كلمة الإمام الحسن العسكري(ع)

اشارة

كلمة الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)

تأليف السيد الشهيد حسن الشيرازي

مقدمة الناشر لكتاب كلمة الإمام الحسن العسكري(ع)

للشهيد السيد حسن الشيرازي

قدس سره

مركز الرسول الأعظم (ص) للتحقيق والنشر

بيروت لبنان ص ب: 5951 / 13

كلمة الناشر

لكتاب (كلمة الإمام الحسن العسكري عليه السلام)

1 الكلمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله علي نعمائه.. والشكر له علي آلائه.. والصلاة والسلام علي محمد عبده ورسوله المصطفي.. وعلي آله الطيبين الطاهرين، واللعنة الدائمة علي أعدائهم وكل من ناصب لهم الحقد والعداء من أول الخلق وإلي آخرهم من الأولين والآخرين.. إله الحق آمين..هذا الكتاب هو: «كلمة الإمام الحسن العسكري عليه السلام» وهو الإمام الحادي عشر من أئمة أهل البيت (عليهم السلام) الأطهار الأبرار الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً من كل عيب ودنس وخطيئة.. فهم الذين عصمهم الله، وأمرنا باتباعهم واقتفاء أثرهم، والاقتداء بهم، والاهتداء بهديهم..

وهذه الكلمة مشتملة علي أحاديث وأقوال الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) وهي عبارة عن جزء من موسوعة «الكلمة» الشيرازية للإمام الشهيد السيد حسن الشيرازي، رحمه الله وأعلي مقامه في عليين، وجعل شرابه من تسنيم فإنها عين يشرب منها المقربون.. إله الحق آمين..

والكلمة العظيمة هي الكلمة الخالدة.. ولا يمكن أن تخلد كلمة إلا إذا كانت مسؤولة وواعية للواقع التي تنطلق منه، وكان صاحبها ذا بصيرة نافذة وفكر ثابت بحيث يري المستقبل كما يقرأ الماضي ويعيش الحاضر..

فيطلق كلماته لتكون حكمة خالدة عبر الأجيال المتلاحقة من بني البشر، فتكون كالأمثال السائرة والحكم القائلة..

والتاريخ خلد الكثير.. الكثير من ذلك، شعراً ونثراً..

وكلمات الأئمة من أهل البيت (عليهم السلام) هي كلمات في غاية المسؤولية والوعي.. ويضاف إليها الهدي، لأنها نور كما ورد في زيارة الجامعة: «كلامكم نور» وطبيعة النور أنه يهدي ويرشد السائرين إلي المحجة، ولا يدعهم يتخبطون خبط عشواء..

فكلمات الأئمة (عليهم السلام) خالدة خلود ذكرهم العطر.. وخلود ذكرهم بخلود القرآن أبداً..

لأنهم القرآن الناطق، وهم يفسرون القرآن.. والقرآن الكريم يصدح بذكرهم وفضائلهم وشمائلهم..

ولا فرق، فكلاهما رسالة الله إلي البشر، وهدية السماء إلي الأرض، ووصية النبي (ص) الي امته، وثقلاه في المسلمين: (فعلي مع القرآن والقرآن مع علي لا يفترقان) وهكذا بقية أبنائه الكرام المعصومين (عليهم السلام).

وكلمة الإمام الحسن العسكري هي امتداد لبقية الكلمات النورانية.. وزهرة من تلك الباقة العطرة من الكلمات.. ونور من الأنوار التي شعت فملأت الأرض عزاً، وفخراً، وعلماً، وأخلاقاً عبر الأجيال، وإلي أن يرث الله الأرض ومن عليها..

2 جامع الكلمة

أن تجمع كلمات وأقوال شخص ما، هذا يعني أن تكتب كل ما قال أو ما كتب في كتاب، وجمع مثل هذا الكتاب في الوقت الحاضر ربما يكون من أيسر ما يكون.. إذ المصادر ما شاء الله والحاسوب وآلات الطباعة في خدمة الجميع..

أما التأليف فهو ابتكار وتجديد والإيتاء بما فيه المفيد.. ويجب أن تظهر من المؤلف تلك الفكرة التي يطرحها ويتبناها ويكون مستعداً للدفاع عنها بمنهجية علمية منفتحة..

أما الكاتب والأديب.. فهو الأرق عبارة والأجمل أداءً والأبلغ كلاماً إذا تطلب الوضع..

وهذا شأنه الأديب مع أنواع الأدب المعروفة في هذا العصر المتنوعة من شعر بأنواعه: عمودي وتفعيلة؟؟؟ وحر، ونثر بأنواعه: رواية وقصة ومسرحية … إلي أن يلحق النقد الأدبي كذلك..

فالخائض في هذا الخضم هو أديب إن استطاع أن يتأدب ويؤدب..

وسماحة السيد الشهيد الشيرازي (رحمه الله) هو مؤلف بارع، وكاتب ناجح، وأديب وشاعر.. بكل ما تحتوي هذه الكلمات من معان، وربما أكثر من ذلك.. لأنه عالم رباني وفقيه مجتهد…

وتأليف سماحة السيد الشهيد لموسوعة «الكلمة» هي بحدِّ ذاتها فكرة بكر وإبداع من ذاته المبدعة، ليس بالمضمون لا.. ولكن بالأسلوب والتبويب والتنسيق والمقدمات الرائعة..

فكلمات الأئمة الأطهار (عليهم السلام) موجودة في بطون

الكتب ومنتشرة في موسوعات كالبحار وغيره. إلا أن جمعها وتنسيقها بهذا الشكل أعطانا فائدة أكبر وطريقة أسهل في التناول والبحث..

وعندما انطلق سماحة السيد الشهيد في هذ المجال باحثاً عن أقوال المعصومين (عليهم السلام) فإنه كان يعني هذه الحقيقة جيداً، وربما كان عمله كله لأجلها..

فجمع أقوال إمام من الأئمة (عليهم السلام) وتبويبها بطريقة جميلة تجعلها أكثر فائدة واسهل مأخذاً وتركزها كما يركز نور الشمس، وهذا هو عمل جيد ومفيد حقاً..

وبالإضافة إلي هذا العمل الضخم الذي بلغ حوالي 20 كلمة، وكان بعضها أربعة مجلدات ككلمة الإمام الصادق (عليه السلام) وابتداءً من كلمة الله، وانتهاءً بكلمة العلماء، ومروراً بكلمات المعصومين (عليهم السلام) في دنيا الإسلام، فقد كانت لسماحته كلمات مستقلة منها ما قاله شعراً جميلاً، ومنها ما قاله نثراً وخطابة وارتجالاً، أو تأليفاً وكتابة..

والأدب مقام جميل.. والمتنقل في كلمات السيد الشهيد كأنما يتنقل بين بساتين في فصل الربيع تماماً.. فلا تكاد تعجبك زهرة وتقول عنها بأنها الأجمل إلا وتقع عينك أو يشم أنفك عبير غيرها فتلتفت إليها لتقول لها: أنتِ الأزكي.. وهكذا تختار باقة من الزهور ومن تنوع الربيع جمالاً وبهاءً وفائدة..

كذلك التنقل في حقول السيد الشهيد حسن الشيرازي رحمه الله الأدبية، لا تجعلك تمر من قطعة مهما كانت صغيرة إلا وتوقفك لتأخذ منها أو تستوقفك لتتأمل فيها ملياً ولتقول في نفسك: تبارك المعطي، وسبحان من أعطي هذا الرجل الجليل هذا العقل الجبار وهذا الفكر الوقاد وهذا الأدب العظيم..

