الغدير وعاشوراء ركنا التشيّع

اشارة

من محاضرات سماحة آية الله العظمي السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله

ترجمة: عبد الرضا افتخاري

الناشر:

المطبعة:

الطبعة الأولي: 1429للهجرة

عدد النسخ:

ردمك:

باهتمام مؤسسة رسول الأكرم صلي الله عليه وآله الثقافية

بسم الله الرحمن الرحيم

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام علي سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة علي أعدائهم أجمعين إلي قيام يوم الدين

حديث الكساء من شعائر الإسلام

في البدء إنني أبارك لكم ما حظيتم به من توفيق إقامة مجالس قراءة حديث الكساء الشريف، وكذلك أبارك لكل من ساهم في هذا المشروع مادياً أو معنوياً بالحث والترغيب أو أيّ أسلوب آخر، أو حضر في هذه المجالس، فإنّ هذا التوفيق هو من التوفيقات العظيمة والمهمة التي وللأسف يغفل الكثير منّا عن إدراك عظمتها.

يقول مولانا الإمام الصادق صلوات الله عليه: «لا يقبلُ اللَّهُ من العباد يوم القيامة إلاّ هذا الأمر الذي أنتم عليه وما بين أحدِكُم وبين أن يري ما تقرُّ به عينُه إلاّ أن تبلغ نفسُه إلي هذه. ثمّ أهوي بيده إلي الوريد».

إنّ من يقوم بعمل من أجل أهل البيت عليهم السلام الذين من شعائرهم هذا الحديث الشريف فليعلم أنه مصداق بارز لرعاية مولانا المفدي الإمام صاحب العصر والزمان عجّل الله تعالي فرجه الشريف وأن هذا من فضل الله تعالي عليه. ومن ثمّ فكلّما تحمّل المؤمن مصاعب أكثر في طريق أهل البيت عليهم السلام وإحياء شعائرهم التي هي شعائر الله والإسلام وكلما عاني أكثر مالياً واجتماعياً وسياسياً وتسلّح بالصبر إزاء ذلك، شملته العناية الإلهية أكثر، وكان مصداقاً أجلي لرعاية ودعاء الإمام المهدي عجّل الله تعالي فرجه الشريف.

أمّا ما يثار من شبهات حول صحة سند ونص حديث الكساء فهو من الأمور التي تؤلم مولانا بقية الله الإمام المهدي المنتظر عجّل الله تعالي فرجه الشريف،

وستكون عواقبها سيّئة علي أصحابها. فإنّ حديث الكساء هو من شعائر الإسلام ومن شعائر التشيّع بل من شعائر الله تبارك وتعالي التي دعا إلي تعظيمها القرآن الكريم بقوله عزّ من قائل: «وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَي الْقُلُوبِ».

ركنا حديث الكساء

إن لحديث الكساء الشريف ركنين: أحدهما الغدير والآخر عاشوراء. هاتان المناسبتان تفصل بينهما فترة زمانية قصيرة، والأولي مناسبة فرح وعيد، فيما الثانية مناسبة حزن وألم.

فيجدر بالجميع أن يواسوا أهل البيت الأطهار سلام الله عليهم ويكونوا مصداقاً للحديث الشريف: «يفرحون لفرحنا ويحزنون لحزننا» وذلك بأن يظهروا ويعبّروا عن بالغ سرورهم وفرحهم في عيد الغدير، وعن تألّمهم وحزنهم في يوم ذكري عاشوراء بشكل لائق.

ولقد روعي الترتيب الزماني للمناسبتين في هذه الرواية الشريفة، فقد ذكر الغدير أولاً ثم ذكر عاشوراء لأن الغدير حدث قبل عاشوراء، وذكراه أيضاً قبله بأيّام.

