرآنیة علی مفهوم (الأمة الواحدة) قوله تعالی: )إِنّ هَ-َذِهِ أُمّتُکُمْ أُمّةً وَاحِدَةً وَأَنَاْ رَبّکُمْ فَاعْبُدُونِ(((1)).

وأما بالنسبة إلی الأخوة الإسلامیة فقالت الآیة: ) إِنّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُواْ بَیْنَ أَخَوَیْکُمْ (((2)).

وهناک مبدأ آخر أولاه الإسلام عنایة بالغة ورعایة مهمة وهو مبدأ الحریة، ومن الأدلة القرآنیة علیه قول-ه تعالی: )وَیَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأغْلاَلَ الّتِی کَانَتْ

عَلَیْهِمْ(((3)).

وقد یستفاد هذا المعنی من الآیة الکریمة أیضا: )النّبِیّ أَوْلَیَ بِالْمُؤْمِنِینَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ (((4)). حیث لهم الولایة وهی تعنی الحریة.

ومن الأحادیث النبویة التی دلت علی هذا المبدأ قول-ه صلی الله علیه و آله: »الناس مسلّطون علی أموالهم«((5))، وقد ألحق الفقهاء بالحدیث، قولهم: (وأنفسهم) مستنبطین ذلک من الآیة الشریفة.

ص:91


1- سورة الأنبیاء: 92
2- سورة الحجرات: 10
3- سورة الأعراف: 157
4- سورة الأحزاب: 6
5- غوالی اللآلی: ج1 ص222 ح99

ومن أحادیث العترة الطاهرة قول أمیر المؤمنین علیه السلام: »لا تکن عبد غیرک وقد جعلک الله حرا«((1)). إلی غیرها من الروایات.

فالأصل فی الإسلام الحریة، وهی تستلزم السلم والسلام، فإنهما ضمان للحریة الشخصیة والاجتماعیة کما لا یخفی.

مساحة الحریة فی النظریة الإسلامیة

مسألة: إن الله سبحانه وتعالی هو الخالق، البارئ، المصور، المحیی، الممیت، النافع، الضّار، الرزاق، ذو القوة المتین، والجبروت والسلطان، کما قال سبحانه:

ƒ هُوَ اللّهُ الْخَالِقُ الْبَارِیءُ الْمُصَوّرُ لَهُ الأسْمَآءُ الْحُسْنَیَ یُسَبّحُ لَهُ مَا فِی السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَهُوَ الْعَزِیزُ الْحَکِیمُ‚((2)).

ومع ذلک کله خلق الإنسان مختاراً ونسب إلیه المشیئة، حیث قال تعالی:

ƒوَقُلِ الْحَقّ مِن رّبّکُمْ فَمَن شَآءَ فَلْیُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْیَکْفُرْ‚((3)).

ƒإِنّ هَ-َذِهِ تَذْکِرَةٌ فَمَن شَآءَ اتّخَذَ إِلَیَ رَبّهِ سَبِیلاً‚((4)).

ƒکَلاّ إِنّهُ تَذْکِرَةٌ * فَمَن شَآءَ ذَکَرَهُ‚((5)).

ƒکَلاّ إِنّهَا تَذْکِرَةٌ * فَمَن شَآءَ ذَکَرَهُ‚((6)).

ƒذَلِکَ الْیَوْمُ الْحَقّ فَمَن شَآءَ اتّخَذَ إِلَیَ رَبّهِ مَآباً‚((7)).

ƒقُلْ یَأَهْلَ الْکِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَیَ کَلَمَةٍ سَوَآءٍ بَیْنَنَا وَبَیْنَکُمْ أَلاّ نَعْبُدَ إِلاّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِکَ بِهِ شَیْئاً وَلاَ یَتّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مّن دُونِ اللّهِ‚((8)).

ص:92


1- مستدرک الوسائل: ج7 ص231 ح8116
2- سورة الحشر: 24
3- سورة الکهف: 29
4- سورة المزمل: 19، سورة الإنسان: 29
5- سورة المدثر: 54-55
6- سورة عبس: 11-12
7- سورة النبأ: 39
8- سورة آل عمران: 64

ومن خلال مجموع هذه الآیات یعرف أصل حریة الإنسان، وأن لها أکبر المساحات فی الإسلام وأنه لیس لغیر الله علی البشر من سلطان،وحینما یتحرر الضمیر من شعور العبادة والخضوع والانقیاد لغیر الله سبحانه وتعالی، یأتی دور سائر الحریات الممنوحة للإنسان فی مختلف معاملاته وسائر شؤونه الفردیة والاجتماعیة وغیر ذلک.

وبمعنی آخر إن الحریة فی النظریة الإسلامیة لیست بمعنی الانطلاق غیر المحدود بفعل المحرمات وترک الواجبات حتی لا یقف عند حد ولا یعبأ بالقیم ویتمرّد علی المجتمع، وإنما تعنی الانطلاق البنّاء الذی یتطلع إلی فضائل الخیر فی أرجاء النفس والفکر والعقل والمجتمع فیبنی ولا یهدم ویقوّم المعوجّ فیذهب إلی المزید من التقدم ویطلب الحق والعدل دائما، کما یطلب المساواة فی موضعها.

فلیست هناک مساواة مطلقة، کما أنه لا تصح الحریة المطلقة حتی وإن کانت علی حساب الآخرین، وإنما لکل واحد منهما منطقة خاصة به، فإذا تحوّلت الحریة أو المساواة فی غیر منطقة العدل، فإن ذلک یسبّب خبالا وفسادا.

فالحریة تعنی أن کل إنسان حرّ فی کل شیء، ما عدا المحرمات والواجبات، حیث إن المحرمات یلزم ترکها، والواجبات یلزم فعلها، وذلک رعایة لمصلحة الإنسان نفسه أو بنی نوعه، ومن المعلوم أن الواجبات والمحرمات بإزاء سائر الحرّیات شیء قلیل.

معنی الحریة

والحریة فی الإسلام لیس معناها الانغمار فی الشهوات الطائشة أو الهوی المتبع أو تهدف غرضا غیر نبیل توجب سلب حقوق الآخرین، فالوجدان محرر من العبودیة والخضوع والانقیاد لغیر الله سبحانه وتعالی سواء کان أصناماً بشریة أو أصناماً حجریة، وقد قال الإمام الحسین علیه السلام للحر بن یزید الریاحی فی یوم عاشوراء: »ما أخطأت أمک إذ سمتک حرّا فأنت حرّ فی الدنیا وسعید فی الآخرة«((1)).

وقد قال الإمام علی علیه السلام فی یوم الخندق وهو یصرع عمرو بن عبد ود أحد صنادید قریش:

ص:93


1- راجع اللهوف: ص104

ونصرت رب محمد بصواب

نصر الحجارة من سفاهة رأیه

کالجذع بین دکادک وروابی

فغدوت حین ترکته متجدلا

کنت المجدل بزن-ی أثوابی

وعففت عن أثوابه ولو أننی

ونبیه یا معشر الأحزاب ((1))

لا تحسبن الله خاذل دینه

وفی هذه الأبیات بیان لمصیر الإنسان الذی حباه الله بالعقل وقدرة التمییز، فیصبح أسیر هواه حتی یعود صریعاً فی سبیل الحجارة التی لا تکون عاقلة ولا مبصرة ولا سمیعة ولا علیمة ولا فاعلة، وإنما یعبد ما لا یضرّ ولا ینفع، وقد کان أمیر المؤمنین علیه السلام دعاه إلی الإسلام قبل أن یصرعه لکنه أصرّ علی السفاهة والتزم بما لا یؤیده عقل ولا منطق ولا ضمیر ولا حتی عاطفة، مما سبّب ل-ه ذلک المصیر الأسود والعاقبة الوبیلة.

والحریة شیء طبیعی وفطری، إذ یتشوق إلیها کل إنسان حتی وإن وقع فی أزمة أو مأزق أو ما أشبه ذلک، فقد قال مسلم بن عقیل علیه السلام وهو سفیر الحسین علیه السلام إلی الکوفة:

وإن رأیت الموت شیئا نکرا ((2))

أقسمت لا أقتل إلاّ حرّا

الفرق بین الحریات الإسلامیة والغربیة

لم تعط أرقی الحضارات مبدأ الحریة حقها، وإنما طبقت منها ما یتلاءم مع مصالحها الضیقة، ومع ذلک نجد المسلمین فی واقعنا المعاصر ترکوا الحریات

الإسلامیة -- التی فیها کل خیر وسیادة وسعادة -- إلی القیود التی )مّآ أَنزَلَ اللّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ(((3))، وسبّب ذلک لهم التأخر، الشأن الذی لم یکن مسبوقا فی تاریخ الإسلام الطویل إطلاقا، وإنما جاءت هذه التبعیة للغرب والشرق منذ أقل من قرن فذاقوا وبال

ص:94


1- کشف الغمة: ج1 ص199
2- الإرشاد: ج2 ص58
3- سورة یوسف: 40، وسورة النجم: 23

أمرهم حیث سقطت سیادتهم وسعادتهم واستقلالهم، وحرموا من الحریة الممنوحة من قبل الإسلام.

حریة الروح

من اللازم علی الإنسان أن یتمتع بحریة الروح وقوة النفس، فلا یقع ضحیة المال أو الجاه أو الشهوة الجنسیة أو السلطان أو الحسب أو النسب، فإن کل ذلک خلاف الحریة، فإذا وجد الإنسان نفسه خاضعا بتأثیر أی أمر من تلک الأمور وأشباهها فإنه لایتمتع بحریة کاملة حیالها، کما قال عیسی بن مریم علیه السلام لأصحابه: إنکم لن تنالوا ما تریدون إلا بترک ما تشتهون وبصبرکم علی ما تکرهون((1)).

وهذه الحریة من میزات الدین الإسلامی، حیث یجعل الروح حراً أمام کل الشهوات.

قال علی علیه السلام: »إیاکم وغلبة الشهوات علی قلوبکم فإن بدایتها ملکة ونهایتها هلکة«((2)).

وقال علیه السلام: »عبد الشهوة أسیر لا ینفک أسره«((3)).

وقال علیه السلام: »مملوک الشهوة أذل من مملوک الرق«((4)).

وقد قال أحد الفلاسفة لأحد الملوک: أنت عبد عبدی، ولما استفسره عن السر، قال: إن شهوتی عبدی وخاضعة لی وأنت عبد للشهوة فأنت عبد عبدی.

وقد تعرّض القرآن الحکیم إلی بعض أمثال هذه القیم الزائفة حیث قال سبحانه: )وَقَالُواْ نَحْنُ أَکْثَ-رُ أَمْوَالاً وَأَوْلاَداً وَمَا نَحْنُ بِمُعَذّبِینَ * قُلْ إِنّ رَبّی یَبْسُطُ الرّزْقَ لِمَن یَشَآءُ وَیَقْدِرُ وَلَ-َکِنّ أَکْثَرَ النّاسِ لاَ یَعْلَمُونَ* وَمَآ أَمْوَالُکُمْ وَلاَ أَوْلاَدُکُمْ بِالّتِی تُقَرّبُکُمْ عِندَنَا زُلْفَیَ إِلاّ مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُوْلَ-َئِکَ لَهُمْ جَزَآءُ الضّعْفِ بِمَا عَمِلُواْ وَهُمْ فِی الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ* وَالّذِینَ یَسْعَوْنَ فِیَ آیَاتِنَا مُعَاجِزِینَ أُوْلَ-َئِکَ فِی

ص:95


1- مستدرک الوسائل: ج11 ص341 ح13212
2- غرر الحکم ودرر الکلم: ص305 ح6974
3- غرر الحکم ودرر الکلم: ص305 ح6967
4- مستدرک الوسائل: ج11 ص347

الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ* قُلْ إِنّ رَبّی یَبْسُطُ الرّزْقَ لِمَن یَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَیَقْدِرُ لَهُ وَمَآ أَنفَقْتُمْ مّن شَیْءٍ فَهُوَ یُخْلِفُهُ وَهُوَ خَیْرُ الرّازِقِینَ(((1)).

وفی آیة أخری من آیات القرآن الکریم، وکلها آیات جامعة وصمیمیة الأثر، یقول الله سبحانه: )إِنّ أَکْرَمَکُمْ عَندَ اللّهِ أَتْقَاکُمْ(((2)).

فالکرامة لیست للمال، ولا للسلطان،ولا للعشیرة،ولا للمکانة الاجتماعیة وإنما الکرامة للتقوی،کما عن أبی عبد الله علیه السلام یقول: »ما نقل الله عزوجل عبدا من ذل المعاصی إلی عز التقوی إلا أغناه من غیر مال، وأعزه من غیر عشیرة، وآنسه من غیر بشر«((3)).

فکلما زادت تقوی الإنسان زادت کرامته وکذلک یصح العکس، هذا بالنسبة إلی العقل والمنطق فی الدنیا، وأما بالنسبة إلی الآخرة فلا تبقی قیمة إطلاقا إلا قیمة الحق والعدل وسائر الواقعیات.

مفهوم الحریة السیاسیة

وقد ذکرنا فی کتاب (الفقه: الحریات) وغیرها ألف قسم من الحریات الإسلامیة، وما نشیر له فی مطاوی هذا الکتاب هو الذی یتعلق فی بعض موضوعات بحث السلم والسلام، وسیکون الحدیث فی هذا الموضوع عن الحریة السیاسیة.

قد تحدثنا فی الفصل الأول عن الحریة الدینیة وأثرها علی السلم والسلام فی العقیدة والأدیان والمذاهب، وهنا سنتحدث عن الحریة السیاسیة وهی لا تقل أهمیة فی نشر السلم والسلام فی المجتمع عن الحریة الدینیة. وإلیکم بعض مصادیقها:

حق الانتخاب

حق الانتخاب لکل فرد فرد، رجلاً کان أو امرأة، صغیراً أو کبیراً، فإن الطفل یمکنه المشارکة بالانتخابات عبر ولیه علی تفصیل ذکرناه فی بعض کتبنا، إنه من

ص:96


1- سورة سبأ: 35 - 39
2- سورة الحجرات: 13
3- الکافی: ج2 ص76 ح8

الحقوق السیاسیة التی شرعها الإسلام للإنسان.

فقد جعل الإسلام لکل فرد من المسلمین حق أن یعطی رأیه وأن ینتخب من یریده فی رئاسة الجمهوریة وما أشبه.

نعم الإمامة تعین من قبل الله تعالی، لأن الإمامة کالنبوة هی خلافة الله فی الأرض ومشروطة بالعصمة والعلم اللدنی، یقول تعالی: ƒ إِنّی جَاعِلُکَ لِلنّاسِ إِمَاماً‚((1)) ومن هنا تتمیز الإمامة والنبوة بالمعاجز التی لا یقدر البشر علیها.

ولکن فی غیر منصب النبوة والإمامة، الإنسان مختار فی انتخاب من یراه صالحاً فی إدارة أموره،ول-ه الحق أیضا فی أن یساهم بنفسه فی إدارة شؤون الدولة والأمة، وقد یکون ذلک واجبا عقلاً إذا توقف الواجب علیه من باب المقدمة، فحقّ انتخاب رئیس الدولة وما أشبه حق مکفول لکل فرد فرد من أفراد المجتمع، وقد ذکرنا فی کتبنا السیاسیة أن اللازم أن یکون حتی للصغار حق الرأی والانتخاب لکن حیث لایتمکنون من مزاولة ذلک بأنفسهم فیشارکون عبر ولیهم الشرعی.

فالحریات السیاسیة بمختلف مصادیقها هی حق مشروع لکل إنسان، من المشارکة فی الدولة، والترشیح، وإبداء الرأی، وحقوق المعارضة، وتشکیل الأحزاب والتجمعات، وإصدار الصحف والمجلات، والبث عبر الإذاعات والتلفزیونات وما أشبه. وکل هذه مما یضمن السلم والسلام السیاسی، أما العنف والإرهاب والقمع والظلم والاستبداد فإنها تنافی السلم والسلام.

فالمفردات التی یلزم أن تبحث تحت هذا العنوان (الحریات السیاسیة) کثیرة ولیس من هدف هذا الکتاب الإحاطة بتلکم التفاصیل، فهو یمیل فی الأغلب إلی ذکر العناوین والخطوط العامة، وقد تطرقنا إلی الکثیر مما یرتبط بهذه المباحث فی بعض کتبنا بصورة مفصلة. وسنقتصر هنا بالإشارة إلی ثلاثة من المفردات التی تنطوی تحت هذا العنوان (الحریة السیاسیة) وهی:

ص:97


1- سورة البقرة: 124

مبدأ الاستشارة وخصائصه وتطبیقاته

مبدأ الاستشارة وخصائصه وتطبیقاته

خصائص مبدأ الاستشارة

هنالک عدة أمور هی من جملة المفاهیم التی یقوم بها السلام السیاسی، فإذا طبقت وفق تعالیم النظریة الإسلامیة سیعم السلم والسلام والأمن المجتمع، وتزول عنه مظاهر العنف والإرهاب والجور والظلم، من أهمها: استشاریة الحکم وعدم الاستبداد به. والمجالات التی یمکن أن تتدخل فیها الشوری والاستشارة کثیرة جدا، فلها دور فی المجال التربوی والاقتصادی، ولها مساحة واسعة فی البعد الاجتماعی، ولها میدان واسع فی العدید من مجالات الحیاة، والحدیث هنا عما یتناول بعدها السیاسی، أی استشارة الحاکم لرعیته فی مجال السیاسة والحکم وعدم استبداده به، ومن جملة خصائص الشوری:

1: إنها مجال خصب ومیدان واسع لحریة التعبیر والانتخاب فی المیدان السیاسی. وبما أن حریة الرأی فی الانتخاب من الأمور الضروریة فی المجتمع الإسلامی فقد أولاها التشریع الإسلامی عنایة بالغة، حیث ورد الحدیث عنها فی القرآن الکریم فقال سبحانه: )وَأَمْرُهُمْ شُورَیَ بَیْنَهُمْ(((1)) وقال تعالی: )وَشَاوِرْهُمْ فِی الأمْرِ(((2))، وفی صغری من صغریات المسألة قال سبحانه: )وَتَشَاوُرٍ(((3)).

2: الشوری والاستشارة هی عملیة تکامل للإنسان علی المستوی الفکری والسیاسی، ولها دور إیجابی فی إرساء دعائم کیان المجتمع السلیم، والحکومة الرشیدة، إذ فیها تتم عملیة التنظیم السیاسی بأنجح صوره.

3: الشوری والاستشارة هی الإطار الصحیح للآراء المتعددة، وهی الضابط الذی یجعل الآراء المتخالفة فی توجیه سلیم. وقد قلنا فی بعض کتبنا إن الله سبحانه وتعالی حل کل الاختلافات فی کلمتین: کلمة الشوری للأکثریة حیث تکون حاکمة

ص:98


1- سورة الشوری: 38
2- سورة آل عمران: 159
3- سورة البقرة: 233

علی الرأی الفردی، وکلمة القرعة حیث قال سبحانه وتعالی: )فَسَاهَمَ(((1)) فإذا لم تکن أکثریة بأن تساوت الآراء، أو أنّ البعض کان حیادا والرأیان الآخران متساویین کانت القرعة محکّمة، وقد قال الشاعر:

واقبل نصیحة ناصح متفضل

شاور صدیقک فی الخفی المشکل

فی قول-ه شاورهم وتوکل

فالله قد أوصی بذاک نبیه

بالاقتراع یکون حل المعضل ((2))

وإذا فقدت الأکثریة مرة

نماذج من سیرة الرسول صلی الله علیه و آله فی الاستشارة

قد ذکرنا فی بعض کتبنا السیاسیة أن مبدأ الشوری والاستشارة یلزم تطبیقها من المعمل الصغیر إلی رئاسة الدولة الکبیرة، فإن من الواضح أن الآراء خیر من رأی واحد، وأکثریة الآراء خیر من أقلیتها بالنسبة إلی الإطار العام، حتی إن خلافه إذا اتفق یکون خلافا ضئیلا، وقد کان رسول الله صلی الله علیه و آله یقول مکرّرا: »أیها الناس أشیروا علیّ«((3))، یقصد بذلک تدریبهم علی المشورة والرأی.

کما أن قول-ه صلی الله علیه و آله: »أنا فی الحزب الذی فیه ابن الأدرع((4))«((5)) یدل علی أنه کانت فی زمانه أحزاب أیضا، ولا ینافی ذلک أن یکون المجموع هم من (حزب الله) کما أن أصحاب الأحزاب الباطلة هم بأجمعهم فی (حزب الشیطان).

وقد کان النبی صلی الله علیه و آله علی رفعة نفسه وکثرة علمه واتصاله بالوحی وأنه )وَمَا یَنطِقُ عَنِ الْهَوَیَ* إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْیٌ یُوحَیَ(((6)) یستشیر أصحابه ویأخذ برأیهم فی العدید من القضایا وربما فیما خالف رأیه المبارک، وذلک لتمرینهم علی مبدأ

ص:99


1- سورة الصافات: 141
2- راجع نهج السعادة: ج7 ص282
3- تفسیر القمی: ج1 ص258
4- هو محجن بن الأدرع الأسلمی، له صحبة، مات فی زمن معاویة، وهو الذی اختط مسجد البصرة
5- مستدرک الوسائل: ج14 ص79 ح16142
6- سورة النجم: 3-4

الاستشارة، حتی فیما یرتبط بالسیاسة وفی أمور الدولة والأمة، کما قال أمیر المؤمنین علیه السلام فی وصیّته لابنه محمد بن الحنفیة: »یا بنی إیاک والاتکال علی الأمانی..« إلی أن قال: »قد خاطر بنفسه من استغنی برأیه، ومن استقبل وجوه الآراء عرف مواقع الخطأ«((1)).

وقال أبو عبد الله علیه السلام: »ما یمنع أحدکم إذا ورد علیه ما لا قبل له به أن یستشیر رجلا عاقلا له دین وورع« ثم قال أبو عبد الله علیه السلام: »أما إنه إذا فعل ذلک لم یخذله الله بل یرفعه الله ورماه بخیر الأمور وأقربها إلی الله«((2)).

وهذه جملة من مشاورة الرسول صلی الله علیه و آله لأصحابه والتی نری فیها السلم والسلام بینا فی نتائجها:

فی غزوة بدر

جاء الحباب بن المنذر إلی رسول الله صلی الله علیه و آله فی غزوة بدر، حیث نزل رسول الله صلی الله علیه و آله فی مکان فقال: یا رسول الله أ رأیت هذا المنزل أ منزل أنزلک الله سبحانه لیس لنا أن نتقدمه ولا نتأخر عنه أم هو الرأی والحرب والمکیدة؟

فقال الرسول صلی الله علیه و آله: »بل هو الرأی والحرب والمکیدة«.

فقال الحباب: یا رسول الله فإن هذا لیس بمنزل فامض بالناس حتی تأتی أدنی میاه القوم فنشرب ولا یشربون. فقال الرسول صلی الله علیه و آله: »لقد أشرت بالرأی«((3)) وأخذ برأیه، لکن کلام حباب (ولا یشربون) لم یفعل به الرسول صلی الله علیه و آله إنما جعل أحواضا من الماء ملأ المسلمون میاه الآبار فیها، ولما جاء الکفار وأرادوا أن یأخذوا الماء أذن لهم الرسول صلی الله علیه و آله فأخذوا الماء کما شاؤوا.

فی غزوة الأحزاب

وفی غزوة الأحزاب أخذ النبی صلی الله علیه و آله برأی جماعة من أصحابه حیث اختلفوا هل

ص:100


1- من لا یحضره الفقیه: ج4 ص388 ح5834
2- وسائل الشیعة: ج12 ص42 ح15596
3- للتفصیل راجع شرح نهج البلاغة: ج14 ص115

یخرجون من المدینة إلی الخارج ویحاربون الأحزاب، أم یبقون فی داخل المدینة فإذا جاءهم الکفار حاربوهم؟، وکان رسول الله صلی الله علیه و آله یظهر أولا برجحان المقام فی المدینة لیترک الأحزاب حتی یقدموا علیهم فیحاربهم فی طرقها ولکن تقدم سلمان الفارسی (رضوان الله علیه) فأشار بالخندق وأخذ الرسول صلی الله علیه و آله برأیه وخرجوا من المدینة وکان رأیه الصواب((1)).

فی حصار الطائف

وفی مورد آخر حیث طال حصار الرسول صلی الله علیه و آله لأهل الطائف، رأی بعض الصحابة أن یفاوض الرسول صلی الله علیه و آله أهل الطائف وقبل الرسول صلی الله علیه و آله رأیهم، فدخل فی مفاوضات مع أهل الطائف((2)).

ثمار المدینة

وفی قصة أخری أراد أن یعطی الرسول صلی الله علیه و آله للکفار ثلث ثمار المدینة، بشرط أن لا یحاربوا المسلمین، فسأل سعد بن معاذ الرسول صلی الله علیه و آله عما إذا کان للوحی دخل فی ذلک؟ فقال الرسول صلی الله علیه و آله: »إنما هو أمر صنعته لکم رجوت من ورائه الخیر«((3))، فقال سعد: اترکها یا رسول الله، إنهم لم ینالوا منا ثمرة حین کنا قبل الإسلام أذلاء، أفبعد أن أعزنا الله بک یأخذون ثمار المدینة عنوة لا والله، فقبل الرسول صلی الله علیه و آله رأیه وردّ الکفار خائبین((4)).

صلح الحدیبیة

ومن القصص الغریبة عن الرسول صلی الله علیه و آله فی مسألة المشورة ما قام به فی شروط صلح الحدیبیة حیث إن النبی صلی الله علیه و آله أخبر أصحابه وهم مجتمعون فی المسجد أنه صلی الله علیه و آله رأی فی منامه أنه دخل هو وأصحابه المسجد الحرام آمنین، محلّقین رؤوسهم ومقصرّین

ص:101


1- راجع الإرشاد: ج1 ص94
2- لمزید من الاطلاع راجع بحار الأنوار: ج21 ص154، وج21 ص179. 
3- للتفصیل راجع الإرشاد: ج1 ص94، بحار الأنوار: ج20 ص250
4- راجع الإرشاد: ج1 ص94، بحار الأنوار ج20 ص250

کما ذکرتها الآیة الکریمة: )لّقَدْ صَدَقَ اللّهُ رَسُولَهُ الرّؤْیَا بِالْحَقّ(((1))، فخرج رسول الله صلی الله علیه و آله بأصحابه إلی الحج وبذل قصاری جهده فی إقناع قریش أنه خرج حاجا وزائرا لا غازیا ولا محاربا، لکن أهل مکة رأوا أن ذلک إهانة لهم وهم أصحاب العدة والمنعة والقوة، فوقفوا أمام الرسول صلی الله علیه و آله وصدّوه وأتباعه عن مکة المکرمة وعن المسجد الحرام وتأزم الموقف حتی انتهی بمعاهدة أمضیت بین المسلمین والمشرکین علی شروط لمدة معینة، منها من هاجر من المکیین إلی المسلمین یرده المسلمون إلیهم ولا یرد المشرکون من هاجر إلیهم من المسلمین، وأن یرجع المسلمون عن مکة هذا العام علی أن یدخلوها فی العام المقبل، لکن أصحاب الرسول صلی الله علیه و آله قد رأوا فی تلک المعاهدة إجحافا لحقوق المسلمین، ولونا من الإهانة والذلة والاستصغار لا یتفق مع عزّة الإسلام وکرامته، ولذا استبد ببعضهم الغضب وظهر علی وجوههم غیظهم، وکان البعض منهم یعبرّ عن ثورته بکلمات ما کان یظن أن یجری مثلها ممن آمن بالله والیوم الآخر، فقال مکذّبا للرسول صلی الله علیه و آله ورؤیاه حیث قال: والله ما حلقنا ولا قصّرنا ولا دخلنا المسجد الحرام ألست رسول الله وألسنا نحن المسلمین وألیس الله أخبرک بأنک تدخل فتحلق وتقصّر فعلام نعطی هذه الدنیة فی دیننا، لکن الرسول صلی الله علیه و آله حلم حلما کبیرا لأنه عرف أن هذا الرجل لا یعرف عاقبة الأمر وإنما العاقبة هی المعیار، وأخیرا أصدر الرسول صلی الله علیه و آله أوامره إلی أصحابه لکی یستعدّوا للرجوع إلی المدینة، وطلب منهم أن یتحلّلوا من إحرامهم فعظم الأمر علیهم ولم ینقادوا إلی تنفیذ أمر الرسول صلی الله علیه و آله، وبدت علامات العصیان والتمرد علی وجوههم، واشتدّ غضب الرسول صلی الله علیه و آله إذ کیف یمضی صلحا مع أعداء ل-ه ثم یغضبه جیشه ویثور علیه فی تنفیذ أمره والوفاء بعهده، فدخل الرسول صلی الله علیه و آله علی زوجته (أم سلمة) فی هذا الموقف الحرج قائلا لها: »هلک المسلمون یا أم سلمة أمرتهم فلم یطیعوا« وهنا یظهر مقدار السمو ومبلغ التوفیق فی الرأی والمشورة حتی عند امرأة کأم سلمة، فقالت أم سلمة: اعذرهم یا رسول الله، فقد حمّلتهم أمرا عظیما فی الصلح فهم بذلک مکرهون، والرأی أن تخرج

ص:102


1- سورة الفتح: 27

ولا تثور علی أحد، فتبدأ بما ترید من الحلق، فإذا رأوک فعلت تبعوک وعلموا أن الأمر حتم لا هوادة وهم مؤمنون بک، محبوک ومضحّون لک، فاستقر قلب النبی صلی الله علیه و آله علی رأی أم سلمة وفکرها الثاقب فقام من فوره، وحلق أمامهم وصدّق رأی أم سلمة فلم یخالفه المسلمون حین رأوا النبی صلی الله علیه و آله حتی فعلوا مثله من الحلق، ثم رجعوا إلی المدینة موفین بعهدهم مؤمنین بحکمة نبیّهم((1))، وبذلک اجتمع شملهم وتوحّدت صفوفهم واتّحدت کلمتهم ولم یخذلوا رسول الله صلی الله علیه و آله، بل کانوا معه وإن کان فی نفس بعضهم شیء، وقد ذکر بعض المفسرین إن هذا کان فتحا مبینا لأنه انتهی إلی الفتح، مثل:

)اقْتَرَبَتِ السّاعَةُ وَانشَقّ الْقَمَرُ(((2)) حیث أنزل الله سبحانه وتعالی حینئذ: )إِنّا فَتَحْنَا لَکَ فَتْحاً مّبِیناً* لّیَغْفِرَ لَکَ اللّهُ مَا تَقَدّمَ مِن ذَنبِکَ وَمَا تَأَخّرَ وَیُتِمّ نِعْمَتَهُ عَلَیْکَ وَیَهْدِیَکَ صِرَاطاً مّسْتَقِیماً* وَیَنصُرَکَ اللّهُ نَصْراً عَزِیزاً* هُوَ الّذِیَ أَنزَلَ السّکِینَةَ فِی قُلُوبِ الْمُؤْمِنِینَ لِیَزْدَادُوَاْ إِیمَاناً مّعَ إِیمَانِهِمْ وَلِلّهِ جُنُودُ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَکَانَ اللّهُ عَلِیماً حَکِیماً(((3))، لکن بعضهم ذکر أن السورة نزلت بعد فتح مکة، وعلی أی حال فالرسول صلی الله علیه و آله استشار امرأة فی هذه القصة الخطیرة ونفّذ رأیها.

ومن المعلوم أن الرسول الأعظم صلی الله علیه و آله )وَمَا یَنطِقُ عَنِ الْهَوَیَ* إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْیٌ

یُوحَیَ(((4)) لکن ضعاف النفوس من المسلمین لم یتمکنوا أن یحتملوا مثل هذا الأمر الذی کان ظاهره مشینا، وبعد رأی حصیف أخذه الرسول صلی الله علیه و آله من امرأة ظهرت به حکمة الرسول صلی الله علیه و آله، وصدق الواقع الذی أشار إلیه وأن عمله کان وفق الحکمة والصواب.

دلالات مبدأ الاستشارة

1.فی هذه المشاورات((5)) دلالة علی لزوم أن لا یستبد الحاکم برأیه دون مشورة

1.  

ص:103


1- راجع مستدرک الوسائل: ج9 ص313
2- سورة القمر: 1
3- سورة الفتح: 1-4
4- سورة النجم: 3-4
5- التی مر ذکرها وغیرها أیضا، وقد جمعنا بعضها فی کتاب فکانت زهاء عشرین

ذوی الرأی. فإذا استبد برأیه کان للأمة حق إلغاء ذلک الرأی - فی غیر المعصوم علیه السلام

2. کان بعض هذه الصور المتقدمة فی سیرة النبی صلی الله علیه و آله فی مجال الشوری أن البادئ فی الرأی هم أصحاب النبی صلی الله علیه و آله، أی أحد أفراد المجتمع، ویستدل من هذا علی أن الإسلام أعطی حق المشورة للأفراد بأن یبدوا رأیهم فی المجال الذی هم فیه حتی وإن لم یبدأهم القائد بالاستشارة.

3. ویلاحظ أیضا أن أصحاب المشورة فی هذه الصور هم من أصحاب الخبرة أو من أهل الحل والعقد، کما أن إبداء الرأی من الأعم منهم، ومن هذا یستدل علی أن أهل الرأی والحل والعقد علیهم أن یبدوا آراءهم حتی یکون القائد علی بصیرة من أمره قبل أن یقدم علی أی موقف سیاسی.

4. ویتضح من هذه الصور المجالات التی یتطلب تطبیق مبدأ الاستشارة فیها، ففی بعضها کانت الشوری فی المجال العسکری، وبعضها کان فی المجال السیاسی.

5. وفی الصورة الأخیرة یعرف دور النساء فی مجال الشوری، وقد منحها الإسلام کامل الحریة لإبداء رأیها فیما تعرفه، وهذا الأمر لا یتناقض مع ما ورد من:

«شاوروهن وخالفوهنّ»((1)). فإن الخلاف فیما إذا کان رأیهن غیر صحیح، أما لو کان رأیهن صحیحا وصائبا فإنه یؤخذ به، ثم لیس کل النساء فی مستوی واحد من المعرفة والثقافة والإیمان.

6. ویستدل من هذه الصور علی لزوم التدریب وممارسة الاستشارة فی کل المیادین وفی مختلف المجالات لکی تکون أمرا طبیعیا لیس فیها غرابة علی من یراد أخذ الرأی من غیره حتی وإن اختلفت وجهات نظرهم حول رأی معین لأنه حینئذ یصقل وینضج وقد قال أمیر المؤمنین علی علیه السلام: »من استبد برأیه هلک، ومن شاور الرجال شارکها فی عقولها«((2)).

والرسول الأعظم صلی الله علیه و آله فی هذه الصور کان عالما بکل تلک الأمور وإنما کان یرید تدریبهم علی المشورة وأخذ الآراء التی یجمع علیها القوم.

ص:104


1- مستدرک الوسائل: ج8 ص348 ح9627
2- وسائل الشیعة: ج12 ص40 ح15587

7. ویتضح من بعض الصور أنه لا فرق فی الإسلام بین مشورة عربی أو أعجمی، لأنه لا تفاوت وتمییز بینهما إلا بالتقوی، وأن المهم فی ممارسة الشوری هو الرأی الأصیل والقول الصائب والفکرة الثاقبة فیقبل وإن کان صادرا من رجل لیس عربیا کما حدث فی غزوة الأحزاب حینما تقدم سلمان الفارسی (رضوان الله علیه) فأشار بالخندق وأخذ الرسول صلی الله علیه و آله برأیه.

8. ومن فوائد الاستشارة والشوری ضمان عدم الاستبداد والطغیان، فإن صاحب المنصب والجاه ومن کان ل-ه موقع فی الدولة - صغیرا أو کبیرا - قد یستبد برأیه ویطغی، وذلک لأن البشر بطبیعته یتجبّر ویتغیّر بسبب القدرة وامتلاک المنصب الوظیفی أو الاجتماعی العالی إلاّ من عصمهم الله تعالی وهم المعصومون علیهم السلام فقط، کما یمکن للصحافة الحرة والإعلام الحر والأحزاب المتنافسة وما أشبه من أن تقف أمام الحاکم من أن یتغیّر ویطغی.

وقد کان أحد العلماء یقول: إذا انقلب شخص من کونه مأموما إلی کونه إمام جماعة، أو من عدم کونه قاضیا إلی کونه قاضیا، أو من کونه مقلّدا إلی کونه مرجع تقلید، أو من کونه محکوما إلی کونه حاکما، فی أیة رتبة من الحکم، لاستصحب حالته السابقة، مع وجود احتمال تغیره وطغیانه لأن هذه الأمور متغیّرات وقد قال سبحانه: )إِنّ الإِنسَانَ لَیَطْغَیَ* أَن رّآهُ اسْتَغْنَیَ(((1))، وکل تغییر من هذا القبیل نوع من الاستغناء، وعلی هذا یلزم مراقبة سیرته فإن کان علی حالته السابقة من النزاهة والعدالة یبقی الاعتماد علیه وتقوم مسیرته، وإذا کان العکس فالحل هو ما یتخذ من رأی فی الشوری التی تعقد لأجل إصلاح هذا الأمر.

ولذا یلزم علی الحاکم المنتخب من قبل الأمة أن لا یتغیّر عمّا کان علیه قبل الحکم، کما قال أمیر المؤمنین علیه السلام: »ید الله فوق رأس الحاکم ترفرف بالرحمة، فإذا حاف فی الحکم وکله الله إلی نفسه«((2))، وإذا تغیر نحو الأسوأ ینبغی أن یقال ویخلع من

ص:105


1- سورة العلق: 6-7
2- من لا یحضره الفقیه: ج3 ص6 ح3228

قبل الشعب.

9. وأخیرا یعرف أن السلم والسلام والأمن والنجاح فی المجال السیاسی یکون عبر حریة الرأی فی ممارسة الشوری وتطبیق الاستشارة وعدم الاستبداد بالرأی، ومن هنا یعرف بعض أسباب سیطرة الغرب علی مقدرات المسلمین فحینما أخذ الغرب بهذا المبدأ الإسلامی نجحوا وسیطروا علی العالم، بینما نحن ترکناه فخسرنا، ولیس آخرتنا فحسب، بل ودنیانا أیضا حیث صار غیرنا سادة علینا، ولذا قال سبحانه وتعالی:

)یَهْدِی بِهِ اللّهُ مَنِ اتّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السّلاَمِ(((1))، فإن من السلام أن یکون الإنسان سیدا لا مسودا، وقائدا لا مقودا، وفی قبض الزمام لا فی مؤخرة القافلة، وحینما ترک المسلمون طریق الإسلام والقرآن وسیرة الرسول صلی الله علیه و آله ولم یهتدوا بنور أهل البیت علیهم السلام تداعت علیهم الأمم کما تتداعی الأکلة علی قصعتها وتتهافت علیهم تهافت الذئاب علی الشاة القاصیة.

الحرکات والتیارات الإسلامیة المعاصرة

الحرکات والتیارات الإسلامیة المعاصرة

مسألة: من الواجب علی الأمة وقیاداتها أن تهیّئ أسباب الحرّیات المکفولة فی الإسلام لیسود السلم والسلام المجتمع الإسلامی، وهذا لا یکون إلا بالوعی العام وبالتعدّدیة الحزبیة وجعل الحکم بالانتخابات الحرة وإحیاء قانون الشوری والاستشارة وتطبیقه بصورة عملیة صحیحة کما ذکرنا ذلک فی جملة من کتبنا تفصیلا تارة وإجمالا أخری. وکان الأمل معقوداً علی طلیعة هذه الأمة والنخبة الواعیة المتمثلة بالحرکات الإسلامیة فی أن تهیأ الأسباب لإحیاء هذا القانون، ولکن اتضح فیما بعد أن الکثیر من الحرکات الإسلامیة، تدّعی المشاورة وعدم الاستبداد وما أشبه ذلک، فلمّا قوی أمرها وصارت ذات نفوذ فعلت مثل أفعال من سبقوها من المستبدین، وهذا فی تصورنا من أسباب عدم تمکن الحرکات من الوصول إلی الحکم، مع أنه انقضی منذ سقوط القاجاریین والعثمانیین ما یقارب القرن.

ص:106


1- سورة المائدة: 16

أسباب عدم تمکن الحرکات الإسلامیة من الوصول إلی الحکم

إن الحرکات الإسلامیة لم تنجح فی الوصول إلی الحکم الإسلامی مع أن البلاد بلاد الإسلام والأمة مسلمة، ومع أن الکل - باستثناء النادر - یحبون الإسلام عقیدة وشریعة وأخلاقا، فذلک لأمور:

الأول: رغم أن الحرکات والتیارات الإسلامیة کافة حدّدت مواقفها من الصراعات الفکریة والمذهبیة المعاصرة، أمثال: الشیوعیة والبعثیة والقومیة والدیمقراطیة الغربیة والاشتراکیة والرأسمالیة إلا أنها لم تهتد لاتخاذ الموقف الصائب من الهجوم الغربی الفکری والذی تم بمختلف أسالیبه علی بلاد الإسلام.

وقد انقسم المسلمون أمام هذا الهجوم الفکری إلی ثلاث جماعات:

الجماعة الأولی: فرقة اتجهت بکلّیتها إلی حضارة الغرب ومناهج حیاته وأسالیبه، فقد انحازوا إلی الغرب کلّیا فی المناهج والأنظمة والتطبیقات وسائر الخصوصیات، وبذلک خسروا دنیاهم وآخرتهم، ودنیا غیرهم وآخرتهم، والعدید من المثقفین عندنا هکذا صنعوا، ولهذا تفشت الحرکات العلمانیة فی المسلمین، وأباحوا المحرمات وترکوا الواجبات، إلی غیر ذلک، وهؤلاء هم الذین جعل الغرب الحکم بأیدیهم فمنهم الحکام ولهم الأحکام.

والجماعة الثانیة: هم الذین أخذوا شیئا من هذا وشیئا من ذاک، فصاروا:

ƒمّذَبْذَبِینَ بَیْنَ ذَلِکَ لاَ إِلَیَ هَ-َؤُلآءِ وَلاَ إِلَی هَ-َؤُلآءِ‚((1)) فهؤلاء یتذبذبون ویتأرجحون بین نهجین مفضلین مسک الهراوة من الوسط والمثابرة علی التذبذب والتأرجح.

والجماعة الثالثة: هی الجماعة التی أدارت ظهرها للغرب وعکفت علی الاتجاه التقلیدی السابق، فدعوا إلی العودة للقدیم قلبا وقالبا ومظهرا ومخبرا، وغالب الحوزات العلمیة، السنیة والشیعیة اتجهت هذا الاتجاه، ومنها أیضا بعض الحرکات الإسلامیة.

ص:107


1- سورة النساء: 143

لکن من الواضح لزوم معرفة أن الصغریات المتغیرة تدخل فی أی الکبریات؟ فهل یلزم إدخالها فی کبریات جدد أو الکبریات السابقة، فمثلا إذا کان استیراد البضائع الأجنبیة یوجب الضرر والمکوس، وذلک حرام شرعاً، ومن جانب آخر قانون حریة التجارة الإسلامی یبیح الاستیراد والتصدیر، فهل المعیار هو (لا ضرر)((1)) أو قانون الحریة، علماً بأن بین (لا ضرر) وبین الجمرک عموم من وجه، إلی غیر ذلک من مئات الأمثلة والفروق.

فالغزو الفکری الغربی کان أحد الأسباب التی أدت إلی عدم نجاح الحرکات فی الوصول إلی الحکم.

الثانی: الرؤیة الضبابیة لقضایا معلقة لم یعرفها البعض، مثل الموقع الاجتماعی للمرأة فی الإسلام، وما یتعلّق بقضایا الزّی والعمل والإسهام فی الأمور العامة من شؤون الحکومة وغیرها، وحقوقها السیاسیة، وحقوقها الاجتماعیة، وحقوقها الاقتصادیة، وحقوقها البیئیة، وحقوقها العملیة، وما أشبه ذلک.

الثالث: قضیة الوحدة الوطنیة، فهل الاعتبار فی الإسلام بالوطن القومی، أو بالوطن الجغرافی، أو بالوطن اللغوی، أو بالوطن الإسلامی، بما أنهم یعیشون مسلمین تحت ظل الإسلام، مثلا الهند کانت قبل الاستقلال حکومات وأدیان ولغات ومناخات وجغرافیات وما أشبه ذلک، لکن حزب المؤتمر تمکن أن یوحّد الجمیع تحت لواء الهند، وإن اختلفوا فی اللغات والأدیان والمذاهب والقومیات والمناخات وغیرها.. أما المسلمون فلم یتمکّنوا بعد من نشر مفاهیم الإسلام القائلة بوحدة الوطن الإسلامی بلا حدود جغرافیة، وأن الجمیع یعیشون تحت ظلّ الأخوة الإسلامیة، وإزالة ما لحق بالمسلمین من الأهواء والجهل والتردد کما ورد عن جعفر بن محمد علیه السلام عن آبائه علیهم السلام فی وصیة النبی صلی الله علیه و آله لعلی علیه السلام قال: »یا علی آفة الحسب الافتخار«، ثم قال: »یا علی إن الله قد أذهب بالإسلام نخوة الجاهلیة وتفاخرها بآبائها، ألا إن

ص:108


1- راجع من لا یحضره الفقیه: ج4 ص334 ح5717، وفیه: عن رسول الله ‚ قال: « لا ضرر ولا ضرار فی الإسلام »

الناس من آدم وآدم من تراب وأکرمهم عند الله أتقاهم«((1)).

الرابع: عدم تطبیق المفهوم الإسلامی الذی هو مبنیّ علی الشوری والعدل والمساواة وکفالة الحقوق والحریات للمسلمین وغیر المسلمین الذین یعیشون تحت لواء الإسلام مما یرتبط بالقیم الدستوریة التی هی الدعائم الأساسیة فی حکومة الرسول صلی الله علیه و آله والإمام علی علیه السلام، فقد اختلطت الأوراق فی أذهان جماعة من المسلمین المنضوین تحت الحرکات الإسلامیة والتیارات الإسلامیة فصاروا بین مفرطین ومفرّطین، وقد ورد فی الحدیث عن أمیر المؤمنین علیه السلام أنه: »لا یری الجاهل إلا مفرطا أو مفرّطا«((2))، ومن الواضح أن النجاح لا ینضوی تحت ألویة أمثال هؤلاء الذین لا یرون المبادئ والأصول والأولیات والثانویات علی حقیقتها.

الخامس: کیفیة تطبیق کلیّات الشریعة علی الصغریات الخارجیة، فإن الکلیات یجب أن تکون مستفادة من الکتاب والسنة، والمراد بالسنة الأحادیث والسیرة، فإن إحداهما تکمل الأخری، مع مراعاة کون التطبیق حسب الزمان والمکان والشرائط، فإنه لا إشکال فی أن تطبیق الشریعة هو مطلب جماهیری لکل المسلمین إلا من شذّ منهم من تلامیذ الغرب والشرق، ولیس مطلبا قاصرا علی الجماعات الإسلامیة فقط.

لکن عنجهیة وتعصب بعض الجماعات الإسلامیة علی خلاف ما ورد فی القرآن الحکیم حیث قال سبحانه: )فَبِمَا رَحْمَةٍ مّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ کُنْتَ فَظّاً غَلِیظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضّواْ مِنْ حَوْلِکَ(((3)) وقفت أمام تنفیذ هذا المطلب، فالاحتیالات والسباب والتهجّمات والمهاترات ورؤیة النفس أرفع من الغیر واحتساب الغیر جهلة، کفرة، منافقین، فاسقین، عملاء للغرب، إلی غیر ذلک، سبّب الحؤول دون جماهیریة الأفکار التی تحملها التیارات والحرکات الإسلامیة، ولذا نشاهد منذ ما یقارب القرن أنه لم تظهر حرکة تتمکن من النهضة والقیام.

ص:109


1- وسائل الشیعة: ج16 ص43 ح20929
2- بحار الأنوار: ج1 ص159 ح34
3- سورة آل عمران: 159

السادس: أمیّة کثیر من أعضاء الحرکات - خصوصا الشباب منهم - بالنسبة إلی الرؤیة الإسلامیة الصحیحة، وسرّ الأمیّة أولا عدم تمکّنهم من استیعاب الإسلام، فهم صاروا کما قال سبحانه وتعالی بالنسبة إلی الیهود: )وَمِنْهُمْ أُمّیّونَ لاَ یَعْلَمُونَ الْکِتَابَ إِلاّ أَمَانِیّ(((1))، بالإضافة إلی أن جماعات منهم تولّدت فیهم عقدة الشدة والغلظة والعنف، حیث لم نجد بلدا إسلامیا واحدا لم یحارب نهضة المسلمین وخصوصا الحرکات الإسلامیة، ولم یودعهم فی السجون ولم یمارس معهم سیاسة التعذیب.

وقد سبّب ذلک تکفیرهم للحکام والمجتمع علی حدّ سواء وهم یردّدون دائما:

)وَمَن لّمْ یَحْکُم بِمَآ أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَ-َئِکَ هُمُ الْکَافِرُونَ(((2)) وکذلک: )وَمَن لّمْ یَحْکُم بِمَآ أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَ-َئِکَ هُمُ الظّالِمُونَ(((3)) وأیضا: )وَمَن لّمْ یَحْکُم بِمَآ أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَ-َئِکَ هُمُ الْفَاسِقُونَ(((4)) من دون أن یفهموا معنی ƒما أنزل الله‚ وکیفیة الوصول إلیه، وبذلک صاروا عنیفین، والعنیف لا ینضوی تحت لوائه أحد کما هو واضح، فکان اتخاذ أسلوب العنف سبباً رئیسیا لفشل هذه الحرکات، بینما اللازم اتخاذ أسلوب السلم والسلام للوصول إلی الأهداف.

السابع: افتقار کثیر من الحرکات الإسلامیة والتیارات فی العالم الإسلامی ککل إلی الرؤیة الموضوعیة الشاملة للواقع الإسلامی القابل للتطبیق فی هذا القطر الواسع من البلاد التی تحتوی علی أکثریة مسلمة، فإن الافتقار إلی هذه الرؤیة الموضوعیة یجعل من تحرکات الجماعات الإسلامیة أقرب ما یکون إلی ردود الفعل أو إلی الأفعال المنغلقة اللاإرادیة، ولذلک حرم العمل الإسلامی من فرصة إحراز أی تقدم ملحوظ نحو هدفه النهائی، وإنما صارت الحرکات الإسلامیة تدور فی حلقة مفرغة من الفعل وردّ الفعل ثم الفعل وردّ الفعل وهکذا.

ومن الواضح أن تحویل هذا الشیء إلی الواقع یحتاج أولا إلی رؤیة شاملة بالإعلام

ص:110


1- سورة البقرة: 78
2- سورة المائدة: 44
3- سورة المائدة: 45
4- سورة المائدة: 47

الواسع والثقافة الفکریة، وثانیا هو بحاجة إلی قیادات قویة ضابطة للنفس وبعیدة عن العنف إلی أبعد الحدود حتی تتمکن من توجیه القاعدة، لا ما اعتاده بعض قادة المسلمین من أنهم یختفون وراء ستار من اللاواقعیة ثم یعمدون إلی انحراف هذا الشاب أو تلک الجماعة الفرعیة أو غیرها بالعنف والسباب والتهریج وأمثال ذلک، ولهذا السبب نجد کثیرا منهم لا یبالون إلا بالمظاهر کتطویل اللحی وتقصیر الثیاب، وعدم احترام مبدأ التخصص ومبدأ الشوری فی اتخاذ القرارات سواء فی داخل الحرکات أو فی خارجها، وعدم دعوتهم إلی التعدّدیة، بل أکثر الحرکات الإسلامیة تتصف بالدکتاتوریة والاستبداد.

الثامن: عدم وضع خطة للعمل الإسلامی تتضمن الأهداف والوسائل المشروعة فکل یدّعی الرجوع إلی عهد الرسول صلی الله علیه و آله وسیرته، لکن هذه الفکرة تحتاج إلی تخطیط کما قال سبحانه: )أَنَزَلَ مِنَ السّمَآءِ مَآءً فَسَالَتْ أَوْدِیَةٌ بِقَدَرِهَا(((1)) فما هی خطة العمل المدروسة المحدّدة الأهداف والمراحل؟ وما هی الوسائل المشروعة لبلوغ هذه الأهداف مرحلة فمرحلة حتی تصل إلی النهایة؟ ومن الواضح أنه من غیر هذه الخطة یضطرب العمل ویتعرض لمخاطر قد تودی بحیاة هذه الحرکات أو تنال من فعالیتها ونمائها أو توجب تشوّهها فی أذهان أصحابها فکیف أذهان الآخرین؟!.

التاسع: عدم الالتزام الواقعی العملی بالمبادئ التی تدعو إلیها کثیر من الحرکات، مثل مبدأ الشوری، ومبدأ العدل، ومبدأ المساواة، ومبدأ السلم واللاعنف، ومبدأ حریة الرأی والنقد، وفرض وصایتهم وهیمنتهم علی الآخرین بلا أی مبرر لذلک، وکأنهم الرسول الذی نصّبته السماء مع أن الرسول صلی الله علیه و آله المنصوب من السماء أیضا کان یأخذ بهذه المبادئ ولو مجاراة، فإنه کان یرجع إلی رأی الناس مع أنه صلی الله علیه و آله: )وَمَا یَنطِقُ عَنِ الْهَوَیَ* إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْیٌ یُوحَیَ(((2))، ویعلم الغیب بتعلیم الله تعالی کما قال سبحانه، )عَالِمُ الْغَیْبِ فَلاَ یُظْهِرُ عَلَیَ غَیْبِهِ أَحَداً* إِلاّ   مَنِ       

ص:111


1- سورة الرعد: 17
2- سورة النجم: 3-4

ارْتَضَیَ مِن رّسُولٍ(((1)) لکنه صلی الله علیه و آله لعلّه کان یظهر شیئاً ثم یعمل بالمشورة بخلاف رأیه لتعلیم المسلمین ذلک لأنه أسوة. وکذلک کان أمیر المؤمنین علی علیه السلام یلاحظ رأی أصحابه، وفی قصة صلاة التراویح وقصة عزل شریح القاضی عن تولیة القضاء((2)) یعرف أن الإمام علیه السلام کیف ترک القوم علی ما أرادوه لما أخذوا یطالبون به.

وتتبع الدکتاتوریة فی الکثیر من القیادات الإسلامیة نزعة تقدیس الأشخاص وتصنیف المسلمین حسب درجات ولائهم للتنظیم أو درجات ولائهم للقیادة، ومن الواضح أن ذلک یفسد الحرکة والسمعة ویزّهد الآخرین فی الانضواء تحت هذا اللواء أو ذاک.

العاشر: محاربة الحرکات الإسلامیة بعضها لبعض وتکفیر بعضها لبعض، وحتی إذا دخلوا السجون کفّر هذا ذاک وذاک هذا، وانطبق علیهم قول-ه سبحانه: )کُلّمَا دَخَلَتْ أُمّةٌ لّعَنَتْ أُخْتَهَا(((3)).

لکن الآیة الکریمة فی الطولی وهؤلاء نشاهدهم یعملون ذلک فی العرضی، ناسین قول-ه سبحانه:)وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِیعاً وَلاَ تَفَرّقُواْ(((4)) وقول-ه سبحانه: )وَلاَ تَکُونُواْ کَالّتِی نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوّةٍ أَنکَاثاً(((5)).

وقد قامت فی عصرنا الحدیث حکومات باسم الإسلام لکن نشاهد أن کل حکومة تکفرّ الحکومة الأخری بینما کل حکومة من هذه الحکومات تصاحب حکومة علمانیة ولو کانت بعیدة کلّ البعد عن الإسلام.

مؤتمرات لنجاح الحرکات الإسلامیة

وینبغی هنا بیان کیفیة وضع الحلول العلمیة والموضوعیة والواقعیة لنجاح الحرکات الإسلامیة، فإن من الواضح أن هذه المشکلات وأمثالها وهی کثیرة ومتعددة

ص:112


1- سورة الجن: 26-27
2- ذکرنا تفصیل القصتین فیما سبق
3- سورة الأعراف: 38
4- سورة آل عمران: 103
5- سورة النحل: 92

ومتلونة حسب ألوان الحرکات لا یمکن أن توجد لها الحلول العلمیة والموضوعیة والواقعیة إلا إذا أعیدت تلک الأفکار الإسلامیة المستفادة من القرآن والسنة وتم إعادة بناء الجسور بین الأقطار الإسلامیة وبین التیارات الإسلامیة وسائر الجماهیر الإسلامیة من حکومات وشعوب علی أساس الأخوة والأمة الواحدة والحریة، وذلک لا یکون إلا بالمؤتمرات المشتملة علی من لا یریدون جاها ولا مالا ولا زواجا من ملکات الجمال کما شاهدنا ذلک فی بعض الحرکات، حتی یطمئن البعض إلی البعض ویطمئن الجمیع إلی الجمیع، ولعل الله بذلک یحدث أمرا.

وینبغی أن تکون هذه المؤتمرات قائمة علی أسس السلم والسلام، لتکون الحرکات الإسلامیة بعیدة کل البعد عن العنف والإرهاب.

قال سبحانه: )وَعِبَادُ الرّحْمَ-َنِ الّذِینَ یَمْشُونَ عَلَیَ الأرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُواْ سَلاَماً(((1)).

وقال تعالی: )تَحِیّتُهُمْ یَوْمَ یَلْقَوْنَهُ سَلاَمٌ وَأَعَدّ لَهُمْ أَجْراً کَرِیماً(((2)).

وقال سبحانه: )الّذِینَ تَتَوَفّاهُمُ الْمَلآئِکَةُ طَیّبِینَ یَقُولُونَ سَلامٌ عَلَیْکُمُ ادْخُلُواْ الْجَنّةَ بِمَا کُنْتُمْ تَعْمَلُونَ(((3)).

وقد رأینا کیف أن المسلمین لم یحاربوا أحداً إلا لیصدوا الاعتداء عنهم وعن دولتهم وعقیدتهم، ووجدناهم لم یستلوا سیوفهم إلا عند الیأس من مسالمة الأعداء وفی أقصی حالات الضرورة، فلم یکن عفو رسول الله صلی الله علیه و آله خاصاً بأهل مکة فحسب، بل کان یعفو عن کل من استولی علیهم.

فالمسلمون لم یحاربوا فی حروبهم إلا المحاربین فقط، ولم یتجاوزوا فی حربهم حد الدفاع، فلم ینتقلوا إلی الانتقام الحاقد المبید، وکان المسلمون یجنحون إلی السلم إذا ما جنح لها الأعداء حیث قال سبحانه: )وَإِن جَنَحُواْ لِلسّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا(((4))، ثم

ص:113


1- سورة الفرقان: 63
2- سورة الأحزاب: 44
3- سورة النحل: 32
4- سورة الأنفال: 61

رأیناهم رحماء بالبشر لا یمثلون بالقتلی ولا یخربون العمران، ولا یجبرون أحدا علی نقض دینه واعتناق الإسلام، ولم یقطعوا شجرا ولم یلقوا سمّا فی الماء، کما لم یحولوا بین الماء وبین شرب الکفار، حتی أنهم إذا تمکنوا من الحیلولة لم یفعلوا ذلک وإن کانت الحیلولة تؤمن النصر السریع.

روی عن أبی عبد الله علیه السلام قال: «إن النبی صلی الله علیه و آله کان إذا بعث أمیرا ل-ه علی سریة أمره بتقوی الله عزوجل فی خاصة نفسه، ثم فی أصحابه عامة، ثم یقول: اغز بسم الله وفی سبیل الله، قاتلوا من کفر بالله، ولا تغدروا، ولا تغلوا، وتمثلوا، ولاتقتلوا ولیدا، ولا متبتلا فی شاهق، ولا تحرقوا النخل، ولا تغرقوه بالماء، ولاتقطعوا شجرة مثمرة، ولا تحرقوا زرعا، لأنکم لا تدرون لعلکم تحتاجون إلیه، ولا تعقروا من البهائم مما یؤکل لحمه إلا ما لابد لکم من أکله»((1)).

دور الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر

الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر

مسألة: من الأمور المهمة التی لها علاقة مباشرة بالحریة السیاسیة وحریة الرأی والشوری وترسیخ السلم والسلام: فریضة الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر، إذ تعتبر هذه الفریضة إحدی قواعد السلام ورکائزه ومقوماته، وهناک جملة من الأدلة علی ضرورتها، نشیر إلی بعضها:

1: إن الله یصف المؤمنین الذین یمکنهم فی الأرض ویجعل لهم السلطة بأنهم یأمرون بالمعروف وینهون عن المنکر، وهذا شرط للتمکین فی الأرض وإدارة الحکم وبهما یتم إحلال السلام والأمن،تقول الآیة: )الّذِینَ إِنْ مّکّنّاهُمْ فِی الأرْضِ أَقَامُواْ الصّلاَةَ وَآتَوُاْ الزّکَ-اةَ وَأَمَرُواْ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْاْ عَنِ الْمُنْکَرِ وَلِلّهِ عَاقِبَةُ الاُمُورِ(((2)).

2: الدعوة إلی الخیر - بما فیه السلم والسلام - والأمر بالمعروف والنهی عن المنکر متلازمان، وإذا فقد الإنسان حریته العامة لا یتمکن من مزاولة أعماله ونشاطاته خیر تمکّن، منها علی سبیل المثال شعائره الدینیة التی یعتقد بها فلا یستطیع ممارستها علی

ص:114


1- الکافی: ج5 ص29 ح8
2- سورة الحج: 41

الوجه المطلوب، فلم تکن هناک دعوة إلی الخیر ولا إلی الأمر بالمعروف ولا إلی النهی عن المنکر، بینما قال سبحانه وتعالی: )وَلْتَکُن مّنْکُمْ أُمّةٌ یَدْعُونَ إِلَی الْخَیْرِ وَیَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَیَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْکَرِ وَأُوْلَ-َئِکَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ(((1)). وإذا فقدت هذه الفریضة تقوضت إحدی رکائز السلام ومقوماته.

3: عدم القیام بهذه الفریضة سبب لهیمنة الأشرار علی البلاد وسیطرتهم علی العباد، وفی حدیث عن رسول الله صلی الله علیه و آله أنه قال: »لتأمرنّ بالمعروف ولتنهنّ عن المنکر أو لیستعملن علیکم شرارکم فیدعو خیارکم فلا یستجاب لهم«((2)).

ومن الواضح أن الأخیار إذا لم یأمروا ولم ینهوا تقدّم الأشرار حتی یکونوا هم الأمراء الذین یسومون الناس خسفا ویعملون بالمنکر فیکون هناک کما فی الحدیث:

«باک یبکی علی دینه وباک یبکی علی دنیاه»((3)). وهذه الحالة هی التی یعبر عنها بالفتنة ومن خصائصها أنها تعم الجمیع، ولذا ورد عن أبی عبد الله علیه السلام قال: »ما أقر قوم بالمنکر بین أظهرهم لا یغیرونه إلا أوشک أن یعمهم الله بعقاب من عنده«((4)).

وفی القرآن الکریم: )کَانُواْ لاَ یَتَنَاهَوْنَ عَن مّنکَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا کَانُواْ یَفْعَلُونَ(((5)).

وفی آیة أخری: )وَاتّقُواْ فِتْنَةً لاّ تُصِیبَنّ الّذِینَ ظَلَمُواْ مِنکُمْ خَاصّةً(((6)).

ففی الدنیا الفتنة وفی الآخرة العقاب، لکن من الواضح أن العقاب فی الآخرة إنما هو للذین ترکوا الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر، أما فتنة الدنیا فهی عامّة وذلک لقانون الأسباب والمسببات، أما بالنسبة إلی الآخرة فتختلف الموازین، فهناک عدل مطلق لیس فیه ظلم إطلاقا، فإن الله لا یظلم الناس مثقال ذرة، وقد ذکرنا ذلک فی

ص:115


1- سورة آل عمران: 104
2- الکافی: ج5 ص56 ح3
3- الغیبة للطوسی: ص441
4- وسائل الشیعة: ج16 ص137 ح21176
5- سورة المائدة: 79
6- سورة الأنفال: 25

کتاب (تفسیر القرآن الموضوعی) بتفصیل کما هو مذکور فی علم الکلام أیضا.

ومن هنا ورد الذم فی کثیر من الروایات لتارکی هذه الفریضة، قال رسول الله صلی الله علیه و آله: »بئس القوم قوم لا یقومون لله تعالی بالقسط، وبئس القوم قوم لا یأمرون بالمعروف ولا ینهون عن المنکر«((1)).

وتفصیل أحکام الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر مذکورة فی الفقه.

قال صلی الله علیه و آله: »من رأی منکم منکرا فلیغیّره بیده، فإن لم یستطع فبلسانه، فإن لم یستطع فبقلبه لیس وراء ذلک شیء من الإیمان«، وفی روایة: »إن ذلک أضعف الإیمان«((2)).

وإنما وجب النهی عن المنکر بالقلب حتی لا ینحرف الإنسان فیری المنکر معروفا والمعروف منکرا، کما نشاهد ذلک فی کثیر من المنحرفین الذین لا یأبهون بالمنکر إطلاقا ویمرّون علیه کأنه معروف.

ولیس المراد بلزوم الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر فی مورد التأثیر الکامل فقط، کما ذکرناه فی الفقه، بل احتمال التأثیر کاف فی الوجوب فی مقابل القطع بعدم التأثیر، ولذلک فإذا احتملنا الفائدة فی النهی إذا اجتمع بغیره ونهاه ثان وثالث ورابع حتی المائة، وجب علی کل واحد منهم، لأن کل واحد یکون جزء فإذا اجتمعت الأجزاء تکون النتیجة، کقطر المطر حیث إن قطرة وقطرة وقطرة إذا اجتمعت یکون السیل الجارف للأبنیة والأشجار والقطیع من الأغنام وغیرها.. وهکذا یجب النهی عند احتمال الفائدة فیه ولو بعد عدة سنوات، وقد قرّر علماء الاجتماع تقبل الإنسان عادة ولو بعد حین، فإذا قال کلاما لشخص وهو قاطع بعدم جدواه الآن، لابدّ وأن یکون لهذا الکلام تأثیر فیه بعد مدة - ولو کان تأثیرا جزئیا - فإن الله خلق الذهنیة بحیث تتقبل النصیحة.

وفی الإنجیل: (فی البدء کان الکلمة)((3)).

ص:116


1- مستدرک الوسائل: ج11 ص370 ح13290
2- مستدرک الوسائل: ج12 ص192 ح13853
3- الکتاب المقدس: العهد الجدید، بشارة یوحنا: ص140، فصل کلمة الله

وفی القرآن الحکیم قال سبحانه: )اقْرَأْ بِاسْمِ رَبّکَ الّذِی خَلَقَ(((1)).

فالبدء کانت القراءة، وبدایة )بِسْمِ اللّهِ الرّحْم-َنِ الرّحِیمِ( لا تنافی ذلک، فقد قال النبی صلی الله علیه و آله: »کل أمر ذی بال لا یذکر فیه بسم الله فهو أبتر«((2)) فالبسملة مقدمة.

ثم أردف الله سبحانه بالقراءة الکتابة حیث قال سبحانه:)عَلّمَ بِالْقَلَمِ(((3)) دلالة علی أن القراءة والکتابة هما محورا کل تقدم وفضیلة ودین وتقوی.

مضافاً إلی تصریح الفقهاء بعدم اشتراط التأثیر الفعلی إذا کانت أسس الدین فی خطر فاللازم الأمر والنهی، وإن انتهی الأمر إلی أن یقتل الآمر الناهی کما فعل الإمام الحسین علیه السلام، أما إذا لم یکن أصل الدین فی خطر وخاف القتل أو ما أشبه سقط عنه الأمر والنهی.

روی عن رسول الله صلی الله علیه و آله أنه قال: «أفضل شهداء أمتی رجل قام إلی إمام جائر فأمره بالمعروف ونهاه عن المنکر فقتله علی ذلک، فذلک الشهید منزلته فی الجنة بین حمزة وجعفر».

وقال صلی الله علیه و آله: »أفضل الجهاد کلمة حق عند سلطان جائر«((4)).

وقد یظن بعدم شمولیة هذه الفریضة لکل مکلف، لقوله تعالی: )وَلْتَکُن مّنْکُمْ أُمّةٌ یَدْعُونَ إِلَی الْخَیْرِ وَیَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَیَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْکَرِ وَأُوْلَ-َئِکَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ(((5))، ولکن )منکم( نشویة((6)) لا تبعیضیة لظهور قول-ه: )أولئک هم المفلحون( وأن غیرهم لیسوا بمفلحین.

أما قول-ه سبحانه: )یَ-ا أیّهَا الّذِینَ آمَنُواْ عَلَیْکُمْ أَنْفُسَکُمْ لاَ یَضُرّکُمْ مّن ضَلّ

ص:117


1- سورة العلق: 1
2- وسائل الشیعة: ج7 ص170 ح9032
3- سورة العلق: 4
4- غوالی اللآلی: ج1 ص432 ح131
5- سورة آل عمران: 104
6- أی فلتنشأ منکم أمة یدعون إلی الخیر

إِذَا اهْتَدَیْتُم(((1))، معناه مع عدم تمکّنهم فإن القدرة شرط التکلیف، فإذا لم یتمکن من هدایة الضالین أو لم یقبلوا منه فقد برأ عن مغبّة ذلک وتقع التبعة علی من ضل.

وأما قوله تعالی: )وَإِذَآ أَرَدْنَآ أَن نّهْلِکَ قَرْیَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِیهَا فَفَسَقُواْ فِیهَا فَحَقّ عَلَیْهَا الْقَوْلُ فَدَمّرْنَاهَا تَدْمِیراً(((2))، فالمراد أمرهم بالطاعة ففسقوا، ولم یقتصر فی نزول العذاب علی مخالفة أمر العقل فحسب، لأن الله سبحانه لا یهلک القری ولا یعذب أحدا إلا بعد مخالفته أوامر الشرع وبعث الرسل، وهو عزوجل یقول: )وَمَا کُنّا مُعَذّبِینَ حَتّیَ نَبْعَثَ رَسُولاً(((3))، ولهذا فإن معنی قوله: )أمرنا مترفیها ففسقوا فیها( ((4)) أی: أمرناهم بالطاعة فخالفوا، کما یقول الطبیب: (أمرته ففسق وخالف) أی أمره بشرب الدواء وأخذ العلاج وما أشبه، وحینذاک یحق علیها التعذیب والإهلاک، وعندها دمّر الله سبحانه وتعالی تلک القریة تدمیرا.

وفی نهایة هذا البحث عن فریضة الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر وأنها إحدی قواعد السلم والسلام ورکائزه ومقوماته فی المجتمع الإسلامی ینبغی بیان أن هذه الفریضة لیس لها دور فی إحلال السلام إلا إذا کان هناک واقع ملائم لحرکة هذه الفریضة وممارستها.

وینبغی التدرج فی تطبیق قانون الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر، وفی بعض مراتبه لابد من الرجوع إلی الجهات المعنیة کی یؤدی دوره بصورة أکمل فی إحلال السلام، وهذا ما یتطرق له الفقهاء فی الفقه فی باب الحدود والتعزیرات، وقوله صلی الله علیه و آله: »من رأی منکم منکرا فلیغیّره بیده، فإن لم یستطع فبلسانه، فإن لم یستطع فبقلبه لیس وراء ذلک شیء من الإیمان« ((5))، ظاهره أن التغیر بالید یستطیع أن یؤدیه غیر الحاکم الشرعی، ما لم یصل إلی مرتبة الحدود أو التعزیرات، وإلا فلا یمکن أن یأمر

ص:118


1- سورة المائدة: 105
2- سورة الإسراء: 16
3- سورة الإسراء: 15
4- سورة الإسراء: 16
5- غوالی اللآلی: ج1 ص431 ح128

بها ویتم تنفذیها إلا بإذن من الحاکم الشرعی.

وربما یقال بأن هذا التعبیر: (فلیغیره بیده) کنایة عن إقامة الحد والتعزیر، وذلک إذا قلنا بأن المخاطب فیه هم الفقهاء، ولکنه بعید لأن شهرة الحدیث واردة فی باب الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر ولیس فی باب الحدود والتعزیرات.

نظرة الإسلام لظاهرة العنف والإرهاب

نظرة الإسلام لظاهرة العنف والإرهاب

أوجه الصراع البشریة

مسألة: ظاهرة العنف والإرهاب محرمة شرعاً، ومن مصادیقه القتل والغدر والاختطاف والتفجیر والتخریب وما أشبه.

إن مسیرة الصراع بین البشریة فی مختلف المیادین ابتدأت منذ أن هبط آدم علیه السلام إلی الأرض ووجد الإنسان علیها، قال سبحانه: )اهْبِطُواْ بَعْضُکُمْ لِبَعْضٍ عَدُوّ(((1)).

وقد کان لهذا الصراع وجهان سلبی وإیجابی، فأما الأول: فله مظاهر کثیرة منها صراع من أجل السیطرة الفردیة علی الحیاة وممیزاتها وسحق الآخرین وحقوقهم، فالبعض یرید لنفسه جلب أکثر قدر من النفع ودفع أکثر قدر من الضرر، وآخر سعی للتحکم علی ما ینفعه وما ینفع غیره، وثالث أخذ یلحق الأضرار بالآخرین.

ولیس هذا الوجه من الصراع فی هذه المسیرة مما جبل علیه الإنسان لأن الله سبحانه وتعالی لم یخلق فطرة الإنسان مجبولة علی الشر وإنما الشر فی استعماله المنحرف، کالإنسان المجرم یستعمل السکین فی قتل الأبریاء. ولیس من طبع السکاکین القتل وإنما جعلت للفائدة.

وأما الوجه الإیجابی لهذا الصراع فی هذه المسیرة فهو التنافس الذی یوجب تقدم الحیاة، فعلی سبیل المثال الصراع فی الجانب المعنوی، فلو لم یوجد بین الإنسان والشیطان، لم یتمکن الإنسان من التقدم إلی الدرجات الرفیعة فی الدنیا ولا فی الآخرة، ولم یمکنه الاختبار لیخرج فائزا، وینال درجة تسمو درجات الملائکة.

ص:119


1- سورة البقرة: 36

وکذلک لولا الصراع والتنافس بین دول العالم فی الجانب المادی لما حصل هذا التطور الذی تنعم فیه البشریة فی المجالات المختلفة. إذ به تمکن الإنسان من الاکتشافات الغریبة، ولم یقتصر فی طموحه علی اکتشاف أسرار الأرض من بحارها وجبالها وأنهارها وأعماقها، بل شجعه البحث إلی اکتشافات جدیدة فی الکواکب الأخری، حتی وصل إلی المریخ بل یرید الیوم الوصول إلی سائر المجرات.

ولا یقتصر هذا الوجه الإیجابی من هذا الصراع علی الإنسان فقط، بل یشترک معه حتی الحیوانات، فالصراع بینها - کما فی الأسد مثلا حینما یأکل الغزال، والثعلب فی أکله للدجاج - هو نوع من الجمال والتطور والبقاء فی الحیاة.

ولا یکون هذا ظلماً فی الأطر المقررة، نعم إذا تجاوز الحدود فإنه ظلم ویقتص منه،تقول الآیة الکریمة: )وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ(((1)).

وقال الإمام علی علیه السلام فی قول-ه عزوجل: )وَنَضَعُ الْمَوَازِینَ الْقِسْطَ لِیَوْمِ الْقِیَامَةِ فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَیْئاً(((2)) »فهو میزان العدل یؤخذ به الخلائق یوم القیامة، یدین الله تبارک وتعالی الخلائق بعضهم من بعض ویجزیهم بأعمالهم ویقتص للمظلوم من الظالم«((3)).

وقد ورد فی الأحادیث أن الله یقتص للعجماء من القرناء((4)).

وأما ما کان لأجل الأکل ولیس بظلم فیثیب المظلوم إن صح التعبیر.

وقد أکدت بعض الدراسات الحدیثة علی أن هذا الصراع هو الذی یوجب نمو هذه الحیوانات وکمالها، وقد قام فریق من العلماء ببعض التجارب فی هذا المجال وذلک حینما أخلوا جزیرة من الحیوانات المفترسة المؤذیة وملأوها بالوعول والغزلان وما أشبه ذلک، وبعد مدة رأوا ظهور الترهل علی هذه الحیوانات وسقوطها عن الکمال والجمال.

ص:120


1- سورة التکویر: 5
2- سورة الأنبیاء: 47
3- الاحتجاج: ج1 ص244
4- بحار الأنوار: ج61 ص4

ومنشأ هذا الصراع والتنافس بین البشریة فی الوجه الأخیر هو الطموح وهو حسن فی نفسه إذا استعمل فی موضعه، وربما یعبر عنه بالطمع، قال سبحانه وتعالی:

)وَالّذِیَ أَطْمَعُ أَن یَغْفِرَ لِی خَطِیئَتِی یَوْمَ الدّینِ(((1)).

وطموح الإنسان عادة یغلب إرادته کما هو طبیعة التنازع بین النفس المطمئنة، والنفس الأمارة بالسوء، والنفس اللوامة.

ومن هنا نری طبیعة الإنسان تنزع إلی الطموح المشروع وغیر المشروع، وهذا یؤدی إلی الخلاف مع الغیر، والخلاف یقود إلی النزاع والصراع، وکثیرا ما یوجب ذلک العنف والإرهاب.

وقد اصطلح فی العصر الحدیث علی أحد طرفی الصراع السلبی بالإرهاب، ومن خلال استعمال هذا المصطلح فی وسائل الإعلام العالمیة کان مفهومه أقرب إلی مجال السیاسة منه إلی المجالات المختلفة، ولهذا أدرج هذا الموضوع (نظرة الإسلام إلی العنف والإرهاب) فی هذا الفصل. وقد تحدثنا عن بعض جوانب هذا الموضوع فی بعض کتبنا((2)) وهنا سنذکر ما یتعلق منه بمفهوم السلم والسلام.

دلالات مصطلح الإرهاب

وردت مادة (رهب) فی القرآن الکریم وأرید به المعنی اللغوی لا ما هو المصطلح فی یومنا هذا، فالمقصود به ما یکون سبباً للردع عن العنف والإرهاب لا مشجعاً له.

وذلک لأن الطغاة عادة یقومون بالسیطرة علی البلاد والعباد متخذین سیاسة العنف والإرهاب والقتل والقمع، کما هو المشاهد فی طول التاریخ، من هنا أراد الإسلام للمسلمین أن یکونوا أقویاء حتی لا یطمع فیهم طامع، فقالت الآیة الکریمة: )وَأَعِدّواْ لَهُمْ مّا اسْتَطَعْتُمْ مّن قُوّةٍ وَمِن رّبَاطِ الْخَیْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوّ اللّهِ

ص:121


1- سورة الشعراء: 82
2- انظر کتاب (السبیل إلی إنهاض المسلمین) و(اللاعنف فی الإسلام) و(اللاعنف منهج وسلوک) و(الصیاغة الجدیدة) و(الفقه السیاسة) و(الفقه طریق النجاة) وغیرها من مؤلفات الإمام الشیرازی رحمة الله فی هذا الباب

وَعَدُوّکُمْ(((1))، ومعنی )ترهبون( هنا هو ردع العدو بتلک القوة التی هیأت کی یمتنع من اتخاذ أی قرار فی المهاجمة، وهذه وقایة لکی لا تقع الحروب ولا تنجر البشریة إلی العنف والإرهاب کما لا یخفی، ومما یدل علی ذلک سیرة رسول الله صلی الله علیه و آله حیث کانت بعیدة کل البعد عن العنف والإرهاب، وإنما أراد صلی الله علیه و آله للمسلمین القوة حیث کان المشرکون یخططون ضدهم کل یوم ویشنون الحروب الدامیة للقضاء علیهم.

ثم إن وسائل استخدام الردع کثیرة، ومن أهمها القوة السیاسیة والإعلامیة والدولیة والدبلوماسیة.

وهذا لا یعنی التسابق فی امتلاک الأسلحة الخطرة کما هو دأب الغرب والشرق، بل ذکرنا فی بعض کتبنا لزوم التخلی عن جمیع الأسلحة المتطورة حالیاً، من النوویة والجرثومیة وحتی القنابل والطائرات الحربیة والدبابات وما أشبه من مختلف الأسلحة الناریة، فإنها سلاح غیر عادل.

وقد رأیت کتابا اسمه (الردع النووی) قصد فیه المؤلف أن طرفی العالم من الشرق والغرب یردع کل منهما الآخر بما یملک من الأسلحة النوویة بحیث أن أحدهما لو عرف أن سلاحه أکثر من سلاح الآخر لهاجمه بلا تفویت للفرصة، أی عند ما یکون هناک توازن فهذا یوجب الردع، وحینئذ تکون الحرب فی منتهی العسر إن لم تکن مستبعدة بشکل نهائی ما دامت إمکانیة الظفر غیر متوفرة.

ولکن الردع الأکبر هو نزع مختلف الأسلحة المتطورة عن جمیع البشر وجمیع الدول، ویمکن ذلک عبر اجتماع عقلاء الأمم، کما اجتمعوا لنزع أسلحة الدمار الشامل المحظورة.

وکان علی المسلمین أن یتمسکوا بالقوة التی أمر الله بها بعیدة عن العنف ووقایة له، ولکن مما یؤسف ل-ه أنهم لم یوفقوا لذلک، بل ترک کثیر منهم سیرة الرسول الأعظم صلی الله علیه و آله فی تثبیت قواعد السلم والسلام.

وقد حرف مصطلح الإرهاب الذی وضع للصد عن التعدی وهدر الحقوق إلی ما

ص:122


1- سورة الأنفال: 60

یعنی العنف، فکثرة استخدام هذا المصطلح فی وسائل الإعلام الغربیة جعله وکأنه من وضع الغرب ومصطلحاته التی وضعها فی قاموسه السیاسی والعسکری.

علماً بأن مادة رهب فی القرآن مصطلح أقرب إلی السلم منه إلی الحرب علی ما بیناه، بینما جعله الغرب ینطبق علی مختلف حالات العنف فسمیت به، وقد اتهم الإسلام به من قبل بعض المغرضین، مع أن الإسلام هو الدین الذی یدعو العالم کله إلی السلم والسلام ونبذ العنف والإرهاب.

وهناک بعض الغموض فی مصطلح الإرهاب الیوم، فکل یتهم الطرف الآخر بکونه إرهابیاً، فهل حرکات التحرر من الأجنبی سواء کانت إسلامیة أو وطنیة أو غیرها تعتبر إرهابیة، وهل جهاد الشعوب ضد الحکام الطغاة المستبدین أیضا إرهاب، وهل یصح نسبة رجالات الفکر والعلم والمعرفة إلی الإرهابیین.

نعم قد تکون بعض الحرکات والرجالات تسیر فی طریق العنف والإرهاب بالمعنی المصطلح وهؤلاء لایمثلون الإسلام وهو بریء منهم، لأنهم خارجون عن سیرة الرسول الأعظم صلی الله علیه و آله وسیرة أهل بیته الطاهرین علیهم السلام وما نزل به القرآن الحکیم حیث یقول: ƒوَمَآ أَرْسَلْنَاکَ إِلاّ رَحْمَةً لّلْعَالَمِینَ‚ ((1)).

ثم إن مادة رهب لها استخدام محدد فی الإسلام فهی تدل علی تلازم منطق القوة وقوة المنطق فی الإطار السلمی الصحیح، وفی هذا التلازم دلالة علی السلم والسلام، کما هو واضح فی قوة المنطق، وحتی الجانب الثانی لا یراد منه إلا الحفاظ علی السلم عبر التهدید بهذه القوة من أجل الحفاظ علی حقوق الإنسانیة.

خصائص الإرهاب

مسألة: للعنف والإرهاب خصائص یرفضها الشرع المقدس، نشیر إلی بعضها:

أولا: الإرهاب قد یکون فردیا، وقد یکون جماعیا سیاسیا، وهو من أشکال الصراع السیاسی،ومن عناصره ما یلی:

1: زرع الرعب والخوف فی نفوس الناس، بالقیام بأعمال العنف من القتل

ص:123


1- سورة الأنبیاء: 107

والخطف والتفجیر وما أشبه.

2: زعزعة الحکم والقائمین به عبر أعمال العنف.

3: نشر عقیدة خاصة یراد تطبیقها بالعنف، ویکون منه القمع الطائفی وما أشبه.

وهذه کلها مرفوضة شرعاً.

ثانیا: ومن خصائص الإرهاب أنّه وسیلة من الوسائل العنیفة الفعّالة التی یلجأ إلیها من لهم أهداف معینة، سواء کانوا رأس القضیة أو فروعها، وأنه ظاهرة سیاسیة تندرج فی لائحة الظواهر المماثلة لها، کالحروب والثورات وحروب العصابات والحروب الأهلیة وما إلیها، والغالب أن هذه الوسیلة لم تلق اهتماما کافیا کالاهتمام بالحروب والثورات وحروب العصابات وأمثالها، بسبب اعتبار الإرهاب جریمة عادیة تعود مسؤولیة الحکم فیها ومعالجتها إلی المحاکم الجنائیة العادیة أسوة بالأعمال کالقتل والتخریب التی یقوم بها المجرمون العادیون واللصوص المحترفون والقتلة لأجل الأغراض الشخصیة بهدف السرقة والنهب والابتزاز واختطاف الفتیات وما أشبه ذلک، ومن الواضح أن الإرهاب السیاسی لا یندرج تحت هذه اللائحة لأنه صاحب قضیة تتعدّی مصلحته الفردیة وإنما یصنف الإرهاب الجماعی فی قائمة الإجرام لأن السلطات السیاسیة فی البلاد غالبا ترید التقلیل من شأن ذلک عن قصد وتحقیق، وذلک تهرّبا من مساواة إرهاب الحکام وإرهاب المحکومین ولتبریر ضرب المحکومین باعتبارهم خارجین عن العرف والقانون، وهذا ما یزید الإرهاب حقدا وشراسة فإن الإرهابیین غالبا إذا کانوا سیاسیین یریدون واقعا سیاسیا وهدفا مقصودا، بینما السلطات تجعل ذلک من الأعمال الفردیة للقتلة واللصوص والمجرمین، هذا من ناحیة.

ومن ناحیة ثانیة لأن تمیز الإرهاب السیاسی عن الجریمة العادیة یؤدی بالنتیجة النهائیة إلی وضع تلک السلطات السیاسیة القائمة موضع الاتهام، والسلطات السیاسیة القائمة لا ترید أن تکون فی قفص الاتهام بإزاء هؤلاء الإرهابیین المنظمین، کما یؤدی أیضا إلی اتهام المنظمات الدولیة والقواعد والقوانین التی تسیّر سیاسات الدول تجاه بعضها وتجاه مواطنیها، وهذا یعنی التوصل إلی إعادة النظر فی مستویات القیم الأخلاقیة والسیاسیة المعتبرة والمعمول بها. وخلاصة هذه الصورة فی الإرهاب هو فعل

ص:124

یستعمل العنف أو یهدد باستعماله، وفی کلا الحالین یبدو العنف محورا رئیسیا بفعل الإرهاب.

ثالثا: ومن خصائص الإرهاب أنه لم یتخذ صورة معینة وإنما یتخذ أشکالا أخری کالقتل الاعتباطی والتفجیر وبتر الأعضاء والجرح وهتک الأعراض وسلب الحریات وإذهاب القوی وتلف الأموال وغیر ذلک، من المجرم وغیر المجرم، والذی یحدث أنّ المجرم قلّما یعاقب بمقدار جرمه بل أکثر من مقدار الجرم غالباً وبما لم تأمر به الشریعة،علی سبیل المثال قطع رجل بدل من قطع الید ومثل جدع الأذن وقطع الرأس وفقء العین وقطع اللسان وغیرها، وحرمة هذه الأمور مقطوع به فی الکتاب والسنة والإجماع والعقل.

وقد ذکر بعضهم أن الإرهاب أخذ یزداد، ففی عام (1968م) بلغ عدد الأعمال الإرهابیة (152) عملا، وفی عام (1970م) بلغ عددها (215) وفی عام (1972م) بلغ العدد (409) عملا إرهابیا، وهکذا ازدادت الأعمال الإرهابیة علی مرّ

السنوات.

وعلی هذا فالغالب أن إرهاب الضعفاء یکون رد فعل الأقویاء، وکثیر من الإرهاب هو نتیجة الظلم والطغیان، ومن هنا ینبغی حل مشکلة الإرهاب والعنف حلاً جذریاً، وذلک بتطبیق قوانین الإسلام من الحریة والتعددیة والشوری والأخوة وما أشبه.

أنواع الإرهاب

أنواع الإرهاب

مسألة: إن أنواع الإرهاب کثیرة، منها الإرهاب الاستعماری، وإرهاب الدولة والأفراد، والإرهاب السیاسی والمدنی والاجتماعی، وغیرها.  وسنتطرق إلی هذه الأنواع، مع ذکر النظریة الإسلامیة فی زوال هذا الإرهاب.

1: إرهاب الدولة والأفراد

2: الإرهاب السیاسی

3: الإرهاب الاستعماری

ص:125

أولا: إرهاب الدولة والأفراد

الحرکة الإرهابیة لیست خاصة بالمستعمرین فقط، بل إن الأنظمة السیاسیة الحاکمة فی بلادنا والقائمة علی الدکتاتوریة والاستبداد بجمیع وجوهها خصوصا الدکتاتوریة العسکریة أو التی تبدلت إلی العسکریة الاستخباراتیة، هی الشکل الحدیث والمتطور للاستبداد والطغیان السیاسیین.

ففی هذا النوع من الأنظمة تکون الحیاة السیاسیة الطبیعیة والدستوریة معلّقة، إذ یقرر الحکام أن القوانین الدستوریة وأجهزة القضاء والتشریع التی تشمل المیادین السیاسیة والاقتصادیة والحقوقیة وغیرها، عاجزة عن فرض النظام الذی یریدونه وعن توجیه حیاة الدولة والمواطنین بالاتجاه الذی یرسمونه لها، فتمنح الأقلیة الحاکمة السلطة المطلقة لنفسها بقرار کیفی استثنائی مستند إلی رئیس الدولة ومجلس الوزراء الذی هو الزعیم الأوحد، أو مجلس الأمّة الذی یعین باختیار الزعیم الأوحد أیضا، کما أن الحکام یقررون أن القوانین الدستوریة الصحیحة عاجزة عن فرض النظام الذی یریدونه فی توجیه حیاة الدولة والمواطنین فی الاتجاه الذی یرسمونه لها، وتتخذ الإجراءات التعسفیة لفرض النظام سواء کانت الإجراءات التعسفیة منفردة أو ضمن المؤسسات الدستوریة، لکن روح المؤسسات الدستوریة تکون مفقودة والعمل کله للمؤسسات التعسفیة المفروضة من قبل الحاکم الدکتاتور، وذلک دون الرجوع إلی أی سلطة تأسیسیة أو تشریعیة غیر المراسیم الخاصة التی تصدرها هی.

وهذا یعنی أن العلاقة الطبیعیة بین الحاکم والمحکوم تبطل قیمتها السیاسیة والأخلاقیة والاجتماعیة والحقوقیة، وتصبح علاقة أحادیّة الاتجاه، تحدد نمط الحیاة القائم بین السید والمسود، والحاکم والمحکوم، والدکتاتور والشعب.

وکما ذکرنا أن هذا الواقع لا یقتصر فقط علی تحدید النظام الدکتاتوری بشکله المعلن والواضح، وإنما یشمل أیضا الأنظمة التی تدّعی الدیمقراطیة وتحافظ علی بقاء المؤسسات التمثیلیة والتشریعیة والقضائیة بصورة شکلیة فقط، أما فی الواقع فلا تکون تلک الأنظمة إلا الأنظمة الدکتاتوریة التی تتلبس بلباس الدیمقراطیة بتدریب وجودها

ص:126

علی ذلک النحو، وفی کلتا الحالتین تبقی النتیجة نفسها، نسق قمعی وحکومة استخباریة وإعلام مبالغ فیه یجمل صورة الحکم ویسوّغ ممارسة السلطة، وبذلک تکبت الحریات العامة وتضرب المعارضة السیاسیة بعنف حتی تمنع کل محاولة مشابهة عن الظهور والتعبیر عن نفسها، وآلة ذلک الاتهام والسجن والتعذیب والإعدام ومصادرة الأموال، ونتیجة لهذا الوضع لا یبقی أمام الشعب أیة إمکانیة حرّة للاختیار والتقریر، فهو لا یستطیع أن یقبل بسلطة مفروضة علیه خارج سیادته وإرادته، کما أنه لا یستطیع من جهة أخری أن یرفض هذا الوضع طالما أن الوسائل القمعیة تحول دون أی إجراء شرعی ودیمقراطی وإرادی، ویجد الشعب نفسه سجینا عاجزا تجاه السلطة البولیسیة الغاشمة، وضحیة الإجراءات التعسفیة التی تواجهه بها أجهزة القمع، غیر أنه یحمل بالمقابل سلطة منافیة یستطیع بفضلها أن ینفی عن المجموعة الحاکمة شرعیتها المستمدّة من قوة السلاح.

ومن هنا یحصل الاختلال فی توازن الهیئة الاجتماعیة السیاسیة، اختلال یعرّض الوحدة السیاسیة وحکومتها للخطر، لذلک لا یبقی أمام الحاکم الدکتاتوری إلاّ أن یفرض نفسه بقوة السلاح، وأن یدعم بقاءه فی السلطة بقوة العنف والإرهاب، وعندما تتهدد الحریات فی کیانها ومسیرها بوسائل فعّالة لا یسعها إلا أن تلجأ إلی نفس الوسائل فی ممارستها لحقّ الدفاع عن النفس، وذلک طبقا للقاعدة المعروفة من أن العنف یدعو إلی العنف المضاد، والإرهاب یدعو إلی الإرهاب المضاد، وهکذا تعود الحکومة والشعب إلی الدائرة المفرغة حتی إسقاط الدکتاتور وهکذا دوالیک، ما دام لم یکن للشعب وعی، وما دام لم یکن هناک تعدّدیة.

کما رأینا نوری السعید((1)) عطّل الدستور وحلّ الأحزاب ومارس الإرهاب، فقابله إرهاب مضاد من عبد الکریم قاسم((2)) الذی فعل الشیء نفسه، حتی قابله

ص:127


1- مرت ترجمته
2- هو عبد الکریم قاسم محمد بکر الزبیدی، من موالید 1914م قام بانقلاب عسکری عام 1958م وأطاح بالحکم الملکی بعد أن قتل أغلب أفراد العائلة المالکة، وأعلن قیام الجمهوریة العراقیة، وبعد أربع سنوات من حکمه تعرض لانقلاب عسکری صبیحة یوم الجمعة 8 شباط (1963م) بقیادة عبد السلام عارف مع مجموعة من الضباط البعثیین وقد أسفرت المحاولة عن تسلیم عبد الکریم قاسم لنفسه ومعه رفاقه وأعدموا رمیا بالرصاص

إرهاب مضاد من عبد السلام عارف((1)) الذی فعل بدوره الشیء نفسه، حتی قابله إرهاب مضاد من البعثیین، والبعثیون أیضا قابلهم إرهاب مضاد باق إلی الیوم مما سبّب تجزئة العراق فی الجملة وضعف السلطة وقتل الأبریاء والفقر والمرض والجهل والمشکلات والفوضی کما هو معروف.

إرهاب الأفراد والمنظمات

قد ذکرنا أن إرهاب الدولة فی معاملتها مع مواطنیها أو مع المعارضة، هو عبارة عن الاستبداد والدکتاتوریة وکأن الشعب فیها قطیع من الأغنام أو اتباع سیاسة تنضیب منابع الدین ومنع الحریات الدینیة والسیاسیة وغیرهما، ومثاله الواضح فی تعیین الغرب صدام حاکما علی العراق، فهذا عمل إرهابی کبیر، یجعل من المواطنین العراقیین أن یضطروا إلی أعمال إرهابیة صغیرة مبعثرة ومتفرّقة هنا وهناک ضد السلطة الغاشمة التی هی عمیلة للغرب.

وأمثال هذه الصغار تزداد عنفا وشراسة وتفرعنا کلما بقی الإرهاب الکبیر، فالضعفاء فی إرهابهم یبحثون عن إمکانیة أخری للاختیار، حتی لا یحرموا منها فی منطق عقلانیتهم.

ومن الواضح أن الدولة الإرهابیة التی تتخذ سیاسة القمع والطغیان ضد شعبها، هی السبب فی تأسیس إرهاب الأفراد والمجموعات والمنظمات، فإذا نظرنا إلی المجتمع من زاویة شکل بنیته الترتیبیة الهرمیة، وهیئة تنظیم عناصره المکوّن منها، بدا أن إرهاب الأقویاء أو إرهاب الدولة یکون من فوق إلی تحت، حیث یبدأ هذا الإرهاب من رأس الهرم باتجاه القاعدة، لکن ذلک إرهاب منظم ومعترف به قانونیا ودولیا،

ص:128


1- هو عبد السلام محمد عارف، من موالید مدینة الرمادی/لواء الدلیم عام (1339ه-=1921م)، اشترک مع عبد الکریم قاسم عام (1377ه-=1958م) فی الإطاحة بالنظام الملکی، أصبح رئیسا للجمهوریة بعد الإطاحة بنظام قاسم بمعونة رفاقه البعثیین فی (14رمضان 1382ه- = 8 شباط 1963م)، قتل مع أحد عشر شخصا من وزرائه ومرافقیه فی (32 ذی الحجة 1385ه- = 13نیسان 1966م) إثر سقوط طائرته فی عملیة مدبرة من خلال وضع قنبلة فی الطائرة

بینما إرهاب الضعفاء أو إرهاب الأفراد والمجموعات والمنظمات وأمثالها یکون من تحت إلی فوق، من القاعدة إلی رأس الهرم، حیث لا یعترف بهذا الإرهاب.

وبینما الإرهاب من القمة یتزود بکل المقومات من الصلاحیات والسجون والقانون والنظم والمال وما أشبه ذلک، نجد أن الإرهاب من تحت لا یتمکن إلا بأشیاء قلیلة ومبعثرة من الإمکانیات.

ففی الحالة الأولی تأخذ الدولة علی عاتقها مهمة ممارسة الإرهاب فتستنفر إمکانیاتها من أجهزة وقوة عسکریة وقضائیة وما أشبه ذلک من أجل هذه الغایة، أما فی الحالة الثانیة وهی إرهاب الأفراد والقاعدة والقمة، فإن الأفراد والجماعات لیسوا فی السلطة ومجرّدین من القوة الدستوریة والمال والقضاء وغیر ذلک من الامتیازات، وهم الذین یتولون ممارسة الإرهاب بأنفسهم، ولذا یکون بعض الإرهابیین ضعفاء وضحایا لإرهاب الدولة.

ولکن إرهاب الأفراد قد یصل إلی شیء منظم ودقیق وأعمال ثوریة، فینشئ أجهزة خاصة بالعملیات، تتلقی عناصرها تدریبات منظمة ومدروسة، کما یتلقون الأوامر بالتنفیذ من قیاداتهم العلیا، ویتمیّز هذا النوع المنظم لممارسة الإرهاب السیاسی من قبل المجموعات عن إرهاب الدولة بمستوی التنظیم وعدد العناصر البشریة المکلّفة بهذه الأعمال وتعقیدات الإجراءات الإداریة ولزوم عملهم فی الظلام.

ثم إن الأمم المتحدة تعترف بإرهاب الدول ضد شعوبها بحجة أنها مسائل داخلیة، فی حین أنها لا تعترف بإرهاب المنظمات الصغیرة والأفراد، وقد ذکرنا فی بعض کتبنا أن علی الأمم المتحدة وما أشبه من منظمات دولیة محاسبة الدول التی تقوم بالإرهاب ضد شعبها.

من جهة أخری یکون إرهاب الأقویاء - عادة - مدعوما بالمرکز الاجتماعی والسیاسی الذی یتمتع به رجال السلطة علی عکس إرهاب الضعفاء.

علماً بأن جمیع أنواع العنف والإرهاب سواء من الدولة أم الشعب مرفوضة شرعاً.

ص:129

ثانیا: الإرهاب السیاسی

أخذ الإرهاب السیاسی مساحة واسعة من أفکار المفکرین وعلماء الاجتماع وعلماء السیاسة وعلماء الاقتصاد، والاهتمام بها جاء بقصد إیجاد الحلول الجزمیة للذین یقومون بالإرهاب.

ثم إن الإرهاب السیاسی قد یکون واقعیا، کما هو المعروف، وقد یکون صوریاً کالإرهاب من دولة عمیلة لدولة کبیرة ضد دولة کبیرة أخری، ومثل هذا الإرهاب قد یسمی إرهابا ابتزازیا.

ثم إن بعض المظلومین الذین هم یریدون تغییر خریطة دولهم أو ما أشبه ذلک من الفساد إلی الصلاح أو من الظلم إلی العدل أو ما أشبه ذلک، یخطئون الطریق فیستخدمون العنف والإرهاب، وهذا یضر هدفهم قبل أن یخدمه، علی تفصیل ذکرناه فی کتاب (السبیل إلی إنهاض المسلمین).

ومن المشاهد أن أعمال الإرهاب التی یقوم بها الأفراد والجماعات والشعوب المهضومة حقوقها فی العالم یتضاعف عددها کل سنة، وتشمل هذه الأعمال الإرهابیة أعمال القتل والجرح والخطف والتهدید بالقتل أو التدمیر واختطاف الأولاد من بنین وبنات، وتحصل هذه الأقسام من عملیات الإرهاب ضد الأشخاص والممتلکات وما یشبه ذلک، وهی تتضاعف مضاعفة کبیرة من جرّاء السیاسة المغلوطة للدول الکبری، حیث یخصون أنفسهم بغالب الخیرات ویترکون البقیة الباقیة ذلیلة فقیرة مستضعفة.

ومن هنا یعرف إن إرهاب الضعفاء یحفزه طموحهم للوصول إلی مراکز السلطة العامة السیاسیة التی تکون غلافا للدولة، وینتج عن هذا أن الأقویاء یمارسون الإرهاب لیدعموا نظامهم السیاسی ولیحافظوا علیه ویدعموا مرکزهم فیه دون أن یخاطروا بحیاتهم الشخصیة بصورة مباشرة، أما الضعفاء فإنهم یخاطرون بحیاتهم الشخصیة وبصورة مباشرة فی عملیة الإرهاب التی یقومون بها وذلک بهدف إزالة أو هدم أو زعزعة النظام السیاسی القائم وما یمثله من الأجهزة والآلات الأخری.

ویلعب عنصر الإعلام الدعائی دورا رئیسیا فی ممارسة الإرهاب لدی الفریقین

ص:130

علی السواء، لکن مع اختلاف أساسی بینهما یقوم علی أن الإعلام الدعائی عند الأقویاء هو عنصر دخیل علی العمل الإرهابی، أی أنه یتدخل من الخارج من أجل الدعم والتأیید والتبریر، بینما هو أساسیٌّ وملازم للعمل الإرهابی عند الضعفاء، وهذا یعنی أن العمل الإرهابی الذی یقوم به الأفراد أو الجماعات والمنظمات یحتوی فی أساسه علی عنصر دعائی یستغلّه هؤلاء ویستفیدون من فعالیته لیسمعوا أصواتهم ولیعرفوا بأنفسهم وبقضیتهم تجاه الرأی العام. ومن هنا یلزم نبذ جمیع مصادیق العنف والإرهاب سواء من الأمم والشعوب أم من الدول والحکومات.

ثالثا: الإرهاب الاستعماری

وهو حینما یتحکم بالبلد یستعمل العنف مع أهله، ومنه إذا کان إحلالیاً أی یرید أن یبید السکان الأصلیین ویحل محلهم، کما فی قصة فرعون فی ممارسة التطهیر العرقی، وکما فی الإرهاب الأمریکی حینما أراد استئصال الهنود الحمر من أمریکا وخطفه للناس الأحرار من إفریقیا وجعلهم عبیدا، وکذلک ما جری فی استرالیا، وأشهر من عرف بالإرهاب الاستعماری والإحلالی هو الکیان الصهیونی، فالصهاینة قبل احتلالهم لفلسطین کانوا مجموعة من العصابات الإرهابیة، وبقوا إرهابیین حین احتلالهم وبعد الاحتلال وإلی یومنا هذا.

ومن السیاسات التی یمارسها الاستعمار الإرهابی هی اختلاق الفتن بین الدول الإسلامیة، وکم من الخسائر التی تحملتها الأمة الإسلامیة بسب الحروب التی وقعت بینها، وبتخطیط إرهابی من المستعمرین.

ولقد ترک الإرهاب الاستعماری عبر عملائه - ومعظم الحکّام فی هذا العصر عملاء ل-ه عملا أو فکرا - آثارا سیئة فی البلدان الإسلامیة، منها إثارته للمشاکل والنزاعات بین الدول الإسلامیة کی تقع الحرب بینها، وقد رأینا قبل سنین کیف حارب العراق إیران، فقد سمعنا من رئیس الجمهوریة فی إیران أن خسائر إیران فی هذه الحرب کانت ألف ملیار من الدولارات((1)).

ص:131


1- ذکر ذلک الرئیس الإیرانی الأسبق هاشمی رفسنجانی

ونقلت الصحف((1)): أنّ جملة خسائر البلاد العربیة جراء غزو العراق للکویت فی سنة واحد وتسعین میلادیة کانت ستمائة وستا وسبعین ملیار دولار، مشیرة إلی أن خسائر العراق الاقتصادیة جرّاء هذا الغزو قد بلغت مائتین وأربعین ملیار دولار، وخسائر الکویت مائتین وسبعة وثلاثین ملیار دولار.

بالإضافة إلی ما نشاهده من مشاکل الحدود التی لیس لها أول ولا آخر بین البلاد الإسلامیة.

ومنها: إثارته الفتن والنعرات الطائفیة فی أوساط المسلمین کما فی باکستان إذ یقتل الوهابیون من الشیعة کل یوم.

ولبیان نوع هذا العمل الإرهابی المتمثل بإثارة الفتن أذکر مثالا علی ذلک، وهو قصة قتل ابن السید أبی الحسن الأصفهانی 6 فی النجف الأشرف قبل ستین سنة تقریباً.

وکان قاتله رجل مجنون یسمی بالشیخ علی القمی، ومع أن القاتل کان مشهورا عند الجمیع وهو القمی، فقد أشاع عملاء بریطانیا فی کل العراق من أقصاه إلی أقصاه أن الذی قتل ابن السید هو الشیخ علی الأفغانی، وبذلک أوجدوا هوة سحیقة بین العراقیین والأفغانیین، حتی أن الأفغانیین بقوا فی دورهم شهرا کاملا لأنه حتی فی البصرة والعمارة والناصریة والنجف وکربلاء المقدستین وغیرها إذا رأی عراقی أفغانیا ضربه انتقاما لهذه الفعلة الشنیعة من الشیخ علی الأفغانی حتی أن السید أبا الحسن 6 تدخّل بنفسه فی الأمر، وعمّم إلی وکلائه فی کل البلاد وصرف أموالا طائلة حتی یرفع هذا الحیف عن الأفغانیین فی قصة طویلة ذکرنا منها هذا المقطع.

ولنفترض أن الذی قتل ابن السید الأصفهانی کان أفغانیا فما هو ذنب سائر الأفغانیین عقلا أو شرعا، وقد قال سبحانه وتعالی: )وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَیَ(((2)) والعقل یدل علی أنّ المذنب هو المأخوذ بذنبه لا غیر المذنب وإن کان من لغته أو قومه

ص:132


1- نقلته صحیفة السفیر اللبنانیة عن وکالة أنباء رویتر
2- سورة الزمر: 7، سورة فاطر: 18، سورة الإسراء: 15، سورة الأنعام: 164

أو عشیرته أو منطقته أو ما شبه ذلک((1)).

ولکن کما ذکرنا إن إثارة الفتن سیاسة المستعمرین الأجانب الذین یریدون تفرقة المسلمین بأی ثمن کان وتحطیم الأخوة الإسلامیة ولکی لا یتقارب الشعبان بینما کانوا قبل مائة سنة شعبا واحدا، وإنما انفصلت أفغانستان عن إیران فی زمن ناصر الدین شاه((2)) قبل ما یقارب من قرن.

وعلی أی حال فقد قتل الغربیون بسبب عملائهم فی بلاد الإسلام: الدولة الواحدة والأمة الواحدة والأخوة الإسلامیة، کما قتلوا الحریات الإسلامیة والشوری والاستشارة، والتعددیة الإسلامیة - کما ذکرنا تفصیل ذلک هنا وفی بعض کتبنا الأخری - وذلک للحیلولة دون وحدة الأمة وتکاملها السیاسی والاقتصادی والاجتماعی والتربوی والفکری والعقیدی والعملی، وأصبحت هذه الأمور بأیدی

ص:133


1- سیأتی الحدیث مفصلا فی الفصل القادم عن أسس سلام المجتمع فی الإسلام ومنها أنه أبعد عن الناس العصبیة للجنس أو القوم أو اللغة أو الجغرافیة الخاصة، التی تسمّی بالوطنیة والملیة، أو اللون أو غیر ذلک
2- ناصر الدین شاه بن محمد شاه بن عباس میرزا بن فتح علی شاه القاجاری. ولد سنة 1247ه-، وهو أحد أفراد السلالة القاجاریة التی حکمت إیران فترة مائة وثلاثین عاماً. جلس علی سریر الملک سنة 1264ه-. کتب المؤرخون عن حیاته وآثاره کتباً مستقلة مثل: (ناسخ التواریخ - مجلد القاجار) و(سفرنامه ناصری) و(تاریخ ناصری). له قصائد فی رثاء الإمام الحسین الشهید علیه السلام باللغة الفارسیة، وشعره معروف ومتداول بین الوعاظ وأهل الذکر والرثاء. زار العراق فی سنة 1287ه- بدعوة رسمیة من الحکومة العثمانیة، فوصل إلی کربلاء المقدسة فی 7 رمضان، وورد النجف الأشرف فی 13 رمضان، ثم ذهب إلی زیارة سلمان الفارسی فی 29 رمضان. وفی 2 شوال خرج إلی زیارة سامراء، فوصلها فی 6 شوال وتشرف بالزیارة. عندما زار کربلاء المقدسة، أمر بتجدید الأبنیة فی المشهد الحسینی، وتبدیل صفائح الذهب، وتذهیب القبة الطاهرة، واشتری دوراً فأضافها إلی الصحن الشریف من الجهة الغربیة. وفی عهده حدثت قضیة التنباک (التبغ) الشهیرة، حیث منح ناصر الدین شاه حقّ امتیاز التبغ إلی إحدی الشرکات البریطانیة لبیعه فی داخل إیران وخارجه، مما کان یسبب سیطرة الکفار علی بلاد المسلمین، وقد أصدر المیرزا الشیرازی الکبیر رحمة الله فتوی بتحریم استعمال التنباک، ونتیجة لهذه الفتوی اضطر الشاه ناصر الدین أن یذعن للفتوی ویلغی الاتفاقیة بعد أن امتنع الناس عن التدخین وساروا فی تظاهرات صاخبة عمَّت کل المدن الإیرانیة للتندید بالشاه وبالاتفاقیة . وقد أدی ذلک إلی خروج الإنجلیز من البلاد خائبین خاسرین. تعرض فی 13 ذی القعدة سنة 1313 ه- إلی محاولة اغتیال علی ید المیرزا رضا الکرمانی، فی حرم السید عبد العظیم الحسنی علیه السلام فی مدینة الری جنوب طهران توفی علی أثرها ودفن إلی جواره. ثم جلس علی أریکة السلطنة من بعده ابنه مظفر الدین شاه

الغربیین وعملائهم ألغاما متفجرة بین حین وآخر فضلا عن الألغام التی زرعوها بین السنة والشیعة والعرب والعجم.

ونذکر عملا مشابها لهذا العمل وقع فی أیامنا هذه حیث قتل شاب إیرانی مهووس فی طهران إحدی عشرة بنتا بعد الفعل الشنیع بهن وهو معروف ویحمل جنسیة إیرانیة، وإذا بمقام کبیر جدا فی الدولة یخطب وینشر فی الجرائد إن مرتکب هذه الفعلة الشنیعة أفغانی! مما أثار الإیرانیین علی الأفغانیین، فقتل جملة منهم وضرب الآخرون أینما وجدوا ، وکان البعض یمتنع عن نقلهم فی سیارات الأجرة مما اضطر الکثیر منهم إلی الاختباء فی دورهم وعدم ذهابهم للعمل خوفا من أن یشملهم الانتقام، لکن الحکومة بعدئذ تدارکت الموقف ورفعت الحیف عنهم وبینت أن القاتل لم یکن أفغانیا وإنما إیرانیا وله سوابق أخری غیر هذا الأمر المفجع.

الدور الإسلامی فی إزالة الإرهاب

الدور الإسلامی فی إزالة الإرهاب

مسألة: لقد وضع الإسلام الحلول الجذریة لحل مشکلة العنف والإرهاب.

وکان من الممکن للمسلمین العمل علی زوال الإرهاب وإحلال السلام محله وذلک بتطبیق القوانین الإسلامیة.

فإن هناک إرهاب الإنسان ضد نفسه وحیاته، فالإنسان الحر فی الشریعة الإسلامیة لا یحق له أن یقتل نفسه، قال سبحانه وتعالی: )وَلاَ تَقْتُلُوَاْ أَنْفُسَکُمْ إِنّ اللّهَ کَانَ بِکُمْ رَحِیماً* وَمَن یَفْعَلْ ذَلِکَ عُدْوَاناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِیهِ نَاراً وَکَانَ ذَلِکَ عَلَی اللّهِ یَسِیراً(((1))، وفی حدیث عن الإمام أبی عبد الله الصادق علیه السلام: »من قتل نفسه متعمدا فهو فی نار جهنم خالدا فیها«((2)).

ولا یجوز للإنسان أن یبتر عضوا من أعضائه کقطع یده أو أذنه أو جدع أنفه أو فقء عینه أو ما شابه ذلک، أو أن یذهب قوة من قواه کقوة عینه فلا یبصر أو أذنه فلا یسمع، أو المرأة تذهب قوة رحمها فلا تنجب، ولذا قال الفقهاء: بأنه یجوز للمرأة أن

ص:134


1- سورة النساء: 29-30
2- الکافی: ج7 ص45 ح1

تعطّل رحمها عن الإنجاب بشکل موقت کسنة أو ما أشبه ذلک، أما أن تعطل رحمها عن الإنجاب مطلقا فذلک غیر جائز.

وسنذکر هنا باختصار رأی النظریة الإسلامیة فی زوال بعض أنواع الإرهاب وإحلال السلام محلها.

زوال الإرهاب المدنی

الإرهاب المدنی وهو الذی یهدد الناس فی مختلف مجالات حیاتهم المدنیة، کالظلم والقتل والسرقة والانتقام والفساد والتخریب وغیرها من هذه الجرائم، وقد نهی الإسلام عن کل ذلک، یقول تعالی فی الانتقام والعدوان: )وَلاَ یَجْرِمَنّکُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدّوکُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُواْ وَتَعَاوَنُواْ عَلَی الْبرّ وَالتّقْوَیَ وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَی الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتّقُواْ اللّهَ إِنّ اللّهَ شَدِیدُ آلْعِقَابِ(((1)).

وکذلک منع الإفساد والتخریب، فقال: )وَلاَ تُفْسِدُواْ فِی الأرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا( ((2)).

ومن حکم الإسلام تشریعاته المختلفة وفق طبیعة الجریمة فنراه حرم الأمور التی تؤدی إلی القیام بالأعمال الإرهابیة ومنها علی سبیل المثال شرب الخمر والزنا، قال الإمام علی بن موسی الرضا علیه السلام: »حرم الله الزنا لما فیه من الفساد من قتل النفس وذهاب الأنساب وترک التربیة للأطفال وفساد المواریث وما أشبه ذلک من وجوه الفساد«((3)).

وقال علیه السلام: «وإن الله تعالی حرّم الخمر لما فیها من الفساد وبطلان العقول فی الحقائق، وذهاب الحیاء من الوجه، وإن الرجل إذا سکر فربما وقع علی أمه أو قتل النفس التی حرم الله, ویفسد أمواله، ویذهب بالدین، ویسیء المعاشرة، ویوقع

ص:135


1- سورة المائدة: 2
2- سورة الأعراف: 56
3- وسائل الشیعة: ج20 ص331 ح25699

العربدة، وهو یورث مع ذلک الداء الدفین، فمن شرب الخمر فی دار الدنیا سقاه الله من طینة خبال وهو صدید أهل النار»((1)).

ومن حکمه أنه شرع الوعید لمن یسرق، وأقل منه لمن یغصب، لأن السارق یهدد أمن الناس وحیاتهم.

وکذلک موقفه من العصابات الإجرامیة الذین صورتهم الآیة الکریمة: )إِنّمَا جَزَآءُ الّذِینَ یُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَیَسْعَوْنَ فِی الأرْضِ فَسَاداً( ((2)) فجاء لهم الإسلام بأشد العقوبات لأنه حرص علی الأمن والسلام المدنی والاجتماعی.

وکل جریمة من هذه الجرائم وضع لها الإسلام عقابا أو إرشادا لردعها، کإدانته لجریمة الخطف مثلا، تقول الآیة: )کُلّ نَفْسٍ بِمَا کَسَبَتْ رَهِینَةٌ( ((3)).

وأیضا الآیة: )وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَیَ( ((4)).

والآیات التی تحدثت عن مقاومة الإسلام للإرهاب المدنی والاجتماعی کثیرة جدا، وکذلک التی أشارت إلی أهمیة الأمن والسلام، ومنها الآیة: )الّذِیَ أَطْعَمَهُم مّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مّنْ خَوْفٍ(((5)).

ومنها الآیة: )ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَآءَ اللّهُ آمِنِینَ(((6)).

والآیة: ) أَنّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً(((7)).

ومن هذه الآیات یستدل علی أن من جملة السنن الاجتماعیة المدنیة هی أن المجتمع إذا أنعم الله علیه یعم الأمن والسلام، وإذا عذبه یعمه الخوف والعذاب.

وهناک جملة من الأمور یجب الالتزام بها لزوال الإرهاب المدنی المتمثل فی الظلم والقتل والسرقة وما أشبه من سائر مصادیق العنف، منها:

ص:136


1- مستدرک الوسائل: ج17 ص45 ب5 ح20693
2- سورة المائدة:33
3- سورة المدثر: 38
4- سورة الأنعام: 164، سورة الإسراء: 15، سورة فاطر: 18، سورة الزمر: 7. 
5- سورة قریش: 4
6- سورة یوسف: 99
7- سورة العنکبوت: 67

أولا: وصایا إرشادیة وأخلاقیة

وهی کثیرة، نشیر إلی بعضها:

1: تقویة الورع والتقوی والخیر والفضیلة والواقعیة وأمثال هذه المفاهیم. وتطهیر النفوس والقلوب وإصلاحها وترقّیها وتقویمها.

یقول رسول الله صلی الله علیه و آله: »إن فی جسد ابن آدم لمضغة إذا صلحت صلح الجسد کله وإذا فسدت فسد الجسد کله ألا وهی القلب«((1)).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: »کیف یصلح غیره من لا یصلح نفسه«((2)).

2: الإیمان بالله والیوم الآخر، وتقویة الروح فی مقابل شهوات الجسد، لأن الإنسان مرکّب من الروح والجسد ولا یمکن الانتفاع الصحیح بأحدهما إلا فی عرض الانتفاع الصحیح بالآخر، ولهذا نشاهد کثرة الجرائم فی عالم الیوم حتی فی العالم المتحضّر، لا لنقص فی المال ولا لنقص فی المعرفة أو فی الشهوات الجنسیة أو ما أشبه ذلک، بل لأن الإنسان لا یقف عند حد إذا لم یکن خائفا من الله راجیا لثوابه

وهاربا من عقابه ومترقباً ل- ƒ یَوْمَ لاَ یَنفَعُ مَالٌ وَلاَ بَنُونَ* إِلاّ مَنْ أَتَی اللّهَ بِقَلْبٍ سَلِیمٍ‚((3)).

إن الإیمان بالله والیوم الآخر وتوقع الثواب العظیم والعقاب الصارم هو الشیء الوحید الناجع لکبح جماح الشخص المنفلت الشاذ.

3: بیان ونشر الآیات والروایات التی ورد فیها وعید للظالمین کی یرتدعوا عن ظلمهم وإرهابهم وهی کثیرة ستأتی الإشارة إلی بعضها.

ثم إن التشریع لم یقم حدا من الحدود إلا بعد الوعید والإنذار الشدید کی یکون فیه قوة رادعة عن الظلم والإقدام علی الفعل المحرم الذی یسبب إقامة الحد.

هذا ومن الواضح أن ظلم الحاکم إنما یکون بمعونة ظلم أعوانه من الأمة فإن الحاکم لا یتمکن بقوة غیبیة قهریة من السیطرة وإنما تکون السیطرة والجبروت والغشم

ص:137


1- غوالی اللآلی: ج4 ص7 ح8
2- غرر الحکم ودرر الکلم: ص234 ح4694
3- سورة الشعراء: 88-90

بالتخاذل والتواکل والإستئثار والوهم وعدم الدعوة إلی الخیر وترک الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر، ولذا ورد فی الحدیث: »کیفما تکونوا یولّ علیکم«((1))، ومثل هذه الأمة المتواکلة تکون من أشدّ أمثلة الظالمین فقد قال الله تعالی: )وَسَیَعْلَمْ الّذِینَ ظَلَمُوَاْ أَیّ مُنقَلَبٍ یَنقَلِبُونَ(((2)).

وسنقتصر علی ذکر بعض الروایات العامة التی توعدت الظالمین بالعقاب أو نهت عن الظلم والطغیان بمختلف مصادیقه:

قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «الظلم ظلمات یوم القیامة»((3)).

وعن أمیر المؤمنین علیه السلام قال: «لا یحل لمسلم أن یروع مسلما»((4)).

وعن أبی عبد الله علیه السلام: «من أعان علی مؤمن بشطر کلمة لقی الله عزوجل وبین عینیه مکتوب آیس من رحمة الله»((5)).

وقال رسول الله صلی الله علیه و آله: «من أکرم أخاه المؤمن بکلمة یلطفه بها أو قضی له حاجة أو فرج عنه کربة لم تزل الرحمة ظلا علیه مجدولا ما کان فی ذلک من النظر فی حاجته، ثم قال: ألا أنبئکم لم سمی المؤمن مؤمنا لإیمانه الناس علی أنفسهم وأموالهم، ألا أنبئکم من المسلم من سلم الناس من یده ولسانه، ألا أنبئکم بالمهاجر من هجر السیئات وما حرم الله علیه، ومن دفع مؤمنا دفعة لیذله بها أو لطمه لطمة أو أتی إلیه أمرا یکرهه لعنته الملائکة حتی یرضیه من حقه ویتوب ویستغفر، فإیاکم و العجلة إلی أحد فلعله مؤمن وأنتم لا تعلمون وعلیکم بالأناة واللین، والتسرع من سلاح الشیاطین، وما من شیء أحب إلی الله من الأناة واللین»((6)).

وفی مناهی النبی صلی الله علیه و آله: «ألا ومن لطم خد امرئ مسلم أو وجهه بدد الله عظامه

ص:138


1- شرح القصیدة الرائیة: تتمة التن-زیة، ص453
2- سورة الشعراء: 227
3- مستدرک الوسائل: ج12 ص99 ح13628
4- عیون أخبار الرضا علیه السلام : ج2 ص70-71 ب31 ح327
5- وسائل الشیعة: ج12 ص304 ب163 ح16366
6- بحار الأنوار: ج72 ص148 ب57 ح3

یوم القیامة وحشر مغلولا حتی یدخل جهنم إلا أن یتوب»((1)).

وعن أبی بصیر عن أبی جعفر علیه السلام قال:

قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «سباب المؤمن فسوق، وقتاله کفر، وأکل لحمه من معصیة الله»((2)).

وعن بعض الکوفیین عن أبی عبد الله علیه السلام قال: «من روع مؤمنا بسلطان لیصیبه منه مکروه فلم یصبه فهو فی النار، ومن روع مؤمنا بسلطان لیصیبه منه مکروه فأصابه فهو مع فرعون وآل فرعون فی النار»((3)).

وقال أبو عبد الله علیه السلام: «إذا کان یوم القیامة نادی مناد أین الصدود لأولیائی؟ قال: فیقوم قوم لیس علی وجوههم لحم، قال: فیقول هؤلاء الذین آذوا المؤمنین ونصبوا لهم وعاندوهم وعنفوهم فی دینهم، قال: ثم یؤمر بهم إلی جهنم»..

قال أبو عبد الله علیه السلام: «کانوا والله الذین یقولون بقولهم ولکنهم حبسوا حقوقهم وأذاعوا علیهم سرهم»((4)).

وفی حدیث آخر: »من خان جاره بشبر من الأرض طوّقه الله من سبع أرضین یوم القیامة إلی الأرض السابعة حتی یدخل النار«((5)).

وورد أنه مکتوب فی التوراة: »ینادی مناد من وراء الجسر (یعنی الصراط): یا معشر الجبابرة الطغاة ویا معشر المترفین الأشقیاء إن الله یحلف بعزته أن لا یجاوز هذا الجسر الیوم ظلم ظالم«.

وعن أمیر المؤمنین علیه السلام: »إن الله تبارک وتعالی إذا برز لخلقه أقسم قسماً

علی نفسه فقال: وعزتی وجلالی لا یجوزنی ظلم ظالم ولو کف بکف ولو

مسحة بکف ولو نطحة ما بین القرناء إلی الجماء فیقتص للعباد بعضهم من بعض حتی

ص:139


1- من لا یحضره الفقیه: ج4 ص15 باب ذکر جمل من مناهی النبی صلی الله علیه و آله ح4968
2- مستدرک الوسائل: ج9 ص138 ب138 ح10482
3- الکافی: ج2 ص368 باب من أخاف مؤمنا ح2
4- ثواب الأعمال: ص257 عقاب من آذی المؤمنین ونصب لهم وعاندهم
5- مستدرک الوسائل: ج8 ص422 ح9872

لا تبقی لأحد علی أحد مظلمة ثم یبعثهم للحساب... «((1)).

وروی أنه لما رجع المهاجرون من الحبشة إلی رسول الله صلی الله علیه و آله قال: »ألا تخبروننی بأعجب ما رأیتم فی أرض الحبشة؟ فقال قتیبة - وکان منهم -: نعم یا رسول الله بینما نحن جلوس إذ مرّت بنا عجوز من عجائزهم تحمل علی رأسها قلّة من ماء فمر شاب منهم فجعل إحدی یدیه بین کتفیها ثم دفعها فخرّت المرأة علی رکبتیها وانکسرت قلّتها، فلما قامت التفتت إلیه ثم قالت: سوف تعلم یا غادر إذا وضع الله الکرسیّ وجمع الأولین والآخرین وتکلّمت الأیدی والأرجل بما کانوا یکسبون، تعلم ما أمری وأمرک عنده غدا، قال: فقال رسول الله صلی الله علیه و آله:کیف یقدّس الله قوما لا یؤخذ لضعیفهم من شدیدهم«((2)).

وفی الحدیث: »یجیء الظالم یوم القیامة حتی إذا کان علی جسر جهنم لقیه المظلوم وعرف ما فی ظلمه، فما یبرح الذین ظلموا بالذین ظلموا حتی ینزعوا ما بأیدیهم من الحسنات فإن لم یجدوا لهم حسنات حملوا علیهم من سیئاتهم مثل ما ظلموهم حتی یردوا الدرک الأسفل من النار«((3)).

وفی حدیث عن رسول الله صلی الله علیه و آله: »أول ما ینظر الله بین الناس فی الدماء«((4)).

ثانیاً: إقامة القصاص والحدود من أجل إحلال السلام

الحدود والقصاص والدیات والحقوق کلها ناشئة من الأمر الوجدانی لترسیخ قواعد السلم والسلام فی المجتمع، فإن جعل العقوبات ونحوها وبالکیفیة المقررة شرعاً، مرتبطة أوثق ارتباط بسیاسة الإسلام فی التربیة والتنظیم والتعلیم والمال ونحو ذلک، لکنا ذکرنا فی بعض کتبنا الفقهیة أن العقوبة فی الإسلام لیست علی ما یذکره بعض الکتّاب من التضخیم، وإنما هی شیء قلیل جدا ولها شرائط کثیرة جدا قلّما تجتمع

ص:140


1- الکافی: ج2 ص443 ح1
2- بحار الأنوار: ج72 ص353
3- للتفصیل راجع الکافی: ج8 ص104ح79
4- مستدرک الوسائل: ج18 ص273ح22731

هذه الشروط، کما هو المشاهد فی زمان الرسول صلی الله علیه و آله وأمیر المؤمنین علی علیه السلام.

أما فی الحال الحاضر وحیث أخذ المسلمون بقوانین الغرب والشرق فقد زاد الکبت والعنف والإرهاب، فجعلوا الجوّ موبوءً والمکان وخیما والزمان وبیلا، لذا کثرت الجرائم، بینما الإسلام یهیّئ المکان المعافی والزمان الرخی الودیع والجو السلیم جدا والذی یلبی جمیع حاجات البشر من مال أو زوجة أو زوج أو صحة أو نحوها، فإذا کانت بعد ذلک جریمة فقد برهن هذا الفرد الذی اقترف تلک الجریمة بالبرهان الساطع والبینة الجلیّة علی أنه فی حاجة إلی العلاج، والعلاج قد لا یکون بالعقوبة فقط، بل قد یکون بغیر العقوبة کمنع بعض الحقوق أو غیر ذلک علی ما ذکرنا تفصیله فی کتاب العقوبات وغیره.

وقد ذکر القرآن الکریم جملة من الآیات التی تتحدث عن هذه الحدود والقصاص وما أشبه، وهی التی یعبر عنه بالفقه الجنائی، أی ما شرع من العقوبات للجرائم والجنایات المختلفة، ومن أشهر أحکام هذا التشریع وأسبابه:

1: صیانة المجتمع من الانحراف والفساد.

ومن الواضح أن جمیع الأمم وحتی البدائیة منها لها عقوبات توجب صیانة المجتمع من الانحراف والفساد. لأن کثرة الجرائم والجنایات سبب للفوضی وتخلق الانحراف وتکثر الفساد، فالالتزام بالحدود والعقوبات یوجب صیانة المجتمع ویمنعه من الانحراف ویجعل منه مجتمعا سویّا معافی.

2: إحلال الأمن والسلام فی المجتمع.

للحدود والقصاص (العقوبة) الأثر الکبیر فی إحلال السلم والسلام فی المجتمع، لأنها تکون رادعة للظلم ومانعة لارتکاب الجرائم العنیفة والإرهابیة. وقد قال الله سبحانه وتعالی: )وَلَکُمْ فِی الْقِصَاصِ حَیَاةٌ یَأُولِی الألْبَابِ لَعَلّکُمْ تَتّقُونَ(((1)).

فالقصد من القصاص هو حقن الدماء وکف العدوان عن الأرواح، وقد جاء فی وصیة الإمام أبی جعفر علیه السلام لجابر بن یزید الجعفی أنه علیه السلام قال: »القصاص

ص:141


1- سورة البقرة: 179

والحدود حقن الدماء«((1))، وهذا هو أحد أسباب عیش الناس بأمن وسلام وحفظ الدماء من الهدر، والعرض من الهتک، والحیاة من السفک، والمال من السطوة والاجتیاح.

3: إرجاع الحقوق وأخذها لأصحابها.

تقع الجرائم وتهدر الحقوق، وقانون العقوبات تضمن للضحایا إرجاع حقوقهم، فإذا ثبت لدی الحاکم الشرعی المعتدی والمعتدی علیه یؤخذ حق المجنی علیه وهو صاحب الحق عن طریق الحدود والقصاص والعقوبات من الجانی حسب التشریع والقانون الإسلامی لتلک القضیة، وهذا من جملة الحقوق التی جعلها الله للإنسان, وإذا لم یستطع أن یأخذ حقه فی الدنیا أخذ حقه فی الآخرة، ومن تلک الحقوق المعتدی علیها من قبل المجرمین والإرهابیین: حق الحیاة، حیث إن کل إنسان له حق الحیاة لا بالنسبة إلی الإنسان العاقل ذی الشعور، بل حتی بالنسبة إلی النطفة فی الرحم فإنها إذا استقرت فیه لا یحق لشخص أن یسقطها وإذا أسقطها کان محرما علیه من ناحیة وموجبا للتأدیب من ناحیة ثانیة وسببا للدیة من ناحیة ثالثة، حتی لو کانت النطفة من زنا، إذ الولد لم یجرم شیئا وإنما المجرم هو الزانی سواء کان کلاهما فعل محرما عمدا أو أحدهما کان زانیا.

عن النبی صلی الله علیه و آله أنه قال: »یؤتی بوال نقص من الحد سوطا، فیقول: رب رحمة لعبادک، فیقال ل-ه: أنت أرحم بهم منی فیؤمر به إلی النار، ویؤتی بمن زاد سوطاً، فیقول: لینتهوا عن معاصیک فیؤمر به إلی النار«((2)).

وهذه الجریمة التی تلغی هذا الحق غیر القابل للإلغاء وتغیبه عن الوجود فی الدنیا - طبعاً مع اجتماع شرائطه - هی من أعظم الجرائم والجنایات، وقد وقف منها الإسلام موقفا حاسما ومتشددا.

تقول الآیة الشریفة: )وَمَن یَقْتُلْ مُؤْمِناً مّتَعَمّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنّمُ خَالِداً فِیهَا

ص:142


1- بحار الأنوار: ج75 ص182 ح8
2- مستدرک الوسائل: ج18 ص37 ح21948

وَغَضِبَ اللّهُ عَلَیْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدّ لَهُ عَذَاباً عَظِیماً(((1)).

وفی آیة أخری: )مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَیْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِی الأرْضِ فَکَأَنّمَا قَتَلَ النّاسَ جَمِیعاً وَمَنْ أَحْیَاهَا فَکَأَنّمَا أَحْیَا النّاسَ جَمِیعاً(((2))، وذلک لأن الشر یبید الحیاة والخیر یثمر الحیاة((3)).

وفی حدیث عن رسول الله صلی الله علیه و آله فی قصة قتیل وجد فی المدینة فی عهده ولم یعرف قاتله، قال صلی الله علیه و آله:

»لو أن أهل السماوات السبع وأهل الأرضین السبع اشترکوا فی دم مؤمن لأکبهم

ص:143


1- سورة النساء: 93
2- سورة المائدة: 32
3- وفی تفسیر مجمع البیان: قیل فی تأویله أقوال: أحدها: إن معناه هو أن الناس کلهم خصماؤه فی قتل ذلک الإنسان، وقد وترهم وتر من قصد لقتلهم جمیعا، فأوصل إلیهم من المکر وما یشبه القتل الذی أوصله إلی المقتول فکأنه قتلهم کلهم، ومن استنقذها من غرق، أو حرق، أو هدم، أو ما یمیت لا محالة، أو استنقذها من ضلال، فکأنما أحیا الناس جمیعا، أی: أجره علی الله أجر من أحیاهم جمیعا؛ لأنه فی إسدائه المعروف إلیهم بإحیائه أخاهم المؤمن، بمنزلة من أحیا کل واحد منهم، عن مجاهد والزجاج واختاره ابن الأنباری، وهذا المعنی مروی عن أبی عبد الله علیه السلام . ثم قال: « وأفضل من ذلک أن یخرجها من ضلال إلی هدی » . وثانیها: إن معناه من قتل نبیا أو إمام عدل، فکأنما قتل الناس جمیعا أی: یعذب علیه کما لو قتل الناس کلهم، ومن شد علی عضد نبی أو إمام عدل، فکأنما أحیا الناس جمیعا فی استحقاق الثواب، عن ابن عباس. وثالثها: إن معناه من قتل نفسا بغیر حق فعلیه مأثم کل قاتل من الناس؛ لأنه سن القتل وسهله لغیره، فکان بمنزلة المشارک فیه، ومن زجر عن قتلها بما فیه حیاتها، علی وجه یقتدی به فیه بأن یعظم تحریم قتلها کما حرمه الله، فلم یقدم علی قتلها لذلک فقد أحیا الناس بسلامتهم منه فذلک إحیاؤه إیاها، عن أبی علی الجبائی وهو اختیار الطبری. ویؤیده قول-ه صلی الله علیه و آله : « من سن سنة حسنة، فله أجرها وأجر من عمل بها إلی یوم القیامة. ومن سن سنة سیئة فله وزرها ووزر من عمل بها إلی یوم القیامة » . ورابعها: إن المراد فکأنما قتل الناس جمیعا عند المقتول، ومن أحیاها فکأنما أحیا الناس جمیعا عند المستنقذ، عن ابن مسعود وغیره من الصحابة. وخامسها: إن معناه یجب علیه من القصاص بقتلها، مثل الذی یجب علیه لو قتل الناس جمیعا، ومن عفا عن دمها وقد وجب القود علیها، کان کما لو عفا عن الناس جمیعا، عن الحسن وابن زید. راجع تفسیر مجمع البیان للعلامة الشیخ الطبرسی: ج3 ص 321-322

الله جمیعاً فی النار«((1)).

وکما أن الله سبحانه وتعالی قد جعل القتل فی إزاء القتل، کذلک جعل قطع العضو فی إزاء قطع العضو علی ما هو مذکور فی أحکام القصاص، قال سبحانه:

)وَکَتَبْنَا عَلَیْهِمْ فِیهَآ أَنّ النّفْسَ بِالنّفْسِ وَالْعَیْنَ بِالْعَیْنِ وَالأنْفَ بِالأنْفِ وَالاُذُنَ بِالاُذُنِ وَالسّنّ بِالسّنّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ(((2)) .

ویذکر أن هذا الحکم شرع عندما قتل أحد ابنی آدم أخاه،فقالت الآیة: )مِنْ أَجْلِ ذَلِکَ کَتَبْنَا عَلَیَ بَنِیَ إِسْرَائِیلَ أَنّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَیْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِی الأرْضِ فَکَأَنّمَا قَتَلَ النّاسَ جَمِیعاً وَمَنْ أَحْیَاهَا فَکَأَنّمَا أَحْیَا النّاسَ جَمِیعاً(((3)) قالوا: ومعنی )من أجل ذلک( من ابتداء ذلک، أی أن ابتداء هذه الکتابة منذ تلک الواقعة.

نعم حکم القتل لا یکون إلا إذا کان عن عمد، وأما إذا کان قد قتل خطأ أو شبه عمد فالشارع لم یجز قتل القاتل وإنما جعل فیه الدیّة.

وفی قتل العمد جعل حق العفو للولی، کما یحق ل-ه أخذ الدیة أو الأقل من الدیة أو الأکثر حسب التراضی((4)).

ومن هنا یعرف الرد علی الشبهة القائلة: لو حکم الإسلام لأجری العقوبات ولکان عنیفا مع الناس. فإن الإسلام برحمته الواسعة وقوانینه السمحة یقلع جذور الفساد والظلم، ورعایة لحقوق الآخرین شرع قانون العقوبات بشروطه الکثیرة، ومع ذلک یحث الولی علی العفو.

فإن هنا ملاحظة مهمة حول سماحة التشریع الإسلامی وهو أنه ینظر قبل إجراء الحدود فی کل النواحی التی یترتب علیها حفظ الأرواح، فمع أنّ العقوبة تزجر فاسد

ص:144


1- مستدرک الوسائل: ج18 ص212 ح22531
2- سورة المائدة: 45
3- سورة المائدة: 32
4- حکم القتل فی أقسامه الثلاثة: العمد، وشبه العمد، والخطأ، ذکر فی کتاب القصاص والدیات فی فقه الإسلام

الأخلاق الذی تجری فی دمه شهوة إراقة الدماء أو ما أشبه ذلک، إلا أنه یجب النظر إلی ما یرفع الأحقاد والضغائن من النفوس حقنا للدماء وحفاظا علی الأرواح ولسلامة المجتمع عن الأخذ بالثأر الذی کان عادة جاهلیة لیعیش الناس فی أمن وسلام، وعلی سبیل المثال حینما یشرع حکم القتل للولی فالتشریع الإسلامی ینهاه عن السرف فی هذا الحق وهو الحکم الذی کان إلی جانبه وهذا ما أشارت له الآیة: )وَلاَ تَقْتُلُواْ النّفْسَ الّتِی حَرّمَ اللّهُ إِلاّ بِالحَقّ وَمَن قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِیّهِ سُلْطَاناً فَلاَ یُسْرِف فّی الْقَتْلِ إِنّهُ کَانَ مَنْصُوراً(((1)).

وهذه جملة من الروایات التی وردت فی هذا الموضوع منها: ما ورد فی حدیث رواه أنس أن النبی صلی الله علیه و آله کان ما رفع إلیه قصاص قط إلا أمر فیه بالعفو.

وقال الرسول الأکرم صلی الله علیه و آله: »علیکم بالعفو فإن العفو لا یزید العبد إلا عزا فتعافوا یعزکم الله«((2)).

وکان رسول الله صلی الله علیه و آله: »یأمر فی کل مجالسه بالعفو وینهی عن المثلة«((3)).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: »من لم یحسن العفو أساء الانتقام«((4)).

إن جعل العفو إلی جانب العقوبة علی الجانی، حیث یختار المجنی علیه ذلک، تدل دلالة ساطعة علی التطبیق المرن للتشریع الإسلامی وانتفاء التزمّت عنه، وهذا رد علی بعض الکتّاب الذین یقولون: (لو حکم الإسلام لأجری العقوبات).

و کأنه لیس فی الإسلام إلا الحدود والعقوبات، مع أنها جزء صغیر جداً من خریطة الإسلام الواسعة من باب العبادات والمعاملات والقضاء والمواریث والحریات والأمة الواحدة والأخوة الإسلامیة وما أشبه ذلک، ویدل علی ذلک تطبیق العقوبات فی زمن رسول الله صلی الله علیه و آله فکانت أقل من القلیل، حیث إن الرسول صلی الله علیه و آله  لم یبن سجنا علی مملکته الواسعة، وکذلک فی زمان الإمام علی علیه السلام، وإنما کان هناک سجن واحد

ص:145


1- سورة الإسراء: 33
2- الکافی: ج2 ص108 ح5
3- مستدرک الوسائل: ج9 ص7 ح10042
4- غرر الحکم ودرر الکلم: ص245 ح5019

فی الکوفة، کما ورد عن الإمام أمیر المؤمنین علیه السلام: »أنه کان یعرض السجون کل جمعة فمن کان علیه حد أقامه من لم یکن علیه حد خلی سبیله«((1))، أما هذا الذی نشاهده الیوم فی بلاد الإسلام من کثرة السجون، وکثرة قانون العقوبات فهو تابع للغرب فکرا أو عمالة، فلیس من الإسلام فی قلیل أو کثیر، بل إنها من المنفّرات عن الإسلام کما هو واضح.

زوال الإرهاب الدولی والإرهاب السیاسی

اقترحت اللجنة التی تشکّلت فی الأمم المتحدة عام (1972م) علی دول العالم بعض الإجراءات المؤدیة إلی تلافی الإرهاب الدولی، وأهمها التقید بالإعلان العالمی لحقوق الإنسان القائل بحقوق الشعوب فی تقریر مصیرها، وبالحفاظ علی الحریات الفردیة، والعمل من أجل مساعدة الشعوب الضعیفة علی تحقیق حریتها، واقترحت أیضا عدم تدخل الدول الکبری فی شؤون الدول الصغیرة، وإلغاء التمییز العنصری، والاستعمار بجمیع أشکاله ووجوهه، وإعطاء الشعوب حقوقها القانونیة المشروعة، وحقوقها الأساسیة، وهی حقوق لا یمکن التنازل عنها ولا یعفی علیها الزمن، وهی الحریة الکاملة التی تؤمن لتلک الشعوب المساواة بین هذه الدول القائمة والمعترف بها، ولکن هذه اللجنة الخاصة التی شکلت فی الأمم المتحدة عام اثنین وسبعین لا یمکن الرهان علیها، لأن شرعة حقوق الإنسان التی تبنّتها جمیع دول العالم، غیر معمول بها فی دول العالم إطلاقا وخاصة من قبل الدول الاستعماریة الکبری، وإن القرارات الصادرة عن الأمم المتحدة لا تتقید بها الدول المعنیة، ولذلک یجد الإنسان هیئة الأمم المتحدة عاجزة عن فرض هیبتها وتطبیق قراراتها بشکل مطلوب.

وقبل عقود من الزمن حیث عمّت موجة الشیوعیة عالج عقلاء العالم الرأسمالی ذلک بإصلاح وضع العمّال والفقراء والمستضعفین والعاطلین مما سببّ انحسار مد الشیوعیة عن تلک البلاد.

ص:146


1- مستدرک الوسائل: ج18 ص36 ح21943

ومما یؤدی إلی زوال الإرهاب السیاسی الأمور التالیة:

الأول: الوعی العام والتعدّدیة السیاسیة والانتخابات الحرّة والمؤسسات الدستوریة.

الثانی: تطبیق العدل والمساواة وإعطاء کل ذی حق حقه حتی یعمّ السلم والسلام من أقصی الشعب إلی أقصاه، وحتی لا یکون لذوی الحقوق المهدورة سبب للقیام بالإرهاب والمخاطرة بأنفسهم وما یملکون، ورفع الحیف عن المظلومین ورد الحقوق المسلوبة إلی أصحابها وربط الشرعیة بالقوة والقوة بالشرعیة، فإنه وکما قال أمیر المؤمنین علیه السلام: »ظلامة المظلومین یمهلها الله تعالی ولا یهملها«((1)).

الثالث: إرضاء الإرهابیین الصغار وإقناعهم بأن الإرهاب لیس وسیلة محققة للغرض، بل اللازم أن یحققوا أغراضهم بالموازین الدستوریة والقوانین العادیة والعرفیة والمعاییر السلوکیة والضغوط الإعلامیة والدبلوماسیة، وهذا هو سبیل اللاعنف الذی ندعو إلیه ودلت علیه الآیات والروایات، وقد ألمحنا إلیه فی السابق، فاللاعنف هو الذی یتغلب علی القوی المادیة، کما استعمله رسول الله صلی الله علیه و آله فی أول البعثة النبویة المبارکة ولهذا تغلب علی المادیات، وهکذا کان حال جملة من الأنبیاء علیهم السلام الذین وصل إلینا تاریخهم کعیسی المسیح وموسی الکلیم وإبراهیم الخلیل ونوح شیخ المرسلین علیهم السلام مما هو مذکور فی التواریخ.

وربما یستشکل علی هذه النقطة الأخیرة، فیقال: بأن ما ذکر فیها من النقاط التی تنسجم مع مفهوم اللاعنف فجمیعها طرق سلمیة تواجه إرهابا منظما، محاولة تغییر منهجه ومن أجل تحقیق أهدافه وفق الموازین الدستوریة والقوانین العادیة والعرفیة، وهذا یتعارض مع المفهوم الإسلامی فی الرد بالمثل علی المعتدی، لزوال ظاهرة الاعتداء، والجواب:

1: إن المفهوم الإسلامی بجواز الاعتداء بالمثل، إذا کان یتحدث عن الجانب الفردی فی العقاب وإجراء الحدود کالعین بالعین والسن بالسن وهو بأن تقتص من

ص:147


1- غرر الحکم ودرر الکلم: ص343 ح7867

الآخر إذا حصل لک ضرر، فهذا لیس من الإرهاب، فالنقطة الثالثة لیس لها علاقة بهذا المفهوم.

2: وإذا کان الکلام فی مواجهة الإرهاب المنظم فلا یمکن تحقیق هذه النظریة (الرد بالمثل) لأن العمل الإرهابی - علی سبیل المثال - لو صدر من مجموعة کبیرة وبشکل معین ضد أفراد الشعب الأبریاء فقتلوا عدداً منهم، لا یمکن الرد بالمثل علیها وبتلک الصورة التی صدرت منها.

3: إن الإرهاب المنظم لا یوجد فیه وازع دینی یردعه عن ارتکاب المحرمات والجرائم والقتل والخطف وسائر الأعمال الإرهابیة، بل حساباته تجری وفق المنهج المادی، بینما فی المفهوم الإسلامی بالرد بالمثل هناک رادع دینی عن ارتکاب الخطأ وهو حقن الدماء لأنه من قتل نفسا متعمدا فهو فی النار، ولهذا اتخذ منهج الرد الإسلامی ما یتعلق بإرهاب الصغار لزوال الإرهاب.

زوال الإرهاب الاستعماری

لقد ترک الاستعمار آثارا سیئة فی مختلف المجالات، ففی المجال المعنوی من ضعف التدین، وانحطاط الخلق، وتخلف العلم، وفی غیرها من الآفات الاجتماعیة والدینیة الخطیرة،فلا یمکن القضاء علیها إلا إذا عادت الأمة إلی القرآن الکریم وسنة النبی العظیم صلی الله علیه و آله وسیرة الأئمة المعصومین علیهم السلام موحدة الهدف، متراصة البنیان، مجتمعة الکلمة، کالبنیان المرصوص، یشد بعضه بعضا، عند ذلک یصعب علی الأعداء مجابهة الأمة المتماسکة، کما قال رسول الله صلی الله علیه و آله: »المؤمن للمؤمن بمنزلة البنیان یشد بعضه بعضا«((1)). وقال صلی الله علیه و آله: »مثل المؤمنین فیما بینهم کمثل البنیان یمسک بعضه بعضا ویشد بعضه بعضا«((2)).

وقال صلی الله علیه و آله: »المؤمنون متحدون متآزرون متضافرون کأنهم نفس واحدة«((3)).

ص:148


1- بحار الأنوار: ج58 ص150 ح30
2- غوالی اللآلی: ج1 ص377 ح107
3- بحار الأنوار: ج58 ص150 ح30

وعندما یتحد الضعیف بالضعیف یصبح قوة وعندما تبتعد القوة عن القوة تصبح ضعفا.

وأما ما ترکه الإرهاب الاستعماری فی المجال السیاسی فی تجزأته للدولة الإسلامیة إلی أکثر من خمسین دولة لها حدود جغرافیة مصطنعة بألوف القوانین التی وضعها الغربیون وعملاؤهم لبقاء هذه التجزئة، بالإضافة إلی رصدهم المبالغ الکثیرة لبقاء هذه التفرقة، فمواجهة الإسلام لهذا الإرهاب هو سعیه الدؤوب لتحقیق الروابط الإسلامیة الأصیلة بین المسلمین حتی یخلق مجتمعا متماسکا، وکیانا قویا، یستطیع مواجهة الأحداث، ورد عدوان المعتدین، وما أحوج المسلمین فی هذه الآونة إلی هذا التجمع السلمی، لتطبیق هذه المعانی السامیة فی حیاتنا الیومیة، لإقامة دولة إسلامیة، وإحراز کسب سیاسی واجتماعی ودینی وتحقیق القوة المرجوة، التی تکون کفیلة بحمایة وجود المسلمین وحقوقهم.

وأما مواجهة الإرهاب الاستعماری الإحتلالی من أجل إحلال السلام والأمن تکون فی إحدی حالتین:

الأولی: هی أن یزول بالطرق السلمیة، ومن أمثلته الحاضرة استعمال حزب المؤتمر الهندی طرق السلم والسلام فی مقابل المستعمرین الذین کانوا یملکون مشارق الأرض ومغاربها.

الثانیة: مواجهة الإرهاب الاستعماری بالقوة، علما بأن هذه المواجهة إنما تکون مشروعة إذا کانت ضمن الشروط الخاصة والکیفیة المقررة شرعاً وبإجازة من شوری الفقهاء المراجع، ولا تکون إلا فی أقصی حالات الضرورة، علی ما هو مذکور فی کتاب الجهاد.

أما المواجهة الإرهابیة بالاغتیال والغدر والخطف وسائر مصادیق العنف فهذا مما لا یجوز، ویوجب تشویه سمعة الإسلام والمسلمین والبعد عن الهدف.

ومن هنا لا یصح دعم الجماعات الإرهابیة بحجة التخلص من إرهاب الدولة أو إرهاب المستعمرین، بل یلزم اتخاذ الطرق السلمیة علی ما هو مقرر شرعاً.

ص:149

وربما تری المستعمر (بالکسر) الظالم، والمستعمر (بالفتح) المظلوم ولکنه  لم یکن واعیاً، یمارسان الإرهاب، مع فارق أن الأول یهدف إلی تحقیق مصالحه علی حساب الآخرین، والثانی إلی استعادة حقوقه ولکن عن طریق خاطئ.

مسائل فی السلم والسلام السیاسی

مسائل فی السلم والسلام السیاسی

ونشیر هنا إلی بعض المسائل الشرعیة فی باب السلم والسلام السیاسی باختصار، وتفصیل کل فی محله.

سلم مع الشعب

مسألة: یلزم علی الحکومة تطبیق السلم ومراعاة السلام مع الشعب، فلا یجوز استخدام العنف مع الشعب أو غیره، إلاّ فیما قرره الشارع وبالمقدار المقرر فقط.

سلم مع المعارضة

مسألة: یلزم علی الحکومة مراعاة السلم مع المعارضة، سواء کانت سیاسیة أم اقتصادیة أم اجتماعیة أم دینیة، فلا یجوز مصادرة حریاتها من الإعلام والصحف والتجمعات وما أشبه.

السیاسة الخارجیة

مسألة: یلزم علی الحکومة أن تجعل سیاستها الخارجیة مبنیّة علی السلم والسلام.

بناء أسس السلام

مسألة: یلزم علی الحکومة أن تسعی لشمول السلم والسلام عموم المجتمع وأفراد الشعب وأن تکون هی المشجعة لذلک والبانیة لأسس السلام.

مع الأقلیات

مسألة: یلزم علی الحکومة الإسلامیة مراعاة قانون السلم والسلام مع الأقلیات الدینیة الموجودة فی البلد.

مع الدول المجاورة

مسألة: یلزم علی الحکومة الإسلامیة مراعاة قانون السلم والسلام مع الدول المجاورة.

ص:150

مع سائر الدول الإسلامیة

مسألة: یلزم علی الحکومة الإسلامیة مراعاة قانون السلم والسلام مع سائر الدول الإسلامیة.

مع الدول الأجنبیة

مسألة: یلزم علی الدولة الإسلامیة مراعاة قانون السلم والسلام مع الدول الأجنبیة.

جماعات إرهابیة

مسألة: یحرم علی الدولة الإسلامیة تشجیع جماعات العنف والإرهاب ودعمها.

حرمة العنف

مسألة: لا یجوز ارتکاب أیّ نوع من أعمال العنف التی توجب ضرر الآخرین کالتفجیرات والاغتیالات واختطاف الطائرات وما أشبه.

اللاعنف فی الشعار والعمل

مسألة: علی الحکومة الإسلامیة أن تجعل شعارها القولی والعملی السلم واللاعنف حتی تعرف بذلک، قال سبحانه: )ادْخُلُواْ فِی السّلْمِ کَآفّةً(((1)) وقد جعل نبینّا صلی الله علیه و آله من أخلاق المؤمن (اللاعنف).

حکومة الرسول صلی الله علیه و آله

مسألة: یلزم نشر وبیان الأُسلوب السلمی لحکومة الرسول صلی الله علیه و آله والإمام أمیر المؤمنین علیه السلام.

شبهة العنف

مسألة: یلزم دفع الشبه التی ترد علی الإسلام وتتهمه بأنه دین العنف.

حرمة التعذیب

مسألة: لا یجوز تعذیب أحد حتی یقر بالجرم، لأنّ ذلک من أظهر مصادیق العنف وقد حرّمه الإسلام أشد تحریم.

ص:151


1- سورة البقرة: 208

ومع المجرمین

مسألة: ینبغی مراعاة قانون السلم والسلام حتی مع المجرمین - المجرم فی قانون الإسلام، لا فی القانون الموضوع فإن بینهما عموم من وجه - وذلک بأخذ الأخف علیهم وما أشبه.

إخراج المسلمین

مسألة: لا یجوز إخراج مسلم من بلد إسلامی بحجة أنه لا ینتمی إلی ذلک البلد، فإنه من أعمال العنف المحرم شرعاً.

قوانین تخالف الحریة

مسألة: لا یجوز وضع القوانین التی تمنع أو تحد من حریات الناس کقانون الضرائب علی الأعمال وعلی البناء وعلی السفر وعلی حیازة المباحات وما أشبه، فإنها من العنف المحرم شرعاً.

فضح الظالمین

مسألة: یلزم فضح الظالمین الذین یرتکبون أعمال العنف وینسبون ذلک إلی الإسلام سواء کانوا علی شکل دول أو جماعات، ولکن الفضح یلزم أن یکون بطریق سلمی، فانّه من النهی عن المنکر بشرائطه.

ومع الأعداء

مسألة: ینبغی مراعاة قانون السلم والسلام حتی مع الأعداء کما هو ظاهر من تاریخ الرسول الأعظم صلی الله علیه و آله والأئمة الطاهرین علیهم السلام، وربما کان واجباً علی تفصیل مذکور فی الفقه.

من حقوق المتظاهرین

مسألة: لا یجوز ارتکاب العنف بوجه المتظاهرین ضد الدولة.

أحزاب معارضة

مسألة: لا یجوز ارتکاب العنف ضدّ الأحزاب المعارضة للدولة.

تعدد الأحزاب

مسألة: من مصادیق السلم واللاعنف، فتح المجال أمام الأحزاب الأخری أی

ص:152

تعدد الأحزاب، وکذلک الجمعیات والمنظمات.

الاستبداد فی الحکم

مسألة: لا یجوز الاستبداد فی الحکم، فإنّه من أظهر مصادیق العنف، بالإضافة إلی أنه محرّم فی نفسه.

مبدأ الاستشارة

مسألة: یجب الاستشارة فی أمور البلاد، فإنّه من مصادیق السلم بالمعنی الأعم.

السلم مع الإعلام

مسألة: یلزم علی الحکومة مراعاة قانون السلم والسلام مع الإعلام الداخلی والخارجی، العالمی وغیره، أما سیاسة التحریم والمنع فغیر مجد.

مظاهر العنف

مسألة: یلزم علی الحکومة ترک مظاهر العنف حتی فی الشعار،کالموت للدولة الکذائیة، وما أشبه.

فی وضع القانون

مسألة: ینبغی مراعاة السلم والسلام فی تطبیق القوانین ووضع الجزئیات من القوانین والمصادیق الخارجیة.

السلم اللسانی

مسألة: یلزم علی الدولة مراعاة قانون السلم والسلام حتی فی اللسان والتصریحات، أما السب والتهمة فهی محرمة.

السلم فی وسائل الإعلام

مسألة: یلزم مراعاة السلم والسلام فی الإذاعة والتلفاز.

مسألة: یلزم مراعاة السلم والسلام فی الصحف والإعلام.

فی باب القضاء

مسألة: ینبغی مراعاة السلم والسلام فی باب القضاء.

فی القانون الجزائی

مسألة: ینبغی مراعاة السلم والسلام فی الحدود والتعزیزات.

ص:153

مسألة: ینبغی مراعاة السلم والسلام فی القصاص والدیات.

فی الحوار والمناظرات

مسألة: ینبغی مراعاة السلم والسلام فی الحوار العلمی والمناظرات.

مع مختلف المذاهب

مسألة: ینبغی مراعاة السلم والسلام مع سائر الفرق الإسلامیة وغیرها.

مع المرتد الفطری والملی

مسألة: ینبغی مراعاة السلم والسلام مع المرتد الفطری والملی.

مع الفساق

مسألة: ینبغی مراعاة السلم والسلام مع الفساق، ومنه جاءت درجات الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر.

مع أهل الکتاب

مسألة: ینبغی مراعاة السلم والسلام مع أهل الکتاب.

مع غیر أهل الکتاب

مسألة: ینبغی مراعاة السلم والسلام مع الکفار من غیر أهل الکتاب.

استحباب العفو

مسألة: یستحب العفو، وهو من مصادیق السلم واللاعنف.

استحباب الإحسان

مسألة: یستحب الإحسان، وذلک من مصادیق السلم والسلام.

حرمة الحسد

مسألة: یکره الحسد القلبی، ویحرم العملی وهو من مصادیق العنف.

حرمة السب

مسألة: یحرم السب، فإنه من مصادیق العنف.

حرمة الغیبة

مسألة: تحرم الغیبة، فإنها من مصادیق العنف.

حرمة التهمة

مسألة: تحرم التهمة، فإنها من مصادیق العنف.

ص:154

حرمة الفواحش

مسألة: تحرم الفواحش، فإنها من مصادیق العنف.

حرمة الغصب

مسألة: یحرم الغصب، فإنه من مصادیق العنف.

حرمة القتل

مسألة: یحرم القتل، فإنه من مصادیق العنف.

حرمة الکذب

مسألة: یحرم الکذب، فإنه من مصادیق العنف.

حرمة أکل المال بالباطل

مسألة: یحرم أکل أموال الناس بالباطل، فإنه من مصادیق العنف.

للقضاء علی الإرهاب

مسألة: یجب تشکیل لجان للقضاء علی الإرهاب العالمی بالطرق السلمیة لا بالإرهاب المماثل.

مع قانون الأهم والمهم

مسألة: لو تعارض قانون السلم والسلام مع قانون (الأهم والمهم)، فاللازم فی المسائل العامة العمل بنظر شوری الفقهاء المراجع.

مع قانون لا ضرر

مسألة: لو تعارض قانون السلم والسلام مع قانون (لا ضرر) کما فی قصة سمرة بن جندب تُقدّم قانون لا ضرر((1)).

حرمة العنف

مسألة: لا یجوز العنف إلاّ فی أقصی حالات الضرورة وبقدرها وحسب تشخیص شوری الفقهاء المراجع.

حرمة التجسس

مسألة: لا یجوز ما تعارف الیوم من التجسس ضد الشعب فإنّه من أظهر مصادیق

ص:155


1- راجع الکافی: ج5 ص292ح2

العنف کما قال الله سبحانه: )وَلاَ تَجَسّسُواْ(((1)).

السلم والتعلیم المدرسی

مسألة: ینبغی جعل برامج خاصة للمدارس حتی یتعلم الطلاب السلم واللاعنف.

حرمة اعتقال الأبریاء

مسألة: لا یجوز اعتقال وسجن الأبریاء فکیف بتعذیبهم لمجرد مخالفتهم للحکومة، فإنّها من أعمال العنف المحرمة أشد التحریم.

ثقافة السلام

مسألة: ینبغی للحکومة نشر وعی السلم وثقافة السلام واللاعنف بین الناس عبر الإذاعات والصحف وأمثال ذلک.

منظمات حقوق الإنسان

مسألة: یلزم علی المنظمات العالمیة لحقوق الإنسان الاهتمام الأکثر لرفع العنف والإرهاب عن العالم أجمع، وذلک بإنکار ما یقع من أعمال العنف فی داخل الدول بالنسبة إلی شعوبها فتطالب الدول بذلک وتتابع الأمور للحد عنه وقد ذکرنا فی بعض الکتب لزوم تهیئة الأمم المتحدة (محامین) لأجل رفع الظلم عن الشعوب الذین یرزحون تحت أحکام الدکتاتوریین ولا یکون ذلک من التدخل فی الشؤون الداخلیة وإن کان تدخلاً فیها لکنه یلزم الدفاع عن المظلوم مطلقاً علی ما ذکر فی الفقه.

صدا للعنف

مسألة: یلزم علی الأمم المتحدة جعل أطروحات لرفع أعمال العنف حتی بالنسبة إلی ما تعمله الدول ضد شعوبها، ولیس من الصحیح عدم الاهتمام بذلک بحجة أنّها من التدخل فی الشؤون الداخلیة للدول علی ما سبق.

محاسن السلم والسلام

مسألة: ینبغی جمع ونشر محاسن السلام والسلم واللاعنف وکذا مساوئ وأضرار العنف وبیان ذلک للناس.

ص:156


1- سورة الحجرات: 12

نشر آیات السلم وروایاته

مسألة: ینبغی نشر آیات السلم والسلام وکذا الروایات الواردة فی هذا المجال بین الناس لترکیز ثقافة السلم والسلام فی المجتمع.

فإن هناک آیات وروایات وقواعد فقهیة کثیرة تدلّ علی رجحان السلم والسلام، ولا یخفی أن الرجحان هنا بالمعنی الأعمّ.

فمن الآیات:

قوله تعالی: )وَجَادِلْهُم بِالّتِی هِیَ أَحْسَنُ(((1)).

وقوله سبحانه: )وَلَوْ کُنْتَ فَظّاً غَلِیظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضّواْ مِنْ حَوْلِکَ(((2)).

وقوله تعالی: )وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ(((3)).

ومن الروایات: قوله علیه السلام: «ما وضع الرفق علی شیء إلا زانه»((4)).

ومن القواعد الفقهیة: قاعدة لا ضرر، قاعدة لا حرج، قاعدة الجب، قاعدة الیسر، قاعدة الصحة، قاعدة سوق المسلمین، قاعدة الید، قاعدة الفراغ، قاعدة التجاوز، قاعدة عفا الله عما سلف، قاعدة أرض المسلمین، وغیرها.

ص:157


1- سورة النحل: 125
2- سورة آل عمران: 159
3- سورة فاطر: 18، سورة الأنعام: 164، سورة الإسراء: 15، سورة الزمر: 7
4- مستدرک الوسائل: ج11 ص292 ح13064

ص: 158

الفصل الثالث:السلم والسلام فی الاقتصاد

اشارة

فصل الثالث:السلم والسلام فی الاقتصاد

التطرف والإرهاب الاقتصادی

*شمولیة الاقتصاد الإسلامی

*تطور الشریعة الإسلامیة

*التطرف الاقتصادی

*الإرهاب الاقتصادی

دور التکافل الاجتماعی فی تکامل السلام الاقتصادی

*التعریف النظری والإجرائی لمفهوم الضمان والتکافل الاجتماعی

*أصل قوانین الغرب فی الضمان والتکافل الاجتماعی

*أبعاد التکافل الاجتماعی فی الشریعة

*فوائد التکافل الاجتماعی علی المجتمع

* مفهوم التکافل الاجتماعی فی روایات أهل البیت علیهم السلام

* موارد التکافل الاجتماعی ومستحقیه

صور من التکافل الاجتماعی الإسلامی

* التکافل بین الفرد ونفسه

* التکافل الأسری

*التکافل فی المجتمع

ص:159

ذم التطرف فی جمع الأموال والثروة

*ظلامات أبی ذر الغفاری 6

*أسباب دعوة أبی ذر 6 إلی مبدأ الإنفاق فی سبیل الله

السلام والعدالة فی حقوق الملکیة الفردیة

*الملکیة الفردیة فی الشریعة الإسلامیة

*الشروط التی وضعها الإسلام حول الملکیة الفردیة

نظرة الإسلام الاقتصادیة فی القضاء علی الفقر

*تعریف الفقر

*مفهوم الفقر فی روایات أهل البیت علیهم السلام

*عوامل نشوء مشکلة الفقر وأسبابها

*الحلول الإسلامیة للقضاء علی الفقر

مسائل فی السلم والسلام الاقتصادی

 

ص:160

التطرف والإرهاب الاقتصادی

التطرف والإرهاب الاقتصادی

مسألة: یحث الإسلام علی السلم والسلام الاقتصادی، ویمنع من التطرف والإرهاب فی هذا الباب.

ربما یقال: إن المواضیع التی تبحث فی مجال الاقتصاد واضحة، فمنها علی سبیل المثال الأمور المتعلقة بالعمل والإنتاج والتوزیع وغیرها من هذه المسائل المعروفة، وإذا کانت کذلک فما المراد بهذا المصطلح (السلم والسلام الاقتصادی) وهل یعنی هذا أن هناک تطرفاً وإرهاباً اقتصادیاً؟.

شمولیة الاقتصاد الإسلامی

وقبل الجواب نشیر إلی ملاحظة مهمة وهی أن الدین الإسلامی کامل بتمام معنی الکلمة، وفی کل مجالات الحیاة ومنها الاقتصاد، فمن یزعم بأن الإسلام لیس فیه قانون اقتصادی متکامل فهو غیر صائب.

إن الشریعة الإسلامیة فیها نظریة متکاملة وأجوبة تامة لجمیع المسائل الاقتصادیة، وقد قال الإمام الصادق علیه السلام عن الشریعة: »فیها کل ما یحتاج الناس إلیه ولیس من قضیة إلا وهی فیها حتی أرش الخدش«((1)).

وقد ذکر الفقهاء فی الفقه الإسلامی ما یقارب خمسین نوعاً من الموضوعات المرتبطة بشؤون الاقتصاد، بیعاً وشراءً ومضاربة وتجارة وإجارة وشراکة ومزارعة وغیر ذلک، کما إنهم ذکروا المحرمات الاقتصادیة التی ذکرها الإسلام، وقد ذکرنا شیئاً من ذلک فی کتاب (الفقه: المکاسب المحرمة)((2)) و(الفقه: آداب المال) ((3)).

ص:161


1- ( ) الکافی: ج1 ص241 ح5. المراد بأرش الخدش: الغرامة التی یدفعها الإنسان إذا جرح جسم غیره ولو بقدر خدشة طفیفة
2- یقع الکتاب فی مجلدین، وهو من تألیفات الإمام الشیرازی (أعلی الله مقامه) فی مدینة قم المقدسة 1414ه-، الجزء الأول 296 صفحة قیاس 24×17. وفیه الموضوعات التالیة: العقد المحرم، بیع الأبوال والفضلات، بیع الدم والخمر وسائر المسکرات، المنافع المحللة للخمر، بیع الخنزیر، بیع الکلاب، المستثنیات، بیع المیتة، المذکی المشتبه، بیع المنی، استئجار الرحم، حق الاختصاص، بیع المتنجسات بیع غیر مأکول اللحم، العصیر العنبی، العصیر الزبیبی، بیع الدهن المتنجس، بیع الأصنام، بیع آلات القمار، بیع آلات اللهو، أوانی الذهب والفضة، النقد المغشوش، اختلاف القوة الشرائیة، بیع العنب والتمر ممن یعمله خمرا، الإعانة علی الإثم، بیع السلاح، بیع آلات التعذیب، بیع ما لا نفع فیه، تدلیس الماشطة، المستثنیات، تشبه الرجل بالمرأة وبالعکس، التشبیب، الاستهزاء، الأفلام السینمائیة والصور الخلاعیة، البخس والتطفیف، علم النجوم، کتب الضلال، الرشوة، السب، السحر، التسخیر، التنویم المغناطیسی، الکهانة، النفث والعزائم، العین، الرمل والجفر، النیرنج والفال، القیافة، تنزیه أولاد الأئمة (علیهم السلام)، العرافة، الطلسمات، قراءة الکف، الغش، الغناء، مستثنیات الغناء، زف العرائس، الرقص والتصفیق، الموسیقی، الغیبة، مستثنیات الغیبة، روایة الحقوق. الجزء الثانی 287 صفحة وفیه الموضوعات التالیة:: القمار، أقسام اللعب، المباریات، الیانصیب، القیادة، الکذب، مستثنیات الکذب: الهزل،خلف الوعد، المبالغة، التوریة، الضرورة والإصلاح، القصص المخترعة، اللهو واللعب، مدح من لا یستحق المدح، التعاون مع الظالمین، النجش، النوح بالباطل، لسان الحال، الولایة من قبل الجائر، بین العرض والولایة، هجو المؤمن، الهجر، الأجرة علی الصناعات، الأجرة علی الأذان والإمامة والقضاء والشهادة والتعلیم الواجب، ما یکره من المعاملات، بیع المصحف للکافر، جوائز السلطان، مجهول المالک، الضرائب غیر الشرعیة، الأراضی الخراجیة، الأرض الخربة، الأقوال فی الحریم، تحجیر الأرض، الأرض التی أسلم علیها أهلها، السبق فی الأحیاء، المعادن، ملکیة المباحات، المیاه، فروع، و... قام مرکز الرسول الأعظم صلی الله علیه و آله للتحقیق والنشر، بیروت لبنان بطبعه ونشره عام 1417ه- / 1996م
3- مخطوط، وهو من موسوعة (الفقه) الإستدلالیة للإمام الشیرازی الراحل رحمة الله ، وقد تناول سماحته فی الکتاب موضوع: المال وآدابه من البعد الفقهی وما یترتب علیه من أحکام شرعیة. وقد تم تألیفه فی مدینة قم المقدسة. والنسخة موجودة عند مؤسسة الوعی الإسلامی للتحقیق والنشر

تطور الشریعة الإسلامیة

ثم إن الشریعة الإسلامیة قابلة للتجدید والتطویر، وصالحة لکل زمان ومکان، وهذا لا یعنی أن الدین الإسلامی یتطور أو یتغیر عبر مرور التاریخ فی قواعده العامة الأساسیة، وإنما التطور والتغییر والتجدید یکون فی جزئیات هذه القواعد ومصادیق أصولها، أی إن الإسلام ل-ه قواعد عامة تنطبق علی الجزئیات سواء کانت تلک الجزئیات فی زمان النبی صلی الله علیه و آله والأئمة علیهم السلام أم حدثت بعد ذلک، أو ستحدث فی المستقبل.

وعلی سبیل المثال: ما شرعه الإسلام من قواعد فی مجال التجارة کما فی قوله تعالی: )وَأَحَلّ اللّهُ الْبَیْعَ وَحَرّمَ الرّبَا(((1)).

وقوله سبحانه: )تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مّنْکُمْ(((2)).

ص:162


1- سورة البقرة: 275
2- سورة النساء: 29

وقوله تعالی: )وَلاَ تَأْکُلُوَاْ أَمْوَالَکُمْ بَیْنَکُمْ بِالْبَاطِلِ(((1)).

وقوله سبحانه:)أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ(((2)).

وهذه عبارة عن أصول وقواعد کلیة عامة، وهی لا یمکن أن تتغیر، فلا یمکن أن یأتی زمان (یحرم فیه البیع ویحل الربا)، أو (تحرم التجارة مع الرضا وتحل التجارة بدون الرضا) أو (یجوز أکل المال بالباطل) أو (لا یجب الوفاء بالعقود اللازمة).

وأما الجزئیات والفروع - المصادیق - فیمکن أن تکون موضوعاً جدیداً للحکم الشرعی ومصداقا للقاعدة الکلیة، وقد یتغیر الحکم باختلاف الموضوع وتغیره، علی سبیل المثال فی مجال بیع الطائرة فهی لم تکن فی زمن النبی صلی الله علیه و آله فإذا وجدت حل بیعها، وأما اختلاف هذا الحکم کما لو بیعت من دولة محاربة للإسلام وکان من بیع السلاح للأعداء فیتغیر حینئذ الحکم ویتحول إلی الحرمة.

أو مثلاً البنک فلم یکن فی زمان النبی صلی الله علیه و آله بنک کما هو الیوم فی زماننا، فإذا اعتمد النظریة الإسلامیة فی معاملاته فیجوز التعامل معه، وأما إذا کان ربویّاً فالحکم هو تحریم التعامل معه لما تعاطاه من الربا المحرم.

ومن هنا نعرف أن الشریعة الإسلامیة قابلة للتطبیق فی کل تجدید وتطویر، وصالحة لکل زمان ومکان، عبر التطور والتغییر والتجدید فی جزئیات القواعد الکلیة العامة. وفی الجواب علی السؤال المتقدم نقول: نعم هناک تطرف وإرهاب اقتصادی، علی التفصیل التالی:

التطرف الاقتصادی

التطرف الاقتصادی له أنواع کثیرة ونذکر منها نوعین:

الأول: تطرف بعض المسلمین - کما فی التاریخ الإسلامی - فی الجانب الاقتصادی ممن حُسبوا علی الإسلام ولیس هم منه ولا یمثلونه.

الثانی: تطرف غیر المسلمین، ویتمثل فی النظریات الاقتصادیة غیر الإسلامیة، کالاشتراکیة والرأسمالیة والشیوعیة وما أشبه.

ص:163


1- سورة البقرة: 188
2- سورة المائدة: 1

فهناک تطرفات للمذهب الرأسمالی والمارکسی فی المسائل الاقتصادیة ومن أبرزها ما یرتبط بالملکیة الفردیة، وهی من أهم المسائل الاقتصادیة التی لازالت رحی الصراع تدور علیها بین أتباع المذهب الرأسمالی والاشتراکی.

وسیأتی الحدیث عن ذلک خلال هذه الصفحات بإذن الله تعالی.

الإرهاب الاقتصادی

وأما الإرهاب الاقتصادی فیمثله الغرب والدول الاستعماریة ضد دول العالم وخصوصاً الإسلامیة منها وهو حقیقة لا یمکن إنکارها.

ومصادیق هذا الإرهاب کثیرة ومنها: التجسس الذی تقوم به الدول الاستعماریة علی ثروات الشعوب المسلمة من أجل نهبها واستغلالها واحتکارها والسیطرة علیها، وعلی معاملاتها التجاریة، وذلک من خلال وسائل الاتصال الحدیثة کالإنترنت وغیره من الوسائل المتطورة، کما یتم التجسس عبر عملائهم فی الحکم.

ومنها: القیام بالأعمال السیاسیة التی یراد بها الإرهاب الاقتصادی، کحصار الشعوب المستضعفة والتحکم فی ثرواتها ومنعها من استثمار خیرات بلادها، وکالقضاء علی الشرکات الکبیرة والمنع من تأسیسها أو استمرارها، وتخریب البنیة التحتیة للبلاد، والبرمجة الدقیقة لهجرة رأس المال إلی الغرب، وما أشبه هذه الأمور.

وکل ذلک کی یصل الاستعمار إلی النتیجة التی یسعی إلیها وهی القضاء علی المنابع المالیة للشعوب الإسلامیة وتجفیفها، وهذا ما لاحظناه فی إیران والعراق، وفی الحقیقة إنها مؤامرة أرید منها تدمیر الشعب ولیس الحکومة.

ومنها: ما نراه من الفوائد التی تفرضها الدول الکبری لقاء إعطاء قرض طویل الأجل أو لمدة معینة مما یثقل کاهل الدولة والشعب بزیادة الفائدة المرتفعة عبر مرور الوقت.

ومنها: عدم إعطاء بعض الدول الغنیة القروض والمساعدة إلا بعد إعلان الدولة المقترضة بأنها تابعة لها فی سیاستها أو فی غیرها من المجالات المختلفة.

ومنها: ما عرف الآن عالمیا بمنظمة التجارة العالمیة وهی مؤسسة وضعت من أجل خدمة الاستعمار الغربی والأمریکی وذلک لأجل السیطرة علی الاقتصاد العالمی

ص:164

وجعله مسیراً من قبل دول محدودة((1)).

وهذه الأعمال وغیرها من النهب والسلب واحتکار الثروة وما أشبه، هی التی کانت سبباً فی إیجاد أکثر من ألف ملیون جائع فی عالم الیوم((2))، وموت ملیون طفل جوعاً بسبب عدم العنایة الصحیة فی کل عام، وکذلک هی السبب فی بث الرعب والقلق والخوف فی النفوس.

وقد عقدوا المؤتمرات الدولیة واستغلوا الإعلام العالمی لمسائل اختلقت لهذا الشأن ومنها مثلاً المشکلة السکانیة فی العالم وأنها تهدد مستقبل العالم وتنذر بانفجار سکانی لا یعرف مصیره ولا تعلم عواقبه، فتعقد لأجلها المؤتمرات وتبحث فیها مسائل کثیرة ومنها تحدید النسل وعلاج المشکلة الاقتصادیة التی تعانی منها!.

والحقیقة أن المال متوفّر بقدر ما یخلق الله سبحانه وتعالی من البشر، وما من نفس تخلق إلا وحدد لها من الرزق مدة وجودها فی الدنیا کما قال سبحانه وتعالی: )وَلاَ تَقْتُلُوَاْ أَوْلادَکُمْ خَشْیَةَ إِمْلاقٍ نّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِیّاکُم إنّ قَتْلَهُمْ کَانَ خِطْئاً کَبِیراً(((3)).

وقال أیضاً: )وَلاَ تَقْتُلُوَاْ أَوْلاَدَکُمْ مّنْ إمْلاَقٍ نّحْنُ نَرْزُقُکُمْ وَإِیّاهُمْ(((4)).

إضافة إلی ذلک إن العلماء ذکروا أن الکرة الأرضیة قابلة لأن یسکنها مائتا ملیار من البشر أی أربعون مرّة ضعف هذا البشر المتواجد علیها فإن فیها ما یکفیهم للعیش والرزق والسعادة.

إلا أن الشیء الذی سبّب فقر خمس البشر فی الحال الحاضر هو القوانین الوضعیة التی کلها مخالفة لصریح الإسلام والعقل، أما إذا رجع الإنسان إلی قوانین الإسلام فإنه یتمکن من أن یعیش علی الأرض بکل رفاه وسلام.

وکانت هذه بعض العناوین المتعلقة بالأعمال الإرهابیة التی تتعلق بالجانب

ص:165


1- الموسوعة الدولیة: ص1020
2- ذکرت المنظمة الدولیة للعمل فی تقریرها السنوی أن ربع البشریة یعیش فی البؤس إذ أن (5ر1) ملیار إنسان لا یملکون دولاراً واحداً فی الیوم للعیش، وقالت: إن 75علیهم السلام من 150 ملیون عاطل عن العمل فی العالم لا یتقاضون أی معونات ضد البطالة ولا یتمتعون بأی حمایة اجتماعیة. (الشرق الأوسط: العدد 7877، فی (22/6/2000م)
3- سورة الإسراء: 31
4- سورة الأنعام: 151

الاقتصادی، کما أن منها الجمارک والمکوس والضرائب الباهضة والاحتکار وتجارة الجنس والدعارة، وتجارة المخدرات، ووضع القوانین التی تمنع الإنسان من حیازة المباحات، ومن التجارة الحرة والاستیراد والتصدیر، وسرقة أموال الشعوب وإفقار الأمة، و...

وهنا لابد من مقابلة هذا الإرهاب والوقوف بوجهه ولکن لیس بإرهاب اقتصادی مضاد وإنما عبر مواجهته بالطرق السلمیة، وعبر الرجوع إلی القوانین الفطریة التی وضعها الإسلام فی المجال الاقتصادی.

ولهذا اصطلح علی موضوعات هذا الفصل بهذا العنوان: (السلم والسلام الاقتصادی) ولعله لم یستخدم هذا المصطلح کثیراً، وهو یتحدث عن بعض جوانب النظریة الاقتصادیة بالمعنی الأعم فی الإسلام التی تؤدی إلی السلام الاقتصادی.

وکما هو واضح فإن هذا الکتاب لم یخصص للحدیث بصورة مفصلة عن هذا العنوان أو الخطوط العامة لهذا الموضوع - إذ لم نتعرض للمسائل الاقتصادیة العلمیة الهامة کالحدیث عن البنک الإسلامی أو الإنتاج والتوزیع أو المقارنة بین المذهب الاقتصادی الإسلامی والمذاهب الأخری إلا بقدر الإشارة - لأن الحدیث عن السلام الاقتصادی واسع جداً ولا یمکن أن یحیط کتاب بتفاصیله، وسیکون الحدیث عن جملة من الموضوعات المتفرقة من خلال النظریة الاقتصادیة الإسلامیة التی تدخل ضمن هذا العنوان بقدر ما تسمح به صفحات هذا الکتاب، ومن أراد الإطلاع علی هذه المسائل بصورة مفصلة فعلیه الرجوع إلی:

(الفقه: الاقتصاد) و(الفقه: التجارة) و(الفقه: المکاسب المحرمة) و(الفقه: البیع) وغیرها من الکتب((1)) التی فصلنا الحدیث فیها عن المسألة الاقتصادیة وما وضعه الإسلام من حلول لمشاکلها.

ص:166


1- من مؤلفات الإمام الشیرازی الراحل رحمة الله أیضا فی الاقتصاد الکتب التالیة: الاقتصاد الإسلامی المقارن، الاقتصاد عصب الحیاة، الاکتفاء الذاتی والبساطة فی العیش، حل المشکلة الاقتصادیة علی ضوء القوانین الإسلامیة، الکسب النزیه، من أسباب الفقر والحرمان فی العالم، من القانون الإسلامی فی المال والعمل، ماذا بعد النفط؟، کیف یمکن علاج الغلاء؟

وأما المواضیع التی اختیرت للبحث فی هذا الفصل فهی أربعة:

1: دور التکافل الاجتماعی فی تکامل السلام الاقتصادی

2: ذم التطرف فی جمع الأموال والثروة

3: السلام والعدالة فی حقوق الملکیة الفردیة

4: نظرة الإسلام الاقتصادیة فی القضاء علی الفقر

هذا مضافا إلی قانون الحریات الاقتصادیة فی الإسلام، والتی تشمل کل جوانب الحیاة إلا المحرم منها، وهی بدورها تضمن سلامة الاقتصاد فی المجتمع، علی تفصیل ذکرناه فی محله.

وهذه الموضوعات الأربعة هی من أهم المواضیع الاقتصادیة التی لها علاقة وطیدة وأکیدة فی عملیة السلام الاقتصادی والاجتماعی، لأن عدم العمل بها وفق النظریة الإسلامیة یؤدی إلی وقوع الاقتصاد والمجتمع فی اضطرابات کثیرة وبالتالی ارتکاب الجرائم وإیجاد الطبقیة، إذ کل واحد من هذه الموضوعات یخلق مشاکل معینة فی الاقتصاد وکذلک فی الجانب الاجتماعی، لأن الأمور المالیة لها علاقة وثیقة بالاجتماع ولا یمکن فصل أحدهما عن الآخر.

قال تعالی: ﴿وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَکُمُ الَّتِی جَعَلَ اللهُ لَکُمْ قِیاماً﴾ ((1)).

وفی هذه الآیة الکریمة یعبر تعالی عن المال بالقیام، فإن قیام المجتمع بالمال. ومن هنا أراد الإسلام باقتصاده الصحیح القیام للمجتمع.

ص:167


1- سورة النساء: 5

1

دور التکافل الاجتماعی فی تکامل السلام الاقتصادی

دور التکافل الاجتماعی فی تکامل السلام الاقتصادی

التعریف النظری والإجرائی لمفهوم الضمان والتکافل الاجتماعی

من المصطلحات التی لها علاقة وثیقة بعلم الاقتصاد: الضمان والتکافل الاجتماعی، والأول: هو یعنی أن الدولة تقوم بمعونة المحتاجین وهو ما یعبر عنه بالضمان الاجتماعی وهو من المصطلحات الحدیثة.

وأما التکافل الاجتماعی فهو الذی یقوم به أفراد المجتمع وهو عبارة عن إعطاء القادر والمتمکن إلی من هو بحاجة للعطاء والمساعدة.

وهناک فرق آخر بین المصطلحین، فالأول خاص إذ یشمل الأمور المادیة فقط ویصدر عن جهة واحدة، وأما الثانی عام ویشمل الحاجات المادیة والمعنویة وهو لا یصدر من جهة واحدة فحسب وإنما یشترک فیه جمیع أفراد المجتمع، وسمّی التکافل تکافلاً لأنه بین اثنین من باب التفاعل، سواء کان بین مجموعة کما یقال: تکافل القوم أی کفل بعضهم بعضا، أو بین طرفین حیث یکفل کلٌ طرفه، أو کان الطرفان فی شخص واحد کالطبیب الذی یعالج نفسه فهو معالِج (بصیغة الفاعل) ومعالَج (بصیغة المفعول).

وقد یصطلح علی التکافل بالتضامن وهو التزام القوی أو الغنی معاونة الضعیف.

ویمکن أن یکون مصطلح التکافل عاماً وشاملاً، أی یکون جنساً ول-ه مصادیق متعددة، ومنها أنه یشمل کما ذکرنا المادیة والمعنویة، ومن المادیة الضرائب المالیة الإسلامیة کالخمس والزکاة لأنها تتکفل بمعیشة المحتاج وتقوم حیاته، ویشمل أیضاً الإنفاق الذاتی الذی یقوم به الإنسان فی إحسانه للغیر کالأموال التی تبذل لتقویة أواصر صلة الرحم وقری الضیف وإغاثة الملهوف وإشباع الجائع وهو المقصود فی هذا الفصل، وهذا العطاء هو من الحقوق المالیة التی أولته الشریعة الإسلامیة اهتماما

ص:168

عظیماً.

أصل قوانین الغرب فی الضمان والتکافل والاجتماعی

وهنا ملاحظة مهمة حول التکافل الاجتماعی فی الإسلام وهو أنه ینبع من ضمیر الإنسان وأعماقه ولا یفرض علیه من الخارج عبر قوانین وضعیة کما هو فی الغرب، وذلک لأنه یتربی علی هذا النمط من المسؤولیة، فهناک المئات وربما الآلاف من الآیات القرآنیة والأحادیث النبویة وروایات العترة الطاهرة علیهم السلام التی ترشد الإنسان إلی البذل والإنفاق وتحثه علی الکرم والعطاء، سواء فی الحقوق الشرعیة الواجبة أو التی ندب إلیها الإسلام.

هذا أولاً، وثانیاً: هناک التشریع الحکیم الذی یتلاءم مع فطرة الإنسان فیما فرض علیه من الضرائب کالخمس والزکاة وغیرها من أجل سعادة أخیه الإنسان فی الجانب المعیشی.

وقد شرعت بعض دول العالم المتحضر بعض القوانین التی تتعلق بالضمان الاجتماعی، وواقع تلک القوانین وأصلها یرجع إلی الإسلام ومأخوذ منه، وقد نادی بها الإسلام وطبقها قبل أکثر من أربعة عشر قرناً، هذا بالإضافة إلی أن تطبیق الغرب لها لا یرقی إلی مستوی تطبیق الإسلام.

ومن ذلک علی سبیل المثال: ما فرضه الإسلام علی الدولة من حقوق للفقیر والمریض والأرملة والعاجز وإن لم یکونوا مسلمین، وقد ورد فی (وسائل الشیعة) فی کتاب الجهاد أن أمیر المؤمنین علیه السلام جعل فی بیت مال المسلمین حقاً للنصرانی العاجز المکفوف قائلاً: »ما أنصفتموه، استعملتموه حتی إذا کبر وعجز ترکتموه، أجروا ل-ه من بیت المال راتباً« فی قصة مشهورة((1)).

وهنا قد یرد سؤال: هل أن هناک تقصیر حدث فی تأمین هذا الضمان أو غیره من

ص:169


1- راجع وسائل الشیعة: ج15 ص66 ح19996، وفیه: عن محمد بن أبی حمزة عن رجل بلغ به أمیر المؤمنین علیه السلام قال: مر شیخ مکفوف کبیر یسأل: فقال أمیر المؤمنین علیه السلام : » ما هذا؟ « فقالوا: یا أمیرالمؤمنین نصرانی، قال: فقال أمیر المؤمنین علیه السلام : » استعملتموه حتی إذا کبر وعجز منعتموه!! أنفقوا علیه من بیت المال «

قوانین التکافل الإسلامی فی البلاد الإسلامیة، حیث عم الفقر والحرمان؟

الجواب: إن التقصیر لیس فی القوانین والأنظمة الإسلامیة التی تتعلق فی هذا الموضوع، وإنما فی الدولة التی خالفتها، ولهذا أوجب الإسلام العصمة فی الإمام علیه السلام کی لا تقع أخطاء ولا یحدث تقصیر یکون الضحیة فیه المجتمع.

أبعاد التکافل الاجتماعی فی الشریعة

ربما لم یجد الإنسان لفظ (التکافل) بالمعنی الذی ذکرناه صریحاً فی الآیات الکریمة، أو فی حدیث النبی صلی الله علیه و آله والعترة الطاهرة علیهم السلام، وإنما ورد ما یؤدی معناه، فهناک العدید من الآیات والروایات التی تتحدث عن البذل والإنفاق فی سبیل الله وتحث علی إعانة المحتاجین والفقراء وقضاء حوائج المؤمنین بل کل إنسان.

 وقد أکد أهل البیت علیهم السلام علی هذا الجانب فی سیرتهم العملیة العطرة وفی أحادیثهم حیث ورد فیها مفهوم (التکافل) بألفاظ التعاون والتواصل والمواساة وما أشبه، کما ورد عن أبی عبد الله علیه السلام قال: «یحق علی المسلمین الاجتهاد فی التواصل والتعاون علی التعاطف والمواساة لأهل الحاجة وتعاطف بعضهم علی بعض حتی تکونوا  کما أمرکم الله عزوجل رحماء بینکم متراحمین مغتمین لما غاب عنکم من أمرهم، علی ما مضی علیه معشر الأنصار علی عهد رسول الله صلی الله علیه و آله » ((1)).

وقد ورد أیضاً معنی التکافل بمعنی إعطاء الحق والوفاء به، کما عن معلی بن خنیس عن الإمام أبی عبد الله الصادق علیه السلام قال: قلت له ما حق المسلم علی المسلم؟ قال علیه السلام: »له سبع حقوق وواجبات ما منهن حق إلا وهو علیه واجب، إن ضیع منها شیئاً خرج من ولایة الله وطاعته، ولم یکن لله فیه من نصیب، من حق المؤمن علی أخیه المؤمن: أن یشبع جوعته، ویواری عورته، ویفرج عنه کربته، ویقضی دینه، فإذا مات خلفه فی أهله وولده...«((2)).

وتفصیل دلالة هذا الحدیث وتقریبه من موضوع التکافل کما یلی:

ص:170


1- الکافی: ج2 ص174 ح15
2- الکافی: ج2 ص169 ح2

1: إن المستفاد من کلمة الحقوق فی الحدیث هو التکافل بالمعنی الذی ذکرناه ففیه وجوب أن یبذل الرجل مساعدته من أجل إشباع الجائع أو إعطائه المال من أجل قضاء دینه.

2: ذکرنا أن التکافل أشمل من الضمان، فهو یشمل الحاجات المادیة والمعنویة، والمادیة فی الحدیث تتمثل فی: »أن یشبع جوعته، ویواری عورته، ویقضی دینه« والمعنویة: »ویفرج عنه کربته، فإذا مات خلفه فی أهله وولده«((1)).

فوائد التکافل الاجتماعی علی المجتمع

1. التکافل یمثل نوعاً من الترابط بین أفراد المجتمع، فیکون کالأسرة الواحدة فحینما یقوم الإنسان بعمل ما فی المجتمع الإسلامی فهو یقدم خدمة لذلک المجتمع فله حق علیه إن احتاجه فی أمر ما، فإذا استجاب له المجتمع وأدی متطلباته وما یستحقه من مساعدة فیشعر حینئذٍ أنه عضو فاعل فی المجتمع ول-ه موقع فیه، ولا یخاف إن نزلت فیه نائبة لأن هناک من یهتم بأمره ومن هو ملتزم ببذل المال والإنفاق علیه. أما إذا لم یتحسس المجتمع مشاعر ذلک الإنسان ولم یسع فی سد حاجاته فیشعر بأنه غریب عنه.

 2. هناک بعض الأعمال إذا تحملتها الجماعة الکثیرة یسهل القیام بها ولا یکون فیها عبء اقتصادی علی أحد وتصبح یسیرة، لأن الأموال التی بذلت لهذا العمل توزعت علی الجمیع، وهذا من فوائد التکافل الاجتماعی الإسلامی.

3. القضاء علی ظاهرة الانحراف والجریمة التی تنشأ من الحرمان والجوع والفقر، لأن عدم القیام بهذا التکافل والإعانة یؤدی إلی هذه الأعمال، فالجائع لا یبقی عنده استقرار نفسی فإذا لم یجد الخبز سوف یتهاون فی صلاته - إن أداها وأقامها علی أحسن الأحوال - التی تجعله یأمر بالمعروف ویبتعد عن الفحشاء وینهی عن المنکر، وحینئذٍ سیحقد علی المجتمع ویرتکب الجرائم.

ولذلک قال النبی صلی الله علیه و آله: «اللهم بارک لنا فی الخبز ولا تفرق بیننا وبینه فلولا الخبز

ص:171


1- الکافی: ج2 ص169 ح1

ما صلینا ولا صمنا ولا أدینا فرائض ربنا»((1)) .

وقال أبو عبد الله علیه السلام: «إنما بنی الجسد علی الخبز»((2)) .

ومن هنا یعرف أن الإنسان لا یمکن أن یعیش حیاة طبیعیة إلا بعد أن یؤمن حاجاته الأساسیة مثل الغذاء والطعام.

عن أبی عبد الله علیه السلام قال: «إن یعقوب علیه السلام کان ل-ه مناد ینادی کل غداة من منزل-ه علی فرسخ: ألا من أراد الغداء فلیأت إلی منزل یعقوب، وإذا أمسی ینادی: ألا من أراد العشاء فلیأت إلی منزل یعقوب»((3)) .

وقد ورد تشدید فی روایات کثیرة علی من یتهاون فی مسألة التعاون والتواصل والتکافل فقد ورد عن أبی عبد الله علیه السلام قال: »أیما رجل من شیعتنا أتی رجلاً من إخوانه فاستعان به فی حاجته فلم یعنه وهو یقدر إلا ابتلاه الله بأن یقضی حوائج غیره من أعدائنا یعذّبه الله علیها یوم القیامة«((4)).

وهناک لون من الشدة فی بعض الروایات إذ یعتبر أی تفویت أو تنقیص للمورد المستحق من هذه الحقوق جریمة وخروجاً عن طاعة الله تعالی. ومنها ما ورد عن محمد بن عجلان قال: کنت عند أبی عبد الله علیه السلام فدخل رجل فسلم فسأله: »کیف من خلفت من إخوانک«؟

قال: فأحسن الثناء وزکی وأطری.

فقال علیه السلام ل-ه: »کیف عیادة أغنیائهم علی فقرائهم«؟

فقال: قلیلة.

قال علیه السلام: »وکیف مشاهدة أغنیائهم لفقرائهم«؟ قال: قلیلة.

قال علیه السلام: »فکیف صلة أغنیائهم لفقرائهم فی ذات أیدیهم«؟ فقال: إنک لتذکر أخلاقاً قل ما هی فیمن عندنا، قال: فقال علیه السلام: »فکیف تزعم هؤلاء أنهم

ص:172


1- الکافی: ج6 ص287 ح6
2- الکافی: ج6 ص287 باب إن ابن آدم أجوف لابد له من الطعام ح7
3- الکافی: ج6 ص287 باب الغداء والعشاء ح1
4- الکافی: ج2 ص366 ح2

شیعة!«((1)).

مفهوم التکافل الاجتماعی فی روایات أهل البیت علیهم السلام

ورد فی سنة النبی صلی الله علیه و آله وأحادیث أهل البیت علیهم السلام الحث والتأکید علی التکافل والتعاون والتواصل والمواساة، فإن النفس الإنسانیة أمارة بالسوء فتمنع الإنسان من القیام بهذا العمل المقدس وهو التعاون والتواصل والتکافل مع أفراد مجتمعه.

وفی الأحادیث أنه لا یستطیع القیام بهذا العمل إلا القلیل، ولا تطیق الأمة ذلک ولا تستجیب ل-ه عادة. قال رسول الله صلی الله علیه و آله: »یا علی ثلاث لا تطیقها هذه الأمة: المواساة للأخ فی ماله، وإنصاف الناس من نفسه، وذکر الله علی کل حال ...« ((2)).

ولهذا ورد الحث علی تحدی النفس ومقاومتها عند تقدیم العطاء، ویلزم علیه أن یصبرها علی إعطاء هذه الحقوق وحتی بالنسبة إلی ما لا تصل حد الوجوب منها کالمال الذی یصل به الإنسان رحمه أو یصرفه فی الضیافة أو یعطیه الفقیر أو غیرها من الموارد المشابهة، قال أمیر المؤمنین علیه السلام: »فمن أتاه الله مالاً فلیصل به القرابة ولیحسن منه الضیافة ولیفک به الأسیر ولیعط منه الفقیر والغارم ولیصبر نفسه علی الحقوق والنوائب ابتغاء الثواب، فإن فوزاً بهذه الخصال شرف مکارم الدنیا ودرک فضائل الآخرة إن شاء الله«((3)).

ومن خلال النظریة الإسلامیة فی حقیقة التکافل ودرجاتها ومراتبها یعرف أن الأنفس البشریة التی لیست فقط تکفل وتعطی وتعاون وتواسی بل تلک التی تفتح أبواب قلوبها وأموالها للآخرین أیضاً، هی نادرة فی التاریخ! کندرة تطبیق هذا المورد الذی ورد فی روایة سعید بن الحسن قال:

قال أبو جعفر علیه السلام »أ یجیء أحدکم إلی أخیه فیدخل یده فی کیسه فیأخذ حاجته فلا یدفعه«؟ فقلت: ما أعرف ذلک فینا، فقال أبو جعفر علیه السلام: »فلا شیء إذاً«

ص:173


1- الکافی: ج2 ص173 ح10
2- من لا یحضره الفقیه: ج4 ص358 ح5762
3- نهج البلاغة: الخطب 142

قلت: فالهلاک إذاً؟ فقال علیه السلام: »إن القوم لم یعطوا أحلامهم بعد«((1)).

إن هذا التکافل یعتبر من جملة الأمور التی بها قوام الدین والدنیا فقال الإمام علی علیه السلام: » قوام الدین والدنیا بأربعة: عالم مستعمل علمه، وجاهل لا یستنکف أن یتعلم، وجواد لا یبخل بمعروفه، وفقیر لا یبیع آخرته بدنیاه « ((2)).

وقد وردت روایات وأحادیث کثیرة تذم من یتهاون عن تکافل أخیه ویقصر فی تعاونه معه ویتخلف عن القیام فی قضاء حاجته، ومنها ما ورد عن أبی جعفر علیه السلام قال: »من بخل بمعونة أخیه والقیام له فی حاجته إلا ابتلی بمعونة من یأثم علیه ولایؤجر«((3)).

وعن أبی بصیر قال: سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول: »أیما رجل من أصحابنا استعان به رجل من إخوانه فی حاجة فلم یبالغ فیها بکل جهد فقد خان الله ورسوله والمؤمنین« قال أبو بصیر: قلت لأبی عبد الله علیه السلام: ما تعنی بقولک والمؤمنین؟ قال علیه السلام: »من لدن أمیر المؤمنین إلی آخرهم«((4)).

وعن أبی جمیلة قال: سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول: »من مشی فی حاجة أخیه ثم لم یناصحه فیها کان کمن خان الله ورسوله وکان الله خصمه«((5)).

وعن أبی عبد الله علیه السلام قال: »من استشار أخاه فلم یمحضه محض الرأی سلبه الله عزوجل رأیه«((6)).

موارد التکافل الاجتماعی ومستحقیه

هناک من یعمل وأجره یکفی معیشته الطبیعیة فهذا لا یشمله التکافل وهو لیس بحاجة ل-ه لأن ما یحصل علیه یسد احتیاجاته، وهناک من یعمل ولکن لا یکفی ما یحصل علیه فی سد حاجاته وهنا یأتی دور صندوق الضمان الاجتماعی کما فی عصرنا

ص:174


1- الکافی: ج2 ص173 ح13
2- نهج البلاغة: قصار الحکم 372
3- الکافی: ج2 ص365 ح1
4- الکافی: ج2 ص362 ح3، ووسائل الشیعة: ج16 ص383 ح21826
5- وسائل الشیعة: ج16 ص384 ح21827، والکافی: ج2 ص363 ح4
6- الکافی: ج2 ص363 ح5، ووسائل الشیعة: ج12 ص44 ح15599

الحاضر وکان سابقاً یصطلح علیه ب- (بیت المال) فیکمل له کی تکون معیشته کالآخرین، وإذا لم یؤد دوره هذا الصندوق یأتی دور التکافل الاجتماعی الذی یمارس من قبل المؤسسات الخیریة أو غیرها، أو مباشرة بین أفراد المجتمع.

ومن جملة الموارد التی لا تعطی عن طریق التکافل: الغنی والقوی وصحیح البدن ولا صاحب المهنة المحترف بها، وقد ذکر هذه الموارد الإمام أبو جعفر علیه السلام فقال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: »لا تحل الصدقة لغنی ولا لذی مرة سوی ولا لمحترف ولا لقوی« قلنا: ما معنی هذا؟ قال علیه السلام: »لا یحل له أن یأخذها وهو یقدر علی أن یکف نفسه عنها«((1)).

وأما العاطل عن العمل فیکفل حتی یوفر له عمل، وهنا الکثیر من الروایات التی تحث علی العمل ومنها ما ورد عن زرارة قال: إن رجلاً أتی أبا عبد الله علیه السلام فقال: إنی لا أحسن أن أعمل عملا بیدی ولا أحسن أن أتجر وأنا محارف محتاج فقال علیه السلام: »اعمل فاحمل علی رأسک واستغن عن الناس، فإن رسول الله صلی الله علیه و آله قد حمل حجراً علی عاتقه فوضعه فی حائط له من حیطانه وإن الحجر لفی مکانه ولا یدری کم عمقه إلا أنه ثم بمعجزته«((2)).

وقد بین الإسلام أن العمل هو شرف الإنسان وکرامته وهو طاعة من طاعات الله عزوجل یکفل الإنسان بها نفسه وعیاله.

عن أبی عبد الله علیه السلام قال: »إن محمد بن المنکدر کان یقول: ما کنت أری أن مثل علی بن الحسین علیه السلام یدع خلفاً لفضل علی بن الحسین علیه السلام حتی رأیت ابنه محمد بن علی علیه السلام فأردت أن أعظه فوعظنی فقال له أصحابه: بأی شیء وعظک؟ قال: خرجت إلی بعض نواحی المدینة فی ساعة حارة فلقیت محمد بن علی علیه السلام وکان رجلاً بدیناً وهو متکئ علی غلامین له أسودین أو مولیین له فقلت فی نفسی: شیخ من شیوخ قریش فی هذه الساعة علی هذه الحال فی طلب الدنیا والله لأعظنه، فدنوت منه فسلمت علیه، فسلم علی بنهر وقد تصبب عرقاً، فقلت: أصلحک الله شیخ من

ص:175


1- وسائل الشیعة: ج9 ص233 ح11912
2- الکافی: ج5 ص76 ح14.                                                                              

أشیاخ قریش فی هذه الساعة فی طلب الدنیا! لو جاءک الموت وأنت فی هذه الحال؟

قال: فخلی علی الغلامین من یده ثم تساند علیه السلام وقال: لو جاءنی والله الموت وأنا فی هذه الحال لجاءنی وأنا فی طاعة من طاعات الله أکف بها نفسی عنک وعن الناس، وإنما کنت أخاف الموت لو جاءنی وأنا علی معصیة من معاصی الله.

فقلت: یرحمک الله أردت أن أعظک فوعظتنی«((1)).

وإما إذا کان عاطلاً عن العمل ولا یرید أن یعمل فهذا ل-ه توجیه وتربیة بالحکمة والموعظة الحسنة، حتی لا یصبح عالة علی المجتمع. وقد وردت روایات کثیرة فی ذم العاطلین، فعن ابن عباس أنه قال: کان رسول الله صلی الله علیه و آله إذا نظر إلی الرجل فأعجبه قال: »له حرفة«؟ فإن قالوا: لا، قال صلی الله علیه و آله: »سقط من عینی« قیل وکیف ذاک یا رسول الله؟ قال صلی الله علیه و آله: »لأن المؤمن إذا لم یکن له حرفة یعیش بدینه«((2)).

وعن حذیفة بن منصور قال: سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول: »من کف یده عن الناس فإنما یکف عنهم یداً واحدة ویکفون عنه أیدی کثیرة«((3)).

وعن أبی عبد الله علیه السلام قال: »شرف المؤمن قیام اللیل، وعزه استغناؤه عن الناس«((4)).

وقال أبو عبد الله علیه السلام: »إذا أراد أحدکم أن لا یسأل ربه شیئاً إلا أعطاه فلییأس من الناس کلهم ولا یکون له رجاء إلا عند الله، فإذا علم الله عزوجل ذلک من قلبه لم یسأل الله شیئاً إلا أعطاه«((5)).

وعن علی بن الحسین علیه السلام قال: »رأیت الخیر کله قد اجتمع فی قطع الطمع عما فی أیدی الناس ومن لم یرج الناس فی شیء وردّ أمره إلی الله عزوجل فی جمیع أموره استجاب الله عزوجل له فی کل شیء«((6)).

ص:176


1- مستدرک الوسائل: ج13 ص12 ح14582
2- مستدرک الوسائل: ج13 ص11 ح14581
3- الکافی: ج2 ص117 ح6.                                                                            
4- الکافی: ج2 ص148 ح1
5- وسائل الشیعة: ج7 ص142 ح8953
6- الکافی: ج2 ص148 ح3

وعن عبد الأعلی بن أعین قال: سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول: »طلب الحوائج إلی الناس استلاب للعز ومذهبة للحیاء، والیأس مما فی أیدی الناس عز للمؤمن فی دینه والطمع هو الفقر الحاضر«((1)).

وعن أبی جعفر علیه السلام قال: «الیأس مما فی أیدی الناس عز المؤمن فی دینه أوَ ما سمعت قول حاتم:

     إذا ما عزمت الیأس ألفیته الغنی         إذا عرفته النفس والطمع الفقر»((2))

وعن أبی جعفر علیه السلام قال: »من طلب الرزق فی الدنیا استعفافاً عن الناس وتوسیعاً علی أهله وتعطفاً علی جاره لقی الله عزوجل یوم القیامة ووجهه مثل القمر لیلة البدر«((3)).

وعن داود الرقی عن أبی عبد الله علیه السلام قال: قال: »یا داود تدخل یدک فی فم التّنّین إلی المرفق خیر لک من طلب الحوائج إلی من لم یکن فکان«((4)).

وفی الحدیث أنه لما نزل قوله تعالی: )وَمَن یَتّقِ اللّهَ یَجْعَل لّهُ مَخْرَجاً* وَیَرْزُقْهُ مِنْ حَیْثُ لاَ یَحْتَسِبُ(((5)) انقطع رجال من الصحابة فی بیوتهم واشتغلوا بالعبادة وثوقاً بما ضمن لهم، فعلم النبی صلی الله علیه و آله ذلک فعاب ما فعلوه وقال صلی الله علیه و آله: »إنی لأبغض الرجل فاغراً فاه إلی ربه یقول: اللهم ارزقنی ویترک الطلب«((6)).

صور من التکافل الاجتماعی الإسلامی

صور من التکافل الاجتماعی الإسلامی

1: التکافل بین الفرد ونفسه

التکافل الفردی هو عبارة عن أن یکفل الإنسان نفسه، وتکفل نفسه الإنسان، ولا نقصد بالنفس هنا الأمارة بالسوء بل العاقلة الرشیدة، وإذا تم هذا التکافل علی ما

ص:177


1- وسائل الشیعة: ج9 ص444 ح12454
2- الکافی: ج2 ص149 ح6
3- الکافی: ج5 ص78 ح5
4- تهذیب الأحکام: ج6 ص329 ح33
5- سورة الطلاق: 2-3
6- مستدرک الوسائل: ج13 ص15 ح14597

قرره الإسلام فحینئذ یحصل السلام بین الإنسان ونفسه فی هذا الجانب((1)) ویکون قد حاز ثواب الدنیا والآخرة وعاش عیشة سعیدة ومات میتة حمیدة، وذلک یتم عن طریق تحقیق حقوق کل من الطرفین وهما الإنسان ونفسه:

فأما حق النفس علی الإنسان فی هذا الجانب کفایتها عن المسألة واستغناؤها عن الناس، وذلک یکون فی اکتساب المال عبر کدحه وعمله فی هذه الدنیا. وإذا لبی هذا الحق یکون قد أعطی من إنسانیته لنفسه حقها وقدم ما فرض علیه لها.

وموقف الشرع من هذا الحق واضح، فالإسلام یری لزوم أداء الإنسان لحقوق النفس فی هذا المجال وقد قال النبی صلی الله علیه و آله عن رجل کما سیأتی: »کان یسعی علی نفسه لیکفیها عن المسألة ویغنیها عن الناس«((2)).

وهذا یتطلب من الإنسان أن لا یترک الدنیا ویهملها فقالت الآیة الکریمة: )وَابْتَغِ فِیمَآ آتَاکَ اللّهُ الدّارَ الاَخِرَةَ وَلاَ تَنسَ نَصِیبَکَ مِنَ الدّنْیَا وَأَحْسِن کَمَآ أَحْسَنَ اللّهُ إِلَیْکَ(((3))، ولکن من الضروری أن یصلح الإنسان دنیاه بقدر أیضاً، ولذا جعل الله ما آتاه لأجل الدار الآخرة ثم قال: )ولا تنس نصیبک من الدنیا( حیث للإنسان نصیب من الدنیا. وفی آیة أخری قال عزوجل: )وِمِنْهُمْ مّن یَقُولُ رَبّنَآ آتِنَا فِی الدّنْیَا حَسَنَةً وَفِی الاَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النّارِ(((4)).

وعن الحسن بن علی بن أبی طالب علیه السلام أنه قال: »اعمل لدنیاک کأنک تعیش أبدا واعمل لآخرتک کأنک تموت غدا«((5)).

وقد جاء فی حدیث: »لیس منا من ترک دنیاه لآخرته ولا آخرته لدنیاه«((6)).

والروایات فی تکریم معطی حق النفس من إنسانیته فی هذا المجال عدیدة، ومنها فی قول النبی صلی الله علیه و آله حیث کان جالساً ذات یوم مع أصحابه فنظروا إلی شاب فی جلد وقوة

ص:178


1- ویبقی السلام العام بین الإنسان ونفسه ناقصاُ إلا فی هذا الجانب وهو الاقتصادی إلا أن یتم ویکمل فی جمیع النواحی والمجالات
2- راجع بحار الأنوار: ج93 ص153، وثواب الأعمال: ص183، وجامع الأخبار: ص139
3- سورة القصص: 77
4- سورة البقرة: 201
5- مستدرک الوسائل: ج1 ص146 ح220
6- من لا یحضره الفقیه: ج3 ص156 ح3568

وقد بکّر یسعی فقالوا: ویح هذا لو کان شبابه وجلده فی سبیل الله، فقال النبی صلی الله علیه و آله: »لا تقولوا هذا فإنه إن کان یسعی علی نفسه لیکفیها عن المسألة ویغنیها عن الناس فهو فی سبیل الله«((1)).

وقال أبو الحسن موسی علیه السلام: »من طلب هذا الرزق من حله لیعود به علی نفسه وعیاله کان کالمجاهد فی سبیل الله«((2)).

وأما حق الجسد علی النفس فی التکافل أن تهیأ له الراحة والاطمئنان والسکینة وهذا ما حث علیه الإسلام ضمن ضوابط شرعیة، فلا یکون هناک إفراط فی الکدح والعمل فی اکتساب المال من أجل إرضاء النفس فی کل الأحوال لأن الأصل فیها (أمارة بالسوء) کما قال الله تعالی: )إِنّ النّفْسَ لأمّارَةٌ بِالسّوَءِ إِلاّ مَا رَحِمَ رَبّیَ(((3))، وإیجاد متطلبات شهوة هذه النفس سیکون حینئذ علی حساب البدن، لأنها ترهقه بنزواتها وشهواتها فی الأعمال الکثیرة التی قد تضعف قوته الجسدیة والبدنیة، وحینئذ لا یقوی علی العمل والعبادة وغیرها من الأمور الحیاتیة التی یجب أن یؤدیها، أو تؤدی إلی إضعاف هذه القوة بسبب الأمراض التی تأتی من الإفراط فی شهوة الأکل والرغبات، فیجب علی النفس أن تکون غنیة بالقناعة والورع ومکارم الأخلاق کالزهد والصبر، وقد ورد عن رسول الله صلی الله علیه و آله: »لیس الغنی کثرة العرض، إنما الغنی غنی النفس«((4)).

وقال علی علیه السلام: »خیر الغناء غناء النفس«((5)).

وقد لخص علیه السلام هذا فی قوله: »إن لبدنک علیک حقاً«((6)).

ص:179


1- الکافی: ج5 ص93 ح3
2- وسائل الشیعة: ج17 ص20 ح21875
3- سورة یوسف: 53
4- مجموعة ورام: ج1 ص163
5- غرر الحکم ودرر الکلم: ص371 ح8365
6- راجع مستدرک الوسائل: ج11 ص154 ح12664، وفیه: عن الإمام السجاد علیه السلام قال فی رسالته المعروفة برسالة الحقوق: » اعلم رحمک الله أن لله علیک حقوقاً محیطة بک - إلی أن قال - فجعل ◄  ► لبصرک علیک حقاً ولسمعک علیک حقاً وللسانک علیک حقاً ولیدک علیک حقاً ولرجلک علیک حقاً ولبطنک علیک حقاً ولفرجک علیک حقاً … « الخبر

وإذا تم هذا التکافل بین الجسد والنفس وأدی کل منهما حق الآخر سیعمهما السلام، حیث إذا کفل الجسد حقوق النفس وأغناها عن المسألة والناس فستعیش فی سلم وأمان، وکذلک لو أدت النفس حق الجسد فسیکون سلیماً ومعافی.

وأما إذا حصل إفراط فی الأعمال والشهوات أو تفریط وتقصیر فی الحقوق کما فی إفراط عمل الإنسان فی الدنیا لأجل النفس فلا یکون هذا العمل أداء لحقها وإنما تلبیة لرغبات الجشع وتحقیق لأهواء الطمع. وهذا یوجب عدم سلامة الإنسان،ولیس هذا فی الزهد أو الاقتصاد أو التکافل فقط بل حتی فی العبادات والطاعات، لأن الإسلام یمنع الإنسان من أن یفرط فیها وقد وردت الإشارة إلی هذا المعنی عن رسول الله صلی الله علیه و آله حیث رأی شخصاً کان مفرطاً فی العبادة بحیث ضیع سائر الحقوق فنهاه عن ذلک وقال له کلمته المشهورة: »إن المنبت - یعنی المفرط - لا ظهراً أبقی ولا أرضاً قطع«((1)).

2: التکافل الأسری

التکافل بین الفرد وأسرته من أسس السلم والسلام فی نواة المجتمع، فإن المجتمع یتکوّن من عشرات الأسر ومئاتها وآلافها، وکل أسرة نواة فی هذا المجتمع، فإذا صلح حال التکافل الاجتماعی فی الأسرة صلح المجتمع، وإذا تدهورت الأسرة اقتصادیا وغیره ولم یصلح حال التکافل بینها تسقط قیمة تلک الأسرة، وبسقوطها تسقط قیمة المجتمع، فإن المجتمع المتکوّن من الأسر حاله حال البناء المتکوّن من الأحجار فإذا لم توضع الأحجار بالشکل الصحیح لا یعقل أن یکون البناء صحیحاً.

وأما روایات المدح والذم فی هذا المجال وعکسه کثیرة، منها ما روی فی مدح المعطی حق أهله فی التکافل وذلک بالإنفاق علیهم قوله صلی الله علیه و آله: »وإن کان یسعی علی أبوین ضعیفین أو ذریة ضعاف لیغنیهم ویکفهم فهو فی سبیل الله… «((2)).

وفی روایة أخری لما رجع النبی صلی الله علیه و آله من غزوة تبوک استقبله أحد الصحابة وقد کان فی یده آثار العمل، فقال ل-ه صلی الله علیه و آله: »ما هذا الذی أری بیدیک؟«، قال: من أثر

ص:180


1- وسائل الشیعة: ج1 ص110ح27
2- مقارنة الأدیان: ج3 ص138

المرّ والمسحاة أضرب وأنفق علی عیالی، فقال الرسول صلی الله علیه و آله ل-ه: »هذه ید لا تمسها النار«.

وفی روایة أخری: »هذه ید یحبها الله سبحانه وتعالی«.

وقال صلی الله علیه و آله: »الکاد علی عیاله من حلال کالمجاهد فی سبیل الله«((1)).

وعن أبی الحسن الرضا علیه السلام قال: »الذی یطلب من فضل الله عزوجل ما یکف به عیاله أعظم أجراً من المجاهد فی سبیل الله«((2)).

وعن أبی عبد الله علیه السلام قال: »إذا کان الرجل معسراً فیعمل بقدر ما یقوت به نفسه وأهله ولا یطلب حراماً فهو کالمجاهد فی سبیل الله«((3)).

وعنه علیه السلام قال: »من سعادة الرجل أن یکون القیم علی عیاله«((4)).

وأما الروایات التی ورد فیها ذم للمفرط فی حق أهله وأسرته وأولاده من بدنه وجسده فی العمل والکدح، فمنها قول علی علیه السلام لعاصم بن زیاد فی البصرة کما ذکره الشریف الرضی رحمة الله فی النهج، فقال: ومن کلام له علیه السلام بالبصرة وقد دخل علی العلاء بن زیاد الحارثی وهو من أصحابه یعوده، فلما رأی سعة داره قال علیه السلام: »ما کنت تصنع بسعة هذه الدار فی الدنیا وأنت إلیها فی الآخرة کنت أحوج وبلی إن شئت بلغت بها الآخرة تقری فیها الضیف وتصل فیها الرحم وتطلع منها الحقوق مطالعها فإذاً أنت قد بلغت بها الآخرة«، فقال ل-ه العلاء: یا أمیر المؤمنین أشکو إلیک أخی عاصم بن زیاد، قال علیه السلام: »وما ل-ه«؟ قال: لبس العباءة وتخلی عن الدنیا، قال علیه السلام: »علیَّ به«.

فلما جاء قال علیه السلام: »یا عُدیّ نفسه لقد استهام بک الخبیث أما رحمت أهلک وولدک؟ أتری الله أحل لک الطیبات وهو یکره أن تأخذها؟ أنت أهون علی الله من ذلک«.

ص:181


1- من لا یحضره الفقیه: ج3 ص168 ح3631
2- الکافی: ج5 ص88 ح2
3- الکافی: ج5 ص88 ح3
4- الکافی: ج4 ص13 ح13

قال: یا أمیر المؤمنین هذا أنت فی خشونة ملبسک وجشوبة مأکلک!

قال علیه السلام: »ویحک إنی لست کأنت إن الله تعالی فرض علی أئمة العدل أن یقدروا أنفسهم بضعفة الناس کی لا یتبیّغ بالفقیر فقره«((1)).

3: التکافل فی المجتمع

ومن الواضح أن التکافل بین الفرد والجماعة یؤدی إلی السلم والسلام، فکل یحنو علی الآخر ویرید رضاه ویسعی لأجله.

وإذا کان هناک تکافل متبع بین أفراد المجتمع وفق النظریة الإسلامیة سیعم أبناءه الأمن المعیشی والسلام الاقتصادی، وأما إذا صار المجتمع طبقاتٍ، طبقة فقیرة وأخری غنیة ولم یکن بینهما تکافل، فهناک انعدام السلام، وکثیراً ما یوصل ذلک إلی الاضطرابات والمظاهرات وإلی الثورة أو الحرب.

وهکذا تکافل الصحابة فی الصدر الإسلامی الأول فأدوا ما علیهم مما فرضه التشریع الإسلامی فی أموالهم أو ندبهم إلیه فی الزائد عن حاجاتهم الأساسیة فکان کل واحد منهم یعتقد أنه عضو فی ذلک المجتمع یتعاون مع أفراده ویساهم معهم فی استقراره ویسعی فی صلاحه من الزیغ والانحراف والفقر والمرض والجهل والعداء ونحو ذلک ...