ولا اجرؤ علي الخوض في عباب بحر السيد الشهيد.. ولا حتي التنزه في حقوله المتنوعة.. لأنني أعشق الربيع ويأخذني جماله الفتان وشذا عطره الأخاذ.. فأسرح بعيداً.. وهذا ما لا يسمح به المقام..

إلا أنني أكتفي بأن أقول: إن الكلمة التي تنطلق

من شفاه السيد الشهيد ربما كانت زهرة أو حقل زهور.. أو بلسماً يشفي الصدور.. وربما كانت رصاصة أو حقل ألغام أو صاعقة أو صاروخ أو ما يشبه القنبلة الذرية تدكّ حصون وقلاع الطغاة..

ولا تستغرب من ذلك.. ولا تتعجب من هذا التنوع.. وإذا فعلت فسأذكرك بأننا نقف أمام السيد حسن الشيرازي رحمه الله هذا البطل الذي وقف نفسه لربه وقضي نحبه شهيداً سعيداً علي تراب لبنان الأبي دفاعاً عن مبادئه ومثله وقيمه ودينه الإسلام الحنيف.. فسمي شهيد الكلمة.. إلا أنني أسميه شهيد الدين والعقيدة والموقف..

قتله طاغية بغداد صدام اللعين خوفاً منه ومن قلمه الجريء ولسانه الطليق.. رغم بعده عنه آلاف الأميال.. إلا أن بريق القلم ينتشر في الآفاق ويعم الدنيا في غضون لحظات.. إلا أنه يخلد في الزمن وتحفظه الأجيال ويتغني به الأطفال.. وصوت الحق هادر ويعلو ولا يعلي عليه مهما حاول الطغاة والجبارون إخفاءه أو التشويش عليه وتشويه نبرته..

فالذي سبب هجرة السيد الشهيد حسن الشيرازي إلي لبنان كان محاولة لإخفاء صوته وإسكاته بأي طريقة وبأية وسيلة مهما كانت من الخساسة والدناءة.. فلم يستطيعوا إلي ذلك سبيلاً إلا بالقتل.. ظناً منهم أنهم حين يقتلوه يريحوا آذانهم من كلماته وقصائده وصوته الهادر..

وخاب ظنهم بهذه كذلك فانطلقت مئات الحناجر تصدح بصوت الشهيد وبذكر الشهيد.. فتحول من مجرد رجل إلي شعار يرفعه المؤمنون ويحيون ذكراه..

ومن شخص إلي قيمة يتمثلها أهل الفضل من الطلبة والعلماء..

ومن صاحب عمة إلي نهج لأصحاب العمائم..

ومن فرد الي مدرسة للعاملين..

فالسيد الشهيد كان عملاقاً عظيماً في حياته، وبقي في مماته كذلك.. اذ العظيم هو ذلك التجسيد الحي للمثل العليا وللقيم السامية، وإحياء ذكري العظيم هو إحياء كل تلك المثل التي تجسدت في ذاته وفي شخصيته وفي

مسيرة حياته..

والإنسان حسب ركائز نفسية وسيكولوجية مغروسة في أعماق ذاته يجنح إلي تقمص شخصية العظماء.. وإلي الاحتذاء بحذوهم فإذا قدمت له الأنموذج الصالح تطبع بطباعه واهتدي بهديه وسار علي سيرته..

إننا نحيي ذكري العظماء والشهداء لكي نستعين بهم في عملية الصراع الكبري الدائرة بين سلطان العقل وبين السلطات الأخري: الشهوات، النفس، الهوي، الدنيا..

ففي هذه المعركة المصيرية والحاسمة يتجلي لنا البطل الشهيد أنموذجاً مثالياً يزرع فينا عوامل الخير، ويغذي فينا دواعي الترقي والسمو نحو مدارج الكمال.. ونحو القمة السامقة في معاني الخير.. فانه كان تلميذاً في مدرسة أجداده الطاهرين أهل بيت رسول الله (صلوات الله عليهم أجمعين).

والشهيد حسن الشيرازي كان ذلك المزيج الفريد بين التقوي والزهد من جهة.. وبين الفكر الوقاد والعطاء المتجدد.. وبين العمل الصالح والخدمات.. وبين الشجاعة والصمود.. والتصدي والتحدي أيضاً لجحافل الظلام.

فالسيد الشهيد كان حاضراً في الضمائر والقلوب.. في كربلاء وبغداد.. في السجن وخارجه.. في سورية ولبنان..وأفريقيا وبلاد اخري.. وكان الشيعي والسني والمسيحي وكل الذين تعرفوا علي هذه الشخصية المتميزة بالعلم الغزير والخلق الرفيع.. يشعر أن فيها ما يمثله، وفيها ما يخاطبه من الداخل.. فقد اكتسب ثقة لا حدود لها بين الناس..

أليس هذا هو التمثيل الحقيقي لنهج أهل البيت (عليهم السلام)؟ هذا النهج الذي بوسعه أن يخاطب كل الناس علي اختلاف أديانهم وطوائفهم وميولهم أو اتجاهاتهم …

نعم، إنه كان أمة في رجل..

ورجلاً مقتدي بأئمة أهل البيت (عليهم السلام) حق الاقتداء..

فكان من أصدق تعبير عن قول المعصوم (عليه السلام): (كونوا دعاة لنا بغير ألسنتكم).

وكلما ذكرت السيد الشهيد اذكر كلمة الإمام الصادق (عليه السلام) وهو يأمر أحد خلص أصحابه بالجلوس في المسجد والإفتاء ويقول له: (إني احب أن يري في شيعة جعفر بن محمد من أمثالك)..

فالسيد

الشهيد رضوان الله تعالي عليه كان منهم نسباً ومن شيعتهم قولاً وعملاً.. ويحق لنا أن نفتخر نحن الشيعة أن فينا ومنا مثل السيد حسن الشيرازي..

وهذه بالحقيقة علامة عافية في جسد الأمة وصحة مبادئها.. لأن الشهيد مشعل من مشاعل النور يضيء الدرب للأجيال لتسير علي هدي من أمرها.. بإذن ربها..

فرحمة الله علي السيد الشهيد السعيد حسن الشيرازي ما سمر سمير وما أم نجم في السماء نجماً.. وما طلعت الشمس وغربت وتعاقب الليل والنهار.. ولعنة الله علي الظالمين بعد ذلك وأكثر..

وسيعلم الذين ظلموا آل محمد أي منقلب ينقلبون..

3 صاحب الكلمة

الإمام الهمام الحسن العسكري عليه السلام:

إلي علياك نسمو يا سليل الطيبين الطاهرين

وإلي سيماك نرنو يا يا أبا خاتم الأوصياء الناطقين..

وإلي شذاك تشمخ أنوف العاشقين.. لأن الختام عندكم دائماً مسك وطيب..

سيدي يا سمي الحسن الزكي (عليه السلام) وأبا محمد المهدي (عجل الله فرجه الشريف) إليك نبحر في بحر هذا الزمن المتلاطم الأمواج.. المتغير الأحوال.. وما الإنسان فيه إلا كورقة؟؟؟ علي سطحه الهادر تقذفها كيف تشاء الأقدار..