مكانة رفيعة

روي كامل الزيارات عن أحد أصحاب الإمام الصادق عليه السلام واسمه مسمع بن عبد الملك البصري رواية طويلة في الفرح لفرح أهل البيت والحزن لحزنهم، ومما جاء فيها أن الإمام عليه السلام قال لمسمع: «أما إنك من الذين يعدّون من أهل الجزع لنا والذين يفرحون لفرحنا ويحزنون لحزننا ويخافون لخوفنا ويأمنون إذا أمنّا، أما إنك ستري عند موتك حضور آبائي لك ووصيتهم ملك الموت بك، وما يلقونك به من البشارة أفضل … ».

فما أحلي هذه العبارة لو قيلت لأحدنا عند الموت أو في الليلة الأولي إذا وضعنا في القبر! إنها أغلي من جبال الذهب. فلو أن جميع البشر الموجودين اليوم علي سطح الأرض وهم سبعة مليارات أو أكثر مدحونا لما بلغت قيمته واحد في الألف ولا واحد بالمليون بل ولا واحد في المليار من هذه العبارة تقال لنا من الإمام المعصوم عليه السلام، بل لا توجد نسبة بين الاثنين.

ولا مانع من أن تقال هذه الكلمة للمؤمنين الذين جاءوا بعد مسمع إذا كانوا مثله. فأنتم الذين تعيشون بعده بقرون يمكن أن تكونوا أيضاً مصداقاً لهذا الحديث الشريف. فلقد كان آباؤكم

من المؤمنين المحبّين لأهل البيت عليهم السلام وأنتم أيضاً تسيرون والحمد لله علي نفس النهج، بل حتي الذي اهتدي إلي نور أهل البيت عليهم السلام ولم يكن آباؤه كذلك أو كانوا من النواصب فإن أهل البيت عليهم السلام يشملونه بلطفهم وأكثر، لأنهم أهل بيت الرحمة.

الكرامة الحسينية

فلقد ذكر العلاّمة الأميني رضوان الله تعالي عليه في كتابه القيّم (الغدير):

إن شاعر أهل البيت سلام الله عليهم أبا الحسن جمال الدين الخلعي (أو الخليعي) الموصلي الحلّي ولد من أبوين ناصبيين وكانت أمّه قد نذرت أنها إن رزقت ولداً تبعثه لقطع طريق السابلة من زوّار الإمام السبط الحسين سلام الله عليه وقتلهم، فلما ولدته وبلغ أشدّه ابتعثته إلي جهة نذرها، فلما بلغ إلي نواحي المسيّب بمقربة من كربلاء المقدسة طفق ينتظر قدوم الزائرين، فاستولي عليه النوم واجتازت عليه القوافل، فأصابه القتام الثائر، فرأي فيما يراه النائم أن القيامة قد قامت وقد أمر به إلي النار ولكنها لم تمسه لما عليه من ذلك العثير الطاهر، فانتبه مرتدعاً عن نيّته السيّئة، واعتنق ولاء العترة، وهبط الحائر الشريف ردحاً، ونظم عندئذٍ بيتين وهما:

إذا شئت النجاة فزر حسيناً

لكي تلقي الإله قرر عين

فإن النار ليس تمس جسماً

عليه غبار زوّار الحسين

وهكذا تاب الخليعي وأصبح من الشيعة الخلّص ومن شعراء أهل البيت عليهم السلام ونظم فيهم أشعاراً رفيعة.

ولقد نقل العلامة الأميني طائفة من أشعاره وهي جميلة حقاً سواء من حيث المعني أو البلاغة ثم قال:

«وقفت للمترجم علي قصائد كثيرة كلها في العترة الطاهرة مدحاً ورثاءً لو تجمع لجاءت ديواناً فخماً، وإليك فهرستها».

ثم ذكر مطلع كل قصيدة وعدد أبياتها، فبلغ عدد القصائد 39 ومجموع الأبيات التي وقف عليها العلامة الأميني من شعره: 1656 بيتاً.

أجل هكذا أصبح الخليعي المنحدر

من أبوين ناصبيين ليس فقط من محبّي أهل البيت عليهم السلام بل صار من أشد المدافعين عنهم ومن الشعراء المجيدين الذين أكثروا النظم مدحاً ورثاءً لهم. والذين لهم باع في البلاغة يدركون عظمة أشعاره وجمالها مع كثرتها واختصاصها بأهل البيت عليهم السلام فقط، كما ذكر العلامة الأميني.