وکان کل واحد منهم یشد أزر إخوانه من الصحابة، یعالج مرضاهم ویسعف فقراءهم ویقضی حاجاتهم، وقد تجسد هذا التکافل بأروع صورها فیما جری بین المهاجرین والأنصار فی بدایة الهجرة المبارکة، وکان لمجتمع الأنصار الفضل فی ذلک فأصبحوا مضرب المثل فی الإحسان والتکافل والتواصل والتعاون مع المهاجرین علی عهد رسول الله صلی الله علیه و آله.

وقد وردت فی مدحهم روایات کثیرة عن النبی صلی الله علیه و آله وأهل البیت علیهم السلام کما ورد عن أبی عبد الله علیه السلام قال: »یحق علی المسلمین الاجتهاد فی التواصل والتعاون علی التعاطف والمواساة لأهل الحاجة وتعاطف بعضهم علی بعض حتی تکونوا کما أمرکم

ص:182


1- نهج البلاغة: الخطب 209، وراجع أیضاً الکافی: ج1 ص410 ح3

الله عزوجل )رُحَمَآءُ بَیْنَهُمْ(((1)) متراحمین مغتمین لما غاب عنکم من أمرهم علی ما مضی علیه معشر الأنصار علی عهد رسول الله صلی الله علیه و آله «((2)).

ولا شک أن أمثال هذه الأعمال والحقوق التی یؤدیها الإنسان لأخیه الإنسان تعتبر من أفضل العبادات وتمنحه الانطلاق إلی الآفاق الواسعة لیبلغ کماله، ویحصل علی ارتقائه المقدر له، سواء کان مادیاً أم اجتماعیاً.

2: ذم التطرف فی جمع الأموال والثروة

ذکرنا فیما سبق ما جری بین المهاجرین والأنصار من تکافل وإیثار وتعاون وتواصل فی عهد النبوة حتی أصبحوا کالأسرة الواحدة، ولکن لما مات الرسول صلی الله علیه و آلهوحدثت من بعده الاختلافات، تغیرت سیرة بعض الصحابة فأقبلوا علی حطام الدنیا وملذاتها وتنافسوا فی جمع الأموال والثروة وادخارها، ومال کثیر منهم إلی حیاة الترف والنعیم وخاصة فی عهد عثمان وقد أخبر النبی صلی الله علیه و آله عن ذلک فقد روی أنه صلی الله علیه و آله بعث أبا عبیدة بن الجراح فجاءه بمال من البحرین فسمعت الأنصار بقدوم أبی عبیدة فوافوا صلاة الفجر مع رسول الله صلی الله علیه و آله فلما صلی صلی الله علیه و آله انصرفوا فتعرضوا ل-ه، فتبسم رسول الله صلی الله علیه و آله ثم قال: »أظنکم أنکم سمعتم أن أبا عبیدة قدم بشیء«، قالوا: أجل یا رسول الله، قال صلی الله علیه و آله: »فأبشروا وأملوا ما یسرکم فو الله ما الفقر أخشی علیکم ولکنی أخشی علیکم أن تبسط لکم الدنیا کما بسطت علی من کان قبلکم فتنافسوها کما تنافسوها وتهلککم کما أهلکتهم«((3)).

وقد أشار الإمام علی علیه السلام فی إحدی خطبه إلی بعض أحداث بنی أمیة وتصرفاتهم فی عهد عثمان فقال مشیراً إلی ذلک: »فقام بنو أبیه یخضمون مال الله خضمة الإبل نبتة الربیع«((4)).

وقد ذکر صاحب کتاب الذخائر والتحف عدداً من ثروات جملة من الصحابة

ص:183


1- سورة الفتح: 29
2- الکافی: ج3 ص200 ح4
3- تنبیه الخواطر ونزهة النواظر: ج1 ص132
4- نهج البلاغة: الخطب 3، الخطبة الشقشقیة

الذی ابتنوا القصور وجمعوا الأموال وقبلوا قطائع عثمان.

وکذلک أشار المسعودی فی تاریخه فقال: وأحد الأسباب التی أدت بهم إلی نهج هذا السبیل هو تأثرهم بالیهود بعد أن فسح لهم المجال فی عهد الخلفاء.

وهناک شواهد کثیرة فی هذا المجال وسنقتصر هنا فی الحدیث عن هذا الموضوع علی بعض المقاطع من الروایة الطویلة المشهورة ومحورها الصحابی الجلیل أبو ذر الغفاری (رضوان الله علیه) جاء فیها:

إن عثمان بن عفان نظر إلی کعب الأحبار فقال له: یا أبا إسحاق ما تقول فی رجل أدی زکاة ماله المفروضة هل یجب علیه فیما بعد ذلک فیها شیء؟

قال: لا ولو اتخذ لبنة من ذهب ولبنة من فضة ما وجب علیه شیء، فرفع أبوذر عصاه فضرب به رأس کعب ثم قال ل-ه: یا ابن الیهودیة الکافرة ما أنت والنظر فی أحکام المسلمین، قول الله أصدق من قولک حیث قال: )وَالّذِینَ یَکْنِزُونَ الذّهَبَ وَالْفِضّةَ وَلاَ یُنفِقُونَهَا فِی سَبِیلِ اللّهِ فَبَشّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِیمٍ* یَوْمَ یُحْمَیَ عَلَیْهَا فِی نَارِ جَهَنّمَ فَتُکْوَیَ بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَ-َذَا مَا کَنَزْتُمْ لأنْفُسِکُمْ فَذُوقُواْ مَا کُنتُمْ تَکْنِزُونَ(((1)).

وفی تکملة الروایة قال عثمان للإمام علی علیه السلام الذی کان حاضراً: یا أبا الحسن انظر ما یقول هذا الشیخ الکذاب، فقال أمیر المؤمنین علیه السلام: »مه یا عثمان لا تقل کذاب فإنی سمعت رسول الله صلی الله علیه و آله یقول: ما أظلت الخضراء وما أقلت الغبراء علی ذی لهجة أصدق من أبی ذر«. فقال أصحاب رسول الله صلی الله علیه و آله: صدق علی علیه السلام فقد سمعنا هذا من رسول الله صلی الله علیه و آله((2)).

فهذه إحدی الروایات الکثیرة التی تتحدث عن تأثر بعض الصحابة بالیهود فی جمع المال والثروة وعدم الإنفاق فی سبیل الله، وبما أن هذه الروایة من الروایات المهمة فی تاریخ المسلمین ولابد من الوقوف عندها فیمکن استخلاص جملة من الموعظة والعبر منها:

ص:184


1- سورة التوبة: 34 و35
2- بحار الأنوار: ج22 ص426 ح36

أولاً: هناک فرق شاسع بین منهج الحکام وسیرة أمیر المؤمنین علی علیه السلام فالحاکم یؤید کلام کعب الأحبار وهو اکتناز الذهب والفضة بعد إخراج الزکاة وأن لا ضیر فی عدم الإنفاق فی سبیل الله، بینما علی أمیر المؤمنین علیه السلام یقول: »لا ادخرت من غنائمها وفراً..«((1)).

وحتی لو قیل إن بعض الحکام کان یحث علی الإنفاق فی خطبه وکلماته، لکن الکلام یختلف عن الفعل، فإن العمل شیء صعب والقول شیء سهل، فإذا نظر الإنسان إلی خطابات بعض من عاش فی ذلک العهد ورأی خطابات أمیر المؤمنین علی علیه السلام الذی کان یتورّع أشدّ الورع ولم یختلف اثنان فی عدله وزهده وورعه وإعراضه عن الدنیا، ربما رأی الکلام من کلیهما متساویاً فی بعض الجهات لکن فرق العمل بینهما بعد المشرقین.

فروی أن علیاً علیه السلام اجتاز بقصاب وعنده لحم سمین فقال: یا أمیر المؤمنین هذا اللحم سمین اشتری منه، فقال علیه السلام ل-ه: »لیس الثمن حاضراً«، فقال: أنا أصبر یا أمیر المؤمنین، فقال علیه السلام له: »أنا أصبر عن اللحم«((2)).

بینما کانت تأتی إلیه البیضاء والصفراء من مختلف بلاد الإسلام کافة والتی کانت تعدّ ذلک الیوم بحوالی خمسین دولة حسب خریطة الیوم، لکنه کان یتورّع حتی عن أکل اللحم.

وفی حدیث آخر: کان یأکل اللحم فی العام مرة واحدة یوم عید الأضحی((3)) حیث یقول علیه السلام: »إنی أعلم أن فی هذا الیوم یأکل الجمیع اللحم«. وعلی هذا بقیَ زهاء خمس سنوات من أیام خلافته لم یأکل اللحم الرخیص جداً فی ذلک الیوم إلا خمس مرات.

ویقول علیه السلام فی نهج البلاغة: »ولعلّ بالحجاز أو الیمامة من لا طمع ل-ه فی

ص:185


1- نهج البلاغة: الرسائل 45
2- إرشاد القلوب: ج1 ص119
3- راجع مستدرک الوسائل: ج16 ص300 ح19950، وفیه: فی أعلام أمیر المؤمنین علیه السلام : » واعلم أن إمامکم قد اکتفی بطمریه، یسد فورة جوعه بقرصیه، لا یطعم الفلذة فی حوله إلا فی سنة أضحیة، ولن تقدروا علی ذلک فأعینونی بورع واجتهاد «

القرص ولا عهد له بالشبع«((1)).

وقبله کان رسول الله صلی الله علیه و آله من أشد الزاهدین کما قال علی علیه السلام:»محمد صلی الله علیه و آله أزهد الأنبیاء« ((2))، مع أنه کان یملک زمام تسع دول من دول عالمنا الحاضر حتی أن الراوی یقول: ذهبت إلیه ببعض الرطب فقال صلی الله علیه و آله: »ضعه علی الأرض«((3))، حیث لم یجد فی داره حتی ظرفاً واحداً من الخزف لیضع الرطب فیه.

ثانیا: یتضح من الروایة أن هناک سیرة ابتدعت وهی الاحتفاظ بالأموال واکتنازها فی بیت المال وذلک علی حساب المسلمین واستثمارها فی مصالح شخصیة معینة کصرفها علی الأقرباء وللقیام بأعمال خاصة لا تعم الشعب. وهذا خلاف سیرة الرسول صلی الله علیه و آله فإنه کان یقسم الأموال ولم یدخرها، إذ من جملة هذه الروایة أن عثمان لما أمر بنفی أبی ذر 6 إلی الربذة دخل علیه أبوذر وکان علیلاً متوکّئاً علی عصاه وبین یدی عثمان مائة ألف درهم قد حملت إلیه من بعض النواحی وأصحابه حوله ینظرون إلیه ویطمعون أن یقسمها فیهم، فقال أبوذر لعثمان: ما هذا المال؟

فقال عثمان: مائة ألف درهم حملت إلی من بعض النواحی أرید أن أضم إلیها مثلها ثم أری فیها رأیی.

فقال أبوذر: یا عثمان أیما أکثر مائة ألف درهم أو أربعة دنانیر؟

فقال عثمان: بل مائة ألف درهم.

فقال: أما تذکر أنا وأنت دخلنا علی رسول الله صلی الله علیه و آله عشاء فرأیناه کئیباً حزیناً فسلمنا علیه فلم یرد علینا السلام، فلما أصبحنا أتیناه فرأیناه ضاحکاً مستبشراً فقلنا له: بآبائنا وأمهاتنا دخلنا علیک البارحة فرأیناک کئیباً حزیناً وعدنا إلیک الیوم فرأیناک فرحاً مستبشراً؟ فقال صلی الله علیه و آله: »نعم کان قد بقی عندی من فی ء المسلمین أربعة دنانیر لم أکن قسمتها وخفت أن یدرکنی الموت وهی عندی وقد قسمتها الیوم فاسترحت«((4)).

وسیرة علی أمیر المؤمنین علیه السلام هی ذاتها سیرة الرسول الأعظم صلی الله علیه و آله فی بیت

ص:186


1- نهج البلاغة: الرسائل 45
2- مستدرک الوسائل: ج16 ص215 ح19636
3- راجع بحار الأنوار: ج16 ص244
4- مستدرک الوسائل: ج11 ص94 ح12503

المال، فقد روی هارون بن مسلم البجلی عن أبیه قال: أعطی علی علیه السلام الناس فی عام واحد ثلاثة أعطیات ثم قدم علیه خراج أصفهان فقال علیه السلام: »یا أیها الناس اغدوا فخذوا فو الله ما أنا لکم بخازن« ثم أمر ببیت المال فکنس ونضح وصلی فیه رکعتین ثم قال علیه السلام: »یا دنیا غری غیری«، ثم خرج فإذا هو بحبال علی باب المسجد فقال علیه السلام: »ما هذه الحبال«؟ فقیل: جی ء به من أرض کسری، فقال علیه السلام: »اقسموها بین المسلمین«((1)).

ثالثاً: من هذه الروایة وغیرها تتضح صورة المجتمع الإسلامی بعد وفاة النبی صلی الله علیه و آله وقد أصبح طبقات مختلفة ومتفاوتة، أی أن الطبقیة بدأت تنتشر منذ أن استولی البعض علی الخلافة واختلفت سیرته عن النبی صلی الله علیه و آله فی توزیع العطاء، وبدی أثر هذا التفاوت بین الناس واضحاً فی تلک العهود، فترک إلی حد کبیر قانون التکافل بین أفراد المجتمع بعضهم لبعض.

أما فی عهد أمیر المؤمنین علی علیه السلام فلم تختلف سیرته عن نهج رسول الله صلی الله علیه و آله وهذا هو واقع نظریة المساواة والعدالة فی الإسلام، فقد قرّر المساواة بین أفراد البشر أمام القانون، ولولاها لانهار السلم والسلام، لأن الإنسان یطلب المساواة مع غیره أمام القانون، فإذا لم یعط ذلک اتخذ أسلوب العنف لتحصیله، فالمساواة هی القاعدة العامة إلا إذا کان العدل حاکماً.

ومن هنا یقال: إن هناک اختلافا فی بعض الأحکام بحسب موضوعاتها، أو هی استثناء علی قانون المساواة، سواء کان الاختلاف من جهة الدین أو من جهة بعض المزایا الأخر، فمثلاً العدالة تقتضی أن یعطی لکلّ ذی حق حقّه ولو لم یکن متساویاً مع غیره، کما لو فرضنا أن هناک فردین، أحدهما عمل بمقدار دینار والآخر بمقدار أکثر، فحسب الموازین الاقتصادیة العادلة یستحق الثانی أجراً یزید علی أجر الأول، ومقتضی العدالة أن یعطی دینار لهذا ودیناران للآخر مثلاً، أما إذا أعطی ذو الدینار دینارین کان معنی ذلک الزیادة من غیر الاستحقاق، وإذا أعطی ذو الدینارین دیناراً کان ذلک أقلّ من حقه وظلماً ل-ه، والله سبحانه وتعالی یقول: )وَلاَ تَبْخَسُواْ النّاسَ

ص:187


1- وسائل الشیعة: ج15 ص109 ح20087

أَشْیَآءَهُمْ(((1)).

والنظریة الإسلامیة العامة التی یمثلها أمیر المؤمنین علی علیه السلام هی المساواة کأصل إلا ما خرج بالدلیل، وتکون المساواة حتی فی العطاء الذی یصرف من بیت المال لآحاد الأمة کمسلمین، وان اختلفت منزلتهم، فلا فرق فی العطاء العام بین مختلف المستویات فإنهم متساوون فی إنسانیتهم، فالطبیب والمهندس والعامل وغیرهم کلهم فی درجة واحدة من البشریة.

وأما إذا قیل بأن أحدهم لا یکفیه العطاء المتساوی، فهذا یتکفل بیت المال بسد حاجاته ویزید ل-ه فی عطائه من باب فقره مثلا، ولکن هذه الزیادة لا تحسب من أصل العطاء.

رابعاً: هناک مخالفة ابتدأت فی عصر هؤلاء الحکام لرسول الله صلی الله علیه و آله ورفض لتقییمه وأوسمته التی أسبغها علی بعض الصحابة الأجلاء، فرسول الله صلی الله علیه و آله یقول فی حق أبی ذر وبإجماع المؤرخین: »ما أظلت الخضراء وما أقلت الغبراء علی ذی لهجة أصدق من أبی ذر«((2))، بینما هم یرفضون هذا الوسام الرفیع ویقولون فیه: (الشیخ الکذاب)، وفی هذه القصة یتضح أن النیل من الصحابة الأجلاء أبتدأ منذ عصر الخلفاء ومنه قول عثمان فی أبی ذر المتقدم((3)).

خامساً: هناک مؤامرة واضحة ضد الطلیعة الرشیدة من الصحابة وتتمثل فی أمور منها:

ص:188


1- سورة الأعراف: 85
2- بحار الأنوار: ج22 ص426 ح36
3- راجع شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید المعتزلی: ج3 ص56 وج8 ص259

1: إبعادهم ونفیهم عن الحواضر الإسلامیة المعروفة کی لا ینال المنکرَ أمر بمعروف، کما نفی أبو ذر إلی الشام والربذة.

2: حرمانهم من عطائهم الذی هو من حقوقهم المشروعة والواجبة، وهذا ما حصل مع أبی ذر، وذلک لما أخرجه عثمان إلی الشام أخذ ینکر علی معاویة أشیاء یفعلها، فبعث إلیه معاویة ثلاثمائة دینار، فقال أبوذر: إن کانت من عطائی الذی حرمتمونیه عامی هذا قبلتها، وإن کانت صلة فلا حاجة لی فیها، وردها علیه((1)).

سادساً: فی أحد مقاطع هذه الروایة یتضح أمران لهما علاقة بالقرآن وهما غایة فی الأهمیة.

الأمر الأول: یتمثل فی غیاب بعض المفاهیم القرآنیة عن أذهان الناس التی تتعارض مع مصالح القوم، فهناک أمر بمنع قراءة الآیات التی تدعو إلی الإنفاق وبذل المال فی سبیل الله تعالی، ومنها هذه الآیة: )وَالّذِینَ یَکْنِزُونَ الذّهَبَ وَالْفِضّةَ وَلاَ یُنفِقُونَهَا فِی سَبِیلِ اللّهِ فَبَشّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِیمٍ(((2))، لأنها لا تتفق مع ما یذهبون إلیه من جمع المال وادخاره وعدم إنفاقه فی سبیل الله تعالی، فلما أعطی عثمان مروان بن الحکم ما أعطاه، وأعطی الحارث بن الحکم بن أبی العاص ثلاثمائة ألف درهم، وأعطی زید بن ثابت مائة ألف درهم، جعل أبوذر یقول: بشر الکافرین بعذاب ألیم، ویتلو قول الله عزوجل: ƒوالذین یکن-زون الذهب والفضة ولا ینفقونها فی سبیل الله فبشرهم بعذاب ألیم‚، فرفع ذلک مروان إلی عثمان، فأرسل إلی أبی ذر نائلا مولاه أن انته عما یبلغنی عنک، فقال: أینهانی عثمان عن قراءة کتاب الله، وعیب من ترک أمر الله، فو الله لأن أرضی الله بسخط عثمان أحب إلی وخیر لی من أن أرضی عثمان بسخط الله((3)).

والأمر الثانی: هو محاولة تحریف القرآن عبر حذف حرف الواو من هذه الآیة وهو ما قام به معاویة، فلما نفی عثمان أباذر إلی الشام ورأی من أحداث معاویة أخذ یقرأ

ص:189


1- بحار الأنوار: ج31 ص174
2- سورة التوبة: 34
3- انظر بحار الأنوار: ج31 ص174

هذه الآیة: )والذین یکن-زون الذهب والفضة ولا ینفقونها فی سبیل الله فبشرهم بعذاب ألیم( فقیل ل-ه: هذه الآیة لیست فی المسلمین وإنما فی الأحبار والیهود وهی صفة لهم وقرأت ل-ه بحذف الواو )الذین یکن-زون الذهب والفضة ولا ینفقونها فی سبیل الله( أی یکون محل إعرابها صفة للأحبار والرهبان بینما حقیقة المراد فی الآیة عام فتشمل الأحبار والیهود والمسلمین وغیرهم )یَ-ا أیّهَا الّذِینَ آمَنُواْ إِنّ کَثِیراً مّنَ الأحْبَارِ وَالرّهْبَانِ لَیَأْکُلُونَ أَمْوَالَ النّاسِ بِالْبَاطِلِ وَیَصُدّونَ عَن سَبِیلِ اللّهِ وَالّذِینَ یَکْنِزُونَ الذّهَبَ وَالْفِضّةَ وَلاَ یُنفِقُونَهَا فِی سَبِیلِ اللّهِ فَبَشّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِیمٍ(((1)).

ولکن محاولة معاویة فی هذا التحریف لم تنجح وبائت بالفشل وبقی أبو ذر یرددها دائماً، ولما بنی معاویة الخضراء بدمشق، قال ل-ه أبو ذر: یا معاویة إن کانت هذه من مال الله فهی الخیانة، وإن کانت من مالک فهو الإسراف، وکان أبو ذر (رحمه الله تعالی) یقول: (والله لقد حدثت أعمال ما أعرفها، والله ما هی فی کتاب الله ولا فی سنة نبیه صلی الله علیه و آله، والله إنی لأری حقاً یطفأ، وباطلاً یحیا، وصادقاً مکذباً، وأثرة بغیر تقی، وصالحاً مستأثراً علیه)((2)).

وقد کان لهذه الدعوة الصادقة التی واصل العمل فیها أبو ذر 6 الأثر الکبیر علی الناس فی الشام حتی وصل الأمر إلی أن حبیب بن مسلمة الفهری قال لمعاویة: إن أباذر لمفسد علیکم الشام فتدارک أهله إن کانت لکم فیه حاجة، فکتب معاویة إلی عثمان فیه، فکتب عثمان إلی معاویة: (أما بعد، فاحمل جنیدباً إلیّ علی أغلظ مرکب وأوعره). فوجه به مع من سار به اللیل والنهار، وحمله علی شارف لیس علیها إلا قتب، حتی قدم به المدینة، وقد سقط لحم فخذیه من الجهد، فلما قدم أبوذر 6 المدینة، بعث إلیه عثمان: أن الحق بأی أرض شئت، فقال: بمکة. قال لا، قال: فبیت المقدس، قال: لا، قال: فبأحد المصرین، قال: لا، ولکنی مسیرک إلی الربذة، فسیره إلیها، فلم یزل بها حتی مات((3)).

ص:190


1- سورة التوبة: 34
2- راجع بحار الأنوار: ج31 ص174
3- راجع بحار الأنوار: ج31 ص174

سابعاً: ومن العبر التی یمکن استخلاصها من هذه الروایة ما یتعلق بأبی ذر ومنها أن موقفه هذا یدل علی شجاعته فی مواجهة الانحراف والمنکر، الاقتصادی وغیره، فلایرهبه التهدید بالقتل ولا یهاب الإبعاد والتغریب، ولا یهتم لقطع عطائه وحرمانه منه، لأن ما قام به هو من أجل الحفاظ علی سلامة مسیرة الرسالة الإسلامیة، ومن أجل إرساء أحد المفاهیم الإسلامیة الاقتصادیة المهمة التی بها یستتب الأمن والاستقرار والسلام.

ولو عمل المسلمون فی هذا الیوم بهذا المبدأ السامی الإسلامی الذی یمثله

أبو ذر المترجم الصادق الأمین لمبادئ الإسلام ومفاهیمه قولاً وعملاً لما بقی فقیر بینهم، ولعم السلم والسلام الاقتصادی المجتمع بأسره، ولکن أنی لهم الأخذ بهذا المبدأ بعد ما بدا تقصیرهم الواضح فی إعطاء الواجب علیهم کالخمس والزکاة، أو فی توزیعها بشکل صحیح.

ظلامات أبی ذر الغفاری

وظلامات أبی ذر 6 التی بدأت علی ید الحاکم الأموی بوصفه (الشیخ الکذاب)((1))، ونفیه وغیرها، ومروراً بما حصل له من معاویة، لن تنتهی بموته فهی لازالت حتی فی عصرنا، فقد وجه له البعض من المغرضین التهم وزعم أنه کان یدعو إلی الشیوعیة، وینفی المبدأ الإسلامی القائل بالملکیة الفردیة.

والجواب علی هذه الشبهة:

1: إن أبا ذر لم ینف فی دعوته الملکیة الفردیة فهی مبدأ إسلامی یقبل به کل مسلم، فکیف بصحابی جلیل مثل أبی ذر الغفاری 6، ولکن الملکیة الفردیة هی مشروطة بشروطها المقررة شرعاً.

وإنما کان حدیث أبی ذر 6 عن الإنفاق فی سبیل الله من الأموال المکدسة فی بیت المال والتی کانت تعطی اعتباطا لبعض أقرباء الحاکم.

2: حدیث النبی صلی الله علیه و آله فی تکریم أبی ذر 6 هو رد علی هذه التهمة وهو قوله

ص:191


1- راجع تفسیر القمی: ج1 ص52، وشرح نهج البلاغة: ج3 ص56

صلی الله علیه و آله: »ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء علی ذی لهجة أصدق من أبی ذر«((1))، فهو یؤکد أنه صادق فی عقیدته وسلوکه وتوجهاته وصادق فیما یلهج به لسانه، وهو ترجمة أمینة لمبادئ الإسلام.

أسباب دعوة أبی ذر إلی مبدأ الإنفاق فی سبیل الله

هناک جملة من الأسباب التی دعت أبا ذر الغفاری (رضوان الله علیه) للتمسک بهذا المبدأ القرآنی (الإنفاق فی سبیل الله) ومنها:

1: إن جمع المال وادخاره ینسی الإنسان الآخرة ویجعله یخلد إلی الدنیا، وعمل الإنسان یجب أن لا یقتصر علی الدنیا فعلیه أیضاً أن یعمل لآخرته وکأنه یموت غدا.

2: إن هذه الأموال لن تجمع بهذه الکثرة عادة إلا من بخل أو حرام، فالجامع یجب أن یُأمر بالمعروف وینهی عن المنکر.

3: إن جمع المال والثروة من قبل بعض الصحابة والحکام أصبح ظاهرة واضحة فخشی أبو ذر 6 من هذه الظاهرة أن تصبح سنة متبعة، ولذا کان علیه أن یقف منها موقفا حازما.

4: عمل أبی ذر 6 هو دفاع عن حقوق الطبقة الفقیرة المسحوقة وهم الفقراء والمساکین، فلو بذلت الأغنیاء المال من الحقوق التی افترضها الله تعالی علیهم لما وجد هؤلاء ولما جاعوا، قال أمیر المؤمنین علیه السلام: »فما جاع فقیر إلا بما منع به

غنی«((2)).

5: إن هذا العمل یخلق الطبقیة والصراع فی وسط المجتمع، فیکون هناک تفاوت غیر عادل بین أفراده، وهذا یؤدی إلی عدم استقراره. فیجب أن لا تکون هناک مثل هذه الطبقیة فی المجتمع إذ لا صراع فی الإسلام بین الطبقات، ولا عدوان من الإنسان علی الإنسان.

6: إنه یطلب السلم والسلام حینما یأمرهم بالإنفاق کما أمرهم الله عزوجل،

ص:192


1- راجع بحار الأنوار: ج22 ص343
2- وسائل الشیعة: ج9 ص29 ح11444

لأن أحد أسباب الحرب والقتال ومختلف النزاعات هو جمع المال عن طریق الحرام وعدم رعایة حقوق الآخرین.

وقد قال أمیر المؤمنین علیه السلام فی قصة یوم الجمل: »کأنهم لم یسمعوا قول الله تعالی: )تِلْکَ الدّارُ الاَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلّذِینَ لاَ یُرِیدُونَ عُلُوّاً فِی الأرْضِ وَلاَ فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتّقِینَ(((1)) بلی والله سمعوها ووعوها ولکنهم حلیت الدنیا فی أعینهم وراقهم زبرجها...« ((2)).

والخلاصة: إن المبدأ الذی عمل أبوذر 6 لأجله وتحمل معاناة التهجیر والإبعاد من مدینة الرسول صلی الله علیه و آله وضحی بحیاته فی سبیله هو مبدأ إسلامی قرآنی حثت علیه الشریعة المقدسة وأیده النبی الأکرم صلی الله علیه و آله وعمل به، فهو یحرم علی الحکام کنز أموال الشعب والتصرف بها کیف ما شاؤوا، ویوجد تعاونا تاما وتکافلا کاملا وعدالة اجتماعیة بین جمیع أفراد البشر، ویخلق السلم والأمن والاستقرار فی المجتمع وخاصة فی ا لمجال الاقتصادی.

السلام والعدالة فی حقوق الملکیة الفردیة

3: السلام والعدالة فی حقوق الملکیة الفردیة

مسألة: إن من أهم خصائص الاقتصاد الإسلامی الاعتدال والوسطیة وعدم التطرف، فهو یحقق العدالة لجمیع الأفراد ویحفظ حقوق کل إنسان، ویصلح للتطبیق فی جمیع الأزمان.

ومن أبرز مواضیع الاقتصاد الإسلامی: الملکیة الفردیة، والحدیث عنها أثار انتباه الفقهاء والمجتهدین فی العصر الحاضر فکتبوا فیها المؤلفات التی بینت النظریة الإسلامیة فی الملکیة الفردیة وهی الاعتدال ولیس التطرف، فهی لیست ملکیة جماعیة کما یذهب إلیه الاشتراکیون، ولیست مطلقة وبلا حدود کما ذهب إلیه الرأسمالیون، فقانون الملکیة الفردیة یختلف عن المذهبین الجماعی والفردی فهو لا یکون مع الجماعة علی حساب الفرد، ولا یکون مع الفرد فی ملکیة مطلقة علی حساب الجماعة.

ص:193


1- سورة القصص: 83
2- معانی الأخبار: ص360 ح1

وسنذکر هنا أمرین حول الملکیة الفردیة، ومن خلالهما نعرف أن الأمن والسلام الاقتصادی فی هذا الجانب یتحقق باتباع الموقف الإسلامی، وهی إضافة لذلک تدلل علی الاعتدال والواقعیة. بینما قوانین المذاهب الأخری التی وضعت حول الملکیة الفردیة لا تتلاءم مع فطرة الإنسان ولا تحقق له العدالة وهی السبب فی إیجاد الکثیر من المشاکل فی المجتمع.

والأمران هما: الملکیة الفردیة فی الشریعة الإسلامیة، والشروط الذی وضعها الإسلام حولها.

الملکیة الفردیة فی الشریعة الإسلامیة

من الأمور المهمة التی یقوّم الإنسان فی حیاته: الثروة المالیة، ونعنی بها المال بمختلف مصادیقه، فهو مما یکوّن الحیاة المعیشیة، وقد أولی الإسلام هذا الجانب عنایة مهمة، فاعتبر حق اکتساب المال وحفظه من الحقوق التی تجب مراعاتها لأجل السلم والسلام: فقد قال سبحانه وتعالی: )الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِینَةُ الْحَیَاةِ الدّنْیَا وَالْبَاقِیَاتُ الصّالِحَاتُ خَیْرٌ عِندَ رَبّکَ ثَوَاباً وَخَیْرٌ أَمَلاً(((1)).

وقد وردت أحادیث کثیرة تحث علی تحصیل المال، فعن عمرو بن جمیع قال: سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول: »لا خیر فی من لا یحب جمع المال من حلال، یکف به وجهه ویقضی به دینه ویصل به رحمه«((2)).

وقد ورد هذا التأکید علی هذا الجانب لأسباب ومنها:

1: إن الإنسان الذی سعی فی تحصیل المال الحلال یعنی أنه یقوّم نفسه وحینئذ یحصل لدیه استقرار نفسی فیستطیع أن یعیش بسلام وأمان ولا تحصل لدیه مشاکل الفقر والمسکنة إذا کان التقویم من هذا المال باعتدال.

2: السعی من أجل تحصیل المال لابد له من عمل، وهذا هو الذی یریده الإسلام فلا مکان فیه للعاطل عن العمل بدون سبب، فالإسلام یحارب البطالة بشدة لأنها من

ص:194


1- سورة الکهف: 46
2- الکافی: ج5 ص72 ح5

الأسباب الرئیسیة للکثیر من المشاکل الاجتماعیة والاقتصادیة.

3: تحصیل المال من مقومات نشر السلم والسلام بین أفراد المجتمع لأنه سیبذل علی الآخرین فی المجتمع لحث الإسلام علی ذلک، فتارة من أجل قضاء الدین، وأخری للضعفاء والعجزة، ومرة للفقراء والمساکین، أو یبذل علی الأقرباء والأرحام. فالحدیث الشریف یقول: »خیر المال ما وقی به العرض«((1)).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: «خیر المال ما أورثک ذخراً وذکراً، وأکسبک حمداً وأجراً»((2)).

وقال علیه السلام: «أفضل المال ما قضیت به الحقوق»((3)).

وقال علیه السلام: «إن خیر المال ما کسب ثناء وشکراً، وأوجب ثواباً وأجرا»((4)).

وقال علیه السلام: «خیر الأموال ما أعان علی المکارم»((5)).

4: تحصیل المال وصرفه فی الموارد الصحیحة من شأنه أن یعمر الحیاة، فالإنسان یلزم أن یکون لدیه أمل معقول فی بقائه فی هذه الدنیا، فالحدیث یقول: »اعمل لدنیاک کأنک تعیش أبداً«((6))، لأن الإنسان إذا انقطع أمله فی البقاء علی هذه الأرض فسوف لن یفکر فی إعمارها وبنائها، وهذا خلاف المنطق القرآنی فی الاستخلاف فالله سبحانه یقول: )وَمَا خَلَقْتُ الْجِنّ وَالإِنسَ إِلاّ لِیَعْبُدُونِ(((7)) وعبادة الله تعالی لایمکن أن تکون فی أرض خراب ودنیا خالیة من الإعمار والبناء، ثم إن »الدنیا مزرعة الآخرة«((8)) کما قال رسول الله صلی الله علیه و آله، وهذه المزرعة لا یمکن أن تزرع فیها وتترکها خراباً وتنتظر قطف الثمر، بل علی الإنسان أن یجمع بین الدنیا والآخرة، قال تعالی: ƒوَلاَ تَنسَ نَصِیبَکَ مِنَ الدّنْیَا‚((9)).

ص:195


1- وسائل الشیعة: ج21 ص557 ب28 ح27865
2- غرر الحکم ودرر الکلم: ص367 الفصل الرابع فی المال، خیر الأموال، ح8284
3- غرر الحکم ودرر الکلم: ص367 الفصل الرابع فی المال، خیر الأموال، ح8283
4- غرر الحکم ودرر الکلم: ص367 الفصل الرابع فی المال، خیر الأموال، ح8285
5- غرر الحکم ودرر الکلم: ص367 الفصل الرابع فی المال، خیر الأموال، ح8292
6- من لا یحضره الفقیه: ج3 ص156 ح3569
7- سورة الذاریات: 56
8- غوالی اللآلی: ج1 ص267 ح66
9- سورة القصص: 77

وقال الإمام أمیر المؤمنین علیه السلام حینما سمع رجلاً یذم الدنیا: »إن الدنیا دار صدق لمن صدقها، ودار عافیة لمن فهم عنها، ودار غنی لمن تزود منها، ودار موعظة لمن اتعظ بها، مسجد أحباء الله، ومصلی ملائکة الله، ومهبط وحی الله، ومتجر أولیاء الله، اکتسبوا فیها الرحمة، وربحوا فیها الجنة، فمن ذا یذمها«؟((1)).

والشرط فی هذه النقطة هو أن لا یتغلب هذا الأمل فتشغله دنیاه عن آخرته، فإذا التزم بهذا الشرط یکون کما قال علی علیه السلام: »عمل فی الدنیا لما بعدها فجاءه الذی له من الدنیا بغیر عمل فأحرز الحظین معاً وملک الدارین جمیعاً فأصبح وجیهاً عند الله لایسأل الله حاجته فیمنعه«((2)).

إذن الإسلام یقر الملکیة والفردیة ویحترم قانونها، ولکن بشروطها.

الشروط الذی وضعها الإسلام حول الملکیة الفردیة

مسألة: هناک جملة من الشروط التی وضعها الشرع الإسلامی حول الملکیة الفردیة، وهی ترتبط بکسب المال وإنفاقه والتی یعرف قسم منها بالواجبات والحقوق الشرعیة:

1: الکسب الحلال المشروع

یجب أن یکون أصل هذه الملکیة وما یضاف لها مکتسبا من الحلال، ولا فرق بین أن تکون هذه الملکیة أرضاً أو ماءً أو شجراً أو نقوداً أو غیر ذلک، فإنه لا بأس بتحصیل المال من الوجوه المشروعة التی رسمها الإسلام، بأن لا یکون رباً ولا غشاً ولا اختلاساً ولا ظلماً ولا اغتصاباً ولا رشوة ولا سرقة، ولا شبه ذلک من المحرمات. فإن الملکیة الفردیة فی حلالها حساب وفی حرامها عقاب، قال رسول الله صلی الله علیه و آله: »لایزول قدم العبد یوم القیامة حتی یُسأل عن أربع... عن ماله من أین اکتسبه وفیما

ص:196


1- نهج البلاغة: قصار الحکم 131
2- نهج البلاغة: قصار الحکم 269

أنفقه..«((1)).

وفی حدیث عن رسول الله صلی الله علیه و آله قال: »ما من رجل أقطع مال امرئ مسلم بیمینه إلاّ حرّم الله علیه الجنة وأوجب ل-ه النار« فقیل: یا رسول الله وإن کان شیئاً یسیراً؟ قال صلی الله علیه و آله: »وإن کان سواکاً من أراک«((2))، أی عوداً من الشجرة المشهورة التی یؤخذ منها السواک، وذلک لأن حساب الإسلام حساب مثقال ذرة، قال الله سبحانه وتعالی: )فَمَن یَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرّةٍ خَیْراً یَرَهُ* وَمَن یَعْ-مَلْ مِثْقَالَ ذَرّةٍ شَرّاً یَرَهُ(((3))، ومن الواضح أن عود الأراک أکبر من مثقال الذرة ألوف المرات، ومن الواضح أن النار بقدره وحرمان الجنة بقدره.

قال سبحانه: )یَا أَیّهَا الّذِینَ آمَنُواْ لاَ تَأْکُلُوَاْ أَمْوَالَکُمْ بَیْنَکُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاّ أَن تَکُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مّنْکُمْ وَلاَ تَقْتُلُوَاْ أَنْفُسَکُمْ إِنّ اللّهَ کَانَ بِکُمْ رَحِیماً * وَمَن یَفْعَلْ ذَلِکَ عُدْوَاناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِیهِ نَاراً وَکَانَ ذَلِکَ عَلَی اللّهِ یَسِیراً(((4)).

و(الأکل) الوارد فی الآیة المتقدمة هو بمعناه المجازی ولیس المراد خصوص الأکل بمعناه الحقیقی وهو عن طریق الفم، فقد أباح الإسلام أن یأکل الإنسان من بیوت مرتبطة بالإنسان بشرط أن لا یظهر أصحابها الکره ل-ه فقد قال سبحانه: )وَلاَ عَلَیَ أَنفُسِکُمْ أَن تَأْکُلُواْ مِن بُیُوتِکُمْ أَوْ بُیُوتِ آبَآئِکُمْ أَوْ بُیُوتِ أُمّهَاتِکُمْ أَوْ بُیُوتِ إِخْوَانِکُمْ أَوْ بُیُوتِ أَخَوَاتِکُمْ أَوْ بُیُوتِ أَعْمَامِکُمْ أَوْ بُیُوتِ عَمّاتِکُمْ أَوْ بُیُوتِ أَخْوَالِکُمْ أَوْ بُیُوتِ خَالاَتِکُمْ أَوْ مَا مَلَکْتُمْ مّفَاتِحهُ أَوْ صَدِیقِکُمْ لَیْسَ عَلَیْکُمْ جُنَاحٌ أَن تَأْکُلُواْ جَمِیعاً أَوْ أَشْتَاتاً فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُیُوتاً فَسَلّمُواْ عَلَیَ أَنفُسِکُمْ تَحِیّةً مّنْ عِندِ اللّهِ مُبَارَکَةً طَیّبَةً کَذَلِکَ یُبَیّنُ اللّهُ لَکُمُ الاَیَاتِ لَعَلّکُمْ تَعْقِلُونَ(((5)).

ویشترط أن لا یأکل الإنسان غیر الطیّبات سواء کان الأکل بمعناه الحقیقی أو

ص:197


1- تأویل الآیات الظاهرة: ص483
2- مستدرک الوسائل: ج16 ص38 ح19052
3- سورة الزلزلة: 7-8
4- سورة النساء: 29-30
5- سورة النور: 61

المجازی کما قال سبحانه: )یَ-ا أیّهَا الّذِینَ آمَنُواْ کُلُواْ مِن طَیّبَاتِ مَا رَزَقْنَاکُمْ(((1))، وقال تعالی: )یَ-ا أیّهَا الرّسُلُ کُلُواْ مِنَ الطّیّبَاتِ وَاعْمَلُواْ صَالِحاً(((2)).

والمال الحرام إذا أکله الإنسان ل-ه سلبیات کثیرة ومنه أنه :یوجب عدم استجابة دعائه کما فی حدیث عن رسول الله صلی الله علیه و آله قال: »من أکل لقمة حرام لم تقبل له صلاة أربعین لیلة، ولم تستجب ل-ه دعوة أربعین صباحاً، وکل لحم ینبته الحرام فالنار أولی به، وإن اللقمة الواحدة تنبت اللحم«((3)).

وقد قال الإمام الحسین علیه السلام للذین جاءوا لمحاربته: »ملئت بطونکم من الحرام وطبع علی قلوبکم، ویلکم ألا تنصتون ألا تسمعون...« ((4)).

وقال علیه السلام: »ثم إنکم زحفتم إلی ذریته وعترته تریدون قتلهم،لقد استحوذ علیکم الشیطان فأنساکم ذکر الله العظیم فتباً لکم ولما تریدون« ((5)).

وکان من أسباب ذلک ملئ بطونهم بالحرام، فإن من ملئ بطنه بالحرام لا یرفع له دعاء تسمعه الملائکة، کالمحل القذر الذی لا تصدر منه رائحة طیبة یستفید منها المستفیدون.

ویجب أیضاً أن لا تجمع هذه الملکیة عبر الوسائل غیر الشرعیة مثل الربا، فقد أصبح الربا فی حضارة الیوم کعصب للاقتصاد العالمی، یسیر بسوء المعرفة من صنّاع السیاسة الاقتصادیة من الغربیین والشرقیین، وذلک سبب جوع ألف ملیون إنسان((6)) مع جملة أسباب أخری، فإن الربا یأخذ أموال الضعفاء ویعطیها إلی الأغنیاء بمختلف التسمیات والعناوین والسبل وتحت ستار مختلف القوانین بینما هذا یعتبر حراماً فی الإسلام حرمة أکیدة.

ص:198


1- سورة البقرة: 172
2- سورة المؤمنون: 51
3- بحار الأنوار: ج63 ص314 ح7
4- راجع بحار الأنوار: ج45 ص5
5- راجع بحار الأنوار: ج45 ص5، والمناقب: ج4 ص100، وکلام الإمام علیه السلام إشارة إلی قول الله العظیم: ƒ استحوذ علیهم الشیطان فأنساهم ذکر الله أولئک حزب الشیطان ألا إن حزب الشیطان هم الخاسرون ‚ ، سورة المجادلة: 19
6- ذکرنا تفصیل ذلک فیما سبق من هذا الکتاب

لا یقال: إن حذف الربا یهدم الاقتصاد.

لأنه یقال: إن الحضارة الإسلامیة باقتصادها القوی دامت ما یقارب ثلاثة عشر قرناً ولم تکن تستعمل فیه الربا إلا من قبل بعض الجماعات النادرة والمعروفة فی المجتمع بالفسق، وکان الناس یتجنبونهم حیث إن الله سبحانه وتعالی شدد النکیر علی أکل الربا، وقد ذکرنا تفصیل ذلک فی کتبنا الاقتصادیة، قال سبحانه: )الّذِینَ یَأْکُلُونَ الرّبَا لاَ یَقُومُونَ إِلاّ کَمَا یَقُومُ الّذِی یَتَخَبّطُهُ الشّیْطَانُ مِنَ الْمَسّ ذَلِکَ بِأَنّهُمْ قَالُوَاْ إِنّمَا الْبَیْعُ مِثْلُ الرّبَا وَأَحَلّ اللّهُ الْبَیْعَ وَحَرّمَ الرّبَا فَمَن جَآءَهُ مَوْعِظَةٌ مّنْ رّبّهِ فَانْتَهَیَ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَی اللّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَ-َئِکَ أَصْحَابُ النّارِ هُمْ فِیهَا خَالِدُونَ * یَمْحَقُ اللّهُ الْرّبَا وَیُرْبِی الصّدَقَاتِ وَاللّهُ لاَ یُحِبّ کُلّ کَفّارٍ أَثِیمٍ * إِنّ الّذِینَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصّالِحَاتِ وَأَقَامُواْ الصّلاَةَ وَآتَوُاْ الزّکَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَیْهِمْ وَلاَ هُمْ یَحْزَنُونَ* یَ-ا أیّهَا الّذِینَ آمَنُواْ اتّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِیَ مِنَ الرّبَا إِن کُنْتُمْ مّؤْمِنِینَ * فَإِن لّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَکُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِکُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ(((1)).

ولم نجد فی القرآن الحکیم شدة فی التحریم کشدة الربا حیث جعله الله سبحانه وتعالی إیذانا بحرب من الله ورسوله، وهناک روایات شدیدة جداً حول الربا والتأکید علی حرمتها.

فقد روی عن النبی صلی الله علیه و آله أنه رأی لیلة أسری به رجالاً بطونهم کالبیت الطَّحِم وهم علی سابلة آل فرعون فإذا أحسوا بهم قاموا لیعتزلوا عن طریقهم فمال بکل واحد منهم بطنه فیسقط حتی یطأهم آل فرعون مقبلین ومدبرین، فقلت لجبرئیل: من هؤلاء؟ قال: أکلة الربا«((2))، أی یطأهم آل فرعون الذین یعرضون علی النار کل غداة وعشی، کما ورد فی القرآن الحکیم من أن آل فرعون یذهب بهم إلی النار

ص:199


1- سورة البقرة: 275 - 279
2- مستدرک الوسائل: ج13 ص332 ح15508

فیعرضون علیها ثم یرجع بهم کل یوم هکذا، قال تعالی: ƒ وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوَءُ الْعَذَابِ * النّارُ یُعْرَضُونَ عَلَیْهَا غُدُوّاً وَعَشِیّاً وَیَوْمَ تَقُومُ السّاعَةُ أَدْخِلُوَاْ آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدّ الْعَذَابِ‚((1)).

وفی حدیث آخر عن الرسول صلی الله علیه و آله: »رأیت لیلة أسری بی لما انتهینا السماء السابعة فنظرت فوقی فإذا أنا برعد وبرق وعواصف فأتیت علی قوم بطونهم کالحیّات تری من خارج بطونهم، قلت: یا جبرائیل من هؤلاء؟ قال: هؤلاء أکلة الربا«((2)).

والظاهر أن هذا الأمر مثّل لرسول الله صلی الله علیه و آله بما یؤول إلیه أمر أمته فی المستقبل وکون بعضهم فی السماء الدنیا وبعضهم فی السماء السابعة أو فوقها لعل المراد به اختلاف مراتب الأکلة فإن النار درکات کما أن الجنة درجات.

وهناک طرق شرعیة عدیدة لتحصیل الأرباح ولزیادة رأس المال من دون سحق الضعفاء، ومن أفضلها المضاربة المعقولة وقد فصلنا الحدیث عنها فی کتبنا الاقتصادیة وقد رأینا فی بعض بلاد الخلیج بیت التمویل الإسلامی الذی یتعامل مع التجار معاملة لا ربویة وإنما مضاربیة، وکان الإقبال علیه من الناس کبیراً لا لمجرد أنهم یؤمنون بالله والیوم الآخر فیتجنبون الربا، بل من جهة أن الأرباح أیضاً تکون کثیرة کما أن جملة من الأرباح تصرف فی الأمور الخیریة، فإن الإسلام لا یبیح للمسلمین أن یکتسبوا المال کیف ما شاءوا وأن یصرفوها فی أی طریق أرادوا بل جعل للاکتساب والصرف طرائق مشروعة، کما حذر عن طرائق غیر مشروعة تضرّ الدین والدنیا أضراراً فردیة واجتماعیة.

وهناک أمور أخلاقیة ذکرتها الشریعة المقدسة فی طلب المال وجمعه وهی کثیرة، ذکرنا تفصیلها فی کتاب (فقه المال)،  ومنها أن لا یکون هذا الطلب والجمع لأجل التفاخر والمباهاة فقد قال النبی صلی الله علیه و آله: »من طلب الدنیا حلالا مکاثرا مفاخرا لقی الله وهو علیه غضبان، ومن طلبها استعفافا عن المسألة وصیانة لنفسه جاء یوم القیامة

ص:200


1- سورة غافر: 45-46
2- الغدیر للعلامة الأمینی 6 : ج10 ص188 ح17

ووجهه کالقمر لیلة البدر«((1)).

2: إخراج الحقوق والواجبات من الملکیة الفردیة

یشترط فی الملکیة الفردیة إخراج الحقوق والواجبات، وتشمل الخمس والزکاة وما أشبه مما هو مقرر شرعاً، وهی أقل من الضرائب الباهضة المفروضة من الدول علی ما یملکه الفرد.

فالخمس فی سبعة أشیاء:

1: أرباح الکسب والتجارة.

2: المعادن.

3: الکنوز.

4: المال المختلط بالحرام.

5: المجوهرات التی یحصل علیها بالغوص فی البحر.

6: غنائم الحرب.

7: الأرض التی یشتریها الکافر الذمی من المسلم.

والزکاة فی تسعة أشیاء:

1-4: الغلات الأربعة وهی: الحنطة والشعیر والتمر والزبیب

5-6:  فی (النقدین) وهما الذهب والفضة

7-9: الأنعام الثلاثة وهی: الإبل والبقر والغنم.

وهناک شروط معینة فی تحقق وجوب الخمس والزکاة فی هذه الموارد المتقدمة وکذلک فی موارد صرفها ومستحقیها وتفصیل کل ذلک مذکور فی الفقه ((2)).

3: إخراج الحقوق الثانویة من الملکیة الفردیة

لم یقتصر الإسلام فی تشریعه للملکیة الفردیة علی الواجبات والحقوق المالیة الأساسیة وإنما حث - من دون إکراه - علی إعطاء حقوق مالیة أخری غیر الخمس

ص:201


1- تنبیه الخواطر ونزهة النواظر: ج1 ص153
2- انظر موسوعة الفقه: ج29-33

والزکاة وهو ما یعبر عنه ب- (الإنفاق فی سبیل الله) وهی لا تقل أهمیة عن تلک الحقوق.

ورد عن معلی بن خنیس عن الإمام أبی عبد الله الصادق علیه السلام قال: قلت ل-ه ما حق المسلم علی المسلم؟ قال علیه السلام: »له سبع حقوق وواجبات ما منهن حق إلا وهو علیه واجب إن ضیع منها شیئاً خرج من ولایة الله وطاعته ولم یکن لله فیه من نصیب... «((1)). وقد مر نص الحدیث فی موضوع التکافل الاجتماعی، وهذه الحقوق الثانویة هی التی یستطیع المسلمون من خلالها أن یجتهدوا فی التواصل والتعاون والتعاطف والمواساة فیما بینهم.

4: مراقبة إنفاق الملکیة والموارد التی تصرف علیها

وضعت الشریعة الإسلامیة جملة من القیود لسلامة تصرف صاحب الملکیة حرصاً علیه وحفظاً لأمواله، وکی تضمن سلامة المجتمع الذی یتعامل معه ومنها:

1: حرمة صرفها فی الموارد المحرمة شرعاً، فلا تصرف فی الزنا والقمار وشرب الخمر وما شابه ذلک، لأنها تضر صاحبها وتضر المجتمع، وفی الحدیث عن رسول الله صلی الله علیه و آله: »لا تزول قدما عبدٍ یوم القیامة حتی یسأل عن أربع... عن ماله .. وفیما أنفقه«((2)).

2: تختلف نظرة الإسلام للملکیة الفردیة عن المذهب الرأسمالی بأن علی صاحب المال أن لا یضر الآخرین ولا یجحف بهم، فلا یحتکره، ولا یسیء التصرف فیه فیحصل به الضرر، وذلک کما لو کانت هذه الملکیة - علی سبیل المثال - بید السفهاء فالموقف الإسلامی حینئذ یحجر علیه ویمنعه من التصرف وقد قال سبحانه: )وَلاَ تُؤْتُواْ السّفَهَآءَ أَمْوَالَکُمُ الّتِی جَعَلَ اللّهُ لَکُمْ قِیَاماً وَارْزُقُوهُمْ فِیهَا وَاکْسُوهُمْ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مّعْرُوفاً(((3)).

والخلاصة إن النظرة الإسلامیة للملکیة الفردیة هی التی تحقق السلام والعدل فی

ص:202


1- الکافی: ج2 ص169 ح2
2- الأمالی للصدوق: ص39 ح9
3- سورة النساء: 5

الجانب الاقتصادی، فالإسلام لا یتعصب للفرد علی حساب الجماعة، ولا یمیل بها للجماعة علی حساب الفرد، بل یحاول أن یوفق بین الطرفین من أجل استمرار الجدول العام الذی یخدم الإنسانیة ویحقق مطالب مجتمعاتها.

نظرة الإسلام الاقتصادیة فی القضاء علی الفقر

4: نظرة الإسلام الاقتصادیة فی القضاء علی الفقر

مسألة: الإسلام یقضی علی الفقر وذلک بسلمه وسلامه الاقتصادی.

تعریف الفقر

یختلف تعریف الفقر ومعناه بحسب الموضوع الذی یبحث فیه، ففی الاقتصاد: هو الجوع والعوز والحرمان، وهذا المعنی هو المشهور فی اللغة، ومنه الفقیر وهو الذی لایملک إلا قوت یومه وهو الذی یستحق العطاء والصدقة وإلیه أشارت الآیة: )إِنّمَا الصّدَقَاتُ لِلْفُقَرَآءِ وَالْمَسَاکِینِ(((1)).

وهناک معان أخری تأتی بالعرض وهی أعم مما هو شائع عنه، وتنقسم إلی معنویة ومادیة.

ومثال المعنویة: فقر الإنسان إلی الله تعالی فمهما کانت صفته فإنه فقیر إلی الله تعالی، أی محتاج إلی رحمته وعفوه، وهو الذی أشارت ل-ه الآیة: )رَبّ إِنّی لِمَآ أَنزَلْتَ إِلَیّ مِنْ خَیْرٍ فَقِیرٌ(((2)) ، وقول-ه فی الدعاء: »اللهم أغننی بالافتقار إلیک ولاتفقرنی بالاستغناء عنک«((3)) وله عنی الشاعر فی قوله:

لیعجبنی لو لا محبتک الفقر((4))

ویعجبنی فقری إلیک ولم یکن

وأیضاً ((5)) ما ورد ذکره عن أبی عبد الله علیه السلام فی قوله: »الفقر الموت الأحمر« قلت لأبی عبد الله علیه السلام: الفقر من الدینار والدرهم؟ قال علیه السلام: »لا، ولکن من

ص:203


1- سورة التوبة: 60
2- سورة القصص: 24
3- راجع بحار الأنوار:ج69 ص31، وشرح نهج البلاغة: ج18 ص117
4- بحار الأنوار: ج69 ص31
5- أی من الفقر المعنوی

الدین«((1)).

ومن ذلک أیضاً الفقر فی العلم: وهو الجهل والتخلف، ولذا ورد عن أمیر المؤمنین علیه السلام: »لا فقر کالجهل«((2)).

وأما المادیة: فیقال: افتقر الرجل أی صار فقیراً إلی الأمر واحتاج إلیه، وهذا الأمر لیس متعلقاً بالحالة الاقتصادیة فحسب وإنما الحاجة العامة للإنسان.

قال تعالی: )یَ-ا أیّهَا النّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَآءُ إِلَی اللّهِ وَاللّهُ هُوَ الْغَنِیّ

الْحَمِیدُ(((3)).

وکذلک یأتی الفقر بمعنی الطمع أو شدة القنوط، فالغنی الذی جبل علی الطمع یصطلح علیه بالفقیر، لأنه لازال محتاجاً لما یریده، فعن عبد الأعلی بن أعین قال: سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول: » …والطمع هو الفقر الحاضر«((4)).

والبخیل أیضاً فهو یملک مالاً ولکن ینکر وجوده عملاً فیطلبه، ورغم امتلاکه للمال قد لا یقال عنه: غنی، بل هو والفقیر الواقعی یعیشان فی الدنیا سواء، یقول أمیر المؤمنین علی علیه السلام: »عجبت للبخیل یستعجل الفقر الذی منه هرب، ویفوته الغنی الذی إیاه طلب فیعیش فی الدنیا عیش الفقراء ویحاسب فی الآخرة حساب الأغنیاء«((5)).

قال الشاعر فی هذا المعنی:

مخافة فقر فالذی فعل الفقر((6))

ومن ینفق الساعات فی جمع ماله

وأما فی الاصطلاح: فلا یختلف عن المعنی اللغوی الأول وهو المعنی التقلیدی السائد أی العوز والجوع والحرمان.

وفی العصر الحدیث أعطیت معان للفقر ربما تختلف عما ذکر بعض الشیء،

ص:204


1- الکافی: ج2 ص266 ح2
2- غرر الحکم ودرر الکلم: ص73 ح1109
3- سورة فاطر: 15
4- الکافی: ج2 ص148 ح4
5- نهج البلاغة: قصار الحکم 126
6- تنبیه الخواطر ونزهة النواظر: ج1 ص168

فلایقال: إن الفقر هو العوز والحرمان، بل هو عبارة عن کثرة الحاجات وقلة الدخل، أو هو مشکلة سوء تنظیم الإنسان فی توزیع الثروة والدخل، أو هو عبارة عن تأخر الأفراد أو المجتمعات والشعوب عن رکب الدول المتقدمة فی الموارد الاقتصادیة کما یصطلح علی العالم الإسلامی وغیره بدول العالم الثالث أی الدول المتأخرة عن اللحاق بالعالم الأول والثانی: (الدول الصناعیة فی العالم)، وهذه الدول وإن کان بعضها منتجة للنفط إلا أنها فقیرة فی جوانب أخری إلی الدول الصناعیة فاصطلح علیها بالعالم الثالث.

وما یعنینا فی الفقر هنا هو ما یمثله من مشکلة اقتصادیة واجتماعیة وقد أشرنا إلی معناه وما یتعلق به فی (الفقه: الاقتصاد)، بأنه العدم، وأردنا من ذلک: معناه فی الجانب الاقتصادی وهو ینطبق علی الجوع والعوز والحرمان، بعکس الغنی الذی هو وجود وهو ضد ما سبق من المعانی التی ذکرت فی الفقر.

مفهوم الفقر فی روایات أهل البیت علیهم السلام

یجد المتتبع للروایات الشریفة التی تتحدث عن الفقر قسمین منها، فقسم یمدح الفقر والآخر یذمه.

فمجموعة منها تتحدث عن مدحه والثناء علیه وأنه نعمة من نعم الله سبحانه وتعالی وأنه شعار الأنبیاء علیهم السلام وزینة الأولیاء وزی الصلحاء وهو أحد الأسباب التی تقرب الإنسان من الله تعالی، ومن هذه الروایات التی تعرضت لمدح الفقر علی سبیل المثال قوله صلی الله علیه و آله: »الفقر فخری وبه أفتخر«((1)).

وقول-ه صلی الله علیه و آله: «اللهم أحینی مسکیناً وأمتنی مسکیناً واحشرنی فی زمرة المساکین» فقالت له إحدی زوجاته: لِمَ تقول هکذا؟

قال صلی الله علیه و آله: «لأنهم یدخلون الجنة قبل الأغنیاء بأربعین عاماً» ثم قال صلی الله علیه و آله:

«انظری ألاّ تزجری المسکین وإن سأل شیئاً فلا تردیه ولو بشق تمرة، وأحبّیه وقرّبیه إلی

ص:205


1- عدة الداعی: ص123

نفسک حتی یقربک الله تعالی إلی رحمته»((1)).

 ومنها: ما یدل علی أنه شعار الأنبیاء علیهم السلام، کما ورد فی نهج البلاغة عنه  علیه السلام قال: »ولقد دخل موسی بن عمران علیه السلام ومعه أخوه هارون علیه السلام علی فرعون وعلیهما مدارع صوف وبأیدیهما العصی فشرطا له إن أسلمَ بقاء ملکه ودوام عزه، فقال: ألا تعجبون من هذین یشرطان لی دوام العز وبقاء الملک وهما بما ترون من حال الفقر والذل، فهلا ألقی علیهما أساورة من ذهب إعظاماً للذهب وجمعه واحتقاراً للصوف ولبسه«((2)).

وما روی عن الإمام الصادق أنه علیه السلام قال: »أربعة لم تخل منها الأنبیاء والأوصیاء ولا أتباعهم: الفقر فی المال… «((3)).

وقد تمیز أهل البیت علیهم السلام عن سواهم بعلاقتهم مع الفقراء وتواضعهم ومواساتهم لهم، وقد نقل التاریخ شواهد رائعة من سیرتهم هذه، ومن ذلک ما رواه أبو جعفر محمد بن علی علیه السلام قال: »کان علی علیه السلام إذا صلی الفجر لم یزل معقباً إلی أن تطلع الشمس، فإذا طلعت اجتمع إلیه الفقراء والمساکین وغیرهم من الناس فیعلمهم الفقه والقرآن«((4)).

ومن أروع صور علاقتهم مع هذه الشریحة من المجتمع الإمام السجاد علی بن الحسین علیه السلام حیث یقول فی دعائه من الصحیفة السجادیة: »اللهم حبب إلی صحبةَ الفقراء، وأعنی علی صحبتهم بحسن الصبر، وما زویت عنی من متاع الدنیا الفانیة فاذخره لی فی خزائنک الباقیة، واجعل ما خولتنی من حطامها وعجلت لی من متاعها بلغة إلی جوارک، ووصلة إلی قربک، وذریعة إلی جنتک، إنک ذو الفضل العظیم، وأنت الجواد الکریم«((5)).

وهذه الشواهد من سیرتهم تدل علی عدم وجود حالة الترف فی حیاتهم، ولذلک

ص:206


1- مستدرک الوسائل: ج7 ص203 ح8037
2- نهج البلاغة: الخطب 192
3- مستدرک الوسائل: ج2 ص147 ح1663
4- بحار الأنوار: ج34 ص335
5- صحیفة السجادیة: ص136، من دعائه علیه السلام فی المعونة علی قضاء الدین، الرقم 30

ورد عنهم علیهم السلام: »من أحبنا أهل البیت فلیستعد للفقر جلباباً«((1)).

ولکن هناک الکثیر من الروایات الواردة فی ذم الفقر، فمنها ما ورد عن الصادق علیه السلام عن آبائه علیهم السلام عن النبی صلی الله علیه و آله قال: »کاد الفقر أن یکون کفرا«((2)).

وقال علی علیه السلام لابنه محمد بن الحنفیة: »یا بنی إنی أخاف علیک الفقر فاستعذ بالله منه، فإن الفقر منقصة للدین، مدهشة للعقل، داعیة للمقت«((3)).

وقال رسول الله صلی الله علیه و آله: «ألا أخبرکم بأشقی الأشقیاء؟». قالوا: بلی یا رسول الله. قال: «من اجتمع علیه فقر الدنیا وعذاب الآخرة نعوذ بالله من ذلک»((4)).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: «القبر خیر من الفقر..

الحرمان خذلان..

ألا وإن من البلاء الفاقة، وأشد من الفاقة مرض البدن، وأشد من مرض البدن مرض القلب..

الفقر ینسی..

العسر یفسد الأخلاق، العسر یشین الأخلاق ویوحش الرفاق..

إن الفقر مذلة للنفس، مدهشة للعقل، جالب للهموم..

ثلاث هن المحرقات الموبقات: فقر بعد غنی، وذل بعد عز، وفقد الأحبة.

ضرورة الفقر تبعث علی فظیع (قطع) الأمر..

الفقیر فی الوطن ممتهن..

لیس فی الغربة عار إنما العار فی الوطن الافتقار»((5)).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: «الفقر یخرس الفطن عن حجته، والمقل غریب فی بلدته، طوبی لمن ذکر المعاد وعمل للحساب وقنع بالکفاف، الغنی فی الغربة وطن،

ص:207


1- نهج البلاغة: قصار الحکم 112
2- الکافی: ج2 ص307 ح4
3- نهج البلاغة: قصار الحکم 319
4- أعلام الدین: ص159 فصل فی ذکر الغنی والفقر
5- غرر الحکم ودرر الکلم: ص365 الفصل الأول ذم الفقر وآثاره الفردیة والاجتماعیة، الحدیث 8217 إلی 8231

والفقر فی الوطن غربة، القناعة مال لا ینفد، الفقر الموت الأکبر، إن الله سبحانه وتعالی فرض فی أموال الأغنیاء أقوات الفقراء، فما جاء فقیر إلا بما منع غنی، ما أحسن تواضع الأغنیاء للفقراء طلبا لما عند الله عزوجل، وأحسن منه تیه الفقراء علی الأغنیاء اتکالا علی الله»((1)).

ولأول وهلة قد یبدو للناظر فی هذه الروایات أن هناک تعارضاً بینها، فمنها ما ورد فی مدح الفقر والثناء علیه، ومنها ما ورد فی ذمه والتعوذ منه!

وعند الرجوع إلی حقیقة کل من هذه الروایات نجد أن لا تعارض بین الأمرین، فالروایات المادحة ل-ه حینما کان علی صفة إیجابیة فاستحق المدح والثناء وهو أن یکون الفقیر صبوراً قانعاً منقطع الطمع عن الخلق، صارفاً نفسه عما فی أیدی الناس، ولم یکن حریصاً علی اکتساب المال وجمع الثروة کیف کان، ویعز نفسه عن ذل السؤال، وهذا هو الذی یقال عنه: الفقر المحمود، وقد قال الشاعر فیه:

یعزُّ النفس عن ذل السؤال

أعزُّ الناس نفساً من تراه

بفضلٍ ناب عن جاهٍ ومال

ویقنع بالکفاف ولا یبالی

وقال الآخر:

أحب إلی من منن الرجالِ

لنقل الصخر من قلل الجبالِ

فقلت العار فی ذل السؤالِ

وقالوا لی بأن الکسب عار

وقد أشارت بعض الروایات إلی حقیقة هذا الفقر وأنه الابتلاء والاختبار، حیث إن الله سبحانه وتعالی یختبر به عباده ویبتلیهم به لیعلم الصابر منهم لیثیبه ویجزیه. وفی الحدیث القدسی: »إن من عبادی المؤمنین عباداً لا یصلح لهم أمر دینهم إلا بالفاقة والمسکنة والسقم فأبلوهم بالفاقة والمسکنة والسقم فیصلح علیهم أمر دینهم ..«((2)).

وقال أبو عبد الله علیه السلام: »ما أعطی عبد من الدنیا إلا اعتباراً وما زُوی عنه إلا

ص:208


1- بحار الأنوار: ج69 ص46 ب94 ح57
2- الکافی: ج2 ص60 ح4

اختباراً«((1)).

وقد أشار أمیر المؤمنین علیه السلام إلیه بأنه ابتلاء واختبار للعباد وذلک حینما مرض فعاده قوم، فقالوا له: کیف أصبحت یا أمیر المؤمنین؟ فقال علیه السلام: »أصبحت بشر« فقالوا: سبحانه الله هذا کلام مثلک؟ فقال علیه السلام: »یقول الله تعالی: )وَنَبْلُوکُم بِالشّرّ وَالْخَیْرِ فِتْنَةً وَإِلَیْنَا تُرْجَعُونَ(((2))، فالخیر الصحة والغنی، والشر المرض والفقر ابتلاءً واختباراً«((3)).

وأما الروایات الواردة فی ذم الفقر فما کان منه علی صفة سلبیة وما کانت عاقبته سیئة فاستحق الذم لأنه ینتهی بصاحبه إلی کفران نعم الله ونسیان ذکره.

هذا ومن المستحب للفقیر الصبر وعدم الشکوی إلی الناس.

عن کمیل بن زیاد قال: قال أمیر المؤمنین علیه السلام: «یا کمیل لا تری الناس افتقارک واضطرارک واصبر علیه احتسابا تعرف بستر»((4)).

وعن رسول الله صلی الله علیه و آله أنه قال: «من أبدی إلی الناس ضره فقد فضح نفسه»((5)).

وعن مفضل بن قیس بن رمانة قال: دخلت علی أبی عبد الله علیه السلام فشکوت إلیه بعض حالی وسألته الدعاء. فقال: «یا جاریة هاتی الکیس الذی وصلنا به أبو جعفر». فجاءت بکیس فقال: «هذا کیس فیه أربعمائة دینار فاستعن به». قال: قلت: لا والله جعلت فداک ما أردت هذا ولکن أردت الدعاء لی. فقال لی: «ولا أدع الدعاء ولکن لا تخبر الناس بکل ما أنت فیه فتهون علیهم»((6)).

وعن قبیصة بن مخارق الهلالی أنه قال: تحملت حمالة فأتیت النبی صلی الله علیه و آله أسأله فیها. فقال: «أقم عندنا حتی نعاونک علیها واعلم أنه لا تحل لأحد المسألة إلا لإحدی

ص:209


1- الکافی: ج2 ص261 ح6
2- سورة الأنبیاء: 35
3- مستدرک الوسائل: ج2 ص149 ح1669
4- مستدرک الوسائل: ج7 ص225 ب31 ح8097
5- کنز الفوائد: ج2 ص194 فصل فی ذکر الغنی والفقر
6- رجال الکشی: ص183 فی مفضل بن قیس بن رمانة ح320

ثلاث رجل تحمل حمالة فحلت ل-ه المسألة ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله فحلت له الصدقة حتی یصیب کفافا من عیش ورجل أصابته فاقة حتی یقول ثلاثة من ذوی الحجی من قومه لقد أصابت فلانا فاقة فحلت ل-ه المسألة حتی یصیب قواما من العیش وما سواهن من المسألة یا قبیصة فسحت»((1)).

وعن شعیب عن أبی عبد الله علیه السلام أنه دخل علیه واحد فقال: أصلحک الله إنی رجل منقطع إلیکم بمودتی وقد أصابتنی حاجة شدیدة وقد تقربت بذلک إلی أهل بیتی وقومی فلم یزدنی بذلک منهم إلا بعدا. قال: «فما آتاک الله خیر مما أخذ منک». قال: جعلت فداک ادع الله لی أن یغنینی عن خلقه. قال: «إن الله قسم رزق من شاء علی یدی من شاء ولکن سل الله أن یغنیک عن الحاجة التی تضطرک إلی لئام خلقه»((2)).

وعن علی بن الحسین علیه السلام قال: «أظهر الیأس من الناس فإن ذلک هو الغنی، وأقل طلب الحوائج إلیهم فإن ذلک فقر حاضر»((3)).

وعن أبی عبد الله علیه السلام قال: «کان أمیر المؤمنین علیه السلام یقول: لیجتمع فی قلبک الافتقار إلی الناس والاستغناء عنهم فیکون افتقارک فی لین کلامک وحسن بشرک ویکون استغناؤک عنهم فی نزاهة عرضک إلیهم وبقاء عزک»((4)).

وقال رسول الله صلی الله علیه و آله: «من فتح علی نفسه بابا من المسألة فتح الله علیه سبعین بابا من الفقر لا یسد أدناها شیء»((5)).

وکانت هذه إشارة مختصرة إلی موضوع الفقر فی الروایات وسیأتی أیضا ذکر علاجه من الجهة الروائیة والأخلاقیة، والتفصیل فی (الفقه: الاقتصاد) وغیره من الکتب، وقد ذکرنا هناک تفصیلا للجمع بین الروایات، وفی أفضلیة الفقر أو الغنی أو

ص:210


1- مستدرک الوسائل: ج7 ص227 ب31 ح8104
2- الکافی: ج2 ص266 ح1
3- بحار الأنوار: ج68 ص185 ب64 ضمن ح46
4- مشکاة الأنوار: ص126
5- وسائل الشیعة: ج9 ص438 ب31 ح12431

الحالة الوسطیة بینهما وهی الکفاف.

وسنذکر هنا جملة من النقاط التی تتعلق بالفقر والسبل التی اتبعها الإسلام للقضاء علی مشاکله کی یعیش الإنسان فی حیاته برخاء وسعة وبأمن وسلام.

عوامل نشوء مشکلة الفقر وأسبابها

لقد ذکرت عدة عوامل لنشوء مشکلة الفقر، فهی علی رأی الرأسمالیین نابعة من قلة الموارد الطبیعیة، وعلی رأی المارکسیین سببها بقاء المظالم الاجتماعیة عبر التاریخ، وهو ناتج من عدم بلوغ التطور مراحله المتقدمة.

وهناک أمور أخری کانت سبباً فی إیجاد هذه المشکلة، منها کثرة الحاجات وقلة دخل الفرد، وینشأ أیضاً بسبب سوء تنظیم الإنسان فی توزیع الثروة والدخل.

والبعض الآخر قال: هو تخلف الشعوب وتأخرها عن الرکب الحضاری فی العالم المتمثل بالدول الغربیة هو الذی یخلق مشکلة الفقر.

والحقیقة أن مشکلة الفقر لا یمکن أن یحددها سبب معین وإنما هی نتیجة عوامل متعددة، ترجع إلی ثلاثة عناصر أساسیة وهی: الدولة والمجتمع والإنسان، وهذه العناصر الثلاثة إن اشترکت بأجمعها فی أداء ما علیها من حقوق اجتماعیة واقتصادیة لا یبقی لمشکلة الفقر أی أثر، وإن حدث تقصیر من أحد هذه العناصر الثلاثة تبقی مشکلة الفقر حاضرة لا یمکن القضاء علیها.

إن المحیط الذی یتعامل معه الإنسان فی وجوده علی هذه الأرض یتکون من خمسة عناصر:

الأول: الحیاة أو ما یعبر عنها بالکون.

الثانی: المذهب الذی یعتقده الإنسان، أو المنهج الذی یتبعه أو الوسیلة التی یلتزمها فی هذه الحیاة.

الثالث: النظام الذی یعیش فی ظله وهو دائرة الدولة.

الرابع: دائرة المجتمع.

الخامس: شخصیة الإنسان.

ص:211

أما العنصر الأول: وهو الکون، لا یمکن أن نعتبره من العناصر التی اشترکت فی إیجاد مشکلة الفقر، لأن الکون بما فیه من مفردات وثروات خلقها الباری عزوجل بحیث یکفی لکل البشر، نعم ربما الإنسان بنفسه أو ببنی نوعه یسیء التصرف فی الکون فلا یمکنه الاستفادة الصحیحة من ثرواته.

وقد ذکرنا فی أول هذا الفصل أن العلماء أثبتوا أن الکرة الأرضیة قابلة لأن یسکنها مائتا ملیار من البشر أی أکثر من ثلاثین مرّة ضعف هذا البشر المتواجد علیها الیوم، فإن فیها من السعة ما یکفیهم للعیش علیها، وهذا یدل علی أن ما من نفس تخلق إلا وقد هیأ الله لها ما تحتاجها من المکان الذی تعیش فیه وبقعة الأرض التی تقضی فیها حیاتها والرزق المحدد لها.

أضف إلی ذلک أن هناک قوانین السنة الکونیة والإرادة الإلهیة فی بقاء نسبة التعادل بین الأحیاء علی هذه الأرض ومساحتها، وذلک من خلال المدة المحدودة التی یعیشها الإنسان، فهناک أجیال تغادر الحیاة بموتها ویقابلها مجیء أجیال جدیدة من البشر بولادتها، فهناک نسبة من التعادل بین الأرض ومن یعیش علیها.

ثم إن الإنسان ینعم فی هذا الکون الفسیح بما یحتوی علی هذه المفردات التی لا تعد ولا تحصی، وبما فیه من هذا النظام البدیع ومنها الأرض التی یعیش الإنسان فی ظل خیراتها وینعم بمواردها الطبیعیة، والآیات والروایات التی تحدثت عن هذه الموضوعات کثیرة جداً.

فإذاً عنصر الکون وما یحتوی علی هذه العناصر لا یمکن اعتباره سبباً فی إیجاد مشکلة الفقر.

وأما العنصر الثانی: وهو العقیدة أو المذهب، فینقسم إلی قسمین:

القسم الأول: المبادئ الوضعیة ومنها: المذهب الرأسمالی والشیوعی.

والقسم الثانی: المبادئ السماویة، ویمثلها الإسلام، فإنه نسخ الأدیان السابقة.

المبادئ الوضعیة

إن هذه المبادئ الوضعیة من الرأسمالیة والشیوعیة والاشتراکیة وما أشبه، لایمکن

ص:212

بحال من الأحوال أن تلبی حاجات الإنسان ومتطلباته بشکل صحیح، إذ لا یصدر منها قانون إلا وفیه ظلم للإنسان نفسه أو بنی نوعه، من الموجودین أو الأجیال القادمة، وهذه القوانین الوضعیة من أهم أسباب إیجاد مشکلة الفقر.

 فأما المذهب الرأسمالی الغربی: فتجد ظاهرة الفقر وتضییع حقوق الضعفاء بارزة فیه، والبطالة منتشرة فی أرجائه، وذلک لأنه لم یحسب للفقیر أدنی حساب ولم توضع المناهج والخطط التی ترفع من مستوی الفقیر والأخذ بحقه، فتبقی منافذ حاجیاته مفتوحة لم یستطع إغلاقها، ثم إنه یفسح المجال أمام الغنی فلم یضع حداً له أو شرطاً حتی وإن کان سبباً فی خلق مشاکل اقتصادیة واجتماعیة للمجتمع من خلال عمل أمواله فی الربا والاحتکار والاستغلال.

ثم هناک أمر آخر لا یقل أهمیة عما سبق، وهو أن المذهب الرأسمالی والتی سبقته من المذاهب الوضعیة لم تعترف بحق من لا تتوفر له فرصة العمل وهو فی حالة فقر، یقال: إن أول قانون وضع فی الدول الغربیة یحدد الفقیر وما له من حقوق کان فی عام (1601م) فی إنکلترا وسمی بقانون الفقراء، وهذا لا یحل مشکلة الفقر ولا یضمن جمیع حقوق الفقراء والمساکین.

وأما المذهب الشیوعی: فالفقراء فی ظله أشد بؤساً والأغنیاء أشد قهراً وظلماً من أی مذهب آخر، فإن الأغنیاء یحکمون وبیدهم الدولة والقوة، ولذا لم یستطع أن یضع الحلول الناجحة للقضاء علی مشکلة الفقر.

المبادئ السماویة

القسم الثانی وهی المبادئ السماویة ویمثلها الإسلام، فهی الکفیلة بحل مشکلة الفقر، وذلک بقوانین وضعها الباری عزوجل العالم بجمیع متطلبات الإنسان، المخلوق منهم والذی سوف یخلق من الأجیال القادمة، کما هو عالم بالثروات التی خلقها وسخرها للإنسان، وهو غنی مطلق لا یظلم أحداً، ولا یرید الخیر إلا لعباده.

ولنری فی لمحة موجزة ما هو دور الإسلام فی حل مشکلة الفقر.

لقد کان الإنسان موضع تکریم السماء، یقول الله سبحانه وتعالی: )وَلَقَدْ کَرّمْنَا

ص:213

بَنِی آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِی الْبَرّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مّنَ الطّیّبَاتِ وَفَضّلْنَاهُمْ عَلَیَ کَثِیرٍ مّمّنْ خَلَقْنَا تَفْضِیلاً(((1))، وشواهد هذا التکریم لا تعد ولا تحصی ومنها:

1: إن الله سبحانه وتعالی أنزل الإسلام شریعة سمحاء تتلاءم مع الفطرة الإنسانیة بکل أبعادها، وتسایر الإنسان فی حیاته وفق متطلبات الزمن، وبلّغ هذه الرسالة وصدع بها نبی الرحمة المصطفی محمد صلی الله علیه و آله الذی وصفه الله سبحانه وتعالی بقوله: )وَمَآ أَرْسَلْنَاکَ إِلاّ رَحْمَةً لّلْعَالَمِینَ(((2)).

2: ما من شیء علی هذه الأرض وفوقها إلا وهو مسخر للإنسان، قال عزوجل: )خَلَقَ لَکُمْ مّا فِی الأرْضِ جَمِیعاً(((3)).

وقال سبحانه: ƒاللّهُ الّذِی خَلَقَ السّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ السّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثّمَرَاتِ رِزْقاً لّکُمْ وَسَخّرَ لَکُمُ الْفُلْکَ لِتَجْرِیَ فِی الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخّرَ لَکُمُ الأنْهَارَ * وَسَخّر لَکُمُ الشّمْسَ وَالْقَمَرَ دَآئِبَینَ وَسَخّرَ لَکُمُ الْلّیْلَ وَالنّهَارَ * وَآتَاکُم مّن کُلّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنّ الإنْسَانَ لَظَلُومٌ کَفّارٌ‚((4)).

وقال تعالی: ƒأَلَمْ تَرَ أَنّ اللّهَ سَخّرَ لَکُم مّا فِی الأرْضِ وَالْفُلْکَ تَجْرِی فِی الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَیُمْسِکُ السّمَآءَ أَن تَقَعَ عَلَی الأرْضِ إِلاّ بِإِذْنِهِ إِنّ اللّهَ بِالنّاسِ لَرَءُوفٌ رّحِیمٌ‚((5)).

وقال عزوجل: ƒأَلَمْ تَرَوْاْ أَنّ اللّهَ سَخّرَ لَکُمْ مّا فِی السّمَاوَاتِ وَمَا فِی الأرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَیْکُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النّاسِ مَن یُجَادِلُ فِی اللّهِ بِغَیْرِ عِلْمٍ وَلاَ هُدًی وَلاَ کِتَابٍ مّنِیرٍ‚((6)).

وقال تعالی: ƒاللّهُ الّذِی سَخّرَ لَکُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِیَ الْفُلْکُ فِیهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلّکُمْ تَشْکُرُونَ * وَسَخّرَ لَکُمْ مّا فِی السّمَاوَاتِ وَمَا فِی الأرْضِ جَمِیعاً

ص:214


1- سورة الإسراء: 70
2- سورة الأنبیاء: 107
3- سورة البقرة: 29
4- سورة إبراهیم: 32-34
5- سورة الحج: 65
6- سورة لقمان: 20

مّنْهُ إِنّ فِی ذَلِکَ لاَیَاتٍ لّقَوْمٍ یَتَفَکّرُونَ‚((1)).

3: ومن شواهد هذا التکریم أن الإسلام تابع کل تفاصیل الإنسان وجزئیاته فشرع له السنن ونظم القوانین من أجل أن یعیش فی هذه الحیاة حراً کریماً، وبما أن الشریعة الإسلامیة فیها تبیان لکل شیء یتعلق بالإنسان فلابد أنها وضعت لکل ما یواجهه الإنسان من مشاکل ومصاعب، الحلول الناجعة التی من خلالها یتغلب علی کل مشکلة تمر به بیسر وسهولة.

ومن تلک المشاکل التی واجهت الإنسان ووضع لها الإسلام الحلول الجذریة مشکلة الفقر.

فإنه لم یخل مجتمع فی زمن من الأزمنة عبر التاریخ إلا وکانت مشکلة الفقر حاضرة فیه، فکانت منذ القِدَم تقض مضاجع الرسل والأنبیاء علیهم السلام، والأوصیاء والعلماء، فهذا علی أمیر المؤمنین علیه السلام تراه یذکر فیها فی أکثر من خطبة من علی منبر الکوفة، فمن کلام له علیه السلام فی ذکر المکاییل والموازین: »وقد أصبحتم فی زمن لا یزداد الخیر فیه إلا إدباراً، ولا الشر فیه إلا إقبالاً، ولا الشیطان فی هلاک الناس إلا طمعاً ... اضرب بطرفک حیث شئت من الناس، هل تبصر إلا فقیراً یکابد فقراً؟ أو غنیاً بدل نعمةَ الله کفراً؟ أو بخیلاً اتخذ البخلَ بحق الله وفراً؟ أو متمرداً کأن بأذنه عن سمع المواعظ وقراً، أین خیارکم وصلحاؤکم، وأین أحرارکم وسمحاؤکم؟ وأین المتورعون فی مکاسبهم، والمتنزهون فی مذاهبهم«((2))؟.

والإمام علیه السلام فی کلامه هذا یبین أربعة أسباب للمجتمع الذی لا یزداد إلا إدباراً وتخلفاً وبؤساً وشقاءً وهی: (الفقر والغنی والبخل والتمرد)، والطابع الذی یغلب علی هذه الأسباب هو الطابع الاقتصادی المالی فالثلاثة: الغنی والفقر والبخل ترجع للمال. فإذاً مشکلة الفقر هی من أهم المشاکل الاقتصادیة والاجتماعیة سواء کانت علی صعید الفرد أو الجماعة.

ومن المعلوم إن خلافة الإنسان فی هذه الأرض لابد لها من أمرین:

ص:215


1- سورة الجاثیة: 12-13
2- نهج البلاغة: الخطب 129

الأول: عقیدة توجهها، والثانی: سلوک ینظمها. وکل منهما مکمل للآخر، إذ لا یمکن أن یستقیم أمر الإنسان فی هذه الأرض بدون عقیدة وشریعة، وکذلک سلوک وعمل، وقد أدرکت الشرائع السماویة ولا سیما الإسلام باعتباره خاتم الأدیان أن العقیدة الصحیحة لها دورها الأساسی فی حل مشاکل مادیة کبیرة کمشکلة الفقر والجوع والحرمان، وذلک لأن الإنسان لدیه غرائز أولیة وذاتیة ولابد من إشباعها أولاً إذ بدونها لا یمکن أن یحیا الإنسان ویعیش حیاة طیبة، کغریزة الأکل فإذا عدم الخبز انتهی وجود الإنسان، وهکذا الغرائز الأخری من الجنس وما أشبه.

وبما أن الشریعة الإسلامیة أرسلت إلی البشریة کافة والله سبحانه وتعالی یقول لنبیه صلی الله علیه و آله: )وَمَآ أَرْسَلْنَاکَ إِلاّ رَحْمَةً لّلْعَالَمِینَ(((1)) والعالم یشمل الجائع والشبعان والفقیر والغنی وغیرهم من طبقات المجتمع وشرائحه. کان لابد وأن یکون الإسلام مشتملاً علی أفضل الحلول لمشاکل مختلف الناس.

وبما أن الإنسان هو خلیفة الله فی الأرض کان هذا الاهتمام العظیم من قبل الإسلام فی حل هذه المشکلة واضحة، ویتمثل فی تأمین مستلزمات المجتمع المعیشیة، وذلک لأن هذه المشکلة تعتبر عائقاً فی طریق عبادة الله سبحانه وتعالی ومن هنا نری سیرة الأنبیاء علیهم السلام والآیات الکریمة فی القرآن تبین نعم الله عزوجل فی قضاء الحاجات الأولیة الأساسیة للإنسان ثم یأتی التذکیر بعبادة الله سبحانه وتعالی.

فحینما دعا موسی علیه السلام ربه)قَالَ رَبّ اشْرَحْ لِی صَدْرِی* وَیَسّرْ لِیَ أَمْرِی[((2)) ثم جاء بعد هذا الشرح والتیسیر دور الذکر والتسبیح والعبادة فقال: ) کَیْ نُسَبّحَکَ کَثِیراً * وَنَذْکُرَکَ کَثِیراً(((3)).

وفی موضع آخر من القرآن نری أن الله سبحانه وتعالی طالب الناس بالعبادة بعد أن هیأ لهم الأمان والاستقرار والغذاء والطعام کی لا یستشعروا بالخوف ومن أجل أن لا یلههم الجوع فقال: ) فَلْیَعْبُدُواْ رَبّ هَ-َذَا الْبَیْتِ * الّذِیَ أَطْعَمَهُم مّن جُوعٍ

ص:216


1- سورة الأنبیاء: 107
2- سورة طه: 25-26
3- سورة طه:33 -34

وَآمَنَهُم مّنْ خَوْفٍ(((1)).

ولما کان إیجاد هذه الحاجات الأساسیة التی یحتاجها الإنسان هو أساس العبادة فی الإسلام نری شدة اهتمام الشرع المبین بهذه الأنظمة والقوانین والحلول من أجل حل هذه المشکلة. وتفصیلها یحتاج إلی مجلدات، ولکن سنذکر بعض جوانب نظرة الإسلام لبعض الجوانب التی یمر بها الإنسان فی مشکلة الفقر، ثم نذکر بعض ملامح الأنظمة والحلول والتشریعات التی وضعها لحل هذه المشکلة لتکون شاهداً علی أن الإسلام هو الدین الوحید من بین تلک الأدیان والمذاهب الذی أدرک ما تخلقه هذه المشکلة من سلبیات علی الإنسان فوضع لها کل ما تحتاجه من إرشاد وتوجیه وأنظمة وقوانین.

ثم إن المشاکل الناتجة عن الفقر لها علاقة بکل المجالات التی یتحرک فیها الإنسان، ونذکر منها اثنین علی سبیل المثال:

1: الجانب الإنسانی

لقد أدرک الإسلام أهمیة المشاکل التی یخلقها الفقر للإنسان وقد تحدث فی مختلف جوانبه ومنها فی المجال الإنسانی، فالذی یعانی من هذه المشکلة لا یمکنه عادة أن یتمتع بکل مقومات الإنسان الکامل، ومن ذلک علی سبیل المثال سلبیات هذه المشکلة علی ذهنیة الإنسان وقدرته لإبداء الرأی الصحیح واتخاذ المواقف الناجحة، فالجائع مشغول بنفسه قد لا یمکنه أن یشیرک فی أمر ما، لأن الفقر جعله مولّه العقل، مشتتاً فی کیفیة تدبیر شؤون معیشته، وعدم وجود الخبز أخذ مدی تفکیره فجعل حجته غائبة عنه، لایهتدی إلی سبیله، مدهوش اللب، فلا یتأمل منه - عادة - إبداء الرأی الصحیح والصائب والناضج، ولذلک قال الإمام علی علیه السلام لابنه الحسن علیه السلام: »یا بنی من ابتلی بالفقر ابتلی بأربع خصال … بالضعف فی یقینه والنقصان فی عقله والرقة فی دینه وقلة الحیاء فی وجهه«((2)).

وقال علیه السلام لابنه محمد ابن الحنفیة: »... فإن الفقر منقصة للدین، مدهشة

ص:217


1- سورة قریش:3 - 4
2- راجع جامع الأخبار: ص110، وبحار الأنوار: ج69 ص47

للعقل، داعیة للمقت«((1)).

وقال علیه السلام: »الفقر یخرس الفطن عن حجته«((2)).

وعلی هذا تکون هذه الشریحة - عادة - غیر فاعلة فی المجتمع ولیس لها دور یذکر فی المجالات السیاسیة والاقتصادیة والتعلیمیة وغیرها، فیعتبر الإسلام هذا الأمر خسارة للمجتمع البشری لأنه جاء یحمل للناس مجموعة من المفاهیم والمبادئ من أجل سعادتهم، ومنها قول النبی صلی الله علیه و آله: »کلکم راع وکلکم مسؤول عن رعیته«((3)). ومن یتصف عقله ب- (النقصان) أو ب- (المدهشة)کیف یکون راع ومسؤول عن رعیته؟.

2: الجانب النفسی

وقد أدرک الإسلام أیضاً المشاکل النفسیة التی تخلقها مشکلة الفقر للإنسان وخاصة إذا کان یعیش فی وسط مجتمع قاس لا توجد فیه رحمة وهی تلک المجتمعات التی یغلب علیها طابع التفکیر الجمعی السوقی والرأسمالی الغربی، التی تنعدم فیها روابط الإنسانیة کالرحمة والشفقة والحنان والعطف، فهذا المجتمع ینظر للفقیر بازدراء وعدم احترام، یقول الإمام أمیر المؤمنین علیه السلام للحسن علیه السلام: » … یا بنی الفقیر حقیر لا یسمع کلامه، ولا یعرف مقامه، لو کان الفقیر صادقاً یسمونه کاذباً، ولو کان زاهداً یسمونه جاهلاً … «((4)).

وقد قال الشاعر فی وصف نظرة ذلک المجتمع لمن یعانی من هذه المشکلة مترجماً حدیث الإمام علیه السلام:

وفعلک محمود وأنت محمد

فإن کنت ذا مالٍ فقولک صادق

مقیم لک الهم المبرّح معقد

فإن صرت محتاجاً ففی کل حادثٍ

وقد قال شاعر آخر فی الرد علی ذلک:

ص:218


1- بحار الأنوار: ج34 ص348، وشرح نهج البلاغة: ج19 ص227
2- أعلام الدین: ص159، وتحف العقول: 201، وروضة الواعظین: ج2 ص454
3- بحار الأنوار: ج72 ص38
4- جامع الأخبار: ص110، وبحار الأنوار: ج69 ص47

عیب الغنی أکبر لو تعتبر

یا عائب الفقر ألا تزدجر

علی الغنی إن صح منک النظر

من شرف الفقر ومن فضله

ولست تعصی الله إن تفتقر

إنک تعصی لتنال الغنی

ولا یخفی أن المقصود بیان ما یترتب علی الفقر والفقیر من المساوئ فی المجتمع.

وربما یکون البیت الأخیر إشارة إلی مثل هذا الحدیث الشریف:: »ما جمع مال إلا من بخل أو حرام« وسیأتی ذکر معنی هذه الروایات فی العناوین القادمة إن شاء الله تعالی.

العناصر الأخری

وقد ذکرنا فیما تقدم أن العناصر التی تحیط بالإنسان خمسة وذکرنا العنصر الأول وهو الکون وقلنا بأنه لا علاقة للکون بإیجاد مشکلة الفقر، والعنصر الثانی هو المذهب واتضح أن المبدأ الصحیح - وهو الإسلام - لیس له أیة علاقة بإیجاد هذه المشکلة، بل هو من وراء القضاء علیها وحلها بأحسن ما یمکن، فبقت العناصر الثلاثة: الدولة والمجتمع والإنسان وهی المسؤولة عن إیجاد مشکلة الفقر.

الحلول الإسلامیة للقضاء علی الفقر

وقبل أن نوضح تقصیر کل من الدولة والمجتمع والإنسان فی هذا الباب، نذکر ما شخصه الإسلام من المشاکل التی تواجه الفقیر وما وضعه من حلول لها:

1: توفیر الحاجات الأولیة للإنسان

من جملة ما تعرف به ملائمة الشریعة الإسلامیة للفطرة الإنسانیة ما وضعته من حلول للمشاکل التی تواجه الإنسان فی حیاته، ومما شرعه الإسلام فی سبیل القضاء علی مشکلة الفقر هو أن یحس الأغنیاء بما یلاقیه الفقراء، فمن فلسفة فریضة الصوم وحکمتها هی أن یتحسس الغنی ألم الفقر ومعاناة الفقراء، فیسعی فی قضاء حوائجهم، وهذا له تأثیر نفسی کبیر کما هو مذکور فی علم النفس.

ص:219

إن الإسلام یعتبر أهم شیء لدیه هو وجود الإنسان فهو یسعی لأن یجعله سعیداً سواء فی هذه الفترة الزمنیة القصیرة التی یقضیها فی هذه الحیاة الدنیا، أو فی الآخرة.

فمن ممیزات هذه الفریضة أنها تطبق شیئا من المساواة العملیة بین طبقات المجتمع المختلفة علی صعید الجوع، فیعرف الغنی ألم الفقیر ویعرف الفقیر مساواته للغنی.

وقد حرص الإسلام علی المواساة وبعض مصادیق المساواة التی لا تنافی العدالة فإن بینهما عموما من وجه کما فی المنطق، وقد مر بنا سابقاً کیف ساوی الإمام علی بن أبی طالب علیه السلام بین الناس فی العطاء، ومن هنا یعرف أن الإسلام یرفض الفقر والمسکنة للناس.

وهنا یأتی سؤالان:

السؤال الأول: قد یقال إن الإسلام یدعم ما ورد فی المذهب الاشتراکی من دعوته للمساواة!.

والجواب الإسلام یدعو للعدالة وقد تکون المساواة مصداقا لها، ثم إن الصوم - مثلا - الذی فرض لیراد ضمن ما أرید منه أن یخلق فی نفوس أفراد المجتمع الشعور بالمساواة یوجب الاندفاع إلی رفع مستوی الفقیر بإرادتهم. بینما الاشتراکیة الجائرة وضعت القوانین لهدم الأسس الفطریة للاقتصاد فتخلق المساواة بالإکراه والجبر وبالنار والحدید بین الناس وتحتکر الثروة للطبقة الحاکمة، وفی هذا ظلم أکبر من ظلم الرأسمالیة.

ثم فی النظریة الإسلامیة إن العطاء الذی یجبر علیه الإنسان عبر أسالیب معینة من قبل الحکومات مثلاً لا تعد فضیلة للإنسان، وحتی فی الجانب الأخلاقی یقول أمیر المؤمنین علی علیه السلام: »السخاء ما کان ابتداء، فأما ما کان عن مسألة فحیاء

وتذمم«((1)).

والمسلم الحقیقی هو الذی یعطی تطوعاً ویبذل حراً ویعمل من أجل إشباع الجائع ومساعدة المحتاج وإغاثة الملهوف بإرادته واختیاره. وهکذا یربی الإسلام نفوس

ص:220


1- وسائل الشیعة: ج9 ص457 ح12491

المسلمین بحب المواساة والمساواة والأخذ بأیدی الفقراء وما أشبه ویعد بالثواب الجزیل علی ذلک.

وهذه سیرة أهل البیت علیهم السلام تشع بالشواهد العظیمة علی ذلک العطاء والعمل، ومنها الروایات التالیة:

قدم أعرابی المدینة فسأل عن أکرم الناس بها، فدل علی الإمام الحسین علیه السلام فدخل المسجد فوجده مصلیا فوقف بإزائه وأنشأ:

لم یخب الآن من رجاک ومن

حرک من دون بابک الحلقة

أنت جواد وأنت معتمد

أبوک قد کان قاتل الفسقة

لو لا الذی کان من أوائلکم

کانت علینا الجحیم منطبقة

 قال: فسلم الحسین علیه السلام، وقال: «یا قنبر هل بقی شیء من مال الحجاز؟». قال: نعم أربعة آلاف دینار. فقال: «هاتها قد جاء من هو أحق بها منا». ثم نزع بردیه ولف الدنانیر فیهما وأخرج یده من شق الباب حیاء من الأعرابی وأنشأ:

خذها فإنی إلیک معتذر

واعلم بأنی علیک ذو شفقة

لو کان فی سیرنا الغداة عصا

أمست سمانا علیک مندفقة

لکن ریب الزمان ذو غیر

والکف منی قلیلة النفقة

قال: فأخذها الأعرابی وبکی. فقال: «له لعلک استقللت ما أعطیناک؟». قال: لا ولکن کیف یأکل التراب جودک! ((1)).

وعن عمرو بن دینار قال: دخل الإمام الحسین علیه السلام علی أسامة بن زید وهو مریض، وهو یقول: وا غماه! فقال ل-ه الحسین علیه السلام: «وما غمک یا أخی؟». قال: دینی وهو ستون ألف درهم. فقال الحسین: «هو علیَّ». قال: إنی أخشی أن أموت. فقال الحسین: «لن تموت حتی أقضیها عنک». قال: فقضاها قبل موته.  وکان علیه السلام یقول: «شر خصال الملوک: الجبن من الأعداء والقسوة علی الضعفاء والبخل عند

ص:221


1- بحار الأنوار: ج44 ص190 ب26 ح2

الإعطاء»((1)).

وقال شعیب بن عبد الرحمن الخزاعی: وجد علی ظهر الحسین بن علی علیه السلام یوم الطف أثر، فسألوا زین العابدین علیه السلام عن ذلک فقال: «هذا مما کان ینقل الجراب علی ظهره إلی منازل الأرامل والیتامی والمساکین»((2)).

وعن إسحاق بن إبراهیم بن یعقوب قال: کنت عند أبی عبد الله علیه السلام وعنده المعلی بن خنیس إذ دخل علیه رجل من أهل خراسان، فقال: یا ابن رسول الله أنا من موالیکم أهل البیت، وبینی وبینکم شقة بعیدة، وقد قل ذات یدی ولا أقدر أن أتوجه إلی أهلی إلا أن تعیننی؟ قال: فنظر أبو عبد الله علیه السلام یمیناً وشمالاً وقال: «أ لا تسمعون ما یقول أخوکم، إنما المعروف ابتداء فأما ما أعطیت بعد ما سأل فإنما هو مکافأة لما بذل لک من ماء وجهه - ثم قال -: فیبیت لیلته متأرقا متململا بین الیأس والرجاء لا یدری أین یتوجه بحاجته فیعزم علی القصد إلیک فأتاک وقلبه یجب وفرائصه ترتعد وقد نزل دمه فی وجهه وبعد هذا فلا یدری أ ینصرف من عندک بکآبة الرد أم بسرور النجح فإن أعطیته رأیت أنک قد وصلته، وقد قال رسول الله صلی الله علیه و آله: والذی فلق الحبة وبرأ النسمة وبعثنی بالحق نبیا لما یتجشم من مسألته إیاک أعظم مما ناله من معروفک». قال: فجمعوا للخراسانی خمسة آلاف درهم ودفعوها إلیه((3)).

وروی: أن أمیر المؤمنین علیه السلام إذا أتاه طالب فی حاجته فقال ل-ه: «اکتبها علی الأرض فإنی أکره أن أری ذل السؤال فی وجه السائل»((4)).

وجاء رجل إلی الرضا علیه السلام فقال: یا ابن رسول الله لقد فقدت نفقتی، ولم یبق معی ما یوصلنی إلی أهلی، فاقرضنی وأنا أتصدق به عنک. فدخل داره وأخرج یده من الباب وقال: «خذ هذه الصرة». وکان فیها مائتی دینار وقال ل-ه: «لا حاجة لنا إلی صدقتک». فقال ل-ه: یا ابن رسول الله لم لا تخرج وجهک؟ فقال: «نحن أهل بیت

ص:222


1- بحار الأنوار: ج44 ص189 ب26 ح2
2- المناقب: ج4 ص66 فصل فی مکارم أخلاقه علیه السلام
3- مستدرک الوسائل: ج7 ص236 ب36 ح8126
4- إرشاد القلوب: ج1 ص136 الباب 43 فی السخاء والجود

لانری ذل السؤال فی وجه السائل»((1)).

وسأل رجل الحسن بن علی علیه السلام شیئا، فأعطاه خمسین ألف درهم وأعطی الجمال طیلسانه کراه وقال: «تمام المروءة إعطاء الأجرة لحمل الصدقة»((2)).

وقال علی بن الحسین علیه السلام: «إنی لأبادر إلی قضاء حاجة عدوی خوفا أن یقضیها له غیری أو أن یستغنی»((3)).

نیة المواساة

ومن عظمة الإسلام أنه کرم الإنسان الذی یتمتع بصفة المواساة وأجزل له الثواب والجزاء حتی وإن لم یصدر منه عمل وبقی علی نیة الخیر لعدم إمکانیته، فقد ورد أن الله یعطی الثواب العظیم لنیة الخیر وللقلب العطوف الذی یمتلک الرحمة وإن لم یوفّق للعمل، ففی الحدیث عن أبی عبد الله علیه السلام قال: »إن العبد المؤمن الفقیر لیقول یا رب ارزقنی حتی أفعل کذا وکذا من البر ووجوه الخیر، فإذا علم الله عزوجل ذلک منه بصدق نیة، کتب الله له من الأجر مثل ما یکتب له لو عمله، إن الله واسع علیم«((4)). 

وروی: »إن عابداً من عبّاد بنی إسرائیل مرّ علی کثیب من رمل وقد أصابت بنی إسرائیل مجاعة عظیمة فتمنّی فی نفسه أن هذا لو کان دقیقاً لأشبع به بنی إسرائیل، فأوحی الله إلی نبیّ من أنبیائه علیهم السلام أن قل لفلان: إنّ الله تعالی قد أوجب لک من الأجر ما لو کان دقیقاً وأشبعت به الناس«.

ومن هنا فإن الإسلام یجل ویکبر للإنسان أن توجد فیه هذه الصفات والخصائص حتی لو اختلف عن منهجه وسلوکه فکان کافراً، کما ورد من مدح النبی صلی الله علیه و آله لحاتم الطائی الجواد المشهور، وذلک لما جیء بسبایا طی إلی المدینة وادخل السبی علی

النبی صلی الله علیه و آله دخلت (سفانة) بنت حاتم الطائی، فعجب الحاضرون من حسنها وجمالها فلما تکلمت نسوا حسنها وجمالها لعذوبة منطقها قالت: أی محمد، مات الوالد،

ص:223


1- إرشاد القلوب: ج1 ص136 الباب 43 فی السخاء والجود
2- إرشاد القلوب: ج1 ص136 الباب 43 فی السخاء والجود
3- إرشاد القلوب: ج1 ص136 الباب 43 فی السخاء والجود
4- الکافی: ج2 ص85 ح3

وغاب الوافد، فإن رأیت أن تخلی عنی ولا تشمت بی الأعداء، أو (أحیاء العرب)، فإنی ابنة سید قوم، وإن أبی کان یحب مکارم الأخلاق وکان یطعم الجائع ویفک العانی ویکسو العاری، وما أتاه طالب حاجة إلا ورده بها.

فقال النبی صلی الله علیه و آله: یا جاریة هذه صفات المؤمنین حقاً لو کان أبوک مسلماً لترحّمنا علیه، ثم قال النبی صلی الله علیه و آله: أطلقوها کرامةً لأبیها. فقالت: أنا ومن معی.

قال النبی صلی الله علیه و آله: أطلقوا من معها کرامةً لها.

ثم قال صلی الله علیه و آله: »ارحموا ثلاثاً، وحق لهم أن یرحموا: عزیزاً ذل من بعد عزه، وغنیاً افتقر من بعد غناه، وعالماً ضاع ما بین جهال«.

ثم قالت سفانة: یا رسول الله أتأذن لی بالدعاء لک.

قال النبی صلی الله علیه و آله: نعم.

فقالت: أصاب الله ببرک مواقعه، ولا جعل لک إلی لئیم حاجة، ولا سلب نعمة قوم إلا جعلک سبباً لردها.

قال النبی صلی الله علیه و آله: آمین، ثم أمر النبی صلی الله علیه و آله لها بإبل وغنم سدت ما بین الجبلین فعجبت من ذلک!، وقالت: یا رسول الله هذا عطاء من لا یخاف الفقر، قال صلی الله علیه و آله: هکذا أدبنی ربی((1)).

وکذلک کان ابنه عدی بن حاتم الطائی وهو من أصحاب أمیر المؤمنین علیه السلام فقد کان سخیاً جواداً حتی قیل إنه کان یفت الخبز للنمل ویقول: إنهن جارات ولهن علینا حق الجوار، ومن غریب الحوادث التی مرت به وهو فی عمله هذا قیل: کان یفت الخبز للوحوش فی کل یوم فإذا کان یوم عاشوراء لم تأکله((2)).

وقد ورد أیضاً إن الله عزوجل أوحی إلی موسی علیه السلام: »أن لا تقتل السامری فإنه سخی«((3)).

ص:224


1- شجرة طوبی: ج2 ص400
2- کانت هذه الصورة من حزن الوحوش علی مأساة کربلاء کما بکت علی سید الشهداء الحسین بن علی علیه السلام   فی قصص مذکورة فی کتب التاریخ والحدیث من الفریقین
3- الکافی: ج4 ص41، ومن لا یحضره الفقیه: ج2 ص61. 

وفی حادثة أخری أمر النبی صلی الله علیه و آله علیاً علیه السلام بقتل أحد هؤلاء الثلاثة الذین أرادوا اغتیاله علیه السلام وقد قام أمیر المؤمنین علیه السلام لیضرب عنقه فهبط جبرئیل علی النبی صلی الله علیه و آله فقال: یا محمد إن ربک یقرئک السلام ویقول: لا تقتله فإنه حسن الخلق سخی فی قومه، فقال النبی صلی الله علیه و آله: یا علی أمسک فإن هذا رسول ربی عزوجل یخبرنی أنه حسن الخلق سخی فی قومه، فقال المشرک تحت السیف: هذا رسول ربک یخبرک؟ قال صلی الله علیه و آله: نعم، قال: والله ما ملکت درهماً مع أخ لی قط ولا قطبت وجهی فی الحرب، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأنک رسول الله، فقال رسول الله صلی الله علیه و آله: هذا ممن جره حسن خلقه وسخاؤه إلی جنات النعیم((1)).

السؤال الثانی: قد یقول قائل: إن فریضة الصوم تبدأ وتنتهی وتتجدد فی کل عام ولا نری أثراً لهذه المساواة، بل علی عکس ذلک فالفقیر لا یزداد إلا فقراً وبؤساً وشقاءً، والغنی لا یزداد إلا جشعاً وحرصاً وبخلاً؟

والجواب: إن الإسلام یحل مشکلة الفقر جذریا، ویهیئ مقومات الحل نفسیا، ومن حکمة الصوم التهیؤ النفسی للمواساة مع الفقراء ومساعدتهم ولیس هذا الأمر هو الحل بکامله کما هو واضح، ثم إن قسماً من الأغنیاء رغم أدائهم لهذه الفریضة ربما یشعرون بأن هذه الأموال هی المقیاس الذی یمیزهم عن غیرهم من طبقات المجتمع الأخری فیظنون بأن وجودهم لا یساوی شیئا بدونها.

ورؤیة الأموال بهذه النظرة یعنی الطبقیة الخاطئة فی المجتمع فأصحاب الأموال یشعرون بالاستعلاء والفقراء یشعرون بالضعف وأنهم الطبقة السفلی من المجتمع وهذه النظرة لا واقع لها فی الإسلام ولا تُستمدُ من مثله العلیا وقیمه السامیة.

بل إن القرآن الکریم یقول: ƒ یَ-ا أیّهَا النّاسُ إِنّا خَلَقْنَاکُم مّن ذَکَرٍ وَأُنْثَیَ وَجَعَلْنَاکُمْ شُعُوباً وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوَاْ إِنّ أَکْرَمَکُمْ عَندَ اللّهِ أَتْقَاکُمْ‚((2)).

وعن أبی بصیر عن أبی عبد الله علیه السلام قال: «لا تحقروا مؤمنا فقیراً، فإنه من حقر

ص:225


1- بحار الأنوار: ج41 ص73 ح4
2- سورة الحجرات: 13

مؤمناً فقیراً واستخف به حقره الله ولم یزل الله ماقتاً ل-ه حتی یرجع عن محقرته أو

یتوب»((1)).

وقال علیه السلام: «من استذل مؤمنا او احتقره لقلة ذات یده ولفقره شهره الله یوم القیامة علی رؤوس الخلائق»((2)).

وعن أبی عبد الله علیه السلام قال: «لیأذن بحرب منی من أذل عبدی ولیأمن غضبی من أکرم عبدی المؤمن»((3)).

والطبقیة توجد فی کل زمان ومکان مادام فیه أهل للخیر وأعوان للشر، فهناک فئات من المجتمع تغذی بقاءها ووجودها علی حساب الآخرین وتضییع حقوق الناس، وهذا الواقع المر هو الإرث الذی ترکه بعض الحکام بعد رسول الله صلی الله علیه و آلهوقبل خلافة الإمام علی علیه السلام وحکومته العادلة، وقد أوجدت السیاسة المالیة التی تقدمت علی عهده طبقات مختلفة من ذلک المجتمع فمنها: طبقة یصطلح علیها بالأشراف، ومنها طبقة المرتزقة وهم بطانة الحاکم وأعوانهم، وطبقة راضیة قانعة بتلک السیاسیة المالیة الجدیدة التی ابتدعوها، وطبقة الفقراء.

ولما ولی الإمام علیه السلام الحکم أخذت هذه المشکلة الاقتصادیة بعداً واسعاً فی سیرته الإصلاحیة التی اتبعها، وذلک لما رأی ذلک المجتمع غرابة هذه السیرة العلویة التی لم یألفها سابقاً إلا من رسول الله صلی الله علیه و آله لأن سلوک الحکام السابقین کان یقوم علی جملة من الأسس التی لیس لها مدرک فی الشریعة ومنها: الملک والاستبداد کسیرة معاویة. ومنها: التفضیل فی العطاء. وقد وجدت حالات لا یتأمل الإنسان المسلم حدوثها کتفضیل من لا سابقة ل-ه فی الإسلام ومن لیس ل-ه معرفة بالدین کمروان بن الحکم وعبد الله بن أبی سرح والولید بن عقبة ونظائرهم.

ولهذا تجد الإمام علیه السلام بین آونة وأخری یئن من حمل أعباء هذه الترکة ویتألم من هذا الإرث المشتت ویصرخ من وطأة هذا الجرح الغائر فی جسم الکیان الإسلامی وقد

ص:226


1- المحاسن: ج1 ص97 ب25 ح60
2- المحاسن: ج1 ص97 ب25 ح60
3- المحاسن: ج1 ص97 ب25 ح61

عرف من خلال فلسفته لحل هذه المشکلة أن لها دورا عظیما فی تقویم الدنیا وصلاحها إن أحسن الغنی والفقیر التعامل معها فیقول علیه السلام لجابر بن عبد الله الأنصاری: «یا جابر قوام الدین والدنیا بأربعة: عالم یستعمل علمه، وجاهل لا یستنکف أن یتعلم، وجواد لا یبخل بمعروفه، وفقیر لا یبیع آخرته بدنیاه، فإذا ضیع العالم علمه استنکف الجاهل أن یتعلم، وإذا بخل الغنی بمعروفه باع الفقیر آخرته بدنیاه»((1)).

وقد عالج الإمام علیه السلام هذا الواقع الصعب واضعاً القرآن نصب عینیه، فما عارضه من تلک الترکة وذلک الإرث وضعه جانباً، وما وافق القرآن أخذ به، فلما رأی التفاضل سائداً بین الناس بالأموال وهو یخالف منهج القرآن وذلک فی قوله تعالی: )یَ-ا أیّهَا النّاسُ إِنّا خَلَقْنَاکُم مّن ذَکَرٍ وَأُنْثَیَ وَجَعَلْنَاکُمْ شُعُوباً وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوَاْ إِنّ أَکْرَمَکُمْ عَندَ اللّهِ أَتْقَاکُمْ إِنّ اللّهَ عَلِیمٌ خَبِیرٌ(((2)) دعا الناس حینئذ إلی التفاضل فیما بینهم بالتقوی والفضیلة ومکارم الأخلاق وفی العطاء والکرم، وأن یتباهوا فیما بینهم بعبادة الله تعالی، فساوی بین الناس فی العطاء فأصبح العربی والعجمی والکبیر والصغیر والشریف والوضیع کلهم سواء، وقد خلقت ل-ه هذه السیاسة المالیة التی اتبعها مشاکل کثیرة ونشبت بسببها حروب ومعارک، وذلک لأن الطغاة أبوا قبول المنطق القرآنی فی نظریة المساواة والتفاضل فقال علیه السلام لهم:

«أتأمروننی أن أطلب النصر بالجور فیمن ولیت علیه؟ والله ما أطور به ما سمر سمیر، وما أم نجم فی السماء نجما، لو کان المال لی لسویت بینهم، فکیف وإنما المال مال الله، ألا وإن إعطاء المال فی غیر حقه تبذیر وإسراف»((3)).

ثم کانت هناک طبقة من ذلک المجتمع أبت أن ترجع ما أخذنه ظلماً واغتصاباً عبر تلک السیاسات المالیة الخاطئة، فقال علیه السلام لهم: »ألا وکل قطعة أقطعها عثمان أو مال أعطاه من مال الله فهو رد علی المسلمین فی بیت مالهم فإن الحق لا یذهبه الباطل والذی فلق الحبة وبرأ النسمة لو وجدته قد تزوج به النساء وتفرق فی البلدان لرددته

ص:227


1- بحار الأنوار: ج2 ص36
2- سورة الحجرات: 13
3- شرح نهج البلاغة: ج8 ص109

علی أهله فإن فی الحق والعدل لکم سعة ومن ضاق به العدل فالجور به أضیق« ((1)).

2: رفع المستوی الاجتماعی

حرص الإسلام علی إزالة مشکلة الفقر حرصاً علی سلامة المجتمع، فاهتم بتوجیه کل إنسان حتی یکون عنصراً صالحاً فیه، فسعی للقضاء علی الفقر ورفع مستوی الفقراء، لأن المشاکل التی تخلقها حالة الفقر کثیرة، ومنها البطالة وفیها ضرر کبیر علی المجتمع، ومن أضرارها تفشی ظاهرة السرقة وعدم الأمان، وخطرها عظیم کما هو واضح، فالمجتمع الذی یفتقر الأمان لا یمکن أن یکتب له الاستمرار فی الحیاة، والإسلام لا یرید أن یفرط بهذه الشریحة من المجتمع وهی قد تکون ذات نسبة عالیة فیه فسعی عبر ما أوجده من حلول وتشریعات لرفع مستوی هذه الفئة من الناس کی تکون صالحة ومستقرة قال سبحانه: )وَممّا رَزَقْنَاهُمْ یُنْفِقُونَ(((2)).

3: الاهتمام بالجانب المالی

موقف الإسلام من المال والثروة موقف إیجابی، ومن هنا فقد أولی الإسلام العامل المادی عنایة مهمة فقال عزَّ وجلَّ: )یَابَنِیَ آدَمَ خُذُواْ زِینَتَکُمْ عِندَ کُلّ مَسْجِدٍ وکُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُوَاْ إِنّهُ لاَ یُحِبّ الْمُسْرِفِینَ * قُلْ مَنْ حَرّمَ زِینَةَ اللّهِ الّتِیَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطّیّبَاتِ مِنَ الرّزْقِ قُلْ هِی لِلّذِینَ آمَنُواْ فِی الْحَیَاةِ الدّنْیَا خَالِصَةً یَوْمَ الْقِیَامَةِ کَذَلِکَ نُفَصّلُ الاَیَاتِ لِقَوْمٍ یَعْلَمُونَ(((3)).

واعتبر الإسلام المال زینة الحیاة الدنیا: ƒالْمَالُ وَالْبَنُونَ زِینَةُ الْحَیَاةِ الدّنْیَا‚((4)) وبه قوام المجتمع: ƒوَلاَ تُؤْتُواْ السّفَهَآءَ أَمْوَالَکُمُ الّتِی جَعَلَ اللّهُ لَکُمْ قِیَاماً‚((5))  حیث عبر عن المال بقیام الإنسان، وإنه (نعم العون علی تقوی الله) ((6))  وإن (طلب المال

ص:228


1- دعائم الإسلام: ج1 ص396
2- سورة البقرة: 3
3- سورة الأعراف: 31-32
4- سورة الکهف: 46
5- سورة النساء: 5
6- إشارة إلی قول رسول الله صلی الله علیه و آله : « نعم العون علی تقوی الله الغنی » . الکافی: ج5 ص71 ح1

الحلال فریضة وجهاد فی سبیل الله) ((1))  وإن الله تعالی »یحب أن یری أثر نعمته علی عبده«((2)).

وقال الإمام الصادق علیه السلام: «لا خیر فی من لا یحب جمع المال من حلال یکف به وجهه ویقضی به دینه ویصل به رحمه»((3)).

ولکن إلی جانب هذا الانفتاح علی کسب المال وضع الإسلام شروطاً لهذا المال ومنها:

1: علی الإنسان أن یبذل مما رزقه الله سبحانه وتعالی مالاً وجاهاً وقدرةً، وأن یضع قسماً من إمکانیاته فی رفع مستوی الفقر والفقراء، من أجل نشر السلم والسلام فی المجتمع الإسلامی((4))، وذلک من خلال توزیع الحقوق الشرعیة فی مواردها المقررة، فیعطی من الفاضل علی ما زاد من حد الکفایة ویوزعها علی أفراد المجتمع الفقراء والمحتاجین، من إعطاء القروض أو المساعدة أو تشغیل هذه الأموال مع من یستحقه عبر المضاربة أو غیرها.

2: یسمح الإسلام بتجمیع الثروة واکتناز المال بعد ما یتم تحصیله من الحلال ودفع ما یجب علیه من الحقوق.

کما یحث الإسلام الغنی بمواساته ومشارکته الفقراء والأخذ بأیدیهم إلی حد الکفایة، ولیس معناه الکفاف بل هو تلبیة متطلبات الإنسان الضروریة فی هذه الحیاة والتی قد تتغیر باختلاف حالته وعمله.

فالإسلام لا یحارب الغنی والغنی، بل یسعی فی القضاء علی الفقر ورفع مستوی الفقراء. کما یدعو الغنی إلی عدم الترف والمغالاة وعدم الحرص.

یقول الإمام أبو عبد الله علیه السلام حینما شکا إلیه رجل وقال: إنه یطلب ویصیب

ص:229


1- إشارة إلی قول أبی عبد الله علیه السلام : « الکاد علی عیاله من حلال کالمجاهد فی سبیل الله » من لا یحضره الفقیه: ج3 ص168 ح3631
2- مستدرک الوسائل: ج3 ص236
3- الکافی: ج5 ص72 باب الاستعانة بالدنیا علی الآخرة ح5
4- اصطلاح المجتمع المسلم أو أفراد المجتمع أو غیرها من هذه المفردات لا یراد منه من یقیم ضمن هذه الحدود المصطنعة من قبل الاستعمار وإنما یشمل جمیع المسلمین علی هذه الکرة الأرضیة

ولایقنع، وتنازعه نفسه إلی ما هو أکبر منه وقال: علمنی شیئا أنتفع به، فقال أبو عبد الله علیه السلام: »إن کان ما یکفیک یغنیک فأدنی ما فیها یغنیک وإن کان ما یکفیک لایغنیک فکل ما فیها لا یغنیک«((1)). وهذه آداب یسعی الإسلام بأن یتحلی الغنی بها، فتکون نفسه غنیة قبل کل شیء.

ومن هذا یعرف أن الشریعة الإسلامیة تعتبر حد الکفایة لکل إنسان هو الغنی فی النفس والمال، وتعتبر الدنیا نعم العون علی الآخرة.

عن أبی عبد الله علیه السلام: «نعم العون علی الآخرة الدنیا»((2)).

وقال علیه السلام: «غنی یحجزک عن الظلم خیر من فقر یحملک علی الإثم»((3)).

ومن هنا لا یسمح الإسلام للدولة والحاکمین بکنز الأموال وفی المجتمع من لاتتوفر له حد الکفایة.

تشریع قانون الضرائب المالیة (الخمس والزکاة)

لم یکن هناک تشریع قبل الإسلام یأمر الغنی بمساعدة الفقیر وإنما یتم هذا الأمر من خلال بعض الطرق الأخلاقیة کما فی الحث علی الکرم والعطاء والإحسان وهذا لم یکن فرضاً وإنما کان یتم عبر الإحسان الاختیاری الذاتی، ولما جاء الإسلام فرض الخمس والزکاة والجزیة والخراج ضرائب مالیة فأصبح واجبا علیهم الوفاء به فکان للفقیر حقان فی أموال الغنی:

حقوق مستحبة

الحق الأول: وهو الذی یعطی وینفق من دون وجوب علی المنفق، ولکن بحث من الإسلام علیه ووعده بالثواب الجزیل، فیقدم اختیاراً کالذی یعطی للأرحام أو إکرام الضیف أو الوالدین أو مختلف الناس من المحتاجین أو المشارکة فی المشاریع الخیریة وما أشبه.

أما ما یبذل لما یکفی الدولة الإسلامیة الصحیحة والجامعة لشرائطها فی أحوال

ص:230


1- مستدرک الوسائل: ج15 ص224 ح18066
2- الکافی: ج5 ص72 باب الاستعانة بالدنیا علی الآخرة ح9
3- الکافی: ج5 ص72 باب الاستعانة بالدنیا علی الآخرة ح11

خاصة استثنائیة طارءة کما لو عجزت مصادر الدولة ومنابعها المالیة من تمویل النفقات العامة أو ما یلزمها فی مواجهة العدو مثلاً، فإنها مؤقتة وخلاف الأصل، وقد یصطلح علیه بحق الحاکم فی وضع الید علی ما تقضی به المصلحة العامة. وهذا الأمر یجب أن یکون حسب تعیین وتشخیص شوری الفقهاء المراجع کما ذکرنا ذلک فی بعض کتبنا.

والإنسان فی إعطاء الحق الأول الذی یکون بالعنوان المستحب إنما یعبر بمشارکته لمن واساه بالعطاء عن الإنسانیة، ویعلن أن حیاته معه فی مجتمع واحد علی سواء، وأنهم إخوة متحابین، وهذا هو هدف الشریعة الإسلامیة، فالإسلام لا یرید من الإنسان أن یتفاعل مع قواعده وقوانینه بالإکراه والجبر لأنه حینما أعلن إسلامه کان ذلک عن رغبة وطواعیة واختیار، وإذا کان کذلک فیلزم علیه الالتزام بکل تفاصیل هذه الشریعة وجزئیاتها، وأن یفی الله بما عاهد علیه، ویکون حینئذ قد اهتم بشؤون المسلمین ومن لا یهتم بهم فلیس منهم، ومن جملة هذه الاهتمامات الإحسان والإنفاق علی المحتاجین.

وإذا کان من اللازم بذل الأموال والأنفس فی سبیل إعلاء کلمة الله وحریة الناس وأمن الوطن الإسلامی الواسع بدون حدود جغرافیة أو لغویة أو ما أشبه ذلک، فلاشک أن هذا یشمل الإنفاق فی سبیل رفع حالة فقر إخوانه من المسلمین وقضاء حوائجهم لأنهم جزء من الأمة الإسلامیة وقد لزم بذل الأموال والأنفس فی سبیل تلک الموارد.

حقوق واجبة

والحق الثانی: وهو الإنفاق الواجب، ویتمثل فی الخمس والزکاة والجزیة والخراج فقط، وهی الواجبات من الضرائب التی شرعتها الشریعة وفرضتها من أجل رفع مستوی حالة الفقیر وتقدم البلاد والعباد.

وقد أشرنا إلی مواردها فی موضوع التکافل، ونضیف هنا روایة تتعلق بالخمس لأهمیته وهی عن أبی الحسن الرضا علیه السلام یقول: » …إن الخمس عوننا علی دیننا وعلی عیالنا وموالینا وما نفک وما نشتری من أعراضنا ممن نخاف سطوته فلا تزووه عنا، فان إخراجه مفتاح رزقکم وتمحیص ذنوبکم وما تمهدون لأنفسکم یوم فاقتکم،

ص:231

والمسلم من یفی لله بما عاهد ولیس المسلم من أجاب باللسان وخالف بالقلب«((1)).

والفرق بین هذا وبین ما قد یجب فی ظروف خاصة استثنائیة، أن الحق الاستثنائی یکون فیه العطاء بالعنوان الثانوی ولیس بثابت إلا فی الاستثناء، ولا یکون قانوناً دائماً وإنما مؤقت، وأما الحق الثانی الذی یکون فیه العطاء بالعنوان الأولی ثابت إلا فی الاستثناء.

مضافاً إلی ما مر من الحقوق المستحبة.

وبذلک أصبح فی أموال الغنی حقوق معلومة للفقراء، کما قال تعالی: ƒوَفِیَ أَمْوَالِهِمْ حَقّ لّلسّآئِلِ وَالْمَحْرُومِ‚ ((2)).

وحالة الفقر الیوم منتشرة فی أرجاء العالم الإسلامی ولا یمکن أن ینکرها أحد فیلزم علی الدول السعی للقضاء علی ظاهرة الفقر عبر العمل بالقوانین الإسلامیة التی تقلع الفقر من جذوره وذلک بالحریات الاقتصادیة وقانون بیت المال والتکافل الإسلامی وما أشبه.

وبالنسبة إلی الحق الثانی وهو الخمس والزکاة فوجوبهما معلوم فیجب علی الإنسان المسلم الغنی إعطاؤهما ولا یستطیع أن یتخلف عنهما إلا أن یکون ظالماً ومغتصباً لحقوق الآخرین وخارجاً عن ولایة الله تعالی کما نصت الروایة علی ذلک.

ومن حکم هذا التشریع وفرض هذه الضرائب أنه یکون مانعاً من تراکم الأموال والثروة بشکل غیر شرعی وغیر سلیم، علماً بأن رفع مستوی الفقراء یکون بصالح الأغنیاء أیضاً فإنه یوجب الحرکة الاقتصادیة الصحیحة وهذا یدر أرباحاً أکثر للأغنیاء علی ما هو مذکور فی محله.

ثم إن الإسلام یمنع من الاحتکار المحرم ولا یجوز استغلال الآخرین وفرض الضرائب غیر المشروعة علی الأغنیاء، إلی غیرها مما ذکرناه فی فقه الاقتصاد.

ص:232


1- تهذیب الأحکام: ج4 ص139
2- سورة الذاریات: 19

دلالات عدم الإنفاق

لقد تحدثنا فی الموضوع المتقدم عن واجبات المسلمین تجاه السلام الاقتصادی عبر الإنفاق فی سبیل الله، وهنا نشیر لأهمیته فی الإسلام مرة أخری باختصار وهو الذی یمثل الحقل الأول الذی یُعطی اختیاراً.

لقد أمر الإسلام بالإنفاق فی السّراء والضرّاء، کما قال تعالی: )وَسَارِعُوَاْ إِلَیَ مَغْفِرَةٍ مّن رّبّکُمْ وَجَنّةٍ عَرْضُهَا السّمَاوَاتُ وَالأرْضُ أُعِدّتْ لِلْمُتّقِینَ * الّذِینَ یُنفِقُونَ فِی السّرّآءِ وَالضّرّآءِ وَالْکَاظِمِینَ الْغَیْظَ وَالْعَافِینَ عَنِ النّاسِ وَاللّهُ یُحِبّ الْمُحْسِنِینَ(((1)) فمن لم ینفق لا یکون من المتقین حسب الآیة المبارکة والدلیل علی هذا إن الغنی الذی یکنز الأموال والثروة یتصف عادة بجملة من الصفات التی تتعارض مع التقوی ومنها:

1- الکذب: وذلک لأنه یقول: آمنت بهذا الدین وبما فرض علی عن رغبة وطواعیة، ولکن یکذب فعله قول-ه وذلک حینما یأمره الله سبحانه وتعالی بالإنفاق فی قول-ه: )وَمِمّا رَزَقْنَاهُمْ یُنفِقُونَ(((2))، و)الّذِینَ یُنفِقُونَ فِی السّرّآءِ وَالضّرّآءِ[((3)) وغیرهما من الآیات الکریمة فیمتنع عن الإنفاق ثم تأتی آیات أخری لتتوعده بالعذاب، قال تعالی: )وَالّذِینَ یَکْنِزُونَ الذّهَبَ وَالْفِضّةَ وَلاَ یُنفِقُونَهَا فِی سَبِیلِ اللّهِ فَبَشّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِیمٍ* یَوْمَ یُحْمَیَ عَلَیْهَا فِی نَارِ جَهَنّمَ فَتُکْوَیَ بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَ-َذَا مَا کَنَزْتُمْ لأنْفُسِکُمْ فَذُوقُواْ مَا کُنتُمْ تَکْنِزُونَ(((4))، ومع ذلک فلم یزیده هذا الأمر والوعید إلا حرصاً وجشعاً وطمعاً بالمال واکتنازه، فما هذا إلا الکذب علی الله سبحانه وتعالی.

2- النفاق: وذلک لأنه یدعی أمراً وهو الإیمان والعمل بمبادئ هذه الرسالة الإسلامیة وفی قلبه شیء آخر، فیعمل علی خلاف ما یدعیه وبعکس ما أمر به. وهذا

ص:233


1- سورة آل عمران: 133-134
2- سورة البقرة: 3
3- سورة آل عمران: 134
4- سورة التوبة: 34-35

هو الذی قیل عنه: »یرجو الآخرة بغیر العمل، ویرجئ التوبة بطول الأمل، یقول فی الدنیا بقول الزاهدین ویعمل فیها بعمل الراغبین، إن أعطی منها لم یشبع وإن منع منها لم یقنع، ویبتغی الزیادة فیما بقی، ینهی ولا ینتهی، ویأمر بما لا یأتی، یحب الصالحین ولا یعمل عملهم، ویبغض المذنبین وهو أحدهم... «((1)).

3- البخل: وهو من صفات الذین یکنزون الأموال والثروة، فإن العطاء والإنفاق یحتاج إلی إرادة قویة وإلی شجاعة فی بذل المال، وهذه الصفات معدومة لدیهم.

4- ارتکاب المحرم: وذلک لأن فی أموال الأغنیاء حقوق یجب علیهم دفعها وإن لم تدفع لتصرف فی مواردها تبقی عالقة بذمتهم ویعتبر تصرفهم بها کالتصرف بمال الغیر ولا یجوز إلا مع إذنه ولهذا قیل: »ما جمع مال إلا من بخل أو حرام« فقد یکون أساس هذه المالیة الکبیرة هو مال مغصوب وهو حق الفقراء والمحتاجین والمساکین.

5- عدم البر والإحسان: إن هؤلاء الأغنیاء أحبوا المال حباً جماً وارتبطوا به ارتباطاً وثیقاً، وکلما ازداد المال لدیهم اشتد تعلقهم بالحیاة وغرتهم الدنیا الغرور وخدعهم الأمل الکاذب فأسهی عقولهم وأنساهم آخرتهم، فترکوا البر والإحسان، وذلک لشدة ارتباطهم بالمال الذی أصبح أعز شیء عندهم بحیث خالفوا أمر الله عزوجل فیه، وإذا کان کذلک فکیف یبذلونه فی سبیل الله تعالی؟ والله سبحانه وتعالی یقول: )لَن تَنَالُواْ الْبِرّ حَتّیَ تُنْفِقُواْ مِمّا تُحِبّونَ(((2)).

وهم أیضاً فی هذا یخالفون سیرة رسول الله صلی الله علیه و آله وأهل البیت علیهم السلام یقول الإمام الصادق علیه السلام: »أنا أحب أن أتصدق بأحب الأشیاء إلی«((3)).

وقد عرفوا بسیرتهم الکریمة وأنهم کانوا: )وَیُؤْثِرُونَ عَلَیَ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ کَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ(((4)).

ص:234


1- بحار الأنوار: ج69 ص199
2- سورة آل عمران: 92
3- تهذیب الأحکام: ج4 ص331
4- سورة الحشر: 9

وإذا کانت هذه النقاط المتقدمة وغیرها من صفات هؤلاء الأغنیاء إذنً کیف:

«تریدون أن یجاوروا الله فی دار قدسه، ویکونوا أعز أولیائه عنده؟ هیهات! لا یخدع الله عن جنته، ولا تنال مرضاته إلا بطاعته»((1)). فإذن صح أن ینفی مکتنز المال وجامعه من صفوف المتقین حسب الآیة المبارکة((2)).

4: التأکید علی أهمیة الوعظ والإرشاد

ومن الجوانب المهمة التی أولتها الشریعة الإسلامیة أهمیة بالغة فیما یتعلق بحل مشکلة الفقر: مجال الوعظ والإرشاد، وهو السبیل السلمی الذی اتبعه الإسلام فی حث الأغنیاء علی الإنفاق لصالح الفقراء والمساکین.

وقد یقول قائل: إن هناک تهدیدا ووعیدا فی أخذ هذا المال من الأغنیاء أو أمرهم بالاستجابة لهذا الطلب، وما هذه الصورة إلا کما یذهب إلیه المذهب الاشتراکی.

والجواب: إن الحقوق الشرعیة الواجبة فی الدین الإسلامی لیس فیها مواراة أو مخادعة، وإنما أهدافه صریحة وواضحة، والإسلام یسعی فی تطبیقها حرصاً علی سلامة المجتمع، ثم لیس فیها إکراه وجبر ولا حدید ونار، بل مجرد وعید بالعقوبة فی الآخرة والحرمان من الجنة، فهذا السبیل هو عکس ما یذهب إلیه المذهب الاشتراکی فی نظرته لحل المشکلة الاقتصادیة المتعلقة بالفقیر وذلک عبر استخدام وسیلة الإکراه والجبر تارة، وأخری بالحدید والنار لأخذ أموال الأغنیاء.

عن محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد الله علیه السلام عن قول الله عزوجل:

ƒسَیُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ یَوْمَ الْقِیامَةِ‚((3)) فقال: «یا محمد ما من أحد یمنع من زکاة ماله شیئا إلا جعل الله عزوجل ذلک یوم القیامة ثعبانا من نار مطوقا فی عنقه ینهش من لحمه حتی یفرغ من الحساب»

ثم قال: «هو قول الله عز وجل: ƒسَیُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ یَوْمَ الْقِیامَةِ‚

ص:235


1- نهج البلاغة: الخطب 129
2- سورة التوبة: 34-35
3- سورة آل عمران: 180

یعنی: ما بخلوا به من الزکاة»((1)).

وعن أبی جعفر علیه السلام قال: «بینما رسول الله صلی الله علیه و آله فی المسجد إذ قال: قم یا فلان، قم یا فلان، قم یا فلان، حتی أخرج خمسة نفر، فقال: اخرجوا من مسجدنا لا تصلوا فیه وأنتم لا تزکون»((2)).

وعن أبی بصیر عن أبی عبد الله علیه السلام قال: «من منع قیراطا من الزکاة فلیس بمؤمن ولا مسلم وهو قول-ه عزوجل: ]رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّی أَعْمَلُ صالِحاً فِیما تَرَکْتُ[((3))» وفی روایة أخری: «ولا تقبل له صلاة»((4)).

وعن أبی عبد الله علیه السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «ما من ذی زکاة مال نخل ولا زرع ولا کرم یمنع زکاة ماله إلا قلدت أرضه فی سبع أرضین یطوق بها إلی یوم القیامة»((5)).

وعن عبید بن زرارة قال: سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول: «ما من عبد یمنع درهما فی حقه إلا أنفق اثنین فی غیر حقه، وما رجل یمنع حقا من ماله إلا طوقه الله عزوجل به حیة من نار یوم القیامة»((6)).

وعن أبی بصیر عن أبی عبد الله علیه السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «ملعون ملعون مال لا یزکی»((7)).

وعن أبی بصیر عن أبی عبد الله علیه السلام قال: «من منع قیراطا من الزکاة فلیمت إن شاء یهودیا أو نصرانیا»((8)).

وعن أبی حمزة الثمالی عن أبی جعفر علیه السلام أنه قال: «من حبس حق امرئ مسلم وهو یقدر علی أن یعطیه إیاه مخافة من أنه إن خرج ذلک الحق من یده أن یفتقر،

ص:236


1- الکافی: ج3 ص502 باب منع الزکاة ح1
2- من لا یحضره الفقیه: ج2 ص12 باب ما جاء فی مانع الزکاة ح1592
3- سورة (المؤمنون): 99-100
4- الکافی: ج3 ص503 باب منع الزکاة ح3
5- تفسیر العیاشی: ج1 ص207 سورة آل عمران ح159
6- وسائل الشیعة: ج9 ص43 ب1 ح11479
7- الکافی: ج3 ص504 باب منع الزکاة ح8
8- وسائل الشیعة: ج9 ص33 ب4 ح11453

کان الله عزوجل أقدر علی أن یفقره منه علی أن یغنی نفسه بحبس ذلک الحق»((1)).

ثم إن هذا لا یعنی أن العلاج الوحید فی الإسلام لمشکلة الفقر یقتصر علی المواعظ والخطب، لأن بعض الناس لا تزیدهم کثرة المواعظ والتذکیر إلا بعداً عن منهج الحق فیغتر بمحاسن الدنیا وزبرجها فیزداد طمعاً وحرصاً وجشعاً، وکأن المحتاج الذی یعیش إلی جواره لیس من عالمه فیتغاضی عن الروابط الإنسانیة التی یجتمعان فی ظلها فیعیش فی الدنیا وکأنه مخلد فیها حتی إذا فاجأه الموت )قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّی أَعْمَلُ صالِحاً فِیما تَرَکْتُ(((2)). بل هناک طرق عملیة تقلع الفقر من جذوره بسن الحریات الاقتصادیة والقضاء علی البطالة وتثبیت قانون بیت المال وغیرها...، کما یقوم الإسلام بحمایة أموال الدولة والمجتمع من اللصوص والمستغلین، ثم المراقبة لما تصرفه الدولة فی موارده، وسیأتی شیء من ذلک فی ما یجب علی الدولة من عمل لحل مشکلة الفقر.

ثم إنه اتخذ جانب الوعظ والإرشاد فی الاقتصاد الإسلامی اتجاهین: الأول خطاب الأغنیاء، والثانی موجه للفقراء.

وعظ الأغنیاء

فأما الأول: فالمواعظ والحِکَم والإرشادات التی وردت فیه((3)) کثیرة جداً، تکاد لا تعد ولا تحصی، وقد اشتملت علی تعریف الأغنیاء بعدة أمور، منها:

1- تذکیرهم بیوم الآخرة وأن حسابهم یترتب وفق ما بذلوه من أموالهم، فإن أحسنوا فی البذل والإنفاق والعطاء فالله سبحانه وتعالی سیعاملهم بالحسنی وسیحفظ لهم الأجر و)إِنّ اللّهَ لاَ یُضِیعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِینَ(((4))، وتارة أخری یکون حسابهم بالعدل والدقة، فقد لا یعامل باللطف والإحسان من قصر فی هذا الجانب فی الدنیا.

وقد ورد الوعظ علی صورة الوعد والوعید فی هذه الحالة، قال رسول الله صلی الله علیه و آله:

ص:237


1- من لا یحضره الفقیه: ج3 ص184 باب الدین والقرض ح3691
2- سورة (المؤمنون): 99 - 100
3- أی فی الإسلام
4- سورة التوبة: 120، وسورة هود: 115، وسورة یوسف: 90

»ویل للأغنیاء من الفقراء یوم القیامة، یقولون: ربنا ظلمونا حقوقنا التی فرضت علیهم فی أموالهم«((1)).

وعن مبارک غلام شعیب قال: سمعت أبا الحسن موسی علیه السلام یقول: «إن الله عزوجل یقول: إنی لم أغن الغنی لکرامة به علیَّ، ولم أفقر الفقیر لهوان به علیَّ، وهو مما ابتلیت به الأغنیاء بالفقراء، ولولا الفقراء لم یستوجب الأغنیاء الجنة»((2)).

وقال رسول الله صلی الله علیه و آله: «أکرموا ضعفاءکم فإنما ترزقون وتنصرون بضعفائکم»((3)).

وعن أمیر المؤمنین علیه السلام أنه قال: «إن الله سبحانه فرض فی أموال الأغنیاء أقوات الفقراء، فما جاع فقیر إلا بما منع غنی والله تعالی سائلهم عن ذلک»((4)).

وعن أبی إبراهیم علیه السلام قال: «نهی رسول الله صلی الله علیه و آله عن طعام ولیمة یخص بها الأغنیاء ویترک الفقراء»((5)).

وعن إسحاق بن عمار والمفضل بن عمر قالا: قال أبو عبد الله علیه السلام: «میاسیر شیعتنا أمناؤنا علی محاویجهم فاحفظونا فیهم یحفظکم الله»((6)).

وعن أبی المغراء عن أبی عبد الله علیه السلام قال: «إن الله تبارک وتعالی أشرک بین الأغنیاء والفقراء فی الأموال فلیس لهم أن یصرفوا إلی غیر شرکائهم»((7)).

وفی الدنیا، فلا یعد مؤمنا الغنی الذی ینسی الفقراء، وهذا یتمثل فی قول رسول الله صلی الله علیه و آله: »ما آمن بی من أمسی شبعاناً وأمسی جاره جائعا«((8)).

وفی قول أبی ذر 6: (عجبت للفقراء کیف لا یخرجون علی الأغنیاء بسیوفهم). وهذا لا یعنی أن أباذر 6 یطلب من الفقراء قتل الأغنیاء، بل أولاً: هو فی مقام بیان ما یترتب علی مشکلة الفقر عادة حیث تولد حالة العداء بین الفقراء

ص:238


1- إرشاد القلوب: ج1 ص36
2- الکافی: ج2 ص265 باب فضل فقراء المسلمین ح20
3- تنبیه الخواطر ونزهة النواظر: ج2 ص221
4- وسائل الشیعة: ج9 ص29 ب3 ح11444
5- الکافی: ج6 ص282 باب الولائم ح4
6- التمحیص: ص49 ح82
7- الکافی: ج3 ص545 باب الرجل یعطی من زکاة من یظن أنه معسر ثم یجده موسرا  ح3
8- وسائل الشیعة: ج24 ص327 ح30675

والأغنیاء، وثانیاً: یرید فی کلامه تصویر خطر هذه المشکلة علی المجتمع، وثالثاً: یرید تذکیر الأغنیاء بأن فی أموالهم حقوق مغتصبة وتعریفهم بأن ƒوَفِیَ أَمْوَالِهِمْ حَقّ لّلسّآئِلِ وَالْمَحْرُومِ‚((1)) وعلیهم إعطاؤها، ورابعاً: أنه یتکلم لصالح الطرفین، فبدفع هذه الحقوق بالنسبة للأغنیاء تبرئ ذمتهم منها ومن الواجبات المالیة التی فرضت علیهم، وبالنسبة للفقراء تحل مشکلتهم اقتصادیاً.

2- ومن بُعد آخر فی مجال الوعظ والإرشاد هو تعریف الأغنیاء بما ورد عن أئمة الهدی علیهم السلام فی هذا الشأن وأسبابه وما یتعلق به، ومنه قول أمیر المؤمنین علیه السلام: »ما جمع مال إلا من شح أو حرام«.

وقال علیه السلام: »إن الله سبحانه فرض فی أموال الأغنیاء أقوات الفقراء، فما جاع فقیر إلا بما متع به غنی«((2)).

وقال علیه السلام: »ما رأیت نعمة موفورة إلا وإلی جانبها حق مضیع«.

وقال علیه السلام: »لعله من باطل جمعه ومن حق منعه«((3)).

وعن أبی عبد الله علیه السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: »من واسی الفقیر من ماله وأنصف الناس من نفسه فذلک المؤمن حقاً«((4)).

3- إن منعهم الحقوق فیه آثار سلبیة علی أبنائهم فی مستقبلهم، لأنهم أطعموهم من مال حرام، ومن هنا یتخذ الابن إذا کبر نهج والده فی الحرام لأن جسده تربی علی أکل الحرام، وحینئذ یتحمل الأب مسؤولیتین، مسؤولیة ما أرتکبه من محرم وثانیاً ارتکابه جریمة فی تدمیر أسرته بإطعامهم من الحرام، وهذا ل-ه أثار علی أجیال من أسرته وهو بدوره ینعکس سلباً علی المجتمع.

4- تعریفهم أیضاً بأن علی الغنی أن لا یثق بغناه ولا یطمئن ل-ه، لأن الدنیا لا تفی لأحد، مع أن الغنی والثروة هی ملک لله واقعاً وأمانة بید الإنسان، حیث ملّکه الله

ص:239


1- سورة الذاریات: 19
2- مستدرک الوسائل: ج7 ص9 ح7498
3- کفایة الأثر: ص239
4- الکافی: ج2 ص147 ح17

تعالی وشرط علیه شروطاً منها أداء حق الفقراء، فالله هو المالک الحقیقی، یقول الحدیث الشریف: »لا ینبغی للعبد أن یثق بخصلتین العافیة والغنی بینا تراه معافی إذ سقم وبینا تراه غنیا إذ افتقر«((1)). وقد قال الشاعر فی هذا المعنی:

علی الناس طراً إنها تتفلت

إذا جادت الدنیا علیک فجد بها

ولا البخل یبقیها إذا هی ولت ((2))

فلا الجود یفنیها إذا هی أقبلت

وکذلک تعریفهم بأن کثرة هذا المال - وهو مادة الشهوات - لیس فیه دلالة علی الخیر إن لم ینفق حسب ما ورد فی القرآن الکریم وسیرة النبی صلی الله علیه و آله وأئمة الهدی علیهم السلام، وقد سئل الإمام علی علیه السلام عن الخیر؟ فقال علیه السلام: »لیس الخیر أن یکثر مالک وولدک، ولکن الخیر أن یکثر علمک وأن یعظم حلمک، وأن تباهی الناس بعبادتک ربک...«((3)).

5- وکما توزعت المواعظ الموجهة للغنی لتشمل الدنیا والآخرة، فکذلک تنوعت فی الموضوعات التی تحدثت عنها، فکما بینت طرق جمع المال ومسؤولیة الغنی عنها، کذلک وضحت للغنی والبخیل الموارد التی یجب أن یبذل فیها أمواله کی لا یبقی ل-ه عذر، وکذلک ذکرت ل-ه عظیم الثواب الذی یحصل علیه فهو (شرف مکارم الدنیا ودرک فضائل الآخرة) ومن هذه الروایات:

قوله علیه السلام: »فمن آتاه الله مالا فلیصل به القرابة، ولیحسن منه الضیافة، ولیفک به الأسیر، ولیعط منه الفقیر والغارم، ولیصبر نفسه علی الحقوق والنوائب، ابتغاء الثواب فإن فوزاً بهذه الخصال شرف مکارم الدنیا ودرک فضائل الآخرة إن شاء

الله«((4)).

وقد قال النبی صلی الله علیه و آله:»یا جابر من کثرت نعمة الله علیه کثرت حوائج الناس إلیه، فمن قام بما یجب لله فیها عرض نعمة الله لدوامها، ومن ضیع ما یجب لله فیها

ص:240


1- شرح نهج البلاغة: ج20 ص71، وبحار الأنوار: ج69 ص68
2- إرشاد القلوب: ج1 ص138، والمناقب: ج4 ص66
3- مستدرک الوسائل: ج12 ص121 ح13684
4- نهج البلاغة: الخطب 142

عرض نعمته لزوالها«((1)).

وعظ الفقراء

وأما الثانی: فالمواعظ الموجهة للفقیر وهی لا تقل کثرة عما ذکرت للغنی، وهی کذلک متنوعة فی موضوعاتها ومنها الروحیة والعملیة، ومنها ما یرتبط بالأسباب ومنها بالحلول، ومنها بالآداب، وغیرها.

ومن الأسباب الروحیة التی ورد الحث علی الابتعاد عنها لأنها تورث الفقر: ترک غسل الیدین عند الأکل، إهانة الکسرة من الخبز، استخفاف الصلاة، تعجیل الخروج من المسجد، اللعن علی الأولاد، الکذب، النوم قبل طلوع الشمس، رد السائل، ترک تقدیر المعیشة، الیمین الفاجرة، وقطیعة الرحم.

وهناک بعض الأعمال الروحیة التی ینبغی الالتزام بها کی یزول الفقر، وهی کثیرة، ومنها: قراءة الأدعیة المأثورة، مثل: »اللهم إنی أعوذ بک أن أفتقر فی

غناک«((2)). و«اللهم أنی أعوذ بک من الفقر»((3))، وما ورد فی الصحیفة السجادیة من دعاء الإمام السجاد علیه السلام: »اللهم صل علی محمد وآله واحجبنی عن السرف والازدیاد، وقومنی بالبذل والاقتصاد، وعلمنی حسن التقدیر، واقبضنی بلطفک عن التبذیر، وأجر من أسباب الحلال أرزاقی، ووجه فی أبواب البر إنفاقی، وازْوِ عنی من المال ما یحدث لی مخیلة أو تأدیاً إلی بغی أو ما أتعقب منه طغیانا«((4)).

ومن الأعمال: »حج البیت واعتماره فإنهما ینفیان الفقر«((5)).

وصلة الأرحام، فعن أبی حمزة قال: قال أبو جعفر علیه السلام: «صلة الأرحام تزکی

ص:241


1- وسائل الشیعة: ج16 ص325 ح21668
2- مصباح الکفعمی: 301
3- الکافی: ج4 ص464
4- الصحیفة السجادیة: ومن دعاء له علیه السلام فی المعونة علی قضاء الدین، الدعاء رقم 30
5- الکافی: ج4 ص255، تهذیب الأحکام: ج5 ص22

الأعمال، وتدفع البلوی، وتنمی الأموال، وتنسئ ل-ه فی عمره، وتوسع فی رزقه، وتحبب فی أهل بیته، فلیتق الله ولیصل رحمه»((1)).

وحسن الجوار: «حسن الجوار یزید فی الرزق»((2)).

والتزویج: عن أبی عبد الله علیه السلام قال: «جاء رجل إلی النبی صلی الله علیه و آله فشکا إلیه الحاجة فقال تزوج، فتزوج فوسع علیه»((3)).

وقال أبو عبد الله علیه السلام: «الرزق مع النساء والعیال»((4)).

وأما ما یتعلق بالجانب العملی فمنها: حثه علی الصبر والتعفف، فالعفاف زینة الفقر، وأن لا یقنط ویحزن إن افتقر، وأن لا یذل نفسه فی تعامله مع الآخرین، فعن أبی بصیر قال: قلت لأبی عبد الله علیه السلام: یخرج الرجل مع قوم میاسیر وهو أقلهم شیئاً فیخرج القوم النفقة ولا یقدر هو أن یخرج مثل ما أخرجوا، فقال علیه السلام: «ما أحب أن یذل نفسه، لیخرج مع من هو مثله»((5)).

ومنها: الحث علی العمل والنهی عن البطالة، قال الإمام الصادق علیه السلام: «الکاد علی عیاله کالمجاهد فی سبیل الله»((6)).

وقال رسول الله صلی الله علیه و آله: «إن النفس إذا أحرزت قوتها استقرت»((7)).

ومنها: أن یکون الإنسان علی معرفة تامة بأن الغنی والفقر لا یبقیان، فإن الدنیا وما فیها فی طریق الزوال والفناء، وقد مر نص الحدیث: «وبینا تراه غنیاً إذ افتقر».

وهناک الکثیر من المواعظ الأخلاقیة والوصایا النافعة التی تخص الفقر والفقیر، وتوجب القضاء علی الفقر بأسباب مادیة أو معنویة، وأغلبها مذکورة فی الکتب الأخلاقیة وکتب الحدیث.

عناصر لها مدخلیة فی الفقر

ص:242


1- وسائل الشیعة: ج21 ص535 ب17 ح27794
2- الکافی: ج2 ص666 باب حق الجوار ح3
3- الکافی: ج5 ص330 باب أن التزویج یزید فی الرزق ح2
4- الکافی: ج5 ص88 باب من کد علی عیاله ح1
5- الکافی: ج4 ص287 باب الوصیة ح8
6- الکافی: ج5 ص88 باب من کد علی عیاله ح1
7- الکافی: ج5 ص89 باب إحراز القوت ح2

وقد تبین - بعدما ذکرنا شیئاً عن نظرة الإسلام لبعض الجوانب التی یمر بها الإنسان فی مشکلة الفقر، وبعض ما تراه الأنظمة، وبعض الحلول والتشریعات التی وضعها الإسلام لحل هذه المشکلة - أن العنصر الثانی الذی یحیط بالإنسان وهو المذهب والرؤیة قد یکون سبباً من أسباب الفقر کما فی النظریة المارکسیة، أما الدین الإسلامی فلم یکن السبب فی إیجاد هذه المشکلة بل هو یکفل بالحل الصحیح للقضاء علی ظاهرة الفقر.

وتبقی العناصر الثلاثة وهی الدولة والمجتمع ونفس الإنسان وهی من أسباب إیجاد هذه المشکلة.

فأما الإنسان فیمکن أن یکون هو السبب فی فقره ولیس من سوء التوزیع أو تقصیر من الدولة أو المذهب ولیس من أفراد المجتمع الأغنیاء، کما لو کان غنیاً وافتقر بعدم حکمته فی الأمور الاقتصادیة، فالإنسان فی هذه الحالة هو السبب فی فقره، وقد مرت شواهد عن الأسباب الروحیة والعملیة التی توجد الفقر…

وأما المجتمع فقد یکون السبب فی إیجاد هذه المشکلة لأن التکافل الاجتماعی فیه معدوم، وقد فصلنا الحدیث عن موضوع التکافل فی هذا الفصل، وأما السلبیات الناتجة عن هذا التقصیر فتعود سلباً علیه لأنه حینما یوجد تنازع وتضارب بین الفروق الاقتصادیة، تنعدم مصادر الخیر من المجتمع وتسیطر علیه نوازع الشر والرذیلة، وذلک لأن الجائع حینما یفقد الخبز لا یمکن - عادة - أن یکون مستقیماً فی سلوکه، لأن أغلب حالات الحرمان والجوع تدفع إلی الإجرام والفساد، فینقلب العدید من ضحایا هذه المشکلة إلی قتلة ومجرمین لأنهم لم یجدوا طعاما عبر الطرق المشروعة.

وقد لا ینفع الوعظ والإرشاد والوعد والوعید، والترغیب والترهیب، مع بعض من یعانی من هذه المشکلة، فقد ینقلب بسبب الحرمان الذی یعانیه کافراً بکل المثل والقیم والمفاهیم الإنسانیة، فکبد حری وبطن غرثی ولا عهد بالشبع عناصر مجتمعة أو متفرقة تجعل من ضعیف الإیمان عدواً للمجتمع فینتقم منه عبر الاستغلال والسرقة وارتکاب أنواع الجرائم وهو فی ذلک یعبر عن انتقامه لمجتمع لم یعترف له بإنسانیته ولم یهتم لوجوده ولم یمنحه الحق فی حیاة حرة کریمة.

ص:243

ویحمّل الإسلام المجتمع مسؤولیة هذا العمل بالإضافة إلی صاحب الجرم نفسه، فالقرآن الکریم اعتبر عدم اهتمام المجتمع بأحد أفراده الجائعین أو الضائعین أو الیتامی هو تکذیب للدین فالله تعالی یقول: ƒأَرَأَیْتَ الّذِی یُکَذّبُ بِالدّینِ* فَذَلِکَ الّذِی یَدُعّ الْیَتِیمَ* وَلاَ یَحُضّ عَلَیَ طَعَامِ الْمِسْکِینِ‚((1)).

ویقول تعالی: ƒوَمَآ أَدْرَاکَ مَا الْعَقَبَةُ * فَکّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِی یَوْمٍ ذِی مَسْغَبَةٍ * یَتِیماً ذَا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْکِیناً ذَا مَتْرَبَةٍ * ثُمّ کَانَ مِنَ الّذِینَ آمَنُواْ وَتَوَاصَوْاْ بِالصّبْرِ وَتَوَاصَوْاْ بِالْمَرْحَمَةِ‚((2)).

ولیس أدل علی مسؤولیة المجتمع فی إیجاده لهذه المشکلة من الحدیث المشهور:

«من أصبح لا یهتم بأمور المسلمین فلیس منهم»((3)). فالمجتمع الذی یکون فیه هذا الواقع لیس من الإسلام فی شیء.

ولو طبق المسلمون فی عالم الیوم نظام الضریبة المالیة فی الإسلام تطبیقاً صحیحاً لقضی علی مشاکل الفقر بأجمعها، ولکانوا مجتمعاً صالحاً مقوماته التکافل الاجتماعی والعدالة والمساواة والکفایة والحب والتعاون والأخوة والسلم والسلام.

وأما الدولة فاعتبرها الإسلام الظل الذی یحمی أفراد المجتمع وهی المسؤولة عن مشاکل المجتمع ومتطلباته.

ولن تقوم الدولة بواجبها الصحیح إلا إذا کانت علی منهج حکومة رسول الله صلی الله علیه و آله والإمام أمیر المؤمنین علیه السلام، وهناک منهج کامل وسیرة تامة للإمام علی علیه السلام فی کیفیة تعامله مع مشکلة الفقر باعتباره قد تسلم فی فترة قصیرة زمام الحکومة الإسلامیة واستطاع أن یترک أثراً ناجحاً عن منهجه الإصلاحی فی تلک الفترة التی زخرت بالمشاکل والاضطرابات والفتن التی أوجدتها الفئات الثلاثة: الناکثة فی الجمل، والقاسطة فی صفین، والمارقة فی النهروان. وقد تقدمت الإشارة فی ذکر شیء عن منهجه الإصلاحی.

ص:244


1- سورة الماعون: 1- 3
2- سورة البلد: 12- 17
3- الکافی: ج2 ص164 ح5

فالدولة الإسلامیة یدیرها الرسول الأعظم صلی الله علیه و آله ومن ثم الإمام المعصوم علیه السلام  وفی غیبة الإمام المهدی علیه السلام کما فی عصرنا هذا، فیلزم أن تکون تحت رعایة شوری الفقهاء المراجع لأنهم نواب الإمام علیه السلام.

وهناک أمور کثیرة یجب علی الدولة الاهتمام بها کی تزول مشکلة الفقر ومنها:

1: حث الإنسان علی إعمار الأرض باعتبارها السکن له فی هذه الحیاة لینعم بخیراتها بعد تهیئة کل الوسائل والأسباب له، وتذکیر الإنسان بأهمیة العمل فی الإسلام فاعتبر العمل والسعی علی الرزق وخدمة المجتمع من أسمی مراتب العبادة، قال تعالی: )هُوَ الّذِی جَعَلَ لَکُمُ الأرْضَ ذَلُولاً فَامْشُواْ فِی مَنَاکِبِهَا وَکُلُواْ مِن رّزْقِهِ وَإِلَیْهِ النّشُورُ(((1)).

وقال سبحانه: ƒهُوَ الّذِی خَلَقَ لَکُمْ مّا فِی الأرْضِ جَمِیعاً‚((2)).

وقال سبحانه: ƒوَقُلِ اعْمَلُواْ‚((3)).

وقال الإمام أبو الحسن موسی بن جعفر علیه السلام: «إن الله تعالی لیبغض العبد النوام، إن الله تعالی لیبغض العبد الفارغ»((4)).

2: الاهتمام بصندوق الضمان الاجتماعی (بیت المال) واستثمار موارده بصورة صحیحة وحث أفراد المجتمع وأغنیائه علی التکافل فیما بینهم، وقد فصلنا الحدیث عن هذا فی الموضوع السابق.

3: وهناک بعض العناوین التی تقع علی عاتق الدولة والتی تکفل الاستقرار الاقتصادی ولها دور کبیر فی زوال مشکلة الفقر، ومنها إنتاج الحاجات الرئیسیة التی یحتاجها أفراد المجتمع وتوفیر متطلبات المجتمع من المواد الاستهلاکیة والسعی لنیل الاکتفاء الذاتی فی هذا الجانب، وتشجیع الأغنیاء علی مشارکة الآخرین فی تشغیل أموالهم بشکل مضاربة أو سائر المعاملات الإسلامیة، وعلی عدم اکتنازها، ومراقبة

ص:245


1- سورة الملک: 15
2- سورة البقرة: 29
3- سورة التوبة: 105
4- من لا یحضره الفقیه: ج3 ص169 ح3635

الأسواق لمنع ظاهرة الغش والاحتکار والتلاعب بالأسعار.

وقد کانت سیرة الإمام علی علیه السلام مع ولاته أن یذکرهم بالحفاظ علی أموال هذه الأمة وصونها وحذرهم من الخیانة فکتب لهم: »إن أعظم الخیانة خیانة الأمة«((1)) وکان یصفهم ب--: »خزان الرعیة، ووکلاء الأمة، وسفراء الأئمة«((2)).

وقبل أن یکتب لهم طبّق کل ذلک بنفسه، فلما جاءه عقیل علیه السلام یطلب زیادة علی حقه رده الإمام علیه السلام قائلاً: »إن هذا المال لیس لی وإنما هو مال الأمة«، وجاءه آخر یطلب منه مالاً، فرده قائلا: »إن هذا المال لیس لی ولا لک وإنما هو فیء للمسلمین«((3)).

ثم إن الإمام علیه السلام لم یکتف بما کان یکتب لولاته ویرشدهم وینبههم، بل وضع علیهم العیون، فإن وضع العیون علی المسلمین لا یجوز إلا علی الولاة ومن أشبه رعایة لحقوق الناس. فإنه علیه السلام أول من وضع العیون والرقباء علی ولاته، حرصاً علی أموال الدولة وأمنها.

وکان للإمام علیه السلام جملة من الأولیات التی نفذها فی الکوفة، وقد وردت الإشارة إلی بعضها فی کتابه القیم إلی مالک الأشتر 6 حینما ولاه مصر((4)).

وفی (وسائل الشیعة): مر شیخ مکفوف کبیر یسأل، فقال أمیر المؤمنین  علیه السلام: «ما هذا؟!». قالوا: یا أمیر المؤمنین، نصرانی.

فقال أمیر المؤمنین علیه السلام: «استعملتموه حتی إذا کبر وعجز منعتموه، أنفقوا علیه من بیت المال»((5)).

وهذا یدل علی أن الإمام علیه السلام قضی علی ظاهرة الفقر، ولم یکن فی حکومته الواسعة حتی فقیر واحد، ولذا سأل متعجبا (ما هذا) ولم یقل (من هذا)؟ ثم أمر

ص:246


1- مستدرک الوسائل: ج7 ص72
2- نهج البلاغة: الرسائل 51
3- هذا قول أمیر المؤمنین علیه السلام مع عبد الله بن زمعة وذلک انه قدم علیه فی خلافته یطلب منه مالا ، نهج البلاغة: الخطب 232
4- انظر نهج البلاغة، الرسائل: 53 ومن کتاب له علیه السلام للأشتر النخعی لما ولاه علی مصر وأعمالها حین اضطرب أمر أمیرها محمد بن أبی بکر، وهو أطول عهد کتبه وأجمعه للمحاسن
5- وسائل الشیعة: ج15 ص66 ب19 ح1996

علیه السلام للنصرانی براتب من بیت مال المسلمین حتی لا یبقی فقیر وإن کان غیر مسلم فی حکومته المبارکة!.

مسائل فی السلم والسلام الاقتصادی

مسائل فی السلم والسلام الاقتصادی

هناک مسائل عدیدة وواجبات ومستحبات وشواهد وأمور أخری حول السلم والسلام بالمعنی الأعم فی الاقتصاد الإسلامی، نشیر إلی بعضها:

مسألة: یلزم مراعاة قانون السلم فی البرنامج الاقتصادی للدولة.

مسألة: یلزم علی الحکومة الإسلامیة مراعاة قانون السلم الاقتصادی مع سائر الدول الإسلامیة فتکون التجارة حرة فیما بینها من دون جمارک.

مسألة: یلزم علی الدولة الإسلامیة مراعاة قانون السلم الاقتصادی مع سائر الدول الأجنبیة.

مسألة: یلزم نشر وبیان الأُسلوب السلمی الاقتصادی فی حکومة الرسول صلی الله علیه و آله والإمام أمیر المؤمنین علیه السلام.

مسألة: لا یجوز مصادرة أموال أحد فإنه من مصادیق العنف.

مسألة: لا یجوز وضع القوانین التی تمنع أو تحد من حریات الناس کقانون الضرائب علی الأعمال وعلی البناء وعلی السفر وعلی حیازة المباحات وما أشبه فإنه من العنف المحرم شرعاً.

مسألة: یلزم فضح الظالمین الذین لا یلتزمون بقانون السلم والسلام الاقتصادی الإسلامی وینسبون عملهم إلی الإسلام سواء کانوا علی شکل دول أو جماعات، ولکن الفضح یلزم أن یکون بطریق سلمی، فانّه من النهی عن المنکر بشرائطه.

مسألة: ینبغی مراعاة قانون السلم فی المعاملات.

مسألة: یلزم مراعاة قانون السلم فی النکاح والطلاق، قال تعالی: )فَإِمْسَاکٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِیحٌ بِإِحْسَانٍ(((1)).

ص:247


1- سورة البقرة: 229

مسألة: ینبغی مراعاة السلم فی باب القرض.

مسألة: یحرم أکل أموال الناس بالباطل، فإنه من مصادیق العنف.

مسألة: لو تعارض قانون السلم الاقتصادی مع قانون (الأهم والمهم)، فاللازم فی المسائل العامة العمل بنظر شوری الفقهاء والمراجع.

مسألة: لو تعارض قانون السلم مع قانون (لا ضرر) کما فی قصة سمرة بن جندب تُقدّم قانون لا ضرر((1)).

مسألة: لا تجوز الجمارک فی الإسلام فإنّها نوع من العنف الاقتصادی، بل اللازم تحکیم میزان (لا ضرر) کما ذکرناه فی (الفقه).

مسألة: الإنسان حر فی التکسب وأخذ الأجرة والجعل علی کل ما هو جائز بالمعنی الأعم، علی تفصیل مذکور فی الفقه.

مسألة: الإنسان حر فی البیع، سواء کان بیعا للعین أو الحق أو المنفعة، کما أنه حر فی شراء أی من ذلک.

مسألة: الإنسان حر فی المصالحة والمضاربة والمزارعة والمغارسة والمشارکة مع مراعاة الموازین الشرعیة.

مسألة: الإنسان حر فی الاستقراض والإقراض بشرط عدم الربا.

مسألة: الإنسان حر فی الرهن والضمان والحوالة والکفالة والإیداع والاستعارة والإجارة والوکالة علی ما هو مذکور فی الفقه.

مسألة: الإنسان حر فی جعل شیء وقفا، أو صدقة، أو سکنی، أو عمری، أو رقبی، أو حبس، علی ما هو مذکور فی الفقه.

مسألة: الإنسان حر فی الهبة والسبق والرمایة، علی ما هو مذکور فی الفقه.

مسألة: الإنسان حر فی الإقرار والجعالة والأخذ بالشفعة وإحیاء الموات والصید والذباحة علی ما هو مذکور فی الفقه، إلی آخر ما ذکرناه فی کتاب (الحریات).

ص:248


1- راجع الکافی: ج5 ص292ح2

الفصل الرابع:السلم والسلام فی باب الجهاد

اشارة

الفصل الرابع:السلم والسلام فی باب الجهاد

*هل یمکن تحقق السلام بدون ثمن

*تأثیر القوة فی تحقیق السلام واستقراره

*السلم طریق السلام

*إعداد القوة وتهیئتها

*أسلوب استخدام التهدید للتحقیق السلام

*رؤی الشریعة الإسلامیة فی السلم والدعوة إلی الحکمة والموعظة

*دلالة الآیات التی شرعت الحرب وأذنت بالقتال المشروع

*ضرورة الإیمان بالسلام فی مراحل الاستعداد للمواجهات الحربیة

*أسس السلم فی میادین الحرب

*أسباب النزاعات والمعارک بین المذاهب الإسلامیة

*مسائل فی السلم والسلام الجهادی

ص:249

ص:250

هل یمکن تحقق السلام بدون ثمن

هل یمکن تحقق السلام بدون ثمن

ذکرنا فی الموضوع السابق شیئاً عن الإرهاب الاستعماری وأن هناک عدة طرق فی مواجهته من أجل إحلال السلام والأمن، وذکرنا مثالین علی ذلک وهما الثورة الجزائریة وحزب المؤتمر الهندی وکان أسلوب الأخیر فی مواجهة الإرهاب الاستعماری هو الطرق السلمیة وقد نجح تماماً، وهذا السبیل فی زماننا هذا هو الأفضل وربما المتعین لمواجهة المستعمرین، فعلی المسلمین وحرکاتهم اتخاذ سیاسة اللین والسلم بعیداً عن القوة والعنف مطلقاً، وبرفع رایة السلام أمامهم بعیداً عن الاستعداد للحرب مطلقاً.

وهنا یأتی سؤال: هل یمکن أن یتحقق السلام بدون ثمن؟ ثم کیف یمکن للسلام وسبیل اللاعنف أن یفرض نفسه علی من لا یؤمن بالسلام، ویستعمل کل القوی التی توجب السیطرة والدمار؟

والجواب: إن لکل شیء ثمنا ومنه السلم والسلام، وعلینا أن نتعلم من رسول الله صلی الله علیه و آله وأهل بیته الطاهرین علیهم السلام فی کیفیة تطبیق السلم والسلام، فإنه کان الأصل عندهم وفی جمیع مجالات الحیاة، نعم لو هجم علیهم الأعداء وشهروا السیف بوجوههم فعندئذ یشرع القتال مع مراعاة الآداب الإسلامیة التی جعلت من حروب النبی صلی الله علیه و آله - وکلها کانت دفاعیة - مدرسة أخلاق للبشریة. وهکذا کانت سیرة أمیر المؤمنین علی علیه السلام فی حروبه.

فإن الشهوات والأطماع تتجاوز لدی البعض منطق العقل والحقوق المشروعة، ولا یقف أمامها شیء إلاّ ما کان رادعاً، وهذا لا ینافی أن الأصل هو اللاعنف، لکن إذا لم یستطع استرداد الحقوق المشروعة والحفاظ علیها، تتحول الحالة إلی تهیئة مقدمات الجهاد لإحلال السلام والأمن، بعد استشارة الأخصائیین والأخذ برأی شوری الفقهاء المراجع، وهذا هو ما شرعه الإسلام من الدفاع عن النفس والعرض والمال والوطن عند الاعتداء علی أحدها.

ولکن الیوم نری اختلاف آراء البعض حول الطرق المؤدیة للسلام، فهناک من لایسیر بسیرة رسول الله صلی الله علیه و آله وسنته الشریفة وهدی عترته الطاهرة علیهم السلام  فنری

ص:251

یسفک الدماء ویقتل الأبریاء ویبید الشعوب وهو یرفع شعارات السلم والسلام وربما یعقد المؤتمرات لأجله وهو بذاک یخدع العالم والشعوب، ثم إنه یعتقد أن السلم والسلام یکون وراء امتلاک الأسلحة وخاصة المدمرة والفتاکة کالقنابل الذریة والهیدروجینیة والجرثومیة وغیرها ویعتبر السلاح المتطور کمّاً وکیفاً هو الضمان لتطبیق السلام، وهذا کله یخالف الإنسانیة والمبادئ القیمة فی الإسلام، ومن هنا ندعو عقلاء العالم لتطبیق قانون یقتضی بنزع مختلف هذه الأسلحة عن جمیع الدول وحتی الأسلحة الخفیفة.

وهذا السبیل - أی تطبیق السلام بالعنف - لا یمکن أن یحقق السلام کما هو واضح، وقد شاهدنا الحضارة الغربیة والشرقیة التی تدعی السلام منذ أن أمسکت بزمام الأمور أحدثت فی العالم حروباً لا مثیل لها فی التاریخ، ولو حدث انفجار بین المعسکرین المتصارعین شرقاً وغرباً لأدَّی إلی فنائهما وفناء العالم کله، وقد قرأت فی تقریر أن الاتحاد السوفیتی السابق کان یملک ثلاثین ألف قنبلة نوویة وإنها کانت تستطیع إفناء العالم سبع مرات، وأنه لو وقعت حرب ذریة بین القوتین لهلک فی الساعات الأولی من الجانبین أربعمائة ملیون من البشر. وحسبنا شاهداً علی ذلک الحرب العالمیة الأولی والثانیة فی القرن الماضی ونتائجهما السیئة علی البشریة إلی هذا الیوم((1))، والحضارة الغربیة وإن أمدت البشریة بشیء من الرفاه والتقدم الصناعی وما أشبه ذلک، إلا أنه من الصحیح أیضاً أنها دمرت البشریة بالحروب الکبیرة والثورات الفوضویة والفقر وأمثال ذلک.

بینما الوصول إلی السلام فی النظریة الإسلامیة وتحقیقه یأتی فی سلوک السلام نفسه، أی أن الدخول فی السلام عن طریقه لا عن الطریق المعاکس. وذلک لأن قوانین

ص:252


1- لقد قُتل فی حروب القرن العشرین طبقاً لتقریر بریجنسکی (33) ملیون شاب، تتراوح أعمارهم بین (18 علیه السلام�� 30) عاماً، وهؤلاء قضوا نحبهم باسم القومیة والآیدلوجیة، واستهلکت الحربان العالمیتان الأولی والثانیة من العسکریین حوالی (8.5) و(19) ملیوناً علی الترتیب، ویقدر عدد المدنیین من ضحایا الأعمال العدائیة الذین سقطوا أثناء الحرب العالمیة الأولی ب- (13) ملیوناً من النساء والأطفال وکبار السن، بینما سقط (20) ملیوناً منهم أثناء الحرب العالمیة الثانیة

السماء تجعل السلام ینبع من ضمیر الإنسان وذاته فحینما یقرأ الإنسان هذه الآیة:

)مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَیْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِی الأرْضِ فَکَأَنّمَا قَتَلَ النّاسَ جَمِیعاً(((1))، فیتکون لدیه اعتقاد بأن القتل وسفک الدماء من الأعمال الإجرامیة البشعة، وأن للدم منزلة عظیمة عند الله تعالی، فحینئذ یتقید فی داخل مشاعره وأحاسیسه بسلوک السلام لأهمیته، فهو ینبع من ضمیر الإنسان ولا یفرض علیه عبر الشعارات الفارغة أو المؤتمرات الخادعة، والآیات التی تتحدث عن هذا المعنی کثیرة جداً، والروایات أکثر.

ومن الأحادیث قول رسول الله صلی الله علیه و آله: «لزوال الدنیا جمیعاً أهون علی الله من دم یسفک بغیر حق»((2)).

ومن الأحادیث النبویة التی تدل علی أهمیة السلام قول النبی صلی الله علیه و آله: «ما عجت الأرض إلی ربها کعجتها من دم حرام یسفک علیها»((3)).

وقال رسول الله صلی الله علیه و آله: «زوال الدنیا أهون علی الله من إراقة دم مسلم»((4)).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: «إیاک والدماء وسفکها بغیر حلها فإنه لیس شیء أدعی لنقمة ولا أعظم لتبعة ولا أحری بزوال نعمة وانقطاع مدة من سفک الدماء بغیر حقها، والله سبحانه مبتدئ بالحکم بین العباد فیما تسافکوا من الدماء یوم القیامة فلا تقوّین سلطانک بسفک دم حرام، فإن ذلک مما یضعفه ویوهنه بل یزیله وینقله، ولا عذر لک عند الله ولا عندی فی قتل العمد، لأن فیه قود البدن، وإن ابتلیت بخطأ وأفرط علیک سوطک أو سیفک أو یدک بالعقوبة فإن فی الوکزة فما فوقها مقتلة فلا تطمحن بک نخوة سلطانک عن أن تؤدی إلی أولیاء المقتول حقهم«((5)).

ومن هنا یتجلی الفرق واضحاً بین النظریة الغربیة لإحلال السلام وبین موقف

ص:253


1- سورة المائدة: 32
2- راجع مستدرک الوسائل: ج18 ص209 ح22520،  وفیه: عن النبی صلی الله علیه و آله قال: «لزوال الدنیا أیسر علی الله من قتل المؤمن». وفی الغدیر للأمینی: ج11 ص59، من قتل مؤمن بغیر حق
3- مستدرک الوسائل: ج18 ص207 ح22509
4- تنبیه الخواطر ونزهة النواظر: ج1 ص85
5- نهج البلاغة: الرسائل 53

الدین الإسلامی فإن القاعدة فی الإسلام هی السلام، والحرب استثناء وتکون فی أقصی حالات الضرورة والاضطرار، کماً وکیفاً.

تأثیر القوة فی إحلال السلام واستقراره

یختلف تفسیر الاتجاه الإسلامی لامتلاک القوة عما یراه الغرب وغیره ممن یدور فی فلکه. فالإسلام کما أنه یؤکد علی ضرورة السلم والسلام یری ضرورة أن یکون المسلم قویاً غیر ضعیف حتی لا یطمع فیه الأعداء، فتحقیق السلام لابد له من وجود قوة کافیة للحفاظ علیه، لأنه لو لم یکن الحق مدعما بالقوة، لما انتصر علی القوی التی تدعم الباطل، فإن الحق وإن کان یتمکن من أن یفتح الطریق أمام نفسه، إلا أن هناک من لا یرضی بالحق ویتجاوز علی حقوق الآخرین .

ولذا فإن الله سبحانه وتعالی أمر المسلمین بأن یکونوا مستعدین حتی لا یؤخذوا علی حین غرّة، حیث قال: )وَأَعِدّواْ لَهُمْ مّا اسْتَطَعْتُمْ مّن قُوّةٍ وَمِن رّبَاطِ الْخَیْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوّ اللّهِ وَعَدُوّکُمْ(((1)).

علماً بأن القوة لیست فی الجانب العسکری فحسب، بل فی جمیع الجوانب الاقتصادیة والإعلامیة والاجتماعیة والدبلوماسیة وغیرها، وربما کانت القوة العسکریة سبباً لهجمة الأعداء علی الدولة، فیلزم التوازن فی امتلاک القوی، فإنه شرع لردع العدوان أما إذا کان سبباً للعدوان فیکون ناقضاً للغرض.

ومع الأسف نری بعض الدول تسعی بجد لصنع مختلف أنواع السلاح وشراء الطائرات والدبابات والغواصات  والصواریخ وما أشبه, وهی فی نفس الوقت لاتمتلک القوة الإعلامیة والقوة الدبلوماسیة الکافیة، ولا تتصف بالحکمة والحنکة السیاسیة، فإن شراءها للأسلحة وسعیها لصنعها یعجل فی القضاء علیها.

ولذلک قالوا: إن الطریق إلی السلم والسلام القائم علی الحق والعدل والإنسانیة هو امتلاک القوة فی مقابل الضعف، لا القوة بمعنی العنف، فیلزم أن یکون الإنسان

- منفرداً کان أو جماعة - قویاً بحیث یتراجع أعداؤه عن مقابلته للخوف من مکانته.

ص:254


1- سورة الأنفال: 60

ثم إن هناک فرقاً واضحاً بین السلام والاستسلام. فربما أصبحت أمة مستسلمة وهذا دلیل علی ضعفها، کما رأینا ذلک فی قصة فلسطین والیهود.

وقد تتلاعب بمنطق السلام القوی الاستعماریة وذلک وفق معاییر مصالحها، ولکی لا یکون هناک تشویه أو تلاعب ینبغی أن یکون التفوق فی جانب الحق، أو ینبغی أن یکون هناک توازن بین القوی علی أقل تقدیر. وقد ذکرنا أن المقصود من القوة هو الأعم من العسکریة وغیرها کل فی موردها، وفی إطار الردع لا الهجوم غیر المشروع.

ومن هنا یتجلی الفرق بین النظریة الغربیة فی تفسیر امتلاک القوة والنظریة الإسلامیة، فالاثنان یتفقان علی وجوب امتلاک القوة ولکن یختلفان فی استخدام هذه القوة واستعمالها وکیفیتها وحدودها، فالغرب یری استعمال القوة من أجل حفظ مصالحه واستغلال الآخرین من خلال الدخول فی حروب توسعیة، أو استعماریة، أو استثماریة، أو تنازعیة، أو غیرها.

ویری وجوب استعمال هذه القوة من أجل نشر أفکاره ومبادئه، کما رأیناه فی الاتحاد السوفیتی السابق حیث کان یری السلام فی الشیوعیة، وهکذا الدول الاشتراکیة فإنها تری السلام فی الاشتراکیة، والدول الرأسمالیة تری السلام فی الرأسمالیة، وکلها استخدمت العنف لتطبیق نظریتها.

وأما استعمال القوة فی الإسلام فلم یکن فی حروب توسعیة أو استعماریة أو غیرها، إنما کان فی مجالات محددة کالدفاع عن البلدان الإسلامیة، أو الوقوف ضد من یرید فرض سیطرته بالقوة، مضافاً إلی أن الإسلام یدعو إلی عدم الضعف وامتلاک القوة لا فی المنطق العسکری فحسب، بل فی مختلف المجالات السیاسیة والاقتصادیة والاجتماعیة والإعلامیة وغیرها، کما سبق.

ولابدّ للأمة أن تکون لدیها القوة الکافیة حتی لا یتمکن العدو من فرض ما یراه علیها، ویستولی علی حقوقها وثرواتها، فیتقوی بکثیر من إمکاناتها المادیة والمعنویة ویقف ضدها فی صف طویل مع القوی الأخری التی تدعمه وتعززه بمختلف الإمکانیات والممیزات.

ص:255

السلم طریق السلام

السلم طریق السلام

وطریق السلام لا یتحقق إلا بالسلام وبوجود قوة کافیة للحفاظ علیه: أما العنف والعنف المضاد فهی حلقات متسلسلة لا تنتهی، قال أمیر المؤمنین علیه السلام:«من عامل بالعنف ندم»((1)).

ثم هناک دول أو فئات وجماعات تکون من ذوی المراوغة واللؤم والدجل والخداع، فمن السذاجة حینئذ الوقوع فی شرک ما یسمونه بالسلام، فإن الکثیر یتخذون من السلام وسیلة لمقاصدهم وأغراضهم، فإنهم یریدون هدفاً آخر غیر واقع السلام. ومن هنا تعرف أهمیة امتلاک القوة فی إحقاق الحق وإحلال السلام وثباته واستقراره، وتندحر أمامه القوة التی یدعمها الباطل والظلام والانحراف، لأن قوة الباطل صغیرة وقوة الحق کبیرة، قال سبحانه: )بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقّ عَلَی الْبَاطِلِ فَیَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ(((2))، والمراد هو أن منطق الحق دائماً فوق منطق الباطل.

إعداد القوة وتهیئتها

فی الحدیث: »الإسلام یعلو ولا یُعلی علیه«((3)) وهو یدلّ علی وجوب أن یکون المسلمون أعلی من غیرهم فی جمیع المیادین فإن حذف المتعلق یفید العموم. ومن أبرز تلک المیادین قوة العلم والمعرفة وقوة الإعلام وقوة المنطق وغیرها، ومنها أیضا القوة العسکریة.

والأسباب التی تدعو المسلمین لأن یکونوا أعلی من غیرهم فی المجالات المختلفة کثیرة، ومن أهمها رفع المظالم ودحض العدوان، فی سبیل القضاء علی الفتن حتی لاتکون بلاد الإسلام مسرحاً لها، قال سبحانه: )وَقَاتِلُوهُمْ حَتّیَ لاَ تَکُونَ فِتْنَةٌ وَیَکُونَ الدّینُ للّهِ(((4)) فالقتال هنا دفاعی وواجب بشرائطه لأن: )الْفِتْنَةُ أَشَدّ مِنَ

ص:256


1- غرر الحکم ودرر الکلم: ص458 ح10473
2- سورة الأنبیاء: 18
3- غوالی اللآلی: ص226 ح118 الفصل التاسع
4- سورة البقرة: 193

الْقَتْلِ(((1)) کما یقول الله عزوجل. وهذا یتطلب تهیئة القوة بالمقدار الذی ل-ه فاعلیة فی إحلال السلام لأن عالم الیوم جعل للقوة موضوعیة غیر قابلة للریبة واللبس والنقاش. قال تعالی: )وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْکِتَابَ وَالْمِیزَانَ لِیَقُومَ النّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزْلْنَا الْحَدِیدَ فِیهِ بَأْسٌ شَدِیدٌ(((2)).

فإذا استفرغ المنطق جهده من غیر الحصول علی قناعة العدو بالتراجع عن عدوانه، یصبح استخدام القوة شرعیاً لرد ومحق العدوان، وقد ذکرنا فی أکثر من کتاب أن مثل الحرب بحاجة إلی تأیید من شوری الفقهاء المراجع، وإلا لم یکن مشروعاً.

أسلوب استخدام التهدید لتحقیق السلام

وهناک درجات فی استعمال القوة من أجل إحلال السلام، فتارة تکون بالتهدید بها من دون استعمالها کما أشارت إلیه الآیة الکریمة: ƒوَأَعِدّواْ لَهُمْ مّا اسْتَطَعْتُمْ مّن قُوّةٍ وَمِن رّبَاطِ الْخَیْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوّ اللّهِ وَعَدُوّکُمْ‚((3)).

والقرآن اصطلح علی هذه العدة ولوازمها ب- ƒترهبون‚، وهو معنی الترهیب الذی یختلف تماماً عن معنی (الإرهاب) المصطلح فی هذا الیوم، فإن الإرهاب صار ینطبق علی جرائم التعذیب والقتل والإبادة وغیرها، وهذا کله حرام شرعاً.

وأما القتال فهو یختلف عن الإرهاب، والقتال أیضا محرم إلا دفاعاً وبشروط کثیرة مذکورة فی باب الجهاد، قال سبحانه وتعالی: )أُذِنَ لِلّذِینَ یُقَاتَلُونَ بِأَنّهُمْ ظُلِمُواْ وَإِنّ اللّهَ عَلَیَ نَصْرِهِمْ لَقَدِیرٌ * الّذِینَ أُخْرِجُواْ مِن دِیَارِهِم بِغَیْرِ حَقّ إِلاّ أَن یَقُولُواْ رَبّنَا اللّهُ(((4)).

وقال سبحانه وتعالی: )فَمَنِ اعْتَدَیَ عَلَیْکُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَیْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَیَ عَلَیْکُمْ وَاتّقُواْ اللّهَ(((5)).

وفی آیة أخری: )وَقَاتِلُواْ فِی سَبِیلِ اللّهِ الّذِینَ یُقَاتِلُونَکُمْ وَلاَ تَعْتَدُوَاْ إِنّ اللّهَ

ص:257


1- سورة البقرة: 191
2- سورة الحدید: 25
3- سورة الأنفال: 60
4- سورة الحج: 39-40
5- سورة البقرة: 194

لاَ یُحِبّ الْمُعْتَدِینَ(((1)) إلی غیرها من الآیات الکثیرة والتی نحن لسنا بصدد سردها الآن.

وبالنسبة إلی مجرد التهدید، فله صور مختلفة ومنها الشدة کما فی قول-ه تعالی:

ƒمّحَمّدٌ رّسُولُ اللّهِ وَالّذِینَ مَعَهُ أَشِدّآءُ عَلَی الْکُفّارِ رُحَمَآءُ بَیْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُکّعاً سُجّداً یَبْتَغُونَ فَضْلاً مّنَ اللّهِ وَرِضْوَاناً‚((2)).

وهذا نوع تهدید, وإلا فقد کان رسول الله صلی الله علیه و آله فی سیرته العطرة بعیداً عن العنف بتمام مصادیقه حتی مع الکفار.

قال بعض المفسرین: إن شدة المسلمین علی الکفار کان بتحرزهم عن ثیاب المشرکین وعن أبدانهم حتی لا تمس أبدانهم، وذلک رعایة لمسألة الطهارة والنجاسة.

ثم إن الکافر علی أقسام کما ذکرنا تفصیله فی کتاب الجهاد((3))، فإنه قد یکون محارباً وقد لا یکون کذلک، فغیر المحارب یترک وشأنه ویُعامل حسب الموازین المذکورة فی الفقه الإسلامی، أما المحارب فإنما یحارب فی میدان الحرب فقط بعد توفر الشروط المذکورة فی کتاب الجهاد.

ومن هنا یعلم أن استعمال القوة میدانیاً لا یکون إلا إذا اقتضی الأمر بقدره  ومن باب الاضطرار، والضرورات تقدر بقدرها، فالحرب تکون عند الضرورة القصوی فقط، وذلک مثل العملیة الجراحیة التی یضطر إلیها الإنسان. ولا تکون إلا عند الضرورة الملحّة، فإن مثله حینئذٍ کمثل غدّة سرطانیة تحتاج إلی القطع والاستئصال دفاعاً عن النفس، فإن الطبیب الحاذق یقتنع بالقدر الضروری من القطع أو الاستئصال فی أقصی حالات الضرورة.

وهذه القوة تعتبر من لوازم الجهاد ومقوماته فی الشریعة الإسلامیة لأن الإسلام أولی الجهاد المشروع عنایة مهمة لأن صلاح الدین والدنیا لا یکتمل إلا به وقد قال

ص:258


1- سورة البقرة: 190
2- سورة الفتح: 29
3- راجع موسوعة الفقه: ج47 و48 کتاب الجهاد

الإمام أمیر المؤمنین علیه السلام: »إن الله عزَّوجلَّ فرض الجهاد وعظمه وجعله نصره وناصره والله ما صلحت دنیا ولا دین إلا به«((1)) وهو عنوان لعز الإسلام ورفعته وعظمته، کما قالت الصدیقة فاطمة $ فی خطبتها: »والجهاد عزاً للإسلام«((2)). وعن الإمام أبی عبد الله علیه السلام قال: »الجهاد أفضل الأشیاء بعد الفرائض«((3)).

والجهاد مأخوذ من الجهد وهو الطاقة والمشقة، یقال: جاهد یجاهد جهاداً ومجاهدة، إذا استفرغ وسعه، وبذل طاقته، وتحمل المشاق فی مقاتلة العدو ومدافعته، وهو ما یعبر عنه بالحرب فی العرف.

والحرب هی القتال المسلح بین فئتین أو أکثر، والحروب والثورات والمصادمات مستمرة من قدیم الزمان، وقد دوَّن التاریخ کثیراً منها، ولا تکاد تخلو منه أمة ولا جیل، لأنها تنشأ من اختلاف مصالح المجتمع البشری وذلک لوجود مسألة الصراع بین الخیر والشر، فالخیر فی موقف الدفاع من أجل هدایة من یمکن هدایته وإنقاذ المظلوم، وموقف الشر هو سعیه لتدمیر خط الخیر وإبادته، وکذلک تنتج من تعارض المصالح بین بنی البشر، وقد قیل: إن الحرب لم تقتصر علی الإنسان بل وجدت عند الحیوانات أیضاً. وهناک فرق کبیر بین الحرب فی القوانین الوضعیة وبین قوانین السماء، فالأولی غالباً ما تکون تدمیراً للبشریة وإفساداً للطبیعة لأنها لأجل المصالح الأنانیة، وبجانب کونها اعتداء علی الحیاة فهی تدمیر لما تصلح به الحیاة، وهی حرب لأجل دار الدنیا الفانیة فتکون حرباً خاسرة.

 أما فی الثانیة، فیعبر عنها بالجهاد، وهو لا یکون إلا فی سبیل الله تعالی ولأجل إعلاء کلمته وللدفاع عن دینه، ولذا منع الإسلام حرب التوسع، وبسط النفوذ، وسیادة القوی، فقال عز من قائل: )تِلْکَ الدّارُ الاَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلّذِینَ لاَ یُرِیدُونَ عُلُوّاً فِی الأرْضِ وَلاَ فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتّقِینَ(((4))، وهی إذا کانت کذلک فستکون

ص:259


1- وسائل الشیعة: ج15 ص15 ح19915
2- من لا یحضره الفقیه: ج3 ص567 ح4940
3- الکافی: ج5 ص3 ح5
4- سورة القصص: 83

من نتائجها حسن العاقبة.

وهناک فرق بینهما فالأولی تکون لأجل الإبادة أو لارتکاب الجرائم المروعة أو غیرها من هذه المسائل، أما فی الثانیة فلم یحدث فیها من ذلک شیء، وذلک ما صرّح به علماء الغرب الذین یتحرّون الحقیقة ویقولونها، ولذا لم یر العالم قبل الإسلام ولا فی هذا الیوم ولا فی مختلف الحضارات حرباً مثل الحروب الإسلامیة فی النزاهة وقلة القتلی واحترام حقوق الإنسان.

رؤی الإسلام فی السلم والدعوة إلی الحکمة والموعظة

لقد سبق الإسلامُ القانونَ الدولی فی تشریعه للظروف والأحوال التی تشرع فیها الحرب، ووضع القواعد، والمبادئ، والنظم لها، التی تخفف من شرورها وویلاتها، ولکن لا یعرف عن الغرب أنه التزم بشیء من ذلک عند التطبیق، وذلک بسبب مصالح قوی الاستعمار العالمی والصهیونیة العالمیة لإذلال الشعوب المستضعفة واستعمار أرضها وخیراتها، وکما نری الیوم من ازدواجیة القیم والمعاییر الدولیة.

بینما لم یذکر فی التاریخ الإسلامی لا سیما فی عصر النبوة وما بعده فی عهد أمیر المؤمنین علی علیه السلام انتهاکات لهذه القواعد والنظم التی وضعها الإسلام وإن حدث شیء من ذلک فی التاریخ الإسلامی فهذا مخالف لمبادئ الشریعة الإسلامیة السمحاء یحتمل مسؤولیتها الحکام المنحرفون الذین استولوا علی رقاب الناس.

ولمعرفة مدی التزام المسلمین الأوائل بتلک القواعد والنظم التی وضعها المشرع الإسلامی، وللدلالة علی أن السلام فی الإسلام یأتی فی سلوک السلام نفسه، ولیس عن الطریق المعاکس. وإن القاعدة فیه هی السلم والسلام، والحرب استثناء، لابد من الرجوع إلی الصدر الأول لمعرفة أمرین:

الأول: من أجل إلقاء نظرة علی واقع مسیرة الرسالة الإسلامیة وهل أنها فرضت علی الناس بالقوة والإکراه أو کانت عبر الطرق السلمیة کما قال النبی صلی الله علیه و آله للإمام علی علیه السلام: »لئن یهدی الله بک أحداً خیر لک مما طلعت علیه الشمس«((1)). ثم ما

ص:260


1- بحار الأنوار: ج32 ص447 ح394

هو موقف المسلمین من الذین لم یقبلوا هذه الدعوة فی أول الأمر؟

الثانی: ذکر لقطات من تاریخ عصر النبوة وما بعده لنری فیها ما هو الأصل فی الإسلام، هل هو الحرب أم السلام؟ وعن بعض المواضیع التی تتعلق بالحرب کبدء القتال وآدابه، وعن موقف أهل البیت علیهم السلام من أعدائهم فی ساحة القتال وعن سیرتهم فی أثناء المعرکة.

خطوات مسیرة الرسالة الإسلامیة

الأمر الأول: خطوات مسیرة الرسالة الإسلامیة

عند الرجوع إلی خطوات مسیرة الرسالة الإسلامیة نجد عدة أمور اتبعتها هذه الرسالة المبارکة:

1: الدعوة بالحکمة والموعظة ومقابلة الإساءة بالإحسان

لما أرسل الله عزوجل رسوله صلی الله علیه و آله إلی الناس جمیعاً، وأمره أن یدعو إلی الهدی ودین الحق، لبث فی مکة یدعو إلی الله سبحانه وتعالی بالحکمة والموعظة الحسنة وکان یقابل الإساءة بالإحسان، حیث قال الله: )ادْعُ إِلِیَ سَبِیلِ رَبّکَ بِالْحِکْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالّتِی هِیَ أَحْسَنُ(((1))، وکان لابد أن یلقی مناوأة من قومه الذین رأوا أن الدعوة الجدیدة خطر علی کیانهم المادی وشهواتهم المادیة، فکان المشرکون یؤذونه ویطاردون أصحابه ویعذبون المؤمنین به، حتی أن أحدهم ضرب رأس رسول الله صلی الله علیه و آله بقوس فأدماه، ورضخه ثان بالحجارة((2))، وألقی ثالث سلی البعیر علی رأسه الشریف((3))، فکان توجیه الله ل-ه صلی الله علیه و آله: أن یلقی هذه المناوأة بالصبر والعفو والصفح

ص:261


1- سورة النحل: 125
2- راجع بحار الأنوار: ج18 ص241 و242 ح89، وفیه: روی أنه لما أنزل الله تعالی: ) فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشرکین ( - سورة الحجر: 94 - قام رسول الله صلی الله علیه و آله علی الصفا ونادی فی أیام الموسم: » یا أیها الناس إنی رسول الله ربّ العالمین، فرمقه الناس بأبصارهم، قالها ثلاثاً، ثم انطلق حتی أتی المروة ثم وضع یده فی أذنه ثم نادی ثلاثاً بأعلی صوته: یا أیها الناس إنی رسول الله ثلاثاً، فرمقه الناس بأبصارهم ورماه أبو جهل قبحه الله بحجر فشج بین عینیه وتبعه المشرکون بالحجارة فهرب حتی أتی الجبل فاستند إلی موضع یقال له المتکا « ، الخبر
3- راجع بحار الأنوار: ج33 ص229ح516،وفیه: روی أهل الحدیث: « أن النضر بن الحارث وعقبة علیه السلام�� علیه السلام�� بن أبی معیط وعمرو بن العاص عمدوا إلی سلی جمل فرفعوه بینهم ووضعوه علی رأس رسول الله صلی الله علیه و آله وهو ساجد بفناء الکعبة فسال علیه فصبر ولم یرفع رأسه وبکی فی سجوده ودعا علیهم، فجاءت ابنته فاطمة $ وهی باکیة فرفعته عنه فألقته وقامت علی رأسه وهی باکیة فرفع رأسه وقال: اللهم علیک بقریش، قالها ثلاثاً، ثم قال: رافعاً صوته إنی مظلوم فأنتصر، قالها ثلاثاً، ثم قام فدخل منزله وذلک بعد وفاة عمه أبی طالب بشهرین »

الجمیل، کما قال سبحانه وتعالی: )وَاصْبِرْ لِحُکْمِ رَبّکَ فَإِنّکَ بِأَعْیُنِنَا(((1)).

وقال عزوجل أیضاً: )فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلاَمٌ فَسَوْفَ یَعْلَمُونَ(((2)).

وقال: )فَاصْفَحِ الصّفْحَ الْجَمِیلَ(((3)).

وقال: )قُل لّلّذِینَ آمَنُواْ یَغْفِرُواْ لِلّذِینَ لاَ یَرْجُونَ أَیّامَ اللّهِ(((4)).

ولم یأذن الله بأن یقابل السیئة بالسیئة، کما قال سبحانه وتعالی: )ثُمّ بَدّلْنَا مَکَانَ السّیّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتّیَ عَفَوْاْ(((5))، أو یواجه الأذی بالأذی، أو یحارب الذین حاربوا الدعوة، أو یقاتل الذین فتنوا المؤمنین والمؤمنات. کما قال سبحانه: )ادْفَعْ بِالّتِی هِیَ أَحْسَنُ السّیّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا یَصِفُونَ(((6)).

وکل ما أمر به جهاداً فی هذه الفترة أن یجاهد بالمنطق، والقرآن، والحجة، والبرهان، قال سبحانه وتعالی: )وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً کَبیراً(((7)).

2: الانتقال إلی مواقع أخری من أجل منع وقوع الحرب

ومن جملة الأسالیب التی اتبعتها الرسالة الإسلامیة الانتقال والتحول إلی منطقة أخری، وهو ما عرف بالهجرة، من أجل ممارسة الحریة الدینیة وحریة الإنسان المؤمن وعدم وقوع مظاهر العنف بین المسلمین وغیرهم، فکانت الهجرة الأولی إلی الحبشة علی تفصیل مذکور فی التاریخ((8)).

ص:262


1- سورة الطور: 48
2- سورة الزخرف: 89
3- سورة الحجر: 85
4- سورة الجاثیة: 14
5- سورة الأعراف: 95
6- سورة المؤمنون: 96
7- سورة الفرقان: 52
8- انظر کتاب (ولأول مرة فی تاریخ العالم) ج1 للإمام الشیرازی رحمة الله

ولکی یتمکن الرسول صلی الله علیه و آله من نشر دعوته ویستمر فی عملیة التبلیغ وبصورة آمنة ومستقرة، اضطر النبی صلی الله علیه و آله أن یهاجر من مکة إلی المدینة، ویأمر أصحابه بالهجرة إلیها بعد ثلاث عشرة سنة من البعثة. وذلک لاستمرار اضطهاد المسلمین من قبل المشرکین واشتداد الأذی علی المؤمنین حتی وصل قمته، وذلک حینما قاموا بتدبیر مؤامرة لاغتیال الرسول الکریم صلی الله علیه و آله وقتله، فخرج رسول الله صلی الله علیه و آله مهاجراً فی نفس اللیلة التی هجم المشرکون علی داره. قال الله عزوجل: )وَإِذْ یَمْکُرُ بِکَ الّذِینَ کَفَرُواْ لِیُثْبِتُوکَ أَوْ یَقْتُلُوکَ أَوْ یُخْرِجُوکَ وَیَمْکُرُونَ وَیَمْکُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَیْرُ الْمَاکِرِینَ(((1)).

وقال الله سبحانه: )إِلاّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ(((2)).

وقد أشرقت أنوار هذا النصر العظیم فی المدینة المنورة بعد أن هاجر النبی صلی الله علیه و آله إلیها، فتهیأت له الإمکانیات لنشر الدعوة الإسلامیة وتحصیل القوة المادیة، فأخذ یسعی لتبلیغ الرسالة حتی أصبح لا یجد وقتاً للوفود التی کانت تجیء لتسلم علیه مظهرة إسلامها وانقیادها وطاعتها ل-ه صلی الله علیه و آله، کما قال الله سبحانه: )بِسْمِ اللّهِ الرّحْم-َنِ الرّحِیمِ* إِذَا جَآءَ نَصْرُ اللّهِ وَالْفَتْحُ* وَرَأَیْتَ النّاسَ یَدْخُلُونَ فِی دِینِ اللّهِ أَفْوَاجاً* فَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبّکَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنّهُ کَانَ تَوّابَا(((3)).

دلالة الآیات التی شرعت الحرب وأذنت بالقتال المشروع

وفی المدینة المنورة - عاصمة الإسلام الجدیدة - تقرر الإذن بالقتال دفاعاً، وذلک لجملة من الأسباب المشروعة، ومنها:

أولاً: تأمین مسیرة الرسالة الإسلامیة وحریة العقیدة

کانت تلک الحروب الدفاعیة من أجل تأمین السلم والسلام فی مسیرة الرسالة الإسلامیة وتمکینها فی الأرض لمن یرغب الدخول فی الإسلام بکامل اختیاره، ولأجل الدفاع عن حریة المسلمین فی ممارسة معتقداتهم وشعائرهم، من إقامة الصلاة، وإیتاء

ص:263


1- سورة الأنفال: 30
2- سورة الحج: 40
3- سورة النصر: 1-3

الزکاة، والأمر بالمعروف، والنهی عن المنکر. وکانت أیضاً لانتشال المظلومین من اضطهادهم والظلم الذی یصب علیهم من قبل الطغاة والمستبدین، فهو قتال مشروع، ولولا أذن الله للناس بمثل هذا الدفاع، لهدمت جمیع المعابد التی یذکر فیها اسم الله کثیراً، بسبب ظلم الکافرین الذی لا یؤمنون بالله ولا بالیوم الآخر ولا یعترفون بحریة الإنسان فی العقیدة والرأی.

إن الإسلام یدعو إلی حفظ الدین، لأن المجتمع لا یستقر ولا یستقیم إلا به، فالدین هو الذی یوجه سلوک الإنسان نحو الاستقامة والنهج المستقیم، وهو الذی یوقف المجرم عن ارتکاب الجرائم، ومن خلاله یستطیع کل إنسان أن یقیم شعائره ومعتقداته بکل حریة، وهذا حق لکل إنسان فإذا وقف أحد فی سبیل هذه الدعوة بتعذیب من آمن بها، أو وضع العقبات فی سبیل تقدمها، أو صد من أراد الدخول فیها، أو منع الداعی عن تبلیغها، أو أخذ یخطط لضعضعتها، فإن الإسلام یأمر بصد ذلک، وإذا أخذ الکفار بإشهار السیف ضد المسلمین فحینئذ یجوز إشهار السیف بالقدر الذی یزیل العثرة فقط.

قال رسول الله صلی الله علیه و آله: »ومن قتل دون دِینه فهو شهید«((1)).

ومن الآیات القرآنیة التی أشارت إلی هذا المعنی قول-ه تعالی: )وَقَاتِلُواْ فِی سَبِیلِ اللّهِ الّذِینَ یُقَاتِلُونَکُمْ وَلاَ تَعْتَدُوَاْ إِنّ اللّهَ لاَ یُحِبّ الْمُعْتَدِینَ* وَاقْتُلُوهُمْ حَیْثُ ثَقِفْتُمُوهُم وَأَخْرِجُوهُمْ مّنْ حَیْثُ أَخْرَجُوکُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدّ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتّیَ یُقَاتِلُوکُمْ فِیهِ فَإِن قَاتَلُوکُمْ فَاقْتُلُوهُمْ کَذَلِکَ جَزَآءُ الْکَافِرِینَ* فَإِنِ انتَهَوْاْ فَإِنّ اللّهَ غَفُورٌ رّحِیمٌ* وَقَاتِلُوهُمْ حَتّیَ لاَ تَکُونَ فِتْنَةٌ وَیَکُونَ الدّینُ للّهِ فَإِنِ انْتَهَواْ فَلاَ عُدْوَانَ إِلاّ عَلَی الظّالِمِینَ( ((2)).

وهذه الآیات تضمنت:

1: الأمر بقتال الذین یبدؤون بالعدوان، وذلک لردع المعتدین ولکفِّ عدوانهم، ومن الواضح أن القتال دفاعاً عن النفس أمر مشروع فی کل الشرائع، وفی جمیع

ص:264


1- الکافی: ج5 ص52 ح1
2- سورة البقرة: 190 - 193

المذاهب وعند جمیع العقلاء، وهذا ما یظهر من قوله تعالی: )وَقَاتِلُواْ فِی سَبِیلِ اللّهِ الّذِینَ یُقَاتِلُونَکُمْ وَلاَ تَعْتَدُوَاْ إِنّ اللّهَ لاَ یُحِبّ الْمُعْتَدِینَ(((1))، فأما الذین لا یبدؤون بعدوان، فإنه لا یجوز قتالهم ابتداءً، لأن الله نهی عن الاعتداء کما فی الآیة السابقة.

2: النهی عن قتال غیر المعتدی نهی محکم غیر قابل للنسخ، فإن تعلیل النهی فی الآیة الشریفة بأن الله لا یحب المعتدین، دلیل استمراریة الحکم، لأنه لا یمکن أن یحب الله الاعتداء فی وقت ما، قال الله تعالی: )وَمَا اعْتَدَیْنَآ إِنّا إِذاً لّمِنَ الظّالِمِینَ(((2))، وهذا لا یدخله النسخ لأن الاعتداء ظلم، والله لا یحب الظلم أبداً، کما قال سبحانه وتعالی: )وَاللّهُ لاَ یُحِبّ الظّالِمِینَ(((3)).

مضافاً إلی کثیر من الروایات التی نهت عن الظلم والبدء بقتال غیر المعتدی فإنه من مصادیق الظلم علی ما مر.

قال رسول الله صلی الله علیه و آله: »اتقوا الظلم فإنه ظلمات یوم القیامة«((4)).

وقال الإمام علی علیه السلام: »من خاف القصاص کف عن ظلم الناس«((5)).

وقال أبو عبد الله علیه السلام:«العامل بالظلم والمعین له والراضی به شرکاء

ثلاثتهم»((6)).

وقال علیه السلام أیضاً: »من عذر ظالماًُ بظلمه سلط الله علیه من یظلمه، فإن دعا لم یستجب له ولم یأجره الله علی ظلامته«((7)).

وعن أبی جعفر علیه السلام قال: »ما انتصر الله من ظالم إلا بظالم، وذلک قول-ه عزوجل: )وَکَذَلِکَ نُوَلّی بَعْضَ الظّالِمِینَ بَعْضاً بِمَا کَانُواْ یَکْسِبُونَ(((8))«((9)).

لأن الظلم یؤدی إلی تدمیر البشریة ویتعارض مع نوامیس العدل التی أقام الله بها

ص:265


1- سورة البقرة: 190
2- سورة المائدة: 107
3- سورة آل عمران: 57 و170
4- الکافی: ج2 ص332 ح10
5- الکافی: ج2 ص331 ح6
6- الکافی: ج2 ص333 ح16
7- وسائل الشیعة: ج16 ص56 ح20966
8- سورة الأنعام: 129
9- مستدرک الوسائل: ج12 ص98 ح13626

الکون.

3: إن لهذه الحرب المشروعة غایة تنتهی إلیها، وهی منع الفتنة والدفاع عن حقوق المؤمنین والمؤمنات بترک إیذائهم، وتأکیداً لحریاتهم لیمارسوا عبادة الله ویقیموا دینه، وهم آمنون علی أنفسهم من کل عدوان. فإذا تحقق ذلک فتنتهی الحرب فوراً، ولیس فی الإسلام حب إراقة الدماء والتشفی والانتقام وما أشبه.

4: ومن هذه النقاط یستدل علی ما فصلنا الحدیث عنه فی الفصل الأول من أن الإسلام لم یجعل الإکراه وسیلة من وسائل الدخول فی الدین کما قال سبحانه: )لاَ إِکْرَاهَ فِی الدّینِ قَد تّبَیّنَ الرّشْدُ مِنَ الْغَیّ(((1))، بل جعل وسیلة ذلک استعمال العقل وإعمال الفکر، والنظر فی ملکوت السماوات والأرض کما قال سبحانه وتعالی: )أَوَلَمْ یَنْظُرُواْ فِی مَلَکُوتِ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا خَلَقَ اللّهُ مِن شَیْءٍ وَأَنْ عَسَیَ أَن یَکُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَیّ حَدِیثٍ بَعْدَهُ یُؤْمِنُونَ(((2)).

ویقول الله عزوجل: )وَلَوْ شَآءَ رَبّکَ لاَمَنَ مَن فِی الأرْضِ کُلّهُمْ جَمِیعاً أَفَأَنتَ تُکْرِهُ النّاسَ حَتّیَ یَکُونُواْ مُؤْمِنِینَ* وَمَا کَانَ لِنَفْسٍ أَن تُؤْمِنَ إِلاّ بِإِذْنِ اللّهِ وَیَجْعَلُ الرّجْسَ عَلَی الّذِینَ لاَ یَعْقِلُونَ* قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِی السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا تُغْنِی الاَیَاتُ وَالنّذُرُ عَن قَوْمٍ لاّ یُؤْمِنُونَ(((3)).

ثانیاً: الدفاع عن النفس

ومن دلالة الآیات التی شرعت الحرب وأذنت بالقتال المشروع أن الظلامات التی عانی منها المسلمون کثیرة، فمنها ظلاماتهم بالاعتداء علیهم ثم إخراجهم من دیارهم بغیر حق إلا لأنهم یدینون بدین الله، ویقولون: ربنا الله، فلما أطبق علیهم الأعداء وأخذوا یحاربونهم بالسیوف، اضطروا إلی امتشاق الحسام، دفاعاً عن النفس، وحفظ الأنفس والدفاع عنها واجب شرعاً، وکانت أول آیة نزلت فی هذا قول الله سبحانه وتعالی:)أُذِنَ لِلّذِینَ یُقَاتَلُونَ بِأَنّهُمْ ظُلِمُواْ وَإِنّ اللّهَ عَلَیَ نَصْرِهِمْ لَقَدِیرٌ* الّذِینَ

ص:266


1- سورة البقرة: 256
2- سورة الأعراف: 185
3- سورة یونس: 99 - 101

أُخْرِجُواْ مِن دِیَارِهِم بِغَیْرِ حَقّ إِلاّ أَن یَقُولُواْ رَبّنَا اللّهُ وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لّهُدّمَتْ صَوَامِعُ وَبِیَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ یُذْکَرُ فِیهَا اسمُ اللّهِ کَثِیراً وَلَیَنصُرَنّ اللّهُ مَن یَنصُرُهُ إِنّ اللّهَ لَقَوِیّ عَزِیزٌ * الّذِینَ إِنْ مّکّنّاهُمْ فِی الأرْضِ أَقَامُواْ الصّلاَةَ وَآتَوُاْ الزّکَ-اةَ وَأَمَرُواْ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْاْ عَنِ الْمُنْکَرِ وَلِلّهِ عَاقِبَةُ

الاُمُورِ(((1)).

ویستدل من هذه الآیات التی عللت الإذن بالقتال علی أن الإسلام وهو فی أزهی عصر سیادته لم یشنّ المعارک فی العالم إلا لأسباب مشروعة علی ما ورد فی قوانینه الفطریة، ومنها حرب الدفاع عن النفس((2)) من العدوان الذی یوجّه إلیه من قبل المعتدین من أعداء الإسلام.

ومن مصادیق الدفاع عن الأنفس وحفظ الدماء الدفاع عن المستضعفین الذین وقعوا تحت ظلم الطغاة، فهو أمر مشروع وعقلائی من أجل إنقاذ حیاتهم لأنهم یتعرضون إلی ظلم وعدوان من أعدائهم فتجب مناصرتهم ومؤازرتهم والدفاع عنهم، وقد قال سبحانه: )وَمَا لَکُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِی سَبِیلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِینَ مِنَ الرّجَالِ وَالنّسَآءِ وَالْوِلْدَانِ الّذِینَ یَقُولُونَ رَبّنَآ أَخْرِجْنَا مِنْ هَ-َذِهِ الْقَرْیَةِ الظّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لّنَا مِن لّدُنْکَ وَلِیّاً وَاجْعَلْ لّنَا مِن لّدُنْکَ نَصِیراً(((3))، فهذه أیضا من المعانی فی دفع الظلم المجوزة للقتال من باب الدفاع عن النفس ضد المعتدین.

وقد بینت الآیة سببین من أسباب القتال:

1: القتال الدفاعی فی سبیل الله، وهو الغایة التی یسعی إلیها الدین، حتی لاتکون فتنة ویکون الدین لله.

2: القتال الدفاعی فی سبیل إنقاذ المستضعفین، وکان منهم الذین أسلموا بمکة ولم یستطیعوا الهجرة، فعذبتهم قریش وفتنتهم حتی طلبوا من الله الخلاص، فهؤلاء لا غنی لهم عن الحمایة التی تدفع عنهم أذی الظالمین.

ص:267


1- سورة الحج: 39 -41
2- راجع کتاب (ولأول مرة فی تاریخ العالم): ج1-2، للإمام المؤلف (أعلی الله درجاته)
3- سورة النساء: 75

ولم یقتصر الدفاع عن هؤلاء المظلومین فی محیط قریش بل تجاوز هذه القبائل وتعدی تلک المساحة الجغرافیة إلی بلاد الشام فقد أرسل رسول الله صلی الله علیه و آله عسکراً إلی مؤتة ولَّی علیهم زید بن حارثة((1)) وذلک لأن بعض النصاری بالشام عمدوا إلی قتل بعض المسلمین هناک وهو أول قتال وقع بین المسلمین والنصاری.

علماً بأن الرسول صلی الله علیه و آله لم یقاتل أحداً منهم، حتی أرسل صلی الله علیه و آله رسله بعد صلح الحدیبیة إلی جمیع الملوک یدعوهم إلی الإسلام، فأرسل إلی قیصر، وإلی کسری، وإلی المقوقس، وإلی النجاشی، وإلی ملوک العرب بالیمن وغیرها، فدخل فی الإسلام من دخل من النصاری وهم کثیرون.

وفی حالنا الحاضر یجب علی المسلمین حمایة إخوانهم المستضعفین من ظلم الطواغیت فی کافة أنحاء العالم. وکذلک یلزم علی النصاری أن یتعاملوا مع المسلمین کإخوان لهم فی الإنسانیة ویحسنوا لهم فقد کان من إحسانه صلی الله علیه و آله إلی أهل الکتاب أنه کان یقترض منهم مکرّراً مع أن بعض الصحابة کانوا أثریاء وکلهم یتلهفون علی أن یقترض رسول الله صلی الله علیه و آله منهم، وإنما فعل ذلک تعلیماً للأمة وتثبیتاً عملیاً لما یدعو إلیه من السلام والإسلام والوئام، وتدلیلاً علی أن الإسلام لا یقطع علاقات المسلمین مع من ینتحل غیر دینهم.

ثالثاً: الدفاع لأجل حفظ الأعراض

ومن دلالة الآیات التی شرعت الحرب وأذنت بالقتال المشروع، الدفاع عن الأعراض، وذلک حینما تتعرض إلی الانتهاک فیجب حفظها والدفاع عنها، لأنها عنوان للأسرة وشرفها وکرامتها، وإذا صلحت الأسرة صلح المجتمع، وإذا فسدت

ص:268


1- لمزید من الاطلاع راجع بحار الانوار: ج21 ص50، والأمالی للطوسی: ص140

الأسرة فسد المجتمع، وقد وردت أحادیث عن أئمة العترة الطاهرة علیهم السلام تشید بالذی قاتل من أجل حفظ عیاله ورحله، فعن الإمام أبی عبد الله علیه السلام قال:قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «من قتل دون عیاله فهو شهید»((1)).

وعن الإمام علی بن موسی الرضا علیه السلام قال: «من قاتل فقتل دون رحله ونفسه فهو شهید»((2)).

رابعاً: الدفاع لأجل حفظ الأموال

ومن دلالة الآیات التی شرعت الحرب وأذنت بالقتال المشروع، القتال من أجل حفظ الأموال حینما تتعرض إلی النهب والسلب، وهذا الدفاع أمر مشروع، فالأموال قوام الأسرة والمجتمع والدولة، وبدونها لا یستقیم أمر المجتمع، وحق الملکیة من ضمن حقوق الفرد المشروعة، قال الإمام جعفر بن محمد علیه السلام أنه قال: »من قتل دون ماله فهو شهید«((3)).

وقد سجل التاریخ لرسول الله صلی الله علیه و آله ولأهل البیت علیهم السلام صفحات مشرقة عن الدفاع فی سبیل حفظ أموال المسلمین العامة والخاصة، کما فی غزوة بدر.

ومن ذلک سیاسة الإمام علی علیه السلام العادلة فی الأموال، حیث کان شدید الحفظ لأموال الشعب.

وقد کانت سیاسة من سبقه علی أکل المال بالباطل، کما قال علی علیه السلام:

»یخضمون مال الله خضمة الإبل نبتة الربیع«((4))، بینما لما جاء علی علیه السلام أخذ یسترجع أموال المسلمین التی وزعت علی أرحام الحکام بالباطل، ومنها ما رده علیهم من قطائع عثمان فقال: »والله لو وجدته قد تُزوّج به النساء وملک به الإماء لرددته، فإن فی العدل سعة، ومن ضاق علیه العدل فالجور علیه أضیق«((5)).

وأما بالنسبة لمتابعته لأموال الناس الخاصة فقول-ه علیه السلام لبعض عماله: »فلما

ص:269


1- تهذیب الأحکام: ج6 ص157 ح5
2- وسائل الشیعة: ج15 ص49 ح19963
3- وسائل الشیعة: ج15 ص49 ح19962
4- نهج البلاغة: الخطب 3
5- نهج البلاغة: الخطب 15

أمکنتک الشدة فی خیانة الأمة أسرعت الکرة وعاجلت الوثبة، واختطفت ما قدرت علیه من أموالهم المصونة لأراملهم وأیتامهم، اختطاف الذئب الأزلّ دامیة المعزی الکسیرة، فحملته إلی الحجاز رحیب الصدر بحمله غیر متأثم من أخذه کأنک لا أبا لغیرک، حدرت إلی أهلک تراثک من أبیک وأمک، فسبحان الله، أما تؤمن بالمعاد؟ أو ما تخاف نقاش الحساب، أیها المعدود کان عندنا من أولی الألباب، کیف تسیغ شراباً وطعاماً وأنت تعلم أنک تأکل حراماً، وتشرب حراماً وتبتاع الإماء وتنکح النساء من أموال الیتامی والمساکین والمؤمنین والمجاهدین الذین أفاء الله علیهم هذه الأموال وأحرز بهم هذه البلاد، فاتق الله واردد إلی هؤلاء القوم أموالهم، فإنک إن لم تفعل ثم أمکننی الله منک لأعذرن إلی الله فیک ولأضربنک بسیفی الذی ما ضربت به أحداً إلا دخل النار...« ((1)).

