عبرات الإمام المهدي عجل الله تعالي فرجه الشريف

اشارة

اسم الكتاب: عبرات الامام المهدي عجل الله تعالي فرجه الشريف

المؤلف: حسيني شيرازي، صادق

اللغة: عربي

عدد المجلدات: 1

الناشر: ياس الزهراء

مكان الطبع: قم

تاريخ الطبع: 1425 ه. ش

الطبعة: اول

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلي الله علي محمد وآله الطاهرين واللعن الدائم علي أعدائهم أجمعين•.

عظم الله أجورنا وأجوركم بمصابنا بسيدنا الإمام الحسين سلام الله عليه وجعلنا وإياكم من الطالبين بثأره مع وليّه الإمام المهدي من آل محمد صلوات الله عليهم.

لقد انقضي يوم عاشوراء هذه السنة أيضاً، ولكن كيف انقضي؟ لقد رزق العديد من المؤمنين الجنة فضلاً عن الذين دوّنت أسماؤهم في قوائم سيد الشهداء سلام الله عليه في الدرجات الرفيعة من الجنان، وبالمقابل فإن بعضاً دُوّنت أسماؤهم مع أهل جهنم وفي الدركات السافلة منها والعياذ بالله!

فقرات من زيارة الناحية المقدّسة

من كلام لبقية الله الأعظم الإمام الحجّة عجل الله تعالي فرجه الشريف في زيارة الإمام الحسين سلام الله عليه المعروفة بزيارة الناحية - والمؤمَّل أن بعضكم قرأها اليوم أو في بقية أيام السنة - يخاطب الإمام المنتظر عجل الله تعالي فرجه الشريف فيها جدّه سيد الشهداء سلام الله عليه بعد شهادته قائلاً: «فلما رأين النساء جوادك مخزياً» أي عليه علامات الانكسار، مطأطئاً رأسه حزيناً لعدم تمكنه من مساعدة أبي عبد الله سلام الله عليه، فإن الإمام الحجة المنتظر عجل الله تعالي فرجه الشريف يصف جواد الإمام الحسين حين وصوله إلي المخيم بلا فارس، وكأنه يحسّ بالتقصير بسبب عجزه عن إغاثة مولاه الإمام الحسين سلام الله عليه، ومع ذلك فقد أسرع إلي عياله ليخبرهم بالفاجعة العظيمة.

يقول الإمام الحجة عجل الله تعالي فرجه الشريف: «فلما رأين النساء جوادك مخزياً ونظرن سرجك عليه ملويّاً» والسرج ما يوضع علي الفرس لجلوس الراكب، ويوثق بالجواد بكلّ استحكام

لئلا يقع الراكب من الفرس حين عَدْوه، وإذا ما وقع الفارس من جواده دون اختياره يلتوي السرج إلي الأسفل. وهذا ما يشير إليه مولانا صاحب العصر عجل الله تعالي فرجه الشريف، أي: لمّا سمع أهل البيت سلام الله عليهم صهيل جواد الإمام الحسين سلام الله عليه خرجن من الخدور فنظرن إلي الجواد وإذا بسرجه ملوي فعرفن من حالة الجواد ما جري علي أبي عبد الله سلام الله عليه.

ويصف الإمام الحجة سلام الله عليه حالة النساء فيقول: «فبرزن من الخدور ناشرات الشعور». أما الخدور جمع خدر، والخدر - في اللغة العربية - ما يُتواري به، ومنه اُطلق علي الستر الذي يُمدّ للجارية في ناحية البيت. والخادر: كل شيء منع بصراً فقد أخدره، ولذلك يُطلق علي الظلمة خِدراً، فالخدر هو الستر الذي لا يكشف؛ فيكون معني هذه العبارة: أن بنات الرسالة قد خرجن من خبائهن الشديد الستر!

نشر الشعور في المصاب الجلل

أما قوله عجل الله تعالي فرجه الشريف: «ناشرات الشعور» فيمكن تصويره كالتالي:

كان من المتعارف عند العرب سابقاً أن المرأة إذا فقدت عزيزاً عليها تبقي بقية عمرها محزونة لمصابه، محرومة حتي من البسمة والضحكة لفقده، فإنها في ظروف كهذه تفتح ضفيرتها داخل الستر والحجاب كعلامة لشدة المصيبة - وهذه العادة موجودة في العراق أيضاً وربما في مناطق عربية أخري - وليس المراد من العبارة كما يتصور البعض أن العلويات خرجن من الستر ورؤوسهن مكشوفة والعياذ بالله.

إذن: معني «ناشرات الشعور» هو: إن العلويات فتحن ظفائرهن تحت المقانع لشدة المصاب، بعد أن ربطن المقانع علي رؤوسهن بإحكام امتثالاً لأمر سيد الشهداء سلام الله عليه، فقد أوصاهن بذلك لكي لا يذهلن عن حجابهن من شدة المصيبة وعظمة الفاجعة.

ثم يقول الإمام بعد ذلك مصوّراً حالة

العلويات: «علي الخدود لاطمات وبالعويل داعيات».

حقّاً: إن كلّ كلمة في هذه الزيارة تعبّر عن مصيبة عظيمة، فتارة يدعو الإنسان شخصاً، وأخري يناديه برفيع صوته، وكلاهما لا يقال له عويل، إنما يكون العويل حينما يبكي الإنسان ويصيح برفيع صوته، وهذا معناه أن العلويات خرجن من المخيَّم إلي مصرع سيد الشهداء - والمسافة ليست بعيدة - وهنّ مهرولات باكيات يصرخن بأصواتهن مناديات: وامحمداه، واعلياه، وافاطمتاه، واحسيناه، واجعفراه، واحمزتاه … ولسان حالهن: يارسول الله إحضَر اليوم في كربلاء، وانظر ما جري علينا، وأنت يا أبتاه يا أمير المؤمنين احضر وانظر حالنا.

ثم إنه سلام الله عليه قال: «وإلي مصرعك مبادرات» فقد تسابقت العلويات صغارهن وكبارهن إلي مصرع سيد الشهداء سلام الله عليه ولا أعلم لماذا أسرعن؟ فربما أسرعن ليدركن لحظة من حياة أبي عبد الله الحسين سلام الله عليه أو أسرعن لشدة اللوعة أو لغير ذلك.

الأحداث المأساوية

في مثل هذا اليوم -العاشر من المحرّم- عصراً أرسل عمر بن سعد الرؤوس الشريفة نحو الكوفة، وبات هو وجماعته وكذلك بات أهل البيت في كربلاء، وفي ظهر اليوم الثاني سيقت العلويات من كربلاء إلي الكوفة، والمسافة -كما ينقل المؤرخون - ثلاثة منازل أي ما يعادل ثلاثة أيام، إلا إذا حثّ الإنسان في سيره فيمكنه أن يبلغها أسرع.