الرعاية العلوية

ولقد كان يعيش في زمان الخليعي شاعر شيعي أباً عن جدّ هو الشاعر ابن حماد، وحسب كلّ منها أن مديحه لأمير المؤمنين عليه السلام أحسن من مديح الآخر، فجرت مفاخرة بينهما، ونظم كلّ منهما قصيدة وألقياها في الضريح العلوي المقدس محكّمين الإمام عليه السلام، فخرجت قصيدة الخليعي مكتوباً عليها بماء الذهب: أحسنت، وعلي قصيدة ابن حماد مثله بماء الفضة. فتأثر ابن حماد وخاطب أمير المؤمنين عليه السلام بقوله: أنا محبّك القديم وهذا حديث العهد بولائك، ثم رأي أمير المؤمنين عليه السلام في المنام وهو يقول له: إنك منّا وإنه حيث عهد بأمرنا فمن اللازم رعايته.

أفنحظي بهذا الشرف؟

وما أعظمها من كلمةٍ قوله عليه السلام (إنك منّا)! أفنحظي بهذا الشرف العظيم ويقول لنا الإمام عليه السلام إذا رحلنا من هذه الدنيا «إنك منّا»؟

أجل إن هذا ممكن، ولكنه يرتبط بنا إلي حد ما، وهو بحاجة إلي بذل الجهد والإخلاص. علينا أن نحيي الغدير وعاشوراء في العالم، فإنّ المليارات من البشر كثير منهم لم يسمع حتي باسم الغدير، والذين سمعوا كثير منهم غسلت أدمغتهم ضدّ الغدير.. فعلينا تقع مسؤولية توعيتهم. وهذا الأمر لا يمكن تحقيقه بيوم واحد بل هو بحاجه إلي جهود متواصلة وحثيثة، ولكن تحقيقه اليوم أفضل من السابق لأن الكبت في السابق كان أشد ووسائل الإعلام لم تكن كما هي اليوم بحيث تدخل الكلمة كلّ بيت بلا أن يستطيع الظالم

منعها.

فيجب انتهاز أجواء الانفتاح الموجودة حالياً في نشر ثقافة الغدير التي وصلتنا بفضل مساعي وتضحيات الألوف من أتباع أهل البيت سلام الله عليهم.

إنّ ما نشهده اليوم أحياناً في العراق وأفغانستان وباكستان من اضطهاد للشيعة وسفك لدمائهم ونسأل الله تعالي أن يرفعه عنهم ببركة أهل البيت عليهم السلام، إنّ هذا كان في السابق هو الحالة السائدة وقد عاني أسلافنا وتحملوا ما تحملوا من التعذيب والتقتيل حتي صار من الممكن اليوم ذكر اسم الغدير وعاشوارء في العالم بحريّة.

لا ينبغي الخوف

جاءني قبل أيام شابّان من بلد يسمي إسلامياً فسألتهما: ماذا فعلتما لأهل البيت عليهم السلام؟ فقال أحدهما: لقد سجنت مدّة ثمانية أشهر، وأوذيت وضُربت في بلدي، في سبيل أهل البيت عليهم السلام، وقال الآخر: لقد سجنت وضربت لأني أدخلت إلي البلد كتاب الغدير والصحيفة السجادية، فصادروا الكتب وأحالوني إلي المحكمة فأصدر عليّ القاضي حكماً بالسجن أربعة أشهر والتعزير بستّين سوطاً بتهمة ترويج كتب السحر والشعوذة!

قلت له: سجنتَ وضربتَ؟

قال: نعم ولكن الجلاّد الذي اُمر بضربي ستين سوطاً لم يكملها وتوقف عن الضرب عندما بلغ الضربة الخمسين.

