أمهات المعصومين عليهم السلام

اشارة

اسم الكتاب: أمهات المعصومين(ع)

المؤلف: حسيني شيرازي، محمد

تاريخ وفاة المؤلف: 1380 ش

اللغة: عربي

عدد المجلدات: 1

الناشر: مركز الجواد

مكان الطبع: بيروت لبنان

تاريخ الطبع: 1424 ق

الطبعة: اول

كلمة الناشر

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام علي الهادي البشير، والسراج المنير، محمّد وآله الطيبين الطاهرين.

أمّا بعد، فإنّ الذي يلاحظ صفحات التاريخ يجدها قد ضمّت بين طيّاتها العديد من الأحداث التي قد لا تفيد البشرية في حياتها شيئاً.

فالكثير من كتب التاريخ ملئت بمخازي الحكّام الطغاة، وكيف أنّهم كانوا يحيون لياليهم في اللهو والمجون، وإعاثة الفساد في البلاد الإسلامية. بل إنّ بعض مقاطع التاريخ خصّصت حول سيرة المجهولين الذين لم يكن لهم أيّة خدمة للبشرية، وإنّما لمجرد أنّهم كانوا من حاشية السلاطين أو من مريديهم.

ومع الأسف الشديد مقابل إفراط كهذا في تسليط الأضواء علي بعض الشخصيات الذين لا تستفيد البشرية من معرفتهم شيئاً، نجد أنّ الكثير من عظماء التاريخ قد بخسوا حقّهم وضاعت سيرتهم المعطاءة التي كانت مركز إشعاع واستفادة للناس.

وفي واقع الأمر إنّ المسؤولية في ذلك تعود إلي كتّاب التاريخ الذين خضعوا لأهوائهم واستسلموا لضغوط الحكومات التي ظلّت تدعوهم إلي طمس الحقائق المفيدة التي يمكن أن تخدم الأجيال الصاعدة عبر العصور المختلفة.

ومن الذين بُخسوا حقّهم وضاعت تفاصيل سيرتهم الوضّاءة هم (اُمّهات المعصومين الأربعة عشر عليهم السلام) حيث تعمّد الكثير من مؤرخي التاريخ بإيعاز من سلاطين الجور في إقصاء الحقائق المهمّة من حياتهنّ وعملوا جاهدين من أجل تضييع كل ما يرتبط بهنّ من قريب أو بعيد.

وبالفعل فقد نجحوا في ذلك بحيث إنّ الباحث اليوم لا يجد من تاريخ بعضهنّ شيئاً يذكر سوي بعض المقتطفات البسيطة التي لا تتجاوز الأسطر القليلة. وهنا تتجلّي عظمة هذا الكتاب الذي بين يديك عزيزي القارئ حيث

إنّه جمع بين طيّاته الكثير مما يمكن تحصيله حول سيرة أُمّهات المعصومين عليهم السلام خاصة أنّ مؤلّفه هو سلطان المؤلّفين، ونابغة القرن العشرين الإمام الشيرازي رحمة الله عليه الذي خدم البشرية جمعاء بمؤلّفاته المفيدة والمتنوّعة والتي تجاوزت 1300 كتاب.

يبقي القول إنّ هذا الكتاب هو بمثابة فتح الباب للبحث والتحرّي حول سيرة هؤلاء النسوة العظيمات التي أنجبن للعالم أفضل أئمّة وخير هداة بقيت الأجيال قاطبة تسير علي خطاهم وتستنير بهداهم علي مرّ الزمان الطويل.

مركز الجواد للتحقيق والنشر

بيروت لبنان ص ب 5955 / 13 شوران

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام علي محمّد وآله الطاهرين.

أمّا بعد، فإنّ (اُمّهات المعصومين الأربعة عشر عليهم السلام)، هنّ من أجلّ النساء التي خلقهنّ الله سبحانه.

نعم، إنّ الصديقة المعصومة فاطمة الزهراء عليها السلام لا يصل إليها أحد منهنّ، حتّي السيّدة آمنة عليها السلام والدة رسول الله صلي الله عليه و اله.

كما أنّ أرحامهنّ الطاهرات التي أهّلها الله سبحانه لأن تكون محل نشوء الرسول صلي الله عليه و اله أو الإمام عليه السلام من أفضل أرحام النساء، ويؤيّد ذلك قوله سبحانه: ?وتقلّبك في الساجدين?().

والظاهر أنّ كلّهنّ كنّ أبكاراً حتي وصلن إلي أزواجهنّ، وحتي السيدة خديجة عليها السلام المختلف فيها()، ولا يبعد أنّ الأقلام التي أرادت أن تميّز بعض زوجات رسول الله صلي الله عليه و اله المعروفة بالبكارة اخترعت عدم بكارة السيّدة خديجة عليها السلام بزوج سابق.

ويؤيّد ما ذكرناه تصريح والدة الإمام موسي بن جعفر عليه السلام بعدم ملامسة مولاها لها حيث قالت: كلّما أراد ذلك ظهر وجه يهيب به فيصرفه عن الملامسة().

وكذلك قصة السيّدة نرجس عليها السلام المعروفة().

أمّا مراتبهنّ النفسية فلا نعلم عنها شيئاً، إذ أنّ ذلك مرتبط بعلاّم

الغيوب والمعصومين عليهم السلام ممّا لم يصل إلينا شيء منهم، وما وصل كالذي ورد في السيدة فاطمة المعصومة عليها السلام من: أنّ «من زارها وجبت له الجنّة» () يدلّ علي رفعة نفسية هي فوق مداركنا.

نسأل الله أن يعجل الفرج لولينا الإمام المهدي (عجّل الله تعالي فرجه الشريف) ويشرفنا بلقائه الذي من الممكن الاستفادة من علومه في هذا البعد أيضاً كسائر الأبعاد، بإذنه سبحانه وتعالي.

قم المقدسة / 1419ه

محمد الشيرازي

الفصل الأول السيدة آمنة عليها السلام

الفصل الأول السيدة آمنة عليها السلام

والدة الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله

النسب الشريف

هي السيّدة آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب، والدة الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله، يجتمع نسبها مع عبد الله زوجها والد النبي صلي الله عليه و اله في كلاب، حيث إنّ أحد ابنيه قصي جدّ عبد الله، والآخر زهرة جدّ آمنة.

اُمّها: برة بنت عبد العزّي بن عثمان بن عبد الدار بن قصي بن كلاب بن مرّة بن كعب بن لؤي بن غالب.

فكانت آمنة عليها السلام من بنات أعمام عبد الله عليه السلام.

فهي قرشية كلابية من الأبوين.

وقد تزوجها عبد الله وهو ابن ثلاثين سنة أو خمس وعشرين سنة.

الأصلاب الطاهرة

من معتقدات الشيعة الإمامية في المعصومين عليهم السلام أنهم لم يتنقّلوا إلا من صلب طاهر إلي رحم مطهّر، وذلك من أبينا آدم عليه السلام وأمنا حواء عليها السلام حتّي قدموا إلي هذه الحياة الدنيا.

فلا يمكن أن يودع المعصوم والعياذ بالله في صلب غير طاهر أو ليس بموحّد، أو أنّه يبقي في رحم غير مطهّر، وهذا ما دلّت عليه الروايات الشريفة:

فعن معاذ بن جبل أنّ رسول الله صلي الله عليه و اله قال: «إنّ الله عزّوجلّ خلقني وعلياً وفاطمة والحسن والحسين قبل أن يخلق الدنيا بسبعة آلاف عام».

قلت: فأين كنتم يا رسول الله؟

قال: «قدّام العرش نسبّح الله تعالي ونحمده ونقدّسه ونمجّده».

قلت: علي أي مثال؟

قال: «أشباح نور حتّي إذا أراد الله عزّوجلّ أن يخلق صورنا صيّرنا عمود نور، ثم قذفنا في صلب آدم، ثم أخرجنا إلي أصلاب الآباء وأرحام الاُمّهات، ولا يصيبنا نجس الشرك ولا سفاح الكفر، يسعد بنا قوم ويشقي بنا آخرون، فلمّا صيّرنا إلي صلب عبد المطّلب أخرج ذلك النور فشقّه نصفين فجعل نصفه

في عبد الله ونصفه في أبي طالب، ثمّ أخرج النصف الذي لي إلي آمنة والنصف إلي فاطمة بنت أسد، فأخرجتني آمنة وأخرجت فاطمة علياً، ثمّ أعاد عزّوجلّ العمود إليّ فخرجت منّي فاطمة، ثمّ أعاد عزّوجلّ العمود إلي علي فخرج منه الحسن والحسين يعني من النصفين جميعاً، فما كان من نور علي فصار في ولد الحسن، وما كان من نوري صار في ولد الحسين، فهو ينتقل في الأئمّة من ولده إلي يوم القيامة» ().

وقال صلي الله عليه و اله: «خلقني الله تبارك وتعالي وأهل بيتي من نور واحد قبل أن يخلق آدم عليه السلام بسبعة آلاف عام، ثم نقلنا إلي صلب آدم عليه السلام ثم نقلنا من صلبه إلي أصلاب الطاهرين إلي أرحام الطاهرات».

فقلنا: يا رسول الله، فأين كنتم وعلي أي مثال كنتم؟

قال: «أشباحاً من نور تحت العرش نسبّح الله تعالي ونقدّسه ونمجّده».

ثمّ قال صلي الله عليه و اله: «لمّا عُرج بي إلي السماء وعند سدرة المنتهي ودّعني جبرائيل عليه السلام، فقلت له: في هذا المكان تفارقني؟ فقال: إني لا أجوزه فتحرق أجنحتي».

ثمّ قال صلي الله عليه و اله: «زجّ () بي في النور ما شاء الله، وأوحي الله تبارك وتعالي إليّ: يا محمّد إنّي اطّلعت إلي الأرض اطلاعة فاخترتك منها فجعلتك نبياً، ثمّ أطلعت ثانية فاخترت منها علياً وجعلته وصيّك ووارثك ووارث علمك والإمام من بعدك، وأخرج من أصلابكما الذرّية الطاهرة والأئمّة المعصومين خزّان علمي، فلولاكم ما خلقت الدنيا ولا الآخرة ولا الجنة ولا النار، يا محمّد أتحبّ أن تراهم؟

قلت: نعم.

فنوديت يا محمّد ارفع رأسك.

فرفعت رأسي فإذا أنا بأنوار علي وفاطمة والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمّد بن علي وجعفر بن محمّد وموسي بن جعفر

وعلي بن موسي ومحمّد بن علي وعلي بن محمّد والحسن بن علي والحجّة بن الحسن يتلألأ وجهه من بينهم نوراً كأنه كوكب درّي، فقلت: يا ربّ ومن هؤلاء ومن هذا؟

قال: يا محمّد هم الأئمّة من بعدك المطهّرون من صلبك وهذا الحجّة الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً ويشفي صدور قوم مؤمنين».

فقلنا: بآبائنا واُمّهاتنا يا رسول الله صلي الله عليه و اله لقد قلت عجباً.

فقال صلي الله عليه و اله: «وأعجب من هذا أنّ قوماً يسمعون منّي هذا الكلام ثم يرجعون علي أعقابهم بعد إذ هداهم الله ويؤذونني فيهم، ما لهم، لا أنالهم الله شفاعتي» ().

ونقرأ في زيارة رسول الله صلي الله عليه و اله: «أشهد يا رسول الله أنك كنت نوراً في الأصلاب الشامخة، والأرحام المطهرة، لم تنجسك الجاهلية بأنجاسها، ولم تلبسك من مدلهمات ثيابها» ().

وكذلك في زيارة الإمام الحسين عليه السلام ().

إلي غير ذلك من الروايات والزيارات الشريفة التي تنصّ علي أنّ المعصومين عليهم السلام لا يودعون إلاّ في الأصلاب الطاهرة والأرحام المطهّرة، مضافاً إلي بعض الشواهد التاريخية المؤيّدة لذلك.

نور النبوة

نقل المؤرخون أنّه كانت هناك امرأة تدعي فاطمة بنت مرّة قد قرأت الكتب واطّلعت علي ما فيها من الوقائع المهمّة، وفي أحد الأيام التقت بعبد الله والد النبي صلي الله عليه و اله، فقالت له: أنت الذي فداك أبوك بمائة من الإبل؟

قال: نعم.

فعرضت عليه نفسها ولو بالحرام مقابل أن تعطيه مائة من الإبل.

فتشاءم عبد الله منها وأنشأ يقول:

والحل لا حل فأستبينه

أمّا الحرام فالممات دونه

فكيف بالأمر الذي تبغينه

ثمّ إنّه ذهب مع أبيه فزوّجه آمنة بنت وهب، فبقي عندها يوماً وليلة، فحملت بالنبي صلي الله عليه و اله وبعد ذلك رأته فاطمة بنت مرّة فلم تعرض عليه

رغبتها الاُولي، فتساءل منها عن سبب إعراضها بعد رغبتها؟

فأجابته: بأنّ ماذا صنعت بعد ذهابك عنّا؟

فأجابها عبد الله: تزوّجت آمنة بنت وهب.

وعندها قالت:

لله ما زهرية () سلبت

ثوبيك ما سلبت وما تدري

ثمّ قالت: رأيت في وجهك نور النبوّة فأردت أن يكون فيّ، وأبي الله إلاّ أن يضعه حيث يحبّ، ثمّ قالت:

بني هاشم قد غادرت من أخيكم

أمينة إذ للباه يعتلجان

كما غادر المصباح بعد خبوه

فتايل قد شبّت له بدخّان

وما كل ما يحوي الفتي من نصيبه

بحرص ولا ما فاته بتواني()

مكانة الهاشميين

علي الرغم من أنّه كانت لبني هاشم عند العرب منزلة رفيعة جعلت كافّة القبائل في مختلف الأمصار تطمح في مناسبتهم ومواصلتهم منهم، إلاّ أنّ مثل عبد الله والد النبي صلي الله عليه و اله الذي كان في جبينه نور النبوّة وعلي سيماه آثار الصلاح وسمات الأولياء التي لم توجد إلاّ عند الأنبياء وأوصيائهم عليهم السلام كان محط أنظار كافّة الناس الذين عرفوه واطّلعوا علي جلالته وعظم شأنه.

فقد نُقل في الحديث أنّ عبد الله عليه السلام لمّا تزوّج السيّدة آمنة عليها السلام ماتت العديد من النساء حسرة.

وكما في التاريخ أنّه لمّا شبّ عبد الله تطاولت إليه أعناق الخطّاب، وبذلوا في طلبه الكثير من الأموال رغبة في تحصيل نور النبي صلي الله عليه و اله، ولم يكن في عهده أحد أجمل ولا أكمل منه، وكان إذا مرّ بالناس نهاراً يشمّون منه الروائح الطيّبة، وإذا مرّ بهم ليلاً أضاءت من أنواره الظلم، حتّي أنّ أهل مكّة سمّوه مصباح الحرم().

الملائكة تحرس عبدالله عليه السلام

بالإضافة إلي كل ما ذكرنا من الصفات الحميدة والخصال الحسنة التي جعلت الخطّاب يتنافسون من أجل الوصول إلي عبد الله عليه السلام إلاّ أنّ هناك حادثة خاصّة جعلت وهب بن عبد المناف يقدّم ابنته آمنة ويطلب بنفسه من عبد المطّلب أن يكون عبد الله صهراً له.

فقد نقل أنّ عبد الله لمّا ترعرع واشتدّ ساعده، ركب يوماً ليصيد، وقد نزل بالبطحاء() قوم من اليهود كانوا قد قدموا لقتل والد النبي صلي الله عليه و اله وإطفاء نور الله المودع في صلبه، فنظروا إليه فرأوا سمات الأنبياء عليهم السلام فيه فقصدوه وكانوا ثمانين نفراً حاملين السيوف، وكان والد السيّدة آمنة في نفس المنطقة يصيد وقد رأي اليهود قد احتوشوا عبدالله ليقتلوه،

فأراد أن يدفعهم عنه وإذا بجمع من الملائكة معهم الأسلحة قد طردوهم عنه، فتعجّب من ذلك وجاء إلي عبد المطّلب وقال له: زوّج بنتي آمنة من عبد الله().

وهب يخطب عبد الله لابنته

في بعض التواريخ: إنّ اليهود لما عرفوا أنه سيخرج رسول الله صلي الله عليه و اله من صلب عبد الله عليه السلام همّوا بقتل عبد الله عليه السلام فرآهم وهب بن عبد المناف في المعركة، فأتي الحرم المكّي وأخبر بني هاشم، فهبّوا مسرعين لإنقاذ عبد الله.

ولمّا رآهم اليهود أيقنوا بالهلاك وتظاهروا أنّهم لم يقصدوا أذيته إلاّ أنّه لم يقبل منهم وطاردهم مع بني هاشم وتشابكوا معهم وقتلوا منهم قسماً والبقية أخذوهم إلي مكّة اُساري وذلك لرغبتهم في إيصال بعض الأمانات التي كانت معهم إلي مكّة.

ثم أقبل عبد المطّلب عليه السلام إلي ولده عبد الله عليه السلام وقال له: يا ولدي لولا وهب بن عبد مناف أخبرنا بأمرك ما علمنا بأمرك ولكن الله تعالي يحفظك.

فلمّا أشرفوا علي مكّة المكرّمة خرج الناس يهنّئونهم بالسلامة وإذا باليهود مقيّدين فأخذوا يرشقونهم بالحجارة، فقام عبد المطّلب وقال: أرسلوا بهم إلي دار وهب حتّي يستقصوا علي أموالهم ولم يبق لهم شيء، فأرسلوهم إلي دار وهب.

وفي نفس الليلة أقبل وهب علي زوجته برّة بنت عبد العزّي وقال لها: لقد رأيت اليوم عجباً من عبد الله ما رأيته من أحد، رأيته وهو يكرّ علي اليهود كالليث، وكلّما رماهم بنبلة قتل منهم إنساناً، وهو أجمل الناس وجهاً، فامضي إلي والده واخطبيه لآمنة واعرضيها عليه، فعسي أن يقبلها، فإن قبلها سعدنا سعادة عظيمة.

فقالت له: يا وهب إنّ رؤساء مكّة وأشراف العرب قد رغبوا فيه فأبي عن ذلك، فكيف يتزوّج بابنتنا وهي قليلة المال؟

فقال لها: إنّ لي عليهم

فضل حيث إنّني أخبرتهم بأمر عبد الله مع اليهود.

ثمّ إنّ والدة السيّدة آمنة خرجت إلي دار عبد المطّلب عليه السلام، فرحّب بها كثيراً وقال لها: لقد كان لزوجك اليوم علينا فضل لا نقدر أن نكافيه أبداً، وله أياد بالغة بذلك وسنجازيه بما فعل إن شاء الله تعالي، فاذهبي إليه وأبلغيه عنّا التحية والإكرام وقولي له: إن كانت له إلينا حاجة تُقضي إن شاء الله مهما كانت.

فاسترّت برّة وقالت: قد علمنا أنّ ملوك الشام والعراق وغيرهم رغبوا في ولدكم يطلبون أنواركم المضيئة ونحن أيضاً طمعنا فيمن طمع في ولدكم عبد الله، وقد رجا وهب أن يكون عبد الله زوجاً لابنتنا، وقد جئناكم طامعين ونسألكم أن تقبلونا، فإن كان مالها قليلاً فعلينا ما نجمّلها به وهي هدية منّا لابنك عبد الله.

فلمّا سمع عبد المطّلب عليه السلام كلامها نظر إلي عبد الله وكان قبل ذلك إذا عرض عليه التزويج من بنات الملوك يظهر في وجهه الامتناع وقال له: ما تقول يا بني فيما سمعت؟ فو الله ما في بنات أهل مكّة مثلها، فهي المحتشمة في نفسها، الطاهرة المطهّرة.

فسكت عبد الله عليه السلام ولم يجب.

فعلم عبد المطّلب عليه السلام أنّه قد مال إليها، فقال: قد قبلنا دعوتكم ورضينا بابنتكم.

وحينذاك قالت فاطمة زوجة عبد المطّلب: أنا أمضي معك إليها لأنظر إلي آمنة، فإن كانت تصلح لولدي رضينا بها.

فرجعت برّة مسرورة بما سمعت، وقد سمعت هاتفاً في الطريق يقول: بخٍ بخٍ لكم، قد قرب خروج المصطفي صلي الله عليه و اله.

فدخلت علي زوجها، فقال: وما وراءك؟

فأخبرته الخبر وقالت له: اعلم أنّ عبد المطّلب قد رضي بابنتك، إلاّ أنّ فاطمة والدته تريد أن تنظر إلي ابنتك آمنة، فإن رضيت بها وإلاّ لم

يكن شيئاً، وإنّي أخاف أن لا ترضي بها.

فقال لها وهب: اُخرجي فوراً إلي ابنتك وزيّنيها، فعسي أن ترغب فاطمة فيها؟!

فعمدت برّة إلي بنتها وألبستها أفخر ما عندها من الثياب وقالت لها: يا بنية إذا أتتك فاطمة فتأدّبي معها بأحسن الأدب.

وبينما هما علي ذلك إذ أقبلت فاطمة وخرج وهب من المنزل وإذا بعبد المطّلب عليه السلام، فأدخلوا فاطمة، فقامت لها السيّدة آمنة إجلالاً وتعظيماً ورحّبت بها أحسن الترحيب.

فنظرت إليها فاطمة فأعجبت بها جدّاً وقالت لوالدتها: يا برّة ما كنت عهدت أنّ آمنة علي هذه الصورة؟ علماً أنّني كنت قد رأيتها قبل ذلك مراراً وكراراً.

فقالت برّة: يا فاطمة كل ذلك ببركتكم علينا.

فقامت فاطمة وأتت إلي عبد المطّلب وعبد الله عليهما السلام وقالت: يا ولدي ما في بنات العرب مثلها أبداً، ولقد ارتضيتها، وإنّ الله تعالي لا يودع هذا النور إلاّ في مثل هذه().

الزواج الميمون

نقل العلاّمة المجلسي ? في (بحار الأنوار): أنّه لمّا حضرت ساعة عقد عبد الله عليه السلام من آمنة عليها السلام قام عقيل بن أبي وقّاص وقال:

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله الذي جعلنا من نسل إبراهيم، ومن شجرة إسماعيل، ومن غصن نزار، ومن ثمرة عبد مناف، ثمّ أثني علي الله تعالي ثناء بليغاً وقال فيه جميلاً وعقد النكاح، ونظر إلي وهب وقال: يا أبا الوادح زوّجت كريمتك آمنة من ابن سيّدنا عبد المطّلب علي صداق أربعة آلاف درهم بيض هجرية جياد وخمسمائة مثقال ذهب أحمر.

فقال: نعم.

ثمّ التفت إلي والد النبي صلي الله عليه و اله وقال: يا عبد الله قبلت هذا الصداق يا أيّها السيّد الخاطب؟

قال: نعم، وعندها دعا لهما بالخير والكرامة.

وأمر وهب أن تقدّم المائدة، فقدّمت مائدة خضرة فوضع الطعام وأكل الناس وشربوا،

ونثر عبد المطّلب عليه السلام علي ولده قيمة ألف درهم من النثار وكان متّخذاً من مسك ومن عنبر ومن سكّر ومن كافور، ونثر وهب كذلك بقيمة ألف درهم عنبراً وفرح الناس بذلك فرحاً شديداً ().

ليلة الزفاف

عندما فرغ الناس من مراسم القران نظر عبد المطّلب عليه السلام إلي والد السيّدة آمنة وطلب منه أن تزفّ آمنة إلي عبد الله عليه السلام، فاستغرب وقال: بهذه السرعة؟

فأعرب عبد المطّلب عليه السلام عن شديد رغبته في رؤية زواج ابنه قبل وفاته.

فما كان من وهب إلاّ أن دخل علي زوجته برّة وقال لها: اعلمي أنّ عبد المطّلب عليه السلام راغب أن يجمع بين ولده عبد الله وزوجته آمنة.

فقامت المرأة من وقتها مع بعض النساء وأعددن السيّدة آمنة، وما أن غربت الشمس حتّي زفّت إلي بيت عبد الله. وفي نفس تلك الليلة جاء وهب وقال لعبد المطّلب: أقدم علي العروس.

فقام عبد المطّلب عليه السلام إلي العروس وقبّل ما بين عينيها وقال لولده عبد الله: اجلس يا ولدي معها وافرح برؤيتها.

فقعد عبد الله عليه السلام إلي جنب العروس وفرح عبد المطّلب عليه السلام، وكان من عبد الله إلي أهله ما يكون من الرجال إلي النساء().

من مؤامرات اليهود

وعندما جري الكلام بين وهب وعبد المطّلب في أمر السيّدة آمنة عليها السلام، قال وهب: يا أبا الحارث هي هدية منّي إليك بغير صداق معجّل ولا مؤجّل.

إلاّ أنّ عبد المطّلب عليه السلام رفض وقال: جزيت خيراً يا وهب ولابدّ من صداق ويكون بيننا وبينك من يشهد به من قومنا.

ثمّ إنّ عبد المطّلب أراد أن يقدّم إليه شيئاً من المال ليصلح به شأنها وإذا به يسمع همهمة وأصواتاً، فتحرّي هو ووهب عن الخبر، وإذا باليهود الذين كانوا محبوسين في دار وهب قد تآمروا لقتل عبد المطّلب وعبد الله، فساروا إلي دار وهب فكانوا يرون عبد الله ووالده ووهب وهم لا يرونهم، فرموهم بالحجارة فردّها الله عزّوجلّ عليهم.

ثمّ إنّ عبد المطّلب خرج مع عبد

الله وفاطمة إلي منزلهم، وقالوا: يا وهب إذا كان في الغد جمعنا قومنا وقومك ليشهدوا بما يكون من الصداق.

فقال: جزاك الله خيراً فلمّا طلع الفجر أرسل عبد المطّلب إلي بني عمّه ليحضروا خطبتهم، وجمع وهب أيضاً قرابته وبني عمّه، فاجتمعوا في الأبطح.

فلمّا أشرف عليهم الناس قاموا إجلالاً لعبد المطّلب وأولاده، ثمّ إنّه لمّا استقرّ بهم المجلس خطبوا خطبتهم وعقدوا عقد النكاح وقام عبد المطّلب فيهم خطيباً، فقال:

الحمد لله حمد الشاكرين، حمداً استوجبه بما أنعم علينا وأعطانا وجعلنا لبيته جيراناً ولحرمه سكّاناً وألقي محبّتنا في قلوب عباده وشرّفنا علي جميع الاُمم ووقانا شرّ الآفات والنقم، والحمد لله الذي أحلّ لنا النكاح وحرّم علينا السفاح وأمرنا بالاتّصال وحرّم علينا الحرام، اعلموا أنّ ولدنا عبد الله هذا الذي تعرفونه قد خطب فتاتكم آمنة بصداق معجّل ومؤجّل كذا وكذا، فهل رضيتم بذلك من ولدنا؟

قال وهب: قد رضينا منكم.

فقال عبد المطّلب: اشهدوا يا من حضر.

ثمّ تصافحوا وتهانوا وتصافقوا وتعانقوا وأولم عبد المطّلب وليمة عظيمة فيها جميع أهل مكّة وأوديتها وشعابها وسوادها، فأقام الناس في مكّة أربعة أيّام().

محاولة اغتيال السيّدة آمنة

بعد أن قدمت زرقاء اليمامة () من الشام إلي مكّة المكرّمة واطّلعت علي النور العظيم الذي يحمله والد النبي صلي الله عليه و اله وكيف إنّه انتقل إلي السيّدة آمنة عليها السلام عمدت إلي تدبير مخطّط تتخلّص من خلاله من آمنة عليها السلام وتطفأ النور الإلهي المودع في أحشائها.

وبالفعل، فقد أخذت تلك المرأة تفكّر في الحيلة التي تتخلّص من خلالها من السيّدة فانتهي فكرها إلي ما يلي:

أن تجهّز من الماشطات حتّي يقتلنها، فعثرت علي امرأة من الخزرج اسمها «تكنا» وكانت ماشطة للسيّدة آمنة، فلمّا كان في بعض الليالي استيقظت «تكنا» فرأت عند رأس

الزرقاء شخصاً يحدّثها ويقول:

ويلك يا زرقاء! لقد نزل بنا أمر عظيم، كنّا نصعد إلي السماء السابعة ونسترق السمع، وفي هذه الأيام الأخيرة طردنا من السماء وسمعنا منادياً ينادي في السماوات: أنّ الله قد أراد أن يظهر المكسّر للأصنام ومظهر عبادة الرحمن فامتنعوا جملة الشياطين من السماء ورمتنا الملائكة بشهب من نار، وقد جئتك لاُحذّرك.

فلمّا سمعت زرقاء كلامه قالت له: انصرف عنّي، فلابدّ أن أجتهد في قتل هذا المولود.

ثمّ إنّه فارقها و «تكنا» تسمع ما جري بينهما، فأتت إلي الزرقاء وقالت لها: ما لي أراك مغمومة؟

قالت لها: يا ويلك إنّ همّي وحزني من حامل مولود يدعو إلي تكسير الأصنام ويذلّ السحرة والكهّان، فلو وجدت من يساعدني علي قتل آمنة بذلت له الجزيل من الأموال والهدايا، وعمدت إلي كيس كان معها فأفرغته بين يدي «تكنا» وكان مالاً جزيلاً.

فلمّا نظرت «تكنا» إلي المال أغراها وراقها بريقها، وقالت لها: يا زرقاء لقد ذكرت أمراً عظيماً إلاّ أنّني سأفكّر لك فيما ذكرت، ولكن كيف أجسر علي ما وصفت والوصول إلي ما ذكرت؟

فقالت الزرقاء: إذا دخلت عليها وجلست عندها فاقبضي علي ذوائبها () واضربيها بهذا الخنجر فإنّه مسموم، وإذا وقعت عليك التهمة أو وجبت عليك دية فأنا أقوم بخلاصك وأدفع عنك فما أنت قائلة؟

قالت: إنّي أجبتك لكن اُريد منك الحيلة بأن تشغلي بني هاشم عنّي.

فقالت الزرقاء: لا عليك أنا أشغلهم عنك.

ثمّ إنّ الزرقاء أعطت «تكنا» الخنجر المسموم وقالت لها: قومي إلي حاجتك، فقامت ودخلت علي السيّدة آمنة عليها السلام فرحّبت بها وسألتها عن أحوالها وقالت: يا «تكنا» لقد انقطعت عنّا؟

فقالت: اشتغلت بهمّي وحزني، ولولا فضلكم علينا لكنّا بأقبح حال ولا أحد أعزّ عليّ منك، هلمّي يا بنيّة إليّ حتّي اُزيّنك.

فجاءت السيّدة

آمنة عليها السلام وجلست بين يديها، فلمّا فرغت من تسريح شعرها عمدت إلي الخنجر وأرادت أن تضربها به فحسّت كأنّ أحداً قبض علي قلبها فغشي علي بصرها فسقط الخنجر من يدها إلي الأرض، فصاحت وا حزناه.

فالتفتت السيّدة آمنة عليها السلام إليها وإذا الخنجر قد سقط من يدها، فصاحت السيّدة آمنة، فتبادرت النسوان إليها وقلن لها: ما دهاك؟

قالت: أما ترين ما جري عليّ من «تكنا»؟ لقد كادت أن تقتلني بهذا الخنجر المسموم.

فقلن: يا «تكنا» ما أصابك، ويلك تريدين أن تقتلي آمنة؟

فقالت: نعم، لقد أردت قتلها.

فقالت لها النساء: يا «تكنا» ما حملك علي ذلك؟

قالت: لا تلوموني حملني طمع الدنيا والغرور، ثمّ أخبرتهنّ بالقصة وقالت لهنّ: ويحكنّ دونكنّ الزرقاء اقتلنها قبل أن تفوتكنّ().

نور وجه عبد الله عليه السلام

روي الشيخ الصدوق رحمة الله عليه عن ابن عباس عن أبيه العباس بن عبد المطلب قال: ولد لأبي، عبد المطلب عبد الله فرأينا في وجهه نوراً يزهر كنور الشمس، فقال أبي: إن لهذا الغلام شأناً عظيماً.

قال: فرأيت في منامي أنه خرج من منخره طائر أبيض فطار فبلغ المشرق والمغرب، ثم رجع راجعاً حتي سقط علي بيت الكعبة، فسجدت له قريش كلها، فبينما الناس يتأملونه إذ صار نوراً بين السماوات والأرض وامتد حتي بلغ المشرق والمغرب.

فلما انتبهت سألت كاهنة بني مخزوم، فقالت: يا عباس لئن صدقت رؤياك ليخرجن من صلبه ولد يصير أهل المشرق والمغرب تبعاً له.

قال أبي أي العباس: فهمّني أمر عبد الله إلي أن تزوج بآمنة وكانت من أجمل نساء قريش وأتمها خلقاً، فلما مات عبد الله وولدت آمنة رسول الله صلي الله عليه و اله أتيته فرأيت النور بين عينيه يزهر … الحديث().

فترة الحمل

إنّ مرحلة حمل السيّدة آمنة عليها السلام بالنبي محمد صلي الله عليه و اله كانت مليئة بالخيرات والبركات وما يؤكد علي قداسة الرسول صلي الله عليه و اله ومدي علوّ مقامه عند الله تعالي وارتفاع شأنه العالي لديه.

فقد نقل العلاّمة المجلسي رحمة الله عليه قائلاً:

لمّا مرّ علي رسول الله صلي الله عليه و اله في بطن اُمّه شهران أمر الباري تعالي منادياً في السماوات والأرضين، أن ناد في السماوات والأرض والملائكة: أن استغفروا لمحمّد صلي الله عليه و اله واُمّته، كل هذا ببركة النبي صلي الله عليه و اله.

ولمّا أتي علي رسول الله صلي الله عليه و اله في بطن اُمّه ثلاثة أشهر كان أبو قحافة راجعاً من الشام، فلمّا بلغ مشارف مكّة وضعت ناقته جمجمتها علي الأرض ساجدة وكان

بيده قضيب فضربها، فلم ترفع رأسها، فقال أبو قحافة: فما أري ناقة تركت صاحبها، وإذا بهاتف يقول: لا تضرب يا أبا قحافة من لا يطيعك ألا تري أنّ الجبال والبحار والأشجار سوي الآدميين سجدوا لله!.

فقال أبو قحافة: يا هاتف وما السبب في ذلك؟

قال: ستري يا أبا قحافة إن شاء الله تعالي.

يقول أبو قحافة: فوقفت ساعة حتّي رفعت الناقة رأسها وجئت إلي عبد المطّلب فأخبرته.

ولمّا أتي علي رسول الله صلي الله عليه و اله أربعة أشهر كان زاهد علي الطريق من الطائف وكان له صومعة() بمكّة علي مرحلة قال: فخرج الزاهد وكان اسمه حبيباً فجاء إلي بعض أصدقائه بمكّة، فلمّا بلغ أرض الموقف إذا بصبي قد وضع جبينه علي الأرض وقد سجد علي جمجمته، فدنا حبيب منه وأخذه وإذا بهاتف يهتف ويقول: خلّ عنه يا حبيب ألا تري إلي الخلائق من البر والبحر والسهل والجبل قد سجدوا لله شكراً ().

البشري بمولد الرسول صلي الله عليه و اله

كثيرة كانت البشارات التي بشّرت بنبي آخر الزمان صلي الله عليه و اله الذي سينقذ الاُمّة من ظلمات الجاهلية الاُولي ويدخلها في عزّ الوحدانية والتوحيد.

فمن قبل أن تنعقد نطفة النبي صلي الله عليه و اله كان الأنبياء والصلحاء عليهم السلام بل وحتّي المنجّمين وغيرهم ممّن يعتقد بهم بعض الناس يخبرون عن قرب ظهور نبي آخر الزمان ويشيدون بفضائله ومكانته الرفيعة عند الله تبارك وتعالي.

وربما لا نبالغ إذا ما ذهبنا بالقول إنّ استعراض مثل هذه المبشّرات يحتاج إلي مجلّد ضخم إلاّ أنّ الذي يهمّنا في بحثنا هذا هو البشارات المرتبطة باُمّهات المعصومين عليهم السلام.

فعن أبي عبد الله عليه السلام قال: كان حيث طلقت آمنة بنت وهب وأخذها المخاض بالنبي صلي الله عليه و اله حضرتها فاطمة بنت

أسد امرأة أبي طالب، فلم تزل معها حتّي وضعت، فقالت إحداهما للاُخري: هل ترين ما أري؟

فقالت: وما ترين؟

قالت: هذا النور الذي قد سطع ما بين المشرق والمغرب.

فبينما هما كذلك إذ دخل عليهما أبو طالب عليه السلام، فقال لهما: ما لكما من أي شيء تعجبان؟

فأخبرته فاطمة بالنور الذي قد رأت.

فقال لها أبو طالب: ألا اُبشّرك؟

فقالت: بلي.

فقال: أما إنّك ستلدين غلاماً يكون وصي هذا المولود().

الميلاد المبارك

ومن الاُمور المهمّة التي دوّنها المؤرخون في سيرة السيّدة آمنة (سلام الله عليها) هي لحظات ولادتها المباركة للرسول الأعظم صلي الله عليه و اله التي لم يشهد التاريخ مثلها قطّ.

فقد رافقت تلك الولادة الميمونه أحداث ووقائع مهمّة تدلّ علي عظمة ذلك المولود المبارك الذي أطلّ علي الوجود، فملأ العالمين ضياءً وغطّي الكون الواسع بركة وجلالة.

لقد شاءت إرادة السماء أن تهدي للبشرية هديتها العظمي التي لم ولن يُعرف قدرها إلي قيام يوم الدين، فها هو سيّد المرسلين محمد صلي الله عليه و اله الذي طالما بشّرت به الرسالات السابقة وأكّدت علي جلالة قدره وعظمة شأنه الرفيع يطرق الأبواب ليجلب معه أنوار الهداية إلي البشرية جمعاء.

فما أعظم تلك اللحظات؟!

وما أقدس جلالة قدرها؟!

فقد روي أنّ السيّدة فاطمة بنت أسد اُمّ أمير المؤمنين عليه السلام كانت حاضرة في الليلة التي ولدت فيها السيّدة آمنة بنت وهب اُمّ رسول الله صلي الله عليه و اله ورأت مثل الذي رأته، فلمّا كان الصبح انصرف أبو طالب عليه السلام من الطواف فاستقبلته، ثم قالت له: لقد رأيت الليلة عجباً.

قال لها: ما رأيت؟

قالت: ولدت آمنة بنت وهب مولوداً أضاءت له الدنيا بين السماء والأرض نوراً حتّي مددت عيني فرأيت سعفات() هجر().

فقال لها أبو طالب عليه السلام: انتظري سبتاً تأتين بمثله،

فولدت أمير المؤمنين عليه السلام بعد ثلاثين سنة، وهكذا روي أنّ السبت ثلاثون سنة().

وقد روي عن السيّدة آمنة (سلام الله عليها) إنّها قالت: لمّا اقتربت ولادة الرسول صلي الله عليه و اله رأيت جناح طائر أبيض قد مسح علي فؤادي فذهب الرعب عنّي واُوتيت بشربة بيضاء وكنت عطشي فشربتها فأصابني نور عال.

ثمّ رأيت نسوة كالنخل طولاً تحدّثني، وسمعت كلاماً لا يشبه كلام الآدميين حتّي رأيت كالديباج الأبيض قد ملأ بين السماء والأرض وقائل يقول: خذوه من أعزّ الناس.

ورأيت رجالاً وقوفاً في الهواء بأيديهم أباريق.

ورأيت مشارق الأرض ومغاربها.

ورأيت عَلَماً من سندس علي قضيب من ياقوتة قد ضرب بين السماء والأرض في ظهر الكعبة فخرج رسول الله صلي الله عليه و اله رافعاً إصبعه إلي السماء.

ورأيت سحابة بيضاء تنزل من السماء حتّي غشيته، فسمعت نداءً: طوفوا لمحمّد شرق الأرض وغربها والبحار لتعرفوه باسمه ونعته وصورته، ثمّ انجلت عنه الغمامة فإذا أنا به في ثوب أبيض من اللبن وتحته حريرة خضراء وقد قبض علي ثلاثة مفاتيح من اللؤلؤ الرطب، وقائل يقول: قبض محمّد علي مفاتيح النصرة والريح والنبوّة.

ثمّ أقبلت سحابة اُخري فغيّبته عن وجهي أطول من المرّة الاُولي، وسمعت نداءً: طوفوا بمحمّد الشرق والغرب واعرضوه علي روحاني الجنّ والإنس والطير والسباع وأعطوه صفاء آدم ورقّة نوح وخلّة إبراهيم ولسان إسماعيل وكمال يوسف وبشري يعقوب وصوت داود وزهد يحيي وكرم عيسي عليهم السلام.

ثمّ انكشف عنه فإذا أنا به وبيده حريرة بيضاء قد طويت طيّاً شديداً وقد قبض عليها وقائل يقول: قد قبض محمّد صلي الله عليه و اله علي الدنيا كلّها فلم يبق شيء إلاّ دخل في قبضته.

ثمّ إنّ ثلاثة نفر كأنّ الشمس تطلع من وجوههم، في يد أحدهم

إبريق فضّة ونافجة() مسك، وفي يد الثاني طست من زمردة خضراء لها أربع جوانب من كل جانب لؤلؤة بيضاء وقائل يقول: هذه الدنيا فاقبض عليها يا حبيب الله، فقبض علي وسطها، وقائل يقول: قبض الكعبة، وفي يد الثالث حريرة بيضاء مطوية فنشرها فأخرج منها خاتماً تحار أبصار الناظرين فيه، فغسّل بذلك الماء من الإبريق سبع مرّات ثمّ ضرب الخاتم علي كتفيه وتفل في فيه فاستنطقه فنطق، فلم أفهم ما قال إلاّ أنّه قال: في أمان الله وحفظه وكلاءته قد حشوت قلبك إيماناً وعلماً ويقيناً وعقلاً وشجاعة، أنت خير البشر، طوبي لمن اتّبعك وويل لمن تخلّف عنك، ثمّ أدخل بين أجنحتهم ساعة وكان الفاعل به هذا رضوان، ثمّ انصرف وجعل يلتفت إليه ويقول: أبشر يا عزّ الدنيا والآخرة، ورأيت نوراً يسطع من رأسه حتّي بلغ السماء ورأيت قصور الشامات كأنّها شعلة نار نوراً، ورأيت حولي من القطا () أمراً عظيماً قد نشرت أجنحتها ().

البشارة العظمي

علي الرغم من أنّ ولادة الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله رافقها العديد من المبشّرات من الأحداث المهمّة التي تدلّ علي عظمته صلي الله عليه و اله إلاّ أنّ هناك بشارة عظيمة تفوقها جميعها، ألا وهي البشارة بقدوم مكمّل الرسالة وهادي الناس من الضلالة وصي المصطفي المختار ووالد الأئمّة الأطهار أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب (عليه أفضل الصلاة والسلام).

فعن المفضّل بن عمر قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: «لمّا ولد رسول الله صلي الله عليه و اله فتح لآمنة بياض فارس وقصور الشام، فجاءت فاطمة بنت أسد اُمّ أمير المؤمنين إلي أبي طالب ضاحكة مستبشرة فأعلمته ما قالته آمنة، فقال لها أبو طالب: وتتعجّبين من هذا إنّك

تحبلين وتلدين بوصيّه ووزيره» ().

إرهاصات الولادة

من المسلّمات المشهورة أن لدي ولادة معظم الأنبياء والأوصياء الصالحين عليهم السلام وكذا في أيّام حملهم تظهر إرهاصات وعلامات مهمّة تدلّ علي عظمة شأن المولود ومدي قداسته عند الله تبارك وتعالي.

وقد أحيطت ولادة الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله بالكثير من الأحداث المهمّة المشيرة إلي علوّ مكانته العظيمة عند الباري عزّوجلّ.

ونحن نشير إلي بعض تلك الأحداث والإرهاصات حيث قد نقلتها والدة النبي صلي الله عليه و اله السيّدة آمنة عليها السلام فقالت:

نظرت إلي وجه رسول الله صلي الله عليه و اله فإذا هو مكتحل العينين، منقّط الجبين والذقن، وقد أشرق من وجنتي النبي صلي الله عليه و اله نور ساطع في ظلمة الليل ومرّ في سقف البيت وشقّ السقف.

ورأت آمنة عليها السلام من نور وجهه كل منظر حسن وقصر بالحرم، وسقط في تلك الليلة أربعة وعشرون شرفاً من إيوان كسري، وأخمدت في تلك الليلة نيران فارس، وأبرق في تلك الليلة برق ساطع في كل بيت وغرفة في الدنيا ممّن قد علم الله تعالي وسبق في علمه أنّهم يؤمنون بالله ورسوله محمّد صلي الله عليه و اله، ولم يسطع في بقاع الكفر بأمر الله تعالي، وما بقي في مشارق الأرض ومغاربها صنم ولا وثن إلاّ وخرّت علي وجوهها ساقطة علي جباهها خاشعة، وذلك كلّه إجلالاً للنبي صلي الله عليه و اله().

وفي حديث آخر نقل عن السيّدة آمنة عليها السلام أنّها قالت: لمّا حملت برسول الله صلي الله عليه و اله لم أشعر بالحمل ولم يصبني ما يصيب النساء من ثقل الحمل، ورأيت في نومي كأنّ آتياً أتاني وقال لي: قد حملت بخير الأنام.

فلمّا حان وقت الولادة خفّ ذلك عليّ حتّي

وضعته صلي الله عليه و اله وهو يتّقي الأرض بيديه وسمعت قائلاً يقول: وضعت خير البشر فعوّذيه بالواحد الصمد من شرّ كل باغٍ وحاسد، فولدت رسول الله صلي الله عليه و اله عام الفيل لاثنتي عشرة ليلة من شهر ربيع الأوّل يوم الإثنين.

أقول: هذا علي رواية، وهو يؤيّد القائلين بأنّ ميلاد النبي صلي الله عليه و اله كان في الثاني عشر من شهر ربيع الأول، إلاّ أن المشهور بين الإمامية هو السابع عشر من شهر ربيع الأول كما ذكرناه في كتاب (ولأول مرة في تاريخ العالم)().

فقالت السيّدة آمنة عليها السلام: لمّا سقط إلي الأرض اتّقي الأرض بيديه وركبتيه ورفع رأسه إلي السماء، وخرج منّي نور أضاء ما بين السماء والأرض، ورميت الشياطين بالنجوم وحجبوا عن السماء.

ورأت قريش الشهب والنجوم تسير في السماء ففزعوا لذلك وقالوا: هذا قيام الساعة، واجتمعوا إلي الوليد بن المغيرة فأخبروه بذلك وكان شيخاً كبيراً مجرّباً، فقال: انظروا إلي هذه النجوم التي يهتدي بها في البر والبحر، فإن كانت قد زالت فهو قيام الساعة، وإن كانت هذه ثابتة فهو لأمر قد حدث.

وأبصرت الشياطين ذلك فاجتمعوا إلي إبليس فأخبروه بأنّهم قد منعوا من السماء ورموا بالشهب، فقال: اطلبوا فإنّ أمراً قد حدث.

فجالوا في الدنيا ورجعوا، فقالوا: لم نر شيئاً.

فقال: أنا لهذا، فخرق ما بين المشرق والمغرب فانتهي إلي الحرم، فوجد الحرم محفوفاً بالملائكة، فلمّا أراد أن يدخل صاح به جبرئيل، فقال: اخسأ يا ملعون.

فجاء من قبل فصار مثل الصرّ () قال: يا جبرئيل ما هذا؟

قال: هذا نبي قد ولد وهو خير الأنبياء.

قال: هل لي فيه نصيب؟

قال: لا.

قال: ففي اُمّته؟

قال: نعم.

قال: قد رضيت().

المشركون يقرون بالإرهاصات

إنّ الأحداث العظيمة التي حصلت عند ولادة الرسول صلي الله عليه

و اله لم يقرّ بها الموحّدون فحسب، بل حتّي المشركين علي عنادهم وإلحادهم أقرّوا بها وشهدوا للرسول الأعظم صلي الله عليه و اله بطيب الولادة وعظم الشأن لدي الله تعالي.

ورد عن عمرو بن اُميّة وكان من أزجر أهل الجاهلية أنّه قال: انظروا هذه النجوم التي يهتدي بها ويعرف بها أزمان الشتاء والصيف فإن كان رمي بها فهو هلاك كل شيء، وإن كانت ثبتت ورمي بغيرها فهو أمر حدث، وأصبحت الأصنام كلّها صبيحة مولد النبي صلي الله عليه و اله ليس منها صنم إلاّ وهو منكبّ علي وجهه، وارتجس في تلك الليلة إيوان كسري وسقطت منه أربع عشرة شرفة()، وغاضت بحيرة ساوه، وفاض وادي السماوة، وخمدت نيران فارس، ولم تخمد قبل ذلك بألف عام، ورأي الموبذان() في تلك الليلة في المنام إبلاً صعاباً تقود خيلاً عراباً قد قطعت دجلة وانسربت في بلادهم، وانقصم طاق الملك كسري من وسطه، وانخرقت عليه دجلة العوراء، وانتشر في تلك الليلة نور من قبل الحجاز ثم استطار حتّي بلغ المشرق، ولم يبق سرير لملك من ملوك الدنيا إلاّ أصبح منكوساً، والملك مخرساً لا يتكلّم يومه ذلك، وانتزع علم الكهنة، وبطل سحر السحرة، ولم تبق كاهنة في العرب إلاّ حجبت عن صاحبها، وعظمت قريش في العرب وسمّوا آل الله عزوجل. قال أبو عبد الله الصادق عليه السلام: «إنّما سمّوا آل الله لأنّهم في بيت الله الحرام» ().

العباس يخبر عن المولد الشريف

وقد روي العباس بن عبد المطّلب عليه السلام عم النبي صلي الله عليه و اله عن لسان السيّدة آمنة عليها السلام عظمة تلك الأحداث التي صاحبت ميلاد الرسول صلي الله عليه و اله، فقال:

«لمّا مات عبد الله وولدت آمنة رسول الله صلي الله عليه و

اله أتيته فرأيت النور بين عينيه يزهر، فحملته وتفرّست في وجهه فوجدت منه ريح المسك، وصرت كأنّي قطعة مسك من شدّة ريحي، فحدّثتني آمنة وقالت لي: إنّه لمّا أخذني الطلق واشتدّ بي الأمر سمعت جلبة() وكلاماً لا يشبه كلام الآدميين، ورأيت علماً من سندس علي قضيب من ياقوت قد ضرب بين السماء والأرض، ورأيت نوراً يسطع من رأسه حتّي بلغ السماء، ورأيت قصور الشامات كأنّها شعلة نار نوراً، ورأيت حولي من القطاة أمراً عظيماً قد نشرت أجنحتها حولي، ورأيت شعيرة الأسدية قد مرّت وهي تقول: آمنة ما لقيت الكهّان والأصنام من ولدك، ورأيت رجلاً شاباً من أتمّ الناس طولاً وأشدّهم بياضاً وأحسنهم ثياباً ما ظننته إلاّ عبد المطّلب قد دنا منّي فأخذ المولود فتفل في فيه واستنطقه، فنطق فلم أفهم ما قال إلاّ أنّه قال: في أمان الله أنت خير البشر، طوبي لمن اتّبعك، وويل لمن تخلّف عنك، وأخرج صرّة اُخري من حريرة بيضاء ففتحها فإذا فيها خاتم فضرب علي كتفيه ثمّ قال: أمرني ربّي أن أنفخ فيك من روح القدس، فنفخ فيه وألبسه قميصاً وقال: هذا أمانك من آفات الدنيا فهذا ما رأيت يا عباس بعيني.

قال العباس: وأنا يومئذ أقرأ فكشفت عن ثوبه فإذا خاتم النبوّة بين كتفيه فلم أزل أكتم شأنه وأنسيت الحديث فلم أذكره إلي يوم إسلامي حتّي ذكّرني رسول الله صلي الله عليه و اله» ().

في مجلس معاوية

علي الرغم من أنّ معاوية بن أبي سفيان كان يكنّ الحقد والعداء للرسول صلي الله عليه و اله وعترته الطاهرة عليهم السلام إلاّ أنّه أكثر من مرّة اضطر لكي يسمح للآخرين بأن يذكروا فضائلهم عليهم السلام وذلك من أجل كسب السمعة وتغطية بغضه لهم عليهم

السلام ولو في بعض الأحيان.

والواقعة التالية هي من مصاديق ذلك:

يقول ليث بن سعد، قلت لكعب وهو عند معاوية: كيف تجدون صفة مولد النبي صلي الله عليه و اله؟

وهل تجدون لعترته فضلاً؟

فالتفت كعب إلي معاوية لينظر كيف هواه، فأجري الله عزوجل علي لسانه، فقال: هات يا أبا إسحاق رحمك الله ما عندك.

فقال كعب: إنّي قد قرأت اثنين وسبعين كتاباً كلّها اُنزلت من السماء، وقرأت صحف دانيال كلّها ووجدت في كلّها ذكر مولده صلي الله عليه و اله ومولد عترته وإنّ اسمه لمعروف وإنّه لم يولد نبي قط فنزلت عليه الملائكة ما خلا عيسي وأحمد (صلّي الله عليهما)، وما ضرب علي آدمية حجب الجنّة غير مريم وآمنة اُمّ أحمد صلي الله عليه و اله، وما وكّلت الملائكة باُنثي حملت غير مريم اُمّ المسيح عليها السلام وآمنة اُم أحمد صلي الله عليه و اله، وكان من علامة حمله أنّه لمّا كانت الليلة التي حملت آمنة به صلي الله عليه و اله نادي مناد في السماوات السبع: أبشروا فقد حمل الليلة بأحمد، وفي الأرضين كذلك حتّي في البحور، وما بقي يومئذ في الأرض دابة تدب ولا طائر يطير إلاّ علم بمولده، ولقد بني في الجنّة ليلة مولده سبعون ألف قصر من ياقوت أحمر وسبعون ألف قصر من لؤلؤ رطب، فقيل: هذه قصور الولادة، ونجدت() الجنان وقيل لها: اهتزّي وتزيّني فإنّ نبي أوليائك قد ولد، فضحكت الجنّة يومئذ، فهي ضاحكة إلي يوم القيامة، وبلغني أنّ حوتاً من حيتان البحر يقال له: طموساً وهو سيّد الحيتان له سبعمائة ألف ذنب يمشي علي ظهره سبعمائة ألف ثور الواحد منها أكبر من الدنيا لكل ثور سبعمائة ألف قرن من زمرد أخضر لايشعر بهنّ

اضطرب فرحاً بمولده، ولولا أنّ الله تبارك وتعالي ثبّته لجعل عاليها سافلها، ولقد بلغني أنّ يومئذ ما بقي جبل إلاّ نادي صاحبه بالبشارة ويقول: لا إله إلاّ الله، ولقد خضعت الجبال كلّها لأبي قبيس كرامةً لمولده صلي الله عليه و اله، ولقد قدّست الأشجار أربعين يوماً بأنواع أفنانها وثمارها فرحاً بمولده صلي الله عليه و اله، ولقد ضرب بين السماء والأرض سبعون عموداً من أنواع الأنوار لا يشبه كل واحد صاحبه، وقد بشّر آدم عليه السلام بمولده فزيد في حسنه سبعين ضعفاً، وكان قد وجد مرارة الموت وكان قد مسّه ذلك فسري عنه ذلك، ولقد بلغني أنّ الكوثر اضطرب في الجنّة واهتزّ فرمي بسبعمائة ألف قصر من قصور الدرّ والياقوت نثاراً لمولد محمّد صلي الله عليه و اله، ولقد زمّ () إبليس وكُبّل() واُلقي في الحصن أربعين يوماً وغرق عرشه أربعين يوماً، ولقد تنكّست الأصنام كلّها وصاحت وولولت، ولقد سمعوا صوتاً من الكعبة يا آل قريش لقد جاءكم البشير، جاءكم النذير، معه العزّ الأبد والربح الأكبر وهو خاتم الأنبياء، ونجد في الكتب أنّ عترته خير الناس بعده وأنّه لا يزال الناس في أمان من العذاب ما دام من عترته في دار الدنيا خلق يمشي.

فقال معاوية: يا أبا إسحاق ومَن عترته؟

قال كعب: ولد فاطمة عليها السلام.

فعبس وجهه وعضّ علي شفتيه وأخذ يعبث بلحيته.

فقال كعب: وإنّا نجد صفة الفرخين المستشهدين، وهما فرخا فاطمة عليها السلام يقتلهما شرّ البرية.

قال: فمن يقتلهما؟

قال: رجل من قريش.

فقام معاوية وقال: قوموا إن شئتم، فقمنا ().

حال الأبالسة

إنّ من العلامات الحتميّة التي أكّدها الأئمّة الأطهار عليهم السلام في مختلف أحاديثهم والتي تدلّ علي قداسة الرسول صلي الله عليه و اله وعظمة مولده المبارك هو

أنّ الأبالسة بعد أن كانت تخترق السماوات السبع حبست فور ميلاده صلي الله عليه و اله عن ذلك، ومنعت من التجسّس واستراق السمع.

بل إنّ الأبالسة اضطربت يوم ميلاد الرسول صلي الله عليه و اله وراعها هول الأحداث العظيمة التي حدثت إثر ولادته صلي الله عليه و اله، ففي الحديث عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: «صاح إبليس لعنه الله في أبالسته فاجتمعوا إليه، فقالوا: ما الذي أفزعك ياسيدنا؟

فقال لهم: ويلكم لقد أنكرت السماء والأرض منذ الليلة، لقد حدث في الأرض حدث عظيم ما حدث مثله منذ رفع عيسي ابن مريم عليهما السلام، فاخرجوا وانظروا ما هذا الحدث الذي قد حدث؟

فافترقوا ثمّ اجتمعوا إليه، فقالوا: ما وجدنا شيئاً.

فقال إبليس لعنه الله: أنا لهذا الأمر، ثمّ انغمس في الدنيا فجالها حتّي انتهي إلي الحرم فوجد الحرم محفوظاً بالملائكة، فذهب ليدخل فصاحوا به فرجع ثمّ صار مثل الصرّ وهو العصفور فدخل من قبل حراء، فقال له جبرئيل: وراك لعنك الله؟

فقال له: حرف أسألك عنه يا جبرئيل، ما هذا الحدث الذي حدث منذ الليلة في الأرض؟

فقال له: ولد محمّد صلي الله عليه و اله.

فقال له: هل لي فيه نصيب؟

قال: لا.

قال: ففي اُمّته؟

قال: نعم.

قال: رضيت» ().

وفي حديث آخر: إنّ إبليس (لعنه الله تعالي) لمّا رأي ذلك وضع التراب علي رأسه وجمع أولاده وقال لهم: يا أولادي اعلموا أنّني ما أصابني منذ خلقت مثل هذه المصيبة.

قالوا: وما هذه المصيبة؟

قال: اعلموا أنّه قد ولد في هذه الليلة مولود اسمه محمّد بن عبد الله صلي الله عليه و اله يبطل عبادة الأوثان ويمنع السجود للأصنام ويدعو الناس إلي عبادة الرحمن.

فنثروا التراب علي رؤوسهم، ودخل إبليس (لعنه الله تعالي) في البحر الرابع وقعد

فيه للمصيبة هو وأولاده مكرهين أربعين يوماً ().

الملائكة والحور تستبشر

وبعد أن ولد الرسول صلي الله عليه و اله وأطلّ بمحيّاه الشريف علي الدنيا أخذته الحوريات ولففنه في منديل رومي ووضعنه بين يدي آمنة عليها السلام ورجعن إلي الجنّة يبشّرن الملائكة في السماوات بمولده صلي الله عليه و اله.

ونزل جبرئيل وميكائيل عليهما السلام ودخلا البيت علي صورة الآدميين وهما شابان، ومع جبرئيل طشت من ذهب، ومع ميكائيل إبريق من عقيق أحمر، فأخذ جبرئيل رسول الله صلي الله عليه و اله وغسّله، وميكائيل يصبّ الماء عليه، فغسّلاه، وآمنة عليها السلام في زاوية البيت قاعدة.

فقال لها جبرئيل: يا آمنة لا نغسّله من النجاسة، فإنّه لم يكن نجساً ولكن غسّلناه من ظلمات بطنك.

فلمّا فرغوا من غسله وكحّلوا عينيه ونقّطوا جبينيه بزرقة كانت معهم مسك وعنبر وكافور مسحوق بعضه ببعض فذروه فوق رأسه صلي الله عليه و اله.

قالت آمنة عليها السلام: وسمعت كلاماً علي الباب، فذهب جبرئيل إلي الباب فنظر ورجع إلي البيت وقال: ملائكة سبع سماوات يريدون السلام علي النبي صلي الله عليه و اله فاتّسع البيت ودخلوا عليه().

وفاة والد النبي صلي الله عليه و اله

بقي عبد الله عليه السلام بعد زواجه من السيّدة آمنة عليها السلام أربعين يوماً لا يخرج من داره، ثمّ خرج فنظر أهل مكّة إليه وإذا بالنور الذي كان يشرق في جبينه قد فارق موضعه.

ولمّا أتي علي رسول الله صلي الله عليه و اله شهر واحد في بطن اُمّه نادت الجبال والأشجار والسماوات بعضها بعضاً مستبشرين قائلين: ألا إنّ محمّداً قد سقط في رحم اُمّه آمنة وقد مضي عليه شهر، ففرح بذلك الجبال والبحار والسماوات والأرضون.

آنذاك ورد علي عبد المطّلب عليه السلام كتاب من يثرب يخبره بموت فاطمة بنت عبد المطّلب، وكان ممّا في طيّاته أنّها ورّثت مالاً كثيراً خطيراً،

فاخرج أسرع ما تقدر عليه.

فقال عبد المطّلب لولده عبد الله: يا ولدي لابدّ لك أن ترافقني إلي المدينة، فسافر مع والده ودخلا مدينة يثرب فاستلم عبد المطّلب المال. ولمّا مضي من علي دخولهما المدينة عشرة أيّام اعتلّ عبد الله علّة شديدة، وبقي خمسة عشر يوماً وفي اليوم السادس عشر مات عبد الله، فبكي عليه أبوه عبد المطّلب بكاءً مرّاً وشقّ سقف البيت لأجله في دار فاطمة بنت عبد المطّلب آنذاك، وبينما كان عبد المطّلب غارق في أحزانه إذا بهاتف يهتف ويقول: قد مات من كان في صلبه خاتم النبيين وأي نفر لا يموت، فقام عبد المطّلب فغسّله وكفّنه ودفنه في محلّة يقال لها (شين) وبني علي قبره قبّة عظيمة من جص وآجر().