لقد أمر ابن سعد - كما روي المؤرخون، ومنهم صاحب البحار - أن تتحرك قافلة الأساري عصر يوم الحادي عشر نحو الكوفة فوصلت إليها صباح اليوم الثاني عشر؛ مما يدلّ علي شدة السرعة التي سيقت بها.

وقد أشار بقية الله الأعظم عجّل الله تعالي فرجه الشريف إلي حال سبي العلويات مخاطباً جده سيد الشهداء سلام الله عليه قائلاً: «وسُبي أهلك كالعبيد» فقد قادهن القوم كما كان المشركون يقودون

عبيدهم لا كما كان رسول الله صلّي الله عليه وآله وأمير المؤمنين سلام الله عليه والإمام الحسين سلام الله عليه يعاملون الأسري بعزّة وإجلال، وكرامة واحترام.

لقد خرج المشركون لمقاتلة رسول الله صلّي الله عليه وآله وقصدوا بذلك قتله، وعندما اُسر بعضهم في إحدي المعارك لم يستطع النبي صلّي الله عليه وآله أن ينام طيلة تلك الليلة بسبب أنين واحد منهم، أما بنو أمية فقد أسروا ذرّيته ولم يرقّوا لحالهم أبداً.

بنات الوحي في الأسر

ثم قال عجّل الله تعالي فرجه الشريف في الزيارة: «وسبي أهلك كالعبيد وصفّدوا في الحديد» والصفد هو أن تغلّ يدا الإنسان إلي عنقه أو إلي الخلف بالأغلال وتجعل القيود حول جسده ثم تقفل، هكذا ساقوا أهل البيت سلام الله عليهم من كربلاء إلي الكوفة في ليلة واحدة، فقد قيّد أتباع يزيد العلويات بالأغلال بما فيهم العلويات الصغار والأطفال، وكان من ضمنهم الإمام الباقر سلام الله عليه وطفلان للإمام المجتبي سلام الله عليه، فضلاً عن الإمام السجاد سلام الله عليه.

أمّا الحالة التي سيقت بها قافلة الأساري فقد أشار إليها الإمام الحجّة سلام الله عليه فقال: «فوق أقتاب المطيات» فإن الذي يركب الفرس أو الحمار أو غيرها من الدوابّ لا يحتاج إلي محمل أو غيره لأن ظهور هذه الحيوانات مستوية فلو وضع علي ظهرها قماش وما أشبه يكون أفضل، أما بالنسبة للجمل والنياق فالأمر يختلف؛ لأن أظهرها غير مستوية، ولذلك يضعون عليها القتب ويربطونها جيداً لئلا يقع الراكب ثم يضعون علي الأقتاب الهودج أو القبّة، علي اختلاف أشكالها الدائرية وغيرها.

يُنقل أن ابن سعد اتخذ لنفسه وأصحابه هوادج أمّا نياق وجمال أهل البيت سلام الله عليهم فكانت مجردة وكان الأطفال والعلويات يُسيَّرون علي النياق الحاسرة، وهذا هو مراد

الإمام الحجة عجّل الله تعالي فرجه الشريف في زيارة جده سيد الشهداء سلام الله عليه حين قال: «علي أقتاب المطيات».

ولو لاحظتم «بحار الأنوار» للعلامة المجلسي تجدونه يعبّر عن حال أهل البيت بما فيهم النساء والأطفال قائلاً: وأفخاذهم تشخب دماً. فمن الطبيعي أن الجمال حينما تجدّ في السير والعلويات مع الأطفال علي هذه الحالة علي أخشاب مجرّدة بدون فرش مقيّدين، تشخب أفخاذهم دماً؛ والحال أن الظالم يريد إيصالهم إلي الكوفة بأسرع وقت.

الأسر مع السلاسل والأغلال

ثم إن بقية الله الأعظم يخاطب جده سلام الله عليه قائلاً: «وأيديهم مغلولة إلي الأعناق».

ولو لاحظتم كتاب «البحار» أيضاً تجدون أن عمر الإمام السجاد صلوات الله عليه كان آنذاك فوق العشرين سنة أي إنه كان شابّاً ولم يكن حَدثاً لأن عمر الإمام الباقر سلام الله عليه حينذاك كان خمس سنين، وهذا معناه أن عمر الإمام السجاد سلام الله عليه كان فوق العشرين. وكما تعلمون إن رجال بني هاشم كانوا عظيمي الهياكل أقوياء، إلا أن العلامة المجلسي ينقل أن ابن زياد أمر أحد الشرطة - وآهٍ من شرطة الظلمة() - أن يذهب ويري الإمام السجاد سلام الله عليه فإن كان بالغاً قطع رأسه؛ ممّا يدلّ علي أنه سلام الله عليه قد نحل بدنه وذاب جسمه إلي هذه الدرجة؛ كلّ ذلك لعظم المصائب التي رآها في كربلاء والطريق والكوفة.

وفي التاريخ أن أوداج الإمام السجاد سلام الله عليه كانت تشخب دماً من أثر الأغلال والقيود التي قيّدوه بها طيلة المسير. فمن عصر اليوم الحادي عشر إلي صباح اليوم الثاني عشر كان الأعداء يسيرون بأهل البيت سلام الله عليهم مقيَّدين والدماء تنزف منهم.

حزن الإمام علي جدّه سلام الله عليهما

ثم إن إمام العصر سلام الله عليه خاطب جده سيد الشهداء سلام الله عليه قائلاً: «لأندبنك صباحاً ومساءً» فالندبة هي البكاء مع العويل والصراخ.

فأين تكون هذه الندبة من الإمام الحجة سلام الله عليه لجدّه المظلوم؟ أفي الصحراء أم غيرها؟ وماذا يتذكر الإمام الحجة سلام الله عليه؟ وأي مصيبة من مصائب جدّه يستحضر بحيث إنه لا يفتر ولا يبرد لا شتاءً ولا صيفاً؟! إن الإنسان المفجوع قد يهدأ ويبرد تدريجياً، أمّا الإمام الحجة عجل الله تعالي فرجه الشريف فلا يهدأ أبداً بل يندب جدّه ليل، نهار.

ثم إنه

سلام الله عليه قال: «ولأبكين عليك بدل الدموع دماً» فإنه ربما يقال: الدمع – الذي هو بخار الدم في عروق المقلة – إذا تدفّق بكثرة، قلل من قابلية تبخّر رطوبات الدم، فيجري الدم نفسه من عروق الأجفان، أو أن الشرايين الدقيقة في الأجفان تتمزّق فيهمي منها الدم.