فقلت له: لو جلدت الستين سوطاً كاملة! فضحك الشاب وسأل: لماذا؟

أجبته: لقد ذهب العناء الآن وبقي الأجر، ولو كانت الضربات أكثر عدداً كان أجرك الآن أكثر، ولحظيت برعاية الإمام أمير المؤمنين عليه السلام أكثر.

نظرة إلي التاريخ

ولكن علي أيّ الأحوال لو قارنّا هذا بما جري علي أسلافنا لرأيناه قليلاً جدّاً، فلقد تحمل أولئك الكثير الكثير حتي أوصلوا إلينا التشيع والغدير وعاشوراء.

فقد ذكرت كتب التاريخ أن معاوية قتل في حادثة واحدة فقط ثلاثين ألف من الشيعة وهذا العدد كبير جداً قياساً إلي عدد الشيعة في ذلك الزمان.

وروي في التاريخ أيضاً أن ابن أبي عمير الجدير بالدعاء له بالقول: سلام الله عليه، كان من خيرة أصحاب الإمام الصادق والإمام الكاظم سلام الله عليهما غيّبه حكام بني العباس في سجونهم سبعة عشر عاماً حتي أن أرحامه لم يعرفوا عنه شيئاً وتعرّض في السجن لأشدّ أنواع التعذيب وما ذلك إلاّ لأنّه كان ممن يروي فضائل الغدير.

وضربه السندي بن شاهك أمام هارون 120 خشبة.

ولا أتذكر أني قرأت في التاريخ أنّ هارون العباسي حضر تعذيب شخص آخر، فإنّ الطغاة عادة ليس من عرفهم أن يحضروا تعذيب ضحاياهم بصورة علنية

فيفتضح أمرهم وتنكشف حقيقتهم الإجرامية، فإنهم كانوا يريدون أن يظهروا أنفسهم بصورة أرفع أو لئلا يتركوا شاهداً علي جرائمهم.

أساليب تعذيب الشيعة في التاريخ

وكان تعذيب الشيعة في زمن هارون علي أربعة أساليب:

الأول: الصفع علي الوجه، بأن يصفع الشخص كذا صفعة.

الثاني: الضرب بالسياط.

الثالث: الضرب بالعصا.

الرابع وهو أشدّها: بالخشبة وكانت خشبة عريضة فيها مسامير إذا ضُرب بها الشخص سالت الدماء من بدنه، فإذا كان عدد الضربات كبيراً مات الشخص أثناء الضرب.

ولم يشأ الله تعالي أن يموت ابن عمير خلال هذا التعذيب المبرح ولكنه تحمل من الآلام ما لا يُتصوّر، وكان الذين يعذّبونه يطلبون منه أن يذكر لهم أسماء أشخاص آخرين من أصحاب الإمام الكاظم عليه السلام ليلقوا نفس مصيره، وكاد أن يدلي بهم في اللحظات الأخيرة من شدّة الأذي لو لا أن الله ثبّته وأنجاه، إذ تجلّي أمام عينيه وهو في تلك اللحظات أستاذه محمد بن مسلم وكان من أصحاب الإمام الباقر عليه السلام وهو يقول له: «أذكر وقوفك بين يدي الله». فثبت ولم يبُح باسم أحد.

إذاً لا ينبغي أن نتراجع بسبب التضحيات البسيطة بل ولا العظيمة فإنّ الغدير وعاشوراء يتطلّبان التضحيات الجسام، فكيف بتحمّل المشاكل البسيطة التي نواجهها هذه الأيام، إنّها صغيرة حقّاً بالقياس إلي الهدف العظيم وهو نشر ثقافة الغدير وعاشوراء، لأنّ ما نحصل عليه إزاء ذلك هو شيء كبير جداً لا يقاس بغيره من الثواب.

مكافأة متميزة

كان رجل في كربلاء اسمه عبد الرضا وكان يعمل حفّاراً للقبور في الروضة الحسينية المطهرة وكان رجلاً متديّناً وملتزماً لأنه كان يختلط بالعلماء ويقضي أوقاته معهم وبين يديهم مع أنه لم يكن من أهل العلم، ولذلك كان واسع الاطّلاع. لقد أدركته أيّام شيخوخته وهرمه وكان عمّاله وأبناؤه يتولّون حينها دفن الأموات وكان هو يشرف فقط.