خامساً: الدفاع لأجل حفظ الأوطان

ومن دلالة الآیات التی شرعت الحرب وأذنت بالقتال المشروع، حفظ الوطن الإسلامی، وذلک حینما یتعرض بلد المسلمین إلی الاعتداء والغزو من قبل الأعداء، فیجب هنا الدفاع عن حرمة هذا البلد، یقول الله سبحانه وتعالی: )وَمَا لَنَآ أَلاّ نُقَاتِلَ فِی سَبِیلِ اللّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِیَارِنَا وَأَبْنَآئِنَا(((2)).

وهذا القتال من أجل هذه الأمور المتقدمة لا یعتبر عدواناً علی الآخرین بل هو دفاع مشروع مع رعایة سائر الشروط والتی منها إذن المعصوم علیه السلام أو الفقهاء المراجع.

إذن المعصوم علیه السلام أو شوری المراجع

إذن المعصوم علیه السلام أو شوری المراجع

ولا یخفی أن الحرب بمختلف أقسامها التی سبقت، بحاجة إلی إذن خاص من المعصوم علیه السلام وفی زمن غیبته إلی إذن شوری الفقهاء المراجع، ولا یکفی إذن فقیه واحد بالقتال، لأن الأمور العامة کالقتال والحرب بحاجة إلی استشارة سائر الفقهاء

ص:270


1- نهج البلاغة: الرسائل 41
2- سورة البقرة: 246

فإنها من الأمور الخطیرة المشتملة علی الدماء والأعراض والأموال، والخطأ فیها لا یغتفر، ومن ثم یلزم الأخذ برأی الأکثریة من المراجع دون رأی واحد منهم.

کما أن مثل هذه المواضیع بحاجة إلی استشارة الأخصائیین الزمنیین لمعرفة نتائج الحرب وهل هی فی صالح المسلمین أم فی ضررهم ودراسة الأمور دراسة دقیقة شاملة مع مراعاة سائر الجوانب وعدم الاستعجال فیها، فلا یکفی مجرد رأی شوری الفقهاء المراجع. وکثیراً ما تکون الضغوط الإعلامیة والدبلوماسیة وما أشبه هی الأنفع من الحرب والخوض فی المعارک. هذا کله مع رعایة الشروط الشرعیة والآداب الإسلامیة فی الحروب وهی کثیرة جداً وقد أظهرت نزاهة الإسلام حتی فی میادین الحرب، علی تفصیل سیأتی بإذن الله تعالی.

أما مجرد حث الناس علی القتال من قبل بعض الأحزاب أو الفئات أو حتی بعض الشخصیات الدینیة أو الاجتماعیة أو السیاسیة فإنه غیر صحیح بل غیر جائز شرعاً، وقد یوجب الضمان علی ما هو مقرر فی الفقه.

الحقوق والاتفاقیات

وهناک أمور أخری قد یقع الدفاع والقتال عنها کحفظ الحقوق وحمایة الاتفاقیات والمعاهدات، ولکن مشروطة بعدم جدوی الطرق السلمیة وأن الطرف هو الذی بدأ القتال فحینئذ یجوز الدفاع.

أما مجرد نقض العهود والاتفاقات وما أشبه، فربما أمکن الوصول فیه إلی الحل عبر المفاوضات السلمیة ورفع الشکوی إلی المحاکم الدولیة المستقلة وما أشبه.

قال تعالی: )أَلاَ تُقَاتِلُونَ قَوْماً نّکَثُوَاْ أَیْمَانَهُمْ وَهَمّواْ بِإِخْرَاجِ الرّسُولِ وَهُم بَدَءُوکُمْ أَوّلَ مَرّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللّهُ أَحَقّ أَن تَخْشَوْهُ إِن کُنتُمْ مّؤُمِنِینَ * قَاتِلُوهُمْ یُعَذّبْهُمُ اللّهُ بِأَیْدِیکُمْ وَیُخْزِهِمْ وَیَنْصُرْکُمْ عَلَیْهِمْ وَیَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مّؤْمِنِینَ * وَیُذْهِبْ غَیْظَ قُلُوبِهِمْ وَیَتُوبُ اللّهُ عَلَیَ مَن یَشَآءُ وَاللّهُ عَلِیمٌ حَکِیمٌ( ((1)) فإذا نکث المعتدون عهد الصلح مع المسلمین وأخذوا بمحاربتهم وجب القتال، یقول الله سبحانه

ص:271


1- سورة التوبة: 13- 15

وتعالی: )وَقَاتِلُواْ الْمُشْرِکِینَ کَآفّةً کَمَا یُقَاتِلُونَکُمْ کَآفّةً وَاعْلَمُوَاْ أَنّ اللّهَ مَعَ الْمُتّقِینَ (((1)).

وأما قتال الرسول صلی الله علیه و آله للیهود الذین کانوا فی المدینة وحوالیها، فإنهم کانوا قد عاهدوا رسول الله صلی الله علیه و آله بعد هجرته، ووفی رسول الله صلی الله علیه و آله بعهده ولم یتعرض لهم أبداً بل کان صلی الله علیه و آله حامیاً عن أموالهم وأعراضهم وأنفسهم وحریتهم الدینیة، ولکن الیهود لم یلبثوا أن نقضوا العهد وانضموا إلی المشرکین والمنافقین ضد المسلمین، ووقفوا محاربین لهم فی غزوة الأحزاب، فأنزل الله تعالی: )قَاتِلُواْ الّذِینَ لاَ یُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْیَوْمِ الاَخِرِ وَلاَ یُحَرّمُونَ مَا حَرّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ یَدِینُونَ دِینَ الْحَقّ مِنَ الّذِینَ أُوتُواْ الْکِتَابَ حَتّیَ یُعْطُواْ الْجِزْیَةَ عَن یَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ(((2)).

وقال أیضاً: )یَ-ا أیّهَا الّذِینَ آمَنُواْ قَاتِلُواْ الّذِینَ یَلُونَکُمْ مّنَ الْکُفّارِ وَلِیَجِدُواْ فِیکُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوَاْ أَنّ اللّهَ مَعَ الْمُتّقِینَ(((3)).

وهذا یدل علی أن حروب رسول الله صلی الله علیه و آله کانت کلها دفاعیة، لیس فیها شیء من العدوان، وقتال المشرکین من العرب ونبذ عهودهم بعد فتح مکة کان جاریاً علی هذه القاعدة.

ضرورة الإیمان بالسلام فی الاستعداد للمواجهات الحربیة

ذکرنا قبل صفحات أن الإسلام سبق القانونَ الدولی فی وضع القواعد والمبادئ والنظم الإنسانیة للحروب التی تخفف من شرورها وویلاتها، وتأکیداً لذلک سنذکر نوعین من الشواهد علی ذلک.

الأول: من سیرة النبی المصطفی صلی الله علیه و آله السلمیة فی المجال الجهادی والتبلیغی.

والثانی: من سیرة الإمام علی بن أبی طالب علیه السلام فی حروبه التی ألجؤوه إلیها.

فإنهما عدل القرآن کما فی حدیث الثقلین.

ص:272


1- سورة التوبة: 36
2- سورة التوبة: 29
3- سورة التوبة: 123

الأول: السلم والسلام فی سیرة المصطفی الجهادیة صلی الله علیه و آله

الشواهد علی حرص الإسلام فی حقن الدماء فی هذا المجال کثیرة جداً فی التاریخ الإسلامی، نذکر منها هذه المشاهد المختلفة من سیرة النبی المصطفی صلی الله علیه و آلهفی غزواته وحروبه:

1: إذا أراد الرسول صلی الله علیه و آلهأن یبعث سریَّة دعاهم فأجلسهم بین یدیه ثم یوصیهم فیقول صلی الله علیه و آله: »سیروا بسم الله، وبالله، وفی سبیل الله، وعلی ملة رسول الله، لاتغلوا، ولا تمثلوا، ولا تغدروا، ولا تقتلوا شیخاً فانیاً، ولا صبیاً، ولا امرأة، ولاتقطعوا شجراً، إلا أن تضطروا إلیها، وأیما رجل من أدنی المسلمین أو أفضلهم نظر إلی أحد من المشرکین فهو جار حتی یسمع کلام الله، فإن تبعکم فأخوکم فی الدین، وإن أبی فأبلغوه مأمنه واستعینوا بالله«((1)).

وهنا تتجلی مراعاة الإسلام لأسالیب القتال الإنسانیة بحیث لا تؤثر علی معتزلی القتال من الشیوخ والنساء والأطفال والجرحی. مضافاً إلی التوصیة بعدم الغدر وعدم التمثیل وعدم التعرض للبیئة من قلع الأشجار وما أشبه.

2: وهناک حوادث وقعت فی هذا المجال تدلل علی أن النبی الأعظم صلی الله علیه و آله لم یکره أحداً من أسراه علی الإسلام، فکان من سماحة الرسول الأعظم صلی الله علیه و آله أنه عامل أسری بدر معاملة حسنة لم یسبق لها مثیل فی تاریخ الأمم، فقد کانت الأمم تعامل أسراها معاملة العدو البغیض، فتقتلهم أو تبیعهم أو تسترّقهم أو تسخرهم فی أشق الأعمال أو تعذبهم أشد العذاب، واستشار الرسول صلی الله علیه و آله أصحابه فی شأن أسری بدر فأشار بعضهم علیه بقتلهم وأشار بعضهم بفدائهم فوافق الرسول صلی الله علیه و آله علی الفداء، وجعل فداء الذین یکتبون أن یعلّم کل واحد منهم عشرة من صبیان المدینة الکتابة. کما أنه أشار بعض الصحابة أن یمثل بسهیل بن عمرو أحد المحرّضین علی محاربة المسلمین بأن ینتزع ثنیتیه السفلیتین کی لا یستطیع الخطابة، فرفض النبی صلی الله علیه و آله وقال:

ص:273


1- وسائل الشیعة: ج15 ص59 ح19985

»لا أمثِّل به فیمثَّل الله بی وإن کنت نبیاً«((1)).

3: فی الحدیث أن رسول الله صلی الله علیه و آله أرسل قِبَلَ نجد سریّة فأسروا واحداً اسمه ثمامة بن أثال الحنفی سید یمامة، فأتوا به وشدُّوه إلی ساریة من سواری المسجد فمر به النبی صلی الله علیه و آله فقال: »ما عندک یا ثمامة« فقال: خیر، إن قتلت قتلت وارماً، وإن مننت مننت شاکراً، وإن أردت مالاً قل تُعطَ ما شئت، فترکه ولم یقل شیئاً، فمر به الیوم الثانی فقال مثل ذلک، ثم مرَّ به الیوم الثالث فقال مثل ذلک، ولم یقل النبی صلی الله علیه و آله شیئاً، ثم قال صلی الله علیه و آله: »أطلقوا ثمامة« فأطلقوه، فمرَّ واغتسل وجاء وأسلم وکتب إلی قومه فجاؤوا مسلمین ((2)) وبذلک کانت هدایة شخص واحد مقدمة لدخول عشیرته الإسلام.

4: وکان (ابن أبیّ) رأسا فی المنافقین وأعظمهم نفاقاً وأشدهم، وکان المنافقون بکثرة حتی بلغوا ثلاثمائة رجل ومائة وسبعین امرأة، وقد انتهت إلیه رئاسة الخزرج فلما ظفر النبی صلی الله علیه و آله وانصرف الخزرج إلیه حسد رسول الله صلی الله علیه و آله وبالغ فی العداوة له.

وکان ولده عبد الله من خیار الصحابة وأصدقهم إسلاماً وأکثرهم عبادة وأشرحهم صدراً، باراً بأبیه مع کفره ونفاقه، قال للنبی صلی الله علیه و آله: إنک لتعلم إنی أبر الناس بأبی وإن أمرتنی لأتیک برأسه فعلت وأخشی أن تأمر أحداً بقتله فلا تدعنی نفسی أن أنظر إلی قاتل أبی فأقتله فأکون قد قتلت مؤمنا بکافر؟

فقال النبی صلی الله علیه و آله: لا یتحدث الناس إن محمداً یقتل أصحابه بل أحسن صحبته وبر به وترفق به ما صحبنا.

وفی روایة أخری: أخبر ابنه عبد الله الخبر وعنده عمر بن الخطاب، فقال عمر: مر به عباد بن بشر فلیقتله، فقال له رسول الله صلی الله علیه و آله: فکیف یا عمر إذا تحدث الناس أن محمداً یقتل أصحابه((3)).

5: منذ الیوم الأول نجد أن قریشاً اشترطت علی النبی صلی الله علیه و آله فی صلح الحدیبیة

ص:274


1- شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید: ج14 ص173
2- مستدرک الوسائل: ج2 ص14 ح2598
3- بحار الأنوار: ج2 ص283

شروطاً قاسیة، منها: أن من جاء من محمد صلی الله علیه و آله إلی قریش لا ترده إلی محمد صلی الله علیه و آله ومن جاء من قریش إلی محمد صلی الله علیه و آله بغیر إذن ولیّه ردّه محمد صلی الله علیه و آله، وقبل صلی الله علیه و آله شرطهم هذا لحکمة رآها من توسیع الإسلام کما شاهدناه بعد ذلک وتبرّم بعضهم وما کانوا یفقهون من توقیع المعاهدة حتی جاء أول امتحان للوفاء فما إن وصل مسلم من مکة اسمه أبو جندل بن سهیل یرسف فی الحدید فارّاً من أذی قومه وألحّ علی الرسول صلی الله علیه و آله فی أن یضمّه إلیه حتی سلّمه صلی الله علیه و آله لقریش وفاءً بعهده، وقال أبو جندل: إنهم سیعذبوننی.

فقال صلی الله علیه و آله: »اصبر واحتسب فإن الله جاعل لک ولمن معک من المستضعفین فرجاً ومخرجاً إنا عقدنا بیننا وبین القوم صلحاً وأعطیناهم علی ذلک وأعطونا عهد الله فإنا لا نغدر بهم«، ثم وفد علی النبی صلی الله علیه و آله بالمدینة أبو بصیر عتبة ابن أسید فرده وقال له: مثل ما قال لأبی جندل، ثم اجتمع جماعة منهم فی الطریق بین مکة وبین المدینة وکانوا یقطعون علی وفود مکة مما اضطر أهل مکة أن یقبلوا ویلتحقوا بالرسول صلی الله علیه و آله ویتنازلوا عن عهدهم((1)).

وقال صلی الله علیه و آله لقریش فی فتح مکة: »ماذا تظنون وماذا تقولون؟«

قالوا: نظن خیراً، أخ کریم وابن أخ کریم وقد قدرت.

فقال صلی الله علیه و آله: »إنی أقول کما قال أخی یوسف لأخوته: )قَالَ لاَ تَثْرَیبَ عَلَیْکُمُ الْیَوْمَ یَغْفِرُ اللّهُ لَکُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرّاحِمِینَ(((2))«((3)).

وهذه نماذج من عفوه وصفحه صلی الله علیه و آله فی غزواته وحروبه.

6: روی عنه صلی الله علیه و آله أنه قال: »من ظلم معاهداً أو انتقصه أو کلّفه فوق طاقته، أو أخذ منه شیئاً بغیر طیب نفسه فأنا حجیزه یوم القیامة«((4)).

ص:275


1- راجع أعلام الوری: ص96
2- سورة یوسف: 92
3- الکافی: ج4 ص225ح3
4- راجع مستدرک الوسائل: ج11 ص168، وفیه: قال رسول الله صلی الله علیه و آله : » من ظلم معاهداً کنت خصمه... «

وقال صلی الله علیه و آله: »لا إیمان لمن یقتل مسلماً أو معاهداً«((1)).

وقد عقد الرسول صلی الله علیه و آله معاهدة مع قبیلة تغلب فی السنة التاسعة من الهجرة، وکان الإسلام قد قوی أشد القوة ودانت به العرب والجزیرة ومع ذلک أباح لهم فیها البقاء علی نصرانیتهم، وصالح نصاری نجران وترکهم أحراراً فی دینهم((2))، ووجه عمّاله إلی الیمن لأخذ الجزیة ممن أقام علی نصرانیته.

 کما إنه صلی الله علیه و آله لم یقبل أن یقطع الماء علی أهل خیبر مع أن فی قطعه تسلیماً منهم للرسول صلی الله علیه و آله.

وکذلک فعل مع النصاری والیهود جمیعاً فی بلاد العرب.

وهذا کانت سیرته صلی الله علیه و آله العطرة مع المجوس فإنهم کانوا فی بقاع شتی من جزیرة العرب، منهم مجوس نجران وهجر وعمّان والبحرین، وهؤلاء جمیعاً بقوا علی دینهم ودفعوا الجزیة فی قبال حمایة الحکومة الإسلامیة عنهم، ولم ینقل التاریخ أن رسول الله صلی الله علیه و آله اضطهد مجوسیاً واحداً بترک دینه أو بترک حریته، وقد فتح المسلمون بلاداً أخری وسلکوا مع أهالیها مسلک السماحة ذاته.

نماذج أخری من سیرته صلی الله علیه و آله السلمیة فی الحروب

نزل رسول الله صلی الله علیه و آله ذا أمر وعسکر به وأصابهم مطر کثیر فذهب رسول الله صلی الله علیه و آله لحاجة فأصابه ذلک المطر فبل ثوبه وقد جعل رسول الله صلی الله علیه و آله وادی أمر بینه وبین أصحابه ثم نزع ثیابه فنشرها لتجف وألقاها علی شجرة ثم اضطجع تحتها والأعراب ینظرون إلی کل ما یفعل رسول الله صلی الله علیه و آله فقالت الأعراب لدعثور وکان سیدهم وأشجعهم: قد أمکنک محمد وقد انفرد من بین أصحابه حیث إن غوث بأصحابه لم یغث حتی تقتله، فاختار سیفا من سیوفهم صارما ثم أقبل مشتملا علی السیف حتی قام علی رأس رسول الله صلی الله علیه و آله بالسیف مشهورا فقال: یا محمد من یمنعک منی الیوم؟

قال: «الله».

ص:276


1- غوالی اللآلی: ج2 ص241 ح8
2- راجع تفسیر القمی: ج1 ص104

ودفع جبرئیل فی صدره فوقع السیف من یده فأخذه رسول الله صلی الله علیه و آله وقام علی رأسه. فقال: «من یمنعک منی؟»

قال: لا أحد وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، والله لا أکثر علیک جمعا أبدا، فأعطاه رسول الله صلی الله علیه و آله سیفه ثم أدبر ثم أقبل بوجهه ثم قال: والله لأنت خیر منی.

قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «أنا أحق بذلک»((1)).

وفی غزوة بدر أقبل نفر من قریش حتی وردوا الحوض منهم حکیم بن حزام فأراد المسلمون تنحیتهم عنه فقال النبی صلی الله علیه و آله: «دعوهم». فوردوا الماء فشربوا ((2)).

وروی عامر بن سعد بن أبی وقاص عن أبیه قال: رمیت سهیل بن عمرو یوم بدر فقطعت نساءه فاتبعت أثر الدم حتی وجدته قد أخذه مالک بن الدخشم و هو ممسک بناصیته. فقلت: أسیری رمیته. فقال: أسیری أخذته. فأتینا رسول الله صلی الله علیه و آله فأخذه منا جمیعا وأفلت سهل الروحاء، فصاح صلی الله علیه و آله بالناس فخرجوا فی طلبه. فقال صلی الله علیه و آله: «من وجده فلیقتله». فوجده هو صلی الله علیه و آله فلم یقتله((3)).

ولما افتتح القموص حصن ابن أبی الحقیق أتی رسول الله صلی الله علیه و آله بصفیة بنت حی بن أخطب وبأخری معها فمر بهما بلال وهو الذی جاء بهما علی قتلی من قتلی الیهود فلما رأتهم التی معها صفیة صاحت وصکت وجهها وحثت التراب علی رأسها... وقال رسول الله صلی الله علیه و آله لبلال لما رأی من تلک الیهودیة ما رأی: «أنزعت منک الرحمة یا بلال حیث تمر بامرأتین علی قتلی رجالهما»((4)).

وأرسل ابن أبی الحقیق إلی رسول الله صلی الله علیه و آله أنزل لأکلمک. قال: «نعم». فنزل وصالح رسول الله صلی الله علیه و آله علی حقن دماء من فی حصونهم من المقاتلة وترک الذریة لهم ویخرجون من خیبر وأرضها بذراریهم ویخلون بین رسول الله صلی الله علیه و آله وبین ما کان لهم من

ص:277


1- راجع بحار الأنوار: ج20 ص 3-4 ب11 ح1 عن المناقب لابن شهر آشوب
2- شرح نهج البلاغة: ج14 ص121 الفصل الثالث قصة غزوة بدر
3- شرح نهج البلاغة: ج14 ص169
4- بحار الأنوار: ج21 ص5 ب22

مال وأرض وعلی الصفراء والبیضاء والکراع وعلی الحلقة وعلی البز إلا ثوب علی ظهر إنسان. وقال رسول الله صلی الله علیه و آله: «وبرئت منکم ذمة الله وذمة رسوله إن کتمتمونی شیئا». فصالحوه علی ذلک. فلما سمع بهم أهل فدک قد صنعوا ما صنعوا بعثوا إلی رسول الله صلی الله علیه و آله یسألونه أن یسیرهم ویحقن دماءهم، ویخلون بینه وبین الأموال ففعل وکان ممن مشی بین رسول الله صلی الله علیه و آله وبینهم فی ذلک محیصة بن مسعود أحد بنی حارثة فلما نزل أهل خیبر علی ذلک سألوا رسول الله صلی الله علیه و آله أن یعاملهم الأموال علی النصف وقالوا: نحن أعلم بها منکم وأعمر لها. فصالحهم رسول الله صلی الله علیه و آله علی النصف علی أنا إذا شئنا أن نخرجکم أخرجناکم وصالحه أهل فدک علی مثل ذلک((1)).

ولما اطمأن رسول الله صلی الله علیه و آله أهدت له زینب بنت الحارث بن سلام بن مشکم وهی ابنة أخی مرحب شاة مصلیة وقد سألت أی عضو من الشاة أحب إلی رسول الله صلی الله علیه و آله فقیل لها الذراع، فأکثرت فیها السم وسمت سائر الشاة ثم جاءت بها فلما وضعتها بین یدیه تناول الذراع فأخذها فلاک منها مضغة وانتهش منها ومعه بشر بن البراء بن معرور فتناول عظما فانتهش منه فقال رسول الله صلی الله علیه و آله: «ارفعوا أیدیکم فإن کتف هذه الشاة تخبرنی أنها مسمومة». فدعاها فاعترفت فقال:«ما حملک علی ذلک؟». فقالت: بلغت من قومی ما لم یخف علیک فقلت إن کان نبیا فسیخبر وإن کان ملکا استرحت منه، فتجاوز عنها رسول الله صلی الله علیه و آله ومات بشر بن البراء من أکلته التی أکل ((2)).

ولما فتح علی علیه السلام حصن خیبر الأعلی بقیت لهم قلعة فیها جمیع أموالهم ومأکولهم ولم یکن علیها حرب بوجه من الوجوه، نزل رسول الله صلی الله علیه و آله محاصرا لمن فیها فصار إلیه یهودی منهم فقال: یا محمد تؤمننی علی نفسی وأهلی ومالی وولدی حتی أدلک علی فتح القلعة؟ فقال ل-ه النبی صلی الله علیه و آله: «أنت آمن فما دلالتک؟». قال: تأمر أن یحفر هذا الموضع فإنهم یصیرون إلی ماء أهل القلعة فیخرج ویبقون بلا ماء ویسلمون إلیک القلعة طوعا. فقال رسول الله صلی الله علیه و آله:«أو یحدث الله غیر هذا وقد

ص:278


1- بحار الأنوار: ج21 ص5-6 ب22
2- بحار الأنوار: ج21 ص6-7 ب22

أمناک» فلما کان من الغد رکب رسول الله صلی الله علیه و آله بغلته وقال للمسلمین: اتبعونی، وسار نحو القلعة فأقبلت السهام و الحجارة نحوه وهی تمر عن یمنته و یسرته فلا تصیبه ولا أحدا من المسلمین شیء منها حتی وصل رسول الله صلی الله علیه و آله إلی باب القلعة فأشار بیده إلی حائطها فانخفض الحائط حتی صار من الأرض وقال للناس: «ادخلوا القلعة من رأس الحائط بغیر کلفة»((1)). إلی غیرها من سلمه وصفحه وعفوه صلی الله علیه و آله فی الحروب.

الثانی: السلم والأمان فی سیرة الإمام علی علیه السلام الجهادیة

وهذه بعض المقتطفات من سیرة أمیر المؤمنین علی علیه السلام الجهادیة وهی تصلح لأن یستخرج منها منهاج للسلم فی المجال العسکری، ومن خلال ما سیأتی من هذه السیرة العطرة یعرف أن قواعد الإسلام السلمیة فی الحرب لا تبدأ فی مرحلة القتال وإنما تبدأ فی التربیة الجهادیة العسکریة ثم یکون للسلم موقع فی کل جزئیات الحرب وتفصیلاتها کما سنری.

مشروعیة الهدف والإیمان به والاعتقاد بسلامته

وبدایة السلم فی هذا المجال تکون قبل البدء فی العمل العسکری وذلک فی بدایة التربیة العسکریة والجهادیة، وهو ما یعبر عنه بمشروعیة الهدف والإیمان به والاعتقاد بسلامته، أی أن الدافع لهذا القتال الدفاعی هو لأجل إعلاء کلمة الله تعالی، وأهمیة هذا الأمر تکمن فی مشارکة المقاتل فی ساحة المعرکة وثباته فیها، لأنه لا یمکن أن تجبر قلب أحد وفکره علی ما لا یعتقد بصحته، فإذا اعتقد بمشروعیة الهدف کانت مشارکته فاعلة فی هذه المعرکة، بل لن یتوقف إذا اقتضی من قتال أهله وإخوانه، یقول علیه السلام فی وصف أصحاب النبی صلی الله علیه و آله وذلک یوم صفین حین أمر الناس بالصلح:

«ولقد کنا مع رسول صلی الله علیه و آله نقتل آباءنا وأبناءنا وإخواننا وأعمامنا، ما یزید ذلک إلا إیماناً وتسلیماً...»((2)).

ومن هنا لابد وأن یکون هناک إعداد متکامل لهذا الجیش حتی یصبح جیشاً

ص:279


1- انظر الخرائج والجرائح: ج1 ص164-165
2- لمزید من الاطلاع راجع الإرشاد: ج1 ص267، وکتاب سلیم بن قیس: ص697

عقائدیاً مؤمناً بکل قضیة تتعلق بمسائل الحرب والقتال، وهذا الأمر یرجع إلی طبیعة المجتمع الذی یتشکل منه ذلک الجیش، فإن وجدت فیه تلک الصفات والخصال فهی لاشک تنتقل إلی ذلک الجیش، لأنه من أبنائه وجنسه.

أمیر المؤمنین علیه السلام والفتوحات

وهناک شبهة تذکر دائماً وهی أن الفتوحات الإسلامیة لم تتوسع رقعتها فی عهد أمیر المؤمنین علی علیه السلام فلماذا؟

والجواب: لأنه علیه السلام حینما وصل إلی الکوفة وابتدأ عهده بخلافته أخذ یربی ذلک المجتمع وفق النظریة الإسلامیة الصحیحة ومبادئه القیمة حتی ینجب ذلک الجیش العقائدی، فأخذ یغیر الکثیر من الأمور والمفاهیم السائدة، والتربیة تحتاج إلی جهد کبیر ووقت طویل، ومن أصعب مجالات التربیة هو تغیر عقیدة المجتمع الناشئ علی مفاهیم معینة لاسیما الذین اعتبروها من واقع الشریعة لأنها وجدت منذ أیام الخلافة المغتصبة بینما هی التی لا تمت إلی الإسلام بأی صلة، ولهذا فر العدید من مجتمع الکوفة وغیره من الأمصار إلی معاویة.

وقد ذکرت بعض ملامح هذه السیاسة التی انتهجها علی علیه السلام فی ذلک المجتمع فی محاورة له مع مالک الأشتر 6 ذکرها مولی الأشتر فقال:

شکا علی علیه السلام إلی الأشتر فرار الناس إلی معاویة، فقال الأشتر: یا أمیر المؤمنین إنا قاتلنا أهل البصرة بأهل البصرة وأهل الکوفة والرأی واحد وقد اختلفوا بعد وتعادوا وضعفت النیة وقل العدد، وأنت تأخذهم بالعدل وتعمل فیهم بالحق وتنصف الوضیع من الشریف، ولیس للشریف عندک فضل منزلة علی الوضیع، فضجت طائفة ممن معک من الحق إذ عمّوا به، واغتموا من العدل إذ صاروا فیه، وصارت صنائع معاویة عند أهل الغنی والشرف فتاقت أنفس الناس إلی الدنیا، وقل من الناس من لیس للدنیا بصاحب، وأکثرهم من یجتوی الحق ویستمرئ الباطل ویؤثر الدنیا، فإن تبذل المال یا أمیر المؤمنین تمل إلیک أعناق الناس وتصف نصیحتهم وتستخلص ودهم، صنع الله لک یا أمیر المؤمنین وکبت عدوک وفض جمعهم وأوهن کیدهم وشتت أمورهم إنه بما

ص:280

یعملون خبیر. فأجابه علی علیه السلام فحمد الله وأثنی علیه وقال: »أما ما ذکرت من عملنا وسیرتنا بالعدل فإن الله یقول: )مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَآءَ فَعَلَیْهَا وَمَا رَبّکَ بِظَلاّمٍ لّلْعَبِیدِ(((1)) وأنا من أن أکون مقصراً فیما ذکرت أخوف، وأما ما ذکرت من أن الحق ثقل علیهم ففارقونا لذلک، فقد علم الله أنهم لم یفارقونا من جور، ولم یدعوا إذ فارقونا إلی عدل ولم یلتمسوا إلا دنیا زائلة عنهم کان قد فارقوها ولیسألن یوم القیامة أ للدنیا أرادوا أم لله عملوا، وأما ما ذکرت من بذل الأموال واصطناع الرجال فإنا لا یسعنا أن نؤتی امرأ من الفیء أکثر من حقه، وقد قال الله وقول-ه الحق: )کَم مّن فِئَةٍ قَلِیلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةٍ کَثِیرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصّابِرِینَ(((2))، وبعث الله محمدا صلی الله علیه و آله وحده فکثّره بعد القلة، وأعز فئته بعد الذلة، وإن یرد الله أن یولینا هذا الأمر یذلل لنا صعبه، ویسهل لنا حزنه، وأنا قابل من رأیک ما کان لله رضی، وأنت من آمن أصحابی وأوثقهم فی نفسی وأنصحهم وأرآهم عندی«((3)).

وقد مر فی قول علی علیه السلام المتقدم أحد المفاهیم المعنویة المهمة فی التربیة العسکریة والجهادیة التی یتربی علیها المقاتل المسلم وهو الإمداد الغیبی والعون الإلهی فی قتاله، وذلک فی قول-ه تعالی: )کَم مّن فِئَةٍ قَلِیلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةٍ کَثِیرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصّابِرِینَ(، فیجعل المقاتل المسلم عظیماً فی الجانب المعنوی، فلا یفکر بأی شیء إلا باثنین: إما النصر وإما الشهادة. وأما فی الجانب المادی فیجعل منه طاقة هائلة تحسب له الأعداء ألف حساب، فلا یتردد ولا یخاف، یقاتل بروحیة عالیة، لأنه یعلم أن قتاله فی سبیل الله ومن أجله، وقد سعی الإمام علی علیه السلام لترسیخ هذا المفهوم فی مواطن کثیرة، ومنها فی نصیحته لعمر حینما استشاره بشأن الشخوص لقتال الفرس فقال له: »وأما ما ذکرت من عددهم (الفرس) فإنا لم نکن نقاتل فیما مضی بالکثرة وإنما کنا نقاتل بالنصر والمعونة«((4)).

ص:281


1- سورة فصلت: 46
2- سورة البقرة: 249
3- الغارات: ج1 ص46
4- نهج البلاغة: الخطب 146

وقال علیه السلام أیضاً لمحمد بن أبی بکر عندما هاجم عمرو بن العاص مصر، فی کتابه إلیه:»فإن الله یعز القلیل ویخذل الکثیر«((1)).

ثم إنه علیه السلام استخدم وسیلة الحوار والمناقشة من أجل أن یقتنع المقاتل بمشروعیة الهدف والإیمان به والاعتقاد بسلامته، ومن ذلک قول-ه فی کتابه عند مسیره إلی أهل الکوفة: »أما بعد، فإنی خرجت من حیی هذا إما ظالماً وإما مظلوماً، وإما باغیاً وإما مبغیاً علیه، وإنی أذکر الله من بلغه کتابی هذا لما نفر إلی فإن کنت محسناً أعاننی وإن کنت مسیئاً استعتبنی«((2)).

وهو علیه السلام یعلم أنه علی الحق فی مسیره لأن الرسول صلی الله علیه و آله قال فیه: »علی مع الحق والحق مع علی«((3)) ولکنه أراد أن یدفع الشبهة عن الناس فی قتال أهل الجمل، ولا یمکن أن یتأخر عن هذا النداء أحد، فإن کان محسناً وجب علیه إعانته، وإن کان مسیئاً فهناک استعتاب وحوار ومناظرة، وقد حدثت بعض المناظرات فی واقعة الجمل کان الحق فیها واضحاً فی جانب علی علیه السلام.

وإذا حصل الحوار کان القتال عن وعی ومعرفة وإیمان بهذه القضیة التی یقاتل من أجلها، لأنه یصعب أن تجبر أحداً فی سبیل قضیة لا یعتقد بها فیحق لکل إنسان أن یسأل عن أی شیء یتعلق بهذا الأمر من أجل أن یقتنع بمشروعیة الهدف والإیمان به والاعتقاد بسلامته کی یکون علی بینة من أمره.

ثم هناک أمر هو من جملة المسائل التی تذکر فی التربیة الجهادیة، بأن یعلم المقاتل أن قتاله الدفاعی لابد وأن یکون فی سبیل الله عزوجل ومن أجل إعلاء کلمته ولتثبیت دعائم دینه وأرکانه، وفی هذا یکمن سائر الأسباب المشروعة.

لأن هناک قتالاً یأباه الإسلام وهو القتال الذی یکون سببه المشاعر القومیة والعرقیة وما أشبه، أی یقاتل من أجل قومیته أو عشیرته أو أمته کما قال قائلهم:

غویت وأن ترشد غزیة أرشد

وهل أنا إلا من غزیة إن غوت

ص:282


1- الغارات: ج1 ص182
2- نهج البلاغة: الرسائل 57
3- إعلام الوری: 159

فهذا القتال یتنافی مع مبادئ السماء المتمثلة فی هذه الآیة القرآنیة:

ƒوَجَعَلْنَاکُمْ شُعُوباً وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوَاْ إِنّ أَکْرَمَکُمْ عَندَ اللّهِ أَتْقَاکُمْ إِنّ اللّهَ عَلِیمٌ خَبِیرٌ‚((1)).

وخلاصة تعالیم الإسلام فی القتال هو لزوم أن یکون دفاعاً عن عقیدة یعتدی علیها، أو عن حقوق مسلوبة، أو ما أشبه مما یجعله مشروعاً، فهو للدفاع عن قضیة إنسانیة معرضة للظلم والانتهاک أو غیرها من القضایا الإنسانیة النبیلة، ولیس للحقد والتشفی والغدر والمکر والظلم والعدوان وحب السیطرة وما أشبه من أسباب الکثیر من المعارک والحروب فی العالم.

أسس السلم فی میادین الحرب

أسس السلم فی میادین الحرب

ثم بعد هذا تأتی مرحلة السلم فی کل مسائل الحرب وتفصیلاتها، فمنها:

1: فی المسیر للمواجهة العسکریة

قال الإمام علی علیه السلام فی کتاب له إلی العمال الذین یطأ الجیش عملهم: «أما بعد فإنی قد سیرت جنودا هی مارة بکم إن شاء الله وقد أوصیتهم بما یجب لله علیهم من کف الأذی وصرف الشذا وأنا أبرأ إلیکم وإلی ذمتکم من معرة الجیش إلا من جوعة المضطر لا یجد عنها مذهبا إلی شبعه، فنکلوا من تناول منهم شیئا ظلما عن ظلمهم وکفوا أیدی سفهائکم عن مضارتهم والتعرض لهم فیما استثنیناه منهم، وأنا بین أظهر الجیش فارفعوا إلی مظالمکم وما عراکم مما یغلبکم من أمرهم، وما لا تطیقون دفعه إلا بالله وبی فأنا أغیره بمعونة الله إن شاء الله»((2))

وفی هذا الکتاب وردت عدة نقاط منها: إن الإمام علیه السلام أخبر عماله وولاته فی تلک المناطق وأهلها بأن الجیش الذی سیّره سیکون مسیره فی طریقهم حتی یکونوا علی بینة من هذا الأمر ویستعدوا له.

ومنها: وصیته للجیش فی کف الأذی، أی أن لا یعتدوا علی أهل تلک المناطق

ص:283


1- سورة الحجرات: 13
2- نهج البلاغة: الرسائل 60

ویجب أن تسلم ممتلکاتهم ولا یتعرض لها.

ومنها: أن هذا الجیش من المحتمل أن یحصل من بعض أفراده أذی أو ظلم، فقال علیه السلام: «أنا أبرأ إلیکم وإلی ذمتکم من معرة الجیش»((1)).

ومنها: هناک استثناء وهو (جوعة المضطر) فیحق له أخذ ما یسد به جوعته بشروط مذکورة فی الفقه.

ومنها: أمره لعماله وولاته بالتنکیل لمن خالف هذا الوصیة وألحق الأذی ظلماً وعدواناً بممتلکات الناس.

ومنها: إن لم یسع الولاة معالجة ذلک الأمر فعلیهم أن یرفعوا مظالمهم وشکواهم وما أصابهم من ذلک الجیش له علیه السلام فهو یتولی معالجة ما حل بهم.

وفی هذه الوصیة یری بوضوح وجوب أن یتبع الجیش السلام فی مسیره للمواجهة.

2: موقع الوقوف فی ساحة میدان المعرکة

وعند الوصول إلی ساحة المعرکة والوقوف أمام الخصم لابد وأن یقف الجیش فی موقف یدل علی الأمن والسلام، فلا یقوم بأی حرکة استفزازیة تحرک الخصم فی إشعال نار الحرب، فقال علیه السلام لأحد قادة جیشه: «فسر علی برکة الله فإذا لقیت العدو فقف من أصحابک وسطا ولا تدنُ من القوم دنو من یرید أن ینشب الحرب ولا تباعد عنهم تباعد من یهاب البأس»((2)).

3: النهی عن مقاتلة غیر الخصم

وهناک أمر حینما یبدأ القتال أو قبله فی أثناء المسیر وهو وجوب معرفة الخصم الذی ساروا من أجل قتاله، فربما یمر الجیش فی بلد تابع للخصم ولکنه لم یشهر السیف فی وجه الجیش، فهذا یجب أن لا یقاتل، قال علیه السلام لأحد قادته: »اتق الله الذی لابد لک من لقائه ولا منتهی لک دونه ولا تقاتلن إلا من قاتلک«((3)).

ص:284


1- نهج البلاغة: الرسائل 60، وبحار الأنوار:ج33 ص486
2- بحار الأنوار:ج32 ص395
3- شرح نهج البلاغة: ج15 ص92

ومن وصیة ل-ه علیه السلام للحسن والحسین 3 لما ضربه ابن ملجم قال علیه السلام: «یا بنی عبد المطلب لا ألفینکم تخوضون دماء المسلمین خوضاً تقولون قُتل أمیر المؤمنین ألا لا تقتلن إلا قاتلی»((1)).

وقال علیه السلام فی کتاب له إلی أهل البصرة: «وقد کان من انتشار حبلکم وشقاقکم ما لم تغبوا عنه فعفوت عن مجرمکم، ورفعت السیف عن مدبرکم، وقبلت من مقبلکم، فإن خطت بکم الأمور المردیة وسفه الآراء الجائرة، إلا منابذتی وخلافی، فها أنا ذا قد قربت جیادی ورحلت رکابی، ولئن ألجأتمونی إلی المسیر إلیکم لأوقعن بکم وقعة لا یکون یوم الجمل إلیها إلا کلعقة لاعق، مع أنی عارف لذی الطاعة منک فضله ولذی النصیحة حقه غیر متجاوز متهما إلی برئ، ولا ناکثاً إلی وفی«((2)).

4: تقدیم الحجج والأدلة ومناظرة الخصم من أجل إرجاعه

وهناک مقومات السلم حین الوصول إلی میدان الحرب لمواجهة الخصم، ویتمثل فی إلقاء الحجة علیه ومناظرته من أجل إرجاعه، ویجب أن یدعی إلی الحق والإعذار إلیه، ففی ذلک معذرة الجیش وقیادته ویبرئ الذمة فی عملهم. کتب علیه السلام إلی بعض أمراء جیشه: «ولا یحملنکم شنآنهم علی قتالهم قبل دعائهم والإعذار إلیهم»((3)).

وقال علیه السلام فی موضوع آخر: »فإن عادوا إلی ظل الطاعة فذاک الذی نحب«((4)).

وقد أشار علیه أصحابه بالاستعداد لحرب أهل الشام بعد إرساله جریر بن عبد الله البجلی إلی معاویة، ولم ینزل معاویة علی بیعته، فقالعلیه السلام: »إن استعدادی لحرب أهل الشام وجریر عندهم إغلاق للشام وصرفٌ لأهله عن خیر إن أرادوه«((5)).

وقال علیه السلام وقد استبطأ أصحابه إذنه لهم فی القتال: ».. والله ما دفعت الحرب یوماً إلا وأنا أطمع أن تلحق بی طائفة فتهتدی بی، وتعشو إلی ضوئی، وذلک أحب

ص:285


1- نهج البلاغة: الرسائل 47
2- بحار الانوار: ج33 ص495
3- بحار الأنوار:ج32 ص395
4- نهج البلاغة: الرسائل 4
5- نهج البلاغة: الخطب 43

إلی من أن أقتلها علی ضلالها وإن کانت تبوء بآثامها«((1)).

5: إنذار الخصم بعد إقامة الحجة علیه وتخویفه

وهنا تأتی مرحلة التخویف إذا لم یستجب الخصم إلی الحجة ولم یذعن إلی الدلیل والبرهان، وهی خطوة أخری من أجل أن یعود الخصم إلی خط الطاعة ویرجع عن رأیه فی القتال، وقد ورد فی نهج البلاغة تخویف الإمام علی علیه السلام لأهل النهروان فقال: »فأنا نذیر لکم أن تصبحوا صرعی بأثناء هذا النهر وبإهضام هذا الغائط علی غیر بینة من ربکم، ولا سلطان مبین معکم، قد طوحت بکم الدار، واحتلبکم المقدار وقد کنت نهیتکم عن هذه الحکومة فأبیتم علی إباء المنابذین، حتی صرفت رأیی إلی هواکم... «((2)).

6: النهی عن بدأ قتال الخصم

ومن وصیة ل-ه علیه السلام لعسکره قبل لقاء العدو بصفین قال علیه السلام: »لا تقاتلوهم حتی یبدؤوکم فإنکم بحمد الله علی حجة وترککم إیاهم حتی یبدؤوکم حجة أخری لکم علیهم«((3)).

وهناک صور کثیرة ذکرت فی سیرة أمیر المؤمنین علی علیه السلام الجهادیة التی سعی فیها لتجنیب الجیش ویلات الحرب، کی یسلم من القتال ولا تسفک منه الدماء.

ومنها قول-ه علیه السلام لمعاویة فی صفین: »وقد دعوت إلی الحرب، فدع الناس جانباً واخرج إلی وأعف الفریقین من القتال«((4)).

وفی بحار الأنوار: (لما واقفهم علی علیه السلام بالنهروان قال: لا تبدءوهم بقتال حتی یبدءوکم، فحمل منهم رجل علی صف علی علیه السلام فقتل منهم ثلاثة، فخرج إلیه علیه السلام فضربه فقتله، فلما خالطه سیفه قال: یا حبذا الروحة إلی الجنة) ((5)).

ص:286


1- بحار الأنوار: ج32 ص556
2- نهج البلاغة: الخطب 36
3- نهج البلاغة: الرسائل: 14
4- نهج البلاغة: الرسائل: 10
5- بحار الأنوار: ج33 ص348 ب23

7: القتال بدافع الإیمان ولأجل الحق

ودافع القتال یجب أن یکون الإیمان والحق، وأن لا یکون سبب قتالهم الشنآن والبغض والحقد، قال علیه السلام لبعض قادته: »ولا یحملنکم شنآنهم علی قتالهم«((1)).

8: استجابة دعوة السلم من قبل الأعداء

إن الله تعالی یقول: ƒوَإِن جَنَحُواْ لِلسّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَکّلْ عَلَی اللّهِ إِنّهُ هُوَ السّمِیعُ الْعَلِیمُ* وَإِن یُرِیدُوَاْ أَن یَخْدَعُوکَ فَإِنّ حَسْبَکَ اللّهُ هُوَ الّذِیَ أَیّدَکَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِینَ(((2)). ففی هذه الآیة أمرٌ بالجنوح إلی السلم إذا جنح العدو إلیها، حتی ولو کان جنوحه خداعاً ومکراً.

ویقول الله سبحانه: )فَإِنِ اعْتَزَلُوکُمْ فَلَمْ یُقَاتِلُوکُمْ وَأَلْقَوْاْ إِلَیْکُمُ السّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللّهُ لَکُمْ عَلَیْهِمْ سَبِیلاً(((3)).

فحینما اعتزل الیهود القتال عفا عنهم النبی محمد صلی الله علیه و آله فی صلح الحدیبیة فأصبحوا بحمایة الإسلام، فالقوم الذین لم یقاتلوا قومهم ولم یقاتلوا المسلمین واعتزلوا محاربة الفریقین یریدون به السلام، فهؤلاء لا سبیل للمؤمنین علیهم ویجوز عقد معاهدة الصلح معهم.

8: فی نهایة الحرب والقتال

وفی وصیة للإمام أمیر المؤمنین علیه السلام لعسکره قبل لقاء العدو بصفین یقول:

«فإذا کانت الهزیمة بإذن الله فلا تقتلوا مدبرا، ولا تصیبوا معورا، ولا تجهزوا علی جریح، ولا تهیجوا النساء بأذی، وإن شتمن أعراضکم وسببن أمراءکم، فإنهن ضعیفات القوی والأنفس والعقول، إن کنا لنؤمر بالکف عنهن وإنهن لمشرکات، وإن کان الرجل لیتناول المرأة فی الجاهلیة بالفهر أو الهراوة فیعیر بها وعقبه من بعده»((4)).

ص:287


1- بحار الأنوار: ج32 ص395
2- سورة الأنفال: 61و62
3- سورة النساء: 90
4- نهج البلاغة: الرسائل: 14

وفی هذه الوصیة عدة نقاط تدل دلالة واضحة علی اتباع السلم والأمان فی نهایة المعرکة فی حالة النصر وهزیمة العدو، منها: حرمة قتل المدبر أو متابعة المعور((1))، والإجهاز علی جریح، ومنع من التعرض للمرأة حتی وإن صدر منها السب والشتم.

وقد جسد النبی صلی الله علیه و آله وأهل بیته علیهم السلام وأصحابهم هذه المعانی فی الحروب التی اشترکوا فیها، فقال أمیر المؤمنین علیه السلام لما هزم الناس یوم الجمل: »لا تتبعوا مولیا ولا تجهزوا علی جریح ومن أغلق بابه فهو آمن«((2)).

9: عدم الشماتة بالقتلی وأخذ العظة والعبرة من أخطائهم

ومثاله أنه لما مر أمیر المؤمنین الإمام علی علیه السلام بطلحة وعبد الرحمن بن عتاب وهما قتیلان یوم الجمل فقال: »لقد أصبح أبو محمد بهذا المکان غریباً أما والله لقد کنت أکره أن تکون قریش قتلی تحت بطون الکواکب«((3)).

وهذا الموقف یذکر بموقف الإمام الحسین علیه السلام فی کربلاء حینما بکی ذلک الجیش الذی قدم لقتاله لأنهم سیدخلون النار بسبب الإقدام علی قتله.

هذه نظرة موجزة عن موقع السلم فی الحرکة الجهادیة الإسلامیة، ویمکن أن تستخرج نظریة متکاملة عن السلم فی هذا المجال من کتاب (نهج البلاغة) فقد ذکر فیه الإمام علیه السلام الکثیر من تجربته الجهادیة التی استمرت من بدایة عصر الرسالة وحتی استشهاده.

أسباب النزاعات والمعارک بین المذاهب الإسلامیة

أسباب النزاعات والمعارک بین المذاهب الإسلامیة

قد یرد سؤال یقول: لقد حدثت معارک دامیة فی الدولة الإسلامیة وقتلت أعداد کبیرة فیها من المسلمین والمؤمنین، وإذا کان کذلک فکیف یقال عن الإسلام إنه دین المحبة والرحمة والإخاء والعدل وأنه قد أولی السلام عنایة مهمة فسعی لإرساء قواعده وتثبیت أرکانه بین الأمم والشعوب؟.

ص:288


1- المعور: الذی لا حافظ له، راجع لسان العرب: المجلد الرابع ص616 باب (عور)
2- الکافی: ج5 ص10
3- بحار الأنوار: ج32 ص212

والجواب علی هذا السؤال یکون فی ثلاثة أمور:

الأول: وقعت حروب ومعارک فی التاریخ الإسلامی وحدث فیها بین المسلمین قهر وسلب ونهب واعتداءات وسفکت بها الدماء وخاصة فی العهدین الأموی والعباسی، ولکن هذه الحروب لا یمکن أن تحسب علی الإسلام لأنها حدثت من أجل مصالح أنانیة معینة لبعض الحکام لیس لها ولهم علاقة بالإسلام، لأنها لم تکن جهاداُ من أجل الله عزوجل، ولم تکن من أجل قضایا إنسانیة نبیلة یسوغ القتال فیها، وإنما کانت من أجل الملک والزعامة والرئاسة، وإذا کانت کذلک فلا یمکن أن تکون مقیاساً للإسلام.

الثانی: لا فرق فی ترتب بعض الأحکام الوضعیة بین من یرتکب الموضوع خطأ أو ظلماً، سواء فی البلاد الإسلامیة أم فی غیرها، فالأثر الوضعی یطبق علی الجمیع، فإذا ارتکب رجل ظلماً لزم عقابه حتی وإن لم تکن عاقبة هذا الظلم أو الخطأ قتالاً أو حرباً.

قال الرسول صلی الله علیه و آله: «من أخذ أرضاً بغیر حق کلف أن یحمل ترابها إلی المحشر»((1)).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: «أعظم الخطایا اقتطاع مال امرئ مسلم بغیر حق»((2)).

وکذلک لو انقطعت العلاقات بین مجموعة من المذاهب الإسلامیة، وانفصلت عری الإخاء منهم، وبغی بعضهم علی بعض، وجب السعی لإرجاع الباغی إلی العدل، وإلی التسلیم لأمر الله، والانتظام فی سلک القانون الإسلامی، وإذا لم یفد معهم الحکمة والموعظة الحسنة، بل شهروا السیف بوجه الناس، فیقول الله عزوجل: )فَقَاتِلُواْ الّتِی تَبْغِی حَتّیَ تَفِیَءَ إِلَیَ أَمْرِ اللّهِ(((3)).

ومع ذلک تؤکد الآیة علی أن المؤمنین إذا تقاتلوا وجب علی جماعة من ذوی الرأی والحکم والحل والعقد أن تتدخل فوراً، وتصلح بین المتقاتلین، فقالت: )وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ اقْتَتَلُواْ فَأَصْلِحُواْ بَیْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَیَ الاُخْرَیَ

ص:289


1- وسائل الشیعة: ج25 ص388 ح32195
2- وسائل الشیعة: ج16 ص50 ح20953
3- سورة الحجرات: 9

فَقَاتِلُواْ الّتِی تَبْغِی حَتّیَ تَفِیَءَ إِلَیَ أَمْرِ اللّهِ فَإِن فَآءَتْ فَأَصْلِحُواْ بَیْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوَاْ إِنّ اللّهَ یُحِبّ الْمُقْسِطِینَ(((1)). وفی هذه الآیة وما ورد عن أئمة أهل البیت علیهم السلام إشارات مهمة تدل علی أهمیة السلام والأمان فی الإسلام ومنها:

1: تقدیم الصلح علی القتال، أی أن الأولویة فی حل هذا النزاع هو السعی للصلح بینهما، وإذا لم تنجح هذه المهمة تأتی لاحقاً مرحلة القتال کی تفیء الفئة الباغیة لأمر الله سبحانه وتعالی.

2: لقد کرّم الإسلام هذه الطائفة المصلحة للعمل المقدس الذی تقوم به، فهی ترید إنهاء هذه الحرب ومنع وقوع القتال وإحلال السلم بین الناس، ومن جملة تکریمه أنه من قتل من الطائفة المصلحة، فإنه یکون شهیداً، ول-ه ثواب الشهید فی معرکة الکفّار.

3: کان للأئمة المعصومین علیهم السلام دور کبیر فی حل کثیر من المسائل التی تحدث بین شیعتهم عن طریق الصلح، حتی أنهم بذلوا الأموال وأجازوا صرفها من أجل ذلک، فعن ابن سنان عن مفضل قال: قال أبو عبد الله الصادق علیه السلام: «إذا رأیت بین اثنین من شیعتنا منازعة فافتدها من مالی»((2)).

الثالث: إن أسباب هذه المعارک لم تختلف عن أسباب الحروب المختلفة عبر التاریخ التی تقرها أنظمة الأمم والشعوب فی العالم، ومن جملة أسباب المعارک التی حدثت بین المسلمین عبر التاریخ:

1: مخالفة المواثیق والاتفاقیات ونکث العهود.

وهذه الأمور أحد أسباب حرب الجمل وصفین والنهروان، وقد أشار لها الإمام علی علیه السلام فی الخطبة الشقشقیة فی قوله:

«فلما نهضت بالأمر نکثت طائفة ومرقت أخری وقسط آخرون»((3)).

والفئة التی نکثت بیعة الإمام علیه السلام هم طلحة والزبیر وعائشة، والأخری هی

ص:290


1- سورة الحجرات: 9
2- الکافی: ج2 ص209 ح3
3- الاحتجاج: ج1 ص192

طائفة الخوارج التی مرقت عن الدین، والآخرون هم أصحاب معاویة وهی الفئة الظالمة والجائرة الباغیة.

عن أبی جعفر علیه السلام قال: قال أمیر المؤمنین علیه السلام: «یا معشر المسلمین قاتلوا أئمة الکفر، إنهم لا إیمان لهم لعلهم ینتهون، ثم قال علیه السلام: هؤلاء القوم هم ورب الکعبة، یعنی أهل صفین والبصرة والخوارج»((1)).

2: ارتکاب الجرائم کالقتل والنهب وشن الغارات والعملیات الإجرامیة.

وهذا أیضاً أحد أسباب قیام تلک المعارک، قال الإمام علی علیه السلام عن طلحة والزبیر: «فخرجوا... فی جیش ما منهم رجل إلا وقد أعطانی الطاعة وسمح لی بالبیعة، طائعاً غیر مکره، فقدموا علی عاملی بها وخزان بیت مال المسلمین وغیرهم من أهلها فقتلوا طائفة صبراً وطائفة غدراً»((2)).

وقال علیه السلام فی نهج البلاغة: »فقدموا علی عمالی وخزان بیت المسلمین الذی فی یدی، وعلی أهل مصر، کلهم فی طاعتی وعلی بیعتی، فشتتوا کلمتهم، وأفسدوا علی جماعتهم، ووثبوا علی شیعتی، فقتلوا طائفة منهم غدراً»((3)).

وهذا أحد أسباب قیام حرب صفین أیضاً.

فهذه الحروب والمعارک التی حدثت فی البلاد الإسلامیة دفاعاً عن الحق وفی وجه الذین لا یرون للناس حقوقاً، لها أسبابها القانونیة والشرعیة فتارة قامت لأجل قتال الباغی حتی یرجع إلی العدل، وإلی التسلیم لأمر الله والانتظام فی سلک القانون الإسلامی، وأخری: من أجل الدفاع عن المستضعفین المظلومین، وتارة ثالثة: من أجل الحفاظ علی صورة الإسلام الأصیل الذی یمثله القرآن الکریم والعترة الطاهرة علیهم السلام عندما تهاجم هذه الصورة بالسیف، ورابعة: من أجل الحفاظ علی البلد الإسلامی وحدوده، فلیس فیها ما یسیء لفکرة السلام فی الإسلام، بل هی صورة ناصعة للشریعة الإسلامیة وعدم شنها للحروب بل السعی لإخماد نائرة الحرب بما

ص:291


1- مستدرک الوسائل: ج11 ص63 ح12429
2- نهج البلاغة: الخطب 172
3- نهج البلاغة: الخطب 218

یمکن، وذلک لأصالة الحکم الإسلامی وواقعیته.

ویختلف حکم هؤلاء الخارجین علی الحاکم العادل المعین من الله عزوجل أو المنتخب من قبل الشعب فی انتخابات حرة نزیهة، ولابد من صفات خاصة یتمیز بها الخارجون حتی ینطبق علیهم وصف (البغاة) وسنذکر جملة منه والتفصیل فی الفقه:

1: إذا کان الخروج بالسیف والقتال لطلب الرئاسة ومنازعة أولی الأمر المعصوم علیه السلام أو المنتخب من قبل الأمة وبکامل اختیارها، فهذا الخروج یعتبر محاربة ویکون للمحاربین حکم آخر یخالف حکم الباغین علی ما هو مذکور فی الفقه.

فمن قتل منهم فهو فی النار، ومن قتل من جیش الحق ممن طبق حکم الله فهو شهید، والقتال یجب أن یکون آخر المطاف بحیث تسبقه محاولة الصلح والهدایة وبعد إتمام الحجة لأن حرمة النفس کبیرة عند الله کما فی الآیة: )مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَیْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِی الأرْضِ فَکَأَنّمَا قَتَلَ النّاسَ جَمِیعاً(((1)).

وسئل أبو عبد الله علیه السلام عمن قتل نفساً متعمداً؟ قال علیه السلام: «جزاؤه جهنم»((2)).

2: إذا بغت فئة علی الأخری بالسیف والقتال، ولم ترضخ للصلح، ولم تستجب له، وجب علی المسلمین أن یجتمعوا لقتال هذه الفئة الباغیة، وقد قاتل الإمام أمیر المؤمنین علی علیه السلام الفئة الباغیة، وقد اتفق الفقهاء أن الفئة الباغیة لا تخرج عن الإسلام ببغیها.

3: إذا کان للخارجین علی الحاکم العادل رئیس مطاع یکون مصدراً لقوتهم، لأنه لا قوة لجماعة بدون قیادة، فإذا ما تم القضاء علی رأس الفتنة فستندحر الفئة الضالة وتترک فئته وشأنهم.

4: إذا کان الخروج علی إمام المسلمین الذی عینه الله تعالی أو اجتمعت علیه الناس بصورة شرعیة، وکان الخروج مصحوباً بامتناع أداء الحقوق المقررة، بأن یکون القصد منه عزل الإمام المعصوم علیه السلام أو المنتخب بانتخاب شرعی، ومن ثم قام

ص:292


1- سورة المائدة: 32
2- ثواب الأعمال: ص278

الخارجون بمحاربة المسلمین، فتتم حینئذ محاربة تلک الفئة الخارجة کما حصل فی معرکة النهروان.

عن الإمام الصادق علیه السلام قال: «لما فرغ أمیر المؤمنین علیه السلام من أهل النهروان فقال: لا یقاتلهم بعدی إلا من هم أولی بالحق منه»((1)).

5: إذا کان الخروج علی الحاکم العادل التی أوجب الله طاعته علی المسلمین، فقتالهم مشروع بشرائطه، وإما إذا کان الخروج علی إمام جائر فلهم حکم آخر، وقد قال الإمام الصادق علیه السلام عن أبیه علیه السلام قال: «ذکرت الحروریة عند علی علیه السلام فقال: إن خرجوا علی إمام عادل أو جماعة فقاتلوهم وإن خرجوا علی إمام جائر فلا تقاتلوهم فإن لهم فی ذلک مقالاً»((2)).

 والحدیث عن قصة الخوارج وکیفیة تعامل أمیر المؤمنین علیه السلام معهم، هو حدیث السلم والسلام بأجلی صوره، فرغم خلافهم مع علی علیه السلام فی صفین لم یقاتلهم فی الکوفة، بل قال لهم: لکم ما للمسلمین من الفیء، فأخذ یعطیهم حقوقهم ویقسم لهم من بیت المال کسائر المسلمین، وفسح لهم المجال فی ممارسة شعائرهم الدینیة والعقائدیة والسیاسیة بکل حریة، ولکنهم لما ارتکبوا جرائم القتل وشهروا السیف بوجه الناس، قاتلهم فی النهروان.

6: أن یکون الخارجون جماعة قویة لها شوکة وقوة، بحیث یحتاج الحاکم لرّدهم إلی الطاعة، إلی إعداد رجال ومال وسلاح، فإن لم تکن لهم قوة وکانوا أفراداً، أو لم یکن لهم من العتاد ما یدفعون به عن أنفسهم، فلیسوا ببغاة، لأنه یسهل ضبطهم وإعادتهم إلی الطاعة.

وفی ختام هذا الفصل(السلم والسلام فی باب الجهاد) تبین أن القاعدة الأولیة فی الإسلام هی السلم والسلام، والأصل هو اللاعنف، أما القتال والحرب فهی الاستثناء، ولا مسوغ للحرب فی نظر الإسلام مهما کانت الظروف، وهو لم یأذن

ص:293


1- وسائل الشیعة: ج15 ص81 ح20026
2- تهذیب الأحکام: ج6 ص145 ح7

بالحرب إلا دفعاً للعدوان، وحمایة للدعوة والمستضعفین، ومنعاً لاضطهادهم، وکفالة لحریة الدین وهی من الحریات المشروعة لکل إنسان، فإنها حینئذ تکون فریضة من فرائض الدین، وواجباً من واجباته المقدسة ویطلق علیها اسم (الجهاد) مشروطة بشروط کثیرة والتی منها فتوی شوری المراجع بذلک علی ما مر تفصیلا. قال تعالی: ƒوَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَیْرٌ لّلصّابِرینَ‚ ((1)).

مسائل فی السلم والسلام الجهادی

مسائل فی السلم والسلام الجهادی

هناک مسائل عدیدة وواجبات ومستحبات وشواهد وأمور أخری حول السلم والسلام بالمعنی الأعم فی باب الجهاد الإسلامی، نشیر إلی بعضها.

مسألة: یلزم علی الحکومة تطبیق قانون السلم والسلام مع الشعب، فلا یجوز أن تدخل معهم فی القتال والحرب، ولا یجوز لها استخدام العنف مع الناس، إلاّ فیما قرره الشارع وبالمقدار المقرر فقط.

مسألة: یلزم علی الحکومة مراعاة قانون السلم والسلام مع المعارضة السیاسیة وما أشبه ولا یجوز اعتقال المعارضة ولا سجنهم ولا محاربتهم. کما لا یجوز مصادرة حریاتهم من الإعلام والصحف والتجمعات وما أشبه.

مسألة: یلزم علی الحکومة أن تجعل سیاستها الخارجیة مبنیّة علی السلم والسلام مع جمیع الدول، فلا یجوز أن تبدأ الحرب مع أی دولة، کافرة کانت أو مسلمة.

مسألة: یلزم علی الحکومة أن تسعی لشمول السلم والسلام عموم المجتمع وأفراد الشعب وأن تقضی - بالطرق المشروعة - علی العصابات التی تقاتل الناس.

مسألة: یلزم مراعاة قانون السلم والسلام فی باب العقوبات والسجون وقد ذکرنا فی بعض الکتب قسماً من حقوق السجین ((2)).

مسألة: یلزم مراعاة قانون السلم فی الحرب، قدر الإمکان، ویجب الحیلولة دون ارتکاب العنف،  فلا یجوز الحرب والقتال إلاّ مع الضرورة القصوی، کما یشاهد ذلک

ص:294


1- سورة النحل: 126
2- راجع کتاب (کیف ینظر الإسلام إلی السجین) للإمام المؤلف (أعلی الله مقامه)

فی حروب النبی صلی الله علیه و آله والإمام أمیر المؤمنین علیه السلام.

مسألة: یلزم علی الحکومة الإسلامیة مراعاة قانون السلم والسلام مع الأقلیات الدینیة الموجودة فی البلد الإسلامی فلا یجوز لها محاربتهم.

مسألة: یلزم علی الحکومة الإسلامیة مراعاة قانون السلم والسلام مع الدول المجاورة فلا یجوز لها أن تحاربها.

مسألة: یلزم علی الحکومة الإسلامیة مراعاة قانون السلم مع سائر الدول الإسلامیة.

مسألة: یلزم علی الدولة الإسلامیة مراعاة قانون السلم مع سائر الدول الأجنبیة وعدم خوض المعارک معها.

مسألة: یحرم علی الدولة الإسلامیة تشجیع جماعات العنف والإرهاب.

مسألة: علی الحکومة الإسلامیة أن تجعل شعارها القولی والعملی السلم واللاعنف حتی تعرف بذلک، قال سبحانه: )یَ-ا أیّهَا الّذِینَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِی السّلْمِ کَآفّةً(((1)).

مسألة: یلزم نشر وبیان الأُسلوب السلمی فی غزوات النبی صلی الله علیه و آله والإمام أمیر المؤمنین علیه السلام.

مسألة: یلزم دفع الشبه التی ترد علی الإسلام وتتهمه بأنه دین العنف.

مسألة: لا یجوز تعذیب أحد من الأسری حتی یقر بشیء أو یدلی بمعلومات، لأنّ ذلک من أظهر مصادیق العنف وقد حرّمه الإسلام أشد تحریم.

مسألة: ینبغی مراعاة قانون السلم حتی مع المجرمین الذین شارکوا فی الحرب، وذلک بأخذ الأخف علیهم وما أشبه.

مسألة: یلزم فضح الظالمین الذین یرتکبون أعمال العنف وینسبون ذلک إلی الإسلام سواء کانوا علی شکل دول أو جماعات، ولکن الفضح یلزم أن یکون بطریق سلمی، فإنّه من النهی عن المنکر بشرائطه.

ص:295


1- سورة البقرة: 208

مسألة: ینبغی مراعاة السلم مع الأعداء کما هو ظاهر من تاریخ الرسول صلی الله علیه و آله والأئمة علیهم السلام، وربما کان واجباً علی تفصیل مذکور فی الفقه.

مسألة: لا یجوز ارتکاب العنف بوجه المتظاهرین ضد الدولة.

مسألة: لا یجوز ارتکاب العنف ضدّ الأحزاب المعارضة للدولة.

مسألة: یلزم علی الحکومة ترک مظاهر العنف حتی فی الشعار،کالموت للدولة الکذائیة، وما أشبه.

مسألة: ینبغی مراعاة السلم فی الفتوی فلا یُکفَّر هذا ولا یفسّق ذاک، ولا یحرض الناس علی قتال الآخرین حتی الکفار إلا فی موارده الشرعیة المقررة.

مسألة: ینبغی مراعاة السلم مع الکفار من أهل الکتاب.

مسألة: ینبغی مراعاة السلم مع الکفار من غیر أهل الکتاب.

مسألة: یستحب العفو حتی عن الکفار، وهو من مصادیق السلم واللاعنف.

مسألة: یستحب الإحسان حتی إلی الکفار، وذلک من مصادیق السلم.

مسألة: یحرم قتل الناس حتی الکفار منهم، فإنه من أعظم مصادیق العنف.

مسألة: یجب تشکیل لجان للقضاء علی الإرهاب العالمی بالطریقة السلمیة لا بالإرهاب المماثل.

مسألة: لا یجوز العنف إلاّ فی أقصی حالات الضرورة وبقدرها وحسب تشخیص شوری الفقهاء والمراجع.

مسألة: لا یجوز اعتقال وسجن الأبریاء فکیف بتعذیبهم لمجرد مخالفتهم للحکومة، فإنّها من أعمال العنف المحرمة أشد التحریم.

مسألة: یلزم علی المنظمات العالمیة لحقوق الإنسان الاهتمام الأکثر لوقف الحرب والنزاعات عن العالم أجمع.

مسألة: یلزم علی الأمم المتحدة جعل برامج للصد عن وقوع الحرب بین الناس، وبین دولة وأخری، وأمة وأختها.

مسألة: فی حالة وقوع قتال أو حرب یلزم علی الجمیع السعی الجاد لإنهاء الحرب عبر المفاوضات والوساطات وما أشبه، لإرجاع الحق إلی أهله.

ص:296

الفصل الخامس:السلم والسلام فی العلاقات الإنسانیة والروحیة(السلام الاجتماعی)

اشارة

الفصل الخامس:السلم والسلام فی العلاقات الإنسانیة والروحیة

(السلام الاجتماعی)

البعد الإنسانی لمفهوم المساواة فی السلام

*المساواة بین الجنس البشری

*المساواة بین الرجل والمرأة فی الشرع الإسلامی

*نماذج من قانون المساواة فی المجتمع الإسلامی

*موارد الاستثناء فی قانون المساواة

*شبهات وردود

جملة من مصادیق السلام الاجتماعی

*التحیة فی الإسلام

*الأخوة الإسلامیة

*صلة الأرحام

*حسن الصحبة والمعاشرة

خصائص العلاقات الإنسانیة فی المجتمع الإسلامی

*صفات العلاقات الإنسانیة فی الإسلام

*أثر الأخلاق الإسلامیة فی دعم الروابط الاجتماعیة

*مبادئ حقوق الإنسان فی الإسلام

ص:297

السلام والعلاقات الروحیة

*علاقة الإنسان مع الله تعالی

*الإیمان بالله والفطرة التی فطر الناس علیها

*الإیمان بالآخرة وأثره فی إیجاد السلم والسلام

*الأنبیاءعلیهم السلام والعلاقات الروحیة بین الإنسان وخالقه

*الأمن والسلام فی الآخرة

ص:298

البعد الإنسانی لمفهوم المساواة فی السلام

البعد الإنسانی لمفهوم المساواة فی السلام

مسألة: من أهم مقومات السلم والسلام فی المجتمع هو قانون المساواة.

وقد مرت الإشارة إلی بعض جوانب مفهوم المساواة کما فی العطاء وغیره، وأما الجانب الآخر لهذا المفهوم فالمراد منه ما یتعلق بالمجتمع من الجانب الإنسانی، وسیتم بحثه فی هذا الفصل ضمن أربعة مواضیع تتضمن نقاطاً فرعیة.

والمواضیع الأربعة هی:

1: المساواة بین الجنس البشری

2: المساواة بین الرجل والمرأة فی نظر الشارع الإسلامی

3: نماذج من قانون المساواة فی المجتمع الإسلامی

4: موارد الاستثناء فی قانون المساواة

الأول: المساواة بین الجنس البشری

حقیقة التفضیل بین الناس

من المعلوم أن مفهوم التمایز والتفاضل لم ینطلق من عصر معین، وإنما ابتدأ المفهوم الخاطئ منه منذ أن أمر الله سبحانه وتعالی الملائکة بالسجود لآدم علیه السلام فخالف إبلیس، فالإنسان کان هو الموجود المفضل والمکرم، ولکن إبلیس رأی نفسه أفضل من الإنسان فلم یسجد له.

قال تعالی: )وَلَقَدْ خَلَقْنَاکُمْ ثُمّ صَوّرْنَاکُمْ ثُمّ قُلْنَا لِلْمَلآئِکَةِ اسْجُدُواْ لاَدَمَ فَسَجَدُوَاْ إِلاّ إِبْلِیسَ لَمْ یَکُنْ مّنَ السّاجِدِینَ* قَالَ مَا مَنَعَکَ أَلاّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُکَ قَالَ أَنَاْ خَیْرٌ مّنْهُ خَلَقْتَنِی مِن نّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِینٍ(((1)).

وفی الآیة إشارة إلی مفهوم التفاضل والخیریة وإن کان جنسهما یختلف، فإبلیس من الجن وآدم من الجنس البشری، وکان الفضل لآدم، ولکن إبلیس رآه لنفسه، وقد ذکر هذا المعنی فی العدید من الروایات التی وردت عن أئمة أهل البیتعلیهم السلام، ومنها:

ص:299


1- سورة الأعراف: 11 و12

عن ابن أبی لیلی قال: دخلت أنا والنعمان علی جعفر بن محمد علیه السلام  - إلی أن قال: - ثم قال علیه السلام: «یا نعمان! إیاک والقیاس فإن أبی حدثنی عن آبائه علیهم السلام أن رسول الله صلی الله علیه و آله قال: من قاس شیئاً من الدین برأیه قرنه الله مع إبلیس فی النار، فإن أول من قاس إبلیس حین قال: ƒخَلَقْتَنِی مِن نّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِینٍ‚ فدع الرأی والقیاس، وما قال قوم لیس ل-ه فی دین الله برهان فإن دین الله لم یوضع بالآراء والمقاییس«((1)).

التمیز العنصری للأمم المتمدنة

الإسلام میز الإنسان علی سائر الخلق، ولکن بالنسبة إلی بنی آدم فقد جعلهم سواسیة وأنه لا تمییز عند الله إلا بالتقوی، أما التمییز العنصری فهو مرفوض فی الإسلام علی عکس ما نراه الیوم وما کان فی الجاهلیة الأولی.

فقد کان الرومان والیونان والفرس والصین وعرب الجاهلیة یعتقدون بأفضلیة الإنسان الأبیض علی الإنسان الأسود، ویستدلون علی ذلک بأمور منها: أن أصلهما مختلف، فهما من أصلین متباینین وأن أصل الإنسان الأبیض أفضل من أصل الأسود، ولذا فهم یعتبرون الأسود کسائر الحیوانات والنباتات وأنه ما خلق إلا لأجل أن یکون خادماً وعبداً للإنسان الأبیض، ومن هنا صدرت عدة تشریعات وقوانین لصالح الإنسان الأبیض ومنها: یحق للإنسان الأبیض أن یتملک الإنسان الأسود ویستعبده ویستغله أینما وجده ویحق ل-ه بیعه وشراؤه. ومنها: إباحة قتل العبید السود وتعذیبهم لزعمهم أنهم من الحیوانات أو لأنهم مصدر للشر.

وکان إرث هذه النظرة السیئة للإنسان الأسود باقیاً إلی القرن الماضی علی الرغم من محاربة الإسلام لهذه النظریة الخاطئة واللا إنسانیة.

وبسبب هذه النظرة الظالمة بدأ تجار العبید یغزون البلدان التی یعیش فیها السود کبلاد الهند والقارة السوداء (إفریقیا) فیسرقون الشباب وکل من وجدت فیه الصفات المطلوبة، ومن کان لدیه القدرة علی القیام بالعمل، ثم یأتون بهم عبر البحار

ص:300


1- وسائل الشیعة: ج27 ص47 ح33176

والمحیطات إلی أوروبا وإفریقیا لاستعبادهم وبیعهم إلی الإنسان الأبیض.

ولم تقتصر هذه النظرة التاریخیة السیئة علی الإنسان الأبیض العادی تجاه الإنسان الأسود، بل کان الفلاسفة أیضا یبحثون حول المرأة هل لها روح إنسانیة أم لا؟ وکان الغالبیة منهم یقولون بأنه لا روح إنسانیة للمرأة!.

فکما أن القوانین الوضعیة الحالیة تفرّق بین الإیرانی والعراقی والمصری والسوری والإندونیسی والباکستانی وما أشبه، رغم أنهم جمیعا مسلمون، فمثلا فی بعض البلاد المعاصرة التی تدعی الإسلام لا یجوز دخول المدارس لغیر المتجنّسین بجنسیة ذلک البلد أو المولودین فیها، وهکذا بالنسبة إلی العمل، فتری أنه یمنع عمل المسلم الذی من بلد آخر فی هذا البلد لأنهم یعتبرونه أجنبیاً!.

وهکذا کانت الأمم الجاهلیة حیث کانت تحکمهم العنصریة والطبقیة والطائفیة والعرقیة واللونیة وما أشبه.

أسباب التمایز العنصری بین الأمم والشعوب

لقد کانت هناک جملة من الأسباب التی أدت إلی نشوء هذه النظرة العنصریة ومنها:

1: إدعاء أفضلیة العنصر والأصل

وهذا الرأی تابع لما یزعمه البعض من الاختلاف فی عنصر الخلق، کما تقدم من مفهوم الآیة التی ادعی فیها إبلیس تفضیل عنصر النار علی العنصر الطینی، ولازال بعض الناس یعتقدون أنهم من نسل الآلهة أو أن بعضهم خلقوا من رأس الإله، والبعض الآخر خلقوا من صدر الإله، والبعض من یده والبعض من رجله وهکذا اختلف الناس فحصلت العنصریة علی ما هو المشاهد عند بعض الأقوام والملل، ومنهم الیهود والنصاری، کما تحدث الله سبحانه وتعالی عنهم فی محکم کتابه المجید فقالت الآیة: )وَقَالَتِ الْیَهُودُ وَالنّصَارَیَ نَحْنُ أَبْنَاءُ اللّهِ(((1)).

ص:301


1- سورة المائدة: 18

أما الإسلام فیری کما قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «إن الله أذهب نخوة العرب وتکبرها بآبائها، وکلکم من آدم، وآدم من تراب ƒإِنّ أَکْرَمَکُمْ عَندَ اللّهِ أَتْقَاکُمْ‚ ((1))»((2)).

2: الحقد والکره والبغض

وهو الذی یحدث بین الشعوب أحیانا فیؤدی إلی احتقار الآخرین وتصغیر شانهم کما ادعی هتلر((3)) تفوّق الشعب الألمانی علی سائر الشعوب لأنه من (العنصر الآری) مما سبّب حربا عالمیة یعانی الناس من ویلاتها إلی هذا الیوم.

روی الشیخ المفید 6 قال: بلغنی أن سلمان الفارسی دخل مسجد رسول الله صلی الله علیه و آله ذات یوم، فعظموه وقدموه وصدّروه إجلالا لحقه وإعظاما لشیبته واختصاصه بالمصطفی وآله صلی الله علیه و آله، فدخل عمر فنظر إلیه فقال: من هذا العجمی المتصدر فیما بین العرب، فصعد رسول الله صلی الله علیه و آله المنبر فخطب فقال: إن الناس من عهد آدم علیه السلام إلی یومنا هذا مثل أسنان المشط لا فضل للعربی علی العجمی، ولا للأحمر علی الأسود إلا بالتقوی»((4)).

ومن هنا ورد فی الروایات الشریفة النهی عن الحقد والکره والبغض للناس.

      قال رسول الله صلی الله علیه و آله:«إیاکم ومشاجرة الناس، فإنها تظهر الغرة وتدفن العزة»((5)).

وقال صلی الله علیه و آله: «ألا أنبؤکم بشر الناس، قالوا: بلی یا رسول الله، قال: من أبغض

ص:302


1- سورة الحجرات: 13
2- بحار الأنوار: ج67 ص287 ب56 ح10
3- هو أدولف هتلر (1889 – 1945م) سیاسی ألمانی، ولد فی النمسا، دخل الحزب العمالی الألمانی فی عام (1919م)، وأصبح زعیمه وسماه: (الحزب الوطنی الاشتراکی) أی النازی عام (1921م)، حاول القیام بعصیان مسلّح فی میونخ فی سنة (1923م) ففشل وسجن، وفی السجن وضع کتابه (کفاحی) عرض فیه مذهبه العرقی العنصری الذی أصبح شعار النازیة، کثر مؤیدوه وقوی حزبه بفضل دعایة غوغائیة مبنیّة علی التعصب القومی، عین مستشارا فی عام (1933م) ثم رئیس الدولة المطلق فی عام (1934م) بعد وفاة هندبرغ، أقام نظاما دکتاتوریا بولیسیا، أدت به سیاسته التوسّعیة إلی احتلال رینانیا عام (1936م)، والنمسا وتشیکوسلوفاکیا عام (1938م)، وبولونیا عام (1939م)، هزم وانتحر فی برلین 30 نیسان عام (1945م)
4- مستدرک الوسائل: ج12 ص89 ب75 ح13598
5- بحار الأنوار: ج72 ص210 ب14 ح3

الناس وأبغضه الناس»((1)).

وفی مواعظ الإمام موسی بن جعفر علیه السلام: «ولا تحقد علیه وإن أساء»((2)).

3: حالة الفقر والغنی

ومن أسباب التفضیل بین الأمم والشعوب الفقر والغنی، حیث یری البعض أن الغنی أفضل من الفقیر، ومن هنا یصبح الفقراء مظلومین مقهورین، ففی الهند أکثر من ثلاثمائة ملیون إنسان منبوذون ویعدّون من طبقة الأنجاس، وذلک لأنهم من الطبقة الفقیرة المسحوقة.

ولکن الإسلام نفی هذه العنصریة بین الفقیر والغنی، قال علیه السلام: «من أکرم فقیرا مسلما لقی الله عزوجل یوم القیامة وهو عنه راض، ألا ومن أکرم أخاه المسلم فإنما یکرم الله عزوجل»((3)).

وقال: «من أکرم مؤمنا فبکرامة الله بدأ، ومن استخف بمؤمن ذی شیبة أرسل الله إلیه من یستخف به قبل موته»((4)).

وقد نزلت الآیة فی ذم عثمان: ƒعَبَسَ وَتَوَلّیَ * أَن جَآءَهُ الأعْمَیَ‚((5)).

وفی الحدیث الشریف عن الإمام الصادق علیه السلام: «من حقر مؤمنا لقلة ماله حقره الله، فلم یزل عند الله محقورا حتی یتوب مما صنع»((6)).

وقال علیه السلام: «لا فخر فی المال إلا مع الجود»((7)). وهذا یدل علی أن المال لا یکون معیاراً للفخر بل الجود وهو صفة إنسانیة یکرم الآخرین کما هو واضح.

وعن الإمام الصادق علیه السلام قال: «قال الله تعالی: لیأذن بحرب منی من آذانی فی عبدی المؤمن، ولیأمن غضبی من أکرم عبدی المؤمن»((8)).

ص:303


1- من لا یحضره الفقیه: ج4 ص400 ومن ألفاظ رسول الله صلی الله علیه و آله الموجزة ح5858
2- الکافی: ج8 ص126 حدیث أبی الحسن موسی علیه السلام ح95
3- وسائل الشیعة: ج12 ص266 ب146 ح16270
4- الکافی: ج2 ص658 باب وجوب إجلال ذی الشیب المسلم ح5
5- سورة عبس: 1-2
6- مشکاة الأنوار: ص59
7- مستدرک الوسائل: ج15 ص261 ب16 ضمن ح18183
8- غوالی اللآلی: ج1 ص361 ح43

وفی الکافی الشریف عن أبی عبد الله علیه السلام قال: «جاء رجل موسر إلی رسول الله صلی الله علیه و آله نقی الثوب فجلس إلی رسول الله صلی الله علیه و آله فجاء رجل معسر درن الثوب فجلس إلی جنب الموسر، فقبض الموسر ثیابه من تحت فخذیه، فقال رسول الله صلی الله علیه و آله: أخفت أن یمسک من فقره شیء؟

قال: لا.

قال: فخفت أن یصیبه من غناک شیء؟

قال: لا.

قال: فخفت أن یوسخ ثیابک؟

قال: لا.

قال: فما حملک علی ما صنعت؟

فقال: یا رسول الله إن لی قرینا یزین لی کل قبیح، ویقبح لی کل حسن وقد جعلت له نصف مالی.

فقال رسول الله صلی الله علیه و آله للمعسر: أتقبل؟

قال: لا.

فقال له الرجل: ولم؟

قال: أخاف أن یدخلنی ما دخلک»((1)).

4: المرأة والرجل

وهذا أحد الأسباب التی أدت إلی تفضیل الإنسان الجاهلی والنظرة العنصریة تجاه المرأة، فادعی جهلا أنها مصدر الشر وهی التی کانت سببا فی عدم رزقه فاشتهر فی مجتمعاتهم وأد البنات لذلک ولغیره من الأسباب. والإسلام یرفض کل ذلک:

قال تعالی: ƒوَلَهُنّ مِثْلُ الّذِی عَلَیْهِنّ بِالْمَعْرُوفِ‚ ((2)).

وقال سبحانه: ƒإِنّ الْمُسْلِمِینَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِینَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِینَ

ص:304


1- الکافی: ج2 ص262-263 باب فضل فقراء المسلمین ح11
2- سورة البقرة: 228

وَالْقَانِتَاتِ وَالصّادِقِینَ وَالصّادِقَاتِ وَالصّابِرِینَ وَالصّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِینَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدّقِینَ وَالْمُتَصَدّقَاتِ والصّائِمِینَ والصّائِمَاتِ وَالْحَافِظِینَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِ-ظَاتِ وَالذّاکِ-رِینَ اللّهَ کَثِیراً وَالذّاکِرَاتِ أَعَدّ اللّهُ لَهُم مّغْفِرَةً وَأَجْراً

عَظِیماً‚ ((1)).

قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «من اتخذ زوجة فلیکرمها» ((2)).

وقال صلی الله علیه و آله: «فأی رجل لطم امرأته لطمة أمر الله عزوجل مالکاً خازن النیران فیلطمه علی حر وجهه سبعین لطمة فی نار جهنم» ((3)).

وقال صلی الله علیه و آله: «ما زال جبرئیل یوصینی فی أمر النساء حتی ظننت أنه سیحرم طلاقهن» ((4)).

وقال صلی الله علیه و آله: «أخبرنی أخی جبرئیل ولم یزل یوصینی بالنساء حتی ظننت أن لا یحل لزوجها أن یقول لها أف، یا محمد اتقوا الله عزوجل فی النساء فإنهن عوان بین أیدیکم» ((5)).

5: الغلو فی الإنسان الآخر

وهذا ینظر للآخرین بأنهم الأفضل لمعاییر غیر شرعیة، فیری الأغنیاء أو الأقویاء أو الملوک أو من أشبه أفضل من الناس العادیین، وهذا خلاف ما بینه الشرع المبین، وربما رأی نفسه حقیراً أمام هؤلاء، ولکنه ورد النهی عن الغلو، فعلی الإنسان أن لایفضل بنی نوعه علی الآخرین إلا بالتقوی.

ص:305


1- سورة الأحزاب: 35
2- دعائم الإسلام: ج2 ص158 ف1 ح560
3- مستدرک الوسائل: ج14 ص250 ب66 ح16619
4- غوالی اللآلی: ج1 ص254 ف10 ح12
5- مستدرک الوسائل: ج14 ص252 ب68 ح16627

قال أمیر المؤمنین علی علیه السلام: »لا تتجاوزوا بنا العبودیة، ثم قولوا ما شئتم ولن تبلغوا، وإیاکم والغلو کغلو النصاری، فإنی بریء من الغالین«((1)).

المساواة فی الفکر الإسلامی

وفی ذلک الجوّ الموبوء الممزّق الممتدّ إلی هذا الیوم نزلت الآیة الکریمة: )یَ-ا أیّهَا النّاسُ اتّقُواْ رَبّکُمُ الّذِی خَلَقَکُمْ مّن نّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثّ مِنْهُمَا رِجَالاً کَثِیراً وَنِسَآءً وَاتّقُواْ اللّهَ الّذِی تَسَآءَلُونَ بِهِ وَالأرْحَامَ إِنّ اللّهَ کَانَ عَلَیْکُمْ رَقِیباً(((2))، فالأب واحد، والأم واحدة، قال تعالی: )وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِن سُلاَلَةٍ مّن طِینٍ * ثُمّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِی قَرَارٍ مّکِینٍ* ثُمّ خَلَقْنَا النّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَکَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَکَ اللّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِینَ(((3)). والمراد بالخلق الآخر کما یقول المفسرون أنه: نفخ الروح فیه((4)).

واستطرادا نقول: هذه الآیات الکریمة تشیر إلی إبطال وتفنید نظریة دارون الیهودیة التی یزعم فیها إن أصل الإنسان قرد، هذه النظریة تنافی نظریة أصل الإنسان فی القرآن الکریم، وهناک أدلة شرعیة تثبت العکس، هو أن أصل القرد إنسان بعد ما مسخهم الله تعالی بذنوبهم کما قال اللّه عزوجل فی کتابه الکریم: )وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الّذِینَ اعْتَدَواْ مِنْکُمْ فِی السّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ کُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِینَ(((5)).

وکما عن أبی عبد اللّه علیه السلام عن أبیه علیه السلام عن جدّه علیه السلام  قال: »المسوخ من بنی آدم ثلاثة عشر صنفاً منهم: القردة والخنازیر والخفّاش والضّبّ والفیل والدّبّ والدّعموص والجرّیث والعقرب وسهیل والقنفذ والزّهرة والعنکبوت«((6)).

وفی آیة أخری: )فَلْیَنظُرِ الإِنسَانُ مِمّ خُلِقَ* خُلِقَ مِن مّآءٍ دَافِقٍ* یَخْرُجُ مِن

ص:306


1- تفسیر الإمام الحسن العسکری علیه السلام : ص50 ح24
2- سورة النساء: 1
3- سورة المؤمنون: 12 - 14
4- راجع موسوعة الفقه: کتاب العقائد ص 58، للإمام المؤلف 6
5- سورة البقرة: 65
6- وسائل الشیعة: ج24 ص109 ح30100

بَیْنِ الصّلْبِ وَالتّرَآئِبِ* إِنّهُ عَلَیَ رَجْعِهِ لَقَادِرٌ(((1)).

وقال سبحانه: )یَ-ا أیّهَا النّاسُ إِنّا خَلَقْنَاکُم مّن ذَکَرٍ وَأُنْثَیَ وَجَعَلْنَاکُمْ شُعُوباً وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوَاْ إِنّ أَکْرَمَکُمْ عَندَ اللّهِ أَتْقَاکُمْ إِنّ اللّهَ عَلِیمٌ خَبِیرٌ(((2)).

وقال عزوجل: )فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبّهُمْ أَنّی لاَ أُضِیعُ عَمَلَ عَامِلٍ مّنْکُمْ مّن ذَکَرٍ أَوْ أُنْثَیَ بَعْضُکُم مّن بَعْضٍ(((3)).

ومن خلال هذه الآیات الکریمة یتضح أن الأصل فی الإسلام هو المساواة بین أفراد البشر فی الإنسانیة والبشریة، والإسلام یری أن الناس جمیعا خلقوا من نفس واحدة وهو آدم علیه السلام، وزوجته وهی حواء $، ویری عدم التفاضل فی الفطرة وإنما الکل علی الفطرة، کما قال سبحانه: )فِطْرَتَ اللّهِ الّتِی فَطَرَ النّاسَ عَلَیْهَا(((4))، ویری أن الناس متساوون فی الواجبات والحقوق فی غیر ما استثنی لحکمة عقلیة، ومقتضی کلّ ذلک هو السلم والسلام العام، فالجمیع أمام شریعة الله تعالی سواء، فشریعته سبحانه تسری علی الغنی والفقیر، والکبیر والصغیر، والحاکم والمحکوم، والفاضل والمفضول.

أما المفاضلة الطبقیة وما أشبه فهی توجب النزاعات والحروب وتکون سبباً لکثیر من مصادیق العنف، کما فی الحروب النازیة والصلیبیة وغیرها.

وقد ذکر القرآن الحکیم والأحادیث الشریفة طبیعة الإسلام التی تنظر بالتساوی للإنسان حیث قال سبحانه: )هُوَ الّذِی خَلَقَکُمْ مّن نّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِیَسْکُنَ إِلَیْهَا(((5))، فالجمیع من رب واحد ومن أب واحد وأم واحدة وکلهم إلی معاد واحد ولهم نبی واحد فی آخر الزمان، کما أن هناک مصلحاً لجمیعهم یأتی لیصلح البشریة جمعاء((6)). ولاشک أن إشادة الإسلام بهذا المبدأ وترسیخه فی أذهان الأمم

ص:307


1- سورة الطارق: 5 - 8
2- سورة الحجرات: 13
3- سورة آل عمران: 195
4- سورة الروم: 30
5- سورة الأعراف: 189
6- عن العباس بن عبد المطلب قال: إن النبی صلی الله علیه و آله قال: « یا عم یملک من ولدی إثنا عشر خلیفة ثم تکون أمور کریهة وشدائد عظیمة ثم یخرج المهدی علیه السلام من ولدی یصلح الله أمره فی لیلة فیملأ الأرض عدلاً کما ملئت جوراً ویمکث فی الأرض ما شاء الله ثم یخرج الدجال » . کشف الغمة: ج2 ص505

والشعوب فیه دلالة علی تکریم الإسلام للإنسانیة، یقول الله تعالی: )وَلَقَدْ کَرّمْنَا بَنِی آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِی الْبَرّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مّنَ الطّیّبَاتِ وَفَضّلْنَاهُمْ عَلَیَ کَثِیرٍ مّمّنْ خَلَقْنَا تَفْضِیلاً(((1)).

ثم إن الله سبحانه وتعالی کرم هذا الإنسان الذی ینتمی إلی هذه الأسرة البشریة التی تعیش علی الأرض بغضّ النظر عن جنسه، ولونه، ودینه، ولغته، ووطنه، وقومیته، ومرکزه الاجتماعی، ومن مظاهر هذا التکریم أیضا خلق الله سبحانه وتعالی الإنسان بقدرته، ونفخ فیه من روحه، وأمر الملائکة بالسجود ل-ه، وسخر ل-ه ما فی السماوات وما فی الأرض جمیعاً، وجعله سیداً علی هذا الکوکب الأرضی واستخلفه فیه لیقوم بعمارته وإصلاحه، ومن أجل أن یکون هذا التکریم حقیقة واقعة، وأسلوبا فی الحیاة، کفل الإسلام جمیع حقوق الإنسان، وأوجب حمایتها وصیانتها، سواء أکانت حقوقا دینیة، أو مدنیة، أو سیاسیة، وسیأتی ذکر بعضها فی موضوع الحقوق.

ومن الأدلة علی تکریم الله سبحانه وتعالی للإنسان قول-ه سبحانه: )وَإِذَا قُلْنَا لِلْمَلآئِکَةِ اسْجُدُواْ لاَدَمَ(((2)).

ومن مظاهر تکریم الله سبحانه وتعالی للإنسان ما ذکره عزوجل بقوله: )الّذِی جَعَلَ لَکُمُ الأرْضَ فِرَاشاً وَالسّمَاءَ بِنَآءً وَأَنزَلَ مِنَ السّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثّمَرَاتِ رِزْقاً لّکُمْ(((3)).

وفی آیة أخری: )وَهُوَ الّذِی جَعَلَکُمْ خَلاَئِفَ الأرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَکُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لّیَبْلُوَکُمْ فِی مَآ آتَاکُمْ إِنّ رَبّکَ سَرِیعُ الْعِقَابِ وَإِنّهُ لَغَفُورٌ رّحِیمٌ(((4)).

وقال سبحانه: )یُنبِتُ لَکُمْ بِهِ الزّرْعَ وَالزّیْتُونَ وَالنّخِیلَ وَالأعْنَابَ وَمِن کُلّ الثّمَرَاتِ إِنّ فِی ذَلِکَ لاَیَةً لّقَوْمٍ یَتَفَکّرُونَ* وَسَخّرَ لَکُمُ اللّیْلَ وَالْنّهَارَ وَالشّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالْنّجُومُ مُسَخّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنّ فِی ذَلِکَ لاَیَاتٍ لّقَوْمٍ یَعْقِلُونَ* وَمَا ذَرَأَ لَکُمْ

ص:308


1- سورة الإسراء: 70
2- سورة البقرة: 34
3- سورة البقرة: 22
4- سورة الأنعام: 165

فِی الأرْضِ مُخْتَلِفاً أَلْوَانُهُ إِنّ فِی ذَلِکَ لاَیَةً لّقَوْمٍ یَذّکّرُونَ* وَهُوَ الّذِی سَخّرَ الْبَحْرَ لِتَأْکُلُواْ مِنْهُ لَحْماً طَرِیّاً وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْیَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَی الْفُلْکَ مَوَاخِرَ فِیهِ وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلّکُمْ تَشْکُرُونَ* وَأَلْقَیَ فِی الأرْضِ رَوَاسِیَ أَن تَمِیدَ بِکُمْ وَأَنْهَاراً وَسُبُلاً لّعَلّکُمْ تَهْتَدُونَ(((1)).

إلی غیرها من الآیات التی هی مظهر تکریم الله سبحانه وتعالی للإنسان.

وکما أن الله تعالی کرّم الإنسان فقد أراد من عبیده أن یکرم بعضهم بعضا، بل ویکرموا أنفسهم کما فی الحدیث: »إن لبدنک علیک حقا«((2)).

وفی حدیث آخر عن الإمام أبی عبد الله الصادق علیه السلام قال: »إن الله تبارک وتعالی فوّض إلی المؤمن کل شیء إلاّ إذلال نفسه«((3)).

فالله کرم الإنسان علی کثیر من خلقه، وهنا یرد سؤال بأن التکریم إذا کان علی کثیر، فهل هنالک غیر هذا الکثیر بحیث یتساوی مع بنی آدم فی الفضل أو أنَّهُ أفضل من بنی آدم؟.

والجواب: لا، وإنما الأکرم هو الإنسان فقط، وهذا تعبیر قرآنیّ بلیغ حیث تقضی البلاغة فی بعض الأحیان عدم ذکر الکلیة وعدم الجزم بالأمر، ولذا نشاهد کثیراً ما استعملت کلمة (لعل) فی القرآن الحکیم مع أنه سبحانه وتعالی یعلم الواقع، قال سبحانه: )وَإِنّآ أَوْ إِیّاکُمْ لَعَلَیَ هُدًی أَوْ فِی ضَلاَلٍ مّبِینٍ(((4))، إن عقلاء العالم وبلغاءهم کثیرا ما یستخدمون (لیت) و(لعل) فی محاوراتهم، لا بالقطع والیقین وإن کانوا قاطعین متیقنین.

فالنتیجة أن الله عزوجل جعل الإنسان مکرماً وأراد منه أن یکرم نفسه ویکرم بنی نوعه، وهذا من أسس السلم والسلام الاجتماعی، فإن العنف مذلة للإنسان ولبنی نوعه کما لا یخفی.

ص:309


1- سورة النحل: 11 - 15
2- راجع شرح رسالة الحقوق: ص94، وفیه: (إن لنفسک علیک حقاً)
3- الکافی: ج5 ص63 ح3
4- سورة سبأ: 24

سیرة الأنبیاءعلیهم السلام فی تعاملهم الإنسانی

وقد قامت سیرة الأنبیاء علیهم السلامعلی ترسیخ هذا المبدأ السماوی الذی یدعو للمساواة بین الإنسانیة، فهم کغیرهم من بنی البشر عبید لله سبحانه، ونجد هذا المعنی واضحا فی سیرة النبی عیسی بن مریم علیه السلام وقد أعلن الله سبحانه وتعالی ذلک فی القرآن الحکیم ردا علی قول النصاری الذین کانوا یقولون إنه إله أو ابن إله، فقال سبحانه: )لّن یَسْتَنکِفَ الْمَسِیحُ أَن یَکُونَ عَبْداً للّهِ وَلاَ الْمَلآئِکَةُ الْمُقَرّبُونَ(((1)).

وقد ترجم هذه السیرة خاتم الأنبیاء محمد صلی الله علیه و آله فی أقواله وسیرته وتصرفاته فمن أقواله صلی الله علیه و آله: »أیها الناس إن ربکم واحد، وإن أباکم واحد، کلکم لآدم وآدم من تراب، إن أکرمکم عند الله أتقاکم، ولیس لعربی علی أعجمی ولا لأعجمی علی عربی ولا لأحمر علی أسود فضل إلا بالتقوی«((2)).

وهو صلی الله علیه و آله علی عظمته کان یقول: (أنا بشر)، حیث قال سبحانه: )قُلْ إِنّمَآ أَنَاْ بَشَرٌ مّثْلُکُمْ یُوحَیَ إِلَیّ(((3))، ولکن الفارق الوحید هو أنه (یوحی إلیه) دون غیره، وذلک مثل ما یقال: أن الشخص الذی فی القریة الفلانیة مثل سائر أفرادها إلاّ أنه تعلّم العلم فصار عالما.

وقد قال رسول الله صلی الله علیه و آله أیضاً: «الناس من آدم وآدم من تراب» الخبر((4)).

وفی الشعر المنسوب إلی علی أمیر المؤمنین علیه السلام فی هذا المعنی:

أبوهم آدم والأم حواء ((5))

الناس من جهة التمثال أکفاء

وأما فی سیرته صلی الله علیه و آله فقد ورد فی روایة أن بعض الصحابة کانوا یمیلون إلی ترفیع النبی صلی الله علیه و آله کترفیع النصاری لعیسی علیه السلام، فقال صلی الله علیه و آله: »لا تطرونی کما أطرت النصاری عیسی بن مریم، فإنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله«((6))، وربما من هنا

ص:310


1- سورة النساء: 172
2- راجع جامع الأخبار: ص183، ومعدن الجواهر : ص21
3- سورة الکهف: 110
4- مکارم الأخلاق: ص438
5- دیوان الإمام علی علیه السلام : ص24
6- خلاصة عبقات الأنوار: ج3 ص311

صار التأکید فی کل صلاة علی عبودیته حیث فی التشهّد نقول: »أشهد أن محمداً عبده ورسوله«((1)).

وهذه جملة من الشواهد علی سیرته العطریة التی دلل فیها علی إنسانیته ومساواته مع بنی البشر فی هذا الجانب:

عن ابن مسعود قال: أتی النبی صلی الله علیه و آله رجل یکلمه فأرعد، فقال صلی الله علیه و آله: »هون علیک فلست بملک إنما أنا ابن امرأة کانت تأکل القد«((2)).

وعن الرضا علیه السلام عن آبائه علیهم السلام قال: قال علی علیه السلام: »أنا عبد الله وأخو رسوله لا یقولها بعدی إلا کذاب«((3)).

وروی عن النبی صلی الله علیه و آله أنه قال: »إنما أنا عبد آکل أکل العبید وأجلس جلسة العبید«((4)).

وعمن سمع رسول الله صلی الله علیه و آله یقول: »أنا عبد الله اسمی أحمد«((5)).

وعن أبی عبد الله وأبی جعفر 3: »إن أمیر المؤمنین علیه السلام لما فرغ من أهل البصرة أتاه سبعون رجلاً من الزط فسلموا علیه وکلّموهُ بلسانهم، فرد علیهم بلسانهم ثم قال علیه السلام لهم: إنی لست کما قلتم! أنا عبد الله مخلوق، فأبوا علیه وقالوا:

أنت هو.

فقال علیه السلام لهم: لئن لم تنتهوا وترجعوا عما قلتم فیّ وتتوبوا إلی الله عزوجل لأقتلنّکم.

فأبوا أن یرجعوا ویتوبوا، فأمر أن تحفر لهم آبار فحفرت ثم خرق بعضها إلی بعض ثم قذفهم فیها ثم خمّر رؤوسها ثم ألهبت النار فی بئر منها لیس فیها أحد منهم فدخل الدخان علیهم فیها فماتوا«((6)).

ص:311


1- راجع مستدرک الوسائل: ج5 ص10 ح5245
2- مکارم الأخلاق: ص16، وبحار الأنوار: ج16 ص229
3- بحار الأنوار: ج38 ص334 ح8
4- مستدرک الوسائل: ج16 ص228 ح19674
5- بحار الأنوار: ج24 ص397 ح119
6- الکافی: ج7 ص259 ح23

وعن أبی ذر 6 قال: کان رسول الله صلی الله علیه و آله یجلس بین ظهرانی أصحابه فیجیء الغریب فلا یدری أیهم هو حتی یسأل، فطلبنا إلی النبی صلی الله علیه و آله أن یجعل مجلساً یعرفه الغریب إذا أتاه فبنینا له دکانا من طین فکان یجلس علیها ونجلس بجانبیه«((1)).

وعن أبی عبد الله علیه السلام یقول: »مرت برسول الله صلی الله علیه و آله امرأة بذیئة وهو جالس علی الحضیض یأکل، فقالت: یا محمد إنک لتأکل أکل العبد وتجلس جلوسه؟

فقال لها رسول الله صلی الله علیه و آله: ویحک وأی عبد أعبد منی؟

قالت: فناولنی لقمة من طعامک، فناولها.

فقالت: لا والله إلا التی فی فیک.

قال علیه السلام: فأخرج رسول الله صلی الله علیه و آله لقمة من فیه فناولها.

قال علیه السلام: فأکلتها.

قال أبو عبد الله علیه السلام: فما أصیبت بداء حتی فارقت الدنیا«((2)).

وعن أنس بن مالک قال: إن النبی صلی الله علیه و آله أدرکه أعرابی فأخذ بردائه فجبذه جبذة شدیدة حتی نظرت إلی صفحة عنق رسول الله صلی الله علیه و آله وقد أثرت بها حاشیة الرداء من شدة جبذته ثم قال له: یا محمد مر لی من مال الله الذی عندک فالتفت إلیه رسول الله صلی الله علیه و آله فضحک وأمر له بعطاء((3)).

وهذه تدل علی نظرة الإسلام فی المساواة بین الناس وهی من أسس السلم والسلام فی المجتمع.

المساواة بین الرجل والمرأة فی الشرع الإسلامی

الثانی: المساواة بین الرجل والمرأة فی الشرع الإسلامی

تشریعات الإسلام وفق العدالة الواقعیة

سنّ الإسلام بالنسبة إلی المرأة ما سنه للرجل والأصل بالنسبة إلیهما المساواة، نعم قد تقتضی العدالة بعض الفروق فعندئذ شرع بعض القوانین الخاصة وهی فی مصلحة

ص:312


1- مکارم الأخلاق: 16
2- مستدرک الوسائل: ج16 ص227 ح19670
3- مکارم الأخلاق: ص17

المرأة نفسها.

فإن الإسلام فی کل تشریعاته یلاحظ العدالة الواقعیة، والله سبحانه هو العالم بالمصالح والمفاسد الواقعیة حتی قال سبحانه فی القرآن الحکیم:)یَا أَیّهَا الّذِینَ آمَنُواْ کُونُواْ قَوّامِینَ بِالْقِسْطِ شُهَدَآءِ للّهِ وَلَوْ عَلَیَ أَنْفُسِکُمْ أَوِ الْوَالِدَیْنِ وَالأقْرَبِینَ إِن یَکُنْ غَنِیّاً أَوْ فَقَیراً فَاللّهُ أَوْلَیَ بِهِمَا فَلاَ تَتّبِعُواْ الْهَوَیَ أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنّ اللّهَ کَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِیراً(((1)).

وقد أشار الإسلام بکل وضوح عبر الآیات الکریمة والأحادیث النبویة إلی التساوی بین الرجل والمرأة کأصل أساسی إلا فیما خرج بالدلیل مما لا یکون من قاعدة التساوی بل العدالة وقد سبق أن دلیل العدالة حاکم علی دلیل التساوی.

فالتساوی حاکم کأصل أولی بین الرجل والمرأة فی الحقوق والواجبات ومختلف مصادیق الإنسانیة، عبادة ومعاملة وقضاء وغیرها، قال تعالی:)وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بَعْضُهُمْ أَوْلِیَآءُ بَعْضٍ یَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَیَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْکَرِ وَیُقِیمُونَ الصّلاَةَ وَیُؤْتُونَ الزّکَاةَ وَیُطِیعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَ-َئِکَ سَیَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنّ اللّهَ عَزِیزٌ حَکِیمٌ(((2)). وقال سبحانه: )وَالّذِینَ یُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِینَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَیْرِ مَا اکْتَسَبُواْ فَقَدِ احْتَمَلُواْ بُهْتَاناً وَإِثْماً مّبِیناً(((3)).

وقال أیضا: )لّیُعَذّبَ اللّهُ الْمُنَافِقِینَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِکِینَ وَالْمُشْرِکَاتِ وَیَتُوبَ اللّهُ عَلَی الْمُؤْمِنِینَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَکَانَ اللّهُ غَفُوراً رّحِیماً(((4)).

وقال عزوجل: )لّیُدْخِلَ الْمُؤْمِنِینَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنّاتٍ تَجْرِی مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِینَ فِیهَا وَیُکَفّرَ عَنْهُمْ سَیّئَاتِهِمْ وَکَانَ ذَلِکَ عِندَ اللّهِ فَوْزاً عَظِیماً(((5)).

وقال أیضا: )رّبّ اغْفِرْ لِی وَلِوَالِدَیّ وَلِمَن دَخَلَ بَیْتِیَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِینَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلاَ تَزِدِ الظّالِمِینَ إِلاّ تَبَاراً(((6)).

ص:313


1- سورة النساء: 135
2- سورة التوبة: 71
3- سورة الأحزاب: 58
4- سورة الأحزاب: 73
5- سورة الفتح: 5
6- سورة نوح: 28

وقال جل وعلا: )إِنّ الّذِینَ فَتَنُواْ الْمُؤْمِنِینَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمّ لَمْ یَتُوبُواْ فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِیقِ(((1)).

وهناک بعض التفاوت النادر بینهما بحسب الاستعدادات المختلفة والقابلیات المتفاوتة، حیث إن المرأة فی خلقها تمیل إلی العاطفة أکثر، والرجل فی خلقه یمیل إلی العقل أکثر، وذلک حسب الحکمة فی خلقه تعالی والمذکورة فی محلّها، بلا صلة فی ذلک بالوضع الإنسانی بین الجنسین فلا میزة لأحدهما علی الآخر حسب الخلق، قال سبحانه: )یَ-ا أیّهَا النّاسُ اتّقُواْ رَبّکُمُ الّذِی خَلَقَکُمْ مّن نّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثّ مِنْهُمَا رِجَالاً کَثِیراً وَنِسَآءً(((2)).

وقال تعالی فی آیة أخری: )فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبّهُمْ أَنّی لاَ أُضِیعُ عَمَلَ عَامِلٍ مّنْکُمْ مّن ذَکَرٍ أَوْ أُنْثَیَ بَعْضُکُم مّن بَعْضٍ(((3)).

وفی التفاسیر: أن أمّ سلمة سألت رسول الله صلی الله علیه و آله عن وجه عدم تعرّض بعض الآیات للمرأة فی مختلف مراحلها العبادیة والمعاملیة، فأنزل الله سبحانه وتعالی هذه الآیة المبارکة نفیا لما توهّمته أم سلمة: )إِنّ الْمُسْلِمِینَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِینَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِینَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصّادِقِینَ وَالصّادِقَاتِ وَالصّابِرِینَ وَالصّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِینَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدّقِینَ وَالْمُتَصَدّقَاتِ والصّائِمِینَ والصّائِمَاتِ وَالْحَافِظِینَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِ-ظَاتِ وَالذّاکِ-رِینَ اللّهَ کَثِیراً وَالذّاکِرَاتِ أَعَدّ اللّهُ لَهُم مّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِیماً* وَمَا کَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَی اللّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن یَکُونَ لَهُمُ الْخِیَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن یَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلّ ضَلاَلاً مّبِیناً(((4))، وفی هذه الآیة الکریمة التساوی الکامل بینهما.

وفی بعض الآیات التساوی إلا بدرجة، کما قال سبحانه: )وَلَهُنّ مِثْلُ الّذِی عَلَیْهِنّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرّجَالِ عَلَیْهِنّ دَرَجَةٌ(((5))..

ص:314


1- سورة البروج: 10
2- سورة النساء: 1
3- سورة آل عمران: 195
4- سورة الأحزاب: 35-36
5- سورة البقرة: 228

ومعنی الدرجة مذکورة فی التفاسیر((1)) وهو لا یرتبط بالإنسانیة وعدم التمییز فیها، حیث إن المرأة تغلب علیها العاطفة لمحلها التکوینی فی إدارة الأسرة وتربیة الأجیال القادمة، والرجل یغلب علیه الجانب العقلی بالنسبة، علی الجانب العاطفی، وهذه الخلقة المتفاوتة التی جعلت لحکمة رفیعة هی التی سببت أن یکون للرجال علیهن درجة.

وقال سبحانه: )قُلْ لّلْمُؤْمِنِینَ یَغُضّواْ مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَیَحْفَظُواْ فُرُوجَهُمْ ذَلِکَ أَزْکَیَ لَهُمْ إِنّ اللّهَ خَبِیرٌ بِمَا یَصْنَعُونَ* وَقُل لّلْمُؤْمِنَاتِ یَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنّ وَیَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنّ وَلاَ یُبْدِینَ زِینَتَهُنّ إِلاّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا(((2)).

وفی آیة أخری: ƒوَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بَعْضُهُمْ أَوْلِیَآءُ بَعْضٍ یَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَیَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْکَرِ وَیُقِیمُونَ الصّلاَةَ وَیُؤْتُونَ الزّکَاةَ وَیُطِیعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَ-َئِکَ سَیَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنّ اللّهَ عَزِیزٌ حَکِیمٌ‚((3)).

وقد ذکرنا فی بعض الکتب المعنیة بهذه الشؤون أن المرأة کانت تستشار حتی من شخص رسول الله صلی الله علیه و آله، وقد ورد فی القرآن الحکیم سورة حول قصة خولة التی کانت تحاور الرسول صلی الله علیه و آله فی زوجها فتشتکی إلی الله، حیث قال سبحانه: )قَدْ سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ الّتِی تُجَادِلُکَ فِی زَوْجِهَا وَتَشْتَکِیَ إِلَی اللّهِ وَاللّهُ یَسْمَعُ تَحَاوُرَکُمآ إِنّ اللّهَ سَمِیعٌ بَصِیرٌ(((4)).

ص:315


1- راجع تفسیر تقریب القرآن للمؤلف 6 : ج2 ص80، وفیه: (فإن بیده الطلاق وله علیها الطلاق)
2- سورة النور: 30-31
3- سورة التوبة: 71
4- سورة المجادلة: 1، وراجع تفسیر تقریب القرآن: ج28 ص14 وفیه: ) قد سمع الله قول المرأة التی تجادلک ( أی تراجعک وتتکلم معک یا رسول الله ) فی ( أمر ) زوجها ( واسم المرأة خولة واسم زوجها أوس ) وتشتکی إلی الله ( حالها وما نزل بها من المکروه ) والله یسمع تحاورکما ( أی تخاطبکما أنتما یا رسول الله ویا أیتها المرأة ) إن الله سمیع ( یسمع الکلام ) بصیر ( یبصر الأحوال، فأنتما باطلاعه سبحانه استماعا وإبصارا

ولم یسبق الإسلام قانون من قوانین البشر ولم یأت بعده ولن یأتی دستور من دساتیرهم یساویه أو یفوقه فی إکرام المرأة وإعطائها حقوقها الإنسانیة والإسلامیة بشکل یحافظ علی مکانتها وشرفها، لوضوح کون الحق الإسلامی هو من خالق الإنسان العالم بجمیع خصوصیاته، فقد نادی القرآن الکریم بحقوقها کاملة وطبّقه الرسول صلی الله علیه و آله والأئمة الطاهرون علیهم السلام تطبیقا کاملا.

المرأة فی الغرب

أما ما نراه الیوم فی الغرب مما یزعمون أنهم أعطوا للمرأة حقها وکرامتها فأغلبه لایکون إلا إهانة للمرأة وسحقا لکرامتها، کما تشهد بذلک لغة الأرقام والإحصاءات المنشورة و الحقائق المشهودة.

وإن فرضنا أنهم أعطوها بعض حقوقها - ظاهرا لا واقعا - ولکن ظلموها وأهانوها وأباحوا عرضها وجعلوها سلعة معروضة فی الأسواق، یأخذ منها التاجر حصّته ویقضی منها المستهتر نهمه، ثم یترکونها بلا عائل ولا عاطف.

إن الغرب أعطی للمرأة بعض الحریة وفی المقابل أخذ منها الشیء الکثیر.

بینما الإسلام أعطی المرأة الحریة والکرامة ولم یأخذ منها شیئا.

دیة المرأة

قد یقال: إن هناک عدم تساو فی باب الدیة بین الرجل والمرأة!.

والجواب: إن ما ورد من الاختلاف فی الدیة فهو من القیم الاقتصادیة لا القیم الإنسانیة فإن الدیّات قیمة اقتصادیة لا قیمة بشریة، کاختلاف أجرة عامل عن عامل مع أنهما متساویان فی الإنسانیة. وقد ذکرنا تفصیلها فی کتاب الدیات.

حصص الإرث

وأما ما أعطی للرجل من ضعف نصیب الأنثی فی بعض موارد الإرث فهو نصیب للرجل المکبّل بالتکالیف والأعباء الواجبة من لزوم النفقة علی الأهل والعیال، بینما المرأة لا تحمل مثل ذلک التکلیف والعبء.

وقد ذکرنا فی بعض کتبنا أن النصف الذی تأخذه المرأة میراثا ربما یکون أکثر

ص:316

بالنسبة إلی الواحد الصحیح الذی یأخذه الرجل.

لا یقال: إنّ ذلک یوجب الإجحاف بحق الرجل.

لأنه یقال: إن الرجل بسبب إمکانیّاته الجسمیة وأعماله الخارجیة یتمکن من القیام بهذا النقص.

شهادة المرأة

وکون شهادة المرأة نصف شهادة الرجل فی بعض الموارد فلیس ذلک مسّا بحقها وخدشا لکرامتها، فإن المرأة بطبیعتها العاطفیة ووظائفها الأمومیة والعملیة ینمو فیها جانب العطف والانفعال - وهو کمال لها - بقدر ما ینمو فی الرجل جانب التأمل والتفکیر، فإن العمل ینمی فی الشخص موازین الأعمال التی یمارسها، فإذا نسیت المرأة أو وقعت تحت تأثیر الانفعال کانت الثانیة مذکرة لها.

فالمسألة هنا مسألة ملابسة عملیة فی الحیاة ودقة فی باب القضاء، لا مسألة تمییز جنس بذاته علی جنس آخر وعدم المساواة بینهما.

ولهذا یقول الله سبحانه فی هذا الصدد:

)فَتُذَکّرَ إِحْدَاهُمَا الاُخْرَیَ(((1)).

ظلم الغرب للمرأة

وقد ذکر أحد الکتاب بأنه یحسن أن لا ننسی التاریخ، وأن لا نمیل إلی القشور الخادعة التی تکتنفنا الیوم، فإن المرأة أخرجها الغرب من البیت وأخذت تعمل فی أشیاء لیس من شأنها العمل فیها، حتی فقدت جزء من صفاتها وأنوثتها((2))، لأن

ص:317


1- سورة البقرة: 282
2- راجع مجلة (المجلة): العدد 1002 ص5، وفیها: إن خروج المرأة للعمل قد أضر بأفراد أسرتها، وبالاقتصاد، وقبل کل شیء أضرّ بنفسیّتها. ولهذا نحث علی تعلیم المرأة، وبقائها فی البیت لتربیة أولادها... ولایخفی علی أحد النتائج السلبیة لوجود الخادم----ات علی تربی----ة ◄    ► الأولاد، ومدی الهدر الحاصل فی المیاه والکهرباء وحتی المواد الغذائیة الذی یتم علی أیدی الخادمات  عن جهل وإهمال. هذا عدا الاعتماد الشدید علی الخادمة من قبل الأولاد والزوج لدرجة التعلق بها، وقصص هذا التعلق موجودة حولنا ونراها فی تصرفات الأبناء الذین یصابون بالاکتئاب لغیاب الخادمة ولا یؤثر فیهم غیاب أو سفر الأم، وبتصرفات قلة من الأزواج الذین تزوجوا بخادماتهم. أما علی صعید المرأة ذاتها التی خرجت للعمل فإن سلبیات خروجها تتمثل بتحملها لضغوط نفسیة فی العمل وفی البیت مما یجعلها عصبیة المزاج ومقصرة فی المکانین (عملها والمن-زل). وحتی حصولها علی راتب یرفع من مستوی الأسرة اقتصادیا فإنه یؤدی إلی هدره أو هدر جزء کبیر منه فی رواتب وتذاکر سفر للخدم ومتطلبات العمل من سیّارة وملابس واضطرار الأسرة إلی الاستعانة بالمطاعم. وبسبب حالة المرأة العصبیة فی کثیر من الأحیان ارتفعت نسبة الطلاق فی دول مجلس التعاون الخلیجی بشکل مخیف، وعلی صعید المرأة العاملة غیر المتزوجة ارتفعت نسبة العنوسة وتأخر سن الزواج لدی المرأة. وبسبب اعتماد الأم العاملة علی الخدم أصبحت الأم العصریة لا تحسن أداء أهم أعمال المرأة الضروریة کالطبخ والکی وبعض أعمال الخیاطة البسیطة التی تتقنها أمهاتنا. أما علی الصعید الاقتصادی المتعلق بالدولة فإن خروج المرأة للعمل حرم الشباب من الحصول علی وظیفة، وانتشرت البطالة فی العدید من الدول الإسلامیة والأجنبیة علی حد سواء. ففی الکویت فقط وصل عدد العاملات من الإناث الکویتیات فی القطاع الحکومی فقط إلی أکثر من (52) ألف موظفة مقابل (58) ألف موظف من الذکور. ومئات العاطلین عن العمل من الرجال، تبعا لإحصائیة عام (1998م). ولا ننسی أن خروج المرأة للعمل واضطرارها إلی الاستعانة بالخدم أربک الدولة فی جهودها لتعدیل الترکیبة السکانیة، فحجم الخدم یکاد یصل إلی نصف حجم العمالة غیر الکویتیة فی الکویت. وهذه العمالة تتطلب توسیع الخدمات التی تقدمها الدولة من مرافق صحیة وغیرها لتتناسب مع زیادة تلک العمالة الهامشیة.

الرجل هناک تخلّی عن کفالتها وإعالتها إلا أن یقتطع الثمن من معیشتها وکرامتها وراحتها ورفاهها، ولذا فقد اضطرت المرأة أن تعمل.

ویحسن أن نذکر أنها حین خرجت للعمل انتهز الغرب المادیّ حاجتها، واستغل فرصة زیادة العرض لیرخص من أجرها واستغنی أصحاب الأعمال بالمرأة الرخیصة الأجر عن العامل الذی بدأ یرفع رأسه ویطالب بأجر کریم، وحین طالبت المرأة هناک بالمساواة کانت تعنی أولاً وبالذات المساواة فی الأجور لتأکل وتعیش، فلمّا لم تنلها طالبت بحق الانتخاب لیکون لها صوت یحسب حسابه، ثم طالبت دخول البرلمانات لیکون لها صوت إیجابی فی تعزیز المساواة، لأن القوانین التی تحکم المجتمع یسنّها الرجل وحده.

علماً بأن حق الانتخاب حق مشروع للمرأة ولا فرق فی ذلک بین الرجل والمرأة، بل ذکرنا فی بعض الکتب بأنه حق مشروع حتی للأطفال، فلهم حق الانتخاب عبر

ص:318

أولیائهم.

وبما أن هذه الأمور التی سحقت کرامة المرأة لیست من شرع الله سبحانه وتعالی الذی یعدل بین عباده رجالا ونساء فقد جاء الإسلام بأعدل القوانین للرجل والمرأة، وساوی بینهما فی الأمور کلها إلا ما خرج بالدلیل، ومن هنا ذکرنا فی بعض الکتب أن مقتضی القاعدة أن یکون لها حق أن تنتخب وتنتخب - فی الإطار الإسلامی - إذ لیس فی الإسلام شیء یمنع من أمثال هذه الأمور.

والحاصل أن المرأة وقعت بین الإفراط والتفریط قدیما وحدیثا، ولم تنل حقها من شرع الله سبحانه وتعالی حسب ما جاء به الإسلام وما أقرّه علماء المسلمین، مثلما فعل جملة من الحکام المنحرفین الذین سموا أنفسهم بالخلفاء کبنی أمیة وبنی العباس وبنی عثمان، فقد أهانوا المرأة بملء بیوتهم بالراقصات والغانیات، ومئات الإماء وربما آلافها من دون رعایتهن، وذلک لمجرّد البذخ والترف والمفاخرة وقضاء الأمور الجنسیة، لهم ولخدمهم وعبیدهم حتی یطیعوهم أکثر، ویمتثلوا لما یریدون من إظهار الأبهة والشخصیة والقساوة والدکتاتوریة.

نماذج من قانون المساواة فی المجتمع الإسلامی

الثالث: نماذج من قانون المساواة فی المجتمع الإسلامی

الفرق بین نظرة الإسلام والغرب لمفهوم المساواة

وعندما یتأمل الإنسان طغیان الطبقات بعضها علی بعض، أو طغیان الحاکمین علی المحکومین، وعندما یولّی وجهه شطر الأمم التی تجعل لنفسها أجناسا فی المرتبة الأولی وسائر الناس فی المراتب المتأخرة، یعرف فضل الإسلام الذی یدعو للسلام کی تسود العدالة والمساواة والأخوة فی الأرض، حتی أن القرآن الحکیم جعل الأخوة بین أشد الکفار عتوا وأفضل الأنبیاء علیهم السلام فی أزمنتهم سمواً ورقیاً، حیث قال سبحانه: )وَإِلَیَ عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً(((1)).

ص:319


1- سورة الأعراف: 65، وسورة هود: 50

وقال تعالی: )وَإِخْوَانُ لُوطٍ(((1)).

وقال عزوجل: )وَإِلَیَ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً(((2)).

فالإسلام یدعو إلی السلم والسلام حتی یکون هناک إخاء حقیقی بین الأبیض والأسود، والقوی والضعیف، والغنی والفقیر، والشریف والوضیع، وحتی لا یکون هناک عدوان علی الأرض، سواء من طائفة علی طائفة، أو جنس علی جنس، أو قطر علی قطر، أو لون علی لون، أو لغة علی لغة، أو منطقة علی منطقة.

فلا تفرقة بین الناس والقبائل والأمم سواء تغایرت بالأوصاف العرقیة کالأبیض والأسود، أو بالأوصاف العرضیة کالغنی والفقر، والقوة والضعف، واللغة وغیرها.

المسلمون بمنزلة الجسد الواحد

کان الکلام المتقدم فی النظرة الشمولیة بین الإنسان وبنی نوعه بصورة عامة وأما ما یتعلق بأسس السلام بین المسلمین أنفسهم فی الإسلام، فقد جعلهم بمنزلة الجسد الواحد یحس بإحساس واحد، فإن الجسم الواحد إذا أصیب فی یده أو رجله أو عینه أو قلبه أو أی مکان آخر منه، أو مرض أو تعب أو ما أشبه ذلک.. کان کل الجسد یتعاطف معه ویتحنن إلیه، فقد قال الإمام الصادق علیه السلام: »المؤمنون فی تبارهم وتراحمهم وتعاطفهم کمثل الجسد إذا اشتکی تداعی له سائره بالسهر والحمّی«((3)).

فإذا أصیبت الید بالألم لا ینام الإنسان وتأخذه الحمی، ولو کانت العین أو الأذن أو سائر الأعضاء سالمة، وهکذا المسلمون إذا أصاب أحدهم شیء مکروه کأنه أصاب کل الجسد، فالکل یجتمعون حتی یدفعوا ذلک الشیء.

وقد مدح القرآن الحکیم الرسول الأعظم صلی الله علیه و آله خصوصاً وعموماً من هذه الجهة، أما مدحه الخاص، فقد قال سبحانه: )لَقَدْ جَآءَکُمْ رَسُولٌ مّنْ أَنفُسِکُمْ عَزِیزٌ عَلَیْهِ مَا عَنِتّمْ حَرِیصٌ عَلَیْکُمْ بِالْمُؤْمِنِینَ رَءُوفٌ رّحِیمٌ(((4)).

وأما مدحه العام فقوله سبحانه: ) فَبِمَا رَحْمَةٍ مّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ کُنْتَ فَظّاً

ص:320


1- سورة ق: 13
2- سورة الأعراف: 73، وسورة هود: 61
3- مستدرک الوسائل: ج12 ص424 ح14506
4- سورة التوبة: 128

غَلِیظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضّواْ مِنْ حَوْلِکَ (((1)).

وکلمة: )لهم( تشمل المسلمین وغیر المسلمین، فإنّ رسول الله صلی الله علیه و آله کان لیّنا حتی مع الکفار کما کان لیّنا مع المسلمین.

وأما قوله تعالی: )أَشِدّآءُ عَلَی الْکُفّارِ( فإنه استثناء، وفی موارد تقتضی الشدة کمیدان الحرب - مضافا إلی ما ورد فی تفسیر الآیة من المقصود بالشدة -

فإنّ الشدة فی الحرب تکون کالعملیة الجراحیة وفی حالات الضرورة القصوی وبقدر خاص لا یتجاوز عنه حتی بقدر شعرة، تقول الآیة الکریمة: )مّحَمّدٌ رّسُولُ اللّهِ وَالّذِینَ مَعَهُ أَشِدّآءُ عَلَی الْکُفّارِ رُحَمَآءُ بَیْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُکّعاً سُجّداً یَبْتَغُونَ فَضْلاً مّنَ اللّهِ وَرِضْوَاناً(((2)) وسیرته صلی الله علیه و آله العطرة خیر دلیل علی ذلک، فإنه صلی الله علیه و آله أعطی الماء لأهل بدر((3))، وأرسل بالذهب إلی أهل مکة بعد حرب خیبر، وأطلق کثیرا من أسری الکفار مباشرة أو تسبیباً، وعفا عن أهل مکة((4)) إلی غیرها من القصص الکثیرة التی تدل علی عدم معاملة الکفار معاملة عنیفة.

کما أنه یدل علی ذلک عموماً قوله صلی الله علیه و آله:«إنما بعثت لأتمّم مکارم الأخلاق»((5))، ولم یخصص ذلک بالمسلمین فحسب بل سیرته الطاهرة وفی قصص کثیرة تدل علی الشمولیة وعدم الاختصاص.

المساواة فی القضاء

یهدف الدین الإسلامی الحنیف إلی إقامة مجتمع العدل والمساواة، کما دلت علی ذلک الآیات الکریمة والروایات الشریفة وهی کثیرة فی هذا الباب:

قال تعالی: ]إِنّ اللّهَ یَأْمُرُکُمْ أَن تُؤدّواْ الأمَانَاتِ إِلَیَ أَهْلِهَا وَإِذَا حَکَمْتُمْ بَیْنَ

ص:321


1- سورة آل عمران: 159
2- سورة الفتح: 29
3- شرح نهج البلاغة: ج14 ص122 ف3 قصة غزوة بدر
4- راجع قرب الإسناد: ص170، وفیه: وأهل مکة کانوا أسری فأعتقهم رسول الله صلی الله علیه و آله فقال: « أنتم الطلقاء » ، للتفصیل راجع کتاب (ولأول مرة فی تاریخ العالم) للإمام المؤلف (أعلی الله مقامه)
5- بحار الأنوار: ج68 ص382 ح17

النّاسِ أَن تَحْکُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنّ اللّهَ نِعِمّا یَعِظُکُمْ بِهِ إِنّ اللّهَ کَانَ سَمِیعاً بَصِیراً[((1)).

وقال سبحانه: ]یَا أَیّهَا الّذِینَ آمَنُواْ کُونُواْ قَوّامِینَ بِالْقِسْطِ شُهَدَآءِ للّهِ وَلَوْ عَلَیَ أَنْفُسِکُمْ أَوِ الْوَالِدَیْنِ وَالأقْرَبِینَ إِن یَکُنْ غَنِیّاً أَوْ فَقَیراً فَاللّهُ أَوْلَیَ بِهِمَا فَلاَ تَتّبِعُواْ الْهَوَیَ أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنّ اللّهَ کَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ

خَبِیراً[((2)).

وقال تعالی: ]یَا أَیّهَآ الّذِینَ آمَنُواْ کُونُواْ قَوّامِینَ للّهِ شُهَدَآءَ بِالْقِسْطِ وَلاَ یَجْرِمَنّکُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَیَ أَلاّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتّقْوَیَ وَاتّقُواْ اللّهَ إِنّ اللّهَ خَبِیرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ[((3)).

وقال سبحانه: ]وَتَمّتْ کَلِمَةُ رَبّکَ صِدْقاً وَعَدْلاً لاّ مُبَدّلِ لِکَلِمَاتِهِ وَهُوَ السّمِیعُ الْعَلِیمُ[((4)).

وقال تعالی: ]وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْیَتِیمِ إِلاّ بِالّتِی هِیَ أَحْسَنُ حَتّیَ یَبْلُغَ أَشُدّهُ وَأَوْفُواْ الْکَیْلَ وَالْمِیزَانَ بِالْقِسْطِ لاَ نُکَلّفُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ کَانَ ذَا قُرْبَیَ وَبِعَهْدِ اللّهِ أَوْفُواْ ذَلِکُمْ وَصّاکُمْ بِهِ لَعَلّکُمْ تَذَکّرُونَ[((5)).

وقال سبحانه: ]إِنّ اللّهَ یَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِیتَآءِ ذِی الْقُرْبَیَ وَیَنْهَیَ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْکَرِ وَالْبَغْیِ یَعِظُکُمْ لَعَلّکُمْ تَذَکّرُونَ[((6)).

وقال تعالی: ]فَلِذلِکَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ کَما أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ کِتابٍ وَأُمِرْتُ لأَِعْدِلَ بَیْنَکُمُ اللَّهُ رَبُّنا وَرَبُّکُمْ لَنا أَعْمالُنا وَلَکُمْ أَعْمالُکُمْ لا حُجَّةَ بَیْنَنا وَبَیْنَکُمُ اللَّهُ یَجْمَعُ بَیْنَنا وَإِلَیْهِ الْمَصِیرُ[((7)).

ص:322


1- سورة النساء: 58
2- سورة النساء: 135
3- سورة المائدة: 8
4- سورة الأنعام: 115
5- سورة الأنعام: 152
6- سورة النحل: 90
7- سورة الشوری: 15

وقال سبحانه: ]وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَیْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَی الأُْخْری فَقاتِلُوا الَّتِی تَبْغِی حَتَّی تَفِیءَ إِلی أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَیْنَهُما بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّه یُحِبُّ الْمُقْسِطِینَ[((1)).

وعن رسول الله صلی الله علیه و آله: »أنه نهی أن یحابی القاضی أحد الخصمین بکثرة النظر وحضور الذهن ونهی عن تلقین الشهود«((2)).

وعنه صلی الله علیه و آله أنه قال: »العدل میزان الله فی الأرض فمن أخذه قاده إلی الجنة ومن ترکه ساقه إلی النار«((3)).

وقال علی علیه السلام: »العدل حیاة«((4)).

وقال علیه السلام أیضاً: »إن العدل میزان الله سبحانه الذی وضعه فی الخلق ونصبه لإقامة الحق، فلا تخالفه فی میزانه، ولا تعارضه فی سلطانه«((5)).

وعنه علیه السلام أنه قال: »فی العدل إصلاح البریة، فی العدل الاقتداء بسنة الله، فی العدل الإحسان«((6)). وعنه علیه السلام أنه قال: »غایة العدل أن یعدل المرء فی نفسه«((7)).

وعن الإمام الرضا علیه السلام قال: »اعلم أنه یجب علیک أن تساوی بین الخصمین حتی النظر إلیهما حتی لا یکون نظرک إلی أحدهم أکثر من نظرک إلی الثانی«((8)).

وکذلک لکل إنسان الحق فی القضاء المتساوی مع الآخرین، فلا حق للقاضی أن یقول إن هذا عالم فهو مقدّم علی الجاهل فی القضاء، فیعطی للعالم الحق دون الجاهل، أو یقول: هذا شریف، أو ثری، أو سلطان، أو ذو عشیرة، وذاک غیره، أو هذا من وطنی وذاک أجنبی، إلی غیر ذلک، وقد حضر رسول الله صلی الله علیه و آله مع أعرابی عند قاض فی قصة الناقة المشهورة، کما عن ابن عباس قال:

ص:323


1- سورة الحجرات: 9
2- مستدرک الوسائل: ج17 ص350 ح21549
3- مستدرک الوسائل: ج11 ص317 ح13145
4- غرر الحکم ودرر الکلم: ص99 ح1699
5- غرر الحکم ودرر الکلم: ص99 ح1696
6- مستدرک الوسائل: ج11 ص318 ح13146
7- غرر الحکم ودرر الکلم: ص236 ح4757
8- بحار الأنوار: ج101 ص276

خرج رسول الله صلی الله علیه و آله من من-زل عائشة فاستقبله أعرابی ومعه ناقة فقال: یا محمد تشتری هذه الناقة؟

فقال النبی صلی الله علیه و آله: »نعم بکم تبیعها یا أعرابی«؟

فقال: بمائتی درهم.

فقال النبی صلی الله علیه و آله: »بل ناقتک خیر من هذا«.

قال: فما زال النبی صلی الله علیه و آله یزید حتی اشتری الناقة بأربعمائة درهم.

قال: فلما دفع النبی صلی الله علیه و آله إلی الأعرابی الدراهم ضرب الأعرابی یده إلی زمام الناقة فقال: الناقة ناقتی والدراهم دراهمی فإن کان لمحمد شیء فلیقم البینة؟

قال: فأقبل رجل فقال النبی صلی الله علیه و آله: »أترضی بالشیخ المقبل«؟

قال: نعم یا محمد.

فقال النبی صلی الله علیه و آله: »تقضی فیما بینی وبین هذا الأعرابی«؟

فقال: تکلم یا رسول الله.

فقال رسول الله صلی الله علیه و آله: »الناقة ناقتی والدراهم دراهم الأعرابی«.

فقال الأعرابی: بل الناقة ناقتی والدراهم دراهمی، إن کان لمحمد شیء فلیقم البینة؟ فحکم الرجل للأعرابی، الحدیث ((1)).

وحضر أمیر المؤمنین علی علیه السلام - وکان خلیفة المسلمین ویحکم علی خمسین دولة فی خریطة الیوم - مع ذلک الیهودی عند شریح القاضی فی قصة الدرع.

ففی الحدیث أنه علیه السلام مضی فی حکومة إلی شریح مع یهودی فقال: «یا یهودی

ص:324


1- من لا یحضره الفقیه: ج3 ص106 ح3426

الدرع درعی ولم أبع ولم أهب».

فقال الیهودی: الدرع لی وفی یدی.

فسأله شریح البینة، فقال علیه السلام: »هذا قنبر والحسین یشهدان لی بذلک«.

فقال شریح: شهادة الابن لا تجوز لأبیه، وشهادة العبد لا تجوز لسیده وإنهما یجران إلیک.

فقال أمیر المؤمنین علیه السلام: »ویلک یا شریح أخطأت من وجوه» ثم ذکره له وجوه خطئه...

فلما سمع الیهودی ذلک قال: هذا أمیر المؤمنین جاء إلی الحاکم والحاکم حکم علیه! فأسلم، ثم قال: الدرع درعک سقطت یوم صفین من جمل أورق فأخذتها ((1)).

هذا فی باب القضاء حیث لا فرق بین إنسان وإنسان أمام القاضی.

وهکذا بالنسبة إلی الطب حیث لا یحق للطبیب أن یترک مریضا لأنه دون المرضی الآخرین مالا أو جاها وما أشبه ذلک، إذا کان المریض بحاجة إلی العلاج، نعم للطبیب أن یأخذ مالا فی إزاء طبابته، وإذا کان المریض فقیرا لا یمکنه دفع المال فعلی الطبیب أن یسعفه ویعالجه إذا کان المرض من الأمراض الواجب إزالتها عینا أو کفایة، علی الموازین المذکورة فی الفقه فی العینیة والکفائیة.

وهکذا بالنسبة إلی خیرات الأرض حیث جعلها الله سبحانه وتعالی للبشر علی حد التساوی کما قال سبحانه وتعالی: )وَالأرْضَ وَضَعَهَا لِلأنَامِ(((2)).

وقال: ) هُوَ الّذِی خَلَقَ لَکُمْ مّا فِی الأرْضِ جَمِیعاً ثُمّ اسْتَوَیَ إِلَی السّمَآءِ فَسَوّاهُنّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِکُلّ شَیْءٍ عَلِیمٌ (((3)).

وقال: ) أَلَمْ تَرَ أَنّ اللّهَ سَخّرَ لَکُم مّا فِی الأرْضِ وَالْفُلْکَ تَجْرِی فِی الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَیُمْسِکُ السّمَآءَ أَن تَقَعَ عَلَی الأرْضِ إِلاّ بِإِذْنِهِ إِنّ اللّهَ بِالنّاسِ لَرَءُوفٌ رّحِیمٌ(((4)).

ص:325


1- بحار الأنوار: ج41 ص56 ح6
2- سورة الرحمن: 10
3- سورة البقرة: 29
4- سورة الحج: 65

وقال: )أَلَمْ تَرَوْاْ أَنّ اللّهَ سَخّرَ لَکُمْ مّا فِی السّمَاوَاتِ وَمَا فِی الأرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَیْکُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النّاسِ مَن یُجَادِلُ فِی اللّهِ بِغَیْرِ عِلْمٍ وَلاَ هُدًی وَلاَ کِتَابٍ مّنِیرٍ(((1)).

وقال: )وَسَخّرَ لَکُمْ مّا فِی السّمَاوَاتِ وَمَا فِی الأرْضِ جَمِیعاً مّنْهُ إِنّ فِی ذَلِکَ لاَیَاتٍ لّقَوْمٍ یَتَفَکّرُونَ(((2)).

إلی غیرها من الآیات والروایات.

حیث إن خیرات الأرض لم تخصص لشعب دون آخر بل هی لعموم البشر، ولکن الإنسان هو الذی وضع الحدود المصطنعة، بحیث أصبح الشعب الذی یمتلک الثروات الطبیعیة (التی منحها الله لعموم البشر) شعباً غنیاً مترفاً، ونری شعباً مجاوراً ل-ه یئن من ألم الجوع، وهذا ناتج من ظلم الإنسان لأخیه الإنسان.

ویکون هذا الأمر وهو اشتراک الجمیع فی الأمور التی ذکرناها، من أسس السلم والسلام، وأما لو رأی الناس التفاوت من غیر مبرّر، قوضوا معالم السلام، وینتهی الأمر أحیانا إلی الثورات والاضطرابات والمظاهرات وإفساد النظام والفوضی.

أمثلة رائعة من قانون المساواة الإسلامی

ومن أمثلة قانون المساواة الإسلامی قصة الغسانی جبلة بن الأیهم، فقد کانت الدولة الرومانیة الشرقیة تحرّض من کان تحت سیطرتها من أمراء الغساسنة العرب علی غزو الجزیرة العربیة بغیة القضاء علی الدولة الإسلامیة الفتیة، وکان ینتاب الجزیرة ارتباک وقلق مستمر لتوقع هذه الغزوة، فقد کان یزعم بعض النصاری أن رسول الإسلام صلی الله علیه و آله ملک لا أکثر، ولم یعرفوا أن الإسلام قوة معنویة فی نفوس المسلمین لاتماثلها قوة.

وقد بدا للأمیر الغسانی جبلة بن الأیهم أن یدخل فی صفوف أبناء قومه العرب ویترک التبعیة للدولة الرومانیة جانبا بسبب الضغوط التی کان الرومان یمارسونها علی

ص:326


1- سورة لقمان: 20
2- سورة الجاثیة: 13

أتباعهم مما أتاح للإسلام الفرصة للنفوذ فیهم بسرعة، وکان ذلک ببرکة قانون المساواة العادلة فی الإسلام..

وهکذا کان حال الدولة الفارسیة فی قصص مشهورة.

فالأمم أخذت تدخل فی الإسلام لما رأت من المساواة والعدالة فی ظله.

نعم دخل جبلة بن الأیهم إلی الإسلام، وقد کتب الخلیفة إلی جبلة أن أقدم ولک ما لنا وعلیک ما علینا، فقدم جبلة إلی الحجاز فی خمسمائة فارس علیهم ثیاب الوشج المنسوج بالذهب والفضة، وکان هو لابساً تاجه الذی کان یلمع من بعید، فلم یبق فی المدینة رجل ولا امرأة ولا صبی إلا خرج ینظر إلی هذا الموکب الفخم الذی لا عهد لهم بنظیره، وحضر جبلة بجماعته موسم الحج، وخرج جبلة یطوف بالکعبة فوطأ علی طرف إزاره رجل مسلم من بنی فزارة فحلّه، فعظم الأمر علی الأمیر الغسانی جبلة بن الأیهم فما کان منه إلا أن لطم الفزاری لطمة شدیدة هشمت بعض أنفه.

فأسرع الفزاری إلی الخلیفة یشکو جبلة حیث کان الخلیفة أیضا من ضمن الحجاج فی ذلک العام، فبعث الخلیفة إلی جبلة فقال ل-ه: ما دعاک یا جبلة أن لطمت أخاک هذا فصنعت به ما تری وأری؟

فتعجب الأمیر من السؤال ودهش وقال: إنه قد وطأ إزاری أثناء طوافی فحلّه، وإننی قد ترفّقت به ولولا حرمة هذا البیت لأخذت الذی فیه عیناه (أی قتلته).

لکن الخلیفة لم یقبل منه ذلک حیث إن الإسلام لم یعترف إلا بقانون العدالة ولا یعترف بمکانة جبلة ولا لغضبه ولا لما یستفیده الإسلام من انخراطه وقومه تحت لوائه، فقال له الخلیفة: إنک قد اعتدیت علیه فإما أن ترضیه وإلا أقتدته منک.

فقال جبلة مندهشا: تقیده منی وأنا ملک وهو سوقة.

فقال الخلیفة: إن الإسلام قد سوّی بینکما.

فقال جبلة: إننی رجوت أن أکون فی الإسلام أعزّ منی فی الجاهلیة، لکن إصرار الخلیفة أوجب قیادة الرجل الفزاری من جبلة((1))، وبذلک أفاد أن الإسلام یساوی بین

ص:327


1- النص والاجتهاد: ص359

الکبیر والصغیر ولا یعتنی بالمکانة الاجتماعیة ولا بالمال ولا بالجیش ولا شبه ذلک أمام القانون.

فإن جبلة وإن ارتدّ بعد ذلک لکن الملایین من الناس دخلوا الإسلام لأنهم رأوه دین الحقیقة والمساواة.

موارد الاستثناء فی المساواة

الرابع: موارد الاستثناء فی المساواة

مسألة: الأصل فی الإسلام هو المساواة بین الجمیع، إلا فی ما اقتضت العدالة عدم المساواة فیه، وهذا یعنی أن هناک عدالة ومساواة ولیس معنی ذلک إن أحدهما یخالف الآخر، بل بینهما عموم وخصوص من وجه، فقد یجتمعان وقد یفترقان.

قال سبحانه: )یَا أَیّهَآ الّذِینَ آمَنُواْ کُونُواْ قَوّامِینَ للّهِ شُهَدَآءَ بِالْقِسْطِ وَلاَ یَجْرِمَنّکُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَیَ أَلاّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتّقْوَیَ وَاتّقُواْ اللّهَ إِنّ اللّهَ خَبِیرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ(((1)).

ومن أمثلة موارد العدالة فی عدم المساواة، التفضیل فی باب الکفاءات، فهناک تفضیل بین الأنبیاء بعضهم البعض علیهم السلام کما قال سبحانه وتعالی: )تِلْکَ الرّسُلُ فَضّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَیَ بَعْضٍ مّنْهُمْ مّن کَلّمَ اللّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَیْنَا عِیسَی ابْنَ مَرْیَمَ الْبَیّنَاتِ وَأَیّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَآءَ اللّهُ مَا اقْتَتَلَ الّذِینَ مِن بَعْدِهِم مّن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ الْبَیّنَاتُ وَلَ-َکِنِ اخْتَلَفُواْ فَمِنْهُمْ مّنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مّن کَفَرَ وَلَوْ شَآءَ اللّهُ مَا اقْتَتَلُواْ وَلَ-َکِنّ اللّهَ یَفْعَلُ مَا یُرِیدُ(((2)).

وقال: )وَإِسْمَاعِیلَ وَالْیَسَعَ وَیُونُسَ وَلُوطاً وَکُلاّ فَضّلْنَا عَلَی الْعَالَمِینَ(((3)).

وقال: )وَرَبّکَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِی السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَلَقَدْ فَضّلْنَا بَعْضَ النّبِیّینَ عَلَیَ بَعْضٍ وَآتَیْنَا دَاوُودَ زَبُوراً(((4)).

وقال: )وَلَقَدْ آتَیْنَا دَاوُودَ وَسُلَیْمَانَ عِلْماً وَقَالاَ الْحَمْدُ لِلّهِ الّذِی فَضّلَنَا عَلَیَ کَثِیرٍ مّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِینَ * وَوَرِثَ سُلَیْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ یَ-ا أیّهَا النّاسُ عُلّمْنَا مَنطِقَ

ص:328


1- سورة المائدة: 8
2- سورة البقرة: 253
3- سورة الأنعام: 86
4- سورة الإسراء: 55

الطّیْرِ وَأُوتِینَا مِن کُلّ شَیْءٍ إِنّ هَ-َذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِینُ(((1)).

وقال: )وَلَقَدْ آتَیْنَا دَاوُودَ مِنّا فَضْلاً یَجِبَالُ أَوّبِی مَعَهُ وَالطّیْرَ وَأَلَنّا لَهُ الْحَدِیدَ(((2)).

إن الله سبحانه وتعالی فضل بعضهم علی بعض درجات للکفاءات المختلفة عندهم، وهذا عین العدالة کما هو واضح، وربما کان بعض التفضیل امتحاناً واختباراً أو من جوانب أخری.

ومن هنا یعرف بعض السر فی خلق النبی صلی الله علیه و آله من طینة أفضل((3)) وذلک مقتضی العدالة أیضاً، کالذهب المخلوق من جنس أعلی من التراب، کما ذکرنا تفصیل ذلک فی کتاب العقائد((4)) وأشرنا إلیه فی کتاب البیع مبحث الولایة((5)).

وهناک موارد أخری للعدالة تقتضی عدم المساواة کتفضیل من ل-ه السابقة فی الإسلام علی غیره عند الله عزوجل، وکذلک التفضیل فی الجانب الفکری والعلمی کالعالم والجاهل ولا شک أن العالم أفضل من الجاهل، ولکن مع ذلک تبقی مساواة الإنسانیة بین بنی آدم من غیر فرق بین الفاضل وغیره وللکل حقوقهم الکاملة.

وکذلک فی القضایا الاجتماعیة کالزواج وهو شأن حساس ومهم، لکن الإسلام جعل الکفو هو الإیمان، لا الثروة والجاه وما أشبه، فکان الرفیع لا یرغب فی مصاهرة الوضیع وهو کذلک حتی وقتنا هذا، ومع ذلک فالإسلام وضّع المناکح حتی أن رسول الله صلی الله علیه و آله زوّج ابنة عمّته زینب بنت جحش القرشیة الهاشمیة الرفیعة الشأن جدّا قبل الإسلام وبعده من مولاه زید بن حارثة وهو عبد فقیر((6)).

ص:329


1- سورة النمل: 15-16
2- سورة سبأ: 10
3- راجع نهج البلاغة: الخطب 94. وراجع أیضا بحار الأنوار: ج46 ص206 ح83
4- انظر کتاب (الفقه: المقدمة / کتاب العقائد) للإمام المؤلف رحمة الله
5- انظر کتاب (الفقه: البیع) المجلد الرابع والخامس
6- راجع تفسیر القمی: ج2 ص194، وفیه: عن أبی جعفر الباقر علیه السلام قال فی قوله: ) وما کان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضی الله ورسوله أمرا أن یکون لهم الخیرة من أمرهم ( « وذلک أن رسول الله صلی الله علیه و آله خطب علی زید بن حارثة زینب بنت جحش الأسدیة من بنی أسد بن خزیمة وهی بنت عمة النبی صلی الله علیه و آله فقالت: یا رسول الله حتی أؤامر نفسی فأنظر، فأنزل الله: ) وما کان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضی الله ورسوله أمرا أن یکون لهم الخیرة ( سورة الأحزاب: 36 . فقالت: یا رسول الله أمری بیدک فزوجها إیاه فمکثت عند زید ما شاء الله »

وهکذا تزوّج بلال بن رباح مؤذن الرسول صلی الله علیه و آله والذی کان مملوکا فقیرا أسود لایحسن العربیة بشکل جید، بأخت عبد الرحمان بن عوف بعد عتقه((1)).

وکذلک تزوج رسول الله صلی الله علیه و آله بعض النساء اللّواتی لم یمتلکن منزلة اجتماعیة ولم تکن فی درجة النبی صلی الله علیه و آله اجتماعیا.

وهکذا تزوج الإمام علی بن الحسین علیه السلام بمولاة حتی عوتب فی ذلک((2)).

فالمسلم کفؤ المسلمة مهما کان أحدهما أکثر مالا أو جاها أو أعزّ سلطانا أو ما أشبه ذلک.

وقد جاءت امرأة عربیة وامرأة أعجمیة إلی أمیر المؤمنین علی علیه السلام فی الکوفة وطلبتا منه مالا، فأعطاهما عطاء متساویا، فقالت العربیة: کیف تعطی الأعجمیة مثل نصیبی؟!، فقال علی علیه السلام: »والله لا أجد لبنی إسماعیل فی هذا الفیء فضلاً علی بنی إسحاق«((3))، من المعروف أن العرب من بنی إسماعیل وإن بعض غیر العرب من بنی إسحاق کنایة عن التساوی.

کما أمر رسول الله صلی الله علیه و آله بتزویج جویبر فی قصة مفصلة، حیث ورد عن أبی حمزة الثمالی قال: کنت عند أبی جعفر الباقر علیه السلام إذ استأذن علیه رجل فأذن ل-ه فدخل علیه فسلّم، فرحب به أبو جعفر علیه السلام وأدناه وساءله.

فقال الرجل: جعلت فداک إنی خطبت إلی مولاک فلان بن أبی رافع ابنته فلانة فردنی ورغب عنی وازدرأنی لدمامتی وحاجتی وغربتی، وقد دخلنی من ذلک غضاضة هجمة عض لها قلبی تمنیت عندها الموت.

فقال أبو جعفر علیه السلام: اذهب فأنت رسولی إلیه، وقل ل-ه: یقول لک محمد بن

ص:330


1- راجع بحار الأنوار: ج42 ص160ح31
2- راجع کتاب الزهد: ص60، وفیه: عن زرارة عن أحدهما (الإمام الباقر أو الإمام الصادق 3 ) قال: إن علی بن الحسین علیه السلام تزوج أم ولد عمه الحسن وزوج أمّه مولاه فلما بلغ ذلک عبد الملک بن مروان کتب إلیه یا علی بن الحسین کأنک لا تعرف موضعک من قومک وقدرک عند الناس تزوجت مولاة وزوجت مولاک بأمک فکتب إلیه علی بن الحسین علیه السلام : « فهمت کتابک ولنا أسوة برسول الله صلی الله علیه و آله فقد زوج زینب بنت عمه زیدا مولاه وتزوج مولاته صفیة بنت حی بن أخطب »
3- وسائل الشیعة: ج15 ص107 ح20079

علی بن الحسین بن علی بن أبی طالب علیهم السلام: زوّج منحج ابن ریاح مولای ابنتک فلانة ولا ترده.

قال أبو حمزة: فوثب الرجل فرحاً مسرعاً برسالة أبی جعفر علیه السلام، فلما أن تواری الرجل قال أبو جعفر علیه السلام: إن رجلا کان من أهل الیمامة یقال له: جویبر أتی رسول الله صلی الله علیه و آله منتجعا للإسلام فأسلم وحسن إسلامه، وکان رجلا قصیراً دمیماً محتاجاً عاریاً، وکان من قباح السودان، فضمه رسول الله صلی الله علیه و آله لحال غربته وعراه، وکان یجری علیه طعامه صاعا من تمر بالصاع الأول، وکساه شملتین، وأمره أن یلزم المسجد ویرقد فیه باللیل، فمکث بذلک ما شاء الله حتی کثر الغرباء ممن یدخل فی الإسلام من أهل الحاجة بالمدینة وضاق بهم المسجد، فأوحی الله عزوجل إلی نبیه صلی الله علیه و آله: أن طهر مسجدک، وأخرج من المسجد من یرقد فیه باللیل، ومر بسد أبواب کل من کان ل-ه فی مسجدک باب إلا باب علی علیه السلام ومسکن فاطمة $، ولایمرن فیه جنب، ولا یرقد فیه غریب.

قال: فأمر رسول الله صلی الله علیه و آله بسد أبوابهم إلا باب علی علیه السلام وأقر مسکن فاطمة (صلی الله علیها) علی حاله. قال: ثم إن رسول الله صلی الله علیه و آله أمر أن یتخذ للمسلمین سقیفة، فعملت لهم وهی الصُفة، ثم أمر الغرباء والمساکین أن یظلوا فیها نهارهم ولیلهم، فن-زلوها واجتمعوا فیها، فکان رسول الله صلی الله علیه و آله یتعاهدهم بالبر والتمر والشعیر والزبیب إذا کان عنده، وکان المسلمون یتعاهدونهم ویرقونهم لرقة رسول الله صلی الله علیه و آله ویصرفون صدقاتهم إلیهم.

فإن رسول الله صلی الله علیه و آله نظر إلی جویبر ذات یوم برحمة منه له و رقّة علیه، فقال: یا جویبر لو تزوجت امرأة فعففت بها فرجک وأعانتک علی دنیاک وآخرتک.

فقال له جویبر: یا رسول الله بأبی أنت وأمی من یرغب فی؟ فو الله ما من حسب ولا نسب ولا مال ولا جمال، فأیة امرأة ترغب فی؟

فقال له رسول الله صلی الله علیه و آله: یا جویبر إن الله قد وضع بالإسلام من کان فی الجاهلیة شریفاً، وشرّف بالإسلام من کان فی الجاهلیة وضیعا، وأعز بالإسلام من کان فی

ص:331

الجاهلیة ذلیلا، وأذهب بالإسلام ما کان من نخوة الجاهلیة وتفاخرها بعشائرها وباسق أنسابها، فالناس الیوم کلهم أبیضهم وأسودهم وقرشیهم وعربیهم وعجمیهم من آدم، وإن آدم علیه السلام خلقه الله من طین، وإن أحب الناس إلی الله عزوجل یوم القیامة أطوعهم له وأتقاهم، وما أعلم یا جویبر لأحد من المسلمین علیک الیوم فضلا إلا لمن کان أتقی لله منک وأطوع، ثم قال ل-ه: انطلق یا جویبر إلی زیاد بن لبید، فإنه من أشرف بنی بیاضة حسباً فیهم، فقل ل-ه: إنی رسولُ رسولِ الله إلیک وهو یقول لک: زوّج جویبر ابنتک الدلفاء.

قال: فانطلق جویبر برسالة رسول الله صلی الله علیه و آله إلی زیاد بن لبید وهو فی من-زل-ه وجماعة من قومه عنده، فاستأذن، فأعلم، فأذن له وسلّم علیه، ثم قال: یا زیاد بن لبید: إنی رسولُ رسولِ الله صلی الله علیه و آله إلیک فی حاجة فأبوح بها أم أسرها إلیک؟

فقال له زیاد: بل بح بها فإن ذلک شرف لی وفخر.

فقال له جویبر: إن رسول الله صلی الله علیه و آله یقول لک: زوج جویبرا ابنتک الدلفاء.

فقال له زیاد: أرسول الله أرسلک إلیّ بهذا یا جویبر؟

فقال له: نعم ما کنت لأکذب علی رسول الله صلی الله علیه و آله؟

فقال له زیاد: إنا لا نزوج فتیاتنا إلا أکفاءنا من الأنصار،فانصرف یا جویبر حتی ألقی رسول الله صلی الله علیه و آله فاخبره بعذری.

فانصرف جویبر وهو یقول: والله ما بهذا أنزل القرآن ولا بهذا ظهرت نبوة محمد صلی الله علیه و آله. فسمعت مقالته الدلفاء بنت زیاد وهی فی خدرها، فأرسلت إلی أبیها: أدخل إلی، فدخل إلیها، فقالت له: ما هذا الکلام الذی سمعته منک تحاور به جویبراً؟

فقال لها: ذکر لی أن رسول الله صلی الله علیه و آله أرسله، وقال: یقول لک رسول الله صلی الله علیه و آله: زوج جویبراً ابنتک الدلفاء.

فقالت ل-ه: والله ما کان جویبر لیکذب علی رسول الله صلی الله علیه و آله بحضرته فابعث الآن رسولا یرد علیک جویبراً.

فبعث زیاد رسولا فلحق جویبراً، فقال ل-ه زیاد: یا جویبر مرحبا بک، اطمئن حتی أعود إلیک، ثم انطلق زیاد إلی رسول الله صلی الله علیه و آله فقال ل-ه: بأبی أنت وأمی إن

ص:332

جویبراً أتانی برسالتک وقال: إن رسول الله صلی الله علیه و آله یقول: زوج جویبراً ابنتک الدلفاء، فلم ألن له فی القول، ورأیت لقاءک، ونحن لا نزوج إلا أکفاءنا من الأنصار.

فقال ل-ه رسول الله صلی الله علیه و آله: یا زیاد جویبر مؤمن، والمؤمن کفو للمؤمنة، والمسلم کفو للمسلمة، فزوجه یا زیاد ولا ترغب عنه. قال: فرجع زیاد إلی من-زله ودخل علی ابنته، فقال لها ما سمعه من رسول الله صلی الله علیه و آله.

فقالت له: إنک إن عصیت رسول الله صلی الله علیه و آله کفرت، فزوج جویبرا.

فخرج زیاد فأخذ بید جویبر، ثم أخرجه إلی قومه، فزوجه علی سنة الله وسنة رسوله صلی الله علیه و آله وضمن صداقها. قال: فجهزها زیاد وهیأها ثم أرسلوا إلی جویبر فقالوا له: ألک من-زل فنسوقها إلیک؟

فقال: والله مالی من من-زل. قال: فهیؤوها وهیؤوا لها من-زلاً وهیؤوا فیه فراشاً ومتاعاً وکسوا جویبراً ثوبین، وأدخلت الدلفاء فی بیتها وأدخل جویبر علیها معتماً، فلما رآها نظر إلی بیت ومتاع وریح طیبة قام إلی زاویة البیت فلم یزل تالیا للقرآن راکعاً وساجداً حتی طلع الفجر، فلما سمع النداء خرج وخرجت زوجته إلی الصلاة فتوضأت وصلت الصبح، فسُئلت: هل مسّکِ؟

فقالت: مازال تالیاً للقرآن وراکعاً وساجداً حتی سمع النداء فخرج.

فلما کانت اللیلة الثانیة فعل مثل ذلک، وأخفوا ذلک من زیاد، فلما کان الیوم الثالث فعل مثل ذلک، فاُخبر بذلک أبوها، فانطلق إلی رسول الله صلی الله علیه و آله فقال له: بأبی أنت وأمی یا رسول الله صلی الله علیه و آله أمرتنی بتزویج جویبر، ولا والله ما کان من مناکحنا، ولکن طاعتک أوجبت علیّ تزویجه.

فقال له النبی صلی الله علیه و آله: فما الذی أنکرتم منه؟

قال: إنا هیأنا ل-ه بیتا ومتاعا، وأدخلت ابنتی البیت وأدخل معها معتماً، فما کلمها ولا نظر إلیها ولا دنا منها، بل قام إلی زاویة البیت فلم یزل تالیاً للقرآن راکعاً وساجداً حتی سمع النداء فخرج، ثم فعل مثل ذلک فی اللیلة الثانیة ومثل ذلک فی اللیلة الثالثة ولم یدن منها ولم یکلمها إلی أن جئتک، وما نراه یرید النساء، فانظر فی أمرنا؟ فانصرف زیاد وبعث رسول الله صلی الله علیه و آله إلی جویبر فقال له: أما تقرب النساء؟

ص:333

فقال له جویبر: أو ما أنا بفحل؟ بلی یا رسول الله إنی لشبق نهم إلی النساء.

فقال ل-ه رسول الله صلی الله علیه و آله: قد خُبرت بخلاف ما وصفت به نفسک، قد ذکروا لی أنهم هیؤوا لک بیتا وفراشا ومتاعا وأدخلت علیک فتاة حسناء عطرة، وأتیت معتما فلم تنظر إلیها ولم تکلمها ولم تدن منها، فما دهاک إذن؟

فقال ل-ه جویبر: یا رسول الله دخلت بیتا واسعا، ورأیت فراشا ومتاعا وفتاة حسناء عطرة، وذکرت حالی التی کنت علیها، وغربتی وحاجتی وضیعتی وکینونتی مع الغرباء والمساکین، فأحببت إذ أولانی الله ذلک أن أشکره علی ما أعطانی، وأتقرب إلیه بحقیقة الشکر، فنهضت إلی جانب البیت فلم أزل فی صلاتی تالیاً للقرآن راکعاً وساجداً أشکر الله حتی سمعت النداء فخرجت، فلما أصبحت رأیت أن أصوم ذلک الیوم، ففعلت ذلک ثلاثة أیام ولیالها، ورأیت ذلک فی جنب ما أعطانی الله یسیراً، ولکنی سأرضیها وأرضیهم اللیلة إن شاء الله.

فأرسل رسول الله صلی الله علیه و آله إلی زیاد فأتاه وأعلمه ما قال جویبر فطابت أنفسهم. قال: وفی لهم جویبر بما قال، ثم إن رسول الله صلی الله علیه و آله خرج فی غزوة له ومعه جویبر فاستشهد رحمه الله، فما کان فی الأنصار أیم أنفق منها بعد جویبر((1)).

شبهات وردود

وقد ترد بعض الشبهات فی بعض الموارد ویظن خطأ أنها تمییز وعدم مساواة بین الناس وهی:

1: فی الجانب المالی، حیث اختصت فئة من الناس بجانب من الحقوق المالیة وهو الخمس.

ص:334


1- راجع بحار الأنوار: ج22 ص117 ب37 ح89 وفیه: عن محمد بن یحیی، عن ابن عیسی، عن ابن محبوب، عن مالک بن عطیة

2: فی الجانب العقائدی، حیث امتاز بعض الناس بالشفاعة فاعلاً وقابلا. ثم ما هو وجه الجمع بین أدلة الشفاعة الصریحة والمتواترة وبین قول-ه صلی الله علیه و آله فیما روی عنه:

«یا بنی عبد مناف لا أغنی عنکم من الله شیئا، یا عباس ابن عبد المطلب لا أغنی عنک من الله شیئا، ویا صفیّة عمّة رسول الله لا أغنی عنک من الله شیئا»((1)).

3: فی مسألة الرقیة، فکیف تنسجم مع عدالة الدین الإسلامی، فإن العبودیة استعباد للإنسان الآخر، وهذا ینافی المساواة.

4: فی الجانب الاجتماعی حیث اتصاف البعض بالشعوبیة.

والجواب علی هذه الشبهات هو کما یلی:

الخمس

أما الجواب علی الأمر الأول: فالخمس فی قبال الزکاة فالاثنان من الحقوق المالیة التی شرعتها الشریعة الإسلامیة، فالزکاة تعطی لغیر بنی هاشم والخمس لذوی القربی، وهذا نوع احترام لرسول الله صلی الله علیه و آله وأهل بیته الطاهرین علیهم السلام فإنهم عدل القرآن بنص حدیث الثقلین: »إنی تارک فیکم الثقلین کتاب الله وعترتی أهل بیتی فإنهما لن یفترقا حتی یردا علی الحوض«((2)).

وهذا لا یعنی عدم المساواة فی الإنسانیة، بل هو من باب وضع کل شیء فی محله.

الشفاعة

وأما الجواب عن الشبهة الثانیة:

إن حق الشفاعة لم یختص بالنبی صلی الله علیه و آله والأئمة علیهم السلام فی یوم القیامة، بل کما یمنح الله سبحانه وتعالی هذا الحق للنبی صلی الله علیه و آله وللأئمة علیهم السلام کذلک یمنح الله تعالی لسائر الأنبیاء وللصالحین والشهداء والمؤمنین لکن کل حسب مقامه وتقواه، فالشفاعة لکل مؤمن لکن مع مراعاة قانون العدالة التی یراها الله عزوجل.

وهنا لابد من ذکر عدة أمور تتعلق بالشافع والمشفع وهی تدخل فی ضمن الأجوبة

ص:335


1- راجع إرشاد القلوب: ج1 ص32
2- وسائل الشیعة: ج27 ص33 ح33144

علی الشبهات التی وردت فی السؤال:

أولا: لا شک أن لرسول الله صلی الله علیه و آله ولسائر الأنبیاء علیهم السلام والأئمة المعصومینعلیهم السلام وللصدیقة فاطمة الزهراء $ والشهداء والصالحین والمؤمنین والمؤمنات حق الشفاعة فی الآخرة، وهی بإرادة الله سبحانه وتعالی، کما قال عزوجل: )وَلاَ یَشْفَعُونَ إِلاّ لِمَنِ ارْتَضَیَ(((1)).

عن عبد الله بن مسعود أنه قال: «کان رسول الله صلی الله علیه و آله فی جانب أرض بمکة هی الیوم مقبرة ولم تکن یومئذ مقبرة فقال یبعث من هذه البقعة ومن هذا الحرم یوم القیامة سبعون ألفا یدخلون الجنة بغیر حساب یشفع کل واحد منهم فی سبعین ألفا وجوههم کالقمر لیلة البدر»((2)).

وقال الإمام الرضا علیه السلام: »من حج أربعین حجة قیل ل-ه اشفع فیمن أحببت، ویفتح له باب من أبواب الجنة یدخل منه هو ومن یشفع له«((3)).

بل ولم یقتصر أمر الشفاعة علی الإنسان، بل کذلک أعطی هذا الحق لغیره وعلی سبیل المثال الحجر الأسود فی الکعبة المشرفة فهو شافع فی یوم القیامة، وکذلک المسجد فهو یشفع للمصلین فیه، وهکذا المصحف الشریف فإنه شافع مشفع.

عن الأصبغ بن نباتة أنه قال: بینا نحن ذات یوم حول أمیر المؤمنین علیه السلام فی مسجد الکوفة إذ قال: »یا أهل الکوفة لقد حباکم الله عزوجل بما لم یحب به أحداً من فضل، مصلاکم بیت آدم وبیت نوح وبیت إدریس ومصلی إبراهیم الخلیل ومصلی أخی الخضر علیه السلام ومصلای، وإن مسجدکم هذا لأحد الأربعة المساجد التی اختارها الله عزوجل لأهلها، وکأنی به قد أتی به یوم القیامة فی ثوبین أبیضین یتشبه بالمحرم ویشفع لأهله ولمن یصلی فیه فلا ترد شفاعته، ولا تذهب الأیام واللیالی حتی ینصب الحجر الأسود فیه ولیأتینّ علیه زمان یکون مصلی المهدی علیه السلام من ولدی، ومصلی کل مؤمن، ولا یبقی علی الأرض مؤمن إلا کان به أو حن قلبه إلیه فلا تهجروه

ص:336


1- سورة الأنبیاء: 28
2- مستدرک الوسائل: ج2 ص309 ح2052
3- من لا یحضره الفقیه: ج2 ص217 ح2211

وتقربوا إلی الله عزوجل بالصلاة فیه وارغبوا إلیه فی قضاء حوائجکم، فلو یعلم الناس ما فیه من البرکة لأتوه من أقطار الأرض ولو حبواً علی الثلج»((1)).

فإذنً الشفاعة لم تقتصر علی النبی صلی الله علیه و آله وأهل بیته علیهم السلام وإنما الصالحون الآخرون یحق لهم أن یشفعوا ولکن بالشروط التی یلزم أن یتصفوا بها((2)).

وهذا لا یعنی أن شفاعة النبی صلی الله علیه و آله والأئمة علیهم السلام کشفاعة الآخرین فی الدرجة، بل لهم میزات وخصائص تختلف عمن سواهم کاختلافهم عن البشر فی هذه الدنیا من ناحیة عصمتهم وکمالهم وعلمهم وورعهم.

الثانی: إن الذین یشفعون متساوون مع غیرهم أمام القانون الإسلامی من العبادات والمعاملات والقضاء والمواریث وما أشبه ذلک من مختلف مسائل الفقه غیر اختصاصاته صلی الله علیه و آله القلائل جدّاً کما قال سبحانه وتعالی: )قُلْ إِنّمَآ أَنَاْ بَشَرٌ مّثْلُکُمْ یُوحَیَ إِلَیّ(((3)).

وقال صلی الله علیه و آله: «إنما أنا بشر مثلکم أتزوج فیکم وأزوجکم إلا فاطمة $ فإن تزویجها نزل من السماء»((4)).

والتی ذکر الفقهاء هذه الاختصاصات فی کتاب النکاح وغیره فإنها خارجة بالدلیل القطعی، وإلا فالأصل الاشتراک والناس کلهم متساوون أمام القانون. ولکن التمییز فی الآخرة بهذا الوسام العظیم - الشفاعة - لأنهم عباد مکرمون وقد قال تعالی: ƒإِنّ أَکْرَمَکُمْ عَندَ اللّهِ أَتْقَاکُمْ‚((5)).

الثالث: إن الذی یشفع ل-ه یجب أن یکون قابلا للشفاعة، فلو کان علیه حقوق للآخرین یجب أن تسلم إلی أصحابها وإلا فلیس له شفاعة.

الرابع: الشفاعة فی الآخرة لا تکون إلا بإذن الله سبحانه وتعالی، کما قال

ص:337


1- من لا یحضره الفقیه: ج1 ص231 ح696
2- راجع الکافی: ج8 ص101 ح72
3- سورة الکهف: 110، وسورة فصلت: 6
4- الکافی: ج5 ص568 ح54
5- سورة الحجرات: 13

سبحانه: )وَلاَ یَشْفَعُونَ إِلاّ لِمَنِ ارْتَضَیَ(((1))، فإن الأنبیاء والصالحین والأئمة وفاطمة الزهراء $ ومن أشبههم لهم الشفاعة، لکنها تکون بإذن الله سبحانه وتعالی والأمر إلیه قال عزوجل: )مَن ذَا الّذِی یَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاّ بِإِذْنِهِ(((2))، کما أن بدأها منه علی تفصیل مذکور فی علم الکلام.

الرقیة

وأما الجواب عن الشبهة الثالثة: حیث استشکل بأن الرقیة ظاهرة تتنافی مع التشریع الإسلامی فی عدالته ومساواته، فاستعباد الإنسان الأسود من شأنه أن ینفی المساواة التی تدّعی فی التشریع الإسلامی.

والجواب عن هذه الشبهة یکون فی أمور:

أولا: لا فرق فی الإسلام - کما سبق - بین اللون الأسود والأبیض، وهذا واضح لکل من له بعض المعرفة بمبادئ الإسلام وقوانینه وأحکامه وتاریخه.

ثانیا: إن الرقیة التی کانت فی الجاهلیة الأولی قبل الإسلام، وفی الغرب قبل إلغائه حیث کان یستعبدون السود وبتلک الطریقة اللا إنسانیة، مرفوضة فی الإسلام. والرق فی الإسلام یختلف تماماً عما کان فی الغرب علی تفصیل ذکرناه فی کتاب (العتق).

إن (قانون الرقیة) الذی کان یعترف به العالم سابقا بل وإلی الآن ولکن یتخذ إشکالا وصورا غیر ما کانت علیه من استعباد علنی، قد خالفه الإسلام، فلما جاء الإسلام بشریعته السمحاء وقواعده الملائمة للفطرة الإنسانیة ألغی تلک العبودیة الظالمة. قال تعالی: ) یَ-ا أیّهَا النّاسُ إِنّا خَلَقْنَاکُم مّن ذَکَرٍ وَأُنْثَیَ وَجَعَلْنَاکُمْ شُعُوباً وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوَاْ إِنّ أَکْرَمَکُمْ عَندَ اللّهِ أَتْقَاکُمْ (((3)).

وقال عزوجل: )وَلَقَدْ کَرّمْنَا بَنِی آدَمَ(((4)).

ولقد جسد الرسول صلی الله علیه و آله هذا المفهوم الإنسانی فهناک العشرات من الأحادیث

ص:338


1- سورة الأنبیاء: 28
2- سورة البقرة: 255
3- سورة الحجرات: 13
4- سورة الإسراء: 70

التی تؤید هذا المفهوم القرآنی وتدعو إلی الالتزام به وتطبیقه، فقال صلی الله علیه و آله: »أیها الناس إن ربکم واحد، وإن أباکم واحد،کلکم لآدم وآدم من تراب، إن أکرمکم عند الله أتقاکم، ولیس لعربی علی أعجمی ولا لأعجمی علی عربی ولا لأبیض علی أسود فضل إلا بالتقوی«((1)).

عبر هذه الآیات الکریمة وتلک الأحادیث الشریفة ومن خلال سیرة النبی المصطفی صلی الله علیه و آله حارب الإسلام الظلم الذی کان یمارس ضد العبید، حیث أعلن بصراحة أن

«الناس کلهم من ولد آدم أخوة سواء»((2))، و«البشر کلهم سواسیة»((3)).

کما أن هناک روایات کثیرة تحث علی عتق العبید وفضله، کما قرر العتق کفارة لبعض الذنوب علی تفصیل مذکور فی الفقه.

ومن الناحیة العملیة والتطبیقیة فالفتوحات الإسلامیة لم تکن تسترق الناس، بل کان الناس یدخلون فی دین الله أفواجاً أفواجا من غیر إکراه، )لاَ إِکْرَاهَ فِی الدّینِ قَد تّبَیّنَ الرّشْدُ مِنَ الْغَیّ(((4)). وذلک بسبب إخلاص المسلمین ونظرتهم العادلة والرحیمة للشعوب الأخری فکان هم المسلمین نشر الإسلام بالحکمة والموعظة الحسنة والدعوة إلی الحریة والعدالة والعلم والسلام والمحبة فکانت الأمم والشعوب ترحب بالمسلمین، وتقبل علی اعتناق الإسلام عن طواعیة لأنه ینبذ العنصریة ویحاربها، والکثیر منهم کان یبقی علی دینه ضمن معاهدة عادلة مع المسلمین لحفظ حقوقهم.

لقد ذکرنا فی فصل السلام فی القتال والجهاد وصایا النبی صلی الله علیه و آله والأئمة الطاهرین علیهم السلام الأخلاقیة للجیش قبل بدء المعرکة، ومنها قول علی علیه السلام فی وصیة له لعسکره، قبل لقاء العدو بصفین: »فإذا کانت الهزیمة بإذن الله فلا تقتلوا مدبراً ولاتصیبوا معوراً ولا تجهزوا علی جریح...«((5)).

وفی هذه الوصیة یصدر الإمام علیه السلام تعلیماته الجهادیة الأخلاقیة لعسکره وجیشه

ص:339


1- راجع جامع الأخبار: ص183، ومعدن الجواهر: ص21
2- شرح اللمعة: ج64 ص221
3- شرح اللمعة: ج64 ص221
4- سورة البقرة: 256
5- نهج البلاغة: الرسائل 14

بأن لا یجهزوا علی الجریح، أی منعهم من قتل الجریح الذی یقع أسیرا بیدهم.

وهذه وصیة عامة تنطبق علی کل جریح یقع أسیرا، سواء کان من المسلمین الخارجین الباغین أو من جیوش الکفار، کما لابد من علاج الجریح حتی یبرأ من الجراحات التی أصابته أثناء المعرکة.

ثم إن التعامل مع الأسیر الکافر یمکن أن یکون بعدة وجوه.

منها: القتل، وهذا ما یمنع الإسلام منه، لأن القتل لا یکون فی الإسلام إلا فی أقصی حالات الضرورة.

ومنها: العمل حسب الاتفاقیات والمعاهدات التی تعقد أو عقدت من قبل بین الدولة الإسلامیة والکافرة، کاتفاقیة تبادله مع أحد أسری المسلمین.

ومنها: أن یطلق سراحه ویرجع لبلاده آمنا. وفی هذه الحالة - فیما لم تکن هناک مصلحة فی إطلاق سراحه - لا یأمن من عودته لمحاربة الإسلام من جدید.

فتأتی هنا حالة أخری وهو أن یبقی أسیراً عند المسلمین. فإما أن یبقی سجیناً لایعاشر المجتمع ویُحرم الکثیر من الحریات، وهذا خلاف القانون الإسلامی الذی یضمن حریة الإنسان وحقوقه ولا یجیز السجن إلا فی الموارد الضروریة، وما نحن فیه لیس منها.

فیبقی الحل الأفضل حفاظاً علی أمن البلاد ورعایة لحقوق الأسیر، أن یعطی لأحد المسلمین ویعیش بکامل حقوقه تحت رعایته، فلیس هو مسجوناً بین جدران أربعة، ولا مطلق العنان یعیث فی المجتمع الفساد، بل یرعاه أحد المؤمنین ویتکفل جمیع حقوقه من الأکل والشرب والزواج وسائر احتیاجاته المادیة والمعنویة، ضمن ضوابط وآداب معینة أکد علیها الإسلام، بحیث لا یشعر العبد بکونه عبداً بل یری نفسه جزء من العائلة.

وهذا المورد هو الذی استثناه الإسلام فی موارد الاستعباد التی کانت سائدة آنذاک وهذا الأمر هو من مصلحة الأسیر بلا شک، فإنه حینما رأی الاهتمام به وهو فی حالة الأسر فلا شک أنه یعامل معاملة عادلة یحددها الإسلام وفق مبادئه السامیة وقیمه العلیا لعله یهتدی إلی معالم الإنسانیة وینقلب فرداً صالحاً بعد ما کان محارباً للإسلام.

ص:340

ولا شک أنه حینما یری حقیقة الإسلام وعدالته وإنسانیته فکثیراً ما یعتنق الإسلام طوع رغبته.

 وهکذا کان یعامل الإسلام الأسری، بخلاف ما کانت تفعله الأمم مع أسراها بالإبادة الجماعیة کما حصل ذلک فی الحرب العالمیة الثانیة، وکما کان متعارفاً عند الجاهلیین.

مساحة العتق والحریة فی الشرع الإسلامی

ثم هؤلاء الأسری لا یکونون طوال حیاتهم علی ما هم علیه من العبودیة، بل شرع الإسلام طرقا کثیرة لتحریرهم ومنها: قانون (عتق الصدقة) و(عتق الکفارة) بمختلف أنواعها و(عتق الخدمة) فإذا خدم العبد المؤمن مولاه سبع سنین ینبغی عتقه((1)). وقد ذکرنا ذلک مفصلاً فی موسوعة الفقه.

الشعوبیة

وأما جواب الشبهة الرابعة وهو اتصاف البعض بالشعوبیة وهو مصطلح سیاسی یظهر کلما دعت الحاجة إلیه، قال فی (کتاب العین) عن الشعوبی: هو الذی یصغر شأن العرب، ولا یری لهم فضلا((2)).

وفی مجمع البحرین: الشعوبیة: فرقة لا تفضل العرب علی العجم((3)).

ومن المصادیق التی اصطلح علیها بالشعوبیة:

1- کل من وقف إلی جانب المعارضة للحکومات التی سیطرت علی البلاد الإسلامیة منذ الصدر الأول. ومن ذلک ما ذکره المستشرق بروکلمان فی کتابه((4)) فقال: والحق أن میتة الشهداء التی ماتها الحسین علیه السلام ... قد عجلت للتطور الدینی الشیعی حزب علی علیه السلام، الذی أصبح فی ما بعد ملتقی جمیع النزعات المناوئه للعرب

ص:341


1- راجع وسائل الشیعة: ج23 ص59 ب33 باب تأکد استحباب عتق المملوک المؤمن بعد سبع سنین وکراهة استخدامه بعدها، وبعد العشرین آکد وأن من ضرب مملوکه استحب له عتقه
2- کتاب العین: ج1 ص262 مادة (شعب)
3- مجمع البحرین: ج2 ص91 مادة (شعب)
4- تاریخ الشعوب الإسلامیة: ص138

(الشعوبیة).

2- الموالی والعبید لأنهم رأوا المفاهیم القرآنیة لا سیما الآیة: )یَ-ا أیّهَا النّاسُ إِنّا خَلَقْنَاکُم مّن ذَکَرٍ وَأُنْثَیَ وَجَعَلْنَاکُمْ شُعُوباً وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوَاْ إِنّ أَکْرَمَکُمْ عَندَ اللّهِ أَتْقَاکُمْ(((1))، وأحادیث النبی صلی الله علیه و آله ومنها: »کلکم لآدم وآدم من تراب إن أکرمکم عند الله أتقاکم ولیس لعربی علی عجمی فضل إلا بالتقوی«((2))، لا یعمل بها حکام البلاد الإسلامیة وکثیر من المسلمین.

والحقیقة أن مظاهر الشعوبیة وهی التفرقة ابتدأت منذ الصدر الأول وذلک حینما فرق عمر فی العطاء ولم یساو فی نظرته بین العرب والعجم خصوصاً.

وکذلک توسعت الشعوبیة وانتشرت فی العهد الأموی فقال أبو الفرج الأصفهانی: أصل المثالب (مثالب العرب) زیاد بن أبیه فإنه لما ادعی انتسابه إلی أبی سفیان وعلم أن العرب لا تقر له بذلک مع علمها بنسبه، ومع سوء آثاره فیهم، عمل کتاب المثالب، ألصق فیه بالعرب کلها کل عیب وعار وحق وباطل.

وقال ابن قتیبة الدینوری: کان زیاد حین کثر طعن الناس علیه فی استلحاق معاویة له بأبی سفیان عمل کتابا فی المثالب لولده، وقال: من عیرکم فاقرعوه بمنقصته ومن ندد علیکم بادهوه بمثلبته، فإن الشر بالشر ینفی والحدید بالحدید یفلج.

ویقول أبو عبید البکری أیضا: وأما کتاب المثالب والمناقب الذی بأیدی الناس الیوم فإنما هو للنضر بن شمیل الحمیری وخالد بن سلمة المخزومی، أمرهما هشام بن عبد الملک أن یبینا مثالب العرب ومناقبها وقال لهما ولمن ضم إلیهما: دعوا قریشا بما لها وما علیها، فلیس لقریش ذکر فی ذلک الکتاب.

والخلاصة إن الشعوبیة تتناقض مع روح الإسلام وعدالته وأحکامه. وهی کما ذکرنا مصطلح سیاسی ألصق بکل من عارض سیاسیة الأمویین وغیرهم بعد أن صرف من معناه الأصلی ولما وضع له.

الأصل التساوی

ص:342


1- سورة الحجرات: 13
2- جامع الأخبار: ص183

وهکذا یکون التساوی بین المسلمین فی الحدود والدیات والقصاص والقضاء والمواریث والمعاملات بأنواعها الکثیرة من بیع وشراء ورهن وإجارة وشرکة ومضاربة وهبة وغیر ذلک.

وأما التساوی بین الرجل والمرأة، فالإسلام یعلنها کأصل أولی بالصراحة ویقول بالتساوی بینهما إلا فیما خرج بالدلیل، قال الله عزوجل: )وَلَهُنّ مِثْلُ الّذِی عَلَیْهِنّ بِالْمَعْرُوفِ( ((1)).

وقال: )یَ-ا أیّهَا النّاسُ اتّقُواْ رَبّکُمُ الّذِی خَلَقَکُمْ مّن نّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثّ مِنْهُمَا رِجَالاً کَثِیراً وَنِسَآءً(((2)).

وبصورة عامة یکون تطبیق قانون التساوی مع مراعاة قانون العدالة هو من أسس السلم والسلام فی المجتمع.

ص:343


1- سورة البقرة: 228
2- سورة النساء: 1

جملة من مصادیق السلم والسلام الاجتماعیین

جملة من مصادیق السلم والسلام الاجتماعیین

1: التحیة فی الإس-لام

2: الأخوة الإسلامیة

3: صلة الأرحام

4: حسن الصحبة والمعاشرة

1

التحیة فی الإس-لام

التحیة فی الإس-لام

معنی التحیة

التحیة فی الإسلام هی (السلام)، یقال: حیا یحیی تحیة إذا سلم، وهی کل قول یسرّ به الإنسان، ومن التحیة یقال: حیاک الله، أی جعل لک حیاة، وذلک إخبار بقصد الإنشاء أی الدعاء. ویقال: حیا فلان فلاناً تحیة إذا قال له ذلک، وأصل التحیة من الحیاة ثم جعل ذلک دعاء تحیة لکون جمیعه غیر خارج عن حصول الحیاة، أو سبب حیاة إما فی الدنیا وإما فی الآخرة ((1)).

وفی (لسان العرب): التحیة فی کلام العرب ما یحیی بعضهم بعضاً إذا تلاقوا، وتحیة الله التی جعلها فی الدنیا والآخرة لمؤمنی عباده إذا تلاقوا ودعا بعضهم لبعض بأجمع الدعاء أن یقولوا: السلام علیکم ورحمة الله وبرکاته((2)).

ویقابل التحیة التسلیم، والأولی عادة تتعلق بالقادم ومستقبله، والثانیة تتعلق بالمسافر ومودعه، فلکل منهما مصداق، فالمار حینما یسلّم علی المقیم فی بلده یصطلح علی هذا السلام بالتحیة وهی تتم عادة بالمصافحة، وأما السلام علی الذی یرید سفرا یصطلح علیه بالتسلیم ویتم عادة بالمعانقة والتودیع.

ص:344


1- راجع مفردات غریب القرآن، للراغب الأصفهانی: 140
2- لسان العرب: ج14 ص216 مادة (حیا)

مفهوم التحیة ودلالاتها فی الإسلام

لما خلق الله سبحانه وتعالی الخلق جعلهم أمما وشعوبا وقبائل، فقال تعالی: ƒیَ-ا أیّهَا النّاسُ إِنّا خَلَقْنَاکُم مّن ذَکَرٍ وَأُنْثَیَ وَجَعَلْنَاکُمْ شُعُوباً وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوَاْ إِنّ أَکْرَمَکُمْ عَندَ اللّهِ أَتْقَاکُمْ إِنّ اللّهَ عَلِیمٌ خَبِیرٌ‚((1)).

فالخلق مأمورون بالتعارف فیما بینهم، ومن حکمة تصنیف البشریة إلی هذا التقسیم هو حصول التعارف فیما بینهم وهو أمر غیر عسیر، فیبتدأ من الخلیة الصغیرة وهی الأسرة، ثم ینتقل إلی دائرة أوسع وهی القبیلة، ثم إلی محیط جامع وهو المجتمع وهکذا، وبهذا تسهل عملیة التعارف فیما بین الأسر والقبائل والشعوب فیما بینها، ویستدل بالآیة علی لزوم تعارف الأمم والشعوب والقبائل کی یحصل التعاون والتواصل فیما بینها.

هذا من جهة، ومن جهة أخری فإن من فائدة التعارف سیادة السلم والأمان بعد اختفاء مظاهر العدوان والاعتداء. وقد ابتدأت عملیة التعارف بین الإنسان وأخیه الإنسان بالتحیة وهی أول کلام یحصل فی اللقاء وقد أراد الإسلام أن تکون نقطة الابتداء عنواناً للسلم والسلام، فکانت التحیة: (السلام علیکم).

فتحیة السلام تعتبر أحد الدلائل الظاهریة والواقعیة علی السلم والسلام الاجتماعی الذی یدعو إلیه الإسلام، وقد ورد الحث علیها فی أحادیث کثیرة وقد ذکرنا تفصیل الموضوع فی (الفقه: أحکام السلام)، وسنشیر إلی بعضها لاقتضاء المقام.

قال رسول الله صلی الله علیه و آله فی دلالة التحیة علی السلام: »السلام تحیة لملتنا وأمان لذمتنا« ((2)). وهذا یعنی أن الإنسان المسلم حینما یحی الذمیین کأنه یقول: أنتم فی أمان وسلام علی حیاتکم.

التحیة فی الدیانات السابقة

عن وهب الیمانی قال: لما أسجد الله عزوجل الملائکة لآدم علیه السلام وأبی إبلیس أن

ص:345


1- سورة الحجرات : 13
2- مستدرک الوسائل: ج8 ص60 ح9670

یسجد قال ل-ه ربه عزوجل: ƒ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنّکَ رَجِیمٌ * وَإِنّ عَلَیْکَ اللّعْنَةَ إِلَیَ یَوْمِ الدّینِ‚((1))، ثم قال عزوجل لآدم علیه السلام: یا آدم انطلق إلی هؤلاء الملأ من الملائکة فقل: السلام علیکم ورحمة الله وبرکاته، فلما رجع إلی ربه عزوجل قال له ربه تبارک وتعالی: هذه تحیتک وتحیة ذریتک من بعدک فیما بینهم إلی یوم القیامة((2)).

ومما یؤکد قدم هذه التحیة الواردة اتخاذها من قبل الأنبیاء والمرسلین علیهم السلام تحیة لهم، ففی القرآن الحکیم تحیة بعض الأنبیاء السابقین هی السلام، مثل:

قوله سبحانه: )قَالُواْ سَلاَماً قَالَ سَلاَمٌ(((3)).

وقوله تعالی: )سَلاَمٌ عَلَیَ إِلْ یَاسِینَ(((4)). 

ومنها قول عیسی علیه السلام فی الآیة المبارکة: )وَالسّلاَمُ عَلَیّ یَوْمَ وُلِدْتّ وَیَوْمَ أَمُوتُ وَیَوْمَ أُبْعَثُ حَیّاً(((5)).

التحیة فی القرآن

ورد لفظ التحیة والتی یراد منه معنی السلام فی بعض الآیات القرآنیة، ومنها الآیة المبارکة: )وَإِذَا حُیّیتُم بِتَحِیّةٍ فَحَیّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَآ أَوْ رُدّوهَآ(((6)).

والآیة: )فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُیُوتاً فَسَلّمُواْ عَلَیَ أَنفُسِکُمْ تَحِیّةً مّنْ عِندِ اللّهِ مُبَارَکَةً طَیّبَةً(((7)).

وقال سبحانه فی قضیة مشهورة: )وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَیَ إِلَیْکُمُ السّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِناً(((8))، أی حیاکم بتحیة السلام.

ص:346


1- سورة الحجر: 34-35
2- علل الشرائع: ج1 ص102 ح1
3- سورة هود: 69
4- سورة الصافات: 130
5- سورة مریم: 33
6- سورة النساء: 86
7- سورة النور: 61
8- سورة النساء: 94، وراجع فی سبب نزول الآیة مستدرک الوسائل: ج16ص79 ح19207،وفیه: عن علی بن إبراهیم فی تفسیره، فی قوله تعالی: ) ولا تقولوا لمن ألقی إلیکم السلام لست مؤمنا ( الآیة، إنها نزلت لما رجع رسول الله صلی الله علیه و آله من غزاة خیبر وبعث أسامة بن زید فی خیل إلی بعض قری الیهود فی ناحیة فدک لیدعوهم إلی الإسلام، کان رجل من الیهود یقال ل-ه مرداس بن نهیک الفدکی فی بعض القری، فلما أحس بخیل رسول الله صلی الله علیه و آله جمع أهله وماله فی ناحیة الجبل فأقبل یقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فمر به أسامة بن زید فطعنه فقتله، فلما رجع إلی رسول الله صلی الله علیه و آله أخبره بذلک، فقال ل-ه رسول الله صلی الله علیه و آله : « قتلت رجلاً شهد أن لا إله إلا الله وأنی رسول الله » ، فقال: یا رسول الله إنما قالها تعوذاً من القتل، فقال رسول الله صلی الله علیه و آله : « فلا کشفت الغطاء عن قلبه، ولا ما قال بلسانه قبلت، ولا ما کان فی نفسه علمت » ، فحلف أسامة بعد ذلک أن لا یقتل أحداً شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فأنزل فی ذلک: ) ولا تقولوا.. ( الآیة، وکان ذلک سبب تخلفه عن حروب أمیر المؤمنین علیه السلام

ومن أدل هذه الآیات المتقدمة علی التحیة: )وَإِذَا حُیّیتُم بِتَحِیّةٍ فَحَیّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَآ أَوْ رُدّوهَآ(((1))، ومعناها أن الله تعالی أمر المسلمین برد التحیة - والتی هی السلام - بمثلها أو أحسن منها.

ذکر علی بن إبراهیم 6 فی تفسیره عن الصادقین 3 أن المراد بالتحیة فی الآیة السلام وغیره من البر.

روی أن رجلاً دخل علی النبی صلی الله علیه و آله فقال: السلام علیک!

فقال النبی صلی الله علیه و آله: »وعلیک السلام ورحمة الله«.

فجاءه آخر وسلم علیه فقال: السلام علیک ورحمة الله، فقال النبی صلی الله علیه و آله:

«وعلیک السلام ورحمة الله وبرکاته».

فجاءه آخر فقال: السلام علیک ورحمة الله وبرکاته، فقال النبی صلی الله علیه و آله: «وعلیک السلام ورحمة الله وبرکاته».

فقیل: یا رسول الله زدت للأول والثانی فی التحیة ولم تزد للثالث؟

فقال صلی الله علیه و آله: »إنه لم یبق لی من التحیة شیئاً فرددت علیه مثله«((2)).

ومن الآیات القرآنیة التی تحدثت عن موضوع التحیة والسلام قوله تعالی: )یَ-ا أیّهَا الّذِینَ آمَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُیُوتاً غَیْرَ بُیُوتِکُمْ حَتّیَ تَسْتَأْنِسُواْ وَتُسَلّمُواْ عَلَیَ

أَهْلِهَا(((3))، فالدخول فی بیوت الناس بلا استئذان غیر جائز وهذا تکریم کبیر للإنسان واحترام لحقوقه الفردیة.

ص:347


1- سورة النساء: 86
2- بحار الأنوار: ج81 ص274
3- سورة النور: 27

وقال سبحانه: ƒهَلْ أَتَاکَ حَدِیثُ ضَیْفِ إِبْرَاهِیمَ الْمُکْرَمِینَ * إِذْ دَخَلُواْ عَلَیْهِ فَقَالُواْ سَلاَماً قَالَ سَلاَمٌ‚((1)).

آداب التحیة

ذکرت الآیة المبارکة: )وَإِذَا حُیّیتُم بِتَحِیّةٍ فَحَیّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَآ أَوْ رُدّوهَآ(((2)) صورتین للرد:

الأولی: هی الرد بأحسن منها وذلک إن کان المحیی مسلماً، سواء کان مؤمناً أو غیره. ومثالها ما ورد عن ابن عباس قال: إذا قال المسلم: (السلام علیکم)، فقلت: (وعلیکم السلام ورحمة الله)، وإذا قال: (السلام علیکم ورحمة الله)، فقلت: (وعلیکم السلام ورحمة الله وبرکاته) فقد حییته بأحسن منها وهذا منتهی السلام.

وفی هذه الحالة یعرف أن الإنسان المسلم یمکن أن یعبر عما فی مشاعره وأحاسیسه بمختلف کلمات التحیة (السلام) وألفاظها کی یسرّ به الإنسان فهی قابلة لزیادة الإنشاء فی کلماتها.

والصورة الثانیة: )أَوْ رُدّوهَآ( وهی التحیة التی یحی بها المسلم أو غیره بمثل ما حیاه به. وقد روی عن النبی صلی الله علیه و آله أنه قال: «إذا سلم علیکم أهل الکتاب فقولوا

وعلیکم» ((3)).

وعن زرارة عن أبی جعفر علیه السلام أنه قال: «دخل یهودی علی رسول الله صلی الله علیه و آله وعائشة عنده فقال: السام علیکم، فقال رسول الله صلی الله علیه و آله: علیک، ثم دخل آخر فقال مثل ذلک، فرد علیه کما رد علی صاحبه، ثم دخل آخر فقال مثل ذلک فرد رسول الله صلی الله علیه و آله کما رد علی صاحبه، فغضبت عائشة فقالت: علیکم السام والغضب واللعنة یا معشر الیهود، یا إخوة القردة والخنازیر!

فقال لها رسول صلی الله علیه و آله: «یا عائشة إن الفحش لو کان ممثلاً لکان مثال سوء، إن الرفق لم یوضع علی شیء قط إلا زانه ولم یرفع عنه قط إلا شانه».

ص:348


1- سورة الذاریات: 24-25
2- سورة النساء: 86
3- بحار الأنوار: ج81 ص274

قال: قالت: یا رسول الله أما سمعت إلی قولهم السام علیکم؟

فقال صلی الله علیه و آله: بلی أما سمعت ما رددت علیهم، قلت: علیکم، فإذا سلم علیکم مسلم فقولوا السلام علیکم وإذا سلم علیکم کافر فقولوا علیک»((1)).

دلالات التحیة وغایاتها

کان العرب فی الجاهلیة إذا أقبلوا سلموا، فإذا لم یسلم الوارد کان معناه أنه یرید بالحاضرین سوء، وکذلک إذا سلّم ولم یجب کان معنی ذلک إنهم یریدون غدرا بالآتی.

والتحیة فی الإسلام تعنی السلم والسلام، وهی عنوان الأمان وهی التی تؤمن الإنسان من روعته فی مواطن الخوف، وهناک مواطن ثلاثة شدیدة یمر بها الإنسان فی حیاته یطلب السلام والأمان کی یتجاوزها بسلم وسلام.

الأول: عند مجیئه إلی عالم الدنیا ومفارقة ذلک العالم الصغیر، فعندها یکون بکاؤه لمفارقة ذلک المکان ولدخوله فی هذا العالم الغریب.

والثانی: عند الممات وما یجده من سکرات الموت، وفراقه المسکن والوطن، والأهل والأحبة، ومجاورة الأموات.

والثالث: عند الحشر وما یکون من أهوال یوم القیامة.

فیطلب السلام الذی هو عنوان الأمان من الآلام والأهوال فی هذه الأحوال الثلاثة. وقد سلم الله تعالی علی النبی یحیی علیه السلام فی هذه المواطن الثلاثة وکذلک أخبر النبی عیسی علیه السلام أن الله تعالی قد سلمه وآمنه فیها، فعن یاسر الخادم قال: سمعت الرضا علیه السلام یقول: «إن أوحش ما یکون هذا الخلق فی ثلاثة مواطن: یوم یولد فیخرج من بطن أمه فیری الدنیا، ویوم یموت فیعاین الآخرة وأهلها، ویوم یبعث فیری أحکاماً لم یرها فی دار الدنیا، وقد سلم الله علی یحیی فی هذه المواطن الثلاثة وآمن روعته فقال: ƒوَسَلاَمٌ عَلَیْهِ یَوْمَ وُلِدَ وَیَوْمَ یَمُوتُ وَیَوْمَ یُبْعَثُ حَیاً‚((2)) وقد سلم عیسی بن

ص:349


1- بحار الأنوار: ج16 ص258
2- سورة مریم: 15

مریم علیه السلام علی نفسه فی هذه المواطن الثلاثة فقال: ƒ وَالسّلاَمُ عَلَیّ یَوْمَ وُلِدْتّ وَیَوْمَ أَمُوتُ وَیَوْمَ أُبْعَثُ حَیّاً‚ ((1))» ((2)).

ولما فی التحیة من الدلالات العظیمة علی الأمن والسلام جاء التأکید علیها فی القرآن والسنة النبویة وفی روایات أهل البیت علیهم السلام، فبها یؤمّن الداخل فی سلامه الحاضرین عندما یقبل علیهم، وهی من علامة الأخیار ومن محاسن الأبرار ودالة علی الخلق الکریم والصفات الحمیدة، وهذه هی جملة من عناوین لأحادیث وردت فی التحیة والسلام:

قال رسول الله صلی الله علیه و آله: »إن أبخل الناس من بخل بالسلام«((3)).

وقال أمیر المؤمنین علی علیه السلام: »لکل داخل دهشة فابدءوا بالسلام«((4)).

وقال علیه السلام: »سنة الأخیار لین الکلام وإفشاء السلام«((5)).

وقال علیه السلام: »أفشوا السلام فی العالم وردوا التحیة علی أهلها بأحسن

منها«((6)).

    وقال علیه السلام: «عود لسانک لین الکلام وبذل السلام یکثر محبوک ویقل مبغضوک»((7)).

وقال علیه السلام: »إن بذل التحیة من محاسن الأخلاق، التحیة من حسن الأخلاق والسجیة«((8)).

ص:350


1- سورة مریم: 33
2- بحار الأنوار: 6 ص158 ح18
3- مستدرک الوسائل: ج8 ص358 ح9661
4- غرر الحکم ودرر الکلم: ص435 ح9947
5- غرر الحکم ودرر الکلم: ص435 ح9945
6- مستدرک الوسائل: ج8 ص371 ح9703
7- غرر الحکم ودرر الکلم: ص435 ح9946
8- غرر الحکم ودرر الکلم: ص435 ح9943

وقال علیه السلام: »طلاقة الوجه بالبشر والعطیة وفعل البر وبذل التحیة داع إلی محبة البریة«((1)).

وعن الإمام الباقر علیه السلام قال:»إن الله یحب إطعام الطعام وإفشاء السلام«((2)).

وقال الإمام الصادق علیه السلام: »من التواضع أن تسلم علی من لقیت«((3)).

أصول التحیة وآدابها وقواعدها

وهناک أصول وقواعد وآداب للتحیة والسلام ینبغی مراعاتها، ومنها:

1: البدء بالسلام

ینبغی للإنسان حینما یلتقی بأحد - وقبل أن یکلّم - أن یبدأه بتحیة السلام، فعن الإمام الحسین بن علی علیه السلام أنّه قال له رجل ابتداء: کیف أنت عافاک الله؟

فقال علیه السلام له: »السلام قبل الکلام عافاک الله«.

ثم قال علیه السلام: »لا تأذنوا لأحد حتی یسلم«((4)).

وسبب ذلک: أن السلام أم-ان، ولا کلام إلا بعد الأمان، وقد ورد فی الأحادیث الحث علی لزوم السلام قبل الکلام بل وقبل الطعام أیضاً، فقال علیه السلام: «لا تدع إلی طعامک أحداً حتی یسلّم»((5)).

2: المصافحة

ومن تمام التحیة فی آدابها أن یتبع السلام بالمصافحة، فإن المصافحة من السنة وفیها ثواب کثیر وتوجب غفران الذنوب، فعن أبی عمامة عن النبی صلی الله علیه و آله قال:

«تحیاتکم بینکم بالمصافحة»((6)) .

وقال صلی الله علیه و آله: »إذا تلاقی الرجلان فتصافحا تحاتت ذنوبهما وکان أقربهما إلی الله

ص:351


1- مستدرک الوسائل: ج8 ص454
2- وسائل الشیعة: ج24 ص287 ح30564
3- الکافی: ج2 ص646 ح12
4- مستدرک الوسائل: ج8 ص358 ح9659
5- وسائل الشیعة: ج12 ص57 ح15636
6- بحار الأنوار: ج3 ص42 ح44

سبحانه أکثرهما بشرا لصاحبه«((1)).

وعن أبی جعفر علیه السلام قال: »إن المؤمنین إذا التقیا وتصافحا أدخل الله یده بین أیدیهما فصافح أشدهما حباً لصاحبه«((2)).

وعن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال: »إن المؤمن لیلقی أخاه فیصافحه فیقبل الله علیهما بوجهه ویتحات الذنوب عنهما حتی یفترقا«((3)).

3: المعانقة والتقبیل

ثم تأتی بعد المصافحة المعانقة والتقبیل وهما من موجبات المحبة ومصادیقها، فعن عبد الله بن محمد الجعفی عن أبی جعفر وأبی عبد الله 3: »أیما مؤمن خرج إلی أخیه یزوره عارفا بحقه کتب الله له بکل خطوة حسنة، ومحیت عنه سیئة، ورفعت له درجة، فإذا طرق الباب فتحت له أبواب السماء، فإذا التقیا وتصافحا وتعانقا أقبل الله علیهما بوجهه ثم باهی بهما الملائکة..«((4)).

وقد ذکرنا فیما تقدم أن الذی یرید سفرا لم یتم التسلیم علیه عادة إلا بالمعانقة والتودیع.

وقد عاب بعض هذه المعانقة باعتبارها من فعل الأعاجم فرد ذلک الأئمة علیهم السلام بما صنعه رسول الله صلی الله علیه و آله مع جعفر بن أبی طالب (رضی الله عنه) لما قدم من الحبشة، فعن ابن بسطام قال کنت عند أبی عبد الله علیه السلام فأتی رجل فقال: جعلت فداک إنی رجل من أهل الجبل وربما لقیت رجلاً من إخوانی فالتزمته فیعیب علی بعض الناس ویقولون هذه من فعل الأعاجم وأهل الشرک، فقال علیه السلام: »ولم ذاک فقد التزم رسول الله صلی الله علیه و آله جعفراً وقبل بین عینیه«((5)).

وأما التقبیل فموضعه نور الجبهة أی فی أثر السجود علی الجبهة، فعن یونس بن ظبیان عن أبی عبد الله علیه السلام قال: »إن لکم لنورا تعرفون به فی الدنیا حتی أن أحدکم

ص:352


1- مستدرک الوسائل: ج9 ص63 ح10210
2- الکافی: ج2 ص179
3- کشف الغمة: ج2 ص198
4- الکافی: ج2 ص183 باب المعانقة ح1
5- بحار الانوار: ج73 ص42

إذا لقی أخاه قبله فی موضع النور من جبهته«((1)).

وأما مواضع تقبیل ذات المحرم فورد عن موسی بن جعفر علیه السلام عن آبائه علیهم السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: »إذا قبل أحدکم ذات محرم قد حاضت، أخته أو عمته أو خالته فلیقبل بین عینیها ورأسها ولیکف عن خدها وعن فیها«((2)).

4: تقبیل الید والقیام للقادم

من الأمور المتعلقة بالتحیة تقبیل الید والقیام للقادم، وقد اختلف فی تفسیر الروایات الواردة فیها، فأما عن تقبیل الید فقد ورد عن رفاعة بن موسی عن أبی عبد الله علیه السلام قال: «لا یقبل رأس أحد ولا یده إلا رسول الله صلی الله علیه و آله أو من أرید به رسول الله صلی الله علیه و آله »((3)).

ولا شک أن قول-ه علیه السلام: «أو من أرید به رسول الله صلی الله علیه و آله »: یشمل الأئمة الطاهرین علیهم السلام إذ لا فرق بین الإمام علی علیه السلام ورسول الله صلی الله علیه و آله إلا من جهة الوحی قال تعالی فی آیة المباهلة: ƒفَمَنْ حَآجّکَ فِیهِ مِن بَعْدِ مَا جَآءَکَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَآءَکُمْ وَنِسَآءَنَا وَنِسَآءَکُمْ وَأَنْفُسَنَا وأَنْفُسَکُمْ ثُمّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لّعْنَةُ اللّهِ عَلَی الْکَاذِبِینَ‚ ((4))، وقال عزوجل فی آیة التطهیر: ƒ إِنّمَا یُرِیدُ اللّهُ لِیُذْهِبَ عَنکُ-مُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَیْتِ وَیُطَهّرَکُمْ تَطْهِی--راً‚ ((5)).

وکذلک یشمل ذریتهم، وقد نقل العلامة المجلسی 6 عن بعض المحققین قوله: (لعل المراد بمن أرید به رسول الله صلی الله علیه و آله الأئمة المعصومون علیهم السلام کما یستفاد من الحدیث الآتی ویحتمل شمول الحکم العلماء بالله وبأمر الله مع العاملین بعلمهم والهادین للناس ممن وافق قول-ه فعله لأن العلماء الحق ورثة الأنبیاء علیهم السلام فلا یبعد دخولهم فیمن یراد به رسول الله صلی الله علیه و آله).

وهذا الرأی هو الصحیح وینطبق فی عصرنا الحاضر علی الفقهاء ومراجع التقلید

ص:353


1- الکافی: ج2 ص185
2- بحار الأنوار: ج73 ص42 ح43
3- الکافی:ج2 ص185
4- سورة آل عمران: 61
5- سورة الأحزاب: 33

لأنهم نواب الإمام المهدی (عجل الله فرجه الشریف) ولا شک أنهم العلماء بالله وبأمر الله والهادین للناس. فإذا جرت العادة فی زمان معین علی هذا الأمر وهو تقبیل ید العالم وأرید به احترامه وتقدیره وتعظیمه فهی جائزة بل مستحبة وذلک لشمولها بعموم الآیة ƒذَلِکَ وَمَن یُعَظّمْ شَعَائِرَ اللّهِ فَإِنّهَا مِن تَقْوَی الْقُلُوبِ‚((1))، وƒ ذَلِکَ وَمَن یُعَظّمْ حُرُمَاتِ اللّهِ فَهُوَ خَیْرٌ لّهُ عِندَ رَبّهِ ‚((2)).

وأما عن القیام فقد ورد عن رسول الله صلی الله علیه و آله قال: «من أحب أن یتمثل له الناس أو الرجال قیاما فلیتبوأ مقعده من النار»((3))، وهذا الحدیث لیس فیه شاهد لما نحن فیه وذلک لأمور:

1: المقصود من هذا الحدیث هو ما تصنعه الجبابرة من إلزامهم الناس بالقیام فی حال قعودهم إلی أن ینقضی مجلسهم، ولا ینطبق علی هذا القیام المتعلق بالتحیة المخصوص والقصیر زمانه.

وإن قیل: إن الحدیث یشمل هؤلاء الذین اضطروا للوقوف من قبل الجبابرة وهو نهی لهم عن هذا العمل.

قلنا: إن دفع الضرر عن النفس واجب، فالمتجبر الذی یؤاخذ من لا یقوم ل-ه بالعقوبة یمکن للشخص القیام ولا حرج علیه فی ذلک لأجل دفع الإهانة والأذی عنه.

2: لقد صح أن النبی صلی الله علیه و آله کان یقوم إجلالاً لفاطمة $، وقام أیضاً إلی جعفر بن أبی طالب علیه السلام لما قدم من الحبشة وقال للأنصار: قوموا إلی سیدکم، ونقل أنه صلی الله علیه و آله قام لعکرمة بن أبی جهل لما قدم من الیمن فرحاً بقدومه((4)).

فعلی هذا یجوز القیام والتعظیم بانحناء قلیل وشبهه، وربما لزم ذلک إذا أدی ترکه إلی التباغض والتقاطع أو إهانة المؤمن.

وقد نقل أنه صلی الله علیه و آله کان یکره أن یقام ل-ه.

ص:354


1- سورة الحج: 32
2- سورة الحج: 30
3- مستدرک الوسائل: ج9 ص65
4- راجع مستدرک الوسائل: ج9 ص159 ح10551

قال أبو عبد الله علیه السلام: «إن رسول الله صلی الله علیه و آله خرج ذات یوم من بعض حجراته إذا قوم من أصحابه مجتمعون فلما بصروا برسول الله صلی الله علیه و آله قاموا، قال لهم رسول الله صلی الله علیه و آله: اقعدوا ولا تفعلوا کما یفعل الأعاجم تعظیما ولکن اجلسوا وتفسحوا فی مجلسکم وتوقروا أجلس إلیکم إن شاء الله»((1)).

وقال صلی الله علیه و آله: «لا تقوموا کما یقوم الأعاجم بعضهم لبعض ولا بأس أن یتحلحلَ عن مکانه»((2)). وهذا محمول علی تواضعه صلی الله علیه و آله لله وتخفیفه علی أصحابه.

5: المساواة فی التحیة

ومن آداب التحیة، عدم التمییز فی التحیة فی بعض الموارد کباب القضاء، قال علی علیه السلام فی کتابه لمالک الأشتر: «ألن لهم جانبک وآس بینهم فی اللحظة والنظرة والإشارة والتحیة حتی لایطمع العظماء من حیفک ولا ییأس الضعفاء من عدلک»((3)).

وهذا لا یعنی أن تکون المساواة فی التحیة مطلقا هی الأصل، بل هناک موارد ربما یحبذ أن یمیز بها لمقام أو لمناسبة أو غیرها من هذه الأمور.

6: عدم خص الظالمین بالتحیة

ومن آداب التحیة وقواعدها، أن لا یحیی بها الظالمین، لأن التحیة دالة علی الأمان والسلام، والظالم یلزم أن لا یؤمن، ولذا حینما أدخل مسلم بن عقیل علیه السلام وهو أسیر علی عبید الله لم یسلّم علیه، فقال ل-ه الحرسی: سلم علی الأمیر، فقال ل-ه: اسکت، ویحک والله ما هو لی بأمیر((4)).

أنواع التحیة واختلاف صیغها

تختلف التحیة من مورد لآخر حسب المحیا بها، وعلی سبیل المثال تحیة الصحابة للإمام أمیر المؤمنین علی علیه السلام لم تقتصر علی السلام وإنما کانت تلحق بإمرة المؤمنین،

ص:355


1- مستدرک الوسائل: ج9 ص65 ح10216
2- وسائل الشیعة: ج12 ص227 ح16158
3- تحف العقول: ص176
4- بحار الأنوار: ج44 ص357

فعن عمران بن حصین الخزاعی:

إن رسول الله صلی الله علیه و آله أمر فلاناً وفلاناً أن یسلما علی علی علیه السلام بإمرة المؤمنین، فقالا: من الله ومن رسوله؟ فقال: من الله ومن رسوله، ثم أمر حذیفة وسلمان فسلما ثم أمر المقداد فسلم، وأمر بریدة أخی - وکان أخاه لأمه - فقال: إنکم سألتمونی من ولیکم بعدی وقد أخبرتکم به وأخذت علیکم المیثاق، کما أخذ الله تعالی علی بنی آدم )أَلَسْتَ بِرَبّکُمْ قَالُواْ بَلَیَ(((1)) وأیم الله لئن نقضتموها لتکفرون»((2)).

ومن ذلک ما ورد فی قصة یهودی أتی أبا بکر ثم عمر وسألهما عن أموال أبیه وقد مات ولم یعلمه بها، فأوجع ضرباً، فأتی علیاً علیه السلام فسلم علیه بإمرة المؤمنین، فقیل لِمَ لم تسلم علیهما مثله؟ فقال: والله ما سمیته حتی وجدته فی کتب آبائی فی التوراة، ثم سأله عن کنوز أبیه فقال: خذ ألواحاً وصر بها إلی وادی برهوت بحضرموت فإذا وصلت وکان عند الغروب وجدت عند القبور غرابین فاهتف باسم أبیک وقل أنا رسول وصی محمد صلی الله علیه و آله فاسأله واکتب ما یخبرک، ففعل فوجد کما قال فأخبره بموضع المال فرجع فنبشه وأوقر منه عیراً وأتی به علیاً علیه السلام وأسلم وأقر ل-ه بالوصیة والإمرة والأخوة((3)).

وهناک آداب وسنن لتحیة المعصومین علیهم السلام والمساجد وهی مذکورة فی کتب الأدعیة والزیارات ومنها: ما ورد عن عبد الله بن سنان قال: قلت لأبی عبد الله علیه السلام: کیف التسلیم علی أهل القبور؟ فقال علیه السلام: نعم تقول: «السلام علی أهل الدیار من المسلمین والمؤمنین أنتم لنا فرط ونحن إن شاء الله بکم لاحقون»((4)).

ومنها: استحباب صلاة التحیة وهی رکعتان عند الضرائح المقدسة والمساجد قبل الجلوس. والمسلم مکلف - وهو یناجی ربه فی صلاته - أن لا ینسی التسلیم علی نبیه صلی الله علیه و آله وعلی نفسه وعلی عباد الله الص-الحین.

ص:356


1- سورة الأعراف: 172
2- الیقین، السید ابن طاووس الحسنی: ص388
3- الصراط المستقیم: ج1 ص106
4- الکافی: ج3 ص229

أحکام التحیة

وهناک بعض الأحکام الفقهیة المتعلقة بالتحیة، یستدل علیها بهذه الآیة: ƒوَإِذَا حُیّیتُم بِتَحِیّةٍ فَحَیّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَآ أَوْ رُدّوهَآ إِنّ اللّهَ کَانَ عَلَیَ کُلّ شَیْءٍ حَسِیباً‚((1)) کوجوب رد المصلی علیها. وهناک تفصیل مذکور فی الفقه.

ویکره أیضا استخدام المصطلحات المتعارفة فی اللقاء إن لم تتضمن تحیة السلام، فقد ورد عن جعفر بن محمد علیه السلام عن أبیه علیه السلام عن جده علی بن الحسین علیه السلام عن أبیه علیه السلام عن علی بن أبی طالب علیه السلام: «أنه کان یکره أن یقول الرجل للرجل حیاک الله ثم یسکت حتی یتبعها بالسلام»((2)).

التحیة فی واقعنا المعاصر

کلما تقدم الزمان یزداد تعلق الإنسان بحیاته المادیة بسبب هذا التطور الهائل الإیجابی والسلبی فی آن واحد، ولاشک أن استخدام المسلمین لکل ما أنتجته الدول الغربیة من هذه التکنولوجیا والصناعات المتطورة یجعل حیاتهم مادیة فی بعض الجوانب، بحیث لا تختلف عن مجتمعات الدول الغربیة، ومن هنا یتطلب من الإنسان المسلم التفکیر فی سلبیات ما یستخدمه فی حیاته کی لا تطغی المادیة علی الجانب الروحی والمعنوی، ومن أمثلة ذلک ما یسمی ب- (الأنترفون) وهو الجهاز الحاکی الذی یوضع علی الباب، ولا شک أن ل-ه محسنات وإیجابیات ولکن إلی جانب هذا فیه مساوئ علی المعنویات، فکان فی السابق حینما یأتی الضیف ویطرق الباب یخرج إلیه صاحب المنزل فیراه ویحیه ویرحب به ویحدثه مشافهة، أما الیوم فتتم محادثته عبر الجهاز الحاکی فیخسر فیها اللقاء. وإذا لم یحصل بینهما لقاء فلم ینظر الأول فی وجه صاحبه ثم لم تحصل بینهما مصافحة، وبهذا قد حرما الأجر والثواب المترتب علی اللقاء والنظر والمصافحة والتقبیل والمعانقة، فقد جاء فی الروایة عن عبد الله بن محمد الجعفی عن أبی جعفر وأبی عبد الله 3 قالا: «أیما مؤمن خرج إلی أخیه یزوره عارفاً بحقه کتب الله ل-ه بکل خطوة حسنة ومحیت عنه سیئة ورفعت ل-ه درجة فإذا طرق الباب

ص:357


1- سورة النساء: 86
2- الجعفریات: ص174

فتحت ل-ه أبواب السماء فإذا التقیا وتصافحا وتعانقا أقبل الله علیهما بوجهه ثم باهی بهما الملائکة فیقول: انظروا إلی عبدی تزاورا وتحابا فیّ، حق علیّ ألا أعذبهما بالنار بعد هذا الموقف فإذا انصرف شیعه ملائکة عدد نفسه وخطاه کلامه یحفظونه عن بلاء الدنیا وبوائق الآخرة إلی مثل تلک اللیلة من قابل فإن مات فیما بینهما أعفی من الحساب، وإن کان المزور یعرف من حق الزائر ما عرفه الزائر من حق المزور کان ل-ه مثل أجره» ((1)).

والمقصود من (عارفاً بحقه) هو أن یعلم فضله ولزوم إعطاء حقه فی الزیارة والرعایة والاحترام والإکرام، ومعنی (فتح أبواب السماء) إما کنایة عن نزول الرحمة علیه أو استجابة دعائه، والمقصود من (إقباله تعالی علیهما بوجهه) کنایة عن غایة رضاه عنهما أو توجیه رحمته البالغة إلیهما.