وفي رواية: إن عبد الله خرج إلي الشام في عير() من عيرات قريش يحملون تجارات، ففرغوا من تجاراتهم ثمّ انصرفوا، فمرّوا بالمدينة وعبد الله بن عبدالمطّلب يومئذ مريض فقال: أتخلّف عند أخوالي بني عدي بن النجّار، فأقام عندهم مريضاً شهراً، ومضي أصحابه فقدموا مكّة، فسألهم عبد المطّلب عن عبد الله، فقالوا: خلّفناه عند أخواله بني عدي بن النجّار وهو مريض.

فبعث إليه عبد المطّلب أعظم ولده الحارث فوجده قد توفّي في دار النابغة فرجع إلي أبيه فأخبره، فوجد() عليه عبدالمطّلب وإخوته وأخواته وجداً شديداً ورسول الله صلي الله عليه و اله يومئذ حمل ولعبد الله يوم توفّي خمس وعشرون سنة().

السيّدة آمنة عليها السلام تفجع بزوجها

عندما وصل خبر وفاة عبد الله إلي السيّدة آمنة عليها السلام بكت بكاءً مرّاً وحزنت عليه حزناً شديداً، ودعت بالنائحات ينحن عليه ويندبنه.

وقد جاءها بعد ذلك عبد المطّلب عليه السلام إلي دارها وطيّب خاطرها وهدّأ من روعها، ووهب لها ألف درهم بيض وتاجين قد اتّخذهما

عبد مناف لبعض بناته وقال لها: يا آمنة لا تحزني فإنّك عندي جليلة لأجل من في بطنك ورحمك فلا تهتك أمرك().

وفاة السيدة آمنة عليها السلام

روي إنّه لمّا كبر رسول الله صلي الله عليه و اله ردّته مرضعته السيّدة حليمة السعدية إلي اُمّه فافتطمته وأخذته إلي أخواله من بني عدي بن النجّار بالمدينة، ثمّ رجعت به حتّي بلغا «الأبواء» () فماتت بها (سلام الله عليها) فيتم النبي صلي الله عليه و اله وكان عمره آنذاك ست سنين..

فرجعت به صلي الله عليه و اله اُمّ أيمن إلي مكّة المكرّمة وكانت تحضنه.

وورث رسول الله صلي الله عليه و اله من والدته كل من: اُمّ أيمن وخمسة جمال أوداك() وقطيعة غنم، فلمّا تزوّج بخديجة عليها السلام أعتق اُمّ أيمن().

وروي أنّ السيّدة آمنة عليها السلام لمّا قدمت برسول الله صلي الله عليه و اله المدينة نزلت به في دار النابغة وهو رجل من بني عدي بن النجّار، فأقامت بها شهراً، فكان رسول الله صلي الله عليه و اله يذكر له اُموراً كانت تدلّ علي سمو مقامه ورفعة درجته عند الله تعالي.

منها: إنّه صلي الله عليه و اله قال: نظرت إلي رجل من اليهود يختلف وينظر إليّ ثمّ ينصرف عنّي، فلقيني يوماً خالياً، فقال لي: يا غلام ما اسمك؟

قلت: أحمد. فنظر إلي ظهري فسمعته يقول: هذا نبي هذه الاُمّة، ثمّ راح إلي أخوالي فخبّرهم الخبر، فأخبروا اُمّي فخافت عليّ وخرجنا من المدينة().

من فضائل السيّدة آمنة عليها السلام

ممّا يؤسف له حقّاً أنّ سيرة اُمّهات المعصومين عليهم السلام وفضائلهم الرفيعة مجهولة في التاريخ عادة، وعند المسلمين أيضاً، ففي أهم المصادر التاريخية لا يكاد يجد الإنسان شيئاً إلا القليل عن تاريخ هؤلاء النسوة الأخيار، وكيف أنّهنّ كنّ يخدمن المعصومين عليهم السلام ويجهدن بكل ما لديهم من طاقة من أجل رعاية أبنائهنّ المعصومين عليهم السلام وإن كانت عناية السماء ترعاهم وتسدّدهم قبلهم.

ولكن القرائن

الكثيرة هي التي تدل علي عظيم مقامهن، فالسيّدة آمنة عليها السلام يمكن معرفة شيء من عظمتها وجلالتها عبر هذه القرائن وغيرها:

1: إنّها عليها السلام كانت في سلسلة الأرحام المطهّرة التي ورد ذكرها في الروايات الشريفة.

2: إنّها عليها السلام كانت زوجة لعبد الله عليه السلام والد النبي الأكرم صلي الله عليه و اله وهذا توفيق خاصّ لا تناله إلاّ من كانت لها حظّ عظيم.

3: إنّها عليها السلام حملت برسول الله صلي الله عليه و اله وكانت له وعاءً ضمّته تسعة أشهر.

4: إنّها عليها السلام أصبحت اُمّاً لسيّد الكونين ورسول العالمين محمّد بن عبد الله صلي الله عليه و اله.

5: إنّها عليها السلام كانت تكنف الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله وترعاه من كيد المناوئين طيلة أيّام حياتها.

6: إنها عليها السلام قد ترحّم عليها الرسول صلي الله عليه و اله وزار قبرها وبكي عليها عند ذلك.

ففي التاريخ إنّه لمّا توفّيت آمنة رجعت اُمّ أيمن بالنبي صلي الله عليه و اله إلي مكّة، ثمّ إنه لمّا مرّ رسول الله صلي الله عليه و اله في عمرة الحديبية بالأبواء قال: إنّ الله قد أذن لي في زيارة قبر اُمّي فأتاه رسول الله صلي الله عليه و اله فأصلحه وبكي عنده، وبكي المسلمون لبكاء رسول الله صلي الله عليه و اله فقيل له، فقال: أدركتني رحمة رحمتها فبكيت().

7: إنها عليه السلام يستحب الطواف عنها لقضاء الحوائج.

ففي الحديث المروي عن الإمام الصادق عليه السلام ما يدلّ بوضوح علي أنّ للسيّدة آمنة عليها السلام مقاماً عظيماً عند الله وأنّها من صفوة أولياء الله الذين يتوسّل بهم لقضاء الحوائج.

فعن داود الرقّي قال: «دخلت علي أبي عبد الله صلي الله عليه و اله

ولي علي رجل مال قد خفت تواه فشكوت إليه ذلك، فقال لي: إذا صرت بمكّة فطف عن عبد المطّلب طوافاً وصلّ ركعتين عنه، وطف عن أبي طالب طوافاً وصلّ عنه ركعتين، وطف عن عبد الله طوافاً وصلّ عنه ركعتين، وطف عن آمنة طوافاً وصلّ عنها ركعتين، وطف عن فاطمة بنت أسد طوافاً وصلّ عنها ركعتين، ثمّ ادع أن يردّ عليك مالك، قال: ففعلت ذلك، ثمّ خرجت من باب الصفا وإذا غريمي واقف يقول: يا داود حبستني تعال اقبض مالك» ().

دفع شبهة

ممّا يؤسف له أنّ البعض من الناس يذهب إلي أنّ السيّدة آمنة بنت وهب عليها السلام والدة النبي صلي الله عليه و اله لم تكن مؤمنة، ويزعمون أنها قد ماتت علي ذلك، ولولا أنّ الرسول صلي الله عليه و اله استشفع لها واستوهبها من الله فوهبها له، لكانت من المخلّدين في الجحيم!.

ولم يقتصر هؤلاء علي ذلك وإنّما أخذوا يفسرون بعض الروايات كما يشاؤون ويستدلون بتفسيرهم علي ذلك.

منها: قول النبي صلي الله عليه و اله: «إنّي مستوهب من ربّي أربعة، وهو واهبهم لي إن شاء الله تعالي: آمنة بنت وهب، وعبد الله بن عبد المطّلب وأبو طالب بن عبد المطّلب، ورجل من الأنصار جرت بيني وبينه ملحة» ().

ولكن في المقابل ينبغي الالتفات إلي الاُمور التالية:

أولا: رسول الله صلي الله عليه و اله بنفسه يصرّح في أكثر من حديث أنّه كان يتنقّل من الأصلاب الطاهرة والأرحام المطهّرة، وهذا ينافي الشرك الذي هو دنس ورجس، ففي الحديث الشريف عنه صلي الله عليه و اله: «لم أزل أنقل من أصلاب الطاهرين إلي أرحام الطاهرات» ().

وقال رسول الله صلي الله عليه و اله: «إنّ الله أخرجني ورجلاً معي من طُهر

إلي طُهر، من صلب آدم حتّي خرجنا من صلب أبينا، فسبقته بفضل هذه علي هذه وضمّ بين السبّابة والوسطي وهو النبوّة» ().

فقيل له: ومن هو يا رسول الله؟

قال: «علي بن أبي طالب» ().

فكيف يصف الرسول صلي الله عليه و اله الرحم الذي كان فيه بالطهر والحال أنّ الآية الكريمة تصرّح بنجاسة المشركين فتقول: ?إنّما المشركون نجس?()، فيعلم من هذا أن آمنة عليها السلام كانت مؤمنة بالله عزوجل وموحدة لرب العالمين علي دين إبراهيم عليه السلام.

ثانياً: نفس الحديث الذي استدلّوا به يدلّ علي إيمان السيّدة آمنة عليها السلام، إذ أنّه كيف يستوهب الرسول صلي الله عليه و اله لمشرك وإن كانت اُمّه، والحال إنّ الله قد نهي عن موادّتهم والشفاعة أو الدعاء لهم.

ثالثاً: ممّا يؤيّد القول بإيمان السيّدة آمنة عليها السلام هي الروايات الصريحة التي تنصّ علي أنّ الله قد حرّم النار علي بطن حمل الرسول صلي الله عليه و اله، فعن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: «نزل جبرئيل علي النبي صلي الله عليه و اله فقال: يا محمّد إنّ ربّك يقرؤك السلام ويقول: إنّي قد حرّمت النار علي صلب أنزلك، وبطن حملك، وحجر كفلك، فالصلب الذي أنزلك فعبد الله بن عبد المطّلب، والبطن الذي حملك فآمنة بنت وهب، وأمّا الحجر الذي كفلك فحجر أبي طالب» ().

وعن أنس بن مالك قال: أتي أبوذرّ يوماً إلي مسجد رسول الله صلي الله عليه و اله، فقال: ما رأيت كما رأيت البارحة.

قالوا: وما رأيت البارحة؟

قال: رأيت رسول الله صلي الله عليه و اله ببابه، فخرج ليلاً فأخذ بيد علي بن أبي طالب عليه السلام وقد خرجا إلي البقيع، فما زلت أقفو أثرهما إلي أن أتيا مقابر مكّة، فعدل

إلي قبر أبيه فصلّي عنده ركعتين، فإذا بالقبر قد انشقّ وإذا بعبد الله جالس وهو يقول: أشهد أن لا إله إلاّ الله، وأنّ محمّداً عبده ورسوله.

فقال له: مَن وليّك يا أبة؟

فقال: وما الولي يا بنيّ؟

قال: هو هذا علي.

قال: وإنّ علياً ولييّ.

قال: فارجع إلي روضتك.

ثمّ عدل إلي قبر اُمّه، فصنع كما صنع عند قبر أبيه، فإذا بالقبر قد انشقّ، فإذا هي تقول: أشهد أن لا إله إلاّ الله، وأنّك نبي الله ورسوله.

فقال لها: مَن وليّك يا اُمّاه؟

فقالت: ومَن الولي يا بني؟

فقال: هو هذا علي بن أبي طالب.

فقالت: إنّ علياً وليّي.

فقال: ارجعي إلي حفرتك وروضتك.

فكذّبوه، ولبّبوه()، وقالوا: يا رسول الله كذب عليك اليوم.

فقال صلي الله عليه و اله: وما كان من ذلك؟

قالوا: إنّ جندب حكي عنك كيت وكيت.

فقال النبي صلي الله عليه و اله: «ما أظلّت الخضراء ولا أقلّت الغبراء علي ذي لهجة أصدق من أبي ذر» ().

وهذا يؤيّد بوضوح أنّها عليها السلام كانت مؤمنة، وقد كمل إيمانها بالإقرار بولاية علي أمير المؤمنين عليه السلام، فإنّ الله تعالي أوجب النار علي المشركين والكفّار كما دلّت عليه الآيات والأخيار.

رابعاً: زيارة النبي صلي الله عليه و اله لقبرها وترحّمه عليها يدلّ أيضاً علي أنّها كانت مؤمنة بالله عزّوجلّ، ففي الحديث عن رسول الله صلي الله عليه و اله أنّه قال: «استأذنت ربّي في زيارة اُمّي، فأذن لي، فزوروا القبور تذكّركم الموت» ().

وهذا وغيره أيضاً يدل علي استحباب زيارة القبور، علي تفصيل مذكور في محله.

بناء الأضرحة والقباب

قبر السيدة آمنة بنت وهب عليها السلام في منطقة الأبواء، وهي قرية بين مكّة والمدينة، وقد ولد الإمام موسي بن جعفر عليه السلام بها.

ومن اللازم أن يسعي المؤمنون والمسلمون كافة لبناء ضريح السيدة

آمنة عليها السلام

والدة النبي صلي الله عليه و اله فإن ترك القبر هكذا لا يليق بشأنها العظيم وشأن ولدها الرسول الكريم صلي الله عليه و اله.

وقد زار رسول الله صلي الله عليه و اله قبر أمه، وأمر بزيارتها.

قال تعالي: ?لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيراً? ().

الفصل الثاني السيدة خديجة عليها السلام

الفصل الثاني السيدة خديجة عليها السلام

والدة الصديقة فاطمة الزهراء عليها السلام

النسب الشريف

هي السيّدة خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزي بن قصي بن كلاب بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر.

وعلي هذا فإن السيدة خديجة تلتقي بنسبها مع النبي العظيم محمد صلي الله عليه و اله عند الجد الأكبر (قصي).

من مقامات السيدة خديجة عليها السلام

من الاُمور المتَفق عليها عند الجميع أنَ السيدة خديجة عليها السلام كانت خير نساء النبي صلي الله عليه و اله وذلك بتصريح من رسول الله صلي الله عليه و اله أكثر من مرَة، وهذا إنما يدل علي علو مقامها وجلالة قدرها (سلام الله عليها).

فعن عائشة قالت: كان رسول الله صلي الله عليه و اله إذا ذكر خديجة لم يسأم من ثناء عليها واستغفار لها، فذكرها ذات يوم فحملتني الغيرة، فقلت: لقد عوَّضك الله من كبيرة السن!.

قالت: فرأيت رسول الله صلي الله عليه و اله غضب غضباً شديداً، فسقطت في يدي فقلت: اللهمَ إنَك إن أذهبت بغضب رسولك صلي الله عليه و اله لم أعد بذكرها بسوء ما بقيت.

قالت: فلمَا رأي رسول الله صلي الله عليه و اله ما لقيت قال: كيف قلت؟ والله لقد آمنت بي إذ كفر الناس، وآوتني إذ رفضني الناس، وصدَّقتني إذ كذَّبني الناس، ورزقت منّي الولد حيث حرمتموه.

قالت: فغدا وراح عليّ بها شهراً ().

وفضلاً عن ذلك كله، فهناك العديد مما يدل علي علو مقام السيدة خديجة عليها السلام نشير إلي بعضها:

1: اصطفاء الباري تعالي لها، حيث جعلها من النساء المختارات.

عن أبي الحسن الأول عليه السلام قال: قال رسول الله صلي الله عليه و اله: «إنّ الله اختار من النساء أربعاً: مريم وآسية وخديجة وفاطمة» ().

2: إنها عليها السلام أوّل من أسلمت من النساء وآمنت برسول الله صلي الله عليه و

اله منهن، وأوّل من صلّت خلفه صلي الله عليه و اله ().

عن عفيف قال: كنت امرأ تاجراً فقدمت مني أيام الحج وكان العباس بن عبد المطلب امرأ تاجرا فأتيته أبتاع منه وأبيعه، قال: فبينا نحن إذا خرج رجل من خبأ يصلي فقام تجاه الكعبة، ثم خرجت امرأة فقامت تصلي وخرج غلام يصلي معه، فقلت: يا عباس ما هذا الدين، إن هذا الدين ما ندري ما هو؟

فقال: هذا محمد بن عبد الله يزعم أن الله أرسله وأن كنوز كسري وقيصر يستفتح عليه، وهذه امرأته خديجة بنت خويلد آمنت به، وهذا الغلام ابن عمه علي بن أبي طالب آمن به().

وروي السيد بن طاوس عن كتاب الوصية لعيسي بن المستفاد عن الإمام موسي بن جعفر عليه السلام قال: سألت عن بدء الإسلام كيف أسلم علي عليه السلام وكيف أسلمت خديجة؟

فقال: «تأبي إلا أن تطلب أصول العلم ومبتدأه، أما والله إنك لتسأل تفقها».

ثم قال: «سألت أبي عليه السلام عن ذلك فقال لي: لما دعاهما رسول الله صلي الله عليه و اله قال: يا علي ويا خديجة أسلمتما لله وسلمتما له، وقال: إن جبرئيل عندي يدعوكما إلي بيعة الإسلام فأسلما تسلما وأطيعا تهديا».

فقالا: «فعلنا وأطعنا يا رسول الله».

فقال: «إن جبرئيل عندي يقول لكما: إن للإسلام شروطا وعهودا ومواثيق فابتدئاه بما شرط الله عليكما لنفسه ولرسوله أن تقولا: نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ملكه، لم يتخذ ولدا ولم يتخذ صاحبة، إلهاً واحداً مخلصاً، وأن محمداً عبده ورسوله، أرسله إلي الناس كافة بين يدي الساعة، ونشهد أن الله يحيي ويميت ويرفع ويضع ويغني ويفقر ويفعل ما يشاء ويَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ».

قالا: «شهدنا» الحديث().

3: تخصيص الباري لها

بالسلام، فقد بلغ من قداسة السيدة خديجة عليها السلام عند الله تعالي أنّه عزّوجلّ كان يخصّها بالسلام.

ففي الحديث أنّ جبرئيل أتي النبي صلي الله عليه و اله فسأل عن خديجة فلم يجدها، فقال: إذا جاءت فأخبرها أنّ ربّها يقرؤها السلام().

وروي أنه أتي جبرئيل النبي صلي الله عليه و اله فقال: هذه خديجة قد أتتك معها إناء مغطّي فيه إدام أو طعام أو شراب، فإذا هي أتتك فاقرأ عليها السلام من ربّها ومنّي وبشّرها ببيت في الجنّة من قصب لا صخب فيه ولا نصب().

4: بشارة الله وجبرائيل لها ببيت عظيم في الجنة، كما مر في الحديث الشريف السابق.

5: كثرة ثناء النبي صلي الله عليه و اله علي السيدة خديجة عليها السلام كما مر في الحديث عن عائشة.

وبالإضافة إلي ذلك فقد كانت السيدة خديجة عليها السلام عزيزة عند النبي صلي الله عليه و اله وتتمتع بمكانة خاصة في قلبه، حيث كان صلي الله عليه و اله يحبّها حبّاً جمّاً، ويعتزّ بها، ويقدر مواقفها المشرفة، والشواهد علي ذلك كثيرة، منها:

إنّ عجوزاً دخلت علي رسول الله صلي الله عليه و اله فألطفها، فلمّا خرجت سألته عائشة، فقال: «إنّها كانت تأتينا في زمن خديجة وإنّ حسن العهد من الإيمان» ().

وعن أمير المؤمنين علي عليه السلام قال: «ذكر النبي صلي الله عليه و اله خديجة يوماً وهو عند نسائه، فبكي، فقالت عائشة: ما يبكيك علي عجوز حمراء من عجائز بني أسد؟

فقال: صدّقتني إذ كذبتم، وآمنت بي إذ كفرتم، وولدت لي إذ عقمتم.

قالت عائشة: فما زلت أتقرّب إلي رسول الله صلي الله عليه و اله بذكرها» ().

وعن الإمام الصادق عليه السلام قال: «لمّا توفّيت خديجة عليها السلام جعلت

فاطمة عليها السلام تلوذ برسول

الله صلي الله عليه و اله وتدور حوله وتقول: يا أبت أين اُمّي؟

قال: فنزل جبرئيل عليه السلام فقال له: ربّك يأمرك أن تقرأ فاطمة السلام وتقول لها: إنّ اُمّك في بيت من قصب، كعابه من ذهب، وعمده ياقوت أحمر، بين آسية ومريم بنت عمران.

فقالت فاطمة عليها السلام: إنّ الله هو السلام ومنه السلام وإليه السلام» ().

وعن عبد الرحمن بن ميمون عن أبيه قال: سمعت ابن عباس يقول: (أول من آمن برسول الله صلي الله عليه و اله من الرجال علي عليه السلام ومن النساء خديجة عليها السلام) ().

بل إنّ الرسول صلي الله عليه و اله وكما في التاريخ أطلق علي العام الذي توفّيت فيه السيّدة خديجة وأبو طالب (عليهما السلام) «عام الحزن» ()، وهذا خير دليل علي معزّته صلي الله عليه و اله لهما.

النبي صلي الله عليه و اله يذكّر بفضائلها

وليس ذلك فحسب، وإنَما بقي النبي صلي الله عليه و اله وبعد أن توفّيت السيدة خديجة عليها السلام يتذكّرها ويترحّم عليها ويشيد بفضائلها الكثيرة ويدافع عنها.

فعن أبي عبد الله عليه السلام قال: دخل رسول الله صلي الله عليه و اله منزله فإذا عائشة مقبلة علي فاطمة عليها السلام تصايحها وهي تقول: والله يا بنت خديجة ما ترين إلاّ أنّ لاُمّك علينا فضلاً، وأي فضل كان لها علينا؟ ما هي إلاّ كبعضنا.

فسمع مقالتها فاطمة عليها السلام، فلمّا رأت فاطمة رسول الله صلي الله عليه و اله بكت.

فقال لها: ما يبكيك يا بنت محمّد؟

قالت: ذكرت اُمّي فتنقّصتها، فبكيت.

فغضب رسول الله صلي الله عليه و اله: ثم قال: مه ياحميراء، فإنّ الله تبارك وتعالي بارك في الولود الودود، وإنّ خديجة رحمها الله ولدت منّي طاهراً وهو عبد الله وهو المطهّر، وولدت منّي القاسم وفاطمة

ورقية واُمّ كلثوم وزينب، وأنت ممّن أعقم الله رحمه فلم تلدي شيئاً().

النبي صلي الله عليه و اله يصبّرها

عن أبي جعفر عليه السلام قال: «دخل رسول الله صلي الله عليه و اله علي خديجة حين مات القاسم أبنها وهي تبكي، فقال لها: ما يبكيك؟

فقالت: درّت دريرة فبكيت.

فقال: يا خديجة أما ترضين إذا كان يوم القيامة أن تجيء إلي باب الجنّة وهو قائم فيأخذ بيدك فيدخلك الجنّة وينزلك أفضلها، وذلك لكل مؤمن، إنّ الله عزّوجلّ أحكم وأكرم أن يسلب المؤمن ثمرة فؤاده ثم يعذّبه بعدها أبداً» ().

وعن أبي جعفر عليه السلام قال: «لمّا توفّي طاهر ابن رسول الله صلي الله عليه و اله نهي رسول الله صلي الله عليه و اله خديجة عن البكاء.

فقالت: بلي يا رسول الله ولكن درّت عليه الدريرة فبكيت.

فقال لها: أما ترضين أن تجديه قائماً علي باب الجنّة فإذا رآك أخذ بيدك فأدخلك أطهرها مكاناً وأطيبها؟

قالت: وإنّ ذلك كذلك؟

قال: فإنّ الله أعزّ وأكرم من أن يسلب عبداً ثمرة فؤاده فيصبر ويحتسب ويحمد الله عزّوجلّ ثم يعذّبه» ().

حاجة جبرائيل

عن أبي سعيد الخدري: (إنّ رسول الله صلي الله عليه و اله قال: إنّ جبرئيل عليه السلام قال لي ليلة اُسري بي حين رجعت وقلت: يا جبرئيل هل لك من حاجة؟

قال: حاجتي أن تقرأ علي خديجة من الله ومنّي السلام.

وحدّثنا عند ذلك أنّها قالت حين لقيها نبي الله صلي الله عليه و اله فقال لها الذي قال جبرئيل، قالت: إنّ الله هو السلام ومنه السلام وإليه السلام وعلي جبرئيل السلام)().

خير النساء

عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام قال: قال رسول الله صلي الله عليه و اله: «خير نسائها خديجة وخير نسائها مريم» ().

وعن ابن عباس قال: خط رسول الله صلي الله عليه و اله أربع خطط ثم قال: «خير نساء الجنّة مريم بنت عمران، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون» ().

معرفة خديجة بمقام الرسول صلي الله عليه و اله

يذكر أنّ الأحبار كانوا يتردّدون علي السيدة خديجة عليها السلام وذلك لمكانتها الاجتماعية والاقتصادية، وكانت عليها السلام تكرمهم وتفيض عليهم من خيراتها الطائلة.

وفي أحد الأيام وبينما كان أحد الأحبار في بيتها وهي جالسة مع جماعة من نسائها وجواريها إذا بالنبي صلي الله عليه و اله يمرّ، فنظر إليه ذلك الحبر وقال: يا خديجة قد مرّ الآن بدارك شاب حدث السن، فأمري من يأتي به.

فأرسلت إليه جارية من جواريها وقالت: يا سيدي مولاتي تطلبك.

فأقبل صلي الله عليه و اله ودخل منزل خديجة.

فقالت: أيّها الحبر هذا الذي أشرت إليه؟

قال: نعم هذا محمّد بن عبد الله.

وقال: طوبي لمن تكون له بعلاً وتكون له زوجة وأهلاً، فقد حازت شرف الدنيا والآخرة.

فتعجّبت السيّدة خديجة، وانصرف الرسول صلي الله عليه و اله وقد اشتغل قلبها بحبّه، وكانت السيّدة خديجة ملكة عظيمة ولها من الأموال والثروة الطائلة ما لا يحصي، فقالت: أيّها الحبر بم عرفت أنه نبي؟

قال: وجدت صفاته في التوراة أنه المبعوث آخر الزمان يموت أبوه واُمّه ويكفله جدّه وعمّه وأنّه سيتزوّج بامرأة من قريش سيدة قومها وأشار بيده إليها، ثم قال لها: احفظي ما أقول لك يا خديجة.

فلمّا سمعت السيّدة خديجة ما نطق به الحبر تعلّق قلبها بالنبي صلي الله عليه و اله أكثر وكتمت أمرها.

فلمّا أراد الخروج من عندها قال: اجتهدي أن لا يفوتك

محمد صلي الله عليه و اله فهو الشرف في الدنيا والآخرة ().

الرسول صلي الله عليه و اله يتاجر بأموال خديجة

كان أبو طالب عليه السلام قد كبر وضعف عن السفر وترك ذلك منذ أن كفل النبي صلي الله عليه و اله، وفي أحد الأيام دخل عليه النبي صلي الله عليه و اله فوجده حزيناً مهموماً، فقال: ما لي أراك يا عم مهموماً؟

فقال: يا بن أخي إنه لا مال لنا وقد ضاق بنا الزمان وليس لنا مادّة وقد كبرت وضعف جسمي وقلّ ما بيدي وأري أنّ الأجل قد قرب منّي ولا اُحب أن أموت قبل أن أري لك زوجة يا ولدي لتسكن إليها.

فقال له النبي صلي الله عليه و اله: ما هو الرأي عندك يا عم؟

قال: اعلم يا بن أخي أنّ خديجة بنت خويلد قد انتفع بمالها أكثر الناس وهي تعطي أموالها لجميع من يسألها ليسافروا للتجارة به، فهل لك يا بن أخي أن تمضي معي إليها ونسألها أن تعطيك مالاً تتّجر فيه؟

فقال: نعم، قم إليها وافعل ما بدا لك().

وبعد أن اتّفق أبو طالب مع النبي صلي الله عليه و اله علي أن يعمل في تجارة خديجة، أشار عليه أعمامه بأن يذهب معهم إلي دارها ليخبروها بالخبر.

وبالفعل فقد قصد النبي صلي الله عليه و اله وأعمامه دار السيدة خديجة وطرقوا الباب، فاستقبلتهم استقبالاً حافلاً.

وبعثت إليهم (ميسرة) ليرحّب بهم ويقدّم لهم مستلزمات الضيافة اللازمة فأكلوا وشرعوا في الحديث.

فقالت لهم السيّدة خديجة من وراء الحجاب: لعلّ لكم حاجة فتقضي، فإنّ حوائجكم مقضية.

فقال أبو طالب عليه السلام: جئناك في حاجة يعود نفعها إليك وبركتها عليك.

قالت: وما ذلك؟

قال: جئناك في أمر ابن أخي محمد صلي الله عليه و اله.

فقالت: أين هو محمّد حتي نسمع ما يقول؟

فقال العباس: أنا

آتيكم به.

فنهض وسار يبحث عنه فلم يجده، فالتفت يميناً وشمالاً، فتساءل منه الناس وقالوا: ما تريد؟

فقال: اُريد محمّداً.

فقالوا له: في جبل حري().

فسار إليه فإذا هو فيه، نائماً في مرقد إبراهيم الخليل عليه السلام ملتفّاً ببردة وعلي رأسه ثعبان عظيم، فلمّا نظر إليه العباس قال: خشيت عليه من الثعبان فسللت سيفي وهممت بالثعبان فحمل عليّ، ولمّا رأي العباس ذلك صاح برفيع صوته: أدركني يا بن أخي.

ففتح النبي صلي الله عليه و اله عينيه فذهب الثعبان.

فقال النبي صلي الله عليه و اله: ما لي أري سيفك مسلولاً يا عم؟

قال: رأيت هذا الثعبان عندك فسللت سيفي وقصدته خوفاً عليك منه فخشيت علي نفسي الغلبة فصحت بك ولمّا فتحت عينك ذهب كأنه لم يكن.

فتبسّم النبي صلي الله عليه و اله وقال: يا عم ليس هذا بثعبان، ولكنّه ملك من الملائكة ولقد رأيته مراراً وخاطبته جهاراً وقال لي: يا محمد إنّي ملك من عند ربّي موكّل بحراستك في الليل والنهار من كيد الأعداء والأشرار.

فقال العباس: ما ينكر فضلك يا محمد؟

فقال له: لنذهب إلي دار خديجة بنت خويلد لتكون أميناً علي أموالها.

فسارا معاً إلي دارها، فجاءت السيّدة خديجة لتنظر إلي النبي صلي الله عليه و اله، فلمّا دخل المجلس نهض أعمامه إجلالاً له وأجلسوه في أوساطهم، فلمّا استقرّ بهم المجلس قدّمت لهم الطعام فأكلوا ورحّبت بالنبي صلي الله عليه و اله وقالت: أترضي أن تكون أميناً علي أموالي تسير بها حيث شئت؟

قال: نعم رضيت.

ثم قال: اُريد الشام.

قالت: ذلك إليك.

ثمّ إنّ السيّدة خديجة خاطبت الرسول صلي الله عليه و اله قائلة: تحسن أن تشدّ علي الجمل وترفع عليه الأحمال؟

قال: نعم.

فقالت: يا ميسرة إيتني ببعير حتي أنظر كيف يشدّ عليه محمد؟

فخرج ميسرة وأتي

ببعير قوي لم يجسر أحد من الرعاة أن يخرجه من بين الإبل لشدّة بأسه فأدناه ليركبه الرسول صلي الله عليه و اله فهدر البعير واحمرّت عيناه.

فقال العباس لميسرة: ما كان عندك غير هذا البعير لتمتحن به ابن أخينا؟

فقال النبي صلي الله عليه و اله: دعه يا عم، فلمّا سمع البعير حديثه برك علي قدميه وأخذ يمرّغ وجهه علي قدمي النبي صلي الله عليه و اله ونطق بلسان فصيح وقال: من مثلي وقد لمس ظهري سيد المرسلين!.

فقلن النسوة اللاتي كن عند خديجة: ما هذا إلاّ سحر عظيم.

فقالت لهم السيّدة خديجة: ليس هذا سحراً وإنّما هو آيات بيّنات وكرامات ظاهرات().

خديجة تعتني بالرسول صلي الله عليه و اله

بعد أن تعاهدت السيّدة خديجة عليها السلام مع أعمام النبي صلي الله عليه و اله علي أن تخوّله أموالها وتضع كل ما لديها تحت اختياره، عمدت (سلام الله عليها) إلي غلمانها وجعلت توصيهم به وتحثّهم علي طاعته وخدمته طيلة سفرهم وحضرهم، الأمر الذي يدلّ علي عظم معرفتها بقدر النبي صلي الله عليه و اله.

فقد نقل المؤرخون أنه: لمّا خرج أولاد عبد المطّلب وأخذوا في أهبّة السفر التفتت السيّدة خديجة عليها السلام إلي النبي صلي الله عليه و اله وقالت: ألا تملك غير هذه الثياب؟ فليست هذه تليق للسفر.

فقال: لست أملك غيرها.

فبكت خديجة وقالت: عندي ما يصلح للسفر غير أنّهنّ طوال فانتظر حتي أقصرها لك.

فقبل صلي الله عليه و اله بذلك وكان إذا لبس القصير يطول، وإذا لبس الطويل يقصر كأنه مفصّل عليه.

فأخرجت له ثوبين من قباطي() مصر، وجبّة() عدنية، وبردة() يمنية، وعمامة عراقية، وخفّين من الأديم، وقضيب خيزران، فلبس النبي صلي الله عليه و اله الثياب وخرج كأنه البدر في تمامه.

ثمّ إنّ السيدة خديجة عليها السلام قالت

للنبي صلي الله عليه و اله: أعندك ما تركب عليه؟

قال: إذا تعبت ركبت أي بعير أردت.

فقالت: لا، كانت الأموال دونك.

ثم قالت لعبدها ميسرة: إيتني بناقتي الصهباء حتي يركبها، فأتي بها ميسرة وقد كانت لا يلحقها في سيرها تعب ولا يصيبها نصب.

ثم إنّها التفتت إلي غلاميها ميسرة وناصح وقالت لهما: اعلما أنّني قد أرسلت إليكما أميناً علي أموالي وأنه سيد قريش فلا تخالفا أمره، فإن باع لا يمنع، وإن ترك لا يؤم، وليكن كلامكما له بلطف وأدب، ولا يعلو كلامكما علي كلامه.

فقال ميسرة: والله يا سيدتي إنّ لمحمد عندي محبّة عظيمة قديمة والآن قد تضاعف لمحبّتك له.

ثم إنّ النبي صلي الله عليه و اله ودّع السيّدة خديجة وركب راحلته وخرج وميسرة وناصح بين يديه().

من معاجز الرسول صلي الله عليه و اله

عندما خرج رسول الله صلي الله عليه و اله إلي الشام للتجارة شاهد مرافقوه معاجز كثيرة أرشدتهم إلي عظمة شخصه الكريم صلي الله عليه و اله ومدي قداسته عند الله تعالي، ونحن إذا أردنا التطرّق إلي هذه المعاجز لطال بنا المقام ولكن نذكر الشيء القليل منها موضّحين كيف أنّ مثل هذه المعاجز للنبي صلي الله عليه و اله جعلت السيدة خديجة عليها السلام تتعرف علي شخصيته صلي الله عليه و اله أكثر فأكثر().

فقد روي المؤرخون أنّ النبي صلي الله عليه و اله سار مجدّاً للسير إلي الأبطح فوجد القوم منتظرين قدومه، فلمّا نظروا إلي جماله صلي الله عليه و اله استرّ المحبّ واغتمّ الحاسد.

ثم إنهّ صلي الله عليه و اله شاهد أموال السيّدة خديجة علي الأرض ولم يحمل منها شيء فنادي في العبيد وقال: ما الذي منعكم عن شدّ رحالكم؟

قالوا: يا سيدنا لقلّة عددنا وكثرة متاعنا.

فأبرك صلي الله عليه و اله راحلته

ونزل وصار يصيح بالبعير فيقول: بإذن الله تعالي، فتعجّب الناس من فعله.

فنظر العباس إلي النبي صلي الله عليه و اله وقد احمرّت وجهه، فقال: كيف أترك الشمس تتعرّض لهذا الوجه الكريم، فعمد إلي خشبة وقال: لأتّخذن منها جحفة تظلّله من حرارة الشمس.

فأمر الباري تعالي الأمين جبرئيل عليه السلام أن يأمر رضوان كي يخرج الغمامة المختصّة بالرسول صلي الله عليه و اله قبل خلق آدم عليه السلام بألفي عام، فلمّا رأوا الناس الغمامة شخصت أبصارهم نحوها وقال العباس: إنّ محمداً لكريم علي ربّه ولقد استغني عن جحفتي.

ثم إنّ القوم ساروا حتي نزلوا بجحفة الوداع وحطّوا رحالهم ليلحق بهم المتأخرون، فقال أحدهم: يا قوم إنّكم سائرون إلي أرض كثيرة الأوعار() وليس لكم من تستشيرونه وترجعون إلي أمره، والرأي عندي أنّكم تقدمون عليكم رجلاً لتستندوا إلي رأيه وترجعوا إلي أمره.

فاختلف القوم كل يريد أن يقدّم زعيمه، إلي أن قال ميسرة: والله ما نقدّم إلاّ سيدنا محمّد بن عبد الله، وقال بنو هاشم: ونحن أيضاً نقدّم محمّداً صلي الله عليه و اله.

فأراد أبو جهل أن يعارض في ذلك فانبري له حمزة سيد الشهداء عليه السلام وحال دون مراده فتشادّا.

فقال النبي صلي الله عليه و اله لعمّه حمزة: يا عمّاه دعوا القوم يسيرون أول النهار ونحن نسير آخره، فإنّ التقدّم لقريش().

في وادي الأمواه

ثم إنّهم ساروا إلي أن بعدوا عن مكة فنزلوا بوادٍ يقال له «وادي الأمواه» لأنه مجتمع السيول وأنهار الشام ومنه تنبع عيون الحجاز، فنزلوا وحطّوا رحالهم وإذا بالسحب قد اجتمعت، فقال النبي صلي الله عليه و اله: أخشي علي أهل هذا الوادي أن يباغتهم السيل فيذهب بأموالهم، والرأي عندي أن نلوذ إلي هذا الجبل.

فقال له العباس: نعم ما رأيت

يا بن أخي.

فأمر النبي صلي الله عليه و اله أن ينقلوا رحالهم إلي الجبل، ففعلوا إلاّ رجلاً من جمح وكان له مال كثير فأبي أن يتغيّر من مكانه وقال: ما أضعف قلوبكم تفرّون من شيء لم تروه؟!

فما استتمّ كلامه إلاّ وتراكمت السحب ونزل السيل وامتلأ الوادي وأصبح الرجل كأنه لم يكن.

وقد مكث القوم في ذلك المكان أربعة أيام والسيل يزداد، فقال ميسرة: يا سيدي هذه السيول لا تنقطع إلي شهر وإن أقمنا هاهنا نفد زادنا، والرأي عندي أن نرجع إلي مكة.

فلم يجبه النبي صلي الله عليه و اله إلي ذلك.

ثم إنّه صلي الله عليه و اله نام فرأي في منامه ملكاً يقول له: يا محمد لا تحزن إذا كان غداة غد مُر قومك بالرحيل وقف علي حافّة الوادي فإذا رأيت الطير الأبيض قد خط بجناحه فاتبع الخط وأنت تقول: (بسم الله بالله) وأمر قومك أن يقولوا هذه الكلمة فمن قالها سلم ومن لم يقلها غرق.

فاستيقظ النبي صلي الله عليه و اله وهو فرح مسرور، ثم أمر ميسرة أن ينادي في الناس بالرحيل فرحلوا.

فقال الناس: يا ميسرة وكيف نسير وهذا الماء لا تقطعه إلاّ السفن؟

فقال: أمّا أنا فإنّ سيّدي أمرني وأنا لا اُخالفه.

فقال القوم: ونحن أيضاً لا نخالفه.

فسار القوم، وتقدّم النبي صلي الله عليه و اله ووقف علي حافّة الوادي وإذا بالطير الأبيض قد أقبل من قمّة الجبل وخطّ بجناحيه خطاً أبيض يلمح، فشمّر النبي صلي الله عليه و اله أذياله واقتحم الماء وهو يقول: بسم الله وبالله، فلم يصل الماء إلي نصف ساقه، ونادي: أيّها الناس لا يدخل أحد منكم الماء حتي يقول هذه الكلمة فمن قالها سلم، ومن لم يقلها هلك.

فاقتحم القوم الماء وهم

يقولون الكلمة ولم يتأخر منهم إلاّ رجلين، فقال أحدهما: بسم الله وبالله. وقال الآخر: بسم اللاّت والعزّي، فغرق الثاني وأمواله، وسلم الآخر وأمواله.

فقال القوم للأول: ما بال صاحبك غرق؟

قال: إنه قد خالف قول النبي صلي الله عليه و اله فغرق.

فاغتمّ أبو جهل وقومه من ذلك وقالوا: ما هذا إلاّ سحر عظيم.

فقال له بعض أصحابه: ما هذا بسحر ولكن والله ما أظلّت الخضراء ولا أقلّت الغبراء أفضل من محمد صلي الله عليه و اله().

كرامة أخري

ثم إنّهم ساروا حتي نزلوا علي بئر كانت تنزل عنده العرب في طريقها إلي الشام، فعمد أبو جهل إلي الرمل والحصي وملأ حجره وطمّ به البئر، فقال له أصحابه: ولِمَ تفعل ذلك؟

فقال: اُريد دفنها حتي إذا جاء بنو هاشم وقد أجهدهم العطش فيموتوا عن آخرهم.

ففعل القوم مثل فعله ولم يتركوا للبئر أثراً.

فقال أبو جهل: الآن قد بلغت مرادي، ثم التفت إلي عبد له اسمه فلاح وقال له: خذ هذه الدابة وهذه القربة والزاد واختف تحت الجبل فإذا جاء ركب محمّد وقد أجهدهم العطش والنصب ولم يجدوا للبئر أثراً فيموتوا فائتني بخبرهم فإذا بشّرتني بموتهم أعتقتك وزوّجتك بمن تريد من أهل مكة.

فقال الغلام: سمعاً وطاعة وحبّاً وكرامة.

ثم سار أبو جهل وبقي العبد كما أمره، وما هي إلاّ ساعات وإذا بركب بني هاشم قد أقبل يتقدّمهم النبي صلي الله عليه و اله، فتبادر القوم إلي البئر فلم يجدوا له أثراً، فضاقت صدورهم وأيقنوا بالهلاك فلاذوا بالرسول صلي الله عليه و اله، فقال لهم: هل كان هنا موضع فيه ماء؟

قالوا: نعم، كانت هناك بئر قد ردمت بالرمل والحجارة.

فمشي النبي صلي الله عليه و اله حتي وقف علي حافّة البئر، فرفع طرفه نحو السماء ودعا الله

أن يسقيهم، فإذا بالحجارة والرمل قد تفرّقت ونبعت عين الماء وجري الماء من تحت أقدامه.

فسقي القوم دوابهم وملئوا قربهم وساروا، وسار العبد إلي أبي جهل وقال: ما وراءك؟

فقال: والله ما أفلح من عادي محمّداً، وحدّثهم بما شاهد منه.

فامتلأ غيظاً وقال له: غيّب وجهك عنّي فلا أفلحت أبداً ().

وادي ذبيان

ثم إنّ الركب سار حتي بلغ وادياً من أودية الشام يقال له «ذبيان» () وكان كثير الأشجار، فخرج منه ثعبان كبير بحيث إنّ ناقة أبي جهل خافت منه ورمته فغشي عليه، فلمّا أفاق قال لعبيده: تأخّروا جانباً فإذا جاء ركب بني هاشم يتقدّمهم محمّد قدّموه علينا لتري ناقته الثعبان، فعسي أن ترميه إلي الأرض فيموت!.

وبالفعل فقد امتثل العبيد ما أمرهم به، وإذا بركب بني هاشم قد أقبل يتقدّمهم النبي صلي الله عليه و اله.

فقال صلي الله عليه و اله لهم: أراكم قد نزلتم وليس هو وقت نزولكم؟

فقال له أبو جهل: لقد استحييت أن أتقدّم عليك فتقدّم، فلعن الله من يبغضك.

ففرح العباس بذلك وأراد أن يتقدّم، فنهاه النبي صلي الله عليه و اله وتقدّم أمامهم ودخل إلي ذلك الشعب وإذا بالثعبان قد ظهر، فارتعدت منه ناقة النبي صلي الله عليه و اله فزعق بها صلي الله عليه و اله.

ثم التفت إلي الثعبان وقال له: ارجع من حيث أتيت.

فنطق الثعبان بقدرة الله تعالي وقال: السلام عليك يا محمد.

فأجاب النبي صلي الله عليه و اله سلامه.

فقال الثعبان: يا محمد ما أنا من هوام الأرض وإنّما أنا ملك من ملوك الجن وقد آمنت علي يد أبيك إبراهيم الخليل عليه السلام وسألته الشفاعة، فقال: هي لولد يظهر من نسلي يقال له محمد صلي الله عليه و اله ووعدني أن أجتمع بك في

هذا المكان، وقد شاهدت المسيح عيسي بن مريم عليهما السلام ليلة عرج به إلي السماء وهو يوصي الحواريين باتّباعك والدخول في ملّتك والآن قد جمع الله شملي بك فلا تنسني من الشفاعة يا سيد المرسلين.

فقال له النبي صلي الله عليه و اله: لك ذلك عليّ فعد من حيث جئت ولا تتعرّض لأحد من الركب.

فغاب الثعبان، فلمّا نظر القوم إلي كلامه عجبوا من ذلك، وازداد أعمام النبي صلي الله عليه و اله يقيناً بنبوّة النبي صلي الله عليه و اله وفرحاً().

نبع الماء من بين أصابعه صلي الله عليه و اله

ثم إنّهم ساروا ونزلوا وادياً كانوا يستفيدون من الماء الذي فيه منذ القدم فلم يجدوا فيه شيئاً، فشمّر النبي صلي الله عليه و اله عن ذراعيه وغمس كفّيه في الرمل ورمق بطرفه السماء ودعا بكلمات، فنبع الماء من بين أصابعه وجرت علي الأرض أنهار.

فقال العباس: أمسك يا بن أخي أخشي أن تغرق أموالنا، فشربوا جميعاً وملئوا قربهم وسقوا دوابهم.

فقال النبي صلي الله عليه و اله لميسرة: إذا كان عندك شيء من التمر فأحضره، فكان صلي الله عليه و اله يأكل التمر ويغرس النوي في الأرض، فقال له العباس: لِمَ تفعل ذلك يا بن أخي؟

قال: يا عم اُريد أن أغرسها نخلاً.

فقال العباس: ومتي تأكل ثماره؟

قال: الساعة نأكل منها ونتزوّد إن شاء الله تعالي.

فقال العباس: إنّ النخلة إذا غرست تثمر في خمس سنين؟!

قال: يا عم سوف تري من آيات ربّي الكبري.

وبعد ذلك ساروا حتي غابوا عن الوادي، فقال صلي الله عليه و اله: يا عم ارجع إلي الموضع الذي غرست فيه النخلات واجمع لنا ما نأكله.

فعاد العباس فرأي النخلات قد أثمرت، فملأ منها راحلته والتحق بالنبي صلي الله عليه و اله فكان يأكل منه ويطعم القافلة.

آنذاك غضب

أبو جهل وقال: لا تأكلوا يا قوم ممّا يصنعه محمّد الساحر.

فأجابوه قائلين: ما هذا بسحر.

مع الراهب النصراني

وما هي إلاّ ساعة حتّي تحرّك الركب إلي أن وصلوا عقبة أيلة() وكان بها دير() وقد كان مملوّاً رهباناً، وكان فيهم راهب يرجعون إليه قد طالع الكتب وعنده سفر() قديم فيه صفة النبي صلي الله عليه و اله من عهد عيسي بن مريم عليهما السلام.

وكان إذا قرأ الإنجيل علي الرهبان ووصل إلي صفاته صلي الله عليه و اله بكي وقال: متي تبشّروني بمجيء البشير النذير الذي يبعثه الله من تهامة() متوّجاً بتاج الكرامة تظلّه الغمامة يشفع في العصاة يوم القيامة؟

فقال له الرهبان: لقد قتلت نفسك بالبكاء والأسف علي هذا الذي تذكره وعسي أن يكون قد قرب وقته.

فقال: إي والله إنه قد ظهر بالبيت الحرام ودينه عند الله الإسلام فمتي تبشّروني بقدومه من أرض الحجاز؟

فبقي الراهب علي تلك الحال حتّي قدم بعض الرهبان وقد أشرقت الأنوار من جبين النبي صلي الله عليه و اله فنظر الرهبان إلي نوره، فقالوا: يا أبا الرهبان هذا ركب قد أقبل من الحجاز.

فقال: يا أولادي كثيراً ما مرّت بنا الركبان.

فقالوا: يا أبانا قد رأينا نوراً قد علا.

فرمق بطرفه نحو السماء وقال: إلهي بجاه هذا المحبوب الذي زاد فيه تفكّري إلاّ ما رددت عليّ بصري.

فما استتمّ حديثه حتي ردّ الله عليه بصره، فقال للرهبان: كيف رأيتم جاه هذا الرسول عند علاّم الغيوب؟.

ثم إنّه قال لمن حوله: إن كان النبي المبعوث في هذا الركب فلابدّ أن ينزل تحت هذه الشجرة فإنّها تخضرّ وتثمر، فقد جلس تحتها العديد من الأنبياء وهي من عهد عيسي بن مريم عليهما السلام يابسة، وهذه البئر لم نر فيها ماء، فإنه يأتي إليها ويشرب

منها.

فما هي إلاّ ساعة وإذا بالركب قد أقبل ونزلوا عند البئر وحطّوا رحالهم وكان النبي صلي الله عليه و اله يحبّ الخلوة بنفسه فجلس تحت الشجرة فاخضرّت وأثمرت من ساعتها.

فما استقرّ بهم المجلس حتي قام النبي صلي الله عليه و اله فمشي إلي البئر وكانت قد جفّت، فنظر إليها وتفل فيها فتفجّرت منها عيون كثيرة ونبع منها ماء معين.

فلمّا رأي الراهب ذلك قال: يا أولادي هذا هو المطلوب، فإنه سيد الأنام لنأخذ منه الذمّة لبقيّة الرهبان.

فبادروا وهيّئوا الولائم فرحاً به وانزلوا إلي سيّد القافلة وقولوا له: إنّ أبانا يسلّم عليك وهو يدعوك إلي وليمته.

فنزل بعضهم ولم ير رسول الله صلي الله عليه و اله، فأخبر أبا جهل بما قاله الراهب، فنادي في العرب إنّ هذا الراهب قد صنع لأجلي وليمة واُريد أن تجيبوا دعوته.

فقال القوم: من نترك عند أموالنا؟

فقال أبو جهل: اجعلوا محمّداً عندها فهو الصادق الأمين.

وبالفعل، فقد جاء القوم إلي النبي صلي الله عليه و اله وسألوه أن يجلس عند متاعهم وذهبوا إلي الراهب يتقدّمهم أبو جهل.

فلمّا دخلوا علي الدير رحّب بهم وقدّم لهم الطعام، فشرعوا بالأكل وأخذ الراهب ينظر إليهم رجلاً بعد الآخر، فلم ير صفة النبي صلي الله عليه و اله في أحدهم، فقال: وا خيبتاه إنّ الذي انتظرناه لم نجده.

ثم قال بعد ذلك: يا أسياد قريش هل بقي منكم أحد؟

فقال أبو جهل: نعم بقي صبي صغير أجير علي أموال بعض نسائنا.

فنهره حمزة سيد الشهداء عليه السلام وقال: لِمَ لا قلت: تأخّر منّا البشير النذير والسراج المنير، تركناه عند متاعنا لأمانته وليس فينا أصلح منه.

ثم التفت حمزة عليه السلام إلي الراهب وقال: أرني السفر وأخبرني بما فيه.

ولمّا لاحظوا الصفات التي فيه قال

العباس: يا راهب إذا رأيته تعرفه؟

قال: نعم.

قال: سر معي إلي الشجرة فإنّ صاحب هذه الصفة تحتها.

فخرج الراهب من الدير مجدّاً في خطواته حتي بلغ النبي صلي الله عليه و اله، فلمّا رآه نهض قائماً وقال: مرحباً، السلام عليك يا رسول الله.

فقال له النبي صلي الله عليه و اله: وعليك السلام يا عالم الرهبان ويا ابن اليونان.

فقال الراهب: وما أدراك أنّي ابن اليونان.

قال: الذي أخبرك أنّي اُبعث في آخر الزمان.

فانكبّ الراهب علي قدميه يقبّلهما.

ثم إنه اصطحب النبي صلي الله عليه و اله إلي وليمته، ولمّا أشرف علي القوم قاموا له إجلالاً وأجلسوه في أوساطهم في أعلي مكان.

ووقف الراهب بين يديه والرهبان حوله، فرمق الراهب بطرفه السماء وقال: إلهي وسيدي ومولاي أرني خاتم النبوّة.

فأرسل الله عزّوجلّ جبرئيل ورفع ثيابه عن ظهره، فظهر خاتم النبوّة بين كتفيه فسطع منه نور ساطع.

فلمّا رآه الراهب خرّ ساجداً هيبة من ذلك النور، ثم رفع رأسه وقال: هو أنت حقّاً().

محاولة اغتيال النبي صلي الله عليه و اله

لا يخفي أنّ النبي صلي الله عليه و اله تعرّض في حياته أكثر من مرّة لمحاولة اغتيال من قبل اليهود وغيرهم، ومنها عندما نزل صلي الله عليه و اله في الشام التي قدم إليها للتجارة في أموال السيدة خديجة (سلام الله عليها).

ففي التاريخ أنّ قافلة النبي صلي الله عليه و اله لمّا نزلت أرض الشام ونزلوا بها تبادر أهل المدينة واشتروا بضاعتهم وباعت قريش بضائعها بأغلي الأثمان، وأمّا النبي صلي الله عليه و اله فإنه لم يبع شيئاً من بضاعته، حتّي أنّ أبا جهل أخذ يسخر به.

فلمّا أصبح الصباح نادي النبي صلي الله عليه و اله في العرب، فلمّا أقبلوا يريدون البضائع لم يجدوا إلاّ بضائع خديجة فاشتروها بأضعاف ما باعت قريش،

فاغتمّ أبو جهل لذلك غمّاً شديداً، ولم يبق من بضائع خديجة إلاّ حمل بعير فجاء رجل من أحبار اليهود وكهّانهم وكان قد اطّلع علي صفة النبي صلي الله عليه و اله، فلمّا نظر إليه عرفه بالنور وقال: هذا الذي يسفّه أحلامنا ويعطّل أدياننا ويرمّل نسواننا، ولذا فإنه قصد قتله صلي الله عليه و اله فدنا منه وقال: بكم هذا الحمل؟

فقال صلي الله عليه و اله: بخمسمائة درهم لا ينقص منها شيء.

قال: اشتريت بشرط أن تسير معي إلي منزلي.

فقبل النبي صلي الله عليه و اله، وسارا إلي منزله، فلمّا قرب اليهودي من منزله هرع إلي زوجته وقال لها: اُريدك منك أن تعينيني علي قتل هذا الذي يعطّل أدياننا.

فقالت: وماذا أصنع به؟

قال: خذي فردة الرحي واجلسي علي باب الدار فإذا رأيتيه قبض منّا الثمن وخرج، ارميها عليه لتقتله ونستريح منه.

وبالفعل فقد أخذت زوجة اليهودي الرحي وصعدت إلي سطح الدار، فلمّا خرج النبي صلي الله عليه و اله همّت أن تلقيها عليه فأمسك الله يديها ورجف قلبها وغشي عليها وكان لها ولدان قائمان بفناء الدار فسقطت الرحي عليهما فماتا.

فلمّا نظر اليهودي إلي ما جري علي أولاده نادي قومه برفيع صوته، فأجابوه من كل حدب وصوب وقالوا له: ماذا بك؟

فقال: اعلموا أنه قد حلّ ببلدكم هذا الرجل الذي يعطّل أديانكم ويسفّه أحلامكم وقد دخل منزلي وقتل أولادي.

فلمّا سمعوا ذلك منه ركبوا خيولهم وجرّدوا سيوفهم وحملوا علي قريش كافة.

فلمّا نظر أعمام النبي صلي الله عليه و اله إلي اليهود، همّوا بهم وارتفع الصياح.

وآنذاك وبعد أن رأي اليهود بأس قريش أجمعوا علي أن يبعثوا بعض رؤسائهم مجرّدين عن السلاح.

فلمّا رأتهم قريش من غير سلاح قالوا ما شأنكم؟

قالوا: إنّ هذا الرجل الذي

معكم يعنون بذلك النبي صلي الله عليه و اله أول من يبدئ بخراب دياركم وقتل رجالكم وتحطيم أصنامكم، والرأي عندنا أن تسلّموه لنا حتي نقتله ونستريح منه نحن وأنتم.

فلمّا سمع حمزة الكلام قال: يا ويلكم هيهات هيهات أن نسلّمه إليكم، فهو نورنا وسراجنا ولو تلفت فيه أرواحنا فهي فداه دون أموالنا.

فيئس اليهود من بلوغ مرادهم ورجعوا علي أعقابهم().

عودة الرسول صلي الله عليه و اله إلي مكّة

ينقل المؤرخون أنّ الرسول صلي الله عليه و اله حينما أشرف علي مشارف مكة المكرّمة بعث المخبرين كي يبشّروا بقدومه إلي مكة …

وبالفعل، فقد أخذ المبشّرون يبشّرون بقدومه صلي الله عليه و اله ويخبرون الناس عن عظيم تجارته ومدي موفّقيته في سفره، وكيف أنه صلي الله عليه و اله حاز علي الكثير من البركات في هذه السفرة الشاقّة.

ولذا فإنّهم لمّا علموا بالخبر خرجوا مبادرين يسبقهم عبيد خديجة وجواريها، فكان النبي صلي الله عليه و اله لا يمرّ علي عبد من عبيد خديجة إلاّ يعقر ناقة فرحاً بقدومه.

ثم تفرّق الناس إلي منازلهم ونظرت السيّدة خديجة عليها السلام إلي جِمالها وقد أقبلت سالمة وكانت قد اعتادت أن يموت بعضها في كل سفرة ويجرّب البقية إلاّ في هذه السفرة، فإنّها لم تنقص منها شعرة، فوقف الناس متعجّبين من ذلك وأخذوا يتساءلون لمّا تمرّ بهم الجمال: لمن هذه؟

فيقال: هذا ما أفاده محمد صلي الله عليه و اله لخديجة من الشام.

فذهلت عقولهم.

ولمّا اجتمعت أموال السيّدة خديجة فكّوا رحالها وعرضوا الجميع عليها وكانت جالسة خلف الحجاب والنبي صلي الله عليه و اله جالس وسط الدار و(ميسرة) يعرض عليها الأمتعة شيئاً فشيئاً.

فدهشت من بركة النبي صلي الله عليه و اله وبعثت إلي أبيها تخبره بذلك وترغّبه في النبي صلي الله عليه و اله

فما هي

إلاّ ساعة واحدة وإذا بخويلد قد أقبل ودخل منزل السيّدة خديجة وإذا بها تقوم له إجلالاً وتجلسه إلي جنبها وتبدأه بالترحيب به، ثم أخذت تعرض عليه البضائع وهي تقول: يا أبت هذا كلّه ببركة محمد صلي الله عليه و اله والله يا أبتاه إنه مبارك().

طلب الزواج من النبي صلي الله عليه و اله

هناك الكثير من المؤيّدات التي تدل علي أنّ السيدة خديجة عليها السلام لم تكن علي دين أهل مكة من الشرك، بل كانت مؤمنة علي دين إبراهيم الخليل عليه السلام، منها: حرصها الشديد علي أن تكون هي صاحبة الشرف العظيم في أن تكون زوجة للنبي صلي الله عليه و اله.

وهذا إنما يدلّ علي عمق معرفتها وتقديسها للرسول صلي الله عليه و اله الذي يحمل في جبينه نور الرسالة الخاتمة.

نعم، فلمّا عرفت السيدة خديجة مقام الرسول صلي الله عليه و اله واطمأنت بأنه نبي آخر الزمان بذلت كل ما لديها كي تنال شرف الزواج منه.

ففي التاريخ أنّها عليها السلام عرضت نفسها عليه صلي الله عليه و اله وقالت له: قم إلي عمومتك وقل لهم يخطبوني لك من أبي، ولا تخش من كثرة المهر فهو عندي.

فخرج النبي صلي الله عليه و اله من عندها ودخل علي عمّه أبي طالب عليه السلام والسرور في وجهه، فوجد أعمامه مجتمعين

فنظر إليه أبو طالب عليه السلام وقال: يا بن أخي يهنؤك ما أعطتك خديجة وأظنّها قد غمرتك من عطاياها؟

فقال صلي الله عليه و اله: يا عم لي إليك حاجة.

قال: وما هي؟

قال: تنهض أنت وأعمامي هذه الساعة إلي خويلد وتخطبون لي منه خديجة.

فاختلف أعمام النبي صلي الله عليه و اله بين مؤيّد ومخالف.

فقال النبي صلي الله عليه و اله: يا معشر الأعمام قد أطلتم الكلام فيما لا فائدة

فيه، قوموا واخطبوا لي خديجة من أبيها فما عندكم من العلم مثل ما عندي منها().

ميسرة يتحدّث عن الرسول صلي الله عليه و اله

من الذين أشادوا بفضائل الرسول صلي الله عليه و اله وحدّثوا السيدة خديجة عليها السلام عن عظيم مقاماته هو (ميسرة) خادمها الذي رافق النبي صلي الله عليه و اله طيلة سفره إلي الشام وشاهد بعينيه كل المعاجز والكرامات المحمودة التي اتّفقت له أثناء الطريق.

فلمّا عاد ميسرة من السفر التفتت إليه السيدة خديجة وقالت: حدّثني كيف كان سفركم؟ وما الذي عاينتم من محمد صلي الله عليه و اله؟

فقال: يا سيدتي وهل اُطيق أن أصف لك بعضاً من صفاته وما عاينت منه صلي الله عليه و اله، ثم أخبرها بحديث السيل والبئر والثعبان والنخل وما أخبره الراهب وما أوصاه إلي خديجة.

فقالت: حسبك يا ميسرة اذهب فأنت حرّ لوجه الله، وزوجتك وأولادك، ولك عندي مائتا درهم وراحلتان وخلعت عليه خلعة سنية() وقد امتلأ سروراً وفرحاً.