ويقال: إن مستودع الدم الذي هو مصدر الدمع ومنبعه، يشبه الكيس الموجود خلف العينين، فإذا جرح يتحوّل الدم الذي فيه إلي دموع، فلو بكي الإنسان كثيراً وبشدّة تحول بكاؤه علي أثر جفاف الدمع إلي دم.

الجدير بالذكر أن الإنسان تارة يفقد عزيزاً له فيبكي عليه يوماً أو يومين أو أسبوعاً بشدة فتخرج من عينيه قطرة من الدم؛ فإن منبع الدمع عندما يفقد قدرته علي بثّ الدموع يتحول البكاء بالدمع إلي دم وتنزل من الإنسان قطرة أو قطرتان من الدم. إلا أن إمام العصر والزمان عجل الله تعالي فرجه الشريف يخاطب جده ولسان حاله: سأبكي عليك يا جدّاه بكاءً شديداً متواصلاً حتي تجفّ دموعي وتتحوّل دماً. وهذا معناه أن الإمام الحجة عجل الله تعالي فرجه الشريف يبكي علي الإمام الحسين سلام الله عليه دماً كلَّ يوم وليس فقط يوم عاشوراء؛ إذ إن مصيبة سيد الشهداء وأهل بيته مصيبة استثنائية وشاءت إرادة السماء أن لا يكون لها نظير في الكون منذ الأزل وإلي يوم يبعثون.

دروس من الرضا والتسليم

اقرأوا «بحار الأنوار» وكتب المقاتل لن تجدوا لأهل البيت سلام الله عليهم بما فيهم النساء والأطفال - فضلاً عن الإمام السجاد والباقر سلام الله عليهما - كلمة واحدة تسخط الله تعالي رغم عظم المصائب التي رأوها! نعم، إن الإمامين السجاد والباقر سلام الله عليهما كانا معصومين، لكن بقية النساء والأطفال لم يكونوا كذلك!

وكذلك لن تجدوا أن أهل

البيت سلام الله عليهم تضجّروا أو توجعوا أو حتي شكوا ما جري عليهم في كلمة، فهذا ابن زياد حينما خاطب العقيلة زينب سلام الله عليها بكلّ وقاحة قائلاً: كيف رأيتِ صنع الله بأخيك وأهل بيتك؟ أجابته سلام الله عليها قائلة: «ما رأيت إلاّ جميلاً» ()، علماً أنها رأت كلّ هذه المصائب العظيمة.

نعم، إن السيدة زينب سلام الله عليها كانت عالمة غير معلَّمة ولكن الأطفال الصغار الذين كانت تتراوح أعمارهم بين الثلاث والأربع وبقية النسوة لم يكونوا مثل السيدة زينب سلام الله عليها ومع ذلك فلم تصدر منهم كلمة لا ترضي الله تعالي، وهذا درس وعبرة لنا ينبغي أن نعتبر منها، ونتّعظ بها.

انظروا اليوم إلي مقام طفلة سيد الشهداء سلام الله عليه - السيدة رقية - بعد مرور أكثر من ألف وثلاثمائة وخمسين سنة في الشام وهي مركز بني أمية حتي اليوم، فما أكثر الحاجات التي تقضي للناس بالتوسل إلي الله تعالي بهذه السيدة الجليلة، هذا بالنسبة للدنيا أمّا في الآخرة فالله العالم.

دورنا تجاه الشعائر

لقد انقضي يوم عاشوراء من هذه السنة إلا أن مصائب أهل البيت سلام الله عليهم لم تنقضِ بل بدأت من اليوم، فلا ندعها تمرّ علينا دون أن نستفيد منها علي الوجه الأحسن. وفي هذا المجال أوصي الأخوة بوصيتين:

الأولي: إن الأخوة - ولله الحمد - من أهل المجالس بمن فيهم العلماء الأعلام والوعاظ المحترمون الذين هم أحفظ مني للمطالب، ولكنني أوصي إخواني الذين هم مثلي وأقول:

استفيدوا من بركات سيد الشهداء سلام الله عليه بقدر الإمكان، وذلك من خلال المشاركة في مجالس العزاء وإحيائها، بل اسعوا إلي عقد هذه المجالس في بيوتكم فإنها تجلب إليكم بركة الدنيا والآخرة.

فإن كل من يقيم مجلساً سواء كان للرجال

أم للنساء، وفي محرم أم في صفر، وفي عاشوراء أم في غيرها، كلّ ذلك يجلب البركة إليكم لأن ذكر أهل البيت سلام الله عليهم يجلب البركات ومنها سلامة الذرية. فالذي يريد أن تكون ذرّيته صالحة عليه أن يجلب البركة في بيته وذلك بإقامة مجالس ذكر أهل البيت سلام الله عليهم، كلٌّ حسب قدرته وإمكانيته، وإذا استطاع أحدكم أن يقيم المجالس يومياً فإن لذلك فوائد كثيرة، أما إذا لم يتمكن من ذلك كل يوم فلا بأس في كل أسبوع أو كل شهر أو حتي مرة في السنة.

فاسعوا أيها الأخوة الأعزاء أن تنيروا بيوتكم بمصباح سيد الشهداء وذلك من خلال إقامة مجلس العزاء علي مصابه سلام الله عليه، واعلموا أن هذا المصباح ورغم محاولات الأعداء الكثيرة التي أرادوا بها أن يطفئوا نوره قد بقي منيراً علي مدي أربعة عشر قرناً، وسيبقي منيراً إلي يوم القيامة.

الظلم بلباسه الإرهابي الجديد

هاكم الشعب العراقي المظلوم مثالاً، فرغم كلّ المضايقات وسيل المصائب التي صبّوها عليه - حيث أعدموا الكثير من الذين كانوا يقيمون العزاء في بيوتهم - والمقابر الجماعية التي كشفوها، فإنه ما زال متمسكاً بالولاء لسيد الشهداء سلام الله عليه.

واليوم بعد أن تخلص العراقيون من الظلم عاد الأعداء ليمارسوا ظلمهم بحق العراقيين مرّة أخري، فلقد اقترفوا اليوم -العاشر من المحرم 1425 - جريمة كبري عند مرقد سيد الشهداء ومرقد أخيه أبي الفضل العباس سلام الله عليهما. لقد قال لي أحد الأصدقاء نقلاً عن أحد المطلعين: ذهب من إيران فقط ما يقارب مليون زائر لزيارة سيد الشهداء في عاشوراء فضلاً عن الزوار من بقية الدول.

ومع ذلك فإن الظلمة لم يقفوا مكتوفي الأيدي، فقاموا بفعلهم الشنيع تجاه زوار سيد الشهداء في كربلاء، وكذا الحال بالنسبة

لزوار الإمامين الكاظمين سلام الله عليهما.