وعن أبی بصیر عن أبی عبد الله علیه السلام قال: «إن المؤمن إذا لقی أخاه وتصافحا لم تزل الذنوب تتحات عنهما ما داما متصافحین کتحات الورق عن الشجر، فإذا افترقا، قال ملکاهما: جزاکما الله خیرا عن أنفسکما، فإن التزم کل واحد منهما صاحبه ناداهما مناد: طوبی لکما وحسن مآب، وطوبی شجرة فی الجنة أصلها فی دار أمیر المؤمنین علیه السلام وفرعها فی منازل أهل الجنة، فإذا افترقا ناداهما ملکان کریمان: أبشراً یا ولی الله بکرامة الله والجنة من ورائکما»((2)).

وعن رفاعة قال: سمعته علیه السلام یقول: «مصافحة المؤمن أفضل من مصافحة الملائکة»((3)).

ومعنی ذلک أن مصافحة المؤمنین أفضل من مصافحة الملکین، أو مصافحة المؤمن مع المؤمن أفضل من مصافحته مع الملائکة لو تیسرت ل-ه، وفی الحدیث دلالة علی أن المؤمن الکامل أفضل من الملک.

ولهذا تجد الظواهر المادیة التی یمر بها الإنسان المسلم فی حیاته قد طغت علی

ص:358


1- الکافی: ج2 ص183 ح1
2- بحار الأنوار: ج73 ص41 ح41
3- الکافی: ج2 ص183 ح21

سلوکه وتفکیره ومن هنا أصبحت أغلب مجتمعاتنا الإسلامیة فی سلوکها بهذا المجال لا تختلف عن المجتمعات الغربیة، إذ لا تری للتحیة أثرا فی أوساطهم إلا للذی یعرفه، بل أصبح فی بعض الدول الإسلامیة أن الذی یسلّم ینظر ل-ه نظرة سیئة فیعتبر من الذین یطلبون العطاء والصدقة. والحال أنها تعتبر من أهم الروابط الاجتماعیة والإیمانیة.

بل کثیراً ما تسمع الکلام فقط فلا یسبق السلام ولا تتبعه تحیة، والحق أن الذی یبدأ بالکلام ینبغی أن لا یجاب وهذا ما نصت علیه أحادیث النبی صلی الله علیه و آله والأئمة المعصومین علیهم السلام فعن الإمام أبی عبد الله الصادق علیه السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله:

«من بدأ بالکلام قبل السلام فلا تجیبوه»((1)).

وکانت هذه سیرة الأوائل فلا إجابة لمن یبتدأ بالکلام ولم یسلم، وهذا ما نراه فی روایة جابر بن عبد الله الأنصاری (رضوان الله علیه) حیث قال: کنت أنا ومعاویة بن أبی سفیان بالشام، فبینا نحن ذات یوم إذ نظرنا إلی شیخ وهو مقبل من صدر البریة من ناحیة العراق، فقال معاویة: عرجوا بنا إلی هذا الشیخ لنسأله من أین أقبل وإلی أین یرید؟ وکان مع معاویة أبو الأعور السلمی وولدا معاویة خالد ویزید، وعمرو بن العاص. قال: فعرجنا إلیه فقال له معاویة: من أین أقبلت یا شیخ وإلی أین ترید؟ فلم یجبه الشیخ، فقال له عمرو بن العاص: لما لا تجیب أمیر المؤمنین؟ فقال الشیخ: إن الله جعل التحیة غیر هذه، فقال معاویة: صدقت یا شیخ أصبت وأخطأنا وأحسنت وأسأنا، السلام علیک یا شیخ، فقال الشیخ: وعلیک السلام...((2)).

دعوة الإسلام إلی الالتزام بتحیة السلام

والخلاصة یلزم علی المسلمین الالتزام بتحیة الإسلام (السلام علیکم) فإنه یشتمل علی السلم والسلام، أما ما تعارف علیه بعض الناس من التحیات التی لا تتضمن السلام فینبغی ترکه.

کما ینبغی أن یتبع السلام بالمصافحة.

ص:359


1- وسائل الشیعة: ج12 ص56 ح15636
2- بحار الأنوار: ج33 ص247 ح523

ویلزم علی المسلمین إفشاء السلام وجعله حالة طبیعة أینما وجدوا، سواء کانوا فی الشارع أو المسجد أو السوق، ویلزم أن لا یقتصر علی الکبار، بل لابد من تعلیم الصغار علیها کی ینشئوا علی هذه الحسنة الطیبة، وقد روی عن النبی صلی الله علیه و آله أنه قال: »أیها الناس أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا باللیل والناس نیام، تدخلوا الجنة بسلام»((1)).

2

الأخوة الإسلامیة

الأخوة الإسلامیة

إن الإسلام یستهدف إقامة کیان موحد بین المسلمین، ویؤکد علی العلاقة الأخویة بینهم، وقد أمر بالإخاء بین الناس عموما وبین المؤمنین خصوصا، وأن لا یقتصر الإنسان علی الاهتمام بنفسه بل علیه رعایة الاهتمام بأفراد مجتمعه وباقی شعوب المجتمعات الأخری. والأخوة بمعناها الصحیح تعتبر من أبرز مصادیق السلم والسلام فی المجتمع الإسلامی.

مفهوم الأخوة الإسلامیة ودلالاتها

کان العرب فی المجتمع الجاهلی وقبل بزوغ فجر الإسلام یقطعون الأرحام ویسفکون الدماء، وقد ورد وصف عقائدهم وحیاتهم الاجتماعیة فی خطبة للإمام علی علیه السلام فی نهج البلاغة فقال: «إن الله سبحانه بعث محمداً صلی الله علیه و آله نذیراً للعالمین وأمینا علی التنزیل، وأنتم معشر العرب علی شر دین وفی شر دار منیخون بین حجارة خشن وحیات صم، تشربون الکدر وتأکلون الجشب وتسفکون دماءکم وتقطعون أرحامکم، الأصنام فیکم منصوبة، والآثام بکم معصوبة» ((2)).

ص:360


1- مستدرک الوسائل: ج6 ص328 ح6923
2- نهج البلاغة: الخطب 26

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام واصفاً عمل النبی صلی الله علیه و آله ودعوته بتبلیغ الرسالة وتألیفه بین ذوی الأرحام وإزالة الضغائن والأحقاد من القلوب: «فصدع بما أمر به، وبلغ رسالة ربه، فلمّ الله به الصدع ورتق به الفتق وألف به بین ذوی الأرحام بعد العداوة الواغرة فی الصدور والضغائن القادحة فی القلوب»((1)).

وحینما هاجر النبی صلی الله علیه و آله والمسلمون إلی المدینة سعی الإسلام لترسیخ هذا المبدأ الإسلامی وهذا المفهوم القرآنی وهو الأخوة الإسلامیة فی أذهان المسلمین، فکانت المؤاخاة حیث آخی النبی صلی الله علیه و آله بین المهاجرین والأنصار، ومن أحداثها المشهورة أنه ترک علیاً علیه السلام فقال ل-ه: إنما ترکتک لنفسی أنت أخی فی الدنیا والآخرة، وتعتبر المؤاخاة أول حدث من الأحداث الإسلامیة الخالدة التی رسخت هذا المبدأ فی أوساط المسلمین.

ثم أخذت الآیات الکریمة تتنزل علی المسلمین التی تؤکّد أشدّ التأکید علی الأخوّة الإسلامیة، حیث قال سبحانه: ƒوَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بَعْضُهُمْ أَوْلِیَآءُ بَعْضٍ‚((2)). وقال تعالی فی الإخاء الخاص:ƒفَأَلّفَ بَیْنَ قُلُوبِکُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً‚((3)).

ومن أدل هذه الآیات الکریمة قوله تعالی: ƒإِنّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ‚ ((4)).

ومفهوم الأخوة فی القرآن یمکن أن یشمل ثلاثة أصناف:

الأول: الأخوة فی العقیدة.

الثانی: الأخوة فی النسب.

ص:361


1- بحار الأنوار: ج18 ص225
2- سورة التوبة: 71
3- سورة آل عمران: 103
4- سورة الحجرات: 10

الثالث: الأخوة فی الإنسانیة.

فأما الأول: وهو مفهوم الأخوة فی العقیدة

 فلا شک أنه یشمل المؤمنین بمختلف أقسامهم وألوانهم ولغاتهم، فالمؤمن أخو المؤمن فی العقیدة والدین وهذا المعنی هو الذی أراده الإمام علی علیه السلام فی قوله لمالک الأشتر: «الناس صنفان إما أخ لک فی الدین أو نظیر لک فی الخلق»((1)). ومن هذا یعرف أن أهمیة رباط العقیدة والإیمان لا تختلف عن أهمیة رابطة الأخوة النسبیة بل تفوقها خاصة إذا ما أضیف لها أبوة النبوة والإمامة فقد ورد فی الحدیث عن النبی صلی الله علیه و آله أنه قال: «أنا وعلی أبوا هذه الأمة»((2)).

وفی محاورة بین الإمام الرضا علیه السلام وأحد أصحابه تفسیر لذلک، جاء عن علی بن الحسن بن فضال عن أبیه قال: سألت الرضا علیه السلام فقلت له: لم کنی النبی صلی الله علیه و آله بأبی القاسم؟ فقال علیه السلام: »لأنه کان له ابن یقال له قاسم فکنی به« قال: فقلت: یا بن رسول الله فهل ترانی أهلاً للزیادة؟ فقال علیه السلام: »نعم أما علمت أن رسول الله صلی الله علیه و آله قال: أنا وعلی أبوا هذه الأمة«((3)) قلت: بلی، قال علیه السلام: »أما علمت أن رسول الله صلی الله علیه و آله أب لجمیع أمته وعلی علیه السلام بمنزلته فیهم« قلت: بلی، قال علیه السلام: »أما علمت أن علیاً قاسم الجنة والنار؟ قلت: بلی، قال علیه السلام: »فقیل ل-ه أبو القاسم لأنه أبو قاسم الجنة والنار« فقلت له: وما معنی ذلک؟ فقال علیه السلام: »إن شفقة الرسول علی أمته شفقة الآباء علی أولاد وأفضل أمته علی علیه السلام ومن بعده شفقة علی علیه السلام علیهم کشفقته لأنه وصیه وخلیفته والإمام بعده فلذلک قال علیه السلام: أنا وعلی أبوا هذه الأمة وصعد النبی صلی الله علیه و آله المنبر فقال: من ترک دیناً أو ضیاعاً فعلی وإلی، ومن ترک مالاً فلورثته، فصار بذلک أولی بهم من آبائهم وأمهاتهم، وصار أولی بهم منهم بأنفسهم وکذلک أمیر المؤمنین علیه السلام بعده جری ل-ه مثل ما جری لرسول الله صلی الله علیه و آله((4))، وکذلک

ص:362


1- نهج البلاغة: الرسائل 53
2- تفسیر الإمام العسکری علیه السلام : ص330
3- بحار الأنوار: ج36 ص11
4- بحار الأنوار: ج16 ص95 ب6 ح29

من الجانب الثانی وهو من ناحیة الأم فنساء النبی أمهات المؤمنین کما نصت الآیة:

ƒالنّبِیّ أَوْلَیَ بِالْمُؤْمِنِینَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمّهَاتُهُمْ وَأُوْلُو الأرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَیَ بِبَعْضٍ فِی کِتَابِ اللّهِ ‚((1)).

ولا شک أن المؤمنین هم کالجسد الواحد إذا اشتکی منه عضو تداعت له الأعضاء بالسهر والحمی، وقد وردت أحادیث کثیرة عن النبی صلی الله علیه و آله والأئمة الطاهرین علیهم السلام تحث علی توثیق الأخوة فی العقیدة والنصح والإخلاص لها، ومنها ما جاء عن الرسول الأعظم صلی الله علیه و آله حیث قال: «لا یؤمن أحدکم حتی یحب لأخیه ما یحب

لنفسه»((2)). وقال صلی الله علیه و آله: «انصر أخاک ظالماً أو مظلوماً»، فقال رجل: یا رسول الله أنصره إذا کان مظلوماً، أفرأیت إذا کان ظالماً کیف أنصره؟ قال صلی الله علیه و آله: «تمنعه من الظلم فذلک نصره»((3)).

وأما الثانی: الأخوة فی النسب

 فیعنی أن المؤمنین إخوة کالأخوة الحقیقیة، أی أن أخوتهم متأصلة بمنزلة الحقیقة، وذلک لأحادیث کثیرة أکدت أن المؤمنین من طینة واحدة فعن جابر الجعفی قال: تنفست بین یدی أبی جعفر علیه السلام ثم قلت: یا بن رسول الله أهتم من غیر مصیبة تصیبنی أو أمر نزل بی حتی تعرف ذلک أهلی فی وجهی ویعرفه صدیقی؟ قال علیه السلام: »نعم یا جابر« قلت: ومم ذاک یا بن رسول الله؟ قال علیه السلام: »وما تصنع بذلک؟« قلت: أحب أن أعلمه، فقال علیه السلام: »یا جابر إن الله خلق المؤمنین من طینة الجنان وأجری فیهم من ریح روحه، فلذلک المؤمن أخو المؤمن لأبیه وأمه، فإذا أصاب تلک الأرواح فی بلد من البلدان شیء حزنت علیه أرواح لأنها منه» ((4)).

وعن الثمالی عن أبی جعفر علیه السلام قال: »المؤمن أخو المؤمن لأبیه وأمه لأن الله خلق طینتهما من سبع سماوات وهی طینة الجنان ثم تلا: )رُحَمَآءُ بَیْنَهُمْ(((5)) فهل

ص:363


1- سورة الأحزاب: 6
2- منیة المرید: ص190
3- راجع وسائل الشیعة: ج12 ص213 ح16114
4- بحار الأنوار: ج58 ص147 ح23
5- سورة الفتح: 29

یکون الرحیم إلا براً وصولاً» ((1)). وعن الثمالی عن أبی جعفر علیه السلام قال: »المؤمن أخو المؤمن لأبیه وأمه وذلک أن الله تبارک وتعالی خلق المؤمن من طینة جنان السماوات وأجری فیه من روح رحمته فلذلک هو أخوه لأبیه وأمه» ((2)).

وعن المفضل بن عمر قال: قال أبو عبد الله علیه السلام: «إنّما المؤمنون إخوة بنو أب وأم وإذا ضرب علی رجل منهم عرق سهر له الآخرون»((3)).

وأما الثالث: الأخوة الإنسانیة

أی الأخوّة العامة، وهذا یسمی بالأخوة الإنسانیة، وهو الذی عبر عنه الإمام علی علیه السلام فی قول-ه لمالک الأشتر: »أو نظیر لک فی الخلق«((4))، أی أن الذی تجتمع معه فی الإنسانیة والخلق یعتبر أخا لک، وربما یکون من هذا أیضا ما جاء فی بعض الآیات القرآنیة التی سمت الکفار إخوة الأنبیاء علیهم السلام والأنبیاء إخوة الکفار کما سمی الله سبحانه النبی هوداً علیه السلام أخا قومه عاد: )وَاذْکُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ بِالأحْقَافِ(((5))، و)وَإِلَیَ عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً(((6)).

وهکذا سمی الله تعالی النبی صالحاً علیه السلام أخا قومه ثمود: ) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَآ إِلَیَ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً(((7))، و) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلا تَتّقُونَ(((8)).

کما وسمی سبحانه النبی شعیباً علیه السلام أخا قومه: ƒوَإِلَیَ مَدْیَنَ أَخَاهُمْ

شُعَیْباً‚((9)). وسمی الله عزوجل النبی نوحاً علیه السلام أخا قومه: )إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلاَ تَتّقُونَ(((10)). وسمی سبحانه وتعالی النبی لوطاً علیه السلام أخا قومه: )إِذْ قَالَ لَهُمْ

ص:364


1- بحار الأنوار:ج71 ص276
2- لمزید من الاطلاع راجع الکافی: ج2 ص166
3- الکافی: ج2 ص165
4- نهج البلاغة: الرسائل 53
5- سورة الأحقاف: 21
6- سورة الأعراف: 65
7- سورة النمل: 45
8- سورة الشعراء: 142
9- سورة الأعراف: 85
10- سورة الشعراء: 106

أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلا تَتّقُونَ(((1)).

وهذا الإخاء الوارد فی هذا الصنف الثالث (الأخوة الإنسانیة) معناه لزوم العمل بمصادیق الأخوة العامة، فالإنسان أخ لبنی نوعه مهما کان الفرق بینهما فی الدین واللغة والعرق واللون والوطن، وقد یکون من مصادیقه لزوم إلغاء الحدود المصطنعة بین جمیع بلاد العالم، الإسلامیة منها وغیر الإسلامیة، فلیس معناها إلغاء الحدود الجغرافیة بین المسلمین فقط الذی هو واجب قطعی، وقد رأیناه سابقا فی العراق قبل نصف قرن بین مختلف الجنسیات واللغات والأقطار وقد حصل التعایش بینهم، وإنما بالإضافة إلی ذلک فإن معنی الإخاء هو بذل المحبة القلبیة والتواصی بالحق والمشارکة فی الآلام والآمال والتعاون علی الخیر والتکافل علی أحداث الحیاة، فیشد هذا من أزر ذاک وذاک من أزر هذا، ولذا قال علیه السلام: »لا یؤمن أحدکم حتی یحب لأخیه ما یحب لنفسه«((2))، وابتدأ بالحب لأن مرکز انطلاق التعاون والصلاح هو القلب فإذا صلح القلب صلحت الأعمال وإذا لم یصلح القلب لم تصلح الأعمال.

روی عن الإمام الرضا علیه السلام عن آبائه علیهم السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «ستة من المروة ثلاثة منها فی الحضر وثلاثة منها فی السفر، فأما التی فی الحضر فتلاوة کتاب الله تعالی وعمارة مساجد الله واتخاذ الإخوان فی الله عزوجل، وأما التی فی السفر فبذل الزاد وحسن الخلق والمزاح فی غیر المعاصی»((3)).

وفیما أوصی به أمیر المؤمنین علیه السلام عند وفاته: «وآخ الإخوان فی الله وأحب الصالح لصلاحه» ((4)).

وعن داود بن سلیمان عن الرضا علیه السلام قال: «من استفاد أخا فی الله فقد استفاد بیتا فی الجنة» ((5)).  وعن النبی صلی الله علیه و آله قال: «ما أحدث الله إخاء بین مؤمنین إلا أحدث لکل منهما درجة» ((6)).

ص:365


1- سورة الشعراء: 161
2- منیة المرید: ص190، القسم الثانی
3- مستدرک الوسائل: ج8 ص224
4- مستدرک الوسائل: ج12 ص237
5- وسائل الشیعة: ج12 ص16
6- عدة الداعی: ص189

وعن جابر عن أبی جعفر علیه السلام قال: »إن المؤمنین المتواخیین فی الله لیکون أحدهما فی الجنة فوق الآخر بدرجة فیقول: یا رب إن صاحبی قد کان یأمرنی بطاعتک ویثبطنی عن معصیتک ویرغبنی فیما عندک فاجمع بینی وبینه فی هذه الدرجة فیجمع الله بینهما، وإن المنافقین لیکون أحدهما أسفل من صاحبه بدرک فی النار فیقول: یا رب إن فلاناً کان یأمرنی بمعصیتک ویثبطنی عن طاعتک ویزهدنی فیما عندک ولایحذرنی لقاءک فاجمع بینی وبینه فی هذا الدرک، فیجمع الله بینهما وتلا هذه الآیة:

ƒالأخِلاّءُ یَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوّ إِلاّ الْمُتّقِینَ‚((1))»((2)).

وعن أبی عبد الله علیه السلام قال: «لا یرجع صاحب المسجد بأقل من إحدی ثلاث، إما دعاء یدعو به یدخله الله به الجنة، وإما دعاء یدعو به فیصرف الله عنه بلاء، وإما أخ یستفیده فی الله عزوجل» ((3))، ثم قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «ما استفاد امرؤ مسلم فائدة بعد فائدة الإسلام مثل أخ یستفیده فی الله» ((4)).

وقال علی علیه السلام: «أعجز الناس من عجز عن اکتساب الإخوان، وأعجز منه من ضیع من ظفر به منهم»((5)). وقال علیه السلام:

علیک بإخوان الصفاء فإنهم               عماد إذا استنجدتهم وظهور

ولیس کثیراً ألف خل وصاحب              وإن عدواً واح--------داً لکثی--------ر((6))

وقال الصادق علیه السلام: «المؤمن أخو المؤمن کالجسد الواحد إن اشتکی شیئا وجد ألم ذلک فی سائر جسده، وإن روحهما من روح الله وإن روح المؤمن لأشد اتصالا بروح الله من اتصال شعاع الشمس بها» ((7)).

ومن کتاب قضاء حقوق المؤمنین للصوری، بإسناده عن جعفر بن محمد بن أبی فاطمة قال: قال لی أبو عبد الله علیه السلام: »یا ابن أبی فاطمة إن العبد یکون بارا بقرابته

ص:366


1- سورة الزخرف:67
2- عدة الداعی: ص190
3- وسائل الشیعة: ج5 ص193
4- بحار الأنوار: ج71 ص275
5- وسائل الشیعة: ج12 ص18 ح15527
6- وسائل الشیعة: ج12 ص16 ح15523
7- بحار الأنوار: ج71 ص277، والکافی: ج2 ص166

ولم یبق من أجله إلا ثلاث سنین فیصیره الله ثلاثاً وثلاثین سنة، وإن العبد لیکون عاقاً بقرابته وقد بقی من أجله ثلاث وثلاثون سنة فیصیره الله ثلاث سنین ثم تلا هذه الآیة: ƒیَمْحُو اللّهُ مَا یَشَآءُ وَیُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمّ الْکِتَابِ‚ ((1)) قال: قلت: جعلت فداک فإن لم یکن ل-ه قرابة، قال: فنظر إلی مغضباً ورد علی شبیها بالزبر «یا ابن أبی فاطمة لاتکون القرابة إلا فی رحم ماسة، المؤمنون بعضهم أولی ببعض فی کتاب الله، فللمؤمن علی المؤمن أن یبره فریضة من الله، یا ابن أبی فاطمة تباروا وتواصلوا فینسئ الله فی آجالکم ویزید فی أموالکم وتعطون العافیة فی جمیع أمورکم، وإن صلاتکم وصومکم وتقربکم إلی الله أفضل من صلاة غیرکم ثم تلا هذه الآیة: ƒوَمَا یُؤْمِنُ أَکْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاّ وَهُمْ مّشْرِکُونَ‚ ( (2))»((3)).

وقال الإمام الصادق علیه السلام: «إن للمؤمن علی المؤمن سبعة حقوق، فأوجبها أن یقول الرجل حقاً وإن کان علی نفسه أو علی والدیه فلا یمیل لهم عن الحق»((4)).

حقوق الأخوة

وقد عدّد فی حدیث حق المسلم علی المسلم إلی ثلاثین حقا((5)) بینما لیس ذلک کل الحق، فهناک حقوق أخری مذکورة فی مختلف الروایات، وربما کان السبب فی عد الثلاثین فی هذا الحدیث لأنها کانت محل الابتلاء غالبا أو ما شاکل ذلک، هذا بالإضافة إلی أن العدد لا مفهوم ل-ه علی ما ذکروه فی علم الأصول، کما أن هناک آیات عدیدة تدل علی بعض هذه الحقوق، کقول-ه سبحانه وتعالی: )وَالّذِینَ فِیَ أَمْوَالِهِمْ حَقّ مّعْلُومٌ * لّلسّآئِلِ وَالْمَحْرُومِ(((6)).

وکما قال النبی الأکرم محمد صلی الله علیه و آله: »إن للمسلم علی أخیه من المعروف ستاً:

ص:367


1- سورة الرعد: 39
2- سورة یوسف: 106
3- بحار الأنوار: ج71 ص277
4- مستدرک الوسائل: ج9 ص45 ح10157
5- لمزید من الاطلاع راجع الکافی: ج2 ص16، ووسائل الشیعة: ج12 ص87، ومستدرک الوسائل: ج9 ص40
6- سورة المعارج: 24-25

یسلم علیه إذا لقیه، ویعوده إذا مرض، ویسمته إذا عطس، ویشهده إذا مات، ویجیبه إذا دعاه، ویحب له ما یحب لنفسه، ویکره له ما یکره لنفسه«((1)).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: »یا کمیل المؤمن مرآة المؤمن، لأنه یتأمله ویسد فاقته ویجمّل حالته، یا کمیل المؤمنون أخوة، ولا شیء آثر عند کل أخ من أخیه، یا کمیل إن لم تحب أخاک فلست أخاه«((2)).

وقال الرسولصلی الله علیه و آله:«إذا آخی أحدکم أخا فی الله فلا یحاده ولا یداره ولایماره»((3)).

وقال صلی الله علیه و آله: »المؤمن مرآة لأخیه المؤمن، ینصحه إذا غاب عنه، ویمیط عنه ما یکره إذا شهد، ویوسع له فی المجلس«((4)).

وقال الإمام الرضا علیه السلام: «اعلم یرحمک الله إن حق الإخوان واجب فرض لازم، أن تفدوهم بأنفسکم وأسماعکم وأبصارکم وأیدیکم وأرجلکم وجمیع جوارحکم، وهم حصونکم التی تلجؤون إلیها فی الشدائد فی الدنیا والآخرة، لاتماظوهم، ولا تخالفوهم، ولا تغتابوهم، ولا تدعوا نصرتهم ولا معاونتهم، وابذلوا النفوس والأموال دونهم، والإقبال علی الله عزوجل بالدعاء لهم، ومواساتهم فی کل ما یجوز فیه المساواة والمواساة، ونصرتهم ظالمین ومظلومین بالدفع عنهم» - إلی أن قال - «فبالله نستعین علی حقوق الإخوان، والأخ الذی تجب ل-ه هذه الحقوق الذی لا فرق بینک وبینه فی جملة الدین وتفصیله، ثم ما تجب ل-ه من الحقوق علی حسب قرب ما بین الإخوان وبعده بحسب ذلک»((5)).

صلة الأرحام3

صلة الأرحام

السلام فی محیط الأسرة

ص:368


1- وسائل الشیعة: ج12 ص211 ح16111
2- مستدرک الوسائل: ج 9 ص 49 ح 10165
3- مستدرک الوسائل: ج9 ص45 ح10159
4- مستدرک الوسائل: ج9 ص45 ح10158
5- مستدرک الوسائل: ج9 ص46 ح10161

تبدأ صلة الرحم من الدائرة الصغری وهی الأسرة، اللبنة الأولی فی محیط الأرحام وتعتبر أول وحدة اجتماعیة یتدرّب فیها الإنسان علی ممارسة علاقاته مع المجتمع، وهی المجال الحیوی الأول الذی تمر فیه الشخصیة وتترعرع فیه فضائلها، وتکون أساسا للمجتمع کله، لأنه یتکون منها.

والسلام فی الأسرة یبدأ بعد أن یحصل السلام بین الإنسان ونفسه وقد أوجب الإسلام هذه المصاحبة وذلک لأن بدن الإنسان وروحه ونفسه وعقله وسائر حواسه وجوارحه کلها أمانة بیده، فاللازم مداراتها جمیعا حسب الموازین الصحیحة الواردة شرعا وعقلا، حتی یعیش الإنسان بسلم وسلام فی الدنیا والآخرة، وإلا خسر ذاته وکلّ الخیر فی الدارین، کما نشاهده فی بعض المحکومین بالإعدام أو بالسجن أو ما أشبه فهم یخسرون دنیاهم کلها أو بعضها، وفی القرآن الحکیم: )قُلْ إِنّ الْخَاسِرِینَ الّذِینَ خَسِرُوَاْ أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِیهِمْ یَوْمَ الْقِیَامَةِ أَلاَ ذَلِکَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِینُ(((1)).

فإن الإنسان یکون ل-ه اعتباران، اعتبار فاعلی وقابلی، فربما یخسر الإنسان غیره وربما یخسر نفسه، فالنتیجة هی خسارة ذلک الشخص لنفسه فهو الذی خسّر وهو الذی خسر، لکن باعتبارین کمن یضرب نفسه أو یقتلها حیث یکون ضاربا ومضروبا فی حال واحد، وقاتلا ومقتولا کذلک. وإذا أراد الإنسان أن لا یخسر نفسه فعلیه أن یلتزم بحقوق نفسه علیه، وقد قال الإمام زین العابدین علیه السلام فی رسالة الحقوق:

«اعلم رحمک الله إن لله علیک حقوقا محیطة بک، فبکل حرکة تحرکتها أو سکنة

ص:369


1- سورة الزمر: 15

سکنتها أو منزلة نزلتها أو جارحة قلبتها أو آلة تصرفت بها، بعضها أکبر من بعض، وأکبر حقوق الله علیک ما أوجبه لنفسه تبارک وتعالی من حقه الذی هو أصل الحقوق ومنه تفرّع، ثم أوجبه علیک لنفسک من قرنک إلی قدمک علی اختلاف جوارحک، فجعل لبصرک علیک حقا، ولسمعک علیک حقا، وللسانک علیک حقا، ولیدک علیک حقا، ولرجلک علیک حقا، ولبطنک علیک حقا، ولفرجک علیک حقا، فهذه الجوارح السبع التی بها تکون الأفعال، ثم جعل عزوجل علیک حقوقا، فجعل لصلاتک علیک حقا، ولصومک علیک حقا، ولصدقتک علیک حقا، ولهدیک علیک حقا، ولأفعالک علیک حقا، ثم تخرج الحقوق منک إلی غیرک من ذوی الحقوق الواجبة علیک» الخبر((1)).

ویشترط فی هذه المصاحبة أن یکون للإنسان واعظ من نفسه، قال علیه السلام: «المؤمن یحتاج إلی ثلاث خصال، توفیق من الله عزوجل وواعظ من نفسه وقبول ممن

ینصحه»((2))، فإذا صدق الإنسان مع نفسه وأصلح ما بین ذاته ونفسه فیمکنه أن یکون مصلحا للآخرین أیضا، وإلاّ فکیف یکون مصلحاً للآخرین کما قالوا: «طبیب یداوی الناس وهو علیل»((3))، وقد قال الشاعر:

ألاّ لنفسک کان ذا الت-علیم

یا أیّها الرّجل المعلّم غیره

کیما یصح به وأنت سقیم

تصف الدواء لذی السقام وذی الطنی

وصفاً وأنت من الرشاد عدیم

وأراک تلقح بالرشاد قلوبنا

فإن انتهت عنه فأنت حکیم

فابدأ بنفسک فانهها عن غیها

بالقول منک وینفع التعلیم

فهناک ینفع ما تقول وتهتدی

عار علیک إذا فعلت عظیم((4))

لا تنه عن خلق وتأتی مثله

فإذا کان الإنسان مصاحبا لنفسه صحبة حسنة حسب ما أمر الله تعالی، یکون سالکا بنفسه صراطا مستقیما وطریقا سوّیا سلیما إلی الهدف الذی یریده.ومن شأن

ص:370


1- مستدرک الوسائل: ج11 ص154 ح12664
2- مستدرک الوسائل: ج8 ص329 ح9576
3- تفسیر القمی: ج1 ص46
4- تنبیه الخواطر ونزهة النواظر: ج2 ص301

هذه النتیجة أن تنعکس بالإیجاب علی النواة الأولی فی المجتمع ألا وهی الأسرة (الزوجان والوالدان والأولاد).

فالمرحلة الثانیة التی تأتی بعد ما أوجبه الإسلام علی مصاحبة الإنسان نفسه بطریقة سلیمة وواقعیة یأتی دور الأمن والسلام داخل الأسرة من أجل حفظ السلم والسلام الفردی والاجتماعی .

وقد ذکر الإسلام جملة من التوصیات التی من شأنها أن تبسط السلم والسلام داخل الأسرة، ومنها بر الوالدین:

أثر بر الوالدین فی بسط السلام داخل الأسرة

بر الوالدین واحترامهما والعطف علی الأولاد فریضة واجبة فی الإسلام، وقد نصت النصوص علیها، ففی القرآن الحکیم:

قال سبحانه وتعالی: )یَ-ا أیّهَا الّذِینَ آمَنُواْ قُوَاْ أَنفُسَکُمْ وَأَهْلِیکُمْ نَاراً (((1)).

وقال تعالی فی آیة أخری: )وَقَضَیَ رَبّکَ أَلاّ تَعْبُدُوَاْ إِلاّ إِیّاهُ وَبِالْوَالِدَیْنِ إِحْسَاناً إِمّا یَبْلُغَنّ عِندَکَ الْکِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ کِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لّهُمَآ أُفّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لّهُمَا قَوْلاً کَرِیماً* وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذّلّ مِنَ الرّحْمَةِ وَقُل رّبّ ارْحَمْهُمَا کَمَا رَبّیَانِی صَغِیراً(((2)).

وهذا البر وذلک العطف مضافان إلی موضوعیتهما یکونان منهاجا أیضا، فهما بمثابة تدریب للإنسان علی کیفیة اکتساب فضیلة التعایش فی أمن وسلام مع الناس جمیعا، لأنه لا یمکن - عادة - أن تکون للإنسان حالتان حقیقیتان مختلفتان، حالة مع المجتمع الصغیر (الأسرة) وحالة مع المجتمع الکبیر، بأن یکون فی سلام مع العائلة، وفی غیره مع المجتمع، أو بالعکس، وهکذا بالنسبة إلی الأمن.

ومن الآیات التی حثت علی بر الوالدین قوله تعالی: )وَوَصّیْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَیْهِ حَمَلَتْهُ أُمّهُ وَهْناً عَلَیَ وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِی عَامَیْنِ أَنِ اشْکُرْ لِی وَلِوَالِدَیْکَ إِلَیّ الْمَصِیرُ* وَإِن جَاهَدَاکَ عَلَیَ أَن تُشْرِکَ بِی مَا لَیْسَ لَکَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا

ص:371


1- سورة التحریم: 6
2- سورة الإسراء: 23-24

وَصَاحِبْهُمَا فِی الدّنْیَا مَعْرُوفاً(((1)). فإذا خرج الأبوان عن مقتضی الصلاح والاعتدال، فلیس علی الولد إطاعتهما، إذ لا طاعة مع الانحراف.

وبرّ الوالدین واجب عینی، بینما الجهاد واجب کفائی ولأهمیته قدّمه رسول الله صلی الله علیه و آله علی الجهاد حیث ورد فی حدیث عن جابر عن أبی عبد الله الصادق علیه السلام قال: »أتی رجل رسول الله صلی الله علیه و آله فقال: یا رسول الله إنی راغب فی الجهاد نشیط، قال علیه السلام: فقال ل-ه النبی صلی الله علیه و آله: فجاهد فی سبیل الله فإنک إن تقتل تکن حیا عند الله ترزق، وإن تمت فقد وقع أجرک علی الله، وإن رجعت رجعت من الذنوب کما ولدت، قال: یا رسول الله إن لی والدین کبیرین یزعمان أنهما یأنسان بی ویکرهان خروجی، فقال رسول الله صلی الله علیه و آله: فقرّ مع والدیک فو الذی نفسی بیده لأنسهما بک یوماً ولیلة خیر من جهاد سنة«((2)).

وفی حدیث آخر أن رجلاً أقبل إلی رسول الله صلی الله علیه و آله فقال: أبایعک علی الهجرة والجهاد، فقال صلی الله علیه و آله:«هل من والدیک أحد؟»، قال:نعم کلاهما،قال صلی الله علیه و آله: فتبتغی الأجر من الله، قال: نعم، قال صلی الله علیه و آله: «فارجع إلی والدیک فأحسن صحبتهما»((3)).

وعن جابر قال: أتی رجل رسول الله صلی الله علیه و آله فقال: إنی رجل شاب نشیط وأحب الجهاد ولی والدة تکره ذلک، فقال ل-ه النبی صلی الله علیه و آله: «ارجع فکن مع والدتک، فو الذی بعثنی بالحق نبیاً لأنسها بک لیلة خیر من جهادک فی سبیل الله سنة»((4)).

وقال رسول الله صلی الله علیه و آله: «رقودک علی السریر إلی جنب والدیک فی برهما أفضل من جهادک بالسیف فی سبیل الله»((5)).

وقال رجل لرسول الله صلی الله علیه و آله: یا رسول الله هل بقی من البرّ بعد موت الأبوین شیء؟ قال صلی الله علیه و آله: «نعم، الصلاة علیهما والاستغفار لهما والوفاء بعهدهما وإکرام

ص:372


1- سورة لقمان: 14-15
2- الکافی: ج2 ص160 ج10
3- مستدرک الوسائل: ج15ص177ح17923
4- الکافی: ج2 ص163 ح20
5- جامع الأخبار: ص 83

صدیقهما وصلة رحمهما»((1)).

أقول: المراد بالصلاة الدعاء ویفهم ذلک من لفظ (علیهما) فی قوله صلی الله علیه و آله.

وجاءت امرأة طاعنة فی السن إلی رسول الله صلی الله علیه و آله فی مسجد بالمدینة فاحترمها الرسول صلی الله علیه و آله احتراما متزایدا وفرش لها رداءه وأقبل یضحک إلیها، ولمّا ذهبت قال الأصحاب: من کانت هذه یا رسول الله؟ فقال رسول الله صلی الله علیه و آله: «إنها کانت صدیقة خدیجة $ فی مکة»، وقد راعاها رسول الله صلی الله علیه و آله حتی فی صدیقتها وکان ذلک من الوفاء لها.

وروی أنه: کان النبی صلی الله علیه و آله إذا أتی بشیء یقول: «إذهبوا به إلی فلانة فإنها کانت صدیقة خدیجة$، إذهبوا به إلی فلانة فإنها کانت تحب خدیجة»((2)).

وفی حدیث مشهور ورد عن رسول الله صلی الله علیه و آله یوضح عظمة بر الوالدین، حیث قال: «بینما ثلاثة رهط یتماشون أخذهم المطر فآووا إلی غار فی جبل فبینما هم فیه انحطت صخرة فأطبقت علیهم، فقال بعضهم لبعض: انظروا أفضل أعمال عملتموها فسلوه بها لعلّه یفرج عنکم.

قال أحدهم: اللهم إنه کان لی والدان کبیران وکانت لی إمرأة وأولاد صغار فکنت أرعی علیهم، فإذا أرحت علیهم غنمی، بدأت بوالدیّ فسقیتهما، فلم آت حتی نام أبوای، فطیبت الإناء ثم حلبت ثم قمت بحلابی عند رأس أبویّ، والصبیة یتضاغون عند رجلی((3)) أکره أن أبدأ بهم قبل أبویّ، وأکره أن أوقظهما من نومهما، فلم أزل کذلک حتی أضاء الفجر، اللهم إن کنت تعلم أنی فعلت ذلک ابتغاء وجهک فأفرج عنا فرجة نری منها السماء، فأفرج لهم فرجة فرأوا منها السماء.

وقال الآخر: اللهم إنه کان لی بنت عم فأحببتها حبا، کانت أعز الناس إلیّ فسألتها نفسها، فقالت: لا، حتی تأتینی بمائة دینار، فسعیت حتی جمعت مائة دینار فأتیتها بها فلما کنت بین رجلیها قالت: اتق الله ولا تفتح الخاتم إلاّ بحقه فقمت عنها،

ص:373


1- مستدرک الوسائل: ج15 ص201 ح18006
2- راجع المستدرک للحاکم النیسابوری : ج4 ص175
3- أی یصیحون من الجوع

اللهم إن کنت تعلم أنی فعلت ذلک ابتغاء وجهک فأفرج عنا فیها فرجة، فأفرج الله لهم فیها فرجة.

وقال الثالث: اللهم إنی کنت استأجرت أجیرا بفرق ذرّة، فلما قضی عمله عرضت علیه فأبی أن یأخذها، ورغب عنه، فلم أزل أعتمل به حتی جمعت منه بقرا ورعاتها فجاءنی وقال: اتق الله وأعطنی حقّی ولا تظلمنی فقلت ل-ه: اذهب إلی تلک البقر ورعاتها فخذها فذهب واستاقها، اللهم إن کنت تعلم أنی فعلت ذلک ابتغاء وجهک فأفرج عنا ما بقی منها، فأفرج الله عنهم فخرجوا یتماشون((1)).

أقول: لا یستبعد ذلک، فإنه من الواضح أن الدعاء یسبب حل المشاکل بأسباب طبیعیة أحیانا، وغیر طبیعیة أحیانا، فربما صار الدعاء سببا لتهیئة الأسباب الطبیعیة کشدة المطر الموجبة لتحرک الصخرة، أو لإمکان الانفراج بسبب غیبی من دون الأسباب الظاهریة، کما إن الإنسان إذا برّ بوالدیه واتخذ معهم أسلوب السلام برّه أولاده وعاملوه بسلام کما فی الأحادیث((2))، بالإضافة إلی أن الأعمال الدنیویة کالنویات، ما زرعت حصدت، ولا یجنی الجانی من الشوک العنب ولا من الحنظل یجنی الرطب، کما قال الشاعر:

إذا وضع الحساب ثمار غرسک

ستحصد ما زرعت غداً وتجنی

السلام مع الأولاد

السلم والسلام فی الأسرة قد یکون مع الوالدین وقد أشرنا إلی ذلک، وإن کان البحث فیه طویلا وتفصیله فی علم الأخلاق، وقد یکون السلام بین الزوجین، وهناک روایات کثیرة فی هذا المجال ذکرنا بعضها فی کتاب النکاح والآداب والسنن((3)) ، وقد یکون السلام للأولاد، وقد أکد الإسلام علی حفظ السلام مع الأولاد فی روایات کثیرة مذکورة فی مظانها نقتصر علی بعضها رعایة للاختصار.

ص:374


1- بحار الأنوار: ج14 ص421 ح3
2- راجع غرر الحکم ودرر الکلم: ص407 ح9341، وفیه: عنه علیه السلام قال: « من برّ والدیه بره ولده »
3- موسوعة الفقه للإمام المؤلف 6 : ج97، کتاب الآداب والسنن: ص255

فقد ورد عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال: «قال رسول الله صلی الله علیه و آله: رحم الله والدین أعانا ولدهما علی برهما»((1)).

وعنه علیه السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «من قبّل ولده کتب الله عزوجل ل-ه حسنة، ومن فرحه فرحه الله یوم القیامة، ومن علمه القرآن دعی بالأبوین فیکسیان حلتین یضیء من نورهما وجوه أهل الجنة»((2)).

وعنه علیه السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «أحبوا الصبیان، وارحموهم، وإذا وعدتموهم شیئا ففوا لهم، فإنهم لا یدرون إلا أنکم ترزقونهم»((3)).

السلام فی محیط الأرحام

بعد ضرورة اتخاذ السلم والسلام فی العلاقات الإنسانیة الأسریة القریبة یأتی دور سائر الأرحام، وکل ذی قرب للإنسان، ویؤکد الإسلام علی الصلة ویحرم القطع، حتی ورد أن من قطع رحمه لا یکون عادلا، وإذا کان کذلک فلا یمکن أن یصلی خلفه، ولا یصح أن یکون قاضیا، أو مرجع تقلید، أو شاهدا، أو ما أشبه ذلک.

قال الله سبحانه وتعالی: )وَاتّقُواْ اللّهَ الّذِی تَسَآءَلُونَ بِهِ وَالأرْحَامَ إِنّ اللّهَ کَانَ عَلَیْکُمْ رَقِیباً(((4)) أی اتقوا الأرحام أن تقطعوها، من غیر فرق فی کل ذلک بین الأرحام القریبین والبعیدین، وفی هذا الباب روایات متعددة.

قال الإمام أمیر المؤمنین علیه السلام: «إن صلة الأرحام لمن موجبات الإسلام، وإن الله سبحانه أمر بإکرامها، وأنه تعالی یصل من وصلها، ویقطع من قطعها، ویکرم من أکرمها» ((5)).

وقال علیه السلام: «لا یکونن أخوک علی قطیعتک أقوی منک علی صلته» ((6)).

وعنه علیه السلام: «من ذا الذی یرجو فضلک إذا قطعت رحمک» ((7)).

ص:375


1- الکافی: ج6 ص48 ح3
2- الکافی: ج6 ص49
3- الکافی: ج6 ص49 ح3
4- سورة النساء: 1
5- غرر الحکم ودرر الکلم: ص405 ح9290
6- غرر الحکم ودرر الکلم: ص406 ح9300
7- غرر الحکم ودرر الکلم: ص406 ح9326

وعنه علیه السلام قال: «إن من الذنوب التی تعجل الفناء قطیعة الرحم» ((1)).

وعنه علیه السلام: «ما آمن بالله من قطع رحمه» ((2)).

وعن أبی جعفر الباقر علیه السلام أنه قال: «إن فی کتاب علی علیه السلام: أن الیمین الکاذبة وقطیعة الرحم تذران الدیار بلاقع من أهلها، وتنغل الرحم، یعنی انقطاع النسل» ((3)).

وعنه علیه السلام: «صلة الأرحام تزکی الأعمال وتنمی الأموال وتدفع البلوی وتیسر الحساب وتنسئ فی الأجل» ((4)).

وعن حذیفة بن منصور قال: قال أبو عبد الله الصادق علیه السلام: «اتقوا الحالقة فإنها تمیت الرجال» قلت: وما الحالقة؟ قال: «قطیعة الرحم» ((5)).

وصلة الرحم فی غیر الوالدین والأولاد فی مرتبة الوجوب أیضا کوجوبها مع الوالدین والأولاد وإن کان بالنسبة إلی الوالدین أشد، کما أن الأرحام قریبهم أقرب إلی الوجوب من بعیدهم، فإن مراتب الواجب کمراتب الحرام مختلفة، مثلا النظر إلی الأجنبیة محرم ولمسها وتقبیلها أشد حرمة، والزنا أشد من اللمس والقبلة وهکذا.

4

حسن الصحبة والمعاشرة

حسن الصحبة والمعاشرة

الشروط الواجب توفرها لدوام الصحبة

للصحبة والمعاشرة الحسنة أثر کبیر فی بسط السلام والأمن فی المجتمع، وکما لزم علی الإنسان أن یصاحب نفسه خیرا - کما تقدم - کذلک یجب علیه أن یحسن صحبة الآخرین. وقد ذکرت فی الروایات شروط وواجبات وحقوق کثیرة تتعلق بالصحبة نذکر منها:

1: اختیار الصاحب

ص:376


1- وسائل الشیعة: ج12 ص273 ح16288
2- غرر الحکم ودرر الکلم: ص407 ح9327
3- الکافی: ج7 ص436 ح9
4- وسائل الشیعة: ج21 ص534 ح27787
5- الکافی: ج2 ص346 ح2

فیلزم علی الإنسان أن یختار من یصادقه أو یصاحبه، سواء کان فی سفر أو حضر، فإن ذلک مما یؤثر کثیرا فی السلوک السلمی، وقد ورد عنهم علیهم السلام: «الرفیق ثم الطریق»((1)). وورد عن لقمان الحکیم: «الجار ثم الدار» ((2)).

وورد عن رسول الله صلی الله علیه و آله: «المرء علی دین خلیله فلینظر أحدکم من یخالل» ((3)).

وفی حدیث مروی عنه صلی الله علیه و آله: «کن خیر ابنی آدم»((4))، یعنی إذا تصادق اثنان من بنی آدم، فاللازم أن یسعی کل واحد منهما لأن یکون خیرا بالنسبة إلی الآخر، ومن الواضح أن (ابنی آدم) الوارد فی الحدیث السابق أعم من المسلم، فإذا کان التأکید بالنسبة للأعم فکیف بالأخصّ: أی المسلم مع المسلم، والمؤمن مع المؤمن.

وقال لقمان لابنه: «یا بنی اتخذ ألف صاحب، وألف قلیل، ولا تتخذ عدوا واحدا، والواحد کثیر»((5)).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام:

وإنّ ع----دوّاً واح----داً لکثی---ر  ((6))

ولیس کثیرا ألف خلّ وصاحب

وقد ذکرت بعض الروایات النهی عن صحبة غیر المؤمنین لآثارها السلبیة علی السلم والأمان، ومنها ما ورد عن النبی صلی الله علیه و آله فقد قال لأبی ذر: «یا أبا ذر لا تصاحب إلا مؤمنا»((7)).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام لکمیل بن زیاد: «یا کمیل جانب المنافقین ولا تصاحب الخائنین»((8)).

2: حسن الصحبة

ومن الشروط التی یجب توفرها فی الصحبة کی تدوم وتستمر: حسنها، ومواردها

ص:377


1- مستدرک الوسائل:ج8 ص209
2- بحار الأنوار: ج 13 ص 428 ح 23
3- مستدرک الوسائل: ج 8 ص 327 ح 9578
4- وصایا النبی صلی الله علیه و آله : ج2 ص315
5- وسائل الشیعة: ج12 ص16 ح15522
6- وسائل الشیعة: ج12 ص16 ح15523
7- وسائل الشیعة: ج24 ص274 ح30531
8- مستدرک الوسائل: ج8 ص352 ح9639

عدیدة، ومنها علی سبیل المثال عدم الإصغاء لما یثار حول الصحبة الصادقة، فقد تکون منطلقة من نیات مغرضة ترید أن تعکر صفو هذه الصحبة الصادقة، وقد کان بعض الصحابة یأتون إلی رسول الله صلی الله علیه و آله ویبلّغونه عن بعض أصحابه شیئاً حسداً أو بغضاً أو ما أشبه، فینهاهم الرسول صلی الله علیه و آله عن ذلک.

عن أبی جعفر الباقر علیه السلام قال: «بعث رسول الله صلی الله علیه و آله علیاً علیه السلام إلی الیمن فانفلت فرس لرجل من أهل الیمن فنفح رجلا برجله فقتله فأخذه أولیاؤه لیقتلوه فرفعوه إلی علی علیه السلام فأقام صاحب الفرس البینة إن الفرس انفلت من داره فنفح الرجل برجله فأبطل علی علیه السلام دم الرجل، فجاء أولیاء المقتول من الیمن إلی النبی صلی الله علیه و آله یشکون علیا فیما حکم علیهم، فقالوا: إن علیاً ظلمنا وأبطل دم صاحبنا، فقال رسول الله صلی الله علیه و آله: إن علیاً لیس بظلام ولم یخلق علی للظلم وإن الولایة من بعدی لعلی والحکم حکمه والقول قول-ه لا یرد حکمه وقوله وولایته إلاّ کافر، ولا یرضی بحکمه وقوله وولایته إلاّ مؤمن، فلما سمع الیمانیون قول رسول الله صلی الله علیه و آله فی علی علیه السلام قالوا: یا رسول الله رضینا بقول علی وحکمه، فقال رسول الله صلی الله علیه و آله: هو توبتکم مما قلتم»((1)).

وقال النبی صلی الله علیه و آله: «لا یبلغنی أحد منکم عن أصحابی شیئا فإنی أحب أن أخرج إلیکم وأنا سلیم الصدر»((2)).

و(إلیکم) فی الحدیث یعنی أنه صلی الله علیه و آله کان یحب أن یواجه أصحابه جمیعا منشرح الصدر. وفی نسخة (عنکم) مکان (إلیکم) والمراد حینئذ: إنه کان یحب أن یموت حین موته ولیس فی قلبه علی أحدهم غضاضة ((3)).

وقد ذکرت الروایات بعض نتائج الصحبة الطیبة نتیجة لحسنها، ومنها: «بحسن الرفقة تدوم الصحبة»((4)).

ص:378


1- الأمالی للشیخ الصدوق: ص348 المجلس55 ح7
2- مکارم الأخلاق: ص17
3- غض من قدره: احتقره وقلل من شأنه
4- راجع غرر الحکم: ص422 ح9673 وفیه: « بحسن الموافقة تدوم الصحبة »

و: »بحسن الصحبة تکثر الرفاق«((1)).

و: »حسن الصحبة یزید فی المحبة«((2)).

و: »حسن الصحبة من أفضل الإیمان«.

وقد صنفت فی کتب الأحادیث والروایات أبواب مخصصة تحدثت عن هذا الموضوع ومنها: »باب حسن الصحابة وحق الصاحب فی السفر«((3)).

وذکرت فیه جملة من الروایات نذکر منها:

1: الوصیة بحسن الصحبة

عن عمار بن مروان الکلبی قال: أوصانی أبو عبد الله علیه السلام فقال: »أوصیک بتقوی الله وأداء الأمانة وصدق الحدیث وحسن الصحبة لمن صحبک ولا قوة إلا

بالله«((4)).

2: البذل والإنفاق فی الصحبة

عن محمد بن مسلم قال: قال أبو جعفر علیه السلام: »من خالطت فإن استطعت أن تکون یدک العلیا علیهم فافعل«((5)).

3: الرفق فی الصحبة

عن السکونی عن أبی عبد الله علیه السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: »ما اصطحب

ص:379


1- غرر الحکم: ص430 ح9797
2- راجع غرر الحکم: ص435 ح9951 وفیه: « حسن الصحبة یزید فی محبة القلوب »
3- الکافی: ج2 ص669
4- من لا یحضره الفقیه: ج2 ص274 ح2426
5- الکافی: ج2 ص637 ح1

اثنان إلا کان أعظمهما أجراً وأحبهما إلی الله عزوجل أرفقهما بصاحبه«((1)).

4: صحبة المسافر

عن أبی عبد الله علیه السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: »حق المسافر أن یقیم علیه أصحابه إذا مرض ثلاثا«((2)).

5: تشییع المصاحب فی وداعه

عن مسعدة بن صدقة عن أبی عبد الله علیه السلام عن آبائه علیهم السلام: »أن أمیر المؤمنین علیه السلام صاحب رجلاً ذمیاً فقال ل-ه الذمی: أین ترید یا عبد الله؟ فقال علیه السلام: أرید الکوفة، فلما عدل الطریق بالذمی عدل معه أمیر المؤمنین علیه السلام فقال ل-ه الذمی: ألست زعمت أنک ترید الکوفة؟ فقال علیه السلام له: بلی، فقال له الذمی: فقد ترکت الطریق، فقال علیه السلام ل-ه: قد علمت، قال: فلم عدلت معی وقد علمت ذلک؟ فقال ل-ه أمیر المؤمنین علیه السلام: هذا من تمام حسن الصحبة أن یشیع الرجل صاحبه هنیئة إذا فارقه وکذلک أمرنا نبینا صلی الله علیه و آله فقال له الذمی: هکذا قال! قال علیه السلام: نعم، قال الذمی: لا جرم إنما تبعه من تبعه لأفعاله الکریمة فأنا أشهدک أنی علی دینک ورجع الذمی مع أمیر المؤمنین علیه السلام فلما عرفه أسلم«((3)).

وهذه مصادیق السلم والسلام ومن موجباته فی المجتمع کما هو واضح.

خصائص العلاقات الإنسانیة فی المجتمع الإسلامی

خصائص العلاقات الإنسانیة فی المجتمع الإسلامی

مسألة: من مظاهر الأمن والأمان فی الإسلام حرصه علی أهمیة سلامة العلاقات الإنسانیة بین الإنسان ونفسه وبین الإنسان وغیره، فإن الإنسان إذا کان حسناً فی تعامله مع نفسه، مادیاً ومعنویاً، روحیاً وجسدیاً، فإنه یکون کذلک مع الآخرین، إذ کیف یمکن أن یکون الإنسان مسیئاً لنفسه ویکون محسناً إلی غیره؟.

ص:380


1- الکافی: ج2 ص120 ح15
2- الکافی: ج2 ص670
3- قرب الإسناد: ج1 ص7

فیلزم علی الإنسان أن یحاسب نفسه بالنسبة إلی سائر الناس، فإن الإنسان مسؤول أمام الله سبحانه وتعالی وأمام التاریخ عن غیره أیضاً، هل أحسن أو أساء إلیهم؟ أو لم یکن محسناً ولا مسیئاً، فالذی لا یکون محسناً ولا مسیئاً یعد فی عداد المسیء لأنه یکون مضیعاً للحقوق.

نعم قد لا یکون من قسم المضیع فیما إذا کان من باب السالبة بانتفاء الموضوع، بأن لم یکن هنالک إنسان آخر کالمنقطع فی سطح جبل أو جزیرة أو ما أشبه، ذلک حیث لا یوجد إنسان یحسن إلیه أو یسیء التصرف معه.

ومن هنا تمیزت العلاقات الإنسانیة فی المجتمع الإسلامی عن غیرها من المجتمعات والشعوب بمجموعة من الروابط الدینیة الحسنة والعلاقات المتینة المسالمة التی تهدف إلی وصول الإنسان إلی السلم والسلام والهدایة والتوفیق والسکینة والرفاهیة، فیتقدم إلی کماله المیسور وارتفاعه حسب المقدور.

صفات العلاقات الإنسانیة فی الإسلام

وقد اتصفت هذه الروابط والعلاقات بمجموعة من الخصائص منها:

1: إن الأساس الذی تنطلق منه هو الإیمان، وهو أول الروابط الأدبیة والمحور الذی تلتقی عنده الجماعة المؤمنة، ومن طبیعته أنه یَجمعُ ولا یُفرِّق، ویُوحِّد ولایُشتِّت، کما فی الحدیث عن أمیر المؤمنین علی علیه السلام: »المؤمن مألوف، ولا خیر فیمن لا یألف ولا یؤلف«((1)).

والمؤمن قوة لأخیه، کما فی حدیث النبی صلی الله علیه و آله: »المؤمن للمؤمن کالبنیان یشد بعضه بعضاً«((2))، وهو یحس بإحساسه، ویشعر بشعوره، فیفرح لفرحه، ویحزن لحزنه، »المؤمنون فی توادهم وتراحمهم وتعاطفهم کمثل الجسد إذا اشتکی تداعی ل-ه سائره بالسهر والحمی«((3)).

ومن شأن هذه الروابط التی تنطلق من أساس الإیمان أنها تجعل بین المسلمین

ص:381


1- الکافی: ج2 ص102 ح17
2- جامع الأخبار: ص85
3- مستدرک الوسائل: ج12 ص424 ح16506

تماسکاً قویاً، وتقیم منهم کیاناً یستعصی علی الفرقة وینأی عن الحل، فالإیمان یضفی علی المؤمنین إخاءً أقوی من إخاء النسب، کما قال الله سبحانه: )إِنّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ(((1))، وقال أیضاً: )وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بَعْضُهُمْ أَوْلِیَآءُ بَعْضٍ(((2)).

وکما قال الإمام أبو عبد الله علیه السلام: »المسلم أخو المسلم«((3)).

2: ومن خصائصها أنها قابلة للنماء والبقاء، فهی لیست کغیرها من الروابط المادیة التی تنتهی بانتهاء دواعیها وأسبابها، وتنقضی بانقضاء الحاجة إلیها.

3: إنها تنطلق من دوافع ذاتیة لا مصلحیة، فکل فرد یبذل من أجل تقویة الجماعة المؤمنة وتماسکها من ذات نفسه وذات یده، ویکون عوناً لها فی کل أمر من الأمور التی تهمها، سواء کانت هذه المعاونة معاونة مادیة أم أدبیة، وسواء کانت معاونة بالمال، أم العلم، أم الرأی، أم المشورة.

وقد سئل الإمام الرضا علیه السلام: ما حق المؤمن علی المؤمن؟

فقال: »إن من حق المؤمن علی المؤمن المودة ل-ه فی صدره، والمواساة ل-ه فی ماله، والنصرة ل-ه علی من ظلمه، وإن کان فیء للمسلمین وکان غائباً أخذ ل-ه بنصیبه، وإذا مات فالزیارة إلی قبره، ولا یظلمه ولا یغشه، ولا یخونه ولا یخذل-ه، ولا یغتابه ولایکذبه، ولا یقول ل-ه أف، فإذا قال ل-ه أف فلیس بینهما ولایة، وإذا قال ل-ه أنت عدوی فقد کفَّر أحدهما صاحبه، وإذا اتهمه انماث الإیمان فی قلبه کما ینماث الملح فی الماء«((4)).

وعن النبی صلی الله علیه و آله قال: »خیر الناس أنفعهم للناس«((5)).

وعن الإمام أبی عبد الله علیه السلام عن آبائه علیهم السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: »إن الله یحب إغاثة اللهفان«((6)).

وعن الإمام الصادق علیه السلام قال: »کان رسول الله صلی الله علیه و آله إذا أتاه طالب حاجة أقبل

ص:382


1- سورة الحجرات: 10
2- سورة التوبة: 71
3- تهذیب الأحکام: ج6 ص159
4- مستدرک الوسائل: ج9 ص45 ح10160
5- مستدرک الوسائل: ج12 ص391 ح14382
6- وسائل الشیعة: ج16 ص286 ح21561

علی جلسائه فقال اشفقوا تؤجروا«((1)).

4: ومنها أنها أقوی من روابط الدم، واللون، واللغة، والوطن، والمصالح المادیة، وغیر ذلک مما یربط بین الناس، جاء عن إبراهیم بن محمد الهمدانی أنه قال: سمعت الرضا علیه السلام یقول: »من أحب عاصیاً فهو عاص، ومن أحب مطیعاً فهو مطیع، ومن أعان ظالماً فهو ظالم، ومن خذل عادلاً فهو ظالم، إنه لیس بین الله وبین أحد قرابة، ولا ینال أحد ولایة الله إلا بالطاعة، ولقد قال رسول الله صلی الله علیه و آله لبنی عبد المطلب: ائتونی بأعمالکم لا بأحسابکم وأنسابکم، قال الله تعالی: )فَإِذَا نُفِخَ فِی الصّورِ فَلاَ أَنسَابَ بَیْنَهُمْ یَوْمَئِذٍ وَلاَ یَتَسَآءَلُونَ* فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِینُهُ فَأُوْلَ-َئِکَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ* وَمَنْ خَفّتْ مَوَازِینُهُ فأُوْلَ-َئِکَ الّذِینَ خَسِرُوَاْ أَنفُسَهُمْ فِی جَهَنّمَ خَالِدُونَ(((2))»((3)).

وقد حث الإسلام علی تمتین روابط المجتمع وأواصر الجماعة علی أسس السلم والسلام، قال تعالی: )وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِیعاً وَلاَ تَفَرّقُواْ(((4)).

وعن أمیر المؤمنین علی علیه السلام: »ید الله مع الجماعة، وإیاکم والفرقة، فإن الشاذ من الناس للشیطان کما أن الشاذ من الغنم للذئب«((5)).

وقال أبو عبد الله علیه السلام: »ما من رهط أربعین رجلاً اجتمعوا فدعوا الله عزوجل فی أمر إلا استجاب الله لهم«((6)).

ومن ثم کانت الجماعة رحمة کما قال رسول الله صلی الله علیه و آله: »الاجتماع لأمتی رحمة، والفرقة عذاب«((7)).

وقال صلی الله علیه و آله أیضاً: »المؤمنون ید واحدة علی من سواهم«((8)).

ص:383


1- تنبیه الخواطر ونزهة النواظر: ج1 ص16
2- سورة (المؤمنون): 101-103
3- عیون أخبار الرضا علیه السلام : ج2 ص23 ح7
4- سورة آل عمران: 103
5- نهج البلاغة: خطبة 127 من کلام له علیه السلام وفیه یبین بعض أحکام الدین
6- الکافی: ج2 ص487 ح1
7- بحار الأنوار: ج28 ص104
8- بحار الأنوار: ج58 ص150

والجماعة مهما صغرت فهی علی أی حال خیر من التفرقة، وکلما کثر عددها، کانت أفضل وأبر.

إن أفضل عبادات الإسلام تلک التی تؤدی جماعة، فصلاة الجماعة أفضل من صلاة المنفرد بخمس وعشرین درجة، کما فی بعض الروایات، فعن الإمام أبی جعفر الباقر علیه السلام قال: »إن فضل صلاة الجماعة علی صلاة الرجل فرداً خمس وعشرون درجة فی الجنة«((1)).

والزکاة معاملة بین مجتمع الأغنیاء والفقراء وأداء لحقوقهم((2)).

والصیام مشارکة جماعیة ومساواة فی الجوع فی فترة معینة من الوقت((3)).

والحج ملتقی عام للمسلمین جمیعاً فی کل عام، یجتمعون من أطراف الأرض

)لّیَشْهَدُواْ مَنَافِعَ لَهُمْ وَیَذْکُرُواْ اسْمَ اللّهِ فِیَ أَیّامٍ مّعْلُومَاتٍ(((4)).

وعن النبی صلی الله علیه و آله قال: »ما جلس قوم فی مجلس من مساجد الله تعالی یتلون کتاب الله ویتدارسونه بینهم، إلا نزلت علیهم السکینة، وغشیتهم الرحمة، وذکرهم الله فیمن عنده، ومن أبطأ به عمله لم یسرع به نسبه«((5)).

ولقد کان الرسول صلی الله علیه و آله یحرص علی أن یجتمع المسلمون حتی فی المظهر الشکلی قال صلی الله علیه و آله: »إذا جلستم إلی المعلم أو جلستم فی مجالس العلم فادنوا ولیجلس بعضکم خلف بعض ولا تجلسوا متفرقین کما یجلس أهل الجاهلیة«((6)).

ص:384


1- تهذیب الأحکام: ج3 ص365 ح71
2- راجع وسائل الشیعة: ج9 ص146 ح11712، وفیه: عن الإمام أبی الحسن الرضا علیه السلام قال: « قیل لأبی عبد الله الصادق علیه السلام : لأی شیء جعل الله الزکاة خمسة وعشرین فی کل ألف ولم یجعلها ثلاثین؟ فقال علیه السلام : إن الله عزَّوجلَّ جعلها خمسة وعشرین، أخرج من أموال الأغنیاء بقدر ما یکتفی به الفقراء ولو أخرج الناس زکاة أموالهم ما احتاج أحد »
3- راجع من لا یحضره الفقیه: ج2ص72 ح1766، وفیه: سأل هشام بن الحکم أبا عبد الله علیه السلام عن علة الصیام فقال علیه السلام : « إنما فرض الله عزَّوجلَّ الصیام لیستوی به الغنی والفقیر، وذلک أن الغنی لم یکن لیجد مس الجوع فیرحم الفقیر لأن الغنی کلما أراد شیئاً قدر علیه فأراد الله عزَّوجلَّ أن یسوّی بین خلقه وأن یذیق الغنی مس الجوع والألم لیرقّ علی الضعیف فیرحم الجائع »
4- سورة الحج: 28
5- مستدرک الوسائل: ج3 ص363 ح3788
6- مستدرک الوسائل: ج8 ص404 ح9805

وإذا کانت الجماعة هی القوة التی تحمی دین الله، وتحرس دنیا المسلمین، فإن التفرقة هی التی تقضی علی الدین والدنیا معاً، ولذلک فقد نهی عنها الإسلام أشد النهی إذ أنها تؤدی للهزیمة وهی من موجبات العنف، وکثیراً ما کان الإمام علی علیه السلام یوصی الناس بقوله: »ألزموا الجماعة واجتنبوا الفرقة«((1))، ولم یهدد الإسلام شیء کما فعلت التفرقة التی ذهبت بقوة المسلمین، والتی نتج عنها: الضرر والفشل والذل، وسائر ما یعانی منه المتفرقون، قال الله عزوجل: )وَلاَ تَکُونُواْ کَالّذِینَ تَفَرّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ الْبَیّنَاتُ وَأُوْلَ-َئِکَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِیمٌ(((2))، وقال الله تعالی: )وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِیحُکُمْ(((3)) یعنی ذلک أن النزاع والخصام یضعف الجماعة. وقال سبحانه: )وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِیعاً وَلاَ تَفَرّقُواْ(((4)) فیعنی أن الالتزام بدین الله یوحد الجماعة.

وإنما عبّر سبحانه وتعالی: )بحبل الله( لا بغیره وإن کان من الممکن غیر ذلک مثل (دین الله) و(شریعة الله) وما إلی ذلک لنکتة دقیقة هی أن المتفرّقین کالساقطین فی غیابة الجب، فإذا أُدلی إلیهم بحبل فأمسکوا به جمیعاً انتشلهم إلی حیث سَعَةُ الأرض، أما إذا بقوا مختلفین فإنهم یکونون فی غیابة الجب متنازعین متخاصمین فلا یشمون هواءً طلقاً ولا یرون نوراً ساطعاً من الشمس والقمر ولا یتمکنون من عمل أیّ شیء.

وقال عزوجل: )وَلاَ تَکُونُواْ مِنَ الْمُشْرِکِینَ * مِنَ الّذِینَ فَرّقُواْ دِینَهُمْ وَکَانُواْ شِیَعاً(((5)). وقال الله تعالی: )إِنّ الّذِینَ فَرّقُواْ دِینَهُمْ وَکَانُواْ شِیَعاً لّسْتَ مِنْهُمْ فِی شَیْءٍ(((6)).

فیعنی ذلک أن الخصام والمنازعات بین المسلمین إذا استمرت قد تؤدی إلی الشرک ولذلک ینهی الإسلام عن کل ما من شأنه أن یوهن من قوته أو یضعف من شدته، فالجماعة المؤمنة دائماً فی رعایة الله وفی سلطانه، ومن هنا نجد دعوة القرآن الکریم

ص:385


1- غرر الحکم ودرر الکلم: ص466 ح10715
2- سورة آل عمران: 105
3- سورة الأنفال: 46
4- سورة آل عمران: 103
5- سورة الروم: 31-32
6- سورة الأنعام: 159

لرسول الله صلی الله علیه و آله أن یتبرأ من الذین کانوا سبباً فی تفرقة المسلمین، وأن لا یقیم معهم حتی فی مسجدهم الذی اتخذوه ضراراً وکفراً وتفریقاً بین المؤمنین، یقول جل وعلا: )وَالّذِینَ اتّخَذُواْ مَسْجِداً ضِرَاراً وَکُفْراً وَتَفْرِیقاً بَیْنَ الْمُؤْمِنِینَ وَإِرْصَاداً لّمَنْ حَارَبَ اللّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ وَلَیَحْلِفَنّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاّ الْحُسْنَیَ وَاللّهُ یَشْهَدُ إِنّهُمْ لَکَاذِبُونَ * لاَ تَقُمْ فِیهِ أَبَداً لّمَسْجِدٌ أُسّسَ عَلَی التّقْوَیَ مِنْ أَوّلِ یَوْمٍ أَحَقّ أَن تَقُومَ فِیهِ فِیهِ رِجَالٌ یُحِبّونَ أَن یَتَطَهّرُواْ وَاللّهُ یُحِبّ الْمُطّهّرِینَ(((1)).

وعن أبی عبد الله علیه السلام قال: إن رسول الله صلی الله علیه و آله قال: »أقیموا صفوفکم فإنی أراکم من خلفی کما أراکم من بین یدیَّ، ولا تختلفوا فیخالف الله بین قلوبکم«((2)).

أثر الأخلاق الإسلامیة فی دعم الروابط الاجتماعیة

أثر الأخلاق الإسلامیة فی دعم الروابط الاجتماعیة

مسألة: أکد الإسلام علی الاحترام المتبادل بین أفراد المجتمع المسلم، وحرض علی احترام الناس حتی نهی عن أن یعبس مسلم فی وجه مسلم مهما، کان فقیراً أو ضعیفاً أو عاجزا((3))، وقد نزلت آیة فی ذلک تذم أحد بنی أمیة((4))، حیث عبس بوجه شخص من أصحاب رسول الله صلی الله علیه و آله کان أعمی یسمی ابن أم مکتوم، فقال سبحانه:

)عَبَسَ وَتَوَلّیَ* أَن جَآءَهُ الأعْمَیَ* وَمَا یُدْرِیکَ لَعَلّهُ یَزّکّیَ* أَوْ یَذّکّرُ فَتَنفَعَهُ الذّکْرَیَ* أَمّا مَنِ اسْتَغْنَیَ* فَأَنتَ لَهُ تَصَدّیَ* وَمَا عَلَیْکَ أَلاّ یَزّکّیَ* وَأَمّا مَن جَآءَکَ یَسْعَیَ* وَهُوَ یَخْشَیَ* فَأَنتَ عَنْهُ تَلَهّیَ* کَلاّ إِنّهَا تَذْکِرَةٌ* فَمَن شَآءَ ذَکَرَهُ* فَی صُحُفٍ مّکَرّمَةٍ* مّرْفُوعَةٍ مّطَهّرَةٍ* بِأَیْدِی سَفَرَةٍ* کِرَامٍ بَرَرَةٍ* قُتِلَ الإِنسَانُ مَآ أَکْفَرَهُ(((5)).

ومن زعم أن هذه الآیات نزلت فی رسول الله صلی الله علیه و آله فقد أخطأ، مضافا إلی أن سیاق الآیات تدل علی غیره صلی الله علیه و آله ولذا قال تعالی: )عَبَسَ وَتَوَلّیَ( بصیغة الماضی الغائب ولم یقل عبستَ وتولیتَ، ثم هل یُعقلُ أنّ یکون رسول الله صلی الله علیه و آله بهذا

ص:386


1- سورة التوبة: 107 و108
2- بحار الأنوار: ج85 ص100 ج72
3- لمزید من الاطلاع راجع بحار الأنوار: ج73 ص20، وتحف العقول: ص218
4- وهو عثمان بن عفان
5- سورة عبس: 1 - 17

المستوی بحیث یخاطبه المولی جلّ جلاله بقوله: ) وَمَا یُدْرِیکَ لَعَلّهُ یَزّکّیَ* أَوْ یَذّکّرُ فَتَنفَعَهُ الذّکْرَیَ(، أو أنه بهذه الأخلاق: )أَمّا مَنِ اسْتَغْنَیَ* فَأَنتَ لَهُ تَصَدّیَ* وَمَا عَلَیْکَ أَلاّ یَزّکّیَ* وَأَمّا مَن جَآءَکَ یَسْعَیَ* وَهُوَ یَخْشَیَ* فَأَنتَ عَنْهُ تَلَهّیَ( کلا قطعاً.

فإن نزول هذه الآیات فی رسول الله صلی الله علیه و آله کما یدعیه البعض مخالف لقول-ه:

)وَإِنّکَ لَعَلَیَ خُلُقٍ عَظِیمٍ(((1))، فکیف لإنسان یملک هذا الخلق العظیم أن یفعل هذا الشیء بأعمی من أصحابه.

وعلی أی حال فالإسلام یضع کل ما یوجب الفرقة والعداء إلی جانب، ویأمر بالمحبة والقیم السماویة، کما فی کثیر من الآیات والروایات.

الأخلاق الإسلامیة والسلم فی الروابط الاجتماعیة

ومن أجل إصلاح هذه العلاقات ورعایة للسلام فیها، أمر الإسلام بحسن الخلق والتعامل الحسن فی کل مجالاتها الإنسانیة حتی یستقیم أمر الحیاة وحتی تکون أبواب العمل بالحق والخیر مفتحة أمام کل إنسان، فقد ورد عن الرسول الأعظم صلی الله علیه و آله: »إن أحبکم إلی الله أحسنکم أخلاقاً، الموطّئون أکنافاً الذین یألفون ویؤلفون«((2)).

وقال سبحانه وتعالی فی کتابه المجید: )خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِینَ(((3)).

وفی کثیر من روایات الرسول صلی الله علیه و آله وآله الأطهار علیهم السلام الأمر بأن یصل الإنسان من قطعه ویعطی من حرمه ویعفو عمن ظلمه.

قال أمیر المؤمنین علیه السلام فی وصف المتقین: » … یعفو عمن ظلمه، ویعطی من حرمه، ویصل من قطعه«((4)).

ومن وصیة الإمام الصادق علیه السلام لعبد الله بن جندب، قال: »یا بن جندب صل

ص:387


1- سورة القلم: 4
2- مستدرک الوسائل: ج9 ص150 ح10521
3- سورة الأعراف: 199
4- نهج البلاغة: الخطب 193

من قطعک، وأعط من حرمک، وأحسن إلی من أساء إلیک، وسلّم علی من سبّک، وأنصف من خاصمک، واعف عمن ظلمک کما أنک تحب أن یعفی عنک، فاعتبر یعفو الله عنک...« الخبر((1)).

وقال علیه السلام: »یسّروا ولا تعسّروا، وبشروا ولا تنفروا«((2))

وهنا ملاحظة حول هذا الحدیث من الجانب البلاغی فقد یرد سؤال عن قوله علیه السلام: »یسروا ولا تعسروا«، فهل هذا تکرار لشیء واحد أو هناک أمران: تیسیر وعدم تعسیر؟ فإذا کان هناک أمران - وهو الأصل لأن الأصل التأسیس لا التأکید - فلماذا قدّم «یسّروا» علی «تعسّروا» بینما کان اللازم أن یقول (لا تعسّروا ویسّروا) ومثل هذا السؤال یجری فی قول-ه تعالی: )یُرِیدُ اللّهُ بِکُمُ الْیُسْرَ وَلاَ یُرِیدُ بِکُمُ

الْعُسْرَ(((3))؟.

والجواب: إنما قدّم الیسر لأن المجال مجال الیسر، وقد ذکروا فی علم البلاغة أنه یقدّم ما کان المجال ل-ه،وإلا کان مقتضی القاعدة: (لا یرید بکم العسر ویرید بکم الیسر) هذا بالنسبة إلی التقدیم والتأخیر، وأما التکرار فعلی الأصل المذکور أی التأسیس، لورود شق ثالث بین العسر والیسر کما هو واضح.

وفی الحدیث الشریف: إن حَسَن الخلق ینال خیر الدنیا والآخرة((4)) وللأثر الکبیر الذی یترکه حسن الخلق فی المجتمع سواء الصغیر منه أو الکبیر نذکر هنا جملة من الروایات فی حسن الخلق وأثره علی السلام أو الدالة علیه.

جاء رجل إلی رسول الله صلی الله علیه و آله من بین یدیه فقال: یا رسول الله ما الدین؟

فقال صلی الله علیه و آله: »حسن الخلق«.

ثم أتاه عن یمینه، فقال: یا رسول الله ما الدین؟ قال صلی الله علیه و آله: »حسن الخلق«.

ثم آتاه من قبل شماله فقال: ما الدین؟ فقال صلی الله علیه و آله: »حسن الخلق«.

ص:388


1- تحف العقول: ص103
2- غوالی اللآلی: ج1 ص381 ح5
3- سورة البقرة: 185
4- راجع بحار الأنوار: ج8 ص119ح7 وفیه: « إن حسن الخلق ذهب بخیر الدنیا والآخرة »

ثم أتاه من ورائه فقال: یا رسول الله ما الدین؟

فالتفت صلی الله علیه و آله إلیه وقال: »أما تفقه هو أن لا تغضب«((1)).

وربما یسأل البعض أنه لماذا أکد السؤال عن الدین من الأطراف الأربعة حوالی رسول الله صلی الله علیه و آله؟.

والجواب: ربما کان الرجل فی حالة من الحدة والغضب الذی اعتاد علیها، فإن الإنسان الحاد عادةً یکرّر الأشیاء کثیراً لکی یستوعبها، بینما الإنسان الهادئ یتفهم من أول الأمر، ولذلک قال له الرسول صلی الله علیه و آله فی المرة الرابعة أما تفقه؟

وربما أراد أن یتأکد، وربما أراد أن یعرف الأولی فالأولی أو ما أشبه ذلک.

وعن الإمام أبی عبد الله الصادق علیه السلام قال: قال رجل للنبی صلی الله علیه و آله: یا رسول الله علمنی، قال صلی الله علیه و آله: »اذهب ولا تغضب«، فقال الرجل: قد اکتفیت بذاک، فمضی إلی أهله فإذا بین قومه حرب قد قاموا صفوفاً ولبسوا السلاح فلما رأی ذلک لبس سلاحه ثم قام معهم ثم ذکر قول رسول الله صلی الله علیه و آله: »لا تغضب« فرمی السلاح ثم جاء یمشی إلی القوم الذین هم عدوّ قومه فقال: یا هؤلاء ما کانت لکم من جراحة أو قتل أو ضرب لیس فیه أثر فعلیَّ فی مالی أنا أوفیکموه، فقال القوم: فما کان فهو لکم نحن أولی بذلک منکم، قال: فاصطلح القوم وذهب الغضب((2)).

وفی حدیث آخر أن رسول الله صلی الله علیه و آله قال: »ألا أخبرکم بشرارکم؟« قالوا: بلی یا رسول الله، قال صلی الله علیه و آله: »الذی یمنع رفده ویضرب عبده ویتزود وحده«، فظنوا أن الله لم یخلق خلقاً هو شر من هذا، ثم قال صلی الله علیه و آله:«ألا أخبرکم بمن هو شر من ذلک؟» قالوا: بلی یا رسول الله، قال صلی الله علیه و آله: »الذی لا یرجی خیره ولا یؤمن شره«، فظنوا

ص:389


1- تنبیه الخواطر ونزهة النواظر: ج1 ص89
2- الکافی: ج2 ص304 ح11

أن الله لم یخلق خلقاً هو شر من هذا، ثم قال صلی الله علیه و آله: »ألا أخبرکم بمن هو شرّ من ذلک؟« قالوا: بلی یا رسول الله، قال صلی الله علیه و آله: »المتفحش اللعان الذی إذا ذکر عنده المؤمنون لعنهم وإذا ذکروه لعنوه«((1)).

وقال صلی الله علیه و آله فی حدیث آخر: »ألا أخبرکم بشرارکم؟ قالوا: بلی یا رسول الله، قال صلی الله علیه و آله: الذین لا یقیلون العثرة ولا یقبلون المعذرة ولا یغفرون الزلّة«((2)).

ومن الواضح أن (حسن الأخلاق) یشیع فی المجتمع الأمن والسلام لأن سوء الخلق یوجب عدم الأمن عند الناس ویثیر الخوف لدیهم، کما قال علی علیه السلام: »سوء الخلق یوحش القریب وینفر البعید«((3)).

وهکذا بالنسبة إلی نفس الإنسان السیئ الخلق فإنه لا یعیش فی أمن وسلام، وفی الأحادیث أنه إذا ألمَّ بالإنسان موجة من الغضب وانفلت من یده الزمام فعلیه أن یتعوذ بالله من الشیطان الرجیم ویتخلص مما ألمَّ به وبذلک یظل فی دائرة السلامة والأمن بالنسبة إلی نفسه وبالنسبة إلی غیره، کما قال الإمام الصادق علیه السلام فی الغضب:«تصلی علی النبی صلی الله علیه و آله وتقول: یذهب غیظ قلوبهم اللّهم اغفر ذنبی وأذهب غیظ قلبی وأجرنی من الشیطان الرجیم ولا حول ولا قوة إلاّ بالله العلی العظیم»((4)).

والأحادیث فی ذم الغضب کثیرة لوضوح سوء عواقب الغضب وتأثیره السلبی علی السلم والسلام، قال الإمام الصادق علیه السلام: »الغضب مفتاح کل شر«((5))، فإن الغلظة تقطع أواصر الود والإخاء والمحبة والألفة بین الناس، فینقطع بذلک بینهم التعاون والتشاور وما أشبه ذلک مما هو مبعث الخیرات وهو هدف الدین لإشاعة الوئام والتفاهم بین الناس وإصلاح ذات البین کما یوصینا رسول الله صلی الله علیه و آله: »صلاح ذات البین أفضل من عامة الصوم والصلاة«((6))، فإن هذا هو الأصل فی العلاقات والروابط التی تربط بین المسلمین وغیرهم، فعن أبی عبد الله علیه السلام قال: »صدقة یحبها الله:

ص:390


1- الکافی: ج2 ص290 ح7
2- مستدرک الوسائل: ج9 ص57 ح10195
3- غرر الحکم ودرر الکلم: ص264 ح5709
4- مستدرک الوسائل: ج12 ص15 ح13382
5- الکافی: ج2 ص303 ح3
6- تهذیب الأحکام: ج9 ص176 ح14

إصلاح بین الناس إذا تفاسدوا، وتقارب بینهم إذا تباعدوا«((1))، ومن الملاحظ قوله علیه السلام (إصلاح بین الناس) فهو أعم من المسلمین والمؤمنین کما لایخفی.

ومن هذا المنطلق أیضاً: یؤکد الإسلام علی الصلح بین المتنازعین مطلقا، وفی القرآن الحکیم: )وَالصّلْحُ خَیْرٌ(((2))، وفی روایة عن رسول الله صلی الله علیه و آله قال: »ألا أخبرکم بأفضل من درجة الصیام والصدقة والصلاة؟« قالوا: بلی یا رسول الله، قال صلی الله علیه و آله: »صلاح ذات البین، وفساد ذات البین وهی الحالقة«((3))، تشبیهاً بحلق الشعر.

وفی روایة الإمام علی علیه السلام عن رسول الله صلی الله علیه و آله: »إصلاح ذات البین خیر من عامّة الصلاة والصیام«((4)) وقبل ذلک قال القرآن الحکیم: )إِنّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُواْ بَیْنَ أَخَوَیْکُمْ وَاتّقُواْ اللّهَ لَعَلّکُمْ تُرْحَمُونَ(((5)) أی أنّ رحمة الله مرتبطة بالإصلاح والتقوی.

ومن الواضح أن السلم والسلام لا یتحقق إلا برعایة هذه الموازین المذکورة فی الروایات، فإن السلام لیس شیئاً معلّقاً فی الفراغ وإنما ل-ه مختلف الأسس والشرائط والمقومات والموجبات والموانع وما أشبه، قال الله تعالی: )وَلاَ یَغْتَب بّعْضُکُم بَعْضاً أَیُحِبّ أَحَدُکُمْ أَن یَأْکُلَ لَحْمَ أَخِیهِ مَیْتاً فَکَرِهْتُمُوهُ(((6)).

وقال رسول الله صلی الله علیه و آله: »لا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا یغتب بعضکم بعضاً وکونوا عباد الله إخواناً«((7)).

وقال صلی الله علیه و آله أیضاً: »لا تناجشوا ولا تدابروا« ((8)).

ولذا حرّم الإسلام الغیبة أشدّ التحریم، لأنها من أشدّ الأمور فی تفکیک سلم المجتمع وإیجاد العنف والتفرقة بین الناس وتلویث القلوب بعضها مع بعض، وفی

ص:391


1- الکافی: ج6 ص209 ح1
2- سورة النساء: 128
3- تنبیه الخواطر ونزهة النواظر: ج1 ص39
4- بحار الأنوار: ج73 ص43 ح2
5- سورة الحجرات: 10
6- سورة الحجرات: 12
7- مستدرک الوسائل: ج 9 ص 118 ح 10408
8- وسائل الشیعة: ج 17 ص 459 ح 22993

حدیث عنه صلی الله علیه و آله: »مررت لیلة أسری بی علی أقوام یخمشون وجوههم بأظافیرهم، فقلت: یا جبرائیل من هؤلاء؟ فقال: هؤلاء الذین یغتابون الناس ویقعون فی أعراضهم«((1))، ولعل وجه خمش الوجه أن الإنسان إذا أصیب بمصیبة لطم وجهه أو خمشه، حاله حال الإنسان إذا أراد إعلام الآخرین بالسکوت، وضع یده علی فمه أو ما أشبه ذلک من الإشارات المتعارفة عند الأقوام والملل وان کانت الإشارات أیضاً تختلف بعضها عن بعض حتی فی مقصود واحد، مثل رفع الید للتحیة أو وضع الید علی الصدر والانحناء قلیلاً وهکذا.

وفی حدیث عن البرّاء قال: خطبنا رسول الله صلی الله علیه و آله حتی أسمع العواتق فی بیوتها، فقال: »یا معشر من آمن بالله بلسانه ولم یؤمن بقلبه، لا تغتابوا المسلمین ولا تتبعوا عوراتهم فإنه من تتبع عورات أخیه تتبع الله عورته ومن تتبع الله عورته یفضحه فی جوف بیته«((2)) ومن المعلوم أن تتبّع العورات غیر الاغتیاب وإن کانا یتصادقان أحیاناً، فبینهما - علی الاصطلاح المنطقی - عموم من وجه.

الصفح عند الخطأ وقبول العذر

ویری الإسلام لتطبیق أساس السلم والسلام فی المجتمع، ضرورة قبول المعذرة من المعتذر، ففی دعاء الإمام السجاد علیه السلام: »اللهم صل علی محمد وآله، وسدّدنی لأن أعارض من غشّنی بالنصح، وأجزی من هجرنی بالبرّ، وأثیب من حرمنی بالبذل، وأکافی من قطعنی بالصلة، وأخالف من اغتابنی إلی حسن الذکر، وأن أشکر الحسنة، وأغضی عن السیئة«((3)).

وفی روایة قال رسول الله صلی الله علیه و آله: »ألا أنبئکم بشرّ الناس؟ قالوا: بلی یا رسول الله، قال صلی الله علیه و آله: من أبغض الناس وأبغضه الناس، ثم قال صلی الله علیه و آله: ألا أنبئکم بشرّ من هذا؟ قالوا: بلی یا رسول الله، قال صلی الله علیه و آله: الذی لا یقیل عثرة ولا یقبل معذرة ولا

ص:392


1- کشف الریبة: ص6-7
2- منیة المرید: ص327
3- الصحیفة السجادیة: الدعاء رقم 20 فی مکارم الأخلاق ومرضی الأفعال

یغفر ذنباً«((1)).

وفی حدیث آخر عن الرسول الأعظم صلی الله علیه و آله قال: »اقبلوا العذر من کل متنصل - أی معتذر - محقاً کان أو مبطلا، ومن لم یقبل العذر منه فلا نالته شفاعتی«((2)).

وهذه الروایات تنص علی ضرورة قبول عذر المعتذر سواء کان عذره عن حق أو عن باطل، فإذا لم یحضر لزیارة صدیقه مثلاً واعتذر بشغل، فاعتذاره قد یکون حقاً وقد لا یکون، ولکنه یلزم أن یقبله منه، وهکذا إذا أخطأ وارتکب أمراً کان المفروض أن یترکه.ومن هذا المنطلق أیضاً یری الإسلام لزوم التخلّق بمکارم الأخلاق والاجتناب عن مساوئها، فقد قال رسول الله صلی الله علیه و آله فی حدیث نظمه الشاعر بقوله:

مَکَارِمُ الأخلاقِ فی ثَلاثَ--ةٍ مُنْحَصِ--رَةْ    لِینُ الکَلامِ وَالسَّخَا وَالعَفوُ عِندَ المقدِرَةْ

فإن العفو عند المقدرة من موجبات السلم والسلام فی المجتمع، وهو یوجب للإنسان عزّاً کما فی متعدّد من الأحادیث، فعنهم علیهم السلام قالوا: »تسع خصال من الفضل والکمال وهن داعیه إلی المحبة مع ما فیها من القربة والمثوبة: الجود علی المحتاج، والمعونة للمستعین، وحسن التفقد للجیران، وطلاقة الوجه للإخوان، ورعایة الغائب فیمن یخلف، وأداء الأمانة إلی المؤتمن، وإعطاء الحق فی المعاملة، وحسن الخلق عند المعاشرة، والعفو عند المقدرة«((3)).

فکلّ هذه الأمور التی ذکرناها تعتبر من المقوّمات أو الملازمات لمعنی السلم والسلام، لأن السلام - کما سبق - قد یکون مع النفس وقد یکون مع الغیر، کما أنه قد یکون مع الله سبحانه وتعالی، بأن یکون الإنسان ممن  )یُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَی اللّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ(((4)) فحینئذٍ یکون کما قال سبحانه: )فَقَدِ اسْتَمْسَکَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَیَ(((5)).

وعن الإمام أبی عبد الله الصادق علیه السلام قال: »کان الحسن بن علی علیه السلام عند معاویة فقال ل-ه: أخبرنی عن المروءة، فقال علیه السلام: حفظ الرجل دینه، وقیامه فی

ص:393


1- من لا یحضره الفقیه: ج4 ص400 ح5858
2- مشکاة الأنوار: ص 229
3- کن-ز الفوائد: ج2 ص164
4- سورة لقمان: 22
5- سورة لقمان: 22

إصلاح ضیعته، وحسن منازعته، وإفشاء السلام، ولین الکلام، والکف، والتحبّب إلی الناس«((1)).

وقال أمیر المؤمنین علی علیه السلام فی خطبة ل-ه: »إن من الکرم لین الکلام، ومن العبادة إظهار اللسان وإفشاء السلام«((2)).

ثم إن عبادة الشیطان واتباع الشهوات من موجبات العنف، وقد کلّف الإنسان بالابتعاد عن شهوات نفسه واتخاذ الشیطان عدوّاً، کما قال سبحانه: )إِنّ الشّیْطَانَ لَکُمْ عَدُوّ فَاتّخِذُوهُ عَدُوّاً(((3))، وقال تعالی فی آیة أخری: )فَأَمّا مَن طَغَیَ * وَآثَرَ الْحَیَاةَ الدّنْیَا* فَإِنّ الْجَحِیمَ هِیَ الْمَأْوَیَ* وَأَمّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبّهِ وَنَهَی النّفْسَ عَنِ الْهَوَیَ* فَإِنّ الْجَنّةَ هِیَ الْمَأْوَیَ(((4)). وفی آیة أخری: )وَنَفْسٍ وَمَا سَوّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَن زَکّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسّاهَا(((5)).

وفی حدیث عن الصادق علیه السلام قال: »إن الله تعالی رکّب العقل فی الملائکة بدون الشهوة، ورکب الشهوة فی البهائم بدون العقل، ورکبهما جمیعاً فی بنی آدم، فمن غلب عقله علی شهوته کان خیراً من الملائکة، ومن غلبت شهوته علی عقله کان شراً من البهائم«((6)).

وقال علی علیه السلام: »إن أفضل الناس عند الله من أحیا عقله وأمات شهوته«((7)).

وقال علیه السلام: »ذهاب العقل بین الهوی والشهوة«((8)).

وقال علیه السلام: »من کمل عقله استهان بالشهوات«((9)).

وقال علیه السلام: »من غلب عقله هواه أفلح، ومن غلب هواه عقله افتضح«((10)).

ص:394


1- وسائل الشیعة: ج11 ص435 ح15190
2- مستدرک الوسائل: ج8 ص363 ح9679
3- سورة فاطر: 6
4- سورة النازعات: 37-41
5- سورة الشمس: 7-10
6- مشکاة الأنوار: ص251
7- غرر الحکم ودرر الکلم: ص50 ق1 ب1 ف4 أهمیة العقل ح308
8- مستدرک الوسائل: ج11 ص211 ب9 ضمن ح12769
9- غرر الحکم ودرر الکلم: ص52 ق1 ب1 ف4 أفضل العقل وکماله ح380
10- مستدرک الوسائل: ج11 ص211 ح12769

والمراد بالشهوات المنحرفة عن طریق الله سبحانه وتعالی، وإلا فإنه عزَّوجلَّ خلق الشهوة فی الإنسان وکلّفه بالاعتدال فیها وبممارستها علی حدّ معقول شرعاً من الأکل والشرب والنکاح وغیر ذلک..

ولکن هل بإمکان الإنسان الاستقامة أمام شهواته وهواه؟!.

الجواب: نعم لکنه مع جهد کبیر وعزم راسخ وتوفیق من الله سبحانه، قال أبو عبد الله الصادق علیه السلام أن رسول الله صلی الله علیه و آله بعث سریة فلما رجعوا قال: »مرحباً بقوم قضوا الجهاد الأصغر وبقی علیهم الجهاد الأکبر، فقیل یا رسول الله ما الجهاد الأکبر؟ قال صلی الله علیه و آله: جهاد النفس«((1)).

فإن الجهاد بالسیف ضد العدو علی مشاکله وفضائله کافّة، أصغر بالنسبة إلی جهاد الإنسان مع نفسه((2))، إذ الجهاد بالسیف مؤقّت خلاف الجهاد بالنفس حیث یجب أن یستمرّ فیه من یوم بلوغه إلی یوم مماته، بالإضافة إلی رؤیة العدو - عادة - عند المجاهدة فی میدان الحرب، بینما لا یری الشیطان، کما قال سبحانه: )إِنّهُ یَرَاکُمْ هُوَ وَقَبِیلُهُ مِنْ حَیْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ(((3))، ومن الواضح أن الجهاد ضد من تراه أسهل من جهادک ضد من لا تراه.

من أسس السلام الدعوة إلی التسامح

ومن أسس السلام فی الإسلام الدعوة إلی التسامح بمختلف صوره، وفی القرآن الحکیم آیات متعددة حول هذا الأمر، مثل قوله سبحانه وتعالی: )لاّ یَنْهَاکُمُ اللّهُ عَنِ الّذِینَ لَمْ یُقَاتِلُوکُمْ فِی الدّینِ وَلَمْ یُخْرِجُوکُمْ مّن دِیَارِکُمْ أَن تَبَرّوهُمْ وَتُقْسِطُوَاْ إِلَیْهِمْ إِنّ اللّهَ یُحِبّ الْمُقْسِطِینَ * إِنّمَا یَنْهَاکُمُ اللّهُ عَنِ الّذِینَ قَاتَلُوکُمْ فِی الدّینِ وَأَخْرَجُوکُم مّن دِیَارِکُمْ وَظَاهَرُواْ عَلَیَ إِخْرَاجِکُمْ أَن تَوَلّوْهُمْ وَمَن یَتَوَلّهُمْ فَأُوْلَ-َئِکَ

ص:395


1- وسائل الشیعة: ج15 ص161 ح20208
2- راجع مستدرک الوسائل: ج11 ص140 ح12651 وفیه: عن الرضا علیه السلام قال: « إن رسول الله صلی الله علیه و آله رأی بعض أصحابه منصرفاً من بعثٍ کان بعثه وقد انصرف بشعثه وغبار سفره وسلاحه علیه یرید من-زله فقال صلی الله علیه و آله : انصرفت من الجهاد الأصغر إلی الجهاد الأکبر فقال له: أو جهاد فوق الجهاد بالسیف؟ قال صلی الله علیه و آله : نعم جهاد المرء نفسه »
3- سورة الأعراف: 27

هُمُ الظّالِمُونَ(((1))، ومن الواضح أن الآیة لا تخص أهل الکتاب بل تشمل کل من لم یکن مسلماً.

وقال سبحانه: )ادْعُ إِلِیَ سَبِیلِ رَبّکَ بِالْحِکْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالّتِی هِیَ أَحْسَنُ(((2)).

وقال تعالی: )وَلاَ تُجَادِلُوَاْ أَهْلَ الْکِتَابِ إِلاّ بِالّتِی هِیَ أَحْسَنُ إِلاّ الّذِینَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ وَقُولُوَاْ آمَنّا بِالّذِیَ أُنزِلَ إِلَیْنَا وَأُنزِلَ إِلَیْکُمْ وَإِلَ-َهُنَا وَإِلَ-َهُکُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ(((3)).

وقال سبحانه: ) فَذَکّرْ إِنّمَآ أَنتَ مُذَکّرٌ * لّسْتَ عَلَیْهِم بِمُصَیْطِرٍ(((4)).

وقال تعالی: )أَفَأَنتَ تُکْرِهُ النّاسَ حَتّیَ یَکُونُواْ مُؤْمِنِینَ(((5)).

وقال سبحانه: )لاَ إِکْرَاهَ فِی الدّینِ قَد تّبَیّنَ الرّشْدُ مِنَ الْغَیّ(((6)).

وقال تعالی: )وَمَآ أَرْسَلْنَاکَ عَلَیْهِمْ وَکِیلاً(((7)).

وقال سبحانه: )قُلْ یَأَهْلَ الْکِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَیَ کَلَمَةٍ سَوَآءٍ بَیْنَنَا وَبَیْنَکُمْ أَلاّ نَعْبُدَ إِلاّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِکَ بِهِ شَیْئاً وَلاَ یَتّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنّا مُسْلِمُونَ(((8)).

وقد أمر الله سبحانه بحسن المعاملة وبالوفاء بالعهد مع الجمیع حیث قال سبحانه: )وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللّهِ إِذَا عَاهَدتّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ الأیْمَانَ بَعْدَ تَوْکِیدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللّهَ عَلَیْکُمْ کَفِیلاً إِنّ اللّهَ یَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ(((9)).

وقال تعالی: )وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنّ الْعَهْدَ کَانَ مَسْؤُولاً(((10)).

وقال سبحانه: )إِلاّ الّذِینَ عَاهَدتّم مّنَ الْمُشْرِکِینَ ثُمّ لَمْ یَنقُصُوکُمْ شَیْئاً وَلَمْ

ص:396


1- سورة الممتحنة: 8-9
2- سورة النحل: 125
3- سورة العنکبوت: 46
4- سورة الغاشیة: 21-22
5- سورة یونس: 99
6- سورة البقرة: 256
7- سورة الإسراء: 54
8- سورة آل عمران: 64
9- سورة النحل:91
10- سورة الإسراء: 34

یُظَاهِرُواْ عَلَیْکُمْ أَحَداً فَأَتِمّوَاْ إِلَیْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَیَ مُدّتِهِمْ إِنّ اللّهَ یُحِبّ

الْمُتّقِینَ(((1)).

إلی غیرها من الآیات وهی تدل علی بعض مصادیق السلم والسلام فی المجتمع، أو بعض مقوماته أو موجباته، کما لا یخفی.

مبادئ حقوق الإنسان فی الإسلام

مسألة: لقد أشاد الإسلام بمبدأ السلم والسلام وجعل العلاقة بین الناس جمیعا علاقة أمن وسلام، وأکد علی احترام الإنسان وتکرّیمه من حیث هو إنسان بغضّ النظر عن جنسه ولونه، ودینه ولغته، ووطنه وقومیته، ومرکزه الاجتماعی وغیرها، یقول الله تعالی: )وَلَقَدْ کَرّمْنَا بَنِی آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِی الْبَرّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مّنَ الطّیّبَاتِ وَفَضّلْنَاهُمْ عَلَیَ کَثِیرٍ مّمّنْ خَلَقْنَا تَفْضِیلاً(((2)).

ومن مظاهر هذا التکریم أن الله سبحانه وتعالی خلق الإنسان بقدرته ونفخ فیه من روحه وأمر الملائکة بالسجود ل-ه، وسخر ل-ه ما فی السماوات وما فی الأرض جمیعاً منه، وجعله سیداً علی هذا الکوکب الأرضی، واستخلفه فیه لیقوم بعمارته وإصلاحه، والاستفادة ممّا وهبَ الله سبحانه وتعالی للحیاة من الخیرات، ومن أجل أن یکون هذا التکریم حقیقیة وواقعیة، وأسلوباً فی الحیاة، کفل الإسلام جمیع حقوق الإنسان، وأوجب حمایتها وصیانتها، فإنها من أسباب السلم والسلام، سواء أکانت حقوقاً دینیة، أو مدنیة، أو سیاسیة، کحق العلم والصحة والقضاء.

فمن أسباب السلام هو مراعاة حقوق الإنسان کما هو مقرر فی الشرع، کحق العلم والصحة والقضاء وسائر حقوقه المذکورة فی محلها، وهذا یدل علی أن الإسلام لا یقتصر علی إحیاء السلام فی العلاقات الإنسانیة فی محیط الأسرة أو الأرحام فقط، بل ینظم علاقات الإنسان حتی مع المجتمع الکبیر لکی تعیش وتحیا وتنمو باستمرار وتترعرع فی ظلال الأمن والأمان والسلم والسلام، وحتی یجد المجتمع فیها أوثق

ص:397


1- سورة التوبة: 4
2- سورة الإسراء: 70

دواعی تواصله وتکامله.

وقد شرع الإسلام جملة من الأحکام الشرعیة للعلاقات الإنسانیة، لأن الإنسان اجتماعی بفطرته لا یمکنه الحیاة بدون علاقة مع بنی نوعه. وتعد هذه الأحکام بالعشرات فمنها الواجبة والمستحبة، وعکسها المحرمة والمکروهة، ویمکن جمعها فی الأبواب الخمسة التی سبقت الإشارة إلی بعضها:

1: علاقة الإنسان مع نفسه.

2: علاقته مع أسرته.

3: علاقته مع أرحامه.

4: علاقته مع مجتمعه.

5: علاقته مع ربه.

ورعایة لحفظ السلام جعل الإسلام بعض الحقوق والواجبات فی هذه العلاقات، فکما أن للإنسان حقوقاً علی المجتمع، فإنّ علیه واجبات له، والعکس صحیح أیضاً، ومن تلک الحقوق:

1- حق العلم:

الإسلام یرید العلم للکل، ویحث علی سبیل العلم حتی آخر المطاف، وما أعظم هذه الکلمة التی قالها القرآن الحکیم: )هَلْ یَسْتَوِی الّذِینَ یَعْلَمُونَ وَالّذِینَ لاَیَعْلَمُونَ(((1)).

وقال: )یَرْفَعِ اللّهُ الّذِینَ آمَنُواْ مِنکُمْ وَالّذِینَ أُوتُواْ الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ(((2)).

وقال: )إِنّمَا یَخْشَی اللّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنّ اللّهَ عَزِیزٌ غَفُورٌ(((3)).

وقال: )شَهِدَ اللّهُ أَنّهُ لاَ إِلَ-َهَ إِلاّ هُوَ وَالْمَلاَئِکَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً

بِالْقِسْطِ(((4)).

وقال فی ذم الجهل واتباع الظن: )وَمَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِن یَتّبِعُونَ إِلاّ الظّنّ وَإِنّ

ص:398


1- سورة الزمر: 9
2- سورة المجادلة: 11
3- سورة فاطر: 28
4- سورة آل عمران: 18

الظّنّ لاَ یُغْنِی مِنَ الْحَقّ شَیْئاً(((1)).

وقال: )وَلاَ تَقْفُ مَا لَیْسَ لَکَ بِهِ عِلْمٌ إِنّ السّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ کُلّ أُول-َئِکَ کَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً(((2)).

وقال: )إِنّ الّذِینَ یُجَادِلُونَ فِیَ آیَاتِ اللّهِ بِغَیْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِن فِی صُدُورِهِمْ إِلاّ کِبْرٌ مّ-ا هُم بِبَالِغِیهِ(((3)).

وأول ما نزل علی الرسول الأعظمصلی الله علیه و آله: )اقْرَأْ بِاسْمِ رَبّکَ الّذِی خَلَقَ* خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ* اقْرَأْ وَرَبّکَ الأکْرَمُ* الّذِی عَلّمَ بِالْقَلَمِ* عَلّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ یَعْلَمْ(((4)).

وقال تعالی: )یُؤّتِی الْحِکْمَةَ مَن یَشَآءُ وَمَن یُؤْتَ الْحِکْمَةَ فَقَدْ أُوتِیَ خَیْراً کَثِیراً وَمَا یَذّکّرُ إِلاّ أُوْلُواْ الألْبَابِ(((5)).

والظاهر أن الحکمة تشمل الموضوعات والأحکام، فالحکمة فی الموضوعات وضع الأشیاء مواضعها، والحکمة فی الأحکام وضع أحکام کل موضوع حسب المقرر فی متن الواقع مما للإنسان طریق إلیه.

فالعلم یحتل فی نظر الإسلام مکانة رفیعة ومنزلة کبیرة جداً، أما الأحادیث فکثیرة حول هذا الموضوع، قال رسول الله صلی الله علیه و آله: »طلب العلم فریضة علی کل مسلم

ص:399


1- سورة النجم: 28
2- سورة الإسراء: 36
3- سورة غافر: 56
4- سورة العلق: 1 - 5
5- سورة البقرة: 269

ومسلمة«((1)).

وفی حدیث آخر: »طلب العلم فریضة علی کل مسلم«((2)) بدون ذکر المسلمة، ومن الواضح أن إطلاق لفظ المسلم یراد به الذکور والإناث إلا إذا کانت هناک قرینة.

وقال صلی الله علیه و آله: »من خرج فی طلب العلم فهو فی سبیل الله حتی یرجع«((3)).

وقال صلی الله علیه و آله: «إذا جاء الموت طالب العلم وهو علی هذه الحال مات

شهیداً»((4)).

وعن أبی عبد الله علیه السلام: »إنّ العلماء ورثة الأنبیاء«((5)).

والروایات مطلقة تشمل کل علم، نعم بعض العلوم فرض عینی، وبعضها فرض کفائی، کما ذکر ذلک الفقهاء فی کتبهم المفصلة، وبالنسبة إلی الحرف والصناعات، قال الإمام الصادق علیه السلام: »فکل ما یتعلم العباد أو یعلمون غیرهم من أصناف الصناعات مثل الکتابة والحساب والتجارة والصیاغة والسراجة والبناء والحیاکة والقصارة والخیاطة وصنعة صنوف التصاویر ما لم یکن مثل الروحانی وأنواع صنوف الآلات التی یحتاج إلیها العباد منها منافعهم وبها قوامهم وفیها بُلغة جمیع حوائجهم فحلال فعله وتعلیمه والعمل به ...، و إنما حرم الله الصناعة التی هی حرام کلها التی یجیء منها الفساد محضاً نظیر البرابط والمزامیر والشطرنج وکل ملهو به والصلبان والأصنام وما أشبه ذلک من صناعات الأشربة الحرام وما یکون منه وفیه الفساد محضاً ولا یکون منه ولا فیه شیء من وجوه الصلاح فحرام تعلیمه وتعلمه والعمل به وأخذ الأجر علیه وجمیع التقلب فیه من جمیع وجوه الحرکات کلها إلا أن تکون صناعةً قد تتصرف إلی جهات الصنائع وإن کان قد یتصرف بها ویتناول بها وجه من وجوه المعاصی فلعلة ما فیه من الصلاح حل تعلمه وتعلیمه والعمل به ویحرم علی

ص:400


1- مستدرک الوسائل: ج17 ص249 ح21250
2- وسائل الشیعة: ج27 ص27 ح33119
3- منیة المرید: ص101
4- بحار الأنوار: ج1 ص186 ح111
5- الکافی: ج1 ص32 ح2

من صرفه إلی غیر وجه الحق والصلاح«((1)).

وعن أمیر المؤمنین علیه السلام: »إن الله عزَّوجلَّ یحب المحترف الأمین« ((2)).

وفی روایة أخری قال علیه السلام: »إن الله تعالی یحب المؤمن المحترف«((3)).

وفی روایة ثالثة: »أحل ما أکل العبد کسب ید الصانع إذا نصح«.

ویقول الإمام الصادق علیه السلام: »کل ذی صناعة مضطر إلی ثلاث خصال یجتلب بها المکسب وهو أن یکون حاذقاً بعمله مؤدّیاً للأمانة فیه مستمیلاً لمن استعمله«((4)).

2- حق التعلیم:

ومن الحقوق أیضاً، حق التعلیم: فمن حق کل فرد أن ینشر ما علمه، فإن زکاة العلم نشره.

قال أبو جعفر علیه السلام: «زکاة العلم أن تعلمه عباد الله»((5)).

وعن أبی عبد الله علیه السلام قال: «قرأت فی کتاب علی علیه السلام: إن الله لم یأخذ علی الجهال عهداً بطلب العلم حتی أخذ علی العلماء عهدا ببذل العلم للجهال، لأن العلم کان قبل الجهل»((6)).

وقال رسول الله صلی الله علیه و آله: «من الصدقة أن یتعلم الرجل العلم ویعلمه الناس»((7)).

فحق التعلیم حق لکل عالم، لیأخذ الناس من علمه ما ینیر عقولهم، ویرقی وجودهم، ویرفع من مستواهم کما قال الإمام الصادق علیه السلام: »ینبغی للمؤمن أن لا یموت حتی یتعلم القرآن أو یکون فی تعلیمه«((8)).

وقال الإمام موسی بن جعفر علیه السلام: »نصْبُ الحق لطاعة الله، ولا نجاة إلا بالطاعة، والطاعة بالعلم، والعلم بالتعلم، والتعلم بالعقل یعتقد، ولا علم إلا من

ص:401


1- وسائل الشیعة: ج17 ص85 ح22047
2- من لا یحضره الفقیه: ج3 ص158ح3580
3- الکافی: ج5 ص113 ح1
4- بحار الأنوار: ج75 ص235
5- الکافی: ج1 ص41 باب بذل العلم ح3
6- منیة المرید: ص185 ب1 النوع الثانی ق1 بذل العلم
7- بحار الأنوار: ج2 ص24 ب8 ح79
8- الکافی: ج2 ص607 ح3

عالم ربانی«((1)).

أما ما نراه الیوم من الضغط علی العلماء والحوزات العلمیة فهو خلاف الإسلام.

3- حق حریة التعبیر:

ومن حق الإنسان کذلک أن یعبر عن رأیه ویدلی بحجته ویجهر بالحق ویصدع به، والإسلام یمنع من مصادرة الرأی ومحاربة الفکر الحر، إلا إذا کان ذلک ضاراً بالمجتمع، ولقد بایع الرسول صلی الله علیه و آله أصحابه فأخذ علیهم العهد والمیثاق بالسمع لله تعالی والطاعة له فی العسر والیسر وعلی أن یقولوا الحق أینما کانوا وأن لا یأخذهم فی الله لومة لائم((2)). وقال الإمام علی علیه السلام: »لا خیر فی السکوت عن الحق کما أنه لا خیر فی القول بالجهل«((3)). وفی ذلک یقول القرآن الکریم: )إِنّ الّذِینَ یَکْتُمُونَ مَآ أَنزَلْنَا مِنَ الْبَیّنَاتِ وَالْهُدَیَ مِن بَعْدِ مَا بَیّنّاهُ لِلنّاسِ فِی الْکِتَابِ أُولَ-َئِکَ یَلعَنُهُمُ اللّهُ وَیَلْعَنُهُمُ اللاّعِنُونَ * إِلاّ الّذِینَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَیّنُواْ فَأُوْلَ-ئِکَ أَتُوبُ عَلَیْهِمْ وَأَنَا التّوّابُ الرّحِیمُ(((4)).

وعن النبی صلی الله علیه و آله قال: »أتقی الناس من قال الحق فیما له وعلیه«((5)).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: «أخسر الناس من قدر علی أن یقول الحق ولم یقل»((6)).

4- حق التحرر:

ومن حقوق الإنسان التحرر من الجهل والتقالید البالیة والاستبداد والعادات المستحکمة التی أشاعت الظلم والفوضی والتنازع علی الملذات الدنیویة الفانیة بدون التفکر بحسن العاقبة فی الآخرة، فقد جعل الإسلام مبدأ الإیمان بالله والیوم الآخر علی رأس العقیدة وأساس الهدایة للبشریة نحو الغایات الأسمی، وقد قال رسول الله صلی الله علیه و آله:»خصلتان لیس فوقهما خیر منهما: الإیمان بالله والنفع لعباد الله، وخصلتان

ص:402


1- الکافی: ج1 ص17 ح12
2- إرشاد القلوب ص70
3- غرر الحکم ودرر الکلم: ص70 ح991
4- سورة البقرة: 159-160
5- صحیفة الرضا علیه السلام : ص91 ح24
6- وسائل الشیعة: ج20 ص311 ح25699

لیس فوقهما شر: الشرک بالله والإضرار لعباد الله«((1))، باعتبار الإنسان خلیفة الله فی أرضه کما قال رسول الإنسانیة صلی الله علیه و آله: »من أمر بالمعروف ونهی عن المنکر فهو خلیفة الله فی الأرض وخلیفة رسوله«((2))، وباعتباره المسؤول عن کل ما فی الکون، وکما قال النبی الأکرم محمد صلی الله علیه و آله: »کلکم راعٍ وکلکم مسؤول عن رعیته، فالإمام راع وهو مسؤول عن رعیته، والرجل فی أهله راع وهو المسؤول عن رعیته، والمرأة فی بیت زوجها راعیة وهی المسؤولة عن رعیتها، والخادم فی مال سیده راع وهو مسؤول عن رعیته، والرجل فی مال أبیه راع وهو مسؤول عن رعیته«((3)).

5- حق الدفاع عن النفس وحفظها:

لکل امرئ حق صیانة نفسه، وحمایة ذاته، کما قال الله سبحانه وتعالی: )فَمَنِ اعْتَدَیَ عَلَیْکُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَیْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَیَ عَلَیْکُمْ(((4))، فلا یحل الاعتداء علی الإنسان إلا إذا أفسد فی الأرض فساداً یستوجب القتل یقول الله تعالی: )مِنْ أَجْلِ ذَلِکَ کَتَبْنَا عَلَیَ بَنِیَ إِسْرَائِیلَ أَنّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَیْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِی الأرْضِ فَکَأَنّمَا قَتَلَ النّاسَ جَمِیعاً وَمَنْ أَحْیَاهَا فَکَأَنّمَا أَحْیَا النّاسَ جَمِیعاً(((5)).

وقال الإمام الصادق علیه السلام: »أوحی الله إلی موسی بن عمران علیه السلام قل للملأ من بنی إسرائیل إیاکم وقتل النفس الحرام بغیر حق فإن من قتل نفساً فی الدنیا قتلته فی النار مائة ألف قتلة مثل قتلة صاحبه«((6)).

وعنه علیه السلام أیضاً أنه سئل عمن قتل نفساً متعمداً؟ قال علیه السلام: «جزاؤه جهنم»((7)).

6- حق حفظ المال:

فکما أن النفس مصونة معصومة فکذلک المال، فلا یحل أخذ مال أحد إلا

ص:403


1- مستدرک الوسائل: ج12 ص390 ح14378
2- مستدرک الوسائل: ج12 ص179 ح13817
3- غوالی اللآلی: ج1 ص139 ح3
4- سورة البقرة: 194
5- سوره المائدة: 32
6- الإختصاص: ص235
7- ثواب الأعمال: ص 278

برضاه، یقول الله تعالی: )یَا أَیّهَا الّذِینَ آمَنُواْ لاَ تَأْکُلُوَاْ أَمْوَالَکُمْ بَیْنَکُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاّ أَن تَکُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مّنْکُمْ(((1)).

وقال رسول الله صلی الله علیه و آله: »ما من رجل أقطع مال امرئٍ مسلم بیمینه إلاّ حرّم الله علیه الجنة وأوجب ل-ه النار، فقیل: یا رسول الله وإن کان شیئاً یسیراً، قال: وإن کان سواکاً من أراک«((2)). وقال صلی الله علیه و آله: «الناس مسلطون علی أموالهم»((3)).

وقال صلی الله علیه و آله: «المسلم أخو المسلم لا یحل ماله إلا عن طیب نفس منه»((4)).

وقال صلی الله علیه و آله: «من قتل دون ماله فهو شهید»((5)).

وقال علی بن الحسین علیه السلام: »من اعتدی علیه فی صدقة ماله فقاتل فقتل فهو شهید«((6)).

7- حق صیانة العرض:

ولا یحل انتهاک العرض حتی بکلمة نابیة، یقول الله تعالی: )وَیْلٌ لّکُلّ هُمَزَةٍ لّمَزَةٍ(((7))، ویوصینا الإمام علی علیه السلام بقول-ه: »إیاک وانتهاک المحارم فإنها شیمة الفساق وأولی الفجور والغوایة«((8)).

8- حق الحریة:

ولم یکتف الإسلام بتقریر صیانة الأنفس، وحمایة الأعراض والأموال، بل أقر حریة العبادة، وحریة الفکر، وحریة اختیار المهنة التی یمارسها الإنسان لکسب عیشه، وحریة الاستفادة من جمیع ما خلقه الله عزوجل.

9- حقوق أخری:

إن حقوق الإنسان لا تنتهی بهذا، بل هناک حقوق أخری، منها: حق السکن

ص:404


1- سورة النساء: 29
2- مستدرک الوسائل: ج16 ص38 ح19052؛ الأراک: هو الشجر الذی یؤخذ منه السواک
3- غوالی اللآلی: ج1 ص457 ح198
4- مستدرک الوسائل: ج17 ص88 ح20820
5- من لا یحضره الفقیه: ج4 ص380 ح5807
6- الکافی: ج5 ص52 ح4
7- سورة الهمزة: 1
8- غرر الحکم ودرر الکلم: ص185 ح3522

والمأوی وحق الحیاة، فالإنسان ل-ه الحق فی أن یأوی إلی أی مکان، وأن یسکن فی أی جهة، ولا یجوز نفی أی فرد أو إبعاده أو سجنه إلا فی حالة ما إذا اعتدی علی حق غیره، ویکون ذلک فی حالة الاعتداء والإخلال بالأمن، وإرهاب الأبریاء وفی ذلک یقول الله تعالی: )فَمَنِ اعْتَدَیَ عَلَیْکُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَیْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَیَ عَلَیْکُمْ وَاتّقُواْ اللّهَ(((1)).

وقال رسول الله صلی الله علیه و آله: »من نظر إلی مؤمن نظرة لیخیفه بها أخافه الله عزوجل یوم لا ظل إلا ظله«((2)).

وعنه صلی الله علیه و آله أیضاً قال: »من أعان علی قتل مسلم ولو بشطر کلمة جاء یوم القیامة وهو آیس من رحمة الله«((3)).

وعن الإمام أبی عبد الله علیه السلام قال: »من روّع مؤمناً بسلطان لیصیبه منه مکروه فلم یصبه فهو فی النار، ومن روّع مؤمناً بسلطان لیصیبه منه مکروه فأصابه فهو مع فرعون وآل فرعون فی النار«((4)).

ومن الحقوق أیضا:

وأخیراً: یقرر الإسلام أن من حق الجائع أن یطعم، ومن حق العطشان أن یروی، ومن حق العاری أن یکسی، ومن حق المریض أن یداوی، دون تفرقة بین لون ولون، أو دین ودین، فالکل فی هذه الحقوق سواء، کما قال رسول الله صلی الله علیه و آله: »من أطعم مؤمناً من جوع أطعمه الله من ثمار الجنة، ومن سقاه من ظمأ سقاه الله من الرحیق المختوم، ومن کساه ثوباً لم یزل فی ضمان الله عزوجل ما دام علی ذلک المؤمن من ذلک الثوب سلک، والله لقضاء حاجة المؤمن خیر من صیام شهر واعتکافه«((5)).

هذه هی تعالیم الإسلام فی تقریر بعض حقوق الإنسان، وفیها الصلاح والخیر

ص:405


1- سورة البقرة: 194
2- الکافی: ج2 ص368 ح1
3- مستدرک الوسائل: ج18 ص211 ح22528
4- الکافی: ج1 ص368 ح2
5- وسائل الشیعة: ج16 ص345 ح21721

لهذه الدنیا، وأعظم ما فیها أنها سبقت جمیع المذاهب التی تحدثت عن حقوق الإنسان، وأن الإسلام جعل هذه التعالیم دیناً یتقرب به إلی الله، کما یتقرّب بالصلاة وغیرها من العبادات، قال الإمام جعفر الصادق علیه السلام: »أشرف الأعمال التقرب بعبادة الله عزَّوجلَّ«((1)).

حقوق الحیوان فی الإسلام

ولم تقتصر تشریعات الإسلام فی هذه الحقوق علی الإنسان فحسب بل أمر بالرحم والعطف علی الحیوانات أیضا، کما فی حدیث عن رسول الله صلی الله علیه و آله قال: «دخلت امرأة النار فی هرة ربطتها فلم تطعمها ولم تدعها تأکل من حشاش الأرض»((2)).

وفی حدیث آخر عن الرسول صلی الله علیه و آله قال: »دخلت الجنة فرأیت فیها صاحب الکلب الذی أرواه من الماء«((3)).

السلام والعلاقات الروحیة

السلام والعلاقات الروحیة

إن من مقومات السلم والسلام العلاقات الروحیة فی الإنسان.

علاقة الإنسان مع الله تعالی

علاقة الإنسان مع الله عزَّوجلَّ تکون بالتسلیم ل-ه وبالإیمان به سبحانه وتعالی الذی خلقه، وقد قال: )بَلَیَ مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ للّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبّهِ وَلاَ خَوْفٌ عَلَیْهِمْ وَلاَ هُمْ یَحْزَنُونَ(((4)) والمراد عدم الخوف وعدم الحزن فی الدنیا وفی الآخرة، أما فی الآخرة فواضح، وأما فی الدنیا فالخوف والحزن قد یکون عمیقاً وقد یکون سطحیاً، ولذا نشاهد المؤمنین لا یخافون خوف غیر المؤمنین، کما إن المؤمنین لایحزنون حزن غیر المؤمنین، قال تعالی: )الّذِینَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنّ قُلُوبُهُمْ بِذِکْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِکْرِ اللّهِ تَطْمَئِنّ الْقُلُوبُ(((5))، وهذا لا ینافی الخوف من الله عزوجل کما هو

ص:406


1- مستدرک الوسائل: ج1 ص101 ح91
2- غوالی اللآلی: ج1ص154 ح121
3- مستدرک الوسائل: ج7 ص191 ح8002
4- سورة البقرة: 112
5- سورة الرعد: 28

واضح، ففی الحدیث الشریف: »من خاف الله لم یخف من کل شیء«((1)).

فإسلام الوجه((2)) إلی الله تعالی عبارة عن: التوجه إلیه والاعتقاد به وبطاعته وعبادته، وذلک هو جوهر العلاقة الروحیة التی تقرب الإنسان إلی الله سبحانه، وحینئذ تشمله الرحمة الخاصة، قال تعالی: )فَاذْکُرُونِیَ أَذْکُرْکُمْ(((3)).

ومن الواضح أن الإنسان لا یتمکن أن یسلم وجهه لله قلباً ویسعی إلیه بالعمل الصالح جوارحً، إلا إذا عرف ربه وآمن به إیماناً حقیقیاً، أما إذا لم یعرفه أو عرفه لکن آمن به إیماناً سطحیاً أو أنکره ظاهراً کما قال سبحانه: )وَجَحَدُواْ بِهَا وَاسْتَیْقَنَتْهَآ أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً(((4)) فإن ذلک لا ینفع فی السلام لا فی الدنیا ولا فی الآخرة.

الإیمان بالله والفطرة التی فطر الناس علیها

ومن موجبات السلم والسلام الإیمان بالله، کما أن السلام من مقتضیات الفطرة التی فطر الله الناس علیها.

قال سبحانه: )فِطْرَتَ اللّهِ الّتِی فَطَرَ النّاسَ عَلَیْهَا( ((5)).

وفی الحدیث: »کل مولود یولد علی الفطرة«((6)) وإلی هذا أشار تعالی فی جملة من الآیات القرآنیة مثل قول-ه سبحانه: )وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مّن نّزّلَ مِنَ السّمَآءِ مَآءً فَأَحْیَا بِهِ الأرْضَ مِن بَعْدِ مَوْتِهَا لَیَقُولُنّ اللّهُ(((7)) وفی آیة أخری قال: )وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مّنْ خَلَقَ السّمَاوَاتِ وَالأرْضَ لَیَقُولُنّ اللّهُ(((8)) فإن الإنسان فی فطرته یعرف أنه لا یمکنه أن یتحرک بدون محرک.

فإذا آمن الإنسان بالله عزوجل یکون سعیداً ویکون فی سلام مع نفسه بل ومع غیره، ولذا قال سبحانه: )إِنّ الّذِینَ قَالُواْ رَبّنَا اللّهُ ثُمّ اسْتَقَامُواْ فَلاَ خَوْفٌ عَلَیْهِمْ

ص:407


1- الأمالی للشیخ الطوسی: ص721 ح1521
2- کما قال سبحانه وتعالی: ) بلی من اسلم وجهه لله ( سورة البقرة: 112
3- سورة البقرة: 152
4- سورة النمل: 14
5- سورة الروم: 30
6- التوحید: ص331 ح9
7- سورة العنکبوت: 63
8- سورة العنکبوت: 61

وَلاَ هُمْ یَحْزَنُونَ * أُوْلَ-َئِکَ أَصْحَابُ الْجَنّةِ خَالِدِینَ فِیهَا جَزَآءً بِمَا کَانُواْ

یَعْمَلُونَ(((1)) ولم یذکر الله سبحانه وتعالی فی هذه الآیة الکریمة موضوع الدنیا السعیدة لأنه ذکرها فی غیرها، حیث قال سبحانه: )یَ-ا أیّهَا الّذِینَ آمَنُواْ اسْتَجِیبُواْ للّهِ وَلِلرّسُولِ إِذَا دَعَاکُم لِمَا یُحْیِیکُمْ(((2)).

هذا ویحتمل أن یکون المراد من: )فلا خوف علیهم ولا هم یحزنون( الأعم من الدنیا والآخرة کما أشرنا إلیه سابقاً. والمراد بالقول فی قول-ه تعالی: )إن الذین قالوا( هو: العمل، قلباً ولفظاً وجوارحً، فإن القول فی اللغة العربیة قد یطلق علی کل ذلک.

وفی آیة أخری قال: )وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مّمّن دَعَآ إِلَی اللّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنّنِی مِنَ الْمُسْلِمِینَ(((3)).

ومن هذا البیان البسیط الذی ذکرناه - وقد ذکره الحکماء والفلاسفة والمتکلمون والمحدثون مفصلاً فی کثیر من کتبهم - تبیّن أن الإیمان بالله المتفضل علی الإنسان بالوجود، والنعم الظاهرة والباطنة، والعقل والروح والنفس وغیر ذلک، فطری تلقائی مرتبط بالإنسان بما هو هو، متی سلم من الانحراف والتقالید والعصبیة وما أشبه، لوضوح أن الکون کله محتاج إلی هذا الخالق فی تکوینه ودقة صنعه وتنظیمه والهیمنة علیه وتصییره إلی حیث المصلحة التی تدرکها فی الجملة العقول، والناس جمیعاً منقادون لهذه الفطرة، سواء کانوا مؤمنین أم غیر مؤمنین، والمؤمن سواء کان بإیمان صحیح کإیمان المسلمین، أم إیمانً غیر صحیح کإیمان البوذیین والکنفوشیوسیین ومن أشبه، فإذا تأمل الإنسان هذا التأمل یصبح الإیمان بالله ملء نفسه، ولذا قال الإمام علی علیه السلام: »ما رأیت شیئاً إلا ورأیت الله فیه أو قبله أو معه«((4)).

وعندما یؤمن الإنسان بالله عزَّوجلَّ إیماناً صادقاً فإن ذلک الإیمان سوف یقتضی أن یعبد الله سبحانه وتعالی ویطیعه، وحیث لا یجد من یدله علی کیفیة الإطاعة والعبادة

ص:408


1- سورة الأحقاف: 13-14
2- سورة الأنفال: 24
3- سورة فصلت: 33
4- شرح الأسماء الحسنی: ج1 ص189

اللائقة بالله سبحانه لابد وأن ینتهی الأمر به إلی الاعتقاد بالأنبیاء علیهم السلام، فإنه من غیر المعقول أن یکون مثل هذا الخالق العظیم غیر حکیم، وإذا کان حکیماً فلابد أن یکون خلق الإنسان لحکمة وغایة، وتلک الحکمة والغایة حیث لا یصل الإنسان إلیها مباشرة، تقضی بأن یکون لهذا الإله العظیم العالم الحکیم القادر رسول وسفیر یبیّن للإنسان مقصود هذا الإله الحکیم. وإذا تم ذلک للإنسان یکون بفطرته مؤمناً برسل الله وکتبه، وبما قالته الرسل وجاءت به: من وجود الملائکة والمعاد وغیر ذلک.

الإیمان بالآخرة وأثره فی أیجاد السلم والسلام

ثم إن الإیمان بالآخرة یؤثر تأثیراً واضحا علی توجیه الإنسان إلی السلم والسلام والأمن والأمان.

والمعاد أمر فطری إذ لا یعقل أن یترک الله الحکیم الإنسان یفعل ما یشاء، یظلم ویخون ویؤذی ویهتک الأعراض ویسلب الأموال ویفشی الرعب والخوف بین الناس ولا یؤاخذ من قبله سبحانه، فالعقل یحکم والفطرة تعرف أن الله سبحانه یحاسب الإنسان یوم المعاد علی سیئاته، کما یثیبه علی حسناته، فإن الناس یُجزَوْن بأعمالهم، قال الإمام الرضا علیه السلام قال: »ما عمل أحد عملاً إلاّ ردّاه الله به إن خیراً فخیر وإن شراً فشر«((1)).

ومن الواضح أن مثل هذا الإیمان إذا ملأ قلب الإنسان ابتعد الشخص عن الغرور والجهل والانحراف والعنف وما أشبه، ویتوجه إلی السلم والسلام، والأمن والأمان، قال سبحانه: )لّیْسَ الْبِرّ أَن تُوَلّواْ وُجُوهَکُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَ-َکِنّ الْبِرّ مَنْ

ص:409


1- الکافی: ج2 ص294 ح5

آمَنَ بِاللّهِ وَالْیَوْمِ الاَخِرِ وَالْمَلآئِکَةِ وَالْکِتَابِ وَالنّبِیّینَ وَآتَی الْمَالَ عَلَیَ حُبّهِ ذَوِی الْقُرْبَیَ وَالْیَتَامَیَ وَالْمَسَاکِینَ وَابْنَ السّبِیلِ وَالسّآئِلِینَ وَفِی الرّقَابِ وَأَقَامَ الصّلاةَ وَآتَی الزّکَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصّابِرِینَ فِی الْبَأْسَآءِ والضّرّاءِ وَحِینَ الْبَأْسِ أُولَ-َئِکَ الّذِینَ صَدَقُوآ وَأُولَ-َئِکَ هُمُ الْمُتّقُونَ(((1))، ومعنی )لیس البر أن

تولّوا(: التعریض ببعض الناس القشریین الذین یتصورون أن بعض لوازم الإیمان هو کل شیء، بینما الإیمان الحقیقی هو الإیمان بالله والیوم الآخر والملائکة والکتاب والنبیین وإعطاء المال وإقامة الصلاة والصبر والجهاد وما أشبه ذلک فالإیمان مجموعة متکاملة.

ثم إن الإیمان بالله والیوم الآخر یعتبر أهم قاعدة لبناء المجتمع الإسلامی، وأهم مقوّم لهذا المجتمع، ولذا حتم الله سبحانه وتعالی الإیمان علی کل إنسان وجعله فی فطرته، وجعل ذلک الإیمان أساس البناء الذی لا یقوم البناء بدونه، والبناء هو المنهج الإسلامی الصحیح والسلامة الفردیة والاجتماعیة والحیاة السعیدة والعیش الرغید فی الدنیا والآخرة، ولا یکون ذلک إلا بربط القلب واللسان والعمل والفکر والضمیر وما إلی ذلک بالله سبحانه، حتی لا ینحرف عقیدةً أو قولاً أو عملاً، ولا یضلّ عن الطریق فینحرف عن الجادة ویتنکب السبیل فیکون فیه هلاکه أولاً، وإهلاکه للآخرین إذا کان الآخرون مرتبطین به ثانیاً، وهذا الأمر الفطری هو مدلول علیه أیضاً بشواهد لا تحصی من الکون، قال الشاعر:

تدل علی أنه واحد

وفی کل شیء ل-ه آیة

ومن الواضح أن الله سبحانه وتعالی غنی مطلق عن الإنسان، وعن إیمانه وأعماله، وإنما الإنسان هو الفقیر إلیه تعالی، کما قال سبحانه: )إِن یَشَأْ یُذْهِبْکُمْ أَیّهَا النّاسُ وَیَأْتِ بِآخَرِینَ وَکَانَ اللّهُ عَلَیَ ذَلِکَ قَدِیراً(((2)) وفی آیة أخری: )أَنتُمُ الْفُقَرَآءُ

ص:410


1- سورة البقرة: 177
2- سورة النساء: 133

إِلَی اللّهِ(((1)) أما وجه فقر الإنسان فمن أوضح الواضحات، وأما وجه غنی الله سبحانه وتعالی فإنه یکمن فی إیجاد أمثال هذه الأمور من دون حاجة إلیها، لأن العلم والقدرة والتجرد یوجب کل ذلک کما استدلوا علی ذلک فی علم الکلام والفلسفة.

وفی حدیث قدسی عن أبی ذر جندب بن جنادة 6 عن النبی صلی الله علیه و آله فیما یروی عن الله تعالی أنه قال: «یا عبادی إنی حرمت الظلم علی نفسی وجعلته بینکم محرماً فلا تظالموا، یا عبادی کلکم ضال إلا من أهدیته فاستهدونی أهدکم، یا عبادی کلکم جائع إلا من أطعمته فاستطعمونی أطعمکم، یا عبادی کلکم عار إلا من کسوته فاستکسونی أکسکم، یا عبادی إنکم تخطئون باللیل والنهار وأنا أغفر الذنوب جمیعاً فاستغفرونی أغفر لکم، یا عبادی إنکم لن تبلغوا ضری فتضرونی ولن تبلغوا نفعی فتنفعونی، یا عبادی لو أن أولکم وآخرکم وإنسکم وجنکم کانوا علی أتقی قلب رجل واحد منکم ما زاد ذلک فی ملکی شیئاً، یا عبادی لو أن أولکم وآخرکم وإنسکم وجنکم کانوا علی أفجر قلب رجل ما نقص ذلک من ملکی شیئاً، یا عبادی لو أن أولکم وآخرکم وإنسکم وجنکم قاموا فی صعید واحد فسألونی فأعطیت کل إنسان مسألته ما نقص ذلک مما عندی إلا کما ینقص المخیط إذا أدخل البحر، یا عبادی إنما هی أعمالکم أحصیها لکم ثم أوفیکم إیاها، فمن وجد خیراً فلیحمد الله ومن وجد غیر ذلک فلا یلومن إلا نفسه»((2)). ولا یخفی أن قوله سبحانه: «کما ینقص المخیط إذا دخل البحر» من باب المثال وإلاّ فالنقص لا یدخل علی الله تعالی حتی بمقدار جزء من ملیارات أجزاء من الذرة.

أما وجه «فلیحمد الله» فواضح، فإن الهدایة من الله سبحانه وتعالی سواء کانت هدایة فطریة من الداخل أم هدایة خارجیة بسبب الأنبیاء علیهم السلام، کما ورد فی الحدیث: »إن لله علی الناس حجتین حجة ظاهرة وحجة باطنة فأما الظاهرة فالرسل والأنبیاء والأئمة علیهم السلام وأما الباطنة فالعقول«((3)).

ص:411


1- سورة فاطر: 15
2- ریاض الصالحین: ص114-115 ب11 ح111
3- الکافی: ج1 ص16 ح12

وأما «فلا یلومن إلا نفسه» فلأنه هو الذی حرّف الفکر والقول والعمل عمداً مع کونه مهدیاً من قبله سبحانه وتعالی ولو بالفطرة، کما قال سبحانه: )وَأَمّا ثَمُودُ فَهَدَیْنَاهُمْ فَاسْتَحَبّواْ الْعَمَیَ عَلَی الْهُدَیَ(((1)).

ثم إن الإیمان بالله سبحانه وتعالی والرسل والیوم الآخر الذی هو أساس السلام فی الفرد والمجتمع یعتمد علی العقل والمنطق والإقناع والفکر، وقد أشار القرآن الحکیم إلی کل ذلک فی آیات مفصلات، کما قال سبحانه: )نَحْنُ خَلَقْنَاکُمْ فَلَوْلاَ تُصَدّقُونَ* أَفَرَأَیْتُمْ مّا تُمْنُونَ* أَأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَم نَحْنُ الْخَالِقُونَ* نَحْنُ قَدّرْنَا بَیْنَکُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِینَ* عَلَیَ أَن نّبَدّلَ أَمْثَالَکُمْ وَنُنشِئَکُمْ فِی مَا لاَ تَعْلَمُونَ* وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النّشْأَةَ الاُولَیَ فَلَوْلاَ تَذَکّرُونَ* أَفَرَأَیْتُم مّا تَحْرُثُونَ* أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزّارِعُونَ* لَوْ نَشَآءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً فَظَلْتُمْ تَفَکّهُونَ* إِنّا لَمُغْرَمُونَ* بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ* أَفَرَأَیْتُمُ الْمَآءَ الّذِی تَشْرَبُونَ* أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ* لَوْ نَشَآءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلاَ تَشْکُرُونَ* أَفَرَأَیْتُمُ النّارَ الّتِی تُورُونَ* أَأَنتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَآ أَمْ نَحْنُ الْمُنشِئُونَ* نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْکِرَةً وَمَتَاعاً لّلْمُقْوِینَ* فَسَبّحْ بِاسْمِ رَبّکَ الْعَظِیمِ(((2)).

إن الله هو الخالق دون غیره، ومن یقول بخلاف ذلک، فیدعی أن غیر الله خالق، لا یتمکن من أن یأتی حتی بدلیل واحد، لأن الجاهل العاجز لا یتمکّن من خلق العالم القادر بضرورة العقول.

کما أن تذکر الموت والآخرة یوجب قوة الإیمان وابتعاده عن العنف والتزامه بالسلم والسلام، فهل الإنسان قادر علی أن یحمی نفسه عن الموت؟ کلاّ بالطبع.

ینقل أنّ هارون العباسی أحضر فی مرضه الأخیر ألف طبیب من کل العالم فلم یتمکّنوا من دفع الموت عنه. وکذلک ستالین أحضر له ألف طبیب من الغرب والشرق لکنهم لم یتمکّنوا من إبعاد شبح الموت عنه. وقد قال سبحانه: )فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ لاَ یَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ یَسْتَقْدِمُونَ(((3)).

ص:412


1- سورة فصلت: 17
2- سورة الواقعة: 57 - 74
3- سورة الأعراف: 34

ثم إن الإنسان رأی النشأة الأولی بنفسه، فلماذا لا یصدّق بالنشأة الثانیة التی هی الحیاة بعد الموت للحساب.

وکذلک الحرث إنما یکون بسبب الله سبحانه وتعالی، وإلا فمن ینبت الحبّ؟ ولو شاء الله سبحانه وتعالی جعله حطاماً، لأن الریح والماء والشمس کل ذلک بیده سبحانه وتعالی. وهکذا بالنسبة إلی الماء الذی یشربه الإنسان، هل الإنسان هو الذی ینزله من السحاب أم الله سبحانه وتعالی؟ فلو شاء الله لجعل ماء السحاب أجاجاً، کما جعل کثیراً من المیاه أجاجاً((1)).

وهکذا بالنسبة إلی النار التی یوریها الإنسان، هل الشجرة التی تشتعل ناراً من صنع الله أو من صنع غیر الله سبحانه وتعالی…؟

وفی الآیات المبارکات الآنفة الذکر أشار سبحانه وتعالی إلی تلک الأشیاء ففی المثال الأخیر: إن الله عزوجل هو الذی جعل النار بالإضافة إلی خلق الشجرة وأشیاء أُخری.

وأحیاناً یجد الإنسان فی شیء واحد وظاهرة واحدة ألوف العوامل، بینما لا یملک الإنسان حتی عاملاً واحداً من تلک العوامل ملکاً حقیقیا.

وبعد هذا المنطق الواضح بالنسبة إلی الإیمان وإلی العمل الصالح وإلی المعاد وإلی الرسالة - ومن الواضح أن الإمامة تنبع من الرسالة لأنها امتداد لها - لامجال للإنکار أو الشک؟.

هذا بالإضافة إلی دلالة العقل حسب قانون (کلّ ما حکم به الشرع حکم به العقل)((2)) فاللازم أن یحفظ الإنسان عقیدته من الشک والشبهة وأن یدعو الآخرین إلی هذه العقیدة الصحیحة فإنها من مقومات السلم والسلام.

الأنبیاء علیهم السلام والعلاقات الروحیة بین الإنسان وخالقه

لقد اهتم الأنبیاء علیهم السلام اهتماماً راسخاً وعمیقاً فی التأکید علی تلک العلاقة الروحیة بین الإنسان وبین خالقه تعالی.

ص:413


1- أجاجاً: ملحاً مُرَّا
2- قاعدة أصولیة

ورسول الله صلی الله علیه و آله کان مبلغا عن الله وداعیة إلیه فی تلک العلاقة الروحیة، یقول الله تعالی: )یَ-ا أیّهَا النّبِیّ إِنّآ أَرْسَلْنَاکَ شَاهِداً وَمُبَشّراً وَنَذِیراً * وَدَاعِیاً إِلَی اللّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مّنِیراً(((1)).

وقال أبو جعفر علیه السلام فی خطبة یوم الجمعة: »وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله بالهدی ودین الحق لیظهره علی الدین کله ولو کره المشرکون وجعله رحمة للعالمین، بشیراً ونذیراً وداعیاً إلی الله بإذنه وسراجاً منیراً، من یطع الله ورسوله فقد رشد، ومن یعصهما فقد غوی«((2)).

ثم إن هذا الاهتمام من الأنبیاء علیهم السلام بتبلیغ تلک العلاقة، ترفع مستوی الحیاة الإنسانیة إلی أعلی درجات الکمال المیسور لبنی البشر، وما قول الأنبیاء هذا وتذکیرهم إلا تأکید لفطرة الإنسان، فإنه یتمکن من الإیمان بالله سبحانه وتعالی حتی بدون أی دلیل خارجی من الأدلة العقلیة والبراهین الفلسفیة والصغریات والکبریات المنطقیة، لأن الإنسان إذا نظر إلی وجوده، علم أنه لم یخلق نفسه ولا خلقه أبواه،ولا أی شیء آخر، کالشمس والقمر والماء والحجر - مما یسمی بالطبیعة - وعرف أن له خالقاً عالماً قدیراً.

تزکیة نفس الإنسان والدعوة للخیر والأمر بالمعروف

الإنسان مأمور شرعاً وعقلاً بتزکیة نفسه وأنفس الآخرین حسب قدرته، فعلیه بتزکیتها من الشهوات والأهواء والانحرافات وأن یبذل الجهود الصادقة فی الدعوة إلی الخیر والأمر بالمعروف والنهی عن المنکر بالنسبة إلی کل فرد، وهذا کله من مصادیق وموجبات السلم والسلام بالمعنی الأعم، أو من مقوماته أو لوازمه أو ما أشبه ذلک، قال سبحانه: )وَلْتَکُن مّنْکُمْ أُمّةٌ یَدْعُونَ إِلَی الْخَیْرِ وَیَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَیَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْکَرِ وَأُوْلَ-َئِکَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ(((3)).

وقد ذکرنا فی بعض تفاسیرنا: إن ƒمن‚ لیست تبعیضیة وإنما نشویة، لأن الله

ص:414


1- سورة الأحزاب: 45-46
2- الکافی: ج3 ص422 ح6
3- سورة آل عمران: 104

حصر الفلاح فی آخر الآیة فی ƒأولئک‚، ولا یعقل أن یرید الله الفلاح بالنسبة إلی جماعة دون جماعة أخری من المؤمنین.

کما أن الإنسان المؤمن بالله والیوم الآخر مطالب بالمحافظة علی حدود الله فی نفسه وفی غیره بشکل عام حتی بالنسبة إلی الکفار، فإنّ للکفّار أیضاً حقاً علی المسلمین کحق القرابة وحق الجوار وحق الإنسانیة وحق الهدایة وحق الإحسان وما أشبه ذلک، ولا تنافی بین ما ذکر وبین قول-ه تعالی: )وَلَن یَجْعَلَ اللّهُ لِلْکَافِرِینَ عَلَی الْمُؤْمِنِینَ سَبِیلاً(((1)) کما هو واضح.

کما أن المسلمین مطالبون بالعمل لإسعاد الأمة وخیرها ومطالبون بالجود بالغالی والنفیس فی سبیل أمن الجماعة واستقرارها وسلمها وسلامها، ولأجل رفع المظالم والقضاء علی الجور، وفی سبیل إعلاء کلمة الله وحریة الناس، ولأجل جمع الناس علی کلمة التقوی حسب الممکن، ولذا قال سبحانه وتعالی: )إِنّمَا یُؤْمِنُ بِآیَاتِنَا الّذِینَ إِذَا ذُکّرُواْ بِهَا خَرّواْ سُجّداً وَسَبّحُواْ بِحَمْدِ رَبّهِمْ وَهُمْ لاَ یَسْتَکْبِرُونَ* تَتَجَافَیَ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ یَدْعُونَ رَبّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمّا رَزَقْنَاهُمْ یُنفِقُونَ(((2)).

وقال تعالی: )وَسَارِعُوَاْ إِلَیَ مَغْفِرَةٍ مّن رّبّکُمْ وَجَنّةٍ عَرْضُهَا السّمَاوَاتُ وَالأرْضُ أُعِدّتْ لِلْمُتّقِینَ * الّذِینَ یُنفِقُونَ فِی السّرّآءِ وَالضّرّآءِ(((3)).

وقال سبحانه: )فَاسْتَبِقُواْ الْخَیْرَاتِ أَیْنَ مَا تَکُونُواْ یَأْتِ بِکُمُ اللّهُ جَمِیعاً(((4)).

محاسبة الإنسان لنفسه

وقد جعل الإسلام الإنسان علی نفسه رقیباً، قال الإمام أمیر المؤمنین علیه السلام:

»حاسبوا أنفسکم قبل أن تحاسبوا وزنوها قبل أن توزنوا«((5)) وحیث حذف المتعلق فإنه یفید العموم فی وزن النفس بالنسبة إلی نفسها ووزن النفس بالنسبة إلی غیرها.

ص:415


1- سورة النساء: 141
2- سورة السجدة: 15-16
3- سورة آل عمران: 133-134
4- سورة البقرة: 148
5- وسائل الشیعة: ج11 ص380 ح9

وقد ورد فی حدیث آخر: »وحق لبدنک الراحة والکرامة« ((1)) والبدن من باب المثال، وإلا فالروح والعقل والنفس کلها لها حقوق، أو أن البدن أطلق علی مجموع هذه الأربعة، لأنه یحویها جمیعاً.

ومن نتائج هذه العلاقة هدایة الإنسان إلی طریق الحق، وقد مثل الرسول صلی الله علیه و آله الهدایة بالغیث الذی ینزل من السماء، فان الغیث عام النفع، لکن الإنسان یمکن أن ینتفع به ویمکن أن لا ینتفع به، کما یمکن أن یجعله باقیاً فی مکان یسبب العفونة والأمراض والأوبئة، فقد قال صلی الله علیه و آله: »إن مثل ما بعثنی الله به من الهدی والعلم کمثل غیث أصاب أرضاً وکان منها طائفة طیبة فقبلت الماء فأنبتت الکلأ والعشب الکثیر، وکان منها أجادب أمسکت الماء فنفع الله تعالی بها الناس فشربوا منها وسقوا وزرعوا، وأصاب طائفة منها أخری إنما هی قیعان لا تمسک ماء ولا تنبت کلأ«((2)).

أقول: حیث إن المقام کان مقام الانتفاع وعدمه لا مقام الحصر،لم یذکر الرسول صلی الله علیه و آله القسم الرابع الذی یجمع الماء بدون فائدة حتی یکون الماء فیها آسناً موجباً للأوبئة والأمراض، ولذا قال سبحانه: )وَهُوَ عَلَیْهِمْ عَمًی(((3)).

وعلی أی حال فالإسلام دین الأمن والسلام، والفرق بینهما أن الأمن بمقابل الخوف وهو أمر قلبی، والسلام مطلق فی القلب وفی غیر القلب، یقال: فلان سلیم القلب، ویقال: فلان سالم بدنه وعقله وروحه ونفسه.

جزاء الأعمال

ثم إن الإنسان إذا عمل فی خیر أو شر، مستقیماً أو منحرفاً، فإنه یری جزاء ذلک فی الدنیا وفی القبر وفی المحشر وأخیراً فی النار أو فی الجنة کما قال سبحانه: )وَأَن لّیْسَ لِلإِنسَانِ إِلاّ مَا سَعَیَ * وَأَنّ سَعْیَهُ سَوْفَ یُرَیَ * ثُمّ یُجْزَاهُ الْجَزَآءَ الأوْفَیَ * وَأَنّ إِلَیَ رَبّکَ الْمُنتَهَیَ (((4))، ومعنی )إلی ربک(: إلی ثوابه أو عقابه.

ثم إن الإنسان إذا عمل خیراً أو شراً وصار عمله سنة من بعده، فإنه یری جزاء

ص:416


1- بحار الأنوار: ج49 ص161ح1
2- منیة المرید: ص102
3- سورة فصلت: 44
4- سورة النجم: 39-42

تلک السنة، فإنه وإن لم یکن هو عاملاً بتلک السنة بعد موته، إلا أنه حیث سنّ الطریق یأتیه الأجر أو الوزر، کما روی عن رسول الله صلی الله علیه و آله أنه قال: »من استن بسنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من غیر أن ینقص من أجورهم شیء، ومن استن بسنة سیئة فعلیه وزرها ووزر من عمل بها من غیر أن ینقص من أوزارهم شیء«((1)).

ولذا فاللازم علی الإنسان الذی یرید المسالمة والسلام مع نفسه وغیره، أن یکون موقفه من نفسه موقف الرقیب الشدید المحاسبة، فیهدیها سواء السبیل إن ضلّت، ویحاسبها إن أخطأت، ویمنحها حقوقها المشروعة لها، ویجنّبها الحقوق غیر المشروعة التی هی لسائر الناس، فلا یمدّ ید الخیانة إلی أعراض الناس وأموالهم ودمائهم وما أشبه ذلک، علماً بأن الإنسان معرّض للانحراف أشدّ أنواع التعرّض لأن الدنیا دار امتحان، والامتحان کلّما کان شدیداً کانت النتیجة کبیرة، یقول الشاعر:

    کیف الخلاص وکلهم أعدائی           نفسی وشیطان-ی ودنیا والهوی

والحل فی الآیة الکریمة: ) إِنّ الّذِینَ اتّقَواْ إِذَا مَسّهُمْ طَائِفٌ مّنَ الشّیْطَانِ تَذَکّرُواْ فَإِذَا هُم مّبْصِرُونَ(((2))، حیث التقوی، فإن من الملائکة والشیاطین من یطوف هنا وهناک، مثلهما مثل النحلة والذباب، فالنحلة تحطّ علی الأوراد والأزهار بینما الذباب یحطّ علی مواضع الوسخ، فإذا قدم الشیطان علی إنسان فاللازم أن یتذکّر فوراً ویطرده، ولا یکون ذلک إلا إذا کان مبصراً یری موضع الخطأ لیطرد الشیطان، بینما إذا لم یکن الإنسان مبصرا متّقیاً فإن الشیطان سیوقعه ویسیره فی طریقه طریق الانحراف والابتعاد عن الله عزوجل.

ولا یخفی أنه لیس الإنسان المتقی هو الذی یدّعی التقوی، بل من أکثر الناس إجراماً من یتظاهر بالتقوی وقلبه فاسق، إذ یعتبرها وسیلة ارتزاق وبسببها یخدع الناس، وقد ورد فی التاریخ أن الحجاج بن یوسف الثقفی کان یصعد المنبر ویعظ الناس بالتقوی حتی قال الحسن البصری: أحیاناً کنت أُخدع فأتصور أنه یصدق فإنه کان فی أثناء خطاباته یتظاهر بالتقوی ویبکی بکاءً مُراً حتی تجری الدمعة علی لحیته، کما عن

ص:417


1- مستدرک الوسائل: ج12ص229ح13956
2- سورة الأعراف: 201

مالک بن دینار قال: والله ما رأیت الحجاج یتکلم علی المنبر ویذکر حسن صنیعه إلی أهل العراق وسوء صنیعهم إلیه حتی لیخیل إلیّ وإلی السامع أنه صادق((1)).

وکان هارون العباسی السفاک المشهور إذا نصحه ابن سماک أو غیره یبکی وتجری دموعه علی لحیته.

 یقول مالک بن دینار: سمعت الحجاج یخطب وهو یقول: رحم الله امرئ حاسب نفسه قبل أن یصیر الحساب إلی غیره، رحم الله امرئ أخذ بعنان عمله فنظر ماذا یراد به، ورحم الله امرئً نظر فی مکیاله، رحم الله امرئ نظر فی میزانه.. فما زال یقول أمثال هذه الکلمات حتی أبکاهم.

الأمن والسلام فی الآخرة

ولم یقتصر السلم والسلام علی الدنیا بل یستمر إلی الآخرة، وفی جملة من الأحادیث عن رسول الله صلی الله علیه و آله وآله الطاهرین علیهم السلام أنهم قالوا: »أفشوا السلام وصلوا الأرحام وأطعموا الطعام وصلّوا باللیل والناس نیام تدخلوا الجنة بسلام«((2)).

فإن دخول الجنة أیضاً قد یکون بسلام وقد یکون بغیر سلام بأن یطول موقف الإنسان فی المحشر ویحاسب حساباً عسیراً.

وقد تحصل مما سبق دور الإیمان بالله وبالیوم الآخر فی نشر السلم والسلام فی المجتمع.

ص:418


1- تنبیه الخواطر ونزهة النواظر: ج2 ص301
2- مستدرک الوسائل: ج16 ص246 ح19751

فصل :السلم والسلام الإداری

مقومات السلم الإداری

السلم والسلام الإداری فی کل مصادیقه بدء من إدارة العباد والبلاد (أی الحکومة) وانتهاء بإدارة مؤسسة صغیرة أو أسرة لا تتجاوز الزوجین، بحاجة إلی مقومات وشروط نشیر إلی بعضها، أما التفصیل ففی علم الإدارة.

الحب أساس السلم

اشارة

مسألة: إن الحب والاحترام المتبادل بین المدیر والمدار، والمسؤول والمسؤول علیه، وبین الحاکم وشعبه هو من أسس السلم والسلام الإداری، فینبغی لکل مدیر أن یقوم بما یوجب تثبیت هذه المحبة بینه وبین من یرتبط به فی إدارته.

عن أبی جعفر علیه السلام قال: «إن أعرابیاً من بنی تمیم أتی النبی صلی الله علیه و آله فقال ل-ه: أوصنی فکان مما أوصاه تحبب إلی الناس یحبوک»((1)).

وقال علیه السلام: «التودد إلی الناس نصف العقل»((2)).

وقال علیه السلام: «رأس العقل بعد الإیمان التودد إلی الناس واصطناع الخیر إلی کل بر وفاجر»((3)).

وقال أمیر المؤمنین علی علیه السلام: «أشرف الشیم رعایة الود وأحسن الهمم إنجاز الوعد»((4)).

وإذا أراد الإنسان أن یحبه الناس فعلیه أن یواظب علی الأمور التالیة، فإنها من مصادیق السلم وموجبات السلام بالمعنی الأعم، وقد تکون النسبة بین بعض هذه

ص:419


1- الکافی: ج2 ص642 ح1
2- الکافی: ج2 ص643 ح4
3- وسائل الشیعة: ج16 ص295 ح21586
4- غرر الحکم ودرر الکلم: ص413 ح9424

الأمور عموما وخصوصا مطلقا أو من وجه.

المعاملة الحسنة والحسنی

إن معاملة الفرد بأحسن مما یستحق، من أفضل الوسائل لکسب ثقته ودفعه نحو العمل والتضحیة فی سبیله، کما قال أمیر  المؤمنین علیه السلام: «قواعد الإسلام سبعة فأولها: العقل وعلیه بنی الصبر، والثانی: صون العرض وصدق اللهجة، والثالث: تلاوة القرآن علی جهته، والرابع: الحب فی الله والبغض فی الله، والخامس: حق آل محمّد ومعرفة ولایتهم، والسادس: حق الأخوان والمحاماة علیهم، والسابع: مجاورة الناس بالحسنی»((1)).

وقال تعالی: ƒ وَإِذَا حُیّیتُم بِتَحِیّةٍ فَحَیّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا‚((2)).

الاهتمام بالآخرین

الاهتمام الصادق بمن تدیره من مصادیق السلام قولاً وعملاً، قال الإمام الصادق علیه السلام: «من لم یهتم بأمور المسلمین فلیس بمسلم»((3)).

التواضع الإداری

التواضع من المدیر من موجبات السلم والسلام الإداری.

کما ورد عن الإمام أمیر  المؤمنین علیه السلام: «التواضع یکسبک السلامة»((4)).

وقال علیه السلام: «وجیه الناس من تواضع مع رفعة وذل مع منعة»((5)).

وفی تفسیر الإمام الحسن العسکری علیه السلام قال علیه السلام: «أعرف الناس بحقوق إخوانه وأشدهم قضاء لها أعظمهم عند الله شأنا، ومن تواضع فی الدنیا لإخوانه فهو عند الله من الصدیقین من شیعة علی بن أبی طالب علیه السلام » الخبر((6)).

إعانة الغیر

إعانة غیرک فی أمر دینه ودنیاه من موجبات السلم الإداری.

ص:420


1- بحار الأنوار: ج65 ص381
2- سورة النساء: 86
3- وسائل الشیعة: ج16 ص336 ب18 ح21700
4- مستدرک الوسائل: ج11 ص298 ح13086
5- غرر الحکم ودرر الکلم: ص249 ح5155
6- مستدرک الوسائل: ج11 ص295 ح13076

قال الإمام الصادق علیه السلام: «من خالص الإیمان البر بالإخوان»((1)).

وعنه علیه السلام قال: «قال رسول الله صلی الله علیه و آله: من أعان مؤمنا نفس الله عزوجل عنه ثلاثاً وسبعین کربة واحدة فی الدنیا وثنتین وسبعین کربة عند کربه العظمی،قال علیه السلام: حیث یتشاغل الناس بأنفسهم»((2)).

القول اللین

لین الکلام من مقومات السلم الإداری، عن إبراهیم بن العبّاس قال: (ما رأیت أبا الحسن الرضا علیه السلام جفا أحداً بکلامه)((3)).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: «إن من الکرم لین الکلام»((4)).

وقال الإمام الحسن علیه السلام: «من المروة لین الکلام»((5)).

وقال تعالی فی وصف الرسول الکریم صلی الله علیه و آله: ƒوَلَوْ کُنْتَ فَظّاً غَلِیظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضّواْ مِنْ حَوْلِکَ‚ ((6)).

التبسم للناس

الرجل الباسم رجل ناجح فی إدارته عادة.. أما الرجل العابس فلا یوفق غالبا حتی فی فتح دکان صغیر.

قال الإمام الرضا علیه السلام: «واجتهد أن لا تلقی أخا من إخوانک إلا تبسمت فی وجهه، وضحکت معه فی مرضاة الله، فإنه نروی عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال: من ضحک فی وجه أخیه المؤمن تواضعا لله جل وعز أدخله الجنة»((7)).

وقال أبو عبد الله علیه السلام: «تبسم المؤمن فی وجه المؤمن حسنة»((8)).

اسم الفرد

ص:421


1- مستدرک الوسائل: ج12 ص421 ح14497
2- الکافی: ج2 ص199 ح2
3- مستدرک الوسائل: ج8 ص414 ح9839
4- الکافی: ج8 ص24 خطبة لأمیر المؤمنین علیه السلام وهی خطبة الوسیلة ح4
5- راجع بحار الأنوار: ج73 ص312 ب59 ح4
6- سورة آل عمران: 159
7- فقه الرضا علیه السلام : ص398 ب115
8- مستدرک الوسائل: ج8 ص419 ب70 ح9854

إن اسم الإنسان من أحلی الأشیاء لصاحبه ومن أعزها علی قلبه، فعلی المدیر أن یتعرف علی الرجل ویسجل اسمه الکامل وطبیعة عمله وأهله وأولاده ومسکنه، فإذا ما التقاه مرة ثانیة یکون قادرا علی سؤاله عن عمله وأولاده وبیته، قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «إذا أحب أحدکم أخاه المسلم فلیسأله عن اسمه واسم أبیه واسم قبیلته وعشیرته فإن من حقه الواجب وصدق الإخاء أن یسأله عن ذلک وإلا فإنها معرفة حمق»((1)). وقال صلی الله علیه و آله: «ثلاثة من الجفاء: أن یصحب الرجل الرجل فلا یسأله عن اسمه وکنیته...»((2)).

المشترکات

إذا أراد المدیر قبول الناس لأسلوبه فی التفکیر والعمل فعلیه أن یبدأ مع غیره بالمشترکات فیما بینهم وهذه من أسالیب المحبة والصداقة، ولا یبدأ الحدیث بالأمور المختلف علیها، بل بالأمور المتفق علیها.

قال تعالی: ƒوَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِیحُکُمْ‚((3)).

الثقة بالنفس

ینبغی للمدیر أن ینمی حالة الثبات والثقة بالنفس لدی الفرد بغیة دفعه إلی العمل وبذل الجهد الأقصی، حیث إن فقدان الثبات یحطّم انطلاق النفوس، ویقتل روح المبادرة، ویخلق رجالاً سلبیین غیر منتجین.

الحریة الإداریة

ینبغی للمدیر الناجح اتباع سیاسة الحریة الإداریة الصحیحة، فلا یکون مستبدا یفرض رأیه علی الأفراد، فیوجد الرغبة فی اختیار الطریق الأحسن اللازم سلوکه للوصول إلی الهدف، ولذا فإن علی المسؤول أن یترک لمرؤوسیه بعض الحریة فی اختیار الوسیلة التی توصلهم إلی الهدف.

الحکمة والموعظة الحسنة

علی المدیر أن یطبق ما جاء به الأنبیاء والأوصیاء علیهم السلام مقتدین بسیرتهم العطرة

ص:422


1- الکافی: ج2 ص671
2- وسائل الشیعة: ج12 ص145 ح15894
3- سورة الأنفال: 46

فی إنقاذ الناس من براثن الشیطان وحزبه، حیث کانت السیرة علی الحکمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتی هی أحسن، کما قال سبحانه وتعالی:)ادْعُ إِلِیَ سَبِیلِ رَبّکَ بِالْحِکْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالّتِی هِیَ أَحْسَنُ إِنّ رَبّکَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلّ عَن سَبِیلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِینَ(((1)).

المعنویات

علی المدیر أن یستعین بالله دائما ویدعو الله عزوجل لکی یوفقه فی إدارته.

کما عن أمیر المؤمنین علیه السلام: «أکثر الاستعانة بالله یکفک ما أهمک ویعنک علی ما ینزل بک إن شاء الله»((2)).

وکذلک التوسل بأولیاء الله الطاهرین علیهم السلام وقراء المأثور من الأدعیة، کما عن سماعة قال: قال لی الإمام أبو الحسن علیه السلام: «إذا کان لک یا سماعة عند الله حاجة فقل: اللهم إنی أسألک بحق محمد وعلی فإن لهما عندک شأنا من الشأن وقدرا من القدر، فبحق ذلک الشأن، وبحق ذلک القدر أن تصلی علی محمد وآل محمد وأن تفعل بی کذا وکذا»((3)). 

وعن الإمام الحسن بن علی العسکری علیه السلام فی تفسیره، عن آبائه علیهم السلام عن النبی صلی الله علیه و آله قال: «إن الله سبحانه وتعالی یقول: عبادی من کانت ل-ه إلیکم حاجة فسألکم بمن تحبون أجبتم دعاءه، ألا فاعلموا أن أحب عبادی إلی وأکرمهم لدی محمد وعلی حبیب-ی وولیی، فمن کانت له حاجة إلی فلیتوسل إلی بهما، فإنی لا أرد سؤال سائل یسألنی بهما وبالطیبین من عترتهما، فمن سألنی بهم فإنی لا أرد دعاءه، وکیف أرد دعاء من سألنی بحبیب-ی وصفوتی وولیی وحجتی وروحی ونوری وآیتی وبابی ورحمتی ووجهی ونعمتی، ألا وإنی خلقتهم من نور عظمتی وجعلتهم أهل کرامتی وولایتی، فمن سألنی بهم عارفا بحقهم ومقامهم أوجبت ل-ه منی الإجابة وکان ذلک حقاً علی»((4)). 

ص:423


1- سورة النحل: 125
2- نهج البلاغة: الرسائل: 34
3- وسائل الشیعة: ج7 ص102ح8849
4- وسائل الشیعة: ج7 ص102ح8850

العفو عن الخطیئة

علی المدیر أن لا یعادی الفرد لخطیئته، بل یحبه ویعفو عنه، بل ویحسن إلیه،لأن «صنائع المعروف وحُسن البشر یکسبان المحبة ویدخلان الجنة»((1)) کما قال الإمام أبو جعفر علیه السلام.

حسن الخلق

حسن الخلق من أفضل السبل للقضاء علی الأخطاء الإداریة، سواء من المدیر أم من الأفراد، وهی توجب المحبة.

عن أبی عبد الله الصادق علیه السلام: «إن الخلق الحسن یمیث الخطیئة کما تمیث الشمس الجلید»((2)). ویقول الإمام الحسن بن علی علیه السلام: «إن أحسن الحسن الخلق الحسن»((3)).

فلیس هنالک أوامر منتجة بدون محبة، والإکراه قادر علی تأمین التنفیذ المباشر لمهمة معینة، ولکنه عاجز عن تأمین رضا النفوس والقلوب اللازم لکل مسؤول یرید أن ینجز مهمته بکاملها، ولا یشعر الموظفون بهذا الرضا إلا إذا تأکدوا بأن مسؤولهم یکنّ لهم حباً عمیقاً مخلصاً، ورغبة أکیدة فی سبیل الهدف الجماعی فإذا ما تحقق ذلک بذلوا کل إمکاناتهم، وقاموا بأعمال جبّارة، وهنا یستطیع المسؤول أن یطلب منهم کل شیء، وهنا فقط یستطیع أن یعتبر نفسه مسؤولاً حقیقیاً، فإنه  لا یمکن الهیمنة علی الرجال إن لم یستطع الإنسان من الهیمنة علی قلوبهم، قال أمیر  المؤمنین علیه السلام:

«قلوب الرجال وحشیة فمن تألفها أقبلت علیه»((4)).

الکلام الطیب

إن کلاماً طیباً خارجاً عن قلبٍ طیب أفضل من عقل راجح مشرّبٍ بالقسوة،کما قال سبحانه وتعالی: )إِلَیْهِ یَصْعَدُ الْکَلِمُ الطّیّبُ(((5)).

وقال: )وَهُدُوَاْ إِلَی الطّیّبِ مِنَ الْقَوْلِ(((6)).

ص:424


1- الکافی: ج2 ص103 ح5
2- الکافی: ج2 ص100 ح7
3- وسائل الشیعة: ج12 ص150 ح15929
4- وسائل الشیعة: ج12 ص158 ح15942
5- سورة فاطر: 10
6- سورة الحج: 24

وقال رسول الله صلی الله علیه و آله: «الکلمة الطیبة صدقة»((1)).

وقال علی علیه السلام: «من حسن کلامه کان النجح أمامه»((2)).

طیب القلب

یری المدیر طیب القلب الأمور من زوایاها الحسنة، فإن ناقش نظریة بحث عن لب الحقیقة، وإن حکم علی تصرفات شخص حمَّلها من الأشیاء الحسنة ما قد لا یکون فیها، مفترضاً إن هذا الشخص قد أراد القیام بالشیء الکثیر فمنعته ظروفه الخاصة، عاملاً بوصیة أمیر  المؤمنین علیه السلام لمحمد بن الحنفیة التی جاء فیها قوله علیه السلام: «لا تصرم أخاک علی ارتیاب ولا تقطعه دون استعتاب لعل له عذراً وأنت تلوم، اقبل من متنصل عذراً صادقاً کان أو کاذباً فتنالک الشفاعة»((3)).

إننا نری الأشیاء حسب طبیعة نفوسنا، فمن کان طیب القلب رأی کل ما یحیط به طیباً کما ورد عن علی علیه السلام: «لا یصدر عن القلب السلیم إلا المعنی المستقیم»((4))، ویقول الشاعر:

ولکن عین السخط تبدی المساویا

وعین الرضا عن کل عیب کلیلة

فن المناقشة

حاولوا عند مناقشة شخص متوتر الأعصاب أن تطرحوا علیه سؤالاً یجیب عنه بکلمة (نعم) أو (لا)، فهذا اللفظ کاف لتخفیف حدته، وخففوا الضغط عن أعصابه بتذکیره بالأعمال الحسنة التی قام بها، وحافظوا علی هدوئکم، وخذوا الأمور بالحکمة، یقول الإمام علی علیه السلام: «أحسن تسترق»((5))، وحاولوا کشف سر الاختلاف، وادخلوا مع المخالفین فی محادثة هادئة تضع النقاط علی الحروف، وتزرع الثقة من جدید، فیعود التفاهم وتزول الخلافات، فالمسؤول الواعی قادر علی حل المخالفات بکل سهولة وحکمة وتعقل، کما قال الإمام أمیر  المؤمنین علیه السلام: «ما قسم

ص:425


1- وسائل الشیعة: ج5 ص233 ح6421
2- غرر الحکم ودرر الکلم: ص210 ح4058
3- وسائل الشیعة: ج12 ص217 ح16125
4- غرر الحکم ودرر الکلم: ص67 ح894
5- غرر الحکم ودرر الکلم: ص385 ح8786

الله سبحانه بین عباده شیئاً أفضل من العقل»((1)). فالحکمة ضروریة لتبیان إمکاناتهم الحقیقیة، وتسلیمهم صلاحیات تلائم مواهبهم.

الحزم بعیدا عن العنف

هناک أشخاص لدیهم حالات شکوی اعتباطیة تنجم غالباً عن صدمة نفسیة منذ الطفولة، فهم یرغبون فی الحصول علی کل شیء، ویهدفون إلی إرضاء نزواتهم التی کُبتت بقسوة فی طفولتهم، والتی تتمثل بطلب الجوائز والعطل الإضافیة والرتب والعلاوات، فإنهم عادة أشخاص قلقون، وهذا ما یشدهم إلی مصالحهم الخاصة، حتی یصبحوا غیر قادرین علی فهم وجهة نظر الآخرین، وتبلغ الشکوی والتذمر عند بعضهم درجة الاستمراریة، فلا یشعرون بأنفسهم ووجودهم إلاّ إذا تذمروا، فخذوا طریق الحزم معهم واعتمدوا عند الضرورة علی القانون والأنظمة الشرعیة، واقرؤوا لهم بصوت عال نصاً قانونیاً یؤید رفضکم لطلباتهم الاعتباطیة، فللوثائق المکتوبة تأثیر أکبر علی النفوس من الکلام الشفهی، کما قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «قیدوا العلم بالکتابة»((2))، وأن «القلب یتَّکل علی الکتابة»((3)) کما قال أبو عبد الله علیه السلام.

النظر إلی الجمیل

لکل حادثة وجهان: جمیل وقبیح، فلماذا ننظر إلی القبح دون أن نلتفت إلی الجمال، کما یقول أمیر  المؤمنین علیه السلام: «الجمال الظاهر حسن الصورة، الجمال الباطن حسن السریرة»((4)). وورد عن الإمام الصادق علیه السلام: «من أحصی علی أخیه المؤمن عیباً لیعیبه به یوماً ما کان من أهل هذه الآیة، قال الله عزوجل:)إِنّ الّذِینَ یُحِبّونَ أَن تَشِیعَ الْفَاحِشَةُ(((5)) الآیة»((6)).

حسن التفاؤل

ص:426


1- غرر الحکم ودرر الکلم: ص50 ح332
2- بحار الأنوار: ج74 ص141ح9
3- الکافی: ج1 ص52 ح8
4- غرر الحکم ودرر الکلم: ص254 ح5335
5- سورة النور: 19. ƒ إِنّ الّذِینَ یُحِبّونَ أَن تَشِیعَ الْفَاحِشَةُ فِی الّذِینَ آمَنُواْ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِیمٌ فِی الدّنْیَا وَالاَخِرَةِ وَاللّهُ یَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ‚
6- مستدرک الوسائل: ج9 ص110 ح10379

لنکن متفائلین فالمتشائم یخاف من کل شیء ویتردد فلا یصل إلی هدف، وهو ینتظر القرار واقفاً بلا حراک، وفی الحدیث: «إن النبی صلی الله علیه و آله کان یحب الفأل الحسن ویکره الطیرة»((1)).  أما ادّعاء البعض أنّ المتفائل رجل سخیف یعرض نفسه للمتاعب دون تفکیر فهو خطأ، فالحقیقة أن من الحکمة أن نکون متفائلین، عندما یکون هناک مجال للتشاؤم.

النقد البناء

یکون النقد مفیداً، إذا صدر عن وجدان حی، کما عن أبی جعفر علیه السلام فی قوله تعالی: )وَقُولُواْ لِلنّاسِ حُسْناً( ((2)) قال علیه السلام: «قولوا للناس أحسن مما تحبون أن یقال فیکم»((3))، ویکون النقد مفیداً أیضا إذا سعی إلی البناء والإصلاح، والنقد الممتاز هو ما کان لبقاً فی لفظه، بنّاءً فی غایته، والعکس إذا صدر عن نفس مملوءة بالحقد فإنه سیؤدی إلی التخریب والهدم، حتی لو کان لبقاً وبألفاظ مختارة، کما قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «لینصح الرجل منکم أخاه کنصیحته لنفسه»((4)).

السؤال عن الفرد ومتاعبه

الرئیس الجید هو الذی إذا استدعی أحد مرؤوسیه أو صادفه بدأه بالسؤال عن قضایاه الشخصیة ومتاعبه، عملاً بما ورد عن الإمام أمیر  المؤمنین علیه السلام: «جمال الأخوة إحسان العشرة والمواساة مع العسرة»((5))، ثم حادثه فی قضایا العمل.

المعاملة الإنسانیة

تخلق معاملة الرئیس الإنسانیة لمرؤوسیه جواً من الثقة والألفة، وتخفف کثیراً من متاعب المهنة، وتسمح بحل القضایا الشائکة بهدوء، وبتفهم القرارات والتوجیهات بشکل أفضل، وتساعد علی نشر فکرة التعاون والمحبة.

إضافة إلی أن الدماثة والهدوء خیر ملطف لجو المناقشات، فتجنبوا الجفاء مع

ص:427


1- بحار الأنوار: ج92 ص2 ح2
2- سورة البقرة: 83
3- الکافی: ج2 ص165 ح10
4- الکافی: ج2 ص208 ح4
5- غرر الحکم ودرر الکلم: ص415 ح9482

الزملاء، کما یقول أبو عبد الله علیه السلام: «الجفاء فی النار»((1))، وابتعدوا عن الجدال إذا کان یفرق بینکم، فإنه وکما یقول أمیر  المؤمنین علیه السلام: «ما ضل قوم إلا أوثقوا

الجدل»((2))، ولذا فأنتم فی أمسّ الحاجة إلی الاتحاد والتعاون، کما جاء عن الإمام أمیر  المؤمنینعلیه السلام قال:«تبتنی الأخوة فی الله علی التناصح فی الله،والتباذل فی الله،والتعاون علی طاعة الله، والتناهی عن معاصی الله، والتناصر فی الله، وإخلاص المحبة»((3)).

وعن الإمام أبی عبد الله الصادق علیه السلام قال: «یحق علی المسلمین الاجتهاد فی التواصل، والتعاون علی التعاطف، والمواساة لأهل الحاجة، وتعاطف بعضهم علی بعض، حتی تکونوا کما أمرکم الله عزوجل رحماء بینکم متراحمین مغتمین لما غاب عنکم من أمرهم، علی ما مضی علیه معشر الأنصار علی عهد رسول الله صلی الله علیه و آله »((4)).

تفهم المسیء

إن محاولة تفهّم المسیء ومداراته رغم خطأه یجعله یتبدل بسرعة بعد ذلک، وإن التصرف علی هذا النحو لیس جبناً أو ضعفاً، إنه قوة تقهر الشیء السیئ إلی الحسن، قال الإمام أمیر  المؤمنین علیه السلام: «لا یکون أخوک علی الإساءة إلیک أقوی منک علی الإحسان إلیه»((5)).

وإن نفوس الناس کنفوسنا بحاجة إلی المحبة والعطف والتفهم، و«نظر المؤمن فی وجه أخیه المؤمن للمودة والمحبة ل-ه عبادة»((6)) کما یوصینا الإمام زین العابدین علیه السلام.

مع النفوس القلقة

ینبغی علی المسؤول أن یظهر لمرؤوسیه ما یدل علی رغبته فی مساعدتهم لحل متاعبهم، فإن النفوس القلقة الغاضبة تحتاج لمن یستمع إلیها والابتسامة تملأ محیاه.

عن أبی عبد الله علیه السلام قال: «من نفس عن مؤمن کربة نفس الله عنه کرب الآخرة

ص:428


1- وسائل الشیعة: ج16 ص35 ح20905
2- بحار الأنوار: ج2 ص138 ح52
3- غرر الحکم ودرر الکلم: ص422ح9691
4- الکافی: ج2ص175ح4
5- غرر الحکم ودرر الکلم: ص384ح7833
6- بحار الأنوار: ج75 ص140

وخرج من قبره وهو ثلج الفؤاد»((1)).

وقال أبو جعفر علیه السلام: «من مشی فی حاجة أخیه المسلم أظله الله بخمسة وسبعین ألف ملک، ولم یرفع قدما إلا کتب الله له بها حسنة وحط عنه بها سیئة ویرفع له بها درجة فإذا فرغ من حاجته کتب الله عزوجل له بها أجر حاج ومعتمر »((2)).

الحوادث الشخصیة للفرد

یعتبر الإنسان الحوادث الشخصیة التی تمر به، کالترفیع والتعیین والنقل والولادة والوفاة، أُموراً هامة، والرئیس الذکی هو من یُعلِّق علی هذه الحوادث ولو بکلمة تشجیع أو تهنئة أو تعزیة، فیشد بذلک أواصر المحبة، ویثیر فی النفوس شعوراً بتبادل العواطف، وإن التکلم مع المرؤوس وتفهمه یخلق شعوراً ضمنیاً بأن قضایاه الخاصة معروفة ومدروسة لتنفیذها ضمن حدود الإمکانات، ودون الخروج عن خط المصلحة العامة. قال أبو عبد الله علیه السلام: «للمسلم علی أخیه المسلم من الحق أن یسلم علیه إذا لقیه، ویعوده إذا مرض، وینصح ل-ه إذا غاب، ویسمته إذا عطس، ویجیبه إذا دعاه، ویتبعه إذا مات»((3)).

ص:429


1- الکافی: ج2 ص199-200 باب تفریج کرب المؤمن ح3
2- وسائل الشیعة: ج16 ص366 ب27 ح21777
3- بحار الأنوار: ج71 ص247 ب15 ح44

لا للقنوط

لا یستطیع الرئیس، مهما استخدم من وسائل ومهما کان عبقریاً، أن یکسب قلوب مرؤوسیه کافة، إذ یبقی بعضهم منکمشاً جامداً فیقنط ویفقد حماسته، فعلی المدیر معالجة هذا القنوط بمستوی الإنسانیة، لاستعادة جو ملائم للعمل مشبع بالدماثة والعطف، فإنه السبیل الأمثل لتماسک المجموعة والاندفاع بحماس نحو عمل أکفأ وأوسع إنتاجیة.

قال أمیر المؤمنین علیه السلام: «قتل القنوط صاحبه»((1)).

وقال أبو عبد الله علیه السلام: «الکبائر القنوط من رحمة الله، والیأس من روح الله»((2)) الحدیث.

مع الحسنات والسیئات

السیئات أکثر ظهوراً من الحسنات، وهذه ظاهرة بشریة طبیعیة ومعروفة، لأن الأعمال الحسنة تبدو مع التکرار طبیعیة، بینما تکرار الأعمال السیئة تسبب فقدان الصبر، ولتلافی ذلک یجب أن یعمل المسؤول بین آونة وأخری مقارنةً بحسنات المرؤوسین وسیئاتهم، فإن رجحت کفة الحسنات نظر إلی السیئات بعین الرحمة، وإن رجحت کفة السیئات حاول جاهداً تحسین الوضع، ولیضع قول أمیر  المؤمنین علیه السلام: «من کثر إحسانه کثر خدمه وأعوانه»((3)) نُصبَ عَینَیهِ فی خدمة الهدف المقدس لتوثیق العلاقات الحسنة بین المرؤوسین، ولقد ورد عن الإمام علی علیه السلام: «عجبت لمن یشتری العبید بماله فیعتقهم کیف لا یشتری الأحرار بإحسانه فیسترقهم»((4)).

احترام المسؤولین

لا تؤنبوا رئیس مصلحة أمام مرؤوسیه، حتی لا تضعفوا شخصیته، فتقاد الجماعة إلی فوضی وخیمة، یقول الشاعر:

-ت مشاراً إلیه فی التعظیم

لا تهن من عظیم قدر وإن کن-

ص:430


1- غرر الحکم ودرر الکلم: ص83 ح1331
2- الکافی: ج2 ص280 باب الکبائر ح10
3- غرر الحکم ودرر الکلم: ص386 ح8833
4- غرر الحکم ودرر الکلم: ص385ح8786

بالتعدی علی اللبیب الکریم

فاللبیب الکریم ینقص قدرا

مواهب المساعدین

ینسی کثیر من الرؤساء أهمیة احترام مواهب المساعدین وإمکاناتهم وحدود عملهم. فعلی المسؤول أن یظهر بدعم مساعدیه، والدفاع عنهم، والتحدث بلسانهم، وشرح آرائهم، وعدم التضحیة بهم لإرضاء الآخرین.

عدم التدخل فی صلاحیات الآخرین

من موجبات السلم الإداری عدم التدخل فی صلاحیات الآخرین، فهنالک أمور سلبیة تثبط همم المساعدین یجب تجنبها، کالتدخل فی حدود عملهم بدون مناسبة، أو مکافأة ومعاقبة العناصر التابعین لهم دون استشارتهم، أو تجریدهم من بداهتهم، أو اعتبار أفکارهم وآرائهم عقیمة دون دراسة، أو إلقاء أخطاء المسؤول علی عاتقهم.

السلطة لا تعنی القسوة

إن من الخطأ الاعتقاد بأن الرحمة والأدب والاحترام تتنافی مع السلطة، إذ أن السلطة الحقة لا تبنی إلاّ علی المحبة الناجمة عن العدل والرحمة والإنسانیة.

یقول رسول الله صلی الله علیه و آله: «الراحمون یرحمهم الرحمن، ارحموا من فی الأرض یرحمکم من فی السماء»((1)).

کن قاسیا علی نفسک

المسؤول الطیب القلب هو مَن کان قاسیاً علی نفسه، فیعتبر المتاعب ناجمة عن أخطائه، رحیماً مع مرؤوسیه یعتبر أخطاءهم متاعب فیسعی إلی تخفیفها، یتخلق بأخلاق القرآن الکریم الذی یقول:

)فَبِمَا رَحْمَةٍ مّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ کُنْتَ فَظّاً غَلِیظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضّواْ مِنْ حَوْلِکَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِی الأمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَکّلْ عَلَی اللّهِ إِنّ اللّهَ یُحِبّ الْمُتَوَکّلِینَ(((2)).

الشعبیة

ص:431


1- مستدرک الوسائل: ج9 ص55 ح10187
2- سورة آل عمران: 159

النفس العظیمة نفس حرة لینة ألیفة شعبیة متواضعة، یحترمها الناظر إلیها عن قرب أو بعد، ویزداد احترامه بازدیاد الاحتکاک معها، ثم تعود إلی طبیعتها بدون عناء.. نفس یقترب منها الآخرون ببساطة واحترام، یدفعهم إلی ذلک محبة محاطة بالإعجاب، فعلی المدیر أن یتحلی بهذه النفس فإنها من مقومات السلام الإداری.

دور الرؤساء

ترتفع قیمة المجموعات البشریة أضعافاً إذا  تهیأ لها رؤساء یحترمونها ویقدرونها، کما أنها تفقد قسماً من قدرتها إذا  عملت مع رؤساء لا یکنون لها مثل هذه المشاعر التقدیریة. فعلی المدیر أن یعرف دوره ویقدر المرؤوسین ویحترمهم.

لا تبخسوا الناس أشیاءهم

لا یقبل العامل أن تکون مزایاه مجهولة أو مهملة، فإذا ما شَعَرَ بذلک، وأحسّ بأن إمکاناته موضع شک، ثار علی رؤسائه، واعتبر نفسه ضحیة سوء إدارتهم، لذا فإن من الضروری ترک المجال أمام کل فرد لیظهر إبداعه وبداهته وأحکامه، وإعطاؤه مهمة تحمله بعض المسؤولیة، فیشعر عند ذلک بأن قیمته وکرامته محفوظتان.

لا للسخریة

یلزم علی المدیر أن یتجنب الهزء والسخریة أثناء المحاسبة، لأنهما هدّامان، فی حین أن هدف المحاسبة هو البناء والتدریب والإصلاح کما ورد فی القرآن الکریم: )یَ-ا أیّهَا الّذِینَ آمَنُواْ لاَ یَسْخَرْ قَوْمٌ مّن قَوْمٍ عَسَیَ أَن یَکُونُواْ خَیْراً مّنْهُمْ وَلاَ نِسَآءٌ مّن نّسَآءٍ عَسَیَ أَن یَکُنّ خَیْراً مّنْهُنّ وَلاَ تَلْمِزُوَاْ أَنفُسَکُمْ وَلاَ تَنَابَزُواْ بِالألْقَابِ بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإَیمَانِ(((1)).

وقال تعالی: )زُیّنَ لِلّذِینَ کَفَرُواْ الْحَیَاةُ الدّنْیَا وَیَسْخَرُونَ مِنَ الّذِینَ آمَنُواْ وَالّذِینَ اتّقَواْ فَوْقَهُمْ یَوْمَ الْقِیَامَةِ وَاللّهُ یَرْزُقُ مَن یَشَآءُ بِغَیْرِ حِسَابٍ(((2)).

وقال سبحانه: )قَالَ إِن تَسْخَرُواْ مِنّا فَإِنّا نَسْخَرُ مِنکُمْ کَمَا تَسْخَرُونَ(((3)).

لست علی الحق دائما

ص:432


1- سورة الحجرات: 11
2- سورة البقرة: 212
3- سورة هود: 38

لا تحاولوا أن تظهروا أنفسکم علی حق دائماً، لأن ذلک یثیر الحقد فی نفوس محدثیکم، فیحاولون الانتقاد بکل مناسبة.. إن إظهار الزملاء بمظهر الجاهلین لایضمهم إلی جانبکم، حتی لو وافقوکم علی آرائکم أو سکتوا علی مضض، یقول أمیر  المؤمنین علیه السلام: «إذا أردت أن تعظم محاسنک عند الناس فلا تعظم فی عینک»((1)).

لا للألفاظ القاسیة

احذروا المناقشات الحادة والألفاظ القاسیة التی تدل علی فقدانکم لسیطرتکم علی أنفسکم، یقول أمیر  المؤمنین علیه السلام: «دع الحدة وتفکر فی الحجة وتحفَّظ من الخطل تأمن الزلل»((2)).

ولیکن حدیثکم عاماً لا یتعرض إلی انتقاد آراء ومعتقدات شخصیة بحتة، فإن

«من بالغ فی الخصومة أثم، ومن قصر فیها ظلم، ولا یستطیع أن یتقی الله من

خاصم»((3)) کما یعلِّمنا أمیر  المؤمنین علیه السلام.

فإنها تحط من قیمتکم، وتقلّل من شأنکم ومن احترام الآخرین إلیکم، وتفتح فی النفوس جرحاً عمیقاً لا یندمل بسبب تعابیر قاسیة أو کلمات مهینة.

وطالما تسببت کلمة طائشة أو تعبیر قاس محقّر حقداً عمیقاً ینقلب مع الأیام إلی تمرّد، قال تعالی: )وَجَزَآءُ سَیّئَةٍ سَیّئَةٌ مّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَی اللّهِ إِنّهُ لاَ یُحِبّ الظّالِمِینَ(((4)).

وقال أمیر  المؤمنین علیه السلام: «من عاب عیب، ومن شتم أجیب، ومن غرس أشجار التقی اجتنی ثمار المنی»((5)).

کما یلزم علی المدیر عدم الرد علی الکراهیة بالکراهیة، وعلی الأعمال السیئة بأسوأ منها لأنها تعقد الأمور وتزید نار البغضاء استعاراً، قال الإمام أمیر  المؤمنین علیه السلام: «الحکیم من جازی الإساءة بالإحسان»((6))، کما أن «أشد الناس عقوبة رجل

ص:433


1- غرر الحکم ودرر الکلم: ص249 ح5143
2- غرر الحکم ودرر الکلم: ص58 ح591
3- مستدرک الوسائل: ج9 ص76 ح10248
4- سورة الشوری: 40
5- بحار الأنوار: ج75 ص79 ح56
6- غرر الحکم ودرر الکلم: ص59 ح629

کافأ الإحسان بالإساءة»((1)) علی حد قول أمیر  المؤمنین علیه السلام.

المرؤوس إنسان مثلک

الاحترام المتبادل سر القضاء علی کثیر من المشاکل الاجتماعیة، فعلی المسؤول أن یعرف قیمة المرؤوسین، ثم یعاملهم کلاً حسب فهمه وإدراکه للأمور، فالمرؤوس إنسان مثلک، والإنسان حر لا یخضع لغیره، وهو یأبی أن یعامل معاملة العبید، فتذکَّر أنک «إذا أردت أن تطاع فاسأل ما یستطاع»((2)) کما یقول الإمام أمیر  المؤمنین علیه السلام.

الاحترام مطلقا

یحترم المسؤول العاقل مرؤوسیه،حتی لو لم یکن راضیاً عنهم، لأنه من المستحیل کون المرؤوس مثالیاً، لذا یقتضی التعامل مع الجمیع کما هم، مستفیدا من محاسنهم مقللا من مساوئهم قدر الإمکان، لأن الإنسان غیر معصوم من الخطأ ولکن الإصرار علی الخطأ معصیة، عن أبی عبد الله علیه السلام قال: «لا صغیرة مع الإصرار ولا کبیرة مع الاستغفار»((3)).

مثلاً عندما أضرب العمال عن العمل فی إحدی الدول، لاحظ الجمیع أن بعض المعامل لم تُضرب عن العمل لأنّ رؤساءها کانوا یهتمون شخصیاً بشؤون العمال کأفراد، ویهتمون بعائلاتهم ومنازلهم، ویقدمون لهم المساعدة، علی عکس العمال المضربین عن العمل فی المعامل الأخری والتی فقدت فیها العلاقة الإنسانیة بین مسؤول العمل والعمال، حیث کان یعاملهم بجفاء ونظرة استعلائیة مجردة وکأنهم مثل الأدوات الإنتاجیة من دون مراعاة شؤونهم الإنسانیة أو العائلیة.

فعلی المدیر أن یجعل نصب عینیه هذا الحدیث الشریف المروی عن الإمام أبی جعفر علیه السلام قال: «من حق المؤمن علی أخیه المؤمن أن یشبع جوعته، ویواری عورته، ویفرج عنه کربته، ویقضی دینه، فإذا مات خلفه فی أهله وولده»((4)).

لا تذل المرؤوس

ص:434


1- غرر الحکم ودرر الکلم: ص390 ح8956
2- غرر الحکم ودرر الکلم: ص341 ح7800
3- الکافی: ج3 ص288 ح1
4- الکافی: ج2 ص169 ح1

لا یحق للمدیر أن یذل المرؤوسین، فإن لکل رجل أهمیته الخاصة، لیس کعضو فی مجموعة بشریة أو کمواطن فقط، وإنما أیضاً کأخ وإنسان، ولذلک فإنه یرفض العبودیة والذل، یقول الإمام أبو عبد الله علیه السلام: «إن الله فوَّض إلی المؤمن أموره کلها ولم یفوض إلیه أن یکون ذلیلاً، أما تسمع قول الله عزوجل یقول: )وَلِلّهِ الْعِزّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِینَ(((1)) فالمؤمن یکون عزیزاً ولا یکون ذلیلاً، إن المؤمن أعز من الجبل، إن الجبل یُستقل منه بالمعاول والمؤمن لا یستقل من دینه شیء»((2)).

ومع ذلک فإن الفرد لا یکره الخدمة والعمل، بل یجد فیها إرضاء لغریزة الإخلاص فیه، شریطة أن یکون متأکداً من احترام رئیسه وتقدیره وثقته به ومعاملته له کرجل، ویشعر المرؤوس فی حدیث رئیسه الذی یعترف بشخصیته، بأن فی کلامه نداء الأخوة الإنسانیة، وقد قالها الإمام علی علیه السلام: «لا یسود من لا یحتمل إخوانه»((3))، رغم فوارق الرتبة والمعلومات، فتخفف اللهجة المهذّبة من قسوة الملاحظة وتجعلها مقبولة للاندفاع فی تنفیذ الواجب.

العمال والتقدم الصناعی

العمال ضحایا التقدم الصناعی، ومن هنا قد تخلق لدیهم حالات نفسیة تدفعهم إلی الثورات الجامحة لشعورهم بأن الآلات الحدیثة سلبت منهم فرص العمل، فیجب إفهامهم بأنها تکون من أجل مساعدتهم وسرعة إنتاجهم، فمن احترم کرامة العمال وشخصیاتهم، وعاملهم کرجال لا کآلات، شارک فی حل أکبر مشکلة اجتماعیة تهدد العالم المتمدن ببشاشة وسعة صدر، فالرجل الکئیب أو الغضوب رجل مریض، وقد صدق أمیر  المؤمنین علیه السلام  حین قال: «عقوبة الغضوب والحقود والحسود تبدأ

بأنفسهم»((4)). فالقیمة العملیة أقل من القیمة الإنسانیة، فإن «قدر الرجل علی قدر همته، وصدقه علی قدر مروءته، وشجاعته علی قدر أنفته، وعفته علی قدر

ص:435


1- سورة (المنافقون): 8
2- الکافی: ج2 ص63 ح1
3- غرر الحکم ودرر الکلم: ص420 ح9629
4- غرر الحکم ودرر الکلم: ص303 ح6872

غیرته»((1)) کما یقول أمیر  المؤمنین علیه السلام.

التفاهم

کونوا المصغین الجیدین والسامعین الصالحین لمن تدیرونه، وقد قیل فی الحکمة:

«إنما منزلة من یسمع بأذنیه ما لا یعی قلبه بمنزلة من یقدح النار فی الماء فلا ینال منه حاجته»((2))، وشجعوا الطرف الآخر علی التکلم عن نفسه وشؤونه بثقة عالیة.

علی المسؤول أنْ لا یتکلم سریعاً فی الاجتماعات، فقد لا یستطیع من لا یتقن فنّ الإنصات معرفة ما یدور فی الاجتماع.

 کما ورد عن أمیر المؤمنین علیه السلام: «التروی فی القول یؤمن الزلل»((3)).

وقال علیه السلام أیضاً: «التثبت فی القول یؤمن العثار والزلل»((4)).

الإقناع بالأسلوب الجماعی

إیجاد التفاهم المطلق ضمن المجموعات الکبیرة أمر قد یکون محالا، إذ یکتسب کل فرد فیها روحاً من العصبیة تجعله فی تنافس دائم مع الأفراد الآخرین، وهنا یأتی دور الرئیس الذی یقنع الجمیع بأن کل جماعة، لیست سوی جسد واحد کثیر الأعضاء، إذا اشترکت فی العمل استقام الجسد، وإن تخاصمت أدت إلی فنائه، ویدل علی ذلک قصة الرماة الذین أمرهم رسول الله صلی الله علیه و آله فی غزوة أحد أن لا یبرحوا أماکنهم قائلاً لهم: «لا تبرحوا مکانکم فإنا لن نزال غالبین ما ثبتم بمکانکم»((5))، ولکنهم حین لم ینفذوا أمر الرسول صلی الله علیه و آله وترکوا أماکنهم فکانوا سبب انهزام المسلمین بأجمعهم، رغم أن عدد المسلمین کان خمسة آلاف - وفی روایة ثمانیة آلاف - مقاتل وهؤلاء الرماة کانوا خمسین رامیاً لا غیر، فانظر کیف أدی تکاسل هؤلاء القلة إلی انکسار هذا الجیش الکبیر.

عن الإمام أبی عبد الله الصادق علیه السلام قال: «المؤمنون فی تبارهم وتراحمهم

ص:436


1- مستدرک الوسائل: ج8 ص222 ح9307
2- الاختصاص: ص335
3- غرر الحکم ودرر الکلم: ص211 ح4072
4- غرر الحکم ودرر الکلم: ص211 ح4073
5- بحار الأنوار: ج20 ص23

وتعاطفهم کمثل الجسد إذا اشتکی عضو تداعی له سائره بالسهر والحمّی»((1)).

مناقشة الأفکار

ناقشوا أفکار مساعدیکم واستمعوا إلیها، ولا ترفضوها قبل الدراسة والتمحیص کما قال الله عزوجل فی کتابه الکریم: )الّذِینَ یَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَیَ-تّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَ-َئِکَ الّذِینَ هَدَاهُمُ اللّهُ وَأُوْلَ-َئِکَ هُمْ أُوْلُو الألْبَابِ(((2))، فالجماعة قد یصیبها الفشل نتیجة عناد المسؤول، ورفضه الاستماع إلی آراء الآخرین، وهی معرضة للوقوع فی سلسلة الروتین والانکماش فی العمل.

احترام الرأی الآخر

وافقوا خصومکم علی آرائهم بقناعة، واحترموا الرأی الآخر، وإیاکم وتسفیهه، فإنه باحترامکم لآرائهم سیبادلونکم الاحترام والاهتمام، قال الإمام السجاد علیه السلام فی تعداد الحقوق: «وأما حق خصمک الذی تدَّعی علیه فإن کنت محقاً فی دعواک أجملت مقاولته ولم تجحد حقه، وإن کنت مبطلاً فی دعواک اتقیت الله عزَّوجلَّ وتبت إلیه وترکت الدعوی»((3)).

بیان الهدف

أظهروا هدف أعمالکم باجتماعات وتعلیمات واتصال شخصی، وحددوا مسؤولیة کل فرد فیه، حتی لا یشعر مساعدوکم بأنهم مجرد آلات، فیفقدوا اهتمامهم وحماسهم.

المسؤول الناجح

یحاول المسؤول الناجح أن یفهم فکرة رؤسائه، فیراعی آراءهم الشخصیة أثناء تنفیذ أوامرهم الخاصة بالنفع العام، والخروج عن هذه القاعدة مخالفة تسبب فوضی تزداد بازدیاد أهمیة المخالف.

ضع نفسک مکانهم

ص:437


1- مستدرک الوسائل: ج12ص424ح14506
2- سورة الزمر: 18
3- من لا یحضره الفقیه: ج2 ص623 ح3214

ضعوا أنفسکم فی موضع زملائکم کما ورد فی وصیة أمیر  المؤمنین علیه السلام لابنه محمد بن الحنفیة: «أحسن إلی جمیع الناس کما تحب أن یحسن إلیک، وارض لهم ما ترضاه لنفسک، واستقبح من نفسک ما تستقبحه من غیرک، وحسّن مع جمیع الناس خلقک، حتی إذا غبت عنهم حنّوا إلیک، وإذا مت بکوا علیک وقالوا إنا لله وإنا إلیه راجعون، ولا تکن من الذین یقال عند موته الحمد لله رب العالمین»((1)). وحتی تقدروا علی فهمهم بشکل أفضل، وتکتشفوا أحسن الحجج للدفاع عن فکرتهم، ویتطلب التفاهم المتبادل محاولة فهم الآخرین، وإجهاد النفس فی إفهامهم.

لا لسوء التفاهم

علی المدیر الناجح أن لا یجعل سوء التفاهم الناتج عن الدقائق البسیطة یتفاقم، وخاصة إذا کانت الفکرة العامة مشترکة، فغالباً ما یکون الاختلاف علی التفاصیل والجزئیات بالرغم من وحدة المبدأ والأساس، فلا ینبغی لأحد أن ینتقد أخطاء زملائه الذین حاولوا ففشلوا وجربوا فأخطأوا، ولیعلم هؤلاء المنتقدون بأن من لا یعمل لایخطئ، یقول أمیر  المؤمنین علیه السلام: «العاقل من وعظته التجارب»((2))، ونقد الأفعال بالأفعال أفضل من نقد الأفعال بالأقوال فقط، والإمام علی علیه السلام یقول: «من طابق سره علانیته ووافق فعله مقالته فهو الذی أدی الأمانة وتحققت عدالته»((3))، وإذا سادت فی الجماعة عادة الانتقاد المتکرر، وأهمل کل شخص عمله، والتفت لمراقبة أخطاء الآخرین، فإن ذلک یسبب توتر أعصاب العاملین ویقلل إنتاجیة العمل.

تحری طریق العقل

إنَّ علی المدیر تحری طریق العقل دائماً، وهو یتلخَّص ب-:

1- التعقل: کما عن الإمام أمیر  المؤمنین علیه السلام قال: «أفضل حظ الرجل عقله، إن ذل أعزه، وإن سقط رفعه، وإن ضل أرشده، وإن تکلم سدده»((4)).

2- التوکل: کما عن رسول الله صلی الله علیه و آله فی خبر المعراج أنه قال: «یا رب أی

ص:438


1- من لا یحضره الفقیه: ج4 ص384 ح5834
2- غرر الحکم ودرر الکلم: ص444 ح10151
3- غرر الحکم ودرر الکلم: ص211 ح4069
4- غرر الحکم ودرر الکلم: ص50 ح306

الأعمال أفضل؟ فقال الله عزوجل: یا أحمد لیس شیء أفضل عندی من التوکل علیّ والرضا بما قسمت»((1)).

3- التوسل: کما ورد عن الإمام أمیر  المؤمنین علیه السلام قال: «توسل بطاعة الله تنجح»((2)). وکما عن أبی جعفر الصادق علیه السلام عن آبائه علیهم السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «من أراد التوسل إلیَّ وأن تکون له عندی ید أشفع له بها یوم القیامة فلیُصلِّ علی أهل بیتی ویدخل السرور علیهم»((3)).

للتفوق ضریبة

للتفوق ضریبة یدفعها المتفوق من وقته ونفسه وراحته وأعصابه وکل ما یملک، ولیس النجاح الآنی غایة یقف بعدها کل عمل، بل یلزم أن یزداد الجهد للنجاح المطلق أو ما یتلوه.

لا تجادل

تجنبوا الجدل، فإنّ الطریقة الوحیدة للفوز بثقة الناس هی أن تلتزموا بالمنطق السلیم، کما ورد عن الإمام علی علیه السلام: «من وثق بإحسانک أشفق علی

سلطانک»((4)).

ومعظم الناس متحیزون، تسیرهم عواطف غارقة فی الغیرة والحسد والشک والخوف والغرور ولا یحب أن یتبدل أو أن یتغیر، فإن الإنسان یکره الصدق الذی ینعکس سلبیاً علی ما حصل ل-ه، یقول أمیر  المؤمنین علیه السلام: «أقْصَدُ العلماء للمحجة الممسکُ عند الشبهة، والجدل یورث الریاء، ومن أخطأ وجوه المطالب خذلته

 

ص:439


1- مستدرک الوسائل: ج11 ص220 ح12796
2- غرر الحکم ودرر الکلم: ص183ح3456
3- وسائل الشیعة: ج7 ص203 ح9115
4- غرر الحکم ودرر الکلم: ص343 ح7879

الحیل»((1)).

الهدوء

یتمثل ردّ فعل المدیر البسیط عند المتاعب بالشکوی والتألم والغضب، تلک الأمور التی تبدد القدرة دون جدوی، أما ردّ فعل المدیر العملی الناجح فهو الهدوء، والنظرة الموضوعیة، واعتبار الصدمة نقطة بدء جدیدة لعمل أفضل.

التطبیق العملی

الفکرة الحسنة والأهداف العالیة أمور جیدة، ولکنها لا تکفی إذا بقیت فی حیّز الأفکار والأحلام، بل یلزم علینا نقلها إلی الواقع، حتی لا یکون بین الأفکار المثالیة وبین الحیاة العملیة هوّة کبیرة. وقد کان الإمام الصادق علیه السلام یقول:«ما ضعف بدن عما قویت علیه النیة»((2)).

القول وحده لا یکفی

لا تلائم مهنة القیادة من یتکلم جیداً فحسب، الذی یعتقد بأن حل الأمور بالأقوال دون الأفعال، قال الإمام الباقر علیه السلام: «ثلاث قاصمات الظهر: رجل استکثر عمله، ونسی ذنوبه، وأعجب برأیه...»((3))، فهؤلاء یتناسون بأن من یزرع الأقوال فقط لا یحصد إلاّ الأوهام، وقد ذم الله سبحانه وتعالی هذه الصفة فقال: )کَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللّهِ أَن تَقُولُواْ مَا لاَ تَفْعَلُونَ(((4)) کما وذمَّ من یتصفون بهذه الصفة فقال عز من قائل: )أَلَمْ تَرَ أَنّهُمْ فِی کُلّ وَادٍ یَهِیمُونَ * وَأَنّهُمْ یَقُولُونَ مَا لاَ یَفْعَلُونَ(((5)) لذا تتطلب مهنة القیادة الانسجام مع الواقعیة، لأن عدم الانسجام مع الواقع یؤدی إلی فقدان زمام الأُمور وإلی عقبات جسیمة لا یستطیع المسؤول تحملها إن کان من الحالمین الذین یبنون قصوراً من رمال.

لا للتشاؤم

ص:440


1- بحار الأنوار: ج75 ص81
2- وسائل الشیعة: ج1 ص53 ح106
3- مشکاة الأنوار: ص226
4- سورة الصف: 3
5- سورة الشعراء: 225-226

کذلک لا تلائم مهنة القیادة المتشائمین، الذین لا یرون إلاّ الجانب السلبی للرجال والحوادث، وتعمی أبصارهم عن رؤیة الجوانب الإیجابیة.

لا للتفاؤل الأعمی

لا تلائم مهنة القیادة المتفائلین المتهورین، الذین یقودهم فرط ثقتهم بالناس بدون تمییز إلی الوقوع بالمشاکل.

القدیم والتغییر

علی المسؤول أن لا یتمسک بالقدیم تمسکاً جامداً، کما إن علیه أن لا یقلب کل شیء عند استلامه زمام الأمور لمجرد التغییر والتطور، فقد یکون فی أعمال السلف أشیاء کثیرة معقولة یمکن الاستفادة منها والبناء علیها، کما إن علیه أن یحتفظ لنفسه دائماً بحق التبدیل والتطور الذی یقبله المنطق، وتظهر الدراسة والتجربة فائدته، وأن یبقی علی احتکاک دائم مع الواقع، حتی یعدّل مشاریعه حسب تطورات الحیاة وحسب الشروط التی تفرضها الحوادث علیه، لأن من اعتبر تنظیمه غیر قابل للتعدیل استسلم للروتین، وغدا تائهاً بین الحقیقة والخیال، ویفقد قیمته فی اللحظة التی یعجز فیها عن تجدید أفکاره أو مشاریعه، فالعمل بحاجة دائمة للتجدید لأنه یبدأ غالباً باندفاع کبیر یخف مع الزمن، حتی یغدو روتینیاً إذا لم یسعفه التجدید.

الواقعیة

تعنی الواقعیة الابتعاد عن النظریات الروتینیة، إذ إن لکل حالة ملابساتها ولکل مشکلة حالتها، فیلزم دراسة کل حالة وفق معطیاتها، وما تطبیق الحلول الجاهزة من دون دراسة سوی تخریب یقوم به من لا یجرؤ علی التفکیر والإبداع، ویقلد تقلیداً أعمی، ویطبق الروتین، مضیعا بذلک جهوداً هائلة للحصول علی نتائج هزیلة أو مشاریع فاشلة.

رؤیة الحقیقة

علی المسؤول أن یری الحقیقة بوضوح ودقة، لأن رؤیة الأمور کما یریدها أن تکون ولیس کما هی فی الحقیقة یسیء إلی أحکامه وتصرفاته وقراراته، فالحکمة أن

ص:441

لانکتفی بما یقال لنا، بل النظر بأنفسنا، وقد ورد عن الإمام أمیر  المؤمنین علی علیه السلام: «لیس بین الحق والباطل إلاّ أربعة أصابع»((1)).

الواقعیة الصحیحة

هنالک کثیر من العبقریات الإداریة والاقتصادیة وغیرها، عاشت فی جو من النظریات والأفکار، ولم تحتک مع حقائق الناس العملیة، فأضاعت بذلک قدرتها علی الحکم السدید، لذا یتطلب حل المعضلات إلهاماً ولیونة وتلاؤماً مع الواقع، ونظرة شمولیة، وثقافة عامة کافیة لتفهم کل شیء، وترکیزاً ذهنیاً لجمیع العلاقات والروابط القریبة والبعیدة. فالواقعیة الصحیحة هی تفهم الأمر ومقارنته مع غیره، بغیة معرفة قیمته النسبیة حتی لا نهمل أهمیته أو نضعفها، وتعیین العلاقات البعیدة والقریبة التی تجمعه مع غیره.

قواعد ثابتة

هنالک قواعد نفسیة واجتماعیة یعتبرها ذوو الفکر المحدود غیر قابلة للتعدیل، متناسین أن تعدیلها ممکن إذا ما تغیرت ظروف المشکلة المعروضة، ومتجاهلین أن القواعد الثابتة لا تکفی لحل المعضلات المتغیرة.

المقتضیات الزمنیة

إن المدیر الناجح هو الذی یراعی المقتضیات الزمنیة، فلیس من المعلوم أن الأسلوب الماضی هو الناجح فی هذا الیوم، فالمسؤول الناجح لا یقول: هذا ما وجدنا علیه من کان قبلنا، فینطبق علیه قول-ه تعالی: )وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَیْهَآ آبَاءَنَا وَاللّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنّ اللّهَ لاَ یَأْمُرُ بِالْفَحْشَآءِ أَتَقُولُونَ عَلَی اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ(((2))، فالماضی مفید فی تفسیر الحاضر وتوضیح خطوطه، ولکنه لا یستطیع إیقاف من یود بناء مستقبل أفضل.

الرؤیة العادلة

هنالک من لا یری إلاّ المتاعب، وهنالک من یتجاهلها، والأفضل رؤیة المحاسن

ص:442


1- نهج البلاغة: الخطب 141
2- سورة الأعراف: 28

والمساوئ علی حقیقتها، واستنباط القوة من الأولی لقهر الثانیة، فإن «صدیق کل امرئ عقله وعدوه جهله»((1)) کما یقول أمیر  المؤمنین علیه السلام، والرجل الواقعی هو من رأی الطریق القویم عند الأحداث الطارئة منذ أول نظرة، واتخذ القرارات الجدیدة الملائمة للمواقف الجدیدة، والواقعیة صنع أشیاء جدیدة قابلة للاستعمال من أشیاء غیر قابلة للاستعمال، وکما قال الإمام أمیر المؤمنین علی علیه السلام: «امخضوا الرأی مخض السقاء ینتج سدید الآراء»((2)).

النظرة الثاقبة

نجاح الرئیس وفشله یتعلق بصدق حدسه، وحسن تنبؤاته، وعمق النظرة الثاقبة التی یلقیها نحو المستقبل، وعلیه أن لا یعمل لیومه بل لیومه ولغده، وقد روی عن الإمام الحسن السبط علیه السلام أنه قال: «اعمل لدنیاک کأنک تعیش أبداً، واعمل لآخرتک کأنک تموت غداًُ»((3))، فیتنبأ بما ینجم عن قراراته فی المستقبل البعید، ویتوقع ما سیصادفه من متاعب وعقبات فی مختلف الظروف المحتملة، دون أن یؤثر ذلک علی اندفاعه أو یقلل من حماسه،فالعبقریة لیست سبباً استکشافیاً لما یجب عمله فی الظروف الحرجة غیر المتوقعة بالنسبة للآخرین، ولکنها التحضیر والتفکیر المسبقان، وردود الفعل الناجمة عنهما.

إن الرئیس الذی لا یتنبأ بالمتاعب، ولا یضع الحلول للمشاکل، عبارة عن رجل أعمال بسیط، یحد من نشاطه التخوف والتردد والروتین ولا یتمکن من تنظیم مخطط أو منهج أو رسم خط رجعة یسهّل مهمته عند الطوارئ. ولکن کلما کانت صورة المستقبل التی یرسمها أکثر وضوحاً کلما ازدادت فرصة تحولها إلی حقیقة، والحکمة العربیة المشهورة تقول: (وإن غداً لناظره قریب).

العلم الکثیر

العلم أساس من أسس الإدارة الناجحة ودعامة من دعائمها، فإن «رأس الفضائل

ص:443


1- غرر الحکم ودرر الکلم: ص50 ح312
2- غرر الحکم ودرر الکلم: ص421ح10062
3- مستدرک الوسائل: ج1 ص146 ح220

العلم»((1)) کما یقول أمیر  المؤمنین علیه السلام، ویقول أبو عبد الله علیه السلام: «اغدُ عالماً أو متعلِّماً أو أحب أهل العلم ولا تکن رابعاً فتهلک ببغضهم»((2)).

وتزداد القیمة المعنویة للرئیس بازدیاد معلوماته، فعلیه أن ینمیّها لیکون أهلاً لخدمة الهدف بشکل أفضل، فمعرفة القائد بالإدارة والتوجیه والتنظیم والمراقبة لتأمین سیر المهمة والوصول إلی الهدف هی معلومات تسمح له بتقدیر أهمیة الحوادث وانتهاز الفرص، ودراسة نفسیة المرؤوسین وطریقة قیادتهم، والدراسة المیدانیة ضرورة کما هو واضح.

ومن کان صناعیاً فقط کان صناعیاً ضعیفاً ومن کان أمیاً کان إنساناً فاشلاً، والرجل المتکامل هو من ملأ عمله بالعلم، وعلّم نفسه کل شیء شریف، لیکون أهلاً للقیادة. قال أمیر المؤمنین علیه السلام: «تعلموا العلم، فإن تعلمه حسنة، ومدارسته تسبیح، والبحث عنه جهاد، وتعلیمه لمن لا یعلمه صدقة، وهو أنیس فی الوحشة، وصاحب فی الوحدة، وسلاح علی الأعداء، وزین الأخلاء، یرفع الله به أقواماً، یجعلهم فی الخیر أئمة یقتدی بهم، ترمق أعمالهم، وتقتبس آثارهم، ترغب الملائکة فی خلتهم، یمسحونهم بأجنحتهم فی صلاتهم، لأن العلم حیاة القلوب، ونور الأبصار من العمی، وقوة الأبدان من الضعف، وینزل الله حامله منازل الأبرار، ویمنحه مجالسة الأخیار، فی الدنیا والآخرة، بالعلم یطاع الله ویعبد، وبالعلم یعرف الله ویوحد، وبالعلم توصل الأرحام، وبه یعرف الحلال والحرام، والعلم إمام العقل والعقل تابعه، یلهمه الله السعداء، ویحرمه الأشقیاء»((3)).

قدرة اتخاذ القرار

لیست الثقافة العامة معرفة کل شیء، أو معرفة القلیل من کل شیء، ولکنها استیعاب الأشیاء وتفهمها بصورة عامة للتمکن من إعطاء القرار الصحیح، فالمعرفة هی مجموعة مفاهیم عامة ومعلومات کافیة لإدارة مختلف الأعمال وتنظیمها، کما

ص:444


1- غرر الحکم ودرر الکلم: ص41 ح16
2- الکافی: ج1 ص32 ح3
3- بحار الأنوار: ج1 ص166 ح74

یقول أبو عبد الله علیه السلام: «من عرف دلَّتْهُ المعرفة علی العمل»((1))، ولکنها بعیدة عن التخصص الفنی الدقیق الذی تمتاز به معارف المنفذین المختصین، فلا یمکن أن نتوقع من الرئیس العلم کله، إنما الفکرة العامة عن الأمور، فإذا ما کان لدیه مواهب تقنیة خاصة، واستخدمها بإتقان، قدم للعمل کثیراً من الفائدة، أما إذا انکمش علی هذه المواهب واهتم بالجزئیات، فقد قیمته کرئیس وأصبح مجرد روتینی فقط.

العمل برغبة

مهما کان نوع الهدف الذی یعمل الرئیس لأجله، فهنالک ساعات یشعر فیها بأن الأعمال الیومیة مضنیة وثقیلة، ویحس فیها ببعض المرارة الناجمة عن الفشل، ولکن علیه أن یعرف دائماً بأن جهده غیر ضائع، وأن تعثره غیر نهائی، فالنجاح مقرون بالعمل المدفوع برغبة، والموجه بشکل حسن، فإن «من ساء تدبیره تعجل تدمیره»((2)) کما یقول الإمام علی علیه السلام، وما یسمیه البعض (حظاً) هو ثمرة عمل طویل مسبق، وإرادة حازمة للوصول إلی هدف.

ضبط النفس

فعالیة الرئیس وجهده فی ضبط نفسه یهیئان له جواً حسناً لفرض سیطرته، قال الإمام أمیر  المؤمنین علیه السلام:«مجاهدة النفس شیمة النبلاء»((3)).

وقال الإمام الصادق علیه السلام: «من ملک نفسه إذا رغب وإذا رهب وإذا اشتهی وإذا رضی حرَّم الله جسده علی النار»((4)).

الجهد المتواصل

الجهد مفتاح الحلول، ونبع الإمکانات، وخیر وسیلة لمنع الرغبات الأنانیة من السیطرة علی الشخصیة، قال الإمام أمیر  المؤمنین علی علیه السلام: «من طلب شیئاً ناله أو بعضه»((5)).

الاعتراف بالخطأ

ص:445


1- الکافی: ج1 ص44 ح3
2- غرر الحکم ودرر الکلم: ص354 ح8091
3- غرر الحکم ودرر الکلم: ص280 ج2 ح44
4- وسائل الشیعة: ج15 ص162
5- غرر الحکم ودرر الکلم: ص444ح10133

الاعتراف بالخطأ هو انتصار المرء علی نفسه، قال الإمام أبو جعفر علیه السلام: «التائب من الذنب کمن لا ذنب له، والمقیم علی الذنب وهو مستغفر منه کالمستهزئ»((1))، وقد قیل قدیماً: (الاعتراف بالخطأ فضیلة)، وقال أمیر  المؤمنین علیه السلام: «إن الندم علی الشر یدعو إلی ترکه»((2))، وحصول الإنسان علی الاستقلال الفکری الداخلی غیر المرتبط بأقوال محفوظة عن ظهر قلب، هو الحریة الحقة، وإذا کانت عبودیة الفرد للفرد قسوة، فإن عبودیة الفرد لنفسه إجرام. وهل کانت جریمة إبلیس (لعنة الله علیه) إلا أنه عبد نفسه حین قاسها بنفس آدم علیه السلام وقال: )خَلَقْتَنِی مِن نّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِینٍ(((3))، فاستحق بذلک لعنة الله ولعنة اللاعنین إلی یوم الدین. وإذا أخطأتم فاعتذروا بسرعة، کما ورد عن الإمام أمیر  المؤمنین علیه السلام: «ما أذنب من اعتذر»((4)) فهذا هو الأسلوب الذی لا یسفر عن نتائج غیر مرضیة فحسب، بل فیه متعة وشعور بالبهجة، أکثر بألف مرة مما فی مبادرات الدفاع عن النفس والإصرار علی الخطأ.

لا للخداع

لا یمکن للمسؤول أن یخدع مرؤوسیه طویلاً، ولابد أن تکشفه الأیام والنوائب، فإن کان متواضعاً أمام نفسه بقی قویاً أمام الآخرین، وإن کان صادقاً استطاع أن یطلب الصدق من الآخرین، یقول أمیر  المؤمنین علیه السلام: «السفلة إذا تعلموا تکبروا، وإذا تمولوا استطالوا، والعلیة إذا تعلموا تواضعوا، وإذا افتقروا صالوا»((5)).

إذا خدع المسؤول مرؤوسه بصفات ومزایا لا یملکها، أو أعطاه وعوداً لا یستطیع تنفیذها، فاکتشف المرؤوس هذا الخداع، انقلب احترامه إلی کراهیة وحقد، وتذکر قول الإمام علی علیه السلام: «غدر الرجل مسبة علیه»((6)).

