كلمة الامام الحسن عليه السلام

اشارة

آية الله الشهيد

السيد حسن الحسيني الشيرازي

رحمة الله عليه

تحقيق: الشيخ غلامرضا مولانا البروجردي

الطبعة السابعة / محققة

1426ه / 2005م

مؤسسة المجتبي للتحقيق والنشر

بيروت لبنان

كلمة المحقق

بسم الله الرحمن الرحيم

?إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ?

الحمد لله الذي تكلم بكلمة وشق بها أسماع الممكنات، وأراد أن يحق الحق بكلماته التامات، فأظهر بها ماهيات الكائنات، والصلاة والسلام علي جميع أنبيائه ورسله، سيما أشرف الحروف العاليات، محمد وآله المعصومين الذين هم كلماته الباقيات الطيبات.

وبعد.. فلا يخفي أن الموسوعة الكاملة المسماة ب (الكلمة) موسوعة قيمة مغنية لكل من أراد أن يقتطف من أثمار شجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها، وأولها كلمة الله سبحانه، وآخرها كلمة الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف)، ألا وهي من مقتطفات السيد الجليل والعالم النبيل، الأديب البارع والمفكر الذي كان من مشاهير علماء العراق الشهيد المجاهد في سبيل الله السيد حسن الشيرازي (طيب الله رمسه).

طبعت هذه الموسوعة الثمينة مراراً، وكان من جملتها (كلمة الإمام الحسن عليه السلام) ولما كانت فيها أخطاء مطبعية طلب مني سماحة حجة الإسلام والمسلمين الحاج الشيخ علي حيدر المؤيد (حفظه الله) أن أطالعها وأصحح ما فيها، فأجبت مسئوله وحققتها حسب وسعي القليل..

وأرجو من الله سبحانه أن يجعله ذخراً لي وله ليوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتي بقلب سليم.

أقل الطلبة

غلا مرضا مولانا البروجردي

مقدمة المؤلف

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله كما حمده عباده الصالحون، والصلاة علي محمّد وآله كما صلّي الله عليهم والملائكة والمؤمنون.

الإمام الحسن عليه السلام من قواعد الإشعاع الفكريّ، ومصادر الفكر الإسلامي، وقمم الحياة، التي استطالت حتي أحاطت بكلّ شيءٍ، فلم يعزب عنه ما يعزب عن غير المعصومين، من قمم الوجود الذين يسمّون (مفكرين) وشعراء الطبيعة، الذين يسمّون (أدباء).

فهو من أولئك الرجال الذين آثرهم الله بحاسّةٍ نفاذة تكتنه حقائق الأشياء، فلا تخفي عليهم خافية في الأرض ولا

في السماء. انهم يرون ما يري الناس جميعاً ويدركون وحدهم كنه ما يرون وما لا يرون، دون سائر الناس. وعند

ما ينظرون إلي نجوم السماء، ورمال الصحراء، ومياه البحار، وأبراد الطبيعة، يشعرون بجمالها الآسر الخلاّب، ويدركون صلتها ببقية عناصر الطبيعة وما وراء الطبيعة، من الأزل حتي الأبد.

فأدبه ليس تملّقاً لجمالٍ، ولا ادّعاءاً لجمالٍ، وإنما هو صرخات تنطلق من قلب عبقريٍّ، نفذ إلي أغوار الأشياء، حتي عرف ما تباين منها ثابتاً علي قاعدةٍ واحدةٍ، وما اختلف منها نابعاً من أصلٍ واحدٍ، وما تفرق منها مضموماً برباطٍ واحدٍ.

وبذلك الفكر الشامل، وهذا الأدب العميق، خرج إلي الناس يدوّي بصوته، ليلهم الأجيال هذا التناسق الجماليّ، الذي يجمع الكون وما وراء الكون، في وحدةٍ متداعمةٍ، طرفاها الأزل والأبد، وأبعادها كلّ ما خلق الله.

فأنّي ضربت في أدب الإمام الحسن عليه السلام، وجدته شاعراً بشيءٍ جديدٍ، ومبشّراً بشيءٍ جديد، وهو ذلك الرباط الخفيّ الشامل الذي يركّز مظاهر الحياة والموت، علي أصولٍ ثابتةٍ، لا يجوز فيها القديم والجديد، ولا الأول والأخير، ولا تراه لحظةً يتغرغر مع الأدباء بعرض عواطفه، أو وصف الأشياء، التي يدركها هو والناس سواء بسواءٍ، بل تراه دائما يجهد لإيقاظ حسٍ جديدٍ في الناس. يطمئنهم إلي أن منظومات الكون ليست حبّات مسبحةٍ انفرطت بلا نظام، وإنما هو منبثق عن الله في ابتدائه، ومرتبط به في دوامه، وعائد إليه في انتهائه، ولكنّه لا ينجز هذا العمل الفلسفيّ الشعريّ العميق بلهجة الفيلسوف النابه، وإنما بنزعة الفنان العظيم، الذي يشترك عقله وقلبه وذوقه في تصميم كلّ أداء، ليحيط بسامعه من عقله وقلبه وذوقه، فلايترك فيه منفذاً يتسلّل إليه غيره بغير رأيه.

وإذا قدّر لجميع العظماء أن يكونوا أدباء علي تباين ميادينهم الاجتماعية ومذاهبهم الفكرية منذ

داود، وسليمان، وأيوب، والمسيح، ومحمد صلي الله عليه و اله إلي سقراط، وأفلاطون، وأدوار، ونابليون، وهتلر، فإن الإمام الحسن عليه السلام يتميّز هو والقليل من الناس بتفوّقٍ ظاهرٍ في كلّ ما قال أو كتب، فهو إمام في البلاغة، كما هو إمام في الدين، وفي كلامه أصالة الواقع، ووميض البروق، وهدير البراكين، ورخاء الأسحار، وهينمات الأنسام.

لأن البيان الرفيع، التأم سابقه بلاحقه في الإمام الحسن عليه السلام، فضمّ قوّة البيان الجاهليّ الصافي المنبثق من الفطرة السليمة إلي روعة البيان الإسلامي المهذّب، المنبثق من المنطق السليم، فجمع قوّة البلاغة الجاهلية، إلي روعة البلاغة النبوية، فاقتطف من كلّ طارفٍ وتليدٍ طريفاً، حتي اجتمعت فيه عناصر الأدب الرفيع، من الذوق المطبوع الذي ورثه من سلالته ومجتمعه، ومن رصيده العلمي الواسع، الذي جعله قويّ الحجّة، راسخ البرهان، ومن وعيه الاجتماعي الشامل، الذي اكتسبه من التجارب المرة الرهيبة، التي خاضها برباطةٍ وصمودٍ، والأزمات العصيبة التي لفّته بعنفٍ لا توجد في القواميس لفظة تعبّر عنها بصدقٍ وأمانة، والتطاحن الفكريّ الجبار، الذي عاشه بعقله في عهد الرسول (صلي الله عليه وآله وسلّم) وبكل كيانه في أيامه وأيام أبيه أمير المؤمنين عليه السلام.

وهذه العناصر، صقلت المؤهلات الذاتية للإمام الحسن عليه السلام، فكانت الآلام التي انصبت عليه انصباباً، مبضعاً فجّر معين البلاغة في قلبه، ولباقة الكلمة علي لسانه، حتي إذا نطق ترقرقت المآسي من صميم قلبه علي جرّ لسانه، فتدفقت البلاغة بانسيابٍ تلقائي، يحكي كلّ ما في الواقع من حرارة، وفي الفكر من لوعة، ليهيمن علي العقل والقلب والضمير، فلا تجد إزاءه إلا أن تردّد ما يقول بخشوع واستسلام..

وإذا كتب انتزع من مهجة الأزل إلي ضمير الأبد قصة الدمع والدم والنار، فكتب علي الورق أوجاع قلبه،

ونحيب مجتمعٍ تدافع في مهجته، فجري يراعه بمدادٍ من عصير الشمس، ليؤكّد الحقّ الذي اطمأنّ إليه، فظلّ يدور معه حيثما دار، ويكافح الباطل الذي انقشع عنه، ليلاحقه أينما سار.

وكلام الإمام الحسن عليه السلام جميعاً ينضح بدلائل الشخصية النادرة، حتي كأنّ معانيه خواطر قلبه، وأحداث زمانه.

تتجسّد علي لسانه كلاماً، فيه من رنة الحق والجمال الخلوب، ما يطاول أبلغ الكلام بما هو أغني وأجمل.

فكلمته المرتجلة، أقوي ما تكون الكلمة المرتجلة، من عمق الفكرة وفتنة التعبير، حتّي لا تنطلق من فمه إلاّ لتمضي مثلاً سائراً من بلدٍ إلي بلدٍ، ومن جيلٍ إلي جيلٍ، وهل تقطعت الكلمة الجزلة بأروع من هذه الاقوال:

ما رأيت ظالماً أشبه بمظلوم من الحاسد.

و: السداد دفع المنكر بالمعروف.

و: المجد أن تعطي في العزم، وتعفو عن الجرم.

و: العقل حفظ كلّ ما استوعيته.

و: القبور محلتنا، والقيامة موعدنا، والله عارضنا.

وخطبته أروع ما تكون الخطبة، وخاصةً عندما يعالج أزمة في أصحابه، أو يقارع طغمة من أعدائه، أي في الموقف الذي تثور فيه عواطفه الجياشة، ويهيج خياله الوهاب، بالنقمة والتذمّر، فتعجّ فيها معان مفرقعة، تتتابع بقوةٍ كفرقعات المدافع، وصور حارة من لهيب قلبه، وأوار الأحداث حتي يأتي صلداً كالجلاميد، مزمجراً كالرعود، مشرقاً كالبروق.

وها هو يؤنّب اهل الكوفة، علي تفريطهم به في سبيل معاوية فيقول:

.. وأيم الله، لا تري أمة محمدٍ خصباً، ما كانت سادتهم وقادتهم في بني أمية، ولقد وجّه الله إليكم فتنةً، لن تصدّوا عنها حتي تهلكوا، لطاعتكم طواغيتكم إلي شياطينكم، فعند الله احتسب ما مضي وما ينتظر، من سوء رغبتكم، وحيف حكمكم …

.. عرفت أهل الكوفة وتلوّنهم، ولا يصلح لي منهم ما كان فاسداً، إنهم لا وفاء لهم ولا ذمة، في قولٍ ولا فعلٍ، إنهم لمختلفون، ويقولون: إن

قلوبهم معنا، وسيوفهم لمشهورة علينا.

.. أما والله ما ثنانا عن قتال أهل الشام ذلة ولا قلة، ولكن كنا نقاتلهم بالسلامة والصبر، فشيب السلامة بالعداوة، والصبر بالجزع، وكنتم تتوجّهون معنا، ودينكم أمام دنياكم، وقد أصبحتم الآن ودنياكم أمام دينكم، وكنتم لنا وقد صرتم اليوم علينا، ثم أصبحتم تصدّون قتيلين، قتيلاً بصفّين تبكون عليهم وقتيلاً بالنهروان تطلبون بثأرهم، فأما الباكي فخاذل وأما الطالب فثائر …

ففي هذه المواقف، تبدو قوة الإمام الحسن عليه السلام في بلاغة الأداء وقوة التأثير، وتدرجه في إثارة شعور سامعيه، نحو ما يصبو إليه.

وانك لتعجب من نخوة العاطفة، تثور حتي تتقطّع، فاذا بعضها يزاحم بعضاً في هياجٍ رهيب، علي مثل هذه الكلمات:

… غرر تموني كما غررتم من كان من قبلي، مع أيّ إمام تقاتلون بعدي؟ مع الكافر الظالم، الذي لا يؤمن بالله ولا برسوله قط، ولا أظهر الإسلام هو وبنو أمية إلا فرقاً من السيف، ولو لم يبق لبني أمية إلا عجوز درداء، لبغت دين الله عوجاً، وهكذا قال رسول الله صلي الله عليه و اله …

تري ما في أقواله هذه، من الذكاء الشهم، والأصالة في التفكير والتعبير، تتدفق فكرة ولحناً، لتفسّر سبب حظوته بالقلوب، حتي أحبّه الناس أكثر مما أحبوا أباه.

ومن هنا كان تراث الإمام الحسن عليه السلام في ذروة ما خلّفته الإنسانية لروّادها من نتاج الفكر والذوق، وإن كان ما وصل إلينا منه هو القليل القليل، وما محته الرياح السافيات هو الكثير الكثير. ولكن هذا القليل، الذي انفلت من العصور المظلمة، التي كانت تتربص بكلّ بصيصٍ من النور، يؤلف صفحة كاملةً، لشخصيةٍ فذةٍ، تبقي في التاريخ مشرقةً كالشمس، نقيةً كالنجوم، خالدةً كالأبد.

ورغم ان آثار الإمام الحسن عليه السلام، منيت بإعراض بعضٍ وإنكار

آخرين، فإنها كانت من القوّة والجدارة، أن فرضت نفسها علي الحياة والتاريخ، رغم كلّ ما منيت به من إعراضٍ وإنكارٍ.

وفي هذه المجموعة، نعرض مختاراتٍ مما وصل الينا، كنموذج من المجموعة الضخمة التي توجد بين أيدينا الآن عسي أن نوفّق لنشرها في المستقبل القريب.

حسن

كتب في كربلاء المقدسة

ليلة الواحد والعشرين من شهر رمضان المبارك عام 1384 ه

إلهيات

الحمد لله ()

لما قتل أمير المؤمنين عليه السلام رقي الحسن بن علي عليه السلام المنبر، فأراد الكلام فخنقته العبرة، فقعد ساعة ثم قام فقال:

الحمد لله الذي كان في أوّليّته، وحدانياً في أزليّته، متعظّماً بإلهيته، متكبّراً بكبريائه وجبروته. ابتدأ ما ابتدع، وأنشأ ما خلق، علي غير مثالٍ كان سبق مما خلق.

ربّنا اللطيف بلطف ربوبيّته، وبعلم خبره فتق، وبإحكام قدرته خلق جميع ما خلق، فلا مبدّل لخلقه، ولا مغيّر لصنعه، ولا معقب لحكمه، ولا رادّ لأمره، ولا مستراح عن دعوته. خلق جميع ما خلق، ولا زوال لملكه، ولا انقطاع لمدته، فوق كلّ شيءٍ علا، ومن كلّ شيءٍ دنا، فتجلّي لخلقه من غير أن يكون يري وهو بالمنظر الأعلي.

احتجب بنوره، وسما في علوّه، فاستتر عن خلقه، وبعث إليهم شهيداً عليهم، وبعث فيهم النبيين مبشّرين ومنذرين، ليهلك من هلك عن بيّنةٍ، ويحيا من حيّ عن بيّنةٍ، وليعقل العباد عن ربّهم ما جهلوه، فيعرفوه بربوبيته بعد ما أنكروه().

والحمد لله الذي أحسن الخلافة علينا أهل البيت، وعنده نحتسب عزانا في خير الآباء: رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) وعند الله نحتسب عزانا في أمير المؤمنين عليه السلام ولقد أصيب به الشرق والغرب.

والله ما خلّف درهماً ولا ديناراً إلا أربعمائة درهمٍ، أراد أن يبتاع لأهله خادماً، ولقد حدّثني حبيبي: جدي رسول الله (صلي الله عليه وآله): إن الأمر

يملكه اثنا عشر إماماً من أهل بيته وصفوته، ما منّا إلا مقتول أو مسموم.

صفة الله()

جاء رجل إلي الحسن بن علي عليها السلام فقال له: يا ابن رسول الله صف لي ربك حتي كأني أنظر إليه، فأطرق الحسن بن علي عليها السلام ملياً ثم رفع رأسه فقال:

الحمد لله الذي لم يكن له أولٌ معلومٌ()، ولا آخر متناهٍ، ولا قبل مدرك، ولا بعد محدود، ولا أمد بحتّي، ولا شخص فيتجزأ، ولا اختلاف صفةٍ فيتناهي، فلا تدرك العقول وأوهامها، ولا الفكر وخطراتها، ولا الألباب وأذهانها صفته فتقول: متي؟ ولا بدئ() مما؟ ولا ظاهر علي ما؟ ولا باطن فيما؟ ولا تارك فهلاّ؟

خلق الخلق فكان بديئاً بديعاً، ابتدأ ما ابتدع، وابتدع ما ابتدأ، وفعل ما أراد، وأراد ما استزاد، ذلكم الله ربّ العالمين().

الله عارضنا()

إن علياً عليه السلام قال يوماً للحسن عليه السلام: (يا بني! قم واخطب حتي أسمعك) وجمع أهل بيته لسماع خطابه، فقام وقال:

الحمد لله الذي من تكلم سمع كلامه، ومن سكت علم ما في نفسه، ومن عاش فعليه رزقه، ومن مات فإليه معاده. والحمد لله الواحد بغير تشبيهٍ، الدائم بغير تكوينٍ، القائم بغير كلفةٍ، الخالق بغير منصبة، الموصوف بغير غايةٍ، المعروف بغير محدوديّةٍ، العزيز لم يزل قديماً في القدم، وعنت القلوب لهيبته، وذهلت العقول لعزّته، وخضعت الرقاب لقدرته، فليس يخطر علي قلب بشر مبلغ جبروته، ولا يبلغ الناس كنه جلاله، ولا يفصح الواصلون منهم لكنه عظمته. ولا تبلغه العلماء بألبابها، ولا أهل التفكير بتدبير أمورها. أعلم خلقه به الذي بالحدّ لا يصفه. يدرك الأبصار ولا تدركه الأبصار، وهو اللطيف الخبير.

أمّا بعد، فإن القبور محلّتنا، والقيامة موعدنا، والله عارضنا، وإن عليّاً باب

من دخله كان آمناً ومن خرج منه كان كافراً، أقول قولي وأستغفر الله العظيم لي ولكم.

القدر()

كتب الحسن بن أبي الحسن البصري إلي أبي محمد الحسن بن علي عليها السلام:

بسم الله الرحمن الرحيم. أما بعد فإنكم معشر بني هاشم، الفلك الجارية، واللجج الغامرة، والأعلام النيرة الشاهرة، أو كسفينة نوح عليه السلام التي نزلها المؤمنون، ونجا فيها المسلمون، كتبت إليك يا بن رسول الله عند اختلافنا في القدر، وحيرتنا في الاستطاعة، فأخبرنا بالذي عليه رأيك ورأي آبائك عليهم السلام فإن من علم الله علمكم، وأنتم شهداء علي الناس، والله الشاهد عليكم، ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم صلي الله عليه و اله().

فأجابه الحسن عليه السلام:

بسم الله الرحمن الرحيم. وصل إليّ كتابك، ولولا ما ذكرت من حيرتك، وحيرة من مضي قبلك، إذاً ما أخبرتك، أمّا بعد فمن

لم يؤمن بالقدر خيره وشرّه، أنّ الله يعلمه فقد كفر، ومن أحال المعاصي علي الله فقد فجر، إنّ الله لم يطع مكرها، ولم يعص مغلوباً، ولم يهمل العباد سديً من المملكة، بل هو المالك لما ملّكهم، والقادر علي ما عليه أقدرهم، بل أمرهم تخييراً، ونهاهم تحذيراً، فإن ائتمروا بالطاعة لم يجدوا عنها صادّاً، وإن انتهوا إلي معصيةٍ فشاء أن يمنّ عليهم بأن يحول بينهم وبينها فعل، وإن لم يفعل فليس هو الذي حملهم عليها جبراً، ولا ألزموها كرهاً، بل منّ عليهم بأن بصّرهم وعرّفهم وحذّرهم، وأمرهم ونهاهم، لا جبلا لهم علي ما أمرهم به فيكونوا كالملائكة، ولا جبراً لهم علي ما نهاهم عنه، و لله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين صلي الله عليه و اله() والسلام علي من اتبع الهدي.

لا جبر ولا تفويض()

رفع أهالي البصرة إليه عليه السلام رسالة، يطلبون منه فيها حقيقة الأمر في الجبر والتفويض، فأجابهم:

من لم يؤمن بالله قضائه وقدره فقد كفر، ومن حمل ذنبه علي ربّه فقد فجر. إنّ الله لا يطاع استكراهاً. ولا يعصي لغلبةٍ، لأنه المليك لما ملّكهم، والقادر علي ما أقدرهم، فإن عملوا بالطاعة لم يحل بينهم وبين ما فعلوا، فإذا لم يفعلوا فليس هو الذي أجبرهم علي ذلك، فلو أجبر الله الخلق علي الطاعة لأسقط عنهم الثواب، ولو أجبرهم علي المعاصي لأسقط عنهم العقاب، ولو أهملهم لكان عجزاً في القدرة، ولكن له فيهم المشيئة التي غيّبها عنهم، فإن عملوا بالطاعات كانت له المنّة عليهم، وإن عملوا بالمعصية كانت الحجة عليهم.

لطف الله ()

ما فتح الله عزّوجلّ علي أحدٍ باب مسألة فخزن عنه باب الإجابة، ولا فتح علي رجلٍ() باب عملٍ فخزن عنه باب القبول، ولا فتح لعبدٍ باب شكرٍ فخزن عنه باب المزيد.

نبويات

الله أدّب نبيّه()

إنّ الله عزّوجلّ أدّب نبيّه أحسن الأدب فقال:

خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين صلي الله عليه و اله().

فلمّا وعي الذي أمره قال تعالي: ?ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا? ().

فقال لجبرائيل عليه السلام: وما العفو؟

قال: أن تصل من قطعك، وتعطي من حرمك، وتعفو عمّن ظلمك.

فلمّا فعل ذلك، أوحي الله إليه: ?إنّك لعلي خلقٍ عظيمٍ? ().

صفة النّبيّ صلي الله عليه و اله()

عرض ملك الروم علي الحسن بن عليٍّ عليه السلام صور الأنبياء عليهم السلام فعرض عليه صنماً بلوحٍ فلمّا نظر إليه بكي بكاء شديداً، فقال له الملك: ما يبكيك؟ فقال عليه السلام:

هذه صفة جدّي محمّد صلي الله عليه و اله: كثّ اللّحية، عريض الصّدر، طويل العنق، عريض الجبهة، أقني الأنف، أفلج الأسنان، حسن الوجه، قطط الشّعر، طيّب الريح، حسن الكلام، فصيح اللسان، كان يأمر بالمعروف، وينهي عن المنكر، بلغ عمره ثلاثاً وستّين سنة، ولم يخلّف بعده إلا خاتماً مكتوباً عليه: لا إله إلا الله محمد رسول الله، وكان يختتم في يمينه، وخلّف سيفه ذا الفقار، وقضيبه، وجبّة صوفٍ، وكساء صوفٍ كان يتسرول به، لم يقطعه ولم يخطه حتي لحق بالله.

ولائيات

علم آل محمّد عليهم السلام()

مرت بالحسن بن علي عليها السلام بقرة، فقال: «هذه حُبلي بعجلة أنثي لها غرة في جبينها، ورأس ذنبها أبيض» فانطلقنا مع القصاب حتي ذبحها فوجدنا العجلة كما وصف علي صورتها، فقلنا: أو ليس الله عزوجل يقول: ?ويعلم ما في الأرحام?() فكيف علمت؟ فقال عليه السلام:

ما يعلم المخزونَ المكنون المجزوم المكتوم، الذي لم يطّلع عليه ملك مقرّب، ولا نبيّ مرسل، غير محمدٍ صلي الله عليه و اله وذريته عليهم السلام().

علم الإمام عليه السلام ()

لما صالح الحسن بن علي عليها السلام معاوية جلسا بالنخيلة، فقال معاوية: يا أبا محمد بلغني أن رسول الله صلي الله عليه و اله كان يخرص النخل، فهل لك من ذلك علم، فإن شيعتكم يزعمون أنه لا يعزب عنكم علم شيء في الأرض ولا في السماء؟

فقال الحسن عليه السلام: «إن رسول الله صلي الله عليه و اله كان يخرص كيلاً، وأنا أخرص عدداً».

فقال معاوية: كم في هذه النخلة؟

فقال الحسن عليه السلام: «أربعة آلاف بسرة وأربع بسرات» ().

فأمر معاوية بها فصرمت وعُدّت فجاءت أربعة آلاف وثلاث بسراة، فقال: ما كذبت ولا كذّبت، فنظر فإذاً في يد عبد الله بن عامر بن كريز بسرة، ثم قال عليه السلام:

يا معاوية: أما والله لولا أنك تكفر، لأخبرتك بما تعمله، وذلك أنّ رسول الله صلي الله عليه و اله كان في زمانٍ لا يكذّب، وأنت تكذّب وتقول: متي سمع من جدّه علي صغر سنّه؟ والله لتدعنّ (زياداً) ولتقتلنّ (حجراً)، ولتحملنّ إليك الرؤوس من بلدٍ إلي بلد.

علم أمير المؤمنين عليه السلام ()

إن الحسن بن علي عليها السلام كان عنده رجلان، فقال لأحدهما: إنك حدثت البارحة فلاناً بحديث كذا وكذا، فقال الرجل: إنه ليعلم ما كان، وعجب من ذلك، فقال عليه السلام: إنا لنعلم ما يجري في الليل والنهار، ثم قال:

إنّ الله تبارك وتعالي علّم رسوله الحرام والحلال، والتنزيل والتأويل، فعلّم رسول الله عليّاً علمه كله.

الله يصوّر أهل البيت عليهم السلام ()

صوّر الله عزّوجلّ عليّ بن أبي طالبٍ عليه السلام في ظهر أبي طالبٍ علي صورة

محمّدٍ صلي الله عليه و اله، فكان عليّ بن أبي طالبٍ عليه السلام أشبه الناس برسول الله صلي الله عليه و اله، وكان الحسين بن عليٍّ عليه السلام أشبه الناس بفاطمة عليها السلام، وكنت أنا أشبه الناس بخديجة الكبري عليها السلام.

نحن الأوّلون()

نحن الآخرون، ونحن الأوّلون، ونحن النور، بنور الروحانيّين، ننوّر بنور

الله، ونروح بروحه، فينا مسكنه، وإلينا معدنه، الآخر منا كالأول، والأول منا كالآخر.

لنا العاقبة ()

اعتل أمير المؤمنين عليه السلام بالبصرة فخرج الحسن عليه السلام يوم الجمعة فصلي الغداة بالناس، فحمد الله وأثني عليه وصلي علي نبيه صلي الله عليه و اله ثم قال():

إنّ الله اختارنا لنفسه، وارتضانا لدينه، واصطفانا علي خلقه، وأنزل علينا وحيه، وإنّ الله لم يبعث نبيّاً إلا اختار له نفساً() ورهطاً وبيتاً (ونحن نفس محمّدٍ ورهطه وأهل بيته) فوالذي بعث محمّداً بالحقّ()، لا ينتقص من حقّنا أهل البيت أحد، إلا نقصه الله من حقّه() مثله، من عاجل دنياه وآخرته، ولا يكون علينا دولة إلا وتكون لنا العاقبة وَلَتَعْلَمُنّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينِ صلي الله عليه و اله().

حبّنا()

والله لا يحبّنا عبد أبداً، ولو كان أسيراً في الديلم، إلا نفعه حبّنا، وإنّ حبّنا ليساقط الذنوب من بني آدم، كما يساقط الريح الورق من الشجر.

نحن الأبرار()

كلّ ما في كتاب الله عزّ وجلّ: ?إن الأبرار? () فوالله ما أراد به إلا عليّ بن أبي طالبٍ وفاطمة وأنا والحسين عليهم السلام، لأنّا نحن أبرار بآبائنا وأمهاتنا، وقلوبنا علت بالطاعات والبرّ، وتبرّأت من الدنيا وحبّها، وأطعنا الله في جميع فرائضه، وآمنّا بوحدانيته، وصدّقنا برسوله.

الأئمّة منّا()

يا معاوية قد سمعت ما قلت وما قال ابن عباس. العجب منك يا معاوية ومن قلة حيائك، ومن جرأتك علي الله حين قلت: قد قتل الله طاغيتكم وردّ الأمر إلي معدنه، فأنت يا معاوية معدن الخلافة دوننا؟! كلا()، ما أنت أهله، ولكني أقول لتسمعه بنو أبي: هؤلاء حولي.

إنّ الناس قد اجتمعوا علي أمورٍ كثيرة، ليس بينهم اختلاف فيها، ولا تنازع ولا فرقة: علي شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمّداً رسول الله وعبده، والصلوات الخمس، والزكاة المفروضة، وصوم شهر رمضان، وحجّ البيت، ثم أشياء كثيرةٍ من طاعة الله، التي لا تحصي ولا يعدّها إلا الله، واجتمعوا علي تحريم الزنا، والسرقة، والكذب، والقطيعة، والخيانة، وأشياء كثيرة من معاصي الله لا تحصي ولا يعدّها إلا الله.

واختلفوا في سننٍ اقتتلوا فيها، وصاروا فرقاً يلعن بعضهم بعضاً، وهي الولاية، ويبرأ بعضهم من بعض، ويقتل بعضهم بعضاً، أيّهم أحقّ وأولي بها، إلا فرقة تتبع كتاب الله، وسنة نبيّه صلي الله عليه وآله، فمن أخذ بما عليه أهل القبلة الذي ليس فيه اختلاف، وردّ علم ما اختلفوا فيه إلي الله، سلم ونجابه من النار، ودخل الجنّة، ومن وفّقه الله ومنّ عليه واحتجّ عليه، بأن نوّر قلبه بمعرفة ولاة الأمر من أئمتهم ومعدن العلم أين هو، فهو عند الله سعيد، ولله وليّ، وقد قال رسول الله صلي الله عليه و اله: رحم الله امرءاً علم

حقّاً فقال فغنم، أو سكت فسلم.

نحن نقول أهل البيت: إنّ الأئمة منّا، وإنّ الخلافة لا تصلح إلا فينا، وإنّ الله جعلنا أهلها في كتابه وسنة نبيّه صلي الله عليه و اله، وإنّ العلم فينا ونحن أهله، وهو عندنا مجموع كله بحذافيره، وإنّه لا يحدث شيء إلي يوم القيامة حتّي أرش الخدش إلا وهو عندنا مكتوب بإملاء رسول الله صلي الله عليه و اله وخط عليّ عليه السلام بيده.

وزعم قوم أنهم أولي بذلك منّا، حتّي أنت يا ابن هند تدّعي ذلك، وتزعم: أنّ عمر أرسل إلي أبي: إني أريد أن أكتب القرآن في مصحفٍ فابعث إليّ بما كتبت من القرآن، فأتاه فقال: تضرب والله عنقي قبل أن يصل إليك، قال: ولم؟ قال؛ لأنّ الله تعالي قال: ?والراسخون في العلم?() قال: إياي عني ولم يعنك ولا أصحابك. فغضب عمر.

ثم قال: إن ابن أبي طالبٍ يحسب أن أحداً ليس عنده علم غيره، من كان يقرأ من القرآن شيئاً فليأتني، فإذا جاء رجل فقرأ شيئاً معه فيه آخر() كتبه وإلاّ لم يكتبه؛ ثم قالوا: قد ضاع منه قرآن كثير. بل كذبوا والله، بل هو مجموع محفوظ عند

أهله().

ثم أمر عمر قضاته():

أجهدوا آراءكم واقضوا بما ترون أنّه الحقّ، فلا يزال هو وبعض ولاته قد وقعوا في عظيمةٍ، فيخرجهم منها أبي، ليحتجّ عليهم بها، فتجتمع القضاة عند خليفتهم، وقد حكموا في شيءٍ واحدٍ بقضايا مختلفةٍ، فأجازها لهم، لأنّ الله لم يؤته الحكمة وفصل الخطاب، وزعم كلّ صنفٍ من مخالفينا من أهل هذه القبلة: أنّه معدن الخلافة والعلم دوننا، فنستعين بالله علي من ظلمنا، وجحدنا حقّنا، وركب رقابنا، وسنّ للناس علينا ما يحتجّ به مثلك، وحسبنا الله ونعم الوكيل.

إنما الناس ثلاثة:

مؤمن يعرف حقّنا

ويسلّم لنا ويأتمّ بنا، فذلك ناجٍ محب لله وليّ.

وناصب لنا العداوة يتبرّأ منّا ويلعننا ويستحلّ دماءنا ويجحد حقّنا ويدين الله بالبراءة منا، فهذا كافر مشرك فاسق، وإنما كفر وأشرك من حيث لا يعلم، كما سبّوا الله عدواً بغير علمٍ() كذلك يشرك بالله بغير علمٍ.

ورجل آخذ بما لا يختلف فيه، وردّ علم ما أشكل عليه إلي الله مع ولايتنا، ولايأتمّ بنا، ولا يعادينا، ولا يعرف حقّنا، فنحن نرجو أن يغفر الله له، ويدخله الجنّة، فهذا مسلم ضعيف.

أنا الحسن بن علي()

خطب الحسن بن علي عليه السلام الناس حين قتل عليّ عليه السلام فقال:

قبض في هذه الليلة رجل لم يسبقه الأولون بعلم، ولا يدركه الآخرون، ما ترك علي ظهر الأرض صفراء ولا بيضاء إلا سبعمائة درهم فضّلت من عطائه، أراد أن يبتاع بها خادماً لأهله.

ثم قال: أيها الناس من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فأنا الحسن بن علي، وأنا ابن البشير النذير الداعي إلي الله بإذنه والسراج المنير، أنا من أهل البيت الذي ينزل فيه جبرئيل ويصعد، وأنا من أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً().

نحن أحد الثقلين()

نحن حزب الله الغالبون، وعترة رسول الله صلي الله عليه و اله الأقربون، وأهل بيته الطيبون، وأحد الثقلين اللذين خلفهما رسول الله صلي الله عليه و اله في أمّته، وتالي كتاب الله الذي فيه تفصيل كل شيءٍ لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

فالمعوّل علينا في تفسيره، لا نتظنّي تأويله بل نتيقّن حقائقه، فأطيعونا فإطاعتنا مفروضة إذ كانت بطاعة الله والرسول صلي الله عليه و اله مقرونةً.

قال الله عزوجل:

?يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرّسُولَ وَأُوْلِي الأمْرِ مِنْكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدّوهُ إِلَي اللّهِ وَالرّسُولِ?()، ?وَلَوْ رَدّوهُ إِلَي الرّسُولِ وَإِلَيَ أُوْلِي الأمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ?().

وأحذّركم الإصغاء لهتاف الشيطان، فإنّه لكم عدوّ مبين، فتكونوا أوليائه الذين قال لهم:

?لاَ غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النّاسِ وَإِنّي جَارٌ لّكُمْ فَلَمّا تَرَآءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَيَ عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنّي بَرِيَءٌ مّنْكُمْ إِنّيَ أَرَيَ مَا لاَ تَرَوْنَ?().

فتلقون إلي الرماح وزراً، وللسيوف جزراً، وللعمد حطماً، وللسهام غرضاً()، ثم لاَ يَنفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِيَ إِيمَانِهَا

خَيْراً صلي الله عليه و اله().

اتقوا الله في أهل بيت نبيكم()

إن الحسن والحسين وعبد الله بن جعفر خرجوا بحشمهم وأثقالهم حتي أتوا الكوفة، فلما قدمها الحسن عليه السلام وبرأ من جراحته خرج إلي مسجد الكوفة، فقال:

يا أهل الكوفة: اتقوا الله في جيرانكم وضيفانكم، وفي أهل بيت نبيّكم صلي الله عليه و اله الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً.

اعقلوا عن ربكم ()

روي أنه طعن أقوامٌ من أهل الكوفة في الحسن بن علي عليها السلام فقالوا: إنه عيٌّ لا يقوم بحجةٍ، فبلغ ذلك أمير المؤمنين عليه السلام فدعا الحسن فقال: يا ابن رسول الله إن أهل الكوفة قد قالوا فيك مقالةً أكرهها، فأخبر الناس، فقال: يا أمير المؤمنين لا أستطيع الكلام وأنا أنظر إليك، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: إني متخلّف عنك، فناد أن الصلاة جامعة، فاجتمع المسلمون، فصعد المنبر، فخطب خطبةً بليغةً وجيزة، فضجّ المسلمون بالبكاء، ثم قال:

أيها الناس! اعقلوا عن ربكم: ? إِنّ اللّهَ صلي الله عليه و اله عزوجل اصْطَفَيَ آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَي الْعَالَمِينَ ? ذُرّيّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللّهُ سَمِيعٌ

عَلِيمٌ صلي الله عليه و اله().

فنحن الذرية من آدم، والأسرة من نوح، والصفوة من إبراهيم، والسلالة من إسماعيل، وآل من محمد صلي الله عليه وآله.

نحن فيكم كالسماء المرفوعة، والأرض المدحوّةِ، والشمس الضاحية، وكالشجرة الزيتونة، لا شرقيةٍ ولا غربيةٍ، التي بورك زيتها.

النبيّ أصلها، وعليّ فرعها، ونحن والله ثمرة تلك الشجرة، من تعلّق بغصنٍ من أغصانها نجا، ومن تخلّف عنها فإلي النار هوي.

فقام أمير المؤمنين عليه السلام من أقصي الناس، يسحب رداءه من خلفه، حتي علا المنبر مع الحسن عليه السلام، فقبّل بين عينيه، ثم قال: يا ابن رسول الله أثبتَّ علي القوم حجتك وأوجبت عليهم طاعتك، فويل لمن خالفك.

من كان يباهي()

من كان يباء() بجدٍّ فإنّ جدي الرسول صلي الله عليه و اله، أو كان يباء بأمّ فإنّ أمي البتول عليها السلام، أو كان يباء بزوّرٍ فزائرنا جبرئيل.

لو دعوت الله تعالي()

لو دعوت الله تعالي لجعل العراق شاماً، والشام عراقاً، وجعل المرأة رجلاً، والرجل امرأةً.

ما وراء الأرض()

إن لله مدينتين إحداهما بالمشرق والأخري بالمغرب، عليهما سور من حديد، وعلي كل واحدة منهما ألف ألف مصراعٍ، وفيها ألف ألف لغةٍ()، يتكلّم كلّ لغة بخلاف صاحبه، وأنا أعرف جميع اللغات، وما فيهما وما بينهما، وما عليهما حجّة غيري وغير الحسين أخي().

فيَّ عزّة()

وقيل له: فيك عظمة. فقال عليه السلام:

بل فيّ عزّة، قال الله ?وَلِلّهِ الْعِزّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ?().

الشيعي والمحب()

قال له رجل: يا بن رسول الله إني من شيعتكم! فقال عليه السلام:

يا عبد الله إن كنت لنا في أوامرنا وزواجرنا مطيعاً فقد صدقت، وإن كنت بخلاف ذلك فلا تزد في ذنوبك بدعواك مرتبةً شريفةً لست من أهلها، لا تقل: أنا من شيعتكم، ولكن قل: أنا من مواليكم ومحبيكم ومعادي أعدائكم، وأنت في خيرٍ وإلي خير.

يتيم آل محمد عليهم السلام()

فضل كافل يتيم آل محمد المنقطع عن مواليه، الناشب() في رتبة() الجهل، يخرجه من جهله، ويوضح له ما اشتبه عليه، علي فضل كافل يتيم يطعمه ويسقيه كفضل الشمس علي السهي().

أنا الخلف()

أنا الخلف من رسول الله صلي الله عليه و اله، وأبي أمير المؤمنين عليه السلام الخليفة.

عبادات

الصلاة()

يا ابن آدم، من مثلك؟ وقد خلّي ربّك بينه وبينك؟

متي شئت أن تدخل إليه، توضأت وقمت بين يديه، ولم يجعل بينك وبينه حجاباً ولا بوّاباً، تشكو إليه همومك وفاقتك، وتطلب منه حوائجك، وتستعينه علي أمورك.

أهل المسجد()

أهل المسجد زوّار الله، وحقّ علي المزور التحفة لزائره.

الاختلاف إلي المساجد()

عن عمير بن مأمون قال: سمعت الحسن بن علي عليه السلاميقول:

سمعت جدي رسول الله صلي الله عليه و اله يقول: من أدمن الاختلاف إلي المسجد أصاب أخاً مستفاداً في الله عزوجل، أو علماً مستطرفاً أو كلمةً تدله علي الهدي أو كلمة تصرفه عن الردي، أو رحمة منتظرة، أو ترك الذنب حياءً أو خشيةً.

الزكاة()

سُئل الحسن بن علي عليها السلام عن بدو الزكاة، فقال:

إنّ الله تعالي أوحي إلي آدم: أن زكّ نفسك يا آدم!

قال: يا ربّ وما الزكاة؟

قال: صلّ عشر ركعات.

فصلّي ثم قال: ربّ هذه الزكاة عليّ وعلي الخلق؟

قال الله: هذه الزكاة عليك، وعلي ولدك بالمال من جمع من ولدك مالاً.

الله يباهي بعباده()

إن الله يباهي ملائكته بعباده يوم عرفة فيقول: عبادي جاؤوني شعثاً يتعرضون لرحمتي، فأشهدكم أني قد غفرت لمحسنهم، وشفّعت محسنهم في مسيئهم، وإذا كان يوم القيامة فمثل ذلك.

كثرة الذكر ()

أيّها الناس: إنه من نصح لله وأخذ قوله دليلاً هدي للتي هي أقوم، ووفّقه الله للرشاد، وسدّده للحسني، فإنّ جار الله آمن محفوظ، وعدوّه خائف مخذول، فاحترسوا من الله بكثرة الذكر، واخشوا الله بالتقوي، وتقرّبوا إلي الله بالطاعة، فإنه قريب مجيب.

قال الله تبارك وتعالي:

?وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنّي فَإِنّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلّهُمْ يَرْشُدُونَ?().

فاستجيبوا لله وآمنوا به، فإنّه لا ينبغي لمن عرف عظمة الله أن يتعاظم، فإنّ رفعة الذين يعلمون عظمة الله أن يتواضعوا، وعز الذين يعرفون الله أن يتذللوا له، وسلامةَ الذين يعلمون ما قدرة الله أن يستسلموا له، ولا ينكروا أنفسهم بعد المعرفة، ولا يضلوا بعد الهدي().

واعلموا علماً يقيناً:

أنكم لن تعرفوا التقي، حتي تعرفوا صفة الهدي()، ولن تمسكوا بميثاق الكتاب حتي تعرفوا الذي نبذه، ولن تتلوا الكتاب حق تلاوته حتي تعرفوا الذي حرّفه، فإذا عرفتم ذلك عرفتم البدع والتكلّف، ورأيتم الفرية علي الله والتحريف، ورأيتم كيف يهوي من يهوي، ولا يجهلنّكم الذين لا يعلمون، والتمسوا ذلك عند أهله، فإنهم خاصة نورٍ يستضاء بهم، وأئمة يقتدي بهم، بهم عيش العلم وموت الجهل، وهم الذين أخبركم حلمهم عن جهلهم()، وحكم منطقهم عن صمتهم، وظاهرهم عن باطنهم، لا يخالفون الحقّ ولايختلفون فيه، وقد خلت لهم من الله سنّة()، ومضي فيهم من الله حكم، إن في ذلك لذكري للذاكرين، واعقلوه اذا سمعتموه، عقل رعايتهٍ، ولا تعقلوه عقل روايته، فإنّ رواة الكتاب كثير، ورعاته قليل، والله المستعان().

بين يدي الله سبحانه()

كان الحسن بن علي عليه السلام إذا توضأ تغيّر لونه وارتعدت فرائصه، فقيل له في ذلك؟

فقال:

حقّ علي كلّ من وقف بين يدي ربّ العرش: أن يصفرّ لونه وترتعد مفاصله.

مواعظ

جوامع الموعظة ()

يا ابن آدم: عفّ عن محارم الله تكن عابداً، وارض بما قسم الله سبحانه تكن غنيّا،ً وأحسن جوار من جاورك تكن مسلماً، وصاحب الناس بمثل ما تحبّ أن يصاحبوك به تكن عادلاً. إنه كان بين يديكم أقوام يجمعون كثيراً، ويبنون مشيداً، ويأملون بعيداً، أصبح جمعهم بوراً، وعملهم غروراً، ومساكنهم قبوراً.

يا ابن آدم: إنك لم تزل في هدم عمرك منذ سقطت من بطن أمّك، فخذ مما في يديك لما بين يديك، فإنّ المؤمن يتزود والكافر يتمتّع.

وكان عليه السلام يتلو بعد هذه الموعظة:

وَتَزَوّدُواْ فَإِنّ خَيْرَ الزّادِ التّقْوَيَ صلي الله عليه و اله().

التقوي()

اعلموا أن الله لم يخلقكم عبثاً، وليس بتارككم سدي، كتب آجالكم، وقسّم بينكم معائشكم، ليعرف كل ذي لبٍ منزلته، وانّ ما قدّر له أصابّه، وما صرف عنه فلن يصيبه، قد كفاكم مؤونة الدنيا، وفرّغكم لعبادته، وحثّكم علي الشكر، وافترض عليكم الذكر، وأوصاكم بالتقوي، وجعل التقوي منتهي رضاه، والتقوي باب كلّ توبة، ورأس كلّ حكمة، وشرف كلّ عملٍ، بالتقوي فاز من فاز من المتّقين، قال الله تبارك وتعالي: ?إِنّ لِلْمُتّقِينَ مَفَازاً?()، وقال: ?وَيُنَجّي اللّهُ الّذِينَ اتّقَوْاْ بِمَفَازَتِهِمْ لاَ يَمَسّهُمُ السّوَءُ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ?() فاتقوّا الله عباد الله، واعلموا: أنّه من يتق الله يجعل له مخرجاً من الفتن، ويسدده في أمره، ويهيئ له رشده، ويفلجه بحجته، ويبيض وجهه، ويعطه رغبته مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصدّيقين، والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقاً.

المتقون()

لقد أصبحت أقوام() كأنهم ينظرون إلي الجنة ونعيمها، والنار وحميمها، يحسبهم الجاهل مرضي وما بهم من مرضٍ، أو قد خولطوا وإنما خالطهم أمر عظيم، خوف الله ومهابته في قلوبهم كانوا يقولون: ليس لنا في الدنيا من حاجةٍ وليس لها خلقنا ولا بالسعي لها أمرنا، أنفقوا أموالهم وبذلوا دماءهم واشتروا بذلك رضي خالقهم، علموا أنّ الله اشتري منهم أموالهم وأنفسهم بالجنة فباعوه، وربحت تجارتهم وعظمت سعادتهم، وأفلحوا وأنجحوا، فاقتفوا آثارهم رحمكم الله، واقتدوا بهم، فإنّ الله تعالي وصف لنبيّه صلي الله عليه و اله صفة آبائه إبراهيم وإسماعيل وذريتهما وقال:

فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ صلي الله عليه و اله().

واعلموا عباد الله أنكم مأخوذون بالإقتداء بهم والاتّباع لهم، فجدّوا واجتهدوا، واحذروا أن تكونوا أعواناً للظالم، فإنّ رسول الله صلي الله عليه و اله قال: من مشي مع ظالمٍ ليعينه علي ظلمه فقد خرج من ربقة الإسلام، ومن حالت شفاعته

دون حدٍ من حدودٍ الله فقد حادّ الله ورسوله، ومن أعان ظالماً ليبطل حقاً لمسلمٍ فقد برئ من ذمة الله وذمة رسوله، ومن دعا لظالمٍ بالبقاء فقد أحبّ أن يعصي الله، ومن ظلم بحضرته مؤمن أو اغتيب وكان قادراً علي نصره ولم ينصره فقد باء بغضبٍ من الله ومن رسوله، ومن نصره فقد استوجب الجنّة من الله تعالي، وإن الله تعالي أوحي إلي داود عليه السلام: قل لفلان الجبار: إني لم أبعثك لتجمع الدنيا علي الدنيا ولكن لتردّ عني دعوة المظلوم تنصره، فإني آليت علي نفسي أن أنصره، وانتصر له ممن ظلم بحضرته ولم ينصره.

أهل النار()

إن الله تعالي لم يجعل الأغلال في أعناق أهل النار لأنهم أعجزوه، ولكن إذا أطفأ بهم اللهب أرسبهم في قعرها.

حبّ الدنيا()

من أحبّ الدنيا ذهب خوف الآخرة من قلبه، ومن ازداد حرصاً علي الدنيا، لم يزدد منها إلا بعداً، وازداد هو من الله بغضاً.

والحريص الجاهد والزاهد القانع كلاهما مستوفٍ أكله، غير منقوصٍ من رزقه شيئاً، فعلام التهافت في النار؟ والخير كله في صبر ساعةٍ واحدةٍ، تورث راحةً طويلةً وسعادةً كثيرةً.

دار غفلة()

الناس في دار سهوٍ وغفلة، يعملون ولا يعلمون، فإذا صاروا إلي دار يقينٍ، يعلمون ولا يعملون.

المأكول والمعقول()

عجبت لمن يفكر في مأكوله، كيف لا يفكر في معقوله، فيجنّب بطنه ما يؤذيه، ويودع صدره ما يرديه.

تعزية()

عزي (الحسن بن علي عليها السلام) رجلا فقال:

إن كانت هذه المصيبة أحدثت لك موعظةً، وكسّبتك أجراً، وإلا فمصيبتك في نفسك أعظم من مصيبتك في ميتك.

الإجمال في الطلب()

لا تجاهد الطلب جهاد الغالب، ولا تتكل علي القدر اتكال المستسلم، فإن ابتغاء الفضل من السنة، والإجمال في الطلب من العفة، وليست العفة بدافعةٍ رزقاً، ولا الحرص بجالبٍ فضلاً، فإنّ الرزق مقسوم، واستعمال الحرص استعمال المآثم.

الدعاء المستجاب()

لقي الحسن بن علي عليها السلام عبد الله بن جعفر فقال:

يا عبد الله كيف يكون المؤمن مؤمناً وهو يسخط قسمه، ويحقّر منزلته،

والحاكم عليه الله؟ وأنا الضامن لمن لم يهجس في قلبه إلا الرضا أن يدعو الله فيستجاب له.

الموت يطلبك()

دخل جنادة بن أبي أمية علي الإمام عليه السلام بعدما سم، ويئس من شفائه أهله، فقال له: عظني يا ابن رسول الله، فقال له الإمام:

يا جنادة! استعدّ لسفرك، وحصّل زادك قبل حلول أجلك، واعلم أنّك تطلب الدنيا والموت يطلبك، ولا تحمل همّ يومك الذي لم يأت علي يومك الذي أنت فيه، واعلم أنك لا تكسب من المال شيئاً فوق قوتك إلا كنت فيه خازناً لغيرك.

واعلم: أنّ الدنيا في حلالها حساب، وفي حرامها عقاب، وفي الشبهات عتاب، فأنزل الدنيا بمنزلة الميتة خذ منها ما يكفيك، فإن كان حلالاً كنت قد زهدت فيه، وإن كان حراماً لم يكن فيه وزر، فأخذت منه كما أخذت من الميتة، وإن كان العقاب فالعقاب يسير.

واعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً، واعمل لآخرتك كأنّك تموت غداً.

وإذا أردت عزّاً بلا عشيرة، وهيبةً بلا سلطان، فاخرج من ذل معصية الله إلي عزّ طاعة الله عزّوجلّ.

وإذا نازعتك إلي صحبة الرجال حاجة، فاصحب من إذا صحبته زانك، وإذا أخذت منه صانك()، وإذا أردت منه معونةً أعانك، وإن قلت صدق قولك، وإن صلت شدّ صولتك، وإن مددت يدك بفضلٍ مدّها، وإن بدت منك ثلمة سدّها، وإن رأي منك حسنةً عدّها، وإن سألته أعطاك، وإن سكتّ عنه ابتدأك، وإن نزلت بك إحدي الملمات واساك، من لا تأتيك منه البوائق، ولا تختلف عليك منه الطرائق، ولايخذلك عند الحقائق، وإن تنازعتما منقسما آثرك.

الموت()

سئل الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام: ما الموت الذي جهلوه؟ قال:

أعظم سرورٍ يرد علي المؤمنين إذا نقلوا عن دار النكد إلي نعيم الأبد، وأعظم ثبور يرد علي الكافرين إذا نقلوا عن جنتهم إلي نارٍ لا تبيد ولا تنفذ.

هول المطّلع()

لما حضرت الحسن (بن عليّ بن أبي طالب) عليه السلام الوفاة بكي، فقيل له: يا ابن رسول الله تبكي ومكانك من رسول الله الذي أنت به، وقد قال صلي الله عليه و اله فيك ما قال، وقد حججت عشرين حجةً ماشياً، وقد قاسمت ربّك مالك ثلاث مرّات حتي النعل بالنعل؟ فقال:

إنما أبكي لخصلتين: لهول المطّلع، وفراق الأحبّة.

أخلاق

أخٌ كريم()

خطب الناس الحسن بن علي عليها السلام فقال:

إني أخبركم عن أخٍ كان من أعظم الناس في عيني، وكان عظيم() ما عظّمَه في عيني صغر الدنيا في عينه.

كان خارجاً عن سلطان بطنه، فلا يشتهي ما لا يجد، ولا يكثر إذا وجد.

وكان خارجاً عن سلطان فرجه، فلا يستخفّ له عقله ولا رأيه.

وكان خارجاً عن سلطان جهله()، فلا يمدّ يداً إلا علي ثقةِ المنفعة، ولا يخطو خطوةً إلا لحسابه.

وكان لا يسخط ولا يتبرم.

كان إذا اجتمع بالعلماء يكون علي أن يسمع أحرص منه علي أن يتكلّم، وكان إذا غلب علي الكلام لا يغلب علي الصمت.