ويا ويل من ليس لديه شاطئ آمن يأوي إليه، أو ركن قوي يعتمد عليه، أو سفينة صالحة تحمله إلي مستقر سعيد.

وأنتم يا أهل البيت سفن النجاة لنا وللعالم أجمع..

لأن رسالة جدكم المصطفي (صلي الله عليه وآله وسلم) وشخصه الكريم كانت رحمة للعالمين، وللناس كافة.. وانتم الخلفاء والأوصياء بالحق.

فللخلق كل الخلق أنتم الملاذ والمعاذ.

يا أبا محمد:

فإلي سفينتك الإلهية العامرة

وإلي شواطئ بحر جودك الآمنة نبحر فنشق الأمواج من الأيام.. الشتائية والصيفية.. وما أقل الربيعية منها..

والإبحار إلي عمق الزمن وبمثل هذه المسافة الشاسعة التي تصل إلي حوالي1200 سنة ليس بالأمر السهل وخاصة إذا كانت الوثائق التاريخية والبضاعة التوثيقية قد سيطر علي بعضها ظلم الجبابرة التي لا تتمكن أن

تري نور الله يشرق ويضيْ..

ومن هنا ورد الينا القليل من هذا الإمام الهمام.. ولكن في هذا القليل الكثير الكثير..

والسبب هو شدة البطش العباسي وقلة وعي الأمة، لتسجيل تفاصيل حياة الأئمة من أهل بيت النبوة (عليهم السلام) وأحاديثهم وسيرتهم، ومن هنا نجد بعض الغموض في جوانب من حياتهم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية،

فقد عاش الإمام العسكري (عليه السلام) في مدينة العسكر وتحت إقامة جبرية في ثكنة عسكرية..

هذا عدا السجن والتضييق ومحاولات الطغاة العباسيين التنكيل والاغتيال لشخص الإمام العظيم الحسن الآخر، العسكري (عليه السلام) دون وازع من دين أو قرابة ولاحم أو حتي رحمة إنسانية..

فمتي الولادة الميمونة للإمام (عليه السلام)؟

وكيف كان العصر العباسي الذي عاصره؟

ومَن الخلفاء حينئذاك؟

وكيف كانت مواجهة الامام لهم؟

وكيف استطاع الإمام من توجيهاته للأمة الإسلامية..؟

هذا ما نستعرضه بإيجاز.. مستمدين العون والتسديد من صاحب الكلمة الذي نحن بحضرة كلماته الوضاءة، لأنه وسيلة مثلي إلي الله ذي العلا..

المولد الميمون

في معقل الرسالة وعاصمة الرسول الأعظم (صلي الله عليه وآله وسلم) في رحاب المدينة المنورة.. ولد الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) وذلك في يوم الاثنين 10/ربيع الثاني/ 232 للهجرة الشريفة، الموافق لعام 846 ميلادية.

وهو ثاني أولاد الإمام علي الهادي (عليه السلام) حيث كان أخوه السيد محمد أكبر ولد الإمام الهادي (عليه السلام) وكان عالماً فاضلاً تقياً عظيم الشأن جليل المنزلة وكانت أنظار أبناء الطائفة ترمقه وتتطلع إليه علي أنه صاحب الولاية بعد والده الإمام الهادي (عليه السلام) لأنه الأكبر سناً.

إلا أن الإمام الهادي (عليه السلام) لم يكن يخفي أمر الولاية عن الخواص من أصحابه وأنه في ولده الثاني أبو محمد الحسن (عليه السلام) حيث أنها منصوصة ومخصوصة من قبل الله عزوجل والإمام معروف بالاسم والصفة ومثبت في اللوح المحفوظ والذي أعطي

عنه جبرائيل (عليه السلام) نسخة إلي جدتهم الزهراء (عليها السلام)، كما صرح بأسمائهم واحداً تلو الآخر الرسول (ص).

وربما لكي لا يصبح مثار جدل فقد توفاه الله سبحانه «السيد محمد» في حياة أبيه الإمام الهادي (عليه السلام).

ومسألة الإمامة ليست بالسن أو العمر كما هو واضح، بل أمر إلهي بحت ومسألة ضرورية ومن متعلقات الرسالة وتمامها..

والده

والده: هو الإمام علي الهادي ابن الأئمة الهداة الميامين من آل طه ويس وهو امتداد للسلسة الذهبية المعروفة بين المؤرخين والمحدثين المسلمين.. فالإمام الهادي فالجواد فالرضا فالكاظم فالصادق فالباقر فزين العابدين فالحسين الشهيد فأمير المؤمنين علي بن أبي طالب وسيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء فرسول الله (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين).

والدته

والدته: السيدة الجليلة «سوسن» و كانت تسمي ب «سليل» و «حديث» أيضاً، فقد تشرفت بحمله وولادته وإرضاعه والمشاركة في تربيته..

إخوته

إخوته: ولد للإمام الهادي (عليه السلام) أربعة ذكور وبنت واحدة، أما الذكور فهم السيد محمد، والسيد حسين، والسيد جعفر، وأما ما قيل بأن جعفر هذا كان كذاباً فالظاهر انه مخترعات بني العباس.

النشأة الطيبة

نشأ الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) في حجر والده العظيم الإمام علي الهادي (عليه السلام) ودرج بين يديه وتعلم منه العلوم والمعارف الدينية والدنيوية التي ورثها أباً عن جد من رسول الله (ص).. وفيما بعد ورث منه مواريث الرسالة المعهودة..

فقد صحب أباه العظيم وعاش في كنفه المبارك ما يزيد عن 23 سنة، فكان كآبائه الكرام في العلم والعمل والجهاد والدعوة إلي الإصلاح في أمة جدهم الهادي إلي الحق رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم)، فتخلّق بأخلاقهم القرآنية وألهم العلوم الرحمانية وتلقي روح الإيمان والإحسان وكان مضرباً للأمثال بالعلم والعمل والاستقامة.

والإمام الحسن العسكري (عليه السلام) كان معروفاً من قبل المجتمع ب (ابن الرضا) وهذا لقب يشمل كل من الأئمة الجواد والهادي والعسكري (عليهم السلام) وذلك لشهرة وعظمة الإمام علي الرضا (عليه السلام) في الدولة الإسلامية ديناً ودنيا..

ففي الدين هو الإمام الحق وحجة الله علي الأرض، وهو أعلم أهل الإسلام يومذاك، وعلمه وفضله انتشر في العالم أجمع..

وهو بالنسبة للدولة والدنيا ولي عهد الحاكم العباسي عبد الله المأمون، وكانت المنابر والمآذن والاحتفالات تصرخ باسمه الشريف وتدعو له وتتقرب إلي الله وإلي الحاكم بذلك..

فكانت هذه النسبة كنسبة الأئمة الأوائل من أهل البيت (عليهم السلام) حيث كانوا ينادون ب (يا بن رسول الله) كما هو مشهور ومعروف في التاريخ أما بعد الإمام الرضا فأصبح اسمهم ب (ابن الرضا)، بالاضافة الي (ابن رسول الله).. والأمر واحد بلا شك والأصل واحد والشجرة مباركة جاء وصفها في سورة إبراهيم (عليه

السلام).