مدیر متواضع

لا یکذب الموظفون - عادة - علی مسؤولهم المتواضع، بل یفتحون ل-ه قلوبهم،

ص:446


1- الکافی: ج2 ص435 ح10
2- الکافی: ج2 ص427 ح7
3- سورة ص: 76
4- مستدرک الوسائل: ج12 ص127
5- شرح نهج البلاغة: ج20 ص290 قصار الحکم 321
6- غرر الحکم ودرر الکلم: ص253 ح5317

ویعترفون ل-ه بضعفهم لیکون لهم طبیباً، فإن «ثمرة التواضع المحبة»((1)) کما یرشدنا أمیر  المؤمنین الإمام علی علیه السلام.

لا تلق بأخطائک علی الآخرین

علی المسؤول أن لا یلقی مسؤولیة أخطائه علی أکتاف مرؤوسیه، قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «کل ابن آدم خطأ وخیر الخطائین التوابون» بل یعتبر نفسه مسؤولاً عن أخطائهم وتصرفاتهم، غیر ناسٍ بأن الأخطاء قد تنجم عن إهمال المرؤوس، کما قد تنجم عن المبالغة فی الطلبات، وعدم کفایة توجیهه ومراقبته.

لا تعجل بالعقوبة

علی المدیر أن لا یستعجل بعقوبة المرؤوس، فإن الخطأ إذا کان ناتجاً عن خطیئة الفرد وإهماله، وکان المرؤوس ذا وجدان حی یمنعه من مغالطة نفسه وعدم اعترافه بالحقیقة، فلا حاجة إلی التأنیب أو التقریع، یقول أمیر  المؤمنین علیه السلام: «لا تعاجل الذنب بالعقوبة واترک بینهما للعفو موضعا تحرز به الأجر والمثوبة»((2))، وتکفی الإشارة له أن الخطأ لن یمر دون ملاحظة، مع الثقة بضمیره الحی وحسن نیته باعترافه بخطئه ومحاولة إصلاحه، بدلاً من الإصرار علی التأنیب، حتی لا یندفع إلی البحث عن مخارج وأعذار یدافع بها عن نفسه، فیقتنع فی النهایة بأعذاره وینقم من الواقع.

الصراحة والتهذیب

الصراحة بین المسؤولین أساس کل عمل، شریطة أن لا تکون قاسیة وجارحة، ولقد أثبتت التجارب أن العمل والتعاون مع الآخرین یتطلب تهذیباً رفیعاً، بعکس ما یعتقد البعض بأن العمل المشترک یجعلنا فی حل من التقالید.. فالتعاون أساس النجاح للجماعات، التی تعمل لهدف سام، فإذا ما حاول أفرادها إظهار أخطاء بعضهم، والارتقاء علی أکتافهم، تحطمت وحدتهم وفشلوا فی أداء مهمتهم.

التعاون

علی المدیر الناجح أن یخطط للتعاون والعمل المشترک مع المرؤوسین، فإن ساعة

ص:447


1- غرر الحکم ودرر الکلم: ص249 ح5197
2- غرر الحکم ودرر الکلم: ص246 ح5058

من التعاون والعمل المشترک أفضل فی تدریب الجماعة من سیل منهمر من التعلیمات والأوامر، للقیام بدراسة مشترکة معهم فی حل قضایا ومعضلات عملیة تلاقیهم أثناء العمل، قال الإمام أمیر  المؤمنین علیه السلام: «ألزموا السواد الأعظم فإن ید الله مع الجماعة وإیاکم والفرقة، فإن الشاذ من الناس للشیطان کما أن الشاذ من الغنم للذئب...»((1)).

وإن الأخطاء تتضاءل حتی تکاد تنعدم عندما ینمو الشعور الجماعی والإحساس بالمسؤولیة الجماعیة، وعندما یؤمن کل فرد بأن الضرر الناجم عن الأخطاء تتکفله المجموعة بأکملها، فتتماسک المجموعة عندئذ ویدعم بعضها البعض الآخر، وکأنهم رجال یتسلقون الجبل وقد ربطوا أنفسهم بحبل واحد، فهم یرتقون متساندین نحو الذروة، یدعم قویهم الضعیف حتی لا یسقط إلی الهاویة، قال عزوجل:

)وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِیعاً(((2)).

وقال أبو عبد الله علیه السلام: «الله فی عون المؤمن ما کان المؤمن فی عون أخیه»((3)).

ویقول الشاعر:

کم یسر الحزم أمراً بعدما امتنعا

تعاونوا وخذوا للأمر عدته

تقسیم الأعمال

المدیر الناجح هو الذی یقوم بتقسیم الأعمال، فکل یتحمل مسؤولیته، ولکن المفروض أن لا یؤدی تقسیم الأعمال إلی نسیان فکرة العمل الجماعی، وعلی فروع المؤسسة الواحدة أن تتناسی أنانیّاتها، وأن تتعاون بصدق لیکون هنالک جهد واحد قوی موجّه یصبّ فی مجری واحد، ولیس مجموعة جهود مبعثرة وعقیمة، وعلینا أن لاننسی بأن الإنسان العادی أنانی بطبعه، یری الأمور بمنظار منافعه الشخصیة، أما الإنسان العقائدی، فهو من یستطیع کبح غرائزه حتی یتوصل إلی نکران الذات فی سبیل المصلحة العامة أو الهدف الجماعی، والمسؤول العاقل هو مَن جعل رجاله العادیین أشخاصاً عقائدیین، یؤمنون بالأفکار النبیلة ویضحّون بأنفسهم من أجلها،

ص:448


1- نهج البلاغة: الخطب 127
2- سورة آل عمران: 103
3- الکافی: ج2 ص200 ح5

وفی هذا وذاک یقول الله جل جلاله: )قَالَ مَا مَکّنّی فِیهِ رَبّی خَیْرٌ فَأَعِینُونِی بِقُوّةٍ أَجْعَلْ بَیْنَکُمْ وَبَیْنَهُمْ رَدْماً(((1)).

الاجتماعات الناجحة

تؤدی الاجتماعات الناجحة إلی أحسن النتائج، إنها تقلل المفاجآت والتردد والأخطاء وتصادم الاتجاهات وتبذیر الجهود، وهی تبنی الثقة المتبادلة، وتؤمن تفهّم التوجیهات والأوامر بسرعة، وتعطی القائد فرصة للتخطیط ومعرفة نتائج الخطط الماضیة، کما تسمح له بتوجیه أفراده وتعلیمهم بأحدث التعلیمات.

إن اجتماع رؤساء المصالح خیر مناسبة لمعرفة النتائج الحسنة، وکشف الأخطاء وإصلاحها فی جو مشبع بفکرة البناء، شریطة تجنب الانتقادات الشخصیة، وعدم الاستغراق فی أمور شکلیة لا تقدم ولا تؤخر، وتبدأ الإصلاحات غالباً بالأخطاء الأکثر شیوعاً وتردداً من أجل الوصول إلی عمل مثالی متقن.

روح التفاهم والعمل الجمعی

لا یکفی العمل بصورة جماعیة لإیجاد التفاهم التام وروح الجماعة، إن هذه الروح بحاجة إلی حرث وبذار وسقایة ورعایة بصورة مستمرة، ویجب التخلی عن الصدامات والأعمال المتضاربة، والاستعانة بالتفاهم.

الروابط العمیقة

إن أفراد أی مجموعة إنما هم رجال تجمعهم رابطة عمیقة، ویعملون فی خدمة هدف واحد یشعرون نحوه برغبة فی التضحیة، ویتقاسمون الواجبات کلاً حسب إمکاناته وقدرته وکفاءته، إنهم لا یعملون فی خدمة أشخاص بل یخدمون مُثُلاً علیا فی المجتمع.

تعاون المدراء

إذا لم یتعاون رؤساء المصالح تعرقل العمل، وتعطلت المصلحة العامة، وینعکس

ص:449


1- سورة الکهف: 95

ذلک علی المرؤوسین ویفقدون الثقة فیهم، لأنهم عاجزون عن التفاهم فیما بینهم، یقول الإمام علی علیه السلام: «من خان وزیره فسد تدبیره»((1))، إذ یتطلب عمل الجماعة ثقة مطلقة بین کافة أعضائها، ثقة بکفاءتهم وعدالتهم وإخلاصهم.

ضرورة التنسیق

تقدم الجماعة المردود الجید إذا ساد فیها تعاون تام، ولا یعنی ذلک أن یفعل الجمیع الأعمال ذاتها، وإنما یعنی ضرورة التنسیق فیما بینهم، وعلی کل عضو فی الجماعة أن یکمل عمل رفاقه، مراقباً بانتباه سیر أعمالهم حتی یتلاءم معهم، متناسیاً منفعته الشخصیة، ومندفعاً فی عمله بشکل لا یلحق الضرر بغیره.

التشجیع والنصح

لا یتتبع المسؤول أخطاء مرؤوسیه فحسب، بل یکشف مزایاهم الخفیّة، ویدفعهم إلی تحسینها واستخدامها لمصلحة الهدف الأسمی للحیاة. فالرسول الأعظم صلی الله علیه و آله یقول: «لا تذموا المسلمین ولا تتبعوا عثراتهم فإنه من تتبع عثراتهم تتبع الله عثرته ومن تتبع الله عثرته فضحه ولو فی بیته»((2)).

مع العاملین

بإمکان مسؤول العمل أن یشرح للعامل کیفیة تجنّب الحوادث الخطرة، والعواقب السیّئة التی قد تحصل نتیجة مخالفة الأوامر، وهنا یمکن للمسؤول أن یتصرف بشکلین:

الأول: أن یلجأ إلی تحذیر وتخویف معتدل إذا خالف العامل التعلیمات.

والثانی:  إظهار الثقة بأن یقول: (إننی قد اخترتک لهذه المهمة نظراً لأنها حساسة وخطرة، ولأننی أعتمد علیک فی تنفیذها) علی أن یکون ذلک العامل مؤهلاً لذلک العمل، کما قیل: (الرجل المناسب فی المکان المناسب).

ضرورة المراقبة

الثقة بالعامل لا تلغی مطلقاً ضرورة المراقبة، التی یمکن أن تظهر بشکل مساعدة أو بشکل تحقق من إجادة تنفیذ العمل أولاً، فیزداد اهتمام العامل بأهمیة العمل إذا

ص:450


1- غرر الحکم ودرر الکلم: ص345 ح7929
2- الکافی: ج2 ص355

شعر بإمکانیة تنفیذه، وتأکد أن إتقانه للعمل سیظهر ذکاءه وبداهته وکفاءته.

المدیر المنطقی

ینتظر المرؤوسون أن یکون الرئیس منطقیاً، فلا یطلب منهم إلاّ ما یستطیعون عمله، وما هو بحاجة إلیه فعلاً، دون تحمیلهم فوق طاقتهم، أو عملاً تتجاوز صعوبته حدود إرادتهم.

کما فی القرآن الکریم: )رَبّنَا وَلاَ تُحَمّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ(((1))، و)لاَ یُکَلّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاّ مَآ آتَاهَا(((2))، و )لاَ یُکَلّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَهَا(((3)).

فعلی المدیر الناجح أن یعمل لتنمیة طاقات المرؤوسین وإراداتهم بأسالیب فنیة ومعنویة، تؤهلهم للتغلب علی الصعاب، وتحبّبهم للنجاح، وتدفعهم لمتابعة التقدم فی بذل المجهود الأحسن.

تنشیط الرغبات الحسنة

الکائن البشری له مجموعة من الرغبات المتصارعة، فمن واجب المسؤول المدرّب أن ینشّط فی کل فرد من مرؤوسیه الرغبات الحسنة، وأن یعطّل رغبات الکسل والخوف التی تعتبر شکلاً من أشکال التأخر، ولنستمع إلی الرسول الکریم صلی الله علیه و آله وهو یوصی حبیبه ووصیه أمیر  المؤمنین علیه السلام بقول-ه: «یا علی لا تمزح فیذهب بهاؤک، ولاتکذب فیذهب نورک، وإیاک وخصلتین: الضجر والکسل، فإنک إن ضجرت لم تصبر علی حق، وإن کسلت لم تؤد حقاً، یا علی من استولی علیه الضجر رحلت عنه الراحة...»((4)).

ثمن العظمة

علی المدیر أن یعرف ثمن العظمة، فلیس شیء فی الحیاة  بدون ثمن، ولا ثمار بدون عناء، وتقدّر قیمة الأشیاء بمقدار الجهد المبذول للحصول علیه، ولا شیء یجعل الفرد

ص:451


1- سورة البقرة: 286
2- سورة الطلاق: 7
3- سورة البقرة: 286
4- وسائل الشیعة: ج16 ص22

من العظماء مثل ألم عظیم یتبعه تثمین عظیم، مثل الصائم یتحمل المشقة والألم لیحصل علی رضا الله سبحانه وتعالی.

لا للتقاعس

التقاعس عن العمل تقاعس عن الحیاة، لأن من لا یعمل لا یتقدم، ومن لایتقدم یقف، والواقف زائل من الوجود، قال أبو عبد الله علیه السلام: «العلم مقرون إلی العمل، فمن علم عمل ومن عمل علم، والعلم یهتف بالعمل فإن أجابه وإلا ارتحل عنه»((1))، وکما قال بعض الحکماء: «أربع خصال یُمتن القلب: ترادف الذنب علی الذنب، وملاحاة الأحمق، وکثرة منافثة النساء، والجلوس مع الموتی، قیل له: ومن الموتی؟ فقال: کل عبد مترف فهو میت وکل من لا یعمل فهو میت»((2)) فکل شیء فی الکون متحرک بقدرة الله نحو غایة الوجود والکمال.

حب العمل

إذا أحبّ الإنسان عملاً قام به بهمّة وذکاء، وعلی المسؤول أن یفکر بهذا المبدأ دائماً، ویثیر لدی مرؤوسیه قبل التدریب وأثناءه ثلاث صفات: حبّ العمل، والشعور بالمسؤولیة، وروح الجماعة. فإن عدم توفر هذه الصفات یؤدی إلی الروتین، ویقلل الاندفاع، ویجعل الجهود المبذولة عقیمة بلا جدوی. فإن مَثَل المعلم الذی یرید تعلیم طلابه بلا أن یثیر لدیهم الرغبة بالدروس، کمثل الحدّاد الذی یطرق الحدید بارداً، فلا یبدو أی تأثیر له علیه.

المدیر الموجه

علی المسؤولین أن یکونوا مدرّبین وموجهین، وأن یبیّنوا لکل مرؤوس الإمکانات الکامنة فیه لیصقلها ویشذّبها تحت إشرافهم وتوجیههم، فیؤججوا فیه شعلة من الحماسة والثقة بالنفس تساعده علی القیام بمهمته بشکل أفضل، ویوقظوا إمکاناتهم ویشحذوا هممهم، حتی یری أبسط المنفذین ومن هو أدنی مرتبة قد غدا مبدعاً ببداهة، ومفکراً وفخوراً بنفسه، ومقدراً للمسؤولیة الجسیمة الملقاة علی عاتقه،

ص:452


1- الکافی: ج1 ص44 ح2
2- أعلام الدین: ص154

وقادراً علی حل المعضلات عند اللزوم ووقت الحاجة. یقول أمیر  المؤمنین علیه السلام فی شعر منسوب إلیه:

وداؤک منک وما تنظر

دواؤک فیک وما تشعر

وفیک انطوی العالم الأکبر

وتحسب أنک جرم صغیر

ویلزم أن یؤدی التدریب إلی تنمیة حالة تذوّق العمل المتقن، وبالتالی محبّة العمل الذی قد یعتبر العمل بدونه تبذیراً وإضاعة للجهود.

مساعدة المخطئ

العامل المخطئ بحاجة إلی المساعدة، فعلی المدیر الناجح أن یساعد مرؤوسیه المخطئین، ویبین لهم موقع الخطأ وطرق تلافیه، وأن یحذر تأنیبهم، إن ثبت ل-ه أن عملهم وجدانی وبنیّة حسنة، حتی لا یفقدوا الثقة بأنفسهم، ولیس طیب المسؤول وصبره من دلائل الضعف، بل یساعد جو اللطف والدماثة علی التفاهم والتعاون وتقبل الأوامر والتضحیات، ویجعل بالإمکان تخطی المتاعب والصعوبات بنفس طیبّة ورغبة حسنة.

الانشراح

الانشراح خیر دواء لإزالة توتر الأعصاب فی المآزق، فالکلمة المرحة فی مکانها المناسب وأمام مرؤوسین مهذبین، والاستراحة المفیدة، تجدد النشاط وتخلق الأفکار الجدیدة، لذا علی المدیر أن یکرس خارج أوقات العمل بضع ساعات یقضیها مع مساعدیه، یتحدث فیها بحریة وفی جو من الثقة والصراحة، فیکشف بعض الأخطاء، ویضع النقاط علی الحروف، ویمکن تطبیق ذلک من خلال سفرة ترفیهیة أو مائدة إفطار للعاملین وما أشبه.

مکافأة الأفراد

هنالک رؤساء لا یجشمون أنفسهم مشقة المکافأة أو المدیح، مهما کان عمل المرؤوس جیداً ورأیه مصیباً، تدفعهم إلی ذلک الفکرة الخاطئة التی تعتبر قیام الإنسان بعمله علی أحسن وجه واجباً لا یستحق أی ثناء.

لکن علی المدیر الناجح أن یعرف أن القیام بالمهمة بالشکل الأمثل أمر صعب،

ص:453

والکائن البشری بحاجة إلی تشجیع رؤسائه وتقدیرهم، لیتأکد من أنه یسیر علی الطریق المستقیم، ولیأخذ من تشجیعهم زاداً یعینه علی تخطی الصعوبات. فکم من عبقریات رائعة تحطمت، لأنها لم تجد فی اللحظة الملائمة مسؤولاً صالحاً یثنی علیها بعدل، ویشجع صاحبها بتعقل. ویخلق تقدیر جهد الرجال العزة والکرامة فی نفوسهم، ویدفعهم إلی استخدام کافة مزایاهم فی سبیل المصلحة العامة، ویلطف جو الخدمة القاسی فیصبغه بلون محبب من التفاهم والانسجام.

فإن الموظف کائن بشری، بحاجة إلی التقدیر والثقة والتشجیع لإعطاء مردوده الأقصی. یقول الشاعر:

فأرسل حکیما ولا توصه

إذا کنت فی حاجة مرسلا

فإن القطیعة فی نقصه

وذو الحق لا تنتقص حقه

مع صعوبات العمل

تؤثر الصعوبات فی نفوس الأفراد وأدائهم، وتؤدی بهم إلی التقاعس، ویتلافی الرئیس ذلک مشجعاً رجاله، ومؤکداً لهم أن إتقان عملهم ینتهی إلی النجاح.

اللسان الشاکر

إن من طرق الاستمراریة فی العمل الصالح هو ربط الفکرة المهمة المنفذة جیداً مع ذکریات حسنة وجمیلة، صحیح إن إرضاء الضمیر غایة من غایات العمل الجید، ودافع من دوافعه، ولکن البعض لا یکتفی بذلک، بل یود أن یکون مفهوماً ومشجعاً ومکافأً. و«إذا قصرت یدک عن المکافأة فأطل لسانک بالشکر»((1)) کما یقول أمیر المؤمنین علیه السلام. ویقول العالم علیه السلام: «عجبت لمن یشتری العبید بماله فیعتقهم، کیف لا یشتری الأحرار بحسن خلقه»((2)).

الملاحظة علی العامل

لتکن ملاحظتکم علی المرؤوسین سریعة ومرکزة، لأن الملاحظة السریعة أقل إیلاماً من التذمر المستمر، ویجب أن یفهم المرؤوس أن علیه أن ینفذ الأمر الذی یحمل

ص:454


1- مستدرک الوسائل: ج12 ص356 ح14281
2- مستدرک الوسائل: ج8 ص444 ح9943

المسؤول مسؤولیته، وإن عدم التنفیذ یسبب العقاب.

کما یلزم أن تکون الملاحظة تعلیمیة، وأن تنتهی بنداء مشجع لما فی المرؤوس من مزایا حسنة، حتی لا تخلق عنده مرکبات نقص تدفعه إلی الحذر أو التقاعس أو الکراهیة.

الشعور بالمسؤولیة

إن ما یفرّق الإنسان عن الآلة هو تمتعه بالحریة وبالتالی تحمله للمسؤولیة، وتنمیة إحساس المرؤوسین بالمسؤولیة سبیل ناجح لتنمیة قابلیاتهم نحو الجهد الأحسن.

أوکل الأمر إلیهم

یتحمس الرجال للمهمات إذا أوکلت إلیهم وکأنّها خدمة اجتماعیة تعتمد علیهم وهم مسؤولون عنها، کما أنهم یقدّمون کل إمکاناتهم إذا شعروا بأن مسؤولهم یعتمد علیهم، ویحمّلهم أعباء مسؤولیات هامة لخدمة المجتمع ولیس لمصالح شخصیة آنیة وأنانیة زائلة، روی عن رسول الله صلی الله علیه و آله: «کلکم راع وکلکم مسؤول عن رعیته»((1)).

أمانة الفرد

إذا تمکّن المسؤول من إیجاد الأمانة فی أفراده تمکّن من أهم شیء وتجاوز أهم عقبة فی طریقه، قال أبو عبد الله علیه السلام: «علیک بتقوی الله والورع والاجتهاد وصدق الحدیث وأداء الأمانة وحسن الخلق وحسن الجوار»((2))، و«المؤمن من أمن جاره

بوائقه»((3)) کما یقول الإمام الصادق علیه السلام.

إتقان العمل

علی المدیر أن یشجع علی إتقان العمل، فعندما یؤمن کل فرد بأن نتیجة عمله عائدة علیه وعلی زملائه بالخیر والفلاح فسیبذل جهوداً أکبر لإتقان العمل، قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «إذا عمل أحدکم عملاً فلیتقن»((4)). وقال علی علیه السلام: «الصبر أول

ص:455


1- بحار الأنوار: ج72 ص38 ب35 ضمن ح36
2- الکافی: ج2 ص77 باب الورع ح9
3- وسائل الشیعة: ج12 ص126 ح15840
4- وسائل الشیعة: ج3 ص230 ح3483

لوازم الإتقان»((1)).

روح التنافس

علی المدیر أن یوجد فی الأفراد روح التنافس الإیجابی، فهو کما یوقظ روح الجماعة عند مرؤوسیه، مغذیاً فیهم حب العمل المشترک، علیه أن یؤکد علی التنافس البریء الذی یختلف کلیاً عن الأنانیة الهدامة، قال الله سبحانه وتعالی: )وَفِی ذَلِکَ فَلْیَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ(((2))، وقال أبوعبدالله علیه السلام: «تنافسوا فی المعروف لإخوانکم وکونوا من أهله»((3)).

الترفیع العادل

إذا کان اختیار المساعدین قضیة حساسة، فإن ترفیعهم مسألة تحتاج إلی تمعن ودرایة، إذ یضع الترفیع العاجل رجالاً فی مهمات أکبر من إمکاناتهم، فینهارون تحت أعبائها، أو یضیعون فی متاعبها، أو یأخذهم الغرور فیظنون أنفسهم أهلاً حقاً للمرکز الذی یحتلونه، وهو بالنتیجة وضع الشیء فی غیر محله، وما أخطر غرور الجاهل، ومن جانب آخر یؤدی الترفیع المتأخر إلی فقدان الحماسة والاندفاع اللازمین للصعود نحو قمة المهمة الجدیدة.

حساسیة روح الفرد

یتمتع الرجل المندفع الوجدانی بروح مرهفة حساسة، تتألم بمرارة من کلمة طائشة، ویأخذ بعض الرؤساء هذه الحساسیة بعین الاعتبار فلا یثیرونها دون مبرر، بینما یهملها الآخرون فیجلبون التعاسة إلی نفوس مرؤوسیهم، إذن علی المدیر أن یختار من کان قادراً علی احترام إحساس الآخرین کمساعدین ممتازین مندفعین.

الوازع الداخلی

کلما عَلَت مرتبة المرء خفت مراقبة الرؤساء له، لذا یجب أن یزداد وجدانه بازدیاد ارتقائه فی سلم المسؤولیات، لیصبح ل-ه وازعاً داخلیا ودافعاً نفسیا، وبتناقص مراقبة

ص:456


1- غرر الحکم ودرر الکلم: ص281 ح6228
2- سورة المطففین: 26
3- الکافی: ج2 ص195 ح10

الرؤساء تزداد مراقبة المرؤوسین، الذین یبحثون فی سلوک المسؤول عن مثل علیا.

فإذا ما رأی المرؤوس رئیسه یعمل بدون کلل، متجاهلاً نفسه، متناسیاً راحته الطبیعیة، محتقراً الثروة والشهرة والجاه، یدفعه الشرف، وتثیره رغبة واحدة هی سیر المجموعة سیراً حسناً مع تأمین السعادة القصوی للجمیع، تأثر بهذه التضحیة، وأصبح مقتدیاً به، فکم من رئیس دولة نادی بمبادئ ومثل علیا فأعجب به الناس وساروا خلفه، فما إن رأوا أعماله المنافیة لأقواله، حتی ثاروا علیه وأطاحوا به وبحکمه وصار مورداً للاستهزاء والاشمئزاز.

لا للمکاسب الشخصیة

لیس للمسؤول أی حق بالمکاسب الشخصیة، وعلیه أن یذهب إلی الهدف الجماعی ولیس إلی النجاح الفردی، متذکراً دائماً بأنه قد عین مسؤولاً لیمثل الصالح العام ویخدمه، لا لیخدم نفسه، إنه مسؤول فی خدمة مرؤوسیه، وهذا لا یعنی أن علی المسؤول أن ینحنی بذلة أمام مرؤوسیه، فإن واجبه الاجتماعی والإنسانی یتطلب منه المحافظة علی احترامه ووقاره.

عند تعقد الأمور

عندما تتعقّد الأمور وتسیر من سیّئ إلی أسوء، یحاول أغلب الناس التخلص من المسؤولیة، فیبحثون عن سبب الفشل حولهم، ویحاولون إقناع الآخرین بان الخطأ آت من غیرهم. فإذا ما أردتم السمو فی الحیاة، ورغبتم بأن تکونوا علی مستوی المهمة المقدسة، فعلیکم أن تکونوا ممن یعترفون بصراحة وأمانة وشجاعة أدبیة بأخطائهم، باحثین عن الطریقة المثلی للتنفیذ بشکل أفضل.

المدیر إنسان

المسؤول إنسان، وعلیه أن یسعی دائماً للتخلص من عیوبه وإصلاحها، قال أمیر المؤمنین علیه السلام: «من حاسب نفسه وقف علی عیوبه وأحاط بذنوبه واستقال الذنوب وأصلح العیوب»((1))، وبذلک یکون فی مستوی المهمة الملقاة علی عاتقه، ولیصبح أهلاً للقیادة المناطة إلیه، فإذا ما اکتشف المساعدون هذه العیوب ونقاط الضعف، کان

ص:457


1- مستدرک الوسائل: ج12 ص154

علیهم أن یضبطوا أهواءهم من دون تعریض معنویات الوحدة إلی الانهیار، فالمعنویات تعتمد علی القناعة بسلامة الهرم القیادی، فعلیهم السعی لهدایة المسؤول بالطرق المشروعة.

المخالفات العابرة

عند ما یتطلب المسؤول من أفراده جهوداً وتضحیات للقیام بمهمة معینة، فلا غرو أن تصادفه بعض المخالفات، الفردیة أو الجماعیة، المکشوفة أو المستورة، العابرة أو المعتادة، وعلیه أن یتدارکها قبل حصولها، حتی لا یصعب إخمادها بعد ظهورها، وإنه من المتوقع وجود أُناس غیر راضین ومشاغبین ومعارضین للمهمة المطلوب تنفیذها.

انتظار الوقت المناسب

 هنالک مهمات ینبغی انتظار الوقت والجو المناسب قبل تنفیذها حتی لا تصطدم مع الواقع کما جاء فی وصیة أمیر المؤمنین علیه السلام لابنه محمّد بن الحنفیة إذ قال علیه السلام: «یا بنی لا تقل ما لا تعلم بل لا تقل کل ما تعلم»((1)). وعن الإمام الصادق علیه السلام قال: «ما کل ما یعلم یقال، ولا کل ما یقال حان وقته، ولا کل ما حان وقته حضر أهله»((2)).

السلطة أمانة

السلطة أمانة فی عنق الرئیس، ولیس له الحق فی استغلالها، والسلطة قوة مستمدة من السلطة العلیا المسیطرة علی الإنسان منذ بدء الخلیقة، فإن الله سبحانه وتعالی یقول: )إِنّا عَرَضْنَا الأمَانَةَ عَلَی السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَالْجِبَالِ فَأبَیْنَ أَن یَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنّهُ کَانَ ظَلُوماً جَهُولاً(((3)).

ویقول الرسول الکریم صلی الله علیه و آله: «کلکم راع وکلکم مسؤول عن رعیته، والأمیر الذی علی الناس راع وهو مسؤول عن رعیته..»((4)).

ص:458


1- من لا یحضره الفقیه: ج2 ص626 ح3215
2- بحار الأنوار: ج 53 ص 115ح 138
3- سورة الأحزاب: 72
4- إرشاد القلوب: ج1 ص184

فیلزم علی المدیر السعی لعدم ارتکاب الأخطاء، فالخطأ ولو کان شخصیاً سیعتبر إهانة للمثل العلیا التی یمثلها ویخدمها، فعلیه أن یشعر بقدسیة مهمته وکونها رمزاً للسلطة، فهو مسؤول عن احترام الآخرین لها.

عدم التردد فی اتخاذ القرار

إذا ما تردد الرئیس فی اتخاذ القرار، لفرط فی الدماثة أو لخوف من المسؤولیة، هیأ الجو الملائم لفوضی عاجلة، فإنه «لا خیر فی السکوت عن الحق، کما أنه لا خیر فی القول بالجهل» کما أرشدنا أمیر المؤمنین علیه السلام((1))، ویکون مرؤوسوه أول ضحایا تردده، وإن أسوأ علة یصاب بها شخص مسؤول، هی الخشیة من التحدث أو التصرف فی قمة المسؤولیة.

ضبط العمل

هنالک رؤساء تدفعهم الرغبة بالشعبیة، أو الفهم الخاطئ لفکرة المساواة، إلی الفوضویة وعدم ضبط العمل، إنهم یدعون بهذا إلی التهاون والفوضی والدمار.

تقبل النصح

إن تقبل النصح لیس ضعفاً أو فقداناً للسلطة، عن أبی عبد الله علیه السلام  قال:

«أحب أخوانی إلیَّ من أهدی إلیّ عیوبی»((2))، والرئیس الناجح من کان مرناً لدرجة یتقبل فیها المشورة، یقول أمیر المؤمنین علیه السلام: «طوبی لمن أطاع ناصحاً یهدیه وتجنب غاویاً یردیه»((3))، ومع ضرورة کون المسؤول واثقاً من نفسه لدرجة یمکنه أن یتخذ فیها القرار، فعلیه أن یدرس الأمر مع المستشارین الذین هم أکثر احتکاکاً بمتاعب المهنة، وهو یستمع إلی آرائهم، غیر ناس وصایا أمیر المؤمنین الإمام علی علیه السلام:

«من قنع برأیه فقد هلک»((4))، و«من استغنی بعقله ضل»((5))، و«من استبد برأیه

ص:459


1- غرر الحکم ودرر الکلم: ص68 ح939
2- وسائل الشیعة: ج12 ص25 ح15547
3- غرر الحکم ودرر الکلم: ص255 ح4575
4- غرر الحکم ودرر الکلم: ص347 ح7988
5- غرر الحکم ودرر الکلم: ص347 ح7989

زل»((1)). وقیل: تفکر قبل أن تعزم، وشاور قبل أن تقدم، وتدبر قبل أن تهجم.

حب المرؤوسین

إن أراد أن یکون المدیر محبوباً ومحترماً، فعلیه أن یحب مرؤوسیه ویحترمهم فإن

«التودد إلی الناس نصف العقل»((2)) کما یرشدنا مولانا أمیر المؤمنین علیه السلام، وعلیه أیضاً أن یتقن مهمته أکثر من أی فرد منهم، فإن الرجال یتقبلون القیادة الحازمة الشدیدة - من غیر عنف - شریطة أن تکون حکیمة.

التنسیق والتنظیم

لا یمکن لقائد المنظمة إدارة عشرة آلاف موظف مثلاً، ولا لمدیر أحد الأقسام فی المنظمة إدارة ألف موظف، لو لم تکن تلک المنظمة مقسّمةً إلی أقسام، والأقسام مقسّمة إلی شعب. إنّ التنظیم أساس القیادة، علّموا معاونیکم ومباشریکم ودرّبوهم، حتی یستطیعوا قیادة وحداتهم بأنفسهم بعد وضع الخطة الشاملة لهم وبدون التدخل بالأمور الجزئیة فی وحداتهم.

تنظیم العمل الشخصی

علی القائد الذی یرید السمو إلی مستوی مهمته، أن ینظّم عمله الشخصی، فإنه إن لم ینظم حیاته الشخصیة أثر ذلک سلبیا علی حیاته الإداریة. کما علیه أن یعطی الوقت اللازم للاهتمام بمشاکل القیادة ذاتها، ولیس علیه أن یقوم بکافة الأعمال، إنّ من واجبه تنظیم المهام وتوزیعها علی مرؤوسیه حسب إمکاناتهم، والعمل بعد ذلک علی توجیه جهودهم کافة للوصول إلی الهدف الواجب تحقیقه.

معاون المدیر

یجب علی القائد أن یحل محله معاونه عند غیابه أو فی کثیر من الأحیان، وقد فعل رسول الله صلی الله علیه و آله مثل ذلک فی غزوة تبوک حین قال لعلی علیه السلام: «اخلفنی فی أهلی، فقال علی علیه السلام: یا رسول الله إنی أکره أن تقول العرب خذل ابن عمه وتخلف عنه، فقال صلی الله علیه و آله:أما ترضی أن تکون منی بمنزلة هارون من موسی؟ قال علیه السلام: بلی، قال

ص:460


1- غرر الحکم ودرر الکلم: ص347 ح7990
2- الکافی: ج2 ص643 ح4

صلی الله علیه و آله: فاخلفنی» ((1)). وفی روایة أخری قال صلی الله علیه و آله: «أنت خلیفتی فی أمتی وأنت وزیری وأخی فی الدنیا والآخرة»((2)).

المراتب الإداریة

لابد من إتباع التسلسل والمراتب الإداریة فی کل أمر وعمل، ویمکن الخروج عن هذه الطریقة بصورة قاهرة ولضرورة السرعة، فلیس هنالک عمل فعال دون تنظیم، ولا نظام بدون مرجعیة، إن هدف الجمیع خدمة المصلحة العامة، شریطة أن یبقی کل امرئ ضمن حدوده.

معنی التنظیم

التنظیم: هو وضع کل امرئ فی المکان الذی یستحقه، وعلی المسؤول قبل التعیین أن یتساءل هل سیکون هذا الفرد منتجاً فی هذا العمل وهل سیکون إنتاجه جیداً، أو أن یضعه تحت التجربة لفترة زمنیة محددة. کما إن للإمکانات والقدرات الفکریة درجات، کذلک لسلم المهمات، وغایة التنظیم تأمین التوافق بین المتطلبات المهمة وإمکانات الفرد، فلیس من المعقول تعیین شخص فی مهمة القیادة لمجرد أنه رجل طیب.

من الأخطاء الإداریة

تجنبوا وضع شخص واحد تحت تصرف سلطتین، فلیس هنالک ما یسبب التوتر والخصام مثل ازدواجیة السلطة.

برامج الاجتماعات

توضع برامج الاجتماعات بمساعدة مختلف الفروع والمصالح، ویسأل کل فرد عما فعل فی الماضی وما یعمله الآن وما یخطط ل-ه فی المستقبل، ثم یلقی الخبراء بآرائهم وانتقاداتهم، عندها یعرف المسؤول کل شیء، ویحکم علی الأُمور بشکل أفضل، وتصبح لدیه قدرة حسنة للقیام بواجبه وترتیب أعماله.

الخلل فی وحدة المشروع

قد یؤدی تقسیم الأعمال وتوزیع الاختصاصات أحیانا إلی الخلل فی وحدة

ص:461


1- بحار الأنوار: ج21 ص213
2- الأمالی للطوسی: ص261 ح475

المشروع، فعلی المسؤول أن یجمع الرغبات المختلفة علی صعید التعاون المنتج، ومن أحسن وسائل تأمین التعاون، إجراء اجتماعات دوریة لرؤساء الفروع بحضور المسؤول، وتؤدی هذه الاجتماعات إلی تفهم کل امرئ لحاجات الآخرین ومتاعبهم وإمکاناتهم، وحل المعضلات ذات النفع العام، وتنسیق أعمال مختلف الفروع، ولتکون الفائدة کاملة، یعلن المسؤول عن جدول أعمال المواضیع التی ستُبحث، لیتمکن المجتمعون من دراستها مسبقاً، ومناقشتها أثناء الاجتماع بشکل لائق.

زیادة فروع العمل

تزداد فروع العمل بازدیاد تحسنه ورقیه، وتتطلب زیادة الفروع جهوداً احتیاطیة فی التنظیم، حتی لا ینقلب العمل إلی فوضی وقضایا متشابکة.

الإشراف فقط

لا یمکن للمسؤول أن یقوم بنفسه بکل شیء، فهو یری ویشرف علی الأمور من مکان بعید، إنّ علیه أن یفکر ویضع خطة العمل، فإذا ما بذل جهده فی الأمور الصغیرة الثانویّة، أضاع الأمور الکبری الأساسیة، وإذا قام بجزء من الأعمال الموکولة لمساعدیه، فسیؤدی ذلک إلی الإرباک فی توزیع الأعمال لأن عدم الثقة بالآخرین والقیام بکل شیء معناه سوء تنفیذ المهمات والفشل فی تعلیم الآخرین علی العمل بشکل متقن.

هرم المسؤولیات

تأتی المسؤولیة من الأعلی إلی الأسفل بالنسبة إلی کل التنسیقات، وکل منفّذ مسؤول بالنسبة إلی من یلیه، والأمر فی حد ذاته وسیلة المسؤول لتنفیذ مهمته، ومن هنا فإن العلاقة بین المسؤول والمرؤوسین التابعین له تکون بشکل هرمی، وهذا لا ینافی تواضع المسؤول وارتباطه بمختلف المرؤوسین علی ما مر سابقا.

مع الأخصائیین

یحیط المسؤولون الناجحون أنفسهم عادة بجماعة من الفنیین الماهرین المخلصین، تارکین لهم حریة العمل بعد أن یثقوا باندفاعهم، ولکن علی هؤلاء المسؤولین أن یتذکروا أنه لا یمکن للمعلومات الفنیة وحدها أن تعزز المسؤولیة وهنالک علماء وفنّیّون

ص:462

مبدعون یلمعون فی الصف الثانی، دون أن یتقدموا إلی الصف الأول فی المسؤولیة.

مع ذوی الکفاءات

قد یرید المدیر المصلحة الخاصة لنفسه وإثبات شخصیته، فإنه یختار مساعدین لایتمتعون بمزایا عالیة أو إمکانات کبیرة، حتی تسهل علیه قیادتهم، وتلین له رقابهم، فالبسیط المغمور سلس القیادة، أما المدیر الذی یرید المصلحة العامة، ویبتغی إرضاء ضمیره، فهو یختار مساعدین ممتازین ذوی إمکانات وإبداع، وبعبارة أخری فإن هنالک نوعان من الناس:

الأول: مشع، یعطی النور لمن حوله.

والثانی: مستغِل، یستغل کل شیء من حوله.

کما قال أمیر المؤمنین علیه السلام: «الناس اثنان برٌّ تقی والآخر شقی»((1)).

فلیکن المساعدون من النوع الأول، فهو النافع الذی یضیف إلی قوة المدیر قوی جدیدة فعالة، وعلی هذا فإن المسؤول الناجح هو من یحسن اختیار مرؤوسیه وتدریبهم واستخدامهم حسب إمکاناتهم، وکلما ازدادت مهارته فی الاختیار والتعیین حسب المواهب ازداد حظه فی النجاح، وهنا یمکن التمییز بین رئیسین: أولهما ناجح یحسن الاستعانة بمساعدیه، لأنه یعمل تحت شعار )إِنّ خَیْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِیّ الأمِینُ(((2))، والآخر فاشل فی اختیار المساعدین الکفوئین علی مدار الوقت. وقد وصف القرآن الکریم هذین القسمین بقول-ه تعالی: )وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً رّجُلَیْنِ أَحَدُهُمَآ أَبْکَمُ لاَیَقْدِرُ عَلَیَ شَیْءٍ وَهُوَ کَلّ عَلَیَ مَوْلاهُ أَیْنَمَا یُوَجّههّ لاَ یَأْتِ بِخَیْرٍ هَلْ یَسْتَوِی هُوَ وَمَن یَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَیَ صِرَاطٍ مّسْتَقِیمٍ(((3)).

عند غیاب المدیر

تتأثر المصلحة العامة ویتضعضع العمل ویفقد اتجاهه عند غیاب المسؤول، إذا کان ممن یحتکر المسؤولیة لنفسه، ولا یحسن اختیار المساعدین الکفوئین وتدریبهم للحلول

ص:463


1- بحار الأنوار: ج75 ص23 ح86
2- سورة القصص: 26
3- سورة النحل: 76

محله فی حالة غیابه عن العمل.

تحدید الصلاحیات

ینبغی للمدیر تحدید المسؤولیات والصلاحیات والسلطات بتقنینها وتجدیدها باستمرار وحسب الظروف، مع ملاحظة الجدیّة والإخلاص فی العمل، وقد قال علی علیه السلام: «آفة العمل ترک الإخلاص»((1))، فذلک خیر من منحهم الصلاحیات بلا حساب، ثم الاضطرار إلی الإنقاص نتیجة لعدم الکفاءة أو لکثرة الأخطاء، فإن من اعتاد سلطة صعب علیه التخلی عنها، ومن نال صلاحیات هاله أن یترکها. بید أن

«من أشفق علی سلطانه قصر عن عدوانه»((2)) کما یقول أمیر المؤمنین علیه السلام.

الانضباط

الانضباط توجیه لأعمال الأفراد وجهودهم، وهو یحد من حریتهم المفرطة ونزواتهم الشخصیة، فی سبیل هدف أسمی ومصلحة جماعیة علیا.

وعلی الرؤساء أن یُنَمُّوا فی أنفسهم ومرؤوسیهم روح الانضباط، وذلک لأن

«الأعمال تستقیم بالعمال»((3)) و«آفة الأعمال عجز العمال»((4)) کما یقول أمیر المؤمنین علیه السلام، والمثل یقول: (الانضباط هو قوة الجیش الرئیسیة)، بل هو قوة الأمة التی ترید الحیاة، إذ یتطلب إنهاض الشعوب من کبوتها اشتراک الجمیع وتعاضدهم فی الحرکة التی تؤدی إلی حیاة الأمة.

من علائم الانضباط

إذا قیل لک إن الانضباط سائد فی مجموعة ما، فلا تراقب مظهرها، وإنما انظر إلی أدائها، ومعنویات أفرادها، وطاعتهم لرؤسائهم، والجهد الذی یحاولون بذل-ه عند الشدائد. ثم إن الانضباط لیس صمتاً، أو تخلیاً عن الحقوق، أو تحاشیاً للمسؤولیة، بل إنه العمل ضمن فکرة أمر الرئیس بعد الدراسة والبحث، وتفهم المتاعب والمشاکل الواجب حلها.

ص:464


1- غرر الحکم ودرر الکلم: ص155 ح2902
2- غرر الحکم ودرر الکلم: ص344 ح7886
3- غرر الحکم ودرر الکلم: ص345 ح7920
4- غرر الحکم ودرر الکلم: ص345 ح7924

القیادة فن

تعد القیادة فناً صعباً لارتباطها بالطبیعة البشریة علی اختلافها، وبالمزایا غیر المتشابهة لدی المرؤوسین، ولغموض الحالات النفسیة التی تستند إلیها، فالقیادة الصحیحة تعدّ من أصعب الأمور، ویتطلب عمل الرئیس تفهم المرؤوسین، وهذا لایتسنی إلاّ بالاحتکاک المباشر، الذی یرافقه انسجام متبادل بین الرئیس ومرؤوسیه.

مکانة الأفراد

علی المسؤول الناجح أن یضع کل امرئ فی مکانه، جاء فی وصیة الإمام علی علیه السلام لمعاذ بن جبل لما بعثه إلی الیمن: «وأنزل الناس منازلهم خیرهم وشرهم»((1))، فمن شغل مهمة تعادل إمکاناته بدا ذکیاً ومنتجاً، ومن عمل عملاً لا یلائمه بدا شخصاً قلیل الخبرة، وفی ذلک یقول أمیر المؤمنین علیه السلام: «لکل شیء قیمة وقیمة المرء ما یحسنه»((2))، لذا علی المسؤول إن رام تقدیر رجاله حق قدرهم، أن یقوم بجولات عملیة لتفقدهم. فالتفوق المهنی أمر ضروری للعاملین بالمصنع، أما بالنسبة إلی المسؤول فإن أهمیة معرفة خبرة عماله تعادل أهمیة إتقانه لمهمته، والمسؤول الناجح هو من ینظر إلی عماله بمنظار العدل، یقول الإمام علی علیه السلام: «اعرفوا الله بالله، والرسول بالرسالة، وأولی الأمر بالأمر بالمعروف والعدل والإحسان»((3)).

ضرورة المشورة

تفرض الوظائف الهامة والمناصب علی الرجال القادة مهمات جسام، وأعباء تفوق أحیاناً إمکاناتهم، لذا یحیط کل مسؤول نفسه بمستشارین وخبراء وباحثین، یقدمون ل-ه الأفکار والمعلومات والخبرات، فتزداد مقدرته علی الرؤیة المستقبلیة،

وفی الحدیث: قیل یا رسول الله صلی الله علیه و آله ما الحزم؟ قالصلی الله علیه و آله:«مشاورة ذوی الرأی

واتباعهم»((4)).

إصدار الأوامر

ص:465


1- بحار الأنوار: ج74 ص128 ح33
2- بحار الأنوار: ج2 ص63 ح49
3- الکافی: ج1 ص85 ح1
4- وسائل الشیعة: ج12 ص39 ح15582

لیس الأمر قهرا لإرادات الآخرین أو تحطیماً لطموحاتهم، ولکنّه للتأثیر علیهم وتوجیههم لتتوافق مع الأفعال اللازمة التنفیذ للمهمة الجماعیة، وعلی هذا الأساس فإن المسؤول الجید لا یبحث عن إصدار الأوامر اعتباطاً، ولکنه یسعی لیثیر فی أفراده حبّ التعاون الطوعی، قال النبی صلی الله علیه و آله: «لا یزال الناس بخیر ما أمروا بالمعروف ونهوا عن المنکر وتعاونوا علی البر والتقوی فإذا لم یفعلوا ذلک نزعت منهم البرکات وسلط بعضهم علی بعض ولم یکن لهم ناصر فی الأرض ولا فی السماء»((1)).

أما إذا تم تطبیق السلطة بشکل أوامر مطلقة لا رأی للمنفذین فیها فسوف یؤدی ذلک حتماً إلی فقدان هؤلاء المنفذین لشخصیاتهم.

الإثبات لا النفی

علی المدیر الناجح أن یستخدم الإثبات فی أوامره، فهو أقوی من النفی، فإذا ما قارنا بین أمرین (قوموا بواجبکم)، و(لا تکونوا متقاعسین)، لوجدنا فی الأول قوة دافعة للتنفیذ، وإشارة إلی صفة إیجابیة هی حب الواجب، فی حین یتضمن الثانی إشارة إلی صفة سلبیة کالخوف من مساوئ التقاعس.

لا لحب السیطرة

هنالک رؤساء یسعون إلی السیطرة علی مرؤوسیهم عن طریق إفقادهم ثقتهم بأنفسهم وإمکاناتهم، ثم یتذمرون بعد ذلک من نقصان حماسة مرؤوسیهم وتضاؤل اندفاعهم، کما أن هنالک رؤساء یرفضون الاعتراف بحق المرؤوس فی فهم الأمر.. فما علیه إلاّ الطاعة السلبیة، ولو کانت بدون تجاوب، إن هذه الطریقة تضعف شخصیة المرؤوس وتقتل فیه حب الإطلاع والثقة بالنفس، وتجعله آلة صماء بلا إحساس.

شرح الأمر

علی المسؤول أن لا یستجدی الطاعة، بل إن من واجبه شرح الأمر، فهذا یخلق القناعة فی  المرؤوسین. ولا یصح اعتبار المرؤوس آلة لتنفیذ الأوامر، فلیست المسؤولیة فی فرض الإرادة علی عبید سلبیین، بل فی توجیه وإصلاح رجال ذوی إرادة وفکر، والتعاون معهم فی عمل جماعی، ضمن حدود خطة المسؤول.

ص:466


1- تهذیب الأحکام: ج6 ص181 ح22

الأوامر الجائرة

علی المدیر الناجح أن یتجنب الأوامر الجافة الجائرة الضیقة فی معناها أو أسلوبها فإنها تسبب عدم الثقة بالنفس، مما یتطلب إعادة صیاغتها بشکل ملطف للحصول علی نتائج جیدة.

فهم الفکرة

التجربة أثبتت بأن التنفیذ یکون جیداً، إذا  تفهم المرؤوسون فکرة الرئیس وعرفوا غایتها. یقول الرسول الأعظم صلی الله علیه و آله: «من عمل علی غیر علم کان ما یفسد أکثر مما یصلح»((1)).

ویزداد الاندفاع والحماس إذا تعلق المنفذون بالقضیة العامة، واعتبروها قضیتهم الشخصیة، واعتبروا تنفیذها رغبة من رغباتهم.

تعیین المسؤول المباشر

علی المدیر الناجح أن یعین عند إصدار الأوامر الشخص المسؤول مباشرة عن تنفیذها، فإن ذلک یجعله أکثر متابعة وتحملاً للمسؤولیة. وإذا کانت الأوامر صفة من صفات السلطة، فالقدرة علی جعلها منفذة صفة من صفات الرؤساء الناجحین.

الاستشارة أولا

المدیر الناجح لا یستبد برأیه، بل یبدأ بالاستشارة قبل إصدار الأوامر الهامة، محیطاً نفسه بأفکار وآراء الآخرین، ومحاولاً جهده کشف الحقیقة، وما أن تنتهی فترة الاستشارة حتی یخلو إلی نفسه لیصدر الأمر الذی قرره، هذا فی المدیر الواحد، أما إذا کانت الإدارة بالاستشارة فعلیها الأخذ بالأکثریة.

بین الآمر والمأمور

(للأمر) معنیان: أحدهما ضیق، وهو: مجموعة التعلیمات الدقیقة المعطاة إلی الفرد بخصوص عمله. وثانیهما أکثر اتساعاً وهو: تأمین تلاؤم وانسجام أفکار وانفعالات متعددة فی سبیل هدف مشترک، جانب منه فی الآمر وجانب فی المأمور.

تعدیلات فی مرحلة التنفیذ

ص:467


1- الکافی: ج1 ص44 ح44

مهما کانت خطة المسؤول متقنة، فإنه یجد نفسه أحیاناً مضطراً لإجراء بعض التعدیلات أثناء التنفیذ، وعلیه قبل کل تعدیل أن یضع محاسن التعدیل فی کفة ومساوئ الأمر وکیفیة تلافیها فی الکفة الأُخری، ثم إن التعدیل أو العدول بحاجة إلی شجاعة من المدیر، فإن الاعتراف بالخطأ أولی من ارتکابه.

زوایا الأمر

لکل أمر زاویتان: الفکرة والأسلوب، وعلی المدیر أن یستوحی الفکرة من المصلحة العامة، شریطة أن ینتبه إلی الأسلوب، فلا یجرح به الآخرین أو یسیء إلیهم، ولیتساءل عند وضع الأمر عن التأثیر الذی یشعر به لو تلقی أمراً مماثلاً بأسلوب مماثل، فهذه من أحسن الطرق لکبح جماح النفس.

الوقایة خیر من العلاج

عندما توکلون مهمة إلی أحد مرؤوسیکم، اطلبوا منه أن یعرض علیکم منهاج عمله ومخططاته قبل البدء بالتنفیذ، ثم ادرسوها، وتحققوا فیما إذا کانت متلائمة مع المخطط العام، ووافقوا علیها أو عدلوها تعدیلات ضروریة قبل البدء بالعمل ف- (الوقایة خیر من العلاج)، قال أمیر المؤمنین علیه السلام: «لا وقایة أمنع من السلامة»((1))، وقال علیه السلام: «وقّوا دینکم بالاستقامة بالله»((2)).

مغزی الأمر

أفهموا مرؤوسیکم مغزی أوامرکم، وحرکوا عقولهم مع أجسامهم، حتی یقدموا أحسن النتائج، فإذا  قلتم لعمال بناء یحفرون أساس بناء ما تحت المطر: (احفروا الأساس حتی المساء)، فلن تجدوا أمامکم إلاّ رجالاً یضمرون لکم أفکاراً سیئة، أما إذا شرحتم لهم باختصار سبب أمرکم، والأهمیة التکتیکیة لهذا الخندق، وأعطیتم هذا العمل المتواضع اهتمامهً البالغً وأنه سیؤثر علی مستقبل البنایة، لحصلتم علی نتائج أفضل.

تدریب المساعدین

ص:468


1- غرر الحکم ودرر الکلم: ص483 ح11168
2- غرر الحکم ودرر الکلم: ص87 ح1439

یتقن المسؤول الناجح فن تدریب مساعدیه علی اتخاذ قرارات مشابهة لقراراته، والتصرف بشکل یشابه تصرفاته، ولذا تکون أوامره خالیة من الدقائق الصغیرة، ومحتویة علی فکرته الرئیسیة، فیقوم الجمیع رغم ذلک بتنفیذ ما کان یرید، حتی لو کان غائباً.

قدرة اتخاذ القرار

یشکل اتخاذ القرار الصائب من قبل الرئیس حلاً لمشاکل نفسیة وبشریة وإداریة معقدة، یختلف بعضها عن البعض الآخر، اختلافاً کلیاً، بشکل یتعذر فیه تطبیق الحلول المسبقة الروتینیة، فیجب متابعة عناصر المشکلة ودراستها بتفاصیل دقائقها وحیثیاتها قبل اتخاذ القرار النهائی، والسعی إلی تطبیقه بحزم وإرادة، فإن من ینفذ أفکاره القلیلة بهمة ورغبة لأفضل ممن یمتلأ رأسه بالأفکار ویعجز عن تنفیذها، کما ورد عن الإمام علی علیه السلام: «کمال الرجل بست خصال: بأصغریه وأکبریه وهیبتیه، فأما أصغراه فقلبه ولسانه، إن قال قال بجنان وإن تکلم تکلم ببیان، وأما أکبراه فعقله وهمته، وأما هیبتاه فماله وجماله»((1))، فإن القدرة علی اتخاذ القرار صفة لازمة للقیادة، فإن لم یکن الرئیس متحلیاً بها تعطل العمل وسادت الفوضی. واعلم أن «آفة الشج-اع إضاعة الحزم»((2)) کما یقول أمیر المؤمنین علی علیه السلام.

القرار والتنفیذ

لا یکتفی الرئیس الناجح باتخاذ القرارات فقط، بل یعمل علی نقلها إلی حیّز التنفیذ، ولا تستفید المصلحة العامة من الأوامر الصادرة، بل من الأوامر المنفّذة، فإن لکل شیء ثمناً، ولا نجاح بدون تعب، و«من لم یحتمل مرارة الدواء دام ألمه»((3)) کما یقول الإمام علی علیه السلام، والمتاعب أمر طبیعی أمام کل رئیس، فمنها ما تکون بسببه، ومنها ما یسببه مرؤوسوه أو مساعدوه الذین یعتمد علیهم وینتظر منهم العون

ص:469


1- روضة الواعظین: ص291
2- غرر الحکم ودرر الکلم: ص259 ح5526
3- غرر الحکم ودرر الکلم: ج1 ص484 ح11192

والدعم، ومنها ما تکون بسبب الظروف والطبیعة، فإن کان رئیساً ناجحاً تقبّلها وذلّلها، واعتبرها حافزاً علی المضی إلی الأمام لتحقیق النجاح.

وعلیه أن یکون فعالاً وقادراً علی إیجاد الحلول للمشاکل دون أن توقفه العقبات، وأن یضع نصب عینیه بأنه لیس هناک شیء مستحیل،فیستطیع تغییر الأمور المستحیلة - فی بادئ الأمر - إلی أمور ممکنة کما یقول الله عزوجل: )إِنّ اللّهَ لاَ یُغَیّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتّیَ یُغَیّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ(((1)).

علی أهبة الاستعداد

الرئیس الناجح هو من کان دائماً علی أهبة الاستعداد للعمل، وکانت ردود فعله حسنة وسریعة، فالحیاة عبارة عن مجموعة قرارات، فمن أحسن اتخاذها فی حیاته الیومیة استطاع فی اللحظة الحرجة اتخاذ قرار حاسم. إن الجبل یبدأ بحصاة والبحر یبدأ بقطرة، ورحلة الألف میل تبدأ بالخطوة الأولی، یقول الإمام علی علیه السلام فی قصیدة منسوبة له:

قطر وبدء خراب السد بالعرم

والغیث فهو کما قد قیل: أول-ه

مقدمات لاتخاذ القرار

یحتاج القرار إلی فحص دقیق لکافة الحلول الممکنة، ولکن محاولة البحث بسرعة عن الحل المثالی قد یکون أمرا خیالیا، إن حسم الأمور خیر من التردد، یقول الإمام علی علیه السلام: «من الخرق العجلة قبل الإمکان، والأناة بعد إصابة الفرصة»((2)).

ویقول علیه السلام: «من وجد مورداً عذباً یرتوی منه فلم یغتمنه یوشک أن یظمأ ویطلبه فلا یجده»((3)) إذ یسبب تقلقل الرئیس کرقاص الساعة توتر أعصاب المساعدین، وقلق المنفذین، وإضاعة الوقت والجهد.

معیار معرفة الرئیس

یُعرف الرئیس من قراراته، فالحیاة مواقف، وفی المواقف تضحیة، ویستطیع من

ص:470


1- سورة الرعد: 11
2- غرر الحکم ودرر الکلم: ص474 ح10842
3- غرر الحکم ودرر الکلم: ص473 ح10830

یقرر فی الوقت المناسب أن یکون عالماً کبیراً أو فنیاً معتبراً، أو حکیما یشار إلیه بالبنان، ولا یُطلق لقب الرئیس علی من لا یستطیع اتخاذ القرار، ویؤجل کل شیء، ویؤخر إلی آخر لحظة أمر اختیار الحل، ولا یتدخل عندما تستدعی الظروف، ولو کان یحمل أعلی الرتب، وتصلح کلمتا (نعم ولا) للرئیس الحازم، ولکن کلمة (ربما) لا تصلح إلا للحکیم.

تحمل الصعاب

یقتضی علی الرئیس الناجح أن یؤهل نفسه لحیاة قاسیة جسمیاً ونفسیاً، فالحیاة مزیج من النجاح والفشل، والحزن والفرح، والدعم والمتاعب،ولا توقف الحواجز مَن وهب نفسه لهدف نبیل، بل یدفعه شعوره بعظم مهمته وفائدة عمله إلی الأمام، وهذا أکبر دافع للإنسان الرفیع للمثابرة علی العمل بدون کلل أو ملل، وعلیه یلزم أن یشعر الجمیع بأن الرئیس لا یتخذ قراراً إلاّ ورائده الواجب والمصلحة العامة، وأنه یضغط علی نفسه، ویضبط أهواءه ونزواته، فلا یفاجأ بشیء ولا یضطرب من شیء، ویشعرهم أیضاً بأن قراره نهائی تدعمه عزیمة لا تنثنی، وبأن سماحة نفسه، التی تجعله یعترف بأخطائه ویصلحها، لا تجبره علی الخضوع أو التردد.

المتابعة والإشراف

یعتقد کثیر من الرؤساء أنّ مهمتهم إصدار الأوامر لا غیر  للتخلص من المسؤولیة سواء کانت الأوامر خاطئة أو فاشلة. إن الأمر شیء والتنفیذ شیء، فیجب المتابعة بینهما من قبل المسؤول حتی انتهاء التنفیذ. کما أنّ المراقبة ضروریة للمرؤوسین، وواجبة بالنسبة إلی المسؤول.

إن إعطاء الأوامر سهل قیاساً مع الإشراف علی تنفیذها، ولا تظهر صفات المسؤول ومقدرته إلاّ أثناء مراقبة التنفیذ، فیجب مراقبة المرؤوسین ودفعهم للحصول علی النتیجة المثلی، ولو اقتصرت المهمة علی إعطاء الأوامر لکانت أسهل مهمة.

التخطیط والتنفیذ

فی التخطیط متعة کمتعة المخترع الذی یُرکّب آلة أو یضع نظریة، ولا تبدأ المتاعب إلاّ عند التنفیذ وفی حقل التجارب العملیة، حیث تصطدم الأفکار مع الواقع، فیضطر

ص:471

المنفذ إلی بذل الجهد وإجهاد الفکر لیوفّق بینهما، دون أن یشذ عن الفکرة العامة، وهذا عمل متعب تترکز فیه المسؤولیة.

التفتیش

التفتیش غیر القاسی یرفع من معنویات الأفراد الذین یعملون بصمت وإخلاص، وخاصة إذا تلاه مباشرة إشعار لبق بأن المسؤول قد لاحظ التفوق والعمل المتقن، وقدّر الکفاءات حق قدرها.

المراقبة

المراقبة مسؤولیة مقدسة للتأکد من تنفیذ الأوامر بدقة، لأن «من راقب العواقب سلم من النوائب»((1)) کما یرشدنا سیدنا أمیر المؤمنین علیه السلام، ولا تکون المراقبة فعالة إلاّ إذا کانت شخصیة یقوم بها الرئیس بنفسه دون الاعتماد علی الوسائط والتقاریر، وشاملة تصل إلی أدنی درجات التسلسل وأبسط المنفذین. ولکی یستطیع المسؤول تکوین فکرة واضحة عن الإنتاج، علیه أن یزور الموظفین فی استراحتهم خلال عملهم فی اللیل أو النهار، متنقلاً بشکل مفاجئ من وحدة عمل إلی وحدة أخری، لیری الأمور علی حقیقتها لأن الاحتکاک مع واقع العمل یعطی فکرة صحیحة أفضل من مئات التقاریر.

بین الضمیر والمراقبة

الشخص یدفع  إلی العمل بضمیر یقظ ومسؤول مراقب، فإذا أهملنا المراقبة واعتمدنا علی الضمیر وحده تعرضت الوحدة إلی تیارین متعاکسین: تیار الضمیر وتیار الإهمال، ویؤثر الثانی علی الأول عادة إن لم یتفوّق علیه، فیضعف مردود المرؤوس، ویجب أن لا تکون مراقبة المسؤول متکررة بشکل مزعج، ولا نادرة قلیلة النفع، ویمکن أن تکون دوریة تارة ومفاجئة تارة أخری لتجنب الروتین.

الهدف من المراقبة

ینبغی تطبیق المراقبة بکل دماثة وتعقل، لیتقبلها المرؤوسون بکل رحابة صدر، إذا ما شعروا بأن غایتها إیجاد أحسن الطرق لإصلاح العمل ولیس البحث عن الأخطاء

ص:472


1- غرر الحکم ودرر الکلم: ص476 ح10918

وإظهارها بشکل مضخم.

المراقبة ضمان للعمل

یلزم أن تخرج الأمور من حیز الکلام إلی حیز الواقع، یقول الإمام علی علیه السلام:

«إن فضل الفعل علی القول لجمال وزینة»((1))، وقال علیه السلام: «أحسن المقال ما صدقه الفعال»((2))، وقال علیه السلام: «لا تقولن ما لا تفعله فإنک لن تخلو فی ذلک من عجز یلزمک وذم تکسبه»((3)).

ویحتاج العمل إلی مراقبة فعالة تؤمن تلاؤم الأفعال مع الأفکار، مراقبة بناءة غایتها الإصلاح، لا هدامة مزعجة تسعی إلی إظهار الأخطاء فحسب.

واجبات أثناء المراقبة

للمسؤول أثناء المراقبة واجبات منها:

1: واجب خدمة تجاه المصلحة العامة التی یخدمها، یجبره علی مراقبة مرؤوسیه وتوجیههم.

2: واجب إصلاح تجاه المخطئین الذین هم بحاجة إلی توعیة وتعلیم.

3: واجب عدالة تجاه المرؤوسین العاملین بصدق وأمانة.

أسباب وقوع الأخطاء

تنجم الأخطاء عادة عن عدة أسباب، فعلی المدیر أن یعرف هذه الأسباب ویمیزها لیتخذ الموقف المناسب:

1: عدم وضوح الأوامر من قبل المسؤول، فعلیه حینئذ إیضاح الأوامر، ولیس معاقبة المنفذ.

2: الأمر واضح ولکن المرؤوس لم یفهمه، فالخطأ هنا مزدوج: خطأ المسؤول لأنه لم یتأکد من تفهم الأوامر، وخطأ المرؤوس الذی تقبل تنفیذ مهمة دون أن یفهم المطلوب بدقة، قال أبو عبد الله علیه السلام لحمران بن أعین فی شیء سأله: «إنما یهلک

ص:473


1- غرر الحکم ودرر الکلم: ص210 ح4067
2- غرر الحکم ودرر الکلم: ص210 ح4066
3- غرر الحکم ودرر الکلم: ص211 ح4070

الناس لأنهم لا یسألون»((1)).

3: الأمر واضح، والفهم جید، ولکن المرؤوس لا یتمتع بالإمکانات الفکریة أو الجسمیة اللازمة للتنفیذ، فالخطأ هنا مزدوج أیضاً: خطأ المسؤول الذی أعطی مهمة لمرؤوس لا یتمتع بکفاءة تناسبها، وخطأ المرؤوس الذی لم یُعلم رئیسه بصعوبة التنفیذ وبأنه غیر مؤهل للقیام بهذه المهمة.

4: الأمر واضح، والفهم حسن، ولکن المرؤوس لم یبذل قصاری جهده لکسله أو لقلة اندفاعه، وهنا یقع الخطأ علی عاتق المرؤوس وحده، إلاّ إذا اعتبرنا أن المسؤول مخطئ أیضاً لأنه لم یثر فی نفس المنفذ الحماسة الکافیة للاندفاع فی العمل وتشجیعه بالمکافآت المناسبة للعمل المتقن.

العقوبة للإصلاح

العقوبة واجب من واجبات المسؤول، یفرضها لتأمین النظام والعدالة وهو متألّم فی قرارة نفسه، کالأب الذی یعاقب أولاده لمصلحتهم وهو آسف لاضطراره إلی سلوک هذا السبیل، فیلزم أن لا تکون العقوبة للتشفی والحقد.

وبقدر کون المعاقبة أمراً مؤلماً فإنها ضروریة لا یحق للمسؤول التخلی عنها، وعلی المذنبین أن یعلموا أن عقوبتهم غیر صادرة عن المسؤول شخصیاً، بل عن القوانین والأنظمة التی یخدمها ویمثّلها، والتی ینهار بدونها نظام المجموعة ووحدتها.

لا للعقوبة المشددة

اجتنبوا العقوبة المشددة، ولتکن عقوباتکم متناسبة مع الذنب والمذنب والظروف المحیطة به، فلکل حالة ملابساتها، کما قال الله سبحانه وتعالی: )وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَیْرٌ لّلصّابِرینَ(((2)).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: «دع الحدة وتفکّر فی الحجة وتحفَّظ من الخطل»((3)).

وقال الإمام أبو جعفر علیه السلام: «الندامة علی العفو أفضل وأیسر من الندامة علی

ص:474


1- الکافی: ج1 ص40 ح2
2- سورة النحل: 126
3- غرر الحکم ودرر الکلم: ص58 ح591

العقوبة»((1)).

لا تکثر من العقوبة

لا تکثروا من العقوبات، فالإفراط فیها مثبط للهمم ومزعزع للثقة بالنفس، افرضوا عقوبة واحدة عادلة تکون مثلاً رادعاً للآخرین، ثم أظهروا استیاءکم من الذنوب المرتکبة بنظرة حادّة أو کلمة عابرة تذکّر المذنب بما ینتظره إذا أخطأ ثانیة.

إمکانیة الإصلاح

لا تترکوا المذنب یعتقد بأنه مُستهدف، حتی لو کان هدفاً لمراقبة شدیدة، وبینوا له إمکانیة إصلاح الأخطاء کبدایة للتحسن والتقدم علی طریق الصلاح.

فالعقوبة وسیلة من وسائل إصلاح الفرد للتخلص من أخطائه، ولیست طریقة إلی سجنه فیها إلی الأبد، ومن الضروری أن یشعر المسیء بأن حیاته ستبدأ من جدید بمجرد انتهاء العقوبة، وکأنه لم یرتکب ذنباً أو أن ینتقل لعملٍ آخر یناسبه.

لا تتسرع فی العقوبة

لا تتسرعوا فی فرض العقوبة، بمجرد سماع أقوال أحد أطراف النزاع حتی لو کان من مساعدیکم، فکم من عقوبة مجحفة فُرضت من قبل مسؤولین یجهلون شکل المذنب واسمه وأسباب حادثته، قال تعالی فی الذکر الحکیم: )إِن جَآءَکُمْ فَاسِقُ بِنَبَإٍ فَتَبَیّنُوَاْ أَن تُصِیببُواْ قَوْمَا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُواْ عَلَیَ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِینَ(((2)).

وعند الشک بأقوال المرؤوس المذنب أثناء الاستماع إلیه یجب التریث بإصدار القرار إلی حین التمحیص والتدقیق فی نسبة الأخطاء، فإذا ما ثبت کذبه، علینا أن نعاقبه بقدر یعادل الخطأ الذی ارتکبه.

لا تعاقب وأنت غاضب

لا تعاقبوا وأنتم فی حالة الغضب، فإن «الغضب مفتاح کل شر»((3)) کما قال أبو عبد الله علیه السلام، وانتظروا یوماً قبل تحدید العقوبة، واستمعوا إلی من ارتکب الخطأ،

ص:475


1- الکافی: ج2 ص108 ح6
2- سورة الحجرات: 6
3- الکافی: ج2 ص303 ح3

وابحثوا معه عن الأسباب المخففة، فإذا تأکدتم من سوء نیة المذنب عاقبوه لأن «من أضمر الشر لغیره فقد بدأ بنفسه»((1)) کما یقول أمیر المؤمنین علیه السلام، ولا تترکوا المسیئین فی عمل واحد، لأنه خطر هدام للعمل والمجتمع.

لا تشک بالثقاة

تؤثر فی نفس الإنسان الأسالیب التی توحی بالثقة أو عکسها، فالشک بمرؤوس جید إبطال لأفکاره وأعماله، أما الشک بإمکانیة إصلاحه فتحطیم لکیانه کإنسان.

انظر المحاسن أیضاً

لا تکونوا من الرؤساء الذین لا یرون إلاّ الأخطاء، ولا تنحل عقدة لسانهم إلاّ للتأنیب، واعملوا بقول أمیر المؤمنین علیه السلام: «تجاوز عن الزلل وأقل العثرات ترفع لک الدرجات»((2)). ولیکن لدیکم مقیاس صحیح متزن، فلا تؤنبوا تأنیباً شدیداً من أجل هفوة صغیرة، والعکس صحیح أیضاً.

المحاسبة

المحاسبة واجب من واجبات المسؤول، یقول الرسول الأعظم صلی الله علیه و آله:«حاسبوا أنفسکم قبل أن تحاسبوا وزنوها قبل أن توزنوا»((3))، ومن لم تکن لدیه الشجاعة الکافیة لیحاسب نفسه ومرؤوسیه، یفقد مهمته، ویکون حول-ه جواً ملائماً للمخالفة والإهمال وما یتبعها من فوضی خطیرة، فإن الإهمال لا یجلب المحبة بل یؤدی إلی الاحتقار العمیق. واسمع نصیحة أمیر المؤمنین علیه السلام وهو یقول: «لا عاجز أعجز ممن أهمل نفسه فأهلکها»((4)). هذا ویعتقد من لا یحاسب إلاّ بعد مرور مدة طویلة علی خطأه، بأنّ رئیسه قد تقبل تصرفه فی بادئ الأمر، ثم غیّر رأیه تحت تأثیر خارجی.

مساعدة المخطئ علی التصحیح

قد یبدو الذنب للناظر أکبر من حقیقته، إن لم یبحث عن دوافعه وملابساته، فإن کان الخطأ ناجماً عن ضعف الإمکانات، عندها یجب البحث عن أسبابه ونتائجه،

ص:476


1- غرر الحکم ودرر الکلم: ص100 ح1727
2- غرر الحکم ودرر الکلم: ص246 ح5055
3- وسائل الشیعة: ج16 ص99 ح21082
4- مستدرک الوسائل: ج11 ص140 ح12649

وتجنبوا الملاحظات الشخصیة، واعملوا علی مساعدة المخطئ فی تصحیح اتجاهاته.

بین الحزم والقسوة

لا تخلطوا بین الحزم والقسوة الجارحة، فإنّ المحاسبة لا تتعارض مع التهذیب، واحذروا التأنیب الذی یأخذ شکل شتائم، إذ ینسی المذنب فی هذه الحالة هدف ملاحظاتکم، ولا یتذکر إلاّ الشتیمة.

طریقتان فی الحیاة الإداریة

هنالک طریقتان فی الحیاة الإداریة:

1: طریقة سلبیة، مبدؤها رؤیة مساوئ العمل والعمال، لیس لإصلاحها، بل لاستغلالها بشکل هدام، والعودة إلیها بمناسبة وبدون مناسبة.

2: طریقة إیجابیة، تنظر إلی الأمور بعین الرضی، وتبحث عن محاسن الرجال لتنمیتها وتحسینها، وتعطف علی ضعفهم وأخطائهم، وتعمل علی إصلاحها بکل دماثة. ومن الواضح أن الطریقة الثانیة هی الأسلم.

لا تجسم الأخطاء

یلزم عدم إظهار خطأ المرؤوس بشکل مجسم، وعدم تکرار التأنیب حتی لا یفقد الثقة بنفسه فیضیع أمله بالنهوض من کبوته، کما یلزم تجنب التطرق للأخطاء السابقة، فلیس هنالک ما یثبط همة المرؤوس مثل شعوره بأن خطأه الماضی سیؤثر علی مستقبله مهما حاول إصلاح نفسه. ومن المعلوم أن الأخطاء الناجمة عن الخبث المطلق والسوء الکلی نادرة جداً، أما أخطاء الإهمال وعدم الانتباه فناجمة عن أسباب یتوجب إیجاد حلول لها. ویلزم أن لا تلحق السمعة السیئة والفکرة السابقة بالمرؤوس طوال حیاته، یقول أحد الشعراء:

کأن به من کل فاحشة وقرا

أحب الفتی ینفی الفواحش سمعه

ولا مانعاً خیراً ولا قائلاً هجرا

سلیم دواعی الصدر لا باسطاً أذی

فکن أنت محتالاً لزلته عذرا ((1))

إذا ما أتت من صاحب لک زلة

الأسوة والقدوة الحسنة

ص:477


1- أعلام الدین: ص180

لا تکونوا من الرؤساء الذین یأمرون بالمعروف وینهون عن المنکر وینسون أنفسهم، فهؤلاء هم أسوأ الرؤساء، وکما جاء فی القرآن الحکیم فی معاتبة بنی إسرائیل: )أَتَأْمُرُونَ النّاسَ بِالْبِرّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَکُمْ(((1))، فإن المسؤول قبلة الأنظار، ویصوّب أفراده أبصارهم باتجاهه لتقلیده والسیر علی هدیه، فیکون المسؤول قدوة للمرؤوسین فیزداد اندفاعهم فی إتقان العمل بصورة کبیرة، قال الإمام علی علیه السلام لمالک الأشتر: «إیاک والاستئثار بما الناس فیه أسوة، والتغابی عما تعنی به مما قد وضح للعیون فإنه مأخوذ منک لغیرک، وعما قلیل تنکشف عنک أغطیة الأمور وینتصف منک للمظلوم، املک حمیة أنفک وسَورَة حدّتک وسطوة یدک وغرب لسانک، واحترس من کل ذلک بکف البادرة وتأخیر السطوة حتی یسکن غضبک فتملک الاختیار، ولن تحکم ذلک من نفسک حتی تکثر همومک بذکر المعاد إلی ربک، والواجب علیک أن تتذکر ما مضی لمن تقدمک من حکومة عادلة أو سنة فاضلة أو أثر عن نبینا محمد صلی الله علیه و آله »((2)).

سیرة المسؤول

یلزم أن تکون سیرة المسؤول موافقة لحدیثه إن لم تکن أقوی منه، یقول الإمام علی علیه السلام: «من طابق سره علانیته ووافق فعله مقالته فهو الذی أدی الأمانة وتحققت عدالته»((3))، فإذا ما تناقضت حیاته وتصرفاته وسیرته مع المُثل التی ینادی بها اشمأزَّ مرؤوسوه من کلامه وثاروا علیه فی قلوبهم، کما قال الله تعالی: )کَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللّهِ أَن تَقُولُواْ مَا لاَ تَفْعَلُونَ(((4)).

بین الحیاة العامة والخاصة

ربما یقال: إن حیاة فلان الخاصة ملکه، وأن علی المسؤول أن یعکس المثُل العلیا أثناء العمل، وهو حر فی تصرفاته خارج العمل یفعل ما یشاء، إن هذا الکلام لیس صحیحاً. فهل هنالک انفصال بین الحیاة العامة والخاصة؟ طبعاً لا )فَإِنّهُ یَعْلَمُ السّرّ

ص:478


1- سورة البقرة: 44
2- نهج البلاغة: الرسائل 53
3- غرر الحکم ودرر الکلم: ص211 ح4069
4- سورة الصف: 3

وَأَخْفَی(((1))، فالوجدان هو الأصل، ولقد قدم الوجدان علی العمل لأنه أصل کل عمل، والوجدان الدینی هو الرقیب الأکبر، قال الإمام أمیر المؤمنین علیه السلام: «من أفضل الدین المروءة ولا خیر فی دین لیس ل-ه مروءة»((2)).

وقال الإمام موسی بن جعفر علیه السلام لهشام بن الحکم: «لا دین لمن لا مروّة له ولا مروّة لمن لا عقل له»((3)).

التواضع أولاً

القیادة مهمّة اجتماعیة، یحتاج صاحبها للتخلی عن الأنانیة والمصالح الفردیة والزهو الباطل، ف-)إِنّ اللّهَ لاَ یُحِبّ کُلّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ(((4)).

ویقول الإمام أبو جعفر علیه السلام: «الکبر رداء الله والمتکبر ینازع الله رداءه»((5)).

لا تتبجح

علی المدیر أن یجتنب التبجح والتحدث عن نفسه ومدحها، کما ورد عن أمیر المؤمنین علی علیه السلام: «شر الناس من یری أنه خیرهم»((6)) ، صحیح أن علی الرئیس أن یکون القدوة بالقیم والمثل للمواطنین، ولکن لیس ل-ه أن یتفاخر علیهم، والقیم والمثل العلیا هی ما یراه الآخرون بصورة لا شعوریة ولیس ما دُفع إلی شعورهم دفعاً، وعلی المدیر أن لاَّ یعتقد بأن تبجّحه وتفاخره یزید من حماس الأفراد، بل یثیر فی نفوس مساعدیه روح السخریة والنقد، فیتُحطم بیدیه ما أراد بناءه.

التواضع البناء

لابد للمسؤول أن یفکر بالتواضع البنّاء، فإن «من تواضع لله رفعه الله ومن تکبر

ص:479


1- سورة طه: 7
2- غرر الحکم ودرر الکلم: ص258ح5479
3- الکافی: ج1ص17ح12
4- سورة لقمان: 18
5- الکافی: ج2 ص309 ح4
6- غرر الحکم ودرر الکلم: ص308 ح7082

خفضه الله»((1)) کما یقول الرسول الأعظم صلی الله علیه و آله، وکل إنسان معرض للخطأ، ولایکون مثالیاً أو غیر قابل للنقد، فاللازم أن یحاول إصلاحه إذا ما کان فیه خلل، حتی یصل إلی مستوی قریب من المثالیة، دون تبریر موقفه أمام الناس.

المسؤول المغرور

قد یکون لدی المرؤوسین استعداد کبیر لتبجیل وتعظیم مسؤولهم بصفات ومزایا لا یملکها، ویعمل المسؤول المغرور علی تنمیة هذا الاستعداد بدافع الأنانیة وحب الظهور، فیجد نفسه فی النهایة محاطاً ببطانة لا تری إلاّ بعینیه، ولا تسمع إلاّ بأذنیه، فیفقد الفائدة التی کان یحملها إلیه نقد معاونیه الصالحین الذین یرون الأشیاء من

زاویة مختلفة، کما یفقد الاحتکاک مع الوسط الذی یعیش فیه، فیصبح غیر مؤهل للقیادة.

من مساوئ الغرور

الفرد المغرور من أکبر الأخطار علی المجتمع، قال الإمام الصادق علیه السلام: «المغرور یتمادی فی المعصیة ویتمنی المغفرة»((2)) لأنه یحاول جذب کل شیء نحوه، ویری کل أمر بمنظاره، فیغدو غیر قادر علی تفهم حاجات الآخرین أو التفاهم معهم.

کلمات الغرور

یردد بعض المدراء کلمات الغرور دائما، فیقول: لقد کنت أتوقع هذا.. لقد قلت لکم هذا.. لقد أعلمتکم بما سیقع أفلا ترون؟..، وهذا یوجب الفشل، فإن «من اغتر بنفسه أسلمته إلی المعاطب»((3)) علی حد قول الإمام علی علیه السلام، وهو تبجح غیر مجد، فإنه إن کان قد توقع حصول الأمر حقاً فهو أمام حالتین: أولاهما أنه أخذ التدابیر اللازمة لتلافی الخطأ، وهذا عمل حسن ولکن علام التبجح؟ وثانیهما أنه لم یأخذ التدابیر الکفیلة لحل الموضوع، وفی هذه الحالة الأفضل أن یلزم الصمت أمام مرؤوسیه لأنه لم یقم بواجبه.

ص:480


1- الکافی: ج2 ص122 ح3
2- مستدرک الوسائل: ج11 ص251
3- غرر الحکم ودرر الکلم: ص308 ح7074

القوة بلا تواضع

القوة بلا تواضع عنف، ولیکن قول أمیر المؤمنین علیه السلام: «قوة الحلم عند الغضب أفضل من القوة علی الانتقام»((1)) مصباحاً ینیر طریقنا، لأن التواضع یخفف من المساوئ، یقول أبو عبد الله علیه السلام: «اطلبوا العلم وتزینوا معه بالحلم والوقار، وتواضعوا لمن تعلمونه العلم وتواضعوا لمن طلبتم منه العلم ولا تکونوا علماء جبارین فیذهب باطلکم بحقکم»((2)).

نحن بدل أنا

القادة لا یتحدثون عن أنفسهم، ویلغون (الأنا) ویستبدلونها قولاً وسلوکاً، قلباً وقالباً ب- (نحن)، قاصدین بذلک الجماعة، لأن من تَشْغَلُ (الأنا) باله یجعل من نفسه هدفاً لکل عمل، ویستغل جهد الآخرین لمصلحته الشخصیة، ویصبح عبئاً علی جماعته وطفیلیاً علی جهودها وتضحیاتها.

لا للاستبداد

إذا لم یتحل المسؤول بالتواضع، ولم یتقبل الدروس العملیة من الرجال والحوادث، وتمسک بأفکاره لدرجة الاستبداد، ولم یستمع إلی رأی غیره، أصبح بعد برهة متعباً منهوکاً ومنفصلاً عن الواقع، یقول أمیر المؤمنین علیه السلام: «من استبد برأیه هلک ومن شاور الرجال شارکها فی عقولها»((3)).

العمل بصمت

یعمل المسؤول المتواضع بصمت فی سبیل الواجب، واضعاً المصلحة العامة فوق المصلحة الشخصیة، فلا یضع نفسه فوق موضعها، لئلا ینزلق إلی هاویة الغرور البغیض، فتصبح جهوده غیر مثمرة، ولا یکون ذهنه متحجراً بحیث لا یتقبل المعلومات الجدیدة، ویفقد بذلک میزة الاستماع إلی آراء الآخرین، قال النبی صلی الله علیه و آله:

«إن من تعلم العلم لیماری به السفهاء أو یباهی به العلماء أو یصرف وجوه الناس إلیه

ص:481


1- غرر الحکم ودرر الکلم: ص285 ح6397
2- الکافی: ج1 ص36 ح1
3- وسائل الشیعة: ج12 ص40 ح15587

لیعظموه فلیتبوأ مقعده من النار، فإن الرئاسة لا تصلح إلا لله ولأهلها، ومن وضع نفسه فی غیر الموضع الذی وضعه الله فیه مقته الله، ومن دعا إلی نفسه فقال أنا رئیسکم ولیس هو کذلک لم ینظر الله إلیه حتی یرجع عما قال ویتوب إلی الله مما ادّعی»((1)).

من مصادیق التواضع

التواضع لا یعنی أن تقول: لیس لدی إمکانات، أو لا یمکننی أن أعمل شیئاً، بل تقول: إن لدیّ بعض الإمکانات التی لا یحق لی أن أفاخر بها أو أن أستغلّها لنفسی، وعلیّ أن أنمّیها لخدمة الآخرین. قال أبو عبد الله علیه السلام: «سئل رسول الله صلی الله علیه و آله: من أحب الناس إلی الله؟ فقال: أنفع الناس للناس»((2)).

موجبات احترام المدیر

یکسب الرئیس احترام مرؤوسیه وتقدیرهم بما یحمله من معارف، وبما یقدمه من أمثلة فی التفانی والحزم والانضباط، ثم یکسب ثقتهم ومحبتهم باهتمامه بمشاکل حیاتهم، وباستماعه إلیهم بکل تبسط، شریطة أن لا یتعارض ذلک مع الانضباط والمصلحة العامة.

الطیب الخجول

لا یستطیع الرئیس الطیب الخجول فی أوامره، امتلاک القلوب، ولا یمکنه العمل للوصول إلی الطاعة المثلی، ولا تنحنی الأعناق وتتفتح القلوب إلاّ أمام الرئیس الجریء القوی. والقوة من أحسن أسالیب القیادة عندما تکون بلا تکلُّف فإن «التکلف من أخلاق المنافقین»((3)) کما یرشدنا الإمام أمیر المؤمنین علی علیه السلام، ولکنها تفقد الکثیر من فعالیتها، عندما تأتی بصورة مفاجئة وعنیفة.

ما یریده المدیر

علی المسؤول أن یعرف ما یرید، ویصر علی أهدافه الصحیحة حتی النهایة، دون أن یمنعه ذلک من سماع رأی مساعدیه وتصلیح أخطائه وقراراته، أما المسؤول غیر

ص:482


1- بحار الأنوار: ج74 ص149 ح59
2- الکافی: ج2 ص164 ح7
3- غرر الحکم ودرر الکلم: ص478 ح10971

الحازم فی عمله فمصیره إلی الفشل الذریع، لأنهم یبحثون عن مسؤول قوی یقودهم ویستلم زمام أُمورهم، ویشعرون بغریزتهم بأن المسؤول الساذج خطر علی مصالحهم.

لا للتملق

هنالک مرؤوسون أشد خطورة وأصعب کشفاً، أولئک الذین لم یستمعوا لقول أمیر المؤمنین علی علیه السلام: «لیس من أخلاق المؤمن التملق»((1))، فهم مندفعون إلی التملق أمام المسؤول، یطیعون الأوامر باندفاع مفرط، وتذوب شخصیاتهم کلیاً أمام من هو أعلی منهم، فإذا ما کانوا مع مرؤوسیهم عاملوهم بقسوة واحتقار، وبدون تفهم أو رغبة فی مساعدتهم أو مکافأتهم وهذا نفاق بائن وهنا یلزم اللجوء إلی الحزم الواعی، المستند علی معرفة الرئیس لکل فرد معرفة دقیقة مستمدة من التجارب العملیة، لا مبنیة علی مظاهر الاحترام الخارجیة، وهنالک مرؤوسون یودون الظهور بأی ثمن، والغایة لدیهم تبرر الوسیلة، ممن یقول عنهم أمیر المؤمنین علیه السلام: «همُّ الکافر لدنیاه وسعیه لعاجلته وغایته لشهوته»((2)) إنهم یریدون الوصول إلی الصف الأول ولو أدی ذلک إلی تحطیم الآخرین والسیر علی أشلائهم إنهم یستغلون کل مناسبة لیتحدثوا بالسوء عن رفاقهم بغیة إظهار تفوقهم وتشویه سمعة غیرهم... هنا یجب أن یکون المسؤول حازماً، ف- «الحزم حفظ ما کلفت وترک ما کفیت»((3)) کما بینه أمیر المؤمنین الإمام علی علیه السلام، لأن التهاون ومسایرة المنافقین یضعف همم العاملین، وینطوی عندئذ کل امرئ علی نفسه، فیعمل بدون تعاون وینقلب التفاهم إلی حذر من الرفاق.

الإیمان بالهدف

القائد الذی لا یؤمن بهدفه لیس أهلاً للقیادة، وإیمانه وحده بالهدف لا یکفی، إذ علیه أن ینقله إلی الآخرین، وأن یُفهّم کل مرؤوس مسؤولیته فی المهمة، ویبعث فیه الشجاعة، ویقنعه بالمثل العلیا التی تدفع إلی الإخلاص بالعمل وإتقان المهمة المطلوبة لیکون مؤهلاً للاستمرار بالمهمة، فهنالک کثیر من الأشیاء الممکنة.

ص:483


1- مستدرک الوسائل: ج8 ص467 ح10032
2- غرر الحکم ودرر الکلم: ص93 ح1589
3- غرر الحکم ودرر الکلم: ص475 ح10877

الإیمان والتفانی

لا یمکن للإنسان متابعة الجهد إلاّ إذا اعتقد بصحته وفائدته، ولا یتسنی للشجاع مواجهة المتاعب إلاّ إذا تحلی بروح التفانی. فالإیمان والتفانی بحب العمل هی الصفات الممیزة لکل رجل منتج، ولکل مجموعة فعالة، ولکل أمة تتفاعل مع الحیاة لأجل سعادة الدارین. إن مَثَلَ القائد الذی لا یستطع بث روح الإیمان بالهدف إلی مرؤوسیه ثم یرید منهم أن یعملوا بأحسن ما یمکن، کَمَثَل سائق المرکبة الذی یرید تشغیل المرکبة دون وقود، فکذلک إذا کان العمل بدون هدف وإیمان فإنه یکون عبثاً وتفاهة.

الفکر السلیم

العمل الناجح هو ما إذا کان مبنیاً علی الفکر السلیم، وقد جاء عن الإمام أمیر المؤمنین علیه السلام قوله: «تفکر قبل أن تعزم وشاور قبل أن تقدم وتدبر قبل أن تهجم»((1)).

وعنه علیه السلام: «من أعمل فکره أصاب جوابه» و«الفکر فی الأمر قبل ملابسته یؤمن الزلل»، و«الفکر یوجب الاعتبار ویؤمن العثار ویثمر الاستظهار»، و«أصل السلامة من الزلل الفکر قبل الفعل والرویة قبل الکلام»، و«دع الحدة وتفکر فی الحجة وتحفظ من الخطل تأمن الزلل»، و«دوام الفکر والحذر یؤمن الزلل وینجی من الغیر»((2)).

وعن الإمام أبی عبد الله الصادق علیه السلام: «تفکر ساعة خیر من عبادة سنة»((3)).

المساواة والعدالة

یرغب الأفراد فطریاً أن یسود العدل بینهم، یقول الإمام علی علیه السلام: «جعل الله سبحانه العدل قواماً للأنام، وتن-زیهاً من المظالم والآثام، وتسنیة للإسلام»((4))، فإذا ما شعروا بظلم رئیسهم تأثّروا وثاروا، حتی لو کان هذا الرئیس محبوباً، فقد یتقبل الفرد القسوة والإرهاق، ولکنه یفقد صوابه نتیجة الظلم والتعسف، فإن لم یظهر استیاءه حفظه فی قلبه کجرح صامت، لابد أن ینفجر یوماً علی شکل حقد جارف أو کُرهٍ

ص:484


1- غرر الحکم ودرر الکلم: ص56 ح546
2- مستدرک الوسائل: ج1ص183ح12689
3- انظر غرر الحکم ودرر الکلم: ص56-58 الفصل الخامس فی الفکر
4- غرر الحکم ودرر الکلم: ص99 ح1697

عمیق، یقول أمیر المؤمنین علیه السلام: «راکب الظلم تکبو به مرکبته»((1)).

الثناء والتأنیب العادل

من العدل توزیع الثناء والتأنیب بکل تبصّر، والاعتراف بأعمال المرؤوسین الطیبة وأفکارهم المبدعة، ومراعاة أسباب الفشل لمن بذلوا قصاری جهدهم وإمکاناتهم ولم ینجحوا رغم ذلک. وبکلام آخر من مصادیقه قول أمیر المؤمنین علیه السلام:«تبادروا إلی محامد الأفعال وفضائل الخلال وتنافسوا فی صدق الأقوال وبذل الأموال»((2)).

وعند النجاح

من العدل أن لا یری المدیر کل النجاح لنفسه، بل یعترف الرئیس عند النجاح بمجهود کل من اشترکوا معه، عملاً بقوله تعالی:)وَلاَ تَبْخَسُواْ النّاسَ أَشْیَاءَهُمْ(((3)) وأن یعتقد صادقا بأن الفوز ناجم عن مجموعة الجهود الصغیرة والکبیرة، فلا یجر المغانم کلها نحو نفسه، أو یجعل البطولة وقفاً علیه من دون مرؤوسیه.

لا تحکم علی الغائب

علی المدیر أن یکون حذراً فی الحکم علی أشخاص لم یرهم منذ زمن طویل، ولایعتمد بذلک علی ذکریاته، فقد یتطور السیئ خلال سنوات ویصبح ممتازاً، کما قد ینقلب الحسن إلی ردیء، ویقول أمیر المؤمنین علیه السلام: «قد یستقیم المعوج»((4)).

قابلیة الإصلاح

کل إنسان قابل للإصلاح، فالأحکام علی الناس مؤقتة وقابلة للتعدیل، ولایجوز تجاهل أی رجل نهائیاً بحجة عدم صلاحه، فهذا إجحاف بحقه وظلم ما بعده ظلم، وهروب من الإصلاح والمسؤولیة فی تربیة المجموعة.

الحیاد وعدم الانحیاز

من العدل الوقوف علی الحیاد فی بعض الموارد، وعدم الانحیاز الناجم عن الاستلطاف أو النفور، وتأمین توزیع المناصب علی المرؤوسین وترفیعهم حسب

ص:485


1- غرر الحکم ودرر الکلم: ص348 ح8042
2- غرر الحکم ودرر الکلم: ص324 ح7526
3- سورة الشعراء: 183
4- غرر الحکم ودرر الکلم: ص325 ح7582

الإمکانات والمواهب الثابتة الأکیدة، ولیس حسب المعرفة المسبقة أو المدیح الذی یکیله المرؤوس نفاقاً وریاء، یقول جل وعلا: )وَلاَ تَأْکُلُوَاْ أَمْوَالَکُمْ بَیْنَکُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَی الْحُکّامِ لِتَأْکُلُواْ فَرِیقاً مّنْ أَمْوَالِ النّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ(((1)).

وفاء بالوعود

من العدل أن لا یقطع الرئیس لمرؤوسیه وعداً لا یقدر علی تنفیذه، فإنه لا شیء یکسب ثقة المرؤوس کالصراحة، والعدل حق للمرؤوسین علی الرئیس، فعلیه أن یقدمه لهم لیشعرهم بالطمأنینة والثقة، حتی لا یقلقوا علی ضیاع جهودهم، کما وینبغی أن لا یخاف المرؤوس رئیسه، وأن یتمنی وجوده فی الوقت نفسه، لأنه یدعمه فی عمله ویتحمل مسؤولیة الأوامر الصادرة عنه.

الاعتراف بالخطأ

من العدل أیضاً: اعتراف الرئیس بخطئه - إذا أخطأ - وتحمل نتائجه، وعدم إلصاقه بشخص آخر فإنه «والله ما ینجو من الذنب إلا من أقرَّ به»((2)) کما جاء عن أبی جعفر علیه السلام، وخاصة إذا کان مرؤوساً لیس له ذنب سوی أنه نفذ الأوامر الناقصة أو المبهمة بوجدان وضمن حدود الإمکانات الموضوعة تحت تصرفه.

***

وهذا کله من مصادیق السلم والسلام الإداری، أو من موجباته ومقوماته وشرائطه، وقد قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «أمرنی ربی بمداراة الناس کما أمرنی بأداء الفرائض»((3)). وعن الإمام الصادق علیه السلام قال: «جاء جبرئیل إلی النبی صلی الله علیه و آله فقال: یا محمد ربک یقرؤک السلام ویقول لک: دار خلقی»((4)). وفی الحدیث: «من حسنت مداراته طابت حیاته»((5)). وقال أمیر المؤمنین علی علیه السلام: «من داری الناس سلم»((6)). وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: «سلامة الدین والدنیا فی مداراة الناس»((7)).

ص:486


1- سورة البقرة: 188
2- الکافی: ج2 ص426 ح1
3- وسائل الشیعة: ج12 ص200 ب121 ح16081
4- وسائل الشیعة: ج12 ص200 ب121 ح16083
5- انظر مستدرک الوسائل: ج9 ص39-40 ب104 ح10142
6- غرر الحکم ودرر الکلم: ص445 ح10186
7- غرر الحکم ودرر الکلم: ص445 ح10178

فصل :السلم والسلام فی القرآن الکریم والروایات الشریفة

اشارة

فصل :السلم والسلام فی القرآن الکریم والروایات الشریفة

آیات وروایات السلم

مسألة: یلزم السعی فی نشر مفهوم آیات السلم والسلام بین المجتمع وتطبیقها، وکذا الروایات الکثیرة الواردة فی هذا المجال، وهی تدلّ علی رجحان السلم والسلام، والرجحان هنا بالمعنی الأعمّ کما لا یخفی.

قال علیه السلام: «ما وضع الرفق علی شیء إلا زانه»((1)).

وقال علیه السلام: «من عامل بالعنف ندم»((2)).

وهناک قواعد فقهیة ذکرها الفقهاء ترتبط بشکل أو بآخر بقانون السلم والسلام بالمعنی الأعم: کقاعدة لا ضرر، قاعدة لا حرج، قاعدة الجب، قاعدة الیسر، قاعدة الصحة، قاعدة سوق المسلمین، قاعدة الید، قاعدة الفراغ، قاعدة التجاوز، قاعدة عفا الله عما سلف، قاعدة أرض المسلمین، وغیرها.

وفی هذا الفصل نشیر إلی بعض تلک الآیات والروایات المشتملة علی مادة السلم والسلام بعون الله تعالی.

ص:487


1- مستدرک الوسائل: ج11 ص292 ح13064
2- غرر الحکم ودرر الکلم: ص458 ق6 ب5 ف1 بعض آثار الظلم ح10473

آیات کریمة فی السلم والسلام

آیات کریمة فی السلم والسلام

وردت آیات عدیدة فی السلام بمعنی التحیة أوردناها فی کتاب (الفقه: مسائل السلام) ونشیر إلی بعضها هنا تتمیماً للفائدة وتعمیماً لها، کما وردت آیات کثیرة تدل علی السلم والسلام بالمعنی الأعم، سواء کانت مشتملة علی مادة السلم أم لا، کقوله تعالی: ƒولو کنت فظاً غلیظ القلب لانفضوا من حولک‚((1)).

وقوله سبحانه: ƒوجادلهم بالتی هی أحسن‚((2)).

وقوله تعالی: ƒولا تزر وازرة‚((3)).

فإنها لم تشتمل علی مادة السلم وإن دلت علیه.

وسنکتفی فی هذا الفصل علی عدد من الآیات المشتملة علی مادة السلم باشتقاقاتها المختلفة، عاماً أو خاصاً:

سلموا

قال سبحانه: ƒفإذا دخلتم بیوتاً فسلموا علی أنفسکم تحیة من عند الله‚((4)).

تسلموا

قال تعالی: ƒلا تدخلوا بیوتاً غیر بیوتکم حتی تستأنسوا وتسلّموا علی

أهلها‚((5)).

سلام

قال تعالی: ƒسلام علیکم بما صبرتم فنعم عقبی الدار‚((6)).

وقال سبحانه: ƒوسلام علیه یوم ولد ویوم یموت ویوم یبعث حیاً‚((7)).

ص:488


1- سورة آل عمران: 159
2- سورة النحل: 125
3- سورة فاطر: 18، سورة الأنعام: 164، سورة الزمر: 7، سورة الإسراء: 15
4- سورة النور: 61
5- سورة النور: 27
6- سورة الرعد: 24
7- سورة مریم: 15

وقال تعالی: ƒقال سلام علیک سأستغفر لک ربّی إنهُ کان بی حفیاً‚((1)).

وقال سبحانه: ƒقل الحمد لله وسلام علی عباده الذین اصطفی‚((2)).

وقال تعالی: ƒسلام علی نوح فی العالمین‚ ((3)).

وقال سبحانه: ƒسلام علی إبراهیم‚ ((4)).

وقال تعالی: ƒسلام علی موسی وهارون‚ ((5)).

وقال سبحانه: ƒسلام علی إل یاسین‚ ((6)).

وقال تعالی: ƒوسلام علی المرسلین‚ ((7)).

وقال سبحانه: ƒوسیق الذین اتقوا ربهم إلی الجنة زمراً حتی إذا جاؤوها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها سلام علیکم طبتم فادخلوها خالدین‚ ((8)).

وقال تعالی: ƒسلام قولاً من ربٍّ رحیم‚ ((9)).

وقال سبحانه: ƒسلام هی حتی مطلع الفجر‚ ((10)).

وقال تعالی: ƒوبینهما حجاب وعلی الأعراف رجال یعرفون کلا بسیماهم ونادوا أصحاب الجنة أن سلام علیکم لم یدخلوها وهم یطمعون‚ ((11)).

وقال سبحانه: ƒدعواهم فیها سبحانک اللهم وتحیتهم فیها سلام‚ ((12)).

وقال تعالی: ƒوأدخل الذین آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجری من تحتها

ص:489


1- سورة مریم: 47
2- سورة النمل: 59
3- سورة الصافات: 79
4- سورة الصافات: 109
5- سورة الصافات: 120
6- سورة الصافات: 130
7- سورة الصافات: 181
8- سورة الزمر: 73
9- سورة یس: 58
10- سورة القدر: 5
11- سورة الأعراف: 46
12- سورة یونس: 10

الأنهار خالدین فیها بإذن ربهم تحیتهم فیها سلام‚ ((1)).

وقال سبحانه: ƒفاصفح عنهم وقل سلام فسوف یعلمون‚ ((2)).

وقال تعالی: ƒالذین تتوفّاهم الملائکة طیبین یقولون سلام علیکم ادخلوا الجنة بما کنتم تعملون‚ ((3)).

وقال سبحانه: ƒوإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولکم أعمالکم سلام علیکم لا نبتغی الجاهلین‚ ((4)).

وقال تعالی: ƒتحیتهم یوم یلقونه سلام وأعد لهم أجراً کریماً‚ ((5)).

بسلام

قال سبحانه: ƒقیل یا نوح اهبط بسلام منّا وبرکات علیک‚ ((6)).

وقال تعالی: ƒإن المتقین فی جنات وعیون * ادخلوها بسلام آمنین‚ ((7)).

وقال سبحانه: ƒادخلوها بسلام ذلک یوم الخلود‚ ((8)).

فسلام

قال تعالی: ƒفسلام لک من أصحاب الیمین‚ ((9)).

سلاما

قال سبحانه: ƒإذ دخلوا علیه فقالوا سلاماً قال سلام قوم منکرون‚ ((10)).

وقال تعالی: ƒإذا دخلوا علیه فقالوا سلاماً قال إنّا منکم وجلون‚ ((11)).

ص:490


1- سورة ابراهیم: 23
2- سورة الزخرف: 89
3- سورة النحل: 32
4- سورة القصص: 55
5- سورة الأحزاب: 44
6- سورة هود: 48
7- سورة الحجر: 45-46
8- سورة ق: 34
9- سورة الواقعة: 91
10- سورة الذاریات: 25
11- سورة الحجر: 52

وقال سبحانه: ƒقلنا یا نار کونی برداً وسلاماً علی إبراهیم‚ ((1)).

وقال تعالی: ƒلا یسمعون فیها لغواً ولا تأثیماً * إلاّ قیلاً سلاماً سلاماً‚ ((2)).

وقال سبحانه: ƒلا یسمعون فیها لغواً إلاّ سلاماً ولهم رزقهم فیها بکرة

وعشیا‚ ((3)).

وقال تعالی: ƒوعباد الرحمن الذین یمشون علی الأرض هوناً وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً‚ ((4)).

وقال سبحانه: ƒأولئک یجزون الغرفة بما صبروا ویلقّون فیها تحیة وسلاما‚ ((5)).

وقال تعالی: ƒولقد جاءت رسلنا إبراهیم بالبشری قالوا سلاماً قال سلام فما لبث أن جاء بعجل حنیذ‚ ((6)).

السلام

قال سبحانه: ƒیهدی به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ویخرجهم من الظلمات إلی النور بإذنه ویهدیهم إلی صراط مستقیم‚ ((7)).

وقال تعالی: ƒولا تقولوا لمن ألقی إلیکم السلام لست مؤمناً‚ ((8)).

وقال سبحانه: ƒقد جئناک بآیة من ربّک والسلام علی من اتبع الهدی‚ ((9)).

وقال تعالی: ƒهو الله الذی لا إله إلاّ هو الملک القدوس السلام‚ ((10)).

وقال سبحانه: ƒوالسلام علیّ یوم ولدت ویوم أموت ویوم أبعث حیاً‚ ((11)).

ص:491


1- سورة الأنبیاء: 69
2- سورة الواقعة: 25-26
3- سورة مریم: 62
4- سورة الفرقان: 63
5- سورة الفرقان: 75
6- سورة هود: 69
7- سورة المائدة: 16
8- سورة النساء: 94
9- سورة طه: 47
10- سورة الحشر: 23
11- سورة مریم: 33

وقال تعالی: ƒوالله یدعو إلی دار السلام ویهدی من یشاء إلی صراط

مستقیم‚ ((1)). ودار السلام من أسماء الجنة.

وقال سبحانه: ƒلَهُمْ دَارُ السّلاَمِ عِندَ رَبّهِمْ وَهُوَ وَلِیّهُمْ بِمَا کَانُواْ یَعْمَلُونَ‚ ((2)).

السلم

قال تعالی: ƒیا أیها الذین آمنوا ادخلوا فی السلم کافّة ولا تتّبعوا خطوات الشیطان إنه لکم عدو مبین‚ ((3)).

وقال سبحانه: ƒفَإِنِ اعْتَزَلُوکُمْ فَلَمْ یُقَاتِلُوکُمْ وَأَلْقَوْاْ إِلَیْکُمُ السّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللّهُ لَکُمْ عَلَیْهِمْ سَبِیلاً‚ ((4)).

وقال سبحانه: ƒوَأَلْقَوْاْ إِلَیَ اللّهِ یَوْمَئِذٍ السّلَمَ وَضَلّ عَنْهُم مّا کَانُواْ یَفْتَرُونَ‚ ((5)).

وقال تعالی: ƒالّذِینَ تَتَوَفّاهُمُ الْمَلائِکَةُ ظَالِمِی أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُاْ السّلَمَ مَا کُنّا نَعْمَلُ مِن سُوَءٍ بَلَیَ إِنّ اللّهَ عَلِیمٌ بِمَا کُنْتُمْ تَعْمَلُونَ‚ ((6)).

سلماً

قال تعالی: ƒضرب الله مثلاً رجلاً فیه شرکاء متشاکسون ورجلاً سلما لرجل هل یستویان مثلاً الحمد لله بل أکثرهم لا یعلمون‚ ((7)).

أسلم

قال تعالی: ƒأ فغیر دین الله یبغون وله أسلم من فی السماوات والأرض‚ ((8)).

وقال سبحانه: ƒومن أحسن دیناً ممن أسلم وجهه لله و هو محسن‚ ((9)).

ص:492


1- سورة یونس: 25
2- سورة الأنعام: 127
3- سورة البقرة: 208
4- سورة النساء: 90
5- سورة النحل: 87
6- سورة النحل: 28
7- سورة الزمر: 29
8- سورة آل عمران: 83
9- سورة النساء: 125

وقال تعالی: ƒوأُمرت أن أُسلم لرب العالمین‚ ((1)).

وقال سبحانه: ƒبلی من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه‚ ((2)).

وقال تعالی: ƒقل إنی أمرت أن أکون أول من أسلم‚ ((3)).

وقال سبحانه: ƒوأنّا منا المسلمون ومنا القاسطون فمن أسلم فأولئک تحرّوا

رشداً‚ ((4)).

وقال تعالی: ƒإذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لربّ العالمین‚ ((5)).

أسلما

قال تعالی: ƒفلمّا أسلما وتلّه للجبین‚ ((6)).

أسلموا

قال تعالی: ƒیحکم بها النبیّون الذین أسلموا للذین هادوا‚ ((7)).

وقال سبحانه: ƒفإلهکم إله واحد فله أسلموا وبشّر المخبتین‚ ((8)).

وقال تعالی: ƒیمنّون علیک أن أسلموا قل لا تمنّوا علیّ إسلامکم‚ ((9)).

وقال سبحانه: ƒوأنیبوا إلی ربکم وأسلموا له من قبل أن یأتیکم العذاب‚ ((10)).

أسلمت

قال سبحانه: ƒفإن حاجّوک فقل أسلمت وجهی لله ومن اتّبعن وقل للذین أوتوا الکتاب والأمیین أ أسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولّوا فإنّما علیک البلاغ‚ ((11)).

ص:493


1- سورة غافر: 66
2- سورة البقرة: 112
3- سورة الأنعام: 14
4- سورة الجن: 14
5- سورة البقرة: 131
6- سورة الصافات: 103
7- سورة المائدة: 44
8- سورة الحج: 34
9- سورة الحجرات: 17
10- سورة الزمر: 54
11- سورة آل عمران: 20

وقال تعالی: ƒوأسلمت مع سلیمان لله رب العالمین‚ ((1)).

أسلمنا

قال سبحانه: ƒقالت الأعراب آمنّا قل لم تؤمنوا ولکن قولوا أسلمنا‚ ((2)).

سلمتم

قال تعالی: ƒفلا جناح علیکم إذا سلّمتم ما آتیتم بالمعروف‚((3)).

یسلم

قال سبحانه: ƒومن یسلم وجهه إلی الله وهو محسن فقد استمسک بالعروة الوثقی‚ ((4)).

یسلمون

قال تعالی: ƒتقاتلونهم أو یسلمون‚ ((5)).

یسلموا

قال سبحانه: ƒثم لا یجدوا فی أنفسهم حرجاً مما قضیت ویسلموا تسلیماً‚ ((6)).

تسلمون

قال تعالی: ƒکذلک یتمّ نعمته علیکم لعلّکم تسلمون‚ ((7)).

لنسلم

قال تعالی: ƒقل إنّ هدی الله هو الهدی وأُمرنا لنسلم لربّ العالمین‚ ((8)).

الإسلام

قال سبحانه: ƒإنّ الدین عند الله الإسلام‚ ((9)).

ص:494


1- سورة النمل: 44
2- سورة الحجرات: 14
3- سورة البقرة: 233
4- سورة لقمان: 22
5- سورة الفتح: 16
6- سورة النساء: 65
7- سورة النحل: 81
8- سورة الأنعام: 71
9- سورة آل عمران: 19

وقال تعالی: ƒومن یبتغ غیر الإسلام دیناً فلن یقبل منه‚ ((1)).

وقال سبحانه: ƒالیوم أکملت لکم دینکم وأتممت علیکم نعمتی ورضیت لکم الإسلام دیناً‚ ((2)).

وقال تعالی: ƒومن أظلم ممن افتری علی الله الکذب وهو یدعی إلی

الإسلام‚ ((3)).

للإسلام

قال سبحانه: ƒفمن یرد الله أن یهدیه یشرح صدره للإسلام‚ ((4)).

وقال تعالی: ƒأ فمن شرح الله صدره للإسلام فهو علی نور من ربّه‚ ((5)).

إسلامهم

قال تعالی: ƒولقد قالوا کلمة الکفر وکفروا بعد إسلامهم‚ ((6)).

مسلما

قال تعالی: ƒما کان إبراهیم یهودیاً ولا نصرانیاً ولکن کان حنیفاً مسلماً‚ ((7)).

    وقال سبحانه: ƒأنت ولیّ فی الدنیا والآخرة توفّنی مسلماً وألحقنی بالصالحین‚ ((8)).

مسلمون

قال سبحانه: ƒإنّ الله اصطفی لکم الدین فلا تموتنّ إلاّ وأنتم مسلمون‚ ((9)).

وقال تعالی: ƒقالوا نعبد إلهک وإله آبائک إبراهیم وإسماعیل وإسحاق إلهاً

ص:495


1- سورة آل عمران: 85
2- سورة المائدة: 3
3- سورة الصف: 7
4- سورة الأنعام: 125
5- سورة الزمر: 22
6- سورة التوبة: 74
7- سورة آل عمران: 67
8- سورة یوسف: 101
9- سورة البقرة: 132

واحداً ونحن له مسلمون‚ ((1)).

وقال سبحانه: ƒلا نفرّق بین أحد منهم ونحن له مسلمون‚ ((2)).

وقال تعالی: ƒفإن تولّوا فقولوا اشهدوا بأنّا مسلمون‚ ((3)).

وقال سبحانه: ƒآمنّا بالله واشهد بأنّا مسلمون‚ ((4)).

وقال تعالی: ƒأیأمرکم بالکفر بعد إذ أنتم مسلمون‚ ((5)).

وقال سبحانه: ƒاتّقوا الله حقّ تقاته ولا تموتنّ إلاّ وأنتم مسلمون‚ ((6)).

وقال تعالی: ƒوإذ أوحیت إلی الحواریین أن آمنوا بی وبرسولی قالوا آمنّا وأشهد بأننا مسلمون‚ ((7)).

وقال سبحانه: ƒفاعلموا أنّما أنزل بعلم الله وأنّ لا إله إلاّ هو فهل أنتم

مسلمون‚ ((8)).

وقال تعالی: ƒقل إنّما یوحی إلیّ أنّما إلهکم إله واحد فهل أنتم مسلمون‚ ((9)).

وقال سبحانه: ƒإن تسمع إلاّ من یؤمن بآیاتنا فهم مسلمون‚ ((10)).

وقال تعالی: ƒوإلهنا وإلهکم واحد ونحن له مسلمون‚ ((11)).

مسلمین

قال سبحانه: ƒإن کنتم آمنتم بالله فعلیه توکلوا إن کنتم مسلمین‚ ((12)).

ص:496


1- سورة البقرة: 133
2- سورة البقرة: 136. وسورة آل عمران: 84
3- سورة آل عمران: 64
4- سورة آل عمران: 52
5- سورة آل عمران: 80
6- سورة آل عمران: 102
7- سورة المائدة: 111
8- سورة هود: 14
9- سورة الأنبیاء: 108
10- سورة النمل: 81. وسورة الروم: 53
11- سورة العنکبوت: 46
12- سورة یونس: 84

وقال تعالی: ƒربنا أفرغ علینا صبراً وتوفنا مسلمین‚ ((1)).

وقال سبحانه: ƒربّما یودّ الذین کفروا لو کانوا مسلمین‚ ((2)).

وقال تعالی: ƒآمنا به إنّه الحقّ من ربّنا إنّا کنا من قبله مسلمین‚ ((3)).

وقال سبحانه: ƒألا تعلوا علیّ وأتونی مسلمین‚ ((4)).

وقال تعالی: ƒقال یا أیها الملأ أیّکم یأتینی بعرشها قبل أن یأتونی مسلمین‚ ((5)).

وقال سبحانه: ƒوأوتینا العلم من قبلها وکنّا مسلمین‚ ((6)).

وقال تعالی: ƒالذین آمنوا بآیاتنا وکانوا مسلمین‚ ((7)).

المسلمین

قال تعالی: ƒإن أجری إلاّ علی الله وأمرت أن أکون من المسلمین‚ ((8)).

وقال سبحانه: ƒلا إله إلاّ الذی آمنت به بنوا إسرائیل وأنا من المسلمین‚ ((9)).

وقال تعالی: ƒهو سمّاکم المسلمین من قبل‚ ((10)).

وقال سبحانه: ƒوأمرت أن أکون من المسلمین‚ ((11)).

وقال تعالی: ƒوأمرت لأن أکون أول المسلمین‚ ((12)).

وقال سبحانه: ƒإنّ المسلمین والمسلمات والمؤمنین والمؤمنات‚ ((13)).

ص:497


1- سورة الأعراف: 126
2- سورة الحجر: 2
3- سورة القصص: 53
4- سورة النمل: 31
5- سورة النمل: 38
6- سورة النمل: 42
7- سورة الزخرف: 69
8- سورة یونس: 72
9- سورة یونس: 90
10- سورة الحج: 78
11- سورة النمل: 91
12- سورة الزمر: 12
13- سورة الأحزاب: 35

وقال تعالی: ƒومن أحسن قولاً ممن دعا إلی الله وعمل صالحاً وقال إنّنی من المسلمین‚ ((1)).

وقال سبحانه: ƒوأصلح لی فی ذرّیتی إنّی تبت إلیک وإنی من المسلمین‚ ((2)).

وقال تعالی: ƒفما وجدنا فیها غیر بیت من المسلمین‚ ((3)).

وقال سبحانه: ƒأفنجعل المسلمین کالمجرمین‚ ((4)).

وقال سبحانه: ƒلا شریک له وبذلک أمرت وأنا أول المسلمین‚ ((5)).

للمسلمین

قال تعالی: ƒونزلنا علیک الکتاب تبیاناً لکل شیء وهدی ورحمة وبشری للمسلمین‚ ((6)).

وقال سبحانه: ƒلیثبّت الذین آمنوا وهدی وبشری للمسلمین‚ ((7)).

مسلمة

قال تعالی: ƒربّنا واجعلنا مسلمین لک ومن ذرّیتنا أمة مسلمة لک‚ ((8)).

مسلمات

قال تعالی: ƒعسی ربّه إن طلّقکنّ أن یبدله أزواجاً خیراً منکنّ مسلمات‚ ((9)).

مسلمة

قال سبحانه: ƒفتحریر رقبة مؤمنة ودیة مسلّمة إلی أهله‚ ((10)).

وقال تعالی: ƒوإن کان من قوم بینکم وبینهم میثاق فدیة مسلّمة إلی

ص:498


1- سورة فصلت: 33
2- سورة الأحقاف: 15
3- سورة الذاریات: 36
4- سورة القلم: 35
5- سورة الأنعام: 163
6- سورة النحل: 89
7- سورة النحل: 102
8- سورة البقرة: 128
9- سورة التحریم: 5
10- سورة النساء: 92

أهله‚ ((1)).

وقال سبحانه: ƒتثیر الأرض ولا تسقی الحرث مسلّمة لا شیة فیها‚ ((2)).

سلیم

قال تعالی: ƒوإن من شیعته لإبراهیم * إذ جاء ربه بقلب سلیم‚ ((3)).

وقال سبحانه: ƒیوم لا ینفع مال ولا بنون * إلاّ من أتی الله بقلب سلیم‚ ((4)).

سالمون

قال تعالی: ƒوقد کانوا یدعون إلی السجود وهم سالمون‚ ((5)).

تسلیما

قال سبحانه: ƒوما زادهم إلاّ إیماناً وتسلیماً‚ ((6)).

وقال تعالی: ƒإن الله وملائکته یصلون علی النبی یا أیها الذین آمنوا صلوا علیه وسلموا تسلیماً‚((7)).

ص:499


1- سورة النساء: 92
2- سورة البقرة: 71
3- سورة الصافات: 83-84
4- سورة الشعراء: 88-89
5- سورة القلم: 43
6- سورة الأحزاب: 22
7- سورة الأحزاب: 56

روایات شریفة فی السلم والسلام

روایات شریفة فی السلم والسلام

وردت روایات کثیرة جداً فی السلم والسلام، عاماً أو خاصاً، وسنذکر فی هذا الفصل بعض الروایات المشتملة علی مادة السلم باشتقاقاتها المختلفة والتی تدل علی مفهوم السلم والسلام أیضاً، أما ذکر بعض مصادیقه فیأتی فی الفصل التالی بعونه تعالی.

سلم

عن عبد الرحمن بن سمرة قال: قلت یا رسول الله أرشدنی إلی النجاة؟ فقال صلی الله علیه و آله: »یا بن سمرة… فعلیک بعلی بن أبی طالب فإنه إمام أمتی وخلیفتی علیهم من بعدی … سلم من سلم له ووالاه، وهلک من رد علیه«((1)).

وقال أمیر المؤمنین علی علیه السلام: »من نظر فی العواقب سلم من النوائب«((2)).

وعن الإمام علی علیه السلام قال: »إن للجنة ثمانیة أبواب باب یدخل منه النبیّون والصدیقون، وباب یدخل منه الشهداء والصالحون، وخمسة أبواب یدخل منه شیعتنا ومحبونا، فلا أزال واقفاً علی الصراط أدعو وأقول رب سلم شیعتی ومحبی وأنصاری ومن تولانی فی دار الدنیا، فإذا النداء من بطنان العرش: قد أجیبت دعوتک وشفعت فی شیعتک، ویشفع کلّ رجل من شیعتی ومن تولاّنی ونصرنی وحارب من حاربنی بفعل أو قول فی سبعین ألفاً من جیرانه وأقربائه، وباب یدخل منه سائر المسلمین ممّن یشهد أن لا إله إلاّ الله ولم یکن فی قلبه مقدار ذرّة من بغضنا أهل البیت«((3)).

وعن أبی مریم عبد الغفار بن القاسم قال: دخلت علی مولای الإمام الباقر علیه السلام وعنده أناس من أصحابه فجری ذکر الإسلام قلت: یا سیدی فأی الإسلام أفضل؟ قال علیه السلام: »من سلم المؤمنون من لسانه ویده« الخبر((4)).

وعن النبی صلی الله علیه و آله أنه قال لعلی وفاطمة وحسن وحسین علیهم السلام: »أنا حرب لمن

ص:500


1- الأمالی للشیخ الصدوق: ص26ح3
2- مستدرک الوسائل: ج11ص307ح13115
3- بحار الأنوار: ج8  ص39 ح19
4- بحار الأنوار: ج36 ص358 ح228

حاربتم وسلم لمن سالمتم«((1)).

وعن جابر الأنصاری قال: لقد سمعت رسول الله صلی الله علیه و آله یقول: »إن فی علی علیه السلام خصالاً لو کانت واحدة منهن فی جمیع الناس لاکتفوا بها فضلاً... وقوله صلی الله علیه و آله: حرب علی حرب الله وسلم علی سلم الله« الخبر((2)).

وقال الإمام أمیر المؤمنین علیه السلام: »الإیمان بالقلب وهو التسلیم للرب، ومن سلم الأمور لمالکها لم یستکبر عن أمره کما استکبر إبلیس عن السجود لآدم«((3)).

وعن الإمام أبی جعفر علیه السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: »ألا أنبئکم بالمؤمن، من ائتمنه المؤمنون علی أنفسهم وأموالهم، ألا أنبئکم بالمسلم من سلم المسلمون من لسانه ویده«((4)).

وقال رسول الله صلی الله علیه و آله: »فی الإنسان مضغة إذا هی سلمت وصحت سلم بها سائر الجسد، فإذا سقمت سقم لها سائر الجسد وفسد، وهی القلب«((5)).

وعن الإمام أمیر المؤمنین علی علیه السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: »من عمّر أربعین سنة سلم من الأدواء الثلاثة، من الجنون والجذام والبرص«((6)).

وعن أنس قال: قال النبی صلی الله علیه و آله: »یا أنس سلّم علی من لقیت یزید الله فی حسناتک، وسلم فی بیتک یزید الله فی برکتک«((7)).

وقال الإمام علی علیه السلام: »من أشفق علی دینه سلم من الردی«((8)).

وعن الإمام أبی عبد الله الصادق علیه السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: »من سلم من أمتی أربع خصال فله الجنة، من الدخول فی الدنیا وإتباع الهوی وشهوة البطن

ص:501


1- بحار الأنوار: ج37 ص79ح48
2- بحار الأنوار: ج40 ص25ح50
3- بحار الأنوار: ج60 ص235ح76
4- بحار الأنوار: ج64ص358ح62
5- بحار الأنوار: ج67 ص50 ح4
6- بحار الأنوار: ج70 ص388 ح4
7- بحار الأنوار: ج73 ص3 ح5
8- بحار الأنوار: ج74 ص424 ح41

وشهوة الفرج«((1)).

وقال علیه السلام: »أحسن إلی من أساء إلیک وسلّم علی من سبک«((2)).

وقال الإمام علی علیه السلام: »أیها المؤمنون إنه من رأی عدواناً یعمل به ومنکراً یدعی إلیه فأنکره بقلبه فقد سلم وبرئ، ومن أنکره بلسانه فقد أجر« الخبر((3)).

وقال رسول الله صلی الله علیه و آله: »منهومان لا یشبعان: طالب دُنیا وطالب علم، فمن اقتصر من الدنیا علی ما أحل الله ل-ه سلم، ومن تناولها من غیر حلّها هلک إلاّ أن یتوب أو یراجع«((4)).

وکان رسول الله صلی الله علیه و آله إذا ودّع المؤمنین قال: «زوّدکم الله التقوی ووجّهکم إلی کل خیر وقضی لکم کل حاجة، وسلم لکم دینکم ودنیاکم، وردکم سالمین إلی

سالمین»((5)).

وعن النبی صلی الله علیه و آله قال: »إذا سلم المؤمن علی أخیه المؤمن فیبکی إبلیس لعنه الله تعالی ویقول: یا ویلتاه لم یفترقا حتی غفر الله لهما«((6)).

وعن سلمان الفارسی 6 قال: (من کظم غیظه سلم ومن لم یکظمه ندم)((7)).

وقال النبی صلی الله علیه و آله: »إن فی المؤمن ثلاث خصال لیس منها خصلة إلاّ ول-ه منها مخرج: الظن والطیرة والحسد، فمن سلم من الظن سلم من الغیبة، ومن سلم من الغیبة سلم من الزور، ومن سلم من الزور سلم من البهتان«((8)).

وعن الإمام أبی عبدالله الصادق علیه السلام قال: »یسلم الراکب علی الماشی والماشی علی القاعد، وإذا لقیت جماعةٌ جماعةً سلّم الأقل علی الأکثر، وإذا لقی واحد

ص:502


1- بحار الأنوار: ج68 ص271 ح14، والخصال: ج1 ص223 ح54
2- بحار الأنوار: ج75 ص281 ح1
3- بحار الأنوار: ج97 ص89 ح69
4- الکافی: ج1 ص46 ح1
5- وسائل الشیعة: ج11 ص 406 ح15111
6- مستدرک الوسائل: ج8  ص360 ح9669
7- مستدرک الوسائل: ج9 ص12 ح10063
8- مستدرک الوسائل: ج9 ص147 ح10509

جماعة سلم الواحد علی الجماعة«((1)).

وعن أبی عبدالله علیه السلام قال: »إذا سلم الرجل من الجماعة أجزأ عنهم«((2)).

وعن أبی عبدالله علیه السلام قال: »إذا مرّت الجماعة بقوم أجزأهم أن یسلّم واحد منهم، وإذا سلّم علی القوم وهم جماعة أجزأهم أن یرد واحد منهم«((3)).

وعن الحجاج بن الصباح قال: قلت لأبی جعفر علیه السلام: إنا نحدث عنک بالحدیث فیقول بعضنا: قولنا قولهم، قال علیه السلام: »فما ترید؟ أترید أن تکون إماماً یقتدی بک، من رد القول إلینا فقد سلم«((4)).

وقال الإمام علی بن الحسین علیه السلام: »إن دین الله عزوجل لا یصاب بالعقول الناقصة والآراء الباطلة والمقاییس الفاسدة ولا یصاب إلاّ بالتسلیم، فمن سلم لنا سلم ومن اقتدی بنا هدی«((5)).

وعن معروف بن خربوذ قال: قلت للإمام أبی جعفر الباقر علیه السلام: أخبرنی عنکم؟ قال علیه السلام: »نحن بمنزلة النجوم إذا خفی نجم بدا نجم، منا أمن وأمان وسلم وإسلام وفاتح ومفتاح«((6)).

وقال الإمام محمد بن علی علیه السلام: »إنما شیعة علی علیه السلام المتباذلون فی ولایتنا، المتحابون فی مودتنا، المتزاورون لإحیاء أمرنا، إن غضبوا لم یظلموا، وإن رضوا لم یسرفوا، برکة لمن جاوروا، وسلم لمن خالطوا«((7)).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: »العاقل من سلم إلی القضاء وعمل بالحزم«((8)).

وقال علیه السلام: »طوبی لمن خلا من الغل صدره وسلم من الغش قلبه«((9)).

ص:503


1- وسائل الشیعة: ج12 ص74 ح15678
2- وسائل الشیعة: ج12 ص75 ح15680
3- وسائل الشیعة: ج27 ص75 ح15682
4- وسائل الشیعة: ج27 ص130 ح33400
5- کمال الدین: ج1 ص324 ح9
6- کمال الدین: ج1 ص329 ح13
7- صفات الشیعة: ص13 ح23
8- غرر الحکم ودرر الکلم: ص54 ح474
9- غرر الحکم ودرر الکلم: ص67 ح904

وقال علیه السلام: »من عری من الشر قلبه سلم له دینه وصدق یقینه«((1)).

وقال علیه السلام: »من أسلم سلم«((2)).

وقال علیه السلام: »من استسلم سلم«((3)).

وقال علیه السلام: »هدی من سلم مقادته إلی الله ورسوله وولی أمره«((4)).

وقال علیه السلام: »نحن باب حطة وهو باب السلام، من دخله سلم ونجا، ومن تخلف عنه هلک«((5)).

وقال علیه السلام: »من سلم من المعاصی عمله بلغ من الآخرة أمله«((6)).

وقال علیه السلام: »من سالم الله سلم«((7)).

وقال علیه السلام: »من سلم أمره إلی الله استظهر«((8)).

وقال علیه السلام: »من صمت سلم«((9)).

وقال علیه السلام: »من کثر احتراسه سلم عیبه«((10)).

وقال علیه السلام: »من توقی سلم«((11)).

وقال علیه السلام: »من اعتزل سلم«((12)).

وقال علیه السلام: »من اعتزل سلم ورعه«((13)).

ص:504


1- غرر الحکم ودرر الکلم: ص67 ح908
2- غرر الحکم ودرر الکلم: ص84 ح1368
3- غرر الحکم ودرر الکلم: ص84 ح1369
4- غرر الحکم ودرر الکلم: ص94 ح1647
5- غرر الحکم ودرر الکلم: ص117 ح2031
6- غرر الحکم ودرر الکلم: ص154 ح2860
7- غرر الحکم ودرر الکلم: ص185 ح3508
8- غرر الحکم ودرر الکلم: ص197 ح3884
9- غرر الحکم ودرر الکلم: ص217 ح4267
10- غرر الحکم ودرر الکلم: ص236 ح4759
11- غرر الحکم ودرر الکلم: ص274 ح6024
12- غرر الحکم ودرر الکلم: ص319 ح7368
13- غرر الحکم ودرر الکلم: ص319 ح7369

وقال علیه السلام: »من اعتزل الناس سلم من شرهم«((1)).

وقال علیه السلام: »مصاحب الأشرار کراکب البحر إن سلم من الغرق لم یسلم من الفرق«((2)).

وقال علیه السلام: »من أحکم التجارب سلم من المعاطب«((3)).

وقال علیه السلام: »من داری الناس سلم«((4)).

وقال علیه السلام: »من رضی من الناس بالمسالمة سلم من غوائلهم«((5)).

وقال علیه السلام: »من عامل الناس بالمسامحة إستمتع بصحبتهم«((6)).

وقال علیه السلام: »من نظر فی العواقب سلم من النوائب«((7)).

وقال علیه السلام: »من راقب العواقب سلم من النوائب«((8)).

وقال علیه السلام: »من انتظر العواقب سلم«((9)).

وقال علیه السلام: »من نظر فی العواقب سلم«((10)).

وقال علیه السلام: »من أقل الاسترسال سلم«((11)).

وقال علیه السلام: »إن المسلم السلیم من سلم دینه ورأیه«((12)).

وعن الإمام أبی جعفر علیه السلام قال: » یا أبا عبیدة ما من مسلم لقی أخاه المسلم 

ص:505


1- غرر الحکم ودرر الکلم: ص319 ح7370
2- غرر الحکم ودرر الکلم: ص431 ح9834
3- غرر الحکم ودرر الکلم: ص444 ح10161
4- غرر الحکم ودرر الکلم: ص445 ح10186
5- غرر الحکم ودرر الکلم: ص445 ح10192
6- غرر الحکم ودرر الکلم: ص445 ح10193
7- غرر الحکم ودرر الکلم: ص476 ح10915
8- غرر الحکم ودرر الکلم: ص476 ح10918
9- غرر الحکم ودرر الکلم: ص476 ح10919
10- غرر الحکم ودرر الکلم: ص476 ح10920
11- غرر الحکم ودرر الکلم: ص482 ح11100
12- وقعة الصفین: ص247

فصافحه وشبّک أصابعه إلاّ تناثرت عنهما ذنوبهما کما یتناثر الورق من الشجر فی الیوم الشّاتی«((1)).

سلّموا

روی: »إن الملائکة إذا ما سلموا لیلته((2)) علی المنتبهین الذاکرین ثم یرجعون إلی السماء یأمرهم الله تعالی بالانصراف إلی الأرض حتی یسلّموا علی النائمین من المؤمنین علی کل واحد سبعین سلاماً«((3)).

وعن زرارة وحمران قالا: کان یجالسنا رجل من أصحابنا فلم یکن یسمع بحدیث إلاّ قال: سلموا، حتی لقب فکان کلما جاء قالوا: قد جاء سلم فدخل حمران وزرارة علی الإمام أبی جعفر الباقر علیه السلام فقال: إن رجلاً من أصحابنا إذا سمع شیئاً من أحادیثکم قال: سلموا حتی لقب وکان إذا جاء قالوا: جاء سلم فقال أبو جعفر علیه السلام: »قد أفلح المسلمون إن المسلمین هم النجباء«((4)).

وعن أبی بصیر عن الإمام أبی عبد الله علیه السلام عن قول الله تعالی: ƒإِنّ الّذِینَ قَالُواْ رَبّنَا اللّهُ ثُمّ اسْتَقَامُواْ تَتَنَزّلُ عَلَیْهِمُ الْمَلاَئِکَةُ أَلاّ تَخَافُواْ وَلاَ تَحْزَنُواْ وَأَبْشِرُواْ بِالْجَنّةِ الّتِی کُنتُمْ تُوعَدُونَ‚((5))، قال علیه السلام: »هم الأئمة ویجزی فیمن استقام من شیعتنا وسلم لأمرنا وکتم حدیثنا عند عدوّنا فتستقبلهم الملائکة بالبشری من الله بالجنة وقد والله مضی أقوام کانوا علی مثل ما أنتم علیه من الدین فاستقاموا وسلموا لأمرنا وکتموا حدیثنا ولم یذیعوه عند عدوّنا ولم یشکّوا کما شککتم فاستقبلهم الملائکة بالبشری من الله بالجنة«((6)).

وقال النبی صلی الله علیه و آله: »سلموا علی الیهود والنصاری ولا تسلموا علی آکل

ص:506


1- الکافی: ج2 ص180 ح5
2- أی لیلة القدر
3- مستدرک الوسائل: ج7 ص484ح8709
4- بحار الأنوار: ج2ص201ح71
5- سورة فصلت: 30
6- بحار الأنوار: ج2ص202ح76

البنج«((1)).

وعن أبی جعفر علیه السلام قال: قال النبی صلی الله علیه و آله للمسلمین وهم مجتمعون حوله:«أیها الناس أحیوا القصاص وأحیوا الحق ولا تفرقوا وأسلموا وسلموا تسلموا»((2)).

وقال أمیر المؤمنین علی علیه السلام: »اتبعوا النور الذی لا یُطفأ والوجه الذی لا یبلی واستسلموا وسلموا لأمره فإنکم لن تضلّوا مع التسلیم«((3)).

سلمتم

عن ابن عباس قال: صعد رسول الله صلی الله علیه و آله المنبر فخطب واجتمع الناس إلیه فقال صلی الله علیه و آله: »یا معشر المؤمنین إن الله عزوجل أوحی إلیّ أنی مقبوض وأن ابن عمی علیاً مقتول، وإنی أیها الناس أخبرکم خبراً إن عملتم به سلمتم، وإن ترکتموه هلکتم، إن ابن عمی علیاً هو أخی وهو وزیری وهو خلیفتی وهو المبلّغ عنی وهو إمام المتقین وقائد الغر المحجلین، إن استرشدتموه أرشدکم، وإن تبعتموه نجوتم، وإن خالفتموه ظللتم« الخبر((4)).

سلامة

قال رسول الله صلی الله علیه و آله: »راحة الإنسان فی حبس اللسان، سکوت اللسان سلامة الإنسان»((5)).

وقال صلی الله علیه و آله: «سلامة الإنسان فی حفظ اللسان«((6)).

وفی الحدیث: کان الإمام أبو جعفر محمد بن علی التقی علیه السلام: »إذا دخل شهر جدید یصلی أول یوم منه رکعتین یقرأ فی الرکعة الأولی الحمد مرة وƒقل هو الله أحد‚ لکل یوم إلی آخره مرة، وفی الرکعة الآخرة الحمد وƒإنا أنزلناه‚ مثل ذلک ویتصدق

ص:507


1- مستدرک الوسائل: ج17ص86 ح20815. البنج: ضرب من النبات، وقیل إنه مما ینتبذ، أو یقوّی به النبیذ
2- مستدرک الوسائل: ج18ص171ح22416
3- غرر الحکم ودرر الکلم: ص111ح1972
4- بحار الأنوار: ج38 ص94 ح10
5- مستدرک الوسائل: ج9 ص30 ح10121
6- مستدرک الوسائل: ج9 ص30 ح10121

بما یتسهّل، یشتری به سلامة ذلک الشهر کلّه«((1)).

وقال الإمام الصادق علیه السلام: »حسن الظن أصله من حسن إیمان المرء وسلامة صدره«((2)).

وقال الإمام الصادق علیه السلام: »ففی العزلة صیانة الجوارح وفراغ القلب وسلامة وکسر سلاح الشیطان والمجانبة من کل سوء وراحة القلب«الخبر((3)).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: »سلامة الدین فی الاعتزال«((4)).

وقال الإمام أبو جعفر علیه السلام: »سلامة الدین وصحة البدن خیر من المال«((5)).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: »الصمت حکم، والسکوت سلامة، والکتمان طرف من السعادة«((6)).

وقال الإمام الصادق علیه السلام: »یا جابر واعلم أنه لا علم کطلب السلامة ولا سلامة کسلامة القلب«((7)).

ومن کلامه علیه السلام: »أن یسلم الناس من ثلاثة أشیاء کانت سلامة شاملة: لسان السوء، وید السوء، وفعل السوء«((8)).

وقال علیه السلام: »من أراد إصلاح حاله وسلامة نفسه فلیجعل دأبه مجاهدة النفس عند کل حال، لا یخالف فیه ما یوافق کتاب الله وسنة نبیه وسنن الأئمة وأهل بیته وآدابهم علیهم السلام «((9)).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: »إن من شغل نفسه بالمفروض علیه عن المضمون ل-ه،

ص:508


1- مستدرک الوسائل: ج6 ص348 ح6967
2- مستدرک الوسائل: ج9 ص145 ح10503
3- مستدرک الوسائل: ج11 ص389 ح13342
4- مستدرک الوسائل: ج11 ص393 ح13351
5- الکافی: ج2 ص216 ح3
6- بحار الأنوار: ج75  ص63 ح146، وتحف العقول: ص223
7- بحار الأنوار: ج75 ص162 ح1، وتحف العقول: ص286
8- بحار الأنوار: ج75 ص235 ح107، وتحف العقول: ص319
9- إرشاد القلوب: ج1 ص98

ورضی بالمقدور علیه وله، کان أکثر الناس سلامة فی عافیة، وربحاً فی غبطة، وغنیمة فی مسرة«((1)).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: »زد من طول أملک فی قصر أجلک ولا تغرنّک صحة جسمک وسلامة أمسک فإن مدة العمر قلیلة وسلامة الجسم مستحیلة«((2)).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: »الصمت وقار وسلامة«((3)).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: »إن أحببت سلامة نفسک وستر معایبک فأقلل کلامک وأکثر صمتک یتوفر فکرک ویستنر قلبک ویسلم الناس من یدک«((4)).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: »عاقبة الصدق نجاة وسلامة«((5)).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: »حسن الظن راحة القلب وسلامة الدین«((6)).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: »الاستقامة سلامة«((7)).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: »عجبت لغفلة الحسّاد عن سلامة الأجساد«((8)).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: »سلامة الدین فی اعتزال الناس«((9)).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: »سلامة الدین والدنیا فی مداراة الناس«((10)).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: »سلامة العیش فی المداراة«((11)).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: »الإصابة سلامة، الخطأ ملامة، العجل ندامة«((12)).

ص:509


1- غرر الحکم ودرر الکلم: ص103 ح1816
2- غرر الحکم ودرر الکلم: ص159 ح3033
3- غرر الحکم ودرر الکلم: ص216 ح4242
4- غرر الحکم ودرر الکلم: ص216 ح4252
5- غرر الحکم ودرر الکلم: ص218 ح4329
6- غرر الحکم ودرر الکلم: ص253 ح5322
7- غرر الحکم ودرر الکلم: ص287 ح6472
8- غرر الحکم ودرر الکلم: ص301 ح6835
9- غرر الحکم ودرر الکلم: ص319 ح7365
10- غرر الحکم ودرر الکلم: ص445 ح10178
11- غرر الحکم ودرر الکلم: ص445 ح10181
12- غرر الحکم ودرر الکلم: ص479 ح11003

وقال لقمان الحکیم: »العلم زین والسکوت سلامة«((1)).

وقال النبی صلی الله علیه و آله: «إن من فتنة المرء أن یکون الکلام أحب إلیه من الاستماع، ففی الکلام تمویه وزیادة، ولا یؤمن علی صاحبه الخطأ، وفی الصمت سلامة وأجر» الخبر((2)).

وقال النبی صلی الله علیه و آله: »بذلاء أمتی لا یدخلون الجنة بکثرة صوم ولا صلاة ولکن برحمة الله وسلامة الصدور وسخاء النفوس والرحمة لجمیع المسلمین«((3)).

وقال الإمام الرضا علیه السلام: »من لقی فقیراً فسلم خلاف سلامه علی الغنی لقی الله یوم القیامة وهو علیه غضبان«((4)).

وقال الإمام الصادق علیه السلام: «صاحب النیة الصادقة صاحب القلب السلیم، لأن سلامة القلب من هواجس المحذورات بتخلیص النیة لله تعالی فی الأمور کلها»

الخبر((5)).

سلام

قال الإمام الصادق علیه السلام: «معنی السلام فی دبر کل صلاة الأمان، أی من أدی أمر الله تعالی وسنة نبیه صلی الله علیه و آله خاضعاً لله خاشعاً فیه فله الأمان من بلاء الدنیا وبراءة من عذاب الآخرة، والسلام اسم من أسماء الله تعالی أودعه خلقه لیستعملوا معناه فی المعاملات والأمانات والإضافات وتصدیق مصاحبتهم فیما بینهم وصحة معاشرتهم، فإن أردت أن تضع السلام موضعه وتؤدی معناه فاتق الله، ولیسلم منک دینک وقلبک وعقلک ولا تدنّسها بظلمة المعاصی، ولتسلم حَفَظتکَ أن لا تبرمهم وتملهم وتوحشهم منک بسوء معاملتک معهم،ثم صدیقک ثم عدوک، فإن من لم یسلم منه من هو أقرب إلیه فالأبعد أولی ومن لا یضع السلام مواضعه فلا سلام ولا سلّم وکان کاذباً فی

ص:510


1- أعلام الدین: ص88
2- أعلام الدین: ص272
3- أعلام الدین: ص275
4- مشکاة الأنوار: ص87
5- مصباح الشریعة: ص53، فی النیة

سلامه» الخبر((1)).

وعن الإمام علی علیه السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: »ما من عبد یصبح صائماً فیُشتَم فیقول: سلام علیکم إنی صائم، إلاّ قال الله تعالی: استجار عبدی من عبدی بالصیام فأدخلوه جنتی«((2)).

وفی الإنجیل: (إذا قلِّ الدعاء نزل البلاء) إلی أن قال: (وإذا قلّ سلام المؤمنین بعضهم علی بعض ظهرت العداوة والبغضاء فی قلوبهم) ((3)).

وعن الإمام الباقر علیه السلام قال: »أفشوا سلام الله، فإن سلام الله لا ینال

الظالمین«((4)).

وعن الإمام أبی عبدالله الصادق علیه السلام: »من قال: السلام علیکم فهی عشر حسنات، ومن قال: سلام علیکم ورحمة الله وبرکاته فهی ثلاثون«((5)).

وعن الإمام أبی جعفر الباقر أو الإمام أبی عبدالله الصادق 3 قال: »ما طلعت الشمس بیوم أفضل من یوم الجمعة وإن کلام الطیر فیه إذا التقی بعضها بعضاً سلام سلام یوم صالح«((6)).

وقال رسول الله صلی الله علیه و آله: »من سلّم علیّ عند قبری سمعته ومن سلّم علیّ من بعید بلغته سلام الله علیه ورحمة الله وبرکاته«((7)).

السلامة

قال الإمام علی علیه السلام: »فی الصمت السلامة من الندامة«((8)).

وقال رسول الله صلی الله علیه و آله: »رحم الله عبداً تکلم فغنم أو سکت فسلم.. فمن أراد

ص:511


1- مستدرک الوسائل: ج5 ص25 ح5277
2- مستدرک الوسائل: ج7 ص370 ح8444
3- مستدرک الوسائل: ج8 ص360 ح9667
4- مستدرک الوسائل: ج8 ص361 ح9673
5- مستدرک الوسائل: ج8 ص366 ح9691
6- الکافی: ج3 ص415 ح11
7- أوائل المقالات: ص73
8- مستدرک الوسائل: ج9 ص18 ح10084

السلامة فلیحفظ ما جری به لسانه« الخبر((1)).

وقال الإمام الصادق علیه السلام: «فإن أردت السلامة فاذکر الخالق لا المخلوق»((2)).

وقال الإمام علی علیه السلام: »وطلبت السلامة فما وجدت إلاّ بطاعة الله أطیعوا الله تسلموا«((3)).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: »التواضع یکسبک السلامة«((4)).

وقال علیه السلام:«أصل السلامة من الزّلل الفکر قبل الفعل والرویّة قبل الکلام»((5)).

وقال الإمام موسی بن جعفر علیه السلام: »من أراد الغنی بلا مال وراحة القلب من الحسد والسلامة فی الدین فلیتضرّع إلی الله عزّوجل فی مسألته بأن یُکمل عقله، فمن عقل قنع بما یکفیه ومن قنع بما یکفیه استغنی« الخبر((6)).

وقال الإمام الصادق علیه السلام: »أدنی مقام المخلص فی الدنیا السلامة من جمیع الآثام«((7)).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: »خیر القول الصدق، وفی الصدق السلامة، والسلامة مع الاستقامة«((8)).

وعن أبان بن تغلب قال: سمعت الإمام أبا عبد الله الصادق علیه السلام یقول: »مع التثبت تکون السلامة«((9)).

وقال الإمام علی علیه السلام: »ثمرة الحزم السلامة«((10)).

ص:512


1- مستدرک الوسائل: ج9 ص32 ح10123
2- مستدرک الوسائل: ج9 ص117 ح10407
3- مستدرک الوسائل: ج11 ص192 ح12718
4- مستدرک الوسائل: ج11 ص298 ح13086
5- مستدرک الوسائل: ج11 ص308 ح13115
6- مستدرک الوسائل: ج15 ص224 ح18069
7- بحار الأنوار: ج67 ص245 ح18
8- بحار الأنوار: ج68 ص293 ح63
9- بحار الأنوار: ج68 ص338 ح3
10- بحار الأنوار: ج68 ص341 ح14

وعن الإمام أبی عبد الله الصادق علیه السلام: »لا یطمعن المغتاب فی السلامة«((1)).

وقال الإمام الصادق علیه السلام: »أطلب السلامة أینما کنت وفی أی حال کنت لدینک ولقلبک وعواقب أمورک من الله«((2)).

وقال رسول الله صلی الله علیه و آله: »فمن أراد السلامة فلیحفظ ما جری به لسانه ولیحرس ما انطوی علیه جنانه ولیحسن عمله ولیقصر أمله«((3)).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام:«من رضی بالعافیة ممن دونه رزق بالسلامة ممن

فوقه»((4)).

وقال الإمام علیه السلام: »الهم نصف الهرم والسلامة نصف الغنیمة«((5)).

وقال الإمام علیه السلام: »من لم یرغب فی ثلاث ابتلی بثلاث، من لم یرغب فی السلامة ابتلی بالخذلان...« الخبر((6)).

وقال الإمام علی بن الحسین علیه السلام: »حق أهل ملتک إضمار السلامة لهم والرحمة بهم والرفق بمسیئهم وتآلفهم واستصلاحهم« الخبر((7)).

وقال الإمام أبو جعفر علیه السلام: »لا وقایة أمنع من السلامة«((8)).

وقال الإمام علیه السلام: »الصبر مطیة السلامة والجزع مطیة الندامة«((9)).

وقال الإمام علیه السلام: »وینبغی للعاقل مجاهدة نفسه علی القیام بحقوق الله وسلوک طریق السلامة فإن الله تعالی قال: )وَالّذِینَ جَاهَدُواْ فِینَا لَنَهْدِیَنّهُمْ سُبُلَنَا(((10))

ص:513


1- بحار الأنوار: ج72 ص250 ح21
2- بحار الأنوار: ج72 ص400 ح41
3- بحار الأنوار: ج74 ص180 ح10
4- بحار الأنوار: ج74 ص385 ح10
5- بحار الأنوار: ج75 ص93 ح105
6- بحار الأنوار: ج75 ص232 ح107
7- الأمالی للشیخ الصدوق: ص373 ح1
8- تنبیه الخواطر ونزهة النواظر: ج2 ص39
9- إرشاد القلوب: ج1 ص74
10- سورة العنکبوت: 69

ومن أراد السلامة من الشیطان فلیجاهد نفسه ویحاسبها محاسبة الشریک لشریکه«((1)).

وقال رسول الله صلی الله علیه و آله: »من أراد السلامة فی الدنیا والآخرة قید لسانه بلجام الشرع فلا یطلقه إلاّ فیما ینفعه فی الدنیا والآخرة«((2)).

وقال الإمام الرضا علیه السلام: »من علامات الفقه: الحلم والحیاء والصمت، إن الصمت باب من أبواب الحکمة وإنه لیکسب المحبة ویوجب السلامة وراحة الکرام الکاتبین وأنه لدلیل علی کل خیر«((3)).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: »أصل العقل الفکر وثمرته السلامة«((4)).

وقال علیه السلام: »ثمرة الفکر السلامة«((5)).

وقال علیه السلام:«طوبی لمن سلک طریق السلامة ببصر من بصره»((6)).

وقال علیه السلام: »رب عاطب بعد السلامة«((7)).

وقال علیه السلام: »ذکر الله رأس مال کل مؤمن وربحه السلامة من الشیطان«((8)).

وقال علیه السلام: »ألزم الصمت یلزمک النجاة والسلامة«((9)).

وقال علیه السلام: »علیک بلزوم الصمت فانه یلزمک السلامة ویؤمنک الندامة«((10)).

وقال علیه السلام: »ألزم الصمت فأدنی نفعه السلامة«((11)).

وقال علیه السلام: »إن کان فی الکلام البلاغة ففی الصمت السلامة من العثار«((12)).

ص:514


1- إرشاد القلوب: ج1 ص98
2- إرشاد القلوب: ج1 ص103
3- إرشاد القلوب: ج1 ص102
4- غرر الحکم ودرر الکلم: ص52 ح404
5- غرر الحکم ودرر الکلم: ص58 ح599
6- غرر الحکم ودرر الکلم: ص94 ح1652
7- غرر الحکم ودرر الکلم: ص131 ح2250
8- غرر الحکم ودرر الکلم: ص188 ح3621
9- غرر الحکم ودرر الکلم: ص216 ح4250
10- غرر الحکم ودرر الکلم: ص216 ح4256
11- غرر الحکم ودرر الکلم: ص216 ح4262
12- غرر الحکم ودرر الکلم: ص216 ح4264

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: »سبب السلامة الصمت«((1)).

وقال علیه السلام: »صمت یعقبک السلامة خیر من نطق قولٍ یعقبک الملامة«((2)).

وقال علیه السلام: »من کان صدوقاً لم یعدم الکرامة السلامة«((3)).

وقال علیه السلام: «من طلب خدمة السلطان بغیر أدب خرج من السلامة إلی

العطب»((4)).

وقال علیه السلام: »فی الأناة السلامة«((5)).

وقال علیه السلام: »من طلب السلامة لزم الاستقامة«((6)).

وقال علیه السلام: »من لزم الاستقامة لم یعدم السلامة«((7)).

وقال علیه السلام: »من رغب فی السلامة ألزم نفسه الاستقامة«((8)).

وقال علیه السلام: »السلامة فی التفرد«((9)).

وقال علیه السلام: »من أراد السلامة فعلیه بالقصد«((10)).

وقال علیه السلام: »من أحب السلامة فلیؤثر الفقر، ومن أحب الراحة فلیؤثر الزهد فی الدنیا«((11)).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: »إذا أحببت السلامة فاجتنب مصاحبة الجهول«((12)).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: »السلم علة السلامة وعلامة سبب الاستقامة«((13)).

ص:515


1- غرر الحکم ودرر الکلم: ص217 ح4265
2- غرر الحکم ودرر الکلم: ص217 ح4266
3- غرر الحکم ودرر الکلم: ص219 ح4350
4- غرر الحکم ودرر الکلم: ص248 ح5124
5- غرر الحکم ودرر الکلم: ص250 ح5203
6- غرر الحکم ودرر الکلم: ص287 ح6473
7- غرر الحکم ودرر الکلم: ص287 ح6474
8- غرر الحکم ودرر الکلم: ص287 ح6475
9- غرر الحکم ودرر الکلم: ص319 ح7362
10- غرر الحکم ودرر الکلم: ص354 ح8069
11- غرر الحکم ودرر الکلم: ص366 ح8240
12- غرر الحکم ودرر الکلم: ص432 ح9863
13- غرر الحکم ودرر الکلم: ص445 ح10165

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: » من سالم الناس ربح السلامة«((1)).

وقال علیه السلام: »لا لباس أجمل من السلامة«((2)).

وقال علیه السلام: »ثمرة الحزم السلامة«((3)).

وقال علیه السلام: »من لزم الاستقامة لزمته السلامة«((4)).

وقال الإمام الصادق علیه السلام: »أطلب السلامة أینما کنت وفی أی حال کنت لدینک وقلبک وعواقب أمورک من الله عزّوجل فلیس من طلبها وجدها فکیف من تعرض للبلاء وسلک مسالک ضد السلامة وخالف أصولها بل رأی السلامة تلفاً والتلف سلامة والسلامة قد عزلت من الخلق فی کل عصر خاصة فی هذا الزمان وسبیل وجودها فی احتمال جفاء الخلائق وأذیتهم والصبر عند الرزایا وخفة الموت والفرار من الأشیاء التی تلزمک رعایتها« الخبر((5)).

السلم

عن الحلبی عن الإمام أبی عبد الله الصادق علیه السلام فی قول-ه تعالی: )وَإِن جَنَحُواْ لِلسّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا(((6)) قال: قلت ما السلم؟ قال علیه السلام: »الدخول فی أمرنا«((7)).

وعن الإمام أبی جعفر علیه السلام فی قول الله عزّوجل: )یَ-ا أیّهَا الّذِینَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِی السّلْمِ کَآفّةً وَلاَ تَتّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشّیْطَانِ إِنّهُ لَکُمْ عَدُوّ مّبِینٌ(((8)) قال علیه السلام: »فی ولایتنا«((9)).

وعن أبی بصیر قال سمعت الإمام أبا عبدالله الصادق علیه السلام یقول: ) یَ-ا أیّهَا

ص:516


1- غرر الحکم ودرر الکلم: ص445 ح10191
2- غرر الحکم ودرر الکلم: ص483 ح11172
3- غرر الحکم ودرر الکلم: ص474 ح10866
4- أعلام الدین: ص187
5- مصباح الشریعة: ص109
6- سورة الأنفال: 61
7- الکافی: ج1 ص415 ح16
8- سورة البقرة: 208
9- الکافی: ج1 ص417 ح29

الّذِینَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِی السّلْمِ کَآفّةً وَلاَ تَتّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشّیْطَانِ(((1)) قال علیه السلام: »أتدری ما السلم؟ قال: قلت أنت أعلم، قال علیه السلام: ولایة علی والأئمة الأوصیاء من بعده علیهم السلام قال علیه السلام: )وخطوات الشیطان( والله ولایة فلان وفلان«((2)).

وقال الإمام علی علیه السلام: »أنا ذلک الرجل السلم لرسول الله صلی الله علیه و آله «((3)).

وعن الإمام زین العابدین والإمام جعفر الصادق 3 قالا: )ادْخُلُواْ فِی السّلْمِ کَآفّةً(: »فی ولایة علی علیه السلام )وَلاَ تَتّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشّیْطَانِ( قالا 3: لا تتبعوا غیره علیه السلام «((4)).

وعن أمیر المؤمنین علیه السلام )وَرَجُلاً سَلَماً لّرَجُلٍ(((5)) قال: »أنا ذلک الرجل السلم علی رسول الله صلی الله علیه و آله «((6)).

وقال علیه السلام: »الرفق یؤدی إلی السلم«((7)).

وقال علیه السلام: »السّلم ثمرة الحلم«((8)).

وقال علیه السلام: »الحلم حلیة العلم وعلة عدة السلم«((9)).

وقال علیه السلام: »لا عاقبة أسلم من عواقب السلم«((10)).

سلامکم

عن أبی الصباح قال سألت أبا جعفر علیه السلام عن قول الله عزّ وجل: )فَإِذَا دَخَلْتُمْ

ص:517


1- سورة البقرة: 208
2- بحار الأنوار: ج24 ص159ح1
3- بحار الأنوار: ج24 ص161ح10
4- المناقب: ج3 ص96
5- سورة الزمر: 29
6- المناقب: ج3 ص104
7- غرر الحکم ودرر الکلم: ص244 ح4979
8- غرر الحکم ودرر الکلم: ص444 ح10163
9- غرر الحکم ودرر الکلم: ص286 ح6422
10- غرر الحکم ودرر الکلم: ص476 ح10921

بُیُوتاً فَسَلّمُواْ عَلَیَ أَنفُسِکُمْ(((1)) الآیة فقال علیه السلام: »هو تسلیم الرجل علی أهل البیت حین یدخل ثم یردون علیه فهو سلامکم علی أنفسکم«((2)).

سلمت

عن الإمام الرضا علیه السلام قال: قال عیسی بن مریم للحواریین: »یا بنی إسرائیل لا تأسوا علی ما فاتکم من دنیاکم إذا سلم دینکم کما لا یأسی أهل الدنیا علی ما فاتهم من دینهم إذا سلمت دنیاهم«((3)).

وقال الإمام الصادق علیه السلام: » ... وفی قبول صلاة العبد یوم القیامة قبول سائر أعماله فإذا سلمت ل-ه صلاته سلمت جمیع أعماله وإن لم تسلم صلاته وردت علیه رد ما سواها من الأعمال الصالحة«((4)).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: »من لم یبال ما رزئ من آخرته إذا سلمت له دنیاه فهو هالک«((5)).

وقال علیه السلام: »من کنّ فیه ثلاث خصال سلمت ل-ه الدنیا والآخرة مَنْ أمر بالمعروف وائتمر به ونهی عن المنکر وانتهی عنه وحافظ علی حدود الله«الخبر((6)).

وقال رجل للحسین بن علی علیه السلام: یابن رسول الله أنا من شیعتکم قال علیه السلام: »إتق الله ولا تدعین شیئاً یقول الله لک: کذبت وفجرت فی دعواک، إن شیعتنا من سلمت قلوبهم من کل غش ودغل ولکن قل: أنا من موالیکم ومحبیکم«((7)).

وقال النبی صلی الله علیه و آله: »یأتی علی الناس زمان لا یبالی الرجل ما تلف من دینه إذا سلمت له دنیاه«((8)).

ص:518


1- سورة النور: 61
2- معانی الأخبار: ص162
3- بحار الأنوار: ج69 ص327 ح8
4- بحار الأنوار: ج82 ص304 ح9
5- مستدرک الوسائل: ج12 ص151 ح13756
6- مستدرک الوسائل: ج12 ص206 ح13894
7- تنبیه الخواطر ونزهة النواظر: ج2 ص106
8- تحف العقول: ص52

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: »إن أسلمت نفسک لله سلمت نفسک«((1)).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: »إنک إن سالمت الله سلمت وفزت«((2)).

التسلیم

قال أمیر المؤمنین علیه السلام: »الإسلام هو التسلیم، والتسلیم هو الیقین، والیقین هو التصدیق، والتصدیق هو الإقرار، والإقرار هو الأداء، والأداء هو العمل«((3)).

وقال علیه السلام: »یستدل علی إیمان الرجل بالتسلیم ولزوم الطاعة«((4)).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: »التسلیم أن لا تتّهم«((5)).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: »غایة الإسلام التسلیم«((6)).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: »غایة التسلیم الفوز بدار النعیم«((7)).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: »فی التسلیم الإیمان«((8)).

قال أمیر المؤمنین علیه السلام: »أسلم تسلم«((9)).

وقال النبی صلی الله علیه و آله: »إذا تلاقیتم فتلاقوا بالتسلیم والتصافح وإذا تفارقتم تفرقوا بالاستغفار«((10)).

الاستسلام

قال أمیر المؤمنین علیه السلام: »لا إیمان أفضل من الاستسلام«((11)).

ص:519


1- غرر الحکم ودرر الکلم: ص84 ح1364
2- غرر الحکم ودرر الکلم: ص183 ح3450
3- غرر الحکم ودرر الکلم: ص84 ح1353
4- غرر الحکم ودرر الکلم: ص84 ح1360
5- غرر الحکم ودرر الکلم: ص84 ح1362
6- غرر الحکم ودرر الکلم: ص84 ح1365
7- غرر الحکم ودرر الکلم: ص84 ح1366
8- غرر الحکم ودرر الکلم: ص84 ح1367
9- غرر الحکم ودرر الکلم: ص84 ح1363
10- إرشاد القلوب: ج1 ص146
11- غرر الحکم ودرر الکلم: ص84 ح1358

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: »من استسلم إلی الله استظهر«((1)).

وقال علیه السلام: »من استسلم للحق وأطاع المحق کان من المحسنین«((2)).

وقال علیه السلام: »خیانة المستسلم والمستشیر من أفظع الأمور وأعظم الشرور وموجب عذاب السعیر«((3)).

وقال علیه السلام: »من عاند الزمان أرغمه ومن استسلم إلیه لم یسلم«((4)).

وقال علیه السلام: »المفلح من نهض بجناح أو استسلم فاستراح«((5)).

وقال علیه السلام: »ظلم المستسلم أعظم الجرم«((6)).

وقال علیه السلام: »بئس الظلم ظلم المستسلم«((7)).

وقال الإمام الحسن بن علی علیه السلام لرجل: »یا هذا لا تجاهد الطلب جهاد العدو ولا تتکل علی القدر اتکال المستسلم« الخبر((8)).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: »المستسلم موقی مؤتی«((9)).

السلام

قال رسول الله صلی الله علیه و آله: »یا جبرائیل ربی هو السلام ومنه السلام والیه یعود السلام«((10)).

وعن کثیر الرقی قال: قلت لأبی عبد الله الصادق علیه السلام ما معنی السلام علی رسول الله صلی الله علیه و آله؟ فقال علیه السلام: »إن الله تبارک وتعالی لما خلق نبیه ووصیه وابنته وابنیه وجمیع الأئمة علیهم السلام وخلق شیعتهم أخذ علیهم المیثاق وأن یصبروا ویصابروا

ص:520


1- غرر الحکم ودرر الکلم: ص84 ح1370
2- غرر الحکم ودرر الکلم: ص69 ح969
3- غرر الحکم ودرر الکلم: ص443 ح10102
4- غرر الحکم ودرر الکلم: ص129 ح2209
5- غرر الحکم ودرر الکلم: ص413 ح9417
6- غرر الحکم ودرر الکلم: ص343 ح7864
7- غرر الحکم ودرر الکلم: ص346 ح7981
8- بحار الأنوار: ج100 ص 35 ح66
9- غرر الحکم ودرر الکلم: ص84 ح1361
10- الکافی: ج1 ص281 ح4

ویرابطوا وأن یتقوا الله ووعدهم أن یسلّم لهم الأرض المبارکة والحرم الآمن وأن ینزّل لهم البیت المعمور ویظهر لهم السقف المرفوع ویریحهم من عدوهم والأرض التی یبدّلها الله من السلام ویسلم ما فیها لا شیة فیها قال لا خصومة فیها لعدوهم وأن یکون لهم فیها ما یحبون وأخذ رسول الله صلی الله علیه و آله علی جمیع الأئمة علیهم السلام وشیعتهم المیثاق وبذلک وإنما السلام علیه تذکرة نفس المیثاق وتجدید له علی الله لعله أن یعجّله عزّ وجل ویعجّل السلام لکم بجمیع ما فیه«((1)).

وعن الإمام أبی عبد الله علیه السلام قال: »من یضمن لی أربعة بأربعة أبیات فی الجنة، أنفق ولا تخف فقراً، وأفش السلام فی العالم، واترک المراء وإن کنت محقاً، وأنصف الناس من نفسک«((2)).

وعن الإمام أبی جعفر علیه السلام قال: »إن الله عزوجل یحب إفشاء السلام«((3)).

وعن الإمام أبی عبد الله الصادق علیه السلام قال: »إذا سلّم أحدکم فلیجهر بسلامه لا یقول سلمت فلم یردّوا علیَّ«((4)).

وقال الإمام علی بن أبی طالب علیه السلام: »ثلاثة من حقائق الإیمان: الإنفاق من الإقتار، والإنصاف من نفسک، وبذل السلام لجمیع العالم«((5)).

وقال رسول الله صلی الله علیه و آله: »السلام تطوع والرد فریضة«((6)).

وقال النبی صلی الله علیه و آله: »إذا لقی الرجل المسلم أخاه فسلّم علیه وصافحه لم ینزع أحدهما یده عن صاحبه حتی یغفر لهما«((7)).         

وعنه صلی الله علیه و آله قال: »من بدأ بالسلام فهو أولی بالله وبرسوله«((8)).

ص:521


1- الکافی: ج1 ص451 ح39
2- الکافی: ج2 ص144 ح2
3- الکافی: ج2 ص645 ح5
4- الکافی: ج2 ص645 ح7
5- مستدرک الوسائل: ج7 ص213 ح8068
6- مستدرک الوسائل: ج8 ص358 ح9662
7- مستدرک الوسائل: ج8 ص359 ح9666
8- مستدرک الوسائل: ج8 ص360 ضمن ح9666

وعنه صلی الله علیه و آله فی حدیث أنه قال: »وردّک السلام صدقة«((1)).

وعن النبی صلی الله علیه و آله أنه قال: »السلام تحیة لملتنا وأمان لذمتنا«((2)).

وعن رسول الله صلی الله علیه و آله أنه قال: »والذی نفسی بیده لا تدخلون الجنة حتی تؤمنوا، ولا تؤمنون حتی تحابوا، أَوَ لا أدلّکم علی شیء إن فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بینکم«((3)).

وعن رسول الله صلی الله علیه و آله أنه قال: »السلام اسم من أسماء الله فأفشوه بینکم، فإن الرجل المسلم إذا مرّ بالقوم فسلّم علیهم فإن لم یردوا علیه یرد علیه من هو خیر منهم وأطیب«((4)).

وعن النبی صلی الله علیه و آله قال: »ما فشا السلام فی قوم إلاّ آمنوا من العذاب فإن فعلتموه دخلتم الجنة«((5)).

وعن النبی صلی الله علیه و آله أنه قال: »أفشوا السلام تسلموا«((6)).

وعن أمیر المؤمنین علیه السلام: »أفشوا السلام فی العالم وردوا التحیة علی أهلها بأحسن منها«((7)).

وقال رسول الله صلی الله علیه و آله: »أفش السلام یکثر خیر بیتک«((8)).

وفی قول-ه تعالی: )لَهُمْ دَارُ السّلاَمِ(((9)) قال علیه السلام: »یعنی الجنة وسمیت دار السلام للسلامة فیها من الأحزان والآلام«((10)).

ص:522


1- مستدرک الوسائل: ج7 ص242 ح8144
2- مستدرک الوسائل: ج8 ص360 ح9670
3- مستدرک الوسائل: ج8 ص362 ح9675
4- مستدرک الوسائل: ج8 ص362 ح9678
5- مستدرک الوسائل: ج8 ص363 ح9682
6- مستدرک الوسائل: ج8 ص364 ح9684
7- مستدرک الوسائل: ج8 ص371 ح9703
8- وسائل الشیعة: ج1 ص489 ح1293
9- سورة الأنعام: 127
10- بحار الأنوار: ج8 ص181 ح139

وعن إسحاق بن عمار قال سمعت أبا عبد الله الصادق علیه السلام یقول: »بروا إخوانکم ولو بحسن السلام وردّ الجواب«((1)).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: »إذا دخل أحدکم منزل-ه فلیسلم علی أهله یقول: السلام علیکم، فإن لم یکن أهله فلیقل: السلام علینا من ربنا«((2)).

وقال علیه السلام: »إذا قال لک أخوک: حیاک الله بالسلام، فقل أنت: فحیاک الله بالسلام وأحلّک دار المقام«((3)).

وعن إسحاق بن عمار الصیرفی قال: دخلت علی الإمام أبی عبدالله الصادق علیه السلام وکنت ترکت التسلیم علی أصحابنا فی مسجد الکوفة وذلک لتقیة علینا فیها شدیدة، فقال لی أبو عبد الله علیه السلام: »یا إسحاق متی أحدثت هذا الجفاء لإخوانک تمر بهم فلا تسلم علیهم فقلت ل-ه: ذلک لتقیة کنت فیها فقال علیه السلام: لیس علیک فی التقیة ترک السلام وإنما علیک فی التقیة الإذاعة، إن المؤمن لیمر بالمؤمنین فیسلم علیهم فترد الملائکة سلام علیکم ورحمة الله وبرکاته أبداً«((4)).

وعن أبی عبدالله علیه السلام قال: »ثلاثة یرد علیهم الدعاء جماعة وإن کانوا واحداً، الرجل یعطس فیقال ل-ه: یَرْحَمُکُمُ اللهُ فإن معه غیره، والرجل یسلم علی الرجل فیقول: السلام علیکم، والرجل یدعو للرجل فیقول: عافاکُمُ الله«((5)).

وقال علیه السلام: »البادی بالسلام أولی بالله وبرسوله صلی الله علیه و آله «((6)).

وقال علیه السلام: »من التواضع أن تسلم علی من لقیت«((7)).

وقال رسول الله صلی الله علیه و آله: «إذا قام أحدکم من مجلسه فلیودعهم بالسلام...»((8)).

ص:523


1- بحار الأنوار: ج71 ص131 ح98
2- وسائل الشیعة: ج5 ص323 ح6676
3- بحار الأنوار: ج73 ص4 ح10
4- بحار الأنوار: ج73 ص5 ح18
5- بحار الأنوار: ج73 ص7 ح23
6- الکافی: ج2 ص645 ح8
7- الکافی: ج2 ص646 ح12
8- مستدرک الوسائل: ج8 ص378 ح9726

وقال الإمام علیه السلام: »أفشوا السلام تسلموا«((1)).

وقال الإمام علیه السلام: »إن من موجبات المغفرة بذل السلام وحسن الکلام«((2)).

وعن أبی عبد الله علیه السلام قال: «إذا دخلت منزلک فقل: بسم الله وبالله وسلم علی أهلک، فإن لم یکن فیه أحد فقل: بسم الله وسلام علی رسول الله وعلی أهل بیته والسلام علینا وعلی عباد الله الصالحین فإذا قلت ذلک فرّ الشیطان من منزلک»((3)).

وعن الإمام علیه السلام قال: »یسلم الرجل إذا دخل علی أهله وإذا دخل یضرب بنعلیه وینحنح یصنع ذلک حتی یؤذنهم أنه جاء حتی لا یری شیئاً یکرهه«((4)).

وقال الإمام علیه السلام: »السلام قبل الکلام«((5)).

وقال علیه السلام: »لا تغضبوا ولا تغضبوا أفشوا السلام وأطیبوا الکلام«((6)).

وقال علیه السلام: »من التواضع السلام علی کل من تمر به«((7)).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: »نحن باب حطة وهو باب السلام من دخله سلم ونجا ومن تخلف عنه هلک«((8)).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: »إن من العبادة لین الکلام وإفشاء السلام«((9)).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: »لا ترغب فی خلطة الملوک فإنهم یستکثرون من الکلام رد السلام ویستقلون من العقاب ضرب الرقاب«((10)).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: »سنة الأخیار لین الکلام وإفشاء السلام«((11)).

ص:524


1- جامع الأخبار: ص89
2- جامع الأخبار: ص89
3- مستدرک الوسائل: ج3 ص458 ح3988
4- جامع الأخبار: ص89
5- بحار الأنوار: ج73 ص12 ح46
6- تحف العقول: ص204
7- تحف العقول: ص487
8- غرر الحکم ودرر الکلم: ص117 ح2031
9- غرر الحکم ودرر الکلم: ص215 ح4210
10- غرر الحکم ودرر الکلم: ص433 ح9896
11- غرر الحکم ودرر الکلم: ص435 ح9945

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: »عوِّد لسانک لین الکلام وبذل السلام یکثر محبوک ویقل مبغضوک«((1)).

وقال النبی صلی الله علیه و آله: »خصلة من لزمها أطاعته الدنیا والآخرة وربح الفوز بقرب الله تعالی فی دار السلام، قیل وما هی یا رسول الله؟ قال صلی الله علیه و آله: التقوی، من أراد أن یکون أعز الناس فلیتق الله، ثم تلا: ƒ وَمَن یَتّقِ اللّهَ یَجْعَل لّهُ مَخْرَجاً* وَیَرْزُقْهُ مِنْ حَیْثُ لاَ یَحْتَسِبُ‚((2))»((3)).

سلماً

عن الإمام أبی جعفر الباقر علیه السلام حینما سئل عن قول الله عزّ وجل: )وَرَجُلاً سَلَماً لّرَجُلٍ(((4)) قال علیه السلام: »الرجل السلم لرجل علی علیه السلام وشیعته«((5)).

وسئل الإمام علی بن الحسین علیه السلام عن الکلام والسکوت أیهما أفضل؟ فقال علیه السلام: »لکل واحد منهما آفات فإذا سلما من الآفات فالکلام أفضل من السکوت« الخبر((6)).

وعن النبی صلی الله علیه و آله قال: »إن موسی علیه السلام لقی الخضر فقال: أوصنی، فقال الخضر: ... إذا شتمک الجاهل فاسکت عنه سلماً وجانبه حزماً«((7)).

وقال رسول الله صلی الله علیه و آله: »علی بن أبی طالب أقدم أمتی سلماً وأکثرهم علماً وأصحهم دیناً وأفضلهم یقیناً« الخبر((8)).

وعن أبی خالد الکابلی قال: سألت الإمام أبا جعفر علیه السلام عن قول الله عزّوجل:

ص:525


1- غرر الحکم ودرر الکلم: ص435 ح9946
2- سورة الطلاق: 2-3
3- معدن الجواهر: ص21
4- سورة الزمر: 29
5- تأویل الآیات: ص504
6- الاحتجاج: ج2ص315
7- بحار الأنوار: ج1ص226ح18، ومنیة المرید: ص140
8- الأمالی للشیخ الصدوق: ص8ح6

)فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَالنّورِ الّذِیَ أَنزَلْنَا(((1))، فقال علیه السلام: »یا أبا خالد النور والله الأئمة من آل محمد صلی الله علیه و آله إلی یوم القیامة ... یا أبا خالد لا یحبنا عبد ویتولانا حتی یطهّر الله قلبه، ولا یطهّر الله قلب عبد حتی یسلم لنا ویکون سلماً فإذا کان سلماً لنا سلّمه الله من شدید الحساب وآمنه من فزع یوم القیامة الأکبر«((2)).

وسئل أمیر المؤمنین علیه السلام عن صفة الإسلام والإیمان والکفر والنفاق؟ فقال علیه السلام: »أما بعد فإن الله تبارک وتعالی شرع الإسلام وسهل شرائعه لمن ورده وأعز أرکانه لمن حاربه وجعله عزاً لمن تولاه وسلماً لمن دخله وهدیً لمن ائتم به…«((3)).

وقال علیه السلام: »إنّ الله عزوجل جمیل یحب الجمال ویحبّ أن یری أثر نعمته علی عبده، صلوا أرحامکم ولو بالسلام یقول الله تبارک وتعالی: )وَاتّقُواْ اللّهَ الّذِی تَسَآءَلُونَ بِهِ وَالأرْحَامَ إِنّ اللّهَ کَانَ عَلَیْکُمْ رَقِیباً(((4)) لا تقطعوا نهارکم بکذا وکذا وفعلنا کذا وکذا«((5)).

وفی وصایا لقمان: (یا بنی ابدأ الناس بالسلام والمصافحة قبل الکلام)((6)).

وعن أبی عبد الله علیه السلام قال: »لیس منکم رجل ولا امرأة إلاّ وملائکة الله یأتونه بالسلام وأنتم الذین قال الله: ƒوَنَزَعْنَا مَا فِی صُدُورِهِم مّنْ غِلّ إِخْوَاناً عَلَیَ سُرُرٍ مّتَقَابِلِینَ‚((7))»((8)).

وعن الإمام أبی عبد الله الصادق علیه السلام قال: »البخیل من بخل بالسلام«((9)).

وعن الإمام الصادق علیه السلام عن آبائه علیهم السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: »إنّ فی

ص:526


1- سورة التغابن: 8
2- الکافی: ج1 ص194 ح1
3- بحار الأنوار: ج10 ص92 ح1
4- سورة النساء: 1
5- بحار الأنوار: ج10 ص92 ح1
6- بحار الأنوار: ج13 ص429 ح23
7- بحار الأنوار: ج65 ص36 ح78
8- سورة الحجر: 47
9- بحار الأنوار: ج70 ص305 ح27

الجنّة غرفاً یری ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها، یسکنها من أمّتی من أطاب الکلام وأطعم الطعام وأفشی السلام وصلّی باللیل والناس نیام، ثمّ قال: إفشاء السلام أن لا یبخل بالسلام علی أحد من المسلمین«((1)).

وعن النبی صلی الله علیه و آله قال: »إذا قام الرجل من مجلسه فلیودّع إخوانه بالسلام، فإن أفاضوا فی خیر کان شریکهم، وإن أفاضوا فی باطل کان علیهم دونه«((2)).

وقال رسول الله صلی الله علیه و آله: »ألا أخبرکم بخیر أخلاق أهل الدنیا والآخرة؟ قالوا بلی یا رسول الله، فقال صلی الله علیه و آله: إفشاء السلام فی العالم«((3)).

وعن الإمام الباقر علیه السلام قال: »ما من عمل أفضل یوم النحر من دم مسفوک، أو مشی فی برّ الوالدین، أو ذی رحم قاطع یأخذ علیه بالفضل ویبدأه بالسلام أو رجل أطعم من صالح نسکه ودعا إلی بقیتها جیرانه من الیتامی وأهل المسکنة والمملوک وتعاهد الأسراء«((4)).

وعن الإمام علی علیه السلام قال: إنّ رسول الله صلی الله علیه و آله قال: »من زار قبری بعد موتی کان کمن هاجر إلیّ فی حیاتی، فمن لم یستطع زیارة قبری فلیبعث إلیّ بالسلام فإنّه یبلغنی«((5)).

وقال أبو عبد الله علیه السلام: »إذا بعدت بأحدکم الشقة ونأت به الدار فلیعل أعلی منزل له فیصلّی رکعتین ولیؤمّ بالسلام إلی قبورنا فإنّ ذلک یصیر إلینا«((6)).

وقال رسول الله صلی الله علیه و آله: »أولی الناس بالله وبرسوله من بدأ بالسلام«((7)).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: »یکره للرجل أن یقول حیاک الله ثمّ یسکت حتی

ص:527


1- بحار الأنوار:ج 73 ص2 ح2
2- بحار الأنوار: ج73 ص9 ح36
3- بحار الأنوار: ج73 ص12 ح50
4- بحار الأنوار: ج88 ص127 ح25
5- بحار الأنوار: ج96 ص 379 ح16
6- بحار الأنوار: ج98 ص 365 ح1
7- الکافی: ج2 ص644 ح3

یتبعها بالسلام«((1)).

وعن یزید بن عبد الملک عن أبیه عن جدّه قال: دخلت علی فاطمة $ فبدأتنی بالسلام ثمّ قالت $: «ما غدا بک؟» قلت: طلب البرکة، قالت:

«أخبرنی أبی صلی الله علیه و آله وهو ذا هو إنّه من سلّم علیه وعلیّ ثلاثة أیام أوجب الله ل-ه الجنّة» قلت لها: فی حیاته وحیاتک؟ قالت $: «نعم وبعد موتنا»((2)).

وعن أمیر المؤمنین علیه السلام قال: »من حق العالم أن لا یُکثر علیه السؤال، ولا یعنت فی الجواب، ولا یلح علیه إذا کسل، ولا یؤخذ بثوبه إذا نهض، ولا یُشار إلیه بید فی حاجة، ولا یفشی ل-ه سرّ، ولا یغتاب عنده أحد، ویعظم کما حفظ أمر الله، ولا یجلس المتعلّم إلاّ أمامه، ولا یعرض من طول صحبته، وإذا جاءه طالب علم وغیره فوجده فی جماعة عمّهم بالسلام وخصّه بالتحیة، ولیحفظ شاهداً وغائباً، ولیعرف ل-ه حقّه، فإنّ العالم أعظم أجراً من الصائم القائم المجاهد فی سبیل الله، فإذا مات العالم ثلم فی الإسلام ثلمة لا یسدها إلاّ خلف منه، وطالب العلم تستغفر ل-ه الملائکة ویدعو له من فی السماء والأرض«((3)).

وعنه علیه السلام قال: »لا یحلّ لأحد یؤمن بالله أن یهجر أخاه فوق ثلاثة أیام، یلتقیان فیعرض هذا عن وجه هذا، وهذا عن وجه هذا، فخیرهما الذی یبدأ

بالسلام«((4)).

وعن أبی عبد الله علیه السلام قال: »إذا استأذن أحدکم فلیبدأ بالسلام فإنّه اسم من أسماء الله عزوجل، فلیستأذن من وراء الباب قبل أن ینظر إلی قعر البیت فإنّما أُمرتم بالاستئذان من أجل العین والاستئذان ثلاث مرات فإن قیل أدخل فلیدخل وإن قیل ارجع فلیرجع، أولهن یسمع أهل البیت والثانیة یأخذ أهل البیت حذرهم والثالثة یختار أهل البیت إن شاءوا أذنوا وإن شاؤوا لم یأذنوا فلیرجع، کان رسول الله صلی الله علیه و آله إذا أتی

ص:528


1- الکافی: ج2 ص646 ح15
2- تهذیب الأحکام: ج6 ص9 ح11
3- مستدرک الوسائل: ج9 ص52 ح10174
4- مستدرک الوسائل: ج9 ص98 ح10333

باب قوم لم ینصرف حتی یؤذن بالسلام ثلاث مرات«((1)).

وعن الإمام علی بن أبی طالب علیه السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: »صلوا أرحامکم بالدنیا بالسلام«((2)).

وعن الإمام علی بن الحسین علیه السلام: »من أخلاق المؤمن الإنفاق علی قدر الإقتار والتوسّع علی قدر التوسّع، وإنصاف الناس، وابتداؤه إیّاهم بالسلام علیهم«((3)).

وقال رسول الله صلی الله علیه و آله: »یا أنس أسبغ الوضوء تمرّ علی الصراط  مرّ السحاب، أفش السلام یکثر خیر بیتک، أکثر من صدقة السرّ فإنّها تطفئ غضب الرّب«((4)).

وعن رسول الله صلی الله علیه و آله أن أعرابیاً سأله، فقال: یا رسول الله علمنی عملاً أدخل به الجنة، قال صلی الله علیه و آله: »أطعم الطعام وأفش السلام وصلّ والناس نیام«((5)).

إلی غیرها من الروایات الکثیرة والتی تحث علی السلم والسلام بالمعنی الأخص والأعم.

ص:529


1- مستدرک الوسائل: ج14 ص284 ح16729
2- مستدرک الوسائل: ج15 ص255 ح18155
3- وسائل الشیعة: ج15 ص192 ح20251
4- وسائل الشیعة: ج1 ص489 ح1293
5- مستدرک الوسائل: ج16ص244ح19739

فصل : من روایات اللاعنف

من نتائج الرفق والعنف

قال الإمام أمیر المؤمنین علیه السلام: «من رفق بمصاحبه وافقه،ومن أعنف به أخرجه وفارقه» ((1)).

إن الله یحب الرفق

عن أبی جعفر علیه السلام قال: «إن الله عزوجل رفیق یحب الرفق، ویعطی علی الرفق ما لا یعطی علی العنف» ((2)).

إیاک والعنف

قال الصادق علیه السلام: «اغسله برفق وإیاک والعنف» ((3)).

اللاعنف أکثر ثوابا

عن حنان بن سدیر قال: کنت أنا وأبی وأبو حمزة الثمالی وعبد الرحیم القصیر وزیاد الأحلام حجاجاً فدخلنا علی أبی جعفر علیه السلام فرأی زیاداً وقد تسلخ جلده، فقال علیه السلام له: «من أین أحرمت؟ ».

قال: من الکوفة.

قال علیه السلام: «ولِم أحرمت من الکوفة؟ ».

فقال: بلغنی عن بعضکم أنه قال: ما بعد من الإحرام فهو أعظم للأجر.

فقال علیه السلام: «ما بلّغک هذا إلا کذّاب».

ثم قال علیه السلام لأبی حمزة الثمالی: «من أین أحرمت؟ ».

فقال: من الربذة.

فقال علیه السلام له: «ولِمَ لأنک سمعت أن قبر أبی ذر بها فأحببت أن لا تجوزه».

ثم قال علیه السلام لأبی وعبد الرحیم: «من أین أحرمتما؟».

ص:530


1- غرر الحکم ودرر الکلم: ص436 ق6 ب3 ف3 بعض آداب المعاشرة ح9998
2- الکافی: ج2 ص119 باب الرفق ح5
3- الکافی: ج3 ص140 باب غسل المیت ح4

فقالا: من العقیق.

فقال علیه السلام: «أصبتما الرخصة واتبعتما السنة ولا یعرض لی بابان کلاهما حلال إلا أخذت بالیسیر وذلک لأن الله یسیر یحب الیسیر ویعطی علی الیسیر ما لا یعطی علی العنف» ((1)).

لا یخالطه العنف

عن علی بن الحسین علیه السلام قال: «قال لقمان: یا بنی أخلص طاعة الله حتی لاتخالطها بشیء من المعاصی، ثم زین الطاعة بإتباع أهل الحق فإن طاعتهم متصلة بطاعة الله تعالی، وزین ذلک بالعلم، وحصن علمک بحلم لا یخالطه حمق، واخزنه بلین لا یخالطه جهل، وشدده بحزم لا یخالطه الضیاع، وامزج حزم برفق لا یخالطه العنف» ((2)).

العنف عدو

فی الحدیث أنه وجد فی التوراة: «عدو الصدق الکذب، وعدو الصبر الجزع، وعدو الرفق العنف، ... فإذا استقام اللین تکرم من الخفة والعجلة واطردت الحدة وظهر الوقار والعفاف وعرفت السکینة ... وإذا ترک الرفق ظهر الغش وجاءت الفظاظة واشتدت الغلظة وکثر الغشم وترک العدل وفشا المنکر وترک المعروف وظهر السفه ورفض الحلم وذهب العقل وترک العلم وفتر العمل ومات الدین وضعف الصبر وغلب الورع ووهن الصدق وبطل تعبد أهل الإیمان»((3)).

أبغض الأعمال العنف

قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «ما من عمل أحب إلی الله تعالی وإلی رسوله من الإیمان بالله والرفق بعباده، وما من عمل أبغض إلی الله تعالی من الإشراک بالله تعالی والعنف علی عباده» ((4)).

ص:531


1- الإستبصار: ج2 ص162 ب93 ح5
2- القصص للراوندی: ص196 ب10 ف6 ح246
3- علل الشرائع: ج1 ص112 ب96 ح9
4- بحار الأنوار: ج72 ص54 ب42 ضمن ح19

من لا یثیره العنف

فی عهد أمیر المؤمنین علیه السلام إلی الأشتر: «فول من جنودک أنصحهم فی نفسک لله ولرسوله ولإمامک وأنقاهم جیبا وأفضلهم حلماً، ممن یبطئ عن الغضب ویستریح إلی العذر ویرأف بالضعفاء وینبو علی الأقویاء وممن لا یثیره العنف ولا یقعد به

الضعف» ((1)).

بنو أمیة والعنف

قال الصادق علیه السلام: «أما علمت أن إمارة بنی أمیة کانت بالسیف والعنف والجور، وأن إمامتنا بالرفق والتألف والوقار والتقیة وحسن الخلطة والورع والاجتهاد فرغبوا الناس فی دینکم وفی ما أنتم فیه» ((2)).

اللاعنف وعدم دخول النار

عن رسول الله صلی الله علیه و آله أنه قال: «حرمت النار علی الهین اللین السهل القریب» ((3)).

من صفات المؤمن

عن النبی صلی الله علیه و آله قال: «المؤمنون هینون لینون» ((4)).

بین العنف والرفق

قال أمیر المؤمنین علیه السلام: «لا یجتمع العنف والرفق» ((5)).

العنف سخافة

قال أمیر المؤمنین علیه السلام: «رأس السخف العنف» ((6)).

راکب العنف

قال أمیر المؤمنین علیه السلام: «راکب العنف یتعذر علیه مطلبه» ((7)).

ص:532


1- نهج البلاغة: الرسائل 53 ومن کتاب له علیه السلام کتبه للأشتر النخعی لما ولاه علی مصر وأعمالها
2- وسائل الشیعة: ج16 ص165 ب14 ح21248
3- بحار الأنوار: ج64 ص357 ب14 ضمن ح59
4- بحار الأنوار: ج64 ص356 ب14 ح59
5- غرر الحکم ودرر الکلم: ص244 ق3 ب2 ف2 فضیلة الرفق ح4972
6- غرر الحکم ودرر الکلم: ص265 ق3 ب2 ف3 الخرق ح5731
7- غرر الحکم ودرر الکلم: ص265 ق3 ب2 ف3 الخرق ح5733

العنف والندم

قال أمیر المؤمنین علیه السلام: «من رکب العنف ندم» ((1)).

لا تعنفوا

قال أمیر المؤمنین علیه السلام: «علموا ولا تعنفوا فإن المعلم العالم خیر من المعنف»((2)).

العنف سیاسة الطغاة

ورد فی قصة أبی ذر أنه: کتب عثمان إلی معاویة أن احمل أبا ذر علی ناب صعبة وقتب، ثم ابعث معه من ینجش به نجشا عنیفا حتی یقدم به علیّ، قال: فحمله معاویة علی ناقة صعبة علیها قتب ما علی القتب إلا مسح، ثم بعث معه من یسیره سیرا عنیفا، وخرجت معه فما لبث الشیخ إلا قلیلا حتی سقط ما یلی القتب من لحم فخذیه وقرح، فکنا إذا کان اللیل أخذت ملائی فألقیتهما تحته، فإذا کان السحر نزعتها مخافة أن یرونی فیمنعونی من ذلک((3)).

العنف لا ینفع

عن الصادق علیه السلام قال: «إن عیسی علیه السلام لما أراد وداع أصحابه جمعهم وأمرهم بضعفاء الخلق ونهاهم عن الجبابرة، فوجه اثنین إلی أنطاکیة فدخلا فی یوم عید لهم فوجداهم قد کشفوا عن الأصنام وهم یعبدونها فعجلا علیهم بالتعنیف فشدا بالحدید وطرحا فی السجن، فلما علم شمعون بذلک أتی أنطاکیة حتی دخل علیهما فی السجن وقال: ألم أنهکما عن الجبابرة، ثم خرج من عندهما وجلس مع الناس مع الضعفاء، فأقبل فطرح کلامه الشیء بعد الشیء فأقبل الضعیف یدفع کلامه إلی من هو أقوی منه وأخفوا کلامه خفاء شدیدا، فلم یزل یتراقی الکلام حتی انتهی إلی الملک، فقال: منذ متی هذا الرجل فی مملکتی؟

فقالوا: منذ شهرین.

ص:533


1- غرر الحکم ودرر الکلم: ص303 ق3 ب3 ف5 آثار أخری للغضب ح6900
2- بحار الأنوار: ج74 ص177 ب7 ضمن ح9
3- بحار الأنوار: ج31 ص274-275 ب25 نکیر أبی ذر

فقال: علی به، فأتوه فلما نظر إلیه وقعت علیه محبته فقال: لا أجلس إلا وهو معی. فرأی فی منامه شیئا أفزعه فسأل شمعون عنه، فأجاب بجواب حسن فرح به، ثم ألقی علیه فی المنام ما أهاله فأولها له بما ازداد به سرورا، فلم یزل یحادثه حتی استولی علیه، ثم قال: إن فی حبسک رجلین عابا علیک؟

قال: نعم.

قال: فعلی بهما.

فلما أتی بهما قال: ما إلهکما الذی تعبدان؟

قالا: الله.

قال: یسمعکما إذا سألتماه، ویجیبکما إذا دعوتماه.

قالا: نعم.

قال شمعون: فأنا أرید أن أستبرئ ذلک منکما.

قالا: قل.

قال: هل یشفی لکما الأبرص.

قالا: نعم.

قال: فأتی بأبرص فقال: سلاه أن یشفی هذا.

قال: فمسحاه فبرأ.

قال: وأنا أفعل مثل ما فعلتما.

قال: فأتی بآخر فمسحه شمعون فبرأ.

قال: بقیت خصلة إن أجبتمانی إلیها آمنت بإلهکما.

قالا: وما هی؟

قال: میت تحییانه.

قالا: نعم.

فأقبل علی الملک وقال: میت یعنیک أمره؟

قال: نعم ابنی.

قال: اذهب بنا إلی قبره فإنهما قد أمکناک من أنفسهما.

ص:534

فتوجهوا إلی قبره فبسطا أیدیهما، فبسط شمعون یدیه فما کان بأسرع من أن صدع القبر وقام الفتی فأقبل علی أبیه، فقال أبوه: ما حالک؟

قال: کنت میتا ففزعت فزعة فإذا ثلاثة قیام بین یدی الله باسطوا أیدیهم یدعون الله أن یحیینی وهما هذان وهذا.

فقال شمعون: أنا لإلهکما من المؤمنین.

فقال الملک: أنا بالذی آمنت به یا شمعون من المؤمنین.

وقال وزراء الملک: ونحن بالذی آمن به سیدنا من المؤمنین.

فلم یزل الضعیف یتبع القوی فلم یبق بأنطاکیة أحد إلا آمن به» ((1)).

من عامل بالعنف

قال أمیر المؤمنین علیه السلام: «من عامل بالعنف ندم» ((2)).

اللاعنف من صفات الله

فی الدعاء المروی عن النبی صلی الله علیه و آله: «اللهم إنک حی لا تموت وصادق لا تکذب… ورفیق لا تعنف وحلیم لا تعجل» ((3)).

اللاعنف من صفات المؤمن

فی الحدیث الشریف: «المؤمن إذا وعظ لم یعنف وإذا وعظ لم یأنف» ((4)).

وفی خطبة همام وصف الإمام أمیر المؤمنین علیه السلام المؤمن بهذه الصفات:

قال: «یا همام المؤمن هو الکیس الفطن، بشره فی وجهه، وحزنه فی قلبه، أوسع شیء صدراً، وأذل شیء نفساً، زاجر عن کل فانٍ، حاض علی کل حسن، لا حقود ولا حسود، ولا وثاب ولا سبّاب، ولا عیّاب ولا مغتاب، یکره الرفعة، ویشنأ السمعة، طویل الغم، بعید الهم، کثیر الصمت، وقور ذکور، صبور شکور، مغموم بفکره، مسرور بفقره، سهل الخلیقة، لیّن العریکة، رصین الوفاء، قلیل الأذی،

ص:535


1- القصص للراوندی: ص274-275 ب18 ف7 ح332
2- غرر الحکم ودرر الکلم: ص458 ق6 ب5 ف1 بعض آثار الظلم ح10473
3- البلد الأمین: ص332 دعاء عظیم مروی عن النبی صلی الله علیه و آله
4- تنبیه الخواطر ونزهة النواظر: ج2 ص34

لا متأفک ولا متهتک، إن ضحک لم یخرق، وإن غضب لم ینزق، ضحکه تبسم، واستفهامه تعلم، ومراجعته تفهم، کثیر علمه، عظیم حلمه، کثیر الرحمة، لا یبخل ولا یعجل، ولا یضجر ولا یبطر، ولا یحیف فی حکمه ولا یجور فی علمه، نفسه أصلب من الصلد، ومکادحته أحلی من الشهد، لا جشع ولا هلع، ولا عنف ولا صلف، ولا متکلف ولا متعمق، جمیل المنازعة، کریم المراجعة، عدل إن غضب، رفیق إن طلب، لا یتهور ولا یتهتک ولا یتجبر خالص الود... » الخطبة((1)).

اللاعنف حتی مع الحیوان

قال أبو عبد الله علیه السلام: «بعث أمیر المؤمنین علیه السلام مصدقاً من الکوفة إلی بادیتها فقال ل-ه: یا عبد الله انطلق وعلیک بتقوی الله وحده لا شریک ل-ه، ولا تؤثرن دنیاک علی آخرتک، وکن حافظاً لما ائتمنتک علیه، راعیاً لحق الله فیه، حتی تأتی نادی بنی فلان، فإذا قدمت فانزل بمائهم من غیر أن تخالط أبیاتهم، ثم امض إلیهم بسکینة ووقار حتی تقوم بینهم فتسلم علیهم، ثم قل لهم: یا عباد الله أرسلنی إلیکم ولی الله لآخذ منکم حق الله فی أموالکم، فهل لله فی أموالکم من حق فتؤدون إلی ولیه؟ فإن قال لک قائل: لا، فلا تراجعه، وإن أنعم لک منعم منهم فانطلق معه من غیر أن تخیفه أو تعده إلا خیراً، فإذا أتیت ماله فلا تدخله إلا بإذنه فإن أکثره ل-ه، فقل: یا عبد الله أتأذن لی فی دخول مالک، فإن أذن لک فلا تدخله دخول متسلط علیه فیه ولا عنف به، فاصدع المال صدعین ثم خیره أی الصدعین شاء، فأیهما اختار فلا تعرض له، ثم اصدع الباقی صدعین ثم خیره فأیهما اختار فلا تعرض له، ولا تزال کذلک حتی یبقی ما فیه وفاء لحق الله تبارک وتعالی من ماله، فإذا بقی ذلک فاقبض حق الله منه، وإن استقالک فأقله، ثم اخلطها واصنع مثل الذی صنعت أولاً حتی تأخذ حق الله فی ماله، فإذا قبضته فلا توکل به إلا ناصحاً شفیقاً أمیناً حفیظاً غیر معنف بشی ء منها، ثم احدر کل ما اجتمع عندک من کل ناد إلینا نصیّره حیث أمر الله عز وجل، فإذا انحدر بها رسولک فأوعز إلیه أن لا یحول بین ناقة وبین فصیلها ولا یفرق بینهما، ولا یمصرن

ص:536


1- الکافی: ج2 ص226-228 باب المؤمن وعلاماته وصفاته ح1

لبنها فیضر ذلک بفصیلها، ولا یجهد بها رکوباً، ولیعدل بینهن فی ذلک، ولیوردهن کل ماء یمر به، ولا یعدل بهن عن نبت الأرض إلی جواد الطریق فی الساعة التی فیها تریح وتغبق، ولیرفق بهن جهده حتی یأتینا بإذن الله صحاحاً سماناً، غیر متعبات ولا مجهدات، فیقسمن بإذن الله علی کتاب الله وسنة نبیه صلی الله علیه و آله علی أولیاء الله، فإن ذلک أعظم لأجرک وأقرب لرشدک، ینظر الله إلیها وإلیک وإلی جهدک ونصیحتک لمن بعثک وبعثت فی حاجته، فإن رسول الله صلی الله علیه و آله قال: ما ینظر الله إلی ولی ل-ه یجهد نفسه بالطاعة والنصیحة ل-ه ولإمامه إلا کان معنا فی الرفیق الأعلی». قال: ثم بکی أبو عبد الله علیه السلام ثم قال: «یا برید لا والله ما بقیت لله حرمة إلا انتهکت ولا عمل بکتاب الله ولا سنة نبیه فی هذا العالم ولا أقیم فی هذا الخلق حد منذ قبض الله أمیر المؤمنین علیه السلام ولا عمل بشیء من الحق إلی یوم الناس هذا، ثم قال: أما والله لا تذهب الأیام واللیالی حتی یحیی الله الموتی ویمیت الأحیاء ویرد الله الحق إلی أهله ویقیم دینه

الذی ارتضاه لنفسه ونبیه فأبشروا ثم أبشروا ثم أبشروا فو الله ما الحق إلا فی

أیدیکم» ((1)).

وقال الإمام الصادق علیه السلام: «واعلم أن من عنف بِخَیلِه کدح فیه بأکثر من کدحها فی عدوه ومن صحب خَیلَه بالصبر والرفق کان قَمِناً أن یبلغ بها إرادته وتنفذ فیها مکایده» ((2)).

وعن الصادق علیه السلام فی قول-ه تعالی: )ذَلِکَ وَمَن یُعَظّمْ شَعَائِرَ اللّهِ(((3)) قال علیه السلام: «تعظیم البُدن جودتها»، )لَکُمْ فِیهَا مَنَافِعُ إِلَیَ أَجَلٍ مّسَمّی(((4)) قال علیه السلام: «البدن یرکبها المحرم من موضعه الذی یحرم فیه غیر مضر بها ولا معنّف علیها وإن کان لها لبن یشرب من لبنها إلی یوم النحر» ((5)).

ص:537


1- الکافی: ج3 ص536 باب أدب المصدّق ح1
2- مستدرک الوسائل: ج12 ص188 ب2 ح13844
3- سورة الحج: 32
4- سورة الحج: 33
5- مستدرک الوسائل: ج10 ص103-104 ب29 ح11584

وعن أبی الصباح الکنانی عن أبی عبد الله علیه السلام فی قول الله عز وجل: )لَکُمْ فِیهَا مَنَافِعُ إِلَیَ أَجَلٍ مّسَمّی(((1))، قال علیه السلام: «إن احتاج إلی ظهرها رکبها من غیر أن یعنف علیها وإن کان لها لبن حلبها حلاباً لا ینهکها» ((2)).

وعن أبی جعفر محمد بن علی علیه السلام أنه قال: «یرفق بالذبیحة ولا یعنف بها قبل الذبح ولا بعده وکره أن یضرب عرقوب الشاة بالسکین» ((3)).

وقال أبو ذر: (تقول الدابة: اللهم ارزقنی ملیک صدق یرفق بی ویحسن إلی ویطعمنی ویسقینی ولا یعنف علیَّ)((4)).

لین بلا عنف

قال الصادق علیه السلام: «واعلم أن خلاصک مما بک من حقن الدماء، وکف الأذی عن أولیاء الله، والرفق بالرعیة، والتأنی، وحسن المعاشرة مع لین فی غیر ضعف وشدة فی غیر عنف، ومداراة صاحبک ومن یرد علیک من رسله، وارتق فتق رعیتک بأن توقفهم علی ما وافق الحق والعدل إن شاء الله» ((5)).

العالم العنیف فی النار

قال أبو عبد الله علیه السلام: «إن من العلماء من یحب أن یخزن علمه ولا یؤخذ عنه، فذاک فی الدرک الأول من النار، ومن العلماء من إذا وعظ أنف وإذا وعظ عنف فذاک فی الدرک الثانی من النار... » ((6)).

وفی حدیث: «فهو فی الدرک السابع من النار» ((7)).

اللاعنف من شروط الخلافة

روی: «لا یصلح أن یلی هذا الأمر - أی الخلافة - إلا حصیف العقدة، قلیل

ص:538


1- سورة الحج: 33
2- الکافی: ج4 ص492 باب الهدی ینتج أو یحلب أو یرکب ح1
3- مستدرک الوسائل: ج16 ص132 ب2 ح19371
4- المحاسن: ج2 ص626 ب12 ح90
5- وسائل الشیعة: ج17 ص208 ب49 ح22354
6- الخصال: ج2 ص352 سبعة من العلماء فی النار ح33
7- أعلام الدین: ص273 فصل من کلام سیدنا رسول الله صلی الله علیه و آله

الغرة، الشدید فی غیر عنف...وهذا الأمر لا یصلح له إلا اللین من غیر ضعف والقوی من غیر عنف واللین من غیر ضعف الجواد فی غیر سرف، البخیل فی غیر کف» ((1)).

اللاعنف من صفات بنی هاشم

قال معاویة لعقیل: إن فیکم یا بنی هاشم للینا، قال: أجل إن فینا للینا من غیر ضعف، وعزاً من غیر عنف، وإن لینکم یا معاویة غدر، وسلمکم کفر((2)).

لا تکن عنیفا

قال علیه السلام: «کن لینا من غیر ضعف شدیدا من غیر عنف» ((3)).

وفی تفسیر قول-ه تعالی: )فَذَلِکَ الّذِی یَدُعّ الْیَتِیمَ(((4))، «أی یدفعه دفعاً عنیفاً وهو أبو جهل کان وصیاً لیتیم فجاءه عریاناً یسأله من مال نفسه فدفعه» ((5)).

العنف فی الدین حرام

قال أبو عبد الله علیه السلام: «إذا کان یوم القیامة نادی مناد أین الصدود لأولیائی، فیقوم قوم لیس علی وجوههم لحم، فیقال: هؤلاء الذین آذوا المؤمنین ونصبوا لهم وعاندوهم وعنفوهم فی دینهم، ثم یؤمر بهم إلی جهنم» ((6)).

لا تعنف بالنسوة

ورد فی قصة الهجرة أنه: کتب رسول الله صلی الله علیه و آله إلی علی بن أبی طالب علیه السلام کتاباً یأمره فیه بالمسیر إلیه وقلة التلوم، وکان الرسول إلیه أبا واقد اللیثی، فلما أتاه کتاب رسول الله صلی الله علیه و آله تهیأ للخروج والهجرة، فأذن من کان معه من ضعفاء المؤمنین فأمرهم أن یتسللوا ویتخففوا إذا ملأ اللیل بطن کل واد إلی ذی طوی وخرج علی علیه السلام بفاطمة $ بنت رسول الله صلی الله علیه و آله وأمه فاطمة بنت أسد بن هاشم وفاطمة بنت الزبیر بن عبد المطلب، وقد قیل هی ضباعة، وتبعهم أیمن ابن أم أیمن مولی رسول الله صلی الله علیه و آله

ص:539


1- بحار الأنوار: ج31 ص390 ب26 إیضاح
2- بحار الأنوار: ج34 ص292 ب34
3- غرر الحکم ودرر الکلم: ص445 ق6 ب4 ف4 مدح المداراة ح10170
4- سورة الماعون: 2
5- بحار الأنوار: ج9 ص171 ب1
6- الکافی: ج2 ص351 باب من آذی المسلمین واحتقرهم ح2

وأبو واقد رسول رسول الله صلی الله علیه و آله فجعل یسوق بالرواحل فأعنف بهم، فقال

علی علیه السلام: «ارفق بالنسوة أبا واقد إنهن من الضعائف»، قال: إنی أخاف أن یدرکنا الطالب - أو قال - الطلب، فقال علی علیه السلام: «أربع علیک فإن رسول الله صلی الله علیه و آله قال لی: یا علی إنهم لن یصلوا من الآن إلیک بأمر تکرهه»، ثم جعل یعنی علیا علیه السلام یسوق بهن سوقا رفیقا((1)).

العنف أقرب إلی الکفر

عن أبی جعفر علیه السلام قال: «إن أقرب ما یکون العبد إلی الکفر أن یؤاخی الرجلُ الرجلَ علی الدین فیحصی علیه عثراته وزلاته لیعنفه بها یوماً ما» ((2)).

العاقل لا یعنف

فی الغرر عن أمیر المؤمنین علیه السلام: «ینبغی للعاقل إذا علم أن لا یعنف وإذا علم أن لا یأنف» ((3)).

وفی الغرر عنه علیه السلام: «العاقل لا یفرط به عنف ولا یقعد به ضعف» ((4)).

العالم لا یعنف

قال الإمام الصادق علیه السلام: «علی العالم إذا علم أن لا یعنف وإذا علم أن لایأنف» ((5)).

إلی غیرها من الروایات التی تدل علی ضرورة نبذ العنف، وتحث علی التحلی بالسلم والسلام.

ص:540


1- بحار الأنوار: ج19 ص64-65 ب6 ح18
2- الکافی: ج2 ص355 باب من طلب عثرات المؤمنین وعوراتهم ح3
3- غرر الحکم ودرر الکلم: ص44 ق1 ب1 ف2 طلب العلم ح103
4- غرر الحکم ودرر الکلم: ص54 ق1 ب1 ف4 العاقل صفاته وعلاماته ح467
5- تنبیه الخواطر ونزهة النواظر: ج1 ص85 باب العتاب

فصل:من مصادیق السلم واللاعنف

اشارة

فصل:من مصادیق السلم واللاعنف

1: إکرام المرأة

2: إکرام الأم

3: إکرام البنت

4: إکرام الأخت

5: إکرام الزوجة

6: الإحسان

7: الإخلاص

8: الألفة

9: الاتحاد

10: التآلف

11: التعاطف

12: التواضع

13: الحلم

14: الحنان

15: الحیاء

16: الرأفة

17: الرحمة

18: الرفق

19: الرفق بالحیوان

20: السخاء

21: الشفقة

22: الشکر

23: الصبر

ص:541

24: الصدق

25: الصفح

26: الصمت

27: العدل

28: العفو

29: الغیرة

30: اللین

31: المداراة

32: المشورة

33: المصافحة

34: المعانقة

35: المواساة

36: المودة

37: الوفاء

38: الوقار

39: الیسر

40: بر الوالدین

41: حسن التعامل مع الأقلیات الدینیة

42: حسن الجوار

43: حسن الخلق

44: حسن المعاشرة

45: صلة الرحم

46: إکرام الأب والأخ

47: قضاء الحوائج

48: أداء الأمانة

49: الإنفاق

50: حب الآخرین

ص:542

1- إکرام المرأة

مسألة: یستحب إکرام المرأة وهو من مصادیق أو مقومات السلم والسلام بالمعنی الأعم.

عن رسول الله صلی الله علیه و آله قال: «استوصوا بالنساء خیراً فإنهن عندکم عوان أی أسیرات» ((1)).

وعن رسول الله صلی الله علیه و آله: «أنه نهی عن ضرب النساء من غیر واجب» ((2)).

وعن أبی عبد الله علیه السلام قال: «أکثر أهل الجنة من المستضعفین النساء، علم الله عز وجل ضعفهن فرحمهن» ((3)).

وعن أبی عبد الله علیه السلام قال: «اتقوا الله فی الضعیفین یعنی بذلک الیتیم والنساء وإنما هن عورة» ((4)).

وقال أبو عبد الله علیه السلام: «من أخلاق الأنبیاء صلی الله علیهم حب النساء»((5)).

وعن أبی عبد الله علیه السلام قال: «ما أظن رجلا یزداد فی الإیمان خیراً إلا ازداد حباً للنساء» ((6)).

وقال علیه السلام: «ما أظن رجلا یزداد فی هذا الأمر خیرا إلا ازداد حبا للنساء» ((7)).

وقال رسول الله صلی الله علیه و آله: «ما أحب من دنیاکم إلا النساء والطیب» ((8)).

وعن أبی عبد الله علیه السلام قال: «أکثر الخیر فی النساء» ((9)).

ص:543


1- مستدرک الوسائل: ج14 ص251 ب66 ضمن ح16621
2- مستدرک الوسائل: ج14 ص250 ب66 ح16620
3- من لا یحضره الفقیه: ج3 ص468 باب النوادر ح4628
4- الکافی: ج5 ص511 باب حق المرأة علی الزوج ح3
5- الکافی: ج5 ص320 باب حب النساء ح1
6- من لا یحضره الفقیه: ج3 ص384 باب حب النساء ح4351
7- الکافی: ج5 ص321 باب حب النساء ح5
8- الکافی: ج5 ص321 باب حب النساء ح6
9- وسائل الشیعة: ج20 ص24 ب3 ح24932

2- إکرام الأم

مسألة: یستحب إکرام الأم وقد یجب، وهو من مصادیق أو مقومات السلم والسلام بالمعنی الأعم.

عن أبی عبد الله علیه السلام قال: «جاء رجل إلی النبی صلی الله علیه و آله فقال: یا رسول الله من أبر؟ قال صلی الله علیه و آله: أمک، قال: ثم من؟ قال صلی الله علیه و آله: أمک، قال: ثم من؟ قال صلی الله علیه و آله: أمک، قال: ثم من؟ قال صلی الله علیه و آله: أباک» ((1)).

وعن زکریا بن إبراهیم قال: کنت نصرانیاً فأسلمت وحججت فدخلت علی أبی عبد الله علیه السلام فقلت: إنی کنت علی النصرانیة وإنی أسلمت، فقال علیه السلام: «وأی شیء رأیت فی الإسلام؟» قلت: قول الله عزوجل: )مَا کُنتَ تَدْرِی مَا الْکِتَابُ وَلاَ الإِیمَانُ وَلَ-َکِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نّهْدِی بِهِ مَن نّشَآءُ( ((2)) فقال علیه السلام: «لقد هداک الله» ثم قال علیه السلام: «اللهم اهده ثلاثاً، سل عما شئت یا بنی». فقلت: إن أبی وأمی علی النصرانیة وأهل بیتی وأمی مکفوفة البصر فأکون معهم وآکل فی آنیتهم؟ فقال علیه السلام: «یأکلون لحم الخنزیر؟». فقلت: لا ولا یمسونه، فقال علیه السلام: «لا بأس فانظر أمک فبرها فإذا ماتت فلا تکلها إلی غیرک کن أنت الذی تقوم بشأنها ولا تخبرن أحداً أنک أتیتنی حتی تأتینی بمنی إن شاء الله».

قال: فأتیته بمنی والناس حوله صلی الله علیه و آله کأنه معلم صبیان هذا یسأله وهذا یسأله، فلما قدمت الکوفة ألطفت لأمی وکنت أطعمها وأفلی ثوبها ورأسها وأخدمها، فقالت لی: یا بنی ما کنت تصنع بی هذا وأنت علی دینی فما الذی أری منک منذ هاجرت فدخلت فی الحنیفیة؟ فقلت: رجل من ولد نبینا أمرنی بهذا. فقالت: هذا الرجل هو نبی؟ فقلت: لا، ولکنه ابن نبی، فقالت: یا بنی إن هذا نبی إنّ هذه وصایا الأنبیاء، فقلت: یا أُمَّه إنه لیس یکون بعد نبینا نبی ولکنه ابنه، فقالت: یا بنی دینک خیر دین اعرضه علیّ، فعرضته علیها فدخلت فی الإسلام وعلّمتها فصلّت الظهر والعصر

ص:544


1- الکافی: ج2 ص159-160 باب البر بالوالدین ح9
2- سورة الشوری: 52

والمغرب والعشاء الآخرة ثم عرض لها عارض فی اللیل، فقالت: یا بنی أعد علیّ ما علّمتنی فأعدته علیها فأقرّت به وماتت. فلما أصبحت کان المسلمون الذین غسلوها وکنت أنا الذی صلّیت علیها ونزلت فی قبرها»((1)).

وعن أبی جعفر علیه السلام فی حدیث قال: «... لقد کان - أی علی بن الحسین علیه السلام - یأبی أن یؤاکل أمه، فقیل له: یا بن رسول الله أنت أبر الناس وأوصلهم للرحم فکیف لا تؤاکل أمک؟ فقال علیه السلام: إنی أکره أن تسبق یدی إلی ما سبقت عینها إلیه» ((2)).

وعن علی بن الحسین علیه السلام قال: «جاء رجل إلی النبی صلی الله علیه و آله فقال: یا رسول الله ما من عمل قبیح إلا قد عملته فهل لی من توبة؟ فقال رسول الله صلی الله علیه و آله: فهل من والدیک أحد حی؟ قال: أبی، قال صلی الله علیه و آله: فاذهب فبرّه. قال علیه السلام: فلما ولّی، قال رسول الله صلی الله علیه و آله: لو کانت أمه» ((3)).

وفی فقه الرضا علیه السلام: «واعلم أن حق الأم ألزم الحقوق وأوجب لأنها حملت حیث لا یحمل أحد أحداً ووقت بالسمع والبصر وجمیع الجوارح مسرورة مستبشرة بذلک، فحملته بما فیه من المکروه الذی لا یصبر علیه أحد ورضیت بأن تجوع ویشبع، وتظمأ ویروی، وتعری ویکتسی، وتظلّه وتضحی، فلیکن الشکر لها والبر والرفق بها علی قدر ذلک، وإن کنتم لا تطیقون بأدنی حقها إلا بعون الله» ((4)).

وعن أبی القاسم الکوفی فی کتاب الأخلاق قال: قال رجل لرسول الله صلی الله علیه و آله: إن والدتی بلغها الکبر وهی عندی الآن، أحملها علی ظهری وأطعمها من کسبی وأمیط عنها الأذی بیدی وأصرف عنها مع ذلک وجهی استحیاء منها وإعظاما لها فهل کافأتها؟ قال صلی الله علیه و آله: «لا لأن بطنها کان لک وعاء، وثدیها کان لک سقاء، وقدمها لک حذاء، ویدها لک وقاء، وحجرها لک حِواء، وکانت تصنع ذلک لک وهی تمنی حیاتک وأنت تصنع هذا بها وتحب مماتها» ((5)).

ص:545


1- الکافی: ج2 ص160-161 باب البر بالوالدین ح11
2- وسائل الشیعة: ج9 ص397-398 ب13 ح12325
3- مستدرک الوسائل: ج15 ص179-180 ب70 ح17930
4- مستدرک الوسائل: ج15 ص180 ب70 ح17931
5- مستدرک الوسائل: ج15 ص180 ب70 ح17932

وعن النبی صلی الله علیه و آله أنه قال: «الجنة تحت أقدام الأمهات» ((1)).

وقال صلی الله علیه و آله: «إذا کنت فی صلاة التطوع فإن دعاک والدک فلا تقطعها وإن دعتک والدتک فاقطعها» ((2)).

وفی الحدیث عنه صلی الله علیه و آله: قیل یا رسول الله ما حق الوالد؟ قال صلی الله علیه و آله: «أن تطیعه ما عاش». فقیل: وما حق الوالدة؟ فقال صلی الله علیه و آله: «هیهات هیهات لو أنه عدد رمل عالج وقطر المطر أیام الدنیا قام بین یدیها ما عدل ذلک یوم حملته فی بطنها» ((3)).

وروی أن رجلاً قال للنبی صلی الله علیه و آله: یا رسول الله أی الوالدین أعظم؟ قال صلی الله علیه و آله: «التی حملته بین الجنبین، وأرضعته بین الثدیین، وحضنته علی الفخذین، وفدته

بالوالدین» ((4)).

3- إکرام البنت

مسألة: یستحب إکرام البنت وقد یجب، وهو من مصادیق أو مقومات السلم والسلام بالمعنی الأعم.

عن الصادق علیه السلام قال: «البنات حسنات والبنون نعمة، فالحسنات یثاب علیها، والنعم یسأل عنها» ((5)).

وعن رسول الله صلی الله علیه و آله أنه قال: «نعم الوُلد البنات المخدرات، من کانت عنده واحدة جعلها الله له ستراً من النار، ومن کانت عنده ابنتان أدخله الله بهما الجنة، ومن کن ثلاثاً أو مثلهن من الأخوات وضع عنه الجهاد والصدقة» ((6)).

وبشر النبی صلی الله علیه و آله بابنة فنظر فی وجوه أصحابه فرأی الکراهة فیهم فقال صلی الله علیه و آله:

ص:546


1- مستدرک الوسائل: ج15 ص180 ب70 ح17933
2- مستدرک الوسائل: ج15 ص181 ب70 ضمن ح17933
3- مستدرک الوسائل: ج15 ص182 ب70 ح17937
4- مستدرک الوسائل: ج15 ص182 ب70 ضمن ح17939
5- من لا یحضره الفقیه: ج3 ص481 باب فضل الأولاد ح4692
6- مستدرک الوسائل: ج15 ص116 ب3 ح17707

«ما لکم ریحانة أشمها ورزقها علی الله عز وجل» ((1)).

وقال رسول الله صلی الله علیه و آله: «خیر أولادکم البنات» ((2)).

وعن أبی عبد الله علیه السلام قال: «کان رسول الله صلی الله علیه و آله أبا بنات» ((3)).

وعن أبی عبد الله علیه السلام قال: «إن أبی إبراهیم علیه السلام سأل ربه أن یرزقه ابنة تبکیه وتندبه بعد موته» ((4)).

وعن عمر بن یزید قال لأبی عبد الله علیه السلام: إن لی بنات، فقال علیه السلام: «لعلک تتمنی موتهن، أما إنک إن تمنیت موتهن فمتن لم تؤجر ولقیت الله عزوجل یوم تلقاه وأنت عاص» ((5)).

وقال رسول الله صلی الله علیه و آله: «من عال ثلاث بنات أو ثلاث أخوات وجبت له الجنة» فقیل: یا رسول الله واثنتین؟ فقال صلی الله علیه و آله: «واثنتین» فقیل: یا رسول الله وواحدة؟ فقال صلی الله علیه و آله: «وواحدة» ((6)).