ثم إنّ السيّدة خديجة عليها السلام التفتت إلي النبي صلي الله عليه و اله وقالت: يا سيدي كيف كان سفركم؟

فأخذ صلي الله عليه و اله يحدّثها بما باعه وما شراه.

فرأت خديجة ربحاً عظيماً، وقالت: يا سيدي لقد فرّحتني بطلعتك وأسعدتني برؤيتك فلا لقيت بؤساً ولا رأيت نحوساً().

السيّدة صفية تخطب للرسول صلي الله عليه و اله

ولمّا علمت السيّدة صفية عمّة النبي صلي الله عليه و اله برغبة النبي صلي الله عليه و اله في الزواج من السيدة خديجة عليها السلام وبعد أن اطّلعت أنّ السيّدة خديجة هي التي عرضت نفسها عليه صلي الله عليه و اله أرادت أن تطمأن لصدق الخبر، لعلمها أنّ السيدة خديجة عليها السلام كانت قد ردّت الكثير من أسياد قريش وخشيت أن تكون السيدة خديجة عليها السلام غير جادّة في رغبتها، ولذا فإنّها (رضوان الله عليها) قالت لأعمام النبي صلي الله عليه و اله: سأذهب إليها واُبيّن لكم

الأمر.

فسارت إلي دار خديجة، فلقيتها بعض جواريها في الطريق فسبقتها إلي الدار وأخبرت السيّدة خديجة بقدومها.

وكانت السيدة خديجة تريد النوم فنهضت وهيّأت لها المكان.

فطرقت صفيّة الباب، ففتح وجاءت إلي السيّدة خديجة، فرحّبت بها كثيراً.

فقالت السيّدة صفيّة: يا خديجة جئت أسألك عن كلام أهو صحيح أم لا؟

فقالت خديجة: بل هو صحيح إن شئت تخفيه أو شئت تبديه، وأنا قد خطبت محمداً صلي الله عليه و اله لنفسي وتحمّلت عنه مهري وإنّي قد علمت أنه مؤيّد من ربّ السماء.

فتبسّمت صفية من كلامها واسترّت منه.

ولمّا عزمت السيّدة صفيّة علي الخروج من الدار، قالت لها السيّدة خديجة: انتظري قليلاً، وقالت: يا صفية بالله عليك إلاّ ما أعنتيني علي حاجتي.

فرجعت صفية إلي أعمام النبي صلي الله عليه و اله فقالت: يا إخوتي قوموا إن كنتم قائمين فو الله إنّ لها في ابن أخيكم محمد صلي الله عليه و اله رغبة، ففرحوا بذلك().

أعمام النبي صلي الله عليه و اله يقصدون خويلد

وعندما عادت السيّدة صفيّة وأخبرت أعمام النبي صلي الله عليه و اله برغبة السيّدة خديجة في الزواج منه صلي الله عليه و اله عمد أبو طالب إلي رسول الله صلي الله عليه و اله وألبسه أحسن الثياب وأفخرها وقلّده سيفاً وأركبه علي جواده وأحدق به عمومته من كل جانب، ثمّ ساروا حتّي وصلوا منزل خويلد فسبقتهم الجواري إليه.

فلمّا نظر خويلد إلي بني هاشم قام لهم ورحّب بهم.

فقال أبو طالب عليه السلام له: يا خويلد ما جئنا إلاّ لحاجة وأنت تعلم قربنا منكم ونحن في هذا الحرم أبنا أب واحد وقد جئنا خاطبين ابنتك خديجة لسيدنا ونحن لها راغبون.

فقال خويلد: ومن الخاطب منك؟ ومن المخطوبة منّي؟

فقال أبو طالب: الخاطب منّا محمّد ابن أخي والمخطوبة خديجة.

فلمّا سمع ذلك خويلد تغيّر

لونه وقال: والله إنّ فيكم الكفاية وأنتم أعزّ الخلق علينا ولكن خديجة قد ملكت نفسها وعقلها أوفر من عقلي().

ورقة يرغّب خديجة في النبي صلي الله عليه و اله

وقد كانت السيدة خديجة (سلام الله عليها) تقدّس عمّها ورقة بن نوفل وتحترم آراءه كثيراً بل وكما في التاريخ أنّها كانت تستشيره في اُمورها الصعبة المهمّة.

وكما ورد في التاريخ أنّها عليها السلام لمّا رغبت في الزواج من رسول الله صلي الله عليه و اله اطّلع ورقة علي حالها وقد كان مطّلعاً علي أحوال نبي آخر الزمان وكيف أنه يتزوّج بامرأة تسود قومها، فرغّبها في الزواج منه وأشار عليها بفضائل النبي صلي الله عليه و اله ومدي قداسة المرأة التي ستكون زوجة له.

فقد نقل العلامة المجلسي (رضوان الله تعالي عليه) في (البحار) أنه: كان لخديجة عم يقال له ورقة، وكان قد قرأ الكتب كلّها وكان عالماً حبراً، وكان يعرف صفات نبي آخر الزمان، وكان عنده أنه يتزوّج بامرأة سيدة من قريش تسود قومها وتنفق عليه مالها وتمكّنه من نفسها وتساعده علي كل الاُمور، فعلم ورقة أنه ليس بمكة أكثر مالاً من خديجة، فرجا ورقة أن تكون ابنة أخيه خديجة وكان يقول لها: ياخديجة سوف تتّصلين برجل يكون أشرف أهل الأرض والسماء().

مهر السيدة خديجة عليها السلام

لقد كانت السيّدة خديجة عليها السلام عظيمة الشأن، عارفة بقداسة النبي صلي الله عليه و اله مطّلعة علي جلالة قدره وارتفاع مقامه الشامخ، ولذا فإنّها عليها السلام كانت تبذل الغالي والنفيس حتّي تحظي بزواجها منه صلي الله عليه و اله.

فقد دفعت مبلغ المهر للرسول صلي الله عليه و اله مع أنّها عليها السلام رفضت الزواج من أسياد العرب وزعمائهم.

وهذا إنما يدل علي غور معرفتها ومدي رغبتها في النبي صلي الله عليه و اله.

ولذا فإنّ عمّها ورقة لمّا قال: نريد مهرها وهو كذا وكذا، أجابه

أبو طالب عليه السلام قائلاً: رضينا بذلك.

فقال خويلد: قد زوّجت خديجة بمحمد

علي ذلك.

فقبل النبي صلي الله عليه و اله عقد النكاح.

فنهض حمزة وكان معه دراهم فنثرها علي الحاضرين.

وفي نفس الوقت قام أحد الحاضرين وقال: يا قوم رأينا الرجال يمهرون النساء، ولم نر النساء يمهرن الرجال؟

فنهض أبو طالب عليه السلام وأجابه قائلاً: مثل محمد صلي الله عليه و اله يحمل إليه ويٌعطي ومثلك من يهدي ولا يقبل منه.

ثم إنّه سمع الناس منادياً ينادي من السماء: إنّ الله تعالي قد زوّج بالطاهر الطاهرة وبالصادق الصادقة.

وأمر الله عزّوجلّ جبرئيل أن يرسل علي الناس الطيّب علي البرّ والفاجر.

ثمّ إنّ رسول الله صلي الله عليه و اله ذهب إلي منزل عمّه أبي طالب عليه السلام وقد أحدق به أعمامه من كل حدب وصوب فاجتمعوا في دار خديجة عليها السلام.

وقد بعثت السيّدة خديجة عليها السلام أربعة آلاف دينار إلي رسول الله صلي الله عليه و اله وقالت: ابعثها إلي عمّك العباس ليرسلها إلي أبي، وأرسلت مع المال خلعة() سنيّة، فسار بها كل من العباس وأبو طالب إلي منزل خويلد وألبساه الخلعة.

فقام خويلد من ساعته إلي دار ابنته السيّدة خديجة وقال: يا بنية ما الانتظار بالدخول؟ جهّزي نفسك فهذا مهرك أرسلوه إليّ وأعطوني هذه الخلعة.

آنذاك التفتت السيّدة خديجة عليها السلامإلي عمّها ورقة وقالت: خذ هذه الأموال إلي محمد صلي الله عليه و اله وقل له: هذه هدية لك تصرّف فيها كيف تشاء، وقل له: إنّ مالي وعبيدي وجميع ما أملك وما هو تحت يدي فقد وهبته له صلي الله عليه و اله إجلالاً وإعظاماً.

فوقف ورقة بين زمزم والمقام ونادي بأعلي صوته: يا معاشر العرب إنّ خديجة تشهدكم علي أنّها قد وهبت نفسها ومالها وعبيدها وخدمها وجميع ما ملكت يمينها والصداق والهدايا لمحمد صلي

الله عليه و اله وجميع ما بذل لها مقبول منه وهو هدية منها إليه إجلالاً له وإعظاماً ورغبة فيه، فكونوا عليها من الشاهدين.

وبعد ذلك قصد ورقة منزل أبي طالب عليه السلام وكانت خديجة عليها السلام قد بعثت جارية ومعها خلعة سنية وقالت: أدخليها إلي محمد صلي الله عليه و اله فإذا دخل عليه عمّي ورقة يخلعها عليه ليزداد عمّي فيه حبّاً.

فلمّا دخل ورقة عليهم قدّم المال إليهم وقال الذي قالته خديجة، فقام

النبي صلي الله عليه و اله وكساه الخلعة وزاده خلعة اُخري.

فلمّا خرج ورقة تعجّب الناس من حسنه وجماله.

ثم إنّ السيّدة خديجة أخذت في جهازها، فلمّا كانت الليلة الثالثة دخل عليها عمّات النبي صلي الله عليه و اله واجتمع السادات والأكابر في اليوم الثالث كعادتهم().

خطب في عقد الرسول صلي الله عليه و اله

من عادة العرب أنّهم إذا أشرفوا علي أمر مهم أن يقدّموا الخطابة ويتفاخروا بفضائلهم وخصالهم أمام الآخرين.

ففي الزواج مثلاً كانوا يتباهون بأنسابهم وأحسابهم ويؤكّدون علي محاسنهم ومزاياهم الخيّرة التي ترفع من شأنهم لدي الملأ العام.

وهذا ما حصل تماماً لدي خطبة الرسول صلي الله عليه و اله للسيدة خديجة، فقد أخذ الطرفان يتفاخران ولكن بفضائل الرسول صلي الله عليه و اله وخصاله الحميدة التي أقرّها المؤالف والمخالف.

فقد أخذ والد السيّدة خديجة «خويلد» يفتخر بالنبي صلي الله عليه و اله منادياً بأعلي صوته: يا معاشر العرب، والله ما أظلّت الخضراء ولا أقلّت الغبراء بأفضل من محمد ولقد رضيته لابنتي بعلاً وكفواً فكونوا علي ذلك من الشاهدين().

ثم قام العباس وقال: يا معاشر العرب لِمَ تنكرون الفضل لأهله، هل سقيتم الغيث إلاّ بابن أخي؟ وهل اخضرّ زرعكم إلاّ به؟ وكم له عليكم من إياد كتمتموها ولزمتم له الحسد والعناد؟ وبالله أقسم ما فيكم من

يعادل صيانته ولا أمانته واعلموا أنّ محمداً صلي الله عليه و اله لم يخطب خديجة لمالها ولا جمالها، إنّ المال زائل …

ولمّا خطب الجميع أقبل خويلد وجلس إلي جانب رسول الله صلي الله عليه و اله وأمسك الناس عن الكلام حتي يسمعوا ما يقول خويلد، فقال خويلد: يا أبا طالب ما الانتظار عمّا طلبتم اقضوا الأمر فإنّ الحكم لكم وأنتم الرؤساء والخطباء والبلغاء والفصحاء فليخطب خطيبكم ويكون العقد لنا ولكم.

فنهض أبو طالب عليه السلام وخطب خطبة جميلة نقلها المؤرخون في مصنّفاتهم().

وهكذا تم هذا الزواج المبارك.

عمر الرسول صلي الله عليه و اله حين الزواج

قيل: كان عمر النبي صلي الله عليه و اله حين تزوّج بالسيّدة خديجة عليها السلام إحدي وعشرين سنة.

وقيل: إن عمره صلي الله عليه و اله كان خمساً وعشرين سنة().

وقد أقامت معه أربعاً وعشرين سنة وشهراً. ولم يتزوّج عليها غيرها، إلاّ بعد أن توفيت عليها السلام ().

والظاهر أن السيدة خديجة عليها السلام لم تتزوج بغير رسول الله صلي الله عليه و اله حيث إنها قد بشرت بزواجها من الرسول صلي الله عليه و اله فلم تقبل أي واحد كزوج لها.

هذا وقد ذكر جماعة من المؤرخّين أنه صلي الله عليه و اله لم يتزوّج بكراً غير عائشة، ولكن خالفهم في ذلك جمهرة منهم: أبو القاسم الكوفي وأحمد البلاذري في كتابيهما، وعلم الهدي في الشافي، وأبو جعفر في التلخيص، علي ما حكاه عنهم في البحار، فقالوا: أنّها كانت عندما تزوّجها رسول الله صلي الله عليه و اله عذراء. وإنه لم يبق من أشراف قريش ومن ساداتهم وذوي الجدة منهم إلاّ وخطب السيّدة خديجة ورام تزويجها فامتنعت علي جميعهم من ذلك.

فلمّا تزوّج بها رسول الله صلي الله عليه و اله غضبن عليها نساء قريش

وهجرنها وقلن لها: خطبك أشراف قريش واُمرائهم فما تزوّجت أحداً منهم وتزوّجت محمداً يتيم أبي طالب فقيراً لا مال له؟

فكيف يجوز في نظرهم أن تكون خديجة يتزوّجها يتيم لا مال له وتمتنع من سادات قريش وأشرافها علي أموالهم الكثيرة.

المهر القليل

المهر القليل مما أكد عليه الإسلام، وذلك تسهيلاً لأمر الزواج، وقد ورد أن خير نسائكم أقلهن مهراً ()، وهكذا كان زواج رسول الله صلي الله عليه و اله وأهل البيت عليهم السلام بمهر قليل.

فإن رسول الله صلي الله عليه و اله تزوج خديجة عليها السلام ومهرها حسب بعض الروايات اثنتا عشرة أوقية ونش().

عن حماد بن عيسي قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: «قال أبي: ما زوج رسول الله صلي الله عليه و اله شيئاً من بناته ولا تزوج شيئاً من نسائه علي أكثر من اثنتي عشرة أوقية ونش، يعني نصف أوقية» ().

وفي حديث آخر: «ما تزوج رسول الله صلي الله عليه و اله شيئاً من نسائه، ولا زوج شيئاً من بناته علي أكثر من اثنتي عشرة أوقية ونش، والأوقية أربعون درهما والنش عشرون درهما» ().

إسلام السيدة خديجة عليها السلام

من الاُمور المتّفق عليها لدي الجميع أنّ السيّدة خديجة عليها السلام هي أوّل امرأة أسلمت وآمنت برسول الله صلي الله عليه و اله.

وقد بقيت تصلّي مع رسول الله صلي الله عليه و اله سرّاً ما شاء الله، فعن عفيف الكندي قال: جئت في الجاهلية إلي مكة وأنا اُريد أن ابتاع لأهلي من ثيابها وعطرها، فنزلت علي العباس بن عبدالمطّلب، قال: فأنا عنده وأنا أنظر إلي الكعبة وقد حلّقت الشمس، فارتفعت إذ أقبل شاب حتي دنا من الكعبة فرفع رأسه إلي السماء فنظر ثم استقبل الكعبة قائماً مستقبلها، فما لبثت إلاّ يسيراً حتي جاء غلام حتي قام عن يمينه ثم ما لبثت إلاّ يسيراً حتي جاءت امرأة فقامت خلفهما ثم ركع الشاب، فركع الغلام وركعت المرأة، ثم رفع الشاب رأسه ورفع رأسه الغلام ورفعت المرأة رأسها، ثم خرّ الشاب

ساجداً وخرّ الغلام ساجداً وخرّت المرأة، قال: فقلت: يا عباس إنّي أري أمراً عظيماً.

فقال العباس: أمر عظيم، هل تدري مَن هذا الشاب؟

قلت: لا ما أدري.

قال: هذا محمد بن عبد الله بن عبد المطّلب ابن أخي، هل تدري مَن هذه؟

قلت: لا أدري.

قال: هذه خديجة بنت خويلد زوجة ابن أخي هذا، إنّ ابن أخي هذا الذي تري حدّثنا إنّ ربّه ربّ السماوات والأرض، أمره بهذا الدين الذي هو عليه، والله ما علمت علي ظهر الأرض كلّها علي هذا الدين غير هؤلاء الثلاثة().

وكان رسول الله صلي الله عليه و اله يقول لخديجة عليها السلام ويخبرها بما يأتيه من قبل أن ينبأ به، وما يراه في منامه، وتخبره هي بقول ورقة، فلمّا أتاه الوحي من عند الله عزوجل بالرسالة أخبرها بذلك ودعاها إلي الإسلام، فأسلمت، كما أسلم علي عليه السلام فكانا أوّل مسلمين به().

معزّة الرسول صلي الله عليه و اله للسيّدة خديجة عليها السلام

كانت للسيّدة خديجة عليها السلام معزّة خاصّة في قلب رسول الله صلي الله عليه و اله وذلك لمناصرتها له وإيمانها السريع به وتصديقها إيّاه و …

فعن عائشة قالت: سمع رسول الله صلي الله عليه و اله صوت هالة بنت خويلد … فقال: ما رأيت كاليوم صوتاً أشبه بصوت اُمّ هند يعني خديجة من هذا الصوت.

قالت عائشة: فقلت: يا رسول الله ما يذكّرك عجوزاً من عجائز قريش!

فغضب رسول الله صلي الله عليه و اله غضباً شديداً لم أره غضب مثله قبله ولا بعده، ثم قال: لا تذكري اُمّ هند، فقد كانت لها منّي اثنتان، أول من آمنت بي ورزقت منّي الولد، وحرمتيه().

بل إنّها كانت أحبّ أزواجه إليه وأكرمهنّ عليه وأفضلهنّ عنده واُمّ بنيه وبناته ومسليته كما ذكر صلي الله عليه و اله ومفرّجة غمومه، ولم يكن

بينه وبينها اختلاف أيام حياتها حتي قبضت وهو عنها راضٍ ولها شاكر، رحمة الله ورضوانه تعالي عليها.

أولاد السيّدة خديجة عليها السلام

إنّ أولاد الرسول صلي الله عليه و اله كلّهم من السيّدة خديجة عليها السلام إلاّ إبراهيم.

أمّا إبراهيم فهو من السيّدة مارية القبطية، وقد ولد بالمدينة وعاش سنة وعشرة أشهر وثمانية أيام، ومات بالمدينة ودفن في البقيع().

فأنجبت السيدة خديجة عليها السلام من الأولاد: القاسم والطيّب، وقد ماتا بمكّة صغيرين.

وأنجبت من البنات: زينب واُمّ كلثوم ورقية وفاطمة.

وكلّهن متن من أثر الضرب في حياة النبي صلي الله عليه و اله ما عدا السيّدة الزهراء عليها السلام التي ماتت شهيدة مظلومة بعد وفاة أبيها رسول الله صلي الله عليه و اله وكانت أول من التحق به من أهل بيته.

وفاة السيّدة خديجة عليها السلام

توفّيت أم المؤمنين السيّدة خديجة عليها السلام بمكة في السنة الثالثة قبل الهجرة.

وقد حزن عليها رسول الله صلي الله عليه و اله كثيراً.

وكان الرسول صلي الله عليه و اله بشرها بمكانها في الجنة، فإنه لمّا حضرتها الوفاة دخل عليها النبي صلي الله عليه و اله فقال لها: تكرهين ما أري منك وقد جعل الله من الكره خيراً.

وعند دفنها نزل رسول الله صلي الله عليه و اله في حفرتها وأدخلها القبر بيده الشريفة في الحجون().

فكانت وفاتها مصيبة عظيمة علي قلب رسول الله صلي الله عليه و اله وقد تبعتها مصائب وكوارث تحمّلها النبي صلي الله عليه و اله برباطة جأش وصبر علي المكاره ورضاء من الحق عزّوجلّ.

وقد كانت وفاة السيّدة خديجة عليها السلام وأبي طالب عليه السلام في عام واحد قبل الهجرة بثلاث سنين، أي في السنة العاشرة من البعثة بعد خروج بني هاشم من الشعب().

وكان رسول الله صلي الله عليه و اله يقول: «ما اغتممت بغمّ أيام حياة أبي طالب وخديجة».

لما كان أبو طالب عليه السلام يدفعه عنه وخديجة عليها

السلام تعزّيه وتصبّره وتهوّن عليه ما يلقاه في ذات الله عزّوجلّ ().

ولذا عند ما توفي عمه أبوطالب وزوجته خديجة سمي ذلك العام بعام الحزن().

فرضوان الله تعالي عليها.

الفصل الثالث السيدة فاطمة بنت أسد عليها السلام

الفصل الثالث السيدة فاطمة بنت أسد عليها السلام

والدة الإمام علي بن أبي طالب

أمير المؤمنين عليه السلام

نسبها وزواجها

هي السيّدة فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف.

تقدّم أبو طالب عليه السلام إلي والدها أسد بن هاشم وخطبها منه، ولمّا حضرت الوفود لخطبة الزواج والاحتفال بالعروسين، قام أبو طالب وقال:

(الحمد لله ربّ العالمين، ربّ العرش العظيم، والمقام الكريم، والمشعر والحطيم، الذي اصطفانا أعلاماً، وسدنة، وعرفاء، وخلصاء، وحجّته بهاليل، أطهار من الخني والريب، والأذي والعيب، وأقام لنا المشاعر، وفضّلنا علي العشائر، نخب آل إبراهيم وصفوته وزرع إسماعيل).

ثم قال: تزوّجت فاطمة بنت أسد وسقت المهر ونفذت الأمر، فاسألوه واشهدوا.

فقال أبوها أسد: زوّجناك ورضينا بك، ثم أطعم الناس().

ثمّ انتقلت السيّدة فاطمة بنت أسد إلي بيت أبي طالب، المؤمن الموحّد، الذي أقام للشريعة الحنفية أساسها، وركّز للقرآن الكريم دعائمه، وفدي نفسه من أجل حياة النبي الأعظم صلي الله عليه و اله، وأباد بحكمته وثباته وأولاده ودفاعه عن الرسول صلي الله عليه و اله قواعد الكفر والشرك، وأذناب الشيطان، رحمة الله تعالي وبركاته وتحياته علي روحه وبدنه الطاهر إلي أن يبعث حياً.

وقد عاشت السيّدة فاطمة بنت أسد عليها السلام إلي جانب أبي طالب عليه السلام، وقامت بأعباء المسؤولية في إدارة بيته وتدبير شؤون منزله، بصبر وصدق وإخلاص، وطهارة وصفاء ومحبّة وإيمان وطيب، وأنجبت له أولاداً بين ذكور وإناث هم:

1: طالب.

2: عقيل.

3: جعفر.

4: علي عليه السلام.

5: اُم هانيء.

6: جمانة ().

فاطمة تتحدّث عن النبي صلي الله عليه و اله

عن السيّدة فاطمة بنت أسد عليها السلام، قالت: لمّا ظهرت أمارة وفاة عبدالمطّلب، قال لأولاده: من يكفل محمداً؟

قالوا: هو أكيس() منّا، فقل له يختار لنفسه.

فقال عبد المطّلب: يا محمد جدّك علي جناح السفر إلي القيامة، أي عمومتك وعمّاتك تريد أن يكفلك؟

فنظر في وجوههم ثمّ زحف إلي عند أبي طالب عليه السلام.

فقال له عبد المطّلب: يا أبا طالب إني قد

عرفت ديانتك وأمانتك، فكن له كما كنت له.

قالت: فلمّا توفّي أخذه أبو طالب، وكنت أخدمه وكان يدعوني الأم.

قالت: وكان في بستان دارنا نخلات، وكان أول إدراك الرطب، وكان أربعون صبياً من أتراب() محمّد، يدخلون علينا كل يوم في البستان، ويلتقطون ما يسقط، فما رأيت قطّ محمّداً صلي الله عليه و اله يأخذ رطبة من يد صبي سبق إليها، والآخرون يختلس بعضهم من بعض، وكنت كل يوم ألتقط لمحمد حفنة() فما فوقها، وكذلك جاريتي، فاتّفق يوماً أن نسيت أن ألتقط له شيئاً، ونسيت جاريتي، وكان محمّد نائماً، ودخل الصبيان وأخذوا كل ما سقط من الرطب، وانصرفوا فنمت فوضعت الكم() علي وجهي حياء من محمد صلي الله عليه و اله.

قالت: فانتبه محمد صلي الله عليه و اله، ودخل البستان فلم يرَ رطبة علي وجه الأرض، فانصرف، فقالت له الجارية: إنّا نسينا أن نلتقط شيئاً، والصبيان دخلوا وأكلوا جميع ما كان قد سقط.

قالت: فانصرف محمد إلي البستان، وأشار إلي نخلة، وقال: أيّتها الشجرة أنا جائع!

قالت: فرأيت النخلة قد وضعت أغصانها التي عليها الرطب، حتي أكل منها محمد صلي الله عليه و اله ما أراد، ثم ارتفعت إلي موضعها.

قالت فاطمة: فتعجّبت، وكان أبو طالب قد خرج من الدار، وكل يوم إذا رجع وقرع الباب كنت أقول للجارية حتي تفتح الباب، فقرع أبو طالب الباب فعدوت حافية إليه وفتحت الباب وحكيت له ما رأيت.

فقال: هو إنما يكون نبياً، أنت تلدين وزيره بعد ثلاثين، فولدت علياً عليه السلام كما قال().

إن فاطمة بنت أسد ولدت طالباً، ولم نعرف له خبراً وقالوا: إنه لا عقب له، وقد توفّي قبل أن يهاجر النبي صلي الله عليه و اله بثلاث سنين.

كما ولدت عقيلاً وجعفراً وعلياً،

وكل واحد أسنُّ من الآخر بعشر سنين.

وولدت من البنات: اُم هانيء واسمها (فاختة)، وجمانة.

البشارة بميلاد الأمير عليه السلام

سبق أنّ الكثير بشّروا بميلاد النبي الأعظم صلي الله عليه و اله وأشاروا إلي صفاته وخصاله الحميدة، وكذلك كان الحال بالنسبة لأمير المؤمنين علي عليه السلام، فقد بشّروا بميلاده الشريف وصرّحوا بعظيم شأنه عليه السلام.

فمّما جاء في الروايات الشريفة:

أنّ السيّدة فاطمة بنت أسد عليها السلام قبل أن ترزق ولداً كانت يوماً جالسة مع الفواطم تتحدّث، إذ أقبل رسول الله صلي الله عليه و اله بنوره الباهر وسعده الظاهر وقد تبعه بعض الكهّان ينظر إليه، إلي أن أتي إليهنّ فسألهنّ عنه.

فقلن: هذا محمّد ذو الشرف الباذخ والفضل الشامخ.

فأخبرهنّ الكاهن بما يعلمه من رفيع قدره وبشّرهنّ بما سيكون من مستقبل أمره، وأنه سيبعث نبياً وينال منالاً علياً، وقال: إنّ التي تكفله منكنّ في صغره سيكفل لها ولداً يكون عنصره من عنصره، يختصّه بسرّه وبصحبته، ويحبوه بمصادقته وأُخوّته.

فقالت له السيّدة فاطمة بنت أسد عليها السلام أنا التي كفلته وأنا زوجة عمّه الذي يرجوه ويؤمله.

فقال: إن كنت صادقة فستلدين غلاماً علاّماً مطواعاً لربّه هماماً، اسمه علي ثلاثة أحرف، يلي هذا النبي في جميع أُموره، وينصره في قليله وكثيره، حتي يكون سيفه علي أعدائه وبابه لأوليائه، يفرج عن وجهه الكربات ويجلو عنه حندس الظلمات، تهاب صولته أطفال المهاد، وترتعد من خيفته، له فضائل شريفة ومناقب معروفة وصلة منيعة ومنزلة رفيعة، يهاجر إلي النبي في طاعته ويجاهد بنفسه في نصرته وهو وصيه الدافن له في حجرته.

قالت أُم علي عليه السلام: فجعلت أُفكّر في هذا القول، فلمّا كان الليل رأيت في منامي كأنّ جبال الشام قد أقبلت تدبّ وعليها جلابيب الحديد وهي تصيح من صدورها بصوت مهول فأسرعت

نحوها جبال مكّة وأجابتها بمثل صياحها وأهول وهي كالشرد المحمر وأبو قبيس() ينتفض كالفرس ونصال تسقط عن يمينه وشماله والناس يلتقطون ذلك، فلقطت معهم أربعة أسياف وبيضة حديدة مذهبة، فأوّل ما دخلت مكة سقطت منها سيف في ماء فغمر، وطار الثاني في الجو واستمرّ، وسقط الثالث إلي الأرض فانكسر، وبقي الرابع في يدي مسلولاً، فبينا أنا به أصول إذا صار السيف شبلاً فتبيّنته فصار ليثاً مهولاً فخرج عن يدي ومرّ نحو الجبال يجوب بلاطحها () ويخرق صلادحها () والناس منه مشفقون ومن خوفه حذرون، إذ أتي محمد صلي الله عليه و اله فقبض علي رقبته فانقاد له كالظبية الألوف فانتبهت وقد راعني الزمع() والفزع، فالتمست المفسّرين والمخبرين فقالوا: أنت تلدين أربعة أولاد ذكور وبنتاً بعدهم، وإنّ أحد البنين يغرق والآخر يقتل في الحرب والآخر يموت ويبقي له عقب والرابع يكون إماماً للخلق صاحب سيف وحق ذا فضل وبراعة يطيع النبي المبعوث أحسن طاعة.

فقالت السيّدة فاطمة: فلم أزل مفكّرة في ذلك ورزقت بني الثلاثة عقيلاً وطالباً وجعفراً ثم حملت بعلي عليه السلام، فلمّا كان الشهر الذي ولدته فيه رأيت في منامي كأنّ عمود حديد قد انتزع من أُمّ رأسي ثم سطع في الهواء حتي بلغ السماء ثم ردّ إلي فقلت: ما هذا؟

فقيل لي: هذا قاتل أهل الكفر وصاحب ميثاق النصر بأسه شديد يفزع من خيفته وهو معونة الله لنبيه وتأييده علي عدوّه.

قالت: فولدت علياً عليه السلام ().

إنها تتحدّث عن ولادتها

من أكبر فضائل السيدة فاطمة بنت أسد عليها السلام أن الله اختارها من بين نساء العالمين لتلد مولودها الطاهر في بيته الحرام، حيث استضافها الله تعالي في جوف الكعبة ثلاثة أيام فولدت أمير المؤمنين علياً عليه السلام في ذلك

المكان الطاهر.

روي الإمام أبو عبد الله جعفر بن محمد عليه السلام عن آبائه عليهم السلام قال: كان العباس بن عبد المطّلب ويزيد بن قعنب جالسين ما بين فريق بني هاشم إلي فريق عبد العزّي بإزاء بيت الله الحرام إذ أتت فاطمة بنت أسد بن هاشم أمّ أمير المؤمنين عليه السلام وكانت حاملة بأمير المؤمنين تسعة أشهر وكان يوم التمام.

قال: فوقفت بإزاء البيت الحرام وقد أخذها الطلق فرمت بطرفها نحو السماء وقالت:

أي ربّ إنّي مؤمنة بك وبما جاء به من عندك الرسول وبكل نبي من أنبيائك وبكل كتاب أنزلته، وإنّي مصدّقة بكلام جدّي إبراهيم الخليل وإنه بني بيتك العتيق، فأسألك بحق هذا البيت ومن بناه وبهذا المولود الذي في أحشائي الذي يكلّمني ويؤنسني بحديثه وأنا موقنة أنه إحدي آياتك ودلائلك، لما يسّرت عليّ ولادتي.

قال العباس بن عبدالمطّلب ويزيد بن قعنب: لمّا تكلّمت فاطمة بنت أسد ودعت بهذا الدعاء رأينا البيت قد انفتح من ظهره ودخلت فاطمة فيه وغابت عن أبصارنا ثم عادت الفتحة والتزقت بإذن الله تعالي، فرمنا أن نفتح الباب لتصل إليها بعض نسائنا فلم ينفتح الباب، فعلمنا أنّ ذلك أمر من أمر الله تعالي، وبقيت فاطمة في البيت ثلاثة أيام.

قال: وأهل مكّة يتحدّثون بذلك في أفواه السكك وتتحدّث المخدّرات في خدورهنّ.

قال: فلمّا كان بعد ثلاثة أيام انفتح البيت من الموضع الذي كانت دخلت فيه، فخرجت فاطمة وعلي عليه السلام علي يديها، ثم قالت:

معاشر الناس إنّ الله عزّوجلّ اختارني من خلقه وفضّلني علي المختارات ممّن مضي قبلي، وقد اختار الله آسية بنت مزاحم فإنّها عبدت الله سرّاً في موضع لا يحبّ أن يعبد الله فيها إلاّ اضطراراً، ومريم بنت عمران حيث اختارها الله ويسّر عليها

ولادة عيسي فهزّت الجذع اليابس من النخلة في فلاة () من الأرض حتي تساقط عليها رطباً جنياً، وإنّ الله تعالي اختارني وفضّلني عليهما وعلي كل من مضي قبلي من نساء العالمين لأنّي ولدت في بيته العتيق وبقيت فيه ثلاثة أيام آكل من ثمار الجنّة وأوراقها، فلمّا أردت أن أخرج وولدي علي يدي هتف بي هاتف وقال: يا فاطمة سمّيه علياً، فأنا العلي الأعلي وإنّي خلقته من قدرتي وعزّ جلالي وقسط عدلي واشتققت اسمه من اسمي وأدّبته بأدبي وفوّضت إليه أمري ووقفته علي غامض علمي وولد في بيتي وهو أوّل من يؤذّن فوق بيتي ويكسّر الأصنام ويرميها علي وجهها ويعظّمني ويمجّدني ويهلّلني وهو الإمام بعد حبيبي ونبيي وخيرتي من خلقي محمد رسولي ووصيه، فطوبي لمن أحبّه ونصره، والويل لمن عصاه وخذله وجحد حقّه.

قال: فلمّا رآه أبو طالب سرّ، وقال له علي عليه السلام: السلام عليك يا أبه ورحمة الله وبركاته.

ثم دخل رسول الله صلي الله عليه و اله، فلمّا دخل اهتزّ له أمير المؤمنين عليه السلام وضحك في وجهه وقال: السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته.

قال: ثم تنحنح بإذن الله تعالي وقال: ?بسم الله الرحمن الرحيم، قد أفلح المؤمنون، الذين هم في صلاتهم خاشعون?() إلي آخر الآيات.

فقال رسول الله صلي الله عليه و اله: قد أفلحوا بك وقرأ تمام الآيات إلي قوله ?أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون?().

فقال رسول الله صلي الله عليه و اله: أنت والله أميرهم تميرهم من علومك فيمتارون، وأنت والله دليلهم وبك يهتدون.

ثم قال رسول الله صلي الله عليه و اله لفاطمة: اذهبي إلي عمّه حمزة فبشّريه به.

فقالت: فإذا خرجت أنا فمن يرويه؟

قال: أنا أرويه.

فقالت فاطمة: أنت

ترويه؟

قال: نعم، فوضع رسول الله صلي الله عليه و اله لسانه في فيه، فانفجرت منه اثنتا عشرة عيناً.

قال: فسمّي ذلك اليوم يوم التروية، فلمّا أن رجعت فاطمة بنت أسد رأت نوراً قد ارتفع من علي عليه السلام إلي عنان السماء، قال: ثم شدّته وقمطته بقماط فبتر القماط.

قال: فأخذت فاطمة قماطاً جيداً فشدّته به فبتر القماط، ثم جعلته في قماطين فبترهما، فجعلته ثلاثة فبترها، فجعلته أربعة أقمطة من رقّ مصر لصلابته فبترها، فجعلته خمسة أقمطة ديباج لصلابته فبترها كلّها، فجعلته ستة من ديباج وواحد من الأدم، فتمطّي فيها، فقطعها كلّها بإذن الله ثم قال بعد ذلك: يا أمة لا تشدّي يدي فإنّي أحتاج أن أبصبص() لربّي بإصبعي.

قال: فقال أبو طالب عند ذلك: إنه سيكون له شأن ونبأ.

قال: فلمّا كان من غد دخل رسول الله صلي الله عليه و اله علي فاطمة فلمّا بصر

عليّ عليه السلام برسول الله صلي الله عليه و اله سلّم عليه وضحك في وجهه وأشار إليه أن خذني إليك واسقني بما سقيتني الأمس.

قال: فأخذه رسول الله صلي الله عليه و اله فقالت فاطمة: عرفه وربّ الكعبة.

قال: فلكلام فاطمة سمّي ذلك اليوم يوم عرفة، يعني أنّ أمير المؤمنين عليه السلام عرف رسول الله صلي الله عليه و اله.

فلمّا كان اليوم الثالث وكان العاشر من ذي الحجّة أذّن أبو طالب في الناس أذاناً جامعاً وقال: هلمّوا إلي وليمة ابني علي.

قال: ونحر ثلاثمائة من الإبل وألف رأس من البقر والغنم واتّخذ وليمة عظيمة وقال: معاشر الناس ألا من أراد من طعام علي ولدي فهلمّوا وطوفوا بالبيت سبعاً وادخلوا وسلّموا علي ولدي علي فإنّ الله شرّفه، ولفعل أبي طالب شرف يوم النحر().

وفي حديث آخر: وضعته أمه بين

يدي النبي صلي الله عليه و اله ففتح فاه بلسانه وحنكه وأذن في أذنه اليمني وأقام في اليسري، فعرف الشهادتين وولد علي الفطرة ().

ميلاد الإمام علي عليه السلام

من الاأمور المتّفق عليها أنّ أمير المؤمنين عليه السلام قد ولد في جوف الكعبة، وهي منزلة عظيمة من مختصّاته التي انفرد بها دون سواه من الأنبياء والأوصياء عليهم السلامفضلاً عن الناس العاديين().

ففي الحديث عن سعيد بن جبير قال: قال يزيد بن قعنب كنت جالساً مع العباس بن عبد المطّلب وفريق من عبد العزّي بإزاء بيت الله الحرام إذ أقبلت فاطمة بنت أسد اُمّ أمير المؤمنين عليه السلام وكانت حاملة به لتسعة أشهر وقد أخذها الطلق، فقالت: ربّ إنّي مؤمنة بك وبما جاء من عندك من رسل وكتب وإنّي مصدّقة بكلام جدّي إبراهيم الخليل عليه السلام وإنه بني البيت العتيق فبحقّ الذي بني هذا البيت وبحق المولود الذي في بطني لما يسّرت عليّ ولادتي.

قال يزيد بن قعنب: فرأينا البيت وقد انفتح عن ظهره ودخلت فاطمة فيه وغابت عن أبصارنا والتزق الحائط، فرمنا أن ينفتح لنا قفل الباب فلم ينفتح، فعلمنا أنّ ذلك أمر من الله تعالي.

ثم خرجت بعد الرابع وبيدها أمير المؤمنين عليه السلام الحديث().

إيمان فاطمة بنت أسد عليها السلام

ويستفاد من هذه الرواية وغيرها أن فاطمة بنت أسد عليها السلام كانت مؤمنة بالله عزوجل وموحدة له تعالي علي دين إبراهيم عليه السلام ولم تكن تعبد الأصنام أبداً

لا كسائر الجاهليين، فلما بعث رسول الله صلي الله عليه و اله كانت من السابقات إلي الإسلام والمؤمنات بنبوته صلي الله عليه و اله.

من عظمة المولود

لا يخفي أنّ الإمام علي عليه السلام هو أعظم شخصية بعد رسول الله صلي الله عليه و اله وهذا ما نصّت عليه الأدلّة المتواترة عند العامّة والخاصّة، ولذا فإنّه عليه السلام كان أعظم ولد أبي طالب وأشرفهم منزلة، ومن هنا فقد أشرنا إلي كيفية ولادته عليه السلام دون سائر اُخوته، خاصّة أنّ الروايات الشريفة ومصنّفات التاريخ قد أشارت إلي ولادته بالتفصيل، ومن ذلك:

ما رواه جابر بن عبد الله الأنصاري حيث قال: سألت رسول الله صلي الله عليه و اله عن ميلاد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، فقال: إنّ الله تبارك وتعالي خلقني وعلياً من نور واحد قبل أن يخلق الخلق بخمسمائة ألف عام، فكنّا نسبّح الله ونقدّسه، فلمّا خلق الله تعالي آدم عليه السلام قذف بنا في صلبه واستقررت أنا في جنبه الأيمن وعلي في الأيسر، ثم نقلنا من صلبه في الأصلاب الطاهرات إلي الأرحام الطيّبة، فلم نزل كذلك حتّي أطلعني الله تبارك وتعالي من ظهر طاهر وهو عبد الله بن عبد المطّلب فاستودعني خير رحم وهي آمنة، ثمّ أطلع الله تبارك وتعالي علياً من ظهر طاهر وهو أبو طالب واستودعه خير رحم وهي فاطمة بنت أسد، ثم قال: يا جابر ومن قبل أن وقع علي عليه السلام في بطن اُمّه كان في زمانه رجل عابد راهب يقال له المثرم بن

دعيب بن الشيقتام وكان مذكوراً في العبادة قد عبد الله مائة وتسعين سنة ولم يسأله حاجة، فسأله ربّه أن يريه وليّاً له، فبعث الله تبارك وتعالي بأبي طالب إليه، فلمّا أن بصر به المثرم قام إليه فقبّل رأسه وأجلسه بين يديه، فقال: من أنت يرحمك الله؟

قال: رجل من تهامة.

فقال: من أي تهامة؟

قال: من مكّة.

قال: ممّن؟

قال: من عبد مناف.

قال: من أي عبد مناف؟

قال: من بني هاشم.

فوثب إليه الراهب وقبّل رأسه ثانياً، وقال: الحمد لله الذي أعطاني مسألتي ولم يمتني حتّي أراني وليّه.

ثم قال: أبشر يا هذا فإنّ العلي الأعلي قد ألهمني إلهاماً فيه بشارتك.

قال أبو طالب: وما هو؟

قال: ولد يخرج من صلبك هو ولي الله تبارك اسمه وتعالي ذكره وهو إمام المتّقين ووصي رسول ربّ العالمين، فإن أدركت ذلك الولد فأقرئه منّي السلام وقل له: إنّ المثرم يقرأ عليك السلام.

فبكي أبو طالب وقال له: ما اسم هذا المولود؟

قال: اسمه علي.

فقال أبو طالب: إنّي لا أعلم حقيقة ما تقوله إلاّ ببرهان بيّن ودلالة واضحة.

قال المثرم: فما تريد أن أسأل الله لك أن يعطيك في مكانك ما يكون دلالة لك؟

قال أبو طالب: اُريد طعاماً من الجنّة في وقتي هذا.

فدعا الراهب بذلك، فما استتمّ دعاؤه حتّي أتي بطبق عليه من فاكهة الجنّة رطبة وعنبة ورمّان، فتناول أبو طالب منه رمّانة ونهض فرحاً من ساعته حتّي رجع إلي منزله فأكلها، فتحوّلت ماء في صلبه فجامع فاطمة بنت أسد فحملت بعلي عليه السلام وارتجّت الأرض وزلزلت بهم أياماً حتّي لقيت قريش من ذلك شدّة وفزعوا وقالوا: قوموا بآلهتكم إلي ذروة أبي قبيس حتّي نسألهم أن يسكنوا ما نزل بكم وحلّ بساحتكم. فلمّا اجتمعوا علي ذروة جبل أبي قبيس فجعل يرتجّ ارتجاجاً

حتّي تدكدكت بهم صمّ الصخور وتناثرت وتساقطت الآلهة علي وجهها، فلمّا بصروا بذلك قالوا: لا طاقة لنا بما حلّ بنا.

فصعد أبو طالب الجبل وهو غير مكترث بما هم فيه، فقال: أيّها الناس إنّ الله تبارك وتعالي قد أحدث في هذه الليلة حادثة وخلق فيها خلقاً إن لم تطيعوه ولم تقرّوا بولايته وتشهدوا بإمامته لم يسكن ما بكم ولا يكون لكم بتهامة مسكن.

فقالوا: يا أبا طالب! إنّا نقول بمقالتك.

فبكي أبو طالب ورفع يده إلي الله عزّوجلّ وقال: إلهي وسيّدي أسألك بالمحمّدية المحمودة وبالعلوية العالية وبالفاطمية البيضاء إلاّ تفضّلت علي تهامة() بالرأفة والرحمة، فوالذي فلق الحبّة وبرأ النسمة لقد كانت العرب تكتب هذه الكلمات فتدعو بها عند شدائدها في الجاهلية وهي لا تعلمها ولا تعرف حقيقتها ().

فلمّا قربت ولادته أتت السيّدة فاطمة إلي بيت الله وقالت: ربّ إنّي مؤمنة بك وبما جاء من عندك من رسل وكتب، مصدّقة بكلام جدّي إبراهيم عليه السلام فبحقّ الذي بني هذا البيت وبحقّ المولود الذي في بطني لما يسّرت عليّ ولادتي، فانفتح البيت ودخلت فيه، فإذا هي بحواء ومريم وآسية واُمّ موسي وغيرهن، فصنعن مثل ما صنعن برسول الله وقت ولادته، فلمّا ولد سجد علي الأرض يقول: أشهد أن لا إله إلاّ الله وأشهد أنّ محمّداً رسول الله وأشهد أنّ علياً وصي محمّد رسول الله، بمحمّد يختم الله النبوّة وبي تتم الوصية وأنا أمير المؤمنين، ثمّ سلّم علي النساء وسأل عن أحوالهن وأشرقت السماء بضيائه، فخرج أبو طالب يقول: أبشروا فقد ظهر ولي الله يختم به الوصيين وهو وصي نبي ربّ

العالمين().

الحيدرة

عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام أنه قال يوم خيبر:

كليث غابات شديد قسورة

أنا الذي سمّتني اُمّي حيدرة

فإنّ

أمير المؤمنين عليه السلام لمّا ولد سمّته اُمّه (السيّدة فاطمة بنت أسد) أسداً باسم أبيها، فلمّا رجز الإمام علي عليه السلام يوم خيبر ذكر الاسم الذي سمّته به اُمّه.

وحيدرة اسم من أسامي الأسد، وهي أشجعها، كأنه قال: أنا الأسد ().

الرسول صلي الله عليه و اله يتلقي الأمير عليه السلام

فور ما ولدت السيدة فاطمة بنت أسد علياً أمير المؤمنين عليه السلام وخرجت به من الكعبة الشريفة جاء جبرئيل الأمين إلي الرسول صلي الله عليه و اله وهنّأه بهذا المولود المبارك وأشار عليه أن يذهب لاستقباله..

فعن رسول الله صلي الله عليه و اله في خبر طويل قال: لقد هبط حبيبي جبرئيل في وقت ولادة علي عليه السلام فقال: يا حبيب الله العلي الأعلي يقرأ عليك السلام ويهنّئك بولادة أخيك علي ويقول: هذا أوان ظهور نبوّتك وإعلان وحيك وكشف رسالتك إذ أيّدتك بأخيك ووزيرك وصنوك وخليفتك ومن شددت به أزرك وأعلنت به ذكرك، فقم إليه واستقبله بيدك اليمني فإنّه من أصحاب اليمين وشيعته الغرّ المحجّلون.

فقمت مبادراً، فوجدت فاطمة بنت أسد اُمّ علي وقد جاء لها المخاض وهي بين النساء والقوابل حولها.

فقال حبيبي جبرئيل: يا محمد نسجف بينها وبينك سجفاً() فإذا وضعت بعلي تتلقّاه، ففعلت ما أمرت به. ثم قال لي: اُمدد يدك يا محمّد، فمددت يدي اليمني نحو اُمّه فإذا أنا بعلي علي يدي واضعاً يده اليمني في اُذنه اليمني وهو يؤذّن ويقيم بالحنيفية ويشهد بوحدانية الله عزّوجلّ وبرسالاتي، ثم انثني إليّ وقال: السلام عليك يا رسول الله.

ثم قال لي: يا رسول الله اقرأ؟

قلت: اقرأ فو الذي نفس محمد بيده لقد ابتدأ بالصحف التي أنزلها الله عزّوجلّ علي آدم، فقام بها ابنه شيث فتلاها من أول حرف فيها إلي آخر حرف فيها حتي لو حضر شيث

لأقرّ له أنه أحفظ له منه، ثم تلا صحف نوح، ثم صحف إبراهيم، ثم قرأ توراة موسي حتي لو حضر موسي لأقرّ له بأنه أحفظ لها منه، ثم قرأ زبور داود حتي لو حضر داود لأقرّ بأنه أحفظ لها منه، ثم قرأ إنجيل عيسي حتي لو حضر عيسي لأقرّ بأنه أحفظ لها منه، ثم قرأ القرآن الذي أنزل الله عليّ من أوّله إلي آخره، فوجدته يحفظ كحفظي له الساعة من غير أن أسمع منه آية.

ثمّ خاطبني وخاطبته بما يخاطب الأنبياء الأوصياء عليهم السلام ثم عاد إلي حال طفوليته وهكذا أحد عشر إماماً من نسله، فلِمَ تحزنون وماذا عليكم من قول أهل الشك والشرك؟

بالله هل تعلمون أنّي أفضل النبيين وأنّ وصيي أفضل الوصيين وأنّ أبي آدم لمّا رأي اسمي واسم علي وابنتي فاطمة والحسن والحسين وأسماء أولادهم عليهم السلام مكتوبة علي ساق العرش بالنور، قال: إلهي وسيدي هل خلقت خلقاً هو أكرم عليك منّي؟

فقال: يا آدم لولا هذه الأسماء لما خلقت سماء مبنية ولا أرضاً مدحيّة

ولا ملكاً مقرّباً ولا نبياً مرسلاً ولا خلقتك يا آدم.

فلمّا عصي آدم ربّه وسأله بحقّنا أن يتقبّل توبته ويغفر خطيئته فأجابه، وكنّا الكلمات تلقّاها آدم من ربّه عزّوجلّ فتاب عليه وغفر له، فقال له: يا آدم أبشر فإنّ هذه الأسماء من ذريتك وولدك، فحمد آدم ربّه عزّوجلّ وافتخر علي الملائكة بنا، وإنّ هذا من فضلنا وفضل الله علينا.

فقام سلمان ومن معه وهم يقولون: نحن الفائزون، فقال رسول الله صلي الله عليه و اله: أنتم الفائزون ولكم خلقت الجنة ولأعدائنا وأعدائكم النار().

وفاة السيّدة فاطمة بنت أسد عليها السلام

وحيث بلغ بنا الحديث إلي ذكر مناقب هذه السيّدة الجليلة فلا بأس بالإشارة إلي بعض المقتطفات التي تدلّ علي مقامها

الشامخ ومكانتها الرفيعة، وذلك في حديث وفاتها (سلام الله عليها).

فعن عبد الله بن عباس قال: أقبل علي بن أبي طالب عليه السلام ذات يوم إلي النبي صلي الله عليه و اله باكياً وهو يقول: إنّا لله وإنّا إليه راجعون.

فقال له رسول الله صلي الله عليه و اله: مه يا علي.

فقال علي: يا رسول الله ماتت اُمّي فاطمة بنت أسد!.

قال: فبكي النبي صلي الله عليه و اله ثم قال: رحم الله اُمّك يا علي، أما إنّها كانت لك اُمّاً فقد كانت لي اُمّاً، خذ عمامتي هذه وخذ ثوبي هذين فكفّنها فيهما ومر النساء فليحسن غسلها ولا تخرجها حتي أجيء فإليّ أمرها.

قال: وأقبل النبي صلي الله عليه و اله بعد ساعة واُخرجت فاطمة اُمّ علي صلي الله عليه و اله فصلّي عليها النبي صلي الله عليه و اله صلاة لم يصلّ علي أحد قبلها مثل تلك الصلاة، ثم كبّر عليها أربعين تكبيرة، ثم دخل إلي القبر فتمدّد فيه، فلم يسمع له أنين ولا حركة..

ثم قال: يا علي اُدخل، يا حسن اُدخل، فدخلا القبر، فلمّا فرغ ممّا احتاج إليه قال له: يا علي اُخرج يا حسن اُخرج، فخرجا، ثم زحف النبي صلي الله عليه و اله حتي صار عند رأسها ثم قال: يا فاطمة أنا محمد سيد ولد آدم ولا فخر فإن أتاك منكر ونكير فسألاك من ربّك فقولي الله ربّي ومحمد نبيي والإسلام ديني والقرآن كتابي وابني إمامي ووليي.

ثم قال: اللهم ثبّت فاطمة بالقول الثابت.

ثم خرج من قبرها وحثا عليها حثيّات، ثم ضرب بيده اليمني علي اليسري فنفضهما ثم قال: والذي نفس محمد بيده لقد سمعت فاطمة تصفيق يميني علي شمالي.

فقام إليه عمّار بن ياسر فقال: فداك

أبي واُمّي يا رسول الله لقد صلّيت عليها صلاة لم تصلّ علي أحد قبلها مثل تلك الصلاة.

فقال: يا أبا اليقظان وأهل ذلك هي منّي؟

لقد كان لها من أبي طالب عليه السلام ولد كثير ولقد كان خيرهم كثيراً وكان خيرنا قليلاً فكانت تشبعني وتجيعهم، وتكسوني وتعريهم، وتدهنني وتشعثهم.

قال: فلِمَ كبّرت عليها أربعين تكبيرة يا رسول الله؟

قال: نعم يا عمّار التفت عن يميني فنظرت إلي أربعين صفّاً من الملائكة فكبّرت لكل صف تكبيرة.

قال: فتمدّدك في القبر ولم يسمع لك أنين ولا حركة؟

قال: إنّ الناس يحشرون يوم القيامة عراة ولم أزل أطلب إلي ربّي عزّوجلّ أن يبعثها ستيرة، والذي نفس محمد بيده ما خرجت من قبرها حتي رأيت مصباحين من نور عند رأسها ومصباحين من نور عند يديها ومصباحين من نور عند رجليها وملكيها الموكّلين بقبرها يستغفران لها إلي أن تقوم الساعة ().

وفي بعض الروايات أن النبي صلي الله عليه و اله كبر علي جنازتها سبعين تكبيرة ممّا يدلّ علي عظمتها، ففي الحديث أنّه لمّا حانت وفاة السيّدة فاطمة بنت أسد صلّي رسول الله صلي الله عليه و اله عليها وكبّر سبعين تكبيرة ثم لحّدها في قبرها بيده الكريمة، إلي أن قال صلي الله عليه و اله: وأمّا تكبيري سبعين تكبيرة فإنّما صلّي عليها سبعون صفّاً من الملائكة().

وإلي جانب ذلك، فإنّ عظم التجليل الذي أولاه رسول الله صلي الله عليه و اله لها عند وفاتها وتشييعها ودفنها يدلّ بوضوح علي عظم مقامها الرفيع.

فعن أبي عبد الله عليه السلام قال: إنّ فاطمة بنت أسد اُمّ أمير المؤمنين عليه السلام كانت أول امرأة هاجرت إلي رسول الله صلي الله عليه و اله من مكة إلي المدينة علي قدميها، وكانت من

أبرّ الناس برسول الله صلي الله عليه و اله، فسمعت رسول الله صلي الله عليه و اله وهو يقول: إنّ الناس يحشرون يوم القيامة عراة كما ولدوا، فقالت: وا سوأتاه، فقال لها رسول الله صلي الله عليه و اله: فإنّي أسأل الله أن يبعثك كاسية.

وسمعته يذكر ضغطة القبر، فقالت: وا ضعفاه، فقال لها رسول الله صلي الله عليه و اله: فإنّي أسأل الله أن يكفيك ذلك.

وقالت لرسول الله صلي الله عليه و اله يوماً: إنّي اُريد أن أعتق جاريتي هذه، فقال لها: إن فعلت أعتق الله بكل عضو منها عضواً منك من النار، فلمّا مرضت أوصت إلي رسول الله صلي الله عليه و اله وأمرت أن يعتق خادمها واعتقل لسانها فجعلت تومي إلي رسول الله صلي الله عليه و اله إيماءً، فقبل رسول الله صلي الله عليه و اله وصيّتها.

فبينما هو صلي الله عليه و اله ذات يوم قاعد إذ أتاه أمير المؤمنين عليه السلام وهو يبكي، فقال له رسول الله صلي الله عليه و اله: ما يبكيك؟

فقال: ماتت اُمّي فاطمة.

فقال رسول الله صلي الله عليه و اله: واُمّي والله،وقام مسرعاً حتي دخل فنظر إليها وبكي.

ثم أمر صلي الله عليه و اله النساء أن يغسلنها وقال صلي الله عليه و اله: إذا فرغتنّ فلا تحدثنّ شيئاً حتي تعلمنني، فلمّا فرغن أعلمنه بذلك فأعطاهنّ أحد قميصيه الذي يلي جسده وأمرهنّ أن يكفّنها فيه، وقال للمسلمين: إذا رأيتموني قد فعلت شيئاً لم أفعله قبل ذلك فسلوني لِمَ فعلته.

فلمّا فرغن من غسلها وكفنها دخل صلي الله عليه و اله فحمل جنازتها علي عاتقه، فلم يزل تحت جنازتها حتي أوردها قبرها، ثم وضعها ودخل القبر فاضطجع فيه.

ثم قال: فأخذها

علي يديه حتي وضعها في القبر ثم انكبّ عليها طويلاً يناجيها ويقول لها: ابنك ابنك (ابنك)، ثم خرج وسوّي عليها ثم انكبّ علي قبرها، فسمعوه يقول: لا إله إلاّ الله اللهمّ إنّي أستودعها إيّاك، ثم انصرف.

فقال له المسلمون: إنّا رأيناك فعلت أشياء لم تفعلها قبل اليوم؟

فقال: اليوم فقدت برّ أبي طالب إن كانت ليكون عندها الشيء فتؤثرني به علي نفسها وولدها، وإنّي ذكرت القيامة وأنّ الناس يحشرون عراة، فقالت: وا سوأتاه، فضمنت لها أن يبعثها الله كاسية، وذكرت ضغطة القبر، فقالت: وا ضعفاه، فضمنت لها أن يكفيها الله ذلك فكفّنتها بقميصي، واضطجعت في قبرها لذلك وانكببت عليها فلقّنتها ما تسأل عنه، فإنّها سُئلت عن ربّها فقالت، وسُئلت عن رسولها فأجابت، وسُئلت عن وليّها وإمامها فارتجّ عليها، فقلت: ابنك ابنك (ابنك) ().

باب للحوائج إلي الله

وقد أصبحت السيّدة فاطمة بنت أسد عليها السلام لمقامها الرفيع وإخلاصها الشديد من أولياء الله الذين يتوسّل بهم في قضاء الحوائج المستعصية، والمؤيّدات علي ذلك كثيرة، إلاّ أنّنا نقتصر علي ما يلي:

عن داود الرقّي قال: دخلت علي أبي عبد الله عليه السلام ولي علي رجل مال قد خفت تواه، فشكوت إليه ذلك، فقال لي: إذا صرت بمكّة فطف عن عبد المطّلب طوافاً وصلّ ركعتين عنه، وطف عن أبي طالب طوافاً وصلّ عنه ركعتين، وطف عن عبد الله طوافاً وصلّ عنه ركعتين، وطف عن آمنة طوافاً وصلّ عنها ركعتين، وطف عن فاطمة بنت أسد طوافاً وصلّ عنها ركعتين، ثم اُدع أن يردّ عليك مالك، قال: ففعلت ذلك ثم خرجت من باب الصفا وإذا غريمي واقف يقول: يا داود حبستني تعال اقبض مالك().

قبرها الشريف

قبرها الشريف في البقيع الغرقد بقرب قبور أئمة أهل البيت عليهم السلام، وقد هدم الوهابيون تلك القباب الطاهرة، ويجب علي المسلمين السعي لإعادة تلك القباب الشريفة.

قال السمهودي: إنّ قبرها في موضع من البقيع كان يعرف بحمام أبي قطيفة، بجهة مشهد سيدنا إبراهيم، وعليه قبّة، واليوم يقابلها نخل يعرف بالحمام، وإنّ مشهد فاطمة معروف.

وعن عيسي بن عبدالله، عن أبيه عن جدّه، أنّ رسول الله صلي الله عليه و اله دفن فاطمة بنت أسد بن هاشم اُمّ علي بن أبي طالب بالروحاء مقابل حمام أبي قطيفة ().

زيارتها الشريفة

ومن خصائص السيّدة فاطمة بنت أسد عليها السلام أنّه قد وردت في حقّها زيارة خاصّة دون سائر اُمّهات المعصومين ما عدا الصدّيقة الزهراء عليها السلام والسيّدة نرجس عليها السلام، وممّا يدلّ علي عظم شأنها وجلالة قدرها هي العبارات الرفيعة التي وردت في زيارتها وهي:

«السلام علي نبي الله، السلام علي رسول الله، السلام علي محمّد سيّد المرسلين، السلام علي محمّد سيّد الأوّلين، السلام علي محمّد سيّد الآخرين، السلام علي من بعثه الله رحمة للعالمين، السلام عليك أيّها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علي فاطمة بنت أسد الهاشمية، السلام عليك أيّتها الصدّيقة المرضية، السلام عليك أيّتها التقية النقيّة، السلام عليك أيّتها الكريمة الرضية المرضية، السلام عليك يا كافلة محمّد خاتم النبيين، السلام عليك يا والدة سيّد الوصيين، السلام عليك يا من ظهرت شفقتها علي رسول الله خاتم النبيين، السلام عليك يا من تربيتها لولي الله الأمين، السلام عليك وعلي روحك وبدنك الطاهر، السلام عليك وعلي ولدك، ورحمة الله وبركاته، أشهد أنّك قد أحسنت الكفالة، وأدّيت الأمانة، واجتهدت في مرضات الله، وبالغت في حفظ رسول الله، عارفة بحقّه، مؤمنة بصدقه، معترفة بنبوّته، مستبصرة

بنعمته، كافلة بتربيته، مشفقة علي نفسه، واقفة علي خدمته، مختارة رضاه، مؤثرة هواه، وأشهد أنّك مضيت علي الإيمان، والتمسّك بأشرف الأديان، راضية مرضية، طاهرة زكية، تقية نقية، فرضي الله عنك وأرضاك، وجعل الجنّة منزلك ومأواك، اللهمّ صلّ علي محمّد وآل محمّد، وانفعني بزيارتها، وثبّتني علي محبّتها، ولا تحرمني شفاعتها، وشفاعة الأئمّة من ذرّيتها، وارزقني مرافقتها، واحشرني معها ومع أولادها الطاهرين، اللهمّ لا تجعله آخر العهد من زيارتي إيّاها، وارزقني العود إليها أبدا، ما أبقيتني، وإذا توفّيتني فاحشرني في زمرتها، وادخلني في شفاعتها، برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهمّ بحقّها عندك، ومنزلتها لديك، اغفر لي ولوالدي، ولجميع المؤمنين والمؤمنات، وآتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، وقنا برحمتك عذاب النار» ().