جاءوا إليه ذات يوم بامرأة مسنّة من إحدي القري في أطراف كربلاء وطلبوا منه أن يدفنها. وكان المعمول

آنذاك أنه لو كان الميت رجلاً ينزل الدفّان في القبر ثم يفتح عقدة كفن الميّت ويضع خدّه علي التراب، أما إذا كانت امرأة فكان المعمول أن يقوم أحد من محارمها بإنزالها في القبر ويقوم بفتح عقدة الكفن ووضع خدّها علي التراب، حيث كان الدفّان يعلّمه القيام بهذه الأمور. ولكنّ هذه المرأة لم يكن لديها من المحارم سوي ولد صغير وكان يُخشي عليه إن فعل ذلك، أن يصاب بصدمة أو يُغمي عليه مثلاً، لذلك طلبوا من عبد الرضا أن يقوم هو بذلك، خاصة وأنه كان معروفاً بالصلاح والتديّن. وفي ذلك الزمان كان السرداب تحت الروضة الحسينية المطهرة خالياً ومهيّأً لدفن الأموات، حيث كان يتمّ الدخول إليه عبر نوافذ أبعادها 60*60سم2.

الجدير بالذكر أنّ البقاع داخل الصحن كانت مخصّصة لدفن العلماء والشخصيات المهمّة، أما الأفراد العاديّون فكانوا يدفنونهم في السرداب، حيث كان الميّت يوجّه إلي القبلة ويسندونه إلي صخرة لئلا ينحرف عن اتجاه القبلة أو يقع علي قفاه.

والعجيب أنّ متصدّي الدفن يقول: رغم أني أدفن يومياً أمواتاً كثيرين في هذا المكان ولكن مع ذلك ورغم عدم وجود تيار للهواء لم أشمّ رائحة كريهة، هذا مع أنهم كانوا أناساً عادين.

وكان متصدّي الدفن إذا دخل السرداب حمل شمعة بيده ليري طريقه ولا يصطدم بأجساد الموتي. أما بقاؤه داخل السرداب فكان يعتمد علي موقع الدفن وقربه من البوابة التي نزل منها أو بعده عنها.

وعلي كلّ الأحوال فإنّ عملية دفن الميت في هذا المكان لم تكن تستغرق أكثر من عشر دقائق وربما ربع ساعة علي الأكثر.

يقول عبد الرضا الدفّان: فاستعددت بعد أن نزلت داخل القبر لفتح عقدة الكفن كما هي عدتنا وأن أقوم بسحب الكفن عن جهة خدّها بهدوء بحيث لا ينكشف

شعرها ووجهها وبحيث يصبح خدّها ملامساً للأرض.

لندع حديث عبد الرضا ونعود لتكملة الواقعة كما رواها الحاضرون لها، يقولون: لقد دخل عبد الرضا إلي السرداب ليدفن المرأة والناس ينتظرون وطال انتظارهم ولم يخرج، فانتظروه لفترة أخري فلم يخرج أيضاً، ولم يكن يستوحش أو يخاف إذا دخل القبر، لذا تعجبوا من تأخيره، فأدخلوا رؤوسهم من الفتحة ونادوه، ولكنهم لم يسمعوا جواباً. فدخل بعضهم السرداب وهو يحمل شمعة فوجد عبد الرضا ملقي علي الأرض وهو مغمي عليه. وبعد أن التفت يمنة ويسرة لعلّه يري شيئاً خشي منه عبد الرضا فأصيب بالسكتة ومات، ولم يكتشف شيئاً فحمله وخرج به.