وعن الحسن بن سعید اللخمی قال: ولد لرجل من أصحابنا جاریة، فدخل علی أبی عبد الله علیه السلام فرآه متسخطاً فقال له أبو عبد الله علیه السلام: «أرأیت لو أن الله تبارک وتعالی أوحی إلیک أن أختار لک أو تختار لنفسک ما کنت تقول؟» قال: کنت أقول یا رب تختار لی، قال علیه السلام: «فإن الله قد اختار لک» قال: ثم قال: «إن الغلام الذی قتله العالم الذی کان مع موسی علیه السلام وهو قول الله عزوجل: ]فَأَرَدْنَآ أَن یُبْدِلَهُمَا رَبّهُمَا خَیْراً مّنْهُ زَکَ-اةً وَأَقْرَبَ رُحْماً[((7)) أبدلهما الله به جاریة ولدت سبعین نبیاً» ((8)).

وقال الصادق علیه السلام: «من عال ابنتین أو أختین أو عمتین أو خالتین حجبتاه من

ص:547


1- ( [1] )مستدرک الوسائل: ج15 ص117 ب4 ح17714
2- بحار الأنوار: ج101 ص91 ب2 ح6
3- الکافی: ج6 ص5 باب فضل البنات ح2
4- الکافی: ج6 ص5 باب فضل البنات ح3
5- وسائل الشیعة: ج21 ص366 ب6 ح27318
6- عدة الداعی: ص90 ب2 ق6
7- سورة الکهف: 81
8- الکافی: ج6 ص6-7 باب فضل البنات ح11

النار» ((1)).

وعن النبی صلی الله علیه و آله قال: «من کن ل-ه ثلاث بنات فصبر علی لأوائهن وضرائهن وسرائهن کن له حجابا یوم القیامة» ((2)).

وعن الصادق علیه السلام أن رجلاً شکا إلیه غمه ببناته، فقال: «الذی ترجوه لتضعیف حسناتک ومحو سیئاتک فارجه لصلاح حال بناتک، أما علمت أن رسول الله صلی الله علیه و آله قال: لما جاوزت سدرة المنتهی وبلغت قضبانها وأغصانها رأیت بعض ثمار قضبانها أثداؤه معلقة یقطر من بعضها اللبن ومن بعضها العسل ومن بعضها الدهن ومن بعضها شبه دقیق السمید ومن بعضها الثیاب ومن بعضها کالنبق فیهوی ذلک کله نحو الأرض فقلت فی نفسی: أین مقر هذه الخارجات؟ فنادانی ربی: یا محمد هذه أنبتها من هذا المکان لأغذو منها بنات المؤمنین من أمتک وبنیهم فقل لآباء البنات: لا تضیقن صدورکم علی بناتکم فإنی کما خلقتهن أرزقهن» ((3)).

وقال الصادق علیه السلام: «إذا أصاب الرجل ابنة بعث الله إلیها ملکا فأمر جناحه علی رأسها وصدرها». وقال علیه السلام: «ضعیفة خلقت من ضعف، المنفق علیها معان» ((4)).

وعن أبی عبد الله علیه السلام قال: «نهی رسول الله صلی الله علیه و آله عن نکاح الشغار وهی الممانحة وهو أن یقول الرجل للرجل: زوجنی ابنتک حتی أزوجک ابنتی علی أن لا مهر بینهما» ((5)).

4- إکرام الأخت

مسألة: یستحب إکرام الأخت وهو من مصادیق أو مقومات السلم والسلام بالمعنی الأعم.

قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «الید العلیا خیر من الید السفلی ابدأ بمن تعول أمک وأباک

ص:548


1- الخصال: ج1 ص37 ثواب من عال ابنتین ح14
2- بحار الأنوار: ج101 ص102 ب2 ح91
3- وسائل الشیعة: ج21 ص365-366 ب5 ح27317
4- من لا یحضره الفقیه: ج3 ص482 باب فضل الأولاد ح4700
5- الکافی: ج5 ص361 باب نکاح الشغار ح3

وأختک وأخاک وأدناک فأدناک» ((1)).

وعن الإمام الرضا علیه السلام عن آبائه علیهم السلام «أن رسول الله صلی الله علیه و آله قال: إنما سمی الأبرار أبراراً لأنهم بروا الآباء والأبناء والإخوان» ((2)).

وروی أن رسول الله صلی الله علیه و آله قال لسراقة بن مالک بن جعشم: «یا سراقة بن مالک ألا أدلک علی أفضل الصدقة؟» قال: بلی بأبی أنت وأمی یا رسول الله، قال صلی الله علیه و آله: «أفضل الصدقة علی أختک وابنتک مردودةً علیک لیس لهما کاسب غیرک» ((3)).

وقال رسول الله صلی الله علیه و آله: «من عال ثلاث بنات أو ثلاث أخوات وجبت ل-ه الجنة» فقیل: یا رسول الله واثنتین؟ فقال صلی الله علیه و آله: «واثنتین» فقیل: یا رسول الله وواحدة؟ فقال صلی الله علیه و آله: «وواحدة» ((4)).

وقال الصادق علیه السلام: «من عال ابنتین أو أختین أو عمتین أو خالتین حجبتاه من النار» ((5)).

وقال الصادق علیه السلام: «سبی رسول الله صلی الله علیه و آله أربعة آلاف رأس واثنتی عشرة ألف ناقة سوی ما لا یعلم من الغنائم وخلف رسول الله صلی الله علیه و آله الأنفال فی الجعرانة وافترق المشرکون فرقتین فأخذت الأعراب أوطاس وثقیف الطائف وبعث إلی أوطاس من فتح علیه وسار إلی الطائف فحاصرهم بضعة عشر یوماً ثم انصرف عنهم ثم جاءه وفدهم فی شهر رمضان فأسلموا ثم رجع رسول الله صلی الله علیه و آله إلی الجعرانة وقسم الغنائم، وکان فیمن سبی أخته بنت حلیمة فلما قامت علی رأسه قال: یا محمد أختک شیما بنت حلیمة، فنزع رسول الله صلی الله علیه و آله بردته وبسطها لها فأجلسها علیها ثم أکب علیها یسألها، وأدرک وفد هوازن رسول الله صلی الله علیه و آله بالجعرانة وقد أسلموا، فقال رسول الله صلی الله علیه و آله: من أمسک منکم بحقه فله بکل إنسان ست فرائض من أول فیء نصیبه فردوا إلی

ص:549


1- مستدرک الوسائل: ج7 ص194 ب18 ح8011
2- وسائل الشیعة: ج16 ص296 ب3 ح21588
3- مستدرک الوسائل: ج7 ص194 ب18 ح8008
4- عدة الداعی: ص90 ب2 ق6
5- الخصال: ج1 ص37 ثواب من عال ابنتین ح14

الناس نساءهم وأولادهم، وکلمته أخته فی مالک بن عوف فقال صلی الله علیه و آله: إن جاءنی فهو آمن، فأتاه فرد علیه ماله وأعطاه مائة من الإبل» ((1)).

وعن أبی عبد الله علیه السلام فی رجل یرید أن یزوج أخته قال: «یؤامرها فإن سکتت فهو إقرارها وإن أبت لم یزوّجها، وإن قالت: زوجنی فلاناً، فلیزوّجها ممن

ترضی» ((2)).

5- إکرام الزوجة

مسألة: یستحب إکرام الزوجة وهو من مصادیق أو مقومات السلم والسلام بالمعنی الأعم.

قال رسول الله صلی الله علیه و آله فی حدیث: «ومن اتخذ زوجة فلیکرمها» ((3)).

وعن أبی جعفر علیه السلام: «إن أکرمکم أشدکم إکراماً لحلائلهم» ((4)).

وعن إسحاق بن عمار قال: قلت لأبی عبد الله علیه السلام: ما حق المرأة علی زوجها الذی إذا فعله کان محسناً؟ قال علیه السلام: «یشبعها ویکسوها وإن جهلت غفر لها». وقال أبو عبد الله علیه السلام: «کانت امرأة عند أبی علیه السلام تؤذیه فیغفر لها» ((5)).

وقال رسول الله صلی الله علیه و آله: «أوصانی جبرئیل علیه السلام بالمرأة حتی ظننت أنه لا ینبغی طلاقها إلا من فاحشة مبینة» ((6)).

وقال رسول الله صلی الله علیه و آله: «إنما المرأة لعبة من اتخذها فلا یضیعها» ((7)).

وعن أبی عبد الله علیه السلام قال: «فی رسالة أمیر المؤمنین علیه السلام إلی الحسن علیه السلام: لاتملک المرأة من الأمر ما یجاوز نفسها فإن ذلک أنعم لحالها وأرخی لبالها وأدوم

ص:550


1- القصص للراوندی: ص351 ب20 ف10 ح426
2- الکافی: ج5 ص393 باب استیمار البکر ح3
3- دعائم الإسلام: ج2 ص158 ف1 ح560
4- من لا یحضره الفقیه: ج3 ص506 باب طلاق التی لم یدخل بها ح4774
5- وسائل الشیعة: ج20 ص169 ب88 ح25330
6- من لا یحضره الفقیه: ج3 ص440 باب حق المرأة علی الزوج ح4525
7- وسائل الشیعة: ج20 ص167 ب86 ح25324

لجمالها، فإن المرأة ریحانة ولیست بقهرمانة، ولا تعد بکرامتها نفسها واغضض بصرها بسترک واکففها بحجابک ولا تطمعها أن تشفع لغیرها فیمیل علیک من شفعت له علیک معها، واستبق من نفسک بقیة فإن إمساکک نفسک عنهن وهن یرین أنک ذو اقتدار خیر من أن یرین منک حالا علی انکسار» ((1)).

وقال أبو عبد الله علیه السلام: «إن إبراهیم علیه السلام شکا إلی الله عزوجل ما یلقی من سوء خلق سارة فأوحی الله تعالی إلیه إنما مثل المرأة مثل الضلع المعوج إن أقمته کسرته وإن ترکته استمتعت به اصبر علیها» ((2)).

وقال رسول الله صلی الله علیه و آله: «ألا خیرکم خیرکم لنسائه، وأنا خیرکم لنسائی» ((3)).

وعن النبی صلی الله علیه و آله قال: «إن أکمل المؤمنین إیمانا أحسنهم خلقا وخیارکم خیارکم لنسائهم»((4)).

وعن أبی عبد الله علیه السلام قال: «أتی رسول الله صلی الله علیه و آله فی لیلة ثلاثون امرأة کلهن تشکو زوجها، فقال رسول الله صلی الله علیه و آله: أما إن أولئک لیسوا من خیارکم» ((5)).

وعن النبی صلی الله علیه و آله أنه قال: «إنی أتعجب ممن یضرب امرأته وهو بالضرب أولی منها، لا تضربوا نساءکم بالخشب فإن فیه القصاص ولکن اضربوهن بالجوع والعری حتی تربحوا فی الدنیا والآخرة» ((6)).

وعن رسول الله صلی الله علیه و آله أنه قال: «فأی رجل لطم امرأته لطمة أمر الله عزوجل مالکاً خازن النیران فیلطمه علی حر وجهه سبعین لطمة فی نار جهنم، وأی رجل منکم وضع یده علی شعر امرأة مسلمة سمر کفه بمسامیر من نار» ((7)) الخبر .

وعن النبی صلی الله علیه و آله قال: «أیما رجل ضرب امرأته فوق ثلاث أقامه الله یوم القیامة

ص:551


1- الکافی: ج5 ص510 باب إکرام الزوجة ح3
2- بحار الأنوار: ج12 ص116 ب5 ح50
3- وسائل الشیعة: ج20 ص171 ب88 ح25340
4- بحار الأنوار: ج68 ص389 ب92 ح47
5- مستدرک الوسائل: ج14 ص248 ب63 ح16611
6- جامع الأخبار: ص158 ف121
7- مستدرک الوسائل: ج14 ص250 ب66 ح16619

علی رؤوس الخلائق فیفضحه فضیحة ینظر إلیه الأوّلون والآخرون» ((1)).

وعنه صلی الله علیه و آله قال: «ما زال جبرئیل یوصینی فی أمر النساء حتی ظننت أنه سیحرم طلاقهن» ((2)).

وعن أمیر المؤمنین علی علیه السلام قال: «إن النساء عند الرجال لا یملکن لأنفسهن ضراً ولا نفعاً وإنهن أمانة الله عندکم فلا تضاروهن ولا تعضلوهن» ((3)).

وعن عبد الله بن محبوب عن رجل قال:.. فقالت الحولاء: یا رسول الله صلی الله علیک هذا کله للرجل؟ قال: «نعم». قالت: فما للنساء علی الرجال؟ قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «أخبرنی أخی جبرئیل ولم یزل یوصینی بالنساء حتی ظننت أن لا یحل لزوجها أن یقول لها أف، یا محمد اتقوا الله عزوجل فی النساء فإنهن عوان بین أیدیکم أخذتموهن علی أمانات الله عزوجل ما استحللتم من فروجهن بکلمة الله وکتابه من فریضة وسنة وشریعة محمد بن عبد الله صلی الله علیه و آله فإن لهن علیکم حقا واجبا لما استحللتم من أجسامهن وبما واصلتم من أبدانهن ویحملن أولادکم فی أحشائهن حتی أخذهن الطلق من ذلک، فأشفقوا علیهن وطیبوا قلوبهن حتی یقفن معکم، ولا تکرهوا النساء ولا تسخطوا بهن ولا تأخذوا مما آتیتموهن شیئا إلا برضاهن وإذنهن» ((4)) الخبر.

وروی أن امرأة معاذ قالت: یا رسول الله ما حق الزوجة علی زوجها؟ قال صلی الله علیه و آله: «أن لا یضرب وجهها ولا یقبحها وأن یطعمها مما یأکل ویلبسها مما یلبس ولایهجرها»((5)).

وقال علی علیه السلام فی قول-ه تعالی: )وَآتُواْ النّسَآءَ صَدُقَاتِهِنّ نِحْلَةً(((6)) «أعطوهن الصداق الذی استحللتم به فروجهن فمن ظلم المرأة صداقها الذی استحل به فرجها

ص:552


1- غوالی اللآلی: ج1 ص254 ف10 ح13
2- مستدرک الوسائل: ج14 ص250 ب66 ضمن ح16621
3- مستدرک الوسائل: ج14 ص251 ب66 ح16622
4- مستدرک الوسائل: ج14 ص252-253 ب68 ح16627
5- غوالی اللآلی: ج2 ص142 ب1 المسلک الرابع ح396
6- سورة النساء: 4

فقد استباح فرجها زنی» ((1)).

وعن أمیر المؤمنین علیه السلام أنه قال: «لا یکون تزویج بغیر مهر» ((2)).

وعن أبی عبد الله علیه السلام عن آبائه علیهم السلام  قال: قال النبی صلی الله علیه و آله: «ما استفاد امرؤ مسلم فائدة بعد الإسلام أفضل من زوجة مسلمة تسره إذا نظر إلیها، وتطیعه إذا أمرها، وتحفظه إذا غاب عنها فی نفسها ومالها» ((3)).

وعنه صلی الله علیه و آله: «من سعادة المرء زوجة صالحة» ((4)).

وقال الصادق علیه السلام: «رحم الله عبدا أحسن فیما بینه وبین زوجته، فإن الله عزوجل قد ملکه ناصیتها وجعله القیم علیها»((5)).

6- الإحسان

مسألة: الإحسان مستحب، وهو من مصادیق أو مقومات السلم والسلام بالمعنی الأعم.

عن أبی عبد الله علیه السلام یقول: «آیة فی کتاب الله مسجلة». قلت: ما هی؟ قال علیه السلام: « )هَلْ جَزَآءُ الإِحْسَانِ إِلاّ الإِحْسَانُ(((6)) جرت فی المؤمن والکافر والبر والفاجر، من صنع إلیه معروف فعلیه أن یکافئ به ولیست المکافأة أن یصنع کما صنع به بل یری مع فعله لذلک أن له الفضل المبتدأ» ((7)).

وقال الصادق علیه السلام فی قول الله عزوجل:)هَلْ جَزَآءُ الإِحْسَانِ إِلاّ الإِحْسَانُ(((8)): «معناه من اصطنع إلی آخر معروفاً فعلیه أن یکافئه عنه» ثم قال الصادق علیه السلام:

ص:553


1- نوادر الراوندی: ص37
2- دعائم الإسلام: ج2 ص222 ف6 ح829
3- الکافی: ج5 ص327 باب من وفق له الزوجة الصالحة ح1
4- الکافی: ج5 ص327 باب من وفق له الزوجة الصالحة ح4
5- من لا یحضره الفقیه: ج3 ص443 باب حق المرأة علی الزوج ح4537
6- سورة الرحمن: 60
7- وسائل الشیعة: ج16 ص306-307 ب7 ح21614
8- سورة الرحمن: 60

«ولیست المکافأة أن تصنع کما یصنع حتی توفی علیه فإنه من صنع کما صنع إلیه کان للأول الفضل علیه بالابتداء» ((1)).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: «اعرفوا الله بالله والرسول بالرسالة وأولی الأمر بالمعروف والعدل والإحسان» ((2)).

وقال رسول الله صلی الله علیه و آله فی خطبته: «ألا أخبرکم بخیر خلائق الدنیا والآخرة! العفو عمن ظلمک، وتصل من قطعک، والإحسان إلی من أساء إلیک، وإعطاء من

حرمک» ((3)).

وعن أمیر المؤمنین علیه السلام فی وصیته لمحمد بن الحنفیة قال: «لا یکونن أخوک علی قطیعتک أقوی منک علی صلته، ولا علی الإساءة إلیک أقدر منک علی الإحسان

إلیه» ((4)).

وقال الإمام علی علیه السلام: «إطعام الأسیر والإحسان إلیه حق واجب وإن قتلته من الغد» ((5)).

وقال الإمام علی علیه السلام فی قول الله عزوجل:)إِنّ اللّهَ یَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ(((6)) «العدل الإنصاف والإحسان التفضل» ((7)).

وقال رسول الله صلی الله علیه و آله: «ثلاث من الذنوب تعجل عقوبتها ولا تؤخر إلی الآخرة: عقوق الوالدین، والبغی علی الناس، وکفر الإحسان» ((8)).

وعن أمیر المؤمنین علیه السلام أنه قال: «المواساة أفضل الأعمال» وقال: «أحسن الإحسان مواساة الإخوان» ((9)).

ص:554


1- مستدرک الوسائل: ج12 ص355 ب7 ح14278
2- التوحید: ص285-286 ب41 ح3
3- الأمالی للمفید: ص180-181 المجلس23 ح2
4- من لا یحضره الفقیه: ج4 ص392 ومن ألفاظ رسول الله صلی الله علیه و آله الموجزة ح5834
5- قرب الإسناد: ص42
6- سورة النحل: 90
7- نهج البلاغة: قصار الحکم 231
8- وسائل الشیعة: ج16 ص312 ب8 ح21633
9- مستدرک الوسائل: ج7 ص210 ب25 ح8059

وقیل للحسین بن علی علیه السلام: ما الفضل؟ قال علیه السلام: «ملک اللسان وبذل الإحسان» قیل: فما النقص؟ قال علیه السلام: «التکلف لما لا یعنیک» ((1)).

وعن النبی صلی الله علیه و آله أنه قال: «جماع التقوی فی قوله تعالی: )إِنّ اللّهَ یَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ(((2))» ((3)).

وعن الرضا علیه السلام قال: «استعمال العدل والإحسان مؤذن بدوام النعمة» ((4)).

وعن أمیر المؤمنین علیه السلام أنه قال: «فی العدل إصلاح البریة، فی العدل الإقتداء بسنة الله، فی العدل الإحسان» ((5)).

وعن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال فی رسالته إلی أصحابه: «وإیاکم ومعاصی الله أن ترکبوها، فإنه من انتهک معاصی الله فرکبها فقد أبلغ فی الإساءة إلی نفسه ولیس بین الإحسان والإساءة منزلة فلأهل الإحسان عند ربهم الجنة ولأهل الإساءة عند ربهم النار» ((6)).

وقال الإمام علی علیه السلام: «لن یستطیع أحد أن یشکر النعم بمثل الإحسان بها»((7)).

وقال الرسول صلی الله علیه و آله: «زینة العلم الإحسان» ((8)).

7- الإخلاص

مسألة: یستحب الإخلاص وقد یجب، وهو من مصادیق أو مقومات السلم والسلام بالمعنی الأعم.

عن أمیر المؤمنین علیه السلام أنه قال: «الدنیا کلها جهل إلا مواضع العلم، والعلم کله

ص:555


1- مستدرک الوسائل: ج9 ص24 ب102 ح10099
2- سورة النحل: 90
3- روضة الواعظین: ج2 ص437 مجلس فی الزهد والتقوی
4- عیون أخبار الرضا علیه السلام : ج2 ص23-24 ب30 ح52
5- مستدرک الوسائل: ج11 ص318 ب37 ح13146
6- الکافی: ج8 ص11 کتاب الروضة ح1
7- مستدرک الوسائل: ج12 ص370 ب15 ضمن ح14328
8- الأمالی للصدوق: ص488 المجلس64 ح1

حجة إلا ما عمل به، والعمل کله ریاء إلا ما کان مخلصاً، والإخلاص علی خطر حتی ینظر العبد بما یختم له» ((1)).

وقال النبی صلی الله علیه و آله: «من عرف نفسه فقد عرف ربه، ثم علیک من العلم بما لا یصح العمل إلا به وهو الإخلاص» ((2)).

وعن أبی عبد الله علیه السلام قال: «کان أبو جعفر علیه السلام یقول: عظموا أصحابکم ووقروهم ولا یتجهم بعضکم بعضاً ولا تضاروا ولا تحاسدوا وإیاکم والبخل کونوا عباد الله المخلصین» ((3)).

وعن علی علیه السلام: «أجل ما ینزل من السماء التوفیق وأجل ما یصعد من الأرض الإخلاص» ((4)).

وقال رسول الله صلی الله علیه و آله: «إن لکل حق حقیقة وما بلغ عبد حقیقة الإخلاص حتی لا یحب أن یحمد علی شیء من عمل الله» ((5)).

وعن علی علیه السلام: «جماع الدین فی الإخلاص، العمل وتقصیر الأمل وبذل الإحسان والکف عن القبیح» ((6)).

وعن علی علیه السلام: «أفضل الإیمان الإخلاص والإحسان، وأقبح الشیم التجافی والعدوان» ((7)).

وعن علی علیه السلام: «الإخلاص خیر العمل» ((8)).

وعن علی علیه السلام: «أمارات السعادة إخلاص العمل» ((9)).

ص:556


1- مشکاة الأنوار: ص312 ب8 ف3
2- مصباح الشریعة: ص13 ب5
3- بحار الأنوار: ج71 ص254 ب15 ح50
4- شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید: ج20 ص291 قصار الحکم 332
5- عدة الداعی: ص217 ب4 خاتمة
6- غرر الحکم ودرر الکلم: ص85 ق1 ب2 ف5 قواعد الدین ح1396
7- غرر الحکم ودرر الکلم: ص88 ق1 ب2 ف6 کمال الإیمان ح1479
8- غرر الحکم ودرر الکلم: ص155 ق1 ب6 ف4 الإخلاص فی العمل وآثاره ح2893
9- غرر الحکم ودرر الکلم: ص155 ق1 ب6 ف4 الإخلاص فی العمل وآثاره ح2894

وعن علی علیه السلام: «قدموا خیراً تغنموا، وأخلصوا أعمالکم تسعدوا» ((1)).

وعن علی علیه السلام: «العمل کله هباء إلا ما أخلص فیه» ((2)).

وعن علی علیه السلام: «أخلصوا إذا عملتم» ((3)).

وعن علی علیه السلام: «أین الذین أخلصوا أعمالهم لله وطهروا قلوبهم بمواضع ذکر الله» ((4)).

وعن علی علیه السلام: «خیر العمل ما صحبه الإخلاص» ((5)).

وعن علی علیه السلام: «آفة العمل ترک الإخلاص» ((6)).

وعن علی علیه السلام: «الإخلاص شیمة أفاضل الناس» ((7)).

وعن علی علیه السلام: «أخلص لله عملک وعلمک وحبک وبغضک وأخذک وترکک وکلامک وصمتک» ((8)).

وعن علی علیه السلام: «سادة أهل الجنة المخلصون» ((9)).

8- الألفة

مسألة: تستحب الألفة، وهی من مصادیق أو مقومات السلم والسلام بالمعنی الأعم.

عن أبی عبد الله علیه السلام قال: قال أمیر المؤمنین علیه السلام: «المؤمن مألوف ولا خیر فیمن لا یألف ولا یؤلف» ((10)).

ص:557


1- غرر الحکم ودرر الکلم: ص155 ق1 ب6 ف4 الإخلاص فی العمل وآثاره ح2895
2- غرر الحکم ودرر الکلم: ص155 ق1 ب6 ف4 الإخلاص فی العمل وآثاره ح2896
3- غرر الحکم ودرر الکلم: ص155 ق1 ب6 ف4 الإخلاص فی العمل وآثاره ح2897
4- غرر الحکم ودرر الکلم: ص155 ق1 ب6 ف4 الإخلاص فی العمل وآثاره ح2898
5- غرر الحکم ودرر الکلم: ص155 ق1 ب6 ف4 الإخلاص فی العمل وآثاره ح2904
6- غرر الحکم ودرر الکلم: ص155 ق1 ب6 ف4 الإخلاص فی العمل وآثاره ح2902
7- غرر الحکم ودرر الکلم: ص197 ق2 ب2 ف7 فی أهمیة الإخلاص ح3892
8- ( [8] )غرر الحکم ودرر الکلم: ص197 ق2 ب2 ف7 فی أهمیة الإخلاص ح3900
9- غرر الحکم ودرر الکلم: ص197 ق2 ب2 ف7 فی أهمیة الإخلاص ح3904
10- الکافی: ج2 ص102 باب حسن الخلق ح17

وقال النبی صلی الله علیه و آله: «أیما امرأة تصدقت علی زوجها بمهرها قبل أن یدخل بها إلا کتب الله لها بکل دینار عتق رقبة». قیل: یا رسول الله فکیف بالهبة بعد الدخول؟ قال صلی الله علیه و آله: «إنما ذلک من المودة والألفة» ((1)).

وقال رسول الله صلی الله علیه و آله: «جاءنی جبرئیل فقال لی: یا أحمد الإسلام عشرة أسهم وقد خاب من لا سهم له فیها، أولها: شهادة أن لا إله إلا الله وهی الکلمة، والثانیة: الصلاة وهی الطهر، والثالثة: الزکاة وهی الفطرة، والرابعة: الصوم وهو الجنة، والخامسة: الحج وهو الشریعة، والسادسة: الجهاد وهو العز، والسابعة: الأمر بالمعروف وهو الوفاء، والثامنة: النهی عن المنکر وهو الحجة، والتاسعة: الجماعة وهی الألفة، والعاشرة: الطاعة وهی العصمة» ((2)).

وعن یحیی بن إبراهیم بن أبی البلاد عن أبیه عن جده أن رجلاً قال لأبی جعفر علیه السلام: إنی لأحب هذا الرجل، فقال ل-ه أبو جعفر علیه السلام: «فأعلمه فإنه أبقی للمودة وخیر فی الألفة» ((3)).

      وعن أمیر المؤمنین علیه السلام قال: «قلوب الرجال وحشیة فمن تألفها أقبلت علیه» ((4)).

وعن أبی جعفر علیه السلام فی حدیث قال: «رحم الله امرئ ألف بین ولیین لنا، یا معشر المؤمنین تآلفوا وتعاطفوا» ((5)).

وعن أمیر المؤمنین علیه السلام قال: «سمعت رسول الله صلی الله علیه و آله یقول: المؤمن غر کریم، والفاجر خب لئیم، وخیر المؤمنین من کان مألفة للمؤمنین، ولا خیر فیمن لا یألف ولایؤلف» ((6)) الخبر.

وعن أبی عبد الله علیه السلام قال: «ما تقول فی الأرواح أنها جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناکر منها اختلف». قال: فقلت: إنا نقول ذلک فإنه کذلک إن الله

ص:558


1- وسائل الشیعة: ج21 ص284 ب26 ح27097
2- علل الشرائع: ج1 ص249 ب182 ح5
3- وسائل الشیعة: ج12 ص54 ب31 ح15628
4- نهج البلاغة: قصار الحکم 50
5- وسائل الشیعة: ج12 ص216 ب124 ح16122
6- مستدرک الوسائل: ج8 ص450 ب88 ح9970

عزوجل أخذ من العباد میثاقهم وهم أظلة قبل المیلاد وهو قوله عزوجل: ]وَإِذْ أَخَذَ رَبّکَ مِن بَنِیَ آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرّیّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَیَ أَنفُسِهِمْ[((1)) إلی آخر الآیة، قال علیه السلام: «فمن أقر ل-ه یومئذ جاءت الألفة هاهنا، ومن أنکره یومئذ جاء خلافه هاهنا» ((2)).

وعن علی علیه السلام: «لا تنقضن سنة صالحة عمل بها واجتمعت الألفة لها وصلحت الرعیة علیها» ((3)).

وعن علی علیه السلام: «ما أقبح القطیعة بعد الصلة، والجفاء بعد الإخاء، والعداوة بعد الصفاء، وزوال الألفة بعد استحکامها» ((4)).

9- الاتحاد

مسألة: الاتحاد مطلوب وهو بین واجب ومستحب، وهو من مصادیق أو مقومات السلم والسلام بالمعنی الأعم.

عن عبد الرحمن بن الحجاج قال: من وصیة أمیر المؤمنین علیه السلام: «بسم الله الرحمن الرحیم، هذا ما أوصی به علی بن أبی طالب أوصی أنه یشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شریک له وأن محمداً عبده ورسوله أرسله بالهدی ودین الحق لیظهره علی الدین کله ولو کره المشرکون صلی الله علیه وآله، ثم إن صلاتی ونسکی ومحیای ومماتی لله رب العالمین لا شریک له وبذلک أمرت وأنا من المسلمین، ثم إنی أوصیک یا حسن وجمیع أهل بیتی وولدی ومن بلغه کتابی بتقوی الله ربکم ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون واعتصموا بحبل الله جمیعا ولا تفرقوا فإنی سمعت رسول الله صلی الله علیه و آله یقول: صلاح ذات البین أفضل من عامة الصلاة والصیام، وأن المبیرة الحالقة للدین فساد ذات البین، ولا قوة إلا بالله العلی العظیم» ((5)).

ص:559


1- سورة الأعراف: 172
2- علل الشرائع: ج1 ص84-85 ب79 ح2
3- غرر الحکم ودرر الکلم: ص344 ق4 ب2 ف5 ح7896
4- غرر الحکم ودرر الکلم: ص414 ق6 ب2 ف1 أهمیتها والتحریض إلیها ح9441
5- بحار الأنوار: ج42 ص248 ب127 ح51

     وعن النبی صلی الله علیه و آله: «المؤمنون متحدون متأزرون متضافرون کأنهم نفس واحدة» ((1)).

وقال رسول الله صلی الله علیه و آله: «مثل المؤمنین فی توادهم وتراحمهم کمثل الجسد إذا اشتکی بعضه تداعی سائره بالسهر والحمی» ((2)).

وقال النبی صلی الله علیه و آله: «المؤمن للمؤمن کالبنیان یشد بعضها بعضاً» ((3)).

وعن النبی صلی الله علیه و آله: «المؤمنون ید واحدة علی من سواهم» ((4)).

وعن مالک بن أعین قال: حرض أمیر المؤمنین علیه السلام الناس بصفین فقال: «إن الله عزوجل قد دلکم علی تجارة تنجیکم من عذاب ألیم وتشفی بکم علی الخیر، الإیمان بالله والجهاد فی سبیل الله، وجعل ثوابه مغفرة للذنب ومساکن طیبة فی جنات عدن وقال عزوجل: )إِنّ اللّهَ یُحِبّ الّذِینَ یُقَاتِلُونَ فِی سَبِیلِهِ صَفّاً کَأَنّهُم بُنْیَانٌ مّرْصُوصٌ(((5)) فسووا صفوفکم کالبنیان المرصوص» ((6)).

وعن أمیر المؤمنین علیه السلام: «المؤمن من أهل الإیمان بمنزلة الرأس من الجسد»((7)).

10- التآلف

مسألة: یستحب التآلف بین المؤمنین، وهو من مصادیق أو مقومات السلم والسلام بالمعنی الأعم.

عن علی علیه السلام: «المؤمن آلف مألوف متعطف» ((8)).

وقال رسول الله صلی الله علیه و آله: «من استفاد أخا فی الله تعالی زوجه الله حوراء» فقالوا: یا رسول الله وإن واخی أحدنا فی الیوم سبعین أخاً؟ قال صلی الله علیه و آله: «إی والذی نفسی بیده

ص:560


1- بحار الأنوار: ج58 ص150 ب43 ضمن ح30
2- بحار الأنوار: ج58 ص150 ب43 ح29
3- جامع الأخبار: ص85 ف41
4- بحار الأنوار: ج58 ص150 ب43 ضمن ح30
5- سورة الصف: 4
6- وسائل الشیعة: ج15 ص95 ب34 ح20057
7- جامع الأخبار: ص85 ف41
8- غرر الحکم ودرر الکلم: ص413 ق6 ب2 ف1 أهمیتها والتحریض إلیها ح9411

لو آخی ألفاً لزوجه الله تعالی ألفاً» ((1)).

وعن أمیر المؤمنین علیه السلام أنه قال: «طوبی لمن یألف الناس ویألفونه علی طاعة الله» ((2)).

وعن رسول الله صلی الله علیه و آله: «أفاضلکم أحسنکم أخلاقاً، الموطئون أکنافاً، الذین یألفون ویؤلفون وتوطأ رحالهم» ((3)).

11- التعاطف

مسألة: یستحب التعاطف، وأن یکون الإنسان عطوفا، وهو من مصادیق أو مقومات السلم والسلام بالمعنی الأعم.

عن رسول الله صلی الله علیه و آله أنه رأی لیلة الإسراء هذه الکلمات مکتوبة علی الباب الثانی من الجنة: «لا إله إلا الله محمد رسول الله، علی ولی الله، لکل شیء حیلة وحیلة السرور فی الآخرة أربع خصال: مسح رأس الیتامی، والتعطف علی الأرامل، والسعی فی حوائج المؤمنین، وتعهد الفقراء والمساکین» ((4)).

وعن سماعة عنه علیه السلام فی حدیث أنه قال: «ویحق علی المسلمین الاجتهاد والتواصل علی التعطف والمواساة لأهل الحاجة والتعطف منکم یکونون علی أمر الله رحماء بینهم متراحمین مهمین لما غاب عنهم من أمرهم علی ما مضی علیه الأنصار علی عهد رسول الله صلی الله علیه و آله» ((5)).

وعن علی علیه السلام قال - فی أمر الأمراء بالعدل فی رعایاهم -: «أشعر قلبک الرحمة لرعیتک والمحبة لهم والتعطف علیهم والإحسان إلیهم،ولا تکونن علیهم سبعاً تغتنم زللهم وعثراتهم، فإنهم إخوانک فی النسبة ونظراؤک فی الحق» ((6)).

ص:561


1- مستدرک الوسائل: ج8 ص322 ب7 ح9554
2- تحف العقول: ص217 وروی عنه علیه السلام فی قصار هذه المعانی
3- الکافی: ج2 ص102 باب حسن الخلق ح16
4- بحار الأنوار: ج8 ص144 ب23 ح67
5- مستدرک الوسائل: ج9 ص54 ب107 ح10180
6- مستدرک الوسائل: ج13 ص146 ب42 ح15018

وعن کمیل بن زیاد قال: قال لی علی علیه السلام: «یا کمیل حسن خلق المؤمن التواضع، وجماله التعطف، وشرفه الشفقة، وعزه ترک القال والقیل» ((1)).

وعن الإمام الرضا علیه السلام أنه کتب إلیه فیما کتب من جواب مسائله: «وعلة الزکاة من أجل قوت الفقراء، وتحصین أموال الأغنیاء، لأن الله تبارک وتعالی کلف أهل الصحة القیام بشأن أهل الزمانة والبلوی کما قال الله تعالی: )لَتُبْلَوُنّ فِیَ أَمْوَالِکُمْ وَأَنْفُسِکُمْ(((2)) فی أموالکم إخراج الزکاة، وفی أنفسکم توطین الأنفس علی الصبر، مع ما فی ذلک من أداء شکر نعم الله عزوجل والطمع فی الزیادة مع ما فیه من الرأفة والرحمة لأهل الضعف والعطف علی أهل المسکنة والحث لهم علی المواساة وتقویة الفقراء والمعونة علی أمر الدین، وهم عظة لأهل الغنی وعبرة لهم لیستدلوا علی فقر الآخرة بهم، وما لهم من الحث فی ذلک علی الشکر لله تبارک وتعالی لما خولهم وأعطاهم، والدعاء والتضرع والخوف من أن یصیروا مثلهم فی أمور کثیرة فی أداء الزکاة والصدقات وصلة الأرحام واصطناع المعروف» ((3)).

وعن الإمام الکاظم الأمین أبی إبراهیم ویکنی أبا الحسن موسی بن جعفر علیه السلام فی طوال هذه المعانی (فی وصیته علیه السلام لهشام وصفته للعقل) «... وکان أمیر المؤمنین علیه السلام یوصی أصحابه یقول: أوصیکم بالخشیة من الله فی السر والعلانیة، والعدل فی الرضا والغضب، والاکتساب فی الفقر والغنی، وأن تصلوا من قطعکم، وتعفوا عمن ظلمکم، وتعطفوا علی من حرمکم، ولیکن نظرکم عبراً، وصمتکم فکراً، وقولکم ذکراً» ((4)).

وعن أبی عبد الله الصادق علیه السلام قال: «کان عیسی ابن مریم علیه السلام یقول لأصحابه: یا بنی آدم اهربوا من الدنیا إلی الله، وأخرجوا قلوبکم عنها، فإنکم لاتصلحون لها ولا تصلح لکم، ولا تبقون فیها ولا تبقی لکم، هی الخداعة

ص:562


1- بشارة المصطفی: ص25-26
2- سورة آل عمران: 186
3- عیون أخبار الرضا علیه السلام : ج2 ص89-90 ب33 ح1
4- تحف العقول: ص390 وصیته علیه السلام لهشام وصفته للعقل

الفجاعة، المغرور من اغتر بها، المغبون من اطمأن إلیها، الهالک من أحبها وأرادها، فتوبوا إلی بارئکم واتقوا ربکم، واخشوا یوماً لا یجزی والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شیئاً، أین آباؤکم أین أمهاتکم أین إخوتکم أین أخواتکم أین أولادکم؟ دعوا فأجابوا، واستودعوا الثری، وجاوروا الموتی، وصاروا فی الهلکی، خرجوا عن الدنیا وفارقوا الأحبة واحتاجوا إلی ما قدموا واستغنوا عما خلفوا، فکم توعظون وکم تزجرون وأنتم لاهون ساهون، مثلکم فی الدنیا مثل البهائم همتکم بطونکم وفروجکم، أما تستحیون ممن خلقکم وقد أوعد من عصاه النار، ولستم ممن یقوی علی النار، ووعد من أطاعه الجنة ومجاورته فی الفردوس الأعلی فتنافسوا فیه وکونوا من أهله، وأنصفوا من أنفسکم، وتعطفوا علی ضعفائکم وأهل الحاجة منکم، وتوبوا إلی الله توبة نصوحاً،وکونوا عبیدا أبراراً، ولا تکونوا ملوکاً جبابرة، ولا من العتاة الفراعنة، المتمردین علی من قهرهم بالموت جبار الجبابرة رب السماوات ورب الأرضین وإله الأولین والآخرین، مالک یوم الدین، شدید العقاب، ألیم العذاب، لاینجو منه ظالم، ولا یفوته شیء، ولا یعزب عنه شیء، ولا یتواری منه شیء، أحصی کل شی ء علمه وأنزله منزلته فی جنة أو نار، ابن آدم الضعیف أین یهرب من یطلبک فی سواد لیلک وبیاض نهارک وفی کل حال من حالاتک، قد أبلغ من وعظ، وأفلح من اتعظ» ((1)).

وعن أبی عبد الله علیه السلام قال: «تزاوروا فإن فی زیارتکم إحیاء لقلوبکم وذکراً لأحادیثنا، وأحادیثنا تعطف بعضکم علی بعض، فإن أخذتم بها رشدتم ونجوتم، وإن ترکتموها ضللتم وهلکتم، فخذوا بها وأنا بنجاتکم زعیم» ((2)).

وعن أبی جعفر وأبی عبد الله 3 قال: «إن الله خلق محمداً من طینة من جوهرة تحت العرش، وإنه کان لطینته نضح فجبل طینة أمیر المؤمنین علیه السلام من نضح طینة رسول الله صلی الله علیه و آله، وکان لطینة أمیر المؤمنین علیه السلام نضح فجبل طینتنا من فضل طینة أمیر المؤمنین علیه السلام، وکان لطینتنا نضح فجبل طینة شیعتنا من نضح طینتنا،

ص:563


1- الأمالی للصدوق: ص555-556 المجلس82 ح12
2- الکافی: ج2 ص186 باب تذاکر الإخوان ح2

فقلوبهم تحن إلینا وقلوبنا تعطف علیهم تعطف الوالد علی الولد، ونحن خیر لهم وهم خیر لنا، ورسول الله صلی الله علیه و آله لنا خیر ونحن له خیر» ((1)).

12- التواضع

مسألة: یستحب التواضع، وهو من مصادیق أو مقومات السلم والسلام بالمعنی الأعم.

عن هشام بن الحکم قال: قال لی أبو الحسن موسی بن جعفر علیه السلام: «یا هشام إن الله تبارک وتعالی بشر أهل العقل والفهم فی کتابه فقال: )فَبَشّرْ عِبَادِ * الّذِینَ یَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَیَ-تّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَ-َئِکَ الّذِینَ هَدَاهُمُ اللّهُ وَأُوْلَ-َئِکَ هُمْ أُوْلُو الألْبَابِ(((2)) - إلی أن قال -: یا هشام إن لقمان قال لابنه: تواضع للحق تکن أعقل الناس، وإن الکیس لدی الحق یسیر، یا بنی إن الدنیا بحر عمیق قد غرق فیها عالم کثیر فلتکن سفینتک فیها تقوی الله وحشوها الإیمان وشراعها التوکل وقیمها العقل ودلیلها العلم وسکانها الصبر، یا هشام إن لکل شیء دلیلاً ودلیل العقل التفکر، ودلیل التفکر الصمت، ولکل شیء مطیة ومطیة العقل التواضع، وکفی بک جهلاً أن ترکب ما نهیت عنه...

یا هشام کان أمیر المؤمنین علیه السلام یقول: ما عبد الله بشیء أفضل من العقل، وما تم عقل امرئ حتی یکون فیه خصال شتی: الکفر والشر منه مأمونان، والرشد والخیر منه مأمولان، وفضل ماله مبذول، وفضل قوله مکفوف، ونصیبه من الدنیا القوت، لایشبع من العلم دهره، الذل أحب إلیه مع الله من العز مع غیره، والتواضع أحب إلیه من الشرف، یستکثر قلیل المعروف من غیره، ویستقل کثیر المعروف من نفسه، ویری الناس کلهم خیراً منه، وأنه شرهم فی نفسه وهو تمام الأمر» ((3)).

وعن أبی بصیر قال: سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول: «کان أمیر المؤمنین علیه السلام

ص:564


1- بصائر الدرجات: ص14 ب9 ح1
2- سورة الزمر: 17-18
3- الکافی: ج1 ص13-19 کتاب العقل والجهل ح12

یقول: یا طالب العلم إن العلم ذو فضائل کثیرة، فرأسه التواضع، وعینه البراءة من الحسد، وأذنه الفهم، ولسانه الصدق، وحفظه الفحص، وقلبه حسن النیة، وعقله معرفة الأسباب والأمور، ویده الرحمة، ورجله زیارة العلماء، وهمته السلامة، وحکمته الورع، ومستقره النجاة، وقائده العافیة، ومرکبه الوفاء، وسلاحه لین الکلمة، وسیفه الرضا، وقوسه المداراة، وجیشه محاورة العلماء، وماله الأدب، وذخیرته اجتناب الذنوب، ورداءه المعروف، ومأواه الموادعة، ودلیله الهدی، ورفیقه محبة الأخیار» ((1)).

وعن إسماعیل الجعفی قال: دخل رجل علی أبی جعفر محمد بن علی علیه السلام ومعه صحیفة فیها مسائل شبه الخصومة فقال ل-ه أبو جعفر علیه السلام: «هذه صحیفة مخاصم علی الدین الذی یقبل الله فیه العمل». فقال: رحمک الله هذا الذی أرید، فقال أبو جعفر علیه السلام: «اشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شریک ل-ه وأن محمداً صلی الله علیه و آله عبده ورسوله وتقر بما جاء من عند الله والولایة لنا أهل البیت والبراءة من عدونا والتسلیم لنا، والتواضع والطمأنینة وانتظار أمرنا فإن لنا دولة إذا شاء الله جاء بها» ((2)).

وعن أبی عبد الله علیه السلام قال: «أرسل النجاشی إلی جعفر بن أبی طالب علیه السلام وأصحابه فدخلوا علیه وهو فی بیت ل-ه جالس علی التراب وعلیه خلقان الثیاب قال علیه السلام: فقال جعفر علیه السلام: فأشفقنا منه حین رأیناه علی تلک الحال فلما رأی ما بنا وتغیر وجوهنا قال: الحمد لله الذی نصر محمداً وأقر عینه ألا أبشرکم؟ فقلت: بلی أیها الملک، فقال: إنه جاءنی الساعة من نحو أرضکم عین من عیونی هناک فأخبرنی أن الله عزوجل قد نصر نبیه محمداً صلی الله علیه و آله وأهلک عدوه وأسر فلان وفلان وفلان التقوا بواد یقال له بدر کثیر الأراک لکأنی أنظر إلیه حیث کنت أرعی لسیدی هناک وهو رجل من بنی ضمرة، فقال ل-ه جعفر: أیها الملک فما لی أراک جالساً علی التراب وعلیک هذه الخلقان فقال ل-ه: یا جعفر إنا نجد فیما أنزل الله علی عیسی علیه السلام أن من حق الله علی عباده أن یحدثوا ل-ه تواضعاً عند ما یحدث لهم من نعمة فلما أحدث الله عزوجل

ص:565


1- منیة المرید: ص148 ب1 ق1 الأمر الثانی
2- بحار الأنوار: ج66 ص2 ب28 ح2

لی نعمة بمحمد صلی الله علیه و آله أحدثت لله هذا التواضع، فلما بلغ النبی صلی الله علیه و آله قال لأصحابه: إن الصدقة تزید صاحبها کثرة فتصدقوا یرحمکم الله، وإن التواضع یزید صاحبه رفعة فتواضعوا یرفعکم الله، وإن العفو یزید صاحبه عزاً فاعفوا یعزکم الله» ((1)).

وعن أبی عبد الله علیه السلام قال: «من التواضع أن ترضی بالمجلس دون المجلس، وأن تسلم علی من تلقی، وأن تترک المراء وإن کنت محقاً، ولا تحب أن تحمد علی

التقوی» ((2)).

وعن أبی عبد الله علیه السلام قال: «إن من التواضع أن یجلس الرجل دون شرفه»((3)).

وعن أبی الحسن الرضا علیه السلام قال: «التواضع أن تعطی الناس ما تحب أن تعطاه» - وفی حدیث آخر - قال: قلت: ما حد التواضع الذی إذا فعله العبد کان متواضعاً؟ فقال: «التواضع درجات منها أن یعرف المرء قدر نفسه فینزلها منزلتها بقلب سلیم، لایحب أن یأتی إلی أحد إلا مثل ما یؤتی إلیه، إن رأی سیئة درأها بالحسنة، کاظم الغیظ، عاف عن الناس، والله یحب المحسنین» ((4)).

وعن أبی عبد الله علیه السلام قال: «من التواضع أن تسلم علی من لقیت» ((5)).

وعن الرضا علیه السلام قال: «من خرج فی حاجة ومسح وجهه بماء الورد لم یرهق وجهه قتر ولا ذلة، ومن شرب من سؤر أخیه المؤمن یرید به التواضع أدخله الله الجنة البتة، ومن تبسم فی وجه أخیه المؤمن کتب الله له حسنة، ومن کتب الله له حسنة لم یعذبه» ((6)).

وعن صفوان الجمال قال: سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول: «إن الله فضل الأرضین والمیاه بعضها علی بعض فمنها ما تفاخرت ومنها ما بغت، فما من أرض ولا ماء إلا عوقبت لترک التواضع لله حتی سلط الله علی الکعبة المشرکین وأرسل إلی زمزم

ص:566


1- الکافی: ج2 ص121 باب التواضع ح1
2- تنبیه الخواطر ونزهة النواظر: ج2 ص191
3- وسائل الشیعة: ج12 ص108 ب75 ح15778
4- الکافی: ج2 ص124 باب التواضع ح13
5- مستدرک الوسائل: ج8 ص357 ب31 ضمن ح9656
6- مصادقة الإخوان: ص52 باب ثواب التبسم فی وجوه الإخوان

ماء مالحاً فأفسد طعمه، وإن کربلاء وماء الفرات أول أرض وأول ماء قدس الله وبارک علیه فقال لها: تکلمی بما فضلک الله، فقالت: أنا أرض الله المقدسة المبارکة الشفاء فی تربتی ومائی ولا فخر، بل خاضعة ذلیلة لمن فعل بی ذلک ولا فخر علی من دونی بل شکراً لله، فأکرمها وزادها بتواضعها وشکرها لله بالحسین علیه السلام وأصحابه - ثم قال أبو عبد الله علیه السلام -: من تواضع لله رفعه الله ومن تکبر وضعه الله» ((1)).

وعن أبی عبد الله علیه السلام قال: سمعته یقول: «إن فی السماء ملکین موکلین بالعباد فمن تواضع لله رفعاه ومن تکبر وضعاه» ((2)).

وعن أبی عبد الله علیه السلام قال: «فیما أوحی الله عزوجل إلی داود علیه السلام یا داود کما أن أقرب الناس من الله المتواضعون کذلک أبعد الناس من الله المتکبرون» ((3)).

وعن الحسن بن الجهم قال: سألت الرضا علیه السلام فقلت ل-ه: جعلت فداک ما حد التوکل؟ فقال لی: «أن لا تخاف مع الله أحداً». قال: قلت: جعلت فداک فما حد التواضع؟ فقال علیه السلام: «أن تعطی الناس من نفسک ما تحب أن یعطوک مثله». قلت: جعلت فداک أشتهی أن أعلم کیف أنا عندک؟ فقال علیه السلام: «انظر کیف أنا عندک» ((4)).

وعن معاویة بن وهب قال: سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول: «اطلبوا العلم وتزینوا معه بالحلم والوقار وتواضعوا لمن تعلمونه العلم وتواضعوا لمن طلبتم منه العلم ولا تکونوا علماء جبارین فیذهب باطلکم بحقکم» ((5)).

وعن محمد بن سنان رفعه قال: «قال عیسی بن مریم علیه السلام للحواریین: لی إلیکم حاجة اقضوها لی، فقالوا: قضیت حاجتک یا روح الله، فقام فغسل أقدامهم فقالوا: کنا أحق بهذا منک، فقال علیه السلام: إن أحق الناس بالخدمة العالم، إنما تواضعت هکذا لکیما تتواضعوا بعدی فی الناس کتواضعی لکم - ثم قال عیسی علیه السلام -: بالتواضع

ص:567


1- وسائل الشیعة: ج14 ص515-516 ب68 ح19722
2- مستدرک الوسائل: ج11 ص296 ب28 ح13080
3- الکافی: ج2 ص123-124 باب التواضع ح11
4- الأمالی للصدوق: ص240 المجلس42 ح8
5- منیة المرید: ص162 ب1 ق1 الأمر الرابع

تعمر الحکمة لا بالتکبر، وکذلک فی السهل ینبت الزرع لا فی الجبل» ((1)).

وعن أبی عبد الله علیه السلام قال: «أفطر رسول الله صلی الله علیه و آله عشیة خمیس فی مسجد قبا فقال: هل من شراب، فأتاه أوس بن خولی الأنصاری بعس مخلط بعسل فلما وضعه علی فیه نحاه ثم قال صلی الله علیه و آله: شرابان یکتفی بأحدهما عن صاحبه لا أشربه ولا أحرمه - ثم قال -: ولکن أتواضع لله فإنه من تواضع لله رفعه الله، ومن تکبر خفضه الله، ومن اقتصد فی معیشته رزقه الله، ومن بذر حرمه الله، ومن أکثر ذکر الموت أحبه الله، ومن أکثر ذکر الله أظله الله فی جنته» ((2)).

وعن علی علیه السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «لا حسب إلا التواضع، ولا کرم إلا التقوی، ولا عمل إلا بنیة» ((3)).

وعن علی علیه السلام أنه أوصی مخنف بن سلیم الأزدی وقد بعثه علی الصدقة بوصیة طویلة أمره فیها: «بتقوی الله ربه فی سرائر أموره وخفیات أعماله وأن یلقاهم ببسط الوجه ولین الجانب وأمره أن یلزم التواضع ویجتنب التکبر فإن الله یرفع المتواضعین ویضع المتکبرین» ((4)).

وعن النبی صلی الله علیه و آله قال: «لا تجلسوا إلا عند کل عالم یدعوکم من خمس إلی خمس: من الشک إلی الیقین ومن الریاء إلی الإخلاص ومن الرغبة إلی الرهبة ومن الکبر إلی التواضع ومن الغش إلی النصیحة» ((5)).

وفی تفسیر العسکری علیه السلام قال: «أعرف الناس بحقوق إخوانه وأشدهم قضاء لها أعظمهم عند الله شأناً، ومن تواضع فی الدنیا لإخوانه فهو عند الله من الصدیقین ومن شیعة علی بن أبی طالب علیه السلام حقاً» ((6)).

ص:568


1- وسائل الشیعة: ج15 ص276 ب30 ح20504
2- تنبیه الخواطر ونزهة النواظر: ج2 ص190
3- الأمالی للطوسی: ص590 المجلس25 ح1223
4- دعائم الإسلام: ج1 ص252 ذکر زکاة المواشی
5- أعلام الدین: ص272 فصل من کلام سیدنا رسول الله صلی الله علیه و آله
6- تفسیر الإمام العسکری علیه السلام : ص325 التواضع وفضل خدمة الضیف ح173

وعن الصادق علیه السلام قال: «کمال العقل فی ثلاثة: التواضع لله وحسن الیقین والصمت إلا من خیر» ((1)).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: «بالتواضع تتم النعمة» ((2)).

وقال علیه السلام: «ما أحسن تواضع الأغنیاء للفقراء طلباً لما عند الله، وأحسن منه تیه الفقراء علی الأغنیاء اتکالاً علی الله» ((3)).

وعن علی بن الحسین علیه السلام قال: «لا حسب لقرشی ولا عربی إلا بتواضع»((4)).

وقال الصادق علیه السلام: «التواضع أصل کل شرف نفیس ومرتبة رفیعة، ولو کان للتواضع لغة یفهمها الخلق لنطق عن حقائق ما فی مخفیات العواقب، والتواضع ما یکون لله وفی الله وما سواه مکر، ومن تواضع لله شرفه الله علی کثیر من عباده، ولأهل التواضع سیماء یعرفها أهل السماوات من الملائکة وأهل الأرضین من العارفین، قال الله تعالی: )وَعَلَی الأعْرَافِ رِجَالٌ یَعْرِفُونَ کُلاّ بِسِیمَاهُمْ(((5))، وقال تعالی أیضاً: )مَن یَرْتَدّ مِنکُمْ عَن دِینِهِ فَسَوْفَ یَأْتِی اللّهُ بِقَوْمٍ یُحِبّهُمْ وَیُحِبّونَهُ أَذِلّةٍ عَلَی الْمُؤْمِنِینَ أَعِزّةٍ عَلَی الْکَافِرِینَ(((6))، وقال تعالی أیضاً: )إِنّ أَکْرَمَکُمْ عَندَ اللّهِ أَتْقَاکُمْ(((7))، وقال تعالی: )فَلاَ تُزَکّوَاْ أَنفُسَکُمْ(((8))، وأصل التواضع من جلال الله وهیبته وعظمته، ولیس لله عزوجل عبادة یرضاها ویقبلها إلا وبابها التواضع، ولا یعرف ما فی معنی حقیقة التواضع إلا المقربون من عباده المتصلین بوحدانیته قال الله عزوجل: )وَعِبَادُ الرّحْمَ-َنِ الّذِینَ یَمْشُونَ عَلَیَ الأرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُواْ سَلاَماً(((9)) وقد أمر الله عزوجل أعز خلقه وسید بریته محمداً صلی الله علیه و آله

ص:569


1- الاختصاص: ص244 حدیث فی زیارة المؤمن لله
2- نهج البلاغة: قصار الحکم 224
3- بحار الأنوار: ج72 ص123 ب51 ح21
4- الخصال: ج1 ص18 لا حسب إلا بخصلة ح62
5- سورة الأعراف: 46
6- سورة المائدة: 54
7- سورة الحجرات: 13
8- سورة النجم: 32
9- سورة الفرقان: 63

بالتواضع فقال عزوجل: )وَاخْفِضْ جَنَاحَکَ لِمَنِ اتّبَعَکَ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ(((1)) والتواضع مزرعة الخشوع والخضوع والخشیة والحیاء، وإنهن لا یتبین إلا منها وفیها ولا یسلم الشرف التام الحقیقی إلا للمتواضع فی ذات الله تعالی» ((2)).

وعن هشام بن الحکم عن الکاظم علیه السلام أنه قال فی الإنجیل: «طوبی للمتراحمین أولئک هم المرحومون یوم القیامة - إلی أن قال -: طوبی للمتواضعین فی الدنیا أولئک یرتقون منابر الملک یوم القیامة» ((3)).

وعن أمیر المؤمنین علیه السلام قال:

        «واجعل فؤادک للتواضع من-زلاً        إن التواضع بالشریف جمیل» ((4)).

وعن الصادق علیه السلام قال: «ورأس الحزم التواضع» ((5)).

وعن النبی صلی الله علیه و آله قال: «طوبی لمن تواضع فی غیر منقصة، وأذل نفسه فی غیر مسکنة، وأنفق مالاً جمعه فی غیر معصیة» ((6)).

13- الحلم

مسألة: یستحب الحلم، وهو من مصادیق أو مقومات السلم والسلام بالمعنی الأعم.

عن أبی عبد الله علیه السلام قال: «کان أمیر المؤمنین علیه السلام یقول: یا طالب العلم إن للعالم ثلاث علامات: العلم والحلم والصمت، وللمتکلف ثلاث علامات: ینازع من فوقه بالمعصیة، ویظلم من دونه بالغلبة، ویظاهر الظلمة» ((7)).

وقال رسول الله صلی الله علیه و آله: «نعم وزیر الإیمان العلم، ونعم وزیر العلم الحلم، ونعم

ص:570


1- سورة الشعراء: 215
2- مصباح الشریعة: ص72-74 ب32
3- مستدرک الوسائل: ج11 ص299 ب28 ح13088
4- دیوان الإمام علی علیه السلام : ص318 إرشاد نفس به صفات عالیة
5- مستدرک الوسائل: ج11 ص300 ب28 ح13094
6- تنبیه الخواطر ونزهة النواظر: ج2 ص65
7- الکافی: ج1 ص37 باب صفة العلماء ح7

وزیر الحلم الرفق، ونعم وزیر الرفق الصبر» ((1)).

وعن أبی عبد الله علیه السلام قال: «إن الله عز وجل وضع الإیمان علی سبعة أسهم: علی البر والصدق والیقین والرضا والوفاء والعلم والحلم» ((2)) الحدیث.

وعن أبی عبد الله علیه السلام قال: «ینبغی للمؤمن أن یکون فیه ثمان خصال: وقوراً عند الهزاهز، صبوراً عند البلاء، شکوراً عند الرخاء، قانعاً بما رزقه الله، لا یظلم الأعداء، ولا یتحامل للأصدقاء، بدنه منه فی تعب والناس منه فی راحة، إن العلم خلیل المؤمن، والحلم وزیره، والعقل أمیر جنوده، والرفق أخوه، والبر والده» ((3)).

وعن أبی عبد الله علیه السلام قال: «إنا لنحب من کان عاقلاً فهماً فقیهاً حلیماً مداریاً صبوراً صدوقاً وفیاً، إن الله خص الأنبیاء بمکارم الأخلاق فمن کان فیه فلیحمد الله علی ذلک ومن لم یکن فیه فلیفزع إلی الله ولیسأله إیاها». قال: قلت: جعلت فداک ما هی؟ قال علیه السلام: «الورع والقناعة والصبر والشکر والحلم والحیاء والسخاء والشجاعة والغیرة وصدق الحدیث والبر وأداء الأمانة» ((4)).

وعن الرضا علیه السلام یقول: «لا یکون الرجل عابداً حتی یکون حلیماً، وإن الرجل کان إذا تعبد فی بنی إسرائیل لم یعد عابداً حتی یصمت قبل ذلک عشر سنین» ((5)).

وعن أبی حمزة قال: «المؤمن خلط عمله بالحلم، یجلس لیعلم، وینطق لیفهم، لا یحدث أمانته الأصدقاء، ولا یکتم شهادته الأعداء، ولا یفعل شیئاً من الحق ریاء، ولا یترکه حیاء، إن زکی خاف مما یقولون، واستغفر الله مما لا یعلمون، لا یغره قول من جهله، ویخشی إحصاء ما قد عمله» ((6)).

وعن أبی جعفر علیه السلام قال: «کان علی بن الحسین علیه السلام یقول: إنه لیعجبنی

ص:571


1- الکافی: ج1 ص48 باب النوادر ح3
2- بحار الأنوار: ج66 ص159 ب32 ح1
3- وسائل الشیعة: ج15 ص185 ب4 ح20235
4- التمحیص: ص68 ب9 ح162
5- بحار الأنوار: ج68 ص403 ب93 ح12
6- الکافی: ج2 ص111 باب الحلم ح2

الرجل أن یدرکه حلمه عند غضبه» ((1)).

وعن أبی جعفر علیه السلام قال: «إن الله عزوجل یحب الحیی الحلیم» ((2)).

وقال رسول الله صلی الله علیه و آله: «ما أعز الله بجهل قط ولا أذل بحلم قط» ((3)).

وقال أبو عبد الله علیه السلام: «کفی بالحلم ناصراً»، وقال: «إذا لم تکن حلیماً فتحلم» ((4)).

وعن یزید بن عبد الله عمن حدثه قال: کتب أبو جعفر علیه السلام إلی سعد الخیر: «بسم الله الرحمن الرحیم أما بعد، فإنی أوصیک بتقوی الله فإن فیها السلامة من التلف والغنیمة فی المنقلب - إلی أن قال -: ثم اعلم أن إخوان الثقة ذخائر بعضهم لبعض، ولولا أن تذهب بک الظنون عنی لجلیت لک عن أشیاء من الحق غطیتها، ولنشرت لک أشیاء من الحق کتمتها، ولکنی أتقیک وأستبقیک، ولیس الحلیم الذی لا یتقی أحداً فی مکان التقوی، والحلم لباس العالم فلا تعرین منه والسلام» ((5)).

وعن أبی عبد الله علیه السلام قال: «من زی الإیمان الفقه، ومن زی الفقه الحلم، ومن زی الحلم الرفق، ومن زی الرفق اللین، ومن زی اللین السهولة» ((6)).

وقال النبی صلی الله علیه و آله:«...الحلم یغلب الغضب، والرحمة تغلب السخط، والصدقة تغلب الخطیئة» ((7)).

وقال أبو عبد الله علیه السلام: «لا تمارین حلیماً ولا سفیهاً، فإن الحلیم یقلیک والسفیه یؤذیک» ((8)).

وعن أبی عبد الله علیه السلام قال: «إذا وقع بین رجلین منازعة نزل ملکان فیقولان

ص:572


1- وسائل الشیعة: ج15 ص265-266 ب26 ح20464
2- مشکاة الأنوار: ص216 ف11
3- الکافی: ج2 ص112 باب الحلم ح5
4- بحار الأنوار: ج68 ص404 ب93 ح16
5- الکافی: ج8 ص55 رسالة أبی جعفر علیه السلام إلی سعد الخیر ح16
6- الأمالی للطوسی: ص189 المجلس7 ح318
7- تحف العقول: ص24 ومن حکمه صلی الله علیه و آله وکلامه
8- وسائل الشیعة: ج12 ص236 ب135 ح16183

للسفیه منهما: قلت وقلت وأنت أهل لما قلت ستجزی بما قلت، ویقولان للحلیم منهما: صبرت وحلمت سیغفر لک إن أتممت ذلک، وإن رد الحلیم علیه ارتفع الملکان» ((1)).

وعن أمیر المؤمنین علیه السلام أنه قال: «أول عوض الحلیم من حلمه أن الناس أنصاره علی الجاهل» ((2)).

وعن موسی بن جعفر علیه السلام عن آبائه 3 فی أسئلة الشیخ الشامی عن أمیر المؤمنین علیه السلام قال: فأی الخلق أقوی؟ قال علیه السلام: «الحلیم» ((3)).

14- الحنان

مسألة: یستحب الحنان، وهو من مصادیق أو مقومات السلم والسلام بالمعنی الأعم.

قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «حسن مع جمیع الناس خلقک حتی إذا غبت حنوا إلیک، وإذا مت بکوا علیک»((4)).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: «خالطوا الناس مخالطة إن متم بکوا علیکم، وإن غبتم حنوا إلیکم»((5)).

وقال علی بن الحسین علیه السلام: «قلوب المؤمنین تحن إلی ما خلقوا منه»((6)).

وقال الإمام موسی بن جعفر علیه السلام: «إن خواتیم أعمالکم قضاء حوائج إخوانکم والإحسان إلیهم ما قدرتم، وإلا لم یقبل منکم عمل، حنوا علی إخوانکم وارحموهم تلحقوا بنا»((7)).

ص:573


1- وسائل الشیعة: ج15 ص267 ب26 ح20470
2- نهج البلاغة: قصار الحکم 206
3- من لا یحضره الفقیه: ج4 ص383 ومن ألفاظ رسول الله صلی الله علیه و آله الموجزة ح5833
4- من لا یحضره الفقیه: ج4 ص384 ومن ألفاظ رسول الله صلی الله علیه و آله الموجزة ح5834
5- وسائل الشیعة: ج12 ص12-13 ب2 ح15514
6- انظر الکافی: ج2 ص2 باب طینة المؤمن والکافر ح1
7- بحار الأنوار: ج72 ص379 ب82 ح43

ومن أسماء الله عزوجل: (الحنان المنان) ((1)).

وکانت (حنة) امرأة عمران و(حنانة) امرأة زکریا ((2)).

15- الحیاء

مسألة: یستحب الحیاء وقد یجب، وهو من مصادیق السلم والسلام بالمعنی الأعم.

عن علی علیه السلام قال: «هبط جبرئیل علی آدم فقال: یا آدم إنی أمرت أن أخیرک واحدة من ثلاث فاختر واحدة ودع اثنتین، فقال ل-ه آدم: وما الثلاث یا جبرئیل؟ فقال: العقل والحیاء والدین، قال آدم: فإنی قد اخترت العقل، فقال جبرئیل: للحیاء والدین انصرفا ودعاه، فقالا: یا جبرئیل إنا أمرنا أن نکون مع العقل حیث کان، قال: فشأنکما، وعرج» ((3)).

وعن أبی عبد الله علیه السلام فی خطبة ل-ه خاصة یذکر فیها حال النبی صلی الله علیه و آله والأئمة علیهم السلام وصفاتهم: «فلم یمنع ربنا لحلمه وأناته وعطفه ما کان من عظیم جرمهم وقبیح أفعالهم أن انتجب لهم أحب أنبیائه إلیه وأکرمهم علیه محمد بن عبد الله صلی الله علیه و آله فی حومة العز مولده، وفی دومة الکرم محتده، غیر مشوب حسبه، ولا ممزوج نسبه، ولا مجهول عند أهل العلم صفته، بشرت به الأنبیاء فی کتبها، ونطقت به العلماء بنعتها، وتأملته الحکماء بوصفها، مهذب لا یدانی، هاشمی لا یوازی، أبطحی لا یسامی، شیمته الحیاء، وطبیعته السخاء، مجبول علی أوقار النبوة وأخلاقها... »((4)).

وقال رسول الله صلی الله علیه و آله: «الإسلام عریان، فلباسه الحیاء، وزینته الوفاء، ومروءته العمل الصالح، وعماده الورع، ولکل شیء أساس، وأساس الإسلام حبنا أهل البیت» ((5)).

ص:574


1- مصباح الکفعمی: ص282 ف29
2- قصص الأنبیاء للراوندی: ص214 ب13 ف1 ح278
3- الأمالی للصدوق: ص672 المجلس96 ح3
4- بحار الأنوار: ج16 ص396 ب11 ح80
5- المحاسن: ج1 ص286 ب46 ح427

وعن أبی عبد الله علیه السلام قال: «المکارم عشر فإن استطعت أن تکون فیک فلتکن، فإنها تکون فی الرجل ولا تکون فی ولده وتکون فی الولد ولا تکون فی أبیه، وتکون فی العبد ولا تکون فی الحر: صدق البأس، وصدق اللسان، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وإقراء الضیف، وإطعام السائل، والمکافأة علی الصنائع، والتذمم للجار، والتذمم للصاحب، ورأسهن الحیاء» ((1)).

وعن أبی عبد الله علیه السلام قال: «الحیاء من الإیمان، والإیمان فی الجنة» ((2)).

وقال علیه السلام: «الحیاء والعفاف والعی - أعنی عی اللسان لا عی القلب - من الإیمان» ((3)).

وعن معاذ بن کثیر عن أحدهما 3 قال: «الحیاء والإیمان مقرونان فی قرن، فإذا ذهب أحدهما تبعه صاحبه» ((4)).

وعن أبی عبد الله علیه السلام قال: «لا إیمان لمن لا حیاء له» ((5)).

وقال رسول الله صلی الله علیه و آله: «الحیاء حیاءان: حیاء عقل وحیاء حمق، فحیاء العقل هو العلم، وحیاء الحمق هو الجهل» ((6)).

وعن علی بن أسباط رفعه إلی سلمان قال: «إذا أراد الله عزوجل هلاک عبد نزع منه الحیاء، فإذا نزع منه الحیاء لم تلقه إلا خائناً مخوناً، فإذا کان خائناً مخوناً نزعت منه الأمانة، فإذا نزعت منه الأمانة لم تلقه إلا فظاً غلیظاً، فإذا کان فظاً غلیظاً نزعت منه ربقة الإیمان، فإذا نزعت منه ربقة الإیمان لم تلقه إلا شیطاناً ملعوناً» ((7)).

وقال رسول الله صلی الله علیه و آله: «إن الله حرم الجنة علی کل فحاش بذی ء قلیل الحیاء، لایبالی ما قال ولا ما قیل له، فإنک إن فتشته لم تجده إلا لغیة أو شرک شیطان» فقیل:

ص:575


1- الخصال: ج2 ص431 عشر خصال من المکارم ح11
2- وسائل الشیعة: ج12 ص166 ب110 ح15970
3- تنبیه الخواطر ونزهة النواظر: ج2 ص188
4- مستدرک الوسائل: ج8 ص461 ب93 ح10010
5- بحار الأنوار: ج68 ص331 ب81 ح5
6- تحف العقول: ص45 وروی عنه صلی الله علیه و آله فی قصار هذه المعانی
7- الکافی: ج2 ص291 باب فی أصول الکفر وأرکانه ح10

یا رسول الله وفی الناس شرک شیطان؟ فقال رسول الله صلی الله علیه و آله: «أما تقرأ قول الله عزوجل: ]وَشَارِکْهُمْ فِی الأمْوَالِ وَالأوْلادِ[((1))». فقیل: وفی الناس من لا یبالی وما قال وما قیل له؟ فقال: «نعم، من تعرض للناس فقال فیهم وهو یعلم أنهم لا یترکونه فذلک الذی لا یبالی ما قال وما قیل له» ((2)).

وعن سماعة قال سمعت أبا الحسن موسی علیه السلام یقول: «لا تذهب الحشمة بینک وبین أخیک، أبق منها فإن ذهابها ذهاب الحیاء» ((3)).

وعن أبی عبد الله علیه السلام قال: «خیر نسائکم التی إذا خلت مع زوجها خلعت له درع الحیاء وإذا لبست لبست معه درع الحیاء» ((4)).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: «من کساه الحیاء ثوبه لم یر الناس عیبه» ((5)).

وعن أبی جعفر علیه السلام: «إن الله عزوجل کریم یستحیی ویحب أهل الحیاء إن أکرمکم أشدکم إکراماً لحلائلهم» ((6)).

وعن النبی صلی الله علیه و آله: «الحیاء خیر کله» ((7)).

وعن أبی ذر عن رسول الله صلی الله علیه و آله فی وصیته ل-ه قال: «یا أباذر أتحب أن تدخل الجنة؟». فقلت: نعم فداک أبی وأمی، قال صلی الله علیه و آله: «فاقصر الأمل واجعل الموت نصب عینک واستحی من الله حق الحیاء» ((8)).

وقال رسول الله صلی الله علیه و آله: «ما کان الفخر فی شیء قط إلا شانه، ولا کان الحیاء فی شیء قط إلا زانه» ((9)).

ص:576


1- سورة الإسراء: 64
2- کتاب سلیم بن قیس: ص956 ح89
3- وسائل الشیعة: ج12 ص146 ب102 ح15896
4- الکافی: ج5 ص324 باب خیر النساء ح2
5- نهج البلاغة: قصار الحکم 223
6- من لا یحضره الفقیه: ج3 ص506 باب طلاق التی لم یدخل بها ح4774
7- معانی الأخبار: ص409 باب نوادر المعانی ح92
8- وسائل الشیعة: ج1 ص304 ب3 ح799
9- وسائل الشیعة: ج12 ص167 ب110 ح15975

وقال رسول الله صلی الله علیه و آله: «أول ما ینزع من العبد الحیاء فیصیر ماقتاً ممقتاً، ثم ینزع الله منه الأمانة فیصیر خائناً مخوناً، ثم ینزع الله منه الرحمة فیصیر فظاً غلیظاً ویخلع دین الإسلام من عنقه فیصیر شیطاناً لعیناً ملعوناً» ((1)).

وقال الإمام جعفر الصادق علیه السلام: «قال عیسی ابن مریم علیه السلام: إذا قعد أحدکم فی منزله فلیرخ علیه ستره فإن الله تبارک تعالی قسم الحیاء کما قسم الرزق» ((2)).

وعن رسول الله صلی الله علیه و آله أنه نظر إلی رجل یغتسل بحیث یراه الناس فقال: «أیها الناس إن الله یحب من عباده الحیاء والستر فأیکم اغتسل فلیتوار من الناس فإن الحیاء زینة الإسلام» ((3)).

وقال رسول الله صلی الله علیه و آله: «من ألقی جلباب الحیاء فلا غیبة له» ((4)).

وقال رسول الله صلی الله علیه و آله: «رحم الله عبداً استحیا من ربه حق الحیاء فحفظ الرأس وما حوی، والبطن وما وعی، وذکر القبر والبلی، وذکر أن له فی الآخرة معاداً» ((5)).

وعن أبی جعفر الباقر محمد بن علی علیه السلام قال: سمعته یقول: «أربع من کن فیه کمل إسلامه وأعین علی إیمانه ومحصت عنه ذنوبه ولقی ربه وهو عنه راض ولو کان فیما بین قرنه إلی قدمه ذنوب حطها الله عنه وهی: الوفاء بما یجعل لله علی نفسه، وصدق اللسان مع الناس، والحیاء مما یقبح عند الله وعند الناس، وحسن الخلق مع الأهل والناس» ((6)).

وقال الصادق علیه السلام: «الحیاء نور جوهره صدر الإیمان، وتفسیره التثبت عند کل شیء ینکره التوحید والمعرفة» ((7)).

وقال النبی صلی الله علیه و آله: «الحیاء من الإیمان فیقبل الحیاء بالإیمان والإیمان بالحیاء،

ص:577


1- الاختصاص: ص248 حدیث فی زیارة المؤمن لله
2- بحار الأنوار: ج68 ص334 ب81 ح11
3- مستدرک الوسائل: ج1 ص488 ب37 ح1244، والمستدرک: ج8 ص463 ب93 ح10020
4- غوالی اللآلی: ج1 ص264 ف10 ح56
5- الاختصاص: ص229 حدیث فی زیارة المؤمن لله
6- الأمالی للمفید: ص166-167 المجلس21 ح1
7- مصباح الشریعة: ص189 ب90

وصاحب الحیاء خیر کله، ومن حرم الحیاء فهو شر کله وإن تعبد وتورع، وإن خطوة یتخطاه فی ساحات هیبة الله بالحیاء منه إلیه خیر ل-ه من عبادة سبعین سنة، والوقاحة صدر النفاق والشقاق والکفر» ((1)).

وقال رسول الله صلی الله علیه و آله: «إذا لم تستح فاعمل ما شئت، وقوة الحیاء من الحزن والخوف، والحیاء مسکن الخشیة، والحیاء أوله الهیبة وآخره الرؤیة، وصاحب الحیاء مشتغل بشأنه، معتزل من الناس، مزدجر عما هم فیه، ولو ترکوا صاحب الحیاء ما جالس أحداً» ((2)).

وقال رسول الله صلی الله علیه و آله: «إذا أراد الله بعبد خیرا ألهاه عن محاسنه وجعل مساوئه بین عینیه وکرهه مجالسة المعرضین عن ذکر الله، والحیاء خمسة أنواع حیاء ذنب وحیاء تقصیر وحیاء کرامة وحیاء حب وحیاء هیبة ولکل واحد من ذلک أهل ولأهله مرتبة علی حدة» ((3)).

وقال النبی صلی الله علیه و آله: «إن لکل دین خلقاً وخلق الإسلام الحیاء» ((4)).

وقال النبی صلی الله علیه و آله: «قلة الحیاء کفر» ((5)).

وعن أمیر المؤمنین علیه السلام فی وصیته لولده الحسن علیه السلام: «والحیاء سبب إلی کل جمیل» ((6)).

16- الرأفة

مسألة: تستحب الرأفة وقد تجب، وهی من مصادیق أو مقومات السلم والسلام بالمعنی الأعم.

عن الصادق جعفر بن محمد علیه السلام: «أفضل الملوک من أعطی ثلاث خصال:

ص:578


1- مصباح الشریعة: ص189 ب90
2- مصباح الشریعة: ص189-190 ب90
3- مصباح الشریعة: ص190 ب90
4- مشکاة الأنوار: ص234 ب5 ف5
5- مستدرک الوسائل: ج8 ص466 ب93 ضمن ح10027
6- تحف العقول: ص84 کتابه إلی ابنه الحسن علیه السلام

الرأفة والجود والعدل» ((1)).

وقال رسول الله صلی الله علیه و آله: «اتخذوا المساجد بیوتاً وعودوا قلوبکم الرأفة وأکثروا من التفکر والبکاء من خشیة الله تعالی وکونوا فی الدنیا أضیافاً وأکثروا من الذکر»((2)).

وقال رسول الله صلی الله علیه و آله: «إن الله خلق العقل من نور مخزون مکنون فی سابق علمه الذی لم یطلع علیه نبی مرسل ولا ملک مقرب، فجعل العلم نفسه، والفهم روحه، والزهد رأسه، والحیاء عینیه، والحکمة لسانه، والرأفة همه، والرحمة قلبه، ثم حشاه وقواه بعشرة أشیاء: بالیقین والإیمان والصدق والسکینة والإخلاص والرفق والعطیة والقنوع والتسلیم والشکر» ((3)).

وعن جعفر عن أبیه عن علی علیهم السلام قال: «إنا أهل بیت شجرة النبوة وموضع الرسالة ومختلف الملائکة وبیت الرأفة ومعدن العلم» ((4)).

وعن الإمام الرضا علیه السلام فیما کتب إلیه من جواب مسائله: «وحرم الله الدم کتحریم المیتة لما فیه من فساد الأبدان وأنه یورث الماء الأصفر ویبخر الفم وینتن الریح ویسیء الخلق ویورث قساوة القلب وقلة الرأفة والرحمة حتی لا یؤمن أن یقتل ولده ووالده وصاحبه» ((5)).

وعن علی علیه السلام فی عهده إلی مالک الأشتر: «فول من جنودک أنصحهم فی نفسک لله ولرسوله ولإمامک، وأنقاهم جیباً، وأفضلهم حلماً ممن یبطئ عن الغضب ویستریح إلی العذر ویرأف بالضعفاء وینبو علی الأقویاء ممن لا یثیره العنف ولا یقعد به الضعف» ((6)).

وعن علی علیه السلام: «لیتأس صغیرکم بکبیرکم ولیرأف کبیرکم بصغیرکم ولاتکونوا

ص:579


1- تحف العقول: ص319 ومن کلامه علیه السلام سماه بعض الشیعة نثر الدرر
2- إرشاد القلوب: ج1 ص94 ب22
3- بحار الأنوار: ج1 ص107 ب4 ح3
4- بصائر الدرجات: ص58 ب1 ح7
5- وسائل الشیعة: ج24 ص102 ب1 ح30085
6- نهج البلاغة: الرسائل 53 ومن کتاب له علیه السلام کتبه للأشتر النخعی لما ولاه علی مصر وأعمالها

کجفاة الجاهلیة لا فی الدین یتفقهون ولا عن الله یعقلون کقیض بیض فی أداح یکون کسرها وزراً ویخرج حضانها شراً» ((1)).

وعن أبی عبد الله علیه السلام قال: «إن شیعة علی کانوا خمص البطون ذبل الشفاه أهل رأفة وعلم وحلم یعرفون بالرهبانیة فأعینوا علی ما أنتم علیه بالورع

والاجتهاد» ((2)).

وعن عبد العظیم بن عبد الله قال: سمعت أبا الحسن علیه السلام یخطب بهذه الخطبة: «أما بعد: فإن الله جل وعز جعل الصهر مألفة للقلوب ونسبة المنسوب أوشج به الأرحام وجعله رأفة ورحمة» ((3)).

وقال النبی صلی الله علیه و آله: «اللهم من رأف بأمتی ورحمهم فاعطف علیه وارحمه»((4)).

17- الرحمة

مسألة: تستحب الرحمة، وهی من مصادیق أو مقومات السلم والسلام بالمعنی الأعم.

عن أمیر المؤمنین علیه السلام یقول: «یا طالب العلم إن العلم ذو فضائل کثیرة، فرأسه التواضع، وعینه البراءة من الحسد، وأذنه الفهم، ولسانه الصدق، وحفظه الفحص، وقلبه حسن النیة، وعقله معرفة الأسباب والأمور، ویده الرحمة، ورجله زیارة العلماء، وهمته السلامة، وحکمته الورع، ومستقره النجاة، وقائده العافیة، ومرکبه الوفاء، وسلاحه لین الکلمة، وسیفه الرضا، وقوسه المداراة، وجیشه محاورة العلماء، وماله الأدب، وذخیرته اجتناب الذنوب، وزاده المعروف، ومأواه الموادعة، ودلیله الهدی، ورفیقه محبة الأخیار» ((5)).

وقال أبو عبد الله علیه السلام: «إن الله خلقنا فأحسن خلقنا وصورنا فأحسن صورنا،

ص:580


1- نهج البلاغة: الخطب 166 ومن خطبة له علیه السلام
2- الکافی: ج2 ص233 باب المؤمن وعلاماته وصفاته ح10
3- الکافی: ج5 ص373 باب خطب النکاح ح6
4- أعلام الدین: ص275 فصل من کلام سیدنا رسول الله صلی الله علیه و آله
5- منیة المرید: ص148 ب1 ق1 الأمر الثانی

وجعلنا عینه فی عباده، ولسانه الناطق فی خلقه، ویده المبسوطة علی عباده بالرأفة والرحمة، ووجهه الذی یؤتی منه، وبابه الذی یدل علیه، وخزانه فی سمائه وأرضه، بنا أثمرت الأشجار وأینعت الثمار وجرت الأنهار، وبنا ینزل غیث السماء وینبت عشب الأرض، وبعبادتنا عبد الله ولو لا نحن ما عبد الله» ((1)).

وقال رسول الله صلی الله علیه و آله: «من أکرم أخاه المسلم بکلمة یلطفه بها وفرج عنه کربته لم یزل فی ظل الله الممدود علیه الرحمة ما کان فی ذلک» ((2)).

وعن أبی عبد الله علیه السلام قال: «قام رجل یقال ل-ه همام - وکان عابداً ناسکاً

مجتهداً - إلی أمیر المؤمنین علیه السلام وهو یخطب، فقال: یا أمیر المؤمنین صف لنا صفة المؤمن کأننا ننظر إلیه؟ فقال علیه السلام: یا همام المؤمن هو الکیس الفطن، بشره فی وجهه، وحزنه فی قلبه، أوسع شی ء صدراً، وأذل شی ء نفساً، زاجر عن کل فان، حاض علی کل حسن، لا حقود ولا حسود، ولا وثاب ولا سباب، ولا غیاب ولا مرتاب، یکره الرفعة، ویشنأ السمعة، طویل الغم، بعید الهم، کثیر الصمت، وقور ذکور، صبور شکور، مغموم بفکره، مسرور بفقره، سهل الخلیقة، لین العریکة، رصین الوفاء، قلیل الأذی، لا متأفک ولا متهتک، إن ضحک لم یخرق، وإن غضب لم ینزق، ضحکه تبسم، واستفهامه تعلم، ومراجعته تفهم، کثیر علمه، عظیم حلمه، کثیر الرحمة، لا یبخل ولا یعجل، ولا یضجر ولا یبطر، ولا یحیف فی حکمه ولا یجور فی علمه، نفسه أصلب من الصلد، ومکادحته أحلی من الشهد، لا جشع ولا هلع، ولا عنف ولا صلف، ولا متکلف ولا متعمق، جمیل المنازعة، کریم المراجعة، عدل إن غضب، رفیق إن طلب، لا یتهور ولا یتهتک ولا یتجبر، خالص الود، وثیق العهد، وفی العقد شفیق، وصول حلیم خمول، قلیل الفضول، راض عن الله عزوجل، مخالف لهواه، لا یغلظ علی من دونه، ولا یخوض فیما لا یعنیه، ناصر للدین، محام عن المؤمنین، کهف للمسلمین، لا یخرق الثناء سمعه، ولا ینکی الطمع قلبه، ولا یصرف اللعب حکمه، ولا یطلع الجاهل علمه، قوال عمال، عالم

ص:581


1- الکافی: ج1 ص144 باب النوادر ح5
2- الکافی: ج2 ص206 باب فی إلطاف المؤمن وإکرامه ح5

حازم، لا بفحاش ولا بطیاش، وصول فی غیر عنف، بذول فی غیر سرف، لا بختال ولا بغدار، ولا یقتفی أثراً، ولا یحیف بشراً، رفیق بالخلق، ساع فی الأرض، عون للضعیف، غوث للملهوف، لا یهتک ستراً، ولا یکشف سراً، کثیر البلوی، قلیل الشکوی، إن رأی خیراً ذکره، وإن عاین شراً ستره، یستر العیب، ویحفظ الغیب، ویقیل العثرة، ویغفر الزلة، لا یطلع علی نصح فیذره، ولا یدع جنح حیف فیصلحه، أمین رصین، تقی نقی، زکی رضی، یقبل العذر، ویجمل الذکر، ویحسن بالناس الظن، ویتهم علی العیب نفسه، یحب فی الله بفقه وعلم، ویقطع فی الله بحزم وعزم، لا یخرق به فرح، ولا یطیش به مرح، مذکر للعالم، معلم للجاهل، لا یتوقع ل-ه بائقة، ولا یخاف ل-ه غائلة، کل سعی أخلص عنده من سعیه، وکل نفس أصلح عنده من نفسه، عالم بعیبه، شاغل بغمه، لا یثق بغیر ربه، غریب وحید حزین، یحب فی الله، ویجاهد فی الله لیتبع رضاه، ولا ینتقم لنفسه بنفسه، ولا یوالی فی سخط ربه، مجالس لأهل الفقر، مصادق لأهل الصدق، مؤازر لأهل الحق، عون للغریب، أب للیتیم، بعل للأرملة، حفی بأهل المسکنة، مرجو لکل کریمة، مأمول لکل شدة، هشاش بشاش، لا بعباس ولا بجساس، صلیب کظام بسام، دقیق النظر، عظیم الحذر، لا یبخل وإن بخل علیه» ((1)) الحدیث، وفیه العدید من مصادیق السلم والسلام أو مقوماته.

وعن أبی جعفر علیه السلام قال: «أیما مؤمن عاد مؤمناً خاض الرحمة خوضاً فإذا جلس غمرته الرحمة فإذا انصرف وکل الله به سبعین ألف ملک یستغفرون ل-ه ویسترحمون علیه ویقولون طبت وطابت لک الجنة إلی تلک الساعة من غد، وکان ل-ه یا أبا حمزة خریف فی الجنة». قلت: وما الخریف جعلت فداک؟ قال علیه السلام: «زاویة فی الجنة یسیر الراکب فیها أربعین عاماً» ((2)).

وعن النبیصلی الله علیه و آلهقال:«ارحموا عزیزاً ذل وغنیاً افتقر وعالماً ضاع فی زمان جهال»((3)).

ص:582


1- مستدرک الوسائل: ج11 ص180-182 ب4 ح12687
2- وسائل الشیعة: ج2 ص415 ب10 ح2511
3- قرب الإسناد: ص32

وعن أبی عبد الله علیه السلام قال: «کان المسیح علیه السلام یقول: الناس رجلان معافی ومبتلی فاحمدوا الله علی العافیة وارحموا أهل البلاء» ((1)).

وعن النبی صلی الله علیه و آله قال: «الراحمون یرحمهم الرحمن، ارحموا من فی الأرض یرحمکم من فی السماء» ((2)). 

وعن أبی عبد الله علیه السلام قال: «حدثنی أبی عن جدی عن آبائه علیهم السلام أن أمیر المؤمنین علیه السلام علم أصحابه فی مجلس واحد أربعمائة باب مما یصلح للمسلم فی دینه ودنیاه - إلی أن قال -: لا تعاجلوا الأمر قبل بلوغه فتندموا، ولا یطولن علیکم الأمد فتقسو قلوبکم، ارحموا ضعفاءکم واطلبوا الرحمة من الله عزوجل بالرحمة لهم إیاکم» ((3)).

وعن علی علیه السلام: «لا تباغضوا فإنها الحالقة، وأفشوا السلام فی العالم وردوا التحیة علی أهلها بأحسن منها، وارحموا الأرملة والیتیم، وأعینوا الضعیف والمظلوم والغارمین وفی سبیل الله وابن السبیل والسائلین وفی الرقاب والمکاتب والمساکین، وانصروا المظلوم» ((4)).

وعن أبی عبد الله علیه السلام یقول لأصحابه: «اتقوا الله وکونوا إخوة بررة متحابین فی الله متواصلین متراحمین تزاوروا وتلاقوا وتذاکروا أمرنا وأحیوه» ((5)).

وقال رسول الله صلی الله علیه و آله: «إن الله عز وجل رحیم یحب کل رحیم» ((6)).

وعن رسول الله صلی الله علیه و آله أنه قال: «والذی نفسی بیده لا یضع الله الرحمة إلا علی رحیم». قلنا: یا رسول الله کلنا رحیم؟ قال صلی الله علیه و آله: «لیس الذی یرحم نفسه وأهله خاصة ذاک الذی یرحم المسلمین» ((7)).

ص:583


1- مشکاة الأنوار: ص28 ب1 ف6
2- غوالی اللآلی: ج1 ص361 ب1 المسلک الثانی ح42
3- الخصال: ج2 ص622 علم أمیر المؤمنین علیه السلام أصحابه فی مجلس واحد  أربعمائة باب ح10
4- تحف العقول: ص152 خطبته علیه السلام المعروفة بالدیباج
5- الکافی: ج2 ص175 باب التراحم والتعاطف ح1
6- وسائل الشیعة: ج12 ص216 ب124 ح16123
7- غوالی اللآلی: ج1 ص276 ب1 المسلک الثانی ح106

وقال صلی الله علیه و آله: «قال تعالی: إن کنتم تریدون رحمتی فارحموا» ((1)).

وقال صلی الله علیه و آله: «من لا یرحم الناس لا یرحمه الله» ((2)).

وعن علی علیه السلام أنه قال: «إذا عجز عن الضعفاء نیلک فلتسعهم رحمتک»((3)).

وعن رسول الله صلی الله علیه و آله أنه قال: «لا یرحم الله من لا یرحم الناس» ((4)).

وقال الإمام الصادق علیه السلام: «تحتاج الأخوة فیما بینهم إلی ثلاثة أشیاء فإن استعملوها وإلا تباینوا وتباغضوا وهی: التناصف والتراحم ونفی الحسد» ((5)).

18- الرفق

مسألة: یستحب الرفق، وهو من مصادیق أو مقومات السلم والسلام بالمعنی الأعم. قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «نعم وزیر الإیمان العلم، ونعم وزیر العلم الحلم، ونعم وزیر الحلم الرفق، ونعم وزیر الرفق الصبر» ((6)).

وعن أبی عبد الله علیه السلام قال: «ینبغی للمؤمن أن یکون فیه ثمان خصال: وقوراً عند الهزاهز، صبوراً عند البلاء، شکوراً عند الرخاء، قانعاً بما رزقه الله، لا یظلم الأعداء، ولا یتحامل للأصدقاء، بدنه منه فی تعب والناس منه فی راحة، إن العلم خلیل المؤمن، والحلم وزیره، والعقل أمیر جنوده، والرفق أخوه، والبر والده» ((7)).

وعن أبی عبد الله علیه السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «مداراة الناس نصف الإیمان والرفق بهم نصف العیش» ((8)).

وعن أبی جعفر علیه السلام قال: «إن لکل شیء قفلاً وقفل الإیمان الرفق» ((9)).

ص:584


1- مستدرک الوسائل: ج9 ص54 ب107 ح10182
2- مستدرک الوسائل: ج9 ص55 ب107 ح10183
3- غرر الحکم ودرر الکلم: ص370 ق5 ب3 ف7 ح8392
4- غوالی اللآلی: ج1 ص361 ب1 المسلک الثانی ح41
5- بحار الأنوار: ج75 ص236 ب23 ح107
6- الکافی: ج1 ص48 باب النوادر ح3
7- وسائل الشیعة: ج15 ص185 ب4 ح20235
8- وسائل الشیعة: ج12 ص201 ب121 ح16085
9- مشکاة الأنوار: ص179 ب3 ف23

وقال أبو جعفر علیه السلام: «من قسم له الرفق قسم له الإیمان» ((1)).

وعن أبی عبد الله علیه السلام قال: «إن الله تبارک وتعالی رفیق یحب الرفق» ((2)).

وقال رسول الله صلی الله علیه و آله: «الرفق یمن، والخرق شؤم» ((3)).

وعن أبی جعفر علیه السلام قال: «إن الله عز وجل رفیق یحب الرفق، ویعطی علی الرفق ما لا یعطی علی العنف» ((4)).

وقال رسول الله صلی الله علیه و آله: «إن الرفق لم یوضع علی شیء إلا زانه ولا نزع من شیء إلا شانه»((5)).

وعن النبی صلی الله علیه و آله قال: «إن فی الرفق الزیادة والبرکة، ومن یحرم الرفق یحرم

الخیر» ((6)).

وعن أبی عبد الله علیه السلام قال: «ما زوی الرفق عن أهل بیت إلا زوی عنهم

الخیر» ((7)).

وعن أبی عبد الله علیه السلام قال: «أیما أهل بیت أعطی حظهم من الرفق فقد وسع الله علیهم فی الرزق»((8)).

وعن أبی الحسن موسی علیه السلام قال: «الرفق نصف العیش» ((9)).

وقال رسول الله صلی الله علیه و آله: «لو کان الرفق خلقاً یری ما کان مما خلق الله شیء أحسن منه» ((10)).

وعن أبی عبد الله علیه السلام قال: «إطعام الأسیر حق علی من أسره، وإن کان یراد

ص:585


1- بحار الأنوار: ج72 ص56 ب42 ح21
2- الکافی: ج2 ص118 باب الرفق ح3
3- مشکاة الأنوار: ص180 ب3 ف23
4- بحار الأنوار: ج72 ص60 ب42 ح24
5- الکافی: ج2 ص119 باب الرفق ح6
6- وسائل الشیعة: ج15 ص271 ب27 ح20486
7- بحار الأنوار: ج72 ص60 ب42 ح27
8- مشکاة الأنوار: ص179 ب3 ف23
9- الکافی: ج2 ص120 باب الرفق ح11
10- وسائل الشیعة: ج15 ص270 ب27 ح20482

من الغد قتله فإنه ینبغی أن یطعم ویسقی ویظل ویرفق به کافراً کان أو غیره»((1)).

وقال رسول الله صلی الله علیه و آله: «ما اصطحب اثنان إلا کان أعظمهما أجراً وأحبهما إلی الله عز وجل أرفقهما بصاحبه» ((2)).

وعن أبی عبد الله علیه السلام: «من کان رفیقاً فی أمره نال ما یرید من الناس»((3)).

وعن عمر بن حنظلة عن أبی عبد الله علیه السلام قال: «یا عمر، لا تحملوا علی شیعتنا وارفقوا بهم؛ فإن الناس لا یحتملون ما تحملون» ((4)).

وعن علی بن الحسین علیه السلام قال: «کان آخر ما أوصی به الخضر موسی بن عمران 3 أن قال ل-ه: لا تعیرن أحداً بذنب؛ وإن أحب الأمور إلی الله عزوجل ثلاثة: القصد فی الجدة والعفو فی المقدرة والرفق بعباد الله، وما رفق أحد بأحد فی الدنیا إلا رفق الله عزوجل به یوم القیامة، ورأس الحکمة مخافة الله تبارک وتعالی» ((5)).

وعن علی بن یقطین قال: قال لی أبو الحسن موسی بن جعفر علیه السلام: «إنه کان فی بنی إسرائیل رجل مؤمن وکان ل-ه جار کافر وکان یرفق بالمؤمن ویولیه المعروف فی الدنیا، فلما أن مات الکافر بنی الله ل-ه بیتاً فی النار من طین فکان یقیه حرها ویأتیه الرزق من غیرها وقیل ل-ه هذا بما کنت تدخله علی جارک المؤمن فلان بن فلان من الرفق وتولیه من المعروف فی الدنیا» ((6)).

وعن جعفر بن محمد علیه السلام عن آبائه علیهم السلام فی وصیة النبی صلی الله علیه و آله لعلی علیه السلام قال: «یا علی أربع من کن فیه بنی الله ل-ه بیتاً فی الجنة: من آوی الیتیم، ورحم الضعیف، وأشفق علی والدیه، ورفق بمملوکه» ((7)).

وعن سید العابدین علی بن الحسین علیهم السلام قال: «وأما حق الزوجة: فأن تعلم أن

ص:586


1- الکافی: ج2 ص35 باب الرفق بالأسیر وإطعامه ح2
2- من لا یحضره الفقیه: ج2 ص278 باب الرفقاء فی السفر ح2437
3- وسائل الشیعة: ج15 ص272 ب27 ح20492
4- الکافی: ج8 ص334 حدیث الفقاء والعلماء ح522
5- الخصال: ج1 ص111 أحب الأمور إلی الله ثلاثة ح83
6- ثواب الأعمال: ص169 ثواب الکافر یصنع المعروف إلی المؤمن
7- وسائل الشیعة: ج16 ص337-338 ب19 ح21704

الله عزوجل جعلها لک سکناً وأنساً فتعلم أن ذلک نعمة من الله عزوجل علیک فتکرمها وترفق بها وإن کان حقک علیها أوجب فإن لها علیک أن ترحمها لأنها أسیرک وتطعمها وتسقیها وتکسوها وإذا جهلت عفوت عنها. وأما حق مملوکک: فأن تعلم أنه خلق ربک وابن أبیک وأمک ومن لحمک ودمک لم تملکه لأنک صنعته دون الله عزوجل ولا خلقت شیئاً من جوارحه ولا أخرجت ل-ه رزقاً ولکن الله عزوجل کفاک ذلک ثم سخره لک وائتمنک علیه واستودعک إیاه لیحفظ لک ما تأتیه من خیر إلیه فأحسن إلیه کما أحسن الله إلیک وإن کرهته استبدلته ولا تعذب خلق الله عزوجل ولا قوة إلا بالله» ((1)).

وعن النبی صلی الله علیه و آله فی حدیث المناهی قال: «ألا وأیما امرأة لم ترفق بزوجها وحملته علی ما لا یقدر علیه وما لا یطیق لم یقبل الله منها حسنة وتلقی الله عزوجل وهو علیها غضبان» ((2)).

19- الرفق بالحیوان

مسألة: یستحب الرفق بالحیوان وعدم العنف به، وهو من مصادیق أو مقومات السلم والسلام بالمعنی الأعم. قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «إن الله یحب الرفق ویعین علیه فإذا رکبتم الدواب العجف فأنزلوها منازلها فإن کانت الأرض مجدبة فانجوا عنها وإن کانت مخصبة فأنزلوها منازلها» ((3)).

وعن أبی جعفر علیه السلام أنه قال: «ترفق بالذبیحة ولا یعنف بها قبل الذبح ولا بعد، وکره أن یضرب عرقوب الشاة بالسکین» ((4)).

وعن أبی عبد الله علیه السلام قال: «قال علی علیه السلام: من سافر منکم بدابة فلیبدأ حین ینزل بعلفها وسقیها» ((5)).

ص:587


1- مکارم الأخلاق: ص421-422 ب12 ف1
2- من لا یحضره الفقیه: ج4 ص6و14-15و16 باب ذکر جمل من مناهی النبی صلی الله علیه و آله ح4968
3- الکافی: ج2 ص120 باب الرفق ح12
4- بحار الأنوار: ج62 ص316 ب8 ح10
5- المحاسن: ج2 ص361 ب24 ح88

وعن أبی عبد الله علیه السلام عن آبائه علیهم السلام: «أن النبی صلی الله علیه و آله أبصر ناقة معقولة وعلیها جهازها، فقال: أین صاحبها مروه فلیستعد غداً للخصومة» ((1)).

وعن حماد اللحام قال: مر قطار لأبی عبد الله علیه السلام فرأی زاملة قد مالت فقال علیه السلام: «یا غلام اعدل علی هذا الحمل فإن الله یحب العدل» ((2)).

وعن أبی عبد الله علیه السلام قال: «حج علی بن الحسین علیه السلام علی راحلته عشر سنین ما قرعها بسوط» ((3)).

وقال النبی صلی الله علیه و آله: «اضربوها علی النفار ولا تضربوها علی العثار» ((4)).

20- السخاء

مسألة: یستحب السخاء وقد یجب، وهو من مقومات أو مصادیق السلم والسلام بالمعنی الأعم.

قال تعالی: ƒوَأَنْفِقُواْ خَیْراً لأنفُسِکُمْ وَمَن یُوقَ شُحّ نَفْسِهِ فَأُوْلَ-َئِکَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * إِن تُقْرِضُواْ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً یُضَاعِفْهُ لَکُمْ وَیَغْفِرْ لَکُمْ وَاللّهُ شَکُورٌ حَلِیمٌ‚((5)).

عن زید بن علی عن أبیه عن جده عن علی علیهم السلام قال: «سادة الناس فی الدنیا الأسخیاء وفی الآخرة الأتقیاء» ((6)).

وعن الحسن بن أبان عن الصادق جعفر بن محمد علیه السلام قال: «إن الله رضی لکم

ص:588


1- المحاسن: ج2 ص361 ب24 ح90
2- من لا یحضره الفقیه: ج2 ص292 باب ما یجب من العدل علی الجمل ح2492
3- وسائل الشیعة: ج11 ص543 ب51 ح15490
4- نهذیب الأحکام: ج6 ص164-165 ب77 ح7
5- سورة التغابن: 16- 17
6- بحار الأنوار: ج68 ص350 ب87 ح1

الإسلام دیناً فأحسنوا صحبته بالسخاء وحسن الخلق» ((1)).

وعن الحسن بن الوشاء قال: سمعت الرضا علیه السلام یقول: «السخی قریب من الله، قریب من الجنة، قریب من الناس، والبخیل بعید من الله، بعید من الجنة، بعید من الناس»((2)).

وعن سعید بن مسلمة عن جعفر بن محمد 3 قال: حدثنی أبی عن أبیه عن جده (صلوات الله علیهم) عن علی علیه السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «إن السخاء شجرة من أشجار الجنة لها أغصان متدلیة فی الدنیا فمن کان سخیا تعلق بغصن من أغصانها فساقه ذلک الغصن إلی الجنة، والبخل شجرة من أشجار النار لها أغصان متدلیة فی الدنیا فمن کان بخیلاً تعلق بغصن من أغصانها فساقه ذلک الغصن إلی النار» ((3)).

وعن علی بن عوف الأزدی قال: قال أبو عبد الله علیه السلام: «السخاء أن تسخو نفس العبد عن الحرام أن تطلبه، فإذا ظفر بالحلال طابت نفسه أن ینفقه فی طاعة الله عز وجل» ((4)).

وعن أبی عبد الله علیه السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «السخاء شجرة أصلها فی الجنة وهی مطلة علی الدنیا من تعلق بغصن منها اجتره إلی الجنة» ((5)).

وقال رسول الله صلی الله علیه و آله لعدی بن حاتم: «إن الله دفع عن أبیک العذاب الشدید لسخاء نفسه» ((6)).

وروی: أن جماعة من الأساری جاءوا بهم إلی رسول الله صلی الله علیه و آله فأمر أمیر المؤمنین علیه السلام بضرب أعناقهم ثم أمره بإفراد واحد لا یقتله. فقال الرجل: لِمَ أفردتنی من أصحابی والجنایة واحدة؟ فقال له: «إن الله تبارک وتعالی أوحی إلیَّ أنک سخی قومک ولا أقتلک». فقال الرجل: فإنی أشهد أن لا إله إلا الله وأنک محمد رسول الله صلی الله علیه و آله.

ص:589


1- وسائل الشیعة: ج12 ص154 ب104 ح15932
2- مستدرک الوسائل: ج7 ص16 ب2 ح7519
3- الأمالی للطوسی: ص475 المجلس17 ح1036
4- معانی الأخبار: ص256 باب معنی السخاء وحده ح3
5- بحار الأنوار: ج68 ص353 ب87 ح13
6- الاختصاص: ص253 حدیث فی زیارة المؤمن لله

قال: «فقاده السخاء إلی الجنة» ((1)).

وروی: «أن الله تبارک وتعالی یأخذ بناصیة السخی إذا أعتر» ((2)).

وقال الصادق علیه السلام: «السخاء من أخلاق الأنبیاء وهو عماد الإیمان، ولا یکون مؤمناً إلا سخیاً، ولا یکون سخیاً إلا ذو یقین وهمة عالیة، لأن السخاء شعاع نور الیقین، ومن عرف ما قصد هان علیه ما بذل» ((3)).

وقال رسول الله صلی الله علیه و آله: «الجنة دار الأسخیاء» ((4)).

وقال النبی صلی الله علیه و آله: «الرجال أربعة: سخی وکریم وبخیل ولئیم، فالسخی الذی یأکل ویعطی، والکریم الذی لا یأکل ویعطی، والبخیل الذی یأکل ولا یعطی، واللئیم الذی لا یأکل ولا یعطی» ((5)).

وقال الصادق علیه السلام: «جاهل سخی أفضل من ناسک بخیل» ((6)).

وعن السکونی عن أبی عبد الله علیه السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «من صدَّق بالخلف جاد بالعطیة» ((7)).

وعن السکونی عن جعفر بن محمد عن أبیه عن آبائه علیهم السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «طعام السخی دواء وطعام الشحیح داء» ((8)).

21- الشفقة

مسألة: تستحب الشفقة وقد تجب، وهی من مقومات أو مصادیق السلم والسلام بالمعنی الأعم.

عن أبی حمزة الثمالی عن أبی جعفر علیه السلام قال: «أربع من کن فیه بنی الله له بیتا

ص:590


1- مستدرک الوسائل: ج7 ص14 ب2 ح7515
2- فقه الرضا علیه السلام : ص363 ب97
3- مصباح الشریعة: ص82 ب37
4- جامع الأخبار: ص112 ف69
5- بحار الأنوار: ج68 ص356- 357 ب87 ضمن ح18
6- بحار الأنوار: ج68 ص357 ب87 ضمن ح20، والبحار: ج75 ص228 ب23 ح103
7- الکافی: ج4 ص2 باب فضل الصدقة ح4
8- بحار الأنوار: ج68 ص358 ب87 ح22

فی الجنة: من آوی الیتیم ورحم الضعیف وأشفق علی والدیه وأنفق علیهما ورفق بمملوکه»((1)).

وقال أبو عبد الله علیه السلام: «إن لله فی خلقه نیة وأحبها إلیه أصلبها وأرقها علی إخوانه وأصفاها من الذنوب» ((2)).

وعن ابن عباس قال: قال النبی صلی الله علیه و آله: «من دخل السوق فاشتری تحفة فحملها إلی عیاله کان کحامل صدقة إلی قوم محاویج، ولیبدأ بالإناث قبل الذکور فإنه من فرح ابنة فکأنما أعتق رقبة من ولد إسماعیل، ومن أقر عین ابن فکأنما بکی من خشیة الله، ومن بکی من خشیة الله أدخله جنات النعیم»((3)).

وعن النبی صلی الله علیه و آله قال: «من کان له أنثی فلم یبدها ولم یهنها ولم یؤثر ولده علیها أدخله الله الجنة»((4)).

وقال رسول الله صلی الله علیه و آله: «من کان له أختان أو بنتان فأحسن إلیهما کنت أنا وهو فی الجنة کهاتین وأشار بإصبعیه السبابة والوسطی»((5)).

وقال رسول الله صلی الله علیه و آله: «من ابتلی بشی ء من هذه البنات فأحسن إلیهن کن ل-ه ستراً من النار»((6)).

وعن سلیمان بن جعفر الجعفری عن أبی الحسن الرضا علیه السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «إن الله تبارک وتعالی علی الإناث أرق منه علی الذکور، وما من رجل یدخل فرحة علی امرأة بینه وبینها حرمة إلا فرَّحه الله یوم القیامة»((7)).

وقال الصادق علیه السلام: «خمسة من خمسة محال: الحرمة من الفاسق محال، والشفقة من العدو محال، والنصیحة من الحاسد محال، والوفاء من المرأة محال، والهیبة

ص:591


1- وسائل الشیعة: ج16 ص338- 339 ب19 ح21707
2- مصادقة الإخوان: ص32 باب الشفقة علی الإخوان ح1
3- مستدرک الوسائل: ج15 ص118 ب5 ح17715
4- غوالی اللآلی: ج1 ص181 ف8 ح243
5- مستدرک الوسائل: ج15 ص118 ب5 ح17717
6- غوالی اللآلی: ج1 ص254 ف10 ح10
7- وسائل الشیعة: ج21 ص367 ب7 ح27319

من الفقیر محال»((1)).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام لولده الحسن علیه السلام: «یا بنی إذا نزل بک کلب الزمان وقحط الدهر فعلیک بذوی الأصول الثابتة والفروع النابتة من أهل الرحمة والإیثار والشفقة، فإنهم أقضی للحاجات وأمضی لدفع الملمات، وإیاک وطلب الفضل واکتساب الطساسیج والقراریط من ذوی الأکف الیابسة والوجوه العابسة فإنهم إن أعطوا منوا وإن منعوا کدوا ثم أنشأ یقول:

واسأل العرف إن سألت کریماً

لم یزل یعرف الغنی والیسارا

فسؤال الکریم یورث عزاً

وسؤال اللئیم یورث عارا

وإذا لم تجد من الذل بداً

فالق بالذل إن لقیت کبارا

لیس إجلالک الکبیر بعار

إنما العار أن تجل الصغارا ((2))

وعن رسول الله صلی الله علیه و آله أنه قال: «اطلبوا البذل من رحماء أمتی، فعلیهم تنزل الرحمة من الله، ولا تطلبوه من القاسیة قلوبهم فعلیهم تنزل اللعنة من الله» ((3)).

وعن هارون بن مسلم عن مسعدة بن صدقة قال: حدثنی جعفر عن أبیه علیه السلام قال: «کان علی علیه السلام یقول فی دعائه وهو ساجد: فإن جعلت لی حاجة إلی أحد من خلقک فاجعلها إلی أحسنهم وجهاً وخلقاً وأسخاهم بها نفساً وأطلقهم بها لساناً وأسمحهم بها کفاً وأقلهم بها علیَّ امتناناً» ((4)).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: « الحب لله والشفقة للأولاد» ((5)).

وسئل رسول الله صلی الله علیه و آله عن القلب السلیم؟ فقال: «هذا قلب من لا یدخل الجنة بکثرة الصلاة والصیام، ولکن یدخلها برحمة الله وسلامة الصدر وسخاوة النفس والشفقة علی المسلمین» ((6)).

ص:592


1- من لا یحضره الفقیه: ج4 ص58 باب حد شرب الخمر ح5092
2- أعلام الدین: ص274 فصل من کلام سیدنا رسول الله صلی الله علیه و آله
3- مستدرک الوسائل: ج229 ب32 ح8108
4- قرب الإسناد: ص2
5- مستدرک الوسائل: ج15 ص171 ب65 ح17898
6- مستدرک الوسائل: ج15 ص260 ب15 ح18182

ولما جیء بابن ملجم (لعنه الله) إلی أمیر المؤمنین علیه السلام التفت إلی ولده الحسن علیه السلام وقال ل-ه: «ارفق یا ولدی بأسیرک وارحمه وأحسن إلیه وأشفق علیه، ألا تری إلی عینیه قد طارتا فی أم رأسه وقلبه یرجف خوفا ورعبا وفزعا». فقال ل-ه الحسن علیه السلام: «یا أباه قد قتلک هذا اللعین الفاجر وأفجعنا فیک وأنت تأمرنا بالرفق به». فقال ل-ه: «نعم یا بنی نحن أهل بیت لا نزداد علی المذنب إلینا إلا کرما وعفوا، والرحمة والشفقة من شیمتنا لا من شیمته، بحقی علیک فأطعمه یا بنی مما تأکله واسقه مما تشرب ولا تقید ل-ه قدماً ولا تغل ل-ه یداً، فإن أنا مت فاقتص منه بأن تقتله وتضربه ضربة واحدة وتحرقه بالنار ولا تمثل بالرجل فإنی سمعت جدک رسول الله صلی الله علیه و آله یقول: إیاکم والمثلة ولو بالکلب العقور وإن أنا عشت فأنا أولی بالعفو عنه وأنا أعلم بما أفعل به فإن عفوت فنحن أهل بیت لا نزداد علی المذنب إلینا إلا عفواً وکرماً»((1)).

وفی وصیة النبی صلی الله علیه و آله إلی عبد الله بن مسعود: «یا ابن مسعود لا تحملنک الشفقة علی أهلک وولدک علی الدخول فی المعاصی والحرام فإن الله تعالی یقول: ]یَوْمَ لاَیَنفَعُ مَالٌ وَلاَ بَنُونَ* إِلاّ مَنْ أَتَی اللّهَ بِقَلْبٍ سَلِیمٍ[((2))» ((3)).

وفی الدعاء المروی عن الإمام المهدی علیه السلام: «وتفضل علی علمائنا بالزهد والنصیحة، وعلی المتعلمین بالجهد والرغبة، وعلی المستمعین بالاتباع والموعظة، وعلی مرضی المسلمین بالشفاء والراحة، وعلی موتاهم بالرأفة والرحمة، وعلی مشایخنا بالوقار والسکینة، وعلی الشباب بالإنابة والتوبة، وعلی النساء بالحیاء والعفة، وعلی الأغنیاء بالتواضع والسعة، وعلی الفقراء بالصبر والقناعة، وعلی الغزاة بالنصر والغلبة، وعلی الأسراء بالخلاص والراحة، وعلی الأمراء بالعدل والشفقة، وعلی الرعیة بالإنصاف وحسن السیرة...» ((4)).

وقال الإمام علی بن موسی الرضا علیه السلام: «الإمام السحاب الماطر، والغیث

ص:593


1- بحار الأنوار: ج42 ص287- 288 ب127
2- سورة الشعراء: 88-89
3- مکارم الأخلاق: ص457 ب2 ف4
4- البلد الأمین: ص349-350 دعاء آخر مروی عن المهدی علیه السلام أیضاً

الهاطل، والشمس المضیئة، والسماء الظلیلة، والأرض البسیطة، والعین الغزیرة، والغدیر والروضة. الإمام الأنیس الرفیق، والوالد الشفیق، والأخ الشقیق، والأم البرة بالولد الصغیر، ومفزع العباد فی الداهیة النآد» ((1)).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: «إنما سمی الرفیق رفیقا لأنه یرفقک علی صلاح دینک، فمن أعانک علی صلاح دینک فهو الرفیق الشفیق» ((2)).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: «من دعاک إلی الدار الباقیة وأعانک علی العمل لها فهو الصدیق الشفیق»((3)).

وقال علی علیه السلام: «کن کالطبیب الرفیق الشفیق الذی یضع الدواء بحیث ینفع»((4)).

ومن خطبة لأمیر المؤمنین علیه السلام: «أما بعد، فإن معصیة الناصح الشفیق العالم المجرب تورث الحسرة وتعقب الندامة، وقد کنت أمرتکم فی هذه الحکومة أمری، ونخلت لکم مخزون رأیی، لو کان یطاع لقصیر أمر» ((5)).

22- الشکر

مسألة: شکر المنعم واجب فی الجملة وبعض مراتبه مستحب، وهو من مقومات أو مصادیق السلم والسلام بالمعنی الأعم.

قال سبحانه: ]وَاشْکُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ إِن کُنْتُمْ إِیّاهُ تَعْبُدُونَ[ ((6)).

     وقال تعالی:]إِنّ اللّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَی النّاسِ وَلَ-َکِنّ أَکْ-ثَرَ النّاسِ لاَ یَشْکُرُونَ[((7)).

وقال سبحانه: ]وَإِذْ تَأَذّنَ رَبّکُمْ لَئِن شَکَرْتُمْ لأزِیدَنّکُمْ وَلَئِن کَفَرْتُمْ إِنّ عَذَابِی لَشَدِیدٌ[ ((8)).

ص:594


1- الکافی: ج1 ص200 باب نادر جامع فی فضل الإمام وصفاته ح1
2- غرر الحکم ودرر الکلم: ص424 ق6 ب2 ف7 ح9730
3- غرر الحکم ودرر الکلم: ص424 ق6 ب2 ف7 ح9737
4- مصباح الشریعة: ص21 ب8
5- نهج البلاغة: الخطب 35 ومن خطبة له علیه السلام بعد التحکیم
6- سورة النحل: 114
7- سورة یونس: 60
8- سورة إبراهیم: 7

وقال تعالی: ]وَجَعَلَ لَکُمُ الْسّمْعَ وَالأبْصَارَ وَالأفْئِدَةَ لَعَلّکُمْ تَشْکُرُونَ[((1)).

عن السکونی عن أبی عبد الله علیه السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «الطاعم الشاکر له من الأجر کأجر الصائم المحتسب، والمعافی الشاکر ل-ه من الأجر کأجر المبتلی الصابر، والمعطی الشاکر له من الأجر کأجر المحروم القانع» ((2)).

وعن أبی جعفر علیه السلام قال: «کان رسول الله صلی الله علیه و آله عند عائشة لیلتها. قالت: یا رسول الله، ولِمَ تتعب نفسک وغفر لک ما تقدم من ذنبک وما تأخر؟ فقال: یا عائشة، ألا أکون عبدا شکوراً - قال -:وکان رسول الله صلی الله علیه و آله یقوم علی أطراف أصابع رجلیه فأنزل الله تعالی: ]طه * مَآ أَنَزَلْنَا عَلَیْکَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَیَ[((3))»((4)).

وقال صلی الله علیه و آله: «ما فتح الله علی عبد باب شکر فخزن عنه باب الزیادة» ((5)).

وعن عبد الله بن إسحاق الجعفری عن أبی عبد الله علیه السلام قال: «مکتوب فی التوراة: اشکر من أنعم علیک، وأنعم علی من شکرک؛ فإنه لا زوال للنعماء إذا شکرت، ولا بقاء لها إذا کفرت، والشکر زیادة فی النعم، وأمان من الغیر» ((6)).

وعن أبی بصیر قال: قلت لأبی عبد الله علیه السلام: هل للشکر حد إذا فعله العبد کان شاکرا؟ قال: «نعم». قلت: ما هو؟ قال: «یحمد الله علی کل نعمة علیه فی أهل ومال وإن کان فیما أنعم علیه فی ماله حق أداه ومنه قول الله عزوجل: ]سُبْحَانَ الّذِی سَخّرَ لَنَا هَ-َذَا وَمَا کُنّا لَهُ مُقْرِنِینَ[ ((7))، ومنه قوله تعالی: ]رَبّ إِنّی لِمَآ أَنزَلْتَ إِلَیّ مِنْ خَیْرٍ فَقِیرٌ[ ((8))، ومنه قول-ه تعالی: ]رّبّ أَنزِلْنِی مُنزَلاً مّبَارَکاً وَأَنتَ خَیْرُ الْمُنزِلِینَ[ ((9))، وقول-ه: ]رّبّ أَدْخِلْنِی مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِی مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَل

ص:595


1- سورة النحل: 78
2- الکافی: ج2 ص94 باب الشکر ح1
3- سورة طه: 1- 2
4- مستدرک الوسائل: ج1 ص128 ب 18 ح173
5- وسائل الشیعة: ج16 ص311 ب8 ح21628
6- الکافی: ج2 ص94 باب الشکر ح3
7- سورة الزخرف: 13
8- سورة القصص: 24
9- سورة المؤمنون: 29

لّی مِن لّدُنْکَ سُلْطَاناً نّصِیراً[ ((1))» ((2)).

وعن معمر بن خلاد قال: سمعت أبا الحسن (صلوات الله علیه) یقول: «من حمد الله علی النعمة فقد شکره، وکان الحمد أفضل من تلک النعمة» ((3)).

وعن صفوان الجمال عن أبی عبد الله علیه السلام قال: قال لی: «ما أنعم الله علی عبد بنعمة صغرت أو کبرت فقال: الحمد لله، إلا أدی شکرها» ((4)).

وعن أبی عبد الله علیه السلام قال: «من أنعم الله علیه بنعمة فعرفها بقلبه فقد أدی شکرها» ((5)).

وعن أبی بصیر قال: قال أبو عبد الله علیه السلام: «إن الرجل منکم لیشرب الشربة من الماء فیوجب الله ل-ه بها الجنة - ثم قال -: إنه لیأخذ الإناء فیضعه علی فیه ویسمی ثم یشرب فینحیه وهو یشتهیه فیحمد الله ثم یعود یشرب ثم ینحیه فیحمد الله ثم یعود فیشرب ثم ینحیه فیحمد الله فیوجب له عز وجل بها الجنة»((6)).

وعن عمر بن یزید قال: قلت لأبی عبد الله علیه السلام: إنی سألت الله عزوجل أن یرزقنی مالا فرزقنی، وإنی سألت الله أن یرزقنی ولدا فرزقنی، وسألته أن یرزقنی دارا فرزقنی، وقد خفت أن یکون ذلک استدراجا؟ فقال: «أما والله مع الحمد فلا» ((7)).

وعن المثنی الحناط عن أبی عبد الله علیه السلام قال: «کان رسول الله صلی الله علیه و آله إذا ورد علیه أمر یسره قال: الحمد لله علی هذه النعمة، وإذا ورد علیه أمر یغتم به قال: الحمد لله علی کل حال» ((8)).

وعن أبی جعفر علیه السلام قال: « تقول ثلاث مرات إذا نظرت إلی المبتلی من غیر أن

ص:596


1- سورة الإسراء: 80
2- بحار الأنوار: ج68 ص29 ب61 ح7
3- بحار الأنوار: ج68 ص31 ب61 ح8
4- الکافی: ج2 ص96 باب الشکر ح14
5- بحار الأنوار: ج68 ص32 ب61 ح10
6- وسائل الشیعة: ج25 ص251 ب10 ح31832
7- بحار الأنوار: ج68 ص32 ب61 ح12
8- الکافی: ج2 ص97 باب الشکر ح19

تسمعه: الحمد لله الذی عافانی مما ابتلاه ولو شاء فعل - قال -: من قال ذلک لم یصبه ذلک البلاء أبدا» ((1)).

وعن عبد الله بن مسکان عن أبی عبد الله علیه السلام « أن رسول الله صلی الله علیه و آله کان فی سفر یسیر علی ناقة ل-ه إذ نزل فسجد خمس سجدات فلما رکب قالوا: یا رسول الله إنا رأیناک صنعت شیئا لم تصنعه؟ فقال: نعم استقبلنی جبرئیل فبشرنی ببشارات من الله عزوجل فسجدت شکرا لله لکل بشری سجدة» ((2)).

وعن یونس بن عمار عن أبی عبد الله علیه السلام قال: « إذا ذکر أحدکم نعمة الله جل وعز فلیضع خده علی التراب شکرا لله فإن کان راکبا فلینزل فلیضع خده علی التراب وإن لم یکن یقدر علی النزول للشهرة فلیضع خده علی قربوسه فإن لم یکن یقدر فلیضع خده علی کفه ثم لیحمد الله علی ما أنعم علیه» ((3)).

وعن هشام بن أحمد قال: کنت أسیر مع أبی الحسن علیه السلام فی بعض أطراف المدینة إذ ثنی رجله عن دابته فخر ساجدا فأطال وأطال ثم رفع رأسه ورکب دابته، فقلت: جعلت فداک قد أطلت السجود؟ فقال: «إنی ذکرت نعمة أنعم الله بها علیَّ فأحببت أن أشکر ربی» ((4)).

وعن أبی عبد الله علیه السلام قال: «أوحی الله تعالی إلی موسی علیه السلام: یا موسی اشکرنی حق شکری. فقال: یا رب فکیف أشکرک حق شکرک ولیس من شکر أشکرک به إلا وأنت أنعمت به علیَّ؟ فقال: یا موسی شکرتنی حق شکری حین علمت أن ذلک منی» ((5)).

وقد روی هذا عن داود علیه السلام أیضا حیث قال: «یا رب کیف أشکرک وأنا لا أستطیع أن أشکرک إلا بنعمة ثانیة من نعمک. فأوحی الله تعالی إلیه: إذا عرفت هذا

ص:597


1- مکارم الأخلاق: ص351 ب10 ف5 فی البلاء
2- وسائل الشیعة: ج7 ص18- 19 ب7 ح8590
3- بحار الأنوار: ج68 ص35 ب61 ح20
4- مشکاة الأنوار: ص29 ب1 ف6
5- قصص الأنبیاء للراوندی: ص161 ب8 ف5 ح178

فقد شکرتنی» ((1)).

وعن إسماعیل بن الفضل قال: قال أبو عبد الله علیه السلام: «إذا أصبحت وأمسیت فقل عشر مرات: اللهم ما أصبحت بی من نعمة أو عافیة فی دین أو دنیا فمنک وحدک لا شریک لک، لک الحمد ولک الشکر بها علیَّ یا رب حتی ترضی وبعد الرضا؛ فإنک إذا قلت ذلک کنت قد أدیت شکر ما أنعم الله به علیک فی ذلک الیوم وفی تلک اللیلة»((2)).

وعن أبی عبد الله علیه السلام قال: «کان نوح علیه السلام یقول ذلک إذا أصبح وأمسی فسمی بذلک عبداً شکوراً» ((3)).

وعن عمار الدهنی قال: سمعت علی بن الحسین علیه السلام یقول: «إن الله یحب کل قلب حزین ویحب کل عبد شکور، یقول الله تبارک وتعالی - لعبد من عبیده یوم

القیامة -: أشکرت فلانا؟ فیقول: بل شکرتک یا رب. فیقول: لم تشکرنی إذ لم تشکره - ثم قال -: أشکرکم لله أشکرکم للناس» ((4)).

وعن عبید الله بن الولید الوصافی قال: سمعت أبا عبد الله جعفر بن محمد علیه السلام یقول: «ثلاث لا یضر معهن شی ء: الدعاء عند الکربات، والاستغفار عن الذنب، والشکر عند النعمة»((5)).

وعن معاویة بن وهب عن أبی عبد الله علیه السلام قال: «من أعطی الشکر أعطی الزیادة، یقول الله عز وجل: ]لَئِن شَکَرْتُمْ لأزِیدَنّکُمْ[((6))» ((7)).

وعن أبی عبد الله علیه السلام قال: «ما أنعم الله علی عبد من نعمة فعرفها بقلبه وحمد الله ظاهرا بلسانه فتم کلامه حتی یؤمر له بالمزید» ((8)).

ص:598


1- بحار الأنوار: ج68 ص36 ب61 ضمن ح22
2- الکافی: ج2 ص99 باب الشکر ح28
3- وسائل الشیعة: ج7 ص229 ب49 ح9193
4- بحار الأنوار: ج68 ص38 ب61 ح25
5- الأمالی للطوسی: ص204 المجلس7 ح349
6- سورة إبراهیم: 7
7- الکافی: ج2 ص95 باب الشکر ح8
8- بحار الأنوار: ج68 ص40 ب61 ح28

وعن میسر عن أبی عبد الله علیه السلام قال: «شکر النعمة اجتناب المحارم، وتمام الشکر قول الرجل: الحمد لله رب العالمین» ((1)).

وعن عمر بن یزید عن أبی عبد الله علیه السلام قال: سمعته یقول: «شکر کل نعمة وإن عظمت أن تحمد الله عزوجل» ((2)).

وعن أبی عبد الله علیه السلام قال: «إن الله أنعم علی قوم بالمواهب فلم یشکروا فصارت علیهم وبالاً، وابتلی قوما بالمصائب فصبروا فصارت علیهم نعمة» ((3)).

وقال النبی صلی الله علیه و آله: «ومن یشکر الله یزده الله» ((4)).

وعن أمیر المؤمنین علیه السلام قال: «شکر کل نعمة الورع عن محارم الله» ((5)).

23- الصبر

مسألة: یستحب الصبر وقد یجب، وهو من مقومات أو مصادیق السلم والسلام بالمعنی الأعم.

قال تعالی: ]یَآ أَیّهَا الّذِینَ آمَنُواْ اسْتَعِینُواْ بِالصّبْرِ وَالصّلاَةِ إِنّ اللّهَ مَعَ الصّابِرِینَ[ ((6)).

وقال سبحانه: ]لَنَبْلُوَنّکُمْ بِشَیْءٍ مّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مّنَ الأمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثّمَرَاتِ وَبَشّرِ الصّابِرِینَ* الّذِینَ إِذَآ أَصَابَتْهُم مّصِیبَةٌ قَالُواْ إِنّا للّهِ وَإِنّ-آ إِلَیْهِ رَاجِعونَ* أُولَ-َئِکَ عَلَیْهِمْ صَلَوَاتٌ مّن رّبّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَ-َئِکَ هُمُ

الْمُهْتَدُونَ[((7)).

وقال تعالی: ]وَتَمّتْ کَلِمَةُ رَبّکَ الْحُسْنَیَ عَلَیَ بَنِیَ إِسْرَآئِیلَ بِمَا صَبَرُواْ[((8)).

ص:599


1- الکافی: ج2 ص95 باب الشکر ح10
2- الخصال: ص21 شکر کل نعمة خصلة ح73
3- تهذیب الأحکام: ج6 ص377 ب93 ح222
4- الأمالی للصدوق: ص488 المجلس 64 ح1
5- مشکاة الأنوار: ص35 ب1 ف7
6- سورة البقرة: 153
7- سورة البقرة: 155- 157
8- سورة الأعراف: 137

وقال سبحانه: ]وَاصْبِرُوَاْ إِنّ اللّهَ مَعَ الصّابِرِینَ[ ((1)).

وقال تعالی: ]فَاصْبِرْ إِنّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتّقِینَ[ ((2)).

عن حفص بن غیاث قال: قال أبو عبد الله علیه السلام: «یا حفص إن من صبر صبر قلیلاً، وإن من جزع جزع قلیلاً - ثم قال -: علیک بالصبر فی جمیع أمورک فإن الله عزوجل بعث محمدا صلی الله علیه و آله فأمره بالصبر والرفق فقال: ]وَاصْبِرْ عَلَیَ مَا یَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِیلاً * وَذَرْنِی وَالْمُکَذّبِینَ أُوْلِی النّعْمَةِ[((3))، وقال تبارک وتعالی: ]ادْفَعْ بِالّتِی هِیَ أَحْسَنُ فَإِذَا الّذِی بَیْنَکَ وَبَیْنَهُ عَدَاوَةٌ کَأَنّهُ وَلِیّ حَمِیمٌ* وَمَا یُلَقّاهَا إِلاّ الّذِینَ صَبَرُواْ وَمَا یُلَقّاهَآ إِلاّ ذُو حَظّ عَظِیمٍ[((4)) فصبر صلی الله علیه و آله حتی نالوه بالعظائم ورموه بها فضاق صدره فأنزل الله عزوجل علیه: ]وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنّکَ یَضِیقُ صَدْرُکَ بِمَا یَقُولُونَ * فَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبّکَ وَکُنْ مّنَ السّاجِدِینَ[((5)) ثم کذبوه ورموه فحزن لذلک فأنزل الله عزوجل: ]قَدْ نَعْلَمُ إِنّهُ لَیَحْزُنُکَ الّذِی یَقُولُونَ فَإِنّهُمْ لاَ یُکَذّبُونَکَ وَلَ-َکِنّ الظّالِمِینَ بِآیَاتِ اللّهِ یَجْحَدُونَ* وَلَقَدْ کُذّبَتْ رُسُلٌ مّن قَبْلِکَ فَصَبَرُواْ عَلَیَ مَا کُذّبُواْ وَأُوذُواْ حَتّیَ أَتَاهُمْ نَصْرُنَا[((6)) فألزم النبی صلی الله علیه و آله نفسه الصبر فتعدوا فذکروا الله تبارک وتعالی وکذبوه فقال: قد صبرت فی نفسی وأهلی وعرضی ولا صبر لی علی ذکر إلهی فأنزل الله عزوجل: ]ولَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ والأَرْضَ وما بَیْنَهُما فِی سِتَّةِ أَیَّامٍ وما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ * فَاصْبِرْ عَلی ما

یَقُولُونَ[((7)) فصبر فی جمیع أحواله ثم بشر فی عترته بالأئمة ووصفوا بالصبر فقال جل ثناؤه: ]وجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً یَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا وکانُوا بِآیاتِنا یُوقِنُونَ[((8))

ص:600


1- سورة الأنفال: 46
2- سورة هود: 49
3- سورة المزمل: 10-11
4- سورة فصلت: 34- 35
5- سورة الحجر: 97- 98
6- سورة الأنعام: 33-34
7- سورة ق: 38-39
8- سورة السجدة: 24

فعند ذلک قال صلی الله علیه و آله: الصبر من الإیمان کالرأس من الجسد فشکر الله عزوجل ذلک له فأنزل الله عزوجل: ]وتَمَّتْ کَلِمَتُ رَبِّکَ الْحُسْنی عَلی بَنِی إِسْرائِیلَ بِما صَبَرُوا ودَمَّرْنا ما کانَ یَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وقَوْمُهُ وما کانُوا یَعْرِشُونَ[((1)) فقال صلی الله علیه و آله: إنه بشری وانتقام فأباح الله عزوجل ل-ه قتال المشرکین فأنزل الله: ]فَاقْتُلُوا الْمُشْرِکِینَ حَیْثُ وجَدْتُمُوهُمْ وخُذُوهُمْ واحْصُرُوهُمْ واقْعُدُوا لَهُمْ کُلَّ مَرْصَدٍ[((2)) و ]اقْتُلُوهُمْ حَیْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ[((3)) فقتلهم الله علی أیدی رسول الله صلی الله علیه و آله وأحبائه وجعل له ثواب صبره مع ما ادخر ل-ه فی الآخرة فمن صبر واحتسب لم یخرج من الدنیا حتی یقر الله عینه فی أعدائه مع ما یدخر له فی الآخرة»((4)).

وعن ابن أبی یعفور عن أبی عبد الله علیه السلام قال: «الصبر رأس الإیمان»((5)).

وعن حمزة بن حمران عن أبی جعفر علیه السلام قال: «الجنة محفوفة بالمکاره والصبر، فمن صبر علی المکاره فی الدنیا دخل الجنة، وجهنم محفوفة باللذات والشهوات فمن أعطی نفسه لذتها وشهواتها دخل النار»((6)).

وعن عبد الله بن میمون عن أبی عبد الله علیه السلام قال: «دخل أمیر المؤمنین (صلوات الله علیه) المسجد فإذا هو برجل علی باب المسجد کئیب حزین، فقال له أمیر المؤمنین علیه السلام: ما لک؟ قال: یا أمیر المؤمنین أصبت بأبی وأمی وأخی وأخشی أن أکون قد وجلت. فقال له أمیر المؤمنین علیه السلام: علیک بتقوی الله والصبر تقدم علیه غداً والصبر فی الأمور بمنزلة الرأس من الجسد، فإذا فارق الرأس الجسد فسد الجسد، وإذا فارق الصبر الأمور فسدت الأمور»((7)).

وعن الأصبغ قال: قال أمیر المؤمنین (صلوات الله علیه): «الصبر صبران: صبر عند

ص:601


1- سورة الأعراف: 137
2- سورة التوبة: 5
3- سورة البقرة: 191، سورة النساء: 91
4- الکافی: ج2 ص88-89 باب الصبر ح3
5- وسائل الشیعة: ج3 ص257 ب76 ح3568
6- بحار الأنوار: ج68 ص72 ب62 ح4
7- الکافی: ج2 ص90 باب الصبر ح9

المصیبة حسن جمیل، وأحسن من ذلک الصبر عند ما حرم الله علیک. والذکر ذکران: ذکر الله عزوجل عند المصیبة وأفضل من ذلک ذکر الله عند ما حرم علیک فیکون حاجزاً»((1)).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: «إنه سیکون زمان لا یستقیم لهم الملک إلا بالقتل والجور، ولا یستقیم لهم الغنی إلا بالبخل، ولا یستقیم لهم الصحبة فی الناس إلا باتباع أهوائهم والاستخراج من الدین، فمن أدرک ذلک الزمان فصبر علی الفقر وهو یقدر علی الغنی، وصبر علی الذل وهو یقدر علی العز، وصبر علی بغضة الناس وهو یقدر علی المحبة، أعطاه الله ثواب خمسین صدیقاً»((2)).

وعن أبی حمزة قال: قال أبو جعفر علیه السلام: «لما حضرت علی بن الحسین علیه السلام الوفاة ضمنی إلی صدره وقال: یا بنی أوصیک بما أوصانی به أبی حین حضرته الوفاة وبما ذکر أن أباه أوصاه به، یا بنی اصبر علی الحق وإن کان مراً»((3)).

وعن أبی جعفر علیه السلام قال: «الصبر صبران: صبر علی البلاء حسن جمیل، وأفضل الصبرین الورع عن المحارم»((4)).

وعن علی علیه السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «الصبر ثلاثة: صبر عند المصیبة، وصبر علی الطاعة، وصبر عن المعصیة. فمن صبر علی المصیبة حتی یردها بحسن عزائها کتب الله ل-ه ثلاثمائة درجة ما بین الدرجة إلی الدرجة کما بین السماء إلی الأرض. ومن صبر علی الطاعة کتب الله ل-ه ستمائة درجة ما بین الدرجة إلی الدرجة کما بین تخوم الأرض إلی العرش. ومن صبر عن المعصیة کتب الله له تسعمائة درجة ما بین الدرجة إلی الدرجة کما بین تخوم الأرض إلی منتهی العرش»((5)).

وعن أبی حمزة الثمالی قال: قال أبو عبد الله علیه السلام: «من ابتلی من المؤمنین ببلاء

ص:602


1- بحار الأنوار: ج68 ص75 ب62 ح8
2- جامع الأخبار: ص116- 117 ف71
3- وسائل الشیعة: ج15 ص237 ب19 ح20370
4- بحار الأنوار: ج68 ص77 ب62 ح11
5- الکافی: ج2 ص91 باب الصبر ح15

فصبر علیه کان له مثل أجر ألف شهید»((1)).

وعن أبی عبد الله علیه السلام قال: «إنا صبر وشیعتنا أصبر منا». قلت: جعلت فداک کیف صار شیعتکم أصبر منکم؟ قال: «لأنا نصبر علی ما نعلم وشیعتنا یصبرون علی ما لا یعلمون»((2)).

وعن أبی بصیر عن أبی عبد الله علیه السلام قال: «إن الله أنعم علی قوم فلم یشکروا فصارت علیهم وبالا، وابتلی قوما بالمصائب فصبروا فصارت علیهم نعمة»((3)).

وعن أبان بن أبی مسافر عن أبی عبد الله علیه السلام فی قول الله عز وجل: ]یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا اصْبِرُوا وصابِرُوا[((4)) قال: «اصبروا علی المصائب»((5)).

وعن جابر قال: قلت لأبی جعفر علیه السلام: رحمک الله ما الصبر الجمیل؟ قال: «ذاک صبر لیس فیه شکوی إلی الناس»((6)).

وعن أبی النعمان عن أبی عبد الله علیه السلام أو أبی جعفر علیه السلام قال: «من لا یعد الصبر لنوائب الدهر یعجز»((7)).

وقال النبی صلی الله علیه و آله: «من یعرف البلاء یصبر علیه ومن لا یعرفه ینکره»((8)).

وعن ابن مسکان عن أبی عبد الله علیه السلام قال: «اصبروا علی المصائب». وقال : «إذا کان یوم القیامة نادی مناد: أین الصابرون؟ فیقوم فئام من الناس ثم ینادی: أین المتصبرون؟ فیقوم فئام من الناس». قلت: جعلت فداک وما الصابرون وما المتصبرون؟ قال: «الصابرون علی أداء الفرائض والمتصبرون علی اجتناب المحارم»((9)).

ص:603


1- وسائل الشیعة: ج3 ص255 ب76 ح3560
2- بحار الأنوار: ج68 ص80 ب62 ح16
3- مستدرک الوسائل: ج2 ص423 ب64 ح2352
4- سورة آل عمران: 200
5- بحار الأنوار: ج68 ص82 ب62 ح19
6- تفسیر العیاشی: ج2 ص188 من سورة یوسف ح57
7- وسائل الشیعة: ج3 ص259 ب76 ح3578
8- من لا یحضره الفقیه: ج4 ص403 ومن ألفاظ رسول الله الموجزة ح5868
9- بحار الأنوار: ج68 ص83 ب62 ح25

وفی تفسیر القمی: ]جَنَّاتُ عَدْنٍ یَدْخُلُونَها ومَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وأَزْواجِهِمْ وذُرِّیَّاتِهِمْ والْمَلائِکَةُ یَدْخُلُونَ عَلَیْهِمْ مِنْ کُلِّ بابٍ * سَلامٌ عَلَیْکُمْ بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَی الدَّارِ[((1)) قال: نزلت فی الأئمة علیهم السلام وشیعتهم الذین صبروا((2)).

وعن جعفر، عن أبیه، عن علی بن أبی طالب علیه السلام قال: «لا یذوق المرء من حقیقة الإیمان حتی یکون فیه ثلاث خصال: الفقه فی الدین، والصبر علی المصائب، وحسن التقدیر فی المعاش»((3)).

24- الصدق

مسألة: یجب الصدق، وهو من مقومات أو مصادیق السلم والسلام بالمعنی الأعم. قال تعالی: ]قالَ اللَّهُ هذا یَوْمُ یَنْفَعُ الصَّادِقِینَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِی مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهارُ خالِدِینَ فِیها أَبَداً رَضِیَ اللَّهُ عَنْهُمْ ورَضُوا عَنْهُ ذلِکَ الْفَوْزُ الْعَظِیمُ[((4)).

وقال سبحانه: ]یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وکُونُوا مَعَ الصَّادِقِینَ[ ((5)).

وقال تعالی: ]وَالَّذِی جاءَ بِالصِّدْقِ وصَدَّقَ بِهِ أُولئِکَ هُمُ الْمُتَّقُونَ * لَهُمْ ما یَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذلِکَ جَزاءُ الْمُحْسِنِینَ * لِیُکَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِی عَمِلُوا ویَجْزِیَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِی کانُوا یَعْمَلُونَ[ ((6)).

عن الحسین بن أبی العلاء عن أبی عبد الله علیه السلام قال: «إن الله عزوجل لم یبعث نبیاً إلا بصدق الحدیث، وأداء الأمانة إلی البر والفاجر»((7)).

وعن محمد بن مسلم عن أبی عبد الله علیه السلام قال: «من صدق لسانه زکا عمله»((8)).

ص:604


1- سورة الرعد: 23- 24
2- تفسیر القمی: ج1 ص365 سورة الرعد
3- قرب الإسناد: ص46
4- سورة المائدة: 119
5- سورة التوبة: 119
6- سورة الزمر: 33- 35
7- الکافی: ج2 ص104 باب الصدق وأداء الأمانة ح1
8- الخصال: ج1 ص88 ثلاث بثلاث ح21- 22

وعن عمرو بن أبی المقدام قال: قال لی أبو جعفر علیه السلام فی أول دخلة دخلت علیه: «تعلموا الصدق قبل الحدیث»((1)).

وعن ابن أبی یعفور عن أبی عبد الله علیه السلام قال: «کونوا دعاة للناس بالخیر بغیر ألسنتکم لیروا منکم الاجتهاد والصدق والورع»((2)).

والحسن بن زیاد الصیقل قال: قال أبو عبد الله علیه السلام: «من صدق لسانه زکا عمله، ومن حسنت نیته زید فی رزقه، ومن حسن بره بأهل بیته زید فی عمره»((3)).

وقال أبو عبد الله علیه السلام: «لا تنظروا إلی طول رکوع الرجل وسجوده فإن ذلک شیء قد اعتاده فلو ترکه استوحش لذلک ولکن انظروا إلی صدق حدیثه وأداء أمانته»((4)).

وعن أحمد بن محمد الهمدانی عن أبی جعفر الثانی عن آبائه علیهم السلام عن النبی صلی الله علیه و آله قال: «لا تنظروا إلی کثرة صلاتهم وصومهم وکثرة الحج والمعروف وطنطنتهم باللیل، ولکن انظروا إلی صدق الحدیث وأداء الأمانة»((5)).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: «الزموا الصدق فإنه منجاة»((6)).

وعن السکونی عن جعفر بن محمد عن أبیه عن آبائه علیهم السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «زینة الحدیث الصدق»((7)).

25- الصفح

مسألة: یستحب الصفح، وهو من مقومات أو مصادیق السلم والسلام بالمعنی الأعم.

ص:605


1- تنبیه الخواطر ونزهة النواظر: ج2 ص188
2- بحار الأنوار: ج68 ص7-8 ب60 ح8
3- الأمالی للطوسی: ص245 المجلس9 ح425
4- الکافی: ج2 ص105 باب الصدق وأداء الأمانة ح12
5- بحار الأنوار: ج68 ص9 ب60 ح13
6- تحف العقول: ص104 آدابه علیه السلام لأصحابه وهی أربعمائة باب
7- بحار الأنوار: ج68 ص17 ب60 ح32

قال تعالی: ]فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ یَعْلَمُونَ[((1)).

وقال سبحانه: ]وَدَّ کَثِیرٌ مِنْ أَهْلِ الْکِتابِ لَوْ یَرُدُّونَکُمْ مِنْ بَعْدِ إِیمانِکُمْ کُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَیَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا واصْفَحُوا حَتَّی یَأْتِیَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلی کُلِّ شَیْءٍ  قَدِیرٌ[((2)).

وقال تعالی: ]فَبِما نَقْضِهِمْ مِیثاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِیَةً یُحَرِّفُونَ الْکَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ ونَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُکِّرُوا بِهِ ولا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلی خائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلاَّ قَلِیلاً مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ واصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ یُحِبُّ الْمُحْسِنِینَ[((3)).

وقال سبحانه: ]وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ والأَْرْضَ وما بَیْنَهُما إِلاَّ بِالْحَقِّ وإِنَّ السَّاعَةَ لآَتِیَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِیلَ[((4)).

وقال تعالی: ]وَلا یَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْکُمْ والسَّعَةِ أَنْ یُؤْتُوا أُولِی الْقُرْبی والْمَساکِینَ والْمُهاجِرِینَ فِی سَبِیلِ اللَّهِ ولْیَعْفُوا ولْیَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ یَغْفِرَ اللَّهُ لَکُمْ واللَّهُ غَفُورٌ رَحِیمٌ[((5)).

عن جابر عن أبی جعفر علیه السلام قال: «ثلاث لا یزید الله بهن المرء المسلم إلا عزا: الصفح عمن ظلمه، وإعطاء من حرمه، والصلة لمن قطعه»((6)).

وعن علی بن الحسن بن فضال عن أبیه قال: قال الرضا علیه السلام فی قول الله عزوجل: ]فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِیلَ[((7)) قال: «العفو من غیر عتاب»((8)).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: «علیک بمداراة الناس، وإکرام العلماء، والصفح عن زلات الإخوان، فقد أدبک سید الأولین والآخرین بقوله صلی الله علیه و آله: اعف عمن ظلمک،

ص:606


1- سورة الزخرف: 89
2- سورة البقرة: 109
3- سورة المائدة: 13
4- سورة الحجر: 85
5- سورة النور: 22
6- الکافی: ج2 ص108-109 باب العفو ح10
7- سورة الحجر: 85
8- معانی الأخبار: ص373-374 باب معنی الصفح الجمیل ح1

وصل من قطعک، وأعط من حرمک»((1)).

وقال الإمام الصادق علیه السلام: «الصفح الجمیل أن لا تعاقب علی الذنب، والصبر الجمیل الذی لیس فیه شکوی»((2)).

وعن جراح المدائنی قال: قال لی أبو عبد الله علیه السلام: «ألا أحدثک بمکارم الأخلاق: الصفح عن الناس، ومواساة الرجل أخاه فی ماله، وذکر الله کثیراً»((3)).

وقال ابن أبی الحدید فی سیاسة علی علیه السلام وجریها علی سیاسة الرسول صلی الله علیه و آله: (وکان عمر مع ذلک شدید الغلظة والسیاسة، وکان علی علیه السلام کثیر الحلم والصفح والتجاوز فازدادت خلافة ذاک قوة وخلافة هذا لینا)((4)).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: «الصفح أحسن الشیم»((5)). وقال علیه السلام: «الصفح أن یعفو الرجل عما یجنی علیه ویحلم عما یغیظه»((6)).

وقال الإمام الصادق علیه السلام: «والمتورع یحتاج إلی ثلاثة أصول: الصفح عن عثرات الخلق أجمع، وترک خطیئته فیهم، واستواء المدح والذم»((7)).

وقال الإمام الرضا علیه السلام فی تفسیر قوله تعالی: ]فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِیلَ[((8))، فقال علیه السلام: «عفواً من غیر عقوبة ولا تعنیف ولا عتب»((9)).

26- الصمت

مسألة: یستحب الصمت فی الجملة وقد یجب، وهو من مقومات أو مصادیق

ص:607


1- بحار الأنوار: ج75 ص71 ب16 ح34
2- تحف العقول: ص369 وروی عنه علیه السلام فی قصار هذه المعانی
3- وسائل الشیعة: ج15 ص199 ب6 ح20273
4- شرح نهج البلاغة: ج10 ص213 سیاسة علی علیه السلام وجریها علی سیاسة الرسول صلی الله علیه و آله
5- غرر الحکم ودرر الکلم: ص245 ق3 ب2 ف2 فضیلة العفو والترغیب فیه ح5003
6- غرر الحکم ودرر الکلم: ص245 ق3 ب2 ف2 فضیلة العفو والترغیب فیه ح5007
7- مصباح الشریعة: ص40 ب18
8- سورة الحجر: 85
9- بحار الأنوار: ج75 ص357 ب26 ضمن ح12

السلم والسلام بالمعنی الأعم.

قال تعالی: ]یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْیاءَ إِنْ تُبْدَ لَکُمْ تَسُؤْکُمْ وإِنْ تَسْئَلُوا عَنْها حِینَ یُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَکُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْها واللَّهُ غَفُورٌ حَلِیمٌ * قَدْ سَأَلَها قَوْمٌ مِنْ قَبْلِکُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِها کافِرِینَ[((1)).

وسئل علی بن الحسین علیه السلام عن الکلام والسکوت أیهما أفضل؟ فقال علیه السلام: «لکل واحد منهما آفات فإذا سلما من الآفات فالکلام أفضل من السکوت». قیل: وکیف ذاک یا ابن رسول الله؟ قال: «لأن الله عزوجل ما بعث الأنبیاء والأوصیاء بالسکوت إنما یبعثهم بالکلام، ولا استحقت الجنة بالسکوت ولا استوجبت ولایة الله بالسکوت، ولا توقیت النار بالسکوت، ولا تجنب سخط الله بالسکوت إنما ذلک کله بالکلام، وما کنت لأعدل القمر بالشمس إنک تصف فضل السکوت بالکلام ولست تصف فضل الکلام بالسکوت»((2)).

وعن سلیمان بن خالد عن الصادق عن آبائه علیهم السلام أن أمیر المؤمنین علیه السلام قال: «جمع الخیر کله فی ثلاث خصال: النظر والسکوت والکلام، فکل نظر لیس فیه اعتبار فهو سهو، وکل سکوت لیس فیه فکر فهو غفلة، وکل کلام لیس فیه ذکر فهو لغو، فطوبی لمن کان نظره عبرا، وسکوته فکرا، وکلامه ذکرا، وبکی علی خطیئته وآمن الناس شره»((3)).

وعن أبی جعفر محمد بن علی الباقر علیه السلام عن أبیه عن جده قال: قال أمیر المؤمنین علیه السلام فی خطبة خطبها بعد موت النبی صلی الله علیه و آله بتسعة أیام وذلک حین فرغ من جمع القرآن: «... ولا حافظ أحفظ من الصمت»((4)).

وقال رسول الله صلی الله علیه و آله: «أعظم الناس قدراً من ترک ما لا یعنیه»((5)).

ص:608


1- سورة المائدة: 101- 102
2- الاحتجاج: ج2 ص315 احتجاجه علیه السلام فی أشیاء شتی من علوم الدین
3- بحار الأنوار: ج68 ص275 ب78 ح2
4- الأمالی للصدوق: ص321 المجلس52 ح8
5- مشکاة الأنوار: ص86 ب2 ف4

وقال الصادق علیه السلام قال: «النوم راحة للجسد، والنطق راحة للروح، والسکوت راحة للعقل»((1)).

وعن عبد العظیم الحسنی عن أبی جعفر عن آبائه علیهم السلام قال: قال أمیر المؤمنین علیه السلام: «المرء مخبوء تحت لسانه»((2)).

وعن أحمد بن محمد بن أبی نصر البزنطی قال: قال أبو الحسن علیه السلام: «من علامات الفقه: الحلم والعلم والصمت، إن الصمت باب من أبواب الحکمة، وإن الصمت یکسب المحبة وإنه دلیل علی کل خیر»((3)).

وعن مسعدة بن صدقة قال: حدثنی جعفر بن محمد عن آبائه علیهم السلام أن رسول الله صلی الله علیه و آله قال: «إن علی لسان کل قائل رقیباً، فلیتق الله العبد ولینظر ما یقول»((4)).

وعن الحارث عن علی علیه السلام قال: «ما من شیء أحق بطول السجن من اللسان»((5)).

وعن أبی عبد الله علیه السلام قال: «لا یزال العبد المؤمن یکتب محسناً ما دام ساکتاً، فإذا تکلم کتب محسناً أو مسیئاً»((6)).

وعن مسعدة بن صدقة قال: حدثنی جعفر بن محمد عن أبیه علیه السلام: «أن داود قال لسلیمان (علیهما جمیعاً السلام): یا بنی إیاک وکثرة الضحک فإن کثرة الضحک تترک العبد فقیراً یوم القیامة، یا بنی علیک بطول الصمت إلا من خیر فإن الندامة علی طول الصمت مرة واحدة خیر من الندامة علی کثرة الکلام مرات، یا بنی لو أن الکلام کان من فضة کان ینبغی للصمت أن یکون من ذهب»((7)).

وعن الثمالی عن علی بن الحسین علیه السلام قال: «إن لسان ابن آدم یشرف کل یوم

ص:609


1- من لا یحضره الفقیه: ج4 ص402 ومن ألفاظ رسول الله الموجزة ح5865
2- مستدرک الوسائل: ج18 ص261 ب55 ح22696
3- الخصال: ج1 ص158 ثلاث خصال من علامات الفقه ح202
4- قرب الإسناد: ص32
5- وسائل الشیعة: ج12 ص193 ب119 ح16061
6- الکافی: ج2 ص116 باب الصمت وحفظ اللسان ح21
7- قرب الإسناد: ص33

علی جوارحه فیقول: کیف أصبحتم؟ فیقولون: بخیر إن ترکتنا، ویقولون: الله الله فینا، ویناشدونه ویقولون: إنما نثاب بک ونعاقب بک»((1)).

وعن السکونی عن جعفر بن محمد عن أبیه علیه السلام قال: «قال أبو ذر (رحمة الله علیه): اجعل الدنیا کلمتین کلمة فی طلب الحلال وکلمة للآخرة، والثالثة تضر ولاتنفع فلا تردها»((2)).

وعن سفیان الثوری عن الصادق جعفر بن محمد (صلوات الله علیه) قال: «یا سفیان أمرنی والدی علیه السلام بثلاث ونهانی عن ثلاث، فکان فیما قال لی: یا بنی من یصحب صاحب السوء لا یسلم، ومن یدخل مداخل السوء یتهم، ومن لا یملک لسانه یندم ثم أنشدنی فقال علیه السلام:

عود لسانک قول الخیر تحظ به

إن اللسان لما عودت معتاد

موکل بتقاضی ما سننت ل-ه

فی الخیر والشر فانظر کیف تعتاد((3))

وعن ابن معروف عن علی بن مهزیار رفعه قال: «یأتی علی الناس زمان تکون العافیة فیه عشرة أجزاء: تسعة منها فی اعتزال الناس وواحدة فی الصمت»((4)).

وفی وصیة رسول الله صلی الله علیه و آله لأبی ذر قال: «علی العاقل أن یکون بصیراً بزمانه، مقبلاً علی شانه، حافظاً للسانه، فإن من حسب کلامه من عمله قل کلامه إلا فیما یعنیه»((5)).

وقال رسول الله صلی الله علیه و آله: «علیک بطول الصمت، فإنه مطردة للشیطان وعون لک علی أمر دینک»((6)).

وعن مسعدة بن زیاد عن جعفر بن محمد عن أبیه علیه السلام أن النبی صلی الله علیه و آله قال:

ص:610


1- الاختصاص: ص230 حدیث فی زیارة المؤمن لله
2- بحار الأنوار: ج68 ص278 ب78 ح16
3- الخصال: ج1 ص169 أمر الباقر علیه السلام ابنه الصادق علیه السلام بثلاث ح222
4- بحار الأنوار: ج67 ص109-110 ب49 ح7، والبحار: ج68 ص279 ب78 ح18
5- إرشاد القلوب: ج1 ص140 ب44
6- بحار الأنوار: ج68 ص279 ب78 ضمن ح19

«ثلاث منجیات: تکف لسانک، وتبکی علی خطیئتک، وتلزم بیتک»((1)).

وعن علی بن أسباط والحجال أنهما سمعا الرضا علیه السلام یقول: «کان العابد من بنی إسرائیل لا یتعبد حتی یصمت عشر سنین»((2)).

وفیما أوصی به أمیر المؤمنین علیه السلام عند وفاته: «الزم الصمت تسلم»((3)).

وعن الحسن بن علی (صلوات الله علیه) قال: «نعم العون الصمت فی مواطن کثیرة وإن کنت فصیحاً»((4)).

وعن خراش مولی أنس عن أنس قال: خرج رسول الله صلی الله علیه و آله علی أصحابه فقال: «من ضمن لی اثنین ضمنت ل-ه الجنة». فقال أبو هریرة: فداک أبی وأمی یا رسول الله صلی الله علیه و آله أنا أضمنهما لک، ما هما؟ قال: فقال رسول الله صلی الله علیه و آله: «من ضمن لی ما بین لحییه وما بین رجلیه ضمنت له الجنة»((5)).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: «فاخزن لسانک وعد کلامک یقل کلامک إلا بخیر»((6)).

27- العدل

مسألة: العدل واجب، وهو من مقومات أو مصادیق السلم والسلام بالمعنی الأعم. قال تعالی: ]یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا کُونُوا قَوَّامِینَ لِلَّهِ شُهَداءَ بِالْقِسْطِ ولا یَجْرِمَنَّکُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلی أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوی[((7)).

وقال سبحانه: ]وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا ولَوْ کانَ ذا قُرْبی[((8)).

وقال تعالی: ]قُلْ أَمَرَ رَبِّی بِالْقِسْطِ[((9)).

ص:611


1- الخصال: ج1 ص85 ثلاث درجات وثلاث کفارات ح13
2- عیون أخبار الرضا علیه السلام : ج2 ص12 ب30 ح28
3- کشف الغمة: ج1 ص536 ذکر إمامته وبیعته علیه السلام
4- معانی الأخبار: ص401 باب نوادر المعانی ح62
5- بحار الأنوار: ج68 ص272 ب77 ح18، والبحار: ج68 ص280-281 ب78 ح26
6- الأمالی للصدوق: ص394 المجلس62 ح4
7- سورة المائدة: 8
8- سورة الأنعام: 152
9- سورة الأعراف: 29

وقال تعالی: ]وَمِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ یَهْدُونَ بِالْحَقِّ وبِهِ یَعْدِلُونَ[((1)).

وقال سبحانه: ]وَأُمِرْتُ لأَِعْدِلَ بَیْنَکُمُ[((2)).

وقال تعالی: ]لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَیِّناتِ وأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْکِتابَ والْمِیزانَ لِیَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ[((3)).

عن الإمام الصادق علیه السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «أعدل الناس من رضی للناس ما یرضی لنفسه وکره لهم ما یکره لنفسه»((4)).

وعن حبیب الخثعمی عن أبی عبد الله علیه السلام قال: «أحبوا للناس ما تحبون لأنفسکم»((5)).

وعن أبی عبد الله علیه السلام قال: «من أنصف الناس من نفسه رضی به حکماً لغیره»((6)).

وعن معاویة عن أبیه قال: سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول: «ما ناصح الله عبد فی نفسه فأعطی الحق منها وأخذ الحق لها إلا أعطی خصلتین: رزقاً من الله یسعه، ورضاً عن الله یغنیه»((7)).

وعن محمد بن مسلم عن أبی عبد الله علیه السلام قال: «ثلاثة هم أقرب الخلق إلی الله یوم القیامة حتی یفرغ من الحساب: رجل لم تدعه قدرته فی حال غضبه إلی أن یحیف علی من تحت یدیه، ورجل مشی بین اثنین فلم یمل مع أحدهما علی الآخر بشعیرة، ورجل قال الحق فیما علیه وله»((8)).

ص:612


1- سورة الأعراف: 181
2- سورة الشوری: 15
3- سورة الحدید: 25
4- من لا یحضره الفقیه: ج4 ص395 ومن ألفاظ رسول الله الموجزة ح5840
5- الکافی: ج2 ص635 باب ما یجب من المعاشرة ح3
6- مستدرک الوسائل: ج11 ص309 ب34 ح13119
7- وسائل الشیعة: ج15 ص286 ب34 ح20534
8- الخصال: ج1 ص81 ثلاثة أقرب الخلق إلی الله ح5

وعن الفضل بن شاذان عن الرضا علیه السلام قال: «استعمال العدل والإحسان مؤذن بدوام النعمة»((1)).

عن أبی مالک قال: قلت لعلی بن الحسین علیه السلام: أخبرنی بجمیع شرائع الدین؟ قال: «قول الحق، والحکم بالعدل، والوفاء بالعهد»((2)).

وفیما أوصی به أمیر المؤمنین علیه السلام عند وفاته: «أوصیک بالعدل فی الرضا والغضب»((3)).

وعن أبی عبیدة الحذاء عن أبی عبد الله جعفر بن محمد علیه السلام قال: قال: «ألا أخبرک بأشد ما افترض الله علی خلقه: إنصاف الناس من أنفسهم، ومواساة الإخوان فی الله عز وجل، وذکر الله علی کل حال، فإن عرضت ل-ه طاعة لله عمل بها، وإن عرضت له معصیته له ترکها»((4)).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام فی قوله تعالی: ]إِنَّ اللَّهَ یَأْمُرُ بِالْعَدْلِ والإِحْسانِ[((5)): «العدل الإنصاف والإحسان التفضل»((6)).

وعن جعفر بن محمد عن أبیه عن جده علی بن الحسین عن أبیه عن علی بن أبی طالب علیه السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «السابقون إلی ظل العرش طوبی لهم. قلنا: یا رسول الله ومن هم؟ قال صلی الله علیه و آله: الذین یقبلون الحق إذا سمعوه، ویبذلونه إذا سألوه، ویحکمون للناس کحکمهم لأنفسهم، هم السابقون إلی ظل العرش»((7)).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام فی وصیته لابنه الحسن علیه السلام: «یا بنی اجعل نفسک میزانا فیما بینک وبین غیرک، فأحبب لغیرک ما تحب لنفسک، واکره ل-ه ما تکره لها، ولاتظلم کما لا تحب أن تظلم، وأحسن کما تحب أن یحسن إلیک، واستقبح من

ص:613


1- مستدرک الوسائل: ج11 ص317 ب37 ح13140
2- الخصال: ج1 ص113 جمیع شرائع الدین ثلاثة أشیاء ح90
3- بحار الأنوار: ج72 ص27 ب35 ح12
4- الأمالی للمفید: ص317 المجلس38 ح1
5- سورة النحل: 90
6- نهج البلاغة: قصار الحکم 231
7- الجعفریات: ص183 کتاب التفسیر

نفسک ما تستقبحه من غیرک، وارض من الناس بما ترضاه لهم من نفسک، ولا تقل ما لا تعلم وإن قل ما تعلم، ولا تقل ما لا تحب أن یقال لک»((1)).

وعن یحیی بن إبراهیم بن أبی البلاد عن أبیه عن جده أبی البلاد رفعه قال: جاء أعرابی إلی النبی صلی الله علیه و آله وهو یرید بعض غزواته فأخذ بغرز راحلته. فقال: یا رسول الله علمنی عملاً أدخل به الجنة؟ فقال: «ما أحببت أن یأتیه الناس إلیک فأته إلیهم، وما کرهت أن یأتیه الناس إلیک فلا تأته إلیهم، خل سبیل الراحلة»((2)).

28- العفو

مسألة: یستحب العفو، وهو من مقومات أو مصادیق السلم والسلام بالمعنی الأعم. قال تعالی: ]وَالْکاظِمِینَ الْغَیْظَ والْعافِینَ عَنِ النَّاسِ واللَّهُ یُحِبُّ الْمُحْسِنِینَ[((3)).

وقال سبحانه: ]فَاعْفُوا واصْفَحُوا حَتَّی یَأْتِیَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ[((4)).

وقال تعالی: ]فَاعْفُ عَنْهُمْ واصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ یُحِبُّ الْمُحْسِنِینَ[((5)).

وقال سبحانه: ]خُذِ الْعَفْوَ وأْمُرْ بِالْعُرْفِ وأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِینَ[((6)).

وقال تعالی: ]وَلْیَعْفُوا ولْیَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ یَغْفِرَ اللَّهُ لَکُمْ واللَّهُ غَفُورٌ رَحِیمٌ[((7)).

عن عبد الله بن سنان عن أبی عبد الله علیه السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله فی خطبة: «ألا أخبرکم بخیر خلائق الدنیا والآخرة: العفو عمن ظلمک، وتصل من قطعک،

ص:614


1- نهج البلاغة: الرسائل 31 ومن وصیة له علیه السلام للحسن بن علی علیه السلام کتبها إلیه بحاضرین
2- الکافی: ج2 ص146 باب الإنصاف والعدل ح10
3- سورة آل عمران: 134
4- سورة البقرة: 109
5- سورة المائدة: 13
6- سورة الأعراف: 199
7- سورة النور: 22

والإحسان إلی من أساء إلیک، وإعطاء من حرمک»((1)).

وعن أبی حمزة الثمالی عن علی بن الحسین علیه السلام قال: سمعته یقول: «إذا کان یوم القیامة جمع الله تبارک وتعالی الأولین والآخرین فی صعید واحد ثم ینادی مناد: أین أهل الفضل؟ - قال -: فیقوم عنق من الناس فتلقاهم الملائکة، فیقولون: وما کان فضلکم؟ فیقولون: کنا نصل من قطعنا ونعطی من حرمنا ونعفو عمن ظلمنا - قال -: فیقال لهم: صدقتم ادخلوا الجنة»((2)).

وعن السکونی عن أبی عبد الله علیه السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «علیکم بالعفو فإن العفو لا یزید العبد إلا عزا فتعافوا یعزکم الله»((3)).

وعن حمران عن أبی جعفر علیه السلام قال: «الندامة علی العفو أفضل وأیسر من الندامة علی العقوبة»((4)).

وعن مغیث قال: کان أبو الحسن موسی علیه السلام فی حائط له یصرم، فنظرت إلی غلام ل-ه قد أخذ کارة من تمر فرمی بها وراء الحائط، فأتیته فأخذته وذهبت به إلیه. فقلت ل-ه: جعلت فداک إنی وجدت هذا وهذه الکارة. فقال للغلام: «فلان». فقال: لبیک. قال: «أتجوع؟». قال: لا یا سیدی. قال: «فتعری؟». قال: لا یا سیدی. قال: «فلأی شیء أخذت هذا؟». قال: اشتهیت ذلک. قال: «اذهب فهی لک خلوا عنه»((5)).

وعن الحسن بن علی بن فضال قال: سمعت أبا الحسن علیه السلام یقول: «ما التقت فئتان قتالاً قط إلا نصر الله  أعظمهما عفواً»((6)).

وعن زرارة عن أبی جعفر علیه السلام قال: «إن رسول الله صلی الله علیه و آله أتی بالیهودیة التی سمت الشاة للنبی صلی الله علیه و آله، فقال لها: ما حملکِ علی ما صنعتِ؟ فقالت: قلت: إن کان نبیاً لم یضره، وإن کان ملکاً أرحت الناس منه. قال: فعفا رسول الله صلی الله علیه و آله عنها»((7)).

وقال الصادق علیه السلام - فی جواب المنصور لما طلبه وعاتبه -: «حدثنی أبی عن أبیه عن جده أن النبی صلی الله علیه و آله قال: ینادی مناد یوم القیامة من بطنان العرش ألا فلیقم کل

ص:615


1- وسائل الشیعة: ج12 ص172 ب113 ح15993
2- الکافی: ج2 ص107- 108 باب العفو ح4
3- بحار الأنوار: ج68 ص401 ب93 ح5
4- وسائل الشیعة: ج12 ص170 ب112 ح15986
5- تنبیه الخواطر ونزهة النواظر: ج2 ص188- 189
6- الأمالی للمفید: ص209- 210 المجلس23 ح45
7- بحار الأنوار: ج16 ص265 ب9 فی سواکه ح62

من أجره علیَّ فلا یقوم إلا من عفا عن أخیه»((1)).

وعن عبد الله بن محمد قال: سمعت عبد الرزاق یقول: جعلت جاریة لعلی بن الحسین علیه السلام تسکب علیه الماء لیتهیأ للصلاة، فنعست فسقط الإبریق من ید الجاریة فشجه، فرفع رأسه إلیها. فقالت ل-ه الجاریة: إن الله یقول: ]والْکاظِمِینَ الْغَیْظَ[ فقال: «قد کظمت غیظی». قالت: ]والْعافِینَ عَنِ النَّاسِ[ قال لها: «عفا الله عنکِ». قالت: ]واللَّهُ یُحِبُّ الْمُحْسِنِینَ[((2))، قال: «اذهبی فأنت حرة»((3)).

وعن زرارة بن أعین قال: سمعت أبا عبد الله الصادق علیه السلام یقول: «إنا أهل بیت مروتنا العفو عمن ظلمنا»((4)).

وعن ابن صدقة عن جعفر عن أبیه علیه السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «إن العفو یزید صاحبه عزاً فاعفوا یعزکم الله»((5)).

وعن الثمالی عن الصادق عن آبائه علیهم السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «أولی الناس بالعفو أقدرهم علی العقوبة... وأحزم الناس أکظمهم للغیظ»((6)).

وعن علی بن الحسن بن علی بن فضال عن أبیه قال: قال الرضا علیه السلام: فی قول الله عزوجل: ]فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِیلَ[((7)) قال: «العفو من غیر عتاب»((8)).

وقال الصادق علیه السلام: «العفو عند القدرة من سنن المرسلین وأسرار المتقین»((9)).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: «إذا قدرت علی عدوک فاجعل العفو عنه شکراً للقدرة علیه»((10)).

ص:616


1- العدد القویة: ص156 نبذة من أحوال الإمام الصادق علیه السلام
2- سورة آل عمران: 134
3- الإرشاد: ج2 ص146- 147 باب ذکر طرف من الأخبار لعلی بن الحسین علیه السلام
4- الأمالی للصدوق: ص289 المجلس48 ح7
5- بحار الأنوار: ج68 ص419 ب93 ح49
6- معانی الأخبار: ج1 ص196 باب معنی الغایات ح1
7- سورة الحجر: 85
8- وسائل الشیعة: ج12 ص170 ب112 ح15988
9- مصباح الشریعة: ص158 ب75
10- نهج البلاغة: قصار الحکم 11

29- الغیرة

مسألة: الغیرة مستحبة فی بعض مراتبها وواجبة فی البعض الآخر، وهی من مقومات أو مصادیق السلم والسلام بالمعنی الأعم.

عن محمد بن عیسی بن عبید عن الرضا علیه السلام قال: «فی الدیک الأبیض خمس خصال من خصال الأنبیاء علیهم السلام:معرفته بأوقات الصلاة، والغیرة، والسخاء، والشجاعة، وکثرة الطروقة»((1)).

وعن السکونی عن جعفر بن محمد عن أبیه عن آبائه علیهم السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «الغیرة من الإیمان والبذاء من النفاق»((2)).

وعن علی بن الحسین علیه السلام عن أبیه علیه السلام عن علی علیه السلام: «أن رسول الله صلی الله علیه و آله نهی أن یدخل علی النساء إلا بإذن الأولیاء»((3)).

وعن جعفر بن محمد عن أبیه عن جده علی بن الحسین عن أبیه عن علیعلیهم السلام قال: «أخذ رسول الله صلی الله علیه و آله فی البیعة علی النساء ولا یحدثن من الرجال إلا ذا محرم»((4)).

وعن جعفر بن محمد عن أبیه علیه السلام: «أن فاطمة بنت رسول الله صلی الله علیه و آله استأذن علیها أعمی فحجبته. فقال لها النبی صلی الله علیه و آله: لِمَ حجبته وهو لا یراکِ؟. فقالت: یا رسول الله إن لم یکن یرانی فأنا أراه وهو یشم الریح. فقال النبی صلی الله علیه و آله: أشهد أنکِ بضعة منی»((5)).

وعن أبی عبد الله علیه السلام قال: «إن الله تبارک وتعالی غیور یحب کل غیور ولغیرته حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن»((6)).

ص:617


1- مستدرک الوسائل: ج3  ص97 ب1 ح3109
2- بحار الأنوار: ج68 ص342 ب84 ح2
3- الجعفریات: ص95 باب فضل الغیرة
4- الجعفریات: ص95 باب فضل الغیرة
5- مستدرک الوسائل: ج14 ص289 ب100 ح16740
6- مشکاة الأنوار: ص236 ب5 ف6

وعن عبد الله بن أبی یعفور قال: سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول: «إذا لم یغر الرجل فهو منکوس القلب»((1)).

وعن أبی عبد الله علیه السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «کان إبراهیم علیه السلام غیوراً وأنا أغیر منه وجدع الله أنف من لا یغار من المؤمنین والمسلمین»((2)).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: «أما تستحیون ولا تغارون نساءکم یخرجن إلی الأسواق ویزاحمن العلوج»((3)).

وعن محمد بن مسلم عن أبی عبد الله علیه السلام قال: «ثلاثة لا یکلمهم الله یوم القیامة ولا ینظر إلیهم ولا یزکیهم ولهم عذاب ألیم:الشیخ الزانی، والدیوث، والمرأة توطئ فراش زوجها»((4)).

وعن عبد الله بن میمون القداح عن أبی عبد الله علیه السلام قال: «حرمت الجنة علی الدیوث»((5)).

وعن عبد الرحمن بن کثیر عن أبی عبد الله علیه السلام : «أن أمیر المؤمنین علیه السلام قال فی رسالته إلی الحسن علیه السلام: إیاک والتغایر فی غیر موضع الغیرة، فإن ذلک یدعو الصحیحة منهن إلی السقم،ولکن أحکم أمرهن فإن رأیت عیبا فعجل النکیر علی الصغیر والکبیر بأن تعاتب منهن البریة فیعظم الذنب ویهون العتب»((6)).

30- اللین

مسألة: یستحب اللین وقد یجب، وهو من مقومات أو مصادیق السلم والسلام بالمعنی الأعم.

قال تعالی: ]فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ولَوْ کُنْتَ فَظًّا غَلِیظَ الْقَلْبِ

ص:618


1- وسائل الشیعة: ج20 ص153 ب77 ح25284
2- الکافی: ج5 ص536 باب الغیرة ح4
3- وسائل الشیعة: ج20 ص235- 236 ب132 ح25521
4- من لا یحضره الفقیه: ج4 ص21 باب ما جاء فی الزنا ح4983
5- الکافی: ج5 ص537 باب الغیرة ح8
6- وسائل الشیعة: ج20 ص237 ب134 ح25524

لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِکَ فَاعْفُ عَنْهُمْ واسْتَغْفِرْ لَهُمْ[((1)).

وقال سبحانه: ]وَاخْفِضْ جَناحَکَ لِلْمُؤْمِنِینَ[((2)).

وقال تعالی: ]وَاخْفِضْ جَناحَکَ لِمَنِ اتَّبَعَکَ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ[((3)).

عن عبد الله بن سنان عن أبی عبد الله علیه السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «ألا أخبرکم بمن تحرم علیه النار غداً؟ قالوا: بلی یا رسول الله. قال: الهین القریب اللین السهل»((4)).

وقال رسول الله صلی الله علیه و آله: «أعقل الناس أشدهم مداراة للناس، وأذل الناس من أهان الناس»((5)).

وعن مسعدة بن صدقة قال: حدثنی جعفر بن محمد عن أبیه أن النبی صلی الله علیه و آله قال: «نعم وزیر الإیمان العلم، ونعم وزیر العلم الحلم، ونعم وزیر الحلم الرفق، ونعم وزیر الرفق اللین»((6)).

وعن أبی البختری رفعه قال: سمعته علیه السلام یقول: «المؤمنون هینون لینون کالجمل الألوف إذا قید انقاد وإن أنیخ علی صخرة استناخ»((7)).

وعن محمد بن عبد الرحمن العرزمی عن أبیه، عن أبی عبد الله الصادق جعفر بن محمد 3 قال: «من زی الإیمان الفقه، ومن زی الفقه الحلم، ومن زی الحلم الرفق، ومن زی الرفق اللین، ومن زی اللین السهولة»((8)).

وعن علی بن علی بن دعبل أخی دعبل بن علی، عن علی بن موسی الرضا عن أبیه عن آبائه عن علی بن أبی طالب علیهم السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «المؤمن هین

ص:619


1- سورة آل عمران: 159
2- سورة الحجر: 88
3- سورة الشعراء: 215
4- ثواب الأعمال: ص172 ثواب الهین القریب اللین السهل
5- بحار الأنوار: ج72 ص52 ب42 ح5
6- قرب الإسناد: ص32
7- أعلام الدین: ص110 باب صفة المؤمن
8- الأمالی للطوسی: ص189 المجلس7 ح318

لین سمح، له خلق حسن. والکافر فظ غلیظ، له خلق سیئ وفیه جبریة»((1)).

وعن جابر عن أبی جعفر علیه السلام قال: قلت: إن قوماً إذا ذکروا شیئاً من القرآن أو حدثوا به صعق أحدهم حتی یری أن أحدهم لو قطعت یداه أو رجلاه لم یشعر بذلک. فقال: «سبحان الله ذاک من الشیطان ما بهذا نعتوا إنما هو اللین والرقة والدمعة والوجل»((2)).

وفی طب النبی: قال صلی الله علیه و آله: «ثلاث یفرح بهن الجسم ویربو: الطیب، واللباس اللین، وشرب العسل»((3)).

وقال رسول الله صلی الله علیه و آله مخاطباً ابن مسعود فی وصف الصابرین: «یا ابن مسعود علیهم الخشوع والوقار والسکینة والتفکر واللین والعدل والتعلیم والاعتبار والتدبیر والتقوی والإحسان والتحرج والحب فی الله والبغض فی الله وأداء الأمانة والعدل فی الحکمة وإقامة الشهادة ومعاونة أهل الحق علی المسیء والعفو عمن ظلم»((4)).

وقال صلی الله علیه و آله: «إن المؤمن لیدرک بالحلم واللین درجة العابد المجتهد»((5)).

وعن رسول الله صلی الله علیه و آله أنه قال: «ودعائم الإیمان اللین والعدل»((6)).

وقال النبی صلی الله علیه و آله فی جواب شمعون بن لاوی بن یهودا من حواری عیسی علیه السلام: «وأما الحیاء فیتشعب منه اللین والرأفة والمراقبة لله فی السر والعلانیة والسلامة واجتناب الشر والبشاشة والسماحة والظفر وحسن الثناء علی المرء فی الناس فهذا ما أصاب العاقل بالحیاء فطوبی لمن قبل نصیحة الله وخاف فضیحته»((7)).

وکتب أمیر المؤمنین علیه السلام إلی بعض عماله: «فاستعن بالله علی ما أهمک واخلط الشدة بضغث من اللین وارفق ما کان الرفق أرفق واعتزم بالشدة حین لا یغنی عنک إلا

ص:620


1- وسائل الشیعة: ج12 ص159 ب106 ح15946
2- الکافی: ج2 ص616 باب فیمن یظهر الغشیة عند قراءة القرآن ح1
3- مستدرک الوسائل: ج1 ص419 ب59 ح1049
4- مکارم الأخلاق: ص446 ب12 ف4
5- تنبیه الخواطر ونزهة النواظر: ج2 ص247
6- مستدرک الوسائل: ج12 ص419 ب31 ح14491
7- تحف العقول: ص17 ومن حکمه صلی الله علیه و آله وکلامه

الشدة واخفض للرعیة جناحک وأبسط لهم وجهک وألن لهم جانبک وآس بینهم فی اللحظة والنظرة والإشارة والتحیة حتی لا یطمع العظماء فی حیفک ولا ییأس الضعفاء من عدلک والسلام»((1)).

وکتب أمیر المؤمنین علیه السلام إلی حذیفة بن الیمان لما ولاه المدائن: «وآمرک بالرفق فی أمورک واللین والعدل علی رعیتک فإنک مسئول عن ذلک»((2)).

ومن کتاب ل-ه علیه السلام إلی بعض عماله: «أما بعد فإن دهاقین أهل بلدک شکوا منک غلظة وقسوة واحتقاراً وجفوة ونظرت فلم أرهم أهلا لأن یدنوا لشرکهم ولا أن یقصوا ویجفوا لعهدهم فالبس لهم جلبابا من اللین تشوبه بطرف من الشدة وداول

لهم بین القسوة والرأفة وامزج لهم بین التقریب والإدناء والإبعاد والإقصاء إن شاء الله»((3)).

وجاء فی رسالة الحقوق للإمام السجاد علیه السلام: «وأما حق المستشیر فإن حضرک ل-ه وجه رأی جهدت ل-ه فی النصیحة وأشرت علیه بما تعلم أنک لو کنت مکانه عملت به وذلک لیکن منک فی رحمة ولین، فإن اللین یؤنس الوحشة، وإن الغلظ یوحش موضع الأنس، وإن لم یحضرک ل-ه رأی وعرفت ل-ه من تثق برأیه وترضی به لنفسک دللته

علیه وأرشدته إلیه فکنت لم تأله خیراً ولم تدخره نصحاً ولا حول ولا قوة إلا بالله»((4)).

31- المداراة

مسألة: تستحب المداراة وقد تجب، وهی من مقومات أو مصادیق السلم والسلام بالمعنی الأعم. عن الحسین بن خالد عن أبی الحسن الرضا علیه السلام أنه سئل: ما العقل؟ فقال: «التجرع للغصة ومداهنة الأعداء ومداراة الأصدقاء»((5)).

ص:621


1- نهج البلاغة: الرسائل 46 ومن کتاب له علیه السلام إلی بعض عماله
2- إرشاد القلوب: ج2 ص321 فی فضائله من طریق أهل البیت علیهم السلام
3- نهج البلاغة: الرسائل 19 ومن کتاب له علیه السلام إلی بعض عماله
4- مستدرک الوسائل: ج11 ص165- 166 ب3 ح12664
5- الأمالی للصدوق: ص283-284 المجلس 47 ح17

وفی تفسیر الإمام العسکری علیه السلام قول-ه عزوجل: ]وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً[((1))، قال الصادق علیه السلام: «]وَقُولُوا لِلنَّاسِ[ کلهم ]حُسْناً[ مؤمنهم ومخالفهم. أما المؤمنون فیبسط لهم وجهه وبشره، وأما المخالفون فیکلمهم بالمداراة لاجتذابهم إلی الإیمان؛ فإن ییأس من ذلک یکف شرورهم عن نفسه وعن إخوانه المؤمنین - وقال الإمام علیه السلام -: إن مداراة أعداء الله من أفضل صدقة المرء علی نفسه وإخوانه. کان رسول الله صلی الله علیه و آله فی منزل-ه إذ استأذن علیه عبد الله بن أبی بن سلول. فقال رسول الله صلی الله علیه و آله: بئس أخو العشیرة ائذنوا له. فائذنوا له فلما دخل أجلسه وبشر فی وجهه. فلما خرج قالت ل-ه عائشة: یا رسول الله قلت فیه ما قلت وفعلت به من البشر ما فعلت! فقال رسول الله صلی الله علیه و آله: یا عویش یا حمیراء إن شر الناس عند الله یوم القیامة من یکرم اتقاء شره»((2)).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: «المداراة أحمد الخلال»((3)).

وقال الحسن بن علی علیه السلام: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «إن الأنبیاء علیهم السلام إنما فضلهم الله تعالی علی خلقه أجمعین لشدة مداراتهم لأعداء دین الله، وحسن تقیتهم لأجل إخوانهم فی الله»((4)).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: «رأس الحکمة مداراة الناس»((5)).

وقال محمد بن علی علیه السلام: «من أطاب الکلام مع موافقیه لیؤنسهم، وبسط وجهه لمخالفیه لیأمنهم علی نفسه وإخوانه، فقد حوی من الخیرات والدرجات العالیة عند الله ما لا یقادر قدره غیره»((6)).

وعن الحارث بن الدلهاث مولی الرضا علیه السلام قال: سمعت أبا الحسن علیه السلام یقول: «لا یکون المؤمن مؤمنا حتی یکون فیه ثلاث خصال: سنة من ربه وسنة من نبیه وسنة من ولیه. فالسنة من ربه کتمان سره قال الله عزوجل: ]عالِمُ الْغَیْبِ فَلا یُظْهِرُ عَلی

ص:622


1- سورة البقرة: 83
2- تفسیر الإمام العسکری علیه السلام : 353-354 ح240و241
3- غرر الحکم ودرر الکلم: ص444 ق6 ب4 ف4 مدح المداراة ح10164
4- تفسیر الإمام العسکری علیه السلام : ص355 فی مداراة النواصب ح244
5- غرر الحکم ودرر الکلم: ص445 ق6 ب4 ف4 مدح المداراة ح10168
6- مستدرک الوسائل: ج12 ص262 ب27 ح14065

غَیْبِهِ أَحَداً * إِلاَّ مَنِ ارْتَضی مِنْ رَسُولٍ[((1))، وأما السنة من نبیه صلی الله علیه و آله فمداراة الناس فإن الله عزوجل أمر نبیه صلی الله علیه و آله بمداراة الناس قال: ]خُذِ الْعَفْوَ وأْمُرْ بِالْعُرْفِ وأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِینَ[((2))، وأما السنة من ولیه علیه السلام فالصبر فی البأساء والضراء فإن الله عزوجل یقول: ]والصَّابِرِینَ فِی الْبَأْساءِ والضَّرَّاءِ[((3))»((4)).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: «عنوان العقل مداراة الناس»((5)).

وعن حذیفة بن منصور قال: سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول: «إن قوماً من قریش قلت مداراتهم للناس فنفوا من قریش، وایم الله ما کان بأحسابهم بأس. وإن قوماً من غیرهم حسنت مداراتهم فألحقوا بالبیت الرفیع». قال: ثم قال: «من کف یده عن الناس فإنما یکف عنهم یداً واحدة ویکفون عنهم أیادی کثیرة»((6)).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: «من لم یصلحه حسن المداراة أصلحه سوء المکافاة»((7)).

وعن حبیب السجستانی عن أبی جعفر علیه السلام قال: «فی التوراة مکتوب فیما ناجی الله عزوجل به موسی بن عمران علیه السلام: یا موسی اکتم مکتوم سری فی سریرتک، وأظهر فی علانیتک المداراة عنی لعدوی وعدوک من خلقی، ولا تستسب لی عندهم بإظهار مکتوم سری فتشرک عدوک وعدوی فی سبی»((8)).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: «مداراة الرجال من أفضل الأعمال»((9)).

وعن مسعدة بن صدقة عن أبی عبد الله علیه السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «مداراة الناس نصف الإیمان والرفق بهم نصف العیش - ثم قال أبو عبد الله علیه السلام -:

ص:623


1- سورة الجن: 26- 27
2- سورة الأعراف: 199
3- سورة البقرة: 177
4- الخصال: ج1 ص82 لا یکون المؤمن مؤمناً ح7
5- غرر الحکم ودرر الکلم: ص445 ق6 ب4 ف4 مدح المداراة ح10169
6- بحار الأنوار: ج72 ص53 ب42 ح9، والبحار: ج72 ص419 ب87 ح73
7- غرر الحکم ودرر الکلم: ص445 ق6 ب4 ف4 مدح المداراة ح10173
8- الکافی: ج2 ص117 باب المداراة ح3
9- غرر الحکم ودرر الکلم: ص445 ق6 ب4 ف4 مدح المداراة ح10174

خالطوا الأبرار سراً، وخالطوا الفجار جهاراً ولا تمیلوا علیهم فیظلموکم»((1)).

وعن علی بن الحکم عن الحسین بن الحسن قال: سمعت جعفراً علیه السلام یقول: «جاء جبرئیل علیه السلام إلی النبی صلی الله علیه و آله فقال: یا محمد ربک یقرئک السلام ویقول لک: دار خلقی»((2)). وعن عبد الله بن سنان عن أبی عبد الله علیه السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «أمرنی ربی بمداراة الناس کما أمرنی بأداء الفرائض»((3)).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: «سلامة الدین والدنیا فی مداراة الناس»((4)).

32- الاستشارة

مسألة: تستحب الاستشارة وقد تجب، وهی من مقومات أو مصادیق السلم والسلام بالمعنی الأعم. قال تعالی: ]وَشاوِرْهُمْ فِی الأَمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَکَّلْ عَلَی اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ یُحِبُّ الْمُتَوَکِّلِینَ[((5)). وقال سبحانه: ]وأَمْرُهُمْ شُوری بَیْنَهُمْ[((6)).

عن الحلبی عن أبی عبد الله علیه السلام قال: قال: «إن المشورة لا تکون إلا بحدودها، فمن عرفها بحدودها وإلا کانت مضرتها علی المستشیر أکثر من منفعتها له، فأولها أن یکون الذی تشاوره عاقلاً، والثانیة أن یکون حراً متدیناً، والثالثة أن یکون صدیقاً مؤاخیاً، والرابعة أن تطلعه علی سرک فیکون علمه به کعلمک بنفسک ثم یسر ذلک ویکتمه، فإنه إذا کان عاقلاً انتفعت بمشورته، وإذا کان حراً متدیناً أجهد نفسه فی النصیحة لک، وإذا کان صدیقاً مؤاخیاً کتم سرک إذا أطلعته علیه، وإذا أطلعته علی سرک فکان علمه به کعلمک تمت المشورة وکملت النصیحة»((7)).

وعن عبد العظیم الحسنی علیه السلام عن أبی جعفر الثانی علیه السلام عن آبائه علیهم السلام قال:

ص:624


1- وسائل الشیعة: ج12 ص201 ب121 ح16085
2- الکافی: ج2 ص116- 117 باب المداراة ح2
3- وسائل الشیعة: ج12 ص200 ب121 ح16081
4- غرر الحکم ودرر الکلم: ص445 ق6 ب4 ف4 مدح المداراة ح10178
5- سورة آل عمران: 159
6- سورة الشوری: 38
7- وسائل الشیعة: ج12 ص43 ب22 ح15597

قال أمیر المؤمنین علیه السلام: «خاطر بنفسه من استغنی برأیه»((1)).

وعن أبی الجارود عن أبی جعفر الباقر علیه السلام عن أبیه علیه السلام عن جده علیه السلام قال: قال أمیر المؤمنین علیه السلام: «شاور فی حدیثک الذین یخافون الله، وأحبب الإخوان علی قدر التقوی»((2)).

وعن الرضا علیه السلام عن أبیه علیه السلام عن آبائه علیهم السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «ما من قوم کانت لهم مشورة فحضر معهم من اسمه محمد أو أحمد فأدخلوه فی مشورتهم إلا کان خیراً لهم»((3)).

وعن الرضا علیه السلام عن آبائه علیهم السلام قال: قال أمیر المؤمنین علیه السلام: «من غش المسلمین فی مشورة فقد برئت منه»((4)).

وعن معاویة بن وهب، عن أبی عبد الله علیه السلام قال: سمعته یقول: «کان أبی علیه السلام یقول: قم بالحق ولا تعرض لما فاتک واعتزل ما لا یعنیک وتجنب عدوک واحذر صدیقک من الأقوام إلا الأمین والأمین من خشی الله، ولا تصحب الفاجر ولا تطلعه علی سرک ولا تأمنه علی أمانتک، واستشر فی أمورک الذین یخشون ربهم»((5)).

وعن محمد بن آدم عن أبیه بإسناده رفعه قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «یا علی لاتشاور جباناً فإنه یضیق علیک المخرج، ولا تشاور البخیل فإنه یقصر بک عن غایتک، ولا تشاور حریصاً فإنه یزین لک شرهاً، واعلم یا علی أن الجبن والبخل والحرص غریزة واحدة یجمعها سوء الظن»((6)).

وفیما کتب أمیر المؤمنین علیه السلام لمحمد بن أبی بکر: «وانصح المرء إذا استشارک»((7)).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام : «بعثنی النبی صلی الله علیه و آله إلی الیمن، فقال لی وهو یوصینی:

ص:625


1- بحار الأنوار: ج72 ص98 ب48 ح1
2- الأمالی للصدوق: ص304 المجلس50 ح8
3- مکارم الأخلاق: ص220 ب8 ف6 فی فضل الأولاد
4- بحار الأنوار: ج72 ص99 ب48 ح8
5- وسائل الشیعة: ج12 ص31-32 ب16 ح15564
6- علل الشرائع: ج2 ص559 ب350 ح1
7- الأمالی للطوسی: ص31 المجلس1 ح31

یا علی ما حار من استخار، ولا ندم من استشار»((1)).

وقال رسول الله صلی الله علیه و آله: «استرشدوا العاقل ولا تعصوه فتندموا»((2)).

وعن ابن القداح، عن جعفر بن محمد علیه السلام عن أبیه علیه السلام قال: «قیل لرسول الله صلی الله علیه و آله: ما الحزم؟ قال: مشاورة ذوی الرأی وأتباعهم»((3)).

وعن السری بن خالد عن أبی عبد الله علیه السلام قال: «فیما أوصی به رسول الله صلی الله علیه و آله علیاً علیه السلام قال: لا مظاهرة أوثق من المشاورة، ولا عقل کالتدبیر»((4)).

وعن أبی الجارود عن أبی جعفر علیه السلام قال: «فی التوراة أربعة أسطر: من لایستشیر یندم، والفقر الموت الأکبر، وکما تدین تدان، ومن ملک استأثر»((5)).

وعن سماعة بن مهران عن أبی عبد الله علیه السلام قال: قال: «لن یهلک امرؤ عن مشورة»((6)).

وعن معمر بن خلاد قال: هلک مولی لأبی الحسن الرضا علیه السلام یقال ل-ه سعد، فقال: «أشر علیَّ برجل ل-ه فضل وأمانة؟». فقلت: أنا أشیر علیک! فقال شبه المغضب: «إن رسول الله صلی الله علیه و آله کان یستشیر أصحابه ثم یعزم علی ما یرید الله»((7)).

وعن الفضیل قال: استشارنی أبو عبد الله علیه السلام مرة فی أمر، فقلت: أصلحک الله مثلی یشیر علی مثلک! قال: «نعم إذا استشیر بک»((8)).

وعن الحسن بن الجهم قال: کنا عند أبی الحسن الرضا علیه السلام فذکرنا أباه علیه السلام. فقال: «کان عقله لا یوازن به العقول، وربما شاور الأسود من سودانه، فقیل ل-ه: تشاور مثل هذا! قال: إن الله تبارک وتعالی ربما فتح علی لسانه - قال -:  فکانوا ربما

ص:626


1- کشف الغمة: ج2 ص345-346 وأما مناقبه
2- مستدرک الوسائل: ج8 ص344 ب21 ح9616
3- المحاسن: ج2 ص600 ب3 ح14
4- وسائل الشیعة: ج12 ص39 ب21 ح15583
5- بحار الأنوار: ج13 ص357 ب11 ح62، والبحار: ج72 ص100 ب48 ح18
6- وسائل الشیعة: ج12 ص40 ب21 ح15585
7- المحاسن: ج2 ص601 ب3 ح21
8- بحار الأنوار: ج72 ص101 ب48 ح24

أشاروا علیه بالشیء فیعمل به من الضیعة والبستان»((1)).

وعن سلیمان بن خالد قال: سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول: «استشر العاقل من الرجال الورع، فإنه لا یأمر إلا بخیر، وإیاک والخلاف، فإن خلاف الورع العاقل مفسدة فی الدین والدنیا»((2)).

وعن منصور بن حازم عن أبی عبد الله علیه السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «مشاورة العاقل الناصح رشد ویمن وتوفیق من الله، فإذا أشار علیک الناصح العاقل فإیاک والخلاف فإن فی ذلک العطب»((3)).

وعن معلی بن خنیس قال: قال أبو عبد الله علیه السلام: «ما یمنع أحدکم إذا ورد علیه ما لا قبل له به أن یستشیر رجلاً عاقلاً له دین وورع - ثم قال أبو عبد الله علیه السلام -: أما إنه إذا فعل ذلک لم یخذله الله بل یرفعه الله ورماه بخیر الأمور وأقربها إلی الله»((4)).

وعن حسین بن عمر بن یزید عن أبیه عن أبی عبد الله علیه السلام قال: «من استشار أخاه فلم یمحضه محض الرأی سلبه الله عز وجل رأیه»((5)).

33- المصافحة

مسألة: تستحب المصافحة، وهی من مقومات أو مصادیق السلم والسلام بالمعنی الأعم. عن أبی عبیدة الحذاء قال: قال أبو جعفر علیه السلام: «إن المؤمن إذا صافح المؤمن تفرقا عن غیر ذنب»((6)).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: «إذا لقیتم إخوانکم فتصافحوا وأظهروا لهم البشاشة والبشر تفرقوا وما علیکم من الأوزار قد ذهب - وقال علیه السلام -: صافح عدوک وإن کره فإنه مما أمر الله عزوجل به عباده یقول: ]ادْفَعْ بِالَّتِی هِیَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِی بَیْنَکَ

ص:627


1- المحاسن: ج2 ص602 ب3 ح23
2- وسائل الشیعة: ج12 ص42 ب22 ح15594
3- المحاسن: ج2 ص602 ب3 ح25
4- بحار الأنوار: ج72 ص102 ب48 ح28
5- الکافی: ج2 ص363 باب من لم یناصح أخاه المؤمن ح5
6- الخصال: ج1 ص21-22 المؤمن إذا صافح المؤمن ح75

وبَیْنَهُ عَداوَةٌ کَأَنَّهُ ولِیٌّ حَمِیمٌ * وما یُلَقَّاها إِلاَّ الَّذِینَ صَبَرُوا وما یُلَقَّاها إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِیمٍ[((1))»((2)). 

وعن جابر عن أبی جعفر علیه السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «إذا تلاقیتم فتلاقوا بالتسلیم والتصافح، وإذا تفرقتم فتفرقوا بالاستغفار»((3)).

وعن إسحاق بن عمار الصیرفی قال: کنت بالکوفة فیأتینی إخوان کثیرة وکرهت الشهرة فتخوفت أن أشتهر بدینی فأمرت غلامی کلما جاءنی رجل منهم یطلبنی قال: لیس هو هاهنا. قال: فحججت تلک السنة فلقیت أبا عبد الله علیه السلام فرأیت منه ثقلاً وتغیراً فیما بینی وبینه، قال: قلت: جعلت فداک ما الذی غیرنی عندک؟ قال: «الذی غیرک للمؤمنین». قلت: جعلت فداک إنما تخوفت الشهرة وقد علم الله شدة حبی لهم. فقال: «یا إسحاق لا تمل زیارة إخوانک فإن المؤمن إذا لقی أخاه المؤمن فقال ل-ه: مرحباً، کتب ل-ه (مرحباً) إلی یوم القیامة، فإذا صافحه أنزل الله فیما بین إبهامیهما مائة رحمة تسعة وتسعین لأشدهم لصاحبه حباً ثم أقبل الله علیهما بوجهه فکان علی أشدهما حباً لصاحبه أشد إقبالاً، فإذا تعانقا غمرتهما الرحمة، فإذا لبثا لا یریدان إلا وجهه لا یریدان غرضاً من أغرض الدنیا قیل لهما: غفر الله لکما فاستأنفا، فإذا أقبلا علی المساءلة قالت الملائکة بعضهم لبعض: تنحوا عنهما فإن لهما سراً وقد ستره الله علیهما».

قال إسحاق: قلت ل-ه: جعلت فداک لا یکتب علینا لفظنا فقد قال الله عزوجل: ]ما یَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَیْهِ رَقِیبٌ عَتِیدٌ[((4))، قال: فتنفس ابن رسول الله صلی الله علیه و آله الصعداء ثم بکی حتی خضبت دموعه لحیته، وقال: «یا إسحاق إن الله تبارک وتعالی إنما نادی الملائکة أن یغیبوا عن المؤمنین إذا التقیا إجلالاً لهما فإذا کانت الملائکة لاتکتب لفظهما ولا تعرف کلامهما فقد عرفه الحافظ علیهما عالم السر وأخفی، یا

ص:628


1- سورة فصلت: 34-35
2- بحار الأنوار: ج73 ص20 ب100 ح3
3- الأمالی للطوسی: ص215 المجلس8 ح374
4- سورة ق: 18

إسحاق فخف الله کأنک تراه، فإن کنت لا تراه فإنه یراک، فإن کنت تری أنه لا یراک فقد کفرت، وإن کنت تعلم أنه یراک ثم استترت عن المخلوقین بالمعاصی وبرزت له بها فقد جعلته فی حد أهون الناظرین إلیک»((1)).

وعن أبی حمزة عن أبی عبد الله علیه السلام قال: «أنتم فی تصافحکم فی مثل أجور المجاهدین»((2)).

وعن إسحاق بن عمار عن أبی عبد الله علیه السلام قال: «إن الله لا یقدر أحد قدره، کذلک لا یقدر أحد قدر نبیه علیه السلام وکما لا یقدر أحد قدر نبیه فکذلک لا یقدر أحد قدر المؤمن، إنه لیلقی أخاه فیصافحه فینظر الله لهما والذنوب تتحات عن وجوههما حتی یتفرقا کما تحت الریح الشدیدة الورق عن الشجر»((3)).

وعن السکونی عن جعفر بن محمد علیه السلام عن أبیه علیه السلام عن آبائه علیهم السلام عن جابر قال:لقیت النبی صلی الله علیه و آله فسلمت علیه فغمز یدی وقال: «غمز الرجل ید أخیه قبلته»((4)).

وعن أبی عبیدة قال: کنت زمیل أبی جعفر علیه السلام وکنت أبدأ بالرکوب ثم یرکب هو فإذا استوینا سلم وساءل مساءلة رجل لا عهد له بصاحبه وصافح. قال: وکان إذا نزل نزل قبلی فإذا استویت أنا وهو علی الأرض سلم وساءل مساءلة من لا عهد له بصاحبه. فقلت: یا ابن رسول الله إنک لتفعل شیئاً ما یفعله من قبلنا وإن فعل مرة فکثیر؟! فقال: «أما علمت ما فی المصافحة، إن المؤمنین یلتقیان فیصافح أحدهما صاحبه فلا تزال الذنوب تتحات عنهما کما یتحات الورق عن الشجر والله ینظر إلیها حتی یفترقا»((5)).

وعن أبی خالد القماط عن أبی جعفر علیه السلام قال: «إن المؤمنین إذا التقیا وتصافحا

ص:629


1- ثواب الأعمال: ص146- 147 ثواب زیارة الأخوان
2- وسائل الشیعة: ج12 ص221 ب126 ح16138
3- بحار الأنوار: ج73 ص22 ب100 ح8
4- مستدرک الوسائل: ج9 ص64 ب110 ح10213
5- الکافی: ج2 ص179 باب المصافحة ح1

أدخل الله یده بین أیدیهما فصافح أشدهما حباً لصاحبه»((1)).

وعن مالک بن أعین الجهنی عن أبی جعفر علیه السلام قال: «إن المؤمنین إذا التقیا فتصافحا أدخل الله عزوجل یده بین أیدیهما وأقبل بوجهه علی أشدهما حباً لصاحبه، فإذا أقبل الله عزوجل علیهما تحاتت عنهما الذنوب کما یتحات الورق عن الشجر»((2)).

وعن أبی عبیدة الحذاء قال: زاملت أبا جعفر علیه السلام فی شق محمل من المدینة إلی مکة، فنزل فی بعض الطریق فلما قضی حاجته وعاد، قال: «هات یدک یا أبا عبیدة». فناولته یدی فغمزها حتی وجدت الأذی فی أصابعی، ثم قال: «یا أبا عبیدة ما من مسلم لقی أخاه المسلم فصافحه وشبک فی أصابعه إلا تناثرت عنهما ذنوبهما کما یتناثر الورق من الشجر فی الیوم الشاتی»((3)).

وعن هشام بن سالم، عن أبی عبد الله علیه السلام قال: سألته عن حد المصافحة؟ فقال: «دور نخلة»((4)).

وعن أبی عبیدة، عن أبی جعفر علیه السلام قال: «ینبغی للمؤمنین إذا تواری أحدهما عن صاحبه بشجرة ثم التقیا أن یتصافحا»((5)).

وعن جابر عن أبی جعفر علیه السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «إذا لقی أحدکم أخاه فلیسلم ولیصافحه، فإن الله عزوجل أکرم بذلک الملائکة، فاصنعوا صنع الملائکة»((6)).

وعن رزین عن أبی عبد الله علیه السلام قال: «کان المسلمون إذا غزوا مع رسول الله صلی الله علیه و آله ومروا بمکان کثیر الشجر ثم خرجوا إلی الفضاء نظر بعضهم إلی بعض فتصافحوا»((7)).

ص:630


1- وسائل الشیعة: ج12 ص219 ب126 ح16132
2- بحار الأنوار: ج73 ص24- 25 ب100 ح13
3- الکافی: ج2 ص180 باب المصافحة ح5
4- وسائل الشیعة: ج12 ص223 ب127 ح16145
5- بحار الأنوار: ج73 ص28 ب100 ح19
6- بحار الأنوار: ج73 ص28 ب100 ح20
7- الکافی: ج2 ص181 باب المصافحة ح12

وعن مالک بن أعین عن أبی جعفر علیه السلام قال: «إذا صافح الرجل صاحبه فالذی یلزم التصافح أعظم أجراً من الذی یدع، ألا وإن الذنوب لتتحات فیما بینهم حتی لایبقی ذنب»((1)).

وعن أیمن بن محرز عن أبی عبد الله علیه السلام قال: «ما صافح رسول الله صلی الله علیه و آله رجلاً قط فنزع یده حتی یکون هو الذی ینزع یده منه»((2)).

وعن أبی عبیدة قال: سمعت أبا جعفر علیه السلام یقول: «إذا التقی المؤمنان فتصافحا أقبل الله بوجهه علیهما وتتحات الذنوب عن وجوههما حتی یفترقا»((3)).

وعن أبی عبد الله علیه السلام قال: «تصافحوا فإنها تذهب بالسخیمة»((4)).

وعن ابن القداح عن أبی عبد الله علیه السلام قال: «لقی النبی صلی الله علیه و آله حذیفة فمد النبی صلی الله علیه و آله یده فکف حذیفة یده. فقال النبی صلی الله علیه و آله: یا حذیفة بسطت یدی إلیک فکففت یدک عنی. فقال حذیفة: یا رسول الله بیدک الرغبة ولکنی کنت جنباً فلم أحب أن تمس یدی یدک وأنا جنب. فقال النبی صلی الله علیه و آله: أما تعلم أن المسلمین إذا التقیا فتصافحا تحاتت ذنوبهما کما یتحات ورق الشجر»((5)).

وعن یونس عن رفاعة قال: سمعته علیه السلام یقول: «مصافحة المؤمن أفضل من مصافحة الملائکة»((6)).

وعن عبد الله بن محمد الجعفی عن أبی جعفر وأبی عبد الله 3 قالا: «أیما مؤمن خرج إلی أخیه یزوره عارفاً بحقه کتب الله ل-ه بکل خطوة حسنة ومحیت عنه سیئة ورفعت ل-ه درجة، فإذا طرق الباب فتحت ل-ه أبواب السماء، فإذا التقیا وتصافحا وتعانقا أقبل الله علیهما بوجهه ثم باهی بهما الملائکة فیقول: انظروا إلی عبدی تزاورا

ص:631


1- وسائل الشیعة: ج12 ص143 ب100 ح15889
2- بحار الأنوار: ج16 ص269 ب9 فی سواکه ح82، والبحار: ج73 ص30 ب100 ح25
3- الکافی: ج2 ص182 باب المصافحة ح17
4- بحار الأنوار: ج73 ص32 ب100 ح28
5- وسائل الشیعة: ج12 ص220 ب126 ح16136
6- الکافی: ج2 ص183 باب المصافحة ح21

وتحابا فیَّ، حق علیَّ أن لا أعذبهما بالنار بعد ذا الموقف، فإذا انصرف شیعه ملائکة عدد نفسه وخطاه وکلامه، یحفظونه عن بلاء الدنیا وبوائق الآخرة إلی مثل تلک اللیلة من قابل، فإن مات فیما بینهما أعفی من الحساب، وإن کان المزور یعرف من حق الزائر ما عرفه الزائر من حق المزور کان له مثل أجره»((1)).

وعن مالک بن أعین الجهنی، عن أبی عبد الله علیه السلام قال: «... یا مالک إن المؤمنین لیلتقیان فیصافح کل واحد منهما صاحبه فما یزال الله تبارک وتعالی ناظراً إلیهما بالمحبة والمغفرة وإن الذنوب لتحات عن وجوههما وجوارحهما حتی یفترقا»((2)).

وعن أبی بصیر، عن أبی عبد الله علیه السلام قال: قال: «إن المؤمن إذا لقی أخاه فصافحا لم تزل الذنوب تتحات عنهما ما داما متصافحین کتحات الورق عن الشجر، فإذا افترقا قال ملکاهما: جزاکما الله خیراً عن أنفسکما، فإن التزم کل واحد منهما صاحبه ناداهما مناد: طوبی لکما ]وحُسْنُ مَآبٍ[((3)) و(طوبی) شجرة فی الجنة أصلها فی دار أمیر المؤمنین علیه السلام وفرعها فی منازل أهل الجنة، فإذا افترقا ناداهما ملکان کریمان: أبشرا یا ولیی الله بکرامة الله والجنة من ورائکما»((4)).

وعن النبی صلی الله علیه و آله قال: «تحیاتکم بینکم بالمصافحة»((5)).

34- المعانقة

مسألة: تستحب المعانقة، وهی من مقومات أو مصادیق السلم والسلام بالمعنی الأعم. عن علی بن رئاب عن أبی عبد الله علیه السلام قال: «إن من تمام التحیة للمقیم المصافحة، وتمام التسلیم علی المسافر المعانقة»((6)).

وسبق فی حدیث عن أبی جعفر وأبی عبد الله 3 قالا: «أیما مؤمن خرج إلی

ص:632


1- بحار الأنوار: ج73 ص34 ب100 ح32
2- المحاسن: ج1 ص143 ب11 ح41
3- سورة الرعد: 29
4- تفسیر العیاشی: ج2 ص212- 213 من سورة الرعد ح49
5- الأمالی للطوسی: ص639 المجلس32 ح1319
6- الکافی: ج2 ص646 باب التسلیم ح14

أخیه یزوره عارفا بحقه کتب الله ل-ه بکل خطوة حسنة ... فإذا التقیا وتصافحا وتعانقا أقبل الله علیهما بوجهه ثم باهی بهما الملائکة فیقول: انظروا إلی عبدی تزاورا وتحابا فیَّ، حق علیَّ أن لا أعذبهما بالنار بعد هذا الموقف »((1)).

وعن إسحاق بن عمار عن أبی عبد الله علیه السلام قال: «إن المؤمنین إذا اعتنقا غمرتهما الرحمة، فإذا التزما لا یریدان بذلک إلا وجه الله ولا یریدان غرضاً من أغراض الدنیا قیل لهما: مغفوراً لکما فاستأنفا»((2)).

وعن ابن بسطام قال: کنت عند أبی عبد الله علیه السلام فأتی رجل، فقال: جعلت فداک إنی رجل من أهل الجبل، وربما لقیت رجلاً من إخوانی فألتزمه فیعیب علیَّ بعض الناس، ویقولون: إنه من فعل الأعاجم وأهل الشرک؟ فقال: «ولِمَ ذاک فقد التزم رسول الله صلی الله علیه و آله جعفراً وقبل بین عینیه»((3)).

وعن أنس بن مالک قال: کنت ذات یوم جالساً عند النبی صلی الله علیه و آله إذ دخل علیه علی بن أبی طالب علیه السلام، فقال صلی الله علیه و آله: «إلیَّ یا أبا الحسن». ثم اعتنقه وقبل ما بین عینیه وقال: «یا علی إن الله عز اسمه عرض ولایتک علی السماوات فسبقت إلیها السماء السابعة فزینها بالعرش، ثم سبقت إلیها السماء الرابعة فزینها بالبیت المعمور، ثم سبقت إلیها السماء الدنیا فزینها بالکواکب، ثم عرضها علی الأرضین فسبقت إلیها مکة فزینها بالکعبة ثم سبقت إلیها المدینة فزینها بی ثم سبقت إلیها الکوفة فزینها بک»((4)).

وجاء فی قصة نبی الله یوسف علیه السلام: «فلما خرجوا به من منزله لحقهم - یعقوب علیه السلام - مسرعاً فانتزعه من أیدیهم فضمه إلیه واعتنقه وبکی ثم دفعه إلیهم وهو کاره، فانطلقوا به مسرعین مخافة أن یأخذه منهم ثم لا یدفعه إلیهم»((5)).

ص:633


1- بحار الأنوار: ج73 ص34 ب100 ح32
2- وسائل الشیعة: ج12 ص231 ب131 ح16167
3- مستدرک الوسائل: ج9 ص69 ب114 ح10227
4- بحار الأنوار: ج57 ص212 ب36 ح21
5- تفسیر العیاشی: ج2 ص169 من سورة یوسف ح5

ولما قدم جعفر بن أبی طالب علیه السلام من أرض الحبشة حین فتح خیبر، تلقاه

النبی صلی الله علیه و آله واعتنقه، وقال: «ما أدری بأیهما أنا أشد فرحاً، بقدوم جعفر أم بفتح خیبر؟». وکان قدومه وأصحابه من أرض الحبشة فی السنة السابعة من الهجرة ((1)).

وعن أم سلمة قالت: کنت مع النبی صلی الله علیه و آله فی البیت، فقالت الخادم: هذا علی وفاطمة معها الحسن والحسین علیهم السلام قائمین بالسدة، فقال: «قومی تنحی لی عن أهل بیتی». فقمت فجلست فی ناحیة فأذن لهم فدخلوا فقبل فاطمة واعتنقها وقبل علیاً واعتنقه وضم إلیه الحسن والحسین صبیین صغیرین، ثم أغدف علیهم خمیصة ل-ه سوداء ثم قال: «اللهم إلیک لا إلی النار». فقلت: وأنا یا رسول الله؟ قال: «وأنت علی خیر»((2)).

وفی حلیة الأولیاء لأبی نعیم، عن القاسم بن جندب عن أنس قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «یا أنس اسکب لی وضوءاً».  ثم قام فصلی رکعتین ثم قال: «یا أنس أول من یدخل علیک من هذا الباب أمیر المؤمنین وسید المسلمین وقائد الغر المحجلین وخاتم الوصیین». قال أنس: قلت: اللهم اجعله رجلاً من الأنصار وکتمته إذ جاء علی علیه السلام فقال: «من هذا یا أنس؟». فقلت: علی، فقام مستبشراً فاعتنقه ثم جعل یمسح عرق وجهه بوجهه ویمسح عرق علی بوجهه. قال علی: «یا رسول الله لقد رأیتک صنعت شیئاً ما صنعت بی من قبل!». قال: «وما یمنعنی وأنت تؤدی عنی وتسمعهم صوتی وتبین لهم ما اختلفوا فیه بعدی»((3)).

وقال أنس: بعث النبی صلی الله علیه و آله علیاً علیه السلام إلی قوم عصوه فقتل المقاتل وسبی الذریة وانصرف بها، فبلغ النبی صلی الله علیه و آله قدومه فتلقاه خارجاً من المدینة فلما لقیه اعتنقه وقبل بین عینیه وقال:«بأبی وأمی من شد الله به عضدی کما شد عضد موسی بهارون»((4)).

وروی المنصور عن أبیه محمد بن علی عن جده علی بن عبد الله بن العباس قال:

ص:634


1- بحار الأنوار: ج22 ص276 ب5 ح25
2- تفسیر فرات الکوفی: ص332- 333 من سورة الأحزاب ح452
3- حلیة الأولیاء: ج1 ص63-64
4- المناقب: ج2 ص228 فصل فی الاختصاص

کنت أنا وأبی العباس بن عبد المطلب جالسین عند رسول الله صلی الله علیه و آله إذ دخل علی بن أبی طالب علیه السلام فسلم فرد علیه رسول الله صلی الله علیه و آله السلام وبش به وقام إلیه واعتنقه وقبل بین عینیه وأجلسه عن یمینه، فقال العباس: أتحب هذا یا رسول الله؟ قال: «یا عم رسول الله والله، لله أشد حباً ل-ه منی، إن الله جعل ذریة کل نبی فی صلبه وجعل ذریتی فی صلب هذا»((1)).

وعن راشد بن سعد عن یعلی بن مرة قال: خرجنا مع النبی صلی الله علیه و آله وقد دعینا إلی طعام فإذا الحسن علیه السلام یلعب فی الطریق، فأسرع النبی صلی الله علیه و آله أمام القوم ثم بسط یده فجعل یمر مرة هاهنا ومرة هاهنا یضاحکه حتی أخذه فجعل إحدی یدیه فی ذقنه والأخری بین رأسه ثم اعتنقه فقبله ثم قال رسول اللهصلی الله علیه و آله: « حسن منی وأنا منه، أحب الله من أحبه، الحسن والحسین سبطان من الأسباط»((2)).

وروی: أن الحسن علیه السلام لما دنت وفاته ونفدت أیامه وجری السم فی بدنه تغیر لونه واخضر فقال ل-ه الحسین علیه السلام: «ما لی أری لونک مائلاً إلی الخضرة؟». فبکی الحسن علیه السلام وقال: «یا أخی لقد صح حدیث جدی فیَّ وفیک». ثم اعتنقه طویلاً وبکیا کثیراً، فسئل علیه السلام عن ذلک فقال: «أخبرنی جدی قال: لما دخلت لیلة المعراج روضات الجنان ومررت علی منازل أهل الإیمان رأیت قصرین عالیین متجاورین علی صفة واحدة ألا إن أحدهما من الزبرجد الأخضر والآخر من الیاقوت الأحمر، فقلت: یا جبرئیل لمن هذان القصران؟ فقال: أحدهما للحسن والآخر للحسین 3. فقلت: یا جبرئیل فلم لم یکونا علی لون واحد؟ فسکت ولم یرد جواباً. فقلت: لم لا تتکلم؟ قال: حیاء منک. فقلت له: سألتک بالله إلا ما أخبرتنی؟ فقال: أما خضرة قصر الحسن علیه السلام فإنه یموت بالسم ویخضر لونه عند موته، وأما حمرة قصر الحسین علیه السلام فإنه یقتل ویحمر وجهه بالدم». فعند ذلک بکیا وضج الحاضرون بالبکاء والنحیب((3)).

ص:635


1- کشف الغمة: ج1 ص94 فی محبة الرسول صلی الله علیه و آله إیاه
2- بشارة المصطفی: ص156
3- بحار الأنوار: ج44 ص145 ب22 ح13

ویروی: أنه فی یوم عاشوراء لما خرج القاسم بن الحسن علیه السلام وهو غلام صغیر لم یبلغ الحلم فلما نظر الحسین علیه السلام إلیه قد برز اعتنقه وجعلا یبکیان حتی غشی علیهما ثم استأذن الحسین علیه السلام فی المبارزة فأبی الحسین علیه السلام أن یأذن ل-ه، فلم یزل الغلام یقبل یدیه ورجلیه حتی أذن له((1)).

وذکر أبان بن محمد بن أبان بن تغلب قال: سمعت أبی یقول: دخلت مع أبی إلی أبی عبد الله علیه السلام، فلما بصر به أمر بوسادة فألقیت ل-ه، وصافحه واعتنقه وساءله ورحب به((2)).

35- المواساة

مسألة: تستحب المواساة وقد تجب، وهی من مقومات أو مصادیق السلم والسلام بالمعنی الأعم.

وقال تعالی: ]وَجَعَلْنا فِی قُلُوبِ الَّذِینَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً ورَحْمَةً[((3)).

وقال سبحانه: ]وتَواصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ[((4)).

وعن أبی المأمون الحارثی قال: قلت لأبی عبد الله علیه السلام: ما حق المؤمن علی المؤمن؟ قال: «إن من حق المؤمن علی المؤمن المودة له فی صدره، والمواساة له فی ماله، والخلف له فی أهله، والنصرة له علی من ظلمه، وإن کان نافلة فی المسلمین وکان غائبا أخذ ل-ه بنصیبه،وإذا مات الزیارة إلی قبره،وأن لا یظلمه،وأن لا یغشه، وأن لایخونه، وأن لا یخذل-ه، وأن لا یکذبه، وأن لا یقول ل-ه أف، وإذا قال ل-ه أف فلیس بینهما ولایة، وإذا قال ل-ه أنت عدوی فقد کفر أحدهما، وإذا اتهمه انماث الإیمان فی قلبه کما ینماث الملح فی الماء»((5)).