وفي زمن الإمام العسكري (عليه السلام) حيث الظروف الصعبة أخذ الإمام بأداء رسالات الله وتبليغ دين جده رسول الله (ص) بأحسن ما يمكن، فالأمة اتسعت وكبرت.. والدولة العباسية ضعفت وأصبحت كالكرة يلعب بها أصحاب الجند والقادة العسكريين: كُبنا وباغر وغيرهما.. وتقاذفها العرب والترك والفرس وغيرهم وكل يريد الذي يري فيه تحقيق مصالحه الشخصية والقومية والقبلية.. ولم يكن الخليفة إلا بيدق من بيادق الشطرنج يلعب بها أصحاب الأهواء.. حتي قال أحد الظرفاء أن عمر الخلافة تقدر بإرادة الأتراك.

وفي تلك الظروف استلم الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) قيادة الأمة الإسلامية بتعيين من رسول الله (ص) وبأمر من الله عزوجل وبوصية من والده الشهيد (عليه السلام) المعروفة والمشهورة بين العامة والخاصة.

الإمام.. والعصر.. والحكام

في الحقيقة والواقع كان عصر الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) عصراً معقداً وعصيباً علي الإمام والأمة الإسلامية جمعاء.. فقد ضعفت الدولة العباسية فضعف الحكام.. وكان ضعف الحكام لاشتغالهم بحياة الترف وقلة الخبرة والحنكة السياسية وقوة المعارضة لاسيما الشخصيات الهامة مثل القادة العسكريين والوزراء المتنفذين.

فكانت أوضاع الحكومة والحكام أقرب إلي السخرية والفوضي، من الحكم والدولة والنظام.. حتي انه يروي في التاريخ.. والعهدة علي الرواي.. إن الإماء والعبيد صار لهم صولة وجولة ذات تأثير علي الحكام العباسيين.

فقد عاصر الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) عدداً من الحكام العباسيين هم: المعتز والمهتدي والمعتمد، وكل واحد كان أخبث من صاحبه بالنسبة لموقفهم من زعيم المعارضة العلوية القوية يومئذٍ الإمام الحسن العسكري (عليه السلام).

فاستقدموه من مدينة جده رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) وهو شاب، وأودعوه تحت الإقامة الجبرية في مدينة العسكر من أجل المراقبة الدقيقة لتحركاته السياسية والدينية.. ورغم ذلك فقد سجنوه لعدة مرات، وفي كل مرة بان لهم فضله وانتشر

نوره حتي عم الآفاق والكل يتحدث عن «ابن الرضا» الحسن العسكري (عليهما السلام).

وسبب ذلك واضح وبيّن حيث أن أئمتنا الكرام هم أئمة القلوب رغم أنوف الحكام والظلام الذين يملكون الأجسام بالإرهاب والسيف، فتنتظر الأمة لحظة لكي تطيح بهم، أما سلطان الأئمة من أهل البيت (عليهم السلام) فهو ثابت ثبات الفطرة السليمة، وباق بقاء النطف الطاهرة والولادات النظيفة من الخبث والنفاق.

لأنهم (عليهم السلام) فيصلاً بين الخلق.. ولذلك فلا يمكن لأهل الأرض أن تزيل محبتهم وسلطانهم علي القلوب مهما حاولوا أو فعلوا فسلطانهم راسخ أبداً.

ومن هنا فان محاولات العباسيين كالتضييق علي الإمام العسكري (عليه السلام) زاده شهرة، لأن المقربين من الحكام العباسيين تأثروا به ورووا حديثه ودماثة أخلاقه والكثير من فضائله للناس.

فهذا (أحمد بن عبيد الله بن خاقان) وهو من النواصب للإمام العسكري (عليه السلام) كما رواه الحسين بن محمد الأشعري، ومحمد بن علي انه جري ذكر العلوية عند أحمد بن عبد الله بن خاقان بقم، وكان ناصبياً شديد العداء لآل محمد (صلي الله عليه وآله وسلم) فقال:

ما رأيت منهم مثل الحسن بن علي بن محمد بن الرضا (عليهم السلام): جاء ودخل حجابه علي أبي: عبد الله بن خاقان وزير المعتمد فقال: أبو محمد بن الرضا بالباب فزجرهم الإذن واستقبله ثم أجلسه في مصلاه تكريما وجعل يكلمه، ويفديه بنفسه (أي يقول: نفسي لك الفداء) فلما قام شيعه.

فسألت أبي عنه..

فقال: يا بني ذاك إمام الرافضة (أي شيعة أهل البيت (عليهم السلام)) ولو زالت الخلافة عن بني العباس ما استحقها أحد من بني هاشم غيره.. لفضله وعفافه، وصومه وصلات،ه وصيانته وزهده، وجميع أخلاقه.

ولقد كنت أسال عنه دائماً.. فكانوا يعظمونه، ويذكرون له كرامات.

وقال: ما رأيت أنقع ظرفاً (أغزر علماً وأدباً)

ولا أغض طرفاً ولا اعف لساناً وكفّاً من الحسن العسكري (عليه السلام).

نعم هذا هو الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) بنظر أعدائه.. وهكذا كانت أخلاقه وكراماته وفضائله يتناقلها الأعداء قبل الموالين والأصدقاء.. وقالوا قديماً: «والفضل ما شهد به الأعداء».

فالظروف السياسية كانت متدهورة تماماً ومتناقضة بين الأمة وعامة الشعب والحكام وخواصهم وقصورهم.. فهناك الفقر والحرمان والضياع.. وهنا البذخ والترف والمجون بكل أنواعه وأصنافه..

ففي سنة 258 ه وقع وباء بالعراق فمات خلق كثير، وكان الرجل يخرج من منزله، فيموت قبل أن ينصرف.. فيقال إنه مات ببغداد في يوم واحد اثنا عشر ألف إنسان.

وفي سنة 260 هجرية اشتد الغلاء في عامة بلاد الإسلام فانجلي فيما ذكر عن مكة المكرمة من شدة الغلاء من كان بها مجاوراً إلي المدينة المنورة وغيرها من البلدان.. ورحل عنها العامل (الوالي) الذي كان بها مقيماً.. وارتفع السعر ببغداد فبلغ سعر كر الشعير عشرين ومائة دينار.. والحنطة خمسين ومائة دينار ودام ذلك شهوراً.

وكذلك غلت الأسعار في بغداد وبسر من رأي حتي كان القفيز بمائة درهم، ودامت الحرب وانقطعت المسيرة وقلت الأموال …

تلك إذاً هي حالة الدولة الإسلامية من الفقر والجهل والمرض والإهمال من الحكام والمتصرفين في البلاد حتي أن مكة المكرمة بفضل دعاء خليل الرحمن إبراهيم (عليه السلام) والتي هي من أغني بلاد العالم علي الإطلاق.. نجد أن أهلها يهاجرون منها إلي البلدان المجاورة من الجوع وتفشي الأمراض والأوبئة حتي أن الوالي قد تركها.. فكم كانت الكارثة فادحة حقاً..

وأما بغداد فهي العاصمة العريقة للدولة العباسية وهي قبلة العلماء والحكماء قبل أيام وسنوات من ذلك التاريخ، فقد كان يؤمها كل من يريد العلم والتعلم في أي مجال من مجالات العلم.. نري أنه وفي يوم واحد فقدت

12000 إنسان، تري كيف كانت تدفن الضحايا.. أم كانت تترك لتنتشر الأوبئة بشكل أكبر..؟!

هذا علي صعيد الأمة الإسلامية.. والحديث يطول والأمثلة متوفرة بكثرة في كتب التاريخ.