وهنيئاً للزوار الذين استشهدوا وهم في زيارة أهل البيت سلام الله عليهم، ففي الغد نغبطهم - أنا وأنتم - وسنري إن شاء الله مقامهم الرفيع يوم القيامة، لأن الله تعالي قد جعل لسيد الشهداء خصوصية - كما يقول العلماء - لم يجعل مثلها لنفسه.

الإمام الحسين محبوب الجميع

لقد أثني حتي الكثير من غير المسلمين - بل ومن عبّاد النار - علي الإمام الحسين سلام الله عليه، وقد طبع أحدهم ديواناً في رثاء أبي عبد الله الحسين سلام الله عليه. فهؤلاء وأمثالهم ماذا تكون عاقبتهم؟

يقول أحد العلماء الأعلام: قلت لأحد عبّاد النار: ألا تدخل في الإسلام؟ فرفض. وبعد مدة جاءني ابنه وقال: لقد مات أبي اليوم وقبل موته بقليل أوصي بأن نسلّم جنازته للشيعة ليتصرفوا بها كيف شاءوا؟! فلربما أسلم في أواخر حياته وتشيع.

لاشك أن الذين قُتلوا اليوم قد مضوا إلي نعيم الله تعالي، ولكن الويل لأولئك الذين ظلموا معزّي سيد الشهداء سلام الله عليه، فإنهم في عداد من خسر الدنيا والآخرة.

إن الخاسر الحقيقي هو من انتهك حرمة عزاء سيد الشهداء وأهل البيت الأطهار سلام الله عليهم بأي طريقة كانت، ولن يهنأوا في حياتهم حتي في شربهم الماء، ففي الخبر أن الله تعالي أول شيء يحاسِب عليه هي قضية سيد الشهداء سلام الله عليه، فيحاسب كلّ من كان مع سيد الشهداء وكلّ من كان ضده بل وكلّ من خطا خطوة في طريق سيد الشهداء سلام الله عليه، وكل من خطا خطوة في طريق أعدائه، فيحشر أتباع سيد الشهداء معه وأعداؤه مع قتلته.

البشرية كلها ممتحنة بقضية عاشوراء

إن قضية عاشوراء ستبقي إلي يوم القيامة وسيمتحن فيها الملايين من البشر.

إن الامتحان بقضية عاشوراء ليس اليوم فقط أو في عاشوراء عام 61ه وإنما كان قبل أن يخلق الله تعالي الأنبياء سلام الله عليهم، فقد امتحن نبي الله نوح وإبراهيم الخليل سلام الله عليهما، ففي الخبر أنه إذا ذكر الأنبياء فينبغي أن يصلي علي النبي صلّي الله عليه وآله أولاً ثم عليهم ما عدا نبي الله إبراهيم حيث يقال هكذا: عليه

وعلي نبينا وآله السلام، وهذا استثناء له من بين جميع الأنبياء، ومع ذلك فقد امتحنه الله تعالي بسيد الشهداء سلام الله عليه.

وكذلك نحن جميعاً نمتحن، ولذلك لا بدّ أن نحذر ونحتاط فلا نسيء إلي شيء من قضايا سيد الشهداء سلام الله عليه، فإن الله تعالي يعفو عن معصيته أسرع من عفوه عن التقصير في قضية سيد الشهداء سلام الله عليه، وهذا نظير ما في الرواية إن الله تعالي ينظر إلي زوار قبر أبي عبد الله سلام الله عليه يوم عرفة قبل أن ينظر إلي زوّار بيته الحرام.

انظروا لما حدث في عاشوراء هذا العام، هل سيمتنع الزوار من المجيء ثانية إلي قبر سيد الشهداء سلام الله عليه؟ وهل تصوّر الأعداء أن الناس سيتركون زيارة سيد الشهداء سلام الله عليه؟

لقد التقيت بالعديد من المظلومين في العراق، فكان بعضهم يقول: فقدت أولادي الخمسة ولا أعلم منهم شيئاً، وغير ذلك من قتل الشباب وانتهاك الأعراض والتجري علي العلماء، ومع كل ذلك لم يتراجع الموالون عن قضية سيد الشهداء سلام الله عليه ولن يتراجعوا إلي يوم القيامة. ولكن يبقي القول: إنه لمن سعادة المرء أن يقيم مجلساً لسيد الشهداء سلام الله عليه، فالمجالس هذه حتي إن حضرها القليل ولم يقدّم فيها إلا اليسير، فهي يوم القيامة عند الله عظيمة، فضلاً عن دفعها لبلاء الدنيا والآخرة.

الذين لم يُوفَّقوا لذلك فليصمّموا من اليوم أن يقيموا في بيوتهم مجالس سيد الشهداء سلام الله عليه.

لنجعل أبناءنا في خدمة أهل البيت سلام الله عليهم

أما الوصية الأخري والتي أراها وظيفة شرعية أن أوصيكم بها هي:

إن دنيا اليوم تختلف عن السابق، فاليوم إذا وقعت حادثة بسيطة في كربلاء فلا يمرّ عليها خمس دقائق حتي يصل خبرها إلي أقصي أطراف العالم، وإذا اتفقت حادثة في

قم فلا تنقضي خمس دقائق حتي تجد أن وكالات الأنباء العالمية تتناقلها، علماً أن الفرق بينهما شاسع جداً، فقد تكون إحداهما وقعت نهاراً والأخري ليلاً.

وكما تعلمون أن تعداد البشرية اليوم يعادل ستة مليارات والكثير منهم لا يعرفون الإمام الحسين سلام الله عليه بل ربما لم يسمع بعضهم به، وإذا سمعوا عنه فإنهم لا يعرفون حقيقته، كما تعبّر الروايات «عارفاً بحقّه». ولذا فإن مسؤوليتنا - نحن العارفين بحقّ سيد الشهداء سلام الله عليه - أن نوصل صوت الإمام الحسين سلام الله عليه إلي البشرية كلها ونعرّفها به. وأبسط ما يمكن القيام به في هذا المجال هو جمع مقدار من الأموال وافتتاح موقع علي الانترنت وبواسطته نعرّف سيد الشهداء سلام الله عليه للعالم. وربما يدخل الآلاف بل الملايين في الموقع فيهتدوا علي أثره.

من جانب آخر، اسعوا -إخواني الأعزاء- أن يكون في بيتكم خادم للإمام الحسين سلام الله عليه، فإذا كان عندكم عدة أولاد فاجعلوا أحدهم خادماً في طريق سيد الشهداء وطريق الإمام المهدي عجل الله تعالي فرجه الشريف. وذلك بتعلّم علوم أهل البيت سلام الله عليهم وتعليمها للناس كافة.

وينبغي لكم أن تشوقوهم لذلك إن لم يكن لهم رغبة في هذا الطريق، ولا تجبروهم عليه.