(و) كان أكثر دهره صامتاً، فإذا قال بدّ القائلين().

وكان لا يشارك في دعوي، ولا يدخل في مراء، ولا يدلي بحجة، حتي يري قاضياً يقول() مالا يفعل ويفعل مالا يقول، تفضلاً وتكرماً().

(و) كان لا يغفل عن إخوانه، ولا يستخصّ() بشيء دونهم.

(و) كان لا يلوم أحداً فيما يقع العذر بمثله.

(و) كان إذا ابتدأه أمران، لا يدري أيهما أقرب إلي الحقّ، نظر فيما هو أقرب إلي هواه فخالفه.

تفسير الأخلاق الفاضلة()

وجه الإمام علي عليه السلام إلي الحسن عليه السلام أسئلةً تتعلق بأصول الأخلاق والفضائل، فأجابه الإمام الحسن عليه السلام فكان بينهما الحوار التالي:

أمير المؤمنين عليه السلام: يا بني ما السداد؟

الحسن عليه السلام: يا أبت السداد دفع المنكر بالمعروف.

أمير المؤمنين عليه السلام: ما الشرف؟

الحسن عليه السلام: اصطناع العشيرة وحمل الجريرة.

أمير المؤمنين عليه السلام: ما المروءة؟

الحسن عليه السلام: العفاف وإصلاح المرء ماله.

أمير المؤمنين عليه السلام: ما الدنيئة؟

الحسن عليه السلام: النظر في اليسير ومنع الحقير.

أمير المؤمنين عليه السلام: ما اللؤم؟

الحسن عليه السلام: احتراز المرء نفسه وبذله عرسه.

أمير المؤمنين عليه السلام: ما السماحة؟

الحسن عليه السلام: البذل في العسر واليسر.

أمير المؤمنين عليه السلام: ما الشحّ؟

الحسن

عليه السلام: أن تري ما في يديك شرفاً وما أنفقته تلفاً.

أمير المؤمنين عليه السلام: ما الإخاء؟

الحسن عليه السلام: الوفاء في الشدة والرخاء.

أمير المؤمنين عليه السلام: ما الجبن؟

الحسن عليه السلام: الجرأة علي الصديق والنكول عن العدو.

أمير المؤمنين عليه السلام: ما الغنيمة؟

الحسن عليه السلام: الرغبة في التقوي، والزهادة في الدنيا هي الغنيمة الباردة.

أمير المؤمنين عليه السلام: ما الحلم؟

الحسن عليه السلام: كظم الغيظ وملك النفس.

أمير المؤمنين عليه السلام: ما الغني؟

الحسن عليه السلام: رضي النفس بما قسم الله لها وإن قلّ وإنما الغني عن النفس.

أمير المؤمنين عليه السلام: ما الفقر؟

الحسن عليه السلام: شره النفس في كل شيء.

أمير المؤمنين عليه السلام: ما المنعة؟

الحسن عليه السلام: شدة البأس ومنازعة أعزّ الناس.

أمير المؤمنين عليه السلام: ما الذّلّ؟

الحسن عليه السلام: الفزع عند المصدوقة.

أمير المؤمنين عليه السلام: ما العيّ؟

الحسن عليه السلام: العبث باللحية وكثرة البزاق عند المخاطبة.

أمير المؤمنين عليه السلام: ما الجرأة؟

الحسن عليه السلام: موافقة الأقران.

أمير المؤمنين عليه السلام: ما الكلفة؟

الحسن عليه السلام: كلامك فيما لا يعنيك.

أمير المؤمنين عليه السلام: ما المجد؟

الحسن عليه السلام: أن تعطي في الغرم وتعفو عن الجرم.

أمير المؤمنين عليه السلام: ما العقل؟

الحسن عليه السلام: العقل حفظ كلّ ما استوعيته.

أمير المؤمنين عليه السلام: ما الخرق؟

الحسن عليه السلام: معاداتك إمامك ورفعك عليه كلامك.

أمير المؤمنين عليه السلام: ما السناء؟

الحسن عليه السلام: إتيان الجميل وترك القبيح.

أمير المؤمنين عليه السلام: ما الحزم؟

الحسن عليه السلام: طول الأناة والرفق بالولاة.

أمير المؤمنين عليه السلام: ما السفه؟

الحسن عليه السلام: إتباع الدّناة ومصاحبة الغواة.

أمير المؤمنين عليه السلام: ما الغفلة؟

الحسن عليه السلام: تركك المسجد وطاعتك المفسد.

أمير المؤمنين عليه السلام: ما الحرمان؟

الحسن عليه السلام: تركك حظّك وقد عرض عليك.

أمير المؤمنين عليه السلام: من السيّد؟

الحسن عليه السلام: الأحمق في ماله. والمتهاون في عرضه:

يشتم فلا يجيب، المهتمّ بأمر عشيرته، هو السيّد.

أمير المؤمنين عليه السلام: فما الجهل؟

الحسن عليه السلام: سرعة الوثوب علي الفرصة، قبل الاستمكان منها، والامتناع عن الجواب. ونعم العون الصمت، في مواطن كثيرة، وإن كنت فصيحاً ().

مكارم الأخلاق()

قال جابر: سمعت الحسن عليه السلام يقول:

مكارم الأخلاق عشرة: صدق اللسان، وصدق البأس، وإعطاء السائل، وحسن الخلق، والمكافأة بالصنائع، وصلة الرحم، والتذميم علي الجار ومعرفة الحق للصاحب، وقري الضيف، ورأسهن الحياء.

فضائل()

الحزم أن تنتظر فرصتك وتعاجل ما أمكنك، والمجد حمل المعازم وابتناء المكارم، والسماحة إجابة السائل وبذل النائل، والرقة طلب اليسير ومنع الحقير، والكلفة التمسك لمن لا يواتيك، والنظر بما لا يعنيك.

العقل()

سئل الحسن بن علي عليه السلام فقيل له: ما العقل؟ فقال:

التجرع للغصة، حتي ننال الفرصة، ومداهنة الأعداء.

العقل والحلم()

اعلموا أن العقل حرز، والحلم زينة، والوفاء مروءة، والعجلة سفه، والسفه ضعف، ومجالسة أهل الدنيا شين، ومخالطة أهل الفسوق ريبة، ومن استخف بإخوانه فسدت مروءته، ولا يهلك إلا المرتابون، وينجو المهتدون الذين لم يتهموا الله في آجالهم طرفة عينٍ، ولا في أرزاقهم، فمروءتهم كاملة، وحياؤهم كامل، يصبرون حتي يأتي بهم الله برزقٍ، ولا يبيعون شيئاً من دينهم ومروءاتهم بشيءٍ من الدنيا، ولا يطلبون شيئاً منها بمعاصي الله، ومن عقل المرء ومروءته أن يسرع إلي قضاء حوائج إخوانه وإن لم ينزلوها به، والعقل أفضل ما وهب الله تعالي للعبد، إذ به نجاته في الدنيا من آفاتها، وسلامته في الآخرة من عذابها، وقد قيل(): إنهم وصفوا رجلاً عند رسول الله صلي الله عليه و اله بحسن عبادته، فقال صلي الله عليه و اله: انظروا إلي عقله فإنما يجزي العباد يوم القيامة علي قدر عقولهم، وحسن الأدب دليل علي صحة العقل.

العقل والهمة والدين()

لا أدب لمن لا عقل له، ولا مودّة لمن لا همّة له، ولا حياة لمن لا دين له.

المروءة ()

سئل عن المروءة، فقال عليه السلام:

شح الرجل علي دينه، وإصلاحه ماله، وقيامه بالحقوق.

المروءة والكرم والنجدة()

روي: أن معاوية قال للإمام عليه السلام: يا أبا محمد، ثلاث خلال ما وجدت من يخبرني عنهن، قال: وما هن؟ قال: المروؤة والكرم والنجدة، قال:

أما المروءة فإصلاح الرجل أمر دينه، وحسن قيامه علي ماله، ولين الكفّ وإفشاء السلام، والتحبب إلي الناس.

والكرم: العطية قبل السؤال، والتبرع بالمعروف، والإطعام في المحل.

ثم النجدة: الذبّ عن الجار، والمحاماة في الكريهة، والصبر عند الشدائد.

الكبر والحرص والحسد()

هلاك الناس في ثلاثٍ: الكبر، والحرص، والحسد.

فالكبر هلاك الدين، وبه لعن إبليس.

والحرص عدوّ النفس، وبه أخرج آدم عليه السلام من الجنة.

والحسد رائد السوء، وبه قتل هابيل قابيل.

البخل()

سئل عن البخل فقال عليه السلام:

هو أن يري الرجل ما أنفقه تلفاً، وما أمسكه شرفاً.

الناس أربعة()

الناس أربعة: فمنهم من له خُلق() ولا خلاق() له.

ومنهم من له خَلاقٌ ولا خُلق له.

ومنهم من لا خُلق ولا خلاق له، وذلك أشرّ الناس.

ومنهم مَن له خُلق وخَلاق، فذلك خير الناس.

أحسن الناس()

قيل له: من أحسن الناس عيشاً؟ قال عليه السلام:

من أشرك الناس في عيشه.

أشرّ الناس()

وقيل: من أشرّ الناس؟ قال عليه السلام:

من لا يعيش في عيشه أحد.

شر الناس()

قال رجل للحسن عليه السلام: من شر الناس؟ فقال عليه السلام:

من يري أنه خيرهم.

إذا طلبتم الحوائج()

إذا طلبتم الحوائج فاطلبوها من أهلها.

قيل: يا ابن رسول الله ومن أهلها؟

قال: الذين قصّ الله في كتابه وذكرهم، فقال: ?إِنّمَا يَتَذَكّرُ أُوْلُواْ الألْبَابِ?()، قال: هم أولوا العقول.

لا تمدح ولا تكذب()

سأله رجل أن يكون صديقاً() له وجليساً، فقال عليه السلام له:

إياك أن تمدحني، فأنا أعلم بنفسي منك، أو تكذبني فإنّه لا أري لمكذوب، أو تغتاب عندي أحداً.

فقال الرجل: ائذن لي في الانصراف.

قال عليه السلام له: نعم إذا شئت.

السلام()

من بدأ بالكلام قبل السلام فلا تجيبوه.

التقبيل()

إذا لقي أحدكم أخاه، فليقبّل موضع النور من جبهته.

آداب الطعام()

في المائدة اثنتا عشرة خصلة يجب علي كل مسلم أن يعرفها: أربع منها فرض، وأربع منها سنة، وأربع منها تأديب.

فأما الفرض: المعرفة، الرضا، التسمية، الشكر.

وأما السنة: فالوضوء قبل الطعام، والجلوس علي الجانب الأيسر، والأكل بثلاث أصابع، ولعق الأصابع.

وأما التأديب: فالأكل مما يليك، وتصغير اللقمة، وقلة النظر في وجوه الناس.

غسل اليدين()

غسل اليدين قبل الطعام ينفي الفقر، وبعده ينفي الهم.

لقطات من الأخلاق()

اعلموا يا أهل الكوفة!

أن الحلم زينة، والوفاء مروءة، والعجلة سفه، والفرّ ضعف، ومجالسة أهل الدناءة شين، ومخالطة أهل الفسوق ريبة.

العلم()

عن الحسن بن علي عليه السلام أنه دعا بنيه وبني أخيه فقال:

إنّكم صغار قومٍ، ويوشك أن تكونوا كبار قوم آخرين، فتعلّموا العلم، فمن لم يستطع منكم أن يحفظه فليكتبه وليضعه في بيته.

سياسيّات

السياسة

سأله شخص عن رأيه في السياسة؛

فقال عليه السلام:

هي أن ترعي حقوق الله، وحقوق الأحياء، وحقوق الأموات.

فأمّا حقوق الله: فأداء ما طلب، والاجتناب عما نهي.

وأمّا حقوق الأحياء: فهي أن تقوم بواجبك نحو إخوانك، ولا تتأخّر عن خدمة أمتك، وأن تخلص لوليّ الأمر ما أخلص لأمّته، وأن ترفع عقيرتك في وجهه إذا ما خلا عن الطريق السويّ.

وأما حقوق الأموات: فهي أن تذكر خيراتهم وتتغاضي عن مساوئهم فإنّ لهم ربّا يحاسبهم().

ما يجب علي الملك()

وقال له معاوية: ما يجب لنا في سلطاننا؟ قال الإمام عليه السلام:

ما قال سليمان بن داود!

قال معاوية: وما قال سليمان؟

قال الإمام عليه السلام: إنه قال لبعض أصحابه: أتدري ما يجب علي الملك في ملكه، وما لا يضرّه إذا أدّي الذي عليه منه:

إذا خاف الله في السرّ والعلانية، وعدل في الغضب والرّضا، وقصد في الفقر والغني، ولم يأخذ الأموال غصباً، ولم يأكلها إسرافاً وتبذيراً، ولم يضرّه ما تمتّع به من دنياه إذا كان من خلّته.

استنصار()

روي أن علياً عليه السلام بعث إلي الكوفة الحسن ابنه عليه السلام وبعض أصحابه، ومعهم كتاب إلي أهل الكوفة. فلما دخل الحسن عليه السلام وعمار الكوفة اجتمع إليهما الناس، فقام الحسن عليه السلام فاستنفر الناس، فحمد الله وصلي علي رسوله، ثم قال:

أيّها الناس، إنّا جئنا ندعوكم إلي الله، وإلي كتابه وسنة رسوله، وإلي أفقه من تفقّه من المسلمين، واعدل من تعدلون، وأفضل من تفضلون، وأوفي من تبايعون، من لم يعبه القرآن، ولم تجهله السّنّة، ولم تقعد به السابقة، إلي من قرّبه الله تعالي ورسوله قرابتين، قرابة الدين وقرابة الرحم، إلي من سبق الناس إلي كلّ مأثرة.

إلي من كفي الله به رسوله والناس متخاذلون، فقرب منه وهم متباعدون، وصلّي معه وهم به مشركون، وقاتل معه وهم منهزمون، وبارز معه وهم محجمون، وصدّقه وهم مكذبون، إلي من لم تردّ له رواية، ولا تكافئ له سابقة، وهو يسألكم النصر، ويدعوكم إلي الحقّ، ويسألكم بالمسير إليه، لتؤازروه وتنصروه علي قومٍ نكثوا بيعته، وقتلوا أهل الصلاح من أصحابه، ومثلوا بعماله، وانتهبوا بيت ماله، فاشخصوا إليه رحمكم الله، فمروا بالمعروف وانهوا عن المنكر، واحضروا بما يحضر به الصالحون.

استنفار()

أيها الناس! إنه قد كان من أمير المؤمنين عليه السلام ما تكفيكم جملته، وقد أتيناكم مستنفرين لكم، لأنكم جبهة الأمصار ورؤساء العرب().

وقد كان من نقض طلحة والزبير بيعتهما وخروجهما بعائشة ما قد بلغكم، وهو ضعفُ النساء()، وقد قال الله تعالي: ?الرجال قوامون علي النساء?().

وأيم الله، لو لم ينصره أحد لرجوت أن يكون له فيمن أقبل معه من المهاجرين والأنصار، ومن يبعث الله له من نجباء الناس كفاية، فانصروا الله ينصركم.

أجيبوا دعوة أميركم ()

جاء زيد ين بن صوحان بكتب عائشة فقرأها علي الناس، فثاروا، وافترقوا فريقين، فقام الحسن بن علي عليه السلام فقال:

يا أيها الناس! أجيبوا دعوة أميركم، وسيروا إلي إخوانكم، فإنه سيوجد لهذا الأمر من ينفر إليه، والله لأن يليه أولوا النّهي أمثل في العاجلة وخير في العاقبة، فأجيبوا دعوتنا، وأعينونا علي ما ابتلينا به وابتليتم().

تحريض أهل الكوفة()

أيها الناس! إنّ أمير المؤمنين يقول: إني خرجت مخرجي هذا ظالماً أو مظلوماً، وإني اذكر الله عزوجل رجلاً رعي الله حقاً إلا نفر، فإن كنت مظلوماً أعانني، وإن كنت ظالماً أخذ مني، والله إنّ طلحة والزبير، لأوّل من بايعني، وأوّل من غدر، فهل استأثرت بمالٍ أو بدّلت حكماً، فانفروا، فمروا بمعروف وانهوا عن منكر.

استنفار إلي الجمل()

عن تميم بن حذيم قال: قدم علينا الحسن بن علي عليه السلام وعمار بن ياسر يستنفران الناس إلي علي عليه السلام ومعهما كتابه، فلما فرغا من كتابه قام الحسن عليه السلام وهو فتي حدث، والله إني لأرثي له من حداثة سنّه وصعوبة مقامه فرماه الناس بأبصارهم وهم يقولون: اللهم سدد منطق ابن بنت نبينا فوضع يده علي عمود يتساند إليه وكان عليلا من شكوي به فقال:

الحمد لله العزيز الجبار، الواحد القهار، الكبير المتعال، سواء منكم من أسر القول ومن جهر به، ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار، أحمده علي حسن البلاء وتظاهر النعماء، وعلي ما أحببنا وكرهنا من شدة ورخاء.

وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، امتن علينا بنبوته، واختصه برسالته، وأنزل عليه وحيه، واصطفاه علي جميع خلقه، وأرسله إلي الإنس والجن، حين عبدت الأوثان وأطيع الشيطان وجحد الرحمن، فصلي الله عليه وآله وجزاه أفضل ما جزي المرسلين.

أما بعد، فإني لا أقول لكم إلا ما تعرفون، إن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أرشد الله أمره وأعز نصره، بعثني إليكم يدعوكم إلي الصواب، وإلي العمل بالكتاب والجهاد في سبيل الله، وإن كان في عاجل ذلك ما تكرهون فإن في آجله ما تحبون،

إن شاء الله.

ولقد علمتم أن علياً صلي مع رسول الله صلي الله عليه

و اله وحده، وأنه يوم صدق به لفي عاشرة من سنّه، ثم شهد مع رسول الله صلي الله عليه و اله جميع مشاهده، وكان من اجتهاده في مرضات الله وطاعة رسوله وآثاره الحسنة في الإسلام ما قد بلغكم.

ولم يزل رسول الله صلي الله عليه و اله راضياً عنه حتي غمّضه بيده وغسّله وحده، والملائكة أعوانه، والفضل ابن عمه ينقل إليه الماء، ثم أدخله حفرته، وأوصاه بقضاء دينه وعداته، وغير ذلك من مَنِّ الله عليه.

ثم والله ما دعا إلي نفسه، ولقد تداك الناس عليه تداك الإبل الهيم عند ورودها، فبايعوه طائعين، ثم نكث منهم ناكثون، بلا حدث أحدثه ولا خلاف أتاه، حسداً له وبغيا عليه.

فعليكم عباد الله بتقوي الله والجد والصبر والاستقامة بالله، والخفوف إلي ما دعاكم إليه أمير المؤمنين عليه السلام.

عصمنا الله وإياكم بما عصم به أولياءه وأهل طاعته، وألهمنا وإياكم تقواه، وأعاننا وإياكم علي جهاد أعدائه، وأستغفر الله العظيم لي ولكم().

تحريض لنصرة الحق()

لما بلغ أمير المؤمنين عليه السلام خطبة عبد الله بن الزبير() قال لولده الحسن عليه السلام: قم يا بني فاخطب.

فحمد الله وأثني عليه وقال:

أيها الناس! قد بلغنا مقالة ابن الزبير، وقد كان والله أبوه يتجني() علي عثمان الذنوب، وقد ضيق عليه البلاد حتي قتل، وإن طلحة راكز() رايته علي بيت ماله، وهو حي.

وأما قوله: إن علياً ابتز الناس أمورهم، فإنه أعظم حجة لأبيه، زعم أنه بايعه بيده ولم يبايعه بقلبه، فقد أقر بالبيعة وادّعي الوليجة()، فليأت علي ما ادّعاه ببرهان، وأني له ذلك؟!

وأما تعجبه من تورد أهل الكوفة علي أهل البصرة، فما عجبه من أهل حق توردوا علي أهل باطل؟

ولعمري والله ليعلمن أهل البصرة، فميعاد ما بيننا وبينهم يوم نحاكمهم إلي الله، فيقضي

الله بالحق، وهو خير الفاصلين().

غضبنا لله ولكم()

إن مما عظّم الله عليكم من حقّه، واسبغ عليكم من نعمه، ما لا يحصي ذكره، ولا يؤدّي شكره، ولا يبلغه قول ولا صفة.

ونحن إنما غضبنا لله ولكم، فإنّه منّ علينا بما هو أهله، أن نشكر فيه آلاءَه وبلاءَه ونعماءَه، قولا يصعد إلي الله فيه الرضا، وتنتشر فيه عارفة الصدق يصدق الله فيه قولنا، ونستوجب فيه المزيد من ربّنا، قولا يزيد ولا يبيد، فإنه لم يجتمع قوم قطّ علي أمرٍ واحدٍ إلا اشتدّ أمرهم، واستحكمت عقدتهم، فاحتشدوا في قتال عدوّكم وجنوده ولا تخاذلوا، فإنّ الخذلان يقطع نياط القلوب، وإن الإقدام علي الأسنة، نخوة وعصمة، لأنه لم يمتنع قوم قطّ إلا رفع الله عنهم العلة، وكفاهم حوائج الذلة، وهداهم إلي معالم الملة.

ثم أنشد:

والصلح تأخذ منه ما رضيت به الحرب يكفيك من أنفاسها جرع

رفض وتوبيخ()

استنكر بعض المنافقين شدة امير المؤمنين عليه السلام في الله فعمدوا إلي الإمام الحسن عليه السلام وأغروه بمبايعته، لشق وحدة شيعة أمير المؤمنين عليه السلام فرفض الإمام الحسن عليه السلام عرضهم، بأنه خروج علي إمام زمانه، ولما ألح عليه عبد الله بن عمر صاح به:

كلا!. والله لا يكون ذلك. لكأني انظر إليك مقتولاً في يومك أو غدك! أما إن الشيطان قد زيّن لك وخدعك، حتي أخرجك مخلقاً بالخلوف، تري سناء أهل الشام موقفك. وسيصرعك الله ويبطحك لوجهك قتيلاً.

حكما بالهوي()

لما فشل التحكيم في قصة أبي موسي()، سرت الفوضي في الناس فأمر الإمام أمير المؤمنين عليه السلام نجله الإمام الحسن عليه السلام بان يخطب في الناس فيلقي ضوءاً علي الواقع الذي غشيه غبار الجهل حتي تواري عن العيون، فقال له: قم يا بني، فقل في هذين الرجلين عبد الله بن قيس، وعمرو بن العاص، فقام الإمام الحسن عليه السلام حتي إذا اعتلي المنبر قال:

أيها الناس! إنكم قد أكثرتم في أمر عبد الله بن قيس وعمرو بن العاص، فإنما بعثا ليحكما بكتاب الله، فحكما بالهوي علي الكتاب، ومن كان هكذا لم يسم حكماً، ولكنه محكوم عليه.

وقد أخطأ عبد الله بن قيس في أن أوصي بها إلي عبد الله بن عمر، فأخطأ في ذلك في ثلاث خصال: في أن أباه لم يرضه لها، وفي أنه لم يستأمره، وفي أنه لم يجتمع عليه المهاجرون والأنصار، الذين نفّذوها لمن بعده، وإنما الحكومة فرض من الله.

و قد حكم رسول الله صلي الله عليه و اله سعداً في بني قريظة، فحكم فيهم بحكم الله لا شك فيه، فنفذ رسول الله صلي الله عليه و اله حكمه، ولو خالف ذلك لم يجره.

بعد يوم من وفاة أبيه عليها السلام()

لما توفي أمير المؤمنين عليه السلام وكان من الغد، قام الحسن عليه السلام خطيباً علي المنبر فحمد الله وأثني عليه، ثم قال:

أيها الناس! في هذه الليلة نزل القرآن، وفي هذه الليلة رفع عيسي ابن مريم، وفي هذه الليلة قتل يوشع بن نون، وفي هذه الليلة مات أبي أمير المؤمنين، والله لا يسبق أبي أحد كان قبله من الأوصياء إلي الجنة، ولا من يكون بعده.

وإن كان رسول الله صلي الله عليه و اله ليبعثه في السرية، فيقاتل جبرئيل عن يمينه وميكائيل

عن يساره، وما ترك صفراء ولا بيضاء إلا سبعمائة درهم فضلت من عطائه، كان يجمعها ليشتري بها خادماً لأهله.

أنا الحسن بن محمد النبي صلي الله عليه و اله()

من خطبة له عليه السلام بعد شهادة أبيه عليه السلام، بعد الحمد والثناء علي الله سبحانه وذكر بعض فضائل والده، قال:

من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا الحسن بن محمد النبي صلي الله عليه و اله.

ثم تلي هذه الآية قول يوسف عليه السلام: ?وَاتّبَعْتُ مِلّةَ آبَآئِيَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ?().

أنا ابن البشير، وأنا ابن النذير، وأنا ابن الداعي إلي الله، وأنا ابن السراج المنير، وأنا ابن الذي أرسل رحمة للعالمين، وأنا من أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، وأنا من أهل البيت الذين كان جبرئيل ينزل عليهم، ومنهم كان يعرج.

وأنا من أهل البيت الذين افترض الله مودتهم وولايتهم فقال فيما أنزل علي محمد صلي الله عليه و اله: ?قُل لاّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاّ الْمَوَدّةَ فِي الْقُرْبَيَ وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً?()، واقتراف الحسنة مودتنا أهل البيت.

شرط البيعة()

إن الناس أتوا الحسن بن علي عليه السلام بعد وفاة علي عليه السلام ليبايعوه، فقال:

الحمد لله علي ما قضي من أمرٍ، وخصّ من فضلٍ، وعمّ من أمر، وجلّل من عافيةٍ، حمداً يتمّ به علينا نعمه، ونستوجب به رضوانه، إنّ الدنيا دار بلاءٍ وفتنةٍ، وكلّ ما فيها إلي زوال، وقد نبّأنا الله عنها كي ما نعتبر، فقدّم إلينا بالوعيد، كيلا يكون لنا حجة بعد الإنذار، فازهدوا فيما يفني، وارغبوا فيما يبقي، وخافوا الله في السرّ والعلانية، إنّ علياً عليه السلام في المحيا والممات والمبعث عاش بقدرٍ ومات بأجل، وإني أبايعكم علي أن تسالموا من سالمت، وتحاربوا من حاربت.

تحريض الناس لاتباعهم()

لما قتل أمير المؤمنين عليه السلام، وبايع الناس نجله الإمام الحسن عليه السلام، خطب الإمام في أهل الكوفة، فحمد الله وأثني عليه، ثم قال:

معاشر الناس!

عفيت() الديار، ومحيت الآثار، وقلّ الاصطبار، فلا قرار علي همزات الشياطين وحكم الخائنين، الساعة والله صحّت() البراهين، وفصّلت() الآيات، وبانت المشكلات، ولقد كنا نتوقّع تمام هذه الآية تأويلها، قال الله عزوجلّ: ?وَمَا مُحَمّدٌ إِلاّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرّسُلُ أَفإِنْ مّاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَيَ أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَيَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشّاكِرِينَ?().

فلقد مات والله جدي رسول الله صلي الله عليه و اله وقتل أبي عليه السلام، وصاح الوسواس الخناس في قلوب الناس، ونعق ناعق الفتنة، وخالفتم السّنّة، فيا لها من فتنةٍ صمّاء عمياء لا يسمع لداعيها، ولا يجاب مناديها، ولا يخالف واليها، ظهرت كلمة النفاق، وسيّرت رايات أهل الشّقاق. وتكالبت جيوش أهل المراق، من الشام والعراق، هلمّوا رحمكم الله إلي الافتتاح، والنور الوضّاح، والعلم الجحجاح والنّور الذي لا يطفي، والحقّ الذي لا يخفي.

يا أيّها الناس تيقّظوا من رقدة

الغفلة، ومن نهزة الوسعة، ومن تكاثف() الظّلمة، ومن نقصان مخلصة، فو الذي فلق الحبّة، وبرأ النسمة، وتردّي بالعظمة، لئن قام إليّ منكم عصبة بقلوبٍ صافيةٍ، ونيّاتٍ مخلصةٍ()، لا يكون فيها شوب نفاق، ولا نيّة افتراق، لأجاهدنّ بالسيف قدماً قدماً، ولأضعنَّ() من السيوف جوانبها، ومن الرّماح أطرافها، ومن الخيل سنابكها، فتكلّموا رحمكم الله().

إعلان الحرب()

خرج الإمام الحسن عليه السلام فصعد المنبر، فحمد الله وأثني عليه، ثم قال:

أما بعد، فإنّ الله كتب الجهاد علي خلقه وسمّاه كرهاً، ثم قال لأهل الجهاد من المؤمنين: ?اصْبِرُوَاْ إِنّ اللّهَ مَعَ الصّابِرِينَ?()، فلستم أيّها الناس نائلين ما تحبّون، إلا بالصبر علي ما تكرهون، بلغني أن معاوية بلغه أنّا كنّا أزمعنا علي المسير إليه فتحرّك، لذلك اخرجوا رحمكم الله، إلي معسكركم بالنخيلة حتي ننظر وتنظرون ونري وترون.

التعبئة الفكرية()

عند ما اجتمع أهل الكوفة لحرب معاوية أراد الإمام الحسن عليه السلام أن يستبرئ ضمائرهم، فأمر أن ينادي بالصلاة جامعة، فاجتمعوا وصعد المنبر فخطبهم فقال:

الحمد لله كلّما حمده حامد، وأشهد أن لا إله إلا الله كلّما شهد له شاهد، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله: أرسله بالحق، وأتمنه علي الوحي، صلي الله عليه وآله وسلم.

أمّا بعد: فوالله إني لأرجو أن أكون قد أصبحت بحمد الله ومنّه، وأنا أنصح خلق الله لخلقه، وما أصبحت محتملاً علي مسلمٍ ضغينة، ولا مريداً له سوءاً ولا غائلةً، ألا وإنّ ما تكرهون في الجماعة، خير لكم مما تحبّون في الفرقة، ألا وإني ناظر لكم خيرً من نظركم لأنفسكم، فلا تخالفوا أمري، ولا تردّوا عليّ رأيي، غفر الله لي ولكم، وأرشدني وإياكم لما فيه المحبة والرّضا.

تعاليم حربية()

لما أراد الإمام الحسن عليه السلام الزحف علي جيش الشام، استقدم عبيد الله بن عباس، فعقد له لواء علي اثني عشر ألفاً، ثم قال له:

يا ابن عمّ: إني باعث معك اثني عشر ألفاً من فرسان العرب وقرّاء مصر.. فسر بهم وألن جانبك وابسط وجهك، وافرش لهم جناحك، وأدنهم من مجلسك، وسر بهم علي شطّ الفرات، حتي تقطع بهم الفرات، ثم تصير بمسكن، ثم امض حتّي تستقبل معاوية، فإن أنت لقيته فاحبسه حتي نأتيك، فإني في أثرك وشيكا، وليكن خبرك عندي كلّ يوم، وشاور هذين يعني قيس بن سعيد وسعيد بن قيس فإذا لقيت معاوية فلا تقاتلنّه حتي يقاتلك، وإن فعل فقاتله، فإن أصبت فقيس علي الناس، وإن أصيب قيس، فسعيد بن قيسٍ علي النّاس.

عبيد الدنيا()

ووجه الإمام عليه السلام جيشاً إلي الشام بقيادة رجل من (الكندة) يدعي (الحكم) ولما ورد (الحكم) إلي الأنبار، أرسل إليه معاوية بالأموال والوعود، فأغراه بالهروب إليه، وهرب (الحكم) فالتحق بمعاوية ولما بلغ نبأه الإمام، قام خطيباً فيمن بقي من الجيش فقال:..

هذا الكنديّ توجّه إلي معاوية، وغدر بي وبكم، وقد أخبرتكم مرةً بعد مرة: أنّه لا وفاء لكم، أنتم عبيد الدنيا. وأنا موجّه رجلاً آخر مكانه وإني أعلم: أنه سيفعل بي وبكم ما فعل صاحبه، ولا يراقب الله فيّ ولا فيكم.

فبعث إليه رجلاً من مراد في أربعة آلاف، وتقدم إليه بمشهد من الناس وتوكّد عليه، وأخبره أنه سيغدر كما غدر الكندي، فحلف له بالأيمان التي لا تقوم لها الجبال أنه لا يفعل، فقال الحسن عليه السلام: أنه سيغدر.

ثم ذكر غدره بالإمام عليه السلام.

أعلم أنكم غادرون()

قال الإمام عليه السلام لبعض المتظاهرين بأنهم من أصحابه، الغادرين به، والمتربصين به لصالح معاوية:

إني لأعلم أنكم أهل مكر وخدعة، وأعلم أنكم غادرون ما بيني وبينكم، ولكني أتم الحجة عليكم فاجتمعوا غداً في النخيلة، ووافوني هناك ولا تنقضوا بيعتي، واتقوا عذاب الله.

تخلّف الجيش()

لما مات علي عليه السلام جاء الناس إلي الحسن عليه السلام وقالوا: أنت خليفة أبيك ووصيه ونحن السامعون والمطيعون لك فمرنا بأمرك،

فقال: عليه السلام:

كذبتم والله، ما وفيتم لمن كان خيرا مني، فكيف تفون لي، أو كيف أطمئن إليكم ولا أثق بكم، إن كنتم صادقين فموعد ما بيني وبينكم معسكر المدائن، فوافوني هناك.

فركب وركب معه من أراد الخروج وتخلف عنه خلق كثير لم يفوا بما قالوه وبما وعدوه وغروه كما غروا أمير المؤمنين عليه السلام من قبله. فقام خطيبا وقال:

قد غررتموني كما غررتم من كان قبلي، مع أي إمام تقاتلون بعدي، مع الكافر الظالم الذي لم يؤمن بالله ولا برسوله قط، ولا أظهر الإسلام هو ولا بنو أمية إلا فرقا من السيف، ولو لم يبق لبني أمية إلا عجوز درداء() لبغت() دين الله عوجا وهكذا قال رسول الله صلي الله عليه و اله.

ثم وجه إليه قائدا في أربعة آلاف وكان من كندة وأمره أن يعسكر بالأنبار ولا يحدث شيئا حتي يأتيه أمره، فلما توجه إلي الأنبار ونزل بها وعلم معاوية بذلك بعث إليه رسلا وكتب إليه معهم: أنك إن أقبلت إلي وليت بعض كور() الشام أو الجزيرة غير منفس() عليك. وأرسل إليه بخمسمائة ألف درهم، فقبض الكندي عدو الله المال وقلب علي الحسن عليه السلام وصار إلي معاوية في مائتي رجل من خاصته وأهل بيته.

استفتاء عام()

خطبته عليه السلام في ذم أصحابه لتثاقلهم عن الجهاد:

أما والله ما ثنانا عن قتال أهل الشام ذلة ولا قلة، ولكن كنا نقاتلهم بالسلامة والصبر، فشيبت السلامة بالعداوة، والصبر بالجزع، وكنتم تتوجهون معنا ودينكم أمام دنياكم، وقد أصبحتم الآن ودنياكم أمام دينكم، فكنا لكم وكنتم لنا، وقد صرتم اليوم علينا.

ثم أصبحتم تعدون

قتيلين: قتيلاً بصفين تبكون عليه، وقتيلاً بالنهروان تطلبون بثأرهم، فأما الباكي فخاذل، وأما الطالب فثائر.

وإن معاوية قد دعا إلي أمرٍ ليس فيه عزّ ولا نصفةٌ، فإن أردتم الحياة قبلناه منه، وأغضضنا علي القذي، وإن أردتم الموت بذلناه في ذات الله، وحاكمناه إلي الله.

فنادي القوم بأجمعهم: بل البقية والحياة.

الدنيا دول()

خطبته عليه السلام في الكوفة قبل الصلح:

يا أيها الناس! فإن الله قد هداكم بأولنا، وحقن دماءكم بآخرنا، وإن لهذا الأمر مدةً، والدنيا دولٌ، وإن الله تعالي قال لنبيه: ?وَإِنْ أَدْرِي لَعَلّهُ فِتْنَةٌ لّكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَيَ حِينٍ? ()،().

يزعمون أنهم لي شيعة()

عن زيد() بن وهب الجهني قال: لما طعن الحسن بن علي عليه السلام بالمدائن أتيته وهو متوجع فقلت: ما تري يا ابن رسول الله فإن الناس متحيرون؟ فقال:

أري والله أنّ معاوية خير لي من هؤلاء (الذين) يزعمون أنهم لي شيعة، ابتغوا قتلي وانتهبوا ثقلي وأخذوا مالي، والله لئن آخذ عن معاوية عهداً أحقن به دمي وآمن به في أهلي خير من أن يقتلوني فيضيع أهل بيتي وأهلي.

علة ترك القتال()

والله لو قاتلت معاوية لأخذوا بعنقي حتي يدفعوني إليه سلماً، فوالله لأن أسالمه وأنا عزيز، خير من أن يقتلني وأنا أسيره، أو يمنّ عليّ فيكون سبةً() علي بني هاشم إلي آخر الدّهر، ومعاوية لا يزال يمنّ بها وعقبه علي الحيّ منا والميت …

وما أصنع يا أخا جهينة؟

إني والله أعلم بأمرٍ قد أدّي به إليّ عن ثقاته: إنّ أمير المؤمنين قال لي ذات يومٍ وقد رآني فرحاً: (يا حسن أتفرح؟ كيف بك إذا رأيت أباك قتيلاً؟ أم كيف بك إذا ولي هذا الأمر بنو أمية، وأميرها الرحب البلعوم()، الواسع الأعفاج() يأكل ولا يشبع، يموت وليس له في السماء ناصر، ولا في الأرض عاذر، ثم يستولي علي غربها وشرقها، تدين له العباد، ويطول ملكه، يستن بسنن البدع والضّلال ويميت الحقّ وسنّة رسول الله صلي الله عليه و اله، يقسّم المال في أهل ولايته، ويمنعه من هو أحقّ به، ويذلّ في ملكه المؤمن، ويقوّي في سلطانه الفاسق، ويجعل المال بين أنصاره دولاً، ويتخذ عباد الله خولاً، ويدرس في سلطانه الحقّ، ويظهر الباطل، ويلعن الصالحين، ويقتل من ناوأه علي الحقّ، ويدين من والاه علي الباطل.

فكذلك حتي يبعث الله رجلاً في آخر الزمان، وكلب() من الدهر، وجهل من الناس، يؤيّده الله بملائكته، ويعصم

أنصاره وينصره بآياته، ويظهره علي الأرض، حتي يدينوا له طوعاً وكرهاً، يملأ الأرض عدلاً وقسطاً، ونوراً وبرهاناً، يدين له عرض البلاد وطولها حتي لا يبقي كافر إلا آمن، وطالح إلا صلح، وتصطلح في ملكه السباع، وتخرج الأرض نبتها، وتنزل السماء بركتها، وتظهر له الكنوز، يملك ما بين الخافقين أربعين عاماً، فطوبي لمن أدرك أيّامه وسمع كلامه.

أنا الحسن وأنت معاوية()

روي أن معاوية لما نزل الكوفة أقام بها أياماً، فلما استتمت بيعته صعد المنبر، فخطب الناس، وذكر أمير المؤمنين والحسن عليها السلام فنال منهما، وكان الحسين عليه السلام حاضراً، فأراد أن يقوم ويجيبه، فأخذ الحسن عليه السلام بيده وأجلسه وقام، وقال():

أيّها الذاكر علياً، أنا الحسن وأبي عليّ، وأنت معاوية وأبوك صخر، وأمّي فاطمة وأمّك هند، وجدّي رسول الله صلي الله عليه و اله وجدّك حرب، وجدتي خديجة وجدّتك نثيلة، فلعن الله أخملنا() ذكراً، وألأمنا حسباً، وشرّنا قدماً، وأقدمنا كفراً ونفاقاً().

لما تم الصلح()

روي أنه لما تم الصلح وانبرم الأمر، التمس معاوية من الحسن عليه السلام أن يتكلم بمجمع من الناس، ويعلمهم أنه قد بايع معاوية، ويسلم الأمر إليه. فأجابه إلي ذلك، فخطب وقد حشد الناس خطبة، حمد الله تعالي وصلي علي نبيه صلي الله عليه و اله فيها، وهي من كلامه المنقول عنه عليه السلام، وقال:

أيها الناس! إنّ أكيس الكيس التّقي، وأحمق الحمق الفجور.

بعد الموادعة ()

إنكم لو طلبتم بين جابلق وجابرس() رجلاً جده رسول الله صلي الله عليه و اله ما وجدتموا غيري وغير أخي الحسين، وقد علمتم أنّ الله هداكم بجدّي محمدٍ صلي الله عليه و اله، فأنقذكم به من الضّلالة، ورفعكم به من الجهالة، وأعزّكم به بعد الذلة، وكثّركم به بعد

القلّة().

علة الموادعة والمسالمة ()

ومن خطبة له عليه السلام يذكر فيها علة موادعته ومسالمته، قال عليه السلام:

إنّ معاوية نازعني حقاً هو لي دونه، فنظرت لصلاح الأمّة وقطع الفتنة، وقد كنتم بايعتموني علي أن تسالموا من سالمت وتحاربوا من حاربت، فرأيت أن أسالم معاوية، وأضع الحرب بيني وبينه، وقد بايعته، وقد رأيت أنّ حقن الدماء خير من سفكها، ولم أرد بذلك إلا صلاحكم وبقاءكم ?وإن أدر لعله فتنة لكم ومتاع إلي حين?().

كذب معاوية ()

عن سليم بن قيس قال: قام الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام علي المنبر حين اجتمع مع معاوية، فحمد الله وأثني عليه، ثم قال:

أيها الناس، إن معاوية زعم أني رأيته للخلافة أهلاً، ولم أر نفسي لها أهلاً، وكذب معاوية، أنا أولي الناس بالناس، في كتاب الله، وعلي لسان نبي الله صلي الله عليه و اله، فأقسم بالله لو أن الناس بايعوني وأطاعوني ونصروني لأعطتهم السماء قطرها، والأرض بركتها، ولما طمعت فيها يا معاوية، وقد قال رسول الله صلي الله عليه و اله: ما ولت أمة أمرها رجلاً قطّ وفيهم من هو أعلم منه إلا لم يزل أمرهم يذهب سفالاً، حتي يرجعوا إلي ملة عبدة العجل.

وقد ترك بنو إسرائيل هارون، واعتكفوا علي العجل، وهم يعلمون أن هارون خليفة موسي عليها السلام، وقد تركت الأمة علياً عليه السلام وقد سمعوا رسول الله صلي الله عليه و اله يقول لعلي عليه السلام: أنت مني بمنزلة هارون من موسي غير النبوة فلا نبي بعدي، وقد هرب رسول الله صلي الله عليه و اله من قومه، وهو يدعوهم إلي الله، حتي فر إلي الغار، ولو وجد عليهم أعوانا ما هرب منهم، ولو وجدت أنا أعوانا ما بايعتك يا معاوية.

وقد جعل الله

هارون عليه السلام في سعة حين استضعفوه وكادوا يقتلونه، ولم يجد عليهم أعواناً، وقد جعل الله النبي صلي الله عليه و اله في سعة حين فرّ من قومه، لما لم يجد أعوانا عليهم، وكذلك أنا وأبي في سعة من الله، حين تركتنا الأمة وبايعت غيرنا ولم نجد أعواناً.

وإنما هي السنن والأمثال يتبع بعضها بعضاً، أيها الناس إنكم لو التمستم فيما بين المشرق والمغرب لم تجدوا رجلاً من ولد نبي غيري وغير أخي.

في جواب معاوية ()

إن معاوية صعد المنبر وقال: إن الحسن بن علي رآني للخلافة أهلا، ولم ير نفسه لها أهلا … فلما فرغ من كلامه قام الحسن عليه السلام فخطب وقال:

الحمد لله المستحمد بالآلاء وتتابع النّعماء، وصارف الشدائد والبلاء عن الفهماء وغير الفهماء، المذعنين من عباده لامتناعه بجلاله وكبريائه، وعلوّه عن لحوق الأوهام ببقائه، المرتفع عن كنه طيات() المخلوقين، من أن تحيط بمكنون غيبه روايات عقول الرائين، وأشهد أن لا اله إلاّ الله وحده في ربوبيّته ووجوده ووحدانيته، صمداً لا شريك له، فرداً لا ظهير له.

وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله، اصطفاه وانتجبه وارتضاه، وبعثه داعياً إلي الحقّ سراجاً منيراً، وللعباد مما يخلفون نذيراً، ولما يأملون بشيراً، فنصح للأمّة، وصدع بالرسالة، وأبان لهم درجات العمالة، شهادة عليها أُمأت وأحشر، وبها في الآجلة أقرب وأحبر.

وأقول: معشر الخلائق فاسمعوا، ولكم أفئدة وأسماع فعوا، إنّا أهل بيتٍ أكرمنا الله بالإسلام، واختارنا واصطفانا واجتبانا، فأذهب عنا الرجس وطهّرنا تطهيراً، والرجس هو الشكّ، فلا نشكّ في الله الحقّ ودينه أبداً، وطهّرنا من كلّ أفنٍ وعيبةٍ مخلصين إلي آدم نعمةً منه، لم يفترق الناس قطّ فرقتين إلا جعلنا الله في خيرهما، فأدت الأمور، وأفضت الدهور، إلي أن بعث الله محمداً صلي الله عليه

و اله للنبوّة واختاره للرسالة، وأنزل عليه كتابه، ثم أمره بالدّعاء إلي الله تعالي، فكان أبي أولّ من استجاب لله ولرسوله، وأول من آمن وصدّق الله ورسوله، وقد قال الله تعالي في كتابه المنزل علي نبيّه المرسل: ?أَفَمَن كَانَ عَلَيَ بَيّنَةٍ مّن رّبّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مّنْهُ صلي الله عليه و اله() وأبي الذي يتلوه وهو شاهد منه، وقد قال له رسول الله صلي الله عليه و اله حين أمره أن يسير إلي مكّة والموسم ببراءة (سر بها يا عليّ فإني أمرت أن لا أسير بها إلا أنا أو رجل مني وأنت هو).

فعليّ من رسول الله، ورسول الله منه، وقال له نبيّ الله صلي الله عليه و اله حين قضي بينه وبين أخيه جعفر بن أبي طالب، ومولاه زيد بن حارثة في ابنةِ حمزة (أما أنت يا عليّ فمني وأنا منك، وأنت وليّ كلّ مؤمنٍ من بعدي).

فصدّق أبي رسول الله صلي الله عليه و اله سابقاً ووقاه بنفسه، ثمّ لم يزل رسول الله صلي الله عليه و اله في كلّ موطنٍ يقدمه ولكلّ شديدةٍ يرسله، ثقةً منه به وطمأنينةً إليه، لعلمه بنصيحته لله ورسوله، وأنّه أقرب المقرّبين من الله ورسوله، وقد قال الله عزّوجلّ: ?وَالسّابِقُونَ السّابِقُونَ ? أُوْلََئِكَ الْمُقَرّبُونَ?() فكان أبي سابق السابقين إلي الله عزّوجلّ وإلي رسوله، وأقرب الأقربين وقد قال الله تعالي: ?لاَ يَسْتَوِي مِنكُم مّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلََئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً … ?().

فأبي كان أوّلهم إسلاماً وإيماناً، وأوّلهم إلي الله ورسوله هجرةً ولحوقاً، وأوّلهم علي وجده ووسعه نفقةً، قال سبحانه: ?وَالّذِينَ جَآءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاّ لّلّذِينَ آمَنُواْ رَبّنَآ إِنّكَ

رَءُوفٌ رّحِيمٌ?().

فالناس من جميع الأمم يستغفرون له بسبقه إيّاهم إلي الإيمان بنبيّه، وذلك أنّه لم يسبقه إلي الإيمان به أحد، وقد قال الله تعالي: ?وَالسّابِقُونَ الأوّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأنْصَارِ وَالّذِينَ اتّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ?().

فهو سابق جميع السابقين، فكما أنّ الله عزّوجلّ فضّل السابقين علي المتخلفين والمتأخّرين، فكذلك فضّل سابق السابقين، وقد قال الله عزّ وجلّ: ?أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الاَخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللّهِ?().

فهو المجاهد في سبيل الله حقاً، وفيه نزلت هذه الآية، وكان ممن استجاب لرسول الله صلي الله عليه و اله عمّه حمزة وجعفر ابن عمّه، فقتلا شهيدين رضي الله عنهما، في قتلي كثيرةٍ معهما من أصحاب رسول الله، فجعل الله تعالي حمزة سيّد الشهداء من بينهم، وجعل لجعفر جناحين يطير بهما مع الملائكة كيف يشاء من بينهم، وذلك لمكانهما من رسول الله، ومنزلتهما وقرابتهما منه، وصلّي رسول الله صلي الله عليه و اله علي حمزة سبعين صلاة، من بين الشهداء الذين استشهدوا معه، وكذلك جعل الله تعالي لنساء النبيّ المحسنة منهنّ أجرين، وللمسيئة منهنّ وزرين ضعفين، لمكانهن من رسول الله صلي الله عليه و اله، وجعل الصلاة في مسجد رسول الله صلي الله عليه و اله بألف صلاةٍ في سائر المساجد، إلا المسجد الحرام: مسجد خليله إبراهيم عليه السلام بمكّة، وذلك لمكان رسول الله صلي الله عليه و اله من ربّه، وفرض الله عزّوجلّ الصلاة علي نبيّه صلي الله عليه و اله علي كافّة المؤمنين، فقالوا يا رسول الله كيف الصلاة عليك، فقال قولوا: (اللهم صلّ علي محمّدٍ وآل محمد) فحقّ علي كلّ مسلمٍ أن يصلّي علينا مع الصلاة علي النبيّ صلي الله عليه و اله فريضةً واجبةً،

وأحلّ الله تعالي خمس الغنيمة لرسول الله صلي الله عليه و اله، وأوجبها له في كتابه، وأوجب لنا من ذلك ما أوجب له، وحرّم عليه الصدقة وحرّمها علينا معه، فأدخلنا وله الحمد فيما أدخل فيه نبيّه صلي الله عليه و اله، وأخرجنا ونزّهنا مما أخرجه منه ونزّهه عنه، كرامةً أكرمنا الله عزّوجلّ بها، وفضيلةً فضّلنا بها علي سائر العباد، فقال الله تعالي لمحمدٍ صلي الله عليه و اله حين جحده كفرة أهل الكتاب وحاجّوه: ?فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَآءَكُمْ وَنِسَآءَنَا وَنِسَآءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وأَنْفُسَكُمْ ثُمّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لّعْنَةُ اللّهِ عَلَي الْكَاذِبِينَ?().

فأخرج رسول الله صلي الله عليه و اله من الأنفس معه أبي، ومن البنين أنا وأخي، ومن النساء أمي فاطمة، من الناس جميعاً، فنحن أهله، ولحمه، ودمه، ونفسه، ونحن منه وهو منّا، وقد قال الله تعالي: ?إِنّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيراً?().

فلما نزلت آية التطهير جمعنا رسول الله صلي الله عليه و اله أنا وأخي وأمّي وأبي، فجلّلنا ونفسه في كساءٍ لأمّ سلمة خيبري، وذلك في حجرتها وفي يومها، فقال: (اللهمّ هؤلاء أهل بيتي، وهؤلاء أهلي وعترتي، فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً) فقالت أمّ سلمة: أأدخل معهم يا رسول الله؟ فقال لها رسول الله صلي الله عليه و اله: يرحمك الله أنت علي خيرٍ وإلي خيرٍ وما أرضاني عنك، ولكنها خاصة لي ولهم.

ثم مكث رسول الله صلي الله عليه و اله بعد ذلك بقيّة عمره، حتي قبضه الله، يأتينا في كلّ يومٍ عند طلوع الفجر فيقول: الصلاة يرحمكم الله إِنّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيراً صلي الله عليه و اله().

وأمر رسول الله صلي الله عليه و اله بسدّ

الأبواب الشارعة في مسجده غير بابنا، فكلموه في ذلك فقال: (أما إني لم أسدّ أبوابكم، ولم أفتح باب عليٍّ من تلقاء نفسي، ولكنّي أتبع ما يوحي إليّ، وإنّ الله أمر بسدّها وفتح بابه) فلم يكن من بعد ذلك أحد تصيبه جنابة في مسجد رسول الله صلي الله عليه و اله ويولد فيه الأولاد، غير رسول الله وأبي علي بن أبي طالب، تكرمةً من الله تعالي، وفضلاً اختصّنا به علي جميع الناس، وهذا باب أبي قرين باب رسول الله صلي الله عليه و اله في مسجده، ومنزلنا من منازل رسول الله، وذلك أنّ الله أمر نبيّه أن يبني مسجده فبني فيه عشرة أبياتٍ تسعةً لبنيه وأزواجه وعاشرها وهو متوسّطها لأبي، وها هو بسبيلٍ مقيم، والبيت هو المسجد المطهّر، وهو الذي قال الله تعالي: أهل البيت صلي الله عليه و اله فنحن أهل البيت، ونحن الذين أذهب الله عنا الرجس وطهرنا تطهيرا.