أما البيت العباسي وقصور الحكام فقد كانت الصورة منعكسة تماماً.. ففيها كل أنواع المجون والخلاعة وكأنها تخريج «هوليود» حالياً.. بلد المنكرات والفضائح والرذائل دون استثناء..

فقد بلغ مصروف قصر الرصافة في العام الواحد عشرة ملايين دينار فقط.. هذا ما كانت تصرفه أم محمد بن الواثق وبشهادة المهتدي العباسي قال يوماً لجماعة من الموالي: أما أنا فليس لي أم احتاج لها إلي غلة (عشرة آلاف ألف) في كل سنة لجواريها وخدمها المتصلين بها.

أما قبيحة (وسميت بذلك لفرط جمالها) وهي من جواري المتوكل وأم ولده المعتز بغير الله! فقد كانت لها أموال ببغداد فكتبت في حملها، فاستخرجت وحمل منها إلي؟؟؟ فذكر أنه وافي سامراء يوم الثلاثاء لإحدي عشرة ليلة خلت من شهر رمضان من سنة 255ه قدر خمسمائة ألف دينار … ووقعوا لها علي خزائن ببغداد فوجه في حملها.. وحمل منها فحمل إلي السلطان من ذلك متاع كثير، وأحيل من بغداد إلي الجند والشاكرية (العمال والخدم) المرتزقة بمال عظيم.. ولم تزل تباع تلك الخزائن متصلاً ببغداد وسامراء عدة شهور حتي نفدت ولم تزل قبيحة مقيمة، أي تبيع …

ويذكر أن صالح بن وصيف قد استولي علي خزانة من الذهب والمجوهرات والأحجار الكريمة.. ل (قبيحة) لا تقدر بثمن ولا تباع بمال.. فقد قال الشخص الجوهري الذي أرسله صالح لحمل المال وتقديره: صرنا إلي دار تحت الدار التي دخلناها علي بنائها وقسمتها فوجدنا من المال علي رفوف وفي أسفاط زهاء ألف ألف دينار.. فأخذ أحمد منها ومن كان معه قدر ثلاثمائة ألف دينار..

ووجدنا ثلاثة أسفاط.. سفطاً

فيه مقدار مكوك (طاس للشرب أعلاه ضيق ووسطه واسع) زمرد إلا أنه من الزمرد الذي لم أر للمتوكل مثله ولا لغيره. وسفطاً دونه فيه نصف مكوك جب لم أر والله للمتوكل ولا لغيره مثله. وسفطاً دونه فيه مقدار كليجة ياقوت أحمر، لم أر مثله ولا ظننت أن مثله يكون في الدنيا فقومت الجميع علي البيع فكانت قيمته ألفي ألف دينار..».

اثنين مليون دينار ما تملك (قبيحة) من الجواهر واليواقيت الحسان، فما بال البقية الباقية من القبيحات عند الحكام العباسيين..

ومن هنا فلعلك عرفت سبب الفقر المدقع والجوع المطيق والمرض والوباء المنتشر في الدولة العباسية.. هي قبيحة ونظيراتها ممن يعيش في كنف الحكام العباسيين.. ممن ينعمن بالحرير والجواهر وريش النعام ويتقلب علي الأسرة الفارهة وفي أحضان الحكام وليس لهن في التاريخ قيمة ولا عند الله وزن يذكر بل لجهنم حطباً..

أما بقية الأمهات والنساء الفقيرات فإنهن يعانين من الفقر والمرض والحرمان ويتقلبن علي رمال الصحراء اللاهبة ويحفظن أنفسهن وأزواجهن ويربين أولادهن ليكونوا بناة في المجتمع الإنساني ولا ينتظرن إلا رحمة الله وهي قريبة من المحسنين..

فكم كان البون شاسعاً وكم كانات المعاناة كبيرة علي الأمة الإسلامية بظل مثل أولئك الحكام الذين لا همَّ لهم بالأمة إلا حليبها ويجب أن تجلب لهم الأموال والأرزاق ليتنعموا بها لا اكثر ولا اقل، والتي لا تجلب فالجزار ينتظرها ليأكلوا لحومها..

والإمام الحسن العسكري (عليه السلام) كان يعيش بينهم الشعب الفقير ويساعدهم ويتحنن عليهم…

كما كانت له زيارات دورية مفروضة عليه كل اثنين وخميس إلي دار الخلافة أو الإمارة من أجل استمرارية المراقبة لتحركاته ومعرفة أصحابه وشيعته من أجل التنكيل بهم وهذا ما نستشعره من الحديث المروي:

روي علي بن جعفر عن الحلبي قال: اجتمعنا بالعسكر وترصدنا لأبي

محمد (عليه السلام) يوم ركوبه فخرج توقيعه: (ألا لا يسلمن عليّ أحد، ولا يشير إليّ بيده ولا يومئ، فإنكم لا تأمنون علي أنفسكم).

قال: وإلي جانبي شاب.. فقلت من أين أنت؟

قال: من المدينة..

قلت ما تصنع ها هنا؟

قال: اختلفوا عندنا في أبي محمد (عليه السلام) فجئت لأراه وأسمع منه أو أري منه دلالة ليستكن قلبي وإني لولد أبي ذر الغفاري..

فبينما نحن كذلك إذ خرج أبو محمد (عليه السلام) مع خادم له، فلما حاذانا نظر إلي الشاب الذي بجنبي فقال (عليه السلام): أغفاري أنت؟

قال: نعم.

قال (عليه السلام): ما فعلت أمك حمدوية؟

فقال: صالحة..

ومر.. فقلت للشاب: أ كنت رأيته قط أو عرفته بوجهه قبل اليوم..؟

قال: لا..

قلت: فينفعك هذا..؟

قال: ودون هذا …

فقد كانت السلطة العباسية شديدة الحساسية للمعارضة العلوية التي كان يمثلها الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) وشيعته، فراحوا حتي يأخذون مواليه علي السلام أو الابتسام أو مجرد الإيماء للإمام (عليه السلام).

في تلك الظروف الصعبة كان لزاماً علي الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) قيادة الأمة وارشادها الي الإسلام الصحيح ونشر الأحكام والمسائل الشرعية، بالاضافة الي رعاية أحوال المعارضة السياسية للحكم العباسي وتوجيه وترشيد الثورات والانتفاضات الشعبية.. إلا أن العباسيين كانوا يقمعون أي تحرك تحرري بغاية العنف والقسوة وهذا شأنهم فيما بينهم فكيف يكون تعاملهم مع غيرهم؟

فالمتوكل (علي الشيطان) سلط الله عليه ولده المنتصر (بالأتراك) علي أبيه حيث هجموا عليه ليلاً فذبحوه ووزيره (الفتح بن خاقان) وهما غارقان في اللهو والفجور والخمور وعجَّلوا بهما إلي جهنم وبئس المصير..

والمنتصر بالأتراك خاف منه الأتراك فدسوا إليه السم عن طريق الطبيب (ابن طيفور) الذي قبض ثمن عمله ثلاثين ألف دينار ففصده بريشة مسمومة فمات من ساعته..

وحكم بعده المستعين الذي خلعه الأتراك وبايعوا المعتز بغير الله.. الذي

كان يتميز ببغضه لآل الرسول (عليهم السلام) ومناصبته لهم العداء فأخذوه كذلك وأقاموه في الشمس المحرقة وجردوه من كل شيء وشهدوا علي خلعه أمام قاضي بغداد ليقتلوه فيما بعد صبراً..