الفصل الرابع والخامس صديقة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السلام

الفصل الرابع والخامس صديقة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السلام

والدة الإمامين الحسن والحسين

عليهما السلام

النسب الشريف

هي السيدة فاطمة بنت محمد صلي الله عليه و اله بن عبد الله بن عبد المطّلب.

اُمّها: السيدة خديجة سيدة نساء العرب، وأبوها سيد البشرية أجمعين من الأولين والآخرين محمد بن عبد الله صلي الله عليه و اله.

ولدت الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السلام في العشرين من جمادي الآخرة سنة خمس وأربعين من مولد النبي صلي الله عليه و اله وكان بعد مبعثه بخمس سنين.

أمّا فضائلها ومناقبها (سلام الله عليها)، فهي كثيرة لا يمكن استقصاؤها، وبيان شيء منها بحاجة إلي كتاب مستقل إلاّ أنّنا نقتصر علي ما يلي:

عند ما خلق الله آدم عليه السلام

الروايات المتواترة تنصّ علي أنّ أهل البيت عليهم السلام خلقوا قبل سائر الخلق وكانوا أنواراً محدقين حول العرش يسبّحون الله تعالي ويهللونه ويمجدونه، وهناك روايات اُخري تصرّح بمكانة الصدّيقة الزهراء عليها السلام الرفيعة ومرتبتها العالية وجاهها العظيم عند الله عزوجل، منها:

ما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام قال:

قال رسول الله صلي الله عليه و اله: «لمّا خلق الله آدم وحواء تبخترا في الجنّة، فقال آدم لحواء: ما خلق الله خلقاً هو أحسن منّا، فأوحي الله إلي جبرئيل: ائت بعبدي الفردوس الأعلي، فلمّا دخلا الفردوس نظرا إلي جارية علي درنوك من درانيك() الجنة وعلي رأسها تاج من نور وفي اُذنيها قرطان من نور قد أشرقت الجنان من نور وجهها، فقال آدم: حبيبي جبرئيل من هذه الجارية التي قد أشرقت الجنان من حسن وجهها؟

فقال: هذه فاطمة بنت محمد صلي الله عليه و اله نبي من ولدك يكون في آخر الزمان.

قال: فما هذا التاج الذي علي رأسها؟

قال: بعلها علي بن أبي طالب عليه السلام ().

قال: فما القرطان اللذان في اُذنيها؟

قال: ولداها الحسن والحسين عليهما السلام.

قال آدم: حبيبي أخلقوا قبلي؟

قال: هم موجودون

في غامض علم الله قبل أن تخلق بأربعة آلاف سنة» ().

نور الكون

ويستفاد من الأخبار الشريفة أنّ الصدّيقة فاطمة عليها السلام كانت نوراً قبل أن يخلق الله سبحانه الكون، وقد نور الله بها السماوات والأرضين، ثم جعل ثواب تسبيح الملائكة وتقديسهم لها ولمحبّيها، وهذه الروايات ممّا تدلّ علي عظمتها وعظمة محبّتها وفضيلة المحبّين لها عليها السلام.

فقد ورد عن سلمان الفارسي أنّه قال: كنت جالساً عند النبي المكرّم صلي الله عليه و اله إذ دخل العباس بن عبد المطّلب فسلّم، فردّ النبي صلي الله عليه و اله عليه ورحّب به، فقال: يا رسول الله! بم فضّل علينا أهل البيت علي بن أبي طالب عليه السلام والمعادن واحدة؟

فقال له النبي المكرّم صلي الله عليه و اله: «إذاً اُخبرك ياعم، إنّ الله تبارك وتعالي خلقني وخلق علياً ولا سماء ولا أرض، ولا جنّة ولا نار، ولا لوح ولا قلم، ولمّا أراد الله تعالي بدو خلقنا فتكلّم بكلمة فكانت نوراً، ثم تكلّم بكلمة ثانية فكانت روحاً، فمزج فيما بينهما فاعتدلا فخلقني وعلياً منهما، ثم فتق من نوري نور العرش فأنا أجلّ من نور العرش، ثم فتق من نور علي عليه السلام نور السماوات فعلي أجلّ من نور السماوات، ثم فتق من نور الحسن عليه السلام نور الشمس، ومن نور الحسين عليه السلام نور القمر، فهما أجلّ من نور الشمس ومن نور القمر، وكانت الملائكة تسبّح الله وتقدّسه وتقول في تسبيحها: سبّوح قدّوس من أنوار ما أكرمها علي الله تعالي، فلمّا أراد الله جلّ جلاله أن يبلو الملائكة أرسل عليهم سحاباً من ظلمة فكانت الملائكة لا ينظر أولها من آخرها ولا آخرها من أولها، فقالت الملائكة: إلهنا وسيدنا منذ خلقنا ما

رأينا مثل ما نحن فيه فنسألك بحق هذه الأنوار إلاّ ما كشفت عنّا.

فقال الله تبارك وتعالي: وعزّتي وجلالي لأفعلنّ، فخلق نور فاطمة عليها السلام يومئذ كالقنديل وعلّقه في قرط العرش، فزهرت السماوات السبع والأرضون السبع، ومن أجل ذلك سمّيت فاطمة الزهراء، وكانت الملائكة تسبّح الله وتقدّسه.

فقال الله عزّوجلّ: وعزّتي وجلالي لأجعلنّ ثواب تسبيحكم وتقديسكم إلي يوم القيامة لمحبّي هذه المرأة وأبيها وبعلها وبنيها».

قال سلمان: فخرج العباس فلقيه أمير المؤمنين عليه السلام فضمّه إلي صدره فقبّل ما بين عينيه، فقال بأبي عترة المصطفي من أهل بيت ما أكرمكم علي الله().

حوراء إنسية

عن رسول الله صلي الله عليه و اله أنه قال: «خلق نور فاطمة عليها السلام قبل أن يخلق الأرض والسماء».

فقال بعض الناس: يا نبي الله فليست هي إنسية؟.

فقال: «فاطمة حوراء إنسية».

قالوا: يا نبي الله، وكيف هي حوراء إنسية؟

قال: «خلقها الله عزّوجلّ من نوره قبل أن يخلق آدم إذ كانت الأرواح، فلمّا خلق الله عزّوجلّ آدم عرضت علي آدم».

قيل: يا نبي الله وأين كانت فاطمة؟

قال: «كانت في حقّة تحت ساق العرش».

قالوا: يا نبي الله فما كان طعامها؟

قال: «التسبيح والتقديس والتهليل والتحميد»

تفاحة الجنة

قال رسول الله صلي الله عليه و اله في حديث عن فاطمة عليها السلام: «فلمّا خلق الله عزوجل آدم وأخرجني من صلبه وأحبّ الله عزوجل أن يخرجها من صلبي جعلها تفاحة في الجنة وأتاني بها جبرئيل عليه السلام، فقال لي: السلام عليك ورحمة الله وبركاته يا محمد.

قلت: وعليك السلام ورحمة الله حبيبي جبرئيل.

فقال: يا محمد! إنّ ربّك يقرؤك السلام.

قلت: منه السلام وإليه يعود السلام.

قال: يا محمد! إنّ هذه تفاحة أهداها الله عزوجل إليك من الجنّة، فأخذتها وضممتها إلي صدري.

قال: يا محمد يقول الله جلّ جلاله: كلها.

ففلقتها فرأيت نوراً ساطعاً وفزعت منه.

فقال: يا محمد ما لك لا تأكل؟ كلها ولا تخف، فإنّ ذلك النور للمنصورة في السماء وهي في الأرض فاطمة.

قلت: حبيبي جبرئيل، ولِمَ سمّيت في السماء المنصورة وفي الأرض فاطمة؟

قال: سمّيت في الأرض فاطمة لأنّها فطمت شيعتها من النار وفطم أعداؤها عن حبّها، وهي في السماء المنصورة وذلك قول الله عزوجل: ?وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ ? بِنَصْرِ اللهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ? يعني نصر فاطمة لمحبّيها» ()، ().

وفي حديث آخر عن رسول الله صلي الله عليه و اله قال: «معاشر الناس تدرون لما خلقت فاطمة»؟ قالوا: الله

ورسوله أعلم.

قال: «خلقت فاطمة حوراء إنسية لا إنسية، قال: خلقت من عرق جبرئيل ومن زغبه» ().

قالوا: يا رسول الله اشتكل ذلك علينا تقول حوراء إنسية لا إنسية ثم تقول من عرق جبرئيل ومن زغبه؟

قال: «إذاً أنبئكم، أهدي إليّ ربّي تفاحة من الجنّة أتاني بها جبرئيل عليه السلام فضمّها إلي صدره فعرق جبرئيل عليه السلام وعرقت التفاحة فصار عرقهما شيئاً واحداً ثم قال: السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته.

قلت: وعليك السلام يا جبرئيل.

فقال: إنّ الله أهدي إليك تفاحة من الجنة فأخذتها فقبّلتها ووضعتها علي عيني وضممتها إلي صدري ثم قال: يا محمد كلها.

قلت: يا حبيبي يا جبرئيل هدية ربّي تؤكل.

قال: نعم قد أمرت بأكلها، فأفلقتها فرأيت منها نوراً ساطعاً ففزعت من ذلك النور.

قال: كل، فإنّ ذلك نور المنصورة فاطمة.

قلت: ياجبرئيل ومن المنصورة؟

قال: جارية تخرج من صلبك واسمها في السماء منصورة وفي الأرض فاطمة.

فقلت: ياجبرئيل ولِمَ سمّيت في السماء منصورة وفي الأرض فاطمة؟

قال: سمّيت فاطمة في الأرض لأنه فطمت شيعتها من النار وفطموا أعداؤها عن حبّها وذلك قول الله في كتابه ?ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله?() بنصر فاطمة عليها السلام» ().

إنها عليها السلام هدية السماء

من الخصائص المهمة للسيدة الزهراء عليها السلام هو اصطفاء الباري تعالي لنطفتها واستخلاصه لها وانتخابها من صفوة ثمار الجنة.

فقد تميّزت الصدّيقة فاطمة (سلام الله عليها) عمن سواها من النساء حتي في نطفتها، حيث إنّ الله تعالي أتحف رسوله صلي الله عليه و اله بها من الجنة.

فعن الإمام الرضا عليه السلام قال: قال النبي صلي الله عليه و اله: «لمّا عرج بي إلي السماء أخذ بيدي جبرئيل عليه السلام فأدخلني الجنة فناولني من رطبها فأكلته، فتحوّل ذلك نطفة في صلبي، فلمّا هبطت إلي الأرض واقعت

خديجة عليها السلام فحملت بفاطمة عليها السلام، ففاطمة حوراء إنسية فكلّما اشتقت إلي رائحة الجنة شممت رائحة ابنتي فاطمة» ().

وعن ابن عباس قال: دخلت عائشة علي رسول الله صلي الله عليه و اله وهو يقبّل فاطمة عليها السلام، فقالت له: أتحبّها يا رسول الله؟

قال: أما والله لو علمت حبي لها لأزددت لها حباً، إنه لما عرج بي إلي السماء الرابعة أذّن جبرئيل وأقام ميكائيل، ثم قيل لي: أذّن يا محمد.

فقلت: أتقدّم وأنت بحضرتي ياجبرئيل؟

قال: نعم إنّ الله عزّوجلّ فضّل أنبياءه المرسلين علي ملائكته المقرّبين وفضّلك أنت خاصة.

فدنوت فصلّيت بأهل السماء الرابعة، ثم التفت عن يميني فإذا أنا بإبراهيم عليه السلام في روضة من رياض الجنة وقد اكتنفها جماعة من الملائكة، ثم إني صرت إلي السماء الخامسة ومنها إلي السادسة فنوديت: يا محمد نعم الأب أبوك إبراهيم ونعم الأخ أخوك علي..

فلمّا صرت إلي الحجب أخذ جبرئيل عليه السلام بيدي فأدخلني الجنة، فإذا أنا بشجرة من نور أصلها ملكان يطويان الحلل والحلي فقلت: حبيبي جبرئيل لمن هذه الشجرة؟

فقال: هذه لأخيك علي بن أبي طالب عليه السلام، وهذان الملكان يطويان له الحلي والحلل إلي يوم القيامة.

ثم تقدّمت أمامي فإذا أنا برطب ألين من الزبد وأطيب رائحة من المسك وأحلي من العسل، فأخذت رطبة فأكلتها فتحوّلت الرطبة نطفة في صلبي، فلمّا أن هبطت إلي الأرض واقعت خديجة فحملت بفاطمة، ففاطمة حوراء إنسية فإذا اشتقت إلي الجنة شممت رائحة فاطمة عليها السلام ().

وعن جابر بن عبد الله قال: قيل يا رسول الله إنك تلثم() فاطمة وتلتزمها وتدنيها منك وتفعل بها ما لا تفعله بأحد من بناتك؟

فقال: «إنّ جبرئيل عليه السلام أتاني بتفاحة من تفاح الجنة فأكلتها فتحوّلت ماء في صلبي

ثم واقعت خديجة فحملت بفاطمة فأنا أشم منها رائحة الجنة» ().

الذرية الطاهرة

إن الله تعالي قد منح الصديقة الطاهرة عليها السلام تلك الذرية المباركة، حيث جعل منها الأئمة المعصومين الأطهار عليهم السلام وهذا مما يدل علي شرافتها.

عن سلمان الفارسي أنّه قال: دخلت علي فاطمة عليها السلام والحسن والحسين عليهما السلام يلعبان بين يديها، ففرحت بهما فرحاً شديداً، فلم ألبث حتي دخل رسول الله صلي الله عليه و اله فقلت: يا رسول الله أخبرني بفضيلة هؤلاء لأزداد لهم حباً.

فقال: يا سلمان ليلة اُسري بي إلي السماء أدارني جبرئيل في سماواته وجنّاته، فبينا أنا أدور قصورها وبساتينها ومقاصيرها() إذ شممت رائحة طيبة فأعجبتني تلك الرائحة، فقلت: يا حبيبي ما هذه الرائحة التي غلبت علي روائح الجنة كلّها؟

فقال: يا محمد تفاحة خلقها الله تبارك وتعالي بيده() منذ ثلاثمائة ألف عام ما ندري ما يريد بها.

فبينا أنا كذلك إذ رأيت ملائكة ومعهم تلك التفاحة، فقالوا: يا محمد ربنا السلام يقرأ عليك السلام وقد أتحفك بهذه التفاحة.

قال رسول الله صلي الله عليه و اله: فأخذت تلك التفاحة فوضعتها تحت جناح جبرئيل، فلمّا هبط بي إلي الأرض أكلت تلك التفاحة فجمع الله ماءها في ظهري، فغشيت خديجة بنت خويلد فحملت بفاطمة من ماء تلك التفاحة، فأوحي الله عزّوجلّ إلي أن قد ولد لك حوراء إنسية فزوّج النور من النور، فاطمة من علي، فإني قد زوجتها في السماء وجعلت خمس الأرض مهرها وستخرج فيما بينهما ذرية طيبة وهما سراجا الجنة الحسن والحسين ويخرج من صلب الحسين أئمة يُقتلون ويُخذلون فالويل لقاتلهم وخاذلهم().

وفي خبر طويل نذكر محل الحاجة منه، قال هارون العباسي للإمام الكاظم عليه السلام: اُريد أن أسألك عن العباس وعلي، بم صار

علي عليه السلام أولي بميراث رسول الله صلي الله عليه و اله من العباس والعباس عم رسول الله صلي الله عليه و اله وصنو أبيه؟

فقال له موسي عليه السلام: اعفني.

قال: والله لا أعفيتك فأجبني.

قال: فإن لم تعفني فآمني.

قال: آمنتك.

قال موسي عليه السلام: إنّ النبي صلي الله عليه و اله لم يورث من قدر علي الهجرة فلم يهاجر، إنّ أباك العباس آمن ولم يهاجر وإنّ علياً عليه السلام آمن وهاجر وقال الله: ?الذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتي يهاجروا?().

فالتمع() لون هارون وتغيّر وقال: ما لكم لا تنسبون إلي علي وهو أبوكم وتنسبون إلي رسول الله صلي الله عليه و اله وهو جدّكم؟

فقال موسي عليه السلام: «إنّ الله نسب المسيح عيسي ابن مريم عليه السلام إلي خليله إبراهيم عليه السلام باُمّه مريم البكر البتول التي لم يمسّها بشر في قوله ?ومن ذريته داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسي وهارون وكذلك نجزي المحسنين وزكريا ويحيي وعيسي وإلياس كل من الصالحين?() فنسبه باُمّه وحدها إلي خليله إبراهيم عليه السلام كما نسب داود وسليمان وأيوب وموسي وهارون عليهم السلام بآبائهم واُمهاتهم فضيلة لعيسي عليه السلام ومنزلة رفيعة باُمّه وحدها، وذلك قوله في قصة مريم عليها السلام ?إنّ الله اصطفاك وطهّرك واصطفاك علي نساء العالمين?() بالمسيح من غير بشر، وكذلك اصطفي ربنا فاطمة عليها السلام وطهّرها وفضّلها علي نساء العالمين بالحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة» ().

كيفية ولادتها عليها السلام

بعد أن صدع رسول الله صلي الله عليه و اله بما أمره الله تعالي به أخذ مشركو قريش في أذيته وعكفوا علي تفريق الناس من حوله، حتي آل الأمر بهم إلي فرض حصار شديد عليه وعلي جماعته وذلك في شعب

أبي طالب.

ولم يكن الأمر مقتصراً علي الرسول صلي الله عليه و اله فحسب، بل شمل كل من انتمي إليه وإلي دينه وعلي رأسهم السيدة خديجة صاحبة الجاه الرفيع والمقام العالي.

فقد هجرتها نساء قريش لنصرتها لرسول الله صلي الله عليه و اله وتضحيتها الجليلة من أجل إعلاء راية الحق خفّاقة.

وتشاء إرادة السماء أن تبقي هذه السيدة الجليلة وحيدة فريدة بلا مؤنس سوي جنينها «الزهراء عليها السلام» التي كانت تؤنس وحشتها بحديثها إيّاها.

بل في أشدّ الأوقات حين أخذ المخاض من بنت خويلد مأخذاً عظيماً بعثت إلي بعض نساء قريش كي يلينها ما تلي النساء من النساء فأبين أن يأتين إليها..

عن المفضل بن عمر قال: قلت لأبي عبد الله الصادق عليه السلام كيف كان ولادة فاطمة عليها السلام؟

قال: «نعم إنّ خديجة عليها السلام لمّا تزوّج بها رسول الله صلي الله عليه و اله هجرتها نسوة مكة فكن لا يدخلن عليها ولا يسلّمن عليها ولا يتركن امرأة تدخل عليها، فاستوحشت خديجة لذلك وكان جزعها وغمّها حذراً عليه صلي الله عليه و اله، فلمّا حملت بفاطمة كانت فاطمة عليها السلام تحدّثها من بطنها وتصبّرها، وكانت تكتم ذلك من رسول الله صلي الله عليه و اله فدخل رسول الله صلي الله عليه و اله يوماً فسمع خديجة عليها السلام تحدّث فاطمة عليها السلام، فقال لها: يا خديجة من تحدّثين؟

قالت: الجنين الذي في بطني يحدّثني ويؤنسني.

قال: ياخديجة هذا جبرئيل يخبرني أنها اُنثي، وأنها النسلة الطاهرة الميمونة، وأنّ الله تبارك وتعالي سيجعل نسلي منها وسيجعل من نسلها أئمّة ويجعلهم خلفاءه في أرضه بعد انقضاء وحيه.

فلم تزل خديجة عليها السلام علي ذلك إلي أن حضرت ولادتها، فوجّهت إلي نساء قريش وبني هاشم أن تعالين

لتلين مني ما تلي النساء، فأرسلن إليها أنت عصيتنا ولم تقبلي قولنا وتزوّجت محمداً يتيم أبي طالب فقير لا مال له فلسنا نجيء ولا نلي من أمرك شيئاً.

فاغتمّت خديجة عليها السلام لذلك، فبينا هي كذلك إذ دخل عليها أربع نسوة سمر طوال كأنهن من نساء بني هاشم، ففزعت منهن لما رأتهن.

فقالت إحداهن: لا تحزني يا خديجة، أرسلنا ربك إليك ونحن أخواتك، أنا سارة، وهذه آسية بنت مزاحم وهي رفيقتك في الجنّة، وهذه مريم بنت عمران، وهذه كلثوم اُخت موسي بن عمران، بعثنا الله إليك لنلي منك ما تلي النساء.

فجلست واحدة عن يمينها واُخري عن يسارها والثالثة بين يديها والرابعة من خلفها فوضعت فاطمة عليها السلام طاهرة مطهّرة.

فلمّا سقطت إلي الأرض أشرق منها النور حتي دخل بيوتات مكة ولم يبق في شرق الأرض ولا غربها موضع إلاّ أشرق فيه ذلك النور، ودخل عشر من الحور العين كل واحدة منهن معها طست من الجنة وإبريق من الجنة، وفي الإبريق ماء من الكوثر، فتناولتها المرأة التي كانت بين يديها فغسلتها بماء الكوثر وأخرجت خرقتين بيضاوين أشد بياضاً من اللبن وأطيب ريحاً من المسك والعنبر، فلفّتها بواحدة وقنعتها بالثانية، ثم استنطقتها فنطقت فاطمة عليها السلام بالشهادتين وقالت: أشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّ أبي رسول الله سيد الأنبياء وأنّ بعلي سيد الأوصياء وولدي سادة الأسباط، ثم سلّمت عليهن وسمّت كل واحدة منهن باسمها، وأقبلن يضحكن إليها، وتباشرت الحور العين، وبشّر أهل السماء بعضهم بعضاً بولادة فاطمة عليها السلام، وحدث في السماء نور زاهر لم تره الملائكة قبل ذلك، وقالت النسوة: خذيها يا خديجة طاهرة مطهّرة، زكية ميمونة، بورك فيها وفي نسلها، فتناولتها فرحة مستبشرة وألقمتها ثديها فدر عليها،

فكانت فاطمة عليها السلام تنمي في اليوم كما ينمي الصبي في الشهر، وتنمي في الشهر كما ينمي الصبي في السنة» ().

لماذا سمّيت بفاطمة؟

لا يخفي أنّ الأسماء لها دلالاتها وآثارها الخاصة علي النفوس والنفسيات، ولذا أمر الشارع المقدس بانتخاب الأسماء الحسنة، وجعله من مسؤولية الوالد بالذات().

وبالرغم من أنّ انتخاب أسماء الأبناء للناس العاديين يكون من مسؤولية الوالدين إلاّ أنّ الأئمة المعصومين عليهم السلام يختلفون عن غيرهم في ذلك، إذ أنّ السماء تختار أسماءهم، وقد تم انتخاب هذه الأسماء الطاهرة قبل خلق الخليقة وهذا ما تؤكّده الروايات الشريفة.

فعن ابن يونس بن ظبيان قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: «لفاطمة عليها السلام تسعة أسماء عند الله عزّوجلّ: فاطمة، والصدّيقة، والمباركة، والطاهرة، والزكية، والراضية، والمرضية، والمحدّثة، والزهراء، ثم قال: أتدري أي شيء تفسير فاطمة عليها السلام؟

قلت: أخبرني يا سيدي؟

قال: فطمت من الشر.

قال: ثم قال: لولا أنّ أمير المؤمنين عليه السلام تزوّجها ما كان لها كفؤ إلي يوم القيامة علي وجه الأرض، آدم فمن دونه» ().

وذكر ابن شيرويه في الفردوس عن جابر الأنصاري قال النبي صلي الله عليه و اله: «إنما سمّيت ابنتي فاطمة لأنّ الله فطمها وفطم محبيها عن النار» ().

وقال رسول الله صلي الله عليه و اله: «يا فاطمة أتدرين لِمَ سمّيت فاطمة؟

فقال علي عليه السلام: يا رسول الله لِمَ سمّيت؟

قال: لأنها فطمت هي وشيعتها من النار» ().

وعن أبي جعفر عليه السلام قال: «لمّا ولدت فاطمة عليها السلام أوحي الله إلي ملك فأنطق به لسان محمد صلي الله عليه و اله فسمّاها فاطمة، ثم قال: إني فطمتك بالعلم وفطمتك من الطمث، ثم قال أبو جعفر عليه السلام: والله لقد فطمها الله بالعلم وعن الطمث في الميثاق» ().

كما روي

عن عبد الله بن الحسن بن الحسن أنّه قال: قال لي أبو الحسن لِمَ سمّيت فاطمة فاطمة؟

قلت: فرقاً بينه وبين الأسماء.

قال: إنّ ذلك لمن الأسماء ولكن الاسم الذي سمّيت به، إنّ الله تبارك وتعالي علم ما كان قبل كونه فعلم أنّ رسول الله صلي الله عليه و اله يتزوّج في الأحياء وأنهم يطمعون في وراثة هذا الأمر من قبله فلمّا ولدت فاطمة سمّاها الله تبارك وتعالي فاطمة لما أخرج منها وجعل في ولدها ففطمهم عمّا طمعوا فبهذا سمّيت فاطمة لأنها فطمت طمعهم ومعني فطمت قطعت» ().

وعن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه و اله يقول: «إني سمّيت فاطمة لأنها فطمت وذريتها من النار، من لقي الله منهم بالتوحيد والإيمان بما جئت به» ().

وعن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: ?إنا أنزلناه في ليلة القدر?() ?الليلة فاطمة والقدر الله فمن عرف فاطمة حق معرفتها فقد أدرك ليلة القدر، وإنما سمّيت فاطمة لأنّ الخلق فطموا عن معرفتها?().

لماذا سمّيت بالزهراء؟

من سيرة العقلاء المتداولة أنهم يضعون الألفاظ بإزاء المعاني عند وجود علقة بينهما، فتري أن هناك علقة خاصة بين الألفاظ ومعانيها عادة، بحيث تصل هذه العلقة إلي مرحلة يذوب اللفظ في المعني ويندك فيه حتّي أنّ الناس ينظرون إلي المعني ويهملون اللفظ.

وفي أسماء الأشخاص كذلك، فلوجود مثل هذه العلقة المتينة نجد أنّ كثيراً من الأسماء توضع.

ومن هنا سميت الصديقة فاطمة، بالزهراء (عليها الصلاة والسلام).

وقد سئل الأئمّة الأطهار عليهم السلام عن هذه العلقة فأجابوا وأشاروا به إلي عظمة السيدة فاطمة عليها السلام.

فعن جعفر بن محمد بن عمارة عن أبيه قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن فاطمة لِمَ سمّيت الزهراء؟

فقال: «لأنها كانت إذا

قامت في محرابها زهر نورها لأهل السماء كما يزهر نور الكواكب لأهل الأرض» ().

وعن أبان بن تغلب قال: قلت: لأبي عبد الله عليه السلام يا بن رسول الله لِمَ سمّيت الزهراء عليها السلام زهراء؟

فقال: «لأنها تزهر لأمير المؤمنين عليه السلام في النهار ثلاث مرات بالنور، كان يزهر نور وجهها صلاة الغداة والناس في فرشهم فيدخل بياض ذلك النور إلي حجراتهم بالمدينة فتبيض حيطانهم فيعجبون من ذلك فيأتون النبي صلي الله عليه و اله فيسألونه عمّا رأوا فيرسلهم إلي منزل فاطمة عليها السلام، فيأتون منزلها فيرونها قاعدة في محرابها تصلّي والنور يسطع من محرابها من وجهها فيعلمون أنّ الذي رأوه كان من نور فاطمة، فإذا نصف النهار وترتبت للصلاة زهر وجهها عليها السلام بالصفرة فتدخل الصفرة حجرات الناس فتصفر ثيابهم وألوانهم فيأتون النبي صلي الله عليه و اله فيسألونه عمّا رأوا فيرسلهم إلي منزل فاطمة عليها السلام فيرونها قائمة في محرابها وقد زهر نور وجهها صلوات الله عليها، فإذا كان آخر النهار وغربت الشمس احمرّ وجه فاطمة عليها السلام فأشرق وجهها بالحمرة فرحاً وشكر لله عزّوجلّ فكان يدخل حمرة وجهها حجرات القوم وتحمرّ حيطانهم فيعجبون من ذلك ويأتون النبي صلي الله عليه و اله ويسألونه عن ذلك، فيرسلهم إلي منزل فاطمة فيرونها جالسة تسبّح الله وتمجّده ونور وجهها يزهر بالحمرة فيعلمون أنّ الذي رأوا كان من نور وجه فاطمة عليها السلام، فلم يزل ذلك النور في وجهها حتي ولد الحسين عليه السلام فهو يتقلّب في وجوهنا إلي يوم القيامة في الأئمّة منّا أهل البيت إمام بعد إمام» ().

وعن ابن مسعود أنّه قال: قال رسول الله صلي الله عليه و اله: «إنّ الله خلقني وخلق علياً والحسن

والحسين عليهم السلام من نور قدسه، فلمّا أراد أن ينشئ الصنعة فتق نوري وخلق منه السماوات والأرض وأنا والله أجلّ من السماوات والأرض، وفتق نور علي وخلق منه العرش والكرسي وعلي والله أجلّ من العرش والكرسي، وفتق نور الحسن وخلق منه الحور العين والملائكة والحسن والله أجلّ من الحور العين والملائكة، وفتق نور الحسين وخلق منه اللوح والقلم والحسين والله أجلّ من اللوح والقلم، فعند ذلك أظلمت المشارق والمغارب فضجّت الملائكة ونادت إلهنا: وسيدنا بحق الأشباح التي خلقتها إلاّ ما فرّجت عنّا هذه الظلمة، فعند ذلك تكلّم الله لكلمة اُخري فخلق منها روحاً فاحتمل النور الروح فخلق منه الزهراء فاطمة فأقامها أمام العرش فأزهرت المشارق والمغارب فلأجل ذلك سمّيت الزهراء» ().

وعن جابر، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت: لِمَ سمّيت فاطمة الزهراء زهراء؟

فقال: لأنّ الله عزّوجلّ خلقها من نور عظمته، فلمّا أشرقت أضاءت السماوات والأرض بنورها وغشيت أبصار الملائكة وخرّت الملائكة لله ساجدين وقالوا: إلهنا وسيدنا ما هذا النور؟

فأوحي الله إليهم: هذا نور من نوري، أسكنته في سمائي، خلقته من عظمتي، أخرجه من صلب نبي من أنبيائي اُفضّله علي جميع الأنبياء، واُخرج من ذلك النور أئمّة يقومون بأمري، يهدون إلي حقّي، وأجعلهم خلفائي في أرضي بعد انقضاء وحيي» ().

وعن أبي هاشم العسكري قال: سألت صاحب العسكر عليه السلام لِمَ سمّيت فاطمة عليها السلام الزهراء؟

فقال: «كان وجهها يزهر لأمير المؤمنين عليه السلام من أول النهار كالشمس الضاحية، وعند الزوال كالقمر المنير، وعند الغروب غروب الشمس كالكوكب الدرّي» ().

إلي غيرها من الروايات.

من فضائلها وكراماتها عليها السلام

مائدة من السماء

بين الفترة والاُخري كانت تصدر من الزهراء عليها السلام كرامات ومعاجز تدلّ علي عظمتها ومدي قداستها وعلوّ شأنها عند الله تعالي.

ومنها: ما روي

عن أبي سعيد الخدري أنه قال: أصبح علي عليه السلام ذات يوم فقال: «يا فاطمة عندك شيء تغذينيه؟».

قالت: «لا والذي أكرم أبي بالنبوّة وأكرمك بالوصية، ما أصبح اليوم عندي شيء اُغذيكاه، وما كان عندي شيء منذ يومين إلاّ شيء كنت اُوثرك به علي نفسي وعلي ابني هذين حسن وحسين».

فقال علي عليه السلام: «يا فاطمة ألا كنت أعلمتني فأبغيكم شيئاً؟».

فقالت: ¬ «يا أبا الحسن، إني لأستحيي من إلهي أن تكلّف نفسك ما لا تقدر عليه».

فخرج علي عليه السلام من عند فاطمة عليها السلام واثقاً بالله، حسن الظنّ به عزّوجلّ فاستقرض ديناراً فأخذه ليشتري لعياله ما يصلحهم، فعرض له المقداد بن الأسود في يوم شديد الحر قد لوحته الشمس من فوقه وآذته من تحته.

فلمّا رآه علي عليه السلام أنكر شأنه، فقال: «يا مقداد ما أزعجك هذه الساعة من رحلك»؟

فقال: يا أبا الحسن عليه السلام خلّ سبيلي ولا تسألني عمّا ورائي.

قال: «يا أخي لا يسعني أن تجاوزني حتي أعلم علمك».

فقال: يا أبا الحسن رغبت إلي الله وإليك أن تخلّي سبيلي ولا تكشفني عن حالي.

فقال: «يا أخي إنه لا يسعك أن تكتمني حالك».

فقال: يا أبا الحسن أما إذا أبيت فوالذي أكرم محمداً صلي الله عليه و اله بالنبوة وأكرمك بالوصية ما أزعجني من رحلي إلاّ الجهد وقد تركت عيالي جياعاً، فلمّا سمعت بكاءهم لم تحملني الأرض فخرجت مهموماً راكباً رأسي هذه حالي وقصتي.

فانهملت عينا علي عليه السلام بالبكاء حتي بلّت دمعته لحيته، فقال له: «أحلف بالذي حلفت به ما أزعجني إلاّ الذي أزعجك، وقد اقترضت ديناراً فهاكه، فقد آثرتك علي نفسي». فدفع الدينار إليه ورجع حتي دخل المسجد فصلّي الظهر والعصر والمغرب، فلمّا قضي رسول الله صلي الله عليه

و اله المغرب مرّ بعلي عليه السلام وهو في الصف الأول فغمزه برجله، فقام علي عليه السلام فلحقه في باب المسجد فسلّم عليه فردّ رسول الله صلي الله عليه و اله، فقال: «يا أبا الحسن! هل عندك عشاء تعشّيناه فنميل معك». فمكث مطرقاً لا يحير جواباً حياءً من رسول الله صلي الله عليه و اله وقد عرف صلي الله عليه و اله ما كان من أمر الدينار ومن أين أخذه وأين وجّهه بوحي من الله إلي نبيه وأمره أن يتعشّي عند علي عليه السلام تلك الليلة، فلمّا نظر إلي سكوته قال: «يا أبا الحسن ما لك لا تقول لا فأنصرف أو تقول نعم فأمضي معك»؟

فقال حياءً وتكرّماً: ¬ «فاذهب بنا».

فأخذ رسول الله صلي الله عليه و اله بيد علي عليه السلام فانطلقا حتي دخلا علي فاطمة عليها السلام وهي في مصلاّها قد قضت صلاتها وخلفها جفنة() تفور دخاناً، فلمّا سمعت كلام رسول الله صلي الله عليه و اله خرجت من مصلاّها فسلّمت عليه، وكانت أعزّ الناس عليه، فردّ السلام ومسح بيده علي رأسها وقال لها: «يا بنتاه كيف أمسيت رحمك الله»؟

قالت: «بخير».

قال: «عشّينا رحمك الله وقد فعل، فأخذت الجفنة فوضعتها بين يدي رسول الله صلي الله عليه و اله وعلي عليه السلام، فلمّا نظر علي عليه السلام إلي الطعام وشمّ ريحه رمي فاطمة عليها السلام ببصره رمياً شحيحاً …

قال: فنظرت إلي السماء، فقالت: «إلهي يعلم ما في سمائه وأرضه أنّي لم أقل إلاّ حقاً».

فقال لها: «يا فاطمة أنّي لك هذا الطعام الذي لم أنظر إلي مثل لونه ولم أشم مثل رائحته قط ولم آكل أطيب منه»؟

قال: فوضع رسول الله صلي الله عليه و اله كفّه

الطيبة المباركة بين كتفي علي عليه السلام فغمزها ثم قال: «يا علي هذا بدل عن دينارك، هذا جزاء دينارك من عند الله، إنّ الله يرزق من يشاء بغير حساب».

ثم استعبر النبي صلي الله عليه و اله باكياً ثم قال: «الحمد لله الذي أبي لكم أن تخرجا من الدنيا حتي يجريك يا علي مجري زكريا، ويجري فاطمة مجري مريم بنت عمران» ().

إسلام اليهود

علي الرغم أنّ أهل البيت عليهم السلام كانوا يملكون الكثير من الخيرات إلاّ أنهم كانوا لا يبقون شيئاً منها لأنفسهم وإنما ينفقونها للآخرين كما ورد في الآية الشريفة ?ويؤثرون علي أنفسهم ولو كان بهم خصاصة?().

بل إنهم عليهم السلام في بعض الأحيان كانوا يضطرون إلي الاقتراض وما أشبه ليسدّوا به حاجتهم ويحافظوا علي أنفسهم من التلف والعطب. ومثل هذه الأخلاقيات الرفيعة عند أهل البيت عليهم السلام عادة كانت تؤثر في نفوس الآخرين وتجعلهم يسيرون علي نهج الحق الذي ضحّي أهل البيت عليهم السلام من أجله.

فقد روي أنّ علياً عليه السلام استقرض شعيراً من يهودي فاسترهنه شيئاً فدفع إليه ملاءة فاطمة عليها السلام رهناً وكانت من الصوف، فأدخلها اليهودي إلي داره ووضعها في بيت. فلمّا كانت الليلة دخلت زوجته البيت الذي فيه الملاءة لشغل فرأت نوراً ساطعاً أضاء به البيت، فانصرفت إلي زوجها وأخبرته بأنها رأت في ذلك البيت ضوءً عظيماً، فتعجّب زوجها اليهودي من ذلك وقد نسي أنّ في بيتهم ملاءة فاطمة عليها السلام، فنهض مسرعاً ودخل البيت، فإذا ضياء الملاءة ينتشر شعاعها كأنه يشتعل من بدر منير يلمع من قريب، فتعجب من ذلك فأنعم النظر في موضع الملاءة فعلم أنّ ذلك النور من ملاءة فاطمة عليها السلام فخرج اليهودي يعدو إلي أقربائه وزوجته تعدو

إلي أقربائها واستحضرهم دارهما، فاستجمع نيف وثمانون نفراً من اليهود، فرأوا ذلك وأسلموا كلّهم().

فضائل تجلّت لإبراهيم الخليل عليه السلام

إنّ الله تعالي كان يعرض علي أنبيائه وخاصته من رسله أنوار أهل البيت عليهم السلام ويبيّن لهم مدي عظمتهم وارتفاع منزلتهم لديه، ومن ذلك هو ما حصل لنبي الله إبراهيم عليه السلام عند خلقته، ففي الحديث:

عن رسول الله صلي الله عليه و اله أنه قال: «لمّا خلق الله إبراهيم الخليل عليه السلام كشف الله عن بصره فنظر إلي جانب العرش فرأي نوراً، فقال: إلهي وسيدي ما هذا النور؟

قال: يا إبراهيم هذا محمد صفيي.

فقال: إلهي وسيدي أري إلي جانبه نوراً آخر؟.

فقال: يا إبراهيم هذا علي ناصر ديني.

فقال: إلهي وسيدي أري إلي جانبهما نوراً ثالثاً؟

قال: يا إبراهيم هذه فاطمة تلي أباها وبعلها، فطمت محبيها من النار.

قال: إلهي وسيدي أري نورين يليان الثلاثة الأنوار؟

قال: يا إبراهيم هذان الحسن والحسين يليان أباهما وجدّهما واُمّهما.

فقال: إلهي وسيدي أري تسعة أنوار أحدقوا بالخمسة الأنوار؟

قال: يا إبراهيم هؤلاء الأئمة من ولدهم.

فقال: إلهي وسيدي فبمن يعرفون؟

قال: يا إبراهيم أولهم: علي بن الحسين، ومحمد ولد علي، وجعفر ولد محمد، وموسي ولد جعفر، وعلي ولد موسي، ومحمد ولد علي، وعلي ولد محمد، والحسن ولد علي، ومحمد ولد الحسن القائم المهدي عليهم السلام.

قال: إلهي وسيدي أري عدة أنوار حولهم لا يحصي عدتهم إلاّ أنت؟

قال: يا إبراهيم هؤلاء شيعتهم ومحبوهم.

قال: إلهي وبما يعرفون شيعتهم ومحبيهم؟

قال: بصلاة الإحدي والخمسين، والجهر ب «بسم الله الرحمن الرحيم»، والقنوت قبل الركوع، وسجدة الشكر، والتختم باليمين.

قال إبراهيم: اللهم اجعلني من شيعتهم ومحبيهم.

قال: قد جعلتك، فأنزل الله فيه: ?وإنّ من شيعته لإبراهيم إذ جاء ربه بقلب سليم?()، ().

التوسّل بالزهراء عليها السلام

بلغ قداسة الصدّيقة الزهراء عليها السلام وارتفاع مقامها عند الله تعالي بحيث إنّ كل من يتوسل بها إلي الله تعالي بنية صافية، ويقدّمها بين يدي

حوائجه، فإنه لايرد خائباً خالي اليدين، والشواهد الدالة علي ذلك كثيرة، ولو أردنا استقصاءها لاحتاج إلي مصنّف ضخم.

ونقرأ في دعاء التوسل: «يا فاطمة الزهراء، يا بنت محمد، يا قرة عين الرسول، يا سيدتنا ومولاتنا، إنا توجهنا واستشفعنا وتوسلنا بك إلي الله، وقدمناك بين يدي حاجاتنا، يا وجيهة عند الله اشفعي لنا عند الله» ().

وصلاة الاستغاثة بالصديقة الطاهرة عليها السلام معروفة.

قال الإمام الصادق عليه السلام: «إذا كانت لك حاجة إلي الله وضقت بها ذرعاً فصل ركعتين، فإذا سلمت كبّر الله ثلاثاً، وسبح تسبيح فاطمة عليها السلام، ثم اسجد وقل مائة مرة: (يا مولاتي يا فاطمة أغيثيني) ثم ضع خدك الأيمن علي الأرض وقل مثل ذلك، ثم عد إلي السجود وقل ذلك مائة مرة وعشر مرات، واذكر حاجتك فإن الله يقضيها» ().

ونذكر هنا قصة أم أيمن كشاهد علي ذلك:

أنا خادمة فاطمة عليها السلام

روي أنّ اُمّ أيمن لمّا توفّيت فاطمة عليها السلام حلفت أن لا تكون بالمدينة إذ لاتطيق النظر إلي مواضع كانت عليها السلام فيها، فخرجت إلي مكة، فلمّا كانت في بعض الطريق عطشت عطشاً شديداً، فرفعت يديها وقالت: يا رب أنا خادمة فاطمة تقتلني عطشاً؟!

فأنزل الله عليها دلواً من السماء فشربت، فلم تحتج إلي الطعام والشراب سبع سنين وكان الناس يبعثونها في اليوم الشديد الحرّ فما يصيبها عطش().

إنه من عند الله

علي الرغم من إنّ التاريخ لم ينقل لنا إلاّ القليل من مناقب وفضائل أهل البيت عليهم السلام إلاّ أنّ الذي وصلنا منها كافٍ وواف لمعرفة أفضليتهم وشرافتهم علي غيرهم من الناس، فإنهم أفضل الخلق بعد رسول الله صلي الله عليه و اله.

إنّ التاريخ لم ينقل لنا إلا القليل من فضائل الصدّيقة الزهراء عليها السلام إلاّ أنّ فضائلها التي وصلتنا كافية في معرفة قداستها.

يقول أبو سعيد الخدري: أهديت إلي رسول الله صلي الله عليه و اله قطيفة() منسوجة بالذهب أهداها له ملك الحبشة، فقال رسول الله صلي الله عليه و اله: «لأعطيها رجلاً يحب الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله».

فمدّ أصحاب محمد رسول الله صلي الله عليه و اله أعناقهم إليها.

فقال رسول الله صلي الله عليه و اله: «أين علي»؟

قال عمار بن ياسر: فلما سمعت ذلك وثبت حتي أتيت علياً عليه السلام فأخبرته، فجاء، فدفع رسول الله صلي الله عليه و اله القطيفة إليه فقال: أنت لها.

فخرج بها إلي سوق المدينة فنقضها سلكاً سلكاً، فقسّمها في المهاجرين والأنصار، ثم رجع عليه السلام إلي منزله وما معه منها دينار.

فلما كان من غد استقبله رسول الله صلي الله عليه و اله فقال: يا أبا الحسن أخذت أمس ثلاثة آلاف مثقال من ذهب

فأنا والمهاجرون والأنصار نتغدي غداً عندك.

فقال علي عليه السلام: نعم يا رسول الله.

فلمّا كان الغد أقبل رسول الله صلي الله عليه و اله في المهاجرين والأنصار حتي قرعوا الباب، فخرج إليهم وقد عرق من الحياء لأنه ليس في منزله قليل ولا كثير، فدخل رسول الله صلي الله عليه و اله ودخل المهاجرون والأنصار حتي جلسوا، ودخل علي وفاطمة عليهما السلام فإذا هم بجفنة مملوءة ثريداً عليها عراق()، يفور منها ريح المسك الأذفر، فضرب علي عليه السلام بيده عليها فلم يقدر علي حملها، فعاونته فاطمة عليها السلام علي حملها حتي أخرجها فوضعها بين يدي رسول الله صلي الله عليه و اله.

فدخل صلي الله عليه و اله علي فاطمة فقال: أي بنية أنّي لك هذا؟

قالت: يا أبت هو من عند الله إنّ الله يرزق من يشاء بغير حساب.

فقال رسول الله صلي الله عليه و اله: الحمد لله الذي لم يخرجني من الدنيا حتي رأيت في ابنتي ما رأي زكريا في مريم بنت عمران().

من آذاها فقد آذي الرسول صلي الله عليه و اله

الروايات الشريفة تؤكد علي أنّ من آذي الصديقة فاطمة عليها السلام فقد آذي رسول الله صلي الله عليه و اله وأنها (عليها الصلاة والسلام) بضعته وروحه التي بين جنبيه.

وفي الروايات أيضاً أنّ سخط الله تبارك وتعالي ورضاه منوط بسخط ورضا الصدّيقة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السلام الأمر الذي يدلّ علي جلالة قدرها (سلام الله عليها) عند الباري سبحانه ومدي علو شأنها.

فعن مجاهد قال: خرج رسول الله صلي الله عليه و اله وقد أخذ بيد فاطمة عليها السلام وقال: «من عرف هذه فقد عرفها، ومن لم يعرفها فهي فاطمة بنت محمّد، وهي بضعة منّي، وهي قلبي الذي بين جنبي، فمن آذاها فقد آذاني، ومن آذاني

فقد آذي الله» ().

وعليه فإنّ مثل هذه الروايات تدلّ بوضوح علي سخط الله ورسوله علي الذين آذوا الصديقة فاطمة عليها السلام بعد وفاة رسول الله صلي الله عليه و اله فضربوها وكسروا ضلعها وأسقطوا جنينها، وغصبوا نحلتها وحرموها إرثها، ومنعوها حتي من البكاء علي أبيها ().

ومن ذلك ما رواه علي بن أسباط رفعه إلي الرضا عليه السلام أنّ رجلاً من أولاد البرامكة عرض لعلي بن موسي الرضا عليه السلام فقال له ما تقول في أبي بكر؟ قال له: ?سبحان الله والحمد لله ولا إله إلاّ الله والله أكبر?، فألحّ السائل عليه في كشف الجواب، فقال عليه السلام: ?كانت لنا اُم صالحة ماتت وهي عليهما ساخطة ولم يأتنا بعد موتها خبر أنها رضيت عنهما?().

يؤذيني من آذاها

ومن المسلّمات عند كافة المسلمين أنّ أذية الرسول صلي الله عليه و اله محرّمة وأنّ فيها أذية لله عزّوجلّ، ومن تلك الموارد التي صرّح رسول الله صلي الله عليه و اله نفسه أنها تؤذيه هي أذية ابنته الصديقة الزهراء عليها السلام ففي الحديث أنّ سهل بن عبد الله جاء إلي عمر بن عبد العزيز فقال: إنّ قومك يقولون إنك تؤثر عليهم ولد فاطمة؟

فقال عمر: سمعت الثقة من الصحابة أنّ النبي صلي الله عليه و اله قال: فاطمة بضعة منّي، يرضيني ما أرضاها، ويسخطني ما أسخطها، فوالله إني لحقيق أن أطلب رضي رسول الله ورضاه ورضاها في رضي ولدها.

مسرّتها جدّاً ويشني اغتمامها

وقد علموا أنّ النبي يسرّه

وقوله صلي الله عليه و اله هذا يدلّ علي عصمتها عليها السلام، لأنها لو كانت ممّن تقارف الذنوب والعياذ بالله من هذا القول لم يكن مؤذيها مؤذياً له صلي الله عليه و اله علي كل حال.

عن ابن عباس

قال: قال رسول الله صلي الله عليه و اله:

«ياعلي إنّ فاطمة بضعة مني، وهي نور عيني، وثمرة فؤادي، يسوءني ما ساءها، ويسرّني ما سرّها» ().

وعن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلي الله عليه و اله: «إنّ فاطمة عليها السلام شعرة مني، فمن آذي شعرة مني فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذي الله ومن آذي الله لعنه ملأ السماوات والأرض» ().

إن الله يرضي لرضاها ويسخط لسخطها

لقد كان رسول الله صلي الله عليه و اله شديد المحبة لفاطمة عليها السلام وكان صلي الله عليه و اله بين الحين والآخر يشيد بفضائلها أمام الآخرين، ويؤكّد علي أنّ رضاها (سلام الله عليها) من رضا الله وسخطها من سخطه.

عن الصادق جعفر بن محمد، عن أبيه، عن علي بن الحسين، عن الحسين بن علي، عن علي بن أبي طالب عليهم السلام عن رسول الله صلي الله عليه و اله أنه قال: «يا فاطمة إنّ الله تبارك وتعالي ليغضب لغضبك ويرضي لرضاك».

قال: فجاء صندل فقال لجعفر بن محمد عليه السلام: إنّ هؤلاء الشباب يجيئونا عنك بأحاديث منكرة.

فقال له جعفر عليه السلام: وما ذاك يا صندل؟

قال: جاءنا عنك أنك حدّثتهم أنّ الله يغضب لغضب فاطمة عليها السلام ويرضي لرضاها.

قال: فقال جعفر عليه السلام: يا صندل ألستم رويتم فيما تروون إنّ الله تبارك وتعالي ليغضب لغضب عبده المؤمن ويرضي لرضاه.

قال بلي.

قال: فما تنكرون أن تكون فاطمة عليها السلام مؤمنة يغضب الله لغضبها ويرضي لرضاها.

قال: فقال ?الله أعلم حيث يجعل رسالته?().

النبي يقبل فاطمة عليهما السلام

عن حذيفة بن اليمان قال: دخلت عائشة علي النبي صلي الله عليه و اله وهو يقبّل فاطمة (صلوات الله عليها) وقالت: يا رسول الله أتقبلها وهي ذات بعل؟

فقال لها: «أما والله لو عرفت ودّي لها لأزددت لها ودّاً، إنه لمّا عرج بي إلي السماء الرابعة أذّن جبرئيل عليه السلام وأقام ميكائيل ثم قال لي: أذّن قلت أؤذّن، وأنت حاضر؟

فقال: نعم إنّ الله عزّوجلّ فضّل أنبياءه المرسلين علي ملائكته المقرّبين، وفضّلت أنت خاصة يا محمّد، فدنوت، فصلّيت بأهل السماء الرابعة، فلمّا صرت إلي السماء السادسة إذا أنا بملك من نور علي سرير من نور وحوله صف من الملائكة فسلّمت

عليه فردّ عليّ السلام وهو متكئ، فأوحي الله تعالي إليه أيّها الملك سلّم عليك حبيبي وخيرتي من خلقي، فرددت عليه السلام وأنت متكئ؟ فوعزّتي وجلالي لتقومنّ ولتسلّمن عليه ولا تقعد إلي يوم القيامة، فقام الملك وعانقني ثمّ قال: ما أكرمك علي ربّ العالمين.

فلمّا صرت إلي الحجب نوديت ?آمن الرسول بما اُنزل إليه مِن ربّه? فألهمت وقلت ?والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله?() ثم أخذ جبرئيل عليه السلام بيدي فأدخلني الجنة وأنا مسرور، فإذا أنا بشجرة من نور مكلّلة بالنور في أصلها ملكان يطويان الحلي والحلل إلي يوم القيامة، ثم تقدّمت أمامي فإذا أنا بتفاح لم أر تفاحاً أعظم منه، فأخذت واحدة ففلقتها فخرجت عليّ منها حوراء كان أجناحها مقاديم أجنحة النسور، فقلت لمن أنت؟ فبكت وقالت: لابنك المقتول ظلماً الحسين بن علي بن أبي طالب.

ثم تقدّمت أمامي فإذا أنا برطب ألين من الزبد وأحلي من العسل، فأخذت رطبة فأكلتها وأنا أشتهيها، فتحوّلت الرطبة نطفة في صلبي، فلمّا هبطت إلي الأرض واقعت خديحة فحملت بفاطمة، ففاطمة حوراء إنسية فإذا اشتقت إلي رائحة الجنة شممت رائحة ابنتي فاطمة صلوات الله عليها().

سيّدة نساء العالمين

تظافرت الأخبار عن الخاصة والعامة بأنّ الصديقة الزهراء عليها السلام هي سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين، ولم يشكك في مثل هذه المنقبة أحد حتي المخالفين، فعن أبي الحسن الأول عليه السلام قال: قال رسول الله صلي الله عليه و اله: «إنّ الله تبارك وتعالي اختار من النساء أربعاً: مريم وآسية وخديجة وفاطمة» ().

وعن رسول الله صلي الله عليه و اله أنّه قال: «اشتاقت الجنة إلي أربع من النساء: مريم بنت عمران، وآسية بنت مزاحم زوجة فرعون وهي زوجة النبي صلي الله عليه و اله

في الجنة، وخديجة بنت خويلد زوجة النبي صلي الله عليه و اله في الدنيا والآخرة، وفاطمة بنت محمد صلي الله عليه و اله» ().

وعن ابن عباس قال: خطّ رسول الله صلي الله عليه و اله في الأرض أربعة خطوط ثم قال: «أتدرون ما هذا»؟

قالوا: الله ورسوله أعلم.

فقال رسول الله صلي الله عليه و اله: «أفضل نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد صلي الله عليه و اله، ومريم بنت عمران، وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون» ().

وعن عائشة قالت: أقبلت فاطمة تمشي كأنّ مشيتها مشية رسول الله صلي الله عليه و اله قال النبي صلي الله عليه و اله: «مرحباً يا بنتي» فأجلسها عن يمينه أو عن شماله ثم أسرّ إليها حديثاً فبكت، ثم أسرّ إليها حديثاً فضحكت.

فقلت لها: حدّثك رسول الله صلي الله عليه و اله بحديث فبكيت، ثمّ حدّثك بحديث فضحكت، فما رأيت كاليوم أقرب فرحاً من حزن من فرحك؟

فقالت: «ما كنت لأفشي سرّ رسول الله صلي الله عليه و اله».

حتي انّه إذا قُبض سألتها فقالت: «أسرّ إليّ فقال: إنّ جبرئيل كان يعارضني بالقرآن كل سنة مرة وإنه عارضني به العام مرتين ولا أراني إلاّ قد حضر أجلي وإنك أول أهل بيتي لحوقاً بي ونعم السلف أنا لك، فبكيت لذلك، ثمّ قال: ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء هذه الاُمة أو سيّدة نساء المؤمنين، فضحكت لذلك» ().

فاطمة عليها السلام في القرآن

مما يدل علي عظم شأن الصدّيقة الزهراء عليها السلام وارتفاع مكانتها عند الله جل جلاله، هو نزول الكثير من آيات القرآن الكريم في شأنها، وأشادت العديد منها إلي فضائلها وخصالها الحميدة.

ففي الحديث عن أنس بن مالك قال: بينا رسول الله صلي الله عليه و اله

صلّي صلاة الفجر ثم استوي في محرابه كالبدر في تمامه، فقلنا: يا رسول الله إن رأيت أن تفسّر لنا هذه الآية، قوله تعالي: ?فاُولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصدّيقين والشهداء والصالحين?().

فقال النبي صلي الله عليه و اله: «أمّا النبيون فأنا، وأمّا الصدّيقون فعلي بن أبي طالب، وأمّا الشهداء فعمّي حمزة، وأمّا الصالحون فابنتي فاطمة وولداها الحسن والحسين عليهم السلام». فنهض العباس من زاوية المسجد إلي بين يديه صلي الله عليه و اله وقال: يا رسول الله ألست أنا وأنت وعلي وفاطمة والحسن والحسين من ينبوع واحد؟

قال صلي الله عليه و اله: «وما وراء ذلك يا عمّاه»؟

قال: لأنك لم تذكرني حين ذكرتهم، ولم تشرّفني حين شرّفتهم.

فقال رسول الله صلي الله عليه و اله: «يا عمّاه أمّا قولك أنا وأنت وعلي والحسن والحسين من ينبوع واحد فصدقت، ولكن خلقنا الله نحن حيث لا سماء مبنية ولا أرض مدحية ولا عرش ولا جنة ولا نار، كنا نسبّحه حين لا تسبيح، ونقدّسه حين لا تقديس، فلمّا أراد الله بدء الصنعة فتق نوري فخلق منه العرش، فنور العرش من نوري ونوري من نور الله وأنا أفضل من العرش، ثم فتق نور ابن أبي طالب فخلق منه الملائكة، فنور الملائكة من نور ابن أبي طالب ونور ابن أبي طالب من نور الله ونور ابن أبي طالب أفضل من الملائكة، وفتق نور ابنتي فاطمة منه فخلق السماوات والأرض، فنور السماوات والأرض من نور ابنتي فاطمة ونور فاطمة من نور الله وفاطمة أفضل من السماوات والأرض، ثم فتق نور الحسن فخلق منه الشمس والقمر، فنور الشمس والقمر من نور الحسن ونور الحسن من نور الله والحسن أفضل من الشمس والقمر،

ثم فتق نور الحسين فخلق منه الجنة والحور العين، فنور الجنة والحور العين من نور الحسين ونور الحسين من نور الله والحسين أفضل من الجنة والحور العين، ثم إنّ الله خلق الظلمة بالقدرة فأرسلها في سحائب البصر، فقالت الملائكة: سبّوح قدّوس ربنا مذ عرفنا هذه الأشباح ما رأينا سوءً فبحرمتهم إلاّ كشفت ما نزل بنا. فهنالك خلق الله تعالي قناديل الرحمة وعلّقها علي سرادق العرش. فقالت: إلهنا لمن هذه الفضيلة وهذه الأنوار؟ فقال: هذا نور أمتي فاطمة الزهراء عليها السلام فلذلك سمّيت أمتي الزهراء لأنّ السماوات والأرضين بنورها ظهرت، وهي ابنة نبيي وزوجة وصيي وحجّتي علي خلقي، اُشهدكم يا ملائكتي أني قد جعلت ثواب تسبيحكم وتقديسكم لهذه المرأة وشيعتها إلي يوم القيامة.

فعند ذلك نهض العباس إلي علي بن أبي طالب عليه السلام وقبّل ما بين عينيه وقال: يا علي لقد جعلك الله حجّة بالغة علي العباد إلي يوم القيامة ().

عالمة آل محمد عليهم السلام

إنّ الصدّيقة الزهراء عليها السلام كانت عالمة بالعلم اللدني من الله فقد اُوتيت من العلم والمعرفة قدراً لا يضاهيها فيه أحد سوي والدها الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله وبعلها أمير المؤمنين عليه السلام.

كانت (سلام الله عليها) علي قدر من المعرفة بحيث إنها تخبر عمّا هو كائن وما كان وما سيكون في المستقبل، وهذا إن دلّ علي شيء فإنما يدلّ علي سعة علمها عليها السلام وارتفاع مقامها.

فعن سلمان قال: حدّثني عمّار وقال: اُخبرك عجباً.

قلت: حدّثني يا عمّار.

قال: نعم شهدت علي بن أبي طالب عليه السلام وقد ولج علي فاطمة عليها السلام فلمّا أبصرت به نادت: ادن لاُحدّثك بما كان وبما هو كائن وبما لم يكن إلي يوم القيامة حين تقوم الساعة.

قال عمّار: فرأيت أمير

المؤمنين عليه السلام يرجع القهقري()، فرجعت برجوعه إذ دخل علي النبي صلي الله عليه و اله.

فقال له: ادن يا أبا الحسن.

فدنا، فلمّا اطمأن به المجلس قال له: تحدّثني أم اُحدّثك؟

قال: الحديث منك أحسن يا رسول الله.

فقال: كأنّي بك وقد دخلت علي فاطمة وقالت لك كيت وكيت فرجعت.

فقال علي عليه السلام: نور فاطمة من نورنا.

فقال صلي الله عليه و اله: أو لا تعلم.

فسجد علي عليه السلام شكراً لله تعالي.

قال عمّار: فخرج أمير المؤمنين عليه السلام وخرجت بخروجه، فولج علي فاطمة عليها السلام وولجت معه، فقالت: كأنّك رجعت إلي أبي صلي الله عليه و اله فأخبرته بما قلته لك؟

قال: كان كذلك يا فاطمة.

فقالت: اعلم يا أبا الحسن أنّ الله تعالي خلق نوري وكان يسبّح الله جلّ جلاله ثم أودعه شجرة من شجر الجنة فأضاءت، فلمّا دخل أبي الجنة أوحي الله تعالي إليه إلهاماً أن اقتطف الثمرة من تلك الشجرة وأدرها في لهواتك ففعل، فأودعني الله سبحانه صلب أبي صلي الله عليه و اله ثم أودعني خديجة بنت خويلد عليها السلام فوضعتني وأنا من ذلك النور، أعلم ما كان وما يكون وما لم يكن، يا أبا الحسن المؤمن ينظر بنور الله تعالي().

ومما يدل علي عظيم علم الصدّيقة الزهراء عليها السلام خطبتها الغرّاء التي ضمّت بين طيّاتها العديد من الأحكام الشرعية وفلسفتها والكثير من المفاهيم الغزيرة التي لا يدرك غورها إلاّ من أجهد نفسه من أجل فهمها.