أيّها الناس، إني لو قمت حولاً فحولاً أذكر الذي أعطانا الله عزّوجلّ، وخصّنا به من الفضل في كتابه، وعلي لسان نبيّه، لم أحصه، وأنا ابن النذير والبشير، والسراج المنير الذي جعله الله رحمةً للعالمين، وأبي عليّ وليّ المؤمنين وشبيه هارون، وإنّ معاوية بن صخر زعم، أني رأيته للخلافة أهلاً، ولم أر نفسي لها أهلاً، فكذب معاوية، وأيم الله، لأنا أولي الناس بالناس في كتاب الله، وعلي لسان رسول الله صلي الله عليه و اله غير أنّا لم نزل أهل البيت مخيفين، مظلومين مضطهدين منذ قبض رسول الله صلي الله عليه و اله، فالله بيننا وبين من ظلمنا حقّنا، ونزا علي رقابنا، وحمّل الناس علي أكتافنا، ومنعنا سهمنا في كتاب الله من الفيء والغنائم، ومنع أمّنا فاطمة

عليها السلام إرثها من أبيها، إنّا لا نسمي أحداً، ولكن أقسم بالله قسماً تالياً لو أنّ الناس سمعوا قول الله ورسوله لأعطتهم السماء قطرها، والأرض بركتها، ولما اختلف في هذه الأمّة سيفان، ولأكلوها خضراء خضرةً إلي يوم القيامة، وإذاً ما طمعت فيها يا معاوية، ولكنّها لما أخرجت سالفاً من معدنها، وزحزحت عن قواعدها، تنازعتها قريش بينها، وترامتها كترامي الكرة، حتي طمعت أنت فيها يا معاوية وأصحابك من بعدك، وقد قال رسول الله صلي الله عليه و اله: (ماولّت أمة أمرها رجلاً قطّ، وفيهم من هو أعلم منه، إلا لم يزل أمرهم يذهب سفالاً، حتي يرجعوا إلي ما تركوا).

وقد تركت بنو إسرائيل، وكانوا أصحاب موسي، هارون أخاه وخليفته ووزيره وعكفوا علي العجل، وأطاعوا فيه سامريّهم، وهم يعلمون: أنه خليفة موسي، وقد سمعت هذه الأمة رسول الله صلي الله عليه و اله يقول ذلك لأبي: (إنه مني بمنزلة هارون من موسي إلا أنه لا نبيّ بعدي) وقد رأوا رسول الله صلي الله عليه و اله حين نصّبه لهم بغدير خم؛ وسمعوه نادي له بالولاية، ثم أمرهم أن يبلّغ الشاهد منهم الغائب.

وقد خرج رسول الله صلي الله عليه و اله حذراً من قومه إلي الغار لما أجمعوا علي أن يمكروا به وهو يدعوهم، لما لم يجد عليهم أعواناً، ولو وجد عليهم أعوانا لجاهدهم، وقد كفّ أبي يده، وناشدهم واستغاث أصحابه فلم يغث، ولم ينصر، ولو وجد عليهم أعواناً ما أجابهم، وقد جعل في سعةٍ كما جعل النبيّ صلي الله عليه و اله في سعةٍ، وقد خذلتني الأمة وبايعتك، وقد جعل هارون في سعة حين استضعفه قومه وعادوه، كذلك أنا وأبي في سعة من الله حين تركتنا الأمة، وبايعت

غيرنا، ولم نجد عليهم أعواناً، وإنما هي السنن والأمثال، يتبع بعضها بعضاً.

أيّها الناس إنكم لو التمستم بين المشرق والمغرب، رجلاً جدّه رسول الله، وأبوه وصيّ رسول الله، لم تجدوا غيري وغير أخي..

فاتّقوا الله ولا تضلّوا بعد البيان، وكيف بكم، وإني قد بايعت هذا وأشار بيده إلي معاوية وَإِنْ أَدْرِي لَعَلّهُ فِتْنَةٌ لّكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَيَ حِينٍ صلي الله عليه و اله().

أيّها الناس، إنّه لا يعاب أحد بترك حقّه، وإنّما يعاب أن يأخذ ما ليس له، وكلّ صوابٍ نافع، وكلّ خطأٍ ضارّ لأهله، وقد كانت القضية ففهّمناها سليمان، فنفعت سليمان، ولم تضرّ داود، فأما القرابة فقد نفعت المشرك، وهي والله للمؤمن أنفع.

أيّها الناس، اسمعوا وعوا، واتّقوا الله وراجعوا، وهيهات منكم الرجعة إلي الحقّ، وقد صارعكم النكوص، وخامركم الطغيان والجحود، أنلزمكموها وأنتم لها كارهون. والسلام علي من اتّبع الهدي.

فقال معاوية: والله ما نزل الحسن عليه السلام حتي أظلمت عليّ الأرض وهممت أن أبطش به، ثم علمت: أن الإغضاء أقرب إلي العافية.

عند الله احتسب ()

روي أن معاوية سأل الحسن بن علي عليه السلام بعد الصلح أن يخطب الناس، فامتنع فناشده أن يفعل، فوضع له كرسي فجلس عليه، ثم قال:

الحمد لله الذي توحّد في ملكه، وتفرّد في ربوبيّته، يؤتي الملك من يشاء وينزعه عمن يشاء، والحمد لله الذي أكرم بنا مؤمنكم، وأخرج من الشّرك أولكم، وحقن دماء آخركم، فبلاؤنا عندكم قديماً وحديثاً أحسن البلاء، إن شكرتم أو كفرتم.

أيّها الناس، إن ربّ عليٍّ عليه السلام كان أعلم بعليٍّ حين قبضه إليه، ولقد اختصّه بفضلٍ لم تعهدوا بمثله، ولم تجدوا مثل سابقته.

فهيهات هيهات، طال ما قلبتم له الأمور، حتي أعلاه الله عليكم، وهو صاحبكم، غزاكم في بدرٍ وأخواتها، جرّعكم رنقاً، وسقاكم علقاً، وأذلّ رقابكم،

وشرقكم بريقكم، فلستم بملومين علي بغضه.

وأيم الله لا تري أمة محمدٍ خصباً، ما كانت سادتهم وقادتهم في بني أمية، ولقد وجّه الله إليكم فتنةً، لكن لن تصدّوا() عنها حتي تهلكوا، لطاعتكم طواغيتكم، وانضوائكم() إلي شياطينكم، فعند الله احتسب ما مضي وما ينتظر من سوء رغبتكم() وحيف() حلمكم().

يا أهل الكوفة، لقد فارقكم بالأمس سهم من مرامي الله، صائب علي أعداء الله، نكال علي فجّار قريش، لم يزل آخذا بحناجرها، جاثماً علي أنفاسها، ليس بالملومة في أمر الله، ولا بالسروقة لمال الله، ولا بالفروقة في حرب أعداء الله، أعطي الكتاب خواتمه وعزائمه، دعاه فأجابه، وقاده فاتّبعه، لا تأخذه في الله لومة لائمٍ، فصلوات الله عليه ورحمته.

ثم نزل عن المنبر فقال معاوية: أخطأ عجل() أو كاد، وأصاب متثبت() أو كاد، ماذا أردت من خطبة الحسن عليه السلام.

حسبي منكم()

خالفتم أبي حتي حكم وهو كاره، ثم دعاكم إلي قتال أهل الشام بعد التحكيم فأبيتم، حتي صار إلي كرامة الله، ثمّ بايعتموني علي أن تسالموا من سالمني وتحاربوا من حاربني، وقد أتاني أنّ أهل الشرف منكم قد أتوا معاوية وبايعوه، فحسبي منكم لا تغروني من ديني ونفسي.

كفوا أيديكم()

كان سليمان بن صرد بالمدائن حينما سمع نبأ الصلح، فسعي إلي المدينة حتي إذا انتهي إلي الإمام اندفع قائلا: السلام عليك يا مذل المؤمنين. فرد عليه الإمام عليه السلام: (عليك السلام، اجلس). فلما جلس قال: إن تعجبنا لا ينقضي من بيعتك معاوية، ومعك مائة ألف مقاتل من أهل العراق وكلهم يأخذ العطاء، مع مثلهم من أبنائهم ومواليهم، سوي شيعتك من أهل البصرة وأهل الحجاز، ثم لم تأخذ لنفسك ثقة في العهد، ولا حظاً من القضية، فلو كنت إذ فعلت ما فعلت، وأعطاك ما أعطاك، بينك وبينه من العهد والميثاق كنت كتبت عليه بذلك كتاباً، وأشهدت عليه شهوداً من أهل المشرق والمغرب. إن هذا الأمر لك من بعده، كان الأمر علينا أيسر، ولكنه أعطاك هذا فرضيت به من قوله، ثم قال وزعم علي رؤوس الناس ما قد سمعت: إني كنت شرطت لقوم شروطاً ووعدتهم عدات، ومنيتهم أماني، إرادة إطفاء نار الحرب، ومداراة لهذه الفتنة وإذ جمع الله لنا كلمتنا وألفتنا، فإن كل ما هناك تحت قدمي هاتين، والله ما عني بذلك إلا نقض ما بينك وبينه، فأعد للحرب خدعة، وأذن لي أشخص إلي الكوفة، فأخرج عامله منها، وأظهر فيها خلعه، وأنبذ إليه علي سواء إن الله لا يهدي كيد الخائنين.

وصادف حديث سليمان هوي في نفوس من حضر، فهتفوا بالتأييد قائلين: ابعث سليمان بن صرد، وابعثنا معه، ثم ألحقنا إذا

علمت أنا قد أشخصنا عامله وأظهرنا خلعه.

ولما كانت المصلحة العامة للمسلمين لا تساعد علي خلع معاوية ونقض المعاهدة توجه إليهم الإمام عليه السلام بقوله:..

أمّا بعد، فإنّكم شيعتنا وأهل مودّتنا، ومن نعرفه بالنصيحة والصحبة والاستقامة لنا، وقد فهمت ما ذكرتم ولو كنت بالحزم في أمر الدنيا، وللدنيا أعمل وأنصب، ما كان معاوية بأبأس منّي بأساً، وأشدّ شكيمةً، ولكان رأيي غير ما رأيتم، ولكنّي أشهد الله وإيّاكم أني لم أرد بما رأيتم، إلا حقن دمائكم وإصلاح ذات بينكم، فاتّقوا الله، وارضوا بقضاء الله وسلّموا الأمر لله والزموا بيوتكم، وكفّوا أيديكم، حتّي يستريح برّ، أو يستراح من فاجرٍ، مع أنّ أبي كان يحدثني: أن معاوية سيلي الأمر، فوالله لو سرنا إليه بالجبال والشجر، ما شككت أنّه سيظهر، إنّ الله لا معقب لحكمه، ولا رادّ لقضائه.

وأمّا قولك: يا مذلّ المؤمنين فوالله لأن تذلّوا وتعافوا، أحبّ إليّ من أن تعزّوا وتقتلوا() فإن ردّ الله علينا حقّنا في عافيةٍ قبلنا وسألنا الله العون علي أمره، وإن صرفه عنّا رضينا، وسألنا الله أن يبارك في صرفه عنّا، فليكن كلّ رجلٍ منكم حلساً من أحلاس بيته، مادام معاوية حيّاً، فإن يهلك ونحن وأنتم أحياء، سألنا الله العزيمة علي رشدنا، والمعونة علي أمرنا، وأن لا يكلنا إلي أنفسنا ?إِنّ اللّهَ مَعَ الّذِينَ اتّقَواْ وّالّذِينَ هُم مّحْسِنُونَ ?().

علي الملك()

دخل ابن الفضل سفين بن الليل علي الإمام الحسن عليه السلام وقال: السّلام عليك يا مذلّ المؤمنين! فقال له الإمام عليه السلام:

لا تقل ذاك يا أبا عمر!

لست بمذلّ المؤمنين، ولكنّي كرهت أن أقتلكم علي الملك.

سيوفهم علينا()

ورآه أحد أصحابه فندد به قائلا: (يا ابن رسول الله أذللت رقابنا بتسليمك الأمر إلي هذا الطاغية) فأجابه الإمام عليه السلام:

والله إني ما سلّمت الأمر إلاّ لأني لم أجد أنصاراً، ولو وجدت أنصاراً لقاتلته ليلي ونهاري حتّي يحكم الله بيني وبينه، ولكن عرفت أهل الكوفة وبلوتهم، ولا يصلح لي منهم من كان فاسداً، إنّهم لا وفاء لهم ولا ذمة في قولٍ ولا فعل، إنّهم لمختلفون ويقولون لنا: إنّ قلوبهم معنا وأنّ سيوفهم لمشهورة علينا.

ولكني أردت صلاحكم()

وأتاه المسيب بن نجبة فقال له: (ما ينقضي تعجبي منك!! بايعت معاوية ومعك أربعون ألفاً، ولم تأخذ لنفسك وثيقة، وعهداً ظاهراً، أعطاك أمراً فيما بينك وبينه. ثم قال: ما قد سمعت، والله ما أراد بها غيرك.

فقال له الإمام عليه السلام: ما تري؟

فقال المسيب: أري أن ترجع إلي ما كنت عليه، فقد كان نقض ما بينك وبينه.

فانبري إليه الإمام عليه السلام قائلا:

يا مسيّب، إني لو أردت بما فعلت الدنيا لم يكن معاوية بأصبر عند اللقاء، ولا أثبت عند الحرب مني، ولكنّي أردت صلاحكم، وكفّ بعضكم عن بعضٍ().

لا تعنّفني()

وجاءه سفيان بن أبي ليلي الخارجي فقال له: (السلام عليك يا مذل المؤمنين) فصاح به الإمام عليه السلام:

ويحك أيها الخارجيّ، لا تعنّفني، فإنّ الذي أحوجني إلي ما فعلت قتلكم أبي، وطعنكم إياي، وانتهابكم متاعي، وأنّكم لما سرتم إلي صفّين كان دينكم أمام دنياكم، وقد أصبحتم اليوم ودنياكم أمام دينكم.

ويحك أيّها الخارجيّ، إني رأيت أهل الكوفة قوماً لا يوثق بهم، وما اعتزّ بهم إلا من ذلّ، وليس أحد منهم يوافق رأي الآخر، ولقد لقي أبي منهم أموراً صعبةً، وشدائد مرةً، وهي أسرع البلاد خراباً، وأهلها هم الذين فرّقوا دينهم وكانوا شيعاً.

تباطؤ أصحابي()

وسلم عليه بعض أصحابه بالتسليمة الذليلة، فأجابه الإمام عليه السلام:

لست مذلاً للمؤمنين، ولكنّي معزّهم، ما أردت بمصالحتي إلا أن أدفع عنكم القتل، عند ما رأيت تباطؤ أصحابي ونكولهم عن القتال.

علمت ما ينفعني()

كنت عند منبر الحسن بن علي عليه السلام وهو يخطب الناس بالمدائن فقال:

ألا إن أمر الله واقع، إذ لا له رافع، وإن كره الناس، إني ما أحببت أن ألي من أمر أمة محمدٍ مثقال حبةٍ من خردلٍ يهراق فيه محجمة من دم، قد علمت ما ينفعني مما يضرّني فالحقوا بطبننكم().

سمعت كلامك()

لما بايع الإمام عليه السلام معاوية أقبل إليه حجر بن عدي فقال له: (أما والله لوددت أنك مت في ذلك اليوم ومتنا معك، ولم نر هذا اليوم. فإن رجعنا راغمين بما كرهنا ورجعوا مسرورين بما أحبوا) فأجابه الإمام عليه السلام بقوله:

يا حجر! قد سمعت كلامك في مجلس معاوية، وليس كلّ إنسانٍ يحبّ ما تحبّ، ولا رأيه كرأيك، وإني لم أفعل إلا إبقاء عليكم، والله تعالي كلّ يوم في شأن.

حقناً للدّماء()

إنّما هادنت حقناً للدّماء، وضنّاً بها، وإشفاقاً علي نفسي وأهلي، والمخلصين من أصحابي.

كرهوا الحرب()

وجاء عدي بن حاتم إلي الإمام عليه السلام فقال له: يا ابن رسول الله، لوددت أني مت قبل ما رأيت، أخرجتنا من العدل إلي الجور، فتركنا الحق الذي كنا عليه، ودخلنا في الباطل الذي كنا نهرب منه، أعطينا الدنية من أنفسنا، وقبلنا الخسيس التي لم تلق بنا.

فرد عليه الإمام عليه السلام قائلاً:

يا عديّ، إني رأيت هوي معظم الناس في الصّلح، وكرهوا الحرب، فلم أحبّ أن أحملهم علي ما يكرهون، فرأيت دفع هذه الحروب إلي يومٍ ما، فإن الله كلّ يومٍ هو في شأن.

خشيت أن يجتثّ المسلمون()

أتي مالك بن ضمرة الحسن بن علي عليه السلام، فقال: السلام عليك يا مسخّم وجوه المؤمنين، قال:

يا مالك لا تقل ذلك إني لما رأيت الناس تركوا ذلك إلا أهله، خشيت أن تجتثّوا عن وجه الأرض فأردت أن يكون للدين في الأرض ناع.

فقال: بأبي أنت وأمي ذرية بعضها من بعض.

أبناؤكم علي أبواب أبنائهم()

كان معاوية يكثر من الوعود، لإغراء أصحاب الإمام بخيانته وقتله، فكانوا ينخدعون بها، ويتحيزون إليه، ولما رأي الإمام عليه السلام تفرق أصحابه بإغراءات معاوية صاح بهم():

ويلكم والله إن معاوية لا يفي لأحد منكم بما ضمنه في قتلي، وإني أظن أني إن وضعت يدي في يده فأسالمه، لم يتركني أدين لدين جدي صلي الله عليه و اله، وإني أقدر أن أعبد الله عزوجل وحدي، ولكني كأني أنظر إلي أبنائكم واقفين علي أبواب أبنائهم يستسقونهم ويستطعمونهم بما جعله الله لهم، فلا يسقون ولا يطعمون، فبعداً وسحقاً لما كسبته أيديهم ?وَسَيَعْلَمْ الّذِينَ ظَلَمُوَاْ أَيّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ?().

يا أهل العراق()

بايع الناس الحسن بن علي عليه السلام بالخلافة ثم خرج بالناس حتي نزل المدائن وبعث قيس بن علي مقدمته في اثني عشر ألفاً، وأقبل معاوية في أهل الشام حتي نزل مسكن، فبينا الحسن عليه السلام في المدائن إذ نادي مناد في العسكر: ألا إن قيس بن سعد قد قتل فانفروا، فنفروا ونهبوا سرادق الحسن عليه السلام حتي نازعوه بساطاً كان تحته() … ثم قام الحسن عليه السلام في أهل العراق فقال:

يا أهل العراق! إنه سخي بنفسي عنكم ثلاث: قتلكم أبي، وطعنكم إياي، وانتهابكم متاعي.

بعد وصول كتاب القيس()

أرسل معاوية إلي قيس فقال: يا هذا! علي ماذا تقاتلنا وتقتل نفسك؟وقد أتانا الخبر اليقين بأن صاحبك قد خلعه أصحابه، وقد طعن في فخذه طعنة أسفي منها علي الهلاك، فيجب أن تكف عنا ونكف عنك إلي أن يأتيك علم ذلك. قال: فأمسك قيس بن سعد عن القتال ينتظر الخبر، قال: وجعل أهل العراق يتوجهون إلي معاوية قبيلة بعد قبيلة، حتي خف عسكره. فلما رأي ذلك كتب إلي الحسن بن علي عليه السلام يخبره بما هو فيه، فلما قرأ الحسن الكتاب أرسل إلي وجوه أصحابه فدعاهم، ثم قال:

يا أهل العراق! ما أصنع بجماعتكم معي وهذا كتاب قيس بن سعد يخبرني بأن أهل الشرف منكم قد صاروا إلي معاوية، أما والله ما هذا بمنكر منكم، لأنكم أنتم الذين أكرهتم أبي يوم صفين علي الحكمين، فلما أمضي الحكومة وقبل منكم اختلفتم، ثم دعاكم إلي قتال معاوية ثانية فتوانيتم، ثم صار إلي ما صار إليه من كرامة الله إياه، ثم إنكم بايعتموني طائعين غير مكرهين، فأخذت بيعتكم وخرجت في وجهي هذا، والله يعلم ما نويت فيه، فكان منكم إليّ ما كان.

كذبتم والله()

كذبتم والله وما وفيتم لمن كان خيراً منّي، فكيف تفون لي؟ وكيف أطمئنّ إليكم ولا أثق بكم؟ إن كنتم صادقين فموعد ما بيني وبينكم معسكر المدائن، فوافوا

هناك.

أخبرتكم أنّكم لا تفون()

بعد ما غدر الكندي بالإمام عليه السلام والتحق بمعاوية، بعث الإمام بجيش يضمّ أربعة آلاف رجل، وأمّر عليه رجلاً من مراد، فسار حتي انتهي إلي (الأنبار) ولمّا علم معاوية به، أرسل إليه بخمسة آلاف، وكتب إليه يمنّيه بولاية أية مدينة أحبّ من مدن الشام والجزيرة، فالتحق بمعاوية، وعندما علم الإمام عليه السلام بخبر المراديّ قال:

قد أخبرتكم مرّةً بعد أخري: أنّكم لا تفون لله بعهودٍ، وهذا صاحبكم المراديّ غدر بي وبكم، وصار إلي معاوية.

أردت حقن الدماء ()

وأتاه قوم من شيعته فحرضوه علي السماح لهم بالزحف علي الشام، متذرعين نقض الصلح بأن معاوية لم يطبق شروطه، فقال لهم الإمام الحسن عليه السلام:

أنتم شيعتنا وأهل مودتنا، فلو كنت بالحزم في أمر الدنيا أعمل، ولسطانها أركض وأنصب، ما كان معاوية بأبأس مني بأساً، ولا أشدّ شكيمةً، ولا أمضي عزيمةً، ولكني أري غير ما رأيتم، وما أردت بما فعلت إلا حقن الدماء، فارضوا بقضاء الله، وسلّموا لأمره، والزموا بيوتكم وأمسكوا.

أو قال عليه السلام: كفوا أيديكم حتي يستريح أو يستراح من فاجر.

لا تؤنبني()

قام رجل إلي الحسن بن علي عليها السلام بعدما بايع معاوية فقال: سودت وجوه المؤمنين، أو يا مسود وجوه المؤمنين، فقال:

لا تؤنبني رحمك الله فإن النبي صلي الله عليه و اله أُري بني أمية علي منبره فساءه ذلك، فنزلت ?إِنّآ أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ?() يا محمد يعني نهراً في الجنة، ونزلت ?إِنّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ? وَمَآ أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ ? لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مّنْ أَلْفِ شَهْرٍ?() يملكها بنو أمية يا محمد.

قال القاسم: فعددناها فإذا هي ألف شهر لا يزيد يوم ولا ينقص().

هو خير()

ويحكم ما تدرون ما عملت؟

والله الذي عملت خير لشيعتي مما طلعت عليه الشمس أو غربت.

ألا تعلمون: أني إمامكم، ومفترض الطاعة عليكم، وأحد سيدي شباب أهل الجنة، بنصٍّ من رسول الله صلي الله عليه و اله عليّ؟

قالوا: بلي.

قال: أما علمتم أنّ الخضر عليه السلام لما خرق السفينة وأقام الجدار، وقتل الغلام، كان ذلك سخطاً لموسي بن عمران عليه السلام إذ خفي عليه وجه الحكمة في ذلك وكان ذلك عند الله تعالي ذكره حكمةً وصواباً؟

أما علمتم أنّه ما منّا أحد إلا ويقع في عنقه بيعة لطاغية زمانه إلا القائم عليه السلام الذي يصلّي خلفه روح الله عيسي بن مريم؟ فإنّ الله عزّ وجلّ يخفي ولادته ويغيب شخصه، لئلا يكون لأحدٍ في عنقه بيعة، إذا خرج ذاك التاسع من ولد أخي: الحسين بن سيدة النساء يطيل الله عمره في غيبته، ثم يظهره بقدرته، في صورة شابٍّ دون الأربعين سنة، ذلك ليعلم أنّ الله علي كلّ شيءٍ قدير.

جماجم العرب()

عن عبد الرحمان بن جبير بن نفير الشامي، عن أبيه قال: قلت للحسن بن علي عليه السلام: إن الناس يزعمون أنك تريد الخلافة؟

كانت جماجم العرب بيدي، يسالمون من سالمت، ويحاربون من حاربت، فتركتها ابتغاء وجه الله، ثمّ أثيرها ثانياً من أهل الحجاز().

لا تعذلوني()

لما صالح الحسن بن علي عليها السلام عُذِل وقيل له: يا مذل المؤمنين ومسود الوجوه، فقال:

لا تعذلوني فإنّ فيها مصلحةً، ولقد رأي النبيّ صلي الله عليه و اله في منامه، أنّه يخطب بنو أمية واحد بعد واحدٍ فحزن، فأتاه جبرئيل بقوله: ?إِنّآ أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ?() و?إِنّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ?().

أنا إمام قمت أو قعدت()

عن أبي سعيد عقيصاً()، قال: قلت للحسن بن علي بن أبي طالب عليها السلام: يا ابن رسول الله، لِمَ داهنت معاوية وصالحته وقد علمت أن الحق لك دونه، وأن معاوية ضال باغٍ؟ فقال:

يا أبا سعيدٍ! ألست حجة الله تعالي ذكره علي خلقه وإماماً عليهم بعد

أبي؟

قلت: بلي.

قال: ألست الذي قال رسول الله صلي الله عليه و اله لي ولأخي: الحسن والحسين إمامان إن قاما وإن قعدا؟

قلت: بلي.

قال: فأنا إذن إمام لو قمت، وأنا إمام إذا قعدت.

يا أبا سعيدٍ، علّة مصالحتي لمعاوية علة مصالحة رسول الله صلي الله عليه و اله لبني ضمرة، وبني أشجع، ولأهل مكّة حين انصرف من الحديبية، أولئك كفار بالتنزيل، ومعاوية وأصحابه كفار بالتأويل.

يا أبا سعيد، إذا كنت إماماً من قبل الله تعالي ذكره لم يجب أن يسفّه رأيي في ما أتيته من مهادنةٍ أو محاربةٍ، وإن كان وجه الحكمة فيما أتيته ملتبساً، ألا تري الخضر عليه السلام لما خرق السفينة وقتل الغلام وأقام الجدار، سخط موسي عليه السلام فعله لاشتباه وجه الحكمة عليه، حتي أخبره فرضي..

هكذا أنا، سخطتم عليّ بجهلكم بوجه الحكمة فيه، ولولا ما أتيت لما ترك من شيعتنا علي وجه الأرض أحد إلا قتل.

إنّ الله بالغ امره()

قدم إليه سفيان بن أبي ليلي فقال له: السلام عليك يا مذل المؤمنين، فقال الإمام عليه السلام: وعليك السلام، يا سفيان انزل، فنزل فقال له الإمام عليه السلام: ماذا قلت؟ قال سفيان: قلت: السلام عليك يا مذل المؤمنين، فقال الإمام عليه السلام: ولماذا؟ فقال سفيان: (أنت والله بأبي وأمي أذللت رقابنا حتي أعطيت هذا الطاغية البيعة وسلمت الأمر إلي اللعين ابن أكلة الأكباد ومعك مائة ألف، كلهم يموت دونك، وقد جمع الله عليك أمر الناس) فقال

الإمام عليه السلام:

يا سفيان! إنا أهل بيت إذا علمنا الحق تمسكنا به، وإني سمعت عليا عليه السلام يقول: سمعت رسول الله صلي الله عليه و اله يقول:

لا تذهب الأيام والليالي حتي يجتمع أمر هذه الأمة علي رجل واسع السرم، ضخم البلعوم، يأكل ولا يشبع، لا ينظر الله إليه، ولا يموت حتي لا يكون له في السماء عاذر ولا في الأرض ناصر، وإنه لمعاوية، وإني عرفت أن الله بالِغُ أَمْرِهِ.

رسائل

إنذار()

بعد مقتل الإمام أمير المؤمنين عليه السلام أرسل معاوية جاسوساً إلي الكوفة وجاسوساً إلي البصرة، فلما علم الإمام الحسن عليه السلام كتب إليه:

أما بعد: فإنّك دسست إليّ الرجال، للاحتيال والاغتيال، وأرصدت العيون، كأنّك تحبّ اللقاء وما أشكّ في ذلك، فتوقّعه إن شاء الله، وقد بلغني: أنّك شمتّ بما لا يشمت به ذوو الحجي، وإنما مثلك في ذلك كما قال الأولون:

وقل الذي يبقي خلاف الذي مضي تجهّز لأخري مثلها فكأن قد

وإنا ومن قد مات منّا لكالذي يروح فيمسي في المبيت ليفتدي()

أحاجي وحلول()

كتب ملك الرّوم إلي معاوية يسأله عن مسائل، فلم يعرف معاوية أجوبتها، فأرسل معاوية رجلاً إلي الحسن عليه السلام يسأله عنها. وهي:

أين هو وسط السماء في الأرض؟ وما هي أول قطرةٍ دمٍ وقعت علي الأرض؟ وما هو المكان الذي طلعت عليه الشمس مرّةً؟ وما هو المكان الذي لا قبلة له؟ ومن هو الذي لا قرابة له؟ فقال له الحسن عليه السلام:

أكتب: وسط السماء الكعبة.

وأوّل قطرة دمٍ وقعت علي الأرض دم حوّاء.

والمكان الذي طلعت عليه الشمس مرّةً أرض البحر حين ضربه موسي.

وما لا قبلة له فهي الكعبة.

وما لا قرابة له فهو الربّ تعالي.

اتّبع ما كتبت إليك()

كتب الحسن البصري إلي الحسن بن علي عليه السلام: أما بعد، فأنتم أهل بيت النبوة ومعدن الحكمة وإن الله جعلكم الفلك الجارية في اللجج الغامرة، يلجأ إليكم اللاجئ ويعتصم بحبلكم الغالي، من اقتدي بكم اهتدي ونجا، ومن تخلف عنكم هلك وغوي، وإني كتبت إليك عند الحيرة واختلاف الأمة في القدر فتفضي إلينا ما أفضاه الله إليكم أهل البيت فنأخذ به.

فكتب إليه الحسن بن علي عليه السلام:

أمّا بعد، فإنّا أهل بيتٍ كما ذكرت عند الله وعند أوليائه، فأمّا عندك وعند أصحابك فلو كنّا كما ذكرت ما تقدّمتمونا ولا استبدلتم بنا غيرنا، ولعمري لقد ضرب الله مثلكم في كتابه حيث يقول: أتستبدلون الّذي هو أدني بالذي هو خير، هذا لأوليائك فيما سألوا، ولكم فيما استبدلتم، ولولا ما أريد من الاحتجاج عليك وعلي أصحابك ما كتبت إليك بشيءٍ مما نحن عليه، ولئن وصل كتابي إليك لتجدنّ الحجّة عليك وعلي أصحابك مؤكّدةً، حيث يقول الله عزّ وجلّ: أَفَمَن يَهْدِيَ إِلَي الْحَقّ أَحَقّ أَن يُتّبَعَ أَمّن لاّ يَهِدّيَ إِلاّ أَن يُهْدَيَ فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ صلي الله عليه

و اله().

فاتّبع ما كتبت إليك في القدر، فإنّه من لم يؤمن بالقدر خيره وشرّه فقد كفر، ومن حمل المعاصي علي الله فقد فجر، إنّ الله عزّوجلّ لا يطاع بإكراه، ولا يعصي بغلبةٍ، ولا يهمل العباد من الملكة، ولكنّه المالك لما ملّكهم والقادرعلي ما أقدرهم، فإن ائتمروا بالطاعة لن يكون عنها صادّاً مثبّطاً، وإن ائتمروا بالمعصية فشاء أن يحول بينهم وبين ما ائتمروا به فعل، وإن لم يفعل فليس هو حملهم عليها، ولا كلّفهم إياها جبراً، بل تمكينه إيّاهم وإعذاره إليهم طرقهم ومكنهم، فجعل لهم السبيل إلي أخذ ما أمرهم به وترك ما نهاهم عنه، ووضع التّكليف عن أهل النقصان والزمانة والسّلام.

أعلم أنّك لا تفي()

عند ما يئس الإمام الحسن عليه السلام من الانتصار العسكريّ، وجّه إلي معاوية بن أبي سفيان كتاباً جاء فيه:

أمّا بعد: فإنّي كنت أريد أن أحيي الحقّ وأميت الباطل، وأنفذ حكم الكتاب والسنّة، ولم يوافقني النّاس علي ذلك، والآن أصالحك علي شروطٍ أعلم أنّك لا تفي بها. ولا تفرح بما تيسّر لك من هذه الرّئاسة، وعمّا قريبٍ ستندم كما ندم من مضي قبلك، ولا تنفعك النّدامة.

أدخل في طاعتي()

هذا كتاب وجهه الإمام الحسن عليه السلام إلي معاوية قبل نشوب الحرب بينهما ليلقي السلاح ويدخل في طاعته، ونصه:

من الحسن بن عليّ أمير المؤمنين، إلي معاوية بن أبي سفيان.

سلام عليكم.

فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو.

أما بعد: فإن الله جل جلاله، بعث محمداً رحمةً للعالمين، ومنّةً للمؤمنين، وكافّةً للناس أجمعين، لينذر من كان حياً، ويحقّ القول علي الكافرين، فبلّغ رسالات الله، وقام بأمر الله، حتي توفاه الله غير مقصّر ولا وانٍ، وبعد أن أظهر الله به الحقّ ومحق به الشرك، وخصّ به قريشاً خاصةً، فقال له: وَإِنّهُ لَذِكْرٌ لّكَ وَلِقَوْمِكَ صلي الله عليه و اله()، فلما توفّي، تنازعت سلطانه العرب، فقالت قريش: نحن قبيلته وأسرته وأولياؤه، ولا يحلّ لكم أن تنازعونا سلطان محمدٍ صلي الله عليه و اله وحقّه، فرأت العرب أنّ القول ما قالت قريش، وأنّ الحجّة في ذلك لهم علي من نازعهم أمر محمدٍ، فأنعمت لهم وسلمت إليهم.

ثم حاججنا نحن قريشاُ، بمثل ما حاججت به العرب، فلم تنصفنا قريش إنصاف العرب لها.

إنّهم أخذوا هذا الأمر دون العرب بالإنصاف والاحتجاج، فلما سرنا أهل بيت محمدٍ وأولياؤه إلي محاجتهم، وطلب النّصف منهم، باعدونا واستولوا بالاجتماع علي ظلمنا ومراغمتنا وللعنت منهم لنا، فالموعد الله، وهو الوليّ النصير.

ولقد كنّا تعجّبنا

لتوثّب المتوثبين علينا في حقّنا، وسلطان بيتنا، وإذ كانوا ذوي فضيلة وسابقةٍ في الإسلام، أمسكنا عن منازعتهم، مخافةً علي الدين أن يجد المنافقون والأحزاب في ذلك مغمراً يثلمون به، أو يكون لهم بذلك سبب إلي ما أرادوا من إفساده.

فاليوم فليتعجّب المتعجّب، من توثّبك يا معاوية، علي أمرٍ لست من أهله، لا بفضلٍ في الدين معروفٍ، ولا أثرٍٍ في الإسلام محمودٍ. وأنت ابن حزبٍ من الأحزاب، وابن أعدي قريشٍ لرسول الله صلي الله عليه و اله ولكتابه، والله حسيبك فسترد عليه، وتعلم لمن عقبي الدار، وبالله لتلقينّ عن قليلٍ ربّك، ثم ليجزينّك بما قدّمت يداك، وما الله بظلاّمٍ للعبيد.

إنّ علياً عليه السلام لمّا مضي لسبيله، رحمة الله عليه يوم قبض، ويوم منّ الله عليه بالإسلام، ويوم يبعث حيّاً، ولاّني المسلمون الأمر من بعده، فأسأل الله أن لا يؤتينا في الدنّيا الزائلة شيئاً ينقصنا به في الآخرة مما عنده من كرامةٍ.

وإنما حملني علي الكتابة إليك، الإعذار فيما بيني وبين الله عزّوجلّ في أمرك، ولك في ذلك إن فعلته الحظّ الجسيم والصلاح للمسلمين.

فدع التمادي في الباطل، وادخل فيما دخل فيه الناس من بيعتي، فإنّك تعلم: أني أحقّ بهذا الأمر منك، عند الله، وعند كلّ أوابٍ حفيظٍ، ومن له قلب منيب، واتّق الله، ودع البغي، واحقن دماء المسلمين، فوالله ما لك خير في أن تلقي الله من دمائهم، بأكثر مما أنت لاقيه به، وادخل في السّلم والطاعة، ولا تنازع الأمر أهله، ومن هو أحقّ به منك، ليطفئ الله النائرة بذلك، ويجمع الكلمة ويصلح ذات البين.

وإن أنت أبيت إلا التمادي في غيّك، سرت إليك المسلمين، فحاكمتك حتّي يحكم الله بيننا، وهو خير الحاكمين().

أنا من أهل الحق()

كتب معاوية إلي الحسن بن علي عليه

السلام بكتاب جاء في أخره: ثم الخلافة لك من بعدي فأنت أولي بها.

فأجابه الحسن بن علي عليه السلام:

بسم الله الرحمن الرحيم

أما بعد..

فقد وصل إليّ كتابك، تذكر فيه ما ذكرت، وتركت جوابك خشية البغي عليك، وبالله أعوذ من ذلك، فاتّبع الحقّ، تعلم: أني من أهله. وعلي إثم أن أقول فأكذب. والسلام.

خطبي انتهي إلي اليأس()

من كتاب له عليه السلام إلي معاوية بعدما طُعِنَ ويأس من أصحابه:

أما بعد: فإن خطبي انتهي إلي اليأس، من حقٍّ أحييته، وباطلٍ أمتّه، وخطبك خطب من انتهي إلي موارده، وإنّي اعتزل هذا الأمر وأخلّيه لك، وإن كان تخليتي إياه شراً لك في معادك، ولي شروط أشترطها، لأبتهظنّك إن وفيت لي بها بعهد، ولا تخف إن غدرت وكتب الشرط في كتابٍ آخر فيه يمنيّه بالوفاء وترك الغدر وستندم يا معاوية كما ندم غيرك، ممّن نهض في الباطل، أو قعد عن الحقّ، حين لم ينفع الندم والسلام().

وثيقة الصلح()

وأخيرا يئس الإمام عليه السلام من أصحابه، وارتجت أمامه السبل دون الصلح مع معاوية، فكتب إليه:

بسم الله الرحمن الرحيم

هذا ما صالح عليه الحسن بن عليٍّ بن أبي طالبٍ، معاوية بن أبي سفيان.

صالحه: علي أن يعمل فيهم بكتاب الله، وبسنة رسوله() وبسيرة الخلفاء الصالحين().

وليس لمعاوية بن أبي سفيان: أن يعهد لأحدٍ من بعده عهداً، بل يكون الأمر للحسن من بعده()، فإن حدث به حدث، فلأخيه الحسين().

وأن يترك سبّ أمير المؤمنين عليه السلام، والقنوت عليه بالصلاة()، وأن لا يذكر عليّاً إلا بخير().

واستثناء ما في بيت مال الكوفة وهو خمسة آلاف ألفٍ وعلي معاوية أن يحمل إلي الحسين كلّ عامٍ ألفي ألف درهمٍ، وأن يفضّل بني هاشم في العطاء والصّلات، علي بني عبد شمس، وأن يفرّق في أولاد من قتل مع أمير المؤمنين يوم الجمل وأولاد من قتل معه بصفين ألف ألف درهمٍ، وأن يجعل ذلك، من خراج (دار أبجر)()،().

وعلي أنّ الناس آمنون، حيث كانوا من أرض الله، في شامهم، وعراقهم، وحجازهم، ويمنهم، وأن يؤمّن الأسود والأحمر، وأن يحتمل معاوية ما يكون من هفواتهم، وأن لا يتبع أحداً بما مضي، وأن لا يأخذ

أهل العراق بإحنة().

وعلي أمان أصحاب عليٍّ عليه السلام حيث كانوا، وأن لا ينال أحداً من شيعة عليٍ بمكروهٍ، وأنّ أصحاب عليٍ وشيعته آمنون علي أنفسهم وأموالهم ونسائهم وأولادهم، وأن لا يتعقّب عليهم شيئاً()، وأن لا يتعرّض لأحدٍ منهم بسوءٍ، ويوصل إلي كلّ ذي حقٍ حقّه، وعلي معاوية بن أبي سفيان بذلك عهد الله وميثاقه، وما أخذ الله علي أحدٍ من خلقه بالوفاء بما أعطي من نفسه.

وعلي أن لا يسمي معاوية بأمير المؤمنين()، ولا يقيم عنده شهادة.

وعلي أن لا يبغي للحسن بن علي، ولا لأخيه الحسين، ولا لأحدٍ من أهل بيت رسول الله صلي الله عليه و اله غائلةً سراً ولا جهراً، ولا يخيف أحداً منهم في أفقٍ من الآفاق() شهد عليه بذلك الله وكفي بالله شهيداً والسلام().

لو قاتلت أحداً()

لما خرج الإمام الحسن عليه السلام من الكوفة، لحقه رسول معاوية، طالباً منه: أن يرجع إلي الكوفة لقتال طائفة من الخوارج خرجت عليه، فكتب إليه الإمام عليه السلام:

لو آثرت أن أقاتل أحداً من أهل القبلة، لبدأت بقتالك، فإني تركتك لصلاح الأمة، وحقن دمائها.

نحن ذوو القربي()

إن مولانا أبا محمد الحسن الزكي عليه السلام كتب إلي معاوية بعد وفاة أمير المؤمنين (عليه أفضل صلوات المصلين) وقد بايعه الناس:

بسم الله الرحمن الرحيم

من عبد الله الحسن بن أمير المؤمنين إلي معاوية ابن صخرٍ:

أما بعد: فإنّ الله تعالي بعث محمداً صلي الله عليه و اله رحمةً للعالمين، فأظهر به الحقّ وقمع به الباطل، وأذلّ أهل الشّرك، وأعزّ به العرب عامّة، وشرّف به من شاء منهم خاصّةً، فقال تعالي: ?وَإِنّهُ لَذِكْرٌ لّكَ وَلِقَوْمِكَ?()، فلما قبضه الله تعالي تنازعت العرب الأمر من بعده، فقالت الأنصار: منّا أمير ومنكم أمير، فقالت قريش: نحن أولياؤه وعشيرته، فلا تنازعوا سلطانه، فعرفت العرب ذلك لقريش، ونحن الآن أولياؤه وذوو القربي منه، ولا غرو أن منازعتك إيانا بغير حقٍّ في الدين معروف، ولا أثر في الإسلام محمود، والموعد الله تعالي بيننا وبينك، ونحن نسأله تعالي أن لا يؤتينا في هذه الدنيا() شيئاً ينقصنا به في الآخرة.

وبعد: فإن أمير المؤمنين عليّاً بن أبي طالب عليه السلام لما نزل به الموت ولاّني هذا الأمر من بعده، فاتّق الله يا معاوية وانظر لأمّة محمّد صلي الله عليه و اله ما تحقن به دماءهم، وتصلح به أمورهم، والسلام.

شفعني في سعيد()

ولما رجع الإمام عليه السلام إلي المدينة وخلا الجو لمعاوية وعماله، بدؤوا بمطاردة شيعة الإمام، فكانت مآسي كثيرة سجلها التاريخ بالدموع والدماء، ومن تلك المآسي أن زياد بن أبيه طلب سعيد بن سرح من أجل تشيعه، فأتي الحسن بن علي عليه السلام مستجيراً به، فوثب زياد علي أخيه وولده وامرأته فحبسهم، ونقض داره وصادر أمواله، ولما علم الإمام الحسن عليه السلام ذلك شق عليه، فكتب من فوره إلي زياد، يأمره بأن يعطي الأمان لسعيد، ويخلي سبيل عياله

وأطفاله، ويشيد داره ويرد عليه أمواله، وهذا نص كتابه:

من الحسن بن عليّ إلي زياد: أما بعد، فإنّك عمدت إلي رجلٍ من المسلمين، له ما لهم، وعليه ما عليهم، فهدمت داره، وأخذت ماله، وحبست أهله وعياله، فإن أتاك كتابي هذا فابن له داره، واردد عليه عياله وماله، وشفّعني فيه فقد أجرته، والسلام.

للعاهر الحجر()

ولما بلغ كتاب الإمام عليه السلام إلي زياد، استشاط غضباً، لأن الإمام لم ينسبه إلي أبي سفيان، فأجابه بما يلي: (من زياد بن أبي سفيان إلي الحسن بن فاطمة، أما بعد: فقد أتاني كتابك، تبدأ فيه بنفسك قبلي وأنت طالب حاجة، وأنا سلطان وأنت سوقة، وتأمرني فيه بأمر المطاع المسلط علي رعيته، كتبت إلي في فاسق آويته إقامة منك علي سوء الرأي، ورضاً منك بذلك، وأيم الله لا تسبقني به، ولو كان بين جلدك ولحمك، فإن أحب لحم علي أن آكله اللحم الذي أنت منه، فسلمه بجريرته إلي من هو أولي به منك، فإن عفوت عنه لم أكن شفعتك فيه، وإن قتلته لم أقتله إلا لحبه أباك والسلام).

وصل هذا الجواب إلي الإمام عليه السلام فما زاد أن كتب في رده:

من الحسن بن فاطمة إلي زياد بن سمية، أما بعد فإنّ رسول الله صلي الله عليه و اله قال: (الولد للفراش، وللعاهر الحجر) والسلام().

سيصير إليها الآخرون()

كتب إلي الحسن بن علي عليه السلام قوم من أصحابه يعزونه عن ابنة له، فكتب إليهم:

أمّا بعد: فقد بلغني كتابكم تعزّونني بفلانة، عند الله أحتسبها، تسليماً لقضائه، وصبراً علي بلائه، فإن أوجعتنا المصائب، وفجعتنا النوائب بالأحبة المألوفة التي كانت بنا حفية، والإخوان المحبين الذين كان يسرّ بهم الناظرون، وتقرّ بهم العيون، أصبحوا() قد اخترمتهم الأيام، ونزل بهم الحمام()، فخلفوا الخلوف، وأودت بهم الحتوف()، فهم صرعي في عساكر الموتي، متجاورون في غير محلة التجاور، ولا صلات بينهم ولا تزاور، ولا يتلاقون عن قرب جوارهم، أجسامهم نائية عن أهلها، خالية من أربابها، قد أخشعها أحزانها()، فلم أر مثل دارها داراً، ولا مثل قرارها قراراً، في بيوتٍ موحشةٍ، وحلول مخضعة، قد صارت في تلك الربي()

الموحشة()، وخرجت عن الدار المؤنسة، ففارقتها من غير قلي، فاستودعها البلي()، وكانت أمة مملوكةً، سلكت سبيلاً مسلوكة، صار إليها الأولون، وسيصير إليها الآخرون، والسلام().

مناقضات

الحسن عليه السلام ومناوئوه()

1لم يكن في الإسلام يوم في مشاجرة قومٍ اجتمعوا في محفل، أكثر ضجيجاً، ولا أعلي كلاماً، ولا أشدّ مبالغةً في قولٍ، من يومٍ اجتمع فيه عند معاوية بن أبي سفيان، عمرو بن عثمان بن عفان، وعمرو بن العاص، وعتبة بن أبي سفيان، والوليد بن عتبة بن أبي معيط، والمغيرة بن شعبة، وقد تواطؤا علي أمرٍ واحدٍ.

فقال عمرو بن العاص لمعاوية: ألا تبعث إلي الحسن بن علي فتحضره فقد أحيا سيرة أبيه، وخفقت النّعال خلفه، إن أمر فأطيع، وإن قال فصدق، وهذان يرفعان به إلي ما هو أعظم منهما، فلو بعثت إليه فقصرنا به وبأبيه وسببناه وسببنا أباه، وصغّرنا بقدره وقدر أبيه، وقعدنا لذلك حتي صدق لك فيه.

فقال لهم معاوية: إني أخاف أن يقلّدكم قلائد، يبقي عليكم عارها حتي تُدخلكم قبوركم، والله ما رأيته قطّ إلا كرهت جنابه، وهبت عتابه، وإني إن بعثت إليه لأنصفته منكم.

قال عمرو بن العاص: أتخاف أن يتسامي باطله علي حقّنا، ومرضه علي صحّتنا؟

قال: لا.

قال: فابعث إذاً إليه.

فقال عتبة: هذا رأي لا أعرفه، والله ما تستطيعون أن تلقوه بأكثر ولا أعظم مما في أنفسكم عليه، ولا يلقاكم إلا بأعظم مما في نفسه عليكم، وإنه لمن أهل بيتٍ خصمٍ وجدلٍ.

فبعثوا إلي الحسن عليه السلام، فلما أتاه الرسول، قال له: يدعوك معاوية. قال عليه السلام:

ومن عنده؟.

قال الرسول: عنده فلان وفلان، وسمّي كلاً منهم باسمه.

فقال الحسن عليه السلام: مالهم، خرّ عليهم السقف من فوقهم، وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون.

ثم قال: يا جارية أبلغيني ثيابي.

ثم قال: اللهم إني أدرأ بك في

نحورهم، وأعوذ بك من شرورهم، وأستعين بك عليهم، فاكفنيهم بما شئتَ وأنّي شئتَ، من حولك وقوّتك يا ارحم الراحمين.

وقال للرسول: هذا كلام الفرج.

فلما أتي معاوية رحّب به وحيّاه وصافحه.

فقال الحسن عليه السلام: إن الذي حييت به سلامة، والمصافحة أمنة.

فقال معاوية: أجل، إن هؤلاء بعثوا إليك وعصوني، ليقرروك أن عثمان قتل مظلوماً، وأن أباك قتله، فاسمع منهم، ثم أجبهم بمثل ما يكلمونك، ولا يمنعك مكاني من جوابهم.

فقال الحسن عليه السلام: سبحان الله، البيت بيتك، والإذن فيه إليك، والله لئن أجبتهم إلي ما أرادوا إني لأستحيي لك من الفحش، ولئن كانوا غلبوك إني لأستحيي لك من الضعف، فبأيهما تقرّ؟ ومن أيّهما تعتذر؟ أما إني لو علمت بمكانهم واجتماعهم، لجئت بعدتهم من بني هاشمٍ، ومع وحدتي هم أوحش مني مع جمعهم، فإنّ الله عزّ وجلّ لوليّي اليوم وفيما بعد اليوم، فليقولوا فأسمعُ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

فقال معاوية: إني كرهت أن أدعوك، ولكنّ هؤلاء حملوني علي ذلك مع كراهتي له، وإنّ لك منهم النصّف ومني، وإنما دعوناك لنقرّر أن عثمان قتل مظلوماً، وأن أباك قتله، فاستمع منهم، ثم أجبهم، ولا تمنعك وحدتك واجتماعهم أن تتكلّم بكلّ لسان.

فتكلّم عمرو بن عثمان بن عفان فقال: ما سمعت كاليوم، أن بقي من بني عبد المطلب علي وجه الأرض من أحدٍ، بعد قتل الخليفة عثمان بن عفان، وكان (من) ابن أختهم، والفاضل في الإسلام منزلةً، والخاصّ برسول الله صلي الله عليه و اله أثرةً، فبئس كرامة الله حتي سفكوا دمه اعتداءً وطلباً لفتنة، وحسداً ونفاسةً، وطلب ما ليسوا بأهل لذلك، مع سوابقه ومنزلته من الله، ومن رسوله، ومن الإسلام، فياذلاه أن يكون (حسن) وسائر بني عبد المطلب: قتلة عثمان،

أحياء يمشون علي مناكب الأرض، وعثمان مضرج بدمه مع أنّ لنا فيكم تسعة عشر دماً بقتلي بني أمية ببدرٍ!

ثم تكلّم عمرو بن العاص، فحمد الله وأثني عليه ثمّ قال: إي يا ابن أبي تراب! بعثنا إليك لنقرّرك أنّ أباك سمّ أبا بكرٍ الصديق، واشترك في قتل عمر الفاروق، وقتل عثمان ذا النّورين مظلوماً، فادّعي ما ليس له بحق، ووقع فيه وذكر الفتنة وعيّره بشأنها ثم أضاف:

إنكم يا بني عبد المطلب! لم يكن الله يعطيكم الملك فترتكبون فيه مالا يحلّ لكم، ثم أنت يا (حسن) تحدّث نفسك بأنك كائن أمير المؤمنين وليس عندك عقل ذلك، ولا رأيه، فكيف وقد سلبته، وتُركت أحمق في قريش، وذلك لسوء عمل أبيك، وإنما دعوناك لنسبك وأبيك، ثمّ أنت لا تستطيع أن تعتب علينا، ولا أن تكذّبنا في شيءٍ به، فإن كنت تري أنا كذبناك في شيءٍ، وتقوّلنا عليك بالباطل، وادّعينا خلاف الحقّ فتكلم، وإلا فاعلم أنّك وأباك من شرّ خلق الله.

أمّا أبوك، فقد كفانا الله قتله وتفردّ به، وأما أنت فإنّك في أيدينا نتخير فيك، والله أن لو قتلناك، ما كان في قتلك إثم عند الله، ولا عيب عند الناس!.

ثم تكلّم عتبة بن أبي سفيان، فكان أوّل ما ابتدأ به أن قال: يا حسن، إن أباك كان شرّ قريشٍ لقريش، أقطعه أرحامها، وأسفكه لدمائها، وإنّك لمن قتلة عثمان، وإن في الحقّ أن نقتلك به، وإنّ عليك القود في كتاب الله عزّوجلّ، وإنّا قاتلوك به، فأمّا أبوك فقد تفرّد الله بقتله فكفاناه، وأما رجاؤك للخلافة فلست منها لا في قدحة زندك، ولا في رجحة ميزانك.