وعن أبی المغراء، عن أبی عبد الله علیه السلام قال: «المسلم أخو المسلم لا یظلمه ولایخذل-ه ولا یخونه،ویحق علی المسلمین الاجتهاد فی التواصل والتعاون علی التعاطف

ص:636


1- بحار الأنوار: ج45 ص34 ب37
2- رجال النجاشی: ص11 أبان بن تغلب بن رباح
3- سورة الحدید: 27
4- سورة البلد: 17
5- الکافی: ج2 ص171 باب حق المؤمن علی أخیه ح7

والمواساة لأهل الحاجة وتعاطف بعضهم علی بعض حتی تکونوا کما أمرکم الله عزوجل رحماء بینکم متراحمین مغتمین لما غاب عنکم من أمرهم علی ما مضی علیه معشر الأنصار علی عهد رسول الله صلی الله علیه و آله»((1)).

وجاء فی خطبة رسول الله صلی الله علیه و آله فی آخر جمعة من شعبان فی بیان فضل شهر رمضان قال: «وهو شهر الصبر وإن الصبر ثوابه الجنة، وشهر المواساة وهو شهر یزید الله فی رزق المؤمنین»((2)).

وعن نعمان الرازی عن أبی عبد الله علیه السلام قال: «انهزم الناس یوم أحد عن رسول الله صلی الله علیه و آله فغضب غضباً شدیداً - قال -: وکان إذا غضب انحدر عن جبینه مثل اللؤلؤ من العرق - قال -: فنظر فإذا علی علیه السلام إلی جنبه. فقال له: الحق ببنی أبیک مع من انهزم عن رسول الله. فقال: یا رسول الله لی بک أسوة. قال: فاکفنی هؤلاء، فحمل فضرب أول من لقی منهم. فقال جبرئیل علیه السلام: إن هذه لهی المواساة یا محمد. فقال: إنه منی وأنا منه. فقال جبرئیل علیه السلام: وأنا منکما یا محمد». فقال أبو عبد الله علیه السلام: «فنظر رسول الله صلی الله علیه و آله إلی جبرئیل علیه السلام علی کرسی من ذهب بین السماء والأرض وهو یقول: لا سیف إلا ذو الفقار ولا فتی إلا علی»((3)).

وعن مسعدة بن صدقة قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «للمؤمن علی المؤمن سبعة حقوق واجبة من الله عزوجل علیه: الإجلال ل-ه فی عینه، والود ل-ه فی صدره، والمواساة ل-ه فی ماله، وأن یحرم غیبته، وأن یعوده فی مرضه، وأن یشیع جنازته، وأن لا یقول فیه بعد موته إلا خیراً»((4)).

وعن رزیق عن أبی عبد الله علیه السلام قال: قلت له: أی الأعمال أفضل بعد المعرفة؟ قال: «ما من شیء بعد المعرفة یعدل هذه الصلاة، ولا بعد المعرفة والصلاة شیء یعدل الزکاة، ولا بعد ذلک شیء یعدل الصوم، ولا بعد ذلک شیء یعدل الحج، وفاتحة

ص:637


1- وسائل الشیعة: ج12 ص203 ب122 ح16092
2- تهذیب الأحکام: ج3 ص57 ب1 ح4
3- بحار الأنوار: ج20 ص107 ب12 ح33
4- من لا یحضره الفقیه: ج4 ص398 ومن ألفاظ رسول الله الموجزة ح5850

ذلک کله معرفتنا وخاتمته معرفتنا، ولا شیء بعد ذلک کبر الإخوان والمواساة ببذل الدینار والدرهم - إلی أن قال -: وما رأیت شیئاً أسرع غنی ولا أنفی للفقر من إدمان حج هذا البیت ،وصلاة فریضة تعدل عند الله ألف حجة وألف عمرة مبرورات متقبلات، ولحجة عنده خیر من بیت مملو ذهباً، لا بل خیر من مل ء الدنیا ذهباً وفضة ینفقه فی سبیل الله، والذی بعث محمداً صلی الله علیه و آله بالحق بشیراً ونذیراً لقضاء حاجة امرئ مسلم وتنفیس کربته أفضل من حجة وطواف وحجة وطواف، حتی عقد عشرة»((1)).

وعن یونس بن ظبیان والمفضل بن عمر عن أبی عبد الله علیه السلام قال: «خصلتان من کانتا فیه وإلا فاعزب ثم اعزب ثم اعزب ». قیل: وما هما؟ قال: «الصلاة فی مواقیتها والمحافظة علیها، والمواساة»((2)).

وعن اللیثی عن جعفر بن محمد علیه السلام قال: «امتحنوا شیعتنا عند ثلاث: عند مواقیت الصلاة کیف محافظتهم علیها، وعند أسرارهم کیف حفظهم لها عند عدونا، وإلی أموالهم کیف مواساتهم لإخوانهم فیها»((3)).

وعن محمد بن مسلم عن أبی عبد الله علیه السلام قال: قلت ل-ه: إذا خرجنا إلی أبیک أفلسنا فی حج؟ قال: « بلی». قلت: فیلزمنا ما یلزم الحاج؟ قال: «من ماذا؟». قلت: من الأشیاء التی یلزم الحاج؟ قال: «یلزمک حسن الصحابة لمن یصحبک، ویلزمک قلة الکلام إلا بخیر، ویلزمک کثرة ذکر الله، ویلزمک نظافة الثیاب، ویلزمک الغسل قبل أن تأتی الحائر، ویلزمک الخشوع وکثرة الصلاة والصلاة علی محمد وآل محمد، ویلزمک التوقیر لأخذ ما لیس لک، ویلزمک أن تغض بصرک، ویلزمک أن تعود إلی أهل الحاجة من إخوانک إذا رأیت منقطعاً والمواساة، ویلزمک التقیة التی هی قوام دینک بها، والورع عما نهیت عنه والخصومة وکثرة الأیمان والجدال الذی فیه الأیمان، فإذا فعلت ذلک تم حجک وعمرتک واستوجبت من الذی طلبت ما عنده بنفقتک

ص:638


1- وسائل الشیعة: ج1 ص27 ب1 ح34
2- الخصال: ج1 ص47 خصلتان من کانتا فیه، ح50
3- بحار الأنوار: ج80 ص22 ب6 ح40

واغترابک عن أهلک ورغبتک فیما رغبت أن تنصرف بالمغفرة والرحمة والرضوان»((1)).

وعن أمیر المؤمنین علیه السلام أنه قال: «المواساة أفضل الأعمال»((2)).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: «أحسن الإحسان مواساة الإخوان»((3)).

وفی فقه الرضا علیه السلام: «اعلم یرحمک الله أن حق الإخوان فرض لازم، أن تفدوهم بأنفسکم وأسماعکم وأبصارکم وأیدیکم وأرجلکم وجمیع جوارحکم، وهم حصونکم التی تلجئون إلیها فی الشدائد فی الدنیا والآخرة، لا تباطؤهم ولا تخالفوهم ولا تغتابوهم ولا تدعوا نصرتهم ولا معاونتهم، وابذلوا النفوس والأموال دونهم، والإقبال علی الله جل وعز بالدعاء لهم ومواساتهم ومساواتهم فی کل ما یجوز فیه المساواة والمواساة، ونصرتهم ظالمین ومظلومین بالدفع عنهم - إلی أن قال -: فبالله نستعین علی حقوق الإخوان، والأخ الذی تجب ل-ه هذه الحقوق الذی لا فرق بینک وبینه فی جملة الدین وتفصیله، ثم ما یجب ل-ه بالحقوق علی حسب قرب ما بین الإخوان وبعده بحسب ذلک»((4)).

وقال القمی 6 فی تفسیر قول-ه تعالی: ]وَکَذلِکَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ[((5)) أی: «اختبرنا الأغنیاء بالغناء لننظر کیف مواساتهم للفقراء وکیف یخرجون ما فرض الله علیهم فی أموالهم، فاختبرنا الفقراء لننظر کیف صبرهم علی الفقر وعما فی أیدی الأغنیاء»((6)).

36- المودة

مسألة: تستحب المودة وقد تجب کما فی مودة أهل البیت علیهم السلام فإنها واجبة وقد جعلها الله عزوجل أجر الرسالة قال تعالی: ]قُل لاّ أَسْأَلُکُمْ عَلَیْهِ أَجْراً إِلاّ الْمَوَدّةَ فِی الْقُرْبَیَ[((7))، وهی من مقومات أو مصادیق السلم والسلام بالمعنی الأعم.

عن عبد الله بن عجلان عن أبی جعفر علیه السلام فی قول-ه تعالی: ]قُلْ لا أَسْألُکُمْ عَلَیْهِ

ص:639


1- کامل الزیارات: ص130- 131 ب48 ح1
2- غرر الحکم ودرر الکلم: ص446 ق6 ب4 ف5 مدح المداراة ح10223
3- غرر الحکم ودرر الکلم: ص388 ق5 ب4 ف2 أفضل الإحسان ح8889
4- فقه الرضا علیه السلام : ص335 ب87
5- سورة الأنعام: 53
6- تفسیر القمی: ج1 ص202 سورة الأنعام
7- سورة الشوری: 23

أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِی الْقُرْبی[((1)) قال: «هم الأئمة علیه السلام»((2)).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: «العقل غطاء ستیر والفضل جمال ظاهر، فاستر خلل خلقک بفضلک، وقاتل هواک بعقلک، تسلم لک المودة وتظهر لک المحبة»((3)).

وعن یحیی عن أبی عبد الله علیه السلام قال: قال أمیر المؤمنین علیه السلام: «لن یرغب المرء عن عشیرته وإن کان ذا مال وولد، وعن مودتهم وکرامتهم ودفاعهم بأیدیهم وألسنتهم، هم أشد الناس حیطة من ورائه وأعطفهم علیه، وألمهم لشعثه إن أصابته مصیبة أو نزل به بعض مکاره الأمور، ومن یقبض یده عن عشیرته فإنما یقبض عنهم یداً واحدة ویقبض عنه منهم أیدی کثیرة، ومن یلن حاشیته یعرف صدیقه منه المودة، ومن بسط یده بالمعروف إذا وجده یخلف الله له ما أنفق فی دنیاه ویضاعف له فی آخرته، ولسان الصدق للمرء یجعله الله فی الناس خیراً من المال یأکله ویورثه،لا یزدادن أحدکم کبراً وعظماً فی نفسه ونأیاً عن عشیرته إن کان موسراً فی المال، ولا یزدادن أحدکم فی أخیه زهداً ولا منه بعداً إذا لم یر منه مروة وکان معوزاً فی المال، ولا یغفل أحدکم عن القرابة بها الخصاصة أن یسدها بما لا ینفعه إن أمسکه ولا یضره إن استهلکه»((4)).

وعن أبی المأمون الحارثی قال: قلت لأبی عبد الله علیه السلام: ما حق المؤمن علی المؤمن؟ قال: «إن من حق المؤمن علی المؤمن المودة ل-ه فی صدره والمواساة ل-ه فی ماله والخلف له فی أهله والنصرة له علی من ظلمه»((5)) الحدیث.

وعن سلیمان بن زیاد التمیمی عن أبی عبد الله علیه السلام قال: قال الحسن بن علی علیه السلام: «القریب من قربته المودة وإن بعد نسبه، والبعید من بعدته المودة وإن قرب نسبه»((6)).

وعن الحسین بن زید عن أبی عبد الله علیه السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «تهادوا

ص:640


1- سورة الشوری: 23
2- الکافی: ج1 ص413 باب فیه نکت ونتف من التنزیل فی الولایة ح7
3- وسائل الشیعة: ج15 ص207 ب8 ح20292
4- بحار الأنوار: ج71 ص121- 122 ب3 ح86
5- الکافی: ج2 ص171 باب حق المؤمن علی أخیه ح7
6- وسائل الشیعة: ج12 ص52 ب29 ح15621

بالنبق تحیا المودة والموالاة»((1)).

وعن السکونی عن أبی عبد الله علیه السلام قال: قال النبی صلی الله علیه و آله: «أیما امرأة تصدقت علی زوجها بمهرها قبل أن یدخل بها إلا کتب الله لها بکل دینار عتق رقبة. قیل: یا رسول الله فکیف بالهبة بعد الدخول؟ قال: إنما ذلک من المودة والألفة»((2)).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام فی الخطبة المعروفة بخطبة الوسیلة: «وأشرف الغنی ترک المنی، والصبر جنة من الفاقة، والحرص علامة الفقر، والبخل جلباب المسکنة، والمودة قرابة مستفادة، ووصول معدم خیر من جاف مکثر»((3)).

وقدم قوم من خراسان علی أبی الحسن الرضا علیه السلام فسألوه أن یجعلهم فی حل من الخمس. فقال: «ما أمحل هذا تمحضونا المودة بألسنتکم وتزوون عنا حقاً جعله الله لنا وجعلنا له وهو الخمس، لا نجعل أحداً منکم فی حل»((4)).

وعن أمیر المؤمنین علیه السلام أنه قال: «حسد الصدیق من سقم المودة»((5)).

وعن سفیان بن عیینة قال: سمعت جعفر بن محمد علیه السلام یقول فی مسجد الخیف: «إنما سموا إخواناً لنزاهتهم عن الخیانة وسموا أصدقاء لأنهم یصادقوا حقوق المودة»((6)).

وعن عمرو بن أبی المقدام عن أبی جعفر علیه السلام قال: قال أمیر المؤمنین علیه السلام  فی وصیته لولده الحسن علیه السلام: «ولا تعمل بالخدیعة فإنها خلق لئیم» إلی أن قال:«ما أقبح القطیعة بعد الصلة، والجفاء بعد الإخاء، والعداوة بعد المودة، والخیانة لمن ائتمنک، والغدر لمن استنام إلیک»((7)).

وعن السکونی، عن جعفر بن محمد علیه السلام عن أبیه علیه السلام عن آبائه علیهم السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «الزیارة تثبت المودة»((8)).

ص:641


1- الکافی: ج5 ص144 باب الهدیة ح13
2- وسائل الشیعة: ج21 ص284 ب26 ح27097
3- تحف العقول: ص97 خطبته المعروفة بالوسیلة
4- تهذیب الأحکام: ج4 ص140 ب39 ح18
5- نهج البلاغة: قصار الحکم 218
6- الأمالی للطوسی: ص609 المجلس28 ح1258
7- مستدرک الوسائل: ج9 ص81- 82 ب119 ح10271
8- مستدرک الوسائل: ج10 ص374 ب77 ح12210

وقال رسول الله صلی الله علیه و آله: «یا أهل القرابة، تزاوروا ولا تتحاوروا، وتهادوا فإن الزیارة تزید فی المودة، والمحاورة تحدث القطیعة، والهدیة تزیل الشحناء»((1)).

وقال صلی الله علیه و آله: «تصافحوا فإن المصافحة تزید فی المودة والهدیة تذهب بالغل»((2)).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: «المودة أشبک الأنساب، والعلم أشرف الأحساب»((3)).

37- الوفاء

مسألة: یستحب الوفاء وقد یجب، وهو من مقومات أو مصادیق السلم والسلام بالمعنی الأعم. قال تعالی: ]وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا[((4)).

وقال سبحانه: ]وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ کانَ مَسْؤُولاً[((5)).

وقال تعالی: ]وَاذْکُرْ فِی الْکِتابِ إِسْماعِیلَ إِنَّهُ کانَ صادِقَ الْوَعْدِ[((6)).

وقال سبحانه: ]وَالَّذِینَ هُمْ لأَِماناتِهِمْ وعَهْدِهِمْ راعُونَ[((7)).

عن أبی مالک قال: قلت لعلی بن الحسین علیه السلام: أخبرنی بجمیع شرائع الدین؟ قال: «قول الحق، والحکم بالعدل، والوفاء بالعهد»((8)).

وعن الحسین بن مصعب الهمدانی قال: سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول: «ثلاثة لا عذر لأحد فیها: أداء الأمانة إلی البر والفاجر، والوفاء بالعهد إلی البر والفاجر، وبر الوالدین برین کانا أو فاجرین»((9)).

وعن الرضا علیه السلام عن آبائه علیهم السلام عن أمیر المؤمنین علیه السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «من عامل الناس فلم یظلمهم وحدثهم فلم یکذبهم ووعدهم فلم یخلفهم فهو

ص:642


1- دعائم الإسلام: ج2 ص126 ف3 ح1233
2- الجعفریات: ص153 باب فضل الهدیة
3- الإرشاد: ج1 ص298 فصل ومن کلامه فی الحکمة والموعظة
4- سورة البقرة: 177
5- سورة الإسراء: 34
6- سورة مریم: 54
7- سورة المؤمنون: 8، سورة المعارج: 32
8- الخصال: ج1 ص113 جمیع شرائع الدین ثلاثة أشیاء ح90
9- الکافی: ج5 ص132 باب أداء الأمانة ح1

ممن کملت مروءته وظهرت عدالته ووجبت أخوته وحرمت غیبته»((1)).

وعن أبی حمزة الثمالی عن أبی جعفر محمد بن علی علیه السلام قال: «کان أبی علی بن الحسین علیه السلام یقول: أربع من کن فیه کمل إیمانه، ومحصت عنه ذنوبه، ولقی ربه وهو عنه راض: من وفی لله بما جعل علی نفسه للناس، وصدق لسانه مع الناس، واستحیا من کل قبیح عند الله وعند الناس، وحسن خلقه مع أهله»((2)).

وعن عبد الله بن بکیر عن أبیه، عن أبی جعفر علیه السلام قال: «أربعة أسرع شیء عقوبة: رجل أحسنت إلیه ویکافئک بالإحسان إلیه إساءة، ورجل لا تبغی علیه وهو یبغی علیک، ورجل عاهدته علی أمر فمن أمرک الوفاء ل-ه ومن أمره الغدر بک، ورجل یصل قرابته ویقطعونه»((3)).

وعن عبد الله بن مسعود عن النبی صلی الله علیه و آله قال: «أربع من کن فیه فهو منافق، وإن کانت فیه واحدة منهن کانت فیه خصلة من النفاق حتی یدعها: من إذا حدث کذب، وإذا وعد أخلف، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر»((4)).

وعن أنس بن مالک عن النبی صلی الله علیه و آله أنه قال: «تقبلوا لی بست أتقبل لکم بالجنة: إذا حدثتم فلا تکذبوا، وإذا وعدتم فلا تخلفوا، وإذا اؤتمنتم فلا تخونوا، وغضوا أبصارکم، واحفظوا فروجکم، وکفوا أیدیکم وألسنتکم»((5)).

وعن أمیر المؤمنین علیه السلام قال: «وأوفوا بعهد من عاهدتم»((6)).

وعن جعفر بن محمد عن أبیه عن جده علیهم السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «أقربکم غداً منی فی الموقف: أصدقکم للحدیث، وآداکم للأمانة، وأوفاکم بالعهد، وأحسنکم خلقاً، وأقربکم من الناس»((7)).

ص:643


1- مستدرک الوسائل: ج17 ص440-441 ب35 ح21808
2- الأمالی للمفید: ص299 المجلس35 ح9
3- الخصال: ج1 ص230 أربعة أسرع شیء عقوبة ح71
4- بحار الأنوار: ج69 ص261 ب114 ح34، والبحار: ج72 ص94 ب47 ح9
5- الخصال: ج1 ص321 قول النبی صلی الله علیه و آله : تقبلوا لی بست ح5
6- تنبیه الخواطر ونزهة النواظر: ج2 ص170
7- الأمالی للطوسی: ص229 المجلس8 ح403

وعن عبد الله بن سنان قال: سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول: « إن رسول الله صلی الله علیه و آله وعد رجلاً إلی صخرة فقال: أنا لک هاهنا حتی تأتی. قال: فاشتدت الشمس علیه فقال ل-ه أصحابه: یا رسول الله لو أنک تحولت إلی الظل. قال: قد وعدته إلی هاهنا وإن لم یجئ کان منه المحشر»((1)).

وعن سلیمان الجعفری عن أبی الحسن الرضا علیه السلام قال: «تدری لم سمی إسماعیل صادق الوعد؟». قال: قلت: لا أدری. قال: «وعد رجلا فجلس ل-ه حولاً ینتظره»((2)).

وعن شعیب العقرقوفی قال: قال أبو عبد الله علیه السلام: «إن إسماعیل نبی الله وعد رجلاً بالصفاح فمکث به سنة مقیماً وأهل مکة یطلبونه لا یدرون أین هو حتی وقع علیه رجل، فقال: یا نبی الله ضعفنا بعدک وهلکنا. فقال: إن فلان الظاهر وعدنی أن أکون هاهنا ولم أبرح حتی یجیء. فقال: فخرجوا إلیه حتی قالوا ل-ه: یا عدو الله وعدت النبی فأخلفته، فجاء وهو یقول لإسماعیل علیه السلام: یا نبی الله ما ذکرت ولقد نسیت میعادک. فقال: أما والله لو لم تجئنی لکان منه المحشر، فأنزل الله: ]واذْکُرْ فِی الْکِتابِ إِسْماعِیلَ إِنَّهُ کانَ صادِقَ الْوَعْدِ[((3))»((4)).

وعن عبد الله بن سنان قال: سألت أبا عبد الله عن قول الله: ]یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ[((5)) قال: «العهود»((6)).

وعن موسی بن جعفر علیه السلام عن آبائه علیهم السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «لا دین لمن لا عهد له»((7)). وقال رسول الله صلی الله علیه و آله: «المؤمنون عند شروطهم»((8)).

ص:644


1- وسائل الشیعة: ج12 ص165- 166 ب109 ح15968
2- علل الشرائع: ج1 ص77 ب67 ح1
3- سورة مریم: 54
4- قصص الأنبیاء للراوندی: ج1 ص189 ب9 ح236
5- سورة المائدة: 1
6- تفسیر العیاشی: ج1 ص289 من سورة المائدة ح5
7- بحار الأنوار: ج72 ص96 ب47 ح20
8- الاستبصار: ج3 ص232 ب142 ح4

وعن الرضا علیه السلام قال: «إنا أهل بیت نری ما وعدنا علینا دیناً کما صنع رسول الله صلی الله علیه و آله»((1)).

38- الوقار

مسألة: الوقار مستحب، وهو من مقومات أو مصادیق السلم والسلام بالمعنی الأعم. قال تعالی: ]وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِینَ یَمْشُونَ عَلَی الأَرْضِ هَوْناً[((2)).

وقال سبحانه: ]وَاقْصِدْ فِی مَشْیِکَ واغْضُضْ مِنْ صَوْتِکَ إِنَّ أَنْکَرَ الأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِیرِ[((3)).

عن یحیی بن عمران الحلبی قال: قلت لأبی عبد الله علیه السلام: أی الخصال بالمرء أجمل؟ قال: «وقار بلا مهابة، وسماح بلا طلب مکافأة، وتشاغل بغیر متاع الدنیا»((4)).

وعن الصادق علیه السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «أحسن زینة الرجل السکینة مع الإیمان»((5)).

وعن معاویة بن وهب قال: سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول: «اطلبوا العلم وتزینوا معه بالحلم والوقار، وتواضعوا لمن تعلمونه العلم، وتواضعوا لمن طلبتم منه العلم، ولا تکونوا علماء جبارین فیذهب باطلکم بحقکم»((6)).

وعن إسحاق بن غالب عن أبی عبد الله جعفر بن محمد علیه السلام فی خطبة له یذکر فیها حال الأئمة علیهم السلام وصفاتهم فقال: «إن الله عز وجل أوضح بأئمة الهدی من أهل بیت نبیه صلی الله علیه و آله عن دینه، وأبلج بهم عن سبیل منهاجه، وفتح بهم عن باطن ینابیع علمه، فمن عرف من أمة محمد صلی الله علیه و آله واجب حق إمامه وجد طعم حلاوة إیمانه، وعلم فضل طلاوة إسلامه، لأن الله تبارک وتعالی نصب الإمام علماً لخلقه، وجعله

ص:645


1- مشکاة الأنوار: ص173 ف19
2- سورة الفرقان: 63
3- سورة لقمان: 19
4- الکافی: ج2 ص240 باب المؤمن وعلاماته وصفاته ح33
5- من لا یحضره الفقیه: ج4 ص403 ومن ألفاظ رسول الله الموجزة ح5868
6- وسائل الشیعة: ج15 ص276 ب30 ح20503

حجة علی أهل طاعته، ألبسه الله تاج الوقار، وغشاه من نور الجبار، یمد بسبب إلی السماء لا ینقطع عنه مواده»((1)).

وعن مدرک بن عبد الرحمن عن أبی عبد الله علیه السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «الإسلام عریان فلباسه الحیاء، وزینته الوقار، ومروءته العمل الصالح، وعماده الورع، ولکل شیء أساس، وأساس الإسلام حبنا أهل البیت»((2)).

وعن معاویة بن عمار عن أبی عبد الله علیه السلام قال: «إذا دخلت المسجد الحرام فادخله حافیاً علی السکینة والوقار والخشوع - وقال -: ومن دخله بخشوع غفر الله ل-ه إن شاء الله». قلت: ما الخشوع؟ قال: «السکینة لا تدخله بتکبر»((3)).

وعن یونس الکناسی عن أبی عبد الله علیه السلام قال: «إذا أتیت قبر الحسین علیه السلام فائت الفرات واغتسل بحیال قبره وتوجه إلیه وعلیک السکینة والوقار حتی تدخل الحائر من جانبه الشرقی»((4)).

وکان مما یوصی أمیر المؤمنین علیه السلام به عند القتال: «وإذا لقیتم هؤلاء القوم غداً فلا تقاتلوهم حتی یقاتلوکم، فإن بدؤوکم فانهدوا إلیهم وعلیکم السکینة والوقار وعضوا علی الأضراس فإنه أنبی للسیوف عن الهام وغضوا الأبصار ومدوا جباه الخیول ووجوه الرجال وأقلوا الکلام فإنه أطرد للفشل وأذهب للویل»((5)).

وعن إسماعیل بن مخلد السراج عن أبی عبد الله علیه السلام قال: خرجت هذه الرسالة من أبی عبد الله علیه السلام إلی أصحابه: «بسم الله الرحمن الرحیم أما بعد فاسألوا ربکم العافیة وعلیکم بالدعة والوقار والسکینة، وعلیکم بالحیاء والتنزه عما تنزه عنه الصالحون قبلکم»((6)).

وفی رسالة الحقوق لعلی بن الحسین علیه السلام: «وحق الصلاة أن تعلم أنها وفادة إلی

ص:646


1- الغیبة للنعمانی: ص224 ب13 ح7
2- الکافی: ج2 ص46 باب نسبة الإسلام ح2
3- تهذیب الأحکام: ج5 ص99- 100 ب8 ح11
4- کامل الزیارات: ص201 ب79 زیارة أخری ح3
5- وسائل الشیعة: ج15 ص96 ب34 ح20058
6- بحار الأنوار: ج75 ص210 ب23 ضمن ح93

الله عزوجل وأنت فیها قائم بین یدی الله عز وجل فإذا علمت ذلک قمت مقام العبد الذلیل الحقیر الراغب الراهب الراجی الخائف المستکین المتضرع المعظم لمن کان بین یدیه بالسکون والوقار، وتقبل علیها بقلبک وتقیمها بحدودها وحقوقها»((1)).

وعن أنس قال: قحل الناس علی عهد رسول الله صلی الله علیه و آله فأتاه المسلمون فقالوا: یا رسول الله قحط المطر ویبس الشجر وهلکت المواشی وأسنت الناس فاستسق لنا ربک عزوجل. فقال: «إذا کان یوم کذا وکذا فاخرجوا وأخرجوا معکم بصدقات». قال: فلما کان ذلک الیوم خرج رسول الله صلی الله علیه و آله والناس معه یمشی ویمشون علیهم السکینة والوقار حتی أتوا المصلی فتقدم النبی صلی الله علیه و آله فصلی بهم رکعتین یجهر فیهما بالقراءة، الحدیث((2)).

وقال العلامة الطبرسی 6 فی تفسیر قوله تعالی: ]الَّذِینَ یَمْشُونَ عَلَی الأَرْضِ هَوْناً[((3))، أی: بالسکینة والوقار والطاعة غیر أشرین ولا مرحین ولا متکبرین ولامفسدین. وقال أبو عبد الله علیه السلام: «هو الرجل الذی یمشی بسجیته التی جبل علیها لا یتکلف ولا یتبختر»((4)). وعن الحرث بن المغیرة قال: قلت لأبی عبد الله علیه السلام: بم یعرف صاحب هذا الأمر؟ قال: «بالسکینة والوقار والعلم والوصیة»((5)).

ومن وصیة لأمیر المؤمنین (صلوات الله علیه) کان یکتبها لمن یستعمله علی الصدقات: «انطلق علی تقوی الله وحده لا شریک ل-ه، ولا تروعن مسلماً، ولاتجتازن علیه کارهاً، ولا تأخذن منه أکثر من حق الله فی ماله. فإذا قدمت علی الحی فانزل بمائهم من غیر أن تخالط أبیاتهم، ثم امض إلیهم بالسکینة والوقار حتی تقوم بینهم، فتسلم علیهم ولا تخدج بالتحیة لهم. ثم تقول: عباد الله، أرسلنی إلیکم ولی الله وخلیفته، لآخذ منکم حق الله فی أموالکم، فهل لله فی أموالکم من حق فتؤدوه إلی ولیه»((6)).

ص:647


1- من لا یحضره الفقیه: ج2 ص619-620 باب الحقوق ح3214
2- بحار الأنوار: ج20 ص299 ب18
3- سورة الفرقان: 63
4- تفسیر مجمع البیان: ج7 ص210
5- بصائر الدرجات: ص489 ب13 ح2
6- نهج البلاغة: الرسائل 25 ومن وصیة له علیه السلام کان یکتبها لمن یستعمله علی الصدقات

وفی وصیة النبی صلی الله علیه و آله إلی عبد الله بن مسعود: «یا ابن مسعود، علیک بالسکینة والوقار، وکن سهلاً لیناً، عفیفاً مسلماً، تقیاً نقیاً باراً، طاهراً مطهراً، صادقاً خالصاً، سلیماً صحیحاً، لبیباً صالحاً، صبوراً شکوراً، مؤمناً ورعاً، عابداً زاهداً رحیماً، عالماً فقیهاً»((1)).

39- الیسر

مسألة: یستحب اتخاذ الیسر فی مختلف جوانب الحیاة وقد یجب، وهو من مقومات أو مصادیق السلم والسلام بالمعنی الأعم.

قال تعالی: ]یُرِیدُ اللَّهُ بِکُمُ الْیُسْرَ ولا یُرِیدُ بِکُمُ الْعُسْرَ[((2)).

وقال سبحانه: ]وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّکَ تَرْجُوها فَقُلْ لَهُمْ قَوْلاً مَیْسُوراً [((3)).

وقال تعالی: ]وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وعَمِلَ صالِحاً فَلَهُ جَزاءً الْحُسْنی وسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنا یُسْراً [((4)).

وقال سبحانه: ]وَیَسِّرْ لِی أَمْرِی[((5)).

وقال تعالی: ]فَاقْرَؤُا ما تَیَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ[((6)).

قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «یسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا»((7)).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: «یسروا ولا تعسروا، وخففوا ولا تثقلوا»((8)).

وعن جمیل بن دراج قال: سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول: «خیارکم سمحاؤکم»((9)).

وقال رسول الله صلی الله علیه و آله: «من قرأ سورة اللیل أعطاه الله تعالی حتی یرضی وعافاه

ص:648


1- مکارم الأخلاق: ص456 ب12 ف4
2- سورة البقرة: 185
3- سورة الإسراء: 28
4- سورة الکهف: 88
5- سورة طه: 26
6- سورة المزمل: 20
7- غوالی اللآلی: ج1 ص381 ب1 المسلک الثالث ح5
8- غرر الحکم ودرر الکلم: ص483 ق6 ب6 فی الصحة والسلامة ح11146
9- الکافی: ج4 ص41 باب معرفة الجود والسخاء ح15

من العسر ویسر له الیسر»((1)).

وعن أبی بصیر عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال: «]فَأَمَّا مَنْ أَعْطَی[ الخمس

]وَاتَّقَی[ ولایة الطواغیت ]وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَی[ بالولایة ]فَسَنُیَسِّرُهُ لِلْیُسْرَی[ فلایرید شیئاً من الخیر إلا تیسر ل-ه، ]وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ[ بالخمس ]وَاسْتَغْنَی[ برأیه عن أولیاء الله ]وَکَذَّبَ بِالْحُسْنَی[((2)) الولایة ]فَسَنُیَسِّرُهُ لِلْعُسْرَی[ فلا یرید شیئاً من الشر إلا تیسر له»((3)).

وعن أبی کلدة، عن أبی جعفر علیه السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «الروح والراحة، والرحمة والنصرة، والیسر والیسار، والرضا والرضوان، والمخرج والفلج، والقرب والمحبة من الله ومن رسوله لمن أحب علیاً علیه السلام وائتم بالأوصیاء من بعده، حق علیَّ أن أدخلهم فی شفاعتی، وحق علی ربی أن یستجیب لی فیهم؛ لأنهم أتباعی ومن تبعنی فإنه منی، مثل إبراهیم جری فی ولایته منی وأنا منه، دینه دینی ودینی دینه،وسنته سنتی وسنتی سنته،وفضلی فضله وأنا أفضل منه وفضلی ل-ه فضل وذلک تصدیق قول ربی: ]ذُرِّیَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِیعٌ عَلِیمٌ[((4))»((5)).

وفی دعاء الیوم السابع والعشرین من شهر رمضان: «اللهم ارزقنی فیه فضل لیلة القدر، وصیر أموری فیه من العسر إلی الیسر، واقبل معاذیری، وحط عنی الوزر، یا رؤوفا بعباده الصالحین»((6)).

وفی الدعاء: «اللهم صل علی محمد وآله ویسر لی کل یسر، فإن تیسیر العسیر علیک سهل یسیر، وأنت علی کل شیء قدیر»((7)).

وقال الإمام الصادقعلیه السلام: «من یسر علی مؤمن وهو معسر، یسر الله ل-ه حوائج

ص:649


1- مستدرک الوسائل: ج4 ص359 ب44 ح4930
2- سورة اللیل: 5-9
3- تأویل الآیات الظاهرة: ص782 سورة اللیل وما فیها من الآیات فی الأئمة الهداة
4- سورة آل عمران: 34
5- تفسیر العیاشی: ج1 ص169 من سورة آل عمران ح33
6- بحار الأنوار: ج95 ص64 ب31 فصل فیما یختص بالیوم السابع والعشرین من دعاء
7- بحار الأنوار: ج84 ص320 ب13 ح13

الدنیا والآخرة»((1)).

وقال رسول الله صلی الله علیه و آله: «إن الله یحب أن یؤخذ برخصه کما یحب أن یؤخذ بعزائمه»((2)).

40- بر الوالدین

مسألة: یستحب بر الوالدین وقد یجب فی بعض المراتب، وهو من مقومات أو مصادیق السلم والسلام بالمعنی الأعم. قال تعالی: ]وَإِذْ أَخَذْنا مِیثاقَ بَنِی إِسْرائِیلَ لا تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ وبِالْوالِدَیْنِ إِحْساناً[((3)).

وقال سبحانه: ]قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّکُمْ عَلَیْکُمْ أَلاَّ تُشْرِکُوا بِهِ شَیْئاً وبِالْوالِدَیْنِ إِحْساناً ولا تَقْتُلُوا أَوْلادَکُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُکُمْ وإِیَّاهُمْ[((4)).

وقال تعالی: ]وَقَضی رَبُّکَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِیَّاهُ وبِالْوالِدَیْنِ إِحْساناً إِمَّا یَبْلُغَنَّ عِنْدَکَ الْکِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ کِلاهُما فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ ولا تَنْهَرْهُما وقُلْ لَهُما قَوْلاً کَرِیماً * واخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما کَما رَبَّیانِی صَغِیراً[((5)).

وقال تعالی: ]وَوَصَّیْنَا الإِنْسانَ بِوالِدَیْهِ حُسْناً وإِنْ جاهَداکَ لِتُشْرِکَ بِی ما لَیْسَ لَکَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما إِلَیَّ مَرْجِعُکُمْ فَأُنَبِّئُکُمْ بِما کُنْتُمْ تَعْمَلُونَ[((6)).

عن محمد بن مروان قال: سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول: «إن رجلاً أتی النبی صلی الله علیه و آله فقال: یا رسول الله أوصنی؟ فقال: لا تشرک بالله شیئاً وإن حرِّقت بالنار وعذِّبت إلا وقلبک مطمئن بالإیمان، ووالدیک فأطعهما وبرهما حیین کانا أو میتین،

ص:650


1- مستدرک الوسائل: ج12 ص413 ب29 ح14465
2- وسائل الشیعة: ج1 ص108 ب25 ح263، والوسائل: ج16 ص232 ب29 ح21441
3- سورة البقرة: 83
4- سورة الأنعام: 151
5- سورة الإسراء: 23- 24
6- سورة العنکبوت: 8

وإن أمراک أن تخرج من أهلک ومالک فافعل فإن ذلک من الإیمان»((1)).

وروی: أن رجلاً قال: یا رسول الله أبایعک علی الهجرة والجهاد؟ فقال: «هل من والدیک أحد؟». قال: نعم کلاهما. قال: «أفتبتغی الأجر من الله؟». قال: نعم. قال: «فارجع إلی والدیک فأحسن صحبتهما»((2)).

وعن أبی ولاد الحناط قال: سألت أبا عبد الله علیه السلام عن قول الله عزوجل:

 ]وَبِالْوالِدَیْنِ إِحْساناً[((3)) ما هذا الإحسان؟ فقال: «الإحسان أن تحسن صحبتهما وأن لا تکلفهما أن یسألاک شیئاً مما یحتاجان إلیه وإن کانا مستغنیین ألیس یقول الله عزوجل: ]لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّی تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ[((4))». قال: ثم قال أبو عبد الله علیه السلام: «وأما قول الله عزوجل: ]إِمَّا یَبْلُغَنَّ عِنْدَکَ الْکِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ کِلاهُما فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ ولا تَنْهَرْهُما[((5)) - قال -: إن أضجراک فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما إن ضرباک». قال: ]وَقُلْ لَهُما قَوْلاً کَرِیماً[((6))، قال:«إن ضرباک فقل لهما: غفر الله لکما فذلک منک قول کریم». قال: ]وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ[((7))، قال:«لا تملأ عینیک من النظر إلیهما إلا برحمة ورقة، ولا ترفع صوتک فوق أصواتهما ولا یدک فوق أیدیهما ولا تقدم قدامهما»((8)).

وروی عن الرضا علیه السلام عن أبیه علیه السلام عن أبی عبد الله علیهم السلام قال: «لو علم الله لفظة أوجز فی ترک عقوق الوالدین من أف لأتی به»((9)). وسأل عمر بن یزید أبا عبد الله علیه السلام عن إمام لا بأس به فی جمیع أمره عارف غیر أنه یسمع أبویه الکلام الغلیظ الذی یغیظهما أقرأ خلفه؟ قال: «لا تقرأ خلفه ما لم یکن عاقاً قاطعاً»((10)).

ص:651


1- الکافی: ج2 ص158 باب البر بالوالدین ح2
2- غوالی اللآلی: ج1 ص442 ب1 المسلک الثالث ح162
3- سورة البقرة: 83، سورة النساء: 36، سورة الأنعام: 151، سورة الإسراء: 23
4- سورة آل عمران: 92
5- سورة الإسراء: 23
6- سورة الإسراء: 23
7- سورة الإسراء: 24
8- الکافی: ج2 ص157- 158 باب البر بالوالدین ح1
9- بحار الأنوار: ج71 ص42 ب2 ضمن ح3
10- تهذیب الأحکام: ج3 ص30 ب3 ح18

وعن منصور بن حازم قال:قلت لأبی عبد الله علیه السلام: أی الأعمال أفضل؟ قال: «الصلاة لوقتها، وبر الوالدین، والجهاد فی سبیل الله»((1)).

وعن درست، عن أبی الحسن علیه السلام قال: «سأل رجل رسول الله صلی الله علیه و آله: ما حق الوالد علی ولده؟. قال: لا یسمیه باسمه، ولا یمشی بین یدیه، ولا یجلس قبله، ولایستسب له»((2)).

وعن محمد بن مروان قال: قال أبو عبد الله علیه السلام: «ما یمنع الرجل منکم أن یبر والدیه حیین أو میتین: یصلی عنهما،ویتصدق عنهما، ویحج عنهما، ویصوم عنهما، فیکون الذی صنع لهما وله مثل ذلک، فیزیده الله عزوجل ببره وصلته خیراً کثیراً»((3)).

وعن معمر بن خلاد قال: قلت لأبی الحسن الرضا علیه السلام: أدعو لوالدی إذا کانا لا یعرفان الحق؟. قال: «ادع لهما، وتصدق عنهما، وإن کانا حیین لا یعرفان الحق فدارهما، فإن رسول الله صلی الله علیه و آله قال: إن الله بعثنی بالرحمة لا بالعقوق»((4)).

وعن جابر بن یزید الجعفی عن أبی عبد الله الصادق علیه السلام قال: «جاء رجل إلی رسول الله صلی الله علیه و آله. فقال: یا رسول الله، إنی راغب فی الجهاد نشیط؟. قال: فقال ل-ه النبی صلی الله علیه و آله: فجاهد فی سبیل الله فإنک إن تقتل کنت حیاً عند الله ترزق، وإن مت فقد وقع أجرک علی الله، وإن رجعت خرجت من الذنوب کما ولدت. فقال: یا رسول الله، إن لی والدین کبیرین یزعمان أنهما یأنسان بی ویکرهان خروجی؟. فقال رسول الله صلی الله علیه و آله: أقم مع والدیک فو الذی نفسی بیده لأنسهما بک یوماً ولیلة خیر من جهاد سنة»((5)).

وعن عمار بن حیان قال: خبرت أبا عبد الله علیه السلام ببر إسماعیل ابنی بی. فقال: «لقد کنت أحبه وقد ازددت ل-ه حباً، إن رسول الله صلی الله علیه و آله أتته أخت ل-ه من الرضاعة

ص:652


1- المحاسن: ج1 ص292 ب47 ح445
2- وسائل الشیعة: ج21 ص505 ب106 ح27705
3- الکافی: ج2 ص159 باب البر بالوالدین ح7
4- بحار الأنوار: ج71 ص47 ب2 ح8
5- الأمالی للصدوق: ص461- 462 المجلس السبعون ح8

فلما نظر إلیها سر بها وبسط ملحفته لها فأجلسها علیها ثم أقبل یحدثها ویضحک فی وجهها، ثم قامت فذهبت وجاء أخوها فلم یصنع به ما صنع بها، فقیل ل-ه: یا رسول الله صنعت بأخته ما لم تصنع به وهو رجل؟ فقال: لأنها کانت أبر بوالدیها منه»((1)).

وعن إبراهیم بن شعیب قال: قلت لأبی عبد الله علیه السلام: إن أبی قد کبر جداً وضعف فنحن نحمله إذا أراد الحاجة. فقال: «إن استطعت أن تلی ذلک منه فافعل ولقمه بیدک فإنه جنة لک غداً»((2)).

وعن أبی الصباح عن جابر قال: سمعت رجلاً یقول لأبی عبد الله علیه السلام: إن لی أبوین مخالفین. فقال: «برهما کما تبر المسلمین ممن یتولانا»((3)).

وعن عنبسة بن مصعب عن أبی جعفر علیه السلام قال: «ثلاث لم یجعل الله عزوجل لأحد فیهن رخصة: أداء الأمانة إلی البر والفاجر، والوفاء بالعهد للبر والفاجر، وبر الوالدین برین کانا أو فاجرین»((4)).

وعن المعلی بن خنیس عن أبی عبد الله علیه السلام قال: «جاء رجل وسأل النبی صلی الله علیه و آله عن بر الوالدین؟ فقال: ابرر أمک، ابرر أمک، ابرر أمک، ابرر أباک، ابرر أباک، ابرر أباک، وبدأ بالأم قبل الأب»((5)).

وعن أبی خدیجة عن أبی عبد الله علیه السلام قال: «جاء رجل النبی صلی الله علیه و آله قال: إنی ولدت بنتاً وربیتها حتی إذا بلغت فألبستها وحلیتها ثم جئت بها إلی قلیب فدفعتها فی جوفه وکان آخر ما سمعت منها وهی تقول: یا أبتاه، فما کفارة ذلک؟ قال: ألک أم حیة؟ قال: لا. قال: فلک خالة حیة؟ قال: نعم. قال: فابررها فإنها بمنزلة الأم تکفر عنک ما صنعت». قال أبو خدیجة: فقلت لأبی عبد الله علیه السلام: متی کان هذا؟ قال: «کان فی الجاهلیة وکانوا یقتلون البنات مخافة أن یسبین فیلدن فی قوم آخرین»((6)).

ص:653


1- الکافی: ج2 ص161 باب البر بالوالدین ح12
2- وسائل الشیعة: ج21 ص505-506 ب106 ح27707
3- بحار الأنوار: ج71 ص56 ب2 ح14، والبحار: ج71 ص82 ب2 ح90
4- الکافی: ج2 ص162 باب البر بالوالدین ح15
5- وسائل الشیعة: ج21 ص491 ب94 ح27672
6- بحار الأنوار: ج15 ص172- 173 ب1 ح99، والبحار: ج71 ص58 ب2 ح18

وعن محمد بن مسلم عن أبی جعفر علیه السلام قال: «إن العبد لیکون باراً بوالدیه فی حیاتهما ثم یموتان فلا یقضی عنهما الدین، ولا یستغفر لهما، فیکتبه الله عزوجل عاقاً. وإنه لیکون عاقاً فی حیاتهما، غیر بار لهما، فإذا ماتا قضی عنهما الدین، واستغفر لهما، فیکتبه الله تبارک وتعالی باراً»((1)).

وعن عبد الله بن المغیرة عن أبی الحسن علیه السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «کن باراً واقتصر علی الجنة، وإن کنت عاقاً فظاً فاقتصر علی النار»((2)).

وعن یعقوب بن شعیب عن أبی عبد الله علیه السلام قال: «إذا کان یوم القیامة کشف غطاء من أغطیة الجنة فوجد ریحها من کانت ل-ه روح من مسیرة خمسمائة عام إلا صنف واحد». قلت: من هم؟ قال: «العاق لوالدیه»((3)).

وعن السکونی عن جعفر عن أبیه عن آبائه علیهم السلام أن النبی صلی الله علیه و آله قال: «فوق کل ذی بر بر حتی یقتل فی سبیل الله فإذا قتل فی سبیل الله فلیس فوقه بر، وفوق کل ذی عقوق عقوق حتی یقتل أحد والدیه فإذا قتل أحد والدیه فلیس فوقه عقوق»((4)).

وعن سیف بن عمیرة عن أبی عبد الله علیه السلام قال: «من نظر إلی أبویه نظر ماقت وهما ظالمان له لم یقبل الله له صلاة»((5)).

وعن محمد بن فرات عن أبی جعفر علیه السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله فی کلام له: «إیاکم وعقوق الوالدین! فإن ریح الجنة توجد من مسیرة ألف عام، ولا یجدها عاق، ولا قاطع رحم،ولا شیخ زان، ولا جار إزاره خیلاء، إنما الکبریاء لله رب العالمین»((6)).

وعن أبی عبد الله علیه السلام قال: «لما تلقی یوسف یعقوب ترجل ل-ه یعقوب ولم یترجل له یوسف، فلم ینفصلا من العناق حتی أتاه جبرئیل. فقال له: یا یوسف ترجل لک الصدیق ولم تترجل ل-ه ابسط یدک فبسطها، فخرج نور من راحته. فقال ل-ه

ص:654


1- الزهد: ص33 ب5 ح87
2- الکافی: ج2 ص348 باب العقوق ح2
3- وسائل الشیعة: ج21 ص501 ب104 ح27694
4- تهذیب الأحکام: ج6 ص122 ب54 ح4
5- تنبیه الخواطر ونزهة النواظر: ج2 ص208
6- بحار الأنوار: ج71 ص61- 62 ب2 ح27

یوسف: ما هذا؟. قال: هذا آیة لا یخرج من عقبک نبی عقوبة»((1)).

41- حسن التعامل مع الأقلیات الدینیة

مسألة: یستحب حسن التعامل مع الأقلیات الدینیة وقد یجب، وهو من مقومات أو مصادیق السلم والسلام بالمعنی الأعم.

جاء فی رسالة الحقوق للإمام السجاد علیه السلام: «وأما حق أهل الذمة، فالحکم فیهم أن تقبل منهم ما قبل الله، وتفی بما جعل الله لهم من ذمته وعهده، وتکلهم إلیه فیما طلبوا من أنفسهم وأجبروا علیه، وتحکم فیهم بما حکم الله به علی نفسک فیما جری بینک وبینهم من معاملة، ولیکن بینک وبین ظلمهم من رعایة ذمة الله والوفاء بعهده وعهد رسول الله صلی الله علیه و آله حائل، فإنه بلغنا أنه صلی الله علیه و آله قال: من ظلم معاهداً کنت خصمه، فاتق الله ولا حول ولا قوة إلا بالله»((2)).

وجاء فی عهد أمیر المؤمنین علی علیه السلام إلی محمد بن أبی بکر: «هذا ما عهد عبد الله علی أمیر المؤمنین إلی محمد بن أبی بکر حین ولاه مصر، أمره بتقوی الله فی السر والعلانیة وخوف الله تعالی فی المغیب والمشهد، وباللین للمسلم وبالغلظة علی الفاجر، وبالعدل علی أهل الذمة وبالإنصاف للمظلوم وبالشدة علی الظالم وبالعفو عن الناس وبالإحسان ما استطاع والله یجزی المحسنین»((3)).

وعن أبی بصیر عن أبی عبد الله علیه السلام قال: قال لی: «یا أبا محمد کأنی أری نزول القائم علیه السلام فی مسجد السهلة بأهله وعیاله». - إلی أن قال -:قلت: فما یکون من أهل الذمة عنده؟ قال: «یسالمهم کما سالمهم رسول الله صلی الله علیه و آله ویؤدون ]الْجِزْیَةَ عَنْ یَدٍ وهُمْ صاغِرُونَ[((4))»((5)).

وروی: أن النبی صلی الله علیه و آله قال: «من قتل رجلاً من أهل الذمة حرم الله علیه الجنة

ص:655


1- علل الشرائع: ج1 ص55 ب47 ح1
2- تحف العقول: ص271-272 رسالته علیه السلام المعروفة برسالة الحقوق
3- الغارات: ج1 ص141 خبر قدوم محمد بن أبی بکر مصر
4- سورة التوبة: 29
5- بحار الأنوار: ج52 ص376 ب27 ح177، والبحار: ج52 ص371 ب27 ح191

التی توجد ریحها من مسیرة اثنی عشر عاماً»((1)).

وعن أبی عبد الله علیه السلام قال: «لیس بین أهل الذمة معاقلة فیما یجنون من قتل أو جراحة، إنما یؤخذ ذلک من أموالهم فإن لم یکن لهم مال رجعت الجنایة علی إمام المسلمین لأنهم یؤدون إلیه الجزیة کما یؤدی العبد الضریبة إلی سیده»((2)).

وعن علی بن الحسین علیه السلام عن أبیه علیه السلام عن علی علیهم السلام قال: «سمعت رسول الله صلی الله علیه و آله یقول: من أخذ شیئاً من أموال أهل الذمة ظلماً فقد خان الله ورسوله وجمیع المؤمنین»((3)).

وعن علی بن الحسین علیه السلام عن أبیه علیه السلام عن علی علیهم السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «لاتدخلوا علی نساء أهل الذمة إلا بإذن»((4)).

وعن جعفر بن محمد صلی الله علیه و آله أنه قال: «ومن استعین به من أهل الذمة علی حرب المشرکین طرحت عنه الجزیة»((5)).

وعن أمیر المؤمنین علیه السلام قال: «الجزیة علی أحرار أهل الذمة الرجال البالغین، ولیس علی العبید منهم، ولا علی الأطفال، ولا علی النساء جزیة. وتؤخذ من الدهاقین وأمثالهم من أهل السعة فی المال، عن کل رجل منهم ثمانیة وأربعون درهماً فی کل عام، ومن الطبقة الوسطی أربعة وعشرون درهماً، ومن الطبقة السفلی اثنا عشر درهماً، وعلیهم مع ذلک الخراج فی أرضهم لمن کانت فی الأرض منهم من صغیر أو کبیر أو امرأة أو رجل فالخراج علیها. ومن أسلم وضعت عنه الجزیة ولم یوضع عنه الخراج؛ لأن الخراج عن الأرض وإن باعوها فصارت للمسلمین بقی الخراج علیها بحاله، والمستأمن یؤخذ مما دخل به العشر إذا بلغ مائتی درهم فصاعدا أو قیمتها»((6)).

ص:656


1- مستدرک الوسائل: ج11 ص131 ب61 ح12630
2- الکافی: ج7 ص364 باب المعاقلة ح1
3- الجعفریات: ص81 باب من ظلم ذمیاً وأخذ شیئاً من أموالهم
4- الجعفریات: ص81-82 باب الاستئذان علی أهل الذمة
5- دعائم الإسلام: ج1 ص380 ذکر الصلح والموادعة والجزیة
6- دعائم الإسلام: ج1 ص380-381 ذکر الصلح والموادعة والجزیة

وعن عبد الله بن قعین قال: کنت أنا وأخی کعب بن قعین فی ذلک الجیش مع معقل بن قیس فلما أراد الخروج أتی علیاً علیه السلام فودعه. فقال له علی علیه السلام: «یا معقل بن قیس، اتق الله ما استطعت فإنها وصیة الله للمؤمنین، لا تبغ علی أهل القبلة، ولاتظلم أهل الذمة، ولا تتکبر فإن الله لا یحب المتکبرین». فقال معقل: الله المستعان. فقال: «خیر مستعان»((1)). وقال رسول الله صلی الله علیه و آله فی قصة الیهودی الذی حبسه: «نهی تبارک وتعالی أن أظلم معاهداً ولا غیره»((2)).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام لجاریة بن قدامة لما ودعه: «ولا تحتقر مسلماً

ولا معاهداً»((3)). ومن کتاب ل-ه علیه السلام کتبه لجاریة بن قدامة: «ولا تظلم معاهداً ولا معاهدة»((4)). وقال علیه السلام: «لا إیمان لمن یقتل مسلماً أو معاهداً»((5)).

وفی البحار: عن جعفر علیه السلام عن أبیه علیه السلام: «أن علیاً علیه السلام صاحب رجلاً ذمیاً. فقال ل-ه الذمی: أین ترید یا عبد الله؟. قال: أرید الکوفة، فلما عدل الطریق بالذمی عدل معه علی علیه السلام. فقال ل-ه الذمی: أ لیس زعمت ترید الکوفة؟!. قال: بلی. فقال ل-ه الذمی: فقد ترکت الطریق. فقال: قد علمت. فقال ل-ه: فلم عدلت معی وقد علمت ذلک؟!. فقال ل-ه علی علیه السلام: هذا من تمام حسن الصحبة أن یشیع الرجل صاحبه هنیئة إذا فارقه، وکذلک أمرنا نبینا صلی الله علیه و آله. فقال ل-ه: هکذا!. قال: نعم. فقال ل-ه الذمی: لا جرم أنما تبعه من تبعه لأفعاله الکریمة، وأنا أشهدک أنی علی دینک. فرجع الذمی مع علی علیه السلام فلما عرفه أسلم»((6)).

وعن سعد بن طریف عن أبی جعفر علیه السلام أنه قال: «صانع المنافق بلسانک، وأخلص ودک للمؤمن، وإن جالسک یهودی فأحسن مجالسته»((7)).

ص:657


1- الغارات: ج1 ص236 خبر بنی ناجیة
2- مستدرک الوسائل: ج13 ص407 ب17 ح15741
3- الغارات: ج2 ص428 مسیر جاریة بن قدامة e
4- الغارات: ج2 ص431 مسیر جاریة بن قدامة e
5- غوالی اللآلی: ج2 ص241 ب2 باب الجهاد ح8
6- بحار الأنوار: ج41 ص53 ب104 ح5، والبحار: ج71 ص157 ب10 ح4
7- مستدرک الوسائل: ج8 ص316 ب2 ح9537

42- حسن الجوار

مسألة: یستحب حسن الجوار وقد یجب فی بعض مراتبه، وهو من مقومات أو مصادیق السلم والسلام بالمعنی الأعم. قال تعالی: ]وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِکُوا بِهِ شَیْئاً وَبِالْوالِدَیْنِ إِحْساناً وَبِذِی الْقُرْبی وَالْیَتامی وَالْمَساکِینِ وَالْجارِ ذِی الْقُرْبی وَالْجارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِیلِ وَما مَلَکَتْ أَیْمانُکُمْ إِنَّ اللَّهَ لایُحِبُّ مَنْ کانَ مُخْتالاً فَخُوراً[((1)).

وعن أبی أسامة زید الشحام قال: قال لی أبو عبد الله علیه السلام: «اقرأ علی من تری أنه یطیعنی منهم ویأخذ بقولی: السلام، وأوصیکم بتقوی الله عز وجل، والورع فی دینکم، والاجتهاد لله، وصدق الحدیث، وأداء الأمانة، وطول السجود، وحسن الجوار، فبهذا جاء محمد صلی الله علیه و آله. أدوا الأمانة إلی من ائتمنکم علیها براً أو فاجراً، فإن رسول الله صلی الله علیه و آله کان یأمر بأداء الخیط والمخیط. صلوا عشائرکم، واشهدوا جنائزهم، وعودوا مرضاهم، وأدوا حقوقهم. فإن الرجل منکم إذا ورع فی دینه، وصدق الحدیث، وأدی الأمانة، وحسن خلقه مع الناس قیل: هذا جعفری، فیسرنی ذلک ویدخل علیَّ منه السرور، وقیل: هذا أدب جعفر. وإذا کان علی غیر ذلک دخل علیَّ بلاؤه وعاره، وقیل: هذا أدب جعفر. والله لحدثنی أبی علیه السلام: أن الرجل کان یکون فی القبیلة من شیعة علی علیه السلام فیکون زینها، آداهم للأمانة، وأقضاهم للحقوق، وأصدقهم للحدیث، إلیه وصایاهم وودائعهم، تسأل العشیرة عنه فتقول: من مثل فلان إنه آدانا للأمانة، وأصدقنا للحدیث»((2)).

وعن القاسم بن محمد عن حبیب الخثعمی قال: سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول: «علیکم بالورع والاجتهاد، واشهدوا الجنائز، وعودوا المرضی، واحضروا مع قومکم مساجدکم، وأحبوا للناس ما تحبون لأنفسکم. أما یستحیی الرجل منکم أن یعرف جاره حقه ولا یعرف حق جاره»((3)).

ص:658


1- سورة النساء: 36
2- الکافی: ج2 ص636 باب ما یجب من المعاشرة ح5
3- وسائل الشیعة: ج12 ص6 ب1 ح15498

وعن مرازم قال: قال أبو عبد الله علیه السلام: «علیکم بالصلاة فی المساجد، وحسن الجوار للناس، وإقامة الشهادة، وحضور الجنائز. إنه لابد لکم من الناس، إن أحداً لایستغنی عن الناس بجنازته»((1)).

وعن کثیر بن علقمة قال: قلت لأبی عبد الله علیه السلام: أوصنی. فقال: «أوصیک بتقوی الله والورع، والعبادة، وطول السجود، وأداء الأمانة، وصدق الحدیث، وحسن الجوار، فبهذا جاءنا محمد صلی الله علیه و آله. صلوا فی عشائرکم، وعودوا مرضاکم، واشهدوا جنائزکم، وکونوا لنا زیناً، ولا تکونوا علینا شیناً. حببونا إلی الناس، ولاتبغضونا إلیهم، فجروا إلینا کل مودة، وادفعوا عنا کل قبیح»((2)).

وعن معاویة بن عمار عن أبی عبد الله علیه السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «حسن الجوار یعمر الدیار وینسئ فی الأعمار»((3)).

وعن إبراهیم بن أبی رجا قال: قال أبو عبد الله علیه السلام: «حسن الجوار یزید فی الرزق»((4)).

وعن أبی مسعود قال: قال لی أبو عبد الله علیه السلام: «حسن الجوار زیادة فی الأعمار وعمارة الدیار»((5)).

وعن أبی الربیع الشامی عن أبی عبد الله علیه السلام قال: قال - والبیت غاص بأهله -: «اعلموا أنه لیس منا من لم یحسن مجاورة من جاوره»((6)).

وقال أبو عبد الله علیه السلام یوماً لبعض أصحابه یوصیهم: «اتقوا الله وأحسنوا صحبة من تصاحبونه، وجوار من تجاورونه، وأدوا الأمانات إلی أهلها، ولا تسموا الناس خنازیر، إن کنتم شیعتنا تقولون ما نقول. واعملوا بما نأمرکم به تکونوا لنا شیعة، ولاتقولوا فینا ما لا نقول فی أنفسنا فلا تکونوا لنا شیعة. إن أبی حدثنی: أن الرجل من

ص:659


1- مستدرک الوسائل: ج12 ص411- 412 ب3 ح21695
2- الحکایات: ص93 من أحادیث أهل البیت فی الوصیة بالورع
3- الکافی: ج2 ص667- 668 باب حق الجوار ح10
4- الزهد: ص43 ب6 ح115
5- وسائل الشیعة: ج12 ص129 ب87 ح15846
6- الکافی: ج2 ص668 باب حق الجوار ح11

شیعتنا کان یکون فی الحی فتکون ودائعهم عنده، ووصایاهم إلیه، فکذلک أنتم فکونوا»((1)).

وعن مرازم قال: قال أبو عبد الله علیه السلام: «علیکم بالصلاة فی المسجد وحسن الجوار للناس»((2)).

وفی فقه الرضا علیه السلام قال: «علیکم بتقوی الله، والورع، والاجتهاد، وأداء الأمانة، وصدق الحدیث، وحسن الجوار، فبهذا جاء محمد صلی الله علیه و آله. صلوا فی عشائرکم، وصلوا أرحامکم، وعودوا مرضاکم، واحضروا جنائزکم. وکونوا زیناً ولا تکونوا شیناً، حببونا إلی الناس ولا تبغضونا، جروا إلینا کل مودة، وادفعوا عنا کل قبیح»((3)).

وعن عبد الله بن طلحة عن أبی عبد الله علیه السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «البر وحسن الجوار، زیادة فی الرزق، وعمارة فی الدیار»((4)).

وعن الصادق جعفر بن محمد علیه السلام عن أبیه علیه السلام عن جده علیه السلام عن الحسین بن علی علیه السلام قال: «سمعت رسول الله صلی الله علیه و آله یقول لی:... وأحسن مجاورة من جاورک تکن مؤمناً، وأحسن مصاحبة من صاحبک تکن مسلماً»((5)).

وفی فقه الرضا علیه السلام قال: «وأحسن مجاورة من جاورک فإن الله یسألک عن الجار»((6)).

وروی عن رسول الله صلی الله علیه و آله قول-ه: «إن الله تبارک وتعالی أوصانی بالجار حتی ظننت أنه یرثنی»((7)).

وعن رسول الله صلی الله علیه و آله أنه قال ل-ه رجل من المسلمین: یا رسول الله إن لی جارین

ص:660


1- دعائم الإسلام: ج1 ص61 ذکر وصایا الأئمة علیهم السلام
2- بحار الأنوار: ج71 ص162 ب10 ح24
3- فقه الرضا علیه السلام : ص356 ب95
4- مستدرک الوسائل: ج8 ص425-426 ب73 ح9884، والمستدرک: ج12 ص424 ب32 ح14507
5- الأمالی للصدوق: ص201 المجلس36 ح13
6- فقه الرضا علیه السلام : ص401 ب115
7- فقه الرضا علیه السلام : ص401 ب115

إلی أیهما أهدی هدیتی أولاً؟ فقال: «إلی أقربهما منک باباً وأوجبهما عندک رحماً، فإن استویا فی ذلک فإلی أحسنهما مجاورة»((1)).

وقال رسول الله صلی الله علیه و آله: «من کان یؤمن بالله والیوم الآخر فلیکرم جاره فوق ما یکرم به غیره»((2)).

وقال رسول الله صلی الله علیه و آله: «من غلق بابه خوفاً من جاره علی أهله وماله فلیس جاره بمؤمن». فقیل ل-ه: یا رسول الله فما حق الجار علی الجار؟ فقال: «من أدنی حقوقه علیه: إن استقرضه أقرضه، وإن استعانه أعانه، وإن استعار منه أعاره، وإن احتاج إلی رفده رفده، وإن دعاه أجابه، وإن مرض عاده، وإن مات شیع جنازته، وإن أصاب خیراً فرح به ولم یحسده علیه، وإن أصاب مصیبة حزن لحزنه، ولا یستطیل علیه ببناء سکنه فیؤذیه بإشرافه علیه وسده منافذ الریح عنه، وإن أهدی إلی منزله طرفة أهدی ل-ه منها إذا علم أنه لیس عنده مثلها، أو فلیسترها عنه وعن عیاله إن شحت نفسه بها - ثم قال -: اسمعوا ما أقول لکم: لم یؤد حق الجار إلا قلیل ممن رحمه الله، ولقد أوصانی الله بالجار حتی ظننت أنه سیورثه»((3)).

43- حسن الخلق

مسألة: یستحب حسن الخلق وقد یجب، وهو من مقومات أو مصادیق السلم والسلام بالمعنی الأعم.

عن محمد بن مسلم عن أبی جعفر علیه السلام قال: «إن أکمل المؤمنین إیماناً أحسنهم خلقاً»((4)).

وعن علی بن الحسین علیه السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «ما یوضع فی میزان امرئ یوم القیامة أفضل من حسن الخلق»((5)).

ص:661


1- مستدرک الوسائل: ج8 ص426 ب73 ح9887
2- مستدرک الوسائل: ج8 ص426- 427 ب73 ح9888
3- مستدرک الوسائل: ج8 ص427 ب73 ح9889
4- الکافی: ج2 ص99 باب حسن الخلق ح1
5- وسائل الشیعة: ج12 ص151 ب104 ح15916

وعن أبی ولاد الحناط، عن أبی عبد الله جعفر بن محمد 3 قال: «أربع من کن فیه کمل إیمانه، وإن کان من قرنه إلی قدمه ذنوب لم ینقصه ذلک، وهی: الصدق، وأداء الأمانة، والحیاء، وحسن الخلق»((1)).

وعن عنبسة العابد قال: قال لی أبو عبد الله علیه السلام: «ما یقدم المؤمن علی الله عزوجل بعمل بعد الفرائض أحب إلی الله تعالی من أن یسع الناس بخلقه»((2)).

وعن ذریح المحاربی عن أبی عبد الله علیه السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «إن صاحب الخلق الحسن له أجر الصائم القائم»((3)).

وعن السکونی عن أبی عبد الله علیه السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «أکثر ما تلج به أمتی الجنة: تقوی الله، وحسن الخلق»((4)).

وعن حسین الأحمسی وعبد الله بن سنان عن أبی عبد الله علیه السلام قال: «إن الخلق الحسن یمیث الخطیئة کما تمیث الشمس الجلید»((5)).

وعن عبد الله بن سنان عن أبی عبد الله علیه السلام قال: «إن البر وحسن الخلق یعمران الدیار، ویزیدان فی الأعمار»((6)).

وعن عبد الله بن سنان قال: قال أبو عبد الله علیه السلام: «أوحی الله تبارک وتعالی إلی بعض أنبیائه علیهم السلام: الخلق الحسن یمیث الخطیئة کما تمیث الشمس الجلید»((7)).

وعن علی بن أبی علی اللهبی عن أبی عبد الله علیه السلام قال: «إن الله تبارک وتعالی لیعطی العبد من الثواب علی حسن الخلق کما یعطی المجاهد فی سبیل الله یغدو علیه ویروح»((8)).

ص:662


1- الأمالی للطوسی: ص44 المجلس2 ح51
2- بحار الأنوار: ج68 ص375 ب92 ح4
3- مستدرک الوسائل: ج8 ص442- 443 ب87 ح9940
4- الکافی: ج2 ص100 باب حسن الخلق ح6
5- بحار الأنوار: ج68 ص375 ب92 ح7
6- الزهد: ص29 ب3 ح72
7- الکافی: ج2 ص100 باب حسن الخلق ح9
8- بحار الأنوار: ج68 ص377 ب92 ح10

وعن العلاء بن کامل قال: قال أبو عبد الله علیه السلام: «إذا خالطت الناس فإن استطعت أن لا تخالط أحداً من الناس إلا کانت یدک العلیا علیه فافعل؛ فإن العبد یکون فیه بعض التقصیر من العبادة، ویکون ل-ه حسن خلق فیبلغه الله بحسن خلقه درجة الصائم القائم»((1)).

وعن بحر السقاء قال: قال أبو عبد الله علیه السلام: «یا بحر حسن الخلق یسر» ثم

قال: «ألا أخبرک بحدیث ما هو فی ید أحد من أهل المدینة؟». قلت: بلی. قال: «بینا رسول الله صلی الله علیه و آله ذات یوم جالس فی المسجد، إذ جاءت جاریة لبعض الأنصار وهو قائم، فأخذت بطرف ثوبه فقام لها النبی صلی الله علیه و آله فلم تقل شیئاً ولم یقل لها النبی صلی الله علیه و آله شیئاً، حتی فعلت ذلک ثلاث مرات. فقام النبی صلی الله علیه و آله فی الرابعة وهی خلفه فأخذت هدبة من ثوبه ثم رجعت. فقال لها الناس: فعل الله بک وفعل، حبست رسول الله صلی الله علیه و آله ثلاث مرات لا تقولین ل-ه شیئاً، ولا هو یقول لک شیئاً، ما کانت حاجتک إلیه؟. قالت: إن لنا مریضاً فأرسلنی أهلی لآخذ هدبة من ثوبه یشتفی بها، فلما أردت أخذها رآنی فقام فاستحییت أن آخذها وهو یرانی، وأکره أن أستأمره فی أخذها حتی أخذتها»((2)).

وعن أبی عبد الله علیه السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «أفاضلکم أحسنکم أخلاقاً، الموطئون أکنافاً، الذین یألفون ویؤلفون، وتوطأ رحالهم»((3)). وعن إبراهیم بن عبد الحمید قال: قال أبو عبد الله علیه السلام: «أکمل الناس عقلاً أحسنهم خلقاً»((4)).

وعن الحسین بن خالد عن الرضا علیه السلام عن آبائه علیهم السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «نزل علیَّ جبرئیل من رب العالمین، فقال: یا محمد، علیک بحسن الخلق؛ فإنه ذهب بخیر الدنیا والآخرة، ألا وإن أشبهکم بی أحسنکم خلقاً»((5)).

وقال علی بن موسی الرضا علیه السلام بإسناده عن النبی صلی الله علیه و آله أنه قال: «علیکم بحسن

ص:663


1- الکافی: ج2 ص101- 102 باب حسن الخلق ح14
2- مشکاة الأنوار: ص222 ب5 ف1
3- بحار الأنوار: ج68 ص380 ب92 ح14
4- وسائل الشیعة: ج12 ص150 ب104 ح15912
5- وسائل الشیعة: ج12 ص151- 152 ب104 ح15919

الخلق فإن حسن الخلق فی الجنة لا محالة، وإیاکم وسوء الخلق فإن سیئ الخلق فی النار لا محالة»((1)).

44- حسن المعاشرة

مسألة: یستحب حسن المعاشرة وقد یجب، وهو من مقومات أو مصادیق السلم والسلام بالمعنی الأعم.

عن أبی الربیع الشامی قال: دخلت علی أبی عبد الله علیه السلام والبیت غاص بأهله، فیه الخراسانی والشامی ومن أهل الآفاق، فلم أجد موضعاً أقعد فیه. فجلس أبو عبد الله علیه السلام وکان متکئاً ثم قال: «یا شیعة آل محمد، اعلموا أنه لیس منا من لم یملک نفسه عند غضبه، ومن لم یحسن صحبة من صحبه، ومخالقة من خالقه، ومرافقة من رافقه، ومجاورة من جاوره، وممالحة من مالحه. یا شیعة آل محمد، اتقوا الله ما استطعتم ولا حول ولا قوة إلا بالله»((2)).

وعن العلاء بن الفضل عن أبی عبد الله علیه السلام قال: «کان أبو جعفر علیه السلام یقول: عظموا أصحابکم ووقروهم، ولا یتهجم بعضکم بعضاً، ولا تضادوا ولا تحاسدوا، وإیاکم والبخل، کونوا عباد الله المخلصین»((3)).

وعن معاویة بن عمار قال: قال أبو عبد الله علیه السلام: «وطن نفسک علی حسن الصحابة لمن صحبت فی حسن خلقک، وکف لسانک، واکظم غیظک، وأقل لغوک، وتغرس عفوک، وتسخو نفسک»((4)).

وعن محمد بن مسلم عن أبی جعفر علیه السلام قال: «ما یعبأ بمن سلک هذا الطریق إذا لم یکن فیه ثلاث خصال: ورع یحجزه عن معاصی الله، وحلم یملک به غضبه، وحسن الصحبة لمن صحبه»((5)).

وقال الصادق علیه السلام: «لیس من المروءة أن یحدث الرجل بما یلقی فی السفر من خیر

ص:664


1- جامع الأخبار: ص107 ف64
2- الکافی: ج2 ص637 باب حسن المعاشرة ح2
3- کشف الریبة: ص96- 97 ف5
4- وسائل الشیعة: ج12 ص9- 10 ب2 ح15506
5- وسائل الشیعة: ج12 ص10 ب2 ح15508

أو شر»((1)).

وعن عمار بن مروان الکلبی قال: أوصانی أبو عبد الله علیه السلام فقال: «أوصیک بتقوی الله وأداء الأمانة، وصدق الحدیث، وحسن الصحابة لمن صحبت، ولا قوة إلا بالله»((2)).

وعن المفضل بن عمر قال: دخلت علی أبی عبد الله علیه السلام فقال لی: «من صحبک؟». فقلت له: رجل من إخوانی. قال: «فما فعل؟». قلت: منذ دخلت المدینة لم أعرف مکانه. فقال لی: «أما علمت أن من صحب مؤمناً أربعین خطوة سأله الله عنه یوم القیامة»((3)).

وعن جابر بن یزید عن أبی جعفر محمد بن علی علیه السلام قال: لما احتضر أمیر المؤمنین علیه السلام جمع بنیه حسناً وحسیناً 3 وابن الحنفیة والأصاغر من ولده فوصاهم وکان فی آخر وصیته: «یا بنی، عاشروا الناس عشرة إن غبتم حنوا إلیکم، وإن فقدتم بکوا علیکم»((4)).

وعن موسی بن جعفر علیه السلام أنه قال لهشام بن الحکم فی وصیته إلیه: «یا هشام، وإن خالطت الناس فإن استطعت أن لا تخالط أحداً منهم إلا من کانت یدک علیه العلیا فافعل»((5)).

وعن رسول الله صلی الله علیه و آله أنه قال: «ما من رجلین یصطحبان إلا والله مسائل کل واحد منهما عن الآخر کیف کان صحبته إیاه»((6)).

وقال الصادق علیه السلام: «حسن المعاشرة مع خلق الله تعالی فی غیر معصیة من مزید فضل الله عزوجل عند عبده، ومن کان خاضعاً فی السر کان حسن المعاشرة فی العلانیة. فعاشر الخلق لله ولا تعاشرهم لنصیبک من الدنیا، ولطلب الجاه والریاء

ص:665


1- من لا یحضره الفقیه: ج2 ص274 باب ما یجب علی المسافر فی الطریق ح2425
2- المحاسن: ج2 ص358 ب16 ح71
3- تنبیه الخواطر ونزهة النواظر: ج2 ص21
4- الأمالی للطوسی: ص595 المجلس26 ح1232
5- مستدرک الوسائل: ج8 ص317 ب2 ح9539
6- مستدرک الوسائل: ج8 ص317 ب2 ح9540

والسمعة، ولا تستقطن بسببها عن حدود الشریعة من باب المماثلة والشهرة؛ فإنهم لا یغنون عنک شیئاً وتفوتک الآخرة بلا فائدة. واجعل من هو أکبر منک بمنزلة الأب، والأصغر بمنزلة الولد، والمثل بمنزلة الأخ، ولا تدع ما تعمله یقیناً من نفسک بما تشک فیه من غیرک. وکن رفیقاً فی أمرک بالمعروف، شفیقاً فی نهیک عن المنکر، ولا تدع النصیحة فی کل حال قال الله عزوجل: ]وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً[((1))»((2)).

وعن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال: «وخالطوا الناس وأتوهم، وأعینوهم ولا تجانبوهم، وقولوا لهم کما قال الله تعالی: ]وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً[((3))»((4)).

وعن معاویة بن وهب قال: قلت لأبی عبد الله علیه السلام: کیف ینبغی لنا أن نضع فیما بیننا وبین قومنا، وفیما بیننا وبین خلطائنا من الناس؟. فقال: «تؤدون الأمانة إلیهم، وتقیمون الشهادة لهم وعلیهم، وتعودون مرضاهم، وتشهدون جنائزهم»((5)).

وعن خیثمة الجعفی قال: دخلت علی الصادق جعفر بن محمد علیه السلام وأنا أرید الشخوص، فقال: «أبلغ موالینا السلام وأوصهم بتقوی الله، وأن یعود غنیهم فقیرهم، وقویهم ضعیفهم، وأن یعود صحیحهم مریضهم، وأن یشهد حیهم جنازة میتهم، وأن یتلاقوا فی بیوتهم؛ فإن لقاء بعضهم بعضاً حیاة لأمرنا، رحم الله امرأ أحیا أمرنا. یا خیثمة، إنا لا نغنی عنکم من الله شیئاً إلا بالعمل، وإن ولایتنا لا تنال إلا بالورع، وإن أشد الناس حسرة یوم القیامة من وصف عدلاً ثم یخالفه إلی غیره»((6)).

وعن أبی عبد الله جعفر بن محمد علیه السلام: أن نفراً أتوه من الکوفة من شیعته یسمعون منه ویأخذون عنه، فأقاموا بالمدینة ما أمکنهم المقام، وهم یختلفون إلیه ویترددون علیه، ویسمعون منه، و یأخذون عنه، فلما حضرهم الانصراف وودعوه، قال ل-ه بعضهم: أوصنا یا ابن رسول الله. فقال: «أوصیکم بتقوی الله والعمل

ص:666


1- سورة البقرة: 83
2- بحار الأنوار: ج71 ص160 ب10 ح17
3- سورة البقرة: 83
4- مستدرک الوسائل: ج8 ص318 ب2 ح9542
5- مشکاة الأنوار: ص189 ب4 ف2
6- بشارة المصطفی: ص132

بطاعته، واجتناب معاصیه، وأداء الأمانة لمن ائتمنکم، وحسن الصحابة لمن صحبتموه، وأن تکونوا لنا دعاة صامتین». فقالوا: یا ابن رسول الله، وکیف ندعو إلیکم ونحن صموت؟. قال: «تعملون ما أمرناکم به من العمل بطاعة الله، وتتناهون عما نهیناکم عنه من ارتکاب محارم الله، وتعاملون الناس بالصدق والعدل، وتؤدون الأمانة، وتأمرون بالمعروف، وتنهون عن المنکر، ولا یطلع الناس منکم إلا علی خیر، فإذا رأوا ما أنتم علیه قالوا: هؤلاء الفلانیة، رحم الله فلاناً ما کان أحسن ما یؤدب أصحابه، وعلموا فضل ما کان عندنا فسارعوا إلیه. أشهد علی أبی محمد بن علی (رضوان الله علیه ورحمته وبرکاته) لقد سمعته یقول: کان أولیاؤنا وشیعتنا فیما مضی خیر من کانوا فیه، إن کان إمام مسجد فی الحی کان منهم، وإن کان مؤذن فی القبیلة کان منهم، وإن کان صاحب ودیعة کان منهم، وإن کان صاحب أمانة کان منهم، وإن کان عالم من الناس یقصدونه لدینهم ومصالح أمورهم کان منهم. فکونوا أنتم کذلک حببونا إلی الناس ولا تبغضونا إلیهم»((1)).

وعن أبی جعفر محمد بن علی علیه السلام أنه أوصی رجلا من أصحابه أنفذه إلی قوم من شیعته فقال له: «بلغ شیعتنا السلام وأوصهم بتقوی الله العظیم وبأن یعود غنیهم علی فقیرهم ویعود صحیحهم علیلهم ویحضر حیهم جنازة میتهم ویتلاقوا فی بیوتهم فإن لقاء بعضهم بعضا حیاة لأمرنا رحم الله امرأ أحیا أمرنا وعمل بأحسنه، قل لهم إنا لا نغنی عنکم من الله شیئا إلا بعمل صالح، ولن تنالوا ولایتنا إلا بالورع، وإن أشد الناس حسرة یوم القیامة لمن وصف عملا ثم خالف إلی غیره»((2)).

وعن عبد الله بن زیاد قال: سلمنا علی أبی عبد الله علیه السلام بمنی. ثم قلت: یا ابن رسول الله، إنا قوم مجتازون لسنا نطیق هذا المجلس منک کلما أردناه فأوصنا. قال: «علیکم بتقوی الله وصدق الحدیث، وأداء الأمانة، وحسن الصحبة لمن صحبکم، وإفشاء السلام، وإطعام الطعام. صلوا فی مساجدهم، وعودوا مرضاهم، واتبعوا جنائزهم؛ فإن أبی حدثنی: أن شیعتنا أهل البیت کانوا خیار من کانوا منهم، إن کان

ص:667


1- دعائم الإسلام: ج1 ص56-57 ذکر وصایا الأئمة علیهم السلام
2- مستدرک الوسائل: ج8 ص311 ب1 ح9523

فقیه کان منهم، وإن کان مؤذن کان منهم، وإن کان إمام کان منهم، وإن کان صاحب أمانة کان منهم، وإن کان صاحب ودیعة کان منهم، وکذلک کونوا. حببونا إلی الناس ولا تبغضونا إلیهم»((1)).

45- صلة الرحم

مسألة: صلة الرحم واجبة، وفی بعض مراتبها مستحبة، وهو من مقومات أو مصادیق السلم والسلام بالمعنی الأعم.

قال تعالی: ]وَإِذْ أَخَذْنا مِیثاقَ بَنِی إِسْرائِیلَ لا تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ وَبِالْوالِدَیْنِ إِحْساناً وَذِی الْقُرْبی[((2)).

عن جمیل بن دراج قال: سألت أبا عبد الله علیه السلام عن قول الله جل ذکره:

]وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِی تَسائَلُونَ بِهِ وَالأَرْحامَ إِنَّ اللَّهَ کانَ عَلَیْکُمْ رَقِیباً[((3)) قال: فقال: «هی أرحام الناس إن الله عزوجل أمر بصلتها وعظمها، ألا تری أنه جعلها منه»((4)).

وعن إسحاق بن عمار قال: قال:بلغنی عن أبی عبد الله علیه السلام: «أن رجلاً أتی النبی صلی الله علیه و آله فقال: یا رسول الله، إن أهل بیتی أبوا إلا توثباً علیَّ وقطیعة لی فأرفضهم؟. قال: إذا یرفضکم الله جمیعاً. قال: فکیف أصنع؟. قال: تصل من قطعک، وتعطی من حرمک، وتعفو عمن ظلمک؛ فإنک إذا فعلت ذلک کان لک من الله عزوجل علیهم ظهیر»((5)).

وعن محمد بن عبید الله قال: قال أبو الحسن الرضا علیه السلام: «یکون الرجل یصل رحمه، فیکون قد بقی من عمره ثلاث سنین فیصیرها الله ثلاثین سنة، ویفعل الله ما یشاء»((6)).

ص:668


1- صفات الشیعة: ص28 ح39
2- سورة البقرة: 83
3- سورة النساء: 1
4- الکافی: ج2 ص150 باب صلة الرحم ح1
5- وسائل الشیعة: ج21 ص538 ب18 ح27800
6- بحار الأنوار: ج71 ص108 ب3 ح70

وعن جابر عن أبی جعفر علیه السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «أوصی الشاهد من أمتی، والغائب منهم، ومن فی أصلاب الرجال، وأرحام النساء إلی یوم القیامة: أن یصل الرحم وإن کانت منه علی مسیرة سنة؛ فإن ذلک من الدین»((1)).

وعن أبی حمزة عن أبی عبد الله علیه السلام قال: «صلة الأرحام تحسن الخلق، وتسمح الکف، وتطیب النفس، وتزید فی الرزق، وتنسئ فی الأجل»((2)).

وعن أبی بصیر عن أبی عبد الله علیه السلام قال: سمعته یقول: «إن الرحم معلقة بالعرش، یقول: اللهم صل من وصلنی، واقطع من قطعنی، وهی رحم آل محمد، وهو قول الله عزوجل: ]الَّذِینَ یَصِلُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ یُوصَلَ[((3))، ورحم کل ذی رحم»((4)).

وعن یونس بن عمار قال: قال أبو عبد الله علیه السلام: «أول ناطق من الجوارح یوم القیامة الرحم تقول: یا رب من وصلنی فی الدنیا فصل الیوم ما بینک وبینه، ومن قطعنی فی الدنیا فاقطع الیوم ما بینک وبینه»((5)).

وعن أحمد بن محمد بن أبی نصر عن أبی الحسن الرضا علیه السلام قال: قال أبو عبد الله علیه السلام: «صل رحمک ولو بشربة من ماء، وأفضل ما توصل به الرحم کف الأذی عنها، وصلة الرحم منسأة فی الأجل محببة فی الأهل»((6)).

وعن سدیر عن أبی جعفر علیه السلام قال: قال أبو ذر 6: سمعت رسول الله صلی الله علیه و آله یقول: «حافتا الصراط یوم القیامة الرحم والأمانة؛ فإذا مر الوصول للرحم المؤدی للأمانة یفد إلی الجنة، وإذا مر الخائن للأمانة القطوع للرحم لم ینفعه معهما عمل، وتکفأ به الصراط فی النار»((7)).

ص:669


1- الکافی: ج2 ص151 باب صلة الرحم ح5
2- وسائل الشیعة: ج21 ص534 ب17 ح27788، وص535 ح27793
3- سورة الرعد: 21
4- بحار الأنوار: ج71 ص115 ب3 ح75
5- وسائل الشیعة: ج21 ص534 ب17 ح27789
6- الکافی: ج2 ص151 باب صلة الرحم ح9
7- تنبیه الخواطر ونزهة النواظر: ج2 ص196- 197

وعن أبی حمزة قال: قال أبو جعفر علیه السلام: «صلة الأرحام تزکی الأعمال، وتدفع البلوی، وتنمی الأموال، وتنسئ له فی عمره، وتوسع له فی رزقه، وتحبب فی أهل بیته، فلیتق الله ولیصل رحمه»((1)).

وعن الحکم الحناط قال: قال أبو عبد الله علیه السلام: «صلة الرحم وحسن الجوار، یعمران الدیار، ویزیدان فی الأعمار»((2)).

وعن أبی عبیدة الحذاء عن أبی جعفر علیه السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «إن أعجل الخیر ثواباً صلة الرحم»((3)).

وعن السکونی عن أبی عبد الله علیه السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «من سره النَّسَاءُ فی الأجل والزیادة فی الرزق فلیصل رحمه»((4)).

وعن إسحاق بن عمار قال: قال أبو عبد الله علیه السلام: «ما نعلم شیئاً یزید فی العمر إلا صلة الرحم، حتی إن الرجل یکون أجله ثلاث سنین فیکون وصولاً للرحم، فیزید الله فی عمره ثلاثین سنة فیجعلها ثلاثاً وثلاثین سنة. ویکون أجله ثلاثاً وثلاثین سنة فیکون قاطعاً للرحم، فینقصه الله ثلاثین سنة ویجعل أجله إلی ثلاث سنین»((5)).

وعن جابر عن أبی جعفر علیه السلام قال: «لما خرج أمیر المؤمنین علیه السلام یرید البصرة نزل بالربذة. فأتاه رجل من محارب، فقال: یا أمیر المؤمنین، إنی تحملت فی قومی حمالة، وإنی سألت فی طوائف منهم المواساة والمعونة، فسبقت إلیَّ ألسنتهم بالنکد، فمرهم یا أمیر المؤمنین بمعونتی وحثهم علی مواساتی. فقال: أین هم؟ فقال: هؤلاء فریق منهم حیث تری. قال: فنص راحلته فأدلفت کأنها ظلیم، فأدلف بعض أصحابه فی طلبها، فلأیاً بلأی ما لحقت. فانتهی إلی القوم فسلم علیهم وسألهم: ما یمنعهم من مواساة صاحبهم؟ فشکوه وشکاهم. فقال أمیر المؤمنین علیه السلام: وصل امرؤ عشیرته؛

ص:670


1- بحار الأنوار: ج71 ص118 ب3 ح81
2- الکافی: ج2 ص152 باب صلة الرحم ح14
3- وسائل الشیعة: ج21 ص535-536 ب17 ح27795
4- الکافی: ج2 ص152 باب صلة الرحم ح16
5- وسائل الشیعة: ج21 ص536 ب17 ح27796

فإنهم أولی ببره وذات یده. ووصلت العشیرة أخاها إن عثر به دهر، وأدبرت عنه دنیا؛ فإن المتواصلین المتباذلین مأجورون، وإن المتقاطعین المتدابرین موزورون. قال: ثم بعث راحلته وقال: حل»((1)).

وعن سلیمان بن هلال قال: قلت لأبی عبد الله علیه السلام: إن آل فلان یبر بعضهم بعضاً ویتواصلون. فقال: «إذا تنمی أموالهم وینمون، فلا یزالون فی ذلک حتی یتقاطعوا؛ فإذا فعلوا ذلک انقشع عنهم»((2)).

وعن عبد الله بن سنان عن أبی عبد الله علیه السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «إن القوم لیکونون فجرة، ولا یکونون بررة، فیصلون أرحامهم، فتنمی أموالهم، وتطول أعمارهم، فکیف إذا کانوا أبراراً بررة»((3)).

وعن أبی بصیر عن أبی عبد الله علیه السلام قال: قال أمیر المؤمنین علیه السلام: «صلوا أرحامکم ولو بالتسلیم، إن الله یقول: ]اتَّقُوا اللَّهَ الَّذِی تَسائَلُونَ بِهِ وَالأَرْحامَ إِنَّ اللَّهَ کانَ عَلَیْکُمْ رَقِیباً[((4))»((5)).

وعن صفوان الجمال قال: وقع بین أبی عبد الله علیه السلام وبین عبد الله بن الحسن کلام حتی وقعت الضوضاء بینهم واجتمع الناس فافترقا عشیتهما بذلک وغدوت فی حاجة فإذا أنا بأبی عبد الله علیه السلام علی باب عبد الله بن الحسن وهو یقول: «یا جاریة قولی لأبی محمد یخرج». قال: فخرج. فقال: یا أبا عبد الله ما بکر بک؟ فقال: «إنی تلوت آیة من کتاب الله عزوجل البارحة فأقلقتنی». قال: وما هی؟ قال: «قول الله جل وعز ذکره ]الَّذِینَ یَصِلُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ یُوصَلَ وَیَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَیَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ[((6))». فقال: صدقت لکأنی لم أقرأ هذه الآیة من کتاب الله جل وعز

ص:671


1- بحار الأنوار: ج32 ص132 ب1 ح106، والبحار: ج71 ص105 ب3 ح69
2- الکافی: ج2 ص154- 155 باب صلة الرحم ح20
3- بحار الأنوار: ج71 ص125 ب3 ح88
4- سورة النساء: 1
5- وسائل الشیعة: ج21 ص539 ب19 ح27803
6- سورة الرعد: 21

قط، فاعتنقا وبکیا ((1)).

وعن عبد الله بن سنان قال: قلت لأبی عبد الله علیه السلام: إن لی ابن عم أصله فیقطعنی حتی هممت لقطیعته إیای أن أقطعه؟. قال: «إنک إن وصلته وقطعک وصلکما الله جمیعاً، وإن قطعته وقطعک قطعکما الله»((2)).

وعن داود بن فرقد قال: قال لی أبو عبد الله علیه السلام: «إنی أحب أن یعلم الله أنی قد أذللت رقبتی فی رحمی، وأنی لأبادر أهل بیتی أصلهم قبل أن یستغنوا عنی»((3)).

وعن عمر بن یزید قال: قلت لأبی عبد الله علیه السلام: ]الَّذِینَ یَصِلُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ یُوصَلَ[((4)). قال: «نزلت فی رحم آل محمد علیه وآله السلام وقد تکون فی قرابتک - ثم قال -: فلا تکونن ممن یقول للشیء إنه فی شیء واحد»((5)).

وعن الوصافی عن علی بن الحسین علیه السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «من سره أن یمد الله فی عمره، ویبسط ل-ه فی رزقه، فلیصل رحمه؛ فإن الرحم لها لسان یوم القیامة ذلق یقول: یا رب، صل من وصلنی، واقطع من قطعنی، والرجل لیری بسبیل خیر إذا أتته الرحم التی قطعها، فتهوی به إلی أسفل قعر فی النار»((6)).

46- إکرام الأب والأخ

مسألة: یستحب إکرام الأب والأخ، وقد یجب، وهو من مقومات أو مصادیق السلم والسلام بالمعنی الأعم.

قال تعالی: ]وَقَضی رَبُّکَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِیَّاهُ وبِالْوالِدَیْنِ إِحْساناً إِمَّا یَبْلُغَنَّ عِنْدَکَ الْکِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ کِلاهُما فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ ولا تَنْهَرْهُما وقُلْ لَهُما قَوْلاً کَرِیماً * واخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما کَما رَبَّیانِی

ص:672


1- الکافی: ج2 ص155 باب صلة الرحم ح23
2- تنبیه الخواطر ونزهة النواظر: ج2 ص197
3- بحار الأنوار: ج71 ص129 ب3 ح92
4- سورة الرعد: 21
5- الکافی: ج2 ص156 باب صلة الرحم ح28
6- بحار الأنوار: ج71 ص130 ب3 ح99

صَغِیراً[((1)).

وقال سبحانه: ]وَوَصَّیْنَا الإِنْسانَ بِوالِدَیْهِ حُسْناً وإِنْ جاهَداکَ لِتُشْرِکَ بِی ما لَیْسَ لَکَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما إِلَیَّ مَرْجِعُکُمْ فَأُنَبِّئُکُمْ بِما کُنْتُمْ تَعْمَلُونَ[((2)).

وقال تعالی: ]وَإِنْ جاهَداکَ عَلی أَنْ تُشْرِکَ بِی ما لَیْسَ لَکَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما وَصاحِبْهُما فِی الدُّنْیا مَعْرُوفاً[((3)).

فی فقه الرضاعلیه السلام: «علیک بطاعة الأب وبره، والتواضع والخضوع والإعظام والإکرام له، وخفض الصوت بحضرته؛ فإن الأب أصل الابن، والابن فرعه، لولاه لم یکن بقدرة الله. ابذلوا لهم الأموال والجاه والنفس. وقد أروی: أنت ومالک لأبیک، فجعلت ل-ه النفس والمال. تابعوهم فی الدنیا أحسن المتابعة بالبر، وبعد الموت بالدعاء لهم، والرحم علیهم؛ فإنه روی: أن من بر أباه فی حیاته، ولم یدع ل-ه بعد وفاته، سماه الله عاقاً. ومعلم الخیر والدین یقوم مقام الأب، ویجب مثل الذی یجب له فاعرفوا حقه»((4)).

وعن أبی خدیجة عن أبی عبد الله علیه السلام قال: «أتی رجل رسول الله صلی الله علیه و آله فقال: یا رسول الله، إنی جئتک أبایعک علی الإسلام. فقال ل-ه رسول الله صلی الله علیه و آله: أبایعک علی أن تقتل أباک. فقبض الرجل یده فانصرف ثم عاد، فقال: یا رسول الله، إنی جئت علی أن أبایعک علی الإسلام. فقال له: علی أن تقتل أباک. قال: نعم. فقال له رسول الله: إنا والله لا نأمرکم بقتل آبائکم، ولکن الآن علمت منک حقیقة الإیمان، وأنک لن تتخذ من دون الله ولیجة، أطیعوا آباءکم فیما أمروکم، ولا تطیعوهم فی معاصی الله»((5)).

وروی: أن رجلاً قال: یا رسول الله، هل بقی من البر بعد موت الأبوین شیء؟ قال: «نعم، الصلاة علیهما، والاستغفار لهما، والوفاء بعهدهما، وإکرام صدیقهما،

ص:673


1- سورة الإسراء: 23- 24
2- سورة العنکبوت: 8
3- سورة لقمان: 15
4- فقه الرضا علیه السلام : ص334 ب86
5- المحاسن: ج1 ص248 ب29 ح253

وصلة رحمهما»((1)).

وعن إبراهیم بن شعیب قال: قلت لأبی عبد الله علیه السلام: إن أبی قد کبر جداً وضعف، فنحن نحمله إذا أراد الحاجة. فقال: «إن استطعت أن تلی ذلک منه فافعل ولقمه بیدک فإنه جنة لک غداً»((2)).

وعن الحسین بن أبی العلاء قال: قلت لأبی عبد الله علیه السلام: ما یحل للرجل من مال ولده؟. قال: «قوته بغیر سرف إذا اضطر إلیه». قال: فقلت ل-ه: فقول رسول صلی الله علیه و آله للرجل الذی أتاه فقدم أباه فقال: أنت ومالک لأبیک؟. فقال: «إنما جاء بأبیه إلی النبی صلی الله علیه و آله فقال ل-ه: یا رسول الله، هذا أبی قد ظلمنی میراثی من أمی. فأخبره الأب أنه قد أنفقه علیه وعلی نفسه. فقال: أنت ومالک لأبیک. ولم یکن عند الرجل شیء، أفکان رسول الله صلی الله علیه و آله یحبس الأب للابن؟»((3)).

وعن أمیر المؤمنین علیه السلام أنه قال: «قم عن مجلسک لأبیک ومعلمک ولو کنت أمیراً»((4)).

وقال رسول الله صلی الله علیه و آله: «الوالد وسط أبواب الجنة، فإن شئت فاحفظه، وإن شئت فضیعه»((5)).

وروی عن أحدهم علیهم السلام أنه قال: «وقر أباک یطل عمرک، ووقر أمک تری لبنیک بنین»((6)).

وعن هشام بن سالم قال: سمعت أبا عبد الله علیه السلام - وهو یقول لرجل کان

یأکل -: «أما علمت أنه یعرف حب الرجل أخاه بکثرة أکله عنده»((7)).

ص:674


1- مستدرک الوسائل: ج2 ص114 ب20 ح1575، والمستدرک: ج15 ص201 ب77 ح18006
2- الکافی: ج2 ص162 باب البر بالوالدین ح13
3- تهذیب الأحکام: ج6 ص344 ب93 ح87
4- غرر الحکم ودرر الکلم: ص435 ق6 ب3 ف3 بعض آداب المعاشرة ح9970
5- مستدرک الوسائل: ج15 ص204 ب77 ح18019
6- مستدرک الوسائل: ج15 ص204 ب77 ح18022
7- المحاسن : ج2 ص412 ب19 ح155

وعن عبد الله بن سلیمان الصیرفی قال: کنت عند أبی عبد الله علیه السلام فقدم إلینا طعاماً فیه شواء وأشیاء بعده، ثم جاء بقصعة من أرز فأکلت معه. فقال: «کل؛ فإنه یعتبر حب الرجل لأخیه بانبساطه فی طعامه». ثم أحاز لی حوزاً بإصبعه من القصعة، وقال لی: «لتأکلن ذا بعد ما قد أکلت». فأکلته((1)).

وعن السکونی عن أبی عبد الله علیه السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «إذا أحب أحدکم أخاه المسلم، فلیسأله عن اسمه واسم أبیه واسم قبیلته وعشیرته؛ فإن من حقه الواجب وصدق الإخاء أن یسأله عن ذلک، وإلا فإنها معرفة حمق»((2)).

47- قضاء الحوائج

مسألة: یستحب قضاء حوائج الناس وقد یجب، وهو من مقومات أو مصادیق السلم والسلام بالمعنی الأعم.

عن محمد بن مروان عن أبی عبد الله علیه السلام قال: «من سعادة المؤمن دابة یرکبها فی حوائجه، ویقضی علیها حقوق إخوانه»((3)).

وعن سماعة قال: سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول: «أیما مؤمن مشی مع أخیه المؤمن فی حاجة فلم یناصحه فقد خان الله ورسوله»((4)).

وعن جعفر بن محمد بن مالک رفعه إلی أبی عبد الله علیه السلام عن بعض أصحابنا قال: قلت لأبی عبد الله علیه السلام: إخواننا یتولون عمل السلطان أفندعو لهم؟. فقال أبو عبد الله علیه السلام: «هل ینفعونکم؟». قلت: لا. فقال: «ابرءوا منهم برئ الله منهم»((5)).

وعن صفوان الجمال قال: قال أبو عبد الله علیه السلام: «من سأله أخوه المؤمن حاجة من ضره، فمنعه من سعة، وهو یقدر علیها من عنده أو من عند غیره، حشره الله یوم

ص:675


1- وسائل الشیعة: ج24 ص285 ب25 ح30556
2- الکافی: ج2 ص671 باب النوادر ح3
3- وسائل الشیعة: ج11 ص464 ب1 ح15265
4- الکافی: ج2 ص363 باب من لم یناصح أخاه المؤمن ح6
5- مشکاة الأنوار: ص187 ب4 ف1

القیامة مقرونة یده إلی عنقه حتی یفرغ الله من حساب الخلق»((1)).

وعن إسحاق بن عمار قال: لما کثر مالی أجلست علی بابی بواباً یرد عنی فقراء الشیعة، قال: فخرجت إلی مکة فی تلک السنة، فسلمت علی أبی عبد الله علیه السلام فرد علیَّ بوجه قاطب غیر مسرور. فقلت: جعلت فداک ما الذی غیر حالی عندک؟. قال: «الذی غیرک للمؤمنین». قلت: جعلت فداک والله إنی لأعلم أنهم علی دین الله، ولکنی خشیت الشهرة علی نفسی. قال: «یا إسحاق، أما علمت أن المؤمنین إذا التقیا فتصافحا بین إبهامیهما مائة رحمة تسعة وتسعون منها لأشدهما حباً لصاحبه، فإذا اعتنقا غمرتهما الرحمة»((2)).

وعن إسحاق بن عمار قال: قلت لأبی عبد الله علیه السلام: إنی رجل مشهور، وإن أناساً من أصحابنا یأتونی ویغشونی وقد اشتهرت بهم، أفأمنعهم أن یأتونی؟. فقال: «یا إسحاق، لا تمنعهم خلطتک فإن ذلک لن یسعک». فجهدت به أن یجعل لی رخصة فی منع خلطتهم فأبی علیَّ((3)).

وعن الإمام الجواد علیه السلام قال:«إن لله عباداً یخصهم بالنعم ویقرها فیهم ما بذلوها؛ فإذا منعوها نزعها عنهم وحولها إلی غیرهم. وقال: ما عظمت نعمة الله علی عبد إلا عظمت علیه مئونة الناس، فمن لم یحتمل تلک المئونة فقد عرض النعمة للزوال»((4)).

وعن أمیر المؤمنین علیه السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «إن لله عباداً من خلقه یفزع الناس إلیهم فی حوائجهم أولئک هم الآمنون من عذاب الله عزوجل»((5)).

وقال الصادق علیه السلام: «إن لله عزوجل بأبواب الجبارین خلقاً من خلقه یدفع بهم

ص:676


1- مشکاة الأنوار: ص101 ب2 ف7
2- رجال الکشی: ص409 فی إسحاق وإسماعیل ابنی عمار ح769
3- مستدرک الوسائل: ج9 ص67 ب117 ح10223
4- کشف الغمة: ج2 ص346 - 347 وأما مناقبه
5- إرشاد القلوب: ج1 ص146 ب46

عن أولیائه أولئک عتقاء الله من النار»((1)).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: «أیما رجل ولی شیئاً من أمور المسلمین، فأغلق بابه دونهم وأرخی ستره، فهو فی مقت من الله عزوجل ولعنته حتی یفتح بابه، فیدخل إلیه ذو الحاجة ومن کانت له مظلمة»((2)).

وعن أبی علی الحرانی قال: قال أبو عبد الله علیه السلام: «من ذهب مع أخیه فی حاجة قضاها أو لم یقضها کان کمن عبد الله عمره». فقال ل-ه رجل: أخرج مع أخی فی حاجة وأقطع الطواف؟. فقال: «نعم»((3)).

وعن المفضل عن أبی عبد الله علیه السلام قال: قال لی: «یا مفضل، اسمع ما أقول لک، واعلم أنه الحق وافعله، وأخبر به علیة إخوانک». قلت: وما علیة إخوانی؟. قال: «الراغبون فی قضاء حوائج إخوانهم». قال: ثم قال: «ومن قضی لأخیه المؤمن حاجة قضی الله عزوجل ل-ه یوم القیامة مائة ألف حاجة، من ذلک أولها الجنة، ومن ذلک أن یدخل قرابته ومعارفه وإخوانه الجنة بعد أن لا یکونوا نصاباً». وکان المفضل إذا سأل الحاجة أخاً من إخوانه، قال له: أما تشتهی أن تکون من علیة الإخوان؟»((4)).

وعن  صدقة الأحدب عن أبی عبد الله علیه السلام قال: «قضاء حاجة المؤمن خیر من عتق ألف رقبة، وخیر من حملان ألف فرس فی سبیل الله»((5)).

وعن أبی حمزة الثمالی عن أبی عبد الله علیه السلام قال: «من قضی لمسلم حاجة کتب الله له عشر حسنات ومحا عنه عشر سیئات ورفع له عشر درجات وأظله الله فی ظل یوم لا ظل إلا ظله»((6)).

وعن الحسین بن زید عن جعفر بن محمد علیه السلام عن أبیه علیه السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «المؤمنون إخوة یقضی بعضهم حوائج بعض، فبقضاء بعضهم حوائج بعض

ص:677


1- مشکاة الأنوار: ص316 ب8 ف6
2- مشکاة الأنوار: ص316 ب8 ف6
3- مصادقة الإخوان : ص 68 باب السعی فی حوائج الإخوان ح 6
4- الکافی: ج2 ص192- 193 باب قضاء حاجة المؤمن ح1
5- وسائل الشیعة: ج16 ص363 ب26 ب21768
6- مصادقة الإخوان: ص54 باب ثواب قضاء حوائج الإخوان ح4

یقضی الله حوائجهم یوم القیامة»((1)).

وعن أبی جعفر علیه السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «إن لله عباداً یحکمهم فی جنته». قیل: ومن هم؟ قال: «من قضی لمؤمن حاجة بنیة»((2)).

48- أداء الأمانة

مسألة: أداء الأمانة واجب، وهو من مقومات أو مصادیق السلم والسلام بالمعنی الأعم. قال تعالی: ]وَالَّذِینَ هُمْ لأَِماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ[((3)).

وقال سبحانه: ]إِنَّا عَرَضْنَا الأَمانَةَ عَلَی السَّماواتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَیْنَ أَنْ یَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الإِنْسانُ إِنَّهُ کانَ ظَلُوماً جَهُولاً[((4)).

وقال تعالی: ]فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُکُمْ بَعْضاً فَلْیُؤَدِّ الَّذِی اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ وَلْیَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ[((5)).

وقال سبحانه: ]إِنَّ اللَّهَ یَأْمُرُکُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَْماناتِ إِلی أَهْلِها[((6)).

وعن الحسین بن أبی العلاء عن أبی عبد الله علیه السلام قال: «إن الله عز وجل لم یبعث نبیاً إلا بصدق الحدیث وأداء الأمانة إلی البر والفاجر»((7)).

وعن إسحاق بن عمار وغیره عن أبی عبد الله علیه السلام قال: «لا تغتروا بصلاتهم ولا بصیامهم؛ فإن الرجل ربما لهج بالصلاة والصوم حتی لو ترکه استوحش، ولکن اختبروهم عند صدق الحدیث وأداء الأمانة»((8)).

وعن أبی کهمس قال: قلت لأبی عبد الله علیه السلام: عبد الله بن أبی یعفور یقرؤک السلام. قال: «وعلیک وعلیه السلام، إذا أتیت عبد الله فأقرئه السلام، وقل ل-ه: إن

ص:678


1- الأمالی للمفید: ص150 المجلس18 ح8
2- وسائل الشیعة: ج16 ص362 ب25 ب21767
3- سورة المؤمنون: 8، سورة المعارج: 32
4- سورة الأحزاب: 72
5- سورة البقرة: 283
6- سورة النساء: 58
7- الکافی: ج2 ص104 باب الصدق وأداء الأمانة ح1
8- بحار الأنوار: ج68 ص2 ب60 ح2

جعفر بن محمد یقول لک: انظر ما بلغ به علی علیه السلام عند رسول الله صلی الله علیه و آله فالزمه؛ فإن علیاً علیه السلام إنما بلغ ما بلغ به عند رسول الله صلی الله علیه و آله بصدق الحدیث، وأداء الأمانة»((1)).

وعن الحسین بن مصعب الهمدانی قال: سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول: «ثلاثة لا عذر لأحد فیها: أداء الأمانة إلی البر والفاجر، والوفاء بالعهد للبر والفاجر، وبر الوالدین برین کانا أو فاجرین»((2)).

وعن الحسین الشیبانی عن أبی عبد الله علیه السلام قال: قلت له: إن رجلاً من موالیک یستحل مال بنی أمیة ودماءهم، وإنه وقع لهم عنده ودیعة؟. فقال: «أدوا الأمانات إلی أهلها وإن کانوا مجوساً؛ فإن ذلک لا یکون حتی یقوم قائمنا أهل البیت علیه السلام فیحل ویحرم»((3)).

وعن محمد بن مسلم عن أبی عبد الله علیه السلام قال: قال أمیر المؤمنین علیه السلام: «أدوا الأمانة ولو إلی قاتل ولد الأنبیاء»((4)).

وعن عمر بن یزید قال: سمعت الصادق جعفر بن محمد علیه السلام یقول: «اتقوا الله وعلیکم بأداء الأمانة إلی من ائتمنکم، فلو أن قاتل أمیر المؤمنین علیه السلام ائتمننی علی أمانة لأدیتها إلیه»((5)).

وعن حفص بن قرط قال: قلت لأبی عبد الله علیه السلام: امرأة بالمدینة کان الناس یضعون عندها الجواری فیصلحن، وقلنا ما رأینا مثل ما صب علیها من الرزق. فقال: «إنها صدقت الحدیث، وأدت الأمانة، وذلک یجلب الرزق»((6)).

وعن السکونی عن أبی عبد الله علیه السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «لیس منا من أخلف بالأمانة»((7)).

ص:679


1- وسائل الشیعة: ج19 ص67 ب1 ح24166
2- الخصال: ج1 ص123-124 ثلاث خصال لا عذر فیها لأحد ح118
3- تهذیب الأحکام: ج6 ص351 ب93 ح114
4- الکافی: ج5 ص133 باب أداء الأمانة ح3
5- الأمالی للصدوق: ص245 المجلس43 ح5
6- وسائل الشیعة: ج19 ص68 ب1 ح24170
7- الکافی: ج5 ص133 باب أداء الأمانة ح7

وقال رسول الله صلی الله علیه و آله: «الأمانة تجلب الرزق، والخیانة تجلب الفقر»((1)).

وعن محمد بن القاسم قال: سألت أبا الحسن موسی علیه السلام عن رجل استودع رجلاً مالاً ل-ه قیمة، والرجل الذی علیه المال رجل من العرب یقدر علی أن لا یعطیه شیئاً ولا یقدر له علی شیء، والرجل الذی استودعه خبیث خارجی، فلم أدع شیئاً؟ فقال لی: «قل له: یرد ماله علیه؛ فإنه ائتمنه علیه بأمانة الله عزوجل»((2)).

وعن عبد الرحمن بن سیابة قال: لما هلک أبی سیابة جاء رجل من إخوانه إلیَّ، فضرب الباب علیَّ فخرجت إلیه فعزانی، وقال لی: هل ترک أبوک شیئاً؟. فقلت له: لا، فدفع إلیَّ کیساً فیه ألف درهم، وقال لی: أحسن حفظها وکل فضلها. فدخلت إلی أمی وأنا فرح فأخبرتها. فلما کان بالعشی أتیت صدیقاً کان لأبی فاشتری لی بضائع سابری، وجلست فی حانوت فرزق الله جل وعز فیها خیراً کثیراً، وحضر الحج فوقع فی قلبی، فجئت إلی أمی وقلت لها: إنها قد وقع فی قلبی أن أخرج إلی مکة. فقالت لی: فرد دراهم فلان علیه فهاتها، وجئت بها إلیه فدفعتها إلیه، فکأنی وهبتها له. فقال: لعلک استقللتها فأزیدک؟. قلت: لا، ولکن قد وقع فی قلبی الحج، فأحببت أن یکون شیئک عندک. ثم خرجت فقضیت نسکی، ثم رجعت إلی المدینة، فدخلت مع الناس علی أبی عبد الله علیه السلام. وکان یأذن إذناً عاماً، فجلست فی مواخیر الناس وکنت حدثاً، فأخذ الناس یسألونه ویجیبهم، فلما خف الناس عنه أشار إلیَّ فدنوت إلیه. فقال لی: «ألک حاجة؟». فقلت: جعلت فداک أنا عبد الرحمن بن سیابة. فقال لی: «ما فعل أبوک؟». فقلت: هلک. قال: فتوجع وترحم. قال: ثم قال لی: «أفترک شیئاً؟». قلت: لا. قال: «فمن أین حججت؟». قال: فابتدأت فحدثته بقصة الرجل، قال: فما ترکنی أفرغ منها حتی قال لی: «فما فعلت فی الألف؟». قال: قلت: رددتها علی صاحبها. قال: فقال لی: «قد أحسنت». وقال لی: «ألا أوصیک؟». قلت: بلی جعلت فداک. فقال: «علیک بصدق الحدیث وأداء الأمانة،

ص:680


1- بحار الأنوار: ج74 ص151 ب7 ح78
2- تهذیب الأحکام: ج6 ص351 ب93 ح117

تشرک الناس فی أموالهم هکذا» وجمع بین أصابعه، قال: فحفظت ذلک عنه فزکیت ثلاثمائة ألف درهم((1)).

49- الإنفاق

مسألة: یستحب الإنفاق وقد یجب، وهو من مقومات أو مصادیق السلم والسلام بالمعنی الأعم.

قال تعالی: ]وَلا تَجْعَلْ یَدَکَ مَغْلُولَةً إِلی عُنُقِکَ وَلا تَبْسُطْها کُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً[((2)).

وقال سبحانه: ]وَالَّذِینَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالإِیمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ یُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَیْهِمْ وَلا یَجِدُونَ فِی صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَیُؤْثِرُونَ عَلی أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ کانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَمَنْ یُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِکَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ[((3)).

عن جابر عن أبی جعفر علیه السلام قال: «إن الشمس لتطلع ومعها أربعة أملاک، ملک ینادی: یا صاحب الخیر أتم وأبشر، وملک ینادی: یا صاحب الشر انزع وأقصر، وملک ینادی: أعط منفقاً خلفاً وآت ممسکاً تلفاً، وملک ینضحها بالماء ولولا ذلک اشتعلت الأرض»((4)).

وعن عثمان بن عیسی عمن حدثه عن أبی عبد الله علیه السلام فی قول الله تعالی:

]کَذلِکَ یُرِیهِمُ اللَّهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَیْهِمْ[((5))، قال: «هو الرجل یدع ماله لاینفقه فی طاعة الله بخلاً، ثم یموت فیدعه لمن یعمل فیه بطاعة الله أو فی معصیة الله؛ فإن هو عمل به فی طاعة الله رآه فی میزان غیره فرآه حسرة وقد کان المال له، فإن کان عمل به فی معصیة الله قواه بذلک المال حتی عمل به فی معصیة الله عزوجل»((6)).

ص:681


1- الکافی: ج5 ص134 باب أداء الأمانة ح9
2- سورة الإسراء: 29
3- سورة الحشر: 9
4- الکافی: ج4 ص42 باب الإنفاق ح1
5- سورة البقرة: 167
6- وسائل الشیعة: ج21 ص547 ب23 ح27830

وعن سماعة عن أبی الحسن علیه السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «من أیقن بالخلف سخت نفسه بالنفقة»((1)).

وعن عثمان بن عیسی عن بعض من حدثه عن أبی عبد الله علیه السلام قال: قال أمیر المؤمنین (صلوات الله علیه) فی کلام ل-ه: «ومن یبسط یده بالمعروف إذا وجده یخلف الله علیه ما أنفق فی دنیاه ویضاعف له فی آخرته»((2)).

وعن أحمد بن محمد بن أبی نصر البزنطی قال: قرأت کتاب أبی الحسن الرضا علیه السلام إلی أبی جعفر علیه السلام: «یا أبا جعفر، بلغنی أن الموالی إذا رکبت أخرجوک من الباب الصغیر؛ فإنما ذلک من بخل منهم لئلا ینال منک أحد خیراً، فأسألک بحقی علیک لایکن مدخلک ومخرجک إلا من الباب الکبیر، وإذا رکبت فلیکن معک ذهب وفضة، ثم لا یسألک أحد إلا أعطیته، ومن سألک من عمومتک أن تبره فلا تعطه أقل من خمسین دیناراً والکثیر إلیک، ومن سألک من عماتک فلا تعطها أقل من خمسة وعشرین دیناراً والکثیر إلیک، إنی أرید بذلک أن یرفعک الله، فأنفق ولا تخش من ذی العرش إقتاراً»((3)).

وعن إسماعیل بن أبی زیاد عن أبی عبد الله علیه السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «الأیدی ثلاثة: سائلة ومنفقة وممسکة، وخیر الأیدی المنفقة»((4)).

وعن الحسین بن أبی حمزة قال: سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول: «أنفق وأیقن بالخلف،واعلم أنه من لم ینفق فی طاعة الله ابتلی بأن ینفق فی معصیة الله عزوجل»((5)).

وعن عمر بن أذینة رفعه إلی أبی عبد الله علیه السلام أو أبی جعفر علیه السلام قال: «ینزل الله المعونة من السماء إلی العبد بقدر المئونة، فمن أیقن بالخلف سخت نفسه بالنفقة»((6)).

وعن صفوان بن یحیی عن أبی الحسن الرضا  قال: دخل علیه مولی له فقال له: «هل أنفقت الیوم شیئاً؟». قال: لا والله. فقال أبو الحسن علیه السلام: «فمن أین یخلف الله علینا، أنفق ولو درهماً واحداً»((7)).

ص:682


1- الکافی: ج4 ص43 باب الإنفاق ح3
2- وسائل الشیعة: ج21 ص548 ب23 ح27832
3- عیون أخبار الرضا علیه السلام : ج2 ص8 ب30 ح20
4- الکافی: ج4 ص43 باب الإنفاق ح6
5- من لا یحضره الفقیه: ج4 ص412 ومن ألفاظ رسول الله صلی الله علیه و آله الموجزة ح5899
6- وسائل الشیعة: ج21 ص548 ب23 ح27835
7- الکافی: ج4 ص44 باب الإنفاق ح9

وعن معاویة بن وهب عن أبی عبد الله علیه السلام قال: «من یضمن لی أربعة بأربعة أبیات فی الجنة: من أنفق ولم یخف فقراً، وأنصف الناس من نفسه، وأفشی السلام فی العالم، وترک المراء وإن کان محقاً»((1)).

50- حب الآخرین

مسألة: یستحب حب الناس وقد یجب، وهو من مقومات أو مصادیق السلم والسلام بالمعنی الأعم. وفی بعض الروایات: (أحبوا أعداءکم)((2)).

قال سبحانه: ]یُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَیْهِمْ[((3)).

عن جابر الجعفی عن أبی جعفر علیه السلام قال: «إذا أردت أن تعلم أن فیک خیراً فانظر إلی قلبک؛ فإن کان یحب أهل طاعة الله عزوجل، ویبغض أهل معصیته، ففیک خیر والله یحبک. وإن کان یبغض أهل طاعة الله، ویحب أهل معصیته، فلیس فیک خیر والله یبغضک. والمرء مع من أحب»((4)).

وعن عمر بن مدرک أبی علی الطائی قال: قال أبو عبد الله علیه السلام: «أی عری الإیمان أوثق؟». فقالوا: الله ورسوله أعلم. فقال: «قولوا». فقالوا: یا ابن رسول الله الصلاة. فقال: «إن للصلاة فضلاً ولکن لیس بالصلاة». قالوا: الزکاة. قال: «إن للزکاة فضلاً ولیس بالزکاة». فقالوا: صوم شهر رمضان. فقال: «إن لرمضان فضلاً ولیس برمضان». قالوا: فالحج والعمرة. قال: «إن للحج والعمرة فضلاً ولیس بالحج والعمرة». قالوا: فالجهاد فی سبیل الله. قال: «إن للجهاد فی سبیل الله فضلاً ولیس بالجهاد». قالوا: فالله ورسوله وابن رسوله أعلم.

فقال: «قال رسول الله صلی الله علیه و آله: إن أوثق عری الإیمان الحب فی الله، والبغض فی الله، توالی ولی الله، وتعادی عدو الله»((5)).

ص:683


1- الخصال: ج1 ص223 أربعة خصال بأربعة خصال فی الجنة ح52
2- کلام النبی عیسی علیه السلام فی الإنجیل. انظر شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید: ج10 ص159
3- سورة الحشر: 9
4- علل الشرائع: ج1 ص117 ب96 ح16
5- المحاسن: ج1 ص165 ب33ح121

وعن الإمام الباقر علیه السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «المتحابون فی الله یوم القیامة، علی أرض زبرجدة خضراء، فی ظل عرشه عن یمینه وکلتا یدیه یمین، وجوههم أشد بیاضاً من الثلج، وأضوأ من الشمس الطالعة، یغبطهم بمنزلتهم کل ملک مقرب ونبی مرسل، یقول الناس: من هؤلاء؟. فیقال: هؤلاء المتحابون فی الله»((1)).

وعن صفوان الجمال عن أبی عبد الله علیه السلام قال: «ما التقی مؤمنان قط إلا کان أفضلهما أشدهما حباً لأخیه»((2)).

وعن عمار بن موسی قال: قال أبی عبد الله علیه السلام: «حب الأبرار للأبرار ثواب للأبرار، وحب الفجار للأبرار فضیلة للأبرار، وبغض الفجار للأبرار زین للأبرار، وبغض الأبرار للفجار خزی علی الفجار»((3)).

وعن برید بن معاویة قال: کنت عند أبی جعفر علیه السلام فی فسطاطه بمنی، فنظر إلی زیاد الأسود منقلع الرجلین فرثی ل-ه، وقال: «ما لرجلیک هکذا؟». قال: جئت علی بکر لی نضو، وکنت أمشی عنه عامة الطریق فرثی ل-ه. فقال عند ذلک زیاد: إنی ألم بالذنوب فإذا ظننت إنی قد هلکت ذکرت حبکم فإذا ذکرته رجوت النجاة وتجلی عنی. فقال أبو جعفر علیه السلام: «وهل الدین إلا الحب، قال الله تعالی: ]حَبَّبَ إِلَیْکُمُ الإِیمانَ وزَیَّنَهُ فِی قُلُوبِکُمْ[((4))، وقال: ]إِنْ کُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِی یُحْبِبْکُمُ اللَّه[((5))، وقال: ]یُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَیْهِمْ[((6)). إن رجلاً أتی النبی صلی الله علیه و آله فقال: یا رسول الله، أحب المصلین ولا أصلی، وأحب الصوامین ولا أصوم. فقال رسول الله صلی الله علیه و آله: أنت مع من أحببت، ولک ما اکتسبت - ثم قال علیه السلام -: ما تبتغون وما

ص:684


1- مشکاة الأنوار: ص121 ب3 ف5
2- وسائل الشیعة: ج16 ص176 ب17 ح21282
3- الاختصاص: ص239-240 حدیث فی زیارة المؤمن لله
4- سورة الحجرات: 7
5- سورة آل عمران: 31
6- سورة الحشر: 9

تریدون، أما إنها لو کانت فزعة من السماء فزع کل قوم إلی مأمنهم، وفزعنا إلی نبینا صلی الله علیه و آله وفزعتم إلینا»((1)).

وعن صالح بن الحکم قال: سمعت رجلاً یسأل أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل یقول: أودک فکیف أعلم أنه یودنی؟. فقال: «امتحن قلبک، فإن کنت توده فإنه یودک»((2)).

وعن عبد الله بن القاسم الجعفری قال: سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول: «من وضع حبه فی غیر موضعه فقد تعرض للقطیعة»((3)).

وقال الباقر علیه السلام: «إنا لنحب أن نتمتع بالأهل واللحمة والخول ولنا أن ندعو بما لم ینزل أمر الله فإذا نزل أمر الله لم یکن لنا أن نحب ما لم یحبه الله»((4)).

وعن یونس بن ظبیان قال: قال الصادق جعفر بن محمد علیه السلام: «إن الناس یعبدون الله عزوجل علی ثلاثة أوجه، فطبقة یعبدونه رغبة فی ثوابه فتلک عبادة الحرصاء وهو الطمع، وآخرون یعبدونه فرقاً من النار فتلک عبادة العبید وهی الرهبة، ولکنی أعبده حباً ل-ه عزوجل فتلک عبادة الکرام وهو الأمن، لقوله عزوجل: ]وهُمْ مِنْ فَزَعٍ یَوْمَئِذٍ آمِنُونَ[((5))، ولقوله عزوجل: ]قُلْ إِنْ کُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِی یُحْبِبْکُمُ اللَّهُ ویَغْفِرْ لَکُمْ ذُنُوبَکُمْ[((6)) فمن أحب الله أحبه الله عزوجل، ومن أحبه الله عزوجل کان من الآمنین»((7)).

وقال رسول الله صلی الله علیه و آله: «من أحبنا کان معنا یوم القیامة، ولو أن رجلاً أحب حجرا لحشره الله معه»((8)).

ص:685


1- تنبیه الخواطر ونزهة النواظر: ج2 ص50-51
2- بحار الأنوار: ج71 ص182 ب12 ح4
3- المحاسن: ج1 ص266 ب35 ح346
4- مشکاة الأنوار: ص122 ب3 ف5، وص303 ب7 ف8
5- سورة النمل: 89
6- سورة آل عمران: 31
7- الخصال: ج1 ص188 الناس یعبدون الله عز وجل علی ثلاثة أوجه ح259
8- روضة الواعظین: ج2 ص417 مجلس فی ذکر محبة الله

وقال النبی صلی الله علیه و آله: «ثلاث من کن فیه وجد طعم الإیمان: من کان الله ورسوله أحب إلیه مما سواهما، ومن کان یحب المرء لا یحبه إلا لله، ومن کان یلقی فی النار أحب إلیه من أن یرجع إلی الکفر بعد أن أنقذه الله منه»((1)).

وقال رسول الله صلی الله علیه و آله: «والذی نفسی بیده لا تدخلوا الجنة حتی تؤمنوا، ولاتؤمنوا حتی تحابوا، أولا أدلکم علی شیء إذا فعلتموه تحاببتم: أفشوا السلام بینکم - وقال -: إذا الناس أظهروا العلم، وضیعوا العمل، وتحابوا بالألسن، وتباغضوا بالقلوب، وتقاطعوا فی الأرحام، لعنهم الله عند ذلک وأصمهم وأعمی أبصارهم»((2)).

وعن علی بن محمد بن سیار عن أبویهما عن الحسن بن علی العسکری علیه السلام عن آبائه علیهم السلام: «أن رسول الله صلی الله علیه و آله قال لبعض أصحابه ذات یوم: یا عبد الله، أحبب فی الله، وأبغض فی الله، ووال فی الله، وعاد فی الله، فإنه لن تنال ولایة الله إلا بذلک، ولا یجد رجل طعم الإیمان وإن کثرت صلاته وصیامه حتی یکون کذلک، وقد صارت مؤاخاة الناس یومکم هذا أکثرها فی الدنیا، علیها یتوادون، وعلیها یتباغضون، وذلک لا یغنی عنهم من الله شیئاً. فقال الرجل: یا رسول الله، فکیف لی أن أعلم أنی قد والیت فی الله، وعادیت فی الله، ومن ولی الله حتی أوالیه، ومن عدوه حتی أعادیه؟. فأشار ل-ه رسول الله صلی الله علیه و آله إلی علی علیه السلام، فقال: أ تری هذا؟. قال: بلی. قال: ولی هذا ولی الله فواله، وعدو هذا عدو الله فعاده، وال ولی هذا ولو أنه قاتل أبیک وولدک، وعاد عدو هذا ولو أنه أبوک أو ولدک»((3)).

وعن مسعدة بن صدقة، عن الصادق جعفر بن محمد علیه السلام عن أبیه علیه السلام عن آبائه علیهم السلام أن رسول الله صلی الله علیه و آله قال: «إن الله عزوجل إذا رأی أهل قریة قد أسرفوا فی المعاصی، وفیها ثلاث نفر من المؤمنین ناداهم جل جلاله وتقدست أسماؤه:یا أهل معصیتی، لولا فیکم من المؤمنین المتحابین بجلالی، العامرین بصلاتهم أرضی

ص:686


1- مشکاة الأنوار: ص123 ب3 ف5
2- روضة الواعظین: ج2 ص418 مجلس فی ذکر محبة الله
3- وسائل الشیعة: ج16 ص178 ب17 ح21287

ومساجدی، والمستغفرین بالأسحار خوفاً منی لأنزلت بکم عذابی ثم لا أبالی»((1)).

وأوحی الله تعالی إلی موسی علیه السلام: هل عملت لی عملاً قط؟

قال: إلهی صلیت لک، وصمت وتصدقت، وذکرت لک.

فقال: إن الصلاة لک برهان، والصوم جنة، والصدقة ظل، والذکر نور، فأی عمل عملت لی!!.

فقال موسی علیه السلام: دلنی علی عمل هو لک؟.

فقال: یا موسی هل والیت لی ولیاً، وهل عادیت لی عدواً قط؟.

فعلم موسی أن أحب الأعمال الحب فی الله والبغض فی الله » ((2)).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: «ما ضرک - إن أحببت الله ورسوله وأحبک الله ورسوله - من أبغضک؛ فإنه لیس أحد من أولیاء الله یبغض أحباء الله، ولا أحد من غیره یحبک فینفعک حبه»..

ثم قال:

«قال رسول الله صلی الله علیه و آله: لا یستوحش من کان الله أنیسه..

ولایذل من کان الله أعزه..

ولا یفتقر من کان بالله غناؤه..

فمن استأنس بالله آنسه الله بغیر أنیس..

ومن اعتز بالله أعزه الله بغیر عدد ولا عشیرة..

ومن یستغنی بالله أغناه الله بغیر دنیاه»((3)).

ص:687


1- علل الشرائع: ج1 ص246 ب180 ح1
2- جامع الأخبار: ص128 ف86
3- مشکاة الأنوار: ص125 ب3 ف5

فصل :من مصادیق العنف

اشارة

فصل:من مصادیق السلم واللاعنف

1: أکل مال الیتیم

2: إیذاء الجار

3: إیذاء المؤمن

4: إیذاء المرأة

5: الإساءة

6: الاستبداد

7: الانتقام

8: البخل

9: البهتان

10: تخویف الناس

11: التفرق

12: التکبر

13: الجزع

14: الجور

15: الحسد

16: الحقد

17: الخشونة

18: الخفة

19: السب

20: السخط

21: البطش

22: الضرب

23: التعذیب

24: الظلم

ص:688

25: العداوة

26: العسر

27: الغدر

28: الغش

29: الغضب

30: الغلظة والفضاضة

31: الغیبة

32: الهمز واللمز

33: القتل

34: القحة

35: القسوة

36: الکذب

37: النفاق

38: النمیمة

39: سفک الدماء

40: سوء الخلق

41: عقوق الوالدین

42: قطع الرحم

43: قول الزور

44:المن

45:مصاحبة الأشرار

46: الخیانة

47: الإسراف

48: التبذیر

49: إیذاء الحیوان

50: العدوان

ص:689

1:أکل مال الیتیم

مسألة: یحرم أکل مال الیتیم بالباطل، وهو من مقومات أو مصادیق العنف بالمعنی الأعم.

قال تعالی: ]وَآتُوا الْیَتامی أَمْوالَهُمْ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِیثَ بِالطَّیِّبِ وَلا تَأْکُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلی أَمْوالِکُمْ إِنَّهُ کانَ حُوباً کَبِیراً[((1)).

وقال سبحانه: ]وَابْتَلُوا الْیَتامی حَتَّی إِذا بَلَغُوا النِّکاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَیْهِمْ أَمْوالَهُمْ وَلا تَأْکُلُوها إِسْرافاً وَبِداراً أَنْ یَکْبَرُوا وَمَنْ کانَ غَنِیًّا فَلْیَسْتَعْفِفْ وَمَنْ کانَ فَقِیراً فَلْیَأْکُلْ بِالْمَعْرُوفِ[((2)).

وقال تعالی: ]وَلْیَخْشَ الَّذِینَ لَوْ تَرَکُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّیَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَیْهِمْ فَلْیَتَّقُوا اللَّهَ وَلْیَقُولُوا قَوْلاً سَدِیداً * إِنَّ الَّذِینَ یَأْکُلُونَ أَمْوالَ الْیَتامی ظُلْماً إِنَّما یَأْکُلُونَ فِی بُطُونِهِمْ ناراً وَسَیَصْلَوْنَ سَعِیراً[((3)).

وقال سبحانه: ]وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْیَتِیمِ إِلاَّ بِالَّتِی هِیَ أَحْسَنُ حَتَّی یَبْلُغَ

أَشُدَّهُ[((4)).

عن سماعة قال: قال أبو عبد الله علیه السلام: «أوعد الله عزوجل فی مال الیتیم بعقوبتین إحداهما عقوبة الآخرة النار، وأما عقوبة الدنیا فقوله عز وجل: ]وَلْیَخْشَ الَّذِینَ لَوْ تَرَکُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّیَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَیْهِمْ[((5)) الآیة یعنی: لیخش أن أخلفه فی ذریته کما صنع بهؤلاء الیتامی»((6)).

وعن أحمد بن محمد بن أبی نصر قال: سألت أبا الحسن علیه السلام عن رجل یکون فی یده مال لأیتام فیحتاج إلیه، فیمد یده فیأخذه وینوی أن یرده؟ قال: «لا ینبغی ل-ه أن

ص:690


1- سورة النساء: 2
2- سورة النساء: 6
3- سورة النساء: 9-10
4- سورة الأنعام: 152، سورة الإسراء: 34
5- سورة النساء: 9
6- الکافی: ج5 ص128 باب أکل مال الیتیم ح1

یأکل إلا القصد ولا یسرف، فإن کان من نیته أن لا یرده علیهم، فهو بالمنزل الذی قال الله عزوجل: ]إِنَّ الَّذِینَ یَأْکُلُونَ أَمْوالَ الْیَتامی ظُلْماً إِنَّما یَأْکُلُونَ فِی بُطُونِهِمْ ناراً[((1))»((2)).

وعن عبد الله بن یحیی الکاهلی قال: قیل لأبی عبد الله علیه السلام: إنا ندخل علی أخ لنا فی بیت أیتام ومعه خادم لهم، فنقعد علی بساطهم، ونشرب من مائهم، ویخدمنا خادمهم، وربما طعمنا فیه الطعام من عند صاحبنا وفیه من طعامهم، فما تری فی ذلک؟ فقال: «إن کان فی دخولکم علیهم منفعة لهم فلا بأس، وإن کان فیه ضرر فلا. - وقال علیه السلام -: ]بَلِ الإِنْسانُ عَلی نَفْسِهِ بَصِیرَةٌ[((3))، فأنتم لا یخفی علیکم وقد قال الله عزوجل: ]وَاللَّهُ یَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ[((4))»((5)).

وعن علی بن المغیرة قال: قلت لأبی عبد الله علیه السلام: إن لی ابنة أخ یتیمة، فربما أهدی لها الشیء فأکل منه ثم أطعمها بعد ذلک شیئاً من مالی، فأقول: یا رب هذا بهذا؟ فقال علیه السلام: «لا بأس»((6)).

وعن محمد بن علی بن الحسین قال: «من ألفاظ رسول الله صلی الله علیه و آله: شر المآکل أکل مال الیتیم ظلماً»((7)).

وعن محمد بن سنان عن أبی الحسن الرضا علیه السلام فیما کتب إلیه من جواب مسائله: «وحرم أکل مال الیتیم ظلماً لعلل کثیرة من وجوه الفساد، أول ذلک أنه إذا أکل الإنسان مال الیتیم ظلماً فقد أعان علی قتله، إذ الیتیم غیر مستغن ولا محتمل لنفسه، ولا علیم بشأنه، ولا ل-ه من یقوم علیه ویکفیه کقیام والدیه؛ فإذا أکل ماله فکأنه قد قتله وصیره إلی الفقر والفاقة، مع ما خوف الله عزوجل وجعل من العقوبة فی

ص:691


1- سورة النساء: 10
2- تهذیب الأحکام: ج6 ص339 ب93 ح67
3- سورة القیامة: 14
4- سورة البقرة: 220
5- وسائل الشیعة: ج17 ص248- 249 ب71 ح22446
6- بحار الأنوار: ج76 ص272 ب103 ح19
7- وسائل الشیعة: ج17 ص245 ب70 ح22440

قول-ه عزوجل: ]وَلْیَخْشَ الَّذِینَ لَوْ تَرَکُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّیَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَیْهِمْ فَلْیَتَّقُوا اللَّهَ[((1))، ولقول أبی جعفر علیه السلام: إن الله عزوجل وعد فی أکل مال الیتیم عقوبتین: عقوبة فی الدنیا، وعقوبة فی الآخرة. ففی تحریم مال الیتیم استبقاء الیتیم، واستقلاله بنفسه، والسلامة للعقب أن یصیبه ما أصابه، لما وعد الله فیه من العقوبة، مع ما فی ذلک من طلب الیتیم بثأره إذا أدرک، ووقوع الشحناء والعداوة والبغضاء حتی یتفانوا»((2)).

وعن الحلبی عن أبی عبد الله علیه السلام قال: «إن فی کتاب علی بن أبی طالب علیه السلام: أن آکل مال الیتیم ظلماً سیدرکه وبال ذلک فی عقبه من بعده ویلحقه - وقال علیه السلام -: ذلک إما فی الدنیا فإن الله قال: ]وَلْیَخْشَ الَّذِینَ لَوْ تَرَکُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّیَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَیْهِمْ[((3))، وإما فی الآخرة فإن الله یقول: ]إِنَّ الَّذِینَ یَأْکُلُونَ أَمْوالَ الْیَتامی ظُلْماً إِنَّما یَأْکُلُونَ فِی بُطُونِهِمْ ناراً وَ سَیَصْلَوْنَ سَعِیراً[((4))»((5)).

وعن المعلی بن خنیس عن أبی عبد الله علیه السلام قال: «دخلنا علیه فابتدأ فقال: من أکل مال الیتیم سلط الله علیه من یظلمه وعلی عقبه؛ فإن الله عزوجل یقول:

]وَلْیَخْشَ الَّذِینَ لَوْ تَرَکُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّیَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَیْهِمْ فَلْیَتَّقُوا اللَّهَ وَلْیَقُولُوا قَوْلاً سَدِیداً[((6))»((7)).

وعن هشام بن سالم عن أبی عبد الله علیه السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «لما أسری بی إلی السماء رأیت قوماً تقذف فی أجوافهم النار وتخرج من أدبارهم، فقلت: من هؤلاء یا جبرئیل؟ فقال: هؤلاء الذین یأکلون أموال الیتامی ظلما»((8)).

ص:692


1- سورة النساء: 9
2- عیون أخبار الرضا علیه السلام : ج2 ص92 ب33 ح1
3- سورة النساء: 9
4- سورة النساء: 10
5- مستدرک الوسائل: ج13 ص190- 191 ب58 ح15066
6- سورة النساء: 9
7- ثواب الأعمال: ص234 عقاب أکل مال الیتیم
8- تفسیر القمی: ج1 ص132 سورة النساء

وعن سماعة عن أبی عبد الله علیه السلام قال: سألته عن رجل أکل مال الیتیم، هل له توبة؟ فقال: «یؤدی إلی أهله؛ لأن الله یقول: ]إِنَّ الَّذِینَ یَأْکُلُونَ أَمْوالَ الْیَتامی ظُلْماً إِنَّما یَأْکُلُونَ فِی بُطُونِهِمْ ناراً وَسَیَصْلَوْنَ سَعِیراً[((1))، وقال: ]إِنَّهُ کانَ حُوباً کَبِیراً[((2))»((3)).

وعن عبید بن زرارة عن أبی عبد الله علیه السلام قال: سألته عن الکبائر؟ فقال: «منها أکل مال الیتیم ظلماً»((4)).

وعن أبی الجارود عن أبی جعفر علیه السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «یبعث أناس من قبورهم یوم القیامة تأجج أفواههم ناراً. فقیل له: یا رسول الله من هؤلاء؟ قال: ]الَّذِینَ یَأْکُلُونَ أَمْوالَ الْیَتامی ظُلْماً إِنَّما یَأْکُلُونَ فِی بُطُونِهِمْ ناراً وَسَیَصْلَوْنَ سَعِیراً[((5))»((6)).

وفی فقه الرضا علیه السلام قال: «من أکل مال الیتیم درهماً واحداً ظلماً من غیر حق خلده الله فی النار»((7)).

وروی: «إیاکم وأموال الیتامی! لا تعرضوا لها، ولا تلبسوا بها، فمن تعرض لمال الیتیم فأکل منه شیئاً کأنما أکل جذوة من النار»((8)).

وروی: «اتقوا الله ولا یعرض أحدکم لمال الیتیم؛ فإن الله جل ثناؤه یلی حسابه بنفسه مغفوراً له أو معذباً»((9)).

وعن جعفر بن محمد علیه السلام عن أبیه علیه السلام عن جده علیه السلام عن علی بن الحسین

ص:693


1- سورة النساء: 10
2- سورة النساء: 2
3- تفسیر العیاشی: ج1 ص217- 218 من سورة النساء ح12
4- مستدرک الوسائل: ج13 ص191 ب58 ح15068
5- سورة النساء: 10
6- تفسیر العیاشی: ج1 ص225 من سورة النساء ح47
7- فقه الرضا علیه السلام : ص332 ب85
8- بحار الأنوار: ج72 ص5 ب31 ضمن ح13
9- فقه الرضا علیه السلام : ص332 ب85

علیه السلام عن أبیه علیه السلام: «أن علیاً علیه السلام اشتکی عینیه، فعاده رسول الله صلی الله علیه و آله، فإذا علی علیه السلام یصیح. فقال ل-ه النبی صلی الله علیه و آله: أجزعاً أم وجعاً؟. فقال علی علیه السلام: یا رسول الله، ما وجعت وجعاً قط أشد منه. فقال: یا علی، إن ملک الموت إذا نزل لقبض روح الفاجر، نزل معه بسفود من نار، فنزع روحه فتصیح جهنم. فاستوی علی علیه السلام جالساً، فقال: یا رسول الله، فهل یصیب ذلک أحد من أمتک؟. فقال صلی الله علیه و آله: نعم، حاکم جائر، وآکل مال الیتیم، وشاهد الزور»((1)).

وعن أمیر المؤمنین علیه السلام أنه قال: «من ظلم یتیماً عق أولاده»((2)).

2:إیذاء الجار

مسألة: یحرم إیذاء الجار، وهو من مقومات أو مصادیق العنف بالمعنی الأعم.

عن زرارة عن أبی عبد الله علیه السلام قال: «جاءت فاطمة $ تشکو إلی رسول الله صلی الله علیه و آله بعض أمرها، فأعطاها رسول الله صلی الله علیه و آله کریسة وقال: تعلمی ما فیها. فإذا فیها: من کان یؤمن بالله والیوم الآخر فلا یؤذی جاره، ومن کان یؤمن بالله والیوم الآخر فلیکرم ضیفه، ومن کان یؤمن بالله والیوم الآخر فلیقل خیراً أو لیسکت»((3)).

وعن النبی صلی الله علیه و آله أنه قال: «إن من تمسک فی شهر رمضان بست خصال غفر الله له ذنوبه: أن یحفظ دینه، ویصون نفسه، ویصل رحمه، ولا یؤذی جاره، ویرعی إخوانه، ویخزن لسانه. أما الصیام فلا یعلم ثواب عامله إلا الله»((4)).

وقال رسول الله صلی الله علیه و آله: «لیس یدخل الجنة من یؤذی جاره، ومن لم یأمن جاره

بوائقه»((5)).

وقال صلی الله علیه و آله: «من کان یؤمن بالله والیوم الآخر فلا یؤذی جاره»((6)).

ص:694


1- الجعفریات: ص146 باب فی الشهادة
2- غرر الحکم ودرر الکلم: ص409 ق6 ب1 ف6 ح9402
3- الکافی: ج2 ص667 باب حق الجوار ح6
4- مستدرک الوسائل: ج7 ص370 ب10 ح8443
5- مستدرک الوسائل: ج8 ص421 ب72 ح9866
6- مشکاة الأنوار: ص214 ب4 ف10

وقال صلی الله علیه و آله: «من آذی جاره بقتار قدره فلیس منا»((1)).

وقال صلی الله علیه و آله: «ومن خان جاره شبراً من الأرض جعله الله طوقاً فی عنقه من تخوم الأرض السابعة حتی یلقی الله یوم القیامة مطوقاً إلا أن یتوب ویرجع»((2)).

وقال صلی الله علیه و آله: «ومن منع الماعون من جاره إذا احتاج إلیه، منعه الله فضله ووکله إلی نفسه»((3)).

وقال صلی الله علیه و آله: «إذا ضربت کلب جارک فقد آذیته»((4)).

وعن أبی عبد الله علیه السلام قال: «شکا رجل إلی رسول الله صلی الله علیه و آله جاره فأعرض عنه، ثم عاد فأعرض عنه، ثم عاد فقال رسول الله صلی الله علیه و آله لعلی وسلمان ومقداد: اذهبوا ونادوا: لعنة الله والملائکة علی من آذی جاره»((5)).

وقال صلی الله علیه و آله فی غزوة تبوک: «لا یصحبنا رجل آذی جاره»((6)).

وقالوا لرسول الله صلی الله علیه و آله: فلانة تصوم النهار، وتقوم اللیل، وتتصدق، وتؤذی جارها بلسانها. قال: «لا خیر فیها، هی من أهل النار». قالوا: وفلانة تصلی المکتوبة، وتصوم شهر رمضان، ولا تؤذی جارها. فقال رسول الله صلی الله علیه و آله: «هی من أهل الجنة»((7)).

وقال رسول الله صلی الله علیه و آله: « هل تدرون ما حق الجار؟. ما تدرون من حق الجار إلا قلیلاً، ألا لا یؤمن بالله والیوم الآخر من لا یؤمن جاره بواثقه، وإذا استقرضه أن یقرضه، وإذا أصابه خیر هنأه، وإذا أصابه شر عزاه، ولا یستطیل علیه فی البناء یحجب عنه الریح إلا بإذنه، وإذا اشتری فاکهة فلیهد ل-ه، وإن لم یهد ل-ه فلیدخلها سراً، ولایعطی صبیانه منه الشیء یغایظون صبیانه. - ثم قال رسول الله صلی الله علیه و آله -: الجیران ثلاثة

ص:695


1- مستدرک الوسائل: ج8 ص422 ب72 ح9871
2- من لا یحضره الفقیه: ج4 ص12 باب ذکر جمل من مناهی النبی صلی الله علیه و آله ح4968
3- أعلام الدین: ص414 باب ما جاء من عقاب الأعمال
4- مستدرک الوسائل: ج8 ص423 ب72 ح9874
5- مشکاة الأنوار: ص213- 214 ب4 ف10
6- مستدرک الوسائل: ج8 ص423 ب72 ضمن ح9876
7- مشکاة الأنوار: ص214 ب4 ف10

فمنهم من ل-ه ثلاثة حقوق: حق الإسلام، وحق الجوار، وحق القرابة. ومنهم من ل-ه حقان: حق الإسلام، وحق الجوار. ومنهم من ل-ه حق واحد: الکافر ل-ه حق الجوار»((1)).

وعن أنس قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «من آذی جاره فقد آذانی، ومن حاربه فقد حاربنی»((2)).

وعن جعفر بن محمد علیه السلام عن أبیه علیه السلام عن جده علی بن الحسین علیه السلام عن أبیه علیه السلام عن علی بن أبی طالب علیه السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «ملعون من اطلع علی جاره»((3)).

وعن رسول الله صلی الله علیه و آله قال: «لا یدخل الجنة من لایأمن جاره بوائقه»((4)).

وقال صلی الله علیه و آله فی حدیث أبی ذر: «إذا طبخت فأکثر من المرق وتعاهد جیرانک، ومن آذی جاره فعلیه لعنة الله والملائکة والناس أجمعین»((5)).

وعن أبی عبد الله علیه السلام قال: «ملعون ملعون من آذی جاره»((6)).

وعن النبی صلی الله علیه و آله قال: «من مات ول-ه جیران ثلاثة کلهم راضون عنه غفر له»((7)).

وعن إسحاق بن عمار قال: قال أبو عبد الله علیه السلام: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «أعوذ بالله من جار سوء فی دار إقامة، تراک عیناه ویرعاک قلبه، إن رآک بخیر ساءه، وإن رآک بشر سره»((8)).

ص:696


1- روضة الواعظین: ج2 ص388- 389 مجلس فی ذکر حقوق الإخوان والأقرباء والجار
2- مستدرک الوسائل: ج8 ص424 ب72 ح9879
3- الجعفریات: ص164 باب سوء الجوار
4- مستدرک الوسائل: ج8 ص425 ب72 ح9882
5- غوالی اللآلی: ج1 ص256 ف10 ح23
6- کنز الفوائد: ج1 ص150
7- مشکاة الأنوار: ص214 ب4 ف10
8- الزهد: ص43 ب6 ح114

وقال صلی الله علیه و آله: «لیس من المؤمنین الذی یشبع وجاره جائع إلی جنبه»((1)).

وقال صلی الله علیه و آله: «من آذی جاره حرم الله علیه ریح الجنة ومأواه جهنم وبئس المصیر، ومن ضیع حق جاره فلیس منا»((2)).

وعن أبی بصیر قال: سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول: «من کف أذاه عن جاره أقاله الله عزوجل عثرته یوم القیامة، ومن عف بطنه وفرجه کان فی الجنة ملکاً محبوراً، ومن أعتق نسمة مؤمنة بنی الله عزوجل له بیتاً فی الجنة»((3)).

وعن الحسن بن عبد الله، عن عبد صالح علیه السلام قال: قال: «لیس حسن الجوار کف الأذی، ولکن حسن الجوار صبرک علی الأذی»((4)).

وعن أبی حمزة قال: سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول: «المؤمن من آمن جاره بوائقه». قلت: ما بوائقه؟ قال: «ظلمه وغشمه»((5)).

وأمر رسول الله صلی الله علیه و آله علیاً علیه السلام وسلمان ومقداد وأبا ذر أن یتفرقوا ویأخذ کل واحد منهم فی ناحیة وینادی: «ألا إن حق الجوار من أربعین داراً»((6)).

وعن أبی عبد الله علیه السلام قال: «ما کان ولا یکون إلی یوم القیامة نبی ولا مؤمن إلا وله جار یؤذیه»((7)).

وعن زرارة عن أبی عبد الله علیه السلام قال: «ما أفلت المؤمن من واحدة من ثلاث، وربما اجتمعت الثلاث علیه: إما أن یکون معه فی الدار من یغلق علیه الباب یؤذیه، أو جار یؤذیه، أو شیء فی طریقه وحوائجه یؤذیه. ولو أن مؤمناً علی قلة جبل لبعث الله علیه شیطاناً یؤذیه، ویجعل الله له من إیمانه أنساً لا یستوحش إلی أحد»((8)).

ص:697


1- روضة الواعظین: ج2 ص389 مجلس فی ذکر حقوق الإخوان والأقرباء والجار
2- من لا یحضره الفقیه: ج4 ص13 باب ذکر جمل من مناهی النبی صلی الله علیه و آله ح4968
3- الأمالی للصدوق: ص552 المجلس 82 ح4
4- الکافی: ج2 ص667 باب حق الجوار ح9
5- وسائل الشیعة: ج12 ص126 ب86 ح15840
6- وسائل الشیعة: ج8 ص431 ب76 ح9905
7- مشکاة الأنوار: ص214 ب4 ف10
8- التمحیص: ص35 ب1 ح28

وعن الکاهلی قال: سمعت  أبا عبد الله علیه السلام یقول: «إن یعقوب لما ذهب منه ابن یامین نادی: یا رب، أما ترحمنی أذهبت عینی وأذهبت ابنی!. فأوحی الله تبارک وتعالی إلیه: لو أمتهما لأحییتهما حتی أجمع بینک وبینهما، ولکن أما تذکر الشاة التی ذبحتها وشویتها وأکلت وفلان إلی جنبک صائم لم تنله منها شیئاً»((1)).

وعن سعد بن طریف عن أبی جعفر علیه السلام قال: «من القواصم الفواقر التی تقصم الظهر: جار السوء، إن رأی حسنة أخفاها، وإن رأی سیئة أفشاها»((2)).

3:إیذاء المؤمن

مسألة: یحرم إیذاء المؤمن، وهو من مقومات أو مصادیق العنف بالمعنی الأعم.

قال تعالی: ]وَالَّذِینَ یُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِینَ وَالْمُؤْمِناتِ بِغَیْرِ مَا اکْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِیناً[((3)).

وقال سبحانه: ]إِنَّ الَّذِینَ یُحِبُّونَ أَنْ تَشِیعَ الْفاحِشَةُ فِی الَّذِینَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِیمٌ[((4)).

وقال تعالی: ]إِنَّ الَّذِینَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِینَ وَالْمُؤْمِناتِ ثُمَّ لَمْ یَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذابُ الْحَرِیقِ[((5)).

عن هشام بن سالم قال: سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول: «قال الله عزوجل: لیأذن بحرب منی من آذی عبدی المؤمن، ولیأمن غضبی من أکرم عبدی المؤمن»((6)).

وعن المفضل بن عمر قال: قال أبو عبد الله علیه السلام: «إذا کان یوم القیامة نادی مناد: أین الصدود لأولیائی؟. قال: فیقوم قوم لیس علی وجوههم لحم، قال: فیقول: هؤلاء الذین آذوا المؤمنین، ونصبوا لهم، وعادوهم وعنفوهم فی دینهم» قال:

ص:698


1- بحار الأنوار: ج12 ص264 ب9 ح28
2- الکافی: ج2 ص668 باب حق الجوار ح15
3- سورة الأحزاب: 58
4- سورة النور: 19
5- سورة البروج: 10
6- تنبیه الخواطر ونزهة النواظر: ج2 ص208

«ثم یؤمر بهم إلی جهنم»((1)).

وعن شعیب بن واقد عن الحسین بن زید، عن الصادق جعفر بن محمد علیه السلام عن أبیه علیه السلام عن آبائه علیهم السلام عن أمیر المؤمنین علیه السلام عن رسول الله صلی الله علیه و آله فی حدیث المناهی قال: «ألا ومن استخف بفقیر مسلم فقد استخف بحق الله، والله یستخف به یوم القیامة، إلا أن یتوب»((2)).

وعن الرضا علیه السلام عن آبائه علیهم السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «من استذل مؤمناً، أو حقره لفقره وقلة ذات یده، شهره الله یوم القیامة»((3)).

وعن المثنی عن أبی بصیر عن أبی عبد الله علیه السلام قال: «لا تحقروا مؤمناً فقیراً؛ فإنه من حقر مؤمناً فقیراً واستخف به حقره الله تعالی، ولم یزل ماقتاً ل-ه حتی یرجع عن تحقیره أو یتوب»، قال: «ومن استذل مؤمناً وحقره لقلة ذات یده ولفقره، شهره الله یوم القیامة علی رؤوس الخلائق»((4)).

وعن أبی عبد الله علیه السلام قال: «من حقر مؤمناً مسکیناً أو غیر مسکین، لم یزل الله عز وجل حاقراً له ماقتاً حتی یرجع عن محقرته إیاه»((5)).

وعن أبی عبد الله علیه السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «قال الله عزوجل: قد نابذنی من أذل عبدی المؤمن»((6)).

وعن منصور الصیقل والمعلی بن خنیس عن أبی عبد الله علیه السلام قالا: سمعنا أبا عبد الله علیه السلام یقول: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «قال الله تعالی: إنی لحرب لمن استذل عبدی المؤمن، وإنی أسرع إلی نصرة أولیائی»((7)).

وعن صالح بن عقبة عن أبی هارون عن أبی عبد الله علیه السلام قال: قال - لنفر عنده

ص:699


1- جامع الأخبار: ص162 ف127
2- من لا یحضره الفقیه: ج4 ص13 باب ذکر جمل من مناهی النبی صلی الله علیه و آله ح4968
3- وسائل الشیعة: ج12 ص266- 267 ب146 ح16271
4- ثواب الأعمال: ص250 عقاب من حقر مؤمناً واستخف به وأذله
5- الکافی: ج2 ص351 باب من آذی المسلمین واحتقرهم ح4
6- بحار الأنوار: ج72 ص158 ب57 ح28
7- مصادقة الإخوان: ص74 باب استذلال المؤمن ح1

وأنا حاضر -: «ما لکم تستخفون بنا؟». قال: فقام إلیه رجل من خراسان، فقال: معاذ لوجه الله أن نستخف بک أو بشیء من أمرک! فقال: «بلی، إنک أحد من استخف بی». فقال: معاذ لوجه الله أن أستخف بک! فقال ل-ه: «ویحک، ألم تسمع فلاناً ونحن بقرب الجحفة وهو یقول لک: احملنی قدر میل فقد والله عییت، والله ما رفعت به رأساً لقد استخففت به، ومن استخف بمؤمن فبنا استخف، وضیع حرمة الله عزوجل»((1)).

وعن عبد الله بن سنان عن أبی عبد الله علیه السلام قال: «من عیر مؤمناً بذنب لم یمت حتی یرکبه»((2)).

وعن أبی عبد الله علیه السلام قال: «من أنب مؤمناً أنبه الله فی الدنیا والآخرة»((3)).

وقال رسول الله صلی الله علیه و آله: «من آذی مؤمناً فقد آذانی، ومن آذانی فقد آذی الله، ومن آذی الله فهو ملعون فی التوراة والإنجیل والزبور والفرقان»، وفی خبر آخر: «فعلیه لعنة الله والملائکة والناس أجمعین»((4)).

وقال صلی الله علیه و آله: «من أحزن مؤمناً ثم أعطاه الدنیا لم یکن ذلک کفارته ولم یؤجر علیه»((5)).

وعن أبی جعفر علیه السلام أنه قال: «من أدخل علی رجل من شیعتنا سروراً فقد أدخله علی رسول الله صلی الله علیه و آله، وکذلک من أدخل علیه أذی أو غماً»((6)).

وقال رسول الله صلی الله علیه و آله: «من آذی مؤمناً بغیر حق فکأنما هدم مکة وبیت الله المعمور عشر مرات، وکأنما قتل ألف ملک من المقربین»((7)).

وعن رسول الله صلی الله علیه و آله أنه قال: «من آذی مؤمنا آذاه الله، ومن أحزنه أحزنه الله،

ص:700


1- وسائل الشیعة: ج12 ص272 ب148 ح16286
2- الکافی: ج2 ص356 باب التعییر ح3
3- بحار الأنوار: ج70 ص384 ب140 ح1
4- جامع الأخبار: ص147 ف110
5- مستدرک الوسائل: ج9 ص99 ب125 ح10336
6- المؤمن: ص69 ب8 ح189
7- غوالی اللآلی: ج1 ص361 ب1 المسلک  الثانی ح40

ومن نظر إلیه بنظرة تخیفه بغیر حق أو بجفاء یخیفه الله یوم القیامة»((1)).

وعن رسول الله صلی الله علیه و آله أنه قال: «لا تحقروا ضعفاء إخوانکم؛ فإنه من احتقر مؤمناً لم یجمع الله بینهما فی الجنة إلا أن یتوب»((2)).

وعن أبی عبد الله علیه السلام قال: «من أذل لنا ولیاً أوقفه الله یوم القیامة فی طینة خبال إلی أن یفرغ الله عزوجل من حساب الخلائق». فقیل ل-ه: وما طینة خبال؟ فقال: «صدید أهل جهنم»((3)).

وعن إسحاق بن عمار قال: قال لی أبو عبد الله علیه السلام: «یا إسحاق، کیف تصنع بزکاة مالک إذا حضرت؟». قال: یأتونی إلی المنزل فأعطیهم. فقال لی: «ما أراک یا إسحاق إلا قد أذللت المؤمنین فإیاک إیاک، إن الله تعالی یقول: من أذل لی ولیاً فقد أرصد لی بالمحاربة»((4)).

4:إیذاء المرأة

مسألة: یحرم إیذاء المرأة، سواء کانت زوجة أم بنتاً أم أختاً أم غیرها، وهو من مقومات أو مصادیق العنف بالمعنی الأعم. قال تعالی: ]یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا یَحِلُّ لَکُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ کَرْهاً وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَیْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَنْ یَأْتِینَ بِفاحِشَةٍ مُبَیِّنَةٍ وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ کَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسی أَنْ تَکْرَهُوا شَیْئاً وَیَجْعَلَ اللَّهُ فِیهِ خَیْراً کَثِیراً[((5)).

قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «اتقوا الله فی الضعیفین: النساء والیتیم»((6)).

وقال صلی الله علیه و آله: «حق المرأة علی زوجها: أن یسد جوعتها، وأن یستر عورتها،

ص:701


1- مستدرک الوسائل: ج9 ص100 ب125 ح10341
2- بحار الأنوار: ج52 ص151 ب57 ضمن ح16
3- مستدرک الوسائل: ج9 ص105 ب127 ح10359
4- الأمالی للطوسی: ص195 المجلس7 ح332
5- سورة النساء: 19
6- بحار الأنوار: ج100 ص254 ب4 ح59

ولایقبح لها وجهاً؛ فإذا فعل ذلک فقد أدی والله حقها»((1)).

وعن محمد بن أبی عمیر عن غیر واحد عن الصادق جعفر بن محمد علیه السلام عن أبیهعلیه السلام عن آبائه علیهم السلام: «قال شکا رجل من أصحاب أمیر المؤمنین علیه السلام نساءه. فقام علیه السلام خطیباً فقال: معاشر الناس - إلی أن قال -: فداروهن علی کل حال، وأحسنوا لهن المقال، لعلهن یحسن الفعال»((2)).

وعن مسعدة بن صدقة قال: حدثنی جعفر بن محمد علیه السلام عن أبیه علیه السلام قال: «... ومن اتخذ امرأة فلیکرمها؛ فإنما امرأة أحدکم لعبة، فمن اتخذها فلیضعها»((3)).

وعن ابن علوان عن الصادق علیه السلام عن أبیه علیه السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «اتقوا الله، اتقوا الله فی الضعیفین: الیتیم، والمرأة؛ فإن خیارکم خیارکم لأهله»((4)).

وعن مثنی الحناط ومحمد بن مسلم قالا: قال أبو عبد الله علیه السلام: «من صدق لسانه زکا عمله، ومن حسنت نیته زاد الله عزوجل فی رزقه، ومن حسن بره بأهله زاد الله فی عمره»((5)).

وعن الصادق علیه السلام عن آبائه علیهم السلام عن رسول الله صلی الله علیه و آله فی حدیث المناهی قال: «ألا ومن صبر علی خلق امرأة سیئة الخلق واحتسب فی ذلک الأجر أعطاه الله ثواب الشاکرین»((6)).

وقال صلی الله علیه و آله: «لا یقذف امرأته إلا ملعون - أو قال: منافق - فإن القذف من الکفر، والکفر فی النار. لا تقذفوا نساءکم؛ فإن فی قذفهن ندامة طویلة، وعقوبة شدیدة»((7)).

وقال النبی صلی الله علیه و آله: «إنی أتعجب ممن یضرب امرأته وهو بالضرب أولی منها. لاتضربوا نساءکم بالخشب؛ فإن فیه القصاص،ولکن اضربوهن بالجوع والعری،

ص:702


1- عدة الداعی: ص91 ق6
2- الأمالی للصدوق: ص206 المجلس37 ح6
3- قرب الإسناد: ص34
4- بحار الأنوار: ج100 ص224 ب2 ح7
5- الکافی: ج8 ص219 حدیث الصیحة ح269
6- من لا یحضره الفقیه: ج4 ص16 باب ذکر جمل من مناهی النبی صلی الله علیه و آله ح4968
7- جامع الأخبار: ص158 ف120

حتی تربحوا فی الدنیا والآخرة»((1)).

وعن أبی مریم عن أبی جعفر علیه السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «أیضرب أحدکم المرأة ثم یظل معانقها»((2)).

وعن إسحاق بن عمار قال: قلت لأبی عبد الله علیه السلام: ما حق المرأة علی زوجها الذی إذا فعله کان محسناً؟. قال: «یشبعها ویکسوها وإن جهلت غفر لها - وقال أبو عبد الله علیه السلام -: کانت امرأة عند أبی علیه السلام تؤذیه فیغفر لها»((3)).

وعن یونس بن عمار قال: زوجنی أبو عبد الله علیه السلام جاریة کانت لإسماعیل ابنه. فقال: «أحسن إلیها». فقلت: وما الإحسان إلیها؟. فقال: «أشبع بطنها، واکس جثتها، واغفر ذنبها». ثم قال: «اذهبی، وسطک الله ماله»((4)).

وقال رسول الله صلی الله علیه و آله: «ملعون ملعون من ضیع من یعول»((5)).

5:الإساءة

مسألة: الإساءة محرمة، وهی من مقومات أو مصادیق العنف بالمعنی الأعم.

قال تعالی: ]مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَآءَ فَعَلَیْهَا ثُمّ إِلَیَ رَبّکُمْ تُرْجَعُونَ[((6)).

وقال سبحانه: ]وَلا تَسْتَوِی الْحَسَنَةُ وَلاَ السَّیِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِی هِیَ أَحْسَنُ[((7)).

عن إسماعیل بن مخلد السراج عن أبی عبد الله علیه السلام قال: خرجت هذه الرسالة من أبی عبد الله علیه السلام إلی أصحابه: «بسم الله الرحمن الرحیم أما بعد، فاسألوا ربکم العافیة، وعلیکم بالدعة والوقار والسکینة، وعلیکم بالحیاء» إلی أن قال: «وإیاکم ومعاصی الله أن ترکبوها؛ فإنه من انتهک معاصی الله فرکبها فقد أبلغ فی الإساءة إلی

ص:703


1- مستدرک الوسائل: ج14 ص250 ب66 ح16618
2- الکافی: ج5 ص509 باب إکرام الزوجة ح1
3- وسائل الشیعة: ج20 ص169 ب88 ح25330
4- الکافی: ج5 ص511 باب حق المرأة علی الزوج ح4
5- غوالی اللآلی: ج3 ص193 باب التجارة ح1
6- سورة الجاثیة: 15
7- سورة فصلت: 34

نفسه، ولیس بین الإحسان والإساءة منزلة، فلأهل الإحسان عند ربهم الجنة، ولأهل الإساءة عند ربهم النار، فاعملوا بطاعة الله واجتنبوا معاصیه»((1)).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: «لا یکن المحسن والمسیء عندک سواء، فإن ذلک یزهد المحسن فی الإحسان ویتابع المسیء إلی الإساءة»((2)).

وقال علیه السلام: «لا تسئ الخطاب فیسوؤک الجواب»((3)).

وخطب أمیر المؤمنین علیه السلام یوم الفطر فقال: «أیها الناس إن یومکم هذا یوم یثاب فیه المحسنون ویخسر فیه المسیئون، وهو أشبه یوم بقیامتکم، فاذکروا بخروجکم عن منازلکم إلی مصلاکم خروجکم من الأجداث إلی ربکم، واذکروا بوقوفکم فی مصلاکم وقوفکم بین یدی ربکم، واذکروا برجوعکم إلی منازلکم رجوعکم إلی منازلکم فی الجنة والنار»((4)).

وقال  أمیر المؤمنین علیه السلام: «سوء الخلق شؤم، والإساءة إلی المحسن لؤم»((5)).

وقال علیه السلام فی العهد الذی کتبه للأشتر لما ولاه مصر وأعمالها: «ولا یکونن المحسن والمسیء عندک بمنزلة سواء؛ فإن فی ذلک تزهیداً لأهل الإحسان فی الإحسان، وتدریباً لأهل الإساءة علی الإساءة»((6)).

وعن الإمام الصادق علیه السلام قال: «الإساءة من فعل الظلمة»((7)).

وعن حماد بن عثمان قال: دخل علی أبی عبد الله علیه السلام رجل من أصحابه فشکا إلیه رجلاً من أصحابه. فلم یلبث أن جاء المشکو، فقال ل-ه أبو عبد الله علیه السلام: «ما لأخیک فلان یشکوک؟». فقال ل-ه: یشکونی أن استقضیت حقی! قال: فجلس مغضباً فقال: «کأنک إذا استقضیت حقک لم تسئ، أرأیتک ما حکاه الله تعالی فقال:

ص:704


1- الکافی: ج8 ص2و11 کتاب الروضة ح1
2- غرر الحکم: ص439 ق6 ب3 ف6 مواعظ فی المعاشرة ح10042
3- غرر الحکم: ص439 ق6 ب3 ف6 مواعظ فی المعاشرة ح10041
4- وسائل الشیعة: ج7 ص481 ب38 ح9912
5- غرر الحکم ودرر الکلم: ص264 ق3 ب2 ف3 ذم سوء الخلق ح5696
6- نهج البلاغة: الرسائل 53 ومن کتاب له علیه السلام کتبه للأشتر النخعی لما ولاه مصر وأعمالها
7- الاحتجاج: ج2 ص345 احتجاج أبی عبد الله الصادق علیه السلام فی أنواع شتی من العلوم الدینیة

]وَیَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ[((1))، إنما خافوا أن یجور الله علیهم، لا والله ما خافوا إلا الاستقضاء فسماه الله سوء الحساب، فمن استقضی فقد أساء»((2)).

وعن أبی عبد الله علیه السلام قال - تقول عند حضور شهر رمضان -: «اللهم إنی أعوذ بک أن یکون جزاء إحسانک الإساءة منی»((3)).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: «قدیم الحرمة، وحدیث التوبة یمحقان ما بینهما من الإساءة»((4)).

وقال علیه السلام: «إیاک والإساءة! فإنها خلق اللئام، وإن المسیء لمترد فی جهنم بإساءته»((5)).

وقال علیه السلام: «الإحسان غریزة الأخیار، والإساءة غریزة الأشرار»((6)).

وقال علیه السلام: «سوء الجوار والإساءة إلی الأبرار من أعظم اللؤم»((7)).

وقال علیه السلام: «من علامات الشقاء الإساءة إلی الأخیار»((8)).

6:الاستبداد

مسألة: الاستبداد محرم، وهو من مقومات أو مصادیق العنف بالمعنی الأعم.

قال أمیر المؤمنین علیه السلام: «من استبد برأیه هلک، ومن شاور الرجال شارکها فی عقولها»((9)).

وقال الصادق علیه السلام: «المستبد برأیه موقوف علی مداحض الزلل»((10)).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: «الاستبداد برأیک یزلک ویهورک فی المهاوی»((11)).

وقال علیه السلام: «حق علی العاقل أن یستدیم الاسترشاد ویترک الاستبداد»((12)).

ص:705


1- سورة الرعد: 21
2- تهذیب الأحکام: ج6 ص194 ب81 ح50
3- بحار الأنوار: ج94 ص327 ب2 ح1
4- شرح نهج البلاغة: ج20ص297 الحکم المنسوبة 399
5- غرر الحکم ودرر الکلم: ص265 ق3 ب2 ف3 الإساءة والملق ح5724
6- غرر الحکم ودرر الکلم: ص382 ق5 ب4 ف2 الإحسان والتحریض إلیه ح8681
7- غرر الحکم ودرر الکلم: ص437 ق6 ب3 ف4 ح10006
8- غرر الحکم ودرر الکلم: ص482 ق6 ب6 متفرقات اجتماعی ح11127
9- نهج البلاغة: قصار الحکم 161
10- مستدرک الوسائل: ج8 ص342 ب20 ضمن ح9610
11- غرر الحکم ودرر الکلم: ص65 ق1 ب1 ف12 الموانع المتفرقة ح865
12- غرر الحکم ودرر الکلم: ص55 ق1 ب1 ف4 العاقل صفاته وعلاماته ح483

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: «بئس الاستعداد الاستبداد»((1)).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: «من استبد برأیه خفت وطأته علی أعدائه»((2)).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: «من استبد برأیه فقد خاطر وغرر»((3)).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: «المستبد متهور فی الخطاء والغلط»((4)).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: «قد أخطأ المستبد»((5)).

وجاء فی صحیفة علی بن الحسین علیه السلام وکلامه فی الزهد: «واعلموا أنه من خالف أولیاء الله، ودان بغیر دین الله، واستبد بأمره دون أمر ولی الله، کان فی نار تلتهب، تأکل أبداناً قد غابت عنها أرواحها، وغلبت علیها شقوتها»((6)).

وعن محمد بن مسلم عن أبی عبد الله علیه السلام قال: «اعلموا أن الله تعالی یبغض من خلقه المتلون، فلا تزولوا عن الحق وأهله؛ فإن من استبد بالباطل وأهله هلک وفاتته الدنیا، وخرج منها صاغراً»((7)).

7:الانتقام

مسألة: الانتقام من الرذائل، وهو من مقومات أو مصادیق العنف بالمعنی الأعم.

قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «مرارة الحلم أعذب من مرارة الانتقام»((8)).

وعن جابر قال: سمع أمیر المؤمنین علیه السلام رجلاً یشتم قنبراً، وقد رام قنبر أن یرد علیه، فناداه أمیر المؤمنین علیه السلام: «مهلاً یا قنبر، دع شاتمک مهاناً، ترضی الرحمن، وتسخط الشیطان، وتعاقب عدوک. فو الذی فلق الحبة وبرأ النسمة ما أرضی

ص:706


1- غرر الحکم ودرر الکلم: ص347 ق4 ب2 ف7 الاستبداد ح7985
2- غرر الحکم ودرر الکلم: ص347 ق4 ب2 ف7 الاستبداد ح7991
3- غرر الحکم ودرر الکلم: ص347 ق4 ب2 ف7 الاستبداد ح7992
4- غرر الحکم ودرر الکلم: ص65 ق1 ب1 ف12 الموانع المتفرقة ح864
5- غرر الحکم ودرر الکلم: ص66 ق1 ب1 ف12 الموانع المتفرقة ح866
6- الکافی: ج8 ص16 صحیفة علی بن الحسین علیه السلام وکلامه فی الزهد ح2
7- الأمالی للمفید: ص137 المجلس16 ح6
8- إرشاد القلوب: ج1 ص74 ب18

المؤمن ربه بمثل الحلم، ولا أسخط الشیطان بمثل الصمت، ولا عوقب الأحمق بمثل

السکوت عنه»((1)).

وقال رسول الله صلی الله علیه و آله: «من لم یکن فیه ثلاث لم یجد طعم الإیمان: حلم یرد به جهل الجاهل، وورع یحجزه عن المحارم، وخلق یداری به الناس»((2)).

وقال صلی الله علیه و آله: «احتمل ممن هو أکبر منک، وممن هو أصغر منک، وممن هو خیر منک، وممن هو شر، وممن هو فوقک، وممن هو دونک؛ فإن کنت کذلک باهی الله بک الملائکة»((3)).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: «دع الانتقام؛ فإنه من أسوء أفعال المقتدر. ولقد أخذ بجوامع الفضل من رفع نفسه عن سوء المجازاة»((4)).

وقال علیه السلام: «أقبح أفعال المقتدر الانتقام»((5)).

وقال علیه السلام: «المبادرة إلی الانتقام من شیم اللئام»((6)).

وقال علیه السلام: «سوء العقوبة من لؤم الظفر»((7)).

وقال علیه السلام: «من انتقم من الجانی أبطل فضله فی الدنیا وفاته ثواب الآخرة»((8)).

وقال علیه السلام: «لا سؤدد مع انتقام»((9)).

وقال علیه السلام: «قوة الحلم عند الغضب أفضل من القوة علی الانتقام»((10)).

وکان علیه السلام یقول: «متی أشفی غیظی إذا غضبت، أحین أعجز عن الانتقام

ص:707


1- بحار الأنوار: ج68 ص424 ب93 ح64
2- مستدرک الوسائل: ج11 ص291 ب26 ح13059
3- مستدرک الوسائل: ج11 ص292 ب26 ح13060
4- غرر الحکم ودرر الکلم: ص346 ق4 ب2 ف7 الانتفام ح7951
5- غرر الحکم ودرر الکلم: ص346 ق4 ب2 ف7 الانتفام ح7952
6- غرر الحکم ودرر الکلم: ص346 ق4 ب2 ف7 الانتفام ح7953
7- غرر الحکم ودرر الکلم: ص346 ق4 ب2 ف7 الانتفام ح7954
8- غرر الحکم ودرر الکلم: ص346 ق4 ب2 ف7 الانتفام ح7955
9- غرر الحکم ودرر الکلم: ص346 ق4 ب2 ف7 الانتفام ح7956
10- غرر الحکم ودرر الکلم: ص285 ق3 ب2 ف7 فضیلة الحلم وحقیقته ح6397

فیقال لی: لو صبرت، أم حین أقدر علیه فیقال لی: لو عفوت»((1)).

وقال الصادق جعفر بن محمد علیه السلام: «ما أقبح الانتقام بأهل الأقدار»((2)).

وکان من دعاء الإمام زین العابدین علیه السلام إذا أعتدی علیه أو رأی من الظالمین ما لا یحب: «اللهم وإن کانت الخیرة لی عندک فی تأخیر الأخذ لی وترک الانتقام ممن ظلمنی إلی یوم الفصل ومجمع الخصم فصل علی محمد وآله، وأیدنی منک بنیة صادقة وصبر دائم»((3)).

وقالت الحکماء: (لذة العفو أطیب من لذة التشفی والانتقام؛ لأن لذة العفو یشفعها حمید العاقبة، ولذة الانتقام یلحقها ألم الندم)((4)).

وقالوا: (العقوبة ألأم حالات ذی القدرة وأدناها، وهی طرف من الجزع. ومن رضی ألا یکون بینه وبین الظالم إلا ستر رقیق فلینتصف)((5)).

وکان یقال: (أحسن أفعال القادر العفو وأقبحها الانتقام)((6)).

وکان یقال: (ظفر الکریم عفو، وعفو اللئیم عقوبة)((7)).

8:البخل

مسألة: البخل من الرذائل وقد یکون محرماً، وهو من مقومات أو مصادیق العنف بالمعنی الأعم. قال تعالی: ]وَلا یَحْسَبَنَّ الَّذِینَ یَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَیْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَیُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ یَوْمَ الْقِیامَةِ وَلِلَّهِ مِیراثُ السَّماواتِ وَالأَْرْضِ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِیرٌ[((8)).

ص:708


1- نهج البلاغة: قصار الحکم 194
2- تحف العقول: ص359 وروی عنه علیه السلام فی قصار هذه المعانی
3- الصحیفة السجادیة: الدعاء 14 وکان من دعائه علیه السلام إذا أعتدی علیه أو رأی من الظالمین ما لا یحب
4- شرح نهج البلاغة: ج18 ص183
5- شرح نهج البلاغة: ج18 ص183
6- شرح نهج البلاغة: ج18 ص110
7- شرح نهج البلاغة: ج18 ص110
8- سورة آل عمران: 180

وقال سبحانه: ]الَّذِینَ یَبْخَلُونَ وَیَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَیَکْتُمُونَ ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنا لِلْکافِرِینَ عَذاباً مُهِیناً[((1)).

وقال تعالی: ]وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا یُؤْتِکُمْ أُجُورَکُمْ وَلا یَسْئَلْکُمْ أَمْوالَکُمْ * إِنْ یَسْئَلْکُمُوها فَیُحْفِکُمْ تَبْخَلُوا وَیُخْرِجْ أَضْغانَکُمْ * ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِی سَبِیلِ اللَّهِ فَمِنْکُمْ مَنْ یَبْخَلُ وَمَنْ یَبْخَلْ فَإِنَّما یَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِیُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ[((2)).

وقال سبحانه: ]الَّذِینَ یَبْخَلُونَ وَیَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَنْ یَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِیُّ الْحَمِیدُ[((3)).

وقال تعالی: ]مَنَّاعٍ لِلْخَیْرِ مُعْتَدٍ أَثِیمٍ[((4)).

عن الإمام الصادق علیه السلام قال: «إن کان الخلف من الله عز وجل حقاً، فالبخل لماذا؟!»((5)).

وعن الصادق علیه السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «أقل الناس راحة البخیل، وأبخل الناس من بخل بما افترض الله تعالی علیه»((6)).

وعن مالک بن أنس قال: قال الصادق جعفر بن محمد علیه السلام: «أعجب لمن یبخل بالدنیا وهی مقبلة علیه، أو یبخل علیها وهی مدبرة عنه، فلا الإنفاق مع الإقبال یضره، ولا الإمساک مع الإدبار ینفعه»((7)).

وعن ابن مسکان عن أبی عبد الله علیه السلام قال: «إن أحق الناس أن یتمنی للناس الغنی البخلاء؛ لأن الناس إذا استغنوا کفوا عن أموالهم»((8)).

ص:709


1- سورة النساء: 37
2- سورة محمد: 36- 38
3- سورة الحدید: 24
4- سورة القلم: 12
5- من لا یحضره الفقیه: ج4 ص393 ومن ألفاظ رسول الله صلی الله علیه و آله الموجزة ح5836
6- معانی الأخبار: ص195 باب معنی الأخبار ح1
7- الأمالی للصدوق: ص169-170 المجلس32 ح4
8- الخصال: ج1 ص152 أحق الناس بأن یتمنوا ثلاثة أشیاء ح188

وفی خبر مناهی النبی صلی الله علیه و آله قال: «یقول الله عزوجل: حرمت الجنة علی المنان، والبخیل، والقتات»((1)).

وعن المفضل بن أبی قرة قال: رأیت أبا عبد الله علیه السلام یطوف من أول اللیل إلی الصباح وهو یقول: «اللهم قنی شح نفسی». فقلت: جعلت فداک ما سمعتک تدعو بغیر هذا الدعاء! قال: «وأی شیء أشد من شح النفس، إن الله یقول: ]وَمَنْ یُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِکَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ[((2))»((3)).

وعن ابن صدقة عن جعفر علیه السلام عن أبیه علیه السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «ما محق الإیمان محق الشح شیء - ثم قال -: إن لهذا الشح دبیباً کدبیب النمل، وشعباً کشعب الشرک»((4)).

وعن أبی سعید الخدری قال: قال النبی صلی الله علیه و آله: «خصلتان لا تجتمعان فی مسلم: البخل وسوء الخلق»((5)).

وعن رسول الله صلی الله علیه و آله قال: «لا یجتمع الشح والإیمان فی قلب عبد أبداً»((6)).

وعن سعد بن طریف عن أبی جعفر علیه السلام قال: «الموبقات ثلاث: شح مطاع، وهوی متبع، وإعجاب المرء بنفسه»((7)).

وروی عن الصادق علیه السلام أنه قال: «الشح المطاع سوء الظن بالله عزوجل»((8)).

وعن الجازی عن أبی عبد الله علیه السلام عن أبیه علیه السلام قال: «لا یؤمن رجل فیه الشح والحسد والجبن. ولا یکون المؤمن جباناً، ولا حریصاً، ولا شحیحاً»((9)).

ص:710


1- مکارم الأخلاق: ص432 ب12 ف2
2- سورة الحشر: 9، سورة التغابن: 16
3- مستدرک الوسائل: ج7 ص30-31 ب5 ح7565
4- بحار الأنوار: ج70 ص301 ب136 ح8
5- وسائل الشیعة: ج9 ص39-40 ب5 ح11471
6- مشکاة الأنوار: ص231 ب5 ف4
7- بحار الأنوار: ج69 ص314 ب117 ح13
8- معانی الأخبار: ص314 باب معنی الدرجات والکفارات
9- وسائل الشیعة: ج9 ص40 ب5 ح11473

وعن مسعدة عن جعفر علیه السلام عن أبیه علیه السلام: «أن علیاً علیه السلام سمع رجلاً یقول: الشحیح أعذر من الظالم. فقال:کذبت، إن الظالم یتوب، ویستغفر، ویرد الظلامة علی أهلها. والشحیح إذا شح منع الزکاة، والصدقة، وصلة الرحم، وإقراء الضیف، والنفقة فی سبیل الله، وأبواب البر. وحرام علی الجنة أن یدخلها شحیح»((1)).

وعن ابن علوان، عن جعفر علیه السلام عن أبیه علیه السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «السخاء شجرة فی الجنة أغصانها فی الدنیا، من تعلق بغصن منها قاده ذلک الغصن إلی الجنة. والبخل شجرة فی النار أغصانها فی الدنیا، من تعلق بغصن منها قاده ذلک الغصن إلی النار»((2)).

وعن عبد الله بن عمرو، عن النبی صلی الله علیه و آله أنه قال: «إیاکم والشح! فإنما هلک من کان قبلکم بالشح. أمرهم بالکذب فکذبوا، وأمرهم بالظلم فظلموا، وأمرهم بالقطیعة فقطعوا»((3)).

وعن الإمام الصادق علیه السلام أنه قال: «خمس هن کما أقول: لیست لبخیل راحة، ولا لحسود لذة، ولا للملوک وفاء، ولا للکذاب مروة، ولا یسود سفیه»((4)).

9:البهتان

مسألة: البهتان محرم، وهو من مقومات أو مصادیق العنف بالمعنی الأعم.

قال تعالی: ]وَمَنْ یَکْسِبْ خَطِیئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ یَرْمِ بِهِ بَرِیئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِیناً[((5)). وقال سبحانه: ]وَلا تَقْفُ ما لَیْسَ لَکَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ کُلُّ أُولئِکَ کانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً[((6)).

ص:711


1- قرب الإسناد: ص35
2- بحار الأنوار: ج70 ص303 ب136 ح14
3- الخصال: ج1 ص176 الشح یولد ثلاث خصال مذمومة ح234
4- مستدرک الوسائل: ج7 ص29 ب5 ح7561
5- سورة النساء: 112
6- سورة الإسراء: 36

وقال تعالی: ]إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِکُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْواهِکُمْ ما لَیْسَ لَکُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَیِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِیمٌ * وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ ما یَکُونُ لَنا أَنْ نَتَکَلَّمَ بِهذا سُبْحانَکَ هذا بُهْتانٌ عَظِیمٌ [((1)).

عن الإمام الصادق علیه السلام ناقلاً عن حکیم: «البهتان علی البری أثقل من الجبال الراسیات»((2)).

وعن الرضا علیه السلام عن آبائه علیهم السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «من بهت مؤمناً أو مؤمنة، أو قال فیه ما لیس فیه، أقامه الله تعالی یوم القیامة علی تل من نار حتی یخرج مما قال فیه»((3)).

وعن ابن أبی یعفور عن أبی عبد الله علیه السلام قال: «من باهت مؤمنا أو مؤمنة بما لیس فیهما، حبسه الله عز وجل یوم القیامة فی طینة خبال حتی یخرج مما قال». قلت: وما طینة خبال؟ قال: «صدید یخرج من فروج المومسات یعنی الزوانی»((4)).

وعن میسر بن عبد العزیز قال: سمعت أبا جعفر علیه السلام وهو یقول: «سئل أمیر المؤمنین علیه السلام: کم بین الحق والباطل؟. فقال: أربع أصابع، ووضع أمیر المؤمنین علیه السلام یده علی أذنه وعینیه. فقال: ما رأته عیناک فهو الحق، وما سمعته أذناک فأکثره باطل»((5)).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام فی کلام له: «أیها الناس، من عرف من أخیه وثیقة دین، وسداد طریق، فلا یسمعن فیه أقاویل الناس. أما إنه قد یرمی الرامی وتخطئ السهام، ویحیل الکلام، وباطل ذلک یبور، والله سمیع وشهید. أما إنه لیس بین الحق والباطل إلا أربع أصابع». فسئل عن معنی قوله هذا، فجمع أصابعه ووضعها بین أذنه وعینه. ثم قال: «الباطل أن تقول: سمعت، والحق أن تقول: رأیت»((6)).

ص:712


1- سورة النور: 15- 16
2- بحار الأنوار: ج72 ص194 ب62 ح3
3- وسائل الشیعة: ج12 ص288 ب153 ح16323
4- معانی الأخبار: ص164 باب معنی طینة خبال ح1
5- الخصال: ج1 ص236 بین الحق والباطل أربع أصابع ح78
6- نهج البلاغة: الخطب 141 ومن کلام له علیه السلام فی النهی عن سماع الغیبة وفی الفرق بین الحق والباطل

وروی أبو بصیر عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال: «خمسة لا ینامون: الهام بدم یسفکه، وذو المال الکثیر لا أمین ل-ه، والقائل فی الناس الزور والبهتان عن عرض من الدنیا یناله، والمأخوذ بالمال الکثیر ولا مال له، والمحب حبیباً یتوقع فراقه»((1)).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: «البهتان علی البری أعظم من السماء، والحق أوسع من الأرض، ونمائم الوشاة أضعف من الیتیم، والحرص أحر من النار، وحاجتک إلی البخیل أبرد من الزمهریر»((2)).

وقال الإمام الباقر علیه السلام: «من الغیبة أن تقول فی أخیک ما ستره الله علیه. فأما الأمر الظاهر منه مثل: الحدة، والعجلة فلا بأس أن تقول-ه. وإن البهتان أن تقول فی أخیک ما لیس فیه»((3)).

وقال الصادق جعفر بن محمد علیه السلام فی الرسالة التی خرجت منه إلی أصحابه: «فاتقوا الله وکفوا ألسنتکم إلا من خیر. وإیاکم أن تزلقوا ألسنتکم بقول الزور والبهتان والإثم والعدوان؛ فإنکم إن کففتم ألسنتکم عما یکرهه الله مما نهاکم عنه کان خیراً لکم عند ربکم من أن تزلقوا ألسنتکم به، فإن زلق اللسان فیما یکره الله وما ینهی عنه مرداة للعبد عند الله ومقت من الله»((4)).

وعن علی بن أبی طالب علیه السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «من صام شهر رمضان فاجتنب فیه الحرام والبهتان رضی الله عنه وأوجب له الجنان»((5)).

10:تخویف الناس

مسألة: تخویف الناس من المحرمات، وهو من مقومات أو مصادیق العنف بالمعنی الأعم. عن أمیر المؤمنین علیه السلام قال: «لا یحل لمسلم أن یروع مسلماً»((6)).

ص:713


1- من لا یحضره الفقیه: ج1 ص503 باب کراهیة النوم بعد الغداة ح1446
2- جامع الأخبار: ص138 ف96
3- تحف العقول: ص298 وروی عنه علیه السلام فی قصار هذه المعانی
4- الکافی: ج8 ص3 کتاب الروضة ح1
5- مستدرک الوسائل: ج7 ص423 ب11 ح8587
6- عیون أخبار الرضا علیه السلام : ج2 ص71 ب31 ح327

وعن عبد الله بن یحیی الکاهلی عن محمد بن عبید بن مدرک الحارثی قال: دخلت مع عمی عامر بن مدرک علی أبی عبد الله جعفر بن محمد 3 فسمعته یقول: «من أعان علی مؤمن بشطر کلمة لقی الله وبین عینیه مکتوب آیس من رحمة الله»((1)).

وعن أبی عبد الله علیه السلام قال: «من روع مؤمناً بسلطان لیصیب منه مکروه فلم یصبه فهو فی النار، ومن روع مؤمناً بسلطان لیصیب منه مکروه فأصابه فهو مع فرعون وآل فرعون فی النار»((2)).

وقال رسول الله صلی الله علیه و آله: «من نظر إلی مؤمن نظرة یخیفه بها أخافه الله تعالی یوم لا ظل إلا ظله، وحشره فی صورة الذر بلحمه وجسمه وجمیع أعضائه وروحه حتی یورده مورده»((3)).

وقال صلی الله علیه و آله: «من أحزن مؤمناً ثم أعطاه الدنیا لم یکن ذلک کفارته ولم یؤجر علیه»((4)).

11:التفرق

مسألة: التفرق والتشتت من الرذائل وهو محرم فی بعض مراتبه، وهو من مقومات أو مصادیق العنف بالمعنی الأعم.

قال تعالی: ]وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِیعاً وَلا تَفَرَّقُوا[((5)).

وقال سبحانه: ]وَلا تَکُونُوا کَالَّذِینَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَیِّناتُ وَأُولئِکَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِیمٌ[((6)).

وقال تعالی: ]إِنَّ الَّذِینَ فَرَّقُوا دِینَهُمْ وَکانُوا شِیَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِی شَیْءٍ[((7)).

وقال سبحانه: ]وَیَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْکُمْ وَما هُمْ مِنْکُمْ وَلکِنَّهُمْ قَوْمٌ یَفْرَقُونَ [((8)).

وقال تعالی: ]شَرَعَ لَکُمْ مِنَ الدِّینِ ما وَصَّی بِهِ نُوحاً وَالَّذِی أَوْحَیْنا إِلَیْکَ وَما وَصَّیْنا بِهِ إِبْراهِیمَ وَمُوسی وَعِیسی أَنْ أَقِیمُوا الدِّینَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِیهِ کَبُرَ عَلَی

ص:714


1- الأمالی للطوسی: ص198 المجلس7 ح338
2- الکافی: ج2 ص368 باب من أخاف مؤمناً ح2
3- جامع الأخبار: ص147 ف10
4- بحار الأنوار: ج72 ص150 ب57 ضمن ح13
5- سورة آل عمران: 103
6- سورة آل عمران: 105
7- سورة الأنعام: 159
8- سورة التوبة: 56

الْمُشْرِکِینَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَیْهِ[((1)).

وقال سبحانه: ]وَما تَفَرَّقُوا إِلاَّ مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْیاً بَیْنَهُمْ[((2)).

قال أمیر المؤمنین علیه السلام: «بئس السعی التفرقة بین الألیفین»((3)).

وعن معاویة بن عمار قال: سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول: «أتی رسول الله صلی الله علیه و آله بسبی من الیمن، فلما بلغوا الجحفة نفدت نفقاتهم، فباعوا جاریة من السبی کانت أمها معهم، فلما قدموا علی النبی صلی الله علیه و آله سمع بکاءها. فقال: ما هذه؟. قالوا: یا رسول الله، احتجنا إلی نفقة فبعنا ابنتها. فبعث بثمنها فأتی بها، وقال: بیعوهما جمیعاً أو أمسکوهما جمیعاً»((4)).

وعن هشام بن الحکم عن أبی عبد الله علیه السلام أنه اشتریت ل-ه جاریة من الکوفة قال: فذهبت لتقوم فی بعض الحاجة. فقالت: یا أماه. فقال لها أبو عبد الله علیه السلام: «ألک أم؟ ». قالت: نعم. فأمر بها فردت، وقال: «ما آمنت لو حبستها أن أری فی ولدی ما أکره»((5)).

وفی وصیة أمیر المؤمنین علیه السلام لما ضربه ابن ملجم (لعنه الله) : «إنی أوصیک یا حسن، وجمیع ولدی وأهل بیتی، ومن بلغه کتابی من المؤمنین: بتقوی الله ربکم، ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون، واعتصموا بحبل الله جمیعاً ولا تفرقوا، فإنی سمعت رسول الله صلی الله علیه و آله یقول: صلاح ذات البین أفضل من عامة الصلاة والصوم، وأن البغضة حالقة الدین، وفساد ذات البین، ولا قوة إلا بالله»((6)).

وقال رسول الله صلی الله علیه و آله:«عباد الله علیکم باعتقاد ولایتنا أهل البیت ولا تفرقوا بیننا وانظروا کیف وسع الله علیکم حیث أوضح لکم الحجة لیسهل علیکم معرفة الحق»((7)).

ص:715


1- سورة الشوری: 13
2- سورة الشوری: 14
3- غرر الحکم ودرر الکلم: ص419 ق6 ب2 ف3 جملة من علائم شر الإخوان ح9593
4- تهذیب الأحکام: ج7 ص73 ب6 ح28
5- وسائل الشیعة: ج18 ص264 ب13 ح23639
6- کتاب سلیم بن قیس: ص925 ح69
7- تفسیر الإمام العسکری علیه السلام : ص259 ارتفاع القتل عن بنی إسرائیل بتوسلهم بمحمد وآله ح126

وفی روایة أبی الجارود عن أبی جعفر علیه السلام فی قوله: ]وَلا تَفَرَّقُوا[((1)) قال: «إن الله تبارک وتعالی علم أنهم سیفترقون بعد نبیهم ویختلفون. فنهاهم الله عن التفرق کما نهی من کان قبلهم، فأمرهم أن یجتمعوا علی ولایة آل محمد علیهم السلام ولا یتفرقوا»((2)).

وعن یحیی البکا عن علی علیه السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «ستفترق أمتی علی ثلاث وسبعین فرقة، منها فرقة ناجیة والباقون هالکة، والناجیة الذین یتمسکون بولایتکم، ویقتبسون من علمکم، ولا یعملون برأیهم، فأولئک ما علیهم من سبیل»((3)).

وقال رسول الله صلی الله علیه و آله: «ستفترق أمتی علی بعض وسبعین فرقة، أعظمها فتنة علی أمتی قوم یقیسون الأمور برأیهم، فیحرمون الحلال ویحللون الحرام»((4)).

وقال صلی الله علیه و آله: «کلوا جمیعاً ولا تفرقوا؛ فإن البرکة فی الجماعة»((5)).

وعن صفوان بن مهران عن أبی عبد الله علیه السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «تزوجوا وزوجوا، ألا فمن حظ امرئ مسلم إنفاق قیمة أیمة. وما من شیء أحب إلی الله عزوجل من بیت یعمر فی الإسلام بالنکاح، وما من شیء أبغض إلی الله عزوجل من بیت یخرب فی الإسلام بالفرقة یعنی الطلاق - ثم قال أبو عبد الله علیه السلام -: إن الله عزوجل إنما وکد فی الطلاق وکرر فیه القول من بغضه الفرقة»((6)).

عن عبد الرحمن بن الحجاج قال: بعث إلیَّ أبو الحسن موسی علیه السلام بوصیة أمیر المؤمنین علیه السلام وهی: «بسم الله الرحمن الرحیم - إلی أن قال -: وإیاکم والتقاطع والتدابر والتفرق وتعاونوا علی البر والتقوی ولا تعاونوا علی الإثم والعدوان واتقوا

ص:716


1- سورة آل عمران: 103
2- تفسیر القمی: ج1 ص108 رفع عیسی
3- کفایة الأثر: ص155 باب ما روی عن أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب علیه السلام
4- کنز الفوائد: ج2 ص209 ذکر مجلس
5- طب النبی: ص21
6- الکافی: ج5 ص328 باب فی الحض علی النکاح ح1

الله إن الله شدید العقاب»((1)).

ومن وصیة لأمیر المؤمنین علیه السلام وصی بها جیشاً بعثه إلی العدو: «وإیاکم والتفرق! فإذا نزلتم فانزلوا جمیعاً، وإذا ارتحلتم فارتحلوا جمیعاً»((2)).

ومن کلام لأمیر المؤمنین علیه السلام وفیه یبین بعض أحکام الدین: «والزموا السواد الأعظم؛ فإن ید الله مع الجماعة. وإیاکم والفرقة! فإن الشاذ من الناس للشیطان، کما أن الشاذ من الغنم للذئب»((3)).

وقال علیه السلام: «من نکد الدنیا تنغیص الاجتماع بالفرقة والسرور بالغصة»((4)).

وقال علیه السلام: «سبب الفرقة الاختلاف»((5)).

وقال علیه السلام: «الزموا الجماعة واجتنبوا الفرقة»((6)).

وعن عاصم بن حمید رفعه قال: جاء رجل إلی أمیر المؤمنین علیه السلام فقال: أخبرنی عن السنة والبدعة، وعن الجماعة، وعن الفرقة؟ فقال أمیر المؤمنین علیه السلام : «السنة ما سن رسول الله صلی الله علیه و آله، والبدعة ما أحدث من بعده، والجماعة أهل الحق وإن کانوا قلیلاً، والفرقة أهل الباطل وإن کانوا کثیراً»((7)).

12:التکبر

مسألة: الکبر حرام، وهو من مقومات أو مصادیق العنف بالمعنی الأعم.

قال تعالی: ]وَإِذا قِیلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهادُ[((8)).

وقال سبحانه: ]إِنَّ اللَّهَ لا یُحِبُّ مَنْ کانَ مُخْتالاً فَخُوراً[((9)).

وقال تعالی: ]وَنادی أَصْحابُ الأَعْرافِ رِجالاً یَعْرِفُونَهُمْ بِسِیماهُمْ قالُوا ما

ص:717


1- بحار الأنوار: ج42 ص249 ب127 ح51
2- نهج البلاغة: الرسائل 11 ومن وصیة له علیه السلام وصی بها جیشاً بعثه إلی العدو
3- نهج البلاغة: الخطب 127 ومن کلام له علیه السلام وفیه یبین بعض أحکام الدین
4- غرر الحکم ودرر الکلم: ص466 ق6 ب5 ف13 ح10722
5- غرر الحکم ودرر الکلم: ص466 ق6 ب5 ف13 ح10719
6- غرر الحکم ودرر الکلم: ص466 ق6 ب5 ف13 ح10715
7- معانی الأخبار: ص154-155 باب معنی الجماعة والفرقة والسنة والبدعة ح3
8- سورة البقرة: 206
9- سورة النساء: 36

أَغْنی عَنْکُمْ جَمْعُکُمْ وَما کُنْتُمْ تَسْتَکْبِرُونَ[((1)).

وقال سبحانه: ]فَاسْتَکْبَرُوا وَکانُوا قَوْماً مُجْرِمِینَ[((2)).

وقال تعالی:]سَأَصْرِفُ عَنْ آیاتِیَ الَّذِینَ یَتَکَبَّرُونَ فِی الأَرْضِ بِغَیْرِ الْحَقِّ[((3)).

وقال سبحانه: ]فَلَبِئْسَ مَثْوَی الْمُتَکَبِّرِینَ[((4)).

وقال تعالی: ]وَلا تَمْشِ فِی الأَرْضِ مَرَحاً إِنَّکَ لَنْ تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولاً[((5)).

وقال سبحانه: ]أَلَیْسَ فِی جَهَنَّمَ مَثْویً لِلْمُتَکَبِّرِینَ[((6)).

وقال تعالی: ]کَذلِکَ یَطْبَعُ اللَّهُ عَلی کُلِّ قَلْبِ مُتَکَبِّرٍ جَبَّارٍ[((7)).

قال أمیر المؤمنین علیه السلام فی خطبة یوم الغدیر: «أفتدرون الاستکبار ما هو؟ هو ترک الطاعة لمن أمروا بطاعته، والترفع علی من ندبوا إلی متابعته»((8)).

وعن مسعدة بن صدقة قال: مر الحسین بن علی علیه السلام بمساکین قد بسطوا کساءً لهم فألقوا علیه کسراً. فقالوا: هلم یا ابن رسول الله، فثنی ورکه فأکل معهم. ثم تلا: ]إِنَّهُ لاَ یُحِبُّ الْمُسْتَکْبِرِینَ[((9))»((10)).

وروی علی بن إبراهیم عن الصادق علیه السلام قال: «إن فی جهنم لوادیاً للمتکبرین یقال ل-ه: سقر، شکا إلی الله شدة حره، سأله أن یتنفس فأذن ل-ه فتنفس فأحرق جهنم»((11)).

ص:718


1- سورة الأعراف: 48
2- سورة الأعراف: 133، سورة یونس: 75
3- سورة الأعراف: 146
4- سورة النحل: 29
5- سورة الإسراء: 37
6- سورة الزمر: 60
7- سورة غافر: 35
8- مصباح المجتهد: ص756 خطبة أمیر المؤمنین علیه السلام فی یوم الغدیر
9- سورة النحل: 23
10- تفسیر العیاشی: ج2 ص257 من سورة النحل ح15
11- تفسیر القمی: ج2 ص251 ماذا یعطی الله ولیه فی الجنان

وقال رسول الله صلی الله علیه و آله: «إن الله تعالی یقول: الکبریاء ردائی، والعظمة إزاری، فمن نازعنی فی واحد منهما ألقیته فی النار»((1)).

وقال رسول الله صلی الله علیه و آله: «لن یدخل الجنة من فی قلبه مثقال ذرة من الکبر». فقالوا: یا رسول الله، إن أحدنا یحب أن یکون ثوبه حسناً، ونعله حسناً؟ فقال: «إن الله جمیل یحب الجمال، ولکن الکبر بطر الحق وغمض الناس»((2)).

وقال النبی صلی الله علیه و آله: «أعوذ بک من نفخة الکبریاء»((3)).

وقال صلی الله علیه و آله: «آفة العلم الخیلاء»((4)).

وروی: أن رجلاً فی بنی إسرائیل یقال له: خلیع بنی إسرائیل - لکثرة فساده - مر برجل یقال له: عابد بنی إسرائیل، وکانت علی رأس العابد غمامة تظله لما مر الخلیع به. فقال الخلیع فی نفسه: أنا خلیع بنی إسرائیل کیف أجلس بجنبه! وقال العابد: هو خلیع بنی إسرائیل کیف یجلس إلیَّ! فأنف منه وقال له: قم عنی. فأوحی الله إلی نبی ذلک الزمان: مرهما فلیستأنفا العمل، فقد غفرت للخلیع، وأحبطت عمل العابد. وفی حدیث آخر: فتحولت الغمامة إلی رأس الخلیع»((5)).

وقال علی (صلوات الله علیه): «ومن أراد أن ینظر إلی رجل من أهل النار، فلینظر إلی رجل قاعد وبین یدیه قوم قیام»((6)).

وقال أنس: لم یکن شخص أحب إلیهم من رسول الله صلی الله علیه و آله وکانوا إذا رأوه لایقومون له لما یعلمون من کراهته لذلک ((7)).

وقال أبو الدرداء: لا یزال العبد یزداد من الله بعداً ما مشی خلفه. وکان

رسول الله صلی الله علیه و آله فی بعض الأوقات یمشی مع الأصحاب فیأمرهم بالتقدم ویمشی فی

ص:719


1- إرشاد القلوب: ج1 ص189 ب52
2- غوالی اللآلی: ج1 ص436- 437 ب1 المسلک الثالث ح150
3- بحار الأنوار: ج70 ص193 ب130
4- بحار الأنوار: ج70 ص196 ب130
5- بحار الأنوار: ج70 ص198 ب130
6- بحار الأنوار: ج70 ص206 ب130
7- بحار الأنوار: ج70 ص206 ب130

غمارهم((1)).

وقال أنس: کانت الولیدة من ولائد المدینة تأخذ بید رسول الله صلی الله علیه و آله ولا ینزع منها یده حتی تذهب به حیث شاءت((2)).

ودخل رجل علی رسول الله صلی الله علیه و آله وعلیه جدری قد یقشر، وعنده أصحابه یأکلون فما جلس عند أحد إلا قام من جنبه فأجلسه النبی صلی الله علیه و آله بجنبه((3)).

وکان رسول الله صلی الله علیه و آله یعالج فی بیته، کان یعلف الناضح، ویعقل البعیر، ویقم البیت، ویحلب الشاة، ویخصف النعل، ویرقع الثوب، ویأکل مع خادمه، ویطحن عنه إذا أعیا، ویشتری الشیء من السوق ولا یمنعه الحیاء أن یعلقه بیده أو یجعله فی طرف ثوبه فینقلب إلی أهله، یصافح الغنی والفقیر والصغیر والکبیر، ویسلم مبتدئاً علی کل من استقبله من صغیر أو کبیر، أسود أو أحمر، حر أو عبد من أهل الصلاة. لیس له حلة لمدخله وحلة لمخرجه، لا یستحیی من أن یجیب إذا دعی وإن کان أشعث أغبر، ولا یحقر ما دعی إلیه وإن لم یجد إلا حشف الدقل، لا یرفع غداء لعشاء ولا عشاء لغداء، هین المقولة، لین الخلقة، کریم الطبیعة، جمیل المعاشرة، طلق الوجه، بساماً من غیر ضحک، محزوناً من غیر عبوس، شدیداً من غیر عنف، متواضعاً من غیر مذلة، جواداً من غیر سرف، رحیماً بکل ذی قربی، قریباً من کل ذمی ومسلم، رقیق القلب، دائم الإطراق، لم یبشم قط من شبع، ولا یمد یده إلی طمع»((4)).

13:الجزع

مسألة: الجزع من الرذائل، وقد یکون محرماً فی بعض مراتبه، وهو من مقومات أو مصادیق العنف بالمعنی الأعم.

قال أمیر المؤمنین علیه السلام: «إیاک والجزع! فإنه یقطع الأمل، ویضعف العمل، ویورث الهم. واعلم أن المخرج فی أمرین: ما کانت فیه حیلة فالاحتیال، وما لم تکن

ص:720


1- بحار الأنوار: ج70 ص206 ب130
2- بحار الأنوار: ج70 ص206 ب130
3- بحار الأنوار: ج70 ص206 ب130
4- بحار الأنوار: ج70 ص208 ب130

فیه حیلة فالاصطبار»((1)).

وعن عبد الرحمن بن سیابة قال: أعطانی أبو عبد الله علیه السلام هذا الدعاء: «الحمد لله ولی الحمد وأهله ومنتهاه - إلی أن قال -: وأعوذ بک من أن أشتری الجهل بالعلم، والجفاء بالحلم، والجور بالعدل، والقطیعة بالبر، والجزع بالصبر، والهدی بالضلالة، والکفر بالإیمان»((2)).

وعن جابر عن أبی جعفر علیه السلام قال: قلت ل-ه: ما الجزع؟ قال: «أشد الجزع: الصراخ بالویل والعویل، ولطم الوجه والصدر، وجز الشعر من النواصی. ومن أقام النواحة فقد ترک الصبر، وأخذ فی غیر طریقه. ومن صبر واسترجع وحمد الله عز وجل فقد رضی بما صنع الله، ووقع أجره علی الله. ومن لم یفعل ذلک جری علیه القضاء وهو ذمیم، وأحبط الله تعالی أجره»((3)).

وعن ربعی بن عبد الله عن أبی عبد الله علیه السلام قال: «إن الصبر والبلاء یستبقان إلی المؤمن، فیأتیه البلاء وهو صبور. وإن الجزع والبلاء یستبقان إلی الکافر، فیأتیه البلاء وهو جزوع»((4)).

وعن السکونی عن أبی عبد الله علیه السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «ضرب المسلم یده علی فخذه عند المصیبة إحباط لأجره»((5)).

وعن قتیبة الأعشی قال: أتیت أبا عبد الله علیه السلام أعود ابناً له، فوجدته علی الباب فإذا هو مهتم حزین. فقلت: جعلت فداک کیف الصبی؟. فقال: «والله إنه لما به». ثم دخل فمکث ساعة، ثم خرج إلینا وقد أسفر وجهه وذهب التغیر والحزن. قال: فطمعت أن یکون قد صلح الصبی. فقلت: کیف الصبی جعلت فداک؟. فقال: «وقد مضی لسبیله». فقلت: جعلت فداک لقد کنت وهو حی مهتماً حزیناً، وقد رأیت

ص:721


1- دعائم الإسلام: ج1 ص223 ذکر التعازی والصبر
2- الکافی: ج2 ص590و592 باب دعوات موجزات لجمیع الحوائج ح31
3- الکافی: ج3 ص222- 223 باب الصبر والجزع والاسترجاع ح1
4- وسائل الشیعة: ج3 ص256 ب76 ح3565
5- بحار الأنوار: ج79 ص85 ب16 ضمن ح16

حالک الساعة وقد مات غیر تلک الحال، فکیف هذا؟. فقال: «إنا أهل البیت إنما نجزع قبل المصیبة، فإذا وقع أمر الله رضینا بقضائه وسلمنا لأمره»((1)).

وکان قوم أتوا أبا جعفر علیه السلام فوافقوا صبیاً ل-ه مریضاً، فرأوا منه اهتماماً وغماً وجعل لا یقر. قال: فقالوا: والله لئن أصابه شیء إنا لنتخوف أن نری منه ما نکره. قال: فما لبثوا أن سمعوا الصیاح علیه، فإذا هو قد خرج علیهم منبسط الوجه فی غیر الحال التی کان علیها. فقالوا له: جعلنا الله فداک لقد کنا نخاف مما نری منک أن لو وقع أن نری منک ما یغمنا؟ فقال لهم: «إنا لنحب أن نعافی فیمن نحب، فإذا جاء أمر الله سلمنا فیما أحب»((2)).

ولما سیر عثمان أبا ذر إلی الربذة شیعه أمیر المؤمنین وعقیل والحسن والحسین علیهم السلام وعمار بن یاسر 6. وکان مما تکلم به عقیل عند الوداع أن قال: (واعلم أن استعفاءک البلاء من الجزع، واستبطاءک العافیة من الیأس، فدع الیأس والجزع وقل حسبی الله ونعم الوکیل)((3)).

وقال  أمیر المؤمنین علیه السلام: «من لم ینجه الصبر أهلکه الجزع»((4)).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: «الصبر یناضل الحدثان، والجزع من أعوان

الزمان»((5)).

وقال الإمام العسکری علیه السلام: «ولا تجزع فیحبط أجرک»((6)).

هذا والمستثنی من مرجوحیة الجزع ما ورد فی مثل حدیث معاویة بن وهب عن أبی عبد الله علیه السلام قال: «کل الجزع والبکاء مکروه سوی الجزع والبکاء علی الحسین علیه السلام»((7)).

ص:722


1- الکافی: ج3 ص225 باب الصبر والجزع والاسترجاع ح11
2- وسائل الشیعة: ج3 ص276 ب85 ح3641
3- بحار الأنوار: ج22 ص436 ب12 ح51
4- نهج البلاغة: قصار الحکم 189
5- نهج البلاغة: قصار الحکم 211
6- المناقب: ج4 ص433 فصل فی معجزاته علیه السلام
7- الأمالی للطوسی: ص162 المجلس6 ح268

14:الجور

مسألة: الجور حرام، وهو من مقومات أو مصادیق العنف بالمعنی الأعم.

وعن محمد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر علیه السلام یقول: «إن أئمة الجور وأتباعهم لمعزولون عن دین الله والحق قد ضلوا بأعمالهم التی یعملونها ƒکَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّیحُ فِی یَوْمٍ عَاصِفٍ لا یَقْدِرُونَ مِمَّا کَسَبُوا عَلَی شَیْءٍ ذَلِکَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِیدُ‚((1))»((2)).

وقال أبو عبد الله علیه السلام: «إذا فشا أربعة ظهرت أربعة: إذا فشا الزنا ظهرت الزلزلة، وإذا فشا الجور فی الحکم احتبس القطر، وإذا خفرت الذمة أدیل لأهل الشرک من أهل الإسلام، وإذا منعت الزکاة ظهرت الحاجة»((3)).

وکان أبو عبد الله علیه السلام یدعو عند قراءة کتاب الله عز وجل: «...اللهم إنا نعوذ بک من الشقوة فی حمله، والعمی عن عمله، والجور عن حکمه، والعلو عن قصده، والتقصیر دون حقه»((4)).

وعن أبی مخنف الأزدی قال: أتی أمیر المؤمنین (صلوات الله علیه) رهط من الشیعة. فقالوا: یا أمیر المؤمنین، لو أخرجت هذه الأموال ففرقتها فی هؤلاء الرؤساء والأشراف، وفضلتهم علینا حتی إذا استوسقت الأمور عدت إلی أفضل ما عودک الله من القسم بالسویة، والعدل فی الرعیة. فقال أمیر المؤمنین علیه السلام: «ویحکم أ تأمرونی أن أطلب النصر بالجور فیمن ولیت علیه من أهل الإسلام، لا والله لا یکون ذلک ما سمر السمیر، وما رأیت فی السماء نجماً، والله لو کانت أموالهم مالی لساویت بینهم فکیف وإنما هی أموالهم»((5)).

وعن محمد بن هارون الحلاب قال: سمعت أبا الحسن علیه السلام یقول: «إذا کان الجور أغلب من الحق، لم یحل لأحد أن یظن بأحد خیراً حتی یعرف ذلک منه»((6)).

وروی: أن أمیر المؤمنین علیه السلام ألقی صبیان الکتاب ألواحهم بین یدیه لیخیر بینهم. فقال: «أما إنها حکومة والجور فیها کالجور فی الحکم، أبلغوا معلمکم إن ضربکم فوق ثلاث ضربات فی الأدب اقتص منه»((7)).

وعن أبی خدیجة سالم بن مکرم الجمال قال: قال أبو عبد الله جعفر بن محمد الصادق علیه السلام: «إیاکم أن یحاکم بعضکم بعضاً إلی أهل الجور، ولکن انظروا إلی رجل منکم یعلم شیئاً من قضایانا فاجعلوه

ص:723


1- سورة ابراهیم: 18
2- المحاسن: ج1 ص93 ب18 ح48
3- الکافی: ج2 ص448 باب تفسیر الذنوب ح3
4- مستدرک الوسائل: ج4 ص375 ب45 ح4979
5- بحار الأنوار: ج41 ص122 ب107 ح29
6- وسائل الشیعة: ج19 ص87 ب9 ح24216
7- تهذیب الأحکام: ج10 ص149-150 ب10 ح30

بینکم؛ فإنی قد جعلته قاضیاً فتحاکموا إلیه»((1)).

وعن محمد الحلبی أنه سأل أبا عبد الله علیه السلام عن قول الله عزوجل: ]اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ یُحْیِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها[((2))؟. قال: «العدل بعد الجور»((3)).

وعن عبد الملک بن عمیر عن أبی عبد الله علیه السلام قال: «أربعة لا تقبل لهم صلاة: الإمام الجائر، والرجل یؤم القوم وهم ل-ه کارهون، والعبد الآبق من مولاه من غیر ضرورة، والمرأة تخرج من بیت زوجها بغیر إذنه»((4)).

وعن أبی البختری عن جعفر بن محمد علیه السلام عن أبیه علیه السلام: «ثلاثة لیس لهم حرمة: صاحب هوی مبتدع، والإمام الجائر، والفاسق المعلن بالفسق»((5)).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: «السلطان الجائر یخیف البریء»((6)).

وقال علیه السلام: «السلطان الجائر والعالم الفاجر أشد الناس نکایة»((7)).

وقال علیه السلام: «الجائر ممقوت مذموم»((8)).

وقال علیه السلام: «زمان الجائر شر الأزمنة»((9)).

وقال علیه السلام: «إیاک والجور فإن الجائر لا یریح رائحة الجنة»((10)).

وعن حبیب السجستانی عن أبی جعفر علیه السلام قال: «قال الله تبارک وتعالی: لأعذبن کل رعیة فی الإسلام دانت بولایة کل إمام جائر لیس من الله»((11)).

وعن النبی صلی الله علیه و آله: «إن أفضل الجهاد کلمة عدل عند إمام جائر»((12)).

وعن طلحة بن زید عن أبی عبد الله علیه السلام: أن أباه علیه السلام کان یقول: «من دخل علی إمام جائر فقرأ علیه القرآن یرید بذلک عرضاً من عرض الدنیا، لعن القارئ بکل حرف عشر لعنات، ولعن المستمع بکل حرف لعنة»((13)).

ص:724


1- من لا یحضره الفقیه: ج3 ص2- 3 باب من لا یجوز التحاکم إلیه ومن لا یجوز ح3216
2- سورة الحدید: 17
3- الکافی: ج8 ص267 حدیث القباب ح390
4- وسائل الشیعة: ج8 ص349 ب27 ح10873
5- قرب الإسناد: ص82
6- غرر الحکم ودرر الکلم: ص346 ق4 ب2 ف7 الظلم والجور ح7980
7- غرر الحکم ودرر الکلم: ص347 ق4 ب2 ف8 ذم الحکومة الجائرة ح8005
8- غرر الحکم ودرر الکلم: ص347 ق4 ب2 ف8 ذم الحکومة الجائرة ح8006
9- غرر الحکم ودرر الکلم: ص347 ق4 ب2 ف8 ذم الحکومة الجائرة ح8014
10- غرر الحکم ودرر الکلم: ص457 ق6 ب5 ف1 الظلم یوجب النار ح10439
11- الکافی: ج1 ص376 باب فیمن دان الله عز وجل بغیر إمام ح4
12- تهذیب الأحکام: ج6 ص178 ب80 ح9
13- مستدرک الوسائل: ج4 ص250 ب7 ح4619

15:الحسد

مسألة: الحسد من الرذائل وهو محرم فی بعض مراتبه، وهو من مقومات أو مصادیق العنف بالمعنی الأعم.

قال تعالی: ]وَدَّ کَثِیرٌ مِنْ أَهْلِ الْکِتابِ لَوْ یَرُدُّونَکُمْ مِنْ بَعْدِ إِیمانِکُمْ کُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَیَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ[((1)).

وقال سبحانه: ]أَمْ یَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلی ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ[((2)).

وقال تعالی: ]وَمِنْ شَرِّ حاسِدٍ إِذا حَسَدَ[((3)).

وعن محمد بن مسلم قال: قال أبو جعفر علیه السلام: «إن الرجل لیأتی بأی بادرة فیکفر، وإن الحسد لیأکل الإیمان کما تأکل النار الحطب»((4)).

ص:725


1- سورة البقرة: 109
2- سورة النساء: 54
3- سورة الفلق: 5
4- بحار الأنوار: ج70 ص237 ب131 ح1

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: «لله در الحسد ما أعدله بدأ بصاحبه فقتله»((1)).

وعن أبی عبد الله علیه السلام قال:«إن الحسد یأکل الإیمان کما تأکل النار الحطب»((2)).