كما كانت عليها السلام تعلم النساء المسائل الشرعية والمعارف الإسلامية، ففي الحديث المعروف الوارد عن الإمام الحسن العسكري عليه السلام قال:

حضرت امرأة عند الصدّيقة فاطمة الزهراء عليها السلام فقالت: إنّ لي والدة ضعيفة وقد لُبس عليها في أمر صلاتها شيء وقد بعثتني إليك

أسألك.

فأجابتها فاطمة عليها السلام عن ذلك.

فثنّت، فأجابت.

ثم ثلّثت إلي أن عشّرت، فأجابت.

ثم خجلت من الكثرة، فقالت: لا أشقّ عليك يا ابنة رسول الله؟

قالت فاطمة عليها السلام: هاتي وسلي عمّا بدا لك، أرأيت من اكتري يوماً يصعد إلي سطح بحمل ثقيل وكراه مائة ألف دينار يثقل عليه؟

فقالت: لا.

فقالت: اكتريت أنا لكل مسألة بأكثر من ملء ما بين الثري إلي العرش لؤلؤاً فأحري أن لا يثقل عليّ، سمعت أبي صلي الله عليه و اله يقول: إنّ علماء شيعتنا يحشرون فيخلع عليهم من خلع الكرامات علي كثرة علومهم وجدّهم في إرشاد عباد الله حتي يخلع علي الواحد منهم ألف ألف حلّة من نور، ثم ينادي منادي ربنا عزّوجلّ: أيّها الكافلون لأيتام آل محمد عليهم السلام الناعشون() لهم عند انقطاعهم عن آبائهم الذين هم أئمّتهم، هؤلاء تلامذتكم والأيتام الذين كفلتموهم ونعشتموهم فاخلعوا عليهم خلع العلوم في الدنيا فيخلعون علي كل واحد من اُولئك الأيتام علي قدر ما أخذوا عنهم من العلوم إلي آخره» ().

مصحف فاطمة عليها السلام

وقد بقي منها عليها السلام كتاب فيه علوم آل محمد عليهم السلام اسمه (مصحف فاطمة عليها السلام) وهو الآن عند الإمام الحجّة عليه السلام وفيه تفسير القرآن وعلم ما كان وما يكون وما هو كائن إلي يوم القيامة().

أما ما يتهم به بعض المخالفين من أنه قرآن غير هذا القرآن فهو باطل، فإن القرآن عند الشيعة الإمامية هو هذا القرآن الموجود اليوم في أيدي جميع المسلمين لم ينقص منه حرف ولم يزد فيه شيء، وقد أمر الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله بجمعه وترتيب سوره وآياته علي هذا النحو الموجود، فجمع القرآن بهذه الكيفية الموجودة اليوم في حياة رسول الله صلي الله عليه و اله

().

وقد كان هناك أيضاً مصحف لأم سلمة وعائشة وحفصة وغيرهن().

الأمير يخطب الصدّيقة عليهما السلام

عندما عرض بعض الأنصار علي أمير المؤمنين عليه السلام الزواج من الصدّيقة الزهراء عليها السلام جاء (سلام الله عليه) إلي رسول الله صلي الله عليه و اله وعرض عليه حاجته، فرحّب النبي صلي الله عليه و اله كثيراً وأبدي استيناسه بطلب أمير المؤمنين عليه السلام.

فعن ابن بريدة عن أبيه قال: قال نفر من الأنصار لعلي بن أبي طالب عليه السلام: اخطب فاطمة عليها السلام.

فأتي رسول الله صلي الله عليه و اله فسلّم عليه.

فقال له: ما حاجة علي بن أبي طالب؟

قال: يا رسول الله، ذكرت فاطمة بنت رسول الله صلي الله عليه و اله.

فقال: مرحباً وأهلاً، لم يزد عليها.

فخرج علي علي اُولئك الرهط من الأنصار وكانوا ينتظرونه، قالوا: ما وراءك؟

قال: ما أدري غير أنه قال: مرحباً وأهلاً.

قالوا: يكفيك من رسول الله صلي الله عليه و اله أحدهما، أعطاك الأهل والرحب.

فلمّا كان بعد ذلك قال صلي الله عليه و اله: يا علي إنه لابدّ للعرس من وليمة.

فقال سعد: عندي كبش وجمع له رهط من الأنصار آصعا من ذرة، فلمّا كان ليلة البناء قال لعلي: لا تحدثنّ شيئاً حتي تلقاني.

فدعا رسول الله صلي الله عليه و اله بماء فتوضأ منه ثم أفرغه علي علي عليه السلام وقال: اللهم بارك فيهما وبارك عليهما وبارك لهما في شبليهما.

وقال ابن ناصر: في نسليهما().

السماء تزوّج فاطمة عليها السلام

علي خلاف كل نساء العالم اللواتي يكون أمر زواجهنّ بيد آبائهن أو بيدهنّ خاصّة كان أمر الصدّيقة الزهراء عليها السلام بيد الله تعالي فهو الذي اختار الكفؤ لها.

فقد ورد في الكثير من الأخبار أنّ الرسول صلي الله عليه و اله بعد أن ردّ الكثير ممّن خطبوا الزهراء عليها السلام جاءه الأمر الإلهي بأن: زوّج فاطمة من علي عليهما

السلام.

عن أنس قال: كنت عند النبي صلي الله عليه و اله فغشيه الوحي، فلمّا أفاق قال لي: يا أنس أتدري ما جاءني به جبرئيل من عند صاحب العرش؟

قال: قلت: الله ورسوله أعلم.

قال: أمرني أن اُزوّج فاطمة من علي عليهما السلام.

فانطلق فادع لي أبا بكر وعمر وعثمان وعلياً وطلحة والزبير وبعددهم من الأنصار.

قال: فانطلقت فدعوتهم له.

فلمّا أن أخذوا مجالسهم قال رسول الله صلي الله عليه و اله: الحمد لله المحمود بنعمته، المعبود بقدرته، المطاع بسلطانه، المرهوب من عذابه، المرغوب إليه فيما عنده، النافذ أمره في أرضه وسمائه، الذي خلق الخلق بقدرته، وميّزهم بأحكامه، وأعزّهم بدينه، وأكرمهم بنبيّه محمد صلي الله عليه و اله. ثم إنّ الله جعل المصاهرة نسباً لاحقاً وأمراً مفترضاً، وشبح بها الأرحام وألزمها الأنام، فقال تبارك اسمه وتعالي جدّه: ?وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكانَ رَبُّكَ قَدِيراً?() فأمر الله يجري إلي قضائه، وقضاؤه يجري إلي قدره، فلكل قضاء قدر، ولكل قدر أجل، ولكل أجل كتاب، ?يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ?() ثم إنّي اُشهدكم أني قد زوّجت فاطمة من علي عليهما السلام علي أربعمائة مثقال فضة إن رضي علي بذلك، وكان غائباً قد بعثه رسول الله صلي الله عليه و اله في حاجة.

ثم أمر رسول الله صلي الله عليه و اله بطبق فيه بسر() فوضع بين أيديها ثم قال: انتهبوا، فبينا نحن كذلك إذ أقبل علي عليه السلام فتبسّم إليه رسول الله صلي الله عليه و اله ثم قال: يا علي إنّ الله أمرني أن اُزوّجك فاطمة وقد زوجتكها علي أربعمائة مثقال فضة أرضيت؟

قال: رضيت يا رسول الله.

ثم قام علي عليه السلام فخرّ لله ساجداً.

فقال النبي صلي

الله عليه و اله: جعل الله فيكما الكثير الطيّب وبارك فيكما.

قال أنس: والله لقد أخرج منهما الكثير الطيّب().

وعن الضحّاك بن مزاحم، قال: سمعت علي بن أبي طالب عليه السلام يقول: «أتاني أبو بكر وعمر فقالا: لو أتيت رسول الله صلي الله عليه و اله فذكرت له فاطمة.

قال: فأتيته، فلمّا رآني رسول الله صلي الله عليه و اله ضحك، ثم قال: ما جاء بك يا أبا الحسن وما حاجتك؟

قال: فذكرت له قرابتي وقدمي في الإسلام ونصرتي له وجهادي.

فقال: يا علي، صدقت، فأنت أفضل ممّا تذكر.

فقلت: يا رسول الله، فاطمة تزوّجنيها؟

فقال: يا علي، إنه قد ذكرها قبلك رجال، فذكرت ذلك لها، فرأيت الكراهة في وجهها، ولكن علي رسلك حتي أخرج إليك.

فدخل صلي الله عليه و اله عليها فقامت إليه، فأخذت رداءه ونزعت نعليه، وأتته بالوضوء، فوضّأته بيدها وغسلت رجليه، ثم قعدت، فقال لها: يا فاطمة.

فقالت: لبّيك، حاجتك يا رسول الله؟

قال: إنّ علي بن أبي طالب عليه السلام من قد عرفت قرابته وفضله وإسلامه، وإنّي قد سألت ربي أن يزوّجك خير خلقه وأحبّهم إليه، وقد ذكر من أمرك شيئاً فما ترين؟

فسكتت ولم تولّ وجهاً ولم ير فيه رسول الله صلي الله عليه و اله كراهة، فقام وهو يقول: الله أكبر، سكوتها إقرارها، فأتاه جبرئيل عليه السلام، فقال: يا محمد، زوّجها علي بن أبي طالب، فإنّ الله قد رضيها له ورضيه لها.

قال علي عليه السلام: فزوّجني رسول الله صلي الله عليه و اله، ثم أتاني فأخذ بيدي، فقال: «قم بسم الله، وقل علي بركة الله، وما شاء الله، لا قوّة إلاّ بالله، توكّلت علي الله».

ثم جاءني حين أقعدني عندها عليها السلام، ثم قال: «اللهمّ إنّهما أحبّ خلقك إليّ فأحبّهما،

وبارك في ذريّتهما، واجعل عليهما منك حافظاً، وإنّي اُعيذهما وذريتهما بك من الشيطان الرجيم» ().

والمستفاد من بعض الأخبار أنه لولا علي أمير المؤمنين عليه السلام لم يكن للصدّيقة الزهراء عليها السلام كفؤ أبداً ().

الله زوّجها عليها السلام من علي عليه السلام

عن ابن عباس وأنس بن مالك قالا: بينما رسول الله صلي الله عليه و اله جالس إذ جاء علي، فقال: يا علي ما جاء بك؟

قال: جئت اُسلّم عليك.

قال: هذا جبرئيل يخبرني أنّ الله زوّجك فاطمة وأشهد علي تزويجها أربعين ألف ملك،وأوحي الله إلي شجرة طوبي أن انثري عليهم الدرّ والياقوت، فنثرت عليهم الدرّ والياقوت فابتدرن إليه الحور العين يلتقطن في أطباق الدرّ والياقوت وهنّ يتهادينّه بينهن إلي يوم القيامة، وكانوا يتهادون ويقولون: هذه تحفة خير النساء().

وعن أمير المؤمنين عليه السلام قال: «قال رسول الله صلي الله عليه و اله: أتاني ملك، فقال: يا محمد، إنّ الله يقرأ عليك السلام ويقول لك: إنّي قد زوّجت فاطمة ابنتك من علي بن أبي طالب في الملأ الأعلي، فزوّجها منه في الأرض» ().

وعن أنس قال: كنت عند النبي صلي الله عليه و اله فغشيه الوحي، فلمّا أفاق قال لي: «يا أنس أتدري ما جاءني به جبريل من عند صاحب العرش»؟

قلت: الله ورسوله أعلم.

قال: «أمرني أن اُزوّج فاطمة من علي» ().

راحيل يخطب في أهل السماوات

وقد خطب الملك «راحيل» يوم تزويج الصديقة الزهراء عليها السلام خطبة بليغة أشار فيها إلي اختيار الباري تعالي أمير المؤمنين عليه السلام للسيدة الزهراء عليها السلام فقال:

«الحمد لله الأول قبل أولية الأولين، الباقي بعد فناء الباقين، نحمده إذ جعلنا ملائكة روحانيين، وبربوبيته مذعنين، وله علي ما أنعم علينا شاكرين، حجبنا من الذنوب وسترنا من العيوب، وأسكننا في السماوات، وقرّبنا إلي السرادقات، وحجب عنّا النهم للشهوات، وجعل نهمتنا وشهوتنا في تهليله وتسبيحه، الباسط رحمته، الواهب نعمته، جلّ عن إلحاد أهل الأرض من المشركين، وتعالي بعظمته عن إفك الملحدين، أنذرنا بأسه وعرّفنا سلطانه، توحّد فعلاً في الملكوت الأعلي، واحتجب عن الأبصار،

وأظلم نور عزّته الأنوار، وكان من إسباغ نعمته وإتمام قضيته أن ركّب الشهوات في بني آدم وخصّهم بالأمر اللازم، ينشر لهم الأولاد وينشئ لهم البلاد، فجعل الحياة سبيل اُلفتهم والموت غاية فرقتهم، وإلي الله المصير، اختار الملك الجبّار صفوة كرمه وعظمته لأمته سيدة النساء، بنت خير النبيين وسيد المرسلين وإمام المتقين، صاحب المقام المحمود واليوم المشهود والحوض المورود، فوصل حبله بحبل رجل من أهله، صاحبه المصدّق دعوته، المبادر إلي كلمته، علي الوصول بفاطمة البتول بنت الرسول صلي الله عليه و اله، قال الله عزّوجلّ: زوّجت عبدي من أمتي فاشهدوا ملائكتي» ().

خطبة الإمام علي عليه السلام

وفي نفس مجلس العقد خطب رسول الله صلي الله عليه و اله بخطبة شريفة، ثمّ قال لأمير المؤمنين عليه السلام: تكلّم خطيباً لنفسك.

فقال عليه السلام: «الحمد لله الذي قرّب من حامديه، ودنا من سائليه، ووعد الجنّة من يتّقيه، وأنذر بالنار من يعصيه، نحمده علي قديم إحسانه وأياديه، حمد من يعلم أنه خالقه وباريه، ومميته ومحييه، ومسائله عن مساويه، ونستعينه ونستهديه ونؤمن به ونستكفيه، ونشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له شهاده تبلغه وترضيه، وأنّ محمداً عبده ورسوله صلي الله عليه و اله صلاة تزلفه وتحظيه وترفعه وتصطفيه، والنكاح ما أمر الله به ويرضيه، واجتماعنا ممّا قدّره الله وأذن فيه، وهذا رسول الله زوّجني ابنته فاطمة علي خمسمائة درهم وقد رضيت فاسألوه واشهدوا» ().

مهر فاطمة عليها السلام

في الروايات الكثيرة أن قلة المهر دليل علي خير المرأة وبركتها، وكان مهر الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السلام كذلك، فالمشهور علي أن مهرها خمسمائة درهم فقط، كما سبق.

وفي بعض الروايات أنه ثلاثون درهماً، ولا يستبعد ذلك.

عن الإمام الصادق عليه السلام قال: «زوّج رسول الله صلي الله عليه و اله علياً فاطمة عليهما السلام علي درع حطمية يساوي ثلاثين درهماً» ()

وعن أبي جعفر الباقر عليه السلام قال: «كان صداق فاطمة عليها السلام جرد برد حبرة ودرع حطمية وكان فراشها إهاب كبش يلقيانه ويفرشانه وينامان عليه» ().

وأما المهر المعنوي فقد جعله الله الشفاعة للمذنبين من اُمّة محمد صلي الله عليه و اله من شيعة علي وأولاده الطاهرين عليهم السلام.

فعن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «إنّ الله تبارك وتعالي أمهر فاطمة عليها السلام ربع الدنيا فربعها لها، وأمهرها الجنة والنار تدخل أعداءها النار وتدخل أولياءها الجنة، وهي

الصدّيقة الكبري وعلي معرفتها دارت القرون الأُولي» ().

الإمام يتباهي بالزهراء عليهما السلام

لقد فضّل الله أمير المؤمنين علياً عليه السلام علي من سواه بكل شيء، وفاق الناس فضلاً وعلماً ومرتبة إلاّ ابن عمّه النبي الحبيب المصطفي صلي الله عليه و اله.

بل إنه عليه السلام في بعض الاُمور اختص بخصائص لم تكن للنبي صلي الله عليه و اله نفسه، وهذا لا يدلّ علي شرافته عليه كما هو واضح، وإنما هي خصائص انفرد بها الإمام عليه السلام.

وقد أشار رسول الله صلي الله عليه و اله نفسه إلي بعض هذه الخصائص، فقال:

«يا علي اُعطيت ثلاثاً لم اُعطها: اُعطيت صهراً مثلي، واُعطيت مثل زوجتك فاطمة عليها السلام، واُعطيت مثل ولديك الحسن والحسين عليهما السلام» ().

وعن النبي صلي الله عليه و اله أنّه قال: «يا علي لك أشياء ليست لي منها: إنّ لك زوجة مثل فاطمة عليها السلام وليس لي مثلها، ولك ولدين من صلبك وليس لي مثلهما من صلبي، ولك مثل خديجة اُمّ أهلك وليس لي مثلها حماة، ولك صهر مثلي وليس لي صهر مثلي، ولك أخ في النسب مثل جعفر وليس لي مثله في النسب، ولك اُمّ مثل فاطمة بنت أسد الهاشمية المهاجرة وليس لي مثلها» ().

نعم، فقد اُختصّ أمير المؤمنين عليه السلام بتزويجه من الزهراء عليها السلام وبقي عليه السلام يتباهي بمثّل هذه الخصلة، فمن كتاب له عليه السلام إلي معاوية قال فيه:

?ومنّا النبي ومنكم المكذّب، ومنّا أسد الله ومنكم أسد الأحلاف، ومنّا سيدا شباب أهل الجنة ومنكم صبية النار، ومنّا خير نساء العالمين ومنكم حمّالة الحطب?. قال عليه السلام:

وحمزة سيد الشهداء عمّي

محمد النبي أخي وصنوي

يطير مع الملائكة ابن اُمّي

وجعفر الذي يمسي ويضحي

منوط لحمها بدمي ولحمي()

وبنت محمد سكني وعرسي

تربية الحسنين عليهما السلام

من الواضح أنّ الأئمّة المعصومين عليهم السلام أدّبهم الله تعالي

وأحسن تربيتهم، ففي الحديث أنه قيل لرسول الله صلي الله عليه و اله: مَن أدّبك؟ قال: «أدّبني ربّي».

وفي حديث آخر قال صلي الله عليه و اله: «أدّبني ربّي فأحسن تأديبي» ().

بالإضافة إلي ذلك فإنّ المعصومين عليهم السلام كانوا يؤدبون أولادهم وذويهم، فكل إمام يأخذ العلم ممن كان قبله أيضاً، فأمير المؤمنين والسيدة الزهراء عليهما السلام تأدّبا بآداب رسول الله صلي الله عليه و اله، كما أنّ الحسنين عليهما السلام تأدّبا بآداب النبي صلي الله عليه و اله وفاطمة وأمير المؤمنين عليهما السلام.

وكانت الصديقة الطاهرة فاطمة عليها السلام تبذل جهدها في تربية وتعليم الحسنين وسائر أولادها عليهم السلام بالتربية الإيمانية والإسلامية التي تليق بالمعصومين وذويهم منذ الصغر.

ففي التاريخ: أنّ الحسن بن علي عليه السلام كان يحضر مجلس رسول الله صلي الله عليه و اله وهو ابن سبع سنين فيسمع الوحي فيحفظه، فيأتي اُمّه فيلقي إليها ما حفظه، وكلّما دخل علي عليه السلام وجد عندها علماً بالتنزيل فيسألها عن ذلك؟

فقالت: من ولدك الحسن.

فتخفّي يوماً في الدار وقد دخل الحسن وقد سمع الوحي فأراد أن يلقيه إليها فارتجّ عليه، فعجبت اُمّه من ذلك، فقال: لا تعجبين يا اُمّاه فإنّ كبيراً يسمعني، فاستماعه قد أوقفني.

فخرج علي عليه السلام فقبّله.

وفي رواية قال: ?يا اُمّاه قلّ بياني وكَلّ لساني لعلّ سيّداً يرعاني?().

الذرية الطاهرة

إن الله تعالي قد وهب الصديقة الطاهرة عليها السلام تلك الذرية المباركة، حيث جعل منها الأئمة المعصومين الأطهار عليهم السلام وهذا خير دليل علي شرافتها.

عن سلمان الفارسي أنّه قال: دخلت علي فاطمة عليها السلام والحسن والحسين عليهما السلام يلعبان بين يديها، ففرحت بهما فرحاً شديداً، فلم ألبث حتي دخل رسول الله صلي الله عليه و اله فقلت: يا رسول

الله أخبرني بفضيلة هؤلاء لأزداد لهم حباً.

فقال: يا سلمان ليلة اُسري بي إلي السماء أدارني جبرئيل في سماواته وجنّاته، فبينا أنا أدور قصورها وبساتينها ومقاصيرها() إذ شممت رائحة طيبة فأعجبتني تلك الرائحة، فقلت: يا حبيبي ما هذه الرائحة التي غلبت علي روائح الجنة كلّها؟

فقال: يا محمد تفاحة خلقها الله تبارك وتعالي بيده() منذ ثلاثمائة ألف عام ما ندري ما يريد بها.

فبينا أنا كذلك إذ رأيت ملائكة ومعهم تلك التفاحة، فقالوا: يا محمد ربنا السلام يقرأ عليك السلام وقد أتحفك بهذه التفاحة.

قال رسول الله صلي الله عليه و اله: فأخذت تلك التفاحة فوضعتها تحت جناح جبرئيل فلمّا هبط بي إلي الأرض أكلت تلك التفاحة فجمع الله ماءها في ظهري فغشيت خديجة بنت خويلد فحملت بفاطمة من ماء تلك التفاحة، فأوحي الله عزّوجلّ إليّ أن قد ولد لك حوراء إنسية فزوّج النور من النور، فاطمة من علي، فإني قد زوجتها في السماء وجعلت خمس الأرض مهرها، وستخرج فيما بينهما ذرية طيبة وهما سراجا الجنة الحسن والحسين، ويخرج من صلب الحسين أئمة يُقتلون ويُخذلون فالويل لقاتلهم وخاذلهم().

وفي خبر طويل نذكر محل الحاجة منه، قال هارون العباسي للإمام الكاظم عليه السلام: اُريد أن أسألك عن العباس وعلي، بم صار علي أولي بميراث رسول الله صلي الله عليه و اله من العباس والعباس عم رسول الله صلي الله عليه و اله وصنو أبيه؟

فقال له موسي عليه السلام: اعفني.

قال: والله لا أعفيتك فأجبني.

قال: فإن لم تعفني فآمني.

قال: آمنتك.

قال موسي عليه السلام: إنّ النبي صلي الله عليه و اله لم يورث من قدر علي الهجرة فلم يهاجر، إنّ أباك العباس آمن ولم يهاجر، وإنّ علياً عليه السلام آمن وهاجر وقال الله: ?وَالَّذِينَ

آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْ ءٍ حَتَّي يُهاجِرُوا?().

فالتمع() لون هارون وتغيّر وقال: ما لكم لا تنسبون إلي علي عليه السلام هو أبوكم وتنسبون إلي رسول الله صلي الله عليه و اله وهو جدّكم؟

فقال موسي عليه السلام: «إنّ الله نسب المسيح عيسي ابن مريم عليها السلام إلي خليله إبراهيم عليه السلام باُمّه مريم البكر البتول التي لم يمسّها بشر في قوله ?وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسي وَهارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ? وَزَكَرِيَّا وَيَحْيي وَعِيسي وَإِلْياسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ?() فنسبه باُمّه وحدها إلي خليله إبراهيم عليه السلام كما نسب داود وسليمان وأيوب وموسي وهارون عليهم السلام بآبائهم واُمهاتهم فضيلة لعيسي عليه السلام ومنزلة رفيعة باُمّه وحدها، وذلك قوله في قصة مريم عليها السلام: ?إِنَّ اللهَ اصْطَفاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفاكِ عَلي نِساءِ الْعالَمِينَ?() بالمسيح من غير بشر، وكذلك اصطفي ربنا فاطمة عليها السلام وطهّرها وفضّلها علي نساء العالمين بالحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة» ().

تسبيح فاطمة عليها السلام

ومن الخصائص المهمّة التي اختصّت بها الصدّيقة الزهراء عليها السلام هو تسبيحها المعروف الذي أتحفها به رسول الله صلي الله عليه و اله بعد أن أشار عليها أمير المؤمنين عليه السلام أن تذهب إليه صلي الله عليه و اله وتستخدمه إحدي الجواري، فعلّمها إيّاه.

فعن أمير المؤمنين عليه السلام قال: «أهدي بعض ملوك الأعاجم إلي رسول الله صلي الله عليه و اله رقيقاً، فقلت لفاطمة عليها السلام: اذهبي إلي رسول الله صلي الله عليه و اله فاستخدميه خادماً، فأتته فسألته ذلك … فقال لها رسول الله صلي الله عليه و اله: يا فاطمة اُعطيك ما هو خير لك من خادم ومن الدنيا بما فيها، تكبّرين الله بعد كل صلاة ثلاثاً

وثلاثين تكبيرة، وتحمدين الله ثلاثاً وثلاثين تحميدة، وتسبّحين الله ثلاثاً وثلاثين تسبيحة، ثم تختمين ذلك بلا إله إلاّ الله، فذلك خير لك من الذي أردت ومن الدنيا بما فيها، فلزمت عليها السلام هذا التسبيح بعد كل صلاة ونسب إليها» ().

وعن أبي جعفر الباقر عليه السلام قال: «ما عُبد الله بشيء من التحميد أفضل من تسبيح فاطمة عليها السلام ولو كان شيء أفضل منه لنحله رسول الله صلي الله عليه و اله فاطمة عليها السلام» ().

وروي عن محمد بن مسلم أنّه قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن التسبيح، فقال: «ما علمت شيئاً موظفاً غير تسبيح فاطمة عليها السلام، وعشر مرّات بعد الفجر تقول: لا اُله إلاّ الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت، وهو علي كل شيء قدير، ويسبّح ما شاء تطوّعاً» ().

وعن محمد بن مسلم قال: قال أبو جعفر عليه السلام: «من سبّح تسبيح الزهراء عليها السلام ثم استغفر، غفر له، وهي مائة باللسان وألف في الميزان وتطرد الشيطان وترضي الرحمن» ().

وروي أنّ أمير المؤمنين عليه السلام قال لرجل من بني سعد: «ألا اُحدثّك عنّي وعن فاطمة الزهراء؟ إنّها كانت عندي فاستقت بالقربة حتي أثّر في صدرها، وطحنت بالرحي حتي مجلت() يدها، وكسحت البيت حتي اغبرّت ثيابها، وأوقدت تحت القدر حتي دكنت() ثيابها، فأصابها من ذلك ضُرّ شديد، فقلت لها: لو أتيت أباك فسألته خادماً يكفيك حرماً أنت فيه من هذا العمل؟

فأتت النبي صلي الله عليه و اله فوجدت عنه حداثاً فاستحيت فانصرفت.

فعلم صلي الله عليه و اله أنها قد جاءت لحاجة فغدا علينا ونحن في لحافنا، فقال: السلام عليكم، فسكتنا واستحيينا لمكاننا.

ثم قال: السلام عليكم، فسكتنا.

ثم قال: السلام عليكم،

فخشينا إن لم نرد عليه أن ينصرف، وقد كان يفعل ذلك فيسلّم ثلاثاً فإن اُذن له وإلاّ انصرف.

فقلنا: وعليك السلام يا رسول الله اُدخل.

فجلس عند رؤوسنا، ثمّ قال: يا فاطمة ما كانت حاجتك أمس عند محمد؟

فخشيت إن لم نجبه أن يقوم، قال: فأخرجت رأسي، فقلت: أنا والله اُخبرك يا رسول الله، أنها استقت بالقربة حتي أثّر في صدرها، وجرت بالرحي حتي مجلت يداها، وكسحت البيت حتي اغبرّت ثيابها، وأوقدت تحت القدر حتي دكنت ثيابها، فقلت لها: لو أتيت أباك فسألتيه خادماً يكفيك حرّ ما أنت فيه من هذا العمل.

قال: أفلا اُعلّمكما ما هو خير لكما من الخادم؟ إذا أخذتما منامكما فسبّحا ثلاثاً وثلاثين تسبيحة، واحمدا ثلاثاً وثلاثين، وكبّرا أربعاً وثلاثين.

قال: فأخرجت فاطمة عليها السلام رأسها، فقالت: رضيت عن الله ورسوله ورضيت عن الله ورسوله» ().

وعن أبي هارون المكفوف عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ?ياأبا هارون إنّا نأمر صبياننا بتسبيح فاطمة عليها السلام كما نأمرهم بالصلاة فالزمه فإنّه لم يلزمه عبد فشقي?().

وعن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سمعته يقول: ?من سبّح تسبيح فاطمة عليها السلام في دبر المكتوبة من قبل أن يبسط رجليه أوجب الله له الجنّة?().

إنفاق الزهراء عليها السلام

لقد كان بيت أمير المؤمنين عليه السلام والصدّيقة الزهراء عليها السلام ملجأ وملاذاً للفقراء والمحتاجين الذين لا معين لهم ولا عائل يقضي حوائجهم ويسدّ احتياجاتهم المختلفة.

فبين الحين والآخر كان الفقراء يلوذون برسول الله صلي الله عليه و اله ويلتمسون منه يد العون، وكثيراً ما كان صلي الله عليه و اله يحوّلهم علي دار أمير المؤمنين عليه السلام لعلمه الراسخ بأنّ كل من يطرق هذه الدار لا يعود خائباً خالي اليدين، وإنما

يعود بحوائج مقضية، والقصص الدالةّ علي ذلك كثيرة منها:

ما عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: صلّي بنا رسول الله صلي الله عليه و اله صلاة العصر فلمّا انفتل() جلس في قبلته والناس حوله، فبينا هم كذلك إذ أقبل إليه شيخ من مهاجرة العرب، سمل() قد تهلّل واختلق وهو لا يكاد يتمالك ضعفاً وكبراً.

فأقبل رسول الله صلي الله عليه و اله يستجليه الخبر.

فقال الشيخ: يا نبي الله أنا جائع الكبد فأطعمني، وعاري الجسد فأكسني، وفقير فارشيني.

فقال صلي الله عليه و اله: ما أجد لك شيئاً ولكن الدالّ علي الخير كفاعله، انطلق إلي منزل من يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، يؤثر الله علي نفسه، انطلق إلي حجرة فاطمة عليها السلام وكان بيتها ملاصقاً بيت رسول الله صلي الله عليه و اله الذي ينفرد به لنفسه من أزواجه يا بلال! قم فقف به علي منزل فاطمة عليها السلام.

فانطلق الأعرابي مع بلال، فلمّا وقف علي باب فاطمة نادي بأعلي صوته: السلام عليكم يا أهل بيت النبوّة ومختلف الملائكة ومهبط جبرئيل الروح الأمين بالتنزيل من عند ربّ العالمين.

فقالت فاطمة عليها السلام: من أنت يا هذا؟

قال: شيخ من العرب أقبلت علي أبيك سيد البشر، مهاجراً من شقّة وأنا يا بنت محمد عاري الجسد جائع الكبد، فواسيني رحمك الله.

وكان لفاطمة وعلي عليهما السلام في تلك الحال ورسول الله صلي الله عليه و اله ثلاثاً ما طعموا فيها طعاماً، وقد علم رسول الله صلي الله عليه و اله ذلك من شأنهما.

فعمدت فاطمة عليها السلام إلي جلد الكبش مدبوغ بالقرض كان ينام عليه الحسن والحسين عليهما السلام، فقالت: خذ هذا أيّها الطارق فعسي الله أن يرتاح لك ما هو خير منه.

فقال الأعرابي:

يا بنت محمد شكوت إليك الجوع فناولتني جلد كبش، ما أنا صانع به مع ما أجد من السغب؟

قال: فعمدت عليها السلام لما سمعت هذا من قوله إلي عقد كان في عنقها أهدته لها فاطمة بنت عمّها حمزة بن عبد المطّلب فقطعته من عنقها ونبذته إلي الأعرابي، فقالت: خذه وبعه فعسي الله أن يعوّضك به ما هو خير منه.

فأخذ الأعرابي العقد وانطلق إلي مسجد رسول الله، والنبي صلي الله عليه و اله جالس في أصحابه، فقال: يا رسول الله أعطتني فاطمة بنت محمد هذا العقد وقالت: بعه فعسي أن يصنع لك.

قال: فبكي النبي صلي الله عليه و اله وقال: لا كيف يصنع الله لك وقد أعطتك فاطمة بنت محمد سيدة بنات آدم.

فقام عمار بن ياسر رحمة الله عليه فقال: يا رسول الله أتأذن لي بشراء هذا العقد؟

قال صلي الله عليه و اله: اشتره يا عمّار فلو اشترك فيه الثقلان ما عذّبهم الله بالنار.

فقال عمّار: بكم هذا العقد يا أعرابي؟

قال: بشبعة من الخبز واللحم وبردة يمانية أستر بها عورتي واُصلّي فيها لربي ودينار يبلغني إلي أهلي.

وكان عمار قد باع سهمه الذي نقله رسول الله صلي الله عليه و اله من خيبر ولم يبق منه شيئاً، فقال: لك عشرون ديناراً ومائتا درهم هجرية وبردة يمانية وراحلتي تبلغك إلي أهلك وشبعة من خبز البر واللحم.

فقال الأعرابي: ما أسخاك بالمال.

وانطلق به عمار فوفّاه ما ضمن له.

وعاد الأعرابي إلي رسول الله صلي الله عليه و اله.

فقال له رسول الله صلي الله عليه و اله: أشبعت واكتسيت؟

قال الأعرابي: نعم يا رسول الله واستغنيت بأبي أنت واُمّي.

قال صلي الله عليه و اله: فاجز فاطمة عليها السلام بصنيعها.

فقال الأعرابي: اللهم إنك إله ما استحدثناك

ولا إله لنا نعبده سواك وأنت رازقنا علي كل الجهات، اللهم أعط فاطمة عليها السلام ما لا عين رأت ولا اُذن سمعت.

فأمّن النبي صلي الله عليه و اله علي دعائه وأقبل علي أصحابه، فقال: إنّ الله قد أعطي فاطمة عليها السلام في الدنيا ذلك، أنا أبوها وما أحد من العالمين مثلي، وعلي عليه السلام بعلها ولولا علي ما كان لفاطمة كفؤ أبداً، وأعطاها الحسن والحسين عليهما السلام وما للعالمين مثلهما سيدا شباب أسباط الأنبياء وسيدا أهل الجنة.

وكان بإزائه صلي الله عليه و اله المقداد وابن عمر وعمار وسلمان، فقال: وأزيدكم؟

فقالوا: نعم يا رسول الله.

قال صلي الله عليه و اله: أتاني الروح الأمين يعني جبرئيل عليه السلام وقال: إنها إذا هي قبضت ودفنت يسألها الملكان في قبرها من ربك؟

فتقول: الله ربي.

فيقولان: من نبيك؟

فتقول: أبي.

فيقولان: فمن وليك؟

فتقول: هذا القائم علي شفير قبري علي بن أبي طالب.

ألا واُزيدكم من فضلها، إنّ الله قد وكّل بها رعيلاً() من الملائكة يحفظونها من بين يديها ومن خلفها وعن يمينها وعن شمالها، وهم معها في حياتها وعند قبرها بعد موتها، يكثرون الصلاة عليها وعلي أبيها وبعلها وبنيها، فمن زارني بعد وفاتي فكأنما زارني في حياتي، ومن زار فاطمة فكأنما زارني، ومن زار علي بن أبي طالب فكأنما زار فاطمة، ومن زار الحسن والحسين فكأنما زار علياً، ومن زار ذريتهما فكأنما زارهما.

فعمد عمار إلي العقد وطيّبه بالمسك ولفّه في بردة يمانية، وكان له عبد اسمه سهم ابتاعه من ذلك السهم الذي أصابه بخيبر، فدفع العقد إلي المملوك وقال له: خذ هذا العقد فادفعه إلي رسول الله صلي الله عليه و اله وأنت له.

فأخذ العقد فأتي به رسول الله صلي الله عليه و اله

وأخبره بقول عمار رحمة الله عليه.

فقال النبي صلي الله عليه و اله: انطلق إلي فاطمة عليها السلام فادفع إليها العقد وأنت لها.

فجاء المملوك بالعقد وأخبرها بقول رسول الله صلي الله عليه و اله، فأخذت فاطمة عليها السلام العقد وأعتقت المملوك.

فضحك الغلام.

فقالت فاطمة عليها السلام: ما يضحكك يا غلام؟

فقال: أضحكني عظم بركة هذا العقد، أشبع جائعاً وكسا عرياناً وأغني فقيراً وأعتق عبداً ورجع إلي ربّه().

من أدعية الصدّيقة فاطمة عليها السلام

هجر الكثير من المسلمين أو منعوا ولأسباب غير خفية من بيت علي وفاطمة عليهما السلام بعد وفاة رسول الله صلي الله عليه و اله.

وقد بقي سلمان المحمدي بعد وفاة الرسول صلي الله عليه و اله معتزلاً عن الخلق حتي أرسلت خلفه الزهراء عليها السلام فزارها، وشاهد من كراماتها العجيبة ما جعله يتيقّن أكثر بعلو منزلتها وارتفاع شأنها عليها السلام.

فعن عبد الله بن سلمان الفارسي عن أبيه قال: خرجت من منزلي يوماً بعد وفاة رسول الله صلي الله عليه و اله بعشرة أيام، فلقيني علي بن أبي طالب عليه السلام ابن عم الرسول صلي الله عليه و اله، فقال لي: يا سلمان جفوتنا بعد رسول الله صلي الله عليه و اله.

فقلت: حبيبي أبا الحسن مثلكم لا يجفي، غير أنّ حزني علي رسول الله صلي الله عليه و اله طال، فهو الذي منعني من زيارتكم.

فقال عليه السلام لي: يا سلمان ائت منزل فاطمة بنت رسول الله صلي الله عليه و اله فإنها إليك مشتاقة، تريد أن تتحفك بتحفة قد اُتحفت بها من الجنة.

قلت لعلي عليه السلام: قد أتحفت فاطمة عليها السلام بشيء من الجنة بعد وفاة رسول الله صلي الله عليه و اله؟

قال: نعم بالأمس.

قال سلمان الفارسي: فهرولت إلي منزل فاطمة عليها السلام

بنت محمد صلي الله عليه و اله..

ثم قالت: يا سلمان جفوتني بعد وفاة أبي صلي الله عليه و اله.

قلت: حبيبتي لم أجفكم.

قالت: فمه اُجلس واعقل ما أقول لك، إني كنت جالسة بالأمس في هذا المجلس وباب الدار مغلق وأنا أتفكّر في انقطاع الوحي عنّا وانصراف الملائكة عن منزلنا، فإذا انفتح الباب من غير أن يفتحه أحد فدخل عليّ ثلاث جوار لم ير الراؤون بحسنهنّ ولا كهيئتهنّ ولا نضارة وجوههنّ ولا أزكي من ريحهنّ، فلمّا رأيتهنّ قمت إليهنّ مستنكرة لهنّ، فقلت: بأبي أنتنّ من أهل مكة أم من أهل المدينة؟

فقلن: يا بنت محمد لسنا من أهل مكة ولا من أهل المدينة، ولا من أهل الأرض جميعاً، غير أننا جوار من الحور العين من دار السلام، أرسلنا ربّ العزة إليك يا بنت محمد أنّا إليك مشتاقات.

فقلت للتي أظن أنها أكبر سنّاً: ما اسمك؟

قالت: اسمي مقدودة.

قلت: ولِمَ سمّيت مقدودة؟

قالت: خلقت للمقداد بن الأسود الكندي صاحب رسول الله صلي الله عليه و اله.

قلت للثانية: ما اسمك؟

قالت: ذرّة.

قلت: ولِمَ سمّيت ذرّة وأنت في عيني نبيلة؟

قالت: خلقت لأبي ذر الغفاري صاحب رسول الله صلي الله عليه و اله.

فقلت للثالثة: ما اسمك؟

قالت: سلمي.

قلت: ولِمَ سمّيت سلمي؟

قالت: أنا لسلمان الفارسي مولي أبيك رسول الله صلي الله عليه و اله.

قالت فاطمة: ثم أخرجن لي رطباً أزرق كأمثال الخشكنانج() الكبار، أبيض من الثلج وأزكي ريحاً من المسك الأذفر، فقالت لي: يا سلمان أفطر عليه عشيتك فإذا كان غداً فجئني بنواة أو قالت: عجمه.

قال سلمان: فأخذت الرطب فما مررت بجمع من أصحاب رسول الله صلي الله عليه و اله إلاّ قالوا: يا سلمان أمعك مسك؟

قلت: نعم.

فلمّا كان وقت الإفطار أفطرت عليه فلم أجد له، فمضيت إلي

بنت رسول الله صلي الله عليه و اله في اليوم الثاني، فقلت لها عليها السلام: إنّي أفطرت علي ما أتحفتني به، فما وجدت له عجماً ولا نوي.

قالت: يا سلمان ولن يكن له عجم ولا نوي، وإنما هو من نخل غرسه الله في دار السلام، ألا اُعلمك بكلام علّمنيه أبي، محمد صلي الله عليه و اله، كنت أقوله غدوة وعشية؟

قال سلمان: قلت علّميني الكلام يا سيدتي.

فقالت: إن سرّك أن لا يمسّك أذي الحمّي ما عشت في دار الدنيا فواظب عليه.

ثم قال سلمان: علّميني هذا الحرز.

قالت: «بسم الله الرحمن الرحيم، بسم الله النور، بسم الله نور النور، بسم الله نور علي نور، بسم الله الذي هو مدبّر الاُمور، بسم الله الذي خلق النور من النور، الحمد لله الذي خلق النور من النور، وأنزل النور علي الطور، في كتاب مسطور، في رق منشور، بقدر مقدور، علي نبي محبور، الحمد لله الذي هو بالعزّ مذكور، وبالفخر مشهور، وعلي السرّاء والضرّاء مشكور، وصلّي الله علي سيدنا محمد وآله الطاهرين».

قال سلمان: فتعلّمتهنّ فوالله ولقد علّمتهنّ أكثر من ألف نفس من أهل المدينة ومكّة ممّن بهم علل الحمّي فكل بريء من مرضه بإذن الله تعالي().

إيثار الصديقة الطاهرة عليها السلام

كانت الصدّيقة الزهراء (سلام الله عليها) مضرباً للمثل في التفاني في ذات الله تعالي حتي أنها عليها السلام أرخصت كل ما تملك من أجل إقامة كلمة الإسلام وترسيخ دعائم الدين القويمة.

ولذا فإنها عليها السلام كانت تؤثر بكل شيء من أجل إعلاء راية الدين خفّاقة وليبقي ذكر الله تعالي عالياً في كل مكان وعلي مرّ العصور.

ففي التاريخ أنه جاء رجل إلي رسول الله صلي الله عليه و اله فشكا إليه الجوع، فبعث رسول الله صلي الله عليه و

اله إلي أزواجه، فقلن: ما عندنا إلاّ الماء.

فقال صلي الله عليه و اله: من لهذا الرجل الليلة؟

فقال أمير المؤمنين عليه السلام: أنا يا رسول الله، فأتي فاطمة عليها السلام وسألها ما عندك يا بنت رسول الله؟

فقالت: ما عندنا إلاّ قوت الصبية لكنّا نؤثر ضيفنا به.

فقال عليه السلام: يا بنت محمد نوّمي الصبية وأطفئي المصباح وجعلا يمضغان بألسنتهما، فلمّا فرغا من الأكل، أتت فاطمة عليها السلام بسراج فوجدت الجفنة() مملوّة من فضل الله.

فلمّا أصبح صلّي مع النبي صلي الله عليه و اله، فلمّا سلّم النبي صلي الله عليه و اله من صلاته نظر إلي أمير المؤمنين عليه السلام وبكي بكاءً شديداً وقال: يا أمير المؤمنين لقد عجب الربّ من فعلكم البارحة أقرأ ?وَيُؤْثِرُونَ عَلي أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ?() أي مجاعة().

نزول سورة الإنسان

عن الإمام الصادق عليه السلام عن أبيه عن جدّه عليهم السلام قال: مرض الحسن والحسين عليهما السلام مرضاً شديداً، فعادهما سيد ولد آدم محمد صلي الله عليه و اله …

فقال أمير المؤمنين عليه السلام: إن عافي الله ولدي مما بهما صمت لله ثلاثة أيام متواليات.

وقالت فاطمة عليها السلام مثل مقالة علي عليه السلام.

وكانت لهم جارية نوبية تدعي (فضة) قالت: إن عافي الله سيدَي مما بهما صمت لله ثلاثة أيام.

فلمّا عافي الله الغلامين مما بهما انطلق علي عليه السلام إلي جار يهودي يقال له: شمعون بن حارا، فقال له: يا شمعون أعطني ثلاثة أصيع من شعير وجزة() من صوف تغزله لك ابنة محمد صلي الله عليه و اله.

فأعطاه اليهودي الشعير والصوف، فانطلق إلي منزل فاطمة عليها السلام.

فقال لها: يا بنت رسول الله صلي الله عليه و اله كلي هذا واغزلي هذا، فباتوا وأصبحوا صياماً، فلمّا أمسوا

قامت الجارية إلي صاع من الشعير وعجنته وخبزت منه خمسة أقراص قرص لعلي وقرص لفاطمة وقرص للحسن وقرص للحسين عليهم السلام وقرص للجارية.

وإنّ علياً عليه السلام صلّي مع النبي صلي الله عليه و اله ثم أقبل إلي منزله ليفطر، فلمّا أن وضع بين أيديهم الطعام وأرادوا أكله، فإذا سائل قد قام بالباب، فقال: السلام عليكم يا أهل بيت محمد، أنا مسكين من مساكين المسلمين، أطعموني أطعمكم الله من موائد الجنة.

فألقي علي عليه السلام وألقي القوم من أيديهم الطعام، وأنشأ علي بن أبي طالب عليه السلام هذه الأبيات:

يا بنت خير الناس أجمعين

فاطم ذات الودّ واليقين

قد جاء بالباب له حنين

أما ترين البائس المسكين

يشكو إلينا جائع حزين

يشكو إلي الله ويستكين

من يفعل الخير يقف سمين

كل امرئ بكسبه رهين

حرمت الجنة علي الضنين

ويدخل الجنة آمنين

ويخرج منها إن خرج بعد حين

يهوي من النار إلي سجين

قال: فأنشأت فاطمة عليها السلام وهي تقول:

ما بي من لؤم ولا ضراعة

أمرك يا بن العم سمع طاعة

غديت بالبر له صناعة

أمط عنّي اللؤم والرقاعة

أرجو إن أطعمت من مجاعة

إني سأعطيه ولا أنهيه ساعة

وأدخل الجنة لي شفاعة

أن ألحق الأخيار والجماعة

فأعطوه طعامهم وباتوا علي صومهم لم يذوقوا إلاّ الماء.

فلمّا أمسوا قامت الجارية إلي الصاع الثاني فعجنته وخبزت منه أقراصاً، وإنّ علياً عليه السلام صلّي مع النبي صلي الله عليه و اله ثم أقبل إلي منزله ليفطر، فلمّا وضع بين أيديهم الطعام وأرادوا أكله إذا يتيم قد قام بالباب، فقال: السلام عليكم يا أهل بيت محمد أنا يتيم من يتامي المسلمين، أطعموني أطعمكم الله من موائد الجنة.

قال: فألقي علي عليه السلام وألقي القوم من بين أيديهم الطعام، وأنشأ علي بن أبي طالب عليه السلام وهو يقول:

بنت نبي ليس بالزنيم

فاطم بنت السيد الكريم

ومن يسلم

فهو السليم

قد جاءنا الله بذي اليتيم

لا يجوز علي الصراط المستقيم

حرمت الجنة علي اللئيم

فصاحب البخل يقف ذميم

طعامه الضريع في الجحيم

قال: فأنشأت فاطمة عليها السلام وهي تقول هذه الأبيات:

واُوثر الله علي عيالي

إني سأعطيه ولا اُبالي

أرجو بذاك الفوز في المال

وأقض هذا الغزل في الأغزال

ويكفني همّي في أطفالي

أن يقبل الله وينمي مالي

أصغرهم يقتل في القتال

أمسوا جياعاً وهم أشبالي

لقاتليه الويل مع وبال

بكربلاء يقتل باغتيال

كبؤله زادت علي الأكبال

يهوي في النار إلي سفال

قال: فأعطوا طعامهم وباتوا علي صومهم ولم يذوقوا إلاّ الماء وأصبحوا صياماً.

فلمّا أمسوا قامت الجارية إلي الصاع الثالث فعجنته وخبزت منه خمسة أقراص، وإنّ علياً عليه السلام صلّي مع النبي صلي الله عليه و اله ثم أقبل إلي منزله يريد أن يفطر، فلمّا وضع بين أيديهم الطعام وأردوا أكله فإذا أسير كافر قد قام بالباب، فقال: السلام عليكم يا أهل بيت محمد والله ما أنصفتمونا من أنفسكم، تأسرونا وتقيّدونا ولا تطعمونا، أطعموني فإني أسير محمد صلي الله عليه و اله.

فألقي علي عليه السلام وألقي القوم من بين أيديهم الطعام.

فأنشأ علي بن أبي طالب عليه السلام هذه الأبيات وهو يقول:

يا بنت من سمّاه الله فهو محمد

يا فاطمة حبيبتي وبنت أحمد

قد جاءنا الله بذي المقيّد

قد زانه الله بخلق أغيد

من يطعم اليوم يجده في غد

بالقيد مأسور فليس يهتدي

وما زرعه الزارعون يحصد

عند الإله الواحد الموحّد

ثم اطلبي خزائن التي لم تنفد

أعطيه ولا تجعليه أنكد

قال: فأنشأت فاطمة عليها السلام وهي تقول:

يا بنت من سمّاه الله فهو محمد

يا فاطمة حبيبتي وبنت أحمد

قد دبرت الكف مع الذراع

يا بن عم لم يبق إلاّ صاع

يا ربّ لا تتركهما ضياع

ابني والله هما جياع

قد يصنع الخير بابتداع

أبوهما للخير صناع

وما علي رأسي من قناع

عبل الذراعين شديد الباع

إلاّ قناع نسجه نساع

قال: فأعطوه طعامهم وباتوا

علي صومهم ولم يذوقوا إلاّ الماء، فأصبحوا وقد قضي الله عليهم نذرهم، وإنّ علياً عليه السلام أخذ بيد الغلامين وهما كالفرخين لا ريش لهما يترجّجان من الجوع، فانطلق بهما إلي منزل النبي صلي الله عليه و اله، فلمّا نظر إليهما رسول الله صلي الله عليه و اله اغرورقت عيناه بالدموع وأخذ بيد الغلامين، فانطلق بها إلي منزل فاطمة عليها السلام، فلمّا نظر إليها رسول الله صلي الله عليه و اله وقد تغيّر لونها وإذا بطنها لاصق بظهرها انكبّ عليها يقبّل بين عينيها، ونادته باكية: وا غوثاه بالله ثم بك يا رسول الله من الجوع.

قال: فرفع رأسه إلي السماء وهو يقول: «اللهم أشبع آل محمد».

فهبط جبرئيل عليه السلام، فقال: يا محمد اقرأ.

قال: وما أقرأ؟

قال: اقرأ ?إِنَّ الأَبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُوراً ? عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللهِ? إلي آخر ثلاث آيات().

ثم إنّ علياً عليه السلام مضي من فور ذلك حتي أتي أبا جبلة الأنصاري، فقال له: يا أبا جبلة هل من قرض دينار؟

قال: نعم يا أبا الحسن أشهد الله وملائكته أنّ أكثر مالي لك حلال من الله ومن رسوله.

قال: لا حاجة لي في شيء من ذلك إن يك قرضاً قبلته.

قال: فرفع إليه ديناراً.

ومرّ الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام يتخرّق أزقّة المدينة ليبتاع بالدينار طعاماً، فإذا هو بمقداد بن الأسود الكندي قاعد علي الطريق فدنا منه وسلّم عليه وقال: يا مقداد ما لي أراك في هذا الموضع كئيباً حزيناً؟

فقال أقول: كما قال العبد الصالح موسي بن عمران عليه السلام: ربّ إني لما أنزلت إليّ من خير فقير.

قال ومنذ كم يا مقداد؟

قال: هذا أربع.

فرجع علي عليه السلام مليّاً ثم قال: الله أكبر، الله أكبر،

آل محمد صلي الله عليه و اله منذ ثلاث وأنت يا مقداد مذ أربع، أنت أحق بالدينار مني.

قال: فدفع إليه الدينار ومضي حتي دخل علي رسول الله صلي الله عليه و اله في مسجده، فلما انفتل رسول الله صلي الله عليه و اله ضرب بيده إلي كتفه ثم قال: يا علي انهض بنا إلي منزلك لعلّنا نصيب به طعاماً، فقد بلغنا أخذك الدينار من أبي جبلة.

قال: فمضي وعلي عليه السلام يستحي من رسول الله صلي الله عليه و اله رابط علي بطنه حجراً من الجوع حتي قرعا علي فاطمة الباب.

فلمّا نظرت فاطمة عليها السلام إلي رسول الله صلي الله عليه و اله وقد أثّر الجوع في وجهه ولّت هاربة قالت: وا سوأتاه من الله ومن رسوله، كأن أبا الحسن ما علم أن ليس عندنا مذ ثلاث، ثم دخلت مخدعاً لها فصلّت ركعتين ثم نادت: يا إله محمد هذا محمد نبيك وفاطمة بنت نبيك وعلي ختن نبيك وابن عمّه وهذان الحسن والحسين سبطي نبيك، اللهم فإنّ بني إسرائيل سألوك أن تنزل عليهم مائدة من السماء فأنزلتها عليهم وكفروا بها، اللهم فإنّ آل محمد لا يكفروا بها، ثم التفتت مسلّمة فإذا هي بصحفة () مملوّة ثريد ومرق فاحتملتها ووضعتها بين يدي رسول الله صلي الله عليه و اله فأهوي بيده إلي الصحفة فسبّحت الصحفة والثريد والمرق فتلا النبي صلي الله عليه و اله ?وَإِنْ مِنْ شَيْ ءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ?() ثم قال: كلوا من جوانب القصعة ولا تهدموا صومعتها فإنّ فيها البركة.

فأكل النبي صلي الله عليه و اله وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام، والنبي صلي الله عليه و اله يأكل وينظر إلي علي عليه السلام متبسّماً، وعلي

عليه السلام يأكل وينظر إلي فاطمة عليها السلام متعجّباً، فقال له النبي صلي الله عليه و اله: كل يا علي ولا تسأل فاطمة عن شيء، الحمد لله الذي جعل مثلك ومثلها مثل مريم بنت عمران وزكريا عليهما السلام ?كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً قالَ يا مَرْيَمُ أَنَّي لَكِ هذا قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ?()، يا علي هذا بالدينار الذي أقرضته، لقد أعطاك الله الليلة خمسة وعشرين جزءً من المعروف، فأمّا جزء واحد فجعل لك في دنياك أن أطعمك من جنّته، وأمّا أربعة وعشرون جزءً قد ذخرها لك لآخرتك().

الزهراء تودع أباها عليهما السلام

قال سلمان: بينا أنا عند رسول الله صلي الله عليه و اله في مرضه الذي قبض فيه، إذ دخلت عليه فاطمة عليها السلام فلما رأت ما به صلي الله عليه و اله خنقتها العبرة حتي فاضت دموعها علي خدّيها، فأبصر ذلك رسول الله صلي الله عليه و اله فقال: ما يبكيك يا بنيّة، أقرّ الله عينك ولا أبكاها؟

قالت عليه السلام: وكيف لا أبكي وأنا أري ما بك من الضعف؟ فمن لنا بعدك يا رسول الله؟

فقال صلي الله عليه و اله لها عليها السلام: يا فاطمة لكم الله فتوكّلي عليه واصبري كما صبر آباؤك من الأنبياء، واُمّهاتك من أزواجهم، ألا اُبشرك يا فاطمة؟

قالت عليها السلام: بلي يا أبه.

قال صلي الله عليه و اله: أما علمت أن الله تعالي اختار أباك فجعله نبياً، وبعثه إلي كافة الخلق رسولاً، ثم اختار علياً فأمرني فزوّجتك إياه، واتخذته بأمر ربّي وزيراً ووصيّاً، يا فاطمة إنّ علياً أعظم المسلمين علي المسلمين بعدي حقاً، وأقدمهم سلماً، وأعزهم خطراً، وأجملهم خلقاً، وأشدّهم في الله وفيّ

غضباً، وأعلمهم علماً، وأحلمهم حلماً، وأثبتهم في الميزان قدراً، وأشجعهم قلباً، وأربطهم جأشاً، وأسخاهم كفاً.

فاستبشرت فاطمة عليها السلام، فأقبل عليها رسول الله صلي الله عليه و اله وقال: هل سررتك يا فاطمة؟

قالت عليها السلام: نعم يا أبة، الحديث.

وقال عمار: لما حضر رسول الله صلي الله عليه و اله أمر الله دعا بعلي عليه السلام فسارّه طويلاً ثم قال له: يا علي أنت وصيّي ووارثي، قد أعطاك الله علمي وفهمي، فإذا متّ ظهرت لك ضغائن في صدور قوم، وغصبت علي حقك.

فبكت فاطمة عليها السلام وبكي الحسن والحسين عليهما السلام.

فقال صلي الله عليه و اله لفاطمة: يا سيّدة النسوان ممّ بكاؤك؟

قالت عليها السلام: يا أبة أخشي الضيعة بعدك.

فقال صلي الله عليه و اله: أبشري يا فاطمة فإنك أول من يلحقني من أهل بيتي، لا تبكي ولا تحزني، فإنّك سيدة نساء أهل الجنّة، وأباك سيد الأنبياء، وابن عمك سيد الأوصياء، وابناك سيدا شباب أهل الجنّة، ومن صلب الحسين عليه السلام يخرج الله الأئمّة التسعة مطهّرون معصومون، ومنك مهدي هذه الاُمّة.

هذه وديعة الله

قال الإمام موسي بن جعفر عليه السلام في حديث: قلت لأبي عليه السلام: فما كان بعد خروج الملائكة عن رسول الله صلي الله عليه و اله؟

فقال عليه السلام: ثم دعا صلي الله عليه و اله علياً وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام وقال لمن في بيته: اخرجوا عني، وقال لاُم سلمة: كوني علي الباب فلا يقربه أحد، ثم التفت إلي علي عليه السلام وقال له: يا علي ادن مني، فدنا منه، فأخذ بيد فاطمة عليها السلام فوضعها علي صدره طويلاً، وأخذ بيد علي عليه السلام بيده الاُخري، فلما أراد رسول الله صلي الله عليه و اله الكلام غلبته العبرة

فلم يقدر علي الكلام.

فبكت فاطمة عليها السلام بكاءً شديداً وأكبّت علي وجهه تقبّله، وبكي علي والحسن والحسين عليهم السلام لبكاء رسول الله صلي الله عليه و اله ثم أكبّوا علي وجهه.

فرفع رسول الله صلي الله عليه و اله رأسه إليهم ويدها في يده، فوضعها في يد علي عليه السلام وقال له: يا أبا الحسن هذه وديعة الله ووديعة رسوله محمد عندك فاحفظ الله واحفظني فيها، وإنك لفاعل هذا يا علي، هذه والله سيّدة نساء أهل الجنّة من الأوّلين والآخرين، هذه والله مريم الكبري، أما والله ما بلغت نفسي هذا الموضع حتي سألت الله لها ولكم، فأعطاني ما سألته، يا علي أنفذ لما أمرتك به فاطمة، فقد أمرتها بأشياء أمر بها جبرئيل، وأمرتها أن تلقيها إليك، فانفذها، فهي الصادقة الصدوقة، واعلم يا علي أني راضٍ عمّن رضيَت عنه ابنتي فاطمة، وكذلك ربي وملائكته، يا علي ويل لمن ظلمها، وويل لمن ابتزّها حقها، وويل لمن هتك حرمتها، وويل لمن أحرق بابها، وويل لمن آذي حليلها، وويل لمن شاقّها وبارزها، اللهم إني منهم بريء، وهم مني براء، ثم سماهم رسول الله صلي الله عليه و اله وضمّ فاطمة إليه وعلياً والحسن والحسين عليهم السلام، الحديث.

في بيت فاطمة عليها السلام

ولما كان صباح يوم الاثنين لليلتين بقيتا من شهر صفر سنة إحدي عشرة من الهجرة النبوية المباركة استأذن علي رسول الله صلي الله عليه و اله ملك الموت، وهو صلي الله عليه و اله في بيت فاطمة عليها السلام وعمر رسول الله صلي الله عليه و اله إذ ذاك ثلاث وستّون سنة.

قال ابن عباس: فلما طرق الباب قالت فاطمة عليها السلام: من ذا؟

قال: أنا غريب أتيت رسول الله صلي الله عليه و اله

فهل تأذنون لي في الدخول عليه؟

فأجابت: امضِ رحمك الله لحاجتك، فرسول الله صلي الله عليه و اله عنك مشغول.

فمضي ثم رجع فدقّ الباب وقال: غريب يستأذن علي رسول الله صلي الله عليه و اله فهل تأذنون للغرباء؟

فأفاق رسول الله صلي الله عليه و اله وقال: يا فاطمة إن هذا مفرق الجماعات، ومنغّص اللذّات، هذا ملك الموت، ما استأذن والله علي أحد قبلي، ولا يستأذن علي أحد بعدي، استأذن عليَّ لكرامتي علي الله، ائذني له.

فقالت عليها السلام: اُدخل رحمك الله، فلما اُذن له دخل كريح هفّافة وقال: السلام عليك يا رسول الله وعلي أهل بيتك.

قال صلي الله عليه و اله: وعليك السلام يا ملك الموت.

فقال: إنّ ربك أرسلني إليك وهو يقرؤك السلام ويخيّرك بين لقائه والرجوع إلي الدنيا.

فاستمهله صلي الله عليه و اله حتي ينزل جبرئيل ويستشيره، فخرج ملك الموت من عنده وجاء جبرئيل فقال: السلام عليك يا أبا القاسم.

قال صلي الله عليه و اله: وعليك السلام يا حبيبي جبرائيل.

فقال: يا رسول الله إنّ ربك إليك مشتاق، وما استأذن ملك الموت علي أحد قبلك، ولا يستأذن علي أحد بعدك.

قال صلي الله عليه و اله: يا حبيبي جبرئيل إن ملك الموت قد خيّرني عن ربّي بين لقائه وبين الرجوع إلي الدنيا، فما الذي تري؟

فقال: يا رسول الله ?وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الأُولي ? وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضي?().