ثم تكلّم الوليد بن عقبة بن أبي معيط بنحوٍ من كلام أصحابه، وقال: يا معاشر بني هاشم،

كنتم أول من دبّ بعيب عثمان، وجمع الناس عليه، حتي قتلتموه حرصاً علي الملك، وقطيعةً للرحم، واستهلاك الأمة، وسفك دمائها حرصاً علي الملك، وطلباً للدنيا الخسيسة وحمّاً لها، وكان عثمان خالكم فنعم الخال كان لكم، وكان صهركم فكان نعم الصهر لكم، قد كنتم أول من حسده، وطعن عليه، ثم وليتم قتله، فكيف رأيتم صنع الله بكم.

ثم تكلّم المغيرة، بن شعبة، وكان كلامه وقوله كله وقوعاً في عليٍّ عليه السلام ثمّ قال: يا حسن إن عثمان قتل مظلوماً، فلم يكن لأبيك في ذلك عذرُ بريءٍ، ولا اعتذار مذنبٍ، غير أنّا يا حسن قد ظننا لأبيك في ضمّه قتلته، وإيوائه لهم وذبّه عنهم، أنّه بقتله راضٍ، وكان والله طويل السيف واللّسان: يقتل الحيّ، ويعيب الميت، وبنو أمية خير لبني هاشمٍ من بني هاشمٍ لبني أمية، ومعاوية خير لك يا حسن منك لمعاوية.

وقد كان أبوك ناصب رسول الله صلي الله عليه و اله في حياته، وأجلب عليه قبل موته، وأراد قتله، فعلم ذلك من أمره رسول الله صلي الله عليه و اله، ثمّ كره أن يبايع أبا بكر حتي أتي به قوداً، ثم دسّ إليه فسقاه سمّاً فقتله، ثم نازع عمر حتي همّ أن يضرب رقبته، فعمل في قتله، ثم طعن علي عثمان حتّي قتله، كلّ هؤلاء قد شرك في دمهم، فأيّ منزلةٍ له من الله يا حسن، وقد جعل الله السلطان لوليّ المقتول في كتابه المنزل، فمعاوية وليّ المقتول بغير حقّ، فكان من الحقّ لو قتلناك وأخاك والله ما دمُ عليٍّ بخطرٍ من دم عثمان، وما كان الله ليجمع فيكم يا بني عبد المطلب الملك والنبوّة، ثم سكت.

فتكلّم أبو محمدٍ الحسن بن عليّ (صلوات الله عليهما) فقال:

الحمد

لله الذي هدي أوّلكم بأوّلنا، وآخركم بآخرنا، وصلي الله علي سيدنا محمدٍ النبي وآله وسلم. اسمعوا منّي مقالتي، وأعيروني فهمكم، وبك أبدأ يا معاوية.

إنه لعمر الله يا أزرق، ما شتمني غيرك، وما هؤلاء شتموني، ولا سبّني غيرك، وما هؤلاء سبّوني، ولكن شتمتَني وسببتني، فحشاً منك، وسوء رأي، وبغياً وعدوانا، وحسداً علينا، وعداوةً لمحمدٍ (صلّي الله عليه وآله) قديماً وحديثاً.

وإنّه والله لو كنتُ أنا وهؤلاء يا أزرق! مثاورين في مسجد رسول الله صلي الله عليه و اله وحولنا المهاجرون والأنصار ما قدروا أن يتكلموا بمثل ما تلكّموا به، ولا استقبلوني بما استقبلوني به، فاسمعوا مني أيها الملأ المجتمعون المعاونون عليّ، ولا تكتموا حقاً علمتموه، ولاتصدّقوا بباطلٍ نطقت به، وسأبدأ بك يا معاوية فلا أقول فيك إلا دون ما فيك.

أنشدكم بالله! هل تعلمون: أنّ الرجل الذي شتمتموه صلّي إلي القبلتين كلتيهما، وأنت تراهما جميعاً ضلالةً، تعبد اللات والعزّي؟ وبايع البيعتين كلتيهما: بيعة الرضوان وبيعة الفتح، وأنت يا معاوية بالأولي كافر، وبالأخري ناكث؟

أنشدكم بالله! هل تعلمون: إنما أقول حقاً، أنه لقيكم مع رسول الله صلي الله عليه و اله يوم بدرٍ، ومعه راية النبي صلي الله عليه و اله، ومعك يا معاوية راية المشركين، تعبد اللات والعزّي، وتري حرب رسول الله والمؤمنين فرضا واجباً. ولقيكم يوم أحد، ومعه راية النبي صلي الله عليه و اله، ومعك يا معاوية راية المشركين. ولقيكم يوم الأحزاب ومعه راية النبي صلي الله عليه و اله، ومعك يا معاوية راية المشركين، كلّ ذلك يفلج الله حجته، ويحقّق دعوته، ويصدق أحدوثته، وينصر رايته، وكلّ ذلك رسول الله صلي الله عليه و اله يري عنه راضياً في المواطن كلها؟

ثم أنشدكم بالله هل تعلمون: أنّ رسول

الله صلي الله عليه و اله حاصر بني قريظة وبني النضير، ثمّ بعث عمر بن الخطاب ومعه راية المهاجرين، وسعد بن معاذ ومعه راية الأنصار، فأمّا سعد بن معاذ فجرح وحمل جريحاً، وأما عمر فرجع وهو يجبّن أصحابه ويجبّنه أصحابه، فقال رسول الله صلي الله عليه و اله: (لأعطينّ الراية غداً رجلاً يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله، كرّار، غير فرّار، ثمّ لا يرجع حتي يفتح الله عليه) فتعرّض لها أبو بكر وعمر وغيرهما من المهاجرين والأنصار، وعليّ يومئذٍ أرمد شديد الرمد، فدعاه رسول الله صلي الله عليه و اله فتفل في عينيه، فبرأ من الرمد، فأعطاه الراية فمضي ولم يثن حتي فتح الله (عليه) بمنّه وطوله() وأنت يومئذٍ بمكة عدوّ لله ورسوله، فهل يسوي بين رجلٍ نصح لله ولرسوله، ورجلٍ عادي الله ورسوله!؟.

ثم أقسم بالله ما أسلم قلبك بعد، ولكنّ اللسان خائف، فهو يتكلّم بما ليس في القلب.

(ثم) أنشدكم بالله! أتعلمون: أن رسول الله صلي الله عليه و اله استخلفه علي المدينة في غزوة تبوك، ولا سخطه ذلك ولا كرهه، وتكلّم فيه المنافقون، فقال: (لا تخلفني يا رسول الله. فإني لم أتخلّف عنك في غزوةٍ قط، فقال رسول الله صلي الله عليه و اله: (أنت وصيّي وخليفتي في أهلي، بمنزلة هارون من موسي) ثم أخذ بيد عليّ: ثم قال: (أيّها الناس! من تولاني فقد تولّي الله، ومن تولّي عليّاً فقد تولاّني، ومن أطاعني فقد أطاع الله، ومن أطاع عليّاً فقد أطاعني، ومن أحبنّي فقد أحبّ الله، ومن أحبّ عليّاً فقد أحبني)؟

أنشدكم بالله! أتعلمون: أن رسول الله صلي الله عليه و اله قال في حجة الوداع: (أيّها الناس! إني قد تركت فيكم ما لم تضلّوا

بعده، كتاب الله فأحلّوا حلاله، وحرّموا حرامه، واعملوا بمحكمه، وآمنوا بمتشابهه، وقولوا: آمنّا بما أنزل الله من الكتاب، وأحبّوا أهل بيتي وعترتي، ووالوا من والاهم، وانصروهم علي من عاداهم، وإنهما لم يزالا فيكم، حتي يردا عليّ الحوض يوم القيامة).

ثم دعا وهو علي المنبر عليّاً، فاجتذبه بيده فقال: (اللهمّ وال من والاه وعاد من عاداه، اللهمّ من عادي عليّاً فلا تجعل له في الأرض مقعداً، ولا في السماء مصعداً، واجعله في أسفل دركٍ من النار).

أنشدكم بالله! أتعلمون: أنّ رسول الله صلي الله عليه و اله قال له: (أنت الذائد عن حوضي يوم القيامة! تذود عنه كما يذود أحدكم الغريبة من وسط إبله)؟

أنشدكم بالله! أتعلمون: أنه دخل علي رسول الله صلي الله عليه و اله في مرضه الذي توفّي فيه، فبكي رسول الله صلي الله عليه و اله، فقال عليّ: ما يبكيك يا رسول الله؟ فقال: (يبكيني أني أعلم: أنّ لك في قلوب الرجال من أمتي ضغائن، لا يبدونها حتي أتولّي عنك)؟

أنشدكم بالله! أتعلمون: أنّ رسول الله صلي الله عليه و اله حين حضرته الوفاة، واجتمع أهل بيته قال: (الهمّ هؤلاء أهلي وعترتي، اللهمّ وال من والاهم، وانصرهم علي من عاداهم) وقال: (إنما مثل أهل بيتي فيكم كسفينة نوحٍ، من دخل فيها نجا، ومن تخلّف عنها غرق)؟

أنشدكم بالله! أتعلمون: أن أصحاب رسول الله صلي الله عليه و اله قد سلّموا عليه بالولاية في عهد رسول الله صلي الله عليه و اله وحياته؟

أنشدكم بالله: أتعلمون أن عليّاً أول من حرّم الشهوات كلها علي نفسه، من أصحاب رسول الله صلي الله عليه و اله فأنزل الله عزّ وجلّ: يَا أيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرّمُواْ طَيّبَاتِ مَآ أَحَلّ اللّهُ لَكُمْ

وَلاَ تَعْتَدُوَاْ إِنّ اللّهَ لاَ يُحِبّ الْمُعْتَدِينَ ? وَكُلُواْ مِمّا رَزَقَكُمُ اللّهُ حَلاَلاً طَيّباً وَاتّقُواْ اللّهَ الّذِيَ أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ صلي الله عليه و اله().

وكان عنده علم المنايا، وعلم القضايا، وفصل الخطاب، ورسوخ العلم، ومنزل القرآن، وكان في رهطٍ لا نعلمهم، يتمّون عشرةً، نبّأهم الله أنهم به مؤمنون، وأنتم في رهطٍ قريبٍ من عدة أولئك لعنوا علي لسان رسول الله صلي الله عليه و اله، فأشهد لكم وأشهد عليكم أنّكم لعناء الله علي لسان نبيّه، كلكم أهل البيت.

وأنشدكم بالله! هل تعلمون: أنّ رسول الله صلي الله عليه و اله بعث إليك، لتكتب لبني خزيمة، حين أصابهم خالد بن الوليد، فانصرف إليه الرسول فقال: هو يأكل، فأعاد الرسول إليك ثلاث مرات، كل ذلك ينصرف الرسول ويقول هو يأكل، فقال رسول الله صلي الله عليه و اله: (اللهمّ لا تُشبع بطنه) فهي والله في نهمتك وأكلك إلي يوم القيامة؟

أنشدكم بالله! هل تعلمون، إنما أقول حقاً، أنك يا معاوية كنت تسوق بأبيك علي جملٍ أحمر، ويقوده أخوك هذا القاعد، وهذا يوم الأحزاب، فلعن رسول الله صلي الله عليه و اله الراكب والقائد والسائق، فكان أبوك الراكب وأنت يا أزرق السائق وأخوك هذا القاعد القائد؟

ثم أنشدكم بالله! هل تعلمون، أنّ رسول الله صلي الله عليه و اله لعن أبا سفيان في سبعة مواطن:

أولهنّ: حين خرج من مكة إلي المدينة، وأبو سفيان جاء من الشام، فوقع فيه أبو سفيان فسبّه وأوعده وهمّ أن يبطش به، ثم صرفه الله عزّوجلّ عنه.

والثاني: يوم العير حيث طردها أبو سفيان، ليحرزها من رسول الله صلي الله عليه و اله.

والثالث: يوم أحد، يوم قال رسول الله صلي الله عليه و اله: (الله مولانا ولا مولي

لكم) وقال أبو سفيان: لنا العزي ولا لكم العزي، فلعنه الله وملائكته ورسوله والمؤمنون أجمعون.

والرابع: يوم حنين، يوم جاء أبو سفيان بجمع قريش وهوازن، وجاء عيينة بغطفان واليهود، فردّهم الله عزّوجلّ بغيظهم لم ينالوا خيراً() هذا قول الله عزّوجلّ له في سورتين في كلتيهما يسمّي أبا سفيان وأصحابه كفاراً، وأنت يا معاوية يومئذٍ مشرك علي رأي أبيك بمكة، وعليّ عليه السلام يومئذٍ مع رسول الله صلي الله عليه و اله وعلي رأيه ودينه.

والخامس: قول الله عزّوجلّ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَن يَبْلُغَ مَحِلّهُ صلي الله عليه و اله() وصددت أنت وأبوك ومشركو قريشٍ، رسول الله صلي الله عليه و اله فلعنه الله لعنةً شملته وذرّيته إلي يوم القيامة.

والسادس: يوم جاء أبو سفيان بجمع قريش، وجاء عيينة بن حصنٍ ابن بدر بغطفان، فلعن رسول الله صلي الله عليه و اله القادة والأتباع والساقة إلي يوم القيامة، فقيل: يا رسول الله: أما في الأتباع مؤمن؟ فقال: لا تصيب اللعنة مؤمناً من الأتباع، وأما القادة فليس فيهم مؤمن ولا مجيب ولا ناجٍ.

والسابع: يوم الثنية، يوم شدّ علي رسول الله صلي الله عليه و اله اثني عشر رجلا، سبعة منهم من بني أمية، وخمسة من سائر قريش، فلعن الله تبارك وتعالي ورسوله من حلّ الثنية غير النبي وسائقه وقائده؟

ثم أنشدكم بالله! هل تعلمون: أنّ أبا سفيان دخل علي عثمان حين بويع في مسجد رسول الله صلي الله عليه و اله فقال: يا بن أخي هل علينا من عين؟ فقال: لا، فقال أبو سفيان، تداولوا الخلافة فتيان بني أمية، فوالذي نفس أبي سفيان() بيده ما من جنةٍ ولا نار.

وأنشدكم بالله! أتعلمون أنّ أبا سفيان أخذ بيد الحسين عليه السلام حين بويع عثمان

وقال: يا بن أخي أخرج معي إلي بقيع الغرقد، فخرج، حتي إذا توسّط القبور اجترّه فصاح بأعلي صوته: يا أهل القبور! الذي كنتم تقاتلونا عليه، صار بأيدينا وأنتم رميم، فقال الحسين بن علي: قبّح الله شيبتك، وقبّح وجهك، ثم نترَ يده وتركه، فلولا النعمان بن بشير أخذ بيده وردّه إلي المدينة، لهلك.

ومن لعنتك يا معاوية، أنّ أباك أبا سفيان كان يهمّ أن يسلم، فبعثت إليه بشعرٍ معروفٍ مرويٍّ في قريش وغيرهم، تنهاه عن الإسلام وتصدّه، أو تنسي يا معاوية قولك لأبيك:

بعد الذين ببدرٍ أصبحوا مزقا

يا صخر لا تسلمن يوماً فتفضحنا

وحنظل الخير قد أهدي لنا الأرقا

خالي وعمّي وعم الأم ثالثهم

والراقصات به في مكة الخرقا

لا تركننّ إلي أمرٍ تكلفنا

حاد ابن حربٍ عن العزّي إذا فرقا

فالموت أهون من قول العداة لقد

ومن سيّئ أعمالك: أنّ عمر بن الخطاب ولاّك الشام، فخنت به، وولاّك عثمان، فتربّصت به ريب المنون.

ثمّ أعظم من ذلك أنّك قاتلت علياً (صلوات الله عليه وآله)، وقد عرفت سوابقه وفضله وعلمه، علي أمر هو أولي به منك، ومن غيرك عند الله وعند الناس، ولا دنية، بل أوطأت الناس عشوةً، وأرقت دماء خلقٍ من خلق الله، بخدعك وكيدك وتمويهك، فعلَ من لا يؤمن بالمعاد، ولايخشي العقاب، فلما بلغ الكتاب أجله صرت إلي شرّ مثوي، وعليّ عليه السلام إلي خير منقلبٍ، والله لك بالمرصاد.

فهذا لك يا معاوية خاصةً، وما أمسكت عنه من مساويك وعيوبك، فقد كرهت به التطويل، فهل تستطيع أن تردّ علينا شيئاً؟

وأما أنت يا عمر بن عثمان، فلم تكن حقيقاً لحمقك أن تتبع هذه الأمور، فإنما مثلك مثل البعوضة إذ قالت للنخلة: استمسكي فإني أريد أن أنزل عنك، فقالت لها النخلة: ما شعرت بوقوعك، فكيف يشق علي

نزولك؟ وإني والله ما شعرت أنّك تحسن أن تعادي لي فيشقّ علي ذلك، وإني لمجيبك في الذي قلت.

إن سبّك عليّاً، أبنقص في حسبه؟ أو تباعده من رسول الله صلي الله عليه و اله، أو بسوء بلاءٍ في الإسلام؟ أو بجورٍ في حكمٍ؟ أو رغبة في الدنيا؟ فإن قلت واحدةً منها فقد كذبت، وأما قولك إنّ لكم فينا تسعة عشر دماً بقتلي مشركي قريش بني أمية ببدرٍ، فإنّ الله ورسوله قتلهم، ولعمري ليقتلنّ من بني هاشم تسعة عشر وثلاثة بعد تسعة عشر، ثم يقتل من بني أمية تسعة عشر وتسعة عشر في موطنٍ واحدٍ، سوي ما قتل من بني أمية لا يحصي عددهم إلا الله.

إنّ رسول الله صلي الله عليه و اله قال: (إذا بلغ ولد الوزغ ثلاثين رجلاً، أخذوا مال الله بينهم دولاً، وعباده خولا، وكتابه دغلا، فإذا بلغوا ثلاثمائة وعشراً، حقّت عليهم اللعنة ولهم، فإذا بلغوا أربعمائةٍ وخمسةً وسبعين، كان هلاكهم أسرع من لوك تمرة) فأقبل الحكم بن أبي العاص وهم في ذلك الذّكر والكلام، فقال رسول الله صلي الله عليه و اله: (أخفضوا أصواتكم() فإن الوزغ يسمع). وذلك حين رآهم رسول الله صلي الله عليه و اله ومن يملك بعده منهم أمره هذه الأمّة يعني في المنام، فساءه ذلك وشقّ عليه، فأنزل الله عزّوجلّ في كتابه: لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مّنْ أَلْفِ شَهْرٍ صلي الله عليه و اله() فأشهد لكم وأشهد عليكم ما سلطانكم بعد قتل عليٍّ إلاّ ألف شهر، التي أجّلها الله عزّوجلّ في كتابه.

وأمّا أنت يا عمرو بن العاص الشانئ اللعين الأبتر، فإنما أنت كلب، أوّل أمرك أمّك لبغيّة، وأنّك ولدت علي فراشٍ مشترك، فتحاكمت فيك رجال قريشٍ، منهم أبو سفيان بن

حرب، والوليد بن المغيرة، وعثمان بن الحارث، والنضر بن الحارث بن كلدة، والعاص بن وائل، كلهم يزعم أنك ابنه، فغلبهم عليك من بين قريشٍ ألأمهم حسباً، وأخبثهم منصباً، وأعظمهم بغية.

ثمّ قمت خطيباً وقلت: أنا شانئ محمّد، وقال العاص بن وائل: إنّ محمداً رجل أبتر لا ولد له، فلو قد مات انقطع ذكره، فأنزل الله تبارك وتعالي: إِنّ شَانِئَكَ هُوَ الأبْتَرُ صلي الله عليه و اله().

فكانت أمّك تمشي إلي عبد قيسٍ لطلب البغية، تأتيهم في دورهم ورحالهم وبطون أوديتهم، ثم كنت في كلّ مشهدٍ يشهد رسول الله صلي الله عليه و اله عدوّه، أشدّهم له عداوةً وأشدّهم له تكذيباً.

ثمّ كنت في أصحاب السفينة الذين أتوا النجاشي، والمهرج الخارج إلي الحبشة، في الإشاطة بدم جعفر بن أبي طالب، وسائر المهاجرين إلي النّجاشي، فحاق المكر السيّئ بك، وجعل جدّك الأسفل، وأبطل أمنيتك، وخيّب سعيك، وأكذب أحدوثتك، وجعل كلمة الذين كفروا السّفلي وكلمة الله هي العليا.

وأما قولك في عثمان، فأنت يا قليل الحياء والدين، ألهبت عليه ناراً، ثم هربت إلي فلسطين تتربّص به الدّوائر، فلمّا أتاك (خبر) قتله، حبست نفسك علي معاوية، فبعته دينك يا خبيث بدنيا غيرك، ولسنا نلومك علي بغضنا، ولا نعاتبك علي حبّنا، وأنت عدوّ لبني هاشم في الجاهلية والإسلام، وقد هجوت رسول الله صلي الله عليه و اله بسبعين بيتاً من شعر. فقال رسول الله صلي الله عليه و اله: (اللهمّ إني لا أحسن الشّعر، ولا ينبغي لي أن أقوله، فالعن عمرو بن العاص بكلّ بيتٍ (ألف) لعنة. فعليك إذاً من الله ما لا يحصي من اللعن، وبالله ما نصرت عثمان حيّاً، ولا غضبت له مقتولاً، ويحك يا بن العاص، ألست القائل في بني هاشم

لما خرجت من مكة إلي النجاشي:

وما السّير مني بمستنكر

تقول ابنتي: أين هذا الرحيل

أريد النجاشي في جعفر

فقلت: ذريني فإنّي امرؤ

أقيم بها نخوة الأصعر

لأكويه من عنده كيّةً

وأقوالهم فيه بالمنكر

وشأني أحمد من بينهم

ولو كان كالذهب الأحمر

وأجري علي عتبةٍ جاهداً

وما اسطعت في الغيب والمحضر

ولا أنثني عن بني هاشمٍ

وإلاّ لويت له مشفري

فإن قبل العتب منّي له

ثم أنت يا عمرو المؤثر دنيا غيرك علي دينك، أهديت إلي النّجاشيّ الهدايا، ورحت إليه رحلتك الثانية، ولم تنهك الأولي عن الثانية، كلّ ذلك ترجع مغلولاً حسيراً، تريد بذلك هلاك جعفرٍ وأصحابه، فلما أخطأك ما رجوت وأمّلت، أحلت علي صاحبك عمارة بن الوليد.

وأمّا أنت يا وليد بن عقبة، فوالله ما ألومك أن تبغض عليّاً، وقد جلدك في الخمر ثمانين سوطاً، وقتل أباك بين يدي رسول الله صلي الله عليه و اله، وأنت الّذي سمّاه الله: الفاسق. وسمّي عليّاً: المؤمن، حيث تفاخرتما، فقلت له: اسكت يا عليّ، فأنا أشجع منك جناناً، وأطول منك لساناً، فقال لك عليّ: اسكت يا وليد، فأنا مؤمن وأنت فاسق، فأنزل الله في موافقة قوله: أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً لاّ يَسْتَوُونَ صلي الله عليه و اله() ثمّ أنزل علي موافقة قوله: إِن جَآءَكُمْ فَاسِقُ بِنَبَإٍ فَتَبَيّنُوَاْ أَن تُصِيببُواْ قَوْمَا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُواْ عَلَيَ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ صلي الله عليه و اله().

ويحك يا وليد! مهما نسبت فلا تنس قول الشاعر فيك وفي عليٍّ عليه السلام:

في عليٍّ وفي الوليد قرآنا

أنزل الله في الكتاب علينا

وعليّ تبوّأ الإيمانا

فتبوّأ الوليد منزل كفرٍ

كمن كان فاسقاً خوّانا

ليس من كان مؤمناً يعبد الله

وعليّ إلي الجزاء عيانا

سوف يدعي الوليد بعد قليل

وهناك الوليد يجزي هوانا()

فعليّ يجزي هناك جناناً

وما أنت وذكر قريش، وإنما أنت ابن عليجٍ من أهلِ صفّورية يقال له: ذكوان.

وأمّا

زعمك أنّا قتلنا عثمان، فوالله ما استطاع طلحة والزبير وعائشة أن يقولوا ذلك لعليّ بن أبي طالب، فكيف تقوله أنت؟ ولو سالت أمّك: من أبوك، إذ تركت ذكوان، فألصقتك بعقبة بن أبي معيط، اكتسَت بذلك عند نفسها سناءً ورفعة، مع ما أعدّ الله لك ولأبيك وأمّك من العار والخزي في الدنيا والآخرة، وما الله بظلاّمٍ للعبيد.

ثم أنت يا وليد والله أكبر في الميلاد ممّن تدّعي له النّسب، فكيف تسبّ عليّاً؟ ولو اشتغلت بنفسك لبينت نسبك إلي أبيك، لا إلي من تدّعي له، ولقد قالت لك أمّك: يا بنيّ أبوك والله ألأم وأخبث من عقبة.

وأما أنت يا عتبة بن أبي سفيان، فوالله ما أنت بحصيف فأجاوبك، ولا عاقل فأعاتبك، وما عندك خير يرجي، ولا شرّ يخشي، وما كنت لو سببت عليّاً لأغار به عليك، لأنك عندي لست بكفوٍ لعبد عبد علي بن أبي طالب عليه السلام، فأردّ عليك وأعاتبك، ولكنّ الله عزّوجلّ لك ولأبيك وأمّك وأخيك بالمرصاد، فأنت ذرّيّة آبائك الذين ذكرهم الله في القرآن فقال: عَامِلَةٌ نّاصِبَةٌ ? تَصْلَيَ نَاراً حَامِيَةً ? تُسْقَيَ مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ صلي الله عليه و اله إلي قوله مِن جُوعٍ صلي الله عليه و اله().

وأمّا وعيدك إيّاي بقتلي فهلاً قتلت الّذي وجدته علي فراشك مع حليلتك، وقد غلبك علي فرجها، وشاركك في ولدها، حتّي ألصق بك ولداً ليس لك، ويلاً لك لو شغلت نفسك بطلب ثارك منه كنت جديراً وبذلك حرياً، غذ تسومني القتل وتوعدني به، أما تستحي من قول نصر بن الحجّاج فيك:

ولسبّةٍ تخزي أبا سفيان

يا للرّجال وحادث الأزمان

لصداقه الهذلي من اللحيان

نبئت عتبة هيّأته عرسه

فحلا وأمسك خشية النّسوان

ألفاه معها في الفراش فلم يكن

إنّ النساء حبائل الشّيطان!

لا تعتبن يا عتب

نفسك حبّها

ولا ألومك أن تسبّ علياً، وقد قتل أخاك مبارزةً، واشترك هو وحمزة بن عبد المطلب في قتل جدّك، حتي أصلاهما (الله) علي أيديهما نار جهنّم، وأذاقهما العذاب الأليم، (ونفي عمك بأمر رسول الله)().

وأمّا رجائي الخلافة، فلعمر الله لئن رجوتها، فإنّ لي فيها لملتمساً، وما أنت بنظير أخيك، ولا خليفة أبيك، لأنّ أخاك أكثر تمرداً علي الله وأشدّ طلباً لإراقة دماء المسلمين، وطلب ما ليس له بأهل، يخادع الناس ويمكرهم، ويمكر الله، والله خير الماكرين.

وأمّا قولك: إن عليّاً كان شرّ قريشٍ لقريش، فوالله ما حقّر مرحوماً ولا قتل مظلوماً.

وأما أنت يا مغيرة بن شعبة، فإنك لله عدوّ، ولكتابه نابذ، ولنبيّه مكذّب، وأنت الزّاني وقد وجب عليك الرّجم، وشهد عليك العدول البررة الأتقياء، فأخّر رجمك، ودفع الحق بالباطل، والصدق بالأغاليط، وذلك لما أعدّ الله لك من العذاب الأليم، والخزي في الحياة الدّنيا، ولعذاب الآخرة أخزي.

وأنت ضربت فاطمة عليها السلام بنت رسول الله صلي الله عليه و اله حتي أدميتها، وألقت ما في بطنها، استذلالاً منك لرسول الله، ومخالفةً منك لأمره، وانتهاكاً لحرمته، وقد قال لها رسول الله صلي الله عليه و اله: (أنتِ سيدة نساء أهل الجنّة) والله مصيرك إلي النار، وجاعل وبال ما نطقت به عليك.

فبأيّ الثلاثة() سببت عليّاً، أنقصاً من حسبه، أم بعداً من رسول الله صلي الله عليه و اله، أم سوء بلاءٍ في الإسلام، أم جوراً في حكم، أم رغبةً في الدّنيا؟ إن قلت بها فقد كذبت وكذبك النّاس.

أتزعم أن عليّاً قتل عثمان مظلوماً؟

فعليّ والله أتقي وأنقي من لائمه في ذلك، ولعمري إن كان علي قتل عثمان مظلوماً، فوالله ما أنت من ذلك في شيء، فما نصرته حيّاً، ولا تعصّبت له ميتاً،

وما زالت الطائف دارك، تتبع البغايا، وتحيي أمر الجاهلية، وتميت الإسلام حتّي كان في أمس (ما كان).

وأمّا اعتراضك في بني هاشم وبني أميّة، فهو ادعاؤك إلي معاوية.

وأما قولك في شأن الإمارة، وقول أصحابك في الملك الذي ملكتموه، فقد ملك فرعون مصر أربعمائة سنة، وموسي وهارون عليها السلام نبيّان مرسلان يلقيان ما يلقيان، وهو ملك الله يعطيه البرّ والفاجر وقال الله عزوجل: وَإِنْ أَدْرِي لَعَلّهُ فِتْنَةٌ لّكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَيَ حِينٍ صلي الله عليه و اله()، وقال: وَإِذَآ أَرَدْنَآ أَن نّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمّرْنَاهَا تَدْمِيراً صلي الله عليه و اله().

ثم قام الحسن عليه السلام فنفض ثيابه، وهو يقول: الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ صلي الله عليه و اله() هم والله يا معاوية أنت وأصحابك هؤلاء وشيعتك، وَالطّيّبَاتُ لِلطّيّبِينَ وَالطّيّبُونَ لِلْطّيّبَاتِ أُوْلََئِكَ مُبَرّءُونَ مِمّا يَقُولُونَ لَهُم مّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ صلي الله عليه و اله() هم عليّ بن أبي طالب وأصحابه وشيعته.

ثم خرج وهو يقول: (ذق وبال ما كسبت يداك، وما جنيت، وما قد أعدّ الله لك ولهم من الخزي في الحياة الدّنيا والعذاب الأليم في الآخرة).

فقال معاوية لأصحابه: وأنتم فذوقوا وبال ما قد جنيتم.

فقال له الوليد بن عقبة: والله ما ذقنا إلا كما ذقت، ولا اجترأ إلا عليك.

فقال معاوية: ألم أقل لكم إنكم لن تنتصفوا من الرجل؟ فهل() أطعتموني أول مرة، أو انتصرتم من الرجل إذ فضحكم، والله ما قام حتي أظلم عليّ البيت وهممت أن أسطو به، فليس فيكم خير اليوم ولا بعد اليوم.

وسمع مروان بن الحكم بما لقي معاوية وأصحابه المذكورون من الحسن بن عليٍّ عليه السلام، فأتاهم فوجدهم عند معاوية في البيت، فسألهم: ما الّذي بلغني عن الحسن وزعله؟

قالوا: قد

كان ذلك.

فقال لهم مروان: فهلا أحضرتموني ذلك، فوالله لأسبّنّه، ولأسبّنّ أباه، وأهل البيت سبّاً تغنّي به الإماء والعبيد.

فقال معاوية والقوم: لم يفُتك شيء،وهم يعلمون من مروان بذر لسانٍ وفحش.

فقال مروان: فأرسل إليه يا معاوية.

فأرسل معاوية إلي الحسن بن عليٍّ عليها السلام.

فلما جاءه الرسول، قال له الحسن عليه السلام: (ما يريد هذا الطاغية منّي؟ والله لئن أعاد الكلام، لأوقرنّ مسامعه، ما يبقي عليه عاره وشناره إلي يوم القيامة).

فأقبل الحسن عليه السلام، فلمّا أن جاءهم وجدهم بالمجلس، علي حالتهم التي تركهم فيها، غير أنّ مروان قد حضر معهم في هذا الوقت، فمشي الحسن عليه السلام حتّي جلس علي السرير مع معاوية وعمرو بن العاص.

ثم قال الحسن عليه السلام لمعاوية: لم أرسلت إليّ؟

قال: لست أنا أرسلت إليك، ولكنّ مروان الذي أرسل إليك.

فقال مروان: أنت يا حسن السبابُ رجالَ قريش؟

فقال: وما الذي أردت؟

فقال: والله لأسبّنّك وأباك وأهل بيتك سبّاً تغنّي به الإماء والعبيد.

فقال الحسن بن عليٍّ عليها السلام: أمّا أنت يا مروان، فلست أنا سببتك ولا سببت أباك، ولكنّ الله عزّوجلّ لعنك ولعن أباك، وأهل بيتك وذرّيّتك، وما خرج من صلب أبيك إلي يومِ القيامة علي لسان نبيّه محمّد.

والله يا مروان: ما تنكر أنت ولا أحد ممّن حضر هذه اللعنة من رسول الله لك ولأبيك من قبلك، وما زادك الله يا مروان بما خوّفك إلا طغياناً كبيراً، صدق الله وصدق رسوله، يقول:

وَالشّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي القُرْآنِ وَنُخَوّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاّ طُغْيَاناً

كَبِيراً صلي الله عليه و اله().

وأنت يا مروان وذرّيتك الشجرة الملعونة في القرآن عن رسول الله.

فوثب معاوية فوضع يده علي فم الحسن عليه السلام وقال: يا أبا محمّد ما كنت فحّاشاً.

فنفض الحسن عليه السلام ثوبه، وقام وخرج.

فتفرّق القوم عن المجلس

بغيظ وحزنٍ وسواد الوجوه().

الحسن عليه السلام ومناوئوه() 2

واجتمع معاوية مع بطانته، فجعل بعضهم يفخر علي بعضٍ، ويتطاول بالمآثر المكذوبة، فأراد معاوية أن يضحك عليهم فقال لهم:

أكثرتم الفخر، فلو حضركم الحسن بن عليّ، وعبد الله بن عبّاسٍ لقصّرا من أعنّتكم ما طال. فقال زياد لمعاوية: وكيف ذلك يا أمير المؤمنين!؟ ما يقومان لمروان بن الحكم في غرب() منطقة، ولا لنا في بواذخنا()، فابعث إليهما في غدٍ حتي تسمع كلامنا. فالتفت معاوية إلي عمرو بن العاص مستشيراً: ما تقول؟ فقال ابن العاص: ابعث إليهما غداً. فلما كان من غدٍ بعث معاوية ابنه يزيد، إلي الإمام الحسن عليه السلام وعبد الله ابن عبّاس. فأتياه فلمّا استقر بهما المجلس، التفت إليهما معاوية، مبتدئاً: إني أجلّكما وأرفع قدركما عن المسامرة باللّيل، ولا سيّما أنت يا أبا محمّد، فإنك ابن رسول الله، وسيد شباب أهل الجنّة.

ثم قال ابن العاص: يا حسن، إنّا قد تفاوضنا، فقلنا: إنّ رجال بني امية اصبر عند اللّقاء، وأمضي في الوغي، وأوفي عهداً، وأكرم خيماً()، وأمنع لما وراء ظهورهم، من بني عبد المطّلب. ثم سكت.

فقال مروان بن الحكم: وكيف لا نكون كذلك، وقد قارعناكم فغلبناكم، وحاربناكم فملكناكم، فإن شئنا عفونا وإن شئنا بطشنا.

ولما سكت مروان، تكلّم زياد فقال: ما ينبغي لهم أن ينكروا الفضل لأهله، ويجحدوا الخير في سلطانه، نحن أهل الحملة في الحروب، ولنا الفضل علي سائر النّاس قديماً وحديثاً.

فقال الإمام عليه السلام:

ليس من العجز أن يصمت الرجل عند إيراد الحجّة، ولكن من الإفك أن ينطق الرجل بالخنا، ويصوّر الباطل بصورة الحقّ.

ثم وجّه عليه السلام خطابه إلي عمرو بن العاص فقال له:

يا عمرو، افتخاراً بالكذب، وجرأةً علي الإفك؟ مازلت أعرف مثالبك الخبيثة، أبديها مرةً وأمسك عنها أخري، فتأبي إلا

انهماكاً في الضّلالة، أتذكر مصابيح الدّجي، وأعلام الهدي، وفرسان الطّراد، وحتوف الأقران، وأبناء الطّعان، وربيع الضّيفان، ومعدن النّبوة، ومهبط العلم؟ وزعمتم أنّكم أحمي لما وراء ظهوركم، وقد تبيّن ذلك يوم بدرٍ حين نكصت الأبطال، وتساورت الأقران، واقتحمت اللّيوث، واعتركت المنية، وقامت رحاها علي قطبها، وافترّت عن نابها، وطار شرار الحرب، فقتلنا رجالكم، ومن النبيّ صلي الله عليه و اله علي ذراريكم، فكنتم لعمري في ذلك اليوم غير مانعين لما وراء ظهوركم، من بني عبد المطلّب.

ثم التفت إلي مروان، فقال له:

وأمّا أنت يا مروان، فما أنت والإكثار في قريشٍ وأنت طليق، وأبوك طريد، يتقلّب من خزايةٍ إلي سوأة، ولد جيء بك إلي أمير المؤمنين، فلمّا رأيت الضرغام قد دميت براثنه، واشتبكت أنيابه، كنت كما قال القائل:

بصبصن ثم قذفن بالأبعار()

ليث إذا سمع الليوث زئيره

فلمّا منّ عليك بالعفو، وأرخي خناقك بعد ما ضاق عليك، وغصصت بريقك، لم تقعد معنا مقعد أهل الشّكر، ولكن تساوينا وتجارينا() ونحن مما لا يدركنا عار ولا يلحقنا خزاية.

ثم وجّه عليه السلام خطابه إلي زيادٍ فقال له:

وما أنت يا زياد وقريشاً؟

لا أعرف لك فيها أديماً() صحيحاً، ولا فرعاً نابتاً، ولا قديماً ثابتاً، ولا منبتاً كريماً، بل كانت أمّك بغيّاً، تداولها رجال قريشٍ وفجّار العرب، فلمّا وُلدتَ، لم تعرف لك العرب والداً، فادّعاك هذا وأشار إلي معاوية بعد ممات أبيه، مالك افتخار، تكفيك سميّة، ويكفينا رسول الله صلي الله عليه و اله وأبي عليّ بن أبي طالبٍ عليه السلام سيد المؤمنين، الذي لم يرتدّ علي عقبيه، وعمّي حمزة سيد الشّهداء، وجعفر الطيّار، وأنا وأخي سيّدا شباب أهل الجنّة.

ثمّ انعطف علي ابن عباسٍ قائلاً:

يا ابن العمّ، إنما هي بغاثُ() الطيّر انقضّ عليها أجدل().

وأراد ابن عبّاسٍ أن

يتكلم، فخاف معاوية من حديثه، فأقسم عليه أن يسكت، فسكت.

ثم خرج الإمام عليه السلام وابن عباس، فالتفت معاوية إلي بطانته مستهزئاً بهم:

أجاد عمرو الكلام لولا أنّ حجته دحضت، وتكلم مروان لولا أنه نكص، ثم التفت إلي زياد، فأنكر عليه هذا التّدخّل قائلاً:

ما دعاك إلي محاورته، ما كنت إلاّ كالحجل في كفّ البازي؟

فقال ابن العاص لمعاوية: ألا رميت من ورائنا؟

فردّ عليه معاوية: إذاً كنت شريككم في الجهل، أفاخر رجلاً رسول الله جدّه، وهو سيّد من مضي ومن بقي، وأمّه فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين.

ثم التفت إلي ابن العاص: والله لئن سمع به أهل الشام لهي السّوءة السوآء.

فقال عمرو: لقد أبقي عليك، ولكنّه طحن مروان وزياداً طحن الرّحي بثفالها، ووطأهما وطء البازل القراد بمنسمه.

فقال زياد: قد والله فعل، ولكنّ معاوية يأبي إلا الإغراء بيننا وبينهم، لا جرم والله لا شهدت مجلساً يكونان فيه، إلا كنت معهما علي من فاخرهما.

وخلص ابن عبّاسٍ بالإمام عليه السلام، فقبّل ما بين عينيه وأظهر الإعجاب بحديثه وردّه علي القوم، قائلاً: أفديك يا بن العمّ، والله ما زال بحرك يزخر، وأنت تصول حتي شفيتني من أولاد البغايا().

الحسن عليه السلام ومناوئوه() 3

دخل الإمام عليه السلام يوماً علي معاوية، وكان عنده عبد الله بن الزّبير، فقال له معاوية مغرياً إياه بمطاولة الإمام: لو افتخرت علي الحسن، فإنك ابن حواريّ رسول الله وابن عمّته، ولأبيك في الإسلام نصيب وافر.

فقال ابن الزبير: أنا له. حتي إذا استوي المجلس بالإمام انبري إليه ابن الزبير قائلاً: لولا أنّك خوّار في الحرب غير مقدام، ما سلّمت لمعاوية الأمر، وكنت لا تحتاج إلي اختراق السّهوب، وقطع المفاوز، تطلب معروفه، وتقوم ببابه، وكنت حرياً أن لا تفعل ذلك، وأنت ابن عليّ في بأسه ونجدته، فما

أدري ما الذي حملك علي ذلك؟ أضعف في الرّأي، أم وهن ونحيزة، فما أظنّ لك مخرجاً من هاتين الخلّتين، أما والله لو استجمع لي ما استجمع لك، لعلمت: أني ابن الزّبير، وأني لا أنكص عن الأبطال، وكيف لا أكون كذلك، وجدّتي صفية بنت عبد المطّلب، وأبي الزبير، من حواري رسول الله، وأشدّ الناس بأساً، وأكرمهم حسباً في الجاهلية، وأطوعهم لرسول الله. فقال له الإمام:

أما والله لولا أنّ بني أمية تنسبني إلي العجز عن المقال لكففت عنك تهاوناً، ولكن سأبيّن لك ذلك لتعلم:

أني لست بالعيّ، ولا الكليل اللّسان، إيّاي تعيّر، وعليّ تفتخر، ولم يكن لجدّك بيت في الجاهليّة، ولا مكرمة، فزوجتُه جدّتي صفية بنت عبد المطّلب، فبذخ علي جميع العرب بها، وشرف بمكانها، فكيف تفاخر من هو من القلادة واسطتها ومن الأشراف سادتها، نحن أكرم أهل الأرض زنداً، لنا الشرف الثاقب والكرم الغالب.

ثم تزعم: إني سلّمت الأمر، فكيف يكون ذلك ويحك هكذا؟ وأنا ابن أشجع العرب، وقد ولدتني فاطمة عليها السلام سيدة نساء العالمين وخيرة الإماء، لم أفعل ذلك ويحك جبناً ولا ضعفاً، ولكنه بايعني مثلك وهو يطلبني بترة، ويداجيني المودّة، ولم أثق بنصرته، لأنكم أهل بيت غدر، وكيف لا يكون كما أقول؟ وقد بايع أبوك أمير المؤمنين، ثم نكث بيعته، ونكص علي عقبيه، واختدع حشيّةً من حشايا رسول الله ليضلّ بها النّاس، فلما دلف نحو الأعنّة، ورأي بريق الأسنّة، قُتل مضيعة لا ناصر له، وأتي بك أسيراً، قد وطأتك الكماة بأظلافها، والخيل بسنابكها، واعتلاك الأشتر، فغصصت بريقك، وأقعيت علي عقيبك، كالكلب إذا احتوشه الليّوث، فنحن ويحك نور البلاد وأملاكها، وبنا تفخر الأمّة، وإلينا تلقي مقاليد الأمة، أتصول وأنت تختدع النساء؟ ثم تفخر علي بني الأنبياء،

لم تزل الأقاويل منّا مقبولة، وعليك وعلي أبيك مردودة، دخل الناس في دين جدّي طائعين وكارهين، ثم بايعوا أمير المؤمنين، فسار إلي أبيك وطلحة، حين نكثا البيعة، وخدعا عرس رسول الله، فقُتل أبوك وطلحة، وأتي بك أسيراً، فبصبصت بذنبك، وناشدته الرّحم أن لا يقتلك، فعفا عنك، فأنت عتاقة أبي، وأنا سيّدك وسيّد أبيك، فذق وبال أمرك.

فسكت ابن الزبير وخجل.

فأردف الإمام عليه السلام: اعذر يا أبا محمّد، فإنما حملني علي محاورتك هذا وأشار إلي معاوية فهلاّ إذ جهلت أمسكت عنّي، فإنكم أهل بيتٍ سجيتكم الحلم والعفو.

ثم التفت الإمام عليه السلام إلي معاوية قائلاً:

أنظر هل أكيع عن محاورة أحد، ويحك أتدري من أيّ شجرةٍ أنا، وإلي من أنتمي؟ إنته قبل أن أسمك بميسمٍ تتحدّث به الرّكبان في الآفاق والبلدان.

فقال ابن الزبير: هو لذلك أهل.

فقال له معاوية: أما إنه قد شفا بلابل صدري منك، ورمي مقتلك، فصرت كالحجل في كفّ البازي، يتلاعب به كيف أراد، فلا أراك تفتخر علي أحدٍ بعدها.

الحسن عليه السلام ومناوئوه() 4

قال مروان بن الحكم، للحسن بن علي عليه السلام بين يدي معاوية: أسرع الشيب إلي شاربك يا حسن! ويقال إنّ ذلك من الخرق.

فقال عليه السلام:

ليس كما بلغك، ولكنّا معشر بني هاشمٍ طيّبة أفواهنا، عذبة شفاهنا، فنساؤنا يقبلن علينا بأنفاسهنّ، وأنتم معشر بني أمية، فيكم بخر شديد، فنساؤكم يصرفن أفواهنّ وأنفاسهنّ إلي أصداغكم، فإنما يشيب منكم موضع العذار من أجل ذلك.

الحسن عليه السلام ومناوئوه() 5

قال مروان بن الحكم، للحسن بن علي عليه السلام: أما إنّ فيكم يا بني هاشمٍ خصلة سوء. قال الإمام عليه السلام:

وما هي؟

قال: الغلمة().

قال: أجل نزعت من نسائنا، ووضعت في رجالنا، ونزعت الغلمة من رجالكم، ووضعت في نسائكم، فما قام لأمويّةٍ إلا هاشميّ.

ثم خرج يقول:

وخمساً أرجّي قابلاً بعد قابل

ومارست هذا الدهر خمسين حجّةً

ولا في الّذي أهوي كدحت() بطائل

فما أنا في الدّنيا بلغت جسيمها

وأيقنت أنّي رهن موتٍ معاجل

فقد أشرعتني في المنايا أكفّها()

الحسن عليه السلام ومناوئوه() 6

وتحدّث الإمام عليه السلام في مجلس معاوية، عن فضله وشرف نسبه وعلوّ منزلته، قائلاً:

قد علمت قريش بأسرها: أنّي منها في عزّ أرومتها، لم أطبع علي ضعف، ولم أعكس علي خسف، أعرف بشبهي، وأدعي لأبي.

فاغتاظ ابن العاص وقال:

قد علمت قريش: أنّك من أقلها عقلاً، وأكثرها جهلاً، وأنّ فيك خصالاً لو لم يكن فيك إلا واحدة منهنّ لشملك خزيها كما شمل البياض الحالك، لعمرو الله لتنتهين عما أراك تصنع، أو لأكبسنّ لك حافةً كجلد العائط، أرميك من خللها، بأحرّ من وقع الأثافي، أعرك منها أديمك عرك السّلعة، فإنّك طالما ركبت صعب المنحدر، ونزلت في أعراض الوعر، التماساً للفرقة وإرصاداً للفتنة، ولن يزيدك الله إلا فظاعة!.

فردّ عليه الإمام عليه السلام قائلاً:

أما والله لو كنت تسمو بحسبك، وتعمل برأيك، ما سلكت فجّ قصد، ولا حللت رابية مجد، وأيم الله لو أطاعني معاوية لجعلك بمنزلة العدوّ الكاشح، فإنّه طالما طويت علي هذا كشحك، وأخفيته في صدرك، وطمع بك الرجاء إلي الغاية القصوي، التي لا يورق لها غصنك، ولا يخضرّ لها مرعاك، أما والله ليوشكنّ يا بن العاص، أن تقع بين لحي ضرغامٍ من قريش، قويّ ممتنع، فروسٍ ذي لبد، يضغطك ضغط الرّحا للحب، لا ينجيك منه الرّوغان، إذا التقت حلقتا

البطان.

فقال ابن العاص:

يا حسن، أزعمت أنّ الدين لا يقوم إلا بك وبأبيك؟ فلقد رأيتَ الله عزوجل أقامه بمعاوية، فجعله راسياً بعد ميله، وبيّناً بعد خفائه، أفرضي الله قتل عثمان؟ أم من الحقّ أن تدور بالبيت كما يدور الجمل بالطّحين، عليك ثياب كغِرقيء البيض، وأنت قاتل، عثمان؟ والله إنّه لا ألمّ للشّعث وأسهل للوعث، أن يوردك معاوية حياض أبيك.

فقال الإمام عليه السلام:

إنّ لأهل النّار علاماتٍ يعرفون بها وهي: الإلحاد لأولياء الله، والموالاة لأعداء الله، والله إنّك لتعلم أنّ عليّاً عليه السلام لم يتريّب في الأمر، ولم يشكّ في الله طرفة عين، وأيم الله لتنتهينّ يابن أمّ عمرو أو لأنفذنّ حضنيك، بنوافذ أشدّ من الأقضية، أو لأقرعنّ جبينك بكلام، تبقي سمته عليك ما حييت، فإياك والإبراز عليّ، فإني من قد عرفت، لست بضعيف الغميزة، ولا بهشّ المشاشة، ولا بمريء المأكلة، وإني من قريشٍ كواسطة القلادة، يعرف حسبي، ولا أدعي لغير أبي، وأنت تعلم ويعلم النّاس وتحاكمت فيك رجال قريش، فغلب عليك جزّارها: الأمهم حسباً وأظهرهم لؤماً، فإياك عني فإنك رجس، ونحن أهل بيت الطّهارة، أذهب الله عنّا الرّجس وطهّرنا تطهيراً.

فأفحم عمرو واكتأب.

الحسن عليه السلام ومناوئوه() 7

ودخل الإمام الحسن عليه السلام علي معاوية، فلمّا رآه قابله بحفاوة وتكريم، فاستاء مروان وقال له:

يا حسن، لولا حلم أمير المؤمنين! وما قد بني له آباؤه الكرام من المجد والعلا، ما أقعدك هذا المقعد، ولقتلك، وأنت له مستوجب بقودك الجماهير، فلما أحسست بنا، وعلمت أن لا طاقة لك بفرسان أهل الشام، وصناديد بني أميّة، أذعنت بالطّاعة، واحتجزت بالبيعة، وبعثت تطلب الأمان، أما والله لولا ذلك لأريق دمك، وعلمتَ أنّا نعطي السيوف حقّها عند الوغي، فاحمد الله إذ ابتلاك بمعاوية، فعفا عنك بحكمه، ثم صنع بك

ما تري!.

فردّ عليه الإمام عليه السلام:

ويحك يا مروان! لقد تقلّدت مقاليد العار في الحروب عند مشاهدتها، والمخاذلة عند مخالطتها، نحن هبلتك الهوابل لنا الحجج البوالغ، ولنا إن شكرتم عليكم النّعم السّوابغ، ندعوكم إلي النّجاة، وتدعوننا إلي النّار، فشتان ما بين المنزلتين، تفخر ببني أمية، وتزعم أنهم صبر في الحروب، أسد عند اللّقاء، ثكلتك أمّك، أولئك البهاليل السّادة، والحماة الذّادة، والكرام القادة، بنو عبد المطّلب، أما لله لقد رأيتهم وجميع من في هذا البيت، ما هالتهم الأهوال، ولم يحيدوا عن الأبطال، كالليوث الضّارية، الباسلة الحنقة، فعندها وليّت هارباً، وأخذت أسيراً، فقلدت قومك العار لأنك في الحروب خوّار، أيراق دمي زعمت؟!، أفلا أرقت دم من وثب علي عثمان في الدّار، فذبحه كما يذبح الجمل؟ وأنت تثغو ثغاء النّعجة!! وتنادي بالويل والثّبور، كالأمة اللّكعاء، ألا دفعت عنه بيدٍ أو ناضلت عنه بسهم؟! لقد ارتعدت فرائصك!! وغشي بصرك، فاستغثت بي كما يستغيث العبد بربّه، فأنجيتك من القتل، ومنعتك منه، ثم تحثّ معاوية علي قتلي؟ ولو رام ذلك معك لذبح كما ذبح ابن عفّان، أنت معه أقصر يداً، وأضيق باعاً، وأجبن قلباً من أن تجسر علي ذلك، ثم تزعم أنّي ابتليت بحلم معاوية، أما والله لهو أعرف بشأنه، وأشكر لما وليّناه هذا الأمر، فمتي بدا له، فلا يغضينّ جفنه علي القذي معك، فوالله لأعقبن أهل الشام بجيش، يضيق عنه فضاؤها، ويستأصل فرسانها، ثم لا ينفعك عند ذلك الهرب والزّوغان، ولا يردّ عنك الطلبَ تدريجك الكلام، فنحن من لا يجهل آباؤنا القدماء الأكابر، وفروعنا السادة الأخيار، انطق إن كنت صادقاً.