وبعد أن سكبوا الماء علي وجهه أفاق، ثمّ سأل حالاً عن ابن المرأة المتوفّاة. وعندما جاء الولد سأله عبد الرضا: هل كان لأمّك ارتباط خاصّ بمولانا سيد الشهداء سلام الله عليه؟ هل كانت تطعم في المناسبات لعاشوراء والأربعين؟ هل كانت تقيم مجالس العزاء عليه؟

قال الولد: كلّ ما أعرفه أن أمّي كانت ملتزمة بالواجبات وربما صلّت صلاة الليل في بعض الليالي، لكنّها كانت تزور الإمام الحسين سلام الله عليه أسبوعياً وكانت تواظب ما أمكنها علي باقي الزيارات الخاصّة بالإمام سلام الله عليه في المناسبات كزيارة النصف من الشعبان ويوم عرفة وعاشوراء وبعض ليالي الجمع. ولم تكن عندنا مكنة ولكن كان عندنا بستان صغير ورؤوس من الغنم، وكانت أمّي تبيع محصول هذا البستان والحليب واللبن لنعيش بها، ولكنها في ليالي الجمع كانت تقوم بتوزيع محصول البستان والحليب واللبن مجاناً علي زوّار مولانا سيد الشهداء سلام الله عليه، وتقول: يكفينا خلال ستة أيام، أما حصيلة اليوم السابع فلزوّار الإمام أبي عبد الله الحسين عليه السلام.

فكنّا نقف في طريق الزوّار ونقدّم لهم ما جمعنا سواء

كانوا راكبين أو مشاة.

وعند ما سئل عبد الرضا عما جري له عندما دخل القبر، قال: عندما دخلت القبر لأنزل المرأة فيه جهدت كثيراً في أن لا تلامس يدي جسد المرأة وأن أقوم بإنزالها من خلال مسك أطراف الكفن، وبينما أنا كذلك إذ وجدت نفسي في حديقة كبيرة جداً ومليئة بالخضار وبالفاكهة وبطيور جميلة لم أر مثلها طيلة عمري، وقد فتح هذا البستان علي هذه المرأة، ورأيت فيها شخصاً جليلاً اعتقدت أنه مولانا الإمام الحسين سلام الله عليه. فمن دهشتي أغمي عليّ وسقطت علي الأرض ولم أفهم بعدها ما جري لي حتي سكبتم الماء علي وجهي.

لننتبه إلي أنفسنا

من المسلّم أنّه ينفق كلّ عام في الكرة الأرضية الملايين بل المليارات من أجل سيد الشهداء، ومن ثم فهو عليه السلام ليس بحاجة إلي ذلك المقدار من ألبان وأطعمة تلك المرأة وأمثالها، ولكن مما لا شكّ فيه أنّ الإمام عليه السلام كريم وسفرته ممدودة للجميع، فلنشارك نحن أيضاً، بما نستطيع في إبقاء هذه السفرة مبسوطة وتقويتها، بأن نخصص نسبة من مدخولنا للإمام الحسين عليه السلام، ولا نكون ممن تغلّب عليهم حبّ الدنيا.

المؤسف أن بعض الناس ابتلوا بالدنيا وزينتها وشغلوا بها عن الآخرة. لقد كان عندي بالأمس رجل ثريّ يملك أراضي وبساتين ودوراً، فاقترحت عليه أن يخصّص قسماً من ماله للإمام الحسين عليه السلام، فسألني مستغرباً: أتريد منّي أن أبيع أرضي؟

أقول في جوابه وجواب أمثاله: ولم لا؟ وهل ستحصل علي من يشتري منك بسعر أعلي مما يشتريه منك الإمام الحسين عليه السلام؟ من الواضح لو أن الإنسان تعامل مع هذا العظيم وجدّه وأبيه وأمّه وأخيه وأبنائه البررة فستكون صفقته مباركة وكلّها ربح لا خسارة فيه.

كلّنا شيوخاً وشبّاناً، رجالاً ونساءً، علماء وأناساً

عادين، أغنياء وفقراء، ينبغي لنا أن نتعلّم من هذه المرأة ونعقد الصفقة مع الإمام الحسين ومع الإمام أمير المؤمنين عليهما السلام.