ليستلم فيما بعد (غير المهتدي) الذي سار علي نهج أجداده بالقسوة والعنف والحقد والكراهية لآل الرسول (عليهم السلام) وقال كلمته المشهورة: والله لأجلبنهم عن جديد الأرض.. إلا أن الله سبحانه أراح منه حيث هجم عليه قائد تركي ضربه علي عنقه وراح يمتص دمه حتي روي منه ومات غير مأسوف عليه.

وتسلم زمام الأمور (المعتمد علي الشيطان) وراح يفعل الأفاعيل التي يندي لها جبين التاريخ ولم يهدأ له بال حتي نال مراده بقتل الإمام الحسن العسكري (عليه السلام).. ألا لعنة الله علي الظالمين.

والقسوة الشديدة من الحكام والتجبر والطغيان يفرض علي الأمة نوعاً من الرهبة والخوف ويفرض علي القادة والمعارضين نوعاً من التقية والعمل السري.. وهذا ما فرضته الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية علي الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) الذي اتبع طريقة احيانا كانت غاية في السرية والتقية.. وهذا ما نعرفه من خلال هذا الحديث:

روي أبو هاشم الجعفري عن داود بن الأسود … قال: دعاني سيدي أبو محمد (عليه السلام) فدفع إليّ خشبة كأنه رجل باب مدورة وطويلة ملئ الكف.. فقال (عليه السلام) اجر بهذه الخشبة إلي العمري.

فمضيت فلما صرت إلي بعض الطريق عرض لي سقّاء معه بغل، فزاحمني البغل علي الطريق، فناداني السقاء صح علي البغل.. فرفعت الخشبة التي كانت معي وضربت البغل فانشقت.. فنظرت إلي كسرها فإذا فيها كتب (رسائل).. فبادرت سريعاً ورددت الخشبة إلي كمي…

فلما دنوت من الدار راجعاً استقبلني عيسي الخادم عند الباب فقال: يقول لك مولاي: لم ضربت البغل، وكسرت رجل الباب.

فقلت له: يا سيدي

لم اعلم ما في رجل الباب.

فقال (عليه السلام): ولم احتجت أن تعمل عملاً تحتاج أن تعتذر منه.. إياك بعدها أن تعود إلي مثلها.. وإذا سمعت لنا شاتماً فامض في سبيلك التي أمرت بها.. وإياك أن تجاذب من يشتمنا، أو تعرفه من أنت؟ فإننا في بلد سوء، ومصر سوء، امض من طريقك فإن أخبارك وأحوالك ترد إلينا فاعلم ذلك.

وفي حديث آخر ينقله الأربلي (رحمه الله) فيقول: عن محمد بن عبد العزيز البلخي قال: أصبحت يوماً فجلست في شارع الغنم فإذا بأبي محمد (عليه السلام) قد اقبل من منزله يريد دار العامة فقلت في نفسي: تري إن صِحت أيها الناس هذا حجة الله عليكم فاعرفوه يقتلوني؟

فلما دنا مني، أومأ بإصبعه السبابة علي فيه أن اسكت.

ورأيته تلك الليلة يقول: إنما هو الكتمان أو القتل.. فاتق الله علي نفسك.

فالإمام الحسن العسكري (عليه السلام) كان في غاية الضنك والضيق من الحكومة العباسية التي تترقب فيه الدوائر وتنصب له الكمائن من أجل التنكيل به وبالتالي قتله..

ومن هنا قام الحاكم العباسي المعتز بغير الله قد سجن الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) سنة 258 هجرية.

وكذلك المهتدي سجن الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)، وقد دعا عليه الإمام (عليه السلام) فقص الله عمره.

اما المعتمد فشدد علي الإمام (عليه السلام) حيث سجنه وما زال يكيد به حتي دس إليه السم وقتله شهيداً مسموماً، فذهب الإمام إلي ربه شهيداً وشاهداً علي ظلم العباسيين وتجبرهم علي الأمة والإمام (عليه السلام).

قصة زواج الإمام (عليه السلام) بالسيدة نرجس

قصة زواج الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) بالسيدة نرجس (عليها السلام) قصة معجزة بكل تفاصيلها وأمورها وكل أشخاصها وأحداثها.. فيد الغيب المقدسة واضحة في التأثير علي حوادث القصة ومجرياتها من بدايتها وإلي نهايتها.. وهي ذات دلالات ولا يمكن

لأمثالنا استيعابها..

فتاة في مقتبل العمر.. والفتاة كالزهرة تنشر طيبها وأريجها مبكراً من أجل أن تقطف وتزين بها البيوت والقصور والموائد.. وعمرها لا يزيد عن الثالثة عشر..

تربت في بيت عز وملك.. حيت أن جدها كان قيصر ملك الروم..

وتتمتع بحسب ونسب لا يضاها حيث كانت ترجع إلي وصي عيسي المسيح (عليه السلام) شمعون الصفار (عليه السلام) وكان جدها مولعاً جداً بها ومعجباً بأدبها وذكائها وجمالها.

فأرسل إليها من أدبها بالآداب.. وعلمها اللغات والأخلاق الفاضلة.. فتأدبت وتعلمت وتخلقت بأخلاق رفيعة.

حاول جدها أن يزوجها لابن عمها ففشل في ذلك.. حيث سقط الشاب من كرسيه مغشياً عليه وتساقطت الصلبان.. فأعاد المحاولة لأخيه ففشل.. واغتم لما حصل، واغتم أكثر لما قاله المنجمون والقساوسة والكهان حول النحوس التي أحاطت بالمكان والزمان ذاك..

فدخل القصر وأرخي الستائر معلناً الحزن الشديد.

كان اسمها «مليكة» وبالفعل هي (مَلِكة) وأميرة لأنها حفيدة القيصر، و(مَلَكة) لو أن للإنسان أن يكون ملاكاً وذلك لطهارتها ونقائها وروحانيتها ونورانيتها..

وفي تلك الليلة رأت في منامها جدها شمعون الصفا ومعه سيده عيسي المسيح (عليهما السلام)، والحواريين.. بينما هم كذلك إذ أقبل سيد الكونين أبو القاسم محمد (صلي الله عليه وآله وسلم) وأبنائه الكرام (عليهم السلام)، فاعتنقا.. عيسي المسيح (ع) والحبيب محمد (صلي الله عليه وآله وسلم)، وتعارفا مع من كان معهما وذلك في بهو القصر الملكي لقيصر الروم وفي نفس المكان ذاك..

في ذلك الموقف النوراني.. الروحاني الذي ما كان ليحدث لولا عظمة الموقف وأهمية الأمر.. التفت الرسول الأعظم (صلي الله عليه وآله وسلم) إلي نبي الله عيسي المسيح (عليه السلام) قائلاً: جئت إليك خاطباً من وصيك (شمعون) فتاته (مليكة) لابني هذا، وأومأ بيده إلي أبي محمد، أي الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)..

فنظر المسيح إلي شمعون

وقال: قد أتاك الشرف.. فصل رحمك برحم رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم).

فقال شمعون: قد فعلت.