فقال ابن العاص مستهزئاً بمروان:

ينطق بالخنا، وتنطق بالصّدق. ثم أنشأ يقول:

لا يضرط العير والمكواة في النّار

قد يضرط العير والمكواة تأخذه

ذُق وبال أمرك

يا مروان.

وصاح معاوية بمروان:

قد كنت نهيتك عن هذا الرجل، وأنت تأبي إلاّ انهماكاً فيما لا يعنيك، اربع علي نفسك فليس أبوك كأبيه، ولا أنت مثله، أنت ابن الطريد الشريد، وهو ابن رسول الله الكريم، ولكن ربّ باحثٍ عن حتفه وحافرٍ عن مديته.

وانتفخت أوداج مروان غضباً وغيظاً، فاندفع نحو معاوية قائلاً:

ارم من دون بيضتك، وقم بحجّة عشيرتك.

ثم التفت إلي ابن العاص:

وطعنك أبوه، فوقيت نفسك بخصييك، فلذلك تحذره.

ثم قام وخرج حنقاً، فقال معاوية:

لا تجار البحور فتغمرك، ولا الجبال فتبهرك.

الحسن عليه السلام ومناوئوه() 8

وفد الحسن بن عليّ عليها السلام علي معاوية، فحضر مجلسه وإذا عنده مروان بن الحكم، والمغيرة بن شعبة، والوليد بن عقبة، وعتبة بن أبي سفيان، ففخر كلّ رجلٍ منهم علي بني هاشم فوضعوا منهم، وذكروا أشياء ساءت الحسن عليه السلام وبلغت منه، فقال الحسن بن عليّ عليها السلام:

أنا شعبة من خير الشّعب، آبائي أكرم العرب، لنا الفخر والنّسب والسماحة عند الحسب، من خير شجرةٍ أنبتت فروعاً نامية، وأثماراً زاكية، وأبداناً قائمة، فيها أصل الإسلام، وعلم النبوّة، فعلونا حين شمخ بنا الفخر، واستطلنا حين امتنع منا العز، بحور زاخرة لا تنزف، وجبال شامخة لا تقهر.

فقال مروان:

مدحت نفسك، وشمخت بأنفك، هيهات يا حسن، نحن والله الملوك السّادة، والأعزة القادة، لا ننحجز() فليس لك مثل عزّنا، ولا فخر كفخرنا. ثم أنشأ يقول:

فنالت عزّها فيمن يلينا

ستفنينا أنفساً طابت وقورا

واُبنا بالملوك مقرّبينا

واُبنا بالغنيمة حيث اُبنا

ثم تكلم المغيرة بن شعبة فقال:

نصحت لأبيك فلم يقبل النّصح، لولا كراهية قطع القرابة، لكنت في جملة أهل الشّام، فكان يعلم أبوك أني أصدر الوراد عن مناهلها بزعارة قيس، وحلم ثقيفٍ وتجاربها للأمور علي القبائل.

فتكلّم الحسن عليه السلام فقال:

يا مروان أجبناً وخوراً، وضعفاً وعجزاً؟ أتزعم أني مدحت نفسي وأنا

ابن رسول الله صلي الله عليه و اله وشمخت() بأنفي، وأنا سيّد شباب أهل الجنّة؟

وإنّما يبذخ() ويتكبّر ويلك من يريد رفع نفسه، ويتبجّح() من يريد الاستطالة()، فأما نحن فأهل بيت الرّحمة، ومعدن الكرامة، وموضع الخيرة، وكنز الإيمان، ورمح الإسلام، وسيف الدّين، ألا تصمت ثكلتك أمّك، قبل أن أرميك بالهوائل، وأسمك بميسمٍ تستغني به عن اسمك.

فأمّا إيابك بالنّهاب والملوك، أفي اليوم الّذي ولّيت فيه مهزوماً، وانحجزت مذعوراً، فكانت غنيمتك هزيمتك، وغدرك بطلحة حين غدرت به فقتلته، قبحاً لك، ما أغلظ جلدة وجهك!

فنكس مروان رأسه، وبقي المغيرة مبهوتاً، فالتفت إليه الحسن عليه السلام فقال:

(يا) أعور ثقيف! ما أنت من قريشٍ فأفاخرك، أجهلتني يا ويحك وأنا ابن خير الآباء، وسيدة النّساء، غذّانا رسول الله صلي الله عليه و اله بعلم الله تبارك وتعالي، فعلّمنا تأويل القرآن ومشكلات الأحكام، لنا العزة الغلباء، والكلمة العلياء، والفخر والسناء، وأنت من قومٍ لم يثبت لهم في الجاهلية نسب، ولا لهم في الإسلام نصيب، عبد آبق ماله والافتخار عند مصادمة الليّوث، ومجاحشة الأقران، نحن السّادة، ونحن المذاويد القادة، نحمي الذّمار، وننفي عن ساحتنا العار، وإنا ابن نجيبات الأبكار.

ثمّ أشرت زعمت بخير وصيّ خير الأنبياء؟ كان هو بعجزك أبصر، وبخورك أعلم، وكنت للردّ عليك منه أهلاً، لو غرّك في صدرك وبدو الغدر في عينك، هيهات لم يكن ليتّخذا المضلّين عضداً()، وزعمت لو أنّك كنت بصفّين بزعارة() قيس، وحلم ثقيف، فيماذا ثكلتك أمّك! أبعجزٍ عند المقامات، وفرارك عند المجاحشات؟ أما والله لو التفّت عليك من أمير المؤمنين الأشاجع()، لعلمت أنه لا يمنعه منك الموانع، ولقامت عليك المرنّات() الهوالع().

وأمّا زعارة قيس، فما أنت وقيساً؟ إنما أنت عبد آبق، فتسمّي ثقيفاً() فاحتل لنفسك من غيرها، فلست من

رجالها، أنت بمعالجة الشّرك() وموالج الزرائب() أعرف منك بالحروب، فأيّ الحلم عند العبيد القيون().

ثم تمنّيت لقاء أمير المؤمنين عليه السلام فذاك من قد عرفت:

أسد باسل()، وسُمّ قاتل، لا تقاومه الأبالسة، عند الطّعن والمخالسة،

فكيف ترومه الضّبعان، وتناوله الجعلان بمشيتها القهقري، وأمّا وصلتك

فمنكولة()، وقرابتك فمجهولة، وما رحمك منه، إلا كنبات الماء من خشفان الظبّا، بل أنت أبعد منه نسباً.

فوثب المغيرة، والحسن عليه السلام يقول:

عذرنا من بني أميّة أن تجاورنا بعد مناطقة القيون، ومفاخرة العبيد.

فقال معاوية:

ارجع يا مغيرة! هؤلاء بنو عبد مناف، لا تقاومهم الصّناديد، ولا تفاخرهم المذاويد.

ثم أقسم علي الحسن عليه السلام بالسكوت، فسكت.

الحسن عليه السلام علي لسانه()

بعد ما انتهي الصلح بين الإمام الحسن عليه السلام ومعاوية، كان الإمام ذات يومٍ جالساً في مجلس معاوية، فقال له: يا حسن! اصعد المنبر واذكر فضلنا.

فصعد الإمام عليه السلام المنبر، فحمد الله وأثني عليه، وصلّي علي النبيّ محمد وآله، ثم قال:

من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا الحسن ابن رسول الله، أنا ابن البشير النّذير، أنا ابن المصطفي بالرسالة، أنا ابن من صلّت عليه الملائكة، أنا ابن من شرفت به الأمّة، أنا ابن من كان جبرئيل السفير من الله إليه، أنا ابن من بعث رحمةً للعالمين، (صلي الله عليه وآله أجمعين).

فلم يقدر معاوية، أن يكتم عداوته وحسده، فقال: يا حسن عليك بالرّطب فانعته لنا.

قال عليه السلام: نعم يا معاوية، الريح تلقحه، والشمس تنفخه، والقمر يلوّنه، والحرّ ينضجه، والليل يبرده.

ثم أقبل عليه السلام علي منطقه فقال:

أنا ابن المستجاب الدّعوة، أنا ابن من كان من ربّه كقاب قوسين أو أدني، أنا ابن الشفيع المطاع، أنا ابن مكّة ومني، أنا ابن من خضعت له قريش رغماً، أنا ابن من سعد تابعه وشقي خاذله، أنا ابن

من جعلت الأرض له طهوراً ومسجدا، أنا ابن من كانت أخبار السماء إليه تتري، أنا ابن من أذهب الله عنهم الرّجس وطهّرهم تطهيرا.

فقال معاوية: أظنّ نفسك يا حسن تنازعك إلي الخلافة؟

فقال: ويلك يا معاوية! إنّما الخليفة من سار بسيرة رسول الله صلي الله عليه و اله وعمل بطاعة الله، ولعمري إنّا لأعلام الهدي ومنار التّقي، ولكنك يا معاوية ممّن أباد السّنن وأحيا البدع، واتّخذ عباد الله خولا، ودين الله لعباً، فكان قد أخمل ما أنت فيه فعشت يسيراً وبقيت عليك تبعاته.

يا معاوية، والله لقد خلق الله مدينتين، إحداهما بالمشرق والأخري بالمغرب أسماهما: جابلقا وجابلسا، ما بعث الله إليهما أحداً غير جدّي رسول الله.

فقال معاوية: يا أبا محمّدٍ أخبرنا عن ليلة القدر.

قال: نعم عن مثل هذا فاسأل، إنّ الله خلق السماوات سبعاً والأرضين سبعاً، والجنّ من سبع، والإنس من سبع، فتطلب من ليلة ثلاثٍ وعشرين إلي ليلة سبعٍ وعشرين.

ثم نهض عليه السلام من المنبر فنزل.

الحق أبلج()

إنّ معاوية قصد يثرب، فلمّا انتهي إليها رأي حفاوة الناس بالإمام الحسن عليه السلام، وإكبارهم له، فساءه ذلك، فاستدعي أبا الأسود الدّؤلي والضّحّاك ابن قيسٍ الفهري، ولما مثلا عنده، استشارهما في أمر الحسن، وأن يوصمه بشيءٍ ينقصه في أعين النّاس، فأشار عليه أبو الأسود بالتّرك قائلاً:

رأي الأمير أفضل، وأري أن لا يفعل، فإنّ الأمير لن يقول فيه قولاً إلا أنزله سامعوه منه به حسداً، ورفعوا به صعداً، والحسن عليه السلام يا أمير معتدل شبابه، احضر ما هو كائن جوابه، فأخاف أن يردّ عليك كلامك بنوافذ تردع سهامك، فيقرع بذلك ظنبوبك، ويبدي به عيوبك، فإذن كلامك فيه صار له فضلاً وعليك كلاّ، إلا أن تكون تعرف له عيباً في أدب، أو وقيعةً

في حسب، وإنّه لهو المهذّب، قد أصبح من صريح العرب، في عزّ لبابها وكريم محتدها، وطيب عنصرها فلا تفعل يا أمير.

ولكنّ الضّحّاك بن قيس أشار علي معاوية بالوقيعة فيه قائلاً:

امض يا أمير المؤمنين فيه برأيك، ولا تنصرف عنه بدائك، فإنّك لو رميته بقوارص كلامك ومحكم جوابك، لذلّ لك كما يذلّ البعير الشّارف من الإبل.

واستصوب معاوية رأي الضحّاك، فلما كان يوم الجمعة صعد المنبر فحمد الله وأثني عليه وصلّي علي نبيّه، ثم ذكر أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالبٍ عليه السلام فانتقصه وكان ممّا قال:

أيّها النّاس، إنّ صبيةً من قريشٍ ذوي سفهٍ وطيش، وتكدّرٍ من عيش، أتعبتهم المقادير، فاتخذ الشيطان رؤوسهم مقاعد، وألسنتهم مبارد، فباض وفرّخ في صدورهم، ودرج في نحورهم، فركب بهم الزّلل، وزيّن لهم الخطل، وأعمي عليهم السّبل، وأرشدهم إلي البغي والعدوان، والزّور والبهتان، فهم له شركاء وهو لهم قرين ومن يكن الشّيطان له قريناً فساء قرينا صلي الله عليه و اله() وكفي لهم مؤدّباً، والمستعان الله.

فوثب إليه الإمام الحسن عليه السلام قائلاً:

أيّها النّاس!

من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا الحسن بن عليّ بن أبي طالب، أنا ابن نبيّ الله، أنا ابن من جعلت له الأرض مسجداً وطهورا، أنا ابن السّراج المنير، أنا ابن البشير النّذير، أنا ابن خاتم النّبيين وسيّد المرسلين، وإمام المتّقين ورسول ربّ العالمين. أنا ابن من بعث رحمةً للعالمين.

وشقّ علي معاوية كلام الإمام، فأراد أن يقطعه فقال له: يا حسن عليك بصفة الرّطب.

فقال عليه السلام: الريح تلقحه، والحرّ ينضجه، والليل يبرده ويطيبه، علي رغم أنفك يا معاوية.

ثم استرسل عليه السلام في كلامه فقال:

أنا ابن مستجاب الدّعوة، أنا ابن الشفيع المطاع، أنا ابن أوّل من ينفض رأسه من التّراب، ويقرع

باب الجنّة، أنا ابن من قاتلت الملائكة معه ولم تقاتل مع نبيّ قبله، أنا ابن من نصر الأحزاب، أنا ابن من ذلّت له قريش رغماً.

وغضب معاوية فصاح:

أما إنك تحدّث نفسك بالخلافة.

فأجابه الإمام عليه السلام:

أمّا الخلافة فلمن عمل بكتاب الله وسنّة نبيه، وليست الخلافة لمن خالف كتاب الله وعطّل السّنّة، إنما مثل ذلك مثل رجل أصاب ملكاً فتمتّع به، وكأنه انقطع عنه وبقيت تبعاته عليه.

وراوغ معاوية فقال:

ما في قريشٍ رجل إلاّ ولنا عنده نعم جزيلة ويد جميلة.

فردّ عليه الإمام عليه السلام قائلاً:

بلي، من تعزّزت به بعد الذّلّة، وتكثّرت به بعد القلّة.

فقال معاوية:

من أولئك يا حسن؟

وردّ عليه الإمام عليه السلام:

من يُلهيك عن معرفتهم.

ثم استمرّ عليه السلام في كلامه:

أنا ابن من ساد قريشاً شاباً وكهلا، أنا ابن من ساد الوري كرماً ونبلاً، أنا ابن من ساد أهل الدّنيا بالجود الصّادق، والفرع الباسق، والفضل السّابق، أنا ابن من رضاه رضي الله وسخطه سخطه، فهل لك أن تساميه يا معاوية؟

فقال معاوية: أقول لا، تصديقاً لقولك.

فقال الحسن: الحقّ أبلج والباطل لجلج، ولم يندم من ركب الحقّ، وقد خاف من ركب الباطل، (والحقّ يعرفه ذوو الألباب).

فقال معاوية علي عادته من المراوغة: لا مرحباً بمن ساءك()!

نحن المغبوطون()

خطب الحسن عليه السلام عائشة بنت عثمان. فقال مروان: أزوّجها عبد الله ابن الزّبير.

ثم إنّ معاوية كتب إلي مروان، وهو عامله علي الحجاز، يأمره أن يخطب أمّ كلثوم بنت عبد الله بن جعفرٍ لابنه يزيد. فأبي عبد الله بن جعفر، فأخبره بذلك، فقال عبد الله: إنّ أمرها ليس إليّ إنما هو إلي سيّدنا الحسن عليه السلام وهو خالها.

فأخبر الحسن عليه السلام بذلك فقال: أستخير الله تعالي: اللهم وفّق لهذه الجارية رضاك من آل محمّد.

فلما اجتمع الناس في

مسجد رسول الله صلي الله عليه و اله أقبل مروان حتي جلس إلي الحسن عليه السلام، وعنده من الجلّة وقال: إنّ أمير المؤمنين معاوية، أمرني أن أخطب زينب بنت عبد الله بن جعفر، ليزيد بن معاوية، وان أجعل مهرها حكم أبيها بالغاً ما بلغ، مع صلح ما بين هذين الحيّين، مع قضاء دينه، واعلم أنّ من يغبطكم بيزيد أكثر مّمن يغبطه بكم، والعجب كيف يستمهر يزيد، وهو كفو من لاكفو له، وبوجهه يستسقي الغمام، فردّ خيراً يا أبا محمّد.

فقال الحسن عليه السلام:

الحمد لله الذي اختارنا لنفسه، وارتضانا لدينه، واصطفانا علي خلقه.. يا مروان قد قلت فسمعنا، أما قولك: مهرها حكم أبيها بالغاً ما بلغ، فلعمري لو أردنا ذلك ما عدونا سنّة رسول الله صلي الله عليه و اله في بناته ونسائه وأهل بيته: وهو اثنتا عشرة أوقيةً يكون أربعمائة وثمانين درهماً.

وأما قولك: مع قضاء دين أبيها، فمتي كان نساؤنا يقضين عنّا ديوننا.

وأما صلح ما بين هذين الحيّين، فإنّا قوم عادينا كم لله وفي الله، ولم نكن نصالحكم للدّنيا، فلعمري فلقد أعيي النسب فكيف السّبب.

وأمّا قولك: العجب ليزيد كيف يستمهر؟ فقد استمهر من هو خير من يزيد، ومن أب يزيد، ومن جدّ يزيد.

وأمّا قولك: إن يزيد كفو من لا كفو له، فمن كان كفوه قبل اليوم فهو كفوه اليوم، ما زادته إمارته في الكفاية شيئاً.

وأمّا قولك: بوجهه يستسقي الغمام، فإنّما كان ذلك بوجه رسول الله صلي الله عليه و اله.

وأمّا قولك: من يغبطنا به أكثر ممّن يغبطه بنا، فإنّما يغبط به أهل الجهل، ويغبطه بنا أهل العقل.

ثم قال بعد كلام: فاشهدوا جميعاً أني قد زوّجت أمّ كلثوم بنت عبد الله بن جعفرٍ من ابن عمّها القاسم

بن محمّد بن جعفرٍ علي أربعمائة وثمانين درهماً، وقد نحلتها ضيعتي بالمدينة، أو قال: أرضي بالعقيق، وإنّ غلّتها في السّنة ثمانية آلاف دينار، ففيها لهما غني إن شاء الله.

فتغيّر وجه مروان وقال: أغدراً يا بني هاشمٍ تأبون إلا العداوة.

فذكّره الحسين عليه السلام خطبة الحسن عليه السلام عائشة وفعله. ثم قال:

فأين موضع الغدر يا مروان؟

فقال مروان:

قد أخلقه به حدث الزّمان

أردنا صهركم لنجدّ ودّاً

وبحتم بالضمير من الشّنان

فلمّا جئتكم فجبهتموني

فأجابه ذكوان مولي بني هاشم:

وطهّرهم بذلك في المثاني

أماط الله منهم كلّ رجسٍ

ولا كفؤ هناك ولا مداني

فما لهم سواهم من نظيرٍ

إلي الأخيار من أهل الجنان

أيجعل كلّ جبارٍ عنيدٍ

الخلافة لي()

أرسل معاوية بن أبي سفيان خطاباً إلي الإمام الحسن عليه السلام يدّعي فيه أنّ الخلافة له.

فردّ عليه الإمام عليه السلام بكتاب جاء فيه:

إنما هذا الأمر لي، والخلافة لي ولأهل بيتي، وإنّها لمحرّمة عليك وعلي أهل بيتك سمعته من رسول الله صلي الله عليه و اله، والله لو وجدت صابرين عارفين بحقّي غير منكرين ما سلّمت لك ولا أعطيتك ما تريد.

لشرّ ما علوتَ به()

روي أن معاوية قال للحسن بن علي عليه السلام: أنا خير منك يا حسن!.

قال عليه السلام: وكيف ذلك يا ابن هند؟

قال: لأن الناس قد أجمعوا عليّ ولم يجمعوا عليك.

قال عليه السلام:

هيهات هيهات لشرّ ما علوت به يا بن آكلة الأكباد، المجتمعون عليك رجلان، بين مطيعٍ ومكره، فالطائع لك عاصٍ لله، والمكره معذور بكتاب الله.

وحاش لله أن أقول: أنا خير منك، لأنّك لا خير فيك، ولكن الله برّأني من الرّذائل، كما برّأك من الفضائل.

ران علي قلوبهم()

قال عليه السلام لحبيب بن مسلمة الفهريّ():

ربّ مسيرٍ لك في غير طاعة الله.

فقال: أمّا مسيري من أبيك فلا.

فقال عليه السلام: بلي والله، ولكنّك أطعت معاوية علي دنيا قليلةٍ، فلئن كان قام بك في دنياك لقد قعد بك في آخرتك، فلو كنت إذا فعلت شرا قلت خيراً كنت كما قال الله تعالي: ?خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيّئاً?()، ولكنّك، كما قال الله سبحانه:

?كَلاّ بَلْ رَانَ عَلَيَ قُلُوبِهِمْ مّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ?().

الشيطان شارك أباك()

جلس الحسن بن علي عليها السلام ويزيد() بن معاوية بن أبي سفيان يأكلان الرطب، فقال يزيد: يا حسن إني قد كنت أبغضك. قال الحسن عليه السلام:

اعلم يا يزيد! أنّ إبليس شارك أباك في جماعه، فاختلط الماءان، فأورثك ذلك عداوتي، لأنّ الله تعالي يقول: ?وَشَارِكْهُمْ فِي الأمْوَالِ وَالأوْلادِ?()، وشارك الشيطان حرباً عند جماعه، فولد له صخر، فلذلك كان يبغض جدّي رسول الله صلي الله عليه و اله.

ملكنا وملككم()

إنّ الحسن بن علي عليها السلام مرّ في مسجد رسول الله صلي الله عليه و اله بحلقةٍ فيها قوم من بني أميّة، فتغامزوا به، وذلك عندما تغلّب معاوية علي ظاهر أمره، فرآهم وتغامزهم به، فصلّي ركعتين ثم قال:

«قد رأيت تغامزكم، أما والله لا تملكون يوماً إلا ملكنا يومين، ولا شهراً إلا ملكنا شهرين، ولا سنةً إلا ملكنا سنتين، وإنّا لنأكل في سلطانكم، ونشرب ونلبس وننكح ونركب، وأنتم لا تأكلون في سلطاننا ولا تشربون ولا تنكحون».

فقال له رجل: فكيف يكون ذلك يا أبا محمّد؟ وأنتم أجود الناس وأرأفهم وأرحمهم، تأمنون في سلطان القوم، ولا يأمنون في سلطانكم؟

فقال: لأنّهم عادونا بكيد الشّيطان، وكيد الشّيطان ضعيف، وعاديناهم بكيد الله، وكيد الله شديد.

بل أراد الغدر

قال معاوية ذات يوم: لا ينبغي أن يكون الهاشميّ غير جواد، ولا الأمويّ غير حليم، ولا الزّبيريّ غير شجاع، ولا المخزوميّ غير تيّاه. ونقل كلامه إلي الإمام الحسن عليه السلام فقال:

قاتله الله! أراد أن يجود بنو هاشمٍ فينفذ ما بأيديهم، ويحلم بنو أمية فيتحبّبوا إلي النّاس، ويتشجّع آل الزبير فيفنوا، ويتيه بنو مخزومٍ فيبغضهم النّاس().

الشاتم علياً()

قاله عليه السلام لمعاوية بن خديج عندما رآه خارجاً من دار عمرو بن حريث:

أنت الشاتم علياً عند آكلة الأكباد؟

أما والله لئن وردتَ الحوض ولا ترده، لترينّه مشمّراً عن ساقيه، حاسراً عن ذراعيه، يذود عنه المنافقين().

أنا ابن النبي صلي الله عليه و اله ()

روي أن معاوية سأل الحسن عليه السلام أن يصعد المنبر وينتسب، فصعد عليه السلام فحمد الله وأثني عليه، ثم قال:

أيها النّاس! من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فسأبيّن له نفسي:

بلدي مكّة ومني، وأنا ابن المروة والصّفا، وأنا ابن النّبيّ المصطفي، وأنا ابن من علا الجبال الروّاسي، وأنا ابن من كسا محاسن وجهه الحياء، أنا ابن فاطمة سيّدة النّساء، أنا ابن قليلات العيوب، نقيّات الجيوب.

وأذّن المؤذّن فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أنّ محمداً رسول الله.

فقال عليه السلام:

محمد أبي أم أبوك؟

فإن قلت ليس بأبي فقد كفرت، وإن قلت نعم فقد أقررت.

ثم قال:

أصبحت قريش تفتخر علي العرب بأن محمّداً منها، وأصبحت العرب تفتخر علي العجم بأنّ محمداً منها، وأصبحت العجم تعرف حقّ العرب بأنّ محمّداً منها، يطلبون حقّنا، ولا يردّون إلينا حقّنا.

وصايا

لا تهرق محجمة دم()

ولما دنت الوفاة من الإمام الحسن عليه السلام استدعي أخاه الحسين عليه السلام فقال له: (اكتب يا أخي) وأملي عليه هذه الوصية:

هذا ما أوصي به الحسن بن عليّ إلي أخيه الحسين بن علي، أوصي أنه: يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأنّه يعبده حقّ عبادته، لاشريك له في الملك، ولا وليّ له من الذلّ، وأنه خلق كلّ شيء، فقدّره تقديراً، وأنه أولي من عُبد، وأحقّ من حُمد، من أطاعه رشد، ومن عصاه غوي، ومن تاب إليه اهتدي، فإني أوصيك يا حسين بمن خلّفت من أهلي وولدي وأهل بيتك: أن تصفح عن سيئهم، وتقبل من محسنهم، وتكون لهم خلفاً ووالداً.

وأن تدفنّي مع رسول الله صلي الله عليه و اله فإني أحقّ به، وببيته ممّن أدخل بيته بغير إذنه، ولا كتاب جاءهم من بعده، قال الله فيما أنزله علي نبيّه

في كتابه: يَا أيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتَ النّبِيّ إِلاّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ صلي الله عليه و اله() فوالله ما أذن لهم في الدخول عليه في حياته بغير إذنه، ولا جاءهم الإذن في ذلك من بعد وفاته، ونحن مأذون لنا في التصرّف فيما ورثناه من بعده، فإن أبت عليك الامرأة، فأنشدك بالله وبالقرابة التي قرّب الله عزّوجلّ منك، والرحم الماسّة من رسول الله صلي الله عليه و اله: أن لا تهريق فيّ محجمةٍ من دم، حتّي نلقي رسول الله صلي الله عليه و اله، فنختصم إليه، ونخبره بما كان من الناس إلينا من

بعده.

.. ولم تفعل شيئاً()

قال الحسن عليه السلام لأهل بيته:

إنّي أموت بالسّمّ كما مات رسول الله صلي الله عليه و اله.

قالوا: ومن يفعل ذلك؟

قال: إمرأتي جعدة بنت الأشعث بن قيشٍ، فإنّ معاوية يدسّ إليها ويأمرها بذلك.

قالوا: أخرجها من منزلك، وباعدها من نفسك.

قال: كيف أخرجها ولم تفعل بعد شيئاً؟ ولو أخرجتها ما قتلني غيرها، وكان لها عذر عند النّاس.

الحسين عليه السلام إمامك بعدي()

لمّا حضرت الحسن عليه السلام الوفاة قال:

يا قنبر: انظر هل تري وراء بابك مؤمناً من غير آل محمّد.

فقال: الله ورسوله وابن رسوله أعلم.

قال: امض فادع لي محمّد بن عليّ.

قال: فأتيته، فلما دخلت عليه قال: هل حدث إلاّ خير؟.

قلت: أجب أبا محمّد.

فعجّل عن شسع نعله فلم يسوّه، فخرج معي يعدو.

فلمّا قام بين يديه سلّم، فقال له الحسن: اجلس فليس يغيب مثلك عن سماع كلامٍ يحيا به الأموات، ويموت به الأحياء، كونوا أوعية العلم، ومصابيح الدّجي، فإن ضوء النهار بعضه أضوء من بعض، أما علمت أن الله عزّوجلّ جعل ولد إبراهيم أئمةً وفضّل بعضهم علي بعض، وآتي داود زبوراً، وقد علمت بما استأثر الله محمداً صلي الله عليه وآله.

يا محمد بن عليّ! إنّي لا أخاف عليك الحسد، وإنما وصف الله تعالي به الكافرين فقال: ?كُفّاراً حَسَداً مّنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مّن بَعْدِ مَا تَبَيّنَ لَهُمُ الْحَقّ?() ولم يجعل الله للشيطان عليك سلطاناً.

يا محمّد بن عليّ، ألا أخبرك بما سمعت من أبيك عليه السلام فيك؟

قال: بلي.

قال: سمعت أباك يقول يوم البصرة: من أحبّ أن يبرّني في الدنيا والآخرة فليبرّ محمداً.

يا محمد بن عليّ! لو شئت أن أخبرك وأنت نطفة في ظهر أبيك لأخبرتك.

يا محمد بن عليّ! أما علمت: أن الحسين بن عليٍّ بعد وفاة نفسي ومفارقة روحي جسمي، إمام من بعدي، وعند الله في الكتاب

الماضي، وراثة النبيّ أصابها في وراثة أبيه وأمه، علم الله أنّكم خير خلقه، فاصطفي منكم محمّداً واختار محمد عليّاً، واختارني عليّ للإمامة، واخترت أنا الحسين.

فقال له محمد بن علي: أنت إمامي (وسيدي)()، وأنت وسيلتي إلي محمّد صلي الله عليه و اله والله لوددت أنّ نفسي ذهبت قبل أن أسمع منك هذا الكلام. ألا وإن في رأسي كلاماً لا تنزفه الدّلاء، ولا تغيّره بعد الريّاح() كالكتاب المعجم، في الرقّ المنمنم، أهمّ بإبدائه فأجدني سبقت إليه سبق الكتاب المنزل، وما جاءت به الرّسل، وإنه لكلام يكلّ به لسان الناطق، ويد الكاتب، ولا يبلغ فضلك، وكذلك يجزي الله المحسنين ولا قوة إلا بالله، الحسين أعلمنا علماً، وأثقلنا حلماً، أقربنا من رسول الله صلي الله عليه و اله رحما، كان إماماً قبل أن يخلق، وقرأ الوحي قبل أن ينطق، ولو علم الله أنّ أحداً خير منّا() ما اصطفي محمّداً صلي الله عليه و اله، فلمّا اختار محمّداً واختار محمّد عليّاً إماماً، واختارك عليّ بعده، واخترت الحسين بعدك، سلّمنا ورضينا بمن هو الرّضا، وبمن نسلم به من

المشكلات.

الحسين عليه السلام خليفة بعدي()

أوصيك يا أخي بأهلي وولدي خيراً، واتبع ما أوصي به جدّك وأبوك وأمّك عليهم أفضل الصلوات والسّلام.

يا أخاه لا تحزن عليّ، فإن مصابك أعظم من مصيبتي، ورزؤك أعظم من رزئي. فإنّك تقتل يا أبا عبد الله الحسين بشطّ الفرات بأرض كربلا، عطشاناً لهيفاً، وحيداً فريداً، مذبوحاً، يعلو صدرك أشقي الأمّة، ويحمحم فرسك ويقول في تحمحمه: الظليمة الظليمة من أمّةٍ قتلت ابن بنت نبيّها، وتسبي حريمك وييتّم أطفالك، ويسيّرون حريمك علي الأقتاب بغير وطاءٍ ولا فراش، ويحمل رأسك يا أخي علي رأس القنا، بعد أن تُقتل ويُقتل أنصارك، فيا ليتني كنت عندك أذبّ عنك

كما يذبّ عنك أنصارك بقتل الأعداء، ولكنّ هذا الأمر يكون وأنت وحيد لا ناصر لك منا، ولكن لكلّ أجلٍ كتاب، يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أمّ الكتاب، فعليك يا أخي بالصبر علي البلاء حتّي تلحق بنا.

ثم التفت إلي الحاضرين فقال:

أيها الحاضرون، اسمعوا وانصتوا ما أقول لكم الآن، هذا الحسين أخي إمام بعدي فلا إمام غيره، ألا فليبلّغ الحاضر الغائب، والوالد الولد، والحرّ والعبد والذكر والأنثي، وهو خليفتي عليكم لا أحد يخالفه منكم، فمن خالفه كفر وأدخله الله النّار وبئس القرار، ونحن ريحانتا رسول الله صلي الله عليه و اله وسيّدا شباب الله الجنّة، فلعن الله من يتقدّم أو يقدّم علينا أحداً فيعذبه الله عذاباً أليما، وإنّي ناصّ عليه كما نصّ رسول الله صلي الله عليه و اله علي أمير المؤمنين عليه السلام، وكما نصّ أبي عليّ، وهو الخليفة بعدي من الله ومن رسوله.

حفظكم الله، أستودعكم الله، الله خليفتي عليكم، وكفي به خليفة، وإنّي منصرف عنكم ولاحق بجدّي وأبي وأمي وأعمامي.

ثم قال:

عليكم السلام يا ملائكة ربّي ورحمة الله وبركاته.

لا تترك الجهاد()

كتب الإمام الحسن عليه السلام عوذة لنجله (قاسم) وشدها في عضده ثم قال له: (إذا أصابك ألم وهم، فعليك بحل العوذة وقراءتها، فافهم معناها واعمل بكل ما تراه مكتوباً فيها).

وحل القاسم بن الحسن عليه السلام العوذة يوم عاشوراء، فإذا فيها:

يا ولدي يا قاسم! أوصيك: أنك إذا رأيت عمّك الحسين عليه السلام في كربلاء وقد أحاطت به الأعداء، فلا تترك البراز والجهاد، لأعداء الله وأعداء رسوله، ولا تبخل عليه بروحك، وكلّما نهاك عن البراز، عاوده ليأذن لك في البراز، لتحظي في السعادة الأبديّة.

اصرفني إلي أمي()

يا أخي! إني أوصيك بوصيةٍ فاحفظها، فإذا أنا متّ فهيّئني، ثم وجّهني إلي رسول الله صلي الله عليه و اله، لأجدّد به عهداً ثم اصرفني إلي أمّي فاطمة عليها السلام، ثمّ ردّني، فادفنّي بالبقيع، واعلم: أنه سيصبني من الحميراء ما يعلم النّاس صنيعها، وعداوتها لله ولرسوله، وعداوتها لنا أهل البيت().

يا أخي! إنّ هذه آخر ثلاث مرّاتٍ سقيت فيها السمّ، ولم أسقه مثل مرّتي هذه، وأنا ميّت من يومي، فإذا أنا متّ فادفنّي مع رسول الله صلي الله عليه وآله وسلّم، فما أحد أولي بقربه مني، إلا أن تمنع من ذلك فلا تسفك فيه محجمة دم().

يا أخي! إذا أنا متّ، فغسّلني وحنّطني وكفّنّي، واحملني إلي جدّي صلي الله عليه و اله، حتّي تلحدني إلي جانبه، فان منعت من ذلك، فبحقّ جدّك رسول الله، وأبيك أمير المؤمنين، وأمّك فاطمة الزّهراء: أن لا تخاصم أحداً، واردد جنازتي من فورك إلي البقيع، حتي تدفنّي مع أمّي().

سقيت السم مراراً()

لمّا سقي الإمام عليه السلام السُّمّ، جاءه أخوه الحسين عليه السلام، فقال له الإمام عليه السلام:

لقد سقيت السُّمّ مراراً، ما سقيت مثل هذه المرّة، لقد قطعت قطعة، من كبدي، فجعلت، أقلّبها بعودٍ معي.

وفي رواية عبد الله البخاري أنه قال:

يا أخي! إنّي مفارقك ولاحق بربّي، وقد سقيت السّمّ ورميت بكبدي في الطّست، وإنني لعارف بمن سقاني، ومن أين دهيت، وأنا أخاصمه إلي الله عزّوجلّ.

فقال له الحسين عليه السلام: ومن سقاكه؟

قال: ما تريد به؟ أتريد أن تقتله، إن يكن هو هو، فالله أشدّ نقمةً منك، وإن لم يكن هو فما أحبّ أن يؤخذ بي بريء.

أول يوم من الآخرة()

دخل الحسين بن علي عليه السلام علي أخيه الحسن بن علي عليه السلام في مرضه الذي توفي فيه، فقال: كيف تجدك يا أخي؟ قال:

أجدني في أوّل يومٍ من أيام الآخرة، وآخر يومٍ من أيام الدّنيا، واعلم أني لاأسبق أجلي، وأني وارد علي أبي وجدّي، وعلي كرهٍ منّي لفراقك، وفراق إخوتك، وفراق الأحبّة، وأستغفر الله من مقالتي هذه، بل علي محبةٍ منّي للقاء رسول الله، وأمير المؤمنين، وأمّي فاطمة، وحمزة وجعفر، وفي الله عزّوجل خلف من كلّ هالك، وعزاء من كلّ مصيبة، ودرك من كلّ ما فات، رأيت يا أخي كبدي في الطّست، ولقد عرفت من دهاني، ومن أين ابتليت فما أنت صانع به يا أخي؟

قال الحسين عليه السلام: أقتله والله!

قال: فلا أخبرك أبداً حتي نلقي رسول الله صلي الله عليه و اله.

حِكَم

المؤمن يتزود()

يا ابن آدم! إنك لم تزل في هدم عمرك منذ سقطت من بطن أمك، فخذ مما في يديك لما بين يديك، فإن المؤمن يتزود والكافر يتمتع.

وكان يتلو بعد هذه الموعظة: وَتَزَوّدُواْ فَإِنّ خَيْرَ الزّادِ التّقْوَيَ صلي الله عليه و اله().

أسلم القلوب()

أسلم القلوب ما طهر من الشبهات.

أبصر الأبصار()

إنّ أبصر الأبصار ما نفذ في الخير مذهبه.

أسمع الأسماع()

أسمع الأسماع ما وعي التذكير وانتفع به.

ما لم تظفر به()

اجعل ما طلبت من الدنيا فلم تظفر به بمنزلة ما لم يخطر ببالك.

عمّرت دار غيرك()

قال رجل للحسن عليه السلام: بنيت داراً أحبّ أن تدخلها، وتدعو لله.

فدخلها ونظر إليها ثمّ قال:

أخربت دارك وعمّرت دار غيرك، أحبّك من في الأرض ومقتك من في

السّماء.

بين الفرائض والنوافل()

إذا أضرّت النّوافل بالفريضة فارفضوها.

سوء الخلق()

أشدّ من المصيبة سوء الخلق.

التعامل مع النفس()

إن لم تطعك نفسك فيما تحملها عليه ممّا تكره، فلا تطعها فيما تحملك عليه ممّا تهوي.

خير المال المبذول()

روي أن الحسن عليه السلام أعطي شاعراً، فقال له رجل من جلسائه: سبحان الله شاعراً يعصي الرحمن ويقول البهتان؟ فقال عليه السلام:

يا عبد الله، إنّ خير ما بذلت من مالك ما وقيت به عرضك، وإن من ابتغاء الخير اتقاء الشرّ.

القناعة والرضا()

إنّ مروّة القناعة والرّضا أكبر من مروّة الإعطاء، وتمام الصنيعة خير من ابتدائها.

المسألة()

إن المسألة لا تحل إلا في إحدي ثلاث: دم مفجع، أو دَين مقرح، أو فقر مدقع.

من شروط العبادة()

إنّ من طلب العبادة تزكّي لها.

أوسع ما يكون الكريم()

أوسع ما يكون الكريم بالمغفرة، إذا ضاقت بالمذنب المعذرة.

أبو الخير وأمه()

أوصيكم بتقوي الله، وإدامة التفكر، فإن التفكر أبو كل خير وأمه.

مساوئ البخل()

البخل جامع للمساوئ والعيوب، وقاطع للمودّات من القلوب.

سعادة الدارين()

بالعقل تدرك الداران جميعا، ومن حرم العقل حرمهما جميعاً.

بينكم وبين الموعظة ()

بينكم وبين الموعظة حجاب العزّة.

إذا ولت النعمة ()

تُجهل النّعم ما أقامت، فإذا ولّت عرفت.

ما يوجب الغني()

ترك الزّنا، وكنس الفناء، وغسل الإناء، مجلبة للغناء.

الخير الذي لا شر فيه()

الخير الذي لا شرّ فيه: الشكر مع النّعمة، والصبر علي النّازلة.

رأس العقل()

رأس العقل معاشرة الناس بالجميل.

العار أهون()

العار أهون من النار.

لا خير في الغدر()

قال المسيب بن نجبة الفزاري وسليمان بن صرد الخزاعي للحسن بن علي عليه السلام: ما ينقضي تعجّبنا منك، بايعت معاوية ومعك أربعون ألف مقاتل من الكوفة سوي أهل البصرة والحجاز، فقال الحسن عليه السلام:

قد كان ذلك فما تري الآن؟

فقال: أري أن ترجع لأنه نقض العهد

فقال: يا مسيّب(): إنّ الغدر لا خير فيه، ولو أردتُ لما فعلتُ.

الفرصة()

الفرصة سريعة الفوت، بطيئة العود.

فضح الدنيا()

فضح الموت الدنيا.

القريب والبعيد()

القريب من قربته المودة، وإن بعد نسبه.

والبعيد من باعدته() المودة، وإن قرب نسبه.

فلا شيء أقرب من يد إلي جسد، وإن اليد تغلّ فتقطع وتحسم.

قطع العلم()

قطع العلم عذر المتعلمين.

الكثير القليل()

الكثير في ذات الله قليل.

كفاك من لسانك()

كفاك من لسانك ما أوضح لك سبيل رشدك من غيّك.

المعاجل والمؤجل()

كل معاجلٍ يسأل الإنظار.

وكل مؤجل يتعلل() بالتسويف().

قلبك للآخرة()

كن في الدّنيا ببدنك، وفي الآخرة بقلبك.

من لا عقل له()

لا أدب لمن لا عقل له.

الزيارة الهادفة ()

لا تأت رجلاً إلاّ أن ترجو نواله، أو تخاف بأسه، أو تستفيد من علمه، أو ترجو بركته ودعائه، أو تصل رحماً بينك وبينه.

صفات الأخ()

يا بني لا تؤاخ أحداً حتي تعرف موارده ومصادره، فإذا استنبطت الخبرة ورضيت العشرة، فآخه علي إقالة العثرة، والمواساة في العسرة.

قبول المعذرة()

لا تعاجل الذنب بالعقوبة، واجعل بينهما للاعتذار طريقاً.

من لا دين له()

لا حياة لمن لا دين له.

من لا همة له()

لامروة لمن لا همة له.

لا يغش العاقل()

لا يغش العاقل من استنصحه.

اللؤم والعقوق()

سُئل عليه السلام عن اللؤم والعقوق؟ فقال (عليه صلوات الله):

اللؤم أن لا تشكر النعمة، والعقوق أن تحرمهما وتهجرهما (أي الوالدين).

الأحب من اعتكاف شهر()

لقضاء حاجة أخ لي في الله أحب إلي من اعتكاف

شهر.

بين الإنسان وربه()

ما أعرف أحدا إلا وهو أحمق فيما بينه وبين ربه

الاستشارة ()

ما تشاور قوم إلا هُدوا إلي رشدهم.

هيبة الصامت()

المزاح يأكل الهيبة، وقد أكثر من الهيبة الصامت.

الوفاء بالوعد()

المسؤول حر حتي يعد، ومسترَق حتي ينجز.

مفاتيح الأجر()

المصائب مفاتيح الأجر.

من شروط المعروف()

المعروف ما لم يتقدّمه مطل ولا يتبعه منّ.

والإعطاء قبل السؤال من أكبر السّؤدد.

اختيار الله()

قيل للحسن بن علي عليه السلام: إن أبا ذر يقول: الفقر أحب إلي من الغني والسقم أحب إلي من الصحة، فقال:

رحم الله أبا ذر، أما أنا فأقول:

من اتكل علي حسن الاختيار من الله له، لم يتمنّ أنه في غير الحال التي اختارها الله له.

بُعد السفر()

من تذكّر بعد السفر اعتدّ.

المؤمن لا يلهو()

من عرف الله أحبّه، ومن عرف الدنيا زهد فيها. والمؤمن لا يلهو حتّي يغفل، وإذا تفكّر حزن.

المنافسة في الدين والدنيا ()

من نافسك في دينك فنافسه، ومن نافسك في دنياك فألقها في نحره.

تعداد النعمة()

من عدّد نعمة محق كرمه.

خير الغني()

من قلّ ذلّ.

وخير الغني القنوع.

وشرّ الفقر الخضوع.

الوعد والإنجاز()

الوعد مرض في الجود، والإنجاز دواؤه.

الوحشة من الناس()

الوحشة من الناس علي قدر الفطنة بهم.

الصمت()

وسئل عن الصمت؟ فقال عليه السلام:

هو ستر العيّ()، وزين العرض، وفاعله في راحة، وجليسه في أمن.

بلوغ الغايات()

يتول من احتمال الأذي البلوغ إلي الغايات.

اليقين()

اليقين معاذ السلامة.

مصيبة النفس()

عزّي عليه السلام رجلاً قد مات بعض ذويه فقال له:

إذا كانت المصيبة أحدثت لك موعظة وكسبتك أجراً فهو، وإلا فمصيبتك في نفسك أعظم من مصيبتك في ميّتك.

أهل العفو()

إذا كان يوم القيامة نادي منادٍ: يا أيّها النّاس، من كان له علي الله أجر فليقم، فلا يقوم إلا أهل العفو.

ما بذل أعظم()

وأتاه رجل في حاجةٍ، فقال عليه السلام له:

اذهب فاكتب حاجتك في رقعةٍ، وارفعها إلينا نقضها لك.

فرفع إليه حاجته فأضعفها له.

فقال بعض جلسائه: ما أعظم

بركة الرّقعة عليه يا ابن رسول الله؟

فقال عليه السلام: بركتها علينا أعظم، حين جعلَنا للمعروف أهلاً، أما علمت أنّ المعروف ما كان ابتداءً من غير مسألةٍ، فأمّا من أعطيته بعد مسألةٍ فإنّما أعطيته بما بذل لك من ماء وجهه، وعسي أن يكون بات ليله متململاً أرقاً يميل بين اليأس والرجاء، لا يعلم لما يتوجّه من حاجته، أبكآبة الردّ أم بسرور النّجح؟ فيأتيك وفرائصه ترتعد، وقلبه خائف يخفق، فإن قضيت له حاجةً فبما بذل لك من ماء وجهه، فإنّ ذلك أعظم ممّا نال من معروفك.

أيّ فقير أفقر منّي()

قيل له: كيف أصبحت يا بن رسول الله؟ فقال عليه السلام:

أصبحتُ ولي ربّ فوقي، والنار أمامي، والموت يطلبني، والحساب محدق بي، وأنا مرتهن بعملي، لا أجد ما أحبّ، ولا أدفع ما أكره، والأمور بيد غيري، فإن شاء عذّبني، وإن شاء عفا عنّي، فأيّ فقيرٍ أفقر منّي.

أعظم النّاس()

أعرفُ النّاس بحقوق إخوانه، وأشدّهم قضاءً لها، أعظمهم عند الله شأناً.

ومن تواضع في الدّنيا لإخوانه، فهو عند الله من الصّدّيقين، ومن شيعة عليّ بن أبي طالبٍ عليه السلام حقاً.

افعل خمسة أشياء()

افعل خمسة أشياء وأذنب ما شئت:

لا تأكل رزق الله وأذنب ما شئت.

واطلب موضعاً لا يراك الله وأذنب ما شئت.

واخرج من ولاية الله وأذنب ما شئت.

وإذا جاءك ملك الموت ليقبض روحك فادفعه عن نفسك وأذنب ما شئت.

وإذا دخلك مالك النّار فلا تدخل النّار وأذنب ما شئت.

متفرقات

المبادرة إلي العمل()

اتقوا الله عباد الله، وجدّوا في الطلب وتجاه الهرب، وبادروا العمل قبل مقطّعات النقمات، وهادم اللذات، فإنّ الدنيا لا يدوم نعيمها، ولا يؤمن فجيعها، ولا تتوقّي مساويها، غرور حائل، وسناد() مائل، فاتعظوا عباد الله بالعبر، واعتبروا بأثر، وازدجروا بالنعيم، وانتفعوا بالمواعظ، فكفي بالله معتصماً ونصيراً، وكفي بالكتاب حجيجاً

وخصيما، وكفي بالجنّةِ ثواباً، وكفي بالنار عقاباً ووبالاً.

ما خفي عليك شيء()

قال حذيقة بن اليمان: بينما كان رسول الله صلي الله عليه و اله في جماعةٍ من أصحابه، إذ اقبل إليه الحسن عليه السلام، فأخذ النبيّ صلي الله عليه و اله في مدحه، فما قطع رسول الله صلي الله عليه و اله كلامه، حتّي أقبل إلينا أعرابيّ يجرّ هراوةً له، فلما نظر رسول الله صلي الله عليه و اله قال:

(قد جاءكم رجل يكلمكم بكلامٍ غليظ، تقشعرّ منه جلودكم، وإنّه يسألكم من أمور، إنّ لكلامه جفوة).

فجاء الأعرابيّ فلم يسلّم وقال: أيّكم محمّد؟.

قلنا: ما تريد؟.

قال رسول الله صلي الله عليه و اله: مهلاً.

فقال: يا محمّد لقد كنت أبغضك ولم أرك، والآن فقد ازددت لك بغضاً.

فتبسّم رسول الله صلي الله عليه و اله، وغضبنا لذلك، وأردنا بالأعرابيّ إرادة، فأومأ إلينا رسول الله صلي الله عليه و اله أن: اسكتوا.

فقال الأعرابيّ: يا محمّد: إنّك تزعم: أنك نبيّ، وأنّك قد كذبت علي الأنبياء، وما معك من برهانك شيء.

قال له: وما يدريك؟.

قال: فخبّرني ببرهانك.

قال: إن أحببت أخبرك عضو من أعضائي، فيكون ذلك أوكد لبرهاني.

قال: أو يتكلّم العضو؟

قال: نعم، يا حسن قم!.

فازدري الأعرابيّ نفسه() وقال: هو ما يأتي، ويقيم صبيّاً ليكلّمني.

قال: إنك ستجده عالماً بما تريد.

فابتدره الحسن عليه السلام وقال:

مهلاً يا أعرابيّ.

بل فقيهاً إذن وأنت الجهول

ما غبيّاً سألت وابن غبيّ

شفاء الجهل ما سأل السّؤول

فإن تك قد جهلت فإن عندي

تراثاً كان أورثه الرسول

وبحراً لا تقسمه الدّوالي

لقد بسطت لسانك، وعدوت طورك، وخادعت نفسك، غير أنك لا تبرح حتّي تؤمن إن شاء الله.

فتبسّم الأعرابيّ وقال: هيه()!

فقال له الحسن عليه السلام:

نعم، اجتمعتم في نادي قومك، وتذاكرتم ما جري بينكم، علي جهلٍ وخرقٍ منكم، فزعمتم: أنّ محمداً صنبور()، والعرب قاطبةً

تبغضه، ولا طالب له بثأره، وزعمت: أنّك قاتله، وكان في قومك مؤنته، فحملت نفسك علي ذلك، وقد أخذت قناتك بيدك تؤمّه تريد قتله، فعسر عليك مسلكك، وعمي عليك بصرك، وأبيت إلاّ ذلك، فأتيتنا خوفاً من أن يشتهر، وإنّك إنما جئت بخيرٍ يراد بك.

أنبئك عن سفرك: خرجت في ليلةٍ ضحياء، إذ عصفت ريح شديدة، اشتدّ منها ظلماؤها، وأطلّت سماؤها، وأعصر سحابها، فبقيت محرنجماً كالأشقر، إن تقدّم نحر، وان تأخّر عقر() لا تسمع لواطئٍ حسّاً، ولا لنافخ نارٍ جرساً، تراكمت عليك غيومها، وتوارت عنك نجومها، فلا تهتدي بنجمٍ طالع، ولا بعلمٍ لامع، تقطع محجّة، وتهبط لجّة، في ديمومةٍ قفر، بعيدة القعر، محجفةٍ بالسّفر، إذا علوت مصعداً ازددت بعداً، الريح تخطفك، والشوك تخبطك، في ريحٍ عاصف، وبرقٍ خاطف، قد أوحشتك آكامها، وقطعتك سلامها، فأبصرت فإذا أنت عندنا فقرّت عينك، وظهر دينك، وذهب أنينك.

قال: من أين قلت يا غلام هذا؟ كأنك كشفت عن سويداء() قلبي، ولقد كنت كأنّك شاهدتني، وما خفي عليك شيء من أمري، وكأنّه علم الغيب. فقال له: ما الإسلام؟

فقال الحسن عليه السلام: الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأنّ محمداً عبده ورسوله.

فأسلم وحسن إسلامه، وعلّمه رسول الله صلي الله عليه و اله شيئاً من القرآن.

فقال: يا رسول الله، أرجع إلي قومي فأعرّفهم ذلك؟

فأذن صلي الله عليه و اله له، فانصرف ورجع ومعه جماعة من قومه، فدخلوا في الإسلام، فكان الناس إذا نظروا إلي الحسن عليه السلام قالوا: لقد أعطي ما لم يعط أحد من النّاس.