الكعبي ومقتل الإمام الحسين سلام الله عليه

يمرّ اليوم علي وفاة المرحوم الشيخ عبد الزهراء الكعبي زهاء ثلاثين سنة، ولكن لا يزال صوته وهو يقرأ مقتل الإمام الحسين سلام الله عليه يُسمع في كثير من الأماكن. حتي في أوربا تجدهم يبثّون مقتل الإمام الحسين سلام الله عليه بصوت المرحوم الشيخ عبد الزهراء الكعبي.

لقد رأيته هو وبعض أقربائه بما فيهم والده رحمة الله عليهم وقد ذكروا أنهم سمّوه بهذا الاسم لأن ميلاده كان في يوم ميلاد الصدّيقة الزهراء سلام الله عليها،

كما أن شهادته غدراً بالسمّ - علي ما نُقل - صادفت في يوم شهادة الصدّيقة فاطمة الزهراء سلام الله عليها.

فاسعوا إخواني الأعزاء لأن يكون في بيتكم مثل هذا الصوت الذي يستمع إليه الملايين من الناس، فلو كان الشيخ عبد الزهراء من التجار الكبار أو حاكماً من الحكام لم يُفد والديه كما أفادهما بعد أن نذر نفسه لطريق أهل البيت والإمام الحسين سلام الله عليهم أجمعين.

احرصوا إخواني أن يكون أحد أولادكم من أهل العلم ولا تنسوا أن تحثّوه علي هذا الطريق علماً أن كل أجر يحصّله ستكونون شركاء معه، كما في الحديث الشريف: «من سنّ سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلي يوم القيامة» () فاحرصوا علي ذلك واسعوا بأن تجعلوا أحد أبنائكم - ذكراً كان أم أنثي - في عداد خدمة الإمام الحسين سلام الله عليه، أمّا الذين لم يتزوجوا بعد فينبغي لهم أن يعاهدوا سيد الشهداء سلام الله عليه علي أنهم إن تزوجوا ورُزقوا بذرية أن يجعلوا أحدهم من طلبة العلوم الدينية الذين يخدمون خط سيد الشهداء وإمام العصر سلام الله عليهما.

أسأل الله تعالي ببركة سيد الشهداء الإمام الحسين سلام الله عليه أن يوفّقنا لما يحبّه ويرضاه وصلّي الله علي محمد وآله الطاهرين.

رأي سماحة آية الله العظمي السيد صادق الشيرازي في

التبرع بالدم بدلاً عن التطبير

سماحة آية الله العظمي السيد صادق الشيرازي دام ظله:

ما رأيكم في التبرّع بالدم للمحتاجين بدلاً من التطبير، لئلا يهدر الدم ولا يرد عليه ما يرد علي التطبير من إشكالات؟

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

التبرّع بالدم للمحتاجين أمر حسن، والتطبير في يوم عاشوراء أمر أحسن، فانه مضافاً إلي ما فيه من مواساة للإمام الحسين سلام الله عليه والخيرة الصفوة من

أهل بيته وأنصاره، وإلي كونه من مصاديق تعظيم شعائر الله تعالي التي اعتبر القرآن الحكيم تعظيمها ?من تقوي القلوب? وإلي كونه من مظاهر الجزع -المأمور به في الأحاديث الشريفة المعتبرة- علي مولانا سيد الشهداء صلوات الله عليه، في نفسه مستحب في مقدم الرأس، ففي حديث الإمام الصادق عليه السلام: «الحجامة علي الرأس علي شبر من طرف الأنف وكان رسول الله صلي الله عليه وآله يسميها بالمنقذة».

وما أحسن الجمع بين الأمرين ففي يوم عاشوراء يكون التطبير، وفي يوم ميلاد الإمام الحسين عليه السلام التبرّع بالدم، والله وليّ التوفيق.

بيان سماحة آية الله العظمي

السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله

بمناسبة أربعين الإمام الحسين عليه السلام

عام 1425 ه

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلي الله علي أشرف خلقه أجمعين، محمد المصطفي وعترته الطاهرين. ولعنة الله علي أعدائهم أجمعين إلي يوم الدين

ورد في الحديث الشريف عن الإمام العسكري عليه السلام في زيارة الإمام الحسين عليه السلام في الأربعين أنه قال: «علامات المؤمن خمس:

صلاة إحدي وخمسين

و زيارة الأربعين

و التختم باليمين

و تعفير الجبين

و الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم».()

مناسبة أربعين الإمام الحسين عليه السلام

في مناسبة الأربعين العظيمة، والتي يتوقّع أن يتّجه الملايين من المؤمنين - من شتّي بلاد العالم ومن أطراف العراق خاصة - ويجتمعوا علي صعيد الأرض المقدّسة المباركة التي خلقها الله تعالي ليجعلها أفضل أرض في الجنة() كي يفوزوا بزيارة الإمام الحسين عليه السلام.

الزيارة التي طالما دعا اليها رسول الله والأئمة الأطهار عليهم جميعاً صلوات الله في أحاديث شريفة متواترة ، منها ما ذكرته كتب حديث شتي عن النبي صلي الله عليه وآله أنه قال لبعض أزواجه: «… فمن زاره كتب الله له حجّة من حججي، قالت: يا رسول الله حجّة من حججك؟ قال: نعم، حجّتين من حججي، قالت: يارسول الله حجّتين من حججك؟ قال: نعم، وأربعة … فلم تزل تزادّه ويزيد حتي بلغ تسعين حجّة من حجج رسول الله صلي الله عليه وآله وتسعين عمرة كذلك.()

في هذه المناسبة المهمة حيث المواكب الحسينيّة تتدفّق كالسيل من أطراف داخل العراق وخارجه ركباناً ومشاة، يؤدّون الشعائر الحسينية بشتّي أنواعها، والتي هي من مصاديق شعائر الله عزّ وجلّ يعزّون رسول الله، وأمير المؤمنين وفاطمة الزهراء، وباقي الأئمة الأطهار، وخاصة صاحب العزاء اليوم: وليّ الله الأعظم مولانا صاحب العصر والزمان، المهدي المنتظر عليهم صلوات الله وعجّل الله تعالي فرجه الشريف

يعزّونهم بالمصائب الجسام التي وردت علي العترة الميامين وأصحابهم وأنصارهم في هذه الأرض.