فصعد علي المنبر وخطب محمد (صلي الله عليه وآله وسلم) وزوجني من ابنه.. وشهد المسيح (عليه السلام) وشهد أبناء محمد (صلي الله عليه وآله وسلم) والحواريون …

لقد جسدت هذه الرؤيا لقطة من عالم آخر يسمو فوق عالمنا المادي والحسي، وقد ترجمت القرار الإلهي منذ مجاهيل القدم بصيغة مشهد نموذجي فريد، لتعكس آفاقاً مستقبلية مشرقة، فكانت هذه الرؤيا هي الرابط، وهي حلقة الوصل الرائعة بين الماضي والحاضر والمستقبل، وقد شاءت العناية الإلهية أن تعقد صلة حقيقية ومميزة واستثنائية بين السيد المسيح (عليه السلام) وبين قائم الأوصياء المهدي المنتظر (عجل الله فرجه الشريف)..

فها هو السيد المسيح (عليه السلام) في الماضي السحيق يساهم مساهمة أساسية ويقوم بدور رئيسي في أحداث ذلك الرباط المقدس وذلك الزواج الملائكي التي تمخض بعد اجتياز عقبات وعقبات عن ولادة آخر حجج الله تعالي علي وجه البسيطة بل في منظومة عالم الإمكان كلها..

وها هو السيد المسيح (عليه السلام) في الغد المشرق ينزل بأمر الله سبحانه وتعالي من السماء الرابعة إلي الدنيا ليصلي خلف إمامنا المنتظر (عجل الله فرجه الشريف) وليدعو الناس إلي الدين الإسلامي الحنيف.

وكان لابد أن يحيط خالق الكون ومن منطلق الحكمة الربانية ذلك الحدث السعيد بكافة مظاهر الإكرام والإكبار وبأجلي مظاهر القدس والروحانية والإجلال.. وهكذا تجلي السيد المسيح (عليه السلام) مع شمعون وعدد من الحواريين أيضاً في قصر إمبراطور الروم، ثم نصبوا في القصر منبراً يباري السماء علواً وارتفاعاً.. كرمز للمجد السامي العظيم والمستقبل المشرق الرفيع..

ثم ها هو خاتم الرسل (صلي الله عليه وآله وسلم) يدخل مع مجموعة من الفتيان وعدة من بنيه أيضاً.. ونشاهد هنا واحداً

من أروع المشاهد علي مر التاريخ البشري فها هو نبي الإسلام يعتنق السيد المسيح (عليه السلام) بأخوة ومحبة لا تضارع، أو ليسا رسولين لرب العالمين..؟

أو لم يكن السيد المسيح (عليه السلام): (مبشرّاً برسول يأتي نم بعدي اسمه أحمد).

أو ليس خاتم الرسل هو آخر مرحلة في قوس الصعود وسلسلة «التكامل التكويني والتشريعي» التي بدأها آدم (عليه السلام) أبو البشر ليواصل مشوارها أنبياء الله العظام.. نوح وإبراهيم وموسي ثم عيسي المسيح (عليهم السلام) لتتوج تلك المسيرة الربانية الكبري بمحمد المصطفي (صلي الله عليه وآله وسلم).

وهكذا أحاطت العناية الربانية بالسيدة (مليكة نرجس) من كل جانب فكانت هي تلك العذراء الوحيدة بين كل نساء الأرض.. التي يشارك في عملية خطبتها ومحفل عقدها نبيا أعظم ديانتين سماويتين.. لتقترن بإمام معصوم تخضع له الأكوان كلها ولتنجب (خاتم الأوصياء) والسبب المتصل بين الأرض والسماء، ومن بيمينه رزق الوري وبوجوده النوراني بقيت الأرض والسماء..

هكذا كان..

وما أروع ما كان!!

لقد كان (الإخراج) إلهياً و(الصياغة) ربانية و(الرغبة) من قبل خاتم الأنبياء وسيد المرسلين (صلي الله عليه وآله وسلم) وهو الحب الأعلي لزوجها المرتقب، وكانت الخطبة من قبل واحد من أكبر الأنبياء من أولي العزم السيد المسيح (عليه السلام).. وحق لها كل ذلك..

أفلم تكن حفيدة وصي السيد المسيح (ع) شمعون الصفا (ع)؟

أفلم تكن هي ذلك الملاك الطاهر والجوهرة القدسية؟

أوليس هي التي قدر لها رب الأفلاك أن تكون والدة خاتم الأوصياء، ووارث الأنبياء وحجة الله علي أهل الأرض والسماء..؟

وبعد ذلك.. فهي جديرة بكل ذلك بلا شك..

وحق لنساء الأرض أن يرفعن رؤوسهن شموخاً وكبرياءً إذ كانت قد برزت من بينهن امرأة كنرجس.. وحق لنساء العالم أن يرسمن ذلك الوجه الملائكي الطاهر علي لوحة القلب بأشعة من نور.. ووجب لبنات

حواء أن يتخذن منها أسوة وقدوة ومناراً وضياءً وهادياً..

تلك الفتاة الطاهرة.. تلك الشابة الحرة المهاجرة.. تلك الأميرة الأسيرة..

تلك الزوجة الوفية (الراضية والمرضية، التقية النقية، والصديقة الزكية).

تلك الأم الحنون.. ينبوع المحبة والإشفاق والإيثار لخاتم الأنوار..

تلك المرأة.. العطاء والولاء.. والغداء والمثل السامي في المعرفة والإيمان والعزم والمضاء إنها القديسة (مليكة) وبالعربية (نرجس).

إنها هي (مليكة)، (سوسن)، (حكيمة)، و(مريم) أيضاً.

لقد كانت القديسة مريم العذراء أم السيد المسيح (عليه السلام) المعجزة.

وكانت السيدة نرجس أم الإمام الحجة المهدي المنتظر (عجل الله فرجه الشريف).. وهي حفيدة وصي السيد المسيح (عليه السلام) وكانت المخطوبة منه والمبشر بها في إنجيله وكانت تحمل فيما تحمل من أسماء اسم مريم.

هكذا خطب الرسول الأعظم (صلي الله عليه وآله وسلم) لابنه الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) من السيد المسيح (عليه السلام).. ووصيه شمعون الصفا (عليه السلام) مليكة لتكون معجزة في زواجها وحملها وولادتها ومولودها المبارك (عليهما السلام).

فأنعم وأكرم بهم.. فهم سادة السادات وإليهم ينتهي الفخر والمجد والسؤدد..

وتكتمل قصة السيدة (مليكة) جمالاً وجلالاً عندما تسلم علي يد سيدة نساء العالمين زهراء الرسول ومريم البتول وآسية الطاهرة.. وتتلقن من سيدة نساء العالمين (عليها السلام) أمور دينها، فتبشرها بزيارة الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) لها وهكذا كان..

وهاجرت متخفية بخطة من الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) وحافظت عليها يد القدرة الإلهية وأحاطتها يد الغيب القدسية إلي أن وصلت إلي بغداد فأرسل الإمام الهادي (عليه السلام) واشتراها وعند وصولها استقبلها استقبال العظام وأعطاها إلي أخته العظيمة (حكيمة) فأصلحت شأنها ورعتها إلي أن تزوجها الإمام الحسن العسكري (عليه السلام).

وفي بهجة الفرح وغمرة السرور والهدوء والعشق الرباني والبدر يتلألأ في سماء سر من رأي في ليلة النصف من شعبان سنة 255 هجرية، وضعت السيدة نرجس

وليدها البكر الطاهر المطهر من كل عيب ورجس الإمام الثاني عشر المهدي المنتظر (عجل الله فرجه الشريف).