قال صلي الله عليه و اله: نعم، لقاء ربي خير لي، لا تبرح يا حبيبي جبرئيل حتي ينزل ملك الموت، فنزل ملك الموت فقال له رسول الله صلي الله عليه و اله: امض لما اُمرت له.

ثم مدّ صلي الله عليه و اله يده إلي علي عليه السلام فجذبه إليه وهو يقول:

ادن مني يا أخي فقد جاء أمر الله، فدنا عليه السلام منه حتي أدخله تحت ثوبه الذي كان عليه، ووضع فاه في اُذنه وجعل يناجيه طويلاً حتي فارقت روحه الدنيا، صلوات الله عليه وآله، ويد أمير المؤمنين عليه السلام اليمني تحت حنكه، ففاضت نفسه فيها، فرفعها عليه السلام إلي وجهه فمسحه بها.

ثم انسل علي عليه السلام من تحت ثيابه، وقال: أعظم الله اُجوركم في نبيّكم، فقد قبضه الله إليه ثم مدّ عليه ازاره، وقال: إنّا لله وإنّا إليه راجعون، يالها من مصيبة خصت الأقربين وعمت المؤمنين، لما يصابوا بمثلها قط، ولا عاينوا مثلها.

فارتفعت عندها الأصوات بالضجّة والبكاء. فصاحت فاطمة عليها السلام وصاح المسلمون، وصاروا يضعون التراب علي رؤوسهم، وفاطمة عليها السلام تقول: يا أبتاه إلي جبرئيل ننعاه، يا أبتاه من ربّه ما أدناه، يا أبتاه جنان الفردوس مأواه، يا أبتاه أجاب ربّاً دعاه، واجتمعت نسوة بني هاشم وجعلن يذكرن النبي صلي الله عليه و اله.

وبعد الوفاة

روي أنّه لمّا قبض النبي صلي الله عليه و اله امتنع بلال من الأذان وقال: لا اُؤذّن لأحد بعد رسول الله صلي الله عليه و اله وأنّ فاطمة عليها السلام قالت ذات يوم: إنّي أشتهي أن أسمع صوت مؤذّن أبي بالأذان، فبلغ ذلك بلالاً، فأخذ في الأذان، فلمّا قال: ?الله أكبر، الله أكبر? ذكرت أباها صلي الله عليه و اله وأيّامه فلم تتمالك من البكاء.

فلمّا بلغ إلي قوله: ?أشهد أنّ محمّداً رسول الله?، شهقت فاطمة عليها السلام شهقة وسقطت لوجهها وغُشي عليها.

فقال الناس لبلال: أمسك يا بلال فقد فارقت ابنة رسول الله صلي الله عليه و اله الدنيا، وظنّوا أنّها قد ماتت، فقطع أذانه ولم يتمه.

فأفاقت فاطمة عليها السلام وسألت

أن يتم الأذان فلم يفعل، وقال لها: يا سيّدة النسوان إنّي أخشي عليك ممّا تنزلينه بنفسك إذا سمعت صوتي بالأذان، فأعفته عن ذلك().

في رثاء أبيها صلي الله عليه و اله

كانت الصديقة الزهراء ترثي أباها صلي الله عليه و اله بعد ما تأخذ من تراب القبر الشريف وتضعه علي عينيها، وتقول:

أن لا يشمّ مدي الزمان غواليا

ماذا علي من شمّ تربة أحمد

صبّت علي الأيّام عدن لياليا()

صبّت عليّ مصائب لو أنّها

وتقول عليها السلام أيضا:

إن كنت تسمع صرختي وندائيا

قل للمُغيّب تحت أطباق الثري

لا أخشي من ضيم وكان حماً ليا

قد كنت ذات حمي بظلّ محمّد

ضيمي وأدفع ظالمي بردائيا

فاليوم أخشع للذليل وأتّقي

شجناً علي غصن بكيت صباحيا

فإذا بكت قمرية في ليلها

ولأجعلنّ الدمع فيك وشاحيا()

فلأجعلنّ الحزن بعدك مؤنسي

وتقول عليها السلام ترثيه صلي الله عليه و اله:

شمس النهار وأظلم العصران

اغبر آفاق السماء وكوّرت

أسفاً عليه وكثيرة الرجفان

فالأرض من بعد النبي كئيبة

وليبكه مضر وكل يمان()

فليبكه شرق البلاد وغربها

وتقول عليها السلام أيضا:

تبكي عليك الناظر

كنت السواد لمقلتي

فعليك كنت اُحاذر()

من شاء بعدك فليمت

الهجوم علي دارها عليها السلام

وقد هجم القوم بعد وفاة رسول الله صلي الله عليه و اله علي دار الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السلام وذلك طمعاً في الخلاقة واغتصاباً لحق أمير المؤمنين عليه السلام، فأحرقوا الباب، وعصروها بين الحائط والباب وكسروا ضلعها وضربوها حتي أسقطت جنينها الذي سماه رسول الله صلي الله عليه و اله محسناً، وقد بقي أثر السياط في عضدها كمثل الدملج().

خطبة الزهراء عليها السلام في نساء المهاجرين والأنصار

إنّ القوم لم يراعوا حرمة رسول الله صلي الله عليه و اله في ابنته الصديقة فاطمة عليها السلام ولا في وصيه الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، فغصبوا الخلافة منه عليه السلام وغصبوا فدك فاطمة عليها السلام، ولكن الصدّيقة الزهراء عليها السلام لم تقف أمام غصب الخلافة والتعدي علي حقّ زوجها والاستيلاء علي فدكها مكتوفة الأيدي، وإنّما خرجت من منزلها وهي القائلة: ?خير للمرأة من أن لا تري رجلاً ولا يراها? ()، من أجل استرجاع الحقوق المغصوبة التي استولت عليها حكومة ابن أبي قحافة.

وليس ذلك فحسب، بل إنّها عليها السلام خطبت خطبتان أحدهما في المسجد وقد أشرنا إلي بعض أبعادها الفقهية في كتاب «من فقه الزهراء عليها السلام».

وكان لها خطبة اُخري في نساء المهاجرين والأنصار عندما أتين لعيادتها عليها السلام، ذكرناها في نهاية الفصل الثاني من الكتاب() مع بعض التفصيل، ونقتصر في هذا الكتاب علي أصل الخطبة:

عن عبدالله بن الحسن، عن اُمّه فاطمة بنت الحسين: «أنّها لمّا مرضت فاطمة الزهراء عليها السلام المرضة التي توفّيت فيها، واشتدّت عليها علّتها، اجتمعت إليها نساء المهاجرين والأنصار ليعدنها، فسلّمنّ عليها وقلن لها: كيف أصبحت من علّتك يا بنت رسول الله؟

فحمدت الله وصلّت علي أبيها، ثمّ قالت:

أصبحت والله عائفة لدنياكن، قالية لرجالكن، لفظتهم() بعد أن عجمتهم()، وشنأتهم بعد

أن سبرتهم، فقبحاً لفلول() الحدّ، واللعب بعد الجدّ، وقرع الصفاة، وصدع القناة، وخطل() الرأي، وزلل الأهواء، و?لَبِئْسَ ما قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذابِ هُمْ خالِدُونَ? ().

لا جرم والله لقد قلّدتهم ربقتها، وحمّلتهم أوقتها، وشننت عليهم غارتها، فجدعاً وعقراً ()، وبعداً للقوم الظالمين، ويحهم أنّا زعزعوها () عن رواسي الرسالة، وقواعد النبوّة والدلالة، ومهبط الروح الأمين، والطبين باُمور الدنيا والدين ?ألا ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ?()، وما الذي نقموا من أبي الحسن، نقموا منه والله نكير سيفه، وقلّة مبالاته بحتفه، وشدّة وطأته، ونكال وقعته، وتنمّره() في ذات الله عزّوجلّ، وتالله لو مالوا عن المحجّة اللائحة، وزالوا عن قبول الحجّة الواضحة، لردّهم إليها، وحملهم عليها، وتالله لو تكافوا عن زمام نبذه إليه رسول الله صلي الله عليه و اله لاعتقله()، ولسار بهم سجحاً ()، لا يكلّم خشاشة()، ولا يكلّ سائره، ولا يملّ راكبه، ولأوردهم منهلاً نميراً () صافياً روياً فضفاضاً() تطفح ضفّتاه()، ولا يترنّق() جانباه، ولأصدرهم بطاناً، ونصح لهم سرّاً وإعلاناً، ولم يكن يتحلّي من الغني بطائل، ولا يحظي من الدنيا بنائل، غير ري الناهل وشبعة الكافل، ولبان لهم الزاهد من الراغب، والصادق من الكاذب، ?وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُري آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالأَرْضِ وَلكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ?()، ?وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هؤُلاءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا وَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ?(). ألا هلّم فاستمع، وما عشت أراك الدهر عجباً ?وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ?() ليت شعري إلي أي لجأ لجأوا؟ وإلي أي سناد استندوا؟ وعلي أي عماد اعتمدوا؟ وبأي عروة تمسّكوا؟ وعلي أي ذرية قدموا واحتنكوا؟ ?لَبِئْسَ الْمَوْلي وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ?() و?بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً?().

استبدلوا والله الذنابي بالقوادم، والعجز بالكاهل، فرغماً لمعاطس()

قوم يحسبون أنّهم

يحسنون صنعاً، ?أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلكِنْ لايَشْعُرُونَ?() ويحهم ?أفَمَنْ يَهْدِي إِلَي الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلاَّ أَنْ يُهْدي فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ?().

أما لعمري لقد لقحت() فنظرة ريثما تنتج، ثمّ احتلبوا ملء العقب دماً عبيطاً وذعافاً ()، واطمئنّوا للفتنة جأشاً، وأبشروا بسيف صارم، وسطوة معتدٍ غاشم، وبهرج دائم شامل، واستبداد من الظالمين يدع فيئَكم زهيداً، وجمعكم حصيداً، فيا حسرة لكم وأنّي بكم وقد عميت عليكم ?أَ نُلْزِمُكُمُوها وَأَنْتُمْ لَها كارِهُونَ?().

استشهادها عليها السلام

توفّيت الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السلام مظلومة شهيدة، بعد ما جري عليها من الظلم والجور، والضرب واللطم، وكسر الضلع وسقط الجنين، وكان وفاتها في الثالث من جمادي الآخرة سنة إحدي عشرة من الهجرة النبوية علي المشهور بين أصحابنا، وهو المروي عن الإمام الصادق عليه السلام.

وفي بعض الروايات: إنها عليها السلام توفيت بعد وفاة رسول الله صلي الله عليه و اله بخمسة وسبعين يوماً.

وقيل: إنّها توفّيت لثلاث عشرة ليلة خلت من ربيع الآخر.

وكان عمرها (صلوات الله عليها وعلي أبيها) عند وفاتها ثماني عشرة سنة.

عن أبي عبيدة، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: «إنّ فاطمة عليها السلام مكثت بعد رسول الله صلي الله عليه و اله خمسة وسبعين يوماً، وكان دخلها حزن شديد علي أبيها، وكان يأتيها جبرئيل عليه السلام فيحسن عزاءها علي أبيها ويطيّب نفسها ويخبرها عن أبيها ومكانه، ويخبرها بما يكون بعدها في ذريتها، وكان علي عليه السلام يكتب ذلك» ().

وعن الإمام الصادق عليه السلام قال: «عاشت فاطمة عليها السلام بعد رسول الله صلي الله عليه و اله خمسة وسبعين يوماً، لم تُرَ كاشرة ولا ضاحكة، تأتي قبور الشهداء في كل جمعة مرتين، الإثنين والخميس فتقول: هاهنا كان رسول الله

عليه السلام وهاهنا كان المشركون».

وفي رواية عن الإمام الصادق عليه السلام: «أنّها كانت تصلّي هناك وتدعو حتّي ماتت» ().

وعن الإمام الباقر عليه السلام، قال: «ما رؤيت فاطمة ضاحكة قطّ منذ قبض رسول الله صلي الله عليه و اله حتّي قبضت» ().

وروي: «أنّها ما زالت بعد أبيها معصبة الرأس، ناحلة الجسم، منهدّة الركن، باكية العين، محترقة القلب، يغشي عليها ساعة بعد ساعة، وتقول لولديها: أين أبوكما الذي كان يكرمكما ويحملكما مرّة بعد مرّة، أين أبوكما الذي كان أشدّ الناس شفقة عليكما؟ فلا يدعكما تمشيان علي الأرض، ولا أراه يفتح هذا الباب أبداً ولا يحملكما علي عاتقه كما لم يزل يفعل بكما» ().

وقال الإمام الصادق عليه السلام: «قبضت فاطمة عليها السلام في جمادي الآخرة يوم الثلاثاء لثلاث خلون منه سنة إحدي عشرة من الهجرة وكان سبب وفاتها أن قنفذا مولي فلان لكزها بنعل السيف بأمره فأسقطت محسنا ومرضت من ذلك مرضاً شديداً ولم تدع أحداً ممن آذاها أن يدخل عليها …» ()، الحديث

هذا وقد أخبر رسول الله صلي الله عليه و اله بما يجري عليها من الظلم كما في (مستدرك الوسائل):

روي أنه دخل رسول الله صلي الله عليه و اله يوماً علي فاطمة عليها السلام فهيأت له طعاماً

من تمر وقرص وسمن، فاجتمعوا علي الأكل هو وعلي وفاطمة والحسن

والحسين عليهم السلام، فلما أكلوا سجد رسول الله صلي الله عليه و اله وأطال سجوده ثم بكي ثم ضحك وجلس، فقال علي عليه السلام: يا رسول الله رأينا فيك اليوم ما لم نره قبل ذلك؟

فقال صلي الله عليه و اله: إني لما أكلت معكم فرحت وسررت بسلامتكم، فسجدت لله تعالي شكراً، فهبط جبرئيل يقول: سجدتَ شكراً لفرحك بأهلك؟

فقلت: نعم.

فقال: ألا

أخبرك بما يجري عليهم بعدك؟

فقلت: بلي يا أخي جبرئيل.

فقال: أما ابنتك فهي أول أهلك لحوقاً بك بعد أن تظلم ويؤخذ حقها وتمنع إرثها ويظلم بعلها ويكسر ضلعها، وأما ابن عمك فيظلم ويمنع حقه ويقتل، وأما الحسن فإنه يظلم ويمنع حقه ويقتل بالسم، وأما الحسين فإنه يظلم ويمنع حقه وتقتل عترته وتطؤه الخيول ويُنهب رحله وتُسبي نساؤه وذراريه ويدفن مرملاً بدمه ويدفنه الغرباء.

فبكيت وقلت: هل يزوره أحد؟

قال: يزوره الغرباء.

قلت: فما لمن زاره من الثواب؟

قال: يكتب له ثواب ألف حجة وألف عمرة كلها معك.

فضحكت().

ونقرأ في زيارة الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السلام التي رواها السيد بن طاووس رحمة الله عليه في كتاب إقبال الأعمال:

«السلام عليك أيتها المعصومة المظلومة.

السلام عليك أيتها الطاهرة المطهرة.

السلام عليك أيتها المضطهدة المغصوبة …

اللهم صل علي محمد وأهل بيته.

وصل علي البتول الطاهرة

الصديقة المعصومة.

التقية النقية.

الرضية المرضية.

الزكية الرشيدة.

المظلومة المقهورة.

المغصوبة حقها.

الممنوعة إرثها.

المكسور ضلعها.

المظلوم بعلها.

المقتول ولدها.

فاطمة بنت رسول الله صلي الله عليه و اله» ().

ما أحسن هذا

عن أسماء بنت عميس أنّ فاطمة (سلام الله عليها)، قالت لها: إنّي قد استقبحت ما يصنع بالنساء، إنّه يطرح علي المرأة الثوب فيصفها لمن رأي.

فقلت: يا بنت رسول الله أنا أصنع لك شيئاً رأيته بأرض الحبشة.

قالت: فدعوت بجريدة رطبة فحبستها ثم طرحت عليها ثوباً.

فقالت: فاطمة (سلام الله عليها): ما أحسن هذا وأجمله لا تعرف به المرأة من الرجل، فإذا متّ فاغسليني أنت، فلمّا ماتت عليها السلام غسّلها علي عليه السلام وأسماء().

تغسيل الطاهرة

عن المفضّل قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: من غسّل فاطمة عليها السلام؟

قال: «ذاك أمير المؤمنين عليه السلام».

وكأنّي استعظمت ذلك من قوله، فقال: «كأنّك ضقت بما أخبرتك به»؟.

قال: فقلت: قد كان ذلك، جعلت فداك.

قال: فقال: «لا تضيّقنّ فإنّها صدّيقة، ولم يكن يغسلها إلاّ الصدّيق، أما علمت أنّ مريم لم يغسلها إلاّ عيسي عليه السلام» ().

وعن اُمّ سلمي، قالت: اشتكت فاطمة (سلام الله عليها) شكواها التي قُبضت فيها، وكنت أمرضها فأصبحت يوماً أسكن ما كانت، فخرج علي عليه السلام إلي بعض حوائجه فقالت: يا أمة اسكبي لي غسلاً، فسكبت لها غسلاً، فاغتسلت كأحسن ما رأيتها تغتسل، فقالت: اسكبي لي غسلاً فسكبت فقامت واغتسلت أحسن ما يكون من الغسل ثمّ لبست أثوابها الجدد، ثمّ قالت: افرشي فراشي وسط البيت، ثمّ استقبلت القبلة ونامت وقالت: إنّي مقبوضة وقد اغتسلت، فلا يكشفني أحد، ثمّ وضعت خدّها علي يدها وماتت.

وقالت أسماء بنت عميس: أوصت إليّ فاطمة عليها السلام أن لا يغسلها إذا ماتت إلاّ أنا وعلي، فأعنت علياً علي غسلها عليها السلام ().

الدفن ليلاً

عن أبي عبد الله الحسين بن علي عليه السلام، قال: «لمّا قبضت فاطمة عليها السلام، دفنها أمير المؤمنين عليه السلام سرّاً، وعفّا علي موضع قبرها، ثمّ قام فحوّل وجهه إلي قبر رسول الله صلي الله عليه و اله، فقال:

السلام عليك يا رسول الله، عنّي والسلام عليك عن ابنتك وزائرتك والبائتة في الثري ببقعتك، والمختار الله لها سرعة اللحاق بك، قلّ يا رسول الله عن صفيّتك صبري، وعفا عن سيّدة نساء العالمين تجلّدي، إلاّ أنّ لي في التأسّي بسنّتك في فرقتك موضع تعزّ، فلقد وسّدتك في ملحودة قبرك، وفاضت نفسك بين نحري وصدري، بلي وفي كتاب الله

لي أنعمُ القبول ?إنّا لله وإنّا إليه راجعون?()، قد استرجعت الوديعة، واُخذت الرهينة، واُخلست الزهراء، فما أقبح الخضراء والغبراء يا رسول الله، أمّا حزني فسرمد، وأمّا ليلي فمسهّد، وهمٌّ لا يبرح من قلبي، أو يختار الله لي دارك التي أنت فيها مُقيم، كَمَدٌ مقيّح، وهمٌّ مهيّج، سرعان ما فرّق بيننا، وإلي الله أشكو، وستنبئك ابنتك بتظافر اُمّتك علي هضمها، فأحفها () السؤال، واستخبرها الحال، فكم من غليل معتلج() بصدرها لم تجد إلي بثّه سبيلاً، وستقول ويحكم الله وهو خير الحاكمين، سلام مودِّع لا قالٍ ولا سئم، فإن أنصرف فلا عن ملالة، وإن أقم فلا عن سوء ظن بما وعد الله الصابرين، واهَ واهاً والصبر أيمن وأجمل، ولولا غلبة المستولين لجعلت المقام واللّبث لزاماً معكوفاً، ولأعولت إعوال الثكلي علي جليل الرزية، فبعين الله تدفن ابنتك سرّاً، وتهضم حقّها، وتمنع إرثها، ولم يتباعد العهد! ولم يخلق منك الذكر! وإلي الله يا رسول الله المشتكي، وفيك يا رسول الله أحسن العزاء، صلّي الله عليك وعليها السلام والرضوان» ().

تظلّم السيّدة الزهراء عليها السلام

إن الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السلام قد ظلمها القوم فأصبحت هي وذريتها مظلومة بعد رسول الله صلي الله عليه و اله وستقف يوم المحشر وتشتكي إلي الله فهو المشتكي قبال ظالميها وظالمي ذريتها الأطهار عليهم السلام، حيث إنها عليها السلام تطلب في ساحة المحشر من الباري تعالي أن يأخذ بثأرها وثأر ذريتها المظلومين المشرّدين عن أوطانهم والمقتولين ظلماً وجوراً.

فعن أمير المؤمنين عليه السلام قال: قال النبي صلي الله عليه و اله: «تحشر ابنتي فاطمة عليها السلام يوم القيامة ومعها ثياب مصبوغة بالدماء تتعلّق بقائمة من قوائم العرش تقول: يا أحكم الحاكمين اُحكم بيني وبين قاتل ولدي، قال علي بن

أبي طالب عليه السلام قال رسول الله صلي الله عليه و اله: ويحكم لابنتي فاطمة وربّ الكعبة» ().

وعن أبي جعفر عليه السلام قال: سمعت جابر بن عبد الله الأنصاري يقول: قال رسول الله صلي الله عليه و اله: «إذا كان يوم القيامة تقبل ابنتي فاطمة علي ناقة من نوق الجنة مدبجة الجنبين، خطمها() من لؤلؤ رطب، قوائمها من الزمرد الأخضر، ذنبها من المسك الأذفر، عيناها ياقوتتان حمراوان، عليها قبة من نور، يري ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها، داخلها عفو الله، وخارجها رحمة الله، علي رأسها تاج من نور، للتاج سبعون ركناً، كل ركن مرصّع بالدر والياقوت، يضيء كما يضيء الكوكب الدرّي في اُفق السماء، وعن يمينها سبعون ألف ملك، وعن شمالها سبعون ألف ملك، وجبرئيل آخذ بخطام الناقة ينادي بأعلي صوته: غضّوا أبصاركم حتي تجوز فاطمة بنت محمد صلي الله عليه و اله، فلا يبقي يومئذ نبيّ ولا رسول ولا صدّيق ولا شهيد إلاّ غضّوا أبصارهم حتي تجوز فاطمة، فتسير حتي تحاذي عرش ربّها جلّ جلاله فتزج() بنفسها عن ناقتها وتقول: إلهي وسيدي اُحكم بيني وبين من ظلمني، اللهم اُحكم بيني وبين من قتل ولدي، فإذا النداء من قبل الله جلّ جلاله: يا حبيبتي وابنة حبيبي سليني تعطي واشفعي تشفعي فوعزّتي وجلالي لا جازني ظلم ظالم فتقول: إلهي وسيدي ذريتي وشيعتي وشيعة ذريتي ومحبي ومحبي ذريتي، فإذا النداء من قبل الله جلّ جلاله أين ذرية فاطمة وشيعتها ومحبوها ومحبوا ذريتها؟ فيقبلون وقد أحاط بهم ملائكة الرحمة فتقدمهم فاطمة عليها السلام حتي تدخلهم الجنة» ().

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: «إذا كان يوم القيامة جمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد ثم أمر منادياً

فنادي غضّوا أبصاركم ونكّسوا رؤوسكم حتي تجوز فاطمة ابنة محمد صلي الله عليه و اله الصراط، قال: فتغضّ الخلائق أبصارهم فتأتي فاطمة عليها السلام علي نجيب() من نجب الجنة يشيّعها سبعون ألف ملك، فتقف موقفاً شريفاً من مواقف القيامة، ثم تنزل عن نجيبها فتأخذ قميص الحسين بن علي عليه السلام بيدها مضمّخاً بدمه وتقول: يا رب هذا قميص ولدي وقد علمت ما صنع به، فيأتيها النداء من قبل الله عزّوجلّ: يا فاطمة لك عندي الرضا، فتقول: يا رب انتصر لي من قاتله، فيأمر الله تعالي عنقاً () من النار فتخرج من جهنم فتلتقط قتلة الحسين بن علي عليه السلام كما يلتقط الطير الحب ثم يعود العنق بهم إلي النار فيعذّبون فيها بأنواع العذاب، ثم تركب فاطمة عليها السلام نجيبها حتي تدخل الجنة ومعها الملائكة المشيّعون لها وذريتها بين يديها وأولياؤهم من الناس عن يمينها وشمالها» ().

فاطمة عليها السلام يوم المحشر

كثيرة هي الروايات التي تتحدّث عن أهوال يوم المحشر وحالاته الصعبة التي يخشاها أولياء الله فضلاً عن الناس العاديين من العصاة وغيرهم.

إن في ذلك العالم وبينما ينشغل الناس بأنفسهم لعظم ما يطلعون عليه من الهول يعرف الناس قدر أهل البيت عليهم السلام ومدي قداستهم وارتفاع مكانتهم عند الله تبارك وتعالي وخاصة الصدّيقة الزهراء عليها السلام التي تقف عند باب الجنّة وتنادي: يا ربّ خلّص شيعتي.

فعن ابن عباس أنه قال: سمعت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام يقول: «دخل رسول الله صلي الله عليه و اله ذات يوم علي فاطمة عليها السلام وهي حزينة، فقال لها: ما حزنك يا بنية؟

قالت: يا أبة ذكرت المحشر ووقوف الناس عراة يوم القيامة.

قال: يا بنية إنه ليوم عظيم ولكن قد أخبرني جبرئيل

عليه السلام عن الله عزّوجلّ أنه قال: أوّل من تنشق عنه الأرض يوم القيامة أنا، ثم أبي إبراهيم، ثم بعلك علي بن أبي طالب عليه السلام، ثم يبعث الله إليك جبرئيل في سبعين ألف ملك فيضرب علي قبرك سبع قباب من نور، ثم يأتيك إسرافيل بثلاث حلل من نور فيقف عند رأسك فيناديك: يا فاطمة ابنة محمد قومي إلي محشرك، فتقومين آمنة روعتك، مستورة عورتك، فيناولك إسرافيل الحلل فتلبسينها، ويأتيك روفائيل بنجيبة من نور، زمامها من لؤلؤ رطب، عليها محفّة من ذهب فتركبينها، ويقود روفائيل بزمامها وبين يديك سبعون ألف ملك بأيديهم ألوية التسبيح، وإذا جدّ بك السير استقبلتك سبعون ألف حوراء يستبشرون بالنظر إليك، بيد كل واحدة منهن مجمرة من نور يسطع منها ريح العود من غير نار، وعليهنّ أكاليل الجوهر مرصّع بالزبرجد الأخضر، فيسرن عن يمينك.

فإذا مثل الذي سرت من قبرك إلي أن لقيتك استقبلتك مريم بنت عمران في مثل من معك من الحور فتسلّم عليك وتسير هي ومن معها عن يسارك، ثم استقبلتك اُمّك خديجة بنت خويلد عليها السلام أول المؤمنات بالله ورسوله ومعها سبعون ألف ملك بأيديهم ألوية التكبير، فإذا قربت من الجمع استقبلتك حواء في سبعين ألف حوراء ومعها آسية بنت مزاحم فتسير هي ومن معها معك، فإذا توسطت الجمع وذلك أنّ الله يجمع الخلائق في صعيد واحد فيستوي بهم الأقدام ثم ينادي مناد من تحت العرش يسمع الخلائق: غضّوا أبصاركم حتي تجوز فاطمة الصدّيقة ابنة محمد صلي الله عليه و اله ومن معها، فلا ينظر إليك يومئذ إلاّ إبراهيم خليل الرحمن (صلّي الله عليه) وعلي بن أبي طالب عليها السلام، ويطلب آدم حواء فيراها مع اُمّك خديجة أمامك.

ثم ينصب

لك منبر من نور فيه سبع مراق بين المرقاة إلي المرقاة صفوف الملائكة بأيديهم ألوية النور وتصطف الحور العين عن يمين المنبر وعن يساره، وأقرب النساء منك عن يسارك حواء وآسية بنت مزاحم، فإذا صرت في أعلي المنبر أتاك جبرئيل عليه السلام فيقول لك: يا فاطمة سلي حاجتك.

فتقولين: يا ربّ أرني الحسن والحسين.

فيأتيانك وأوداج الحسين تشخب دماً وهو يقول: يا ربّ خذ لي اليوم حقّي ممّن ظلمني، فيغضب عند ذلك الجليل ويغضب لغضبه جهنّم والملائكة أجمعون، فتزفر جهنّم عند ذلك زفرة ثم يخرج فوج من النار فيلتقط قتلة الحسين وأبناءهم وأبناء أبنائهم ويقولون: يا ربّ إنّا لم نحضر الحسين عليه السلام، فيقول الله لزبانية جهنّم: خذوهم بسيماهم بزرقة الأعين وسواد الوجوه، خذوا بنواصيهم فألقوهم في الدرك الأسفل من النار فإنّهم كانوا أشدّ علي أولياء الحسين من آبائهم الذين حاربوا الحسين عليه السلام فقتلوه، فيسمع شهيقهم في جهنّم.

ثم يقول جبرئيل عليه السلام: يا فاطمة، سلي حاجتك.

فتقولين: يا ربّ شيعتي.

فيقول الله: قد غفرت لهم.

فتقولين: يا ربّ شيعة ولدي.

فيقول الله: قد غفرت لهم.

فتقولين: يا ربّ شيعة شيعتي.

فيقول الله: انطلقي، فمن اعتصم بك فهو معك في الجنّة.

فعند ذلك يودّ الخلائق أنّهم كانوا فاطميين، فتسيرين ومعك شيعتك وشيعة ولدك وشيعة أمير المؤمنين عليه السلام آمنة روعاتهم مستورة عوراتهم قد ذهبت عنهم الشدائد وسهلت لهم الموارد، يخاف الناس وهم لا يخافون، ويظمأ الناس وهم لا يظمئون، فإذا بلغت باب الجنّة تلقّتك اثنا عشر ألف حوراء لم يلتقين أحداً كان قبلك ولا يلتقين أحداً كان بعدك، بأيديهم حراب من نور علي نجائب من نور، رحائلها من الذهب الأصفر والياقوت، أزمتها من لؤلؤ رطب، علي كل نجيبة نمرقة من سندس منضود، فإذا دخلت

الجنّة تباشر بك أهلها ووضع لشيعتك موائد من جوهر علي أعمدة من نور فيأكلون منها والناس في الحساب وهم فيما اشتهت أنفسهم خالدون.

فإذا استقرّ أولياء الله في الجنّة زارك آدم عليه السلام ومن دونه من النبيين عليهم السلام، وإنّ في بطنان الفردوس للؤلؤتان من عرق واحد لؤلؤة بيضاء ولؤلؤة صفراء فيها قصور ودور في كل واحدة سبعون ألف دار، البيضاء منازل لنا ولشيعتنا، والصفراء منازل لإبراهيم عليه السلام وآل إبراهيم.

قالت: يا أبة فما كنت أحبّ أن أري يومك وأبقي بعدك.

قال: يا بنيّة لقد أخبرني جبرئيل عليه السلام عن الله أنّك أول من يلحقني من أهل بيتي، فالويل كلّه لمن ظلمك والفوز العظيم لمن نصرك.

قال عطاء: وكان ابن عباس إذا ذكر هذا الحديث تلا هذه الآية: ?وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْ ءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ? ()، ().

من بركات محبّة الزهراء عليها السلام

إنّ الأئمّة الأطهار عليهم السلام لا يتخلّون عن مواليهم ومحبّيهم في أهوال يوم القيامة وشدائدها، خاصّة الصدّيقة الزهراء عليها السلام، فإنها تشفع عند الله عزوجل لمواليها ومحبّيها، وقد تظافرت الروايات بذلك:

عن ابن عباس قال: إنّ رسول الله صلي الله عليه و اله كان جالساً ذات يوم وعنده علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام، فقال: ?اللهمّ إنّك تعلم أنّ هؤلاء أهل بيتي وأكرم الناس عليّ فأحبّ من أحبّهم وأبغض من أبغضهم، ووال من والاهم وعاد من عاداهم، وأعن من أعانهم، واجعلهم مطهّرين من كل رجس، معصومين من كل ذنب، وأيّدهم بروح القدس منك?.

ثم قال صلي الله عليه و اله: ?يا علي أنت إمام اُمّتي وخليفتي عليها بعدي وأنت قائد المؤمنين إلي الجنة، وكأني أنظر إلي ابنتي فاطمة قد أقبلت يوم

القيامة علي نجيب() من نور عن يمينها سبعون ألف ملك، وعن يسارها سبعون ألف ملك، وبين يديها سبعون ألف ملك، وخلفها سبعون ألف ملك، تقود مؤمنات اُمّتي إلي الجنة، فأيّما امرأة صلّت في اليوم والليلة خمس صلوات وصامت شهر رمضان وحجّت بيت الله الحرام وزكّت مالها وأطاعت زوجها ووالت علياً بعدي دخلت الجنة بشفاعة ابنتي فاطمة، وإنها لسيدة نساء العالمين».

فقيل: يا رسول الله صلي الله عليه و اله، أهي سيدة لنساء عالمها؟

فقال صلي الله عليه و اله: «ذاك لمريم بنت عمران، فأمّا ابنتي فاطمة، فهي سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين، وإنها لتقوم في محرابها فيسلّم عليها سبعون ألف ملك من الملائكة المقرّبين وينادونها بما نادت به الملائكة مريم فيقولون: يا فاطمة إنّ الله اصطفاك وطهّرك واصطفاك علي نساء العالمين».

ثم التفت صلي الله عليه و اله إلي علي عليه السلام فقال: «يا علي إنّ فاطمة بضعة منّي وهي نور عيني وثمرة فؤادي يسوءني ما ساءها ويسّرني ما سرّها، وإنها أول من يلحقني من أهل بيتي فأحسن إليها بعدي، وأمّا الحسن والحسين فهما ابناي وريحانتاي وهما سيدا شباب أهل الجنة فليكرما عليك كسمعك وبصرك».

ثم رفع صلي الله عليه و اله يده إلي السماء فقال: «اللهم إني اُشهدك أني محب لمن أحبهم ومبغض لمن أبغضهم وسلم لمن سالمهم وحرب لمن حاربهم وعدو لمن عاداهم وولي لمن والاهم» ().

فاطمة عليها السلام المظلومة

إنّ الصدّيقة فاطمة الزهراء عليها السلام عاشت بعد أبيها مظلومة، واستشهدت مظلومة، وهي ما زالت مظلومة إلي يوم يبعثون …

فبالرغم من تضافر الروايات علي قداستها وعلو مقامها عند الله تعالي إلاّ أنّ الكثيرين لا يعرفون عن ذلك شيئاً.

فهي (صلوات الله عليها) مجهولة قدرا ومهضومة حقا.

نعم، إنّ الخلق وكما في

الحديث الشريف قد فطموا عن معرفتها، ولكن هذا لا يعني أن لا يبحث المحبّون والموالون عن فضائلها ويطالعون مناقبها الكثيرة التي تكشف لهم الشيء القليل من عظمة قدرها المجهول.

فهذا سلمان المحمدي علي عظم جلالته وارتفاع مقامه يتوسّل برسول الله صلي الله عليه و اله ويلحّ عليه أن يخبره بشيء من فضائلها (سلام الله عليها).

يقول أبو ذر رحمة الله عليه: رأيت سلمان وبلالاً يقبلان إلي النبي صلي الله عليه و اله إذا انكب سلمان علي قدم رسول الله صلي الله عليه و اله يقبّلها فزجره النبي صلي الله عليه و اله عن ذلك ثم قال له: «يا سلمان لا تصنع بي ما تصنع الأعاجم بملوكها، أنا عبد من عبيد الله آكل مما يأكل العبد وأقعد كما يقعد العبد».

فقال سلمان: يا مولاي سألتك بالله إلاّ أخبرتني بفضل فاطمة عليها السلام يوم القيامة.

قال: فأقبل النبي صلي الله عليه و اله ضاحكاً مستبشراً ثم قال: «والذي نفسي بيده إنها الجارية التي تجوز في عرصة القيامة علي ناقة رأسها من خشية الله، وعيناها من نور الله، وحطامها من جلال الله، وعنقها من بهاء الله، وسنامها من رضوان الله، وذنبها من قدس الله، وقوائمها من مجد الله، إن مشت سبّحت، وإن رغت قدّست، عليها هودج من نور، فيه جارية إنسية حورية عزيزة جمعت فخلقت وصنعت ومثلت مِن ثلاثة أصناف، فأولها من مسك أذفر وأوسطها من العنبر الأشهب وآخرها من الزعفران الأحمر، عجنت بماء الحيوان، لو تفلت تفلة في سبعة أبحر مالحة لعذبت، ولو أخرجت ظفر خنصرها إلي دار الدنيا يغشي الشمس والقمر، جبرئيل عن يمينها وميكائيل عن شمالها وعلي أمامها والحسن والحسين وراءها والله يكلؤها ويحفظها، فيجوزون في عرصة القيامة فإذا

النداء من قبل الله جلّ جلاله: معاشر الخلائق غضّوا أبصاركم ونكّسوا رؤوسكم هذه فاطمة بنت محمد نبيكم، زوجة علي إمامكم، اُمّ الحسن والحسين، فتجوز الصراط وعليها ريطتان() بيضاوان، فإذا دخلت الجنة ونظرت إلي ما أعدّ الله لها من الكرامة قرأت: «بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي أذهب عنّا الحزن إنّ ربنا لغفور شكور الذي احلّنا دار المقامة من فضله لا يمسنا فيها نصب() ولا يمسّنا فيها لغوب()» قال: فيوحي الله عزّوجلّ إليها: يا فاطمة سليني أعطك وتمنّي عليّ أرضك، فتقول: إلهي أنت المني وفوق المني أسألك أن لا تعذّب محبّي ومحبّ عترتي بالنار، فيوحي الله إليها يا فاطمة وعزّتي وجلالي وارتفاع مكاني لقد آليت علي نفسي من قبل أن أخلق السماوات والأرض بألفي عام أن لا اُعذّب محبّيك ومحبّي عترتك بالنار» ().

وفي حديث آخر عن الإمام الباقر عليه السلام قال: «يبعث إليها ملكاً لم يبعث إلي أحد قبلها ولا يبعث إلي أحد بعدها فيقول: إنّ ربّك: يقرأ عليك السلام ويقول سليني أعطك.

فتقول: قد أنالني نعمته وهنّأني كرامته وأباحني جنته وفضلني علي نساء خلقه، أسأله ولدي وذريتي ومن ودّهم بعدي وحفظهم بعدي.

فيوحي الله إلي الملك من غير أن يتحرك من مكانه: إني قد أعطيتها ما سألت في ولدها وذريتها ومن ودّهم بعدها وحفظهم فيها.

فتقول: الحمد لله الذي أقرّ عيني وأذهب عنّي الحزن» ().

وعن جابر الأنصاري: أنه رأي النبي صلي الله عليه و اله فاطمة وعليها كساء من أجلّة الإبل وهي تطحن بيديها وترضع ولدها، فدمعت عينا رسول الله صلي الله عليه و اله، فقال: «يا بنتاه تعجّلي مرارة الدنيا بحلاوة الآخرة».

فقالت: «يا رسول الله الحمد لله علي نعمائه والشكر لله علي آلائه».

فأنزل الله ?ولسوف يعطيك

ربك فترضي?()،().

أحببت أن يعرف قدري

يبدو من بعض الأخبار أنّ مجهولية قدر الصدّيقة الزهراء عليها السلام ستبقي إلي يوم المحشر كما أشرنا إلي ذلك سابقاً حيث يظهر الباري تعالي فضائلها عليها السلام أمام الملأ العام ويشير إلي مناقبها الجمّة، حتي يدرك العالم والجاهل مدي قداستها عليها السلام عند الله تعالي، وكيف أنها علي جلالتها وعلو مقامها عاشت في الدنيا مجهولة القدر بل مظلومة.

فعن أبي عبد الله جعفر بن محمد عليه السلام قال: «قال جابر لأبي جعفر عليه السلام: جعلت فداك يا بن رسول الله حدّثني بحديث في فضل جدّتك فاطمة عليها السلام إذا أنا حدّثت به الشيعة فرحوا بذلك.

قال أبو جعفر عليه السلام: حدّثني أبي عن جدّي عن رسول الله صلي الله عليه و اله قال: إذا كان يوم القيامة نصب للأنبياء والرسل منابر من نور فيكون منبري أعلي منابرهم يوم القيامة، ثم يقول الله: يا محمد اُخطب، فأخطب بخطبة لم يسمع أحد من الأنبياء والرسل بمثلها، ثم ينصب للأوصياء منابر من نور وينصب لوصيي علي بن أبي طالب عليه السلام في أوساطهم منبر من نور فيكون منبره أعلي منابرهم، ثم يقول الله: يا علي اُخطب فيخطب بخطبة لم يسمع أحد من الأوصياء بمثلها، ثم ينصب لأولاد الأنبياء والمرسلين منابر من نور فيكون لابني وسبطي وريحانتي أيام حياتي منبران من نور ثم يقال لهما: اخطبا فيخطبان بخطبتين لم يسمع أحد من أولاد الأنبياء والمرسلين بمثلها.

ثم ينادي المنادي وهو جبرئيل عليه السلام: أين فاطمة بنت محمد؟

أين خديجة بنت خويلد؟

أين مريم بنت عمران؟

أين آسية بنت مزاحم؟

أين اُمّ كلثوم اُمّ يحيي بن زكريا؟

فيقمن، فيقول الله تبارك وتعالي: يا أهل الجمع لمن الكرم اليوم؟

فيقول: محمّد وعلي والحسن والحسين وفاطمة: لله الواحد القهّار.

فيقول

الله جلّ جلاله: يا أهل الجمع إني قد جعلت الكرم لمحمد وعلي والحسن والحسين وفاطمة عليهم السلام، يا أهل الجمع طأطئوا الرؤوس وغضّوا الأبصار، فإنّ هذه فاطمة تسير إلي الجنة، فيأتيها جبرئيل بناقة من نوق الجنة، مدبجة() الجنبين، خطامها من اللؤلؤ المحقّق الرطب، عليها رحل من المرجان، فتناخ بين يديها فتركبها، فيبعث إليها مائة ألف ملك فيصيروا عن يمينها، ويبعث إليها مائة ألف ملك عن يسارها، ويبعث إليها مائة ألف ملك يحملونها علي أجنحتهم حتي يصيّروها علي باب الجنة.

فإذا صارت عند باب الجنة تلتفت.

فيقول الله: يا بنت حبيبي ما التفاتك وقد أمرت بك إلي جنتي؟

فتقول: يا رب أحببت أن يعرف قدري في مثل هذا اليوم.

فيقول الله: يا بنت حبيبي ارجعي فانظري من كان في قلبه حبّ لك أو لأحد من ذريتك خذي بيده فأدخليه الجنة.

قال أبو جعفر عليه السلام: والله يا جابر إنها ذلك اليوم لتلتقط شيعتها ومحبيها كما يلتقط الطير الحبّ الجيد من الحب الرديء.

فإذا صار شيعتها معها عند باب الجنة يلقي الله في قلوبهم أن يلتفتوا، فإذا التفتوا يقول الله: يا أحبائي ما التفاتكم وقد شفعت فيكم فاطمة عليها السلام بنت حبيبي صلي الله عليه و اله؟

فيقولون: يا رب أحببنا أن يعرف قدرنا في مثل هذا اليوم.

فيقول الله: يا أحبائي ارجعوا وانظروا من أحبكم لحب فاطمة، انظروا من أطعمكم لحب فاطمة، انظروا من كساكم لحب فاطمة، انظروا من سقاكم شربة في حب فاطمة، انظروا من ردّ عنكم غيبة في حب فاطمة، فخذوا بيده وأدخلوه الجنة.

قال أبو جعفر عليه السلام: والله لا يبقي في الناس إلاّ شاك أو كافر أو منافق،

فإذا صاروا بين الطبقات نادوا كما قال الله تعالي: ?فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ ?

وَلا

صَدِيقٍ حَمِيمٍ? ()فيقولون ?فَلَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ?().

قال أبو جعفر عليه السلام: هيهات هيهات منعوا ما طلبوا ?وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ?()، ().

الفصل السادس السيّدة شاه زنان عليها السلام بنت كسري

الفصل السادس السيّدة شاه زنان عليها السلام بنت كسري

والدة الإمام زين العابدين عليه السلام

نسبها

هي السيدة الجليلة: شهربانوية بنت يزدجر بن شهريار بن كسري ملك الفرس، ولقبها: (شاه زنان) أي ملكة النساء().

سمّاها أمير المؤمنين عليه السلام: (مريم).

وقيل: سمّاها ب (فاطمة).

وقيل: إنّ اسمها (خولة) وسمّاها أمير المؤمنين عليه السلام ب (شاه زنان).

وقيل: إنّ اسمها (برّة بنت النوشجان).

وقيل: إن اسمها (سلافة) أو (سلامة).

وقيل: إن اسمها (غزالة).

ولعلها كانت لها عدة أسماء وألقاب.

فهي حفيدة كسري الملك الذي لقب بالعادل حيث قال فيه النبي صلي الله عليه و اله: «ولدت في زمان الملك العادل صالح» ()، والمراد بذلك هو عدالته في دينه ومبدئه، أو عدالته النسبية كما لا يخفي.

وقد تزوّجت (شاه زنان) الإمام الحسين عليه السلام وولدت له الإمام زين العابدين عليه السلام، وهي جدّة الأئمّة عليهم السلام.

ما اسمك؟

وفي بحار الأنوار:

قال علي عليه السلام لها: ما اسمك؟

قالت: شاه زنان.

فقال: نه شاه زنان نيست مكر دختر محمد، وهي سيدة النساء وأنت شهربانويه. أي إن سيدة النساء هي فاطمة بنت محمد صلي الله عليه و اله دون غيرها ().

وخيرت أختها مرواريد فاختارت الحسن بن علي عليه السلام.

أكرموا كريم قوم

نقل أبو جعفر الطبري: لمّا ورد سبي الفرس إلي المدينة أراد عمر بن الخطاب بيع النساء وأن يجعل الرجال عبيداً، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: إنّ رسول الله صلي الله عليه و اله قال: أكرموا كريم كل قوم.

فقال عمر: قد سمعته يقول: إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه وإن خالفكم.

فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: هؤلاء قوم قد ألقوا إليكم السلم ورغبوا في الإسلام ولابدّ أن يكون لي فيهم ذرية وأنا اُشهد الله واُشهدكم أنّي قد أعتقت نصيبي منهم لوجه الله.

فقال جميع بني هاشم: قد وهبنا حقّنا أيضاً لك.

فقال: اللهم اشهد أنّي قد أعتقت ما وهبوا لي لوجه الله.

فقال المهاجرون والأنصار: قد وهبنا حقّنا لك يا أخا رسول الله.

فقال: اللهمّ اشهد أنّهم قد وهبوا لي حقّهم وقبلته واُشهدك أنّي قد أعتقتهم لوجهك.

فقال عمر: لِمَ نقضت عليّ عزمي في الأعاجم وما الذي رغّبك عن رأيي فيهم.

فأعاد عليه ما قال رسول الله صلي الله عليه و اله في إكرام الكرماء.

فقال عمر: قد وهبت لله ولك يا أبا الحسن ما يخصّني وسائر ما لم يوهب لك.

فقال أمير المؤمنين عليه السلام: اللهم اشهد علي ما قالوه وعلي عتقي إيّاهم.

فرغب جماعة من قريش في أن يستنكحوا النساء، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: هنّ لا يكرهن علي ذلك ولكن يخيّرن ما اخترنه عمل به.

فأشار جماعة إلي شهربانويه بنت كسري فخيّرت وخوطبت من وراء الحجاب والجمع

حضور، فقيل لها: من تختارين من خطّابك، وهل أنت ممّن تريدين بعلاً؟

فسكتت.

فقال أمير المؤمنين عليه السلام: قد أرادت وبقي الاختيار.

فقال عمر: وما علمك بإرادتها البعل؟

فقال أمير المؤمنين عليه السلام: إنّ رسول الله صلي الله عليه و اله كان إذا أتته كريمة قوم لا ولي لها وقد خطبت يأمر أن يقال لها: أنت راضية بالبعل، فإن استحيت وسكتت جعل إذنها صمتها وأمر بتزويجها، وإن قالت: لا، لم يكرهها علي ما تختاره.

وإنّ شهربانويه أريت الخطّاب فأومأت بيدها واختارت الحسين بن علي عليه السلام فاُعيد القول عليها في التخيير فأشارت بيدها وقالت: هذا إن كنت مخيّرة، وجعلت أمير المؤمنين عليه السلام وليّها وتكلّم حذيفة بالخطبة.

فقال أمير المؤمنين عليه السلام: ما اسمك؟

فقالت: شاه زنان بنت كسري.

قال أمير المؤمنين عليه السلام: أنت شهربانويه واُختك مرواريد بنت كسري؟

قالت: آريه().

وقال المبرد: (كان اسم اُمّ علي بن الحسين عليه السلام سلافة من ولد يزدجرد معروفة النسب من خيرات النساء، وقيل: خولة، ولقبه عليه السلام ذو الثفنات والخالص والزاهد والخاشع والبكّاء والمتهجّد والرهباني وزين العابدين وسيّد العابدين والسجّاد، وكنيته أبو محمد وأبو الحسن، بابه يحيي ابن اُمّ الطويل المدفون بواسط قتله الحجّاج لعنه الله)().

ما حفظت عن أبيك؟

في الإرشاد قال: سأل أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) شاه زنان بنت كسري حين أسرت: ما حفظت عن أبيك بعد وقعة الفيل؟

قالت: حفظت عنه أنه كان يقول: إذا غلب الله علي أمر ذلت المطامع دونه، وإذا انقضت المدة كان الحتف في الحيلة.

فقال عليه السلام: «ما أحسن ما قال أبوك، تذل الأمور للمقادير حتي يكون الحتف في التدبير» ().

زواجها عليها السلام

كانت السيّدة شهربانو من اُسراء الفرس الذين جاؤوا بهم إلي المدينة من بنات يزدجرد وكنّ ثلاث فتيات:

1: تزوّجت واحدة منهنّ من عبد الله بن عمر، فأولدها سالم.

2: والاُخري من محمد بن أبي بكر، فأولدها القاسم.

3: والثالثة من الإمام الحسين عليه السلام وأولدها الإمام علي بن الحسين عليه السلام، وقد اُسرت في عهد عمر، وإنه أراد بيعها، فنهاه الإمام علي عليه السلام وقال له: أعرض عليها أن تختار واحداً من المسلمين فاختارت الإمام الحسين بن علي عليه السلام كما سبق فأمره بحفظها والإحسان إليها، فولدت له خير أهل الأرض في زمانه.

ولم يكن بعض أهل المدينة يرغبون في نكاح الجواري حتي ولد الإمام علي بن الحسين عليه السلام، فرغبوا فيهنّ.

ابن الخيرتين

عن أبي جعفر الباقر عليه السلام قال: «لمّا أقدمت بنت يزدجرد علي عمر، أشرف لها عذاري المدينة، وأشرق المسجد بضوئها لمّا دخلته، فلمّا نظر إليها عمر، غطّت وجهها وقالت: «اَف بيروج بادا روي هرمز».

فقال عمر: أتشتمني هذه وهمّ بها.

فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: ليس ذلك لك، خيّرها رجلاً من المسلمين واحسبها بفيئه.

فخيّرها، فجاءت حتي وضعت يدها علي رأس الإمام الحسين عليه السلام.

فقال لها أمير المؤمنين عليه السلام: ما اسمك؟

فقالت: جهان شاه.

فقال لها أمير المؤمنين عليه السلام: بل شهربانويه.

ثم قال للإمام الحسين عليه السلام: يا أبا عبد الله، لتلدنّ لك منها خير أهل الأرض، فولدت الإمام علي بن الحسين عليه السلام، وكان يقال للإمام علي بن الحسين عليه السلام: ابن الخيرتين، فخيرة الله من العرب هاشم، ومن العجم فارس().

الرسول صلي الله عليه و اله يخطبها في عالم الرؤيا

وفي بعض الأخبار أنها شاه زنان قامت ووضعت يدها علي منكب الإمام الحسين عليه السلام، كأنّها كانت تعرفه ورأته في

منامها، كما حكت قصّتها لأمير المؤمنين عليه السلام، فقالت: رأيت في النوم قبل ورود عسكر المسلمين علينا كأنّ محمّداً رسول الله صلي الله عليه و اله دخل دارنا وقعد ومعه الإمام الحسين عليه السلام، وخطبني له وزوّجني أبي منه. فلمّا أصبحت، كان ذلك يؤثّر في قلبي، وما كان لي خاطب غير هذا، فلمّا كانت الليلة الثانية، رأيت السيّدة فاطمة بنت محمّد صلي الله عليه و اله وقد أتتني وعرضت عليّ الإسلام وأسلمت، ثم قالت: إنّ الغلبة تكون للمسلمين، وأنّك تصلين عن قريب إلي ابني الحسين عليه السلام سالمة لا يصيبك بسوء أحد، وكان من الحال أن اُخرجت إلي المدينة ().

وروي أيضاً: كان أمير المؤمنين عليه السلام ولي حريث بن جابر جانباً من المشرق فبعث إليه بنتي يزدجرد بن شهريار، فنحل ابنه الحسين عليه السلام شاه زنان منهما فأولدها زين العابدين عليه السلام ونحل الأخري محمد بن أبي بكر فولدت له القاسم بن محمد بن أبي بكر، فهما ابنا خالة().

المولود المبارك

حملت السيدة شاه زنان بالإمام علي بن الحسين عليه السلام وكان مولده عليه السلام سنة ثمان وثلاثين من الهجرة، وقد أنشأ أبو الأسود: في وصف الإمام علي بن الحسين عليه السلام فقال:

لأكرم من نيطت عليه التمائم()

وإنّ غلاماً بين كسري وهاشم

عاش الإمام عليه السلام مع جدّه أمير المؤمنين عليه السلام سنتين، ومع عمّه الإمام الحسن عليه السلام اثنتي عشر سنة، ومع أبيه عليه السلام ثلاثاً وعشرين سنة.

وقد عاش بعد أبيه أربعاً وثلاثين سنة.

وتوفّي بالسم في المدينة المنوّرة سنة خمس وتسعين من الهجرة، وله يومئذ سبع وخمسون سنة. وكانت إمامته أربعاً وثلاثين سنة، ودفن في البقيع مع عمه الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام ().

احتراماً للأم

ورد أنه قيل لعلي بن الحسين عليه السلام: إنك من أبرّ الناس، ولا تأكل مع اُمّك() في قصعة ()؟ وهي تريد ذلك؟

فقال: أكره أن تسبق يدي إلي ما سبقت إليه عينها فأكون عاقاً، فكان بعد ذلك يغطي الغضارة () بطبق ويدخل يده من تحت الطبق ويأكل().

وفاتها

قيل: إن السيدة (شهربانو) ماتت في نفاسها، أي حين ولادتها للإمام زين العابدين عليه السلام فكفلته بعض اُمّهات ولد أبيه. فكان يحسن إليها كما يحسن إلي والدته، وكان الناس يسمّونها اُمّه، ثم زوّجها، فقال بعض الناس: زوّج اُمّه.

وعلي هذا الخبر فلم تكن (السيدة شهربانو) حاضرة يوم الطف، ولكن في بعض التواريخ أن امرأة تسمي بشهربانو كانت حاضرة يوم عاشوراء، حيث ورد: (وخرج غلام وبيده عمود من تلك الأبنية وفي أذنيه درتان وهو مذعور فجعل يلتفت يميناً وشمالاً وقرطاه يتذبذبان فحمل عليه هانئ بن ثبيت فقتله، فصارت شهربانو تنظر إليه ولا تتكلم كالمدهوشة)().

الفصل السابع السيّدة فاطمة عليها السلام

الفصل السابع السيّدة فاطمة عليها السلام

بنت الإمام الحسن المجتبي عليه السلام

والدة الإمام الباقر عليه السلام

النسب الشريف

هي السيدة الجليلة فاطمة بنت الإمام الحسن بن علي عليه السلام، اُمّ الإمام محمد الباقر عليه السلام.

والباقر عليه السلام هاشمي من هاشميين، وعلوي من علويين، وفاطمي من فاطميين، لأنه أول من اجتمعت له ولادة الحسن والحسين عليهما السلام ().

كنيتها: (اُمّ عبد الله) و(أم الحسن).

وكانت عليها السلام من سيدات نساء بني هاشم.

وكان الإمام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام يسمّيها: (الصدّيقة) ().

ويقول فيها الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام: «كانت صديقة لم يدرك في آل الحسن مثلها» ().

من كراماتها

عن أبي الصباح عن أبي جعفر الباقر عليه السلام قال: «كانت اُمّي قاعدة عند جدار فتصدّع() الجدار وسمعنا هدّة شديدة، فقالت بيدها: لا وحقّ المصطفي ما أذن الله لك في السقوط، فبقي معلّقاً في الجو حتّي جازته، فتصدّق أبي عنها بمائة دينار».

قال أبو الصباح: وذكر أبو عبد الله عليه السلام جدّته اُمّ أبيه يوماً، فقال: «كانت صدّيقة لم تدرك في آل الحسن امرأة مثلها» ().

في واقعة الطف

حضرت السيدة فاطمة بنت الإمام الحسن عليه السلام مع زوجها الإمام زين العابدين وابنها الإمام الباقر عليه السلام واقعة الطف في يوم عاشوراء، وقد شاهدت ما جري علي آل الرسول صلي الله عليه و اله في ذلك اليوم من مصائب ومحن، حيث رأت مصرع عمها الإمام الحسين عليه السلام، وقتل أخيها القاسم وعبد الله عليهما السلام وبقية الأبطال من آل البيت عليهم السلام والأصحاب الكرام، وشاهدت أيضاً زوجها العليل مكبلاً بالأغلال، وولدها البالغ من العمر أربع سنوات يشكو العطش، فصبرت واحتسبت ذلك في سبيل الله ().

روايتها

روت السيدة الجليلة فاطمة والدة الإمام الباقر عليه السلام روايات عديدة عن الأئمة المعصومين عليهم السلام كان منها الدعاء عقيب كل ركعتين من نوافل الزوال.

روي عبد الله بن الحسن بن الحسن، عن أمها فاطمة بنت الحسن، عن أبيه الحسن بن علي (صلوات الله عليهم) قال: كان رسول الله صلي الله عليه و اله يدعو بهذا الدعاء بين كل ركعتين من صلاة الزوال:

الركعتان الأولتان

«اللهم أنت أكرم مأتي وأكرم مزور، وخير من طلبت إليه الحاجات، وأجود من أعطي، وأرحم من استرحم، وأرأف من عفا، وأعز من اعتمد عليه، اللهم بي إليك فاقة، ولي إليك حاجات، ولك عندي طلبات من ذنوب أنا بها مرتهن، وقد أوقرت ظهري وأوبقتني، وإلا ترحمني وتغفر لي ?أَكُنْ مِنَ الْخاسِرِينَ?()، اللهم إني اعتمدتك فيها تائباً إليك منها، فصل علي محمد وآله واغفر لي ذنوبي كلها، قديمها وحديثها، سرها وعلانيتها، وخطاها وعمدها، صغيرها وكبيرها، وكل ذنب أذنبته وأنا مذنبه، مغفرة عزماً جزماً لا تغادر ذنباً واحداً، ولا أكتسب بعدها محرماً أبداً، واقبل مني اليسير من طاعتك، وتجاوز لي عن الكثير من معصيتك، يا عظيم إنه لا يغفر العظيم إلا العظيم، ?يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ?()، يا من هو كل يوم في شأن، صل علي محمد وآله واجعل لي في شأنك شأن حاجتي، وحاجتي هي فكاك رقبتي من النار، والأمان من سخطك، والفوز برضوانك وجنتك، وصل علي محمد وآل محمد، وامنن بذلك عليّ وبكل ما فيه صلاحي، وأسألك بنورك الساطع في الظلمات أن تصلي علي محمد وآل محمد، ولا تفرق بيني وبينهم في الدنيا والآخرة، إنك علي كل شي ء قدير، اللهم واكتب لي عتقاً من النار مبتولاً، واجعلني من المنيبين

إليك، التابعين لأمرك، المخبتين إليك، الذين إذا ذكرت وجلت قلوبهم، والمستكملين مناسكهم، والصابرين في البلاء، والشاكرين في الرخاء، والمطيعين لأمرك فيما أمرتهم به، والمقيمين الصلاة، والمؤتين الزكاة، والمتوكلين عليك، اللهم أضفني بأكرم كرامتك، وأجزل من عطيتك، والفضيلة لديك، والراحة منك، والوسيلة إليك، والمنزلة عندك ما تكفيني به كل هول دون الجنة، وتظلني في ظل عرشك يوم لا ظل إلا ظلك، وتعظم نوري، وتعطيني كتابي بيميني، وتخفف حسابي، وتحشرني في أفضل الوافدين إليك من المتقين، وتثبتني في عليين، وتجعلني ممن تنظر إليه بوجهك الكريم، وتتوفاني وأنت عني راض، وألحقني بعبادك الصالحين.

اللهم صل علي محمد و آله واقلبني بذلك كله مفلحاً منجحاً قد غفرت لي خطاياي وذنوبي كلها، وكفرت عني سيئاتي، وحططت عني وزري، وشفعتني في جميع حوائجي في الدنيا والآخرة، في يسر منك وعافية.

اللهم صل علي محمد وآله ولا تخلط بشيء من عملي ولا بما تقربت به إليك رئاء، ولا سمعة ولا أشراً ولا بطراً، واجعلني من الخاشعين لك.

اللهم صل علي محمد وآله وأعطني السعة في رزقي، والصحة في جسمي، والقوة في بدني علي طاعتك وعبادتك، وأعطني من رحمتك ورضوانك وعافيتك ما تسلمني به من كل بلاء الدنيا والآخرة، وارزقني الرهبة منك، والرغبة إليك، والخشوع لك، والوقار والحياء منك، والتعظيم لذكرك، والتقديس لمجدك أيام حياتي حتي تتوفاني وأنت عني راض، اللهم وأسألك السعة والدعة والأمن والكفاية والسلامة والصحة والقنوع والعصمة والهدي والرحمة والعافية واليقين والمغفرة والشكر والرضا والصبر والعلم والصدق والبر والتقوي والحلم والتواضع واليسر والتوفيق.

اللهم صل علي محمد وآله واعمم بذلك أهل بيتي وقراباتي وإخواني فيك، ومن أحببت وأحبني، أو ولدته وولدني، من جميع المؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، وأسألك يا رب حسن الظن بك، والصدق

في التوكل عليك، وأعوذ بك يا رب أن تبتليني ببلية تحملني ضرورتها علي التغوث بشيء من معاصيك، وأعوذ بك يا رب أن أكون في حال عسر أو يسر أظن أن معاصيك أنجح في طلبتي من طاعتك، وأعوذ بك من تكلف ما لم تقدر لي فيه رزقاً، وما قدرت لي من رزق فصل علي محمد و آله وآتني به في يسر منك وعافية، يا أرحم الراحمين».