و هذه الشعائر كلها من مصاديق إحياء أمر أهل البيت عليهم السلام، وقد أمر الإمام الصادق عليه السلام بإحياء أمر أهل البيت، ودعا لمن يحيي أمرهم حيث قال: «فأحيوا أمرنا، رحم الله من أحيي أمرنا».()

في هذه المناسبة المهمة ينبغي للجميع ملاحظة النقاط التالية:

النقطة الأولي: الحذر من العدوّ

إن العدو اللدود يتربّص بالشعب العراقي المظلوم، ويحاول بشتّي الوسائل أن يشعل فتنة طائفية بينهم، ومثل هذه الفتن لا تنتهي إلا بفشل الجميع، كما أنها تعبّد الطريق لهيمنة الضلال والانحراف، والظلم والفساد، كما ألمع إلي ذلك القرآن الحكيم حيث يقول: ?ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم?.()

و قد أثبت التاريخ أن مثل هذه الفتن باءت بالإخفاق لكل الأطراف، وسبّبت هدر الطاقات، وضياع الفرص الذهبية، واصطياد العدوّ المشترك في الماء العكر.

فاللازم علي الجميع في هذه المرحلة الحسّاسة والعصيبة، التزام الصبر والحلم، فقد قال الله تعالي: ?واصبروا إن الله مع الصابرين?.(2) و في الحديث الشريف: «لا عزّ أرفع من الحلم».()

كما إنه ينبغي تطويق الحكماء للفتن التي يراد إشعالها، والقضاء عليها في مهدها.

النقطة الثانية: جمع كلمة المؤمنين

فإنه من أهم ما يجب اليوم علي الجميع، وذلك بنبذ الخلافات القبلية، والإقليمية، والفئوية وغيرها، ورصّ الصفوف، وجمع شمل الشعب العراقي الواعي والنبيه، وعدم فسح المجال للرؤي المختلفة، لكي تتسلّل وتوجد الانشقاق والفرقة، وتمزّق وحدة الصف والكلمة، فإنها هي الأخري تعوّق سير المؤمنين قدما إلي تحقيق الأهداف الإسلامية السامية، قال تعالي: ?إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم?.()

النقطة الثالثة: إسلامية القانون

أي مواصلة التأكيد من قبل جميع شرائح الأمة علي ضرورة إسلامية كل بنود القانون وموادّه - سواء الموقّت أم الدائم - وجعل الإسلام هو المصدر الوحيد للتشريع، عبر كل الوسائل المتاحة من الإذاعات والتلفزيونات إلي الكتب والصحف والمجلات إلي الخطب والندوات، إلي اللقاءات الفردية والجماعية وغيرها، فإن في سيادة قوانين الإسلام سعادة الدنيا والآخرة، قال تعالي: ?ولو أنّ أهل القري آمنوا واتّقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض?.() وقال عزّ شأنه: ?ومن أعرض عن ذكري فإنّ له معيشة ضنكاً?.()

النقطة الرابعة: العمل برأي الأكثرية

إن تشكيلة الحكومة في العراق المسلم يلزم أن تكون بأكثرية الآراء في جميع المجالات، فإن الأكثرية - في ظل الدستور الإسلامي - لا تظلم فرداً واحداً من الأقليات، علي هدي القرآن الحكيم، وسنّة رسول الله صلي الله عليه وآله، وسيرة الائمة الأ طهار عليهم السلام.

فالتاريخ المنير والمشرق لسيرة النبي الأعظم وأمير المؤمنين إبّان حكمهما، زاخر بنماذج كثيرة، تدلّ علي تعميم العدل والإحسان بالنسبة للجميع، وعدم ظلم ولو فرد واحد من الأقليات، حتي أعداء الحكومة الإسلامية، وأعداء الحاكم الأعلي، وحتي المنافقين منهم.

و دونكم بعض ذلك - من الكثير الكثير الذي حفظه التاريخ -:

أ - إن الكفار الذين لم يزالوا يكيدون الإسلام والمسلمين، ويعادون رسول الله صلي الله عليه وآله شخصياً ويكذّبون النبي وينسبون إليه ما لا يليق، مع ذلك كانوا يعيشون بأمن وسلام، وحرية ورفاه - في ظلّ حكم رسول الله وأمير المؤمنين صلي الله عليهما وآلهما - ولم ينقل أنه اُصيب أحد منهم بسوء، بل حفظ التاريخ أن كافراً افتقده النبي صلي الله عليه وآله اياماً فسأل عنه، فقيل: إنه مريض فعاده النبي صلي الله عليه وآله في ناس من أصحابه.()

ب - في مجال الاقتصاد، وضمان معيشة

الأقلّيات، لم يدع أمير المؤمنين عليه السلام أيام حكومته فقيراً واحداً من أهل الكتاب إلا وضمن معيشته، حتي أنه عندما رأي فقيراً نصرانياً يستعطي استنكر عليه السلام هذه الظاهرة الغريبة وقال: «أنفقوا عليه من بيت المال».()

ج - ساوي الإمام أمير المؤمنين عليه السلام - إبّان حكومته - في القضاء الإسلامي بين الحاكم الأعلي وفرد عادي من أفراد الأقلية كما في التاريخ أنه وجد علي عليه السلام درعاً له عند نصراني، فجاء به إلي قاضيه: شريح يخاصمه … ثم قال علي عليه السلام إن هذه درعي لم أبع ولم أهب، فقال شريح للنصراني: ما يقول أمير المؤمنين؟ فقال النصراني: ما الدرع إلا درعي، فالتفت شريح إلي علي عليه السلام فقال: يا أمير المؤمنين هل من بيّنة؟ فقال عليه السلام: لا، فقضي بها شريح للنصراني.

فمشي النصراني هنيئة، ثم أقبل فقال: أما أنا فأشهد أنّ هذه أحكام النبيين، أمير المؤمنين يمشي بي إلي قاضيه، وقاضيه يقضي عليه، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأنّ محمداً عبده ورسوله، الدرع والله درعك يا أمير المؤمنين … فقال عليه السلام أما إذ أسلمت فهي لك».()

هذا هو الحكم الإسلامي العادل، الذي إن طبّق فسيكون العراق إن شاء الله جنّة بالنسبة إلي الجميع حتي الأقليات من الكفار الذين لا يعترفون بالإسلام فكيف بالمسلمين؟

د - إنّ الإمام أمير المؤمنين عليه السلام لم يأذن أيام حكومته بقطع عطاء محاربيه بعد هزيمتهم في ساحة القتال، بل نهي عليه السلام من أن يسميهم أحد آنذاك بالمنافقين، مع أنهم كانوا من أظهر مصاديق المنافقين، بمتواتر الروايات التي قال فيها النبي صلي الله عليه وآله لأمير المؤمنين سلام الله عليه: «لا يبغضك إلاّ منافق».()

ه -

كذلك لم يعاقب الإمام أمير المؤمنين عليه السلام بعد ما وضعت الحرب أوزارها في (الجمل) و(صفين) و (النهروان) مثيري الفتنة، ومشعلي نار الحرب، مع انتصاره عليهم، وتمكّنه من رقابهم، وغير ذلك.