هذا وقد أخفي الله سبحانه خبر الحمل والولادة حتي عن أقرب الناس للإمام (عليه السلام) وذلك بسبب الأسلوب الفرعوني الذي اتبعه حكام بني العباس مع حريم وإماء الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) من تفتيش ومراقبة ومحاسبة دقيقة جداً..

هكذا حملت.. وولدت وربّت وغذت وحفظت الإمام الحجة (عجل الله فرجه الشريف) بشكل إعجازي حقاً.

فكان وليدها هو وحيدها ووحيد الإمام الحسن العسكري (عليه السلام).

وهو حجة الله الخاتمة والوصي الأخير لآخر الرسل والأنبياء (عليهم السلام) جميعاً الذي تولي أمر الأمة العامة وعمره الشريف خمس سنوات.. وغاب بعدها غيبته الصغري.. وامتدت بعدها الغيبة الكبري التي نسج في غمراتها وندعو الباري تعالي أن يعجل فرجه ويسهل مخرجه ويجعلنا ممن ينتصر بنا لدينه ولا يستبدل بنا غيرنا إنه سميع مجيب.

أولاده (عليه السلام)

لم يترك الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) أبناءً إلا هذا الإمام العظيم محمد المهدي (عجل الله فرجه الشريف).

وكان نقش خاتمه: «إن الله شهيد».

وصلاته: أربع ركعات في الأوليين الحمد مرة والزلزلة 15 مرة، وفي الأخيرتين في كل ركعة الحمد مرة والإخلاص 12 مرة..

وحزه الشريف هو: (بسم الله الرحمن الرحيم يا عدتي عند شدتي، ويا غوثي عند كربتي، ويا مؤنسي عند وحدتي، احرسني بعينك التي لا تنام، واكنفني بركنك الذي لا يرام).

الشهادة المفجعة

شاب عظيم المنزلة عند الله وعند العباد.. ولي من أولياء الله.. يصل نسبه الشريف إلي رسول الإنسانية محمد المصطفي (صلي الله عليه وآله وسلم) من ابنته الزهراء وبعلها الأمير علي (عليهما السلام).

شاب في مقتبل العمر.. ورث شمائل الرسالة وأخلاق النبوة عن آبائه الطاهرين (عليهم السلام).

ورغم كل هذا ما زال طغاة بني العباس يرون به الخطر الداهم علي دنياهم، ويحسبونه العدو اللدود لسلطتهم الخبيثة.. فراحوا يدبرون له المكائد ويفعلون الأفاعيل حتي يتخلصوا من هذا الفتي العلوي: ابن الرضا وإمام الرافضة كما كانوا يسمونه حينذاك..

قام طغاة بني العباس بمحاولات عديدة للقضاء علي الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) وقد خططوا لذلك، وتم إعداد االسيناريو المطلوب مراراً عديدة إلا أن يد الغيب تدخلت لتنقذ حياته (عليه السلام) إعجازياً..

فها هو (المستعين بالشيطان) يأمر حاجبه بإخراج الإمام (عليه السلام) من سامراء ليقتله في الطريق المتجه إلي الكوفة.. فيفشل، ويعيد الكرة مرة أخري مستعيناً (ببغلة شموس شرسة).

وها هو (المهتدي بهواه) كان قد عقد العزم علي قتل الإمام الحسن العسكري (عليه السلام).

وها هو (المعتمد علي غير الله) يلقي بالإمام (عليه السلام) في بركة السباع ويتركه وسط الأسود المفترسة الجائعة ثلاثة أيام كاملة.

فكل هذه المحاولات التصفوية الفاشلة من قبل الحكام العباسيين، والتضييق والسجن المتتالي

من قبلهم لم تهدأ للمعتمد العباسي عين ولم ينعم للشيطان الذي كان يعتمد عليه بال حتي بوّأه بإثم قتل الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) وذلك بعد مضي خمس سنوات من حكمه البغيض للدولة الإسلامية وفي يوم الجمعة 8 ربيع الأول سنة 260 هجرية الموافق ل 873 ميلادية.

وكان لخبر الاستشهاد المفجع للإمام العسكري (ع) في مدينة سر من رأي وهو لم يزل في ريعان الشباب حيث بلغ عمره الشريف يومذاك 26 أو 28 سنة فقط قضاها بالجهاد الأكبر والأصغر، وقع عظيم.. حيث عطلت الأسواق وركب بنو هاشم وقادة الجيش والكتّاب وسائر الناس إلي جنازته، فكانت سر من رأي وهي يومذاك عاصمة الجند للحكام العباسيين يومئذٍ شبيهاً بيوم القيامة، فلما فرغوا من تهيئته (عليه السلام) بعث السلطان إلي أبي عيسي بن المتوكل العباسي فأمره بالصلاة عليه..، وأراد أخ الإمام العسكري جعفر للصلاة عليه كذلك..

إلا أن يد القدرة الإلهية حالت دون ذلك.. وتقدم للصلاة عليه ولده الحجة بن الحسن المهدي المنتظر (عجل الله فرجه الشريف) وكان عمره الشريف يومذاك خمس سنوات، وبعد الصلاة والدفن دخل (عجل الله تعالي فرجه الشريف) منزله.. وحاولوا إلقاء القبض عليه ولكن أنّي لهم ذلك ويد الله تحفظه وبذلك دخل العهد الأول للإمام الثاني عشر (عليه السلام) والذي يسمي في التاريخ والدين (بالغيبة الصغري)، ومن بعده كانت (الغيبة الكبري).

فسلام الله علي الإمام الحسن الآخر العسكري يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حياً.. وعلي أجداده الأطهار.. وعلي زوجته المباركة نرجس.. وعلي ولده ولي الله الأعظم والنور الأبهر الذي ببركته ما زالت السماوات والأرض عجل الله تعالي فرجه الشريف.. وجعلنا من جنده والمستشهدين بين يديه إنه سميع مجيب..

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين..

مركز الرسول الأعظم

صلي الله عليه و اله للتحقيق والنشر

بيروت لبنان ص ب: 5951 / 13

[ر جوع للقائمة]

پي نوشتها

- الراحل الحاضر: ص150 من كلمات آية الله السيد مرتضي الشيرازي يؤبن عمه الشهيد.

- الراحل الحاضر: ص137 من كلمات العلامة السيد محمد حسن الأمين يؤبن الشهيد.

--

- بحار الأنوار: ج50 ص236.

- المناقب لابن شهر آشوب: ج4 ص423.

- تاريخ اليعقوبي: ج2 ص510.

- تاريخ الطبري: ج8 ص17.

- تاريخ اليعقوبي: ج2 ص499.

- تاريخ الطبري: ج7 ص531.

- تاريخ الطبري: ج7 ص530.

- تاريخ الطبري: ج7 ص531.

- بحار الأنوار: ج50 ص269.

- ابن شهر آشوب المناقب: ج4 ص427.

- كشف الغمة: ج2 ص212 ط بيروت.

- بحار الأنوار: ج50 ص313.

- كمال الدين: ص421، وبحار الأنوار: ج51 ص8، الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف) من المهد إلي اللحد، تاريخ الغيبة للطوسي.

- سورة الصف: 6.

- راجع كتاب السيدة نرجس للسيد مرتضي الشيرازي حفظه الله.

- الإرشاد للمفيد: ص345.

- ألقاب الرسول وعترته (عليهم السلام): ص237.

- بحار الأنوار: ج50 ص313

.- بحار الأنوار: ج50 ص309.

- إكمال الدين للصدوق: ص43.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.