الخضر عليه السلام يسأل()

أقبل أمير المؤمنين عليه السلام ومعه الحسن بن عليّ عليه السلام، وهو() متّكئ علي يد سلمان، فدخل المسجد الحرام فجلس، إذ أقبل رجل حسن الهيئة

واللبّاس، فسلّم علي أمير المؤمنين عليه السلام، فردّ عليه السلام فجلس، ثم قال: يا أمير المؤمنين، أسألك عن ثلاث مسائل، إن أخبرتني بهنّ علمت: أن القوم ركبوا من أمرك ما أقضي عليهم: إنّهم ليسوا بمأمونين في دنياهم ولا في آخرتهم، وإن تكن الأخري علمت أنّك وهم شرع سواء.

فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: سلني عمّا بدا لك.

قال: أخبرني عن الرجل إذا نام أين تذهب روحه؟ وعن الرجل كيف يذكر وينسي؟ وعن الرجل كيف يشبه ولده الأعمام والأخوال؟

فالتفت أمير المؤمنين عليه السلام إلي الحسن بن عليّ عليه السلام فقال: يا أبا محمّدٍ أجبه.

فقال الحسن عليه السلام:

أمّا ما سألت عنه من أمر الرجل إذا نام أين تذهب روحه؟ فإنّ روحه معلقة بالرّيح، والرّيح معلّقة بالهواء، إلي وقت ما يتحرّك صاحبها لليقظة، فإذا أذن الله عزّوجلّ بردّ تلك الروح علي صاحبها، جذبت الروح الريح، وجذبت الريح الهواء، فأسكنت الروح في بدن صاحبها، وإذا لم يأذن الله بردّ تلك الروح علي صاحبها، جذب الهواء الريح، وجذبت الريح الروح، فلم تردّ علي صاحبها إلي وقت ما يبعث.

وأمّا ما سألت عنه من أمر الذّكر والنّسيان، فإنّ قلب الرجل في حُقّ، وعلي الحقّ طبق، فإن هو صلّي علي النّبي صلي الله عليه و اله صلاةً تامّة، انكشف ذلك الطبق عن ذلك الحقّ، فذكر الرجل ما كان نسي.

وأمّا ما ذكرت من أمر الرجل يشبه ولده أعمامه وأخواله، فإنّ الرجل إذا أتي أهله بقلبٍ ساكن، وعروق هادئة، وبدنٍ غير مضطرب، استكنّت تلك النّطفة، في تلك الرّحم، فخرج الولد يشبه أباه وأمّه، وإن هو أتاها بقلبٍ غير ساكن، وعروقٍ غير هادئة، وبدنٍ مضطرب، اضطربت تلك النطفة في جوف تلك الرّحم، فوقعت علي عرقٍ من العروق،

فإن وقعت علي عرقٍ من عروق الأعمام أشبه الولد أعمامه، وإن وقعت علي عرقٍ من عروق الأخوال أشبه الولد أخواله.

فقال الرجل: أشهد أن لا إله إلاّ الله، ولم أزل أشهد بذلك، وأشهد أنّ محمّداً رسول الله، ولم أزل اشهد بذلك، وأشهد أنّك وصيّ رسول الله والقائم بحجته بعده وأشار إلي أمير المؤمنين عليه السلام ولم أزل أشهد بذلك، وأشهد أنك وصيّه والقائم بحجته وأشار إلي الحسن عليه السلام وأشهد أنّ الحسين عليه السلام وصيّ أبيه والقائم بحجّته بعدك، وأشهد علي عليّ بن الحسين عليه السلام أنه القائم بأمر الحسين عليه السلام بعده، وأشهد علي محمّد بن علي عليه السلام أنه القائم بأمر عليّ بن الحسين عليه السلام، وأشهد علي جعفر بن محمّد عليه السلام أنه القائم بأمر محمّد بن عليّ عليه السلام، وأشهد علي موسي بن جعفر عليه السلام أنه القائم بأمر جعفر بن محمد عليه السلام، وأشهد علي علي بن موسي عليه السلام أنه القائم بأمر موسي بن جعفر عليه السلام، وأشهد علي محمد بن عليّ عليه السلام أنه القائم بأمر عليّ بن موسي عليه السلام، وأشهد علي عليّ بن محمّد عليه السلام أنه القائم بأمر محمّد بن علي عليه السلام، وأشهد علي الحسن بن علي عليه السلام أنه القائم بأمر عليّ بن محمدّ عليه السلام، وأشهد علي رجلٍ من ولد الحسين عليه السلام لا يكنّي ولا يسمّي، حتي يظهر أمره، فيملأها عدلاً كما ملئت جوراً، والسلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته.

ثم قام فمضي.

فقال أمير المؤمنين للحسن عليها السلام: يا أبا محمد، اتبعه فانظر أين يقصد.

فخرج الحسن بن عليّ عليه السلام فقال: ما كان إلا أن وضع رجله خارج المسجد، فما دريت

أين أخذ من أرض الله عزّوجلّ، فرجعت إلي أمير المؤمنين عليه السلام فأعلمته.

فقال: يا أبا محمدٍ أتعرفه؟

قلت: الله ورسوله وأمير المؤمنين أعلم.

فقال: هو الخضر عليه السلام.

ألغاز وحلول()

بعث معاوية رجلاً متنكّراً يسأل أمير المؤمنين عليه السلام عن مسائل سأله عنها ملك الرّوم، فلمّا دخل الكوفة وخاطب أمير المؤمنين عليه السلام أنكره، فقرّره فاعترف له بالحال، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: قاتل الله ابن آكلة الأكباد، ما أضله وأضلّ من معه! قاتله الله! لقد أعتق جاريةً ما أحسن أن يتزوّجها، حكم الله بيني وبين هذه الأمّة، قطعوا رحمي وصغّروا عظيم منزلي وأضاعوا أيّامي، عليّ بالحسن والحسين ومحمّد، فدعوا.

فقال عليه السلام: يا أخا أهل الشام هذان ابنا رسول الله صلي الله عليه و اله وهذا ابني فاسأل أيّهم أحببت.

فقال الشاميّ: أسأل هذا، يعني الحسن عليه السلام ثمّ قال: كم بين الحقّ والباطل؟ وكم بين السماء والأرض؟ وكم بين المشرق والمغرب؟ وعن هذا المحو الذي في القمر، وعن قوس قزح، وعن هذه المجرّة، وعن أول شيءٍ انتضح علي وجه الأرض، وعن أوّل شيءٍ اهتزّ عليها، وعن العين التي تأوي إليها أرواح المؤمنين والمشركين، وعن المؤنث، وعن عشرة أشياء بعضها أشدّ من بعض؟.

فقال الحسن عليه السلام:

يا أخا أهل الشام: بين الحقّ والباطل أربع أصابع، ما رأيت بعينك فهو الحقّ، وقد تسمع بأذنيك باطلاً كثيراً.

وبين السماء والأرض، دعوة المظلوم، ومدّ البصر، فمن قال غير هذا فكذّبه.

وبين المشرق والمغرب، يوم مطرد للشمس، تنظر إلي الشمس حين تطلع، وتنظر إليها حين تغرب، من قال غير هذا فكذّبه.

وأمّا هذه المجرّة، فهي أشراج السماء، مهبط الماء المنهمر علي نوح عليه السلام.

وأمّا قوس قزح: فلا تقل: قزح، فإن قزح شيطان، ولكنّها قوس الله، وأمان من الفرق.

وأمّا

المحو الذي في القمر، فإنّ ضوء القمر كان مثل ضوء الشمس فمحاه الله. وقال في كتابه: فَمَحَوْنَآ آيَةَ الْلّيْلِ وَجَعَلْنَآ آيَةَ النّهَارِ مُبْصِرَةً صلي الله عليه و اله().

وأما أول شيء انتضح علي وجه الأرض، فهو وادي دلس.

وأمّا أوّل شيء اهتزّ علي وجه الأرض، فهو النّخلة.

وأمّا العين التي تأوي إليها أرواح المؤمنين، فهي عين يقال لها: سلمي.

وأمّا العين التي تأوي إليها أرواح الكافرين، فهيّ عين يقال لها: برهوت.

وأمّا المؤنّث، فإنسان لا يدري امرأة هو أو رجل، فينتظر به الحلم، فإن كانت امرأةً بانت ثدياها، وإن كان رجلاً خرجت لحيته، وإلا قيل له يبول علي الحائط، فإن أصاب الحائط بوله فهو رجل، وإن نكص كما ينكص بول البعير فهو امرأة.

وأمّا عشرة أشياء بعضها أشدّ من بعض:

فأشدّ شيءٍ خلق الله الحجر، وأشدّ من الحجر الحديد، وأشدّ من الحديد النّار، وأشدّ من النار الماء، وأشدّ من الماء السّحاب، وأشدّ من السحاب الرّيح، وأشدّ من الريح الملك، وأشدّ من الملك ملك الموت، وأشدّ من ملك الموت الموت، وأشدّ من الموت أمر الله.

قال الشامي: أشهد أنك ابن رسول الله صلي الله عليه و اله وأن عليّاً وصيّ محمد صلي الله عليه و اله، ثمّ كتب هذا الجواب ومضي به إلي معاوية، وأنفذه معاوية إلي ابن الأصفر.

فلما أتاه قال: أشهد أنّ هذا ليس من عند معاوية، ولا هو إلاّ من معدن النبوّة.

سجن المؤمن وجنة الكافر()

كان الإمام الحسن عليه السلام يسير في بعض طرق يثرب، وقد لبس حلّةً فاخرة، وركب بغلةً فارهة، وحفّت به خدمه وحاشيته، فرآه أحد أغبياء اليهود، فبادر إليه وقال له: يا بن رسول الله عندي سؤال؟

فقال الحسن عليه السلام:

ما هو؟

قال اليهوديّ: إنّ جدّك رسول الله صلي الله عليه و اله يقول:

الدّنيا سجن المؤمن وجنّة الكافر، فأنت المؤمن وأنا الكافر، وما الدنيا إلا جنة لك تتنعّم فيها وتستلذّ بها وأنت مؤمن، وما أراها إلا سجناً قد أهلكني حرّها وأجهدني فقرها.

فقال الحسن عليه السلام: لو نظرت إلي ما أعدّ الله لي وللمؤمنين في الدار الآخرة، ممّا لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر علي قلب بشر، لعلمت: أني قبل انتقالي إليها وأنا في هذه الحالة سجين، ولو نظرت إلي ما أعدّ الله لك ولكلّ كافرٍ في دار الآخرة، من سعير نار جهنّم، ونكال العذاب الأليم المقيم، لرأيت قبل مصيرك إليه أنّك في جنّةٍ واسعةٍ، ونعمةٍ جامعة.

ثم تركه الإمام عليه السلام واليهوديّ يتميّز من الغيظ والحقد.

لعلك شُبّهت()

إن شاميا رأي الإمام الحسن عليه السلام راكبا، فجعل يلعنه، والحسن عليه السلام لا يرد، فلما فرغ أقبل الحسن عليه السلام فسلم عليه وضحك، فقال:

أيها الشيخ أظنّك غريباً، ولعلّك شبّهت، فلو استعتبتنا أعتبناك()، ولو سألتنا أعطيناك، ولو استر شدتنا أرشدناك، ولو استحملتنا أحملناك، وإن كنت جائعاً أشبعناك، وإن كنت عرياناً كسوناك، وإن كنّت محتاجاً أغنيناك، وإن كنت طريداً آويناك، وإن كانت لك حاجة قضيناها لك؛ فلو حرّكت رجلك إلينا، وكنت ضيفنا إلي وقت ارتحالك، كان أعود عليك، لأنّ لنا موضعاً رحباً وجاهاً عريضاً ومالاً كثيراً.

فلما سمع الرجل كلامه بكي ثم قال: أشهد أنك خليفة الله في أرضه الله أعلم حيث يجعل رسالته صلي الله عليه و اله() وكنت أنت وأبوك أبغض خلق الله إليّ، والآن أنت أحب خلق الله إليّ، وحول رحله إليه وكان ضيفه إلي أن ارتحل وصار معتقدا لمحبتهم.

أحسبك غريبا()

إن رجلاً من أهل الشام دخل المدينة فقال: رأيت رجلاً علي بغلة لم أر أحسن وجهاً ولا أحسن لباساً ولا أفره مركباً منه، فسألت عنه؟ فقيل لي: الحسن بن علي بن أبي طالب. فامتلأت له بغضاً فصرت إليه فقلت: أأنت ابن أبي طالب؟ فقال عليه السلام:

أنا ابن ابنه.

فقلت له: فيك وبك وبأبيك أسبهما.

فقال: أحسبك غريباً.

قلت: أجل.

فقال: إن لنا منزلاً واسعاً ومعونة علي الحاجة ومالاً نواسي منه.

فانطلقت وما أجد علي وجه الأرض أحب إليّ منه.

فإن قبلت الميسور()

يروي أن رجلاً سأله (أي الحسن بن علي عليه السلام) حاجة، فقال له:

يا هذا حقّ سؤالك إياي معظم لديّ، ومعرفتي بما يجب لك يكبر عليّ، ويدي تعجز عن نيلك بما أنت أهله، والكثير في ذات الله قليل، وما في يدي وفاء لشكرك، فإن قبلت الميسور، ورفعت عنّي مؤونة الاحتفال والاهتمام لما أتكلّف من واجبك، فعلت.

فقال: يا ابن رسول الله أقبل القليل وأشكر العطية وأعذر علي المنع.

فدعا الحسن عليه السلام وكيله وجعل يحاسبه علي نفقاته حتي استقصاها، فقال له: هات الفاضل.

فأحضر خمسين ألفاً، ثم قال: ما فعلت الخمسمائة دينار؟

قال: هي عندي.

قال: أحضرها.

فأحضرها، فدفع الحسن عليه السلام الدنانير والدراهم إلي الرجل، وقال: هات من يحملها لك، فأتي بحمالين فدفع الحسن عليه السلام إليهما رداءه لكد الحمل، وقال: هذه أجرة حملكما ولا تأخذوا منه شيئاً.

فقال له مواليه: والله ما عندنا درهم.

فقال: لكني أرجو أن يكون لي عند الله أجر عظيم.

وأنا سائل()

قيل له: لأيّ شيء لا نراك تردّ سائلاً؟ فأجاب عليه السلام:

إنّي لله سائل، وفيه راغب، وأنا أستحي أن أكون سائلا، وأردّ سائلاً، وإنّ الله عوّذني عادة: أن يفيض نعمه عليّ، وعوّدته أن أفيض نعمه علي النّاس، فأخشي إن قطعت العادة أن يمنعني المادة، أنشأ يقول:

بمن فضله فرض عليّ معجّل

إذا ما أتاني سائل قلت: مرحباً

وأفضل أيّام الفتي حين يسأل

ومن فضله فضل علي كلّ فاضلٍ

تمام المروّة()

سأل رجل الحسن بن علي عليه السلام شيئاً، فأعطاه خمسين ألف درهم، وأعطي الجمّال طيلسانه كراه، وقال:

تمام المروّة، إعطاء الأجرة لحمل الصّدقة.

التهنئة بالولد()

رزق الإمام عليه السلام غلاماً، فأتته قريش تهنّئه فقالوا: يهنيك الفارس، فقال عليه السلام:

أيّ شيء هذا القول؟ ولعله يكون راجلا.

فقال له جابر: كيف نقول يا بن رسول الله؟

فقال عليه السلام: إذا ولد لأحدكم غلام فأتيتموه فقولوا له: شكرت الواهب، وبورك لك في الموهوب، وبلغ الله به أشدّه()، ورزقك برّه.

تحيّة المستحمّ()

خرج الحسن بن عليّ عليه السلام من الحمّام، فقال له رجل: طاب استحمامك. فاعترض الإمام عليه، قال: فكيف أقول؟ قال عليه السلام:

قل: طاب ما طهر منك، وطهر ما طاب منك.

ما وفي()

قال عليه السلام في شأن معاوية وجعدة:

لقد حاقت شربته، وبلغ أمنيّته، والله ما وفي بما وعد، ولا صدق فيما قال.

لا يوم كيومك يا أبا عبد الله()

إن الحسين بن علي عليه السلام دخل يوما إلي الحسن عليه السلام فلما نظر إليه بكي، فقال له:

ما يبكيك يا أبا عبد الله؟

قال: أبكي لما يصنع بك.

فقال الحسن عليه السلام: إنّ الذي يؤتي إليّ سم يدس إليّ فأقتل به، ولكن لا يوم كيومك يا أبا عبد الله، يزدلف إليك ثلاثون ألف رجل، يدّعون أنهم من أمة جدّنا، وينتحلون دين الإسلام، فيجتمعون علي قتلك، وسفك دمك، وانتهاك حرمتك، وسبي ذراريك ونسائك، وأخذ ثقلك، فعندها تحلّ ببني أميّة اللّعنة، وتمطر

السماء رماداً ودماً، ويبكي عليك كلّ شيءٍ حتّي الوحوش في الفلوات، والحيتان في البحار.

وداع الأخوين()

إنّ الحسن عليه السلام لمّا دنت وفاته ونفدت أيّامه وجري السمّ في بدنه تغيّر لونه واخضرّ، فقال له الحسين عليه السلام: مالي أري لونك إلي الخضرة؟ فبكي الحسن عليه السلام وقال:

يا أخي لقد صحّ حديث جدّي فيّ وفيك.

ثمّ اعتنقه طويلاً وبكيا كثيراً.

فسُئل عن ذلك؟

فقال عليه السلام: أخبرني جدّي قال:

لمّا دخلت ليلة المعراج روضات الجنان، ومررت علي منازل أهل الإيمان، رأيت قصرين عاليين متجاورين علي صفةٍ واحدةٍ إلاّ أنّ أحدهما من الزبرجد الأخضر والآخر من الياقوت الأحمر، فقلت: يا جبرائيل لمن هذان القصران؟

فقال: أحدهما للحسن والآخر للحسين عليها السلام.

فقلت: يا جبرائيل فلم لم يكونا علي لونٍ واحدٍ؟

فسكت ولم يرد جواباً.

فقلت لم لا تتكلّم؟

قال: حياءً منك.

فقلت له: سألتك بالله ألا ما

أخبرتني.

فقال: أمّا خضرة قصر الحسن عليه السلام فإنّه يموت بالسمّ ويخضرّ لونه عند موته، وأمّا حمرة قصر الحسين عليه السلام فإنه يقتل ويحمرّ وجهه بالدّم.

الشاهد والمشهود()

سئل الإمام الحسن عليه السلام في الشّاهد والمشهود، فقال:

أمّا الشّاهد: فمحمّد صلي الله عليه و اله.

وأمّا المشهود: فيوم القيامة.

أما سمعته يقول: ?يَا أيّهَا النّبِيّ إِنّآ أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشّراً وَنَذِيراً?()؟

وقال تعالي: ?ذَلِكَ يَوْمٌ مّجْمُوعٌ لّهُ النّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مّشْهُودٌ?().

ترجم المحصنة ()

سئل الحسن عليه السلام عن امرأةٍ جامعها زوجها فقامت بحرارة جماعه فساحقت جاريةً بكراً وألقت النطفة إليها فحملت؟. فقال عليه السلام:

أما في العاجل فتؤخذ المرأة، بصداق هذه البكر، لأنّ الولد لا يخرج منها حتي تذهب عذرتها، ثم ينتظر بها حتي تلد فيقام عليها الحدّ، ويؤخذ الولد فيردّ إلي صاحب النطّفة، وتؤخذ المرأة ذات الزوج فترجم.

ليعلم ما كان()

وروي أنّ الحسن عليه السلام كان عنده رجلان فقال لأحدهما:

إنّك حدّثت البارحة فلاناً بحديث كذا وكذا.

فقال الرجل: إنه ليعلم ما كان. وعجب من ذلك.

فقال عليه السلام: إنّا لنعلم ما يجري في الليل والنهار.

ثم قال: إنّ الله تبارك وتعالي علّم رسول الله صلي الله عليه و اله الحلال والحرام والتنزيل والتأويل، فعلّم رسول الله صلي الله عليه و اله علياً عليه السلام علمه كله، وعلّمنيه أمير المؤمنين كله.

الإنجاز ()

الإنجاز دواء الكرم.

العجب من الضاحك()

خرج الحسن بن علي عليه السلام في يوم الفطر، والناس يضحكون، فقال:

إن الله عزوجل جعل شهر رمضان مضماراً لخلقه، يستبقون فيه إلي طاعته، فسبق قومٌ ففازوا، وتخلّف آخرون فخابوا، والعجب من الضاحك في هذا اليوم الذي يفوز فيه المحسنون ويخسر فيه المبطلون، والله لو كُشِفَ الغطاء لشغل محسن بإحسانه ومسيء بإساءته عن ترجيل شعر وتصقيل ثوب.

خذوا زينتكم()

كان الحسن بن عليّ عليها السلام إذا قام إلي الصلاة لبس أجود ثيابه، فقيل له في ذلك، فقال:

إنّ الله جميل يحبّ الجمال، فأتجمّل لربي وقرأ:

?يَا بَنِيَ آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلّ مَسْجِدٍ?().

المصافحة()

حيّاه معاوية تحيّة، فقال عليه السلام له:

إنّ الذي حيّيت به سلامة، والمصافحة أمن.

زهد في أوله وخوف من آخره()

ومر عليه السلام علي ميت يُراد دفنه فقال:

إن أمراً هذا آخره، لحقيق بأن يزهد في أوله، وإن أمراً هذا أوله لحقيق أن يخاف من آخره().

ذبح ذاك وأحيا هذا()

أتي أمير المؤمنين عليه السلام برجلٍ وجد في خربةٍ وبيده سكّين ملطّخة بالدّم، وإذا رجل مذبوح يتشحّط في دمه، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: ما تقول؟

قال: يا أمير المؤمنين أنا قتلته. قال: اذهبوا به فأقيدوه به، فلما ذهبوا به ليقتلوه به أقبل رجل مسرع فقال: لا تعجلوه ردّوه إلي أمير المؤمنين عليه السلام فردّوه.

فقال:

والله يا أمير المؤمنين ما هذا صاحبه، أنا قتلته.

فقال أمير المؤمنين عليه السلام للأوّل: ما حملك علي إقرارك علي نفسك؟ فقال: يا أمير المؤمنين وما كنت أستطيع أن أقول وقد شهد عليّ أمثال هؤلاء الرجال وأخذوني وبيدي سكّين ملطّخة بالدم والرجل يتشحّط في دمه، وأنا قائم عليه وخفت الضرب فأقررت، وأنا رجل كنت ذبحت بجنب هذه الخربة شاةً وأخذني البول فدخلت الخربة فرأيت الرجل يتشحّط في دمه، فقمت متعجّباً فدخل عليّ هؤلاء فأخذوني.

فقال أمير المؤمنين عليه السلام: خذوا هذين فاذهبوا بهما إلي الحسن وقولوا له: ما الحكم فيهما؟

فذهبوا إلي الحسن وقصّوا عليه قصّتهما. فقال الحسن عليه السلام:

قولوا لأمير المؤمنين عليه السلام: إنّ هذا إن كان ذبح ذاك فقد أحيا هذا، وقد قال الله عزّوجل: ?وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنّمَا أَحْيَا النّاسَ جَمِيعاً?()، يخلّي عنهما وتخرج دية المذبوح من بيت المال.

أسئلة ملك الرّوم()

سأل ملك الرّوم الحسن بن عليٍّ عليه السلام عن سبعة أشياءٍ خلقها الله لم تركض في رحمٍ؟ فقال عليه السلام:

أوّل هذه آدم عليه السلام، ثم حوّا، ثم كبش إبراهيم، ثم ناقة صالحٍ، ثم إبليس الملعون، ثم الحية، ثم الغراب الذي ذكره الله في القرآن.

ثمّ سأله الملك عن أرزاق الخلائق؟

فقال عليه السلام: أرزاق الخلائق في السّماء الرّابعة، تنزل بقدرٍ وتبسط بقدرٍ.

ثمّ سأله عن أرواح المؤمنين: أين يكونون إذا ماتوا؟

فقال عليه السلام: تجتمع عند صخرة بيت المقدس في كلّ ليلة جمعةٍ وهو عرش الله الأدني منها يبسط الله الأرض وإليه يطويها، ومنها المحشر، ومنها استوي ربّنا علي السّماء والملائكة.

ثمّ سأله عن أرواح الكفّار: أين تجتمع؟

فقال عليه السلام: تجتمع في وادي حضرموت وراء مدينة اليمن، ثمّ يبعث الله ناراً من المشرق وناراً من المغرب، ويتبعها بريحين شديدتين، ويحشر النّاس عند

صخرة بيت المقدس، فيحشر أهل الجنّة عن يمين الصّخرة ويزدلف المتّقون، وتصير جهنّم عن يسار الصّخرة في تخوم الأرضين السّابعة، وفيها الفلق والسّجّين، فيعرف الخلائق من عند الصّخرة، فمن وجبت له الجنة دخلها، ومن وجبت له النّار دخلها. وذلك قوله تعالي: ?فَرِيقٌ فِي الْجَنّةِ وَفَرِيقٌ فِي السّعِيرِ?().

نصف ونصف()

حسن السّؤال نصف العلم.

ومداراة النّاس نصف العقل.

والقصد في المعيشة نصف المؤونة.

الصبر()

الخير كله في صبر ساعة واحدة، تورث راحة طويلة، وسعادة كثيرة.

التعليم والتعلم()

علّم الناس علمك، وتعلّم علم غيرك، فتكون قد أتقنت علمك، وعلمت ما لم تعلم.

الفكر()

عليكم بالفكر، فإنه حياة قلب البصير، ومفاتيح أبواب الحكمة.

الغائط()

سأله أحد: ما الغائط؟ فقال عليه السلام:

لا تستقبل القبلة ولا تستدبرها، ولا تستقبل الريح ولا تستدبرها.

لعلّ سيّداً يرعاني()

كان الحسن عليه السلام يحضر مجلس رسول الله صلي الله عليه و اله فيسمع الوحي ويحفظه، فيأتي أمّه عليها السلام فيلقي إليها ما حفظه. فلمّا دخل عليّ عليه السلام وجد عندها علماً فسألها عن ذلك؟ فقالت: من ولدك الحسن.

فتخفّي عليّ عليه السلام يوماً في الدار، وقد دخل الحسن عليه السلام، وقد سمع، فأراد أن يلقي إليها فاُرتج عليه، فعجبت أمّه من ذلك. فقال عليه السلام:

لا تعجبي يا أمّاه، فإن كبيراً يسمعني، واستماعه قد أوقفني.

وفي رواية أخري: يا أماه قلّ بياني وكلّ لساني لعلّ سيداً يرعاني.

فخرج علي عليه السلام فقبّله.

لو كانت الدّنيا له()

قال رجل للحسن عليه السلام: ما تقول في رجلٍ آتاه الله مالاً، فهو يتصدّق منه ويصل منه ويحسن فيه، أله أن يعيش فيه؟ فقال:

لا، لو كانت الدّنيا له كلها ما كان له فيها إلا الكفّاف، ويقدّم ذلك ليوم فقره.

الرأي()

لا يعرف الرأي إلا عند الغضب.

الذل واللؤم()

سُئل عليه السلام عن الذل واللؤم؟ فقال:

من لا يغضب من الجفوة، ولا يشكر علي

النعمة.

مكانة المؤمن ودرك الكافر()

لو جعلت الدّنيا كلها لقمةً واحدةً لقمتها من يعبد الله خالصاً، لرأيت أنّي مقصّر في حقّه.

ولو منعت الكافر منها حتّي يموت جوعاً وعطشاً، ثمّ أذقته شربةً من الماء، لرأيت أنّي أسرفت.

المتكلّف()

ومرّ الحسن عليه السلام يوماً وقاصّ يقصّ علي مسجد رسول الله صلي الله عليه و اله، فقال الحسن عليه السلام:

ما أنت؟

فقال: أنا قاصّ يا بن رسول الله.

قال عليه السلام: كذبت، محمّد صلي الله عليه و اله القاصّ، قال الله عزّوجلّ: فَاقْصُصِ الْقَصَصَ صلي الله عليه و اله().

قال: أنا مذكّر.

قال: كذبت، محمّد صلي الله عليه و اله المذكّر، قال الله عزّوجلّ: فَذَكّرْ إِنّمَآ أَنتَ

مُذَكّرٌ صلي الله عليه و اله().

قال: فما أنا؟

قال: المتكلّف من الرّجال.

القرآن إمام()

ما بقي في الدنيا بقية غير هذا القرآن، فاتخذوه إماماً يدلكم علي هداكم، وإن أحق الناس من عمل به وإن لم يحفظه، وأبعدهم من لم يعمل به وإن كان يقرأ.

القرآن شفاء()

إنّ هذا القرآن فيه مصابيح النور، وشفاء الصدور، فليجل جالٍ بضوئه، وليلجم الصفة قلبه، فإنّ التفكير حياة القلب البصير كما يمشي المستنير في الظلمات بالنور.

القرآن يوم القيامة()

إنّ هذا القرآن يجيء يوم القيامة قائداً وسائقاً، يقود قوماً إلي الجنة: أحلّوا حلاله، وحرّموا حرامه، وآمنوا بمتشابهه، ويسوق قوماً إلي النار: ضيّعوا حدوده وأحكامه، واستحلّوا محارمه.

القرآن والقول فيه()

من قال في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ.

خشوع الإمام علي عليه السلام()

ما دخلت علي أبي عليه السلام قط إلا وجدته باكياً.

انصرفوا()

بعد أن دفن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام، اجتمع الناس بباب دار الإمام عليه السلام ليشهدوا مقتل عبد الرحمن بن ملجم، فخرج إليهم الإمام الحسن عليه السلام وقال:

معاشر النّاس! إنّ أبي أوصاني أن أترك أمره إلي وفاته، فإن كان له الوفاة، وإلا نظر هو

في حقّه. فانصرفوا يرحمكم الله.

أحبّ أن لا تتعرّض له()

كان الإمام الحسن عليه السلام قد أخذ من معاوية بن أبي سفيان في شروط الصلح أماناً له ولأصحابه، فتعرّض زياد لأحد أصحاب الإمام عليه السلام، فكتب الإمام عليه السلام إلي زياد:

من الحسن بن عليّ إلي زيادٍ:

أمّا بعد، فقد علمت ما كنّا أخذنا من الأمان لأصحابنا، وقد ذكر لي فلان أنّك تعرّضت له، فأحبّ أن لا تتعرّض له إلاّ بخيرٍ. والسلام.

فلما أتاه الكتاب وذلك بعد أن ادّعاه معاوية، غضب حيث لم ينسبه إلي أبي سفيان فكتب إليه:

من زياد بن أبي سفيان إلي الحسن!

أما بعد، فإنه أتاني كتابك في فاسق يؤويه الفساق من شيعتك وشيعة أبيك، وأيم الله لأطلبنه بين جلدك ولحمك، و إن أحب الناس إليَّ لحما أنا آكله للحم أنت منه، والسلام.

فلما قرأ الحسن عليه السلام الكتاب بعث به إلي معاوية.

فلما قرأه غضب وكتب:

من معاوية بن أبي سفيان إلي زياد.

أما بعد فإن لك رأيين: رأياً من أبي سفيان ورأياً من سمية، فأما رأيك من أبي سفيان فحلم وحزم، وأما رأيك من سمية فما يكون من مثلها؟ إن الحسن بن علي كتب إليَّ أنك عرضت لصاحبه، فلا تعرض له فإني لم أجعل لك عليه سبيلاً.

من آثار عبادة الله()

مَن عَبَد الله عبَّد الله له كلّ شيء.

أعظم الناس قدراً()

قيل للإمام الحسن عليه السلام: من أعظم النّاس قدراً؟ فقال:

من لم يبال بالدّنيا في يدي من كانت.

الناس طالبان()

النّاس طالبان:

طالب يطلب الدّنيا حتّي إذا أدركها فهو هالك.

وطالب يطلب الآخرة حتّي إذا أدركها فهو ناجٍ فائز.

واعلم أيها الرجل أنه لا يضرك ما فاتك من الدنيا وأصابك من شدائدها إذا ظفرت بالآخرة.

وما ينفعك ما أصبت من الدنيا إذا حرمت الآخرة.

النعمة محنة()

النعمة محنة، فإن شكرت كانت نعمة، فإن كفرت

صارت نقمة.

هكذا أدبنا الله()

جارية للحسن عليه السلام حيّته بطاقة ريحانٍ، فقال لها:

أنت حرة لوجه الله!.

فقيل له في ذلك؟.

فقال: هكذا أدّبنا الله تعالي.

قال: ?وَإِذَا حُيّيتُم بِتَحِيّةٍ فَحَيّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَآ?() وكان أحسن منها إعتاقها.

أحضر ما عندك()

وقف رجل علي الحسن بن علي عليه السلام وقال: يابن رسول الله بالذي أنعم عليك بهذه النعمة التي لم تلها منه بشفيعٍ منك إليه، بل إنعاماً منه عليك إلا ما أنصفتني من خصمي، فإنه غشوم ظلوم، لايوقر الشيخ الكبير، ولايرحم الطفل الصغير.

وكان عليه السلام متوكّئاً فاستوي جالساً، فقال عليه السلام له:

ومن خصمك حتي أنتصف لك منه؟

فقال: الفقر.

فأطرق عليه السلام ساعة، ثم رفع رأسه إلي خادمه، وقال له: أحضر ما عندك من موجود.

فأحضر خمسة آلاف درهمٍ.

فقال: ادفعها إليه.

ثم قال عليه السلام: بحقّ هذه الأقسام التي أقسمت بها عليّ، متي أتاك خصمك جائراً إلا ما أتيتني منه متظلّماً.

حسنة وحسنة ()

في تفسير قوله تعالي: ?آتِنَا فِي الدّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً?() قال:

هي العلم والعبادة في الدّنيا، والجنّة في الآخرة.

نفسك نفسك()

يا ابن آدم! نفسك نفسك..

فإنّما هي نفس واحدة..

إن نجت نجوت..

وإن هلكت لم ينفعك نجاةُ من نجا.

ما فضل فاهده()

سأل أعرابيّ أبا بكرٍ فقال: إني أصبت بيض نعامٍ فشويته وأكلته وأنا محرم فما يجب عليّ؟

فدله علي أمير المؤمنين عليه السلام، فقال له: سل أيّ الغلامين يعني الحسن والحسين عليها السلام شئت.

فتحوّل الأعرابيّ إلي الحسن عليه السلام، فقال الحسن عليه السلام:

يا أعرابيّ، ألك إبل؟

قال: نعم.

قال: فاعمد إلي عدد ما أكلت من البيض نوقاً فاضر بهنّ بالفحول، فما فضل منهما فأهده إلي بيت الله العتيق الذي حججت إليه.

فقال أمير المؤمنين عليه السلام: إنّ من النوق السلوب ومنها ما يزلق؟

فقال الحسن عليه السلام: إن يكن من النوق السلوب ومنها ما يزلق فإن من البيض ما يمرق.

يا عماه..()

قاله في توديع أبي ذرّ الغفاري لمّا سفّره عثمان من المدينة المنورة إلي الربذة:

يا عمّاه.. إن القوم قد أتوا إليك ما قد تري، وإن الله تعالي بالمنظر الأعلي، فدع

عنك ذكر الدّنيا بذكر فراقها وشدّة ما يرد عليك لرجاء ما بعدها، واصبر حتي تلقي نبيّك صلي الله عليه و اله وهو عنك راضٍ إن شاء الله.

لم ننتفع بالعلم()

يدخل النّار قوم فيقول لهم أهلها: ما بالكم ابتليتم حتّي صرنا نرحمكم مع ما نحن فيه؟

فقالوا: يا قوم، جعل الله في أجوافنا علماً فلم ننتفع به نحن، ولا نفعنا به غيرنا.

يومك()

يومك ضيفك، وهو مرتحل بحمدك أو بذمّك.

شعر

قدم لنفسك()

إنّ المنية نازل بك يا فتي

قدّم لنفسك ما استعطت من التّقي

أحباب قلبك في المقابر والبلي

أصبحت ذا فرحٍ كأنك لا تري

حان الرحيل()

حان الرحيل فودّع الأحبابا

قل للمقيم بغير دار إقامةٍ

صاروا جميعاً في القبور ترابا

إنّ الذين لقيتهم وصحبتهم

فمهلاً ()

دخل الإمام عليه السلام يوماً علي معاوية، وكان عنده عمرو بن العاص فقال: (قد جاءكم الفهه العيي، الذي كان بين لحييه عقله) فالتفت الإمام عليه السلام إلي معاوية قائلاً: (يا معاوية! لايزال عندك عبداً راتعاً في لحوم الناس، أما والله لو شئت ليكونن بيننا ما تتفاقم فيه الامور، وتحرج منه الصدور) …

بشتمي والملا منّا شهود

أتأمر يا معاويَ عبد سهمٍ

فقد علمت قريش ما تريد

إذا أخذت مجالسها قريش

لضغنٍ ما يزول وما يبيد

أأنت تظلّ تشتمني سفاها

به من تسامي أو تكيد؟

فهل لك من أبٍ كأبي تسامي

رسول الله إن ذكر الجدود

ولا جدّ كجدّي يا بن حربٍ

إذا ما حصل الحسب التليد

ولا أمّ كأمي من قريشٍ

ولا مثلي ينهنهه الوعيد

فما مثلي تهكم يا بن حربٍ

يشيب لهو لها الطفل الوليد

فمهلاً لا تهج منّا أموراً

حياء()

قلوبهم تغلي عليّ مراضها

أجامل أقواماً حياء ولا أري

حين يسأل()

قيل للحسن عليه السلام: لأي شيء نراك لا ترد سائلاً؟ فقال: إني لله سائل وفيه راغب وأنا أستحي أن أكون سائلاً وأردّ سائلاً.

بمن فضله فرض عليّ معجل

إذا ما أتاني سائل قلت مرحباً

وأفضل

أيام الفتي حين يُسأل

ومن فضله فضل علي كلّ فاضلٍ

السخاء فريضة()

لله يقرأ في كتابٍ محكم

إن السخاء علي العباد فريضة

وأعدّ للبخلاء نار جهنّم

وعد العباد الأسخياء جنانه

للراغبين فليس ذاك بمسلم

من كان لا تندي يداه بنائلٍ

الحق أبلج()

والحقّ يعرفه ذوو الألباب

ألحقّ أبلج ما يخيل سبيله

السخي والبخيل()

فمنهم سخيّ ومنهم بخيل

خلقت الخلائق من قدرةٍ

وأما البخيل فحزن طويل

فأمّا السخيّ ففي راحةٍ

خل العيون()

نَ من البكاء علي عليّ

خلّ العيون وما أرد

فليس قلبك بالخليّ

لا تقبلنّ من الخليّ

الدنيا()

تولّي بأيام السرور الذّواهبِ

ذري كدر الدنيا() فإنّ صفاءها

وبين الليالي محكمات التجارب

وكيف يعزّ الدهر من كان بينه

عاجلتنا()

روي أن أعرابياً جاء إلي الحسن عليه السلام و هو يشكو ويقول:

لم يبق لي شيء يباع بدرهمٍ

يكفيك شاهد منظري عن مخبري

إلا بقايا ماء وجه صنته

عن أن يباع وقد وجدتك مشتري

فأعطاه الحسن عليه السلام اثني عشر ألف درهم، وقال:

طلاّ ولو أمهلتنا لم نقصر

عاجلتنا فاتاك وابل برّنا

ما صنته وكأنّنا لم نشتر

فخذ القليل وكن كأنّك لم تبع

فيم الكلام()

تفاخرت قريش والحسن بن علي عليها السلام حاضر لا ينطق، فقال معاوية: يا أبا محمد مالك لا تنطق؟ فوالله ما أنت بمشوب الحسب، ولا بكليل اللسان. قال الحسن عليه السلام: ما ذكروا فضيلة إلا ولي محضها ولبابها، ثم قال:

سبق الجواد من المدي المتنفس

فيم الكلام؟ وقد سبقت مبرّزا

عزمت تصبراً()

وكلّ بلاءٍ لا يدوم يسير

لئن ساءني دهر عزمت تصبّراً

وكل سرورٍ لا يدوم حقير

وإن سرّني لم أبتهج بسروره

كسرة وكفن()

وشربة من قراحٍ الماء تكفيني

لكسرة من خسيس الخبز تشبعني

حياً وإن متّ تكفيني لتكفيني

وطرة من دقيق الثوب تسترني

لو علم البحر()

وجاءه بعض الأعراب فقال عليه السلام: أعطوه ما في الخزانة، فوجد فيها عشرون ألف دينار، فدفعها إلي الأعرابي، فقال الأعرابي: يا مولاي ألا تركتني أبوح بحاجتي وأنشر مدحتي، فأنشأ الحسن عليه السلام:

يرتع فيه الرجاء والأمل

نحن أناس نوالنا خضل()

خوفا علي

ماء وجه من يسل

تجود قبل السؤال أنفسنا

لغاض من بعد فيضه خجل()

لو علم البحر فضل نائلنا

عندي شفاء الجهل

بل فقيهاً إذن وأنت الجهول

ما غبيّاً سألت وابن غبيّ

شفاء الجهل ما سأل السّؤول

فإن تك قد جهلت فإن عندي

تراثاً كان أورثه الرسول

وبحراً لا تقسمه الدّوالي

نسود أعلاها()

فليت الذي يسودّ منها هو الأصل()

نسوّد أعلاها وتأبي أصولها

بين الصلح والحرب()

والحرب يكفيك من أنفاسها جرع

والصلح تأخذ منه ما رضيت به

دار معاشري()

هم المانعون حوزتي وذماري

ولا عن قليّ() فارقت دار معاشري

أسرعت فيّ المنايا()

قاله عليه السلام بعد ما خرج من مناظرة عير فيها بسرعة الشيب إلي شاربه:

وخمساً أرجّي قائلاً بعد قائل

ومارست هذا الدهر خمسين حجةً

ولا في الذي أهوي كدحت بطائل

فما أنا في الدنيا بلغت جسيمها

وأيقنت أني رهن موتٍ معاجل

وقد أسرعت فيّ المنايا أكفّها

ظل زائل()

إن المقام بظلٍّ زائلٍ حمق

يا أهل لذات دنياً لا بقاء لها

الدعاء

علي باب المسجد()

روي أنه كان عليه السلام إذا بلغ باب المسجد رفع رأسه ويقول:

إلهي ضيفك ببابك، يا محسن قد أتاك المسيء، فتجاوز عن قبيح ما عندي بجميل ما عندك، يا كريم().

للدخول علي الأشرار()

لمّا دخل عليه السلام علي معاوية وعنده جماعة من أصحابه أرادوا نقصه قال:

اللهمّ إني أعوذ بك من شرورهم، وأدرأ بك في نحورهم، وأستعين بك عليهم، فاكفنيهم كيف شئت وأنّي شئت، بحوّلٍ منك وقوّةٍ يا أرحم الراحمين.

في قنوت الوتر()

اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت، إنك تقضي ولا يقضي عليك، إنه لا يذل من واليت، تباركت ربنا وتعاليت.

في الاستسقاء()

اللهمَّ هَيِّج لَنَا السَّحَابَ بِفَتحِ الأَبوَابِ، بِمَاءٍ عُبَابٍ() ورَبابٍ()، بِانصِبَابٍ وَانسِكَابٍ، يَا وَهَّابُ، اسقِنَا مُغدِقَةً()مُطَبِّقَةً مُونِقَةً، فَتِّح أَغلاقَهَا، وَيَسِّرْ إِطلاقَهَا، وَسهِّل اِطلاقَهَا، وعَجِّل سِيَاقَهَا بِالأَندِيَةِ() فِي بُطُونِ الأَودِيَةِ، يَا فَعَّالُ اسقِنَا مَطَراً قَطراً، طَلّاً

مُطِلّاً، طَبَقاً مُطَبِّقاً، عَامّاً مِعَمّاً، رِهَماً بُهماً، رُحماً رَشّاً مُرِشّاً، وَاسِعاً كَافِياً، عَاجِلاً طَيِّباً، مُريئاً مُبَارَكاً، سَلاطِح() بَلاطِح() يُنَاطِحُ الأَبَاطِحَ، مُغدَودِقاً مُغرَورِقاً، وَاسقِ سَهلَنَا وَجَبَلَنَا، وَبَدوَنَا وَحَضَرَنَا، حَتَّي تُرَخِّصَ بِهِ أَسعَارَنَا، وَتُبَارِكَ بِهِ فِي ضَاعِنَا وَمُدِّنَا، أَرِنَا الرِّزقَ مَوجُوداً، وَالغَلاءَ مَفقُوداً، آمِينَ يَا رَبَّ العَالَمِينَ.

في الاحتجاب()

اللهم يا من جَعَلَ بين البحرين حاجِزاً وبَرْزَخاً وَحِجْراً محجورا، يا ذا القوة والسلطان، يا عليَّ المكان، كيف أخاف وأنت أملي، وكيف أضام و عليك متكلي.

فغطّني من أعدائك بسترك، وأفرغ عليَّ من صبرك، وأظهرني علي أعدائي بأمرك، وأيدني بنصرك، إليك اللجأ ونحوك الملتجأ، فاجعل لي من أمري فرجاً ومخرجاً.

يا كافي أهل الحرم من أصحاب الفيل، والمرسل عليهم طَيْراً أَبابِيلَ تَرْمِيهِمْ بِحِجارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ، ارم من عاداني بالتنكيل.

اللهم إني أسألك الشفاء من كل داء، والنصر علي الأعداء، والتوفيق لما تحب وترضي.

يا إله مَنْ في السماء والأرض، وما بينهما وما تحت الثري، بك أستشفي، و بك أستعفي، وعليك أتوكل، فَسَيَكْفِيكَهُمُ الله، وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ.

للدخول علي الظالم()

وقد دعا عليه السلام به عندما أتي معاوية بن أبي سفيان:

بسم الله الرحمن الرحيم، بسم الله العظيم الأكبر، اللهمّ سبحانك يا قيّوم، سبحان الحيّ الذي لا يموت، أسألك كما أمسكت عن دانيال أفواه الأسد وهو في الجبّ أن تمسك عني أمر هذا الرّجل وكلّ عدو لي في مشارق الأرض ومغاربها من الإنس والجنّ، خذ بآذانهم وأسماعهم وأبصارهم وقلوبهم وجوارحهم، واكفني كيدهم بحولٍ منك وقوّةٍ، وكن لي جاراً منهم ومن كلّ شيطانٍ مريدٍ لا يؤمن بيوم الحساب، إنّ وليي الله الذي نزّل الكتاب وهو يتولي الصالحين، فإن تولّوا فقل حسبي الله لا إله إلاّ هو عليه توكّلت وهو ربّ العرش العظيم.

للدخول علي الكافر()

دعا عليه السلام بهذه الدعاء لما

دخل علي ملك الروم:

الحمد لله الذي لم يجعلني يهودياً ولا نصرانياً ولا مجوسياً ولا عابد الشّمس والقمر ولا الصّنم والبقر، وجعلني حنيفاً مسلماً ولم يجعلني من المشركين، تبارك الله ربّ العرش العظيم، والحمد لله ربّ العالمين.

في قنوت الصلاة ()

يا من بسلطانه ينتصر المظلوم، وبعونه يعتصم المكلوم، سبقت مشيّتك، وتمّت كلمتك، وأنت علي كلّ شيءٍ قدير، وبما تمضيه خبير.

يا حاضر كلّ غيبٍ، وعالم كلّ سرٍّ، وملجأ كلّ مضطرٍّ، ضلّت فيك الفهوم، وتقطّعت دونك العلوم، وأنت الله الحيّ القيوم، الدائم الديموم.

قد تري ما أنت به عليم، وفيه حكيم، وعنه حليم، وأنت بالتّناصر علي كشفه والعون علي كفّه غير ضائق، وإليك مرجع كلّ أمرٍ كما عن مشيّتك مصدره.

وقد أبنت عن عقود كل قومٍ، وأخفيت سرائر آخرين، وأمضيتَ ما

قضيتَ، وأخّرتَ مالا فوت عليك فيه، وحملتَ العقول ما تحمّلت في غيبك، ليهلك من هلك عن بيّنةٍ، ويحيا من حيي عن بيّنةٍ، وإنّك أنت السّميع العليم، الأحد

البصير.

وأنت اللهم المستعان، وعليك التّوكّل، وأنت وليّ من تولّيت، لك الأمر كله، تشهد الانفعال، وتعلم الاختلال، وتري تخاذل أهل الخبال، وجنوحهم إلي ما جنحوا إليه من عاجلٍ فانٍ، وحطامٍ عقباه حميم آنٍ، وقعود من قعد، وارتداد من ارتد، وخلوّي من النصّار، وانفرادي عن الظهّار، وبك أعتصم، وبحبلك أستمسك، وعليك أتوكّل، اللهمّ فقد تعلم أني ما ذخرت جهدي ولا منعت وجدي حتي انفلّ حدّي، وبقيت وحدي، فاتّبعت طريق من تقدّمني في كفّ العادية وتسكين الطّاغية عن دماء أهل المشايعة، وحرست ما حرسه أوليائي من أمر آخرتي ودنياي، فكنتُ ككظمهم أكظم، وبنظامهم أنتظم، ولطريقتهم أتسنّم، وبميسمهم أتّسم، حتي يأتي نصرك وأنت ناصر الحقّ وعونه، وإن بعد المدي عن المرتاد ونأي الوقت عن إفناء الأضداد، اللهمّ صلّ علي

محمّدٍ وآله وامزجهم مع النصّاب في سرمد العذاب، واعم عن الرشد أبصارهم وسكّعهم في غمرات لذّاتهم حتي تأخذهم بغتةً وهم غافلون، وسحرةً وهم نائمون، بالحقّ الذي تظهره، واليد التي تبطش بها، والعلم الذي تبديه، إنّك كريم عليم.

***

من مصادر الكتاب

? إثبات الهداة: للشيخ الحر العاملي

? الإثني عشرية: للسيد محمد بن قاسم الحسيني

? الاحتجاج: للشيخ الطبرسي

? أخبار أصبهان: لأبي نعيم الأصفهاني

? الاختصاص: للشيخ المفيد

? الإرشاد: للديلمي، ط دار الأسوة

? الأعلام: للزركلي

? أعلام الدين: للديلمي

? أعيان الشيعة: للسيد محسن العاملي

? الأمالي: للشيخ الصدوق

? الأمالي: للشيخ الطوسي

? الأمالي: للشيخ المفيد

? الإمامة والسياسة: للدينوري

? بحار الأنوار: للعلامة المجلسي

? البداية والنهاية: لابن كثير

? بصائر الدرجات: للصفار القمي

? تاريخ الإسلام: للذهبي

? تاريخ الأمم والملوك: للطبري

? تاريخ الخلفاء: للسيوطي

? تاريخ الخميس

? تاريخ دمشق: لابن عساكر

? تاريخ ابن أثير الجزري

? تاريخ اليعقوبي

? تحف العقول

? تذكرة الخواص، للسبط ابن الجوزي

? التفسير المنسوب إلي الإمام الحسن العسكري عليه السلام

? تفسير علي بن إبراهيم القمي

? تفسير العياشي

? تنبيه الخواطر ونزهة النواظر

? تنزيه الأنبياء: للسيد المرتضي

? التوحيد: للشيخ الصدوق

? جلاء العيون: للسيد عبد الله شبر

? الجمل: للشيخ المفيد

? جمهرة رسائل العرب

? حلية الأبرار، للسيد هاشم البحراني

? حلية الأولياء: لأبي نعيم الأصفهاني

? حياة الإمام الحسن عليه السلام: للقرشي

? الخرائج: للقطب الراوندي

? الخصال: للشيخ الصدوق

? درر الأخبار

? دلائل الإمامة: للطبري الإمامي

? الدعوات: للقطب الراوندي

? شرح التوحيد: للقاضي السيد القمي

? شرح نهج البلاغة: لابن أبي الحديد

? صفة الصفوة: لابن الجوزي

? عدة الداعي

? العدد القوية

? عقد الفريد: لابن عبد ربه الأندلسي

? علل الشرايع: للشيخ الصدوق

? عمدة الطالب

? عيون أخبار الرضا عليه السلام، للشيخ الصدوق

? عوالم العلوم والمعارف: للبحراني

? الفتوح: لابن أعثم الكوفي

? فرائد السمطين

? الفردوس بمأثور الخطاب

? الفصول المهمة: لابن الصباغ المالكي

? قرب

الاسناد: للحميري

? الكافي: للكليني

? الكامل: للمبرد

? كشف الغمة: للإربلي

? الكشكول: للشيخ البهائي

? كمال الدين: للشيخ الصدوق

? كنز العمال: للمتقي الهندي

? الكني والألقاب: للمحدث القمي

? المحاسن والأضداد: للجاحظ

? المحاسن والمساوئ: للبيهقي

? مروج الذهب: للمسعودي

? المستدرك علي الصحيحين

? مصابيح الأنوار: للسيد عبد الله شبر

? مطالب السئول: لابن طلحة الشافعي

? معالي السبطين

? معاني الأخبار: للشيخ الصدوق

? المعجم الكبير: للطبراني

? مقاتل الطالبيين: لأبي الفرج الأصفهاني

? مقتل الحسين عليه السلام: للخوارزمي

? ملحقات إحقاق الحق: للمرعشي النجفي

? المناقب: لابن شهر آشوب

? منتهي الآمال: للمحدث القمي

? من لا يحضره الفقيه: للشيخ الصدوق

? مهج الدعوات: للسيد بن طاووس

? ناسخ التواريخ

? نور الأنوار: للشبلنجي

? نهاية الإرب

? نهاية اللغة: لابن الأثير الجزري

? الهداية: للحصيني

? ينابيع المعاجز: للسيد البحراني

? ينابيع المودة: للقندوزي

پي نوشتها

() الكفاية: الحسين بن محمد بن سعيد الخزاعي، عن الجوهري، عن عتبة ابن الضحاك، عن هشام بن محمد، عن أبيه قال: … وعنه بحار الأنوار: ج43 ص363 و364.