النقطة الخامسة: المرأة

إن المرأة لم تحترم في شيء من القوانين الوضعية الغابرة والمعاصرة - في عالم اليوم - كما احترمها الإسلام، ويمكن استفادة ذلك عبر استعراض سريع لبعض الأحكام والمواقف التي اتخذها الإسلام تجاه المرأة.

المرأة والتكريم الاقتصادي

مثلاً: من الناحية الاقتصادية قد ضمن الإسلام للمرأة شؤونها المالية في كل أدوار حياتها، فإن كانت بنتاً فنفقتها علي الأبوين، وإن كانت زوجة فنفقتها علي الزوج، وإن كانت أماً فنفقتها علي الأولاد.()

و هذا الضمان الاجتماعي والتكفل الاقتصادي وبهذا الشمول الذي يوفّر علي المرأة اكبر قدر من الراحة والدعة، والشعور بالسعادة والكرامة، لا يكاد يوجد في أي قانون من قوانين الأرض القديمة والحديثة فلا تكريم اقتصادي ولا تقدير اجتماعي أعظم من هذا للمرأة.

و أمّا بالنسبة إلي الإرث والديات، فقد أنصف الإسلام المرأة - كما أنصف الرجل - بما يتناسب وتركيبتها العاطفية والنفسية مراعياً بذلك واقعها الذي هو جدير بمثل ذلك.

فقد أعطاها في بعض الأحيان مثل ما أعطي الرجل من الإرث، كما في كلالة الأم، وأعطاها من الدية بقدر ما أعطي الرجل من الدية كما فيما لم يبلغ الثلث من مجموع مقدار دية الرجل، وأعطاها أحيانا نصف الرجل، وفي النصف أيضاً مراعاة لحالها وتكريم لشخصيتها وذلك لما مرّ: من أنّ الإسلام قد ضمن للمرأة شؤونها المالية، وتكفّل نفقاتها اليومية في كلّ أدوار حياتها، وفي جميع مراحل عمرها، ومعه يكون جعل النصف لها تكريماً لقدرها.

المرأة والكرامة العائليّة

البنت: أمّا البنت فقد جاء في الحديث الشريف عن النبي الأكرم صلي الله عليه وآله في حقها:

«من يمن المرأة أن يكون بكرها جارية».()

بينما لم يرد مثل ذلك في الذكور من الأولاد.

الزوجة: وأما الزوجة فما أكثر ما أوصي الإسلام بها، ففي القرآن الحكيم - مع أنّ الحقوق الإسلامية متبادلة بين الزوجين وأكّد ذلك القرآن بقوله: ?ولهن مثل الذي عليهنّ بالمعروف?()- قد أمر الأزواج بمعاشرتهن بالمعروف، بينما لم يأمر القرآن الزوجات بمعاشرة أزواجهن بالمعروف - مع وجوبها عليهنّ أيضاً - قال عزّ من قائل: ?وعاشروهنّ بالمعروف?.()

الأم: وأمّا الأم فما أعظم تعبير الحديث النبوي الشريف بشأنها: «الجنّة تحت أقدام الأمهات».()

الأرحام: وأمّا الأرحام فما أكثر ما أوصي الإسلام بهن في ثنايا الأحاديث الشريفة، وكنموذج واحد من العشرات من نظائره ما في الحديث الشريف من: «أن رجلا دني أجله فوصل عمّته، فزيد في عمره لذلك عشرون سنة».()

المرأة ومكانتها الاجتماعية

لقد بوّأ الإسلام المرأة مكاناً رفيعاً، ومحلاً شامخاً، حتي وصفها الإمام أمير المؤمنين عليه السلام بقوله: «المرأة ريحانة» فيلزم علي المجتمع الإسلامي اعتبارها «ريحانة» والتعامل معها علي هذا الأساس في شتّي مجالات الحياة.

و هذا التعبير من الإمام أمير المؤمنين عليه السلام في حقّها تعبير دقيق وجميل، ومناسب لتكوين المرأة، ومجانس لتركيبتها النفسية والعاطفيّة، والجسمية والبدنية.

المرأة في منظار الحاكم الاسلامي

إنّ للمرأة مكاناً مرموقاً لدي الحاكم الاسلامي، ويمكن استفادة مدي هذه المكانة من خلال سيرة النبي الأكرم والإمام أمير المؤمنين عليهما وآلهما الصلاة والسلام في أيام حكومتيهما، واليكم بعض الأمثلة لذلك:

الله الله في النساء

1 - جاء في آخر ما أوصي به رسول الله صلي الله عليه وآله وهو يودّع الحياة الدنيا، التأكيد علي مراعاة النساء، والإرفاق بهن، وكذا في آخر ما أوصي به أمير المؤمنين عليه السلام مقرونا بتكرار اسم «الله» تعالي، إلماعاً إلي أهمية الأمر، وأشارة إلي مراقبة الله

تعالي فيه.

قال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام في تلك الوصية: «الله الله في النساء، وفيما ملكت أيمانكم، فإنّ آخر ما تكلم به نبيكم عليه السلام أن قال: أوصيكم بالضعيفين: النساء وما ملكت أيمانكم».()

و هذه هي وصيته عليه السلام لأهل العالم إلي آخر الدنيا حيث قال عليه السلام في أولها: «ثم إني أوصيك يا حسن وجميع أهل بيتي وولدي، ومن بلغه كتابي».

سفانة بنت حاتم الطائي

2 - قضية سفانة ابنة حاتم الطائي، وقد أسرت مع الكفار، وجي ء بها فيهم إلي رسول الله صلي الله عليه وآله فقالت له: فامنن عليّ، منّ الله عليك، قال: فعلت، فلا تعجلي حتي تجدي من قومك من يكون لك به ثقة حتي يبلّغك الي بلادك، ثم آذنيني. قالت: فأقمت حتي قدم ركب من قضاعة … فقلت له: قد قدم من قومي رهط لي فيهم ثقة وبلاغ، قالت: فكساني وحملني، وأعطاني نفقة، وخرجت معهم.()

فانظر كيف كانت معاملة النبي صلي الله عليه وآله مع المرأة الكافرة، والتي أسرت في ضمن الأسري الكفار، الذين حاربوا النبي وقاتلوه، فهو يحترمها ويكرمها، وينفق عليها، ويبعثها مع من تثق بهم.

شيماء بنت الحارث

3. قضية شيماء أخت النبي صلي الله عليه وآله في الرضاعة، ففي حرب «هوازن» التي كانت من الحروب الصعبة، ورد في التاريخ أنه جاءت جارية إلي رسول الله صلي الله عليه وآله فقالت: يا رسول الله أنا أختك من الرضاعة، أنا شيماء بنت الحارث … قال: فبسط لها رسول الله صلي الله عليه وآله رداءه ثم قال لها: «سلي تعطي، واشفعي تشفعي».()

هذه معاملة النبي صلي الله عليه وآله مع المرأة الكافرة، التي جاءت مع جيش الكفار لحرب رسول الله صلي الله عليه وآله، ثم انهزم جيش الكفار

وانتصر المسلمون بعدما لقوا الأمرّين.