وقل: «رب صل علي محمد وآله، وأجرني من السيئات، واستعملني عملاً بطاعتك، وارفع درجتي برحمتك، يا الله، يا رب، يا رحمان، يا رحيم، يا حنان، يا منان، يا ذا الجلال والإكرام، أسألك رضاك وجنتك، وأعوذ بك من نارك وسخطك، أستجير بالله من النار» ترفع بها صوتك.

ثم تخر ساجداً وتقول: «اللهم إني أتقرب إليك بجودك وكرمك، وأتقرب إليك بمحمد عبدك ورسولك، وأتقرب إليك بملائكتك المقربين وأنبيائك المرسلين، أن تصلي علي محمد وآله، وأن تقيلني عثرتي، وتستر علي ذنوبي، وتغفرها لي، وتقلبني اليوم بقضاء حاجتي، ولا تعذبني بقبيح كان مني، يا أهل التقوي وأهل المغفرة، يا بر يا كريم، أنت أبر بي من أبي وأمي ومن نفسي ومن الناس أجمعين، بي إليك حاجة وفقر وفاقة، وأنت عني غني، فأسألك أن تصلي علي محمد وآل محمد، وأن ترحم فقري، وتستجيب دعائي، وتكف عني أنواع البلاء، فإن عفوك وجودك يسعني».

التسليمة الثانية

«اللهم إله السماء وإله الأرض، وفاطر السماء وفاطر الأرض، ونور السماء ونور الأرض، وزين السماء وزين الأرض، وعماد السماء وعماد الأرض، وبديع السماء وبديع الأرض، ذا الجلال والإكرام، صريخ المستصرخين، وغوث المستغيثين، ومنتهي رغبة العابدين، أنت المفرج عن المكروبين، وأنت المروح عن المغمومين، وأنت أرحم الراحمين، ومفرج الكرب، ومجيب دعوة المضطرين، وإله العالمين، المنزول به

كل حاجة،

يا عظيما يرجي لكل عظيم، صل علي محمد وآل محمد، وافعل بي كذا وكذا».

وقل: «رب صل علي محمد وآل محمد، وأجرني من السيئات، واستعملني عملا بطاعتك، وارفع درجتي برحمتك، يا الله، يا رب، يا رحمان، يا رحيم، يا حنان، يا منان، يا ذا الجلال والإكرام، أسألك رضاك وجنتك، وأعوذ بك من نارك وسخطك، أستجير بالله من النار» ترفع بها صوتك.

التسليمة الثالثة

«يا علي، يا عظيم، يا حي، يا حليم، يا غفور، يا سميع، يا بصير، يا واحد، يا أحد، يا صمد، يا من ?لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ? وَلَمْ يَكُنْ له كُفُواً أَحَدٌ?() يا رحمان، يا رحيم، يا نور السماوات والأرض، تم نور وجهك، أسألك بنور وجهك الذي أشرقت له السماوات والأرض، وباسمك العظيم الأعظم الأعظم الأعظم، الذي إذا دعيت به أجبت، وإذا سئلت به أعطيت، وبقدرتك علي ما تشاء من خلقك، فإنما أمرك إذا أردت شيئا أن تقول له كن فيكون، أن تصلي علي محمد وآل محمد، وأن تفعل بي كذا وكذا».

وقل: «رب صل علي محمد وآله، وأجرني من السيئات، واستعملني عملا بطاعتك، وارفع درجتي برحمتك، يا الله، يا رب، يا رحمان، يا رحيم، يا حنان، يا منان، يا ذا الجلال والإكرام، أسألك رضاك وجنتك، وأعوذ بك من نارك وسخطك، أستجير بالله من النار» وترفع بها صوتك.

التسليمة الرابعة

«اللهم صل علي محمد وآل محمد، شجرة النبوة، وموضع الرسالة، ومختلف الملائكة ومعدن العلم، وأهل بيت الوحي، اللهم صل علي محمد وآل محمد، الفلك الجارية في اللجج الغامرة، يأمن ركبها، ويغرق من تركها، المتقدم لهم مارق، والمتأخر عنهم زاهق، واللازم لهم لاحق، اللهم صل علي محمد وآل محمد، الكهف الحصين، وغياث المضطر المستكين، وملجإ الهاربين، ومنجي الخائفين، وعصمة المعتصمين، اللهم صل علي محمد وآل محمد صلاة كثيرة تكون لهم رضي، ولحق محمد وآل محمد صلي الله عليهم أداء وقضاءً، بحول منك وقوة يا رب العالمين، اللهم صل علي محمد وآل محمد، الذين أوجبت حقهم ومودتهم، وفرضت طاعتهم وولايتهم، اللهم صل علي محمد وآل محمد، واعمر قلبي بطاعتك، ولا تخزني بمعصيتك، وارزقني مواساة من قترت عليه من رزقك مما

وسعت عليّ من فضلك، والحمد لله علي كل نعمة، وأستغفر الله من كل ذنب، ولا حول ولا قوة إلا بالله من كل هول» ().

الفصل الثامن السيّدة فاطمة أمّ فروة عليها السلام

الفصل الثامن السيّدة فاطمة أمّ فروة عليها السلام

بنت القاسم

والدة الإمام الصادق عليه السلام

نسبها

هي السيدة الجليلة فاطمة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر، والدة الإمام الصادق عليه السلام.

كنيتها: أم فروة، وقيل: أم القاسم.

وقد كانت عليها السلام من الصالحات القانتات، ومن أتقي نساء أهل زمانها.

قال الإمام الصادق عليه السلام: «وكانت اُمّي ممّن آمنت واتّقت وأحسنت والله يحب المحسنين» ().

وقال أبو الحسن الكاظم عليه السلام: «كان أبي عليه السلام يبعث أمي وأم فروة تقضيان حقوق أهل المدينة» ().

وفي أعيان الشيعة: اُمّ فروة، وقيل: اُمّ القاسم، واسمها قريبة أو فاطمة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر، واُمّها أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر، وهذا معني قول الإمام الصادق عليه السلام: «ولدني أبو بكر مرتين» ().

والدها

كان أبوها: القاسم من ثقاة أصحاب الإمام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام.

قال أبو عبد الله عليه السلام: «كان سعيد بن المسيّب والقاسم بن محمد بن أبي بكر وأبو خالد الكابلي، من ثقات علي بن الحسين عليه السلام» ().

جدها

وكان جدها محمد بن أبي بكر من خلص شيعة أمير المؤمنين علي عليه السلام وحواريه، وقد ولاه الإمام عليه السلام مصر وكتب إليه عهداً ()، ووالدته() السيدة الجليلة أسماء بنت عميس (رضوان الله عليها).

قتله معاوية بمصر()، وقد ترحم أمير المؤمنين عليه السلام () والإمام الصادق عليه السلام عليه().

ووردت في فضله روايات عديدة نشير إلي بعضها:

من هم شيعة علي عليه السلام

في الاحتجاج بالإسناد إلي أبي محمد العسكري عليه السلام قال: «قدم جماعة فاستأذنوا علي الرضا عليه السلام وقالوا: نحن من شيعة علي، فمنعهم أياما، ثم لما دخلوا قال لهم: ويحكم إنما شيعة أمير المؤمنين عليه السلام: الحسن والحسين وسلمان وأبو ذر والمقداد وعمار ومحمد بن أبي بكر الذين لم يخالفوا شيئاً من أوامره» ().

أين حواري علي عليه السلام؟

وقال أبو الحسن موسي عليه السلام: «إذا كان يوم القيامة نادي مناد أين حواري محمد بن عبد الله رسول الله صلي الله عليه و اله الذين لم ينقضوا العهد ومضوا عليه، فيقوم سلمان والمقداد وأبو ذر، ثم ينادي أين حواري علي بن أبي طالب وصي محمد بن عبد الله رسول الله صلي الله عليه و اله فيقوم عمرو بن الحمق الخزاعي ومحمد بن أبي بكر وميثم بن يحيي التمار مولي بني أسد وأويس القرني» ().

إنه شهيد حي

قال سليم: فلمّا قتل محمد بن أبي بكر بمصر وعزّيت به أمير المؤمنين عليه السلام وخلوت به وحدثته بما حدثني به محمد بن أبي بكر وبما حدّثني به ابن غنم، قال: «صدق محمد رحمه اللّه، أما انّه شهيد حيّ مرزوق» ().

عند الله نحتسبه

وفي التاريخ أنه حزن أمير المؤمنين عليه السلام عند ما بلغه خبر استشهاد محمد بن أبي بكر، حتي رئي ذلك فيه وتبين في وجهه وقام في الناس خطيباً: «ألا وإن محمد بن أبي بكر قد استشهد رحمه الله فعند الله نحتسبه، أما والله لقد كان ما علمت ينتظر القضاء ويعمل للجزاء ويبغض شكل الفاجر ويحب هين المؤمن» ().

حزن الإمام عليه السلام عليه

وورد أنه: قدم عبد الرحمن بن شبيب وكان عيناً لعلي عليه السلام وأخبره أنه لم يخرج من الشام حتي قدمت البشر من قبل عمرو بن العاص يتبع بعضه بعضاً بفتح مصر وقتل محمد بن أبي بكر، وقال: يا أمير المؤمنين ما رأيت يوماً قط سروراً مثل سرور رأيته بالشام حين أتاهم قتل محمد، فقال علي عليه السلام: «أما إن حزننا علي قتله علي قدر سرورهم به لا بل يزيد أضعافا».

فرد عليه السلام مالكا من الطريق وحزن علي محمد حتي رؤي ذلك فيه وتبين في وجهه، وقام خطيبا فحمد الله وأنثي عليه ثم قال: «ألا وإن مصر قد افتتحها الفجرة أولياء الجور والظلم الذين صدوا عن سبيل الله وبغوا الإسلام عوجاً ألا وإن محمد بن أبي بكر قد استشهد رحمه الله عليه وعند الله نحتسبه، أما والله لقد كان ما علمت ينتظر القضاء ويعمل للجزاء ويبغض شكل الفاجر ويحب سمت المؤمن» ().

إنه ولدي

وقال المدائني: وقيل لعلي عليه السلام لقد جزعت علي محمد بن أبي بكر جزعاً شديداً يا أمير المؤمنين؟ فقال: «وما يمنعني أنه كان لي ربيباً وكان لبني أخاً وكنت له والداً أعده ولداً» ().

جزع الأمير عليه السلام عليه

وعن عبد الله بن جعفر ذي الجناحين قال: (لما جاء علي بن أبي طالب (صلوات الله عليه) مصاب محمد بن أبي بكر حيث قتله معاوية بن حديج السكوني بمصر جزع عليه جزعا شديدا) ().

نقصنا حبيباً

وفي (نهج البلاغة) وقال عليه السلام لما بلغه قتل محمد بن أبي بكر: «إن حزننا عليه علي قدر سرورهم به إلا أنهم نقصوا بغيضاً ونقصنا حبيباً» ().

الولد الناصح

وفي (نهج البلاغة) أيضاً: ومن كتاب له عليه السلام إلي عبد الله بن العباس بعد مقتل محمد بن أبي بكر بمصر: «أما بعد فإن مصر قد افتتحت ومحمد بن أبي بكر رحمه الله قد استشهد فعند الله نحتسبه ولدا ناصحا، وعاملا كادحا، وسيفا قاطعا، وركنا دافعا، وقد كنت حثثت الناس علي لحاقه وأمرتهم بغياثه قبل الوقعة ودعوتهم سراً وجهراً وعوداً وبدءً» ().

رسالة إلي معاوية

وفي (الاحتجاج): كتب محمد بن أبي بكر (رضي الله عنه) إلي معاوية احتجاجا عليه:

(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ من محمد بن أبي بكر إلي الباغي معاوية بن صخر، سلام الله أهل طاعة الله ممن هو أهل دين الله وأهل ولاية الله، أما بعد فإن الله بجلاله وسلطانه خلق خلقا بلا عبث منه ولا ضعف به في قوة، ولكنه خلقهم عبيدا فمنهم شقي وسعيد وغوي ورشيد، ثم اختارهم علي علم منه واصطفي وانتخب منهم محمدا صلي الله عليه و اله واصطفاه لرسالته وائتمنه علي وحيه فدعا إلي سبيل ربه ?بِالْحِكْمَةِ والْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ?()، فكان أول من أجاب وأناب وأسلم وسلّم أخوه وابن عمه علي بن أبي طالب عليه السلام فصدقه بالغيب المكتوم وآثره علي كل حميم ووقاه كل مكروه وواساه بنفسه في كل خوف، وقد رأيتك تساويه وأنت أنت وهو هو، المبرز السابق في كل خير وأنت اللعين بن اللعين، لم تزل أنت وأبوك تبغيان لدين الله الغوائل وتجتهدان علي إطفاء نور الله، تجمعان الجموع علي ذلك وتبذلان فيه الأموال وتحالفان عليه القبائل، علي ذلك مات أبوك وعليه خلفته أنت فكيف لك الويل تعدل عن علي وهو وارث رسول الله صلي الله عليه و اله ووصيه وأول الناس له اتباعا وآخرهم به عهدا، وأنت عدوه وابن

عدوه، فتمتع بباطلك ما استطعت، وتبدد بابن العاص في غوايتك، فكأن أجلك قد انقضي، وكيدك قد وهي، ثم تستبين لمن تكون العاقبة العليا، والسلام علي من اتبع الهدي).

فأجابه معاوية: (إلي الزاري علي أبيه محمد بن أبي بكر، سلام علي أهل طاعة الله، أما بعد فقد أتاني كتابك تذكر فيه ما الله أهله في قدرته وسلطانه مع كلام ألفته ورصفته لرأيك فيه، ذكرت حق علي وقديم سوابقه وقرابته من رسول الله صلي الله عليه و اله ونصرته ومواساته إياه في كل خوف وهول، وتفضيلك عليا وعيبك لي بفضل غيرك لا بفضلك، فالحمد لله الذي صرف ذلك عنك وجعله لغيرك، فقد كنا وأبوك معنا في زمان نبينا محمد صلي الله عليه و اله نري حق علي لازما لنا وسبقه مبرزا علينا، فلما اختار الله لنبيه صلي الله عليه و اله ما عنده وأتم له ما وعده وقبضه إليه صلي الله عليه و اله فكان أبوك وفاروقه أول من ابتزه حقه وخالفه علي ذلك اتفقا ثم دعواه إلي أنفسهما فأبطأ عليهما فهما به الهموم وأرادا به العظيم فبايع وسلم لأمرهما لا يشركانه في أمرهما ولا يطلعانه علي سرهما حتي قضي الله من أمرهما ما قضي، ثم قام بعدهما ثالثهما يهدي بهديهما ويسير بسيرتهما فعبته أنت وأصحابك حتي طمع فيه الأقاصي من أهل المعاصي حتي بلغتما منه مناكم، وكان أبوك مهد مهاده، فإن يكن ما نحن فيه صوابا فأبوك أوله، وإن يكن جورا فأبوك سنه ونحن شركاؤه وبهديه اقتدينا، ولولا ما سبقنا إليه أبوك ما خالفنا عليا ولسلمنا له، ولكنا رأينا أباك فعل ذلك فأخذنا بمثاله، فعب أباك أو دعه، والسلام علي من تاب وأناب)().

نجابته من أمه

وعن حمزة بن محمد

الطيار قال:

ذكرنا محمد بن أبي بكر عند أبي عبد الله عليه السلام فقال أبو عبد الله عليه السلام: «رحمه الله وصلي عليه، قال لأمير المؤمنين عليه السلام يوما من الأيام: ابسط يدك أبايعك، فقال: أوما فعلت؟ قال: بلي، فبسط يده، فقال: أشهد أنك إمام مفترض طاعتك وأن أبي في النار، فقال أبو عبد الله عليه السلام: كان النجابة من قبل أمه أسماء بنت عميس رحمة الله عليها لا من قبل أبيه» ().

هكذا بايع

وعن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام: «أن محمد بن أبي بكر بايع عليا عليه السلام علي البراءة من الأول» ().

وعن أبي جعفر عليه السلام قال: «بايع محمد بن أبي بكر علي البراءة من الثاني» ().

الأصحاب الأصفياء

كما ورد أن «من أصفياء أصحابه أي أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام عمرو بن الحمق الخزاعي عربي وميثم التّمار وهو ميثم بن يحيي مولي ورشيد الهجري وحبيب بن مظهّر الأسدي ومحمد بن أبي بكر» ().

لا يرضي بمعصية الله

وعن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «كان عمّار بن ياسر ومحمد بن أبي بكر لايرضيان أن يعصي اللّه عزّ وجلّ» ().

المحامدة

وعن أبي الحسن الرّضا عليه السلام قال: «كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول: إنّ المحامدة تأبي أن يعصي عزّوجلّ، قلت: ومن المحامدة؟ قال: محمد بن جعفر، ومحمد بن أبي بكر، ومحمد بن أبي حذيفة، ومحمد بن أمير المؤمنين ابن الحنفيّة رحمهم اللّه أمّا محمد بن أبي حذيفة فهو ابن عتبة بن ربيعة، وهو ابن خال معاوية» ().

وفي يوم الجمل

وفي التاريخ أنه: سلّم محمد بن أبي بكر يوم الجمل علي عائشة أخته فلم تكلمه، فقال: أسألك بالله الذي لا إله إلا هو، ألا سمعتك تقولين: الزم علي بن أبي طالب، فإني سمعت رسول الله صلي الله عليه و اله يقول: «الحق مع علي وعلي مع الحق لا يفترقان حتي يردا علي الحوض»؟

قالت: بلي قد سمعت ذلك منه صلي الله عليه و اله ().

يحدث بفضائل فاطمة عليها السلام

وروي: أن محمد بن أبي بكر قرأ ?وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ? الآية()، قلت: وهل تحدث الملائكة إلا الأنبياء؟ قال: مريم ولم تكن نبية وكانت محدثة، وسارة وقد عاينت الملائكة وبشروها بإسحاق، ومن وراء إسحاق يعقوب، ولم تكن نبية، وفاطمة بنت محمد رسول الله صلي الله عليه و اله كانت محدثة، ولم تكن نبية» ().

أسماء بنت عميس

وأم محمد بن أبي بكر هي السيدة الجليلة أسماء بنت عميس كانت تحت جعفر بن أبي طالب وهاجرت معه إلي الحبشة فولدت له هناك عبد الله بن جعفر الجواد ثم قتل عنها يوم مؤتة، فخلف عليها أبو بكر فأولدها محمداً ثم مات عنها، فخلف عليها علي بن أبي طالب عليه السلام وكان محمد ربيبه وخريجه، وجاريا عنده مجري أولاده، ورضيع الولاء والتشيع مذ زمن الصبا، فنشأ عليه، فلم يمكن يعرف أباً غير علي عليه السلام ولا يعتقد لأحد فضيلة غيره، حتي قال عليه السلام: «محمد ابني من صلب أبي بكر»، وكان يكني أبا القاسم، وقيل: أبا عبد الرحمن، وكان من نساك قريش، وكان ممن أعان في يوم الدار، واختلف هل باشر قتل عثمان أو لا، ومن ولد محمد: القاسم بن محمد بن أبي بكر فقيه أهل الحجاز وفاضلها، ومن ولد القاسم: عبد الرحمن من فضلاء قريش ويكني أبا محمد، ومن ولد القاسم أيضا: أم فروة تزوجها الإمام الباقر أبو جعفر محمد بن علي صلوات الله عليهما().

إنهما ابنا خالة

وفي بعض التواريخ: (إن حريثا بعث إلي أمير المؤمنين عليه السلام ببنتي يزدجرد فأعطي واحدة لابنه الحسين عليه السلام فأولدها علي بن الحسين عليه السلام وأعطي الأخري محمد بن أبي بكر فأولدها القاسم بن محمد فهما ابنا خالة)().

أختها

ولاُمّ فروة اُخت تعرف باُمّ حكيمة، كانت زوجة اسحاق العريضي بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، ولدت له القاسم، وهو رجل جليل، كان أميراً علي اليمن، وهو أبو داود بن القاسم المعروف بأبي هاشم الجعفري البغدادي، العالم الورع، الثقة الجليل، الذي أدرك الرضا وبقية الأئمة عليهم السلام، وكان من وكلاء الناحية المقدّسة، وكان عالي النسب، فإنه ينتهي إلي عبد الله بن جعفر بن أبي طالب عليه السلام.

فقهها

روي الكليني في الكافي بسنده عن عبد الأعلي قال: رأيت اُمّ فروة تطوف بالكعبة عليها كساء متنكّرة، فاستلمت الحجر بيدها اليسري، فقال لها رجل ممّن يطوف: يا أمة الله أخطأت السُنّة.

فقالت: إنّا لأغنياء عن علمك().

وعن أبي بصير قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: «إذا دخلت الحرم فتناول من الإذخر فامضغه» وكان يأمر أم فروة بذلك().

رواياتها

وقد روت هذه السيدة الجليلة عن أهل البيت عليهم السلام روايات عديدة، منها ما روته عن الإمام السجّاد عليه السلام حيث قال لها:

«يا اُمّ فروة إني لأدعو الله() لمذنبي شيعتنا في اليوم والليلة ألف مرة، لأنّا نحن فيما ينوبنا من الرزايا نصبر علي ما نعلم من الثواب، وهم يصبرون علي ما لا يعلمون» ().

رعايتها

كان الإمام الصادق عليه السلام يهتم برعاية زوجته أم فروة، وقد اشتري لها خادمة لكي تعينها في أمور البيت.

قال أبو عبد الله عليه السلام لإسماعيل حبيبه وحارث البصري: «اطلبوا لي جارية من هذا الذي تسمونها كدبانوجة() مسلمة تكون مع أم فروة».

فدلوه علي جارية كانت لشريك لأبي من السراجين فولدت له بنتا ومات ولدها، فأخبروه بخبرها فاشتروها وحملوها إليه، وكان اسمها رسالة فحول اسمها فسماها سلمي وزوجها سالم فهي أم حسين بن سالم.

وفي بعض الروايات أن مولاتها كانت (سعيدة).

في التهذيب عن الحسين بن مسلم قال: كنت عند أبي عبد الله عليه السلام إذ جاءه محمد بن عبد السلام، فقال له: جعلت فداك يقول لك جدي: إن رجلاً ضرب بقرة بفأس فسقطت ثم ذبحها؟

فلم يرسل معه بالجواب، ودعا سعيدة مولاة أم فروة فقال لها: «إن محمد جاءني برسالة منك، فكرهت أن أرسل إليك بالجواب معه، فإن كان الرجل الذي ذبح البقرة حين ذبح خرج الدم معتدلاً فكلوا وأطعموا، وإن كان خرج خروجاً متثاقلاً فلا تقربوه» ().

الفصل التاسع

الفصل التاسع

السيّدة حميدة المغربية عليها السلام

والدة الإمام موسي الكاظم عليه السلام

نسبها

هي السيدة حميدة المغربية (البربرية) بنت صاعد البربري.

لقبها: لؤلؤة.

وقد لقبها الإمام الباقر عليه السلام بالمحمودة، حيث قال لها: «أنت حميدة في الدنيا، محمودة في الآخرة» ().

ولقبها الإمام الصادق عليه السلام بالمصفاة من الأدناس().

والسيدة حميدة من أهل بربر، وقيل: إنها أندلسية.

وكانت من المتّقيات الثقاة.

وكانت الملائكة تحرسها، كما في الحديث الشريف().

وكان الإمام الصادق عليه السلام يرسلها مع اُمّ فروة لقضاء حقوق أهل المدينة.

وكانت من أشراف العجم().

قصة زواجها

وقصة زواج السيدة حميدة عليها السلام بالإمام الصادق عليه السلام تتضمّن كرامات عديدة، حيث ورد أنّ ابن عكاشة بن محصن الأسدي دخل علي أبي جعفر عليه السلام، وكان أبو عبد الله عليه السلام قائماً عنده، فقدّم إليه عنباً، فقال: حبة حبة يأكله الشيخ الكبير والصبي الصغير، وثلاثة وأربعة يأكله من يظن أنه لايشبع، وكله حبّتين حبّتين فإنه يستحب.

فقال لأبي جعفر عليه السلام: لأي شيء لا تزوّج أبا عبد الله عليه السلام، فقد أدرك التزويج؟

قال: وبين يديه صرّة مختومة.

فقال: سيجيء نخّاس() من أهل بربر فينزل دار ميمون فنشتري له بهذه الصرّة جارية.

قال: فأتي لذلك ما أتي.

فدخلنا يوماً علي أبي جعفر عليه السلام، فقال: «ألا اُخبركم عن النخّاس الذي ذكرته لكم؟ قد قدم، فاذهبوا فاشتروا بهذه الصرّة منه جارية».

قال: فأتينا النخّاس، فقال: قد بعت ما كان عندي، إلاّ جاريتين مريضتين إحداهما أمثل من الاُخري.

قلنا: فأخرجهما حتي ننظر إليهما، فأخرجهما.

فقلنا: بكم تبيع هذه الجارية المتماثلة؟

قال: بسبعين ديناراً.

قلنا: أحسن.

قال: لا أنقص من سبعين ديناراً.

قلنا: نشتريها منك بهذه الصرّة ما بلغت ولا ندري ما فيها، وكان عنده رجل أبيض الرأس واللحية قال: فكّوا وزنوا.

فقال: النخّاس: لا تفكّوا فإنّها إن نقصت حبّة من سبعين ديناراً لم اُبايعكم.

فقال الشيخ: ادنوا.

فدنونا وفككنا الخاتم ووزنا الدنانير فإذا هي سبعون ديناراً

لا تزيد ولا تنقص.

فأخذنا الجارية فأدخلناها علي أبي جعفر عليه السلام وجعفر عليه السلام قائم عنده، فأخبرنا أبا جعفر عليه السلام بما كان.

فحمد الله وأثني عليه، ثمّ قال لها: ما اسمك؟

قالت: حميدة.

فقال: حميدة في الدنيا محمودة في الآخرة، أخبريني عنك، أبكر أنت أم ثيّب؟

قالت: بكر.

قال: وكيف ولا يقع في أيدي النخّاسين شيء إلاّ أفسدوه؟

فقالت: قد كان يجيئني فيقعد منّي مقعد الرجل من المرأة فيسلّط الله عليه رجلاً أبيض الرأس واللحية فلا يزال يلطمه حتّي يقوم عنّي، ففعل بي مراراً، وفعل الشيخ به مراراً.

فقال عليه السلام: يا جعفر خذها إليك، فولدت خير أهل الأرض موسي بن جعفر عليه السلام ().

المولود المبارك

عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: «حميدة مصفّاة من الأدناس كسبيكة الذهب، ما زالت الأملاك تحرسها، حتي أدّت إليّ كرامة من الله لي، والحجّة من بعدي» ().

وعن أبي بصير قال: كنت مع أبي عبد الله عليه السلام في السنة التي ولد فيها ابنه موسي عليه السلام، فلمّا نزلنا الأبواء، وضع لنا أبو عبد الله عليه السلام الغداء ولأصحابه، وأكثره وأطابه، فبينا نحن نتغدي إذ أتاه رسول حميدة: أنّ الطلق قد ضربني، وقد أمرتني أن لا أسبقك بابنك هذا.

فقام أبو عبد الله عليه السلام فرحاً مسروراً، فلم يلبث أن عاد إلينا حاسراً عن ذراعيه، ضاحكاً سنُّه.

فقلنا: أضحك الله سنّك، وأقرّ عينك ما صنعت حميدة؟

فقال: «وهب الله لي غلاماً، وهو خير مَن برأ الله (أي خلق الله من العدم) ولقد خبّرتني بأمر كنت أعلم به منها».

قلت: جعلت فداك وما خبّرتك عنه حميدة؟

قال: «ذكرت أنه لمّا وقع من بطنها، وقع واضعاً يديه علي الأرض، رافعاً رأسه إلي السماء، فأخبرتها أنّ تلك أمارة رسول الله صلي الله عليه و

اله، وأمارة الإمام عليه السلام من بعده()، الحديث.

وفي رواية أخري:

عن أبي بصير قال: حججنا مع أبي عبد الله عليه السلام في السنة التي ولد فيها ابنه موسي عليه السلام فلما نزلنا الأبواء وضع لنا الغداء وكان إذا وضع الطعام لأصحابه أكثر وأطاب، قال: فبينا نحن نأكل إذ أتاه رسول حميدة فقال له: إن حميدة تقول: قد أنكرت نفسي وقد وجدت ما كنت أجد إذا حضرت ولادتي وقد أمرتني أن لا أستبقك بابنك هذا.

فقام أبو عبد الله عليه السلام فانطلق مع الرسول.

فلما انصرف قال له أصحابه: سرك الله وجعلنا فداك فما أنت صنعت من حميدة؟

قال: «سلمها الله وقد وهب لي غلاما وهو خير من برأ الله في خلقه، ولقد أخبرتني حميدة عنه بأمر ظنت أني لا أعرفه ولقد كنت أعلم به منها».

فقلت: جعلت فداك وما الذي أخبرتك به حميدة عنه؟

قال: ذكرت أنه سقط من بطنها حين سقط واضعا يديه علي الأرض رافعا رأسه إلي السماء، فأخبرتها أن ذلك أمارة رسول الله صلي الله عليه و اله وأمارة الوصي من بعده.

فقلت: جعلت فداك وما هذا من أمارة رسول الله صلي الله عليه و اله وأمارة الوصي من بعده؟

فقال لي: «إنه لما كانت الليلة التي علق فيها بجدي أتي آت جد أبي بكأس فيه شربة أرق من الماء وألين من الزبد وأحلي من الشهد وأبرد من الثلج وأبيض من اللبن فسقاه إياه وأمره بالجماع، فقام فجامع فعلق بجدي، ولما أن كانت الليلة التي علق فيها بأبي أتي آت جدي فسقاه كما سقي جد أبي وأمره بمثل الذي أمره فقام فجامع فعلق بأبي، ولما أن كانت الليلة التي علق فيها بي أتي آت أبي فسقاه بما سقاهم وأمره بالذي

أمرهم به فقام فجامع فعلق بي، ولما أن كانت الليلة التي علق فيها بابني أتاني آت كما أتاهم ففعل بي كما فعل بهم، فقمت بعلم الله وإني مسرور بما يهب الله لي فجامعت فعلق بابني هذا المولود، فدونكم فهو والله صاحبكم من بعدي، إن نطفة الإمام مما أخبرتك، وإذا سكنت النطفة في الرحم أربعة أشهر وأنشئ فيها الروح بعث الله تبارك وتعالي ملكا يقال له حيوان فكتب علي عضده الأيمن ?وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم?() وإذا وقع من بطن أمه وقع واضعا يديه علي الأرض رافعا رأسه إلي السماء، فأما وضعه يديه علي الأرض فإنه يقبض كل علم لله أنزله من السماء إلي الأرض، وأما رفعه رأسه إلي السماء فإن مناديا ينادي به من بطنان العرش من قبل رب العزة من الأفق الأعلي باسمه واسم أبيه يقول: يا فلان بن فلان اثبت تثبت فلعظيم ما خلقتك أنت صفوتي من خلقي وموضع سري وعيبة علمي وأميني علي وحيي وخليفتي في أرضي، لك ولمن تولاك أوجبت رحمتي ومنحت جناني وأحللت جواري، ثم وعزتي وجلالي لأصلين من عاداك أشد عذابي وإن وسعت عليه في دنياي من سعة رزقي، فإذا انقضي الصوت صوت المنادي أجابه هو واضعا يديه رافعا رأسه إلي السماء يقول: ?شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم?()».

قال: «فإذا قال ذلك أعطاه الله العلم الأول والعلم الآخر واستحق زيارة الروح في ليلة القدر».

قلت: جعلت فداك الروح ليس هو جبرئيل؟

قال: الروح هو أعظم من جبرئيل، إن جبرئيل من الملائكة وإن الروح هو خلق أعظم من الملائكة، أليس يقول الله تبارك وتعالي:

?تنزل الملائكة والروح?()» ().

بخ بخ لك

وقالوا: لما ولد موسي بن جعفر عليه السلام دخل أبو عبد الله عليه السلام علي حميدة البربرية أم موسي عليه السلام فقال لها: «يا حميدة بخ بخ حل الملك في بيتك» ().

راعيتها لزوجها

وكانت السيدة حميدة مهتمة برعاية زوجها الإمام الصادق عليه السلام.

عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «ولقد آذاني أكل الخل والزيت حتي إن حميدة أمرت بدجاجة مشوية فرجعت إلي نفسي» ().

أولادها

وقد رزقها الله من الإمام الصادق عليه السلام، مضافاً إلي الإمام موسي بن جعفر عليه السلام: إسحاق ومحمد وفاطمة ().

فقهها

كانت السيدة حميدة فقيهة بمذهب أهل البيت عليهم السلام وكان الإمام الصادق عليه السلام يرجع النساء إليها في تعلم الأحكام الشرعية والسؤال عن المسائل الفقهية وما أشبه.

عن عبد الرحمن بن الحجاج، عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث قال: قلت له: إن معنا صبيا مولوداً فكيف نصنع به؟

فقال عليه السلام: «مر أمه تلقي حميدة فتسألها كيف تصنع بصبيانها».

فأتتها فسألتها كيف تصنع؟

فقالت: (إذا كان يوم التروية فأحرموا عنه وجردوه وغسلوه كما يجرد المحرم، وقفوا به المواقف، فإذا كان يوم النحر فارموا عنه واحلقوا رأسه، ثم زوروا به البيت، ومري الجارية أن تطوف به بين الصفا والمروة)().

روايتها

وكانت السيدة حميدة عليها السلام من رواة أحاديث أئمة أهل البيت عليهم السلام.

روي أبو بصير قال: دخلت علي أم حميدة أعزيها بأبي عبد الله عليه السلام فبكت وبكيت لبكائها، ثم قالت: يا أبا محمد لو رأيت أبا عبد الله عليه السلام عند الموت لرأيت عجباً، فتح عينيه ثم قال: «اجمعوا كل من بيني وبينه قرابة» قالت: فما تركنا أحداً إلا جمعناه، فنظر إليهم ثم قال: «إن شفاعتنا لا تنال مستخفا بالصلاة» ().

وفي حديث آخر: قال عليه السلام: «إن شفاعتنا لا تنال مستخفا بالصلاة ولم يرد علينا الحوض من يشرب من هذه الأشربة» فقال له بعضهم: أي أشربة هي؟ فقال: «كل مسكر» ().

تزويج ابنها

كانت السيدة حميدة عليها السلام ذات مكانة عالية عند أهل البيت عليهم السلام، وقد اهتمت بأمر تزويج ولدها الإمام موسي الكاظم عليه السلام وهي التي اشترت السيدة نجمة (تكتم) والدة الإمام الرضا عليه السلام لولدها وزوجته منه بأمر الإمام الصادق عليه السلام، بل بأمر رسول الله صلي الله عليه و اله أيضاً.

عن علي بن ميثم عن أبيه قال: (لما اشترت حميدة أم موسي بن جعفر عليه السلام أم الرضا عليه السلام نجمة ذكرت حميدة أنها رأت في المنام رسول الله صلي الله عليه و اله يقول لها: «يا حميدة هي نجمة لابنك موسي، فإنه سيولد له منها خير أهل الأرض» فوهبتها له، فلما ولدت له الرضا عليه السلام سماها الطاهرة، وكانت لها أسماء منها: نجمة وأروي وسكن وسمان وتكتم وهو آخر أساميها)().

وفي عيون أخبار الرضا عليه السلام عن عون بن محمد الكندي قال: سمعت أبا الحسن علي بن ميثم يقول: ما رأيت أحداً قط أعرف بأمر الأئمة عليهم السلام وأخبارهم ومناكحهم منه، قال:

اشترت حميدة المصفاة وهي أم أبي الحسن موسي بن جعفر عليه السلام وكانت من أشراف العجم جارية مولدة واسمها تكتم، وكانت من أفضل النساء في عقلها ودينها وإعظامها لمولاتها حميدة المصفاة حتي أنها ما جلست بين يديها منذ ملكتها إجلالا لها، فقالت لابنها موسي عليه السلام: يا بني إن تكتم جارية ما رأيت جارية قط أفضل منها ولست أشك أن الله تعالي سيطهر نسلها إن كان لها نسل، وقد وهبتها لك فاستوص بها خيرا، فلما ولدت له الرضا ع سماها الطاهرة) ().

بكاؤها علي زوجها

وقد بكت السيدة حميدة علي زوجها في وفاته وكلما كانت تذكره، كما مر في رواية أبي بصير قال: (دخلت علي أم حميدة أعزيها بأبي عبد الله عليه السلام فبكت وبكيت لبكائها) ().

الفصل العاشر

الفصل العاشر

السيدة تكتم الطاهرة عليها السلام

والدة الإمام الرضا عليه السلام

نسبها

هي السيدة الجليلة نجمة عليها السلام والدة الإمام علي بن موسي الرضا عليه السلام.

ومن أسمائها: (تكتم) بضم أوله وسكون الكاف وفتح التاء الفوقانية قبل الميم. و(طاهرة) و(أروي) و(سكن النوبية) و(سمان).

وقيل: (خيزران المرسية)، وقيل: (صقر)، وقيل: (شقراء النوبية).

كنيتها: أم البنين ().

من فضائلها

روي الشيخ الصدوق رحمة الله عليه في العيون:

تسمّي باسمها حين ملكها أبو الحسن موسي بن جعفر عليه السلام وهي اُمّ ولده الإمام الرضا عليه السلام، كانت من أشراف العجم، جارية مولدة، وكانت من أفضل النساء في عقلها ودينها وإعظامها لمولاتها (حميدة المصفّاة) حتي أنها ما جلست بين يديها منذ ملكتها إجلالاً لها.

فقالت لابنها موسي عليه السلام: يا بني، إنّ تكتم جارية ما رأيت جارية قط أفضل منها، ولست أشك أنّ الله تعالي سيظهر نسلها إن كان لها نسل، وقد وهبتها لك، فاستوص خيراً بها، فلمّا ولدت له الرضا عليه السلام سمّاها الطاهرة ().

إن الله أمر بشرائها

روي عن أبي الحسن الكاظم عليه السلام أنه قال: «والله ما اشتريت هذه الأمة إلاّ بأمر الله ووحيه».

فسئل عن ذلك؟

فقال: «بينا أنا نائم، إذ أتاني جدّي وأبي، ومعهما شقّة () حرير، فنشراها، فإذا قميص فيه صورة هذه الجارية، فقال: يا موسي، ليكوننّ من هذه الجارية خير أهل الأرض، ثم أمرني إذا ولدته أن اُسمّيه علياً، وقالا: إنّ الله تعالي يظهر به العدل والرأفة، طوبي لمن صدّقه، وويل لمن عاداه وجحده وعانده» ().

ويستفاد من هذه الأخبار أنّ الجاريات اُمّهات الأئمة الأطهار عليهم السلام إنما يشترين بأمر الله تعالي، ولعلّ السرّ في ذلك هو إرادته سبحانه بالإضافة إلي طهارتهنّ إظهار أنه لا فرق بين الحرّة والأمة من هذه الجهة.

الرسول صلي الله عليه و اله يأمر بالزواج الطاهر

روي أنّ حميدة اُمّ موسي بن جعفر عليه السلام لمّا اشترت نجمة رأت في المنام رسول الله صلي الله عليه و اله يقول لها: يا حميدة، هبي نجمة لابنك موسي عليه السلام فإنه سيلد له منها خير أهل الأرض فوهبتها له().

قال علي بن ميثم: سمعت أبي يقول: سمعت أمي تقول: كانت نجمة بكراً لما اشترتها حميدة.

عند ما حملت بالنور

روي الشيخ الصدوق رحمة الله عليه عن نجمة عليها السلام اُمّ الإمام الرضا عليه السلام أنّها قالت:

لمّا حملت بابني علي لم أشعر بثقل الحمل وكنت أسمع في منامي تسبيحاً وتهليلاً وتمجيداً من بطني فيفزعني ذلك ويهوّلني، فإذا انتبهت لم أسمع شيئاً.

فلمّا وضعته، وقع علي الأرض واضعاً يده علي الأرض، رافعاً رأسه إلي السماء، يحرّك شفتيه كأنه يتكلّم، فدخل إليّ أبوه موسي بن جعفر عليه السلام، فقال لي: «هنيئاً لك يا نجمة كرامة ربّك».

فناولته إيّاه في خرقة بيضاء، فأذّن في اُذنه الأيمن وأقام في الأيسر، ودعا بماء الفرات فحنّكه، ثم ردّه إليّ، فقال: «خذيه فإنه بقية الله في أرضه» ().

ولدت السيدة نجمة عليها السلام ولدها الطاهر الإمام علي بن موسي الرضا عليه السلام يوم الجمعة بالمدينة المنورة، وقيل: يوم الخميس، لإحدي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول سنة ثلاث وخمسين ومائة، بعد وفاة الإمام الصادق عليه السلام بخمس سنين، رواه ابن بابويه، وقيل: سنة إحدي وخمسين ومائة().

في مدرسة أهل البيت عليهم السلام

تولت السيدة الجليلة حميدة عليها السلام والدة الإمام الكاظم عليه السلام بتربية وتعليم السيدة نجمة عليها السلام حتي تعلمت الكثير من علوم آل محمد عليهم السلام، كما تربت وتعلمت من زوجها الإمام علي بن موسي الرضا عليه السلام.

قمة الأدب

كانت السيدة نجمة عليها السلام في قمة الأخلاق والأدب الإسلامي، وكانت أسوة حسنة للنساء في ذلك.

فقد ورد:

(أن تكتم كانت من أفضل النساء في عقلها ودينها وإعظامها لمولاتها حميدة المصفاة حتي أنها ما جلست بين يديها منذ ملكتها إجلالا لها)().

الفصل الحادي عشر

الفصل الحادي عشر

السيّدة سبيكة عليها السلام

والدة الإمام محمّد بن علي الجواد عليه السلام

نسبها

هي السيدة سبيكة النوبية عليها السلام والدة الإمام محمد بن علي الجواد عليه السلام.

ومن أسمائها أيضاً: (درة) و(خيزران) و(ريحانة).

وقيل: (سكينة).

كنيتها: (أم الحسن).

ذكر الشيخ الكليني: أنّ اُمّ الإمام محمد بن علي الجواد عليه السلام هي اُمّ ولد يقال لها: سبيكة نوبية.

وروي: أنها عليها السلام كانت من أهل بيت مارية القبطية اُمّ إبراهيم ابن رسول الله صلي الله عليه و اله ().

وفي البحار: واُمّه اُمّ ولد تدعي (درّة) وكانت مرّسيّة أو مريسية() ثم سمّاها الرضا عليه السلام: (خيزران)().

من فضائلها

كانت السيدة سبيكة عليها السلام من أفضل نساء زمانها، وقد أشار إليها النبي الأعظم صلي الله عليه و اله بقوله: «بأبي ابن خيرة الإماء النوبية الطيّبة» ().

المعصوم عليه السلام يبلغها السلام

وفي خبر يزيد بن سليط، وملاقاته للإمام موسي بن جعفر عليه السلام في طريق مكة المكرمة وهم يريدون العمرة:

قال الإمام أبو إبراهيم موسي الكاظم عليه السلام:

«إني اُؤخذ في هذه السنة، والأمر إلي ابني علي، سميّ علي وعلي.

فأمّا علي الأول فعلي بن أبي طالب عليه السلام.

وأمّا علي الآخر فعلي بن الحسين عليه السلام.

اُعطي فهم الأول وحكمته وبصره وودّه ودينه ومحنته.

ومحنة الآخر وصبره علي ما يكره وليس له أن يتكلّم إلاّ بعد موت هارون بأربع سنين».

ثم قال: «يا يزيد، فإذا مررت بهذا الموضع ولقيته وستلقاه، فبشّره أنه سيولد له غلام أمين مأمون مبارك وسيعلمك أنّك لقيتني، فأخبره عند ذلك أنّ الجارية التي يكون منها هذا الغلام جارية أهل بيت مارية القبطية() جارية رسول الله صلي الله عليه و اله، وإن قدرت أن تبلغها منّي السلام فافعل ذلك» ().

عند ولادة النور

روي ابن شهرآشوب عن حكيمة بنت الإمام موسي بن جعفر عليه السلام، قالت:

لمّا حضرت ولادة الخيزران اُمّ أبي جعفر عليه السلام، دعاني الرضا عليه السلام، فقال لي: «يا حكيمة، احضري ولادتها وأخلني وإيّاها والقابلة بيتاً» ووضع لنا مصباحاً وأغلق الباب علينا.

فلمّا أخذها الطلق() طفي المصباح وبين يديها طست، فاغتمّت بطفي المصباح، فبينا نحن كذلك إذ بدر أبو جعفر عليه السلام في الطست وإذ عليه شيء رقيق كهيئة الثوب يسطع نوره حتي أضاء البيت فأبصرناه.

فأخذته فوضعته في حجري ونزعت عنه ذلك الغشاء.

فجاء الرضا عليه السلام ففتح الباب وقد فرغنا من أمره، فأخذه فوضعه في المهد وقال لي: «يا حكيمة، إلزمي مهده».

قالت: فلمّا كان في اليوم الثالث رفع بصره إلي السماء، ثم نظر يمينه ويساره ثم قال: «أشهد أن لا إله إلاّ الله وأشهد أنّ محمداً رسول الله».

فقمت ذعرة () فزعة،

فأتيت أبا الحسن عليه السلام فقلت: سمعت من هذا الصبي عجباً.

فقال: «وما ذاك»؟

فأخبرته الخبر.

فقال: «يا حكيمة، ما ترون من عجائبه أكثر» ().

الفصل الثاني عشر

الفصل الثاني عشر

السيّدة سمانة المغربية عليها السلام

والدة الإمام

علي بن محمد الهادي عليه السلام

نسبها

هي السيدة سمانة المغربية عليها السلام، والدة الإمام علي الهادي عليه السلام

ومن أسمائها: (سوسن) و (منفرشة المغربية).

كنيتها: (أم الحسن) و(أم الفضل).

فضائلها

كانت عليها السلام من أفضل نساء زمانها.

وقد تولّي الإمام الجواد عليه السلام تربيتها وتهذيبها، فأقبلت علي طاعة الله وعبادته، وكانت من القانتات المتهجّدات، والتاليات لكتاب الله، وكانت من التقوي والورع بحيث لا يقربها شيطان مارد.

روي عن أبي الحسن الهادي عليه السلام أنه قال:

«اُمّي عارفة بحقّي وهي من أهل الجنة، لا يقربها شيطان مارد، ولا ينالها كيد جبّار عنيد، وهي مكلوءة() بعين الله التي لا تنام، ولا تختلف عن اُمّهات الصدّيقين والصالحين» ().

الزواج المبارك

روي محمد بن الفرج بن إبراهيم قال: دعاني أبو جعفر محمّد بن علي عليه السلام فأعلمني أنّ قافلة قد قدمت وفيها نخّاس ومعه جوار، ودفع إليّ سبعين ديناراً، وأمرني بابتياع جارية وصفها لي، فمضيت وعملت بما أمرني، فكانت الجارية اُمّ أبي الحسن عليه السلام ().

المولود الطاهر

ولدت السيدة سمانة عليها السلام مولودها الطاهر الإمام الهادي عليه السلام في المدينة المنورة، وقيل في بصريا () من يثرب() في اليوم الخامس عشر من ذي الحجة، أو الثاني من رجب، سنة مائتين واثنتي عشرة، وقيل: في الثالث من شهر رجب عام مائتين وأربع عشرة للهجرة.

الفصل الثالث عشر

الفصل الثالث عشر

السيّدة حديث عليها السلام

والدة الإمام الحسن العسكري عليه السلام

نسبها

هي السيدة (حُديث) عليها السلام والدة الإمام الحسن العسكري عليه السلام.

ومن أسمائها: (سُليل) و(جدة).

وقيل: (سمانة)، وقيل: (سوسن).

من فضائلها

كانت عليها السلام من العارفات الصالحات، وكفي في فضلها أنها كانت مفزع الشيعة بعد وفاة أبي محمد العسكري عليه السلام.

فقد روي الشيخ الصدوق رحمة الله عليه عن أحمد بن إبراهيم، قال: دخلت علي حكيمة بنت محمد بن علي الرضا اُخت أبي الحسن صاحب العسكر عليهم السلام في سنة اثنتي وستين ومائتين، فكلّمتها من وراء حجاب وسألتها عن دينها فسمّت لي من تأتم بهم.

ثم قالت: والحجة بن الحسن بن علي عليه السلام فسمته.

فقلت لها: جعلني الله فداك معاينة أو خبراً؟

فقالت: خبراً عن أبي محمّد عليه السلام كتب به إلي اُمّه.

فقلت لها: فأين الولد؟

فقالت: مستور.

فقلت: إلي من تفزع الشيعة؟

فقالت: إلي الجدة اُم أبي محمد عليه السلام.

فقلت لها: أقتدي بمن وصيّته إلي امرأة؟

فقالت: اقتداء بالحسين بن علي عليه السلام، فإنّ الحسين بن علي عليه السلام أوصي إلي اُخته زينب بنت علي عليها السلام في الظاهر، فكان ما يخرج عن علي بن الحسين عليه السلام من علم ينسب إلي زينب عليها السلام ستراً علي علي بن الحسين عليه السلام ().

وقد أثني عليها الإمام الهادي عليه السلام وأشاد بمكانتها وسمو منزلتها وكراماتها، فقال عليه السلام:

«سليل وهو اسمها مسلولة من الآفات والأرجاس والأنجاس».

وروي عن العالم عليه السلام أنه لمّا دخلت سُلَيْل اُمّ الإمام الحسن العسكري عليه السلام علي الإمام الهادي عليه السلام قال: «سُلَيْل سلّت من كل آفة وعاهة، ومن كل رجس ونجاسة، ثم قال: لا تلبثين حتي يعطيك الله عزّوجلّ حجّته علي خلقه الذي يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً».

المولود الطاهر

روي العلامة المجلسي رحمة الله عليه في بحاره: أنه كان مولد أبي محمد عليه السلام بالمدينة في شهر ربيع الأول سنة ثلاثين ومائتين واُمّه اُمّ ولد يقال لها حديثة ().

الفصل الرابع عشر

الفصل الرابع عشر

السيّدة نرجس عليها السلام

والدة الإمام المهدي المنتظر عليه السلام

نسبها

هي السيدة نرجس عليها السلام بنت يشوعا بن قيصر ملك الروم، واُمّها من ولد الحواريين تنسب إلي شمعون وصي المسيح عليه السلام.

ومن أسمائها أيضاً: (مليكة) و(صقيل) و(سوسن) و(ريحانة) و(مريم).

وقيل: (حكيمة)، وقيل: (خمط).

ولكن أشهر أسمائها: (نرجس).

وكنيتها: اُمّ محمد.

الإمام الهادي عليه السلام يأمر بشرائها

روي بشر بن سليمان النخّاس، وهو من ولد أبي أيّوب الأنصاري، أحد موالي أبي الحسن الهادي عليه السلام وأبي محمد العسكري عليه السلام وجارهما بسرّ من رأي، قال:

كان مولانا أبو الحسن علي بن محمّد العسكري عليه السلام فقّهني في أمر الرقيق، فكنت لا أبتاع ولا أبيع إلاّ بإذنه، فاجتنبت بذلك موارد الشبهات حتي كمُلت معرفتي فيه، فأحسنت الفرق فيما بين الحلال والحرام، فبينما أنا ذات ليلة في منزلي بسرّ من رأي، وقد مضي هويّ () من الليل إذ قرع الباب قارع، فعدوت مسرعاً فإذا أنا بكافور الخادم، رسول مولانا أبي الحسن علي بن محمد عليه السلام يدعوني إليه.

فلبست ثيابي ودخلت عليه، فرأيته يحدّث أبنه أبا محمد عليه السلام واُخته حكيمة عليها السلام من وراء الستر.

فلمّا جلست قال: يا بشر، إنك من ولد الأنصار، وهذه الولاية لم تزل فيكم، يرثها خلف عن سلف، فأنتم ثقاتنا أهل البيت، وإنّي مُزكّيك ومشرّفك بفضيلة تسبق بها شأو() الشيعة في الموالاة بها: بسرّ اُطلعك عليه، واُنفذك في ابتياع أمة.

فكتب كتاباً ملصقاً بخط رومي ولغة رومية، وطبع عليه بخاتمه، وأخرج شستقة صفراء فيها مائتان وعشرون ديناراً، فقال: خذها وتوجّه بها إلي بغداد، وأحضر مَعْبَر() الفرات() ضَحوة كذا.

فإذا وصلت إلي جانبك السبايا، وبرزن الجواري منها، بهم طوائف المبتاعين من وكلاء قوّاد بني العباس، وشراذم من فتيان العراق، فإذا رأيت ذلك فأشرف من البعد علي المسمّي عمر بن يزيد النخّاس عامّة نهارك إلي أن تبرز للمبتاعين

جارية صفتها كذا وكذا، لابسة حريرتين صفيقتين تمتنع من السفور ولمس المعترض والانقياد لمن يحاول لمسها، ويشغل نظره بتأمّل مكاشفها من وراء الستر الرقيق فيضربها النخّاس، فتصرخ صرخة رومية، فاعلم أنها تقول: وا هتك ستراه.

فيقول بعض المبتاعين: عليّ بثلاثمائة دينار، فقد زادني العفاف فيها رغبة.

فتقول بالعربية: لو برزت في زي سليمان عليه السلام وعلي مثل سرير ملكه ما بدت لي فيك رغبة، فأشفق علي مالك.

فيقول النخّاس: فما الحيلة، ولابدّ من بيعك؟.

فتقول الجارية: وما العجلة؟ ولابدّ من اختيار مبتاع يسكن قلبي إليه وإلي أمانته وديانته.

فعند ذلك قم إلي عمر بن يزيد النخّاس وقل له: إنّ معي كتاباً ملصقاً لبعض الأشراف، كتبه بلغة رومية وخطّ رومي ووصف فيه كرمه ووفاءه ونبله وسخاؤه، فناولها لتتأمّل منه أخلاق صاحبه، فإن مالت إليه ورضيته فأنا وكيله في ابتياعها منك.

قال بشر بن سليمان النخّاس: فامتثلت جميع ما حَدِّه() لي مولاي أبو الحسن عليه السلام في أمر الجارية.

فلمّا نظرت في الكتاب بكت بكاءً شديداً، وقالت لعمر بن يزيد النخّاس: بعني من صاحب هذا الكتاب، وحلفت بالمحرجة() المغلّظة أنه متي امتنع من بيعها منه قتلت نفسها.

فما زلت أشاحه في ثمنها حتي استقرّ الأمر فيه علي مقدار ما كان أصحبنيه مولاي عليه السلام من الدنانير في الشستقة (أي الصرّة) الصفراء، فاستوفاه منّي وتسلّمت منه الجارية ضاحكة مستبشرة، وانصرفت بها إلي حجرتي التي كنت آوي إليها ببغداد.

أنا مليكة

فما أخذها القرار حتي أخرجت كتاب مولاها عليه السلام من جيبها وهي تلثمه() وتضعه علي خدّها، وتُطبقه علي جفنها وتمسحه علي بدنها.

فقلت تعجّباً منها: أتلثمين كتاباً ولا تعرفين صاحبه؟

قالت: أيها العاجز، الضعيف المعرفة بمحل أولاد الأنبياء عليهم السلام، أعرني سمعك وفرّغ لي قلبك.

أنا مليكة بنت يشوعا بن قيصر

ملك الروم.

واُمّي من ولد الحواريين تنسب إلي وصي المسيح عليه السلام شمعون.

اُنبّئك العجب العجيب: إنّ جدّي قيصر أراد أن يزوّجني من ابن أخيه، وأنا من بنات ثلاث عشرة سنة، فجمع في قصره من نسل الحواريين من القسيسين والرهبان ثلاثمائة رجل، ومن ذوي الأخطار سبعمائة رجل، وجمع من اُمراء الأجناد وقوّاد العساكر ونقباء الجيوش وملوك العشائر أربعة آلاف، وأبرز من بهو ملكه عرشاً مصوغاً من أصناف الجواهر إلي صحن القصر، فرفعه فوق أربعين مرقاة ().

فلمّا صعد ابن أخيه وأحدقت به الصلبان وقامت الأساقفة عكّفاً ()، ونشرت أسفار الإنجيل، تساقطت الصلبان من الأعالي فلصقت بالأرض، وتقوّضت() الأعمدة فانهارت إلي القرار.

وخرّ الصاعد من العرش مغشيّاً عليه، فتغيّرت ألوان الأساقفة وارتعدت فرائصهم، فقال كبيرهم لجدّي: أيها الملك، اُعفنا من ملاقاة هذه النحوس الدالّة علي زوال هذا الدين المسيحي والمذهب الملكاني.

فتطيّر جدّي من ذلك تطيّراً شديداً وقال للأساقفة: أقيموا هذه الأعمدة وارفعوا الصلبان وأحضروا أخا هذا المدبر العاثر() المنكوس جدّه لاُزوّج منه هذه الصبيّة فيدفع نحوسه عنكم بسعوده.

فلمّا فعلوا ذلك حدث علي الثاني ما حدث علي الأول، وتفرّق الناس، وقام جدّي قيصر مغتمّاً، ودخل قصره، واُرخيت الستور.

الرسول صلي الله عليه و اله يخطبها من عيسي عليه السلام

فرأيت في تلك الليلة كأنّ المسيح عليه السلام والشمعون وعدّة من الحواريين قد اجتمعوا في قصر جدّي، ونصبوا فيه منبراً يباري() السماء علواً وارتفاعاً في الموضع الذي كان جدّي نصب فيه عرشه، فدخل عليهم محمد صلي الله عليه و اله مع فتية وعدّة من بنيه، فيقوم إليه المسيح عليه السلام فيعتنقه، فيقول صلي الله عليه و اله: يا روح الله إنّي جئتك خاطباً من وصيّك شمعون فتاته مليكة لابني هذا، وأومأ بيده إلي أبي محمد عليه السلام صاحب هذا الكتاب.

فنظر المسيح عليه السلام

إلي شمعون، فقال له: قد أتاك الشرف، فصل رحمك برحم رسول الله صلي الله عليه و اله.

قال: قد فعلت.

فصعد ذلك المنبر وخطب محمد صلي الله عليه و اله وزوّجني منه، وشهد المسيح عليه السلام وشهد بنو محمد صلي الله عليه و اله والحواريون.

فلمّا استيقظت من نومي أشفقت أن أقصّ هذه الرؤيا علي أبي وجدّي مخافة القتل، فكنت أسرّها في نفسي ولا اُبديها لهم.

الإفراج عن أسري المسلمين

وضرب صدري بمحبة أبي محمد عليه السلام حتي امتنعت من الطعام والشراب، وضعفت نفسي، ودقّ شخصي، ومرضت مرضاً شديداً، فما بقي في مدائن الروم طبيب إلاّ أحضره جدّي وسأله عن دوائي.

فلمّا برح به اليأس قال: يا قرّة عيني فهل تخطر ببالك شهوة فاُزودكها في هذه الدنيا؟

فقلت: يا جدّي أري أبواب الفرج عليّ مغلقة، فلو كشفت العذاب عمّن في سجنك من أساري المسلمين، وفككت عنهم الأغلال، وتصدّقت عليهم، ومننتهم بالخلاص، لرجوت أن يهب المسيح واُمّه عليهما السلام لي عافية وشفاءً.

فلمّا فعل ذلك جدّي تجلّدت في إظهار الصحة في بدني، وتناولت يسيراً من الطعام، فسرّ بذلك جدّي، وأقبل علي إكرام الأُساري وإعزازهم.

إسلامها

فرأيت أيضاً بعد أربع ليال كأنّ سيدة النساء عليها السلام قد زارتني ومعها مريم بنت عمران عليها السلام وألف وصيفة() من وصائف الجنان، فتقول لي مريم: هذه سيدة نساء العالمين، واُمّ زوجك أبي محمد عليه السلام.

فأتعلّق بها وأبكي وأشكو إليها امتناع أبي محمد عليه السلام من زيارتي.

فقالت لي سيدة النساء عليها السلام: إنّ ابني عليه السلام لا يزورك وأنت مشركة بالله وعلي مذهب النصاري، وهذه اُختي مريم عليها السلام تبرأ إلي الله تعالي من دينك، فإنّ ملت إلي رضي الله عزّوجلّ ورضي المسيح ومريم عليهما السلام عنك وزيارة أبي محمد عليه السلام إيّاك فقولي:

?أشهد أن لا إله إلاّ الله، وأشهد أنّ أبي محمّداً رسول الله?.

فلمّا تكلّمت بهذه الكلمة ضمّتني سيدة النساء عليها السلام إلي صدرها، فطيّبت لي نفسي وقالت: الآن توقّعي زيارة أبي محمد عليه السلام إيّاك فإني منفذته إليك.

فانتبهت وأنا أقول: وا شوقاه إلي لقاء أبي محمد.

في لقاء الحبيب

فلمّا كانت الليلة القابلة جاءني أبو محمد عليه السلام في منامي، فرأيته كأني أقول له: جفوتني يا حبيبي بعد أن شغلت قلبي بجوامع حبك؟

فقال: ما كان تأخيري عنك إلاّ لشركك، وإذ قد أسلمت فإنّي زائرك في كل ليلة إلي أن يجمع الله شملنا في العيان.

فما قطع عنّي زيارته بعد ذلك إلي هذه الغاية.

قصة الأسر

قال بشر: فقلت لها: كيف وقعت في الأسر؟

فقالت: أخبرني أبو محمد عليه السلام ليلة من الليالي إنّ جدّك سيسرب() جيوشاً إلي قتال المسلمين يوم كذا، ثم يتبعهم، فعليك اللحاق بهم متنكّرة في زيّ الخدم مع عدّة من الوصائف من طريق كذا.

ففعلت، فوقعت علينا طلائع المسلمين حتي كان من أمري ما رأيت وشاهدت، وما شعر أحد بي بأنّي ابنة ملك الروم إلي هذه الغاية سواك، وذلك بإطّلاعي إيّاك عليه.

ولقد سألني الشيخ الذي وقعت إليه في سهم الغنيمة عن اسمي، فأنكرته وقلت: نرجس.

فقال: اسم الجواري.

رومية تتكلم بالعربية

فقلت: العجب إنك رومية ولسانك عربي؟

قالت: بلغ من ولوع () جدّي وحمله إيّاي علي تعلّم الآداب أن أوعز إلي امرأة ترجمانه في الاختلاف إليّ، فكانت تقصدني صباحاً ومساءً، وتفيدني العربية حتي استمرّ عليها لساني واستقام.