() إلي هنا رواه الصدوق في التوحيد: ص31 بإسناده عن الصادق عليه السلام عن النبي صلي الله عليه و اله بتفاوت يسير.

() التوحيد: ص21، محمد بن علي الصدوق، عن ابن الوليد، عن محمد العطار، وأحمد بن إدريس، عن الأشعري، عن بعض أصحابه رفعه وقال: …

() أي: ليس له سبحانه أول حتي يعلم، لأن كل ما له أول يمكن أن يحيط به العلم فيكون محاطاً ومعلولاً وهو تعالي ليس محاطاً ومحدوداً ومعلولاً، وإنه سبحانه أول الأوائل، كما إنه تعالي ليس آخر متناه بل هو آخر كل شيء.

() البديء كالبديع بمعني المخلوق، و(ما) في المقامات الثلاثة موصوفة بمعني شيء، وأوصافها محذوفة، والمعني: أتقول في الله متي هو؟! وكيف تقول هذا في الله تعالي، وإنما يصح قول (متي) في الشيء

الذي له ابتداء، أو ظهور بعد خفاء، أو بطون عقيب ظهور، أو ترك شيئاً والتفت إلي آخر … شرح التوحيد: ج1 ص330.

() وفي نسخة: (ذلكم الله ربي: رب العالمين).

() ناسخ التواريخ: في خبر … وفي بحار الأنوار: ج43 ص351 ح24، عن فرات بن إبراهيم الكوفي، في تفسيره، ذيل الآية (34) من سورة آل عمران، عن أبي جعفر الحسني، والحسن بن حباشٌ معنعناً، عن جعفر بن محمد عليهما السلام قال: قال علي بن أبي طالب عليه السلام للحسن عليه السلام: «يا بني قم فاخطب حتي أسمع كلامك» قال: «يا أبتاه كيف أخطب وأنا أنظر إلي وجهك أستحيي منك؟» قال: فجمع علي بن أبي طالب عليه السلام أمهات أولاده ثم تواري عنه حيث يسمع كلامه، فقام الحسن عليه السلام فقال: «الحمد لله الواحد بغير تشبيه … إلي قوله: واستغفر الله العظيم لي ولكم».

وليس فيه: الحمد لله الذي من تكلم سمع كلامه، ومن سكت علم ما في نفسه، ومن عاش فعليه رزقه، ومن مات فإليه معاده.

وليس فيه أيضاً: أما بعد فإن القبور محلّتنا، والقيامة موعدنا، والله عارضنا.

() تحف العقول: ص231، ورواه المجلسي رحمة الله عليه في بحار الأنوار: ج5 ص40 ح63 عن التحف.

() سورة آل عمران: 34.

() سورة الأنعام: 149 قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين.

() جمهرة رسائل العرب: ج / ص 25: …

() أعيان الشيعة، للسيد محسن الأمين العاملي: ج 4 ص 88. وبحار الأنوار: ج78 ص113.

() في بحار الأنوار: «ولا فتح الرجل باب عمل».

() بحار الأنوار: ج75 (كتاب الروضة) ص114 ح10 عن كتاب العدد.

() سورة الأعراف: 199

() سورة الحشر: 7.

() سورة القلم: 4.

() بحار الأنوار: ج10 ص134 عن تفسير علي بن إبراهيم القمي.

() بحار

الأنوار: ج43 ص328 ح7 باب المعجزات، عن كتاب النجوم، عن كتاب الدلائل لأبي جعفر ابن رستم الطبري بإسناده إلي عبد الله بن عباس قال: …

() سورة لقمان: 34.

() قال المجلسي رحمة الله عليه في ذيله: (بيان: ردّ عليه السلام استبعاده بأبلغ وجه، ولم يبيّن وجه الجمع بينه وبين ما هو ظاهر الآية من اختصاص العلم بالله تعالي، وقد مرّ أن المعني أنه لا يعلم ذلك أحد إلا بتعليمه تعالي ووحيه وإلهامه، وأنهم إنما يعلمون بالوحي والإلهام).

() بحار الأنوار: ج43 ص329 وص330 عن كتاب النجوم بالإسناد عن أبي عبد الله عليه السلام: …

() قال المجلسي رحمة الله عليه: (أقول: ووجدت قد انقطع من المختصر المذكور كلمات فوجدتها في رواية ابن عباس الجوهري): …

() بحار الأنوار: ج43 ص330 ح10 عن الخرايج، عن عبد الغفار الجازي (وفي المصدر: عبد الغفار الحارثي) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: … ومثله في العوالم: ج16 ص90 ح6 عن الخرايج والجرايح.

() المناقب لابن شهر آشوب: ج4 ص2، عن الشيرازي في كتابه باسناده عن الهذيل، عن مقاتل، عن محمد بن الحنفية، قال الحسن بن علي عليهما السلام:..

() ينابيع المعاجز للسيد البحراني: ص163 وفيه: عن مُسند فاطمة عليها السلام المعروف بدلائل الإمامة لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري الإمامي ص65 بإسناده عن سفيان، عن أبيه، عن الأعمش، عن أبي بريدة، عن محمد بن حجارة، عن الحسن بن علي عليهما السلام، ورواه عن الدلائل أيضاً الشيخ الحر العاملي في إثبات الهداة ج3 ص562 ح28 هكذا: (نحن الأولون: ونحن الآخرون، ونحن الآمرون، ونحن النور ننوّر الروحانيين بنور الله، ونروحهم بروحه، فينا مسكنه، وإلينا معدنه، الآخر منا كالأول، والأول منا كالآخر).

() انظر بحار الأنوار: ج75 ص114

ب19 ح9 ط بيروت، عن (العدد القوية).

() وفي مروج الذهب: ج3 ص717 ط دار الكتاب اللبناني: (قد كان علي (رضي الله عنه وكرم الله وجهه) اعتل فأمر ابنه الحسن (رضي الله عنه) أن يصلي بالناس يوم الجمعة، فحمد الله وأثني عليه، ثم قال). وليس فيه الجمل الأربعة في صدر الحديث، وليس فيه أيضا: (ونحن نفس محمد ورهطه وأهل بيته).

وفي البحار: (إن الله لم يبعث نبياً إلا اختار له نفساً ورهطاً وبيتاً والذي بعث محمداً بالحق لا ينقص أحد من حقنا إلا نقصه الله من علمه …) الخ. (وليس فيه أيضاً ما ذكرنا عدمه في مروج الذهب).

() في مروج الذهب: (نقيباً).

() في المروج الذهب: (بالحق نبياً).

() في المروج الذهب: (من عمله مثله).

() سورة ص: 88.

() رجال الكشي: ص111 سفيان بن ليلي الهمداني ح178. وانظر أيضا بحار الأنوار: ج44 ص24 ح7 عن الكشي، والاختصاص ص83.

() المناقب لابن شهر آشوب: ج4 ص1، عن الشيرازي في كتابه بالاسناد عن مقاتل، عن محمد بن الحنفية، عن الحسن بن علي عليهما السلام … و بحار الأنوار: ج24 ص3 ح9 عن المناقب.

() سورة الإنسان: 5، سورة الانفطار: 13، سورة المطففين: 22.

() بحار الأنوار: ج44 ص100-101 ح9، وعوالم العلوم: ج16 ص246 ح1، كلاهما عن الاحتجاج: ص147-148.

() في البحار والعوالم عن الاحتجاج: (ويل لك يا معاوية وللثلاثة الذين قبلك أجلسوك هذا المجلس وسنوا لك هذه السنة، لأقولن كلاماً ما أنت أهله ولكني أقول ليسمعه بنو أبي هؤلاء حولي).

() سورة آل عمران: 7.

() يعني فقرأ شيئاً معه يوافقه فيه آخر.

() يعني ضاع من تفسير القرآن وتأويله شيء كثير، وإلا فالقرآن لم يزد فيه ولم ينقص منه حرف، بل كان مجموعا في عهد رسول الله صلي

الله عليه و اله وبأمر وإشراف منه صلي الله عليه و اله بهذه الكيفية التي هي موجودة الآن بين يدي جميع المسلمين.

() في البحار والعوالم: (قضاته وولاته).

() مأخوذ من قوله تعالي: ?ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدواً بغير علم? (سورة الأنعام: 108) يعني فكما سب المشركون الله عدواً بغير علم، يشرك هؤلاء بالله من غير علم.

() بحار الأنوار: ج25 ص214 عن كنز الفوائد، عن عمر بن علي عليه السلام قال: …

() ورواه المجلسي أيضاً في بحار الأنوار: ج43 ص361 عن أبي مخنف وفيه:

وأنا من أهل بيت الذي افترض الله مودتهم علي كل مسلم، فقال تبارك وتعالي: ?قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربي ومن يقترف حسنة نزد له فيها? (سورة الشوري: 22) فاقتراف الحسنة مودتنا أهل البيت.

() الأمالي للطوسي: ص131 في الجزء الخامس، وعنه المجلسي رحمة الله عليه في بحار الأنوار: ج43 ص360، وأخرجه أيضاً المفيد في أماليه: ص348-349.

() سورة النساء: 59.

() سورة النساء: 83.

() سورة الأنفال: 48.

() وقال العلامة المجلسي في (بيانه) في ترجمة بعض الألفاظ في الخطبة:

الوِزْر بالكسر الإثم والثقل … والأظهر أنه الوَزَر بالتحريك، أي تكونون معاقل للرماح تأوي إليكم.

وجزر السباع: اللحم الذي تأكله، يقال: تركوهم جَزَراً (بالتحريك) إذا قتلوهم.

والحطم: الكسر، أو خاص باليابس.

() سورة الأنعام: 158.

() تاريخ الأمم والملوك: ج4 ص126، لمحمد بن جرير الطبري المتوفي (310ه) في حوادث سنة (41) حدّث عن زياد البكّائي (وهو زياد بن عبد الله بن الطفيل العامري أبو محمد الكوفي، ترجمه ابن حجر في (التقريب): ج1 ص321 رقم 2091 وقال: صدوق ثبت في المغازي، مات سنة (183ه)، عن عوّانة (وهو عوانة بن الحكم الأخباري البصري المتوفي 158ه) قال: …

()

عوالم العلوم والمعارف: ج16 ص129 وبحار الأنوار: ج43 ص358، عن العدد القوية: ص32.

() سورة آل عمران: 33-34.

() بحار الأنوار: ج43 ص352، والعوالم: ج16 ص123 عن الحاكم في الأمالي.

() (يبأء) في النسخ من المصادر، ولعله من الباء أصله (البأو) بمعني الكبر والفخر، وهمزته مقلوبة من الواو. وفي البحار والعوالم: يمكن أن يكون بالنون أي يناء من النوء بمعني العطاء، أو من المناوأة بمعني المفاخرة.

() المناقب لابن شهر آشوب: ج4 ص12 عن الفتال النيسابوري في مونس الحزين، وعنه بحار الأنوار: ج43 ص27، وعوالم العلوم: ج16 ص87.

() الكافي: ج1 ص462 ح5، محمد بن يعقوب، عن أحمد بن محمد، ومحمد بن يحيي، عن محمد بن الحسن، عن يعقوب بن يزيد، عن ابن أبي عمير، عن رجاله، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن الحسن (بن علي عليهما السلام) قال: …

() في المصدر: (وفيها سبعون ألف ألف لغة).

() ورواه أيضا محمد بن الحسن الصفار في بصائر الدرجات: ص339، عن يعقوب ابن يزيد، عن ابن أبي عمير (عن رجاله) عن أبي عبد الله عليه السلام يرفع الحديث إلي الحسن بن علي (صلوات الله عليه وعلي آبائه) أنه قال: (إن لله مدينتين إحداهما بالمشرق والأخري بالمغرب، عليهما سوران من حديد) وذكر الحديث.

ورواه الشيخ المفيد رحمة الله عليه في كتاب الاختصاص: ص291، عن يعقوب بن يزيد، عن ابن أبي عمير، عن بعض رجاله، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال الحسن بن علي عليهما السلام: (إن لله مدينتين: إحداهما بالمشرق، والأخري بالمغرب، عليهما سور من حديد، وعلي كل مدينة ألف ألف باب مصراعين من ذهب وفيها سبعون ألف ألف لغة، يتكلم كل لغة بخلاف لغة صاحبتها، وأنا أعرف جميع اللغات وما

فيهما وما بينهما، وما عليهما حجة غيري وغير أخي الحسين).

وعنه بحار الأنوار: ج26 ص104، ثم قال المجلسي ? في بيانه: أما كونهم عليهم السلام عالمين باللغات فالأخبار فيه قريبة من حد التواتر وبانضمام الأخبار العامة لا يبقي فيه مجال شك، وأما علمهم بالصناعات فعمومات الأخبار المستفيضة دالة عليه، حيث ورد فيها أن الحجة عليه السلام لا يكون جاهلاً في شيء يقول: لا أدري، مع ما ورد أن عندهم علم ما كان وما يكون، وأن علوم جميع الأنبياء وصل إليهم، مع أن أكثر الصناعات منسوبة إلي الأنبياء عليهم السلام، وقد فسّر تعليم الأسماء لآدم عليه السلام بما يشمل جميع الصناعات. وبالجملة لا ينبغي للمتتبع الشك في ذلك أيضاً، وأما حكم العقل بلزوم الأمرين ففيه توقّف وإن كان القول به غير مستبعد.

() كشف الغمة: ج1 ص574، أعلام الدين: ص297، بحار الأنوار: ج43 ص338 ب16 ح12، تحف العقول: ص169، عوالم العلوم: ج16 ص135 ح3 عن المناقب لابن شهر آشوب: ج4

ص13.

() سورة (المنافقون): 8.

() تنبيه الخواطر ونزهة النواظر: ج2 ص106، وبحار الأنوار: ج65 ص156 عن تفسير الإمام الحسن العسكري عليه السلام: ص308 ح153.

() تفسير الإمام الحسن العسكري عليه السلام: ص341 ح217، وعنه وعن الاحتجاج بحار الأنوار: ج2 ص3 ح4. بالإسناد إلي أبي محمد العسكري عليه السلام قال: قال الحسن بن علي عليهما السلام: …

() قال الجوهري: نَشِب الشيء في الشيء: علق فيه.

() في المصدر: (في تَيْه الجهل) والتيه بفتح التاء: هي الأرض الواسعة التي يضيع فيها المرء.

() السُهي، بضم السين المهملة: كوكب خفيّ من بنات النعش الصغري.

() مستدرك الوسائل: ج9 ص270 ب17.

() إرشاد القلوب: ج1 ص159 ط دار الأسوة.

() إرشاد القلوب: ج1 ص159 ط دار الأسوة.

() مستدرك الوسائل: ج3

ص359 ح3778: الصدوق في الخصال، عن إبراهيم بن محمد بن حمزة، عن الحسين بن عبد الله، عن موسي بن مروان، عن مروان بن معاوية، عن سعد بن طريف …

ورواه المعجم للطبراني: ج3 ص88 رقم7750 باختلاف يسير، ورواه بحار الأنوار: ج75 ص108

ح4 عن تحف العقول: ص169 بهذه الألفاظ: (من أدام الاختلاف إلي المسجد أصاب إحدي ثمانٍ: آية محكمة، وأخاٍ مستفاداً، وعلماً مستطرفاً، ورحمةً منتظرةً، وكلمةً تدله علي الهدي أو تردّه عن ردي، وترك الذنوب حياءً أو خشيةً).

() المناقب لابن شهر آشوب: ج4 ص13، وعنه مستدرك الوسائل: ج7 ص11 ح17 في أبواب ما يجب فيه الزكاة.

() تاريخ دمشق لابن عساكر: ج12 ص529، أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الباقي، حدثنا الحسن بن علي، حدثنا محمد بن العباس، حدثنا أحمد بن معروف، حدثنا الحسين بن محمد بن القاسم، حدثنا محمد بن سعد، حدثنا مسلم بن إبراهيم، عن القاسم بن الفضل، حدثنا أبو هارون عن الحسن عليه السلام …

() تحف العقول: ص227، عنه بحار الأنوار: ج75 ص104-105 ب19 مواعظ الحسن بن علي عليهما السلام …

() سورة البقرة: 182.

() في بعض النسخ: (ولا ينكرن أنفسهم بعد المعرفة ولا يضلن بعد الهدي).

() في بعض النسخ: (حتي تعرفوا بصبغة الهدي).

() كذا، ولعل الضمير في (جهلهم) راجع إلي المخالفين كما يظهر من السياق، والمعني أخبركم حلمهم عن جهل مخالفيهم، أو عن عدم جهلهم، أو أنه تصحيف (جهدهم). وفي الروضة (هم عيش العلم وموت الجهل، يخبركم حكمهم عن علمهم وظاهرهم عن باطنهم..الخ).

() في بعض النسخ (من الله سبقة).

() التحف: ص333، وعنه بحار الأنوار: ج78 ص105.

() بحار الأنوار: ج78 ص346 ح30 وج43 ص339 ح13، عن المناقب لابن شهر آشوب: ج4 ص14 وأخرجه النوري رحمة الله

عليه في مستدرك الوسائل: ج1 ص354 عن فلاح السائل للسيد علي بن طاوس عن كتاب اللؤليّات قال: …

() بحار الأنوار: ج75 ص113ب19، كشف الغمة: ج1 ص556.

() سورة البقرة: 197.

() تحف العقول: ص232، ومنه بحار الأنوار: ج75 ص110.

() سورة النبأ: 32.

() سورة الزمر: 61.

() إرشاد القلوب: ج1 ص76.

() في المطبوع بدار الأسوة المحقق بتحقيق الميلاني: وقال الحسن عليه السلام: لقد أصحبت أقواماً.

() سورة الأنعام: 90.

() إرشاد القلوب: ج1 ص86 الباب السادس، وتنبيه الخواطر ونزهة النواظر: ج1 ص301، ومعالم الزلفي: 358. قال الحسن عليه السلام: …

() إرشاد القلوب: ج1 ص65 ط دار الأسوة عام 1417ه طهران، وفي النسخة المخطوطة المحفوظة في مدرسة الشهيد المطهري في طهران تحت رقم (5286) كما قال المحقق: الحسين بن علي عليهما السلام.

() الاثنا عشرية: ص37.

() بحار الأنوار: ج1 ص218 عن دعوات الرواندي.

() تنبيه الخواطر ونزهة النواظر: ج2 ص241.

() بحار الأنوار: ج78 ص106 عن تحف العقول: ص333.

() الكافي: ج2 ص62 ح11 باب الرضا بالقضاء: عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن محمد بن علي، عن علي بن أسباط، عمن ذكره، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: …

وبحار الأنوار: ج43 ص351 ح25، ومرآة العقول: ج8 ص14 وفيه في شرح كلماته:

و(كيف) للإنكار (مؤمناً) أي كاملاً في الإيمان مستحقاً لهذا الاسم (وهو) الواو للحال (يسخط قسمه) القسم بالكسر وهو النصيب، أو بالفتح مصدر قسمه كضربه، أو بكسر القاف وفتح السين جمع قسمة بالكسر مصدراً أيضاً، وعلي الأول الضمير البارز راجع إلي المؤمن، وعلي الأخيرين إما راجع إليه أيضاً بالإضافة إلي المفعول أو إلي الله (ويحقر منزلته) الضمير راجع إلي المؤمن أيضاً، أي يحقر منزلته التي أعطاه الله إياها بين الناس في المال

والعزة وغيرهما، وقيل: أي منزلته عند الله، لأنه تعالي جعل ذلك قسماً له لرفع منزلته فتحقير القسم السبب لها تحقير لها، وما ذكرنا أظهر، ويمكن إرجاعه إلي القسم أو إلي الله بالإضافة إلي الفاعل (والحاكم عليه الله) الواو للحال وضمير عليه للمؤمن أو للقسم، وقيل: والحاكم عطف علي منزلته، والله بدل عن الحاكم أي ويحقر الحاكم عليه وهو الله لأن تحقير حكم الحاكم تحقير له، ولا يخفي بعده.

وفي القاموس: هجس الشيء في صدره يهجس: خطر بباله، أو هو أن يحدّث نفسه في صدره مثل الوسواس، ويدلّ علي أن الرضا بالقضاء موجب لاستجابة الدعاء.

() بحار الأنوار: ج4 ص138-139، أعيان الشيعة: ج4 ص85: …

() في البحار: (وإذا خدمته صانك).

() بحار الأنوار: ج6 ص154 عن معاني الأخبار: ص288 ح3.

() الكافي: ج1 ص461 باب مولد الحسن بن علي صلوات الله عليهما ح1. محمد بن يحيي، عن الحسين بن إسحاق، عن علي بن مهزيار، عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن السويد، عن عبد الله بن سنان، عمن سمع أبا جعفر عليه السلام يقول: …

وبحار الأنوار: ج44 ص150، والوافي للفيض الكاشاني: ج2 ص174.

() الكافي: ج2 ص237 ح26، عنه عن بعض أصحابه من العراقيين رفعه قال: …

وأيضا في البداية والنهاية: ج8 ص39 وتاريخ الإمام الحسن عليه السلام من تاريخ دمشق: ص160161، ونهج البلاغة، باب المختار من حكم أمير المؤمنين عليه السلام: 289، ولا يخفي كونه في نهج البلاغة يدل علي أن الكلام صادر من أمير المؤمنين عليه السلام ومن الممكن أن الإمام المجتبي نقله عن والده (صلوات الله عليهما).

() في تاريخ دمشق: (وكان رأس ما عظمه في عيني).

() في الكافي: (وكان خارجاً من سلطان الجهالة فلا يمد يده إلا علي ثقة

لمنفعة).

() أي غَلَب القائلين.

() في تاريخ دمشق: (وكان يقول ما يفعل ويفعل ما لا يقول).

() لا يوجد في الكافي والنهج وتحف العقول: (تفضّلاً وتكرّماً).

() في الكافي وتحف العقول: (ولا يختص).

() بحار الأنوار: ج75 ص102 عن تحف العقول: ص225، وص114 عن العدد القوية. وكشف الغمة: ج1 ص568 عن أبي نعيم في الحلية.

() ورد السؤالان الأخيران وجوابهما في معاني الأخبار: ص401.

() الخصال للصدوق: ج2 ص431 ح11. وتاريخ اليعقوبي: ج1 ص226 ط بيروت.

() بحار الأنوار: ج75 ص101 باب مواعظ الحسن عليه السلام، عن معاني الأخبار: ص401.

() معاني الأخبار: ص228، بحار الأنوار: ج75 ص394، وج1 ص130 عن المحاسن.

() إرشاد القلوب: ج1 ص372.

() في المصدر: (وروي أنهم).

() كشف الغمة: ج2 ص197 وعنه بحار الأنوار: ج75 ص111.

() تحف العقول: ص170.

() اليعقوبي، ص 268.

() بحار الأنوار: ج75 ص111 باب مواعظ الحسن بن علي عليهما السلام عن كشف الغمة: ج2 ص196.

() بحار الأنوار: ج75 ص113 عن العدد القوية.

() الخصال للصدوق رحمة الله عليه: ج1 ص236 ح77 بإسناده عن أبيه، وعن محمد بن الحسن، عن سعد بن عبد الله، عن الهيثم بن أبي مسروق النهدي، بإسناده يرفعه إلي الحسن بن علي عليه السلام قال: …

ورواه ابن عساكر في تاريخ دمشق: ص159 ط بيروت عن جعيد بن همدان عن الحسن عليه السلام.

ورواه أيضاً المتقي الهندي في الحديث (3714) من كنز العمال: ج8 ص237 ط الهند.

وفي البحار: ج70 ص10 ح8 عن الخصال.

() في النهاية: الخلق بضم اللام وسكونها: الدين والطبع والسجية، وحقيقته أنه لصورة الإنسان الباطنة وهي نفسه وأوصافها المختصة بها بمنزلة الخلق بفتح الخاء لصورته الظاهرة وأوصافها، ولهما أوصاف حسنة وقبيحة.

() الخلاق بفتح الخاء: هو النصيب الوافر من الخير.

() تاريخ اليعقوبي: ج2 ص157 ط بيروت

دار الكتب العلمية.

() تاريخ اليعقوبي: ج2 ص157 ط بيروت دار الكتب العلمية.

() شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج18 ص391.

() بحار الأنوار: ج1 ص141 وج75 ص304.

() سورة الرعد: 19.

() تحف العقول: ص170، وعنه بحار الأنوار: ج75 ص109 ح18.

() في المصادر: سأله رجل أن يخيله، وفي بعض النسخ: أن يعظه، مكان يخيله أي يغيره وهو أيضاً كناية عن الموعظة.

() كشف الغمة: ج2 ص201، وأورده لسان الملك في (ناسخ التواريخ) الحسني: ج2 ص175.

() تحف العقول: ص170 ط بيروت مؤسسة الأعلمي.

() الدعوات للقطب الراوندي: ص137، بحار الأنوار: ج63 ص415، مصابيح الأنوار في حل مشكلات الأخبار: ج2 ص271.

() اثني عشرية في المواعظ العددية: ص55، الباب الثاني في الثنائيات، للسيد محمد الشهير بابن قاسم الحسيني العاملي من علماء القرن الحادي عشر، ط قم منشورات المصطفوي.

() تاريخ دمشق لابن عساكر: ج12 ص533، أخبرنا أبو نصر بن رضوان، عن أبي محمد الجوهري، عن أبي محمد بن عمر بن حبوبة، عن أبي بكر بن المرزبان، عن أبي يعقوب النخعي، عن الحومازي قال: خطب الحسن بن علي عليه السلام بالكوفة فقال:..

() بحار الأنوار: ج2 ص152، منية المريد: ص340، ورواه في الفقه الأكبر: ج2 ص11، ملحقات الأحقاق: ج11 ص235.

() مجلة العرفان: ج3 المجلد الأربعون ص254، نقلاً عن المجلد التاسع من التذكرة المعلوفية.

() تاريخ اليعقوبي: ج2 ص158 ط بيروت دار الكتب العلمية.

() بحار الأنوار: ج32 ص88 عن أبي مخنف.

() بحار الأنوار: ج32 ص73 خطبته لاستنفار أهل الكوفة إلي حرب الجمل، عن أمالي الطوسي: ص87 في ضمن حديث مبسوط عن أبي جعفر الباقر عليه السلام وفيه: لما قرأ الكتاب (أي كتاب أمير المؤمنين عليه السلام إلي أهل الكوفة للتهيؤ لحرب الجمل) علي الناس وقام خطباء الكوفة وقالوا:

… سمعاً وطاعة، فلما سمع الحسن بن علي عليه السلام ذلك قام خطيباً وقال:

() جبهة الأنصار وسنام العرب (خ ل).

() وهي من النساء (خ ل).

() سورة النساء: 34.

() تاريخ الطبري: ج3 ص499 سنة 36 خطبته في غزوة الجمل لتحريض الناس علي الجهاد، أيام العرب في الإسلام: ص354.

() وفي نهاية الحديث: ولما استتم كلامه أجاب الناس ورضوا به، قال لهم الحسن عليه السلام: إني غادٍ فمن شاء منكم أن يخرج معي علي الظهر، ومن شاء فليخرج في الماء، فنفر من أهل الكوفة تسعة آلاف أخذ بعضهم البرّ، وأخذ بعضهم الماء.

() تاريخ الطبري: ج3 ص499-500 أحداث سنة 36ه وفيه: حدثني عمر بن شبّة، قال: حدثنا أبو الحسن، قال: حدثنا بشير بن عاصم، عن ابن أبي ليلي، عن أبيه، قال: خرج هاشم بن عتبة إلي علي بالربذة، فأخبره بقدوم محمد بن أبي بكر وقول أبي موسي، فقال: لقد أردت عزله، وسألني الأشتر أن أقرّه، فرد عليّ هاشماً إلي الكوفة، وكتب إلي أبي موسي: إني وجهت هاشم بن عتبة لينهض من قبلك من المسلمين إليّ، فأشخص الناس فإني لم أولّك الذي أنت به إلا لتكون من أعواني علي الحق.

فدعا أبو موسي السائب بن مالك الأشعري، فقال له: ما تري؟ قال: أري أن تتبع ما كتب به إليك، قال: لكني لا أري ذلك. فكتب هاشم إلي علي: إني قد قدمت علي رجل غالٍ مشاق ظاهر الغل والشنآن. وبعث بالكتاب مع المحل بن خليفة الطائي، فبعث علي عليه السلام الحسن بن علي وعمار بن ياسر يستنفران له الناس، وبعث قرظة بن كعب الأنصاري أميراً علي الكوفة، وكتب معه إلي أبي موسي:

أما بعد، فقد كنت أري أن بعدك (تعذب خ ل) من

هذا الأمر الذي لم يجعل الله عزوجل لك منه نصيبا سيمنعك من رد أمري، وقد بعثت الحسن بن علي وعمار بن ياسر يستنفران الناس، وبعثت قرظة بن كعب والياً علي المصر، فاعتزل عملنا مذموماً مدحوراً، فإن لم تفعل فإني قد أمرته أن ينابذك.. فلما قدم الكتاب علي أبي موسي اعتزل، ودخل الحسن عليه السلام وعمار المسجد فقالا: …

() شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج14 ص11 عن أبي مخنف لوط بن يحيي المتوفي 157ه قال: قال أبو مخنف: وحدثني جابر بن يزيد … وأخرجه العلامة المجلسي رحمة الله عليه عنه في بحار الأنوار: ج32

ص88- 89.

() وفي نهاية الخبر: ثم مضي عليه السلام إلي الرحبة فهيأ منزلا لأبيه أمير المؤمنين عليه السلام، قال جابر: فقلت لتميم: كيف أطاق هذا الغلام ما قد قصصته من كلامه؟ فقال: وما سقط عني من قوله أكثر ولقد حفظت بعض ما سمعت.

() الجمل للمفيد رحمة الله عليه: ص329.

() هو عبد الله بن الزبير بن العوام، أمه أسماء بنت أبي بكر، ولد سنة 1ه وكان من المبغضين لأمير المؤمنين عليه السلام ومن الذين أوقدوا نار الحرب في وقعة الجمل وأضل أباه الزبير، بويع له بالخلافة عقيب هلاك يزيد سنة 64ه ونشأت بينه وبين الحجاج الثقفي حروب انتهت بمقتله سنة 73ه. انظر تاريخ الخميس: ج3 ص300 الكني والألقاب: ج1 ص294.

() تجني فلان علي فلان ذنباً: إذا تقوّله عليه وهو بريءٌ، لسان العرب: ج14 ص154 مادة (جني).

() ركز الرمح يركزه: غرزه في الأرض منتصباً، وكذا غير الرمح، تاج العروس مادة (ركز) والظاهر أنه لم يستعمل من باب المفاعلة.

() قال ابن الأثير: في حديث علي عليه السلام «أقر بالبيعة وادّعي الوليجة» وليجة الرجل: بطانته ودخلاؤه

وخاصته، النهاية: ج5 ص224 (ولج).

() وفي الجمل للمفيد صلي الله عليه و اله: فلما فرغ الحسن عليه السلام من كلامه قام رجل يقال له: عمر بن محمود، فقال شعرا يمدح الحسن عليه السلام فيه علي خطبته.

وفي شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج1 ص146، وقال عمرو بن أحَيحَة يوم الجمل:

حسن الخير يا شبيه أبيه قمت فينا مقام خير خطيب

قمت بالخطبة التي صدع الل ه بها عن أبيك أهل العيوب

وكشفت القناع فاتضح الأمر وأصلحت فاسدات الأمور

لست كابن الزبير لجلج في القو ل وطأطأ عنان فشل مريب

وأبي الله أن يقوم بما قا م به ابن الوصي وابن النجيب

إن شخصاً بين النبي لك الخي ر وبين الوصي غير مشوب

لجلج في القول: تردد فيه.

طأطأ الرأس وغيره: خفضه.

الفَسْل (بفتح الفاء وسكون السين المهملة): الضعيف الذي لا مروءة له (وبكسر الفاء) الأحمق.

() بحار الأنوار: ج32 ص405.

() بحار الأنوار: ج32 ص480، وفيه: فأرسل عبيد الله إلي الحسن بن علي عليهما السلام: أن لي إليك حاجة فالقني، فلقيه الحسن عليه السلام، فقال له عبيد الله: إن أباك قد وتر قريشاً أولاً وآخراً، وقد شنئه الناس، فهل لك في خلعه وأن تتولي أنت لهذا الأمر؟ فقال عليه السلام: كلا … الخ.

() بحار الأنوار: ج33 ص393.

() أبو موسي الأشعري: عبد الله بن قيس ولد في زبيد باليمن سنة 31 قبل الهجرة، قدم مكة وأسلم وهاجر إلي الحبشة، ثم صار عاملاً للنبي صلي الله عليه و اله علي زبيد وعدن، وولاه أمير المؤمنين عليه السلام وكان أحد الحكمين وخدعه ابن العاص، مات بالكوفة سنة 44، الإعلام: ج4 ص254.

() أمالي الصدوق: ص319 المجلس52ح4. بإسناده عن والده، عن السعد آبادي، عن البرقي، عن أبيه، عن أحمد بن النضر،

عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن الثمالي، عن حبيب بن عمرو، قال: …

وعنه بحار الأنوار: ج43 ص359 ح1، والعوالم: ج16 ص136 ح1.

() الأمالي للطوسي: 270 المجلس10 ح39، وعنه بحار الأنوار: ج43 ص361 ح3.

() سورة يوسف: 38.

() سورة الشوري: 23.

() التوحيد: ص 385 – 386: محمد بن الصدوق، عن محمد بن إبراهيم بن أحمد بن يونس الليثي، قال حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد الهمداني مولي بني هاشم، قال أخبرني الحرث بن أبي أسامة قراءة عن المدايني، عن عوانة بن الحكم وعبد الله بن العباس بن سهل الساعدي وأبي بكر الخراساني مولي بني هاشم، عن الحرث بن حصيرة، عن عبد الرحمن بن جندب، عن أبيه وغيره …

() الهداية للحضيني: ص210، وعنه بحار الأنوار: ج44 ص67، والعوالم: ج16 ص148.

() في البحار: (عفت الديار).

() في المصدر: وضحت.

() في المصدر: وتفصّلت.

() سورة آل عمران: 144.

() في المصدر: تكاليف الظلمة.

() في المصدر: خالصة.

() في البحار: ولأضيقن.

() وفي البحار والعوالم بعد (فتكلموا رحمكم الله): فكأنما ألجموا بلجام الصمت عن إجابة الدعوة إلا عشرون رجلاً … الخ.

() شرح ابن أبي الحديد: ج4 ص13: لما علم معاوية ان الإمام مزمع علي المسير إلي الشام، كتب إلي جميع ولاته رسالة نصها ما يلي:

(من عبد الله معاوية أمير المؤمنين، إلي فلان بن فلان ومن قبله من المسلمين، سلام عليكم فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد فالحمد لله الذي كفاكم مؤونة عدوكم وقتلة خليفتكم إن الله بلطفه أتاح لعلي بن أبي طالب رجلاً من عباده، فاغتاله فقتله، فترك أصحابه متفرقين مختلفين، وقد جاءتنا كتب أشرافهم وقادتهم، يلتمسون الأمان لأنفسهم وعشائرهم، فأقبلوا إليّ حين يأتيكم كتابي هذا، بجهدكم وجندكم، وحسن عدتكم،

فقد أصبتم بحمد الله الثأر، وبلغتم الأمل، وأهلك الله أهل البغي والعدوان، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته).

ولما وصلت هذه الرسالة إلي عماله وولاته، قاموا بتحريض الناس وحثهم علي الخروج والاستعداد، وفي أقرب وقت، التحقت به قوي هائلة منظمة، من حيث الكراع والسلاح، والعدد والعدة، وخرج معاوية متوجهاً إلي العراق، ولما وصل إلي جسر (منبج) بلغ الإمام الحسن عليه السلام ذلك، فأمر حجر بن عدي: أن يأمر العمال والناس بالاستعداد للمسير، ونادي المنادي: الصلاة جامعة، فأقبل الناس يثوبون ويجتمعون، وقال الحسن عليه السلام: اذا رضيت جماعة الناس فأعلمني، فجاءه سعيد بن قيس الهمداني، وأعلمه بالاجتماع، فخرج عليه السلام فصعد المنبر..الخ.

() سورة الأنفال: 46.

() راجع الإرشاد: ج2 ص11، وبحار الأنوار: ج44 ص46 ب19، وكشف الغمة: ج1 ص539.

() الاصبهاني: ص23. وراجع بحار الأنوار: ج44 ص51 ب19.

() الخرائج: ج2 ص576، وعنه بحار الأنوار: ج44 ص44، والعوالم: ج16 ص141.

() جلاء العيون، للسيد عبد الله شبر: ج1 ص345.

() الخرائج والجرائح: ج2 ص574-575، عنه بحار الأنوار: ج44 ص43..

() امرأة درداء: هي التي لا سنّ في فيها.

() لبغت دين الله عوجاً: أي لطلبت أن يثبت له إعوجاجاً.

() الكور: بضم الكاف وفتح الواو جمع الكورة وهي المدينة والصقع.

() أنفست عليه الشيء: أي لم أره أهلاً له.

() أعلام الدين، للشيخ الحسن الديلمي من أعيان القرن الثامن الهجري: ص292، وعنه أخرجه المجلسي في بحار الأنوار: ج44 ص21، والبحراني في العوالم: ج16 ص179.

() تاريخ الطبري: ج5 ص163 أحداث سنة 41ه، مروج الذهب: ج3 ص9، ترجمة الإمام الحسن عليه السلام من تاريخ مدينة دمشق: 194/323، بهذا الإسناد:

قال: وأنبأنا عليّ بن بكر، أنبأنا أحمد بن الخليل، أنبأنا أبي عبيدة، أنبأنا إبراهيم بن المنذر، أنبأنا ابن المذهب، أنبأنا يونس بن يزيد،

عن ابن شهاب: الخبر.

وذكره ابن عساكر في الترجمة أيضاً: 196/324 بهذا الإسناد:

وأخبرناه أعلي من هذا بثلاث درجات أبو محمد عبد الكريم بن حمزة أنبأنا أبو بكر الخطيب.

حيلولة: وأخبرناه أبو القاسم إسماعيل بن أحمد، أنبأنا أبو بكر ابن اللألكائي قالا: أنبأنا أبو الحسين ابن الفضل، أنبأنا عبد الله بن جعفر، أنبأنا يعقوب، أنبأنا الحجاج، أنبأنا جدي: عن الزهري قال: الخبر.

الكامل في التاريخ: ج3 ص407 أحداث سنة 41ه، تاريخ الخميس: ج2 ص291.

() سورة الأنبياء: 111.

() في المروج والترجمة وتاريخ الخميس: ?وَإِنْ أَدْرِيَ أَقَرِيبٌ أَم بَعِيدٌ مّا تُوعَدُونَ ? إِنّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ ? وَإِنْ أَدْرِي لَعَلّهُ فِتْنَةٌ لّكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَيَ حِينٍ ? سورة الأنبياء: 109111.

() الاحتجاج للطبرسي: ج2 ص10، وعنه بحار الأنوار: ج44 ص20 ح4، والعوالم: ج16 ص175 ح5.

() زيد بن وهب الجهني أبو سليمان الكوفي ترجمه ابن حجر في التقريب: ص165 رقم2159، وقال: مخضرم، ثقة، جليل، لم يُصب مَن قال: في حديثه خلل. مات بعد الثمانين وقيل سنة 96ه.

() بحار الأنوار: ج44 ص20 عن الاحتجاج: ص148.

() السبّة، بضم السين وتشديد الباء: عار يسبّ به.

() البلعوم، بضم الباء: مجري الطعام في الحلق.

() الأعفاج، جمع العِفج بكسر العين: وهو المعي.

() الكلب، بفتح الكاف واللام: الشدة.

() شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج16 ص46- 47، ومقاتل الطالبين: ص70.

() بعدما أبرمت اتفاقية الصلح بين الإمام الحسن عليه السلام ومعاوية، واجتمعا في (النخيلة) وقيل في الكوفة نودي في الناس: (الصلاة جامعة) فاجتمع الناس للاستماع إلي الإمام الحسن عليه السلام ومعاوية، فسبق معاوية إلي المنبر، لإلقاء خطاب الصلح، وخطب خطاباً طويلاً، لم يرو التاريخ منه إلا فقراته البارزة.

فروي اليعقوبي أنه قال: أما بعد ذلكم، فإنه لم تختلف أمة

بعد نبيها، إلا غلب باطلها حقها، وانتبه لما وقع فيه، فقال: إلا ما كان من هذه الأمة، فإن حقها غلب باطلها.

وروي المدائني: إنه استطرد قائلاً: والله إني ما قاتلتكم لتصلوا، ولا لتصوموا، ولا لتحجوا، ولا لتزكوا، ثم ارتجع عليه فتوقف ثانية إذ علم أنه خسر الموقف، وفكر قليلاً، ثم استدرك قائلاً: إنكم لتفعلون ذلك، وإنما قاتلتكم لأتأمر عليكم، وقد أعطاني الله ذلك، وأنتم له كارهون.

ألا أن كل دم أصيب في هذه الفتنة مطلول، وكل شرط شرطته فتحت قدمي هاتين، ولا يصلح الناس إلا ثلاث: إخراج العطاء عند محله، وإقفال الجنود لوقتها، وغزو العدو في داره، فإن لم تغزوهم غزوكم.

وروي أبو الفرج الأصفهاني، عن حبيب بن أبي ثابت مسنداً: أنه ذكر في هذه الخطبة علياً عليه السلام فنال منه، ثم نال من الحسن عليه السلام، فانفجر الحسن عليه السلام راداً عليه …

فقام وقال عليه السلام: أيها الذاكر … الخ.

() خمل ذكره: خفي.

() قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة: ج3 ص16 ط مصر، قال أبو الفرج وحدثني أبو عبيد محمد بن أحمد قال حدثني الفضل بن الحسن البصري قال حدثني يحيي بن معين ويرفع السند إلي حبيب بن أبي ثابت قال: خطب معاوية بالكوفة وذكر الحديث بعينه ثم قال: قال الفضل: قال يحيي بن معين وأنا أقول: آمين، فقال أبو الفرج: قال أبو عبيد: قال الفضل: وأنا أقول آمين، ويقول علي بن الحسين الأصفهاني: آمين. قلت: ويقول عبد الحميد بن أبي الحدي مصنف هذا الكتاب، آمين (انتهي) ويقول كاتب هذه الكلمات ومصحح هذا الكتاب آمين.

() أخرجه الحافظ أبو نعيم الأصبهاني المتوفي 430ه في حلية الأولياء: ج2 ص37 بإسناده عن أبي حامد بن جبلة، عن محمد

بن إسحاق، عن عبيد الله ابن سعيد، عن سفيان بن عيينه، عن مجالد، عن الشعبي، قال: شهدت الحسن بن علي عليه السلام حين صالحه معاوية بالنخيلة، فقال معاوية: قم فأخبر الناس أنك تركت هذا الأمر وسلّمته إليّ، فقام الحسن فحمد الله وأثني عليه، ثم قال: أما بعد فإن أكيس الكيس … الخ.

ورواه عن (الحلية) الأربلي في كشف الغمة: ج2 ص192، ورواه عن (الكشف) المجلسي في بحار الأنوار: ج44 ص62.

() كشف الغمة: ج2 ص197، والفصول المهمة لابن الصباغ المالكي: ص161، وبحار الأنوار: ج44 ص65 عن كشف الغمة، وعنه أيضاً عوالم العلوم والمعارف: ج16 ص173 ح15.

() (جابلق): مدينة بأقصي المغرب وأهلها من ولد عاد، و(جابرس): مدينة بأقصي المشرق وأهلها من ولد ثمود. وفي كل واحدة منهما بقايا ولد موسي عليه السلام، معجم البلدان: ج2 ص91.

() وفي تاريخ دمشق في ترجمة الإمام الحسن عليه السلام: ص191 أخرجه ابن عساكر هكذا: (والله لو ابتغيتم بين جابلق وجابلس رجلاً جده نبي غيري وغيرُ أخي لم تجدوه، وإنا قد أعطينا بيعتنا معاوية ورأينا أن ما حقن دماء المسلمين خير مما هراقها والله ما أدري ?لعله فتنة لكم ومتاع إلي حين?.

() كشف الغمة: ج2 ص197، وعنه بحار الأنوار: ج44 ص66، وعوالم العلوم والمعارف: ج16 ص173، والفصول المهمة لابن الصبّاغ المالكي: ص162.

() سورة الأنبياء: 111.

() بحار الأنوار: ج44 ص22-23 عن الاحتجاج: ج2 ص288، والعدد القوية: ص51.

() بحار الأنوار: ج10 ص139–144 ب9 ح5 عن أمالي الشيخ.

() الطيات، جمع الطِيّة بكسر الطاء: النيات والقصود.

() سورة هود: 17.

() سورة الواقعة: 10-11.

() سورة الحديد: 10.

() سورة الحشر: 10.

() سورة التوبة: 100.

() سورة التوبة: 19.

() سورة آل عمران: 61.

() سورة الأحزاب: 33.

() سورة الأحزاب: 33.

() سورة الأنبياء: 111.

()

شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج16 ص28-29، وعنه بحار الأنوار: ج44 ص42.

() في المصدر: (لن تصدروا عنها).

() الانضواء: الانضمام.

() في المصدر: (من سوء دَعَتكم).

() الحَيف: الجور والظلم.

() الحلم: العقل.

() العَجِل، بفتح العين وكسر الجيم: العجول.

() المتثبت: هو الذي يتأني في الأمور ويروّي فيصيب مرماه.

() ناسخ التواريخ، حياة الإمام الحسن المجتبي عليه السلام: ج1 ص225 ط الإسلامية طهران.

() الإمامة والسياسة: ج 1 ص71. والمحاسن والمساوئ للبيهقي: ج1 ص60-65، وتاريخ الخلفاء الراشدين: ج1 ص151.

() لأن الشيعة إذا عزوا وقتلوا عن آخرهم، يطمس الإسلام كله، واذا ذلوا وبقوا، يستطيعون رفع رايته عندما يتاح لهم ذلك، وبقاء الإسلام ببقائهم أذلاء أفضل من قتلهم أعزاء في سبيل الإسلام وقتل الإسلام بقتلهم، إذ لا يبقي بعدهم من يحمله في عقله وقلبه.

() سورة النحل: 128.

() تاريخ دمشق لابن عساكر: ج 12 ص544، عن ابن الغريف قال: … ورواه الخطيب في تاريخ بغداد: ج10 ص305، والمزّي في تهذيب الكمال: ج2 ص273، وابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة: ج16 ص16.

() احتجاج الطبرسي: ص149، وعنه بحار الأنوار: ج44 ص147.

() تاريخ ابن عساكر: ج2 ص225، وراجع بحار الأنوار: ج44 ص57.

() وفي بحار الأنوار: (فقال عليه السلام: يا مسيّب إن الغدر لا خير فيه، ولو أردت لما فعلت).

() تذكرة الخواص: ص 207.

() الدينوري: ص 203.

() ترجمة تاريخ الإمام الحسن عليه السلام من تاريخ دمشق: ص175، أخبرنا أبو القاسم ابن السمرقندي، أنبأنا أبو محمد ابن أبي عثمان، وأبو طاهر القصاري، حيلولة: وأخبرنا أبو عبد الله ابن القصاري، أنبأنا أبي قالا: أنبأنا إسماعيل بن الحسن، أنبأنا الحسين بن إسماعيل، أنبأنا زياد بن أيوب، أنبأنا ابن أبي غنية: أنبأنا صدقة بن المثني، عن جده رياح بن الحارث (النخعي)

قال: …

ورواه الخوارزمي في الفصل السادس من مقتله: ج1 ص135.

() طيّة الشيء، بكسر الطاء: جهته ونواحيه، وفي مقتل الخوارزمي: (بطمأنينتكم).

() مناقب ابن شهر آشوب: ج2 ص169.

() بحار الأنوار: ج44 ص26، والعوالم: ج16 ص169 عن تنزيه الأنبياء للسيد المرتضي رحمة الله عليه، وإليك نصه: قال السيد المرتضي في كتاب تنزيه الأنبياء: (فإن قال قائل: ما العذر له عليه السلام في خلع نفسه من الإمامة، وتسليمها إلي معاوية، مع ظهور فجوره، وبعده عن أسباب الإمامة، وتعريه من صفات مستحقها، ثم في بيعته وأخذ عطائه وصلاته وإظهار موالاته والقول بإمامته، هذا مع توفر أنصاره واجتماع أصحابه ومبايعة من كان يبذل عنه دمه وماله، حتي سموه مذل المؤمنين وعابوه في وجهه عليه السلام.

الجواب: قلنا: قد ثبت أنه عليه السلام الإمام المعصوم المؤيد الموفق بالحجج الظاهرة والأدلة القاهرة، فلابد من التسليم لجميع أفعاله، وحملها علي الصحة، وإن كان فيها ما لا يعرف وجهه علي التفصيل، أو كان له ظاهر ربما نفرت النفس عنه، وقد مضي تلخيص هذه الجملة وتقريرها في مواضع من كتابنا هذا.

وبعد فإن الذي جري منه عليه السلام كان السبب فيه ظاهراً، والحامل عليه بيّناً جلياً، لأن المجتمعين له من الأصحاب وإن كانوا كثيري العدد، فقد كانت قلوب أكثرهم نغلة غير صافية، وقد كانوا صبوا إلي دنيا معاوية، من غير مراقبة ولا مساترة، فأظهروا له عليه السلام النصرة، وحملوه علي المحاربة والاستعداد لها طمعاً في أن يورّطوه ويسلموه، فأحس بهذا منهم قبل التولج والتلبس، فتخلي من الأمر وتحرّز من المكيدة التي كادت تتم عليه في سعة من الوقت.

وقد صرح بهذه الجملة وبكثير من تفصيلها في مواقف كثيرة، وبألفاظ مختلفة، وقال عليه السلام: إنما هادنت حقنا للدماء وضنا بها

وإشفاقا علي نفسي … الخ.

() الدينوري: ص203، وعنه حياة الإمام الحسن عليه السلام للقرشي: ج2 ص266-267.

() رواه ابن عساكر في ترجمة الإمام الحسن عليه السلام من تاريخ دمشق: ص203 ح329، بإسناده عن فضيل بن مرزوق، قال:

() علل الشرائع: ج1 ص220، وعنه بحار الأنوار: ج44 ص33، والعوالم: ج16 ص150.

() وفي المصدر: (روي أنه لما ضرب عليه السلام بخنجر مسموم، عدل إلي موضع مسمي ببطن جريح، وعليها عم المختار، وقال المختار لعمه: تعال حتي نأخذ الحسن ونسلمه إلي معاوية، وبعد أن علموا الشيعة به هموا بقتل المختار، فتلطف عمه بالعفو عنه ففعلوا. فقال الحسن عليه السلام: …) ولا يخفي أن قصة المختار هذه ليست صحيحة، إلا أن تكون لاستكشاف رأي عمه.

() سورة الشعراء: 227.

() تاريخ الطبري: ج4 ص121122 بهذا الإسناد: حدثني موسي بن عبد الرحمن المسروقي قال: حدثنا عثمان بن عبد الحميد، أو ابن عبد الرحمن المجازي الخزاعي أبو عبد الرحمن قال: حدثنا اسماعيل بن راشد قال: …

() وفي المصدر: (فنفروا ونهبوا سرادق الحسن عليه السلام حتي نازعوه بساطاً كان تحته، وخرج الحسن حتي نزل المقصورة البيضاء بالمدائن وكان عم المختار بن أبي عبيد عاملاً علي المدائن وكان اسمه سعد بن مسعود فقال له المختار وهو غلام شاب: هل لك في الغني والشرق؟ قال: وما ذاك؟ قال: توثق الحسن وتستأمن به إلي معاوية، فقال له سعد: عليك لعنة الله أثب علي ابن بنت رسول الله صلي الله عليه و اله فأوثقه بئس الرجل أنت فلما رأي الحسن عليه السلام تفرق الأمر عنه بعث إلي معاوية يطلب الصلح …).

ولا يخفي عليك أن قصة المختار في هذا الخبر إما مجعولة من المعاندين لأن المختار من خيرة الأخيار في هَدْيه

ونزعاته، وإما أن لا يكون طلبه جدياً وإنما أراد استشكاف رأي عمه. راجع معجم الرجال: ج18 ص97.

() الفتوح لابن أعثم الكوفي: ج4 ص289.

() بحار الأنوار: ج44 ص43 ح4 عن الخرايج.

() بحار الأنوار: ج44 ص44.

() بحار الأنوار: ج44 ص29.

() الترمذي في صحيحه: ج2، أبواب تفسير القرآن، سورة القدر: روي بسنده عن القاسم بن الفضل الحمداني عن يوسف بن سعد قال: …

() سورة الكوثر: 1.