فالحاكم الإسلامي يحترم المرأة ويكرمها بهذا النحو من الإكرام الذي لا يكاد يوجد له مثيل في شيء من تاريخ العالم، لا في ماضيه ولا في حاضره.

الكلمة الجامعة

وبكلمة جامعة: إن الإسلام أكرم المرأة، وأعزّ قدرها، وأعلي شأنها، وسمح لها بمزاولة كل الأدوار المناسبة لها، واللائقة بكرامتها، والملائمة لتركيبتها - كاُنثي - واستثني من ذلك أمرين:

أحدهما: ما لا يناسبها تكوينا، إذ هي ريحانة.

ثانيهما: اتخاذها سلعة رخيصة، تتجاذبها أسواق الميوعة وأندية الفساد.

النقطة السادسة: الشباب

إن الشباب هم رجال الغد، وبُناة المستقبل، وهم وصية النبي صلي الله عليه وآله وأهل بيته عليهم السلام، كما كان ذلك وصية الإمام الصادق سلام الله عليه لأبي جعفر مؤمن الطاق رضوان الله تعالي عليه حيث قال له: «عليك بالأحداث» أي الشباب.()

و كان حول الرسول الأكرم صلي الله عليه وآله جمهرة من الشباب المؤمن والمثالي من أمثال أبي ذر، والمقداد، وعمار بن ياسر، وجابر بن عبد الله الأنصاري ونظرائهم.

كما كان سفراؤه صلي الله عليه وآله في المدينة قبل هجرته إليها، والذين وطّدوا الأمن، ومهدّوا له الأمر هناك فيهم مجموعة من الشباب.

وهكذا كان حول الإمام أمير المؤمنين وسائر الأئمة الأطهار عليهم السلام شباب مؤمنون أتقياء، أقوياء نشطاء، انتقلت عبرهم حقائق الإيمان، وأحكام القرآن إلي الأجيال التالية، والأزمان المتعاقبة.

وكذلك كان حول الإمام الحسين عليه السلام في شهداء الطف جماعة خيّرة من الشباب، من سلالة أهل البيت وغيرهم، كعليّ بن الحسين الأكبر والقاسم بن الحسن عليهما السلام، والشاب الذي قتل أبوه في المعركة حيث ارتجز وهو يقول:

أميري حسين ونعم الأمير

سُرورُ فؤاد البشير النذير()

و وهب بن عبد الله بن حباب الكلبي وآخرين أمثالهم.

الشباب في عهد الغيبة

وهكذا كان فيمن توفّقوا في عهد الغيبة الكبري للقاء سيدنا ومولانا

بقية الله الأعظم وليّ الأمر، وصاحب العصر الحجة بن الحسن، المهدي المنتظر (عجّل الله تعالي فرجه وصلوات الله عليه وعلي آبائه الطاهرين) أيضاً مجموعة غير قليلة من الشباب من أمثال ابن مهزيار، ومحمود الفارسي، وغيرهما.

كذلك اليوم إذا اعتنينا بالشباب عناية خاصة، واهتممنا بهم اهتماما مناسبا ولائقا، من تربية صالحة، وهداية بحكمة، وإرشاد إلي الفضيلة والصواب، فانه ينشأ فيهم القادة الأبرار، والزعماء الأخيار، والرؤساء الصالحون، والأمناء المصلحون، وهذا الأمر بحاجة إلي همّة كبيرة وشاملة من قبل كافة شرائح الأمّة، لتعطي أحسن النتائج، وأطيب الثمار.

فيلزم علي الجميع: الآباء والأمهات، والأهل والعشيرة، وعامة رجال المجتمع ونسائه، الاهتمام التام بالشباب والشابات، لينشئوا جيلاً صالحاً، يبنون حضارة المستقبل علي أسس الفضيلة والتقوي، والرفاه والخير، والعدل والقسط.

والله المسؤول أن ينصر هذه الأمة المظلومة، التي توالت عليها عقود سوداء ومظلمة، شديدة وقاسية، وأن يجمع لهم جوامع الخير، وكوامل البرّ، ويوفقهم جميعا لبناء مستقبل إسلامي زاهر، يعيش فيه الجميع - بكافة أديانهم ومذاهبهم، وأفكارهم وآرائهم - عيشة أمن ودعة، واستقرار وسعادة، وهو المستعان.

12/ صفر الخير / 1425

صادق الشيرازي

• ترجمة حديث سماحته ليلة الحادي عشر من المحرّم عام 1425ه.

پي نوشتها

() ففي الخبر عن أمير المؤمنين سلام الله عليه أن في سحر ليلة الجمعة ساعة يستجاب فيها الدعاء إلاّ من عدّة فإنهم إذا دعوا لا يستجاب دعاؤهم، ومنهم شرطي الظلمة.

() بحار الأنوار: ج 45، ص 115، الباب 39.

() الكافي: ج5، ص9.

() المزار: للشيخ المفيد ص 54.

() في حديث الإمام الباقر سلام الله عليه: «خلق الله تبارك وتعالي أرض كربلاء قبل ان يخلق الكعبة بأربعة وعشرين ألف عام، وقدّسها وبارك عليها، فما زالت قبل خلق الله الخلق مقدّسة مباركة – ولا تزال كذلك - حتي يجعلها

الله أفضل أرض في الجنة، وأفضل منزل ومسكن، يُسكن الله فيه أولياءه في الجنة» كامل الزيارات ص 450 ح 677.

() كامل الزيارات ص 144.

() الوسائل ج 12 ص 20.

() و (2) سورة الأنفال، الآية 46.

() الكافي ج 8 ص 19.

() سورة الحجرات، الآية 10.

() سورة طه، الآية 124

() سورة الأعراف، الآية 96.

() البحار ج 22 ص 73.

() الوسائل الباب 19 من ابواب جهاد العدو، ح 1.

() الغارات ج 1 ص 125.

() سنن الترمذي ج 5 ص 306.

() يلاحظ بعض تفاصيل هذه الأحكام في كتاب الفقه والرسائل العملية، أبواب النفقات من النكاح.

() المستدرك ج 15 ص 111.

() سورة البقرة، الآية 228.

() سورة النساء، الآية 19.

() المستدرك ج 15 ص 180.

() رجال الكشي ج 2 ص 742 ح 831.

() الكافي ج 7 ص 52.

() الدرجات الرفيعة ص 352.

() البداية والنهاية ج 4 ص 418.

() الكافي ج 8 ص 93.

() البحار ج 45 ص 27.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.