وعن داود الرقی قال: سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول: «اتقوا الله و لا یحسد بعضکم بعضاً. إن عیسی ابن مریم کان فی شرائعه السیح فی البلاد، فخرج فی بعض سیحه ومعه رجل من أصحابه قصیر، وکان کثیر اللزوم لعیسی ابن مریم علیه السلام. فلما انتهی عیسی إلی البحر، قال: بسم الله، بصحة یقین منه فمشی علی ظهر الماء. فقال الرجل القصیر - حین نظر إلی عیسی جازه -: بسم الله، بصحة یقین منه فمشی علی الماء. فلحق بعیسی فدخله العجب بنفسه، فقال: هذا عیسی روح الله یمشی علی الماء، وأنا أمشی علی الماء فما فضله علیَّ!. قال: فرمس فی الماء، فاستغاث بعیسی فتناوله من الماء فأخرجه. ثم قال ل-ه: ما قلت یا قصیر؟. قال: قلت: هذا روح الله یمشی علی الماء، وأنا أمشی علی الماء فدخلنی من ذلک عجب. فقال ل-ه عیسی علیه السلام: لقد وضعت نفسک فی غیر الموضع الذی وضعک الله به، فمقتک الله علی ما قلت، فتب إلی الله عزوجل. قال: فتاب الرجل ورجع إلی مرتبته التی وضعه الله. فاتقوا الله ولایحسد بعضکم بعضاً»((3)).

وعن السکونی عن أبی عبد اللهعلیه السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «کاد الفقر أن یکون کفراً، وکاد الحسد أن یغلب القدر»((4)).

وعن معاویة بن وهب قال: قال أبو عبد الله علیه السلام: «آفة الدین: الحسد، والعجب، والفخر»((5)).

وعن داود الرقی عن أبی عبد الله علیه السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «قال الله عزوجل لموسی بن عمران: یا ابن عمران، لا تحسدن الناس علی ما آتیتهم من

ص:726


1- إرشاد القلوب: ج1 ص129 ب40
2- الکافی: ج2 ص306 باب الحسد ح2
3- قصص الأنبیاء للجزائری: ص411 باب فی قصص عیسی وأمه 3 ف2
4- وسائل الشیعة: ج15 ص365- 366 ب55 ح20757
5- الکافی: ج2 ص307 باب الحسد ح5

فضلی، ولا تمدن عینیک إلی ذلک، ولا تتبعه نفسک؛ فإن الحاسد ساخط لنعمی، صاد لقسمی الذی قسمت بین عبادی، ومن یک کذلک فلست منه ولیس منی»((1)).

وعن الفضیل بن عیاض عن أبی عبد الله علیه السلام قال: «إن المؤمن یغبط ولا یحسد، والمنافق یحسد ولا یغبط»((2)).

وعن الصادق علیه السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «أقل الناس لذة الحسود»((3)).

وعن الحارثی عن أبی عبد الله عن أبیه علیه السلام قال: «لا یؤمن رجل فیه: الشح، والحسد، والجبن»((4)).

وعن حماد عن أبی عبد الله علیه السلام قال: «قال لقمان لابنه: للحاسد ثلاث علامات: یغتاب إذا غاب، ویتملق إذا شهد، ویشمت بالمصیبة»((5)).

وأوصی رسول الله صلی الله علیه و آله علیاً علیه السلام فقال ل-ه: «یا علی، أنهاک عن ثلاث خصال عظام: الحسد، والحرص، والکذب»((6)).

وفیما أوصی به الصادق علیه السلام قوله: «لا راحة لحسود»((7)).

16:الحقد

مسألة: الحقد من الرذائل وهو محرم فی بعض مراتبه، وهو من مقومات أو مصادیق العنف بالمعنی الأعم.

قال تعالی: ]وَلا تَجْعَلْ فِی قُلُوبِنا غِلاً لِلَّذِینَ آمَنُوا[((8)).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: «الحقود لا راحة له»((9)).

ص:727


1- بحار الأنوار: ج13 ص358 ب11 ح67، والبحار: ج70 ص249 ب131 ح6
2- وسائل الشیعة: ج15 ص366 ب55 ح20760
3- من لا یحضره الفقیه: ج4 ص395 ومن ألفاظ رسول الله صلی الله علیه و آله الموجزة ح5840
4- الخصال: ج1 ص83 ثلاث خصال لا تکون فی المؤمن ح8
5- بحار الأنوار: ج70 ص251 ب131 ح11
6- أعلام الدین: ص133 باب صفة المؤمن
7- الخصال: ج1 ص169 أمر الباقر علیه السلام ابنه الصادق علیه السلام بثلاث ح222
8- سورة الحشر: 10
9- غرر الحکم ودرر الکلم: ص299 ق3 ب3 ف4 بعض آثار الحقد ح6777

وعن النبی صلی الله علیه و آله قال: «ألا أنبئکم بشر الناس؟». قالوا: بلی یا رسول الله صلی الله علیه و آله. قال: «من أبغض الناس وأبغضه الناس»((1)).

وعن أبی حمزة الثمالی قال: سمعت  أبا عبد الله علیه السلام یقول: «... لا یقبل الله من مؤمن عملاً، وهو یضمر علی المؤمن سوء»((2)).

وعن السکونی عن جعفر بن محمد علیه السلام عن أبیه علیه السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «ثلاثة لا ینظر الله إلیهم یوم القیامة، ولا یزکیهم ولهم عذاب ألیم: المرخی ذیله من العظمة، والمزکی سلعته بالکذب، ورجل استقبلک بود صدره فیواری وقلبه ممتلئ غشا»((3)).

وعن عبد الله بن سنان قال: قال أبو عبد الله علیه السلام: «حقد المؤمن مقامه ثم یفارق أخاه فلا یجد علیه شیئاً، وحقد الکافر دهره»((4)).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: «احصد الشر من صدر غیرک بقلعه من صدرک»((5)).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام لرجل رآه یسعی علی عدو له بما فیه إضرار بنفسه: «إنما أنت کالطاعن نفسه لیقتل ردفه»((6)).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: «دع الحسد، والکذب، والحقد؛ فإنهن ثلاثة تشین الدین، وتهلک الرجل»((7)).

وعن النبی صلی الله علیه و آله قال: «لا تقبل شهادة الخائن ولا الخائنة، ولا الزانی ولا الزانیة، ولا ذی غمز علی أخیه. والغمز: الحقد»((8)).

وقال أبو الحسن الثالث علیه السلام: «العتاب مفتاح المقال، والعتاب خیر من

ص:728


1- الأمالی للصدوق: ص305 المجلس50 ح11
2- المحاسن: ج1 ص99 ب30 ح67
3- تفسیر العیاشی: ج1 ص179 من سورة آل عمران ح69
4- مستطرفات السرائر: ص634
5- نهج البلاغة: قصار الحکم 178
6- نهج البلاغة: قصار الحکم 296
7- غرر الحکم ودرر الکلم: ص299 ق3 ب3 ف4 بعض آثار الحقد ح6780
8- غوالی اللآلی: ج1 ص242 ف9 ح163

الحقد»((1)).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: «الغضب یثیر کامن الحقد، ومن عرف الأیام لم یغفل الاستعداد، ومن أمسک عن الفضول عدلت رأیه العقول»((2)).

وعن ابن مسعود أنه قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «لکل شیء حیلة، وحیلة العیش أربع خصال: القناعة، ونبذ الحقد، وترک الحسد، ومجالسة أهل الخیر»((3)).

وقال أمیر المؤمنین  علیه السلام: «الحقد ألأم العیوب»((4)).

وقال علی علیه السلام: «من کثر مزاحه لم یخل من حاقد علیه ومستخف به»((5)).

وقال علی علیه السلام: «الحقد خلق دنی ومرض مردی»((6)).

وقال علی علیه السلام: «الحقد داء دوی ومرض موبئ»((7)).

وقال علی علیه السلام: «الحقد من طبائع الأشرار»((8)).

وقال علی علیه السلام: «ألأم الخلق الحقد»((9)).

وقال علی علیه السلام: «أشد القلوب غلا قلب الحقود»((10)).

وقال علی علیه السلام: «رأس العیوب الحقد»((11)).

وقال علی علیه السلام: «سلاح الشر الحقد»((12)).

وقال علی علیه السلام: «شر ما سکن القلب الحقد»((13)).

ص:729


1- أعلام الدین: ص311 من کلام الإمام أبی الحسن علی بن محمد بن الرضا علیه السلام
2- شرح نهج البلاغة: ج20 ص259 الحکم المنسوبة 35
3- الفضائل: ص152 وفی ذکر اللوح المحفوظ الذی نزل به جبرئیل علی النبی صلی الله علیه و آله
4- غرر الحکم ودرر الکلم: ص299 ق3 ب3 ف4 ذم الحقد ح6763
5- غرر الحکم ودرر الکلم: ص222 ق3 ب1 ف6 ذم المزح وکثرة الضحک وآثارهما ح4482
6- غرر الحکم ودرر الکلم: ص299 ق3 ب3 ف4 ذم الحقد ح6764
7- غرر الحکم ودرر الکلم: ص299 ق3 ب3 ف4 ذم الحقد ح6765
8- غرر الحکم ودرر الکلم: ص299 ق3 ب3 ف4 ذم الحقد ح6767
9- غرر الحکم ودرر الکلم: ص299 ق3 ب3 ف4 ذم الحقد ح6768
10- غرر الحکم ودرر الکلم: ص299 ق3 ب3 ف4 ذم الحقد ح6769
11- غرر الحکم ودرر الکلم: ص299 ق3 ب3 ف4 ذم الحقد ح6770
12- غرر الحکم ودرر الکلم: ص299 ق3 ب3 ف4 ذم الحقد ح6771
13- غرر الحکم ودرر الکلم: ص299 ق3 ب3 ف4 ذم الحقد ح6772

وقال علی علیه السلام: «من أطرح الحقد استراح قلبه ولبه»((1)).

وقال علی علیه السلام: «طهروا قلوبکم من الحقد فإنه داء موبئ»((2)).

وقال علی علیه السلام: «الحقد یذری»((3)).

وقال علی علیه السلام: «الحقد مثار الغضب»((4)).

وقال علی علیه السلام: «الحقود معذب النفس متضاعف الهم»((5)).

وقال علی علیه السلام: «ثلاث لا یهنأ لصاحبهن عیش: الحقد، والحسد، وسوء الخلق»((6)).

وقال علی علیه السلام: «سبب الفتن الحقد»((7)).

وقال علی علیه السلام: «من زرع الإحن حصد المحن»((8)).

وقال علی علیه السلام: «ما أنکد عیش الحقود»((9)).

وقال علی علیه السلام: «لا مودة لحقود»((10)).

وقال علی علیه السلام: «لا یکون الکریم حقوداً»((11)).

وقال علی علیه السلام: «شدة الحقد من شدة الحسد»((12)).

وقال علی علیه السلام: «الحقد شیمة الحسدة»((13)).

ص:730


1- غرر الحکم ودرر الکلم: ص299 ق3 ب3 ف4 ذم الحقد ح6774
2- غرر الحکم ودرر الکلم: ص299 ق3 ب3 ف4 ذم الحقد ح6773
3- غرر الحکم ودرر الکلم: ص299 ق3 ب3 ف4 بعض آثار الحقد ح6775
4- غرر الحکم ودرر الکلم: ص299 ق3 ب3 ف4 بعض آثار الحقد ح6776
5- غرر الحکم ودرر الکلم: ص299 ق3 ب3 ف4 بعض آثار الحقد ح6778
6- غرر الحکم ودرر الکلم: ص299 ق3 ب3 ف4 بعض آثار الحقد ح6779
7- غرر الحکم ودرر الکلم: ص299 ق3 ب3 ف4 بعض آثار الحقد ح6781
8- غرر الحکم ودرر الکلم: ص299 ق3 ب3 ف4 بعض آثار الحقد ح6783
9- غرر الحکم ودرر الکلم: ص299 ق3 ب3 ف4 بعض آثار الحقد ح6784
10- غرر الحکم ودرر الکلم: ص299 ق3 ب3 ف4 بعض آثار الحقد ح6785
11- غرر الحکم ودرر الکلم: ص299 ق3 ب3 ف4 بعض آثار الحقد ح6786
12- غرر الحکم ودرر الکلم: ص299 ق3 ب3 ف4 رابطة الحقد والحسد ح6788
13- غرر الحکم ودرر الکلم: ص299 ق3 ب3 ف4 رابطة الحقد والحسد ح6787

17:الخشونة

مسألة: الخشونة من الرذائل وهی محرمة فی بعض مراتبها، وهی من مقومات أو مصادیق العنف بالمعنی الأعم. قال تعالی: ]فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ کُنْتَ فَظًّا غَلِیظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِکَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ[((1)).

وقال سبحانه: ]وَقُلْ لِعِبادِی یَقُولُوا الَّتِی هِیَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّیْطانَ یَنْزَغُ بَیْنَهُمْ إِنَّ الشَّیْطانَ کانَ لِلإِنْسانِ عَدُوًّا مُبِیناً[((2)).

عن معاذ بن مسلم عن أبی عبد الله علیه السلام قال: قال رسول اللهصلی الله علیه و آله: «الرفق یمن والخرق شؤم»((3)).

وعن محمد بن عبد الرحمن بن أبی لیلی عن أبی جعفر علیه السلام قال: «من قسم له الخرق حجب عنه الإیمان»((4)).

وقال رسول الله صلی الله علیه و آله: «إن الرفق لم یوضع علی شیء إلا زانه، ولا نزع عن شیء إلا شانه»((5)).

وعن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال: «المسلم من سلم الناس من یده ولسانه، والمؤمن من ائتمنه الناس علی أموالهم وأنفسهم»((6)).

وعن أبی عبد الله علیه السلام قال: «ومن خشن عنصره غلظ کبده»((7)).

وعن عبد الله بن سنان عن أبی عبد الله علیه السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «أ لا أخبرکم بمن تحرم علیه النار غداً؟». قالوا: بلی یا رسول الله. قال: «الهین القریب، اللین السهل»((8)).

ص:731


1- سورة آل عمران: 159
2- سورة الإسراء: 53
3- الکافی: ج2 ص119 باب الرفق ح4
4- وسائل الشیعة: ج16 ص26 ب68 ح20873
5- مشکاة الأنوار: ص179 ب3 ف23
6- معانی الأخبار: ص239 باب معنی المسلم والمؤمن ح1
7- الکافی: ج1 ص27 کتاب العقل والجهل ج29
8- ثواب الأعمال: ص172 ثواب الهین القریب، اللین السهل

وقال رسول الله صلی الله علیه و آله: «أعقل الناس أشدهم مداراة للناس، وأذل الناس من أهان الناس»((1)).

وعن حذیفة بن منصور قال: سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول: «إن قوماً من قریش قلت مداراتهم للناس فنفوا من قریش، وایم الله ما کان بأحسابهم بأس. وإن قوماً من غیرهم حسنت مداراتهم فألحقوا بالبیت الرفیع». قال: ثم قال: «من کف یده عن الناس فإنما یکف عنهم یداً واحدة ویکفون عنه أیادی کثیرة»((2)).

وعن جمیل بن صالح عن أبی عبد الله عن آبائه علیهم السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «ألا أنبئکم بشر الناس؟. قالوا: بلی یا رسول الله. قال: من أبغض الناس وأبغضه الناس. ثم قال: ألا أنبئکم بشر من هذا؟. قالوا: بلی یا رسول الله صلی الله علیه و آله. قال: الذی لا یقیل عثرة، ولا یقبل معذرة، ولا یغفر ذنباً. ثم قال: ألا أنبئکم بشر من هذا؟ قالوا:بلی یا رسول الله صلی الله علیه و آله. قال: من لا یؤمن شره، ولا یرجی خیره»((3)).

وعن جابر عن أبی جعفر علیه السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «إن الله رفیق یعطی الثواب ویحب کل رفیق، ویعطی علی الرفق ما لا یعطی علی العنف»((4)).

نعم، ینبغی للوالی والحاکم أن یخشن علی نفسه، أما الخشونة علی الرعیة فمن المحرمات.

قال عاصم بن زیاد: یا أمیر المؤمنین، هذا أنت فی خشونة ملبسک، وجشوبة مأکلک؟. قال: ویحک، إنی لست کأنت، إن الله تعالی فرض علی أئمة العدل أن یقدروا أنفسهم بضعفة الناس؛ کیلا یتبیغ بالفقیر فقره»((5)).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام لعقبة بن علقمة: «یا أبا الجنوب، أدرکت رسول الله

ص:732


1- الأمالی للصدوق: ص21 المجلس6 ح4
2- الخصال: ج1 ص17 خصلة نافیة وخصلة مثبتة ح60
3- من لا یحضره الفقیه: ج4 ص400 ومن ألفاظ رسول الله صلی الله علیه و آله الموجزة ح5858
4- مستدرک الوسائل: ج11 ص293 ب27 ح13066
5- نهج البلاغة: الخطب209 ومن کلام له علیه السلام بالبصرة وقد دخل علی العلاء بن زیاد الحارثی

صلی الله علیه و آله یأکل أیبس من هذا، ویلبس أخشن من هذا؛ فإن أنا لم آخذ به خفت أن

لا ألحق به»((1)).

18:الخفة

مسألة: الخفة من الرذائل وقد تکون محرمة فی بعض مصادیقها، وهی من مقومات أو مصادیق العنف بالمعنی الأعم. قال تعالی: ƒوَمَنْ خَفَّتْ مَوازِینُهُ فَأُولئِکَ الَّذِینَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِما کانُوا بِآیاتِنا یَظْلِمُونَ‚((2)).

وقال سبحانه: ]وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِینُهُ فَأُولئِکَ الَّذِینَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِی جَهَنَّمَ خالِدُونَ[((3)).

وقال تعالی: ]فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلا یَسْتَخِفَّنَّکَ الَّذِینَ لا یُوقِنُونَ[((4)).

وقال سبحانه: ]فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطاعُوهُ إِنَّهُمْ کانُوا قَوْماً فاسِقِینَ[((5)).

وقال تعالی: ]وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوازِینُهُ * فَأُمُّهُ هاوِیَةٌ * وَما أَدْراکَ ما هِیَهْ * نارٌ حامِیَةٌ[((6)).

وعن أبی حمزة عن علی بن الحسین علیه السلام قال: «وددت والله أنی افتدیت خصلتین فی الشیعة لنا ببعض لحم ساعدی: النزق، وقلة الکتمان»((7)).

النزق: أی الخفة والطیش.

وروی: أن أمیر المؤمنین علیاً علیه السلام سأل ابنه الحسن علیه السلام عن أشیاء من أمر المروة. قال: «فما العی؟. قال: العبث باللحیة، وکثرة النزق عند المخاطبة»((8)).

وخطب أمیر المؤمنین علیه السلام فقال: «سلونی فإنی لا أسأل عن شیء دون العرش

ص:733


1- المناقب: ج2 ص98 فصل فی المسابقة بالزهد والقناعة
2- سورة الأعراف: 9
3- سورة المؤمنون: 103
4- سورة الروم: 60
5- سورة الزخرف: 54
6- سورة القارعة: 8-11
7- الکافی: ج2 ص221- 222 باب الکتمان ح1
8- کشف الغمة: ج1 ص568 التاسع فی کلامه علیه السلام ومواعظه وما یجری معها

إلا أجبت فیه، لا یقولها بعدی إلا جاهل مدع أو کذاب مفتر». فقام رجل من جانب مسجده، فی عنقه کتاب کأنه مصحف، وهو رجل آدم ضرب طوال جعد الشعر کأنه من مهودة العرب. فقال - رافعاً صوته لعلی -: أیها المدعی ما لا یعلم، والمقلد ما لایفهم، أنا السائل فأجب. فوثب به أصحاب علی وشیعته من کل ناحیة فهموا به، فنهرهم علی علیه السلام فقال لهم: «دعوه ولا تعجلوه؛ فإن الطیش لا تقوم به حجج الله، ولا به تظهر براهین الله - ثم التفت إلی الرجل وقال ل-ه -: سل بکل لسانک، وما فی جوانحک؛ فإنی أجیبک إن الله تعالی لا تعتلج علیه الشکوک، ولا یهیجه وسن»((1)).

وقال الصادق جعفر بن محمد علیه السلام: «ثلاثة تزری بالمرء: الحسد، والنمیمة، والطیش»((2)).

وعن أمیر المؤمنین علی علیه السلام أنه قال: «تسعة أشیاء قبیحة، وهی من تسعة أنفس أقبح منها من غیرهم: ضیق الذرع من الملوک، والبخل من الأغنیاء، وسرعة الغضب من العلماء، والصبا من الکهول، والقطیعة من الرؤوس، والکذب من القضاة، والزمانة من الأطباء، والبذاء من النساء، والطیش من ذوی السلطان»((3)).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: «أشد الناس ندامة وأکثرهم ملامة، العجل النزق، الذی لا یدرکه عقله إلا بعد فوت أمره»((4)).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: «الطیش ینکد العیش»((5)).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: «ملازمة الوقار تؤمن دناءة الطیش»((6)).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: «السیئ الخلق کثیر الطیش منغص العیش»((7)).

ص:734


1- بحار الأنوار: ج54 ص231-232 ب1 ح188
2- تحف العقول: ص316 ومن کلامه علیه السلام سماه بعض الشیعة نثر الدرر
3- دعائم الإسلام: ج1 ص83 ذکر الرغائب فی العلم والحض علیه
4- غرر الحکم ودرر الکلم: ص266 ق3 ب2 ف4 ذم العجلة ح5769
5- غرر الحکم ودرر الکلم: ص77 ق1 ب1 ف7 علائم الحمق والسفه ح1425
6- غرر الحکم ودرر الکلم: ص250 ق3 ب2 ف2 فی السکینة والوقار وآثارهما ح5200
7- غرر الحکم ودرر الکلم: ص264 ق3 ب2 ف3 بعض آثار سوء الخلق ح5708

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: «الغضب مرکب الطیش»((1)).

19:السب

مسألة: السب من الرذائل وهو محرم فی الجملة، وهو من مقومات أو مصادیق العنف بالمعنی الأعم. قال تعالی: ]وَلا تَسُبُّوا الَّذِینَ یَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَیَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَیْرِ عِلْمٍ[((2)).

قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «حرمت الجنة علی: من ظلم أهل بیتی، وقاتلیهم، والمعین علیهم، ومن سبهم، ]أُولئِکَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِی الآخِرَةِ وَلا یُکَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلا یَنْظُرُ إِلَیْهِمْ یَوْمَ الْقِیامَةِ وَلا یُزَکِّیهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِیمٌ[((3))»((4)).

وعن أبی بصیر عن أبی جعفر علیه السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «سباب المؤمن فسوق، وقتاله کفر، وأکل لحمه معصیة، وحرمة ماله کحرمة دمه»((5)).

وعن السکونی عن أبی عبد الله علیه السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «سباب المؤمن کالمشرف علی الهلکة»((6)).

وعن أبی بصیر عن أبی جعفر علیه السلام قال: «إن رجلاً من بنی تمیم أتی النبی صلی الله علیه و آله فقال: أوصنی. فکان فیما أوصاه أن قال: لا تسبوا الناس فتکتسبوا العداوة بینهم»((7)).

وعبد الرحمن بن الحجاج عن أبی الحسن موسی علیه السلام فی رجلین یتسابان. قال: «البادی منهما أظلم، ووزره ووزر صاحبه علیه ما لم یعتذر إلی المظلوم»((8)).

وعن عبد الله بن سنان عن أبی حمزة الثمالی قال: سمعت أبا جعفر علیه السلام یقول: «إن اللعنة إذا خرجت من فی صاحبها ترددت بینهما، فإن وجدت مساغاً وإلا رجعت علی صاحبها»((9)).

ص:735


1- غرر الحکم ودرر الکلم: ص302 ق3 ب3 ف5 آثار أخری للغضب ح6888
2- سورة الأنعام: 108
3- سورة آل عمران: 77
4- جامع الأخبار: ص160 ف125
5- الکافی: ج2 ص360 باب السباب ح2
6- وسائل الشیعة: ج12 ص298 ب158 ح16350
7- بحار الأنوار: ج72 ص163 ب57 ح34
8- الکافی: ج2 ص360 باب السباب ح4
9- وسائل الشیعة: ج12 ص301 ب160 ح16358

وعن أبی حمزة قال: سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول: «إذا قال الرجل لأخیه المؤمن أف، خرج من ولایته. وإذا قال: أنت عدوی، کفر أحدهما. ولا یقبل الله من مؤمن عملاً وهو مضمر علی أخیه المؤمن سوءاً»((1)).

وعن عبد الله بن یونس عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال: قال أمیر المؤمنین علیه السلام فی کلام له فی صفات المؤمن: «لا وثاب، ولا سباب، ولا عیاب، ولا مغتاب»((2)).

وعن رسول الله صلی الله علیه و آله أنه قال: «لا یکمل إیمان مؤمن حتی یحتوی علی مائة وثلاث خصال - إلی أن ذکر منها -: لا لعان، ولا نمام، ولا کذاب، ولا مغتاب، ولا سباب»((3)).

وکان رجل عند رسول الله صلی الله علیه و آله من أهل الیمن وأراد الانصراف إلی أهله فقال: یا رسول الله أوصنی. فقال: «أوصیک أن لا تشرک بالله شیئاً، ولا تعص والدیک، ولاتسب الناس»((4)).

وعن رسول الله صلی الله علیه و آله قال: «إن الله یبغض من عباده: اللعان، السباب، الطعان، الفاحش،المستخف،السائل،الملحف. ویحب من عباده:الحیی،الکریم،السخی»((5)).

20:السخط

مسألة: السخط محرم فی بعض مراتبه، وهو من مقومات أو مصادیق العنف بالمعنی الأعم. قال تعالی: ]أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَ اللَّهِ کَمَنْ باءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِیرُ[((6)).

وقال سبحانه: ]تَری کَثِیراً مِنْهُمْ یَتَوَلَّوْنَ الَّذِینَ کَفَرُوا لَبِئْسَ ما قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَیْهِمْ وَفِی الْعَذابِ هُمْ خالِدُونَ[((7)).

ص:736


1- بحار الأنوار: ج72 ص166 ب57 ح38
2- أعلام الدین: ص115 باب صفة المؤمن
3- مستدرک الوسائل: ج9 ص138- 139 ب138 ح10485
4- مستدرک الوسائل: ج9 ص139 ب138 ح10486
5- ( [5] )مستدرک الوسائل: ج9 ص139 ب138 ح10487
6- سورة آل عمران: 162
7- سورة المائدة: 80

وقال تعالی: ]وَمِنْهُمْ مَنْ یَلْمِزُکَ فِی الصَّدَقاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْها رَضُوا وَإِنْ لَمْ یُعْطَوْا مِنْها إِذا هُمْ یَسْخَطُونَ[((1)).

وقال سبحانه: ]ذلِکَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا ما أَسْخَطَ اللَّهَ وَکَرِهُوا رِضْوانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ[((2)).

وعن أبی عبد الله علیه السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «إن عظیم البلاء یکافأ به عظیم الجزاء، وإذا أحب الله عبداً ابتلاه بعظیم البلاء، فمن رضی فله عند الله الرضا، ومن سخط البلاء فله السخط»((3)).

وعن السکونی عن الصادق جعفر بن محمد عن أبیه عن آبائه علیهم السلام عن رسول الله صلی الله علیه و آله قال: «أرکان الکفر أربعة: الرغبة، والرهبة، والسخط، والغضب»((4)).

وعن أبی عبد الله علیه السلام قال: قال النبی صلی الله علیه و آله: «والحلم یغلب الغضب، والرحمة تغلب السخط، والصدقة تغلب الخطیئة»((5)).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: «أیها الناس، إنما یجمع الناس الرضا والسخط، وإنما عقر ناقة ثمود رجل واحد، فعمهم الله بالعذاب لما عموه بالرضا، فقال سبحانه:

]فَعَقَرُوها فَأَصْبَحُوا نادِمِینَ[((6))، فما کان إلا أن خارت أرضهم بالخسفة، خوار السکة المحماة فی الأرض الخوارة»((7)).

وروی: «إن الزنا یسود الوجه، ویورث الفقر، ویبتر العمر، ویقطع الرزق، ویذهب بالبهاء، ویقرب السخط، وصاحبه مخذول مشئوم»((8)).

وعن زینب بنت علی $ عن فاطمة $ فی خطبتها فی معنی فدک: «وبر

ص:737


1- سورة التوبة: 58
2- سورة محمد: 28
3- التمحیص: ص33- 34 ب1 ح20
4- الأمالی للصدوق: ص419 المجلس65 ح8
5- بحار الأنوار: ج54 ص99-100 ب1 ح84
6- سورة الشعراء: 157
7- نهج البلاغة: الخطب 201 ومن کلام له علیه السلام یعظ به بسلوک الطریق الواضح
8- فقه الرضا علیه السلام : ص275 ب44

الوالدین وقایة عن السخط»((1)).

وعن سعد بن طریف عن أبی جعفر محمد بن علی الباقر علیه السلام قال: «ثلاث درجات، وثلاث کفارات، وثلاث موبقات، وثلاث منجیات. فأما الدرجات: فإفشاء السلام، وإطعام الطعام، والصلاة باللیل والناس نیام. والکفارات: إسباغ الوضوء فی السبرات، والمشی باللیل والنهار إلی الصلوات، والمحافظة علی الجماعات. وأما الثلاث الموبقات: فشح مطاع، وهوی متبع، وإعجاب المرء بنفسه. وأما المنجیات: فخوف الله فی السر والعلانیة، والقصد فی الغنی والفقر، وکلمة العدل فی الرضا والسخط»((2)).

وعن أبی عبد الله علیه السلام قال: «لقی الحسن بن علی علیه السلام عبد الله بن جعفر. فقال: یا عبد الله، کیف یکون المؤمن مؤمناً وهو یسخط قسمه، ویحقر منزلته، والحاکم علیه الله، فأنا الضامن لمن لم یهجس فی قلبه إلا الرضا أن یدعو الله فیستجاب له»((3)).

وعن أبی عبد الله علیه السلام قال: «الروح والراحة فی الرضا والیقین، والهم والحزن فی الشک والسخط»((4)).

وعن أبی عبد الله علیه السلام قال: «أجری القلم فی محبة الله، فمن أصفاه الله بالرضا فقد أکرمه، ومن ابتلاه بالسخط فقد أهانه. والرضا والسخط خلقان من خلق الله، والله یزید فی الخلق ما یشاء»((5)).

وجاء فی دعاء الیوم الحادی عشر من شهر رمضان: «اللهم حبب إلیَّ فیه الإحسان، وکره إلیَّ فیه الفسوق العصیان، وحرم علیَّ فیه السخط والنیران، بعونک یا غوث المستغیثین، برحمتک یا أرحم الراحمین اللهم صل علی محمد وآل محمد»((6)).

ص:738


1- من لا یحضره الفقیه: ج3 ص568 باب معرفة الکبائر ح4940
2- وسائل الشیعة: ج9 ص40-41 ب5 ح11474
3- الکافی: ج2 ص62 باب الرضا بالقضاء ح11
4- مشکاة الأنوار: ص34 ب1 ف7
5- بحار الأنوار: ج68 ص159 ب63
6- الإقبال: ص140 ب15 دعاء آخر فی الیوم الحادی عشر

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: «شر الأمور السخط (التسخط) للقضاء»((1)).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: «الزم الإخلاص فی السر والعلانیة، والخشیة فی الغیب والشهادة، والقصد فی الفقر والغنی، والعدل فی الرضا والسخط»((2)).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: «ما أقبح السخط وأحسن الرضا»((3)).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: «الرضا غناء والسخط عناء»((4)).

وعن إسحاق بن غالب قال: قال أبو عبد الله علیه السلام: «یا إسحاق، کم تری أهل هذه الآیة: ]فَإِنْ أُعْطُوا مِنْها رَضُوا وَإِنْ لَمْ یُعْطَوْا مِنْها إِذا هُمْ یَسْخَطُونَ[((5))؟». قلت: لا أدری. قال: «هم أکثر من ثلثی الناس»((6)).

وفی تفسیر القمی: وقوله: ]وَمِنْهُمْ مَنْ یَلْمِزُکَ فِی الصَّدَقاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْها رَضُوا وَإِنْ لَمْ یُعْطَوْا مِنْها إِذا هُمْ یَسْخَطُونَ[((7))، فإنها نزلت لما جاءت الصدقات وجاء الأغنیاء، وظنوا أن رسول الله صلی الله علیه و آله یقسمها بینهم، فلما وضعها فی الفقراء تغامزوا رسول الله صلی الله علیه و آله ولمزوه، وقالوا: نحن الذین نقوم فی الحرب ونغزو معه ونقوی أمره، ثم یدفع الصدقات إلی هؤلاء الذین لا یعینونه، ولا یغنون عنه شیئاً، فأنزل الله: ]وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا ما آتاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَیُؤْتِینَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَی اللَّهِ راغِبُونَ[((8)) »((9)).

21:البطش

مسألة: البطش بین محرم ومکروه، وهو الأخذ بالعنف، وقد ورد النهی عنه فی

ص:739


1- غرر الحکم ودرر الکلم: ص103 ق1 ب3 ف3 فضیلة الرضا بالقضاء ح1813
2- غرر الحکم ودرر الکلم: ص197 ق2 ب2 ف7 فی أهمیة الإخلاص ح3901
3- غرر الحکم ودرر الکلم: ص302 ق3 ب3 ف5 ذم الغضب ح6876
4- غرر الحکم ودرر الکلم: ص397 ق5 ب4 ف8 ح9214
5- سورة التوبة: 58
6- نفسیر العیاشی: ج2 ص89-90 من سورة البراءة ح62
7- سورة التوبة: 58
8- سورة التوبة: 59
9- تفسیر القمی: ج1 ص298 توبة المتخلفین عن القتال

قوله تعالی: ]وإذا بطشتم بطشتم جبارین[ ((1)).

وقال سبحانه: ]أَلَهُمْ أَرْجُلٌ یَمْشُونَ بِها أَمْ لَهُمْ أَیْدٍ یَبْطِشُونَ بِها أَمْ لَهُمْ أَعْیُنٌ یُبْصِرُونَ بِها أَمْ لَهُمْ آذانٌ یَسْمَعُونَ بِها قُلِ ادْعُوا شُرَکاءَکُمْ ثُمَّ کِیدُونِ فَلا

تُنْظِرُونِ[((2)).

وقال تعالی: ]فَأَهْلَکْنا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشاً وَمَضی مَثَلُ الأَْوَّلِینَ[((3)).

وقال سبحانه: ]وَکَمْ أَهْلَکْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشاً فَنَقَّبُوا فِی الْبِلادِ هَلْ مِنْ مَحِیصٍ[((4)).

وقال رسول الله صلی الله علیه و آله: «لکل عضو من ابن آدم حظ من الزنا، فالعین زناه النظر، واللسان زناه الکلام، والأذنان زناهما السمع، والیدان زناهما البطش، والرجلان زناهما المشی، والفرج یصدق ذلک کله ویکذبه»((5)).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: «قدم العدل علی البطش تظفر بالمحبة، ولا تستعمل الفعل حیث ینجع القول»((6)).

وجاء فی صحیفة علی بن الحسین علیه السلام وکلامه فی الزهد: «بسم الله الرحمن الرحیم، کفانا الله وإیاکم کید الظالمین، وبغی الحاسدین، وبطش الجبارین. أیها المؤمنون، لا یفتننکم الطواغیت وأتباعهم من أهل الرغبة فی هذه الدنیا»((7)).

وروی: إن عثمان حظر علی الناس أن یقاعدوا أبا ذر أو یکلموه، فمکث کذلک أیاماً ثم أتی به فوقف بین یدیه. فقال أبو ذر: ویحک یا عثمان، أما رأیت رسول الله صلی الله علیه و آله ورأیت أبا بکر وعمر، هل هدیک کهدیهم! أما إنک لتبطش بی بطش جبار. فقال عثمان: اخرج عنا من بلادنا. فقال أبو ذر: ما أبغض إلیَّ جوارک فإلی أین

ص:740


1- سورة الشعراء: 130
2- سورة الأعراف: 195
3- سورة الزخرف: 8
4- ( [4] )سورة ق: 36
5- بحار الأنوار: ج101 ص38 ب34 ح35
6- شرح نهج البلاغة: ج20 ص278 الحکم المنسوبة 207
7- الکافی: ج8 ص15 صحیفة علی بن الحسین علیه السلام وکلامه فی الزهد ح2

أخرج؟((1)).

22:الضرب

مسألة: ضرب الآخرین من المحرمات، وهو من مصادیق العنف.

عن الحلبی عن أبی عبد الله علیه السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «إن أعتی الناس علی الله عز وجل من قتل غیر قاتله، ومن ضرب من لم یضربه»((2)).

وعن مثنی عن أبی عبد الله علیه السلام قال: «وجد فی قائم سیف رسول الله صلی الله علیه و آله صحیفة: أن أعتی الناس علی الله القاتل غیر قاتله، والضارب غیر ضاربه، ومن ادعی لغیر أبیه فهو کافر بما أنزل علی محمد صلی الله علیه و آله»((3)).

وعن الوشاء قال: سمعت الرضا علیه السلام یقول: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «لعن الله من قتل غیر قاتله، أو ضرب غیر ضاربه. وقال رسول الله صلی الله علیه و آله: لعن الله من أحدث حدثاً أو آوی محدثاً». قلت: وما المحدث؟. قال: «من قتل»((4)).

وفی روایة العلاء عن الثمالی قال: «لو أن رجلاً ضرب رجلاً سوطاً لضربه الله سوطاً من النار»((5)).

وعن الحسین بن زید عن الصادق عن آبائه علیهم السلام عن النبی صلی الله علیه و آله فی حدیث المناهی قال: «ومن لطم خد امرئ مسلم أو وجهه بدد الله عظامه یوم القیامة، وحشر مغلولاً حتی یدخل جهنم إلا أن یتوب»((6)).

وعن الحسن بن صالح بن حی عن أبی عبد الله علیه السلام قال: «إن علیاً أمیر المؤمنین علیه السلام أمر قنبر أن یضرب رجلاً حداً، فغلط قنبر فزاده علی ثمانین ثلاثة أسواط، فأقاده أمیر المؤمنین علیه السلام من قنبر فجلد قنبر ثلاثة أسواط»((7)).

ص:741


1- شرح نهج البلاغة: ج8 ص259-260 أخبار أبی ذر الغفاری حین خروجه إلی الربذة
2- الکافی: ج7 ص274 باب آخر منه ح2
3- وسائل الشیعة: ج29 ص21 ب4 ح35050
4- الکافی: ج7 ص274 باب آخر منه ح3
5- من لا یحضره الفقیه: ج4 ص93 باب تحریم الدماء والأموال بغیر حقها ح5155
6- وسائل الشیعة: ج29 ص23 ب4 ح35056
7- تهذیب الأحکام: ج10ص278 ب24 ح11

وعن أمیر المؤمنین علیه السلام أنه قال: «من أقر بحد علی تخویف، أو حبس، أو ضرب، لم یجر ذلک علیه ولم یحد»((1)). وعن علی علیه السلام قال: «أبغض الخلق إلی الله عزوجل من جرد ظهر مسلم بغیر حق»((2)).

23:التعذیب والتمثیل

مسألة: التعذیب والتمثیل من أشد المحرمات، فإنه من عمل الجاهلیین، وهو من مصادیق العنف.

فی تهذیب الأحکام عن أبی جعفر علیه السلام عن أبیه علیه السلام: أن علیاً علیه السلام کان یقول: «لا قطع علی أحد تخوف من ضرب، ولا قید، ولا سجن، ولا تعنیف، إلا أن یعترف؛ فإن اعترف قطع، وإن لم یعترف سقط عنه لمکان التخویف»((3)).

وعن أبی عبد الله علیه السلام قال: «کان رسول الله صلی الله علیه و آله إذا بعث سریة دعا بأمیرها، فأجلسه إلی جنبه وأجلس أصحابه بین یدیه، ثم قال صلی الله علیه و آله: سیروا بسم الله وبالله، وفی سبیل الله، وعلی ملة رسول الله صلی الله علیه و آله. لا تغدروا، ولا تغلوا، ولا تمثلوا، ولا تقطعوا شجرة إلا أن تضطروا إلیها، ولا تقتلوا شیخاً فانیاً، ولا صبیاً، ولا امرأة. وأیما رجل من أدنی المسلمین وأفضلهم نظر إلی أحد من المشرکین فهو جار حتی یسمع کلام الله، فإذا سمع کلام الله عز وجل؛ فإن تبعکم فأخوکم فی دینکم، وإن أبی فاستعینوا بالله علیه، وأبلغوه مأمنه» ((4)).

وعن عبد الرحمن بن جندب عن أبیه قال: إن أمیر المؤمنین علیه السلام کان یأمر فی کل موطن لقینا فیه عدونا فیقول: «لا تقاتلوا القوم حتی یبدءوکم؛ فإنکم بحمد الله علی حجة، وترککم إیاهم حتی یبدءوکم حجة لکم أخری؛ فإذا هزمتموهم فلا تقتلوا مدبراً، ولا تجهزوا علی جریح، ولا تکشفوا عورة، ولا تمثلوا بقتیل»((5)).

ص:742


1- دعائم الإسلام: ج2 ص466 ب5 ح1655
2- مستدرک الوسائل: ج18 ص215- 216 ب4 ح22542
3- تهذیب الأحکام: ج10 ص128 ب8 ح128
4- الکافی: ج5 ص30 باب وصیة رسول الله صلی الله علیه و آله وأمیر المؤمنین علیه السلام فی السرایا ح9
5- الکافی: ج5 ص38 باب ما کان یوصی أمیر المؤمنین علیه السلام به عند القتال ح3

ومن وصیة ل-ه علیه السلام للحسن والحسین 3 قال: «یا بنی عبد المطلب،

لا ألفینکم تخوضون دماء المسلمین خوضاً، تقولون: قتل أمیر المؤمنین، ألا لا تقتلن بی إلا قاتلی. انظروا إذا أنا متّ من ضربته هذه، فاضربوه ضرة بضربة، ولا تمثلوا بالرجل؛ فإنی سمعت رسول الله صلی الله علیه و آله یقول: إیاکم والمثلة! ولو بالکلب العقور»((1)).

وعن أبی جعفر علیه السلام قال: «إن أول من استحل الأمراء العذاب، لکذبة کذبها أنس بن مالک علی رسول الله صلی الله علیه و آله: سمر ید رجل إلی الحائط، ومن ثم استحل الأمراء العذاب»((2)).

وروی: أن النبی صلی الله علیه و آله قد نهی عن تعذیب الحیوان بالنار، وقال: «لا یعذب بالنار إلا الله تعالی»((3)).

وعن أمیر المؤمنین علیه السلام قال: «إن من ورائکم قوماً یلقون فیَّ من الأذی والتشدید والقتل والتنکیل ما لم یلقه أحد فی الأمم السابقة»((4)). وعن الصادق علیه السلام قال: «أعتی الناس من قتل غیر قاتله أو ضرب غیر ضاربه»((5)).

وعن ابن صدقة عن جعفر بن محمد عن أبیه قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «ومن دفع مؤمناً دفعة لیذله بها، أو لطمه لطمة، أو أتی إلیه أمراً یکرهه ،لعنته الملائکة حتی یرضیه من حقه ویتوب ویستغفر. فإیاکم والعجلة إلی أحد! فلعله مؤمن وأنتم لا تعلمون. وعلیکم بالأناة واللین والتسرع من سلاح الشیاطین، وما من شیء أحب إلی الله من الأناة واللین»((6)).

وفی مناهی النبی صلی الله علیه و آله: «ألا ومن لطم خد مسلم أو وجهه، بدد الله عظامه یوم

ص:743


1- نهج البلاغة: الرسائل 47 ومن وصیة له علیه السلام للحسن والحسین 3 لما ضربه ابن ملجم (لعنه الله)
2- علل الشرائع: ج2 ص541 ب326 ح18
3- بحار الأنوار: ج61 ص244 ب10
4- مستدرک الوسائل: ج11 ص284 ب25 ح13032
5- معانی الأخبار: ص196 باب معنی الغایات ح1
6- بحار الأنوار: ج72 ص148 ب57 ح4

القیامة، وحشر مغلولاً حتی یدخل جهنم إلا أن یتوب»((1)).

وقال رسول الله صلی الله علیه و آله: «من آذی مؤمناً فقد آذانی، ومن آذانی فقد آذی الله، ومن آذی الله فهو ملعون فی التوراة والإنجیل والزبور والفرقان»((2)).

وعن معلی بن خنیس عن أبی عبد الله علیه السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «قال الله عزوجل: قد نابذنی من أذل عبدی المؤمن»((3)).

24:الظلم

مسألة: الظلم حرام، وهو من مقومات أو مصادیق العنف بالمعنی الأعم.

قال تعالی: ]وَإِذا تَوَلَّی سَعی فِی الأَرْضِ لِیُفْسِدَ فِیها وَیُهْلِکَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا یُحِبُّ الْفَسادَ[((4)). وقال سبحانه: ]وَاللَّهُ لا یَهْدِی الْقَوْمَ الظَّالِمِینَ[((5)).

وقال تعالی: ]إِنَّهُ لا یُفْلِحُ الظَّالِمُونَ[((6)).

وقال سبحانه: ]فَانْظُرْ کَیْفَ کانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِینَ[((7)).

عن أبی حمزة الثمالی عن أبی جعفر علیه السلام قال: «لما حضرت علی بن الحسین علیه السلام الوفاة ضمنی إلی صدره، ثم قال: یا بنی، أوصیک بما أوصانی به أبی علیه السلام حین حضرته الوفاة، وبما ذکر أن أباه أوصاه به، قال: یا بنی، إیاک وظلم من لا یجد علیک ناصراً إلا الله»((8)).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: «من خاف ربه کف ظلمه»((9)).

ص:744


1- مکارم الأخلاق: ص430 ب12 ف2
2- جامع الأخبار: ص147 ف110
3- الکافی: ج2 ص352 باب من آذی المسلمین واحتقرهم ح6
4- سورة البقرة: 205
5- سورة البقرة: 258، سورة آل عمران: 86، سورة التوبة: 19و109، سورة الصف: 7، سورة الجمعة: 5
6- سورة الأنعام: 21و135، سورة یوسف: 23، سورة القصص: 37
7- سورة یونس: 39، سورة القصص: 40
8- وسائل الشیعة: ج16 ص48 ب77 ح20945
9- من لا یحضره الفقیه: ج4 ص407 ومن ألفاظ رسول الله صلی الله علیه و آله الموجزة ح5880

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: «بئس الزاد إلی المعاد العدوان علی العباد»((1)).

وعن رسول الله صلی الله علیه و آله قال: «إیاکم والفحش! فإن الله عز وجل لا یحب الفاحش المتفحش. وإیاکم والظلم! فإن الظلم عند الله هو الظلمات یوم القیامة»((2)).

وعن حماد عن أبی عبد الله علیه السلام قال: «قال لقمان لابنه: یا بنی للظالم ثلاث علامات: یظلم من فوقه بالمعصیة، ومن دونه بالغلبة، ویعین الظلمة»((3)).

وعن الحارث عن علی علیه السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «یقول الله عزوجل: اشتد غضبی علی من ظلم من لا یجد ناصراً غیری»((4)).

وعن طلحة بن زید عن أبی عبد الله قال: «کان علی علیه السلام یقول: العامل بالظلم، والمعین له، والراضی به، شرکاء فیه»((5)).

وعن علی بن سالم قال: سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول: «قال الله تبارک وتعالی: وعزتی وجلالی لا أجیب دعوة مظلوم فی مظلمة ظلمها ولأحد عنده مثل تلک المظلمة»((6)).

وعن زید بن علی بن الحسین عن أبیه علیه السلام قال: «یأخذ المظلوم من دین الظالم أکثر مما یأخذ الظالم من دنیا المظلوم»((7)).

وعن زرارة عن أبی جعفر علیه السلام قال: «ما أحد یظلم بمظلمة إلا أخذه الله بها فی نفسه وماله، فأما الظلم الذی بینه وبین الله عز وجل فإذا تاب غفر الله له»((8)).

وعن محمد بن عبد الله الأرقط عن جعفر بن محمد علیه السلام قال: «من ارتکب أحداً بظلم، بعث الله من ظلمه مثله، أو علی ولده، أو علی عقبه من بعده»((9)).

وعن الفضیل قال: قال أبو عبد الله علیه السلام: «من أکل من مال أخیه ظلماً ولم یرده علیه أکل

ص:745


1- نهج البلاغة: قصار الحکم 221
2- الخصال: ج1 ص176 الشح یولد ثلاث خصال مذمومة ح235
3- بحار الأنوار: ج72 ص310 ب79 ح8
4- الأمالی للطوسی: ص405 المجلس14 ح908
5- تنبیه الخواطر ونزهة النواظر: ج1 ص17
6- مستدرک الوسائل: ج5 ص270 ب61 ح5843
7- ثواب الأعمال: ص272 عقاب من ظلم
8- بحار الأنوار: ج72 ص313 ب79 ح22
9- وسائل الشیعة: ج16 ص50 ب77 ح20952

جذوة من النار یوم القیامة»((1)).

25:العداوة

مسألة: العداء والعداوة من الرذائل وهی محرمة فی بعض مراتبها، وهی من مقومات أو مصادیق العنف بالمعنی الأعم.

قال تعالی: ]وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا یُحِبُّ الْمُعْتَدِینَ[((2)).

وقال سبحانه: ]وَمَنْ یَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَیَتَعَدَّ حُدُودَهُ یُدْخِلْهُ ناراً خالِداً فِیها وَلَهُ عَذابٌ مُهِینٌ[((3)).

وقال تعالی: ]وَمَنْ یَفْعَلْ ذلِکَ عُدْواناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِیهِ ناراً وَکانَ ذلِکَ عَلَی اللَّهِ یَسِیراً[((4)).

وعن أبی عبد الله علیه السلام قال: قال أمیر المؤمنین علیه السلام: «إیاکم والمراء والخصومة! فإنهما یمرضان القلوب علی الإخوان، وینبت علیهما النفاق»((5)).

وعن عمر بن یزید عن أبی عبد الله علیه السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «ما کاد جبرئیل یأتینی إلا قال: یا محمد، اتق شحناء الرجال وعداوتهم»((6)).

وعن الحسن بن الحسین الکندی عن أبی عبد الله علیه السلام قال: «قال جبرئیل علیه السلام للنبی صلی الله علیه و آله: إیاک وملاحاة الرجال»((7)).

وعن عنبسة العابد عن أبی عبد الله علیه السلام قال: «إیاکم والخصومة! فإنها تشغل القلب، وتورث النفاق، وتکسب الضغائن»((8)).

وعن عبد الله بن سنان عن أبی عبد الله علیه السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «ما

ص:746


1- بحار الأنوار: ج72 ص313 ب79 ح24
2- سورة البقرة: 190، سورة المائدة: 87
3- سورة النساء: 14
4- سورة النساء: 30
5- الکافی: ج2 ص300 باب المراء و الخصومة ومعاداة الرجال ح1
6- وسائل الشیعة: ج12 ص238 ب136 ح16189
7- الکافی: ج2 ص301 باب المراء و الخصومة ومعاداة الرجال ح6
8- بحار الأنوار: ج70 ص408 ب145 ح12

أتانی جبرئیل قط إلا وعظنی، فآخر قول-ه لی: إیاک ومشارة الناس! فإنها تکشف العورة، وتذهب بالعز»((1)).

وعن الولید بن صبیح قال: سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «ما عهد إلیَّ جبرئیل علیه السلام فی شیء ما عهد إلیَّ فی معاداة الرجال»((2)).

وقال أبو عبد الله علیه السلام: «من زرع العداوة حصد ما بذر»((3)).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: «أقبح الشیم العدوان»((4)).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: «أوهن الأعداء کیداً من أظهر عداوته»((5)).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: «إنما سمی العدو عدواً؛ لأنه یعدو علیک. فمن داهنک فی معایبک، فهو العدو العادی علیک»((6)).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: «من زرع العدوان حصد الخسران»((7)).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: «رأس الجهل معاداة الناس»((8)).

وروی: أن أمیر المؤمنین علیه السلام قال لبنیه: «یا بنی، إیاکم ومعاداة الرجال! فإنهم لا یخلون من ضربین: من عاقل یمکر بکم، أو جاهل یعجل علیکم. والکلام ذکر والجواب أنثی، فإذا اجتمع الزوجان فلابد من النتاج. ثم أنشأ یقول:

سلیم العرض من حذر الجوابا

ومن داری الرجال فقد أصابا

ومن هاب الرجال تهیبوه

ومن حقر الرجال فلن یهابا»((9)).

وعن محمد بن الحسن الوشاء عن أبیه، عن الرضا علیه السلام عن آبائه علیهم السلام قال:

ص:747


1- وسائل الشیعة: ج12 ص239 ب136 ح16194
2- الکافی: ج2 ص302 باب المراء و الخصومة ومعاداة الرجال ح11
3- بحار الأنوار: ج70 ص409 ب145 ح15
4- غرر الحکم ودرر الکلم: ص406 ق6 ب5 ف5 ذمها ح10566
5- غرر الحکم ودرر الکلم: ص406 ق6 ب5 ف5 ذمها ح10567
6- غرر الحکم ودرر الکلم: ص406 ق6 ب5 ف5 ذمها ح10569
7- غرر الحکم ودرر الکلم: ص406 ق6 ب5 ف5 ذمها ح10572
8- غرر الحکم ودرر الکلم: ص406 ق6 ب5 ف5 ذمها ح10570
9- الخصال: ج1 ص72- 73 معاداة الرجال لا یخلو صاحبها من خصلتین ح111

قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «إیاکم ومشاجرة الناس! فإنها تظهر الغرة، وتدفن العزة»((1)).

وعن أبی جعفر محمد بن علی بن الحسین علیه السلام عن آبائه علیهم السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «من کثر همه سقم بدنه، ومن ساء خلقه عذب نفسه، ومن لاحی الرجال سقطت مروته، ثم قال رسول الله صلی الله علیه و آله: لم یزل جبرئیل علیه السلام ینهانی عن ملاحات الرجال کما ینهانی عن شرب الخمر، وعبادة الأوثان»((2)).

26:العسر

مسألة: العسر والتعسیر من الرذائل وهو محرم فی بعض مراتبه، وهو من مقومات أو مصادیق العنف بالمعنی الأعم.

قال تعالی: ]یُرِیدُ اللَّهُ بِکُمُ الْیُسْرَ وَلا یُرِیدُ بِکُمُ الْعُسْرَ[((3)).

وقال سبحانه: ]وَلا تُرْهِقْنِی مِنْ أَمْرِی عُسْراً[((4)).

وقال تعالی: ]سَیَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ یُسْراً[((5)).

وقال سبحانه: ]فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ یُسْراً * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ یُسْراً[((6)).

قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «إن الدین یسر، لن یشاد الدین أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا»((7)). وقال صلی الله علیه و آله: «یسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا»((8)).

وعن الباقر علیه السلام: سئل عن رجل خبیث قد لقی منه جهداً، هل تری مکاشفته أم مداراته؟. فکتب إلیه: «المداراة خیر لک من المکاشفة، وإن مع العسر یسراً؛ فإن العاقبة للمتقین»((9)).

ص:748


1- بحار الأنوار: ج72 ص210 ب64 ح3
2- وسائل الشیعة: ج12 ص240 ب136 ح16196
3- سورة البقرة: 185
4- سورة الکهف: 73
5- سورة الطلاق: 7
6- سورة الشرح: 5- 6
7- غوالی اللآلی: ج1 ص381 ب1 المسلک الثالث ح4
8- غوالی اللآلی: ج1 ص381 ب1 المسلک الثالث ح5
9- مستدرک الوسائل: ج9 ص35 ب104 ح10135

وعن بکر بن صالح قال: کتب صهر لی إلی أبی جعفر الثانی علیه السلام: إن أبی ناصب خبیث الرأی، وقد لقیت منه شدة وجهداً، فرأیک جعلت فداک فی الدعاء لی، وما تری جعلت فداک أفتری أن أکاشفه أم أداریه؟. فکتب علیه السلام: «قد فهمت کتابک، وما ذکرت من أمر أبیک، ولست أدع الدعاء لک إن شاء الله. والمداراة خیر لک من المکاشفة، ومع العسر یسر، فاصبر إن العاقبة للمتقین. ثبتک الله علی ولایة من تولیت، نحن وأنتم فی ودیعة الله الذی لا تضیع ودائعه». قال بکر: فعطف الله بقلب أبیه حتی صار لا یخالفه فی شیء((1)).

وفی الدعاء: «ولا تعسر علینا سعینا»((2)).

وفی دعاء الاستخارة: «فأسألک یا رب أن تسهل لی ما تعسر، وأن تعجل من ذلک ما تیسر»((3)).

وفی دعاء صلاة قضاء الدین: «اللهم إنی أسألک التیسیر فی کل عسیر، فإن تیسیر العسیر علیک یسیر»((4)).

وفی رسالة الحقوق قال زین العابدین علیه السلام: «واعلم أن الله یراد بالیسیر ولا یراد بالعسیر، کما أراد بخلقه التیسیر ولم یرد بهم التعسیر»((5)).

وفی زیارة أمیر المؤمنین علیه السلام: «اعتدل بک الدین وسهل بک العسیر واطفئت بک النیران»((6)).

وقال الباقر علیه السلام: «من تیسر مما فاته أراح بدنه»((7)).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: «العسر یفسد الأخلاق»((8)).

وروی عن أبی عبد الله علیه السلام قال: «ستة لا تکون فی مؤمن». قیل: وما هی؟.

ص:749


1- الأمالی للمفید: ص191 المجلس23 ح20
2- مستدرک الوسائل: ج2 ص235 ب28 ح1877
3- مستدرک الوسائل: ج6 ص238 ب1 ح6797
4- مستدرک الوسائل: ج6 ص308 ب18 ح6884
5- مستدرک الوسائل: ج11 ص158 ب3 ح12664
6- من لا یحضره الفقیه: ج2 ص592 ح3199 زیارة أخری لأمیر المؤمنین علیه السلام
7- مشکاة الأنوار: ص184
8- غرر الحکم ودرر الکلم: ص365 ق5 ب3 ف1 ح8221

قال: «العسر، والنکد، واللجاجة، والکذب، والحسد، والبغی. وقال: لا یکون المؤمن مجازفاً»((1)).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: «العسر یشین الأخلاق ویوحش الرفاق»((2)).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: «العسر لؤم»((3)).

وعن بعض الصحابة  فی قول الله عز وجل: ]یُرِیدُ اللَّهُ بِکُمُ الْیُسْرَ وَلا یُرِیدُ بِکُمُ الْعُسْرَ[((4))، الیسر: الولایة، والعسر: الخلاف وموالاة أعداء الله((5)).

27:الغدر

مسألة: الغدر من الرذائل وهو محرم، وهو من مقومات أو مصادیق العنف بالمعنی الأعم.

عن عبد الله بن مسعود عن النبی صلی الله علیه و آله قال: «أربع من کن فیه فهو منافق، وإن کانت فیه واحدة منهن کانت فیه خصلة من النفاق حتی یدعها: من إذا حدث کذب، وإذا وعد أخلف، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر»((6)).

وعن السکونی عن أبی عبد الله علیه السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «یجیء کل غادر یوم القیامة بإمام، مائل شدقه حتی یدخل النار. ویجیء کل ناکث بیعة إمام، أجذم حتی یدخل النار»((7)).

وعن طلحة بن زید عن أبی عبد الله علیه السلام قال: سألته عن قریتین من أهل الحرب، لکل واحدة منهما ملک علی حدة، اقتتلوا ثم اصطلحوا، ثم إن أحد الملکین غدر بصاحبه، فجاء إلی المسلمین فصالحهم علی أن یغزوا تلک المدینة؟. فقال أبو عبد الله علیه السلام: «لا ینبغی للمسلمین أن یغدروا، ولا یأمروا بالغدر، ولا یقاتلوا مع الذین

ص:750


1- المحاسن: ج1 ص158- 159 ب26 ح96
2- غرر الحکم ودرر الکلم: ص365 ق5 ب3 ف1 ح8222
3- غرر الحکم ودرر الکلم: ص479 ق6 ب6 متفرقات اجتماعی ح11002
4- سورة البقرة: 185
5- بحار الأنوار: ج24 ص220 ب57 ح18
6- الخصال: ج1 ص254 أربع من کن فیه فهو منافق ح129
7- الکافی: ج2 ص337 باب المکر والغدر والخدیعة ح2

غدروا، ولکنهم یقاتلون المشرکین حیث وجدوهم، ولا یجوز علیهم ما عاهد علیه الکفار»((1)).

وعن علی علیه السلام: أن رسول الله صلی الله علیه و آله قال ل-ه - فیما عهد إلیه -: «وإیاک والغدر بعهد الله والإخفار لذمته! فإن الله جعل عهده وذمته أماناً أمضاه بین العباد برحمته. والصبر علی ضیق ترجو انفراجه خیر من غدر تخاف تبعة نقمته، وسوء عاقبته»((2)).

وعن أمیر المؤمنین علیه السلام قال: «أسرع الأشیاء عقوبة، رجل عاهدته علی أمر وکان من نیتک الوفاء به، ومن نیته الغدر بک»((3)).

ومن الأخبار النبویة المرفوعة فی ذم الغدر: «ذمة المسلمین واحدة فإن جارت علیهم أمة منهم فلا تخفروا جوارها، فإن لکل غادر لواء یعرف به یوم القیامة»((4)).

ومن خطبة لأمیر المؤمنین علیه السلام وفیها ینهی عن الغدر ویحذر منه: «أیها الناس، إن الوفاء توأم الصدق. ولا أعلم جنة أوقی منه، وما یغدر من علم کیف المرجع. ولقد أصبحنا فی زمان قد اتخذ أکثر أهله الغدر کیساً، ونسبهم أهل الجهل فیه إلی حسن الحیلة. ما لهم قاتلهم الله قد یری الحول القلب وجه الحیلة ودونها مانع من أمر الله ونهیه، فیدعها رأی عین بعد القدرة علیها، وینتهز فرصتها من لا حریجة ل-ه فی الدین»((5)).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: «جانبوا الغدر فإنه مجانب القرآن»((6)).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: «لا إیمان لغدور»((7)).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: «الغدر یعظم الوزر ویزری بالقدر»((8)).

ص:751


1- وسائل الشیعة : ج15 ص69 ب21 ح20003
2- دعائم الإسلام: ج1 ص368 ذکر ما یجب للأمراء وما یجب علیهم
3- غرر الحکم ودرر الکلم: ص437 ق6 ب3 ف6 ح10024
4- شرح نهج البلاغة: ج2 ص315 الأخبار والأحادیث والآیات الواردة فی مدح الوفاء وذم الغدر
5- نهج البلاغة: الخطب 41 ومن خطبة له علیه السلام وفیها ینهی عن الغدر ویحذر منه
6- غرر الحکم ودرر الکلم: ص292 ق3 ب3 ف1 الغدر ح6507
7- غرر الحکم ودرر الکلم: ص292 ق3 ب3 ف1 الغدر ح6510
8- غرر الحکم ودرر الکلم: ص292 ق3 ب3 ف1 الغدر ح6504

28:الغش

مسألة: الغش من الرذائل وهو محرم، وهو من مقومات أو مصادیق العنف بالمعنی الأعم.

عن هشام بن سالم عن أبی عبد الله علیه السلام قال: «لیس منا من غشنا»((1)).

وعن أبی عبد الله علیه السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله لرجل یبیع التمر: «یا فلان، أما علمت أنه لیس من المسلمین من غشهم»((2)).

وعن موسی بن بکر قال: کنا عند أبی الحسن علیه السلام فإذا دنانیر مصبوبة بین یدیه، فنظر إلی دینار فأخذه بیده ثم قطعه بنصفین، ثم قال لی: «ألقه فی البالوعة حتی لایباع شیء فیه غش»((3)).

وروی إسماعیل بن مسلم عن أبی عبد الله علیه السلام قال: «نهی رسول الله صلی الله علیه و آله أن یشاب اللبن بالماء للبیع»((4)).

وعن هشام بن الحکم قال: کنت أبیع السابری((5)) فی الظلال، فمر بی أبو الحسن موسی علیه السلام، فقال لی: «یا هشام، إن البیع فی الظل غش، والغش لا یحل»((6)).

وعن سعد الإسکاف عن أبی جعفر علیه السلام قال: «مر النبی صلی الله علیه و آله فی سوق المدینة بطعام، فقال لصاحبه: ما أری طعامک إلا طیباً وسأله عن سعره. فأوحی الله عزوجل إلیه أن یدس یدیه فی الطعام، ففعل فأخرج طعاماً ردیاً. فقال لصاحبه: ما أراک إلا وقد جمعت خیانة وغشاً للمسلمین»((7)).

ص:752


1- تهذیب الأحکام: ج7 ص12 ب1 ح48
2- وسائل الشیعة: ج17 ص279 ب86 ح22520
3- الکافی: ج5 ص160 باب الغش ح3
4- من لا یحضره الفقیه: ج3 ص272 باب بیع اللبن المشاب بالماء ح3981
5- السابری من الثیاب: الرقاق، والسابری: ضرب من التمر. یقال: أجود تمر الکوفة النرسیان والسابری. (راجع لسان العرب: ج4 ص342 مادة سبر)
6- تهذیب الأحکام: ج7 ص13 ب1 ح54
7- بحار الأنوار: ج22 ص86 ب37 ح37

وعن علی بن سوید قال: کتبت إلی أبی الحسن موسی علیه السلام وهو فی الحبس کتاباً أسأله عن حاله وعن مسائل کثیرة، فاحتبس الجواب علیَّ أشهراً، ثم أجابنی بجواب هذه نسخته: «بسم الله الرحمن الرحیم الحمد لله العلی العظیم - إلی أن قال -: لیس من أخلاق المؤمنین الغش، ولا الأذی، ولا الخیانة، ولا الکبر، ولا الخنا، ولا الفحش، ولا الأمر به»((1)).

وروی عبیس بن هشام عن أبی عبد الله علیه السلام قال: دخل علیه رجل یبیع الدقیق. فقال: «إیاک والغش! فإنه من غش غش فی ماله، فإن لم یکن ل-ه مال غش فی أهله»((2)).

وعن الحسین بن زید الهاشمی عن أبی عبد الله علیه السلام قال: «جاءت زینب العطارة الحولاء إلی نساء رسول الله صلی الله علیه و آله وبناته، وکانت تبیع منهن العطر. فدخل رسول الله صلی الله علیه و آله وهی عندهن، فقال لها: إذا أتیتنا طابت بیوتنا. فقالت: بیوتک بریحک أطیب یا رسول الله. قال: إذا بعت فأحسنی ولا تغشی؛ فإنه أتقی وأبقی للمال»((3)).

وعن الحسین بن المختار القلانسی قال: قلت لأبی عبد الله علیه السلام: إنا نعمل القلانس، فنجعل فیها القطن العتیق، فنبیعها ولا نبین لهم ما فیها؟. قال: «إنی لأحب لک أن تبین لهم ما فیها»((4)).

وعن رسول الله صلی الله علیه و آله قال فی حدیث: «ومن غش مسلماً فی بیع أو فی شراء فلیس منا، ویحشر مع الیهود یوم القیامة؛ لأن من غش الناس فلیس بمسلم. وقال: ومن بات وفی قلبه غش لأخیه المسلم، بات فی سخط الله تعالی وأصبح کذلک، وهو فی سخط الله حتی یتوب ویرجع، وإن مات کذلک مات علی غیر دین الإسلام - ثم قال رسول الله صلی الله علیه و آله -: ألا ومن غشنا فلیس منا، قالها ثلاث مرات. وقال: ومن غش

ص:753


1- الکافی: ج8 ص124و126 حدیث أبی الحسن موسی علیه السلام ح95
2- وسائل الشیعة: ج17 ص281 ب86 ح22525
3- التوحید: ص275- 276 ب38 ح1
4- من لا یحضره الفقیه: ج3 ص172- 173 باب المعایش والمکاسب ح3651

أخاه المسلم نزع الله منه برکة رزقه، وأفسد علیه معیشته، ووکله إلی نفسه»((1)).

ومن عهد لأمیر المؤمنین علیه السلام إلی بعض عماله وقد بعثه علی الصدقة: «أمره بتقوی الله فی سرائر أمره وخفیات عمله، حیث لا شهید غیره، ولا وکیل دونه. وأمره ألا یعمل بشی ء من طاعة الله فیما ظهر، فیخالف إلی غیره فیما أسر، ومن لم یختلف سره وعلانیته، وفعله ومقالته، فقد أدی الأمانة، وأخلص العبادة. وأمره ألا یجبههم، ولا یعضههم، ولا یرغب عنهم تفضلاً بالإمارة علیهم؛ فإنهم الإخوان فی الدین، والأعوان علی استخراج الحقوق. وإن لک فی هذه الصدقة نصیباً مفروضاً، وحقاً معلوماً، وشرکاء أهل مسکنة، وضعفاء ذوی فاقة، وإنا موفوک حقک فوفهم حقوقهم، وإلا تفعل فإنک من أکثر الناس خصوماً یوم القیامة. وبؤسی لمن خصمه عند الله الفقراء، والمساکین، والسائلون، والمدفوعون، والغارمون، وابن السبیل. ومن استهان بالأمانة، ورتع فی الخیانة، ولم ینزه نفسه ودینه عنها، فقد أحل بنفسه الذل والخزی فی الدنیا، وهو فی الآخرة أذل وأخزی. وإن أعظم الخیانة خیانة الأمة، وأفظع الغش غش الأئمة. والسلام»((2)).

وفی تفسیر الإمام العسکری علیه السلام: «إنه لا أحد من محبی علی علیه السلام وقد نظف قلبه من قذر الغش، والدغل، والغل، ونجاسات الذنوب؛ إلا کان أطهر وأفضل من الملائکة»((3)).

29:الغضب

مسألة: الغضب من الرذائل وقد یکون محرماً، وهو من مقومات أو مصادیق العنف بالمعنی الأعم.

عن عبد الله بن الحسن عن أمه فاطمة بنت الحسین بن علی علیه السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «ثلاث خصال من کن فیه استکمل خصال الإیمان: إذا رضی لم یدخله

ص:754


1- ثواب الأعمال: ص284و286 عقاب مجمع عقوبات الأعمال
2- نهج البلاغة: الرسائل 26 ومن عهد له علیه السلام إلی بعض عماله وقد بعثه علی الصدقة
3- تفسیر الإمام العسکری علیه السلام : ص383 إشارة إلی أن محبی علی علیه السلام أفضل من الملائکة

رضاه فی باطل، وإذا غضب لم یخرجه الغضب من الحق، وإذا قدر لم یتعاط ما لیس له»((1)).

وعن السکونی عن الصادق جعفر بن محمد علیه السلام عن أبیه علیه السلام عن آبائه علیهم السلام عن رسول الله صلی الله علیه و آله قال: «أرکان الکفر أربعة: الرغبة، والرهبة، والسخط، والغضب»((2)).

وعن السکونی عن أبی عبد الله علیه السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «الغضب یفسد الإیمان کما یفسد الخل العسل»((3)).

وعن میسر قال: ذکر الغضب عند أبی جعفر علیه السلام فقال: «إن الرجل لیغضب فما یرضی أبداً حتی یدخل النار، فأیما رجل غضب علی قوم وهو قائم فلیجلس من فوره ذلک؛ فإنه سیذهب عنه رجز الشیطان. وأیما رجل غضب علی ذی رحم فلیدن منه فلیمسه؛ فإن الرحم إذا مست سکنت»((4)).

وعن داود بن فرقد قال: قال أبو عبد الله علیه السلام: «الغضب مفتاح کل شر»((5)).

وعن القاسم بن سلیمان عن أبی عبد الله علیه السلام قال: «سمعت أبی علیه السلام یقول: أتی رسول الله صلی الله علیه و آله رجل بدوی. فقال: إنی أسکن البادیة، فعلمنی جوامع الکلام؟. فقال: آمرک أن لا تغضب. فأعاد علیه الأعرابی المسألة ثلاث مرات، حتی رجع الرجل إلی نفسه. فقال: لا أسأل عن شیء بعد هذا، ما أمرنی رسول الله صلی الله علیه و آله إلا بالخیر. قال: وکان أبی یقول: أی شیء أشد من الغضب، إن الرجل لیغضب فیقتل النفس التی حرم الله، ویقذف المحصنة»((6)).

ص:755


1- الکافی: ج2 ص239 باب المؤمن وعلاماته وصفاته ح29
2- الأمالی للصدوق: ص419 المجلس65 ح8
3- وسائل الشیعة: ج15 ص358 ب53 ح20732
4- بحار الأنوار: ج70 ص270 ب132 ح23
5- الخصال: ج1 ص7 مفتاح کل شر خصلة ح22
6- الکافی: ج2 ص303 باب الغضب ح4

وعن أبی عبد الله علیه السلام: «من کف غضبه ستر الله عورته»((1)).

وعن حبیب السجستانی عن أبی جعفر علیه السلام قال: «مکتوب فی التوراة فیما ناجی الله عزوجل به موسی علیه السلام: یا موسی، أمسک غضبک عمن ملکتک علیه أکف

عنک غضبی»((2)).

وعن عبد الله بن سنان قال: قال أبو عبد الله علیه السلام: «أوحی الله عز وجل إلی بعض أنبیائه: یا ابن آدم اذکرنی فی غضبک أذکرک فی غضبی، لا أمحقک فیمن أمحق وارض بی منتصراً؛ فإن انتصاری لک خیر من انتصارک لنفسک»((3)).

وعن معلی بن خنیس عن أبی عبد الله علیه السلام قال: «قال رجل للنبی صلی الله علیه و آله: یا رسول الله علمنی؟. قال: اذهب ولا تغضب. فقال الرجل: قد اکتفیت بذاک. فمضی إلی أهله، فإذا بین قومه حرب قد قاموا صفوفاً ولبسوا السلاح. فلما رأی ذلک لبس سلاحه ثم قام معهم، ثم ذکر قول رسول الله صلی الله علیه و آله: لا تغضب. فرمی السلاح ثم جاء یمشی إلی القوم الذین هم عدو قومه. فقال: یا هؤلاء، ما کانت لکم من جراحة أو قتل أو ضرب لیس فیه أثر فعلیَّ فی مالی أنا أوفیکموه. فقال القوم: فما کان فهو لکم نحن أولی بذلک منکم. قال: فاصطلح القوم وذهب الغضب»((4)).

وعن أبی حمزة الثمالی عن أبی جعفر علیه السلام قال: «إن هذا الغضب جمرة من الشیطان توقد فی قلب ابن آدم. وإن أحدکم إذا غضب احمرت عیناه، وانتفخت أوداجه، ودخل الشیطان فیه. فإذا خاف أحدکم ذلک من نفسه فلیلزم الأرض؛ فإن رجز الشیطان لیذهب عنه عند ذلک»((5)).

وقال أبو عبد الله علیه السلام: «الغضب ممحقة لقلب الحکیم»((6)).

ص:756


1- ثواب الأعمال: ص133 ثواب من کف نفسه عن أعراض الناس ومن کف غضبه
2- وسائل الشیعة: ج15 ص360 ب53 ح20740
3- بحار الأنوار: ج70 ص276 ب132 ح29
4- الکافی: ج2 ص304 باب الغضب ح11
5- وسائل الشیعة: ج15 ص360-361 ب53 ح20742
6- بحار الأنوار: ج70 ص278 ب132 ح33

وقال علیه السلام: «من لم یملک غضبه لم یملک عقله»((1)).

وعن أبی حمزة عن أبی جعفر علیه السلام قال: «من کف غضبه عن الناس، کف الله عنه عذاب یوم القیامة»((2)).

وقال رسول الله صلی الله علیه و آله: «الوشیک الرضا، البعید الغضب، من أحسن الخلق خلقاً»((3)).

ومن وصیة لأمیر المؤمنین علیه السلام لعبد الله بن العباس عند استخلافه إیاه علی البصرة: «سع الناس بوجهک، ومجلسک، وحکمک. وإیاک والغضب! فإنه طیرة من الشیطان، واعلم أن ما قربک من الله یباعدک من النار، وما باعدک من الله یقربک من النار»((4)).

30:الغلظة والفظاظة

مسألة: الغلظة والفظاظة من الرذائل وهی محرمة فی بعض مراتبها، وهی من مقومات أو مصادیق العنف بالمعنی الأعم.

قال تعالی: ]وَلَوْ کُنْتَ فَظًّا غَلِیظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِکَ[((5)).

وقال سبحانه: ]وَقُلْ لِعِبادِی یَقُولُوا الَّتِی هِیَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّیْطانَ یَنْزَغُ بَیْنَهُمْ إِنَّ الشَّیْطانَ کانَ لِلإِنْسانِ عَدُوًّا مُبِیناً[((6)).

وعن عبد الله بن سنان عن أبی عبد الله علیه السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «أ لا أخبرکم بمن تحرم علیه النار غداً؟». قالوا: بلی یا رسول الله. قال: «الهین القریب، اللین السهل»((7)).

ص:757


1- تحف العقول: ص371 وروی عنه علیه السلام فی قصار هذه المعانی
2- الکافی: ج2 ص305 باب الغضب ح15
3- مستدرک الوسائل: ج8 ص448- ص449 ب87 ح9965
4- نهج البلاغة: الرسائل 76 ومن وصیة له علیه السلام لعبد الله بن العباس عند استخلافه إیاه علی البصرة
5- سورة آل عمران: 159
6- سورة الإسراء: 53
7- ثواب الأعمال: ص172 ثواب الهین القریب، اللین السهل

وقال ابن أبی الحدید فی شرح النهج: (کان عمر شدید الغلظة، وعر الجانب، خشن الملمس، دائم العبوس)((1)).

وروی: دخل المهاجرون علی أبی بکر لما بلغهم أنه یستخلف عمر، وقالوا: (نراک مستخلفاً عمر علینا، وقد عرفته وبوائقه إلینا)((2)).

وروی: دخل رجل علی عمر لما ولی وقال: بغضک الناس للسانک وعصاک((3)).

وروی: دخل رجل شامی علیه فسأله عن أهل الشام. فقال: سالمون، ولولایتک ومن شرک مشفقون((4)).

ومن کتاب لأمیر المؤمنین علیه السلام إلی عبد الله بن عباس وهو عامله علی البصرة: «واعلم أن البصرة مهبط إبلیس، ومغرس الفتن، فحادث أهلها بالإحسان إلیهم، واحلل عقدة الخوف عن قلوبهم، وقد بلغنی تنمرک لبنی تمیم وغلظتک علیهم. وإن بنی تمیم لم یغب لهم نجم إلا طلع لهم آخر، وإنهم لم یسبقوا بوغم فی جاهلیة ولا إسلام، وإن لهم بنا رحماً ماسة، وقرابة خاصة، نحن مأجورون علی صلتها، ومأزورون علی قطیعتها. فاربع أبا العباس رحمک الله، فیما جری علی یدک ولسانک من خیر وشر؛ فإنا شریکان فی ذلک، وکن عند صالح ظنی بک، ولا یفیلن رأیی فیک. والسلام»((5)).

وقیل: (إنه وجد فی التوراة صفة خلق آدم علیه السلام حین خلقه الله عز وجل وابتدعه - إلی أن قال -: وإذا ترک الرفق ظهر الغش، وجاءت الفظاظة، واشتدت الغلظة، وکثر الغشم، وترک العدل، وفشا المنکر، وترک المعروف)((6)).

وعن محمد بن عبد الرحمن بن أبی لیلی عن أبی جعفر علیه السلام قال: «من قسم له الخرق

ص:758


1- شرح نهج البلاغة: ج6 ص327 فصل فی ما نسب إلی علی من الدعابة
2- الصراط المستقیم: ج3 ص94
3- الصراط المستقیم: ج3 ص94
4- الصراط المستقیم: ج3 ص94
5- نهج البلاغة: الرسائل 18 ومن کتاب له علیه السلام إلی عبد الله بن عباس وهو عامله علی البصرة
6- علل الشرائع: ج1 ص110و112 ب96 ح9

حجب عنه الإیمان»((1)).

وعن جمیل بن صالح عن أبی عبد الله علیه السلام عن آبائه علیهم السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «ألا أنبئکم بشر الناس؟. قالوا: بلی یا رسول الله. قال: من أبغض الناس وأبغضه الناس. ثم قال: ألا أنبئکم بشر من هذا؟. قالوا: بلی یا رسول الله صلی الله علیه و آله. قال: الذی لا یقیل عثرة، ولا یقبل معذرة، ولا یغفر ذنباً. ثم قال: ألا أنبئکم بشر من هذا؟. قالوا: بلی یا رسول الله صلی الله علیه و آله. قال: من لا یؤمن شره، ولا یرجی خیره»((2)).

وقال أبو جعفر علیه السلام: «من قسم له الرفق قسم له الإیمان»((3)).

وعن موسی بن بکر عن أبی الحسن موسی علیه السلام قال: «الرفق نصف العیش»((4)).

وقیل: إنه رفع إلی المعتضد العباسی أن طائفة من الناس یجتمعون بباب الطاق، ویجلسون فی دکان رجل تبان، ویخوضون فی الفضول والأراجیف، وفنون من الأحادیث، وفیهم قوم سراة وکتاب وأهل بیوتات، سوی من یسترق السمع منهم من زامة الناس، وقد تفاقم فسادهم. فلما عرف المعتضد ذلک ضاق ذرعاً بالرفیعة، وخرج معها وامتلأ غیظاً، ودعا بعبد الله بن سلیمان ورمی بالرفیعة إلیه، وقال: انظر فیها وتفهم. ففعل وشاهد من تربد وجهه، ما أزعج ساکن صدره، وشرد آلف صبره. وقال: قد فهمت یا أمیر. قال: فما الدواء؟. قال: تتقدم بأخذهم، وصلب بعضهم، وإحراق بعضهم؛ فإن العقوبة إذا اختلفت کان الهول أشد، والهیبة أفشی، والزجر أنجع، والعامة أخوف. فقال المعتضد - وکان أعقل من الوزیر -: والله، لقد بردت لهیب غضبی بقسوتک، ونقلتنی إلی اللین بعد الغلظة، ودفعتنی إلی الرفق من حیث أشرت بالحرق. وما علمت أنک تستخیر مثل هذا فی دینک وهدیک ومروتک، ولو أمرتک ببعض ما رأیت بعقلک، لکان من حسن الموازرة، ومبذول النصیحة، والنظر للرعیة الضعیفة الجاهلة، أن تسألنی الکف، وتبعثنی علی الحلم، وتحبب إلیَّ الصفح، وترغبنی فی فضل الإعفاء علی هذه الأشیاء. ولقد ساءنی جهلک بحدود العقاب، وبما یقابل به الجرائر، وبما یکون کفاء للذنوب. ولقد عصیت الله بهذا الرأی، ودللت علی قسوة القلب، وقلة الرحم، ویبس الطینة، ورقة الدیانة. أما تعلم أن الرعیة ودیعة الله عند سلطانها، وأن الله سائله عنها کیف ساسها، ولعله یسألها عنه فإن سألها فلتوکید الحجة علیه منها. ألا تدری أن أحداً من الرعیة لا یقول ما یقول إلا لظلم قد لحقه أو

ص:759


1- وسائل الشیعة: ج16 ص26 ب68 ح20873
2- من لا یحضره الفقیه: ج4 ص400 ومن ألفاظ رسول الله صلی الله علیه و آله الموجزة ح5858
3- الکافی: ج2 ص118 باب الرفق ح2
4- وسائل الشیعة: ج15 ص270 ب27 ح20483

لحق جاره، وداهیة نالت صاحباً له. وکیف تقول لهم: کونوا صالحین أتقیاء، مقبلین علی معایشکم، غیر خائضین فی حدیثنا، ولا سائلین عن أمرنا، والعرب تقول فی کلامها: غلبنا السلطان فلبس فروتنا، وأکل خضرتنا. وحنق المملوک علی المالک معروف، وإنما یحتمل السید علی ضروب تکالیفه، ومکاره تصاریفه، إذا کان العیش فی کنفه رافعاً، والأمل فیه قویاً، والصدر علیه بارداً، والقلب معه ساکناً. أ تظن أن العمل بالجهل ینفع، والعذر به یقنع، لا والله ما الرأی ما رأیت، وما الصواب ما ذکرت. وجه صاحبک ولتکن ذا خیرة ورفق، ومعروف وتخبر وصدق، حتی تعرف حال هذه الطائفة، وتقف علی شأن کل واحد منهم فی معاشه ودخلته، وقدر ما هو متقلب فیه ومنقلب إلیه. فمن کان منهم یصلح لعمل فعلقه به، ومن کان سیئ الحال فصله من بیت المال، ما یفیق بصرة حاله، ویفیده طمأنینة باله، ومن لم یکن من هذا الرهط، وهو غنی مکفی، إنما یخرجه إلی دکان هذا التبان البطر والزهو، فادع به وانصحه ولاطفه، وقل له: إن نطقک مسموع، وکلامک مرفوع، ومتی وقف الأمیر علی کنه ذلک منک، لم یجدک إلا فی عرصة المقابر، واستأنف لنفسک سیرة تسلم بها علی سلطانک، وتحمد بها عند إخوانک. فإیاک أن تجعل نفسک عرضة للسلطان! عظ لغیرک بعد ما کان وعظه لک. ولو أن الأخذ بالجریرة الأولی، مخالف للسیرة المثلی، لکان هذا الذی تسمعه ما تراه، وما تراه تود لو أنک سمعته قبل أن تراه، فإنک یا عبد الله إذا فعلت ذلک فقد بالغت فی العقوبة، وملکت طرفی المصلحة، وقمت علی سوء السیاسة، ونجوت من الخوف والمأثم فی العاقبة. قال: وفارق الوزیر الحاکم، وعمل ما أمر به علی الوجه اللطیف، فعادت الحال برأیه بالسلامة العامة، والعافیة التامة، وتقدم إلی الشیخ التبان، برفع حال من یقعد عنده، حتی یواسی إن کان محتاجاً، أو یصرف إن کان متعطلاً، وینصح إن کان غافلاً((1)).

وهذا یدل علی أن ما وقع من ظلم هؤلاء الحکام لشعوبهم کان عن علم وعمد، وإلا فهم کانوا یعرفون بسوء عواقب الفظاظة والغلظة.

ص:760


1- تنبیه الخواطر ونزهة النواظر: ج2 ص292- 294

31:الغیبة

مسألة: الغیبة من الرذائل وهی محرمة، وهی من مقومات أو مصادیق العنف بالمعنی الأعم. قال تعالی: ]یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا کَثِیراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا یَغْتَبْ بَعْضُکُمْ بَعْضاً أَ یُحِبُّ أَحَدُکُمْ أَنْ یَأْکُلَ لَحْمَ أَخِیهِ مَیْتاً فَکَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِیمٌ[((1)).

عن السکونی عن أبی عبد الله علیه السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «الغیبة أسرع فی دین الرجل المسلم من الأکلة فی جوفه»((2)).

وقال علیه السلام: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «الجلوس فی المسجد انتظاراً الصلاة عبادة ما لم یحدث». فقیل: یا رسول الله وما الحدث؟. قال: «الاغتیاب»((3)).

 وقال النبی صلی الله علیه و آله: «هل تدرون ما الغیبة؟». فقالوا: الله ورسوله أعلم. قال: «ذکرک أخاک بما یکره»((4)).

وعن جابر وأبی سعید الخدری قالا: قال النبی صلی الله علیه و آله: «إیاکم والغیبة! فإن الغیبة أشد من الزنا. إن الرجل قد یزنی ویتوب فیتوب الله علیه، وإن صاحب الغیبة لا یغفر له حتی یغفر له صاحبه»((5)).

وقال أنس: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «مررت لیلة أسری بی علی قوم یخمشون وجوههم بأظفارهم. فقلت: یا جبرئیل من هؤلاء؟. فقال: هؤلاء الذین یغتابون الناس، ویقعون فی أعراضهم»((6)).

وعن أنس قال: خطبنا رسول الله صلی الله علیه و آله فذکر الربا وعظم شأنه. فقال: «إن الدرهم یصیبه الرجل من الربا، أعظم عند الله فی الخطیئة من ست وثلاثین زنیة یزنیها

ص:761


1- سورة الحجرات: 12
2- وسائل الشیعة: ج12 ص280 ب152 ح16306
3- کشف الریبة: ص11 المقدمة
4- بحار الأنوار: ج72 ص222 ب66
5- مستدرک الوسائل: ج9 ص118-119 ب132 ح10409
6- تنبیه الخواطر وتزهة النواظر: ج1 ص115 باب الغیبة

الرجل، وإن أربی الربا عرض الرجل المسلم. وأوحی الله عز وجل إلی موسی بن عمران: أن المغتاب إذا تاب فهو آخر من یدخل الجنة، وإن لم یتب فهو أول من یدخل النار»((1)).

وروی: أن عیسی علیه السلام مر والحواریون علی جیفة کلب. فقال الحواریون: ما أنتن ریح هذا!. فقال عیسی علیه السلام: «ما أشد بیاض أسنانه». کأنه ینهاهم عن غیبة الکلب، وینبههم علی أنه لا یذکر من خلق الله إلا أحسنه((2)).

ومن ذلک ما روی عن عائشة أنها قالت: دخلت علینا امرأة، فلما ولت أومأت بیدی، أی قصیرة. فقال صلی الله علیه و آله: «اغتبتیها»((3)).

وقال رسول الله صلی الله علیه و آله: «المستمع أحد المغتابین»((4)).

وقال علی علیه السلام: «السامع للغیبة أحد المغتابین»((5)).

وقد روی عن النبی صلی الله علیه و آله أنه قال: «من أذل عنده مؤمن ولم ینصره، وهو قادر علی نصره، أذله الله علی رؤوس الخلائق یوم القیامة»((6)).

وعن أبی الدرداء قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «من رد عن عرض أخیه بالغیب، کان حقاً علی الله أن یرد عن عرضه یوم القیامة»((7)).

وقال رسول الله صلی الله علیه و آله: «من رد عن عرض أخیه بالغیب، کان حقاً علی الله أن یعتقه من النار»((8)).

وعن رسول الله صلی الله علیه و آله أنه قال: «من تطول علی أخیه فی غیبة سمعها فیه فی مجلس فردها عنه، رد الله عنه ألف باب من الشر فی الدنیا والآخرة. فإن هو لم یردها وهو

ص:762


1- بحار الأنوار: ج72 ص222 ب66
2- کشف الریبة: ص11 المقدمة
3- بحار الأنوار: ج72 ص224 ب66
4- تنبیه الخواطر وتزهة النواظر: ج1 ص119 باب الغیبة
5- غرر الحکم ودرر الکلم: ص221 ق3 ب1 ف5 سامع الغیبة ح4444
6- أعلام الدین: ص354 باب عدد أسماء الله تعالی وهی تسعة وتسعون ح12
7- بحار الأنوار: ج72 ص226 ب66
8- بحار الأنوار: ج72 ص226 ب66

قادر علی ردها، کان علیه کوزر من اغتابه سبعین مرة»((1)).

وعن أبی الورد عن أبی جعفر علیه السلام قال: «من اغتیب عنده أخوه المؤمن فنصره وأعانه، نصره الله فی الدنیا والآخرة. ومن لم ینصره، ولم یدفع عنه، وهو یقدر علی نصرته وعونه، خفضه الله فی الدنیا والآخرة»((2)).

وروی عن النبی صلی الله علیه و آله أنه قال: «ما النار فی الیبس بأسرع من الغیبة فی حسنات العبد»((3)).

وقال رسول الله صلی الله علیه و آله: «طوبی لمن شغله عیبه عن عیوب الناس»((4)).

وعن سماعة بن مهران عن أبی عبد الله علیه السلام قال: «من عامل الناس فلم یظلمهم، وحدثهم فلم یکذبهم، ووعدهم فلم یخلفهم، کان ممن حرمت غیبته، وکملت مروءته، وظهر عدله، ووجبت أخوته»((5)).

وروی حفص بن عمر عن أبی عبد الله علیه السلام قال: «سئل النبی صلی الله علیه و آله: ما کفارة الاغتیاب؟. قال: تستغفر الله لمن اغتبته کلما ذکرته»((6)).

32:الهمز واللمز

مسألة: الهمز واللمز والسخریة من الرذائل، وهی من مقومات أو مصادیق العنف بالمعنی الأعم.

قال تعالی: ]وَیْلٌ لِکُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ[((7)).

وقال سبحانه: ]وَلا تُطِعْ کُلَّ حَلاَّفٍ مَهِینٍ * هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِیمٍ[((8)).

وقال تعالی: ]الَّذِینَ یَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِینَ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ فِی الصَّدَقاتِ وَالَّذِینَ

ص:763


1- من لا یحضره الفقیه: ج4 ص15 باب ذکر جمل من مناهی النبی صلی الله علیه و آله ح4968
2- المحاسن: ج1 ص103 ب41 ح81
3- کشف الریبة: ص27 ف2
4- تنبیه الخواطر وتزهة النواظر: ج1 ص120 باب الغیبة
5- الکافی: ج2 ص239 باب المؤمن وعلاماته وصفاته ح28
6- من لا یحضره الفقیه: ج3 ص377 باب الأیمان والنذور والکفارات ح4327
7- سورة الهمزة: 1
8- سورة القلم: 10-11

لا یَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَیَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِیمٌ[((1)).

وقال تعالی: ]وَمِنْهُمْ مَنْ یَلْمِزُکَ فِی الصَّدَقاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْها رَضُوا وَإِنْ لَمْ یُعْطَوْا مِنْها إِذا هُمْ یَسْخَطُونَ [((2)).

وفی صحیفة الرضا علیه السلام: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «إن موسی بن عمران علیه السلام سأل ربه ورفع یدیه. فقال: یا رب، أین ذهبت أوذیت؟. فأوحی الله تعالی إلیه: یا موسی، إن فی عسکرک غمازاً. فقال: یا رب، دلنی علیه؟. فأوحی الله تعالی إلیه: أنی أبغض الغماز، فکیف أغمز»((3)).

وعن محمد بن سلیمان قال: قلت لأبی عبد الله علیه السلام: ما معنی قوله تعالی:

]وَیْلٌ لِکُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ[((4))؟. قال: «الذین همزوا آل محمد حقهم ولمزوهم، وجلسوا مجلساً کان آل محمد أحق به منهم»((5)). وروی فی تفسیر قوله تعالی: ]وَیْلٌ لِکُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ[((6)): «أن الهمزة الطعن فی الناس واللمزة أکل لحومهم»((7)).

وروی: «أن حکیماً من الحکماء زاره بعض إخوانه، وأخبره بخبر عن غیره. فقال له الحکیم: قد أبطأت فی الزیارة، وأتیتنی بثلاث خیانات، بغضت إلیَّ أخی، وشغلت قلبی الفارغ، واتهمت نفسک الأمینة»((8)).

وروی: (أن بعض الحکام قال لرجل: بلغنی أنک قلت فیَّ کذا وکذا. فقال الرجل: ما قلت وما فعلت؟. فقال: إن الذی أخبرنی صادق. فقال الزهری - وکان جالسا -: لا یکون النمام صادقاً. قال: صدقت اذهب بسلامة)((9)).

ص:764


1- سورة التوبة: 79
2- سورة التوبة: 58
3- صحیفة الرضا علیه السلام : ص55 متن الصحیفة ح67
4- سورة الهمزة: 1
5- بحار الأنوار: ج24 ص310 ب67 ح13
6- سورة الهمزة: 1
7- إرشاد القلوب: ج1 ص117 ب33
8- کشف الریبة: ص45 ف4
9- کشف الریبة: ص45 ف4

وقال بعضهم: (أدرکنا السلف لایرون العبادة فی الصوم ولا فی الصلاة، ولکن فی الکف عن أعراض الناس)((1)).

وعن عبد الله بن سنان عن أبی عبد الله علیه السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «ألا أنبئکم بشرارکم؟». قالوا: بلی یا رسول الله. قال: «المشاؤون بالنمیمة، المفرقون بین الأحبة، الباغون للبرآء المعایب»((2)).

وعن محمد بن قیس عن أبی جعفر علیه السلام قال: «محرمة الجنة علی القتاتین، المشائین بالنمیمة»((3)).

وقال رجل لعلی بن الحسین علیه السلام: إن فلاناً یقول فیک ویقول. فقال له: «والله ما حفظت حق أخیک إذا خنته وقد استأمنک، ولا حفظت حرمتنا إذا سمعتنا ما لم یکن لنا حجة بسماعه، أما علمت أن نقلة النمیمة هم کلاب النار. قل لأخیک: إن الموت یعمنا، والقبر یضمنا، والقیامة موعدنا، والله یحکم بیننا»((4)).

وفی تفسیر القمی: وقوله: ]وَمِنْهُمْ مَنْ یَلْمِزُکَ فِی الصَّدَقاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْها رَضُوا وَإِنْ لَمْ یُعْطَوْا مِنْها إِذا هُمْ یَسْخَطُونَ[((5))، فإنها نزلت لما جاءت الصدقات وجاء الأغنیاء، وظنوا أن رسول الله صلی الله علیه و آله یقسمها بینهم، فلما وضعها فی الفقراء تغامزوا رسول الله صلی الله علیه و آله ولمزوه، وقالوا: نحن الذین نقوم فی الحرب ونغزو معه ونقوی أمره، ثم یدفع الصدقات إلی هؤلاء الذین لا یعینونه ولا یغنون عنه شیئاً، فأنزل الله: ]وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا ما آتاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَیُؤْتِینَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَی اللَّهِ راغِبُونَ[((6)) »((7)).

ص:765


1- بحار الأنوار: ج72 ص222 ب66
2- الکافی: ج2 ص369 باب النمیمة ح1
3- بحار الأنوار: ج72 ص267 ب67 ح18
4- إرشاد القلوب: ج1 ص118 ب33
5- سورة التوبة: 58
6- سورة التوبة: 59
7- تفسیر القمی: ج1 ص298 توبة المتخلفین عن القتال

وعن أبی الجارود عن أبی عبد الله علیه السلام قال: سألته عن قول الله جل اسمه:

]الَّذِینَ یَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِینَ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ فِی الصَّدَقاتِ[((1))؟.  قال: «ذهب أمیر المؤمنین (صلوات الله علیه) فآجر نفسه علی أن یستقی کل دلو بتمرة مختارها فجمع مداً. فأتی به النبی صلی الله علیه و آله وعبد الرحمن بن عوف علی الباب فلمزه ووقع فیه، فأنزلت فیه هذه الآیة إلی قوله: ]اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ[((2)) الآیة»((3)).

وذکر القمی فی تفسیره: وأما قوله: ]الَّذِینَ یَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِینَ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ فِی الصَّدَقاتِ وَالَّذِینَ لا یَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَیَسْخَرُونَ مِنْهُمْ[ ((4))  فجاء سالم بن عمیر الأنصاری بصاع من تمر فقال: یا رسول الله، کنت لیلتی أجیراً لجریر حتی نلت صاعین تمراً، أما أحدهما فأمسکته وأما الآخر فأقرضه ربی. فأمر رسول الله صلی الله علیه و آله أن ینثره فی الصدقات، فسخر منه المنافقون وقالوا: والله إن الله یغنی عن هذا الصاع، ما یصنع الله بصاعه شیئاً، ولکن أبا عقیل أراد أن یذکر نفسه لیعطی من الصدقات. فقال: ]سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِیمٌ[((5))»((6)).

33:القتل

مسألة: القتل من أشد المحرمات، وهو من أبرز مصادیق العنف.

قال تعالی: ]مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَیْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِی الأَْرْضِ فَکَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِیعاً[((7)). وقال سبحانه: ]فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِیهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخاسِرِینَ[((8)).

وقال تعالی: ]وَکَذلِکَ زَیَّنَ لِکَثِیرٍ مِنَ الْمُشْرِکِینَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَکاؤُهُمْ

ص:766


1- سورة التوبة: 79
2- سورة التوبة: 80
3- مستدرک الوسائل: ج14 ص28 ب2 ح16015
4- سورة التوبة: 79
5- سورة التوبة: 79
6- تفسیر القمی: ج1 ص302 مصرف الصدقات
7- سورة المائدة: 32
8- سورة المائدة: 30

لِیُرْدُوهُمْ وَلِیَلْبِسُوا عَلَیْهِمْ دِینَهُمْ[((1)).

وقال سبحانه: ]وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِی حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِیِّهِ سُلْطاناً فَلا یُسْرِفْ فِی الْقَتْلِ إِنَّهُ کانَ مَنْصُوراً[((2)).

عن الحلبی عن أبی عبد الله علیه السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «إن أعتی الناس علی الله عزوجل من قتل غیر قاتله، ومن ضرب من لم یضربه»((3)).

وعن عبد العظیم الحسنی علیه السلام عن أبی الحسن الثالث علیه السلام قال: «لما کلم الله عزوجل موسی بن عمران علیه السلام قال: إلهی ما جزاء من قتل مؤمناً متعمداً؟. قال: لا أنظر إلیه یوم القیامة، ولا أقیل عثرته»((4)).

وعن أبی محمد العسکری علیه السلام عن آبائه علیهم السلام عن علی بن الحسین علیه السلام فی تفسیر قول-ه تعالی: ]ولَکُمْ فِی الْقِصاصِ[((5)) الآیة: «قال الله عزوجل: ]وَلَکُمْ[  یا أمة محمد  ]فِی الْقِصاصِ حَیاةٌ[؛ لأن من هم بالقتل فعرف أنه یقتص منه، فکف لذلک عن القتل کان حیاة للذی کان هم بقتله، وحیاة لهذا الجانی الذی أراد أن یقتل، وحیاة لغیرهما من الناس إذا علموا أن القصاص واجب لا یجرءون علی القتل مخافة القصاص ]یا أُولِی الأَلْبابِ[ أولی العقول ]لَعَلَّکُمْ تَتَّقُونَ[. - ثم قال علیه السلام -: عباد الله، هذا قصاص قتلکم لمن تقتلونه فی الدنیا وتفنون روحه. أ و لا أنبئکم بأعظم من هذا القتل، وما یوجب الله علی قاتله مما هو أعظم من هذا القصاص؟». قالوا: بلی یا ابن رسول الله. قال: «أعظم من هذا القتل أن تقتله قتلاً لا ینجبر، ولا یحیی بعده أبداً». قالوا: ما هو؟. قال: «أن تضله عن نبوة محمد، وعن ولایة علی بن أبی طالب (صلوات الله علیه)، وتسلک به غیر سبیل الله، وتغریه بإتباع طریق أعداء علی علیه السلام، والقول بإمامتهم، ودفع علی عن حقه، وجحد فضله، ولا تبالی بإعطائه واجب

ص:767


1- سورة الأنعام: 137
2- سورة الإسراء: 33
3- الکافی: ج7 ص274 باب آخر منه ح2
4- بحار الأنوار: ج101 ص369 ب1 ح2
5- سورة البقرة: 179

تعظیمه. فهذا هو القتل الذی هو تخلید هذا المقتول فی نار جهنم خالداً مخلداً أبداً، فجزاء هذا القتل مثل ذلک الخلود فی نار جهنم»((1)).

وعن عبد العظیم بن عبد الله قال حدثنی محمد بن علی علیه السلام عن أبیه علیه السلام عن جده علیه السلام قال سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول: «قتل النفس من الکبائر لأن الله تعالی یقول: ]ومَنْ یَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِیها وغَضِبَ اللَّهُ عَلَیْهِ ولَعَنَهُ وأَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِیماً[((2))»((3)).

وعن سلیمان بن حفص البصری عن جعفر بن محمد علیه السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «ما عجت الأرض إلی ربها عز وجل کعجیجها من ثلاثة: من دم حرام یسفک علیها، أو اغتسال من زنا، أو النوم علیها قبل طلوع الشمس»((4)).

وعن أبی عبد الله علیه السلام قال: «ثلاثة لا یدخلون الجنة: السفاک للدم، وشارب الخمر، ومشاء بنمیمة»((5)).

وعن الرضا علیه السلام عن آبائه علیهم السلام قال: قال أمیر المؤمنین علیه السلام: «ورثت عن رسول الله صلی الله علیه و آله کتابین: کتاب الله عزوجل، وکتاباً فی قراب سیفی». قیل: یا أمیر المؤمنین وما الکتاب الذی فی قراب سیفک؟. قال: «من قتل غیر قاتله، أو ضرب غیر ضاربه فعلیه لعنة الله»((6)).

وعن أبی ولاد قال: سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول: «من قتل نفسه متعمداً فهو فی نار جهنم خالداً فیها»((7)).

ص:768


1- تفسیر الإمام الحسن العسکری علیه السلام : ص595-596 فی عقاب من کتم شیئاً من فضائلهم علیهم السلام ح354 و355
2- سورة النساء: 93
3- علل الشرائع: ج2 ص478- 479 ب228 ح2
4- وسائل الشیعة: ج6 ص497 ب36 ح8534
5- روضة الواعظین: ج2 ص463 مجلس فی ذکر الخمر والربا
6- صحیفة الرضا علیه السلام : ص71 متن الصحیفة ح139
7- من لا یحضره الفقیه: ج4 ص95 باب تحریم الدماء والأموال بغیر حقها ح5163

وعن جابر بن یزید عن أبی جعفر علیه السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «أول ما یحکم الله فیه یوم القیامة الدماء، فیوقف ابنی آدم فیفصل بینهما، ثم الذین یلونهما من أصحاب الدماء حتی لا یبقی منهم أحد، ثم الناس بعد ذلک. حتی یأتی المقتول بقاتله، فیتشخب فی دمه وجهه فیقول: هذا قتلنی. فیقول: أنت قتلته؟. فلا یستطیع أن یکتم الله حدیثاً»((1)).

وعن أبی الجارود عن أبی جعفر علیه السلام قال: «ما من نفس تقتل برة ولا فاجرة إلا وهی تحشر یوم القیامة متعلقة بقاتله بیده الیمنی، ورأسه بیده الیسری، وأوداجه تشخب دماً، یقول: یا رب، سل هذا فیم قتلنی؟. فإن کان قتله فی طاعة الله أثیب القاتل الجنة، وأذهب بالمقتول إلی النار. وإن قال فی طاعة فلان، قیل ل-ه: اقتله کما قتلک. ثم یفعل الله فیهما بعد مشیئته»((2)).

وعن سعید الأزرق عن أبی عبد الله علیه السلام: فی رجل قتل رجلاً مؤمناً؟. قال: «یقال ل-ه: مت أی میتة شئت: إن شئت یهودیاً، وإن شئت نصرانیاً، وإن شئت مجوسیاً»((3)).

وعن سلیمان بن خالد قال: سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول: «أوحی الله تعالی إلی موسی بن عمران علیه السلام: أن یا موسی، قل للملأ من بنی إسرائیل إیاکم وقتل النفس الحرام بغیر حق؛ فإن من قتل منکم نفساً فی الدنیا قتلته فی النار مائة ألف قتلة مثل قتلة صاحبه»((4)).

وعن عبد الرحمن بن أسلم عن أبیه عن أبی جعفر علیه السلام قال: «من قتل مؤمناً متعمداً أثبت الله علی قاتله جمیع الذنوب وبرأ المقتول منها وذلک قول الله تبارک وتعالی: ]إِنِّی أُرِیدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِی وإِثْمِکَ فَتَکُونَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ[((5))»((6)).

ص:769


1- الکافی: ج7 ص271 باب القتل ح2
2- وسائل الشیعة: ج29 ص12- 13 ب1 ح35027
3- بحار الأنوار: ج101 ص377 ب1 ح38
4- ثواب الأعمال: ص278 عقاب من قتل نفساً متعمداً
5- سورة المائدة: 29
6- المحاسن: ج1 ص105 ب45 ح87

34:القحة

مسألة: القحة((1)) من الرذائل وقد تحرم فی بعض مراتبها، وهی من مقومات أو مصادیق العنف بالمعنی الأعم.

عن أمیر المؤمنین علیه السلام أنه قال: «القحة عنوان الشر»((2)).

وعن هشام بن الحکم قال: قال الکاظم علیه السلام: «إن الله حرم الجنة علی کل فاحش بذیء، قلیل الحیاء، لا یبالی ما قال، ولا ما قیل فیه»((3)).

وعن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال: «إذا رأیتم المرء لا یستحی مما قال ولا مما قیل له، فاعلموا أنه لعنة، أو شرک شیطان»((4)).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: «إیاک والقحة! فإنها تحدوک علی رکوب القبائح، والتهجم علی السیئات»((5)).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: «بئس الوجه الوقاح»((6)).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: «رأس کل شر القحة»((7)).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: «ما أبعد الصلاح من ذی الشر الوقاح»((8)).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: «وقاحة الرجل تشینه»((9)).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: «من قل حیاؤه قل ورعه»((10)).

ص:770


1- القحة: کعدة الوقاحة وقلة الحیاء
2- غرر الحکم ودرر الکلم: ص257 ق3 ب2 ف2 ذم الوقاحة ح5460
3- مستدرک الوسائل: ج12 ص83 ب72 ح13579
4- دعائم الإسلام: ج2 ص458 ف3 ح1613
5- غرر الحکم ودرر الکلم: ص257 ق3 ب2 ف2 ذم الوقاحة ح5461
6- غرر الحکم ودرر الکلم: ص257 ق3 ب2 ف2 ذم الوقاحة ح5462
7- غرر الحکم ودرر الکلم: ص257 ق3 ب2 ف2 ذم الوقاحة ح5463
8- غرر الحکم ودرر الکلم: ص257 ق3 ب2 ف2 ذم الوقاحة ح5470
9- غرر الحکم ودرر الکلم: ص257 ق3 ب2 ف2 ذم الوقاحة ح5471
10- غرر الحکم ودرر الکلم: ص257 ق3 ب2 ف2 ذم الوقاحة ح5466

وقال علیه السلام: «خمس یستقبحن من خمس: کثرة الفجور من العلماء، والحرص فی الحکماء، والبخل فی الأغنیاء، والقحة فی النساء، ومن المشایخ الزناء»((1)).

وقال رسول الله صلی الله علیه و آله: «الوقاحة صدر النفاق»((2)).

وقال الإمام الصادق علیه السلام: «علامة النفاق: قلة المبالاة بالکذب، والخیانة، والوقاحة، والدعوی بلا معنی، واستخانة العین، والسفه، والغلط، وقلة الحیاء»((3)).

وقال رسول الله صلی الله علیه و آله: «قلة الحیاء کفر»((4)).

وقیل ل-ه صلی الله علیه و آله: أوصنی؟. قال: «استحی من الله کما تستحی من الرجل الصالح من قومک»((5)).

وقال رسول الله صلی الله علیه و آله: «إذا لم تستح فافعل ما شئت»((6)).

وقال رسول الله صلی الله علیه و آله: «ما کان الحیاء فی شی ء قط إلا زانه، ولا کان الفحش فی شی ء قط إلا شانه»((7)).

وقال الصادق علیه السلام: «ثلاث من لم تکن فیه فلا یرجی خیره أبداً: من لم یخش الله فی الغیب، ولم یرعو عند الشیب، ولم یستح من العیب»((8)).

وعن هشام بن الحکم عن موسی بن جعفر علیه السلام أنه قال له: «یا هشام، رحم الله من استحیا من الله حق الحیاء، فحفظ الرأس وما حوی، والبطن وما وعی، وذکر الموت والبلی، وعلم أن الجنة محفوفة بالمکاره، والنار محفوفة بالشهوات»((9)).

وقال رسول الله صلی الله علیه و آله: «الحیاء من الإیمان، والإیمان فی الجنة، والجفاء من البذاء،

ص:771


1- غرر الحکم ودرر الکلم: ص257 ق5 ب3 ف7 ح8397
2- مصباح الشریعة: ص189 ب90
3- مصباح الشریعة: ص144 ب68
4- مستدرک الوسائل: ج8 ص466 ب93 ضمن ح10027
5- روضة الواعظین: ج2 ص460 مجلس فی ذکر الحیاء
6- مستدرک الوسائل: ج8 ص466 ب93 ضمن ح10030
7- مشکاة الأنوار: ص234 ب5 ف5
8- من لا یحضره الفقیه: ج3 ص558 باب النوادر ح4918
9- مستدرک الوسائل: ج8 ص464- 465 ب93 ح10022

والبذاء فی النار»((1)).

وعن أبی ذر عن رسول الله صلی الله علیه و آله أنه قال: «یا أبا ذر، أتحب أن تدخل الجنة؟». قلت: نعم فداک أبی. قال صلی الله علیه و آله: «فاقصر من الأمل، واجعل الموت نصب عینیک، واستح من الله حق الحیاء». قال: قلت: یا رسول الله، کلنا نستحیی من الله. قال: «لیس ذلک الحیاء، ولکن الحیاء من الله أن لا تنسی المقابر والبلی، والجوف وما وعی، والرأس وما حوی»((2)).

وعن أبی حمزة الثمالی عن أبی جعفر الباقر محمد بن علی علیه السلام قال: سمعته یقول: «أربع من کن فیه کمل إسلامه، وأعین علی إیمانه، ومحصت عنه ذنوبه، ولقی ربه وهو عنه راض، ولو کان فیما بین قرنه إلی قدمه ذنوب حطها الله عنه وهی: الوفاء بما یجعل لله علی نفسه، وصدق اللسان مع الناس، والحیاء مما یقبح عند الله وعند الناس، وحسن الخلق مع الأهل والناس»((3)).

35:القسوة

مسألة: القسوة من الرذائل وهی محرمة فی بعض مراتبها، وهی من مقومات أو مصادیق العنف بالمعنی الأعم. قال تعالی: ]ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُکُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِکَ فَهِیَ کَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً[((4)). وقال سبحانه: ]وَلکِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَیَّنَ لَهُمُ الشَّیْطانُ ما کانُوا یَعْمَلُونَ[((5)). وقال تعالی: ]فَوَیْلٌ لِلْقاسِیَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِکْرِ اللَّهِ أُولئِکَ فِی ضَلالٍ مُبِینٍ[((6)).

عن السکونی عن أبی عبد الله علیه السلام قال: قال أمیر المؤمنین علیه السلام: «لمتان: لمة من

ص:772


1- مستدرک الوسائل: ج8 ص463 ب93 ح10019
2- مکارم الأخلاق: ص465 ب12 ف5
3- الأمالی للمفید: ص166- 167 المجلس21 ح1
4- سورة البقرة: 74
5- سورة الأنعام: 43
6- سورة الزمر: 22

الشیطان، ولمة من الملک. فلمة الملک الرقة والفهم، ولمة الشیطان السهو والقسوة»((1)).

وعن علی بن عیسی رفعه قال: «فیما ناجی الله عز وجل به موسی: یا موسی، لا تطول فی الدنیا أملک، فیقسو قلبک، والقاسی القلب منی بعید»((2)).

وعن عبید بن زرارة قال: مات لبعض أصحاب أبی عبد الله علیه السلام ولد فحضر

أبو عبد الله علیه السلام، فلما ألحد تقدم أبوه فطرح علیه التراب، فأخذ أبو عبد الله علیه السلام بکفیه، وقال: «لا تطرح علیه التراب، ومن کان منه ذا رحم فلا یطرح علیه التراب؛ فإن رسول الله صلی الله علیه و آله نهی أن یطرح الوالد أو ذو رحم علی میته التراب». فقلنا: یا ابن رسول الله، أتنهانا عن هذا وحده؟ فقال: «أنهاکم من أن تطرحوا التراب علی ذوی أرحامکم؛ فإن ذلک یورث القسوة فی القلب، ومن قسا قلبه بعد من ربه»((3)).

وکان علی بن الحسین علیه السلام یدعو بهذا الدعاء فی شهر رمضان: «اللهم إن هذا شهر رمضان - إلی أن یقول -: اللهم أذهب عنی فیه النعاس والکسل والسأمة والفترة والقسوة والغفلة والغرة»((4)).

وعن مفضل بن عمر قال: قلت لأبی عبد الله علیه السلام: أخبرنی جعلت فداک لِمَ حرم الله الخمر والمیتة والدم ولحم الخنزیر؟. فقال: «... وأما الدم؛ فإنه یورث آکله الماء الأصفر، ویبخر الفم، وینتن الریح، ویسیء الخلق، ویورث الکَلَب، وقسوة القلب، وقلة الرأفة والرحمة، حتی لا یؤمن أن یقتل ولده ووالده، ولا یؤمن علی حمیمه، ولا یؤمن علی من یصحبه»((5)).

وجاء فی وصیة أمیر المؤمنین علیه السلام لابنه محمد بن الحنفیة: «ما أقبح الأشر عند الظفر،والکآبة عند النائبة المعضلة،والقسوة علی الجار،والخلاف علی الصاحب»((6)).

ص:773


1- الکافی: ج2 ص330 باب القسوة ح3
2- وسائل الشیعة: ج16 ص45 ب76 ح20936
3- الکافی: ج3 ص199 باب من حثا علی المیت وکیف یحثی ح5
4- من لا یحضره الفقیه: ج2 ص105 باب ما یقال فی أول یوم من شهر رمضان ح1849
5- تهذیب الأحکام: ج9 ص128 ب2 ح288
6- من لا یحضره الفقیه: ج4 ص390 ومن ألفاظ رسول الله صلی الله علیه و آله الموجزة ح5834

وقال عیسی ابن مریم: «ما أمرض قلب بأشد من القسوة»((1)).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: «ضادوا القسوة بالرقة»((2)).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: «من اللئام تکون القسوة»((3)).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: «لا لؤم أشد من القسوة»((4)).

وکان الإمام الحسین علیه السلام یقول: «شر خصال الملوک: الجبن من الأعداء، والقسوة علی الضعفاء، والبخل عند الإعطاء»((5)).

36:الکذب

مسألة: الکذب من الرذائل وهو محرم، وهو من مقومات أو مصادیق العنف بالمعنی الأعم.

قال تعالی: ]فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ کَذَبَ عَلَی اللَّهِ وَکَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جاءَهُ[((6)).

وقال سبحانه: ]إِنَّ اللَّهَ لا یَهْدِی مَنْ هُوَ کاذِبٌ کَفَّارٌ[((7)).

وقال تعالی: ]إِنَّ اللَّهَ لا یَهْدِی مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ کَذَّابٌ[((8)).

عن أبی النعمان قال: قال أبو جعفر علیه السلام: «یا أبا النعمان، لا تکذب علینا کذبة فتسلب الحنیفیة، ولا تطلبن أن تکون رأساً فتکون ذنباً، ولا تستأکل الناس بنا فتفتقر. فإنک موقوف لا محالة ومسئول؛ فإن صدقت صدقناک، وإن کذبت کذبناک»((9)).

وعن أبی جعفر علیه السلام قال: «کان علی بن الحسین علیه السلام یقول لولده: اتقوا الکذب الصغیر منه والکبیر فی کل جد وهزل؛ فإن الرجل إذا کذب فی الصغیر اجترأ

ص:774


1- مصباح الشریعة: ص78 ب34
2- غرر الحکم ودرر الکلم: ص325 ق3 ب4 متفرقات أخلاقی ح7572
3- غرر الحکم ودرر الکلم: ص261 ق3 ب2 ف2 الؤوم واللئیم ح5605
4- غرر الحکم ودرر الکلم: ص262 ق3 ب2 ف2 الؤوم واللئیم ح5614
5- المناقب: ج4 ص65 فصل فی مکارم أخلاقه علیه السلام
6- سورة الزمر: 32
7- سورة الزمر: 3
8- سورة غافر: 28
9- بحار الأنوار: ج69 ص233 ب114 ح1

علی الکبیر. أما علمتم أن رسول الله صلی الله علیه و آله قال: ما یزال العبد یصدق حتی یکتبه الله صدیقاً، وما یزال العبد یکذب حتی یکتبه الله کذاباً»((1)).

ویروی عن النبی صلی الله علیه و آله أنه قال لأبی ذر: «یا أبا ذر، ویل للذی یحدث فیکذب لیضحک القوم، ویل له، ویل له، ویل له»((2)).

وعن محمد بن مسلم عن أبی جعفر علیه السلام قال: «إن الله عز وجل جعل للشر أقفالاً، وجعل مفاتیح تلک الأقفال الشراب، والکذب شر من الشراب»((3)).

وعن أبی جعفر علیه السلام قال: «إن الکذب هو خراب الإیمان»((4)).

وعن عمر بن یزید قال: سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول: «إن الکذاب یهلک بالبینات، ویهلک أتباعه بالشبهات»((5)).

وعن الأصبغ بن نباتة قال: قال أمیر المؤمنین علیه السلام: «لا یجد عبد طعم الإیمان حتی یترک الکذب هزله وجده»((6)).

وعن أبی عبد الله علیه السلام قال: قال عیسی ابن مریم (صلوات الله علیه): «من کثر کذبه ذهب بهاؤه»((7)). إلی غیرها من الروایات الکثیرة.

37:النفاق

مسألة: النفاق من الرذائل وهو محرم، ومن مقومات أو مصادیق العنف بالمعنی الأعم.

قال تعالی: ]بَشِّرِ الْمُنافِقِینَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِیماً[((8)).

ص:775


1- الکافی: ج2 ص338 باب الکذب ح2
2- الأمالی للطوسی: ص537 المجلس19 ح1162
3- وسائل الشیعة: ج12 ص244 ب138 ح16206
4- بحار الأنوار: ج69 ص247 ب114 ح8
5- الکافی: ج2 ص339 باب الکذب ح7
6- وسائل الشیعة: ج12 ص250 ب140 ح16226
7- قصص الأنبیاء للراوندی: ص274 ب18 ف6 ح329
8- سورة النساء: 138

وقال سبحانه: ]إِنَّ اللَّهَ جامِعُ الْمُنافِقِینَ وَالْکافِرِینَ فِی جَهَنَّمَ جَمِیعاً[((1)).

وقال تعالی: ]إِنَّ الْمُنافِقِینَ فِی الدَّرْکِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِیراً[((2)).

وقال سبحانه: ]الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ یَأْمُرُونَ بِالْمُنْکَرِ وَیَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَیَقْبِضُونَ أَیْدِیَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِیَهُمْ إِنَّ الْمُنافِقِینَ هُمُ الْفاسِقُونَ * وَعَدَ اللَّهُ الْمُنافِقِینَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْکُفَّارَ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِینَ

فِیها[((3)).

وعن محمد بن جعفر علیه السلام عن أبیه جعفر بن محمد علیه السلام عن آبائه علیهم السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «خلتان لا تجتمعان فی منافق: فقه فی الإسلام، وحسن سمت فی الوجه»((4)).

وقال الإمام الصادق علیه السلام: «أربع من علامات النفاق: قساوة القلب، وجمود العین، والإصرار علی الذنب، والحرص علی الدنیا»((5)).

ومن خطبة لأمیر المؤمنین علیه السلام یصف فیها المنافقین: «أوصیکم عباد الله بتقوی الله، وأحذرکم أهل النفاق؛ فإنهم الضالون المضلون، والزالون المزلون، یتلونون ألواناً، ویفتنون افتناناً، ویعمدونکم بکل عماد، ویرصدونکم بکل مرصاد، قلوبهم دویة، وصفاحهم نقیة، یمشون الخفاء، ویدبون الضراء، وصفهم دواء، وقولهم شفاء، وفعلهم الداء العیاء، حسدة الرخاء، ومؤکدو البلاء، ومقنطو الرجاء، لهم بکل طریق صریع، وإلی کل قلب شفیع، ولکل شجو دموع، یتقارضون الثناء، ویتراقبون الجزاء، إن سألوا ألحفوا، وإن عذلوا کشفوا، وإن حکموا أسرفوا، قد أعدوا لکل حق باطلاً، ولکل قائم مائلاً، ولکل حی قاتلاً، ولکل باب مفتاحاً، ولکل لیل مصباحاً، یتوصلون إلی الطمع بالیأس لیقیموا به أسواقهم، وینفقوا به

ص:776


1- سورة النساء: 140
2- سورة النساء: 145
3- سورة التوبة: 67- 68
4- الأمالی للمفید: ص274 المجلس32 ح5
5- الاختصاص: ص228 حدبث فی زیارة المؤمن لله

أعلاقهم، یقولون فیشبهون، ویصفون فیموهون، قد هونوا الطریق، وأضلعوا المضیق، فهم لمة الشیطان، وحمة النیران، ]أُولئِکَ حِزْبُ الشَّیْطانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّیْطانِ هُمُ الْخاسِرُونَ[((1))»((2)).

وعن ابن مسکان عن أبی حمزة عن علی بن الحسین علیه السلام قال: قال: «إن المنافق ینهی ولا ینتهی، ویأمر بما لا یأتی، وإذا قام إلی الصلاة اعترض». قلت: یا ابن رسول الله وما الاعتراض؟ قال: «الالتفات، وإذا رکع ربض، یمسی وهمه العشاء وهو مفطر، ویصبح وهمه النوم ولم یسهر، إن حدثک کذبک، وإن ائتمنته خانک، وإن غبت اغتابک، وإن وعدک أخلفک»((3)).

وعن مسمع عن أبی عبد الله علیه السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «ما زاد خشوع الجسد علی ما فی القلب فهو عندنا نفاق»((4)).

وعن علی بن أبان عن الأصبغ بن نباتة قال: کنت جالساً عند أمیر المؤمنین علیه السلام فأتاه رجل. فقال: یا أمیر المؤمنین، إنی لأحبک فی السر کما أحبک فی العلانیة. قال: فنکت أمیر المؤمنین علیه السلام الأرض بعود کان فی یده ساعة ثم رفع رأسه. فقال: «کذبت والله، ما أعرف وجهک فی الوجوه، ولا اسمک فی الأسماء». قال الأصبغ: فعجبت من ذلک عجباً شدیداً، فلم أبرح حتی أتاه رجل آخر. فقال: والله یا أمیر المؤمنین، إنی لأحبک فی السر کما أحبک فی العلانیة. قال: فنکت بعوده ذلک فی الأرض طویلاً ثم رفع رأسه. فقال: «صدقت، إن طینتنا طینة مرحومة، أخذ الله میثاقها یوم أخذ المیثاق، فلا یشذ منها شاذ، ولا یدخل فیها داخل إلی یوم القیامة، أما إنه فاتخذ للفاقة جلباباً، فإنی سمعت رسول الله صلی الله علیه و آله یقول: الفاقة إلی محبیک أسرع من السیل المنحدر من أعلی الوادی إلی أسفله»((5)).

وعن موسی المروزی عن أبی الحسن الأول علیه السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله:

ص:777


1- سورة المجادلة: 19
2- نهج البلاغة: الخطب194 ومن خطبة له علیه السلام یصف فیها المنافقین
3- الکافی: ج2 ص396 باب النفاق والمنافق ح3
4- وسائل الشیعة: ج1 ص66 ب11 ح144
5- الأمالی للطوسی:ص409-410 المجلس14 ح921

«أربع یفسدن القلب، وینبتن النفاق فی القلب کما ینبت الماء الشجر: استماع اللهو، والبذاء، وإتیان باب السلطان، وطلب الصید»((1)).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: «بالکذب یتزین أهل النفاق»((2)).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: «شر الأخلاق الکذب والنفاق»((3)).

وقال علیه السلام: «تجنبوا البخل والنفاق فهما من أذل الأخلاق»((4)).

وقال علیه السلام: «النفاق شین الأخلاق»((5)).

وقال علیه السلام: «النفاق یفسد الإیمان»((6)).

وقال علیه السلام: «إیاک والنفاق، فإن ذا الوجهین لا یکون وجیهاً عند الله»((7)).

وقال علیه السلام: «النفاق أخو الشرک»((8)).

وقال علیه السلام: «النفاق توأم الکفر»((9)).

وقال علیه السلام: «المنافق لسانه یسر وقلبه یضر»((10)).

وقال علیه السلام: «إنی أخاف علیکم کل علیم اللسان، منافق الجنان، یقول ما تعلمون، ویفعل ما تنکرون»((11)).

وقال علیه السلام: «من کثر نفاقه لم یعرف وفاقه»((12)).

38:النمیمة

ص:778


1- الخصال: ج1 ص227 أربع یفسدن القلب وینبتن النفاق ح63
2- غرر الحکم ودرر الکلم: ص219 ق3 ب1 ف4 ذم الکذب ح4371
3- غرر الحکم ودرر الکلم: ص219 ق3 ب1 ف4 ذم الکذب ح4373
4- غرر الحکم ودرر الکلم: ص292 ق3 ب3 ف2 فی ذم البخل والبخیل ح6521
5- غرر الحکم ودرر الکلم: ص458 ق6 ب5 ف2 ذم النفاق ومنشؤه ح10474
6- غرر الحکم ودرر الکلم: ص458 ق6 ب5 ف2 ذم النفاق ومنشؤه ح10475
7- غرر الحکم ودرر الکلم: ص458 ق6 ب5 ف2 ذم النفاق ومنشؤه ح10480
8- غرر الحکم ودرر الکلم: ص458 ق6 ب5 ف2 ذم النفاق ومنشؤه ح10483
9- غرر الحکم ودرر الکلم: ص458 ق6 ب5 ف2 ذم النفاق ومنشؤه ح10484
10- غرر الحکم ودرر الکلم: ص458 ق6 ب5 ف2 صفات المنافق ح10490
11- غرر الحکم ودرر الکلم: ص459 ق6 ب5 ف2 صفات المنافق ح10497
12- غرر الحکم ودرر الکلم: ص459 ق6 ب5 ف2 صفات المنافق ح10506

مسألة: النمیمة من الرذائل وهی محرمة، وهی من مقومات أو مصادیق العنف بالمعنی الأعم. قال تعالی: ]وَمَنْ یَشْفَعْ شَفاعَةً سَیِّئَةً یَکُنْ لَهُ کِفْلٌ مِنْها[((1)).

وقال تعالی: ]وَلا تُطِعْ کُلَّ حَلاَّفٍ مَهِینٍ * هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِیمٍ[((2)).

عن أبی سعید هاشم عن أبی عبد الله الصادق علیه السلام قال: «أربعة لا یدخلون الجنة: الکاهن، والمنافق، ومدمن الخمر، والقتات وهو النمام»((3)).

وعن ابن ظبیان عن الصادق علیه السلام قال: «بینا موسی بن عمران علیه السلام یناجی ربه عزوجل إذ رأی رجلاً تحت ظل عرش الله عزوجل. فقال: یا رب، من هذا الذی قد أظله عرشک؟. فقال: هذا کان باراً بوالدیه، ولم یمش بالنمیمة»((4)).

وعن الربیع صاحب المنصور قال: إن الصادق علیه السلام قال للمنصور: «لا تقبل فی ذی رحمک وأهل الرعایة من أهل بیتک قول من حرم الله علیه الجنة ومأواه النار فإن النمام شاهد زور وشریک إبلیس فی الإغراء بین الناس وقد قال الله تبارک وتعالی: ]یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِنْ جاءَکُمْ فاسِقٌ بِنَبَأ فَتَبَیَّنُوا أَنْ تُصِیبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلی ما فَعَلْتُمْ نادِمِینَ[((5))»((6)).

وفی مناهی النبی صلی الله علیه و آله أنه نهی عن النمیمة والاستماع إلیها وقال: «لا یدخل الجنة قتات، یعنی نماماً» وقال صلی الله علیه و آله: «یقول الله عزوجل: حرمت الجنة علی المنان والبخیل والقتات وهو النمام»((7)).

وعن أبی عبد الله علیه السلام قال: «ثلاثة لا یدخلون الجنة: السفاک للدم، وشارب الخمر، ومشاء بنمیمة»((8)).

وعن عبد الله بن سنان عن أبی عبد الله علیه السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «ألا أنبئکم بشرارکم؟». قالوا: بلی یا رسول الله. قال: «المشاؤون بالنمیمة، المفرقون بین الأحبة، الباغون للبرآء المعایب»((9)).

وعن عبد العظیم الحسنی علیه السلام عن أبی جعفر الثانی علیه السلام عن آبائه علیهم السلام قال:

 قال النبی صلی الله علیه و آله: «لما أسری بی رأیت امرأة رأسها رأس خنزیر، وبدنها بدن الحمار،

ص:779


1- سورة النساء: 85
2- سورة القلم: 10-11
3- وسائل الشیعة: ج12 ص309 ب164 ح16379
4- بحار الأنوار: ج71 ص65 ب2 ح30، والبحار: ج72 ص263 ب67 ح2
5- سورة الحجرات: 6
6- وسائل الشیعة: ج12 ص309 ب164 ح16378
7- الأمالی للصدوق: ص424و432 المجلس66 ح1
8- الخصال: ج1 ص180 ثلاثة لا یدخلون الجنة ح244
9- الکافی: ج2 ص369 باب النمیمة ح1

وعلیها ألف ألف لون من العذاب، فسئل ما کان عملها؟. فقال: إنها کانت نمامة کذابة»((1)).

وعن حذیفة قال: سمعت النبی صلی الله علیه و آله یقول: «لا یدخل الجنة قتات»((2)).

وعن حسین بن زید عن جعفر بن محمد علیه السلام عن أبیه علیه السلام عن جده علیه السلام عن علی بن أبی طالب علیه السلام قال: سمعت رسول الله صلی الله علیه و آله یقول: «المؤمن غر کریم، والمنافق خب لئیم، وخیر المؤمنین من کان مألفة للمؤمنین، ولا خیر فیمن لا یألف ولا یؤالف - قال -: وسمعت رسول الله صلی الله علیه و آله یقول: شرار الناس من یبغض المؤمنین، وتبغضه قلوبهم، المشاؤون بالنمیمة، والمفرقون بین الأحبة، الباغون للناس العیب، أولئک لا ینظر الله إلیهم، ولا یزکیهم یوم القیامة، ثم تلا صلی الله علیه و آله: ]هُوَ الَّذِی أَیَّدَکَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِینَ * وَأَلَّفَ بَیْنَ قُلُوبِهِمْ[((3))»((4)).

وعن زید بن علی علیه السلام عن أبیه علیه السلام عن جده علیه السلام عن علی علیه السلام قال: «عذاب القبر یکون من النمیمة، والبول، وعزب الرجل عن أهله»((5)).

وعن أبی عبد الله علیه السلام قال: «لا یدخل الجنة: سفاک الدم، ولا مدمن الخمر، ولا مشاء بنمیم»((6)).

وعن علی بن جعفر عن أبی الحسن موسی بن جعفر علیه السلام قال: «حرمت الجنة علی ثلاثة: النمام، ومدمن الخمر، والدیوث وهو الفاجر»((7)).

ورفع رجل إلی أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب علیه السلام کتاباً فیه سعایة، فنظر إلیه أمیر المؤمنین علیه السلام . ثم قال: «یا هذا، إن کنت صادقاً مقتناک، وإن کنت کاذباً

ص:780


1- بحار الأنوار: ج72 ص264 ب67 ح7
2- الأمالی للطوسی: ص383 المجلس13 ح825
3- سورة الأنفال: 62- 63
4- وسائل الشیعة: ج12 ص18 ب7 ح15528
5- علل الشرائع: ج1 ص309 ب262 ح2
6- ثواب الأعمال: ص270 عقاب سفک الدماء وإدمان الخمر والمشی بالنمیمة
7- مسائل علی بن جعفر علیه السلام : ص349 الأخلاقیات ح863

عاقبناک، وإن أحببت القیلة أقلناک». قال: بل تقیلنی یا أمیر المؤمنین ((1)).

وقال رسول الله صلی الله علیه و آله: «إن شر الناس یوم القیامة المثلث». قیل: یا رسول الله، وما المثلث؟. قال: «الرجل یسعی بأخیه إلی إمامه فیقتله، فیهلک نفسه وأخاه وإمامه»((2)).

39:سفک الدماء

مسألة: سفک الدماء من أشد المحرمات ومن أبرز مصادیق العنف.

قال تعالی: ]وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِی حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِیِّهِ سُلْطاناً فَلا یُسْرِفْ فِی الْقَتْلِ إِنَّهُ کانَ مَنْصُوراً[((3)).

وقال سبحانه: ]وَالَّذِینَ لا یَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ وَلا یَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِی حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ[((4)).

وقال تعالی: ]مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَیْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِی الأَرْضِ فَکَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِیعاً وَمَنْ أَحْیاها فَکَأَنَّما أَحْیَا النَّاسَ جَمِیعاً[((5)).

وقال سبحانه: ]وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَکُمْ إِنَّ اللَّهَ کانَ بِکُمْ رَحِیماً * وَمَنْ یَفْعَلْ ذلِکَ عُدْواناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِیهِ ناراً وَکانَ ذلِکَ عَلَی اللَّهِ یَسِیراً[((6)).

وقال تعالی: ]وَمَنْ یَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِیها وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَیْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِیماً[((7)).

عن أبی عبد الله علیه السلام قال: «ثلاثة لا یدخلون الجنة: السفاک للدم، وشارب الخمر، ومشاء بنمیمة»((8)).

وعن أبی عبد الله علیه السلام قال: «لا یدخل الجنة: سفاک الدم، ولا مدمن الخمر،

ص:781


1- الاختصاص: ص142 ثمانیة لا یقبل الله صلاتهم
2- قرب الإسناد: ص15
3- سورة الإسراء: 33
4- سورة الفرقان: 68
5- سورة المائدة: 32
6- سورة النساء: 29-30
7- سورة النساء: 93
8- روضة الواعظین: ج2 ص463 مجلس فی ذکر الخمر والربا

ولا مشاء بنمیم»((1)).

وعن جعفر بن محمد علیه السلام عن أبیه علیه السلام عن آبائه علیهم السلام أن رسول الله صلی الله علیه و آله قال: «إن فی جهنم وادیاً یقال ل-ه: السعیر، إذا فتح ذلک الوادی ضجت النیران منه، أعده الله للقاتلین»((2)).

وعن رسول الله صلی الله علیه و آله أنه خطب الناس یوم النحر بمنی فقال: «أیها الناس، لاترجعوا بعدی کفاراً یضرب بعضکم رقاب بعض، فإنما أمرت أن أقاتل الناس حتی یقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوا ذلک فقد عصموا منی دماءهم وأموالهم إلی یوم یلقون ربهم فیحاسبهم، ألا هل بلغت». قالوا: نعم. قال: «اللهم اشهد»((3)).

وعن إسحاق بن عمار عن أبی عبد الله علیه السلام قال: «إن الله عزوجل أوحی إلی نبی من أنبیائه فی مملکة جبار من الجبارین: أن ائت هذا الجبار، فقل ل-ه: إننی لم أستعملک علی سفک الدماء، واتخاذ الأموال، وإنما استعملتک لتکف عنی أصوات المظلومین؛ فإنی لم أدع ظلامتهم، وإن کانوا کفارا»((4)).

وجاء فی الخبر الذی رواه المفضل بن عمر عن أبی عبد الله علیه السلام عندما سأله عن علة تحریم الخمر؟. فقال علیه السلام: «وأما الخمر؛ فإنه حرمها لفعلها وفسادها - وقال -: إن مدمن الخمر کعابد وثن، ویورثه ارتعاشاً، ویذهب بنوره، ویهدم مروته، ویحمله علی أن یجسر علی المحارم من سفک الدماء، ورکوب الزنی، ولا یؤمن إذا سکر أن یثب علی حرمه وهو لا یعقل ذلک، والخمر لن تزید شاربها إلا کل شر»((5)).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام فی عهده إلی مالک الأشتر: «إیاک والدماء! وسفکها بغیر حلها؛ فإنه لیس شیء أدعی لنقمة، ولا أعظم لتبعة، ولا أحری بزوال نعمة، وانقطاع مدة، من سفک الدماء بغیر حقها، والله سبحانه مبتدئ بالحکم بین العباد فیما

ص:782


1- بحار الأنوار: ج72 ص265 ب67 ح11، والبحار: ج76 ص138 ب86 ح37
2- دعائم الإسلام: ج2 ص401- 402 ف1 ح1405
3- دعائم الإسلام: ج2 ص402 ف1 ح1409
4- الکافی: ج2 ص333 باب الظلم ح14
5- تهذیب الأحکام: ج9 ص128 ب2 ح288

تسافکوا من الدماء یوم القیامة. فلا تقوین سلطانک بسفک دم حرام؛ فإن ذلک مما یضعفه ویوهنه، بل یزیله وینقله، ولا عذر لک عند الله، ولا عندی فی قتل العمد؛ لأن فیه قود البدن. وإن ابتلیت بخطأ، وأفرط علیک سوطک، أو سیفک، أو یدک بالعقوبة؛ فإن فی الوکزة فما فوقها مقتلة، فلا تطمحن بک نخوة سلطانک عن أن تؤدی إلی أولیاء المقتول حقهم»((1)).

وعن علی علیه السلام: أن رسول الله صلی الله علیه و آله قال ل-ه - فیما عهد إلیه -: «وإیاک والتسرع إلی سفک الدماء بغیر حلها؛ فإنه لیس شی ء أعظم من ذلک تباعة»((2)).

وعن أمیر المؤمنین علیه السلام أنه قال: «سفک الدماء بغیر حقها یدعو إلی حلول النقمة وزوال النعمة»((3)).

وقال رسول الله صلی الله علیه و آله: «ألا إنی أخاف علیکم ستة أشیاء: إمارة السفهاء، والرشوة فی الحکم، وسفک الدماء...»((4)).

وعن أبی حمزة عن أحدهما 3 قال: «أتی رسول الله صلی الله علیه و آله فقیل ل-ه: یا رسول الله قتیل فی جهینة. فقام رسول الله صلی الله علیه و آله یمشی حتی انتهی إلی مسجدهم. قال: وتسامع الناس فأتوه. فقال: من قتل ذا؟ قالوا: یا رسول الله ما ندری. فقال: قتیل بین المسلمین لا یدری من قتله والذی بعثنی بالحق لو أن أهل السماء والأرض شرکوا فی دم امرئ مسلم ورضوا به لأکبهم الله علی مناخرهم فی النار» أو قال: «علی وجوههم»((5)).

وعن محمد بن مسلم عن أبی جعفر علیه السلام قال: «إن الرجل لیأتی یوم القیامة ومعه قدر محجمة من دم. فیقول: والله ما قتلت ولا شرکت فی دم!. فیقال: بلی، ذکرت

ص:783


1- نهج البلاغة: الرسائل 53 ومن کتاب له علیه السلام کتبه للأشتر النخعی لما ولاه مصر وأعمالها
2- دعائم الإسلام: ج1 ص368 ذکر ما یجب للأمراء وما یجب علیهم
3- غرر الحکم ودرر الکلم: ص464 ق6 ب5 ف9 ح10673
4- معدن الجواهر: ص53 باب کر ما جاء فی ستة
5- الکافی: ج7 ص272- 273 باب القتل ح8

عبدی فلاناً فترقی ذلک حتی قتل فأصابک من دمه»((1)).

وعن أبی الجارود عن أبی جعفر علیه السلام قال: «ما من نفس تقتل برة ولا فاجرة إلا وهی تحشر یوم القیامة متعلقة بقاتله بیده الیمنی، ورأسه بیده الیسری، وأوداجه تشخب دماً، یقول: یا رب، سل هذا فیم قتلنی؟. فإن کان قتله فی طاعة الله أثیب القاتل الجنة، وأذهب بالمقتول إلی النار. وإن قال فی طاعة فلان، قیل له: اقتله کما قتلک. ثم یفعل الله فیهما بعد مشیئته»((2)).

وعن هشام بن سالم عن أبی عبد الله علیه السلام قال: «لا یزال المؤمن فی فسحة من دینه ما لم یصب دماً حراماً، وقال: لا یوفق قاتل المؤمن متعمداً للتوبة»((3)).

40:سوء الخلق

مسألة: سوء الخلق من الرذائل وهو محرم فی بعض مراتبه، وهو من مقومات أو مصادیق العنف بالمعنی الأعم.

قال تعالی: ]وَلَوْ کُنْتَ فَظًّا غَلِیظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِکَ[((4)).

وقال سبحانه: ]عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِکَ زَنِیمٍ[((5)).

عن عبد الله بن سنان عن أبی عبد الله علیه السلام قال: «إن سوء الخلق لیفسد العمل کما یفسد الخل العسل»((6)).

وعن أبی عبد الله علیه السلام قال: «من أساء خلقه عذب نفسه»((7)).

وعن مسعدة بن صدقة عن الصادق علیه السلام عن أبیه علیه السلام قال: «قال علی علیه السلام لأبی أیوب الأنصاری: یا أبا أیوب، ما بلغ من کرم أخلاقک؟. قال: لا أوذی جاراً فمن دونه، ولا أمنعه معروفاً أقدر علیه - ثم قال علیه السلام -: ما من ذنب إلا وله توبة،

ص:784


1- وسائل الشیعة: ج29 ص17 ب2 ح35041
2- وسائل الشیعة: ج29 ص12- 13 ب1 ح35027
3- من لا یحضره الفقیه: ج4 ص93 باب تحریم الدماء والأموال بغیر حقها ح5153
4- سورة آل عمران: 159
5- سورة القلم: 13
6- بحار الأنوار: ج70 ص296 ب135 ح1
7- الأمالی للصدوق: ص205 المجلس37 ح3

وما من تائب إلا وقد تسلم ل-ه توبته، ما خلا سیئ الخلق لا یکاد یتوب من ذنب إلا وقع فی غیره أشد منه»((1)).

وعن أبی سعید الخدری قال: قال النبی صلی الله علیه و آله: «خصلتان لا تجتمعان فی مسلم: البخل وسوء الخلق»((2)).

وعن أبی عبد الله علیه السلام قال: قال أمیر المؤمنین علیه السلام فی وصیته لابنه محمد بن الحنفیة: «إیاک والعجب، وسوء الخلق، وقلة الصبر؛ فإنه لا یستقیم لک علی هذه الخصال الثلاث صاحب، ولا یزال لک علیها من الناس مجانب، وألزم نفسک التودد»((3)).

وقال الإمام الصادق علیه السلام للثوری: «یا سفیان، لا مروة لکذوب، ولا أخ لملول، ولا راحة لحسود، ولا سؤدد لسیئ الخلق»((4)).

وعن أبی عبد الله علیه السلام قال: «أبی الله تعالی لصاحب الخلق السیئ بالتوبة». قیل: وکیف ذاک؟. قال: «لأنه لا یخرج من ذنب حتی یقع فیما هو أعظم منه»((5)).

وعن عبد الله بن سنان عن أبی عبد الله الصادق جعفر بن محمد علیه السلام قال: «أتی رسول الله صلی الله علیه و آله فقیل ل-ه: إن سعد بن معاذ قد مات. فقام رسول الله صلی الله علیه و آله وقام أصحابه معه. فأمر بغسل سعد وهو قائم علی عضادة الباب، فلما أن حنط وکفن وحمل علی سریره، تبعه رسول الله صلی الله علیه و آله بلا حذاء ولا رداء. ثم کان یأخذ یمنة السریر مرة، ویسرة السریر مرة، حتی انتهی به إلی القبر. فنزل رسول الله صلی الله علیه و آله حتی لحده وسوی اللبن علیه، وجعل یقول: ناولونی حجراً، ناولونی تراباً رطباً، یسد به ما بین اللبن. فلما أن فرغ وحثا التراب علیه وسوی قبره. قال رسول الله صلی الله علیه و آله: إنی لأعلم أنه سیبلی، ویصل البلی إلیه، ولکن الله یحب عبداً إذا عمل عملاً أحکمه. فلما أن سوی

ص:785


1- مستدرک الوسائل: ج12 ص75 ب69 ح13551
2- وسائل الشیعة: ج9 ص39-40 ب5 ح11471
3- الخصال: ج1 ص147 النهی عن ثلاث خصال ح178
4- بحار الأنوار: ج70 ص297 ب135 ح7
5- علل الشرائع: ج2 ص492 ب242 ح1

التربة علیه، قالت أم سعد: یا سعد، هنیئاً لک الجنة. فقال رسول الله صلی الله علیه و آله: یا أم سعد، مه لا تجزمی علی ربک؛ فإن سعداً قد أصابته ضمة. - قال -: فرجع رسول الله صلی الله علیه و آله ورجع الناس. فقالوا ل-ه: یا رسول الله، لقد رأیناک صنعت علی سعد ما لم تصنعه علی أحد، إنک تبعت جنازته بلا رداء ولا حذاء؟. فقال صلی الله علیه و آله: إن الملائکة کانت بلا رداء ولا حذاء، فتأسیت بها. قالوا: وکنت تأخذ یمنة السریر مرة، ویسرة السریر مرة؟. قال: کانت یدی فی ید جبرئیل آخذ حیث یأخذ. قالوا: أمرت بغسله، وصلیت علی جنازته، ولحدته فی قبره، ثم قلت: إن سعداً قد أصابته ضمة؟. - قال -: فقال: نعم، إنه کان فی خلقه مع أهله سوء»((1)).

وعن موسی بن جعفر علیه السلام عن آبائه علیهم السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «أبی الله لصاحب الخلق السیئ بالتوبة». فقیل: یا رسول الله، وکیف ذلک؟. قال: «لأنه إذا تاب عن ذنب وقع فی ذنب أعظم من الذنب الذی تاب منه»((2)).

وعن جعفر بن محمد علیه السلام عن آبائه علیهم السلام فی وصیة النبی صلی الله علیه و آله لعلی علیه السلام: «یا علی، لیس علی النساء جمعة» إلی أن قال: «ولا تولی القضاء ولا تستشار. یا علی، سوء الخلق شؤم، وطاعة المرأة ندامة. یا علی، إن کان الشؤم فی شی ء ففی لسان المرأة»((3)).

وعن ابن عباس عن النبی صلی الله علیه و آله قال: «أنا أدیب الله، وعلی علیه السلام أدیبی. أمرنی ربی بالسخاء والبر، ونهانی عن البخل والجفاء. وما شیء أبغض إلی الله عزوجل من البخل وسوء الخلق، وإنه لیفسد العمل کما یفسد الخل العسل»((4)).

وقال صلی الله علیه و آله: «من سعادة المرء حسن الخلق، ومن شقاوته سوء الخلق»((5)).

وعن حماد بن عیسی عن الصادق علیه السلام قال: «قال لقمان: یا بنی، احذر

ص:786


1- الأمالی للصدوق: ص384- 385 المجلس61 ح2
2- مستدرک الوسائل: ج12 ص75 ب69 ح13550
3- وسائل الشیعة: ج12 ص46 ب25 ح15605
4- مکارم الأخلاق: ص17 ب1 ف2 فی جوده صلی الله علیه و آله
5- تنبیه الخواطر ونزهة النواظر: ج2 ص250

الحسد! فلا یکونن من شأنک. واجتنب سوء الخلق، ولا یکونن من طبعک؛ فإنک لاتضر بهما إلا نفسک. وإذا کنت أنت الضار لنفسک کفیت عدوک أمرک؛ لأن عداوتک لنفسک أضر علیک من عداوة غیرک»((1)).

وعن رسول الله صلی الله علیه و آله أنه قال فی حدیث: «وسوء الخلق زمام من عذاب الله فی أنف صاحبه، والزمام بید الشیطان یجره إلی الشر، والشر یجره إلی النار»((2)).

41:عقوق الوالدین

مسألة: عقوق الوالدین من الرذائل وهو محرم، ومن مقومات أو مصادیق العنف بالمعنی الأعم. قال تعالی: ]وَقَضی رَبُّکَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِیَّاهُ وَبِالْوالِدَیْنِ إِحْساناً إِمَّا یَبْلُغَنَّ عِنْدَکَ الْکِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ کِلاهُما فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُما وَقُلْ لَهُما قَوْلاً کَرِیماً * وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما کَما رَبَّیانِی صَغِیراً[((3)).

وقال سبحانه: ]وَوَصَّیْنَا الإِنْسانَ بِوالِدَیْهِ حُسْناً وَإِنْ جاهَداکَ لِتُشْرِکَ بِی ما لَیْسَ لَکَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما إِلَیَّ مَرْجِعُکُمْ فَأُنَبِّئُکُمْ بِما کُنْتُمْ تَعْمَلُونَ[((4)).

عن ابن محبوب قال: کتب معی بعض أصحابنا إلی أبی الحسن علیه السلام یسأله عن الکبائر کم هی، وما هی؟. فکتب: «الکبائر من اجتنب ما وعد الله علیه النار، کفر عنه سیئاته إذا کان مؤمناً. والسبع الموجبات: قتل النفس الحرام، وعقوق الوالدین، وأکل الربا، والتعرب بعد الهجرة، وقذف المحصنات، وأکل مال الیتیم، والفرار من الزحف»((5)).

وعن حدید بن حکیم عن أبی عبد الله علیه السلام قال: «أدنی العقوق أف، ولو علم الله شیئاً أهون منه لنهی عنه»((6)).

ص:787


1- مستدرک الوسائل: ج12 ص20 ب55 ح13399
2- جامع الأخبار: ص107 ف64
3- سورة الإسراء: 23
4- سورة العنکبوت: 8
5- الکافی: ج2 ص276- 277 باب الکبائر ح2
6- وسائل الشیعة: ج21 ص500 ب104 ح27693

وعن عبد الله بن المغیرة عن أبی الحسن علیه السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «کن باراً واقتصر علی الجنة، وإن کنت عاقاً فظاً فاقتصر علی النار»((1)).

وعن یعقوب بن شعیب عن أبی عبد الله علیه السلام قال: «إذا کان یوم القیامة کشف غطاء من أغطیة الجنة، فوجد ریحها من کانت ل-ه روح من مسیرة خمسمائة عام إلا صنف واحد». قلت: من هم؟. قال: «العاق لوالدیه»((2)).

وعن السکونی عن جعفر علیه السلام عن أبیه علیه السلام عن آبائه علیهم السلام أن النبی صلی الله علیه و آله قال: «فوق کل ذی بر بر، حتی یقتل فی سبیل الله؛ فإذا قتل فی سبیل الله فلیس فوقه بر. وفوق کل ذی عقوق عقوق،حتی یقتل أحد والدیه؛فإذا قتل أحد والدیه فلیس فوقه عقوق»((3)).

وعن سیف بن عمیرة عن أبی عبد الله علیه السلام قال: «من نظر إلی أبویه نظر ماقت وهما ظالمان له، لم یقبل الله له صلاة»((4)).

وعن محمد بن فرات عن أبی جعفر علیه السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله فی کلام له: «إیاکم وعقوق الوالدین! فإن ریح الجنة یوجد من مسیرة ألف عام، ولا یجدها عاق، ولا قاطع رحم،ولا شیخ زان،ولا جار إزاره خیلاء، إنما الکبریاء لله رب العالمین»((5)).

وعن إبراهیم بن أبی البلاد عن أبیه عن جده عن أبی عبد الله علیه السلام قال: «لو علم الله شیئاً أدنی من أف لنهی عنه، وهو من العقوق وهو أدنی العقوق. ومن العقوق أن ینظر الرجل إلی أبویه یحد النظر إلیهما»((6)).

وعن عبد الله بن سلیمان عن أبی جعفر علیه السلام قال: «إن أبی نظر إلی رجل ومعه ابنه یمشی والابن متکئ علی ذراع الأب - قال -: فما کلمه أبی مقتاً ل-ه حتی فارق

ص:788


1- بحار الأنوار: ج71 ص60 ب2 ح23
2- الکافی: ج2 ص348 باب العقوق ح3
3- تهذیب الأحکام: ج6 ص122 ب54 ح4
4- تنبیه الخواطر ونزهة النواظر: ج2 ص208
5- وسائل الشیعة: ج21 ص501- 502 ب104 ح27697
6- مستدرک الوسائل: ج15 ص192 ب75 ح17973

الدنیا»((1)).

وعن مجاهد عن أبیه عن أبی عبد الله علیه السلام قال: «الذنوب التی تغیر النعم: البغی، والذنوب التی تورث الندم: القتل، والتی تنزل النقم: الظلم، والتی تهتک الستور: شرب الخمر، والتی تحبس الرزق: الزناء، والتی تعجل الفناء: قطیعة الرحم، والتی ترد الدعاء وتظلم الهواء: عقوق الوالدین»((2)).

وعن أبی إسحاق الهمدانی عن أبیه عن أمیر المؤمنین علیه السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «ثلاث من الذنوب تعجل عقوبتها ولا تؤخر إلی الآخرة: عقوق الوالدین، والبغی علی الناس، وکفر الإحسان»((3)).

42:قطیعة الرحم

مسألة: قطیعة الرحم من الرذائل المحرمة، وهی من مقومات أو مصادیق العنف بالمعنی الأعم. قال تعالی: ]فَهَلْ عَسَیْتُمْ إِنْ تَوَلَّیْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِی الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَکُمْ[((4)).

وقال سبحانه: ]وَالَّذِینَ یَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِیثاقِهِ وَیَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ یُوصَلَ وَیُفْسِدُونَ فِی الأَرْضِ أُولئِکَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ[((5)).

وقال تعالی: ]إِنَّ اللَّهَ یَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسانِ وَإِیتاءِ ذِی الْقُرْبی[((6)).

عن حذیفة بن منصور قال: قال أبو عبد الله علیه السلام: «اتقوا الحالقة فإنها تمیت الرجال». قلت: وما الحالقة؟. قال: «قطیعة الرحم»((7)).

وعن أبی عبد الله علیه السلام قال: قلت ل-ه: إن إخوتی وبنی عمی قد ضیقوا علیَّ

ص:789


1- بحار الأنوار: ج71 ص64- 65 ب2 ح29
2- علل الشرائع: ج2 ص584 ب385 ح27
3- الأمالی للطوسی: ص14 المجلس1 ح17
4- سورة محمد: 22
5- سورة الرعد: 25
6- سورة النحل: 90
7- الکافی: ج2 ص346 باب قطیعة الرحم ح2

الدار، وألجئونی منها إلی بیت، ولو تکلمت أخذت ما فی أیدیهم. قال: فقال لی: «اصبر فإن الله سیجعل لک فرجاً». قال: فانصرفت ووقع الوباء فی سنة إحدی وثلاثین ومائة، فماتوا والله کلهم فما بقی منهم أحد. قال: فخرجت فلما دخلت علیه. قال: «ما حال أهل بیتک؟». قال: قلت: قد ماتوا والله کلهم فما بقی منهم أحد. فقال: «هو بما صنعوا بک، وبعقوقهم إیاک، وقطع رحمهم بتروا. أ تحب أنهم بقوا وأنهم ضیقوا علیک؟». قال: قلت:إی والله ((1)).

وعن أبی عبیدة عن أبی جعفر علیه السلام قال: «فی کتاب علی علیه السلام: ثلاث خصال لا یموت صاحبهن أبداً حتی یری وبالهن: البغی، وقطیعة الرحم، والیمین الکاذبة یبارز الله بها. وإن أعجل الطاعة ثواباً لصلة الرحم، وإن القوم لیکونون فجاراً فیتواصلون فتنمی أموالهم، ویبرون فتزداد أعمارهم. وإن الیمین الکاذبة، وقطیعة الرحم لتذران الدیار بلاقع من أهلها ویثقلان الرحم. وإن تثقل الرحم انقطاع النسل»((2)).

وعن عنبسة العابد قال: جاء رجل فشکا إلی أبی عبد الله علیه السلام أقاربه. فقال له: «اکظم غیظک وافعل». فقال: إنهم یفعلون ویفعلون. فقال: «أ ترید أن تکون مثلهم، فلا ینظر الله إلیکم»((3)).

وعن السکونی عن أبی عبد الله علیه السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «لا تقطع رحمک وإن قطعتک»((4)).

وعن أبی حمزة الثمالی قال: قال أمیر المؤمنین علیه السلام فی خطبته: «أعوذ بالله من الذنوب التی تعجل الفناء». فقام إلیه عبد الله بن الکواء الیشکری، فقال: یا أمیر المؤمنین، أو یکون ذنوب تعجل الفناء؟. فقال: «نعم، ویلک قطیعة الرحم. إن أهل

ص:790


1- بحار الأنوار: ج71 ص133 ب3 ح103
2- الخصال: ج1 ص124 ثلاث خصال لا یموت صاحبهن حتی یری وبالهن ح119
3- الکافی: ج2 ص347 باب قطیعة الرحم ح5
4- وسائل الشیعة: ج12 ص273 ب149 ح16290، والوسائل: ج21 ص493 ب95 ح27676

البیت لیجتمعون ویتواسون وهم فجرة، فیرزقهم الله عزوجل. وإن أهل البیت لیتفرقون، ویقطع بعضهم بعضاً، فیحرمهم الله وهم أتقیاء»((1)).

وعن أبی حمزة عن أبی جعفر علیه السلام قال: قال أمیر المؤمنین علیه السلام: «إذا قطعوا الأرحام؛ جعلت الأموال فی أیدی الأشرار»((2)).

وعن أبی عبیدة الحذاء عن أبی جعفر علیه السلام قال: «إن فی کتاب علی علیه السلام: أن الیمین الکاذبة، وقطیعة الرحم تذران الدیار بلاقع من أهلها، وتنغل الرحم یعنی انقطاع النسل»((3)).

وعن عبد الله بن محمد بن طلحة عن أبی عبد الله علیه السلام: «أن رجلاً من خثعم جاء إلی رسول الله صلی الله علیه و آله. فقال: یا رسول الله، أخبرنی ما أفضل الإسلام؟. قال: الإیمان بالله. قال: ثم ماذا؟. قال: صلة الرحم. قال: ثم ماذا؟. قال: الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر. - قال -: فقال الرجل: فأی الأعمال أبغض إلی الله عزوجل؟. قال: الشرک بالله. قال: ثم ماذا؟. قال: قطیعة الرحم. قال: ثم ماذا؟. قال: الأمر بالمنکر والنهی عن المعروف»((4)).

وعن الرضا علیه السلام عن آبائه علیهم السلام عن علی علیه السلام قال: «سمعت رسول الله صلی الله علیه و آله یقول: أخاف علیکم استخفافاً بالدین، وبیع الحکم، وقطیعة الرحم، وأن تتخذوا القرآن مزامیر، تقدمون أحدکم ولیس بأفضلکم فی الدین»((5)).

43:قول الزور

مسألة: قول الزور من الرذائل وهو محرم، وهو من مقومات أو مصادیق العنف بالمعنی الأعم. قال تعالی: ]وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ[((6)).

ص:791


1- بحار الأنوار: ج71 ص137- 138 ب3 ح107
2- الکافی: ج2 ص348 باب قطیعة الرحم ح8
3- الکافی: ج7 ص436 باب الیمین الکاذبة ح9
4- تهذیب الأحکام: ج6 ص176 ب80 ح4
5- وسائل الشیعة: ج17 ص308 ب99 ح22611
6- سورة الحج: 30

وقال سبحانه: ]وَالَّذِینَ لا یَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا کِراماً[((1)).

وقال تعالی: ]وَإِنَّهُمْ لَیَقُولُونَ مُنْکَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً[((2)).

عن سماعة بن مهران عن أبی بصیر قال: سألت أبا عبد الله علیه السلام عن قول الله عزوجل: ]فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ[((3))؟. قال: «الغناء»((4)).

وعن أبی أسامة عن أبی عبد الله علیه السلام قال: «الغناء عش النفاق»((5)).

وعن سماعة قال: قال أبو عبد الله علیه السلام: «لما مات آدم علیه السلام وشمت به إبلیس وقابیل.فاجتمعا فی الأرض، فجعل إبلیس وقابیل المعازف والملاهی شماتة بآدمعلیه السلام. فکل ما کان فی الأرض من هذا الضرب الذی یتلذذ به الناس فإنما هو من ذاک»((6)).

وعن محمد بن مسلم عن أبی جعفر علیه السلام قال: سمعته یقول: «الغناء مما وعد الله عزوجل علیه النار، وتلا هذه الآیة: ]وَمِنَ النَّاسِ مَنْ یَشْتَرِی لَهْوَ الْحَدِیثِ لِیُضِلَّ عَنْ سَبِیلِ اللَّهِ بِغَیْرِ عِلْمٍ وَیَتَّخِذَها هُزُواً أُولئِکَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِینٌ[((7))»((8)).

وعن السکونی عن أبی عبد الله علیه السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «أنهاکم عن الزفن، والمزمار، وعن الکوبات والکبرات»((9)).

وعن أبی أیوب الخزاز قال: نزلنا المدینة فأتینا أبا عبد الله علیه السلام. فقال لنا: «أین نزلتم؟». فقلنا: علی فلان صاحب القیان. فقال: «کونوا کراماً». فو الله ما علمنا ما أراد به، وظننا أنه یقول: تفضلوا علیه فعدنا إلیه. فقلنا: إنا لا ندری ما أردت

ص:792


1- سورة الفرقان: 72
2- سورة المجادلة: 2
3- سورة الحج: 30
4- وسائل الشیعة: ج17 ص305 ب99 ح22602
5- الکافی: ج6 ص431 باب الغناء ح2
6- الکافی: ج6 ص431 باب الغناء ح3
7- سورة لقمان: 6
8- وسائل الشیعة: ج17 ص304- 305 ب99 ح22599
9- الکافی: ج6 ص432 باب الغناء ح7

بقولک: کونوا کراما؟!. فقال: «أما سمعتم قول الله عزوجل فی کتابه:  ]وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا کِراماً[((1))»((2)).

وعن مسعدة بن زیاد قال: کنت عند أبی عبد الله علیه السلام فقال له رجل: بأبی أنت وأمی، إننی أدخل کنیفاً لی، ولی جیران عندهم جوار یتغنین ویضربن بالعود، فربما أطلت الجلوس استماعاً منی لهن. فقال: «لا تفعل». فقال الرجل: والله ما آتیهن إنما هو سماع أسمعه بأذنی. فقال: «لله أنت أما سمعت الله عزوجل یقول: ]إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ کُلُّ أُولئِکَ کانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً[((3))». فقال: بلی، والله لکأنی لم أسمع بهذه الآیة من کتاب الله من أعجمی ولا عربی، لا جرم أننی لا أعود إن شاء الله، وأنی أستغفر الله. فقال ل-ه: «قم فاغتسل، وسل ما بدا لک؛ فإنک کنت مقیماً علی أمر عظیم، ما کان أسوأ حالک لو مت علی ذلک، احمد الله وسله التوبة من کل ما یکره؛ فإنه لا یکره إلا کل قبیح، والقبیح دعه لأهله؛ فإن لکل أهلاً»((4)).

وعن عمر الزعفرانی عن أبی عبد الله علیه السلام قال: «من أنعم الله علیه بنعمة، فجاء عند تلک النعمة بمزمار فقد کفرها. ومن أصیب بمصیبة، فجاء عند تلک المصیبة بنائحة فقد کفرها»((5)).

وعن عبد الأعلی قال: سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الغناء، وقلت: إنهم یزعمون أن رسول الله صلی الله علیه و آله رخص فی أن یقال: جئناکم جئناکم، حیونا حیونا، نحیکم؟. فقال: «کذبوا إن الله عزوجل یقول: ]وَما خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَما بَیْنَهُما لاعِبِینَ * لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لاَتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ کُنَّا فاعِلِینَ * بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَی الْباطِلِ فَیَدْمَغُهُ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ وَلَکُمُ الْوَیْلُ مِمَّا تَصِفُونَ[((6))- ثم

ص:793


1- سورة الفرقان: 72
2- الکافی: ج6 ص432 باب الغناء ح9
3- سورة الإسراء: 36
4- الکافی: ج6 ص432 باب الغناء ح10
5- وسائل الشیعة: ج17 ص127 ب17 ح22160
6- سورة الأنبیاء: 16- 18

قال -: ویل لفلان مما یصف، رجل لم یحضر المجلس»((1)).

وعن إسحاق بن جریر قال: سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول: «إن شیطاناً یقال له: القفندر، إذا ضرب فی منزل الرجل أربعین یوماً بالبربط، ودخل علیه الرجال، وضع ذلک الشیطان کل عضو منه علی مثله من صاحب البیت، ثم نفخ فیه نفخة، فلا یغار بعدها حتی تؤتی نساؤه فلا یغار»((2)).

وعن زید الشحام قال: قال أبو عبد الله علیه السلام: «بیت الغناء لا تؤمن فیه الفجیعة، ولا تجاب فیه الدعوة، ولا یدخله الملک»((3)).

وعن الحسن بن هارون قال: سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول: «الغناء مجلس لاینظر الله إلی أهله وهو مما قال الله عزوجل: ]وَمِنَ النَّاسِ مَنْ یَشْتَرِی لَهْوَ الْحَدِیثِ لِیُضِلَّ عَنْ سَبِیلِ اللَّهِ[((4))»((5)).

44:المن

مسألة: المن من الرذائل وهو محرم فی بعض مراتبه، وهو من مقومات أو مصادیق العنف بالمعنی الأعم.

قال تعالی: ]الَّذِینَ یُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِی سَبِیلِ اللَّهِ ثُمَّ لا یُتْبِعُونَ ما أَنْفَقُوا مَنًّا وَلا أَذیً لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَیْهِمْ وَلا هُمْ یَحْزَنُونَ[((6)).

وقال سبحانه: ]یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِکُمْ بِالْمَنِّ وَالأَْذی کَالَّذِی یُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النَّاسِ[((7)).

ص:794


1- الکافی: ج6 ص433 باب الغناء ح12
2- وسائل الشیعة: ج17 ص312 ب100 ح22626، والوسائل: ج20 ص153-154 ب77 ح25286
3- الکافی: ج6 ص433 باب الغناء ح15
4- سورة لقمان: 6
5- ( [5] )وسائل الشیعة: ج17 ص307 ب99 ح22609
6- سورة البقرة: 262
7- سورة البقرة: 264

وقال تعالی: ]وَلا تَمْنُنْ تَسْتَکْثِرُ[((1)).

جاء فی عهد أمیر المؤمنین علیه السلام إلی الأشتر: «وإیاک والمن علی رعیتک بإحسانک أو التزید فیما کان من فعلک أو أن تعدهم فتتبع موعودک بخلفک، فإن المن یبطل الإحسان والتزید یذهب بنور الحق والخلف یوجب المقت عند الله وعند الناس قال الله تعالی: ]کَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ[((2))» ((3)).

عن إسحاق بن عمار عن أبی عبد الله علیه السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «إن الله کره لی ست خصال، وکرههن للأوصیاء من ولدی، وأتباعهم من بعدی: العبث فی الصلاة، والرفث فی الصوم، والمن بعد الصدقة، وإتیان المساجد جنباً، والتطلع فی الدور، والضحک بین القبور »((4)). وقال الصادق علیه السلام: «المن یهدم الصنیعة»((5)).

وعن الحسین بن زید عن الصادق جعفر بن محمد عن أبیه عن آبائه علیهم السلام عن أمیر المؤمنین علیه السلام عن رسول الله صلی الله علیه و آله فی حدیث المناهی قال: «ومن اصطنع إلی أخیه معروفاً فامتن به أحبط الله عمله، وثبت وزره، ولم یشکر له سعیه. - ثم قال علیه السلام -: یقول الله عز وجل: حرمت الجنة علی المنان، والبخیل، والقتات وهو النمام. ألا ومن تصدق بصدقة فله بوزن کل درهم مثل جبل أحد من نعیم الجنة، ومن مشی بصدقة إلی محتاج، کان له کأجر صاحبها من غیر أن ینقص من أجره شی ء»((6)).

وعن أبی ذر عن النبی صلی الله علیه و آله قال: «ثلاثة لا یکلمهم الله: المنان الذی لا یعطی شیئاً إلا بمنة، والمسبل إزاره، والمنفق سلعته بالحلف الفاجر»((7)).

وعن الصادق علیه السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «من أسدی إلی مؤمن معروفاً،

ص:795


1- سورة المدثر: 6
2- سورة الصف: 3
3- نهج البلاغة: الرسائل 53 ومن کتاب له علیه السلام کتبه للأشتر النخعی لما ولاه علی مصر وأعمالها
4- وسائل الشیعة: ج3 ص233 ب63 ح3492
5- من لا یحضره الفقیه: ج2 ص71 باب فضل الصدقة ح1760
6- الأمالی للصدوق: ص432 المجلس66 ح1
7- الخصال: ج1 ص184 ثلاثة لا یکلمهم الله عز وجل ح253

ثم آذاه بالکلام، أو من علیه، فقد أبطل الله صدقته، ثم ضرب الله فیه مثلاً فقال:

]کَالَّذِی یُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النَّاسِ وَلا یُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْیَوْمِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ کَمَثَلِ صَفْوانٍ عَلَیْهِ تُرابٌ فَأَصابَهُ وابِلٌ فَتَرَکَهُ صَلْداً لا یَقْدِرُونَ عَلی شَیْءٍ مِمَّا کَسَبُوا وَاللَّهُ لا یَهْدِی الْقَوْمَ الْکافِرِینَ[((1))»((2)).

وعن مسعدة بن زیاد قال: حدثنی جعفر علیه السلام قال: «لا یدخل الجنة: العاق لوالدیه، ومدمن الخمر، والمنان بالفعال الخیر إذا عمله»((3)).

وقال رسول الله صلی الله علیه و آله: «الجنة دار الأسخیاء. والذی نفسی بیده لا یدخل الجنة: بخیل، ولا عاق والدیه، ولا مان بما أعطی»((4)).

وعن الإمام الصادق علیه السلام أنه قال: «فمن أنفق ماله ابتغاء مرضات الله، ثم امتن علی من تصدق علیه، کان کما قال الله: ]أَیَوَدُّ أَحَدُکُمْ أَنْ تَکُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِیلٍ وَأَعْنابٍ تَجْرِی مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهارُ لَهُ فِیها مِنْ کُلِّ الثَّمَراتِ وَأَصابَهُ الْکِبَرُ وَلَهُ ذُرِّیَّةٌ ضُعَفاءُ فَأَصابَها إِعْصارٌ فِیهِ نارٌ فَاحْتَرَقَتْ[((5)) - قال -: الإعصار الریاح. فمن امتن علی من تصدق علیه، کان کمن کان له جنة کثیرة الثمار، وهو شیخ ضعیف له أولاد ضعفاء، فتجیء ریح أو نار فتحرق مال کله»((6)).

وفی تفسیر الإمام العسکری علیه السلام: دخل رجل علی محمد بن علی بن موسی الرضا علیه السلام وهو مسرور. فقال: «ما لی أراک مسروراً؟». قال: یا ابن رسول الله، سمعت أباک یقول: «أحق یوم بأن یسر العبد فیه، یوم یرزقه الله صدقات ومبرات وسد خلات من إخوان ل-ه مؤمنین»، وإنه قصدنی الیوم عشرة من إخوانی المؤمنین الفقراء لهم عیالات، قصدونی من بلد کذا وکذا، فأعطیت کل واحد منهم فلهذا

ص:796


1- سورة البقرة: 264
2- تفسیر القمی: ص91 قصة بخت نصر
3- قرب الإسناد: ص40
4- الجعفریات: ص251 کتاب الرؤیا
5- سورة البقرة: 266
6- تفسیر القمی: ص92 قصة بخت نصر

سروری. فقال محمد بن علی علیه السلام: «لعمری إنک حقیق بأن تسر إن لم تکن أحبطته، أو لم تحبطه فیما بعد». فقال الرجل: وکیف أحبطته وأنا من شیعتکم الخلص؟!. قال: «هاه، قد أبطلت برک بإخوانک وصدقاتک». قال: وکیف ذاک یا ابن رسول الله؟!. قال له محمد بن علی علیه السلام: «اقرأ قول الله عز وجل: ]یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لاتُبْطِلُوا صَدَقاتِکُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذی[((1))». قال الرجل: یا ابن رسول الله، ما مننت علی القوم الذین تصدقت علیهم ولا آذیتهم!. قال له محمد بن علی علیه السلام: «إن الله عزوجل إنما قال: ]لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِکُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذی[ ولم یقل: لا تبطلوا بالمن علی من تتصدقون علیه، وبالأذی لمن تتصدقون علیه، وهو کل أذی»((2)).

45:مصاحبة الأشرار

مسألة: مصاحبة غیر الصالحین من الرذائل وهی محرمة فی بعض مراتبها، وهی من مقومات أو مصادیق العنف بالمعنی الأعم.

عن سفیان الثوری عن الصادق علیه السلام قال: «یا سفیان، أمرنی والدی علیه السلام بثلاث ونهانی عن ثلاث، فکان فیما قال لی: یا بنی، من یصحب صاحب السوء لا یسلم، ومن یدخل مداخل السوء یتهم، ومن لا یملک لسانه یندم»((3)).

وعن علی بن إبراهیم عن أبیه عن علی بن أسباط عنهم علیهم السلام قال: فیما وعظ الله عز وجل به عیسی علیه السلام: «یا عیسی، اعلم أن صاحب السوء یعدی، وقرین السوء یردی. واعلم من تقارن، واختر لنفسک إخواناً من المؤمنین»((4)).

ومما وعظ لقمان به ابنه: «یا بنی، الوحدة خیر من صاحب السوء. یا بنی، الصاحب الصالح خیر من الوحدة. یا بنی، نقل الحجارة والحدید خیر من قرین السوء.

ص:797


1- سورة البقرة: 264
2- تفسیر الإمام العسکری علیه السلام : ص314-315 فی معنی الرافضی وأن أول من سمی به سحرة موسی ح160
3- مستدرک الوسائل: ج8 ص339 ب18 ح9600
4- الکافی: ج8 ص134 حدیث عبسی ابن مریم علیه السلام ح103

یا بنی، إنی نقلت الحجارة والحدید فلم أجد شیئاً أثقل من قرین السوء. یا بنی، إنه من یصحب قرین السوء لا یسلم، ومن یدخل مداخل السوء یتهم»((1)).

وعن أبی عبد الله علیه السلام قال: «کان أمیر المؤمنین علیه السلام إذا صعد المنبر. قال: ینبغی للمسلم أن یجتنب مواخاة ثلاثة: الماجن، والأحمق، والکذاب. أما الماجن: فیزین لک فعله، ویحب أن تکون مثله، ولا یعینک علی أمر دینک ومعادک، ومقارنته جفاء وقسوة، ومدخله ومخرجه علیک عار. وأما الأحمق: فإنه لا یشیر علیک بخیر، ولا یرجی لصرف السوء عنک ولو أجهد نفسه، وربما أراد منفعتک فضرک، فموته خیر من حیاته، وسکوته خیر من نطقه، وبعده خیر من قربه. وأما الکذاب: فإنه لا یهنؤک معه عیش، ینقل حدیثک، وینقل إلیک الحدیث، کلما أفنی أحدوثة مطها بأخری، حتی أنه یحدث بالصدق فما یصدق، ویغری بین الناس بالعداوة، فینبت السخائم فی الصدور. فاتقوا الله وانظروا لأنفسکم»((2)).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: «طلبت الراحة لنفسی، فلم أجد شیئاً أروح من ترک ما لا یعنینی. وتوحشت فی القفر البلقع، فلم أر وحشة أشد من قرین السوء»((3)).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: «إیاک وصاحب السوء! فإنه کالسیف کالمسلول، یروق منظره، ویقبح أثره»((4)).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: «احذر مجالسة قرین السوء؛ فإنه یهلک مقارنه ویردی مصاحبه»((5)).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: «آفة الخیر قرین السوء»((6)).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: «جماع الشر فی مقارنة قرین السوء»((7)).

ص:798


1- الاختصاص: ص337 بعض وصایا لقمان الحکیم لابنه علیه السلام
2- بحار الأنوار: ج71 ص205- 206 ب14 ح43
3- شرح نهج البلاغة: ج20 ص293 الحکم المنسوبة 355
4- شرح نهج البلاغة: ج20 ص273 الحکم المنسوبة 157
5- غرر الحکم ودرر الکلم: ص431 ق6 ب3 ف2 ذم قرین السوء ح9816
6- غرر الحکم ودرر الکلم: ص431 ق6 ب3 ف2 ذم قرین السوء ح9817
7- غرر الحکم ودرر الکلم: ص431 ق6 ب3 ف2 ذم قرین السوء ح9818

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: «صاحب السوء قطعة من النار»((1)).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: «قرین السوء شر قرین وداء اللؤم داء دفین»((2)).

وقال لقمان علیه السلام لابنه: «یا بنی، لا تقترب فتکون أبعد لک، ولا تبعد فتهان. کل دابة تحب مثلها، وإن ابن آدم یحب مثله. ولا تنشر بزک إلا عند باغیه. کما لیس بین الذئب والکبش خلة، کذلک لیس بین البار والفاجر خلة. من یقترب من الزفت یعلق به بعضه، کذلک من یشارک الفاجر یتعلم من طرقه. من یحب المراء یشتم، ومن یدخل مداخل السوء یتهم، ومن یقارن قرین السوء لا یسلم، ومن لا یملک لسانه یندم»((3)).

وفی وصیة أمیر المؤمنین علیه السلام لولده الحسن علیه السلام أنه قال فیها: «وإیاک ومواطن التهمة! والمجلس المظنون به السوء؛ فإن قرین السوء یغیر جلیسه»((4)).

وعن النبی صلی الله علیه و آله أنه قال: «الوحدة خیر من قرین السوء»((5)).

وعن موسی بن إسماعیل بن موسی بن جعفر عن أبیه عن آبائه علیهم السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «راحة النفس ترک ما لا یعنیها، وأوحش الوحشة قرین السوء»((6)).

وقال موسی علیه السلام: «من قطع قرین السوء فکأنما عمل بالتوراة»((7)).

46:الخیانة

مسألة: الخیانة من الرذائل وهی محرمة، وهی من مقومات أو مصادیق العنف بالمعنی الأعم. قال تعالی: ]إِنَّ اللَّهَ لا یُحِبُّ مَنْ کانَ خَوَّاناً أَثِیماً[((8)).

وقال سبحانه: ]یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا

ص:799


1- غرر الحکم ودرر الکلم: ص431 ق6 ب3 ف2 ذم قرین السوء ح9819
2- غرر الحکم ودرر الکلم: ص431 ق6 ب3 ف2 ذم قرین السوء ح9820
3- الکافی: ج2 ص642 باب من تکره مجالسته ومرافقته ح9
4- الأمالی للمفید: ص222 المجلس26 ح1
5- مستدرک الوسائل: ج12 ص312 ب36 ح14175
6- بحار الأنوار: ج71 ص167 ب10 ح32
7- جامع الأخبار: ص180 ف148
8- سورة النساء: 107

أَماناتِکُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ[((1)).

وقال تعالی: ]وَأَنَّ اللَّهَ لا یَهْدِی کَیْدَ الْخائِنِینَ[((2)).

وقال سبحانه: ]إِنَّ اللَّهَ لا یُحِبُّ کُلَّ خَوَّانٍ کَفُورٍ[((3)).

فی خبر المناهی قال النبی صلی الله علیه و آله: «من خان جاره شبراً من الأرض، جعله الله طوقاً فی عنقه من تخوم الأرض السابعة، حتی یلقی الله یوم القیامة مطوقاً، إلا أن یتوب ویرجع. وقال: من خان أمانة فی الدنیا، ولم یردها إلی أهلها، ثم أدرکه الموت، مات علی غیر ملتی، ویلقی الله وهو علیه غضبان. وقال: من اشتری خیانة وهو یعلم فهو کالذی خانه»((4)).

وعن عبد العظیم الحسنی علیه السلام عن أبی الحسن الثالث علیه السلام قال: «کان فیما ناجی موسی ربه: إلهی ما جزاء من ترک الخیانة حیاء منک؟. قال: یا موسی، ل-ه الأمان یوم القیامة»((5)).

وعن إسماعیل بن مسلم عن الصادق علیه السلام عن آبائه علیهم السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «أربع لا تدخل بیتا واحدة منهن إلا خرب ولم یعمر بالبرکة: الخیانة والسرقة وشرب الخمر والزنا»((6)).

وعن ابن علوان عن جعفر علیه السلام عن أبیه علیه السلام قال قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «الأمانة تجلب الغنی، والخیانة تجلب الفقر»((7)).

وعن ابن سنان قال: قال أبو عبد الله علیه السلام: «ثلاث من کن فیه زوجه الله من الحور العین کیف شاء: کظم الغیظ، والصبر علی السیوف لله عزوجل، ورجل

ص:800


1- سورة الأنفال: 27
2- سورة یوسف: 52
3- سورة الحج: 38
4- من لا یحضره الفقیه: ج4 ص12و15 باب ذکر جمل من مناهی النبی صلی الله علیه و آله ح4968
5- بحار الأنوار: ج72 ص170 ب58 ح1
6- وسائل الشیعة: ج28 ص242 ب1 ح34656
7- قرب الإسناد: ص55

أشرف علی مال حرام فترکه لله عز وجل»((1)).

وعن عبد الرحمن العرزمی عن أبی عبد الله علیه السلام قال: «یقول إبلیس لعنه الله: ما أعیانی فی ابن آدم، فلن یعینی منه واحدة من ثلاث: أخذ ماله من غیر حله، أو منعه من حقه، أو وضعه فی غیر وجهه»((2)).

وعن أمیر المؤمنین علیه السلام قال: «إن الله تبارک وتعالی یعذب ستة بستة: العرب بالعصبیة، والدهاقنة بالکبر، والأمراء بالجور، والفقهاء بالحسد، والتجار بالخیانة، وأهل الرستاق بالجهل»((3)).

وعن السکونی عن جعفر بن محمد عن أبیه عن آبائه علیهم السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «لا تزال أمتی بخیر ما لم یتخاونوا، وأدوا الأمانة، وآتوا الزکاة. وإذا لم یفعلوا ذلک ابتلوا بالقحط والسنین»((4)).

وعن الحسن بن محبوب قال: قلت لأبی عبد الله علیه السلام: یکون المؤمن بخیلاً؟. قال: «نعم». قلت: فیکون جباناً؟. قال: «نعم». قلت: فیکون کذاباً؟. قال: «لا ولا خائنا» ثم قال: «یجبل المؤمن علی کل طبیعة إلا الخیانة والکذب»((5)).

وقال رسول الله صلی الله علیه و آله: «لیس منا من یحقر الأمانة یعنی یستهلکها إذا استودعها، ولیس منا من خان مسلما فی أهله وماله»((6)).

وقال رسول الله صلی الله علیه و آله: «لیس منا من خان بالأمانة»((7)).

47:الإسراف

مسألة: الإسراف من الرذائل المحرمة، وهو من مقومات أو مصادیق العنف

ص:801


1- الخصال: ج1 ص85 ثلاث من کن فیه زوجه الله من الحور العین ح14
2- وسائل الشیعة: ج9 ص45 ب6 ح11485
3- مشکاة الأنوار: ص149 ف11
4- ثواب الأعمال: ص215 عقاب التباغض والتخاون
5- بحار الأنوار: ج72 ص172 ب58 ح11
6- الاختصاص: ص248 حدبث فی زیارة المؤمن لله
7- مسندرک الوسائل: ج14 ص13 ب3 ح15968

بالمعنی الأعم. قال تعالی: ]وَالَّذِینَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ یُسْرِفُوا وَلَمْ یَقْتُرُوا وَکانَ بَیْنَ ذلِکَ قَواماً[((1)).

وقال سبحانه: ]وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا یُحِبُّ الْمُسْرِفِینَ[((2)).

وقال تعالی: ]وَأَنَّ الْمُسْرِفِینَ هُمْ أَصْحابُ النَّارِ[((3)).

وقال سبحانه: ]وَکُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا یُحِبُّ الْمُسْرِفِینَ[((4)).

وعن عامر بن جذاعة قال: دخل علی أبی عبد الله علیه السلام رجل. فقال: یا أبا عبد الله، قرضاً إلی میسرة. فقال أبو عبد الله علیه السلام: «إلی غلة تدرک؟». فقال: لا والله. فقال: «إلی تجارة تؤدی؟». فقال: لا والله. قال: «فإلی عقدة تباع؟». فقال: لا والله. فقال: «أنت إذا ممن جعل الله ل-ه فی أموالنا حقاً». فدعا أبو عبد الله علیه السلام بکیس فیه دراهم فأدخل یده فناوله قبضة. ثم قال: «اتق الله، ولا تسرف، ولا تقتر، وکن بین ذلک قواماً، إن التبذیر من الإسراف. قال الله: ]وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِیراً[((5))، وقال: إن الله لایعذب علی القصد»((6)).

وعن بشر بن مروان قال: دخلنا علی أبی عبد الله علیه السلام فدعا برطب. فأقبل بعضهم یرمی بالنوی - قال -: وأمسک أبو عبد الله علیه السلام یده. فقال: «لا تفعل إن هذا من التبذیر، ]وَاللَّهُ لا یُحِبُّ الْفَسادَ[((7))»((8)).

وعن أبی السفاتج عن بعض أصحابه: أنه سأل أبا عبد الله علیه السلام، فقال: إنا نکون فی طریق مکة فنرید الإحرام، فلا یکون معنا نخالة نتدلک بها من النورة، فنتدلک بالدقیق فیدخلنی من ذلک ما الله به أعلم. قال: «مخافة الإسراف؟». قلت:

ص:802


1- سورة الفرقان: 67
2- سورة الأنعام: 141
3- سورة غافر: 43
4- سورة الأعراف: 31
5- سورة الإسراء: 26
6- تفسیر العیاشی: ج2 ص288 ومن سورة بنی إسرائیل ح56
7- سورة البقرة: 205
8- مستدرک الوسائل: ج15 ص268 ب23 ح18208

نعم. قال: «لیس فیما أصلح البدن إسراف، إنی ربما أمرت بالنقی فیلت بالزیت فأتدلک به، إنما الإسراف فیما أتلف المال وأضر بالبدن». قلت: فما الإقتار؟ قال: «أکل الخبز والملح وأنت تقدر علی غیره». قلت: فالقصد؟ قال: «الخبز واللحم واللبن والزیت والسمن مرة ذا ومرة ذا»((1)).

وعن إسحاق بن عمار عن أبی عبد الله علیه السلام قال: «أدنی الإسراف: هراقة فضل الإناء، وابتذال ثوب الصون، وإلقاء النوی»((2)).

وعن إسحاق بن عمار قال: قلت لأبی عبد الله علیه السلام: یکون للمؤمن عشرة أقمصة؟. قال: «نعم». قلت: عشرون؟. قال: «نعم». قلت: ثلاثون؟. قال: «نعم، لیس هذا من السرف، إنما السرف أن تجعل ثوب صونک ثوب بذلتک»((3)).

وروی الأصبغ بن نباته عن أمیر المؤمنین علیه السلام أنه قال: «للمسرف ثلاث علامات: یأکل ما لیس له، ویشتری ما لیس له، ویلبس ما لیس له»((4)).

وعن أبی عبد الله علیه السلام قال: «السرف فی ثلاث: ابتذالک ثوب صونک، وإلقاؤک النوی یمیناً وشمالاً، وإهراقک فضلة الماء - وقال -: لیس فی الطعام سرف»((5)).

وعن أبان بن تغلب قال: قال أبو عبد الله علیه السلام: «أتری الله أعطی من أعطی من کرامته علیه، ومنع من منع من هوان به علیه!. لا ولکن المال مال الله یضعه عند الرجل ودائع، وجوز لهم أن یأکلوا قصداً، ویشربوا قصداً، ویلبسوا قصداً، وینکحوا قصداً، ویرکبوا قصداً، ویعودوا بما سوی ذلک علی فقراء المؤمنین، ویلموا به شعثهم. فمن فعل ذلک کان ما یأکل حلالاً، ویشرب حلالاً، ویرکب حلالاً، وینکح حلالاً، ومن عدا ذلک کان علیه حراماً. ثم قال: ]لا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا یُحِبُّ الْمُسْرِفِینَ[((6))، أتری الله ائتمن رجلاً علی مال خول ل-ه أن یشتری فرساً بعشرة آلاف درهم، ویجزیه

ص:803


1- مکارم الأخلاق: ص57-58 ب3 ف3
2- بحار الأنوار: ج72 ص303 ب77 ح7
3- الکافی: ج6 ص441 باب اللباس ح4
4- من لا یحضره الفقیه: ج3 ص167 باب المعایش والمکاسب ح3624
5- الخصال: ج1 ص93 السرف فی ثلاث ح37
6- سورة الأنعام: 141، سورة الأعراف: 31

فرس بعشرین درهماً، ویشتری جاریة بألف دینار، ویجزیه جاریة بعشرین دیناراً، وقال: ]وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا یُحِبُّ الْمُسْرِفِینَ[((1))»((2)).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: «الإسراف یفنی الکثیر»((3)).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: «أقبح البذل السرف»((4)).

وقال علیه السلام: «ذر السرف؛ فإن المسرف لا یحمد جوده، ولا یرحم فقره»((5)).

وقال علیه السلام: «ویح المسرف، ما أبعده عن صلاح نفسه، واستدراک أمره»((6)).

وعن أبی بصیر عن أبی عبد الله علیه السلام قال: «رب فقیر هو أسرف من الغنی إن الغنی ینفق مما أوتی والفقیر ینفق من غیر ما أوتی»((7)).

48:التبذیر

مسألة: التبذیر من الرذائل المحرمة، وهو من مقومات أو مصادیق العنف بالمعنی الأعم. قال تعالی: ]وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِیراً * إِنَّ الْمُبَذِّرِینَ کانُوا إِخْوانَ الشَّیاطِینِ وَکانَ الشَّیْطانُ لِرَبِّهِ کَفُوراً[((8)).

وقال سبحانه: ]وَلا تَجْعَلْ یَدَکَ مَغْلُولَةً إِلی عُنُقِکَ وَلا تَبْسُطْها کُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً[((9)).

عن عبد الرحمن بن الحجاج قال: سألت أبا عبد الله علیه السلام عن قوله: ]وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِیراً[((10))؟ قال: «من أنفق شیئاً فی غیر طاعة الله فهو مبذر، ومن أنفق فی سبیل

ص:804


1- سورة الأنعام: 141، سورة الأعراف: 31
2- تفسیر العیاشی: ج2 ص13 من سورة الأعراف ح23
3- غرر الحکم ودرر الکلم: ص359 ق5 ب2 ف1 ح8119
4- غرر الحکم ودرر الکلم: ص359 ق5 ب2 ف1 ح8122
5- غرر الحکم ودرر الکلم: ص359 ق5 ب2 ف1 ح8125
6- غرر الحکم ودرر الکلم: ص359 ق5 ب2 ف1 ح8132
7- وسائل الشیعة: ج21 ص558 ب29 ح27867
8- سورة الإسراء: 26- 27
9- سورة الإسراء: 29
10- سورة الإسراء: 26

الخیر فهو مقتصد»((1)).

وفی قرب الإسناد عن علی بن أبی طالب علیه السلام کان یقول: «لا یذوق المرء من حقیقة الإیمان حتی یکون فیه ثلاث خصال: الفقه فی الدین، والصبر علی المصائب، وحسن التقدیر فی المعاش»((2)).

وروی: أن جبرئیل علیه السلام أهبط إلی رسول الله صلی الله علیه و آله. فقال: «یا رسول الله، إن الله عزوجل یقرأ علیک السلام، ویقول لک اقرأ: ]بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ لاتَمُدَّنَّ عَیْنَیْکَ إِلی ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ[((3)) الآیة، فأمر النبی صلی الله علیه و آله منادیاً ینادی: من لم یتأدب بأدب الله تقطعت نفسه علی الدنیا حسرات»((4)).

وعن أبی بصیر قال: سألت أبا عبد الله علیه السلام فی قوله: ]وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِیراً[((5))؟. قال: «بذل الرجل ماله، ویقعده لیس له مال». قال: فیکون تبذیر فی حلال؟. قال: «نعم»((6)).

وعن علی بن جذاعة قال: سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول: «اتق الله ولاتسرف، ولا تقتر، وکن بین ذلک قواماً. إن التبذیر من الإسراف، وقال الله: ]لا تُبَذِّرْ تَبْذِیراً[((7))، إن الله لا یعذب علی القصد»((8)).

وعن بشر بن مروان قال: دخلنا علی أبی عبد الله علیه السلام فدعا برطب. فأقبل بعضهم یرمی بالنوی - قال -: وأمسک أبو عبد الله علیه السلام یده. فقال: «لا تفعل إن هذا من التبذیر، ]وَاللَّهُ لا یُحِبُّ الْفَسادَ[((9))»((10)).

ص:805


1- تفسیر العیاشی: ج2 ص288 ومن سورة بنی إسرائیل ح53
2- قرب الإسناد: ص46
3- سورة الحجر: 88
4- فقه الرضا علیه السلام : ص364 ب98
5- سورة الإسراء: 26
6- تفسیر العیاشی: ج2 ص288 ومن سورة بنی إسرائیل ح54
7- سورة الإسراء: 26
8- بحار الأنوار: ج72 ص302 ب77 ح3
9- سورة البقرة: 205
10- مستدرک الوسائل: ج15 ص268 ب23 ح18208

عن ربیعة وعمارة وغیرهما: أن طائفة من أصحاب أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب علیه السلام مشوا إلیه عند تفرق الناس عنه، وفرار کثیرهم إلی معاویة طلباً لما فی یدیه من الدنیا. فقالوا: یا أمیر المؤمنین، أعط هذه الأموال، وفضل هؤلاء الأشراف من العرب وقریش علی الموالی والعجم، ومن یخاف علیه من الناس فراره إلی معاویة. فقال لهم أمیر المؤمنین علیه السلام: «أ تأمرونی أن أطلب النصر بالجور، لا والله لا أفعلن ما طلعت شمس ولاح فی السماء نجم. والله لو کان مالی لواسیت بینهم، وکیف وإنما هو أموالهم. قال: ثم أرم أمیر المؤمنین علیه السلام طویلاً ساکتاً، ثم قال: «من کان له مال فإیاه والفساد! فإن إعطاء المال فی غیر حقه تبذیر وإسراف، وهو وإن کان ذکراً لصاحبه فی الدنیا والآخرة، فهو یضیعه عند الله عز وجل. ولم یضع رجل ماله فی غیر حقه، وعند غیر أهله إلا حرمه الله شکرهم، وکان لغیره ودهم، فإن بقی معه من یوده، ویظهر له الشکر؛ فإنما هو ملق وکذب، یرید التقرب به إلیه، لینال منه مثل الذی کان یأتی إلیه من قبل. فإن زلت بصاحبه النعل، فاحتاج إلی معونته أو مکافاته، فشر خلیل وألأم خدین. و من ضیع المعروف فیما أتاه فلیصل به القرابة، ولیحسن فیه الضیافة، ولیفک به العانی، ولیعن به الغارم، وابن السبیل، والفقراء، والمجاهدین فی سبیل الله، ولیصبر نفسه علی النوائب والحقوق؛ فإن الفوز بهذه الخصال شرف مکارم الدنیا، ودرک فضائل الآخرة»((1)).

وعن حماد بن واقد اللحام عن أبی عبد الله علیه السلام قال: «لو أن رجلاً أنفق ما فی یدیه فی سبیل من سبیل الله، ما کان أحسن ولا وفق، أ لیس الله یقول: ]ولا تُلْقُوا بِأَیْدِیکُمْ إِلَی التَّهْلُکَةِ وأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ یُحِبُّ الْمُحْسِنِینَ[((2))، یعنی المقتصدین»((3)).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: «کن سمحاً ولا تکن مبذراً، وکن مقدراً ولا تکن مقتراً»((4)).

ص:806


1- الأمالی للطوسی: ص194- 195 المجلس7 ح331
2- سورة البقرة: 195
3- الکافی: ج4 ص53 باب فضل القصد ح7
4- نهج البلاغة: قصار الحکم 33

وقال علیه السلام: «لا جهل کالتبذیر»((1)).

وقال علیه السلام: «التبذیر عنوان الفاقة»((2)).

وقال علیه السلام: «الحازم من تجنب التبذیر وعاف السرف»((3)).

وقال علیه السلام: «علیک بترک التبذیر والإسراف، والتخلق بالعدل والإنصاف»((4)).

وقال علیه السلام: «من افتخر بالتبذیر احتقر بالإفلاس»((5)).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: «من أشرف الشرف الکف عن التبذیر والسرف»((6)).

وقال علیه السلام: «إذا أقبلت الدنیا فأنفق منها فإنها لا بقی وإذا ما أدبرت فأنفق منها فإنها لا تفنی وأنشد:

لا تبخلن بدنیا وهی مقبلة

فلیس ینقصها التبذیر والسرف

وإن تولت فأحری أن تجود بها

فالحمد منها إذا ما أدبرت خلف ((7))

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: «الفرق بین السخاء والتبذیر: أن السخی یسمح بما یعرف مقداره، ومقدار الرغبة فیه إلیه، ویضعه بحیث یحسن وضعه، وتزکو عارفته. والمبذر: یسمح بما لا یوازن به رغبة الراغب، ولا حق القاصد، ولا مقدار ما أولی، ویستفزه لذلک خطرة من خطراته، والتصدی لإطراء مطر له بینهما بون بعید»((8)).

وقیل: إن رجلاً سأل الصادق علیه السلام. فقال: یا ابن رسول الله، ما حد التدبیر والتبذیر والتقتیر؟. فقال: «التبذیر: أن تتصدق بجمیع مالک، والتدبیر: أن تنفق بعضه، والتقتیر: أن لا تنفق من مالک شیئاً». فقال: زدنی بیاناً یا ابن رسول الله؟. قال: «فقبض رسول الله صلی الله علیه و آله قبضة من الأرض، وفرق أصابعه ثم فتح کفه، فلم یبق

ص:807


1- غرر الحکم ودرر الکلم: ص360 ق5 ب2 ف2 ح8144
2- غرر الحکم ودرر الکلم: ص359 ق5 ب2 ف2 ح8135
3- غرر الحکم ودرر الکلم: ص359 ق5 ب2 ف2 ح8137
4- غرر الحکم ودرر الکلم: ص359 ق5 ب2 ف2 ح8138
5- غرر الحکم ودرر الکلم: ص360 ق5 ب2 ف2 ح8141
6- غرر الحکم ودرر الکلم: ص360 ق5 ب2 ف2 ح8143
7- بحار الأنوار: ج75 ص89 ب16 ضمن ح92
8- شرح نهج البلاغة: ج20 ص279 الحکم المنسوبة 213

فی یده شی ء، فقال: هذا التبذیر. ثم قبض قبضة أخری وفرق أصابعه، فنزل البعض وبقی البعض، فقال: هذا التدبیر. ثم قبض قبضة أخری وضم کفه حتی لم ینزل منه شی ء، فقال: هذا التقتیر»((1)).

وجاء فی دعاء الإمام السجاد علیه السلام فی المعونة علی قضاء الدین: «اللهم صل علی محمد وآله، واحجبنی عن السرف والازدیاد، وقومنی بالبذل والاقتصاد، وعلمنی حسن التقدیر، واقبضنی بلطفک عن التبذیر، وأجر من أسباب الحلال أرزاقی، ووجه فی أبواب البر إنفاقی، وازو عنی من المال ما یحدث لی مخیلة، أو تأدیا إلی بغی، أو ما أتعقب منه طغیاناً»((2)).

49:إیذاء الحیوان

مسألة: لا یجوز إیذاء الحیوان وینبغی عدم العنف به، وإیذاؤه من مصادیق أو مقومات العنف بالمعنی الأعم. قال تعالی: ]وَالأنْعَامَ خَلَقَهَا لَکُمْ فِیهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْکُلُونَ * وَلَکُمْ فِیهَا جَمَالٌ حِینَ تُرِیحُونَ وَحِینَ تَسْرَحُونَ * وَتَحْمِلُ أَثْقَالَکُمْ إِلَی بَلَدٍ لَمْ تَکُونُوا بَالِغِیهِ إِلاَ بِشِقِّ الأنْفُسِ إِنَّ رَبَّکُمْ لَرَءُوفٌ رَحِیمٌ * وَالْخَیْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِیرَ لِتَرْکَبُوهَا وَزِینَةً وَیَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ[((3)).

وقال سبحانه حکایة عن إبلیس: ]ولآَمُرَنَّهُمْ فَلَیُبَتِّکُنَّ آذانَ الأَْنْعامِ[((4)).

فی خبر مناهی النبی صلی الله علیه و آله قال: «ونهی عن ضرب وجوه البهائم»((5)).

وعن السکونی عن جعفر بن محمد علیه السلام عن أبیه علیه السلام عن آبائه علیهم السلام عن علی ابن أبی طالب علیه السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «للدابة علی صاحبها خصال ست: یبدأ بعلفها إذا نزل، ویعرض علیها الماء إذا مر به، ولا یضرب وجهها؛ فإنها تسبح بحمد ربها، ولا یقف علی ظهرها إلا فی سبیل الله عزوجل، ولا یحملها فوق طاقتها،

ص:808


1- إرشاد القلوب: ج1 ص138- 139 ب43
2- الصحیفة السجادیة: الدعاء 30 وکان من دعائه علیه السلام فی المعونة علی قضاء الدین
3- سورة النحل: 5- 8
4- سورة النساء: 119
5- من لا یحضره الفقیه: ج4 ص9 باب ذکر جمل من مناهی النبی صلی الله علیه و آله ح4968

ولا یکلفها من المشی إلا ما تطیق»((1)).

وعن إسماعیل بن مسلم السکونی قال: قال الصادق جعفر بن محمد علیه السلام: «للدابة علی صاحبها سبعة حقوق: لا یحملها فوق طاقتها، ولا یتخذ ظهرها مجلساً یتحدث علیه، ویبدأ بعلفها إذا نزل، ولا یسمها فی وجهها، ولا یضربها فی وجهها؛ فإنها تسبح، ویعرض علیها الماء إذا مر به، ولا یضربها علی النفار، ویضربها علی العثار؛ لأنها تری ما لا ترون»((2)).

وعن أمیر المؤمنین علیه السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «ولا یرتدف ثلاثة علی دابة؛ فإن أحدهم ملعون، وهو المقدم»((3)).

وعن السکونی عن أبی عبد الله علیه السلام عن آبائه علیهم السلام: «أن النبی صلی الله علیه و آله أبصر ناقة معقولة وعلیها جهازها. فقال: أین صاحبها؟ مروه فلیستعد غداً للخصومة»((4)).

وعن ابن فضال عن حماد اللحام قال: مر قطار لأبی عبد الله علیه السلام، فرأی زاملة قد مالت. فقال: «یا غلام، اعدل علی هذا الجمل؛ فإن الله تعالی یحب العدل»((5)).

وعن ابن سنان عن أبی عبد الله علیه السلام قال: «حج علی بن الحسین علیه السلام علی راحلته عشر حجج ما قرعها بسوط، ولقد برکت به سنة من سنواته فما قرعها بسوط»((6)).

وعن یونس بن یعقوب عن الصادق علیه السلام قال: «قال علی بن الحسین علیه السلام لابنه محمد علیه السلام حین حضرته الوفاة: إننی قد حججت علی ناقتی هذه عشرین حجة فلم أقرعها بسوط قرعة. فإذا نفقت فادفنها لا یأکل لحمها السباع؛ فأن رسول الله صلی الله علیه و آله قال: ما من بعیر یوقف علیه موقف عرفة سبع حجج إلا جعله الله من نعم الجنة،

ص:809


1- بحار الأنوار: ج61 ص201 ب8 ح1
2- الأمالی للصدوق: ص507 المجلس76 ح2
3- علل الشرائع: ج2 ص583 ب385 ح23
4- المحاسن: ج2 ص361 ب24 ح90
5- وسائل الشیعة: ج11 ص540-541 ب50 ح15484
6- بحار الأنوار: ج61 ص204 ب8 ح6، والبحار: ج96 ص122 ب20 ح5

وبارک فی نسله. فلما نفقت حفر لها أبو جعفر علیه السلام ودفنها»((1)).

وعن طلحة بن زید عن أبی عبد الله علیه السلام قال: «إن لکل شیء حرمة، وحرمة البهائم فی وجوهها»((2)).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام: قال رسول الله صلی الله علیه و آله: «لا تضربوا وجوه الدواب، وکل شی ء فیه الروح؛ فإنه یسبح بحمد الله»((3)).

وعن علی بن حسان قال: قال أبو ذر تقول الدابة: (اللهم ارزقنی ملیک صدق یرفق بی، ویحسن إلیَّ، ویطعمنی ویسقینی، ولا یعنف علیَّ)((4)).

وعن علی بن جعفر عن أبی إبراهیم علیه السلام قال: «ما من دابة یرید صاحبها أن یرکبها إلا قالت: اللهم اجعله بی رحیماً»((5)).

وعن أبی عبد الله علیه السلام قال: «رئی أبو ذر (رضی الله عنه) یسقی حماراً بالربذة. فقال ل-ه بعض الناس: أما لک یا أبا ذر من یکفیک سقی الحمار؟. فقال: سمعت رسول الله صلی الله علیه و آله یقول: ما من دابة إلا وهی تسأل الله کل صباح: اللهم ارزقنی ملیکاً صالحاً یشبعنی من العلف، ویروینی من الماء، ولا یکلفنی فوق طاقتی. فأنا أحب أن أسقیه بنفسی» ((6)).

وقال رسول الله صلی الله علیه و آله: «لا تتخذوا ظهور الدواب کراسی، فرب دابة مرکوبة خیر من راکبها، وأطوع لله تعالی وأکثر ذکراً»((7)).

وقال رسول الله صلی الله علیه و آله: «إن الله تبارک وتعالی یحب الرفق ویعین علیه فإذا رکبتم الدواب العجاف فأنزلوها منازلها فإن کانت الأرض مجدبة فانجوا علیها وإن کانت

ص:810


1- ثواب الأعمال: ص50 باب نادر
2- وسائل الشیعة: ج11 ص484 ب10 ح15326
3- المحاسن: ج2 ص633 ب14 ح116
4- بحار الأنوار: ج61 ص205 ب8 ح8
5- مسائل علی بن جعفر علیه السلام : ص349 الأخلاقیات ح861
6- الکافی: ج6 ص537 باب نوادر فی الدواب ح2
7- نوادر الراوندی: ص14- 15

مخصبة فأنزلوها منازلها»((1)).

وقال أبو عبد الله علیه السلام: «بعث أمیر المؤمنین (صلوات الله علیه) مصدقاً من الکوفة إلی بادیتها. فقال ل-ه: ... فإذا قبضته فلا توکل به إلا ناصحاً شفیقاً أمیناً حفیظاً، غیر معنف لشیء منها، ثم احدر کل ما اجتمع عندک من کل ناد إلینا، نصیره حیث أمر الله عزوجل. فإذا انحدر بها رسولک، فأوعز إلیه أن لا یحول بین ناقة وبین فصیلها، ولایفرق بینهما، ولا یمصرن لبنها فیضر ذلک بفصیلها، ولا یجهد بها رکوباً، ولیعدل بینهن فی ذلک، ولیوردهن کل ماء یمر به، ولا یعدل بهن عن نبت الأرض إلی جواد الطریق فی الساعة التی فیها تریح وتغبق، ولیرفق بهن جهده، حتی یأتینا بإذن الله سحاحاً سماناً، غیر متعبات ولا مجهدات، فیقسمن بإذن الله علی کتاب الله وسنة نبیه صلی الله علیه و آله علی أولیاء الله» الحدیث((2)).

50:العدوان

مسألة: لا یجوز العدوان، وهو من مصادیق أو مقومات العنف بالمعنی الأعم.

قال تعالی: ]وَتَعاوَنُوا عَلَی الْبِرِّ وَالتَّقْوی وَلا تَعاوَنُوا عَلَی الإِْثْمِ وَالْعُدْوانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِیدُ الْعِقابِ[((3)).

وقال سبحانه: ]وَتَری کَثِیراً مِنْهُمْ یُسارِعُونَ فِی الإِْثْمِ وَالْعُدْوانِ وَأَکْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ ما کانُوا یَعْمَلُونَ[((4)).

وقال تعالی: ]یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِذا تَناجَیْتُمْ فَلا تَتَناجَوْا بِالإِْثْمِ وَالْعُدْوانِ وَمَعْصِیَةِ الرَّسُولِ وَتَناجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوی وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِی إِلَیْهِ تُحْشَرُونَ[((5)).

قال أمیر المؤمنین علیه السلام: «بئس الزاد إلی المعاد العدوان علی العباد»((6)).

ص:811


1- من لا یحضره الفقیه: ج2 ص289-290 باب حسن القیام علی الدواب ح2480
2- الکافی: ج3 ص536-538 باب أدب المصدّق ح1
3- سورة المائدة: 2
4- سورة المائدة: 62
5- سورة المجادلة: 9
6- نهج البلاغة: قصار الحکم 221

وعن أبی حمزة عن أبی جعفر علیه السلام قال: «وجدنا فی کتاب رسول الله صلی الله علیه و آله: إذا ظهر الزنا من بعدی کثر موت الفجأة، وإذا طفف المکیال والمیزان أخذهم الله بالسنین والنقص، وإذا منعوا الزکاة منعت الأرض برکتها من الزرع والثمار والمعادن کلها، وإذا جاروا فی الأحکام تعاونوا علی الظلم والعدوان»((1)).

وعن سلیم بن قیس الهلالی عن أمیر المؤمنین علیه السلام فی حدیث قال: «والنفاق علی أربع دعائم: علی الهوی، والهوینا، والحفیظة، والطمع. فالهوی علی أربع شعب: علی البغی، والعدوان، والشهوة، والطغیان. فمن بغی کثرت غوائله، وتخلی منه، ونصر علیه. ومن اعتدی لم تؤمن بوائقه، ولم یسلم قلبه»((2)).

وعن عبد الرحمن بن الحجاج قال: بعث إلیَّ أبو الحسن موسی علیه السلام بوصیة أمیر المؤمنین علیه السلام وهی: «بسم الله الرحمن الرحیم - إلی أن قال -: وإیاکم والتقاطع والتدابر والتفرق وتعاونوا علی البر والتقوی ولا تعاونوا علی الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شدید العقاب»((3)).

وعن إسماعیل بن مخلد السراج عن أبی عبد الله علیه السلام قال: خرجت هذه الرسالة من أبی عبد الله علیه السلام إلی أصحابه: «بسم الله الرحمن الرحیم أما بعد فاسألوا ربکم العافیة - إلی أن قال -: فاتقوا الله وکفوا ألسنتکم إلا من خیر. وإیاکم أن تزلقوا ألسنتکم بقول الزور والبهتان، والإثم والعدوان؛ فإنکم إن کففتم ألسنتکم عما یکرهه الله مما نهاکم عنه، کان خیراً لکم عند ربکم من أن تزلقوا ألسنتکم به؛ فإن زلق اللسان فیما یکره الله، وما ینهی عنه، مرداة للعبد عند الله، ومقت من الله»((4)).

وعن أبی الصباح قال: سمعت کلاماً یروی عن النبی صلی الله علیه و آله وعن علی علیه السلام وعن ابن مسعود، فعرضته علی أبی عبد الله علیه السلام. فقال: «هذا قول رسول الله صلی الله علیه و آله أعرفه  - إلی أن قال -: وإن أمر الله تبارک وتعالی نازل ولو کره الخلائق، وکل ما هو

ص:812


1- الکافی: ج2 ص374 باب فی عقوبات المعاصی العاجلة ح2
2- کتاب سلیم بن قیس: ص952 ح86
3- بحار الأنوار: ج42 ص249 ب127 ح51
4- الکافی: ج8 ص2و3 کتاب الروضة ح1

آت قریب، ما شاء الله کان وما لم یشأ لم یکن. فتعاونوا علی البر والتقوی، ولا تعاونوا علی الإثم والعدوان، واتقوا الله شدید العقاب»((1)).

وذکر السید علی بن طاوس 6 فی سعد السعود: من سنن إدریس علیه السلام: «إذا دخلتم فی الصلاة فاصرفوا لها خواطرکم وأفکارکم. وادعوا الله دعاء طاهراً متفرغاً، وسلوه مصالحکم ومنافعکم، بخضوع وخشوع، وطاعة واستکانة. وإذا برکتم وسجدتم فابعدوا عن نفوسکم أفکار الدنیا، وهواجس السوء، وأفعال الشر، واعتقاد المکر، وأکل السحت، والعدوان، والأحقاد، واطرحوا بینکم ذلک کله»((2)).

وقال النبی صلی الله علیه و آله فی جواب شمعون بن لاوی بن یهودا، من حواریی عیسی علیه السلام: «… وأما علامة الفاسق فأربعة: اللهو، واللغو، والعدوان، والبهتان»((3)).

ودعا علی علیه السلام زیاد بن النضر، وشریح بن هانئ، وکانا علی مذحج والأشعریین. قال: «یا زیاد، اتق الله فی کل ممسی ومصبح، وخف علی نفسک الدنیا الغرور، ولا تأمنها علی حال من البلاء. واعلم أنک إن لم تزع نفسک عن کثیر مما یحب مخافة مکروهة، سمت بک الأهواء إلی کثیر من الضر، فکن لنفسک مانعاً وازعاً من البغی، والظلم، والعدوان»((4)).

وکتب أمیر المؤمنین علیه السلام إلی أمراء الأجناد، وکان قد قسم عسکره أسباعاً، فجعل علی کل سبع أمیراً: «أما بعد، فإنی أبرأ إلیکم من معرة الجنود، إلا من جوعة إلی شبعة، ومن فقر إلی غنی، أو عمی إلی هدی؛ فإن ذلک علیهم. فأغربوا الناس عن الظلم والعدوان، وخذوا علی أیدی سفهائکم»((5)).

وقال أمیر  المؤمنین علیه السلام: «أفضل الإیمان الإخلاص والإحسان، وأقبح الشیم

ص:813


1- تنبیه الخواطر ونزهة النواظر: ج2 ص92
2- سعد السعود: ص40
3- تحف العقول: ص22 ومن حکمه صلی الله علیه و آله وکلامه
4- وقعة صفین: ص121- 122 نصیحة علی علیه السلام لزیاد بن النضر وشریح بن هانئ
5- شرح نهج البلاغة: ج3 ص194 کتاب محمد بن أبی بکر إلی معاویة وجوابه علیه

التجافی والعدوان»((1)).

وقال علیه السلام: «ما أقرب النقمة من أهل البغی والعدوان»((2)).

وقال علیه السلام: «القدرة یزیلها العدوان»((3)).

وقال علیه السلام: «من سل سیف العدوان سلب عز السلطان»((4)).

وقال علیه السلام: «الصدیق من کان ناهیاً عن الظلم والعدوان، معیناً علی البر والإحسان»((5)).

وقال علیه السلام: «أقبح الشیم العدوان»((6)).

خاتمة

خاتمة

وهذا آخر ما أردنا بیانه فی هذا الکتاب والله الموفق للصواب.

سبحان ربک رب العزة عما یصفون وسلام علی المرسلین والحمد لله رب العالمین، وصلی الله علی محمد وآله الطاهرین.

قم المقدسة

محمد الشیرازی

ص:814


1- غرر الحکم ودرر الکلم: ص88 ق1 ب2 ف6 کمال الإیمان ح1479
2- غرر الحکم ودرر الکلم: ص346 ق4 ب2 ف7 البغی ح7948، والغرر: ص456 ق6 ب5 ف1 بالظلم تزول النعم وتجلب النقم ح10425
3- غرر الحکم ودرر الکلم: ص346 ق4 ب2 ف7 الظلم والجور ح7966
4- غرر الحکم ودرر الکلم: ص348 ق4 ب2 ف8 آثار الحکومة الجائرة ح8049
5- غرر الحکم ودرر الکلم: ص415 ق6 ب2 ف2 من أحبک نهاک ح9477
6- غرر الحکم ودرر الکلم: ص461 ق6 ب5 ف5 ذمها ح10566

المحتویات

المقدمة 20 [1]

تمهید 23 [2]

السلام فی الإسلام 25 [3]

السلام مسؤولیة الجمیع 28 [4]

المعنی الشمولی للسلم  والسلام 30 [5]

*الفصل الأول: [6]دعوة الإسلام للسلام [7]والمقارنة بین الدیانات والحضارات. 31 [8]

دور الإسلام فی نشر السلام وتهذیب الإنسان 37 [9]

حریة العقیدة والأدیان فی ظل الإسلام 44 [10]

الفتوحات الإسلامیة ونشر الدعوة عبر السلم والسلام 56 [11]

العلاقة بین المسلمین وغیرهم 64 [12]

*الفصل الثانی: [13]السلم والسلام [14]فی السیاسة والحکم 89 [15]

أصالة الحریة السیاسیة 91 [16]

مبدأ الاستشارة وخصائصه وتطبیقاته 98 [17]

الحرکات والتیارات الإسلامیة المعاصرة 106 [18]

دور الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر 114 [19]

نظرة الإسلام لظاهرة العنف والإرهاب. 119 [20]

أنواع الإرهاب. 125 [21]

الدور الإسلامی فی إزالة الإرهاب. 134 [22]

مسائل فی السلم والسلام السیاسی 150 [23]

*الفصل الثالث: [24]السلم والسلام فی الاقتصاد 159 [25]

التطرف والإرهاب الاقتصادی 161 [26]

دور التکافل الاجتماعی فی تکامل السلام الاقتصادی 168 [27]

صور من التکافل الاجتماعی الإسلامی 177 [28]

السلام والعدالة فی حقوق الملکیة الفردیة 193 [29]

نظرة الإسلام الاقتصادیة فی القضاء علی الفقر 203 [30]

مسائل فی السلم والسلام الاقتصادی 247 [31]

*الفصل الرابع: [32]السلم والسلام فی باب الجهاد 249 [33]

هل یمکن تحقق السلام بدون ثمن 251 [34]

السلم طریق السلام 256 [35]

خطوات مسیرة الرسالة الإسلامیة 261 [36]

إذن المعصوم علیه السلام أو شوری المراجع 270 [37]

أسس السلم فی میادین الحرب. 283 [38]

أسباب النزاعات والمعارک بین المذاهب 288 [39]

مسائل فی السلم والسلام الجهادی 294 [40]

ص:815

*الفصل الرابع: [1]السلم والسلام فی باب الجهاد 249 [2]

هل یمکن تحقق السلام بدون ثمن 251 [3]

السلم طریق السلام 256 [4]

خطوات مسیرة الرسالة الإسلامیة 261 [5]

إذن المعصوم علیه السلام أو شوری المراجع 270 [6]

أسس السلم فی میادین الحرب. 283 [7]

أسباب النزاعات والمعارک بین المذاهب 288 [8]

مسائل فی السلم والسلام الجهادی 294 [9]

*الفصل الخامس: [10]السلم والسلام فی العلاقات الإنسانیة والروحیة [11](السلام الاجتماعی) 297 [12]

البعد الإنسانی لمفهوم المساواة فی السلام 299 [13]

المساواة بین الرجل والمرأة فی الشرع الإسلامی 313 [14]

نماذج من قانون المساواة فی المجتمع الإسلامی 319 [15]

موارد الاستثناء فی المساواة 328 [16]

جملة من مصادیق السلم والسلام الاجتماعیین 344 [17]

التحیة فی الإس-لام 344 [18]

الأخوة الإسلامیة 360 [19]

صلة الأرحام [20] 3 [21] 369 [22]

حسن الصحبة والمعاشرة 376 [23]

خصائص العلاقات الإنسانیة فی المجتمع الإسلامی 380 [24]

أثر الأخلاق الإسلامیة فی دعم الروابط الاجتماعیة 386 [25]

السلام والعلاقات الروحیة 406 [26]

*فصل: [27]السلم والسلام الإداری 419 [28]

*فصل: [29]السلم والسلام [30] فی القرآن الکریم والروایات الشریفة 487 [31]

آیات کریمة فی السلم والسلام 488 [32]

روایات شریفة فی السلم والسلام 500 [33]

*فصل: روایات اللاعنف. 530 [34]

*فصل: [35] من مصادیق السلم واللاعنف. 541 [36]

*فصل: من مصادیق العنف. 688 [37]

خاتمة 814 [38]

الفهرس. 815 [39]

رجوع إلی القائمة [40]

ص:816

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.