() سورة القدر: 1-3.

() وفي المستدرك علي الصحيحين: ج2 ص170: روي بسنده عن يوسف بن مازن الراسبي قال: قام رجل إلي الحسن بن علي عليهما السلام فقال: سودت وجوه المؤمنين، فقال الحسن عليه السلام: لا تؤنبني رحمك الله فإن رسول الله صلي الله عليه و اله قد رأي بني أمية يخطبون علي منبره رجلاً رجلاً فساءه ذلك فنزلت ?إنا أعطيناك الكوثر? نهر في الجنة، ونزلت ?إنا أنزلناه في ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر? تملكها بنو أمية، قال: فحسبنا ذلك فإذا هو لا يزيد ولا ينقص، قال: هذا إسناد صحيح، ثم روي بسنده عن سفيان بن الليل الهمذاني مثله.

() فرائد السمطين: ج2 ص124 ب27.

() أورده ابن عساكر في ترجمة الإمام الحسن عليه السلام من تاريخ دمشق: ص205، قال:

أخبرنا أبو الحسين محمد بن محمد، وأبو غالب أحمد وأبو عبد الله يحيي ابنا الحسن، قالوا: أنبأنا محمد بن أحمد بن محمد، أنبأنا محمد بن عبد الرحمن، أنبنا أحمد بن سليمان، أنبأنا الزبير ابن أبي بكر، حدثني أحمد بن سليمان، عن أبي داود الطيالسي، عن شعبة عن يزيد بن خمير الشامي …

() وفي المصدر: (ثم أثيرها بأتياس الحجاز).

() في المناقب لابن شهر آشوب: ج4 ص36، عن يوسف بن مازن

الراسبي: …

وفي تفسير الطبري: ج30 ص167 عن عيسي بن مازن. وهكذا في تفسير الفخر الرازي في تفسير سورة القدر.

() سورة الكوثر: 1.

() سورة القدر: 1.

() علل الشرائع: ج1 ص211 ب159 ح2 ط النجف الأشرف، وعنه معادن الحكمة: ج2 ص12-13.

() عقيصاً: مقصوراً لقب أبي سعيد دينار التيمي التابعي، لقب به لشعر قاله، وهو إمامي لم يعرف حاله.

() شرح نهج البلاغة: ج16 ص44، مقاتل الطالبيين: ص43، بحار الأنوار: ج44 ص59 ح7، والعوالم: ج16 ص178.

() شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج4 ص11،

() فأجابه معاوية:

أما بعد، فقد وصل كتابك، وفهمت ما ذكرت فيه، ولقد علمت بما حدث، فلم أفرح، ولم أشمت، ولم أيأس، وإن علي بن أبي طالب لكما قال أعشي بن قيس بن ثعلبة:

وأنت الجواد وأنت الذي إذا ما القلوب ملأن الصدورا

وما مزبد من خليج البحو ريعلو الأكام ويعلو الجسورا

بأجود منه بما عنده فيعطي الألوف ويعطي البدورا

وكتب عامله علي البصرة:

عبيد الله بن عباس إلي معاوية في استنكار هذه الحادثة: أما بعد، فإنك ودسك أخا بني قين إلي البصرة، تتلمس من غفلات قريش، مثل الذي ظفرت به من يمانيتك لكما قال أمية يعني ابن الأشكري:

لعمرك إني والخزاعي طارقاً كنعجة غار حتفها تتحفر

وثارت عليها شفرة بكراعها فظلت بها من آخر الليل تنحر

شمت بقوم من صديقك أهلكوا أصابهم يوم من الدهر أصفر

فأجابه معاوية: أما بعد، فإن الحسن بن علي، قد كتب بنحو ما كتبت به وإنني بمالم أجز ظناً وسوء رأي، وإنك لم تصب مثلكم ومثلي. ولكن مثلنا ما قاله طارق الخزاعي يحيب أمية عن هذا الشعر:

فوالله ما أدري وإني لصادق إلي أي من يظنني أتعذر

أعنف إن كانت زنيبة أهلكت ونال بني لخيان شرفاً نفروا

() معالي السبطين، الشيخ مهدي المازندراني:

ج1 ص14.

() بحار الأنوار: ج10 ص137، عن العدد القوية.

() سورة يونس: 35.

() جلاء العيون، للسيد عبد الله شبّر: ج1 ص346.

() شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد: ج4 ص12.

() سورة الزخرف: 44.

() فأجابه معاوية بالكتاب التالي:

(قد بلغني كتابك، وفهمت ما ذكرت به محمداً رسول الله من الفضل، وهو أحق الأولين والآخرين بالفضل كله، قديمه وحديثه، وصغيره وكبيره، وقد والله بلغ وأدي، ونصح وهدي، حتي أنقذ الله به من الهلكة وأنار به من العمي، وهدي به من الجهالة والضلالة، فجزاه الله أفضل ما جزي نبياً عن أمته.. وذكرت وفاته وتنازع المسلمين الأمر بعده وتغلبهم علي أبيك، فصرحت بتهمة أبي بكر الصديق، وعمر الفاروق، وأبي عبيدة الأمين، وحواري رسول الله، وصلحاء المهاجرين والأنصار، فكرهت ذلك لك.. وإنك امرؤ عندنا وعند الناس غير الظنين، ولا المسيء، ولا اللئيم، وأنا أحب لك القول السديد، والذكر الجميل، وإن هذه الأمة لما اختلفت بينها لم تجهل فضلكم، ولا سابقتكم، ولا قرابتكم من نبيكم، ولا مكانكم في الإسلام وأهله. فرأت الأمة أن تخرج من هذا الأمر لقريش، لمكانها من نبيها، ورأي صلحاء الناس من قريش والأنصار وغيرهم، وسائر الناس وعوامهم، أن يولوا من قريش هذا الأمر أقدمها إسلاماً، وأعلمها بالله، وأحبها، وأقواها علي أمر الله، فاختاروا أبابكر، وكان ذلك رأي ذوي الدين والفضل، والناظرين للأمة، فأوقع ذلك في صدوركم لهم التهمة، ولم يكونوا متهمين، ولا فيما أتوا بالمخطئين، لو رأي المسلمون أن فيكم من يغني غناءه، ويقوم مقامه، ويذب عن حريم الإسلام ذبه، ما عدلوا بالأمر إلي غيره، رغبة عنه، ولكنهم عملوا في ذلك بما رأوه صلاحاً للإسلام وأهله، والله يجزيهم عن الإسلام وأهله خيراً.

قد فهمت الذي دعوتني اليه من الصلح، والحال فيما

بيني وبينك اليوم، مثل الحال التي كنتم عليها أنتم وأبوبكر بعد وفاة النبي!. فلو علمت: أنك اضبط مني للرعية وأحوط علي هذه الأمة، وأحسن سياسة، وأقوي علي جمع الأموال، وأكيد للعدو، لأجبتك إلي ما دعوتني إليه، ولو رأيتك لذلك أهلاً لسلمت لك الأمر بعد أبيك، فإن أباك سعي علي عثمان، حتي قتل مظلوماً، فطالب الله بدمه، ومن يطلبه الله فلن يفوته، ثم ابتز الأمة أمرها، وخالف جماعتها؛ فخالفه نظراؤه، من أهل السابقة والجهاد، والقدم في الإسلام، وادعي: أنهم نكثوا بيعته، فقاتلهم، فسفكت الدماء واستحلت الحرم، ثم أقبل الينا لا يدعي علينا بيعة ولكنه يريد أن يملكنا اغتراراً، فحاربناه وحاربنا، ثم صارت الحرب إلي أن اختار رجلاً واخترنا رجلاً ليحكما بما يصلح عليه، وتعود به الجماعة والألفة، وأخذنا بذلك عليهما ميثاقاً، وعليه مثله، علي الرضا بما حكما، فأمضي الحكمان عليه الحكم بما علمت، وخلعاه، فوالله ما رضي الحكم، ولا صبر لأمر الله، فكيف تدعوني إلي أمر إنما تطلبه بحق أبيك وقد خرج، فانظر لنفسك ولدينك.. وقد علمت: أني أطول منك ولاية، وأقدم منك بهذه الأمة تجربة، وأكبر منك سناً، فأنت أحق ان تجيبني إلي هذه المنزلة التي سألتني. فادخل في طاعتي، أعاننا الله واياك علي طاعته، إنه سميع مجيب الدعاء.

ولكن معاوية علم: أن هذه الأساليب الملفقة، لا تنطلي علي مثل الإمام، فخشي أن يكون رد فعل الإمام عليها الحرب، فأردفه بالكتاب التالي:

بسم الله الرحمن الرحيم

أما بعد: فإن الله عزوجل، يفعل في عباده ما يشاء، لا معقب لحكمه وهو سريع الحساب، فاحذر أن تكون منيتك علي أيدي رعاع من الناس، وأيس أن تجد فينا غمزة، وإن أنت أعرضت عما أنت فيه وبايعتني، وفيت لك بما وعدت وأجزت

لك ما شرطنا، وأكون في ذلك كما قال الأعشي من بني قيس بن ثعلبة:

وإن أحداً أسدي إليك أمانة فأوف بها تدعي إذا مت وافيا

ولا تحسب المولي إذا كان ذاغني ولا تجفه إن كان للمال فانيا

ثم الخلافة لك من بعدي، فأنت أولي الناس بها والسلام.

(شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج16 ص37).

() مقاتل الطالبيين: ص68 ط بيروت الأعلمي، وأورده ابن أبي الحديد عن أبي الفرج في (شرح نهج البلاغة): ج16 ص37.

() بحار الأنوار: ج44 ص34 عن علل الشرايع: ص220.

() وفي المصدر: إن قال قائل: مَن هو النادم الناهض، والنادم القاعد؟ قلنا: هذا الزبير، ذكره أمير المؤمنين (صلوات الله عليه): ما أيقن بخطأ ما أتاه، وباطل ما قضاه، وبتأويل ما عزاه، فرجع عنه القهقري، ولو وفي بما كان في بيعته لمحا نكثه، ولكنه أبان ظاهراً الندم، والسريرة إلي عاملها، وهذا عبد الله بن عمر بن الخطاب، روي أصحاب الأثر في فضائله أنه قال: مهما آسي عليه من شي ء فإني لا آسي علي شي ء أسفي علي أني لم أقاتل الفئة الباغية مع علي! فهذا ندم القاعد، وهذه عائشة روي الرواة أنها لما أنبها مؤنب في ما أتته قالت: قضي القضاء وجفت الأقلام، والله لو كان لي من رسول الله صلي الله عليه و اله عشرون ذكراً كلهم مثل عبد الرحمن بن الحارث بن هشام فثكلتهم بموت وقتل، كان أيسر عليَّ من خروجي علي عليَّ ومسعاي التي سعيت! فإلي الله شكواي لا إلي غيره، وهذا سعد بن أبي وقاص لما أنهي إليه أن عليا (صلوات الله عليه) قتل ذا الثدية أخذه ما قدَّم وما أخّر، وقلق ونزق، وقال: والله لو علمت أن ذلك كذلك لمشيت إليه ولو حبواً، ولما

قدم معاوية دخل إليه سعد، فقال له: يا أبا إسحاق، ما الذي منعك أن تعينني علي الطلب بدم الإمام المظلوم؟ فقال: كنت أقاتل معك علياً، وقد سمعت رسول الله صلي الله عليه و اله يقول: أنت مني بمنزلة هارون من موسي، قال: أنت سمعت هذا من رسول الله صلي الله عليه و اله قال نعم، وإلا صمتا! قال: أنت الآن أقل عذرا في القعود عن النصرة! فوالله لو سمعت هذا من رسول الله صلي الله عليه و اله ما قاتلته، وقد أحال، فقد سمع رسول الله صلي الله عليه و اله يقول لعلي عليه السلام أكثر من ذلك، فقاتله، وهو بعد مفارقته للدنيا يلعنه ويشتمه، ويري أن ملكه وثبات قدرته بذلك، إلا أنه أراد أن يقطع عذر سعد في القعود عن نصره، والله الْمُسْتَعانُ.

() ولما اضطر الإمام الحسن عليه السلام إلي الصلح كتب وثيقة الصلح، محملة بأفدح الشروط، التي تلقي بكافة المسؤوليات علي معاوية، وحيث لم ترد كاملة في مصدر جمعناها هكذا من المصادر المشار اليها.

() بحار الأنوار: ج10 ص115 الطبعة القديمة، وج44 ص64 ب19 الطبعة الجديدة. والنصائح الكافية: ص 156 ط لبنان. وكشف الغمة: ج1 ص570.

() بحار الأنوار: ج44 ص64 ب19.

() تاريخ الخلفاء للسيوطي: ص19، والبداية والنهاية لابن كثير: ج8 ص41، والإصابة: ج2 ص12–13، وابن قتيبة: ص150.

() عمدة الطالب، لابن المهنا: ص 52.

() إرشاد القلوب: ج2 ص14 ط دار الشريف الرضي، بحار الأنوار: ج44 ص48 ب19 كيفية مصالحة الحسن بن علي عليه السلام معاوية، إعلام الوري: ص205، كشف الغمة: ج1 ص514 و540، أعيان الشيعة: ج4 ص43.

() مقاتل الطالبيين، للأصفهاني: ص26.

() دار أبجر: ولاية بفارس علي حدود الأهواز.

() توجد هذه النصوص متفرقة في الإمامة والسياسة:

ص 20، والطبري: ج6 ص92، وعلل الشرائع: ج1 ص210-211 ب159 باب العلة التي من أجلها صالح الحسن بن علي عليه السلام معاوية بن أبي سفيان.

() مقاتل الطالبيين: ص26.

() مستدرك الوسائل: ج 13 ص180 ب44 ح15036.

() مستدرك الوسائل: ج 13 ص180 ب44 ح15036. وبحار الأنوار: ج44 ص2 ب18.

() بحار الأنوار: ج44 ص64 ب19،والنصائح الكافية: ص156 ط لبنان،وكشف الغمة: ج1ص570.

() وقال ابن قتيبة في الإمامة والسياسة: ص200 (ثم كتب عبد الله بن عامر يعني رسول معاوية إلي الحسن إلي معاوية شروط الحسن كما أملاها عليه، فكتب معاوية جميع ذلك بخطه، وختمه بخاتمه، وبذل عليه العهود المؤكدة، والأيمان المغلظة، وأشهد علي ذلك جميع رؤساء أهل الشام، ووجه به إلي عبد الله، فأوصله إلي الحسن).

() الكامل لابن الأثير: ج3 ص163.

() كشف الغمة: ج1 ص570 ط مكتبة بني هاشمي، وبحار الأنوار: ج44 ص64، ومطالب السئول، لكمال الدين الشافعي: ص68، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج16 ص24.

() سورة الزخرف: 44.

() في المصدر: (في الدنيا).

() شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد: ج16 ص194.

() شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد: ج16 ص194.

() ثم كتب الإمام عليه السلام إلي معاوية برد زياد عليه وأرفقه بكتاب زياد اليه، فلما بلغ معاوية ذلك غضب علي زياد وكتب اليه مايلي:

(أما بعد، فإن الحسن بن علي بعث إلي بكتابك إليه، جواباً عن كتاب كتبه إليك في ابن أبي سرح، فأكثرت العجب منك، وعلمت أن لك رأيين، أحدهما من أبي سفيان، والآخر من سمية، فأما الذي من أبي سفيان فحلم وحزم، وأما الذي من سمية فما يكون من رأي مثلها، من ذلك كتابك إلي الحسن تشتم أباه وتعرض له بالفسق، ولعمري أنك لأولي بالفسق من أبيه، فأما أن

الحسن بدأ بنفسه ارتفاعاً عليك، فإن ذلك لا يضعك لو عقلت، وأما تسلطه عليك بالأمر فحق لمثل الحسن أن يتسلط، وأما تركك تشفيعه فيما شفع فيه إليك، فحظ دفعته عن نفسك إلي من هو أولي به منك، وإذا ورد عليك كتابي فخل ما في يديك لسعيد بن أبي سرح، وابن له داره، واردد عليه ماله، ولا تتعرض له، فقد كتبت إلي الحسن عليه السلام أن يخيره، إن شاء أقام عنده، وإن شاء رجع إلي بلده، ولا سلطان لك عليه لا بيد ولا لسان، وأما كتابك إلي الحسن عليه السلام باسمه واسم أمه، ولا تنسبه إلي أبيه، فإن الحسن ويحك من لا يرمي به الرجوان، وإلي أي أم وكلته لا أم لك؟ أما علمت أنها فاطمة بنت رسول الله؟ فذاك أفخر له لو كنت تعلمه وتعقله.

أما حسن فابن الذي كان قبله إذا سار سار الموت حيث يسير

وهل يلد الرئبال إلا نظيره وذا حسن شبه له ونظير

ولكنه لو يوزن الحلم والحجا بأمر لقالوا يذبل وثبير

انظر شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج16 ص195.

() الأمالي للشيخ الطوسي: ص202-203 المجلس7 ح47، أخبرنا محمد بن محمد، قال: أخبرنا الشريف أبو عبد الله محمد بن محمد بن طاهر، قال: أخبرنا أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد، قال: حدثنا أحمد بن يوسف بن يعقوب الجعفي قال: حدثنا الحسين بن محمد، قال: حدثنا أبي، عن عاصم بن عمرو الجعفي، عن محمد بن مسلم العبدي، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: …

() في المصدر: (أضحوا).

() أي: الموت.

() الحتوف: جمع الحتف بمعني الموت، و(أودت بهم) أي ذهبت بهم وأهلكتهم.

() في المصدر: (قد أجشعها إخوانها).

() الربي، بضم الراء: جمع الربوة وهي ما ارتفع

من الأرض.

() في المصدر: (الديار الموحشة).

() في المصدر: (فاستودعتها البلاء).

() وعن الأمالي البحار: ج43 ص336 وج79 ص109. ومعادن الحكمة في مكاتيب الأئمة: ص2-3.

() الاحتجاج: ج1 ص269، روي عن الشعبي، وأبي مخنف، ويزيد بن أبي حبيب المصري: أنهم قالوا:.. عنه بحار الأنوار: ج44 ص70 ب20 ح1.

() هذه القصة إنما جرت بخيبر لا في حصار بني قريظة، ولعله من خطأ الرواة.

() سورة المائدة: 87 – 88.

() إشارة إلي قوله تعالي في الأحزاب: 26 ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيراً، وكفي الله المؤمنين القتال … وهذا في غزوة الأحزاب. وأما الثانية من السورتين، فكأنه أراد قوله تعالي: في سورة الفتح: 24: وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة إلي قوله تعالي هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام.. الآية. وهذا في الحديبية.

وكيف كان ففي الحديث اضطراب واضح، حيث إن أباسفيان وعيينة بن حصن كانا في حنين مسلمين وقد أعطي رسول الله صلي الله عليه و اله كل واحد منهما مائة بعير من الفيء تاليفاً لقلبيهما وقد كان لعيينة بن حصن في أخذ عجوز من عجائز هوازن سهماً من الغنيمة شأن من الشأن، راجع سيرة ابن هشام: ج2 ص 490 - 493.

() سورة الفتح: 25.

() ذكره ابن عبد البر، في الاستيعاب بذيل الإصابة: ج4 ص87.

() (اخفضوا أقوالكم) خ ل. أخرجه الحاكم بالاسناد إلي علي عليه السلام وهكذا عن أبي ذر وأبي سعيد الخدري، وصححه، راجع المستدرك علي الصحيحين: ج4 ص480.

() سورة القدر: 3.

() سورة الكوثر: 3.

() سورة السجدة: 18.

() سورة الحجرات: 6.

() الامالي للصدوق: ص491 المجلس 74 ح4.

() سورة الغاشية: 3-7.

() ما بين العلامتين لا يناسب عتبة بن أبي سفيان وهو أخو معاوية لأبويه، وإنما

يناسب الوليد بن عقبة أخا عثمان بن عفان لأمه أروي بنت كريز، والحكم بن أبي العاص طريد رسول الله صلي الله عليه و اله ولعينه عم عثمان حقيقة. وعم الوليد بن عقبة بهذا السبب، والظاهر أنه من اضطراب في الرواية.

() الظاهر جعل الثلاثة الأخيرة واحداً حتي يصح (فبأي الثلاثة).

() سورة الأنبياء: 111.

() سورة الإسراء: 16.

() سورة النور: 26.

() سورة النور: 26.

() فهلا، خ ل.

() سورة الإسراء: 60.

() راجع الاحتجاج: ص137143، وقد نقل القصة بنحو آخر في (تذكرة خواص الأمة) لسبط ابن الجوزي: ص114-116 وأسندها إلي أهل السير، ثم شرح غريب ألفاظها من ص 116 – 119.

ونقل كثيراً من مثالب هؤلاء عن كتاب المثالب لهشام بن محمد الكلبي فراجع (بحار الأنوار: ج44 ص70- 86).

() حياة الإمام الحسن عليه السلام: ج2 ص271 – 276.

() غرب منطقه: أي في حدة منطقه.

() البواذخ: جمع البذخ كفرس، بمعني الفخر والتطاول.

() الخيم، بكسر الخاء وسكون الياء: السجية والطبيعة.

() ويروي: رمين بالأبعار.

() أي كيف تساوينا.

() الأديم: الأصل والنسب.

() بُغاث الطير: ضعافها.

() الأجدل: الصقر.

() حياة الإمام الحسن عليه السلام: ج2 ص271-276.

() المحاسن والمساويء للبيهقي: ج1 ص58-61، والمحاسن والأضداد للجاحظ: ص92-94، وحياة الإمام الحسن عليه السلام: ج2 ص277-279.

() المناقب لابن شهر آشوب: ج4 ص27 عن العقد الفريد، وعن المناقب بحار الأنوار: ج44 ص105.

() المناقب لابن شهر آشوب: ج4 ص28، عنه بحار الأنوار: ج44 ص105.

() الغلمة، بضم الغين وسكون اللام: شدة الشهوة للجماع.

() كدحتُ: سعيتُ.

() (فقد أشرعت في المنايا أكفها) خ ل، وما في الصلب مطابق للأصل والمصدر.

() المحاسن والمساويء للبيهقي: ص86 ط بيروت، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج4 ص10 ط القاهرة.

() المحاسن والمساوئ للبيهقي: ج1 ص63- 65، وحياة الإمام الحسن عليه السلام:

ص283- 285.

() بحار الأنوار: ج44 ص95 عن الاحتجاج: ج2 ص49.

() في المصدر: (لا ننحجن) ومعني الانحجان: الانعطاف والاعوجاج، ولكن الأظهر ما اختاره صاحب البحار رحمة الله عليه حيث يجيء في كلامه عليه السلام رداً علي مروان: (وانحجزت مذعوراً).

() شمخ: تكبّر.

() بذخ: تكبر وارتفع.

() تبجّح: فرح.

() الاستطالة: التكبّر.

() لما قتل عثمان وبايع الناس علياً عليه السلام، دخل المغيرة بن شعبة فقال: يا أمير المؤمنين إن لك عندي نصيحة، قال: وماهي؟ قال: إن أردت أن يستقيم لك الأمر فاستعمل طلحة بن عبيد الله علي الكوفة، والزبير بن العوام علي البصرة، وابعث معاوية بعده علي الشام حتي تلزمه طاعتك، فإذا استقرت لك الخلافة فأدركها كيف شئت برأيك، فلم يقبل (عليه السلام) عنه ذلك، وقال: إن أقررت معاوية علي ما في يده، كنت متخذ المضلين عضدا. راجع الاستيعاب بذيل الإصابة: ج3 ص271.

() الزعارّة، بتشديد الراء: شراسة الخلق.

() الأشاجع: أصول الأصابع التي تتصل بعصب ظاهر الكف، والتفاف الأشاجع كناية عن التمكن والاقتدار منه.

() المرنّات: البواكي والصائحات عند المصيبة.

() الهوالع: الجازعات، جمع الهالعة.

() في المصدر: (عبد آبق فثقف).

() الشرك، بضم الشين والراء: جمع الشراك وهو سير النعل علي ظهر القدم، أو بفتح الشين والراء أي حبائل الصيد.

() الزرائب: جمع الزريبة وهي حظيرة الغنم، وفي بعض النسخ: الزرانب بالنون جمع الزرنب أي فرج المرأة.

() القيون: جمع القين وهو الحداد.

() الباسل: الشجاع.

() في المصدر: (وأما وصلتك فمنكورة).

() تحف العقول: ص232.

() مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي: ج1 ص125.

() سورة النساء: 38.

() من الملحوظ: أن في هذا الحديث وما سبق تشابه كثير، ولكن أثبتناهما معاً لما فيهما من اختلاف.

() المناقب لابن شهر آشوب: ج4 ص44- 45 عن عبد الملك بن عمير، والحاكم، والعباس.

ورواه المجلسي في

بحار الأنوار: ج44 ص119- 120 ملخصاً مع تفاوت ما، وكذلك البحراني في العوالم: ج16 ص234- 235.

() بحار الأنوار: ج44 ص45.

() بحار الأنوار: ج44 ص104 ح12، عن المناقب لابن شهر آشوب: ج4 ص26، وفيه: قال معاوية للحسن بن علي عليه السلام: (أنا أخير منك يا حسن).

() عقد الفريد، لابن عبد ربه: ج4 ص21. وتاريخ الإسلام، للذهبي: ص32، وفيه: (يروي أن الحسن عليه السلام قال: يا حبيب رب مسير لك في غير طاعة الله، قال: أما إلي أبيك فلا، قال: بلي والله، ولقد طاوعت معاوية علي دنياه وساعدت في هواه، فلئن كان قام بك في دنياك لقد قعد بك في دينك، فليتك إذا أسأت الفعل أحسنت القول).

() حبيب بن مَسْلَمة القرشي الفهري، له صحبة، افتتح أرمينية في زمن عثمان، ثم كان من خواص معاوية وعمّاله، مات سنة 44ه أو قبلها، توجد ترجمته في غير واحد من المصادر كأسد الغابة: ج1 ص374، وفيات الأعيان: ج3 ص186.

() سورة التوبة: 102.

() سورة المطففين: 14.

() بحار الأنوار: ج44 ص104 ح12، عن المناقب لابن شهر آشوب: ج4 ص22 عن كتاب الشيرازي، عن سفيان الثوري، عن واصل، عن الحسن (البصري)، عن ابن عباس.

() يزيد بن معاوية بن أبي سفيان، ولد بالماطرون سنة 25ه، ونشأ بدمشق، وولي الخلافة سنة 60ه، وفي سنة 61ه قتل سيد الشهداء الحسين عليه السلام وسبي أهله وأولاده وقادهم إلي دمشق، وفي سنة 63ه خلع أهل المدينة طاعته، فأرسل إليهم مسلم بن عقبة المري وأمره بإباحة أموالهم ونسائهم ثلاثة أيام، ومدة حكومته ثلاث سنين وتسعة أشهر إلا أياماً، مات (أخزاه الله) بحوارين من أرض حمص سنة 64ه، الأعلام: ج9 ص244.

() سورة الإسراء: 64.

() مناقب آل أبي طالب: ج4 ص11، عن

إسماعيل بن أبان، باسناده..

() عيون الأخبار لابن قتيبة: ج1 ص196، ومثله مع تفاوت في بعض الألفاظ أو تقديم وتأخير ما روي في كشف الغمة: ج1 ص573 وبحار الأنوار: ج44 ص106 ح15.

() أعيان الشيعة ج4 ق1ص28.

() قاله عليه السلام تبكيتاً لمعاوية بن حُديج (بمهملتين وجيم مصغراً) ابن جفنة الكندي الأمير الهالك سنة 52ه علي ما في الكاشف للذهبي: ج3 ص138 رقم 5615. وكان من النُصّاب والشاتمين والسابين والمعاندين للحق.

روي مضمون الحديث بتفاوت في الألفاظ في غير واحد من المصادر منها: جواهر العقدين: ج2 ص258، ومجمع الزوائد: ج9 ص130، وينابيع المودة: ج1 ص396، وأعيان الشيعة: ج4 ص28.

() المناقب لابن شهر آشوب: ج3 ص178، وعنه بحار الأنوار: ج43 ص356، العوالم: ج16 ص125.

() الأمالي، للشيخ الطوسي: ص160 بإسناده عن ابن عباس قال: دخل الحسين بن علي علي أخيه الحسن عليهم السلام في مرضه الذي توفي فيه … إلي أن قال الحسن عليه السلام: هذا ما أوصي …

() سورة الأحزاب: 53.

() جلاء العيون، للسيد عبد الله شبّر: ج1 ص368.

() إعلام الوري: ص254، الكافي ج1 ص301- 302 باختلاف يسير في النص.

() سورة البقرة: 109.

() كذا في نسخة الأصل (نسخة المصنف رحمة الله عليه) وفي الكافي: (وأنت إمام وأنت وسيلتي).

() في المصدر: (نغمة الرياح).

() في الكافي: (ولو علم الله في أحد غير محمد خيراً لما اصطفي …).

() معالي السبطين: ص 47- 48 عن أبي مخنف.

() إكسير العبادات في أسرار الشهادات، للفاضل الدربندي: ج2 ص384 ط المنامة البحرين.

() اختلفت كتب التاريخ والحديث في نص وصية الإمام الحسن عليه السلام اختلافاً في النص مع اتفاقها علي الهدف، فأثبتنا هذه النصوص الثلاثة، لاحتمال أن يكون الإمام عليه السلام قد كرر وصيته بألفاظ مختلفة، للتأكيد علي

منع إراقة الدماء حول جثمانه.

() الكافي: ج1 ص301- 302 وعنه بحار الأنوار: ج44 ص142.

() راجع ناسخ التواريخ.

() عيون المعجزات، للشيخ الحسين بن عبد الوهاب المعاصر للسيد المرتضي وألف مصنفه سنة 448ه كما في بعض نسخه العتيقة التي رآها صاحب الرياض، وفي بحار الأنوار عن العيون: ج44 ص141.

() المناقب لابن شهر آشوب: ج4 ص48 ط بيروت دار الأضواء، وقريب منه ما رواه المفيد في الإرشاد: ص174 عن ابن إسحاق، وأخرجه المجلسي في بحار الأنوار: ج44 ص156 ح25 عنه وعن مروج الذهب: ج2 ص713.

() بحار الأنوار: ج44 ص151 ح22 عن أمالي الطوسي عن المفيد بإسناده عن ابن عباس …

() أورده في كشف الغمة: ج1 ص572، وعنه بحار الأنوار: ج75 ص112 ضمن ح6، وفي مقصد الراغب: ص128 (مخطوط)، وفي التذكرة الحمدونية: ص100 ط بيروت.

() سورة البقرة: 197.

() بحار الأنوار: ج75 ص109 ح17 عن تحف العقول: ص235.

() بحار الأنوار: ج75 ص109 ح17 عن تحف العقول: ص235.

() بحار الأنوار: ج75 ص109 ح17 عن تحف العقول: ص235.

() بحار الأنوار: ج75 ص111 باب مواعظ الحسن بن علي عليهما السلام، عن كشف الغمة: ج2 ص196.

() مستدرك الوسائل: ج3 ص467 ب18 ح4013 وفيه: (قال رجل للحسين عليه السلام …). وهكذا في (تنبيه الخواطر ونزهة النواظر): ج1 ص70.

() بحار الأنوار: ج75 ص109 ح19 عن تحف العقول: ص170، ولا يخفي أن هذه الجملة عدّت في نهج البلاغة في قصاري الحكم بالرقم 281 من كلمات أمير المؤمنين عليه السلام ولا ينافي تكلم الولد بكلام الوالد فإنهما من شجرة طيبة واحدة ومن نور واحد (سلام الله عليهما).

() تاريخ اليعقوبي: ج2 ص157 ط بيروت دار الكتب العلمية.

() تنبيه الخواطر ونزهة النواظر: ج2 ص113.

() بحار الأنوار: ج43 ص358.

() بحار الأنوار:

ج75 ص111 عن كشف الغمة: ج2 ص196.

() وسائل الشيعة: ج9 ص447 ب35 ح12465 ط مؤسسة آل البيت عليهم السلام. وبحار الأنوار: ج43 ص332، والبحار: ج93 ص152. والخصال: ج1 ص135.

() بحار الأنوار: ج75 ص109، عن تحف العقول: ص170.

() بحار الأنوار: ج75 ص115 ح12 عن أعلام الدين، ونهاية الأرب لشهاب الدين النوبري: ج3 ص232 ط القاهرة، وفيه: (أوسع ما يكون الكرم بالمغفرة إذا ضاقت بالذنب المعذرة)، وعنه ملحقات الإحقاق: ج11 ص230.

() تنبيه الخواطر ونزهة النواظر: ج1 ص53.

() حياة الإمام الحسن بن علي عليه السلام للقرشي: ج1 ص319، الاثني عشرية لمحمد بن القاسم الحسيني: ص55.

() بحار الأنوار: ج75 ص111 ب19 ح6.

() تحف العقول: ص170، وعنه بحار الأنوار: ج75 ص109 ب19 مواعظ الحسن بن علي عليهما السلام.

() أعلام الدين: ص297، وعنه بحار الأنوار: ج75 ص115 ح12.

() الواعظ لكل واعظ ومتعظ: ج3 ص102 في أسباب الرزق، عن آداب المتعلمين لنصير الدين الطوسي فيما يجلب الرزق، عن الحسن بن علي عليهما السلام، بحار الأنوار: ج73 ص318.

() تحف العقول: ص234، وعنه بحار الأنوار: ج75 ص106 ح7.

() كشف الغمة: ج2 ص197 وعنه بحار الأنوار: ج75 ص111.

() بحار الأنوار: ج75 ص106.

() بحار الأنوار: ج44 ص57.

() مسيب بن نجبة: بفتح النون والجيم الموحّدة، كوفي من التابعين الكبار، ورؤسائهم وزهادهم، وكان من التوابين، قُتل في طلب ثأر الحسين عليه السلام سنة خمس وستين، ترجمته توجد في غير واحد من كتب الرجال والتراجم، منها: رجال الشيخ: ص58، ورجال الكشي: ص69، وتقريب التهذيب: ج2 ص250 الرقم1141.

() بحار الأنوار: ج75 ص113.

() تنبيه الخواطر ونزهة النواظر: ج1 ص269.

() الكافي: ج2 ص643 باب التحبب إلي الناس والتودد إليهم ح7: عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن خالد، عن بعض أصحابه،

عن صالح بن عقبة، عن سليمان بن زياد التميمي، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: قال الحسن بن علي عليه السلام: الخبر. وأورده الحراني في تحف العقول: ص168 والمجلسي في بحار الأنوار: ج75 ص106 ح5 باب مواعظ الحسن عليه السلام.

() في الكافي: (بعِّدته)، وفي التحف والبحار: (باعدته).

() بحار الأنوار: ج75 ص109.

() العدد القوية: ص29.

() بحار الأنوار: ج75 ص114.

() تحف العقول: ص170.

() المتعللون: الذي يعللون أنفسهم بالباطل ويسرفون في المعاصي ويقولون: إن الرب كريم رحيم مع علمهم بأنه سبحانه قد توعد العصاة.

() في نهج البلاغة عده من كلمات أمير المؤمنين عليه السلام ولا يبعد أنه حكي عن والده عليهما السلام.

() الروائح المختارة: ص133.

() كشف الغمة: ج2 ص197 وعنه بحار الأنوار: ج75 ص111.

() بحار الأنوار: ج75 ص111 باب مواعظ الحسن بن علي عليهما السلام، عن كشف الغمة: ج2 ص196.

() تحف العقول: ص168 في مواعظ الإمام المجتبي عليه السلام.

() بحار الأنوار: ج75 ص115 ح11 عن الدرة الباهرة. ملحقات الإحقاق: ج11 ص230 عن نهاية الأرب: ج3 ص232 ط القاهرة.

() كشف الغمة: ج2 ص197 وعنه بحار الأنوار: ج75 ص111.

() بحار الأنوار: ج75 ص111.

() تحف العقول: ص170 وعنه بحار الأنوار: ج75 ص109 باب مواعظ الحسن بن علي عليه السلام.

() بحار الأنوار: ج75 ص105 عن تحف العقول: ص333 وص112 عن كشف الغمة: ج2 ص196.

() تاريخ دمشق لابن عساكر: ج12 ص522: أخبرنا أبو غالب بن البناء، قال: حدثنا أبو محمد الجوهري، حدثنا أبو عمر بن حبوبة، حدثنا يحيي بن محمد بن صاعد، حدثنا الحسين بن الحسن، حدثنا عبد الله بن المبارك، حدثنا عبيد الله بن الوليد الرصافي، عن أبي جعفر عليه السلام في حديث: إن الحسن عليه السلام قال: …

() بحار الأنوار:

ج75 ص107. تحف العقول: ص234.

() تحف العقول: ص168 وعنه بحار الأنوار: ج75 ص105.

() تحف العقول: ص168 وعنه بحار الأنوار: ج78 ص105.

() بحار الأنوار: ج75 ص113 وفيه: (ومسترق المسئول حتي ينجز).

() بحار الأنوار: ج75 ص113 باب مواعظ الحسن بن علي عليه السلام، عن العدد القوية.

() مستدرك الوسائل: ج7 ص238 ب36 ح8130. بحار الأنوار: ج75 ص113 ب19 مواعظ الحسن بن علي عليه السلام.

() راجع بحار الأنوار: ج75 ص106، وتحف العقول: ص234. وانظر أيضا كنز العمال للمتقي الهندي: ج3 ص712 الرقم 8538، وترجمة الإمام الحسن عليه السلام من تاريخ دمشق لابن عساكر: ص158159 بالإسناد عن المبرّد، وأخرجه أيضاً ابن كثير في البداية والنهاية: ج8 ص39.

() تحف العقول: ص170، حكم الإمام الحسن عليه السلام ومواعظه.

() تنبيه الخواطر ونزهة النواظر: ج1 ص52 و224.

() تنبيه الخواطر ونزهة النواظر: ج1 ص135.

() بحار الأنوار: ج75 ص113.

() بحار الأنوار: ج75 ص113 عن العدد القوية.

() بحار الأنوار: ج75 ص113 عن العدد القوية.

() عدة الداعي ونجاح الساعي: ص232، العدد القوية: ص37.

() كشف الغمة: ج1 ص571 وعنه بحار الأنوار: ج75 ص111.

() في بحار الأنوار: (ستر العَمي).

() راجع تنبيه الخواطر ونزهة النواظر: ج1 ص97.

() تحف العقول: ص170.

() تنبيه الخواطر ونزهة النواظر: ج2 ص241.

() تنبيه الخواطر ونزهة النواظر: ج2 ص10.

() معالي السبطين: ص19، ورواه العلامة المرعشي في ملحقات الإحقاق: ج11 عن البيهقي في المحاسن والمساوئ: ص55 ط بيروت.

() بحار الأنوار: ج75 ص113، ومثله كلام مولانا الحسين عليه السلام في جواب (كيف أصبحت) كما في نفس المصدر: ص116 عن أمالي الصدوق: ص487.

() تنبيه الخواطر ونزهة النواظر: ج2 ص107 ط بيروت.

() الاثني عشرية لمحمد بن قاسم الحسيني: ص 212.

() بحار الأنوار: ج75 ص109 ح20 ط بيروت.

() السِناد ككتاب: الناقة الشديدة القوية،

ومن الشيء عماده.

() بحار الأنوار: ج43 ص333، حدث أبو يعقوب يوسف بن الجراح، عن رجاله، عن حذيفة بن اليمان: …

الثاقب في المناقب: ص316- 318 ح3 باختلاف، والعوالم: ج16 ص103 ح1 عن العدد القوية: ص42 ح60، وحلية الأبرار: ج3 ص21 ح1.

() أي احتقره الاعرابي لصغر سنه عليه السلام.

() هيه: كلمة تقال لشيء يطرد وهي أيضاً كلمة استزادة.

() قال الجزري فيه: إن قريشاً كانوا يقولون إن محمداً صنبور: أي أبتر لا عقب له.

() من كلام لقيط بن زرارة يوم جبلة وكان علي فرس أشقر، يقول: إن جريت علي طبعك فتقدمت إلي العدو قتلوك، وإن أسرعت فتأخرت منهزماً أتوك من ورائك فعقروك، فاثبت والزم الوقار. راجع مجمع الأمثال: ج2 ص140.

() سويد: بتصغير الترخيم، أصله أسيود تصغير أسود.

() عيون أخبار الرضا عليه السلام: ج1 ص51-52، كمال الدين: ص181-183، بحار الأنوار: ج36 ص415- 516 ح1.

() في العيون والبحار: (وأمير المؤمنين عليه السلام متكئ علي يد سليمان).

() تحف العقول: ص164 - 166.

() سورة الإسراء: 12.

() بحار الأنوار: ج43 ص344.

() الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي: ص161.

() قال العلامة المجلسي في البحار: (بيان تقول استعتبته فأعتبني، أي استرضيته فأرضاني).

() سورة الأنعام: 124.

() الكامل، للمبرد: ج2 ص63 ط مصر. قال: ويحدث ابن عائشة، عن أبيه …

وفي (ج1 ص235، الطبع المذكور): رواه عن ابن عائشة بعين ما تقدم عنه أولاً، لكنه زاد بعد قوله (لم أر أحسن وجهاً): ولا سمتاً، وقبل قوله (فصرت إليه): وحسدت علياً أن يكون له ابن مثله، وذكر بدل قوله: إن لنا منزلاً، قال: فمل بنا فإن احتجت إلي منزلٍ أنزلناك أو إلي مالٍ آسيناك أو إلي حاجة عاوناك، قال: فانصرفت عنه ووالله ما علي الأرض أحد أحب إلي منه.

() رواه

جماعة من أعلام القوم: منهم العلامة الزرندي الحنفي في (نظم درر السمطين: ص196 ط القضاء) قال: …

() رواه العلامة السيوطي في الكنز المدفون: ص434 ط مصر، قاله عليه السلام لما قيل له: لأي شيء نراك لاترد سائلاً وإن كنت علي فاقة، فذكره.

ورواه بعينه العلامة الشيخ محمد رضا المصري المالكي في (الحسن والحسين سبطا رسول الله): ص10 ط القاهرة، لكنه ذكر بدل كلمة المادة: العادة.

ورواه عنهما آية الله النجفي المرعشي رحمة الله عليه في (ملحقات الإحقاق): ج11 ص238.

ورواه الشبلنجي في نور الأبصار: ص111.

() إرشاد القلوب: ص270 ط دار الأسوة.

() تحف العقول: ص169- 170، وأورده في الكافي: ج6 ص17 باب التهنئة من كتاب العقيقة عن علي بن محمد بن بندار، عن إبراهيم بن إسحاق الأحمري، عن عبد الله بن حماد، عن أبي مريم الأنصاري، عن أبي برزة الأسلمي، قال: ولد للحسن بن علي عليه السلام مولود فأتته …

() وفي بعض النسخ: رشده.

() مكارم الأخلاق: ص52 ط بيروت مؤسسة النعمان.

() مروج الذهب: ج2 ص714 ط بيروت دار الكتب اللبناني.

() راجع بحار الأنوار: ج45 ص218 ح44 عن أمالي الصدوق المجلس24 تحت الرقم الثالث.

() بحار الأنوار: ج44 ص145 ح13 عن بعض تأليفات أصحابنا.

() بحار الأنوار: ج43 ص345 وج86 ص263. وكشف الغمة: ج1 ص543.

() سورة الأحزاب: 45.

() سورة هود: 103.

() راجع (معالي السبطين) للشيخ مهدي المازندراني: ص13 باختلاف في اللفظ، ونص الحديث موجود في بحار الأنوار: ج43 ص353 عن الكافي مسنداً عن الصادقين عليهما السلام.

() بحار الأنوار: ج43 ص330 ح10، العوالم: ج16 ص90.

() بحار الأنوار: ج75 ص113 عن العدد القوية.

() بحار الأنوار: ج91 ص119 عن الإقبال نقلاً من كتاب الأزمنة لمحمد بن عمران المرزباني، عن عبد الله بن جعفر، عن محمد

بن يزيد النحوي، قال: …

وفي بحار الأنوار أيضاً: ج75 ص110 عن تحف العقول مرسلاً.

() تفسير العياشي: ج2 ص14 الرقم29 وعنه بحار الأنوار: ج80 ص169.

() سورة الأعراف: 31.

() الاحتجاج: ج1 ص270.

() المحاسن للجاحظ: ص233 ط بيروت.

() في المصدر: (نظر الحسن عليه السلام إلي ميت يدفن فقال: إن شيئاً أوله هذا لحقيق أن يخاف آخره وإن شيئاً هذا آخره لحقيق أن يزهد في أوله).

() الكافي: ج7 ص289 – 290، وعنه بحار الأنوار: ج40 ص315-316.

() سورة المائدة: 32.

() بحار الأنوار: ج10 ص134- 135 عن تفسير علي بن إبراهيم القمي.

() سورة الشوري: 7.

() كشف الغمة: ج1 ص575، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج18 ص108.

() إرشاد القلوب: ج1 ص24.

() كشف الغمة: ج2 ص197، وعنه بحار الأنوار: ج75 ص111.

() أعلام الدين: ص297، بحار الأنوار: ج75 ص115.

() من لا يحضره الفقيه: ج1 ص18 ح47.

() بحار الأنوار: ج43 ص338 ح11 عن مناقب آل أبي طالب عليهم السلام.

() تنبيه الخواطر ونزهة النواظر: ج1 ص138.

() بحار الأنوار: ج75 ص113 عن العدد القوية.

() ناسخ التواريخ: ج2 من حياة الإمام الحسن المجتبي عليه السلام: ص174 ط طهران انتشارات الإسلامية.

() تنبيه الخواطر: ج2 ص109 ط بيروت مؤسسة الأعلمي.

() تاريخ اليعقوبي، ابن واضح الأخباري: ج2 ص216.

() سورة الأعراف: 176.

() سورة الغاشية: 21.

() إرشاد القلوب للديلمي: ص160 الباب العشرون في قراءة القرآن المجيد وفيه: (إن أحق الناس بالقرآن …).

() كشف الغمة: ج2 ص196، ورواه بحار الأنوار: ج75 ص112 ط بيروت عن كشف الغمة، وفيه: (فإن التلقين حياة القلب البصير). وفي رواية الكافي: ج2 ص599: (فإن التفكر حياة قلب البصير) ولعله الصواب.

() إرشاد القلوب للديلمي: ج1 ص79، الباب التاسع عشر في القرآن.

() إرشاد القلوب للديلمي: ج1 ص79، الباب التاسع عشر

في القرآن. وج1 ص161 ط دار الأسوة.

() تنبيه الخواطر ونزهة النواظر: ج2 ص199.

() بحار الأنوار: ج40 ص44.

() شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج16 ص18. و بحار الأنوار: ج44 ص92.

() تنبيه الخواطر ونزهة النواظر: ج2 ص108 ط بيروت مؤسسة الأعلمي.

() الكشكول للشيخ البهائي رحمة الله عليه: ج1 ص554، وفي تنبيه الخواطر ونزهة النواظر: ج2 ص29 نقله عن الحسين بن علي عليه السلام ويمكن أن يكون ورد منهما سلام الله عليهما.

() إرشاد القلوب: ج1 ص66.

() بحار الأنوار: ج75 ص113، عن العدد القوية لدفع المخاوف اليومية لرضي الدين علي بن يوسف بن مطهر الحلي: ص37.

() المناقب لابن شهر آشوب: ج4 ص21.

() سورة النساء: 86.

() جلاء العيون، للسيد عبد الله شبّر: ج1 ص327.

() الإثني عشرية لمحمد بن قاسم الحسيني: ص53.

() سورة البقرة: 201.

() إرشاد القلوب: ج1 ص86 دار الأسوة.

() المناقب لابن شهر آشوب: ج4 ص13 وعنه بحار الأنوار: ج43 ص354 وفي ذيله (بيان: السلوب من النوق التي ألقت ولدها بغير تمام، وأزلقت الناقة: أسقطت).

() الكافي: ج8 ص207 ح251.

() تنبيه الخواطر ونزهة النواظر: ج2 ص241.

() تنبيه الخواطر ونزهة النواظر: ج2 ص30، وفيه: (يحمدك أو يذمك).

() تاريخ دمشق لابن عساكر ترجمة الإمام الحسن عليه السلام بتحقيق المحمودي: ص168 ح285، وفيه: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن الفضل، أنبأنا أبو عثمان إسماعيل الصابوني.. عن علي بن العباس الطبري قال: مكتوب علي خاتم الحسن بن علي عليه السلام: …

() مناقب آل أبي طالب: ج4 ص19، وعنه بحار الأنوار: ج43 ص340، والعوالم: ج16 ص132.

() المحاسن والأضداد للجاحظ: ص95 والمحاسن والمساويء للبيهقي: ج1 ص62، وأورده العلامة آية الله المرعشي رحمة الله عليه في ملحقات الاحقاق: ج11 ص244 عن المحاسن للبيهقي.

() مناقب آل أبي طالب:

ج3 ص41، بحار الأنوار: ج44 ص57 ح6، عوالم العلوم والمعارف: ج16 ص170.

() نور الأبصار للشبلنجي: ص133.

() مناقب آل أبي طالب: ج4 ص15- 16، وعنه بحار الأنوار: ج43 ص341 ح14.

() المناقب لابن شهر آشوب: ج4 ص26 ط بيروت، كشف الغمة: ج2 ص152.

() عيون أخبار الرضا عليه السلام: ج2 ص175، مناقب آل أبي طالب: ج4 ص22.

() مناقب آل أبي طالب: ج3 ص313، وبحار الأنوار: ج42 ص241 ص45.

() المناقب لابن شهر آشوب: ج4 ص19، وعنه بحار الأنوار: ج43 ص340، والعوالم: ج16 ص131- 132.

() في المناقب وبحار الأنوار والعوالم: (ذري كدر الأيام إن صفاءها).

() منتهي الآمال: ج1 ص312.

() مناقب لابن شهر آشوب: ج4 ص25 ط بيروت دار الأضواء.

() مناقب آل أبي طالب: ج4 ص41، وعنه بحار الأنوار: ج44 ص58- 59.

() مناقب آل أبي طالب: ج4 ص15- 16، بحار الأنوار: ج43 ص341 ح14، عوالم العلوم: ج16 ص132.

() بحار الأنوار: ج43 ص341، مناقب آل أبي طالب: ج4 ص20.

() قال الفيروز آبادي: الخضل ككتف: كل شي ء ند يترشف نداه. وقال الجوهري: الخضل: النبات الناعم.

() قوله عليه السلام: (خجل) خبر مبتدأ محذوف.

() العمدة: ج1 ص21.

() معني البيت: انا نسود الظاهر من الشعر ولكن جذوره تأبي إلا البقاء علي الشيب.

() حياة الإمام الحسن عليه السلام: ج1 ص480. شرح نهج البلاغة: ج3 ص186، وقعة الصفين: ص114.

() شرح نهج البلاغة: ج16 ص16- 17، أعيان الشيعة: ج4 ص40.

() في كتاب وفاة الحسن بن علي عليهما السلام: (وما عن قلي).

() وفيات الأعيان: ج4 ص121.، بحار الأنوار: ج44 ص105- 106.

() المناقب لابن شهر آشوب: ج4 ص19.

() مناقب آل أبي طالب: ج4 ص14 وعنه بحار الأنوار: ج43 ص339 ح13، وعوالم العلوم والمعارف، الإمام الحسن عليه السلام: ص130 ح1.

() ورواه أيضاً:

العلامة العارف الشيخ نصر بن محمد السمرقندي أبو الليث المتوفي (393ه) في تنبيه الغافلين: ص194 ط القاهرة قال: وكان إذا أتي باب المسجد رفع رأسه ويقول: إلهي عبدك ببابك، يا محسن قد أتاك المسيء، وقد أمرت المحسن منا أن يتجاوز عن المسيء، فأنت المحسن وأنا المسيء، فتجاوز عن قبيح ما عندي بجميل ما عندك يا كريم ثم دخل المسجد.

() الاحتجاج للطبرسي: ص146، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج6 ص285.

() الفردوس بمأثور الخطاب: ج1 ص483، وفي مستدرك الوسائل: ج4 ص400- 401 عن الحسن بن علي عليه السلام قال: علمني رسول الله صلي الله عليه و اله كلمات في القنوت أقولهن: اللهم اهدني … ومثله الطبراني باسناده في (المعجم الكبير): ج3 ص73 رقم2700 ورقم2701. ولا يخفي أنه يمكن ثبوت الرواية عنهما عليهما السلام وتعليم النبي صلي الله عليه و اله الدعاء إياه.

() قرب الاسناد للحميري: ص73 بالإسناد عن السندي بن محمد. من لا يحضره الفقيه: ج1 ص535.

() عُباب الماء: أوله ومعظمه.

() الرباب: بفتح الراء، سحاب أبيض.

() المغدقة: الكثيرة.

() الأندية: جمع الندي أي البلل.

() السلاطع: العريض.

() البلاطح: جمع البلطح أي المرتمي.

() بحار الأنوار: ج91 ص373، عن مهج الدعوات: ص298.

() مهج الدعوات: ص143.

() بحار الأنوار: ج10 ص132 ب9 ح2، عن تفسير علي بن إبراهيم القمي: ص595- 599، عن الحسين بن عبد الله السكيني، عن أبي سعيد البجلي، عن عبد الملك بن هارون، عن أبي عبد الله عليه السلام عن آبائه عليهم السلام …

() مهج الدعوات: ص47.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.