البشري بشرف الأبد

قال بشر: فلمّا انكفأت بها إلي سرّ من رأي دخلت علي مولانا أبي الحسن العسكري عليه السلام، فقال لها: كيف أراك الله عزّ الإسلام وذلّ النصرانية وشرف أهل بيت محمد صلي الله عليه و اله؟

قالت: كيف أصف لك يا بن رسول الله صلي الله عليه و اله ما أنت أعلم به منّي؟

قال: فإنّي اُريد أن اُكرمك، فإيّما أحب إليك: عشرة آلاف درهم؟ أم بشري لك بشرف الأبد؟

قالت: بل البشري.

قال عليه السلام: فأبشري بولد يملك الدنيا شرقاً وغرباً، ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً.

قالت: ممّن؟

قال عليه السلام: ممّن خطبك رسول الله صلي الله عليه و اله له من ليل كذا من شهر كذا، من سنة كذا بالرومية.

قالت: من المسيح عليه السلام ووصيّه.

قال: ممّن زوّجك المسيح عليه السلام ووصيّه؟

قالت: من ابنك أبي محمد عليه السلام.

قال: فهل تعرفينه؟

قالت: وهل خلوت ليلة من زيارته إيّاي منذ الليلة التي أسلمت فيها علي يد سيدة النساء، اُمّه؟

علميها الفرائص والسنن

فقال أبو الحسن الهادي عليه السلام: يا كافور اُدع لي اُختي حكيمة عليها السلام.

فلمّا دخلت عليه قال لها: ها هيه.

فاعتنقتها طويلاً، وسرّت بها كثيراً.

فقال لها مولانا عليه السلام: يا بنت رسول الله اخرجيها إلي منزلك، وعلّميها الفرائض والسنن، فإنها زوجة أبي محمد عليه السلام واُمّ القائم عليه السلام ().

في ليلة النصف من شعبان

روت السيّدة حكيمة عليها السلام بنت أبي جعفر الجواد عليه السلام وقالت: بعث إليّ أبو محمد الحسن بن علي عليه السلام فقال: يا عمّة اجعلي إفطارك الليلة عندنا فإنها ليلة النصف من شعبان، فإنّ الله تبارك وتعالي سيظهر في هذه الليلة الحجّة عليه السلام، وهو حجّته في أرضه.

قالت: فقلت له: ومن اُمه؟

قال لي: نرجس؟

قلت له: والله جعلني الله فداك ما بها أثر.

فقال: هو ما أقول لك.

قالت: فجئت فلمّا سلّمت وجلست، جاءت تنزع بخفي وقالت لي: يا سيدتي كيف أمسيت؟

فقلت: بل أنت سيدتي وسيدة أهلي.

قالت: فأنكرت قولي وقالت: ما هذا يا عمّة؟

قالت: فقلت لها: يا بنية إنّ الله تعالي سيهب لك في ليلتك هذه غلاماً سيداً في الدنيا والآخرة.

قالت: فخجلت واستحيت.

فلمّا أن فرغت من صلاة العشاء الآخرة وأخذت مضجعي، فرقدت، فلمّا أن كان في جوف الليل قمت إلي الصلاة، ففرغت من صلاتي وهي نائمة ليست بها حادثة، ثم جلست معقّبة، ثم اضطجعت، ثم انتبهت فزعة وهي راقدة، ثم قامت وصلّت ونامت.

قالت السيّدة حكيمة عليها السلام: وخرجت أتفقّد الفجر وإذا بالفجر الأول كذبه السرحان وهي نائمة.

قالت السيّدة حكيمة عليها السلام: فدخلتني الشكوك.

فصاح بي أبو محمد عليه السلام من المجلس، فقال: لا تعجلي يا عمّة فهاك الأمر قد قرب.

وقالت: فجلست فقرأت ?ألم السجدة? و?يس?، فبينما أنا كذلك إذ انتبهت فزعة، فوثبت إليها، فقلت: اسم الله عليك، ثم قلت لها: تحسّين

شيئاً؟

قالت: نعم يا عمّة.

فقلت لها: اجمعي نفسك واجمعي قلبك، فهو ما قلت لك.

قال السيّدة حكيمة عليها السلام: ثم أخذتني فترة وأخذتها فترة، فتنبّهت بحس سيدي، فكشفت الثوب عنه، فإذا أنا به عليه السلام ساجد علي أرض يتلقّي بمساجده، فضممته إليّ فإذا أنا به عليه السلام نظيف منظّف.

فصاح بي أبو محمد عليه السلام: هلمّي إليّ ابني يا عمّة.

فجئت به إليه، فوضع يديه تحت إليته وظهره، ووضع قدميه علي صدره، ثم أدلي لسانه في فيه وأمرّ يده علي عينيه وسمعه ومفاصله، ثم قال: تكلّم يا بني.

فقال عليه السلام: أشهد أن لا إله إلاّ الله وأشهد أنّ محمّداً صلي الله عليه و اله عبده ورسوله، ثم صلّي علي أمير المؤمنين عليه السلام وعلي الأئمّة عليهم السلام إلي أن وقف علي أبيه ثم أحجم().

قال أبو محمد عليه السلام: يا عمّة، اذهبي به إلي اُمّه ليسلّم عليها، وائتني به.

فذهبت به، فسلّم عليها ورددته ووضعته في المجلس.

ثم قال: يا عمّة، إذا كان اليوم السابع فأتنا.

قالت السيّدة حكيمة: فلمّا أصبحت جئت لاُسلّم علي أبي محمد عليه السلام، وكشفت الستر لأتفقّد سيدي، فلم أره، فقلت له: جعلت فداك، ما فعل سيدي؟

فقال: يا عمّة، استودعناه الذي استودعته اُمّ موسي عليه السلام.

قالت السيّدة حكيمة: فلمّا كان في اليوم السابع، جئت وسلّمت وجلست.

فقال عليه السلام: هلمّي إليّ ابني، فجئت بسيدي وهو في الخرقة، ففعل به ما فعل في الاُولي، ثم أدلي لسانه في فيه كأنه يغذّيه لبناً أو عسلاً، ثم قال: تكلّم يا بنيّ.

فقال: «أشهد أن لا إله إلاّ الله، وثني بالصلاة علي محمد وعلي أمير المؤمنين وعلي الأئمّة (صلوات الله عليهم أجمعين) حتي وقف علي أبيه عليه السلام ثم تلا هذه الآية:

بسم الله الرحمن الرحيم

?وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَي الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ ? وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ?()» ().

السيدة صقيل

وقد ذكر المحدث القمّي ?: إنّ اُمّ الإمام الثاني عشر الحجّة بن الحسن صاحب الزمان (صلوات الله عليه وعلي آبائه ما توالت الأزمان)، هي مليكة بنت يشوعا بن قيصر ملك الروم، واُمّها من ولد الحواريين تنسب إلي شمعون وصي المسيح عليه السلام ولما اُسرت سمّت نفسها نرجس، لئلاّ يعرفها الشيخ الذي وقعت إليه، ولمّا اعتراها من النور والجلاء بسبب الحمل المنوّر سمّيت صقيلا ().

ليلة الميلاد

روي الشيخ الطوسي رحمة الله عليه في كتاب (الغيبة) قصة الميلاد المبارك كالتالي:

عن السيّدة حكيمة عليها السلام بنت محمد بن علي الرضا عليه السلام أنها قالت: بعث أبو محمد عليه السلام سنة خمس وخمسين ومائتين في النصف من شعبان قال: يا عمّة اجعلي الليلة إفطارك عندي فإنّ الله عزّوجلّ سيسرّك بوليّه وحجّته علي خلقه خليفتي من بعدي.

قالت حكيمة: فتداخلني لذلك سرور شديد وأخذت ثيابي عليّ وخرجت من ساعتي حتي انتهيت إلي أبي محمد عليه السلام وهو جالس في صحن داره وجواريه حوله، فقلت: جعلت فداك يا سيدي، الخلف ممّن هو؟

قال: من سوسن.

فأدرت طرفي فيهنّ فلم أر جارية عليها أثر غير سوسن.

قالت حكيمة: فلمّا أن صلّيت المغرب والعشاء الآخرة أتيت بالمائدة فأفطرت أنا وسوسن وبايتّها في بيت واحد.

فغفوت غفوة، ثم استيقظت، فلم أزل مفكّرة فيما وعدني أبو محمد عليه السلام من أمر ولي الله عليه السلام، فقمت قبل الوقت الذي كنت أقوم في كل ليلة للصلاة، فصلّيت صلاة الليل حتي بلغت إلي الوتر، فوثبت سوسن فزعة، وخرجت فزعة، وأسبغت الوضوء ثم عادت، فصلّت صلاة الليل وبلغت الوتر، فوقع في قلبي أنّ الفجر قد قرب، فقمت لأنظر فإذا بالفجر الأول قد طلع، فتداخل قلبي الشك من وعد أبي محمد عليه السلام فناداني من

حجرته: لا تشكّي وكأنّك بالأمر الساعة قد رأيته إن شاء الله تعالي.

قالت السيّدة حكيمة: فاستحييت من أبي محمد عليه السلام وممّا وقع في قلبي، ورجعت إلي البيت وأنا خجلة، فإذا هي قد قطعت الصلاة وخرجت فزعة فلقيتها علي باب البيت فقلت: بأبي أنت واُمّي هل تحسّين شيئاً؟

فقالت: نعم يا عمّة إنّي لأجد أمراً شديداً.

قلت: لا خوف عليك إن شاء الله تعالي.

وأخذت وسادة فألقيتها في وسط البيت وأجلستها عليها وجلست منها حيث تقعد المرأة من المرأة للولادة، فقبضت علي كفّي وغمزت غمزة شديدة، ثم أنّت أنّة وتشهّدت، ونظرت تحتها فإذا أنا بولي الله (صلّي الله عليه) متلقّياً الأرض بمساجده، فأخذت بكتفيه فأجلسته في حجري فإذا هو نظيف مفروغ منه.

فناداني أبو محمّد عليه السلام: يا عمّة هلمّي فأتيني بابني.

فأتيته به فتناوله وأخرج لسانه فمسحه علي عينيه ففتحها، ثمّ أدخله في فيه فحنّكه ثمّ أدخله في اُذنيه وأجلسه في راحته اليسري، فاستوي وليّ الله عليه السلام جالساً فمسح يده علي رأسه وقال له: يا بني انطق بقدرة الله.

فاستعاذ وليّ الله عليه السلام من الشيطان الرجيم واستفتح بسم الله الرحمن الرحيم ?وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَي الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ ? وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ?()، وصلّي علي رسول الله صلي الله عليه و اله وعلي أمير المؤمنين والأئمّة عليهم السلام واحداً واحداً حتّي انتهي إلي أبيه.

فناولنيه أبو محمّد عليه السلام وقال: يا عمّة ردّيه إلي اُمّه حتّي ?تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ?().

فرددته إلي اُمّه وقد انفجر الفجر الثاني فصلّيت الفريضة وعقّبت إلي أن طلعت الشمس، ثمّ ودّعت أبا محمّد عليه

السلام وانصرفت إلي منزلي.

فلمّا كان بعد ثلاث اشتقت إلي ولي الله عليه السلام فصرت إليهم، فبدأت بالحجرة التي كانت سوسن فيها فلم أر أثراً ولا سمعت ذكراً فكرهت أن أسأل.

فدخلت علي أبي محمد عليه السلام فاستحييت أن أبدأ بالسؤال فبدأني، فقال: هو يا عمّة في كنف الله وحرزه وستره وغيبه حتي يأذن الله له، فإذا غيّب الله شخصي وتوفّاني ورأيت شيعتي قد اختلفوا فأخبري الثقات منهم وليكن عندك وعندهم مكتوماً، فإنّ ولي الله يغيّبه الله عن خلقه، ويحجبه عن عباده فلا يراه أحد حتي يقدم له جبرائيل عليه السلام فرسه?لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً?()،().

إرهاصات الولادة

قالت السيدة حكيمة عليها السلام: قرأت علي أمه نرجس وقت ولادته: التوحيد والقدر وآية الكرسي فأجابني من بطنها بقراءتي، ثم وضعته ساجدا إلي القبلة، فأخذه أبوه وقال: «انطق بإذن الله».

فتعوذ عليه السلام وسمي وقرأ: ?وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَي الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأرض? الآيتين() وصلي علي محمد وعلي وفاطمة والأئمة واحدا واحدا باسمه إلي آخرهم، وكان مكتوبا علي ذراعه الأيمن: ?جاءَ الْحَقُّ وزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً?()،().

وأسند الشيخ أبو جعفر رحمة الله عليه إلي محمد بن علي إلي محمد بن عبد الله المطهري قال: قصدت حكيمة أسألها عن الحجة عليه السلام؟

فقالت: لما حضرت نرجس الولادة، قال الحسن العسكري عليه السلام: اقرئي عليها ?إنا أنزلناه?.

فقرأت فجاوبني الجنين بمثل قراءتي وسلّم علي، ففزعت.

فقال أبو محمد عليه السلام: لا تعجبين من أمر الله إنه منطقنا بالحكمة صغارا ويجعلنا حجة في الأرض كبارا.

فغيبت عني نرجس فصرخت إليه، فقال عليه السلام: ارجعي فستجدينها، فرجعت فإذا بها عليها نور غشيني، فإذا الصبي ساجدا لوجهه، رافعا إلي السماء سبابته، ناطقا بتوحيد ربه ورسالة نبيه وإمامة آبائه إلي أن

بلغ إلي نفسه وقال: «اللهم أنجز لي وعدي و أتمم لي أمري» ().

وبعد أربعين يوماً

وقالت السيدة حكيمة عليها السلام: دخلت علي أبي محمد عليه السلام بعد أربعين يوما من ولادة نرجس، فإذا مولانا صاحب الزمان عليه السلام يمشي في الدار، فلم أر لغة أفصح من لغته.

فتبسم أبو محمد عليه السلام فقال: «إنا معاشر الأئمة ننشأ في يوم كما ينشأ غيرنا في سنة».

قالت: ثم كنت بعد ذلك أسأل أبا محمد عنه؟

فقال: «استودعناه الذي استودعته أم موسي ولدها» ().

زيارتها الشريفة

كانت السيدة نرجس عليها السلام جليلة القدر، ومتميزة بمكانة عالية عند الله عزوجل، فهي صديقة طاهرة، تقية نقية، رضية مرضية، وقد ورد في زيارتها ما يدل علي علو شأنها:

السلام علي رسول الله (صلّي الله عليه وآله) الصادق الأمين.

السلام علي مولانا أمير المؤمنين.

السلام علي الأئمّة الطاهرين الحجج الميامين.

السلام علي والدة الإمام، والمودعة أسرار الملك العلاّم، والحاملة لأشرف الأنام.

السلام عليك أيّتها الصدّيقة المرضية.

السلام عليك يا شبيهة اُمّ موسي، وابنة حواري عيسي.

السلام عليك أيّتها التقية النقية.

السلام عليك أيّتها الرضية المرضية.

السلام عليك أيّتها المنعوتة في الإنجيل، المخطوبة من روح الله الأمين، ومن رغب في وصلتها محمّد سيّد المرسلين، والمستودعة أسرار ربّ العالمين.

السلام عليك وعلي آبائك الحواريين.

السلام عليك وعلي بعلك وولدك.

السلام عليك وعلي روحك وبدنك الطاهر.

أشهد أنّك أحسنت الكفالة، وأدّيت الأمانة، واجتهدت في مرضات الله، وصبرت في ذات الله، وحفظت سرّ الله، وحملت وليّ الله، وبالغت في حفظ حجّة الله، ورغبت في وصلة أبناء رسول الله، عارفة بحقّهم، مؤمنة بصدقهم، معترفة بمنزلتهم، مستبصرة بأمرهم، مشفقة عليهم، مؤثرة هواهم.

وأشهد أنّك مضيت علي بصيرة من أمرك، مقتدية بالصالحين، راضية مرضية، تقية نقية، زكية، فرضي الله عنك وأرضاك، وجعل الجنّة منزلك ومأواك، فلقد أولاك من الخيرات ما أولاك، وأعطاك من الشرف ما به أغناك، فهنّاك الله بما منحك من الكرامة

وأمراك» ().

شفاعتها عليها السلام

ومن الشواهد الدالّة علي عظم مكانتها عليها السلام أنّها أصبحت ملاذاً ومأويً للمتوسّلين الذين يلتمسون شفاعتها عليها السلام، ففي الدعاء بعد زيارتها نقرأ:

«اللهمّ إيّاك اعتمدت، ولرضاك طلبت، وبأوليائك إليك توسّلت، وعلي غفرانك وحلمك اتّكلت، وبك اعتصمت، وبقبر اُمّ وليّك لذت، فصلّ علي محمّد وآل محمّد، وانفعني بزيارتها، وثبّتني علي محبّتها، ولا تحرمني شفاعتها، وشفاعة ولدها، وارزقني مرافقتها، واحشرني معها ومع ولدها، كما وفّقتني لزيارة ولدها وزيارتها، اللهمّ إنّي أتوجّه إليك بالأئمّة الطاهرين، وأتوسّل إليك بالحجج الميامين، من آل طه ويس، أن تصلّي علي محمّد وآل محمّد الطيّبين، وأن تجعلني من المطمئنين الفائزين، الفرحين المستبشرين، الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، واجعلني ممّن قبلت سعيه، ويسّرت أمره، وكشفت ضرّه، وآمنت خوفه، اللهمّ بحقّ محمّد وآل محمّد، صلّ علي محمّد وآل محمّد، ولا تجعله آخر العهد من زيارتي إيّاها، وارزقني العود إليها، أبداً ما أبقيتني، وإذا توفّيتني فاحشرني في زمرتها، وأدخلني في شفاعة ولدها، وشفاعتها، واغفر لي ولوالدي وللمؤمنين والمؤمنات، وآتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا برحمتك عذاب النار، والسلام عليكم يا ساداتي ورحمة الله وبركاته» ().

التوسّل بالسيّدة نرجس عليها السلام

ثم إنّ السيّدة نرجس عليها السلام هي باب من أبواب الله تعالي يقصده المحتاجون والمنكوبون فلا يعودوا إلاّ بحوائج مقضية وهموم مكشوفة بإذن الله تعالي، والشواهد علي ذلك كثيرة ومنها:

ما نقل في أحوال الميرزا محمّد تقي الشيرازي رحمة الله عليه أنّه قد أصاب مدينة سامراء مرض الطاعون وأخذ من أهلها مأخذاً عظيماً بحيث إنّ أهالي الموتي عجزوا عن دفن موتاهم فأصبحوا يأتون بهم ويتركونهم في الشوارع آنذاك.

وفي شدّة المحنة جاء الميرزا محمّد تقي الشيرازي إلي منزل السيّد محمّد الفشاركي رحمة الله عليه الذي كان في منزله مع

كوكبة من العلماء فدار البحث حول الوباء الذي يهدّد حياة الجميع وبينما هم علي ذلك وإذا بالميرزا الشيرازي يلتفت إليهم قائلاً: إذا أصدرت حكماً فهل هو نافذ أم لا؟

فردّ الجميع: نعم إنّه نافذ ويجب إجراؤه.

فقال الميرزا: إنّي أصدرت حكماً علي جميع الشيعة القاطنين في سامراء أن يقرؤوا زيارة عاشوراء من اليوم إلي عشرة أيّام ويهدوا ثوابها إلي روح السيّدة نرجس (سلام الله عليها) والدة الإمام الحجّة (عجّل الله تعالي فرجه الشريف) ليبتعد عنهم البلاء.

فأبلغ الحاضرون حكمه ذاك لجميع الشيعة.

فشرع الموالون بقراءة الزيارة، وإذا بالطاعون يرتفع عنهم منذ قراءتهم للزيارة، بينما بقي غيرهم يموتون كالعادة حتّي تجلّي الأمر للجميع.

فسأل بعض أتباع المذاهب الاُخري أبناء الشيعة في سامراء عن سبب ارتفاع الطاعون عنهم، فأخبروهم بالحال، فشرعوا بقراءة الزيارة وإهدائها إلي السيّدة نرجس عليها السلام فدفع البلاء عن الجميع.

الخاتمة

كان هذا موجزاً عن أحوال اُمّهات المعصومين (صلوات الله عليهم أجمعين).

أمّا التفاصيل فغالبها اختفت علينا بسبب الظالمين الذين أحرقوا كتب أصحابنا إلي هذا اليوم، حيث أحرق صدام وأمثاله من ظلمة التاريخ كتب الشيعة().

أمّا الباقي فقد قال لي صاحب الغدير العلامة الأميني رحمة الله عليه: إنه لم يطبع من كتب الشيعة إلاّ العُشر.

وقال لي أحد العلماء الأعلام معلّقاً علي كلام الأميني رحمة الله عليه:

(إنه رحمة الله عليه ذكر ما وجده في المكتبات، وإلاّ فإنه لم يطبع منها (99) في المائة، حيث لاحظت دور الشيعة ومكتباتهم في إيران واليمن والعراق والهند وغيرها).

أقول: والغالب لم أصل أنا إليه، والله المستعان.

سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام علي المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

وصلي الله علي محمد وآله الطيبين الطاهرين.

قم المقدسة

محمّد الشيرازي

رجوع إلي القائمة

پي نوشتها

() سورة الشعراء: 219.

() حيث قال البعض: بأنها تزوجت قبل رسول الله صلي الله عليه و اله وكانت ثيبة.

() انظر الكافي: ج1 ص477 باب مولد أبي الحسن موسي بن جعفر عليه السلام ح1.

() حيث أراد جدها أن يزوجها من ابن أخيه فلم يتمكن من ذلك، للتفصيل انظر الفصل الرابع عشر من هذا الكتاب.

() بحار الأنوار ج99 ص267 ح5.

() علل الشرائع: ج1 ص208 ب156 ح11.

() زجّ: رمي به، لسان العرب مادّة زجج.

() إرشاد القلوب: ج2 ص415.

() بحار الأنوار: ج97 ص187 ب3 زيارته صلي الله عليه و اله من البعيد.

() بحار الأنوار: ج98 ص200 ب18 زيارته صلوات الله عليه.

() المراد بالزهرية: آمنة عليها السلام، أي إنها لم تسلب ثوبيك فقط حين قاربتها وإنما سلبت منك شيئاً عظيما وهو نور النبوة التي كان في صلبك.

() مناقب آل أبي طالب: ج1 ص26.

() بحار الأنوار: ج15 ص90.

() مسيل فيه دقاق الحصي،

والجمع الأباطح والبطاح، معجم البلدان: ج1 ص444.

() الخرائج والجرائح: ج1 ص129.

() راجع بحار الأنوار: ج15 ص97.

() بحار الأنوار: ج15 ص281.

() راجع بحار الأنوار: ج15 ص281.

() راجع بحار الأنوار ج15 ص97.

() زرقاء اليمامة بنت مرهل كاهنة اليمامة وداهية الدهياء.

() الذؤابة: المضفورة من شعر، كتاب (العين) مادة ذأب.

() بحار الأنوار ج15 ص322.

() كمال الدين: ج1 ص175 ح33.

() الصومعة: منار الراهب، (لسان العرب) مادّة صمع.

() بحار الأنوار: ج15 ص284.

() الكافي ج8 ص302 ح460.

() السعفات جمع سعفة بالتحريك: جريدة النخل ما دامت بالخوص. (مجمع البحرين) مادّة سعف.

() هَجَر: بلدة باليمن واسم لجميع أرض البحرين وقرية كانت قرب المدينة، كتاب (العين) مادّة هجر.

() روضة الواعظين: ج1 ص81.

() النافجة المسك: سمّيت بذلك لنفاستها، (مجمع البحرين) مادّة نفج.

() القطا: طائر معروف سمّي بذلك لثقل مشيه، (لسان العرب) مادّة قطو.

() بحار الأنوار ج15 ص272.

() الكافي: ج1 ص454 باب مولد أمير المؤمنين عليه السلام ح3.

() بحار الأنوار: ج15 ص287.

() انظر أيضاً: وسائل الشيعة: ج10 ص456 ح13835، وبحار الأنوار: ج15 ص248 ح1.

() الصر: عصفور أو طائر، (مجمع البحرين) مادّة صرر.

() بحار الأنوار ج15 ص269.

() الشرفة: ما يوضع علي أعالي القصور والمدن، انظر (لسان العرب) مادّة (شرف).

() الموبذان للمجوس: كقاضي القضاة للمسلمين، انظر (لسان العرب) مادّة (موبذ).

() الأمالي للصدوق: ص285 المجلس الثامن والأربعون ح1.

() الجلبة: الأصوات، لسان العرب مادّة جلب.

() كمال الدين: ج1 ص175 ح33.

() أي تزيّنت. انظر لسان العرب: مادّة (نجد).

() أي شُدّ، (لسان العرب) مادّة (زمم).

() أي القيد الضخم، (لسان العرب) مادّة (كبل).

() الأمالي للصدوق: ص601 المجلس الثامن والثمانون ح1.

() الأمالي للصدوق: ص286 المجلس الثامن والأربعون ح1.

() الفضائل: ص18.

() الفضائل: ص19.

() راجع بحار الأنوار: ج15 ص283.

() العير: القافلة، (لسان العرب) مادّة عير.

() الوجد: الحزن،

كتاب (العين) مادّة وجد.

() بحار الأنوار: ج15 ص125.

() راجع الفضائل: ص14.

() الأبواء: قرية من أعمال الفرع من المدينة، بينها وبين الجحفة ممّا يلي المدينة ثلاثة وعشرون ميلاً، معجم البلدان: ج1 ص79.

() أي السمينة (لسان العرب) مادة ودك.

() بحار الأنوار: ج15 ص116 ح61.

() العدد القوية: ص126.

() بحار الأنوار ج15 ص162.

() الكافي ج4 ص544 باب النوادر ح21.

() قرب الإسناد: ص27.

() القصص للجزائري: ص108.

() الأمالي للطوسي: ص340 المجلس الثاني عشر.

() الأمالي للطوسي: ص340 المجلس الثاني عشر.

() سورة التوبة: 28.

() الكافي: ج1 ص446 باب مولد النبي صلي الله عليه و اله ووفاته ح21.

() لبّبوه: أخذوا بتلابيبه، (مجمع البحرين) مادّة: لبب.

() علل الشرائع: ج1 ص176 ح1.

() كشف الغمّة ج1 ص16.

() سورة الأحزاب: 21.

() كشف الغمّة: ج1 ص512.

() الخصال: ج1 ص225 باب الأربعة ح58.

() راجع مستدرك الوسائل: ج6 ص455 باب4ح7221

() بحار الأنوار: ج18 ص208 ب1.

() بحار الأنوار: ج18 ص232-233 ب1.

() روضة الواعظين: ج2 ص269 مجلس في مناقب آل محمّد عليهم السلام.

() كشف الغمّة: ج1 ص508.

() بحار الأنوار: ج16 ص8.

() بحار الأنوار: ج16 ص8.

() الأمالي للطوسي: ص175 المجلس الساد س ح46.

() الأمالي للطوسي: ص259 المجلس العاشر ح467.

() كشف الغمّة: ج1 ص16.

() الخصال: ج2 ص404 باب السبعة ح116.

() الكافي: ج3 ص219 باب المصيبة بالولد ح2.

() الكافي: ج3 219 باب المصيبة بالولد ح7.

() تفسير العياشي: ج2 ص279 ح12.

() كشف الغمّة: ج1 ص507.

() الخصال: ج1 ص206 باب الأربعة ح23.

() راجع بحار الأنوار: ج16 ص20 ح19.

() راجع بحار الأنوار: ج16 ص21.

() حراء جبل بمكّة، (لسان العرب) مادّة حري.

() راجع بحار الأنوار: ج16 ص25.

() القُباطي: ثياب إلي الدقّة والرقّة والبياض، (لسان العرب) مادّة قبط.

() الجبّة: من الملابس، (مجمع البحرين) مادّة جبب.

() البُردة: كساء يلتحف به، (لسان العرب)

مادّة برد.

() راجع بحار الأنوار: ج16 ص28.

() تطرّق الإمام المؤلّف ? إلي الكثير من معاجز النبي صلي الله عليه و اله في كتابه القيّم «من معاجز النبي صلي الله عليه و اله» الذي جمع فيه أكبر قدر استطاع جمعه من معاجزه صلي الله عليه و اله، يقع الكتاب في خمسة مجلدات وهي مخطوطة عند مؤسسة المجتبي للتحقيق والنشر، بيروت لبنان.

() الوعر: ضدّ السهل (مجمع البحرين) مادّة وعر.

() راجع بحار الأنوار: ج16 ص30.

() راجع بحار الأنوار: ج16 ص30.

() بحار الأنوار: ج16 ص33.

() ذِبيان: بلد قاطع الاردن ممّا يلي البلقاء، (معجم البلدان) للحموي: ج3 ص4.

() راجع بحار الأنوار: ج16 ص35.

() أيلة: قرية عربية فيما بين مصر والشام، (لسان العرب) مادّة أيل.

() الدير: البيعة أي الكنيسة، كتاب (العين) مادّة دير.

() السِفر: الكتاب الذي يسفر عن الحقائق، (مجمع البحرين) مادّة سفر.

() تهامة: اسم مكّة، (لسان العرب) مادّة تهم.

() راجع بحار الأنوار: ج16 ص38.

() راجع بحار الأنوار: ج16 ص44.

() راجع بحار الأنوار: ج16 ص51.

() راجع بحار الأنوار: ج16 ص56.

() سنية: رفيعة (لسان العرب) مادة سنو.

() راجع بحار الأنوار: ج16 ص52.

() راجع بحار الأنوار: ج16 ص57.

() راجع بحار الأنوار: ج16 ص59.

() راجع بحار الأنوار: ج16 ص21.

() الخلعة: ما يعطيه الإنسان غيره من الثياب منحة، (مجمع البحرين) مادّة خلع.

() راجع بحار الأنوار: ج16 ص70.

() بحار الأنوار: ج16 ص69.

() من لا يحضره الفقيه: ج3 ص397 باب الولي والشهود والخطبة والصداق ح4398.

() انظر إعلام الوري: ص139 الفصل الأول في ذكر أزواج رسول الله صلي الله عليه و اله وأولاده صلي الله عليه و اله.

() انظر بحار الأنوار: ج22 ص200ب2 ح20.

() مستدرك الوسائل: ج14 ص161 ب5 ضمن ح16380.

() انظر إعلام الوري: ص139 الفصل الأول في

ذكر أزواج رسول الله صلي الله عليه و اله وأولاده صلي الله عليه و اله.

() بحار الأنوار: ج22 ص197-198 ب2 ح13.

() بحار الأنوار: ج22 ص198 ب2 ح14.

() شواهد التنزيل: ج1 ص112 ح125.

() قال ابن عباس: أوّل من آمن برسول الله صلي الله عليه و اله من الرجال علي ?، ومن النساء خديجة ?. الأمالي للطوسي: ص259 المجلس العاشر ح467. بحار الأنوار: ج16 ص1 ح2 وج38 ص246، نهج البلاغة: ص301 كشف الغمّة: ج1 ص86، العدد القوية: ص245.

() راجع شرح الأخبار: ج3 ص20.

() مناقب آل أبي طالب: ج1 ص161.

() الحجون: بفتح الحاء جبل بمكّة وهي مقبرة، بحار الأنوار: ج18 ص97.

() راجع كتاب بحار الأنوار: ج19 ص20.

() راجع شرح الأخبار: ج3 ص17.

() انظر بحار الأنوار: ج19 ص25.

() مناقب آل أبي طالب: ج2 ص171.

() إعلام الوري: ص144.

() أكيس: أي أعقل، النهاية في غريب الحديث: ج4 ص217.

() أتراب: أقران، (مجمع البحرين) مادّة ترب.

() الحفنة: ملأ الكفّين، (لسان العرب) مادّة حفن.

() الكُم: من الثوب مدخل اليد ومخرجها، (لسان العرب) مادّة كمم.

() الخرائج والجرائح: ج1 ص138.

() أبو قبيس: هو اسم الجبل المشرف علي مكّة، (معجم البلدان) للحموي: ج1 ص80

() بلاطح: أتباع، (تاج العروس): ج2 ص183.

() صلدح: هو الحجر العريض، كتاب (العين) مادّة صلدح.

() الزمع: أي التعب والدهش، (مجمع البحرين) مادّة زمع.

() راجع كنز الفوائد: ج1 ص252.

() الفلاة: الأرض التي لا ماء فيها ولا أنيس، (لسان العرب) مادّة فلو.

() سورة المؤمنون: 1-2.

() سورة المؤمنون: 10-11.

() البصبصة: هي أن ترفع سبّابتيك إلي السماء وتحرّكهما وتدعو، (مجمع البحرين) مادّة بصبص.

() الأمالي للطوسي: ص706 المجلس23 ح1511.

() بحار الأنوار: ج35 ص18 ب1 ضمن ح14.

() لمزيد من التفصيل راجع كتاب (علي عليه السلام وليد الكعبة) لمؤلّفه الشيخ محمّد

علي ابن ميرزا أبو القاسم الاُردوبادي المتوفّي عام 1380ه.

() علل الشرائع: ج1 ص135 ب116 ح3.

() تهامة: اسم مكّة، كتاب (العين) مادّة تهم.

() بحار الأنوار: ج35 ص10.

() مناقب آل أبي طالب: ج2 ص172.

() راجع بحار الأنوار: ج39 ص14.

() سجف: أي الستر، (لسان العرب) مادّة سجف.

() بحار الأنوار: ج35 ص19 ح15.

() بحار الأنوار: ج35 ص70 ح4.

() مستدرك الوسائل: ج2 ص266 ب6 ح1929.

() الكافي: ج1 ص453 باب مولد أمير المؤمنين صلوات الله عليه ح2.

() الكافي: ج4 ص544 باب النوادر ح21.

() راجع علل الشرائع: ج2 ص469 باب النوادر.

() مفاتيح الجنان: ص421.

() الدرانيك تكون ستراً وفرشاً والدرنوك فيه الصفرة والحضرة، (لسان العرب) مادّة درنك.

() قال ابن خالويه: البعل في كلام العرب خمسة أشياء: الزوج والصنم منه قوله: «أتدعون بعلاً» سورة الصافات: 125، والبعل اسم امرأة وبها سمّيت بعلبك، والبعل من النخل ما شرب بعروقه من غير سقي، والبعل السماء، والعرب تقول السماء بعل الأرض.

() كشف الغمّة: ج1 ص456.

() إرشاد القلوب: ج2 ص403.

() سورة الروم: 4.

() بحار الأنوار: ج43 ص4.

() زغب: صغار الريش، كتاب العين مادّة: زغب.

() سورة الروم: 4.

() بحار الأنوار: ج43 ص18.

() عيون أخبار الرضا عليه السلام: ج1 ص115 ح3.

() علل الشرائع: ج1 ص183 ب147 ح2.

() اللثم: القبلة، (لسان العرب) مادّة لثم.

() بحار الأنوار: ج43 ص5 ب1 ح4.

() مقاصير: نواحي، (لسان العرب) مادّة قصر.

() اليد: القدرة، (لسان العرب) مادّة يدي.

() تأويل الآيات الظاهرة: ص240.

() سورة الأنفال: 72.

() التمع لونه: ذهب وتغيّر، (لسان العرب) مادّة لمع.

() سورة الأنعام: 84 85.

() سورة آل عمران: 42.

() تحف العقول: ص404.

() الأمالي للصدوق: ص594 مجلس87 ح1.

() في وصية النبي صلي الله عليه و اله لعلي عليه السلام قال: ?يا علي حقّ الولد علي والده

أن يُحسِّن اسمه?، وسائل الشيعة: ج21 ص389 ح27377.

() علل الشرائع: ج1 ص178 ح3 ب142.

() مناقب آل أبي طالب عليهم السلام: ج3 ص330.

() علل الشرائع: ج1 ص179 ب142 ح5.

() الكافي: ج1 ص460 باب مولد الزهراء عليها السلام ح6.

() بحار الأنوار: ج43 ص13 ب2 ح7.

() الأمالي للطوسي: ص570 المجلس22 ح1179.

() سورة القدر: الآية1.

() تفسير فرات الكوفي: ص581 ح747.

() معاني الأخبار: ص65 باب معاني أسماء محمّد وعلي وفاطمة عليهم السلام ح15.

() علل الشرائع: ج1 ص180 ب143 ح2.

() تأويل الآيات الظاهرة: ص591.

() بحار الأنوار: ج43 ص12 ح5.

() مناقب آل أبي طالب: ج3 ص330 فصل في منزلتها عند الله تعالي.

() الجفنة: أعظم ما يكون من القصاع، (لسان العرب) مادّة جفن.

() كشف الغمّة: ج1 ص469.

() سورة الحشر: 9.

() الخرائج والجرائح: ج2 ص537.

() سورة الصافات: 83 84.

() بحار الأنوار: ج36 ص213.

() البلد الأمين: ص325.

() مستدرك الوسائل: ج6 ص313 ب22 ح6891.

() الخرائج والجرائح: ج2 ص530.

() القطيفة: كساء له خمل، والخمل: ريش النعام، (لسان العرب) مادّة قطف وخمل.

() العُراق: العظام إذا لم يكن عليها شيء من اللحم، (لسان العرب) مادّة: عرق.

() سعد السعود: ص90.

() كشف الغمّة: ج1 ص467.

() راجع كتاب بحار الأنوار: ج43 ص178، وكتاب الخصال: ج2 ص607.

() الطرائف: ج1 ص252 ح351.

() الأمالي للصدوق: ص486 المجلس الثالث والسبعون ح18.

() كشف الغمّة: ج1 ص467.

() الأمالي للصدوق: ص383 المجلس الحادي والستون ح1.

() سورة البقرة: 285.

() تفسير فرات الكوفي: ص75 ح49.

() الخصال: ج1 ص225 ح58.

() كشف الغمّة: ج1 ص466.

() بحار الأنوار: ج29 ص345.

() روضة الواعظين: ج1 ص151، مجلس في ذكر وفاة فاطمة عليها السلام.

() سورة النساء: 69.

() بحار الأنوار: ج25 ص16 ب1 ح3، وللمزيد راجع كتاب فاطمة الزهراء عليها السلام في القرآن، لسماحة آية الله العظمي السيد

صادق الشيرازي (دام ظله الوارف).

() القهقري: يتراجع علي قفاه، كتاب (العين) مادّة قهقر.

() بحار الأنوار: ج43 ص8 ب1 ح11.

() تنعش الضعيف: أي تقوّيه وتقيمه، (مجمع البحرين) مادّة نعش.

() مستدرك الوسائل: ج17 ص318 ب11 ح21460.

() انظر الكافي: ج1 ص238 باب فيه ذكر الصحيفة والجفر والجامعة ومصحف فاطمة ح1.

() للتفصيل انظر كتاب (متي جمع القرآن) للإمام المؤلف ?.

() انظر فلاح السائل: ص94.

() كشف الغمّة: ج1 ص365.

() سورة الفرقان: 54.

() سورة الرعد: 39.

() البُسْر: ثمر النخل قبل أن يرطب، (مجمع البحرين) مادّة بسر.

() كشف الغمّة: ج1 ص348.

() الأمالي للطوسي: ص39 المجلس2 ح43.

() راجع تهذيب الأحكام: ج7 ص470 ب41 ح90.

() مناقب آل أبي طالب: ج3 ص346.

() صحيفة الرضا عليه السلام: ص94 ح32.

() كشف الغمّة: ج1 ص348.

() مستدرك الوسائل: ج14 ص209 ب33 ح16517.

() مناقب آل أبي طالب: ج3 ص350.

() الكافي: ج5 ص377 باب ما تزوج عليه أمير المؤمنين فاطمة ? ح2و4.

() الكافي: ج5 ص378 باب ما تزوج عليه أمير المؤمنين فاطمة ? ح5.

() الأمالي للطوسي: ص686 المجلس 36 ح1399.

() بحار الأنوار: ج39 ص76.

() مناقب آل أبي طالب: ج2 ص170.

() بحار الأنوار: ج38 ص238 ح11.

() راجع مستدرك الوسائل: ج8 ص397 ح9785، وبحار الأنوار: ج68 ص382.

() بحار الأنوار: ج43 ص338 ح11.

() مقاصير: نواحي، (لسان العرب) مادّة قصر.

() اليد: القدرة، (لسان العرب) مادّة يدي.

() تأويل الآيات الظاهرة: ص240.

() سورة الأنفال: 72.

() التمع لونه: ذهب وتغيّر، (لسان العرب) مادّة لمع.

() سورة الأنعام: 84 85.

() سورة آل عمران: 42.

() تحف العقول: ص404.

() مستدرك الوسائل: ج5 ص35 ب6 ح5302.

() تهذيب الأحكام: ج2 ص105 ب8 ح166.

() الكافي: ج2 ص533 باب القول عند الإصباح والإمساء ح34.

() وسائل الشيعة: ج6 ص442 ب8 ح8392.

() مَجلَت: أي خَشنت وثَخن جلدها وتعجّر

وظهر فيها ما يشبه البثر، (لسان العرب) مادّة مجل.

() دَكنَت: أي اغبرّت، (مجمع البحرين) مادّة دكن.

() من لا يحضره الفقيه: ج1 ص32 ح947.

() الكافي: ج3 ص343 باب التعقيب بعد الصلاة والدعاء ح13.

() مستدرك الوسائل: ج5 ص34 ب6 ح5298.

() انفتل: انصرف، (لسان العرب) مادّة فَتل.

() السمل: الثوب الخلق، كتاب (العين) مادّة سمل.

() الرعيل أي: الجماعة، كتاب (العين) مادّة رَعل.

() بشارة المصطفي: ص137.

() الخشكنانج: معرّب من خشك نانك وهو خبز يعمل من دقيق البر ويعجن بزيت السمسم.

() مهج الدعوات: ص5.

() الجفنة: أعظم ما يكون من القصاع، (لسان العرب) مادّة جفن.

() سورة الحشر: 9.

() مستدرك الوسائل: ج7 ص214 باب استحباب الإيثار ح8073.

() جِزَّة: أي صوف الشاة، (لسان العرب) مادّة جزز.

() سورة الإنسان: 5 7.

() الصحفة: القصعة الكبيرة، (مجمع البحرين) مادّة صحف.

() سورة الإسراء: 44.

() سورة آل عمران: 37.

() تفسير فرات الكوفي: ص519 ح676.

() سورة الضحي: 4-5.

() من لا يحضره الفقيه: ج1 ص297 باب الأذان والإقامة وثواب المؤذّنين ح907.

() مناقب آل أبي طالب: ج1 ص242.

() مناقب آل أبي طالب: ج1 ص242.

() راجع كتاب عيون الأخبار: ج2 ص434.

() مناقب آل أبي طالب: ج1 ص242.

() للتفصيل انظر كتاب سليم بن قيس، وكتاب (الهجوم علي بيت فاطمة).

() مستدرك الوسائل: ج14 ص183 باب استحباب حبس المرأة في بيتها ح16452.

() تقع في نهاية المجلد الخامس من كتاب (من فقه الزهراء عليها السلام).

() لفظت: رميت به، (مجمع البحرين) مادّة لفظ.

() عجمت: خبرت، (لسان العرب) مادّة عجم.

() الفلول: الجماعة، كتاب (العين) مادّة فلل.

() الخطل: المنطق الفاسد المضطرب، (لسان العرب) مادّة خطل.

() سورة المائدة: 80.

() هذا ما يقال في الدعاء علي الإنسان وشتمه، (مجمع البحرين) وكتاب (العين) مادّة عقر.

() الزعزعة: تحريك الشيء لتقلعه وتزيله، كتاب (العين) مادّة

زعع.

() سورة الزمر: 15.

() أي كأنّه السبع، (لسان العرب) مادّة نمر.

() اعتقل: امتسك، (لسان العرب) مادّة عقل.

() سجحاً: أي سهلاً، (مجمع البحرين) مادّة سجح.

() أي لا يكلّم غضباً، (لسان العرب) مادّة خشش.

() النمير: زاك، (لسان العرب) مادّة نمر.

() الفضفاض: الكثير، (لسان العرب) مادّة فضض.

() جانباه، (لسان العرب) مادّة ضفف.

() أي لا يكدر، (لسان العرب) مادّة رنق.

() سورة الأعراف: 96.

() سورة الزمر: 51.

() سورة الرعد: 5.

() سورة الحجّ: 13.

() سورة الكهف: 50.

() المعاطس: الاُنوف، (لسان العرب) مادّة عطس.

() سورة البقرة: 12.

() سورة يونس: 35.

() لقحت: حملت، (لسان العرب) مادّة لقح.

() ذعاف: قاتل وحي، (لسان العرب) مادّة ذعف.

() سورة هود: 28.

() الكافي: ج1 ص458 باب مولد الزهراء عليها السلام ح1.

() الكافي: ج4 ص561 باب اتيان المشاهد وقبور الشهداء ح3.

() مناقب آل أبي طالب: ج3 ص341.

() مناقب آل أبي طالب: ج3 ص362.

() انظر بحار الأنوار: ج43 ص170 ح11

() انظر مستدرك الوسائل: ج10 ص275-276 ب33 ح12007.

() بحار الأنوار: ج97 ص200 عن الإقبال.

() وسائل الشيعة: ج3 ص222 باب استحباب اتّخاذ النعش ح3459.

() الكافي: ج1 ص460 باب مولد الزهراء عليها السلام ح4.

() بحار الأنوار: ج43 ص184.

() سورة البقرة: 156.

() أي استقصها فيه تحكي لك ما صدر من المنافقين وأعداء الدين، (مجمع البحرين) مادّة حفا.

() أي كامن فيه لم تجد إلي بثّه سبيلاً، (مجمع البحرين) مادّة علج.

() الكافي: ج1 ص458 باب مولد الزهراء عليها السلام ح3.

() عيون أخبار الرضا عليه السلام: ج2 ص8.

() الخطم: أي الأنف، (لسان العرب) مادّة خطم.

() تزج: أي تسوقها سوقاً رفيقاً، (كتاب العين) مادّة زجو.

() الأمالي للصدوق: ص17 المجلس الخامس ح4.

() النجيب: من خيار الإبل، (لسان العرب) مادّة نجب.

() العنق: أي قطعة، (مجمع البحرين) مادّة عنق.

() الأمالي للمفيد:

ص130 المجلس الخامس ح6.

() سورة الطور: 21.

() تفسير فرات الكوفي: ص444.

() النجيب: الفاضل من كل حيوان لسان العرب مادّة نجب.

() الأمالي للصدوق: ص486 المجلس الثالث والسبعون ح18.

() الريطة: ملاءة ليست بلفقين كلّها نسج واحد، كتاب (العين) مادّة ريط.

() نصب: تعب، (مجمع البحرين) مادّة نصب.

() لغوب: شدّة الإعياء، كتاب (العين) مادّة لغب.

() بحار الأنوار: ج27 ص139 ح144.

() تفسير فرات الكوفي: ص444.

() سورة الضحي: 5.

() مناقب آل أبي طالب: ج3 ص342.

() المدبجة: مزينة، (مجمع البيان) مادّة دبج.

() سورة الشعراء: 100 101.

() سورة الشعراء: 103.

() سورة الأنعام: 28.

() تفسير فرات الكوفي: ص298.

() راجع مناقب آل أبي طالب: ج4 ص176.

() راجع إعلام الوري: ص5 ف1.

() بحار الأنوار: ج101 ص200 ب2 ح22.

() آريه كلمة فارسية: أي نعم.

() بحار الأنوار: ج46 ص16.

() الإرشاد: ج1 ص302.

() الكافي: ج1 ص466 باب مولد علي بن الحسين عليه السلام ح1.

() راجع الخرائج والجرائح: ج2 ص751.

() بحار الأنوار: ج46 ص12 عن الإرشاد: ج2 ص137.

() الكافي: ج1 ص467 باب مولد علي بن الحسين عليه السلام.

() راجع بحار الأنوار: ج46 ص12 ح23.

() يري البعض أن أم الإمام عليه السلام توفيت في نفاسها، والمقصود بالأم في هذه الرواية التي أرضعته وربته.

() القصعة: وهي تشبع العشرة، مجمع البحرين مادّة قصع.

() الغضارة: الطين الحر، وقيل الطين اللازب الأخضر، (لسان العرب) مادّة غضر.

() مناقب آل أبي طالب: ج4 ص162.

() بحار الأنوار: ج45 ص45-46.

() راجع مناقب آل أبي طالب: ج4 ص208.

() الكافي: ج1 ص390، أعيان الشيعة: ج1 ص651، المناقب: ج4 ص195.

() الكافي: ج1 ص469، أعيان الشيعة: ج1 ص650.

() تصدّع: انشق نصفين، (لسان العرب) مادّة صدع.

() الكافي: ج1 ص469 باب مولد أبي جعفر محمّد بن علي عليه السلام ح1.

() انظر أعيان الشيعة: ج1 ص65،

وج8 ص390.

() سورة هود: 47.

() سورة الرحمن: 29.

() سورة الإخلاص: 3-4.

() فلاح السائل: ص 138-142.

() الكافي: ج1 ص473 باب مولد أبي عبد الله جعفر بن محمّد عليه السلام ح1.

() الكافي: ج3 ص217 باب ما يجب علي الجيران لأهل المصيبة واتخاذ المأتم ح5.

() بحار الأنوار: ج29 ص651.

() الكافي: ج1 ص473 باب مولد أبي عبد الله جعفر بن محمّد عليه السلام ح1.

() نهج البلاغة، الرسائل: 34، ومن كتاب له عليه السلام إلي محمد بن أبي بكر. وانظر بحار الأنوار: ج33 ص540 ب30 ح720.

() أي والدة محمد بن أبي بكر.

() شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج6 ص91-92 ولاية محمد بن أبي بكر علي مصر.

() انظر تهذيب الأحكام: ج10 ص232 ب18 ح49.

() انظر تهذيب الأحكام: ج10 ص232 ب18 ح49.

() بحار الأنوار: ج22 ص330 ب10 ح39.

() بحار الأنوار: ج22 ص342 ب10 ضمن ح52.

() الإرشاد: ج2 ص393 خبر وفاة أبي بكر ومعاذ بن جبل.

() الغارات: ج1 ص195، ورود قتل محمد بن أبي بكر علي علي عليه السلام.

() بحار الأنوار: ج33 ص563 ب30.

() بحار الأنوار: ج33 ص566 ب30 ضمن ح722.

() بحار الأنوار: ج33 ص589 ب30 ضمن ح734.

() نهج البلاغة، قصار الحكم: ح325.

() نهج البلاغة، الكتب: 35.

() سورة النحل: 125.

() بحار الأنوار: ج33 ص589 ب30 ح723.

() بحار الأنوار: ج33 ص584 ب30 ح727.

() انظر الاختصاص: ص70 محمد بن أبي بكر.

() بحار الأنوار: ج33 ص585 ب30 ح731.

() راجع بحار الأنوار: ج34 ص271 ب34.

() رجال الكشي: ج1 ص63 محمد بن أبي بكر ح112.

() راجع بحار الأنوار: ج33 ص271 ب20 ح520.

() المناقب: ج3 ص62 فصل في أنه عليه السلام مع الحق والحق معه.

() سورة الحج: 52.

() راجع بحار الأنوار: ج43 ص55 ب3 ح48.

() انظر بحار الأنوار:

ج42 ص162 ب124 ضمن ح33.

() بحار الأنوار: ج45 ص330 ب48 ضمن ح3.

() الكافي: ج4 ص428 باب نوادر الطواف ح6.

() الكافي: ج4 ص398 باب دخول الحرم ح3.

() أي استغفر.

() الكافي: ج1 ص473 باب مولد أبي عبدالله جعفر بن محمّد عليه السلام ح1.

() كدبانوجة: معربة (كدبانو) أي المرأة التي تدير البيت وتقوم بشوؤنها من الطبخ وما أشبه.

() تهذيب الأحكام: ج9 ص56 ب1 ح236.

() راجع الكافي: ج1 ص476 باب مولد أبي الحسن موسي بن جعفر عليه السلام ضمن ح1.

() الكافي: ج1 ص477 ح2.

() الكافي: ج1 ص477 ح2.

() انظر بحار الأنوار: ج49 ص4 ب1.

() النخّاس: بائع الرقيق، (لسان العرب) مادّة نخس.

() الكافي: ج1 ص477 باب مولد أبي الحسن موسي بن جعفر عليه السلام ح1.

() الكافي: ج1 ص477 ح2.

() بصائر الدرجات: ص440 ب12 ح4.

() سورة الأنعام: 115.

() سورة آل عمران: 18.

() سورة القدر: 4.

() الكافي: ج1 ص385 باب مواليد الأئمة عليهم السلام ح1.

() بحار الأنوار: ج37 ص15 ب49.

() وسائل الشيعة: ج25 ص47 ب16 ح31133.

() بحار الأنوار: ج48 ص7 ب1ضمن ح10.

() وسائل الشيعة: ج11 ص286 ب17 ح14817.

() وسائل الشيعة: ج4 ص26 ب6 ح4423.

() مستدرك الوسائل: ج17 ص57 ب11 ح20738.

() بحار الأنوار: ج49 ص7 ب1 ح8.

() عيون أخبار الرضا عليه السلام: ج1 ص14 ب2 ح2.

() وسائل الشيعة: ج4 ص26 ب6 ح4423.

() بحار الأنوار: ج49 ص3 ب1.

() راجع عيون أخبار الرضا عليه السلام: ج1 ص14 ح1-2.

() الشقّة: القطعة، (لسان العرب) مادّة شقق.

() دلائل الإمامة: ص175.

() إعلام الوري: ص314 ب7 فصل1.

() عيون أخبار الرضا عليه السلام: ج1 ص20 ب3 ح2.

() انظر المناقب: ج4 ص366.

() راجع عيون أخبار الرضا عليه السلام: ج1 ص13 ب2.

() الكافي: ج1 ص492 باب مولد أبي جعفر محمّد بن علي الثاني

عليه السلام.

() مريسة بتشديد الراء علي وزن سكينة، قرية بمصر وولاية من ناحية الصعيد.

() راجع بحار الأنوار: ج50 ص13 ح12.

() راجع كشف الغمّة: ج2 ص351.

() القبط: أهل مصر ونسبت إليهم قبطية، كتاب (العين) مادّة قبط.

() إعلام الوري: ص319 الفصل2.

() الطلق: وجع الولادة، (لسان العرب) مادّة طلق.

() الذعر: الخوف والفزع، (لسان العرب) مادّة ذعر.

() مناقب آل أبي طالب: ج4 ص395.

() مكلوءة: محفوظة ومحروسة.

() دلائل الإمامة: ص216.

() دلائل الإمامة: ص216.

() بصريا: قرية أسّسها الإمام موسي بن جعفر عليه السلام تبعد عن المدينة المنورة بثلاثة أميال. المناقب: ج4 ص382.

() بحار الأنوار: ج50 ص115 ب1 ح4.

() كمال الدين: ج2 ص507 ب45.

() بحار الأنوار: ج50 ص235 ح2.

() الهوي: الحين الطويل من الزمان، (لسان العرب) مادّة هوا.

() الشاؤ: السبق، (لسان العرب) مادّة شأي.

() معبر: أي الجسر الذي يعبر الناس عليه، الصراة: اسم لنهرين في بغداد، هما: الصراة الكبري، والصراة الصغري، ذكر ذلك ياقوت الحموي في كتابه (معجم البلدان).

() الفرات: نهر عظيم مشهور يخرج من حدود الروم ثمّ يمرّ بأطراف الشام ثمّ بالكوفة ثمّ بالحلّة ثمّ يلتقي مع دجلة في البطائع ويصيران نهراً واحداً ثم يصب عند عبادان في بحر فارس. (مجمع البحرين) مادّة فرت.

() حدّه: ميّزه، (لسان العرب) مادّة حدّ.

() المحرجة: أي القسم واليمين التي تضيّق علي الحالف، بحيث لا يبقي له مجال عن برّ قسمه، قوله (المغلّظة): أي المؤكّدة من اليمين والقسم.

() تلثمه: تقبله، (لسان العرب) مادّة لثم.

() المرقاة: الدرجة، (لسان العرب) مادّة رقو.

() عكف: أقبل عليه مواظباً لا يصرف عنه وجهه، (لسان العرب) مادّة عكف.

() تقوّضت: تفرّقت، (لسان العرب) مادّة قوض.

() العاثر: الكذّاب، (لسان العرب) مادّة عثر.

() يباري: يسابق، (مجمع البحرين) مادّة برأ.

() الوصيفة: الأمة، (لسان العرب) مادّة وصف.

()

يسرب: يجري، كتاب (العين) مادّة سرب.

() الولوع: العلاقة، (لسان العرب) مادّة ولع.

() كمال الدين: ج2 ص417 ب41 ح1.

() أحجم: كفّ، (لسان العرب) مادّة حجم.

() سورة القصص: 5 6.

() روضة الواعظين: ج2 ص256.

() راجع (الأنوار البهيّة) للشيخ عبّاس القمّي: ص335.

() سورة القصص: 5 6.

() سورة القصص: 13.

() سورة الأنفال: 44.

() الغيبة للطوسي: ص234.

() سورة القصص: 5-6.

() سورة الإسراء: 81.

() الصراط المستقيم: ج2 ص209 ب10 القطب الرابع ح1.

() الصراط المستقيم: ج2 ص234 ب11 ف3.

() الخرائج والجرائح: ج1 ص466 ب13.

() بحار الأنوار: ج99 ص70-71 ب6.

() الدعاء والزيارة: ص942 943.

() ففي عام 448ه حلت فتنة كبري في بغداد أدت إلي حرق محلة الكرخ، وقتل الآلاف من الشيعة الأبرياء، ثم سعي الحاقدون إلي قتل الشيخ الطوسي، غير أن الشيخ هاجر إلي النجف، وعلي أثر ذلك أحرق كرسيه الدراسي ومكتبته الكبري التي تعد من أكبر المكتبات في الدنيا آنذاك، لما فيها من نفائس الأثر. وقد سبقت هذه الفتنة فتن أخري غيرها: ففي سنة 362 احترق الكرخ بما فيه من المحلات السكينة والتجارية والدكاكين والأبرياء من الناس، وقد أحصي التاريخ عدد الذين احترقوا في هذه الحادثة فكان عددهم 17000 شخصا، و300 محلا، و33 مسجدا. هذا ومن الواضح اهتمام الشيعة الكبير بالعلوم والكتابة للحفاظ علي آثار أهل البيت عليهم السلام فمثلاً ورد عن محمد بن مسعود العياشي أنه انفق علي تدوين العلم ثلاثمائة ألف دينار، وأن داره كانت تعج بالناس وهم بين ناسخ وقارئ ومقارن، ولو كتب البقاء لمؤلفات الشيعة في القرنين الثاني والثالث، لكانت دور الكتب أغني ما تكون بالآثار الشيعية، ولكن الظروف التي أحاطت بهم، والحروب الدامية التي كانت قي الغالب تستهدف دمائهم وآثارهم كل ذلك قد ساهم في تبديد تلك

الثورة الغنية بالكنوز والنفائس، وليس أدل علي ذلك من إقدام الحكام والغزاة وبخاصة الأيوبيين منهم علي حرق المكتبات الشيعية مباشرة. كمكتبة الطوسي، والوزير (نصر سابوربن اردشير) وزير بهاء الدولة، ومكتبة الأزهر التي أسسها الفاطميون في مصر وحشدوا فيها مئات الألوف من المجلدات في مختلف مواضيع وبقيت أكثر من قرنين من الزمن منهلا كريما لرواد العلم من مختلف الأقطار، إلي أن جاء صد الأيوبيين الذي استهدف الشيعة وآثارهم وأكثر من أي شئ آخر ذلك العهد الذي مثل فيه صلاح الدين وأبناؤه الجريمة بأقبح صورها وأشكالها إلي غير ذلك من دور الكتاب التي كانت أكثر محتوياتها من كتب الشيعة وآثارهم، وقد أحرق صلاح الدين الأيوبي مكتبات الشيعة، فإن الشيعة كما هو معروف كانوا مضطهدين في كل الحقب الإسلامية إلا قليلا، وإن الحوادث التي لقيها شيعة أهل البيت عليهم السلام من أعداء أهل البيت، والحرائق والبوائق التي منيت بها مكتبات الشيعة في مختلف العصور والقرون، حيث لعبت بهم أيدي الحدثان، وعبثت بآثارهم ومآثرهم الأهواء والأغراض، أملا في القضاء علي سنة الرسول صلي الله عليه و اله التي تمثلت في أهل بيته، وفي شيعتهم من بعدهم، وبغية القضاء علي علومهم ومعالمهم، ولكن?يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ وَيَأْبَي اللهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ? سورة التوبة: 32 وبالرغم من كل الكوارث والفواجع وحملات الإبادة نجد شيعة أهل البيت عليهم السلام في كل صقع من أصقاع العالم، وفي كل بقعة من بقاع المعمورة، ونري آثارهم وعلومهم ملا السمع والبصر فإن ما كان لله ينمو، وحسبنا أن نشير الي حادثة واحدة مما يخص المؤلفات والمكتبات، فإن طغرل بك أول ملوك السلاجقة لما ورد بغداد في سنة 447 وشن حملته

المشهورة علي الشيعة أمر باحراق مكتبتهم التي أسسها أبو نصر سابور بن أردشير وزير بهاء الدولة البويهي في محلة (بين السورين) في كرخ بغداد سنة 381 ه. وقد كانت من دور العلم المهمة في بغداد بناها هذا الوزير الجليل والاديب الفاضل وقد جمع فيها ما تفرق من كتب فارس والعراق، واستكتب تأليف أهل الصين والروم ونافت كتبها علي عشرة آلاف، من جلائل الاثار ومهام الاسفار، وأكثرها نسخ الاصل بخطوط المؤلفين، قال ياقوت الحموي: (وبها كانت خزانة الكتب التي أوقفها الوزير أبو نصر سابور بن أردشير وزير بهاء الدولة بن عضد الدولة، ولم يكن في الدنيا أحسن كتبا منها، كانت كلها بخطوط الائمة المعتبرة واصولهم المحررة …). وكان من جملتها مائة مصحف بخط ابن مقلة علي ماذكره ابن الاثير. تلك حادثة واحدة مما تعرضت له آثار الشيعة من ضياع وتلف، وقد ذهبت ضحيتها ألوف الاثار، وقد سبقتها ولحقتها حوادث مروعة يشيب لها الأطفال، وفضائح مخزية يندي منها جبين الإنسان، غير أن عناية الله تعالي شأنه قد حفظت أصول المذهب الجعفري وفروعه من العبث وصانتها من الدنس.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.