فما دمنا مشرفين علي الغدير وبعده يأتي عاشوراء، فلنبذل أموالنا في هذا الطريق، ومن كان لا يملك مالاً فليسخّر لسانه وقلمه وكلّ ما يملك في سبيل هذه الخدمة.

تحذير

حذار من القيام بما من شأنه أن يعرقل هذه المسيرة المباركة، مسيرة خدمة أهل البيت وإحياء وتعظيم شعائرهم، لاسيما الغدير وعاشوراء، ثم التصوّر أنّ ما يقوم به هو ما تقتضيه المصلحة وأنه العمل الصائب.

وحذار من تثبيط أحد من السير في هذا الطريق.

السيدات والسادة جميعاً مكلّفون بتشجيع أقربائهم وذويهم في سلوك هذا الطريق وأن يستمرّوا علي هذا التشجيع، ولا يسمحوا بظهور أجواء لتصفية الحسابات في هذا الطريق.

من الواجب أن يوجّه بعضنا بعضاً صوب الغدير وعاشوراء وشعائر الإمام الحسين عليه السلام، وأن لا ندعه تتحوّل إلي ساحة لتصفية الحسابات الفردية، بل علينا أن نبذل كل جهدنا لحصول أفضل معرفة وأفضل تعريف لقضيتي الغدير وعاشوراء.

لو خسر الإنسان في معاملة فقد يبقي ساهراً ليله حتي الصباح ولا يفارقه الحزن، وربما عضّ أصابع الندم وعاني من ضغوط روحية نتيجة هذه الخسارة المالية، ولكن مع ذلك ليس إلي درجة أن يخرج الدم من أصابعه. أما في يوم القيامة التي من أسمائها يوم الحسرة كما ورد في القرآن العظيم، أما في هذا اليوم فما الذي يصنعه الخاسرون؟

إن الخاسر يعضّ في يوم القيامة إصبع الندامة علي ما فرط منه، ثم يضغط بحيث تقطّع أنامله، ويستمر حتي يقطع كفّه حسرة.

فلنجدّ ونجتهد ونطلب من الله أن نكون من المفلحين في يوم القيامة.

اسأل الله تعالي أن يتقبّل زيارتكم لكريمة أهل البيت عليهم السلام السيد فاطمة (المعصومة) بنت الإمام

موسي بن جعفر عليهم السلام وأن يشملكم برعاية الإمام الحجة المهدي المنتظر عجّل الله تعالي فرجه، وأن تعودوا إلي منازلكم وحوائجكم مقضية ودعاؤكم مستجاب.

وأساله ببركة حديث الكساء وأهل البيت عليهم السلام أن يضاعف في توفيقنا جميعاً للخدمة في طريق إحياء الغدير وعاشوراء، فلا نألو جهداً في هذا المجال، ولا نقصر أدني تقصير، وأن يجعل ذرياتنا من السائرين في هذا الطريق، إن شاء الله تعالي.

وصلي الله علي محمد وآله الطاهرون

پي نوشتها

/ ألقيت هذه الكلمة في الثامن عشر من شهر ذي القعدة الحرام عام 1428 للهجرة الشريفة في حشد من المشاركين والمسؤولين في هيئة حديث الكساء من إصفهان.

/ فروع الكافي/ ج3/ باب ما يعاين المؤمن والكافر/ ص128/ ح1.

/ سورة الحج: الآية 32.

/ غرر الحكم/ في الشيعة/ ح 2049.

/ كامل الزيارات ص 203.

/ من الواضح أنّ كربلاء المقدّسة لم تكن مدينة معمورة كما هو الحال هذه الأيام، بل كلما بُني فيها عدد من البيوت هدّمها الأعداء، ولم يكن من المزار سوي صورة القبر وكان هو الآخر يتعرّض للهجوم بين فترة وأخري.

/ الغدير/ ج6/ ص12.

/ يتذكرّه بعض الإخوة الذين كانوا يعيشون في كربلاء قبل حوالي 50 سنة، وأنا أتذكره وتحدثت معه.

/ قال تعالي: (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا) سورة الكهف، الآيتان 103 104.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.